موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلدات 8 - 11 کتاب الطهارة

هوية الکتاب

سرشناسه:خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368.

عنوان و نام پديدآور:موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف المجلدات 8 - 11 کتاب الطهارة/ تحقیق موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س).

مشخصات نشر:تهران : موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س)، 1396.

مشخصات ظاهری:4 جلد

فروست:موسوعه الامام الخمینی (س).

شابک:3300000 ریال دوره 978-964-212-368-1 : ؛ 200000 ریال: ج.1 978-964-212-358-2 : ؛ 200000 ریال: ج.2 978-964-212-359-9 : ؛ 200000 ریال: ج.3 978-964-212-360-5 : ؛ 200000 ریال: ج.4 978-964-212-361-2 : ؛ 200000 ریال: ج.5 978-964-212-362-9 : ؛ 200000 ریال: ج.6 978-964-212-363-6 : ؛ 200000 ریال: ج.7 978-964-212-364-3 : ؛ 200000 ریال: ج.8 978-964-212-365-0 : ؛ 200000 ریال: ج.9 978-964-212-366-7 : ؛ 200000 ریال: ج.10 978-964-212-367-4 :

وضعیت فهرست نویسی:فاپا(چاپ دوم)

يادداشت:ج.2 - 10 (چاپ اول: 1392)(فیپا).

يادداشت:چاپ دوم.

مندرجات:ج.1. احکام تقلید، طهارت.- ج.2. نماز (از ابتدا تا شرایط شکسته شدن نماز).- ج.3. نماز (از قواطع سفر تا انتها)، روزه، زکات.- ج.4. خمس.- ج.5. حج، امر به معروف و نهی از منکر، مکاسب محرمه.- ج.6. بیع (خرید و فروش) ....- ج.7. وقف و نظایر آن، وصیت، یمین و نذر، کفارات.- ج.8. صید و ذباحه، خوردنی ها و آشامیدنی ها ....- ج.9. نکاح (از اولیای عقد تا انتها)....- ج.10. قضا، شهادات، حدود، قصاص ... .

موضوع:فقه جعفری -- رساله عملیه -- پرسش ها و پاسخ ها

*Islamic law, Ja'fari -- Handbooks, manuals, etc. -- Questions and answers

فتوا های شیعه -- قرن 14

Fatwas, Shiites -- 20th century

شناسه افزوده:موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س)

شناسه افزوده:Institute for Compilation and Publication of Imam Khomeini's Works

رده بندی کنگره:BP183/9/خ8الف47 1396

رده بندی دیویی:297/3422

شماره کتابشناسی ملی:3421059

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

مقدّمة التحقيق

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين

يعدّ «كتاب الطهارة» أوّل ما دوّنه الإمام الراحل من بحوثه الفقهية التفصيلية (غير بعض الفوائد)، ومن زمن تدوين هذا الكتاب جرت سيرته قدّس سرّه غالباً على تدوين بحوثه العالية الفقهية بقلمه الشريف، فترى أكثر كتبه مصنّفة بقلمه بينما كثر التقرير عن أقرانه ومعاصريه، وهذا م-ن مزايا كتبه. وقبل هذا فقد درّس بعض مباحث المكاسب المحرمة وكتاب الزكاة، ولكن لم يصنّف فيهما شيئاً، وللأسف ليس عندنا تقرير من تلامذته.

أمّا «كتاب الطهارة» فقد كان قدّس سرّه قد شرع ببحثه عام 1370 ق وامتدّ تدريسه إلى عام 1377 ق على حسب ترتيب «شرائع الإسلام» للمحقّق الحلّي رحمه الله علیه الذي عُبّر عنه بقرآن الفقه، ولكن لم يكتب مباحثه من أوّل تدريسه حتّى انتهى إلى مباحث الدماء الثلاثة، فصنّف فيها كتاباً جامعاً لآراء المتقدّمين والمتأخّرين،

ص: 5

سديداً في نقدها ومحاكمتها، فشرع تأليف «كتاب الطهارة» من أوّل مباحث الدماء الثلاثة في عام 1373 ق، ثمّ سار قدّس سرّه على نفس هذا المنهج في مباحث التيمّم والنجاسات وأحكامها إلى أن فرغ منه سنة 1377 ق بمدينة «قم» المقدّسة.

هذا، وقد قرّر جمع من فضلاء بحثه من أوّل تدريس «كتاب الطهارة» وبعض التقريرات موجودة في مكتبة مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه وقد طبع الجزء الأوّل المشتمل على مباحث المياه وبعض الوضوء بقلم آية اللّه العظمى الفاضل اللنكراني رحمه الله علیه سابقاً، وأمّا الجزء الثاني إلى الدماء الثلاثة بقلم آية اللّه الصادق الخلخالي وغيره فلم يطبع بعدُ وهو ممهّد للنشر، لكن حيث يكون هذه الموسوعة غير مشتملة على التقريرات فعلى القارئ الرجوع إلى الكتابين وضمّهما إلى المجلّدات الأربعة من الطهارة حتّى تصير المباحث تامّة.

والقارئ الحاذق يجد أنّ أبرز ما انفرد به هذا الكتاب الشريف، التتبّع الوافي في مجالي الفقه والحديث، والدقّة والعمق في استقصاء الأقوال ومحاكمة الأدلّة ونقدها. ويظهر هذا جليّاً بمراجعة بحوثه ومقارنتها ببحوث المتقدّمين على سماحته والمتأخّرين عنه، حيث يجد فيها الخبير فوائد فقهية كثيرة لم يسبق غيره قدّس سرّه إليها، ويلمس فيه - بوضوح - القريحة القويمة في فهم الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، وفي تحديد مرادات الفقهاء ومقاصدهم.

ومع كلّ هذا فقد اشتمل الكتاب على بعض المباحث الرجالية المفيدة، كالتحقيق في أخبار أصحاب الإجماع، كما واستعرض بعض القواعد الفقهية المهمّة في باب الطهارة، وفيه أيضاً تطبيق لبعض الآراء الاُصولية التي ابتكرها

ص: 6

الإمام رحمه الله علیه خصوصاً مسألة الخطابات القانونية وعدم سراية الأحكام إلى غير موضوعاتها، وما يتفرّع عليها من جواز اجتماع الأمر والنهي وغيره.

وجدير بالذكر أنّ هذا الكتاب له أربع مجلّدات وقد طبع ثلاث مجلّدات منه بقم المقدّسة باهتمام آية اللّه الشيخ علي أكبر المسعودي لطبع المجلّد الأوّل المشتمل على مبحث الدماء الثلاثة وباهتمام آية اللّه السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي لطبع المجلّد الثاني والثالث المختصّ بمبحث التيمّم والنجاسات شكر اللّه لهما سعيهما. وبعد الطبعة الاُولى التي مرّ ذكرها قد طبع المجلّد الثالث مع تحقيقات أكثر وإرجاعات أكمل في النجف الأشرف وقد انضمّ إليه المجلّد الرابع المشتمل على مباحث أحكام النجاسات.

وبعد هذا كلّه طبعته مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه من جديد عام 1379 ش بعد أن بذل جمع من الفضلاء جهدهم في تصحيحه ومقابلته واستخراج المنابع والتقطيع وجعل العناوين والفهارس.

منهجنا في التحقيق

للتحقيق المثالي في عصرنا مراحل عديدة معروفة، وقد أخذت المؤسّسة على نفسها أن تأخذ بأشقّها وأحمزها، بل لم تقنع بمرحلة إلاّ بعد تكرارها وإعادة النظر فيها مراراً، فلم يقع تحقيق هذا الكتاب دفعةً واحدة، ولا من قبل شخص واحد، بل توالت عمليات التحقيق والتصحيح، وتعدّد الأفاضل القائمون عليها؛ حرصاً منها على إخراج كتبه بحلّة قشيبة، وبأقلّ عدد ممكن من الأخطاء التي لايعصم منها إلاّ من عصمه اللّه سبحانه وتعالى. وإلى القارئ الكريم إشارة

ص: 7

إلى هذه المراحل:

1 - تصحيح الكتاب على ضوء النسخة التي هي بخطّ العلاّمة المؤلّف قدّس سرّه

الموجودة عندنا.

2 - تقطيع المتن وتزيينه بعلامات الترقيم المتعارفة.

3 - إضافة عناوين بهدف تسهيل عملية مراجعة الكتاب ومطالعته، ونظ-راً لكثرة ما أضفناه من العناوين فقد جرّدناها من العضادتين [ ] وبهذا امتزجت عناوين المؤلّف بعناوينها.

4 - استخراج الآيات القرآنية مع الإشارة إلى مصادر الأحاديث الأصلية كالكتب الأربعة، وإلى الناقلة عنها ك-«الوسائل»، إلاّ في صورة تكرّر ورود الحديث، حيث اكتفينا بعد ذلك ب-«وسائل الشيعة»، وأسقطنا المصادر الأصلية.

5 - استخراج الأقوال والآراء الفقهية والاُصولية واللغوية والرجالية والتفسيرية والحكمية وغيرها، على قدر ما عثرنا عليه منها؛ سواء منها الصريحة وغيرها.

وقد استعملنا كلمة «اُنظر» مكتفين بالحاكي فيما إذا لم نتمكّن من تشخيص صاحب القول الأصلي بعينه، أو لم نعثر على كتابه وإن عرفناه بشخصه، أو فيما إذا لم يتطابق المحكيّ مع ما هو موجود في المصدر الأصلي.

6 - ذكر وجه الضعف أو الترديد في الأحاديث التي صرّح الإمام بضعفها أو تردّد فيها؛ وذلك على حسب المباني الرجالية للإمام الراحل نفسه.

7 - وضع الفهارس الفنّية لكلّ مجلّد من هذا الكتاب.

وهذه المراحل وإن وقعت في طبعة المؤسّسة الاُولى أيضاً لكن لم نكتف بها

ص: 8

فأخذنا في تسديد المراحل عند نشر الكتاب ضمن موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه

مرّة اُخرى وجدّدنا المصادر حسب تجديد طبع الكتب خلال السنين.

وفي الختام تتقدّم المؤسّسة بالشكر الجزيل والثناء العاطر إلى كلّ الإخوة الفضلاء الذين ساهموا في تحقيق هذا الكتاب، راجية لهم التسديد والموفّقية في خدمة ديننا الحنيف.

وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين، وهو حسبنا ونعم الوكيل

مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه

فرع قم المقدّسة

ص: 9

ص: 10

الدماء الثلاثة

اشارة

ص: 1

ص: 2

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين وصلّى اللّه على محمّد

وآله الطاهرين ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين

وبعدُ . . .

فلمّا انتهى بحثنا في الدورة الفقهية إلى الدماء الثلاثة ، أحببت أن اُفرز رسالة فيها حاوية لمهمّات مسائلها .

وفيها مقاصد :

ص: 3

ص: 4

المقصد الأوّل: في الحيض

اشارة

ص: 5

ص: 6

تمهيد في حدّ الحيض شرعاً

والبحث في أطراف معناه اللغوي غير مهمّ ، ويشبه أن يكون دم الحيض : ما تقذفه الرحم حال استقامتها واستقامة مزاج المرأة ، ودم الاستحاضة : ما تقذفه حال الانحراف ؛ لضعف أو مرض أو غيرهما .

ولمّا كانت النساء نوعاً في حال الاستقامة والسلامة ، لا يقذفن الدم أقلّ من ثلاثة أيّام ، ولا أكثر من عشرة ، ونوعهنّ لا تقذف أرحامهنّ قبل البلوغ وبعد اليأس ، وخلاف ذلك من شذوذ الطبيعة ونوادرها ، تصرّف الشارع المقدّس في الموضوع ، وحدّده بحدود ، لاحظاً فيه حال النوع الغالب ؛ إلحاقاً للشواذّ والنوادر بالعدم .

فلو رأت المرأة قبل سنّ البلوغ ما تراه البالغات منظّمةً مرتّبةً في كلّ شهر ثلاثة أو خمسة مثلاً ؛ بحيث علم أ نّه الدم المعهود الذي تقذفه الرحم بحسب العادة ، أو رأت بعد الخمسين في عادتها كما رأت قبل الخمسين ؛ بحيث علم أ نّه هو الدم المعهود الذي كانت تقذفه رحمها قبل زمان يأسها ، لم يحكم بالحيضية ،

ص: 7

لا لأجل أ نّه ليس بحيض ؛ أي الدم الذي تقذفه الرحم في حال استقامتها واعتدالها ، بل لإسقاط الشارع شواذّ الطبيعة ونوادرها عن الحكم الذي لغالب النسوة ونوعهنّ .

وكذا الحال فيما إذا رأت يومين أو أكثر من عشرة أيّام ، مع فرض كونِ الرحم في حال السلامة ، والدمِ المقذوف هو الدم المعهود الذي تقذفه الأرحام .

وما ذكرنا هو الأقرب لفتاوى الأصحاب رحمه الله علیه والأخبار الكثيرة في الباب . مع

عدم مخالفته للوجدان والضرورة ؛ فإنّ الالتزام بأنّ الدم إلى الدقيقة الأخيرة من اليوم العاشر يكون حيضاً ، ويكون مجراه مجرى خاصّاً ، ثمّ ينسدّ دفعة ذلك المجرى ، وينفتح عرق آخر هو العرق العاذل ، ويخرج منه دم الاستحاضة ، كأ نّه مخالف للضرورة . وكذا حال الدم إلى الدقيقة الأخيرة من عادتها لمن استمرّ بها الدم ، وكذا الأشباه والنظائر .

وبعض الروايات التي يتراءى منها أنّ مجرييهما مختلفان - كرواية معاوية بن

عمّار قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «إنّ دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد ؛ إنّ دم الاستحاضة بارد ، وإنّ دم الحيض حارّ»(1) - لا بدّ من توجيهها بوجه لا يخالف الوجدان والضرورة ، فكيف يمكن الالتزام بأنّ من استمرّ بها الدم وتكون ذات عادة ، يكون مجرى دمها إلى آن ما قبل العادة وآن ما بعدها ، غيرَ مجراه في زمان العادة ؟ !

وقد حكي عن العلاّمة : «أ نّه لو قيل بأنّ الدم بعد الخمسين من المرأة في زمن

ص: 8


1- الكافي 3 : 91 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 1 .

عادتها - على ما كانت تراه قبل ذلك - ليس بحيض ، كان تحكّماً لا يقبل»(1) .

ولعلّ مراده أنّ الدم الكذائي ولو كان حيضاً ، ولا افتراق بينه وبين الدم قبل الخمسين ، لكنّ الشارع مع ذلك أسقط حكمه ، وهو يوافق ما ذكرناه نتيجة ، تأمّل .

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ الشرع حدّد الدم في موارد ؛ فما كان خارجاً عن الحدود التي جعلت للحيض - ولو كان في الواقع حيضاً - لا يكون محكوماً بحكمه .

كلام المحقّق الخراساني وجوابه

فما أفاده المحقّق الخراساني(2) من تقريب خلاف ذلك ، وحمل أخبار الحدود على مورد الاشتباه ؛ لبُعد عدم ترتّب أحكام الحيض شرعاً على ما علم أ نّه حيض واقعاً ، مؤيّداً ببعض الروايات ، كموثّقة سماعة(3) ورواية إسحاق بن عمّار(4) ومنكراً للإجماع استناداً إلى المحكيّ عن «المنتهى» ، كما تقدّم ذكره ، لا يمكن المساعدة عليه .

وليت شعري ، أيّ بُعدٍ في الالتزام بجعل الشارع قسماً خاصّاً من الدم

ص: 9


1- منتهى المطلب 2 : 272 .
2- الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراساني : 156 - 158 .
3- الكافي 3 : 77 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 1 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1192 ؛ وسائل الشيعة 2 : 296 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 ، الحديث 13 .

موضوعاً لحكمه ؛ على ما قرّبنا وجهه ، وهل هذا إلاّ مثل تحديد السفر بثمانية فراسخ . . . وغير ذلك من التحديدات الواقعة في الشرع ، وهل يمكن مع هذا الاستبعاد رفع اليد عن الإجماع والأخبار ، بل ضرورة الفقه ؟ !

وأمّا ما استند إليه من عبارة العلاّمة فغير واضح ، فلعلّه ليس بصدد بيان كون

دم الحيض بعد الخمسين أيضاً موضوعاً لحكمه ، بل مراده أ نّه مع كونه حيضاً لا يترتّب عليه حكمه . ولو كان مراده ذلك ، فلعلّه مبنيّ على أنّ حدّ اليأس زائد على الخمسين ، بل إلى الستّين ، وأمّا بعد اليأس - وهو الستّون على جميع الأقوال - فلا يلتزم أحد ببقاء حكم الحيض ولو كان الدم مثل ما رأت قبلها . كما أ نّه قبل البلوغ لم يذهب أحد منّا إلى ترتّب أحكام الحيض عليه ، وكذا في الدم المرئيّ أقلّ من ثلاثة أو أكثر من عشرة ؛ ممّا نقل الإجماع عليهما كثير من الفقهاء(1) ، وعن «الأمالي» في الحدّين : «أ نّهما من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به»(2) .

وأمّا الروايات التي استند إليها فلا بدّ من توجيهها ، كما لعلّه يأتي من ذي قبل(3) ، أو ردّ علمها إلى أهلها ؛ بعد مخالفتها للنصوص الكثيرة والإجماع ، بل ضرورة الفقه ، فالأخذ بالحدود الشرعية الواردة في الروايات لا محيص عنه ، فتدبّر .

ثمّ هاهنا مطالب :

ص: 10


1- الخلاف 1 : 236 - 238 ؛ غنية النزوع 1 : 38 ؛ المعتبر 1 : 201 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 230 .
2- الأمالي ، الصدوق : 516 .
3- يأتي في الصفحة 85 .
المطلب الأوّل: فيما يميّز به دم الحيض عن غيره
اشارة

إذا علمت المرأة أنّ دمها من أيّ أقسام الدم تعمل على طبق أحكامه . ومع الاشتباه : فإمّا أن يشتبه دم الحيض بدم الاستحاضة ، أو بدم البكارة ، أو بدم القرحة ، أو بغيرها . وقد يكون الاشتباه ثلاثي الأطراف ، أو رباعيها .

فيتمّ الكلام فيه برسم مسائل :

المسألة الاُولى : فيما يميّز به دم الحيض عن الاستحاضة
اشارة

في أمارية الأوصاف

وردت روايات بذكر أوصاف يشخّص بها دم الحيض والاستحاضة ، كالحرارة والسواد والخروج بالحُرقة وكونه عبيطاً بَحْرانياً ، وله دفع وإقبال إلى غيرها في أوصاف الحيض ، والصفرة والبرودة والفساد والكدرة والإدبار في الاستحاضة .

فيقع الكلام في أنّ تلك الأوصاف هل هي أمارة تعبّدية واحدة ، كالخاصّة

ص: 11

المركّبة ، أو أمارات مستقلّة ؟

أو ليست بأمارات رأساً ؟ بدعوى : أنّ ظاهر الروايات أ نّها بصدد رفع اشتباه الحيض بالاستحاضة ؛ بذكر أوصافها التي تعهدها النساء ، وأ نّه لا مجال معها للاشتباه ؛ لحصول القطع غالباً ، وبالجملة : هذه الأوصاف وردت لرفع الاشتباه ، لا لجعل الأمارة في موضوع الشبهة .

أو يكون بين الأوصاف تفصيل ؛ ففي غير إقبال الدم وإدباره يكون كما ذكر من عدم الأمارية ، بخلافهما بدعوى ظهور الأخبار في هذا التفصيل ؟

وعلى فرض الأمارية ، هل تكون الأمارة لتشخيص الحيض ، أو هو والاستحاضة مطلقاً ، فيجب الأخذ بها في جميع موارد الشبهة إلاّ ما دلّ الدليل على خلافه ، أو تكون لتشخيصه عند اشتباهه بالاستحاضة مطلقاً ، فلو اشتبه دم المبتدئة بينهما تكون الأوصاف أمارة ، أو عند اشتباهه بها في موضوع أخصّ ؛ وهو عند استمرار الدم بها ، ففي المثال المتقدّم لا تكون أمارة ؟

وجوه وأقوال .

ثمّ إنّه يقع كلام آخر في أنّ الأوصاف التي ذكرت للحيض أمارات على الحيضية ، وكذا الأوصاف التي في الاستحاضة أمارات عليها ، فجعل الشارع أمارتين ؛ إحداهما : للحيض ، والاُخرى : للاستحاضة ؟

أو تكون أوصاف الحيض أمارة دون الاستحاضة ؟

ثمّ عند فقد أمارة الحيض ، هل يكون استحاضة من غير جعل أمارة عليها ، أو لا يكون استحاضة أيضاً ، فلا بدّ أن تعمل مع فقد أمارة الحيضية على طبق العلم الإجمالي أو القواعد الاُخر ؟

ص: 12

تفصيل المحقّق الخراساني بين الأوصاف

ذهب المحقّق الخراساني إلى التفصيل المتقدّم ، فأنكر الأمارية التعبّدية في الأوصاف غير إقبال الدم وإدباره ، وفيهما ذهب إلى الأمارية التعبّدية ، وقال :

«نعم ، ظاهر المرسلة الطويلة(1) جعل إقبال الدم وإدباره أمارة تعبّدية على الحيض وعدمه ، لكنّ الإقبال والإدبار لا دخل له بالأوصاف ، بل العبرة بتغيّر الصفة التي كان عليها شدّة وضعفاً»(2) انتهى .

فلا بدّ أوّلاً من الكلام معه حتّى يتّضح الحال من هذه الجهة ، ثمّ الكلام في سائر الجهات ، فلا محيص من ذكر الروايات والبحث في دلالتها :

ففي صحيحة حفص بن البَخْتَري قال : دخلتْ على أبي عبداللّه علیه السلام امرأة ، فسألته عن المرأة يستمرّ بها الدم ، فلا تدري أحيض هو أو غيره ، قال : فقال لها : «إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود ، له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفرُ باردٌ ، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة» .

قال : فخرجت وهي تقول : واللّه ، أن لو كان امرأة ما زاد على هذا !(3) .

ولا

يخفى : أنّ ظاهرها أنّ من لم تدرِ أنّ دمها حيض أو غيره ، فطريق تشخيصها هو هذه الأوصاف ، وإنّما الكلام في أنّ سوق الرواية بصدد بيان ما يرفع به الشبهة تكويناً ؛ وأ نّه مع هذه الأوصاف تقطع المرأة بأ نّه حيض ، أو أ نّها

ص: 13


1- سيأتي متنها في الصفحة 14- 15 .
2- الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراساني : 160 .
3- الكافي 3 : 91 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 2 .

أوصاف غالبية يحصل بها الظنّ النوعي بالموضوع ، وقد جعلها الشارع أمارة عند الاشتباه ؟ وبعبارة اُخرى : أ نّها بصدد رفع الشبهة تكويناً ؛ وإرشادها إلى آثار

تقطع منها بالواقع ، أو بصدد رفع الشبهة تشريعاً .

الظاهر هو الثاني ؛ لأنّ هذه الأوصاف لا تكون من اللوازم العادية بحيث تقطع النساء غالباً لأجلها بالحيض ، نعم يحصل لهنّ غالباً العلم به ، لكن لا لأجل هذه الأوصاف ، بل للعادة المستمرّة لهنّ ، وعدم اعوجاج طبائعهنّ غالباً ، ففي حال الاستقامة تعلم المرأة - بقرائن غالباً - أنّ ما تقذفه الرحم حيض ، وأمّا لو

استمرّ مثلاً بها الدم أو حصلت شبهة اُخرى لها ، فليس [لها] أن تقطع مع ذلك بالواقع لأجل تلك الصفات ، ومع عدم حصول القطع وجداناً ، لا محيص عن كونها أمارة ظنّية اعتبرها الشارع ، نظير الشهوة والفتور والدفع في المنيّ . مع أنّ

تشخيص المنيّ عادة ، أسهل للرجال من تشخيص الحيض عند الاشتباه للنساء .

وبالجملة : كون الرواية بصدد بيان أنّ هذه الأوصاف علامات يحصل بها القطع فلا معنى للسؤال ، في غاية البعد .

وفي مرسلة يونس موارد للدلالة على أنّ تغيّر لون الدم أمارة تعبّدية ، ففيها : «أنّ فاطمة بنت أبي حُبَيش أتت النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقالت : إنّي اُستحاض ولا أطهر ، فقال لها النبي صلی الله علیه و آله وسلم : ليس ذلك بحيض ، إنّما هو عِرق ، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي . . .» .

إلى أن قال : «فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها ؛ لم تعرف عددها ولا وقتها ، ألا تسمعها تقول : إنّي اُستحاض ولا أطهر ! وكان أبي يقول : إنّها استحيضت سبع سنين ، ففي أقلّ من هذا تكون الريبة والاختلاط ، فلهذا

ص: 14

احتاجت إلى أن تعرف إقبال الدم من إدباره ، وتغيّر لونه من السواد . . . إلى غير ذلك ؛ وذلك أنّ دم الحيض أسود يعرف ، ولو كانت تعرف أيّامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم ؛ لأنّ السُنّة في الحيض أن تكون الصُفرة والكُدرة فما فوقها في أيّام الحيض - إذا عرفت - حيضاً كلّه إن كان الدم أسود أو غير ذلك ، فهذا يبيّن لك أنّ قليل الدم وكثيره أيّام الحيض حيض كلّه إذا كانت الأيّام معلومة ، فإذا جهلت الأيّام وعددها احتاجت إلى النظر حينئذٍ إلى إقبال الدم وإدباره وتغيُّر لونه . . .»(1) الحديث .

فإنّ الظاهر منها أنّ إقبال الدم وإدباره وتغيّر لونه أمارة تعبّدية لتشخيصه ، وأ نّها إذا اختلط عليها أيّامها ولم تعرف عددها ولا وقتها - ممّا هي أمارة تعبّدية

اُخرى - احتاجت إلى أمارة دونها في الأمارية ؛ وهي إقبال الدم وإدباره وتغيّر لونه من السواد . . . إلى غير ذلك ، فلا يكون تغيّر لون الدم أمارة قطعية على الحيض ، وإلاّ لم يعقل تأخّرها عن الرجوع إلى العادة المعلومة .

مع أنّ أمارية العادة أيضاً لا تكون قطعية ، خصوصاً مع حصولها بمرّتين ، وبالأخصّ في زمان اختلاط الدم والريبة ، كما هو المفروض .

وبهذا يظهر : أنّ المراد بقوله : «إنّ دم الحيض أسود يعرف» ليس هو المعروفية

الوجدانية القطعية ، بل الظنّية التعبّدية ، ولهذا قال : «ولو كانت تعرف أيّامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم ؛ لأنّ السُنّة في الحيض . . .» إلى آخره ؛ فإنّ الرجوع إلى معرفة لونه إذا كان بحسب احتياجها إليه ، وعند فقد ما يوصلها

ص: 15


1- الكافي 3 : 83 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 381 / 1183 ؛ وسائل الشيعة 2 : 276 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 4 ، والباب 8 ، الحديث 3 .

إلى معرفة الأيّام ولو تعبّداً ، لا يعقل إلاّ أن يكون أمارة ظنّية ، دون أمارية العادة . ويؤكّد ذلك تعليله : بأنّ السُنّة في الحيض أن تكون الصفرة في أيّام الحيض حيضاً .

وممّا يؤكّد ما ذكرنا قوله علیه السلام في المرسلة : «فجميع حالات المستحاضة تدور على هذه السنن الثلاث ؛ لا تكاد تخلو من واحدة منهنّ : إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير ، فهي على أيّامها وخِلقتها التي جرت عليها ؛ ليس فيها عدد معلوم موقّت غير أيّامها . فإن اختلطت الأيّام عليها ، وتقدّمت وتأخّرت ، وتغيّر عليها الدم ألواناً ، فسنّتها إقبال الدم وإدباره وتغيّر حالاته» .

حيث جعل تغيّر حالات الدم من السنن الثلاث التي سنّها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

قبال السنّتين الاُخريين ، ومعلوم أنّ الأخذ بتغيّر اللون لأجل التبعية للسنّة ، لا للعلم الوجداني بالموضوع . ولهذا تمسّك في ذيلها أيضاً - للرجوع إلى تغيّر دمها مع اختلاط الأيّام - بقول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «إنّ دم الحيض أسودُ يعرف» ولو كان يحصل العلم بالحيض من لون الدم ، لم يعقل التشبّث بالتعبّد .

وبالجملة : لا يشكّ الناظر في المرسلة في أنّ تغيّر الدم ألواناً ، من الأمارات التعبّدية التي جعلها الشارع أمارة عند فقد أمارة هي أقوى في الأمارية منها .

والعجب من المحقّق الخراساني رحمه الله علیه حيث اعترف بظهور المرسلة في أمارية إقبال الدم وإدباره ، وأنكر الأمارية في تغيّر اللون ! مع أنّ الإقبال والإدبار ذكرا

فيها مع تغيّر اللون بسياق واحد ، ولا يمكن التفكيك بينهما .

وممّا ذكرنا يظهر الحال في موثّقة(1) إسحاق بن جرير قال : سألتني امرأة أن

ص: 16


1- والرواية موثّقة بإسحاق بن جرير ؛ فإنّه واقفي . راجع رجال الطوسي : 332 / 24 .

اُدخلها على أبي عبداللّه علیه السلام فاستأذنت لها ، فأَذِنَ لها فدخلتْ . . . إلى أن قال : فقالت له : ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيّام حيضها ؟ قال : «إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام استظهرت بيوم واحد ، ثمّ هي مستحاضة» .

قالت : فإنّ الدم يستمرّ بها الشهر والشهرين والثلاثة ، كيف تصنع بالصلاة ؟

قال : «تجلس أيّام حيضها ، ثمّ تغتسل لكلّ صلاتين» .

قالت له : إنّ أيّام حيضها تختلف عليها ، وكان يتقدّم الحيض اليوم واليومين

والثلاثة ، ويتأخّر مثل ذلك ، فما علمها به ؟ قال : «دم الحيض ليس به خفاء ؛ هو دم حارّ تجد له حرقة ، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد» .

قال : فالتفتت إلى مولاتها فقالت : أتراه كان امرأة مرّة(1) ؟ !

وهذه الموثّقة عمدة ما تشبّث بها لما ادّعى من عدم إمكان كونها بصدد جعل أمارة تعبّدية .

وأنت خبير : بأنّ المتعيّن فيها أيضاً هو الحمل على جعل الأمارة ، لا إرجاعها إلى ما تقطع بها بالحيض ؛ ضرورة أنّ إرجاعها إلى الأوصاف المذكورة ، يكون بعد فقد أمارة تعبّدية هي أيّام حيضها ، ومعه كيف يمكن أن يقال : إنّ تغيّر الأوصاف ممّا تقطع منه بالحيض ، وكيف يمكن الإرجاع أوّلاً إلى أمارة ظنّية ، ثمّ مع فقدها إلى ما يحصل به العلم ؟ !

وأمّا التعبير بأ نّه «ليس به خفاء» [فهو] وإن كان مشعراً بما ذكره ، لكن مع ما ذكرنا ومع النظر إلى المرسلة المتقدّمة لا ينبغي الشكّ في أنّ المراد أنّ تلك

ص: 17


1- الكافي 3 : 91 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث3 .

الأوصاف أمارات له ، ومعها لا خفاء به . وبعبارة اُخرى : أنّ الموضوع الذي له أمارة من أوصافها وحالاتها ، لا يكون به خفاء .

وأمّا قول المرأة : «أتراه كان . . .» إلى آخره ، فلا يدلّ على تصديقها بأنّ دم الحيض وجداناً كذلك ، بل لا يبعد أن يكون تعجّبها من ذكره أوصافاً لا يطلع عليها إلاّ النساء ؛ فإنّ الحرارة والحرقة ممّا لا يطلع عليهما إلاّ صاحبة الدم ، فتعجّبت من ذكر أبي عبداللّه علیه السلام أوصاف الدم الذي يكون من النساء فقط .

وهذا القول وإن كان ربّما يستشعر منه ما ادّعاه لكن لا يمكن معه رفع اليد عمّا هو كالنصّ في جعل الأمارة ، بل بما ذكرنا يقطع المنصف بأمارية الأوصاف .

مقدار أمارية الأوصاف

ثمّ بعد البناء على الأمارية ، يقع الكلام في أ نّها أمارة مطلقة لتشخيص مطلق الدماء من الحيض ؛ وأنّ الحيض دائر مدار وجودها وعدمها في الثبوت التعبّدي واللاثبوت ، أو أ نّها أمارة لتشخيص الحيض من الاستحاضة مطلقاً ، أو مع استمرار الدم ؟ وجوه وأقوال :

أقربها أوسطها ، ثمّ الأخير .

وأمّا الأوّل - وهو الذي نسب إلى «المدارك» و«الحدائق» و«المستند»(1) - فضعيف :

أمّا أوّلاً : فلأنّ تلك الأوصاف التي ذكرت للحيض لا تكون مختصّة به وجداناً ، خصوصاً مع البناء على استفادة طريقية كلّ واحد منها مستقلاًّ ، كما هو

ص: 18


1- مدارك الأحكام 1 : 311 و313 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 152 ؛ مستند الشيعة 2 : 383 .

الأقوى ؛ ضرورة أنّ نوع الدماء الخارجة من الإنسان - مع خلوّ طبيعته عن الانحراف والضعف والمرض - يكون عبيطاً حارّاً أحمر يضرب إلى السواد ، بل كثير منها يكون له دفع ، ويكون بَحْرانياً مقبلاً ، فلا تكون تلك الأوصاف من خواصّ دم الحيض بحيث تميّزه عن سائر الدماء .

وأمّا دم الاستحاضة فهو - بحسب النوع - لمّا كان مقذوفاً من الطبيعة المنحرفة بواسطة ضعف وفتور ومرض ، لا محالة يكون فاسداً بارداً أصفر مدبراً غير دافع .

فهذا الأمر الوجداني يساعدنا في الاستفادة من الأخبار ؛ وأنّ المنظور من ذكر الأوصاف ليس تمييز دم الحيض من سائر الدماء مع اشتراكها نوعاً فيها ، بل هذه الأوصاف المشتركة بين الحيض وغير الاستحاضة ، ذكرت فيما دار الأمر بين الحيض والاستحاضة ؛ لامتيازها عنه ، لا امتيازه عن غيرها ، ولهذا لم تذكر هذه الأوصاف في دوران الأمر بينه وبين العذرة وكذا بينه وبين القُرحة .

فحينئذٍ لو دار الأمر بين الحيض وبين جريان الدم من شريان لانقطاعه ، لا تكون تلك الأوصاف معتبرة ؛ فإنّ الضرورة حاكمة بأنّ دم الشريان أيضاً طري عبيط له دفع وحرارة ، ويكون أسود كدم الحيض بحسب النوع ، ومعه كيف يمكن الذهاب إلى ما ذهب إليه الأعلام المتقدّم ذكرهم ؟ !

وأمّا ثانياً : فلأنّ سياق الروايات يشهد بأ نّها في مقام تشخيص الحيض عن الاستحاضة لا غير ؛ ألا ترى إلى صحيحة حفص بن البَخْتري(1) مع كون السؤال عن أ نّها لا تدري حيض هو أو غيره ، أجاب عن الحيض والاستحاضة ، وسكت

ص: 19


1- تقدّمت في الصفحة 13 .

عن غيرهما ! وذلك لأنّ نوع الاشتباه الحاصل للنساء إنّما هو الاشتباه بين الدمين ، وأمّا سائر الدماء فنادرة الوجود ؛ لا يكون السؤال والجواب محمولين عليها إلاّ بالتنصيص .

فيكون محطّ الجواب والسؤال هو الاختلاط والاشتباه بين الدمين ، فلا يمكن استفادة الأمارة المطلقة ؛ لا من منطوقها ، ولا من مفهوم مثل رواية حفص .

فدعوى دلالة السياق على مدّعاهم في غاية السقوط ، بل دعوى دلالته على تشخيص الدمين قريبة جدّاً .

حول اختصاص أمارية الصفات بمستمرّة الدم

نعم ، حمل الروايات على التشخيص بين الدمين في حال الاستمرار ؛ بحيث يكون التمييز بها لمستمرّة الدم - كما ذهب إليه الشيخ الأعظم بل نسب إلى المشهور(1) - غير وجيه ظاهراً ؛ لأنّ السؤال في صحيحة ابن البَخْتَري مثلاً وإن كان عن مستمرّة الدم ، لكن ظاهر الجواب هو ذكر الأوصاف التي لماهية دم الحيض في مقابل ماهية دم الاستحاضة ؛ لا قسم خاصّ منه .

فقوله علیه السلام بعد السؤال : «إنّ دم الحيض حارّ عبيط . . . ودم الاستحاضة

أصفر بارد» ظاهر في أنّ هذه الأوصاف لطبيعة الدمين وماهيتهما ، لا لصنف خاصّ منهما .

كما أنّ قوله علیه السلام في موثّقة إسحاق : إنّ «دم الحيض ليس به خفاء ؛ هو دم

ص: 20


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 122

حارّ . . . ودم الاستحاضة دم فاسد . . .»(1) يدلّ على ما ذكرنا . وحمله على صنف خاصّ - بمجرّد كون السؤال عنه - بعيد .

وقوله : «فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة» - متفرّعاً على قوله السابق في الصحيحة - يؤيّد ما ذكرنا .

ويدلّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمّار أو حسنته(2) ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «إنّ دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد ؛ إنّ دم الاستحاضة بارد ، وإنّ دم الحيض حارّ»(3) .

ولا تكون هذه الرواية مسبوقة بالسؤال حتّى يأتي فيها ما ذُكر في غيرها . ولو سلّم عدم الاستفادة ممّا سبق ، فلا مجال لرفع اليد عن ظهورها في أنّ وصف الحرارة لمطلق دم الحيض ، ولا إشكال في كونها بصدد بيان تشخيص الدمين ، ولا معنى للإهمال في هذا الحال . وغاية الأمر في الروايات الاُخر عدم الدلالة ، لا الدلالة على العدم . مع أنّ عدم الدلالة ممنوع .

الكلام حول دلالة مرسلة يونس الطويلة

نعم ، بقيت المرسلة الطويلة ؛ حيث يدّعى دلالتها على أنّ الرجوع إلى

ص: 21


1- تقدّم في الصفحة 16 .
2- رواها الكليني ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن حمّاد بن عيسى وابن أبي عمير ، جميعاً عن معاوية بن عمّار . وجه الترديد لوقوع محمّد بن إسماعيل النيسابوري في السند . راجع ما يأتي حوله في الصفحة 77 - 78 .
3- تقدّم في الصفحة 8 .

الصفات ليس سُنّة المبتدئة ؛ وأ نّه مختصّ بالمضطربة التي لها أيّام متقدّمة مغفول عنها ، وأنّ المبتدئة التي لم تُسبق بدم فسنّتها الرجوع إلى الروايات(1) ، ففيها - بعد ذكر السنّتين من السنن الثلاث التي سنّها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم - قال :

«وأمّا السُنّة الثالثة فهي التي ليس لها أيّام متقدّمة ، ولم ترَ الدم قطّ ، ورأت أوّل ما أدركت فاستمرّ بها ، فإنّ سنّة هذه غير سنّة الاُولى والثانية ؛ وذلك أنّ امرأة يقال لها : حَمَنة بنت جحش أتت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقالت : إنّي استحضت حيضة شديدة ، فقال : احتشي كُرْسُفاً .

فقالت : إنّه أشدّ من ذلك ؛ إنّي أثجّه ثجّاً فقال : تلجّمي وتحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة ، ثمّ اغتسلي غسلاً ، وصومي ثلاثة وعشرين يوماً أو أربعة وعشرين . . .» .

إلى أن قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «فأراه قد سنّ في هذه غير ما سنّ في الاُولى والثانية ؛ وذلك لأنّ أمرها مخالف لأمر تَيْنك . . .» .

إلى أن قال : «فهذا بيِّن واضح ؛ إنّ هذه لم يكن لها أيّام قبل ذلك قطّ ، وهذه سنّة التي استمرّ بها الدم أوّل ما تراه ، أقصى وقتها سبع ، وأقصى طهرها ثلاث وعشرون ، حتّى تصير لها أيّام معلومة فتنتقل إليها .

فجميع حالات المستحاضة تدور على هذه السنن الثلاث ؛ لا تكاد أبداً تخلو من واحدة منهنّ :

إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير ، فهي على أيّامها وخلقتها التي جرت عليها ؛ ليس فيها عدد معلوم موقّت غير أيّامها .

ص: 22


1- الحدائق الناضرة 3 : 194 .

فإن اختلطت الأيّام عليها وتقدّمت وتأخّرت ، وتغيّر عليها الدم ألواناً ، فسنّتها إقبال الدم وإدباره وتغيّر حالاته .

وإن لم تكن لها أيّام قبل ذلك ، واستحاضت أوّل ما رأت ، فوقتها سبع ، وطهرها ثلاث وعشرون .

وإن استمرّ بها الدم أشهراً فعلت في كلّ شهر كما قال لها . . .» .

إلى أن قال بعد ذكر حصول العادة بمرّتين : «وإن اختلط عليها أيّامها ، وزادت ونقصت حتّى لا تقف منها على حدّ ، ولا من الدم على لون ، عملت بإقبال الدم وإدباره ، ليس لها سُنّة غير هذا ؛ لقوله صلی الله علیه و آله وسلم : إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغتسلي ، ولقوله صلی الله علیه و آله وسلم : إنّ دم الحيض أسود يعرف ، كقول أبي : «إذا رأيت الدم البَحْراني . . .» .

وإن لم يكن الأمر كذلك ، ولكنّ الدم أطبق عليها ، فلم تزل الاستحاضة دارّة ، وكان الدم على لون واحد وحالة واحدة ، فسنّتها السبع والثلاث والعشرون ؛ لأنّ قصّتها كقصّة حَمَنة حين قالت : إنّي أثجّه ثجّاً»(1) .

فهذه الرواية عمدة مستند من ذهب إلى أنّ المبتدئة سنّتها الرجوع إلى السبعة والثلاثة والعشرين ؛ ليس لها سنّة غيرها ، وليس لها الرجوع إلى الصفات .

لكنّ المتأمّل فيها من أوّلها إلى آخرها ، لا يبقى له ريب في أنّ الرجوع إلى التمييز بعد الرجوع إلى العادة مقدّم على الرجوع إلى الروايات ، وأنّ الرجوع إليها - أي إلى السُنّة الثالثة - إنّما هو مع فقد الأمارة على الحيض أو الاستحاضة ، وأنّ

ص: 23


1- الكافي 3 : 83 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 381 / 1183 ؛ وسائل الشيعة 2 : 288 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 3 .

من كانت لها عادة معلومة يجب عليها الرجوع إليها ؛ لأنّ العادة طريق قويّ إلى

الحيض ، ومع فقد الأمارة القويّة ترجع إلى الأمارة التي دونها ؛ وهي إقبال الدم وإدباره وتغيّر حالاته وألوانه ، ومع فقد هذه أيضاً يكون المرجع هو السُنّة الثالثة ، وهي التي لفاقدة الأمارة .

ومعلوم من الرواية - حتّى مع قطع النظر عن ذيلها الذي هو كالصريح في المطلوب - أنّ حَمنة بنت جحش كانت فاقدة الأمارة :

أمّا فقدها للعادة فمعلوم .

وأمّا فقدها للتمييز ؛ فلأنّ الظاهر منها أنّ الدم كان في جميع الأزمنة كثيراً له دفع ؛ حيث قالت : «إنّي استحضت حيضة شديدة» وقالت : «إنّه أشدّ من ذلك ؛ إنّي أثجّه ثجّاً ، فقال : تلجّمي وتحيّضي . . .» فإنّ «الثجّ» : هو سيلان دم الأضاحي والهدي والدم الذي بهذه الشدّة والكثرة لا ينفكّ عن الحرارة والحمرة ، فله دفع وشدّة وحرارة وكثرة من غير تغيّر حال ، وإنّما جعلت السنّة الرجوع إلى السبع لأجل ذلك .

ثمّ لو فرض إبهام فيها من هذه الجهة ، فلا إشكال في أنّ ذيلها يرفع كلّ إبهام

متوهّم ؛ حيث قال : «فإن لم يكن الأمر كذلك . . .» إلى آخرها ، فيعلم من ذلك أنّ قصّة حَمنة هي كون الدم على حالة واحدة من الحرارة والدفع والكثرة ، وعلى لون واحد لا يكون لها تمييز ، وأنّ الثجّ دليل عليه ، كما ذكرنا .

فلا

إشكال في أنّ الرواية تدلّ على أنّ الرجوع إلى السبع والثلاث والعشرين ، سنّة التي فقدت الأمارتين المتقدّمتين ، وتكون الاستحاضة دارّة عليها ، ويكون في جميع الأوقات لها دَرّ ودفع ، وعلى لون واحد ، وعلى حالة واحدة ، فمن

ص: 24

كانت قصّتها هذه فلا إشكال في أ نّها ترجع إلى الروايات .

فلا يستفاد منها أنّ المبتدئة إذا رأت أوّل ما رأت بصفة الحيض ، لا تكون الصفات أمارة لها كيف ! وصدر الرواية يدلّ على أمارية الصفات مطلقاً ، حيث قال : «فلهذا احتاجت إلى أن تعرف إقبال الدم من إدباره ، وتغيّر لونه من السواد إلى غيره ؛ وذلك أنّ دم الحيض أسود يعرف» فترى كيف علّل رجوعها إلى الصفات بقوله : «إنّ دم الحيض أسود يعرف» فيعلم منها أنّ العلّة في الرجوع ، هي كون ماهية دم الحيض بهذه الصفة ، لا أنّ صنفاً منها كذلك ، فتدلّ على أنّ هذه الصفات من مميّزات هذه الماهية عن ماهية الاستحاضة ، ولهذا أرجعها إليها .

فيستفاد منها أ نّه كلّما وجدت هذه الصفة ، امتاز الحيض عن الاستحاضة فيما دار الأمر بينهما في غير ذات العادة التي سنّتها الرجوع إليها . والظاهر أنّ المسألة

لا تحتاج إلى زيادة إطناب .

هل الأوصاف خاصّة مركّبة ؟

ثمّ إنّ صريح «المستند» وظاهر «الحدائق» والمحكيّ عن «المدارك» أنّ هذه الأوصاف خاصّة مركّبة ؛ متى اجتمعت في الدم يحكم بأ نّه حيض(1) .

واستدلّ الأوّل منهم : «بأنّ ذلك مقتضى الجمع بين الروايات التي ذكرت بعضها وما ذكر الجميع ؛ بتقييد الإطلاق» .

وهو في غاية البعد ؛ فإنّه لا توجد في الروايات رواية تستجمع جميع

ص: 25


1- مستند الشيعة 2 : 384 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 152 ؛ مدارك الأحكام 1 : 313 .

الصفات ، وأجمع الروايات في ذلك صحيحة حفص ؛ حيث قال فيها : «إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود ، له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد ، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة»(1) ومع ذلك لم تذكر فيها «الكثرة» التي ذكرتها صحيحة أبي المغرا (2) ورواية ابن مسلم(3) في باب جمع الحيض والحمل ، وترك «الحرقة» المذكورة في موثّقة إسحاق بن جرير(4) وترك ذكر «العبيط» في ذيلها مع ذكرها في صدرها .

ودعوى تقييد إطلاق كلّ رواية برواية اُخرى في غاية البعد ، بل ارتكابه في مرسلة يونس ممتنع ؛ فإنّ أبا عبداللّه علیه السلام نقل قضيّة شخصية عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال لفاطمة بنت أبي حُبيش : «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي . . .» فترك أبي عبداللّه علیه السلام سائر الصفات لو كانت في كلام رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم غير ممكن ، وعدم ذكر رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم -

مع كونه في مقام بيان تكليفها وتأثيرها في الحكم - أيضاً غير ممكن .

وليس المقام مقام ذكر الكلّيات والقواعد والمطلقات وترك القرائن إلى زمان آخر ، كما نقول ذلك في الروايات الملقاة إلى أصحاب الاُصول والكتب ؛ ففي مثل المقام لا يجوز تأخير البيان مع حاجتها الفعلية . واحتمال تغيّر الحكم بعد

ص: 26


1- تقدّم في الصفحة 13 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1191 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 5 .
3- الكافي 3 : 96 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 334 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 16 .
4- تقدّم في الصفحة 16 .

قضيّة فاطمة - مع بُعده في نفسه - يدفعه ذكر أبي عبداللّه علیه السلام ذلك في مقام بيان الحكم وإفادة أحكام المستحاضة .

وبالجملة : إنّ روايات الباب على كثرتها لا تشتمل واحدة منها على جميع الصفات ، بل في غالبها اكتفي بخاصّة واحدة ، كصحيحة معاوية بن عمّار(1) حيث ذكر فيها الحرارة وفي مقابلها البرودة ، وكمرسلة يونس حيث ذكر إقبال الدم في مقابل الإدبار تارة ، واستشهد بقول النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «إنّ دم الحيض أسود» وعلّل الحكم ب- «أنّ دم الحيض أسود يعرف» اُخرى . وفي صحيحة أبي المغرا اكتفي بذكر الكثرة وفي مقابلها القلّة . وفي موثّقة إسحاق بن عمّار(2) اقتصر على كون الدم عبيطاً .

وفي بعضها ذكر الوصفين منها ، كموثّقة إسحاق بن جرير حيث اكتفي فيها بذكر الحرارة والحُرْقة في الحيض ، وذكر الفساد والبرودة في الاستحاضة . وفي مرسلة يونس اكتفي بذكر البَحْراني وفسّره بالكثرة واللون . وفي رواية محمّد بن مسلم - في باب جمع الحَبْل والحيض - اقتصر على الكثرة والحمرة في مقابل القلّة والصفرة .

وفي رواية حفص - التي هي أجمعها - ذكر في صدرها أربع صفات ، واقتصر في ذيلها على الثلاث .

فكيف يمكن أن تكون الأوصاف من قبيل الخاصّة المركّبة التي يكون

ص: 27


1- تقدّمت في الصفحة 8 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1192 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 6 .

لجميعها دَخْل في الموضوع ، ولم يذكر الجميع في رواية مع كثرتها ، ومعه كيف يمكن تقييد الإطلاق ؟ ! مع الغضّ عمّا ذكرنا من عدم إمكانه بالنسبة إلى المرسلة الطويلة .

فالقول بالخاصّة المركّبة غير صحيح ، إلاّ أن يدّعى أنّ بين الصفات ملازمة عادية غالبية ؛ بحيث يستغني المتكلّم عن ذكر جميعها ، فذكر الواحدة أو الاثنتين بمنزلة ذكر الجميع مع تلك الغلبة .

لكنّ الدعوى غير ثابتة ، فأيّ ملازمة غالبية بين كون الدم عبيطاً وبين كثرته ، أو بين الدفع والسواد ، أو بين الحرقة والعبيطية ؛ فربّما كان الدم أسود غير دافع ، أو حارّاً غير كثير ؟ !

وبالجملة : هذه الدعوى غير ثابتة ، بل خلافها ثابت ، فلا يمكن إلاّ المصير إلى استقلال كلّ صفة في الأمارية .

في حجّية مطلق الظنّ بالحيضية

ثمّ إنّه قد يدّعى كون مطلق الظنّ بالحيضية حجّة ، كما نفى البعد عنه صاحب «الجواهر»(1) أو كون الظنّ الحاصل من أيّ صفة من صفات الحيض حجّة ولو لم تذكر في الروايات ، بل ولو كانت مختصّة بمرأة بحسب حالها ، كما نفى البعد عنه المولى الهمداني(2) .

والظاهر بُعدهما ، خصوصاً الاُولى منهما ؛ فإنّه إن كان المراد أنّ المستفاد من

ص: 28


1- جواهر الكلام 3 : 140 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 217 .

الأخبار هو حجّية الظنّ الشخصي ؛ بحيث يدور الحكم بالحيضية مداره ، فإن حصل من غير الصفات المذكورة في الروايات يكون حجّة ، وإن لم يحصل من المذكورات فيها ظنّ لم يحكم بالحيضية ، فهو تخرّض غريب لا يمكن الالتزام به ، خصوصاً في الشقّ الثاني .

وإن كان المراد هو حجّية الظنّ الحاصل نوعاً من الصفات الخاصّة بالحيض ولو لم تذكر في الروايات - مثل النتن المذكور في بعض الروايات غير المعتبرة(1) - فله وجه ؛ بدعوى عدم خصوصية لتلك الصفات إلاّ كونها من الصفات الغالبية ، فلو فرض صفة اُخرى غالبية ، لاستفيد منها بالارتكاز العرفي وإلغاء الخصوصية ، كونها أمارة أيضاً . لكنّه غير خالٍ عن الإشكال ، وبعيد عن مساق كلامهما ، فالجمود على الروايات أسدّ وأشبه .

ثمّ الظاهر أنّ المستفاد منها هو جعل الأمارتين للحيض والاستحاضة ، فكما أنّ الصفات المذكورة لدم الحيض أمارة تعبّدية له ، كذلك الصفات المذكورة لدم الاستحاضة ، كالبرودة والفساد والصفرة وغيرها ، فلو وجد في دمٍ بعضُ صفاتهما يكون من قبيل تعارض الأمارتين ، وسيأتي زيادة توضيح للمقام إن شاء اللّه (2) .

ص: 29


1- دعائم الإسلام 1 : 127 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 7 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب3 ، الحديث2 .
2- يأتي في الصفحة 49 .
المسألة الثانية فيما يميّز به دم الحيض عن دم العذرة
اشارة

إذا اشتبه دم الحيض بدم العذرة ، فتارة : لايحتمل غيرهما ، واُخرى : يحتمل الآخر ؛ من استحاضة أو قُرحة أو غيرهما ، كاحتمال انقطاع عرق في الباطن .

وعلى أيّ حال : قد يكون زوال البكارة معلوماً ، فيدور الأمر بين كون الدم منها أو من غيرها ، واُخرى : يشكّ في زوالها ، فيحتمل الزوال والخروج منها أو من غيرها ، ويحتمل عدم الزوال والخروج من غيرها .

وعلى أيّ تقدير : قد يكون الدم في أيّام العادة ، وقد يكون في غيرها ، وقد تكون له حالة سابقة من حيض أو غيره ، وقد لا تكون .

فيقع الكلام في جهات :

في أمارية التطوّق للعذرة والانغماس للحيض

منها : أنّ المستفاد من روايات الباب ، هل هو جعل أمارة تعبّدية على العذرة ، أو ما ذُكر فيها - من تطوّق الدم - لرفع الاشتباه ، ومعه يحصل القطع بكونه دم العذرة ، كما تقدّم من المحقّق الخراساني في أوصاف دم الحيض(1) واحتمل ذلك في المقام أيضاً (2) ؟

ص: 30


1- تقدّم في الصفحة 9 .
2- الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراساني : 173 .

ثمّ على فرض الأمارية ، هل تكون أمارة مطلقة لتشخيص دم العذرة مطلقاً ، أو فيما إذا دار الأمر بينهما مطلقاً أو فيما إذا كان زوال البكارة معلوماً أيضاً ؟

وهل يكون التطوّق أمارة على العذرة ، وعدمُه على عدمها ، أو لا أمارية لعدمه ؟ وهل يكون الاستنقاع أيضاً أمارة على الحيضية ، أو لا ؟

احتمالات يظهر حالها في خلال الجهات المبحوث عنها .

ولا بدّ من تقديم ذكر مستند الحكم حتّى يتّضح الحال :

ففي صحيحة خلف بن حمّاد الكوفي قال : دخلت على أبي الحسن موسى ابن جعفر علیه السلام بمنى ، فقلت له : إنّ رجلاً من مواليك تزوّج جارية مُعصِراً لم تطمث ، فلمّا افتضّها سال الدم ، فمكث سائلاً لا ينقطع نحواً من عشرة أيّام ، وإنّ القوابل اختلفن في ذلك ، فقال بعضهنّ : دم الحيض ، وقال بعضهنّ : دم العذرة ، فما ينبغي لها أن تصنع ؟ قال : «فلتتّق اللّه ، فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتّى ترى الطهر ، وليمسك عنها بعلها ، وإن كان من العذرة فلتتّق اللّه ولتتوضّأ ولتصلّ ، ويأتيها بعلها إن أحبّ ذلك» .

فقلت له : وكيف لهم أن يعلموا ما هو حتّى يفعلوا ما ينبغي ؟ قال : فالتفت يميناً وشمالاً في الفسطاط ؛ مخافة أن يسمع كلامه أحد ، قال : فنهد إليّ فقال : «يا خلف ، سرّ اللّه ، سرّ اللّه فلا تذيعوه ، ولا تعلّموا هذا الخلق اُصول دين اللّه ، بل ارضوا لهم ما رضي اللّه لهم من ضلال» .

قال : ثمّ عقد بيده اليسرى تسعين ، ثمّ قال : «تستدخل القطنة ، ثمّ تدعها مليّاً ، ثمّ تخرجها إخراجاً رفيقاً ، فإن كان الدم مطوّقاً في القطنة فهو من العذرة ، وإن كان مستنقعاً في القطنة فهو من الحيض» .

ص: 31

قال خلف : فاستخفّني الفرح فبكيت ، فلمّا سكن بكائي قال : «ما أبكاك ؟» قلت : جعلت فداك ، من كان يُحسن هذا غيرك ! قال : فرفع يده إلى السماء وقال : «إنّي - واللّه - ما اُخبرك إلاّ عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن جبرئيل ، عن اللّه عزّ وجلّ»(1) وقريب منها غيرها (2) .

قال بعض شرّاح الحديث : «إنّ قوله : «عقد بيده اليسرى تسعين» لعلّه من اشتباه الراوي ، أو كان لحساب العقود ترتيب آخر غير مشهور ، وإلاّ فاليد اليسرى للمئات لا العشرات»(3) انتهى .

والأمر سهل بعد وضوح أنّ المراد منه وضع رأس ظفر مسبّحة يسراه على المفصل الأسفل من إبهامها ؛ لإفهام كيفية وضع القطنة .

ولا إشكال في أنّ ظاهر الرواية هو بيان الأمارة الشرعية التعبّدية لرفع الاشتباه تعبّداً ، لا التنبيه على أمر تكويني لحصول القطع ؛ لعدم الملازمة بين الاستنقاع والحيض ؛ لاحتمال اجتماع دم البكارة في جوف المحلّ وحصول الاستنقاع به ، كاحتمال كون الحيض موجباً للتطوّق أحياناً ، فحصول العلم لأجله ممنوع .

مع أنّ الظاهر من صدر الرواية وذيلها - حيث عدّ ذلك من سرّ اللّه الذي لا بدّ من كتمانه وعدم إفشائه للناس ، ومن اُصول دين اللّه ، ومن وحي اللّه إلى

ص: 32


1- المحاسن : 307 / 22 ؛ الكافي 3 : 92 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 272 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- وسائل الشيعة 2 : 273 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 2 ، الحديث 2 و3 .
3- الوافي 6 : 447 .

رسوله صلی الله علیه و آله وسلم بتوسّط جبرئيل - أنّ ذلك من أحكام الشريعة والأمارات التعبّدية ، وإلاّ لم يكن وجه لهذه التعبيرات والتقيّة الشديدة مع حصول العلم به لنوع النساء ؛ وكونه من الاُمور الطبيعية ، فاحتمال عدم الأمارية ضعيف لا يمكن رفع اليد عن ظاهر النصوص به .

دخل العلم بالافتضاض في أمارية التطوّق

ومنها : أنّ المفروض في الروايات وإن كان العلم بالافتضاض ؛ وأ نّه مع فرض العلم به دار الأمر بينه وبين الحيض ، لكنّ المتفاهم منها أنّ التطوّق في هذا الحال

- أي حال الدوران بينهما - من خواصّ دم العذرة المميّزة إيّاه من دم الحيض ، وأنّ دم الحيض لا يوجب التطوّق ، بل يوجب الاستنقاع والانغماس .

كما يساعد عليه الاعتبار أيضاً ؛ فإنّ دم الحيض من الباطن ، فلا يتطوّق منه القطنة غالباً ، ودم العذرة من زوال غشاء البكارة وخرقه ، فيخرج الدم من الأطراف ، فتصير مطوّقة نوعاً ، فلأجل هذه الغلبة جعل الشارع التطوّق أمارة للعذرة .

وبالجملة : المتفاهم من الروايات عرفاً أ نّه مع الدوران بين الأمرين يكون التطوّق أمارة للعذرة من غير تأثير للعلم بزوال البكارة وعدمه في ذلك .

فحينئذٍ لو شكّت في زوالها ، ودار الأمر بينهما ، فوضعت القطنة على نحو ما في الرواية فاُخرجت وكانت مطوّقة ، يحكم بكون الدم من العذرة ، فيكشف عن تحقّق زوالها ، فيرفع ذلك الشكّ ؛ لحجّية الأمارة بالنسبة إلى لوازمها وملزوماتها .

ص: 33

في مورد أمارية التطوّق والانغماس

ومنها : أنّ الظاهر من الروايات - خصوصاً من رواية خلف بن حمّاد المتقدّمة - أنّ المفروض في السؤال والجواب هو دوران الدم بين العذرة والحيض ، ولا ثالث للاحتمالين ؛ فإنّ قوله : «إنّ القوابل اختلفن . . .» إلى آخره ،

ظاهر في أ نّهنّ اتّفقن على نفي الثالث ولو لأجل لازم قولهنّ ، فحينئذٍ كان المفروض الاحتمالين ؛ سواء قلنا بأمارية قول القوابل ، وأنّ الأمارتين لدى التعارض لا تسقطان بالنسبة إلى مدلولهما الالتزامي ، أو لا :

أمّا على الأوّل فظاهر .

وأمّا على الثاني ؛ فلأنّ الظاهر أنّ هذا الاختلاف صار سبباً لصرف ذهن السائل عن سائر الدماء واحتمالها . مضافاً إلى أنّ سائر الدماء - حتّى دم الاستحاضة - على خلاف العادة ومن انحرافات الطبيعة ، بخلاف دم الحيض ، فإنّه طبيعي ، فالسؤال والجواب منصرف إليه عن غيره ، ولهذا يفهم ذلك من صحيحة ابن سوقة(1) أيضاً ، مع أنّ ظاهر السؤال فيها هو السؤال عن تكليفها

بالنسبة إلى الصلاة ، فجواب أبي جعفر علیه السلام : بأ نّه مع التطوّق من العذرة ، ومع

ص: 34


1- وهي : سئل أبو جعفر عليه السلام عن رجل افتض امرأته أو أمته فرأت دماً كثيراً لا ينقطع عنها يوماً ، كيف تصنع بالصلاة ؟ قال : تمسك الكرسف فإن خرجت القطنة مطوّقةً بالدم فإنّه من العذرة ، تغتسل ، وتمسك معها قطنةً وتصلّي ، فإن خرج الكرسف منغمساً بالدم فهو من الطمث ، تقعد عن الصلاة أيّام الحيض . الكافي 3 : 94 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 273 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 2 ، الحديث 2 .

الانغماس من الحيضة ، إنّما هو في الموضوع الخاصّ ؛ لا لأجل كون التطوّق يرفع جميع الاحتمالات إلاّ العذرة ، والانغماس جميعَها إلاّ الحيضة - حتّى يكون الاستنقاع والانغماس من مميّزات الحيض عن جميع الدماء ، لكن لا مطلقاً وإلاّ لذكر مع الأوصاف في الروايات المتقدّمة في المسألة السابقة ، بل عند إضافة احتمال العذرة أيضاً - فإنّ هذا بمكان من البُعد ، كيف ! ولو كان لدم الحيض خاصّة مميّزة ، لم يكن معنى لتأثير زوال العذرة أو احتماله فيها .

هذا مع أنّ الوجدان أيضاً غير مساعد على ذلك ؛ فإنّ دم الحيض والاستحاضة كليهما يخرجان من الجوف ، وتصير القطنة بهما مستنقعة منغمسة نوعاً ، من غير افتراق من هذه الجهة بينهما ، فلا يكون الاستنقاع خاصّة مميّزة للحيض عن مطلق الدماء .

بل الظاهر أ نّه من مميّزات سائر الدماء الخارجة من الجوف عن دم العذرة الذي يخرج من غشاء البكارة على نحو التطوّق . على إشكال في ذلك أيضاً ؛ فإنّ مقتضى الجمود على الروايات ، هو كون التطوّق أمارة على العذرة والاستنقاع على الحيض ؛ في حال دوران الأمر بينهما لا غير .

وغاية ما يمكن من دعوى إلغاء الخصوصية والفهم العرفي هو كون الأمارتين مميّزتين لهما في حال الدوران بينهما مطلقاً ولو مع الشكّ في زوال العذرة ، ولو كان هذا خارجاً عن مفادها بدواً . وأمّا التخطّي عن مورد الدوران بينهما إلى غيره فمشكل بعد خروجه عن مفادها وعدم مساعدة العرف عليه أيضاً .

نعم ، لا إشكال في حصول الظنّ بأنّ التطوّق من العذرة في الدوران بينها وبين

ص: 35

الاستحاضة ، والاستنقاع من الاستحاضة ، لكن لا

دليل على اعتبار هذا الظنّ أو الغلبة مع قصور الأدلّة .

وكما أنّ التطوّق ليس أمارة على العذرة في الدوران بينها وبين الاستحاضة ، كذلك الاستنقاع ليس أمارة على الاستحاضة ، ولا على عدم العذرة حتّى يؤخذ بلازمها ؛ لعدم الدليل على ذلك ، لأنّ الظاهر من الأدلّة أ نّه في الموضوع الخاصّ .

وكما يكون التطوّق أمارة على العذرة ، يكون الاستنقاع أمارة على الحيض ، لا أ نّه أمارة على عدم العذرة .

ولو سُلّم أماريته على عدمها ، فإنّما هي في مورد الدوران فقط لا مطلقاً .

أمارية التطوّق للعذرة مطلقاً

ومنها : أنّ مقتضى إطلاق صحيحة زياد بن سوقة ورواية خلف بن حمّاد الثانية(1) - المحتمل كونها صحيحة ؛ لاحتمال كون جعفر بن محمّد الواقع في سندها ، هو جعفر بن محمّد بن يونس الثقة(2) ، وكونها حسنة ؛ لاحتمال كونه جعفر بن محمّد بن عون(3) - أنّ التطوّق أمارة العذرة في حال الدوران مطلقاً

ص: 36


1- تهذيب الأحكام1 : 385 / 1184 ؛ وسائل الشيعة 2 : 274 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 2 ، الحديث 3 .
2- رجال الطوسي : 374 / 1 .
3- قال النجاشي في ترجمة محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي : «كان أبوه وجهاً روى عنه أحمد بن محمّد بن عيسى» . رجال النجاشي : 373 / 1020 ؛ تنقيح المقال 1 : 225 / السطر 9 .

لذات العادة وغيرها . كما أنّ مقتضى إطلاق جميع الروايات هو أماريته لها ولو

كان الدم بصفة الحيض .

وتوهّم(1) : أنّ وقوع الاختلاف في متن رواية خلف بن حمّاد ، يوجب الترديد في جواز التعويل عليها ؛ حيث قال في الرواية الاُولى : «فقلت له : إنّ رجلاً من مواليك تزوّج جارية مُعصراً لم تطمث ، فلمّا افتضّها سال الدم ، فمكث سائلاً لا ينقطع نحواً من عشرة أيّام» وفي الثانية قال : «قلت لأبي الحسن الماضي علیه السلام : جعلت فداك ، رجل تزوّج جارية أو اشترى جارية طمثت ، أو لم تطمث ، أو في أوّل ما طمثت ، فلمّا افترعها غلب الدم ، فمكث أيّاماً وليالي . . .» إلى آخره ، فترى

أنّ الظاهر من الاُولى أنّ السؤال كان مقصوراً على مُعصر لم تطمث ، والثانية عن التي طمثت ، أو لم تطمث ، أو في أوّل ما طمثت .

مدفوع : بأنّ هذا ليس من التشويش أو الاختلاف الموجبين للتأمّل فيها ؛ فإنّ ترك بعض الخصوصيات ممّا لا يضرّ بالحكم - لبعض الدواعي ، أو لعدم الداعي في النقل - لا يوجب خللاً فيها ، ولا ريب في أنّ اختلافهما إنّما هو لأجل ذلك ؛ ألا ترى أنّ مقدّمات ملاقاته وغيرها - ممّا هي مذكورة في الرواية الاُولى - إنّما

ترك ذكرها في الثانية لبعض الدواعي ، أو عدم الداعي في النقل ، فترك بعض شقوق المسألة أيضاً من هذا القبيل .

ولا ظهور للرواية الاُولى في كون السؤال مقصوراً على ما ذكر إلاّ لعدم الذكر والسكوت ، والمذكور فيها أحد الشقوق التي ذكرت في الرواية الثانية ؛ وهو قوله : «أو في أوّل ما طمثت» أي في أوّل زمان طمثها ، وهو بمنزلة قوله :

ص: 37


1- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 141 - 142 .

«معصراً» فإنّ المراد منه كونها في عصر الطمث وزمانه .

ومعنى «أوّل ما طمثت» : أوّل زمان طمثها ، في مقابل التي طمثت ؛ أي كانت امرأة ليس أوّل طمثها ، بل طمثت سابقاً . وقوله : «لم تطمث» في مقابلهما ؛ أي التي في سنّ الطمث ولمّا تطمث ؛ أي مضى منها أوقات كان من شأنها أن تطمث فيها ولم تطمث ، فلا إشكال من هذه الجهة فيها .

فتحصّل : أنّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ذات العادة وغيرها ، والدم الموصوف بصفات الحيض وغيره .

ولا ينافيها ما دلّ على اعتبار العادة والصفة :

أمّا اعتبار الصفات ؛ فلأنّ الظاهر من أدلّتها هو أنّ تلك الصفات مميّزات الحيض عن الاستحاضة ، لا عن مطلق الدماء كما مرّ(1) .

وأمّا اعتبار العادة فكذلك أيضاً ؛ فإنّ أقوى ما دلّ عليه هو مرسلة يونس القصيرة ، حيث قال فيها : «وكلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها من صفرة أو حمرة فهو من الحيض ، وكلّ ما رأته بعد أيّام حيضها فليس من الحيض»(2) .

والظاهر منها - بعد الغضّ عن الإشكالات الآتية فيها سنداً ومتناً (3) - أ نّها ناظرة إلى أنّ الصفات المميّزة بين الحيض والاستحاضة إنّما هي لغير ذات

ص: 38


1- تقدّم في الصفحة 18 .
2- الكافي 3 : 76 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 279 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 3 .
3- يأتي في الصفحة 92 - 95 .

العادة ، وأمّا هي فعلى عادتها ؛ رأت حمرة أو صفرة ، وليست ناظرة إلى مثل ما

نحن فيه ، وليست الكلّية إلاّ في مورد الصفات ، لا مطلق الدم ، فالجمع العرفي يقتضي اختصاص الرجوع إلى العادة بمورد الدوران بين الحيض والاستحاضة ، دون الحيض والعذرة ممّا ذكر له طريق خاصّ وأمارة مستقلّة .

أمارية التطوّق والانغماس في جميع صور الشكّ

ومنها : أنّ المرأة التي اشتبه دم حيضها بالعذرة تارة : تعلم حال سابقها ، واُخرى : لا تعلم ، بل حال حدوث الدم تشكّ في أ نّه منه ، أو منها ، أو مختلط منهما .

وعلى الأوّل تارة : تكون الحالة السابقة هي الحيض ، ثمّ تشكّ في عروض دم العذرة .

واُخرى : تكون هي دم العذرة ، ثمّ يحدث الشكّ في عروض الحيض ، فتحتمل بقاء دم العذرة وعدم كون الدم من الحيض ، وانقطاع دم العذرة وكونَه من الحيض ، واختلاطَهما .

وثالثة : تكون الحالة السابقة هما معاً ، ثمّ تشكّ في بقاء أحدهما وانقطاع الآخر ، أو بقائهما وامتزاجهما . وقد يكون الشكّ سارياً ، ويأتي فيه الفروض المتقدّمة .

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في أنّ المستفاد من روايات الباب : أنّ التطوّق أمارة للعذرة والانغماس للحيض في جميع صور الشكّ أو لا ، وعلى الأوّل هل يجب الاختبار في جميعها أو لا ؟

ص: 39

لا يبعد استفادة جميع الصور ما عدا الشكّ في زوال البكارة منها :

أمّا غير صورة كون الحالة السابقة هي الحيض فلإطلاقها ؛ فإنّه بعد سيلان الدم وعدم انقطاعه يمكن أن يكون الشكّ سارياً ، فتشكّ في أنّ الدم من أوّل الأمر من أيّهما كان ، ويمكن أن تكون عالمة بكونه من العذرة ، وتشكّ في حدوث الحيض ، ويمكن أن تكون عالمة بكونه منهما ، ثمّ تشكّ ؛ لأجل الشكّ في انقطاع أحدهما ، فترك الاستفصال دليل على إطلاق الحكم .

وأمّا الصورة المذكورة فلاستفادتها من رواية خلف الثانية ؛ فإنّ قوله : «جارية طمثت ، أو لم تطمث ، أو في أوّل ما طمثت» يحتمل وجوهاً ، أقربها أن يكون المراد من «التي طمثت» هي المرأة التي كانت تحيض ، ومن «التي لم تطمث» هي من لم تحض سواء كانت معصراً أو لا ، فحينئذٍ يكون المراد من «التي في أوّل ما طمثت» - بقرينة المقابلة - هي التي طمثت فعلاً ، وكان طمثها ذلك أوّلَ طمث لها ، فلمّا افترعها غلب الدم وصار كثيراً ، لا أ نّه حدث الدم ، وعليه فالصورة المذكورة تكون مسؤولاً عنها بالخصوص .

ومع الغضّ عنه يكون قوله : «جارية طمثت» بإطلاقه شاملاً لهذه الصورة ، وقوله «غلب الدم» أعمّ من غلبة الدم حدوثاً وغلبته بعد وجود أصله ؛ لو لم نقل بظهوره في الثاني .

وكيف كان : فلا يبعد استفادة جميع الصور من الرواية .

وأمّا صورة الشكّ في زوال العذرة وإن كانت خارجة منها ، لكن يفهم حكمها منها عرفاً ؛ فإنّ الظاهر - كما مرّ(1) - أنّ التطوّق أمارة لماهية دم

ص: 40


1- تقدّم في الصفحة 33 .

العذرة من غير تأثير للعلم والشكّ فيه ، فمع الشكّ في حصوله لو اختبرت فخرجت القطنة مطوّقة ، يحكم بزوال البكارة ، كما يحكم بكون الدم من العذرة .

حول وجوب الاختبار في جميع صور الشكّ

ثمّ بعد كون التطوّق أمارة مطلقة في حال الدوران بينهما ، وكذا الاستنقاع على الظاهر ، فالظاهر وجوب الاختبار في جميع الصور حتّى صورة الشكّ في زوال البكارة :

أمّا في غير هذه الصورة ، فظاهر بعد دخولها في مفاد الروايات .

وأمّا في هذه الصورة ، فلأنّ الظاهر منها أ نّه مع إمكان تحصيل الأمارة على أحدهما يسقط الأصل ؛ فإنّ صورة عدم المسبوقية بالحيض هي المتيقّنة من الصور في شمول الروايات لها ، ومع ذلك لم يعوّل عليها أبو الحسن علیه السلام

مؤكّداً بقوله : «فلتتّقِ اللّه» فيفهم منه أنّ الأصل في مثل ما يمكن تحصيل الأمارة الشرعية ، غير معوّل عليه . مع أنّ العرف أيضاً لا يساعد على الرجوع إلى الأصل مع وجود الأمارة الحاكمة ؛ وإمكانِ الاطّلاع عليها بالاختبار ، تأمّل .

فوجوب الاختبار مطلقاً أحوط ، بل أوجه وأقوى .

ثمّ إنّ وجوبه ليس نفسياً ولا شرطياً بل طريقي كوجوب العمل بخبر الواحد ، فإذا تركته وصلّت ، فإن كانت حائضاً تستحقّ العقوبة ؛ لأجل الصلاة في حال الحيض ، وإن كانت طاهرة تصحّ صلاتها مع حصول قصد القربة .

ص: 41

وليس في الروايات لإدخال القطنة كيفية خاصّة غير ما في رواية خلف(1) فهل الوَدْع مليّاً والإخراج رفيقاً واجبان ، أو لا ؟ وجهان :

من أنّ مقتضى الجمع بينها وبين إطلاق صحيحة زياد(2) تقييد إطلاقها .

ومن إمكان الحمل على الأولوية والاستحباب ؛ أخذاً بإطلاقها الذي في مقام البيان .

والأوّل أحوط لو لم يكن أقوى . واختلاف روايتي خلف من هذه الجهة لا يضرّ ؛ بعد تقدّم أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة عند العقلاء ، خصوصاً مثل تلك الزيادة التي لا يحتمل فيها الخطأ والاشتباه ، فعدم الذكر في الرواية الثانية لجهة من الجهات .

ثمّ إنّه إذا تعذّر عليها الاختبار ، ترجع إلى سائر القواعد المقرّرة للشاكّ .

ص: 42


1- تقدّمت في الصفحة 31 .
2- تقدّمت في الصفحة 34 .
المسألة الثالثة فيما يميّز به دم الحيض عن دم القرحة
اشارة

إذا اشتبه دم الحيض بدم القرحة ، فعن المشهور وجوب الاختبار وملاحظة خروج الدم من الأيسر أو الأيمن ، فإن كان من الأيسر فهو من الحيض ، وإن كان من الأيمن فهو من القرحة(1) .

وعن «المعتبر» عدم الاعتبار بالاختبار(2) ، وتبعه الأردبيلي وصاحب «المدارك»(3) . وعن الشهيد في «الدروس» عكس المشهور(4) ، وعن «الذكرى» الميل إليه(5) ، لكنّه أفتى في «البيان» موافقاً للمشهور(6) .

استفادة أمارية خروج الدم من الأيسر أو الأيمن من رواية أبان

ومبنى ذلك هو الاختلاف الواقع في نسخة «الكافي» و«التهذيب» في المرفوعة التي هي الأصل في هذا الحكم ، ففي «الكافي» عن محمّد بن يحيى رفعه عن أبان قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : فتاة منّا بها قرحة في جوفها ، والدم

ص: 43


1- تذكرة الفقهاء 1 : 252 ؛ مفتاح الكرامة 3 : 128 ؛ مستند الشيعة 2 : 385 - 386 ؛ جواهر الكلام 3 : 144 .
2- المعتبر 1 : 198 - 199 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 141 - 142 ؛ مدارك الأحكام 1 : 318 .
4- الدروس الشرعية 1 : 97 .
5- ذكرى الشيعة 1 : 229 .
6- البيان : 57 .

سائل لا تدري من دم الحيض أو من دم القرحة ، فقال :

«مُرها فلتستلقِ على ظهرها ، ثمّ ترفع رجليها ، ثمّ تستدخل إصبعها الوسطى ، فإن خرج الدم من الجانب الأيمن فهو من الحيض ، وإن خرج من الجانب الأيسر فهو من القرحة»(1) .

وعن الشيخ في «التهذيب» روايتها ، لكن فيها قال : «فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض ، وإن خرج من الجانب الأيمن فهو من القرحة»(2) .

ثمّ إنّ الظاهر ترجيح نسخة الشيخ على نسخة «الكافي» للشهرة المنقولة

على الفتوى بمضمونها قديماً وحديثاً ، بل عن «جامع المقاصد» نسبتها إلى فتوى الأصحاب(3) ، وعن «حاشية المدارك» نقل اتّفاق المتقدّمين والمتأخّرين من المحدّثين على موافقة المشهور(4) ، وهو الموافق لرسالة علي بن بابويه إلى الصدوق(5) التي قيل : «إنّها كانت المرجع عند إعواز النصوص»(6) والموافق «للفقه الرضوي»(7) وأفتى به المفيد(8) وغيره(9) .

ص: 44


1- الكافي 3 : 94 / 3 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 385 / 1185 .
3- جامع المقاصد 1 : 284 .
4- الحاشية على مدارك الأحكام 1 : 359 ، ذيل قوله : «وكذا قيل فيما يخرج» .
5- الفقيه 1 : 54 .
6- الحدائق الناضرة 3 : 134 .
7- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 193 .
8- لم نعثر عليه في مصنّفات المفيد رحمه الله ، اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 129 .
9- النهاية : 24 ؛ السرائر 1 : 146 .

فلا إشكال في اشتهار الحكم بين الأصحاب .

وفي مقابله فتوى ابن الجنيد(1) لكن مفروض كلامه دوران الأمر بين الحيض والاستحاضة ؛ فإنّ المحكيّ عنه : «أنّ دم الحيض أسود عبيط تعلوه حمرة ، يخرج من الجانب الأيمن ، وتحسّ المرأة بخروجه ، ودم الاستحاضة بارد رقيق يخرج من الجانب الأيسر» والظاهر أ نّه من الصفات المميّزة بين الحيض والاستحاضة ، كسائر الصفات المذكورة ، فلا يعلم فتواه في المقام .

وعن ابن طاوس والشهيد في «الذكرى» : «أنّ ما في «التهذيب» مخالفاً «للكافي» إنّما هو في النسخ الجديدة» وقطعا بأ نّه تدليس ، وكانت النسخ القديمة موافقة «للكافي»(2) .

وقد رجع «الشهيد» عن هذا الاعتقاد ظاهراً ؛ لفتواه في «البيان» - الذي يقال : إنّه متأخّر في التصنيف عن «الذكرى»(3) - موافقاً للمشهور(4) .

وعن «شرح المفاتيح» : «أنّ ابن طاوس لم ينقل عنه مخالفة المشهور»(5) .

وأمّا حديث التدليس في النسخ الجديدة ، فيردّه فتوى الشيخ في «المبسوط» و «النهاية» على وفق المشهور(6) ، ولا إشكال في أنّ مستنده هذه الرواية .

ص: 45


1- اُنظر المعتبر 1 : 199 ؛ مختلف الشيعة 1 : 194 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 131 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 229 - 230 .
3- مفتاح الكرامة 3 : 131 .
4- البيان : 57 .
5- مصابيح الظلام 1 : 116 .
6- المبسوط 1 : 43 ؛ النهاية : 24 .

مع أنّ اختلاف النسخ لم ينقل إلاّ من ابن طاوس والشهيد ، فعن ابن طاوس نسبة كون الحيض من الأيسر إلى بعض نسخ «التهذيب» الجديدة ، وعن «الذكرى» : أنّ كثيراً من نسخ «التهذيب» موافقة لرواية الكليني .

وكيف كان : لو كان الاشتباه من النسّاخ ، لما أفتى الشيخ في كتبه الفتوائية

- خصوصاً مثل «النهاية» - بخلافها .

ولو كانت النسخ الموافقة «للكافي» بهذه الكثرة لما خفي على غيرهما ، مع بناء محشّي «التهذيب» - على ما قيل(1) على نقل النسخ المختلفة ، ولم ينقلوا ذلك . بل عن «شرح المفاتيح» : «أ نّه اعترف جميع المحقّقين باتّفاق نسخ «التهذيب» على ما وجدناه»(2) .

فاتّضح أ نّه لم يكن خلاف في المسألة بين المتقدّمين - كالصدوقين والمفيد

والشيخ ومن تأخّر(3) عنهم - سوى المحقّق في «المعتبر» على ما حكي عنه ، وقد حكي عن «المعتبر» : «أنّ ما في «الكافي» لعلّه من وَهْم الناسخ»(4) . وأمّا الأردبيلي فطريقته المناقشة وعدم الاعتناء بالشهرات ، وكذا متابعوه .

ومن ذلك كلّه يقع الترديد فيما نقل عن ابن طاوس والشهيد وليس عندي كتابهما حتّى أتأمّل في عبارتهما ، فمن المحتمل أن يكون قطعهما بالتدليس كان

ص: 46


1- مصابيح الظلام 1 : 116 ؛ مفتاح الكرامة 3 : 131 ؛ جواهر الكلام 3 : 145 - 146 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 131 ؛ مصابيح الظلام 1 : 116 .
3- المهذّب 1 : 35 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 57 ؛ السرائر 1 : 146 .
4- المعتبر 1 : 199 .

لأمر غير ما ذكر ، كالاعتماد التامّ على «الكافي» وحفظه .

وعلى أيّ حال : فالمسألة مشهورة فتوى ، والخلاف - لو ثبت - شاذّ نادر ، وقد ذكرنا في محلّه : أنّ الشهرة الفتوائية ليست من المرجّحات(1) حتّى يناقش بأنّ ما نحن فيه ليس من الروايتين المتعارضتين ؛ بل بقيامها تمتاز الحجّة عن غيرها وأنّ المشتهرَ بين الأصحاب فتوى بيّنٌ رشده فيتّبع ، والشاذَّ النادرَ بيّنٌ

غيّه فيجتنب .

والإنصاف : أنّ الشهرة في مثل هذا الحكم المخالف للاعتبار والقواعد والتعبّدي المحض ، حجّة معتبرة في نفسها مع قطع النظر عن الرواية ، فضلاً عن المقام الذي يمكن حصول الاطمئنان باتّكالهم على رواية أبان أو «الفقه الرضوي» فالمسألة من هذه الجهة خالية من الإشكال .

وأمّا ما يقال : «من أنّ الحكم على خلاف الاعتبار ، وأنّ القرحة قد تكون في

الطرف الأيسر ، وقد تكون محيطة بالمحلّ»(2) فلا ينبغي الإصغاء إليه في الأحكام التعبّدية . مع أنّ كيفية خروج الدم غير معلومة لنا ، فلعلّ الغالب في خروج الحيض - إذا كانت المرأة مستلقية - كذلك .

وكيف كان : لا يمكن رفع اليد عن الدليل المعتبر بمثل ذلك ، مع دعوى شهادة النساء بما يوافق المشهور(3) .

ص: 47


1- التعادل والترجيح ، الإمام الخميني قدس سره : 115 - 116 و123 .
2- مدارك الأحكام 1 : 318 ؛ مستند الشيعة 2 : 388 .
3- الحاشية على مدارك الأحكام 1 : 359 ، ذيل قوله : «وكذا قيل فيما يخرج» .
الإشكال في مقتضى إطلاق رواية أبان

ثمّ إنّ إطلاق الرواية وترك الاستفصال فيها وإن اقتضى عدم الفرق بين الجهل بمحلّ القرحة والعلم به ؛ سواء كانت في الأيمن أو الأيسر - ودعوى جهل المرأة بمحلّها غالباً ، مع كون القرحة ذات ألم غالباً ، في غير محلّها - لكنّ الالتزام به مع العلم بكون القرحة في الطرف الأيسر ، في غاية الإشكال . مع عدم إحراز فتوى الأصحاب في مثل تلك المسألة التي تكون على خلاف الاعتبار ، فالاتّكال على مثل ترك الاستفصال في القضيّة التي لا يبعد أن تكون شخصية مشكلٌ ، تأمّل .

كما أنّ الظاهر أنّ تلك الأمارة خاصّة بدوران الأمر بين الحيض والقرحة ، لا مطلقاً . وما عن «المدارك» : «أنّ الجانب إن كان له مدخل في الحيض وجب اطّراده ، وإلاّ فلا»(1) فهو كما ترى .

ص: 48


1- مدارك الأحكام 1 : 318 .
المسألة الرابعة في سائر الاشتباهات بين دم الحيض وغيره
اشارة

فإنّ منشأ الشكّ في دم الحيض قد يكون فقدان الأمارة ، كما لو اشتبه بدم الجرح مثلاً ممّا لم يرد فيه نصّ .

وقد يكون تعارض الأمارتين ، كما لو رأت دماً فيه بعض صفات الحيض وبعض صفات الاستحاضة ؛ إن قلنا بأمارية الصفات .

وقد يكون قصور اليد عن الوصول إلى الأمارة المحقّقة ، كما لو علمت بتحقّق التطوّق أو الانغماس ، لكن اشتبه عليها حاله لأجل مانع من ظلمة أو غيرها .

وقد يكون عدم التمكّن من استعمال الأمارة ، كما لو غلب الدم ، أو ضاق المجرى . ومن فقدان الأمارة ما إذا كان الاشتباه ثلاثي الأطراف أو أكثر ، كما لو دار الأمر بين الحيض والاستحاضة والقرحة ، أو هي والجرح أو العذرة ؛ ممّا قصرت النصوص عن شمولها .

وأيضاً : قد يكون الشكّ لأجل الشكّ في المكلّف ، كما لو شكّت الخنثى في ذكورتها واُنوثتها ، فصار منشأً للشكّ في كون الدم حيضاً ، أو شكّت في بلوغها أو يأسها ، فصار منشأً لشكّها في كونه حيضاً .

وقد يكون الشكّ لأجل الشكّ في تحقّق شرط أو مانع ، كما لو شكّت في كون الدم بعد العشرة أو لا ، أو قبل الثلاثة أو لا ، أو شكّت في تحقّق الفصل المعتبر بين الدمين .

ص: 49

وقد يكون لأجل الشكّ في شرطية شيء ، كالتوالي ثلاثة أيّام ، أو مانعية شيء ، كالفترات اليسيرة بين ثلاثة أيّام .

وقد يكون لأجل الشكّ في تحقّق شرطه بعدُ ، كالمبتدئة التي تشكّ في استمرار دمها إلى ثلاثة أيّام .

إلى غير ذلك ، كالشكّ في كونه حيضاً مع وجدان الشرائط وفقدان الموانع بحسب الأدلّة الشرعية ، ومع تحقّق ما تحتمل شرطيته وفقدان ما تحتمل مانعيته بحسب الشبهات الحكمية ، لكن مع ذلك تشكّ في الحيضية لأجل بعض الاحتمالات الشخصية الجزئية التي تختلف بحسب اختلاف الحالات والأمزجة . هذه هي نوع الشكوك الواقعة أو ممكنة الوقوع للنساء .

فيقع الكلام في أ نّه مع فقدان الأمارات أو تعارضها أو عدم إمكان التعويل عليها ، هل تكون قاعدة شرعية أو عقلائية ممضاة ترفع الشكّ شرعاً وتكون معوّلاً عليها لدى الشبهة ، أو لا ؟ وعلى فرض وجودها ، فما حدّها سعةً وضيقاً ؛ وهل يمكن رفع جميع الشكوك المتقدّمة بها ، أو تختصّ ببعضها ؟

الكلام في قاعدة الإمكان

وليعلم : أنّ ما هو الدائر في الألسن والمشتهر بين الأصحاب في المقام هو قاعدة الإمكان ، وهي : «أنّ كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض» وقد تكرّر نقل الإجماع عليها ، وأرسلوها إرسال المسلّمات(1) ، فلا بدّ من بسط الكلام فيها موضوعاً ومدركاً ومورداً :

ص: 50


1- الخلاف 1 : 235 ؛ المعتبر 1 : 203 ؛ منتهى المطلب 2 : 287 ؛ قواعد الأحكام 1 : 213 .
موضوع قاعدة الإمكان

أمّا الأوّل : فيحتمل في بادئ الأمر أن يكون «الإمكان» بمعنى الاحتمال بقول مطلق ، فيشمل جميع الصور من الشكوك المتصوّرة ؛ لمساوقة الشكّ للاحتمال ، أو أعمّيته من الشكّ .

وأن يكون بمعنى عدم الامتناع بحسب القواعد الشرعية ؛ أي إذا لم يرد دليل شرعي على عدم حيضيته بحسب نفس الأمر ؛ وصل إلينا أو لم يصل .

وأن يكون بمعنى عدم الامتناع بحسب ما وصل إلينا من القواعد الشرعية ؛ أي إذا لم يدلّ دليل شرعي على عدم حيضيته ، واُحرز عدم امتناعه كذلك ، لا بمعنى الإمكان العامّ حتّى يشمل مورد قيام الأمارة على الحيضية ، بل بمعنى أ نّه إذا لم يقم أمارة ودليل شرعي على الطرفين تكون القاعدة معوّلاً عليها . ولعلّ هذا مراد من قال : «إنّ الإمكان هو الاحتمالي ، لكن الاحتمال المستقرّ»(1) .

وأن يكون بمعنى الإمكان الذاتي وعدم الامتناع ذاتاً ؛ أي سلب الضرورة عن الجانب المخالف للحكم بالحيضية .

هذا ، لكنّ الاحتمال الأخير غير صحيح ؛ لأنّ المراد من «الدم» هو الدم الخارجي الموجود ، لا ماهية الدم ، والدم الموجود إمّا واجب الحيضية ، أو ممتنعها . وكذا الاحتمال الثاني ؛ فإنّ العلم بالواقعيات غير حاصل للمكلّفين ، فتقييد الموضوع بأمر غير محقّق موجب للغوية القاعدة .

ص: 51


1- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 327 - 328 ؛ الروضة البهيّة 1 : 95 ؛ روض الجنان 1 : 201 ؛ رياض المسائل 1 : 345 .

فيبقى الاحتمال الأوّل والثالث :

ولازم الاحتمال الأوّل هو الحكم بحيضية كلّ محتمل إلاّ ما قام دليل على خلافها . بل المعوّل عليه هو القاعدة في موارد الشبهات المصداقية لأدلّة جعل الأمارات ، فلو شكّت في تحقّق أمارة العذرة أو الاستحاضة مثلاً ، فلا يجوز التمسّك بدليلهما ، ومعه ينسلك في موضوع القاعدة ؛ لأنّ موضوعها هو الاحتمال ، ومع عدم إحراز الأمارة يتحقّق الاحتمال الذي هو موضوعها ، وكذا في تعارض الأمارتين .

ولازم الثاني هو الحكم بحيضية ما اُحرز استجماعه للشرائط المقرّرة له ، فقبل استمرار الدم إلى ثلاثة أيّام لا يحكم بالحيضية إلاّ إذا اُحرز الشرط بالأصل . وكذا مع الشبهة المصداقية للقواعد المقرّرة الشرعية ؛ لعدم إحراز الإمكان بحسب القواعد المقرّرة . وكذا مع الشكّ في قيام الأمارة بعد إحراز أماريتها ، كما لو اشتبهت الأمارتان لأجل الظلمة مثلاً ؛ لعدم إحراز موضوع القاعدة ؛ وهو الإمكان الواقعي بالنظر إلى المقرّرات الشرعية . ثمّ إثباتُ أنّ «الإمكان» في موضوع القاعدة بأيّ معنى يكون ، تابعٌ للدليل الدالّ عليه .

دليل قاعدة الإمكان

وأمّا الثاني : فقد استدلّ عليها بوجوه :

الأوّل

: أصالة السلامة ، وقد عوّل عليها في «الرياض»(1) وقرّبها في «مصباح الفقيه» بما لا مزيد عليه . ومحصّله : أنّ أصل السلامة أصل معتبر معتمد

ص: 52


1- رياض المسائل 1 : 345 .

عليه عند العقلاء كافّةً في جميع اُمورهم معاشاً ومعاداً ، ويشهد به تتبّع الأخبار وسيرة العقلاء ؛ وأنّ دم الحيض تقذفه الرحم بمقتضى طبعها ومع عدم انحرافها عن حالتها الطبيعية ، وأمّا سائر الدماء - حتّى دم الاستحاضة - فدماء غير طبيعية

منشؤها خلل في المزاج أو آفة ، فلا يعتني العقلاء باحتمال ينافي أصالة السلامة ، فعند الاشتباه بين دم الحيض وغيره ، لا بدّ من البناء على الحيضية عملاً بأصل السلامة .

ثمّ بالغ في التأييد والاستشهاد بطوائف من الأخبار يأتي الكلام فيها إن شاء اللّه (1) وجعل جميعها دليلاً على كون الأصل في دم النساء هو الحيضية ، وأنّ ملاحظة سيرة النساء والأسئلة والأجوبة الواردة في الأخبار ، تكاد تُلحق المسألة بالبديهيات . . . إلى آخر ما فصّل وقرّر(2) .

ويمكن المناقشة فيه بوجوه :

منها : أنّ بناء النساء على أنّ الدم المقذوف حيض لو سلّم ، فكونه لأجل الاتّكال على أصل السلامة غير مسلّم ، خصوصاً مع هذه الحدود التي قرّرها الشارع ، فلو علمت المرأة : أنّ الدم بأيّ صفة وفي أيّ وقت خرج إذا لم يبلغ ثلاثة أيّام ونقص منها ولو ساعة واحدة ، ليس بحيض شرعاً ، وكذلك الدم المتجاوز عن العشرة ولو قليلاً ، والدم الخارج قبل تمام عشرة أيّام من الحيضة السابقة . . . وهكذا ، فهل تبني على الحيضية بمجرّد رؤية الدم اتّكالاً على أصالة الصحّة ، فتحكم باستمراره إلى ثلاثة أيّام ، وهل ترى أنّ العقلاء يحكمون بأنّ

ص: 53


1- ستأتي في الصفحة 56 - 64 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 66 .

الدم مع انقطاعه قبل ثلاثة أيّام بساعة من انحراف المزاج ، بخلافه إذا استمرّ إلى تمام الثلاثة ؟ !

والذي يمكن أن يقال : إنّ بناء النساء على حيضية الدم غالباً غير قابل للإنكار ، لكن لا لأجل الاتّكال على أصالة الصحّة ، بل معهودية الدم ، والحالات التي تعرضهنّ في حال خروج الدم أو قبله ، والأوصافُ والخصوصيات التي للدم المعهود ، وغيرُ ذلك من الغلبة وغيرها ، صارت موجبة لقطعهنّ أو اطمئنانهنّ بكون الدم هو المعهود من النساء ، وأمّا الاتّكال على مجرّد أصالة الصحّة - لو فرض عدم وجود الغلبة والقرائن والعلائم التي للدم وللمرأة في قرب رؤيته أو حينها - فغير معلوم ، لو لم نقل : إنّه معلوم العدم .

ومنها : أ نّه بعد تسليم جريانِ أصالة الصحّة وكونِ اتّكالهنّ عليها ، لا يمكن أن تكون دليلاً على قاعدة الإمكان ؛ سواء فسّرناها بالمعنى الأوّل من المعاني المتقدّمة ، أو بالثالث ؛ ضرورة أنّ أصالة السلامة ليست من الاُصول التعبّدية ؛

فإنّه مضافاً إلى عدم ثبوت التعبّد في الاُمور العقلائية ، لازمه أن لا نحكم على الدم بالحيضية ؛ لأنّ الحيضية من لوازم صحّة المزاج وسلامته ، فأصالة السلامة مجراها المزاج ، ولازم صحّة الرحم أن يكون قذفها طبيعياً ، ولازم ذلك كون الدم حيضاً وكون المرأة حائضاً ، فلا محيص لإثبات المدّعى ، إلاّ أن يدّعى : أنّ أصالة السلامة طريق عقلائي لإثبات متعلّقه ، وأنّ الظنّ الحاصل - لأجل الغلبة وغيرها - طريق إلى السلامة ، ومع ثبوتها تثبت لوازمها .

ص: 54

فمع تسليم هذه الأمارة العقلائية والغضّ عن المناقشة فيها ، لا يمكن أن تكون مبنى القاعدة ؛ لأنّ مفاد القاعدة : أنّ ما يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض ، بمجرّد احتمال الحيضية على المعنى الأوّل ، أو إمكانها - أي عدم الدليل على خلافها - على المعنى الثاني ، ومع قيام الأمارة على الحيضية يخرج المورد عن موضوع القاعدة ، وكيف يمكن أن يكون دليل الشيء مُعدِماً لموضوعه ؟ !

وبعبارة اُخرى : أنّ موضوع القاعدة هو إمكان الحيضية ، فوجوب الحيضية وامتناعها خارجان عن مصبّها ، إلاّ أن يفسّر «الإمكان» بالإمكان العامّ - أي سلب الضرورة عن الجانب المخالف بالنظر إلى القواعد الشرعية - حتّى لا ينافي الوجوب ، وهو كما ترى ؛ فإنّ مرجعها في كثير من الموارد أو جميعها أنّ كلّ ما يجب أن يكون حيضاً فهو حيض ، وأنّ كلّ ما دلّت الأدلّة الشرعية والأمارات المعتبرة على حيضيته فهو حيض .

فلا محيص عن أن يقال : إنّ قاعدة الإمكان قاعدة برأسها ، مؤسّسة للحكم بالحيضية فيما لم يدلّ دليل على أحد الطرفين ، وكانت المرأة فاقدة الأمارة ، فتأسيس القاعدة لرفع الشكّ عند فقد الأمارة . والالتزام بكونها منتزعة من موارد قيام الأدلّة على الحيضية إنكار لأصل القاعدة .

ومنها : أ نّه على فرض تسليم ذلك ، لا تفي أصالة السلامة بجميع موارد

قاعدة الإمكان ، ففي مورد تعارض الأمارتين ، أو الجهل بالأمارة القائمة ، أو كون المرأة في معرض اختلال المزاج وانحرافه ، لا مصير إلى أصالة الصحّة ، مع أنّ موضوع القاعدة يشملها . فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ الاستدلال بأصالة السلامة لإثبات المدّعى ممّا لا مجال له .

ص: 55

الثاني : التمسّك بطوائف من الأخبار ؛ إمّا مستقلاًّ ، أو مؤيّداً بها لأصالة السلامة(1) :

منها : ما وردت في تحيّض الحامل معلّلة ب- «أنّ الحبلى ربّما قذفت بالدم» كصحيحة عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه علیه السلام : أ نّه سئل عن الحبلى ترى الدم ، أتترك الصلاة ؟ قال : «نعم ؛ إنّ الحبلى ربّما قذفت بالدم»(2) .

وقريب منها مرسلة حَريز(3) . وهي تدلّ على أنّ احتمال قذف الدم موضوع للتحيّض ، وهذا هو قاعدة الإمكان .

وفيه : أنّ الحكم لمّا كان محلّ خلاف بين العامّة وكان أبو حنيفة منكراً لاجتماع الحيض مع الحبل(4) ، وردت هذه الروايات لرفع استبعاد اجتماعهما ، ولهذا ترى في بعضها ذكر وجه خروج دم الحيض ، كصحيحة سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : جعلت فداك ، الحبلى ربّما طمثت ؟ قال : «نعم ؛ وذلك أنّ الولد في بطن اُمّه غذاؤه الدم ، فربّما كثر ففضل عنه ، فإذا فضل دفقته ، فإذا دفقته حرمت عليها الصلاة»(5) .

ص: 56


1- رياض المسائل 1 : 345 - 346 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 68 - 69 ؛ مستمسك العروة الوثقى 3 : 235 - 236 .
2- الكافي 3 : 97 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 329 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب30 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 386 / 1186 ؛ وسائل الشيعة 2 : 332 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 9 .
4- اُنظر الخلاف 1: 239 ؛ المغني، ابن قدامة 1 : 371 ؛ فتح العزيز، ذيل المجموع 2 : 576 .
5- الكافي 3 : 97 / 6 ؛ وسائل الشيعة 2 : 333 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 14 .

فقوله : «إنّ الحبلى ربّما قذفت بالدم» إخبار عن الواقع لرفع الاستبعاد ، لا للتعبّد بجعل الدم حيضاً بمجرّد الاحتمال .

كما ترى أنّ ما في صحيحة أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الحبلى ، ترى الدم ؟ قال : «نعم ؛ إنّه ربّما قذفت المرأة الدم وهي حبلى»(1) كالصريح فيما ذكرنا ؛ فإنّ قوله : «نعم» جواب سؤاله : بأنّ الحبلى ترى الدم أو لا ؟ وقوله : «إنّه ربّما قذفت . . .» إخبار عن واقع محفوظ ، ولا معنى للتعبّد في هذا المقام .

ولا يخفى : أنّ مضمون الروايات التي ذكر فيها هذه الجملة واحد ، فقوله في صحيحة عبداللّه المتقدّمة : «إنّ الحبلى ترى الدم ، أتترك الصلاة ؟» مراده أ نّها

ترى الدم المعهود مثل سائر النساء ، فهل عليها أن تترك الصلاة أو لا ؟

ولهذا عرّف «الدم» في الروايات باللام ، كما ترى في صحيحة عبد الرحمان - قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الحبلى ، ترى الدم وهي حامل كما كانت ترى قبل ذلك في كلّ شهر ، هل تترك الصلاة ؟ قال : «تترك الصلاة إذا دام»(2) وفي صحيحة ابن مسلم عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن الحبلى ، ترى الدم كما كانت ترى أيّام حيضها مستقيماً في كلّ شهر . . .(3) الحديث - أنّ السؤال عن ترك

ص: 57


1- تهذيب الأحكام 1 : 386 / 1188 ؛ وسائل الشيعة 2 : 332 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 10 .
2- الكافي 3 : 97 / 4 ؛ وسائل الشيعة 2 : 330 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1194 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 7 .

الصلاة بعد الفراغ عن كون الدم في أيّام العادة أو بصفات الحيض ؛ لاحتمال أن لا يجتمع الحيض والحبل ، كما قال أبو حنيفة .

وكيف كان : فالتأمّل في الروايات يورث القطع بعدم كونها في مقام إفادة القاعدة .

بل يمكن أن يدّعى : أنّ في أخبار جواز اجتماع الحمل والحيض ما يشهد بعدم اعتبار قاعدة الإمكان ؛ للإرجاع إلى الصفات ، ففي صحيحة أبي المغرا : «إن كان دماً كثيراً فلا تصلّينّ ، وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كلّ صلاتين»(1) .

وفي موثّقة إسحاق : «إن كان دماً عبيطاً فلا تصلّي ذينك اليومين ، وإن كان صفرة فلتغتسل عند كلِّ صلاتين»(2) .

وفي رواية محمّد بن مسلم : «إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلّي ، وإن كان دماً قليلاً أصفر فليس عليها إلاّ الوضوء»(3) .

فتحصّل : أنّ الاستدلال بهذه الروايات للقاعدة في غير محلّه .

ومنه يظهر حال ما دلّ على التحيّض قبل وقت حيضها معلّلاً ب- «إنّه ربّما تعجّل بها الوقت» وهو موثّقة سَماعة قال : سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها ، فقال : «إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع

ص: 58


1- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1191 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1192 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 6 .
3- الكافي 3 : 96 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 334 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 16 .

الصلاة ؛ فإنّه ربّما تعجّل بها الوقت»(1) .

فإنّ الظاهر أنّ قوله : «ربّما تعجّل بها الوقت» ليس بصدد بيان أنّ مجرّد احتمال التعجّل موضوع للحكم بالحيضية ، بل بصدد أنّ الدم المعهود للنساء إذا جرى قبل العادة فهو من الحيض ، ويكون من تعجّل الوقت ؛ فإنّ العادة في النساء ليست مضبوطة بالدقّة بحيث لا تتقدّم يوماً أو يومين ، بل كثيراً ما يتعجّل الوقت فيكون من العادة .

بل يمكن دعوى إشعارها - أو دلالتها - بعدم اعتبار قاعدة الإمكان ؛ فإنّها لو كانت معتبرة ، وكان كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً محكوماً بالحيضية ، لم يكن وجه لتخصيص الحكم بما يصدق عليه عرفاً عنوان «تعجّل الوقت» وقد حدّده في بعض الروايات بيوم أو يومين ، فالتقييد بذلك لأجل أمارية العادة للحيض ، لكن لا بمعنى أ نّها منضبطة بحيث لا تتقدّم قليلاً أو لا تتأخّر كذلك .

وبالجملة : لا يستفاد من مثل تلك الرواية قاعدة الإمكان .

وممّا استدلّ به لها ما دلّ على أنّ ما رأت قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة

الاُولى كصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال : «إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى ، وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة»(2) .

ص: 59


1- الكافي 3 : 77 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 77 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 298 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 11 ، الحديث 3 .

وروايته عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة ، وإذا رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى ؛ وإذا رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضة اُخرى مستقبلة»(1) .

ورواية عبدالرحمان بن أبي عبداللّه في أبواب العدد قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة إذا طلّقها زوجها ، متى تكون هي أملك بنفسها ؟ قال : «إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فهي أملك بنفسها» .

قلت : فإن عجّل الدم عليها قبل أيّام قُرْئها ؟ فقال : «إن كان الدم قبل عشرة أيّام فهو أملك بها ، وهو من الحيضة التي طهرت منها ، وإن كان الدم بعد العشرة أيّام فهو من الحيضة الثالثة ، وهي أملك بنفسها»(2) .

دلّت هذه الأخبار على أنّ الدم بمجرّد رؤيته محكوم بالحيضية ، لكن إذا كان قبل العشرة فهو من الاُولى ، وإذا كان بعدها فهو من الثانية .

وأنت خبير : بأنّ الظاهر من الروايات مفروغية كون الدم حيضاً ، وأنّ محلّ البحث كونه من الاُولى أو الثانية .

وبعبارة اُخرى : أ نّها في مقام بيان أنّ أيّ دم من الحيضة الاُولى ، وأيّ دم من الحيضة الثانية ، لا في مقام بيان أنّ كلّ ما رأته فهو من الحيض .

وممّا يوضح ذلك قوله في رواية ابن مسلم : «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة»

ص: 60


1- تهذيب الأحكام 1 : 156 / 448 ؛ وسائل الشيعة 2 : 296 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب10 ، الحديث 11 .
2- الكافي 6 : 88 / 10 ؛ وسائل الشيعة 22 : 212 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 17 ، الحديث 1 .

فإنّ قوله : «إذا رأت الدم . . .» عقيب ذلك يؤكّد أنّ المراد منه هو دم الحيض . كما أنّ قوله في الرواية الأخيرة : «فإن عجّل الدم عليها قبل أيّام قُرْئها» كالصريح في

تعجّل دم الحيض ، فقوله : «إن كان الدم قبل عشرة أيّام . . .» إلى آخره جواباً عن ذلك ، ظاهر في أنّ الكلام بعد فرض حيضية الدم .

وتوهّم عدم علمها بالحيضية لو لا القاعدة مدفوع بأنّ النساء كثيراً ما علمن بها بواسطة القرائن والأمارات التي عندهنّ . مع أنّ الشارع جعل للحيض طريقاً إذا اشتبه بالاستحاضة ، والاشتباه قلّما يتّفق في غيرهما .

وبالجملة : استفادة مثل تلك القاعدة من مثل تلك الروايات غير ممكن .

ومنها : صحيحة عبداللّه بن المغيرة عن أبي الحسن الأوّل في امرأة نفست ، فتركت الصلاة ثلاثين يوماً ، ثمّ طهرت ، ثمّ رأت الدم بعد ذلك ، قال : «تدع الصلاة ؛ لأنّ أيّامها - أيّام الطهر - قد جازت مع أيّام النفاس»(1) .

حيث حكم بالحيضية بمجرّد عدم الامتناع وخروج أيّام الطهر .

وفيه أوّلاً : أنّ تلك الرواية - في عداد سائر الروايات التي دلّت على أنّ أيّام النفاس يمكن أن تكون ثلاثين يوماً أو أزيد(2) - ممّا أعرض أصحابنا عنها (3) . مع أنّ ظاهرها أنّ أيّام النفاس تجتمع مع أيّام الطهر ، وهو أيضاً يوجب الاضطراب في المتن ؛ وإن أمكن تأويله بالحمل على أيّام النفاس

ص: 61


1- الكافي 3 : 100 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 393 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 5 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 387 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 13 و16 و17 و18 .
3- جواهر الكلام 3 : 378 .

عرفاً وإن لم يكن واقعاً وشرعاً ، لكنّه تأويل بعيد ينافي تقريره ترك الصلاة

ثلاثين يوماً .

إلاّ أن يقال : إنّ قوله : «لأنّ أيّامها - أيّام الطهر - قد جازت مع أيّام النفاس» في مقام الردع عن ترك الصلاة ؛ فإنّ أيّام النفاس ليست أيّام الطهر عيناً ، فيحمل على أنّ الثلاثين ليست أيّام النفاس جميعاً ، بل بعضها أيّام النفاس ، وبعضها أيّام

الطهر ، فيكون قد أظهر الحكم الواقعي تحت حجاب التقيّة .

وثانياً : أنّ المراد من «الدم» هو دم الحيض مقابل الصفرة ، وهو أمارة الحيض عند دوران الأمر بينه وبين الاستحاضة . والشاهد عليه - مضافاً إلى أنّ «الدم» في الروايات ذُكر في مقابل الصفرة - صحيحة عبدالرحمان بن الحجّاج قال : سألت أبا إبراهيم علیه السلام عن امرأة نفست ، فمكثت ثلاثين يوماً أو أكثر ، ثمّ طهرت وصلّت ، ثمّ رأت دماً أو صفرة ، قال : «إن كان صفرة فلتغتسل ولتصلّ ، ولا تمسك عن الصلاة»(1) .

وروى الشيخ مثلها ، إلاّ أ نّه قال : فمكثت ثلاثين ليلة أو أكثر ، وزاد في آخرها : «فإن كان دماً ليس بصفرة فلتمسك عن الصلاة أيّام قرئها ، ثمّ لتغتسل ولتصلّ»(2) فتدلّ على أنّ مرجعها الصفات ، لا قاعدة الإمكان ، والإنصاف أ نّها على خلاف المطلوب أدلّ .

ص: 62


1- الكافي 3 : 100 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 393 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 5 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 176 / 503 ؛ الاستبصار 1 : 151 / 523 ؛ وسائل الشيعة 2 : 393 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 5 ، الحديث 3 .

ومنها : صحيحة يونس بن يعقوب أو موثّقته(1) ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : المرأة ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة . . . قال : «تدع الصلاة ؛ تصنع ما بينها وبين شهر ، فإن انقطع عنها الدم ، وإلاّ فهي بمنزلة المستحاضة»(2) وقريب منها رواية أبي بصير(3) .

لكنّ التمسّك بمثلهما لا يجوز ؛ للزوم كون الحيض أكثر من عشرة أيّام ، أو كون الطهر أقلّ منها ، وكلاهما خلاف الواقع ، فلا بدّ من طرحهما أو توجيههما ، وقد وجّههما الشيخ والمحقّق بما لا بأس به(4) .

هذا مع أنّ قوله : «ترى الدم» في مقابل «ترى الطهر» أي ترى الحيض والدم المعهود . مضافاً إلى أنّ الرواية في مقام بيان حكم آخر ، ولا يمكن أن يتمسّك بها للمقام ، كما لا يخفى .

ص: 63


1- رواها الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن يونس بن يعقوب . والرواية صحيحة أو موثّقة ؛ لأنّ يونس بن يعقوب مردّد بين كونه ثقةً أو موثّقاً ، فإنّه كان فطحياً ثمّ رجع . ولكن لا يخفى أنّ الرواية صحيحة عند المصنّف كما يأتي التصريح بها في الصفحة 126 ، 181 و379 . راجع تنقيح المقال 3 : 344 - 345 (أبواب الياء) .
2- الكافي 3 : 79 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 285 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 380 / 1180 ؛ وسائل الشيعة 2 : 286 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 ، الحديث 3 .
4- الاستبصار 1 : 132 ، ذيل الحديث 454 ؛ المعتبر 1 : 207 .

ومنها : ما دلّ على أنّ الصائمة تفطر بمجرّد رؤية الدم(1) . ولا يخفى ما فيه بعد الرجوع إليها . كما لا يخفى ما في التمسّك بقوله : «والصفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض» كصحيحة ابن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة ترى

الصفرة في أيّامها ، فقال : «لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها ، وإن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت وصلّت»(2) إذ لا إشكال في أنّ الظاهر من «الأيّام» - خصوصاً قوله : «أيّامها» - هو أيّام العادة ، دون أيّام الإمكان كما قيل(3) .

ومنها : صحيحة العيص بن القاسم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن امرأة ذهب طمثها سنين ، ثمّ عاد إليها شيء ، قال : «تترك الصلاة حتّى تطهر»(4) . فإنّ عود شيء أعمّ من الموصوف بصفات الحيض وغيره ، وفي زمان العادة وغيره .

وفيه : أنّ ظاهر العود مجيء الطمث . مع أنّ الأخذ بإطلاق قوله : «شيء» لا معنى له ، فلا بدّ من تقدير ، والظاهر أنّ التقدير : «عاد إليها شيء من الطمث»

فإنّه ذهب فعاد ، ولا أقلّ من احتماله ، ومعه لا يجوز التمسّك به للقاعدة .

الثالث : الإجماع ، كما في «الخلاف» وحكي عن «المعتبر» و«المنتهى» و«النهاية» وبعض من تأخّر عنهما .

ص: 64


1- كخبر منصور بن حازم ، تهذيب الأحكام 1 : 394 / 1218 ؛ وسائل الشيعة 2 : 366 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 50 ، الحديث 3 .
2- الكافي 3 : 78 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 1 .
3- المبسوط 1 : 43 ؛ اُنظر جواهر الكلام 3 : 166 .
4- الكافي 3 : 107 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 337 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 32 ، الحديث 1 .

وفيه : - مضافاً إلى وهن دعوى الإجماع في مثل هذه المسألة التي

كثرت الأخبار والقواعد فيها ؛ بحيث يمكن اتّكال القوم عليها ، فكيف يمكن حصول العلم أو الاطمئنان بوجود شيء آخر غير تلك الأدلّة كان هو منشأ الإجماع ؟ ! - أنّ في أصل الدعوى تأمّلاً وإشكالاً ، فلا بدّ من نقل عباراتهم حتّى

يتّضح الحال :

قال في «الخلاف» (1) : الصفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض ، وفي أيّام

الطهر طهر ؛ سواء كانت أيّام العادة ، أو الأيّام التي يمكن أن تكون حائضاً فيها ، وعلى هذا أكثر أصحاب الشافعي(2) . . . إلى أن قال : دليلنا على صحّة ما ذهبنا إليه إجماع الفرقة ، وقد بيّنّا أنّ إجماعها حجّة ، وأيضاً : روى محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها ، فقال : «لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها ، وإن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت وصلّت»(3) ثمّ تمسّك برواية أبي بصير(4) .

وقد نقل(5) عن «المبسوط» تفسير قوله : «والصفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض» بأيّام الإمكان(6) ، فكأنّ الشيخ فهم من قوله : «أيّامها» و«أيّام الحيض»

ص: 65


1- الخلاف 1 : 235 .
2- فتح العزيز ، ذيل المجموع 2 : 485 ؛ المجموع 2 : 392 .
3- الكافي 3 : 78 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 1 .
4- تأتي في الصفحة 163 .
5- جواهر الكلام 3 : 165 - 166 .
6- المبسوط 1 : 43 .

أيّامَ الإمكان ، فحينئذٍ من الممكن مطابقة عبارات الأصحاب أو جملة منهم لهذا

النصّ الذي استند إليه ، وقد فهم الشيخ منها ما فهم ، وأسند إليهم الحكم باجتهاده ،

فصارت المسألة - بتخلّل اجتهاده - إجماعية .

وبالجملة : بعد استظهار الشيخ أيّامَ الإمكان من «أيّامها» في مثل رواية ابن مسلم لا يبقى وثوق بنقل إجماعه ؛ لإمكان استظهاره ذلك من عبارات الفقهاء أيضاً ، خصوصاً مع دعواه : «أنّ الفقهاء كان بناؤهم على عدم التخطّي عن النصوص ، بل عن عباراتها أيضاً»(1) .

هذا مع أنّ في مطلق إجماعات «الخلاف» كلاماً على نحو الكلام الذي في إجماعات «الغنية»(2) .

وعن «المعتبر» : «وما تراه المرأة بين الثلاثة إلى العشرة حيض إذا انقطع ، ولا عبرة بلونه ما لم يعلم أ نّه لقرح أو لعذرة ، وهو إجماع . ولأ نّه زمان يمكن أن يكون حيضاً ، فيجب أن يكون الدم فيه حيضاً»(3) .

وعن «المنتهى»: «كلّ دم تراه المرأة ما بين الثلاثة إلى العشرة ثمّ ينقطع عليها ،

فهو حيض ما لم يعلم أ نّه لعذرة أو قرح ، ولا اعتبار باللون ، وهو مذهب علمائنا أجمع، ولا نعرف مخالفاً؛ لأ نّه في زمان يمكن أن يكون حيضاً، فيكون حيضاً»(4).

وعن «النهاية» : «كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً وينقطع على العشرة فإنّه

ص: 66


1- المبسوط 1 : 2 .
2- أنوار الهداية 1 : 202 .
3- المعتبر 1 : 203 .
4- منتهى المطلب 2 : 287 .

حيض - سواء اتّفق لونه أو اختلف ، قوي أو ضعف - إجماعاً» ثمّ استدلّ بأ نّه دم في زمان يمكن . . . إلى آخره(1) .

وأنت خبير : بأنّ شيئاً من تلك الكلمات ، لا يدلّ على دعوى الإجماع على القاعدة ، بل يكون محلّ كلامهما هو المسألة الفرعية ؛ وهي ما ترى المرأة بين الثلاثة إلى العشرة ، فادّعيا الإجماع على هذه المسألة الفرعية ، وأضافا التمسّك بالقاعدة من غير دعوى الإجماع عليها .

وتوهّم كون موضوع كلام العلاّمة في «النهاية» قاعدة الإمكان ، فاسد جدّاً ؛ للزوم المصادرة والاستدلال على القاعدة بنفسها .

فمن المحتمل - بعيداً - أن يكون مفروض كلامهما بعد مفروغية كون الثلاثة حيضاً ، ويكون مستندهما في حيضية الزائد إلى العشرة هو الاستصحاب . وذكر إمكان حيضية الدم لتنقيح موضوع الاستصحاب ، لا التمسّك بالقاعدة ، كما عن «الذكرى»(2) : «أنّ ما بين الأقلّ والأكثر حيض مع إمكانه وإن اختلف لونه ؛ لاستصحاب الحيض ، ولخبر سماعة(3)» . ومعلوم أنّ التمسّك بالاستصحاب بعد مفروغية كون الدم في الثلاثة حيضاً .

وممّا ذكرنا يتّضح حال دعوى عدم الخلاف والإجماع والشهرة من المتأخّرين والمقاربين لعصرنا (4) ؛ لعدم الوثوق بها في هذه المسألة التي

ص: 67


1- نهاية الإحكام 1 : 118 و134 ؛ اُنظر الطهارة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 319 .
2- ذكرى الشيعة 1 : 231 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 161 / 462 ؛ وسائل الشيعة 2 : 309 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 17 ، الحديث 4 .
4- رياض المسائل 1 : 345 ؛ جواهر الكلام 3 : 163 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 64 .

مرّ حالها من ترامي الأدلّة والاستدلالات فيها . وطريق الاحتياط واضح ، وهو سبيل النجاة .

في مقدار سعة قاعدة الإمكان

وأمّا الثالث : أي بيان موردها ومقدار سعة نطاقها ، فهو تابع لمدرك القاعدة ، فيختلف باختلافه :

فإن كان مثل أصالة السلامة ، فيلاحظ بناء العقلاء في الإجراء والاستناد ، ولا إشكال في عدم مورد لجريانها إلاّ فيما شكّ موضوعاً في أنّ الدم الخارج منها هو الدم الطبيعي المقذوف من الرحم السالم أو لا ، وكان منشأ الشكّ فيها هو الشكّ في السلامة والانحراف ، دون سائر الموارد من الشبهات الحكمية ، أو الشكّ في تحقّق ما يعتبره الشارع ، أو الشبهة الحاصلة من تعارض الأمارات ، أو عدم إمكان العلم بالأمارة الموجودة ، أو عدم إمكان استعمال الأمارة . . . وغير ذلك من الشبهات المتقدّمة(1) .

وإن كان المستند هو الروايات ، فلا بدّ من ملاحظة مفاد المستند ، وأشملها دلالةً على الفرض هو روايات اجتماع الحمل والحيض وما دلّ على أنّ الوقت ربّما يعجّل بها ورواية النفاس(2) وشيء منها لا يدلّ إلاّ على البناء على الحيض في الشبهة الموضوعية والشكّ في أنّ الدم الخارج حيض أو لا ؛ فإنّ الظاهر من الروايات الواردة في الحمل ، أنّ الشبهة كانت في أنّ الحامل تقذف الحيض ، أو

ص: 68


1- تقدّمت في الصفحة 49 .
2- تقدّمت في الصفحة 56 و58 و61 .

لا تقذف ؛ لكون الدم غذاء ولدها ، فدلّت الروايات على أنّ الغذاء قد يزيد عن

الطفل ، فتقذفه الرحم .

وأمّا سائر الشكوك - كالشكّ في اعتبار الشارع أمراً في لزوم ترتّب الآثار ، أو الشكّ في تحقّق ما اعتبره الشارع . . . وأمثال ذلك - فلا دلالة فيها بالبناء عليها

بوجه . ومنه يظهر حال سائر الروايات .

وأمّا الإجماع ، فالقدر المتيقّن منه الشبهة الموضوعية ؛ بعد إحراز ما له مدخل في الحكم بالحيضية ، كالبلوغ وعدم اليأس والاستمرار إلى ثلاثة أيّام . بل مع الشبهة الحكمية في دخل شيء فيه - كالشكّ في شرطية التوالي مثلاً ، أو مانعية شيء - يشكل التمسّك بالقاعدة ؛ لعدم ثبوت الإجماع في مثله أيضاً على فرضه .

والإنصاف : أنّ القاعدة بنفسها غير ثابتة ، وبعض الفروع التي ادّعي الإجماع

فيها - لو ثبت قيامه عليها ، كالفرع المتقدّم الذي سيأتي الكلام فيه(1) - نلتزم به ؛ لا لأجل القاعدة ، بل للإجماع في المسألة الفرعية .

حول أمارية القاعدة وأصليتها وبيان نسبتها مع غيرها

ثمّ إنّ القاعدة - على فرض تماميتها - في كونها أصلاً أو أمارة ، تابعة لمدركها :

فإن كان المدرك لها هو أصالة السلامة ، وقلنا بأماريتها أو الظنّ الحاصل لأجل الغلبة ، فتكون أمارة .

ص: 69


1- يأتي في الصفحة 180 .

وإن كان المدرك لها الإجماع والأخبار ، فلا تكون إلاّ أصلاً معوّلاً عليه لدى الشبهة .

ثمّ إنّ تقديمها على الاستصحاب - بناءً على أماريتها - واضح أصلاً وكيفيةً . وأمّا بناءً على أصليتها فمقدّمة عليه أيضاً ؛ للزوم لغويتها لو عملنا بالاستصحاب ؛

لنُدرة مورد لا يكون فيه استصحاب .

وتأخّرها عن سائر الأمارات الشرعية على الأصلية ، واضح . وأمّا على الأمارية فلأنّ جعل الأمارات الشرعية لغير الحيض رادع عن بناء العقلاء ، فلو دار الأمر بين الحيض والاستحاضة في المبتدئة مثلاً ، وقلنا بأمارية البرودة والصفرة والفتور للاستحاضة ، فلا مجال للتمسّك بالقاعدة حتّى على الأمارية ؛ لعدم اعتبار بناء العقلاء مع قيام الأمارة على خلافه .

هذا تمام الكلام في قاعدة الإمكان .

وقد تحصّل عدم اعتبارها ، فمع الشكّ في كون دمٍ حيضاً أو غيره - ممّا لم تقم أمارة أو دليل على رفع الشبهة - لا محالة يرجع الأمر إلى الاُصول الشرعية ؛ موضوعية أو حكمية ، واللّه العالم .

ص: 70

المطلب الثاني: في حدود الحيض وقيوده وشرائطه
اشارة

وهي اُمور :

الأمر الأوّل : فيما تراه الصبيّة قبل البلوغ
اشارة

لا إشكال نصّاً وفتوى في أنّ ما تراه الصبيّة قبل بلوغها تسعاً ، ليس بحيض وإن كان مع الصفات والمميّزات ، وقد تكرّر دعوى الإجماع عليه(1) ، وتدلّ عليه بعده صحيحة عبدالرحمان بن الحجّاج قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «ثلاث يتزوّجن على كلّ حال : التي لم تحض ومثلها لا تحيض» .

قال : قلت : وما حدّها ؟ قال : «إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين . . .»(2) .

وليس في سندها من يمكن التوقّف فيه إلاّ سهل بن زياد وهو مورد وثوق على الأصحّ(3) .

ص: 71


1- نهاية الإحكام 1 : 116 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 228 ؛ مستند الشيعة 2 : 374 .
2- الكافي 6 : 85 / 4 ؛ وسائل الشيعة 22 : 179 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 2 ، الحديث 4 .
3- سيأتي وجهه في الصفحة 78 .

ورواها الشيخ بسند فيه الزبيري(1) وفيه توقّف وإن لم يبعد وثاقته .

والظاهر منها أنّ الحدّ هو تمام التسع ؛ لأنّ «تسع سنين» لا تصدق إلاّ من حين الولادة إلى آخر التسعة ، فإتيان تسع سنين لا يكون إلاّ بتمامها ؛ للفرق بين قوله : «أتى لها تسع سنين» وقوله : «أتى لها السنة التاسعة» فمع ورودها في التاسعة أتى لها السنة التاسعة ، ولكن أتى لها أقلّ من تسع سنين ، كما أ نّها لم تبلغ

تسع سنين ، كما في روايته الاُخرى .

كما أنّ المراد منه التحقيق لا التقريب .

لا لما قيل : «إنّ الظاهر من مقام التحديد هو ذلك»(2) وإن لم يخلُ من وجه .

ولا لما قيل : «من أنّ تطبيق المفاهيم على المصاديق يكون بالدقّة العقلية ، لا بتشخيص العرف»(3) فإنّه ضعيف ؛ لأنّ مبنى مخاطبات الشرع معنا كمخاطبات بعضنا مع بعض ، ولا شبهة في أنّ المخاطبات العرفية لا تكون مبنيّة على الدقّة العقلية ؛ لا مفهوماً ولا في تشخيص المصاديق .

ص: 72


1- رواها الشيخ بإسناده ، عن علي بن الحسن ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن صفوان ، عن عبدالرحمان بن الحجّاج . قال الشيخ في المشيخة : «وما ذكرته في هذا الكتاب عن علي بن الحسن بن فضّال فقد أخبرني به أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعاً منه وإجازة عن علي بن محمّد ابن الزبير عن علي بن الحسن بن فضّال» . تهذيب الأحكام ، المشيخة 10 : 55 - 56 . تهذيب الأحكام 7 : 469 / 1881 ؛ وسائل الشيعة 22 : 183 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 3 ، الحديث 5 .
2- مستند الشيعة 2 : 374 .
3- كفاية الاُصول : 77 ؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 574 .

فإذا قال : «اغسل ثوبك من الدم» فكما أنّ مفهومه يؤخذ من العرف ، كذلك المعوّل عليه في تشخيص المصداق هو العرف ، فلون الدم دم عقلاً ، لكن لا يجب غسله ؛ لعدم كونه دماً عرفاً ، بل هو لون الدم .

بل لأنّ الميزان في تشخيص المفاهيم والمصاديق نظر العرف بحسب فهمه ودقّته ، لا مع التسامح العرفي .

فإذا كان للمفهوم مثلاً ثلاثة مصاديق :

أحدها : مصداق برهاني عقلي ؛ بحيث لا سبيل للعرف إلى تشخيصه ولو مع الدقّة وعدم التسامح ، كلون الدم ؛ فإنّ العرف لا يدرك استحالة انتقال العرض ؛ وأنّ المنتقل أجزاء صغار جوهرية ، فلا يكون اللون دماً في أدقّ نظر العرف ، ولا يتسامح في سلب الدمية عنه .

وثانيها : مصداق عرفي من غير تسامحٍ عرفي ، بل يكون مصداقاً بدقّته العرفية .

وثالثها : مصداق تسامحي لدى العرف ، كإطلاق «الألف» على عدد ناقص منه بواحد أو اثنين ، وإطلاق «الرطل» على ما نقص بمثقال أو درهم ، ولا إشكال في أنّ هذا الإطلاق مسامحي مجازي يحتاج إلى التأوّل .

فميزان تشخيص موضوعات الأحكام هو الثاني لا الأوّل ، وهو معلوم . ولا الثالث ، إلاّ مع قيام قرينة - حالاً أو مقالاً - على تسامح المتكلّم ، وإلاّ فأصالة الحقيقة محكّمة .

هذا من غير فرق بين الموضوعات ، ولا بين مقام التحديد وغيره ، ف- «الماء» موضوع لهذا المائع المعروف ، وتسامح العرف - في إطلاقه على شيء - لا يكون متّبعاً .

ص: 73

فإطلاق العرف بلوغ التسع على من بلغت التسع إلاّ عدّة أيّام ، مسامحي مجازي . ولهذا لو سئلوا : «هل بلغت تمام التسع ؟» لأجابوا بالنفي ، واعترفوا بالتسامح .

فبلوغ التسع لا يكون إلاّ بتمام الدورة التاسعة من السنة القمرية التي هي المنصرف إليها عند العرف العامّ ، والشمسية يحتاج معرفتها إلى مبانٍ علمية ونجومية لا يعرفها عامّة الناس ، خصوصاً الأعراب وفي تلك الأزمنة ، إلاّ أن تكون قرينة موجبة للتعيّن ، كما قد تدّعى في باب سنة الخمس(1) .

كما لا إشكال في التلفيق وحساب المنكسر ؛ لقضاء العرف به .

في التنافي بين كون الحيض دليل البلوغ وعدم حيضية ما تراه الصبيّة

ثمّ إنّ هاهنا إشكالاً مشهوراً ، بل إشكالين :

أحدهما : ما في «الروض» قال : «إنّ المصنّف وغيره ذكروا : أنّ الحيض للمرأة دليل على بلوغها وإن لم يجامعه السنّ ، وحكموا هنا بأنّ الدم الذي قبل التسع ليس بحيض(2) ، فما الدم المحكوم بكونه حيضاً ؟ !»(3) ، انتهى .

وهذا - كما ترى - ليس إشكال الدور ، بل إشكال التناقض في كلامهم : بأنّ لازم القول الأوّل أنّ الحيض قبل التسع دليل البلوغ ، فيمكن تحقّقه قبله ، وصريح القول الثاني عدم كون الحيض إلاّ بعد التسع ، فلا يمكن أن يتحقّق قبله .

ص: 74


1- شرح تبصرة المتعلّمين ، المحقّق العراقي 3 : 76 .
2- إرشاد الأذهان 1 : 226 و395 ؛ المبسوط 1 : 42 ، و2 : 282 .
3- روض الجنان 1 : 171 .

ثانيهما : أنّ القوم جعلوا الحيض والحمل دليلين على البلوغ ، وقالوا في المقام : «إنّ كلّ دم تراه المرأة قبل التسع ليس بحيض» فإحراز الحيضية يتوقّف على إحراز التسع ، ولو كان إحراز التسع متوقّفاً على إحراز الحيضية ، لدار الأمر على نفسه .

ولقد أجاب الشهيد في «الروض» عن الإشكال الأوّل بما يناسب الإشكال الثاني(1) .

ويمكن أن يجاب عن الأوّل : بأ نّه لا تنافي بين كونِ الحيض دليلاً على البلوغ مستقلاًّ ، وعدمِ كون الدم قبل التسع حيضاً إذا اُريد بالثاني عدم ترتّب آثار الحيضية على الدم قبل التسع ، لا عدم تحقّق الحيض تكويناً ، فالحيض الذي لا يترتّب عليه أحكام الحيض - كترك الصلاة وحرمة مسّ الكتاب مثلاً - دليل على البلوغ ، فيجب على الحائض قبل التسع الصلاة لبلوغها .

لكنّ الالتزام بذلك بعيد ، بل ممنوع وإن شهد به بعض الأخبار(2) . ولعلّ رجوع الشهيد إلى الجواب المذكور لأجل ما ذكر .

فالأولى أن يقال : إنّ المصنّف وغيره ، لم يلتزموا بكون الحيض بلوغاً مستقلاًّ ولو قبل التسع ، بل ادّعي الإجماع أو عدم الخلاف على أنّ الحيض لا يكون بلوغاً (3) .

ص: 75


1- روض الجنان 1 : 172 .
2- راجع وسائل الشيعة 1 : 45 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 4 ، الحديث 10 و12 .
3- جواهر الكلام 26 : 42 .

فبقي الإشكال الثاني ، فاُجيب عنه : «بأ نّه مع العلم بالسنّ ، لا اعتبار بالدم قبله وإن جمع الصفات ، ومع اشتباهه ووجود الدم في وقت إمكان البلوغ ، يحكم بالبلوغ ، ولا إشكال حينئذٍ»(1) .

لكن هذا الجواب مبنيّ على أنّ الدم المعهود المقذوف من النساء - أعني دم الحيض - لا يتحقّق قبل التسع ، ويكون السنّ دخيلاً في تحقّقه تكويناً ؛ حتّى تكون الأمارة على الحيضية أمارة على السنّ ، أو كان القذف قبل التسع - مع إمكانه - بحدّ من الندرة يعدّ معه قذف الدم المتّصف بالصفات المعهودة من الأمارات العقلائية على السنّ ، وكلاهما محلّ تأمّل وإشكال ؛ وإن كان الثاني لا يخلو من قرب .

عدم صحّة التمسّك بروايات الصفات للحكم بالحيضية والسنّ

ثمّ إنّه لا مجال للتمسّك بروايات الصفات للحكم بالحيضية والسنّ ؛ لأنّ الصفات أمارات في مقام الدوران بين الحيض والاستحاضة ، والدم الخارج قبل التسع لا يكون أمره دائراً بينهما ، ومع الشكّ في السنّ يشكّ في الموضوع .

مضافاً إلى أنّ مقتضى النصّ والفتوى أنّ الدم الخارج ممّن لم تبلغ التسع ، ليس بحيض ولو كان على صفاته ، ومع استصحاب عدم كونها بالغة يحرز موضوع المخصّص ، فلا مجال معه للتمسّك بأدلّة الصفات .

نعم ، مع العلم أو الاطمئنان بكون الدم المقذوف حيضاً ، لا يبعد الحكم ببلوغ التسع وترتيب آثار البلوغ والحيضية ، على إشكال .

ص: 76


1- الحدائق الناضرة 3 : 170 ؛ جواهر الكلام 3 : 143 - 144 .
الأمر الثاني في بيان حدّ اليأس
اشارة

ما تراه المرأة بعد يأسها ليس بحيض ولو كان بصفاته ؛ بلا إشكال نصّاً (1) وفتوى(2) . إنّما الإشكال في حدّ اليأس هل هو ستّون مطلقاً (3) أو خمسون كذلك(4) أو تفصيل بين القرشية وبين غيرها (5) أو بين القرشية والنبطية وبين غيرهما (6) ؟

وجوه وأقوال منشؤها اختلاف الأخبار ، ففي صحيحة عبدالرحمان ابن الحجّاج عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «حدّ التي قد يئست من المحيض خمسون سنة»(7) .

وليس في طريقها من يتأمّل فيه إلاّ محمّد بن إسماعيل النيسابوري الذي لم يرد فيه توثيق ، وإنّما هو راوية الفضل بن شاذان ، لكن من تفحّص رواياته

ص: 77


1- وسائل الشيعة2 : 336 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 31 ، الحديث 6 و8 .
2- شرائع الإسلام 1 : 21 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 171 ؛ مستند الشيعة 2 : 374 ؛ جواهر الكلام 3 : 160 - 161 .
3- شرائع الإسلام 1 : 21 ؛ منتهى المطلب 2 : 272 .
4- النهاية : 516 ؛ السرائر 1 : 145 ؛ مدارك الأحكام 1 : 323 .
5- المبسوط 1 : 42 ؛ المعتبر 1 : 199 - 200 .
6- المقنعة : 532 ؛ إرشاد الأذهان 1 : 226 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 228 .
7- الكافي 3 : 107 / 4 ؛ وسائل الشيعة 2 : 335 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 31 ، الحديث 1 .

اطمأنّ بوثاقته وإتقانه ؛ فإنّ كثيراً من رواياته - لو لم نقل أغلبها - منقولة بطريق آخر صحيح أو موثّق أو معتبر طابق النعل بالنعل ، والوثوق والاطمئنان الحاصل من ذلك ، أكثر من الوثوق الذي يحصل بتوثيق الشيخ أو النجاشي أو غيرهما .

وفي صحيحته الاُخرى قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «ثلاث يتزوّجن على كلّ حال . . .» إلى أن قال : «والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض» .

قال : قلت : وما حدّها ؟ قال : «إذا كان لها خمسون سنة»(1) .

وفي طريقها سهل بن زياد الآدمي وأمره سهل بعد اشتراكه في إتقان الرواية وكثرتها مع النيسابوري . بل هو أكثر رواية منه ، وله قدم راسخ في جميع أبواب الفقه ، كما يتّضح للمتتبّع ، مع قرائن كثيرة توجب الاطمئنان بوثاقته .

وفي مرسلة البزنطي عن بعض أصحابنا قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «المرأة التي قد يئست من المحيض حدّها خمسون سنة»(2) .

نعم ، روى الشيخ - بإسناده عن عبدالرحمان بن الحجّاج - الروايةَ المتقدّمة مع اختلاف يسير من التقديم والتأخير في العبارة ، وفيها : «إذا بلغت ستّين سنة فقد يئست من المحيض ، ومثلها لا تحيض»(3) .

لكن في سندها تأمّل ؛ فإنّ في طريق الشيخ إلى علي بن الحسن ، علي بن

ص: 78


1- الكافي 6 : 85 / 4 ؛ وسائل الشيعة 22 : 179 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 2 ، الحديث 4 .
2- الكافي 3 : 107 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 335 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 31 ، الحديث 3 .
3- تهذيب الأحكام 7 : 469 / 1881 ؛ وسائل الشيعة 2 : 337 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 31 ، الحديث 8 .

محمّد بن الزبير القرشي(1) ، ولم يرد فيه توثيق .

وإنّما قال النجاشي في ترجمة أحمد بن عبد الواحد : «وكان قد لقي أبا الحسن علي بن محمّد القرشي المعروف بابن الزبير ، وكان عُلوّاً في الوقت»(2) ، وقد جعل بعض المتأخّرين - كالمحقّق الداماد - الجملة الأخيرة وصفاً له ، ففهم منه التوثيق أو قريباً منه(3) ، مع أنّ قول النجاشي لا يبعد أن يكون مربوطاً بأحمد بن عبدون ؛ لأ نّه في مقام ترجمته ، لا ترجمة ابن الزبير .

مع أنّ قوله : «كان علوّاً في الوقت» يحتمل قريباً جريه على الاصطلاح ؛ من كونه علوّاً في السند من حيث كثرة عمره أو عمر واسطته ؛ فإنّ ابن الزبير عمّر مائة سنة على ما ذكروا (4) ومعنى «عُلُوّ السند» قلّة الوسائط ، فقول النجاشي

مربوط ظاهراً بابن عبدون ، وأ نّه لأجل لقائه القرشي كان عالي السند في رواياته في ذلك الزمان .

وكيف كان : فمع الإشكال في السند - وإن كان الأرجح عندي قبول رواياته - يحتمل قريباً وقوع اشتباه في الرواية ؛ إمّا من الرواة ، أو من النسّاخ ؛ لبُعد كونها

رواية اُخرى مستقلّة غير الصحيحة ، وبُعد الاشتباه في الصحيحة لتأيّدها

ص: 79


1- قال الشيخ الطوسي في مشيخة التهذيب : «وما ذكرته في هذا الكتاب عن علي بن الحسن بن فضّال ، فقد أخبرني به أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعاً منه وإجازة عن علي بن محمّد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضّال» . تهذيب الأحكام ، المشيخة 10 : 55 - 56 .
2- رجال النجاشي : 87 / 211 .
3- اُنظر منتهى المقال 5 : 56 .
4- رجال الطوسي : 430 / 22 ؛ منتهى المقال 5 : 56 .

بالصحيحة الاُولى ومرسلة البَزَنْطي بل ومرسلات ابن أبي عمير والصدوق والمفيد والشيخ(1) .

بل لا يبعد أن يكون الاشتباه من النسّاخ في النسخ الأوّلية من كتاب الشيخ ؛

لأنّ الفتوى بهذه الرواية حدثت بعد زمان الشيخ في عصر المحقّق(2) والعلاّمة(3) .

ونُقل عن «مبسوطه» : «وتيأس المرأة إذا بلغت خمسين سنة ، إلاّ أن تكون امرأة من قريش ، فإنّه روي : أ نّها ترى دم الحيض إلى ستّين سنة»(4) ولم يُشر إلى رواية الستّين مع إشارته إلى المرسلة .

وكيف كان : فلا يبقى مع ما ذكرنا وثوق بالرواية ، وليست حجّية الخبر الواحد

تعبّدية محضة بل لأجل عدم ردع بناء العقلاء أو تنفيذه(5) .

ولا إشكال في أنّ العقلاء لا يعملون بمثل هذه الرواية ، ولا أقلّ من عدم إحراز بنائهم على العمل بمثلها ، فلا إشكال في ضعف القول بالستّين مطلقاً .

والأقوى هو التفصيل بين القرشية وغيرها . والبحث عن النبطية لا يجدي بعد عدم معروفية هذه الطائفة .

أدلّة التفصيل بين القرشية وغيرها

وأمّا القرشية ، فقد دلّت على التفصيل بينها وبين غيرها ، مرسلة

ص: 80


1- تأتي في الصفحة 81 .
2- شرائع الإسلام 1 : 21 ؛ المعتبر 1 : 199 - 200 .
3- منتهى المطلب 2 : 272 .
4- المبسوط 1 : 42 .
5- أنوار الهداية 1 : 254 - 256 .

ابن أبي عمير(1) التي هي في حكم الصحيحة عندهم(2) حتّى أنّ المجلسي رحمه الله علیه

وصف هذه المرسلة بالصحيحة في «مرآته»(3) .

ولا تقصر عنها مرسلة الصدوق قال : قال الصادق علیه السلام : «المرأة إذا بلغت خمسين لم ترَ حمرة ، إلاّ أن تكون امرأة من قريش ، وهو حدّ المرأة التي تيأس من الحيض»(4) .

فإنّ هذا النحو من الإرسال والنسبة إلى الصادق علیه السلام على نحو الجزم من مثل الصدوق ، لا يصحّ إلاّ مع علمه بصدور الرواية ، ومعلوم من طريقته أنّ النسبة ليست من الاجتهاد ، فهو إمّا اتّكل على مرسلة ابن أبي عمير ، فحكمه على نحو الجزم يوجب الوثوق بها ، وإمّا جزم بصدورها مستقلاًّ ، وهو لا يقصر عن توثيق الوسائط بالنظر إلى طريقته .

ومثلها ما عن «المقنعة» قال : «روي : أنّ القرشية من النساء والنبطية ، تريان الدم إلى ستّين سنة»(5) وعن الشيخ في «المبسوط» : تيأس المرأة إذا بلغت

خمسين سنة ، إلاّ أن تكون امرأة من قريش ، فإنّه روي : «أ نّها ترى دم الحيض

ص: 81


1- الكافي 3 : 107 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 335 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 31 ، الحديث 2 .
2- اُنظر جواهر الكلام 3 : 163 .
3- مرآة العقول 13 : 253 .
4- الفقيه 1 : 51 / 198 ؛ وسائل الشيعة 2 : 336 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 31 ، الحديث 7 .
5- المقنعة : 532 ؛ وسائل الشيعة 2 : 337 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 31 ، الحديث 9 .

إلى ستّين سنة»(1) وهما مرسلتان مستقلّتان غير السابقتين ؛ لافتراقهما عنهما مضموناً كافتراق أنفسهما .

هذا مع اشتهار الحكم بين الأصحاب قديماً وحديثاً ، وقد نقل الشهرة عن «جامع المقاصد» و«فوائد الشرائع» في التفصيل بين القرشية والنبطية وغيرهما (2) ، وادّعاها في «الروضة»(3) وادّعى الشهرة في التفصيل بين القرشية وغيرها صاحب «المسالك» و«الجواهر»(4) ، وعن «التبيان» و«المجمع» نسبة ذلك إلى الأصحاب(5) ، بل هو مقتضى الجمع بين الروايات على فرض استقلال

رواية ابن الحجّاج(6) ومرسلة الكليني(7) على تأمّل .

فلا ينبغي الإشكال بعدم صراحة «الحمرة» في الحيض ، كما في مرسلتي ابن أبي عمير والصدوق ولا «الدم» فيه ، كما في مرسلة المفيد وعدم ذكر الستّين للقرشية فيهما ، ولعلّ فتوى المشهور كان لأجل الجمع بين روايتي ابن الحجّاج ومرسلة ابن أبي عمير ، وبعد ترجيح تصحيف الستّين ، لا يبقى دليل

ص: 82


1- المبسوط 1 : 42 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 134 ؛ جامع المقاصد 1 : 285 - 286 .
3- الروضة البهيّة 1 : 94 و95 .
4- مسالك الأفهام 1 : 58 ؛ جواهر الكلام 3 : 161 - 163 .
5- التبيان في تفسير القرآن 10 : 30 ؛ مجمع البيان 10 : 457 - 458 .
6- تهذيب الأحكام 7 : 469 / 1881 ؛ وسائل الشيعة 2 : 337 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 31 ، الحديث 8 .
7- الكافي 3 : 107 ، ذيل الحديث 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 336 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 31 ، الحديث 4 .

على التفصيل إلاّ مرسلة الشيخ والمفيد وهما غير كافيتين للاحتجاج بعد احتمال أنّ إرسالهما لأجل الجمع وتخلّل الاجتهاد ؛ ضرورة أنّ مثل هذه الاحتمالات العقلية تأتي في جميع الفقه ، وهي ليست معتدّاً بها ومعياراً لفهم الأحكام .

ولا يجوز نسبة هذا الجمع - الغير المقبول لدى العقلاء - إلى الفقهاء ، وأنّ

مبنى اشتهار الفتوى هذا الجمع البعيد الغير الوجيه . بل عدم ذكر الستّين في المرسلتين يؤكّد كون الحكم كذلك كان مشهوراً لدى الإمامية ومعروفاً من لدن زمن الأئمّة علیهم السلام من غير احتياج إلى الاستناد إلى رواية ، والشهرة في مثل هذا الحكم التعبّدي المخالف للقواعد حجّة مستقلّة ؛ لو لم نقل بكفاية مرسلتي المفيد والشيخ مع انجبارهما بفتوى الطبقة المتقدّمة والمتأخّرة .

مقتضى الأصل عند الشكّ في القرشية والنبطية

ثمّ مع الشكّ في كون امرأة قرشيةً ، لا تجري أصالة عدم القرشية أو عدم الانتساب إلى قريش لو كان المراد بها الاستصحاب ؛ لما حقّق في محلّه(1) .

وإن كان المراد بها الأصل العقلائي المستند إلى الغلبة وندرة الطائفة بين سائر الطوائف ، فلها وجه ، وإن لم يخلُ من إشكال منشؤه عدم ثبوت هذا الأصل ، وعدم ندرة هذه الطائفة بحدّ يتّكل العقلاء على الأصل لدى الشبهة .

نعم ، لا بأس بها مع الشكّ في النبطية ؛ لاحتمال الانقراض رأساً ، فاحتمال النبطية ضعيف إلى حدّ لا يعتني به العقلاء .

ص: 83


1- مناهج الوصول 2 : 234 - 236 ؛ الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 112 - 113 .
الأمر الثالث في أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام
اشارة

لا إشكال نصّاً (1) وفتوى(2) في عدم كون ما رأت المرأة أقلّ من ثلاثة أيّام حيضاً ، ونقل الإجماع عليه مستفيض(3) ، وعن «الأمالي» : «أ نّه من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به»(4) وعن «المعتبر» : «هو مذهب فقهاء أهل البيت علیهم السلام »(5).

نعم ، يقع الكلام هاهنا في جهتين :

حول الروايات الواردة في حدود الحيض

الجهة الاُولى : - وهي التي لا تختصّ بالمقام ، وقد مرّ فيها بعض الكلام(6) - أنّ الروايات الواردة في حدود الحيض - كعدم كونه قبل التسع وبعد اليأس وعدم كونه أقلّ من ثلاثة أيّام وأكثر من عشرة أيّام(7) - هل هي في مقام تحديد واقع الحيض ؛ وأنّ ما خرج على خلاف تلك الحدود ليس من الحيض تكويناً ، بل من

ص: 84


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 .
2- النهاية : 26 ؛ شرائع الإسلام 1 : 21 ؛ نهاية الإحكام 1 : 117 ؛ مدارك الأحكام 1 : 319 .
3- جواهر الكلام 3 : 147 .
4- الأمالي ، الصدوق : 516 .
5- المعتبر 1 : 201 .
6- تقدّم في الصفحة 9 و75 .
7- راجع وسائل الشيعة 22 : 179 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 2 ، الحديث 4 ، والباب 3 ، الحديث 5 ، و2 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 .

مبدأ آخر ؛ إمّا من عرق العاذل أو من القرحة في الجوف ، أو غير ذلك ؟

أو في مقام التحديد الشرعي ؛ بمعنى جعل الشارع موضوع الأحكام صنفاً خاصّاً من دم الحيض لا مطلقَه ، كما جعل موضوع القصر صنفاً خاصّاً من السفر ، فقبل ثمانية فراسخ وإن كان سفراً واقعاً لكن لا يترتّب عليه الأحكام ، وكذا سفر المعصية والصيد ، فكذا لو فرض تحقّق دم الحيض - أي الدم الطبيعي المعهود - قبل التسع أو بعد الخمسين أو أقلّ من ثلاثة أو أكثر من عشرة ، لم يكن موضوعاً للحكم الشرعي ؟

أو في مقام بيان جعل الشارع أمارات للحيض عند الاشتباه ، وكانت الأحكام مترتّبة على واقع الحيض ونفس طبيعة الدم المعهود ، لكن لمّا كان الموضوع غالباً مورد الاشتباه ، جعل أمارات له أو لعدمه ، فكون الدم أقلّ من ثلاثة أو أكثر من عشرة أو قبل البلوغ وبعد اليأس ، محكوم بعدم الحيضية ظاهراً ، فلو علمت بحيضية ما خرج قبل البلوغ أو بعد اليأس يجب عليها التحيّض والعمل بالوظائف ؛ لكونها حائضاً ، وهي موضوع للأحكام ؟

قد يقال بالأخير(1) ؛ جمعاً بين أدلّة أحكام الحيض الظاهرة في كون الحكم لنفس ماهية الدم ، وبين موثّقة إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة الحُبلى ترى الدم اليوم واليومين ، قال : «إن كان الدم عبيطاً فلا تصلِّ ذينك اليومين ، وإن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين»(2) .

ص: 85


1- الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراساني : 156 و187 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1192 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 6 .

وكذا موثّقة سماعة الظاهرة في وجوب الجلوس إذا رأت الدم يومين ، قال : سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض ، فتقعد في الشهر يومين ، وفي الشهر ثلاثة أيّام ، يختلف عليها ، لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء ، قال : «فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ؛ ما لم يَجُز العشرة ، فإذا اتّفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها»(1) .

بدعوى : أنّ الروايتين محمولتان على صورة عدم الشبهة والعلم بكون الدم حيضاً ، وسائر الروايات محمولة على صورة الشبهة .

وأنت خبير : بأنّ ذلك - مضافاً إلى مخالفته للإجماع - ليس من الجمع المقبول ؛ فإنّ الظاهر من الروايتين صورة الاشتباه وعدم العلم ، ولهذا أرجعها إلى الأمارة وكونه عبيطاً أو صفرة .

ودعوى كون الرواية بصدد رفع الاشتباه والتنبيه على عدم كون المورد من موارد الاشتباه ، لا لجعل الأمارة لدى الشبهة ، كما ترى .

كما أنّ رواية سماعة لا

تدلّ على ما ذكر إلاّ من حيث تقرير الإمام قعودها في الشهر يومين ، وهو لا يقاوم الأدلّة الناصّة على أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام(2) . مع ما في ذيلها من أ نّه «إذا اتّفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها» من ظهوره في أكثر من يومين . وأمّا قوله : «فلها أن تجلس وتدع الصلاة» فحكم ظاهري لمن رأت الدم ، كما في رؤية الدم في أيّام العادة .

ص: 86


1- الكافي 3 : 79 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 304 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 14 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 .

وإن أبيت عن جميع ذلك ، فلا بدّ من ردّ علمهما إلى قائلهما مع إعراض الأصحاب عنهما ، فالاحتمال الأخير أضعف الاحتمالات .

ولا يبعد أن يكون أقربها ثانيَها ؛ لما مرّ من بُعد كونها تحديداً للواقع ، فإنّ الحيض - أي الدم المعهود - قد يكون أكثر من عشرة أو أقلّ من ثلاثة ، ولا يمكن الالتزام بأنّ الدم إلى الساعة الأخيرة من اليوم العاشر حيض تكويناً وله مجرى ، وإذا بلغ آخر العشرة انسدّ الطريق المخصوص بالحيض ، وانفتح طريق آخر ؛ وإن كان ظاهر بعض الروايات تحديد الواقع كمرسلة يونس القصيرة(1) وغيرها (2) ، لكن ورود التحديد في لسان الشارع محمول على التحديد التعبّدي لا التكويني ؛ لعدم اهتمام الشارع في مقام بيان الأحكام وموضوعاتها ببيان حال التكوين ، بل همّه بيان موضوع أحكامه .

اعتبار التوالي في الأيّام الثلاثة

الجهة الثانية : هل يشترط التوالي في رؤية الدم ثلاثة أيّام ، فلا يحكم بحيضية ما تراه ثلاثة متفرّقة ولو بين العشرة ، أو يكفي كونها في جملة العشرة أو يكفي كونها متفرّقة ؛ بحيث لا يتخلّل بين أبعاضها عشرة أيّام ، أو يفصّل بين الحامل وغيرها ؟

ص: 87


1- يأتي في الصفحة 91 - 92 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 5 و6 .

والمشهور هو الأوّل ، كما في «المسالك» و«الحدائق» و«الجواهر» و«طهارة الشيخ الأعظم» وعن «الذكرى» و«شرح المفاتيح»(1) .

الروايات الدالّة على اعتبار التوالي

وتدلّ عليه - قبل الاُصول التي يأتي البحث عنها (2) - الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام ، ففي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام ، وأكثر ما يكون عشرة أيّام»(3) ومثلها أو قريب منها غيرها (4) .

تقريب الاستدلال بها : أنّ الحيض إمّا الدم المعهود ، أو سيلانه ، أو أمر معنوي محصّل به ، وعلى أيّ حال لا يصدق كون أقلّه ثلاثة أيّام إلاّ مع الاستمرار ؛ فإنّ الدم إذا جرى يوماً ، وانقطع يوماً ، ثمّ جرى يوماً ، وانقطع يوماً ، ثمّ جرى يوماً ، وقلنا بأنّ هذه الدماء حيض ، يكون أقلّ الحيض يوماً واحداً ؛ ضرورة أنّ الدم في اليوم الأوّل - بعد تعقّبه بالثاني والثالث - يكون دماً مستقلاًّ منقطعاً عن الدمين

المتأخّرين ، وهو حيض حسب الفرض ، فيكون أقلّ الحيض يوماً واحداً ،

ص: 88


1- مسالك الأفهام 1 : 57 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 159 ؛ جواهر الكلام 3 : 149 - 150 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 153 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 230 ؛ مصابيح الظلام 1 : 120 .
2- يأتي في الصفحة 99 - 100 .
3- الكافي 3 : 75 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 ، الحديث 1 .
4- راجع وسائل الشيعة 2 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 .

لا ثلاثة أيّام ، إلاّ بتأويل وتوجيه يأتي الكلام فيه(1) .

وبعبارة اُخرى : أنّ الدم - وكذا كلّ أمر تدريجي الوجود - ما دام كونه سائلاً ، يعدّ مصداقاً واحداً للطبيعة ، وإذا انقطع وتخلّل بينه وبين قطعة اُخرى نقاء أو طهر ، تكون القطعتان مصداقين للطبيعة ، لا مصداقاً واحداً ، فالدماء المتفرّقة في عشرة أيّام إذا كان عدد مجموعها ثلاثة أيّام ، تكون مصاديق متعدّدة مستقلّة للدم ولسيلانه أيضاً وجداناً ، ومع كونها حيضاً تكون ثلاثة مصاديق لدم الحيض ، فيكون أقلّ دم الحيض يوماً واحداً ، وكذا أقلّ سيلانه ، إلاّ بالتأويل وارتكاب التجوّز .

وهكذا لو قلنا : بأنّ الحيض عبارة عن أمر معنوي حاصل بالدم إذا بلغ ثلاثة أيّام في العشرة ، فإنّ هذا الأمر المعنوي يحصل بالدم المتعقّب بثلاثة أيّام ، فإذا

قيل بكفاية التفرّق لا يمكن أن يكون الأقلّ ثلاثة ؛ لأ نّه إذا قلنا بأنّ الفترات طهر ، يكون الحيض في زمان جريان الدم مصداقاً مستقلاًّ ، ومع تخلّل الطهر بينه وبين مصداق آخر ، لا يمكن أن يكون المصداقان واحداً إلاّ بالتأوّل والتجوّز والاعتبار ، فيكون أقلّ الحيض يوماً ، لا ثلاثة أيّام .

ولو قلنا : بأنّ الفترات أيضاً حيض ، يكون أقلّ الحيض في الفرض أكثر من ثلاثة أيّام ؛ لأ نّه إذا فرض جريان الدم يومين ، ثمّ انقطع يوماً وجرى يوماً ، يكون

الحيض - أي الأمر المعنوي - أربعة أيّام ، فكون أقلّ الحيض ثلاثة أيّام حقيقة ، لا يمكن إلاّ بتوالي الأيّام الثلاثة على جميع الاحتمالات .

ص: 89


1- يأتي في الصفحة 106 .

وبما ذكرنا يظهر : أ نّه لا وقع للاعتراض عليه(1) تارة : بمقايسة المقام بنذر الصوم وهو واضح ، واُخرى : بالنقض بالعشرة المقابلة للثلاثة لقيام الإجماع على عدم لزوم التوالي ، فإنّ كون أكثر الحيض - بمعنى الدم أو سيلانه أو الأمر المعنوي - عشرة أيّام ، لا ينافي الإجماع المذكور ؛ ضرورة أ نّه مع هذا الإجماع تكون العشرة مع تفرّق أيّام الدم بعد توالي ثلاثة أيّام حيضاً ، لا دم الحيض وسيلانه ، فإذا كان المراد من «الحيض» في الروايات دم الحيض أو سيلانه ، يكون أكثر الحيض عشرة أيّام متوالية ، وتكون العشرة المذكورة حيضاً حكماً لا حقيقة .

بل لنا أن نقول : إنّ الدم الذي بعد النقاء الحاصل بعد الثلاثة المتوالية ، حيض حكماً ؛ لدلالة الأدلّة على أنّ الحيض لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام ، ولو كان الدم

المرئي يوماً حيضاً ، لكان منافياً للروايات المتقدّمة ، تأمّل .

ولو قلنا : بأنّ الحيض أمر معنوي يكون أكثر الحيض عشرة أيّام - سواء استمرّ الدم في العشرة ، أو رأت الدم بعد الثلاثة متفرّقاً إلى العاشر - فلا يرد النقض أصلاً . بل لو قلنا ذلك لم يرد علينا النقض ؛ بأنّ رؤية الدم يوماً واحداً بعد الثلاثة

المتوالية قبل تمام العشرة ، مصداق من الدم ، وهو حيض ، فيكون الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام ، ضرورة أنّ الحيض - على هذا الفرض - أكثر من ثلاثة أيّام ؛ لأنّ أيّام

النقاء أيضاً حيض ، كما يأتي الكلام فيه(2) .

ص: 90


1- الحدائق الناضرة 3 : 166 .
2- يأتي في الصفحة 119 .

نعم ، بناءً على كون النقاء طهراً - كما يراه صاحب «الحدائق»(1) - يرد هذا النقض ، لكنّ المبنى غير تامّ .

التمسّك بمرسلة يونس القصيرة على عدم اعتبار التوالي

ثمّ إنّ في مقابل هذه الروايات روايات ، عمدتها مرسلة يونس القصيرة التي رواها في «الكافي» عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «أدنى الطهر عشرة أيّام ؛ وذلك أنّ المرأة أوّل ما تحيض ربّما كانت كثيرة الدم ، فيكون حيضها عشرة أيّام ، فلا تزال كلّما كبرت نقصت حتّى ترجع إلى ثلاثة أيّام ، فإذا رجعت إلى ثلاثة أيّام ارتفع حيضها ، ولا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام .

فإذا رأت المرأة الدم في أيّام حيضها تركت الصلاة ، فإن استمرّ بها الدم ثلاثة أيّام فهي حائض . وإن انقطع الدم بعد ما رأته يوماً أو يومين ، اغتسلت وصلّت ، وانتظرت من يوم رأت الدم إلى عشرة أيّام . فإن رأت في تلك العشرة أيّام - من يوم رأت الدم - يوماً أو يومين حتّى يتمّ لها ثلاثة أيّام ، فذلك الذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في عشرة ، فهو من الحيض .

وإن مرّ بها من يوم رأت الدم عشرة أيّام ولم تَرَ الدم ، فذلك اليوم واليومان الذي رأته لم يكن من الحيض ، إنّما كان من علّة : إمّا قرحة في جوفها ، وإمّا من الجوف ، فعليها أن تعيد الصلاة تلك اليومين التي تركتها ؛ لأ نّها لم تكن حائضاً ، فيجب أن تقضي ما تركت من الصلاة في اليوم واليومين .

ص: 91


1- الحدائق الناضرة 3 : 160 .

وإن تمّ لها ثلاثة أيّام فهو من الحيض ، وهو أدنى الحيض ، ولم يجب عليها القضاء . ولا يكون الطهر أقلّ من عشرة أيّام .

وإذا حاضت المرأة ، وكان حيضها خمسة أيّام ، ثمّ انقطع الدم ، اغتسلت وصلّت . فإن رأت بعد ذلك الدم ، ولم يتمّ لها من يوم طهرت عشرةُ أيّام ، فذلك من الحيض ؛ تدع الصلاة .

وإن رأت الدم من أوّل ما رأت الثاني الذي رأته تمام العشرة أيّام ودام عليها ، عدّت - من أوّل ما رأت الدم الأوّل والثاني - عشرة أيّام ، ثمّ هي مستحاضة ؛ تعمل ما تعمله المستحاضة» .

وقال : «كلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها - من صفرة أو حمرة - فهو من الحيض ، وكلّ ما رأته بعد أيّام حيضها فليس من الحيض»(1) .

وهذه المرسلة - كما ترى - تدلّ على أنّ الثلاثة لا يلزم أن تكون متّصلة

متوالية ، فتفسّر ما في الروايات : من أنّ الدم لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام ، فلو لا الإشكالات الآتية ، لكان الجمع بينها وبين تلك الروايات عقلائياً ؛ لحكومتها عليها ، وتكون نتيجته هو القول المخالف للمشهور .

ولكنّ العمل بمثل تلك المرسلة في غاية الإشكال ، لا

لكون الحكم على خلاف المشهور وإن كان له وجه وجيه ، واحتمال تخلّل الاجتهاد في البين ، أو إعمال المعارضة وترجيح الروايات المقابلة - لا الإعراض عنها - بعيد ، بل فاسد مع ما ترى من الجمع الوجيه العقلائي بين الطائفتين ؛ بحيث لا يبقى معه شبهة

ص: 92


1- الكافي 3 : 76 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 294 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 ، الحديث 4 ، و : 299 ، الباب 12 ، الحديث 2 .

المعارضة ، فكيف يمكن نسبة عدم فهم هذا النحو من الجمع المقبول العرفي إلى مشهور العلماء وأرباب اللسان ؟ !

بل لأنّ في المرسلة اضطرابات ومناقضات ومخالفات للمشهور ، ربّما تبلغ المناقشات فيها إلى عشر أو أكثر ، مع الغضّ عن التأمّل في سندها بإسماعيل بن مرار الذي لم يرد فيه توثيق وأكثر ما ورد فيه عدم استثناء ابن الوليد إيّاه من رجال يونس(1) ، وفي كفايته تأمّل وإن كانت غير بعيدة ، خصوصاً مع قول الصدوق في شأن ابن الوليد(2) ، وعن إرسالها وإن كان المرسل يونس ؛ لعدم ثبوت كون مرسلاته حجّة ، بل عدم ثبوت ذلك في سائر أصحاب الإجماع أيضاً ؛ لأنّ استفادة ذلك من إجماع الكشّي وعباراته الواردة في شأن الطوائف الثلاث محلّ إشكال ، والشهرة المتأخّرة عنه غير معتمدة ، مع قرب احتمال كون الاشتهار - على فرض ثبوته - من فهم تلك العبارة الواردة من الكشّي ، فراجع عباراته(3) .

فمن الاضطرابات فيها : هو التعليل الواقع فيها لكون أدنى الطهر عشرة أيّام ، لعدم التناسب بينهما ؛ فإنّ كون المرأة في أوّل حيضها كثيرة الدم في بعض الأحيان ، ليس علّة لكون أقلّ الطهر عشرة ، ولا مناسباً له أصلاً (4) .

والتوجيه بأنّ المناسبة المصحّحة للعلّية ، هي معلومية عدم تحيّض النساء

ص: 93


1- اُنظر الفهرست ، الطوسي: 266 / 813 .
2- الفقيه 2 : 55 ، ذيل الحديث 241 .
3- اختيار معرفة الرجال : 238 / 431 ، و : 375 / 705 ، و : 556 / 1050 .
4- سيأتي في باب النفاس ما يمكن أن يكون وجه التناسب أ .[منه قدس سره] (أ) يأتي في الصفحة 533 .

عادة في كلّ شهر إلاّ مرّة ؛ وإن كان ربّما يعجّل بها الوقت بيوم أو يومين ، لكن ليس التحيّض في شهر مرّتين تامّتين عادة لهنّ ، فإذا كان المتعارف بينهنّ ذلك فيحسن التعليل ؛ لأ نّه إذا كان حيض كثيرة الدم عشرة أيّام ولم يتعدّ عنها ، فكيف يكون الطهر أقلّ من عشرة مع أ نّها لا تحيض إلاّ مرّة واحدة في كلّ شهر(1) ؟ !

غير وجيه ؛ لأ نّه إذا كان المتكلّم بصدد بيان عادة نوع النساء ، فمع هذا التوجيه لا بدّ وأن يقول : «لا يكون أقلّ من عشرين» لا عشرة ، وذكر العشرة إنّما

يحسن إذا علّلها : «بأنّ المرأة لا تحيض زائداً عن مرّتين في الشهر كلّ مرّة عشرة أيّام» ومعه يكون أقلّ الطهر عشرة أيّام ، فتعليل كون أقلّ الطهر عشرة أيّام وعدم كونه أقلّ من ذلك بزيادة دم النساء في أوّل الحيض ، لا يكون له وجه صحّة ، فضلاً عن حُسن .

ومنها : قوله : «اغتسلت» مع أنّ الغسل مع الشكّ في الحيض - بل في الاستحاضة ، واحتمال دم ثالث ، كما أبداه في نفس الرواية ؛ حيث قال مع عدم رؤية اليوم الثالث : إنّه ليس بحيض ، بل من قرحة في الجوف أو من الجوف - ليس له وجه مع جريان الاستصحاب ؛ وأ نّه لا ينبغي لها أن تنقض اليقين بالشكّ ، وإيجاب الاحتياط عليها - كما هو ظاهر الرواية - لا يناسب الاحتياط الغير اللازم . بل لا يبعد دعوى عدم ملاءمة أدلّة الاستصحاب لحسن الاحتياط بالعمل على خلافها .

ومنها : الأمر بالانتظار إلى عشرة أيّام من يوم رأت الدم ، مع أنّ الانتظار إلى العشرة إنّما يجب في بعض الأحيان لا مطلقاً ؛ فإنّها إذا رأت يوماً وانقطع ، ولم تَرَ

ص: 94


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 39 .

إلى اليوم التاسع ، انقطع انتظارها ، فإنّ رؤيته في أثناء اليوم التاسع توجب أن لا تكون الثلاثة في أثناء العشرة ، ومعه لا يكون الدم حيضاً بحكم المرسلة ، وإنّما دم الحيض ما إذا تمّت الثلاثة في العشرة ، وكذا سائر الفروض المشابهة لما ذكرنا .

ومنها : أنّ صريحها في موضعين منها أنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة أيّام ، وظاهر بعض فقراتها أنّ الطهر أقلّ من عشرة ، كما اتّكل عليه صاحب «الحدائق» وحمل الأوّل على ما بين الحيضتين المستقلّتين ، والآخر على ما بين الحيض الواحد(1) ، وهو - كما ترى - خروج عن طريق المحاورة . مع أنّ المناسب على زعم صاحب «الحدائق» أن يذكر في الرواية الطهر بين الحيضة الواحدة ويقول : «إنّ الطهر قد يكون أقلّ من عشرة» لا أن يقول : «إنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة أيّام» ثمّ يردفه بما يثبت الأقلّية ، ثمّ يعقّب ذلك بأنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة أيّام ، فإنّ كلّ ذلك اضطراب واغتشاش .

ومنها : جعل حساب العشرة تارة : من أوّل ما رأت الدم الأوّل ، واُخرى : من أوّل يوم طهرت ، فالدم فيما بعد العشرة من أوّل رؤية الدم ، ليس بحيض على الحساب الأوّل ، وحيض على الحساب الثاني . ولو كان بدل «طهرت» «طمثت» - كما نقل عن نسخة مصحّحة مقروءة على الشيخ العاملي(2) - فهو اغتشاش واضطراب آخر .

ومنها : جعل ميزان الحساب ثالثاً نفس الدم الأوّل والثاني ، وجعل

ص: 95


1- الحدائق الناضرة 3 : 160 - 161 .
2- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 172 .

الاستحاضة بعد العشرة من الدمين ، فلو فرض أ نّها رأت الدم خمسة أيّام ، ورأت

الطهر ثلاثة أيّام ، ثمّ الدمَ عشرة أيّام ، فالدم في اليوم الحادي عشر من مبدأ اليوم

الأوّل ليس بحيض ؛ بناءً على مفاد أوّل الرواية ، وحيض بناءً على الثاني والثالث ، وأمّا الدم في الخامس عشر فليس بحيض بناءً على الأوّل والثاني ، دون الثالث .

ومنها : الحكم بحيضية الدم المتجاوز عن العشرة في ذات العادة ، كما هو ظاهرها . . . إلى غير ذلك .

والإنصاف : أنّ مثل تلك المرسلة مع هذا التشويش ومخالفات الشهرة - بل الإجماع في بعضها - والوهنِ في بعض تعابيرها ، غير صالحة للاتّكال عليها والاحتجاج بها . مع ما مرّ : من أنّ العمل بالروايات ليس لتعبّد صِرف ، بل العمدة هو بناء العقلاء وعدم الردع أو الإمضاء(1) وهم لا يعملون بمثل تلك الروايات مع ما عرفت .

التمسّك بصحيحة ابن مسلم وروايته على عدم اعتبار التوالي

وقد يستدلّ لعدم اشتراط التوالي بصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال : «وإذا رأت المرأة الدم قبل عشرة فهو من الحيضة الاُولى ، وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة»(2) .

ص: 96


1- تقدّم في الصفحة 80 .
2- الكافي 3 : 77 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 298 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 11 ، الحديث 3 .

وروايته عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة ، وإذا رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى ، وإذا رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضة اُخرى مستقبلة»(1) .

بدعوى إطلاقهما لرؤية الدم أوّلاً يوماً أو يومين ، قال في «الحدائق» : «التقريب فيهما : أ نّهما ظاهرتان في أ نّه إذا رأت المرأة الدم بعد ما رأته أوّلاً

- سواء كان يوماً أو أزيد - فإن كان بعد توسّط عشرة أيّام خالية من الدم ، كان الدم الثاني حيضة مستقلّة ، وإن كان قبل ذلك كان من الحيضة الاُولى»(2) .

وأنت خبير بما فيها ؛ فإنّ الرواية الاُولى مع إجمال صدرها - أعني قوله : «إذا رأت الدم قبل عشرة» - لا يفهم منها شيء ، فلا محالة إمّا أ نّها كانت مسبوقة بكلام آخر أسقطه الرواة لبعض الدواعي ، أو كان المعهود أمراً رافعاً للإجمال ، وإلاّ فلا يفهم من «عشرة» مبهمة شيء ، ولا يعلم ما كان معهوداً ذهناً أو ذِكْراً ، فكيف يستدلّ بها ، وبأيّ إطلاق يكون الاستدلال ؟ !

مع إمكان أن يستكشف المعهود من نفس الرواية ؛ أي قوله : «من الحيضة الاُولى» فكأنّ الكلام بتلك القرينة ، كان مسبوقاً بأ نّه إذا حاضت المرأة ، وانقطع حيضها ، ورأت الدم قبل عشرة ، فهو كذلك ، فكأ نّه قال : «إذا رأت المرأة الدم بعد حيضها قبل عشرة أيّام . . .» إلى آخره .

والدليل عليه : أنّ الحيضة كانت مفروضة الوجود ، بل الدم الثاني أيضاً كان

ص: 97


1- تهذيب الأحكام 1 : 156 / 448 ؛ وسائل الشيعة 2 : 296 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 ، الحديث 11 .
2- الحدائق الناضرة 3 : 162 .

مفروض الحيضية ، ووقع الكلام في إلحاق الحيض المفروض بالحيض المفروض المتقدّم أوّلاً ، أو كونه بنفسه حيضاً مستقلاًّ ، وهذا هو المتفاهم منها ، ومعه لا دلالة لها على دعوى صاحب «الحدائق» بل لها إشعار أو دلالة على خلافها .

ومنه يظهر الكلام في الرواية الثانية ، بل هي أظهر فيما ذكرنا ؛ لكونها مسبوقةً بقوله : «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام» ممّا يفهم منه الاستمرار بالتبادر أو بما قرّرناه سابقاً (1) ، ومتعقّبةً بقوله : «وإذا رأت الدم قبل عشرة أيّام . . .» إلى آخره ، وظاهرها أنّ المرأة بعد أن تحيّضت بثلاثة أيّام ، إذا طهرت ورأت الدم قبل عشرة أيّام ، فهو من الحيض المفروض التحقّق بتحقّق ثلاثة أيّام متوالية ، فتدلّ على خلاف مقصود صاحب «الحدائق» .

وإن تنزّلنا عن ذلك نقول : إنّ الروايتين ليستا في مقام بيان كون الدم حيضاً حتّى يتمسّك بإطلاقها ، بل في مقام بيان أمر آخر ؛ وهو استقلال الحيض وعدمه .

التمسّك برواية عبد الرحمان على عدم اعتبار التوالي

ومنه يظهر الكلام في رواية عبدالرحمان بن أبي عبداللّه المنقولة في أبواب العدد قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة إذا طلّقها زوجها ، متى تكون أملك بنفسها ؟ قال : «إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فهي أملك بنفسها» .

قلت : فإن عجّل الدم عليها قبل أيّام قرئها ؟ فقال : «إذا كان الدم قبل عشرة

ص: 98


1- تقدّم في الصفحة 88 - 90 .

أيّام فهو أملك بها ، وهو من الحيضة التي طهرت منها ، وإن كان الدم بعد العشرة أيّام فهو من الحيضة الثالثة ، وهي أملك بنفسها»(1) .

ضرورة أنّ المفروض رؤيتها الحيضتين ، ووقع الكلام في الدم الذي عجّل عليها ، وكانت الشبهة لأجل التعجيل بعد فرض حيضية الثاني ، بل حيضية الدم الذي رأته بعد الثانية ، وإنّما شبهته كانت في أنّ الدم إذا عجّل عليها ، هل يوجب الخروج عن العدّة أم لا ؟ فأجاب بما أجاب ، ففرض الحيضة الثانية ممّا لا إشكال فيه ، فلا وجه للتمسّك بإطلاقها لمدّعاه(2) ، كما مرّ الوجه فيه .

بطلان التمسّك بقاعدة الإمكان على عدم اعتبار التوالي

هذا ، وأمّا التمسّك بقاعدة الإمكان وأدلّة الأوصاف(3) فضعيف ؛ لما مرّ من عدم الدليل على القاعدة . وعلى فرض تماميتها لا ترفع بها الشبهة الحكمية ، بل مصبّها الشبهة الموضوعية ، كما أنّ مصبّ الإرجاع للأوصاف - عند الدوران بين الحيض والاستحاضة - هو الشبهة الموضوعية لا الحكمية .

حول الاُصول الموضوعية والحكمية الدالّة على اعتبار التوالي

ثمّ إنّ هاهنا اُصولاً موضوعية وحكمية مع الغضّ عن الأدلّة ، كأصالة عدم

ص: 99


1- الكافي 6 : 88 / 10 ؛ وسائل الشيعة 22 : 212 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 17 ، الحديث 1 .
2- الحدائق الناضرة 3 : 163 - 164 .
3- اُنظر مستند الشيعة 2 : 392 .

كون المرأة حائضاً ، وأصالة عدم تحقّق حيضها ، وأصالة عدم كون الدم حيضاً ،

وأصالة عدم حيضية الدم .

والفرق بينها لا يكاد يخفى على المتأمّل ؛ فإنّ القضيّة المتيقّنة في الاُولى «أنّ المرأة ليست بحائض» بنحو الليس الرابط ، فيتحقّق بها موضوع الأدلّة الاجتهادية التي رتّب الحكم بها على من لم تكن حائضاً ، فمن لم تكن حائضاً يجب عليها الصلاة ، ويجوز لها اللبث في المسجد . . . إلى غير ذلك ، والاستصحاب محقّق موضوعها .

وفي الثانية تكون القضيّة المتيقّنة «عدم تحقّق حيضها ، وعدم كون حيضها موجوداً» بنحو العدم المحمولي ، ولا يترتّب على هذا الاستصحاب ما تقدّم من الآثار إلاّ على الأصل المثبت ؛ فإنّ عدم كونها حائضاً من لوازم عدم تحقّق حيضها . نعم لو كان لعدم تحقّق الحيض أثر ، لترتّب عليه بالأصل المذكور .

وفي الثالثة تكون القضيّة المتيقّنة «أنّ الدم ليس بحيض» بنحو الليس الناقص ، وبالاستصحاب يترتّب عليه حكم عدم كون الدم حيضاً إذا كان له حكم شرعي . وأمّا الأحكام السابقة فلا تترتّب عليه إلاّ على الأصل المثبت ؛ فإنّ عدم كون المرأة حائضاً لازم عدم كون الدم حيضاً . كما لا يترتّب عليه حكم عدم حيضتها .

وفي الرابعة تكون القضيّة «عدم تحقّق حيضية الدم» بنحو الليس التامّ ،

ولا يترتّب عليه شيء من الأحكام المتقدّمة المترتّبة على موضوعات سائر القضايا ؛ لعين ما ذكرنا من المثبتية .

ص: 100

ولا يتوهّم : أنّ ما ذكرنا مخالف لصحيحتي زرارة ؛ حيث قال في الاُولى : «فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا

ينقض اليقين أبداً بالشكّ»(1) .

وفي الثانية : «لأ نّك كنت على يقين من طهارتك ، ثمّ شككت»(2) .

وظاهرهما جريان الأصل في الوجود المحمولي ، وترتّب أثر الرابط .

فإنّه مدفوع بمنع الظهور ، بل الظاهر منهما الكون الرابط ؛ فإنّ المتفاهم العرفي

من قوله : «إنّك كنت على يقين من طهارتك» - بإضافتها إلى الضمير - أ نّك كنت على يقين من كونك طاهراً ، أو كونك على وضوء ؛ على نحو ربط الصفة بموصوفها .

ثمّ إنّ جريان أصالة عدم كون الدم حيضاً موقوف على أحد الأمرين :

إمّا كون الدم في الباطن غير حيض، وتكون الحيضية من صفات الدم الخارج .

وإمّا جريان الأصل في الأعدام الأزلية .

وكلاهما ممنوعان ؛ ضرورة أنّ دم الحيض هو الدم المعهود المختزن في الرحم المقذوف في أوقات معيّنة ، كما يظهر من روايات باب اجتماع الحمل والحيض(3) . نعم لا يترتّب عليه حكم إلاّ بعد القذف وتحقّق سائر شرائطه . ولو كان الحيض عبارة عن سيلان الدم ، لم يجرِ الأصل أيضاً . وقد فرغنا عن عدم

ص: 101


1- تهذيب الأحكام 1 : 8 / 11 ؛ وسائل الشيعة 1 : 245 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1335 ؛ وسائل الشيعة 3 : 466 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحديث 1 .
3- راجع وسائل الشيعة 2 : 329 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 .

جريان الأصل في الأعدام الأزلية - كأصالة عدم القرشية - في الاُصول(1) فلا نطيل بالبحث حولها .

وبما ذكرنا ظهر النظر في كلام الشيخ الأعظم خصوصاً في إجراء أصالة عدم كون الدم حيضاً لإثبات كون المرأة مستحاضة ، حيث قال : «إن قلنا بعدم الواسطة بينهما - أي بين دم الحيض ودم الاستحاضة - في دم لم يعلم أ نّه نفاس أو قُرحة أو عُذرة ، فأصالة عدم الحيض حاكمة على أصالة عدم الاستحاضة أيضاً ؛ لأنّ المستفاد من الفتاوى بل النصوص : أنّ كلّ دم لم يحكم عليه بالحيضية شرعاً ، ولم يعلم أ نّه لقرحة أو عذرة أو نفاس ، فهو محكوم عليه بأحكام الاستحاضة ، وحينئذٍ فإذا انتفى كونه حيضاً بحكم الأصل ، تعيّن كونه استحاضة ، فتأمّل»(2) انتهى .

وسيأتي الكلام إن شاء اللّه في النصّ والفتوى المدّعيين(3) . ومع تسليم ما ذكر لا يجري استصحاب عدم كون الدم حيضاً ، كما مرّ . ومع الجريان لا يترتّب على المرأة أحكام المستحاضة بمجرّد جريان أصالة عدم كون الدم حيضاً ، كما يظهر منه ذلك ، إلاّ أن يدّعى كشف التلازم الشرعي - ببركة النصّ والفتوى - بين عدم كون الدم حيضاً وكون المرأة مستحاضة ، وعلى المدّعي إثبات ذلك .

ثمّ على فرض عدم جريان الاُصول الموضوعية تجري الحكمية ، وهي مختلفة ، ولا داعي إلى البحث عنها بعد قلّة الجدوى .

ص: 102


1- مناهج الوصول 2 : 234 - 236 ؛ الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 112 - 113 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 155 .
3- يأتي في الصفحة 328 وما بعدها .
في اعتبار الاستمرار في الأيّام الثلاثة

وهل المراد من التوالي هو توالي الأيّام وإن لم يستمرّ الدم فيها ؛ بأن ترى في كلّ يوم في الجملة ، لكن تكون أيّام الرؤية متواليات(1) فيحمل عليه قوله في «الفقه الرضوي» : «فإن رأت الدم يوماً أو يومين ، فليس ذلك من الحيض ما لم تَرَ الدم ثلاثة أيّام متواليات»(2) لصدق رؤية الدم في كلّ يوم من الثلاثة المتواليات على ما لو رأت في كلّ يوم منها في الجملة ، خصوصاً إذا كان مقداراً معتدّاً به ؟

وعليه تحمل الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ «أدنى الحيض ثلاثة» أو «أدنى ما يكون من الحيض ثلاثة» أو «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام»(3) على اختلاف التعابير ، فإنّ «الثلاثة» لا يمكن أن تكون محمولة حقيقة على الحيض وأدناه وأقلّه ، بل تكون ظرفاً له ؛ ذُكر حرف الجرّ أو لم يُذكر ، فيكون المراد أنّ

أدنى تحقّق الدم في ثلاثة أيّام ، وهو يصدق مع رؤيتها فيها في الجملة .

وتشهد له موثّقة سَماعة قال : سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض ، فتقعد في الشهر يومين ، وفي الشهر ثلاثة أيّام ؛ يختلف عليها ، لا يكون طَمثها في الشهر عدّة أيّام سواء ، قال : «فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ؛

ص: 103


1- اُنظر مدارك الأحكام 1 : 322 ؛ ذخيرة المعاد : 63 / السطر 41 ؛ جواهر الكلام 3 : 157.
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 192 .
3- راجع وسائل الشيعة 2 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 .

ما لم يُجز العشرة ، فإذا اتّفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها»(1) .

حملاً للقعود يومين على يومين تامّين مع رؤية الدم في ثلاثة أيّام غير مستمرّ إلى تمام الثلاثة . بل لو سلّم دلالة الروايات المتقدّمة على الثلاثة المستمرّة ، تكون هذه الرواية شاهدة على عدم لزوم استمراره إلى آخر اليوم ، فيكون لها نحو حكومة وتفسير ل- «ثلاثة أيّام» في تلك الروايات . بل لا يبعد ظهور مرسلة يونس المتقدّمة(2) في رؤية الدم في الثلاثة في الجملة .

أو المراد استمرار الدم في الثلاثة ؛ بحيث متى وضعت الكُرْسُفة تلوّثت به ، كما نسب إلى المشهور(3) ؟

وعن «جامع المقاصد» : «أنّ المتبادر إلى الأفهام من كون الدم ثلاثة أيّام ،

حصوله فيها على الاتّصال ؛ بحيث متى وضعت الكرسف تلوّث به . وقد يوجد في بعض الحواشي الاكتفاء بحصوله فيها في الجملة ، وهو رجوع إلى ما ليس له مرجع»(4) . واستجوده «الجواهر» جدّاً ، ويظهر منه ندرة القائل بخلافه(5) .

وعن «الجامع» : «لو رأت يومين ونصفاً وانقطع لم يكن حيضاً ؛ لأ نّه لم يستمرّ ؛ بلا خلاف من أصحابنا»(6) ويظهر منه أنّ اعتبار الاستمرار

ص: 104


1- الكافي 3 : 79 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 380 / 1178 ؛ وسائل الشيعة 2 : 304 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 14 ، الحديث 1 .
2- تقدّمت في الصفحة 91 .
3- جواهر الكلام 3 : 157 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 155 و167 .
4- جامع المقاصد 1 : 287 .
5- جواهر الكلام 3 : 158 .
6- الجامع للشرائع : 43 .

غير مختلف فيه لدى الأصحاب .

وعن «التذكرة» : «أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام بلياليها ؛ بلا خلاف بين فقهاء أهل البيت»(1) وظاهره الاستمرار بقرينة ذكر الليالي . بل دعوى الإجماع على عدم إخلال الفترات المعهودة في استمرار الدم - كما عن «التذكرة»(2) - دليل على اعتبارهم الاستمرار ؛ وإن لم يخلّ به بعض الفترات .

وكيف كان : فهذا هو الأقوى ؛ لما ذكرنا سابقاً من أنّ الظاهر من روايات أقلّ الدم ، أنّ ثلاثة أيّام أقلّ مصداق يتحقّق لدم الحيض ، وهو لا يمكن إلاّ باستمراره ، وإلاّ فلو رأت في يوم ساعة وانقطع بحصول النقاء ، ورأت في اليوم الثاني ساعة اُخرى وانقطع ، ورأت في الثالثة ، فهذه الدماء في الساعات المزبورة - كما مرّ(3) - لا تكون مصداقاً واحداً لدم الحيض عرفاً وعقلاً ، بل ثلاثة مصاديق ؛ ضرورة أنّ استقلال كلّ مصداق - حتّى في نظر العرف - عن مصداق آخر إنّما هو بتخلّل الطهر ، وإذا كانت هذه الدماء حيضاً لا يكون أقلّ دم الحيض ثلاثة أيّام ، بل أقلّه ساعة ، فإنّ كلّ ساعة دم حيض مستقلّ في التحقّق والوجود .

ولو فرض كون الحيض أمراً معنوياً محصّلاً من الدم ، لم يكن الأقلّ ثلاثة أيّام أيضاً ؛ سواء جعل النقاء في البين طهراً - وهو ظاهر - أو لا ، فإنّها لو رأت

الدم في اليوم الثالث في أوّل النهار وطهرت ، ولم تر الدم إلى عشرة أيّام ، كان

ص: 105


1- تذكرة الفقهاء 1 : 255 .
2- تذكرة الفقهاء 1 : 322 .
3- تقدّم في الصفحة 88 - 90 .

هذا النقاء من أوّله طهراً ، فيكون أقلّ الحيض يومين وساعة . إلاّ أن يحمل

قوله : «أقلّ الحيض ثلاثة أيّام» على التسامح حتّى يصدق على الثلاثة الناقصة ، وهو كما ترى . كما أنّ حمل الروايات على كونه أمراً معنوياً ، أيضاً بعيد مع ظهورها في كونه نفس الدم أو سيلانه .

وكيف كان : فحملها على عدم الاستمرار والرؤية في الجملة ، يحتاج إلى تكلّف واعتبار وارتكاب تجوُّز محتاج إلى القرينة .

ولا يرد على ما ذكرنا من التقريب ما يرد على دعوى التبادر العرفي(1) ، وهو أن يقال : إنّ قوله : «أقلُّ الحيض ثلاثة أيّام» غير ممكن الحمل على ظاهره ، فلا بدّ وأن تكون «الثلاثة» ظرفاً ، فهي إن كانت ظرفاً لأصل تحقّق الدم ، فلا

يدلّ على الاستمرار ، وإن كانت ظرفاً لاستمراره أو سيلانه ، فلا يبعد ظهوره في الاستمرار في تمام اليوم ، ولم يعلم أ نّه اُريد به في الروايات نفسه أو سيلانه واستمراره . وحذف حرف الجرّ لا يفيد شيئاً ؛ ضرورة أنّ الظرفية باقية معه على حالها .

ولو قيل : إنّه مع حذفه يكون الحمل لتأوّل ، ومع الاستمرار يكون التأويل أقرب ، بخلافه مع عدمه .

فيه : أ نّه مع تسليمه لا يوجب ظهوراً حجّة يتمسّك به لدى الشكّ مع إمكان التأويل بغير ذلك ، خصوصاً إذا كان الدم في كلّ يوم مقداراً معتدّاً به ، أو أكثر من النقاء .

فالعمدة ما ذكرناه ، ومعه لا مجال للتمسّك بموثّقة سماعة . مع أنّ الظاهر منها

ص: 106


1- راجع جواهر الكلام 3 : 157 .

أنّ القعود في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة ، كناية عن رؤية الدم يومين وثلاثة ، كما يشهد به قوله : «يختلف عليها ؛ لا يكون طَمْثها في الشهر عدّة أيّام سواء» فلا دلالة فيها على ما ادّعي حتّى نحتاج إلى جواب الشيخ الأعظم(1) بما لا يخلو من تكلّف ، فلا بدّ من حمل الرواية على لزوم ترك الصلاة إذا رأت الدم ؛ استظهاراً حتّى يتّضح حالها ، أو ردّ علمها إلى أهله مع مخالفتها للأخبار والإجماع . ومرسلة يونس - مع ما عرفت من حالها (2) - لا تدلّ على ما ادّعي ؛ لو لم تدلّ على خلافه .

وممّا ذكرنا يظهر حال الاحتمال الثالث - ممّا نفى البُعدَ عنه شيخنا البهائي(3) على ما نقل عنه ونسب إلى بعض معاصري شيخنا الشهيد الثاني(4) - من اشتراط رؤيته أوّل الأوّل ، وآخرَ الثالث ، وأيَّ وقت من الثاني . نعم ، لو بنينا على أنّ الحيض أمر معنوي ، يكون هذا القول أسلم من الإشكال من القول الأوّل .

عدم إضرار الفترات اليسيرة المعهودة بين النساء

ثمّ لا يبعد عدم مضرّية الفترات اليسيرة المعهودة للنساء ؛ إذا كانت بحيث لا تضرّ بالاستمرار العرفي ورؤية الدم ثلاثة أيّام ، كما نقل عن العلاّمة دعوى الإجماع عليه(5) . ولعلّ مراد القائلين بالاستمرار ليس إلاّ هذا النحو ،

ص: 107


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 166 .
2- تقدّم في الصفحة 92 .
3- الحبل المتين : 47 / السطر 22 .
4- اُنظر الحدائق الناضرة 3 : 169 .
5- تذكرة الفقهاء 1 : 322 .

فقول «جامع المقاصد» : «متى وضعت الكُرْسُف تلوّث به»(1) لعلّه لا ينافي ذلك ، فتأمّل . وهذا لا يخلو من قوّة إذا ثبتت المعهودية ، وإلاّ فمحلّ إشكال وتأمّل .

في دخول الليالي في الأيّام الثلاثة

وهل المراد من «ثلاثة أيّام» هي مع لياليها أو هي مع الليلتين المتوسّطتين أو نفس الأيّام بلا لياليها ، أو تختلف بحسب الموارد ؛ فإن رأت في أوّل الليل لا بدّ من دخول الليالي الثلاث ، وكذا لو رأت وسط النهار ، بخلاف ما لو رأت أوّل النهار ، فلا يدخل فيها الليلة الأخيرة ، أو يختلف الأمر بحسب المبنى المشهور فيدخل فيها الليلتان المتوسّطتان في بعض الفروض ، والليالي الثلاث في آخر ، وبحسب مبنى «صاحب الحدائق»(2) فلا تدخل فيها الليالي مطلقاً ؟

يمكن أن يبتني الحكم على أنّ المراد من قوله : «لا يكون الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام» أو «أدنى الحيض ثلاثة» هل هو نفس الثلاثة ؛ بحيث يكون النهار دخيلاً في الموضوع ومقوّماً له ، كتقوّم الصوم بالنهار ، والصلاة بالأوقات المخصوصة ، أو أنّ ذكر «ثلاثة أيّام» لمجرّد التقدير ، فتكون آلة محضاً لتقدير مقدار الدم ؛ وأ نّه إذا سال بهذا المقدار يكون حيضاً ؟

ويأتي هذا الكلام في كثير من المواضع ، كالنزح يوماً إلى الليل متراوحاً لموت الكلب مع غلبة الماء .

ص: 108


1- جامع المقاصد 1 : 287 .
2- الحدائق الناضرة 3 : 159 .

لا إشكال في أ نّه قد يفهم العرف والعقلاء - بمناسبات مغروسة في أذهانهم - أنّ ذكر الأيّام وأمثالها لمجرّد التقدير ؛ من غير دخالة لذات اليوم في الموضوع والحكم ، مثل أن يؤمر بوضع شيء في الماء يوماً ، أو وضع المشمّع على الجرح يوماً ، فإنّ العرف لا يفهم منه إلاّ وضعهما مقدار يوم ، ولا يرى ذكر «اليوم» إلاّ

لمحض التقدير ، فإذا وضعهما بمقدار يوم في الليل أو ملفّقاً ، يرى نفسه عاملاً بالخطاب .

وقد يرى لليوم دخلاً تقويمياً للحكم وموضوعه .

ولا يبعد أن يكون النزح متراوحاً من قبيل الأوّل ؛ فإنّ العرف يرى أنّ تمام الموضوع لتطهير البئر أو تنظيفه ، هو إخراج الماء بهذا المقدار من الزمان متراوحاً ، ولا يرى لليوم دخلاً في الحكم ، بل يكون ذكره لمجرّد التقدير ، فالنزح في الليل بمقدار يوم إلى الليل ، عمل بالنصّ عرفاً .

فحينئذٍ يقع الكلام في أنّ المقام من قبيل ذلك ؛ وإنّما جيء ب- «ثلاثة أيّام» لمجرّد تقدير مقدار خروج الدم من غير مدخل لليوم فيه ؛ بحيث لو رأت مقدار ثلاثة أيّام - أي ستّ وثلاثين ساعة - من أوّل الليل مثلاً إلى مضيّ هذا المقدار مستمرّاً ، كان ذلك كافياً في جعله حيضاً .

وكذا لو كانت المرأة في أقطار تكون لياليها شهرين ، وأيّامها كذلك أو أكثر ، فرأت بمقدار ذلك ، كان حيضاً ، ووجب عليها التحيّض .

وبعبارة اُخرى : أنّ العرف لا يرى لطلوع الشمس وغروبها ، دخلاً في حيضية الدم ، كما لا يرى لهما تأثيراً في تطهير البئر بالنزح ، ووضع المشمّع على الجرح وأمثالهما .

ص: 109

أو يكون المقام من قبيل الأوّل(1) ؛ بأن يكون للأيّام الثلاثة دخل في الموضوع ، فليس الموضوع إلاّ رؤية الدم واستمراره ثلاثة أيّام ، ومع رؤية يوم وليلتين أو بالعكس ، لا يصدق أ نّها رأت ثلاثة أيّام . وليس للمقدار اسم ولفظ حتّى يستفاد منه ذلك . وإلغاء خصوصية الثلاثة غير ممكن ؛ لأ نّه لا بدّ فيه من حكم العرف بذلك ، وهو غير معلوم .

لكنّ الإنصاف : أ نّه لو لا مخالفة ما ذكرنا للقوم - حيث لم أرَ احتماله في كلام أحد - لكان للذهاب إليه وجه ، فتأمّل .

لكنّ الأوجه هو اعتبار الليالي ؛ لأنّ الظاهر من الأدلّة هو اعتبار الاستمرار ، وأنّ المراد من قوله : «لا

يكون دم الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام» من حين رؤيته ، فيفهم منه الاستمرار ، ومن الاستمرار دخول الليالي ، فكأ نّه قال : «إذا رأت الدم من حين ما رأت ثلاثة أيّام ، يكون حيضاً» ففهم دخول الليالي لذلك ، لا لدخل بياض النهار فيه . وفي مثل التراوح أيضاً يفهم ذلك إذا قال : «يتراوح ثلاثة أيّام» لا لفهم تأثير اليوم فيه ، ولذا نقول بالتلفيق ، بل لفهم الاستمرار من التراوح من حين الاشتغال ، ويفهم دخول الليالي لفهم الاستمرار .

فالأقوى هو الجمود على مقتضى النصوص ، مؤيّداً بما قلنا سابقاً (2) : من أنّ التحديدات الشرعية الواردة لدم الحيض ، ليست تحديدات للحيض الواقعي ؛ أي للدم المعهود المقذوف من الرحم في أوقات خاصّة ، بل هي لمعرّفية الموضوع الشرعي الذي هو صنف من الدم المعهود ، فلهذا لو علمنا بأنّ الدم الأقلّ من

ص: 110


1- والصحيح هو «الثاني» .
2- تقدّم في الصفحة 7 - 9 .

ثلاثة أيّام هو الدم المعهود ، لم نحكم عليها بالتحيّض ، ولا تكون حائضاً محكوماً عليها بالأحكام الخاصّة ، ومعه لا مجال للعرف لإلغاء الخصوصية . وليس حال ثلاثة أيّام الحيض حال التراوح ؛ ممّا يمكن فيه إلغاء الخصوصية عرفاً . مع أ نّك قد عرفت في التراوح ما عرفت .

نعم ، لو كان التحديد لواقع دم الحيض ، لكان لما ذكر وجه ، لكنّه ضعيف مخالف للاعتبار والوجدان ، فلا يمكن رفع اليد عن ظواهر الأدلّة المتظافرة الدالّة على كون أقلّ الحيض ثلاثة . وعلى ما ذكرنا يرفع الاستبعاد عن اختلاف أقلّ الحيض - قلّةً وكثرةً - بحسب وقت الرؤية من أوّل الليل أو أوّل النهار .

دخول الليلتين المتوسّطتين والاُولى

ثمّ إنّه على ما ذكرنا ، لا إشكال في دخول الليلتين المتوسّطتين إذا رأت في أوّل النهار ، والليلة الاُولى أيضاً إذا رأت أوّل الليل والتلفيق إذا رأت بين النهار ؛ بحكم العرف وفهمه من قوله : «لا يكون الدم أقلّ من ثلاثة أيّام» ، فإنّها إذا رأت أوّل الزوال إلى أوّل زوال اليوم الرابع ، يصدق عرفاً أ نّها رأت ثلاثة أيّام ، كما أنّ الأمر كذلك في أشباهه ونظائره .

نعم ، بناءً على مذهب صاحب «الحدائق»(1) فالظاهر عدم دخول الليل مطلقاً ؛ لأنّ عمدة مستنده المرسلة(2) وظاهرها أ نّها لو رأت يوماً ، ثمّ رأت بعد

ص: 111


1- الحدائق الناضرة 3 : 159 .
2- تقدّمت في الصفحة 91 .

الانقطاع ما يتمّ به ثلاثة أيّام ، يكون الدمان حيضاً ، ولا شبهة في صدق ثلاثة أيّام متفرّقة بين العشرة على الأيّام بغير لياليها .

ودعوى إطلاق «اليوم» على اليوم والليلة(1) ، ضعيفة مخالفة للعرف واللغة(2) وإنّما فهمنا دخول الليالي من ظهور الأدلّة في الاستمرار ، أو من الوجه الذي سبق .

كما أ نّه على فرض كون المراد من «ثلاثة أيّام» مقدارها ، يكون المقدار المفروض هو مقدار بياض الأيّام ؛ لأ نّه اليوم عرفاً ولغة .

نعم ، قد يطلق على مطلق الوقت ، لكنّ إطلاقه على اليوم والليلة ليس على نحو الحقيقة . ومع التسليم لا ريب في انصرافه إلى بياض النهار فقط ، وهذا أيضاً أحد وجوه المناقشة في مرسلة يونس القصيرة .

ثمّ إنّ التلفيق من الساعات ، خلاف ظواهر الأدلّة ولو على مبنى صاحب «الحدائق» كما يظهر بالنظر في المرسلة .

ص: 112


1- اُنظر جامع المقاصد 1 : 287 ؛ روض الجنان 1 : 175 .
2- لسان العرب 15 : 466 .
الأمر الرابع في أنّ أكثر الحيض عشرة أيّام
اشارة

لا إشكال في كون أكثر الحيض عشرة أيّام ، وعن «الأمالي» : «هذا من دين الإمامية الذي يجب الإقرار به»(1) وعن «المعتبر» : «هو مذهب فقهاء أهل البيت»(2) ونقلُ الإجماع عليه متكرّر(3) كنقل عدم الخلاف(4) والنصوص به مستفيضة(5) .

نعم ، في صحيحة عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إنّ أكثر ما يكون من الحيض ثمانٍ ، وأدنى ما يكون منه ثلاثة»(6) .

وهي - مع ما فيها من احتمال وقوع السهو ؛ لأجل تذكير لفظة «ثمان» كما في النسخ التي عندنا ، أو التقدير الموجب للإجمال - شاذّة ، وعن الشيخ : «أنّ الطائفة

أجمعت على خلاف ما تضمّنه هذا الحديث» أو محمولة على بعض المحامل(7) .

ص: 113


1- الأمالي ، الصدوق : 516 .
2- المعتبر 1 : 201 .
3- الخلاف 1 : 237 - 238 ؛ نهاية الإحكام 1 : 117 ؛ جامع المقاصد 1 : 287 .
4- السرائر 1 : 145 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 256 .
5- راجع وسائل الشيعة 2 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 .
6- تهذيب الأحكام 1 : 157 / 450 ؛ وسائل الشيعة 2 : 297 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 ، الحديث 14 .
7- تهذيب الأحكام 1 : 157 ، ذيل الحديث 450 ؛ الاستبصار 1 : 131 ، ذيل الحديث 6 .
اعتبار التوالي في العشرة

وإنّما الإشكال والكلام في اعتبار التوالي فيها ، كما عن ظاهر المشهور بل عن ظاهر «النهاية» عدم القائل بالخلاف(1) ، وعدمه كما قال به صاحب «الحدائق»(2) وهو خالف المشهور في توالي الثلاثة ، وتوالي العشرة ، وأقلّ الطهر .

وقد مرّ التقريب في دلالة ما دلّ على أنّ أدنى الحيض ثلاثة أيّام على التوالي(3) ، ويمكن تقريبها في العشرة أيضاً .

لكن لا يمكن إلزام صاحب «الحدائق» بذلك إلاّ بعد إثبات عدم كون الطهر مطلقاً أقلّ من عشرة أيّام ، وإلاّ فله أن يقول : إنّ كون أكثر الحيض عشرة أيّام متوالية ، لا ينافي تفرّق الأيّام على تسعين يوماً ، ومع ذلك لا تكون الأيّام المتفرّقة أكثر أيّام الحيض ؛ لأنّ الأكثرية بأكثرية الدم المستمرّ . لكنّه لا

يلتزم بذلك ، بل يدّعي أنّ الأكثر يمكن أن يكون متفرّقاً ، وعليه يكون التقريب المتقدّم حجّة عليه وملزماً له .

والإنصاف : أنّ ظهور الروايات المحدّدة لأقلّ الحيض وأكثره(4) في التوالي مطلقاً ، ممّا لا ينكر ، وكذا لزوم التوالي في كلّ مصداق واحد من الحيض - كان الأقلّ أو الأكثر أو الأوسط - بالتقريب المتقدّم ، فلا بدّ لرفع اليد عن هذا الظهور

المستقرّ والدليل المتّبع من دليل ، وإلاّ كان هو المتّبع .

ص: 114


1- نهاية الإحكام 1 : 166 ؛ اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 170 .
2- الحدائق الناضرة 3 : 159 .
3- تقدّم في الصفحة 88 - 89 .
4- راجع وسائل الشيعة 2 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 .
مخالفة صاحب الحدائق المشهور في اعتبار التوالي وأقلّ الطهر

واستند صاحب «الحدائق»(1) لمقالته إلى روايات :

منها : ذيل مرسلة يونس القصيرة ، وهو قوله : «فإذا حاضت المرأة ، وكان حيضها خمسة أيّام ، ثمّ انقطع الدم ، اغتسلت وصلّت ، فإن رأت بعد ذلك الدم ، ولم يتمّ لها من يوم طهرت عشرة أيّام ، فذلك من الحيض تدع الصلاة ، وإن رأت الدم من أوّل ما رأت الثاني الذي رأته تمام العشرة أيّام ودام عليها ، عدّت - من أوّل ما رأت الدم الأوّل والثاني - عشرةَ أيّام، ثمّ هي مستحاضة»(2).

والتقريب فيها من وجهين :

أحدهما قوله : «فإن رأت بعد ذلك الدم ، ولم يتمّ لها من يوم طهرت عشرة أيّام ، فذلك من الحيض» حيث جعل مبدأ الحساب من الطهر ، فإذا رأت خمسة وطهرت خمسة ثمّ رأت خمسة ، فالخمستان الحاشيتان من الحيض ؛ لرؤيتها قبل مضيّ عشرة أيّام من الطهر ، ولا يتمّ ذلك إلاّ بعدم اعتبار التوالي .

وثانيهما قوله : «وإن رأت الدم من أوّل ما رأت الثاني . . .» إلى آخره ؛ حيث جعل عدّ الدمين ميزاناً للعشرة ، لا من مبدأ الدم الأوّل إلى عشرة أيّام ؛ حتّى يكون النقاء داخلاً في الحساب ، وهو لا يتمّ إلاّ بعدم اعتبار التوالي .

وفي الوجهين نظر ، حاصله : أنّ صدر المرسلة ظاهر - بل صريح - في أنّ مبدأ حساب عشرة أيّام ، من أوّل رؤية الدم يوماً أو يومين ، وأنّ كلّ دم رأت في

ص: 115


1- الحدائق الناضرة 3 : 159 وما بعدها .
2- تقدّم في الصفحة 92 .

العشرة التي مبدؤها ذلك ، هو من الحيض ، ومع عدم الرؤية فيها ليس اليوم واليومان من الحيض ، بل إمّا من قرحة أو غيرها ، ويجب عليها قضاء الصلاة ، فيكون مبدأ الحساب - بحسب الصدر - هو أوّل رؤية الدم ، فحينئذٍ يكون قوله : «إذا رأت خمسة أيّام» إمّا من أمثلة ما ذكر في الصدر ، وإنّما أعاد مثالاً آخر للتوضيح .

أو فرضاً آخر حكمه غير الفرض الأوّل ، فيستفاد منها التفصيل بين رؤية الدم يوماً أو يومين وبين خمسة أيّام مثلاً .

أو كان الفرض الأوّل لغير ذات العادة ، بخلاف الثاني .

وهذان التفصيلان ممّا لا قائل بهما ظاهراً ؛ وإن لم يبعد التزام صاحب «الحدائق» بهما . ولا يبعد دعوى كون المثال للتوضيح ، لا لبيان مطلب مستقلّ ولو لما ذكرنا من عدم القائل بهما ، فيتعيّن الاحتمال الأوّل ، ومعه يكون الصدر رافعاً لإجمال الذيل ؛ فإنّ قوله : «من يوم طهرت» - في الجملة الاُولى التي استند إليها - يمكن أن يكون متعلّقاً ب- «لم يتمّ» وأن يكون متعلّقاً ب- «عشرة أيّام» ولا ترجيح لأحدهما ابتداءً ، لكن مع ملاحظة الصدر الصريح في كون مبدأ الحساب هو أوّل رؤية الدم ، يرتفع هذا الإجمال ويتعيّن تعلّقه بقوله : «لم يتمّ» ويكون المعنى : «إذا رأت الدم مع عدم تمام العشرة المتقدّمة التي مبدؤها من رؤية الدم . . .» فتكون أيّام الطهر متمّمة للعشرة لا مبدأها .

وبعبارة اُخرى : إذا لم يأتِ عليها من الطهر متمّم للعشرة ، ورأت الدم ، يكون حيضاً ، فصارت هذه الجملة مطابقة للجملة السابقة ، وللشهرة ، بل الإجماع .

ص: 116

هذا مع الغضّ عمّا قال الشيخ الأعظم : من أنّ في نسخة مصحّحة مقروءة على الشيخ الحرّ بدل «طهرت» «طمثت»(1) .

وممّا ذكرنا يظهر حال الجملة الثانية ، مع إجمالها واضطرابها ، فإنّ المراد منها - بعد ضمّ الصدر إليها - أ نّه إن رأت من أوّل ما رأت الثاني الذي رأته متمّماً للعشرة المتقدّمة التي مبدؤها من رؤية الدم الأوّل . . . فتكون رؤية الدم في العشرة التي مبدؤها مصرّح به في الصدر ، فتكون هذه الجملة أيضاً مطابقة للصدر والقول المشهور .

وإلاّ فلو اُريد من قوله : «تمام العشرة» العشرة التامّة من رؤية الدم الثاني ، تكون هذه الجملة لغواً محضاً ؛ فإنّ رؤية العشرة التامّة من مبدأ الدم الثاني ، لا دخل لها في الحكم المترتّب عليه أصلاً ، ولا في مدّعى صاحب «الحدائق» رأساً ؛ فإنّ الحكم إنّما يكون على الدم المتجاوز عن عشرة أيّام بعد حساب الدمين مجتمعين ، فمع رؤية خمسة أيّام - كما هي مفروضة الرواية - إن طهرت يوماً مثلاً ، ورأت ستّة أيّام ، يكون اليوم السادس منها استحاضة على قول صاحب «الحدائق» ولا دخل لرؤية العشرة الكاملة في ترتّب هذا الحكم عليه . هذا كلّه مع الغضّ عمّا تقدّم في المسألة السابقة(2) .

والإنصاف : أنّ هذه المرسلة مع هذه التكلّفات في توجيهها وتأويلها والإجمالات الكثيرة فيها ، لا يمكن الاتّكال عليها لإثبات حكم شرعي .

ص: 117


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 172 .
2- تقدّم في الصفحة 92 - 95 .

وممّا استدلّ به لمذهب صاحب «الحدائق» : رواية محمّد بن مسلم المتقدّمة(1) ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «أقلّ ما يكون من الحيض ثلاثة ، وإذا رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى ، وإذا رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضة اُخرى مستقبلة»(2) .

وقريب منها روايته الصحيحة الاُخرى ورواية عبد الرحمان بن أبي عبداللّه المتقدّمتان(3) .

والتقريب فيها : أنّ الظاهر منها أنّ العشرة المذكورة فيها ، عشرة واحدة جعل لرؤية الدم قبلها وبعدها حكم ، ولا إشكال في أنّ مبدأ العشرة في الفقرة الثانية هو أوّل الطهر ، وإلاّ لزم كون الدم حيضة مستقبلة قبل عشرة الطهر ، وهو خلاف الإجماع والنصّ ، فلا محالة يكون مبدأ العشرة في الاُولى أيضاً هو الطهر ، فحينئذٍ إن جعل النقاء المتخلّل حيضاً ، يصير أكثر الحيض أكثر من عشرة أيّام ، وهو أيضاً خلاف الإجماع والنصّ ، فلا بدّ من جعله طهراً ، وبه يتمّ المطلوب ؛ وهو عدم توالي عشرة أيّام الحيض .

بل وتتمّ دعوى اُخرى : وهي كون الطهر أقلّ من العشرة ؛ إذا كان في خلال الحيضة الواحدة .

وفيه : أ نّه لا إشكال في لزوم ارتكاب خلاف ظاهر في المقام ، فلا بدّ

ص: 118


1- تقدّم في الصفحة 60 .
2- الكافي 3 : 77 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 159 / 454 ؛ وسائل الشيعة 2 : 298 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 11 ، الحديث 3 .
3- تقدّمتا في الصفحة 59 - 60 .

من عرض الأخبار الواردة على العرف حتّى نرى أنّ ارتكاب أيّ خلاف ظاهر أهون .

وتوضيحه : أنّ هاهنا طوائف من الروايات :

الطائفة الاُولى : الروايات الكثيرة القائلة : بأنّ أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة ، وأكثره عشرة ، الظاهرة في التوالي ، وهذه الروايات بإطلاقها تدلّ على أنّ العشرة حدّ للأكثر ؛ سواء استمرّ الدم ، أو تخلّل نقاء في البين ، ولازمه كون النقاء حيضاً .

والطائفة الثانية : ما دلّت على أنّ أقلّ الطهر عشرة أيّام ، كمرسلة يونس وغيرها ، وهي بإطلاقها تدلّ على أ نّه لا يكون أقلّ ؛ كان في خلال الحيضة الواحدة ، أو بين الحيضتين .

والطائفة الثالثة : تلك الروايات المتقدّمة الظاهرة في كون العشرة واحدة ، واستفاد صاحب «الحدائق» منها أنّ النقاء المتخلّل طهر ، ولا يشترط التوالي في العشرة ؛ جمعاً بينها (1) .

ولنا أن نقول - مع قطع النظر عن فتاوى الأصحاب ، وعدم الاعتناء بالشهرة والإجماع ، كما هو دأب صاحب «الحدائق» - : إنّ الجمع بينها لا ينحصر فيما ذكر ، بل يمكن الجمع بوجه آخر ؛ وهو رفع اليد عن إطلاق ما دلّ على أنّ أكثر الحيض عشرة أيّام ، فإنّ مقتضى إطلاقها أنّ الأكثر عشرة ؛ سواء كان الدم سائلاً ، أو تخلّل النقاء في البين ، فمع رفع اليد عن إطلاقها وتخصيصها بما إذا رأت الدم في جميع العشرة ، يجمع بين الروايات أيضاً ، فيكون مبدأ العشرتين من حين

ص: 119


1- الحدائق الناضرة 3 : 164 .

رؤية الدم ، كما هو الظاهر منها ، ومع حفظ ظهور الروايات الدالّة على أنّ أقلّ

الطهر عشرة أيّام ، نحكم بحيضية النقاء المتخلّل ، وتكون النتيجة : أنّ الحيض الحكمي يكون أكثره أكثر من عشرة أيّام .

وهذا الجمع أقرب ممّا ذكره صاحب «الحدائق» لأنّ «الحيض» عبارة عن الدم أو سيلانه لغة(1) ، فما دلّت على أنّ أكثر الحيض عشرة أيّام ، يمكن دعوى ظهورها في أنّ أكثر جريان الدم الذي هو حيض ، عشرة أيّام ، ولا تكون متعرّضة للحيض الحكمي ، فيجمع حينئذٍ بين الروايات من غير ارتكاب خلاف ظاهر أصلاً .

ولو قيل بالإطلاق كان هذا الجمع أيضاً أقرب ؛ لما ذكر ، أو لاحتماله وضعف الإطلاق . ولا أقلّ من كون الجمعين متساويين من غير ترجيح .

بل بناءً على هذا الجمع ، يكون التصرّف في الأدلّة أقلّ ممّا ارتكبه صاحب «الحدائق» .

بيانه : أنّ الجمع بينها على مسلكه ، يوجب التصرّف في جميع الطوائف الثلاث : أمّا فيما دلّت على أنّ أقلّ الطهر عشرة ، فبتقييد إطلاقها بما بين الحيضتين المستقلّتين .

وأمّا فيما دلّت على أنّ أكثر الحيض عشرة أيّام ، فبرفع اليد عن ظهورها في العشرة المتوالية .

وأمّا في الطائفة الثالثة ، فبرفع اليد عن ظهورها في أنّ مبدأ العشرة هو الدم ؛ ضرورة أنّ قوله في رواية محمّد بن مسلم عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «أقلّ ما

ص: 120


1- لسان العرب 3 : 419 ؛ مجمع البحرين 4 : 201 ؛ القاموس المحيط 2 : 341 .

يكون الحيض ثلاثة ، وإذا رأت الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى . . .» إلى آخره ، ظاهر في أنّ مبدأ العشرة هو مبدأ الثلاثة المذكورة ، وليس للطهر ذكر حتّى تحمل العشرة على العشرة من الطهر .

وأمّا بناءً على ما ذكرنا من حمل الروايات الدالّة على أكثر الحيض على عشرة الدم ، فلا يكون التصرّف إلاّ فيها - على فرض تسليم إطلاقها وعدم انصرافها إلى وجدان الدم - وفي الطائفة الثانية برفع اليد عن ظهورها في كون العشرة واحدة ، ومبدأ الثانية هو مبدأ الاُولى ، فيكون هذا التصرّف أقلّ ممّا سلكه صاحب «الحدائق» وأهون .

لكن مع ذلك ومع الغضّ عن كونه خلاف الإجماع ، يكون الجمع بينها بما يوافق قول المشهور أهونَ وأقلّ محذوراً منه ، فضلاً عن الجمع على مسلك «الحدائق» فإنّه لو سُلّم كون الطائفة الثالثة مطلقة وفي مقام البيان ، كان التصرّف

مختصّاً بها على مذهب المشهور ، وتكون ما دلّت على أكثر الحيض وأقلّ الطهر ، محفوظةً عن التصرّف .

وأمّا التصرّف في هذه الطائفة ، فإمّا بجعل العشرة الاُولى غير الثانية ، كما قد يؤيّده تنكير الثانية على بعض النسخ(1) .

أو حفظ هذا الظهور ؛ وتقييد الفقرة الثانية بمضيّ أقلّ الطهر ؛ وهو عشرة أيّام طاهرة ، وهذا تصرّف واحد أهون من تصرّفين أو تصرّفات في جميع الأدلّة .

ص: 121


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 49 .

هذا مع التسليم ، وإلاّ فالحقّ أنّ هذه الروايات ليست في مقام البيان من هذه الجهة بلا إشكال ، كما تقدّم ، ويظهر بالمراجعة إليها ؛ فإنّ قوله في رواية ابن مسلم : «أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة ، وإذا رأت الدم قبل عشرة . . .» إلى آخره ، ظاهر في أنّ الحيض في مبدأ العشرة كان مفروض الوجود ، وكذا الدم المتأخّر كان مفروض الحيضية ، وإنّما الكلام في استقلاله وعدمه ؛ وأ نّه من الحيضة الاُولى أو حيضة مستقبلة ، وليست بصدد بيان أنّ الدم كذا حتّى يتمسّك بإطلاقها .

ولهذا لا ينقدح في الذهن تعارض بين صدرها - حيث حكم بأنّ أقلّ الحيض ثلاثة - وبين ذيلها ، ولو كان للذيل إطلاق لكان متعارضاً مع الصدر . وكذا لا ينقدح التعارض بينها وبين ما دلّ على اعتبار شرائط في الحيض ، وذلك آية عدم الإطلاق ، كما ينادي به نفس الرواية .

ومثلها رواية عبد الرحمان المتقدّمة(1) ، فإنّ الظاهر منها أنّ حيضية الدم المتقدّم والمتأخّر مفروضة ، وتكون الرواية في مقام بيان أ نّه ملحق بالثانية أو حيضة مستقلّة ، فحينئذٍ لا يكون الجمع بين تلك الطوائف بما يوافق المشهور موجباً لتصرّف فيها .

نعم ، هنا روايات اُخر يتمسّك بها لعدم اعتبار التوالي ، ولكون أقلّ الطهر بين

الحيضة الواحدة أقلّ من عشرة أيّام ، وأنّ ما دلّت على أنّ أدنى الطهر عشرة ، مختصّة بما بين الحيضتين :

ص: 122


1- تقدّمت في الصفحة 98 .

منها : موضعان من مرسلة يونس(1) :

أحدهما قوله : «وإن انقطع الدم بعد ما رأته يوماً أو يومين ، اغتسلت وصلّت» حيث إنّ الأمر بالاغتسال إنّما يكون للحيض المحتمل ، والأمر بالصلاة لكونها طاهرة .

وفيه : أ نّه كما يحتمل أن يكون ذلك لأجل احتمال الحيض ، يمكن أن يكون لأجل احتمال الاستحاضة . ويمكن أن يقال : إنّ الثاني موافق للأصل ؛ بناءً على أنّ هذه المرأة إذا لم تكن حائضاً فهي مستحاضة شرعاً ، وإحراز عدم كونها حائضاً بالأصل .

ولو اُغمض عن ذلك أو استشكل فيه ، فلا ظهور للرواية في تعيين شيء من الاحتمالين ، كما أنّ الأمر بالصلاة يمكن أن يكون للتكليف الظاهري واستصحاب عدم كونها حائضاً ، فلا ظهور لها فيما ادّعى صاحب «الحدائق»(2) .

وثانيهما قوله : «فذلك الذي رأته في أوّل الأمر ، مع هذا الذي رأته بعد ذلك في العشرة ، هو من الحيض» حيث حكم بحيضية الدمين ، ولو كان النقاء حيضاً كان عليه بيان حيضية المجموع .

وفيه : أنّ الظاهر من قوله : «فذلك الذي رأته في أوّل الأمر . . .» إلى قوله : «من الحيض» - حيث أتى بلفظة «من» الظاهرة في التبعيض - أنّ مجموع الدم الأوّل والثاني بعض الحيض ، وهو لا يتمّ إلاّ بكون النقاء حيضاً ، وإلاّ كان

ص: 123


1- تقدّمت في الصفحة 91 .
2- الحدائق الناضرة 3 : 160 .

تخلّل «من» التبعيضية غير مناسب ، بل كان عليه أن يقول : «هو الحيض» لا «هو من الحيض» .

نعم ، لو كان الضمير راجعاً إلى بعض الدم ، كان تخلّلها صحيحاً ، لكن لا إشكال في رجوعه إلى كلّه ، وهو لا يستقيم إلاّ بما ذكرنا .

هذا مضافاً إلى أنّ كون الوسط طهراً ، موجب لاستقلال الدمين في الوجود ، فجعلهما واحداً ومن حيضة واحدة ، لا يستقيم إلاّ بتأوّل وتجوّز واعتبار وحدة .

مع أنّ تصريحه في موضعين منها بأنّ الطهر لا

يكون أقلّ من عشرة ، لا يناسب بيان أقلّيته منها ، فمن يريد أن يبيّن أنّ الطهر يمكن أن يكون أقلّ من عشرة أيّام ، لا يقول بقول مطلق : «إنّ أدنى الطهر عشرة أيّام» ولا يذيّل كلامه :

«بأنّ الطهر لا يكون أقلّ من عشرة» .

والإنصاف : أنّ المرسلة على خلاف قوله أدلّ .

وأضعف ممّا ذكر ، الاستدلال بآخر المرسلة ؛ حيث قال : «عدّت من أوّل ما رأت الدم الأوّل والثاني ، عشرةَ أيّام» ، وقد مرّ الكلام في الجمل الأخيرة منها (1) .

ومنها : روايتا محمّد بن مسلم المتقدّمتان(2) ، حيث جُعل فيهما الدم بعد الانقطاع من الحيضة الاُولى إذا رأت قبل عشرة أيّام ، فتدلاّن على أنّ النقاء ليس بحيض . ومثلهما رواية عبد الرحمان بن أبي عبداللّه (3) .

ص: 124


1- تقدّم في الصفحة 115 .
2- تقدّمتا في الصفحة 96 - 97 .
3- تقدّم في الصفحة 98 .

والجواب عنهما بما تقدّم : من أنّ الظاهر من قوله : «من الحيضة الاُولى» أنّ الحيضة مستمرّة من مبدأ الدم الأوّل إلى الدم الثاني ، وإلاّ كان حيضاً مستقلاًّ ، فلا يصدق كونه من الاُولى - بلا تجوّز واعتبار وحدة تأوّلاً - إلاّ ببقاء الاُولى

واستمرارها ، فيكون النقاء وجوداً بقائياً لها ، فيكون حيضاً .

مضافاً إلى أنّ تلك الروايات - كما تقدّم(1) - إنّما تكون بصدد بيان أمر آخر ، ولا تكون بصدد بيان حال الطهر ، فلا دلالة لها على مذهب صاحب «الحدائق» . هذا مع الغضّ عن سند رواية عبد الرحمان وإحدى روايتي ابن مسلم وإجمال الاُخرى .

ومنها : رواية داود مولى أبي المغرا عمّن أخبره ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث قال : قلت له : المرأة يكون حيضها سبعة أيّام أو ثمانية أيّام ، حيضها دائم مستقيم ، ثمّ تحيض ثلاثة أيّام ، ثمّ ينقطع عنها الدم ، وترى البياض ؛ لا صُفرة ولا دماً ، قال : «تغتسل وتصلّي» .

قلت : تغتسل وتصلّي وتصوم ، ثمّ يعود الدم ، قال : «إذا رأت الدم أمسكت عن الصلاة والصيام» .

قلت : فإنّها ترى الدم يوماً ، وتطهر يوماً ، قال : فقال : «إذا رأت الدم أمسكت ، وإذا رأت الطهر صلّت ، فإذا مضت أيّام حيضها واستمرّ بها الطهر صلّت ، فإذا رأت الدم فهي مستحاضة . قد انتظمتُ لك أمرَها كلّه»(2) .

ص: 125


1- تقدّم في الصفحة 98 و122 .
2- الكافي 3 : 90 / 7 ؛ وسائل الشيعة 2 : 285 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 ، الحديث 1 .

حيث أمرها بالغسل والصلاة والصيام في أيّام النقاء ، فتكون طهراً حقيقة . وأيضاً لم يأمرها بقضاء الصوم ، مع أنّ قضاءه لازم على الحائض ، فتدلّ على أنّ النقاء طهر .

وفيه : أنّ عدم الأمر بقضاء الصوم إنّما هو لعدم كونه في مقام بيانه ، ولا يجب بيان جميع الأحكام المرتبطة بالحيض في رواية واحدة ، وأمّا الأمر بالصلاة والصيام فيمكن أن يكون احتياطاً واستظهاراً ، كما هو متكرّر في أبواب الدماء(1) من الأمر بالترك أو الفعل للاستظهار حتّى مع وجود الأصل المنقّح ، فلا تدلّ على تحقّق الطهر الحقيقي ، ولا كون الدم حيضاً .

كما لا محيص عن حمل صحيحتي يونس بن يعقوب(2) وأبي بصير(3) على ذلك ، ففي الاُولى قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : المرأة ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام ، قال : «تدع الصلاة» . قلت : فإنّها ترى الطهر ثلاثة أيّام أو أربعة ؟ قال : «تصلّي» . قلت : فإنّها ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة ؟ قال : «تدع الصلاة ؛ تصنع ما بينها وبين شهر ، فإن انقطع عنها الدم ، وإلاّ فهي بمنزلة المستحاضة»(4) .

ص: 126


1- وسائل الشيعة 2 : 299 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 12 و13 ، و : 381 ، أبواب النفاس ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 79 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 285 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 380 / 1180 ؛ وسائل الشيعة 2 : 286 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 ، الحديث 3 .
4- هذا مطابق مع النسخة الحجرية من الوسائل ، راجع وسائل الشيعة 1 : 151 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، السطر 22 (ط - الحجري) .

ضرورة أنّ الحمل على الحيض والطهر في جميع الأيّام إلى شهر ، ممّا لا يمكن ؛ للزوم كون الطهر بين الحيضتين المستقلّتين أقلّ من عشرة إذا كان كلّ دم حيضاً مستقلاًّ ، وكون الحيض الواحد أكثر من عشرة إذا كانت الدماء حيضة واحدة ، فلا محالة تحمل على الأمر بالاحتياط ، وترجيح جانب الحيض في أيّام الدم ، وجانب الطهر في أيّام النقاء ، كما صنع العَلَمان الشيخ والمحقّق(1) وعليه يحمل فتوى من أفتى بمضمونهما (2) .

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال : «لا يكون القُرْء في أقلّ من عشرة أيّام فما زاد ، وأقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم»(3) - فقد يتمسّك بها للفريقين(4) - بدعوى : أنّ «القُرْء» هو الطهر بين الحيضتين المستقلّتين ، كما تدلّ عليه صحيحتا زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام : «القُرء ما بين الحيضتين»(5) ، فاختصاص «القُرْء» بالذكر لكون الطهر أعمّ ، وهو لا يكون عشرة أيّام . مع ظهور قوله : «أقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم» في طهرها من الحيض إلى رؤية الدم من الحيضة المستقبلة .

ص: 127


1- الاستبصار 1 : 132 ، ذيل الحديث 3 ؛ المعتبر 1 : 206 - 207 .
2- النهاية : 24 ؛ المبسوط 1 : 43 ؛ اُنظر ذكرى الشيعة 1 : 235 .
3- الكافي 3 : 76 / 4 ؛ وسائل الشيعة 2 : 297 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 11 ، الحديث 1 .
4- الحدائق الناضرة 3 : 161 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 173 .
5- الكافي 6 : 89 / 2 و3 ؛ وسائل الشيعة 22 : 201 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 14 ، الحديث 1 و2 .

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ «القُرْء» - على ما صرّح به أئمّة اللغة - هو الطهر ضدّ الحيض(1) ، ولم أرَ فيما عندي من كتب اللغة وكلام شرّاح الحديث والمفسّرين ، التفسير بما بين الحيضتين ، إلاّ عبارة من الصدوق في «الفقيه»(2) وما في «الصحاح» عن الأخفش عن بعضهم(3) ، وإلاّ فكلماتهم متطابقة على أنّ «القُرْء» هو الطهر والحيض ، وهو من الأضداد ، وعن الأخفش : «أ نّه انقضاء الحيض»(4) والظاهر أنّ كلام الصدوق تبع للرواية ، لا نقل للّغة .

وأمّا الروايات الواردة في باب العدد(5) فهي في مقام بيان الحكم الشرعي ، لا ذكر المعنى اللغوي ؛ لوقوع الخلاف بين الخاصّة وبعض العامّة - كأبي حنيفة - في المراد من «القُرْء» في آية التربّص(6) هل هو الطهر ، كما عليه أصحابنا (7) أو الحيض ، كما عليه أبو حنيفة وبعض آخر منهم(8) ؟ فتلك الروايات واردة في بيان المراد من «القُرْء» في آية التربّص ؛ وأنّ «القرء» ليس بمعنى

ص: 128


1- معجم مقاييس اللغة 5 : 79 ؛ لسان العرب 11 : 80 ؛ القاموس المحيط 1 : 25 .
2- الفقيه 1 : 51 / 198 .
3- الصحاح 1 : 64 .
4- الصحاح 1 : 64 ؛ اُنظر لسان العرب 11 : 81 .
5- وسائل الشيعة 22 : 201 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 14 ، أكثر أحاديث الباب .
6- وهو قوله تعالى : )والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء( ، البقرة (2) : 228 .
7- التبيان في تفسير القرآن 2 : 237 ؛ مجمع البيان 2 : 573 ؛ فقه القرآن 2 : 156 ؛ كنز العرفان 2 : 256 .
8- المبسوط ، السرخسي 6 : 13 ؛ الكشّاف 1 : 271 ؛ المغني ، ابن قدامة 9 : 82 ؛ الجامع لأحكام القرآن 3 : 116 - 117 .

الحيض فيها ، بل هو الطهر بين الحيضتين ، فلا يستفاد منها شيء من المذهبين

في المقام .

مع أ نّه على فرض تفسير «القرء» بما بين الحيضتين ، يمكن الاستدلال بها للمشهور بضميمة ما دلّ على أنّ الأقراء هي الأطهار ، كصحيحة زرارة في باب العدد(1) ، والظاهر - من تخلّل ضمير الفصل - هو كون «القرء» و«الطهر» واحداً ، فما لم يكن قرءاً لا يكون طهراً ، فإذا كان النقاء أقلّ من عشرة لا يكون قرءاً ولا طهراً ، فيكون حيضاً .

والإنصاف : أنّ رواية باب العدد أجنبيّة عمّا نحن بصدده .

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم فحاكمة بأنّ القرء لا يكون أقلّ من عشرة أيّام ،

وهو لغ-ةً الطهر فلا يكون الطهر أقلّ منها ، والجملة التالية - أعني قوله : «وأقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم» - تفسير للسابقة ، ومعناها : أنّ الطهر إذا عقّبه الدم ، ليس بقرء ولا طهر إلاّ إذا كان بينهما عشرة أيّام ، فدلالتها

على القول المشهور ظاهرة .

مع إمكان أن يقال : إنّ عمل المشهور على رواية يونس - في تلك الفقرة التي لا إجمال فيها - يكفي في جبران ضعفها سنداً ، والتشويش المتني ليس في هذه الفقرة ، فالحقّ ما عليه المشهور في المسائل الثلاث ، وطريق الاحتياط معلوم ، وهو سبيل النجاة .

ص: 129


1- الكافي 6 : 89 / 4 ؛ وسائل الشيعة 22 : 201 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 14 ، الحديث 3 .
المطلب الثالث: في أقسام الحائض وأحكامها
اشارة

الحائض إمّا ذات عادة أو لا :

فالاُولى : إمّا وقتية وعددية ، أو وقتية فقط ، أو عددية كذلك .

والثانية : إمّا مبتدئة ، وهي التي لم تَرَ الدم سابقاً ، وكان ما رأت أوّل دمها .

وإمّا مضطربة ، وهي التي لم تستقرّ لها عادة وإن رأت الدم مراراً ، كمن رأت ثلاثة في أوّل شهر ، وخمسة في وسط شهر آخر ، وسبعة في آخر شهر ثالث ، وأربعة في شهر آخر في غير الأيّام المتقدّمة . . . وهكذا .

وإمّا ناسية ، وهي التي كانت لها عادة فنسيتها ، ويقال لها : «المتحيّرة» .

وقد تطلق «المبتدئة» على الأعمّ ممّن تقدّمت ومن لم تستقرّ لها عادة ، كما تطلق «المضطربة» على الناسية ، والأمر سهل .

والأولى صرف الكلام إلى أحكام الأقسام في ضمن مسائل :

ص: 130

المسألة الاُولى في استفادة حصول العادة بمرّتين من الأخبار
اشارة

لا إشكال في حصول العادة برؤية الدم مرّتين في الجملة - دون مرّة واحدة

- نصّاً (1) وفتوى(2) . وخلاف بعض العامّة(3) - كنقل موافقة بعض أصحابنا معه(4) مع عدم ثبوته - لا يعتنى به .

وإنّما الإشكال - مع قطع النظر عن الإجماع أو الشهرة(5) - في استفادة حصول العادة بمرّتين في اُصول أقسام ذات العادة التي تقدّمت من الأدلّة ، كمرسلة يونس الطويلة(6) وغيرها (7) وكذا في استفادة حصولها بهما في سائر الأقسام المتكثّرة المذكورة في كتب المحقّق والعلاّمة والشهيد على ما حكيت(8)

ص: 131


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 286 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 7 .
2- النهاية : 25 ؛ المهذّب 1 : 35 ؛ منتهى المطلب 2 : 311 .
3- المغني ، ابن قدامة 1 : 329 / السطر 3 ؛ المجموع 2 : 417 / السطر 16 .
4- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 160 ؛ جواهر الكلام 3 : 171 .
5- جامع المقاصد 1 : 289 ؛ مستند الشيعة 2 : 430 - 431 ؛ جواهر الكلام 3 : 171 .
6- تقدّم في الصفحة 14 .
7- كمضمرة سماعة ، راجع الكافي 3 : 79 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 380 / 1178 ؛ وسائل الشيعة 2 : 304 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 14 ، الحديث 1 .
8- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 186 ؛ المعتبر 1 : 213 و217 - 218 ؛ نهاية الإحكام 1 : 134 - 162 ؛ منتهى المطلب 2 : 295 ؛ الدروس الشرعية 1 : 97 - 98 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 232 - 234 .

وأشار إلى بعضها الشيخ الأعظم وغيره(1) .

فنقول : لا إشكال في استفادة حصولها بمرّتين في ذات العادة الوقتية والعددية من مرسلة يونس . وادّعى بعضهم استفادة العددية فقط أيضاً منها ؛ أي شمول ظهورها اللفظي لهما ، دون الوقتية فقط(2) .

لكن الظاهر منها - بعد التأمّل التامّ في جميع فقراتها - هو تعرّضها لذات

العادة العددية والوقتية دون غيرها ، بل شمولها لذات العادة الوقتية أقرب من العددية ، فالأولى ذكر بعض فقراتها حتّى يتّضح الحال :

قال بعد كلام : «أمّا إحدى السنن : فالحائض التي لها أيّام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها ، ثمّ استحاضت واستمرّ بها الدم ، وهي في ذلك تعرف أيّامها ومبلغ عددها . . .» إلى آخره .

لا إشكال في أنّ ما ذكر ، لا ينطبق إلاّ على ذات العادة العددية والوقتية مع كونها ذاكرة لعددها ووقتها ، وأمّا لو كان لها عدد معلوم ، لكن كان مختلطاً في ثلاثين يوماً ، فلا تكون لها أيّام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها ، وأيّ اختلاط أكثر من اختلاط ثلاثة في ثلاثين مثلاً ؟ !

وأوضح من ذلك قوله : «تعرف أيّامها ومبلغ عددها» فعرفان الأيّام غير عرفان مبلغ العدد ، فلا إشكال في أنّ موضوع السنّة الاُولى هو ما ذكر .

وأمّا قوله بعد ذلك -

حاكياً عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في تكليف هذه المرأة - :

ص: 132


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 187 - 188 ؛ جواهر الكلام 3 : 171 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 185 .

«تدع الصلاة قدر أقرائها أو قدر حيضها» وإن كان في نفسه - مع قطع النظر عن الصدر والذيل - للعددية فقط ، لكن مع لحاظ أنّ ذلك بيان حكم الموضوع المتقدّم ، لا يبقى ريب في أنّ المراد قدر أقرائها التي تعرفها ذاتاً ومبلغاً ، ولهذا

قال بلا فصل : «هذه سنّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم في التي تعرف أيّام أقرائها ؛ لم تختلط عليها» ومعرفة أيّام الأقراء غير معرفة العدد والمبلغ ؛ ضرورة أنّ معرفة نفس اليوم هو العلم بشخصه ؛ وأ نّه في أيّ موضع من الشهر ، ومع الجهل بذلك تكون ممّن تختلط عليها أيّامها ولم تعرفها ، فقوله بلا فصل : «ألا ترى أ نّه لم يسألها : كم يوم هي ؟» لا يدلّ على شموله لذات العادة العددية ؛ ضرورة أ نّه بصدد بيان حال من تقدّم ذكرها ، ولذا قال بلا فصل : «وإنّما سنّ لها أيّاماً معلومة ما كانت من قليل أو كثير بعد أن تعرفها» ومعلومية نفس الأيّام ومعروفيتها ، لا تصدقان إلاّ بما تقدّم .

ويزيده وضوحاً قوله بعد ذلك في بيان تكليفها : «فلتدع الصلاة أيّام أقرائها» ضرورة أنّ مثل ذلك لا

يقال لمن لا تعلم أيّامها ولا تعرفها بشخصها ؛ للفرق الواضح بين أن يقول : «فلتدع الصلاة مقدار أيّام أقرائها» وبين ما ذكر ، فقوله بعد ذلك : «فهذه سنّة التي تعرف أيّامها ولا وقت لها إلاّ أيّامها ؛ قلّت أو كثرت» ممّا يؤكّد المطلوب .

كما يؤكّده ويوضّحه قوله : «وأمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة ، ثمّ اختلط عليها من طول الدم ، فزادت ونقصت حتّى أغفلت عددها وموضعها من الشهر ، فإنّ سنّتها غير ذلك» . . . إلى غير ذلك ممّا يؤكّد المطلوب .

فلا ريب في أنّ المرسلة متعرّضة لذات العادة العددية والوقتية ، فحينئذٍ يكون

ص: 133

ذيلها أيضاً بيان تقسيم الصدر ، لا شيئاً آخر ، فقوله : «فإن انقطع الدم في أقلّ من سبع أو أكثر من سبع ، فإنّها تغتسل ساعة ترى الطهر وتصلّي ، فلا تزال كذلك حتّى تنظر ما يكون في الشهر الثاني ، فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأوّل سواءً حتّى توالى عليها حيضتان . . .» إلى آخره متعرّض لما تقدّم .

فقوله : «لوقته من الشهر الأوّل» أي يكون الانقطاع وقت الشهر الأوّل .

وقوله : «سواء» أي عدداً ؛ بقرينة الصدر والذيل ، فلا إشكال في تعرّضها لذات العادة العددية والوقتية .

فحينئذٍ يقع الإشكال في المرسلة : بأنّ صريحها أنّ سنّ السنن الثلاث لرفع كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها ؛ حتّى لا يدع لأحد مقالاً فيه بالرأي ، وأنّ جميع حالات المستحاضة ، تدور على هذه السنن الثلاث ؛ لا تكاد أبداً تخلو عن واحدة منهنّ ، مع أنّ كثيراً من حالات المستحاضة وأقسامها ، غير مذكورة فيها ، كالعددية المحضة ، والوقتية كذلك ، والصور الكثيرة التي تعرّض لها المحقّقون .

ويمكن دفع الإشكال عنها بوجهين :

أحدهما أن يقال : إنّ السنّة الاُولى - أي الرجوع إلى خلقها ووقتها - إنّما هي لمن لها خلق معروف معلوم ، ويكون وجه الإرجاع إلى خلقها هو معروفية الخلق ومعلومية الأيّام ، وذلك تمام الموضوع للإرجاع ، ويكون المثال المذكور أوضح المصاديق ؛ من غير أن يكون الحكم منحصراً به بدعوى : أنّ العرف - بمناسبات الحكم والموضوع وإلغاء الخصوصية - يفهم منها أنّ الخلق المعروف والعدد المعلوم ، يكون مرجعاً لأجل أقوائية أماريته من حالات الدم ، والرجوع إلى صفات الدم إنّما هو مع فقد الأمارة الأقوى ، فإذا كانت المرأة - حسب ما رأت

ص: 134

متكرّراً في الزمان الطويل - ذات خلق معروف عدداً ووقتاً ، أو عدداً فقط ، أو وقتاً فقط ، يكون هو المرجع لأجل معروفية الخلق ومعلومية العادة .

وبالجملة : العادة الحاصلة من تكرّر الدم أقوى الأمارات ، فذاك الخلق مرجعها لأجل كونه عادة وخلقاً ، فالمرأة التي ترى الدم في أوّل الشهر - لا تتخلّف عادتها عنه في الأزمنة المتطاولة ؛ وإن اختلف عددها - يكون لها خلق معروف معلوم بحسب الوقت ، وهو أقوى الأمارات .

وكذا في العددية المحضة ، كما يشهد به قوله في مقابل السنّة الاُولى : «وأمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة ، ثمّ اختلط عليها من طول الدم ، فزادت ونقصت حتّى أغفلت عددها وموضعها من الشهر . . .» مع أنّ مقابل ما ذكره في السنّة الاُولى هو إغفال أحدهما ، لا إغفالهما معاً ، فذكر إغفالهما دليل على أنّ الصدر بصدد بيان أمر أوسع ممّا مثّل به ، فيشمل الذاكرة ولو عدداً فقط ، أو وقتاً كذلك . فحينئذٍ يدخل جميع الصور التي ت-تصوّر للخلق المعروف والعادة المعروفة - ولو بنحو التركيب وغيره - في السنّة الاُولى ، ومع فقد الخلق والعادة

يكون المرجع هو الأمارة الاُخرى ؛ أي اختلاف ألوان الدم وتغيّر حالاته ، ومع فقدها يكون المرجع السبع والثلاث والعشرين ، فهذه جميع حالات المستحاضة تقريباً أو تحقيقاً .

وثانيهما أن يقال : إنّ السنّة الاُولى لذات العادة الوقتية والعددية معاً ، والسنّة الثانية لغيرها ؛ سواء لم تكن لها عادة أصلاً ، أو كانت وأغفلتها مطلقاً ، أو أغفلت

إحداهما ، فيدخل فيها جميع الأقسام ما عدا الأوّل ، وإنّما اختصّ بالذكر قسم منها هو أحد مصاديق المفهوم ، فقوله : «إن كانت لها أيّام معلومة فكذا» أو قوله :

ص: 135

«فالحائض التي لها أيّام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها . . .» كذا ، يكون بالمفهوم شاملاً لجميع أقسام المستحاضة غير ما في المنطوق .

فكأ نّه قال : «المستحاضة إمّا ذات عادة وقتية وعددية أو لا ، فالاُولى حكمها الرجوع إلى خلقها ، والثانية إمّا أن يكون لدمها اختلاف لون وتغيّر حال أو لا ، فالاُولى حكمها الرجوع إلى الصفات ، والثانية الرجوع إلى السبع والثلاث والعشرين» وذكر من كلّ مفهوم مصداقاً ؛ فذكر من مفهوم الجملة الاُولى التي أغفلت مطلقاً ، ومن مفهوم الجملة الثانية المبتدئة فقط من باب المثال ، لا من باب كونهما تمام الموضوع للحكم ، فحينئذٍ تحيط السنن الثلاث بجميع حالات المستحاضة إلاّ بعض النوادر .

وهذان الوجهان وإن كان يُدفع بكلٍّ منهما الإشكال عن المرسلة لكنّ الرجحان للوجه الأوّل ؛ لمساعدة الارتكازات العرفية عليه ، ومعها لا يبقى للوجه الثاني محلّ .

ولموافقته لفتوى الأصحاب ودعاوى الشهرة والإجماع على إلحاق العددية المحضة والوقتية المحضة بالسنّة الاُولى .

مضافاً إلى خصوصيات في المرسلة تؤيّد ذلك أو تدلّ عليه ، كقوله في ذيل السنّة الثانية : «فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها ؛ لم تعرف عددها ولا وقتها . . .» إلى أن قال : «فلهذا احتاجت إلى أن تعرف إقبال الدم . . .» إلى آخره ، فجعل وجه الاحتياج إلى الرجوع إلى الصفات ، عدمَ معرفة العدد ولا الوقت معاً ، فيفهم منه أ نّها لو عرفت وقتها لا تحتاج إلى معرفة لون الدم ، وكذا لو عرفت العدد ، فمورد الاحتياج فقدان الأمارة التي هي أقوى ؛

ص: 136

وه-ي الخلق المعروف والعادة المعلومة .

ويؤكّده قوله : «فإذا جهلت الأيّام وعددها ، احتاجت إلى النظر حينئذٍ إلى إقبال الدم وإدباره وتغيّر لونه . . .» إلى غير ذلك من الخصوصيات .

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ من لها خلق معروف - سواء كان خلقها العدد والوقت ، أو أحدهما ، أو كان مركّباً في الوقت ، أو في العدد ، أو في كليهما ، وكذا سائر أقسام

الخلق - فسنّتها الرجوع إلى خلقها المعروف وعادتها المعلومة ؛ لا سنّة لها غيرها .

ولا إشكال في تلك الكبرى الكلّية واستفادتها من الرواية ؛ بعد النظر التامّ في فقراتها والتأمّل في خصوصياتها ، كما قال الإمام علیه السلام في صدرها : «بيَّن فيها كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها» .

دلالة ذيل مرسلة يونس على تحقّق العادة بحيضتين مطلقاً

فحينئذٍ يقع الكلام في أ نّه هل يستفاد من ذيل المرسلة أنّ الحيضتين مطلقاً وفي جميع الفروع وصغريات الكبرى الكلّية ، موجبتان لتحقّق العادة أو يختصّ ذلك بموضع ومحلّ خاصّ ولا يتجاوز عنه ؟

ووجه الاختصاص هو أخذ خصوصيات في المرسلة في الموضوع :

منها : كون الحيضتين من المرأة المبتدئة لا غيرها ، فإنّ قوله : «فإن انقطع الدم في أقلّ من سبع» راجع إلى من استمرّ بها الدم أوّل ما رأت ، وهي قسم من المبتدئة ، فالعادة تحصل بالحيضتين بالنسبة إليها خاصّة .

ومنها : تحقّقهما في شهرين هلاليين لا غيرهما ، كما هو ظاهر «الشهر» في لسان الشرع .

ص: 137

ومنها : استواؤهما أخذاً وانقطاعاً ؛ لقوله : «فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأوّل سواء» ف- «الوقت» إشارة إلى المحلّ من الشهر ، و«السواء» إلى العدد ، فلا بدّ من اختصاص الحيضتين - لتحصيل العادة الشرعية التعبّدية - بالموضوع الذي دلّت عليه المرسلة ، وفيما سواه ترجع إلى العادة العرفية ، ومع عدمها إلى الصفات .

لكن الإنصاف : أنّ المرسلة آبية عن دخل تلك الخصوصيات في موضوع حصول العادة ؛ لأنّ الإمام علیه السلام بيّن لنا طريق استفادة كفاية الحيضتين في حصول العادة والوقت والخلق المعروف ؛ حيث قال - بعد قوله : «فقد علم الآن : أنّ ذلك قد صار لها وقتاً وخلقاً معروفاً ؛ تعمل عليه ، وتدع ما سواه» - بهذه العبارة : «وإنّما جعل الوقت إن توالى عليها حيضتان أو ثلاث ؛ لقول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم للتي تعرف أيّامها : دعي الصلاة أيّام أقرائك ، فعلمنا أ نّه لم يجعل القُرء الواحد سُنّة لها ، فيقول لها : دعي الصلاة أيّام قرئك ، ولكن سنّ لها الأقراء ، وأدناه حيضتان فصاعداً . . .» إلى آخره .

فيظهر منه : أنّ الحيضتين - بما هما أقلّ الأقراء الواردة في قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم - موضوع السنّة الاُولى ، ولا دخل لشيء آخر فيه ، فكلّ من كان لها أيّام معلومة وأقراء معروفة ، لا بدّ لها من الرجوع إلى أيّامها وأقرائها كائنة من كانت ، وتحصل الأقراء بأدنى مراتبها ؛ وهو حيضتان ، فكونهما موضوع السنّة الاُولى ؛ لدخولهما في قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ليس إلاّ ، فلو كان لما ذكر من الخصوصيات دخل لما تمّ ما ذكره ، ولما أفادنا طريق الاستفادة والاجتهاد كذلك .

ص: 138

فذيل المرسلة حاكم على صدرها بتحصيل موضوع ذات العادة تعبّداً ، وبيان له ، فكأ نّه قال : «كلّ ذات عادة وخلق سنّتها الرجوع إليهما ، ويحصل الخلق والعادة بحيضتين» .

وأمّا ما يقال(1) : من أنّ العادة العرفية تحصل بمرّتين لخصوصية في عادات النساء ؛ من حيث إنّ الرحم بالطبع تقذف الدم بنظام معيّن نوعاً ، فإذا قذفت مرّتين على نسق واحد حصلت العادة . وأنّ الرواية بصدد بيان حدّ المعنى العرفي ، كتعيين ثلاث في باب كثير السهو (2) إلى غير ذلك ممّا أفاد المشايخ فلا يخلو من الإشكال ، خصوصاً بالنسبة إلى بعض الموارد ، بل ظاهر الرواية يأبى عن ذلك .

ص: 139


1- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 187 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 77 و79 .
2- السرائر 1 : 248 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 3 : 143 - 145 .
المسألة الثانية في ثبوت العددية الناقصة برؤية مرّتين مختلفتين عدداً

هل تثبت العددية الناقصة برؤية مرّتين مختلفتين عدداً ؛ بحيث يلزم الأخذ بالقدر المتيقّن ؛ سواء كانت ذات عادة وقتية أو لا ، فإذا رأت أربعة أيّام في أوّل شهر ، وستّةً في أوّل شهر آخر ، أو أربعةً في أوّل شهر ، وستّةً في وسط شهر آخر ، تصير الأربعة عادة ناقصة لها ، وكذا في جانب الأكثر ، فيكون الخارج عنهما غير أيّام حيضها أو لا ، أو يفصّل بين ذات العادة الوقتية ، فتأخذ بالقدر المتيقّن من العدد ، فتثبت لها العددية الناقصة ، وبين غيرها فلا تثبت ؟

وجوه ، فعن العلاّمة والشهيد ثبوتها (1) ، واختاره بعض المحقّقين(2) وعن «جامع المقاصد» و«الروض» عدمه(3) ، واختاره صاحب «الجواهر» والشيخ الأعظم والمحقّق الخراساني(4) .

واستدلّ على عدمه(5) بظهور مضمرة سَماعة(6) والمرسلة(7) في اعتبار

ص: 140


1- منتهى المطلب 2 : 316 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 232 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 78 - 79 .
3- جامع المقاصد 1 : 292 ؛ روض الجنان 1 : 180 - 181 .
4- جواهر الكلام 3 : 177 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 197 ؛ الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراساني : 203 .
5- الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراساني : 203 .
6- يأتي متنها في الصفحة 152 .
7- تقدّم في الصفحة 14 .

التساوي في العدد ، وبأنّ أقلّ ما يحصل به العادة حيضتان ، ومن رأت في شهر أربعة وفي شهر ستّة ، فكما أنّ الأخذ بالستّة أخذ بقُرء واحد ، كذلك الأخذ بالأربعة ؛ لأنّ الأربعة في ضمن الستّة لا تكون قرءاً مستقلاًّ ، والقرء الواحد لا يكون عادة بنصّ المرسلة .

ويمكن أن يقال : إنّ المضمرة لا تدفع العددية الناقصة ؛ فإنّ قوله : «فإذا اتّفق شهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها» إمّا أن يدّعى دلالته على النفي بمفهوم الشرط ، فلا مفهوم له في المقام ظاهراً - لو سلّم مفهوم الشرط في غيره - فإنّ المفهوم فيه : «إذا لم يتّفق شهران كذلك فليس تلك أيّامها» أي ليس الأيّام المتقدّمة المتساوية في صورة الاختلاف أيّامها ، وهذا نفي بنفي الموضوع ، لا لأجل المفهوم .

وإمّا بمفهوم القيد بأن يقال : «إذا اتّفق شهران عدّة أيّام غير سواء ، فليس تلك أيّامها» ومعناه حينئذٍ أنّ الأيّام التي هي غير سواء ليس أيّامها ، وهو - مع الغضّ

عن عدم المفهوم - لا ينفي إلاّ عدم(1) جميع الأيّام التي هي غير سواء ، وهو مسلّم ، وأمّا الأقلّ فلا ينفيه ، تأمّل .

وبمثله يجاب عن المرسلة أيضاً .

وأمّا كون الناقص قرءاً واحداً فمسلّم ، لكن يمكن دعوى استفادة ذلك من المرسلة بإلغاء الخصوصية عرفاً ؛ بأن يقال : إنّ العرف يفهم منها أنّ تكرّر الدم على نحو واحد ، يوجب الخلق .

وإن شئت قلت : لا

ريب في شمول قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة

ص: 141


1- هكذا في الأصل والصحيح زيادة لفظة «عدم» .

أيّام أقرائك» لمن كانت لها عادة ناقصة عدداً مع كونها ذات العادة المستقرّة وقتاً ، فمن رأت سنين متمادية أوّل الشهر حيضاً مع اختلاف العدد زيادة ونقيصة ، تكون لها أيّام معلومة هي القدر المتيقّن ، كأوّل الشهر إلى اليوم الرابع مثلاً ، فيشملها قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، وزيادة العدد ونقصه لا توجبان عدم الشمول بالنسبة إلى القدر المتيقّن ، والمرسلة دلّت على أنّ الرؤية مرّتين موجبة للخلق المعلوم ؛ حيث قال لمن توالى عليها حيضتان : «فقد علم الآن : أنّ ذلك قد صار لها وقتاً وخلقاً معروفاً ؛ تعمل عليه ، وتدع ما سواه» .

نعم ، ظاهرها حيضتان تامّتان ، كما أنّ الظاهر حصولهما في شهرين ، فكما أنّ العرف يفهم منها أنّ خصوصية الشهر غير دخيلة ، يفهم أنّ العدد الزائد على الأربعة في المثال لا دخل له .

وأمّا قولهم : «إنّ ذلك هو الأخذ بقرء واحد ، وقد صرّحت المرسلة بعدم صيرورتها ذات عادة بقرء واحد» . ففيه : أ نّه فرق بين الأخذ بالأربعة بحدّها وجعل الأربعة وقتها ، وبين الأخذ بالجامع بين الناقص والزائد والقدر المتيقّن منهما ، ففي الصورة الثانية لا تكون آخذة بالناقص ، بل به وبما يشاركه ؛ وهو القرء الثاني ، فهي آخذة بهما وإن لم تأخذ بجميعهما .

وقد يقال : إنّ ما ذكر منافٍ لقوله في المرسلة : «وإن اختلط عليها أيّامها ، وزادت ونقصت حتّى لا تقف منها على حدّ ، ولا من الدم على لون ، عملت بإقبال الدم وإدباره ؛ ليس لها سنّة غير هذا»(1) .

وفيه : أنّ ذلك مسلّم في العددية الناقصة غير الوقتية ممّا ذكرنا في صدر

ص: 142


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 79 .

المبحث لا في ذات العادة الوقتية مع العددية الناقصة ، ونحن نلتزم به ونفصّل

بينهما ؛ وذلك لأ نّه في المرسلة - كما يعلم بالنظر في صدرها وذيلها - جعل التمييز مرجعاً لمن لا تكون لها أيّام معلومة ؛ لا من حيث العدد ولا الوقت ، كما صرّح به في موارد منها ، كقوله : «وأمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة ، ثمّ اختلط عليها من طول الدم ؛ فزادت ونقصت حتّى أغفلت عددها وموضعها من الشهر . . .» إلى آخره .

وما في ذيلها هو السنّة الثانية التي في صدرها ، وموضوعها هي التي اختلط عليها أيّامها من حيث موضع الشهر ، وزادت ونقصت عدداً ، ولا إشكال - بحسب مفاد المرسلة - في أنّ مرجعها إلى التمييز . وأمّا من عرفت موضعها من الشهر ولم تحصِ عددها ، فهي غير داخلة في السنّة الثانية ، بل داخلة في السنّة الاُولى كما مرّ(1) . كما أنّ من أحصت عددها ولم تعرف موضعها ، لا يكون مرجعها في العدد إلى التمييز . فهذه الفقرة الأخيرة ، غير شاملة لذات العادة الوقتية المحضة ،

وهو ظاهر لمن سمع المرسلة وفهمها .

وأمّا ما أفاده بعض المحقّقين في جواب هذا الإشكال(2) ، فهو كما ترى .

فتحصّل من جميع ما ذكرنا : أنّ الأقوى هو التفصيل بين ذات العادة الوقتية المحضة ؛ فتأخذ بالقدر المتيقّن من العدد ، ويصير ذلك عادة لها بمرّتين ، وبين ذات العددية الناقصة مع عدم العادة الوقتية لها ، فمرجعها التمييز ، وليس لها سنّة مع التمييز غيره .

ص: 143


1- تقدّم في الصفحة 134 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 79 .
المسألة الثالثة في تحقّق العادة بالمرّتين مطلقاً

إنّ حصول المرّتين قد يكون بالأخذ والانقطاع ، مع كون الدم حيضاً وجداناً .

وقد يكون بقيام أمارة معتبرة على الحيضية ، كمن كانت مبتدئة واستمرّ بها الدم ، فرأت في أوّل شهرين متّصلين ، عدداً معيّناً بصفات الحيض .

وقد يكون الحكم بحصول الحيض بقاعدة الإمكان ، كمن رأت في أوّل شهرين متّصلين ، عدداً معيّناً محكوماً بالحيضية بقاعدة الإمكان .

وقد يكون ذلك بالاقتداء بعادة نسائها ، كمن كانت عادة نسائها خمسة في أوّل كلّ شهر ، فاقتدت بهنّ مرّتين .

وقد يكون بشهادة القوابل ؛ بناءً على قبولها .

وقد يكون بالاستصحاب ، كما لو فرض العلمُ بحيضية ثلاثة أيّام من أوّل شهرين ، والشكّ في بقائها إلى الخامس ، وقلنا بجريان الاستصحاب فيه .

وقد يكون بالتحيّض سبعة أيّام من شهرين في وقت معيّن ؛ عملاً بالرواية .

لا إشكال في حصول العادة في الفرض الأوّل ، كما لا إشكال في عدم حصولها في الأخير :

أمّا الأوّل فواضح .

وأمّا الأخير ؛ فلأنّ السبعة ليست بحيض وجداناً ولا تعبّداً ، بل المرأة تعمل فيها عمل الحائض ، كما قال في المرسلة تمسّكاً بقول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «تحيّضي» وليس يكون التحيّض إلاّ للمرأة التي تريد تكلّف ما تعمل الحائض .

ص: 144

وأمّا الأقسام الاُخرى ، فالظاهر تحقّقها بها :

أمّا فيما قامت الأمارة على الحيضية ؛ فلأنّ الأمارة كاشفة عن الحيض الواقعي ، فمع قيامها عليه وتكرّرها مرّتين ، ينقّح بها موضوع قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» مفسّراً بكلام أبي عبداللّه علیه السلام : «وأدناه حيضتان» .

وترجيح بعض المحقّقين العدم بدعوى خروج الفرض عن مورد الروايتين ، وعدم الوثوق بكون واجد الصفات حيضاً لا غير ، وأنّ الأوصاف أمارات ظنّية اعتبرها الشارع في الجملة ، كعادة نسائها التي ترجع إليها في بعض الصور ، فلا تكون موجبة للوثوق بمعرفة أيّام أقرائها حتّى ترجع إليها (1) .

لا يخلو من غرابة ؛ ضرورة أ نّه مع قيام الأمارة المعتبرة على الحيضية ، تصير الحيضية الواقعية ثابتة ولو تعبّداً ، ومع تحقّقها وتكرّرها مرّتين وجداناً ، يتحقّق

موضوع ما دلّ على أنّ أدنى ما يتحقّق به العادة حيضتان .

ولو فرض عدم الوثوق بالحيضية ، لم يضرّ ذلك بلزوم ترتيب الأحكام عليها ؛ لانسلاكها تحت الدليل الشرعي ، فأيّ فرق بين المقام وسائر الموارد ؛ ممّا يكون الحكم مترتّباً على العناوين الواقعية مع إحرازها بالأمارات الشرعية ؟ !

كما أنّ ما في «الجواهر» : «من عدم تناول الخبرين - أي المرسلة(2) والمضمرة(3) - له ، مع ظهور غيرهما في عدمه ، كالأخبار الآمرة بالرجوع إلى

ص: 145


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 81 .
2- تقدّم في الصفحة 14 .
3- يأتي في الصفحة 152 .

الصفات(1) ؛ إذ هي متناولة بإطلاقها ما لو تكرّر الجامع مثلاً مرّتين ، ثمّ اختلف محلّه أو عدده في الدور الثالث ، فإنّه يجب اتّباع الأوصاف أينما كانت ؛ تكرّرت أو لا»(2) .

أيضاً لا يخلو من غرابة ؛ ضرورة أنّ الرجوع إلى التمييز ، إنّما يكون بعد فقد

العادة ، وإلاّ فهي المرجع لا غير ، وبعد ثبوت الحيضتين الواقعيتين بالصفات ، يندرج الموضوع تحت قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» مفسّراً بقول أبي عبداللّه علیه السلام : «أدناه حيضتان» ، فالحيضتان الواقعيتان محقّقتان للعادة ، ومع تحقّقها تكون هي المرجع دون التمييز .

بل لو فرض أنّ الموضوع لحصول العادة هو الحيض المعلوم والأيّام المعروفة ، لقلنا بثبوتها في المقام بالحيضتين ؛ لقوله علیه السلام في المرسلة بعد فرض تكرّر الحيضتين : «فقد علم الآن : أنّ ذلك قد صار لها وقتاً وخلقاً معروفاً» متمسّكاً بقول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» وأنّ «أدناه حيضتان» فالحيضتان محقّقتان للخلق المعروف والعادة المعلومة التي هي موضوع الحكم ، فتدبّر .

وأمّا ما يمكن أن يقال : إنّ التمسّك بدليل التمييز لمنع الرجوع إلى التمييز ، يلزم منه كون الدليل رافعاً لنفسه أو لعلّته ، وأيضاً يلزم منه حكومته على نفسه .

فممّا لا يصغى إليه بعد التأمّل فيما تقدّم ، ولا مانع من أن تحصل العادة

ص: 146


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 .
2- جواهر الكلام 3 : 178 .

بمصداقين من التمييز ، ولأجله يرتفع موضوع الرجوع إلى التمييز فيما بعد ، كما في الأصل السببي والمسبّبي . بل ما نحن فيه أولى منه ، كما يظهر بالتأمّل .

ثمّ إنّه لو فرض أنّ ثبوت الحيض بقاعدة الإمكان ، أو بالاقتداء بأقراء نسائها ، من قبيل الثبوت بالأمارة ، فالكلام فيهما هو الكلام .

وأمّا لو فرض كون القاعدة أصلاً ، وكذا الاقتداء بعادة النساء ، فكذلك إن كانا

أصلين محرزين ؛ بدعوى أنّ معقد الإجماع القائم على القاعدة - على فرضه - لو لم يكن مفاده التحقّق الواقعي ، فلا أقلّ من ظهوره في التعبّد بتحقّقه ؛ فإنّ معقده

«أنّ كلّ دم أمكن أن يكون حيضاً فهو حيض» فهو إمّا بصدد بيان أنّ أسباب الحيضية وعللها متحقّقة لو لا الامتناع ، والإمكان مساوق للتحقّق الواقعي ، فتكون أمارة للواقع ، أو بصدد بيان التعبّد بوجودها عند إمكانها ، فلا محالة يكون أصلاً محرزاً ، ومع التعبّد بوجودها مرّتين ، تنسلك في موضوع ما دلّ على أنّ العادة تحصل بأدنى الأقراء ؛ وهو حيضتان ، كما ينقّح موضوع الأدلّة الاجتهادية بالاُصول المحرزة في غير المقام .

ومن هذا يظهر حال الاقتداء بالأقراء لو أخذنا برواية سَماعة ، فإنّ قوله : «أقراؤها مثل أقراء نسائها»(1) إمّا أمارة ؛ بقرينة أنّ مماثلة حالات النساء في

طائفة ، أمارة على كشف حال مورد الشكّ . ولو اُغمض النظر عنه ، فلا أقلّ من أنّ لسانها لسان التعبّد بأنّ أقراءها مثل أقرائهنّ ، فإذا كانت أقراؤهنّ خمسة في أوّل

ص: 147


1- الكافي 3 : 79 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 288 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 2 .

الشهور ، يكون قرؤها كذلك ، فمع الاقتداء بهنّ مرّتين ينقّح الموضوع ، كما مرّ .

ويأتي هذا الكلام في الاستصحاب أيضاً على ما حقّقنا في محلّه : من أنّ الاستصحاب في الموضوعات منقّح لنفس موضوع الأدلّة الاجتهادية(1) ، فتبصّر .

وممّا ذكرنا يظهر حال غيرها من الفروع ، كما لو ثبتت الحيضتان بأمارتين مختلفتين ؛ كأن يكون أحد الدمين واجداً لبعض صفات الحيض ، والآخر لبعض آخر ؛ بعد فرض كون كلّ صفة أمارة مستقلّة .

وأمّا التفصيل بين جامع الصفات وغيره ؛ لحصول الظنّ القويّ في الأوّل دون الثاني(2) ، ففي غير محلّه بعد فرض أمارية كلّ صفة ، فقوّة الظنّ - كأصل حصوله - كالحجر جنب الإنسان .

فلا إشكال في تحقّق العادة بالمرّتين مطلقاً ؛ حتّى لو ثبتت إحدى الحيضتين بالتمييز ، والاُخرى بالقاعدة ، أو إحداهما بالقاعدة ، والاُخرى بالرجوع إلى الأقران . . . وهكذا . وعليك بالتأمّل فيما مرّ واستخراج كلّ فرع يرد عليك .

ص: 148


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 279 - 282 .
2- اُنظر جواهر الكلام 3 : 178 .
المسألة الرابعة في حصول العادة بالمرّتين مع حصول النقاء في البين

هل تحصل العادة بالمرّتين مع حصول النقاء في البين أو لا ؟

وعلى الأوّل : هل العبرة بالدمين مطلقاً ؛ سواء كانت الرؤية في وقت واحد أو عدد معيّن ، فتصير ذات عادة وقتية في الأوّل ، وعددية في الثاني ؛ وسواء كان النقاءان متساويين في المرّتين أو لا ، وسواء كان النقاء في كلتا المرّتين ، أو في

مرّة دون اُخرى ؟

أو يفصّل في المقامات ؟

أو العبرة بالدم المستمرّ أوّلاً ؟

أو بالدمين وإلغاء النقاء ؟

وجوه ، أوجهها الأوّل ؛ أي حصول العادة بالمرّتين واحتساب النقاء والدمين مطلقاً ؛ وذلك لأنّ الظاهر من المرسلة الطويلة(1) أنّ الميزان في حصول العادة المعلومة والخلق المعروف ، هو حصول القُرءين عدّة أيّام سواء ؛ لقول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» مفسّراً بقول أبي عبداللّه علیه السلام : إنّ «أدناه حيضتان» فيكون الذيل قاعدة كلّية يندرج فيها جميع أفراد القرء ؛ سواء كانت المرأة في أيّام القرء مستمرّة الدم أو لا ، بشرط صدق أيّام القُرء عليها ، وإنّما

ذكر فيها الدم واستمراره مثالاً للمقام .

ص: 149


1- تقدّم في الصفحة 14 .

فقوله : «فإن انقطع الدم في أقلّ من سبع . . .» إلى آخره ، وإن كان ظاهراً في استمرار الدم عدّة أيّام سواء ، مع حصول الانقطاع في وقت معيّن من الشهر ، لكن استدلال أبي عبداللّه علیه السلام بكلام رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وتحديده الجمع بحيضتين فصاعداً ، حاكم على هذا الظهور ، ومبيِّن للمراد ؛ وأنّ تمام الملاك هو تكرّر أيّام

القُرء مرّتين فصاعداً ، فإذا ضمّ إلى هذه الكلّية كون أيّام النقاء قرءاً وحيضاً تمّ

المطلوب ، وتمّت الحكومة .

ويدلّ على ذلك - مضافاً إلى دعوى عدم وجدان الخلاف ، كما في «الجواهر»(1) وعن «شرح المفاتيح» : «أ نّه لم يُنقل في ذلك خلاف»(2) بل ادّعى الشيخ في «الخلاف» إجماع الفرقة على كون الكلّ حيضاً (3) - ما دلّ على أنّ أقلّ الطهر عشرة أيّام(4) ، وعدم الواسطة بين الطهر والحيض ، فالنقاء في البين إن لم يكن طهراً فهو حيض .

وتدلّ عليه أيضاً رواية يونس القصيرة حيث قال فيها : «فذلك الذي رأته في أوّل الأمر مع هذا الذي رأته بعد ذلك في عشرة ، فهو من الحيض»(5) بالتقريب الذي مرّ في بعض المسائل السابقة(6) .

ص: 150


1- جواهر الكلام 3 : 187 .
2- مصابيح الظلام 1 : 145 .
3- الخلاف 1 : 243 .
4- راجع وسائل الشيعة 2 : 297 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 11 .
5- الكافي 3 : 76 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 299 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 12 ، الحديث 2 .
6- تقدّم في الصفحة 123 - 124 .

وكذا روايتا محمّد بن مسلم حيث قال فيهما : «إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى»(1) بالتقريب المتقدّم(2) .

ويؤيّده أنّ كون النقاء طهراً في الواقع مع وجوب ترك الصلاة عليها فيه ، بعيد جدّاً .

وهذا أبعد ممّا استبعده أبو عبداللّه علیه السلام في مرسلة يونس الطويلة حيث قال في السنّة الثالثة : «ألا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع ، وكانت خمساً أو أقلّ من ذلك ، ما قال لها تحيّضي سبعاً ! فيكون قد أمرها بترك الصلاة أيّاماً ، وهي مستحاضة غير حائض . . .»(3) إلى آخره ، فإذا لم يأمر رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

المستحاضة غير الحائض بترك الصلاة ، لم يأمر قطعاً الطاهرة غير الحائض بتركها ، فلا بدّ إمّا من التزام مقالة صاحب «الحدائق»(4) وهو خلاف الإجماع والأدلّة ، أو البناء على كون النقاء حيضاً وجميع الأيّام قرءاً ، وهو المتعيّن ، فحينئذٍ يثبت المطلوب ؛ وهو أنّ القرءين - سواء كانا مع استمرار الدم ، أو مع تخلّل النقاء مطلقاً - موجب لحصول الخلق المعروف .

وبما ذكرنا يظهر النظر في سائر الوجوه والأقوال .

وقد يقال(5) : إنّ مقتضى المرسلة ومضمرة سماعة اعتبار تساوي عدد أيّام

ص: 151


1- تقدّما في الصفحة 96 - 97 .
2- تقدّم في الصفحة 124 - 125 .
3- الكافي 3 : 83 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 88 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 3 .
4- الحدائق الناضرة 3 : 160 .
5- الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراساني : 205 .

الدم في الحيضتين في حصول العادة العددية ، ومقتضى صدق «أيّامها» على أيّام الدم والنقاء في الوقتية ، هو التفصيل بينهما ؛ بأن يقال : إنّ الاعتبار بالدمين في

العددية وبالدمين والنقاء في الوقتية .

وفيه ما لا يخفى ؛ لما عرفت من حال المرسلة . وأمّا المضمرة فلا

بدّ من نقلها وبيان الوجوه فيها حتّى يظهر الأمر :

قال سماعة : سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض ، فتقعد في الشهر يومين وفي الشهر ثلاثة أيّام ؛ يختلف عليها ، لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء ، قال : «فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة ، فإذا اتّفق شهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها»(1) .

لا ريب في أنّ السائل بصدد رفع شبهته في اختلاف أيّام الطمث ؛ وأ نّه إذا لم يكن طمثها عدّة أيّام سواء فما تكليفها ؟ من غير نظر إلى أنّ الطمث ما هو ؛ وهل هو نفس الدم ، أو هو مع النقاء المتخلّل ؟ وكذا الجواب إنّما هو عن ذلك ؛ وأ نّه مع عدم تجاوز الدم عشرة أيّام ، تجلس وتدع الصلاة .

وقوله : «فإذا اتّفق شهران عدّة أيّام سواء . . .» يحتمل فيه :

اتّفاق أيّام القعود .

واتّفاق أيّام الطمث .

واتّفاق أيّام الدم المستمرّ المعهود في الكلام .

واتّفاق مطلق الدم .

ص: 152


1- الكافي 3 : 79 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 286 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 7 ، الحديث 1 ، و : 304 ، الباب 14 ، الحديث 1 .

ولازم الاحتمال الأوّل أن يكون أيّام النقاء ، محسوبة من العادة ولو لم تكن حيضاً ، إلاّ أن تكون «أيّام القعود» كناية عن الطمث .

ولازم الثاني أن يكون أيّام النقاء - على فرض كونها من أيّام الطمث - محسوبة منها .

ولازم الثالث أن يكون الدم الأوّل المستمرّ محسوباً لا غير .

ولازم الرابع أن يكون الدمان محسوبين دون النقاء .

ولا ترجيح لأحدهما لو لم نقل : إنّه لمّا كان السؤال عن الطمث ، يكون المراد من الجواب اتّفاق أيّامه . ولو فرض الظنّ بترجيح اتّفاق أيّام الدم المذكور في الكلام أخيراً ، فاعتبار مثل هذا الظنّ الغير المستند إلى الظهور مشكل ، بل ممنوع . مع أنّ لازمه كون العبرة بالدم الأوّل المستمرّ لا الدمين .

والإنصاف : أنّ الرواية لا تقاوم ما استظهرناه من المرسلة وسائر الأدلّة ؛ لو لم نقل بظهورها في تأسيس الكبرى الكلّية التي في المرسلة . بل لا يبعد تحكيم المرسلة عليها ؛ على نحو ما مرّ من تحكيم بعض فقرات المرسلة على بعض(1) ، فلا ريب في أنّ الأظهر هو احتساب النقاء والدمين .

ويظهر حال الفروع الكثيرة في المقام من التأمّل فيما ذكرنا واستفدنا من الأدلّة .

ص: 153


1- تقدّم في الصفحة 139 .
المسألة الخامسة في حصول العادة الوقتية بتكرّر الحيض

كما تحصل العادة العددية بتكرّر العدد في شهرين أو أقلّ أو أزيد ، هل تحصل الوقتية بتكرّر الحيض مطلقاً ؟

أو يعتبر في حصولها تخلّل طهرين متساويين مطلقاً ؟

أو لا يعتبر ذلك في شهرين هلاليين مع حفظ الوقت ، كما لو رأت أوّل شهرين أو وسطهما مثلاً ، وأمّا لو رأت في شهر مرّتين ، أو رأت مرّتين في أزيد من شهر - كما لو رأت خمسة ، وطهرت خمسة وخمسين ، فرأت خمسة - فلا تحصل العادة إلاّ برؤية طهر آخر خمسة وخمسين ، وكذا في الناقص عن الشهر ؟

الأقوى هو التفصيل ؛ لأنّ الملاك في حصولها - بعد الرجوع إلى الارتكاز العرفي وإلغاء الخصوصيات بالتقريب المتقدّم(1) - هو تكرّر العدد في حصول العددية ، وتكرّر الوقت في الوقتية ، فمع رؤية الطمث في أوّل شهرين هلاليين مثلاً ، يحصل التكرّر المحصّل للعادة بالنسبة إلى الوقت ؛ لتكرّر الحيض في أوّل الشهر ، وهو أدنى القرء ، كما هو المصرّح به في مرسلة يونس(2) .

وأمّا إذا رأت في شهر مرّتين مع فصل أقلّ الطهر أو أزيد ، فمع تساوي العدد لا إشكال في حصول العادة العددية ؛ لتكرّر العدد ، وأمّا الوقت فلم يتكرّر ؛ لأنّ

ص: 154


1- تقدّم في الصفحة 134 - 139 .
2- يأتي متنها الكامل في الصفحة 363 .

وسط الشهر ليس عوداً لأوّله ، كما هو واضح ، فالحيضتان مكرّرتان من حيث الذات والعدد دون الوقت ، فلا تحصل العادة الوقتية لها إلاّ بتخلّل طهر مساوٍ للأوّل ، فحينئذٍ يصدق أنّ وقتها بعد كلّ عشرة مثلاً . وكذا فيما إذا رأت في أكثر من شهرين .

وعلى ما ذكرنا لا يرد الإشكال : بأنّ ظاهر النصّ حصول العادة بالحيضتين ، ومع اعتبار الطهرين لا يحصل إلاّ بثلاث حيضات(1) ، فإنّ اعتبار الثلاث ليس لأجل حصول العادة بها ، بل لأجل تكرّر الوقت ، وهو موقوف على ذلك .

وبالجملة : الوقت لا ينضبط إلاّ بتخلّل طهرين ، إلاّ إذا انضبط بالشهر كما مرّ .

ص: 155


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 193 .
المسألة السادسة في زوال العادة بعادة شرعية مطلقاً
اشارة

لا إشكال في عدم زوال العادة - عرفية كانت أو تعبّدية - بمرّة واحدة بخلافها ، خلافاً لأبي يوسف على ما حكي عنه(1) . وكذا لا إشكال في زوالها بطروّ عادة اُخرى عرفية . فهل تزول بعادة شرعية مطلقاً ، أو لا تزول كذلك ، أو تزول الشرعية دون العرفية ؟

الأقرب هو الأوّل ؛ لما مرّ من الصغرى والكبرى المستفادتين من مرسلة يونس(2) ؛ وأنّ قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» إذا انطبق على كلّ موضوع عرفي ، تقوم المرّتان مقامه ، ولا إشكال في أنّ العادة الثانية إذا كانت عرفية مستقرّة ، تصير ناسخة للاُولى ؛ لكونها العادة الفعلية ، فقوله : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» وقوله : «ليس لها سنّة إلاّ أيّامها» لا ينطبقان إلاّ على الثانية ، فإذا كان حال العرفية كذلك فالمرّتان تقومان مقامها ؛ لتفسير الصادق علیه السلام

قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» بحيضتين فصاعداً .

وبهذا التقريب يدفع ما يمكن أن يقال : من أنّ المرسلة وكذا المضمرة واردتان في المبتدئة ، ولها خصوصية عرفاً لا يمكن إلغاؤها وإسراء الحكم منها إلى من لها عادة مستمرّة سنين عديدة ، وكذا إلى من لم تستقرّ لها عادة مع رؤيتها الدم

ص: 156


1- منتهى المطلب 2 : 329 ؛ المبسوط ، السرخسي 3 : 183 / السطر 23 .
2- يأتي متنها الكامل في الصفحة 363 .

في سنين عديدة ؛ لأنّ طبيعة المبتدئة الخالية من عادة مستمرّة أو اعوجاج مستمرّ ، إذا قذفت مرّتين بمنوال واحد ، يمكن أن يكشف ذلك عن خلقها وعادتها ؛ لأنّ انتظام الدم نوعي للنساء ، فمع حصول المرّتين لا يبعد تحقّق النظم حتّى بنظر العرف .

ولهذا يمكن أن يقال : ليس قول الصادق علیه السلام بأنّ «أدناه حيضتان» لأجل كون أقلّ الجمع كذلك ، بل لكون الموضوع ذا خصوصية بها صار التكرّر كاشفاً عن الخلق المعهود .

وقوله : «فقد علم الآن : أنّ ذلك قد صار لها وقتاً وخلقاً معروفاً» ممّا يؤيّد ما ذكرنا ؛ لأنّ التكرّر المطلق لا يوجب العلم بالخلق المعروف إلاّ بقرائن وخصوصيات مقرونة به ، وهي موجودة بالنسبة إلى المبتدئة ، وأمّا من كانت لها عادة مستمرّة أو انحراف مستمرّ ، فالخروج عن عادتها وانحرافها لا يحصل بدفعتين أو ثلاث .

فإذن فرق بين المبتدئة الواردة فيها الروايتان وذات العادة العرفية أو الانحراف العادي المستمرّ ، فلا يمكن إلغاء الخصوصية من الروايتين ، فلا بدّ في زوال العادة من الرجوع إلى العرف بحصول كرّات ومرّات .

قلت : هذا غاية ما يمكن أن يقال لمنع إلغاء الخصوصية ، ولو كانت الدعوى إسراء الحكم لمحض ارتكاز العرف وإلغاء الخصوصية ، كان لما ذكر وجه وجيه .

بل لو كان المستند هو الفهم العرفي - كما استندوا إليه(1) - كان رفع اليد عن

ص: 157


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 200 - 201 .

الشهرين الهلاليين وإسراء الحكم إلى الشهر الحيضي أو أكثر من الشهرين ، في غاية الإشكال ؛ لأنّ للشهرين المتّصلين أيضاً خصوصية ليست لغيرهما من الأقلّ والأكثر ؛ ضرورة أنّ نوعية عادات النساء ، إنّما هي الرؤية في كلّ شهر مرّة ، لا مرّتين ، ولا التأخير عن الشهر ، فإذن للرؤية مرّتين في شهرين على النظم خصوصية ؛ وهي الغلبة والعادة ، والخروج عنها نوع انحراف عن الطبيعة ، ولذا تكون المرّتان من الطبيعة السليمة الغير المنحرفة ، كاشفتين عن الخلق والعادة ، دون المرّتين من غيرها .

لكنّ العمدة هو تمسّك أبي عبداللّه علیه السلام بقول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» وقوله علیه السلام : «أدناه حيضتان» والظاهر منه أن لا خصوصية للموضوع إلاّ ذلك ؛ وأنّ الحيضتين تمام الموضوع ، ولو كانت الخصوصيات الاُخر دخيلة في الحكم كان عليه بيانها ، خصوصاً في المورد ممّا يغفل العامّة عن الخصوصيات الخفيّة المربوطة بما في الأرحام .

فقوله علیه السلام : «وإنّما جعل الوقت إن توالى عليها حيضتان أو ثلاث ؛ لقول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم . . .» إلى آخره ، يدلّ على أنّ الوجه هو قوله صلی الله علیه و آله وسلم من غير مدخل لشيء آخر ، خصوصاً بناءً على دلالة كلمة «إنّما» على الحصر ، ومع إنكارها يكفي الإطلاق في مقام البيان ، ولا مجال للتشكيكات العلمية الخارجة عن أفهام العامّة ، وإلاّ لانسدّ باب التمسّك بالإطلاق في كثير من الموارد .

فتحصّل منه : أنّ الأقرب زوال العادة العرفية بالرؤية على خلافها مرّتين منتظمتين ، وأمّا مع رؤيتها مرّتين غير منتظمتين ، فلا ينبغي الإشكال في عدم

ص: 158

نسخ العادة العرفية بها ؛ لعدم مساعدة العرف عليه ، وعدم دليل شرعي ، فلا

بدّ لزوالها من تكرّرها مراراً حتّى يحكم العرف بنسخ عادتها .

وممّا ذكرنا يظهر الكلام في العادة الحاصلة بمرّتين متماثلتين بعين ما مرّ ، بل هي أولى بذلك من العادة العرفية .

هل تزول العادة برؤية مرّتين غير متماثلتين؟

وهل تزول بمرّتين غير متماثلتين ؟ فيه تردّد ؛ لعدم جريان ما تقدّم فيه ، ولاحتمال انصراف دليل العادة عمّا تكرّر على خلافها كذلك .

وظاهر المحكيّ عن العلاّمة عدم الزوال ؛ حيث قال في ردّ أبي يوسف القائل بزوال العادة بمرّة : «إنّ العادة المتقدّمة دليل على أيّامها التي عادت ، فلا

يبطل حكم هذا الدليل إلاّ بدليل مثله ؛ وهي العادة بخلافه»(1) وقد نفى الريب عن الزوال المحقّق الخراساني وأوّل كلامَ العلاّمة بما هو بعيد عن ظاهره(2) .

والمسألة محلّ إشكال في غير ما تكرّر ؛ بحيث يحكم العرف بزواله . نعم هنا بعض اُصول حكمية ، بل موضوعية على تأمّل في هذه .

ص: 159


1- منتهى المطلب 2 : 329 .
2- الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراساني : 206 .
المسألة السابعة في أقسام ذات العادة وأحكامها
اشارة

ذات العادة الوقتية - سواء كانت عددية أو لا - إمّا أن ترى الدم في أيّام عادتها أو لا . وعلى الثاني : إمّا أن ترى قبلها ، أو بعدها . وعلى الفرضين : إمّا أن تكون

القبلية والبعدية قريبة من أيّامها - كاليوم واليومين - أو لا .

وعلى الفروض : إمّا أن يكون ما رأت واجداً لصفات الحيض ، كالحمرة والحرارة ، أو لصفات الاستحاضة ، كالصفرة والبرودة ، أو لبعضٍ من كلٍّ منهما ؛ كأن رأت حمرة باردة .

وذات العادة العددية المحضة تارة : ترى ما هو جامع لصفات الحيض ، واُخرى : لصفات الاستحاضة ، وثالثة : لصفتهما . فهذه عمد الوجوه التي لا بدّ من البحث عنها .

ويتمّ الكلام فيها في ضمن جهات :

الجهة الاُولى : في تحيّض ذات العادة الوقتية مطلقاً برؤية الدم في أيّامها

لا إشكال في أنّ ذات العادة الوقتية مطلقاً ، تتحيّض برؤية الدم في أيّامها مطلقاً ؛ كان واجداً لصفات الحيض ، أو صفات الاستحاضة ، أو صفتهما . وحكي الإجماع عليه من «المعتبر» و«التذكرة» و«المنتهى» وغيرها (1) .

ص: 160


1- المعتبر 1 : 213 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 275 ؛ منتهى المطلب 2 : 346 ؛ مستند الشيعة 2 : 433 .

وتدلّ عليه بعده روايات كثيرة - يدّعى تواترها (1) - دلّت على أنّ الصفرة في أيّام الحيض حيض . وتنظّر في دلالة هذه الروايات بعض المحقّقين : «بأنّ مفادها ليس إلاّ أنّ ما تراه من صفرة أو كدرة في أيّامها فهو من الحيض ، وقد ثبت بالنصّ والإجماع تقييدها بما إذا لم يكن أقلّ من ثلاثة أيّام ، فالحكم بتحيّضها برؤية الدم مع عدم العلم بأ نّه يستمرّ ثلاثة أيّام ، يحتاج إلى دليل آخر»(2) .

وهو لا يخلو من غرابة ؛ لأنّ ما دلّ على أنّ الحيض لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام ، إنّما هو في مقام تحديد حدود الحيض ، وهو لا ينافي لزوم التحيّض مع قيام الأمارة على الحيضية بمجرّد الرؤية . نعم لو كانت الأمارة متقيّدة بذلك كان لما ذكره وجه ، لكنّه ضعيف مخالف للأدلّة . هذا مع إمكان التشبّث بالأصل لبقاء الدم ثلاثة أيّام .

فالتحقيق : أنّ الصفرة والكدرة في أيّام العادة - بما أ نّها طريق شرعي إلى حيضية ما وقع فيها - محكومة بالحيضية ما لم يعلم الخلاف ، ولا يتوقّف الحكم بحيضية ما وقع فيها على إحراز سائر شرائط الحيض وعدم موانعه ، ولا إحراز القيود المعتبرة فيه ، كما هو الشأن في كلّ أمارة قائمة على موضوع . نعم بعد انقطاع الدم قبل تمام الثلاثة ، يعلم بعدم الحيضية ، فتسقط الأمارة ، وهو واضح .

ويدلّ على المقصود - مضافاً إليها - صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها ، فقال : «لا تصلّي حتّى تنقضي

ص: 161


1- مستند الشيعة 2 : 433 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 203 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 81 .

أيّامها ، وإن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت وصلّت»(1) .

ورواية إسماعيل الجُعْفي عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا رأت المرأة الصفرة

قبل انقضاء أيّام عادتها لم تصلّ ، وإن كانت صفرة بعد انقضاء أيّام قرئها صلّت»(2) .

ومرسلة يونس القصيرة قال : «فإذا رأت المرأة الدم في أيّام حيضها تركت الصلاة ، فإن استمرّ بها الدم ثلاثة أيّام فهي حائض»(3) .

ثمّ إنّه لا فرق في التحيّض بمجرّد الرؤية في الوقت بين ذات العادة الوقتية مع العددية التامّة ، أو الناقصة في المورد المتيقّن من العدد ؛ لإطلاق الأدلّة وكون الأيّام أيّامها .

الجهة الثانية : في الحكم بحيضية الدم المتقدّم أو المتأخّر بقليل

إذا رأت الدم أو الصفرة قبل أيّام الحيض قليلاً ، كيوم أو يومين ، أو رأت بعد تمام أيّام الحيض كذلك ، فهل يحكم بحيضيتهما مطلقاً ، أو يفصّل بين ما رأت قبلها أو بعدها ؛ فيحكم بالتحيّض في الأوّل دون الثاني ، أو العكس ؟

وجوه ، لا يبعد دعوى أقربية الأوّل ؛ أمّا فيما رأت قبل وقتها قليلاً ، فلإمكان

ص: 162


1- الكافي 3 : 78 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 78 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 4 .
3- الكافي 3 : 76 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 299 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 12 ، الحديث 2 .

دعوى دلالة العمومات عليه ، مثل قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة أيّام أقرائك»(1) ، وقوله علیه السلام : «الصفرة في أيّام العادة حيض»(2) .

بتقريب : أنّ عادات النساء غالباً ليست منضبطة دقيقاً على وجه لا ت-تخلّف بمثل يوم أو يومين ، فغالب النسوة تختلف عليها بمثل ذلك ، ولا أظنّ الانضباط الدقيق - ولو عرفياً - في مرأة ، ولو فرض فهي نادرة ، فحينئذٍ لو قيل لامرأة : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» أو «إنّ الصفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض» لم ينقدح في ذهنها إلاّ الأيّام التي قد تتقدّم بمثل نصف يوم أو يوم أو يومين ، فإذا رأت الصفرة قُبيل الوقت ، تكون حيضاً بمقتضى فهم العرف من الروايات .

وبعبارة اُخرى : فرق بين جعل الموضوع لحكم أمراً منضبطاً محدوداً بحدّين دقيقين - كاليوم من طلوع الشمس إلى الغروب - وبين الموضوع الغير المنضبط كذلك ، كأيّام العادة ممّا تتقدّم عادةً ونوعاً بيوم أو يومين . وهذا غير بعيد بالنظر

إلى عادات النساء وأحكام العرف ومرتكزاته .

نعم ، هو غير تامّ بالنسبة إلى تأخّر الدم عن تمام العادة ؛ فإنّ التأخّر بمثله غير عادي ولا غالبي ، بل الأمر بالعكس .

ويدلّ على المطلوب روايات خاصّة :

منها : موثّقة أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام : في المرأة ترى الصفرة ، فقال :

ص: 163


1- يأتي في ضمن مرسلة يونس في الصفحة 364 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 281 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 9 .

«إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وإن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض»(1) .

ومضمرة معاوية بن حكيم قال : قال : «الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وبعد أيّام الحيض فليس من الحيض ، وهي في أيّام الحيض حيض»(2) .

ولا يضرّ الإضمار بعد كون المضمر مثل معاوية الذي لا يضمر إلاّ عن المعصوم .

وصحيحة الصحّاف وموثّقة سَماعة إلاّ أنّ المذكور فيهما «الدم» بدل «الصفرة» ففي الاُولى : «وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر ، فإنّه من الحيضة . . .»(3) إلى آخره .

وفي الثانية : «إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة ؛ فإنّه ربّما تعجّل بها الوقت»(4) .

والظاهر منها - ولو بقرينة بعضها - أنّ المراد من جميعها حدوث الرؤية قبل أيّام الحيض ؛ أي قبل أيّام عادتها ، وفي مقابله حدوثه بعد أيّام العادة .

ص: 164


1- الكافي 3 : 78 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 279 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 2 .
2- الكافي 3 : 78 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 6 .
3- الكافي 3 : 95 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 330 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 3 .
4- الكافي 3 : 77 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 1 .

واحتمال كون المراد قبل نفس الحيض وبعده في موثّقة أبي بصير ، بعيد محتاج إلى التأويل والتوجيه ، بأن يقال : إنّ الصفرة التي هي من صفات الاستحاضة إذا وقعت قبل الدم الذي قامت الأمارة - أي الوقت - على حيضيته حيض .

وهذا التوجيه وإن أخرج الكلام عن الاختلال ، لكن لا يوجب الإجمال أو الظهور في ذاك الاحتمال ، فإنّ الظاهر العرفي منها هو قبل وقت الحيض وبعده ، كما صرّح به في سائر الروايات ، والاطمئنان حاصل بأنّ مفادها من هذه الجهة ليس مغايراً لسائر الروايات ، وحينئذٍ يستدلّ بها لحدوث الصفرة بعد أيّام الحيض أقلّ من يومين ؛ للتحديد الواقع فيها بيومين . وحمل ما بعدها على غير ما قبلها خلاف الظاهر جدّاً ، وخلاف المتبادر من مقابلته بما قبلها .

نعم ، على الاحتمال المتقدّم يكون مقابلُ الرؤية قبل وجود الحيض ، الرؤية بعد وجوده ، فتكون في أيّام العادة ، فتخرج عمّا نحن بصدده ، لكن قد عرفت بعده وبطلانه .

ويشهد لما قلنا من ترجيح الاحتمال الأوّل - مضافاً إلى ما ذكر - أنّ قوله : «إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض» ليس إخباراً عن واقع لغرض

كشف واقعيته ، بل لغرض تحيّضها في وقت رؤية الصفرة ، فلا بدّ من حمل الحيض على أيّامه ؛ لكون الوقت مضبوطاً والأيّام معلومةً ولو تقريباً بحسب النوع ، فتعلم المرأة تكليفها عند رؤية الصفرة قبل وقته ، وأمّا إذا كان المراد نفس

الدم المحكوم بالحيضية بواسطة التمييز أو الوقت ، فلا تعلم وقت حدوثه حتّى تعلم أنّ الصفرة قبله بيومين .

ص: 165

وفرض العلم - على تسليم واقعيته - نادر جدّاً ، فلا محيص عن حمل الرواية على ما ذكرنا .

هذا مضافاً إلى أنّ كون الصفرة قبل أيّام الحيض من الحيض ، إنّما هو لأجل خصوصية في أيّام العادة دون نفس الدم ؛ فإنّ العادة كما أ نّها كاشفة عن كون الصفرة الواقعة في نفسها حيضاً ، لا يبعد كاشفيتها بالنسبة إلى ما حصل قبل وقتها قليلاً ، كيوم أو يومين ، خصوصاً مع ما عرفت من عدم انضباطها نوعاً على الوجه الدقيق ، فحينئذٍ تكون للعادة خصوصية لأجلها حكم بحيضية الصفرة فيها وفيما قبلها بقليل ، كما يشهد به - أو يدلّ عليه - قوله في موثّقة سماعة : «ربّما تعجّل بها الوقت» .

وبالجملة : يحصل من جميع ما ذكرنا الاطمئنان بأنّ المراد من الموثّقة ، هو رؤية الصفرة قبل أيّام الحيض ، وحينئذٍ لا ريب في أنّ المراد من الجملة المقابلة للاُولى هو أيّام الحيض ، والتفكيك بينهما في غاية الفساد .

فتمّت الدلالة على أ نّه إذا حدثت الصفرة بعد أيّام الحيض بأقلّ من يومين ، فهي من الحيض ، فلا بدّ من التحيّض بمجرّد رؤيتها . نعم ، إذا لم تستمرّ إلى ثلاثة

أيّام تعلم بعدم حيضيتها ، كما في سائر الموارد .

هذا مضافاً إلى دعوى عدم القول بالفصل بين المتقدّم والمتأخّر . وأمّا التمسّك بقاعدة الإمكان(1) وبزيادة الانبعاث(2) ، ففيه ما لا يخفى .

ص: 166


1- مصباح الفقيه ؛ الطهارة 4 : 82 .
2- ذكرى الشيعة 1 : 233 ؛ جامع المقاصد 1 : 302 ؛ مسالك الأفهام 1 : 60 .
الجهة الثالثة : في حكم الدم المرئي قبل أيّام العادة أو بعدها بكثير
اشارة

إذا رأت قبل أيّام العادة أو بعدها بما لاتشمله الأدلّة المتقدّمة ، فهل تتحيّض بمجرّد الرؤية مطلقاً ، أو تستظهر إلى ثلاثة أيّام مطلقاً ، أو يفصّل بين المتّصف بصفات الحيض وغيره ، أو يفصّل بين ما قبل الأيّام وما بعدها ؛ فتتحيّض في الثاني مطلقاً ، وفي الأوّل بشرط الاتّصاف ؟ وجوه وأقوال .

والأظهر هو التفصيل بين الجامع للصفة وغيره مطلقاً ؛ سواء كان قبل الأيّام أو بعدها .

الحكم بحيضية الدم الجامع لصفات الحيض مطلقاً في المقام

أمّا في الجامع فلأخبار الصفات(1) وقد مرّ(2) في أوائل هذا المختصر ما يمكن أن يقرّر به وجه استفادة أمارية الصفات للحيض ؛ فيما دار الأمر بينه وبين الاستحاضة مطلقاً ، وعدم اختصاص ذلك بمستمرّة الدم ، فهي أمارة على الحيضية في ذات العادة والمبتدئة والمضطربة فيما دار الأمر بين الدمين ، فراجع .

وتدلّ عليه أيضاً صحيحة عبداللّه بن المغيرة عن أبي الحسن الأوّل علیه السلام : في امرأة نفِست ، فتركت الصلاة ثلاثين يوماً ، ثمّ طهرت ، ثمّ رأت الدم بعد ذلك ، قال : «تدع الصلاة ؛ لأنّ أيّامها - أيّام الطهر - قد جازت مع أيّام النفاس»(3) .

ص: 167


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 .
2- تقدّم في الصفحة 11 .
3- الكافي 3 : 100 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 393 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 5 ، الحديث 1 .

فتدلّ بإطلاقها على لزوم تحيّض ذات العادة وغيرها ؛ كان الرؤية بعد أيّام العادة أو قبلها بقليل أو كثير . وإطلاقها وإن اقتضى شمول الصفرة أيضاً - على إشكال ناشئ من احتمال كون الدم مقابل الصفرة ، كما في بعض الروايات ، كصحيحة ابن الحجّاج الآتية - لكنّه متقيّد بما يأتي .

وتوهّم(1) كون تلك الصحيحة واردة مورد التقيّة ؛ لتقرير الإمام ترك الصلاة ثلاثين يوماً ، وهو موافق لمذهب العامّة القائلين بأنّ أكثر النفاس أربعون أو ستّون يوماً (2) .

مدفوع بأنّ قوله : «لأنّ أيّامها - أيّام الطهر - قد جازت مع أيّام النفاس» ردع لتركها الصلاة ؛ ضرورة أنّ أيّام النفاس ليست عين أيّام الطهر ، فمعنى مضيّ أيّام الطهر مع أيّام النفاس : هو أنّ الثلاثين ليس جميعها أيّام النفاس ، بل بعضها أيّام

النفاس وبعضها أيّام الطهر وإن استمرّ بها الدم ، فبيّن الحكم الواقعي بنحو لا

يتنبّه له الغالب .

وتدلّ على المطلوب أيضاً صحيحة عبد الرحمان بن الحجّاج قال : سألت أبا إبراهيم علیه السلام عن امرأة نفِست ، فمكثت ثلاثين يوماً أو أكثر ، ثمّ طهرت وصلّت ، ثمّ رأت دماً أو صفرة ، قال : «إن كانت صفرة فلتغتسل ولتصلّ ، ولا تمسك عن الصلاة»(3) .

ص: 168


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 155 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 352 .
2- المجموع 2 : 522 و524 - 525 .
3- الكافي 3 : 100 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 393 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 5 ، الحديث 2 .

وفي رواية الشيخ : «وإن كان دماً ليس بصفرة فلتمسك عن الصلاة أيّام قرئها ، ثمّ لتغتسل ولتصلّ»(1) .

وإنّما تدلّ على المطلوب مفهوماً على رواية الكليني ، ومنطوقاً على رواية الشيخ .

وقوله : «فلتمسك عن الصلاة أيّام قرئها» محمول على مقدار أيّام قرئها ، أو أيّام إمكان قرئها .

ولايمكن إبقاؤه على ظاهره ؛ للزوم كون الصفرة في أيّام القرء ، محكومة بعدم الحيضية بقرينة المقابلة ، وهو مقطوع البطلان . والتفكيك بين الفقرتين بعيد جدّاً .

الروايات التي قد تتوهّم دلالتها على عدم التحيّض

نعم ، هنا روايات ربّما يتوهّم دلالتها على عدم التحيّض ، كمرسلة يونس القصيرة قال : «وكلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها - من صفرة أو حمرة - فهو من الحيض ، وكلّ ما رأته بعد أيّام حيضها فليس من الحيض»(2) .

ومفهوم موثّقة سماعة قال : سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها ، فقال : «إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة ؛ فإنّه ربّما تعجّل بها الوقت»(3) .

ص: 169


1- تهذيب الأحكام 1 : 176 / 503 ؛ وسائل الشيعة 2 : 393 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 5 ، الحديث 3 .
2- تقدّم في الصفحة 91 .
3- تقدّم في الصفحة 164 .

وصحيحة الصحّاف في الحامل(1) .

لكنّ المرسلة - مضافاً إلى ما تقدّم من ضعفها سنداً ، واضطرابها متناً (2) - لا يبعد بملاحظة ما قبل هذه الفقرة ، أن يكون موردها ما إذا تجاوز الدم عشرة أيّام ، فراجع .

ولا مفهوم لموثّقة سماعة ؛ لأنّ الشرط فيها سيق لتحقّق الموضوع ، ولا مفهوم للقيد ؛ فإنّه من مفهوم اللقب .

وأمّا صحيحة الصحّاف فراجعة إلى الحامل ، وبإزائها روايات لا بدّ من إفراز البحث عنها ، وسيأتي في محلّه(3) .

فالحكم في واجد الصفات خالٍ من الإشكال .

الحكم بعدم حيضية الدم الجامع لصفات الاستحاضة في المقام

وأمّا مع اتّصاف الدم بصفات الاستحاضة - كالصفرة والبرودة - فهل تتحيّض

بمجرّد رؤيتها مطلقاً ، أو لا تتحيّض مطلقاً ، أو يفصّل بين ما قبل العادة وما بعدها ؛ فيقال بالتحيّض في الثاني دون الأوّل ؟

وجوه ؛ أقربها العدم مطلقاً .

وتدلّ عليه أدلّة التمييز(4) حيث إنّ الظاهر منها أنّ الأوصاف كالحرارة

ص: 170


1- تقدّم في الصفحة 164 .
2- تقدّم في الصفحة 93 - 96 .
3- يأتي في الصفحة 342.
4- راجع وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 .

والحمرة والدفع وغيرها ، كما تكون أمارة الحيض كذلك مقابلاتها - أي الصفرة

والبرودة والفساد والفتور - أمارات الاستحاضة . ولا وجه للتفكيك بينهما مع كون لسان الدليل واحداً .

وفائدة جعل الأمارتين ظاهرة ؛ ضرورة أ نّه مع أمارية صفات الحيض فقط ، لا يحكم على الدم الخالي منها بكونه استحاضة ، فمع تمامية قاعدة الإمكان يحكم بالحيضية ، ومع عدم تماميتها لا بدّ من الاحتياط والعمل بالعلم الإجمالي ، بخلاف ما لو كانت الصفات المقابلة أمارات الاستحاضة ، فلا تجري القاعدة ؛ لحكومة أدلّة الأمارات عليها وإخراج موضوعها عن القاعدة .

بل يمكن أن يقال : إنّ جعل أوصاف الاستحاضة أمارةً عليها ، أقرب من جعل أوصاف الحيض أمارة عليه ؛ لأنّ صفات الحيض نوعاً صفات مشتركة بينه وبين سائر الدماء ، بخلاف صفات الاستحاضة ، فإنّها صفات مختصّة بها نوعاً ، وكون الصفات المختصّة أمارة على ما تختصّ به ، أقرب من أمارية الصفات المشتركة ولو في فرض الدوران بينهما .

والإنصاف : ظهور الروايات في أمارية كلٍّ من القبيلين ، فحينئذٍ يحكم بكون الصفرة استحاضة مطلقاً إلاّ ما خرج بالدليل ، ككونها في أيّام العادة أو قبلها أو بعدها بقليل ، كما مرّ(1) .

وتدلّ على المطلوب أيضاً روايات ، كصحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة ترى الصفرة في أيّامها ، فقال : «لا تصلّي حتّى تنقضي

ص: 171


1- تقدّم في الصفحة 162 - 163 .

أيّامها ، وإن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت وصلّت»(1) ظاهرها حدوث الرؤية في العادة أو بعدها ، ولو اُنكر الظهور فيه فلا أقلّ من الإطلاق .

والعجب أنّ الشيخ الأعظم تمسّك بها لعدم التحيّض بما رأت قبل أيّام العادة ،

ولم يتمسّك بها لما بعدها ، وأفتى بالتحيّض برؤية الصفرة لوجوه ضعيفة(2) .

وكموثّقة أبي بصير المتقدّمة(3) بالتقريب المتقدّم(4) دلّت على أنّ الصفرة قبل أيّام الحيض بأكثر من يومين وبعدها بيومين وصاعداً ، ليست بحيض .

وكذا الروايات الدالّة على أ نّه إذا رأت الصفرة قبل انقضاء أيّام عادتها لم تصلّ ، وإن رأت بعدها صلّت(5) ؛ فإنّ إطلاقها يقتضي أن لا تكون الصفرة - وإن حدثت بعد العادة - حيضاً ؛ سواء رأت الدم في العادة فطهرت ثمّ رأت صفرة ، أو لم تَرَ في العادة ورأت بعدها . وتخصيصها بما إذا استمرّ دمها إلى ما بعد العادة ، لا وجه له .

وكصريح صحيحة ابن الحجّاج المتقدّمة(6) . . . إلى غير ذلك من الروايات .

ص: 172


1- الكافي 3 : 78 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 396 / 1230 ؛ وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 1 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 204 و207 .
3- تقدّم في الصفحة 163 .
4- تقدّم في الصفحة 164 - 165 .
5- راجع وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 1 ، 3 ، 4 و7 .
6- تقدّم في الصفحة 168 .
التمسّك بقاعدة الإمكان لإثبات حيضية الدم الجامع لصفات الاستحاضة

وليس في مقابلها إلاّ قاعدة الإمكان ، وقد مرّ عدم الدليل عليها (1) . ومع تسليم تماميتها تكون الأدلّة المتقدّمة حاكمة أو واردة عليها ؛ ضرورة أنّ موضوعها ما يمكن أن يكون حيضاً ، وقد مرّ أنّ معناه : ما لم يدلّ دليل على عدم حيضيته(2) ، فبقيام الأمارة على الاستحاضة وما تقدّم من الأدلّة على عدم الحيضية ، ينتفي موضوعها .

وقد أورد الشيخ الأعظم على القاعدة : «بأنّ موضوعها الإمكان المستقرّ ، ولا يمكن إحرازه بالأصل ؛ لمنع جريان أصالة البقاء في مثل المقام ، بل الأصل عدم حدوث الزائد على ما حدث . ولو سُلّم جريانها ، لكنّه لا يجدي في إثبات الإمكان المستقرّ ليدخل تحت معاقد إجماعات القاعدة ؛ لأنّ مراد المجمعين من «الاستقرار» هو الواقعي المتيقّن ، وبعبارة اُخرى : الدم الموجود في ثلاثة أيّام ،

وليس لفظ «الإمكان المستقرّ» وارداً في نصّ شرعي حتّى يترتّب على الثابت منه بالاستصحاب ما يترتّب على المستقرّ الواقعي ، فافهم»(3) انتهى .

وفيه : أنّ عدم جريان الأصل لو كان لأجل عدم جريانه في المتصرّمات

- لعدم البقاء لها ؛ لأنّ كلّ قطعة منها غير الاُخرى ، فالدم في اليوم الثاني غير ما

ص: 173


1- تقدّم في الصفحة 69 - 70 .
2- تقدّم في الصفحة 50 - 51 .
3- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 213 - 215 .

في اليوم الأوّل ، فلا يجري فيها الأصل إلاّ على القول بالجريان في القسم الثالث

من الكلّي ، فلا محيص من إجراء أصل عدم الحدوث بالنسبة إلى غير الموجود - ففيه : أ نّه قد حقّق في محلّه(1) جريان الأصل فيها ؛ وأنّ هذه المتصرّمات ليست مركّبة من قطعات متكثّرة ؛ لا عقلاً ، وإلاّ لزم مفاسد الجزء الذي لا يتجزّأ (2) ، ولا عرفاً ؛ لأنّ العرف يرى الماء الجاري والحركة شيئاً واحداً له البقاء ؛ وإن كانت وحدته وبقاؤه بنحو التصرّم والتغيّر ، فالدم الجاري المتّصل - من أوّل وجوده إلى زمان انقطاعه - شيء واحد متّصل متصرّم باقٍ دائم ، لا اُمور متكثّرة ومصاديق متعدّدة متلاصقة ، فمع العلم بوجوده والشكّ في انقطاعه ، تكون القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها واحدة ، ويصدق عدم نقض اليقين بالشكّ بلا ريب ، فحينئذٍ يكون المستصحب شخصياً لا كلّياً .

مضافاً إلى أنّ التحقيق جريان الأصل في القسم الثالث من الكلّي في مثل الدم

السائل(3) ، وأصالة عدم حدوث الزائد لا تنفي الكلّي إلاّ بالأصل المثبت .

وأمّا ما ذكره ثانياً : من عدم إجداء الأصل في إثبات الإمكان المستقرّ ، الظاهر منه الفرق بين كون الدليل عليه الإجماع والدليل اللفظي ، ففيه : أ نّه إن كان المدّعى أنّ الإجماع قائم على الدم المتيقّن في ثلاثة أيّام ؛ بحيث كان اليقين جزءاً للموضوع ، فلا يخفى ما فيه ؛ ضرورة أنّ ما ادّعي الإجماع عليه - على فرض صحّته - هو «أنّ كلّ دم يمكن أن يكون حيضاً فهو حيض» .

ص: 174


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 125 .
2- راجع الإشارات والتنبيهات 2 : 10 ؛ الحكمة المتعالية 5 : 41 - 44 .
3- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 101 - 103 .

وإن كان المراد أنّ الحكم وإن ثبت للدم الواقعي المستمرّ إلى ثلاثة ، لكنّ القدر المتيقّن من الإجماع هو الدم الثابت باليقين ، ففيه : أنّ الثبوت باليقين إن كان قيداً للموضوع ، فيرجع إلى الوجه الأوّل ، وإن كان الحكم ثابتاً للموضوع الواقعي فالأصل محرز له .

نعم ، لو كان موضوع القاعدة هو عنوان «الإمكان» لم يمكن إحرازه بأصالة بقاء الدم إلى ثلاثة أيّام إلاّ بالأصل المثبت . لكنّ الظاهر - كما مرّ سابقاً (1) - أنّ موضوع القاعدة ليس هذا العنوان ؛ إذ ليس المراد ب- «الإمكان» ما هو المصطلح عند المنطقيين ، بل المراد ما لم يقم دليل شرعي على عدم حيضيته ، فكلّ دم لم يقم دليل - من عقل أو شرع - على عدم حيضيته فهو حيض ، فالدم الموجود ممّا لم يقم دليل على عدم حيضيته ؛ من غير ناحية عدم الاستمرار إلى ثلاثة أيّام بالوجدان ، ومن ناحيته بالأصل ، فيحرز الموضوع بهما ؛ لأنّ الموضوع مركّب لا مقيّد .

الجهة الرابعة : في حكم ذات العادة العددية المحضة
اشارة

ذات العادة العددية المحضة ، إن رأت بصفة الحيض تتحيّض بمجرّد الرؤية ؛ لما مرّ من أخبار الصفات(2) ، وقد مرّ عدم اختصاصها بمستمرّة الدم(3) ، وسيأتي

ص: 175


1- تقدّم في الصفحة 51 - 52 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، وقد تقدّمت الروايات في الصفحة 13 وما بعدها .
3- تقدّم في الصفحة 20 .

- إن شاء اللّه - في الاستحاضة تتمّة البحث فيها (1) .

وإن رأت بصفات الاستحاضة يحكم بها ؛ بناءً على أمارية الأوصاف لها .

وقد يقال بتحيّضها مطلقاً ، واستأنس له صاحب «الجواهر» - بعد الإجماع المدّعى على ذات العادة ، وصدق اسم «ذات العادة» عليها - بما دلّ على التحيّض بمجرّد الرؤية في معتادة الوقت لو رأت قبل وقتها ، كخبر علي بن أبي حمزة قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام وأنا حاضر عن المرأة ترى الصفرة ، فقال : «ما كان قبل الحيض فهو من الحيض ، وما كان بعد الحيض فليس منه»(2) .

ومضمر معاوية بن حكيم قال : قال : «الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وبعد أيّام الحيض فليس من الحيض»(3) .

وخبر سماعة : «إنّه ربّما تعجّل بها الوقت»(4) .

بتقريب أن يقال : إنّه لو كان مدار التحيّض بالرؤية على الوقت ، لما حكم في

هذه الأخبار بذلك وإن لم تَرَه فيه(5) .

وفيه ما لا يخفى :

ص: 176


1- يأتي في الصفحة 319 وما بعدها .
2- الكافي 3 : 78 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 396 / 1232 ؛ وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 5 .
3- الكافي 3 : 78 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 6 .
4- الكافي 3 : 77 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 158 / 453 ؛ وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 1 .
5- جواهر الكلام 3 : 179 - 180 .

أمّا الإجماع فلعدم ثبوته ، بل الظاهر اختصاص معقد الإجماع بذات العادة الوقتية ، فعن «المعتبر»(1) : تترك ذات العادة الصلاة والصوم برؤية الدم ، وهو مذهب أهل العلم ؛ لأنّ المعتاد كالمتيقّن ، ولما رواه يونس عن بعض رجاله ، عن الصادق علیه السلام قال : «إذا رأت المرأة الدم في أيّام حيضها تركت الصلاة»(2) .

وهو - كما ترى - مختصّ بذات العادة الوقتية ؛ ضرورة أنّ ذات العادة العددية ليست بالنسبة إلى الوقت معتادة ، وليس لها أيّام معلومة حتّى ترجع إليها .

وأصرح منه عبارة «المنتهى»(3) قال : وتترك ذات العادة الصلاة والصوم برؤية الدم في وقت عادتها ، وهو قول كلّ من يحفظ عنه العلم ؛ لأنّ العادة كالمتيقّن ، وروى الجمهور عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة أيّام أقرائك»(4) .

وهي - كما ترى - صريحة في ذات العادة الوقتية ، وحينئذٍ لا يبقى وثوق بإطلاق «الشرائع»(5) ولا يحضرني «التذكرة»(6) .

وأمّا الروايات فالاستئناس بها بعيد ، بل غير ممكن ؛ لأنّ لتقدّم الوقت وتأخّره خصوصيةً كما تقدّم(7) ، فلا يمكن إلغاؤها ورفع اليد عن أدلّة التمييز بهذا

ص: 177


1- المعتبر 1 : 213 .
2- الكافي 3 : 76 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 294 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 ، الحديث 4 ، و : 299 ، الباب 12 ، الحديث 2 .
3- منتهى المطلب 2 : 346 .
4- سنن الدارقطني 1 : 212 / 36 ؛ شرح السنّة 9 : 207 .
5- شرائع الإسلام 1 : 21 .
6- تذكرة الفقهاء 1 : 275 .
7- تقدّم في الصفحة 162 - 166 .

الوجه المخالف للاعتبار ودلالة الأخبار ، فعدم التحيّض بمجرّد الرؤية مع فقد

صفات الحيض ، أشبه بالقواعد والاُصول .

حكم المبتدئة والمضطربة والناسية

ثمّ إنّه بما مرّ من الأدلّة ظهر حال المبتدئة والمضطربة ، بل الناسية أيضاً ؛ فإنّ الدليل فيها هو تلك الأدلّة ، ويأتي فيها التفصيل المتقدّم .

نعم ، قد يتوهّم في المبتدئة دلالة بعض الأخبار على تحيّضها بمجرّد الرؤية مطلقاً (1) ، كرواية ابن بكير : قال في الجارية أوّل ما تحيض يدفع عليها الدم ، فتكون مستحاضة : «إنّها تنتظر بالصلاة ، فلا تصلّي حتّى يمضي أكثر ما يكون من الحيض . . .»(2) الحديث .

وكموثّقته عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «المرأة إذا رأت الدم في أوّل حيضها ، فاستمرّ بها الدم بعد ذلك ، تركت الصلاة عشرة أيّام . . .»(3) إلى آخره .

ومضمرة سماعة قال : سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض ، فتقعد في الشهر يومين ، وفي الشهر ثلاثة أيّام ، يختلف عليها ؛ لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء ، قال : «فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى

ص: 178


1- الحدائق الناضرة 3 : 188 - 189 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 400 / 1251 ؛ وسائل الشيعة 2 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 5 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 381 / 1182 ؛ وسائل الشيعة 2 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 6 .

الدم ؛ ما لم يجُز العشرة»(1) .

وفيه : - مضافاً إلى احتمال انصراف «الدم» إلى المتّصف بصفات الحيض ؛ أي الحمرة ، كما جعلت مقابل الصفرة - أنّ تلك الروايات في مقام بيان حكم آخر ، فلا يمكن التمسّك بإطلاقها لما نحن بصدده ، وهو واضح . وسيأتي الكلام في حال موثّقتي ابن بكير في باب الاستحاضة(2) .

حكم تعارض الأمارتين

بقي من الفروع المتقدّمة ما إذا تعارضت الأمارتان ، كما إذا رأت حمرة باردة أو صفرة بدفع وحرارة ، فمقتضى العلم الإجمالي هو الجمع بين الوظيفتين . وهذا واضح لو قلنا بعدم حرمة العبادة عليها حرمة ذاتية .

ويمكن أن يقال : إنّه كذلك ولو قلنا بها أيضاً ؛ لأنّ العلم الإجمالي بالنسبة إلى العبادات وإن كان غير مؤثّر ؛ للدوران بين المحذورين ، لكن هنا علم إجمالي آخر ؛ وهو العلم بوجوب العبادة عليها ، أو حرمة مسّ الكتاب واللبث في المسجد وغيرهما من المحرّمات على الحائض ، فمقتضى القاعدة هو التخيير بين الترك والفعل في العبادة ، ولزوم الترك في غيرها من تروك الحائض .

لكن تنجيز العلم الإجمالي الذي لا يؤثّر في بعض أطرافه محلّ إشكال ، بل منع ، وسيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى(3) .

ص: 179


1- تقدّمت في الصفحة 152 .
2- يأتي في الصفحة 376 - 377 .
3- يأتي في الصفحة 203 - 204 .
المسألة الثامنة في حكم ما إذا رأت الدم ثلاثة أيّام فانقطع ثمّ رأته بعدها
اشارة

لو رأت الدم ثلاثة أيّام وانقطع ، فلا يخلو إمّا أن تكون ذات عادة أو لا .

وعلى التقديرين : إمّا أن ترى الدم بصفات الحيض أو لا . وعلى التقادير : إمّا أن ترى الدم بعد الانقطاع قبل عشرة أيّام من أوّل الرؤية ، وينقطع على العشرة ، أو على الأقلّ ، أو ترى بعد عشرة أيّام وبعد مضيّ أقلّ الطهر ، أو قبله ، أو ترى قبل العشرة ويتجاوز عنها . والدم الثاني في التقادير : إمّا بصفة الحيض أو لا .

هذه عمد صور المسألة . وأمّا حكمها :

حكم الدم الأوّل

فلا إشكال في أنّ الدم الأوّل إذا كان بصفة الحيض أو في أيّام العادة حيض ؛

لأدلّة الصفات ، ولما دلّ على أنّ «كلّ ما رأت في أيّام العادة - من صفرة أو حمرة - حيض»(1) .

وأمّا إذا لم يكن بصفته ولا في أيّام العادة ، فلا دليل على الحيضية إلاّ قاعدة الإمكان والإجماع المدّعى في خصوص الفرع المعتضد بدعوى الشهرة وعدم الخلاف(2) ، والظاهر أنّ المسألة من المسلّمات ، والقاعدة في المورد مسلّمة ،

ص: 180


1- الكافي 3 : 76 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 279 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 3 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 334 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 83 .

عندهم ، ومع المناقشة في إجماعية القاعدة فالمسألة الفرعية مسلّمة مجمع عليها ظاهراً ، فلا إشكال فيها .

وأمّا التمسّك(1) بصحيحة يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : المرأة ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة ، قال : «تدع الصلاة» . قلت : فإنّها ترى الطهر ثلاثة أيّام أو أربعة ، قال : «تصلّي» . قلت : فإنّها ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة ، قال : «تدع الصلاة ؛ تصنع ما بينها وبين شهر ، فإن انقطع عنها الدم ، وإلاّ فهي بمنزلة المستحاضة»(2) . وبصحيحة أبي بصير(3) القريبة منها ، ففي غير محلّه ؛ لأ نّه لا يمكن الالتزام بهما لما مرّ(4) ، فلا بدّ من حملهما على ما لا يخالف الإجماع ، مثل ما حملهما الشيخ والمحقّق عليه من اختلاط حيضها ، أو غير ذلك(5) .

حكم الدم الثاني

وأمّا الدم الثاني ، فإن كان بصفة الحيض أو في وقت العادة ، فحيض

بلا إشكال ، وكذا النقاء بينهما ؛ لما مرّ من أنّ النقاء المتخلّل حيض(6) .

ص: 181


1- جواهر الكلام 3 : 187 .
2- الكافي 3 : 79 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 380 / 1179 ؛ وسائل الشيعة 2 : 285 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 ، الحديث 2 . وراجع ما تقدّم في الصفحة 126 ، الهامش 4 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 380 / 1180 ؛ وسائل الشيعة 2 : 286 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 ، الحديث 3 .
4- تقدّم في الصفحة 63 - 64 .
5- الاستبصار 1 : 132 ، ذيل الحديث 454 ؛ المعتبر 1 : 207 .
6- تقدّم في الصفحة 119 .

وأمّا مع عدم الأمرين ، فالحكم بالحيضية إمّا لقاعدة الإمكان على فرض ثبوتها ، أو للإجماع في خصوص هذا الفرع .

وأمّا التمسّك(1) بالأخبار الدالّة على أنّ ما رأت المرأة من الدم قبل عشرة أيّام ، فهو من الحيضة الاُولى(2) ، فمشكل ؛ لما مرّ من أنّ تلك الروايات لا إطلاق لها (3) ، فإنّها بصدد بيان حكم آخر بعد فرض حيضية الدمين ، لا بصدد بيان حال الدم حتّى يتمسّك بإطلاقها . مع احتمال كون «الدم» هو الأحمر - انصرافاً - في مقابل الأصفر ، على إشكال فيه .

مع معارضتها - بالنسبة إلى ذات العادة إذا رأت بعد عادتها بيومين أو أزيد - بالمستفيضة الدالّة على أنّ الصفرة بعد العادة ليست بحيض(4) .

والجمع بينهما بأحد الوجوه :

إمّا بحمل أخبار الصفرة على مورد استمرار الدم إلى بعد العادة .

أو حملها على مورد رؤية الدم بعد الأيّام من غير رؤيته في الأيّام .

أو حمل الروايات المقابلة لها على غير الصفرة . وهذا الوجه - على فرض إطلاقها - أقرب الوجوه ، لكن مع ذلك لا يمكن الالتزام به ؛ للشهرات والإجماعات المنقولة ، وعدم وجدان التفصيل بين الدم والصفرة في خصوص

ص: 182


1- جواهر الكلام 3 : 188 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 296 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 ، الحديث 11، والباب 11 ، الحديث 3، والباب 12 ، الحديث 1 .
3- تقدّم في الصفحة 97 - 98 .
4- راجع وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 .

المسألة ، فتتقيّد بها أخبار الصفرة بمثل الفرض .

هذا إن رأت قبل تمام العشرة وانقطع عليها .

وإن رأت بعد العشرة وبعد تخلّل أقلّ الطهر ، فإن كان الدمان على صفة الحيض ، أو في العادة ، أو كان أحدهما في العادة والآخر مع الصفة ، فلا إشكال .

وأمّا مع فقد الأمرين ، فالدليل عليه هو قاعدة الإمكان لو تمّت ، أو الإجماع على أنّ الدم المستمرّ إلى ثلاثة أيّام حيض . وأمّا الحكم بالحيضية بمجرّد الرؤية فموقوف على الاتّصاف أو الوقوع في العادة ، ومع عدمهما فلا يحكم بها ، بل يحكم بالاستحاضة مع صفاتها ؛ لأدلّتها .

اللهمّ إلاّ أن يقال : بعد قيام الإجماع على أنّ الدم المستمرّ ثلاثة أيّام حيض ، ينقّح الموضوع بالاستصحاب . لكنّ الشأن في ثبوت الإجماع في الفرع .

ولو رأت بعد العشرة وقبل مضيّ أقلّ الطهر ، فإن كان الحكم بحيضية الدم الأوّل بقاعدة الإمكان أو الإجماع ؛ لفقد الصفات ، وكان الدم الثاني أيضاً فاقداً لها ، فانطباق القاعدة على الدم الأوّل يُخرج الدم الثاني عن موضوع القاعدة ؛ لأنّ الدم الأوّل في زمان تحقّقه كان ممكن الحيضية ، فهو حيض ، ومع حيضيته لا يمكن أن يكون الدم الثاني حيضاً ؛ للزوم كون أقلّ الطهر أقلّ من عشرة ، أو كون الحيض أكثر منها .

والقول بعدم الترجيح بين انطباق القاعدة في الموردين(1) غير تامّ ؛ لأنّ الدم الأوّل ممكن بلا معارض ، فتنطبق عليه القاعدة ، ومعه يخرج الثاني عن الإمكان ، ولا وجه لعدم جريانها مع تحقّق موضوعها بلا معارض ، تأمّل ؛ فإنّ

ص: 183


1- مستمسك العروة الوثقى 3 : 249 .

فيه إشكالاً ربّما يأتي التعرّض له .

وأمّا لو كان الدم الثاني بصفة الحيض ، ففيه وجهان :

أحدهما : ما تقدّم ، ومع خروج الثاني عن الإمكان لا اعتبار بالصفات .

وثانيهما : تحكيم أدلّة الصفات على القاعدة ؛ لكون الصفات أمارة ، وهي قاعدة معتبرة حيث لا أمارة ، وهو الأظهر . هذا بحسب القاعدة .

لكن نسب إلى الأصحاب كون الثاني استحاضة ولو كان بصفة الحيض وما رأته أوّلاً بصفة الاستحاضة . واستدلّ عليه(1) - مضافاً إلى إطلاق الأصحاب في فتاويهم ومعاقد إجماعاتهم المنقولة - بصحيحة صفوان بن يحيى على الأصحّ من كون محمّد بن إسماعيل النيسابوري ثقة(2) ، عن أبي الحسن علیه السلام قال : قلت له : إذا مكثت المرأة عشرة أيّام ترى الدم ، ثمّ طهرت ، فمكثت ثلاثة أيّام طاهراً ، ثمّ رأت الدم بعد ذلك ، أتمسك عن الصلاة ؟ قال : «لا ؛ هذه مستحاضة»(3) .

على تأمّل في دلالتها على الصفرة ، وإن كانت أقوى ؛ لأ نّها دم ، ومقابلتها في بعض الروايات بالدم(4) لا توجب الانصراف . وأمّا إذا تجاوز الدم عن العشرة فسيأتي الكلام فيه(5) .

ص: 184


1- جواهر الكلام 3 : 189 .
2- تقدّم وجهه في الصفحة 77 - 78 .
3- الكافي 3 : 90 / 6 ؛ وسائل الشيعة 2 : 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 3 .
4- راجع وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 8 ، و : 391 ، أبواب النفاس ، الباب 4 ، الحديث 1 و3 ، والباب 5 ، الحديث 2 .
5- يأتي في الصفحة 385 وما بعدها .
المسألة التاسعة في وجوب الاستبراء عند الانقطاع لدون العشرة
اشارة

مقتضى الأصل في المقام

إذا انقطع الدم في الظاهر ، واحتمل بقاؤه في الباطن ، مع احتمال الحيضية - بأن كان الانقطاع قبل عشرة أيّام - فمقتضى الأصل عدم وجوب الاختبار والفحص على المرأة ؛ لإطلاق أدلّة الاستصحاب .

واحتمالُ وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية إذا كان رفع الشبهة سهلاً ، كالنظر والاختبار ، أو كان الموضوع ممّا يترتّب عليه أمر مهمّ ، مثل ترك الصلاة ، أو لزم من الرجوع إلى الأصل الوقوع في مخالفة الواقع كثيراً (1) ، مدفوعٌ بإطلاق الأدلّة .

بل في صحيحة زرارة الواردة في باب الاستصحاب : قلت : فهل عليّ إن شككت في أ نّه أصابه شيء أن أنظر فيه ؟ قال : «لا ، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك»(2) ، مع أنّ الشكّ كان يرفع بمجرّد النظر بسهولة .

ثمّ إنّه مع جريان الاستصحاب في المقام - على ما هو التحقيق في جريانه

ص: 185


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 88 و91 ؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 301 - 302 .
2- علل الشرائع : 361 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1335 ؛ وسائل الشيعة 3 : 466 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحديث 1 .

في مثل الاُمور التدريجية(1) - والقول بحرمة الغسل عليها ذاتاً ، لا إشكال في عدم إمكان التقرّب به مع التفاتها حكماً وموضوعاً . وأمّا لو اغتسلت عن غفلة بقصد التقرّب فصادف الطهر صحّ . كما أ نّه يصحّ إن قلنا بعدم حرمته ذاتاً ، فأتت به رجاءً وصادف الطهر ، فالحكم بوجوب الفحص وعدم صحّة الغسل قبله مطلقاً ، يحتاج إلى الدليل .

الاستدلال على وجوب الاستبراء بالأخبار

واستدلّ على وجوب الاستبراء(2) بروايات :

منها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال : «إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة ، فإن خرج فيها شيء من الدم فلا تغتسل ، وإن لم ترَ شيئاً فلتغتسل ، وإن رأت بعد ذلك صفرة فلت-توضّأ»(3) .

وفيها احتمالات :

كاحتمال الوجوب التعبّدي الشرعي .

واحتمال الوجوب الشرطي ؛ بمعنى كون الاختبار شرطاً لصحّة الغسل .

واحتمال عدم الوجوب ، بل الأمر به لمجرّد الإرشاد إلى حسن الاحتياط ؛

ص: 186


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 126 - 134 .
2- الحدائق الناضرة 3 : 191 ؛ اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 336 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 88 - 90 .
3- الكافي 3 : 80 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 308 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 17 ، الحديث 1 .

لئلاّ يقع غسلها لغواً وعملها باطلاً .

واحتمال الوجوب الطريقي ؛ بمعنى وجوب الاختبار لأجل الاطّلاع على الواقع ؛ بحيث لو تركته فكان مخالفاً للواقع ، عوقبت على مخالفته ، لا على ترك الاختبار ، ولو اغتسلت وصلّت وصادف غسلها الطهر ، صحّ غسلها وصلاتها وإن كانت متجرّية في ترك التكليف الطريقي .

أقربها الأخير ، وأبعدها الأوّل . وأمّا الاحتمال الثاني فبعيد أيضاً .

والقول(1) بظهور أمثال ذلك في الوضع ، كقوله تعالى : )إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ . . .((2) إلى آخره ، وقولِه علیه السلام : «لا تصلّ في وَبَر ما لا يؤكل لحمه»(3) ممّا هي ظاهرة في الشرطية والمانعية ، فوِزان قوله : «إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة» وِزان قوله تعالى : )إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا . . .(إلى آخره ، فيستفاد منه الوجوب الشرطي .

غير وجيه ، والقياس مع الفارق ؛ ضرورة أنّ الاختبار في المقام ليس له نفسية ، بل طريق إلى العلم بالواقع ، ومعه لا يستفاد منه شرطية نفس الاختبار ؛ لعدم كونه ملحوظاً بذاته ، بل هو ملحوظ لمحض إراءة الواقع ، والمنظور إليه نفس الواقع ، ومعه لا يبقى له ظهور في الشرطية ، ويتّضح الفارق بينه وبين المثالين .

ص: 187


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 89 .
2- المائدة (5) : 6 .
3- اُنظر علل الشرائع : 342 / 1 ؛ وسائل الشيعة 4 : 347 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 2 ، الحديث 7 .

وأمّا الاحتمال الثالث وإن لم يكن بذلك البعد ، لكن رفع اليد عن الأمر بلا حجّة غير جائز .

فالأظهر هو الوجوب الطريقي عند إرادة الغسل ، لكن هذا لا يثبت وجوب الاختبار عند الانقطاع ، بل يجب عند إرادة الغسل ، فيمكن الاتّكال على استصحاب عدم وجوب التكاليف عليها ؛ لو قلنا بسقوط الاستصحاب الموضوعي ، فيحكم بعدم وجوب الغسل عليها ، لكن عند إرادة الغسل يجب عليها الاختبار .

نعم ، لو قلنا بسقوط الاستصحاب في المقام مطلقاً ، ولزوم العمل على طبق العلم الإجمالي - بالجمع بين ما على الطاهرة وما على الحائض - فلا محيص عن الغسل ، ومعه يجب الاختبار .

لكن يمكن أن يقال : إنّ الصحيحة دلّت على الوجوب عند الانقطاع وحضور وقت الصلاة ؛ بدعوى أنّ قوله : «إذا أرادت الحائض أن تغتسل . . .» ليس بصدد إيكال الأمر إلى إرادتها ، بل بصدد بيان أ نّها إذا احتاجت إلى الغسل بحضور وقت العبادة المشروطة به ، وأرادته بحسب طبع التكليف .

وبعبارة اُخرى : إذا احتاجت إليه ، وكان - في الخروج عن التكليف - لا

بدّ منه ، فعليها الاختبار ، فوجوب الغسل ولزوم إرادته مفروض الوجود ، وإنّما أوجب عليها الاختبار عنده .

وهذا وإن كان بعيداً عن ظاهر اللفظ ، لكنّه غير بعيد بالنظر إلى أنّ إيكال الأمر إلى إرادته ، أبعد منه جدّاً .

ص: 188

ومنها : مرسلة يونس(1) ورواية شُرَحْبيل الكندي(2) ، وهما - مع ضعفهما سنداً (3) - لا تدلاّن على وجوب الاختبار ، بل ظاهرتان في كيفية معرفة المرأة بطمثها وطهرها عند الشكّ فيهما .

ومثلهما موثّقة سماعة عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت : المرأة ترى الطهر ، وترى الصفرة أو الشيء ، فلا تدري أطهرت أم لا ؟ قال : «فإذا كان كذلك فلتقم فلتلصق بطنها إلى حائط ، وترفع رجلها على حائط ، كما رأيت الكلب يصنع إذا أراد أن يبول ، ثمّ تستدخل الكرسف ، فإذا كان ثَمّة من الدم مثل رأس الذباب خرج ، فإن خرج دم فلم تطهر ، وإن لم يخرج فقد طهرت»(4) .

ص: 189


1- الكافي 3 : 80 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 309 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 17 ، الحديث 2 .
2- رواها الكليني ، عن محمّد بن يحيى ، عن سلمة بن الخطّاب ، عن علي بن الحسن الطاطري ، عن محمّد بن أبي حمزة ، عن ابن مسكان ، عن شرحبيل الكندي ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قلت : كيف تعرف الطامث طهرها ؟ قال : تعمد برجلها اليسرى على الحائط ، وتستدخل الكرسف بيدها اليمنى ، فإن كان ثمّ مثل رأس الذباب خرج على الكرسف . الكافي 3 : 80 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 309 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 17 ، الحديث 3 .
3- قد تقدّم وجه ضعف مرسلة يونس في الصفحة 92 ، وأمّا رواية الكندي فإنّها ضعيفة بسلمة بن الخطاب الضعيف وشرحبيل الكندي المجهول . رجال النجاشي : 187 / 498 ؛ الفهرست ، الطوسي : 140 / 334 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 161 / 462 ؛ وسائل الشيعة 2 : 309 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 17 ، الحديث 4 .

وسؤاله وإن احتمل فيه أمران ؛ أحدهما : السؤال عن الوظيفة الشرعية ، وثانيهما : عن كيفية معرفتها بالطمث ، كما في رواية الكندي ، بل الاحتمال الأوّل أقربهما ، لكن يظهر من الجواب أنّ مقصوده كان معرفة الطمث ؛ فإنّ قوله : «فإذا كان ثمّة من الدم مثل رأس الذباب خرج» هو الجواب عن سؤاله ، وهو مناسب للاحتمال الثاني .

وبالجملة : إنّ جوابه إنّما يكون عن أمر تكويني ، إلاّ أن يقال : إنّه مقدّمة للأمر الشرعي والوظيفة ، وهو كما ترى ، فلا تدلّ الموثّقة على المطلوب بوجه .

ومنه يظهر الحال في دلالة ما عن «الفقه الرضوي»(1) مع الغضّ عن سنده(2) .

فالعمدة هي صحيحة ابن مسلم مع تأيّدها بدعوى الشهرة وعدم الخلاف(3) .

ثمّ لا إشكال في أنّ الوجوب الطريقي ، مقدّمة لوضوح حالها لأجل العبادات ؛ لأنّ الغسل ليس بواجب نفسي ، فالوجوب هاهنا لأجل تحصيل الواجب الشرطي للعبادات التي هي واجبات نفسية .

هل يجب الاستبراء ثانياً وثالثاً ؟

وهل يجب الاختبار ثانياً وثالثاً إذا اختبرت ورأت الدم ، أو لا يجب إلاّ دفعة واحدة ؟ وجهان :

ص: 190


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 193 .
2- لأنّ كون هذا الكتاب روايةً غير ثابت فضلاً عن اعتباره كما قاله المصنّف قدس سره في الجزء الثالث : 506 .
3- الحدائق الناضرة 3 : 191 ؛ جواهر الكلام 3 : 189 ؛ مستمسك العروة الوثقى 3 : 257 .

من أنّ القطع عن الظاهر يوجب الظنّ نوعاً بالقطع عن الداخل ، فيمكن أن يكون ذلك منشأ إلغاء الاستصحاب وإيجاب الفحص ، وأمّا لو اختبرت ورأت الدم في الداخل فيجري الاستصحاب ، فتترك العبادة - اتّكالاً عليه - إلى العلم بالنقاء أو تجاوز العشرة .

ومن أنّ الظاهر من صحيحة ابن مسلم - بالتقريب المتقدّم - أ نّها كلّما احتاجت إلى الغسل - حسب احتياج سائر المكلّفين - يجب عليها الاختبار . والفرق المذكور بين موردي الاستصحاب بعيد .

مضافاً إلى العلم الإجمالي بوجوب العبادات أو حرمةٍ ما على الحائض ، كالدخول في المسجدين ، واللبث في سائر المساجد .

فمع عدم الحرمة الذاتية في العبادات ، يجب عليها الإتيان بها بمقتضى العلم الإجمالي ، فيجب الغسل بحكم العقل ، فإذا أرادت الغسل يجب عليها الاختبار بحكم صحيحة ابن مسلم .

وإن قلنا بالحرمة الذاتية كان من قبيل الدوران بين المحذورين ، فمع عدم جريان الاستصحاب ، يجب الاختبار بحكم العقل لاتّضاح الحال .

ولا يبعد ترجيح الوجه الثاني .

حكم نسيان الاستبراء

ثمّ على القول بشرطية الاختبار للغسل ، لا يصحّ بدونه ولو صادف الطهر . وهل يصحّ مع فرض وقوعه على وجه تُعْذر فيه ، كنسيان الاستبراء ونحوه ؟

ص: 191

قطع بذلك صاحب «الجواهر»(1) وفيه تأمّل وإشكال ؛ لأ نّه على فرض الشرطية ، يكون الشرط هو واقع الاختبار من غير دخل لعذر المكلّف فيه .

نعم ، لو قلنا بأنّ الوضع ينتزع من التكليف ، ولا يجوز تكليف المعذور ، فلا منشأ لانتزاع الوضع ، كان له وجه .

لكنّ المبنى صغرى وكبرى محلّ إشكال ؛ ضرورة أنّ الظاهر من مثل قوله : «لا تصلّ في وَبَر ما لا يؤكل لحمه»(2) - بحسب فهم العرف في أمثال المقام - أنّ النهي إرشاد إلى عدم تحقّق الصلاة مع الوبر ، فالنهي لأجل عدم إمكان الوجود ، فيستفاد منه مانعية ما لا يؤكل للصلاة مطلقاً ، وكذا سائر المقامات التي تكون مثل ذلك ، ومنها ما نحن بصدده .

مع أنّ في عدم تعلّق التكليف بالمعذور ، كلاماً وإشكالاً قد تعرّضنا له في محلّه(3) . نعم ، في خصوص النسيان لا يبعد التمسّك بحديث الرفع ؛ على ما قوّينا شموله لمثل المقام(4) .

حول سقوط شرطية الاستبراء مع تعذّره

وهل يسقط الشرط - على فرض الشرطية - مع التعذّر ، كالعمى والظلمة وضيق المجرى ؟ وجهان :

ص: 192


1- جواهر الكلام 3 : 191 .
2- تقدّم في الصفحة 187 .
3- أنوار الهداية 2 : 204 .
4- أنوار الهداية 2 : 43 - 44 .

من دعوى قصور الأدلّة عن قطع الاستصحاب في مثله ؛ لكونها واردة في غير المعذورة ، والمعذورة لها الاتّكال على الاستصحاب وترك العبادات إلى القطع بالنقاء أو تجاوز العشرة(1) .

ومن احتمال قطع الاستصحاب في المقام وكذا الشرطية ؛ لتعذّره ، فلا بدّ من الاحتياط(2) .

ويمكن أن يقال : إنّ الشرطية لا تنافي التعذّر ، وورود الروايات كذلك لا ينافي انفهام الشرطية منها مطلقاً ، ومعها لا يصحّ غسلها إلاّ بعد العلم بالنقاء أو تجاوز العشرة .

كيفية الاستبراء

ثمّ إنّه لا إشكال في عدم تعيّن كيفية خاصّة في الاستبراء ؛ لإطلاق صحيحة محمّد بن مسلم(3) وعدم استفادة التعيين من سائر الروايات ؛ بعد اختلافِها

ومعلوميةِ ورودها للإرشاد إلى ما هو الأسهل ، ومعلوميةِ عدم دخل بعض الخصوصيات ، كالإدخال بيدها اليمنى ، فالمقصود هو حصول الاستبراء بأيّ وجه كان ، إلاّ أنّ الأحوط العمل عليها .

وأمّا ترجيح رفع اليسرى كما صنع الشيخ الأعظم - بدعوى تعدّد ما دلّ عليه

ص: 193


1- مستمسك العروة الوثقى 3 : 273 .
2- العروة الوثقى 1 : 592 ، مسألة 27 .
3- الكافي 3 : 80 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 308 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 17 ، الحديث 1 .

وقوّة سنده(1) - فغير معلوم ؛ لأنّ سند ما دلّ على رفع اليمنى أرجح ، فإنّ مرسلة يونس أرجح من رواية الكندي و«الفقه الرضوي» .

ولمّا كان الاستبراء والفحص لا يحصل غالباً إلاّ بالمكث - ولو قليلاً - لا يبعد لزومه ، كما ورد مثله في رواية خلف بن حمّاد الواردة في اشتباه دم العذرة بالحيض(2) ، فالأحوط اعتباره لو لم يكن الأقوى .

ص: 194


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 340 .
2- الكافي 3 : 92 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 272 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 2 ، الحديث1 ، وتقدّم أيضاً في الصفحة 31 .
المسألة العاشرة في صور ما بعد الاستبراء وبيان أحكامها
اشارة

المرأة إمّا مبتدئة ، أو مضطربة لم تستقرّ لها عادة ، أو ذات عادة . وعلى أيّ تقدير : إمّا أن تخرج القطنة بعد الاستبراء نقيّة ، أو ملوّثة بالدم ، أو بالصفرة .

وذات العادة إمّا ذات عادة عرفية ؛ بحصول العادة في أزمنة كثيرة ، أو ذات عادة بحكم الشرع بالمرّتين أو ثلاث مرّات .

فهاهنا صور لا بدّ من البحث عنها :

الصورة الاُولى : فيما إذا خرجت القطنة نقيّة بعد الاستبراء

إذا كانت مبتدئة أو مضطربة وخرجت القطنة نقيّة ، فلا إشكال في أ نّها طاهرة

يجب عليها الغسل شرطاً عند وجوب مشروطه . ولا يجب عليها الاستظهار ، بل لا يجوز ؛ لأصالة عدم حدوث الدم ، وأصالة بقاء الطهر ، ولأخبار الاستبراء المتقدّمة(1) ولو ظنّت العود لعدم اعتباره ، ولا يرفع اليد عن الدليل به .

وقد يقال بالاستظهار مستظهراً بدليل الحرج(2) ، وهو كما ترى ؛ لمنع الحرج .

وأمّا ذات العادة ، فإن كانت لها عادة عرفية توجب الاطمئنان بنظامها وكانت عادتها انقطاع الدم وعوده ، فلا إشكال في عدم الاستبراء لها ولزوم ترك العبادة ؛ لقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» ، والنقاء المتخلّل من أيّام الأقراء .

ص: 195


1- تقدّم في الصفحة 186 - 190 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 341 .

وكذا لو كانت العادة غير موجبة للاطمئنان - كالعادة الشرعية - فالظاهر عدم لزوم الاستبراء ولزوم ترك العبادة ، لا لما قيل من لزوم الحرج(1) ؛ لما مرّ من عدم الحرج ، مع أنّ الحرج لا يوجب التفصيل بين الظنّ الحاصل من العادة وغيره ، كما نسب إلى جمع(2) ، بل لحكومة مرسلة يونس الطويلة(3) على أدلّة الاستبراء ، فإنّ تلك الأدلّة موضوعها «من لم تدرِ أطهرت أم لا ؟» والمرسلة - بالتقريب الذي تقدّم(4) - تدلّ على أنّ العادة الحاصلة بالمرّتين ، توجب الخلق المعروف والأيّام المعلومة ، وقد مرّ(5) عدم اختصاصها بمستمرّة الدم ، فإذا رأت خمسة أيّام دماً ويومين نقاءً ويومين دماً في شهرين بهذا النظام ، تصير تلك الأيّام عادتها وخلقها المعروف ، ولا تكون ممّن لم تدرِ أطهرت أم لا ؟ بل تكون عالمة بعدم طهرها ؛ لقيام الأمارة عليها ، فتكون مشمولة لقوله : «دعي الصلاة أيّام أقرائك» فتخرج بالمرسلة عن موضوع تلك الأدلّة .

ثمّ اعلم : أنّ ترك العبادة في هذا المورد ليس لأجل الاستظهار ، بل لأجل الدليل على الحيضية ، ولهذا لو قلنا باستحباب الاستظهار وجواز العبادة ، لم نقل به في المقام .

وبالجملة : إنّ الاستظهار للمردّدة ، وهذه ليست كذلك .

ص: 196


1- مدارك الأحكام 1 : 332 .
2- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 341 ؛ مدارك الأحكام 1 : 332 ؛ ذخيرة المعاد : 69 / السطر 28 .
3- يأتي متنها الكامل في الصفحة 363 .
4- تقدّم في الصفحة 131 - 139 .
5- تقدّم في الصفحة 149 - 151 .
الصورة الثانية فيما إذا خرجت القطنة ملوّثة بالحمرة أو الصفرة

إذا رأت المبتدئة أو المضطربة حمرة بالاستبراء - أي خرجت القطنة ملوّثة بالحمرة - فلا إشكال في لزوم التحيّض وترك العبادة ؛ للأصل ودلالة جملة من الأخبار :

منها : أخبار الاستبراء ، ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال : «إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة ، فإن خرج فيها شيء من الدم فلا تغتسل . . .»(1) الحديث .

وفي موثّقة سماعة عن أبي عبداللّه علیه السلام : «فإذا كان ثمّة من الدم مثل رأس الذباب خرج ، فإن خرج دم فلم تطهر»(2) .

ومنها : رواية خلف بن حمّاد(3) الواردة في اشتباه الحيض بدم العذرة ، الدالّة على لزوم ترك العبادة لمن استمرّ بها الدم إلى عشرة أيّام ؛ إذا خرجت القطنة مستنقعة .

ومنها : روايتا محمّد بن مسلم الدالّتان على أ نّه إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيّام ، فهو من الحيضة الاُولى(4) .

ص: 197


1- تقدّمت في الصفحة 186 .
2- تقدّمت في الصفحة 189 .
3- الكافي 3 : 92 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 272 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 2 ، الحديث 1 ، وتقدّمت أيضاً في الصفحة 31 .
4- تقدّمتا في الصفحة 96 - 97 .

ومثلهما ما ورد في باب العدد(1) على تأمّل فيها .

ومنها : ما ورد في خصوص المبتدئة أو خصوص المضطربة ، كموثّقة ابن بكير عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «المرأة إذا رأت الدم في أوّل حيضها فاستمرّ بها الدم بعد ذلك ، تركت الصلاة عشرة أيّام ، ثمّ تصلّي عشرين يوماً»(2) ، وقريب منها روايته الاُخرى(3) .

وفي موثّقة سماعة قال : سألته عن الجارية البكر أوّل ما تحيض ؛ تقعد في الشهر يومين ، وفي الشهر ثلاثة أيّام ؛ يختلف عليها ، لا يكون طمثها في الشهر عدّة أيّام سواء ، قال : «فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز العشرة ، فإذا اتّفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها»(4) .

فلا إشكال في المسألة . إنّما الإشكال فيما إذا خرجت ملوّثة بالصفرة ، هل هو كالتلوّث بالحمرة ؛ فتمكث إلى حصول النقاء أو مضيّ عشرة أيّام ، أو يجب عليها العبادات وعمل المستحاضة ؟

مقتضى الاستصحاب هو الأوّل ، كإطلاق الأدلّة المتقدّمة الواردة في الجارية

ص: 198


1- الكافي 6 : 88 / 10 ؛ وسائل الشيعة 22 : 212 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 17 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 381 / 1182 ؛ وسائل الشيعة 2 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 6 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 400 / 1251 ؛ وسائل الشيعة 2 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 5 .
4- الكافي 3 : 79 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 304 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 14 ، الحديث 1 .

البكر وغيرها وإن لم يخلُ من تأمّل ؛ لاحتمال كون المراد من «الدم» هو غير الصفرة ؛ وإن كان الأقرب شمولها لها . ومجرّد جعله في بعض الروايات في مقابلها (1) ، لا يوجب صرف المطلقات عنها مع دخولها في عنوان «الدم» .

نعم ، إذا قوبلت به يكون المراد منه صنفاً خاصّاً ، وهو الأحمر .

وأمّا صحيحة سعيد بن يسار - بناءً على وثاقة الرواسي كما لا يبعد(2) - قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة تحيض ثمّ تطهر ، وربّما رأت بعد ذلك الشيء من الدم الرقيق بعد اغتسالها من طهرها ، فقال : «تستظهر بعد أيّامها بيومين أو ثلاثة ، ثمّ تصلّي»(3) .

فهي في غير ما نحن فيه ؛ لأنّ كلامنا فيمن انقطع الدم عن ظاهرها دون الباطن ، وظاهر الصحيحة هو تطهّرها واغتسالها منه ثمّ رؤية الدم الرقيق ، وهو موضوع آخر . مع ظهورها في ذات العادة بمقتضى كون مصبّ أخبار الاستظهار هو هي ، وظهور قوله «بعد أيّامها» فيمن لها أيّام وعادة .

ص: 199


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 8 ، و : 391 ، أبواب النفاس ، الباب 4 ، الحديث 1 و3 .
2- الرواسي هو أبو عمرو عثمان بن عيسى الكلابي ، كان شيخ الواقفة ووجهها ، ثمّ تاب ورجع وهو من أصحاب الإجماع على قول . رجال النجاشي : 300 / 817 ؛ اختيار معرفة الرجال : 597 / 1117 ؛ تنقيح المقال 2 : 247 - 249 (أبواب العين) .
3- تهذيب الأحكام 1 : 172 / 490 ؛ وسائل الشيعة 2 : 302 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 8 .

وأبعد منه التمسّك(1) بصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام ؛ حيث قال : «وإن لم تَرَ شيئاً فلتغتسل ، وإن رأت بعد ذلك صفرة فلتتوضّأ ولتصلّ»(2) ؛ لتعليق الاغتسال على عدم رؤية شيء .

ففيه : أنّ هذه الجملة ملحوقة بقوله : «فإن خرج فيها شيء من الدم فلا تغتسل» ومعه لا

إطلاق فيها ، كما لا يخفى .

وأمّا ذيلها فلا يخالف مسألتنا ، لا لما في «الجواهر» من حمله على العلم بعدم الحيضية(3) ؛ لأ نّه غير وجيه ، ولا شاهد عليه ، بل لما أشرنا إليه آنفاً : من أنّ كلامنا فيمن استمرّ دمها في الباطن ، لا من انقطع دمها عن الظاهر والباطن وصارت طاهرة ، ثمّ رأت بعد اغتسالها .

نعم ، هي تنافي صحيحة سعيد بن يسار ، فلا بدّ من الجمع بينهما إمّا بحمل «الدم الرقيق» على الأحمر الرقيق ، أو حمل صحيحة ابن مسلم على ما بعد أيّام الاستظهار ، أو بعد عشرة أيّام ، والأوّل أقرب لو لا مخافة مخالفته للإجماع أو الشهرة .

كما أنّ الرجوع إلى الأوصاف وأمارية الصفرة للاستحاضة ، أقرب بحسب الأدلّة فيما نحن فيه ، وبه يقطع الاستصحاب ، وترفع اليد عن إطلاق الروايات - على فرض ثبوته - لو لا تلك المخافة .

ص: 200


1- جواهر الكلام 3 : 192 .
2- الكافي 3 : 80 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 308 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 17 ، الحديث 1 .
3- جواهر الكلام 3 : 192 .
الصورة الثالثة في حكم ما إذا رأت ذات العادة بعد أيّامها صفرة

إذا رأت ذات العادة بعد أيّامها صفرة ، فهل يجب عليها أو يستحبّ الاستظهار ؛

بمقتضى ما دلّ عليه(1) ، أو تعمل عمل المستحاضة ؛ بمقتضى ما دلّ على أنّ

الصفرة بعد الحيض أو بعد أيّام الحيض ، ليست بحيض(2) ؟

فعن «الرياض» : «أنّ تلك الأخبار مخالفة للإجماع ؛ بسيطاً أو مركّباً ، ولأخبار الاستظهار»(3) ولهذا حملها في «الجواهر» على ما بعد الحيض والاستظهار(4) . وهو المتّجه لو كانت مخالفة للإجماع ، وإلاّ فالجمع العقلائي بينها وبين أدلّة الاستظهار يقتضي تحكيمها عليها ؛ لأنّ موضوع أدلّة الاستظهار هو من لم تعلم أنّ الدم حيض أو لا ، ولهذا عبّر في بعضها : بأ نّها «تحتاط»(5) ، بل نفس «الاستظهار» يدلّ على ذلك .

بل المورد مورد الشبهة والتحيّر ؛ لأنّ الدم إذا انقطع على العشرة ، يكون جميعه حيضاً بمقتضى الأدلّة ، وإذا تجاوز عنها تكون أيّام العادة كذلك ، فتكون

ص: 201


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 .
3- رياض المسائل 1 : 368 .
4- جواهر الكلام 3 : 193 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 171 / 488 ؛ وسائل الشيعة 2 : 302 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 7 .

شاكّة في حيضية ما تجاوز عن العادة ؛ لأجل الشكّ في تجاوزه عن العشرة ، والأخبار الدالّة على أنّ الصفرة بعد أيّام العادة ليست بحيض ، حاكمة على أدلّة الاستظهار ونافية لموضوعها ؛ سواء كان بينها وبين أدلّة الاستظهار عموم مطلق - وذلك إذا حملت تلك الأخبار على من استمرّ بها الدم ، كما احتمله أو قرّبه الشيخ الأعظم(1) - أو عموم من وجه ؛ بناءً على إطلاقها كما هو الأقرب .

هذا إذا حملنا موثّقة أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في المرأة ترى الصفرة ، فقال : «إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض ، وإن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض»(2) على ما حدث بعد الأيّام ، كما لا يبعد بلحاظ قوله : «ترى الصفرة» .

وإلاّ فالوجه حمل مطلقات تلك الأخبار عليها فيمن استمرّ بها الدم ؛ أي تجاوز عن عادتها ، فحينئذٍ يمكن القول : بأنّ المراد من قوله : «وإن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض» هو أيّام الاستظهار ، فتكون مطابقة لما دلّ(3) على أ نّه «إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام ، استظهرت بيوم أو يومين ثمّ هي مستحاضة» فيحمل عدم الحيضية على التكليف الظاهري بكونها مستحاضة ، لا على عدم الحيضية الواقعية .

وهذا الوجه أقرب إلى جمع الأخبار وكلمات الأصحاب ؛ وإن لم يخلُ من إشكال .

ص: 202


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 208 .
2- الكافي 3 : 78 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 279 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 2 .
3- وسائل الشيعة 2 : 301 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 3 ، 4 و13 .
الصورة الرابعة في حكم ذات العادة مع تلوّث القطنة بعد أيّامها
اشارة

إذا خرجت القطنة بعد أيّام عادتها ملوّثة بالدم ، بل بالصفرة بناءً على ما تقدّم آنفاً ففيه جهات من البحث .

وقبل الورود فيها لا بأس بذكر ما تقتضي القاعدة :

مقتضى القاعدة في المقام

فنقول : لو قلنا بجريان الاستصحاب في المقام ، فالظاهر جريان استصحاب استمرار الدم إلى ما بعد العشرة ، فيترتّب عليه كون العادة أيّامها ، ولا سنّة لها غيرها .

ولو قلنا بعدم جريانه - إمّا لعدم الجريان في التدريجيات ، أو لقطع الاستصحاب في المقام - فمقتضى القاعدة الجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة ؛ للعلم الإجمالي بكونها حائضاً أو مستحاضة . هذا إذا قلنا بالحرمة التشريعية في العبادات .

وما قيل : «من أ نّه لا يجب عليها للأصل ؛ لأنّ الشكّ بالنسبة إليها مرجعه إلى الشكّ في أصل التكليف ، والمرجع فيه البراءة»(1) في غير محلّه بعد العلم الإجمالي .

ص: 203


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 93 .

وأمّا إن قلنا بالحرمة الذاتية ففي العبادات يدور الأمر بين المحذورين ، فتتخيّر مع عدم الترجيح محتملاً واحتمالاً ، وإلاّ فتأخذ بأرجحهما .

وأمّا بالنسبة إلى محرّمات الحائض - كمسّ الكتابة وغيره - فقد يقال بلزوم

تركها ؛ لكونها طرفاً للعلم الإجمالي ؛ وإن كان أحد الطرفين من قبيل الدوران بين المحذورين .

لكنّ الظاهر عدم لزومه ؛ لأنّ العلم ليس منجّزاً بالنسبة إلى أحد الطرفين ؛ أي العبادات التي دار أمرها بين المحذورين ، ومعه يكون الآخر في حكم الشبهة البدوية ؛ لأنّ من شروط تنجيز العلم تعلّقه بتكليف منجّز به على كلّ تقدير .

ثمّ إنّ التخيير العقلي في المقام استمراري لا بدوي ، فهي مخيّرة في كلّ واقعة في الأخذ بأيّ طرف شاءت ، إلاّ أن يلزم منه محذور ، كحصول العلم التفصيلي ببطلان عملها في بعض الصور ، كما لو تركت الظهر وأتت بالعصر ، فتعلم تفصيلاً ببطلانها ؛ لفقد الترتيب أو الطهور .

الجهة الاُولى : في مصبّ أخبار الاستظهار وموردها

لا إشكال في أنّ مصبّ أخبار الاستظهار(1) هو الامرأة المتحيّرة ؛ أي التي تتحيّر في أ نّها حائض أو مستحاضة ، ومنشأ هذا الشكّ هو الشكّ في تجاوز دمها عن العشرة حتّى لا تكون لها سنّة إلاّ أيّامها ، كما سيأتي(2) وعدمه حتّى

ص: 204


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 .
2- يأتي في الصفحة 219 .

يكون المجموع حيضاً كما مرّ(1) ، وذلك لظهور عنوان «الاستظهار» و«الاحتياط» في ذلك ، وأخبار الباب تدور على هذين العنوانين ، فمن علمت أو اطمأ نّت بعدم تجاوز دمها عن العشرة أو تجاوزه ، فهي خارجة عن مصبّها ، فمثل المرأة التي يستمرّ بها الدم شهوراً أو أقلّ خارجة عن مصبّها ، كما يظهر بالتأمّل فيها ؛ فإنّه - مضافاً إلى اقتضاء العنوانين ذلك - قد وردت الروايات في موردين :

أحدهما : وهو ما ورد فيه غالب الروايات - حتّى أنّ غيره بالنسبة إليه قليل - وهو من رأت الدم وقت حيضها أو قبله وجاز أيّامها ، وممّا ورد في ذلك موثّقتا سَماعة(2) ورواية إسحاق بن جرير(3) ومرسلة داود مولى أبي المغرا ، وصحيحتا سعيد بن يسار وابن أبي نصر ورواية محمّد بن عمرو وعبداللّه بن المغيرة ويونس بن يعقوب وزرارة ومحمّد بن مسلم(4) وما وردت في النفساء ، كصحيحة زرارة ورواية يونس ومالك بن أعين وزرارة ويونس بن يعقوب وأبي بصير وغيرها (5) .

وهذه الطائفة لا إشكال فيها من حيث كون مصبّها ما ذكرنا .

وثانيهما : ما وردت في المستحاضة ، كرواية إسماعيل الجُعفي عن

ص: 205


1- تقدّم في الصفحة 201 .
2- وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 1 و6 .
3- وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 3 .
4- وسائل الشيعة 2 : 301 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 4 و8 - 13 و15 .
5- وسائل الشيعة 2: 383، كتاب الطهارة، أبواب النفاس، الباب 3، الحديث 2 - 5، و: 381، الباب 1 ، الحديث 1 ، و : 389 ، الباب 3 ، الحديث 20 و : 386 ، الباب 3 ، الحديث 11 .

أبي جعفر علیه السلام قال : «المستحاضة تقعد أيّام قرئها ، ثمّ تحتاط بيوم أو يومين ، فإن هي رأت طهراً اغتسلت»(1) .

ورواية زرارة ومحمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها ، فتقتدي بأقرائها ، ثمّ تستظهر على ذلك بيوم»(2) . ورواية اُخرى لزرارة ، عنه علیه السلام قال : «المستحاضة تستظهر بيوم أو يومين»(3) .

ورواية فضيل وزرارة ، عن أحدهما علیهما السلام قال : «المستحاضة تكفّ عن

الصلاة أيّام أقرائها ، وتحتاط بيوم أو اثنين ، ثمّ تغتسل . . .»(4) إلى آخره .

ورواية عبد الرحمان ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المستحاضة ، أيطأها زوجها ، وهل تطوف بالبيت ؟ قال : «تقعد قرءها الذي كانت تحيض فيه ، فإن كان قرؤها مستقيماً فلتأخذ به ، وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ، ولتغتسل . . .»(5) إلى آخره .

ص: 206


1- تهذيب الأحكام 1 : 171 / 488 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 10 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 401 / 1252 ؛ وسائل الشيعة 2 : 302 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 5 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 402 / 1256 ؛ وسائل الشيعة 2 : 304 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 14 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 401 / 1253 ؛ وسائل الشيعة 2 : 376 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 12 .
5- تهذيب الأحكام 5 : 400 / 1390 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 .

والمستحاضة وإن كانت أعمّ ممّن يستمرّ بها الدم شهراً أو أزيد ، وممّن تجاوز دمها عن أيّام عادتها ، لكن لا بدّ من حملها في تلك الروايات على الثانية ؛

بقرينة قوله : «تستظهر» و«تحتاط» فإنّ العنوانين لا ينطبقان إلاّ عليها ، وأمّا من استمرّ

بها الدم فلا يكون لها احتياط ؛ لكون عادتها هي الحيض ، والزائدِ عليها استحاضةً ، كما صرّح به في المرسلة الطويلة(1) من غير ريب وشائبة إشكال .

ودعوى الشيخ الأعظم ظهور بعض فقراتها في غير مستمرّة الدم(2) ، غير وجيهة ، كما يظهر للمتأمّل .

وما ذكرنا هو الظاهر من روايات اُخر ، كصحيحة معاوية بن عمّار والحلبي وعبداللّه بن سنان وغيرها (3) .

فلا إشكال في هذا الحمل في الروايات سوى موثّقة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه حيث فصّل فيها بين استقامة القروء وغيرها .

والظاهر كون المراد فيها مستمرّة الدم ، وهي لا

تنافي الروايات ؛ لأنّ صدرها موافق لمرسلة يونس وما هو بمضمونها ، وذيلها فرض آخر غير المفروض في سائر الروايات .

ولا بأس بالحكم بالاحتياط في مستمرّة الدم مع الخلاف في عادتها ، كما تدلّ عليه الرواية .

ص: 207


1- يأتي متنها الكامل في الصفحة 363 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 352 - 353 .
3- راجع وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 1 و2 و4 و5 .

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ مستمرّة الدم لا سنّة لها إلاّ أيّامها إذا كانت لها أيّام معلومة غير مختلفة ، ومع الاختلاف تحتاط بيوم أو يومين ، كما في موثّقة البصري وأنّ الحائض والنفساء إذا جاوز دمهما عن عادتهما شرع في حقّهما الاستظهار .

ويشهد للجمع موثّقة إسحاق بن جرير ؛ حيث فصّل فيها بين من تحيض وجازت أيّام حيضها ، فأمرها بالاستظهار ، وبين من استمرّ بها الشهر والشهرين والثلاثة ، فأمرها بالجلوس أيّام حيضها ، ثمّ الاغتسال للصلاة .

الجهة الثانية : في اختلاف أخبار الاستظهار

قد اختلفت الروايات في هذه المسألة غاية الاختلاف ، وهي على اختلافها على طوائف :

منها : ما هي ظاهرة في مستمرّة الدم ، كالمرسلة وأشباهها ممّا قد مرّ الكلام فيها .

ومنها : ما هي ظاهرة أو صريحة في غير المستمرّة ، وقد حكم فيها بالاستظهار إمّا مطلقاً أو بيوم أو يومين أو ثلاثة أيّام . . . إلى غير ذلك(1) .

ومنها : ما هي محمولة على الثانية ؛ لبعض القرائن الداخلية والخارجية ، وهي الروايات الواردة في أنّ «المستحاضة تستظهر»(2) ، كما مرّ الكلام فيها .

ص: 208


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 302 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الح-ديث 5 و14 .

ومنها : ما وردت في غير مستمرّة الدم ، واُمر فيها بالاغتسال والصلاة بعد عادتها ، كصحيحة زرارة ، عن أحدهما علیهما السلام قال : «النفساء تكفّ عن الصلاة أيّامها التي كانت تمكث فيها ، ثمّ تغتسل وتعمل كما تعمل المستحاضة»(1) .

وكحسنة(2) عبد الرحمان بن أعين قال : قلت له : إنّ امرأة عبدالملك ولدت ، فعدّ لها أيّام حيضها ، ثمّ أمرها فاغتسلت واحتشت ، وأمرها أن تلبس ثوبين نظيفين ، وأمرها بالصلاة ، فقالت له : لا تطيب نفسي أن أدخل المسجد ، فدعني أقوم خارجاً عنه وأسجد فيه ، فقال : «قد أمر بذا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم » قال : «فانقطع الدم عن المرأة ورأت الطهر ، وأمر علي علیه السلام بهذا قبلكم ، فانقطع الدم عن المرأة ورأت الطهر ، فما فعلت صاحبتكم ؟» قلت : ما أدري(3) .

حيث تدلّ على أ نّه أمرها بعد عادتها وعدول الدم عنها بالاغتسال والصلاة ، فقال له : إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأمير المؤمنين علیه السلام أمرا بذلك .

ص: 209


1- الكافي 3 : 97 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 173 / 495 ؛ وسائل الشيعة 2 : 382 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 1 .
2- رواها الكليني ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن علي بن الحكم ، عن عبداللّه بن بكير ، عن عبد الرحمان بن أعين . عبد الرحمان بن أعين إمامي ممدوح ، وعبداللّه بن بكير فطحي ثقة ، وبقيّة رجال السند لا كلام فيهم ، فحينئذٍ يتّصف السند بالحسن ، كما عبّر به هنا بناءً على كون الموثّق أقوى من الحسن ، ويتّصف بالموثّق كما عبّر به في الصفحة 212 بناءً على كون الحسن أقوى من الموثّق . راجع تنقيح المقال 2 : 140 / السطر 22 (أبواب العين) و : 171 / السطر 3 ((أبواب العين)) .
3- الكافي 3 : 98 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 385 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 9 .

وكمرسلة داود مولى أبي المغرا ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت له : المرأة يكون حيضها سبعة أيّام أو ثمانية أيّام ؛ حيضها دائم مستقيم ، ثمّ تحيض ثلاثة أيّام ، ثمّ ينقطع عنها الدم ، وترى البياض ؛ لا صفرةً ولا دماً ، قال : «تغتسل وتصلّي» .

قلت : تغتسل وتصلّي وتصوم ، ثمّ يعود الدم ، قال : «إذا رأت الدم أمسكت عن الصلاة والصيام» .

قلت : فإنّها ترى الدم يوماً وتطهر يوماً ، قال : فقال : «إذا رأت الدم أمسكت ، وإذا رأت الطهر صلّت ، فإذا مضت أيّام حيضها واستمرّ بها الطهر صلّت ، فإذا رأت الدم فهي مستحاضة ، قد انتظمت لك أمرها كلّه»(1) .

وكصحيحة الصحّاف(2) على بعض الوجوه والاحتمالات .

واختلاف هذه الأخبار صار سبباً لاختلاف الأنظار في الجمع بينها في موضوع الاستظهار والاقتصار ، وفي حكم الاستظهار ومقداره ، وقد مرّ في الجهة الاُولى : أنّ مصبّ أخبار الاستظهار هو ذات العادة التي تجاوز دمها عن عادتها ، وصارت متحيّرة لأجله ، وأنّ مصبّ طائفة من روايات الاقتصار هو مستمرّة الدم ، فموضوع كلٍّ غيرُ الآخر ، ولا اختلاف في الأخبار من هذه الجهة .

ص: 210


1- الكافي 3 : 90 / 7 ؛ وسائل الشيعة 2 : 285 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 95 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 284 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 5 ، الحديث 6 .

وأمّا الروايات الواردة في استظهار المستحاضة ، فهي ظاهرة في الطائفة الاُولى - أي من تجاوز دمها عن عادتها - بمقتضى عنوان «الاستظهار» ومقتضى رواية الجُعفي ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «المستحاضة تقعد أيّام قرئها ، ثمّ تحتاط بيوم أو يومين ، فإذا هي رأت طهراً اغتسلت ، وإن هي لم تَرَ طهراً اغتسلت واحتشت»(1) .

أو محمولة عليها بمقتضى مرسلة يونس التي نصّت على أنّ مستمرّة الدم إذا كانت لها عادة ، لا وقت لها ولا سنّة إلاّ أيّامها ، وهي على أيّامها .

تعارض روايات الاستظهار مع أدلّة الاقتصار وبيان وجه الجمع بينها

وأمّا الروايات الواردة في الاقتصار ، فما هي ظاهرة في مستمرّة الدم - كمرسلة يونس وصحيحة معاوية والحلبي وعبداللّه بن سنان(2) - فلا إشكال فيها ، وما هي مطلقة يحفظ ظهورها في الوجوب بالنسبة إلى مستمرّة الدم ، ويرفع اليد عن وجوب الاقتصار بالنسبة إلى ذات العادة التي جازت أيّامها ، فتصير كالطائفة التي دلّت على الاقتصار في ذات العادة التي جازت أيّامها ، فحينئذٍ يقع التعارض ظاهراً بين روايات الاستظهار وهذه الطائفة من أدلّة الاقتصار - ممّا تكون ظاهرة في ذات العادة التي جازت أيّامها - بالإطلاق أو بالورود في هذا المورد ، كصحيحة زرارة ، فلا بدّ من الجمع بينهما .

ص: 211


1- تهذيب الأحكام 1 : 171 / 488 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 10 .
2- تقدّم تخريجها في الصفحة 207 .

والأقرب في النظر حمل جميع الروايات على الإرشاد إلى حكم العقل ، وقد مرّ(1) أنّ العقل في المقام يحكم بالتخيير ما دام لم يتّضح حالها ، ودار الأمر بين المحذورين ؛ بناءً على حرمة العبادات ذاتاً كما هو الأقوى ، وسيأتي الكلام فيه(2) ، فإذا حكم العقل - بعد مضيّ أيّام العادة وتحيّر المرأة بين انقطاع الدم على العشرة وعدمه - بتخييرها بين الفعل والترك ، لم يبقَ ظهور في الروايات في إعمال التعبّد ، فلا يفهم منها إلاّ ما هو حكم العقل .

وتوهّم دلالة هذه الأخبار الكثيرة على وجوب الاستظهار بيوم واحد ؛ فإنّ الاستظهار بالأقلّ هو القدر المتيقّن الثابت بجميع الروايات ، فلا بدّ من الأخذ به

وحمل سائر المراتب على التخيير أو الاستحباب .

مدفوع بما دلّ على الاقتصار على اليوم الأوّل في الموضوع الذي دلّت الروايات فيه على الاستظهار ، كصحيحة زرارة وموثّقة عبد الرحمان بن أعين وغيرهما ، ومعها لا بدّ من رفع اليد عن ظهور الروايات في الوجوب لو سلّم ظهورها .

مع أ نّه غير مسلّم أوّلاً : لما مرّ من ورودها في مورد حكم العقل ، وفي مثله لا يسلّم الظهور في التعبّد .

وثانياً : مع هذا الاختلاف الفاحش فيها ، لا يبقى ظهور لها في الوجوب ، فضلاً عن التعييني ، فضلاً عنه في اليوم الواحد .

ص: 212


1- تقدّم في الصفحة 204 .
2- يأتي في الصفحة 214 .

لا يقال : لا يمكن رفع اليد عن الأوامر الكثيرة الواردة في الاستظهار

والاحتياط . ولو سلّم عدم بقاء ظهورها في الوجوب ، فلا محيص عن الحكم بالرجحان ، لا رجحان نفس الاستظهار والاحتياط ، بل يفهم منها ترجيح الشارع جانب الحرمة على جانب الوجوب ، فالرجحان - بهذا المعنى - ممّا لا مناص عنه .

فإنّه يقال : هذا صحيح لو كانت أخبار الاستظهار خالية عن المعارض ، لكنّ الأمر ليس كذلك ؛ فإنّه في كلّ مورد من اليوم الأوّل إلى العاشر ممّا وردت رواية أو روايات في الأمر بالاستظهار ، وردت رواية أو روايات اُخر في الأمر بالاغتسال والصلاة وعمل الاستحاضة :

ففي اليوم الأوّل - أي بعد مضيّ أيّام العادة - كما وردت روايات بالاستظهار ، وردت روايات بالاغتسال والصلاة وعمل المستحاضة ، كما مرّ .

وفي اليوم الثاني أيضاً وردت روايات بالاستظهار ، مثل ما دلّ عليه بيوم أو يومين ، ووردت روايات على أ نّها مستحاضة ، وهي روايات الاقتصار ، والروايات التي دلّت على لزوم الاستظهار بيوم واحد ، ثمّ الحكم بأ نّها مستحاضة .

وفي اليوم الثالث دلّت الطوائف الثلاث على كونها مستحاضة ، وطائفة اُخرى على لزوم الاستظهار . . . وهكذا .

ففي كلّ مورد تعارضت الروايات ، فلا يبقى مجال للحمل على الرجحان في جانب منها .

ص: 213

رجحان الحمل على الإرشاد العقلي على ما ذكره المحقّقون

ولا يخفى على المتأمّل في جميع الروايات - مع التوجّه إلى حكم العقل ، وتخالف الروايات هذا التخالف الفاحش - أنّ ما ذكرنا أولى ممّا ذكره المحقِّقون :

كالحمل على الوجوب التخييري(1) ؛ فإنّه مع الإشكال في أصل التخيير كذلك ، يرد عليه : أنّ الروايات - كما عرفت - متعارضة في كلّ يوم يوم ، فكما ورد الأمر بالاستظهار يوماً أو يومين أو ثلاثة إلى عشرة ، كذلك وردت الروايات الآمرة بعمل الاستحاضة في كلّ يوم إلى العاشر ، فلا بدّ من حمل هذه الطائفة أيضاً على الوجوب التخييري ، فتتخيّر بعد العادة بين الاستظهار بيوم أو يومين إلى العاشر ؛ بمقتضى أدلّة الاستظهار على ما تقدّم ، وتتخيّر في عمل الاستحاضة بين يوم أو يومين إلى العاشر ، وهل هذا إلاّ حكم العقل بالتخيير ؟ !

نعم ، لو قلنا : بأنّ حكم العقل بالتخيير إنّما هو تساوي الاحتمالين ، وأمّا مع كون أحد احتمالي الحيض والاستحاضة أقوى ، يتعيّن الأخذ بالأقوى ، وقلنا بإطلاق الروايات بالنسبة إلى قوّة الاحتمال وعدمها ، كان لحمل الروايات على التخيير إلى اليوم العاشر وجه ، وعليه كان التخيير شرعياً لا عقلياً .

وتوهّم عدم جواز التخيير بين فعل الواجب وتركه لا إلى بدل(2) ، فاسد ؛ لأنّ

ص: 214


1- اُنظر جواهر الكلام 3 : 199 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 359 .
2- جواهر الكلام 3 : 200 ؛ اُنظر الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراسانى : 219 .

العبادات في أيّام الحيض حرام ذاتي ، فيكون التخيير بين الحرام والواجب ، ومن قبيل الدوران بين المحذورين ؛ وإن كان الموضوع في الأخبار أعمّ من الموضوع العقلي .

وكالحمل على الاستحباب(1) وهو أسوأ من الأوّل ؛ لعدم رجحان في حمل أخبار الاستظهار على الاستحباب ، دون الأخبار الآمرة بالاغتسال وعمل الاستحاضة .

وأبعد منهما ما صنعه صاحب «الجواهر» والشيخ الأعظم من حمل الروايات على التنويع :

تارة : بحمل ما دلّ على استظهار يوم على من كانت عادتها تسعة أيّام ، وما دلّ على يومين على من كانت عادتها ثمانية . . . وهكذا .

واُخرى : بحمل ما دلّ على يوم على من تظهر حالها بيوم ، وما دلّ على يومين على من تظهر حالها بعد يومين . . . وهكذا (2) .

ولعمري ، إنّ الطرح أولى من مثل هذا الحمل الغريب البعيد عن الأذهان ، المستحيل ورود مثله من متكلّم يريد إفهام الحكم !

وأغرب منه ما أيّد به صاحب «الجواهر» : «من أنّ كلام المعصومين ككلام

واحد من متكلّم واحد»(3) ، وهو - كما ترى - لا يمكن الالتزام به ، ولا معنى له . مع أ نّه مستلزم لمفاسد يختلّ بها الفقه . على أ نّه لا يصلح الحمل المذكور أيضاً .

ص: 215


1- رياض المسائل 1 : 372 .
2- جواهر الكلام 3 : 199 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 358 - 359 .
3- جواهر الكلام 3 : 199 .

كما أنّ الاستدلال بالاستصحاب وقاعدة الإمكان وما دلّ على أنّ ما رأت المرأة قبل عشرة أيّام من الحيضة الاُولى(1) ، في غير محلّه ؛ ضرورة أنّ الاستصحاب قد انقطع بالروايات ، وكذا قاعدة الإمكان ، والروايات الأخيرة لا بدّ وأن يكون موضوعها غير موضوع هذه الروايات ، وإلاّ فمع فرض الاستصحاب والقاعدة والروايات المذكورة ، لا يبقى مجال للاحتياط والاستظهار ، كما هو واضح .

ثمّ إنّ موضوع الاستظهار - كما قلنا - هو المرأة المتحيّرة لأجل الشكّ في قطع الدم على العشرة وعدمه(2) ، فمع فرض العلم أو الاطمئنان بأحد الطرفين ، تخرج عن موضوع الاستظهار .

وهذا لا ينافي ما تقدّم منّا آنفاً من الإشكال على ما صنعه المحقّقان صاحب «الجواهر» والشيخ الأعظم .

وبما ذكرنا ظهر ما هو الحقّ في الجهة الثالثة ؛ وهي مقدار الاستظهار ، وهو تابع لبقاء موضوعه .

ص: 216


1- جواهر الكلام 3 : 198 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 361 .
2- تقدّم في الصفحة 204 .
تتميم

في حكم انقطاع الدم على العشرة وتجاوزه

لو انقطع الدم على العشرة ، فهل المجموع حيض ، أو أيّام العادة ، أو هي مع أيّام الاستظهار دون ما بعدها ؟

وهذه المسألة غير ما سبقت من الرؤية ثلاثة أيّام مثلاً وانقطاع الدم ، ثمّ الرؤية ثانياً والانقطاع قبل عشرة أيّام ؛ وإن اشتركتا في بعض الأدلّة .

حيضية جميع الأيّام فيما لو انقطع على العشرة

وكيف كان : فالأقوى كون الجميع حيضاً ، كما هو المشهور على ما في طهارة شيخنا الأعظم(1) ، بل نسب إلى الأصحاب(2) ، بل ادّعي الإجماع عليه ، كما عن «الخلاف»(3) و«المعتبر»(4) و«التذكرة» و«المنتهى» و«النهاية»(5) .

ويدلّ عليه - بعد ذلك - ما دلّ على حيضية الجميع في المسألة المتقدّمة المشار إليها آنفاً ، كروايتي محمّد بن مسلم : أنّ «ما رأت المرأة . . . قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى»(6) على تأمّل فيه ، وقاعدة الإمكان ، في خصوص مثل

ص: 217


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 362 .
2- الحدائق الناضرة 3 : 223 ؛ مفتاح الكرامة 3 : 299 .
3- الخلاف 1 : 243 .
4- المعتبر 1 : 203 .
5- تذكرة الفقهاء 1 : 294 ؛ منتهى المطلب 2 : 331 - 332 ؛ نهاية الإحكام 1 : 134 .
6- تقدّمتا في الصفحة 96 - 97 .

المسألة . مضافاً إلى الاستصحاب - تأمّل - وأخبار الاستبراء الدالّة على أنّ القطنة إذا خرجت ملوّثة ، لم تطهر(1) .

وليس في مقابلها إلاّ توهّم دلالة أدلّة الاستظهار على أنّ ما بعد أيّامه استحاضة(2) .

وهو كما ترى ؛ ضرورة أنّ هذه الروايات(3) بنفسها ، تدلّ على أنّ الحكم بالاستحاضة ظاهري لا واقعي ؛ فإنّ جملة منها تدلّ على أ نّها في اليوم الثاني بعد الاستظهار مستحاضة وجملة منها تدلّ على أ نّها في اليوم الثاني مستظهِرة وكذا في اليوم الثالث تدلّ جملة على أ نّها مستحاضة وجملة على الترخيص في الاستظهار ، ومعه كيف يمكن القول بالاستحاضة الواقعية ؟ ! إلاّ أن يقال بالتنويع وقد مرّ تضعيفه(4) .

هذا مضافاً إلى ما ورد من أ نّها تعمل كما تعمل المستحاضة ، كموثّقة سماعة(5) ورواية يعقوب الأحمر عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في النفساء(6).

ص: 218


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 308 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 17 .
2- الحدائق الناضرة 3 : 223 - 224 .
3- راجع وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 .
4- تقدّم في الصفحة 215 .
5- الكافي 3 : 77 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 158 / 453 ؛ وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 1 .
6- تهذيب الأحكام 1 : 403 / 1262 ؛ وسائل الشيعة 2 : 389 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 20 .

وأوضح منهما رواية حُمران بن أعين ، عن أبي جعفر علیه السلام ففيها : قلت : فما حدّ النفساء ؟

قال : «تقعد أيّامها التي كانت تطمث فيهنّ أيّام قرئها ، فإن هي طهرت ، وإلاّ استظهرت بيومين أو ثلاثة أيّام ، ثمّ اغتسلت واحتشت ، فإن كان انقطع الدم فقد طهرت ، وإن لم ينقطع الدم فهي بمنزلة المستحاضة»(1) .

فيحمل ما دلّت على أ نّها مستحاضة ، على أ نّها بمنزلة المستحاضة وتصنع كما تصنع المستحاضة ، وكذا يحمل على ذلك ما دلّت على أنّ الصفرة بعد أيّام الحيض بيومين ، ليس من الحيض ، كما سبقت الإشارة إليه(2) .

حيضية خصوص أيّام العادة مع تجاوز الدم عن العشرة

وكيف كان : فلا إشكال في هذه المسألة ، ولأجل ذلك يرفع الشكّ عن مسألة اُخرى : وهي كون أيّام العادة حيضاً دون غيرها إذا تجاوز الدم عن العشرة ؛ ضرورة أ نّه لو كان جميع العشرة حيضاً - سواء انقطع الدم عليها ، أو تجاوز عنها - لم يبقَ للمرأة شكّ في حيضية ما بعد العادة ، ووقع جميع أخبار الاستظهار والاحتياط بلا مورد ، ولزم منه الحكم بالعبادة وعمل الاستحاضة في زمان الحيض المعلوم ، وهو واضح الفساد ، وسيأتي في الاستحاضة تحقيق المقام(3) .

ص: 219


1- منتقى الجمان 1 : 235 ؛ وسائل الشيعة 2 : 386 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 11 .
2- تقدّمت في الصفحة 201 - 202.
3- يأتي في الصفحة 419 .
لزوم قضاء الصوم مع انقطاع الدم على العشرة

ثمّ إنّه إذا انقطع على العشرة ، هل يجب قضاء ما صامت بعد أيّام العادة ؛ لتبيّن فساده ، أو الأمر بالصيام موجب للإجزاء لو قلنا : بأنّ التخييرَ شرعي ، والحكمَ بالاستحاضة وعملَ ما تعمله المستحاضة تعبّدي ظاهري ؛ فإنّ الأمر الظاهري بالصيام ، موجب للإجزاء وإلغاء اعتبار الطهارة من الحيض في الصيام ؟

ولو لا كون العبادة في أيّام الحيض محرّمة ذاتية عليها ، لم يكن الحكم بالإجزاء بعيداً ، كما رجّحنا في أمثال المقام(1) لكن مع كونها محرّمة ذاتية ، وكون الأمر بالاستحاضة - لأجل الدوران بين ترك الواجب وفعل الحرام - كالدوران بين المحذورين عقلاً ، لا مجال للإجزاء ، ففي مثله لا يستفاد من الأمر بالصيام إلغاء اعتبار الطهور أو إلغاء مانعية الحيض .

هذا مضافاً إلى الإشكال في أصل المبنى ؛ أي كون التخيير شرعياً ، فعليها قضاء ما فعلته ، كما ادّعي عدم الخلاف(2) بل الإجماع عليه(3) .

صحّة صيام ما بعد العادة مع تجاوز العشرة

وأمّا مع تجاوز الدم وكشف كون جميع ما بعد العادة استحاضة ، فلا إشكال في صحّة ما فعلت بعد أيّام الاستظهار ، وكذا قضاء ما تركت في أيّامه .

ص: 220


1- مناهج الوصول 1 : 255 - 259 ؛ الاجتهاد والتقليد ، الإمام الخميني قدس سره : 106 - 109 .
2- مفتاح الكرامة 3 : 299 ؛ جواهر الكلام 3 : 202 .
3- تذكرة الفقهاء 1 : 305 ؛ رياض المسائل 1 : 375 ؛ جواهر الكلام 3 : 202 .

ودعوى عدم وجوب القضاء ؛ لعدم وجوب الأداء ، وكون القضاء تابعاً له ، بل كون الأداء حراماً على فرض وجوب الاستظهار ، كما ترى ؛ ضرورة أنّ المستفاد من الأخبار أنّ الاستظهار والاحتياط بترك العبادة - كعمل المستحاضة - حكم ظاهري ، كحكم العقل بالتخيير في الدوران بين المحذورين ، فيكون الحكم الواقعي محفوظاً ، فيجب قضاء ما تركت لدى انكشاف الخلاف .

كما أنّ دعوى استفادة عدم القضاء من الأخبار الكثيرة الساكتة عنه ، في غير محلّها ؛ ضرورة أنّ الأخبار تكون في مقام بيان حكم آخر ، كدعوى فهم إلحاق أيّام الاستظهار بالحيض حكماً في جميع الآثار .

وكيف كان : فلا إشكال في الحكم ، كما هو المشهور نقلاً وتحصيلاً ، بل لعلّه لا خلاف فيه سوى ما عسى أن يظهر من المنقول عن العلاّمة(1) كما في «الجواهر»(2) .

ص: 221


1- نهاية الإحكام 1 : 123 .
2- جواهر الكلام 3 : 204 .
المطلب الرابع في بعض مهمّات أحكام الحيض والحائض
اشارة

ولمّا كان كثير من أحكامهما واضح المأخذ ، اقتصرنا على المهمّ منها . وهو اُمور :

الأمر الأوّل : حرمة الوط ء
اشارة

لا إشكال في حرمة وطئها في القبل حتّى تطهر كتاباً (1) وسنّة(2) وإجماعاً (3) ، بل في «المدارك» : «أجمع علماء الإسلام على تحريم وط ء الحائض قبلاً ، بل صرّح جمع من الأصحاب(4) بكفر مستحلّه ما لم يدّعِ شبهة محتملة لإنكاره ما

ص: 222


1- لقوله تعالى : )وَيَسأَ لُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعتَزِلُوا النِساءَ فِى المَحِيضِ وَلاَ تَقرَبُوهُنَّ حَتّى يَطهُرنَ . . .( البقرة (2) : 222 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 317 - 323 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 24 و25 .
3- المعتبر 1 : 224 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 264 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 151 ؛ جواهر الكلام 3 : 225 .
4- جامع المقاصد 1 : 320 ؛ روض الجنان 1 : 211 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 151 .

علم من الدين ضرورة . ولا ريب في فسق الواطئ بذلك ، ووجوب تعزيره بما يراه الحاكم مع علمه بالحيض وحكمه»(1) انتهى .

أقول : أمّا كون حرمة الوط ء من ضروريات الإسلام ، ففي محلّ المنع ؛ فإنّ معنى كون الشيء ضرورياً في الإسلام : أن يكون واضحاً لدى قاطبة المسلمين ، كما أنّ كون الشيء ضرورياً عقلاً : أ نّه واضح لا يحتاج إلى الدليل لدى العقول ، ككون الواحد نصف الاثنين ، وكون الكلّ أعظم من جزئه .

وأمّا كون شيء ضرورياً واضحاً لقيام الأدلّة الواضحة عليه لدى طائفة خاصّة دون اُخرى ، فلا يوجب ضروريته ؛ لا في الاُمور العقلية ، ولا في الاُمور الشرعية ؛ فإنّ كثيراً من الأحكام الشرعية ضرورية واضحة لدى الفقهاء ، أو صارت ضرورية لدى المتعبّدين ، أو في بلدة غلب فيها العلماء ، مع أ نّها ليست ضرورية واضحة عند جميع المسلمين ، كمطهّرية المطر والشمس ، وما نحن فيه من هذا القبيل .

ثمّ إنّ إنكار الضروري لا يكون بنفسه موجباً للكفر ، بل إنّما يوجبه إذا كان مستلزماً لإنكار الاُلوهية أو التوحيد أو النبوّة ، كما حقّق في محلّه(2) .

وأمّا فسق الواطئ ، فمبتنٍ على أن يكون الفسق عبارة عن مطلق الخروج

عن طاعة اللّه . وأمّا لو قلنا : بأ نّه عبارة عن ارتكاب الكبيرة أو الإصرار على الصغيرة فلا ؛ لعدم ثبوت كون الوط ء حال الحيض كبيرة ، وتحقيق المسألة موكول إلى محلّه .

ص: 223


1- مدارك الأحكام 1 : 350 .
2- يأتي في الجزء الثالث : 466 .

ثمّ لا إشكال في الحرمة ظاهراً مع قيام أمارة على الحيضية ، ككون الدم في أيّام العادة ، أو متّصفاً بالصفات في مورد أماريتها .

كما أ نّه لو تمّت قاعدة الإمكان وجب ترتيب أحكام الحيضية ؛ للتعبّد بوجود الحيض مع إمكان كون الدم حيضاً إن قلنا : بأنّ التعبّد بحيضية الدم ، مستلزم عرفاً للتعبّد بحائضية المرأة .

كما أنّ الظاهر أنّ ما اختارت المتحيّرة من أيّام الشهر للحيض ، يترتّب عليه أحكام الحيض ، لا لكون اختيارها طريقاً تعبّدياً شرعاً للحيضية ؛ ضرورة أ نّه ليست لاختيارها طريقية عقلائية أمضاها الشارع ، ولا دلّ دليل على طريقيته التعبّدية .

بل لظهور قوله في المرسلة : «تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه سبعة أيّام . . .»(1) في أنّ اختيارها موجب للزوم ترتّب جميع أحكام الحيض على المختار ، فتجب معاملة الحيضية مع ما اختارته ، فمعنى «التحيّض» : جعل نفسها حائضاً في سبعة أيّام ، ومع جعلها تصير حائضاً تعبّداً بحسب الأحكام .

اللهمّ إلاّ أن يقال : معنى «تحيّضي» تكلّفي أعمال الحائض ، كما فسّره به أبو عبداللّه علیه السلام ، وحينئذٍ لا يدلّ على الحيضية التعبّدية . نعم ، لا يبعد استفادتها من قوله : «فوقتها سبع ، وطهرها ثلاث وعشرون» ، فإنّ الوقت المقابل للطهر هو الحيض . وفي قوله : «فسنّتها السبع والثلاث والعشرون» إشعار بها .

هذا مضافاً إلى أنّ مقتضى العلم الإجمالي بحيضها في الشهر أيّاماً مع عدم

ص: 224


1- يأتي متنها الكامل في الصفحة 363 .

العلم بالتعيين ، لزوم الاحتياط في جميع الشهر للزوج ، لكن بعد اختيارها السبع

للحيض والثلاث والعشرين للطهر ، رخّص الشارع في وطئها أيّام اختيارها الطهر ؛ لقوله : «طهرها ثلاث وعشرون» ولقوله في بعض الروايات : «كلّ شيء

استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها»(1) .

في لحوق أيّام الاستظهار بالحيض في جميع أحكامه

مقتضى الأصل العملي في المقام

وأمّا أيّام الاستظهار ، فهل تلحق بالحيض ويترتّب عليها جميع أحكامه فلا يجوز للزوج وطؤها ؟

فيه إشكال ينشأ من : أنّ مقتضى استصحاب بقاء الدم إلى [ما] بعد عشرة أيّام ، هو كون أيّام ما بعد العادة استحاضة ؛ فإنّ كون أيّام العادة حيضاً وما بعدها

استحاضة ، من الأحكام الشرعية المترتّبة على من استمرّ بها الدم ، وباستصحاب بقاء الدم واستمراره بها يثبت الموضوع ويترتّب عليه الأحكام ، فيكون حاكماً على استصحاب الحرمة الثابتة في أيّام الحيض .

كما أ نّه حاكم على استصحاب بقاء الحيض أيضاً ؛ لأنّ الشكّ في بقاء الحيضية وكون ما بعد الأيّام حيضاً ، ناشئ عن الشكّ في استمرار الدم وبقائه إلى [ما] بعد العشرة ، وباستصحاب بقائه إلى ما بعدها ، يرفع هذا الشكّ بالدليل

ص: 225


1- تهذيب الأحكام 5 : 400 / 1390 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 .

الاجتهادي المنقَّح موضوعه بالاستصحاب ، على ما حقّقنا في محلّه من سرّ تقدّم الأصل السببي على المسبّبي(1) .

هذا إذا لم نقل بعدم كون الاستصحاب في المقام معوّلاً عليه ، وإلاّ فإن قلنا : بأنّ الإرجاع إلى الاستظهار والاحتياط ، دليل على عدم كون الأصل مرجعاً في المقام ، فمقتضى أصل البراءة مع الشكّ في انقطاع الدم على العشرة وعدمه ، هو جواز الوط ء . هذا حال الأصل .

مقتضى أدلّة الاستظهار

وأمّا حال أدلّة الاستظهار(2) ، فلا يفهم منها - على كثرتها - أنّ أيّام الاستظهار حيض ، أو يترتّب عليها جميع أحكام الحيض حتّى بالنسبة إلى الزوج ؛ ضرورة أنّ مفادها الاحتياط والاستظهار .

ولو قلنا بوجوب الاستظهار ، لم يفهم منها إلاّ وجوب الاحتياط على المرأة ، وأمّا على الزوج فلا يفهم من مجرّد الأمرِ بالاستظهار ووجوبِ الاحتياط على المرأة ، وجوبُه عليه ؛ لاختصاص الأدلّة بها ، وللفرق بينهما ؛ فإنّ المرأة تعلم إجمالاً إمّا بحرمة الصلاة عليها ، أو وجوبها ، فيكون المورد من دوران الأمر بين المحذورين - بعد القول بالحرمة الذاتية ، كما هو الأظهر - فرجّح الشارع جانب الحرمة ، وأمّا الزوج فمقتضى الاُصول جواز الوط ء له ، فلا يقاس حاله بحالها .

ص: 226


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 278 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 .
الروايات التي يمكن استفادة الحرمة منها وجوابها

نعم ، هنا روايات يمكن استفادة الحرمة منها ، لكن بناءً على وجوب الاحتياط والاستظهار دون استحبابه :

منها : رواية الفضيل وزرارة ، عن أحدهما علیهما السلام -

ولا يبعد كونها موثّقة ؛ للكلام المتقدّم في الزبيري(1) ، ولتوثيق جمعٍ محمّد بن عبداللّه بن زرارة(2) - قال : «المستحاضة تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها ، وتحتاط بيوم أو اثنين ، ثمّ تغتسل كلّ يوم وليلة ثلاث مرّات ، وتحتشي لصلاة الغداة ، وتغتسل وتجمع بين الظهر والعصر بغسل ، وتجمع بين المغرب والعشاء بغسل ، فإذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها»(3) .

فإنّها تدلّ على أنّ حلّية الغشيان ، ملازمة لحلّية الصلاة أو مترتّبة عليها ؛ فإن وجب عليها الاستظهار كانت الحلّية بعده ، وأمّا مع الاستحباب فيكون الحلّ بعد أيّام الأقراء .

ص: 227


1- تقدّم في الصفحة 72 و78 - 79 .
2- نقل النجاشي : أ نّه رجل فاضل ديّن وأ نّه أصدق لهجة من أحمد بن الحسن بن فضّال، مع كونه ثقة . وقال الوحيد البهبهاني في تعليقته : « وفي الوجيزة أ نّه ثقة ، وقال جدي : وثّقه بعض أصحابنا المعاصرين» . اُنظر رجال النجاشي : 35 / 72 ، و: 80 / 194 ؛ تعليقات على منهج المقال ، الوحيد البهبهاني : 302 ؛ منتهى المقال 6 : 97 / 2713 ؛ تنقيح المقال 3 : 143 / السطر 24 (أبواب الميم) .
3- تهذيب الأحكام 1 : 401 / 1253 ؛ وسائل الشيعة 2 : 376 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 12 .

ومجرّد اختيار الاستظهار لا يوجب حرمة الصلاة عليها ؛ لعدم الدليل على صيرورتها حائضاً أو بحكم الحائض بالاختيار ، ففي اليوم الأوّل لها الاحتياط بترك العبادات ، ولها إتيانها ، وبالاختيار لا تصير حراماً عليها .

ويمكن أن تكون الرواية ناظرة إلى ترتّب جواز الوط ء على الحلّية الفعلية التي هي أعمّ من الذاتية والتشريعية ، ويكون المراد ترتّب الحلّية على الغسل ، أو عليه مع سائر أعمال المستحاضة ، فتكون خارجة عمّا نحن فيه .

نعم ، بناءً على حرمة الصلاة ظاهراً ووجوب الاحتياط عليها ، تستفاد حرمة الوط ء منها .

وفيها احتمال آخر : وهو كونها مربوطة بالمستحاضة المستمرّة الدم ؛ أي في غير الدورة الاُولى ، فالحكم فيها وجوب الاستظهار بعد أيّام العادة يوماً أو يومين .

لكن بعد تقييدها بموثّقة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه (1) ؛ حيث فصّلت بين كون قرئها «مستقيماً فلتأخذ به» وبين كونه غير مستقيم «فيه خلاف فلتحتط

بيوم أو يومين» وقد قلنا سابقاً : إنّه لا بأس بالعمل بتلك الموثّقة(2) .

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم المرويّة عن كتاب «المشيخة» للحسن بن محبوب عن أبي جعفر علیه السلام : في الحائض : «إذا رأت دماً بعد أيّامها التي كانت

ص: 228


1- تهذيب الأحكام 5 : 400 / 1390 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 .
2- تقدّمت في الصفحة 207 .

ترى الدم فيها ، فلتقعد عن الصلاة يوماً أو يومين ، ثمّ تمسك قطنة ، فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل ، ويصيب منها زوجها إن أحبّ ، وحلّت لها الصلاة»(1) .

هذه الرواية راجعة إلى الدورة الاُولى ، لكن دلالتها على حرمة الوط ء في أيّام الاستظهار وعلى وجوب الاستظهار ، أضعف من الاُولى .

ومنها : رواية مالك بن أعين قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن النفساء ، يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم ؟ قال : «نعم ، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها ، ثمّ تستظهر بيوم ، فلا بأس بعدُ أن يغشاها زوجها ؛ يأمرها فتغتسل ، ثمّ يغشاها إن أحبّ»(2) .

وهي تدلّ على ثبوت البأس قبل الاستظهار بيوم ، وهو أعمّ من الحرمة . مع أ نّها ظاهرة في لزوم الاستظهار ، وقد فرغنا عن عدم لزومه(3) .

والإنصاف : أ نّه لا دليل على حرمة الوط ء في أيّام الاستظهار لو قلنا بعدم وجوبه .

وأمّا توقّف الحلّية على الغسل ، فمسألة اُخرى سيأتي إن شاء اللّه التعرّض لها (4) .

ص: 229


1- المعتبر 1 : 215 ؛ وسائل الشيعة 2 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 14 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 176 / 505 ؛ وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 4 .
3- راجع ما تقدّم في الصفحة 211 - 212 .
4- يأتي في الصفحة 253 .
الأمر الثاني فيما يجوز الاستمتاع به من الحائض
اشارة

لا إشكال في جواز استمتاع الزوج من زوجته الحائض بما فوق السرّة ودون الركبة ، بل الظاهر أنّ الحكم مسلّم بين الفريقين(1) ، فما في بعض الروايات من عدم جواز مطلق الاستمتاع(2) شاذّ مطروح أو مأوّل .

وأمّا الاستمتاع بما بينهما ، ففيه خلاف بين الفريقين :

فعن الحنفية والشافعية حرمة الاستمتاع بما بين السرّة والركبة بغير حائل ، وجوازه بحائل . وأمّا الوط ء فغير جائز مطلقاً ولو بحائل(3) .

وعن المالكية عدم جواز التمتّع بما بينهما بوط ء ، وأمّا الاستمتاع بغيره ففيه

قولان، والمشهور بينهم عدم الجواز ولو بحائل . وعن بعضهم الجواز بغير حائل(4).

وعن الحنابلة(5) حرمة الوط ء فقط ، وأمّا الاستمتاع بما بينهما بغير حائل

فجائز عندهم .

ص: 230


1- الخلاف 1 : 226 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 264 ؛ المجموع 2 : 364 - 365 ؛ الشرح الكبير ، ذيل المغني 1 : 316 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 155 / 444 ؛ وسائل الشيعة 2 : 320 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 24 ، الحديث 12 .
3- اُنظر الخلاف 1 : 226 ؛ الاُم 1 : 59 ؛ بداية المجتهد 1 : 58 ؛ المجموع 2 : 362 و365 ؛ الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 134 .
4- الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 134 .
5- الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 134 ؛ الشرح الكبير ، ذيل المغني 1 : 316 .

والمشهور بين أصحابنا (1) - بل ادّعى الشيخ في «الخلاف» الإجماع عليه(2) - جواز الاستمتاع بما بينهما مطلقاً ؛ حتّى الوط ء في الدبر ، وعن ظاهر «التبيان» و«المجمع» أيضاً الإجماع عليه(3) . خلافاً لما نقل عن السيّد في «شرح الرسالة» من تحريم الوط ء في الدبر ، بل مطلق الاستمتاع بما بين السرّة والركبة(4) ، وعن الأردبيلي الميل إليه(5) .

عدم دلالة آية المحيض إلاّ على حرمة الوط ء في الفرج

والأولى بيان ما يستفاد من الآية الكريمة ، ثمّ النظر في الأخبار .

قال تعالى : )يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِى المَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّه ُ((6).

لا إشكال بين المسلمين في جواز معاشرة النساء بغير الاستمتاعات في أيّام الحيض ، فلا يمكن الأخذ بالمعنى اللغوي «للاعتزال» و«القرب» ، فلا بدّ من أن تكون الجملتان كناية .

ولا

يمكن جعلهما كناية عن مطلق الاستمتاعات ولو بمثل القبلة ولمس ما فوق السرّة والأخذ بالساق ؛ لإجماع الفريقن على جوازه ،

ص: 231


1- المعتبر 1 : 224 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 264 ؛ روض الجنان 1 : 224 .
2- الخلاف 1 : 226 - 227 .
3- التبيان في تفسير القرآن 2 : 220 ؛ مجمع البيان 2 : 563 .
4- اُنظر المعتبر 1 : 224 ؛ مفتاح الكرامة 3 : 272 .
5- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 153 - 154 .
6- البقرة (2) : 222 .

فلا بدّ من جعلهما كناية عن أحد اُمور :

إمّا الإدخال في القبل . وإمّا الأعمّ منه ومن الدبر . وإمّا هما مع الاستمتاع بما بين السرّة والركبة .

والأرجح هو الأوّل ؛ لأنّ التكنية عنه مناسبة لقوله : )قُلْ هُوَ أَذىً( ومعلوم أنّ «الأذى» - على ما هو المتفاهم العرفي - هو القذارة التي ابتلي بها الفرج خاصّة في زمان الحيض ؛ ولقوله : )حَتّى يَطْهُرْنَ( فإنّ «الطهر» - على ما مرّ سابقاً - هو النقاء من الدم ، فمناسبة الحكم والموضوع قرينة على المعنى المكني عنه .

وأمّا التكنية عن حدّ خاصّ ، مثل الاستمتاع بما بين السرّة والركبة بلا حائل ، كما قال المخالفون أو عن الوط ء في الدبر والقبل أو عنهما وعن التفخيذ مثلاً - من غير قيام شاهد وقرينة وتناسب تدلّ عليها - فغير صحيح ، وبعيد عن الكلام المتعارف ، فضلاً عن القرآن الكريم .

وبالجملة : بعد رفع اليد عن المعنى اللغوي والحقيقي وعن الكناية عن مطلق الاستمتاع المتعارف بين الرجال والنساء ، لا يمكن التكنية عن غير إتيان الفرج والقبل ؛ لعدم التناسب وعدم القرينة ، وأمّا هو فموافق للفهم العرفي ، ومناسب لكون المحيض أذىً ولسائر الجمل التي في الآية صدراً وذيلاً ؛ لو لم نقل : إنّ الاعتزال عن النساء وعدم القرب بنفسهما ، كناية عرفاً عن الدخول المتعارف ولم نقل : إنّ «المحيض» عبارة عن مكان الحيض ، كما قال الشيخ الطوسي رحمه الله علیه (1) .

ص: 232


1- الخلاف 1 : 227 .
دلالة الأخبار على جواز الاستمتاع بغير الفرج

وتدلّ على المقصود روايات :

منها : حسنة عبد الملك بن عمرو قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام : ما لصاحب المرأة الحائض منها ؟ فقال : «كلّ شيء ما عدا القبل منها بعينه»(1) .

ومنها : مرسلة ابن بكير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا حاضت المرأة فليأتها

زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم»(2) .

ومنها : موثّقة هشام بن سالم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في الرجل يأتي المرأة فيما دون الفرج وهي حائض ، قال : «لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع»(3) .

ولا إشكال في أنّ المراد ب- «ذلك الموضع» هو موضع الدم . وبها تفسّر ما في رواية عبداللّه بن سِنان(4) وموثّقة معاوية بن عمّار(5) ممّا دلّت على حلّية ما دون الفرج لو سلّم أعمّيته عرفاً من الدبر . مع أ نّه في موضع المنع أيضاً . ويرفع

ص: 233


1- الكافي 5 : 538 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 154 / 437 ؛ وسائل الشيعة 2 : 321 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 25 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 154 / 436 ؛ وسائل الشيعة 2 : 322 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 25 ، الحديث 5 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 154 / 438 ؛ وسائل الشيعة 2 : 322 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 25 ، الحديث 6 .
4- الكافي 5 : 539 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 321 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 25 ، الحديث 3 .
5- الكافي 5 : 538 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 321 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 25 ، الحديث 2 .

الإجمال المتوهّم في قوله : «ما دون الفرج» باحتمال كون المراد منه ما دون ، مقابل ما فوق ؛ وإن كان فيه ما فيه .

ومنها : رواية اُخرى لعبد الملك بن عمرو قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام : ما يحلّ للرجل من المرأة وهي حائض ؟ قال : «كلّ شيء غير الفرج» ، قال : ثمّ قال : «إنّما المرأة لعبة الرجل»(1) .

ولا يبعد أن تكون إحدى الروايتين نقلاً بالمعنى عن الاُخرى ؛ لبعد سؤاله من

أبي عبداللّه علیه السلام هذه المسألة مرّتين ، فحينئذٍ تدلّ تلك الرواية على أنّ «الفرج» هو القبل ولو انصرافاً في تلك الأزمنة أيضاً . فدلالة تلك الروايات المتقدّمة على المقصود واضحة .

الروايات التي قد يتوهّم معارضتها لما سبق وبيان وجه الجمع بينهما

ولا يعارضها ما دلّ على أنّ الاستمتاع مقصور على ما بين الفخذين أو بين الألْيين ، كرواية عمر بن حنظلة وصحيحة عمر بن يزيد ، ففي الاُولى : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ما للرجل من الحائض ؟ قال : «ما بين الفخذين»(2) .

وفي الثانية : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ما للرجل من الحائض ؟ ق-ال :

ص: 234


1- الكافي 5 : 539 / 4 ؛ وسائل الشيعة 2 : 322 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 25 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 155 / 442 ؛ وسائل الشيعة 2 : 322 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 25 ، الحديث 7 .

«ما بين ألْيتيها ، ولا يوقب»(1) .

وكذا ما دلّ على لزوم الاتّزار ، كصحيحة الحلبي : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الحائض : ما يحلّ لزوجها منها ؟ قال : «تتّزر بإزار إلى الركبتين ، وتُخرج سُرّتها ، ثمّ له ما فوق الإزار»(2) . وقريب منها غيرها (3) .

من وجوه :

منها : الجمع العقلائي بينها ؛ لصراحة الأخبار المتقدّمة بعدم البأس بما عدا القبل بعينه ، وظهور هذه في الحرمة ، والجمع بينهما بحملها على الكراهة .

ومنها : موافقة مضمونها - خصوصاً صحيحة الحلبي ونحوها - لمذهب أبي حنيفة والشافعي .

ومنها : مخالفتها للمشهور بين الأصحاب ولإطلاق الكتاب ، ولهذا يُشكل

القول بالكراهة بواسطة تلك الروايات . لكن لا يبعد القول بها ؛ لغيرها ممّا يحكي فعل النبي صلی الله علیه و آله وسلم (4) ، مع أنّ كراهة الإتيان في الدبر كراهة شديدة ثابتة ، فالمسألة

بلا إشكال ، والاحتياط حسن على كلّ حال .

ص: 235


1- تهذيب الأحكام 1 : 155 / 443 ؛ وسائل الشيعة 2 : 322 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 25 ، الحديث 8 .
2- الفقيه 1 : 54 / 204 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 154 / 439 ؛ وسائل الشيعة 2 : 323 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 26 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 154 / 440 ؛ وسائل الشيعة 2 : 323 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 26 ، الحديث 2 .
4- الفقيه 1 : 54 / 205 ؛ وسائل الشيعة 2 : 323 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 26 ، الحديث 1 .
الأمر الثالث في كفّارة وط ء الحائض
اشارة

إن وطأها الزوج قبلاً في أيّام الحيض وجبت عليه الكفّارة دونها وإن كانت مطاوعة ، كما هو خيرة قدماء أصحابنا (1) بل هو المجمع عليه ، كما في «الانتصار» و«الخلاف» و«الغنية»(2) ، وعن «السرائر» : «أ نّه الأظهر في المذهب»(3) ، وعن «الدروس» و«كشف اللثام» : «أ نّه المشهور»(4) .

وعن «التذكرة» و«الذكرى» و«جامع المقاصد» و«شرح الجعفرية» : «أ نّه مذهب الأكثر»(5) .

وفي «مفتاح الكرامة» : «أنّ اتّفاق قدماء الأصحاب عليه»(6) .

وقيل : «لا تجب» وهو مذهب أكثر المتأخّرين كما عن «شرح المفاتيح»(7) وهو خيرة «النهاية» ومحكيّ «المبسوط» و«المعتبر» و«النافع»(8) وخيرة

ص: 236


1- المقنع : 51 ؛ المقنعة : 55 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 58 .
2- الانتصار : 126 ؛ الخلاف 1 : 225 ؛ غنية النزوع 1 : 39 .
3- السرائر 1 : 144 .
4- الدروس الشرعية 1 : 101 ؛ كشف اللثام 2 : 107 - 108 .
5- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 257 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 266 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 271 ؛ جامع المقاصد 1 : 321 .
6- مفتاح الكرامة 3 : 258 .
7- مصابيح الظلام 1 : 206 .
8- النهاية : 26 ؛ المبسوط 4 : 242 ؛ المعتبر 1 : 231 ؛ المختصر النافع : 10 .

«الشرائع»(1) بناءً على أنّ مراده من «الأحوط» هو الاستحباب ، كما عن تلميذه(2) وفيه إشكال .

الروايات الدالّة على مختار القدماء من أصحابنا

وتدلّ على الأوّل رواية داود بن فرقد التي فيها إرسال وضعف(3) ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في كفّارة الطمث : «أ نّه يتصدّق إذا كان في أوّله بدينار ، وفي وسطه نصف دينار ، وفي آخره ربع دينار» .

قلت : فإن لم يكن عنده ما يكفّر ؟ قال : «فليتصدّق على مسكين واحد ، وإلاّ استغفر اللّه ولا يعود ؛ فإنّ الاستغفار توبة وكفّارة لكلّ من لم يجد السبيل إلى شيء من الكفّارة»(4) .

وعن «الفقه الرضوي» : «ومتى ما جامعتها وهي حائض فعليك أن تتصدّق

ص: 237


1- شرائع الإسلام 1 : 23 .
2- كشف الرموز 1 : 82 .
3- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن بعض أصحابنا ، عن الطيالسي ، عن أحمد بن محمّد ، عن داود بن فرقد . والرواية مع إرسالها ضعيفة بمحمّد بن خالد الطيالسي ؛ لأ نّه مهمل في كتب الرجال ، وضعّفه المحقّق في المعتبر . رجال النجاشي : 340 / 910 ؛ رجال الطوسي : 343 / 26 و : 438 / 11 و : 441 / 54 ؛ الفهرست ، الطوسي : 228 / 648 ؛ المعتبر 1 : 230 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 164 / 471 ؛ وسائل الشيعة 2 : 327 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 28 ، الحديث 1 .

بدينار ، وإن جامعت أمتك وهي حائض فعليك أن تتصدّق بثلاثة أمداد من

الطعام . وإن جامعت امرأتك في أوّل الحيض تصدّقت بدينار ، وإن كان في وسطه فنصف دينار ، وإن كان في آخره فربع دينار»(1) .

وفي «المقنع» : وروي : «إن جامعها في أوّل الحيض فعليه أن يتصدّق بدينار . . .»(2) إلى آخر التفصيل .

وعن محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الرجل أتى المرأة وهي حائض ، قال : «يجب عليه في استقبال الحيض دينار ، وفي وسطه(3) نصف دينار»(4) .

وهذه الروايات تدلّ على ما هو المشهور بين القدماء .

نعم ، ربّما يحتمل في رواية داود بن فرقد كونها بصدد بيان مقدار الكفّارة بعد فرض ثبوتها ، فلا تدلّ على الوجوب . لكنّه ضعيف ؛ لعدم مسبوقيتها بالسؤال ، بل الظاهر منها أنّ البيان ابتدائي ، وهو ظاهر في الوجوب ، خصوصاً قوله في ذيلها : «فليتصدّق على مسكين» ممّا هو ظاهر في الوجوب بلا إشكال ، ويرفع الاحتمال المتقدّم على ضعفه ؛ ضرورة أنّ وجوب البدل دليل على وجوب المبدل منه .

ص: 238


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 236 .
2- المقنع : 51 .
3- في المصدر : «في استدباره» بدل «في وسطه» والمتن مطابق لبعض الكتب الفقهية ، راجع جواهر الكلام 3 : 231 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 150 .
4- الكافي 7 : 243 / 20 ؛ وسائل الشيعة 28 : 377 ، كتاب الحدود ، أبواب بقيّة الحدود ، الباب 13 ، الحديث 1 .
الروايات المنافية للطائفة السابقة وبيان إعراض الأصحاب عنها

نعم ، بإزاء هذه الروايات روايات اُخر إمّا دالّة على وجوب الكفّارة ، لكن لا يمكن جمعها معها ، أو معارضة معها في وجوبها :

فمن الاُولى : رواية محمّد بن مسلم التي لا يبعد أن تكون صحيحة(1) ، قال : سألته عمّن أتى امرأته وهي طامث ، قال : «يتصدّق بدينار ويستغفر اللّه»(2) .

وموثّقة أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «من أتى حائضاً فعليه نصف دينار ، يتصدّق به»(3) .

وفي موثّقة الحلبي التصدّق «على مسكين بقدر شبعه»(4) .

ص: 239


1- رواها الشيخ الطوسي ، عن الشيخ - وهو المفيد - عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبداللّه ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسن بن علي الوشّاء ، عن عبداللّه بن سنان ، عن حفص ، عن محمّد بن مسلم . وحفص مشترك بين حفص الأعور المجهول وحفص بن البختري الثقة ، ولكن لا يبعد أن يكون المراد بحفص في هذا السند بقرينة الراوي والمرويّ عنه هو حفص بن البختري ، وعلى هذا تكون الرواية صحيحة . رجال النجاشي : 134 / 344 ؛ رجال الطوسي : 196 / 329 ؛ تنقيح المقال 1 : 352 / السطر 3 و7 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 163 / 467 ؛ وسائل الشيعة 2 : 327 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 28 ، الحديث 3 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 163 / 468 ؛ وسائل الشيعة 2 : 327 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 28 ، الحديث 4 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 163 / 469 ؛ وسائل الشيعة 2 : 328 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 28 ، الحديث 5 .

وفي مرسلة علي بن إبراهيم التصدّق بدينار في أوّل الحيض ، وبنصف دينار في آخره(1) .

ومن الثانية : صحيحة عيص بن القاسم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل

واقع امرأته وهي طامث ، قال : «لا يلتمس فعل ذلك وقد نهى اللّه أن يقربها» .

قلت : فإن فعل أعليه كفّارة ؟ قال : «لا أعلم فيه شيئاً»(2) .

وفي موثّقة زرارة ، عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن الحائض يأتيها زوجها ، قال : «ليس عليه شيء ، يستغفر اللّه ، ولا يعود»(3) .

وفي رواية أبي بصير قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن وقوع الرجل على امرأته وهي طامث خطأً ، قال : «ليس عليه شيء ، وقد عصى ربّه»(4) بناءً على كون المراد من «الخطأ» هو العصيان .

وهذه الروايات - كما ترى - لا يمكن الجمع بينها ؛ لا بين الروايات الدالّة

على مقدار الكفّارة ؛ ضرورة أنّ حمل الدينار بقول مطلق في رواية محمّد بن مسلم ونصف دينار كذلك في رواية أبي بصير والتصدّق على مسكين كذلك في

ص: 240


1- تفسير القمّي 1 : 73 ؛ وسائل الشيعة 2 : 328 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 28 ، الحديث 6 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 164 / 472 ؛ وسائل الشيعة 2 : 329 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 29 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 165 / 474 ؛ وسائل الشيعة 2 : 329 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 29 ، الحديث 2 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 165 / 473 ؛ وسائل الشيعة 2 : 329 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب29 ، الحديث 3 .

رواية الحلبي على التفصيل في رواية داود ، ليس جمعاً عقلائياً مقبولاً ، ولهذا

قد يقال : إنّ هذه الاختلافات في نفس تلك الروايات ، شاهدة على أنّ الحكم ليس بإلزامي ، بل حكم استحبابي ولو مع الغضّ عن الروايات المعارضة لها .

ولا بين الطائفة الأخيرة مع الروايات الدالّة على لزوم الكفّارة ؛ ضرورة معارضة قوله : «لا أعلم فيه شيئاً» في جواب قوله : أعليه كفّارة ؟ مع قوله : «عليه أن يتصدّق» وقوله : «يجب عليه في استقبال الحيض دينار» .

ولو حاول أحدٌ الجمع بينهما بحمل «لا أعلم فيه شيئاً» على عدم العلم بثبوت شيء على نحو الوجوب وقوله : «عليه» كذا ، أو «يجب عليه» على ثبوته استحباباً ، لما بقي مورد للتعارض بين الأخبار . مع أنّ ميزان الجمع وعدم التعارض هو نظر العرف ، ولا إشكال في معارضة هذه الأخبار بنظر العرف ؛ إذ ليس بينها جمع مقبول عقلائي .

ولو لا الجهات الخارجية لكان المتعيّن إعمال باب التعارض والعلاج ، لكنّ الظاهر عدم وصول النوبة إلى ذلك ؛ ضرورة أنّ إعراضَ قدماء أصحابنا عن مثل صحيحة عيص وموثّقة زرارة ممّا هي معتبرة الإسناد صريحة الدلالة ، والعملَ بمثل رواية داود بن فرقد ممّا هي مرسلة ضعيفة(1) غير صريحة في المفاد ، يوجب الوثوق بثبوت الحكم يداً بيد وجيلاً من جيل إلى عصر المعصوم علیه السلام

خصوصاً بالنظر إلى أنّ العامل بها أو بمضمونها والمدّعي للإجماع(2) أو الأظهرية

ص: 241


1- تقدّم وجه ضعفها في الصفحة 237 ، الهامش 3 .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 236 .

في المذهب(1) ، من تكون طريقته العمل بالقطعيات(2) .

وإن شئت قلت : إنّ الدليل على العمل بخبر الواحد ليس إلاّ طريقة العقلاء ، وما ورد من الشارع في هذا الباب ليس إلاّ الإنفاذ لما عليه العقلاء ، ولا تأسيس ولا تعبّد للشارع في العمل به ، وليس بناء العقلاء على العمل بمثل تلك الروايات ، التي خرجت عن تحت نظر كبراء الأصحاب وفقهاء المذاهب مع تمامية السند والدلالة ، ولم يعملوا بها مع كونها موافقة للأصل والقاعدة ، وإنّما عملوا على رواية مرسلة ضعيفة .

والإنصاف : أنّ الإعراض والجبر لو كان لهما محلّ ، فهذا هو محلّهما .

وأضعف شيء في المقام هو حمل الروايات الأخيرة على نفي الوجوب والأوّلة على الاستحباب ، مع أنّ التعارض وعدم الجمع العقلائي بينهما كالنار على المنار ، فلا بدّ لهم من طرح تلك الروايات المعمول بها ، والعمل بما هي معرض عنها بين الأصحاب ، وإلاّ فلا مجال للجمع .

ولكن مع ذلك إنّ المسألة مشكلة ، فلا بدّ من أخذ طريق الاحتياط فيها .

تكرّر الكفّارة بتكرّر الوط ء في وقت واحد

ثمّ إنّه لا إشكال في تكرّر الكفّارة مع تكرّر الوط ء منه في أوّل الحيض ووسطه وآخره ؛ بمعنى كون التكرار مع اختلاف الزمان .

ص: 242


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 236 .
2- الذريعة إلى اُصول الشريعة 2 : 528 - 531 ؛ غنية النزوع 2 : 356 ؛ السرائر 1 : 50 .

وأمّا إذا تكرّر في وقت واحد كالثلث الأوّل ، فهل تتكرّر مطلقاً ، أو لا كذلك ، أو يفصّل بين ما إذا تخلّل التكفير فتتكرّر ، وما لم يتخلّل فلا ؟ وجوه .

مقتضى مقام الثبوت والتصوّر

1 - بيان حال السبب للكفّارة

وقبل النظر في مقام الإثبات ، لا بأس بذكر ما يتصوّر ثبوتاً ولوازمه :

فنقول : يمكن أن يكون السبب للكفّارة صِرف وجود الوط ء ، ومعناه : هو أخذ الطبيعة بقيود لا تنطبق إلاّ على أوّل الوجود ، ولازم ذلك عدم تكرّر السبب بتكرّر أفراد الطبيعة ؛ لأنّ تكرّرها لا يوجب تكرّره ، فوجود الثاني وجود للطبيعة وفرد لها ، لا لما اُخذ سبباً ؛ لعدم انطباق السبب إلاّ على أوّل الوجودات ، ومع عدم تكرّر السبب لا وجه لتكرّر الكفّارة .

ويمكن أن يكون السبب أفراد الطبيعة ؛ سواء كانت الأفراد هي الأفراد الذاتية بنفسها ، أو مع الخصوصيات الفردية المقارنة أو المتّحدة معها خارجاً . والفرق بينهما : أنّ المأخوذ سبباً في الأوّل هو نفس ما ينطبق عليه العنوان ذاتاً ، وتكون الخصوصيات اللاحقة للأفراد في الخارج ، غيرَ دخيلة في موضوع الحكم .

مثلاً إذا قال : «أكرم كلّ عالم» فتارة : يكون الموضوع للحكم بوجوب الإكرام ، هو ما ينطبق عليه عنوان «العالم» بالذات ، وهو الفرد بما أ نّه عالم ، فتكون حيثية العدالة والرومية والزنجية وأمثالها ، خارجةً عن الموضوع ، فيكون تمام الموضوع هو العالم بما أ نّه عالم .

وتارة : يكون الموضوع هو الهوية الخارجية مع جميع خصوصياتها

ص: 243

ومتّحداتها ، فيكون الفرد بجميع خصوصياته موضوعاً للحكم ، وحيثية العالم جزءَ موضوعٍ له .

ولازم أخذ الموضوع أفرادَ الطبيعة بكلتا الصورتين ، هو استقلال كلّ فرد بالسببية ؛ وجد قبله مصداق آخر أو لا ، لكن تكرّر المسبّب يحتاج إلى جهات اُخر ، كإمكان تكرّره ، وعدم التداخل في الامتثال ، وغير ذلك ممّا تأتي الإشارة إليه .

ويمكن أن يكون السبب هو نفس الطبيعة بلا نظر إلى أفرادها ، ولا أخذها مع قيد لا تنطبق معه إلاّ على أوّل الوجودات ، فهل لازم ذلك تكرّر السبب بتكرّر وجود الطبيعة أو لا ؟

قولان مبنيّان على أنّ الطبيعة في الخارج متكثّرة ، أو واحدة ، وإنّما التكثّر لأفرادها لا لنفسها ، فعلى الأوّل يتكرّر السبب بتكرّر المصاديق ، دون الثاني .

والتحقيق هو الأوّل :

أمّا عقلاً : فواضح لدى أهله .

وأمّا عرفاً : فلأنّ العرف أيضاً يرى أنّ كلّ فرد من أفراد الإنسان إنسان ، وكذا سائر الطبائع ، ويرى تكرّر الإنسان وسائر الطبائع بتكرّر الأفراد ، فزيد عند العرف إنسان ، وعمرو إنسان آخر ، وبكر كذلك .

فإذا كان الموضوع لحكم - كالحلّية - طبيعة البيع ، فكلّ فرد وجد في الخارج يحكم العرف بحلّيته ؛ لكونه بيعاً . وليس معنى )أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ((1) : أحلّ اللّه أفراد البيع؛ لما حقّق في محلّه من أنّ الطبائع لا يمكن أن تكون مرآة لخصوصيات

ص: 244


1- البقرة (2) : 275 .

الأفراد(1) ، بل المتفاهم العرفي من قوله : )أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ( هو كون البيع بنفسه موضوعاً ، فإذا وجد في الخارج مصداق وجد به طبيعة البيع التي هي الموضوع ، وبمصداق آخر أيضاً توجد الطبيعة ، فتصير محكومة بالحلّية . . . وهكذا .

فإذا كانت طبيعة المجامعة موضوعة لحكم التكفير وسبباً له ، فكلّ مجامعة في الخارج عين الطبيعة ، وتتكرّر الطبيعة بتكرّره ، فيقال : «وُجدت مجامعات كثيرة» .

والشيخ الأعظم قد أصاب الحقّ في أوّل كلامه(2) وحقٌّ له أن يصيب ، لكنّه رجع في آخر كلامه(3) إلى غير ما هو التحقيق ، وتبعه المحقّق صاحب «المصباح» في ذلك :

فقال : «إنّ تعليق الجزاء على طبيعة الشرط ، لا يقتضي إلاّ سببية ماهية الشرط - من حيث هي بلحاظ تحقّقها في الخارج مطلقاً - في الجزاء من دون أن يكون لأفرادها من حيث خصوصياتها الشخصية ، مدخلية في الحكم ، ومن المعلوم أنّ الطبيعة من حيث هي لا تقبل التكرار ، وإنّما المتكرّر أفرادها التي لا مدخلية لخصوصياتها في ثبوت الجزاء ، فيكون تحقّق الطبيعة في ضمن الفرد الثاني من الأفراد المتعاقبة ، بمنزلة تحقّقها في ضمن الفرد الأوّل بعد حصول المسمّى ، فكما أ نّه لا أثر لتحقّق الطبيعة في ضمن الفرد الأوّل بعد حصول المسمّى عند استدامته إلى الزمان الثاني ، كذا لا أثر لتحقّقها في ضمن الفرد الثاني

ص: 245


1- مناهج الوصول 2 : 201 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 391 .
3- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 393 .

بعد كونه مسبوقاً بتحقّقها في ضمن الفرد الأوّل . . .» ، إلى أن قال : «والإنصاف : أنّ هذا الكلام قويّ جدّاً»(1) .

أقول : بل الإنصاف أنّ هذا الكلام بمكان م-ن الضعف ، ولا يساعد عليه العقل ولا العرف ؛ فإنّ تكرّر الطبائع بتكرّر الأفراد من المرتكزات العرفية التي تساعد عليها العقول ؛ ألا ترى أنّ علامة التثنية والجمع الداخلة على الطبائع ، إنّما هي لتكثير مدخولها ، وليس في نظر العرف العامّ وأهل اللغات في مثلها مسامحة وتجوّز ! وليس ذلك إلاّ لما ارتكز في أذهانهم من قبول الطبائع الكثرة .

وما قرع الأسماع : «من أنّ الماهية من حيث هي ليست إلاّ هي»(2) أمر غير مربوط بالمقام ، وليس المراد منه أ نّها لا تقبل الكثرة ، كما أشار إليه في صدر كلامه بقوله : «إنّ الطبيعة من حيث هي لا تقبل التكرار» ولهذا قال بعض أئمّة الفنّ : «إنّ الماهية لمّا لم تكن كثيرة ولا واحدة ، كثيرة وواحدة»(3) ، وما أفاد وفصّل هذا المحقّق الهمداني هو ما ذهب إليه الرجل الهمداني الذي صادف الشيخ أبا علي بمدينة همدان(4) ، ونحن لسنا بصدد إثبات المطلوب بالوجوه العقلية البعيدة عن هذا المضمار ، لكنّ المدّعى أنّ العرف أيضاً مساعد على ما عليه العقل في هذا المقام .

ص: 246


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 160 - 163 .
2- الشفاء ، الإلهيات : 195 ؛ الحكمة المتعالية 2 : 3 ؛ شرح المنظومة ، قسم الحكمة 2 : 333 .
3- الشفاء ، الإلهيات : 197 - 198 .
4- رسائل ابن سينا : 466 ؛ الحكمة المتعالية 1 : 273 - 274 .

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ في إثبات استقلال كلّ مصداق للطبيعة بالسببية ، لا نحتاج إلى إثبات جعل السببية للأفراد ، بل جعل السببية لنفس الطبيعة بلا قيد يثبت المطلوب ، فما في تقريرات بعض أعاظم فنّ الاُصول من إتعاب النفس لإرجاع القضايا الشرطية إلى القضايا الحقيقية ، وإثبات أنّ كلّ فرد سبب مستقلّ(1) ، غير محتاج إليه . مع أنّ أصل الدعوى غير تامّ ، كما حقّق في محلّه(2) . هذا كلّه حال السبب .

2 - بيان حال المسبّب

وأمّا المسبّب في المقام فتارة : يكون حكماً تكليفياً ، مثل قوله : «يجب عليه في استقبال الحيض دينار» أو قوله : «يتصدّق بدينار» أو «عليه أن يتصدّق» ممّا هو بمنزلة إيجاب التصدّق .

واُخرى : يكون حكماً وضعياً ، كقوله في رواية أبي بصير : «من أتى حائضاً فعليه نصف دينار ، ويتصدّق به»(3) .

فإن كان الجزاء على النحو الثاني - ممّا هو ظاهر في الوضع ، ويستفاد منه العهدة والضمان لنفس الدينار - يقع التعارض بين إطلاق الجزاء وإطلاق الشرط ، ولازم إطلاق الشرط هو سببية الطبيعة مطلقاً للضمان ، ولازم إطلاق الجزاء هو كون الجزاء نفس الطبيعة ، وليس الضمان لنفس طبيعة الدينار متكثِّراً ، إلاّ بعلّة توجب العهدة للطبيعة بوجود آخر ، فلا بدّ من تقييد «الدينار» ب- «دينار آخر»

ص: 247


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 494 .
2- أنوار الهداية 2: 134 - 135 .
3- تقدّمت في الصفحة 239 .

وإلاّ فالدينار لا يمكن أن يقع في العهدة مرّتين إلاّ بتبع وجود آخر ، وهو ينافي الإطلاق . وما ذكرنا هاهنا لا ينافي ما تقدّم منّا آنفاً من كون الطبيعة قابلة للتكرار ، تأمّل ، تعرف .

وأمّا إذا كان الجزاء من قبيل الحكم التكليفي - أي إيجاب التصدّق - فلأحد أن يقول : أن لا معارضة بين الجزاء والشرط ؛ لأنّ كلّ فرد من الطبيعة علّة لإيجاب نفس الدينار ، وتصير النتيجة التأكيد في الحكم . ولا يكون التأكيد خلاف الظاهر ؛ لأنّ الهيئة تستعمل في باب التأكيد في معناها المستعمل فيه أوّلاً ؛ أي معناها الحقيقي ، وهو البعث الصادر عن الإرادة الأكيدة ، وليس معنى التأكيد استعمال الهيئة في هذا المعنى الاسمي ، بل هو أمر انتزاعي من استعمال الهيئة مرّة ثانية فيما استعملت أوّلاً فيه متعلّقةً بما تعلّقت به في الأوّل .

فلا يكون خلاف ظاهر إلاّ لما قيل : «من أنّ التأسيس أولى من التأكيد» وهذا على فرض كونه ظهوراً سياقياً ، لا يقاوم ظهور الإطلاق .

هذا ، لكنّ الإنصاف : أنّ العرف - بمساعدة الاُمور المرتكزة في ذهنه - إذا رأى دلالة الصدر على سببية الطبيعة لجميع مصاديقها ، لا ينقدح في ذهنه أنّ في تكرّر المسبّب خلاف ظاهر ؛ من غير فرق بين كون المسبّب أمراً وضعياً أو تكليفياً ، ولا يحمل الأمر على التأكيد ، ويكون الصدر عند العرف قرينة على الذيل . ولعلّ سرّه : هو الارتكاز الذي حصل في ذهنه من العلل الطبيعية ، كما احتملناه في الاُصول وحقّقنا المسألة بجميع شؤونها فيه(1) .

هذا حال مقام الثبوت .

ص: 248


1- مناهج الوصول 2 : 178 - 184 .
مقتضى مقام الإثبات والدلالة

وأمّا حال الدلالة ومقام الإثبات ، فالظاهر أنّ مستند المشهور في أصل الحكم هو رواية داود بن فرقد(1) كما تمسّك بها شيخ الطائفة(2) . ولا يبعد أن تكون مرسلة «المقنع»(3) أيضاً إشارة إليها وإن كان يحتمل كونها مرسلة اُخرى مستقلّة .

وكيف كان : فالظاهر المتفاهم عرفاً منها أنّ الإتيان في حال الطمث ، موضوع لحكم الكفّارة ، وتكون الرواية من هذه الجهة في مقام البيان . ولا يضرّ عدم ذكر اسم «كان» بالمقصود بعد القطع بأنّ اسمه «الجماع» أو «الإتيان» أو نحو ذلك .

كما أنّ لمرسلة «المقنع» إطلاقاً في مقام البيان ، ومفاده أنّ المجامعة تمام الموضوع لوجوب الكفّارة ، كإطلاق معاقد الإجماعات .

فدعوى صاحب «الجواهر» : «أ نّها في مقام الإهمال»(4) في غير محلّها . مع أ نّه على فرض الإهمال لا وجه للفرق بين تخلّل الكفّارة وعدمه ، وتشبّثه بوجود المقتضي وعدم المانع ممّا لا مجال له ؛ لعدم ثبوت المقتضي بعد فرض إهمال الأدلّة وكون مفادها أنّ الوط ء في الجملة سبب .

والإنصاف : أ نّه لا إهمال في الروايات .

نعم ، لو قيل بعدم ثبوت كون مستند المشهور هو رواية داود أو مرسلة

ص: 249


1- تقدّمت في الصفحة 237 .
2- الخلاف 1 : 226 .
3- تقدّمت في الصفحة 238 .
4- جواهر الكلام 3 : 236 .

«المقنع» والقدر المتيقّن من الإجماع هو ثبوت السببية في الجملة ، لكان للقول بعدم التكرّر مطلقاً - حتّى مع التخلّل - مجال . لكنّ الاحتمال ضعيف ؛ لحصول الوثوق بكون مستندهم هو رواية داود ، أو هي مع مرسلة «المقنع» و«فقه الرضا»(1) ، خصوصاً بعد تمسّك الشيخ بها .

هل يتعدّى الحكم إلى الأجنبيّة المشتبهة أو المزنيّ بها ؟

ومع إطلاقها لا يبعد إلحاق الزنا والشبهة في وجوب الكفّارة . ودعوى الانصراف(2) في غير محلّها بعد تعليق الحكم على الطمث . ولا ينافي أن يكون للوقاع في حال الطمث كفّارة ، وللزنا حدّ من غير كفّارة ، ومع اجتماع العنوانين في محلّ يرتّب الحكمان عليه ، فلا تكون الكفّارة للزنا حتّى يقال : إنّ الزنا أعظم

من ذلك . كما أنّ دعوى الأولوية(3) في غير محلّها .

والإنصاف : أنّ الوسوسة في الإطلاق أو تخيّل الانصراف ، غير وجيهين .

المراد ب- «الدينار» في المقام

ثمّ إنّ «الدينار» هو الشرعي المسكوك المتداول في عصر صدور الروايات ، لكن لمّا كان الرائج في تلك الأعصار هو الدرهم والدينار ، وكانا ثمنين متداولين

ص: 250


1- تقدّمتا في الصفحة 237 - 238 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 396 - 397 .
3- جامع المقاصد 1 : 321 - 322 ؛ روض الجنان 1 : 214 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 396 .

بين الناس ، لا يفهم من الأدلّة خصوصية لعين الدينار ، فيجوز قيمته بالأثمان

لا بالعروض ، وكذا في كلّ مورد حكم بالدينار .

نعم ، لو كان عصر الصدور كعصرنا في كونِ الدينار - أي الذهب المسكوك - غير رائج في المعاملات ، وكونِ حكمه حكم العروض ، لكان لاحتمال الخصوصية وجه ، لكن من المعلوم خلافه ، فلا ينبغي الإشكال في كفاية الثمن الرائج .

كما لا ينبغي الإشكال في اعتبار القيمة يوم الأداء ؛ لأنّ التكليف متعلّق بالتصدّق بدينار ، فيجب التصدّق بدينار وقت الأداء .

تحديد أوّل الحيض ووسطه وآخره

ثمّ إنّه لا إشكال في أنّ لكلّ حيض أوّلاً ووسطاً وآخراً ، ولو لا تسلّم الحكم بين الأصحاب(1) وادّعاء السيّد في «الغنية» الإجماع على أنّ في الثلث الأوّل ديناراً وفي الثلث الوسط نصفاً وفي الثلث الآخر ربعاً (2) ، لكان للإشكال في تعيينها مجال ؛ فإنّ أوّل الحيض ووسطه وآخره كأوّل الشهر ووسطه وآخره ، فكما أنّ المتفاهم من الثاني اليوم الأوّل والوسط والآخر ، فكذا في الأوّل .

ولو قيل : إنّ الحيض أمر ممتدّ إلى ستّة أيّام مثلاً ، لكان الأوّل منه والوسط والآخر ، غيرَ الثلث الأوّل والوسط والآخر عرفاً ، خصوصاً على نسخة

ص: 251


1- المقنعة : 55 - 56 ؛ النهاية : 26 ؛ المعتبر 1 : 231 - 232 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 267 .
2- غنية النزوع 1 : 39 .

«الوسائل» حيث نقل فيها مرسلة «المقنع» مكان «الوسط» «النصف»(1) ، ولكنّ الظاهر خطأ النسخة ؛ لأنّ ما في «المقنع» هو «الوسط»(2) كما في سائر الروايات(3) .

لكن بعد تسلّم كون ما بين اليوم الأوّل والوسط - وكذا ما بين الوسط والآخر - غيرَ خالٍ عن الكفّارة ، لا يبعد دعوى فهم العرف التثليث .

وأمّا احتمال كون الوسط بين اليوم الأوّل والآخر أيَّ مقدار كان ، فضعيف ؛ لأنّ «الوسط» نسب إلى «الحيض» لا إلى «الأوّل» و«الآخر» .

نعم ، لو كان اللفظ «الأوّل والآخر وما بينهما» لكان ظاهراً في ذلك ، لكن «أوّل الحيض» و«وسطه» و«آخره» ظاهر في الاحتمال الأوّل ، وبعد ثبوت الكفّارة في جميع أيّامه لا محيص من التثليث .

عدم إلحاق وط ء النفساء بالحائض في ثبوت الكفّارة

ثمّ إنّ إلحاق النفاس بالحيض في ذلك ممّا لا دليل عليه ، ودعوى الإجماع المتكرّرة على أنّ النفاس في جميع الأحكام كالحيض(4) - بعد استثناء موارد كثيرة واختلافهما في الأحكام العديدة(5) - لا يمكن الاتّكال عليها . مع إمكان أن يكون الاشتراك المدّعى في التكليفيات .

ص: 252


1- وسائل الشيعة 2 : 328 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 28 ، الحديث 7 .
2- المقنع : 51 .
3- تقدّم بعض الروايات في الصفحة 237 - 238 .
4- غنية النزوع 1 : 40 ؛ السرائر 1 : 154 ؛ منتهى المطلب 2 : 449 .
5- راجع ما يأتي في الصفحة 544 و548 - 552 .
الأمر الرابع في جواز وط ء الزوجة قبلاً بعد نقائها وقبل الغسل
اشارة

إذا طهرت الحائض جاز لزوجها وطؤها قبلاً قبل الغسل ، ولا يجب عليها الغسل للوط ء ، كما هو المشهور نقلاً عن «التذكرة» و«المختلف» و«المنتهى» و«جامع المقاصد»(1) .

وعن «الخلاف» و«الانتصار» و«الغنية» وظاهر «التبيان» و«المجمع» و«السرائر» و«الروض» و«أحكام الراوندي» دعوى الإجماع عليه(2) .

وعن الصدوق عدم الجواز قبل اغتسالها ، لكنّه قال في آخر كلامه :

«إنّه إن كان زوجها شَبِقاً أو مستعجلاً ، وأراد وطأها قبل الغسل ، أمرها أن تغسل فرجها ، ثمّ يجامعها»(3) .

وهذا كما ترى ، خصوصاً بملاحظة عطف «الاستعجال» على «الشبق» يدلّ على أنّ مراده الكراهة الشديدة ، لا الحرمة .

ص: 253


1- تذكرة الفقهاء 1 : 265 ؛ مختلف الشيعة 1 : 189 ؛ منتهى المطلب 2 : 394 ؛ جامع المقاصد 1 : 333 .
2- الخلاف 1 : 228 - 229 ؛ الانتصار : 128 ؛ غنية النزوع 1 : 39 ؛ التبيان في تفسير القرآن 2 : 221 ؛ مجمع البيان 2 : 563 ؛ السائر 1 : 151 ؛ روض الجنان 1 : 219 - 220 ؛ فقه القرآن 1 : 55 .
3- الفقيه 1 : 53 / 199 ؛ الهداية ، الصدوق : 264 .
دلالة آية المحيض على الجواز

وكيف كان : فيدلّ على المشهور الآية الشريفة ، وهي قوله عزّ وعلا : )يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِى ا لمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فأتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّه ُ إِنَّ اللّه َ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ((1) سواء في ذلك قراءة التخفيف والتضعيف :

تقريب دلالة الآية بناءً على قراءة التخفيف

أمّا الاُولى فظاهر ؛ ضرورة أنّ صدر الآية يدلّ على أنّ وجوب الاعتزال ، متفرّع على الأذى ، وأنّ المحيض بما أ نّه أذىً صار سبباً لإيجابه .

وقوله : )وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ( ظاهر في كونه بياناً لقوله : )فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ(

لا لأمر آخر غير مربوط بالحيض والأذى ، فكأ نّه قال : «إنّ المحيض لمّا كان أذىً فاعتزلوهنّ ولا تقربوهنّ حتّى يرتفع الأذى ويطهرن من الطمث» .

وقوله : )فَإِذا تَطَهَّرْنَ( تفريع على ذلك ، وليس مطلباً مستأنفاً مستقلاًّ ؛ بشهادة فاء التفريع والفهم العرفي ، فيكون معناه «إذا صرن طاهرات» على أحد معاني باب «التفعّل» . والحمل على الاغتسال أو الوضوء أو غسل الفرج يدفعه السياق والتفريع ، وينافي صدر الآية الذي هو ظاهر في علّية نفس المحيض - الذي هو أذىً - في وجوب الاعتزال وحرمة القرب .

ص: 254


1- البقرة (2) : 222 .

وما قيل(1) : «من أنّ التطهّر فعل اختياري ، ويشهد به ذيل الآية ؛ لأنّ تعلّق الحبّ إنّما هو بفعل اختياري» في غير محلّه إن اُريد ظهوره في ذلك ؛ ضرورة أنّ لصيغة «التفعّل» معاني وموارد للاستعمال : بعضها مشهور ، وبعضها غير مشهور ، كالمجيء للصيرورة ، نحو «تأيّمت المرأة» أي صارت أيّماً ، أو للانتساب ، نحو «تبدّى» أي انتسب إلى البادية . والظاهر في المقام - بمناسبة التفريع على ما سبق ، وبما أنّ الظاهر من الآية أنّ المحيض هو تمام الموضوع للحكم بالاعتزال وعدم القرب - هو كونه بمعنى الصيرورة .

ودعوى عدم تعلّق الحبّ إلاّ بالفعل الاختياري غير وجيهة ، كما ورد : «إنّ اللّه جميل يحبّ الجمال»(2) ، ولا إشكال في تعلّق الحبّ باُمور غير اختيارية إلى ما شاء اللّه .

وأغرب من ذلك دعوى كون «الطهر» حقيقة شرعية في الطهارات الثلاث(3) ! ! ضرورة أنّ استعمال «الطهر» في المقابل للطمث شائع لغة(4) وعرفاً وفي الأخبار المتظافرة(5) ، فاختصاصه بها - على فرض تسليم الحقيقة الشرعية - ممنوع . كما أنّ حصول الحقيقة الشرعية عند نزول الآية ممنوع . وتقدّم الحقيقة الشرعية على

ص: 255


1- روض الجنان 1 : 218 .
2- تفسير العيّاشي 2 : 14 / 29 ؛ وسائل الشيعة 4 : 455 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 54 ، الحديث 6 .
3- روض الجنان 1 : 217 - 218 .
4- مفردات ألفاظ القرآن : 525 ؛ القاموس المحيط 2 : 82 ؛ مجمع البحرين 3 : 379 .
5- راجع وسائل الشيعة 2 : 285 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 .

العرفية واللغوية(1) ، لا يخلو من منع .

وبالجملة : من تأمّل الآية الكريمة وخصوصياتها صدراً وذيلاً ، لا يشكّ في أنّ المراد من «الطهر» و«التطهّر» هو زوال الأذى الذي هو المحيض .

تقريب دلالة الآية بناءً على قراءة التضعيف

وممّا ذكرنا يظهر تقريب الدلالة على قراءة التضعيف ؛ فإنّ صدر الآية - كما عرفت - ظاهر في أنّ المحيض الذي هو أذىً موجب لوجوب الاعتزال ، ومعه تكون الغاية لرفعه هو ارتفاع الأذى ، فيصير ذلك قرينة على تعيين أحد المعاني لباب «التفعّل» وهو الصيرورة ، وليس في هذا ارتكاب خلاف ظاهر بوجه .

ولا يمكن العكس بحمل «التطهّر» على الاغتسال ، ورفع اليد عن ظهور الصدر ؛ لأنّ حمله عليه بلا قرينة - بل مع القرينة على ضدّه - غير جائز ، ويلزم منه حمل صدر الآية على خلاف ظاهره ؛ ضرورة أ نّه مع كون غاية الحرمة هي الاغتسال ، لا يكون المحيض الذي هو أذىً سبباً لوجوب الاعتزال ، بل لا بدّ وأن يكون حدث الحيض - ممّا هو باقٍ بعد رفعه - سبباً له . مع أ نّه خلافُ ظاهرٍ بارد بلا قرينة وشاهد .

وبالجملة : دار الأمر بين حفظ ظهور الصدر وقرينيته لتعيين أحد المعاني للفظ المشترك ، وبين حملِ اللفظ المشترك على بعض معانيه بلا قرينة ، ورفعِ اليد عن ظاهر آخر بلا وجه .

ص: 256


1- روض الجنان 1 : 217 - 218 .

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ ما عليه أصحابنا هو الظاهر من الآية الشريفة ؛ بعد ملاحظة الصدر والذيل وقرينية بعض الكلام المبارك على بعض ، وعليه فلا مجال للدعاوي التي في الباب ، خصوصاً ما فصّل شيخنا الشهيد في «الروض» من الوجوه الكثيرة ، وتبعه في بعضها الشيخ الأعظم(1) مع إضافات غير وجيهة .

ترجيح قراءة التخفيف وإبطال القراءات السبع أو العشر

هذا مع أنّ ترجيح قراءة التخفيف على التضعيف ، كالنار على المنار عند اُولي الأبصار ؛ ضرورة أنّ ما هو الآن بين أيدينا من الكتاب العزيز ، متواتر فوق حدّ التواتر بالاُلوف والآلاف ؛ فإنّ كلّ طبقة من المسلمين وغيرهم ممّن يبلغ الملايين ، أخذوا هذا القرآن بهذه المادّة والهيئة عن طبقة سابقة مثلهم في العدد . . . وهكذا إلى صدر الإسلام ، وقلّما يكون شيء في العالم كذلك .

وهذه القراءات السبع أو العشر لم تمسّ كرامة القرآن رأساً ، ولم يعتنِ المسلمون بها وبقرّائها ، فسورة الحمد هذه ممّا يقرأها الملايين من المسلمين في الصلوات آناء الليل وأطراف النهار ، وقرأها كلّ جيل على جيل ، وأخذ كلّ طائفة قراءةً وسماعاً من طائفة قبلها إلى زمان الوحي ، ترى أنّ القرّاء تلاعبوا بها

بما شاؤوا ، ومع ذلك بقيت على سيطرتها ، ولم يمسّ كرامتها هذا التلاعب الفضيح وهذا الدسّ القبيح ؟ ! وهو أدلّ دليل على عدم الأساس لتواتر القراءات(2)

ص: 257


1- روض الجنان 1 : 216 - 219 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 400 .
2- اُنظر جواهر الكلام 9 : 291 .

إن كان المراد تواترها عن النبي الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم مؤيّداً بحديث وضعه بعض أهل الضلال والجهل(1) ، وقد كذّبه أولياء العصمة وأهل بيت الوحي بقولهم : «إنّ القرآن واحد من عند واحد»(2) .

هذا مع أنّ كلاًّ من القرّاء - على ما حكي عنهم - استبدّ برأيه بترجيحات

أدبية(3) ، و)كُلَّمَا دَخَلَتْ اُمَّةٌ لَعَنَتْ اُخْتَها((4) وظنّي أنّ سوق القراءة لمّا كان رائجاً في تلك الأعصار فتح كلٌّ دكّةً لترويج متاعه ، واللّه تعالى بريء من المشركين ورسولُه صلی الله علیه و آله وسلم .

نعم ، ما هو المتواتر هو القرآن الكريم الموجود بين أيدي المسلمين وغيرهم ، وأمّا غيره من القراءات والدعاوي فخرافات فوق خرافات )ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ((5) وهو تعالى نزّل الذكر وحفظه أيَّ حفظ ، فإنّك لو ترى القرآن في أقصى بلاد الكفر ، لرأيته كما تراه في مركز الإسلام وأيدي المسلمين ، وأيُّ حفظ أعظم من ذلك !

ص: 258


1- عن اُبي بن كعب قال : «لقي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم جبرئيل ، فقال : يا جبرئيل إنّي بعثت إلى اُمّة اُمّيين منهم العجوز والشيخ الكبير . . . إلى أن قال : يا محمّد إنّ القرآن اُنزل على سبعة أحرف» . سنن الترمذي 4 : 263 / 4013 .
2- الكافي 2 : 630 / 13 .
3- اُنظر جواهر الكلام 9 : 296 ؛ الصلاة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 6 : 356 وما بعدها .
4- الأعراف (7) : 38 .
5- النور (24) : 40 .
بيان وجه الجمع العقلائي بين قراءتي التخفيف والتضعيف

ثمّ إنّه لو فرضنا تواتر القراءات والإجماع على وجوب العمل بكلّ قراءة ، وقع التعارض ظاهراً بين القراءتين .

ولكنّ التأمّل فيما أسلفناه ، يقضي بالجمع العقلائي بينهما بحمل «التطهّر» على الطهر بعد الحيض ؛ فإنّ رفعَ اليد عن ظهور «التطهّر» في الفعل الاختياري - على فرض تسليمه - وحفظَ ظهور الصدر الدالّ على أنّ المحيض بما هو أذىً علّة أو موضوع لحرمة الوط ء ووجوب الاعتزال ، أهون من رفع اليد عن الظهور السياقي «للطهر» في كونه مقابل الحيض ، وعن الظهور القويّ للصدر المشعر بالعلّية أو الظاهر فيها ؛ فإنّ الغاية إذا كانت هي الاغتسال ، فلا بدّ أن تكون العلّةُ

أو الموضوعُ حدثَ الحيض ، لا الحيض الذي اُخذ في الآية موضوعاً .

بل لا بدّ وأن يحمل «الأذى» على التعبّدي ، لا العرفي المعلوم للعقلاء ، وكلّ

ذلك خلاف الظاهر ، وارتكابه بعيد ، وأمّا حمل «التطهّر» على صيرورتها طاهرة ، فغير بعيد بعد قضاء مناسبة الحكم والموضوع له ، فترجيح الشيخ الأعظم(1) كأ نّه وقع في غير محلّه .

دلالة عموم الكتاب والسنّة على جواز الوط ء قبل الغسل

ثمّ مع الغضّ عن دلالة الآية الشريفة ، فمقتضى عموم الكتاب والسنّة أو إطلاقهما هو جواز إتيان النساء في كلّ زمان ، خرج منه أيّام المحيض ، وبقي

ص: 259


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 401 .

الباقي تحت العموم أو الإطلاق . ولا مجال للتمسّك باستصحاب حكم المخصّص ، كما حقّق في محلّه(1) خصوصاً إذا قلنا : إنّ قوله تعالى : )فَأْتُوا

حَرْثَكُمْ أَ نَّى شِئْتُمْ((2) بمعنى : متى شئتم .

وأمّا الإشكال في أصل جريان الاستصحاب بدعوى : «أنّ الحرمة منوطة بأيّام الحيض أو بالحائض ، وقد ارتفع المناط على كلّ تقدير بعد الطهر من الحيض»(3) فغير وجيه :

أمّا أوّلاً : فلأنّ الموضوع لوجوب الاعتزال وحرمة القرب هو النساء بعلّية الحيض ، ومع الشكّ في كون العلّة واسطة في الثبوت أو العروض ، لا إشكال في جريان الاستصحاب . ودعوى دلالة الآية على قطع الحرمة عند رفع الحيض ، خروج عن محلّ البحث الذي هو التمسّك بالأصل عند فقدان الدليل الاجتهادي.

وأمّا ثانياً : فلأ نّه لو فرضنا أنّ الحكم تعلّق بعنوان «الحائض» لكن بعد انطباق العنوان على الخارج ، تكون المرأة الحائض موضوعاً له ، وبعد ارتفاع صفتها بقي موضوع الاستصحاب وإن لم يبقَ موضوع الدليل ، فمناقشة الشيخ الأعظم في الاستصحاب وتمسّكه بأصل الإباحة ، كأ نّها على خلاف مبناه في الاُصول(4) . هذا كلّه مع قطع النظر عن الأخبار .

ص: 260


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 214 - 224 .
2- البقرة (2) : 223 .
3- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 399 - 400 .
4- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26 : 295 - 302 ؛ اُنظر الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 245 - 247 .
دلالة الأخبار الخاصّة على جواز الوط ء قبل الغسل

وأمّا بالنظر إليها فالحكم أوضح ؛ لدلالة روايات ابن بكير وابن يقطين وابن المغيرة على الجواز صراحة :

ففي الاُولى : - التي لا يبعد كونها موثّقة(1) - عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء»(2) .

وفي الثانية : - التي سندها كذلك(3) - عن أبي الحسن علیه السلام قال : سألته عن الحائض ترى الطهر ، أيقع بها زوجها قبل أن تغتسل ؟ قال : «لا بأس ، وبعد الغسل أحبّ إليّ»(4) .

وفي الثالثة : - التي فيها إرسال - عن العبد الصالح في المرأة : «إذا طهرت من الحيض ولم تمسّ الماء ، فلا يقع عليها زوجها حتّى تغتسل ، وإن فعل

ص: 261


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن محمّد وأحمد ابني الحسن ، عن أبيهما ، عن عبداللّه بن بكير . ولا يخفى أنّ في طريق الشيخ إلى علي بن الحسن ، علي بن محمّد بن الزبير القرشي ، ولم يرد فيه توثيق ، ولكنّ الأرجح عند المصنّف قدس سره قبول رواياته . راجع ما تقدّم في الصفحة 72 و78 - 79 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 166 / 476 ؛ وسائل الشيعة 2 : 325 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 27 ، الحديث 3 .
3- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن أيّوب بن نوح ، عن محمّد بن أبي حمزة ، عن علي بن يقطين . قد تقدّم وجه عدم بُعد كونها موثّقة في الهامش 1 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 167 / 481 ؛ وسائل الشيعة 2 : 325 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 27 ، الحديث 5 .

فلا بأس به» وقال : «تمسّ الماء أحبّ إليّ»(1) .

ولا تعارضها رواية أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن امرأة كانت طامثاً فرأت الطهر ، أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل ؟ قال : «لا ، حتّى تغتسل» .

قال : وسألته عن امرأة حاضت في السفر ، ثمّ طهرت فلم تجد ماءً يوماً واثنين ، أيحلّ لزوجها أن يجامعها قبل أن تغتسل ؟ قال : «لا يصلح حتّى تغتسل»(2) .

ورواية سعيد بن يسار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت له : المرأة تحرم عليها الصلاة ، ثمّ تطهر ، فتوضّأ من غير أن تغتسل ، أفلزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل ؟ قال : «لا ، حتّى تغتسل»(3) .

وصحيحة أبي عبيدة - على الأصحّ(4) - قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام . . . إلى أن قال : فيأتيها زوجها في تلك الحال ؟ قال : «نعم ؛ إذا غسلت فرجها وتيمّمت فلا بأس»(5) .

وموثّقة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن امرأة

ص: 262


1- تهذيب الأحكام 1 : 167 / 480 ؛ وسائل الشيعة 2 : 325 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 27 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 166 / 478 ؛ وسائل الشيعة 2 : 326 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 27 ، الحديث 6 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 167 / 479 ؛ وسائل الشيعة 2 : 326 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 27 ، الحديث 7 .
4- سيأتي وجهه في الصفحة 267 - 268 .
5- الكافي 3 : 82 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 312 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 21 ، الحديث 1 .

حاضت ، ثمّ طهرت في سفر ، فلم تجد الماء يومين أو ثلاثاً ، هل لزوجها أن يقع

عليها ؟ قال : «لا يصلح لزوجها أن يقع عليها حتّى تغتسل»(1) .

من وجوه :

أقربها وجود الجمع العقلائي المقبول بينها . بل في روايات المنع إشعار أو دلالة على الكراهة . هذا مع موافقتها للعامّة(2) ومخالفتها للكتاب(3) والشهرة(4) ، فلا إشكال في الحكم من هذه الجهة .

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام : في المرأة ينقطع عنها الدم دم الحيض في آخر أيّامها ، قال : «إذا أصاب زوجها شَبق فليأمرها فلتغسل فرجها ، ثمّ يمسّها إن شاء قبل أن تغتسل»(5) .

فغير صالحة للشهادة بالجمع بين الأخبار والتفصيل بين الشبِق وغيره ، كما عن الصدوق(6) ؛ ضرورة أنّ نفس تلك الصحيحة - بتعليق الحكم على الشبق - دالّة على أنّ الحكم على سبيل الكراهة لا الحرمة ، وإلاّ فلم يكن يعلّقه على شدّة الميل والشبق .

ص: 263


1- تهذيب الأحكام 1 : 399 / 1244 ؛ وسائل الشيعة 2 : 313 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 21 ، الحديث 3 .
2- المجموع 2 : 370 ؛ الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 110 و134 .
3- راجع ما تقدّم في الصفحة 254 .
4- راجع ما تقدّم في الصفحة 253 .
5- الكافي 5 : 539 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 166 / 475 ؛ وسائل الشيعة 2 : 324 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 27 ، الحديث 1 .
6- الفقيه 1 : 53 / 199 ؛ المقنع : 322 .
اعتبار وقوع الانقطاع في آخر أيّام الحيض لا بعد أيّامه

ثمّ إنّ ظاهر الصحيحة هو كون الانقطاع في آخر أيّام الحيض ، لا بعد أيّامه ، كما هو ظاهر «آخر أيّامها» بل يشعر به قوله : «ينقطع عنها الدم» فما في «الروض»: «من أنّ الدليل والفتوى شاملان للانقطاع قبل انقطاع العادة»(1) وجيه؛ لما ذكرنا ، ولإطلاق بعض الأدلّة(2) ، فما ربّما يستشكل من جهة احتمال معاودة الدم ؛ لأنّ عوده في العادة من الاُمور الجِبِلّية ، بخلافه بعدها (3) ، في غير محلّه .

نعم ، لو كانت عادتها الرجوع بعد الانقطاع ولو بالعادة الشرعية ، لكان الإشكال في محلّه . بل الظاهر خروج مثله عن موضوع أدلّة الجواز ، ودخوله في أيّام العادة ، كما مرّ الكلام فيه(4) .

جواز الوط ء قبل غسل الفرج

ثمّ إنّ ظاهر صحيحة محمّد بن مسلم(5) وجوب غسل الفرج شرطاً لجواز

ص: 264


1- روض الجنان 1 : 222 .
2- كموثّقة ابن بكير ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء» . راجع ما تقدّم في الصفحة 261 .
3- اُنظر روض الجنان 1 : 222 .
4- تقدّم في الصفحة 197 - 198 .
5- الكافي 5 : 539 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 166 / 475 ؛ وسائل الشيعة 2 : 324 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 27 ، الحديث 1 . وقد تقدّم في الصفحة 263 .

إتيان الزوج ، كما عن ظاهر الأكثر(1) وصريح «الغنية»(2) .

وفي «المجمع»(3) وعن ظاهر «التبيان»(4) و«أحكام الراوندي»(5) توقّفه على أحد الأمرين : غسل الفرج ، أو الوضوء ، ولم يتّضح دليل الثاني .

وعن الحلّي والمحقّق في «المعتبر» والشهيد الندب(6) ، وهو الأقوى ؛ لقوّة ظهور الآية الشريفة في عدم دخل شيء غير ارتفاع الحيض وحصول الطهر من وجوه :

كالتعليل المستفاد من تفريع الاعتزال على الأذى الذي هو المحيض .

ومن جعل الغاية لحرمة القرب ، الطهر منه .

ومن تفريع التطهّر عليه ، وقد مرّ ترجيح حمله على حصول الطهر(7) .

ومن ظهور الآية في علّية التطهّر - الذي هو حصول الطهر - لجواز الإتيان .

ولعموم آية حرثية النساء أو إطلاقها ، وإطلاقات الروايات التي في مقام البيان .

ومن جعل غسل الفرج قريناً للتيمّم في صحيحة أبي عبيدة المتقدّمة(8) .

ص: 265


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 403 .
2- غنية النزوع 1 : 39 .
3- مجمع البيان 2 : 563 .
4- التبيان في تفسير القرآن 2 : 221 .
5- فقه القرآن 1 : 57 .
6- السرائر 1 : 151 ؛ المعتبر 1 : 236 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 272 .
7- تقدّم في الصفحة 254 - 255 .
8- تقدّمت في الصفحة 262 .

ولا إشكال في عدم شرطية التيمّم وجوباً ؛ لأ نّه بدل الغسل الذي قد عرفت

عدم شرطيته للجواز ، فنفس هذا الاقتران يشعر - بل يدلّ - على كون الغسل من قبيل التيمّم . كما أنّ جعل الجزاء عدم البأس ، مشعر أو دالّ على الكراهة مع فقدانهما أو فقدان أحدهما .

ومن جميع ذلك يعلم تعيّن حمل صحيحة ابن مسلم على الرجحان ، أو رفع الكراهة ، فيستفاد من مجموع الروايات كون الكراهة ذات مراتب ، يرفع جميعها بالغسل ، وبعضها بالتيمّم وغسل الفرج ، ثمّ بالتيمّم فقط ، أو غسل الفرج فقط .

وأمّا الوضوء وإن لم نعثر على دليله ، لكن لا

بأس باستحبابه بعد ظهور فتوى الشيخ في «التبيان» و«أحكام الراوندي» على ما حكي وبعد نسبة الطبرسي ذلك إلى مذهبنا ، والأولى الإتيان به رجاءً .

ارتفاع المنع أو المرجوحية مع تيمّم المرأة

ثمّ إنّ الظاهر من أدلّة بدلية التيمّم للغسل(1) والتراب للماء(2) وكونه أحد الطهورين(3) وربّه وربّ الماء واحد(4) هو قيامه مقامه في زوال المنع على

ص: 266


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 346 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 385 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 23 ، الحديث 1 ، والباب 24 ، الحديث 2 .
3- وسائل الشيعة 3 : 381 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 21 ، الحديث1 .
4- وسائل الشيعة 3 : 370 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب14 ، الحديث 13 و15 و17 .

القول به وفي زوال الكراهة على المشهور لو لا بعض الأخبار الدالّة على بقاء

الكراهة بمرتبة .

وما يقال : «من أنّ بدليته له إنّما هي فيما يشترط بالطهر ، دون مطلق الأغسال»(1) .

ففيه : أنّ ما نحن فيه أيضاً كذلك ؛ لأنّ الظاهر من الأدلّة هو اشتراط الجواز

- على فرضه - وزوال الكراهة بالطهور الذي هو شرط الصلاة .

وقد يقال : إنّ أثر التيمّم يزول بالجماع ، ومعه لا معنى له(2) .

وفيه - على ما سيأتي في محلّه(3) - منع زوال أثره ؛ أي رفع حدث الحيض عن موضوع الفاقد كسائر الأحداث ، وأنّ التيمّم رافع لا مبيح .

هذا مع أنّ صحيحة أبي عبيدة(4) ورواية الساباطي(5) تدلاّن على المقصود .

والمناقشة في سند الاُولى(6) في غير محلّها ؛ فإنّ سهل بن زياد وإن

ص: 267


1- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 405 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 119 .
3- يأتي في الجزء الثاني : 242 .
4- تقدّم في الصفحة 262 .
5- عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن المرأة إذا تيمّمت من الحيض ، هل تحلّ لزوجها ؟ قال : « نعم » . تهذيب الأحكام 1 : 405 / 1268 ؛ وسائل الشيعة 2 : 313 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 21 ، الحديث 2 .
6- جواهر الكلام 3 : 208 .

ضُعّف(1) لكنّ المتتبّع في رواياته يطمئنّ بوثاقته - من كثرة رواياته وإتقانها واعتناء المشايخ بها - فوق ما يطمئنّ من توثيق أصحاب الرجال ، كما رجّحنا بذلك وثاقة إبراهيم بن هاشم القمّي ومحمّد بن إسماعيل النيسابوري راوية الفضل بن شاذان وغيرهما (2) . ولا أستبعد كون الزبيري أيضاً من هذا القبيل .

ص: 268


1- قال النجاشي في شأنه : «كان ضعيفاً في الحديث ، غير معتمد فيه ، وكان أحمد بن محمّد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ والكذب وأخرجه من قم إلى الري» . رجال النجاشي : 185 / 490 ؛ تنقيح المقال 2 : 75 / السطر 19 (أبواب السين) .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 77 - 78 .
الأمر الخامس عدم إجزاء غسل الحيض عن الوضوء
اشارة

في الوجوب الشرطي لغسل الحيض

إذا طهرت وجب عليها الغسل للغايات المشروطة بالطهارة وجوباً شرطياً . وهو غير الوجوب المقدّمي ؛ لما قد ذكرنا في محلّه من عدم وجوب المقدّمة شرعاً ، بل أثبتنا عدم تعقّل وجوبها الشرعي(1) .

وأمّا الوجوب الشرطي للطهور - سواء كان بمعنى نفس الأغسال والوضوء ، أو أمراً حاصلاً منها - فلا مانع منه ؛ لكونه إرشاداً إلى الحكم الوضعي ، لا

بمعنى استعمال الهيئات الموضوعة للبعث والإغراء في المعنى الوضعي ، بل بمعنى استعمالها في معانيها لغرض إفهام التوقّف والحكم الوضعي ، فقوله تعالى : )إِذَا

قُمْتُمْ إِلَى الصّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ . . .((2) إلى آخره ، بعث وإغراء إلى الغسل والمسح ، لكن لغرض إفهام اشتراط الصلاة بهما ، أو بما يحصل منهما ، وبهذا المعنى يقال للوضوء : «إنّه فريضة» وكذا للغسل .

ويمكن أن يقال : إنّ المراد ب- «الفريضة» المستعملة في الروايات على الوضوء(3) والغسل(4) هو الفريضة في الصلاة ؛ أي ما هو لازم للصلاة ، كما يشهد

ص: 269


1- مناهج الوصول 1 : 342 .
2- المائدة (5) : 6 .
3- وسائل الشيعة 1 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 2 .
4- وسائل الشيعة 2 : 173 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 1 ، الحديث 1 و4 .

بذلك صحيحة زرارة في باب الوضوء ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الفرض في الصلاة ، فقال : «الوقت ، والطهور ، والقبلة ، والتوجّه ، والركوع ، والسجود ، والدعاء»(1) .

فمقارنة الوقت بسائر المذكورات ، دليل على أنّ الفرض فيها كالفرض فيه ، ومعلوم أنّ المراد بكون الوقت فرضاً في الصلاة ، ليس إلاّ كون الوقت شرطاً فيها ، أو كون الصلاة المقيّدة به واجبة ، لا أنّ الوقت واجب نفسي أو غيري . وحال سائر المذكورات كحاله ، فلا يكون الوضوء والغسل فريضة نفسية أو غيرية ، بل هما مستحبّان عباديان ، وجُعلا شرطاً للصلاة بما هما كذلك ، ولهذا لا يقعان بلا قصد التقرّب .

ولا يمكن أن يكون ذلك لأجل الأمر الغيري المقدّمي - لو فرض إمكان هذا الأمر وتحقّقه - ضرورة أنّ الأمر الغيري لا يتعلّق إلاّ بما هو موقوف عليه ، وبه يتوصّل إلى ذي المقدّمة ، فلو توقّفت الصلاة على الغسل مطلقاً لم يدعُ الأمر إلاّ إليه ، ولازمه صحّته ولو بلا قصد التقرّب ، كسائر الشرائط . ولو توقّفت على الغسل العبادي ، فلا بدّ من تقدّم عباديته على الأمر الغيري ، ولا يعقل أن يكون الأمر الغيري مصحّحاً لعباديته ، والتفصيل موكول إلى محلّه(2) .

وكيف كان : فالتحقيق عدم وقوع الطهارات إلاّ مستحبّة نفسية ، ولا تخرج بواسطة وقوعها مقدّمة للواجب عمّا هي عليه ، كما لا يوجب تعلّق النذر

ص: 270


1- الكافي 3 : 272 / 5 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 241 / 955 ؛ وسائل الشيعة 1 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 3 .
2- مناهج الوصول 1 : 315 .

والعهد بها انقلابَها عمّا هي عليه ؛ ضرورة أنّ متعلّق وجوب النذر هو عنوان

«الوفاء» لا عنوان «الوضوء» و«الغسل» وإن اتّحد العنوانان في الخارج ، والاتّحاد في ظرف العين لا يمكن أن يكون موجباً لسراية الوجوب من عنوان إلى آخر .

فالواجب المقدّمي الغيري - على فرض التسليم - ليس إلاّ حيثية ما يتوصّل به إلى ذي المقدّمة ، لا ذات المقدّمة ؛ على ما هو التحقيق من وجوب المقدّمة الموصلة بما أ نّها موصلة على فرض وجوبها (1) ، وهي متّحدة في الخارج مع ذات المقدّمة ، ولا يسري الوجوب من موضوعه إلى موضوع آخر ولو اتّحد العنوانان في الخارج ، كما حقّق في محلّه(2) ، فلا يكون الغسل واجباً غيرياً ، كما لا يكون واجباً نفسياً ، ولا يمكن استفادة الوجوب النفسي من الأوامر المتعلّقة به ؛ ضرورة ظهورها في الإرشاد بالمعنى المتقدّم في أمثال المقام ، فما عن «المدارك» من تقوية الوجوب لذاته(3) في غير محلّه .

عدم إجزاء سائر الأغسال عن الوضوء عدا غسل الجنابة

ثمّ إنّ المشهور عدم إجزاء الغسل - غير الجنابة - عن الوضوء للصلاة وغيرها ممّا هي مشروطة بالطهور(4) .

ص: 271


1- مناهج الوصول 1 : 321 .
2- مناهج الوصول 2 : 66 و114 .
3- مدارك الأحكام 1 : 357 .
4- مدارك الأحكام 1 : 357 - 358 ، وراجع ما يأتي في الصفحة 282 - 283 .

بل عن الصدوق : «أنّ لزوم الوضوء معه من دين الإمامية»(1) ، ولم ينقل الخلاف عن المتقدّمين إلاّ عن السيّد وأبي علي(2) .

والأقوى ما هو المشهور حتّى مع قطع النظر عن الشهرة التي هي في مثل تلك المسألة حجّة برأسها ؛ للعمومات الدالّة على لزوم الوضوء عند عروض أسبابه(3) ، ولا يمكن تخلّفه فيما نحن فيه حتّى نحتاج إلى عدم القول بالفصل ، مع عدم تمامية أدلّة الخصم ، فلا بدّ من بيان حال الروايات حتّى يتّضح الحال :

حول الأخبار الواردة في المقام

فنقول : إنّ الأخبار على طوائف :

منها : ما يدلّ على أنّ الغسل يجزي عن الوضوء من غير قيد ، كصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «الغسل يجزي عن الوضوء ، وأيّ وضوء أطهر من الغسل ؟ !»(4) .

ومرسلة الكليني قال : روي : «أيُّ وضوء أطهر من الغسل ؟ !»(5) .

ص: 272


1- الأمالي، الصدوق : 515 .
2- رسائل الشريف المرتضى، جمل العلم والعمل 3 : 24 ؛ اُنظر مختلف الشيعة 1 : 178 .
3- المائدة (5) : 6 ؛ وسائل الشيعة 1 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 139 / 390 ؛ وسائل الشيعة 2 : 244 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 33 ، الحديث 1 .
5- الكافي 3 : 45 ، ذيل الحديث 13 ؛ وسائل الشيعة 2 : 245 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 33 ، الحديث 8 .

وصحيحة حكم بن حكيم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن غسل الجنابة . . . إلى أن قال : قلت : إنّ الناس يقولون : يتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل ، فضحك وقال : «وأيُّ وضوء أنقى من الغسل وأبلغ ؟ !»(1) بناءً على كون الذيل بصدد بيان الماهية ، لا غسل الجنابة .

ومنها : ما دلّ على أنّ الوضوء معه بدعة ، كصحيحة سليمان بن خالد عن أبي جعفر علیه السلام قال : «الوضوء بعد الغسل بدعة»(2) .

ورواية عبداللّه بن سليمان قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «الوضوء بعد الغسل بدعة»(3) .

ومرسلة محمّد بن أحمد بن يحيى : «أنّ الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة»(4) .

ومنها : ما ورد في خصوص غسل الجنابة ، كصحيحة زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ذكر فيها كيفية غسل الجنابة فقال : «ليس قبله ولا بعده وضوء»(5) .

ص: 273


1- تهذيب الأحكام 1 : 139 / 392 ؛ وسائل الشيعة 2 : 247 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 34 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 140 / 396 ؛ وسائل الشيعة 2 : 245 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 33 ، الحديث 9 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 140 / 395 ؛ وسائل الشيعة 2 : 245 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 33 ، الحديث 6 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 140 / 394 ؛ وسائل الشيعة 2 : 245 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 33 ، الحديث 5 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 148 / 422 ؛ وسائل الشيعة 2 : 230 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 26 ، الحديث 5 .

ورواية محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : إنّ أهل الكوفة يروون عن علي علیه السلام أ نّه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة ، قال : «كذبوا على علي علیه السلام ، ما وجدوا ذلك في كتاب علي علیه السلام ، قال اللّه تعالى : )وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبَاً فَاطَّهَّرُوا((1) »(2) .

وصحيحة البزنطي ، عن أبي الحسن علیه السلام قال بعد ذكر كيفية غسل الجنابة وآدابه : «ولا وضوء فيه»(3) .

ومنها : ما فصّل بين غسل الجنابة وغيره ، كمرسلة ابن أبي عمير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «كلّ غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة»(4) .

وروايته الاُخرى الصحيحة إليه ، عن حمّاد بن عثمان أو غيره ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «في كلّ غسل وضوء إلاّ الجنابة»(5) .

وهذه الروايات - كما ترى - قابلة للجمع العقلائي ؛ بحمل الروايات المطلقة

على غسل الجنابة بشهادة الطوائف الاُخر .

ص: 274


1- المائدة (5) : 6 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 139 / 389 ؛ وسائل الشيعة 2 : 247 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 34 ، الحديث 5 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 131 / 363 ؛ وسائل الشيعة 2 : 247 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 34 ، الحديث 3 .
4- الكافي 3 : 45 / 13 ؛ وسائل الشيعة 2 : 248 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 35 ، الحديث 1 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 143 / 403 ؛ وسائل الشيعة 2 : 248 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 35 ، الحديث 2 .

ولا يبعد هذا الجمع بعد كون غسل الجنابة هو الغسل المتداول الأكثري المحتاج إليه جميع طوائف المكلّفين ، بخلاف سائر الأغسال ، كالحيض والنفاس ممّا يحتاج إليهما طائفة منهم في بعض أوقاتها ، وكغسل الاستحاضة الذي يكون الاحتياج إليه نادراً لبعض المكلّفين ، وكغسل الجمعة وغيره ممّا لا يكون إلاّ في بعض الأحيان ولبعض المكلّفين ، فلا يكون الحمل المذكور موجباً لحمل المطلق على الفرد النادر البشيع .

هذا مضافاً إلى أنّ الظاهر من صحيحة حكم بن حكيم - حيث قال فيها : «إنّ الناس يقولون : يتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل . . .» إلى آخره ، ورواية محمّد بن مسلم حيث قال فيها : «إنّ أهل الكوفة يروون عن علي علیه السلام . . .» إلى آخره - أنّ كون الوضوء قبل غسل الجنابة ، كان مورداً للبحث بين الناس ، حتّى كذبوا على علي علیه السلام بأ نّه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة ،

وهو يوجب قرب الحمل المذكور ، وقرب احتمال أن يكون تلك الروايات - القائلة ب- «أنّ الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة» وأنّ «الغسل يجزي عن الوضوء» وأنّ «أيّ وضوء أطهر من الغسل ؟ !» - ناظرةً إلى الكذب المذكور والخلاف المعهود .

مع أنّ أحد قولي الشافعي أيضاً وجوب الوضوء قبل الغسل من الجنابة أو بعده(1) . وكيف كان فلا أرى بأساً بهذا الجمع بعد التنبّه إلى ما ذكرنا .

نعم ، هنا طائفة اُخرى من الروايات متعرّضة للأغسال الاُخرى - إمّا ضعيفةٌ

ص: 275


1- المغني ، ابن قدامة 1 : 217 - 218 .

سنداً وإن كانت تامّة الدلالة ، أو معتبرةٌ سنداً ، ضعيفةٌ دلالةً - لا

بدّ من التعرّض لها :

فمن الاُولى : رواية إبراهيم بن محمّد : أنّ محمّد بن عبد الرحمان الهمداني كتب إلى أبي الحسن الثالث علیه السلام يسأله عن الوضوء للصلاة في غسل الجمعة ، فكتب : «لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة وغيره»(1) .

وهذه الرواية وإن كانت صريحة الدلالة ، إلاّ أنّ ضعف سندها (2) مانع عن العمل بها ، كمرسلة حمّاد بن عثمان الضعيفة(3) زائداً على الإرسال عن أبي عبداللّه علیه السلام : في الرجل يغتسل للجمعة أو غير ذلك ، أيجزيه من الوضوء ؟

ص: 276


1- تهذيب الأحكام 1 : 141 / 397 ؛ وسائل الشيعة 2 : 244 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 33 ، الحديث 2 .
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن سعد بن عبداللّه ، عن الحسن بن علي بن إبراهيم ، عن جدّه إبراهيم بن محمّد . والرواية ضعيفة بالحسن بن علي بن إبراهيم الهمداني ، فإنّه مهمل .
3- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن سعد ، عن موسى بن جعفر عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، عن الحسن بن علي بن فضّال ، عن حمّاد بن عثمان ، عن رجل ، عن أبي عبداللّه عليه السلام. والرواية ضعيفة بموسى بن جعفر بن وهب البغدادي والحسن بن الحسين اللؤلؤي ، فإنّ الأوّل مهمل لم يرد في شأنه شيء من الجرح أو التعديل . والثاني اختلف في وثاقته ، فوثّقه النجاشي في ترجمته واستثناه ابن الوليد من رجال محمّد بن أحمد بن يحيى ، ولهذا ضعّفه المصنّف قدس سره في الجزء الثاني : 409 . رجال النجاشي : 40 / 83 ، و : 348 / 939 ، و : 406 / 1076 ؛ الفهرست ، الطوسي : 243 / 719 .

فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «وأيُّ وضوء أطهر من الغسل»(1) .

ومن الثانية : موثّقة عمّار الساباطي قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام عن الرجل إذا اغتسل من جنابة أو يوم جمعة أو يوم عيد ، هل عليه الوضوء قبل ذلك أو بعده ؟ فقال : «لا ، ليس عليه قبلُ ولا بعدُ ، قد أجزأه الغسل ، والمرأة مثل ذلك ؛ إذا اغتسلت من حيض أو غير ذلك فليس عليها الوضوء لا قبلُ ولا بعدُ ، قد أجزأها الغسل»(2) .

وهذه الرواية وإن كانت معتبرة سنداً ، لكن في دلالتها ضعف ومناقشة ؛ لقرب احتمال كون المراد منها أنّ الأغسال - جنابة كانت أو جمعة أو غيرها - لا يشترط فيها الوضوء ؛ لا قبلُ ولا بعدُ ، فليست الرواية بصدد بيان حكم الصلاة ، بل بصدد بيان حكم الغسل ؛ وأنّ الغسل هل يتمّ بلا وضوء ، ويجزي غسل الجنابة عن رفع الحدث ، وكذا غسل الحيض ، ويجزي غسل الجمعة عن الوظيفة المستحبّة ، أو يحتاج إلى ضمّ وضوء قبله أو بعده ؟

والشاهد على قرب هذا الاحتمال ذكر «قبل» و«بعد» ممّا يشعر بارتباط بين الوضوء والغسل ، وإلاّ فوضوء الصلاة غير مرتبط بالغسل ، فكان على السائل أن يسأل : «أنّ الغسل مجزٍ عن الوضوء للصلاة ؟» كما في مكاتبة الهمداني .

ص: 277


1- تهذيب الأحكام 1 : 141 / 399 ؛ وسائل الشيعة 2 : 245 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 33 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 141 / 398 ؛ وسائل الشيعة 2 : 244 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 33 ، الحديث 3 .

وعليه يمكن حمل الروايات الواردة في أنّ الوضوء قبل الغسل أو بعده بدعة على هذا المعنى ؛ أي على أنّ الوضوء لأجل تتميم الغسل قبله أو بعده بدعة ، وهو كذلك في جميع الأغسال من غير فرق بين غسل الجنابة وغيره ، وهو غير مربوط بإجزاء الغسل عن الوضوء للصلاة .

ويشهد لما ذكرنا ملاحظة سائر الروايات الواردة في هذا المضمار ، كصحيحة يعقوب بن يقطين ، عن أبي الحسن علیه السلام قال : سألته عن غسل الجنابة ، فيه وضوء أم لا فيما نزل به جبرئيل ؟ قال : «الجنب يغتسل ؛ يبدأ فيغسل يديه إلى المرفقين قبل أن يغمسهما في الماء ، ثمّ يغسل ما أصابه من أذىً ثمّ يصبّ على رأسه وعلى وجهه وعلى جسده كلّه ، ثمّ قد قضى الغسل ، ولا وضوء عليه»(1) .

حيث إنّ الظاهر من سؤاله - أنّ غسل الجنابة فيه وضوء أم لا ؟ وأنّ جبرئيل

كيف بيّن ماهية غسل الجنابة وشرح كيفيته ؟ - أنّ ما نزل به جبرئيل هل هو مع الوضوء بحيث يكون الوضوء شرطاً له أم لا ؟

ويشهد لذلك كيفية الجواب ؛ حيث شرع في بيان كيفية الغسل ، وقال بعد تمام الكيفية : «ثمّ قد قضى الغسل ، ولا وضوء عليه» أي تمّ الغسل من غير مدخل للوضوء في تحقّقه وتماميته ، وهو أمر آخر غير إجزاء الغسل عن الوضوء للصلاة ، ولو كان السؤال عنه لما كان بهذه العبارة ، كما أنّ الجواب لا يناسب ذلك .

ص: 278


1- تهذيب الأحكام 1 : 142 / 402 ؛ وسائل الشيعة 2 : 246 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 34 ، الحديث 1 .

ومثلها صحيحة زرارة قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن غسل الجنابة ، فقال : «تبدأ فتغسل كفّيك ، ثمّ تفرغ بيمينك على شمالك فتغسل فرجك ومرافقك ثمّ تمضمض واستنشق ، ثمّ تغسل جسدك من لدن قرنك إلى قدميك ، ليس قبله ولا بعده وضوء ، وكلّ شيء أمسسته الماء فقد أنقيته ، ولو أنّ رجلاً جنباً ارتمس في الماء ارتماسة واحدة ، أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده»(1) .

فإنّ زرارة سأله عن كيفية غسل الجنابة ، وهو علیه السلام بصدد بيانها ، وذكر عدم الوضوء قبله وبعده ، خصوصاً في خلال بيان الكيفية ، وبالأخصّ مع تعقيبه بقوله : «وكلّ شيء أمسسته الماء فقد أنقيته» ممّا يوجب الظهور في أنّ المراد عدم دخل الوضوء في كيفية الغسل وتحقّقه ورفع الجنابة ، وهو أمر غير احتياج الصلاة إلى الوضوء وعدمه بعد رفع الجنابة .

ومثلهما - بل أوضح منهما - صحيحة حكم بن حكيم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن غسل الجنابة ، قال : «أفِضْ على كفّك اليمنى من الماء فاغسلها . . .» وذكر كيفية الغسل إلى أن قال : قلت : إنّ الناس يقولون يتوضّأ وضوء الصلاة قبل الغسل ، فضحك وقال : «وأيُّ وضوءٍ أنقى من الغسل وأبلغ ؟ !»(2) .

حيث إنّ السائل سأل عن الكيفية ، وبعد ما رأى عدم ذكر الوضوء في كيفية

ص: 279


1- تهذيب الأحكام 1 : 148 / 422 ؛ وسائل الشيعة 2 : 230 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 26 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 139 / 392 ؛ وسائل الشيعة 2 : 247 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 34 ، الحديث 4 .

الغسل قال : «إنّ الناس يقولون . . .» إلى آخره ، ومراده - ظاهراً - أنّ الناس يزعمون في كيفية الغسل : أنّ للغسل وضوءاً كوضوء الصلاة ، فكما أنّ الصلاة لا تصحّ بلا وضوء كذلك الغسل ، وهذا كالصريح فيما ذكرنا من عدم كون السائل والمجيب في مقام بيان إجزاء الغسل عن الوضوء ، بل بصدد السؤال والجواب عن دخله في تحقّق الغسل وصحّته .

ويؤيّده قوله : «أيُّ وضوءٍ أنقى من الغسل وأبلغ ؟ !» أي لا دخل له في النقاء ، والغسل أبلغ في حصول الطهارة والرافعية من الوضوء .

وممّا ذكرنا يظهر حال سائر الروايات ؛ حتّى أنّ رواية أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر علیه السلام - التي تخالف تلك الروايات - تشهد بما ذكرنا ، قال : سألته قلت : كيف أصنع إذا أجنبت ؟ قال : «اغسل كفّك وفرجك ، وتوضّأ وضوء الصلاة ، ثمّ اغتسل»(1) .

لأنّ الظاهر منها أنّ هذا الأمر ، كان معهوداً في تلك الأعصار ؛ وأنّ اشتراط تحقّق الغسل بالوضوء كان مورد البحث والكلام ، فورود تلك الروايات لرفع الشبهة المذكورة .

وحينئذٍ لا يبعد أن تكون مرسلة ابن أبي عمير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «كلّ غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة»(2) ومرسلته الاُخرى أو

ص: 280


1- تهذيب الأحكام 1 : 140 / 393 ؛ وسائل الشيعة 2 : 247 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 34 ، الحديث 6 .
2- الكافي 3 : 45 / 13 ؛ وسائل الشيعة 2 : 248 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 35 ، الحديث 1 .

صحيحته عنه(1) قال : «في كلّ غسل وضوء إلاّ الجنابة»(2) أيضاً من هذا الوادي ، ولا تكون ناظرة إلى إجزائه عنه للصلاة .

فتبقى صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «الغسل يجزي عن الوضوء ، وأيُّ وضوءٍ أطهر من الغسل ؟ !»(3) بلا معارض .

إلاّ أن يقال : إنّه بعد كون جميع الروايات - إلاّ رواية واحدة هي مكاتبة الهمداني - مربوطة بتلك المسألة ؛ أي بدخل الوضوء في تحقّق الغسل ، وأنّ تلك المسألة كانت مطرحاً في ذلك العصر ، لم يبقَ ظهور للصحيحة في إجزاء الغسل عن الوضوء للصلاة ، بل من المحتمل قويّاً كونها بصدد بيان ما تكون سائر الروايات بصدده ؛ من إجزاء كلّ غسل وكفايته عن الوضوء في رفع الجنابة أو حدث الحيض أو حصول وظيفة الجمعة والعيد ، خصوصاً مع ورود نظير قوله : «أيُّ وضوءٍ أطهر من الغسل ؟ !» في صحيحة حكم بن حكيم التي عرفت ظهورها في عدم شرطية الوضوء للغسل .

فحينئذٍ يبقى إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء للصلاة بلا دليل إلاّ قوله تعالى :

ص: 281


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان أو غيره ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، فإنّ الطريق إلى ابن أبي عمير صحيح كما تقدّم في الصفحة 274 ، ولكنّ الراوي عن أبي عبداللّه عليه السلاممردّد بين حمّاد بن عثمان وراوٍ آخر غير معلوم ، فالرواية إمّا صحيحة أو مرسلة .
2- تهذيب الأحكام 1 : 143 / 403 ؛ وسائل الشيعة 2 : 248 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 35 ، الحديث 2 .
3- تقدّم في الصفحة 272 .

)وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا((1) على تأمّل في دلالته . لكنّ الحكم واضح لا يحتاج إلى إقامة دليل .

وأمّا سائر الأغسال :

فمقتضى القاعدة والعمومات عدم كفايتها للصلاة مع الابتلاء بالحدث الأصغر ، وفي غير مورده يتمّ بعدم القول بالفصل .

ويدلّ على المقصود في خصوص ما نحن فيه - بل في أعمّ منه ومن غسل الاستحاضة - بعضُ الروايات ، كمرسلة يونس الطويلة ، وفيها في السنّة الاُولى من السنن الثلاث : «وسئل عن المستحاضة فقال : إنّما هو عِرق غابر أو رَكْضة من الشيطان ، فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ثمّ تغتسل ، وتتوضّأ لكلّ صلاة . قيل : وإن سال ؟ قال : وإن سال مثل الشِّعْب»(2) .

فإنّ الظاهر أنّ الغسل هو غسل الحيض وقد أمرها بالوضوء لكلّ صلاة ، تأمّل .

وقد يستدلّ لعدم الاحتياج إلى الوضوء بإطلاق الأوامر الواردة في الأغسال من غير ذكر وضوء(3) . وهو محلّ المنع .

نعم ، وردت روايات في باب الاستحاضة لا يبعد إطلاقها ، وسيأتي الكلام فيها إن شاء اللّه (4) .

ص: 282


1- المائدة (5) : 6 .
2- يأتي متنها الكامل فيالصفحة 363 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 129 .
4- يأتي في الصفحة 476 .

هذا كلّه مع قطع النظر عن اشتهار الحكم بين الأصحاب ؛ ممّا يُشرف المنصف - بالنظر إليه - على القطع بكون الحكم معروفاً من الصدر الأوّل ، ومأخوذاً من الطبقات المعاصرة لزمن المعصومين علیهم السلام . وخلاف ابن الجنيد(1) غير معتدّ به ، وخلاف السيّد(2) لا يضرّ بعد عدم موافق له من المتقدّمين ، كخلاف الأردبيلي

وأتباعه(3) ممّن لا يعتنون بالشهرات والإجماعات .

حول وجوب تقديم الوضوء على الغسل وجوباً شرطياً

وممّا ذكرنا يظهر الحال في خلاف آخر : وهو وجوب تقديم الوضوء على الغسل وجوباً شرطياً في خصوص الأغسال الواجبة ، أو فيها وفي المستحبّة(4) أو وجوب التقديم شرعياً لا شرطياً ، كما عن المولى البهبهاني(5) .

ووجه اللزوم شرطياً : هو الاستظهار من مرسلتي ابن أبي عمير وحمل المطلق على المقيّد ؛ أي إحدى المرسلتين على الاُخرى ، فمع دعوى اختصاصهما بالواجبات تكونان مبنى الأوّل .

ومع التعميم مؤيّداً برواية علي بن يقطين ، عن أبي الحسن الأوّل علیه السلام قال :

ص: 283


1- تقدّم في الصفحة 272 .
2- تقدّم في الصفحة 272 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 126 - 132 ؛ مدارك الأحكام 1 : 361 ؛ ذخيرة المعاد : 49 / السطر 7 .
4- اُنظر جواهر الكلام 3 : 246 .
5- مصابيح الظلام 3 : 131 .

«إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضّأ واغتسل»(1) تكونان مبنى الثاني .

ومع إنكار الظهور في الشرطية مبنى الثالث .

لكن قد عرفت كون جميع روايات الباب - تقريباً - من وادٍ واحد ؛ هو إثبات الشرطية ونفيها ، فحينئذٍ يقع التعارض بين ما تقدّم وبين موثّقة عمّار الساباطي ؛ حيث صرّح فيها بعدم الوضوء قبل غسل الجنابة والجمعة والعيد والحيض وبعدها (2) ، فلا بدّ من حمل المرسلتين ورواية ابن يقطين على الاستحباب جمعاً ، وإن كان القول بالاستحباب أيضاً لا يخلو من مناقشة ؛ لما دلّ على أنّ الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة ، ولعدم ذكر الوضوء في شيء من الروايات الواردة في باب الأغسال الواجبة والمستحبّة ، مع كثرتها جدّاً ، وكون كثير منها في مقام بيان الآداب ، وبعد عدم التنبيه على هذا الأدب الذي لو كان مستحبّاً لكان أهمّ من سائر الآداب ، وإنّما ذكر ذلك في رواية واحدة هي رواية ابن يقطين ومرسلةٍ يمكن أن تكون عين تلك الرواية، مع ظهورها في الشرطية التي قد عرفت حالها .

وكيف كان : فممّا يوجب الجزم بعدم شرطية الوضوء للأغسال الواجبة

والمستحبّة ، هو تلك الروايات الكثيرة الواردة في مقام بيان كيفية الغسل ، كروايات غسل الميّت(3) وغسل المسّ(4) وما ورد في الأغسال المستحبّة

ص: 284


1- تهذيب الأحكام 1 : 142 / 401 ؛ وسائل الشيعة 2 : 248 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 35 ، الحديث 3 .
2- تقدّمت في الصفحة 277 .
3- راجع وسائل الشيعة 2 : 479 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 2 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 301 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 7 .

على كثرتها (1) ؛ فإنّ عدم ذكره فيها دليل قطعي على عدم اشتراطها به ، وعدم وجوبه قبلها .

في كيفية رفع غسل الحيض والوضوء الحدثين

بقي الكلام في شيء تعرّض له صاحب «الجواهر» وهو : «أنّ الغسل والوضوء هل هما مشتركان في رفع الحدثين ، أو هما رافعان على التوزيع ؛ فالغسل للأكبر ، والوضوء للأصغر ؟»(2) .

وتفصيل الكلام بحسب مقام التصوّر : أ نّه قد يقع الكلام فيما إذا وجد سبب الأصغر والأكبر ، وتقدّم أحدهما على الآخر أو تأخّر أو تقارنا .

وقد يقع فيما إذا وجد سبب الأكبر فقط .

فعلى الأوّل : يمكن أن يكون الحدثان ماهيتين متباينتين ؛ فيؤثّر الأصغر في ماهية ، والأكبر في ماهية مباينة لها .

ويمكن أن يؤثّر كلٌّ في ماهية متخالفة مع الاُخرى ؛ قابلة للانطباق على وجود خارجي في القدر المشترك ، فيكون «الحدث الأصغر» عنواناً منطبقاً على مرتبة من الحدث الأكبر ، ويكون الأكبر ذا مراتب : مرتبة غير منطبق عليها عنوان «الأصغر» ، ومرتبة منطبق عليها عنوانه .

ويمكن أن يكون المقدار المشترك وجوداً شخصياً ؛ إن قدّم سبب الأصغر في

ص: 285


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 303 - 340 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأغسال المسنونة ، أحاديث الأبواب .
2- جواهر الكلام 3 : 247 .

إيجاده ، يكون سبب الأكبر مؤثّراً في مرتبة اُخرى ، وإن قدّم سبب الأكبر لا يؤثّر الأصغر ، فيكون السببان بالنسبة إلى المرتبة المشتركة كالأسباب المتعاقبة للحدث الأصغر .

ثمّ إنّ مقتضى الاحتمال الأوّل والثاني ؛ هو فعلية سببية كلّ موجِبٍ في مسبَّبه الخاصّ ، ورافعية الوضوء للحدث الأصغر والغسل للأكبر ، فمع الغسل ترفع الماهية الآتية من سبب الأكبر ، وتبقى الماهية الآتية من سبب الأصغر . وأمّا احتمال اشتراكهما في رفع المجموع فضعيف جدّاً .

ولازم الثالث هو رفع الغسل ما يأتي من قِبل سبب الأكبر ، وعدم الاحتياج إلى الوضوء إن كان الغسل رافعاً لتمام ما يجيء من سبب الأكبر ، وبمقدار الاختصاص لو قلنا : بأنّ ما يجيء من سبب الأكبر لا يرتفع تمامه به ، فيكون الرافع للبقيّة هو الوضوء .

وأمّا احتمال كونهما مشتركين في أصل الرفع - بمعنى عدم تأثير الغسل مطلقاً إلاّ بضمّ الوضوء - فقد دفعناه في المسألة السابقة . كما أنّ احتمال كون الغسل رافعاً لتمام ما يأتي من سبب الأكبر في الفرض الثالث - ممّا يلزم منه عدم الاحتياج إلى الوضوء - تدفعه الشهرة السابقة مع عمومات أسباب الوضوء ، كما مرّ(1) . فاحتمال الاشتراك بهذا المعنى ضعيف مدفوع بما سلف ، وأمّا على سائر الاحتمالات ، فلا يكون الاشتراك إلاّ بوجه لا ينافي الاختصاص .

ص: 286


1- تقدّم في الصفحة 272 - 273 .

فحينئذٍ يكون الوضوء - على جميع الاحتمالات المعتبرة - رافعاً لما يأتي من سبب الأصغر ، والغسل لما يأتي من سبب الأكبر على بعض الاحتمالات المتقدّمة ، وعلى بعض الاحتمالات يكون الوضوء رافعاً لبعض ما يأتي من سبب الأكبر ، والغسل لبعض آخر ، فيكون كلٌّ منهما رافعاً ، فما عن «السرائر» : من كون الوضوء غير رافع ، بل مبيح تقدّم أو تأخّر ، والغسل رافع كذلك(1) ، غير وجيه .

هذا كلّه مع تحقّق السببين .

في الالتزام بالتوزيع مع تحقّق سبب الأكبر دون الأصغر

وأمّا مع تحقّق سبب الأكبر دون الأصغر ، فمع القول بلزوم الوضوء للصلاة ، لا بدّ وأن يكون سبب الأكبر موجباً لشيء لا يرتفع بالغسل ، فحينئذٍ إن قام الدليل على جواز دخول المرأة في المسجدين واللبث في المساجد مثلاً مع الغسل فقط ، يكون هو مع ما دلّ على لزوم الوضوء للصلاة ، دالّين بالاقتضاء على التوزيع في التأثير ، فيكون الوضوء رافعاً لمرتبة ممّا يأتي بسبب الحيض ، والغسل لمرتبة اُخرى . وأمّا احتمال كون الوضوء مبيحاً غير رافع فضعيف .

وكيف كان : فالقول بالتوزيع هو الأقوى ، مع كون الحكم موافقاً لارتكاز

المتشرِّعة ، والظاهر استفادته من مجموع الأدلّة ، فتدبّر .

ص: 287


1- السرائر 1 : 151 .
الأمر السادس في حكم الحيض بعد دخول وقت الصلاة
اشارة

إذا دخل وقت الصلاة فحاضت فتارة : تدرك طاهرة من الوقت بمقدار أداء الصلاة ، وفعل الطهارة ، وتحصيل سائر الشرائط بحسب حالها وتكليفها الفعلي ؛ من القصر والإتمام والوضوء والغسل والتيمّم وغيرها من الشرائط ؛ مطلقة كانت أو غيرها .

واُخرى : لا تكون سعة الوقت بهذا المقدار ؛ سواء كانت بمقدار أداء الصلاة فقط ، أو أدائها مع الطهارة المائية أو الترابية فقط ، دون سائر الشرائط .

وثالثة : لا تكون السعة حتّى بمقدار صلاة المضطرّ .

والأولى البحث أوّلاً عن مقتضى القواعد الأوّلية ؛ أي أدلّة القضاء وأدلّة عدم القضاء على الحائض ، ثمّ النظر في الأدلّة الخاصّة .

مقتضى أدلّة القضاء وعدمه على الحائض

فنقول : إنّ أدلّة القضاء على طائفتين :

إحداهما : ما يظهر منها أنّ القضاء تابع لعنوان «الفوت» كصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام أ نّه قال : «أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ ساعة : صلاة فات-تك ، فمتى ذكرتها أدّيتها . . .»(1) الحديث ، وغيرها ممّا هي قريبة منها .

ص: 288


1- الكافي 3 : 288 / 3 ؛ الفقيه 1 : 278 / 1265 ؛ وسائل الشيعة 8 : 256 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 2 ، الحديث 1 .

وهذه الطائفة وإن كانت في الغالب بصدد بيان حكم آخر ، لكن يستفاد منها مفروغية لزوم قضاء ما فات من الصلاة . وهذا ممّا لا إشكال فيه .

لكنّ الإشكال في أنّ «الفوت» عبارة عن نفس عدم الإتيان مطلقاً ولو مع عدم مجعولية الصلاة في حقّ المكلّف ، بل مع حرمتها عليه ، كصلاة الحائض ، أو هو عنوان أخصّ منه ؟

الظاهر هو الثاني ؛ ضرورة أنّ المتفاهم عرفاً من هذا العنوان ؛ هو ذهاب شيء مرغوب فيه من يد المكلّف ولو من قبيل طاعة المولى أو الوالدين ؛ ممّا هو مستحسن عقلاً ؛ سواء كان لازماً أو راجحاً ، فإذا نام عن صلاة الليل يقال : «فاتته» إمّا لأجل فوت المثوبة المترتّبة عليها ، أو لأجل ترك نفس أمر المولى الراجح عقلاً ، وأمّا إذا كان الفعل ذا مفسدة أو غير راجح عقلاً وشرعاً فتركه العبد ، فلا يقال «فاته ذلك» .

فعنوان «الفوت» ليس نفس ترك الفعل ولو لم يكن فيه رجحان أو في تركه منقصة . وهذا واضح عند مراجعة موارد استعمال اللفظ عرفاً وفي الأخبار الواردة فيها هذه اللفظة .

فدعوى كونه عبارة عن عدم إتيان الصلاة في وقتها ولو كانت غير مطلوبة ولا راجحة بل ولو كانت محرّمة(1) غير وجيهة .

ولا يرد النقض(2) على ذلك بمثل ترك النائم والساهي ، ولا بمثل من اُكره على ترك الصلاة ؛ بحيث صار اللازم على المكلّف تركها ؛ ضرورة أنّ النائم

ص: 289


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 123 .
2- نفس المصدر .

والساهي ، فاتتهما الصلاة لأجل ذهاب مثوبتها ومصلحتها من يدهما بل لأجل ترك أمر المولى بلا اختيار ؛ على ما حقّقنا في محلّه : من أنّ الأوامر فعلية بالنسبة

إليهما وإن كانا معذورين في تركها (1) .

وأمّا المكرَه فهو أيضاً كذلك ، ولا تصير الصلاة بالإكراه على الترك حراماً بعنوانها ، بل ما هو المحرّم إيقاع المكلّف نفسه في التهلكة ونحوها ، وهو لا يوجب حرمة الصلاة بعنوانها وإن اتّحد العنوانان في الخارج .

ودعوى صدق «الفوت» بمجرّد الشأنية أو بملاحظة نوع المكلّفين(2) ، غير وجيهة ؛ فإنّ ميزان وجوب القضاء هو الفوت من كلّ مكلّف بحسب حال نفسه ، وهو لا يصدق بالنسبة إلى الشخص الذي لم تجعل الصلاة له ، أو حرّمت عليه كالحائض ، والشأنية لا محصّل لها إلاّ معنىً تعليقي لا يوجب صدق «الفوت» فعلاً .

وأعجب من ذلك ما قد يقال : «إنّ المستفاد من الأمر بالقضاء أنّ الأوامر المتعلّقة بالصلاة ، من قبيل تعدّد المطلوب ، فكونها في الوقت مطلوب ، لكن بفوات الوقت لا تفوت المطلوبية مطلقاً»(3) فإنّ ذلك - على فرض تسليمه كما لا يبعد - أدلّ دليل على خلاف مطلوبه ؛ لأنّ استفادة تعدّد المطلوب فرع وجود الطلب والمطلوب في الوقت ، ومع حرمة الصلاة على الحائض في الوقت ، أين الطلب والمطلوب حتّى يستفاد منه تعدّده ؟ !

ص: 290


1- مناهج الوصول 2 : 18 - 20 ؛ أنوار الهداية 2 : 210 - 211 و321 - 322 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 124 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 123 - 124 .

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ القاعدة في باب القضاء - على فرض أخذ عنوان «الفوت» في موضوعه - هو وجوب القضاء في كلّ مورد يكون الأداء مطلوباً أو راجحاً ذاتاً ؛ ولو فرض سقوط الطلب لأجل بعض المحاذير ، على فرض صحّة ذلك المبنى ، وأمّا مع عدم الرجحان والمطلوبية الذاتية فلا ، فضلاً عن الحرمة الذاتية .

فالحائض إذا أدركت من الوقت بمقدار تعلّق الطلب ، يجب عليها القضاء مع تركها ، ومع عدم توجّه الطلب أو توجّه النهي إليها ، لا يجب عليها القضاء بحسب القاعدة .

بل الظاهر أنّ الأمر كذلك لو تمكّنت من الصلاة الاضطرارية ، فلو قلنا : بأ نّها

لو علمت مفاجأة الطمث لها - بعد مقدار من الزمان تتمكّن فيه من إتيان صلاة مع الطهارة الترابية وفقدان بعض الشرائط الاختيارية - تجب عليها الصلاة كذلك ، فالقاعدة تقتضي القضاء مع تركها لأجل الجهل بالواقعة ؛ لتوجّه أمر الصلاة إليها وفوتها منها .

بل الأمر كذلك لو تمسّكنا في وجوب القضاء بالطائفة الثانية من أخبار القضاء ؛ وهي ما لم يؤخذ فيها عنوان «الفوت» ؛ لأنّ مساقها فيما إذا ترك المكلّف الصلاة التي كانت مكتوبة عليه في الوقت ، كصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام : أ نّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور ، أو نسي صلوات لم يصلّها ، أو نام عنها ، قال : «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها»(1) . . . إلى غير ذلك من الروايات ،

ص: 291


1- الكافي 3 : 292 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 266 / 1059 ؛ وسائل الشيعة 8 : 256 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 2 ، الحديث 3 .

وليس فيها ما يدلّ على وجوب القضاء على من ترك الصلاة التي هي غير مشروعة له ، فضلاً عمّا كانت محرّمة عليه .

بل الظاهر أنّ نفس عنوان «القضاء» أيضاً يدلّ على المطلوب ؛ لأ نّه - بحسب المتفاهم العرفي - عبارة عن جبران ما شرع في الوقت - إيجاباً أو استحباباً - خارج الوقت ، وأمّا إذا لم يشرع في الوقت أو كان حراماً عليه ، فلا يصدق على إتيانه خارج الوقت عنوان «القضاء» ، فتبعية القضاء للأداء - على ما ذكرنا - موافقة للقاعدة .

فتحصّل من جميع ما ذكرنا : أنّ كلّ مورد لو اطّلع المكلّف على الواقعة وكان واجباً عليه إتيان الصلاة ولو بنحو الاضطرار ، يجب عليه القضاء لو تركها ؛ لصدق «الفوت» ، فإذا وسع الوقت بحسب الواقع بمقدار صلاة اضطرارية - بل بمقدار نفس الصلاة فقط - فطمثت ، وجب عليها بمقتضى أدلّة القضاء إتيانها بعد الطهر قضاءً .

وما يتوهّم من عدم الأمر بالمقدّمات قبل الوقت ، قد فرغنا عن ضعفه(1) ، وذكرنا في محلّه : أنّ مناط عبادية الطهارات ليس هو الأوامر الغيرية ، بل الأمر النفسي المتعلّق بها (2) ، وذكرنا في محلّه حال التيمّم أيضاً (3) .

ص: 292


1- مناهج الوصول 1 : 289 - 292 .
2- مناهج الوصول 1 : 316 - 320 .
3- يأتي في الجزء الثاني : 10 .
تعارض أدلّة عدم القضاء مع الأدلّة السابقة

هذا ، ولكن في مقابل أدلّة القضاء ما دلّ على أنّ الحائض لا تقضي الصلاة ،

ففي صحيحة زرارة قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن قضاء الحائض الصلاة ، ثمّ تقضي الصيام ، قال : «ليس عليها أن تقضي الصلاة ، وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان» ثمّ أقبل عليّ فقال : «إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كان يأمر بذلك فاطمة ، وكانت تأمر بذلك المؤمنات»(1) .

ورواية الحسن بن راشد قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الحائض تقضي الصلاة ؟ قال : «لا» . قلت : تقضي الصوم ؟ قال : «نعم» . قلت : من أين جاء هذا ؟ قال : «أوّل من قاس إبليس . . .»(2) الحديث . . . إلى غير ذلك .

ويقع الكلام فيها - بعد القطع بلزوم استناد الترك في عدم وجوب القضاء إلى الحيض في الجملة - في أ نّه هل المتفاهم منها أنّ الصلاة إذا كان تركها مستنداً إلى الحيض في الجملة - ولو في بعض الوقت - لا تقضي ؛ حتّى يكون لازمه عدم القضاء ولو حاضت قبل تمام الوقت بمقدار يسع الصلاة ؛ لأنّ تركها وإن كان غير مستند إلى الحيض فقط ، لكنّه مستند إليه في الجملة ؟

أو أنّ المراد هو الاستناد إليه فقط ، فإذا تركتها في بعض الوقت بتخيّل سعته

ص: 293


1- الكافي 3 : 104 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 160 / 459 ؛ وسائل الشيعة 2 : 347 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 41 ، الحديث 2 .
2- الكافي 3 : 104 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 160 / 458 ؛ وسائل الشيعة 2 : 347 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 41 ، الحديث 3 .

فأدركها الطمث ، وجب عليها القضاء ؛ لعدم كون الترك مستنداً إلى الحيض فقط ،

بل كان الاستناد في بعض الوقت إلى غيره ؟

الظاهر هو الثاني ؛ لظهور الأدلّة في أنّ ترك الطبيعة إذا كان مستنداً إلى الحيض ، لا يجب القضاء ، وهو لا يصدق إلاّ على الوجه الثاني بحسب نظر العرف المتّبع في مثل المقام . وهذا ظاهر .

لكنّ الإشكال في أنّ الظاهر من الأدلّة ، هل هو ترك الصلاة المتعارفة لها مع قطع النظر عن عروض الحيض ؛ أي إذا استند ترك صلاتها إليه بحسب حالها المتعارف - من القصر والإتمام والطول والقصر والاشتمال على المستحبّات المتداولة - لا يجب عليها القضاء ؟

أو إذا كان مستنداً إليه مع أقلّ الواجب ؟

أو إذا كان مستنداً إليه حتّى بمصداقها الاضطراري من الطهور وغيره ؛ حتّى مثل ترك بعض الواجبات كالسورة مثلاً ؟

وبعبارة اُخرى : ترك الصلاة التي لو علمت بالواقعة وجب عليها إتيانها إذا كان مستنداً إلى الحيض ، لا يجب عليها قضاؤها ، فيجب عليها القضاء إذا وسع الوقت لنفس الصلاة بمصداقها الاضطراري ، مع فقد جميع المستحبّات وبعض الواجبات ؛ إذا قلنا بسقوطه عند الاضطرار والضيق ؟

الأقوى هو الأوّل ؛ لا بمعنى ملاحظة حالها الشخصي ولو كان غير متعارف ، كقراءة السور الطوال والأذكار الكثيرة الغير المتداولة ، بل بمعنى المصداق المتعارف عند نوع المكلّفين ؛ أي المشتمل على الواجبات والمستحبّات المتداولة ، والواجد للشرائط بحسب تكليفها الفعلي ؛ من القصر والإتمام ،

ص: 294

ووجدان الماء وفقدانه ، وواجديتها للمقدّمات وعدمها . . . إلى غير ذلك ؛ ضرورة

أنّ العرف لا ينقدح في ذهنه - عند سماع تلك الروايات وعرضها عليه - إلاّ ذلك ، وغيره يحتاج إلى تقدير الحائض على غير ما هي عليه ، وهو خلاف الارتكاز العرفي والمتفاهم العقلائي من الروايات .

فهل ترى من نفسك أنّ المرأة إذا سمعت فقيهاً يقول : «إذا تركتِ صلاتك لأجل عروض الحيض فليس عليك قضاء» فاشتغلت في أوّل الوقت بالطهور والصلاة ، فعرض لها الطمث في الركعة الثالثة ، تشكّ في كونها مشمولة للفتوى ؛ باحتمال لزوم تقدير نفسها في مقام المضطرّ الفاقد للماء المضيّق عليها الوقت ؟ ! أم لا ينقدح في ذهنها إلاّ صلاتها المتعارفة بحسب حالها مع قطع النظر عن عروض الحيض ؟

ولعمري ، إنّ هذا التنزيل والتقدير ممّا لا

ينقدح إلاّ في ذهن الأوحدي من الناس ؛ أي أهل العلم فقط ، لا نوع العقلاء والعرف ممّن يكون فهمهم معياراً لتعيين مفاهيم الأخبار .

ثمّ إنّ ما ذكرنا إنّما هو بالنسبة إلى الشرائط التي يتعارف تحصيلها في الوقت ، كالوضوء والغسل مثلاً ، على تأمّل في الثاني .

وأمّا الشرائط الحاصلة لنوع المكلّفين قبل الوقت - كالستر والعلم بالقبلة - فلا يلاحظ مقدار تحصيلها لو اتّفق عدم حصولها ، فالفاقدة للساتر والجاهلة بالقبلة إذا كانتا بصدد تحصيلهما ، وطال الوقت حتّى عرض لهما الطمث ، يجب عليهما قضاء صلاتهما ؛ لإطلاق أدلّة الفوت وعدم وجود مقيّد لها ؛ لخروج هذه الفروض النادرة عن مثل قوله : «الحائض لا تقضي الصلاة» لأنّ ترك الصلاة

ص: 295

بحسب المتعارف غير مستند إلى الحيض فقط .

وكذا من كان تكليفها التيمّم ، لكن أخّرت الصلاة إلى آخر الوقت فطمثت ، يجب عليها القضاء ؛ لعدم الاستناد - بحسب المتعارف - إلى الحيض .

وبالجملة : لا بدّ من لحاظ حال المرأة وحال الشرائط وتعارفها ، وتكليف المرأة بالفعل وحالاتها الاختيارية ، إلاّ أن يكون الاضطرار من غير جهة الحيض .

هذا كلّه بحسب القواعد الأوّلية .

مقتضى الأخبار الخاصّة في المقام

وأمّا الأخبار الخاصّة ، ففي موثّقة يونس بن يعقوب - بناءً على وثاقة الزبيري(1) - عن أبي عبداللّه علیه السلام : قال في امرأة دخل عليها وقت الصلاة وهي طاهرة ، فأخّرت الصلاة حتّى حاضت ، قال : «تقضي إذا طهرت»(2) .

وليست هذه مخالفة للقاعدة المتقدّمة ؛ لظهورها في سعة الوقت وتأخيرها حتّى طمثت .

نعم ، يخالفها إطلاق رواية عبد الرحمان بن الحجّاج ، قال : سألته عن المرأة تطمث بعد ما تزول الشمس ولم تصلّ الظهر ، هل عليها قضاء تلك الصلاة ؟ قال : «نعم»(3) .

ص: 296


1- تقدّم الكلام فيه في الصفحة 72 و79 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 392 / 1211 ؛ وسائل الشيعة 2 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 48 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 394 / 1221 ؛ وسائل الشيعة 2 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 48 ، الحديث 5 .

وإطلاقها يشمل ما إذا ضاق الوقت عن إدراك الصلاة . وليس لها ظهور في سعة الوقت للصلاة ؛ لو لم نقل : إنّ السؤال منحصر بما إذا زالت الشمس وطمثت ، ولم يُمهلها أن تصلّي ، فكأ نّه قال : «لو طمثت بعد زوال الشمس بلا مهلة وقبل صلاتها ، هل عليها القضاء ، أو لا بدّ من مضيّ زمان تدرك الصلاة ؟» ولو لم يسلّم ذلك فلا أقلّ من الإطلاق .

ودعوى : أنّ الظاهر أنّ السلب بسلب المحمول لا الموضوع ، كأ نّها في غير موقعها .

ولو لا ضعف سندها بشاذان بن الخليل ، أو عدم ثبوت اعتبارها لأجل عدم ثبوت وثاقته(1) ، ومخالفتها لفتاوى الأصحاب ، لكان العمل بها متعيّناً ، ولا تنافيها الأخبار المتقدّمة ، لكنّهما مانعان عن العمل بها .

وأمّا موثّقة سماعة قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن امرأة صلّت من الظهر ركعتين ، ثمّ إنّها طمثت وهي جالسة ، فقال : «تقوم من مكانها ، ولا تقضي الركعتين»(2) .

فلا بدّ من حملها على النهي عن إتيان بقيّة الصلاة ؛ لو لم نقل بظهورها فيه ؛ بملاحظة قوله : «تقوم من مكانها» فكأ نّه قال : «تقوم عن مكانها ، ولا تأتي بالركعتين الأخيرتين» ، وحمل «القضاء» على المعنى اللغوي غير بعيد ، كحمل الركعتين على الأخيرتين ، وإلاّ فلا بدّ من ردّ علمها إلى أهله ؛ فإنّ الحمل على

ص: 297


1- راجع تنقيح المقال 2 : 80 / السطر 3 (أبواب الشين) .
2- تهذيب الأحكام 1 : 394 / 1220 ؛ وسائل الشيعة 2 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 48 ، الحديث 6 .

أوّل الوقت حمل على النادر .

والظاهر منها عدم قضاء الركعتين الاُوليين لو حمل «القضاء» على الاصطلاحي منه ، وفي مقام التحديد والبيان يفهم منها عدم لزوم قضاء الاُوليين ولزوم قضاء البقيّة ، وهو - كما ترى - لا يمكن الالتزام به ، فمصيرها حينئذٍ مصير

ضعيفة أبي الورد(1) قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر وقد صلّت ركعتين ،ثمّ ترى الدم ، قال : «تقوم من مسجدها ، ولا تقضي الركعتين ، وإن كانت رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلّت ركعتين ، فلتقم من مسجدها ، فإذا تطهّرت فلتقضِ الركعة التي فاتتها من المغرب»(2) .

فلا بدّ من توجيهها كما وجّهها العلاّمة في «المختلف»(3) أو ردّ علمها إلى أهله .

كما أنّ موثّقة الفضل بن يونس(4) - ممّا هي دالّة على خروج وقت الظهر بعد أربعة أقدام - في سلك الروايات الواردة في تحديد الوقت على خلاف الإجماع ، بل الضرورة والروايات الكثيرة المعمول بها ، فهي أيضاً مطروحة أو مأوّلة .

ص: 298


1- توصيف الرواية بالضعف لوقوع أبي الورد في السند ؛ فإنّه مهمل لم يرد في شأنه شيء من الجرح أو التعديل . اُنظر رجال الطوسي : 150 / 1 ؛ رجال البرقي : 58 / 151 .
2- الكافي 3 : 103 / 5 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 392 / 1210 ؛ وسائل الشيعة 2 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 48 ، الحديث 3 .
3- مختلف الشيعة 1 : 208 .
4- الكافي 3 : 102 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 389 / 1199 ؛ وسائل الشيعة 2 : 359 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 48 ، الحديث 1 .
الأمر السابع في حكم صلاة الحائض إن طهرت آخر الوقت
اشارة

إن طهرت الحائض في آخر الوقت ، فإن أدركت جميع الصلاة بشرائطها الاختيارية ، فلا إشكال في وجوبها عليها ومع تركها في وجوب القضاء ، بحسب القواعد والنصوص الخاصّة(1) ، وعليه الفتوى(2) .

حكم إدراك ركعة من العصر والعشاء والصبح مع الشرائط الاختيارية

وكذا لو أدركت ركعة من وقت العصر والعشاء والصبح مع جميع الشرائط الاختيارية ؛ بلا وجدان خلاف كما في «الجواهر»(3) ، وعن «المنتهى» نفي الخلاف بين أهل العلم(4) ، وفي «الخلاف» و«المدارك» الإجماع عليه(5) .

ويدلّ عليه النبوي المشهور : «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة»(6) .

ص: 299


1- وسائل الشيعة 2 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 49 .
2- النهاية : 27 ؛ المعتبر 1 : 237 ؛ تحرير الأحكام 1 : 106 .
3- جواهر الكلام 3 : 212 .
4- منتهى المطلب 4 : 108 .
5- الخلاف 1 : 271 - 272 ؛ مدارك الأحكام 1 : 342 .
6- ذكرى الشيعة 2 : 352 ؛ وسائل الشيعة 4 : 218 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 30 ، الحديث 4 ؛ صحيح البخاري 1 : 298 / 547 ؛ صحيح مسلم 2 : 70 / 161 .

والعلوي : «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس ، فقد أدرك العصر»(1) .

ورواية أصبغ بن نُباتة قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام : «من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة»(2) .

وضعف إسنادها منجبر بالعمل بها قديماً وحديثاً ، فقد تمسّك بها الشيخ في «الخلاف» وادّعى إجماع الاُمّة على ذلك . وقال في الصبيّ والمجنون والحائض والنفساء والكافر :

«إنّه لا خلاف بين أهل العلم في أنّ واحداً من هؤلاء الذين ذكرناهم إذا أدرك

قبل غروب الشمس بركعة ، أ نّه يلزمه العصر ، وكذلك إذا أدرك قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة ، أ نّه يلزمه العشاء ، وقبل طلوع الشمس بركعة يلزمه الصبح ؛ لما روي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أ نّه قال : «من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»(3) وكذلك روي عن أئمّتنا»(4) .

وفي «المدارك» بعد ذكر الروايات : «وهذه الروايات وإن ضعف سندها إلاّ أنّ

ص: 300


1- اُنظر جواهر الكلام 3 : 213 ؛ وسائل الشيعة 4 : 218 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 30 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 38 / 119 ؛ وسائل الشيعة 4 : 217 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 30 ، الحديث 2 .
3- صحيح البخاري 1 : 298 / 546 ؛ صحيح مسلم 2 : 71 / 163 ؛ سنن ابن ماجة 1 : 229 / 700 .
4- الخلاف 1 : 271 - 272 .

عمل الطائفة عليها ، ولا معارض لها ، فيتعيّن العمل بها»(1) .

والإنصاف : أنّ فتوى الأصحاب على طبقها وتمسّكَ أرباب الاستدلال بها - في مثل تلك المسألة المخالفة للقواعد - موجب لانجبار سندها ، فلا إشكال من هذه الحيثية .

وإنّما الإشكال في دلالتها وحدود مفادها ،فقد يستشكل في النبوي الذي هو أوسع دلالة : باحتمال أنّ إدراك ركعة مع الإمام بمنزلة إدراك جميع الصلاة(2) .

وفيه : - مع أ نّه مخالف لظاهره ؛ فإنّ الظاهر إدراك نفس الصلاة ، لا إدراك الجماعة أو فضيلتها ، وهو لا ينطبق إلاّ على إدراك الوقت - أنّ ورود سائر الروايات في الغداة والعصر بهذا المضمون ، يوجب الاطمئنان بأنّ النبوي وسائر ما يشابهه مضموناً وعبارةً من وادٍ واحد ، فيرفع الاحتمال أو الإجمال منه - على فرضه - بغيره . مع أنّ فهم الأصحاب - بل سائر العلماء قديماً وحديثاً - يوجب الوثوق بمفاده ، فلا إشكال من هذه الجهة أيضاً .

وقد يستشكل فيها : بأنّ مفادها هو مضيّ الركعة خارجاً ، لا جواز الدخول في الصلاة من أوّل الأمر لمن علم إدراك ركعة من الوقت ، فمعنى «من أدرك ركعة . . .» : من دخل في الصلاة غافلاً أو باعتقاد سعة الوقت ، ثمّ أدرك ركعة منها ، فقد أدرك الوقت . وهذا نظير إدراك أوّل الوقت إذا دخل في الصلاة قبل الوقت ، فوقع بعضها فيه(3) .

ص: 301


1- مدارك الأحكام 3 : 93 .
2- الصلاة ، المحقّق الحائري : 17 ؛ مستمسك العروة الوثقى 5 : 101 .
3- نفس المصدر .

وفيه : أنّ المتفاهم من هذه العبارة هو توسعة الوقت للمدرك ركعة ، فكأ نّه قال : «إدراك ركعة من الوقت إدراك لجميع الوقت» .

وبعبارة اُخرى : لا يفهم العرف خصوصية للدخول في الصلاة ، بل ما يفهم منه أنّ لإدراك بعض الوقت خصوصيةً .

وقياس آخر الوقت بأوّله في غير محلّه بعد كون لسان الدليلين مختلفين . والشاهد على هذا الفهم العرفي فهم علماء الفريقين ، وليس شيء في الباب غير تلك الروايات .

مع عدم بُعد استفادة المعنى الاستقبالي منه ، فقوله : «من أدرك ركعة . . .» معناه : من يدرك ، فحينئذٍ لا قصور في دلالة اللفظ أيضاً .

ثمّ إنّ المتفاهم منها أنّ المدرك لركعة من الصلاة التي هي تكليفها فعلاً - بشرائطها الاختيارية من الطهور وغيره - بمنزلة مدرك الوقت ، فلا تعمّ ما إذا أدركها بمصداقها الاضطراري ، فإدراك ركعة مع الطهارة الترابية لمن كان تكليفها الطهارة المائية ، غير مشمول لها ، كإدراكها مع فقد سائر الشرائط .

وبعبارة اُخرى : أنّ الظاهر منها أنّ الصلاة المكتوبة على الشخص الذي تكون وظيفته الإتيان بها ، إذا أدرك ركعة منها في الوقت ، فقد أدرك الوقت .

نعم ، لا إشكال في خروج الآداب والمستحبّات ، فمن أدركها بواجباتها وشرائطها فقد أدرك وإن كان الوقت مضيّقاً عن إتيان المستحبّات .

هذا كلّه في إدراك العشاء والعصر والصبح ممّا لا مزاحم لها .

ص: 302

حكم إدراك ركعة من الظهر والمغرب مع الشرائط الاختيارية

وأمّا بالنسبة إلى صلاة المغرب والظهر فهو أيضاً كذلك ، كما هو المشهور نقلاً وتحصيلاً ، على ما في «الجواهر»(1) ، وادّعى في «الخلاف» عدم الخلاف فيه(2) .

وعن طهارة «المبسوط» وعن بعض آخر الاستحباب(3) .

وعن بعضٍ استحباب فعل الظهرين بإدراك خمس قبل الغروب ، والعشاءين بإدراك أربع قبل الفجر(4) .

وعن «الفقيه» : «إن بقي من النهار بمقدار ستّ ركعات بدأ بالظهر»(5) .

ويدلّ على ما ذكرنا النبوي المتقدّم .

وقد يقال : إنّ «من أدرك . . .» لا يقتضي مزاحمة الظهر مثلاً للوقت الاختياري من العصر ، وإنّ مقتضى أدلّة الاختصاص عدم وقوع الظهر في الوقت الاختصاصي . بل الظاهر قصور دليل «من أدرك . . .» عن تجويز تأخير العصر اختياراً إلى إدراك ركعة منه ، كما لا يستفاد منه جواز تأخير الصلاة في سعة الوقت إلى زمان إدراك الركعة(6) .

ص: 303


1- جواهر الكلام 3 : 212 .
2- الخلاف 1 : 273 .
3- المبسوط 1 : 45 ؛ المهذّب 1 : 36 .
4- إصباح الشيعة : 36 .
5- الفقيه 1 : 232 ، ذيل الحديث 46 .
6- الصلاة ، المحقّق الحائري : 17 - 18 ؛ نهاية التقرير 1 : 43 - 44 .

وفيه : أ نّه إن كان المانع من التمسّك به هو أدلّة الاختصاص ، فلا تكون مزاحمة له ؛ فإنّ مفادها هو لزوم العصر إذا بقي من الوقت أربع ركعات ، ففي صحيحة إسماعيل بن همّام - على الأصحّ(1) - عن أبي الحسن علیه السلام : أ نّه قال في الرجل يؤخّر الظهر حتّى يدخل وقت العصر : «إنّه يبدأ بالعصر ، ثمّ يصلّي الظهر»(2) .

وفي صحيحة الحلبي قال : سألته عن رجل نسي الاُولى والعصر جميعاً ، ثمّ ذكر ذلك عند غروب الشمس ، فقال : «إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر ، ثمّ ليصلّ العصر ، وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ، ولا يؤخّرها فتفوته ، فيكون قد فاتتاه جميعاً ، ولكن يصلّي العصر فيما قد بقي

ص: 304


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن العبّاس ، عن إسماعيل بن همّام . لا إشكال في السند إلاّ في طريق الشيخ إلى محمّد بن علي بن محبوب ، فإنّ فيه أحمد ابن محمّد بن يحيى العطّار - حيث قال في مشيخته : وما ذكرته في هذا الكتاب عن محمّد بن علي بن محبوب فقد أخبرني به الحسين بن عبيداللّه ، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار ، عن أبيه محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن علي بن محبوب - وهو محلّ كلام إلاّ أ نّه وثّقه العلاّمة والمجلسي ، ولا إشكال في وثاقته بلحاظ رواياته الكثيرة في أبواب الفقه ، كما قال المصنّف قدس سره في بعض تقريراته الاُصولية في تصحيح حديث الرفع . تهذيب الأحكام ، المشيخة 10 : 72 ؛ تنقيح المقال 1 : 95 / السطر 24 ؛ تنقيح الاُصول 3 : 217 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 271 / 1080 ؛ وسائل الشيعة 4 : 129 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 4 ، الحديث 17 .

من وقتها ، ثمّ ليصلِّ الاُولى بعد ذلك على أثرها»(1) . . . إلى غير ذلك .

وظاهر الاُولى هو أ نّه إذا دخل وقت العصر - أي الوقت الاختصاصي - يجب البدء به ، وهو الظاهر من الثانية أيضاً ، وحينئذٍ تكون تلك الروايات مشعرة بأنّ الظهر لا يزاحم العصر في جميع وقتها ، لا في بعضه ، وإلاّ كان الحقّ أن يقول : «إذا بقي من الوقت سبع ركعات يصلّي العصر» فهذه إن لم تكن مؤيّدة لانطباق حديث «من أدرك . . .» على الظهر ، لم تكن مخالفة له أيضاً .

وإن كان المانع هو الأدلّة العامّة لجعل الأوقات(2) ، فلاإشكال في حكومته عليها .

وإن كان المانع هو عدم انطباقه على العصر الذي يمكن إدراكه بجميع وقته ، فلا يجوز تأخير العصر اختياراً إلى ضيق الوقت بمقدار إدراك ركعة ، ففيه : أنّ انطباقه على الظهر موجب لحصول الموضوع للعصر ؛ ضرورة أنّ ترك العصر حينئذٍ ليس باختيار المكلّف ، بل بحكم الشارع .

وبعبارة اُخرى : أ نّه لا إشكال - على فرض اختصاص الوقت بالعصر - في أ نّه إن بقي من الوقت خمس ركعات ، يكون الظهر مشمولاً للنبوي ومع شموله له يجب بحكمه إتيان الظهر المدرك لوقته التنزيلي ، ومع لزوم إتيانه يبقى للعصر ركعة ، فيشمله النبوي . وليس هذا تأخير العصر اختياراً حتّى يقال : لا يجوز التأخير إلى زمان إدراك الركعة ، بل هو تأخير بحكم الشرع .

هذا كلّه حال إدراك ركعة جامعة للشرائط .

ص: 305


1- تهذيب الأحكام 2 : 269 / 1074 ؛ وسائل الشيعة 4 : 129 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 4 ، الحديث 18 .
2- راجع وسائل الشيعة 4 : 156 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 10 .
حكم إدراك أقلّ من ركعة مع الشرائط الاختيارية

وأمّا لو لم تدرك ركعة ، بل أدركت أقلّ منها ، فمقتضى القواعد الأوّلية والثانوية فوتها :

أمّا الأوّلية فواضح .

وأمّا الثانوية فكذلك أيضاً ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ إدراك الركعة غاية ما يمكن الإدراك معه ، ولو كانت تدرك الصلاة بأقلّ منها لما جاز التحديد بالركعة . نعم هنا روايات سيأتي التكلّم عليها .

حكم إدراك تمام الصلاة بفردها الاضطراري

ثمّ لو أمكن لها إدراك تمام الصلاة في الوقت ، لكن لا الاختياري منها ، بل الاضطراري ، كالصلاة مع التيمّم ، أو بلا ستر ، أو مع نجاسة البدن ، أو غير ذلك ، فهل القواعد - مع قطع النظر عن النصوص الخاصّة - تقتضي لزوم الإتيان ، وعلى فرض الترك القضاء ؟

مقتضى القواعد في المقام

قد يقال : «إنّ الأصل في كلّ شرط انتفاء المشروط بانتفائه ، مع الشكّ في شمول ما دلّ على سقوطه عند الاضطرار لمثل المقام الذي هو ابتداء التكليف»(1) .

ص: 306


1- جواهر الكلام 3 : 215 .

لكنّ الإنصاف : أنّ ملاحظة الموارد الكثيرة التي رجّح الشارع فيها جانب الوقت على سائر الشرائط - كترجيحه على الطهارة المائية(1) وعلى الستر(2)

وطهارة البدن(3) ، بل ترجيحه على الركوع والسجود الاختياريين . . . إلى غير ذلك من الموارد(4) - توجب القطع بأنّ للوقت خصوصية ليست لسائر الشرائط ، وأنّ المكلّف إذا أمكنه إتيان الصلاة بأيّ نحو في الوقت ، يلزم عليه الإتيان .

ويدلّ عليه قوله : «إنّ الصلاة لا تترك بحال»(5) ، فمع النظر إلى هذا وإلى تلك الموارد الكثيرة ، يشرف الفقيه على القطع بأنّ المكلّف إذا أمكنه إدراك الصلاة في الوقت ولو بفردها الاضطراري ، يجب عليه الإتيان ، ومع الترك يجب القضاء للفوت ؛ من غير فرق بين التكليف الابتدائي وغيره .

هذا كلّه بحسب القواعد .

ص: 307


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 341 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 4 : 451 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب52 ، الحديث1.
3- راجع وسائل الشيعة 1 : 297 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 19 .
4- راجع وسائل الشيعة 8 : 439 ، كتاب الصلاة ، أبواب صلاة الخوف والمطاردة ، الباب 3 و4 و5 و6 .
5- لم نعثر على هذا الحديث بهذا اللفظ في الكتب الروائية ، نعم في صحيحة زرارة الواردة في أبواب الاستحاضة : «لا تدع الصلاة على حال» . وسائل الشيعة 2 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 5 ، وراجع ما يأتي في الجزء الثاني : 393 .
مقتضى الروايات الخاصّة

وأمّا الروايات الخاصّة ، فهي على طوائف :

منها : ما دلّت على أ نّها إن طهرت قبل غروب الشمس أو قبل الفجر صلّت ، كرواية أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء ، وإن طهرت قبل أن تغيب الشمس صلّت الظهر والعصر»(1) ومثلها موثّقة ابن سنان(2) ورواية الدجاجي(3) ورواية عمر بن حنظلة(4) .

والظاهر أ نّها مستند المحقّق في إيجابه الصلاة عليها مع تمكّنها من الطهارة

والشروع في الصلاة ، كما هو المحكيّ عن «المعتبر»(5) .

لكنّ الظاهر منها - مع قطع النظر عن سائر الروايات - هو حصول الطهر قبل خروج الوقت بمقدار يمكنها إدراك الصلاة أداءً ؛ فإنّها ظاهرة في كون الصلاة أداءً لا قضاءً ، فهي متعرّضة لوجوب الصلاة عليها إذا طهرت قبل

ص: 308


1- تهذيب الأحكام 1 : 390 / 1203 ؛ وسائل الشيعة 2 : 363 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 49 ، الحديث 7 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 390 / 1204 ؛ وسائل الشيعة 2 : 364 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 49 ، الحديث 10 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 390 / 1205 ؛ وسائل الشيعة 2 : 364 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 49 ، الحديث 11 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 391 / 1206 ؛ وسائل الشيعة 2 : 364 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 49 ، الحديث 12 .
5- المعتبر 1 : 240 .

غروب الشمس ، وأدركت ما هو تكليفها الفعلي .

وعلى فرض الأخذ بإطلاقها والجمود عليه ، يكون مفادها - بالإطلاق - أوسع ممّا ذكره المحقّق ، فلا يلزم في وجوبها عليها إدراك الطهور وبعض الصلاة في الوقت ؛ ضرورة صدق «الطهر قبل أن يطلع الفجر» على الطهر قبله بهنيئة لا يمكنها فيها التطهّر وإدراك بعض الصلاة ، مع أ نّه لا يلتزم به ، وبعده لا

وجه لما ذكره ، بل الوجه هو إدراك الصلاة أداءً على ما هو وظيفتها .

نعم ، لا فرق ظاهراً بين إدراكها مع الطهارة المائية أو الترابية ، أو مع إدراك سائر الشرائط الاختيارية وعدمه ، فلا تنافي تلك الروايات القاعدة المؤسّسة المتقدّمة بل تعاضدها ، فتجب عليها الصلاة إذا أدركت ثماني ركعات مع الطهارة الترابية وفقد الشرائط الاختيارية ، كما يجب عليها مع إدراك ركعة بشرائطها الاختيارية ، حسب ما فصّلناه آنفاً .

ومنها : ما فصّلت بين حصول الطهر قبل العصر وغيره ، كرواية منصور بن حازم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر والعصر ، فإن طهرت في آخر وقت العصر صلّت العصر»(1) .

والظاهر أنّ المراد ب- «قبل العصر» قبل الوقت المختصّ ، وب- «آخر الوقت» هو المختصّ ، وهي شارحة لمفاد الروايات المتقدّمة ، أو مقيّدة لها على فرض إطلاقها .

لكنّ المستفاد منها أ نّها إن طهرت في آخر وقت العصر - أي الوقت المختصّ

ص: 309


1- تهذيب الأحكام 1 : 390 / 1202 ؛ وسائل الشيعة 2 : 363 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 49 ، الحديث 6 .

به - تجب عليها الصلاة ، ومعلوم أنّ نوع النساء لا يمكنهنّ إدراك الطهارة

المائية إذا طهرن آخر وقت العصر ، فإيجاب الصلاة عليهنّ لا يكون إلاّ مع الطهارة الترابية . وحملها على آخر الوقت الإضافي - أي أواخر الوقت ؛ بحيث يمكنهنّ الطهارة وإدراك الصلاة ولو ركعة - في غاية البعد ، خصوصاً مع السبق بالجملة المتقدّمة .

وأمّا صحيحة إسماعيل بن همّام ، عن أبي الحسن علیه السلام : «في الحائض إذا اغتسلت في وقت العصر : تصلّي العصر ، ثمّ تصلّي الظهر»(1) فقد حملها الشيخ على أ نّها طهرت وقت الظهر ، وأخّرت الغسل حتّى ضاق الوقت(2) . ولا بأس به جمعاً بينها وبين سائر الروايات . مع أنّ التعبير ب- «اغتسلت في وقت العصر» - دون «طهرت» - لا يخلو من إشعار بذلك .

ومنها : ما تعرّضت للقضاء ، واستدلّوا بها للزوم سعة الوقت في الأداء والقضاء بمقدار الطهارة المائية وعدم كفاية الترابية ، كصحيحة عبيد بن زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قال : «أيّما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل

في وقت صلاة ، ففرّطت فيها حتّى يدخل وقت صلاة اُخرى ، كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرّطت فيها ، وإن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك ، فجاز وقت الصلاة ، ودخل وقت صلاة اُخرى ، فليس عليها قضاء ، وتصلّي

ص: 310


1- تهذيب الأحكام 1 : 398 / 1241 ؛ وسائل الشيعة 2 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 49 ، الحديث 14 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 398 ، ذيل الحديث 1241 ؛ الاستبصار 1 : 143 ، ذيل الحديث 488 .

الصلاة التي دخل وقتها»(1) .

وموثّقة الحلبي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في المرأة تقوم في وقت الصلاة ، فلا تقضي ظهرها حتّى تفوتها الصلاة ، ويخرج الوقت ، أتقضي الصلاة التي فاتتها ؟ قال : «إن كانت تَوانَتْ قضتها ، وإن كانت دائبة في غسلها فلا تقضي»(2) .

وموثّقة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما علیهما السلام قال : قلت : المرأة ترى الطهر عند الظهر ، فتشتغل في شأنها حتّى يدخل وقت العصر ، قال : «تُصلّي العصر وحدها ، فإن ضيّعت فعليها صلاتان»(3) .

وادّعى الأعلام استفادة اشتراط سعة الوقت للطهارة المائية منها . وفي «الجواهر» : «أ نّه مجمع عليه هنا بحسب الظاهر»(4) ، وكلمات الأصحاب وإن كانت مقصورة على ذكر الطهارة بلا قيد «المائية»(5) لكنّ الظاهر أنّ مرادهم المائية ؛ لأنّ الترابية ليست عندهم طهارة ، بل مبيحة على المشهور نقلاً وتحصيلاً ، بل كاد أن يكون إجماعاً ، كما في «الجواهر»(6) .

ص: 311


1- الكافي 3 : 103 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 392 / 1209 ؛ وسائل الشيعة 2 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 49 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 391 / 1207 ؛ وسائل الشيعة 2 : 364 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 49 ، الحديث 8 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 389 / 1200 ؛ الاستبصار 1 : 142 / 486 ؛ وسائل الشيعة 2 : 363 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 49 ، الحديث 5 .
4- جواهر الكلام 3 : 215 .
5- المعتبر 1 : 237 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 274 ؛ جامع المقاصد 1 : 335 - 336 .
6- جواهر الكلام 5 : 167 .

ولو لا اشتهار الحكم بين الأصحاب على الظاهر ، لكان للخدشة فيه مجال ؛ فإنّ الروايات كلّها بصدد بيان حكم القضاء ، وأنّ المرأة إذا طهرت ففرّطت يجب عليها القضاء، وإن طهرت فقامت في تهيئة الغسل والعمل بالوظيفة ، فجاز الوقت، ليس عليها القضاء، ولا يبعد أن يكون المتفاهم منها - ولو بحسب القرائن الخارجية -

أنّ المرأة إذا طهرت فقامت لإتيان الغسل وتهيئة أسبابه ، فجاز الوقت فجأة ، مع غفلتها عن أنّ الاشتغال بشأنها يوجب فوت الوقت ، ليس عليها قضاء ، وهذا لا يدلّ على عدم وجوب الأداء عليها مع الطهارة الترابية لو علمت بضيق الوقت .

وبالجملة : إنّ الروايات متعرّضة لحكم آخر ؛ وهو حكم القضاء على فرض عدم تقصيرها وتفريطها ، وأمّا تكليفها في الوقت ماذا ، وأ نّه مع ضيق الوقت عن الطهارة المائية ، ليس عليها الأداء ، أو عليها ذلك ؟ فليست ناظرة إليها ، فرفع اليد

عن إطلاق ما دلّت على وجوب الصلاة عليها لو طهرت قبل الغروب أو آخر وقت العصر مشكل .

هذا إذا كان المراد منها ما إذا اشتغلت المرأة بشأنها حتّى جاز الوقت فجأة ، كما لا يبعد من سوق الروايات .

وأمّا إذا كان لها إطلاق من حيث العمد وعدمه ؛ وأ نّها مع الالتفات إلى ضيق الوقت وعدم الفرصة لتحصيل الطهارة المائية ، اشتغلت بتهيئة الغسل حتّى جاز الوقت ، فالظاهر دلالتها على مقصودهم ؛ بملاحظة استفادة ذلك من الدلالة على عدم تفريطها والعمل بوظيفتها ، وبملاحظة أنّ القضاء تابع للأداء ، والحكم بعدم القضاء عليها يكشف عن عدم الأداء عليها .

والإنصاف : أنّ الإطلاق وإن كان مشكلاً أو ممنوعاً في بعض الروايات ، لكنّ

ص: 312

الظاهر إطلاق بعضٍ منها ، فالوجه ما عليه الأصحاب واشتهر بينهم ، وادّعي الإجماع عليه ، فلا بدّ من تقييد المطلقات .

وأمّا رواية منصور بن حازم المتقدّمة ، ففيها ضعف بمحمّد بن الربيع المجهول . بل المطلقات المتقدّمة أيضاً ضعيفة :

أمّا رواية أبي الصباح فلاشتراك محمّد بن الفضيل بين الثقة وغيره . ورواية عمر بن حنظلة بأبي جميلة مفضّل بن صالح الضعيف .

نعم ، رواية عبداللّه بن سنان لا يبعد أن تكون موثّقة وإن كان في سندها الزبيري(1). لكن يمكن إنكار الإطلاق فيها بدعوى : أ نّه بعد عدم إمكان الأخذ بهذا الظاهر - أي مجرّد الطهر قبل الفجر والغروب - فلا محالة يكون المراد منها وقتاً تدرك فيه الصلاة ، ولم يعلم مقدار هذا الوقت ، ولعلّ المقدار المقدّر هو بمقدار الطهارة المائية ، فليتأمّل .

ثمّ إنّ هاهنا فروعاً اُخرى تنقيح بعضها مربوط بغير هذا المقام ، وبعضها واضح مدركاً وقولاً تركناه مخافة التطويل ، ونتعرّض لبعضها في المقصد الثاني إن شاء اللّه تعالى .

والحمد للّه أوّلاً وآخراً .

ص: 313


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن عبد الرحمان بن أبي نجران ، عن عبداللّه بن سنان . ولا يخفى أنّ في طريق الشيخ إلى علي بن الحسن ، علي بن محمّد بن الزبير القرشي . راجع ما تقدّم من الكلام في الزبيري في الصفحة 72 و79 .

ص: 314

المقصد الثاني: في الاستحاضة

اشارة

ص: 315

ص: 316

القول في حقيقة الاستحاضة

في ذكر معنى الاستحاضة لغة

وقد اختلفت كلمات اللغويين فيها ؛ ففي «الصحاح» : «استُحيضت المرأة : أي استمرّ بها الدم بعد أيّامها ، فهي مستحاضة»(1) ، وقريب منه عن «نهاية ابن الأثير»(2) ، ويشعر ذلك بعدم استعمال المعلوم(3) فيها ، مع استعمالها معلومة مراراً في مرسلة يونس الطويلة(4) .

وفي «القاموس» : «والمستحاضة من يسيل دمها لا من الحيض ، بل من عرق العاذل»(5) وقال أيضاً : «العاذل : عِرق يخرج منه دم الاستحاضة»(6) .

ص: 317


1- الصحاح 3 : 1073 .
2- النهاية ، ابن الأثير 1 : 469 .
3- أي بصيغة المبنيّ للمعلوم .
4- تأتي في الصفحة 363 .
5- القاموس المحيط 2 : 341 .
6- القاموس المحيط 4 : 14 .

وبه قال الجوهري أيضاً ، ونقل عن ابن عبّاس أ نّه قال حين سئل عن دم الاستحاضة : «ذاك العاذل»(1) .

وعن «المغرب» : «استُحيضت - بضمّ التاء - استمرّ بها الدم»(2) .

وفي «المجمع» : «إذا سال الدم من غير عِرق الحيض فهي مستحاضة»(3) .

ولم يذكر في «المنجد» الاستحاضة ، ولا عِرق العاذل .

وعن الزمخشري : «الاستحاضة تخرج من عِرق يقال له : العاذل» . وعن «الفائق» : «كأنّ تسمية ذلك العِرق بالعاذل لأ نّه سبب لعذل المرأة ؛ أي ملامتها عند زوجها»(4) .

والمظنون أنّ اللغة في المقام لا تخلو من شوب بما عن الشرع . ولعلّ قول ابن عبّاس أو بعض الروايات - كبعض فقرات مرسلة يونس على بعض النسخ - صار منشأً لذلك .

وعدم ذكر «المنجد» ما ذكره غيره غير خالٍ عن التأييد لما ذكرنا ، وإلاّ فمن المستبعد جدّاً بل كاد أن يكون ممتنعاً ، أن تكون الاستحاضة - بتلك الحدود التي لها في الشرع ، أو أفتى بها الفقهاء - منطبقة على ما ذكره الجماعة : من خروجها من عرق العاذل ، وكون مجراها غير مجرى الحيض ، فيكون الدم إلى آخر دقائق

ص: 318


1- الصحاح 5 : 1762 .
2- المغرب في ترتيب المعرب 1 : 236 .
3- مجمع البحرين 4 : 201 .
4- الفائق ، الزمخشري 2 : 408 .

اليوم العاشر مثلاً ، خارجاً من عرق الحيض ، وبعد ذلك ينسدّ ذلك العرق ، وينفتح

عرق العاذل لدفع الاستحاضة .

والناظر في مثل المرسلة ، لا ينبغي أن يشكّ في أنّ التعبيرات التي فيها تعبّدية

خارجة عن فهم العرف وأهل اللغة ، كقوله : «إنّما هو عزف» بالزاي المعجمة والفاء على ما في أكثر النسخ ، كما قال المجلسي(1) ، أو قوله : «عزف عامر» أو «ركضة من الشيطان» .

قال في «الوافي» - بعد نقله عن «نهاية ابن الأثير» : «أنّ العزف : بمعنى اللعب

بالمعازف أي الدفوف وغيرها»(2) - : «أقول : كأنّ المراد أ نّه لعب الشيطان بها في عبادتها ، كما يدلّ عليه قول الباقر علیه السلام : «عزف عامر» فإنّ «عامر» اسم الشيطان»(3) انتهى .

نعم ، في بعض النسخ بدل «عزف» : «إنّما هو عِرق» وبدل قوله : «عزف عامر» : «عرق غابر»(4) ، وعن بعض روايات العامّة : «عرق عاند»(5) .

وكيف كان : فلا يمكن لنا استفادة موضوع الاستحاضة من اللغة ؛ بحيث

يخرج عن الإبهام .

ص: 319


1- مرآة العقول 13 : 217 .
2- النهاية ، ابن الأثير 3 : 230 .
3- الوافي 6 : 459 - 460 .
4- الكافي 3 : 84 / 1 ؛ جامع أحاديث الشيعة 2 : 589 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 5 ، الحديث 2947 .
5- اُنظر مرآة العقول 13 : 218 ؛ الفائق ، الزمخشري 2 : 407 ؛ النهاية ، ابن الأثير 3 : 308 .

وما ذكره الجوهري(1) - مع إمكان أخذه من الروايات ، ومخالفته لمقتضى الاشتقاق - لا يمكن الركون إليه والوثوق به .

والأخبار الواردة في الاستحاضة وإن وردت غالباً فيمن استمرّ بها الدم بعد العادة(2) ، إلاّ أ نّها ليست على وجه يستفاد منها انحصار الاستحاضة بالدم المستمرّ بعد العادة ؛ وإن كان بعضها لا يخلو من إشعار بذلك . وسيأتي دلالة بعضها على كونها أعمّ من ذلك(3) .

وليس للاستحاضة معنى عرفي لدى العرف العامّ يمكن تطبيقه على الحدود التي وردت لها في الشرع بل لا يرى العرف الاستحاضة والحيض دمين ، بل قد يرى دم الحيض قليلاً محدوداً ، وقد يراه كثيراً مستمرّاً ويقال : «صارت فلانة دائمة الحيض» كما هو ظاهر الاشتقاق على وجه .

وفي مرسلة يونس : «أنّ حمنة بنت جحش قالت لرسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إنّي

استحضت حيضة شديدة» .

وفيها أيضاً : «أنّ فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقالت : إنّي اُستحاض فلا أطهر ، فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : ليس ذلك بحيض ، إنّما هو عزف» .

فأرادت بقولها : «إنّي اُستحاض فلا أطهر» صرت حائضاً حيضاً دائماً ، ولذا نفى حيضيته وقال : «إنّه عزف» أي لعب الشيطان ، كما مرّ .

ص: 320


1- تقدّم في الصفحة 317 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 .
3- يأتي في الصفحة 328 - 335 .
التحقيق في بيان موضوع الاستحاضة

نعم ، هنا كلام قد مرّ في أوّل بحث الحيض(1) ، ومجمله : أنّ الحيض هو الدم الطبيعي المقذوف من أرحام النساء ، ولمّا كانت الأرحام السليمة من الآفات والصحيحة من الأمراض ، لا تقذف - بحسب النوع - أقلّ من ثلاثة أيّام ، ولا أكثر من عشرة أيّام ، وقذف الأقلّ والأكثر منهما بحسب الطبع نادر جدّاً ، وكذا الحال بالنسبة إلى ما قبل البلوغ وبعد اليأس ، حدّد الشارع لدم الحيض حدوداً : فجعل أقلّ الحيض ثلاثة ، وأكثره عشرة ، وعلّق أحكاماً على الدم المقذوف من الثلاثة إلى العشرة بحيث لو علمنا أنّ الأقلّ أو الأكثر هو الدم المعهود المقذوف ، وكذا لو قذفت قبل البلوغ وبعد اليأس وعلمنا أ نّه هو المعهود المقذوف بحسب طبيعتها الشخصية ، لم نحكم بحيضيته ، ولم نرتّب عليه أحكامها ؛ لتحديد الشارع موضوع حكمه .

فلا يكون الدم الطبيعي مطلقاً موضوعاً لحكمه ، بل ألغى النادر عن الحساب ، وحكم عليه بغير حكم الحيض ، فالأقلّ من الثلاثة ليس من الحيض ، كالأكثر من العشرة ، وكالمرئي في حال الصغر واليأس . . . وغير ذلك ممّا حدّده الشارع .

ثمّ إذا اختلّت الرحم وخرجت عن السلامة والصحّة والاعتدال التي لنوع الأرحام ، قذفت الأقلّ أو الأكثر ، فاستمرار الدم لعارض ، وعدم الرؤية على طبق

ص: 321


1- تقدّم في الصفحة 7 .

عادات النوع أيضاً لعارض وخلل ، ولذا يحتاج كلّ ذلك إلى العلاج واسترجاع الصحّة والسلامة .

ولمّا كانت الأرحام في غير أحوالها الطبيعية وفي حال اختلالها وخروجها عن الاعتدال ، لا تقذف نوعاً الدم الصالح الطبيعي ، بل يكون غالباً فاسداً كدراً له

فتور - ممّا هي لازمة لضعف المزاج وخروجه عن الاعتدال - جعل الشارع المقدّس الصفات الغالبية أمارة على الاستحاضة ؛ أي الدم المقذوف حال خروج المزاج والرحم عن الاعتدال نوعاً ، فالصفات أمارات غالبية يرجع إليها لدى الشكّ ، إلاّ إذا قام الدليل على خلافها .

إذا عرفت ذلك فالكلام يقع في مقامات :

ص: 322

المقام الأوّل في الأوصاف التي جعلت بحسب الروايات أمارة
اشارة

وهي كثيرة مستفادة منها ؛ إمّا لذكرها فيها ، أو لذكر مقابلها للحيض مع الدوران بينهما ؛ ففي صحيحة معاوية بن عمّار(1) ذكر البرودة صفة للاستحاضة مقابل الحرارة للحيض .

وفي موثّقة إسحاق بن جرير(2) جعل الفساد والبرودة صفة الاستحاضة ، والحرقة والحرارة صفة الحيض .

وفي صحيحة حفص بن البَخْتَري : «إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد»(3) ومنها يستفاد أنّ لدم الاستحاضة كدرةً وفتوراً ، أو فساداً وفتوراً ؛ فإنّ «العبيط» هو الطري الصالح(4) .

وفي مرسلة يونس(5) جعل إقبال الدم علامةَ الحيض وإدباره علامةَ

الاستحاضة ، و«الإدبار» هو الضعف والفتور والقلّة مقابل الكثرة والدفع والقوّة .

ص: 323


1- الكافي 3 : 91 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 1 ، ويأتي أيضاً في الصفحة 328 .
2- الكافي 3 : 91 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 3 .
3- الكافي 3 : 91 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 2 .
4- اُنظر المصباح المنير : 390 ، وفيه «دم عبيط : طري خالص» .
5- تأتي في الصفحة 363 .

وفيها أيضاً وصف دم الحيض ب- «البحراني» وقال أبو عبداللّه علیه السلام : «إنّما سمّاه أبي بحرانياً لكثرته ولونه» ومقابله القلّة وضعف اللون ؛ وهو الاصفرار ، كما في غيرها .

وفي صحيحة أبي المغرا (1) - في باب اجتماع الحيض والحمل - جعل القلّة موضوعاً لوجوب الغسل عند كلّ صلاتين .

وفي موثّقة إسحاق بن عمّار(2) جعل الصفرة موضوعاً .

وفي رواية محمّد بن مسلم(3) جعل القلّة والصفرة موضوعاً لوجوب الوضوء ، كصحيحته الاُخرى(4) وروايتي علي بن جعفر عن أخيه علیه السلام (5) .

وفي صحيحة علي بن يقطين(6) ذكر الرقّة صفة للاستحاضة .

وعن «دعائم الإسلام» : روينا عنهم علیهم السلام : «أنّ دم الحيض كدر غليظ

ص: 324


1- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1191 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1192 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 6 .
3- الكافي 3 : 96 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 334 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 16 .
4- الكافي 3 : 78 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 1 .
5- تأتي الروايتان في الصفحة 333 - 334 .
6- تهذيب الأحكام 1 : 174 / 497 ؛ وسائل الشيعة 2 : 387 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 16 .

منتن ، ودم الاستحاضة دم رقيق»(1) .

وعن «فقه الرضا» : «أنّ دمها يكون رقيقاً تعلوه صفرة»(2) .

وفي مرسلة يونس : «تكون الصفرة والكدرة فما فوقها في أيّام الحيض - إذا عرفت - حيضاً كلّه» ويعلم منها كون الكدرة من صفات الاستحاضة . . . إلى غير ذلك .

لكنّ الفقهاء لم يذكروا غالباً في صفة الاستحاضة غير الصفرة والبرودة والرقّة والفتور ؛ على اختلاف منهم في ذكر الأربعة(3) ، أو الاقتصار على بعضها (4) .

وعن «المقنعة» : «أ نّه دم رقيق بارد صاف»(5) فذكر الصفاء وترك الصفرة والفتور .

ولا يبعد أن يكون بعض تلك الصفات ملازماً لبعض ، ويرجع اُصولها إلى أربع أو أقلّ منها . وبه يجمع بين الكلمات بل الأخبار ، لا بأن تكون خاصّة مركّبة كما مرّ في باب الحيض دفع القول به(6) ، بل كلّ صفة من الاُصول مستقلّة في الأمارية ، لكن بعضها لا ينفكّ عن بعض الصفات . ولا يبعد أن تكون الصفرة

ص: 325


1- دعائم الإسلام 1 : 127 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 7 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث2 .
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 192 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 7 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 3 .
3- راجع شرائع الإسلام 1 : 23 ؛ قواعد الأحكام 1 : 219 .
4- المبسوط 1 : 45 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 279 .
5- المقنعة : 56 .
6- تقدّم في الصفحة 25 .

غير منفكّة عن الفتور والرقّة غالباً ، والكدرة عن الفساد ، والبرودة عن الفتور ، وقد مرّ في باب الحيض ما يفيد في المقام(1) ، فراجع .

عدم حصول التمييز بغير الأوصاف المنصوصة

ثمّ إنّه لا إشكال في حصول التمييز بالأوصاف المنصوصة في الحيض والاستحاضة .

وأمّا غيرها - كالغلظة والنتن وغيرهما - فالأقرب عدم الاعتداد بها ؛ لعدم

دليل معتبر عليها . نعم ورد في «الدعائم» - كما تقدّم - الكدِر والغليظ والمنتن ،

وفي دم الاستحاضة الرقيق ، لكنّ الاعتماد على مثل تلك المرسلة غير جائز .

وما يقال : «من أنّ المستفاد من الأدلّة - كقوله في المرسلة الطويلة : «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي . . .» إلى آخره ، وقوله : «دم الحيض أسود يعرف» وقوله : «دم الحيض ليس به خفاء» - أنّ العبرة بمطلق الأمارات المختصّة بالحيض غالباً الكاشفة عنه ظنّاً ؛ فإنّ الظاهر من إيكاله إلى الوضوح - مع أ نّه لا يتّضح عند العرف إلاّ بالقوّة والضعف مطلقاً ، لا خصوص ما

نصّ عليه - هو ما ذكرنا»(2) .

ففيه ما لا يخفى ؛ فإنّ قوله : «إذا أقبلت الحيضة . . .» يراد به الكثرة والدفع الواردان في الأمارات ، ولا يفهم منه اعتبار مطلق الظنّ الحاصل بكلّ وصف .

وقوله : «أسود يعرف» أو «ليس به خفاء» لا تسلّم دلالتهما على ما ذكر

ص: 326


1- تقدّم في الصفحة 27 - 28 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 258 - 259 .

بعد عدم إرادة حصول العلم من الأوصاف ، كما يدلّ عليه تأخير ذكرها عن العادة .

بل لا يبعد أن يكون المراد منهما أنّ له أمارات شرعية ليس به لأجلها خفاء ؛

ضرورة أنّ هذه الأوصاف ليست أمارة - ولو ظنّية - عند العقلاء فيمن استمرّ بها الدم ؛ فإنّ الدم المستمرّ عندهم ليس طبائع مختلفة ، كما مرّ مراراً (1) .

نعم ، قد يكون بعض الأمارات والقرائن - في غير من استمرّ بها الدم - موجباً لحصول العلم أو الاطمئنان ، وقلّما يتّفق ذلك في مستمرّة الدم التي هي موضوع البحث هاهنا ، فالتجاوز عن الأوصاف المنصوصة ممّا لا يمكن الالتزام به .

ص: 327


1- تقدّم في الصفحة 8 - 9 و321 - 322 .
المقام الثاني في بيان حدود دلالة الروايات

الدالّة على أمارية الصفات على الاستحاضة

وأ نّه هل يكون فيها ما يدلّ على كون الصفات أمارة مطلقاً ؛ حتّى بالنسبة إلى ما قبل البلوغ وبعد اليأس ، وبالنسبة إلى الأقلّ من الثلاثة ؟

وبالجملة : هل تدلّ على ثبوت الكلّية المذكورة في كلام المحقّق(1) ومن بعده(2) ، وهي : «أنّ كلّ دم تراه المرأة ولم يكن حيضاً ولا دم قرح ولا جرح ، فهو استحاضة ، وكذا ما يزيد عن العادة ويتجاوز العشرة ، أو يزيد عن أيّام النفاس ، وما تراه بعد اليأس ، أو قبل البلوغ ، أو مع الحمل» بناءً على عدم اجتماع الحمل والحيض .

وبعبارة اُخرى : هل يمكن إثبات أنّ كلّ دم ليس بحيض ولا نفاس ، ولم يعلم كونه استحاضة أو قرحاً أو جرحاً ، فهو استحاضة مع الاتّصاف بصفاتها ؟

فلا بدّ من ذكر ما يمكن أن يستدلّ به للمطلوب أو بعضه وحدود دلالته ؛ حتّى يتّضح الحال ، فنقول وعلى اللّه الاتّكال :

منها : صحيحة معاوية بن عمّار قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «إنّ دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد ؛ إنّ دم الاستحاضة

ص: 328


1- شرائع الإسلام 1 : 24 ؛ المعتبر 1 : 242 .
2- نهاية الإحكام 1 : 126 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 241 ؛ جامع المقاصد 1 : 338 ؛ جواهر الكلام 3 : 260 .

بارد ، وإنّ دم الحيض حارّ»(1) .

وهي لا تدلّ إلاّ على أنّ الفرق بينهما ذلك ، وفي دوران الأمر بينهما يمتاز أحدهما عن الآخر بما ذكر ، وأمّا أنّ كلّ بارد استحاضة أو كلّ حارّ حيض فلا يستفاد منها .

نعم ، إذا كان الاحتمال ثلاثياً أو أكثر وكان الدم بارداً ، يحكم بعدم الحيضية ، وإن كان حارّاً يحكم بعدم كونه استحاضة ؛ لظهورها في أنّ ما كان بارداً ليس بحيض ، فإنّ صفته هي الحرارة ، وما كان حارّاً ليس باستحاضة .

وكذا إذا كان الدوران بين الاستحاضة والجرح مثلاً وكان الدم حارّاً ، يحكم بعدم كونه استحاضة . ولا يبعد إثبات مقابلها بلازمه .

ومنها : صحيحة حفص بن البَخْتَري قال : دخلتْ على أبي عبداللّه علیه السلام امرأة ، فسألته عن المرأة يستمرّ بها الدم ؛ فلا تدري أحيض هو أو غيره ؟ قال : فقال لها : «إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد . . .»(2) إلى آخره .

تقريب الاستدلال بها على جعل الأمارة مطلقاً - سواء كان الاحتمال ثنائياً أو أكثر - : أ نّها سألت عمّن استمرّ بها الدم مطلقاً ، فلا يختصّ سؤالها بذات العادة أو غيرها ، فيشمل جميع النسوة .

ص: 329


1- الكافي 3 : 91 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 91 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 2 .

وأيضاً : فرضت استمرار الدم من غير سبقه بالحيض ، فلا يكون مفروضها استمرار الدم بعد الحيض .

وأيضاً قالت : «فلا تدري أحيض هو أو غيره» ولم تقل : «أو استحاضة» ومع ذلك أجاب الإمام علیه السلام بما أجاب بلا اعتناء بسائر الاحتمالات ، فكأنّ احتمال كون الدم من قرح أو جرح أو مبدأ آخر غير ذلك ، غير معتنىً به ، فتكون الأوصاف الاُولى أمارة أو أمارات على الحيضية، والاُخرى على كونه استحاضة .

وإن شئت قلت : إنّ الحرارة مثلاً أمارة الحيض مطلقاً ؛ احتمل معه الاستحاضة أو القرح والجرح أو غيرها ، وكذا البرودة أمارة الاستحاضة مطلقاً .

بل بمناسبة الإرجاع إلى الصفات - بعد كون الرجوع إليها متأخّراً عن الرجوع إلى العادة - يعلم أنّ المرأة التي كانت غير ذات عادة ، تكليفها الرجوع إلى صفة الحيض وصفة الاستحاضة ، فيعلم منها أنّ الاستحاضة لا تنحصر بما يخرج بعد العادة ، كما زعم صاحب «الصحاح»(1) ونقل عن «النهاية»(2) ، بل الدم المستمرّ ولو من غير ذات العادة - مبتدئةً كانت أو مضطربةً - إذا كان بصفة الاستحاضة استحاضة . فما في بعض كلمات أهل التحقيق(3) : من أنّ «الاستحاضة» لم تستعمل في الأخبار إلاّ فيما استمرّ الدم وتجاوز عن أيّام الحيض - كما قال الجوهري - ليس على ما ينبغي . وستعرف استعمالها في غيره في بعض الروايات الاُخر . مع أنّ فيما ذكر كفاية .

ص: 330


1- الصحاح 3 : 1073 .
2- النهاية ، ابن الأثير 1 : 469 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 190 .

هذا ، ولكن يمكن أن يقال : - مضافاً إلى قصور الرواية عن إثبات عموم

المدّعى ؛ أي الكلّية المتقدّمة - إنّ معهودية دم النساء في الدمين أو الدماء الثلاثة

- وكون احتمال القرح والجرح ممّا لا ينقدح في الذهن غالباً ؛ لندرتهما - توجب أن تكون الرواية سؤالاً وجواباً ، منصرفةً عن سائر الدماء غير الدمين ، فكأنّ السؤال عن الدم المعهود بينهنّ الدائر أمره بين الحيض والاستحاضة . وقولها : «أو غيره» ليس المراد منه إبداء احتمال غير الاستحاضة والحيض ، فكأ نّها قالت : «حيض أو لا» ولهذا أجاب علیه السلام عن الحيض والاستحاضة فقط ، فحينئذٍ لا يستفاد منها أمارية الصفات في غير مورد الدوران .

نعم ، يستفاد منها أنّ الاستحاضة لا تنحصر بالدم المستمرّ بعد أيّام العادة ، كما

أ نّه مستفاد من مرسلة يونس ، فإنّ تقسيمَ حالات المستحاضة إلى الأقسام الثلاثة ، وجعلَ السنّة الثالثة للمستحاضة «التي لم تر الدم قطّ ، ورأت أوّل ما أدركت . . . واستحاضت أوّل ما رأت» وغيرها من التعبيرات ، دليل على عدم الانحصار بما ذكره الجوهري وابن الأثير .

نعم ، لا تدلّ هي ولا الصحيحة - على إطلاقها - على غير استمرار الدم ، ولا

على الاستمرار مطلقاً ، كالاستمرار قبل البلوغ وبعد اليأس .

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة ترى

الصفرة في أيّامها ، فقال : «لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها ، وإن رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت وصلّت»(1) .

ص: 331


1- الكافي 3 : 78 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 396 / 1230 ؛ وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 1 .

والظاهر من «رؤية الصفرة في غير أيّامها» حدوثها في غير أيّامها ؛ سواء كان قبلها أو بعدها .

وأمّا احتمال كون المراد استمرار الصفرة إلى ما بعد أيّامها ففاسد .

كما أنّ قوله : «توضّأت وصلّت» ظاهر في أنّ الصفرة موجبة للوضوء ، لا أنّ ذكر الوضوء إنّما هو لكونه شرطاً للصلاة ؛ ضرورة أنّ ظاهر الشرطية دخل الشرط في ترتّب الجزاء . مع أنّ تخصيص الوضوء بالذكر من بين سائر الشرائط ، يبقى بلا وجه .

وكيف كان : فلا إشكال في ظهورها في أنّ الصفرة مطلقاً - في غير أيّام العادة - موجبة للوضوء ، وتكون حدثاً بصِرف وجودها ؛ استمرّت أو لا ، يخرج منها المستمرّة إلى ثلاثة أيّام مع عدم التجاوز عن العشرة ؛ للإجماعات المتقدّمة(1) ويبقى الباقي .

ولعلّ ذكر الوضوء دون الغسل - مع أنّ المتوسّطة والكثيرة توجبانه - لكون الصفرة غالباً غير منفكّة عن القلّة ، كما تشهد له - بل تدلّ عليه - صحيحة يونس في أبواب النفاس ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن امرأة ولدت ، فرأت الدم أكثر ممّا كانت ترى ، قال : «فلتقعد أيّام قُرئها التي كانت تجلس ، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام ، فإن رأت دماً صبيباً فلتغتسل عند وقت كلّ صلاة ، وإن رأت صفرة فلتتوضّأ ثمّ لتصلّ»(2) . حيث جعل الصفرة في مقابل الصبيب ؛

ص: 332


1- تقدّمت في الصفحة 65 - 67 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 175 / 502 ؛ وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 3 .

أي المنحدر الكثير . مع أ نّه إطلاق قابل للتقييد .

ثمّ إنّ دلالتها على أنّ الصفرة في غير أيّامها أمارة الاستحاضة ، لا ينبغي أن تنكر ؛ لأنّ ما يوجب الوضوء من الدماء ليس إلاّ الاستحاضة ، فيكشف الأمر بالوضوء عن كونها استحاضة .

واحتمالُ كون الأمر بالوضوء للزوم عمل الاستحاضة عليها ، ولا يلزم أن تكون مستحاضة والدم استحاضة ، بعيدٌ عن فهم العرف والصواب .

والإنصاف : أنّ العرف بعد ما يرى أنّ الصفرة جعلت علامة للاستحاضة في الجملة ، ويرى أنّ حكم الاستحاضة الوضوء دون سائر الدماء ، ثمّ يسمع هذا الحديث ، لا تنقدح في ذهنه هذه الوساوس ، ويفهم من الرواية أنّ الصفرة أمارة الاستحاضة . نعم ، لو ثبت كون «الاستحاضة» لغةً وعرفاً هي ما قال الجوهري لم يكن بدّ من الالتزام بلزوم ترتيب أحكامها ؛ من غير أن يكون الدم استحاضة والمرأة مستحاضة ، بل مع احتمال ذلك أيضاً يشكل الحكم بهما . لكن معهودية انحصار دم النساء بالثلاثة توجب الكشف المشار إليه آنفاً .

ومنها : رواية «قرب الإسناد» عن علي بن جعفر ، عن أخيه علیه السلام قال : سألته عن المرأة ترى الصفرة أيّام طمثها ، كيف تصنع ؟

قال : «تترك لذلك الصلاة بعدد أيّامها التي كانت تقعد في طمثها ، ثمّ تغتسل وتصلّي ، فإن رأت صفرة بعد غسلها فلا غسل عليها ؛ يجزيها الوضوء عند كلّ صلاة وتصلّي»(1) .

ص: 333


1- مسائل علي بن جعفر : 210 / 454 ؛ قرب الإسناد : 225 / 879 ؛ وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 7 .

ودلالتها واضحة ؛ لأنّ الوضوء عند كلّ صلاة ، حكم الاستحاضة .

ومنها : روايته الاُخرى عنه ، عن أخيه علیه السلام ، قال : سألته عن المرأة ترى الدم في غير أيّام طمثها ، فتراها اليومَ واليومين ، والساعةَ والساعتين ، ويذهب مثل ذلك ، كيف تصنع ؟ قال : «تترك الصلاة إذا كانت تلك حالها ما دام الدم ، وتغتسل كلّما انقطع عنها» . قلت : كيف تصنع ؟ قال : «ما دامت ترى الصفرة فلتتوضّأ من الصفرة وتصلّي ، ولا غسل عليها من صفرة تراها إلاّ في أيّام طمثها . . .»(1) إلى آخره .

والظاهر سقوط شيء أو تقديم وتأخير في الرواية ، ولعلّ الصحيح : قلت : كيف تصنع إذا رأت صفرة ؟ قال . . . إلى آخره ، أو : قلت : كيف تصنع ما دامت ترى الصفرة ؟ قال : «فلتتوضّأ من الصفرة» .

وكيف كان : فهي ناصّة على أنّ الوضوء من الصفرة ، وأ نّها حدث . ويدفع به الاحتمال عن صحيحة محمّد بن مسلم على فرضه ، وتقريب الدلالة كما تقدّم . ولا بدّ من توجيه صدرها ، ولعلّه حكم ظاهري عند رؤية الدم والطهر .

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام ، وفيها : «وإن لم تر شيئاً» أي بعد الاستبراء «فلتغتسل ، وإن رأت بعد ذلك صفرة فلتوضّأ ولتصلّ»(2) .

ومنها : روايات في باب اجتماع الحيض والحمل ، كصحيحة أبي المغرا ، وفيها :

ص: 334


1- قرب الإسناد : 225 / 880 ؛ وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 8 .
2- الكافي 3 : 80 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 308 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 17 ، الحديث 1 .

«إن كان دماً كثيراً فلا تصلّينّ ، وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كلّ صلاتين»(1) .

وكموثّقة إسحاق بن عمّار : عن المرأة الحبلى ترى الدم اليوم واليومين ، قال : «إن كان دماً عبيطاً فلا تصلّي ذينك اليومين ، وإن كان صفرة فلتغتسل عند كلّ صلاتين»(2) بعد توجيه صدرها .

وكرواية محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام : «إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلّي ، وإن كان قليلاً أصفر فليس عليها إلاّ الوضوء»(3) .

وغاية ما يستفاد من مجموع الروايات : أمارية الصفات للاستحاضة فيما دار الأمر بينها وبين الحيض ولو في غير مستمرّة الدم ، أو في الأعمّ منه وممّا احتمل فيه شيء آخر - من قرح أو جرح - بشرط عدم تحقّق مبدئهما ، على تأمّل فيه كما مرّ(4) . وأمّا استفادة حكم دم الصغيرة واليائسة فلا ؛ لعدم عموم أو إطلاق يرجع إليهما ، ولعدم إمكان تنقيح المناط وإلغاء الخصوصية عرفاً .

ص: 335


1- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1191 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1192 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 6 .
3- الكافي 3 : 96 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 334 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 16 .
4- تقدّم في الصفحة 19 - 20 .
المقام الثالث في أنّ «كلّ ما يمتنع أن يكون حيضاً فهو استحاضة»
اشارة

ومنه يظهر الكلام في المقام الثالث ؛ أي أنّ كلّ ما يمتنع أن يكون حيضاً فهو

استحاضة ولو لم يتّصف بصفاتها ؛ حيث إنّ الروايات التي استدلّ بها أو يمكن أن يستدلّ بها لذلك - مثل ما دلّت على أ نّها مستحاضة بعد الاستظهار(1) ومثل صحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن علیه السلام قال : قلت له : إذا مكثت المرأة عشرة أيّام ترى الدم ، ثمّ طهرت ، فمكثت ثلاثة أيّام طاهراً ، ثمّ رأت الدم بعد ذلك ، أتُمسك عن الصلاة ؟ قال : «لا ، هذه مستحاضة ؛ تغتسل وتستدخل قطنة . . .»(2) إلى آخره وكصحيحة الصحّاف الواردة في الحامل(3) - لا يمكن استفادة تلك الكلّية منها .

كلام بعض الأعلام وردّه

نعم ، قد يقال : «إنّ المستفاد من موارد الدماء الممتنع كونها حيضاً - التي تعرّض لها الشارع ابتداءً ، وفي جواب السؤال ، وحكم بكونها استحاضة حقيقية

ص: 336


1- وسائل الشيعة 2 : 301 - 303 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 3 و4 و6 و10 .
2- الكافي 3 : 90 / 6 ؛ وسائل الشيعة 2 : 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 3 .
3- الكافي 3 : 95 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 330 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 3 .

أو حكمية ، أو كون صاحبتها مستحاضة ، مع احتمال وجود دم آخر في الجوف غير الحيض والاستحاضة - عدمُ الاعتناء بهذا الاحتمال في كلّ ما امتنع كونه حيضاً وإن لم يتعرّض له في الأخبار ، فيحصل حدس قطعي للفقيه بأ نّه لو تعرّض الإمام علیه السلام للدم الخارج من اليائسة الفاقد لصفات الاستحاضة ، لحكم بكونه استحاضة . مع إمكان أن يقال : إنّه إذا حكم على الصفرة مطلقاً بكونها حدثاً - كما تقدّم استفادة ذلك من بعض الأخبار - تكون الحمرة الممتنع كونها حيضاً ، كذلك بطريق أولى ، فتأمّل»(1) ، انتهى .

وفيه : - مع ممنوعية الحدس القطعي ، وكون العهدة على مدّعيه - أ نّه على فرض تسليمه غير مفيد .

بل القطعُ بكون ما تقذفه بعد اليأس أو قبل البلوغ هو الدم الطبيعي الذي تقذفه الرحم في أيّام إمكان الحيض ، بل القطعُ بكونه استحاضةً ، غيرُ مفيد ما لم يدلّ دليل على أنّ كلّ استحاضة أو مستحاضة ، محكومة بتلك الأحكام ، وإلاّ فقد أوضحنا سابقاً (2) أنّ الدم المقذوف من الرحم يعدّه العرف - مع قطع

النظر عن حكم الشارع - حيضاً ؛ كان مستمرّاً بعد العادة أو لا ، كان أقلّ من ثلاثة أيّام أو لا ، أكثر من عشرة أيّام أو لا ، بعد اليأس أو قبله ، لكنّ الشارع جعل لقسم منه أحكاماً ، ولقسم آخر أحكاماً اُخرى ، وسمّى الثاني : «استحاضة» فما جعله الشارع موضوعاً لحكمه الأوّل ، ليس ماهية مباينة لما جعله موضوعاً لحكمه الثاني ، فحينئذٍ بعد العلم بكون الدم حيضاً أو استحاضة ، لا بدّ

ص: 337


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 15 .
2- تقدّم في الصفحة 8 - 9 و321 - 322 .

من التماس الدليل على موضوعيته للحكم . فالدم المقذوف قبل البلوغ أو بعد اليأس ، ليسا حيضاً حكماً بلا إشكال وكلام .

وإن ثبت كونهما حيضاً موضوعاً - أي ثبت كونهما الدم المعهود المقذوف بحسب العادة الطبيعية - فلا بدّ في ثبوت حكم الاستحاضة لهما من قيام دليل على أنّ كلّ دم لم يكن حيضاً ولو حكماً ، فهو استحاضة حكماً ، أو إثبات الحكم لكلّ مستحاضة . والأخبار الواردة في أبواب الحيض والاستحاضة ، ليس فيها ما يدلّ على ذلك غير موثّقة سَماعة قال : قال : «المستحاضة إذا ثقب الدمُ الكُرْسُفَ اغتسلت لكلّ صلاتين»(1) ثمّ ذكر فيها أقسام الاستحاضة وأحكامها .

لكن استفادة الإطلاق منها مشكلة ؛ حيث إنّها في مقام بيان أقسام الاستحاضة والمستحاضة ، فكأ نّه قال : «المستحاضة على أنواع : منها كذا ، ومنها كذا . . .» فاستفادة ثبوت الأحكام لكلّ مستحاضة حتّى في حال الصغر ممنوعة ؛ لعدم كون الأحكام للصغيرة ، وكذلك بعد الكبر .

وغير رواية «العيون» عن الرضا علیه السلام في كتابه إلى المأمون : «والمستحاضة تغتسل وتحتشي وتصلّي ، والحائض تترك الصلاة ولا تقضي ، وتترك الصوم وتقضي»(2) .

ص: 338


1- الكافي 3 : 89 / 4 ؛ وسائل الشيعة 2 : 374 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 6 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 124 ؛ وسائل الشيعة 2 : 350 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 41 ، الحديث 9 .

وهي أيضاً في مقام بيان حكم آخر ؛ فإنّ جعل المستحاضة في مقابل الحائض - وأ نّها كذا وهي كذا - يمنع عن الإطلاق .

وأمّا سائر الأخبار فكلّها - على الظاهر - واردة في التي تحيض ، كأخبار الاستحاضة ، وأخبار النفاس ، وأخبار الاستظهار .

توجيه الحكم باستحاضة اليائسة والصغيرة

لكن يمكن أن يقال : إنّ الشكّ في ثبوت أحكام المستحاضة لما بعد اليأس وقبل البلوغ ؛ إمّا لأجل احتمال كون الدم بعد اليأس وقبل البلوغ ، ماهية غير ماهية دم الحيض والاستحاضة ، ويكون مجراه غير مجراهما ، ولا تكون حقيقته هي الدم الطبيعي المقذوف من الأرحام كسائر الدماء المقذوفة منها .

فهو مقطوع الفساد ، ومخالف للوجدان في بعض مصاديقها ، كما لو استمرّ دم المرأة ممّا قبل يأسها إلى ما بعده ، فهل يحتمل كونه إلى آنٍ ما قبل اليأس من مجرى مستقلٍّ ، مقذوفاً من الرحم ، معهوداً من النساء ، فلمّا انقضى ذلك الآن تغيّر

المجرى ؛ وخرج من مجرى آخر غير السابق ، ولا يكون الدمَ المقذوف المعهود ؟ ! وكذا الحال فيما قبل البلوغ ، فإذا فرض رؤية الدم على النهج المألوف في سنة قبل بلوغها ، واستمرّ في شهر قبل البلوغ حتّى بلغت ، فهل يجوز احتمال اختلاف طبيعته ومجراه ساعةً ما قبل البلوغ وما بعده ؟ !

والإنصاف : أنّ الشكّ من جهة الموضوع في مثل ما ذكر في غاية الوهن ، ويعدّ من الوسوسة ومخالفاً للعرف واللغة .

ص: 339

وبعد رفع الشكّ من هذه الجهة يبقى الشكّ من جهة اُخرى : وهي احتمال أن يكون الدم المحكوم بكونه استحاضة شرعاً ، هو ما ترى في زمان البلوغ إلى حدّ اليأس . وهذا الشكّ مدفوع :

أمّا بالنسبة إلى اليائسة ، فبإطلاق الأدلّة في بعض الموارد ، كما إذا رأت دماً عشرة أيّام مثلاً ، وطهراً ثلاثة أيّام ، وتكون هذه الأيّام قبل اليأس ، ثمّ رأت دماً

بعده ، فهذا مشمول لإطلاق صحيحة صفوان بن يحيى المتقدّمة .

وكون ما ذكر فرداً نادراً لا يوجب الانصراف وعدم الإطلاق ، فهل ترى عدم إطلاقها بالنسبة إلى ما قبل اليأس بشهر مثلاً ، مع عدم الفرق بينه وبين ما ذكرنا في ذلك ؟ !

وكذا يشمل بعض الفروض إطلاق مرسلة يونس الطويلة ، كما إذا استمرّ دم ذات العادة إلى ما بعد اليأس ، ويكون آخر عادتها متّصلاً بيأسها ، فتكون مشمولة لقوله : «فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ، ثمّ تغتسل وتتوضّأ لكلّ صلاة» وكذا يشمل بعض فقراتها بعض الفروض الاُخرى .

فحينئذٍ تثبت لليائسة أحكام الاستحاضة في بعض الفروض بالأدلّة ، وفي بعضها بالاستصحاب أيضاً ، ويتمّ فيما عداها بالقطع بعدم الفرق وبعدم القول بالفصل قطعاً .

بل لا يبعد إطلاق مثل موثّقة سَماعة ورواية «العيون» ، والمناقشة المتقدّمة لعلّها في غير محلّها بعد فرض تحقّق الموضوع عرفاً ولغ-ةً .

بل يمكن أن يقال : إنّ الأحكام المترتّبة على المستحاضة ، مترتّبة ظاهراً على نفس الطبيعة ؛ وإن كان مورد كثير منها ذات العادة أو من تحيض ، لكن لا يفهم

ص: 340

منها الخصوصية . بل كثير منها يشمل بعض الفروض المتقدّمة .

هذا كلّه حال اليائسة .

وأمّا الصغيرة ، فبعد فرض تحقّق الموضوع - أي كون الدم المستمرّ منها استحاضة - يمكن استفادة حكمها من بعض الأدلّة في الجملة ؛ فإنّ الظاهر من مثل قوله : «وإذا رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت»(1) وقوله : «ما دامت ترى الصفرة فلتتوضّأ من الصفرة»(2) أنّ لها سببية للوضوء ؛ وأنّ دم الاستحاضة حدث يوجب الوضوء وضعاً .

فيكون المقام نظير ما ورد في سببية النوم والبول للوضوء ؛ ممّا يعلم منه كونهما سببين من غير فرق بين صدورهما من الصغير والكبير والمجنون وغيرهم .

فقوله : «فلتتوضّأ من الصفرة» ظاهر في سببية طبيعتها للوضوء ، ويكون إيجاب الوضوء إرشاداً إلى السببية ، فيفهم العرف أنّ نفس الطبيعة سبب وضعاً للوضوء ؛ وإن كان التكليف لا يتعلّق بالصغيرة في حال صغرها . والإنصاف أنّ الحكم ثابت بعد تحقّق الموضوع .

نعم ، مع الشكّ في تحقّقه - كما لو رأت الصغيرة الدم في أوائل سِني ولادتها - لا يمكن إثبات الحكم . والظاهر أنّ مثلها خارج عن نظر الفقهاء رضوان اللّه عليهم .

ص: 341


1- تقدّم في الصفحة 321 .
2- تقدّم في الصفحة 334 .
فرع في اجتماع الحمل والحيض

كان مقتضى الترتيب ذكر جواز اجتماع الحمل والحيض في باب الحيض ، لكن لمّا كان بحثنا على ترتيب «الشرائع» وقع بعض المباحث خلاف الترتيب ، والأمر سهل .

الأقوال في المقام
اشارة

وقد اختلفت كلمات الأصحاب اختلافاً كثيراً في هذا الفرع :

فقيل باجتماعهما مطلقاً ، كما عن «المبسوط» في العدد ، و«الفقيه» و«المقنع» و«الناصريات»(1) وعن كثير من كتب العلاّمة(2) وعن الشهيد والمحقِّق الثاني وغيرهم(3) . وعن «المدارك» : «أ نّه مذهب الأكثر»(4) . وعن «جامع المقاصد» : «أ نّه مذهب المشهور»(5) ، بل عن «الناصريات» الإجماع عليه(6) . وفي «الجواهر» : «أ نّه المشهور نقلاً وتحصيلاً»(7) .

ص: 342


1- المبسوط 5 : 240 ؛ الفقيه 1 : 51 ؛ المقنع : 50 ؛ مسائل الناصريات : 169 .
2- مختلف الشيعة 1 : 195 ؛ منتهى المطلب 2 : 274 ؛ نهاية الإحكام 1 : 117 .
3- الدروس الشرعية 1 : 97 ؛ جامع المقاصد 1 : 287 ؛ مسالك الأفهام 1 : 67 .
4- مدارك الأحكام 2 : 9 .
5- جامع المقاصد 1 : 286 .
6- مسائل الناصريات : 170 .
7- جواهر الكلام 3 : 262 .

وقيل بعدمه مطلقاً ، كما عن الكاتب(1) والمفيد(2) والحلّي العجلي(3) وهو مختار «الشرائع»(4) وعن «النافع» : «أ نّه أشهر الروايات»(5) وعن «شرح المفاتيح» : «وادّعي تواتر الأخبار في ذلك»(6) .

ولعلّ المراد ب- «أشهر الروايات أو الروايات المتواترة» الروايات الواردة في الأبواب المتفرّقة ، كما وردت في استبراء الجواري والسبايا (7) وما وردت في جواز طلاق الحامل على كلّ حال(8) وغيرها ممّا سيأتي الكلام فيها (9) .

وقيل بالتفصيل بين استبانة الحمل وعدمها ، فلا تحيض في الأوّل ، كما عن «الخلاف» و«السرائر»(10) وعن الأوّل دعوى الإجماع عليه ، وجعل الخلاف فيما قبل الاستبانة .

ص: 343


1- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 195 .
2- أحكام النساء ، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد9 : 24 .
3- السرائر 1 : 150 ؛ عزاه إليه في الذكرى والتنقيح وجامع المقاصد . راجع مفتاح الكرامة 3 : 140 .
4- شرائع الإسلام 1 : 24 .
5- المختصر النافع : 9 .
6- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 140 ؛ مصابيح الظلام 1 : 217 .
7- وسائل الشيعة 21 : 83 و84 ، كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، الباب 3 ، الحديث 1 و4 .
8- وسائل الشيعة 22 : 55 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه ، الباب 25 ، الحديث 3 و5 .
9- يأتي في الصفحة 346 - 351 .
10- الخلاف 1 : 247 ؛ السرائر 1 : 150 .

وقيل : «إنّ المتأخّر عن عادتها عشرين يوماً استحاضة» ، كما عن «النهاية» و«التهذيب» و«الاستبصار»(1) ، وعن المحقّق في «المعتبر» الميل إليه(2) ، وعن «المدارك» تقويته(3) .

وقيل : «إنّه إن رأت في أيّام عادتها واستمرّ ثلاثة أيّام فهو حيض»(4) .

وقيل بحيضية ما ترى في العادة وما تقدّمها وما ترى جامعاً للصفات ، وبعدم الحيضية في غيرهما (5) . . . إلى غير ذلك(6) .

فالمسألة ليست من المسائل التي يمكن فيها التمسّك بالشهرة والإجماع ، فلا بدّ من النظر في أدلّة القوم :

أدلّة الاجتماع مطلقاً

فتدلّ على الأوّل ؛ أي الاجتماع مطلقاً - بعد الأصل في بعض الفروض والعمومات الدالّة على أنّ ما رأت في أيّام العادة حيض(7) ، وأدلّة الصفات - الأخبار المستفيضة المعتبرة الإسناد والواضحة الدلالة ، مثل صحيحة عبداللّه بن

ص: 344


1- النهاية : 25 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 388 ، ذيل الحديث 1196 ؛ الاستبصار 1 : 140 ، ذيل الحديث 481 .
2- المعتبر 1 : 201 .
3- مدارك الأحكام 2 : 12 .
4- الجامع للشرائع : 44 .
5- جواهر الكلام 3 : 265 .
6- مثل ما قاله الصدوق رحمه الله في الفقيه 1 : 51 ، ذيل الحديث 6 .
7- مثل مرسلة يونس القصيرة ؛ الكافي 3 : 76 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 279 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 3 .

سنان عن أبي عبداللّه علیه السلام : أ نّه سئل عن الحبلى ترى الدم ، أتترك الصلاة ؟ فقال : «نعم ؛ إنّ الحبلى ربّما قذفت بالدم»(1) .

وصحيحة صفوان قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن الحبلى ترى الدم ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام ، تصلّي ؟

قال : «تمسك عن الصلاة»(2) .

وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن الحبلى ، ترى الدم - كما كانت ترى أيّام حيضها - مستقيماً في كلّ شهر ؟

قال : «تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها ، فإذا طهرت صلّت»(3) .

وصحيحة أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الحبلى ترى الدم ؟

قال : «نعم ؛ إنّه ربّما قذفت المرأة الدم وهي حبلى»(4) .

وصحيحة سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : جعلت فداك ، الحبلى ربّما طمثت ؟

ص: 345


1- الكافي 3 : 97 / 5 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 386 / 1187 ؛ وسائل الشيعة 2 : 329 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1193 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1194 ؛ وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 7 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 386 / 1188 ؛ الاستبصار 1 : 139 / 475 ؛ وسائل الشيعة 2 : 332 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 10 .

قال : «نعم ؛ وذلك أنّ الولد في بطن اُمّه غذاؤه الدم ، فربّما كثر ففضل عنه ، فإذا فضل دفقته ، فإذا دفقته حرمت عليها الصلاة»(1) . . . إلى غير ذلك ممّا لا شبهة في دلالتها .

أدلّة الاجتماع في الجملة

وتدلّ على الاجتماع في الجملة جملة كثيرة من الروايات الاُخر ، كصحيحة ابن الحجّاج(2) والحسين بن نعيم الصحّاف(3) وأبي المغرا حُمَيد بن المثنّى(4) وموثّقة إسحاق بن عمّار(5) ممّا صرّحت بالجمع مع قيود سيأتي الكلام فيها (6) .

أدلّة عدم الاجتماع مطلقاً

واستدلّ على النفي مطلقاً بطوائف من الروايات :

منها : ما في هذا الباب ، وعمدتها قويّة السكوني عن جعفر ، عن أبيه علیهما السلام أ نّه قال : «قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : ما كان اللّه ليجعل حيضاً مع حَبَلٍ ؛ يعني إذا رأت الدم وهي حامل لا تدع الصلاة ، إلاّ أن ترى على رأس الولد ، إذا ضربها الطلق

ص: 346


1- الكافي 3 : 97 / 6 ؛ وسائل الشيعة 2 : 333 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 14 .
2- تأتي في الصفحة 353 .
3- تأتي في الصفحة 355 .
4- تقدّمت في الصفحة 334 - 335 .
5- تقدّمت في الصفحة 335 .
6- يأتي في الصفحة 355 .

ورأت الدم تركت الصلاة»(1) .

ولا يعلم أنّ التفسير لأبي جعفر علیه السلام أو لأبي عبداللّه علیه السلام أو للسكوني ، ومع الاحتمال وعدم الدليل على كونه للإمام علیه السلام لا يمكن التمسّك بالتفسير . ومع قطع النظر عنه يمكن الخدشة فيما نقل عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم :

أمّا أوّلاً : فلأنّ هذا التعبير ممّا يستشمّ منه الطفرة عن بيان الحكم ؛ فإنّ لمثل هذا التعبير مقاماً خاصّاً ، ولا يناسب عدم اجتماع الحمل والحيض ، فإنّ قوله : «ما كان اللّه ليفعل كذا . . .» يناسب مورداً يكون صدور الفعل خلاف شأن الفاعل أو المفعول به ، كقوله تعالى : )وَمَا كَانَ اللّه ُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّه ُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ((2) . وقوله : )مَا كَانَ اللّه ُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّه ُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّه َ يَجْتَبِى مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ((3) . وقوله : )وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافَّةً((4) . . . إلى غير ذلك ممّا هو على هذا الاُسلوب .

ومعلوم أنّ اجتماع الحيض والحمل ليس كذلك ؛ لا تكويناً ولا تشريعاً . والظاهر أنّ الرواية بصدد بيان التشريع ، وإلاّ فلا شبهة بحسب التكوين في اجتماع الدم - المعهود قذفه من طبيعة الأرحام في بعض الأوقات - مع الحمل ،

ص: 347


1- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1196 ؛ وسائل الشيعة 2 : 333 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 12 .
2- الأنفال (8) : 33 .
3- آل عمران (3) : 179 .
4- التوبة (9) : 122 .

كما أشار إليه بعض الروايات المتقدّمة ، فحينئذٍ أيّ محذور في جعل الحكم على

الدم المقذوف في حال الحمل حتّى يستحقّ هذا التعبير ؟ ! تأمّل .

وأمّا ثانياً : فلإمكان أن يقال : إنّ المراد من قوله هذا هو نفي التلازم بين

حيض وحمل ، فقوله : «ما كان اللّه ليجعل حيضاً مع حَبَل» أي ما كان اللّه ليجعل المعية والملازمة بينهما ، بل قد يفترقان وقد يجتمعان . وهذا التوجيه وإن كان مخالفاً لفهم العرف بدءاً ، لكن في مقام الجمع بينها وبين ما صرّح بالقذف في بعض الأحيان ، لا يكون بذلك البعد .

وإن أبيت عنه فلا محيص من ردّ علمها إلى أهله ؛ بعد عدم مقاومتها سنداً ودلالةً لما تقدّم ، وبعد كونها موافقة لأشهر فتاوى العامّة(1) وكون الراوي عامّياً (2) . وسيأتي بعض الكلام في الرواية في باب النفاس(3) ، فراجع .

وأمّا صحيحة حُمَيد بن المثنّى - قال : سألت أبا الحسن الأوّل علیه السلام عن الحبلى ترى الدفقة والدفقتين من الدم في الأيّام وفي الشهر والشهرين ، فقال : «تلك الهِراقة ليس تمسك هذه عن الصلاة»(4) - فلا ربط لها بالمقام ؛ فإنّ عدم الإمساك عنها لأجل عدم حصول شرط الحيض ، فغير الحبلى أيضاً كذلك ، لكنّ السائل لمّا سأل عن الحبلى أجاب عنها ، ولو سأله عن غيرها أيضاً كان الحكم عدم الإمساك .

ص: 348


1- المغني ، ابن قدامة 1 : 313 ؛ المجموع 2 : 386 ؛ الشرح الكبير ، ذيل المغني 1 : 313 .
2- العدّة في اُصول الفقه 1 : 149 ؛ تنقيح المقال 1 : 127 / السطر 29 .
3- يأتي في الصفحة 540 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1195 ؛ وسائل الشيعة 2 : 332 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 8 .

وكذا رواية مُقَرِّن الفتياني عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «سأل سلمان علياً علیه السلام عن رزق الولد في بطن اُمّه ، فقال : إنّ اللّه تبارك وتعالى حبس عليه الحيضة ، فجعلها رزقه في بطن اُمّه»(1) فإنّها لا تدلّ على عدم الاجتماع ، بل هو إخبار عن الواقع ، ويكفي في صحّته احتباسها نوعاً أو احتباس مقدار منها ، كما في بعض ما تقدّم .

وأمّا التمسّك(2) بروايات صحّة طلاق الحبلى(3) مع الإجماع على عدم صحّة طلاق الحائض ، ففيه : أنّ الإجماع في الحامل ممنوع ، فلا تدلّ تلك الروايات على عدم الاجتماع . كما أنّ في تلك الروايات صحّة طلاق الغائب وغير المدخول بها ، فتكون تلك الروايات مخصّصة لأدلّة اعتبار الطهر في الطلاق(4) ، بل حاكمة عليها .

وأمّا روايات الاستبراء بحيضة(5) فهي أيضاً غير دالّة على عدم الاجتماع مطلقاً ؛ فإنّ الاجتماع إنّما يكون في بعض الأحيان ، كما أشار إليه بعض الروايات

ص: 349


1- علل الشرائع : 291 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 333 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 13 .
2- السرائر 1 : 150 .
3- وسائل الشيعة 22 : 54 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه ، الباب 25 ، و : 59 ، الباب27 .
4- وسائل الشيعة 22 : 23 ، كتاب الطلاق ، أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه ، الباب 9 .
5- وسائل الشيعة 21 : 84 ، كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، الباب 3 ، الحديث 4 ، و : 93 ، الباب 8 ، الحديث 5 ، و : 96 ، الباب 10 ، الحديث 2 ، و : 104 ، الباب 17 ، الحديث 1 .

المتقدّمة بقوله : «ربّما قذفت بالدم» أو «فربّما فضل عنه» أي عن غذاء الطفل «فدفقته» . . . إلى غير ذلك ، فحينئذٍ يكون الاستبراء بحيضة أمارةً على عدم الحمل ؛ لنُدرة الاجتماع . بل جَعْلُ العدّة لأجل استبراء الأرحام ثلاث حِيَض أو حيضتين(1) دليلٌ على جواز الاجتماع .

نعم ، هناك روايات اُخر ربّما تشعر بعدم الاجتماع :

منها : رواية محمّد بن حكيم المنقولة في أبواب العدد ، عن العبد الصالح علیه السلام

قال : قلت له : المرأة الشابّة التي تحيض مثلها ، يطلّقها زوجها ، فيرتفع طَمْثها ، ما عدّتها ؟ قال : «ثلاثة أشهر» .

قلت : فإنّها تزوّجت بعد ثلاثة أشهر ، فتبيّن بها - بعد ما دخلت على زوجها - أ نّها حامل ، قال : «هيهات من ذلك يابن حكيم ! رفع الطمث ضربان : إمّا فساد من حيضة ، فقد حلّ لها الأزواج ، وليس بحامل ، وإمّا حامل ، فهو يستبين في ثلاثة أشهر»(2) .

ومنها : روايته الاُخرى عن أبي عبداللّه أو أبي الحسن علیهما السلام قال : قلت له : رجل طلّق امرأته ، فلمّا مضت ثلاثة أشهر ادّعت حبلاً . . . إلى أن قال : «هيهات ! هيهات ! إنّما يرتفع الطمث من ضربين : إمّا حبل بيّن ، وإمّا فساد من الطمث»(3) .

ص: 350


1- راجع وسائل الشيعة 22 : 198 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 12 - 15 .
2- الكافي 6 : 102 / 4 ؛ وسائل الشيعة 22 : 224 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 25 ، الحديث 4 .
3- الكافي 6 : 102 / 5 ؛ وسائل الشيعة 22 : 224 ، كتاب الطلاق ، أبواب العدد ، الباب 25 ، الحديث 5 .

وفي رواية رِفاعة المنقولة في أبواب نكاح العبيد والإماء ، قال : سألت أبا الحسن موسى علیه السلام . . . إلى أن قال : فقال : «إنّ الطمث تحبسه الريح من غير حبل»(1) .

وفي رواية عبداللّه بن محمّد قال : دخلت على أبي عبداللّه علیه السلام فقلت له : اشتريت جارية . . . إلى أن قال : ثمّ أقبل عليَّ فقال : «إنّ الرجل يأتي جاريته فتعلق منه ، ثمّ ترى الدم وهي حبلى ، فيرى أنّ ذلك طمث فيبيعها ، فما اُحبّ للرجل المسلم أن يأتي الجارية حبلى»(2) . . . إلى غير ذلك .

وجه الجمع بين ما دلّت على الاجتماع وما دلّت على عدمه مع قطع النظر عن صحيحة الصحّاف

وهذه الروايات وإن كانت تشعر أو يدلّ بعضها على عدم الاجتماع ، لكنّ الجمع بينها وبين الروايات المتقدّمة الصريحة في اجتماعهما ، يقتضي حمل هذه على رفع الحيض بالحمل نوعاً ، وأنّ وقوعه في أيّام الحيض نادر ، فيصحّ أن يقال : «يرتفع طمثها ، وأنّ ارتفاعه قد يكون بالحمل . . .» إلى غير ذلك من التعبيرات ، فلا ينافي ذلك قذف الرحم في بعض الأحيان ، كما في الروايات المتقدّمة من أ نّه «ربّما قذفت» أو «ربّما كثر ففضل عنه ، فإذا فضل دفقته» وهذا

ص: 351


1- الكافي 5 : 475 / 2 ؛ وسائل الشيعة 21 : 86 ، كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، الباب 4 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 8 : 178 / 623 ؛ وسائل الشيعة 21 : 87 ، كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، الباب 5 ، الحديث 1 .

جمع عقلائي بين الطائفتين ، ولا إشكال فيه .

ثمّ إنّه بعد ما قلنا بالجمع في الجملة ، فالأرج-ح في الجمع بين روايات الباب - مع قطع النظر عن صحيحة الصحّاف(1) - هو الحكم بالتحيّض إذا رأت في أيّام العادة ؛ دماً كان أو صفرة أو كدرة ، والتحيّض بالصفات في غيرها ، والحكم بالاستحاضة مع الاتّصاف بصفاتها ؛ وذلك لأنّ الروايات على طوائف :

منها : ما دلّت على وجوب ترك الحبلى الصلاة إذا رأت الدم ، كصحيحة عبداللّه بن سنان وصحيحة صفوان(2) ومرسلة حريز(3) وصحيحتي أبي بصير وسليمان بن خالد(4) ورواية رُزَيق بن الزبير(5) .

وغالب هذه الروايات ليس في مقام بيان أنّ الدم في زمان الحبل حيض ، بل لها إهمال من هذه الجهة ، وإنّما هي بصدد بيان أنّ الحبل يجتمع مع الحيض ، ولمّا كان القول بامتناع الاجتماع معروفاً وموافقاً لفتوى أكثر فقهاء العامّة وأشهر مذاهبهم - على ما حكي(6) - كانت الأسئلة والأجوبة في مقام التعرّض لهم والردّ

ص: 352


1- تأتي في الصفحة 355 .
2- تقدّمتا في الصفحة 344 - 345 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 386 / 1186 ؛ وسائل الشيعة 2 : 332 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 9 .
4- تقدّمتا في الصفحة 345 .
5- الأمالي ، الطوسي : 699 / 34 ؛ وسائل الشيعة 2 : 334 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 17 ، ويأتي متنها في الصفحة 530 .
6- وسائل الشيعة 2 : 333 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، ذيل الحديث 12 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 179 .

عليهم وبيان نكتة قذف الحبلى الدم ، كقوله : «ربّما كثر ففضل عنه» أي عن غذاء الولد «فدفقته» .

وكقوله في صحيحة أبي بصير قال : سألته عن الحبلى ترى الدم ، قال : «نعم ؛ إنّه ربّما قذفت المرأة الدم وهي حبلى» فلا يمكن مع ذلك استفادة الإطلاق من غيرها أيضاً - كصحيحة صفوان - ممّا يوهم الإطلاق .

ولو فرض إطلاق فيها أو في بعض آخر فلا إشكال في عدم الإطلاق في غالبها . والإطلاق في البعض - على فرض التسليم - ضعيف يرفع اليد عنه بما دلّت على الرجوع إلى الصفات ، فيقيّد إطلاقها بما دلّ على أ نّه «إن كان دماً كثيراً فلا تصلّي ، وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كلّ صلاتين» .

وقوله : «إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلّي ، وإن كان قليلاً أصفر فليس عليها إلاّ الوضوء» .

وهذه هي الطائفة الثانية المقيّدة للاُولى على فرض إطلاقها .

والطائفة الثالثة : ما تعرّضت لأيّام العادة ، كصحيحة عبد الرحمان بن الحجّاج قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الحبلى ترى الدم وهي حامل - كما كانت ترى قبل ذلك - في كلّ شهر ، هل تترك الصلاة ؟ قال : «تترك الصلاة إذا دام»(1) .

والظاهر منها هو السؤال عن ذات العادة ؛ وإن كان لاحتمال الأعمّ أيضاً وجه . وقوله : «تترك الصلاة إذا دام» ليس المراد منه إلاّ الدوام إلى زمان حضور

ص: 353


1- الكافي 3 : 97 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 386 / 1189 ؛ وسائل الشيعة 2 : 330 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 2 .

الصلاة في مقابل الدفقة والدفقتين ، لا الدوام إلى ثلاثة أيّام ، كما قد يتوهّم .

وكصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن الحبلى ترى الدم - كما كانت ترى أيّام حيضها - مستقيماً في كلّ شهر ، قال : «تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها ، فإذا طهرت صلّت» .

وهي تدلّ على أنّ الحبلى وغيرها سواء ؛ إذا رأت الدم في أيّام حيضها فسبيلها سبيل غيرها ، وغاية ترك الصلاة هي الطهر .

وموثّقة سَماعة قال : سألته عن امرأة رأت الدم في الحبل ، قال : «تقعد أيّامها التي كانت تحيض ، فإذا زاد الدم على الأيّام التي كانت تقعد استظهرت بثلاثة أيّام ، ثمّ هي مستحاضة»(1) .

ورواية الصحّاف الآتية ، وفيها : «وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر ، فإنّه من الحيضة ، فلتمسك عن الصلاة» .

والظاهر منها عدم التفصيل في التحيّض في العادة بين كون الدم موصوفاً بصفات الحيض أو غيرها . وإطلاق أدلّة الصفات وإن اقتضى التفصيل ، لكن قوّة ظهور صحيحة محمّد بن مسلم في عدم الافتراق بين الحامل وغيرها فيما إذا رأت في أيّام الحيض - المؤيّدة بما دلّت على أنّ الصفرة والكدرة في أيّام الحيض حيض(2) ، وما دلّت على تقديم العادة على

ص: 354


1- تهذيب الأحكام 1 : 386 / 1190 ؛ وسائل الشيعة 2 : 332 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 11 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 .

الأوصاف(1) - وقوّة الظنّ الحاصل من العادات ، توجب تقديمَ تلك الأخبار على أخبار الأوصاف ، وحملَ أخبارها على غير ذات العادة والرؤية في غير العادة .

فتحصّل من جميع ما ذكر بعد ردِّ المطلقات إلى المقيّدات وتقديمِ ما حقّه التقديم : أنّ الحبلى إذا رأت في أيّام عادتها تتحيّض مطلقاً ، وإذا رأت في غيرها - إمّا لأجل عدم كونها ذات عادة، أو لأجل رؤيتها في غيرها - يجب عليها التحيّض مع اتّصاف الدم بصفة الحيض ؛ من الحمرة ، أو الكثرة التي تلازم الدفع ، أو غيرها من الأوصاف ، وإذا رأت بصفة الاستحاضة تجعله استحاضة ، وتعمل عملها .

قوّة العمل بصحيحة الصحّاف

بقي الكلام في صحيحة الحسين بن نعيم الصحّاف قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّ اُمّ ولد لي ترى الدم وهي حامل ، كيف تصنع بالصلاة ؟

قال : فقال لي : «إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوماً من الوقت

الذي كانت ترى فيه الدم من الشهر الذي كانت تقعد فيه ، فإنّ ذلك ليس من الرحم ولا من الطمث ، فلتتوضّأ وتحتشي بالكُرسُف وتصلّي . وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل أو في الوقت من ذلك الشهر ، فإنّه من الحيضة ، فلتمسك عن الصلاة عدد أيّامها التي كانت تقعد في حيضها . . .»(2) الحديث .

ص: 355


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 278 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 .
2- الكافي 3 : 95 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 168 / 482 ؛ وسائل الشيعة 2 : 330 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 3 .

وهي تدلّ على ثبوت التحيّض برؤية الدم في أيّام العادة وقبلها بقليل ، وعلى عدم حيضية ما رأت بعد عشرين يوماً .

وعن الشيخ في «النهاية» و«التهذيب» الفتوى بمضمونها (1) . وعن المحقّق في «المعتبر» الميل إليه(2) .

وفي «المدارك» : «أ نّه يتعيّن العمل بها»(3) .

وهو لا يخلو من قوّة ؛ لصحّة سندها ، ووضوح دلالتها ، وحكومتها على أدلّة الصفات الواردة في الحبلى ؛ فإنّ مدلول أدلّة الصفات أنّ الحبلى إذا رأت دماً كثيراً أو دماً أحمر كثيراً أو دماً عبيطاً فلا تصلّي(4) ، فهي تدلّ على ثبوت الحكم ، والصحيحة تدلّ على نفي الموضوع بقوله : «فإنّ ذلك ليس من الرحم ، ولا من الطمث» وهذا لسان الحكومة ، ويقدّم عرفاً على ما كان لسانه ثبوت الحكم .

نعم ، بين الصحيحة وأدلّة الأوصاف - من غير الباب - كصحيحة معاوية بن عمّار وحفص بن البَخْتَري وما يحذو حذوهما (5) معارضة العموم من وجه .

لكن قوّة ظهور الصحيحة في مضمونها ، وبُعد حملها على الدم الفاقد للصفات - مع أنّ الفاقد غير محكوم بالحيضية ؛ كان قبل عشرين أو بعدها ، ولا وجه

ص: 356


1- النهاية : 25 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 388 ، ذيل الحديث 1196 .
2- المعتبر 1 : 201 .
3- مدارك الأحكام 2 : 12 .
4- وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 5 و6 و16 .
5- راجع وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 1 - 3 .

لتخصيص هذا المصداق القليل الوجود بالذكر - يوجب تقديمها على أدلّة الأوصاف .

وأنت إذا راجعت وجدانك ، ونظرت في الصحيحة وروايات الأوصاف ، وعرضتهما على الفهم العرفي الخالي من الدقائق العقلية ، ترى أنّ ذهن العرف لا يتوجّه إلى كون نسبة الصحيحة مع مقابلاتها عموماً من وجه ، ولا ينقدح في ذهنك التعارض ، بل ترى أنّ الصحيحة مقيّدة عرفاً لأدلّة الصفات . وهذا هو الميزان لتقديم دليل على غيره ؛ كان بينهما عموم من وجه أو لا ، ولهذا يقدّم الحاكم على المحكوم ولا يلاحظ النسبة ؛ لحكومة العرف بذلك ، فميزان تشخيص التعارض والتقديم والجمع هو فهم العرف العامّ ، لا الدقّة العقلية .

وأمّا ردّ الصحيحة بدعوى إعراض معظم الأصحاب عنها ، وعدم إمكان التأويل في الروايات الكثيرة ، مع قبولها للتوجيه القريب(1) .

فلا يبعد أن يكون في غير محلّه :

أمّا الإعراض غير ثابت ؛ لأنّ المحتمل قريباً بل الظاهر من بعض الكلمات(2) ، أنّ الأصحاب إنّما كانوا بصدد بيان اجتماع الحمل والحيض في الجملة - في مقابل أكثر العامّة القائلين بعدم الاجتماع مطلقاً (3) - من غير تعرّض لهذه المسألة التي هي من فروع الاجتماع ، والمتأخّرون لم يردّوها لشذوذها وعدم العمل بها ،

ص: 357


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 206 .
2- اُنظر جواهر الكلام 3 : 265 .
3- تقدّم تخريجه في الصفحة 348 .

بل جمعوا بينها وبين غيرها ورجّحوا غيرها (1) ، وبعضهم عملوا بها (2) .

نعم ، بعض المتأخّرين رماها بالوحدة وعدم اشتهار القول بها بل وإعراض الأصحاب عنها ، وهو غير ظاهر من المتقدّمين الذين إعراضهم مناط الوهن .

وأمّا عدم إمكان التأويل في الروايات الكثيرة ، فقد مرّ عدم إطلاق أكثر الروايات(3) ، وما هو مطلق قليل ضعيف الإطلاق ، وما هو متعرّض للصفات وإن كان مطلقاً ، لكن رواية محمّد بن مسلم مرسلة ، ورواية إسحاق بن عمّار مطروحة ؛ لعدم العمل بها ، فلا يبقى إلاّ صحيحة أبي المغرا ، ولا مانع من التصرّف فيها ، خصوصاً بعد ما عرفت من الحكومة .

وأمّا القبول للتوجيه فقد عرفت ما فيه ، بعد ما ظهر من مساعدة العرف على الجمع المتقدّم .

لكن مع ذلك كلّه لا تخلو المسألة من إشكال منشأه احتمال الإعراض ، مع شهادة مثل السيّد في «الرياض» وصاحب «الجواهر» وغيرهما (4) على تأمّل في استفادة الإعراض من كلام الأوّل ، فلا بدّ من الاحتياط إلى ما بعد الفحص الكامل حتّى يتّضح الحال .

ثمّ إنّ هاهنا مطالب :

ص: 358


1- جامع المقاصد 1 : 286 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 179 - 181 ؛ جواهر الكلام 3 : 264 - 265 .
2- مدارك الأحكام 2 : 12 .
3- تقدّم في الصفحة 352 - 353 .
4- رياض المسائل 1 : 338 ؛ جواهر الكلام 3 : 265 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 159 .
المطلب الأوّل: في حكم تجاوز الدم عن أكثر الحيض
اشارة

إذا تجاوز الدم عن أكثر الحيض ممّن تحيض ، فلايخلو إمّا أن تكون المرأة ممّن لم تَرَ الدم قبل ذلك أو لا .

والثانية : إمّا ذات عادة مستقرّة أو لا . والاُولى منهما : إمّا أن تكون ذاكرة لعادتها أو لا .

فالاُولى من الأقسام هي المبتدئة ، وقد تطلق على الثالثة ؛ أي من لم تستقرّ لها عادة ، وقد تطلق عليها «المضطربة» كما تطلق على الناسية ، ف- «المبتدئة» - ك- «المضطربة» - لها إطلاقان : عامّ ، وخاصّ(1) ، والأمر سهل . والمتّبع في الأحكام هو الدليل .

فلا بدّ في بيان الأقسام وأحكامها من ذكر مسائل :

ص: 359


1- راجع جواهر الكلام 3 : 267 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 208 - 209 .
المسألة الاُولى: في اعتبار التمييز في المبتدئة
اشارة

المبتدئة بالمعنى الأعمّ - أي من لم تستقرّ لها عادة ؛ إمّا لعدم سبق الدم ، أو لعدم استقرار العادة لها - ترجع أوّلاً إلى التمييز ، فتجعل ما شابه دم الحيض حيضاً ، وما شابه الاستحاضة استحاضة .

وهو «مذهب فقهاء أهل البيت» كما عن «المعتبر»(1) و«مذهب علمائنا» كما عن «المنتهى»(2) .

وعن «الخلاف» و«التذكرة» الإجماع في المبتدئة(3) ، وعن «المدارك» فيها : «أنّ هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب»(4) .

وعن «المعتبر»(5) : «أنّ جماعة من الأصحاب لم يتعرّضوا للتمييز فيما أجد ، كالصدوقين والمفيد وأبي المكارم وسلاّر . وأمّا أبو الصلاح فقد قال : إنّ المضطربة ترجع إلى نسائها ، وإن فقدت فإلى التمييز ، واقتصر للمبتدئة على

ص: 360


1- المعتبر 1 : 204 .
2- منتهى المطلب 2 : 322 .
3- الخلاف 1 : 229 - 230 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 294 .
4- مدارك الأحكام 2 : 14 .
5- والموجود في مفتاح الكرامة هكذا : «وفي المدارك : في المبتدئة هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ، قاله في المعتبر . وليعلم أنّ جماعة . . .» . مفتاح الكرامة 3 : 167 .

الرجوع إلى نسائها إلى أن يستقرّ لها عادة(1) . ونصّ في «الغنية»(2) على أنّ عمل المبتدئة والمضطربة على أصل أقلّ الطهر وأكثر الحيض . . .» إلى آخره ، وعن «المبسوط» ما يلوح منه عدم اعتبار التمييز(3) .

وكيف كان : فتدلّ على اعتبار التمييز في المبتدئة - بالمعنى الأعمّ - إطلاقات أدلّة التمييز ، كصحيحة معاوية بن عمّار قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «إنّ دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد ؛ إنّ دم الاستحاضة بارد ، وإنّ دم الحيض حارٌّ»(4) .

وظاهرها أنّ الصفة لماهية الدمين ، وأنّ التمييز حاصل بهما عند الاشتباه والاختلاط بينهما مطلقاً ؛ من غير فرق بين أقسام الاستحاضة والمستحاضة .

وصحيحة حفص بن البَخْتَري وفيها : «إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع وحرارة ، ودم الاستحاضة أصفر بارد ، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة»(5) .

وإطلاق هذه الرواية قويّ جدّاً ، والسؤال إنّما هو عن مستمرّة الدم مطلقاً ، والجواب بيان الأمارات لماهية الدمين ؛ استمرّ الدم أو لا ، كانت المرأة مبتدئة أو

ص: 361


1- الكافي في الفقه : 128 - 129 .
2- غنية النزوع 1 : 38 .
3- المبسوط 1 : 43 .
4- الكافي 3 : 91 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 1 .
5- الكافي 3 : 91 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 2 .

غيرها . وعدمُ الاكتفاء بذكر الأمارات فقط وتعقيبه بقوله : «فإذا كان للدم حرارة . . .» إلى آخره تحكيمٌ للإطلاق .

والإطلاق في الصحيحتين وغيرهما متّبع لا يرفع اليد عنه إلاّ بدليل ومقيّد ، كما ورد في ذات العادة ، ففي موثّقة إسحاق بن جرير :

قال : سألتني امرأة منّا أن اُدخلها على أبي عبداللّه علیه السلام فاستأذنتُ لها ، فأذن لها فدخلت . . . إلى أن قال :

فقالت له : ما تقول في المرأة تحيض فتجوز أيّام حيضها ؟

قال : «إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام استظهرت بيوم واحد ، ثمّ هي مستحاضة» .

قالت : فإنّ الدم يستمرّ بها الشهر والشهرين والثلاثة ، كيف تصنع بالصلاة ؟

قال : «تجلس أيّام حيضها ، ثمّ تغتسل لكلّ صلاتين» .

قالت له : إنّ أيّام حيضها تختلف عليها ؛ وكان يتقدّم الحيض اليوم واليومين والثلاثة ، ويتأخّر مثل ذلك ، فما علمها به ؟

قال : «دم الحيض ليس به خفاء ؛ هو دم حارّ تجد له حرقة ، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد»(1) .

فأرجعها إلى الصفات بعد اختلاف العادة ، كما سيأتي الكلام فيه(2) ، وإطلاقها لما نحن بصدده لا يقصر عن المتقدّمين .

ص: 362


1- الكافي 3 : 91 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 3 .
2- يأتي في الصفحة 373 - 374 و419 .
الروايات التي زعم صاحب «الحدائق» دلالتها على عدم اعتبار التمييز

نعم ، هنا روايات اُخر تمسّك بها صاحب «الحدائق» ردّاً على الأصحاب ، زاعماً أنّ الحكم في المبتدئة وسنّتها عدم الرجوع إلى التمييز مطلقاً (1) :

مرسلة يونس الطويلة

منها : مرسلة يونس الطويلة ، ولمّا كان فيها أحكام كثيرة تدور عليها سنن الاستحاضة والمستحاضة ، فلا بدّ من التيمّن بنقلها على طولها وبيان بعض فقراتها :

روى الشيخ الكليني عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى العبيدي - وهو ثقة على الأصحّ(2) - عن يونس بن عبد الرحمان ، عن غير واحد سألوا

أبا عبداللّه علیه السلام عن الحيض والسنّة في وقته ، فقال : «إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم سنّ

في الحيض ثلاث سنن ، بيّن فيها كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها ؛ حتّى لم يدعْ لأحدٍ مقالاً فيه بالرأي :

أمّا إحدى السنن : فالحائض التي لها أيّام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط

ص: 363


1- الحدائق الناضرة 3 : 193 - 194 .
2- قد وقع الخلاف بين أصحابنا في العبيدي على قولين : أحدهما : أ نّه ضعيف وهو الذي صرّح به جمع ، منهم الشيخ الطوسي رحمه الله . ثانيهما : أ نّه ثقة وهو الذي صرّح به النجاشي والكشّي . رجال النجاشي : 333 / 896 ؛ اختيار معرفة الرجال : 507 / 980 ؛ رجال الطوسي : 391 / 10 ؛ تنقيح المقال 3 : 167 / السطر 26 (أبواب الميم) .

عليها ، ثمّ استحاضت واستمرّ بها الدم ، وهي في ذلك تعرف أيّامها ومبلغ

عددها ، فإنّ امرأة يقال لها : فاطمة بنت أبي حبيش استحاضت ، فأتت اُمَّ سلمة ، فسألت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن ذلك فقال : تدع الصلاة قدر أقرائها» أو «قدر حيضها ، وقال : إنّما هو عَزْف وأمرها أن تغتسل وتَسْتثفِر بثوب وتصلّي» .

قال أبو عبداللّه علیه السلام : «هذه سنّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم في التي تعرف أيّام أقرائها لم تختلط عليها ؛ ألا ترى أ نّه لم يسألها : كم يوم هي ! ولم يقل : إذا زادت على كذا يوماً فأنت مستحاضة ! وإنّما سنَّ لها أيّاماً معلومة ما كانت من قليل أو كثير بعد أن تعرفها . وكذلك أفتى أبي علیه السلام وسئل عن المستحاضة فقال : إنّما ذلك عَزف عامر أو ركضة من الشيطان ، فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ، ثمّ تغتسل وتتوضَّأ لكلّ صلاة . قيل : وإن سال ؟ قال : وإن سال مثل المَثْعَب» .

قال أبو عبداللّه علیه السلام : «هذا تفسير حديث رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وهو موافق له ، فهذه سنّة التي تعرف أيّام أقرائها لا وقت لها إلاّ أيّامها ؛ قلّت أو كثرت .

وأمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة ، ثمّ اختلط عليها من طول الدم ؛

فزادت ونقصت حتّى أغفلت عددها وموضعها من الشهر : فإنّ سنّتها غير ذلك ؛ وذلك أنّ فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقالت : إنّي اُستحاض فلا أطهر ، فقال لها النبي صلی الله علیه و آله وسلم : ليس ذلك بحيض ، إنّما هو عزف ، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلّي ، وكانت تغتسل في كلّ صلاة ، وكانت تجلس في مِرْكَن لاُختها ، وكانت صفرة الدم تعلو الماء» .

قال أبو عبداللّه علیه السلام : «أما تسمع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أمر هذه بغير ما أمر به تلك ! ألا تراه لم يقل لها : دعي الصلاة أيّام أقرائك ، ولكن قال لها : إذا أقبلت

ص: 364

الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلّي !

فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها ؛ لم تعرف عددها ولا وقتها ؛ ألا تسمعها تقول : إنّي اُستحاض فلا أطهر ! وكان أبي يقول : إنّها استحيضت سبع سنين ، ففي أقلّ من هذا تكون الريبة والاختلاط ، فلهذا احتاجت إلى أن تعرف إقبال الدم من إدباره ، وتغيّرَ لونه من السواد إلى غيره ؛ وذلك أنّ دم الحيض أسود يعرف ، ولو كانت تعرف أيّامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم ؛ لأنّ السنّة في الحيض أن تكون الصفرة والكدرة فما فوقها في أيّام الحيض - إذا عرفت - حيضاً كلّه ؛ إن كان الدم أسود أو غير ذلك .

فهذا يبيّن لك أنّ قليل الدم وكثيره أيّام الحيض ، حيض كلّه إذا كانت الأيّام

معلومة ، فإذا جهلت الأيّام وعددها احتاجت إلى النظر حينئذٍ إلى إقبال الدم وإدباره وتغيّر لونه ، ثمّ تدع الصلاة على قدر ذلك . ولا أرى النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال

لها : اجلسي كذا وكذا يوماً ، فما زادت فأنت مستحاضة ، كما لم يأمر الاُولى بذلك .

وكذلك أبي أفتى في مثل هذا ؛ وذلك أنّ امرأة من أهلنا استحاضت ، فسألت أبي عن ذلك ، فقال : إذا رأيت الدم البَحْراني فدعي الصلاة ، وإذا رأيت الطهر - ولو ساعة من نهار - فاغتسلي وصلّي .

وأرى جواب أبي هاهنا غير جوابه في المستحاضة الاُولى : ألا ترى أ نّه قال : تدع الصلاة أيّام أقرائها ! لأ نّه نظر إلى عدد الأيّام ، وقال هاهنا : إذا رأت الدم

البحراني فلتدع الصلاة ، وأمرها هاهنا أن تنظر إلى الدم إذا أقبل وأدبر وتغيّر .

وقوله : البحراني شبه قول النبي صلی الله علیه و آله وسلم : إنّ دم الحيض أسود يعرف . وإنّما

ص: 365

سمّاه أبي : بحرانياً لكثرته ولونه .

فهذه سنّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم في التي اختلط عليها أيّامها حتّى لا

تعرفها ، وإنّما تعرفها بالدم ما كان من قليل الأيّام وكثيره» .

قال : «وأمّا السنّة الثالثة : ففي التي ليس لها أيّام متقدّمة ، ولم تَرَ الدم قطّ ، ورأت أوّل ما أدركت ، واستمرّ بها ، فإنّ سنّة هذه غير سنّة الاُولى والثانية ؛ وذلك أنّ امرأة يقال لها : حَمَنة بنت جحش أتت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقالت : إنّي استحضت حيضة شديدة ، فقال : احتشي كُرْسفاً .

فقالت : إنّه أشدّ من ذلك ؛ إنّي أثجّه ثجّاً ! فقال : تلجّمي وتحيّضي في كلّ شهر - في علم اللّه - ستّة أيّام أو سبعة ، ثمّ اغتسلي غسلاً ، وصومي ثلاثة وعشرين يوماً أو أربعة وعشرين ، واغتسلي للفجر غسلاً ، وأخّري الظهر ، وعجّلي العصر ، واغتسلي غسلاً ، وأخّري المغرب ، وعجّلي العشاء ، واغتسلي غسلاً» .

قال أبو عبداللّه علیه السلام : «فأراه قد سنّ في هذه غير ما سنّ في الاُولى والثانية ؛ وذلك لأنّ أمرها مخالف لأمر تينك ؛ ألا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع ؛ وكانت خمساً أو أقلّ من ذلك ، ما قال لها : تحيّضي سبعاً ، فيكون قد أمرها بترك الصلاة أيّاماً وهي مستحاضة غير حائض ! وكذلك لو كان حيضها أكثر من سبع ؛ وكان أيّامها عشرة أو أكثر ، لم يأمرها بالصلاة وهي حائض !

ثمّ ممّا يزيد هذا بياناً قوله علیه السلام لها : تحيّضي ، وليس يكون التحيّض إلاّ للمرأة التي تريد أن تكلّف ما تعمل الحائض ؛ ألا تراه لم يقل لها أيّاماً معلومة : تحيّضي أيّام حيضك !

ص: 366

وممّا يبيّن هذا قوله لها : في علم اللّه ؛ لأ نّه قد كان لها وإن كانت الأشياء كلّها في علم اللّه ، فهذا بيّن واضح أنّ هذه لم تكن لها أيّام قبل ذلك قطّ . وهذه

سنّة التي استمرّ بها الدم أوّل ما تراه ؛ أقصى وقتها سبع ، وأقصى طهرها ثلاث وعشرون ، حتّى تصير لها أيّام معلومة ، فتنتقل إليها .

فجميع حالات المستحاضة تدور على هذه السنن الثلاث ؛ لا تكاد أبداً تخلو من واحدة منهنّ :

إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير ، فهي على أيّامها وخلقها الذي جرت عليه ؛ ليس فيه عدد معلوم موقّت غير أيّامها .

وإن اختلطت الأيّام عليها وتقدّمت وتأخّرت وتغيّر عليها الدم ألواناً ، فسنّتها إقبال الدم وإدباره وتغيّر حالاته .

وإن لم تكن لها أيّام قبل ذلك واستحاضت أوّل ما رأت ، فوقتها سبع ، وطهرها ثلاث وعشرون . وإن استمرّ بها الدم أشهراً فعلت في كلّ شهر كما قال لها ، فإن انقطع الدم في أقلّ من سبع أو أكثر من سبع ، فإنّها تغتسل ساعة ترى الطهر وتصلّي ، فلا تزال كذلك حتّى تنظر إلى ما يكون في الشهر الثاني ، فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأوّل سواءً حتّى توالى عليها حيضتان أو ثلاث ، فقد علم الآن أنّ ذلك قد صار لها وقتاً وخلقاً معروفاً ؛ تعمل عليه وتدع ما سواه ، وتكون سنّتها فيما يستقبل إن استحاضت ، قد صارت سنّة إلى أن تجلس أقراؤها .

وإنّما جعل الوقت إن توالى عليها حيضتان أو ثلاث ؛ لقول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم للتي تعرف أيّامها : دعي الصلاة أيّام أقرائك ، فعلمنا أ نّه لم يجعل القرء الواحد

ص: 367

سنّة لها ، فيقول لها : دعي الصلاة أيّام قرئك ، ولكن سَنّ لها الأقراء ، وأدناه حيضتان فصاعداً .

وإن اختلط عليها أيّامها وزادت ونقصت - حتّى لا تقف فيها على حدّ ، ولا من الدم على لون - عملت بإقبال الدم وإدباره وليس لها سنّة غير هذا ؛ لقوله علیه السلام : إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغتسلي ، ولقوله : إنّ دم الحيض أسود يعرف ، كقول أبي : إذا رأيت الدم البحراني . وإن لم يكن الأمر كذلك ، ولكنّ الدم أطبق عليها ، فلم تزل الاستحاضة دارّة ، وكان الدم على لون واحد وحالة واحدة ، فسنّتها السبع والثلاث والعشرون ؛ لأنّ قصّتها قصّة حمنة حين قالت : إنّي أثجّه ثجّاً»(1) ، انتهى الحديث المبارك .

بيان بعض فقرات المرسلة

وقد استدلّ به صاحب «الحدائق» على أنّ المبتدئة ليس لها سنّة إلاّ الرجوع إلى الأيّام ، وإنّما التمييز سنّة المضطربة خاصّة(2) . وما ذكره وإن كان يوهمه بعض فقرات المرسلة ، لكنّ التأمّل الصادق في مجموعها يدفع ذلك ، فلا بأس ببيان بعض فقرات الحديث حتّى يتّضح الحال :

فنقول أوّلاً على نحو الإجمال : إنّ الظاهر منها أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أجاب عن ثلاث وقائع شخصية : وردت اثنتان منها عليه لفاطمة بنت أبي حبيش ؛ إن كانت

ص: 368


1- الكافي 3 : 83 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 276 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 4 ، والباب 5 ، الحديث 1 ، والباب 7 ، الحديث 2 ، والباب 8 ، الحديث 3 .
2- الحدائق الناضرة 3 : 194 .

الواقعتان لمرأة واحدة في حالتين مختلفتين - ويحتمل أن تكون فاطمة بنت أبي حبيش اثنتين ، كما ربّما يشعر به بعض فقرات المرسلة ، كقوله : «أما تسمع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أمر هذه بغير ما أمر به تلك !» وقوله : «فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها» - والواقعة الثالثة هي واقعة حمنة بنت جحش ، لكنّ الصادق علیه السلام قال :

«إنّه صلی الله علیه و آله وسلم بيّن في هذه السنن كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها ، ولم يدعْ لأحدٍ مقالاً فيه بالرأي والاجتهادات الظنّية ، الخارجة عن طريق فهم السنّة» .

وهذا يبيّن أنّ فهم القواعد الكلّية من بعض القضايا الشخصية - بإلغاء الخصوصيات عرفاً - ليس من الاجتهاد الممنوع والمقال بالرأي ، كما أفاد أبو عبداللّه علیه السلام طريقه في هذه الرواية ، ونبّه على طريق الاستفادة واستنباط الأحكام الكلّية من السنّة ، كما هو الطريق المألوف .

ثمّ إنّ الظاهر من قول السائل لأبي عبداللّه علیه السلام عن الحيض والسنّة في وقته ، هو أنّ السؤال إنّما كان عن السنّة في تعيين وقت الحيض ، لا عن موضوعه ، ولا عن حكمه ، وإنّما يصحّ هذا السؤال فيما إذا اختلط الحيض بغيره ؛ ولم يعلم أنّ الدم الخارج أيُّ مقدار منه حيض ، وأيُّ الأيّام أيّامه ووقته ، فأجاب بما هو مناسب لشبهته ببيان السنن الثلاث .

فهذه السنن كفيلة لرفع الشبهة الواقعة في وقت الحيض فيما إذا اختلط الحيض بالاستحاضة ، فبمقتضى سوق الرواية والحصر في السنن الثلاث ، لا بدّ من دخولِ سنن جميع أقسام المستحاضة في الرواية الشريفة ؛ واستفادةِ حكم جميع حالات المستحاضة منها .

ص: 369

ثمّ إنّ الظاهر منها في السنن الثلاث ، أنّ إرجاع كلٍّ منهنّ إلى سنّة ليس لأجل اختصاص السنّة بها ، بل لأجل اختصاص مرجعها بها .

مثلاً : إنّ الرجوع إلى العادة ليس مختصّاً بذات العادة التي استمرّ بها الدم مع علمها بعادتها ، بل ذات العادة الكذائية لا مرجع لها إلاّ عادتها ، كما نصّ

عليه في الرواية ، وكذا الحال في السنّتين الاُخرَيين ، فلا يكون الرجوع إلى التمييز مختصّاً بالتي اختلط عليها أيّامها ، بل التي اختلط عليها أيّامها ولا يكون دمها على لون واحد وحالة واحدة ، لا مرجع لها إلاّ الرجوع إلى التمييز . وكذا الحال في المبتدئة التي سيأتي الكلام فيها في ذيل الحديث(1) .

ثمّ لا إشكال في أنّ ذاتَ العادة مع إحصائها أيّام حيضها وعدم اختلاط فيها وعلمها بها ، مرجعُها إلى عادتها ، ويأتي الكلام فيها في محلّه(2) .

ونحن الآن بصدد بيان السنّة الثانية والثالثة ، فقوله : «وأمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة ، ثمّ اختلط عليها من طول الدم ، فزادت ونقصت حتّى أغفلت عددها وموضعها من الشهر . . .» فيه احتمالان :

أحدهما : أنّ المراد ممّا ذكر هي الناسية ؛ فإنّ طول زمان استمرار الدم ، صار سبباً لغفلتها عن عددها وموضعها من الشهر بعد كون العدد والموضع معلومين لها .

ويؤيّد ذلك - إذا استظهر من الرواية كون فاطمة بنت أبي حبيش امرأة واحدة - أ نّها أتت مرّة اُمَّ سلمة في زمان كانت ذاكرة لعدد أيّامها ووقتها من

ص: 370


1- يأتي في الصفحة 374 - 375 .
2- يأتي في الصفحة 419 .

الشهر ، واُخرى أتت النبي صلی الله علیه و آله وسلم بعد طول مدّة الدم ونسيانها لهما ، كما يشهد به قوله : «وكان أبي يقول : إنّها استحيضت سبع سنين» .

وثانيهما : أنّ المراد منه هي التي كانت لها أوّلاً أيّام مضبوطة ، وكانت ذات عادة مستقرّة عدداً ووقتاً ، ثمّ اختلطت الأيّام ؛ وتقدّمت وتأخّرت ، وزادت ونقصت ، ثمّ استمرّ عليها الدم .

ويشهد لهذا الاحتمال - بعد منع كون فاطمة امرأة واحدة طرأت عليها الحالتان ؛ لما تقدّم من ظهور الرواية في كون ما ذكرت فيها مرأتين مسمّيتين ب- «فاطمة» وأنّ أباهما كان مكنّىً ب- «أبي حبيش» - قوله : «زادت ونقصت» ، فإنّ الظاهر منه أنّ الزيادة والنقص إنّما عرضتا للأيّام المتقدّمة ، فكانت الأيّام أوّلاً

مضبوطة غير مختلفة ، ثمّ صارت مختلفة ؛ ناقصة تارة ، وزائدة اُخرى ، وهذا المعنى لا يتصوّر في مستمرّة الدم .

ويؤيّده قوله فيما بعد : «وإن اختلطت الأيّام عليها ، وتقدّمت وتأخّرت» فإنّ التقدُّم والتأخّر المنسوبين إلى الأيّام لا يتصوّران إلاّ قبل استمرار الدم .

ويشهد بذلك قوله : «أغفلت» بصيغة «إفعال» فإنّ معنى «أغفل الشيء» أهمله وتركه ، على ما في «المنجد»(1) ، وفي «الصحاح» : «أغفلتُ الشيء : إذا تركتَه على ذِكر منك»(2) ، فالعدول عن «غَفَلت عن عددها» إلى «أغفلت عددها» لأجل أنّ أيّامها كانت مضبوطة ، وكانت آخذة بعددها وموضعها من الشهر ، ثمّ

ص: 371


1- المنجد : 555 .
2- الصحاح 5 : 1783 .

اختلطت ؛ فزادت ونقصت ، وتقدّمت وتأخّرت ، حتّى تركت الأيّام المضبوطة وأهملتها ، فحينئذٍ تكون الرواية متعرّضة لقسم من المضطربة .

ولا ينافي ما ذكرناه بعض فقراتها ، كقوله : «إنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها ؛ لم تعرف عددها ولا وقتها» لأنّ مختلطة الأيّام بما ذكرنا أيضاً لا تعرف عددَها ؛ لأنّ أيّامها زادت ونقصت ، ولا وقتها ؛ لتقدّمها وتأخّرها .

ولا يبعد أن يكون أرجح الاحتمالين هو الثاني ، كما استظهر المحقّق الخونساري ظاهراً (1) وإن ضعّفه شيخنا الأعظم قائلاً : «إنّ عدّة مواضع من الرواية تأبى عن ذلك»(2) ولم تتّضح موارد الإباء .

نعم ، ربّما يأباه قوله : «ثمّ اختلط عليها من طول الدم» فإنّ الظاهر منه أنّ طول الدم واستمراره صار سبباً للاختلاط ، وهو لا ينطبق إلاّ على النسيان .

ويمكن أن يقال : إنّ المراد من «طول الدم» ليس طول استمراره ، بل المراد أنّ طول سني رؤيته أوجب الاختلاط ؛ لأنّ في أوائل الأمر لمّا كانت الرحم معتدلة سليمة ، كانت تقذف مضبوطاً عدداً ووقتاً ، ثمّ بعد طول الزمان صارت ضعيفة ، فخرج قذفها عن الاعتدال والانضباط .

وهذا التوجيه وإن كان لا

يخلو من خلاف ظاهر ، لكنّه أهون من رفعِ اليد عن قوله : «زادت ونقصت وتقدّمت وتأخّرت» أو توجيهِه بوجه بعيد . بل لا يبعد أن يكون التعبير ب- «طول الدم» دون «استمراره» لإفادة ذلك .

ص: 372


1- الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية ، المحقّق الخوانساري : 61 / السطر 5 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 226 .

وكيف كان : فيظهر من التأمّل في فقرات الرواية ، أنّ أبا عبداللّه الصادق علیه السلام استشهد على حكمِ من كان لها أيّام متقدّمة ، ثمّ اختلطت عليها ، كما هو مفروض كلامه بالسنّة التي سنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في واقعة فاطمة ؛ باعتبار عدم إرجاعِها إلى العادة ، وإرجاعِها إلى التمييز ، فاستفاد من ذلك أنّ هذه امرأة اختلط عليها أيّامها ؛ لم تعرف عددها ولا وقتها ؛ ممّا هي معتبرة في الرجوع إلى العادة ، فعدم الإرجاع إليها شاهد على اختلاط الأيّام وعدم معرفتها بها ؛ وإن لم يكن شاهداً على كون الاختلاط بعد ما كانت لها أيّام مضبوطة متقدّمة أوّلاً .

ففتوى الصادق علیه السلام في الامرأة التي كانت لها أيّام متقدّمة ثمّ اختلطت ، لم تكن لأجل معلومية أنّ فاطمة بنت أبي حبيش كانت كذلك ، بل لأجل معلوميةِ اختلاط أيّامها ، وعدمِ معرفتها بها ، وكونِ دمها ذا تميّز ؛ وإن لم يعلم أ نّها كانت ذات عادة منضبطة ، ثمّ اختلطت أيّامها ، كما يظهر من قوله : «فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط . . .» إلى آخره ، فمن أجل ذلك يستفاد أنّ تمام الموضوع للرجوع إلى الصفات ، هو الاختلاط وعدم المعرفة مع كون الدم ذا تميّز .

بل يظهر من التعبيرات المختلفة في الرواية - تارة : ب- «التي كانت لها أيّام متقدّمة ، ثمّ اختلط عليها» .

واُخرى : بأنّ «هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها» من غير ذكر للأيّام المتقدّمة ، وثالثة بقوله : «إذا جهلت الأيّام وعددها احتاجت . . .» إلى آخره . . . إلى غير ذلك - أ نّه لا يعتبر في الرجوع إلى التمييز إلاّ عدم إمكان الرجوع إلى العادة ؛ سواء كان لفقدانها ، أو اختلاطها ، أو نسيانها ، أو غير ذلك .

ص: 373

وممّا يبيّن ذلك ، التأمّل الصادق في قوله : «فلهذا احتاجت إلى أن تعرف . . .» إلى قوله : «ولو كانت تعرف أيّامها ما احتاجت . . .» إلى آخره ؛ فإنّ المتفاهم عرفاً منه : أنّ الاحتياج إلى معرفة لون الدم ، إنّما هو فيما قصرت يدها عن الأمارة التي هي أقوى منها عرفاً وشرعاً ، وأنّ الرجوع إلى التمييز لأجل أنّ دم الحيض أسود يعرف ، فأمارية الصفات أوجبت الإرجاع إليها عند فقد الأمارة المتقدّمة عليها قوّة وكشفاً ؛ من غير دخل لتقدّم الأيّام وعدمه أو اختلاطها وعدمه في ذلك ، فموضوع الإرجاع عرفاً هو وجدان هذه الأمارة وفقدان ما هي أقوى منها .

ولو فرض كون المرأة مبتدئة ذات تمييز ، يفهم من التأمّل في الفقرات أنّ تكليفها الرجوع إلى التمييز ، وعند فقدانه يكون تكليفها غير ذلك .

وأمّا السنّة الثالثة : فإنّه وإن كان يوهم بعض فقرات الرواية كونها للمبتدئة ؛ كانت ذات تمييز أو لا ، لكنّ التأمّل في جميع فقراتها يدفع هذا الوهم ؛ فإنّ الظاهر منها - كما تقدّم - أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم سنّ في ثلاث وقائع شخصية ثلاث سنن ، يفهم منها جميع حالات المستحاضة ، فجميع حالات المستحاضة تدور على هذه السنن ، لا أنّ المستحاضة تنحصر في الموارد الثلاثة التي وردت على النبي صلی الله علیه و آله وسلم وبيّن أحكامها .

نعم ، وردت السنّة الثالثة -

بحسب الواقعة الشخصية - فيمن لم تَرَ الدم ، ورأت أوّل ما أدركت ، واستمرّ بها ، وكانت كثيرة الدم ، وكان دمها ذا دفع وشدّة ، وعلى لون واحد وحالة واحدة ، كما يستفاد من قولها : «أثجّه ثجّاً» وقد صرّح به في آخر الرواية .

ص: 374

فالمستفاد من جميع المرسلة : أنّ السنّة الثالثة وإن وردت فيمن رأت الدم أوّل ما أدركت ، واستمرّ بها على لون واحد ؛ بحسب الواقعة الشخصية والقضيّة الخارجية ، لكنّها سنّة لكلّ من لم تكن لها عادة ولا تمييز ، كما ينادي به قوله في آخر الرواية : «وإن لم يكن الأمر كذلك ، ولكنّ الدم أطبق عليها ؛ فلم تزل الاستحاضة دارّة ، وكان الدم على لون واحد وحالة واحدة ، فسنّتها السبع والثلاث والعشرون ؛ لأنّ قصّتها قصّة حمنة حين قالت : أثجّه ثجّاً» .

فيستفاد منه : أنّ كلّ من كانت قصّتها كقصّة حمنة من هذه الحيثية - أي إطباق

الدم ؛ وكونه على لون واحد وحالة واحدة المستفادة من قولها : «أثجّه ثجّاً» - تكون سنّتها كسنّتها ، ولا تكون السنّة التي وردت لها ، مختصّة بها وبمن رأت الدم أوّل ما أدركت ، بل الميزان في قصّتها هو الاستمرار وعدم تغيّره .

فتحصّل من جميع ذلك : أنّ المستحاضة لا تخلو إمّا أن تكون ذات عادة معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها ، أو لا :

فالاُولى : مرجعها إلى العادة لا غيرها .

والثانية : إمّا أن تكون ذات تميّز وتغيّر في لون الدم وحالاته ، أو لا :

فالاُولى : مرجعها إلى التمييز .

والثانية : إلى السبع والثلاث والعشرين .

ولا تخلو مستحاضة من تلك الحالات ، ويستفاد جميع سنن المستحاضة وحالاتها من السنن الثلاث بعد التأمّل التامّ والتدبّر الصادق في فقراتها ، كما قال

في أوّل الرواية : «بيّن كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها» ثمّ أفاد علیه السلام طريق

ص: 375

الاستفادة من قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم .

ولا يخفى : أنّ أبا عبداللّه علیه السلام إنّما أرشد السائلين إلى طريق الاستفادة من كلام رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأبي جعفر علیه السلام لفتح باب الاجتهاد عليهم ، لا أنّ طريق علمه بالأحكام هو هذا النحو من الاجتهادات الظنّية والاستظهارات العرفية ، كما هو مقتضى اُصول المذهب .

رواية سماعة وموثّقة ابن بكير

وممّا تمسّك به صاحب «الحدائق» لمذهبه(1) رواية سَماعة قال : سألته عن جارية حاضت أوّل حيضها ، فدام دمها ثلاثة أشهر ، وهي لا تعرف أيّام أقرائها ، فقال : «أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيّام ، وأقلّه ثلاثة أيّام»(2) .

وموثّقة عبداللّه بن بكير عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «المرأة إذا رأت الدم في أوّل حيضها فاستمرّ بها الدم بعد ذلك ، تركت الصلاة عشرة أيّام ، ثمّ تصلّي عشرين يوماً ، فإن استمرّ بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيّام ، وصلّت سبعة وعشرين يوماً»(3) .

وفيه : أنّ لأدلّة الأوصاف نحو حكومة عليهما :

ص: 376


1- الحدائق الناضرة 3 : 194 .
2- الكافي 3 : 79 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 380 / 1181 ؛ وسائل الشيعة 2 : 288 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 381 / 1182 ؛ وسائل الشيعة 2 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 6 .

أمّا على الاُولى فظاهر ؛ لأنّ السؤال عمّن لا تعرف أيّام أقرائها ، ولسان روايات الأوصاف - مثل قوله : «إنّ دم الحيض أسود يعرف» وقوله : «إنّ دم الحيض ليس به خفاء» - هو أ نّه مع الأوصاف تخرج المرأة عن موضوع عدم المعرفة .

وأمّا على الثانية : فلأنّ الظاهر منها أنّ ترك الصلاة عشرة أيّام في الدورة الاُولى وثلاثة أيّام فيما بعدها ، ليس لأجل كونها حيضاً ، بل هو حكم تعبّدي لدى التحيّر في معرفة أيّامها .

ويشهد له قول ابن بكير في روايته الاُخرى - التي لا يبعد أن تكون عين الاُولى ، ويكون الاختلاف في النقل ، فتارة : نقلها بجميع ألفاظها ، وتارة : اقتصر على جوهر القضيّة - حيث قال : «فإذا مضى ذلك - وهو عشرة أيّام - فعلت ما تفعله المستحاضة» .

وقال في ذيلها : «وجعلت وقت طهرِها أكثرَ ما يكون من الطهر ، وتركِها للصلاة أقلَّ ما يكون من الحيض»(1) .

ومعلوم : أنّ ظاهر هذه الفقرات ، هو أنّ الحيض والاستحاضة لمّا لم يكونا معلومين وكانا مختلطين ، وجب عليها التحيّض في أيّام والصلاة في اُخرى .

وهذا نظير قوله في مرسلة يونس المتقدّمة : «تحيّضي في علم اللّه . . .» فلسان الروايتين لسان الأصل ، ولسان أدلّة الأوصاف لسان الأمارة ، فتكون حاكمة عليهما .

وينبغي التنبيه على اُمور :

ص: 377


1- تهذيب الأحكام 1 : 400 / 1251 ؛ وسائل الشيعة 2 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 5 .
الأمر الأوّل في شرائط الرجوع إلى التمييز

يشترط في الرجوع إلى التمييز اُمور :

منها : أن لا ينقص ما شابه دم الحيض عن ثلاثة أيّام .

ومنها : أن لا يزيد على عشرة أيّام .

ومنها : عدم نقصان ما شابه الاستحاضة عن عشرة أيّام .

وهذه الشروط - أي عدم جواز جعل ما شابه الحيض حيضاً ؛ إذا نقص عن ثلاثة أيّام أو زاد عن عشرة ، وعدم جواز جعل الطهر بين الحيضتين أقلّ من عشرة أيّام - ممّا لا ينبغي الإشكال فيه ؛ لما دلّ من المستفيضة على أنّ الحيض لا يكون أقلّ من ثلاثة أيّام ، ولا أكثرَ من عشرة أيّام(1) ، وما دلّ على أنّ الطهر لا يكون أقلَّ من عشرة أيّام(2) .

مختار صاحب «الحدائق» في المقام ونقده

وهذه الأدلّة حاكمة على أدلّة الأوصاف ؛ لأنّ جعل الأمارة إنّما هو بعد الفراغ عن إمكان الحيض الواقعي واحتمال وجوده ، وهذه الأدلّة تحديد لواقع الحيض ، وليست الأمارة إلاّ كاشفة عمّا يمكن أن يكون حيضاً ويحتمل تحقّقه ،

ص: 378


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 297 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 11 .

وهذه الروايات ترفع الموضوع وتخرجه عمّا يمكن فيه ذلك ، فهي بلسانها مقدّمة على لسان الأمارات عرفاً .

فما ذهب إليه صاحب «الحدائق»(1) من أ نّها تتحيّض بالأقلّ والأكثر ؛ زاعماً أنّ ذلك مقتضى إطلاق الروايات ، بل مقتضى قوله في مرسلة يونس : «ما كان من قليل الأيّام وكثيره»(2) .

مردود ؛ ضرورة أنّ أدلّة التحديد الحاكمة على أدلّة الصفات ، توجب تحديد القليل والكثير بأيّام إمكان الحيض .

وممّا ذكرنا ظهر حال ما تمسّك به لردّ الشرط الثالث ، وهو بلوغ الدم الضعيف - وحده أو مع النقاء - عشرة أيّام ، قائلاً :

«إنّ ذلك لا دليل عليه ، بل ظاهر الأخبار يردُّه ، كموثّقة أبي بصير قال : سألت الصادق علیه السلام عن المرأة ترى الدم خمسة أيّام ، والطهرَ خمسةَ أيّام ، وترى الدم أربعة أيّام ، وترى الطهرَ ستّةَ أيّام ، فقال : «إن رأت الدم لم تصلِّ ، وإن رأت الطهر صلّت ما بينها وبين ثلاثين يوماً ، فإذا مضت ثلاثون يوماً . . .»(3) إلى آخره ، وقريب منها موثّقة يونس بن يعقوب(4)»(5) .

ص: 379


1- الحدائق الناضرة 3 : 195 .
2- تقدّمت في الصفحة 366 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 380 / 1180 ؛ وسائل الشيعة 2 : 286 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 ، الحديث 3 .
4- الكافي 3 : 79 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 380 / 1179 ؛ وسائل الشيعة 2 : 285 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 6 ، الحديث 2 .
5- الحدائق الناضرة 3 : 195 .

والروايتان صحيحتان ، وتوصيفهما ب- «الموثّقة» كأ نّه في غير محلّه .

وكيف كان : فأمّا قوله : «لا دليل عليه» فقد مرّ الدليل عليه(1) .

وأمّا تمسّكه بالروايتين ، ففيه أوّلاً : أنّ مفادهما غير ما نحن فيه ؛ لظهورهما في حصول النقاء ، لا في استمرار الدم واختلاف الألوان .

وثانياً : قد مرّ في محلّه ما هو مفادهما (2) ، وقد حملهما الشيخ على محمل صحيح(3) ، وبيّن المحقّق ما هو المحمل فيهما (4) ، فلا نعيد .

ص: 380


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 118 - 129 .
2- تقدّم في الصفحة 127 - 128 .
3- الاستبصار 1 : 132 ، ذيل الحديث 454 .
4- المعتبر 1 : 207 .
الأمر الثاني في حكم ما تراه بصفة الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام

إذا فقد الشرط الأوّل - أي كان ما رأت بصفة الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام - فهل

هي فاقدة التمييز ، ولا بدّ لها من الرجوع إلى الأقارب أو الروايات ؛ لو قلنا برجوع الفاقدة إليهما مطلقاً ، أو هي واجدة له في الجملة ؟

قد يقال بالأوّل : «لأنّ أمارة الحيض في اليومين مثلاً التي يلزم منها كون الثالث حيضاً - لما دلّ على عدم كون الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام - معارضة لأمارة الاستحاضة في اليوم الثالث التي يلزم منها كون اليومين أيضاً استحاضة ، فتتساقط الأمارتان ، فهي فاقدة التمييز» .

وقد يجاب عنه : «بأنّ سوق الأخبار يشهد بورودها لتمييز الحيض عمّا ليس بحيض الذي هو الاستحاضة ، وإنّما ذكر أوصاف الاستحاضة استطراداً لبيان أ نّه ليس بحيض ، فإذا تبيّن كون بعض ما رأته بصفة الاستحاضة حيضاً - باعتبار كونه مكمّلاً لما علم حيضيته بالأوصاف التي اعتبرها الشارع - فلا تنافيه هذه الأدلّة»(1) انتهى .

وفيه : أ نّه لم يتّضح معنى «الاستطراد» فإن كان المراد أنّ ذكر أوصاف الاستحاضة وقع بعد أوصاف الحيض تبعاً له ، فهو - مع عدم تماميته في جميع الروايات ؛ فإنّ في صحيحة معاوية بن عمّار قدّم ذكر الاستحاضة وصفتها على

ص: 381


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 224 - 225 .

الحيض وصفته(1) - لا يوجب عدم كون الصفات أمارة ، أو رفع اليد عن أماريتها لدى التعارض .

وإن كان المراد أنّ الإمام علیه السلام ليس بصدد بيان أمارية أوصاف الاستحاضة ، بل يكون بصدد أمارية الحيض فقط ، وذكر الأوصاف المقابلة ليس لأجل أماريتها ، بل لبيان فقد أمارة الحيض ، كما يظهر من القائل في خلال كلامه ، فهو غير وجيه ؛ ضرورة ظهور الأدلّة في أمارية كلٍّ من الطائفتين ، ولا يمكن الالتزام بذلك ، خصوصاً في صحيحة معاوية . بل كأ نّه أشرنا سابقاً إلى أولوية أمارية صفات الاستحاضة من صفات الحيض(2) .

وكيف كان : فلا وجه لرفع اليد عن ظهور الروايات في أمارية صفاتهما .

ويمكن أن يقال في جواب الإشكال المتقدّم : إنّ أمارة الاستحاضة فيما نحن فيه ، لا يمكن أن تعارض أمارة الحيض ؛ للعلم بكذب مفادها ، فإنّ المفروض أنّ غير اليومين من أيّام الدم يكون بصفة الاستحاضة ، فالأخذ بدليل صفات الاستحاضة - اللازم منه جعل اليومين أيضاً استحاضة - ممّا لا يمكن ؛ للعلم بكون بعض الأيّام حيضاً ، ضرورة اتّفاق النصّ والفتوى على حيضية بعض الدم المستمرّ ، فحينئذٍ تكون الأمارة الدالّة على كون الجميع استحاضةً ، مخالفةً للواقع ، فلا يمكن الأخذ بها ، فتبقى أمارة الحيض في اليومين بلا معارض ، ولازمها تتميم ما نقص .

ص: 382


1- تقدّمت في الصفحة 361 .
2- تقدّم في الصفحة 171 .
الكلام في كيفية التتميم

نعم ، يبقى الكلام في كيفية التتميم ، فقد يقال : «بالرجوع إلى عادات النساء أو الروايات ؛ فإنّه لم يعرف من أخبار التمييز إلاّ كون اليومين مثلاً حيضاً في الجملة ، وهذا المقدار من المعرفة ، لا يوجب خروجها من موضوع ما دلّ على الرجوع إلى عادات النساء أو الأخبار . وعلى تقدير انصراف الأخبار يفهم حكمه منها عرفاً ؛ لأنّ هذه الأخبار ليست تعبّدية محضة ، بل مناطها اُمور مغروسة في الأذهان»(1) .

وفيه : أنّ إطلاق أدلّة التمييز يحكم بأنّ اليومين حيض ، ولو لم يكن دليل تحديد الحيض بثلاثة أيّام ، لقلنا بمفادها بمقتضى إطلاقها . ودعوى عدم الإطلاق في الروايات وخروج الفرض وأمثاله منها ، في غاية السقوط ؛ ضرورة أنّ الروايات في مقام البيان بلا إشكال ، وإطلاقها محكّم ، وإنّما يخرج منه بقدر ما ورد من التقييد .

ولا تنافيها أدلّة تحديد الحيض بثلاثة أيّام ؛ لعدم المنافاة بين كون اليومين حيضاً ، مع كون اليوم الثالث أيضاً حيضاً ؛ لأنّ وجدان الصفة أمارة على الحيضية ، وأمّا فقدانها فليس أمارة على شيء . نعم وجدان صفات الاستحاضة أمارة عليها ، ولازمها عدم الحيضية . لكن قد عرفت عدم إمكان الأخذ بها .

فحينئذٍ يؤخذ بأمارة الحيض في اليومين ، وتترك أمارة الاستحاضة بمقدار

ص: 383


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 227 - 228 .

تتميم أقلّ الحيض ؛ لما دلّ على عدم كون الحيض أقلّ من ثلاثة ، وتبقى أمارية صفات الاستحاضة في اليوم الرابع وما زاد بلا معارض ، فيؤخذ بها .

ومع قيام الأمارة على الاستحاضة في الأيّام الزائدة ، وقيام الأمارة أيضاً على

حيضية ثلاثة أيّام ، لا وجه للرجوع إلى عادات النساء ممّا ثبت - نصّاً وفتوى - تأخّر أماريتها عن أمارية التمييز . وأوضح منه عدم الرجوع إلى الروايات ، الذي هو تكليف فاقدة التمييز والأمارة .

فرفع اليد عن أدلّة التمييز إمّا لدعوى قصور أدلّتها عن شمول هذه الفروض ، فهي مدفوعة بما تقدّم من إطلاق الأدلّة . ويظهر إطلاقها من الرجوع إليها والتأمّل في مفادها . ولَعَمْري ، إنّ الناظر فيها لا يشكّ في شمولها لجميع الفروض ؛ مع قطع النظر عن روايات التحديد .

وإمّا لدعوى دخول الفروض في أدلّة الرجوع إلى النساء والأخبار ، ففيها : أ نّه مع شمول إطلاقات أدلّة التمييز لها لا معنى للرجوع إليهما ؛ لحكومة أدلّة التمييز عليهما على فرض شمولهما لها . فالتتميم - بالرجوع إلى العادات والأخبار - ممّا لا أرى له وجهاً وجيهاً .

ثمّ إنّه على فرض خروج هذه الفروض عن مفاد الأدلّة وانصرافها عنها ، لا وجه لفهم أحكامها بالرجوع إلى العرف بدعوى ارتكازية المناط .

اللهمّ إلاّ أن يدّعى : أنّ الارتكاز والمغروسية في أذهان العرف ، يوجب عدمَ الانصراف ، بل إلغاءَ الخصوصيات عرفاً ، فله وجه ، لكنّه يرجع إلى دلالة الأدلّة ، لا إلى حكم العرف ؛ فإنّه لا معنى للرجوع إليه إلاّ في فهم مفادها .

ص: 384

الأمر الثالث في حكم ما تراه بصفة الحيض أكثر من عشرة أيّام

إذا فقد الشرط الثاني - بأن ترى زائداً على العشرة بصفة الحيض - فهل هي فاقدة التمييز مطلقاً أو لا ؟

وعلى الثاني : هل يجب عليها التحيّض من أوّل الرؤية إلى عشرة أيّام ، أو التحيّض من أوّل الرؤية وتتميمه بمقدار عادات النساء أو الأخبار ، أو يجب عليها الرجوع إلى عادات النساء أو الأخبار - في أيّام رؤية الدم بصفة الحيض - مخيّرة بينهما ، أو يفصّل بين ما إذا كانت للأمارات جهة مشتركة أو لا ، كما تأتي الإشارة إليه ؟

وجوه ، مقتضى القواعد هو التفصيل الأخير .

وأمّا القول بكونها فاقدة التمييز مطلقاً (1) فضعيف ؛ لأنّ رفع اليد عن أمارة الاستحاضة في أيّام رأته بصفتها ، ممّا لا وجه له بعد ما عرفت من إطلاق الأدلّة .

كما أنّ لازم الأمارات المتعارضة في صورة التعارض بينها ، هو عدم حيضية الضعيف في الجملة ، فأمارات الحيضية المتعارضة - لأجل أدلّة تحديد الحيض بالعشرة - متّفقة في عدم حيضية الضعيف وإن تعارضت في محلّ الحيض من

ص: 385


1- المعتبر 1 : 206 .

الأيّام ، ولازمُ الأمارات المتعارضة مع اتّفاقها فيه حجّةٌ ، فلا إشكال في التمييز في الجملة ؛ لا لفهم العرف بعد انصراف الأدلّة ، كما قيل(1) ، بل لما ذكرنا من إطلاقِ أدلّة أمارات الاستحاضة ، ولازمِ أمارات الحيض في فرض التعارض .

وأمّا التحيّض في أوّل الرؤية بعشرة أيّام ، كما عن شيخ الطائفة(2) أو بالتتميم بالعادات أو الأخبار(3) فغير تامّ ؛ لعدم الترجيح بين الأيّام في بعض الصور ، بل الترجيح لغير الأوّل في بعضها ، كما يأتي . والتمسّك بقاعدة الإمكان(4) - مع ما تقدّم من عدم الدليل عليها (5) - لا وجه له هاهنا ولو فرض الدليل عليها ؛ لعدم الرجحان بين الأيّام بعد قيام الأمارة على جميعها وتساوي جريان القاعدة فيها .

ودعوى ظهور الأدلّة في التحيّض أوّل ما رأت ، كقوله في صحيحة حفص بن البَخْتَري : «فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة»(6) ، وقوله في مرسلة يونس : «إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة»(7) .

غير وجيهة ؛ لأنّ الأدلّة إنّما هي بصدد بيان أمارية الأوصاف مطلقاً ، لا في أوّل الحدوث ، فمعنى قوله : «إذا كان للدم حرارة . . .» إلى آخره : أ نّه كلّما كان

ص: 386


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 224 .
2- المبسوط 1 : 46 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 228 .
4- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 249 .
5- راجع ما تقدّم في الصفحة 68 .
6- تقدّمت في الصفحة 361 .
7- تقدّمت في الصفحة 364 .

للدم حرارة كان حيضاً ، ولهذا لو لم تكن أدلّة التحديد لقلنا بحيضية جميع الأيّام ، ومع تلك الأدلّة يقع التعارض في الأيّام بين الأمارات من غير ترجيح . والترجيح بتقدّم الزمان - بدعوى خروج الزمان المتأخّر عن إمكان الحيضية بعد انطباق الأدلّة بلا مانع على الأيّام الاُولى - ممّا لا وجه له ؛ لأنّ التقدّم الزماني لا يوجب الترجيح . والتطبيق على الاُولى ورفع اليد عن الأدلّة في الأيّام الاُخرى من غير مرجّح ، لا وجه له .

والأقوى - بحسب القواعد - هو التفصيل بين ما إذا كانت للأمارة جهة مشتركة ، كما إذا رأت خمسة عشر يوماً ، فإنّ اليوم السادس إلى العاشر مورد اتّفاق الأمارات على حيضيتها ؛ بعد الأخذِ بإطلاق أدلّتها ، وتحديدِ الحيض بما دلّ على أ نّه لا يزيد على عشرة أيّام ، فحينئذٍ يقع التعارض بين الأمارات من أوّل

رؤية الدم بصفة الحيض إلى الخامس ، ومن اليوم الحادي عشر إلى الخامس عشر ، وتتّفق في المفاد من اليوم السادس إلى العاشر ، فتكون المرأة ذات تمييز وقتاً وعدداً ، فلا ترجع إلى عادات نسائها والأخبار مطلقاً ؛ لتقدّم التمييز عليهما .

وأمّا إذا وقع التعارض بينها من غير اتّفاق - كما لو رأت عشرين يوماً بصفة الحيض - فتتعارض الأمارات في جميع الأيّام ، فتكون من جهة الوقت ذات تمييز في الجملة ، ومن جهة العدد غير ذات تمييز ، فترجع إلى التمييز في الوقت في الجملة ؛ بمعنى أ نّه لو كانت عادة النساء في آخر الشهر خمسة أيّام ، ورأت متّصفاً بصفات الحيض من أوّل الشهر إلى العشرين ، تحيّضت في أيّام التمييز ، فتقدّم أدلّة التمييز على أدلّة عادات النساء بالنسبة إلى الوقت ، وأمّا بالنسبة إلى

العدد ، فلا مزاحم لإطلاق أدلّة الرجوع إلى عادات النساء ؛ لأنّ رفع اليد عنها

ص: 387

- بعد إطلاقها - إنّما هو لفهم تقدّم أدلّة التمييز عليها ؛ وكونِ التمييز أمارة أقوى من أمارة العادات ، كما تشهد به رواية سَماعة(1) بل يمكن الاستدلال عليه بمرسلة يونس ، ومع التعارض بين أمارات التمييز تصير فاقدة بالنسبة إلى العدد .

هذا مع إمكان أن يقال : إنّ التعارض بين الأمارات إنّما وقع في محلّ التحيّض ، لا في عدد الأيّام ، فهي ذات أمارة وتمييز بالنسبة إلى العشرة ، وغير ذات تمييز بالنسبة إلى المحلّ الخاصّ ، فتتخيّر في جعل العشرة في أيّ محلّ من اليوم الأوّل إلى العشرين ، إلاّ إذا عيّنت عادات النساء وقت حيضها ، كما لو فرض كون العادات من أوّل الشهر إلى خمسة أيّام ، فيجب عليها الأخذ بالعشرة من أوّل الشهر ؛ لأ نّها بالنسبة إلى الوقت غير ذات تمييز ، فلا بدّ من رجوعها إلى

الأمارة المتأخّرة عن التمييز .

ثمّ إنّ ما ذكرنا من لزوم الأخذ بعشرة أيّام ، جارٍ في الفرع المتقدّم ؛ أي ما إذا كانت للأمارات جهة مشتركة ؛ لعدم ما يدفع لزوم الأخذ بعشرة أيّام ، فإنّ عادات نسائها أمارة متأخّرة عن أمارة التمييز على عشرة أيّام ، فتدبّر .

ولو فقدت النساء ، وقلنا بأ نّها غير ذات تمييز بالنسبة إلى العدد ، فلا

يبعد الرجوع إلى الأخبار ؛ بدعوى فهم ذلك من رواية يونس ؛ حيث قال في ذيلها عند بيان القاعدة الكلّية - بعد بيان السنّتين الاُوليين - : «فإن لم يكن الأمر كذلك ، ولكنّ الدم أطبق عليها ؛ فلم تزل الاستحاضة دارّة ، وكان الدم على لون واحد . . .» إلى آخره ؛ بأن يقال :

ص: 388


1- تقدّمت في الصفحة 376 .

إنّ قوله : «فإن لم يكن الأمر كذلك» له مصاديق ، ويكون جميع مصاديقها موضوعاً للحكم المترتّب عليه ؛ أي السبع والثلاث والعشرين ، وإنّما ذكر بعض مصاديقه الواضحة من غير أن يكون الحكم منحصراً في هذا المصداق ، فمع فقدان التمييز الذي يمكن الرجوع إليه ، يكون تكليفها الرجوع إلى الروايات ؛ لصدق قوله : «لم يكن الأمر كذلك» .

وبعبارة اُخرى : أنّ الإرجاع إلى التمييز في السنّة الثانية ، إنّما يكون فيما

يمكن الإرجاع إليه ؛ وهو كون التمييز بلا مزاحم ، فموضوع الحكم في التمييز هو التمييز القابل للإرجاع إليه . وفي مقابله المعبّر عنه بقوله : «فإن لم يكن الأمر كذلك» هو مطلق ما لا

يكون التمييز مرجعاً لها ؛ سواء فقد التمييز - وهو المصداق الواضح المذكور في المرسلة - أو كان تمييز ، لكن لم يمكن الرجوع إليه ، كما فيما نحن فيه ، فتدبّر جيّداً .

لكن قد عرفت : أ نّها بالنسبة إلى العدد ذات تمييز ، فلا يجوز لها الرجوع إلى عادات النساء في العدد ، فضلاً عن الرجوع إلى الروايات .

نعم ، لو كانت بالنسبة إلى الوقت غير ذات تمييز - كما لو رأت عشرين يوماً - رجعت إلى عادات النساء في تعيين الوقت ، وإلاّ فتتخيَّر .

وأمّا لو كانت ذات تمييز بالنسبة إليه أيضاً - كما لو رأت خمسة عشر يوماً - كانت بالنسبة إلى اليوم السادس إلى العاشر ذات تمييز وقتاً ، فتأخذ به . لكن لو كانت عادة النساء في أوّل الشهر - مثلاً - لا يبعد تقدّم الأخذ بالعشرة - من أوّل

الشهر إلى العاشر - على الأخذ من السادس إلى العاشر ، وفي العكس تقدُّم العكس .

ص: 389

الأمر الرابع في حكم ما إذا رأت ذات التمييز صفرة بين الدمين

إذا فقد الشرط الثالث ؛ بأن ترى بين الدمين المتّصفين بصفة الحيض - الصالح كلٌّ منهما في نفسه أن يكون حيضاً - دماً بصفة الاستحاضة أقلّ من عشرة أيّام ، فتارة : يكون مجموع الطرفين والوسط عشرة أيّام أو أقلّ .

واُخرى : يكون متجاوزاً عنها .

وحينئذٍ تارة : يكون بعض الدم الثالث متمّماً للعشرة .

واُخرى : يكون الدم المتوسّط متمّماً لها .

فعلى الأوّل : هل يحكم بكون الطرفين حيضاً ، ويتّبعهما الوسط ؛ إمّا بدعوى أولوية جعل الدم المتوسّط حيضاً من جعل النقاء حيضاً ، كما مرّ سابقاً ؟

أو بدعوى : أنّ أوصاف الاستحاضة ليست أمارات لها ، بل الأمارية مختصّة بأوصاف الحيض ، وإنّما ذكر أوصافها استطراداً ولبيان فقدان أوصاف الحيض ، لا لوجدان أوصاف الاستحاضة ، فحينئذٍ تكون الأمارة القائمة على حيضية الطرفين بلا مانع ، فتأخذ بها ، وتجعل الوسط حيضاً تبعاً ؛ لكون أقلّ الطهر عشرة أيّام ؟

ولا يخفى ما في الدعويين ؛ لما مرّ من ظهور الأدلّة في أمارية الوصفين(1) ، ولا دليل على كون صفة الاستحاضة مذكورة استطراداً ، فحينئذٍ لا يكون جعل

ص: 390


1- تقدّم في الصفحة 170 - 171 و381 - 382.

الدم الموصوف بصفات الاستحاضة حيضاً أولى من جعل النقاء كذلك ؛ لقيام الأمارة هاهنا على الاستحاضة وعدم الحيضية ، بخلاف ما هناك .

فقدان المرأة للتمييز بناءً على أمارية أوصاف الاستحاضة

ثمّ على فرض أمارية أوصاف الاستحاضة كما هو التحقيق ، فهل تصير المرأة فاقدة التمييز ، أو يحكم بكون الدم المتقدّم حيضاً ، والمتوسّط استحاضة ، ويتبعها المتأخّر ، أو يعكس الأمر ؛ فيحكم بكون الدم المتقدّم والمتوسّط استحاضة ، دون المتأخّر ؟

وجوه ، أوجهها الأوّل ؛ لمعارضة الأمارات في الأطراف ، فالأخذ بأمارة الطرفين تعارضه أمارة الوسط ، والأخذ بالوسط واتّباع الأوّل أو الثاني تعارضه أمارة الحيضية ، ومع عدم رجحان شيء منها لا يمكن الأخذ بواحدة منها ، فتصير فاقدة التمييز من هذه الجهة وإن كانت واجدة من بعض الجهات ؛ فإنّ أمارة الحيض في الطرفين توجب انحصار الحيض في أحدهما ، كما أنّ أمارة الاستحاضة فيما بعد الأيّام تدفع حيضيته .

وقد يقال : إنّ المتّجه في هذه الصورة الحكم بكونِ الوسط استحاضة ، وكونِ الأسود اللاحق تابعاً له ؛ لإطلاق أدلّة الأوصاف المقيّدة بالإمكان ، فحينئذٍ يكون الأصفر موجوداً في زمان إمكان الاستحاضة ، بخلاف الأسود اللاحق ، فإنّه وجد في زمان امتناع الحيضية إلاّ على فرض كون الأصفر حيضاً ، وحيث إنّ الأصفر طهر - بمقتضى إطلاق الأدلّة - فالأسود اللاحق ليس بحيض . وببيان آخر : اعتبار وصف الدم اللاحق موقوف على عدم اعتبار صفة الدم السابق ، فلو كان

ص: 391

عدم اعتبار صفة السابق موقوفاً على اعتبار صفة اللاحق ، لزم الدور(1) .

وفيه : أنّ ترجيح أمارية صفة السابق على صفة اللاحق ، إن كان لتقدّمها

الزماني فلا وجه له ؛ ضرورة أنّ مجرّد القبلية في التحقّق ، لا يوجب الترجيح عقلاً ولا نقلاً .

وإن كان لأجل امتناع الأخذ بالثاني ؛ لكونه موجوداً في زمان يمتنع أن يكون حيضاً ، ففيه : أ نّه مستلزم للدور ؛ لأنّ الامتناع يتوقّف على الترجيح ، ولو كان الترجيح متوقّفاً على الامتناع لزم الدور .

وأمّا الدور المدّعى ففيه ما لا يخفى ؛ ضرورة أ نّه لا توقّف لأحد الطرفين على الآخر ، ولا تقدّم ولا تأخّر لأحدهما حتّى يتحقّق التوقّف . مع أ نّه يمكن المعارضة : بأنّ اعتبار وصف الدم السابق موقوف على عدم اعتبار صفة اللاحق ، ولو كان عدم اعتبار صفة اللاحق موقوفاً على اعتبار صفة السابق ، لزم الدور .

والحقّ : أ نّه لا توقّف ولا دور ، ولا وجه لترجيح إحدى الأمارات على الاُخرى .

ومنه يظهر الحال في الصورتين الأخيرتين ، فإنّ التحقيق فيهما أيضاً كونها فاقدة التمييز ؛ لتعارض الأمارات وعدم رجحان شيء منها .

ثمّ إنّه مع إمكان التمييز من بعض الجهات دون بعض ، يجب عليها تقديم التمييز فيما يمكن ، والأخذ بعادة النساء أو الأخبار فيما لا يمكن ، ويظهر الحال ممّا مرّ .

ص: 392


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 229 - 230 .
الأمر الخامس في حكم المبتدئة الفاقدة للتمييز
اشارة

إن فقدت المبتدئة التمييز ؛ بأن ترى على لون واحد وحالة واحدة ، أو كان التمييز بحيث لا يجوز الرجوع إليه ، كما في تعارض الأمارات فيما لا يجوز الاتّكال عليها مطلقاً ، فالمشهور - كما عن جماعة - الرجوع إلى عادة نسائها (1) ، بل عن جماعة دعوى الإجماع والاتّفاق عليه(2) . وهذا على الإجمال ممّا لا إشكال فيه .

لكنّ الكلام يقع في جهات :

الجهة الاُولى : في كيفية الجمع بين الروايات

منها : بيان كيفية الجمع بين روايات التمييز وروايات العدد وروايات الرجوع إلى عادة النساء .

فنقول : إنّ الظاهر من روايات التمييز(3) أنّ أمارية ألوان الدم وحالاته قويّة كاملة ؛ بحيث تستحقّ أن يطلق عليها : «إنّ دم الحيض ليس به خفاء» وأ نّه «أسود يعرف» وإن كانت أماريته متأخّرة عن العادة نصّاً وفتوى .

وأمّا لسان روايات الرجوع إلى العدد والأخبار فلسان أصل عملي ، كما يظهر

ص: 393


1- مدارك الأحكام 2 : 15 - 16 ؛ مفاتيح الشرائع 1 : 15 ؛ كشف اللثام 2 : 76 .
2- الخلاف 1 : 234 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 295 ؛ التنقيح الرائع 1 : 104 .
3- راجع وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 .

بالنظر في مرسلة يونس ؛ حيث قال فيها :

«تحيّضي في علم اللّه . . .»(1) وفسّره الإمام علیه السلام بتكلّف عمل الحائض .

وكذا الحال في رواية عبداللّه بن بكير ؛ حيث قال فيها :

«جعلت وقت طهرها أكثر ما يكون من الطهر ، وتركها الصلاة أقلّ ما يكون

من الحيض»(2) .

فالظاهر من روايات العدد ، هو كون مفادها تكليف من لا طريق لها إلى حيضها ؛ وتكون متحيّرة فيه ، ولهذا أرجعها في مضمرة سَماعة إلى العدد بعد اختلاف عادات النساء ، فلا إشكال في تأخّر الرجوع إلى العدد عن الرجوع إلى عادات النساء والتمييز .

وأمّا حال التمييز مع عادات النساء :

فالظاهر من أدلّتهما تقدّم التمييز على العادات ؛ لأنّ ما وردت في الرجوع إلى

العادات منها : موثّقة سماعة على رواية الشيخ(3) وقد حكم فيها بالرجوع إلى عادة النساء فيمن لم تعرف أيّام أقرائها .

ومنها : رواية أبي بصير وفيها : «وإن كانت لا تعرف أيّام نفاسها فابتليت ،

ص: 394


1- تقدّمت في الصفحة 366 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 400 / 1251 ؛ وسائل الشيعة 2 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 5 .
3- رواها الشيخ بإسناده ، عن زرعة ، عن سماعة ، ورواها الكليني مرفوعةً عن زرعة ، عن سماعة . الاستبصار 1 : 138 / 471 ؛ الكافي 3 : 79 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 288 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 2 .

جلست بمثل أيّام اُمّها أو اُختها أو خالتها . . .» إلى آخره(1) ؛ بناءً على كون النفاس بحكم الحيض على ما قيل(2) وإن كان للإشكال فيه مجال .

وكيف كان : فأدلّة التمييز حاكمة عليهما ؛ لأنّ لسان تلك الأدلّة هو معروفية الحيض بالأمارات ، وهما حكما بالرجوع إلى النساء مع عدم المعرفة .

وأمّا رواية زرارة ومحمّد بن مسلم - الموثّقة على الأقرب - عن أبي جعفر علیه السلام قال : «يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها ، فتقتدي بأقرائها ، ثمّ تستظهر على ذلك بيوم»(3) ، فهي وإن لم تكن مثلهما ، لكنّ الظاهر حكومة مثل قوله : «إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير ، فهي على أيّامها وخلقها الذي جرت عليه ؛ ليس فيها عدد معلوم موقّت غير أيّامها» وقوله في ذات التمييز : «إنّما تعرفها» أي تعرف أيّامها «بالدم» وقوله : «وذلك أنّ دم الحيض أسود يعرف» . . . إلى غير ذلك على مثل قوله : «يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها فتقتدي بأقرائها» .

فإنّه لا معنى للاقتداء بالغير مع معلومية العدد والأيّام ، وإنّما الاقتداء بالنساء والأقارب لأجل الكشف الظنّي عن أيّامها ، ومع كون الطريق لنفسها وفي دمها لا مجال للرجوع إلى عادة الغير . وهذا بوجهٍ نظير ظنّ المأموم

ص: 395


1- تهذيب الأحكام 1 : 403 / 1262 ؛ وسائل الشيعة 2 : 389 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 20 .
2- غنية النزوع 1 : 40 ؛ منتهى المطلب 2 : 449 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 401 / 1252 ؛ وسائل الشيعة 2 : 288 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 1 .

مع اعتباره إذا عارض ظنّ الإمام ؛ حيث إنّ الظاهر تقدّم ظنّه على ظنّ الإمام ، بل ما نحن فيه أولى منه بوجوه .

وبالجملة : بعد النظر في الروايات ، لا يبقى شكّ في تقدّم أدلّة التمييز على الرجوع إلى عادات النساء ، كتقدّم عادتهنّ على العدد والأخبار .

هذا مع أنّ في موثّقة محمّد بن مسلم وجوهاً من الخدشة توهن متنها ؛ بحيث توجب الإشكال في الاتّكال عليها :

كورود التخصيص الكثير المستهجن عليها ، فإنّ إطلاقها يشمل جميع أقسام المستحاضة ؛ ذات عادة كانت أو مميّزة أو مبتدئة أو غيرها ، ولا فرق في الاستهجان بين التقييد والتخصيص الاصطلاحيّين .

ودعوى الانصراف في غاية الوهن ؛ ألا ترى أ نّه لو لم يكن عندنا إلاّ هي ، لما

توقّفنا - ولا توقّف أحد - في كون حكم المستحاضة الاقتداء ببعض نسائها ؛ كانت الاستحاضة ما كانت ، والمستحاضة من كانت ، وميزان الانصراف هو النظر في نفس الرواية دون معارضاتها ومقيّداتها ، فلا إشكال في إطلاقها .

مع أنّ ذاتَ العادة سواء كانت حافظة لعادتها أو ناسية لها ، وذاتَ التمييز سواء كانت مبتدئة أو غيرها ، خارجتان منها نصّاً وفتوى وإجماعاً في بعضها ، فلا تبقى فيها إلاّ المبتدئ-ةُ بلا تمييز ، وغيرُ مستقرّة العادة مع عدم التمييز ؛ على إشكال في الثانية ، ولا إشكال في ندرة غير ذات العادة والتمييز ، فذكر هذا المطلق في مقام البيان لإفادة حكم أفراد قليلة غير صحيح ، فيوهن ذلك جواز التمسّك بها .

وكالإرجاع إلى بعض نسائها ، وهو مخالف للنصّ والفتوى . والعذر بأنّ عادة

ص: 396

بعض نسائها أمارة على عادة سائرهنّ(1) ، غير موجّه :

أمّا أوّلاً : فلعدم أمارية عادة فرد واحد من طائفة على عادة جميعها ؛ لا عقلاً ولا عرفاً ، ولا يحصل منها الظنّ بها بلا شبهة وريب .

وأمّا ثانياً : فلأنّ ظاهرها أنّ الاقتداء ببعض النسوة هو تكليفها الأوّلي ، لا لأجل كشف عادتها عن عادات الطائفة ، ولا إشكال في أنّ العرف يرى التعارض بينها وبين موثّقة سماعة التي تلقّاها الأصحاب بالقبول .

وكالأمر بالاستظهار الذي لم يعهد القول به .

فالظاهر إعراض الأصحاب عن مضمونها ، فلا يمكن الاتّكال عليها ، كعدم إمكان الاتّكال على موثّقة أبي بصير التي هي كالنصّ في تخييرها بين الرجوع إلى اُمّها أو اُختها أو خالتها مع فرض اختلافهنّ في العادة .

الجهة الثانية : في رجوع غير مستقرّة العادة إلى عادة نسائها

ومنها : أ نّه لا إشكال نصّاً وفتوى في رجوع المبتدئة - بالمعنى الأخصّ - إلى عادة نسائها ، فهل هو مختصّ بها ، أو يعمّ من لم تستقرّ لها عادة ولو رأت مراراً ؟

يمكن أن يقال بالتعميم ؛ بدعوى استفادة حكمها من مضمرة سماعة ؛ فإنّ الحكم بكون الأقراء أقراء نسائها وإن كان في مورد الجارية التي حاضت أوّل حيضها ، واستمرّ بها الدم ، وهي لا تعرف أيّام أقرائها ، لكنّ العرف لا يرى لابتداء

الدم خصوصية ؛ لأنّ الإرجاع إلى الأقارب حكم موافق لارتكاز العقلاء ، لارتكازية كون عادات نساء طائفة إذا كانت متوافقةً ، كاشفةً عن حال

ص: 397


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 237 .

المجهولة ، ولحوقِ مجهولة الحال بهنّ ، ولا ريب في أنّ أمارية عادتهنّ إنّما هي لقرب أمزجتهنّ ، وعادة النساء أمارة لمن لم تكن لها أمارة من نفسها ، كعادتها الشخصية ، أو تميّز دمها ، فإذا لم تعرف عادتها بالأمارات التي عندها ، تكون عادات الطائفة والأرحام نحو طريق إلى عادتها .

وهذا أمر ارتكازي عقلائي وإن لم يصل إلى حدّ يعتني به العقلاء بترتيب الآثار ، لكن إذا ورد من الشارع على هذا الموضوع حكم الاقتداء بنسائها وأنّ أقراءها أقراؤهنّ ، لا ينقدح في ذهن العقلاء إلاّ ما هو المغروس في أذهانهم من كون عادات الطائفة متشابهة ، وما هو المغروس في الأذهان ليس إلاّ ذلك من غير دخل لابتدائية الدم وعدمها ، فإذا ضُمّ هذا الارتكاز إلى موثّقة سماعة ، تُلغى خصوصية كون الجارية في أوّل ما حاضت ، ويرى العقلاء أنّ تمام الموضوع للإرجاع هو عدمُ معرفتها بأيّامها - ولو بالطرق الخاصّة التي عندها - وكونُ عادات الطائفة متشابهة .

هذا غاية التقريب لاستفادة حكم غير مستقرّة العادة من موثّقة سَماعة .

وفيه : أنّ ذلك إنّما يتمّ لو لم تكن للمبتدئة خصوصية لدى العرف ، ولا لغير مستقرّة الدم خصوصية مخالفة لخصوصية المبتدئة ؛ بحيث تكون تلك الخصوصية ، موجبةً لقرب احتمال الافتراق بينهما في الحكم ، لكن فرق بين المبتدئة وغير مستقرّة الدم ؛ فإنّ الثانية مخالفة في رؤية الدم لنسائها ، فإنّها ترى

في كلّ شهر بعددٍ و وقت مغايرين لما ترى في الشهر الآخر ، في حين تكون عادة نسائها - على الفرض - منتظمة متوافقة في العدد ، أو مع الوقت أيضاً ، فلا يمكن مع هذا الاختلاف بينها وبين الطائفة ، أن تكون عادة الطائفة - لدى

ص: 398

استمرار دمها - كاشفةً ولو ظنّاً عن عادتها ، بل الظنّ حاصل ببقاء الاختلاف ، وهذا بخلاف المبتدئة التي لم تَرَ الدم قطّ ، ولم تخالف نساءها في العادة بعدُ ، فتكون عاداتهنّ كاشفة ظنّاً عند العقلاء عن عادتها .

فهذا الفرق لا يدع مجالاً لإلغاء الخصوصية المأخوذة في موضوع الحكم ؛ ولو كانت في سؤال السائل .

والعجب من صاحب «الجواهر» حيث قال - في الردّ على أنّ ثبوت اختلافها مع نسائها ، يمنع من الرجوع إلى عادتهنّ عند الاشتباه - : «إنّ ذلك مجرّد اعتبار لا يصلح مدركاً للأحكام الشرعية»(1) ، فإنّ هذا الاعتبار والاحتمال يمنع عن إثبات الحكم الشرعي لها بإلغاء الخصوصية ، لا أنّ مجرّده مدرك للحكم الشرعي ، وبينهما فرق واضح .

نعم ، مع التقريب المتقدّم ، لا يبعد إلحاق من رأت مرّة واحدة كعادة نسائها ثمّ استمرّ بها الدم بها ، وهذا لا يوجب إلحاق المخالفة لهنّ بهنّ .

كما يمكن دعوى إلحاق بعض ناسيات العادة بالمبتدئة ، وهي من تكون ناسية لعادتها ولم تعلم إجمالاً مخالفتها لعادات نسائها . لكنّ المحكيّ عدم التزامهم بذلك .

وقد يتمسّك(2) لإثبات الحكم في غير المستقرّة بموثّقة محمّد بن مسلم المتقدّمة . وقد مرّ أ نّها بما لها من الظاهر غير معمول بها (3) .

ص: 399


1- جواهر الكلام 3 : 281 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 266 - 267 .
3- تقدّم في الصفحة 396 .

بل بما قيل في تأويلها - من كون الرجوع إلى بعض النساء أمارة على عادة الكلّ(1) - أيضاً غير معمول بها ، بل قد عرفت وهن إطلاقها ؛ لورود التقييد الكثير عليه(2) ، فيكشف ذلك عن خلل فيها ، ولعلّه كان فيها قيد لم يصل إلينا . مع أنّ فيها حكمين غير معمول بهما لا غير .

ولا يمكن أن يقال : إنّ المراد ب- «بعض النساء» هي التي تكون معتدّاً بها بمقدار تُكشف من عادتها عادةُ سائر النساء ، أو المراد الحدّ الذي يكون غيره بالنسبة إليه نادراً بحكم العدم ، فإنّ مثل ذلك التصرّف غير مرضيّ عند العقلاء .

والإنصاف : أنّ تلك الرواية موهونة المتن ، مغشوشة الظاهر ؛ ولهذا خصّ الشيخ - على ما حكي عنه(3) - رواية سماعة بكونها متلقّاة بالقبول بين الأصحاب(4) .

الجهة الثالثة : في بيان ما هو المعتبر عند الرجوع إلى عادة النساء
اشارة

ومنها : أنّ المعتبر في الرجوع إلى الأقارب ، هل هو اتّفاق جميع نسائها وأقاربها من الأبوين أو أحدهما ؛ حيّاً وميّتاً وقريباً وبعيداً كائنة من كانت ، أو

يكفي اتّفاق الغالب مع الجهل بحال البقيّة ، أو مع العلم بالمخالفة أيضاً ؛ أو يكفي

الغالب إذا كانت المخالفة معهنّ كالمعدومة ، أو إذا لم يعلم حال النادر كذلك ، أو

ص: 400


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 237 .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 396 .
3- مدارك الأحكام 2 : 17 .
4- الخلاف 1 : 234 .

يكفي موافقة بعضهنّ مع الجهل بحال البقيّة ؟

وهل يعتبر التساوي أو التقارب في السنّ معهنّ ؟

أو يعتبر اتّحاد البلد أو قربه من حيث الآفاق أو لا ؟

احتمالات ووجوه :

لا يبعد القول : بأنّ المتفاهم عرفاً من موثّقة سماعة - ولو بضميمة ارتكاز العقلاء على أنّ الإرجاع إليهنّ ، ليس لمحض التعبّد الصِرف ، بل لأجل أمارية خلق الطائفة على خلقها ؛ لتشابه أفراد الطائفة في الأمزجة وغيرها - أنّ اتّفاق النوع بمثابةٍ تكون من تخالف معهنّ نادرةً ، يكفي في الأمارية ؛ لأنّ مثل تلك المخالفة لا يصدق عليها قوله : «فإن كانت نساؤها مختلفات» ولا «أ نّهنّ غير متّفقات» بل تكون عادة تلك المرأة النادرة المخالفة لنوع الطائفة عند العقلاء ، معلولة بعلّة ، فيقال : «إنّ الطائفة متّفقة ، وإنّما تخلّفت عنها تلك النادرة»

وهذا لا يعدّ اختلاف الطائفة ، ولا يضرّ بأمارية حال النوع على مجهولة الحال ارتكازاً .

وبالجملة : بعد ارتكازية الحكم يفهم العرف من رواية سماعة أنّ الشارع جعل موافقة أمزجة الطائفة ، كاشفةً عن عادة المبتدئة المستمرّة الدم ؛ على وزان الارتكاز العقلائي ؛ وهو عدم إضرار التخلّف النادر بها . وأولى بذلك ما إذا جهل حال بعضهنّ إذا كانت البقيّة بحيث يقال : «إنّ الطائفة خلقها كذا» .

ثمّ إنّ ما هو المتفاهم من الموثّقة بضميمة الارتكاز المشار إليه ؛ أنّ عدد النساء لو كان قليلاً جدّاً - كالاثنتين والثلاث مثلاً - لا يجوز الاقتداء بعادتهنّ إلاّ إذا علم حال الأموات منهنّ ؛ بحيث يصدق على اتّفاقهنّ «أنّ نساء الطائفة كانت

ص: 401

عادتهنّ كذلك» . وبالجملة الميزان في الرجوع إلى نسائها هو ما ذكرنا .

ومن هنا يظهر : أنّ الإرجاع إلى عادة النساء من الفروض النادرة التحقّق ؛ بحيث لا ينافي الحصر المستفاد من المرسلة ، فإنّ السكوت عنه فيها كالسكوت عن مصداق غير مبتلى به ، وأمّا التعرّض له في المرسلة فلا مانع منه ؛ لأنّ التعرّض بالخصوص لفرد نادر غير عزيز .

حول إجراء أصالة العدم الأزلي لإحراز موضوع الرجوع

ثمّ إنّ الظاهر من الموثّقة ، هو كون موضوع الإرجاع إلى النساء متقيّداً بأمر وجودي ؛ وهو كون النساء متماثلة الأقراء ، وأمّا الإرجاع إلى العدد فلا يتوقّف إلاّ على فقد هذا المرجع .

وبعبارة اُخرى : أنّ الاختلاف المفروض ليس موضوعاً للحكم بالرجوع إلى العدد ، بل عدم الموافقة موضوع له .

فحينئذٍ لو قلنا بجريان أصالة عدم الموافقة على نحو أصل العدم الأزلي ، يحرز موضوع الرجوع إلى الروايات مع الشكّ في الموافقة والمخالفة ، وهذا بخلاف ما لو كانت المخالفة أيضاً مأخوذة في موضوع العدد ؛ لكونها أمراً وجودياً غير مسبوق بالعلم .

لكن في أصل جريان تلك الاُصول العدمية إشكال ومنع ، وقد فرغنا عن عدم جريانها في محلّه(1) ، فلا يبقى لذلك النزاع ثمرة .

ص: 402


1- مناهج الوصول 2 : 234 - 236 ؛ أنوار الهداية 2 : 97 - 102 ؛ الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 110 - 117 .
كفاية الاتّفاق في خصوص العدد أو خصوص الوقت

ثمّ إنّ نساءها قد يتّفقن في العدد والوقت ، وقد يتّفقن في واحد منهما دون الآخر ، فهل المستفاد من الموثّقة هو كون النساء مرجعاً لها عند اتّفاقهنّ فيهما ، ومع الاختلاف ولو في واحد منهما لا ترجع إليهنّ ، بل ترجع إلى العدد ؟

وبعبارة اُخرى : هل يكون الاختلاف أو عدم الاتّفاق في الجملة ، موضوعاً للرجوع إلى العدد ، أو يكون الاتّفاق في الجملة موضوعاً للرجوع إلى النساء ، وعدم الاتّفاق مطلقاً والاختلاف فيهما موضوعاً للرجوع إلى العدد ؟

قد يقال : «إنّ ظاهر ذيل الموثّقة - حيث تعرّض للعدد - هو الإرجاع إليهنّ مع اتّفاقهنّ في العدد ، ولا تعرّض لها للوقت . مع أ نّه لو توقّف الرجوع إلى النساء

على اتّفاقهنّ عدداً ووقتاً ، لزم منه أن يكون الرجوع إليهنّ فرضاً في غاية القلّة»(1) .

وفيه : أنّ التعرّض للعدد في الذيل ، لا يدلّ على كون فرض الصدر كذلك ؛ لإمكان أن يكون الاتّفاق عدداً ووقتاً أمارة على عادتها ، ومع الاختلاف في الجملة تكون فاقدة الأمارة ، وحكمها الرجوع إلى العدد والتخيير في الوقت .

مع إمكان أن يقال : إنّ الرواية لا تكون بصدد التعرّض للعدد والإرجاع إليه ، بل تكون بصدد بيان أ نّه مع اختلافهنّ ، تكون غاية جلوسها من طرف الزيادة هي العشر ، ومن طرف النقيصة هي الثلاث ؛ مخيّرةً بين الحدّين ، فتكون في العدد والوقت مخيّرة ، وسيأتي بيان ذيل الرواية عن قريب .

ص: 403


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 239 .

وأمّا صيرورة الفرد نادراً فلا محذور فيه ، بل هي مؤيّدة لحصر رواية يونس ، وموجبة لتوافق الروايات .

لكنّ التحقيق شمول الموثّقة لاتّفاقهنّ عدداً فقط ، ووقتاً كذلك ؛ فإنّ الظاهر من صدرها - حيث جعل أقراءها أقراء نسائها - أ نّه إذا كان للنساء أقراء يكون أقراؤها مثلها ، ومع اتّفاق النساء في العدد لا شبهة في صدق «كونهنّ ذوات الأقراء» بل وكذلك إذا اتّفقن في الوقت يصدق «أنّ لهنّ أقراءً» ، فيجب عليها - بحسب إطلاق الرواية - الرجوع إليهنّ في أقرائهنّ .

وأمّا ذيل الرواية - أي قوله : «فإن كانت نساؤها مختلفات» - فقد عرفت أنّ الاختلاف ليس موضوعاً للحكم ، بل ما يتفاهم عرفاً من الرواية أنّ الذيل في مقام بيان مقابل ما يفهم من الصدر ، فكأ نّه قال : «إذا لم يكن لهنّ أقراء . . .» وعدم

الأقراء عرفاً بعدم جميع المصاديق ، كما أنّ تحقّقها بتحقّق فردٍ ما .

هذا مع موافقة الارتكاز العرفي لذلك ، وقد عرفت أنّ الظاهر أنّ الرواية وردت موافقة له ، لا تعبّداً محضاً . مع أ نّه لو قلنا : بأنّ الرواية تعرّضت للعدد

فقط ، وجب أن يلتزم بأ نّه إذا اتّفقن في العدد والوقت ، جاز لها أن تخالفهنّ في الوقت دون العدد ، مع أ نّه مخالف لفهم العرف من الرواية ، كما لا يخفى .

الجهة الرابعة : في عدم الرجوع إلى عادة أقرانها عند فقد نسائها

ومنها : أ نّه نسب إلى المشهور تارة : أ نّها ترجع إلى عادة أقرانها مع فقد نسائها أو اختلافهنّ ، واُخرى : إلى مذهب الأكثر وثالثة : إلى ظاهر كلام المتأخّرين(1) .

ص: 404


1- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 182 .

واستظهر بعضهم(1) دعوى الإجماع عليه من عبارة «السرائر»(2) وهو في محلّ المنع ، كما يظهر وجهه من الرجوع إليها . مع ضعف دعواه بعد أنّ القول بعدم اعتبار الرجوع إليهنّ محكيّ عن جمع من الأصحاب ، كالصدوق والمرتضى والشيخ في «الخلاف» و«النهاية» والمحقّق والعلاّمة وغيرهم ، فلا تكون المسألة إجماعية ولا مشهورة بحيث يمكن الاتّكال عليها .

ولا دليل عليها إلاّ بعض وجوه ضعيفة :

كحصول الظنّ من موافقة الأقران . وهو - على فرض حصوله - لا يعتمد عليه ، ولا دليل على اعتباره .

وكالتشبّث بمرسلة يونس القصيرة ؛ حيث اعتبرت فيها مراتب السنين في القلّة والكثرة في الحيض . وفيه : أ نّها - مع ضعفها سنداً ، ووهنها متناً ، كما تقدّم(3) - لا تدلّ على المقصود ، غاية الأمر أنّ فيها إشعاراً لا يصل إلى حدّ الدلالة .

وكدعوى شمول «نسائها» لأقرانها ، خصوصاً إذا كنّ في بلدها . وفيه : - مع منع ذلك - أنّ لازمه اشتراك الأقرباء والأقران في جواز الرجوع إليهنّ ، وهو ليس بمراد قطعاً ، ولم يقل به أحد . والاتّكال في الترتيب بينهما على فهم العرف في غير محلّه ؛ لمنع ذلك .

فالأقوى هو عدم اعتبار الأقران ، ومعه لا داعي إلى تعيين الموضوع .

ص: 405


1- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 182 .
2- السرائر 1 : 146 .
3- تقدّم في الصفحة 92 .
الأمر السادس في حكم من لا يمكنها الرجوع إلى نسائها
اشارة

إذا لم يمكن لها الرجوع إلى نسائها - إمّا لأجل اختلافهنّ ، أو فقدان عدّة يمكن الرجوع إليهنّ ؛ بناءً على ما تقدّم(1) : من أنّ الميزان في الرجوع إمكان كشف حال النوع منهنّ ؛ بأن تكون عدّتهنّ بمقدار يقال عند اتّفاقهنّ : «إنّ الطائفة عادتها ذلك» - فأقوال الأصحاب فيه مختلفة جدّاً (2) ، فلا يمكن الاتّكال على دعوى الشهرة(3) أو الاتّفاق فيه(4)، فلا بدّ من النظر في روايات الباب ليتّضح الحال :

فنقول : إنّ الروايات مختلفة ؛ بحيث لا يكون بينها جمع عقلائي مقبول يمكن الاتّكال عليه . وما قيل في وجه الجمع بينها غير مرضيّ ، ففي موثّقة سَماعة - بطريق الشيخ - : «فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيّام ، وأقلّه ثلاثة أيّام»(5) .

ص: 406


1- تقدّم في الصفحة 400 - 401 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 187 .
3- مفاتيح الشرائع 1 : 15 .
4- الخلاف 1 : 234 .
5- الاستبصار 1 : 138 / 471 ؛ وسائل الشيعة 2 : 288 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 2 .

وفي رواية الخزّاز - التي لا يبعد أن تكون موثّقة(1) - عن أبي الحسن علیه السلام قال : سألته عن المستحاضة كيف تصنع إذا رأت الدم ، وإذا رأت الصفرة ، وكم تدع الصلاة ؟ فقال : «أقلّ الحيض ثلاثة ، وأكثره عشرة ، وتجمع بين الصلاتين»(2) .

وجه للجمع بين أخبار المقام وبيان ما فيه

وقد يجمع(3) بينهما وبين سائر الروايات - كموثّقتي ابن بكير(4) ومرسلة يونس الطويلة(5) - بحملهما على التخيير بين الثلاثة إلى عشرة أيّام ، وحمل رواية يونس وابن بكير على مراتب الفضل .

وفيه أوّلاً : أنّ موثّقة سماعة لا تدلّ على التخيير بين الثلاثة إلى العشرة ، بل يحتمل أن يكون المراد التخيير بين خصوص الحدّين ، تأمّل . والأظهر أ نّها ليست في مقام بيان كيفية جلوس عشرة أيّام وثلاثة ، بل من هذه الجهة مهملة أو مجملة ، ترفع إجمالها رواية ابن بكير الظاهرة في أنّ العشرة إنّما تكون في

ص: 407


1- رواها الشيخ ، عن أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمّد بن الزبير ، عن علي بن الحسن ابن فضّال ، عن الحسن بن علي بن زياد الخزّاز ، وليس في السند من يتأمّل فيه إلاّ محمّد ابن الزبير القرشي ، وقد تقدّم الكلام فيه في الصفحة 78 - 79 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 156 / 449 ؛ وسائل الشيعة 2 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 4 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 251 - 252 .
4- وسائل الشيعة 2 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 8 ، الحديث 5 و6 ، وقد تقدّمتا أيضاً في الصفحة 376 - 377 .
5- تقدّم في الصفحة 363 .

الدورة الاُولى ، والثلاثة في بقيّة الدورات ، فالجمع بينهما عقلائي .

وأمّا حمل روايتي ابن بكير على أحد طرفي التخيير - لأجل كونه أفضل الأفراد - فهو فرع كون دلالة موثّقة سماعة على التخيير أقوى من دلالتهما على التعيين ، وهو في محلّ المنع . بل التصرّف في موثّقة سماعة - بقرينية الموثّقتين

- أهون ، لو لم نقل : بأ نّه ليس تصرّفاً فيها ، بل من قبيل تفصيل ما اُجمل فيها وتوضيح ما اُبهم ، كما لا يخفى وجهه على الناظر فيهما .

ومنه يظهر الحال في رواية الخزّاز حرفاً بحرف ، مع الغضّ عن الوهن الذي في متنها :

من حيث ورود التقييد الكثير عليها ؛ فإنّ موضوعها المستحاضة ، مع أنّ الحكم لقليل من أفرادها . إلاّ أن يقال : إنّ المراد بقوله : «إذا رأت الدم . . .» و«إذا رأت الصفرة . . .» هو رؤية الدم محضاً بلا تغيّر حال ، أو رؤية الصفرة كذلك ، فلا إشكال من هذه الجهة .

ومن حيث إنّ ظاهرها أنّ مقدار تركها الصلاة ، أقلّ الحيض وأكثره ؛ أي مجموعهما .

ومن حيث إنّ قوله : «وتجمع بين الصلاتين» وقع في غير محلّه ، فلا يخلو متنها من التشويش والاضطراب .

وثانياً : أنّ فقرات مرسلة يونس آبية عن هذا الجمع :

كالانحصار المستفاد منها . وكقوله : «إنّ التحيّض بالستّة أو السبعة إنّما هو في علم اللّه» . وكقوله : «أقصى وقتها سبع ، وأقصى طهرها ثلاث وعشرون» . وكقوله : «فسنّتها السبع والثلاث والعشرون» ممّا هي آبية عن

ص: 408

الحمل على الأفضلية ، ولا يكون الجمع المذكور بينها وبين تلك الروايات

مقبولاً عقلائياً .

ترجيح العمل بمرسلة يونس على ما ينافيها

والذي يمكن أن يقال في المقام : أنّ الجمع بين موثّقتي ابن بكير وموثّقة سماعة - بما تقدّم - جمع عقلائي ، فتحمل الموثّقة على الموثّقتين حملاً للمجمل على المفصّل والمبيّن ، فيقع التعارض بينها وبين مرسلة يونس من غير إمكان الجمع بينهما .

لكن لا إشكال في أنّ المشهور اتّكلوا على المرسلة ، ولا ريب في أنّ مبنى أحد طرفي التخيير - سواء كان سبعة ، أو كانت مخيَّرة بين السبعة والستّة - إنّما

هو المرسلة .

وأمّا الطرف الآخر للتخيير بالمعنى الذي ادّعي الشهرة والاتّفاق عليه - وهو ثلاثة من شهر ، وعشرة من شهر ، كما نسب إلى أشهر الروايات تارة(1) ، وإلى المشهور اُخرى(2) ، أو الثلاثة في الأوّل ، والعشرة في الثاني ، كما ادّعي الإجماع عليه(3) ، أو أنّ المضطربة مخيّرة بين الستّة والسبعة في شهر ، والثلاثة والعشرة في شهر آخر ، كما قيل : «إنّ هذا الحكم هو المعروف بين الأصحاب»(4) - فلا يمكن

ص: 409


1- الدروس الشرعية 1 : 98 .
2- مفاتيح الشرائع 1 : 15 .
3- الخلاف 1 : 234 .
4- مسالك الأفهام 1 : 73 ؛ مدارك الأحكام 2 : 28 ؛ اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 189 .

أن تكون الروايات الواردة في الباب مستنداً له ؛ ضرورة عدم دلالة شيء منها عليه ؛ لا فرداً ولا جمعاً ؛ فإنّ الموثّقتين ظاهرتان ظهوراً قويّاً في التفصيل بين

الدور الأوّل فثلاثة ، وسائر الأدوار فعشرة .

ولو نوقش في دلالتهما على التفصيل المذكور ، فلا شبهة في عدم شائبة دلالة لهما على فتوى المشهور ، خصوصاً إذا قيل بتقدّم الثلاثة على العشرة ، فإنّه على عكس مفاد الروايتين .

كما أنّ موثّقة سماعة أيضاً لا يمكن أن تكون مستنداً لفتوى المشهور ؛ سواء قلنا بظهورها في التخيير بين الثلاثة إلى العشرة ، أو في التخيير بين خصوص الحدّين ، أو قلنا بإجمالها من هذه الجهة . والجمع بينهما أيضاً لا يقتضي ذلك . وتوهّم غفلة المشهور عن ظاهر الموثّقتين ، أو عدم دلالة موثّقة سماعة ، في غاية السقوط .

فهذه الروايات ممّا لا يمكن الاتّكال عليها ؛ بعد شذوذها وعدم نقل العمل بها

إلاّ عن الإسكافي(1) وبعض متأخّري المتأخّرين(2) ، ولا يجوز رفع اليد عن ظهور مرسلة يونس - التي لا إشكال في كونها مورد اعتماد الأصحاب - بمثل تلك الروايات . وليست الشهرة في المسألة الفرعية بحيث يمكن الاتّكال عليها ويثبت الحكم بها ؛ بعد كون المسألة ذات أقوال كثيرة .

وبعبارة اُخرى : أنّ الأصحاب - على اختلافهم في الفتوى - متّفقون تقريباً

ص: 410


1- اُنظر رياض المسائل 1 : 358 ؛ مختلف الشيعة 1 : 202 .
2- اُنظر جواهر الكلام 3 : 285 ؛ مدارك الأحكام 2 : 20 - 21 .

على العمل بمرسلة يونس وعلى ترك العمل بالموثّقات ، ومعه لا يبقى مجال للعمل بها ، ولكن لا يوجب ذلك جواز الاتّكال على نقل الشهرة في المسألة الفرعية ؛ لعدم قيام الشهرة المعتبرة بحيث يمكن كشف دليل معتبر ، فتبقى مرسلة يونس بلا معارض .

تعارض فقرات المرسلة وقوّة الأخذ بالسبعة

نعم ، تختلف فقرات المرسلة في التخيير بين الستّة والسبعة المستفاد من قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «تحيّضي في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة أيّام» وتعيينِ خصوص السبعة المستفاد من جملة من فقراتها ، كقول أبي عبداللّه علیه السلام : «ألا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع وكانت خمساً أو أقلّ من ذلك ، ما قال لها : تحيّضي سبعاً !» .

وقوله : «لو كان حيضها أكثر من سبع . . .» إلى آخره .

وقوله : «أقصى وقتها سبع ، وأقصى طهرها ثلاث وعشرون» .

وقوله : «فوقتها سبع ، وطهرها ثلاث وعشرون» .

وقوله : «فسنّتها السبع والثلاث والعشرون» .

والجمع بينهما بحمل ما عدا الفقرة الاُولى على الإجمال في البيان ؛ والإشارة إلى تكليفها التخييري الذي سبق الكلام فيه ، وحمل قوله : «أقصى طهرها . . .» إلى آخره على الأقصى مع الأخذ بالسبع ، في غاية البعد ، خصوصاً الحمل الأخير ؛ ضرورة أنّ الأخذ بالسبع لا يوجب صيرورة الثلاث والعشرين أقلّ الطهر .

ص: 411

وما قيل : «إنّ الثلاث والعشرين أقصاه على تقدير اختيار السبع ؛ حيث إنّه ربّما يكون على هذا التقدير طهرها أقلّ من ذلك إذا كان الشهر ناقصاً»(1) مبنيّ على كون المراد ب- «الشهر» هو الشهر الهلالي ، وسيأتي الإشكال فيه(2) . أو أنّ المقصود فيما إذا اتّفق سيلان الدم في أوّل الشهر الهلالي ، وقلنا في مثل الفرض : بأنّ الميزان هو الشهر الهلالي ولو كان ناقصاً ، فيكون الأقصى إضافياً في بعض الفروض النادرة ، فهو - كما ترى - مخالف للفهم العرفي .

فلا إشكال في تعارض الفقرات ؛ فإنّ قوله : «وقتها السبع» أو «سنّتها السبع» أو «أقصى طهرها ثلاث وعشرون» لا يجتمع مع التخيير .

كما أنّ القول بسهو الراوي(3) مخالف للأصل ، بل بعيد جدّاً في المقام ، خصوصاً مع تكرار الترديد بقوله : «صومي ثلاثة وعشرين يوماً أو أربعة وعشرين» وخصوصاً مع الجزم في سائر الفقرات .

لكن مع ذلك لزوم الأخذ بالسبعة لا يخلو من قوّة ؛ إمّا لأجل الدوران بين التعيين والتخيير ولزوم الأخذ بالتعيين ، وإمّا لأنّ أصالة عدم الخطأ أصل عقلائي يشكل جريانها في مثل المقام الذي كانت الفقرات المتأخّرة كلّها شاهدة عليه ، وليس الكلام ظاهراً في التخيير ، بل وقوع التعارض إنّما هو لأجل جريان الأصل العقلائي ، وهو محلّ إشكال ، فالأخذ بالسبعة لو لم يكن أقوى فهو أحوط .

ص: 412


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 246 .
2- يأتي في الصفحة 411 - 412 .
3- رياض المسائل 1 : 357 .
عدم اختصاص المرسلة بالمبتدئة بالمعنى الأخصّ بخلاف الموثّقات

ثمّ إنّ الظاهر عدم اختصاص لزوم الأخذ بالسبعة - بعد ما رجّحنا العمل بالمرسلة - بالمبتدئة بالمعنى الأخصّ ؛ لما تقدّم من استفادة حكم من لم تستقرّ لها عادة من ذيل المرسلة(1) .

نعم ، لا إشكال في اختصاص الموثّقات بالمبتدئة بالمعنى الأخصّ ، فلو رجّحناها على المرسلة أو قلنا بالتخيير بين المضمونين ، لما جاز إسراء الحكم إلى غيرها .

والقول : «بأنّ اختصاص مورد تلك الموثّقات بالمبتدئة ، مثل اختصاص مورد المرسلة بها ، والمناط في الجميع سواء»(2) كما ترى ؛ فإنّ مورد ما سئل عنه رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في المرسلة وإن كان المبتدئة ، لكنّ الذيل ظاهر في أعمّية الحكم ، مضافاً إلى حصر السنن ، ولو لا ذلك لما تعدّينا عن مفاد الصدر ، وهذا بخلاف الموثّقات ، فإنّها واردة في المبتدئة من غير دليل على التعدّي ، ودعوى وحدة المناط في غير محلّها .

كما أنّ دعوى استفادة ذلك من قوله في ذيل المرسلة - عند بيان من لم تستقرّ لها عادة - : «إنّ سنّتها السبع والثلاث والعشرون ؛ لأنّ قصّتها قصّة حمنة» بعد أن مثّل للمبتدئة بالمعنى الأخصّ بحمنة ، وعلم من سائر الروايات أنّ لها

ص: 413


1- تقدّم في الصفحة 375 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 253 .

الخيار(1) ، في غير محلّها ؛ لأنّ كون قصّتها قصّة حمنة في الأخذ بالسبعة ، لا يوجب أن يكون حكمها حكم حمنة مطلقاً .

وبعبارة اُخرى : يستفاد من التعليل أنّ من كانت قصّتها قصّة حمنة تكون سنّتها السبعة والثلاثة والعشرين ، لا أنّ كلّ ما لحمنة يكون لها ، فالتخيير المستفاد من الجمع بين الروايتين - على فرض صحّته - أو من الفتوى بالتخيير - على فرضه - لا يشمل غير المبتدئة بالمعنى الأخصّ .

ص: 414


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 253 .
تنبيه

في أنّ المبتدئة يتعيّن عليها جعل ما تختاره من العدد أوّل الرؤية

هل تتخيّر في وضع العدد فيما تشاء من الشهر ، أو يتعيّن عليها جعله في أوّل الشهر الهلالي ، أو يتعيّن جعله في أوّل رؤية الدم ؟

نسب صاحب «الحدائق» إلى الأصحاب تخيّرها (1) ، وعن «المعتبر» و«المنتهى» و«جامع المقاصد» و«المسالك» و«المدارك» وغيرها اختيارها (2) ، وكذا عن ظاهر «المبسوط»(3) .

وعن «التذكرة» و«كشف اللثام» : «أ نّه يتعيّن عليها وضع ما تختاره من العدد

أوّل ما ترى الدم»(4) وهو الأقوى ؛ لظهور مرسلة يونس فيه ؛ حيث قال فيها : «تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة أيّام ، ثمّ اغتسلي غسلاً وصومي ثلاثة وعشرين يوماً أو أربعة وعشرين ، واغتسلي للفجر غسلاً . . .»(5) إلى آخره .

و«الشهر» في غير المورد وإن كان ظاهراً في الهلالي ، لكن حمله في المورد على الهلالي في غاية البعد ، بل فاسد ؛ لأنّ لازمه عدم التعرّض لحكمها من حين

ص: 415


1- الحدائق الناضرة 3 : 207 .
2- المعتبر 1 : 209 ؛ منتهى المطلب 2 : 308 ؛ جامع المقاصد 1 : 299 ؛ مسالك الأفهام 1 : 69 ؛ مدارك الأحكام 2 : 21 ؛ تحرير الأحكام 1 : 100 .
3- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 197 - 198 ؛ المبسوط 1 : 67 .
4- تذكرة الفقهاء 1 : 300 ؛ كشف اللثام 2 : 85 .
5- تقدّم في الصفحة 366 .

الرؤية إلى أوّل الشهر الهلالي ، أو عدم حكم لها إذا رأت الدم فيما بين الشهر ، وكلاهما فاسدان .

مضافاً إلى أنّ الظاهر من المرسلة أنّ السبعة - وكذا الثلاثة والعشرون - يجب

أن تكون متّصلة لا متفرّقة ، ومع حساب الشهر من أوّل الهلالي ، يلزم إمّا زيادة الطهر على الثلاثة والعشرين ، أو التفرّق بين أجزائها ، وهما خلاف المتفاهم من الرواية .

وبالجملة : الظاهر منها أ نّه من حين رؤية الدم يحسب الشهر ، ولا تكون بقيّة الشهر من حين الرؤية ساقطةً عن الحكم ، فحينئذٍ يكون ظاهرها أ نّه من حين الرؤية تجعل الستّة أو السبعة حيضاً ، ثمّ تجعل ثلاثة وعشرين أو أربعة وعشرين طهراً ، ولا إشكال في أنّ الظاهر منها مع العطف ب- «ثمّ» هو تقديم الحيض على الطهر ، وبعد كون الظاهر منها أنّ الحساب من حين الرؤية ، وأنّ أيّام الحيض والطهر لا بدّ وأن تكون متّصلة لا متفرّقة - كما هو المتفاهم من المرسلة - لا يبقى ريب فيما تقدّم ذكره .

وتوهّم عدم كون المرسلة في مقام البيان ، فاسد جدّاً ؛ فإنّ عدم البيان المدّعى

إن كان في نقل أبي عبداللّه علیه السلام قصّة حمنة ، فظاهر المرسلة أ نّه علیه السلام ذكر جميع الخصوصيات ؛ حتّى ما لا تكون دخيلة في الحكم .

وإن كان في بيان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فهو - مع فساده عقلاً ؛ لأنّ حمنة سألته عن تكليفها الفعلي ، فلا يعقل الإهمال في الجواب - خلاف ظاهر الرواية ؛ بعد بيان خصوصيات تكليفها : من الغسل ، وتأخير الظهر والمغرب ، وتقديم العصر والعشاء . . . إلى غير ذلك .

ص: 416

فلا إشكال في كونه صلی الله علیه و آله وسلم في مقام البيان ، وكون أبي عبداللّه علیه السلام في مقام نقل خصوصيات القضيّة ، فلا بدّ من الأخذ بجميع الخصوصيات التي يستفاد منها الحكم ، ومنها تخلّل «ثمّ» المستفاد منه تأخّر ثلاثة وعشرين عن السبعة . وعدم الأخذ ببعض مفاد القضيّة لخلل ، لا يوجب عدم الأخذ بالخصوصية التي لا خلل فيها ، فإذا ضمّ إليه ما قلنا من كون مبدأ الشهر أوّل الرؤية ، يستفاد المقصود منها .

وأمّا موثّقة ابن بكير فقد عرفت أ نّها ليست مستنداً للحكم(1) . كما أنّ التشبّث(2) بمرسلة يونس القصيرة(3) غير محتاج إليه . مع أنّ موردها غير ما نحن فيه . مضافاً إلى ورود الإشكالات المتقدّمة عليها (4) .

وأمّا تقريب كون المعيار من أوّل الرؤية : «بأ نّه ربّما يمتنع جعل الابتداء من أوّل الشهر الهلالي ، كما لو كان ابتداء رؤيتها في أواخر الشهر ؛ بحيث لا يتخلّل بين أقلّ الحيض منه وبين أوّل الشهر الثاني أقلُّ الطهر ؛ فإنّ الأظهر - بل المعلوم - أ نّه يجب عليها في أوّل الرؤية أن تتحيّض إلى العاشر ، كما يدلّ عليه - مضافاً إلى الإجماع وقاعدة الإمكان - النصوص الكثيرة التي منها موثّقتا ابن بكير ، ومع التجاوز عن العشرة وعدم التصادف للعادة والتمييز ، فلا مقتضي لرفع اليد عمّا ثبت عليها بمقتضى تكليفها الظاهري ، ولا دليل على عدم كونه حيضاً»(5) .

ص: 417


1- تقدّم في الصفحة 409 - 410 .
2- كشف اللثام 2 : 85 .
3- الكافي 3 : 76 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 299 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 12 ، الحديث 2 .
4- تقدّمت في الصفحة 93 .
5- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 254 .

فغير وجيه ؛ فإنّ لزوم التحيّض في أوّل الرؤية لا يوجب كونه حيضاً ، نعم لو انقطع على العاشر أو قبله يكون المجموع حيضاً ، وهو القدر المتيقّن من الإجماع المدّعى على قاعدة الإمكان ، كما تقدّم ، وأمّا مع التجاوز فلا إشكال في عدم الدليل على الحيضية ، فضلاً عن قيام النصوص الكثيرة .

وموثّقتا ابن بكير ظاهرتان في أنّ تكليف مستمرّة الدم هو العدد ، لكن في الدورة الاُولى يكون عددها عشرة ، وفي سائر الدورات ثلاثة ، ولا دلالة فيهما - ولا في غيرهما - على أنّ العشرة الاُولى حيض واقعاً ؛ حتّى يمتنع جعل أوّل الهلالي المفروض حيضاً .

ومنه يظهر : أنّ القول : «بأنّ الأخذ بالعدد مطلقاً إنّما هو بعد العشرة الاُولى ، وأمّا قبل تمامها فليست مستحاضة»(1) غير تامّ ؛ لأنّ ظاهر المرسلة والموثّقات ، هو أنّ تكليف مستمرّة الدم مطلقاً هو الأخذ بالعدد ، وعدم علمها بكونها مستمرّة الدم لا يوجب عدم محكوميتها بحكمها .

وكيف كان : فالمعوّل عليه في المقام هو المرسلة ، وقد عرفت ظهورها في لزوم التحيّض من حين رؤيتها في كلّ شهر سبعةً ، وبعده محلّ طهرها .

ثمّ الظاهر : أ نّه لو صادف أوّل الرؤية أوّل الشهر الهلالي ، وجب عليها في السبع الأوّل منه التحيّض ، وفي بقيّة الشهر الصلاة وإن كان ناقصاً . وذكر الثلاثة والعشرين إنّما هو لأجل كون الوقوع في أوّل الهلالي نادراً ، خصوصاً في صورة نقصان الشهر ، والغالب وقوعه بين الهلالين ، فيجب عليها التلفيق والأخذ بالثلاثة والعشرين .

ص: 418


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 254 - 255 .
المسألة الثانية في تقديم ذات العادة لعادتها على التمييز

لا إشكال في أنّ ذات العادة تجعل عادتها حيضاً - مع استمرار دمها وتجاوزه

عن العشرة - وما سواها استحاضة مع عدم معارضتها للتمييز . وأمّا مع اجتماع العادة والتمييز والتعارض بينهما ؛ كأن لا يفصل بينهما أقلّ الطهر من الدم غير المتميّز ، فهل تعمل على العادة ، كما عن المشهور(1) ، أو على التمييز ، كما عن ظاهر «الخلاف» و«المبسوط»(2) ، أو تتخيّر بينهما ، كما عن «الوسيلة»(3) ؟

لا ريب في أنّ العادة مقدّمة ؛ لما يظهر من مرسلة يونس(4) وموثّقة إسحاق بن جرير(5) أنّ ذات العادة لا وقت لها إلاّ أيّامها المعلومة ، وأنّ الرجوع إلى التمييز متأخّر عن الرجوع إلى العادة التي هي أقوى الأمارات ، وأنّ الصفرة والكدرة في أيّام العادة حيض ، فلا إشكال في المسألة .

بل الظاهر أنّ ذات العادة الوقتية فقط ، ترجع في وقتها إلى عادتها ، وترجع إلى غيرها - من التمييز وغيره - في عددها . وكذا ذات العددية ترجع في العدد إلى العادة ، وفي الوقت إلى غيرها ، كما يظهر ذلك كلّه من المرسلة ، وتقدّم بعض الكلام فيها .

ص: 419


1- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 199 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 239 .
2- الخلاف 1 : 241 ؛ المبسوط 1 : 48 - 49 .
3- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 60 .
4- تقدّمت في الصفحة 363 .
5- تقدّمت في الصفحة 362 .
المسألة الثالثة في أقسام الناسية وأحكامها
اشارة

وفيها جهات من البحث :

الجهة الاُولى : في أقسام الناسية

الناسية إمّا ناسية للعادة وقتاً وعدداً ، أو وقتاً فقط مع ذكر عددها ، أو عدداً مع ذكر وقتها .

وأيضاً : قد تكون ناسية للوقت والعدد مطلقاً ، وقد تكون ذاكرة في الجملة لهما ، وناسية كذلك ، كما إذا علمت أ نّها في أوّل الشهر كانت حائضاً ، ولم تعلم أنّ

أوّل الشهر أوّل حيضها أو آخره أو وسطه . هذا بالنسبة إلى الوقت .

وأمّا العدد ، فكما إذا علمت أ نّه لم يكن أقلّ من خمسة أيّام ، ونسيت الزيادة أ نّها يوم واحد أو أكثر .

وقد تكون ذاكرة في الجملة لأحدهما ، وناسية للآخر مطلقاً .

وأيضاً : قد تكون ذاكرة لكون حيضها في النصف الأوّل من الشهر مثلاً ، وناسية لمحلّه من النصف ، وحينئذٍ قد يكون تمييزها في هذا النصف من الشهر ، وقد يكون في النصف الآخر .

وأيضاً : قد تعلم أنّ عادتها في كلّ شهر مرّة واحدة ، وقد تنسى ذلك .

وأيضاً : قد يكون تمييزها بمقدار عددها ، وقد يكون أقلّ ، وقد يكون أكثر .

والحاصل : أنّ الناسية قد تكون غير ذاكرة بقول مطلق ؛ فلا تكون لها جهة

ص: 420

ذُكر مطلقاً ، وقد تكون ذاكرة لجهة من الجهات . وعلى أيّ تقدير قد تكون ذات تمييز ، وقد لا تكون كذلك .

الجهة الثانية في دلالة المرسلة على رجوع الناسية إلى العادة أوّلاً ثمّ إلى التمييز

لا ينبغي الإشكال في رجوع الناسية ذات التمييز إلى التمييز في الجملة ، وذلك لا لكونها القدر المتيقّن من مرسلة يونس ، كما قيل(1) ؛ لما تقدّم(2) من أنّ فيها احتمالين ، وأرجحهما أنّ المراد من «مختلطة الأيّام» هي التي كانت لها أيّام منضبطة ، ثمّ اختلطت بالنقص والزيادة والتقدّم والتأخّر حتّى أهملت وتركت أيّامها .

بل لاستفادة حكمها من المرسلة بعد التأمّل في مفادها ؛ حيث إنّ أبا عبداللّه علیه السلام وإن بيّن أوّلاً في السنّة الثانية سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة ، ثمّ اختلطت عليها ، لكن تمسّك في ذيلها بقول النبي صلی الله علیه و آله وسلم وقال : «وذلك أنّ فاطمة بنت أبي حبيش . . .» إلى أن قال : «أما تسمع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أمر هذه بغير ما أمر به تلك ! ألا ترى أ نّه لم يقل لها : دعي الصلاة أيّام أقرائك ، ولكن قال لها : إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة !» .

فطريق استفادة حكم مختلطة الأيّام - بالمعنى المتقدّم ؛ بناءً على إرشاد أبي عبداللّه علیه السلام - هو أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم لم يأمرها بترك الصلاة أيّام الأقراء ، وأمرها بتركها إذا أقبلت الحيضة ، فدلّ ذلك على أنّ هذه امرأة لم تكن عارفة

ص: 421


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 290 .
2- تقدّم في الصفحة 370 .

بوقتها ، ولم تكن أيّامها معلومة قد أحصتها ، كما في السنّة الاُولى ، فمنه تعلم قاعدة كلّية هي : «أنّ كلّ امرأة لم تعلم عددها ولا وقتها ، لا بدّ لها من الرجوع إلى التمييز» ويستفاد من تلك القاعدة حال مختلطة الأيّام بالمعنى المتقدّم التي هي إحدى المصاديق لمطلق الجاهلة بالأيّام ، والتي لم تعرف أيّامها .

فقوله علیه السلام : «فهذا يبيِّن أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها ؛ لم تعرف عددها ولا وقتها» ليس المراد منه المختلطة بالمعنى المتقدّم ؛ ضرورة أنّ مجرّد إرجاع النبي صلی الله علیه و آله وسلم إيّاها إلى التمييز وعدمِ إرجاعها إلى العادة ، لا يبيّن ذلك ، بل يبيّن الاختلاط بمعنى أعمّ منه ، فيكون المراد من «الاختلاط» في هذه الفقرة هو عدم المعرفة بالعدد والوقت مطلقاً ، ولهذا جعل عدم معرفتهما موضّحاً للاختلاط .

وممّا يبيّن ذلك قوله علیه السلام : «فهذا يبيّن لك أنّ قليلَ الدم وكثيره أيّام الحيض ، حيضٌ كلّه إذا كانت الأيّام معلومة ، فإذا جهلت الأيّام وعددها احتاجت إلى النظر حينئذٍ إلى إقبال الدم وإدباره» حيث جعل الجهل بالأيّام مطلقاً - مقابل العلم بها - موضوعاً لاحتياجها إلى التمييز .

وبالجملة : إنّ التأمّل في فقرات الرواية ، يدفع الريب في دلالتها على حكم الناسية . وهذا في الجملة ممّا لا إشكال فيه .

كما أنّ الأظهر اعتبار العادة وتقدّمها على التمييز ؛ إذا أمكن التشخيص بها ولو في الجملة ، فإذا ذكرت عادتها من حيث الوقت - في الجملة - ونسيت العدد ، وجب عليها التحيّض في الوقت على حسب ذُكرها ، وفي العدد الرجوع إلى المرتبة المتأخّرة .

وكذا مع ذكر العدد ونسيان الوقت ، لا بدّ لها من أخذ العدد حسب عادتها ،

ص: 422

والعمل بالتمييز لتشخيص وقتها بمقدار الإمكان ؛ حتّى أ نّه لا يبعد ذلك لو كانت عالمة إجمالاً : بأنّ وقتها لا يكون خارجاً عن النصف الأوّل ، فلا يبعد تقديم العادة - في هذه الصورة - على التمييز الحاصل في النصف الآخر ، ومع عدم التمييز في الأوّل ترجع إلى المرتبة المتأخّرة .

كما أ نّه لا يبعد عدم الاعتبار بالتمييز ؛ إذا كان في الشهر أزيد من مرّة واحدة ، مع علمها بعدم زيادة عادتها في كلّ شهر على مرّة واحدة .

وبالجملة : لا يبعد أن يكون المتفاهم من الرواية والحصر المصرّح به وغير ذلك من الفقرات : أنّ الدم في العادة لمّا كان أمارة قويّة على الحيض ، تكون تلك الأمارة مقدّمة على التمييز الذي هو أيضاً أمارة بعدها ، وكلّما يمكن كشف الحيض بالأمارة القويّة ، لا تصل النوبة إلى الأمارة المتأخّرة ؛ سواء كانت كاشفة عن الوقت والعدد مطلقاً ، أو عن واحد منهما ، أو عنهما في الجملة ، فيجب عليها الرجوع إلى العادة حتّى الإمكان ، ومع عدمه ترجع إلى التمييز ، كما يشعر به - بل يدلّ عليه في الجملة - قوله : «حتّى أغفلت عددها وموضعها من الشهر» فعلّق الحكم بالرجوع إلى التمييز على إغفال العدد والموضع من الشهر ، فيستفاد منه أ نّه مع عدم إغفال أحدهما ، لا يجوز الرجوع إلى التمييز في مورده ، فيعلم من ذلك حال جميع الصور المتقدّمة في الجهة الاُولى وغيرها .

ثمّ إنّ المتحيّرة التي كان تكليفها الرجوع إلى التمييز ، يجب عليها التحيّض عند وجود التمييز ، ولا تنتظر استقرار حيضها بمضيّ ثلاثة أيّام مثلاً ؛ لأدلّة التمييز ، كصحيحة معاوية بن عمّار ومرسلة يونس وغيرهما (1) .

ص: 423


1- وسائل الشيعة 2 : 275 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 3 ، الحديث 1 و4 و2 .
الجهة الثالثة في حكم الناسية إذا فقدت التمييز
اشارة

إذا فقدت الناسية التمييز ؛ بأن استمرّ عليها الدم على نهج واحد ، أو اختلف ، لكن لا على وجه يمكن الرجوع إليه ، فإمّا أن تكون ذاكرة العدد ناسية الوقت ، أو العكس ، أو ناسيتهما ، فيقع الكلام في ثلاثة مواضع :

الموضع الأوّل : في ناسية الوقت دون العدد
اشارة

القول بوجوب الاحتياط في المقام

لو ذكرت العدد دون الوقت ؛ بأن تكون ناسية للوقت مطلقاً ؛ بحيث لا تذكر منه شيئاً لا تفصيلاً ولا إجمالاً - بأن كان العدد المحفوظ في ضمن عدد ، لا يزيد عن نصف ما وقع الضلال فيه ، كالخمسة أو الأربعة في العشرة ، لا كالستّة فيها - فعن «المبسوط» وجوب الاحتياط عليها (1) ؛ بأن تعمل في الزمان الذي وقع الضلال فيه عمل المستحاضة ، وتترك ما يحرم على الحائض ، وتغتسل للحيض في كلّ وقت تحتمل انقطاع دم الحيض فيه ، وتقضي صوم عادتها ؛ قضاءً للعلم الإجمالي .

ونوقش فيه : «بأنّ الاحتياط مستلزم للحرج والضرر المنفيين في الشريعة»(2).

ص: 424


1- المبسوط 1 : 51 .
2- اُنظر مستند الشيعة 2 : 455 ؛ جواهر الكلام 3 : 303 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 269 .

وفيه : أنّ دليل نفي الحرج ظاهر في أنّ اللّه تعالى لم يجعل في الدين الحرج ، كالغسل والوضوء الحرجيين بواسطة شدّة البرد والمرض وغيرهما ، وفيما نحن فيه لا يكون المجعول الشرعي أو موضوعه حرجياً ، وإنّما الحرج من قبل الجمع بين المحتملات اللازم عقلاً ، وهو أمر غير مجعول ؛ لعدم كون الاحتياط واجباً شرعياً حتّى يرفع بدليل الحرج ، ولا دليل على أنّ كلّ تكليف يستلزم الحرج مطلقاً مرفوع ، وما ورد من الآيات والأخبار في هذا المضمار ، إنّما يدلّ على عدم جعل الشارع العسر والحرج في الدين .

إلاّ أن يقال : إنّ قوله تعالى : )يُرِيدُ اللّه ُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ((1) دالّ على أنّ الجمع بين المحتملات اللازم منه العسر ، خلاف إرادة اللّه ورضاه .

لكنّ الظاهر من سياق الآية - وهي قوله : )وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ اُخَرَ يُرِيدُ اللّه ُ بِكُمُ الْيُسْرَ . . .( إلى آخره - أنّ أحكام اللّه تعالى لا تكون حرجية ، ولا يريد في أحكامه الحرج على العبيد . وهو نظير قوله في ذيل آية الوضوء : )مَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ((2) .

هذا ، ولكنّ الظاهر منهم عدم الفرق بين الحرج الذي في أصل التكليف أو موضوعه ، والذي يلزم منه ولو بواسطة جهات خارجية . والمسألة تحتاج إلى زيادة تأمّل .

ص: 425


1- البقرة (2) : 185 .
2- المائدة (5) : 6 .

هذا مضافاً إلى أنّ الحرج إنّما ينفي مثل الغسل والوضوء - على الفرض - بعد تسليم حصول الحرج بمثل هذا الاحتياط ، دون مثل حرمة اللبث في المسجد ومسّ الكتاب وقراءة العزائم وأمثالها . مع أنّ الموارد مختلفة ، والأشخاص متفاوتون ، فلا يفي دليل الحرج بجميع الموارد .

وقد يُردّ دليل الاحتياط : بعدم تنجيز العلم الإجمالي في التدريجيات(1) . وهو ضعيف ؛ لما حقّق في محلّه من عدم الفرق بين الدفعيات والتدريجيات في تنجيز العلم(2) . لكنّ التنجيز في المقام إنّما هو إذا قلنا في العبادات بالحرمة التشريعية ، وهو خلاف ظاهر الأدلّة ، وأمّا إذا قلنا بالحرمة الذاتية فمحلّ إشكال ، كما سبقت الإشارة إليه(3) : من أنّ أمر العبادات حينئذٍ دائر بين المحذورين ، فلا يكون العلم في مورد الدوران منجّزاً ، ومع عدم التنجيز في أحد الأطراف ، تبقى بقيّة الأطراف بلا منجّز ، فالقاعدة تقتضي جواز ترك الصلاة وارتكاب محرّمات الحائض ، إلاّ أ نّه قام الإجماع على عدم جواز ترك الصلاة في جميع الأيّام .

التمسّك بمثل مرسلة يونس على التحيّض ونفي الاحتياط

هذا ، ولكنّ الذي يسهّل الخطب أنّ استفادة حكم الواقعة من الأدلّة - كمرسلة يونس - لا يدع مجالاً للعلم الإجمالي والاحتياط ؛ فإنّ الظاهر منها أنّ ذات

ص: 426


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 296 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 269 .
2- تهذيب الاُصول 3 : 215 .
3- تقدّمت في الصفحة 203 - 204 .

العادة لا وقت لها إلاّ عادتها ، وقد مرّ(1) أنّ المتفاهم منها بعد التأمّل في فقراتها ؛ أنّ الدم في العادة أمارة قويّة لا تصل النوبة معها إلى التمييز الذي هو أيضاً أمارة

عليه ، فضلاً عمّا إذا لم يكن لها تمييز ، ففي المرسلة - في ضمن بيان السنّة الثالثة - قال : «ألا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع ، وكانت خمساً أو أقلّ من ذلك ، ما قال لها تحيّضي سبعاً ، فيكون قد أمرها بترك الصلاة وهي مستحاضة غير حائض ! وكذا لو كان حيضها أكثر من سبع ، وكانت أيّامها عشراً أو أكثر ، لم يأمرها بالصلاة وهي حائض !» .

وهذا صريح في أنّ ذات العادة أيّامها حيض ، والزائد عليها استحاضة ، ومع كون أيّامها عدداً معيّناً يكون هذا العدد بخصوصه حيضها ، ولا يجوز لها التحيّض زائداً عنه ولا ناقصاً .

ويدلّ على المقصود أيضاً قوله : «ممّا يزيد هذا بياناً قوله لها : تحيّضي ، وليس يكون التحيّض إلاّ للمرأة التي تريد أن تكلّف ما تعمل الحائض ، ألا تراه لم يقل لها أيّاماً معلومة : تحيّضي أيّام حيضك !» .

فإنّ الظاهر منه أنّ من كانت لها أيّام معلومة ، تكون أيّامها أيّام الحيض ، لا أنّ عليها التحيّض والتكلّف ، وإنّما يقال : «تحيّضي وتكلّفي عمل الحائض» لمن لم تكن لها أيّام .

ويدلّ عليه أيضاً قوله : «إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير ، فهي على أيّامها وخلقها . . .» إلى غير ذلك من فقراتها .

ص: 427


1- تقدّم في الصفحة 422 - 423 .
في كيفية تحيّض الناسية

ثمّ إنّ تلك الناسية هل هي مختارة في جعل عددها في الشهر حيث شاءت ، أو يتعيّن عليها جعله فيما يظنّ كونه وقتاً لحيضها ، أو يتعيّن جعله في أوّل الدورة

إذا علمت أوّلها ، وفي سائر الدورات على هذا النسق ، فلو كان مبدأ دورتها أوّل الشهر وجب عليها التحيّض في أوّل كلّ شهر ، أو يتعيّن جعله في أوّل الدورة الاُولى ، وتختار في سائر الدورات ، أو يجب عليها التحيّض في الوقت المظنون كونه وقتاً لها في غير الدورة الاُولى ؟

قد يقال : «بوجوب جعله في أوّل الدورة ؛ فإنّ الأخبار وإن كانت منصرفة عن الناسية ، لكن لمّا كان المتعيّن عليها التحيّض في ابتداء رؤية الدم إلى العشرة ، يتعيّن عليها جعل حيضها في جملة العشرة ؛ إذ لا دليل على جواز تحيّضها ثانياً بعد انكشاف أمرها وصيرورتها مستحاضة ، بل الأدلّة قاضية بخلافه ، كما أشرنا إليه في المبتدئة . وإذا تعيّن عليها ذلك في الدور الأوّل يتبعه سائر الأدوار ؛ لما

يستفاد من جملة من الأخبار من وجوب جعل المستحاضة حيضها قبل طهرها»(1) انتهى .

وفيه : أ نّه بعد فرض الانصراف لا وجه لذلك ؛ لعدم الدليل على وجوب تحيّضها في ابتداء رؤية الدم مطلقاً ؛ لعدم تمامية قاعدة الإمكان ، خصوصاً في مثل ناسية الوقت . وليس في المقام إجماع أو نصّ ، فإنّ موثّقتي ابن بكير(2) - مع

ص: 428


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 274 .
2- تقدّمتا في الصفحة 376 - 377 .

ما تقدّم من الإشكال فيهما (1) - مختصّتان بالمبتدئة .

نعم ، لو رأت بصفة الحيض أوّل ما رأت وجب عليها العمل بالأمارة ، لكن بعد بقاء الدم على صفة واحدة إلى تجاوزه عن العشرة ، تتعارض الأمارتان ، ويكشف ذلك عن خطئها .

والقول : «بأنّ المتعيّن هو الأخذ بالأمارة المتقدّمة زماناً ؛ لإمكان كون الدم

حيضاً في الزمان الأوّل وتحقّق موضوع الأمارة ، وبعد ذلك يخرج الدم في الزمان المتأخّر عن الإمكان ، فلا تكون الأمارة حجّة» . قد سبق الإشكال فيه : بأنّ التقدّم الزماني ليس مناطاً لتقدّم الأمارة(2) ، فراجع .

مع أ نّه لو سلّم الأمر في الدورة الاُولى ، فلا دليل على تبعية سائر الدورات

لها . وما دلّ على أنّ المستحاضة تجعل حيضها قبل طهرها - على فرض ارتباطه بالمقام - إنّما يدلّ على التقديم في الدورة الاُولى من غير تعرّض له لسائر الدورات ، كما يأتي الكلام فيه .

وأمّا الاستدلال على وجوب الجعل في أوّل الدورة الاُولى - وعلى نسقه في سائر الدورات - بدوران الأمر بين التعيين والتخيير ، والأصل فيه الاشتغال(3) .

ففيه : أ نّه على فرض الدوران بينهما ، فالاشتغال في مثل هذا الدوران غير مسلّم ، بل المسلّم في الاشتغال هو في مورد يعلم بتعلّق تكليف بمعيّن ، ويشكّ في أنّ له طرفاً يسقط التكليف بإتيانه أو لا ، وأمّا إذا كان الدوران من

ص: 429


1- تقدّم في الصفحة 410 .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 392 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 :271 .

أوّل الأمر بينهما فلا . والمسألة تحتاج إلى زيادة بحث وتحقيق لا يسعها المجال .

وقد يقال بلزوم التحيّض في أوّل الدورة ؛ لظهور بعض الأخبار في وجوب عمل المستحاضة بعد التحيّض بمقدار العادة والاستظهار .

وفي مقابله احتمال إطلاق بعض الأدلّة لأخذ المستحاضة مقدار عادتها ، ومقتضى الإطلاق تخييرها في وضعه حيث شاءت ، وكما أ نّها بإطلاقها تنفي تعيّن التحيّض في أوّل الدورة الاُولى ، وعلى نسقه في سائر الدورات ، كذلك تنفي تعيّن جعل العدد في الوقت المظنون ؛ فإنّ تعيّنه إنّما يكون فيما إذا كان الحاكم بالتخيير العقل - بأن يقال : إنّما يحكم العقل بالتخيير مع تساوي الأزمنة ،

وأمّا مع ترجيح بعضها ولو ظنّاً فيرتفع موضوع حكمه - وأمّا إذا استفيد حكم التخيير من إطلاق الدليل ، فلا يبقى للترجيح بالظنّ مجال .

ولا بأس بذكر بعض الروايات التي يمكن دعوى إطلاقها أو دلالتها على التعيين ؛ حتّى يتّضح الحال :

الروايات التي بإطلاقها يقتضي التخيير

فمنها : رواية محمّد بن عمرو بن سعيد عن أبي الحسن الرضا علیه السلام قال : سألته

عن الطامث وقدر جلوسها ، فقال : «تنتظر عدّة ما كانت تحيض ، ثمّ تستظهر بثلاثة أيّام ، ثمّ هي مستحاضة»(1) .

ص: 430


1- تهذيب الأحكام 1 : 172 / 491 ؛ وسائل الشيعة 2 : 303 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 10 .

بدعوى : أنّ المراد من «الطامث» و«قدر جلوسها» هي من استمرّ بها الدم ولو بقرينة الجواب ، وإطلاقها يقتضي كونها مخيّرة في وضع عدّة أيّام حيضها حيث شاءت .

وفيه : أ نّها بصدد بيان مقدار الجلوس سؤالاً وجواباً ، فلا إطلاق فيها من جهة محلّ الجلوس ؛ لو لم نقل بانصرافها إلى الجلوس في أوّل الرؤية .

نعم ، هي تدلّ بإطلاقها على أنّ مقدار جلوس ذاكرة العدد - ولو كانت ناسية

للوقت - هو عدّة أيّام العادة .

ومنها : رواية يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : امرأة رأت الدم في حيضها حتّى تجاوز وقتها ، متى ينبغي لها أن تصلّي ؟ قال : «تنتظر عدّتها التي كانت تجلس ، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام . . .»(1) إلى آخره ، بدعوى إطلاق الجواب وإن كان السؤال عن ذاكرة الوقت .

وفيه ما لا يخفى .

ومنها : رواية عبداللّه بن المغيرة عن رجل ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في المرأة التي ترى الدم ، فقال : «إن كان قُرؤها دون العشرة انتظرت العشرة ، وإن كانت أيّامها عشرة لم تستظهر»(2) .

وهي أيضاً لا إطلاق فيها ؛ لكونها في مقام بيان حكم الاستظهار .

ص: 431


1- تهذيب الأحكام 1 : 402 / 1259 ؛ وسائل الشيعة 2 : 303 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 12 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 172 / 493 ؛ وسائل الشيعة 2 : 303 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 11 .
الروايات التي يمكن الاستدلال بها على لزوم التحيّض في أوّل الرؤية

وأمّا ما يمكن أن يستدلّ به على لزوم التحيّض في أوّل الرؤية :

فمنها : رواية عبداللّه بن المغيرة المتقدّمة ، بدعوى : أنّ المنصرف منها أ نّها تنتظر من أوّل الرؤية إلى العشرة . ولا يبعد ذلك لو لا ضعف سندها (1) . وقد يحتمل هذا الانصراف في رواية محمّد بن عمرو المتقدّمة ، لكنّه بعيد ، بل ممنوع .

ومنها : صحيحة زرارة قال : قلت له : النفساء متى تصلّي ؟ فقال : «تقعد بقدر حيضها ، وتستظهر بيومين ، فإن انقطع الدم ، وإلاّ اغتسلت . . .» إلى أن قال : قلت : والحائض ؟ قال : «مثل ذلك سواء»(2) ، بدعوى : أ نّه لا إشكال في أنّ الواجب على النفساء الجلوس أوّل ما رأت الدم ، فعموم التسوية بينها وبين الحائض يدلّ على المطلوب ؛ وهو تحيّضها في أوّل الدورة .

لكنّه لا يخلو من إشكال ؛ لاحتمال انصراف التسوية إلى مقدار التحيّض والاستظهار وسائر الأحكام المذكورة ، دون مبدأ التحيّض .

ص: 432


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن سعد بن عبداللّه ، عن موسى بن الحسن ، عن أحمد ابن هلال ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن عبداللّه بن المغيرة ، عن رجل . والرواية ضعيفة بأحمد بن هلال العبرتائي ، فإنّه رُمي بالغلوّ ومتّهم في دينه . رجال النجاشي : 83 / 199 ؛ الفهرست ، الطوسي : 83 / 107 ؛ اختيار معرفة الرجال : 535 / 1020 .
2- الكافي 3 : 99 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 173 / 496 ؛ وسائل الشيعة 2 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 5 .

ثمّ لو سلّم دلالة الأدلّة على لزوم التحيّض في أوّل الدورة الاُولى ، فلا دليل على تبعية سائر الدورات لها إلاّ بعض اُمور اعتبارية لا يصلح للاستناد إليه ، وإن كان الأحوط ذلك .

ولو قلنا بدلالة الأدلّة على تعيّن التحيّض في مبدأ الدورة الاُولى ؛ وأنّ المتفاهم منها النظم على نهج واحد ، فلا وجه لتقدّم العمل بالظنّ عليها ، بل المتعيّن تقدّم العمل بها على الظنّ ، كما هو واضح .

الموضع الثاني : في ناسية العدد دون الوقت

لو ذكرت الوقت في الجملة ونسيت العدد ، فإمّا ذاكرة لأوّل حيضها ، أو لآخره ، أو لوسطه الحقيقي ، أو لوسطه غير الحقيقي ، أو ذاكرة لكون اليوم الكذائي بين أيّام الحيض ؛ أي بين المبدأ والمنتهى ، أو عالمة بكون اليوم الفلاني من أيّام الحيض في الجملة .

وهاهنا صور كثيرة يعلم حكمها من ذكر حكم بعضها . وعلى أيّ حالٍ قد تعلم أنّ عددها كان مخالفاً لما في الروايات ، وقد لا تعلم ذلك .

فإن كانت ذاكرة لأوّل حيضها ، ولم تعلم مخالفة عددها للروايات ، فلا إشكال في لزوم إكماله ثلاثة أيّام ؛ إذا لم تعلم زيادة عددها عليها ، وإلاّ فبمقدار العلم

بالزيادة ؛ لما دلّ(1) على أنّ الصفرة والكدرة وما فوقها في أيّام الحيض حيض ، وأنّ قليل الدم وكثيره أيّام الحيض حيضٌ كلّه إذا كانت الأيّام معلومة . والتقييد

ص: 433


1- وهي مرسلة يونس الطويلة التي تقدّمت في الصفحة 363 .

بالعلم بالأيّام ليس إلاّ لطريقيته إلى الواقع ، لا لتقييد واقع الحيض به ، فمع العلم بكون اليوم الفلاني أوّل حيضها ، يكون الدم فيه دم الحيض بمقتضى إطلاق الأدلّة ، وأقلّ الحيض - وهو ثلاثة أيّام - متيقّن الحيضية ، فيجب عليها إكماله بالثلاثة ، أو بما فوقها ممّا تعلم عدم نقصان حيضها عنه .

وهذا لا إشكال فيه . إنّما الإشكال فيما زاد على العشرة ممّا تحتمل كونه من عادتها .

فقد يقال : «إنّ مقتضى العلم الإجمالي هو الجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة وغسل الحيض في وقت تحتمل انقطاعه وقضاء صوم عشرة أيّام» وهو الذي اختاره المحقّق رحمه الله علیه (1) .

وفيه أوّلاً : ما مرّ مراراً (2) من عدم منجّزية هذا العلم الإجمالي ؛ بناءً على

الحرمة الذاتية في العبادات ، كما هي ظاهر الأدلّة .

وثانياً : على فرض منجّزيته ينحلّ بالاستصحاب ، ولا إشكال في جريان استصحاب الحيضية .

وما أفاد الشيخ الأعظم في المقام : «من عدم جريانه في الاُمور التدريجية ، بل يجري استصحاب عدم الحيضية بالنسبة إلى الأيّام المشكوك فيها ، فيجب عليها أن تعمل عمل المستحاضة بعد ثلاثة أيّام»(3) فغير وجيه ؛ لما حقّق في

ص: 434


1- شرائع الإسلام 1 : 26 .
2- تقدّم في الصفحة 191 و204 و427 .
3- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 3 : 308 .

محلّه من جريانه فيها (1) ، فلا يبقى مجال للاحتياط والاشتغال ، ولا للزوم عمل المستحاضة .

هذا ، لكنّ التحقيق استفادة حكم المسألة من مرسلة يونس ؛ فإنّ المتأمّل في جميع فقراتها لا يكاد يشكّ في أنّ التي ليس مرجعها العادة ولا التمييز ، مرجعها السبعة والثلاثة والعشرون ، خصوصاً فقراتها الأخيرة من قوله : «فجميع حالات المستحاضة . . . » إلى آخر الرواية ، فقوله : «وإن اختلط عليها أيّامها وزادت ونقصت - حتّى لا يقف منها على حدّ ، ولا من الدم على لون - عملت بإقبال الدم . .» شامل لذاكرة الوقت في الجملة ، فحينئذٍ قوله : «وإن لم يكن الأمر كذلك . . .» إلى آخره ، دالٌّ على المقصود .

والإنصاف : أنّ المتأمّل في المرسلة والحصر المستفاد منها والقواعد المستنبطة من السنن الثلاث الواردة عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في ثلاث قضايا

شخصية ، لا ينبغي أن يرتاب في أنّ السنن المذكورة مرجع المستحاضة على الترتيب الذي فيها ، ولا تكاد تكون امرأة خارجة عنها ؛ وأ نّها مع الإمكان ترجع إلى العادة ولو في الجملة ، ومع التمييز وعدم إمكان الرجوع إلى العادة ، ترجع إليه ولو في الجملة ، ومع فقدانهما ترجع إلى العدد ، ومع إمكان الرجوع إلى إحدى المتقدّمتين لا ترجع إلى الأخيرة . وأمّا الرجوع إلى الأقارب فقد عرفت أ نّه - لشدّة ندرته - لا يكون مضرّاً بالحصر(2) .

ص: 435


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 125 .
2- تقدّم في الصفحة 402 .

وممّا ذكرنا يظهر حال سائر الصور ، فلا تحتاج إلى التطويل .

وقد مرّ : أنّ الرجوع إلى خصوص السبعة - من بين الروايات - لو لم يكن أقوى فهو أحوط(1) . نعم لو بنينا على العمل بالأصل وأغمضنا عن الروايات ، يكون حال الأصل بالنسبة إلى الصور المتقدّمة مختلفاً ، كما هو واضح .

الموضع الثالث : في ناسية الوقت والعدد

وأمّا الموضع الثالث : وهو ما إذا نسيت الوقت والعدد جميعاً ؛ ولم تحفظ شيئاً منهما ، فقد ظهر ممّا مرّ أنّ سنّتها السبعة والثلاثة والعشرون على الأحوط ، بل الأقرب ؛ لما مرّ(2) من المناقشة في سائر الروايات وفي الستّة الواردة في المرسلة .

ص: 436


1- تقدّم في الصفحة 411 - 412 .
2- تقدّم في الصفحة 411 - 412 .
المطلب الثاني: في أقسام الاستحاضة
اشارة

المشهور بين الأصحاب - نقلاً وتحصيلاً ، شهرةً كادت أن تكون إجماعاً ، كما في «الجواهر»(1) - أنّ للاستحاضة أقساماً ثلاثة : القليلة ، والكثيرة ، والمتوسّطة . خلافاً للمحكيّ عن ابن أبي عقيل فأنكر القسم الأوّل(2) . وعن ابن الجنيد وابن أبي عقيل أيضاً (3) والفاضلين في «المعتبر»(4) و«المنتهى»(5) إدخال الثانية في الثالثة ، فأوجبوا الأغسال الثلاثة فيها .

والمحقّق الخراساني فصّل بين الدم والصفرة ، وقسّم الدم إلى قسمين ؛ الأوّل : أن يثقب الكرسف ، فأوجب فيه الأغسال الثلاثة ، والثاني : أن لا يثقب ، فأوجب

ص: 437


1- جواهر الكلام 3 : 310 .
2- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 209 .
3- اُنظر مختلف الشيعة 1: 209 - 210 .
4- المعتبر 1 : 244 - 245 .
5- منتهى المطلب 2 : 412 .

الغسلَ في كلّ يوم مرّةً واحدة ، والوضوءَ لكلّ صلاة .

وقسّم الصفرة أيضاً إلى قسمين : القليلة ، فأوجب فيها الوضوء لكلّ صلاة ، ولم يوجب الغسل ، والكثيرة ، فأوجب فيها الأغسال الثلاثة ، وادّعى أنّ ذلك مقتضى الجمع بين الأخبار ؛ بحمل مطلقها على مقيّدها وتقديم نصّها على ظاهرها (1) .

مقتضى الجمع بين الروايات تثليث الأقسام

والحقّ : هو القول المشهور ، لا لصريح «الفقه الرضوي»(2) الموافق لفتوى الصدوق(3) - وإن لم يخل من وجه ؛ لتطابق الفتاوى على وفقه بعد كون الاختلاف بينهما في اللفظ دون المعنى - بل لأنّ تثليث الأقسام في الجملة مقتضى الجمع بين الروايات ، ففي رواية معاوية بن عمّار الصحيحة على الأصحّ(4) ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «فإذا جازت أيّامها ورأت الدم يثقب الكُرسُف ،

اغتسلت للظهر والعصر . . .» إلى أن قال : «وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت ، ودخلت المسجد ، وصلّت كلّ صلاة بوضوء»(5) .

فأوجب الأغسال الثلاثة للثاقب الأعمّ من السائل وغيره ، والمتجاوز عن

ص: 438


1- الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراساني : 287 - 290 .
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 193 .
3- الفقيه 1 : 50 ؛ المقنع : 48 ؛ الهداية ، الصدوق : 98 - 99 .
4- تقدّم وجهه في الصفحة 21 ، الهامش 2 .
5- الكافي 3 : 88 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 1 .

الكرسف وغيره ، ولغير الثاقب لم يوجب إلاّ الوضوء .

وفي صحيحة زرارة في النفساء : «فإن انقطع الدم ، وإلاّ اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت ، وإن جاز الدم الكرسف تعصّبت واغتسلت ، ثمّ صلّت الغداة بغسل ، والظهر والعصر بغسل ، والمغرب والعشاء بغسل ، وإن لم يجز الدمُ الكرسفَ صلّت بغسل واحد» .

قلت : والحائض ؟ قال : «مثل ذلك سواء»(1) .

والجمع بينها وبين الصحيحة المتقدّمة بتثليث الأقسام ؛ فإنّ إطلاق صدر صحيحة معاوية يقيّد بقوله في صحيحة زرارة : «وإن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد» فإنّ «الثاقب» أعمّ من المتجاوز ، و«التجاوز» عرفاً عبارة عن عبور الدم عن القطنة إلى غيرها ، وهو موافق للسيلان ، والجمع العرفي بين الفقرتين يقتضي حمل «الثقب» على الثقب المتجاوز . ولا يبعد أن يكون الثاقب نوعاً متجاوزاً وسائلاً ، فلا يكون تقييده تقييداً بعيداً .

وتقيّد الفقرة الثانية من صحيحة زرارة - وهي قوله : «وإن لم يجز الدم الكرسف» - بالفقرة الثانية من صحيحة معاوية ؛ وهي قوله : «وإن كان الدم لا يثقب الكرسف . . .» فإنّ غير المتجاوز أعمّ من الثاقب وغيره ، وغير الثاقب أخصّ منه مطلقاً .

فإن شئت قلت : إنّه بعد تقييد الفقرة الثانية من صحيحة زرارة بالفقرة الثانية من صحيحة معاوية ، تصير أخصّ مطلقاً من الفقرة الاُولى من صحيحة زرارة ،

ص: 439


1- الكافي 3 : 99 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 173 / 496 ؛ وسائل الشيعة 2 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 5 .

ونتيجة التقييدين تثليث الأقسام .

وإن شئت قلت : إنّ الجمع العقلائي بين فقرات الصحيحتين هو تثليث الأقسام ؛ وإن كان بين بعض الفقرات عموم من وجه .

وتشهد لما ذكرنا - من حمل «الثاقب» في صحيحة معاوية على الثاقب المتجاوز المنطبق على الكثير - موثّقة سماعة قال : قال : «المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسفَ اغتسلت لكلّ صلاتين ، وللفجر غسلاً ، وإن لم يجز الدم الكرسفَ فعليها الغسل لكلّ يوم مرّة»(1) .

حيث قابل فيها بين الثقب وعدم التجاوز ، فيعلم أنّ مراده ب- «الثقب» هو التجاوز . كما أ نّه يقيّد قوله : «وإن لم يَجُز الدمُ الكُرْسفَ . . .» بالفقرة الثانية من صحيحة معاوية .

وأمّا قوله في الموثّقة : «وإن كان صفرة فعليها الوضوء» فمحمول على القليلة ؛ لنوعية كون الصفرة قليلة ، كما قيل(2) .

بل ربّما يشهد له قوله في رواية محمّد بن مسلم - في باب اجتماع الحيض والحمل - : «إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلّي ، وإن كان قليلاً أصفر فليس عليها إلاّ الوضوء»(3) .

ص: 440


1- الكافي 3 : 89 / 4 ؛ وسائل الشيعة 2 : 374 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 6 .
2- مصابيح الظلام 1 : 230 .
3- الكافي 3 : 96 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 334 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 16 .

وتشهد لتثليث الأقسام صحيحة عبد الرحمان قال فيها : «وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ولتغتسل ، ولتستدخل كرسفاً ، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل ، ثمّ تضع كرسفاً آخر ثمّ تصلّي ، فإذا كان سائلاً فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة ، ثمّ تصلّي صلاتين بغسل واحد»(1) .

فإنّها متعرّضة للمتوسّطة والكثيرة ، فأوجبت الغسلَ الواحد إن ظهر على الكرسف ، والأغسالَ الثلاثة إن سال الدم ، فهي بضميمة روايات اُخر تفيد الأقسام الثلاثة ، كموثّقة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام ففيها :

«ثمّ هي مستحاضة ؛ فلتغتسل وتستوثق من نفسها ، وتصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم ، فإذا نفذ اغتسلت وصلّت»(2) .

وعليها تحمل صحيحة الصحّاف حيث يظهر منها التثليث . لكن قد يتراءى منها خلاف ما تقدّم في الجملة ؛ حيث قال فيها بعد الاستظهار بيوم أو يومين : «فلتغتسل ، ثمّ تحتشي وتستذفر وتصلّي الظهر والعصر ، ثمّ لتنظر ؛ فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف ، فلتتوضّأ ولتصلِّ عند وقت كلّ صلاة ما لم تطرح الكرسف عنها ، فإن طرحت الكرسف عنها فسال الدم ، وجب عليها الغسل ، وإن طرحت الكرسف ولم يسل فلتتوضّأ ولتصلّ ، ولا غسل عليها» . قال : «وإن كان الدم إذا أمسكت الكرسف ، يسيل من خلف

ص: 441


1- تهذيب الأحكام 5 : 400 / 1390 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 169 / 483 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 9 .

الكرسف صبيباً لا يرقأ ، فإنّ عليها أن تغتسل في كلّ يوم وليلة ثلاث مرّات»(1) .

فإنّها أيضاً - بعد تقييد قوله : «لا يسيل . . .» إلى آخره ، ببعض الروايات المتقدّمة ، وحملِ قوله : «فسال الدم وجب عليها الغسل» على سيلانه بلا مانع ؛ بحيث إن وضعت الكرسف ثَقَبَه ولم يسل منه ؛ بقرينة قوله : «وإن كان الدم إذا أمسكت الكرسف . . .» إلى آخره - تفيد الأقسام الثلاثة ؛ فإنّ قوله : «فإن طرحت الكرسف . . .» إلى آخره ، صريح في ثلاثة أقسام :

أحدها : عدم السيلان بعد طرح الكرسف ، وهو لا

ينطبق إلاّ على القليلة .

ثانيها : سيلانه بعد طرحه ، فإنّه بملاحظة مقابلته مع الثالث - أي ما إذا

أمسكت الكرسف سال من خلفه - لا ينطبق إلاّ على المتوسّطة ؛ فإنّ الدم إذا كان سائلاً مع طرح الكرسف ، وليس سيلانه بحيث إذا أمسكت الكرسف سال من خلفه ، لا محالة يكون ثاقباً ونافذاً .

ثالثها : ما أفاد بقوله : «إذا أمسكت الكرسف يسيل . . .» .

فلا إشكال في إفادتها الأقسام الثلاثة موافقاً للمشهور .

فتحصّل ؛ أنّ تثليث الأقسام - مضافاً إلى كونه مشهوراً شهرة كادت أن تكون

إجماعاً ، كما مرّ(2) - هو مقتضى الجمع بين الروايات وحمل بعضها على بعض ، ومقتضى ظهور بعض الروايات أيضاً .

ثمّ إنّ «الدم» في مثل صحيحة الصحّاف ، لا ينصرف إلى الحمرة مقابل

ص: 442


1- الكافي 3 : 95 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 374 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 7 .
2- تقدّم في الصفحة 437 .

الصفرة لو قلنا بانصرافه في بعض الروايات ؛ فإنّ الصفرة في دم الاستحاضة لعلّها غالبة نوعية ، ولهذا جعلت علامة لها وأمارة عليها . بل الانصراف مطلقاً محلّ منع .

نعم ، إذا ذكرت «الصفرة» مقابل «الدم» يكون ذلك قرينة على إرادة الحمرة من «الدم» المقابل لها ، وهذا نظير ما إذا قيل : «الماء لا ينفعل ، وإذا كان قليلاً

ينفعل» حيث يفهم من المقابلة أنّ «الماء» في الصدر هو الكثير ، وهذا لا يوجب الانصراف إذا لم يكن مقابلاً له .

فحينئذٍ يستفاد من الصحيحة وغيرها أنّ الدم مطلقاً ثلاثي الأقسام ، ويحمل عليها ما ورد من أنّ في الصفرة الوضوء خاصّةً ، كموثّقة سَماعة(1) وروايتي «قرب الإسناد»(2) وصحيحة يونس بن يعقوب(3) وما ورد من أنّ فيها الغسل عند كلّ صلاة مطلقاً (4) ، فتحمل الروايات الاُولى على القليلة ، بل في بعضها إشعار بقلّة الدم والثانية على الكثيرة .

فتثليث الأقسام مطلقاً - كما عليه المشهور - ممّا لا إشكال فيه .

ص: 443


1- تقدّمت في الصفحة 440 .
2- قرب الإسناد : 225 / 879 و880 ؛ وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 7 و8 ، وقد تقدّم متنهما في الصفحة 334 - 335 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 175 / 502 ؛ وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 3 ، وقد تقدّم متنها في الصفحة 332 .
4- كرواية إسحاق بن عمّار ، راجع وسائل الشيعة 2 : 331 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 6 .
ضابطة الاستحاضة الكثيرة والمتوسّطة والقليلة

ثمّ إنّ عبارات الأصحاب مختلفة في ضابطة الأقسام ؛ فعن جملة منهم التعبير ب- «غير الثاقب» في القليلة ، وب- «الثاقب غير السائل» في المتوسّطة ، وب- «السائل» في الكثيرة(1) .

وعن جملةٍ التعبير ب- «غير الراشح» و«الراشح غير السائل» و«السائل»(2). وعن بعضهم ب- «غير الظاهر على الكرسف» و«الظاهر عليه غير السائل» و«السائل»(3).

وعن جملة من كتب العلاّمة التعبير عنها ب- «عدم غمس القطنة» و«غمسها من غير سيل» و«مع السيل»(4) وبعضهم حمل سائر العبارات على ما يوافق عبارات العلاّمة(5) . وبعضهم عكس الأمر(6) .

والحقّ : أ نّه لا

وجه لإرجاع عبارات القوم إلى فتوى العلاّمة ، ولا يمكن إرجاع بعض عباراته - مثل ما في «القواعد» - إلى عبارات القوم ؛ فإنّ قوله فيه : «إن ظهر على القطنة ولم يغمسها وجب عليها تجديد الوضوء . . .»(7) إلى آخره ، ظاهر - لو لم يكن نصّاً - في أنّ الثقب والظهور على الكرسف ، لا يخرج الدم عن

ص: 444


1- السرائر 1 : 152 - 153 ؛ شرائع الإسلام 1 : 26 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 277 .
2- المقنعة : 56 ؛ المراسم : 44 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 61 .
3- مصباح المتهجّد : 27 ؛ اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 325 .
4- تحرير الأحكام 1 : 109 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 279 - 282 ؛ مختلف الشيعة 1 : 209 .
5- جامع المقاصد 1 : 340 .
6- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 29 ؛ جواهر الكلام 3 : 311 - 312 .
7- قواعد الأحكام 1 : 219 .

القلّة ما لم يغمس القطنة .

وكيف كان : فالمتّبع هو الأدلّة ، وقد وردت فيها عناوين ك- «الثقب» و«النفوذ» و«الظهور على القطنة» و«الثقب» وإن كان أعمّ ظاهراً من «النفوذ» لكن لا إشكال في كون المراد من العناوين شيئاً واحداً : هو الثاقب النافذ والظاهر على القطنة ؛ سواء غمسها أو لا ، فلو نفذ من القطنة ولم يغمسها كانت الاستحاضة متوسّطة .

وما قيل : «من أنّ الدم بنفسه لا يكون بمقتضى العادة ثاقباً إلاّ بعد إحاطته بأطراف القطنة الملاصقة للباطن فينفذ فيها شيئاً فشيئاً إلى أن ترتوي القطنة ، فيظهر الدم على الجانب الآخر الملاصق للخرقة ، فيكون الثقب ملازماً للغمس»(1) .

فيه ما لا يخفى ؛ ضرورة أنّ القطنة الموضوعة على المحلّ ، تكون نقطتها المحاذية لمخرج الدم ، أسرعَ انفعالاً من سائر أطرافها ، ويكون الدم بمقتضى طبعه - خصوصاً في المحلّ ممّا تكون فيه حرارة الدم محفوظة - نافذاً في وسط القطنة ، وثاقباً لقطرها قبل غمسها وارتوائها .

وتوصيف دم الاستحاضة بالبرودة ، إنّما هو في مقابل الحرقة والحرارة القويّة في دم الحيض ، وإلاّ فلا شبهة في عدم كونه كالماء البارد ؛ حتّى لا يكون نافذاً في مثل القطنة .

وكيف كان : فملاك القلّة عدمُ الثقب النافذ ، والتوسّطِ الثقبُ النافذ غير السائل ، والكثرةِ الثاقبُ السائل .

ص: 445


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 281 - 282 .
المطلب الثالث: في بيان أحكام الأقسام الثلاثة
حكم الاستحاضة القليلة

أمّا القسم الأوّل ؛ أي القليلة : فحكمه تغيير القطنة ، وتجديد الوضوء عند كلّ صلاة .

1 - تغيير القطنة

أمّا الأوّل : فإجماعاً كما عن ظاهر «الناصريات» و«الغنية» و«جامع المقاصد»(1) ، وهو مذهب علمائنا كما عن «التذكرة»(2) ، ولا خلاف فيه عندنا كما عن «المنتهى»(3) ، وهو المشهور كما عن «كاشف الالتباس» و«الكفاية» وظاهر «الذكرى»(4) ، وبه قطع أكثر الأصحاب كما عن «كشف اللثام»(5) .

ص: 446


1- مسائل الناصريات : 147 ؛ غنية النزوع 1 : 39 - 40 ؛ جامع المقاصد 1 : 339 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 329 - 330 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 279 .
3- منتهى المطلب 2 : 409 .
4- كشف الالتباس 1 : 237 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 29 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 241 .
5- كشف اللثام 2 : 148 .

وعن «الكفاية» التأمّل في الإجماع(1) ، وعن «كشف اللثام» : «أ نّه لم يذكره الصدوقان ولا القاضي»(2) .

وفي «الجواهر» : «لزوم التغيير مشهور نقلاً وتحصيلاً ، ونَقل عن «مجمع البرهان»(3) : أنّ لزومه كأ نّه إجماعي»(4) .

والعمدة في المقام هي هذه الشهرة المسلّمة ، مع كون الأدلّة - بظاهرها أو إطلاقها - تدلّ على عدم لزوم التغيير ، وهما بمثابة لا يمكن أن يقال : إنّ الشهرة

لعلّها لتخلّل الاجتهاد ، أو لتحكيم إجماع «الغنية» ونفي خلاف «السرائر» - المحكيّ-ين على إلحاق دم الاستحاضة بالحيض في عدم العفو(5) - على هذه الأدلّة ، أو تحكيم ما دلّ في الكثيرة والمتوسّطة على لزوم التغيير(6) ، مع عدم تعقّل الفرق ، أو عدم القائل به ، أو تحكيم الإجماع المركّب كما عن «الرياض»(7) على هذه الأدلّة ؛ فإنّ تلك الأدلّة ظاهرة الدلالة في عدم لزوم التبديل :

ففي صحيحة الحلبي عن أبي جعفر علیه السلام قال : «سئل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن

ص: 447


1- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 29 .
2- كشف اللثام 2 : 148 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 155 .
4- جواهر الكلام 3 : 313 .
5- غنية النزوع 1 : 41 ؛ السرائر 1 : 176 .
6- راجع وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 و10 .
7- رياض المسائل 2 : 111 .

المرأة تستحاض ، فأمرها أن تمكث أيّام حيضها ؛ لا تصلّي فيها ، ثمّ تغتسل وتستدخل قطنة وتستثفر بثوب ، ثمّ تصلّي حتّى يخرج الدم من وراء الثوب»(1) .

وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام : «فإن انقطع الدم ، وإلاّ اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت ، فإن جاز الدم الكُرْسُف تعصّبت واغتسلت»(2) .

وفي صحيحة الصحّاف عن أبي عبداللّه علیه السلام : «وإن لم ينقطع الدم عنها إلاّ بعد ما تمضي الأيّام التي كانت ترى الدم فيها بيوم أو يومين فلتغتسل ، ثمّ تحتشي وتستذفر ، وتصلّي الظهر والعصر ، ثمّ لتنظر ؛ فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف ، فلتتوضّأ ولتصلِّ عند وقت كلّ صلاة ما لم تطرح الكرسف عنها»(3) .

وفي موثّقة عبد الرحمان عن أبي عبداللّه علیه السلام : «وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ، ولتغتسل ولتستدخل كرسفاً ، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل ، ثمّ تضع كرسفاً آخر»(4) .

ص: 448


1- الكافي 3 : 89 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 2 .
2- الكافي 3 : 99 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 173 / 496 ؛ وسائل الشيعة 2 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 5 .
3- الكافي 3 : 95 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 374 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 7 .
4- تهذيب الأحكام 5 : 400 / 1390 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 .

وفي موثّقة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام : «ثمّ هي مستحاضة ؛ فلتغتسل وتستوثق من نفسها ، وتصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم»(1) .

وفي رواية الجُعْفي عن أبي جعفر علیه السلام : «وإن لم تر طهراً اغتسلت واحتشت ، ولا تزال تصلّي بذلك الغسل حتّى يظهر الدم على الكرسف ، فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت الكرسف»(2) . . . إلى غير ذلك من الروايات التي لا مجال للشبهة

فيها وفي دلالتها ؛ حتّى يتوهّم تخلّل الاجتهاد فيها .

كما أ نّه لا وجه لتخيّل تحكيم إجماع «الغنية» أو التحكيم المذكور بعده على تلك الأدلّة ؛ ضرورة أنّ إجماع «الغنية» - على فرض صحّته - لا إطلاق فيه بالنسبة إلى البواطن ، بل العفو عنها ممّا لا إشكال فيه .

كما أنّ دعوى عدم تعقّل الفرق بين القليلة وغيرها ، في محلّ المنع بعد اختلاف أحكام الثلاثة ، وعدم طريق للعقول إلى الواقع في التعبّديات . مع أنّ في دلالة الخبرين في موردهما إشكالاً .

وكيف كان : فلا يمكن رفع اليد عن الشهرة الثابتة والإجماع المحكيّ لأجل تلك الأدلّة المعرض عنها مع كونها بمنظر منهم ، فالأحوط - لو لم يكن أقوى - لزوم تغيير الكرسف .

وأمّا الخرقة : فمع تلوّثها يجب تبديلها مطلقاً ؛ إن قلنا بعدم العفو في دم

ص: 449


1- تهذيب الأحكام 1 : 169 / 483 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 9 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 171 / 488 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 10 .

الاستحاضة ، وإلاّ ففي المقدار الغير المعفوّ عنه . مع إمكان أن يقال : إنّ الشهرة على وجوب التبديل في القطنة ، تدلّ على مانعية دم الاستحاضة ولو كان قليلاً ، ومنه يظهر مانعيته إذا كان في الخرقة ، بل مانعيته فيها أولى .

وكذا الحال في ظاهر الفرج ، وهو - على ما قالوا - «ما يبدو منه عند الجلوس على القدمين»(1) وهو الأحوط .

2 - تجديد الوضوء

وأمّا الثاني : أي تجديد الوضوء لكلّ صلاة ، فهو إجماعي في الجملة ، كما عن

«الخلاف» و«جامع المقاصد» وظاهر «الناصريات» و«الغنية»(2) ، وعن «التذكرة» : «أ نّه مذهب علمائنا»(3) ، وهو المشهور ، كما عن جملة من الأعلام(4) ، وهو مذهب الخمسة وأتباعهم ، كما عن «المعتبر»(5) .

خلافاً للمحكيّ عن ابن عقيل فلم يوجب في القليلة غسلاً ولا وضوءاً (6) ،

ص: 450


1- مسالك الأفهام 1 : 74 ؛ روض الجنان 1 :229 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 34 .
2- الخلاف 1 : 249 - 250 ؛ جامع المقاصد 1 : 340 ؛ مسائل الناصريات : 147 ؛ غنية النزوع 1 : 39 - 40 .
3- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 327 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 279 .
4- مختلف الشيعة 1 : 209 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 29 ؛ اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 327 - 328 .
5- اُنظر جواهر الكلام 3 : 315 ؛ المعتبر 1 : 242 .
6- اُنظر المعتبر 1 : 242 .

وللمحكيّ عن ابن الجنيد فأوجب فيها غسلاً واحداً في كلّ يوم وليلة(1) . وقد تقدّم نقل ذهاب المحقّق الخراساني أيضاً إلى إيجاب الغسلِ الواحد عليها ، والوضوء لكلّ صلاة(2) .

والأقوى ما عليه المشهور ، ويدلّ عليه - مضافاً إلى ما تقدّم من عدم نقل خلاف إلاّ ممّن تقدّم - صحيحة معاوية عن أبي عبداللّه علیه السلام وفيها : «وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت ودخلت المسجد، وصلّت كلّ صلاة بوضوء»(3).

وهو في مقابل الصدر - حيث أوجب الغسل عليها إذا ثقبه - كالصريح في عدم وجوب الغسل عليها .

وأوضح منها موثّقة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال : سألته عن الطامث تقعد بعدد أيّامها ، كيف تصنع ؟ قال : «تستظهر بيوم أو يومين ، ثمّ هي مستحاضة ؛ فلتغتسل وتستوثق من نفسها ، وتصلّي كلّ صلاة بوضوء ما لم ينفذ الدم ، فإذا نفذ اغتسلت وصلّت»(4) .

ولا إشكال في ظهورهما في المقصود ، ومعهما لا مجال للتمسّك بإطلاق بعض الأدلّة ، أو عدم ذكر الوضوء في آخر ، مثل صحيحة صفوان عن أبي الحسن علیه السلام وفيها قال : «لا ، هذه مستحاضة ؛ تغتسل وتستدخل قطنة بعد

ص: 451


1- المعتبر 1 : 244 .
2- تقدّم في الصفحة 437 .
3- تقدّمت في الصفحة 438 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 169 / 483 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 9 .

قطنة ، وتجمع بين صلاتين بغسل»(1) .

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام وفيها : «فإن انقطع الدم ، وإلاّ اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت ، فإن جاز الدم الكرسف تعصّبت واغتسلت»(2) .

وصحيحة الصحّاف(3) حيث أمر فيها بالاحتشاء وصلاة الظهر والعصر ، ومع

عدم السيلان بالوضوء عند وقت كلّ صلاة ، فأوجب الوضوء للصلاتين لا لكلّ صلاة ؛ بمناسبة ذكر الوقت فيها . . . إلى غير ذلك ممّا يكون الجمع العرفي بينها وبين الروايتين بتقييد إطلاقها ؛ لأنّ السكوت في مقام البيان ، لا يقاوم ما هو ظاهر في وجوب الوضوء لكلّ صلاة .

بل يدلّ على المقصود إطلاق موثّقة سماعة عن أبي عبداللّه علیه السلام وفيها : «غسل الاستحاضة واجب ؛ إذا احتشت بالكرسف وجاز الدم الكرسفَ ، فعليها الغسل لكلّ صلاتين ، وللفجر غسل ، وإن لم يجز الدم الكرسف ، فعليها الغسل كلّ يوم مرّة والوضوء لكلّ صلاة»(4) .

وعدم تجاوز الدم أعمّ من كونه ثاقباً وغيره ، فيقيّد إطلاق وجوب الغسل بما دلّ على عدم وجوبه لغير الثاقب ، ويبقى إطلاق وجوب الوضوء لكلّ صلاة

ص: 452


1- الكافي 3 : 90 / 6 ؛ وسائل الشيعة 2 : 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 3 .
2- تقدّمت في الصفحة 448 .
3- تقدّمت في الصفحة 448 .
4- الكافي 3 : 40 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 173 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 1 ، الحديث 3 .

للثاقب وغيره . وكون الغسل على المستحاضة الوسطى دون الصغرى ، لا يوجب أن يكون قوله : «لم يجز الدم» مختصّاً بالوسطى حتّى في الوضوء ؛ فإنّ تقييد الإطلاق بالنسبة إلى حكم بدليل ، لا يوجب تقييده بالنسبة إلى حكم آخر لم يقم دليل على تقييده .

وأولى من ذلك ، الاستدلال عليه بمرسلة يونس الطويلة ، قال فيها : «وسئل عن المستحاضة فقال : إنّما ذلك عزف عامر أو ركضة من الشيطان ، فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ، ثمّ تغتسل وتتوضّأ لكلّ صلاة . قيل : وإن سال ؟ قال : وإن سال مثل المَثْعَب»(1) .

فإنّ إطلاقها يقتضي وجوب الوضوء لكلّ صلاة ؛ سال الدم أو لا ، كان سيلانه كثيراً مثل المَثْعَب أو لا .

بل لا يبعد التمسّك بموثّقة سماعة المضمرة ، وفيها : «وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ يوم مرّة والوضوء لكلّ صلاة ، وإن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل . هذا إذا كان دمها عبيطاً ، وإن كان صفرة فعليها الوضوء»(2) .

إمّا بإطلاق قوله : «وإن لم يجز . . .» بالتقريب المتقدّم .

وإمّا بحمل «الصفرة» على القليلة ، والوضوء على المعهود في الصدر ؛ أي يكون عليها الوضوء المذكور لزومه لكلّ صلاة ، وليس عليها الغسل . بل

ص: 453


1- تقدّمت في الصفحة 364 .
2- الكافي 3 : 89 / 4 ؛ وسائل الشيعة 2 : 374 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 6 .

لا منافاة بين التمسّكين ، كما يظهر بالتأمّل .

وعلى تلك الروايات يحمل ما ورد في صحيح الصحّاف من إيجاب الوضوء عند وقت كلّ صلاة ، خصوصاً مع تعارف التفريق بين الصلوات في تلك الأزمنة ؛ بحيث كانت الأوقات الخمسة معروفة بين المسلمين . وأمّا قوله : «تحتشي وتصلّي الظهر والعصر ، ثمّ لتنظر» فلا يقاوم ظهور تلك الأدلّة ، خصوصاً مع تذييله بقوله : «فلتتوضّأ ولتصلِّ عند وقت كلّ صلاة» بالتقريب المذكور .

وبالجملة : مقتضى الجمع بين الأدلّة وجوب الوضوء لكلّ صلاة في القليلة وعدم الغسل .

عدم الفرق بين الفريضة والنافلة في الحكم

ثمّ إنّ مقتضى عموم تلك الأدلّة وإطلاقها ، عدم الفرق بين الفريضة والنافلة ؛ كانت النافلة من الرواتب أو لا ، خصوصاً مع تعارف الإتيان بالنوافل في الصدر الأوّل ، بل تعارف إتيان صلاة التحيّة ونحوها ، فحينئذٍ لا وجه لدعوى(1) انصراف الأدلّة إلى الفرائض .

وأمّا قضيّة حرجية ذلك وبناء الشريعة السهلة على التسامح والتساهل ، فهي غير جارية في النوافل التي لا إلزام في إتيانها ، فإن أرادت الوصول إلى الثواب الجزيل ، تأتي بها مع ما فيها من المشقّة ، فتنال فضيلة أحمز الأعمال .

بل يمكن الاستدلال على المطلوب : بأنّ المتفاهم من الأدلّة حدثية دم

ص: 454


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 295 .

الاستحاضة في الجملة ، فحينئذٍ نقول :

إمّا أن يكون حدثاً - ولو اقتضاءً - بأوّل حدوثه دون استمراره . أو يكون

بوجوده المستمرّ إلى آخره حدثاً ؛ بحيث لا تتحقّق الحدثية إلاّ بعد تمام الاستمرار . أو يكون حدثاً بحدوثه واستمراره ؛ أي يكون كلّ قطعة وقطرة منه حدثاً .

لا سبيل إلى الأوّلين ؛ ضرورة مخالفتهما لما دلّ على لزوم الوضوء لكلّ صلاة ، كما يظهر بأدنى تأمّل ، فلا محالة يكون حدثاً على النحو الثالث ، فحينئذٍ لا محيص عن القول : بأنّ ما دلّ على العفو أو سلب الحدثية ، إنّما هو بالنسبة إلى القطرات التي تخرج بعد الوضوء أو بينه إلى آخر الصلاة التي صلّت به ، ولم يثبت العفو عن غيرها ، وكذا سلب الحدثية .

وبما ذكرنا يدفع ما قيل : «من عدم ثبوت حدثيته»(1) و «منع كون طبيعته حدثاً»(2) فتدبّر .

هذا مضافاً إلى بُعد الالتزام بأنّ الدم الخارج بعد الفريضة حدث دون غيره لو لم نقل : بأ نّه مقطوع الخلاف . إلاّ أن يلتزم الخصم بأنّ الفريضة حدث! وهو كما ترى .

وأمّا التفصيل بين الرواتب وغيرها (3) فغير وجيه ، كما لا يخفى .

ص: 455


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 31 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 294 .
3- جواهر الكلام 3 : 318 .
حكم الاستحاضة المتوسّطة

1 - وجوب تبديل القطنة

وأمّا القسم الثاني ؛ أي المتوسّطة : فيجب فيه تبديل القطنة «بلا خلاف صريح

أجده فيه» كما في «الجواهر»(1) وعن «شرح الإرشاد» لفخر الإسلام إجماع المسلمين عليه(2) .

وتدلّ عليه الشهرة القطعية الكاشفة عن معروفية الحكم - من لدن زمن الأئمّة علیهم السلام - في الاستحاضة القليلة ، وفهم الحكم منها عرفاً بالأولوية القطعية في المتوسّطة والكثيرة ؛ ضرورة أنّ العرف والعقلاء إذا سمعوا «أنّ من الأحكام تبديل الكُرْسُف إذا تلوّث بدم الاستحاضة في الجملة ، ولا تصحّ صلاة المستحاضة القليلة بلا تبديله» يفهمون منه أنّ دم الاستحاضة قليله وكثيره مانع عن الصلاة ، ويجب على المرأة تبديل الكرسف مطلقاً ؛ بلا التماس دليل بالنسبة إلى المتوسّطة والكثيرة .

فالخدشة في دلالة الأخبار على جميع المقصود(3) في غير محلّها . وعلى

ص: 456


1- جواهر الكلام 3 : 319 .
2- اُنظر كشف اللثام 2 : 151 ؛ جواهر الكلام 3 : 319 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 284 و297 .

فرض الصحّة لا توجب الخدشة في أصل الحكم .

كما أنّ الخدشة في الشهرة أو الإجماع في المقام - لاحتمال تخلّل الاجتهاد

وفهم الأصحاب الحكم من الأخبار الواردة فيها - لا توجب الخدشة في الحكم ؛ لما عرفت(1) من أنّ الشهرة في المسألة السابقة ، من الشهرات التي انسدّ فيها باب الاجتهاد ، مع ورود أخبار دالّة على الخلاف ، فهي حجّة فيها ، ومنها يتّضح الحكم في القسمين الآخرين أيضاً .

هذا ، مع إمكان الاستدلال على لزوم التبديل بموثّقة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه قال فيها : «وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ، ولتغتسل ولتستدخل كرسفاً ، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل ، ثمّ تضع كرسفاً آخر ، ثمّ تصلّي ، فإذا كان دماً سائلاً . . .»(2) إلى آخره .

ولا إشكال في ظهوره في تبديل الكرسف ؛ فإنّ القطنة التي ظهر الدم عليها تخرج حين الغسل ، فإذا قيل بعد فرض إخراجها : «تضع كرسفاً آخر» يفهم منه تبديلها ، ولا يحتمل وضع كرسف على كرسفها ، فحينئذٍ لا إشكال في ظهوره في مانعية الدم - الذي ظهر على الكرسُف - عن الصلاة .

ولا وجه لحمل ذلك على الجري مجرى العادة(3) . لأنّ العناية بوضع كرسف آخر - في مقام التعبّد وبيان التكليف - دليل على دخله في الحكم ، فلا حجّة على رفع اليد عن الظهور باحتمال الجري مجرى العادة .

ص: 457


1- تقدّم في الصفحة 447 .
2- تهذيب الأحكام 5 : 400 / 1390 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 297 .

وبعد فهم المانعية عن الصلاة ، لا ينقدح في الذهن أنّ المانعية منحصرة في صلاةٍ ، فاحتمال كون التبديل مختصّاً بما بعد الغسل فقط ، مخالف لفهم العرف من قوله : «تضع كرسفاً آخر ، ثمّ تصلّي» أنّ الكرسف الكذائي مانع عن طبيعة الصلاة ، لا عن مصداق منها .

ومنه يظهر وجه الاستدلال عليه برواية الجُعْفي(1) فإنّ قوله : «فإذا ظهر أعادت الغسل ، وأعادت الكرسف» ظاهر في التبديل ، لا إعادة الكرسف المتلوّث .

وأمّا قوله في رواية ابن أبي يعفور : «فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها»(2) فيحتمل فيه إرادة زيادة كرسف على كرسفها ، ويحتمل إرادة وضع كرسف زائد حجماً على الكرسف الأوّل على المحلّ ؛ أي تبديل كرسفها بكرسف آخر زائد عليه ، ولا ترجيح لأحدهما ، فيرفع هذا الإجمال بالروايتين السابقتين .

مع أنّ الظهور على الكرسف موجب للغسل بحسب دلالة الروايتين ، وحين الغسل لا يمكن إبقاء الكرسف ، فحينئذٍ يمكن ترجيح الاحتمال الثاني . وكيف كان فلا إشكال في المسألة .

كما لا إشكال في لزوم تبديل الخرقة على فرض التلوّث ؛ لاستفادة مانعية

ص: 458


1- تقدّمت في الصفحة 449 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 402 / 1258 ؛ وسائل الشيعة 2 : 376 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 13 .

الدم - ولو كان قليلاً - من الشهرة في المسألة السابقة على ما مرّ(1) . هذا إذا قلنا بالعفو عن دم الاستحاضة ، وإلاّ فالأمر أوضح .

2 - وجوب الوضوء

وكذا يجب عليها الوضوء لكلّ صلاة حتّى صلاة الغداة التي اغتسلت قبلها ؛ لعدم الخلاف في غير الغداة ، كما احتمله في «الجواهر»(2) بل قد يدّعي(3) تناول إجماع «الناصريات» و«الغنية»(4) لغيرها ، بل احتمل في «الجواهر» كون المسألة مطلقاً غير خلافية ؛ لحمل غير بعيد لعبارات بعض الأصحاب ممّا احتمل الخلاف منهم(5) .

وتدلّ على المطلوب موثّقتا سماعة الصريحتان في وجوب الوضوء لكلّ صلاة(6) ، ومرسلة يونس حيث قال فيها : «وسئل عن المستحاضة فقال : إنّما ذلك عزف عامر ، أو ركضة من الشيطان ، فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ، ثمّ تغتسل وتتوضّأ لكلّ صلاة . قيل : وإن سال ؟ قال : وإن سال مثل المَثْعَب»(7) .

ص: 459


1- تقدّم في الصفحة 449 .
2- جواهر الكلام 3 : 320 .
3- نفس المصدر .
4- تقدّم في الصفحة 450 .
5- جواهر الكلام 3 : 320 .
6- وسائل الشيعة 2 : 173 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 1 ، الحديث 3 ، و : 374 ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 6 .
7- تقدّمت في الصفحة 364 .

حيث دلّت على وجوب الوضوء لكلّ صلاة ؛ سال الدم أو لم يسل ، كان سيلانه قليلاً أو كثيراً .

ورواية ابن أبي يعفور ، وفيها : «وتنظر ؛ فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها ، وتوضّأت وصلّت» .

فهي ظاهرة في أنّ الظهور على الكرسف موجب للوضوء ، فبضميمة ما دلّت على أنّ الظهور عليه موجب للغسل وإعادة الكرسف ، تدلّ على المدّعى .

وبعبارة اُخرى : الظاهر من رواية ابن أبي يعفور ورواية الجُعفي وموثّقة عبد الرحمان أنّ الظهور على الكرسف سبب لاُمور ثلاثة : الاغتسال ، والتبديل ، والوضوء ، فيفهم منها أنّ الغسل لا يجزي عن الوضوء . وتدلّ على المطلوب أيضاً صحيحة الصحّاف .

وليس في مقابلها إلاّ توهّم إطلاق بعض الروايات ، والسكوت عنه في مقام البيان في بعضها ، ولا يخفى ما فيهما :

أمّا الإطلاق فيجب تقييده .

وأمّا السكوت ، فعلى فرض كونه في مقام البيان ، لا يقاوم الأدلّة المصرّحة . مع إمكان أن يقال : إنّ غالب الأدلّة ليس في مقام البيان ، كصحيحة زرارة في النفساء(1) ؛ لإمكان كونها بصدد بيان مورد لزوم الغسل الواحد والمتعدّد ، لا في مقام بيان جميع الأحكام ، ولهذا لم يذكر فيها الوضوء للقليلة أيضاً . ومثلها موثّقة

عبد الرحمان ، فالمسألة خالية عن الإشكال بحمد اللّه .

ص: 460


1- الكافي 3 : 99 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 173 / 496 ؛ وسائل الشيعة 2 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 5 .

3 - وجوب الغسل

وكذا يجب عليها الغسل ، وهو - في الجملة - ممّا لا إشكال فيه نصّاً وفتوى ، وعن «الناصريات» و«الخلاف» وظاهر «الغنية» الإجماع عليه(1) .

وإنّما الإشكال والخلاف في أ نّه هل يجب عليها - مضافاً إلى غسل للغداة

- غسلان آخران للظهرين والعشاءين أو لا ؟

فعن المشهور عدم وجوب غير ما للغداة عليها (2) ، وفي «الجواهر» : «ظاهر الجميع - بل صريحهم - عدم وجوب غيره»(3) .

وعن ابني عقيل والجنيد(4) والمحقّق في «المعتبر»(5) والعلاّمة في «المنتهى»(6) وبعض متأخّري المتأخّرين(7) إدخال هذا القسم في الثالثة ، فأوجبوا الأغسال الثلاثة عليها .

وظاهر بعض المحقّقين لزوم الغسل عليها كلّما ظهر الدم على الكرسف ، وإذا كان سائلاً يتعذّر عليها أو يتعسّر استمساكه بالكرسف - لكونه صبيباً لا يرقأ -

ص: 461


1- مسائل الناصريات : 147 ؛ الخلاف 1 : 249 - 250 ؛ غنية النزوع 1 : 39 - 40 .
2- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 29 ؛ مفتاح الكرامة 3 : 337 .
3- جواهر الكلام 3 : 321 .
4- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 209 و210 .
5- المعتبر 1 : 245 .
6- منتهى المطلب 2 : 410 - 412 .
7- مدارك الأحكام 2 : 31 - 32 .

فعليها الأغسال الثلاثة(1) . ولازمه وجوب خمسة أغسال عليها في اليوم والليلة في بعض الأحيان ، فتكون أسوأ حالاً من الكثيرة .

منشأ الاختلاف في عدد الغسل

ومنشأ الاختلاف اختلاف أنظارهم في الجمع بين شتات الروايات ، وقد تقدّم بعض الكلام في استفادة الأقسام الثلاثة من الروايات في أوّل البحث(2) .

ومحصّله : أنّ التحقيق في الجمع بين الروايات هو تثليث الأقسام ؛ وعدم وجوب الغسل على الصغرى ، ووجوب غسل واحد على الوسطى ، وثلاثة أغسال على الكبرى .

ففي موثّقة سماعة عن أبي عبداللّه علیه السلام : «وغسل الاستحاضة واجب ؛ إذا احتشت بالكرسف وجاز الدم الكرسفَ فعليها الغسل لكلّ صلاتين ، وللفجر غسل ، وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل كلّ يوم مرّة ، والوضوء لكلّ صلاة»(3) .

وقريب منها موثّقته الاُخرى قال : قال : «المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكلّ صلاتين ، وللفجر غسلاً ، وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ يوم مرّة ، والوضوء لكلّ صلاة ، وإن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل .

ص: 462


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 305 و313 .
2- تقدّم في الصفحة 438 .
3- الكافي 3 : 40 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 173 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 1 ، الحديث 3 .

هذا إذا كان دمها عبيطاً ، وإن كان صفرة فعليها الوضوء»(1) .

والمراد بثقب الدم في هذه هو التجاوز ؛ بقرينة تقابله بعدم التجاوز ، وبقرينة

موثّقته السابقة ، وبقرينة أنّ الثقب ملازم للتجاوز بحسب الغالب ، ولا إشكال في أنّ معنى «التجاوز» - عرفاً ولغةً - غير الثقب والظهور على الكرسف والنفوذ ، بل هو عبارة عن العبور من الكرسف والسراية إلى شيء آخر ، وهو عبارة اُخرى عن «السيلان» الذي في الروايات الاُخر .

وفي صحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام : «فإن جاز الدم الكرسف تعصّبت واغتسلت ، ثمّ صلّت الغداة بغسل ، والظهر والعصر بغسل ، والمغرب والعشاء بغسل ، وإن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد» .

قلت : والحائض ؟ قال : «مثل ذلك سواء»(2) .

ولا إشكال في أنّ ظاهرها أنّ الدم المتجاوز ، يوجب الأغسال الثلاثة ، وغير المتجاوز لا يوجب إلاّ غسلاً واحداً . نعم غير المتجاوز - بإطلاقه - شامل للثاقب وغيره ، لكن يتقيّد بموثّقة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام قال : سألته عن الطامث تقعد بعدد أيّامها ، كيف تصنع ؟ قال : «تستظهر بيوم أو يومين ، ثمّ هي مستحاضة ، فلتغتسل وتستوثق من نفسها ، وتصلّي كلّ صلاة بوضوء ما

ص: 463


1- الكافي 3 : 89 / 4 ؛ وسائل الشيعة 2 : 374 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 6 .
2- الكافي 3 : 99 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 173 / 496 ؛ وسائل الشيعة 2 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 5 .

لم ينفذ الدم ، فإذا نفذ اغتسلت وصلّت»(1) .

ومقتضى الجمع بينها وبين ما تقدّم هو تثليث الأقسام بلا إشكال .

وممّا ذكرنا ظهر حال صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «المستحاضة تنظر أيّامها ؛ فلا تصلّي فيها ، ولا يقربها بعلها ، فإذا جازت أيّامها ورأت الدم يثقب الكرسف ، اغتسلت للظهر والعصر ؛ تؤخّر هذه ، وتعجّل هذه ، وللمغرب والعشاء غسلاً ؛ تؤخّر هذه ، وتعجّل هذه ، وتغتسل للصبح ، وتحتشي وتستثفر وتحشّي ، وتضمُّ فخذيها في المسجد وسائر جسدها خارج ، ولا يأتيها بعلها أيّام قرئها ، وإن كان الدم لا يثقب الكرسف ، توضّأت ودخلت المسجد ، وصلّت كلّ صلاة بوضوء ، وهذه يأتيها بعلها إلاّ في أيّام حيضها»(2) .

فإنّ صدرها إمّا مطلق يجب تقييده بمثل قوله : «إن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد» أو يكون ظاهراً في الكثيرة بمقتضى قوله : «وتحتشي وتستثفر وتحشّي وتضمّ فخذيها في المسجد» الوارد للتحفّظ عن السيلان وتلويث أثوابها .

قال صاحب «الوافي» : «تحشّي» مضبوط في بعض النسخ المعتمد عليها بالحاء المهملة والشين المعجمة ، وفسّر بربط خرقة محشوّة بالقطن يقال لها : «المِحْشى» على عجيزتها للتحفّظ من تعدّي الدم حال القعود .

ص: 464


1- تهذيب الأحكام 1 : 169 / 483 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 9 .
2- الكافي 3 : 88 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 1 .

وفي «الصحاح» : «المِحْشى : العِظامة تعظّم بها المرأة عجيزتها»(1) .

وفي بعض النسخ : «تحتبي» - بالتاء المثنّاة من فوق والباء الموحّدة - من الاحتباء ، وهو جمع الساقين والفخذين إلى الظهر بعمامة ونحوها ؛ ليكون ذلك موجباً لزيادة تحفّظها من تعدّي الدم(2) ، انتهى .

وعلى النسختين ، يكون الاحتشاء والاستثفار والربط بالخرقة المحشوّة أو الاحتباء ؛ لكثرة التحفّظ ، ومعلوم أنّ هذه المبالغة إنّما هي في الكثيرة لا غيرها .

نعم ، بناءً عليه يكون عدم الثقب المقابل له مساوقاً لغير المتجاوز ، فيكون أعمّ من المتوسّطة والقليلة ، فيقيّد بما دلّ على عدم الغسل مع عدم النفوذ والثقب ، فتصير النتيجة تثليث الأقسام .

وتدلّ على تثليثها صحيحة الصحّاف(3) أيضاً ؛ فإنّ الظاهر منها - بعد ردّ الصدرِ على الذيل ، والإجمالِ فيه على التفصيل في ذيلها - : أنّ الدم إمّا أن يكون

غير سائل مطلقاً ؛ وُضع الكرسف أو لا ، أو سائلاً مطلقاً ؛ وضع الكرسف أو لا ، أو سائلاً بلا وضعه ، وغير سائل معه .

ففي الأوّل ليس عليها إلاّ الوضوء .

وفي الثاني عليها ثلاثة أغسال .

وفي الثالث عليها طبيعة الغسل ، لا أغسال ثلاثة .

ص: 465


1- الصحاح 6 : 2314 .
2- الوافي 6 : 469 - 470 .
3- تقدّمت في الصفحة 448 .

ومعلوم : أنّ الدم إذا لم يكن سائلاً حتّى مع عدم الكرسف ، لا يكون إلاّ قليلاً ، وإذا كان سائلاً مع الكرسف يكون كثيراً ، والمتوسّط بينهما - أي السائل بلا مانع - لا ينطبق إلاّ على المتوسّطة .

وما احتمله فيها الشيخ الأعظم(1) خلاف المتفاهم منها عرفاً . فحينئذٍ لا مخالفة بينها وبين الجمع المتقدّم في سائر الروايات . بل هي شاهدة للجمع المذكور .

بقيت روايات :

منها : موثّقة عبد الرحمان وفيها : «وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ، ولتغتسل ولتستدخل كرسفاً ، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل ، ثمّ تضع كرسفاً آخر ، ثمّ تصلّي ، فإذا كان دماً سائلاً فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة ، ثمّ تصلّي

صلاتين بغسل واحد»(2) .

والظاهر المتفاهم منها عرفاً - بعد ارتكازية كون الدم الكثير أسوأ حالاً من المتوسّط - أنّ الغسل في مقابل ثلاثة أغسال ، هو نفس الطبيعة التي يسقط الأمر بها بأوّل الوجود . ولو سلّم كون الظهور الأوّلي منه هو سببية الظهور بجميع وجوداته للغسل - فيجب عليها كلّما ظهر على الكرسف - يجب رفع اليد عنه بما صرّح : بأنّ الدم الغير المتجاوز لا يكون سبباً إلاّ لغسل واحد في كلّ يوم ،

ص: 466


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 37 .
2- تهذيب الأحكام 5 : 400 / 1390 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 .

ولا إشكال في أظهرية ذلك من الموثّقة ؛ على فرض تسليم الظهور المتقدّم .

وبه يظهر الكلام في رواية إسماعيل بن جابر قال : «وإن هي لم تَرَ طهراً اغتسلت واحتشت ، ولا تزال تصلّي بذلك الغسل حتّى يظهر الدم على الكرسف ، فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت الكرسف»(1) .

فإنّ الظاهر منها أنّ الغسل الأوّل فيها غسل الحيض ، وظاهرها أنّ غسل الحيض يكفيها ، ولا يلزم عليها غسل إلاّ عند الظهور ، فإذا ظهر أعادت الغسل ، ولا تكتفي بغسل الحيض ، وهذا لا يدلّ على لزوم الغسل عند كلّ ظهور . ولو سلّم ظهورها يرفع اليد عنه بنصّ موثّقتي سماعة . مع أ نّها ضعيفة السند بالقاسم بن محمّد الجوهري .

والإنصاف : أنّ الناظر في مجموع الروايات - بعد ردّ ظاهرِها على نصّها ، ومطلقِها على مقيّدها ، ومجملِها على مفصّلها - لا ينبغي أن يرتاب في تثليث الأقسام على ما هو المشهور بين الأصحاب .

وأمّا ما يقال : من أنّ تقييد الموثّقتين - أي قوله : «إن لم يجز الدمُ الكرسف» بالثقب الغير المتجاوز تقييدٌ بالفرد النادر ، بل ارتكاب التقييد في الموثّقة المضمرة(2) - ولو مع قطع النظر عن ذلك - متعذّر ؛ لما في صدرها من التنصيص على أنّ المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف ، اغتسلت لكلّ صلاتين وللفجر غسلاً ، وعدم التجاوز نقيض ما في الصدر ، فيكون المراد منه عدم الثقب .

ص: 467


1- تهذيب الأحكام 1 : 171 / 488 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 10 .
2- وهي موثّقة سماعة الاُخرى، وقد تقدّمت كلتا الموثّقتين في الصفحة 462 .

والتعبير ب- «لم يجُز» للجري مجرى الغالب .

وادّعاء العكس لا يجدي ؛ وإن أمكن أن يكون المراد من قوله : «إذا ثقب» إذا جاز ؛ اعتماداً على الغلبة ، لكنّ التعبير به عنواناً للموضوع - ولو بملاحظة الغلبة - مانع عن أن يكون المقصود من قوله : «إن لم يجز» خصوص الثاقب الغير المتجاوز ، خصوصاً مع ما في ذيلها من تأكيد مضمون الجملة ببيان مورد الحكم ؛ حيث قال : «هذا إذا كان دماً عبيطاً» . فالإنصاف : أنّ الأخذ بظاهر هذه الروايات غير ممكن ؛ لمخالفته للنصوص والفتاوى(1) ، انتهى ملخّصاً .

ففيه ما لا يخفى :

أمّا لزوم التقييد بالفرد النادر ، ففيه : أنّ المضمرة تعرّضت للأقسام الثلاثة ، فأراد ب- «الثاقب» المتجاوز ؛ لملازمة الثقبِ التجاوزَ نوعاً .

ويؤيّده موثّقته الاُخرى ؛ حيث قابل فيها بين المتجاوز وغير المتجاوز ، وصحيحة معاوية حيث عبّر فيها ب- «الثقب» وذكر بعده اُموراً كانت قرينة على كثرة الدم وكونها من الكثيرة ، والظاهر إرادة القليلة من «الصفرة» لكونها نوعاً قليلة غير نافذة ، فيبقى غير المتجاوز المقابل لهما ، وهو لا ينطبق إلاّ على المتوسّطة .

هذا ، مضافاً إلى أنّ الندرة لو سلّمت ، فإنّما هي مقابلة الثاقب المتجاوز ، لا مقابلة عدم الثاقب ، ومع التعرّض للثاقب المتجاوز - بقرينة ما ذكرنا - لا

يبقى مجال لاحتمال كون التقييد بشيعاً .

ص: 468


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 307 - 308 .

وبما ذكرنا ينحلّ الإشكال الثاني ؛ لما عرفت من لزوم حمل «الثاقب» على المتجاوز ؛ للقرائن المتقدّمة .

فتحصّل من جميع ذلك : أنّ الجمع بين شتات الروايات ، لا يمكن إلاّ بما ذهب إليه المشهور ، ولا يلزم منه شيء مخالف لارتكاز العقلاء في الجمع بينها .

وجوب الغسل بنحو الوجوب الشرطي المتقدّم لجميع الصلوات

ثمّ إنّه - بحسب الاحتمال العقلي - يحتمل أن يكون الغسل واجباً نفسياً .

ويحتمل أن يكون واجباً شرطياً لصلاة الغداة ، فلو صارت متوسّطة بعد صلاة الفجر ، لم يجب عليها الغسل لسائر الصلوات وإن وجب لصلاة الغداة المستقبلة .

ويحتمل أن يكون شرطاً للصلوات إذا حصل الدم وقت صلاة الغداة ؛ بمعنى أنّ ظهور الدم في ذلك الوقت ، حدث أكبر ولو حدث بعد صلاة الغداة .

ويحتمل أن يكون واجباً شرطياً لجميع الصلوات ، لكن لا بمعنى وجوب إيجاده قبلها ، بل بمعنى وجوب إيجاده في اليوم والليلة مرّة ، فيكون شرطاً متقدّماً للصلاة المتأخّرة ، ومتأخّراً للصلاة المتقدّمة .

ويحتمل أن يكون شرطاً متقدّماً لجميع الصلوات ؛ بمعنى أ نّه إذا حدث الدم قبل صلاة الفجر يجب الغسل قبلها ، ويكون شرطاً لسائر الصلوات أيضاً ، فلو تركته بطل جميع صلواتها ، ولو حدث بعد صلاة الغداة يجب عليها الغسل لسائر الصلوات . . . إلى غير ذلك من الاحتمالات .

لا إشكال في أنّ الظاهر من الأدلّة هو الاحتمال الأخير ؛ فإنّ قوله في صحيحة زرارة : «فإن جاز الدم الكرسف تعصّبت واغتسلت ، ثمّ صلّت الغداة

ص: 469

بغسل ، والظهر والعصر بغسل ، والمغرب والعشاء بغسل ، وإن لم يجز الدم

الكرسف صلّت بغسل واحد» ظاهر في الوجوب الشرطي ؛ وأنّ تلك الصلوات التي تصلّيها المستحاضة الكبرى بالأغسال الثلاثة وتكون الأغسال شرطاً لها ، تصلّيها الوسطى بغسل واحد ، ويكون هو شرطاً لها ، فقوله : «صلّت» أي صلّت الصبح والظهرين والعشاءين ، ولا معنى لاختصاصه بالغداة . ولا وجه لاحتمال كون الحدث إذا وجد في وقت الصبح كان أكبر .

وبالجملة : لا شبهة في فهم العرف من مقابلة قوله : «صلّت بغسل واحد» بقوله : «صلّت الغداة بغسل . . .» إلى آخره أ نّها تصلّي تلك الصلوات بغسل واحد ،

ويكون الغسل الواحد من الصلوات بمنزلة الأغسال الثلاثة منها .

واحتمال أن يكون شرطاً لمجموعها من حيث المجموع ؛ بحيث لو حدث الدم بعد الغداة لم يكن حدثاً ، ولا الغسل شرطاً ، بعيد جدّاً ، بل مقطوع الخلاف بعد كون كلّ صلاة مستقلّة في الوجوب والشرائط والموانع .

ومن ذلك يظهر الكلام في موثّقتي سماعة ؛ فإنّ قوله : «المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكلّ صلاتين ، وللفجر غسلاً ، وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ يوم مرّة ، والوضوء لكلّ صلاة» ظاهر في أنّ الغسل الواحد للوسطى - كالأغسال الثلاثة - إنّما يكون بملاحظة الصلوات وشرطاً فيها ، وقوله : «لكلّ يوم» - في مقابل الأغسال - ظاهر في أنّ الغسل الواحد في كلّ يوم مرّة إنّما هو للصلوات اليومية ، لا لنفس اليوم ، ولا إشكال في فهم العرف منهما ومن صحيحة زرارة ، الشرطَ المتقدّم لكلّ صلاة ؛ لأنّ الشرط المتأخّر - مع كونه خلاف ارتكاز العقلاء - مخالف للمتفاهم من

ص: 470

مثل قوله : «صلّت بغسل واحد» .

وعلى أيّ حال : لا إشكال في فهم العرف من تلك الروايات ، اشتراطَ جميع الصلوات اليومية بالغسل . وأمّا مخالفة ذلك لفتاوى الأصحاب كما قيل فلقد أجاب عنها الشيخ الأعظم(1) وأجاد . ولو فرض عدم الوثوق بمراد القوم ممّا أفاده رحمه الله علیه فلا أقلّ من احتماله احتمالاً معتدّاً به ، ومعه لا يجوز رفع اليد عن ظواهر الأدلّة .

حكم الاستحاضة الكثيرة
اشارة

1 - وجوب تبديل القطنة ونحوها

وأمّا القسم الثالث ؛ أي الكثيرة : فيجب فيه تبديل القطنة والخرقة وكلّ ما تلوّث بالدم بلا إشكال ؛ لما ذكرنا في المتوسّطة : من فهم العرف من ثبوت الحكم للقليلة ثبوتَه لها ، وكذا الحال في الكثيرة ؛ ضرورة أنّ وجوب تبديل القطنة التي تلوّث شيء منها ، دليل على مانعية هذا الدم عن الصلاة ولو كان قليلاً وفي الباطن ، فضلاً عمّا كان كثيراً وفي الظاهر . ومنه يعلم لزوم تبديل الخرقة وكلّ ما تلوّث بالدم ؛ كلّ ذلك لفهم العرف من حكم القليلة مانعيةَ هذا الدم مطلقاً .

هذا مضافاً إلى الأدلّة الدالّة على لزوم تبديل الكرسف إذا ظهر الدم عليه(2) ؛ فإنّ الظاهر منها أنّ ظهوره عليه مانع عن الصلاة ، ويصدق في الكثيرة أنّ الدم

ص: 471


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 45 .
2- وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 و10 .

ظهر على الكرسف . ولو فرض اختصاص الأدلّة بالمتوسّطة ، فلا إشكال في فهم العرف منها حكم الكثيرة أيضاً بإلغاء الخصوصية ، كما يفهم منها مانعيته مطلقاً ؛ سواء كان في الكرسف أو في غيره .

2 - وجوب الغسل والوضوء

وأمّا الوضوء فهل يجب لكلّ صلاة ، كما عن «الخلاف» دعوى الإجماع عليه(1) ، وعن «المختلف» دعوى الشهرة(2) ، وهو المنقول عن «السرائر» و«النافع»(3) وكتب العلاّمة(4) والشهيدين(5) والمحقّق الثاني(6) وهو مختار «الشرائع»(7) ، وعن «المدارك» : «أنّ عليه عامّة المتأخّرين»(8) ، وعن «الكفاية» : «عليه جمهور المتأخّرين»(9) ؟

أو لا يجب مطلقاً وتكفي الأغسال عنه ، كما عن ظاهر الصدوقين وعن السيّد

ص: 472


1- الخلاف 1 : 249 - 250 .
2- مختلف الشيعة 1 : 209 و212 .
3- السرائر 1 : 153 ؛ المختصر النافع : 11 .
4- نهاية الإحكام 1 : 126 ؛ منتهى المطلب 2 : 415 ؛ قواعد الأحكام 1 : 219 ؛ تبصرة المتعلّمين : 10 .
5- الدروس الشرعية 1 : 99 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 241 ؛ روض الجنان 1 : 231 ؛ الروضة البهيّة 1 : 102 .
6- جامع المقاصد 1 : 341 - 342 .
7- شرائع الإسلام 1 : 26 .
8- مدارك الأحكام 2 : 34 .
9- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 30 .

في «الناصريات» والشيخ وابني زهرة وحمزة والحلبي والقاضي وسلاّر(1) ؟

أو يجب مع كلّ غسل ، كما عن «المقنعة» و«الجمل» و«المعتبر» وابن طاوس وشارح «المفاتيح» والسيّد في «الرياض»(2) ؟

وعن «المعتبر» دعوى عدم ذهاب أحد من طائفتنا إلى وجوب الوضوء لكلّ صلاة ، ونسبة من ذهب إلى ذلك إلى الغلط(3) . وهذا منه غريب بعد ذهاب من عرفت إليه ، وقد اختاره في «الشرائع» ومحكيّ «النافع» .

وإلى القول الأخير ذهب شيخنا الأعظم قائلاً : «إنّه لا دليل على وجوبه لكلّ

صلاة»(4) ، وقد حقّق في محلّه عدم إجزاء غسل عن الوضوء إلاّ غسل الجنابة(5) .

ووجه عدم وجوبه مطلقاً : دعوى ورود الأدلّة الكثيرة المطلقة في مقام البيان مع السكوت عن الوضوء . والأخذ بها أولى من الأخذ بظاهر مثل رواية يونس(6) على فرض تسليم ظهورها ، وقد أنكر الشيخ الأعظم ظهورها بدعوى :

ص: 473


1- المقنع : 48 ؛ الفقيه 1 : 50 ؛ مسائل الناصريات : 147 - 148 ؛ النهاية : 28 - 29 ؛ غنية النزوع 1 : 40 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 61 ؛ الكافي في الفقه : 129 ؛ المهذّب 1 : 37 - 38 ؛ المراسم : 44 .
2- المقنعة : 56 - 57 ؛ رسائل الشريف المرتضى ، جمل العلم والعمل 3 : 27 ؛ المعتبر 1 : 247 ؛ اُنظر ذكرى الشيعة 1 : 244 ؛ مصابيح الظلام 1 : 243 ؛ رياض المسائل 2 : 123 .
3- المعتبر 1 : 247 .
4- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 50 .
5- تقدّم في الصفحة 271 .
6- تقدّمت في الصفحة 363 .

«أنّ قوله : «فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ، ثمّ تغتسل وتتوضّأ لكلّ صلاة . قيل : وإن سال ؟ قال : وإن سال مثل المَثْعَب» - ممّا يتوهّم كونه بملاحظة ذيله ، نصّاً في أنّ الوضوء لكلّ صلاة حتّى في الكثيرة - لا يدلّ على الوجوب ؛ لأنّ الغسل فيه هو غسل الاستحاضة ، وإلاّ لزم إهمال ما هو الأهمّ ، ويكون الظرف متعلّقاً بمجموع الجملتين ، فحينئذٍ لا محيص عن الحمل على الاستحباب ؛ لعدم وجوب الغسل لكلّ صلاة إجماعاً»(1) .

ولا يخفى ما فيه ؛ فإنّ الظاهر أنّ الغسل الوارد في تلك الرواية - كسائر الروايات - هو غسل الحيض ، وأنت إذا تفحّصت الروايات الواردة في باب المستحاضة ، لا يبقى لك ريب في أنّ الاغتسال الوارد في المرسلة ، هو الاغتسال من الحيض ، وترك بيان غسل الحيض ليس بأهون من ترك بيان غسل الاستحاضة .

ثمّ إنّ تعلّق الظرف بالجملتين محلّ إشكال ، ودعوى الظهور في محلّ المنع ، بل المتيقّن - لو لم نقل : إنّه الظاهر - تعلّقه بالجملة الأخيرة . ولو سلّم ظهور تعلّقه بهما ، فقيام الدليل الخارجي على عدم وجوب الغسل لكلّ صلاة ، لا يوجب عدم ظهور ذلك في لزوم الوضوء لكلّ صلاة .

هذا كلّه مع أ نّه لو سلّم جميع ما أفاد ، فلا

يصير مدّعاه ثابتاً إلاّ بتقديم ما دلّ على عدم إجزاء غير غسل الجنابة عن الوضوء ، على الإطلاقات الواردة في مقام البيان ، وهو محلّ تأمّل .

ص: 474


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 50 - 51 .

وقد اختار بعض أهل التحقيق عدم الوضوء عليها مطلقاً ، وأجاب عن المرسلة : «بأنّ المراد من الأمر بالغسل فيها هو غسل الحيض ، والمراد من تعميم الحكم إنّما هو في أ نّها تصلّي في مقابل أيّام قرئها ، لا أ نّها تصلّي بعد غسل الحيض بالوضوء مطلقاً ، وليس الكلام في هذا المقام لبيان تكليف المستحاضة إلاّ في الجملة ، فلا ينافيه الإهمال»(1) .

وأنت خبير : بأنّ ظاهر المرسلة هو رجوع التعميم إلى الوضوء لكلّ صلاة ؛ فإنّ وجوب أصل الصلاة ليس مورد العناية في الكلام ، بل ما هو مورد البيان والعناية هو الاغتسال والوضوء لكلّ صلاة ، وإنّما يفهم لزوم الصلاة عليها بالتبع ، ورجوع التعميم إلى ما هو مورد البيان أولى ، أو متعيّن .

نعم ، لو كان الاستبعاد بالنسبة إلى الوضوء لكلّ صلاة في غير محلّه ، وإلى أصل الصلاة في محلّه ، لم يكن بدّ من رفع اليد عن الظهور . لكنّ استبعاد الوضوء في صورة سيلان الدم الذي هو حدث في محلّه ، بل أولى من استبعاد أصل الصلاة ؛ فإنّ الوضوء - بحسب الأدلّة وارتكاز المتشرّعة - إنّما هو لرفع الحدث ،

وبعد كون الحدث سائلاً دائماً ، يكون إيجاد الرافع في نظر السائل أمراً غريباً مستبعداً ، فسأل عنه وأجاب : بأ نّها «تتوضّأ . . . وإن سال مثل المثعب» .

والإنصاف : أنّ ظهور المرسلة في وجوب الوضوء لكلّ صلاة ، ممّا لا ينبغي إنكاره .

نعم ، يبقى الكلام في أنّ حمل هذا الظاهر على الاستحباب أولى ، أو تقييد الإطلاقات الواردة في مقام البيان ؟

ص: 475


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 319 .

وقد يدّعى ورود الأخبار المستفيضة التي كادت أن تكون متواترة في مقام

بيان تكليف المستحاضة ساكتةً عن الوضوء ، والالتزام بإهمال هذه الروايات من هذه الجهة في غاية الإشكال ، ورفع اليد عن ظهور المرسلة متعيّن(1) .

أقول : أمّا كون الالتزام بإهمال الروايات بأسرها في غاية الإشكال فحقّ ، لكن لا يلزم من ذلك كون جميع الروايات - التي يدّعى استفاضتها - في مقام البيان ؛ حتّى نستوحش من ورود الروايات المستفيضة في مقام البيان ، مع عدم ذكر الوضوء لكلّ صلاة .

بل الناظر في الروايات والمتأمِّل فيها ، لا يرى فيها ما هي في مقام البيان

- من هذه الجهة - إلاّ موثّقة سماعة(2) السالمة عن المناقشة ؛ حيث ذكر فيها الغسل الواحد والوضوء لكلّ صلاة في المتوسّطة ، والوضوء فقط للصفرة المحمولة على القليلة ، وفي مقابلهما ذكر الكثيرة ؛ وأوجب فيها الغسل لكلّ صلاتين وللفجر ، ولو كانت من جهة الوضوء في مقام الإهمال لما ذكره في المتوسّطة .

والإنصاف : أنّ إنكار كونها مطلقة في مقام البيان في غير محلّه . وقريب منها موثّقته الاُخرى . وأمّا سائر الروايات فلا تخلو من مناقشة في سندها أو إطلاقها . ورفع اليد عن إطلاق رواية أو روايتين بظهور رواية اُخرى ليس بعزيز ، بل مبنى فقه الإسلام على تقييد الإطلاقات وتخصيص العمومات .

وليعلم : أنّ المطلقات على ضربين :

ص: 476


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 318 .
2- تقدّمت في الصفحة 462 .

أحدهما : المطلقات الملقاة على أصحاب الكتب والاُصول ، وهي كثيرة وعليها مدار الفقه .

وثانيهما : ما يلقى على غيرهم ممّن كان محتاجاً في مقام العمل .

ولا إشكال في أنّ رفع اليد عن الضرب الثاني بورود أمر أو نهي أو مثلهما غير ممكن ؛ للزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، بخلاف الضرب الأوّل ؛ فإنّ إلقاء الإطلاقات والعمومات على أصحاب الكتب والاُصول إلى ما شاء اللّه ، مع بيان مقيّداتها ومخصّصاتها منفصلةً ببيان مستقلّ لأغراض ومصالح ، منها : فتح باب الاجتهاد والدراسة ، وفيهما من البركات وتشييد أركان الدين إلى ما شاء اللّه ، ففيها يكون تقييد المطلق وتخصيص العامّ رائجاً هيّناً ، عليه بناء فقه الإسلام ، ورفع اليد عنه مستلزم لتأسيس فقه جديد ، كما لا يخفى على المتتبّع .

بل لا نستبعد فيها تقييد مطلقات كثيرة بمقيّد واحد .

وهاهنا كلام آخر في باب المطلقات الكثيرة نطوي عنه كشحاً ؛ حذراً من التطويل .

نعم ، لو كان ذيل مرسلة يونس - أي قوله : «وتحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة . . .» إلى أن قال : «واغتسلي للفجر غسلاً . . .» إلى آخره - مطلقاً في مقام البيان لكان رفع اليد عنه مشكلاً ، بل كان حمل الأمر على الاستحباب متعيّناً .

لكنّ الشأن في إطلاقه ؛ فإنّ الظاهر من صدر المرسلة إلى ذيلها ، أنّ عناية أبي عبداللّه علیه السلام في نقل كلام رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأبي جعفر علیه السلام إنّما هي للاستشهاد بهما للسنن الثلاث ؛ وأنّ ذات الأقراء سنّتها الرجوع إلى أقرائها ،

ص: 477

وذات التمييز إلى التمييز ، وغيرهما إلى السبعة والثلاثة والعشرين ؛ من غير أن يكون نظره إلى بيان تكليف المستحاضة ، وإنّما ذكر بعض تكاليفها ضمناً واستطراداً . كما أنّ نقل مقالة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في القضايا الثلاث ، إنّما هو بداعي الاستشهاد للمقصود المتقدّم .

فلم يكن أبو عبداللّه علیه السلام - بحسب سياق الرواية - في مقام بيان جميع خصوصيات قصّتي فاطمة وحمنة إلاّ ما له دخل في مقصوده ، فذكر الأغسال الثلاثة لا يدلّ على كونه بصدد بيان جميع الخصوصيات ، فحينئذٍ يمكن أنّ حمنة كانت عالمة بتكليف الوضوء للاستحاضة الكثيرة ، وإنّما راجعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم لبيان حالها من شدّة الاستحاضة ، كما يظهر من قصّتها .

وبالجملة : لم يظهر من المرسلة كون أبي عبداللّه علیه السلام في مقام بيان القصّة بخصوصياتها ، ولا كون رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في مقام بيان جميع تكاليفها ؛ فإنّها قضيّة شخصية يمكن أن يكون رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عالماً بحال حمنة وبعلمها بلزوم الوضوء ، خصوصاً بالنظر إلى كونها اُخت زينب بنت جحش زوجته صلی الله علیه و آله وسلم .

فتحصَّل من جميع ذلك لزوم الوضوء عليها مع كلّ صلاة . لكن ينبغي مراعاة الاحتياط بإتيان الوضوء في خلال الإقامة .

وينبغي التنبيه على اُمور :

ص: 478

الأمر الأوّل: في أنّ نفس الدم الكثير بذاته موجب للغسل
محتملات ما يوجب الأغسال الثلاثة بحسب التصوّر

1 - يحتمل بحسب التصوّر أن يكون صِرف وجود الدم الكثير - مطلقاً ، أو في وقت صلاة - موجباً للأغسال الثلاثة ؛ ولو فرض حدوثه في أوّل الفجر وانقطاعه ، أو قبل الزوال كذلك .

2 - وفي مقابل هذا الاحتمال احتمال كون الموجب لها ، هو الدم المستمرّ في الأوقات الثلاثة ؛ بحيث لو انقطع في وقت العشاء ، كشف عن عدم لزوم الغسل للصبح والظهرين .

3 - ويحتمل أن يكون كلّ قطعة من الدم المستمرّ إلى الأوقات الثلاثة - في وقت كلّ فريضة - سبباً ؛ بحيث تكون القطعة الموجودة في الصبح من الدم المستمرّ إلى العشاء ، سبباً لوجوب الغسل للصبح ، والقطعة الموجودة في الظهر منه سبباً للغسل للظهرين ، وهكذا في العشاءين .

4 - ويحتمل أن يكون الدم المستمرّ إلى كلّ وقت سبباً للغسل لفريضته ، لا الحادث ولو في الوقت .

ص: 479

5 - ويحتمل أن يكون الدم الحادث في كلّ وقت أو المستمرّ إلى كلّ وقت ، سبباً للغسل لفريضة ذلك الوقت ، فإن حدث في الصبح كان سبباً للغسل لفريضته ، وكذا إن حدث في الزوال أو استمرّ إليه ، وكذا في المغرب ، فلو حدث قبل الزوال وانقطع ، ولم يحدث في الزوال ولم يستمرّ إليه ، لم يكن سبباً ، وكذا قبل الغروب للعشاءين .

6 - ويحتمل أن يكون صِرف وجوده سبباً - كلّما وجد - لصِرف وجود الغسل ، فإذا اغتسلت ارتفع حكمه ، فلو حدث قبل الزوال وانقطع وجب عليها الغسل للظهرين ، ولو اغتسلت ارتفع حكمه ، ولم يجب للعشاءين إلاّ إذا حدث بعد الظهرين أو استمرّ إلى ما بعدهما . وسيأتي الكلام في الحدوث بين الغسل أو بعده ، وقبل الفريضة أو بينها (1) .

ثمّ إنّ لكلٍّ من الاحتمالات المتقدّمة وجهاً ، ولبعضٍ منها قائلاً يزعم استفادة ما ذهب إليه من أخبار الباب .

مناقشة الاحتمال الأوّل

وربما يقال : إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة هو الوجه الأوّل ، بل مال إليه في «الجواهر» لو لا مخافة مخالفة الإجماع(2) . وقال الشيخ الأعظم : «إنّ هذا القول لا يرجع إلى محصّل»(3) .

ص: 480


1- يأتي في الصفحة 483 - 486 .
2- جواهر الكلام 3 : 330 .
3- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 54 .

ويمكن أن يستدلّ عليه بصحيحة يونس بن يعقوب قال : قلت

لأبي عبداللّه علیه السلام : امرأة رأت الدم في حيضها حتّى تجاوز وقتها ، متى ينبغي لها أن تصلّي ؟ قال : «تنتظر عدّتها التي كانت تجلس ، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام ، فإن رأت دماً صبيباً فلتغتسل في وقت كلّ صلاة»(1) ؛ حيث دلّت بإطلاقها على أنّ مجرّد رؤية الدم الصبيب ، موجب للأغسال ، فلو رأت دماً صبيباً قبل الفجر ، وجب عليها الاغتسال في وقت الصلوات بدعوى : أنّ سائر الروايات لا ينافيها ؛ فإنّ كون موردها الدم الجاري في الأوقات ، لا يوجب تقييدها .

وفيه : أنّ ما ذكر - على فرض الإطلاق ، كما لا يبعد - إنّما هو في غير صحيحة الصحّاف ، وأمّا هي فمقيّدة لها ، ففيها : «وإن كان الدم إذا أمسكت الكرسف يسيل من خلف الكرسف صبيباً لا يرقأ ، فإنّ عليها أن تغتسل في كلّ يوم وليلة ثلاث مرّات ، وتحتشي وتصلّي وتغتسل للفجر ، وتغتسل للظهر والعصر ، وتغتسل للمغرب والعشاء الآخرة» . قال : «وكذلك تفعل المستحاضة ؛ فإنّها إذا فعلت ذلك أذهب اللّه بالدم عنها»(2) .

فالتقييد بعدم السكون والانقطاع - الذي يراد منه الاستمرار في الأوقات ، كما يظهر من الرواية إلى آخرها - دليل على أنّ موضوع الحكم ليس مجرّد كونه صبيباً ، بل الصبيب الذي لا يرقأ ولا يسكن .

ص: 481


1- تهذيب الأحكام 1 : 402 / 1259 ؛ الاستبصار 1 : 149 / 516 ؛ وسائل الشيعة 2 : 376 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 11 .
2- الكافي 3 : 95 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 374 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 7 .

كما تشعر أو تدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام وفيها : «فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل . . .»(1) إلى آخره .

هذا مع أنّ الالتزام بلوازم هذا الاحتمال مشكل ، بل ممتنع ؛ لأنّ صِرف وجود

الدم إذا كان حدثاً موجباً للأغسال الثلاثة ، فلا بدّ إمّا من الالتزام بكون الغسل للصبح - مثلاً - رافعاً للحدث ، وأنّ الغسلين الآخرين واجب تعبّدي نفسي لا يرفع حدثاً ، أو كون نفس الغسل - بلا رافعيته للحدث - شرطاً للصلاة ، وهو بشقّيه فاسد لا أظنّ أن يلتزم به فقيه .

وإمّا من الالتزام بكون الحدث ذا مراتب ترفع كلّ مرتبة منه بغسل ، فتكون مانعية الحدث مختلفة بالنسبة إلى الصلوات : فمرتبة منه مانعة من صلاة الفجر مثلاً ، وترتفع بغسلها ، ومرتبة اُخرى لصلاة الظهرين ، وترتفع بغسلهما . . . وهكذا ،

وهو أيضاً فاسد مخالف للأدلّة ومذاق الشرع والمتشرّعة .

مناقشة الاحتمالين الثاني والثالث

وأمّا الاحتمال الثاني والثالث اللذان يلزم منهما كون الحدث المتأخّر ، سبباً أو شرطاً للسبب بالنسبة إلى الغسل المتقدّم ، فهما أردأ من الاحتمال الأوّل ، ومخالفان للمتفاهم العرفي من الروايات . ولو سلّم إمكان سببية الأمر المتأخّر للمتقدّم أو شرطيته له ، فهو تصوير عقلي لا يذهب إليه إلاّ بورود نصّ غير ممكن التأويل ، ولا تحمل الأدلّة عليه إلاّ بعد ضيق الخناق .

ص: 482


1- المعتبر 1 : 215 ؛ وسائل الشيعة 2 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 14 .
مناقشة الاحتمال الرابع

وأمّا احتمال كون الدم المستمرّ إلى كلّ وقت سبباً للغسل لفريضته ، لا الحادث في الوقت ، ولا غير المستمرّ إليه ، ففيه : أنّ لازمه إمّا التفكيك بين الصلوات في مانعية الدم ، وفي الأغسال في سببيته لها ؛ بأن يقال : إنّ السبب أو المانع بالنسبة إلى الصلاة الاُولى ، هو الدم الحادث حدوثاً أوّلياً ، وأمّا بالنسبة إلى سائر الصلوات فهو استمرار الدم لا الحدوث ؛ فإنّ الحدوث الثانوي - أي الحدوث بعد الحدوث - ليس سبباً ولا مانعاً .

وإمّا الالتزام بأنّ السبب هو الدم المستمرّ من وقت إلى وقت آخر ، أو من قبل الوقت إلى الوقت ، وأمّا الحادث في الوقت - حتّى بالنسبة إلى الصلاة الاُولى أيضاً - فليس مانعاً ولا سبباً للغسل ، فإذا رأت الكثرة في وقت فريضة الصبح ، لا يجب عليها الغسل ؛ لعدم كونه دماً مستمرّاً إلى وقتها .

وهو - كما ترى - بكلا شقّيه مخالف للأدلّة ومذاق الفقه .

مناقشة الاحتمال الخامس وترجيح السادس

فبقي الاحتمالان الأخيران ، وقد ذهب إلى كلٍّ عدّة من المحقّقين ، واختار ثاني الاحتمالين الشيخ الأعظم ونسبه إلى العلاّمة(1) والشهيدين(2)

ص: 483


1- نهاية الإحكام 1 : 129 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 292 .
2- البيان : 66 ؛ الروضة البهيّة 1 : 103 .

و«جامع المقاصد»(1) وجماعة اُخرى من متأخّري المتأخّرين(2) . ونسب أوّلهما إلى صريح «الدروس» وظاهر «الذكرى» وإلى المنقول عن «الموجز» و«كشف الالتباس» و«حاشية الروضة» لجمال الدين(3) وادّعى ظهور الروايات فيما اختاره(4) .

وقد تمسّك صاحب «الجواهر» له بإطلاق النصّ والفتوى ، وقال : «وما يقال : من أنّ ظاهر الأخبار الاستمرار ، قد يُمنع إن أراد به الاشتراط . نعم قد يشعر به ما

في بعضها ، لكن لا ظهور فيها بالاشتراط - أي اشتراط وجوب الأغسال بالاستمرار المتقدّم - حتّى تصلح لتقييد غيرها ، سيّما مفهوم قوله علیه السلام في خبر الصحّاف : «فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب لا يسيل من خلف الكرسف ، فلتوضّأ ولتصلِّ عند وقت كلّ صلاة»(5) انتهى .

أقول : أمّا إطلاق الأدلّة فعلى فرضه - كما لا

يبعد في بعضها - مقيّد بذيل صحيحة الصحّاف الدالّ على أنّ الدم إذا كان صبيباً لا يرقأ يوجب الأغسال ،

ص: 484


1- جامع المقاصد 1 : 342 - 343 .
2- مدارك الأحكام 2 : 36 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 30 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 289 .
3- الدروس الشرعية 1 : 99 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 243 ؛ الرسائل العشر لابن فهد الحلّي ، الموجز الحاوي لتحرير الفتاوى : 47 ؛ كشف الالتباس 1 : 242 ؛ الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية ، المحقّق الخوانساري : 71 / السطر 9 و18 .
4- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 53 - 54 .
5- جواهر الكلام 3 : 330 .

ويفهم من قوله : «لا يرقأ» ومن ذيلها ، أنّ المراد هو عدم الانقطاع في الأوقات الثلاثة ، وإنّما ترفع اليد عنه بالنسبة إلى الحادث في الأوقات بما تقدّم ، فتصير نتيجة ردّ المطلق إلى المقيّد - مع الوجه المتقدّم في إلحاق الحادث في كلّ زمان بالمستمرّ إليه - هو أوّل الاحتمالين .

وأمّا مفهوم صدر الصحيحة ، فعلى فرضه مطلق قابل للتقييد . مع أنّ الظاهر عدم إرادة المفهوم منه بعد تعرّض المتكلّم فيها لأقسام الدم والمستحاضة .

وأمّا استبعاد عدم كون الدم قبل الوقت حدثاً ، ومخالفة هذا الدم لسائر الأحداث التي يكون وجودها مطلقاً سبباً ، فلعلّه في غير محلّه بعد اقتضاء الدليل. مع منع الاستبعاد بعد عدم ترتّب الأثر ؛ عفواً أو رفعاً للسببية عن هذا الدم إذا سال في أثناء الغسل ، أو بينه وبين الصلاة ، أو في أثناء الصلاة ، فأيّ مانع من العفو أو الرفع بالنسبة إلى غير أوقات الصلاة؟! والقياس بسائر الأحداث كما ترى.

وبالجملة : لا دليل على حدثية مطلق هذا الدم ؛ لو لم نقل بقيام الدليل على الخلاف ، كما عرفت .

ومن ذلك يظهر النظر فيما قيل : «من أنّ العفو في الدم الحاصل بين الغسل والصلاة ، إنّما هو بالنسبة إلى تلك الصلاة والغسل ، لا الصلوات الاُخر»(1) ؛ لأنّ ذلك فرع الإطلاق المفقود في المقام . وعلى فرض الإطلاق في بعض الروايات

ص: 485


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 54 .

- كما هو ليس ببعيد - يكون مقيّداً بصحيحة الصحّاف وابن مسلم .

هذا ، لكنّ الأقوى في النظر : هو كون نفس الدم الكثير بذاته موجباً للغسل ، وأنّ المستفاد من الروايات : أنّ دم الاستحاضة المتوسّطة والكثيرة لا يفترقان إلاّ

بسببية الأوّل لغسل واحد ، والثاني للأغسال ، وأنّ الحكم في المتوسّطة كما هو مرتّب على ظهور الدم على الكرسف ، كذلك الحكم في الكثيرة مرتّب على التجاوز والسيلان .

والالتزام بالفرق بين أقسام الاستحاضة في أصل السببية - بأنّ الكثيرة لا تكون بنفسها سبباً - مشكل مخالف لارتكاز المتشرّعة . مع أنّ العكس أولى . بل الالتزام بأنّ لدلوك الشمس ، أو ذهاب الحمرة ، أو تبيّن الخيط الأسود من الخيط الأبيض من الفجر ، دخلاً في حدثية الدم ؛ وأنّ الدم المتقيّد بتلك العناوين أو في تلك الظروف ، حدث في خصوص الكثيرة ، وتفرّد هذا الدم من بين جميع الأحداث بهذه الخصوصية ، مشكل ، بل مخالف لارتكاز عرف المتشرّعة .

مع أنّ لازم الجمود على مفاد الروايات ، هو عدم حدثية الدم المستمرّ إلى الوقت ، أو الحادث فيه في الجملة ، بل الحدث هو الدم المستمرّ في جميع الوقت ، أو في زمان الاشتغال بالصلاة ؛ لأنّ سياقها هو فرض ابتلائها بالكثرة في حال اشتغالها بها ، ولهذا أمرها بتعجيل العصر وتأخير الظهر ، وكذا في العشاءين ، وبالاحتشاء وإمساك الكرسف .

ولهذا كلّه لا يبقى وثوق - بل ظهور - لكون المراد من كونه «صبيباً لا يرقأ»

ص: 486

في صحيحة الصحّاف ، هو الاستمرار في الأوقات الثلاثة ؛ بحيث يكون للوقت دخل وموضوعية ، فيؤخذ بإطلاق بعض الأدلّة، كصحيحة يونس بن يعقوب . وبعد رفع اليد عن إطلاقها في سببية الدم - في الجملة - للأغسال الثلاثة بالإجماع المدّعى أو بالوجوه المتقدّمة يكون موافقاً لمختار الأعاظم ، كالشيخ الأعظم وغيره.

سببية الدم الفعلي للأغسال

ثمّ إنّ ظاهر الأدلّة هو سببية الدم الفعلي للأغسال ، لا الأعمّ منه وما هو بالقوّة ، فلو رأت الدم السائل ، واغتسلت منه بعد انقطاعه ، وعلمت بعوده ، فلا يوجب ذلك غسلاً عند حضور وقت الصلاة . هذا على المختار .

وكذا على القول بلزوم الاستمرار في الوقت ، لو رأت مستمرّاً إلى ما قبل الوقت وانقطع وعلمت بعوده ، لم يوجب ذلك غسلاً عند وقت الصلاة ما لم تَرَ الدم الفعلي الكثير ؛ وذلك لتعليق وجوب الغسل على تجاوز الدم وسيلانه وكونه صبيباً ؛ ممّا هو ظاهر فيما ذكرنا .

وما يقال : «من أنّ الحكم مترتّب على المرأة الدمية في صحيحة الحلبي(1) وعلى المستحاضة في صحيحة صفوان وعبداللّه بن سنان وغيرهما (2)

ص: 487


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 2 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث3 و4 و6 .

ولا إشكال في صدق المرأة الدمية والمستحاضة على التي انقطع دمها انقطاع فترة وعود»(1) .

منظور فيه : أمّا أوّلاً : فلأنّ ظاهر تلك الروايات ، هو ابتلاء المرأة بالدم وسيلانه في أوقات الصلاة ؛ فإنّ الأمر باستدخال قطنة بعد قطنة والجمع بين الصلاتين - كما فيها وفي غيرها - ليس تعبّدياً ، بل لحفظ الدم وتقليل الابتلاء قدر الإمكان . هذا مع الغضّ عن الإشكال ، بل الإشكالات الواردة على صحيحة الحلبي ؛ ممّا تقدّمت الإشارة إلى بعضها (2) .

وأمّا ثانياً : فلأ نّها على فرض الإطلاق فيها ، تتقيّد بما دلّ على تعليق الحكم على سيلان الدم وتجاوزه .

هذا ، مضافاً إلى أنّ تعليق الحكم على عنوانين بينهما تقدّم وتأخّر وسببية ومسبّبية ، يوجب الظهور في أن يكون الحكم للمتقدّم بحسب العقل ، بل العرف ، ولمّا كان حصول الدم مقدّماً على حصول عنوان «المستحاضة» وقد علّق الحكم عليهما ، يكون التعليق الثاني - عرفاً وعقلاً - فرعاً على الأوّل ، لا مستقلاًّ في السببية ، فما يكون سبباً ، هو الدم ، لا عنوان «المستحاضة» المسبّب منه .

ص: 488


1- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 59 - 60 .
2- تقدّمت في الصفحة 447- 449 .
الأمر الثاني في حكم انقطاع دم الاستحاضة لبرء أو فترة
اشارة

إذا انقطع دم الاستحاضة ، فإمّا أن يكون لبُرء ، أو لفترة ، أو لا تعلم بأحدهما .

وإن كان لفترة ، فإمّا أن تعلم بسعتها للطهارة والصلاة ، أو لإحداهما ، أو تعلم عدمها أو لا تعلم .

وعلى أيّ حال : فإمّا أن يكون الانقطاع بعد الصلاة ، أو في أثنائها ، أو بينها وبين فعل الطهارة ، أو في أثناء فعل الطهارة ، أو قبله .

وعلى أيّ تقدير : قد يلاحظ حال الانقطاع بالنسبة إلى الأعمال المستقبلة ، وقد تلاحظ بالنسبة إلى الماضية أو الحاضرة . ونحن نتعرّض لمهمّاتها حتّى يتّضح حال البقيّة .

بيان تكليف المستحاضة بالنسبة للأعمال المستقبلة

فنقول : إن انقطع للبرء أو الفترة ، فالتكليف بالنسبة إلى الأعمال المستقبلة يتفرّع على المسألة السابقة ؛ فإن قلنا : بأنّ نفس طبيعة الدم الفعلي حدث وسبب للغسل أو الوضوء ، كما قوّيناه أخيراً ، وأنّ خروجه في أثناء الصلاة والطهارة معفوّ

عنه ، فلا إشكال في لزوم الغسل والوضوء بالنسبة إلى الأعمال اللاحقة ؛ ولو خرج الدم في أثناء الأعمال ؛ لتحقّق السبب وعدم الدليل على العفو .

وإن قلنا : بأنّ استمرار الدم إلى أوقات الصلوات فعلاً أو حدوثه فيها ، سبب لهما ، فلا يجب الغسل والوضوء لو انقطع قبل تحقّق الوقت ؛ ولو كان مستمرّاً إلى ما قبل الأوقات .

ص: 489

وإن قلنا : بأنّ الاستمرار الأعمّ من الفعلي سبب ، فلا بدّ من التفصيل بين الانقطاع للبرء والانقطاع للعود .

ويمكن أن يفصّل بين الوضوء والغسل ، ويلتزم بعدم وجوب الغسل دون الوضوء ؛ تمسّكاً في وجوب الوضوء بإطلاق مرسلة يونس ، وفيها : «وسئل عن المستحاضة ، فقال : إنّما هو عزف عامر ، أو ركضة من الشيطان ، فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ، ثمّ تغتسل وتتوضّأ لكلّ صلاة . قيل : وإن سال ؟ قال : وإن سال مثل المَثْعَب»(1) .

حيث أمر بالوضوء لكلّ صلاة ؛ سال الدم أو لم يسل ، ومقتضى إطلاقه وجوب الوضوء بمجرّد تحقّق الدم ، وبمقتضى المناسبات المرتكزة في أذهان المتشرّعة والعرف ، يعلم أنّ دم الاستحاضة حدث يوجب الوضوء ، ولو تحقّق السبب لزم المسبّب ، ولا يرتفع بانقطاع الدم .

وأمّا عدم وجوب الغسل ، فبما تقدّم من إنكار الإطلاق ، أو لزوم التقييد على

فرضه ، فلا يكون دليل على سببية الدم للغسل إلاّ إذا كان مستمرّاً ، كما تقدّم الكلام فيه(2) .

فحينئذٍ يكون للتفصيل وجه ، وإنكار الشيخ الأعظم الفرق بين الوضوء والغسل ، ومطالبته بالدليل على التفرقة(3) ، مبنيّ على ما تقدّم منه من إنكار دلالة مرسلة يونس ، وقد مرّ الجواب عنه(4) ، فالوجه للتفصيل هو ما ذكرنا ؛ وإن كان

ص: 490


1- تقدّمت في الصفحة 364 .
2- تقدّم في الصفحة 479 - 487 .
3- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 64 .
4- تقدّم في الصفحة 474 .

الأوجه وجوب الغسل والوضوء ؛ لما تقدّم(1) من تقوية سببية صِرف وجود الدم لهما .

ثمّ لا

يخفى : أنّ في تعبير بعضهم : «بأنّ انقطاع الدم موجب للوضوء أو الغسل» أو «غير موجب» مسامحة ؛ لما مرّت الإشارة إلى أنّ مبنى الخلاف هو الخلاف في كون السبب ماذا ؟ فوجوب الغسل والوضوء - على القول به - إنّما هو لسببية الدم ، لا لسببية الانقطاع ، وعدم وجوب الغسل ووجوب الوضوء ، أيضاً للالتزام بسببية نفس الطبيعة للوضوء ، وعدم سببيتها للغسل إلاّ إذا كان مستمرّاً ، والأمر سهل . هذا كلّه بالنسبة إلى الأعمال المستقبلة .

بيان تكليف المستحاضة بالنسبة للأعمال الماضية

وأمّا بالنسبة إلى الأعمال الماضية ، فإن انقطع بعد الصلاة فلا ينبغي الإشكال في عدم لزوم الإعادة وصحّة صلاتها ؛ لإطلاق الأدلّة ؛ سواء احتملت الانقطاع حين العمل أو قبله ، أو كانت قاطعة بعدم الانقطاع ، أو ظانّة به ، بل ولو كانت ظانّة

بالانقطاع . ودعوى الانصراف عمّا إذا انقطع في الوقت مطلقاً أو إذا كانت ظانّة(2) في غير محلّها ، خصوصاً في غير الظانّة .

نعم ، لو كانت قاطعة بالانقطاع للبرء أو الفترة الواسعة ، فالظاهر لزوم الانتظار وعدم جواز البدار ؛ لقصور الأدلّة عن إثبات جواز البدار ، وعدم إطلاقها من هذه الجهة ، بل تكون منصرفة عن الفرض .

ص: 491


1- تقدّم في الصفحة 479 وما بعدها .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 324 .

وأمّا إذا انقطع في الأثناء ، فالظاهر لزوم الإعادة إذا كان الانقطاع لبرء أو فترة واسعة ، وفي غير الواسعة تأمّل ؛ أمّا الإعادة فيهما فلما مرّ من استفادة سببية مطلق الدم ، ولم يثبت العفو في غير ما هو مستمرّ إلى آخر العمل ، فيبقى مقتضى السببية على حاله ، ولا إطلاق - على الظاهر - للأدلّة بالنسبة إلى هذه الصورة ؛ حتّى يقال لأجله بالعفو وصحّة الأعمال . هذا بحسب الثبوت والواقع .

وأمّا تكليفها في الظاهر ، فقد يتشبّث له باستصحاب بقاء الفترة إلى زمان يسع العمل بشرائطه ؛ إذا كانت شاكّة في كون الانقطاع للبرء ، أو الفترة مع الشكّ في سعتها ، أو كانت عالمة بالثانية ، وشاكّة في سعتها (1) .

وفيه : أنّ هذا الاستصحاب - مع كونه مثبتاً - لا أصل له ؛ لعدم كون المستصحب موضوعاً لأثر شرعي ، بل بعد العلم بوجوب الصلاة واشتراطها بالطهور ، وكونِ الدم سبباً بذاته ، وعدمِ إطلاق في الأدلّة ، يحكم العقل بلزوم التأخير إلى زمان الفترة الواسعة ، ولاتكون الفترة الواسعة موضوعاً لحكم شرعي .

كما أنّ التشبّث باستصحاب الصحّة أو الطهارة وأمثالهما (2) ، في غير محلّه بعد ثبوت حدثية الدم ، وعدم الدليل على العفو ، واشتراط الصلاة بالطهور ، فيكون الاستصحاب محكوماً بتلك الأدلّة على فرض الجريان .

نعم ، لو أنكرنا سببية مطلق الدم للغسل كان له مجال ، ومع عدمه تكفي أصالة البراءة . لكن ما مرّ هو الأقوى .

وممّا ذكرنا يظهر حال بقيّة الصور ، فتدبّر .

ص: 492


1- اُنظر جواهر الكلام 3 : 335 .
2- جواهر الكلام 3 : 335 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 324 .
الأمر الثالث في جواز تفريق الصلوات والغسل لكلّ صلاة
اشارة

الظاهر جواز تفريق الصلوات والغسل لكلّ صلاة ؛ لعدم استفادة كون الجمع بين كلّ صلاتين عزيمة ، بعد ظهور كون ذلك لمراعاة حال النساء . وقد حكي عن المحقّق الثاني وصاحب «المدارك» دعوى القطع بالجواز(1) ، وتبعهما كثير من متأخّري المتأخّرين(2) .

ويمكن أن يستدلّ عليه بجملة من الروايات ، كصحيحة يونس بن يعقوب وفيها : «فإن رأت دماً صبيباً فلتغتسل في وقت كلّ صلاة»(3) ؛ لأنّ وقت الصلاة في تلك الأزمنة كان هو الأوقات المعهودة التي كان المسلمون يجتمعون فيها لإقامة الصلوات ؛ حتّى اشتهرت الأوقات الخمسة وصارت معهودة ؛ بحيث ينصرف إليها اللفظ . بل يمكن استفادة الاستحباب من مثلها ؛ بعد كون الظاهر أنّ الأمر بالجمع وتعجيل العصر والعشاء وتأخير الظهر والمغرب ؛ لمحض الترخيص وملاحظة حالهنّ .

ويمكن أن يستدلّ عليه بوجه آخر : وهو أ نّها لو فرّقت بين الصلاتين عمداً أو نسياناً ؛ فصلّت الظهر بغسل ، وتركت العصر ، فلا يخلو :

إمّا أن يجب عليها إعادة الظهر والجمع بينهما بغسل .

ص: 493


1- جامع المقاصد 1 : 342 ؛ مدارك الأحكام 2 : 35 .
2- ذخيرة المعاد : 75 / السطر 40 ؛ مصابيح الظلام 1 : 243 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 287 .
3- تقدّم في الصفحة 481 .

أو لا يجب عليها العصر أيضاً .

أو يجب عليها العصر بلا غسل ، ويجوز لها الاكتفاء بغسلها للظهر .

أو يجب عليها الغسل للعصر .

لا سبيل إلى شيء من الاحتمالات إلاّ الأخير منها ؛ ضرورة أ نّه لا وجه لإعادة الظهر ؛ لعدم مغايرة تكليفها في صلاة الظهر لسائر المكلّفين ، تأمّل . وبداهة وجوب العصر عليها ، وعدم سقوطها عنها ، والاكتفاءُ بالغسل المتقدّم مخالف لظواهر الأدلّة ، ولما مرّ من كون الدم بذاته حدثاً ، مع عدم ثبوت العفو مع التفريق ، فيبقى الاحتمال الأخير ، ولا ريب في عدم كون الجمع واجباً تعبّدياً نفسياً غير ملحوظ فيه حال الصلاة واشتراطها بالطهور ، ولا التفريق حراماً كذلك.

فتلخّص - بعد بطلان جميع المحتملات عقلاً وشرعاً - أنّ التفريق جائز ، ومعه يجب الغسل ؛ لأنّ الدم الحاصل بعد الصلاة إلى زمان إتيان الصلاة الاُخرى ، حدث موجب للغسل ، فلا بدّ منه . هذا كلّه مع تفريق الصلوات .

في جواز إيقاع غسلين مع الجمع بين الصلاتين

وهل يجوز لها بعد صلاة الظهر والمغرب بلا فصل ، الاغتسال للعصر والعشاء ، بأن يقال بمثل ما قيل في الفرض المتقدّم : من عدم استفادة العزيمة من الأدلّة ؛ لورودها في مقام توهّم وجوب الأغسال الخمسة ؟

فيه تأمّل وإشكال ؛ لأنّ عدم دلالة الأدلّة على العزيمة ، لا يوجب دلالتها على جواز الغسل ، وبعد عدم دليل على مشروعيته فلأحدٍ أن يقول : إنّ مقتضى الأدلّة حدثية ذات الدم وناقضيته للغسل والوضوء ، خرج منها - عفواً أو إسقاطاً

ص: 494

للسببية - الدم السائل في حال الاشتغال بالغسل للصلاتين إلى آخر الصلاة الثانية ، مع عدم الفصل بينهما بمقدار غير متعارف ، وعدم الفصل بأجنبيّ ، وبقي الباقي ، فعليه لا دليل على العفو في الدم السائل بين الغسل الثاني أو بعده ، بل وبين صلاة العصر ، مع التفريق بالأجنبيّ ، ولا يمكن أن يكون الغسل الثاني رافعاً لما حصل بينه أو بعده ، فلا بدّ حينئذٍ من غسل آخر لصلاة العصر بعد حصول هذا التفريق بالأجنبيّ بالبيان المتقدّم .

فالأحوط - لو لم نقل : الأقوى - هو الجمع بين الصلاتين بغسل واحد ؛ وإن جاز لها التفريق والأغسال الخمسة . بل الأولى والأحوط الجمع وعدم التفريق .

الأمر الرابع في وجوب تعاقب الصلاة للغسل والوضوء
اشارة

بيان حال الغسل

الظاهر وجوب معاقبة الصلاة للغسل ، وفي «الجواهر» : «لم أعرف مخالفاً فيه»(1) ، وفي طهارة شيخنا الأعظم : «المشهور بين الأصحاب وجوبها ، بل قد يظهر نفي الخلاف فيه»(2) .

وعن كاشف اللثام والعلاّمة الطباطبائي رحمه الله علیه جواز الفصل(3) ، واختاره الشيخ

ص: 495


1- جواهر الكلام 3 : 342 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 72 .
3- كشف اللثام 2 : 161 ؛ المصابيح في الفقه : 148 (مخطوط) .

الأعظم تمسّكاً بالإطلاقات الواردة في مقام البيان ، واستظهاراً ممّا دلّ على

وجوب الغسل عند كلّ صلاة ، إضافته إلى الوقت ؛ أي زمان حضور وقت كلّ صلاة ، لا حضور فعلها ، واستشهاداً بقوله في رواية ابن سنان : «ثمّ تغتسل عند المغرب ، فتصلّي المغرب والعشاء ، ثمّ تغتسل عند الصبح ، فتصلّي الفجر(1) »(2) .

وفيه : - مضافاً إلى عدم إطلاق يمكن الاتّكال عليه والوثوق به في المقام ، فضلاً عن إطلاقات واردة في مقام البيان ، كما ادّعاها ؛ فإنّ الروايات في مقام بيان وجوب ثلاثة أغسال في مقابل غسل واحد ، كصحيحتي زرارة والصحّاف(3) - أنّ الإطلاقات على فرضها مقيّدة بما دلّ على لزوم إيقاعها عند الصلاة ، والاحتمال الذي أبداه خلاف الظاهر حتّى في رواية ابن سنان ؛ فإنّ قوله : «المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر ، وتصلّي الظهر والعصر» ظاهر - بلا تأمّل - في كونه عند نفس صلاة الظهر لا وقتها ، فحينئذٍ يكون قوله بعده :

«ثمّ تغتسل عند المغرب» ظاهراً في صلاته ؛ بعد شيوع إطلاق «المغرب» على صلاته في الروايات(4) ، وبعد القطع بعدم كون المراد قبل وقت المغرب .

ص: 496


1- الكافي 3 : 90 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 4 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 72 - 73 .
3- الكافي 3 : 99 / 4 ، و : 95 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 5 و7 .
4- راجع وسائل الشيعة 4 : 156 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 10 و16 و17 .

مع أنّ لازم إضافة الظرف إلى الوقت ، كون وقت إيقاع الغسل قبل وقت الصلاة ؛ لظهور لفظة «عند» في ذلك .

ويؤيّد ما ذكرنا الأمر بالجمع بين الصلاتين ؛ لبُعد الالتزام بالتفرقة بين صلاة الظهر والعصر ؛ بجواز الفصل بين الغسل والصلاتين ، وعدم جواز التفرقة بين صلاة الظهر والعصر .

والإنصاف : أنّ الناظر في الروايات ، لا يكاد يشكّ في أنّ الأمر بالجمع والتقديم والتأخير ، إنّما هو بملاحظة حال الصلاة وعدم الابتلاء بالدم قدر الإمكان ، ومعه لا مجال لاحتمال جواز الفصل .

هذا كلّه مع أنّ المختار - كما تقدّم(1) - هو ناقضية الدم ؛ وكونه حدثاً بذاته موجباً للغسل إلاّ ما عفي عنه ، وبعد قصور الإطلاقات لا دليل على العفو مع الفصل .

بيان حال الوضوء

وبهذا يظهر الحال في الوضوء في الأقسام الثلاثة . مع إمكان الاستدلال له بقوله في رواية «قرب الإسناد» : «فإن رأت صفرة بعد غسلها فلا غسل عليها ، يجزيها الوضوء عند كلّ صلاة وتصلّي»(2) وبها يقيّد الإطلاق على فرض وجوده.

هذا مضافاً إلى أنّ الأمر بالوضوء لكلّ صلاة ، دليل على أنّ الدم السائل بين

ص: 497


1- تقدّم في الصفحة 486 .
2- قرب الإسناد : 225 / 879 ؛ وسائل الشيعة 2 : 280 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 4 ، الحديث 7 .

الوضوء والصلاة أو بعدهما - ولو بلا فصل - حدث أصغر غير معفوّ عنه ، فلا مجال للارتياب في لزوم معاقبة الصلاة للوضوء .

نعم ، لا إشكال في أنّ المبادرة إلى الصلاة بعد الغسل والوضوء ، ليست على النحو الدقيق العقلي ، بل العرفي ، مع الإتيان بما تحتاج إليه للصلاة عادة ، كالتستّر

ولبس الثوب ، وما هو المتعارف بحسب حالها ، لا غير المتعارف ، كشراء الستر ، ويجوز لها الأذان والإقامة للصلاتين ، بل والتعقيب بالمقدار المتعارف ، وانتظار الجماعة كذلك ؛ وإن كان الأحوط في بعضها خلافه .

وأمّا الاستدلال(1) لجواز تأخير الصلاة عن الوضوء - إمّا مطلقاً ، أو بمقدار غير معتدّ به - بقوله في صحيحة معاوية : «وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت ودخلت المسجد ، وصلّت كلّ صلاة بوضوء»(2) .

ففيه أوّلاً : أنّ الوضوء لعلّه لدخول المسجد ، ويشهد له تصريحه بعده : بأ نّها «صلّت كلّ صلاة بوضوء» .

وثانياً : أنّ قوله : «ودخلت المسجد» يمكن أن يكون بياناً لجواز دخولها المسجد ؛ أي يجوز لها الدخول في المسجد ، ويجوز لبعلها إتيانها ، كما في ذيل الصحيحة ، فحينئذٍ لا يكون قوله : «دخلت المسجد» لبيان إيقاع

الصلاة فيه .

ص: 498


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 325 - 326 .
2- الكافي 3 : 88 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 1 .
الأمر الخامس في وجوب الفحص والاختبار لتعيين نوع الاستحاضة
اشارة

هل يجب عليها الفحص والاختبار لتشخيص كونها من أيّ الثلاثة مطلقاً ، أو لا مطلقاً ، أو يفصّل بين ما إذا كان متعذّراً وغيره ، أو بين ما إذا كان كثير المؤونة

والمقدّمات وغيره ؟

قد يقال بوجوبه مطلقاً : إمّا لأ نّه من الموضوعات التي لا يمكن معرفتها غالباً إلاّ بالاختبار ، فلو رجعت إلى الأصل لزم منه الوقوع في محذور مخالفة التكليف غالباً ، كما لو رجع الشاكّ في الاستطاعة والنصاب والدين إلى الأصل قبل الفحص(1) .

وفيه : - مع منع الصغرى ؛ أي لزوم الوقوع في المخالفة غالباً - أ نّه لا محذور فيه بعد إطلاق أدلّة الاُصول . ودعوى انصرافها في محلّ المنع .

وإمّا للعلم الإجمالي بوجوب الوضوء أو الغسل عليها (2) .

وفيه : أنّ الاستصحاب الموضوعي أو الحكمي الجاري في جميع الموارد أو غالبها ، يوجب عدم تأثير العلم وانحلاله . مضافاً إلى ما تقدّم من وجوب الوضوء لكلّ صلاة في الأقسام الثلاثة(3) ، فيكون من قبيل الأقلّ والأكثر .

ص: 499


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 326 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 327 .
3- تقدّم في الصفحة 450 و459 و472 .

وإمّا لإطلاق بعض الأخبار الدالّة على وجوب الاختبار ، كموثّقة

عبد الرحمان بن أبي عبداللّه عن أبي عبداللّه علیه السلام وفيها : «وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ، ولتغتسل ولتستدخل كرسفاً ، فإن ظهر على الكرسف فلتغتسل ، ثمّ تضع كرسفاً آخر ، ثمّ تصلّي ، فإذا كان دماً سائلاً فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة»(1) .

بدعوى ظهورها في أنّ استدخال الكرسف ؛ لأجل اختبار أ نّه هل يظهر على الكرسف أو يسيل من ورائه أو لا ؟

وفيه : منع الظهور في ذلك ، بل الظاهر أنّ المراد منها أ نّها تغتسل بعد الاستظهار بيوم أو يومين ، وتستدخل كرسفاً ، وتصلّي بلا غسل وتغيير قطنة ؛ حتّى يظهر الدم على الكرسف ، فعند ذلك تعيد الغسل ، وتعيد الكرسف .

وهذه نظيرة رواية الجُعفي عن أبي جعفر علیه السلام وفيها : «وإن لم تَرَ طهراً

اغتسلت واحتشت ، ولا تزال تصلّي بذلك الغسل حتّى يظهر الدم على الكرسف ، فإذا ظهر أعادت الغسل وأعادت الكرسف»(2) .

وقريب منها صحيحة الصحّاف وموثّقة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام (3) .

ومنه يظهر الحال في صحيحة محمّد بن مسلم المرويّة عن مشيخة

ص: 500


1- تهذيب الأحكام 5 : 400 / 1390 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 171 / 488 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 10 .
3- تقدّمتا في الصفحة 448 و449 .

ابن محبوب ، عن أبي جعفر علیه السلام وفيها : «ثمّ تمسك قطنة ، فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع ، فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل»(1) .

فإنّ الظاهر أنّ المراد منها هو ما في الروايات السابقة ؛ أي فلتمسك قطنة فتصلّي ، فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع وصار كثيراً ، فلتجمع بين الصلاتين بغسل . ولا أقلّ من الاحتمال المساوي لاحتمال كون الإمساك للاختبار ، ويرجّح ما ذكرنا بقرينة سائر الروايات .

ويمكن الاستدلال للاختبار برواية ابن أبي يعفور عن أبي عبداللّه قال : «المستحاضة إذا مضت أيّام قرئها اغتسلت واحتشت كرسفها وتنظر ، فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها ، وتوضّأت وصلّت»(2) .

بدعوى : أنّ قوله : «تنظر» ظاهر في وجوب النظر لتشخيص الحال .

وفيه: منع الظهور في ذلك ، بل الظاهر أ نّها تمكث وتمهل حتّى يظهر الدم على الكرسف ، خصوصاً بملاحظة قوله : «زادت كرسفها» بل يحتمل أن يكون «تنظر» من باب الإفعال . وعلى أيّ تقدير تكون هذه الرواية أيضاً ؛ موافقة لسائر الروايات .

والإنصاف : أنّ التمسّك بمثل تلك الروايات لذلك ، في غير محلّه ، كما يظهر بالتأمّل فيها .

ص: 501


1- المعتبر 1 : 215 ؛ وسائل الشيعة 2 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث14 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 402 / 1258 ؛ وسائل الشيعة 2 : 376 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 13 .
التفصيل بين سهولة الاختبار وغيره

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ الاختبار لو كان سهلاً لا يحتاج إلاّ إلى وضع القطنة وإخراجها ، كان واجباً ؛ لانصراف أدلّة الاُصول - استصحاباً أو غيره - عمّا إذا

كان العلم بالموضوع لا يحتاج إلى الفحص والتفتيش ، بل يحتاج إلى مجرّد النظر والاختبار .

إلاّ أن يقال : إنّ عدم وجوب ذلك وجريان الأصل في مثله ، يستفاد من مضمرة زرارة الدالّة على حجّية الاستصحاب ، وفيها قلت : فهل عليّ إن شككت في أ نّه أصابه شيء أن أنظر فيه ؟ قال : «لا ، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك . . .»(1) إلى آخره .

ولكن لم يظهر منها أنّ ذلك للاتّكال على الاستصحاب ؛ حتّى نقول بجريانه في أمثاله من غير خصوصية في الموضوع ، فمن المحتمل أنّ في باب النجاسات مساهلات ليست في غيره ، كما يظهر من بعض روايات اُخر(2) ، فالتفصيل بين ما كان التشخيص محتاجاً إلى فحص ومقدّمات وبين غيره ، لا يخلو من وجه .

ومن ذلك يظهر : أنّ التشخيص إن كان متعذّراً أو متعسّراً ، تعمل على الاُصول الموضوعية - لو كانت - أو الحكمية .

ص: 502


1- تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1335 ؛ وسائل الشيعة 3 : 466 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 466 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 .

ثمّ لا إشكال في أنّ وجوب الاختبار - على فرض ثبوته - ليس نفسياً ولا شرطياً ، فلو لم تختبر وصلّت مع حصول قصد القربة ومطابقة الواقع ، أو احتاطت بالأخذ بأسوأ الأحوال ، فلا ريب في صحّة عباداتها وعدم كونها عاصية . نعم تكون في بعض الصور متجرّية . ولو صلّت وخالفت الواقع وقلنا بوجوب الاختبار ، استحقّت العقوبة ؛ لمخالفة الواقع ، لا لترك الفحص .

الأمر السادس لزوم منع خروج الدم قدر الإمكان
اشارة

يجب على المستحاضة الاستظهار في منع خروج الدم قدر الإمكان ؛ إذا لم تتضرّر بحبسه ، وفي «الجواهر» : «لم أجد فيه خلافاً ، بل لعلّه ممّا يقضي به بعض الإجماعات»(1) وهذا في الجملة ممّا لا ينبغي الإشكال فيه .

ويدلّ عليه - مضافاً إلى ذلك ، وإلى اشتراط طهارة البدن واللباس من الدم ووجوب تقليله على الظاهر ، وإلى حدثية دم الاستحاضة كما مرّ(2) ولزوم الاقتصار على القدر المتيقّن في العفو أو إلغاء السببية ، وأ نّه لو خرج مع التقصير يكون حدثاً غير معفوّ عنه ، ويجب عليها إعادة الوضوء أو الغسل على الأحوط لو لم يكن أقوى ؛ مع التسامح في الاحتشاء والاستثفار

ص: 503


1- جواهر الكلام 3 : 348 .
2- تقدّم في الصفحة 490 .

ونحوهما ، أو مع الصلاة لو صلّت بعد الخروج كذلك - الأخبارُ المتظافرة

الآمرة بالاستظهار(1) .

عدم وجوب الاستظهار قبل الوضوء أو الغسل ولا بعدهما

إنّما الكلام في أ نّه قبل الوضوء أو الغسل ، أو بعدهما ، أو قبل الوضوء وبعد الغسل ، الأقوى عدم وجوب كونه قبلهما ولا بعدهما :

أمّا الوضوء ، فلإطلاق ما دلّ على التوضّؤ لكلّ صلاة(2) ؛ من غير إشعار فيها بتقديم الاستظهار عليه أو تأخيره ، وبه يرفع اليد عمّا دلّ على حدثيته . مع إمكان إنكارها في مثل المقام .

وأمّا الغسل ، فلأنّ الأخبار وإن كانت ظاهرة في تقديم الغسل على الاستظهار - إمّا لأجل العطف ب- «ثمّ» في بعضها (3) وإمّا بدعوى كون مساقها والمتفاهم ممّا عطف فيها بالواو(4) أيضاً هو ما يتعارف عادةً من تقديم الغسل على الاحتشاء ، وهو على الاستثفار - لكن لا إشكال في عدم فهم شرطية ذلك في

ص: 504


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 371 - 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 1 ، 3 ، 7 و 8 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 1 و6 .
3- راجع وسائل الشيعة 2 : 374 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 7 و8 .
4- راجع وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 1 ، 2 ، 3 ، 5 ، 9 و10 .

صحّة الصلاة أو الغسل ؛ بحيث لو أمكن لها الغسل مع الاستثفار ، وقع غسلها وصلاتها باطلين ؛ ضرورة عدم فهم التعبّد من مثلها ، بل الظاهر منها أنّ ذلك لأجل العادة والتعارف وعدم تيسّر الاستثفار نوعاً ما بين الغسل ، فلا ينبغي الإشكال في جواز الاستثفار والاحتشاء قبل الغسل . بل أولوية التقديم مع الإمكان .

نعم ، الظاهر أ نّه مع إمكانه لا يجب ، ولا

يكون التحفّظ بذلك الحدّ من الضيق ، وإلاّ لتعرّض له في تلك الأخبار الكثيرة .

والإنصاف : أنّ دعوى القطع بعدم شرطية التأخير وعدم وجوبه التعبّدي - وكذا دعوى القطع بعدم لزومه مع الإمكان - في محلّهما .

وممّا ذكرنا - من عدم تعبّدية الاحتشاء والاستثفار ، وكونهما لأجل التحفّظ عن الدم - يعلم أ نّه لا كيفية خاصّة لهما ، فلو أمكنها التحفّظ بكيفية اُخرى مثلها ، فلا إشكال في كفايتها ، فلا داعي إلى تحصيل معنى «الاستثفار ، والاستذفار ، والتحشّي ، والاحتشاء» .

كما أنّ «الاستذفار» إن كان بمعنى التطيّب والاستجمار بالدخنة وغير ذلك ، لا يكون واجباً بلا إشكال ، بل لا يبعد أن يكون «الاستذفار» بمعنى الاستثفار ، ويكون التفسير ب- «التدخين» من الشيخ الكليني(1) ، كما احتمله في «الوافي»(2) .

ص: 505


1- الكافي 3 : 89 ، ذيل الحديث 3 .
2- الوافي 6 : 471 / 2 .
الأمر السابع في أنّ المستحاضة بعد أفعالها بحكم الطاهر
اشارة

قال المحقّق : «وإذا فعلت ذلك كانت بحكم الطاهر»(1) .

وقال العلاّمة في «القواعد» : «ومع الأفعال تصير بحكم الطاهر»(2) ، وفي «مفتاح الكرامة» : «إجماعاً كما في «الغنية» و«المعتبر» و«التذكرة» و«مجمع البرهان» و«شرح الجعفرية» و«كشف الالتباس» ، وفي «المنتهى» : «أ نّه مذهب علمائنا» ، وفي «المدارك» : «لا خلاف فيه بين العلماء»(3) ، انتهى .

بيان منطوق ومفهوم قولهم : «إذا فعلت ذلك تصير بحكم الطاهر»

ومنطوق هذه القضيّة - على إجماله - كأ نّه ممّا لا إشكال فيه ، لكن يحتمل أن يكون المراد منه أ نّها بحكم الطاهر ، لا أ نّها طاهرة ، فلا يجري عليها حكم الطاهر الحقيقي ، بل التنزيلي بمقدار دلالة دليل التنزيل ، فحينئذٍ يكون المقصود : أ نّه لا يترتّب عليها جميع أحكام الطاهر ، مثل مسّ الكتاب وغيره .

لكنّ الظاهر : أنّ هذا الاحتمال - كاحتمال كون المقصود تبيين ما تقدّم

ص: 506


1- شرائع الإسلام 1 : 27 .
2- قواعد الأحكام1 : 219 .
3- مفتاح الكرامة 3 : 349 ؛ غنية النزوع 1 : 40 ؛ المعتبر 1 : 248 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 290 - 291 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 163 ؛ كشف الالتباس1 : 243 ؛ منتهى المطلب 2 : 417 ؛ مدارك الأحكام 2 : 37 .

من الأحكام - غير وجيه ، ولهذا استثنى الشيخ وابن حمزة دخول الكعبة منه(1) ؛ لمرسلة يونس(2) ، وقد عدّوا الشيخ مخالفاً لهذا الحكم(3) .

ويحتمل أن يكون المراد أ نّها بحكم الطاهر إلى الإتيان بما فعلت لأجله ، فيكون إيجاد الغاية التي اغتسلت لأجلها نهايةً للحكم ؛ بمعنى أنّ العفو لا يكون إلاّ إلى تمام العمل الذي اغتسلت له .

ويحتمل أن يكون بحكمه إلى خروج الوقت ، أو إلى دخول وقت خطاب آخر ، أو إلى زمان الاشتغال بغسل آخر .

أو تكون بحكمه في جميع الآثار ، فلها مسّ الكتاب وغيره .

أو أ نّها بحكم الطاهر فيما تضطرّ إلى إتيانه ، كالطواف الواجب وركعتيه ، لا كمسّ الكتاب والإتيان بالصلوات المستحبّة .

ثمّ إنّه بعد قيام الدليل على كون الدم حدثاً ، وكون الخروج إنّما هو في بعض الأحيان عفواً أو إسقاطاً للسببية ، لا بدّ من قيام الدليل عليهما ، والقدر المتيقّن من الإجماع المدّعى أو عدم الخلاف هو أ نّها بحكم الطاهر إلى زمان إتيان ما فعلت لأجله ، فلو اغتسلت لصلاة الصبح فما لم تأتِ بها تكون بحكم الطاهر ، وأمّا بعد الإتيان بها فلا دليل على العفو وكونها بحكمه ؛ وإن قال شيخنا الأعظم : «ويمكن دعوى الإجماع على كونها كذلك ما دام وقت الصلاة

ص: 507


1- النهاية : 277 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 61 و193 .
2- الكافي 4 : 449 / 2 ؛ وسائل الشيعة 13 : 462 ، كتاب الحجّ ، أبواب الطواف ، الباب 91 ، الحديث 2 .
3- كشف اللثام 2 : 156 ؛ رياض المسائل 2 : 120 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 331 .

باقياً»(1) فلو ثبت الإجماع ، وإلاّ فالتحقيق ما عرفت . ومراعاة الاحتياط طريق النجاة .

ثمّ إنّ الظاهر جواز الإتيان بالوضوء والغسل للغايات الاضطرارية ، كالطواف وصلاته إذا ضاق وقتهما ، أو مطلقاً بدعوى فهمه من الأدلّة بإلغاء الخصوصية ، بعد كون الأمر بالوضوء والغسل ؛ لتحصيل مرتبة من الطهارة بحسب ارتكاز المتشرّعة وفهم العرف ، وأمّا ما لا يجب عليها ولا تضطرّ إليه فلا دليل على العفو ، ولا يمكن فهمه من الأدلّة .

نعم ، دلّت رواية إسماعيل بن عبد الخالق على تقديم ركعتين قبل الغداة ، ثمّ إتيان الغداة بغسل واحد(2) . لكنّها - مع ضعف السند - لا تثبت إلاّ نافلة الفجر ، ولها خصوصية ؛ لمكانِ أفضليتها من سائر الرواتب ، وكونِ تمام الوظيفة ركعتين ، فلا يمكن التعدّي إلى غيرها . إلاّ أن يتشبّث بالإجماع المنقول - عن «الغنية» و«المعتبر» و«المنتهى» و«التذكرة» و«كشف الالتباس» و«شرح الجعفرية» - على أ نّها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة ، كانت بحكم الطاهر ، وهو لا يخلو من تأمّل وإن لم يخلُ من وجه . والظاهر تسالمهم على جواز إتيان النوافل . هذا كلّه في منطوق القضيّة المتقدّمة .

وأمّا مفهومها ، فلا يبعد أن يكون غير مراد ، ولو كان مراداً فليس مفهومها إلاّ أ نّها مع عدم الإتيان بذلك ، ليست بحكم الطاهر ، ولا يفهم منه إلاّ عدم كونها

ص: 508


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 90 .
2- قرب الإسناد : 127 / 447 ؛ وسائل الشيعة 2 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 15 .

كذلك في الجملة ، وأمّا كونها بحكم الحائض فلا ؛ وإن كان يُشعر به بعض العبارات بل بعض معاقد الإجماعات ، لكنّهما ليسا بنحو يمكن الاعتماد عليهما في الخروج عن مقتضى القواعد .

بل ظاهر العبارة المحكيّة عن «المعتبر» يرفع الإجمال عن سائر العبارات ، ويبيّن المراد من المفهوم ؛ حيث قال : «إنّ مذهب علمائنا أجمع أنّ الاستحاضة حدث تبطل الطهارة بوجوده ، فمع الإتيان بما ذكر - من الوضوء إن كان قليلاً ، والأغسال إن كان كثيراً - تخرج عن حكم الحدث لا محالة ، وتستبيح كلّ ما تستبيحه الطاهر : من الصلاة ، والطواف ، ودخول المساجد ، وحلّ وطؤها ، وإن لم تفعل كان حدثها باقياً ، ولم يجز أن تستبيح شيئاً ممّا يشترط فيه الطهارة»(1) انتهى . وعن «التذكرة» قريب منها (2) .

والمستفاد منهما أ نّها مع عدم الإتيان تكون محدثة ، وهذا هو الذي دلّت عليه الأدلّة ؛ ضرورة أنّ الأمر بالوضوء والغسل لصلاتها لكون الدم حدثاً ، وهما رافعان له حكماً .

فتحصّل : أنّ الظاهر من الأدلّة بل الإجماع هو عدم جواز ما يشترط فيه الطهارة إلاّ بالإتيان بالوظائف ، وأمّا ما لا يكون مشروطاً بها كدخول المسجدين ، والمكث في سائرالمساجد ، وقراءة العزائم ، فلايستفاد منها تحريمه عليها ، ولا قام الإجماع أو الشهرة على التحريم بعد كون المسألة محلّ خلاف قديماً وحديثاً .

نعم ، قد وردت في خصوص الوط ء روايات لا بدّ من البحث عنها مستقلاًّ .

ص: 509


1- المعتبر 1 : 248 .
2- تذكرة الفقهاء 1 : 290 - 291 .
جواز وط ء المستحاضة

فنقول : قد اختلفت الآراء في جواز وط ء المستحاضة ، فقيل بالإباحة مطلقاً من دون توقّفه على شيء ، كما عن «البيان» و«المدارك» و«الكفاية» و«التحرير» و«الموجز» و«مجمع البرهان»(1) .

وقيل بالكراهة ، كما عن «المعتبر» و«التذكرة» و«الدروس» و«الروض» و«كشف الالتباس» و«الذخيرة» و«جامع المقاصد» و «شرحي الجعفرية»(2) .

وقيل بتوقّفه على جميع ما عليها من الأفعال ، كما نسب إلى ظاهر «المقنعة» و«الاقتصاد» و«الجمل والعقود» و«الكافي» و«الإصباح» و«السرائر»(3) بل عن «المعتبر» و«التذكرة» و«الذكرى» نسبته إلى ظاهر الأصحاب(4) .

وقيل بتوقّفه على الغسل والوضوء ، كما عن ظاهر «المبسوط»(5) .

ص: 510


1- البيان : 66 ؛ مدارك الأحكام 2 : 37 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 31 ؛ تحرير الأحكام 1 : 110 ؛ الرسائل العشر لابن فهد الحلّي ، الموجز الحاوي لتحرير الفتاوى : 47 - 48 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 164 - 166 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 351 ؛ المعتبر 1 : 248 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 291 ؛ الدروس الشرعية 1 : 99 ؛ روض الجنان 1 : 235 - 236 ؛ كشف الالتباس 1 : 244 ؛ ذخيرة المعاد : 76 / السطر 12 و16 ؛ جامع المقاصد 1 : 344 .
3- اُنظر كشف اللثام 2 : 157 ؛ المقنعة : 57 ؛ الاقتصاد : 246 ؛ الرسائل العشر للشيخ الطوسي ، الجمل والعقود : 164 - 165 ؛ الكافي في الفقه : 129 ؛ إصباح الشيعة : 39 ؛ السرائر 1 : 153 .
4- المعتبر 1 : 248 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 291 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 250 .
5- المبسوط 1 : 67 .

وقيل بتوقّفه على الغسل خاصّةً ، كما عن الصدوقين(1) بل ربّما احتمل تنزيل كلمات كثير منهم على هذا القول(2) .

واستدلّ للجواز(3) - بعد الأصل ، وعمومات حلّ الأزواج ، وخصوص قوله تعالى : )حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ((4) - بإطلاقات روايات :

منها : صحيحة صفوان عن أبي الحسن علیه السلام قال : قلت له : إذا مكثت المرأة عشرة أيّام ترى الدم ، ثمّ طهرت فمكثت ثلاثة أيّام طاهراً ، ثمّ رأت الدم بعد ذلك ، أتمسك عن الصلاة ؟ قال : «لا ؛ هذه مستحاضة ، تغتسل وتستدخل قطنة بعد قطنة ، وتجمع بين صلاتين بغسل ، ويأتيها زوجها إن أراد»(5) .

والظاهر منها أنّ جواز الإتيان حكم فعلي من أحكام المستحاضة ، كما أنّ الجمع بين الصلاتين بغسل واستدخال القطنة أيضاً من أحكامها ، وإطلاقها يقتضي الجواز بلا شرط .

ومثلها : صحيحة عبداللّه بن سنان عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر ، وتصلّي الظهر والعصر . . .» إلى أن قال : «ولا بأس

ص: 511


1- الفقيه 1 : 50 ، ذيل الحديث 195 ؛ الهداية ، الصدوق : 99 .
2- جامع المقاصد 1 : 343 ؛ اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم4 : 102 - 103 ؛ جواهر الكلام 3 : 356 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 164 ؛ مدارك الأحكام 2 : 37 ؛ مستند الشيعة 3 : 31 - 32 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 342 - 343 .
4- البقرة (2) : 222 .
5- الكافي 3 : 90 / 6 ؛ وسائل الشيعة 2 : 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 3 .

بأن يأتيها بعلها إذا شاء إلاّ أيّام حيضها»(1) .

والظاهر منها - بقرينة الاستثناء - أنّ جواز الإتيان من أحكام المستحاضة ، لا من أحكام التي فعلت الأفعال المذكورة ؛ لبطلان الاستثناء لو اُريد ذلك . مع أنّ

جواز الوط ء لا يكون معلّقاً على جميع الأغسال الثلاثة بلا إشكال .

ومنه يظهر الحال في ذيل صحيحة معاوية : «وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت ودخلت المسجد ، وصلّت كلّ صلاة بوضوء ، وهذه يأتيها بعلها إلاّ في أيّام حيضها»(2) .

فإنّ الاستثناء قرينة على أنّ المشار إليها ب- «هذه» هي نفس المستحاضة القليلة ، لا من توضّأت لكلّ صلاة ، وبهذا التقريب يقوى الإطلاق . واحتمال كون الحكم حيثياً ، بعيد عن ظاهر الرواية ومساقها .

وقريب منها صحيحة محمّد بن مسلم المرويّة عن مشيخة ابن محبوب(3) ، وموثّقة حفص بن غياث(4) .

ويمكن أن يستدلّ له بموثّقة فضيل وزرارة عن أحدهما علیهما السلام قال :

ص: 512


1- الكافي 3 : 90 / 5 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 171 / 487 ؛ وسائل الشيعة 2 : 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 4 .
2- الكافي 3 : 88 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 1 .
3- المعتبر 1 : 215 ؛ وسائل الشيعة 2 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث14 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 177 / 506 ؛ وسائل الشيعة 2 : 388 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 17 .

«المستحاضة تكفُّ عن الصلاة أيّام أقرائها . . .» إلى أن قال : «وتجمع بين المغرب والعشاء بغسل ، فإذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها»(1) .

فإنّ المراد ب- «حلّية الصلاة» هي المقابلة للحرمة الثابتة في أيّام أقرائها ، فيكون المراد أنّ حلّية الوط ء ملازمة لحلّية الصلاة ، ولا إشكال في أ نّه بعد أيّام

الأقراء ، تحلّ لها الصلاة فعلاً . ولا ينافي حلّيتها اشتراط تحقّقها باُمور : فإنّ تلك الاُمور ليست من شرائط الحلّية ، بل هي من شرائط تحقّق الصلاة ، فالمرأة إذا خرجت من أيّامها ، صارت الصلاة واجبة عليها بالضرورة من غير توقّف على شيء ، والصلاة الواجبة لا يمكن أن تكون محرّمة عليها ، بل محلّلة وإن كانت مشروطة بالأغسال والوضوءات وغير ذلك .

ومنها يظهر الحال في موثّقة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه ، وفيها : «فإذا كان دماً سائلاً فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة ، ثمّ تصلّي صلاتين بغسل واحد ، وكلّ شيء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها ، ولتطف بالبيت»(2) .

فإنّ الظاهر منها أنّ كلّ ما يستحلّ به الصلاة - أي نفس الطبيعة - يستحلّ به الوط ء ، ولا إشكال في أنّ الأغسال غير دخيلة في استحلال الصلاة حتّى الاستحلال الفعلي للطبيعة ، كما أنّ الستر والقبلة وغيرهما لا دخل لها فيه ، بل هي شرائط لتحقّقها .

ص: 513


1- تهذيب الأحكام 1 : 401 / 1253 ؛ وسائل الشيعة 2 : 376 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 12 .
2- تهذيب الأحكام 5 : 400 / 1390 ؛ وسائل الشيعة 2 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 8 .

ولو اُنكر ظهورها فيما ذكر ، فلا أقلّ من الاحتمال المسقط لاستدلال الخصم .

وفي قبال تلك الروايات روايات :

منها : رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المستحاضة كيف تصنع ؟ . . . إلى أن قال : «فإذا كان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر ، ثمّ تصلّي ركعتين قبل الغداة ، ثمّ تصلّي الغداة» .

قلت : يواقعها زوجها ؟ قال : «إذا طال بها ذلك فلتغتسل ولتتوضّأ ، ثمّ يواقعها إن أراد»(1) .

ولعلّها مستند الشيخ في ظاهر «المبسوط»(2) لكنّها - مع ضعف سندها بالطيالسي ووهن متنها من حيث انفرادها في اُمور ؛ منها : الأمر بصلاة ركعتين قبل صلاة الغداة ، ومنها : تعليق جواز الوط ء على طول المدّة ممّا لم يقل به أحد ، ومنها : الأمر بالتوضّؤ - لا يمكن الاتّكال عليها في تقييد المطلقات .

ومنها : رواية مالك بن أعين ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن المستحاضة ، كيف يغشاها زوجها ؟ قال : «تنظر الأيّام التي كانت تحيض فيها وحيضتها مستقيمة ، فلا يقربها في عدّة تلك الأيّام من ذلك الشهر ، ويغشاها فيما سوى ذلك من الأيّام ، ولا يغشاها حتّى يأمرها فتغتسل ، ثمّ يغشاها إن أراد»(3) .

ص: 514


1- قرب الإسناد : 127 / 447 ؛ وسائل الشيعة 2 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 15 .
2- المبسوط 1 : 67 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 402 / 1257 ؛ وسائل الشيعة 2 : 379 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 3 ، الحديث 1 .

وهي أيضاً مخدوشة السند بمالك . وتصحيح العلاّمة والشهيد(1) حديثاً (2) هو في سنده أعمّ من توثيق الرجل ، والروايات التي تدلّ على حسنه كلّها تنتهي إليه(3) ، وكيف يمكن الوثوق بحال الرجل من قول نفسه ونقله ؟! وتوصيف

الرواية بالصحّة - كما وقع من بعض متأخّري المتأخّرين(4) - غير وجيه ولو قلنا بوثاقة الجهني ؛ لأنّ في سندها الزبيري ، وهو لا يخلو من كلام ؛ وإن كان الأصحّ وثاقته(5) ووثاقة علي بن الحسن بن فضّال .

فالرواية موثّقة مع الغضّ عن الجهني ، وضعيفة مع النظر إليه ، ومخدوشة الدلالة باحتمال كون الغسل المأمور به هو غسل الحيض .

وما يقال : «من أنّ حمل «الغسل» على غسل الحيض بعيد ؛ لأنّ ظاهرها توقّف الوط ء مطلقاً في غير تلك الأيّام على الغسل»(6) .

غير تامّ ؛ لمنع ظهورها في توقّف كلّ وط ء على غسل ، بل من المحتمل قريباً

ص: 515


1- مختلف الشيعة 9 : 74 ؛ الدروس الشرعية 2 : 345 .
2- الكافي 7 : 143 / 1 ؛ الفقيه 4 : 245 / 788 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 368 / 1315 ؛ وسائل الشيعة 26 : 18 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب موانع الإرث ، الباب 2 ، الحديث 1 .
3- الكافي 2 : 180 / 6 ، و8 : 146 / 122 ؛ كشف الغمّة 2 : 353 و408 و414 ؛ اُنظر تنقيح المقال 2 : 47 / السطر 29 (أبواب الميم) .
4- ذخيرة المعاد : 70 / السطر8 ؛ وراجع أيضاً الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 97 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 348 .
5- تقدّم بعض الكلام في وثاقته في الصفحة 79 .
6- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 348 .

أن يكون مفادها أنّ الوط ء مطلقاً - فيما سوى الأيّام - متوقّف على صِرف وجود الغسل ، وهو غسل الحيض الذي يجب عليها بعد أيّامها .

وتؤيّد هذا الاحتمال روايته الاُخرى بعين هذا السند ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن النفساء ، يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم ؟ قال : «نعم ؛ إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها ، ثمّ تستظهر بيوم ، فلا بأس بعدُ أن يغشاها زوجها ؛ يأمرها فتغتسل ، ثمّ يغشاها إن أحبّ»(1) وهي ظاهرة في غسل النفاس .

ووجه التأييد : أنّ من المحتمل قريباً كونهما رواية واحدة سأل عن المستحاضة والنفساء ، وحينئذٍ يكون الجواب في النفساء رافعاً لإبهام الجواب عن المستحاضة على فرض إبهامه ، تأمّل . وكيف كان فلا يمكن تقييد المطلقات بمثل هذه الرواية .

بقيت موثّقة سماعة قال : قال : «المستحاضة إذا ثقب الدم الكرسف . . .» إلى أن قال : «وإن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل»(2) .

والتمسّك بها إمّا بمفهوم الشرط ، ولا مفهوم له في المقام على فرض تسليمه في غيره ؛ لأنّ مفهومه : إن لم يرد زوجها . . . ولا إشكال في عدم إثباته المطلوب .

وإمّا بمفهوم القيد ؛ بأن يقال : إنّ جواز الإتيان حين الغسل ، وفي غير حينه

ص: 516


1- تهذيب الأحكام 1 : 176 / 505 ؛ وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 4 .
2- الكافي 3 : 89 / 4 ؛ وسائل الشيعة 2 : 374 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 6 .

لا يجوز ، وهو كما ترى ؛ حيث إنّ القيد لا مفهوم له أوّلاً ، ولا يعلم أنّ المقدّر ماذا ثانياً ؛ أي إن أراد أن يأتيها فحين تغتسل يأتيها ؟ أو حين تغتسل لا بأس بأن يأتيها ؟ والظاهر وإن كان الأوّل ، لكن لا يدلّ على حرمة الإتيان قبل الغسل ؛ لأنّ

الأمر بالإتيان حين تغتسل - المستفاد من الجملة الخبرية - يحتمل أن يكون للاستحباب ، فيدلّ على نفيه عند انتفاء القيد .

والإنصاف : أنّ رفع اليد عن الإطلاقات المتقدّمة بمثلها غير ممكن . بل لو قلنا بدلالة جميع الروايات على ما يدّعى من اعتبار القيود المأخوذة فيها - فكان قوله : «كلّ شيء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها» دالاًّ على التعليق على جميع الأعمال ، وكذا قوله : «إذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها» ورواية إسماعيل دالّةً على اعتبار الغسل والوضوء ، ورواية مالك وسماعة دالّتين على الغسل فقط ، ورواية الرضوي على الغسل وتنظيف المحلّ(1) - كان الأرجح هو حملها على مراتب الكراهة أو الاستحباب ، لا التقييد بالأخصّ مضموناً ؛ فإنّ الحمل الأوّل أوفق بنظر العرف والعقلاء ، فتدبّر .

ص: 517


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 191 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 45 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 3 ، الحديث1 .
الأمر الثامن في حكم صوم المستحاضة
اشارة

بطلان صوم المستحاضة إذا أخلّت بأغسالها

قالوا : «إن أخلّت بالأغسال التي عليها لم يصحّ صومها» ، وفي «الجواهر» : «من غير خلاف أجده فيه»(1) ، وعن «جامع المقاصد» و«الروض» الإجماع عليه(2) ، وعن «المبسوط» : «هو الذي رواه أصحابنا»(3) ، وعن «المدارك» و«الذخيرة» و«شرح المفاتيح» : «هو مذهب الأصحاب»(4) .

والأصل فيه - على الظاهر - صحيحة علي بن مَهْزيار قال : كتبت إليه : امرأة طهرت من حيضها أو دم نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان ، ثمّ استحاضت ، فصلّت وصامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة ؛ من الغسل لكلّ صلاتين ، هل يجوز صومها وصلاتها أم لا ؟ فكتب : «تقضي صومها ، ولا تقضي صلاتها؛ لأنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك»(5).

ص: 518


1- جواهر الكلام 3 : 364 .
2- جامع المقاصد 1 : 73 ؛ روض الجنان 1 : 59 .
3- المبسوط 1 : 68 .
4- مدارك الأحكام 2 : 38 ؛ ذخيرة المعاد : 76 / السطر 23 ؛ مصابيح الظلام 1 : 252 .
5- الفقيه 2 : 94 / 419 ؛ وسائل الشيعة 2 : 349 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 41 ، الحديث 7 .

وفي رواية الكليني والشيخ : «كان يأمر فاطمة والمؤمنات . . .»(1) .

والإشكال فيها بالإضمار(2) في غير محلّه بعد كون المكاتب مثل ابن مهزيار ،

كالإشكال(3) باشتمالها على رؤية الصدّيقة الطاهرة ما تراه النساء ، مع أ نّه مخالف للأخبار(4) لعدم معلومية كونها الصدّيقة ، ولعلّها فاطمة بنت

أبي حبيش . وعلى فرض كونها الصدّيقة الطاهرة ، فلعلّه كان يأمرها لتأمر النساء ، كما في بعض روايات الحيض(5) . مع أنّ رواية الصدوق لا تشتمل على ذلك .

وكالإشكال باشتمالها على ما هو خلاف مذهب الأصحاب ؛ من عدم قضاء الصلاة(6) .

ولهذا ربّما يقال : «لا ينبغي الارتياب في أنّ ما كتبه الإمام في الجواب ؛ إنّما هو لبيان حكم الحائض ، كما يدلّ عليه قوله : «ولا تقضي الصلاة» وقوله : «لأنّ

رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كان يأمر...» إلى آخره ، فإنّه كان يأمر بذلك بالنسبة إلى

ص: 519


1- الكافي 4 : 136 / 6 ؛ تهذيب الأحكام 4 : 310 / 937 .
2- مدارك الأحكام 2 : 39 ؛ مستند الشيعة 3 : 38 .
3- الحدائق الناضرة 3 : 296 .
4- راجع الكافي 1 : 458 / 2 ؛ علل الشرائع : 179 / 4 و181 / 1 ؛ الفقيه 1 : 50 / 194 ؛ كشف الغمّة 2 : 91 و92 ؛ بحار الأنوار 78 : 112 / 36 و37 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 37 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 37 ، الحديث 3 و4 و16 .
5- وسائل الشيعة 2 : 347 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 41 ، الحديث 2 .
6- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 161 ؛ مدارك الأحكام 2 : 39 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 351 .

الحيض ، كما في أخباره . مع أ نّه قضيّة فرضية لا يبعد عدم تحقّقها في الخارج . والحمل على القضيّة التقديرية بعيد . وما يقال : «من أنّ كون بعض فقرات الرواية مطروحةً ، لا يخرجها عن الحجّية فيما عداها»(1) جمود بحت في مثل المورد ؛ إذ لا نقول بحجّية الأخبار من باب السببية المحضة تعبّداً من حيث السند أو الدلالة ؛ حتّى نلتزم بمثل هذه التفكيكات ، وإنّما نلتزم بعدم خروج بعض الفقرات من الحجّية بخروج بعض آخر ؛ إذا تطرّق احتمال خلل في الفقرة المطروحة يخصّها ؛ من نحو السقط والتحريف والتقيّة ، وأمّا مثل هذه الرواية - التي يشهد سوقها وتعليلها ومخالفة مدلولها للعامّة باشتراك الفقرتين في الاحتمالات المتطرّقة ، وعدم اختصاص ثانيتهما باحتمال يعتدّ به - فالتفكيك في غاية الإشكال» (2)، انتهى .

وفيه : أنّ نفي الارتياب عن كون الجواب عن الحيض في مكاتبةٍ لا يكون المسؤول عنه إلاّ تكليف قضاء المستحاضة والنفساء صومَهما وصلاتَهما مع عدم الإتيان بالأغسال التي عليهما ، في غاية الغرابة .

وأغرب منه الاستدلال عليه : «بأنّ هذا تكليف الحائض ؛ وأنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم - بحسب روايةٍ - أمر المؤمنات الحائضات بذلك» فإنّ ما ذكر

لا يدلّ على أنّ الإمام علیه السلام أجاب عن الحيض في جواب السؤال عن الاستحاضة . بل كون الحكم بالنسبة إلى الصلاة خلافَ الواقع ، دليلٌ على وجود خلل في الرواية .

ص: 520


1- جواهر الكلام 3 : 365 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 109 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 350 - 351 .

ولا يبعد أن يكون الخلل زيادة لفظة «لا» قبل «تقضي صلاتها» وأن يكون الصواب «تقضي صومها ، وتقضي صلاتها» ولمّا كان المعروف الوارد في روايات كثيرة : أنّ الحائض تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ، صار هذا الارتكاز والمعروفية سبباً للاشتباه ، فزاد بعض الرواة أو بعض النسّاخ ذلك . وهذا الخلل الجزئي في فقرة من الرواية ، لا يوجب رفع اليد عن الفقرة الاُخرى المفتى بها ، ولا ريب أنّ منشأ فتواهم هو هذه الصحيحة .

وأمّا ما استشهد به لمدّعاه : «من أ نّه قضيّة فرضية ؛ لا يبعد عدم تحقّقها في الخارج» فلم يظهر وجهه ؛ فإنّ النسيان والجهل بالحكم - خصوصاً في النساء - ليس أمراً حادثاً في الأزمنة المتأخّرة ، ولا أمراً عزيزاً .

وأمّا ما ذكره أخيراً : «من أنّ التفكيك بين الفقرتين في مثل تلك الرواية ، في غاية الإشكال» فلم يتّضح وجهه . مع أنّ زيادة لفظة «لا» فيها - خطأً واشتباهاً - غير بعيد مع الارتكاز المشار إليه آنفاً ، وما ذكره دليلاً على عدم إمكان التفكيك أوهن من أصل الدعوى .

والإنصاف: أنّ رفع اليد عن رواية صحيحة واضحة الدلالة في فقرة منها ؛ لأجل خلل في فقرتها الاُخرى - مع اتّكال الأصحاب عليها قديماً وحديثاً - غير ممكن .

وأمّا الاحتمالات التي ذكرت في الرواية ممّا ينبو عنها الطبع السليم ، فلا ينبغي التعرّض لها .

فالحكم - على إجماله - ممّا لا إشكال فيه نصّاً وفتوى .

ص: 521

توقّف صحّة صوم المستحاضة على الأغسال النهارية

وإنّما الكلام في أنّ صحّة صومها ، هل تتوقّف على جميع الأغسال حتّى غسل الليلة المستقبلة ، أو تتوقّف على غير غسل الليلة المستقبلة ، أو على الأغسال النهارية فقط ، أو على غسل الليلة الماضية فقط ، أو على غسل من الأغسال في الجملة ؟

احتمالات ، ولبعضها وجه وقول ، ولا يظهر من النصّ(1) إلاّ أنّ تركها للجميع موجب للقضاء ، وأمّا أنّ السبب ترك المجموع أو الجميع أو غير ذلك ، فلايعلم منه .

كما أنّ ما في المتون - مثل قوله في «الشرائع» : «وإن أخلّت بالأغسال لم يصحّ صومها»(2) ومثله ما في «القواعد»(3) - لم يظهر منه أنّ الإخلال بالمجموع أو الجميع يوجب ذلك . ويحتمل أن يكون مرادهم أنّ الإخلال بشيء منها يوجبه ؛ وإن يبعّده اختيار العلاّمة على ما عن «التذكرة» و«المنتهى»(4) والشهيد كما عن «البيان» و«الذكرى»(5) وبعضٍ آخر(6) التوقّفَ على الأغسال النهارية ، والتردّد في غسل الليلة الماضية ، بعد الحكم بعدم التوقّف على غسل الليلة المستقبلة .

ص: 522


1- وهي صحيحة علي بن مهزيار ، التي تقدّمت في الصفحة 518 .
2- شرائع الإسلام 1 : 27 .
3- قواعد الأحكام 1 : 219 .
4- تذكرة الفقهاء 6 : 104 - 105 ؛ منتهى المطلب 9 : 208 .
5- البيان : 66 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 249 .
6- جامع المقاصد 1 : 344 ؛ مسالك الأفهام 1 : 75 ؛ روض الجنان 1 : 239 .

ثمّ إنّ ما ذكر بالنسبة إلى الليلة المستقبلة وجيه ؛ لعدم انقداح مؤثّرية الأمر المتأخّر في المتقدّم في ذهن العرف من النصّ ومعقد الإجماع المدّعى ، فالنصّ والفتوى منصرفان عنه ، ولو لا تسالمهم على توقّفه على النهارية ، وترديدهم في غسل الليلة الماضية - حيث يظهر منهم أنّ القدر المتيقّن هو النهارية - لكان للإشكال في النهارية مجال ، وللذهاب إلى توقّفه على الغسل للعشاءين فقط وجه .

لكنّ الأوجه هو التوقّف على النهارية ؛ لكونها المتيقّنة ظاهراً . ويمكن أن يوجّه ذلك بأنّ المستفاد من النصّ والفتوى ، حدثية الاستحاضة الكبرى ومنافاتها للصوم إجمالاً ، واحتمال التعبّد في غاية البُعد وخلافُ المتفاهم من النصّ ، فحينئذٍ مع عدم الغسل يكون الخروج اختيارياً بلا عفو ، ومع الغسل يكون معفوّاً عنه ، فلا محيص عن الأغسال النهارية لصحّته . كما يمكن الاستدلال لغسل الليلة الماضية بذلك . وكيف كان : فلو تركت غسل العشاءين فالأحوط غسل لصلاة الفجر قبله ، أو للصوم قبله .

ثمّ إنّ ظاهر النصّ اختصاص الحكم بالكثيرة ، ولهذا نقل عن ظاهر كثير من الفقهاء اختصاصه بها (1) ، فالمتوسّطة تحتاج إلى دليل . ويمكن التقريب المتقدّم

فيها بعد البناء على كونها حدثاً أكبر ؛ بدعوى كون الحكم للحدث الأكبر ؛ وإن لم يخلُ عن تأمّل وإشكال .

والحمد للّه تعالى

ص: 523


1- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 109 - 110 ؛ شرائع الإسلام 1 : 27 ؛ الجامع للشرائع : 157 ؛ قواعد الأحكام 1 : 219 ؛ البيان : 35 .

ص: 524

المقصد الثالث: في النفاس

اشارة

ص: 525

ص: 526

تمهيد فيما

هو موضوع الأحكام الشرعية في المقام

والظاهر أ نّه لا ثمرة معتدّاً بها في تحصيل معناه اللغوي أو العرفي ؛ لعدم تعليق حكم في النصوص على هذا العنوان بنحو الإطلاق ؛ حتّى يكون العرف أو اللغة مرجعاً لتحصيله ، بل الروايات الواردة في هذا الباب ، ظاهرة في ترتّب الأحكام على دم الولادة لا على نفسها . مضافاً إلى بُعد كون الولد بنفسه حدثاً ، بل الظاهر من روايات الباب وارتكاز المتشرّعة ، أنّ الدم هو الحدث ، كما في دم الحيض والاستحاضة .

وبالجملة : لو سلّم كون «النفاس» صادقاً على نفس الولادة ، فلا دليل على كون مطلق النفاس موضوعاً لحكم شرعي ، فكما ذكرنا في باب الحيض : أنّ الشارع المقدّس جعل صنفاً خاصّاً من دم الحيض موضوعاً لحكمه ، وحدّده بحدود لا يتجاوز عنها ؛ ولو علمنا بأنّ الخارج عنها يكون حيضاً أيضاً (1) ،

ص: 527


1- تقدّم في الصفحة 7 - 8 .

فكذلك نقول في المقام : إنّ المستفاد من النصوص والفتاوى : أنّ دم الولادة موضوع للأحكام الشرعية ، فلو كان عنوان «النفاس» أعمّ منه ، فلا محالة يكون حاله حال الحيض أو شبيهاً به .

كما أنّ الأمر كذلك في جانب الأكثر ؛ فإنّ «دم النفاس» لو صدق على الأكثر من العشرة أو الثمانية عشر - كما هو الظاهر - فلا إشكال في أنّ الحكم مترتّب على حدّ خاصّ ؛ هو العشرة أو الثمانية عشر ؛ على اختلاف فيه ، فالزائد عن الحدّ وإن صدق عليه عنوان «النفاس» و«دم الولادة» لكنّ الأحكام لا تترتّب إلاّ على المحدود بالحدّ الشرعي .

والحاصل : أ نّه لا دليل على ثبوت حكم لمطلق عنوان «النفاس» حتّى يلزم الفحص والتحقيق لعنوانه لغةً وعرفاً . وقوله : «وغسل النفاس واجب»(1) لا إطلاق فيه ، كما لا يخفى . واحتمال إطلاقه - من حيث التعرّض في غسل الاستحاضة لخصوصيات الكثيرة - غير معتنى به بعد كونه في جميع الفقرات بصدد بيان أصل الوجوب .

هذا مع أنّ تعليق الحكم في جميع الروايات على دم الولادة ، يوجب رفع اليد عن الإطلاق في رواية واحدة ؛ على فرض تسليمه .

ولكنّ الأشبه بنظر العرف : أنّ «النفاس» هو دم الولادة من «النفس» بمعنى الدم . ولو اُطلق على نفس الولادة - كما اُطلق «المنفوس» في بعض الروايات

ص: 528


1- الكافي 3 : 40 / 2 ؛ وسائل الشيعة 2 : 173 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 1 ، الحديث 3 .

على المولود(1) - فلا يبعد أن يكون بضرب من التأوّل باعتبار خروج الدم معها ، وكذا على تنفّس الرحم ، ولهذا نقل عن المطرزي : «وأمّا اشتقاقه من تنفّس الرحم أو خروج النفس بمعنى الولد ، فليس بذاك»(2) .

وممّا ذكرنا يظهر : أ نّه لو خرج الطفل تامّاً ولم يخرج الدم ، لم يكن لها نفاس ، فما عن الشافعي في أحد قوليه وأحمد في إحدى الروايتين من ثبوت الحكم لها (3) ، ليس بشيء .

نعم ، ربّما يتوهّم من بعض الروايات : أنّ الولادة موضوع الحكم ، كموثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبداللّه علیه السلام : في المرأة يصيبها الطلق أيّاماً أو يوماً أو

يومين ، فترى الصفرة أو دماً ، قال : «تصلّي ما لم تلد . . .»(4) إلى آخره .

ومثلها موثّقته الاُخرى(5) ، والظاهر أ نّهما واحدة .

وجه التوهّم : أنّ المفهوم منها أ نّها إذا ولدت لم تصلّ ، فتكون الولادة تمام الموضوع لحرمة الصلاة .

ص: 529


1- وسائل الشيعة 26 : 302 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الخُنثى ، الباب 7 ، الحديث 1 ، 2 ، 3 ، 5 و6 .
2- اُنظر كشف اللثام 2 : 169 ؛ المغرب في ترتيب المعرب 2 : 222 .
3- اُنظر الخلاف 1 : 245 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 326 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 209 ؛ المجموع 2 : 149 - 150 .
4- الكافي 3 : 100 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 403 / 1261 ؛ وسائل الشيعة 2 : 391 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 4 ، الحديث 1 .
5- الفقيه 1 : 56 / 211 ؛ وسائل الشيعة 2 : 392 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 4 ، الحديث 3 .

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ الظاهر منها أنّ رؤية الصفرة والدم قبل الولادة ، لا توجب حرمة الصلاة ، دون ما بعدها ، فحينئذٍ تدلّ الموثّقة على ما هو المشهور ؛ من أنّ الدم موضوع الحكم لا الولادة .

ويشهد له خبر زُرَيْق بن الزبير الخلقاني عن أبي عبداللّه علیه السلام : أنّ رجلاً سأله عن امرأة حامل رأت الدم ، فقال : «تدع الصلاة» .

قال : فإنّها رأت الدم وقد أصابها الطلق ، فرأته وهي تمخض ، قال : «تصلّي حتّى يخرج رأس الصبيّ ، فإذا خرج رأسه لم يجب عليها الصلاة . . .» .

إلى أن قال : ما الفرق بين دم الحامل ودم المخاض ؟ قال : «إنّ الحامل قذفت بدم الحيض ، وهذه قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج بعض الولد ، فعند ذلك يصير دم النفاس ، فيجب أن تدع في النفاس والحيض ، فأمّا ما لم يكن حيضاً أو نفاساً فإنّما ذلك من فتق الرحم»(1) .

حيث علّق الحكم على الدم الخارج مع خروج رأس الطفل ، فيظهر منها أنّ الموضوع للحكم هو الدم ، لا خروج رأس الولد ، كما يتّضح ذلك بالتأمّل فيها ، فلا إشكال في المسألة من هذه الجهة .

وكيف كان : فيتمّ المقصد بذكر مسائل :

ص: 530


1- الأمالي ، الطوسي : 699 / 34 ؛ وسائل الشيعة 2 : 334 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 17 .
المسألة الاُولى في أحكام الدم الخارج قبل الولادة وبعدها والمقارن لها
اشارة

1 - حكم الدم المتقدّم على الولادة

لو رأت دماً قبل الأخذ في الولادة وظهور شيء من الولد ، لم يكن نفاساً وإن كان بعد الطلق ؛ بلا خلاف كما عن «الخلاف» و«كشف الرموز» و«التنقيح» و«جامع المقاصد» و«شرحي الجعفرية» وغيرها (1) بل عن «المختلف» و«التذكرة» و«المدارك» و«حاشية الإرشاد» الإجماع عليه(2) .

وتدلّ عليه أيضاً موثّقة عمّار بن موسى ورواية زُريق الخلقاني المتقدّمتان(3) ، فلا إشكال في ذلك .

حول الحكم بحيضية الدم المتقدّم المستجمع لشرائط الحيض

إنّما الإشكال في أ نّه على تقدير جامعيته لشرائط الحيض - من غير تحقّق فصل أقلّ الطهر بينه وبين دم النفاس - يحكم بحيضيته ؛ بدعوى عدم اعتبار أقلّ

ص: 531


1- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 373 ؛ الخلاف 1 : 246 ؛ كشف الرموز 1 : 84 ؛ التنقيح الرائع 1 : 113 ؛ جامع المقاصد 1 : 346 ؛ الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية ، المحقّق الخوانساري : 73 / السطر 29 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 373 ؛ مختلف الشيعة 1 : 215 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 325 ؛ مدارك الأحكام 2 : 44 .
3- تقدّمتا في الصفحة 529 و530.

الطهر بينه وبين النفاس المتأخّر ، أو لا باعتبار اشتراط ذلك ؟

ومورد الكلام ما إذا لم يكن مانع من جعله حيضاً إلاّ عدم فصل أقلّ الطهر ؛ كأن رأت ثلاثة أيّام في أيّام العادة ، أو جامعاً للصفات ، أو في زمان إمكانه ، ورأت

الطهر تسعة أيّام ، فرأت دم الولادة ، فبعد قيام النصّ والإجماع على كون دم الولادة نفاساً ، دار الأمر بين حيضية الدم السابق وكونه استحاضة ، بعد البناء على اجتماع الحيض والحمل ، كما هو الأقوى . فدعوى وفاق «الخلاف»(1) المبتنية على عدم اجتماعهما ، ليست وجيهة في ردّ ما نحن فيه .

وكيف كان : فلا بدّ في المقام من بسط الكلام في أمرين :

أحدهما : فيما يتشبّث به للزوم الفصل بأقلّ الطهر .

وثانيهما : - بعد الفراغ فرضاً عن عدم الدليل على الاشتراط - في أ نّه هل يكفي ذلك في الحكم بالحيضية بواسطة قاعدة الإمكان - لو تمّت - أو أمارات الحيض ، أو لا بدّ فيه من إحراز عدم الاشتراط ؟

ما يتشبّث به للزوم الفصل بأقلّ الطهر

فنقول : استدلّ على الاشتراط(2) بإطلاق مرسلة يونس القصيرة(3) وصحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر علیه السلام قال : «لا يكون القرء في أقلّ من عشرة أيّام

ص: 532


1- الخلاف 1 : 246 - 247 .
2- كشف اللثام 2 : 172 .
3- الكافي 3 : 76 / 5 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 157 / 452 ؛ وسائل الشيعة 2 : 294 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 ، الحديث 4 .

فما زاد ، وأقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم»(1) .

وفيهما إشكال :

أمّا المرسلة ، ففيها : - مضافاً إلى الإشكالات المتقدّمة في محلّها (2) عليها - أنّ سياقها يشهد بأنّ الطهر الذي فيه ، هو الذي يكون لاختزان الدم لأجل القذف في وقته ؛ فإنّ قوله : «أدنى الطهر عشرة أيّام» لا

يناسب قوله : «وذلك أنّ المرأة أوّل ما تحيض ربما كانت كثيرة الدم . . .» إلى آخره ، إلاّ باعتبار أنّ أدنى ما يمكن اختزان الدم فيه - بحسب النوع ، وبحسب الأمزجة المتعارفة - هو عشرة أيّام ، ففي تلك العشرة يجتمع الدم في الرحم ، فتقذفه عشرة أيّام في أوائل الأمر وكثرة الدم ، وأقلّ منها كلّما كبرت إلى ثلاثة أيّام .

وبالجملة : إنّما يكون أدنى الطهر عشرة أيّام ؛ لأ نّها أقلّ زمان يمكن فيه اختزان الدم للقذف عشرة أيّام أو أقلّ ؛ بحسب اختلاف سني العمر ، فلا يكون فيه إطلاق لمطلق الطهر ؛ سواء كان بين الحيضين أو لا ، بل ولا لمطلق الحيضتين أيضاً ، إلاّ ما يكون الطهر طهر الاختزان والادّخار .

ومنه يظهر : أ نّه لا إطلاق في قوله في ذيلها : «ولا يكون الطهر أقلّ من عشرة أيّام» ضرورة أ نّه لا يزيد على ما في الصدر . مع أنّ كون المرسلة - صدراً وذيلاً - في مقام بيان الحيض ، يمنع عن استفادة الإطلاق ، كما يظهر بالتأمّل فيها .

وأمّا صحيحة ابن مسلم ، فلأنّ كون «القرء» بمعنى مطلق الطهر غير ثابت ؛

ص: 533


1- الكافي 3 : 76 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 157 / 451 ؛ وسائل الشيعة 2 : 297 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 11 ، الحديث 1 .
2- تقدّم في الصفحة 92 - 96 .

وإن ورد في كتب اللغة : «أ نّه من الأضداد ؛ فيطلق على الطهر والحيض»(1) فإنّ الظاهر أ نّه لا إطلاق لكلام أهل اللغة حتّى يستفاد منه إطلاقه على مطلق الطهر ، بل من المحتمل أن يكون إطلاق «القرء» على الطهر ؛ لأجل اجتماع الدم واختزانه في تلك الأيّام للقذف في وقته ، وأمّا إذا كان الاختزان بسبب آخر - ككونه لأجل رزق الولد - فلا تدلّ عليه ، ولا يستفاد حكمه منها .

وبالجملة : القدر المتيقّن من «القرء» هو الطهر الخاصّ لا مطلقاً ، ولا دليل على إطلاقه على مطلق الطهر ، فلا يمكن التشبّث بها لذلك .

ويشعر بذلك قوله : «لا يكون القرء في أقلّ من عشرة» بتخلّل لفظة «في» ، ولو كان «القرء» هو الطهر كان حقّ العبارة أن يقال : «لا يكون القرء أقلّ . . .» بخلاف ما إذا كان بمعنى جمع الدم ، فإنّ المناسب هو تخلّلها ، كما لا يخفى ، تأمّل.

وإن قيل : «إنّ الأدلّة قد دلّت على أنّ النفاس حيض محتبِس وأنّ النفساء كالحائض ، فيتحقّق موضوع ما دلّ على أنّ الطهر بين الحيضتين ، لا يكون أقلّ من عشرة ؛ لو سلّم اختصاصها بذلك»(2) .

يجاب عنه : بمنع الصغرى أوّلاً ؛ لعدم ما يدلّ على أ نّه حيض محتبس .

نعم ، في رواية مُقرِّن عن أبي عبداللّه علیه السلام : قال : «سأل سلمان رحمه الله علیه علياً علیه السلام عن رزق الولد في بطن اُمّه ، فقال : إنّ اللّه تبارك وتعالى حبس عليه الحيضة ،

ص: 534


1- الصحاح 1 : 64 ؛ لسان العرب 11 : 80 ؛ القاموس المحيط 1 : 25 .
2- جواهر الكلام 3 : 369 .

فجعلها رزقه في بطن اُمّه»(1) .

وفي صحيحة سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : جعلت فداك ، الحبلى ربّما طمثت ؟ قال : «نعم ؛ وذلك أنّ الولد في بطن اُمّه غذاؤه الدم ، فربّما كثر ففضل عنه ، فإذا فضل دفقته ، فإذا دفقته حرمت عليها الصلاة»(2) .

وهما - كما ترى - لا تدلاّن على أنّ النفاس حيض محتبِس ، بل الاُولى تدلّ

على أنّ الحيض محتبس لأجل رزق الولد من غير تعرّض للنفاس ؛ وأ نّه حيض محتبس ، ولِمَ لا يجوز أن يكون النفاس دماً غير الحيض موضوعاً أو حكماً ؛ وأنّ الرحم بابتلائها بالولد وخروجه عنها تقذف دماً غيره ، كما هو الظاهر من مقابلته بدم الحيض في النصّ(3) والفتوى ؟! ولا أقلّ من كون حكمه غير حكم الحيض . ومجرّد اشتراكهما في بعض الأحكام لا يوجب وحدتهما ذاتاً ؛ لو لم نقل : بأنّ اختلافهما في بعض الأحكام ، دليل على اختلافهما في الموضوع ، كما أنّ الجنابة أيضاً مشتركة معه في كثير من الأحكام .

وأوهن منها دلالة الرواية الثانية ؛ فإنّ مفادها فضول دم الحيض عن غذاء الولد وقذفه في زمان الحمل ، فلا ربط له بما نحن فيه .

ص: 535


1- علل الشرائع : 291 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 333 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 13 .
2- الكافي 3 : 97 / 6 ؛ وسائل الشيعة 2 : 333 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 14 .
3- راجع وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 2 و4 و5 .

كما أنّ ما دلّ على لزوم قعود النساء بمقدار أيّام العادة(1) ، لا تدلّ على كون دم النفاس عين دم الحيض ؛ لو لم يدلّ على خلافه بأن يقال : إنّه لو كان دم الحيض كان عليها القعود أيّام العادة ، لا بعد رؤية الدم بمقدارها ، كما هو مفاد الروايات ، تأمّل .

وبمنع الكبرى ثانياً بدعوى : أ نّه بعد تسليم كون النفاس حيضاً محتبساً ، لكن لا دليل على أنّ الطهر بين الحيضتين مطلقاً لا يكون أقلّ من عشرة أيّام ، بل المتيقّن من الروايتين - بالبيان المتقدّم - أنّ الطهر الذي يكون منشأً لاختزان الدم

واجتماعه ، لا يكون أقلّ ، وعدم أقلّيته لأجل كون ذلك المقدار من الزمان صالحاً لجمعه واختزانه ، وأمّا إذا كان الاختزان بسبب آخر فلا ، فتدبّر .

وأمّا قضيّة «أنّ النفساء كالحائض في جميع الأحكام»(2) :

فإن استدلّ عليه بصحيحة زرارة قال : قلت له : النفساء متى تصلّي ؟ . . . إلى أن قال : قلت : والحائض ؟ قال : «مثل ذلك سواء ، فإن انقطع عنها الدم وإلاّ فهي مستحاضة ؛ تصنع مثل النفساء سواء»(3) .

ففيه : أ نّها بصدد بيان كون الحائض كالنفساء في الحكم المذكور فيها ، لا في جميع الأحكام .

وإن استدلّ عليه بالإجماع أو بعدم الخلاف ، فنفس هذه المسألة خلافية ،

ص: 536


1- وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث3 .
2- جواهر الكلام 3 : 369 .
3- الكافي 3 : 99 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 173 / 496 ؛ وسائل الشيعة 2 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 5 .

وقد مرّ حال دعوى «الخلاف» نفيَ الخلاف فيها (1) . مضافاً إلى احتمال استفادة المجمعين من الأدلّة ، التسوية ، وهي غير تامّة الدلالة عندنا .

وأمّا الاستدلال(2) على المسألة بإطلاق موثّقة عمّار ورواية رُزيق(3) ففيه ما لا يخفى ؛ فإنّ في موثّقة عمّار الاُولى قد فرّع رؤية الصفرة أو الدم على الطلق

فقال : «فرأت صفرة أو دماً» ويظهر منه أنّ رؤيتهما من حصول الطلق .

بل يمكن أن يقال : إنّ رؤية الدم بعد الطلق أمارة عقلائية على كونها منه ، لا

من شيء آخر ، ولهذا قال في رواية الخلقاني - بعد قوله : ما الفرق بين دم الحامل ودم المخاض ؟ - : «إنّ الحامل قذفت بدم الحيض ، وهذه قذفت بدم المخاض» مع عدم دليل على كونه منه إلاّ رؤيتها بعده ، فالجزم بكونه منه دليل على الأمارية .

ومنه يظهر حال موثّقة عمّار الثانية(4) بل هما رواية واحدة نقلها الشيخان مع اختلاف يسير .

كما أنّ الاستدلال(5) بصحيحة عبداللّه بن المغيرة عن أبي الحسن الأوّل علیه السلام : في امرأة نفست ، فتركت الصلاة ثلاثين يوماً ، ثمّ طهرت ، ثمّ رأت الدم بعد ذلك ، قال : «تدع الصلاة ؛ لأنّ أيّامها - أيّام الطهر - قد جازت مع أيّام النفاس»(6)

ص: 537


1- اُنظر ما تقدّم في الصفحة 532 .
2- جواهر الكلام 3 : 369 .
3- تقدّمتا في الصفحة 529 و530 .
4- تقدّم تخريجه في الصفحة 529 .
5- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 118 .
6- الكافي 3 : 100 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 402 / 1260 ؛ وسائل الشيعة 2 : 393 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 5 ، الحديث 1 .

بدعوى إلغاء الخصوصية بين النفاس المتقدّم والمتأخّر ، أو الإجماع على عدم الفصل ، أو كون ذلك قرينة على إطلاق مرسلة يونس وصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمتين .

غير وجيه ؛ لأنّ الخصوصية بينهما غير ممكنة الإلغاء ؛ للفرق بين المتقدّم والمتأخّر ؛ فإنّ في النفاس المتقدّم ، يكون مرور الأيّام موجباً لاختزان الدم للقذف

المتأخّر ، بخلاف المتأخّر ؛ فإنّ الاختزان بسبب الولد ، وبعد انفتاحه يمكن خروج المختزن للولد ، تأمّل . ولا إجماع على عدم الفصل بعد كون الفرق بينهما مفتى به . ولا قرينية لذلك على إطلاق الروايتين بعد ما مرّ من عدم إطلاقهما .

الرجوع إلى الأمارات لإثبات الحيضية

ثمّ إنّ ما مرّ من الأدلّة قاصر عن إثبات اشتراط الفصل ، وأمّا عدم الاشتراط فليس في شيء منها ، فحينئذٍ يمكن أن يقال : كما لا دليل على الاشتراط لا دليل على نفيه ، فتكون الشبهة حكمية ، ولا يمكن التمسّك في رفعها بأدلّة أمارات الحيض ، ولا بإطلاق أدلّة الأحكام :

أمّا الاُولى ، فلأنّ سياق أدلّة الأمارات - عادة كانت أو صفة - إنّما هو في الشبهة الموضوعية ، ولا تدفع بها الشبهة الحكمية .

وأمّا التمسّك بإطلاق أدلّة الأحكام ، فهو تمسّك به في الشبهة المصداقية ؛ للشكّ في كون الدم حيضاً .

نعم ، يمكن أن تدفع الشبهة الحكمية بأصالة عدم الاشتراط المعلوم قبل جعل الشرع ، ولا يلزم فيها الأثر بعد كونه حكماً شرعياً ، فحينئذٍ تندفع الشبهة

ص: 538

الحكمية ، وتبقى الشبهة الموضوعية ، فيرجع إلى الأمارات في إثبات الحيضية .

وأمّا قاعدة الإمكان فقد مرّ ما فيها (1) .

هذا كلّه في الدم المتقدّم على الولادة .

2 - حكم الدم المتأخّر عن الولادة

وأمّ-ا الدم عقيب تمام الولادة ، فلا إشكال في كونه نفاساً نصّاً (2) وفتوى(3) .

3 - حكم الدم المقارن للولادة

إنّما الكلام في الدم المقارن لها ، فعن المشهور كونه نفاساً ، ففي «الجواهر» : «المشهور نقلاً وتحصيلاً أ نّه كذلك»(4) ، وعن «الخلاف» : «أنّ ما يخرج مع الولد عندنا يكون نفاساً ، واختلف أصحاب الشافعي »(5) وهو يشعر بعدم الخلاف في المسألة ، ولهذا حملت(6) العبارات الموهمة للخلاف - كما عن ظاهر السيّد و«جمل الشيخ» و«الغنية» و«الكافي» و«الوسيلة» و«الجامع»(7) - على ما لا ينافي ذلك .

ص: 539


1- تقدّم في الصفحة 68 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 382 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 .
3- راجع مفتاح الكرامة 3 : 374 .
4- جواهر الكلام 3 : 371 .
5- الخلاف 1 : 246 .
6- كشف اللثام 2 : 170 - 171 ؛ جواهر الكلام 3 : 371 .
7- مسائل الناصريات : 173 ؛ الرسائل العشر ، الجمل والعقود : 165 ؛ غنية النزوع 1 : 40 ؛ الكافي في الفقه : 129 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 61 ؛ الجامع للشرائع : 44 .

وتدلّ عليه رواية الخلقاني قال فيها : «إنّ الحامل قذفت بدم الحيض ، وهذه قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج بعض الولد ، فعند ذلك يصير دم النفاس»(1) .

ورواية السكوني عن جعفر ، عن أبيه علیهما السلام قال : «قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : ما

كان اللّه ليجعل حيضاً مع حبل ؛ يعني إذا رأت المرأة الدم وهي حامل لا تدع الصلاة ، إلاّ أن ترى على رأس الولد ، إذا ضربها الطلق ورأت الدم تركت الصلاة»(2) .

ولا إشكال فيها من حيث السند على الأصحّ(3) . واحتمال كون التفسير من السكوني(4) بعيد ، بل فاسد ؛ فإنّ ما ذكر ليس تفسير العبارة المنقولة عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم ؛ لأنّ الاستثناء فيه أمر زائد عليها ، ولا

يكون تفسيرها ، فهو إمّا من اجتهاده ، وهو - مع غاية بُعده - مخالف لقوله : «يعني» وإمّا من أبي عبداللّه أو أبي جعفر علیهما السلام وهو غير بعيد منهما ؛ لاطّلاعهما على الأحكام وعلى تفسير ما

ص: 540


1- تقدّم في الصفحة 530 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 387 / 1196 ؛ وسائل الشيعة 2 : 333 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 30 ، الحديث 12 .
3- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن النوفلي ، عن السكوني . لا إشكال في السند ؛ لأنّ النوفلي وإن لم يرد فيه توثيق ، والسكوني وإن كان عامّياً إلاّ أنّ الأرجح عند المصنّف قدس سره وثاقتهما ، كما يظهر بالفحص والتدبّر في رواياتهما وعمل الأصحاب بها . راجع ما يأتي في الجزء الثاني : 35 .
4- جواهر الكلام 3 : 371 .

ورد عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم زائداً على الأفهام العامّة ، كما ورد منهما نظائره .

ويشهد لما ذكرنا ورود هذه الرواية بعينها - مع اختلاف يسير في الألفاظ بدون كلمة «يعني» - في «الجعفريات» عن علي علیه السلام قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : ما كان اللّه عزّ وجلّ ليجعل حيضها مع حمل ، فإذا رأت المرأة الدم وهي حبلى فلا تدع الصلاة ، إلاّ أن ترى الدم على رأس ولادتها ، إذا ضربها الطلق ورأت الدم تركت الصلاة»(1) .

وهي - كما ترى - عين تلك الرواية . والظاهر أنّ قوله : «رأس ولادتها» من أغلاط النسخ ، والصحيح : «على رأس ولدها» أو «وليدتها» وهذه الرواية توجب الوثوق بأنّ التفسير في رواية السكوني ليس منه ، فتصير حجّة معتبرة . مع احتمال اعتبار «الجعفريات» في نفسها ، ويطول الكلام بذكر سندها والبحث عن رجاله .

وأمّا مطروحية صدرهما فلا تضرّ بالعمل بذيلهما ، خصوصاً مع كون الاستثناء الواقع في الذيل ، زائداً على أصل الحكم ، ويكون حكماً مستقلاًّ .

هذا مع قوّة احتمال صدق «النفاس» على الدم المقارن للولادة . بل يمكن أن يقال بصدقه على ما حصل قبل الولادة إذا كان من مقدّماتها ؛ لأنّ دم الولادة - على فرض كونه نفاساً لغةً - يصدق على كلّ دم يرتبط بالولادة ؛ سواء كان قبلها ومن مقدّماتها ، أو معها ، أو بعدها ، وإنّما خرجنا عمّا قبل الولادة لقيام

ص: 541


1- الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 25 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 25 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 25 ، الحديث 7 .

الدليل ، فلو نوقش في الدم المتقدّم فلا ينبغي المناقشة في المصاحب . بل لعلّ

صدقه عليه أولى منه على المتأخّر ، تأمّل .

وكيف كان : فيظهر من مجموع ما ذكر أنّ الدم المصاحب نفاس ، فيجب التصرّف في موثّقة عمّار(1) وإن كان الظاهر منها أنّ الغاية لوجوب الصلاة عليها

حصول الولادة ؛ باعتبار تصدير المضارع بلفظة «لم» الموجب لنقل المعنى إلى المضيّ ، لكنّ التصرّف فيها أهون من رفع اليد عن جميع ما تقدّم ، كما لا يخفى على المنصف .

نفاسية الدم الخارج مع المضغة

ثمّ إنّ مقتضى الجمود على عبارة اللغويين وعلى الروايات في الباب ، هو عدم الحكم بنفاسية الدم الخارج مع المضغة ، فضلاً عن الخارج مع العَلَقة أو النُطفة المستقرّة ؛ لعدم صدق «الولادة» إلاّ مع صدق «الولد» على الخارج ، ف- «الولادة» و«الولد» و«المولود» من المتضايفات التي لا يصدق واحد منها على موضوعه إلاّ مع صدق غيره على موضوعه .

لكنّه جمود غير وجيه لدى العرف ؛ فإنّ الظاهر أنّ نظر أهل اللغة من «كون النفاس دم الولادة» ليس إلى ما ذكر ؛ بحيث يكون دم النفاس دائراً مدار صدق عنوان «الولد» حتّى يكون الدم الخارج مع المضغة - التي تصير متشكّلة بصورة آدمي بعد يومين - غير دم النفاس ، ثمّ يصير بعد اليومين دمه .

ص: 542


1- تقدّم في الصفحة 529 .

والظاهر أنّ الروايات المشعرة بكون النفاس دم الولادة ، أيضاً لا يستفاد منها اعتبار صدق «الولادة» بالمعنى المتقدّم ، ولهذا ترى تسالم الفقهاء على نفاسية ما خرج عقيب ما كان منشأ آدمي ، فعن «التذكرة» و«شرح الجعفرية» الإجماع على نفاسية الدم إذا ولدت علقة أو مضغة بعد شهادة القوابل بذلك أو العلم به(1) ، وعلّله في «التذكرة» : «بأ نّه دم جاء عقيب حمل»(2) ، وإنكار بعضهم ذلك معلّلاً بعدم العلم بكونه مبدأ نشوء آدمي(3) ، يدلّ على أنّ الإنكار لأجل الشكّ في الموضوع .

ولهذا حكي عن «المنتهى» : «لو وضعت شيئاً تبيّن فيه خلق الإنسان فرأت الدم ، فهو نفاس إجماعاً»(4) .

والظاهر أنّ مراده من تبيّن خلق الإنسان فيه ، أ نّه علم كونه مبدأ خلقه ، لا أ نّه ظهر فيه خلقه بحصول الصورة الإنسانية فيه ؛ بقرينة دعواه الإجماع على العلقة والمضغة ، ولأ نّه ليس الإنسان بعد تمامية خلقته موضوعاً للبحث والجدال ، فإنكار بعض المتأخّرين نفاسية ذلك(5) كأ نّه ليس في محلّه .

بل الظاهر نفاسية ما خرج مع النطفة إذا علم أ نّها كانت مستقرّة في الرحم لنشوء آدمي ؛ لعدم الفرق بينها وبين العلقة - بل المضغة - في الإبرام والإنكار .

ص: 543


1- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 378 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 326 .
2- تذكرة الفقهاء 1 : 326 .
3- المعتبر 1 : 252 ؛ جامع المقاصد 1 : 346 ؛ روض الجنان 1 : 242 - 243 .
4- منتهى المطلب 2 : 427 .
5- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 169 .
المسألة الثانية: في حدّ النفاس في طرف القلّة

لا حدّ لأقلّ النفاس ؛ إجماعاً عن «الخلاف» و«الغنية» و«المعتبر» و«المنتهى» و«التذكرة» و«الذكرى» و«كشف الالتباس»(1) ، وعن «جامع المقاصد» و«شرحي الجعفرية» : «لا خلاف فيه بين أحد من الأصحاب»(2) ، وعن «المدارك» و«شرح المفاتيح» : «هو مذهب علمائنا وأكثر العامّة»(3) .

ويدلّ عليه - بعد ذلك - خبر رزيق بن الزبير المتقدّم(4) ؛ لإطلاق قوله : «فإذا خرج رأسه لم تجب عليها الصلاة» الظاهر في أ نّها إذا رأت الدم بعد خروج رأسه . . . بمناسبة صدره وذيله ، وإطلاقه يقتضي عدم وجوبها عليها ولو رأت لحظة .

ولقوله : «وهذه قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج بعض الولد ، فعند ذلك يصير دم النفاس ، فيجب أن تدع في النفاس والحيض» .

فإنّ قوله : «يصير دم النفاس» ظاهر في أنّ الدم المرئيّ بعد ظهور الولد نفاس وهو بمنزلة الصغرى لقوله : «فيجب أن تدع في النفاس والحيض» فعلّق الحكم

ص: 544


1- الخلاف 1 : 245 ؛ غنية النزوع 1 : 40 ؛ المعتبر 1 : 252 ؛ منتهى المطلب 2 : 430 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 326 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 259 ؛ كشف الالتباس 1 : 248 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 382 - 383 ؛ جامع المقاصد 1 : 347 .
3- مدارك الأحكام 2 : 44 ؛ مصابيح الظلام 1 : 267 .
4- تقدّم في الصفحة 530 .

على عنوان «النفاس» وعيّن الصغرى بقوله : «يصير دم النفاس» فيظهر منه أنّ دم النفاس مطلقاً موجب لعدم وجوب الصلاة عليها وهو المطلوب .

وليس في الروايات ما علّق الحكم على «دم النفاس» إلاّ ذلك ، وهو وإن كان ضعيف السند(1) ، لكن لا يبعد أن يكون مستند الأصحاب ، فيجبر سنده وإن لم يخل من التأمّل .

ويدلّ عليه إطلاق قويّة السكوني ، وقد تقدّم الكلام فيها (2) ؛ وإن أمكن المناقشة في إطلاقها .

وأمّا الاستدلال بموثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبداللّه علیه السلام : في المرأة يصيبها الطلق أيّاماً أو يوماً أو يومين ، فترى الصفرة أو دماً ، قال : «تصلّي ما لم تلد . . .»(3) إلى آخره .

بدعوى : أنّ جعل الغاية للصلاة عدم الولادة ، يدلّ على أنّ الولادة مع رؤية الدم أو الصفرة مطلقاً ، موضوع لقطع وجوب الصلاة .

أو بدعوى : أنّ إطلاق المفهوم يقتضي ذلك .

ففيه ما لا يخفى ؛ ضرورة أنّ الظاهر منها أ نّه بصدد بيان المغيّى ؛ وأ نّه تجب

ص: 545


1- رواها الشيخ الطوسي ، عن الحسين بن عبيداللّه بن إبراهيم ، عن هارون بن موسى التلعكبري ، عن محمّد بن همام بن سهيل ، عن عبداللّه بن جعفر الحميري ، عن محمّد بن خالد الطيالسي الخزّاز ، عن زريق . والرواية ضعيفة بالطيالسي وزريق فإنّهما مهملان . رجال النجاشي : 340 / 910 و : 168 / 442 .
2- تقدّم في الصفحة 540 .
3- تقدّم في الصفحة 529 .

عليها الصلاة قبل الولادة ، ولا يكون في مقام بيان حكم المفهوم حتّى يؤخذ بإطلاقه ، فتدلّ الرواية على ثبوت الصلاة مطلقاً ما لم تلد ، لا على سقوطها مطلقاً

لدى الولادة ، ولعلّه مشروط بشرط آخر .

كما أنّ الاستدلال(1) بصحيحة علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن الماضي علیه السلام عن النفساء ؛ وكم يجب عليها ترك الصلاة ؟ قال : «تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط إلى ثلاثين يوماً . . .»(2) إلى آخره ؛ بدعوى تعليق الحكم على رؤية الدم العبيط ، فإطلاقه يقتضي نفاسية الدم ولو لحظة .

في غير محلّه ؛ ضرورة أنّ السؤال والجواب إنّما هو عن جانب الأكثر ، فهي بصدد بيان حدّه في ذاك الطرف ، لا في طرف القلّة . مع وهنها بموافقة العامّة(3) ومخالفة الشهرة(4) .

ومنها يظهر الحال في رواية ليث المرادي(5) مع ضعف سندها (6) .

ص: 546


1- مدارك الأحكام 2 : 44 ؛ جواهر الكلام 3 : 368 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 174 / 497 ؛ وسائل الشيعة 2 : 387 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 16 .
3- المجموع 2 : 525 .
4- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 384 ؛ وراجع ما يأتي في الصفحة 548 .
5- عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن النفساء ، كم حدّ نفاسها حتّى تجب عليها الصلاة ؟ وكيف تصنع؟ قال : «ليس لها حدّ» . تهذيب الأحكام 1 : 180 / 516 ؛ وسائل الشيعة 2 : 382 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 2 ، الحديث 1 .
6- يأتي وجه ضعفها في الصفحة 548 .

فعمدة المستند الإجماع ورواية الخلقاني(1) .

وقد يستدلّ عليه بإناطة الأحكام بالمسمّى الصادق على القليل والكثير(2) .

وفيه : أ نّه ليس في الأخبار - على كثرتها - ما اُنيط فيه حكم بالمسمّى بنحو الإطلاق غير رواية الخلقاني المتقدّمة ، وقد ذكرنا إهمال قوله : «غسل النفساء واجب»(3) .

ص: 547


1- تقدّمت في الصفحة 530 و540 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 123 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 357 .
3- تقدّم في الصفحة 528 .
المسألة الثالثة في حدّ النفاس في طرف الكثرة
اشارة

لا إشكال في أنّ للنفاس في جانب الكثرة حدّاً ، فما في رواية المرادي(1) من نفي الحدّ له الظاهر في نفيه في الجانب الأكثر - مع ضعف سندها بأبي جميلة الضعيف الذي قالوا فيه : «إنّه كذّاب يضع الحديث»(2) وبمجهولية أحمد بن عبدوس - مطروح أو مأوّل ، كمرسلة «المقنع»(3) .

وقد وقع الخلاف في حدّ الأكثر ، فعن المشهور : «أنّ أكثره عشرة» ، وقد حكيت الشهرة عن «التذكرة» و«الذكرى» و«كشف الالتباس» و«جامع المقاصد» و«فوائد الشرائع» و«شرح الجعفرية» و«الروضة»(4) ، وعن «الجعفرية» : «أ نّه الأشهر»(5) ، وعن «المبسوط» و«كشف اللثام» : «أ نّه مذهب الأكثر»(6) ، وعن موضع من «الذكرى» : «أ نّه مذهب الأصحاب»(7) ، وعن

ص: 548


1- تقدّم في الصفحة 546 ، الهامش 5 .
2- رجال ابن داود : 280 / 511 ؛ خلاصة الأقوال : 407 / 2 ؛ مجمع الرجال 6 : 122 .
3- روي عن أبي عبداللّه عليه السلام أ نّه قال : «إنّ نساءكم لسن كالنساء الاُول ، إنّ نساءكم أكبر لحماً وأكثر دماً فلتقعد حتّى تطهر» . المقنع : 51 .
4- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 384 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 327 - 328 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 260 ؛ كشف الالتباس 1 : 248 ؛ جامع المقاصد 1 : 347 ؛ الروضة البهيّة 1 : 104 .
5- حياة المحقّق الكركي وآثاره ، الرسالة الجعفرية 4 : 146 .
6- المبسوط 1 : 69 ؛ كشف اللثام 2 : 174 .
7- ذكرى الشيعة 1 : 261 .

«كشف الرموز» : «أ نّه الأظهر بين الأصحاب»(1) ، وعن «الخلاف» و«الغنية» الإجماع عليه(2) .

ولا يبعد أن لا يكون مراد المشهور - كما عليه الأعلام(3) - أنّ العشرة حدّ قعود النساء في النفاس مطلقاً ، بل مرادهم أ نّه لا يتجاوز نفاس عن عشرة أيّام ، كما أنّ قولهم في الحيض : «إنّ أكثره عشرة أيّام»(4) هو ذلك . ولا ينافي ذلك وجوب رجوع بعض النفساوات إلى غير العشرة ، كذات العادة مع تجاوز دمها عنها ، فإنّ الرجوع إلى العادة حكم ظاهري ، ولا تكون أيّام العادة حدّاً للنفاس . ولا يبعد أن يكون مرادهم من «أنّ الحدّ له عشرة أيّام» هو الحدّ للنفاس واقعاً ، واتّكلوا في حكم ذات العادة على ما قالوا : «من أنّ حكم النفساء حكم الحائض مطلقاً إلاّ ما استثني»(5) .

وإطلاق كلام بعضهم : «أنّ النفساء تقعد عشرة أيّام إلاّ أن تطهر قبل ذلك»(6) لا ينافي رجوع ذات العادة إلى عادتها مع التجاوز ؛ لإمكان كون المراد أ نّها تقعد إلى عشرة أيّام استظهاراً .

وبالجملة : كون الحدّ الواقعي عشرة أيّام ، لا ينافي رجوع ذات العادة مع استمرار دمها وتجاوزه عن العشرة إلى عادتها ، فإنّه حكم ظاهري ، لا حدّ واقعي .

ص: 549


1- كشف الرموز 1 : 85 .
2- الخلاف 1 : 243 - 244 ؛ غنية النزوع 1 : 40 .
3- مستند الشيعة 3 : 51 ؛ جواهر الكلام 3 : 374 .
4- راجع ما تقدّم في الصفحة 113 .
5- راجع ما يأتي في الصفحة 585 .
6- المقنع : 50 .

فما عن الشهيد في «الذكرى» : «أنّ الأخبار الصحيحة المشهورة تشهد برجوعها إلى عادتها في الحيض ، والأصحاب يفتون بالعشرة ، وبينهما تنافٍ ظاهر»(1) ليس بوجيه .

وعن المحقّق في «المعتبر» اختيار عشرة أيّام مطلقاً حتّى في ذات العادة ، قال : «لا ترجع النفساء مع تجاوز الدم إلى عادتها في النفاس ، ولا إلى عادتها في الحيض ، ولا إلى عادة نسائها ، بل تجعل عشرة نفاساً ، وما زاد استحاضة حتّى تستوفي عشرة أيّام ، وهي أقلّ الطهر»(2) انتهى .

ولا يخفى : أنّ قوله ليس مخالفاً للقوم في حدّ النفاس ، بل مخالف لهم في رجوع ذات العادة إلى عادتها .

وعن جملة من كتب الأصحاب ثمانية عشر مطلقاً ك- «الفقيه» و«الانتصار»(3) - قائلاً : «وممّا انفردت به الإمامية : القول بأنّ أكثر النفاس مع الاستظهار التامّ

ثمانية عشر يوماً» والظاهر أ نّه ليس اختيار ثمانية عشر يوماً ؛ لأنّ أيّام الاستظهار ليست أيّام النفاس بيقين ، نعم يظهر منه إمكانه إلى ثمانية عشر يوماً - و «المراسم»(4) و«المختلف»(5) وظاهر «الهداية»(6) وعن أبي علي(7)

ص: 550


1- ذكرى الشيعة 1 : 261 .
2- المعتبر 1 : 257 .
3- الفقيه 1 : 55 / 19 ؛ الانتصار : 129 .
4- المراسم : 44 .
5- اُنظر مفتاح الكرامة 3 : 386 - 387 ؛ مختلف الشيعة 1 : 216 .
6- الهداية ، الصدوق : 100 - 101 .
7- اُنظر المعتبر 1 : 253 ؛ مختلف الشيعة 1 : 216 .

و«الأمالي»(1) و«جمل السيّد»(2) ، وحكي تقريبُه إلى الصواب عن «المنتهى»(3) واستحسانه عن «التنقيح»(4) ، ونفيُ البعد عنه عن «مجمع الفائدة والبرهان»(5) .

وعن العلاّمة في «المختلف» التفصيل بين ذات العادة وغيرها : «وأ نّها ترجع إلى عادتها في الحيض إن كانت ذات عادة في الحيض ، وإن كانت مبتدئة صبرت ثمانية عشر يوماً»(6) . والظاهر أنّ غير مستقرّة العادة حكمها عنده كالمبتدئة ، كما يظهر بالتأمّل في عبارة «المختلف» وصرّح بالتسوية في «القواعد»(7) وعن المقداد استحسانه(8) ، ونقل ميل بعض متأخّري المتأخّرين إليه(9) .

ويظهر ممّا مرّ آنفاً أنّ هذا ليس تفصيلاً في المسألة ؛ فإنّ رجوع ذات العادة إلى عادتها حكم ظاهري ، ولا قولاً مخالفاً للمشهور ، كما نفينا عنه البُعد .

وعن العماني : «أنّ أكثره أحد وعشرون يوماً»(10) والظاهر منه أ نّه حدّ إمكانه .

ص: 551


1- الأمالي ، الصدوق : 516 .
2- لم نعثر عليه في جمل العلم والعمل ، اُنظر كشف اللثام 2 : 175 ؛ مفتاح الكرامة 3 : 387 .
3- اُنظر منتهى المطلب 2 : 444 ؛ مفتاح الكرامة 3 : 387 .
4- اُنظر التنقيح الرائع 1 : 114 ؛ مفتاح الكرامة 3 : 387 .
5- اُنظر مجمع الفائدة والبرهان 1 : 169 ؛ مفتاح الكرامة 3 : 387 .
6- مختلف الشيعة 1 : 216 .
7- قواعد الأحكام 1 : 220 .
8- التنقيح الرائع 1 : 114 .
9- مدارك الأحكام 2 : 48 .
10- اُنظر المعتبر 1 : 253 .

وعن المفيد : «أ نّه أحد عشر يوماً»(1) .

وعن «الفقه الرضوي» : «النفساء تدع الصلاة ؛ أكثره مثل أيّام حيضة ، وهي عشرة أيّام ، وتستظهر بثلاثة أيّام ، ثمّ تغتسل ، فإذا رأت الدم عملت كما تعمل المستحاضة . وقد روي ثمانية عشر يوماً ، وروي ثلاثة وعشرين يوماً ، وبأيّ هذه الأحاديث اُخذ - من جهة التسليم - جاز»(2) انتهى .

وأمثال هذه العبارة من «فقه الرضا» شاهدة على أنّ هذا الكتاب من تصنيف بعض العلماء ، لا كتاب مولانا أبي الحسن الرضا علیه السلام .

وكيف كان : فمنشأ اختلاف الآراء هو اختلاف الأخبار واختلاف أنظارهم في فهمها والجمع بين شتاتها ؛ لأنّ الأخبار على طوائف :

حول الأخبار الواردة في أكثر النفاس

الطائفة الاُولى :

منها : ما وردت في ذات العادة ، فأرجعتها إلى عادتها والاستظهار بعدها بيوم أو يومين أو زائداً ، وهي أسدّ الروايات سنداً ، وأوضحها دلالةً ، كصحيحة زرارة قال : قلت له : النفساء متى تصلّي ؟ فقال : «تقعد بقدر حيضها ، وتستظهر بيومين ، فإذا انقطع الدم ، وإلاّ اغتسلت واحتشت . . .» .

ص: 552


1- لم نعثر عليه في أحكام النساء المطبوعة ضمن مصنّفات الشيخ المفيد ، ولكن نقل عنه في السرائر والمفتاح . اُنظر السرائر 1 : 52 ؛ مفتاح الكرامة 3 : 388 .
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 191 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 47 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 1 ، الحديث 1 .

إلى أن قال : قلت : والحائض ؟ قال : «مثل ذلك سواء ، فإن انقطع عنها الدم ، وإلاّ فهي مستحاضة تصنع مثل النفساء سواء . . .»(1) إلى آخره .

وهذه الصحيحة وإن لم يستفد منها أنّ النفساء كالحائض في جميع الأحكام كما مرّ(2) ، لكن يستفاد منها سوائيتهما في هذا الحكم المذكور فيها ؛ من القعود بقدر أيّام الحيض والاستظهار ، ثمّ عمل المستحاضة . وقد تقدّم في الحيض عدم كونه أكثر من عشرة(3) ، وإنّما الاستظهار إلى العشرة لأجل احتمال الانقطاع إليها وكون المجموع حيضاً ، والتجاوز عنها وكون الزائد على أيّام العادة استحاضةً ، ولمّا لم يكن الأمر معلوماً اُمرت بالاستظهار ؛ تغليباً لجانب الحيض .

وكيف كان : فيتّضح من الصحيحة سوائية الحائض والنفساء في الرجوع إلى العادة والاستظهار وعمل الاستحاضة ، وكما أنّ في الحيض يحكم بعدم تجاوزه عن العشرة ، فكذلك في النفاس ؛ لما ذكر ، ولما يفهم من شدّة المناسبة بينهما من الصحيحة وغيرها ممّا يأتي .

وكصحيحة اُخرى له ، عن أحدهما علیهما السلام قال : «النفساء تكفّ عن الصلاة

أيّامها التي تمكث فيها ، ثمّ تغتسل وتعمل كما تعمل المستحاضة»(4) .

وصحيحة يونس بن يعقوب ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن امرأة ولدت ،

ص: 553


1- الكافي 3 : 99 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 173 / 496 ؛ وسائل الشيعة 2 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 5 .
2- تقدّم في الصفحة 536 .
3- تقدّم في الصفحة 113 .
4- الكافي 3 : 97 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 173 / 495 ؛ وسائل الشيعة 2 : 382 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 1 .

فرأت الدم أكثر ممّا كانت ترى ؟ قال : «فلتقعد أيّام قرئها التي كانت تجلس ، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام»(1) .

والمراد عشرة أيّام من يوم رأت الدم ؛ أي إلى عشرة من أوّل أيّام القعود ؛ بقرينة سائر الروايات ، وورود مثلها بعين السند في الحيض أيضاً (2) . والحمل على عشرة من بعد أيّام العادة في التي عادتها ثمانية(3) - مع فساده في نفسه - لا ينطبق على رأي من قال بكون النفاس ثمانية عشر يوماً ؛ لأنّ الاستظهار ينافي الجزم بكون الدم نفاساً .

والمراد من القعود أيّام العادة ، هو بقدر أيّام العادة من حين وضعت في الدورة الاُولى ؛ بشهادة حسنة مالك بن أعين قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن النفساء ،

يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم ؟ قال : «نعم ، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها ، ثمّ تستظهر بيوم ، فلا بأس بعدُ أن يغشاها . . .»(4) إلى غير ذلك(5) .

ص: 554


1- تهذيب الأحكام 1 : 175 / 502 ؛ وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 402 / 1259 ؛ الاستبصار 1 : 149 / 516 ؛ وسائل الشيعة 2 : 303 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 ، الحديث 12 .
3- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 127 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 176 / 505 ؛ وسائل الشيعة 2 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 7 ، الحديث 1 .
5- وسائل الشيعة 2 : 384 - 386 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 5 و8 و11 .

وهذه الطائفة المشتملة على الصحاح ، ممّا استدلّ به لمذهب المشهور ؛ بدعوى استفادة شدّة المناسبة بين النفاس والحيض ؛ بحيث يفهم منها أ نّها بعد الاستظهار إلى عشرة أيّام مستحاضة ، كما قلنا في الحيض ، فيستفاد منه أنّ أكثره - كأكثر الحيض - عشرة أيّام(1) .

وفيه : أنّ تلك الروايات - كروايات الاستظهار في باب الحيض - لا يستفاد منها إلاّ الرجوع إلى العادة والاستظهار ، ثمّ العمل بما تعمل المستحاضة ؛ من غير تعرّض فيها لحدّ الحيض أو النفاس بحسب الواقع .

بل المستفاد من تلك الروايات إمكان كون النفاس أكثر من عشرة أيّام ؛ لأنّ إطلاق ما دلّ على الاستظهار بيوم أو يومين أو ثلاثة أيّام(2) ، شامل لمن كانت عادتها عشرة أيّام أو تسعة أو ثمانية . ومن كانت عادتها عشرة أيّام يكون حكمها الاستظهار بيوم إلى ثلاثة أيّام ، فيثبت به أنّ النفاس ممكن إلى ثلاثة عشر يوماً .

وكذا إطلاق موثّقة أبي بصير عن أبيعبداللّه علیه السلام - الحاكمة بالاستظهار بمثل ثلثي أيّامها (3) - شاهد على إمكانه إلى سبعة عشر يوماً تقريباً . كما أنّ ظاهر صحيحة يونس بن يعقوب(4) الحاكمة بالاستظهار بعشرة أيّام ، هو إمكانه إلى عشرين يوماً .

ص: 555


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 377 .
2- وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 4 و2 و11 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 403 / 1262 وفيه : «بمثل أيّام اُمّها أيّامها» ؛ وسائل الشيعة 2 : 389 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 20 .
4- تقدمت في الصفحة 553 - 554.

وإنّما خرجنا عن إطلاق أدلّة الاستظهار في الحيض(1) ؛ لأجل ورود نصوص مستفيضة مفتى بها بين الأصحاب بأنّ أكثر الحيض عشرة أيّام(2) ، ولو لم ترد تلك النصوص فيه ، لم تدلّ أدلّة الاستظهار على أنّ حدّه عشرة أيّام ، بل مقتضى إطلاقها وشمولها للمعتادة عشرة أيّام ، إمكان استمرار الحيض إلى ثلاثة عشر يوماً .

بل مقتضى ظهور رواية يونس بن يعقوب - الواردة في الحيض بعين السند في النفاس الحاكمة بالاستظهار بعشرة أيّام - إمكانه إلى عشرين يوماً . وإنّما قلنا

برفع الاستظهار بعد العشرة من أوّل العادة ، وعدم الاستظهار فيمن كانت عادتها عشرة أيّام ، وعدم الاستظهار بيومين فيمن كانت عادتها تسعة أيّام . . . وهكذا ؛ للأدلّة الدالّة على تحديد أكثر الحيض .

والإنصاف : أ نّه لو لم يكن في المقام دليل على تحديد النفاس ، لكانت تلك الأدلّة الواردة في الاستظهار فيه ، من أقوى الشواهد على عدم تحديده بعشرة أيّام ، بل من الأدلّة الدالّة على ثمانية عشر ، بعد تقييد ما دلّ على الزائد عليها

بالإجماع على عدم الزيادة عليها ، فلا بدّ من التماس دليل على التحديد حتّى نرفع اليد عن إطلاق تلك الأدلّة .

ومن ذلك يعرف : أنّ استناد المشهور لإثبات التحديد بالعشرة لا يمكن أن يكون إلى تلك الروايات ، وأنّ قول المفيد أو الشيخ(3) بمجيء روايات

ص: 556


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 13 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 10 .
3- المقنعة : 57 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 174 .

معتمدة دالّة عليه ، لا يكون ناظراً إليها ، إلاّ أن نقول بخطأ المفيد وغيره

من الفقهاء ، وهو كما ترى .

الطائفة الثانية :

ومنها : ما وردت في قضيّة أسماء بنت عُمَيْس : كصحيحة زرارة عن أبي جعفر علیه السلام : «أنّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر فأمرها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم - حين أرادت الإحرام من ذي الحليفة - أن تحتشي بالكرسف

والخرق وتهلّ بالحجّ ، فلمّا قدموا مكّة وقد نسكوا المناسك وقد أتى لها ثمانية عشر يوماً ، فأمرها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أن تطوف بالبيت وتصلّي ، ولم ينقطع عنها الدم ، ففعلت ذلك»(1) .

وصحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن النفساء ، كم تقعد ؟ فقال : «إنّ أسماء بنت عميس أمرها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أن تغتسل لثمان عشرة ، ولا بأس بأن تستظهر بيوم أو يومين»(2) .

ومرسلة الصدوق قال : «إنّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر في حجّة الوداع ، فأمرها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أن تقعد ثمانية عشر يوماً»(3) .

ص: 557


1- الكافي 4 : 449 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 179 / 513 ؛ وسائل الشيعة 2 : 384 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 6 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 178 / 511 ؛ وسائل الشيعة 2 : 387 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 15 .
3- الفقيه 1 : 55 / 209 ؛ وسائل الشيعة 2 : 389 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 21 .

وهذه الطائفة لا تنافي الطائفة الاُولى ، بل توافقها وتؤيّدها . بل صحيحة محمّد والمرسلة تدلاّن على أنّ أكثر النفاس ثمانية عشر يوماً .

نعم ، لا بدّ من رفع اليد عن الاستظهار بيومين في صحيحة ابن مسلم ؛ لعدم الاستظهار بعد قعودها ثمانية عشر يوماً ؛ لعدم احتمال النفاس بعدها إجماعاً .

وأمّا الاستظهار بيوم - بعد ظهور الصحيحة بمقتضى تذكير العدد في ثمان عشرة ليلة - فلا بأس به إلاّ في بعض الصور ، فيرفع اليد عنه فيه .

وكذا لا تنافيها مرفوعة إبراهيم بن هاشم قال : سألتْ امرأةٌ أبا عبداللّه علیه السلام فقالت : إنّي كنت أقعد في نفاسي عشرين يوماً حتّى أفتوني بثمانية عشر يوماً .

فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «ولِمَ أفتوك بثمانية عشر يوماً ؟» فقال رجل : للحديث الذي روي عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أ نّه قال لأسماء بنت عميس حيث نفست بمحمّد بن أبي بكر ، فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «إنّ أسماء سألت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

وقد أتى لها ثمانية عشر يوماً ، ولو سألته قبل ذلك لأمرها أن تغتسل وتفعل ما تفعل المستحاضة»(1) .

لأ نّه علیه السلام لم ينفِ كون حدّ النفاس ثمانية عشر يوماً ، بل نفى لزوم قعودها ثمانية عشر يوماً مستنداً إلى قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وقال : «إنّها لو سألت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قبل ذلك لأمرها بما أمرها بعد ثمانية عشر» فيمكن أن يكون الحدّ الواقعي للنفاس ثمانية عشر يوماً ، لكن يجب لذات العادة القعود أيّام العادة ، ثمّ الاستظهار بيوم أو يومين أو ثلاثة ، ثمّ عمل المستحاضة .

ص: 558


1- الكافي 3 : 98 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 178 / 512 ؛ وسائل الشيعة 2 : 384 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 7 .

وظاهر المرفوعة وإن كان عدم جواز القعود ثمانية عشر يوماً ، كما هو ظاهر بعض الروايات الواردة في الاستظهار(1) ، لكن مقتضى الصناعة رفع اليد عن هذا الظاهر بما دلّ على جواز القعود إلى ثمانية عشر يوماً ، كالروايات الآتية وبعض ما تقدّمت ، وحمل المرفوعة على استحباب عمل المستحاضة قبل ثمانية عشر يوماً ، إلاّ إذا كانت أيّامها قريبة من أيّام العادة ، كاليوم واليومين وثلاثة أيّام ، بل إلى عشرة أيّام ، فيستحبّ الاستظهار .

وممّا ذكرنا يظهر الحال في رواية حُمْران بن أعين المنقولة عن «كتاب الأغسال» لأحمد بن محمّد بن عيّاش الجوهري ، وقوله فيها قلت : فما حدّ النفساء ؟ قال : «تقعد أيّامها»(2) محمولٌ على الحكم ، ومعناه : فما تكليفها ؟ بل

المتفاهم من العبارة هو السؤال عنه ، لا عن حدّ النفاس ، وإلاّ لقال : «فما حدّ النفاس ؟» ولهذا أجاب عن تكليفها في الظاهر بالقعود أيّام الطمث والاستظهار ، وهو لا يناسب السؤال عن الحدّ الواقعي للنفاس .

الطائفة الثالثة :

كما أ نّه بما ذكرنا يظهر حال طائفة اُخرى من الروايات ، كصحيحة محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : كم تقعد النفساء حتّى تصلّي ؟ قال : «ثمان

ص: 559


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 2 و3 و5 .
2- منتقى الجمان 1 : 234 - 235 ؛ وسائل الشيعة 2 : 386 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 11 .

عشرة ؛ سبع عشرة ، ثمّ تغتسل وتحتشي وتصلّي»(1) .

وصحيحة ابن سنان - بناءً على كونه عبداللّه ، كما هو الظاهر - قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «تقعد النفساء سبع عشرة ليلة ، فإن رأت دماً صنعت كما تصنع المستحاضة»(2) .

ورواية الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام في كتابه إلى المأمون ، قال : «والنفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوماً ، فإن طهرت قبل ذلك صلّت ، وإن لم تطهر حتّى تجاوز ثمانية عشر يوماً ، اغتسلت وصلّت وعملت بما تعمل المستحاضة»(3) .

مقتضى الجمع بين الأخبار الواردة في أكثر النفاس

فمقتضى الجمع بينها أنّ لذات العادة القعود إلى ثمانية عشر يوماً ؛ أيّام عادتها نفاساً ، والزائد استظهاراً ، فتكون جميع الطوائف شاهدة على إمكان كون النفاس أكثر من عشرة أيّام ، بل إلى ثمانية عشر يوماً ، فتكون مؤيّدة للطائفة الاُخرى المتعرّضة لحدّ النفاس بحسب الواقع ، كمرسلة الصدوق ورواية حنّان بن سدير

ص: 560


1- تهذيب الأحكام 1 : 177 / 508 ؛ وسائل الشيعة 2 : 386 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 12 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 177 / 510 ؛ وسائل الشيعة 2 : 387 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 14 .
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 125 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 390 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 24 .

قال : قلت : لأيّ علّة اُعطيت النفساء ثمانية عشر يوماً ؟ قال : «لأنّ أقلّ أيّام الحيض ثلاثة أيّام ، وأكثرها عشرة أيّام ، وأوسطها خمسة أيّام ، فجعل اللّه عزّ وجلّ للنفساء أقلّ الحيض وأوسطه وأكثره»(1) .

فتحصّل من جميع ذلك : أنّ مقتضى الجمع بين جميع الطوائف ، هو كون حدّ النفاس واقعاً ثمانية عشر يوماً مطلقاً ، وذات العادة إنّما ترجع إلى عادتها بحسب تكليفها الظاهري ، وتستظهر - جوازاً - إلى ثمانية عشر يوماً ؛ وإن كان المستحبّ لها أن تعمل عمل المستحاضة بعد الاستظهار بيوم أو يومين أو ثلاثة أيّام ، ويحمل اختلاف الروايات في الاستظهار على اختلاف مراتب الفضل ، أو على ما ذكرنا في الحيض(2) .

ويظهر ممّا مرّ : أنّ مستند فتوى المشهور وكذا الروايات التي ادّعى المفيد أو الشيخ ورودها (3) ، بعيد غايته أن تكون تلك الروايات الدالّة على خلاف مذهب المشهور ؛ ممّا هي بين صريح فيه أو ظاهر . وعثور المفيد رحمه الله علیه على بعض الروايات أو الاُصول التي لم تصل إلينا ، ليس كثير البُعد ، كما لم تصل إلينا مرسلته المنقولة عن «السرائر» وهي :

أنّ المفيد سئل : كم قدر ما تقعد النفساء عن الصلاة ، وكم مبلغ أيّام ذلك ؟ فقد رأيت في كتاب «أحكام النساء» أحد عشر يوماً ، وفي رسالة «المقنعة» ثمانية

ص: 561


1- علل الشرائع : 291 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 390 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 23 .
2- تقدّم في الصفحة 211 - 212 .
3- تقدّم تخريجها في الصفحة 556، الهامش 3 .

عشر يوماً ، وفي كتاب «الإعلام» أحداً وعشرين ، فعلى أيّها العمل دون صاحبه ؟ فأجابه بأن قال : الواجب على النفساء أن تقعد عشرة أيّام ، وإنّما ذكرت في كتبي ما روي من قعودها ثمانية عشر يوماً وما روي في النوادر استظهاراً بأحد وعشرين يوماً ، وعملي في ذلك على عشرة أيّام ؛ لقول الصادق علیه السلام : «لا يكون دم نفاس زمانه أكثر من زمان الحيض»(1) انتهى .

فكما لم تصل إلينا تلك المرسلة الصريحة التي عمل مثل المفيد على طبقها ، وترك الروايات الصحيحة الصريحة في القعود ثمانية عشر ، أو سبع عشرة ؛ ثمان عشرة ، كصحيحتي محمّد بن مسلم وابن سنان مع كون الروايات بمنظر منه ، كذلك يمكن وصول روايات اُخر مثل المرسلة .

كما لا يمكن أن يقال : إنّ اتّكال المشهور في كون النفاس عشرة أيّام ، على تلك الروايات التي بين صريح في زيادة الحدّ على العشرة وكونه ثمانية عشر يوماً ، وظاهر فيه . فحينئذٍ تكون تلك الشهرةُ المعرضةُ عن الروايات الصريحة الصحيحة المخالفة للاُصول والقواعد ؛ لما عرفت سابقاً من جريان الأصل الموضوعي في التدريجيات والحكمي في مثل المقام(2) ، معتمدةً معتبرةً كاشفةً عن مسلّمية الحكم من زمان الأئمّة علیهم السلام إلى زمان أصحاب الفتوى .

كما أنّ قول المفيد بمجيء أخبار معتمدة في أنّ أقصى مدّة النفاس مدّة

ص: 562


1- السرائر 1 : 52 - 53 ؛ اُنظر جواهر الكلام 3 : 378 .
2- تقدّم في الصفحة 185 - 186 .

الحيض - وهي عشرة أيّام - حجّة معتبرة اُخرى ؛ ضرورة أ نّه مع وجود روايات

صحيحة صريحة في زيادة الأيّام على العشرة ، لا يمكن أن يكون مقصوده هو ما احتملوا ؛ أي روايات الرجوع إلى العادة والاستظهار .

مع أنّ الظاهر من تلك العبارة هو مجيء الروايات بهذا العنوان والمضمون ، وفي روايات الرجوع إلى العادة ليست رواية كذلك . بل لو فرض دلالتها بنحو من اللزوم - بل والاجتهاد - لم يكن لمثل المفيد أن يقول : «جاءت أخبار في أنّ أقصى مدّة النفاس كذا» الظاهر في ورود الرواية بهذا المضمون ؛ فإنّ ذلك نحو تدليس في النقل والرواية ، وأصحابنا رضوان اللّه عليهم بريئون منه .

كما أنّ مرسلته الاُخرى المتقدّمة حجّة معتبرة اُخرى ؛ فإنّ مثل المفيد لا يقول : «لقول الصادق علیه السلام » - بنحو الجزم - إلاّ مع كون الرواية معتمدة معتبرة ، ولا يمكن منه تقديم رواية مرسلة على روايات صحاح إلاّ مع كون الحكمِ قطعياً ، والروايةِ قطعيةَ الصدور والدلالة ، وراجحةً على سائر الروايات ، وكون البقيّة معلولةً ؛ بحيث لا يمكن الاتّكال عليها . فالمسألة خالية عن الإشكال بحمد اللّه تعالى ؛ وإن كان الاحتياط حسناً على كلّ حال .

حول تفصيل العلاّمة في أكثر النفاس

وبما ذكرنا يظهر النظر في التفصيل الذي تقدّم نقله عن العلاّمة(1) لو كان تفصيلاً في المسألة . وقد بالغ الشيخ الأعظم في تقريبه وتقويته ؛ حتّى قال :

ص: 563


1- تقدّم في الصفحة 551 .

«فالإنصاف أنّ هذا القول لا يقصر في القوّة عن القول المشهور»(1) .

ومحصّل نظره هو الجمع بين الروايات ؛ لاختصاص روايات الاستظهار بذات العادة ، ومنها يستفاد كون الحدّ عشرة أيّام ، فتختصّ العشرة بذات العادة ، وصرف رواية «العلل» و«العيون» إلى غير ذات العادة ، وتضعيف مرسلة المفيد ، أو حملها على الأفراد الغالبة ؛ وهي ذات العادة .

وأنت خبير بما فيه بعد التأمّل فيما تقدّم ؛ لما عرفت من أنّ أخبار الاستظهار لا يستفاد منها كون الحدّ عشرة(2) ، بل يستفاد منها كونه أكثر بل إلى ثمانية عشر يوماً ، فمقتضى الجمع بينها وبين سائر الروايات هو كون الحدّ ثمانية عشر ، فلا مجال للتفصيل بحسب الروايات . مع ورود بعض إشكالات اُخرى عليه تركناه مخافة التطويل .

وأمّا تضعيف مرسلة المفيد ففي غير محلّه ؛ لما عرفت آنفاً . وحملها على ذات العادة بعيد جدّاً ، بل المرسلة - بحسب نحو مضمونها - آبية عنه .

فتحصّل من جميع ما ذكرنا : أنّ الحدّ مطلقاً - لذات العادة وغيرها - عشرة أيّام ، إلاّ أنّ تكليف ذات العادة الرجوع إلى عادتها ، ثمّ الاستظهار إلى عشرة أيّام ، ثمّ عمل المستحاضة ، وغير ذات العادة تقعد عشرة أيّام ، وهي أقصى الأيّام .

ص: 564


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 138 .
2- تقدّم في الصفحة 555 - 556 .
حول الرجوع إلى الصفات أو عادات النساء في المقام

وأمّا الرجوع إلى الصفات أو عادات النساء(1) ، فلا دليل عليه ؛ لاختصاص أدلّة الصفات - كما تقدّم - بالدوران بين الحيض والاستحاضة(2) .

وأمّا موثّقة أبي بصير عن أبي عبداللّه علیه السلام الدالّة على رجوعها إلى أيّام اُمّها أو اُختها أو خالتها مع عدم معرفة أيّام نفاسها (3) ، ففيها وجوه من الخلل لا يمكن لأجلها الاتّكال عليها :

كالحكم بقعودها بقدر أيّام نفاسها ، مع أنّ النصّ(4) والفتوى(5) على خلافه .

وكالأمر بالاستظهار بمثل ثلثي أيّامها ؛ ممّا لا يجوز إلاّ في بعض الأفراد النادرة .

وكالحكم بتخييرها بين الرجوع إلى اُمّها أو اُختها أو خالتها الظاهر في التخيير مع اختلافهنّ ، وهو أيضاً غير مفتى به .

نعم ، لو ثبت الإجماع على كون النفساء كالحائض في جميع الاُمور والأحكام إلاّ ما استثني ، لكان الوجه ما ذكر .

ص: 565


1- البيان : 67 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 397 .
2- تقدّم في الصفحة 18 - 19 .
3- تقدّم في الصفحة 555 .
4- تقدّم في الصفحة 552 - 559 .
5- تقدّمت في الصفحة 549 - 552 .
المسألة الرابعة في حكم الحامل باثنين
اشارة

لو كانت حاملاً باثنين ، فإن ولدتهما معاً بحيث عدّت ولادة واحدة عرفاً ، يكون لها نفاس واحد . وسيأتي حال مبدأ حساب العشرة(1) .

وإن تأخّرت ولادة أحدهما عن الآخر مع رؤية الدم فيهما ، فلا يخلو أن تكون الولادة الثانية قبل تمام عشرة أيّام من الاُولى أو بعد تمامها بلا فصل أو معه .

وعلى أيّ حال : إمّا أن يكون الدم مستمرّاً إلى الولادة الثانية ، أو نقت قبلها ورأت بعدها .

فهل يكون كلّ من الدمين بعد الولادتين نفاساً مستقلاًّ أو هما نفاس واحد إذا استمرّ الدم ورأت الثاني قبل تجاوز العشرة ، أو لا يكون الدم بعد الولادة الاُولى نفاساً ، أو لا يكون بعد الثانية نفاساً ؟

الأقوى هو الأوّل ، ومحصّل الكلام فيه أ نّه بحسب التصوّر : يحتمل أن يكون «النفاس» هو الدم المسبّب عن الولادة ، بحيث تكون سببية الولادة للدم دخيلة في الموضوع ، كما يظهر من صاحب «الجواهر»(2) ناسباً إلى نصّ غير واحد من الأصحاب(3) .

ص: 566


1- يأتي في الصفحة 571 - 573 .
2- جواهر الكلام 3 : 367 .
3- جامع المقاصد 1 : 346 ؛ مدارك الأحكام 2 : 43 .

ولازمه لزوم إحراز سببيتها له في ترتيب الأحكام على النفساء ؛ سواء في التوأمين وغيرهما ، فلو سال الدم منها قبل الولادة ، فخرجت علقة أو مضغة أو خرج طفل في غاية الصغر مع سيلانه - بحيث يعلم أو يحتمل عدم استناد الدم إلى خروج الحمل - لم يحكم بنفاسيته ، ولا بكون المرأة نفساء . وكذا لو خرج الطفل الأوّل في التوأمين وسال الدم وخرج الثاني - مع الجزمِ بعدم سببيته ، أو احتمالِ ذلك - لم يحكم بها .

ويحتمل أن يكون الدم الخارج عقيب الولادة نفاساً كانت الولادة سبباً له أو لا ، لكن لا مطلقاً ، بل الدم الذي له نحو انتساب وارتباط بالولادة ؛ وإن لم يكن الارتباط بالسببية والمسبّبية . ولعلّ مراد القوم بل صاحب «الجواهر» ذلك وإن لم يناسب ظاهر كلامه . ومع استمرار الدم يكون منتسباً إلى الولادتين ؛ لأنّ اختزانه كان لارتزاقهما .

بل يمكن أن يقال : إنّه مع استمراره يكون دم كلّ ولادة - بحسب الواقع - غير الآخر وإن لم يمكن امتيازهما خارجاً ؛ لعدم استهلاك أحد المتماثلين في الآخر .

ولازم هذا الاحتمال كون الدم عقيب كلّ ولادة - مع كونه الدم الطبيعي - نفاساً وموضوعاً للحكم ، وتكون «النفساء» هي التي ولدت وخرج الدم عقيب ولادتها أو معها ، فيكون الدم الخارج عقيب الولادة الثانية قبل تمام العشرة نفاسين مستقلّين ، فيصدق عليه عنوانان ؛ أحدهما : الدم الذي عقيب الولادة الاُولى ، وثانيهما : الدم الذي عقيب الولادة الثانية ، ولكلّ عنوانٍ حكمه مع الانفراد ، ومع اجتماعهما تتداخل الأحكام .

ص: 567

ويحتمل أن يكون «النفاس» هو الحدث الحاصل من الدم المسبّب عن الولادة ، أو الدم الذي عقيبها .

ولازمه عدم إمكان تكرّر الحدث الحادث برؤية الدم بعد الولادة الاُولى ؛ للزوم اجتماع المثلين ، وهذا ظاهر المحقّق الخراساني(1) ، فيكون النفاس الواحد مستمرّاً بتعدّد سببه إلى عشرين يوماً أو أكثر ، ولا يكون للمرأة نفاسان .

والأقوى هو ثاني الاحتمالات ؛ لمساعدة العرف واللغة على أنّ الدم عقيب الولادة نفاس ، ولا يتوقّف أحد في أنّ الدم إذا خرج عقيب الولادة يكون نفاساً ، ويقال للمرأة : «نفساء» مع أ نّه لو كان «النفاس» عبارة عن الدم المسبّب عنها ، لم يكن بدّ في ترتيب الأحكام من إحراز الموضوع ، ومع الشكّ كان يرجع إلى الاُصول ، ولم ينقل عن فقيه احتمال ذلك ، أو العمل على الاُصول ، وليس ذلك إلاّ لما ذكر ، تأمّل .

قال السيّد في «الناصريات» : «لا يختلف أهل اللغة في أنّ المرأة إذا ولدت وخرج الدم عقيب الولادة ، فإنّه يقال : «قد تنفّست» ولا يعتبرون بقاء ولد في بطنها ، ويسمّون الولد : «منفوساً»(2) انتهى .

وهو وإن كان في مقام الردّ على من ذهب إلى أنّ النفاس من مولد الثاني ، لكن ظاهره اتّفاق أهل اللغة على هذا العنوان ؛ أي كون الدم عقيب الولادة نفاساً ، وهو حجّة معتبرة .

ص: 568


1- الرسائل الفقهية ، المحقّق الخراساني : 323 .
2- مسائل الناصريات : 174 .

بل نفس قول مثل السيّد البارع في اللغة والأدب ، حجّة معتبرة مثبتة للّغة .

ويؤيّده قول شيخ الطائفة - عند الاستدلال على أ نّه إذا ولدت ولدين ورأت عقيبهما ، اعتبرت النفاس من الأوّل ، وآخره يكون من الثاني : - «دليلنا : أنّ كلّ واحد من الدمين يستحقّ الاسم بأ نّه «نفاس» فينبغي أن يتناوله اللفظ»(1) .

بل ادّعى عدم الخلاف في أنّ ما يخرج بعد الولد يكون نفاساً (2) ، والظاهر أنّ المراد من الدم عقيب الولادة ما له نحو انتساب وارتباط لها ، لا مطلقاً .

الروايات الدالّة على استقلال كلّ من النفاسين

بل يمكن الاستئناس أو الاستدلال على استقلال كلٍّ من النفاسين ببعض الروايات ، كحسنة مالك بن أعين قال : سألت أبا جعفر علیه السلام ع-ن النفساء ، يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم ؟ قال : «نعم ، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها ، ثمّ تستظهر بيوم ، فلا بأس بعدُ أن يغشاها زوجها . . .»(3) .

حيث تدلّ على حرمة الغشيان قبل مضيّ مقدار أيّامها من يوم وضعت ؛ من غير تفصيل بين الوضع الأوّل والثاني ؛ وإن أمكن الخدشة فيها تارة : بأ نّها في مقام بيان حكم آخر ، واُخرى : بأنّ مفروض السائل كونها في نفاسها من الدم .

ص: 569


1- الخلاف 1 : 247 - 248 .
2- الخلاف 1 : 246 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 176 / 505 ؛ وسائل الشيعة 2 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 7 ، الحديث 1 .

وكصحيحة يونس بن يعقوب قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن امرأة ولدت ، فرأت الدم أكثر ممّا كانت ترى ، قال : «فلتقعد أيّام قرئها الذي كانت تجلس ، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام»(1) .

حيث لم يفصّل بين الاُولى والثانية ، فمن ولدت ورأت الدم أكثر ممّا كانت ترى ، تكون موضوعة للحكم بوجوب القعود ، ففي الولادة الثانية إذا رأت الدم أكثر ممّا كانت ترى ، يصدق «أ نّها ولدت ورأت الدم . . .» إلى آخره ، فتكون الولادة ورؤية الدم تمام الموضوع للحكم ، تأمّل .

وكرواية الخلقاني المتقدّمة ؛ حيث قال فيها : «تصلّي حتّى يخرج رأس الصبيّ ، فإذا خرج رأسه لم يجب عليها الصلاة»(2) .

فإنّ الظاهر منها : أنّ السبب لوجوب تركها هو خروج رأس الصبيّ مطلقاً ، نعم يقيّد ذلك بذيلها الدالّ على لزوم رؤية الدم عند خروج بعض الولد ، فيكون الموضوع هو خروج بعض الولد مع رؤية الدم ، أو رؤيته عند ظهور رأس الولد ، فتدلّ على موضوعية كلّ دم عند كلّ ولادة لحرمة الصلاة ، أو موضوعية كلّ ولادة مع رؤية الدم لها ، وهذا معنى الاستقلال . ولو نوقش في دلالة الروايات ، فلا مجال للمناقشة في الصدق العرفي .

وأمّا احتمال كون «النفاس» عبارة عن حدث معنوي ، فإن كان المراد منه أنّ حدث النفاس كحدث الحيض والجنابة ، فالضرورة قاضية بمخالفته للنفاس ؛ فإنّ

ص: 570


1- تهذيب الأحكام 1 : 175 / 502 ؛ وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 3 .
2- تقدّم في الصفحة 530 .

المرأة بعد عشرة أيّام أو ثمانية عشر ، ليست بنفساء بلا إشكال وإن كانت محدثة

بحدث النفاس ، فحدثه غير نفسه ، كحدث الحيض فإنّه غير الحيض . وإن كان المراد أنّ هنا أمراً معنوياً آخر هو حدث النفاس ، فلا دليل عليه ، بل الأدلّة - قاطبةً - على خلافه .

ويظهر ممّا مرّ حال احتمال عدم نفاسية الأوّل ، كما احتمله المحقّق في محكيّ «المعتبر» بدعوى عدم اجتماع النفاس - كالحيض - مع الحمل(1) .

وفيه : منع عدم اجتماع الحيض معه كما تقدّم(2) ، وعلى فرض تسليمه منع كون النفاس كالحيض في ذلك .

حكم ما إذا وضعت الولد الواحد قطعةً قطعةً

بقي شيء : وهو أ نّه لو وضعت الولد الواحد قطعةً قطعةً ، فهل يكون لكلّ قطعة نفاس مستقلّ مطلقاً ، أو لا يكون للجميع إلاّ نفاس ، أو يفصّل بين كون القطعة معتدّاً بها - بحيث يكون خروجها بمنزلة ولادة - وبين غيره ، أو يفصّل بين وقوع الفصل بأقلّ الطهر بين خروج القطعة الاُولى والثانية وعدمه ؟ وجوه .

والأقرب - في غير الفصل بأقلّ الطهر - كونه نفاساً واحداً ؛ لكون الولادة واحدةً عرفاً ولغةً وإن خرج المولود قطعةً قطعةً ، والنفاس واحدٌ مع استمرار الدم . بل مع الفصل بالأقلّ من أقلّ الطهر إذا قلنا : بأ نّه نفاس .

ص: 571


1- المعتبر 1 : 257 .
2- تقدّم في الصفحة 355 .

بل مع الفصل بأقلّ الطهر يمكن أن يقال أيضاً : إنّه نفاس واحد وإن فصل بين أجزائه طهر ؛ فإنّ العرف كما يرى الولادة واحدةً والمولود واحداً ، يرى الدم دم الولادة الواحدة ومن تتمّة النفاس ، لا نفاساً مستقلاًّ ، ولا مانع من الفصل بين أجزائه بأجنبيّ .

ولا ثمرة ظاهراً في خصوص الفرع إن قلنا : بأنّ النفاس من خروج الدم ، وحساب العدد من وضع القطعة الأخيرة ، كما يأتي الكلام فيه قريباً .

وكيف كان : ففي خروج القطعات هل يكون مبدأ النفاس من بعد وضع المجموع ، كما احتمله صاحب «الجواهر» حيث قال : «ويحتمل هنا توقّف النفاس على خروج المجموع ؛ وإن اكتفينا ببروز الجزء مع الاتّصال ؛ للفرق بينه وبين الانفصال»(1) انتهى .

ولم يذكر وجه الفرق ، فكأ نّه دعوى قصور الدليل عن شمول المنفصل .

وفيه ما لا يخفى ؛ ضرورة صدق «دم الولادة» مع الخروج مقارناً للجزء كما مرّ(2) بل احتملنا أولوية الصدق من الدم بعد الولادة ، ولا فرق بنظر العرف في دمها بين كون الرأس منفصلاً عن الجسد أو متّصلاً به . كما لا ريب في شمول الأدلّة - كخبر الخلقاني - للمنفصل أيضاً ، ودعوى الانصراف غير مسموعة ، فالفرق بينهما غير وجيه .

أو يكون مبدأ النفاس والحساب من أوّل خروج القطعة الاُولى ؛ لمرسلة

ص: 572


1- جواهر الكلام 3 : 393 .
2- تقدّم في الصفحة 541 .

المفيد بل لمرسلاته(1) ولظهور أدلّة الأمر بالقعود مقدار أيّام عادتها ، في كون المبدأ أوّل ما صدق عليها «النفساء» ؟

أو يكون مبدأ النفاس خروج الدم مع بروز أوّل الجزء ، ومبدأ حساب أيّام القعود وحساب عشرة أيّام من زمان تمام الوضع ؟

الأقوى هو الأخير ؛ لأنّ روايات الباب على طوائف :

منها : ما تدلّ على لزوم ترك الصلاة إذا رأت على رأس الولد دماً ، كرواية الخلقاني والسكوني و«الجعفريات» المتقدّمات(2) ، وهذه الطائفة لم تتعرّض لمقدار القعود ولا لمبدئه .

ومنها : ما تدلّ على أنّ النفاس لا يكون أكثر من عشرة أيّام ، كمرسلات المفيد(3) ومرسلة الشيخ عن ابن سنان(4) .

ومنها : ما تدلّ على أنّ النفساء تقعد بمقدار أيّام عادتها وتستظهر(5) .

وهاتان الطائفتان ظاهرتان - ولو بالإطلاق - في كون المبدأ هو مبدأ تحقّق

النفاس وإن لم تتعرّض لخصوص المبدأ .

لكن حسنة مالك بن أعين المتقدّمة حاكمة على الروايات ومبيّنة لحدودها ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن النفساء ، يغشاها زوجها وهي في نفاسها من الدم ؟

ص: 573


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 561 .
2- تقدّمت هذه الروايات في الصفحة 540 - 541 .
3- تقدّمت في الصفحة 561 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 178 ، ذيل الحديث 510 .
5- وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 2 و3 و5 .

قال : «نعم ، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها ، ثمّ تستظهر بيوم ، فلا بأس بعدُ أن يغشاها زوجها»(1) .

وهي - كما ترى - لا تنافي الروايات الدالّة على لزوم ترك الصلاة من أوّل

بروز الدم ، وهو ظاهر ، ولا ما دلّت على القعود بمقدار أيّام العادة ؛ لعدم تعرّضها

لمبدأ القعود ، وإنّما يفهم منها ذلك بالإطلاق والسكوت في مقام البيان ، وهو لا يقاوم ما تعرّض لمبدأ الحساب ؛ وأ نّه منذ يوم وضعت .

بل هي حاكمة على مثل المرسلات ؛ فإنّها تدلّ على عدم زيادة عددها على الحيض ، وهي تدلّ على أنّ عدم الزيادة يحسب من أوّل يوم وضعت ، فلها حكومة عليها عرفاً .

نعم ، لأحد أن يقول : إنّ مقتضى الأدلّة هو التفصيل بين ذات العادة وغيرها ؛ والأخذ في غيرها بإطلاق ما دلّ على عدم الزيادة من حين الرؤية .

لكنّه تفصيل لم يلتزم به أحد ظاهراً ، ولم أرَ احتماله من أحد ، بل الظاهر أنّ حدّ النفاس في جميع النسوة بحسب الواقع واحد ؛ ولا يزيد على عشرة أيّام من يوم الوضع .

حول ثمرة القول بتعدّد النفاسين

ثمّ إنّه حكي عن «الروض» : «أ نّه تترتّب الثمرة على تعدّد النفاسين ؛ ما لو ولدت فرأت الدم ، وانقطع فولدت الثاني ، فرأت قبل مضيّ عشرة أيّام من

ص: 574


1- تقدّمت في الصفحة 554 .

الولادة الاُولى ، فإنّه على التعدّد لا يحكم بنفاسية النقاء المتخلّل ، وعلى الوحدة يحكم بها»(1) .

وفيه : أنّ هذه الثمرة ليست من ثمرات القول بالتعدّد والوحدة ؛ لعدم إبطال الولادة الثانية نفاسية الاُولى ، فيكون النقاء خلال نفاس واحد ، فهو محكوم بالنفاسية ؛ بناءً على ما يأتي من نفاسية النقاء المتخلّل أثناء النفاس الواحد(2) . وكون الدم معنوناً بعنوان آخر وهو نفاس آخر ، لا يوجب إبطال حكم النفاس الواحد . بل هي من ثمرات القول بلزوم الارتباط - بنحو السببية أو غيرها - بين الولادة والدم الخارج عقيبها وعدمه :

فعلى الثاني : يكون الدم الخارج عقيب الثانية نفاسين ، وباعتبار كونه من تتمّة النفاس الأوّل ، يكون النقاء المتخلّل في أثنائه نفاساً .

وعلى الأوّل : لا يكون ما رأت عقيب الثانية مع النقاء بعد الولادة الاُولى - خصوصاً إذا كان معتدّاً به - نفاسين ، بل هو نفاس واحد مربوط بالولادة الثانية ، وقد تقدّم ترجيح ذلك(3) ، فحينئذٍ لا يكون النقاء المتخلّل بحكم النفاس . لكنّ الاحتياط لا ينبغي تركه .

ص: 575


1- روض الجنان 1 : 248 .
2- يأتي في الصفحة 583 .
3- تقدّم في الصفحة 568 .
المسألة الخامسة في حكم تأخّر الدم عن الولادة
اشارة

لو لم تَرَ دماً أوّلاً ثمّ رأت : فإمّا أن يكون بعد عشرة أيّام من يوم الولادة ، أو أثناء العشرة قبل مضيّ مقدار عادتها ، كما لو كان مقدار عادتها ستّة ورأت في اليوم الرابع ، أو بعد مضيّ مقدارها ، كما لو رأت في الفرض في اليوم السابع أو العاشر .

وعلى أيّ تقدير : فإمّا أن ينقطع إلى عشرة من يوم الولادة ، أو يتجاوز عنها .

فيقع الكلام في الفروض تارة : في نفاسية الدم ، واُخرى : في مقدار قعودها ، وثالثة : في حال ذات العادة وغيرها .

الكلام في أصل نفاسية الدم

فنقول : قد يقال بانصراف الأدلّة عن صورة تخلّف الدم عن حال الولادة ، خصوصاً إذا كان الفصل طويلاً ، كتسعة أيّام أو عشرة ، فيعمل في الدم على القواعد ، فيحكم بنفاسيته ؛ لصدق كونه نفاساً ، ولقاعدة الإمكان مع الشكّ في الصدق(1) .

وفيه : أ نّه مع فرض الانصراف ، لا دليل على ترتّب الأحكام حتّى مع العلم بكونه نفاساً وكون المرأة نفساء ؛ لأنّ وجه الانصراف ندرة تخلّف الدم عن الولادة ، فيكون هذا الوجه موجوداً في جميع أدلّة الباب .

ص: 576


1- جواهر الكلام 3 : 394 - 395 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 163 - 164 .

ودعوى امتناع تخلّف الأحكام مع كون المرأة نفساء ، مدفوعة بأنّ الأحكام يمكن أن تكون مترتّبة على قسم من النفاس والنفساء ، كما ذكرنا في الحيض(1) ؛ ألا ترى أنّ «النفساء» صادقة على من ترى الدم إلى الحادي عشر بلا ريب ؛ ضرورة أنّ الدم الجاري إلى الساعة الأخيرة من اليوم العاشر ، نفاس في غير ذات العادة ، وبعدها ليس بنفاس حكماً ؟! ولا يمكن أن يقال : إنّ الدم بحسب التكوين إلى هذه الساعة نفاس دون ما بعدها ، أو بحسب العرف والعادة كذلك ، فلا محالة يكون التصرّف في الموضوع من الشارع ، فجعل دمَ النفاس - في مقدار معيّن أو وقت معيّن - موضوعَ حكمه دون غيره ، مع كونه نفاساً واقعاً .

فحينئذٍ نقول : بعد قصور الأدلّة عن إثبات الحكم لمن لم ترَ دماً مع الولادة أو قريباً منها - للانصراف حسب الفرض - يكون مقتضى الاُصول والقواعد عدم محكومية المرأة بأحكام النفساء ، فلا يجب التنفّس عليها إذا لم تَرَ الدم ، ثمّ رأت

بعد فصل .

وأمّا قاعدة الإمكان فلا أصل لها في الحيض كما عرفت(2) فضلاً عن النفاس . بل لو قلنا : بأنّ دليل القاعدة هو الأصل العقلائي كما قيل في باب الحيض(3) ، وثبت بها كون الدم نفاساً والمرأة نفساء ، لا يفيد في المقام ، مع عدم دليل على ترتّب الأحكام على النفساء مطلقاً ، كما تقدّم .

ص: 577


1- تقدّم في الصفحة 7 - 8 .
2- تقدّم في الصفحة 68 - 69 .
3- راجع ما تقدّم في الصفحة 52 .

لكنّ الإنصاف : أنّ دعوى الانصراف في الأدلّة مطلقاً - سواء فيما دلّت على أنّ النفساء تقعد أيّامها أو قدر عادتها (1) أو ما دلّت على جواز الغشيان إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها (2) ، أو ما دلّت على أنّ دم النفاس لا يكون أكثر من عشرة أيّام(3) - غير وجيهة ؛ فإنّ ندرة الوجود وإن كانت موجبة لعدم انتقال الذهن إلى الفرد النادر ، لكن لا توجب الانصراف وخروج العنوان المأخوذ في الأدلّة عن كونه تمام الموضوع للحكم ، خصوصاً في مثل المقام الذي كان موضوع الحكم النفساء ، وتقتضي المناسبة بين الحكم والموضوع ، أن يكون الموضوع هو نفس العنوان ؛ من غير دخل للاُمور الخارجة فيها ، ولا يرى العرف للظرف والوقت موضوعية للأحكام .

وهذا نظير قوله : «الماء يطهِّر»(4) حيث يكون بعض مصاديقه نادر الوجود جدّاً ؛ بحيث ينصرف الذهن عنه ، لكنّ المناسبة بين الحكم والموضوع توجب دفع الانصراف ؛ لأنّ المطهّرية بنظر العرف لا تكون إلاّ لنفس طبيعة الماء ؛ من غير دخل لشيء آخر فيها . بل العرف قد يلغي بعض القيود لأجل بعض المناسبات . وكيف كان فلا مجال لدعوى الانصراف .

ص: 578


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 382 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 1 و2 و3 و5 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 4 .
3- راجع وسائل الشيعة 2 : 385 ، كتاب الطهارة ، أبواب النفاس ، الباب 3 ، الحديث 10 .
4- الكافي 3 : 1 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 134 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 1 ، الحديث 6 .

وأوهن منها دعوى(1) الانصراف في بعض الأدلّة كحسنة مالك بن أعين(2) دون بعض ؛ ضرورة أ نّه لا وجه للتفصيل بعد كون وجه الانصراف ما تقدّم ، ولا يكون قوله : «وهي في نفاسها من الدم» موجباً للانصراف إلاّ للوجه المتقدّم .

مقدار قعود ذات العادة مع انقطاع دمها في العشرة

ثمّ إنّه بعد البناء على إنكار الانصراف في الأدلّة ، لا بدّ من بيان مفادها ووجه الجمع بينها .

فنقول : مقتضى إطلاق ما دلّت على أنّ النفساء تقعد قدر حيضها وتستظهر يوماً أو يومين إلى عشرة أيّام ، أنّ كلّ من صدق عليها عنوان «النفساء» يجب عليها القعود قدر حيضها والاستظهار بعده ؛ كان الدم متّصلاً بالوضع أو منفصلاً ، قبل مضيّ مقدار العادة من يوم الوضع أو بعده ، بل قبل عشرة أيّام أو بعدها ، مع صدق «دم الولادة» وعنوان «النفساء» . ولا منافاة بين هذه الطائفة وبين ما دلّت على أنّ دم النفاس لا يكون أكثر من عشرة أيّام ، كما هو واضح .

بقيت رواية مالك بن أعين ، حيث دلّت على أنّ مقدار أيّام العادة إنّما هو من يوم وضعت ، وإطلاقها يقتضي أن يكون حساب الأيّام من يوم الوضع ؛ سواء رأت الدم من حال الوضع أو لا ، ومقتضى تحكيمها على سائر الأدلّة : أنّ ذات العادة تقعد مع رؤية الدم ، مقدار أيّام عادتها من زمان الوضع ، فيكون ظرف القعود مقدار أيّام العادة من أوّل الوضع ، لكن مع رؤية الدم .

ص: 579


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 403 - 404 .
2- تقدّمت في الصفحة 554 .

وأمّا مع عدم الرؤية رأساً فلا قعود لها ؛ لما دلّ على أنّ النفاس هو دم الولادة . ولمثل قويّة السكوني ورواية «الجعفريات» والخلقاني(1) حيث علّق الحكم فيها على الدم المرئيّ على رأس الطفل ، فالقعود يتوقّف على رؤية الدم ، وكونِ ظرف الرؤية أيّام العادة من يوم الوضع . فالمرأة التي لم تَرَ دماً أوّل الوضع ليست موضوعة للحكم ؛ لفقدان قيد هو رؤية الدم .

وبعد مضيّ مقدار العادة من زمن الوضع ، أيضاً لا تكون موضوعة له ؛ لفقدان قيد آخر هو عدم المضيّ من يوم الوضع بمقدار العادة .

ومع رؤيتها في زمان العادة - ولو بعضها - تكون موضوعة له ؛ لتحقّق جميع قيود الموضوع ، فهي امرأة وضعت ، ورأت الدم قبل مضيّ مقدار عادتها في الحيض منذ يوم وضعت .

فمحصّل مفاد الأدلّة بعد تحكيم بعضها على بعض وردّ بعضها إلى بعض : أنّ المرأة ذات العادة إذا رأت الدم من أوّل الوضع ، يجب عليها القعود مقدار أيّام عادتها ، وتستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة إلى عشرة أيّام من يوم الوضع ، ولا يجب الاستظهار ، كما مرّ في الحيض(2) .

وإن رأت بعد عدم رؤيتها أوّل الوضع قبل مضيّ مقدار عادتها ، يجب عليها التنفّس تتمّة مقدار العادة ، وتستظهر بعدها إلى العشرة .

وإن رأت بعد مضيّ مقدار العادة ، فلا يجب عليها القعود والتنفّس ، فهل لها الاستظهار إلى العشرة أو لا ؟

ص: 580


1- تقدّمت هذه الروايات في الصفحة 540 - 541 .
2- تقدّم في الصفحة 212 .

لا تبعد مشروعيته ؛ لأنّ الظاهر أنّ الاستظهار إنّما هو لطلب ظهور حالها في زمان يمكن تحقّق النفاس فيه ، وبعد العادة إلى العشرة يمكن تحقّقه ؛ لأنّ الدم المرئيّ بعد العادة إذا انقطع على العشرة فهو نفاس ؛ للصدق العرفي ، ومع التجاوز عنها لا يكون نفاساً ؛ لخروج ما بعد العشرة من يوم الوضع ، وعدم الدليل على نفاسيته بعد العادة مع التجاوز ، تأمّل .

بل يمكن الاستدلال على عدم كونه نفاساً بأدلّة الاستظهار بعد أيّام العادة ؛ فإنّ أيّام العادة أيّام النفاس ظاهراً بحسب تلك الأدلّة ، وأيّام الاستظهار أيّام يمكن

أن يكون الدم فيها نفاساً وغير نفاس ، فيحتمل بدواً أن تكون النفاسية مع التجاوز ، وعدمها مع عدمه ، وبالعكس بأن تكون النفاسية مع عدم التجاوز ، وعدمها معه . ولا ريب في تعيّن الثاني ؛ بعد كون الاستظهار هاهنا كالاستظهار في الحيض .

وبالجملة : لا يكون الاستظهار ملازماً للقعود ومن توابعه ، بل هو حكم مستقلّ شرع لأجل الاستظهار والاحتياط ؛ قعدت وتنفّست أو لا .

وأمّا غير ذات العادة وذات العادة عشرة أيّام ، فتجعل ما رأت بين العشرة نفاساً ، وما بعدها استحاضة ؛ لأنّ النفاس لا يكون أكثر من عشرة أيّام من حين الوضع . هذا حال من انقطع دمها في العشرة .

مقدار قعود ذات العادة مع تجاوز دمها عن العشرة

وأمّا إن تجاوز عنها فإن رأت في بعض أيّام العادة واستمرّ وتجاوز - كمن كانت عادتها سبعة ، فرأت في الخامس مثلاً ، وتجاوز عن العشرة - فيحتمل

ص: 581

شمول الأدلّة لها ، فيجب عليها القعود بقيّة عادتها . ولها الاستظهار بيوم إلى تمام العشرة من يوم الوضع ، وبعدها مستحاضة .

ويحتمل أن تكون بقيّة أيّام العادة أيّام نفاسها ، ثمّ هي مستحاضة . ولا يبعد أقربية ذلك ؛ لاستفادته من أدلّة الاستظهار ، فإنّه لطلب ظهور الحال كما مرّ ، ولا يكون ذلك إلاّ على احتمال التجاوز وعدم نفاسية غير أيّام العادة ، وعدم التجاوز ونفاسية الجميع ، فإذا رأت في العادة وتجاوز ، تكون بقيّة الأيّام أيّام نفاسها ، والزائد عليها استحاضة .

وإن رأت بعدها - كمن كانت عادتها سبعة ، فرأت في الثامن وتجاوز عن العاشر - ففي شمول الروايات لها إشكال ، بل منع ؛ لعدم أيّام للقعود لها حتّى تؤمر به فيها ، وليس لها أيّام للاستظهار ؛ لأنّ الاستظهار إنّما هو فيما إذا رأت الدم

في العادة وتجاوز عنها ، فاحتملت الانقطاعَ على العشرة فيكون تمام الدم نفاساً ، وتجاوزَه عنها ، فتكون أيّام عادتها فقط نفاساً ، ومع هذه الشبهة وهذا الاحتمال ، يتحقّق موضوع الاستظهار وطلب ظهور حالها ، وأمّا إذا لم يكن تكليفها الرجوع إلى أيّام عادتها مع التجاوز ، فلا تكون مشتبهة في حالها موضوعاً ، ولا مشمولة لأدلّة ذات العادة ، فالأيّام التي بعد العادة إلى العشرة إمّا نفاس مطلقاً ؛ تجاوز الدم عن العشرة أو لا ، أو ليس بنفاس كذلك ، فلا تكون موضوعة للاستظهار .

والظاهر تسالمهم على أنّ النفساء قبل تمام عشرة أيّام - إذا لم تكن مشمولة لأدلّة العادة - موضوعة للأحكام ، ويجب عليها التنفّس ؛ وإن أمكن المناقشة في دلالة الأدلّة . ولا ينبغي ترك الاحتياط إلى العاشر ؛ بالجمع بين الوظيفتين ، بل لا يترك .

ص: 582

المسألة السادسة في تخلّل النقاء أثناء النفاس الواحد

لو رأت في الأوّل ونقت ، ثمّ رأت ، فإمّا أن ترى الدم الثاني في بعض أيّام العادة أو لا . وعلى أيّ حال : فإمّا أن يتجاوز الدم عن العشرة أو لا .

فإن رأت في أيّام العادة فلا إشكال في كون الحاشيتين نفاساً ، والظاهر شمول أدلّة القعود أيّام العادة والاستظهار لها . كما أنّ الظاهر أنّ الدمين نفاس مع الانقطاع على العشرة مطلقاً ؛ للصدق العرفي ، وموضوعية النفساء قبل تجاوز دمها عن عشرة أيّام للحكم . ومع التجاوز لا إشكال ظاهراً في ذات عادة عشرة أيّام وفي غير ذات العادة في كون الحاشيتين نفاساً .

وأمّا ذات العادة إذا كانت عادتها أقلّ منها ، فإن قلنا بشمول أدلّة الرجوع إلى العادة لها - لأجل إمكان القعود في أيّام عادتها في الجملة - فلا يكون الدم الثاني

نفاساً . وإن قلنا بعدم شمولها لها فلا يبعد الحكم بنفاسية الطرفين ؛ ولو قلنا بكون

النقاء في البين في حكم النفاس .

وما قيل : «من أنّ كون الدم الثاني نفاساً ممتنع ؛ لأ نّه يلزم من وجوده عدمه ؛ حيث إنّ نفاسيته سبب لاندراج المرأة في موضوع الأخبار الدالّة على أ نّها لا تقعد أزيد من أيّامها ؛ وأنّ ما تراه استحاضة»(1) .

مدفوع : بأنّ الظاهر من الأدلّة كون الدم من أيّام العادة مستمرّاً إلى ما بعد

ص: 583


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 407 .

العشرة ، وشمولها لما اُلحِق به حكماً محلّ إشكال ، بل منع .

وكيف كان : فيقع الكلام في أنّ الطهر المتخلّل بين النفاس الواحد نفاس أو لا ؟

الظاهر نفاسيته ؛ لإطلاق صحيحة محمّد بن مسلم : «لا يكون القرء في أقلّ من عشرة أيّام»(1) وخروج الطهر بين النفاسين من مفادها - بالتقريب المتقدّم - لا يلزم منه خروج الطهر بين النفاس الواحد ؛ فإنّ القرء في النفاسين لا يكون للاختزان بل جمع الدم إنّما هو لأجل الولد ، بخلاف المقام .

وبالجملة : لا مانع من الأخذ بإطلاق الصحيحة .

نعم ، يشكل التمسّك بمرسلة يونس بما مرّ(2) ، والظاهر أنّ الحكم متسالم عليه بينهم .

وأمّا الاستدلال على المطلوب بصدق «النفساء» على المرأة في أيّام النقاء ؛ إذ لا يعتبر في مثل هذا المشتقّ تلبّس الذات بالمبدأ على الدوام ، فيشمله حينئذٍ كلّ ما دلّ على أنّ النفساء تكفّ عن الصلاة أيّام قرئها ، كما أفاد الشيخ الأعظم(3) .

فغير تامّ ؛ ضرورة أ نّه لو سلّم الصدق في الفترات القليلة ، لم يسلّم في مثل المفروض ممّا كان أيّام النقاء ثمانية مثلاً ، وأيّام التلبّس يوماً أو يومين من الحاشيتين بعد فرض كون المبدأ هو الدم .

نعم ، لو فرض أنّ المبدأ هو حال معنوي محفوظ أو استعداد لقذف الدم ، كان حاصلاً والمشتقّ صادقاً . لكنّه ممنوع مخالف للأدلّة ، كما لا يخفى .

ص: 584


1- الكافي 3 : 76 / 4 ؛ وسائل الشيعة 2 : 297 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب11 ، الحديث 1 .
2- تقدّم في الصفحة 92 .
3- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 168 .
المسألة السابعة في اتّحاد أحكام النفساء والحائض

النفساء كالحائض في جميع الأحكام إلاّ ما استثني - وتقدّم بعضها (1) - إجماعاً كما عن «الغنية» و«شرح المفاتيح»(2) ، وهو قول الأصحاب كما عن «المسالك» و«الكفاية»(3) ، و«لا نعرف فيه خلافاً بين أهل العلم» كما عن «المعتبر» و«المنتهى» و«التذكرة»(4) ، وهو الحجّة بعد ظهور التسالم بينهم .

وأمّا الاستدلال(5) عليه بأنّ النفاس هو الحيض المحتبس ، فقد مرّ عدم الدليل عليه(6) ، وبعد الإجماع على مشاركتهما في الحكم ، لا وقع لدعوى الإجماع

على أ نّه حيض محتبس ؛ فإنّه يرجع إلى مشاركتهما حكماً ، وهو عين الإجماع المتقدّم . وأمّا وحدة الموضوع تكويناً ، فالاتّكال على الإجماع لإثباتها مشكل .

والحمد للّه أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً قد وقع الفراغ من هذه الوجيزة يوم السبت ، 22 من شهر ربيع الأوّل من سنة 1376 ه- .ق .

ص: 585


1- تقدّم في الصفحة 544 و548 - 552 .
2- غنية النزوع 1 : 40 ؛ مصابيح الظلام 1 : 280 .
3- مسالك الأفهام 1 : 77 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 32 .
4- المعتبر 1 : 257 ؛ منتهى المطلب 2 : 449 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 332 .
5- الحدائق الناضرة 3 : 325 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 4 : 408 .
6- تقدّم في الصفحة 534 .

ص: 586

الفهارس العامّة

اشارة

1 - الآيات الكريمة

2 - الأحاديث الشريفة

3 - أسماء المعصومين علیهم السلام

4 - الأعلام

5 - الكتب الواردة في المتن

6 - مصادر التحقيق

7 - الموضوعات

ص: 587

ص: 588

1 - فهرس الآيات الكريمة

الآية رقمها الصفحة

البقرة (2)

(وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ

مِنْ أَيَّامٍ اُخَرَ يُرِيدُ اللّه ُ بِكُمُ الْيُسْرَ) 185 425

(يُرِيدُ اللّه ُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ

الْعُسْرَ) 185 425

(يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ

أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِى الْمَحِيضِ

وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا

تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّه ُ) 222 231

(يَسْأَ لُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً

فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِى ا لْمَحِيضِ وَلاَ

تَق-ْ-رَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ

فَأ تُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّه ُ إِنَّ اللّه َ

يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) 222 254

(قُلْ هُوَ أَذىً( 222 232

ص: 589

الآية رقمها الصفحة

(فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ) 222 254

(وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ) 222 254

(حَتَّى يَطْهُرْنَ) 222 232

(حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ) 222 511

(فَإِذَا تَطَهَّرْنَ) 222 254

(فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَ نَّى شِئْتُمْ) 223 260

(أَحَلَّ اللّه ُ الْبَيْعَ) 275 244، 245

آل عمران (3)

(مَا كَانَ اللّه ُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى

مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ

مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّه ُ لِيُطْلِعَكُمْ

عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللّه َ يَجْتَبِى مِنْ

رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ) 179 347

المائدة (5)

(إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا) 6 187

(إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا

وُجُوهَكُمْ() 6 187، 269

(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) 6 274، 282

(مَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ

حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) 6 425

ص: 590

الآية رقمها الصفحة

الأعراف (7)

(كُلَّمَا دَخَلَتْ اُمَّةٌ لَعَنَتْ اُخْتَهَا) 38 258

الأنفال (8)

(وَمَا كَانَ اللّه ُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا

كَانَ اللّه ُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) 33 347

التوبة (9)

(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) 122 347

النور (24)

(ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) 40 258

ص: 591

ص: 592

2 - فهرس الأحاديث الشريفة

أثجّه ثجّاً 374، 375

أدناه حيضتان 146، 149، 157، 158

أدنى الحيض ثلاثة 103، 108

أدنى الطهر عشرة أيّام 533

أدنى الطهر عشرة أيّام ؛ وذلك أنّ المرأة أوّل ما تحيض ربّما كانت كثيرة الدم... 91

أدنى ما يكون من الحيض ثلاثة 103

إذا اتّفق الشهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها 86

إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين . . . 71

إذا أرادت الحائض أن تغتسل . . . 188

إذا أرادت الحائض أن تغتسل فلتستدخل قطنة... 186، 187، 197

إذا أردت أن تغتسل للجمعة فتوضّأ واغتسل 284

إذا أصاب زوجها شَبق فليأمرها فلتغسل فرجها ، ثمّ يمسّها إن شاء 263

إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة 26، 326، 386

إذا أمسكت الكرسف يسيل . . . 442

إذا انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء 261

إذا بلغت ستّين سنة فقد يئست من المحيض ، ومثلها لا تحيض 78

إذا جهلت الأيّام وعددها احتاجت . . . 373

ص: 593

إذا حاضت المرأة فليأتها زوجها حيث شاء ما اتقى موضع الدم 233

إذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها أن يغشاها 517

إذا رأت الحامل الدم بعد ما يمضي عشرون يوماً من الوقت... 355

إذا رأت الدم . . . 61، 408

إذا رأت الدم أمسكت عن الصلاة والصيام 125، 210

إذا رأت الدم أمسكت ، وإذا رأت الطهر صلّت 125، 210

إذا رأت الدم قبل عشرة... 97

إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة 59، 164، 169

إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فهي أملك بنفسها 60، 98

إذا رأت الصفرة . . . 408

إذا رأت المرأة الدم في أيّام حيضها تركت الصلاة 177

إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى 59، 151

إذا رأت المرأة الصفرة قبل انقضاء أيّام عادتها لم تصلّ 162

إذا رأت خمسة أيّام... 116

إذا رأت دماً بعد أيّامها التي كانت ترى الدم فيها ، فلتقعد عن الصلاة 229

إذا طال بها ذلك فلتغتسل ولتتوضّأ ، ثمّ يواقعها إن أراد 514

إذا طهرت الحائض قبل العصر صلّت الظهر والعصر 309

إذا طهرت المرأة قبل طلوع الفجر صلّت المغرب والعشاء 308

إذا طهرت من الحيض ولم تمسّ الماء ، فلا يقع عليها زوجها حتّى تغتسل 261

إذا كان الدم قبل عشرة أيّام فهو أملك بها ، وهو من الحيضة التي طهرت منها 99

إذا كان للدم حرارة . . . 386

إذا كان لها خمسون سنة... 78

أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ ساعة : صلاة فاتتك ، فمتى ذكرتها أدّيتها . . . 288

أسود يعرف . . . 393

ص: 594

اغسل كفّك وفرجك ، وتوضّأ وضوء الصلاة ، ثمّ اغتسل 280

أغفلت عددها 371

أفِضْ على كفّك اليمنى من الماء فاغسلها . . . 279

أقراؤها مثل أقراء نسائها 147

أقراؤها مثل أقراء نسائها ، فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة 376

أقصى طهرها . . . 411

أقصى طهرها ثلاث وعشرون 412

أقصى وقتها سبع ، وأقصى طهرها ثلاث وعشرون 408، 411

أقلّ الحيض ثلاثة أيّام 106

أقلّ الحيض ثلاثة ، وأكثره عشرة ، وتجمع بين الصلاتين 407

أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة 60

أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام 98، 103

أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة أيّام ، وأكثر ما يكون عشرة أيّام 88

أقلّ ما يكون الحيض ثلاثة ، وإذا رأت الدم قبل عشرة . . . 60، 97، 121، 122

أقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم 127

أقلّ ما يكون من الحيض ثلاثة ، وإذا رأت الدم قبل عشرة أيّام . . . 118

ألا ترى أنّ أيّامها لو كانت أقلّ من سبع ، وكانت خمساً . . . 151، 411، 427

ألا ترى أ نّه لم يسألها : كم يوم هي ؟133

التي كانت لها أيّام متقدّمة ، ثمّ اختلط عليها 373

التي لم تر الدم قطّ ، ورأت أوّل ما أدركت . . . واستحاضت أوّل ما رأت 331

أمّا إحدى السنن : فالحائض التي لها أيّام معلومة قد أحصتها... 132

أما تسمع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أمر هذه بغير ما أمر به تلك! 364، 369، 421

إنّ أسماء بنت عميس أمرها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم أن تغتسل لثمان عشرة 557

أنّ أسماء بنت عميس نفست بمحمّد بن أبي بكر فأمرها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ... 557

ص: 595

إنّ أسماء سألت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وقد أتى لها ثمانية عشر يوماً 558

إنّ أكثر ما يكون من الحيض ثمانٍ ، وأدنى ما يكون منه ثلاثة 113

إنّ الحامل قذفت بدم الحيض ، وهذه قذفت بدم المخاض 530، 537، 540

أنّ الحبلى ربّما قذفت بالدم 56، 57

إنّ الرجل يأتي جاريته فتعلق منه ، ثمّ ترى الدم وهي حبلى . . . 351

إنّ الطمث تحبسه الريح من غير حبل 351

إنّ القرآن واحد من عند واحد 258

أنّ القرشية من النساء والنبطية ، تريان الدم إلى ستّين سنة 81

إنّ اللّه جميل يحبّ الجمال 255

أنّ الوضوء قبل الغسل وبعده بدعة 273، 275

إن جامعها في أوّل الحيض فعليه أن يتصدّق بدينار 238

أنّ حمنة بنت جحش قالت لرسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إنّي استحضت . . . 320

إنّ دم الاستحاضة والحيض ليس يخرجان من مكان واحد 8، 21، 328، 361

إنّ دم الحيض أسود يعرف . . . 15، 16، 25، 27، 377

إنّ دم الحيض حارّ عبيط أسود له دفع وحرارة . . . 329

إنّ دم الحيض حارّ عبيط . . . ودم الاستحاضة أصفر بارد 13، 20، 26، 323، 361

أنّ دم الحيض كدر غليظ منتن ، ودم الاستحاضة دم رقيق 325

إنّ دم الحيض ليس به خفاء 377، 393

أنّ دمها يكون رقيقاً تعلوه صفرة 325

إن رأت الدم لم تصلِّ ، وإن رأت الطهر صلّت ما بينها وبين ثلاثين يوماً 379

إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم سنّ في الحيض ثلاث سنن 363

إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كان يأمر بذلك فاطمة ، وكانت تأمر بذلك المؤمنات 293

إنّ سنّتها السبع والثلاث والعشرون ؛ لأنّ قصّتها قصّة حمنة 413

أنّ فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقالت : إنّي اُستحاض فلا أطهر 320

ص: 596

أنّ فاطمة بنت أبي حُبَيش أتت النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقالت : إنّي اُستحاض ولا أطهر 14

إن كان الدم عبيطاً فلا تصلِّ ذينك اليومين ، وإن كان صفرة فلتغتسل 85

إن كان الدم قبل عشرة أيّام . . . 61

إن كان الدم قبل عشرة أيّام فهو أملك بها 60

إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام ، استظهرت بيوم أو يومين 202

إن كان أيّام حيضها دون عشرة أيّام استظهرت بيوم واحد 17، 362

إن كانت تَوانَتْ قضتها ، وإن كانت دائبة في غسلها فلا تقضي 311

إن كانت صفرة فلتغتسل ولتصلّ ، ولا تمسك عن الصلاة 168

إن كانت لها أيّام معلومة . . . 135

إن كانت لها أيّام معلومة من قليل أو كثير ، فهي على أيّامها وخلقها 395، 427

إن كان دماً أحمر كثيراً فلا تصلّي ، وإن كان . . . 58، 335، 353، 440

إن كان دماً عبيطاً فلا تصلّي ذينك اليومين ، وإن كان صفرة فلتغتسل 58، 335

إن كان دماً كثيراً فلا تصلّينّ ، وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كلّ صلاتين 58، 335

إن كان دماً كثيراً فلا تصلّي ، وإن كان قليلاً فلتغتسل عند كلّ صلاتين 353

إن كان صفرة فلتغتسل ولتصلّ ، ولا تمسك عن الصلاة 62

إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلّ الظهر 304

إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض 164، 165، 202

إن كان قُرؤها دون العشرة انتظرت العشرة 431

إنّك كنت على يقين من طهارتك 101

إن لم يجز الدمُ الكرسف . . . 467

إن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد 464

إنّما المرأة لعبة الرجل 234

إنّما سمّاه أبي بحرانياً لكثرته ولونه 324

إنّما هو عِرق 319

ص: 597

إنّما هو عزف 319

أ نّها ترى دم الحيض إلى ستّين سنة 82

إنّها تنتظر بالصلاة ، فلا تصلّي حتّى يمضي أكثر ما يكون من الحيض 178

إنّه أشدّ من ذلك ؛ إنّي أثجّه ثجّاً ، فقال : تلجّمي وتحيّضي . . . 24

إنّه صلی الله علیه و آله وسلم بيّن في هذه السنن كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها 369

إنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها ؛ لم تعرف عددها ولا وقتها 372

إنّه ربّما تعجّل بها الوقت 58، 176

إنّه ربّما قذفت . . . 57

إنّه عزف 320

إنّه يبدأ بالعصر ، ثمّ يصلّي الظهر 304

أ نّه يتصدّق إذا كان في أوّله بدينار ، وفي وسطه نصف دينار 237

إنّي اُستحاض فلا أطهر 320

إنّي استحضت حيضة شديدة . . . 24

إنّي - واللّه - ما اُخبرك إلاّ عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن جبرئيل ، عن اللّه 32

أوّل من قاس إبليس 293

أيّما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل في وقت صلاة ... 310

أيُّ وضوء أطهر من الغسل ؟ ! 272، 275، 281

أيُّ وضوءٍ أنقى من الغسل وأبلغ ؟ ! 280

بيَّن فيها كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها 137

بيّن كلّ مشكل لمن سمعها وفهمها 375

تبدأ فتغسل كفّيك ، ثمّ تفرغ بيمينك على شمالك 279

تترك الصلاة إذا دام 57، 353

تترك الصلاة إذا كانت تلك حالها ما دام الدم ، وتغتسل كلّما انقطع عنها 334

تترك الصلاة حتّى تطهر 64

ص: 598

تترك لذلك الصلاة بعدد أيّامها التي كانت تقعد في طمثها 333

تتّزر بإزار إلى الركبتين ، وتُخرج سُرّتها ، ثمّ له ما فوق الإزار 235

تتوضّأ . . . وإن سال مثل المثعب 475

تجلس أيّام حيضها ، ثمّ تغتسل لكلّ صلاتين 17، 362

تحتشي وتصلّي الظهر والعصر ، ثمّ لتنظر 454

تحيّضي في علم اللّه . . . 377، 394

تحيّضي في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة أيّام 411

تحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه سبعة أيّام . . . 224، 415

تدع الصلاة 126، 181، 530

تدع الصلاة ؛ تصنع ما بينها وبين شهر ، فإن انقطع عنها الدم... 63، 126، 181

تدع الصلاة قدر أقرائها أو قدر حيضها 133

تدع الصلاة ؛ لأنّ أيّامها - أيّام الطهر - قد جازت مع أيّام النفاس 61، 167، 537

تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط إلى ثلاثين يوماً 546

تستدخل القطنة ، ثمّ تدعها مليّاً ، ثمّ تخرجها إخراجاً رفيقاً 31

تستظهر بعد أيّامها بيومين أو ثلاثة ، ثمّ تصلّي 199

تستظهر بيوم أو يومين ، ثمّ هي مستحاضة ؛ فلتغتسل 451، 463

تُصلّي العصر وحدها ، فإن ضيّعت فعليها صلاتان 311

تصلّي حتّى يخرج رأس الصبيّ ، فإذا خرج رأسه لم يجب عليها الصلاة 530، 570

تصلّي ما لم تلد 529، 545

تضع كرسفاً آخر 457، 458

تعرف أيّامها ومبلغ عددها 132

تغتسل وتصلّي 125، 210

تقضي إذا طهرت 296

تقضي صلاتها 521

ص: 599

تقضي صومها ، ولا تقضي صلاتها 518

تقعد النفساء سبع عشرة ليلة ، فإن رأت دماً صنعت كما تصنع المستحاضة 560

تقعد أيّامها 559

تقعد أيّامها التي كانت تحيض ، فإذا زاد الدم على الأيّام . . . استظهرت 354

تقعد أيّامها التي كانت تطمث فيهنّ أيّام قرئها ، فإن هي طهرت... 219

تقعد بقدر حيضها ، وتستظهر بيومين ، فإذا انقطع الدم ، وإلاّ اغتسلت 552

تقعد بقدر حيضها ، وتستظهر بيومين ، فإن انقطع الدم ، وإلاّ اغتسلت 432

تقعد قرءها الذي كانت تحيض فيه ، فإن كان قرؤها مستقيماً فلتأخذ به 206

تقوم من مسجدها ، ولا تقضي الركعتين ، وإن كانت رأت الدم... 298

تقوم من مكانها ، ولا تقضي الركعتين 297

تكون الصفرة والكدرة فما فوقها في أيّام الحيض . . . حيضاً كلّه 325

تلك الهراقة ليس تمسك هذه عن الصلاة 348

تمسّ الماء أحبّ إليّ 262

تمسك عن الصلاة 345

تمسك عن الصلاة كما كانت تصنع في حيضها ، فإذا طهرت صلّت 345، 354

تنتظر عدّتها التي كانت تجلس ، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام . . . 431، 481

تنتظر عدّة ما كانت تحيض ، ثمّ تستظهر بثلاثة أيّام ، ثمّ هي مستحاضة 430

تنظر الأيّام التي كانت تحيض فيها وحيضتها مستقيمة ، فلا يقربها 514

توضّأت وصلّت 332

ثلاث يتزوّجن على كلّ حال . . . 71، 78

ثمّ اختلط عليها من طول الدم 372

ثمان عشرة ؛ سبع عشرة ، ثمّ تغتسل وتحتشي وتصلّي 560

ثمّ تغتسل عند المغرب ، فتصلّي المغرب والعشاء 496

ثمّ تمسك قطنة ، فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع ، فلتجمع 501

ص: 600

ثمّ قد قضى الغسل ، ولا وضوء عليه 278

ثمّ هي مستحاضة ؛ فلتغتسل وتستوثق من نفسها 441، 449

جعلت وقت طهرها أكثر ما يكون من الطهر 394

الجنب يغتسل ؛ يبدأ فيغسل يديه إلى المرفقين قبل أن يغمسهما . . . 278

الحائض لا تقضي الصلاة 295

حتّى أغفلت عددها وموضعها من الشهر 423

حدّ التي قد يئست من المحيض خمسون سنة 77

دخلت المسجد 498

دعي الصلاة أيّام أقرائك 142، 145، 146، 149،

156، 158، 163، 177،

195، 196

دم الحيض أسود يعرف 326

دم الحيض ليس به خفاء 326

دم الحيض ليس به خفاء ؛ هو دم حارّ 17، 21، 362

ربّما تعجّل بها الوقت 59، 166

ربّما قذفت 351

ربّما قذفت بالدم 350

ربّما كثر ففضل عنه 351، 353

ركضة من الشيطان 319

زادت كرسفها 501

زادت ونقصت 371

زادت ونقصت وتقدّمت وتأخّرت 372

سئل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن المرأة تستحاض ، فأمرها أن تمكث 448

سأل سلمان علياً علیه السلام عن رزق الولد في بطن اُمّه . . . 349، 534

ص: 601

سنّتها السبع 412

صبيباً لا يرقأ 486

الصفرة في أيّام العادة حيض 163

الصفرة قبل الحيض بيومين فهو من الحيض 164، 176

صلّت الغداة بغسل . . . 470

صلّت بغسل واحد 470، 471

صلّت كلّ صلاة بوضوء 498

صومي ثلاثة وعشرين يوماً أو أربعة وعشرين 412

طهرها ثلاث وعشرون 225

ع-دّت من أوّل ما رأت الدم الأوّل والثاني ، عشرةَ أيّام 124

عرق غابر 319

عزف عامر 319

على مسكين بقدر شبعه 239

عليه أن يتصدّق 241، 247

غسل الاستحاضة واجب ؛ إذا احتشت بالكرسف . . . 452

غسل النفساء واجب 547

الغسل يجزي عن الوضوء 275

الغسل يجزي عن الوضوء ، وأيّ وضوء أطهر من الغسل ؟ ! 272، 281

فإذا اتّفق شهران عدّة أيّام سواء . . . 152

فإذا اتّفق شهران عدّة أيّام سواء فتلك أيّامها 141

فإذا جازت أيّامها ورأت الدم يثقب الكُرسُف ، اغتسلت للظهر والعصر 438

فإذا جهلت الأيّام وعددها ، احتاجت إلى النظر حينئذٍ 137

فإذا حاضت المرأة ، وكان حيضها خمسة أيّام . . . اغتسلت وصلّت 115

فإذا خرج رأسه لم تجب عليها الصلاة 544

ص: 602

فإذا رأت المرأة الدم في أيّام حيضها تركت الصلاة 162

فإذا ظهر أعادت الغسل ، وأعادت الكرسف 458

فإذا كان ثمّة من الدم مثل رأس الذباب خرج 190، 197

فإذا كان دماً سائلاً فلتؤخّر الصلاة إلى الصلاة 513

فإذا كان صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر 514

فإذا كان كذلك فلتقم فلتلصق بطنها إلى حائط . . . 189

فإذا كان للدم حرارة . . . 362

فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة 21، 386

فإذا مضى ذلك - وهو عشرة أيّام - فعلت ما تفعله المستحاضة 377

فأراه قد سنّ في هذه غير ما سنّ في الاُولى والثانية 22، 366

فالحائض التي لها أيّام معلومة قد أحصتها بلا اختلاط عليها 136

فإن انقطع الدم في أقلّ من سبع . . . 134، 137، 150

فإن انقطع الدم لوقته من الشهر الأوّل سواء 138

فإن انقطع الدم ، وإلاّ اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلّت 439، 448، 452

فإن جاز الدم الكرسف تعصّبت واغتسلت ، ثمّ صلّت الغداة بغسل 463، 469

فإن خرج الدم من الجانب الأيسر فهو من الحيض 44

فإن خرج فيها شيء من الدم فلا تغتسل 200

فإنّ ذلك ليس من الرحم ، ولا من الطمث 356

فإن رأت الدم يوماً أو يومين ، فليس ذلك من الحيض 103

فإن رأت بعد ذلك الدم ، ولم يتمّ لها من يوم طهرت عشرة أيّام . . . 115

فإن رأت دماً صبيباً فلتغتسل في وقت كلّ صلاة 493

فإن رأت صفرة بعد غسلها فلا غسل عليها 497

فإن صبغ القطنة دم لا ينقطع فلتجمع بين كلّ صلاتين بغسل 482

فإن طرحت الكرسف . . . 442

ص: 603

فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها 458

فانقطع الدم عن المرأة ورأت الطهر ، وأمر علي علیه السلام بهذا قبلكم 209

فإن كان الدم فيما بينها وبين المغرب . . . فلتوضّأ 484

فإن كانت نساؤها مختلفات . . . 401، 404

فإن كانت نساؤها مختلفات فأكثر جلوسها عشرة أيّام 406

فإن كان دماً ليس بصفرة فلتمسك عن الصلاة أيّام قرئها 62

فإن لم يكن الأمر كذلك . . . 24، 389

فإن لم يكن الأمر كذلك ، ولكنّ الدم أطبق عليها . . . 388

فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين أبداً بالشكّ 101

فجميع حالات المستحاضة . . . 435

فجميع حالات المستحاضة تدور على هذه السنن الثلاث 16

فذلك الذي رأته في أوّل الأمر . . . 123

فذلك الذي رأته في أوّل الأمر ، مع هذا الذي رأته . . . هو من الحيض 123، 150

فرأت صفرة أو دماً 537

فربّما فضل عنه 350

فسال الدم وجب عليها الغسل 442

فسنّتها السبع والثلاث والعشرون 224، 408، 411

فقد علم الآن : أنّ ذلك قد صار لها وقتاً وخلقاً معروفاً 138، 142، 146، 157

فلتتّق اللّه ، فإن كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة 31

فلتتوضّأ من الصفرة 334، 341

فلتتوضّأ ولتصلِّ عند وقت كلّ صلاة 454

فلتدع الصلاة أيّام أقرائها 133

فلتدع الصلاة أيّام أقرائها ، ثمّ تغتسل وتتوضّأ لكلّ صلاة 340، 474

فلتغتسل ، ثمّ تحتشي وتستذفر وتصلّي الظهر والعصر 441

ص: 604

فلتغتسل ، وإن رأت بعد ذلك صفرة فلتوضّأ ولتصلّ 334

فلتقعد أيّام قُرئها التي كانت تجلس ، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام 332، 554

فلتقعد أيّام قرئها الذي كانت تجلس ، ثمّ تستظهر بعشرة أيّام 570

فلتمسك عن الصلاة أيّام قرئها 169

فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم 86، 104، 152،

179، 198

فلهذا احتاجت إلى أن تعرف . . . 25، 136، 374

فليتصدّق على مسكين 238

فليتصدّق على مسكين واحد ، وإلاّ استغفر اللّه ولا يعود 237

فوقتها سبع ، وطهرها ثلاث وعشرون 224، 411

فهذا بيِّن واضح ؛ إنّ هذه لم يكن لها أيّام قبل ذلك قطّ 22

فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط . . . 369، 373

فهذا يبيّن أنّ هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها ؛ لم تعرف عددها 14، 136، 422

فهذا يبيّن لك أنّ قليلَ الدم وكثيره أيّام الحيض ، حيضٌ كلّه 422

فهذه سنّة التي تعرف أيّام أقرائها لا وقت لها إلاّ أيّامها 364

فهذه سنّة التي تعرف أيّامها ولا وقت لها إلاّ أيّامها ؛ قلّت أو كثرت 133

في الحائض إذا اغتسلت في وقت العصر : تصلّي العصر ، ثمّ تصلّي الظهر 310

فيجب أن تدع في النفاس والحيض 544

في كلّ غسل وضوء إلاّ الجنابة 274، 281

قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم : ما كان اللّه ليجعل حيضاً مع حَبَلٍ 346، 540

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : ما كان اللّه عزّ وجلّ ليجعل حيضها مع حمل... 541

قد أمر بذا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم 209

قدر حيضها ، وقال : إنّما هو عَزْف وأمرها أن تغتسل وتَسْتثفِر بثوب وتصلّي 364

القُرء ما بين الحيضتين 127

ص: 605

كان يأمر فاطمة والمؤمنات . . . 519

كذبوا على علي علیه السلام ، ما وجدوا ذلك في كتاب علي علیه السلام 274

كلّ شيء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها 225، 517

كلّ شيء غير الفرج 234

كلّ شيء ما عدا القبل منها بعينه 233

كلّ غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة 274، 280

كلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها - من صفرة أو حمرة - فهو من الحيض 92

كلّ ما رأت في أيّام العادة - من صفرة أو حمرة - حيض 180

لا أعلم فيه شيئاً 240، 241

لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع 233

لا بأس ، وبعد الغسل أحبّ إليّ 261

لا تصلّ في وَبَر ما لا يؤكل لحمه 187، 192

لا تصلّي حتّى تنقضي أيّامها ، وإن رأت الصفرة في غير أيّامها . . . 64، 65، 162،

172، 331

لا ، حتّى تغتسل 262

لا ، ليس عليه قبلُ ولا بعدُ ، قد أجزأه الغسل ، والمرأة مثل ذلك . . . 277

لأنّ أقلّ أيّام الحيض ثلاثة أيّام ، وأكثرها عشرة أيّام ، وأوسطها خمسة أيّام 561

لأنّ أيّامها - أيّام الطهر - قد جازت مع أيّام النفاس 62، 168

لأنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كان يأمر . . . 519

لأ نّك كنت على يقين من طهارتك ، ثمّ شككت 101

لا وضوء للصلاة في غسل يوم الجمعة وغيره 276

لا ، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك 185، 502

لا ؛ هذه مستحاضة 184

لا ، هذه مستحاضة ؛ تغتسل وتستدخل قطنة 336، 451، 511

ص: 606

لا يرقأ 485

لا يصلح حتّى تغتسل 262

لا يصلح لزوجها أن يقع عليها حتّى تغتسل 263

لا يكون الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام 108

لا يكون الدم أقلّ من ثلاثة أيّام 111

لا يكون القرء في أقلّ من عشرة 534، 584

لا يكون القُرْء في أقلّ من عشرة أيّام فما زاد... 127، 533

لا يكون دم الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام 110

لا يكون دم نفاس زمانه أكثر من زمان الحيض 562

لا يلتمس فعل ذلك وقد نهى اللّه أن يقربها 240

لم يجز الدم . . . 453

لوقته من الشهر الأوّل 134

لو كان حيضها أكثر من سبع . . . 411

ليس عليها أن تقضي الصلاة ، وعليها أن تقضي صوم شهر رمضان 293

ليس عليه شيء ، وقد عصى ربّه 240

ليس عليه شيء ، يستغفر اللّه ، ولا يعود 240

ليس قبله ولا بعده وضوء 273

ليس لها سنّة إلاّ أيّامها 156

الماء يطهِّر 578

ما أبكاك ؟32

ما بين الفخذين 234

ما بي-ن ألْيتيها ، ولا يوقب 235

ما دامت ترى الصفرة فلتتوضّأ من الصفرة 341

ما دامت ترى الصفرة فلتتوضّأ من الصفرة وتصلّي 334

ص: 607

ما دون الفرج 234

ما رأت المرأة . . . قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولى 217

ما كان اللّه ليجعل حيضاً مع حَبَل 348

ما كان قبل الحيض فهو من الحيض ، وما كان بعد الحيض فليس منه 176

ما كان من قليل الأيّام وكثيره... 379

مثل ذلك سواء ، فإن انقطع عنها الدم وإلاّ فهي مستحاضة 536، 553

المرأة إذا بلغت خمسين لم ترَ حمرة ، إلاّ أن تكون امرأة من قريش 81

المرأة إذا رأت الدم في أوّل حيضها ، فاستمرّ بها الدم . . . 178، 198، 376

المرأة التي قد يئست من المحيض حدّها خمسون سنة 78

مُرها فلتستلقِ على ظهرها ، ثمّ ترفع رجليها ، ثمّ تستدخل إصبعها الوسطى... 44

المستحاضة إذا ثقب الدمُ الكُرْسُفَ اغتسلت لكلّ صلاتين 338، 440، 462،

470، 516

المستحاضة إذا مضت أيّام قرئها اغتسلت واحتشت كرسفها وتنظر . . . 501

المستحاضة تستظهر 206، 208

المستحاضة تغتسل عند صلاة الظهر ، وتصلّي الظهر والعصر 496، 511

المستحاضة تقعد أيّام قرئها ، ثمّ تحتاط بيوم أو يومين 206، 211

المستحاضة تكفّ عن الصلاة أيّام أقرائها ، وتحتاط بيوم أو اثنين 206، 227، 513

المستحاضة تنظر أيّامها ؛ فلا تصلّي فيها ، ولا يقربها بعلها 464

ممّا يزيد هذا بياناً قوله لها : تحيّضي ، وليس يكون التحيّض إلاّ للمرأة... 427

من أتى حائضاً فعليه نصف دينار ، ويتصدّق به 247

من أتى حائضاً فعليه نصف دينار ، يتصدّق به 239

من أدرك . . . 305

من أدرك ركعة . . . 301، 302

من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح... 300

ص: 608

من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة 299

من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس ، فقد أدرك العصر 300

من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة 300

من الحيضة الاُولى 97، 125

نعم ؛ إذا غسلت فرجها وتيمّمت فلا بأس 262

نعم ، إذا مضى لها منذ يوم وضعت بقدر أيّام عدّة حيضها 229، 516، 554،

569، 574

نعم ؛ إنّ الحبلى ربّما قذفت بالدم 56، 345

نعم ؛ إنّه ربّما قذفت المرأة الدم وهي حبلى 57، 345، 353

نعم ؛ وذلك أنّ الولد في بطن اُمّه غذاؤه الدم ، فربّما كثر ففضل عنه 56، 346، 535

النفساء تكفّ عن الصلاة أيّامها التي تمكث فيها ، ثمّ تغتسل 553

النفساء تكفّ عن الصلاة أيّامها التي كانت تمكث فيها ، ثمّ تغتسل 209

وأدناه حيضتان 145

وإذا رأت الحامل الدم قبل الوقت الذي كانت ترى فيه الدم بقليل... 164، 354

وإذا رأت الدم قبل عشرة أيّام . . . 98

وإذا رأت الصفرة في غير أيّامها توضّأت 341

وإذا رأت المرأة الدم قبل عشرة فهو من الحيضة الاُولى 96

واغتسلي للفجر غسلاً . . . 477

وأقلّ ما يكون عشرة من حين تطهر إلى أن ترى الدم 129

والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض . . . 78

والمستحاضة تغتسل وتحتشي وتصلّي ، والحائض تترك الصلاة 338

والنفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوماً 560

وأمّا السنّة الثالثة : ففي التي ليس لها أيّام متقدّمة ، ولم تَرَ الدم قطّ 366

وأمّا السُنّة الثالثة فهي التي ليس لها أيّام متقدّمة ، ولم ترَ الدم قطّ... 22

ص: 609

وأمّا سنّة التي قد كانت لها أيّام متقدّمة ، ثمّ اختلط عليها . . . 133، 135،

143، 370

وإن اختلطت الأيّام عليها ، وتقدّمت وتأخّرت 371

وإن اختلط عليها أيّامها وزادت ونقصت . . . عملت بإقبال الدم 23، 142، 435

وإن أراد زوجها أن يأتيها فحين تغتسل 516

وإن انقطع الدم بعد ما رأته يوماً أو يومين ، اغتسلت وصلّت 123

وإن رأت الدم من أوّل ما رأت الثاني . . . 115

وإن كان الدم إذا أمسكت الكرسف ، يسيل من خلف الكرسف صبيباً . . . 442، 481

وإن كان الدم لا يثقب الكرسف توضّأت ، ودخلت المسجد 438، 439، 451،

498، 512

وإن كان بعد الحيض بيومين فليس من الحيض 202

وإن كانت لا تعرف أيّام نفاسها فابتليت ، جلست بمثل أيّام اُمّها أو اُختها 395

وإن كان دماً ليس بصفرة فلتمسك عن الصلاة أيّام قرئها ، ثمّ لتغتسل ولتصلّ 169

وإن كان صفرة فعليها الوضوء 440

وإن كان فيه خلاف فلتحتط بيوم أو يومين ولتغتسل 441، 448، 457،

466، 500

وإن لم تَرَ شيئاً فلتغتسل ، وإن رأت بعد ذلك صفرة فلتتوضّأ ولتصلّ 200، 334

وإن لم تر طهراً اغتسلت واحتشت ، ولا تزال تصلّي بذلك الغسل 449، 500

وإن لم يجز . . . 453

وإن لم يجز الدم الكرسف صلّت بغسل واحد 439، 440

وإن لم يجز الدم الكرسف فعليها الغسل لكلّ يوم مرّة والوضوء لكلّ صلاة 453

وإن لم يكن الأمر كذلك . . . 435

وإن لم يكن الأمر كذلك ، ولكنّ الدم أطبق عليها... 375

وإن لم ينقطع الدم عنها إلاّ بعد ما تمضي الأيّام... فلتغتسل 448

ص: 610

وإنّما جعل الوقت إن توالى عليها حيضتان أو ثلاث ... 138، 158

وإنّما سنّ لها أيّاماً معلومة ما كانت من قليل أو كثير بعد أن تعرفها 133

وإن هي لم تَرَ طهراً اغتسلت واحتشت ، ولا تزال تصلّي بذلك الغسل 467

وأيُّ وضوء أطهر من الغسل 277

وأيُّ وضوء أنقى من الغسل وأبلغ ؟ ! 273، 279

وتجمع بين الصلاتين 408

وتجمع بين المغرب والعشاء بغسل ، فإذا حلّت لها الصلاة حلّ لزوجها 513

وتحتشي وتستثفر وتحشّي وتضمّ فخذيها في المسجد 464

وتحيّضي في كلّ شهر في علم اللّه ستّة أيّام أو سبعة 477

وتنظر ؛ فإن ظهر على الكرسف زادت كرسفها ، وتوضّأت وصلّت 460

وجعلت وقت طهرِها أكثرَ ما يكون من الطهر 377

وذلك أنّ المرأة أوّل ما تحيض ربما كانت كثيرة الدم 533

وذلك أنّ دم الحيض أسود يعرف 15، 395

وذلك أنّ فاطمة بنت أبي حبيش . . . 421

وسئل عن المستحاضة فقال : إنّما ذلك عزف عامر 453، 459

وسئل عن المستحاضة فقال : إنّما هو عِرق غابر أو رَكْضة من الشيطان 282

وسئل عن المستحاضة ، فقال : إنّما هو عزف عامر ، أو ركضة من الشيطان 490

الوضوء بعد الغسل بدعة 273

وغسل الاستحاضة واجب ؛ إذا احتشت بالكرسف وجاز الدم . . . 462

وغسل النفاس واجب 528

الوقت ، والطهور ، والقبلة ، والتوجّه ، والركوع ، والسجود ، والدعاء 270

وكان أبي يقول : إنّها استحيضت سبع سنين 371

وكذلك تفعل المستحاضة ؛ فإنّها إذا فعلت ذلك أذهب اللّه بالدم عنها 481

وكلّ شيء أمسسته الماء فقد أنقيته 279

ص: 611

وكلّ ما رأت المرأة في أيّام حيضها . . . فهو من الحيض 38، 169

ولا بأس بأن يأتيها بعلها إذا شاء إلاّ أيّام حيضها 512

ولا تقضي الصلاة 519

ولا وضوء فيه 274

ولا يكون الطهر أقلّ من عشرة أيّام 533

ولِمَ أفتوك بثمانية عشر يوماً ؟558

ولو كانت تعرف أيّامها ما احتاجت إلى معرفة لون الدم 15، 374

ومتى ما جامعتها وهي حائض فعليك أن تتصدّق بدينار 237

وهذه قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج بعض الولد 544

وهي في نفاسها من الدم 579

هذا إذا كان دماً عبيطاً 468

هذه امرأة قد اختلط عليها أيّامها 373

هذه سنّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم في التي تعرف أيّام أقرائها ؛ لم تختلط عليها 133، 364

هيهات ! إنّما يرتفع الطمث من ضربين : إمّا حبل بيّن ، وإمّا فساد من الطمث 350

هيهات من ذلك يابن حكيم ! رفع الطمث ضربان . . . 350

يا خلف ، سرّ اللّه ، سرّ اللّه فلا تذيعوه ، ولا تعلّموا هذا الخلق اُصول دين اللّه 31

يتصدّق بدينار 247

يتصدّق بدينار ويستغفر اللّه 239

يجب عليه في استقبال الحيض دينار 241، 238، 247

يجب للمستحاضة أن تنظر بعض نسائها ، فتقتدي بأقرائها 206، 395

يصير دم النفاس 544، 545

يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها 291

ص: 612

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام

النبي، محمّد، رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم = محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام

محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام 3، 14، 16، 22، 26، 27، 32، 33، 132، 133، 138، 141، 142، 144، 145، 146، 149، 150، 151، 156، 158، 177، 209، 235، 258، 293، 300، 320، 346، 347، 363، 364، 365، 366، 367، 368، 369، 371، 373، 374، 376، 413، 416، 421، 422، 435، 447، 477، 478، 518، 519، 520، 540، 541، 557، 558

أمير المؤمنين علیه السلام = علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل

علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل 209، 274، 275، 300، 541

فاطمة (سلام اللّه عليها)= فاطمة الزهراء (سلام اللّه عليها)

فاطمة الزهراء (سلام اللّه عليها) 293، 519

الباقر، أبو جعفر علیه السلام = محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس

محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس 35، 59، 96، 127، 186، 197، 200، 206، 211، 219، 228، 229، 238، 263، 270، 272، 273، 274، 280، 281، 288، 291، 293، 298، 334، 347، 376، 395، 441، 447، 448، 449، 451، 452، 463، 477، 482، 500، 501، 514، 516، 532، 540، 554، 557، 569، 573

الصادق، أبو عبداللّه علیه السلام= جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس

جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس 8،

ص: 613

13، 16، 18، 21، 22، 26، 27، 43، 56، 57، 60، 63، 64، 65، 71، 77، 78، 81، 85، 88، 91، 97، 98، 113، 118، 120، 125، 126، 145، 146، 149، 150، 151، 156، 157، 158، 161، 162، 163، 171، 176، 177، 178، 181، 189، 197، 198، 199، 202، 206، 210، 218، 224، 233، 234، 235، 237، 239، 240، 261، 262، 273، 274، 276، 277، 279، 280، 293، 296، 297، 308، 309، 310، 311، 324، 328، 329، 331، 332، 345، 346، 347، 349، 350، 351، 355، 361، 362، 363، 364، 366، 369، 373، 376، 379، 411، 416، 417، 421، 431، 438، 448، 451، 452، 462، 464، 477، 478، 481، 500، 501، 511، 514، 529، 530، 534، 535، 540، 545، 553، 555، 558، 559، 560، 562، 563، 565، 570

أحدهما علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس) 57، 206، 209، 227، 240، 311، 335، 345، 354، 512، 553

العبد الصالح، أبو إبراهيم، أبو الحسن الأوّل، أبو الحسن الماضي علیه السلام ‘موسى بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع

موسى بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع 31، 37، 41، 57، 61، 62، 167، 168، 184، 261، 274، 278، 283، 304، 310، 336، 348، 350، 351، 353، 407، 451، 511، 537، 546

الرضا، أبو الحسن علیه السلام ‘علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن

علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن 338، 345، 430، 552، 560

أبو الحسن الثالث علیه السلام ‘علي بن محمّد علیه السلام ، الإمام العاشر

علي بن محمّد علیه السلام ، الإمام العاشر 276

ص: 614

4 - فهرس الأعلام

الآخوند الخراساني، محمّد كاظم بن الحسين 9، 13، 16، 30، 140، 159، 437، 451، 568

الآقا جمال خوانساري، محمّد بن الحسين 372، 484

أبان= أبان بن عثمان

أبان بن عثمان 43، 47، 48

إبراهيم بن محمّد 276

ابن أبي عقيل العمّاني، الحسن بن علي 437، 450، 461، 551

ابن أبي عمير، محمّد 80، 81، 82، 83،274، 280، 283

ابن أبي نصر= البزنطي، أحمد بن محمّد

ابن أبي يعفور= عبداللّه بن أبي يعفور

ابن إدريس، محمّد بن أحمد 265، 343

ابن الأثير 317، 319، 330

ابن البختري= حفص بن البختري

ابن البرّاج، عبدالعزيز بن نحرير 447، 473

ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد 45، 272، 283، 343، 410، 437، 451، 461، 550

ابن الحجّاج= عبدالرحمان بن الحجّاج

ابن الزبير= علي بن محمّد بن الزبير

ابن المغيرة= عبداللّه بن المغيرة

ابن الوليد 93

ابن بابويه، محمّد بن علي 44، 80، 81، 82، 93، 128، 253، 263، 272، 405، 438، 519، 557، 560

ابن بكير 178، 179، 198، 233، 261، 376، 377، 394، 407، 408، 409، 417، 418، 428

ابن حكيم= محمّد بن حكيم

ابن حمزة، محمّد بن علي 473، 507

ص: 615

ابن زهرة، حمزة بن علي 251، 360، 473

ابن سنان= عبداللّه بن سنان

ابن سوقة= زياد بن سوقة

ابن سينا، الحسين بن عبداللّه 246

ابن شاذان، الفضل بن شاذان 77، 268، 560

ابن طاوس، أحمد بن موسى 45، 46، 473

ابن عبّاس، عبداللّه بن عبّاس 318

ابن عبدون= أحمد بن عبدون

ابن محبوب= الحسن بن محبوب

ابن مسلم= محمّد بن مسلم

ابن مهزيار= علي بن مهزيار

ابن يقطين= علي بن يقطين

أبو الصباح الكناني 308، 313

أبو الصلاح الحلبي، التقي بن نجم 360، 473

أبو المغرا= حميد بن المثنّى

أبو المكارم= ابن زهرة، حمزة بن علي

أبو عبيدة= الحذّاء، زياد بن عيسى

أبو علي سينا= ابن سينا، الحسين بن عبداللّه

أبو علي= ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد

أبو بصير 57، 63، 65، 126، 163، 165، 172، 181، 202، 205، 218، 239، 240، 247، 262، 345، 352، 353، 379، 394، 397، 555، 565

أبو بصير، ليث المرادي 546، 548

أبو جميلة= المفضّل بن صالح

أبو حنيفة 56، 58، 128، 235

أبو يوسف= أبو يوسف القاضي، يعقوب بن إبراهيم

أبو يوسف القاضي، يعقوب بن إبراهيم 156، 159

أحمد بن عبدالواحد= أحمد بن عبدون

أحمد بن عبدوس 548

أحمد بن عبدون 79

أحمد بن محمّد بن عيّاش= الجوهري، أحمد بن محمّد

الأخفش 128

الأردبيلي، أحمد بن محمّد 43، 46، 231، 283

إسحاق بن جرير 16، 26، 27، 205، 208، 323، 362، 419

إسحاق= إسحاق بن عمّار

إسحاق بن عمّار 9، 20، 27، 58، 85، 324، 335، 346، 358

ص: 616

الإسكافي ‘ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد

إسماعيل بن عبدالخالق 508، 514، 517

إسماعيل بن مرار 91، 93

إسماعيل بن همّام 304، 310

أسماء بنت عميس 557، 558

الأشعري، محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران 273

أصبغ= الأصبغ بن نباتة

الأصبغ بن نباتة 300

الأقطع، سليمان بن خالد 56، 273، 345، 352، 535

اُمّ سلمة 364، 370

الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين 20، 88، 102، 107، 117، 132، 140، 172، 173، 193، 202، 207، 215، 216، 217، 245، 257، 259، 260، 372، 434، 466، 471، 473، 480، 483، 487، 490، 495، 496، 507، 563، 584

بحر العلوم 495

البحراني، يوسف بن أحمد 91، 95، 98، 111، 112، 114، 115، 116، 117، 118، 119، 120، 121، 123، 125، 151، 363، 368، 376، 378، 379، 415

البزنطي، أحمد بن محمّد 78، 80، 274، 205

البصري= عبدالرحمان بن أبي عبداللّه

البطائني، علي بن أبي حمزة 176

بعض المحقّقين= الهمداني، رضا بن محمّد هادي

البهائي= شيخ البهائي، محمّد بن الحسين

البهبهاني، محمّد باقر بن محمّد أكمل 283، 473

التقي= أبو الصلاح الحلبي، التقي بن نجم

جعفر بن محمّد 36

جعفر بن محمّد بن عون 36

جعفر بن محمّد بن يونس 36

الجعفي، إسماعيل بن جابر 162، 205، 211، 449، 458، 460، 467، 500

الجوهري، أحمد بن محمّد 559

الجوهري، إسماعيل بن حمّاد 318، 320، 330، 331، 333

الجوهري، القاسم بن محمّد 467

ص: 617

الجهني= مالك بن أعين

الحذّاء، زياد بن عيسى 262، 265، 267

الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن 95، 117

حريز= السجستاني، حريز بن عبداللّه

الحسن بن راشد 293

الحسن بن محبوب= السرّاد، الحسن بن محبوب

الحسين بن نعيم الصحّاف= الصحّاف، الحسين بن نعيم

الحضرمي، أبو بكر 280

حفص بن البختري 13، 19، 20، 26، 27، 323، 329، 356، 361، 386

حفص بن غياث 512

حكم بن حكيم 273، 275، 279، 281

الحلبي، عبيداللّه بن علي 207، 211، 235، 239، 241، 304، 311، 447، 487، 488

الحلبي= أبو الصلاح الحلبي، التقي بن نجم

الحلّي= ابن إدريس، محمّد بن أحمد

حمّاد بن عثمان 274، 276

حمران بن أعين 219، 559

حمنة بنت جحش 22، 23، 24، 320، 366، 368، 369، 375، 413، 414، 416، 478

حميد بن المثنّى 26، 27، 58، 125، 205، 209، 324، 334، 346، 348، 358

حنّان بن سدير 560

الخثعمي، محمّد بن حكيم 350

الخراساني= الآخوند الخراساني، محمّد كاظم بن الحسين

خلف بن حمّاد= الكوفي، خلف بن حمّاد

الخونساري= الآقا جمال خوانساري، محمّد بن الحسين

الداماد= الميرداماد، محمّد باقر بن محمّد

داود بن فرقد 237، 238، 241، 249، 250

داود مولى أبي المغرا 125، 205، 210

الدجاجي، داود 308

الراوندي= القطب الراوندي، سعيد بن هبة اللّه

رُزيق (زُريق) بن الزبير الخلقاني 352، 530، 531، 537، 540، 544، 547، 570، 572، 573، 580

رفاعة= النخّاس، رفاعة بن موسى

ص: 618

الزبيري= علي بن محمّد بن الزبير

زرارة 101، 127، 129، 185، 205، 206، 209، 211، 212، 227، 240، 241، 270، 273، 279، 288، 291، 293، 395، 432، 439، 441، 448، 449، 451، 452، 460، 463، 469، 470، 496، 500، 502، 512، 536، 552، 557

الزمخشري، محمود بن عمر 318

زياد بن سوقة 34، 36، 42

زينب بنت جحش 478

الساباطي، عمّار بن موسى 267، 277، 284، 529، 531، 537، 542، 545

السجستاني، حريز بن عبداللّه 56، 352

السرّاد، الحسن بن محبوب 228، 501، 512

سعيد بن يسار 199، 200، 205، 262

السكوني، إسماعيل بن أبي زياد 346، 347، 540، 541، 545، 573، 580

سلاّر الديلمي، حمزة بن عبدالعزيز 360، 473

سلمان 349، 534

سليمان بن خالد= الأقطع، سليمان بن خالد

سماعة بن مهران 9، 58، 67، 86، 103،106، 140، 147، 151، 152، 164، 166، 169، 170، 176، 178، 189، 197، 198، 205، 218، 297، 338، 340، 354، 376، 388، 394، 397، 398، 400، 401، 406، 407، 408، 409، 410، 440، 443، 452، 453، 459، 462، 467، 470، 476، 516، 517

سهل بن زياد الآدمي 71، 78، 267

السيّد= ابن زهرة، حمزة بن علي

السيّد المرتضى= علم الهدى، علي بن الحسين

السيّد (صاحب الرياض)= الطباطبائي، علي بن محمّد علي

شاذان بن الخليل 297

شارح المفاتيح= البهبهاني، محمّد باقر بن محمّد أكمل

الشافعي، محمّد بن إدريس 65، 235، 275، 529، 539

شرحبيل الكندي= الكندي، شرحبيل

الشهيد= الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي

الشهيد= الشهيد الثاني، زين الدين بن علي

ص: 619

الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي 43، 45، 46، 131، 140، 265، 342، 515، 522، 550

الشهيد الثاني، زين الدين بن علي 75، 82، 107، 257

الشهيدان (الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي / الشهيد الثاني، زين الدين بن علي) 472، 483

الشيخ ‘الطوسي، محمّد بن الحسن

الشيخان (الكليني، محمّد بن يعقوب / ابن بابويه، محمّد بن علي) 537

الشيخ الأعظم= الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين

شيخ البهائي، محمّد بن الحسين 107

شيخ الطائفة ‘الطوسي، محمّد بن الحسن

صاحب الجواهر، محمّد حسن بن باقر 28، 140، 176، 192، 215، 216، 249، 285، 358، 399، 484، 566، 567، 572

صاحب الحدائق= البحراني، يوسف بن أحمد

صاحب الصحاح= الجوهري، إسماعيل بن حمّاد

صاحب المدارك= الموسوي العاملي، محمّد بن علي

صاحب المسالك= الشهيد الثاني، زين الدين بن علي

صاحب المصباح= الهمداني، رضا بن محمّد هادي

صاحب الوافي= الفيض الكاشاني، محمّد بن شاه المرتضى

الصحّاف، الحسين بن نعيم 164، 170، 210، 336، 346، 351، 352، 354، 355، 441، 442، 448، 452، 454، 460، 465، 481، 484، 486، 487، 496، 500

الصدوق= ابن بابويه، محمّد بن علي

الصدوقان (ابن بابويه، علي بن الحسين / ابن بابويه، محمّد بن علي) 46، 360، 447،472، 511

صفوان بن يحيى 184، 336، 340، 345، 352، 353، 451، 487، 511

الطباطبائي= الطباطبائي، علي بن محمّد علي

الطباطبائي، علي بن محمّد علي 358، 473

الطبرسي، فضل بن الحسن 266

ص: 620

الطوسي ‘الطوسي، محمّد بن الحسن

الطوسي، محمّد بن الحسن 44، 45، 46، 62، 63، 66، 72، 78، 80، 81، 83، 113، 127، 150، 169، 181، 231، 232، 249، 250، 266، 300، 310، 356، 380، 386، 394، 400، 405، 406، 473، 507، 514، 519، 539، 556، 561، 569، 573

الطيالسي، محمّد بن خالد 514

عبدالرحمان 57، 98، 122، 125، 206، 441، 448، 460، 466

عبدالرحمان بن أبي عبداللّه 60، 98، 118، 124، 207، 208، 228، 262، 457، 513

عبدالرحمان بن أعين 209، 212

عبدالرحمان بن الحجّاج 62، 71، 77، 78، 82، 168، 172، 296، 346، 353

عبداللّه بن أبي يعفور 458، 460، 501

عبداللّه بن المغيرة 61، 167، 205، 261، 431، 432، 537

عبداللّه بن بكير= ابن بكير

عبداللّه بن سليمان 273

عبداللّه بن سنان 56، 57، 113، 207، 211، 233، 308، 313، 345، 352، 487، 496، 511، 560، 562، 573

عبداللّه بن محمّد 351

عبدالملك 209

عبدالملك بن عمرو 233، 234

عبيد بن زرارة 310

العبيدي، محمّد بن عيسى 363

العجلي= ابن إدريس، محمّد بن أحمد

العلاّمة الحلّي، الحسن بن يوسف 8، 10، 67، 80، 107، 131، 140، 159، 221، 298، 342، 405، 444، 461، 472، 483، 506، 515، 522، 551، 563

العلاّمة الطباطبائي= بحر العلوم، محمّد مهدي بن مرتضى

علم الهدى، علي بن الحسين 231، 272، 283، 472، 539، 551، 568، 569

علي بن إبراهيم= القمّي، علي بن إبراهيم

علي بن أبي حمزة= البطائني، علي بن أبي حمزة

علي بن الحسن بن فضّال 78، 515

علي بن بابويه 44

علي بن جعفر 324، 333

ص: 621

علي بن محمّد بن الزبير 72، 79، 227، 268، 296، 313، 515

علي بن محمّد بن الزبير القرشي ‘الزبيري، علي بن محمّد بن زبير

علي بن مهزيار 518، 519

علي بن يقطين 261، 283، 284، 324، 546

العمّاني= ابن أبيعقيل، الحسن بن علي

عمر بن حنظلة 234، 308، 313

عمر بن يزيد 234

عيص= العيص بن القاسم

العيص بن القاسم 64، 240، 241

الفاضلان (المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن / العلاّمة الحلّي، الحسن بن يوسف) 437

فاطمة بنت أبي حبيش 14، 26، 27، 320، 364، 368، 369، 370، 371، 373، 421، 478، 519

الفتياني، المقرن 349، 534

فخر الإسلام= فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن

فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن 456

الفضل بن شاذان= ابن شاذان، الفضل بن شاذان

فضل بن يونس 298

الفضيل= الفضيل بن يسار

الفضيل بن يسار 206، 227، 512

الفيض الكاشاني، محمّد بن شاه مرتضى 464

القاضي= ابن البرّاج، عبدالعزيز بن نحرير

القطب الراوندي، سعيد بن هبة اللّه 253، 265، 266

القمّي، إبراهيم بن هاشم 268، 558

القمّي، علي بن إبراهيم 91، 240، 363

الكاتب= ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد

الكشّي، محمّد بن عمر 93

الكليني، محمّد بن يعقوب 46، 82، 169، 272، 363، 505، 519

الكناني، أبو الصباح= أبو الصباح الكناني

الكندي، شرحبيل 189، 190، 194

الكوفي، خلف بن حمّاد 31، 32، 34، 36، 37، 40، 42، 194، 197

ليث المرادي= أبو بصير، ليث المرادي

مالك بن أعين 205، 229، 514، 515، 517، 554، 569، 573، 579

ص: 622

المأمون، خليفة العبّاسي 338، 560

المجلسي، محمّد باقر بن محمّد تقي 81، 319

المحقّق الثاني ‘المحقّق الكركي، علي بن الحسين

المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن 46، 63، 80، 127، 131، 181، 265، 308، 309، 328، 344، 356، 380، 405، 434، 461، 506، 550، 571

المحقّق الكركي، علي بن الحسين 342، 472، 493

محمّد بن أبي بكر 557، 558

محمّد بن أحمد بن يحيى= الأشعري، محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران

محمّد بن الربيع 313

محمّد بن الفضيل 313

محمّد بن حكيم= الخثعمي، محمّد بن حكيم

محمّد بن عبداللّه بن زرارة 227

محمّد بن عمرو بن سعيد 205، 430، 432

محمّد بن مسلم 26، 27، 57، 58، 59، 60، 64، 65، 66، 96، 118، 120، 122، 124، 125، 127، 129، 151، 161، 171، 186، 190، 191، 193، 197، 200، 205، 206، 217، 228، 238، 239، 240، 263، 264، 266، 272، 274، 275، 281، 311، 324، 331، 334، 335، 345، 354، 358، 395، 396، 399، 440، 482، 486، 500، 512، 532، 533، 538، 557، 558، 559، 562، 584

محمّد بن يحيى= محمّد بن يحيى العطّار

محمّد بن يحيى العطّار 43

المرادي= أبو بصير، ليث المرادي

معاوية بن حكيم 164، 176

معاوية بن عمّار 8، 21، 27، 88، 207، 211، 233، 323، 328، 356، 361، 381، 382، 423، 438، 439، 440، 451، 464، 468، 498، 512

المفضّل بن صالح 313، 548

المفيد، محمّد بن محمّد 44، 46، 80، 82، 83، 343، 360، 552، 556، 557، 561، 562، 563، 564، 573

المقرن الفتياني= الفتياني، المقرن

منصور بن حازم 309، 313

الموسوي العاملي، محمّد بن علي 43، 493

ص: 623

المولى البهبهاني= البهبهاني، محمّد باقر بن محمّد أكمل

الميرداماد، محمّد باقر بن محمّد 79

النجاشي، أحمد بن علي 78، 79

النجفي، محمّد حسن بن باقر= صاحب الجواهر، محمّد حسن بن باقر

النخّاس، رفاعة بن موسى 351

النيسابوري، محمّد بن إسماعيل 77، 78، 184، 268

هشام بن سالم 233

الهمداني، رضا بن محمّد هادي 28، 140، 143، 145، 161، 245، 246، 461

الهمداني، محمّد بن عبدالرحمان 276، 277، 281

يعقوب الأحمر 218

يعقوب بن يقطين 278

يونس= يونس بن عبدالرحمان

يونس بن عبدالرحمان 14، 21، 26، 27، 38، 87، 91، 93، 104، 107، 112، 115، 119، 123، 129، 131، 132، 137، 150، 151، 154، 156، 162، 169، 177، 189، 194، 196، 205، 207، 211، 282، 317، 318، 320، 323، 325، 331، 332، 340، 363، 377، 379، 386، 388، 394، 404، 405، 407، 408، 409، 410، 411، 415، 417، 419، 421، 423، 426، 435، 453، 459، 473، 477، 490، 507، 532، 538، 584

يونس بن يعقوب 63، 126، 181، 205، 296، 379، 431، 443، 481، 487، 493، 553، 555، 556، 570

ص: 624

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن

القرآن الكريم 232، 257، 258

أحكام الراوندي 253، 265، 266

أحكام النساء 561

الاستبصار 344

الإصباح= إصباح الشيعة

إصباح الشيعة 510

الإعلام 562

الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد 510

الأمالي للصدوق 10، 84، 113، 551

الانتصار 236، 253، 550

البيان 43، 45، 510، 522

التبيان 82، 231، 253، 265، 266

التحرير= تحرير الأحكام

تحرير الأحكام 510

التذكرة= تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء 105، 160، 177، 217، 236، 253، 360، 415، 446، 450، 506، 508، 509، 510، 522، 531، 543، 544، 548، 585

تقريرات بعض أعاظم فنّ الاُصول ‘فوائد الاُصول

التنقيح الرائع 531، 551

التهذيب= تهذيب الأحكام

تهذيب الأحكام 43، 44، 45، 46، 80، 344، 356

جامع المقاصد 44، 82، 104، 108، 140، 236، 253، 342، 415، 446، 450، 484، 510، 518، 531، 544، 548

الجامع للشرائع 104، 167، 539

الجعفريات 541، 573، 580

الجعفرية 548

جمل العلم والعمل 473، 551

الجمل والعقود 510، 539

ص: 625

الجواهر= جواهر الكلام

جواهر الكلام 28، 82، 88، 104، 140، 145، 150، 176، 192، 200، 201، 215، 216، 221، 249، 285، 299، 303، 311، 342، 358، 399، 437، 447، 456، 459، 461، 480، 484، 495، 503، 518، 539، 566، 567، 572

حاشية الإرشاد 531

حاشية الروضة= الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية

حاشية المدارك= الحاشية على مدارك الأحكام

الحاشية على مدارك الأحكام 44

الحدائق الناضرة 18، 25، 88، 91، 95، 97، 98، 108، 111، 112، 114، 115، 116، 117، 118، 119، 120، 121، 123، 125، 151، 363، 368، 376، 378، 379، 415

الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية 484

الخلاف 65، 66، 150، 217، 231، 236، 253، 299، 300، 303، 343، 360، 405، 419، 450، 461، 472، 531، 532، 537، 539، 544، 549

الدروس= الدروس الشرعية

الدروس الشرعية 43، 236، 484، 510

الدعائم= دعائم الإسلام

دعائم الإسلام 324، 326

الذخيرة= ذخيرة المعاد

ذخيرة المعاد 510، 518

الذكرى= ذكرى الشيعة

ذكرى الشيعة 43، 45، 46، 67، 88، 236، 446، 484، 510، 522، 544، 548، 550

رسالة علي بن بابويه 44

الروض= روض الجنان

روض الجنان 74، 75، 140، 253، 257، 264، 510، 518، 574

الروضة البهيّة 82، 548

الرياض= رياض المسائل

رياض المسائل 52، 201، 358، 447، 473

السرائر 236، 253، 287، 343، 405، 447، 472، 510، 561

الشرائع= شرائع الإسلام

شرائع الإسلام 177، 237، 342، 343، 472، 473، 522

ص: 626

شرح الإرشاد 456

شرح الجعفرية 236، 506، 508، 543، 548

شرح الرسالة للسيّد المرتضى 231

شرح المفاتيح= مصابيح الظلام

شرحي الجعفرية= «المطالب المظفرية» و«الفوائد الغروية»

الصحاح 128، 317، 330، 371، 465

الطهارة للشيخ الأنصاري 88، 217، 495

العلل= علل الشرائع

علل الشرائع 564

العيون= عيون أخبار الرضا علیه السلام

عيون أخبار الرضا علیه السلام 338، 340، 564

الغنية= غنية النزوع

غنية النزوع 66، 236، 251، 253، 265، 361، 446، 447، 449، 450، 459، 461، 506، 508، 539، 544، 549، 585

الفائق 318

الفقه الرضوي= الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام

فقه الرضا= الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام

الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام 44، 47، 103، 190، 194، 237، 250، 325، 438، 552

المطالب المظفرية 510، 531، 544

الفقيه= من لا يحضره الفقيه

فوائد الاُصول 247

فوائد الشرائع 82، 548

الفوائد الغروية 510، 531، 544

القاموس المحيط 317

قرب الإسناد 333، 443، 497

القواعد= قواعد الأحكام

قواعد الأحكام 444، 506، 522، 551

الكافي 43، 44، 45، 46، 47، 91

الكافي في الفقه 510، 539

كتاب علي علیه السلام 274

كتاب الشيخ الطوسي= تهذيب الأحكام

كشف الالتباس 484، 506، 508، 510، 544، 548

كشف الرموز 531، 549

كشف اللثام 236، 415، 446، 447، 548

الكفاية= كفاية الفقه

كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 446، 447، 472، 510، 585

المبسوط 45، 65، 80، 81، 236، 303،

ص: 627

342، 361، 415، 419، 424، 510، 514، 518، 548

مجمع البرهان= مجمع الفائدة والبرهان

مجمع الفائدة والبرهان 447، 506، 510، 551

المجمع= مجمع البحرين

مجمع البحرين 318

المجمع= مجمع البيان

مجمع البيان 82، 231، 253، 265

المختصر النافع 236، 343، 472، 473

المختلف= مختلف الشيعة

مختلف الشيعة 253، 298، 472، 531، 550، 551

المدارك= مدارك الأحكام

مدارك الأحكام 18، 25، 43، 48، 222، 271، 299، 300، 342، 344، 356، 360، 415، 472، 493، 506، 510، 518، 531، 544

مرآة العقول 81

المراسم 550

المسالك= مسالك الأفهام

مسالك الأفهام 82، 88، 415، 585

المستند= مستند الشيعة

مستند الشيعة 18، 25

المشيخة للحسن بن محبوب 228، 500، 512

مصابيح الظلام 45، 46، 88، 150، 236، 343، 518، 544، 585

مصباح الفقيه 52، 245

المعتبر 43، 46، 65، 66، 84، 113، 160، 177، 217، 236، 265، 308، 344، 356، 360، 415، 437، 450، 461، 473، 506، 508، 509، 510، 544، 550، 571، 585

المفاتيح= مفاتيح الشرائع

مفاتيح الشرائع 473

مفتاح الكرامة 236، 506

المقنع 238، 249، 250، 252، 342، 548

المقنعة 81، 325، 473، 510، 561

المنتهى= منتهى المطلب

منتهى المطلب 9، 65، 66، 160، 177، 217، 253، 299، 360، 415، 437، 446، 461، 506، 508، 522، 543، 544، 551، 585

المنجد 318، 371

من لا يحضره الفقيه 128، 303، 342، 550

ص: 628

الموجز= الموجز الحاوي لتحرير الفتاوى

الموجز الحاوي لتحرير الفتاوى 484، 510

الناصريات 342، 446، 450، 459، 461، 473، 568

النافع= المختصر النافع

النهاية= نهاية الإحكام

النهاية= النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى

النهاية= النهاية في غريب الحديث والأثر

النهاية في غريب الحديث والأثر 317، 319، 330

النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى 45، 46، 236، 344، 356، 405

نهاية الإحكام 64، 66، 67، 114، 217

الوافي 319، 464، 505

الوسائل= وسائل الشيعة

وسائل الشيعة 252

الوسيلة إلى نيل الفضيلة 419، 539

الهداية للصدوق 550

ص: 629

ص: 630

6 - فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم» .

«أ»

1 - الاجتهاد والتقليد ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .= موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

2 - أحكام النساء ، ضمن «مصنّفات الشيخ المفيد» ج 9 . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري (336 - 413) ، الطبعة الاُولى ، قم ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ

المفيد ، 1413 ق .

3 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تصحيح حسن المصطفوي ، جامعة مشهد ، 1348 ش .

4 - إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق فارس الحسّون ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1410 ق .

5 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الثالثة ، 4 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1390 ق .

ص: 631

6 - الاستصحاب ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .= موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

7 - الإشارات والتنبيهات ، مع الشرح للمحقّق نصير الدين الطوسي وشرح الشرح للعلاّمة قطب الدين الرازي . الشيخ الرئيس أبو علي حسين بن عبداللّه بن سينا (370 - 427) ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، طهران ، دفتر نشر كتاب ، 1403 ق .

8 - إصباح الشيعة بمصباح الشريعة . قطب الدين محمّد بن الحسين الكيدرى ( القرن السادس) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1416 ق .

9 - الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، طهران ، مكتبة جامع چهلستون ، 1400 ق .

10 - الاُمّ . أبو عبداللّه محمّد بن إدريس الشافعي (150 - 204) ، تصحيح محمّد زهري النجّار ، بيروت ، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر ، 1408 ق .

11 - الأمالي . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق مؤسّسة البعثة ، الطبعة الاُولى ، قم ، دار الثقافة ، 1414 ق .

12 - الأمالي أو المجالس . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الخامسة ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1400 ق .

13 - الانتصار . السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي (355 - 436) ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق .

14 - أنوار الهداية في التعليقة علي الكفاية ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . ‘موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

«ب»

15 - بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار . العلاّمة محمّد باقر بن محمّدتقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، الطبعة الثانية ، إعداد عدّة من العلماء ، 110 مجلدٍ (إلاّ 6 مجلّدات ، من المجلّد 29 - 34) + المدخل ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1403 ق / 1983 م .

ص: 632

16 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد . محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي (520 - 595) ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، منشورات الشريف الرضيّ ، 1412 ق / 1371 ش .

17 - البيان . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، قم ، 1412 ق .

«ت»

18 - تبصرة المتعلّمين في أحكام الدين . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق السيّد أحمد الحسينى والشيخ هادي اليوسفي ، قم ، مجمع الذخائر الإسلامية .

19 - التبيان في تفسير القرآن . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق وتصحيح أحمد حبيب قصير العاملي ، بيروت ، 10 مجلّدات ، دار إحياء التراث العربي .

20 - تحرير الأحكام الشرعية علي مذهب الإمامية . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1421 ق .

21 - تذكرة الفقهاء . جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، صدر منه حتّى

الآن 20 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 - 1433 ق .

22 - التعادل والترجيح ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .= موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

23 - تعليقات علي منهج المقال . المولى محمّد باقر بن محمّد أكمل الوحيد البهبهاني (1118 - 1206) ، الطبعة الحجرية .

24 - تفسير العيّاشي . أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي ( أواخر قرن الثالث) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية .

ص: 633

25 - تفسير القمّي . أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي (م 307) ، تصحيح السيّد طيّب الموسوي الجزائري ، الطبعة الثالثة ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة دار الكتاب ، 1404 ق .

26 - تنقيح الاُصول (تقريرات الإمام الخميني قدّس سرّه ) . حسين التقوي الاشتهاردي (1304 - 1378 ش) ، تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1418 - 1419 ق / 1376 - 1377 ش .

27 - التنقيح الرائع لمختصر الشرائع . جمال الدين مقداد بن عبداللّه السيوري الحلّي المعروف بالفاضل المقداد (م 826) ، تحقيق السيّد عبداللطيف الكوه كمري ، الطبعة الاُولى ، 4

مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1404 ق .

28 - تنقيح المقال في علم الرجال . الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351) ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة

المرتضوية ، 1352 ق .

29 - تهذيب الأحكام . أبو جعفر محمّد بن الحسن ، الشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 10 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1365 ش .

30 - تهذيب الاُصول (تقريرات الإمام الخميني قدّس سرّه ) . الشيخ جعفر السبحاني التبريزي ، تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1424 ق .

«ج»

31 - جامع أحاديث الشيعة ، الذي اُلّف تحت إشراف آية اللّه العظمى الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي (1291 - 1380) . الشيخ إسماعيل المعزّي الملايري ، الطبعة الثانيه ، 26 مجلّداً ، مطبعة مهر ، 1413 ق / 1371 ش .

32 - جامع المقاصد في شرح القواعد . المحقّق الثاني علي بن الحسين بن عبدالعالي الكركي

ص: 634

(868 - 940) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 13 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1408 - 1411 ق .

33 - الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) . أبو عبداللّه محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي (م 672) ، الطبعة الثانية ، 24 مجلّداً ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1405 ق / 1985 م .

34 - الجامع للشرائع . نجيب الدين يحيى بن أحمد بن سعيد الحلّي الهذلي (601 - 689) ، تحقيق جمع من الفضلاء ، قم ، مؤسّسة سيّد الشهداء علیه السلام ، 1405 ق .

35 - الجعفريات أو الأشعثيات المطبوع مع «قرب الإسناد» . أبو علي محمّد بن محمّد الأشعث ( القرن الرابع) ، طهران ، مكتبة نينوى الحديثة .

36 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام . الشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266) ، تحقيق الشيخ عبّاس القوچاني ، الطبعة الثالثة ، 43 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1367 ش .

«ح»

37 - الحاشية علي مدارك الأحكام . المولى محمّد باقر بن محمّد أكمل الوحيد البهبهاني (1118 - 1206) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1419 ق .

38 - الحبل المتين . الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي (953 - 1030) ، قم ، مكتبة بصيرتي ، 1398 ق .

39 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة . الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 - 1186) ، تحقيق محمّد تقيّ الإيرواني ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1406 ق .

40 - الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة . صدر المتألّهين محمّد بن إبراهيم الشيرازي (م 1050) ، الطبعة الثانية ، 9 مجلّدات ، قم ، مكتبة المصطفوي .

ص: 635

41 - الحواشي علي شرح اللمعة الدمشقية . آقا حسين بن جمال الدين محمّد الخوانساري (1019 - 1099) ، قم ، منشورات المدرسة الرضوية .

42 - حياة المحقّق الكركي وآثاره . المحقّق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي (868 - 940) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، 12 مجلّداً ، قم ، منشورات الاحتجاج ، 1423 ق .

«خ»

43 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

44 - الخلاف . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جماعة من المحقّقين ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1407 ق .

«د»

45 - الدروس الشرعية في فقه الإمامية . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1412 - 1414 ق .

46 - دعائم الإسلام . أبو حنيفة القاضي النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م 363) ، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي ، مجلّدان ، القاهرة ، دار المعارف ، 1383 ق / 1963 م.

«ذ»

47 - ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد . المحقّق السبزواري محمّد باقر بن محمّد مؤمن (1017 - 1090) ، الطبعة الحجرية ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث .

48 - الذريعة إلى اُصول الشريعة . أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف

المرتضى وعلم الهدى (355 - 436) ، تحقيق أبو القاسم گرجي ، مجلّدان ، الطبعة

ص: 636

الاُولى ، طهران ، مؤسّسه انتشارات و چاپ دانشگاه طهران ، 1363 ش .

49 - ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ق .

«ر»

50 - رجال ابن داود . تقيّ الدين الحسن بن علي بن داود الحلّي (647 - 707) ، إعداد السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم ، قم ، منشورات الشريف الرضيّ ، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة الحيدرية ، 1392 ق .

51 - رجال البرقى . أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 280) ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة القيّوم ، 1419 ق .

52 - رجال الطوسي . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1415 ق .

53 - رجال النجاشي . أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372 - 450) ، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ق .

54 - رسائل ابن سينا . الشيخ الرئيس أبو علي حسين بن عبداللّه بن سينا (370 - 427) ، قم ، نشر مكتبة البيدار ، 1400 ق .

55 - رسائل الشريف المرتضى . أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى وعلم الهدى (355 - 436) ، إعداد السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، دار القرآن الكريم ، 1405 - 1410 ق .

56 - الرسائل العشر . أبو جعفر محمّد بن حسن بن علي الطوسي (385 - 460) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1403 ق .

ص: 637

57 - الرسائل العشر . جمال الدين أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (757 - 841) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الاُولى ، قم ، منشورات مكتبة آية اللّه العظمى

المرعشي النجفي ، 1409 ق .

58 - الرسائل الفقهية . الآخوند الخراساني المولى محمّد كاظم بن حسين الهروي (1255 - 1329) ، تحقيق السيّد صالح المدرّسي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مرصاد ، 1424 ق / 1382 ش .

59 - روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965) ، تحقيق مركز الأبحاث والآثار الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1422 ق .

60 - الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965) ، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1424 ق .

61 - رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل . السيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي (1161 - 1231) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ،

مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 - 1423 ق .

«س»

62 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي . أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (543 - 598) ، إعداد مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 - 1411 ق .

63 - سنن ابن ماجة . أبو عبداللّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني (207 - 275) ، تحقيق محمّد فؤاد عبدالباقي ، مجلّدان ، بيروت ، دار الكتب العلمية .

64 - سنن الترمذي . أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (209 - 279) ، تحقيق عبدالوهّاب عبداللطيف ، الطبعة الثانية ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر للطباعة والنشر ، 1403 ق .

ص: 638

65 - سنن الدار قطني . علي بن عمر الدارقطني (306 - 385) ، 4 أجزاء في مجلّدين ،

بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1413 ق / 1993 م .

«ش»

66 - شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن ابن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 676) ، تحقيق عبدالحسين محمّد علي بقّال ، الطبعة الثالثة ، 4 أجزاء في مجلّدين ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1409 ق .

67 - شرح السنّة . المحدّث الفقيه الحسين بن مسعود البغوي (436 - 516) ، تحقيق شعيب الأرناؤوط ومحمّد زهير الشاويش ، الطبعة الاُولى ، 16 مجلّداً ، بيروت ، المكتب الإسلامي ، 1403 ق .

68 - الشرح الكبير . أبو الفرج عبدالرحمن بن محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي (597 - 682) ، المطبوع مع المغني ، لعبداللّه بن أحمد بن قدامة ، 12 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار الكتاب العربي .

69 - شرح المنظومة . المولى هادي بن مهدي السبزواري (1212 - 1289) ، تصحيح و تعليق وتحقيق حسن حسن زاده الآملي ومسعود الطالبي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، طهران ، نشر ناب ، 1369 - 1379 ش .

70 - شرح تبصرة المتعلّمين . الشيخ ضياء الدين العراقي (1278 - 1361) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1414 ق .

71 - الشفاء . الشيخ الرئيس أبو علي حسين بن عبداللّه بن سينا (370 - 427) ، تحقيق عدّة من الأساتذة ، 10 مجلّداً ( الإلهيات + المنطق 4 مجلّدات + الطبيعيات 3 مجلّدات + الرياضيات مجلّدان) ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1405 ق .

«ص»

72 - الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) . إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393) ، تحقيق أحمد عبدالغفور عطّار ، الطبعة الرابعة ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار العلم للملايين ،

1407 ق / 1987 م .

ص: 639

73 - صحيح البخاري . أبو عبداللّه محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي (م 256) ، تحقيق وشرح الشيخ قاسم الشمّاعي الرفاعي ، الطبعة الاُولى ، 9 أجزاء في 4 مجلّدات ، بيروت ، دار القلم ، 1407 ق / 1987 م .

74 - صحيح مسلم . أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (206 - 261) ، تحقيق وتعليق الدكتور موسى شاهين لاشين والدكتور أحمد عمر هاشم ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة عزّ الدين ، 1407 ق / 1987 م .

75 - الصلاة . المحقّق الحائري (م 1355) ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1362 ش .

«ط»

76 - الطهارة ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 1 - 5 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، المكتبة الفقهية ، 1415 ق .

«ع»

77 - العدّة في اُصول الفقه . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق محمّد رضا الأنصاري القمّي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ،

قم ، مطبعة ستارة ، 1417 ق .

78 - العروة الوثقى . السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) ، مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام ، إعداد أحمد المحسني السبزواري ، الطبعة الثانية ، 6 مجلّدات ، قم ،

مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1421 ق .

79 - علل الشرائع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الاُولى ، النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية ، 1385 ق / 1966 م .

80 - عيون أخبار الرضا علیه السلام . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح السيّد مهديّ الحسيني اللاجوردي ، الطبعة الثانية ، منشورات جهان .

ص: 640

«غ»

81 - غنية النزوع إلى علمي الاُصول والفروع . أبو المكارم السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي المعروف بابن زهرة (511 - 585) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1417 ق .

«ف»

82 - الفائق في غريب الحديث . أبو القاسم جاراللّه محمود بن عمر الزمخشري (م 538) ، تحقيق علي محمّد البجاوي ومحمّد أبي الفضل إبراهيم ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر ، 1414 ق / 1993 م .

83 - فتح العزيز (شرح الوجيز) .= المجموع شرح المهذّب.

84 - فرائد الاُصول ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 24 - 27 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1419 ق / 1377 ش .

85 - فقه القرآن . قطب الدين أبو الحسن سعيد بن هبة اللّه الراوندي (م 573) ، تحقيق السيّد أحمد الحسيني ، الطبعة الثانية ، مجلّدان ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1405 ق .

86 - الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، مشهد المقدّس ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا علیه السلام ، 1406 ق .

87 - الفقه علي المذاهب الأربعة . عبدالرحمن الجزيري ، الطبعة السابعة ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1406 ق / 1986 م .

88 - الفقيه (من لا يحضره الفقيه) . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 4 مجلّدات ، النجف الأشرف ، دار الكتب الإسلامية ، 1377 ق / 1957 م .

89 - فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) . الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني (1309 - 1365) ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ق .

ص: 641

90 - الفهرست . أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (380 - 460) ، تحقيق الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

«ق»

91 - القاموس المحيط والقابوس الوسيط . أبو طاهر مجدالدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (729 - 817) ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الجيل .

92 - قرب الإسناد . أبو العبّاس عبداللّه بن جعفر الحميري القمّي (م بعد 304) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1413 ق .

93 - قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام . العلاّمة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1413 ق .

«ك»

94 - الكافي . ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الخامسة ، 8 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

95 - الكافي في الفقه . تقيّ الدين بن نجم أبو الصلاح الحلبي (374 - 447) ، تحقيق رضا الاُستادي ، أصفهان ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ، 1403 ق .

96 - الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل . جاراللّه محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي (467 - 528) ، إعداد مصطفى حسين أحمد ، الطبعة الثالثة ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الكتاب العربي ، 1407 ق / 1987 م .

97 - كشف الالتباس عن موجز أبي العبّاس . مفلح بن الحسن بن رشيد بن صلاح الصميري (م حدود 900) ، تحقيق مؤسّسة صاحب الأمر (عج) ، قم ، مؤسّسة صاحب الأمر (عج) ، 1417 ق .

ص: 642

98 - كشف الرموز في شرح المختصر النافع . زين الدين أبو علي الحسن بن أبيطالب ابن أبيالمجد اليوسفي المعروف بالفاضل والمحقّق الآبي (م بعد 672) ، تحقيق علي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ،

1408 ق .

99 - كشف الغُمّة في معرفة الأئمّة . أبو الحسن علي بن عيسى بن أبو الفتح الإربلي ، إعداد السيّد الهاشم الرسولي ، مجلّدان ، مكتبة بني هاشمي ، 1381 ق .

100 - كشف اللّثام . محمّد بن الحسن بن محمّد الأصفهاني المعروف بالفاضل الهندي (1062 - 1137) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 11 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1416 - 1424 .

101 - كفاية الاُصول . الآخوند الخراساني المولى محمّد كاظم بن حسين الهروي (1255 - 1329) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي .

102 - كفاية الفقه المشتهر ب- «كفاية الأحكام» . محمّد باقر بن محمّد مؤمن الشريف الخراساني السبزواري (1017 - 1090) ، تحقيق الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1423 ق .

103 - كنز العرفان في فقه القرآن . الشيخ جمال الدين المقداد بن عبداللّه السيوري (م 826) ، تعليق الشيخ محمّد باقر شريف زاده ، الطبعة الرابعة ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة الرضوية ، 1369 ش .

«ل»

104 - لسان العرب . أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (630 - 711) ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1408 ق / 1988 م .

«م»

105 - المبسوط . شمس الدين محمّد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (م 483) ، 30 جزءاً في 15 مجلّداً ، بيروت ، دار المعرفة ، 1409 ق / 1989 م .

ص: 643

106 - المبسوط في فقه الإمامية . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي ، الطبعة الثانية ، 8 أجزاء في

4 مجلّدات ، طهران ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ، 1387 - 1393 ق .

107 - مجمع البحرين ومطلع النيّرين . فخر الدين الطريحي (972 - 1085) ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار ومكتبة الهلال ، 1985 م .

108 - مجمع البيان في تفسير القرآن . أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (حوالي 470 - 548) ، تحقيق وتصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي والسيّد فضل اللّه اليزدي الطباطبائي ، الطبعة الاُولى ، 10 أجزاء في 5 مجلّدات ، بيروت ،

دار المعرفة للطباعة والنشر .

109 - مجمع الرجال . زكيّ الدين المولى عناية اللّه علي القهپائي (قرن 11 ق) ، تصحيح وتعليق السيّد ضياء الدين (العلاّمة الأصفهاني) ، [الطبعة الاُولى] ، 7 جزءاً في ثلاث مجلّدات ، قم ، موسّسة إسماعيليان ، 1384 ق .

110 - مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان . أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993) ، تحقيق مجتبى العراقي وعلي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1402 - 1414 ق .

111 - المجموع (شرح المهذّب) ويليه فتح العزيز ويليه التلخيص الحبير . أبو زكريّا يحيى بن شرف النووي الشافعي (631 - 676) ، [الطبعة الاُولى]، 20 مجلّداً ، بيروت ، دار الفكر .

112 - المحاسن . أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 274 أو 280) ، تحقيق جلال الدين الحسيني الاُرموي ، الطبعة الثانية ، قم ، دار الكتب الإسلامية .

113 - المختصر النافع . أبو القاسم نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهُذَلي (602 - 676) ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات مؤسّسة المطبوعات الديني ، 1368 ش .

114 - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن

ص: 644

المطهّر (648 - 726) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 9 مجلّدات + الفهرس ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1412 - 1420 ق .

115 - مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام . السيّد محمّد بن علي الموسوي العاملي (م 1009) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 8 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1410 ق .

116 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول . العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي والسيّد جعفر الحسيني والشيخ علي الآخوندي ، الطبعة الثانية ، 26 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

117 - المراسم في فقه الإمامي . حمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقّب بسلاّر (م 463) ، إعداد محمود البستاني ، قم ، منشورات حرمين ، 1404 ق .

118 - مسائل الناصريات . أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى وعلم الهدى (355 - 436) ، تحقيق مركز البحوث والدراسات العلمية ، قم ، مؤسّسة الهدى ، 1417 ق .

119 - مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، بيروت ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1410 ق / 1990 م .

120 - مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام . الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي الجبعي (911 - 965) ، تحقيق مؤسّسة المعارف الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية ، 1413 - 1419 ق .

121 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل . الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري الطبرسي (1254 - 1320) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1407 ق .

122 - مستمسك العروة الوثقى . السيّد محسن الطباطبائي الحكيم (1306 - 1390) ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة دار التفسير ، 1416 ق / 1374 ش .

ص: 645

123 - مستند الشيعة في أحكام الشريعة . أحمد بن محمّد مهدي النراقي (م 1245) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 18 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1415 - 1420 ق .

124 - مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع . المولى محمّد باقر بن محمّد الوحيد البهبهاني (1117 - 1205) ، تحقيق مؤسّسة العلاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني ، الطبعة الاُولى ،

11 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة علاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني ، 1424 ق .

125 - المصابيح في الفقه . السيّد محمّد مهدي الطباطبائي المعروف ب- «بحر العلوم» (1155 - 1212) ، مخطوط .

126 - مصباح الفقيه (الطهارة ، الصلاة ، الزكاة ، الخمس ، الصوم ، الرهن) . الحاج آقا رضا بن محمّد هادي الهمداني النجفي (م 1322) ، الطبعة الاُولى ، 19 مجلّداً :

الطهارة والصلاة . تحقيق المؤسّسة الجعفرية لإحياء التراث ، (ج 1 - 17) ، قم ، مؤسّسة

مهديّ الموعود(عج) ، 1417 - 1431 ق .

الزكاة والخمس والصوم والرهن . (ج 13 و14 ، حسب ترتيب مؤسّسة النشر الإسلامي) ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1416 ق .

127 - مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق الشيخ حسين الأعلمي ، الطبعة الاُولى ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1418 ق / 1998 م .

128 - المعتبر في شرح المختصر . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهُذلي (602 - 676) ، تحقيق عدّة من الأفاضل ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة سيّد الشهداء علیه السلام ، 1364 ش .

129 - معجم مقاييس اللغة . أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا (م 395) ، تحقيق عبد السلام محمّد هارون ، 6 مجلّدات ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1404 ق .

130 - المغرب في ترتيب المعرب . أبو الفتح ناصر الدين بن عبد السيّد بن علي بن المطرّزي

ص: 646

(538 - 610) ، تحقيق محمود فاخوري وعبد الحميد مختار ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، حلب ، مكتبة اُسامة بن زيد ، 1979 م .

131 - المغني ويليه الشرح الكبير . أبو محمّد عبداللّه بن أحمد بن محمّد بن قدامة (541 - 620) ، وأبو الفرج عبدالرحمان بن أبي عمر محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي (م 682) ، الطبعة الاُولى ، 21 مجلّداً ، بيروت ، دار الكتب العربي .

132 - مفاتيح الشرائع . المولى محسن الفيض الكاشاني (م 1091) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، 4 مجلّدات ، قم ، مطبعة الخيّام ، 1401 ق .

133 - مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة . السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي (1160 - 1228) ، تحقيق محمّد باقر الخالصي ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1419 - 1433 ق .

134 - مفردات ألفاظ القرآن . حسين بن محمّد المفضّل الراغب الأصفهاني (م حدود 425) ، تحقيق عدنان صفوان داوودي ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات ذوي القربى ، 1423 ق .

135 - المقنع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311 - 381) ، تحقيق لجنة التحقيق التابعة لمؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، 1415 ق .

136 - المقنعة . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1410 ق .

137 - مناهج الوصول إلى علم الاُصول ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . ‘موسوعة

الإمام الخميني قدّس سرّه .

138 - منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان . جمال الدين أبو منصور الحسن بن زين الدين الشهيد الجباعي (م 1011) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1362 - 1365 ش .

ص: 647

139 - منتهى المطلب في تحقيق المذهب . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، مشهد ، مجمع البحوث الإسلامية ، 1412 - 1428 ق .

140 - منتهى المقال في أحوال الرجال . أبو علي محمّد بن إسماعيل الحائري المازندراني (1159 - 1215) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 7 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1416 ق .

141 - المنجد في اللغة . لوئيس معلوف وعدّة من الأساتذة ، الطبعة الثالثة والثلاثون ، بيروت ، دار المشرق ، 1992 م .

142 - موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه . تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1434 ق / 1392 ش .

143 - المهذّب . أبو القاسم عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز القاضي ابن البرّاج (400 - 481) ، إعداد مؤسّسة سيّدالشهداء ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1406 ق .

«ن»

144 - نهاية الإحكام في معرفة الأحكام . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الثانية ، مجلّدان ، قم ،

مؤسّسة إسماعيليان ، 1410 ق .

145 - نهاية التقرير في مباحث الصلاة (تقريرات المحقّق البروجردي) . محمّد الموحّدي الفاضل اللنكراني ، تحقيق مركز فقه الأئمّة الأطهار علیهم السلام ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، 1420 ق .

146 - النهاية في غريب الحديث والأثر . مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمّد بن محمّد الجزري المعروف بابن الأثير (544 - 606) ، تحقيق طاهر أحمد التراوي ومحمود

ص: 648

محمّد الطناحي ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1364 ش .

147 - النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، قم ، انتشارات قدس محمّدي .

«و»

148 - الوافي . محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1006 - 1091) ، إعداد ضياء الدين الحسيني ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، أصفهان ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ، 1412 ق .

149 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة . الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 30 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1409 ق .

والطبعة الحجرية منه 3 مجلّدات ، طهران ، دار الطباعة ، 1293 ق .

150 - الوسيلة إلى نيل الفضيلة . عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة ( القرن السادس) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1408 ق .

«ه- »

151 - الهداية [في الاُصول والفروع] . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311 - 381) ، تحقيق مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، 1418 ق .

ص: 649

ص: 650

7 - فهرس الموضوعات

مقدمة التحقيق ... ه-

المقصد الأوّل : في الحيض

تمهيد : في حدّ الحيض شرعاً ... 7

كلام المحقّق الخراساني وجوابه ... 9

في هذا المقصد مطالب :

المطلب الأوّل : فيما يميّز به دم الحيض عن غيره

يتمّ الكلام فيه برسم مسائل :

المسألة الاُولى : فيما يميّز به دم الحيض عن الاستحاضة ... 11

في أمارية الأوصاف ... 11

تفصيل المحقّق الخراساني بين الأوصاف ... 13

مقدار أمارية الأوصاف ... 18

حول اختصاص أمارية الصفات بمستمرّة الدم ... 20

ص: 651

الكلام حول دلالة مرسلة يونس الطويلة ... 21

هل الأوصاف خاصّة مركّبة ؟... 25

في حجّية مطلق الظنّ بالحيضية ... 28

المسألة الثانية : فيما يميّز به دم الحيض عن دم العذرة ... 30

في أمارية التطوّق للعذرة والانغماس للحيض ... 30

دخل العلم بالافتضاض في أمارية التطوّق ... 33

في مورد أمارية التطوّق والانغماس ... 34

أمارية التطوّق للعذرة مطلقاً ... 36

أمارية التطوّق والانغماس في جميع صور الشكّ ... 39

حول وجوب الاختبار في جميع صور الشكّ ... 41

المسألة الثالثة : فيما يميّز به دم الحيض عن دم القرحة ... 43

استفادة أمارية خروج الدم من الأيسر أو الأيمن من رواية أبان ... 43

الإشكال في مقتضى إطلاق رواية أبان ... 48

المسألة الرابعة : في سائر الاشتباهات بين دم الحيض وغيره ... 49

الكلام في قاعدة الإمكان ... 50

موضوع قاعدة الإمكان ... 51

دليل قاعدة الإمكان:

الأوّل : أصالة السلامة ... 52

الثاني : التمسّك بطوائف من الأخبار ... 56

الثالث : الإجماع ... 65

في مقدار سعة قاعدة الإمكان ... 68

حول أمارية القاعدة وأصليتها وبيان نسبتها مع غيرها ... 69

ص: 652

المطلب الثاني : في حدود الحيض وقيوده وشرائطه

وهي اُمور :

الأمر الأوّل : فيما تراه الصبيّة قبل البلوغ ... 71

في التنافي بين كون الحيض دليل البلوغ وعدم حيضية ما تراه الصبيّة ... 74

عدم صحّة التمسّك بروايات الصفات للحكم بالحيضية والسنّ ... 76

الأمر الثاني : في بيان حدّ اليأس ... 77

أدلّة التفصيل بين القرشية وغيرها ... 80

مقتضى الأصل عند الشكّ في القرشية والنبطية ... 83

الأمر الثالث : في أنّ أقلّ الحيض ثلاثة أيّام ... 84

حول الروايات الواردة في حدود الحيض ... 84

اعتبار التوالي في الأيّام الثلاثة ... 87

الروايات الدالّة على اعتبار التوالي ... 88

التمسّك بمرسلة يونس القصيرة على عدم اعتبار التوالي ... 91

التمسّك بصحيحة ابن مسلم وروايته على عدم اعتبار التوالي ... 96

التمسّك برواية عبد الرحمان على عدم اعتبار التوالي ... 98

بطلان التمسّك بقاعدة الإمكان على عدم اعتبار التوالي ... 99

حول الاُصول الموضوعية والحكمية الدالّة على اعتبار التوالي ... 99

في اعتبار الاستمرار في الأيّام الثلاثة ... 103

عدم إضرار الفترات اليسيرة المعهودة بين النساء ... 107

في دخول الليالي في الأيّام الثلاثة ... 108

دخول الليلتين المتوسّطتين والاُولى ... 111

الأمر الرابع : في أنّ أكثر الحيض عشرة أيّام ... 113

ص: 653

اعتبار التوالي في العشرة ... 114

مخالفة صاحب الحدائق المشهور في اعتبار التوالي وأقلّ الطهر ... 115

المطلب الثالث : في أقسام الحائض وأحكامها

أقسام الحائض ... 130

الكلام في أحكام الحائض في ضمن مسائل :

المسألة الاُولى : في استفادة حصول العادة بمرّتين من الأخبار ... 131

دلالة ذيل مرسلة يونس على تحقّق العادة بحيضتين مطلقاً ... 137

المسألة الثانية : في ثبوت العددية الناقصة برؤية مرّتين مختلفتين عدداً ... 140

المسألة الثالثة : في تحقّق العادة بالمرّتين مطلقاً ... 144

المسألة الرابعة : في حصول العادة بالمرّتين مع حصول النقاء في البين ... 149

المسألة الخامسة : في حصول العادة الوقتية بتكرّر الحيض ... 154

المسألة السادسة : في زوال العادة بعادة شرعية مطلقاً ... 156

هل تزول العادة برؤية مرّتين غير متماثلتين ؟... 159

المسألة السابعة : في أقسام ذات العادة وأحكامها ... 160

يتمّ الكلام فيها في ضمن جهات :

الجهة الاُولى : في تحيّض ذات العادة الوقتية مطلقاً برؤية الدم في أيّامها ... 160

الجهة الثانية : في الحكم بحيضية الدم المتقدّم أو المتأخّر بقليل ... 162

الجهة الثالثة : في حكم الدم المرئي قبل أيّام العادة أو بعدها بكثير ... 167

الحكم بحيضية الدم الجامع لصفات الحيض مطلقاً في المقام ... 167

الروايات التي قد ت-توهّم دلالتها على عدم التحيّض ... 169

الحكم بعدم حيضية الدم الجامع لصفات الاستحاضة في المقام ... 170

التمسّك بقاعدة الإمكان لإثبات حيضية الدم الجامع لصفات الاستحاضة ... 173

ص: 654

الجهة الرابعة : في حكم ذات العادة العددية المحضة ... 175

حكم المبتدئة والمضطربة والناسية ... 178

حكم تعارض الأمارتين ... 179

المسألة الثامنة : في حكم ما إذا رأت الدم ثلاثة أيّام فانقطع ثمّ رأته بعدها ... 180

حكم الدم الأوّل ... 180

حكم الدم الثاني ... 181

المسألة التاسعة : في وجوب الاستبراء عند الانقطاع لدون العشرة ... 185

مقتضى الأصل في المقام ... 185

الاستدلال على وجوب الاستبراء بالأخبار ... 186

هل يجب الاستبراء ثانياً وثالثاً ؟... 190

حكم نسيان الاستبراء ... 191

حول سقوط شرطية الاستبراء مع تعذّره ... 192

كيفية الاستبراء ... 193

المسألة العاشرة : في صور ما بعد الاستبراء وبيان أحكامها ... 195

الصورة الاُولى : فيما إذا خرجت القطنة نقيّة بعد الاستبراء ... 195

الصورة الثانية : فيما إذا خرجت القطنة ملوّثة بالحمرة أو الصفرة ... 197

الصورة الثالثة : في حكم ما إذا رأت ذات العادة بعد أيّامها صفرة ... 201

الصورة الرابعة : في حكم ذات العادة مع تلوّث القطنة بعد أيّامها ... 203

مقتضى القاعدة في المقام ... 203

في الصورة الرابعة جهات من البحث :

الجهة الاُولى : في مصبّ أخبار الاستظهار وموردها ... 204

الجهة الثانية : في اختلاف أخبار الاستظهار ... 208

تعارض روايات الاستظهار مع أدلّة الاقتصار وبيان وجه الجمع بينها ... 211

رجحان الحمل على الإرشاد العقلي على ما ذكره المحقّقون ... 214

ص: 655

تتميم : في حكم انقطاع الدم على العشرة وتجاوزه ... 217

حيضية جميع الأيّام فيما لو انقطع على العشرة ... 217

حيضية خصوص أيّام العادة مع تجاوز الدم عن العشرة ... 219

لزوم قضاء الصوم مع انقطاع الدم على العشرة ... 220

صحّة صيام ما بعد العادة مع تجاوز العشرة ... 220

المطلب الرابع : في بعض مهمّات أحكام الحيض والحائض

وهو اُمور :

الأمر الأوّل : حرمة الوط ء ... 222

في لحوق أيّام الاستظهار بالحيض في جميع أحكامه ... 225

مقتضى الأصل العملي في المقام ... 225

مقتضى أدلّة الاستظهار ... 226

الروايات التي يمكن استفادة الحرمة منها وجوابها ... 227

الأمر الثاني : فيما يجوز الاستمتاع به من الحائض ... 230

عدم دلالة آية المحيض إلاّ على حرمة الوط ء في الفرج ... 231

دلالة الأخبار على جواز الاستمتاع بغير الفرج ... 233

الروايات التي قد يتوهّم معارضتها لما سبق وبيان وجه الجمع بينهما ... 234

الأمر الثالث : في كفّارة وط ء الحائض ... 236

الروايات الدالّة على مختار القدماء من أصحابنا ... 237

الروايات المنافية للطائفة السابقة وبيان إعراض الأصحاب عنها ... 239

تكرّر الكفّارة بتكرّر الوط ء في وقت واحد ... 242

مقتضى مقام الثبوت والتصوّر ... 243

مقتضى مقام الإثبات والدلالة ... 249

ص: 656

هل يتعدّى الحكم إلى الأجنبيّة المشتبهة أو المزنيّ بها ؟... 250

المراد ب- «الدينار» في المقام ... 250

تحديد أوّل الحيض ووسطه وآخره ... 251

عدم إلحاق وط ء النفساء بالحائض في ثبوت الكفّارة ... 252

الأمر الرابع : في جواز وط ء الزوجة قبلاً بعد نقائها وقبل الغسل ... 253

دلالة آية المحيض على الجواز ... 254

تقريب دلالة الآية بناءً على قراءة التخفيف ... 254

تقريب دلالة الآية بناءً على قراءة التضعيف ... 256

ترجيح قراءة التخفيف وإبطال القراءات السبع أو العشر ... 257

بيان وجه الجمع العقلائي بين قراءتي التخفيف والتضعيف ... 259

دلالة عموم الكتاب والسنّة على جواز الوط ء قبل الغسل ... 259

دلالة الأخبار الخاصّة على جواز الوط ء قبل الغسل ... 261

اعتبار وقوع الانقطاع في آخر أيّام الحيض لا بعد أيّامه ... 264

جواز الوط ء قبل غسل الفرج ... 264

ارتفاع المنع أو المرجوحية مع تيمّم المرأة ... 266

الأمر الخامس : عدم إجزاء غسل الحيض عن الوضوء ... 269

في الوجوب الشرطي لغسل الحيض ... 269

عدم إجزاء سائر الأغسال عن الوضوء عدا غسل الجنابة ... 271

حول الأخبار الواردة في المقام ... 272

حول وجوب تقديم الوضوء على الغسل وجوباً شرطياً ... 283

في كيفية رفع غسل الحيض والوضوء الحدثين ... 285

في الالتزام بالتوزيع مع تحقّق سبب الأكبر دون الأصغر ... 287

الأمر السادس : في حكم الحيض بعد دخول وقت الصلاة ... 288

ص: 657

مقتضى أدلّة القضاء وعدمه على الحائض ... 288

تعارض أدلّة عدم القضاء مع الأدلّة السابقة ... 293

مقتضى الأخبار الخاصّة في المقام ... 296

الأمر السابع : في حكم صلاة الحائض إن طهرت آخر الوقت ... 299

حكم إدراك ركعة من العصر والعشاء والصبح مع الشرائط الاختيارية ... 299

حكم إدراك ركعة من الظهر والمغرب مع الشرائط الاختيارية ... 303

حكم إدراك أقلّ من ركعة مع الشرائط الاختيارية ... 306

حكم إدراك تمام الصلاة بفردها الاضطراري ... 306

مقتضى القواعد في المقام ... 306

مقتضى الروايات الخاصّة ... 308

المقصد الثاني : في الاستحاضة

القول : في حقيقة الاستحاضة ... 317

في ذكر معنى الاستحاضة لغة ... 317

التحقيق في بيان موضوع الاستحاضة ... 321

الكلام يقع في مقامات :

المقام الأوّل : في الأوصاف التي جعلت بحسب الروايات أمارة ... 323

عدم حصول التمييز بغير الأوصاف المنصوصة ... 326

المقام الثاني : في بيان حدود دلالة الروايات ... 328

الدالّة على أمارية الصفات على الاستحاضة ... 328

المقام الثالث : في أنّ «كلّ ما يمتنع أن يكون حيضاً فهو استحاضة» ... 336

كلام بعض الأعلام وردّه ... 336

توجيه الحكم باستحاضة اليائسة والصغيرة ... 339

ص: 658

فرع : في اجتماع الحمل والحيض ... 342

الأقوال في المقام ... 342

أدلّة الاجتماع مطلقاً ... 344

أدلّة الاجتماع في الجملة ... 346

أدلّة عدم الاجتماع مطلقاً ... 346

وجه الجمع بين ما دلّت على الاجتماع وما دلّت على عدمه ... 351

قوّة العمل بصحيحة الصحّاف ... 355

هاهنا مطالب :

المطلب الأوّل : في حكم تجاوز الدم عن أكثر الحيض

فلابدّ في بيان الأقسام وأحكامها من ذكر مسائل:

المسألة الاُولى : في اعتبار التمييز في المبتدئة ... 360

الروايات التي زعم صاحب «الحدائق» دلالتها على عدم اعتبار التمييز ... 363

مرسلة يونس الطويلة ... 363

بيان بعض فقرات المرسلة ... 368

رواية سماعة وموثّقة ابن بكير ... 376

ينبغي التنبيه على اُمور:

الأمر الأوّل : في شرائط الرجوع إلى التمييز ... 378

مختار صاحب «الحدائق» في المقام ونقده ... 378

الأمر الثاني : في حكم ما تراه بصفة الحيض أقلّ من ثلاثة أيّام ... 381

الكلام في كيفية التتميم ... 383

الأمر الثالث : في حكم ما تراه بصفة الحيض أكثر من عشرة أيّام ... 385

الأمر الرابع : في حكم ما إذا رأت ذات التمييز صفرة بين الدمين ... 390

فقدان المرأة للتمييز بناءً على أمارية أوصاف الاستحاضة ... 391

ص: 659

الأمر الخامس : في حكم المبتدئة الفاقدة للتمييز ... 393

الكلام يقع في جهات:

الجهة الاُولى : في كيفية الجمع بين الروايات ... 393

الجهة الثانية : في رجوع غير مستقرّة العادة إلى عادة نسائها ... 397

الجهة الثالثة : في بيان ما هو المعتبر عند الرجوع إلى عادة النساء ... 400

حول إجراء أصالة العدم الأزلي لإحراز موضوع الرجوع ... 402

كفاية الاتّفاق في خصوص العدد أو خصوص الوقت ... 403

الجهة الرابعة : في عدم الرجوع إلى عادة أقرانها عند فقد نسائها ... 404

الأمر السادس : في حكم من لا يمكنها الرجوع إلى نسائها ... 406

وجه للجمع بين أخبار المقام وبيان ما فيه ... 407

ترجيح العمل بمرسلة يونس على ما ينافيها ... 409

تعارض فقرات المرسلة وقوّة الأخذ بالسبعة ... 411

عدم اختصاص المرسلة بالمبتدئة بالمعنى الأخصّ بخلاف الموثّقات ... 413

تنبيه : في أنّ المبتدئة يتعيّن عليها جعل ما تختاره من العدد أوّل الرؤية ... 415

المسألة الثانية : في تقديم ذات العادة لعادتها على التمييز ... 419

المسألة الثالثة : في أقسام الناسية وأحكامها ... 420

وفيها جهات من البحث :

الجهة الاُولى : في أقسام الناسية ... 420

الجهة الثانية : في دلالة المرسلة على رجوع الناسية إلى العادة أوّلاً ثمّ إلى التمييز ... 421

الجهة الثالثة : في حكم الناسية إذا فقدت التمييز ... 424

يقع الكلام في ثلاثة مواضع :

الموضع الأوّل : في ناسية الوقت دون العدد ... 424

القول بوجوب الاحتياط في المقام ... 424

التمسّك بمثل مرسلة يونس على التحيّض ونفي الاحتياط ... 426

ص: 660

في كيفية تحيّض الناسية ... 428

الروايات التي بإطلاقها يقتضي التخيير ... 430

الروايات التي يمكن الاستدلال بها على لزوم التحيّض في أوّل الرؤية ... 432

الموضع الثاني : في ناسية العدد دون الوقت ... 433

الموضع الثالث : في ناسية الوقت والعدد ... 436

المطلب الثاني : في أقسام الاستحاضة

مقتضى الجمع بين الروايات تثليث الأقسام ... 438

ضابطة الاستحاضة الكثيرة والمتوسّطة والقليلة ... 444

المطلب الثالث : في بيان أحكام الأقسام الثلاثة

حكم الاستحاضة القليلة ... 446

1 - تغيير القطنة ... 446

2 - تجديد الوضوء ... 450

عدم الفرق بين الفريضة والنافلة في الحكم ... 454

حكم الاستحاضة المتوسّطة ... 456

1 - وجوب تبديل القطنة ... 456

2 - وجوب الوضوء ... 459

3 - وجوب الغسل ... 461

منشأ الاختلاف في عدد الغسل ... 462

بقيت روايات : ... 466

وجوب الغسل بنحو الوجوب الشرطي المتقدّم لجميع الصلوات ... 469

حكم الاستحاضة الكثيرة ... 471

ص: 661

1 - وجوب تبديل القطنة ونحوها ... 471

2 - وجوب الغسل والوضوء ... 472

ينبغي التنبيه على اُمور :

الأمر الأوّل : في أنّ نفس الدم الكثير بذاته موجب للغسل ... 479

محتملات ما يوجب الأغسال الثلاثة بحسب التصوّر ... 479

مناقشة الاحتمال الأوّل ... 480

مناقشة الاحتمالين الثاني والثالث ... 482

مناقشة الاحتمال الرابع ... 483

مناقشة الاحتمال الخامس وترجيح السادس ... 483

سببية الدم الفعلي للأغسال ... 487

الأمر الثاني : في حكم انقطاع دم الاستحاضة لبرء أو فترة ... 489

بيان تكليف المستحاضة بالنسبة للأعمال المستقبلة ... 489

بيان تكليف المستحاضة بالنسبة للأعمال الماضية ... 491

الأمر الثالث : في جواز تفريق الصلوات والغسل لكلّ صلاة ... 493

في جواز إيقاع غسلين مع الجمع بين الصلاتين ... 494

الأمر الرابع : في وجوب تعاقب الصلاة للغسل والوضوء ... 495

بيان حال الغسل ... 495

بيان حال الوضوء ... 497

الأمر الخامس : في وجوب الفحص والاختبار لتعيين نوع الاستحاضة ... 499

التفصيل بين سهولة الاختبار وغيره ... 502

الأمر السادس : لزوم منع خروج الدم قدر الإمكان ... 503

عدم وجوب الاستظهار قبل الوضوء أو الغسل ولا بعدهما ... 504

الأمر السابع : في أنّ المستحاضة بعد أفعالها بحكم الطاهر ... 506

بيان منطوق ومفهوم قولهم : «إذا فعلت ذلك تصير بحكم الطاهر» ... 506

ص: 662

جواز وط ء المستحاضة ... 510

الأمر الثامن : في حكم صوم المستحاضة ... 518

بطلان صوم المستحاضة إذا أخلّت بأغسالها ... 518

توقّف صحّة صوم المستحاضة على الأغسال النهارية ... 522

المقصد الثالث : في النفاس

تمهيد : فيما هو موضوع الأحكام الشرعية في المقام ... 527

يتمّ المقصد بذكر مسائل :

المسألة الاُولى : في أحكام الدم الخارج قبل الولادة وبعدها والمقارن لها ... 531

1 - حكم الدم المتقدّم على الولادة ... 531

حول الحكم بحيضية الدم المتقدّم المستجمع لشرائط الحيض ... 531

ما يتشبّث به للزوم الفصل بأقلّ الطهر ... 532

الرجوع إلى الأمارات لإثبات الحيضية ... 538

2 - حكم الدم المتأخّر عن الولادة ... 539

3 - حكم الدم المقارن للولادة ... 539

نفاسية الدم الخارج مع المضغة ... 542

المسألة الثانية : في حدّ النفاس في طرف القلّة ... 544

المسألة الثالثة : في حدّ النفاس في طرف الكثرة ... 548

حول الأخبار الواردة في أكثر النفاس ... 552

الطائفة الاُولى : ... 552

الطائفة الثانية : ... 557

الطائفة الثالثة : ... 559

مقتضى الجمع بين الأخبار الواردة في أكثر النفاس ... 560

حول تفصيل العلاّمة في أكثر النفاس ... 563

ص: 663

حول الرجوع إلى الصفات أو عادات النساء في المقام ... 565

المسألة الرابعة : في حكم الحامل باثنين ... 566

الروايات الدالّة على استقلال كلّ من النفاسين ... 569

حكم ما إذا وضعت الولد الواحد قطعةً قطعةً ... 571

حول ثمرة القول بتعدّد النفاسين ... 574

المسألة الخامسة : في حكم تأخّر الدم عن الولادة ... 576

الكلام في أصل نفاسية الدم ... 576

مقدار قعود ذات العادة مع انقطاع دمها في العشرة ... 579

مقدار قعود ذات العادة مع تجاوز دمها عن العشرة ... 581

المسألة السادسة : في تخلّل النقاء أثناء النفاس الواحد ... 583

المسألة السابعة : في اتّحاد أحكام النفساء والحائض ... 585

الفهارس العامّة

1 - فهرس الآيات الكريمة ... 589

2 - فهرس الأحاديث الشريفة ... 593

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام ... 613

4 - فهرس الأعلام ... 615

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن ... 625

6 - فهرس مصادر التحقيق ... 631

7 - فهرس الموضوعات ... 651

ص: 664

المجلد 2

هوية الکتاب

سرشناسه:خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368.

عنوان و نام پديدآور:موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف :کتاب الطهارة/ تحقیق موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س).

مشخصات نشر:تهران : موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س)، 1396.

مشخصات ظاهری:4 جلد

فروست:موسوعه الامام الخمینی (س).

شابک:3300000 ریال دوره 978-964-212-368-1 : ؛ 200000 ریال: ج.1 978-964-212-358-2 : ؛ 200000 ریال: ج.2 978-964-212-359-9 : ؛ 200000 ریال: ج.3 978-964-212-360-5 : ؛ 200000 ریال: ج.4 978-964-212-361-2 : ؛ 200000 ریال: ج.5 978-964-212-362-9 : ؛ 200000 ریال: ج.6 978-964-212-363-6 : ؛ 200000 ریال: ج.7 978-964-212-364-3 : ؛ 200000 ریال: ج.8 978-964-212-365-0 : ؛ 200000 ریال: ج.9 978-964-212-366-7 : ؛ 200000 ریال: ج.10 978-964-212-367-4 :

وضعیت فهرست نویسی:فاپا(چاپ دوم)

يادداشت:ج.2 - 10 (چاپ اول: 1392)(فیپا).

يادداشت:چاپ دوم.

مندرجات:ج.1. احکام تقلید، طهارت.- ج.2. نماز (از ابتدا تا شرایط شکسته شدن نماز).- ج.3. نماز (از قواطع سفر تا انتها)، روزه، زکات.- ج.4. خمس.- ج.5. حج، امر به معروف و نهی از منکر، مکاسب محرمه.- ج.6. بیع (خرید و فروش) ....- ج.7. وقف و نظایر آن، وصیت، یمین و نذر، کفارات.- ج.8. صید و ذباحه، خوردنی ها و آشامیدنی ها ....- ج.9. نکاح (از اولیای عقد تا انتها)....- ج.10. قضا، شهادات، حدود، قصاص ... .

موضوع:فقه جعفری -- رساله عملیه -- پرسش ها و پاسخ ها

*Islamic law, Ja'fari -- Handbooks, manuals, etc. -- Questions and answers

فتوا های شیعه -- قرن 14

Fatwas, Shiites -- 20th century

شناسه افزوده:موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س)

شناسه افزوده:Institute for Compilation and Publication of Imam Khomeini's Works

رده بندی کنگره:BP183/9/خ8الف47 1396

رده بندی دیویی:297/3422

شماره کتابشناسی ملی:3421059

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

التيمّم

اشارة

ص: 5

ص: 6

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين ، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين

وبعد

. . .

فلمّا انجرّ بحثنا إلى الطهارة الترابية أحببت أن اُفرد فيها رسالة لذكر مهمّات أحكامها ، ولمّا كان التيمّم ماهية ذات إضافة إلى المتيمّم ، وإلى ما يتيمّم به ، ولها أحكام ، صارت المباحث فيها أربعة :

بحث في ماهيته .

وآخر في المتيمّم .

وثالث فيما يتيمّم به .

ورابع في الأحكام .

ونحن نذكر المباحث على ترتيب «الشرائع» لكون بحثنا موافقاً له وإن كان الترتيب الطبيعي يقتضي غير ذلك .

وقبل الورود في المباحث لا بأس بذكر اُمور :

ص: 7

ص: 8

الأمر الأوّل: في كون التيمّم من ضروريات الدين

منها : أ نّه لا إشكال في مشروعية التيمّم كتاباً (1) وسنّة(2) وإجماعاً (3) ، وأمّا كونه من ضروريات الدين(4) ففيه تأمّل وإن لا يبعد في الجملة .

كما أنّ كون منكر الضروري كافراً (5) ، محلّ إشكال يأتي الكلام فيه في مباحث النجاسات(6) إن ساعدنا التوفيق إن شاء اللّه .

والإشكال فيه ناشئ من أنّ إنكار الضروري ، هل هو بنفسه موجب للكفر ، أو إذا لزم منه إنكار اللّه أو توحيده أو رسالة النبي صلی الله علیه و آله وسلم ؟ والأظهر هو الثاني ، ولا مجال لتفصيل ذلك .

ص: 9


1- النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 341 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 1 - 5 .
3- مدارك الأحكام 2 : 175 و176 ؛ رياض المسائل 2 : 289 ؛ مستند الشيعة 3 : 346 .
4- جواهر الكلام 5 : 73 .
5- راجع مفتاح الكرامة 2 : 38 .
6- يأتي في الجزء الثالث : 466 .

الأمر الثاني: في عدم اتّصاف الطهارات بالوجوب مطلقاً

ومنها : أنّ التحقيق عدم اتّصاف الطهارات الثلاث بالوج-وب ؛ لا نفسياً ، ولا غيرياً ، ولا بعنوان آخر ، كالنذر وشبهه :

أمّا عدم الوجوب النفسي : فلقصور الأدلّة عن إثباته ؛ لأنّ الظاهر من كلّ ما ورد فيها - من الأوامر وغيرها - هو الإرشاد إلى الشرطية ؛ لأنّ الأوامر المتعلّقة

بالأجزاء وغيرها من متعلّقات المركّبات ، لا ظهور لها في المولوية بحسب فهم العرف ، فقوله تعالى : )إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ . . .((1) إلى آخره ، لا يدلّ إلاّ على أنّ تلك الماهيات أو أثرها شرط للصلاة ، والأوامر المتعلّقة بها للإرشاد إلى الشرطية .

لا أقول باستعمال الهيئة في غير ما وضعت له ، فإنّ التحقيق أنّ هيئة الأمر الموضوعة لنفس البعث والإغراء ، استعملت في مثل المقام فيما وُضعت له ، لكنّ البعث لداعي إفادة الشرطية ، كما أنّ النهي في مثل المقام - كقوله : «لا تصلِّ في وَبَر ما لا يُؤكل لحمه»(2) - استعمل في الزجر ، لكن لإفادة مانعيته للصلاة .

بل الظاهر من قول أبي جعفر علیه السلام في صحيحة زرارة : «الوضوء فريضة»(3)

ص: 10


1- المائدة (5) : 6 .
2- راجع وسائل الشيعة 4: 347، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 7.
3- تهذيب الأحكام 1 : 346 / 1013 ؛ وسائل الشيعة 1 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 2 .

أيضاً كونه فريضة في الصلاة ، وهو لا يفيد إلاّ الشرطية . والدليل عليه صحيحته

ع-ن أبي جعفر علیه السلام أيضاً بالسند المتقدّم قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الفرض في الصلاة ، فقال : «الوقت والطهور والقبلة والتوجّه والركوع والسجود والدعاء»(1) فعدّ الوقت من فرائض الصلاة في عَرْض الطهور ، ولا إشكال في أنّ الوقت فرض فيها بالمعنى الذي ذكرنا .

وكيف كان : لا إشكال في عدم الوجوب النفسي في الطهارات ، كما يدلّ عليه بعض الروايات ، كرواية الكاهلي وغيرها (2) .

كما أنّ التحقيق عدم الوجوب الغيري أيضاً ؛ لما ذكرنا في محلّه من عدم وجوب المقدّمة شرعاً ، بل عدم إمكان وجوبها (3) . بل لو قلنا بوجوب المقدّمة أيضاً ، لا يلزم منه وجوب تلك العناوين بما هي ؛ لما حقّق من وجوب المقدّمة الموصلة(4) ؛ أي عنوان «الموصل» بما هو موصل ، فلا يسري الوجوب منه إلى ما يتّحد معه وجوداً .

فلا تقع الطهارات الثلاث إلاّ على وجه واحد هو الاستحباب ، وإنّما جُعلت شرطاً ومقدّمة للصلاة بما هي مستحبّات وعبادات ، فما هو شرط لها هو الوضوء العبادي والتيمّم العبادي ، فتكون عباديتها قبل تعلّق الأمر الغيري بها ، على

ص: 11


1- تهذيب الأحكام 2 : 241 / 955 ؛ وسائل الشيعة 1 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 3 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 314 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 22 ، الحديث 1 و2 .
3- مناهج الوصول 1 : 342 .
4- مناهج الوصول 1 : 333 .

فرض تصوير الأمر الغيري ، فلا يمكن أن تكون عباديتها لأجل الأمر الغيري المتعلّق بها ؛ لأنّ الأمر الغيري لا يتعلّق إلاّ بما هو شرط للصلاة ، فإن كان الشرط ذات تلك الأفعال بلا اعتبار قيد العبادية والقربة ، كان اللازم صحّتها وصحّة الصلاة مع إتيانها بلا قصد التقرّب ، كما أنّ الأمر كذلك في الستر والتطهير من الخبث ، وهو كما ترى .

وإن كان الشرط هي مع قيد العبادية ، فلازمه كون عباديتها مقدّمة على شرطيتها المتقدّمة على الأمر الغيري . وكون عباديتها للأمر النفسي المتعلّق بالصلاة أسوأ حالاً منه ، والتفصيل موكول إلى محلّه(1) .

فتحصّل ممّا ذُكر : أنّ التيمّم بما هو عبادة جعل شرطاً للصلاة ، فلا بدّ وأن يكون مستحبّاً نفسياً مثل الوضوء ، مع أنّ الأصحاب لم يلتزموا باستحبابه النفسي على حذو الوضوء .

ويحسم الإشكال : بإمكان أن يكون التيمّم مستحبّاً نفسياً في ظرف خاصّ ؛ هو ظرف وجوب الإتيان بما هو مشروط به، أو إرادة ذلك، أو يكون مستحبّاً نفسياً بحسب ذاته مطلقاً، لكن عرض له عنوان مانع عن التعبّد به في غير الظرف الكذائي.

هذا ، لكن التحقيق : أنّ الوضوء أيضاً ليس مستحبّاً نفسياً إلاّ باعتبار حصول الطهارة به ، وأمّا نفس الأفعال بما هي فلا تستحبّ ، والتيمّم مع تلك الغاية أيضاً مستحبّ ، وسيأتي التفصيل في بعض المباحث الآتية(2) .

وأمّا عدم وجوبها بسائر العناوين : فلأنّ النذر وشبهه إذا تعلّق بعنوان ،

ص: 12


1- مناهج الوصول 1 : 316 .
2- يأتي في الصفحة 355 - 356 .

لا يوجب إلاّ وجوب الوفاء به ، وهو لا يوجب سراية الوجوب من عنوان الوفاء به إلى عنوان آخر ، بل لا يعقل ذلك ، وإن كان متّحداً معه في الوجود ، فالواجب في النذر هو الوفاء به ، لا الوضوء المنذور المتّحد معه وجوداً لا عنواناً .

الأمر الثالث: في كون الطهارة الترابية بدلاً اضطرارياً عن المائية

اشارة

ومنها : أ نّه لا إشكال في أنّ التكليف إذا تعلّق بعنوانين متقابلين ، مثلاً كالمسافر والحاضر ، والواجد للماء والفاقد ، وكذا إذا كان التعلّق مشروطاً - كما إذا قيل : «إذا كنت في السفر فكذا ، وإن كنت في الحضر فكذا» - لا يجب على المكلّف حفظ العنوان في الفرض الأوّل ، وحفظ الشرط في الثاني ، فيجوز تبديل أحد العنوانين بالآخر ورفع الشرط ؛ سواء كان قبل تحقّق التكليف وتنجّزه أو لا ؛ لعدم اقتضاء التكليف حفظ موضوعه ، ولا المشروط حفظ شرطه ، فيجوز للحاضر السفر قبل الوقت وبعده ، وللواجد إراقة الماء قبله وبعده .

كما لا ريب في أ نّه إذا توجّه التكليف بنحو الإطلاق إلى المكلّف ، لا يجوز تعجيز نفسه ؛ لأنّ القدرة ليست من القيود والعناوين المأخوذة في المكلّف ، ولا شرطاً للتكليف ؛ لا شرعاً ولا عقلاً ، لكنّ العاجز معذور في ترك التكليف المطلق الفعلي ، فلو قال : «يجب على الناس إنقاذ الغرقى» لا يكون هذا التكليف المتعلّق بالعنوان الكلّي ، مشروطاً بحال القدرة شرطاً شرعياً ، وإلاّ لكان للمكلّف تعجيز نفسه ، ولما وجب عليه الاحتياط في الشكّ في القدرة ، وليس للعقل تقييد حكم

ص: 13

الشرع ، بل هو حاكم بمعذورية العبد عند مخالفة التكليف في صورة عجزه ، وعدم معذوريته مع قدرته .

وتوهّم لزوم تعلّق التكليف والبعث على العاجز ، قد فرغنا من دفاعه في الاُصول(1) .

كما أ نّه لو فرض استفادة وجود اقتضاء التكليف من الأدلّة في صورة عروض عنوان على المكلّف يوجب تعلّق تكليف آخر به ، يكون حكمه حكم العجز العقلي ، كما لو فرض استفادة اقتضاء لزومي للطهارة المائية أو الصلاة معها حتّى في حال عروض فقدان الماء ، فلا يجوز إراقته أو تحصيل العجز في هذه الصورة أيضاً . هذا كلّه ممّا لا إشكال فيه .

إنّما الإشكال في أنّ حال الطهارة المائية والترابية ما ذا ، وهل التكليف متعلّق بالواجد وبالفاقد كتعلّقه بالحاضر والمسافر ، أو يكون التكليف بالطهارة المائية مطلقاً ، وله اقتضاء حتّى في صورة فقدان الماء ، والطهارة الترابية مصداق اضطراري سوّغه العجز عن المائية مع بقاء الاقتضاء اللزومي ، فلا يجوز تحصيل الاضطرار ؟

فاللازم صرف الكلام أوّلاً إلى الآية الشريفة ، ثمّ إلى مقتضى الروايات :

التمسّك بالكتاب على كون التيمّم بدلاً اضطرارياً

قال تعالى في المائدة : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ

ص: 14


1- مناهج الوصول 2 : 20 .

وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ((1) .

أمر تعالى شأنه بالوضوء أوّلاً ، ومع فرض الجنابة بالغسل ؛ لظهور قوله : )فَاطَّهَّرُوا( -

بعد قوله : )فَاغْسِلُوا( وقبل فرض العجز عن الماء - في التطهير بالماء ، وإطلاقها يقتضي مطلوبيتهما مطلقاً واقتضاءهما كذلك حتّى في فرض العجز والفقدان .

وليس لأحد أن يقول : إنّ عدم ذكر قيد الوجدان لحصوله غالباً ونُدرة فقدانه ؛

فإنّ نُدرة فقدانه في تلك الأزمان والأسفار ممنوعة . ولو سُلِّم نُدرته لكنّ العجز المطلق - المستفاد من الآية بذكر المرض وإلغاء الخصوصية بالنسبة إلى سائر الأعذار ، كما يأتي بيانه(2) - ليس بنادر . كما أنّ كونها بصدد بيان كيفية الوضوء ، لا ينافي الإطلاق من جهة اُخرى ، فالآية الشريفة بصدد بيان تكليف صنوف المكلّفين من الواجد والفاقد والجنب وغيره .

وقوله تعالى : )فَلَمْ تَجِدُوا( لا يصلح لتقييد الصدر ؛ بحيث صار معنوناً بعنوان «الواجد» فيكون العنوانان عِدْلين ك- «الحاضر» و«المسافر» :

أمّا أوّلاً : فلأنّ العرف يفهم من عنوان «الفاقد» و«عدم الوجدان» - ونظيرهما من العناوين الاضطرارية - أنّ الحكم المتعلّق به إنّما هو في فرض الاضطرار

ص: 15


1- المائدة (5) : 6 .
2- يأتي في الصفحة 30 .

والعجز عن المطلوب الأصلي ، وفي مثله لا يكون التكليفان في عَرْض واحد على عنوانين .

وأمّا ثانياً : فلأنّ جعل المرضى قرين المسافر ، دليل على أنّ الحكم كما في المرضى اضطراري إلجائي ، كذلك في سائر الأصناف .

وأمّا ثالثاً : فلأنّ التذييل بقوله : )مَا يُريدُ اللّه ُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ( - الظاهر عرفاً في كونه مربوطاً بالتيمّم في حال المرض والسفر ، وأنّ الأمر بالتيمّم لأجل التسهيل ورفع الحرج ؛ فإنّ الأمرَ للمرضى بالطهارة المائية وللمسافر بتحصيل الماء كيفما اتّفق حرجي ، وما يريد اللّه ذلك - يدلّ على أنّ التيمّم سوّغ لأجل التسهيل ، ورفع الوضوء والغسل للحرج ، ولا يكون ذلك إلاّ مع تحقّق الاقتضاء ، فيفهم منه أنّ التكليف الأوّلي الأصلي هو الطهارة المائية ، وله اقتضاء حتّى في صورة العجز ، فلا يجوز تحصيل العجز ، ويجب عليه تحصيل المائية حتّى الإمكان مع عدم الوصول إلى حدّ الحرج .

التمسّك بالسنّة على كون التيمّم بدلاً اضطرارياً

وتدلّ عليه أيضاً روايات :

منها : صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألت عن رجل أجنب في سفر ، ولم يجد إلاّ الثلج أو ماءً جامداً ، فقال : «هو بمنزلة الضرورة ، يتيمّم ، ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه»(1) .

ص: 16


1- الكافي 3 : 67 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 191 / 553 ؛ وسائل الشيعة 3 : 355 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 9 .

والظاهر أنّ المراد من عدم وجدان غير الثلج والماء الجامد ، عدم وجدان ما يتوضّأ به ، لا ما يتيمّم به اختياراً كما زعمه صاحب «الوسائل»(1) فحينئذٍ تدلّ على أنّ التيمّم مصداق اضطراري سوّغ في حال الضرورة ، ويدلّ ذيلها على عدم جواز تحصيل الاضطرار اختياراً ، وأنّ الترابية ما وفت بما وفت المائية ، والذهاب إلى تلك الأرض - لأجل تفويت التكليف الأعلى - من قبيل هلاك الدين وتفويت ما يجب تحصيله .

ومنها : ما دلّت على وجوب شراء الماء على قدر جِدته ولو بمائة ألف وكم بلغ ، قائلاً : «وما يشتري بذلك مال كثير»(2) ، فإنّ المتفاهم منها وجوب حفظ الموضوع ، ويرى العرف جواز إراقته بعد الشراء منافياً لها ، خصوصاً مع قوله : «ما يشتري بذلك مال كثير» . والظاهر أنّ المراد ليس نفس الماء ، بل ما يترتّب عليه من الخاصّية ، ولو ترتّبت تلك الخاصّية بعينها على التراب لا يكون ذلك مالاً كثيراً مع كون وجوده وعدمه على السواء . والتعليل دليل على أنّ وجوب الشراء إنّما هو لتحصيل المصلحة الملزمة ، لا لكونه واجداً للماء حتّى يتوهّم عدم المنافاة بين وجوب شرائه وجواز إراقته لتبديل الموضوع .

وبالجملة : لا شبهة في أنّ المتفاهم منها لزوم تحصيل الماء وكون الصلاة مع المائية مطلوبة حتّى الإمكان ، وأ نّها الفرد الأعلى .

ومنها : ما دلّت على وجوب الطلب(3) ، ومن الغرائب - بل الباطل لدى

ص: 17


1- وسائل الشيعة 3 : 355 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، ذيل الحديث 9 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 389 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 26 ، الحديث 1 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 341 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 1 .

العرف - وجوب تحصيل الماء بالطلب وجواز إراقته بعد الوجدان ، وإن أمكن أن يقال : إنّ الطلب واجب لتحصيل العلم بتحقّق الموضوع ، فلا ينافي رفع الموضوع اختياراً . لكنّه احتمال عقلي لا يساعد عليه العرف بحسب ما يتفاهم من الروايات .

الروايات المنافي ظاهرها لما سبق

نعم ، هنا روايات ظاهرها ينافي ما تقدّم ، كرواية إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا إبراهيم علیه السلام عن الرجل يكون مع أهله في السفر ، فلا يجد الماء ، يأتي أهله ؟ فقال : «ما اُحبّ أن يفعل ذلك ، إلاّ أن يكون شَبِقاً ، أو يخاف على نفسه»(1) .

وعن «السرائر» نقلاً من كتاب محمّد بن علي بن محبوب مثله ، وزاد : قلت : يطلب بذلك اللذّة ؟ قال : «هو له حلال» .

قلت : فإنّه رُوي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنّ أباذرّ سأله عن هذا ، فقال : «إيت أهلك توجر . . .»(2) إلى آخره .

بدعوى : أ نّها بإلغاء الخصوصية عرفاً أو بالأولوية ، تدلّ على جواز نقض الوضوء أيضاً ، فتدلّ على أنّ الترابية والمائية سواء .

ص: 18


1- تهذيب الأحكام 1 : 405 / 1269 ؛ وسائل الشيعة 3 : 390 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 27 ، الحديث 1 .
2- السرائر 3 : 611 - 612 ؛ وسائل الشيعة 3 : 390 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 27 ، الحديث 2 .

ورواية السَكوني الموثّقة برواية المفيد - مع نحو إشكال فيها ؛ وهو احتمال الإرسال(1) - عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أبي ذرّ رضى الله عنه : «أ نّه أتى النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال : يا رسول اللّه هلكتُ ؛ جامعتُ على غير ماء! قال : فأمر النبي صلی الله علیه و آله وسلم بمحمل ، فاستترنا به ، وبماء ، فاغتسلتُ أنا وهي .

ثمّ قال : يا أباذرّ ، يكفيك الصعيد عشر سنين»(2) .

والظاهر من ذيلها دفع توحّش أبي ذرّ بأ نّه هلك وعمل على خلاف التكليف ، والمتفاهم منه أنّ الصعيد لا ينقص عن الماء مطلقاً ، ولا يختصّ الجواز بالجماع .

وصحيحة حمّاد بن عثمان قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل لا يجد الماء ، أيتيمّم لكلّ صلاة ؟ فقال : «لا ؛ هو بمنزلة الماء»(3) .

وصحيحة محمّد بن حُمران وجميل بن درّاج ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في

ص: 19


1- رواها الشيخ الطوسي عن الشيخ (المفيد) ، عن أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبداللّه ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن العبّاس ، عن السكوني . والعبّاس في مشايخ محمّد بن أحمد بن يحيى منصرف إلى العبّاس بن معروف ولم نعثر على روايته عن السكوني إلاّ في هذا المورد ، وأكثر ما يروي عن السكوني بتوسّط أبي همّام ، عن محمّد ابن سعيد بن غزوان - كما في سنده الآخر برواية محمّد بن علي بن محبوب ، عن العبّاس ابن معروف ، عن أبي همّام ، عن محمّد بن سعيد بن غزوان ، عن السكوني - فلا محالة في سند الرواية سقط أو إرسال .
2- تهذيب الأحكام 1 : 194 / 561 ، و : 199 / 578 ؛ وسائل الشيعة 3 : 369 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 12 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 200 / 581 ؛ وسائل الشيعة 3 : 385 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 23 ، الحديث 2 .

حديث قال : «إنّ اللّه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً»(1) .

إلى غير ذلك ، كقوله : «إنّ اللّه عزّ وجلّ جعلهما طهوراً : الماء ، والصعيد»(2) .

و«إنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد»(3) .

و«إنّ التيمّم أحد الطهورين»(4) .

وإنّ «التيمّم بالصعيد لمن لا يجد الماء كمن توضّأ من غدير ماء ؛ أليس اللّه يقول : )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً( ؟!»(5) .

أقول : - مضافاً إلى ترجيح الروايات الاُولى الموافقة للكتاب وفتوى الأصحاب ؛ على ما حُكي عن «الحدائق»(6) - إنّ ما دلّت على جواز الجماع مخصوصة بموردها ، ولا يتعدّى منه ، ودعوى الأولوية أو إلغاء الخصوصية في غير محلّها ، مع وجود الخصوصية في الجماع الذي هو من سُنن المرسلين ، والتضييق فيه ربّما يورث الوقوع في الحرام .

ص: 20


1- الفقيه 1 : 60 / 223 ؛ وسائل الشيعة 3 : 385 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 23 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 405 / 1274 ؛ وسائل الشيعة 3 : 388 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 25 ، الحديث 3 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 197 / 571 ؛ وسائل الشيعة 3 : 370 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 15 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 200 / 580 ؛ وسائل الشيعة 3 : 381 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 21 ، الحديث 1 .
5- تفسير العيّاشي 1 : 244 / 143 ؛ وسائل الشيعة 3 : 378 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 19 ، الحديث 6 .
6- اُنظر جواهر الكلام 5 : 89 ؛ الحدائق الناضرة 4 : 256 .

ولعلّ أباذرّ رضى الله عنه تخيّل عدم صحّة صلاته ، فقال : «هلكت» ورفع النبي صلی الله علیه و آله وسلم هذا التوهّم بقوله : «يكفيك» فلا يدلّ ذلك على مساواة الترابية للمائية ؛ لأنّ الكفاية والإجزاء غير المساواة في المصلحة والمطلوبية .

وقوله : «هو بمنزلة الماء» ليس بصدد بيان عموم المنزلة حتّى بالنسبة إلى المورد جزماً ، بل الظاهر أ نّه بمنزلته في عدم وجوب الإعادة ، أو في الطهورية والإجزاء . وكذا سائر الروايات ليست بصدد التسوية بينهما من جميع الجهات ؛ ضرورة عدم التسوية التي تتوهّم من ظاهرها بينهما ، وإلاّ لكان التيمّم سائغاً مع وجدان الماء ، فلا يستفاد منها إلاّ التسوية في أصل الطهورية وإجزاء الصلاة .

ورواية العيّاشي(1) - مع ضعفها بالإرسال - لا تدلّ إلاّ على تسويتهما في تصحيح الصلاة بهما ، ولهذا استدلّ فيها بالآية الشريفة الظاهرة في صحّة الصلاة به مع كونه طهارة اضطرارية .

فالأقوى : عدم جواز إراقة الماء وتحصيلِ الاضطرار في غير المورد المنصوص فيه .

الإشكال في اضطرارية التيمّم

نعم ، يبقى إشكال : وهو أ نّه لو كان الأمر كذلك لوجب الاكتفاء على قدر الضرورة والاضطرار ، مع عدم إمكان الالتزام به ؛ لما سيأتي(2) من جواز البدار ، وجواز الاستئجار ، والاستباحة لسائر الغايات التي لا يضطرّ المكلّف إليها ،

ص: 21


1- تقدّم في الصفحة 20 ، الهامش 5 .
2- يأتي في الصفحة 358 و419 .

وصحّة الاقتداء بالمتيمّم . . . إلى غير ذلك ؛ ممّا لا يمكن الجمع بينها وبين القول بكون الطهارة الترابية اضطرارية ، والغايات معها أنقصَ ممّا تحصل بالمائية بنحو يلزم مراعاته .

ولعلّه لذلك التزم المحقّق رحمه الله علیه في محكيّ معتبره بجواز الإراقة(1) ، وهو - كما ترى - مخالف لظاهر الأدلّة كتاباً وسُنّة وفتاوى الأصحاب . كما أنّ الالتزام

بلزوم الاكتفاء بمقدار الضرورة غير ممكن مخالف للأدلّة الآتية ، خصوصاً في بعض الفروع .

وقد التزم بعض أهل التحقيق : بأنّ للطهارة المائية من حيث هي لدى الإتيان بشيء من غاياتها الواجبة ، مطلوبيةً وراء مطلوبيتها مقدّمة للواجبات المشروطة بالطهور . ووجوب حفظ الماء وحرمة تحصيل العجز لأجل ذلك ، لا لكون الغايات لأجل المائية تصير واجدة لخصوصية واجبة المراعاة(2) .

وهو - كماترى - ليس جمعاً بين الأدلّة وتصحيحاً لها ، بل هو طرح طائفة منها ، كظاهر الآية الشريفة الدالّة على أنّ الطهارة بمصداقيها شرط للصلاة ، ولازمه كون الصلاة معهما مختلفة المرتبة ، كما يتّضح بالتأمّل في الآية ، ولا يجوز رفع اليد عن هذا الظاهر بلا حجّة . مع أنّ هذه المطلوبية النفسية خلاف ارتكاز المتشرّعة وجميع الأدلّة .

والذي يمكن أن يقال في رفع الإشكال : إنّ الصلاة مع المائية أكمل منها مع الترابية بمقدار يجب مراعاته ، كما هو ظاهر الأدلّة المتقدّمة ، ومع العجز تتحقّق

ص: 22


1- المعتبر 1 : 366 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 109 - 110 .

مفسدة واقعية مانعة عن عدم تجويز البدار وعدم تجويز سائر الغايات . . . وهكذا ، فوجوب حفظ الماء لأجل وجوب تحصيل المصلحة اللزومية ، وبعد فَقْد الماء وعروض العجز ، تجويز الإتيان بسائر الغايات وتجويز البدار وغير ذلك ؛ لأجل التخلّص من مفسدة واقعية لازمة المراعاة .

وهذا الوجه وإن كان صِرف احتمالٍ عقلي ، لكن يكفي ذلك في لزوم الأخذ بالظواهر وعدم جواز طرحها ، كما لا يخفى .

وأمّا الالتزام بحصول جهة مقتضية في ظرف الفقدان توجب تسهيل الأمر على المكلّفين ، فغير دافع للإشكال ؛ لأنّ الجهة المقتضية إن كانت مصلحة جابرة ، يجوز للمكلّف تحصيل العجز ، وإلاّ لا يعقل تفويت المصلحة بلا وجه ، تأمّل .

عدم جواز التعجيز قبل زمان التكليف وبعده

ثمّ إنّه لا فرق في وجوب حفظ الطهور وعدم جواز تحصيل العجز بين ما قبل حضور زمان التكليف وما بعده .

وما يتخيّل من الفرق : بأنّ التكليف غير متعلّق بذي المقدّمة قبل حضور الوقت ، أو غير فعلي ، أو غير منجّز ، والمقدّمة تابعة لذيها .

غير مسموع ؛ لما قلنا بعدم وجوبها شرعاً ، بل وجوب الإتيان بها عقلي محض(1) . وعلى فرض وجوبها فحديث تبعيتها لذيها لا أصل له . بل يمكن تعلّق الإرادة الغيرية بها قبل تعلّق الإرادة بذيها ؛ بناءً على كون الوقت شرطاً وعدم

ص: 23


1- تقدّم في الصفحة 10 .

وجوب المشروط قبل شرطه ؛ لأنّ مبادئ تعلّق الإرادة الغيرية غير مبادئ الإرادة النفسية ، والتفصيل موكول إلى محلّه(1) ، ولعلّه يأتي من ذي قبل بعض الكلام فيه(2) .

وكيف كان : لا بدّ من ملاحظة حكم العقل ، ولا إشكال في أنّ العقل حاكم بعدم جواز تحصيل العجز عن تكليف يعلم بحضور وقته ، وحصول جميع ما يوجب الفعلية والتنجيز فيه ، فإنّه مع العلم بالغرض المطلق الاستقبالي ، لا يجوز عقلاً تفويته بتعجيز نفسه ، بل لا يجوز تفويت المقدّمة ولو مع احتمال حصول القدرة عند حضور وقت العمل .

وأولى بذلك ما إذا كان واجداً في الوقت وإن احتمل الوجدان فيه ، فلا يجوز عقلاً إراقة الموجود بمجرّد احتمال تجدّده بعد ذلك ؛ لحكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المنجّز ، واحتمال التجدّد ليس عذراً عند العقلاء ولدى العقل .

وما قيل : من جريان البراءة عن التكليف المتعلّق بهذه المقدّمة ؛ بعد كون الشكّ في انحصارها ، والشكّ في توقّف ذي المقدّمة على هذا الماء بالخصوص ، والشكّ في وجوب حفظه(3) .

غير وجيه ؛ لعدم وجوب المقدّمة ، وعدم كون مخالفتها - على فرض وجوبها - موجبة لاستحقاق العقاب عليها ، فلا مجرى للبراءة فيها .

ص: 24


1- مناهج الوصول 1 : 260 - 263 .
2- يأتي في الصفحة 351 وما بعدها .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 112 - 113 .

وأمّا ذو المقدّمة ، فواجب مطلق منجّز فرضاً يجب عقلاً الخروج عن عهدته . ومجرّد احتمال تجدّد القدرة ، لا يوجب التعذير العقلي لو فرض عدم التجدّد ، والشاهد حكم العقل في نظائره ، فمن كان مكلّفاً بضيافة ضيف لمولاه ، وكانت موجبات ضيافته وأسبابها حاصلة لديه ، واحتمل عدم إمكان حصولها بعد ذلك احتمالاً عقلائياً ، هل ترى من نفسك معذوريته في تفويت المقدّمات ، وهل له الاعتذار باحتمال تجدّد القدرة ، بل وظنّه به ؟!

فما اختاره بعض أهل التحقيق ؛ من جواز الإراقة حتّى في الوقت باحتمال الوجدان بعد ذلك ؛ تمسّكاً بالبراءة(1) غيرُ سديد .

وممّا ذكر تعلم حرمة إبطال الطهارة ونقض الوضوء مع العلم بعدم تمكّنه ، أو الاحتمال العقلائي المعتدّ به ؛ سواء في ذلك قبل حضور الوقت وبعده .

ثمّ اعلم : أنّ المراد بحرمة نقض الوضوء أو وجوب حفظ الطهارة ، ليس إلاّ عدم المعذورية بالنسبة إلى ما يفوت منه لأجل الطهارة المائية من التكليف النفسي ، وإلاّ فترك التكليف الغيري - على فرضه - لا يوجب العقوبة ، بل لا يكون حفظ المقدّمة واجباً شرعاً ، ولا تفويتها حراماً كذلك ، كما مرّ .

إذا عرفت ما ذكر فالمباحث - كما تقدّم(2) - أربعة :

ص: 25


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 113 .
2- تقدّم في الصفحة 7 .

ص: 26

المبحث الأوّل: في مسوّغات التيمّم
اشارة

ص: 27

ص: 28

فيمن يشرع له التيمّم

المبحث الأوّل : فيمن يشرع له التيمّم ، وإن شئت قلت : فيما يصحّ معه التيمّم وهو أشخاص أو اُمور ، يحويهم المعذور عقلاً أو شرعاً عن الطهارة المائية ، أو يحويها العذر كذلك عنها .

والمراد من «العذر» هو ما بحسب الواقع لا الظاهر ، كالقاطع بعدم الماء مع وجوده ، فإنّه معذور عن الوضوء عقلاً ، لكن لا يشرع له التيمّم واقعاً .

ولعلّ ما ذكرنا أولى ممّا في «القواعد» حيث عدّ الشيء الواحد الجامع للمسوّغات هو «العجز عن استعمال الماء»(1) فإنّ العجز إن كان عقلياً يخرج منه كثير من المسوّغات .

وإن كان أعمّ من العقلي والشرعي - كما في «الجواهر»(2) - يخرج منه أيضاً بعضها ، كالخوف على مالٍ لا يجب حفظه ، أو بعض مراتب النفس إن قلنا بعدم حرمته ، وكباب المزاحمة مع الأهمّ ، فإنّ فيها لا يعجز عقلاً ولا شرعاً ؛ أمّا عقلاً

ص: 29


1- قواعد الأحكام 1 : 236 .
2- جواهر الكلام 5 : 75 .

فواضح ، وأمّا شرعاً فلعدم الحرمة الشرعية فيها .

بل التحقيق عدم سقوط الأمر عن المهمّ ، كما ذكرنا في باب التزاحم . فحينئذٍ

يكون التعبير عن الجامع ب- «أنّ المسوّغ سقوط وجوب الطهارة المائية» غير وجيه أيضاً ؛ لعدم السقوط في موارد التزاحم وإن كان المكلّف معذوراً في تركه ، كما حقّق في محلّه(1) .

وأمّا عنوان «المعذور عقلاً أو شرعاً عن المائية» فالظاهر جمعه لجميع المسوّغات حتّى ضيق الوقت ، فإنّ في بعضها يكون العذر عقلياً ، وفي بعض شرعياً ، وفي بعض شرعياً وعقلياً . ولا يهمّ البحث عنه .

والأولى صرف عنان الكلام إلى مفاد الآية الكريمة(2) ؛ ليعلم مقدار سعة دلالتها للأعذار .

شمول آية التيمّم لجميع الأعذار

فنقول : إنّ قوله : )وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى( لا يتفاهم منه عرفاً أنّ للمرض موضوعية واستقلالاً في تشريع التيمّم ؛ بحيث يكون الحكم دائراً مدار عنوانه ، بل الظاهر منه هو المرض الذي يكون عذراً عند العقلاء من استعمال الماء ، ويكون الغسل والوضوء منافياً له ، ومضرّاً بحال المريض ، دون ما لا يضرّه ، فضلاً عمّا إذا كان نافعاً .

ويمكن أن يقال : إنّ العرف كما يقيّد المرض بذلك ، كذلك يُلغي خصوصية

ص: 30


1- مناهج الوصول 2 : 21 - 22 .
2- تقدّمت في الصفحة 14 - 15 .

عنوان «المريض» ويفهم منه أنّ الميزان هو العذر عن استعماله ولو لم يكن عذره

المرض ، كالذي يكون كسيراً أو به جرح وقرح يكون استعماله مضرّاً بحاله ، فالمفهوم من الآية تشريع التيمّم للمعذور عن استعمال الماء لمرض وشبهه .

وكذا لا يرى العرف خصوصية للسفر وموضوعية له ، بل يرى أنّ ذكره لأجل كون الابتلاء بالفقدان فيه غالباً ، خصوصاً في الأسفار التي في تلك الأزمنة والأمكنة .

فما عن أبي حنيفة : «من أنّ الفقدان في السفر يوجب التيمّم ، لا في الحضر»(1) ليس بشيء .

كما لا يرى خصوصية للمجيء من الغائط أو لمس النساء ، بل يرى أنّ الميزان حصول الحدث الأصغر أو الأكبر .

كما أنّ المراد من عدم الوجدان - الذي هو قيد لقوله : )عَلَى سَفَرٍ( - هو الوجدان بنحو يمكن معه الوضوء ، فيشمل عدم الوصلة ، ككونه في بئر أو محفظة لا يتيسّر الوصول إليه ، وكذا يشمل ما إذا كان الماء قليلاً لا يفي بالاحتياج ، فلا يكون وجدانه بعنوانه موضوعاً للحكم ، بل هو عنوان طريقي إلى تيسّر استعماله ، أو كناية عنه ، فلو وجد الماء ، لكن لا يكون تحت سلطته - بحيث جاز استعماله شرعاً وعقلاً - لا يُعدّ واجداً .

وقوله : )مَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ( بناءً على ما تقدّم(2) من كونه مربوطاً بقوله : )إِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ( ويكون بياناً لنكتة تشريع التيمّم ،

ص: 31


1- المبسوط ، السرخسي 1 : 122 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 234 .
2- تقدّم في الصفحة 16 .

يدلّ على أ نّه كلّما كان الوضوء والغسل حرجياً - سواء كان الحرج في نفسهما أو مقدّماتهما - يتبدّلان بالتيمّم ، فيكون المتفاهم من الآية صدراً وذيلاً -

بإلغاء الخصوصيات عرفاً ومناسبات الحكم والموضوع - أنّ التيمّم طهور اضطراري مشروع عند كلّ عذر شرعي أو عقلي ، ولو فرض عدم استفادة بعض الموارد منها ، لكن بعد العلم بعدم سقوط الصلاة بحال ، وأن «لا صلاة إلاّ بطهور»(1) ، وإنّ «التيمّم أحد الطهورين»(2) ، لا يبقى إشكال في توسعة نطاق شرعه لكلّ الأعذار .

هذا مع أنّ الحكم مستفاد من التدبّر في مجموع روايات الباب ، فراجع .

وكيف كان : لا بدّ من التعرّض لبعض أسباب العذر تفصيلاً ، وهو اُمور :

ص: 32


1- تهذيب الأحكام 1 : 49 / 144 ؛ وسائل الشيعة 1 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- تقدّم في الصفحة 20 .
السبب الأوّل: عدم الماء
اشارة

الأوّل : عدم الماء ، ولا إشكال نصّاً (1) وفتوى(2) في كونه من المسوّغات ؛ من غير فرق عندنا بين السفر والحضر ، كان السفر طويلاً أو قصيراً . وما عن السيّد(3) ليس خلافاً في هذه المسألة ، بل في مسألة الإجزاء .

نعم ، خالف في ذلك أبو حنيفة وأحمد - في إحدى الروايتين - وزُفر على ما حُكي عنه ، فقالوا : «إنّ الحاضر العادم الماء لا يصلّي»(4) بل عن زُفر : «لا يصلّي قولاً واحداً»(5) ، ولا اعتداد بخلافهم ، ويردّهم ظاهر الآية(6) ، كما عرفت(7) .

ص: 33


1- النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 ؛ وسائل الشيعة 3 : 366 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 1 و3 و4 و7 .
2- المقنعة : 58 ؛ النهاية : 45 ؛ المعتبر 1 : 363 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 149 .
3- اُنظر المعتبر 1 : 365 ؛ جواهر الكلام 5 : 76 .
4- المبسوط ، السرخسي 1 : 123 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 234 ؛ المجموع 2 : 305 .
5- اُنظر منتهى المطلب 3 : 11 ؛ المحلّى بالآثار 1 : 348 .
6- المائدة (5) : 6 .
7- تقدّم في الصفحة 30 - 31 .
وجوب الطلب والفحص عن الماء

كما لا إشكال في وجوب الطلب والفحص عن الماء في الجملة ، وحُكِي الإجماع عليه عن «الخلاف» و«الغنية» و«المنتهى» و«التذكرة» و«جامع المقاصد» و«إرشاد الجعفرية» و«التنقيح» و«المدارك» و«المفاتيح» وظاهر «المعتبر»(1) بل عن «السرائر» دعوى تواتر الأخبار به(2) .

ويدلّ عليه إطلاق الآية الشريفة ؛ لما عرفت(3) من أنّ الظاهر منها أنّ التكليف بالصلاة مع المائية ، غير مقيّد بحال الاختيار ، بل مطلق ، وأنّ التعليق على عنوان اضطراري - هو عدم وجدان الماء - ظاهر عرفاً في أنّ الترابية طهارة اضطرارية سوّغها الاضطرار والإلجاء ، مع بقاء المطلوبية المطلقة في المائية على حالها ، ومعه يجب عقلاً الفحص والطلب في تحصيل المطلوب المطلق إلى زمان اليأس ، أو حصول عذر آخر . وليس الشكّ في العذر عذراً عند العقلاء ، نظير الشكّ في القدرة في الأعذار العقلية .

بل الظاهر من الآية أنّ تعليق التيمّم على عدم الوجدان ، ليس لأجل تحديد موضع المائية فقط ، بل لمّا كان حكم العقل مع فقد الماء ، هو سقوط الصلاة - لعدم القدرة عليها مع المائية - أفادت الآية الكريمة مطلوبيتها مع الترابية ، وعدم

ص: 34


1- اُنظر مفتاح الكرامة 4 : 335 ؛ الخلاف 1 : 147 ؛ غنية النزوع 1 : 64 ؛ منتهى المطلب 3 : 43 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 149 ؛ جامع المقاصد 1 : 465 ؛ التنقيح الرائع 1 : 137 ؛ مدارك الأحكام 2 : 178 ؛ مفاتيح الشرائع 1 : 59 ؛ المعتبر 1 : 392 .
2- السرائر 1 : 135 .
3- تقدّم في الصفحة 16 - 17 .

سقوط أمرها بمجرّد العجز عن المائية ، وأنّ الترابية مصداق اضطراري يجب عند

فقدان الماء ، فحينئذٍ يحكم العقل بوجوب الطلب إلى حدّ اليأس وإحراز العذر .

بل يمكن استفادة لزوم الطلب من قوله تعالى : )فَلَمْ تَجِدُوا( فإنّ الظاهر منه عدم الوجدان بعد الفحص والطلب ، كما يظهر بالتأمّل في صيغ الماضي والمضارع منه ومن مرادفاته في الفارسية . ولا يلزم أن يكون المتفاهم من جميع الصيغ - حتّى اسم الفاعل والمفعول - كذلك ، فلا ينتقض ب- «الواجد» و«الموجود» فإنّه قد يدلّ بعض المشتقّات - ولو انصرافاً - على معنىً لا يفهم من الآخر ، ك- «الماء الجاري» حيث يدلّ على الجريان من مبدأ نابع ، بخلاف «جرى الماء» لصدقه على ما جرى من الكوز .

والعمدة في وجوب الطلب هو ما ذُكر .

وأمّا رواية السكوني ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن علي علیه السلام قال : «يطلب الماء في السفر إن كانت الحزونة فغَلْوة ، وإن كانت سهولة فغَلْوتين ، لا يطلب أكثر من ذلك»(1) . ففيها إشكال :

لا لضعف سندها ؛ فإنّ الأرجح وثاقة النوفلي والسكوني ، كما يظهر بالفحص والتدبّر في رواياتهما وعمل الأصحاب بها . وعن الشيخ «إجماع الشيعة على العمل بروايات السكوني»(2) وقلّما يتّفق عدم كون النوفلي في طريقها . وعن المحقّق في «المسائل العزّية» أ نّه ذكر حديثاً عن السكوني في أنّ

ص: 35


1- تهذيب الأحكام 1 : 202 / 586 ؛ وسائل الشيعة 3 : 341 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 1 ، الحديث 2 .
2- العدّة في اُصول الفقه 1 : 149 .

«الماء يطهّر. . . » ، وأجاب عن الإشكال بأ نّه عامّي : «بأ نّه وإن كان كذلك فهو من ثقات الرواة»(1) وفي طريقها النوفلي(2) ، ولم يستشكل فيه . وبالجملة : لا ضعف في سندها ، ولو سلّم فهي مجبورة بعمل الأصحاب قديماً وحديثاً .

بل لدلالتها ؛ فإنّ الظاهر منها أ نّها بصدد بيان مقدار الفحص بعد مفروضية أصله ، وأمّا كونه واجباً أو مستحبّاً فلا تتعرّض له ، فقوله : «يطلب في الحزونة كذا ، وفي السهولة كذا» يراد به أنّ مقدار الطلب المفروض كذا ، ولا يطلب زائداً عن ذلك ، وذلك مثل أن يقال : «يغتسل للجمعة من طلوع الفجر إلى الزوال» فإنّ الظاهر منه بيان زمان إتيان الغسل ، لا وجوبه بين الحدّين .

وكيف كان : لا نحتاج في أصل الوجوب إلى تلك الرواية بعد حكم العقل ودلالة الآية الكريمة .

وأمّا رواية علي بن سالم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت : أتيمّم . . . إلى أن قال : فقال له داود بن كثير الرقّي : فأطلب الماء يميناً وشمالاً ؟ قال : «لا تطلب يميناً ولا شمالاً ، ولا في بئر ، إن وجدته على الطريق فتوضّأ ، وإن لم تجده فامضِ»(3).

فبعد ضعف سندها بعلي بن سالم المشترك بين المجهول(4) والبطائني

ص: 36


1- الرسائل التسع ، المسائل العزّية : 64 .
2- الكافي 3 : 1 / 1 ؛ وسائل الشيع-ة 1 : 134 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 1 ، الحديث 6 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 202 / 587 ؛ وسائل الشيعة 3 : 343 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 2 ، الحديث 3 .
4- هو علي بن سالم الكوفي . رجال الطوسي : 247 / 346 .

الضعيف(1) ، وقرب احتمال كونها عين الواقعة التي نقلها داود قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : أكون في السفر ، فتحضر الصلاة وليس معي ماء ويقال : إنّ الماء قريب منّا ، أفأطلب الماء وأنا في وقت يميناً وشمالاً ؟ قال : «لا تطلب الماء ، ولكن تيمّم ؛ فإنّي أخاف عليك التخلّف عن أصحابك ، فتضلّ ويأكلك السبع»(2) لبعد سؤاله عنه مرّتين ، ولتشابه ألفاظهما وإن ترك بعض الخصوصيات في كلٍّ منهما ، محمولة على الخوف من اللصّ والسبع ، والإطلاق لأجل كون الأسفار في تلك الأزمنة والأمكنة مظنّةَ الخطر نوعاً ، ولهذا نهى عن الطلب في رواية داود من غير فصل معلِّلاً بما ذكر .

بل في رواية يعقوب بن سالم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل لا يكون معه ماء ، والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك ، قال : «لا آمره أن يُغرّر بنفسه ؛ فيعرض له لصّ أو سبع»(3) .

فمع فرض وجود الماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين قال : «لا آمره» لأجل تغرير النفس وتعرّض اللصّ والسبع ، فيتّضح منه أنّ الطلب واجب لولا ذلك ، وأ نّه علیه السلام مع الأمن من ذلك يأمره به ، لكن لمّا كانت تلك الحوادث في تلك الأسفار كثيرة نوعاً قال ما قال .

ص: 37


1- هو علي بن أبي حمزة سالم البطائني . رجال النجاشي : 249 / 656 .
2- الكافي 3 : 64 / 6 ؛ وسائل الشيعة 3 : 342 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 2 ، الحديث 1 .
3- الكافي 3 : 65 / 8 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 184 / 528 ؛ وسائل الشيعة 3 : 342 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 2 ، الحديث 2 .

وكيف كان : لا يمكن الاتّكال على رواية علي بن سالم .

فتحصّل ممّا ذكر وجوب الطلب .

حكم العقل بوجوب الطلب إلى زمان اليأس أو ضيق الوقت

ولا إشكال في أنّ حكم العقل بوجوبه - بعد دلالة الآية على المطلوبية المطلقة للطهارة المائية - هو الفحص إلى زمان اليأس أو ضيق الوقت .

كما تدلّ عليه صحيحة زرارة ، عن أحدهما علیهما السلام قال : «إذا لم يجد المسافر

الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم وليصلّ في آخر الوقت ، وإذا وجد الماء فلا قضاء عليه ، وليتوضّأ لما يستقبل»(1) .

لكن موثّقة السكوني(2) حاكمة على حكم العقل ، وشارحة لمفاد الآية الكريمة ، ومبيّنة لمقدار الطلب ، ونافية لوجوب الزيادة .

وأمّا صحيحة زرارة فكما أ نّها معارضة لرواية السكوني ، معارضة لطائفة من الروايات الآتية في محلّها (3) الدالّة على جواز البدار وصحّة الصلاة في سعة الوقت مع التيمّم ، كصحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : فإن أصاب الماء وقد صلّى بتيمّم وهو في وقت ؟ قال : «تمّت صلاته ، ولا إعادة عليه»(4) ،

ص: 38


1- الكافي 3 : 63 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 192 / 555 ؛ وسائل الشيعة 3 : 366 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 3 .
2- تقدّم في الصفحة 35 .
3- يأتي في الصفحة 362 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 194 / 562 ؛ وسائل الشيعة 3 : 368 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 9 .

ومثلها غيرها ، وموافقة لطائفة اُخرى دالّة على عدم جواز البدار ؛ سواء في ذلك «فليطلب» كما في رواية الكليني أو «فليمسك» ، كما في رواية الشيخ بطريق آخر غير الكليني(1) ، فإنّ وجوب الإمساك عن الصلاة إلى ضيق الوقت ، كما هو مخالف لما دلّ على جواز البدار ، كذلك وجوب الطلب إليه مخالف له ، والجمع العقلائي بينها وبين مخالفاتها ، هو حملها وحمل سائر ما اُمر فيها بالتأخير إلى ضيق الوقت على الاستحباب ، فيرتفع التعارض بين جميعها ، ومنها رواية السكوني الدالّة على أنّ مقدار الطلب غلوة سهم أو سهمين .

وهذا الجمع أقرب بنظر العرف من الجمع الذي صنع بعض المحقّقين : بحمل رواية السكوني على من أراد الصلاة في مكان مخصوص ، كما لو نزل المسافر بعد الظهر منزلاً وأراد أن يصلّي فيه ، وحمل صحيحة زرارة على من ضرب في الأرض ، فله الضرب في جهة من الجهات ولو في الجهة الموصلة إلى المقصود ؛ برجاء تحصيل الماء إلى أن يتضيّق الوقت ، فإنّ العود إلى المكان الأوّل ليس واجباً تعبّدياً ، فحيثما طلب الماء في جهة - ولو في الجهة المؤدّية إلى المقصود بمقدار رمية سهم أو سهمين - فله أن يصلّي في المكان الذي انتهى إليه طلبه ، لكن يجب عليه الفحص فيما حوله بالنسبة إلى المكان الذي انتهى إليه ، فله في هذا المكان - كالمكان الأوّل - أن يختار أوّلاً الضرب إلى مقصده ، وهكذا إلى أن يتضيّق الوقت ، فثمرة العود إلى المكان الأوّل ، جواز الصلاة ولو مع عدم الضيق بعد الفحص في سائر الجهات ،

ص: 39


1- تهذيب الأحكام 1 : 194 / 560 .

فتقيّد صحيحة زرارة بغير هذه الصورة(1) ، انتهى .

لأنّ الجمع المذكور ، مضافاً إلى كونه بهذا الوجه الدقيق مخالفاً للأنظار العرفية ، مع أنّ الميزان في الجمع بين الأخبار هو فهم العرف العامّ ومقبوليته عندهم ، ومضافاً إلى إباء العرف من تقييد الصحيحة القائلة بأ نّه : «فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم» ، بأ نّه كلّما أراد الصلاة لا يجب الفحص إلى ضيق الوقت ، بل يكفي مقدار سهم أو سهمين ، أنّ الصحيحة محمولة على الاستحباب على أيّ تقدير ؛ لمعارضتها لروايات جواز البدار الآتية(2) ، فلا تعارض رواية السكوني .

ثمّ إنّه يجب التنبيه على اُمور :

ص: 40


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 94 .
2- يأتي في الصفحة 362 .
الأمر الأوّل في مقدار الطلب في الجهات الأربع

قد عرفت أنّ خبر السكوني ليس بصدد إيجاب الطلب ، بل بصدد بيان مقداره ، فيكون إيجابه بحكم العقل ودلالة الآية ، كما مرّ(1) .

وقد مرّ أنّ حكم العقل بوجوبه - لتحصيل المطلوب المطلق - إنّما هو في جميع الوقت ، وفي كلّ جهة محتملة إلى حدّ اليأس(2) ، ففي كلّ جهة يحتمل وجود الماء ، يحكم بالفحص إلى اليأس لولا الدليل على عدم لزومه . وقد دلّت رواية السكوني على تقدير الفحص بغَلْوة أو غَلْوتين لا أزيد ، فالرواية في مقام تقدير ما وجب عقلاً ، فالرواية - مع حكم العقل - دالّة على لزوم الفحص في الجهات إلى الحدّ المذكور فيها .

والمراد من الجهات الأربع ليس الخطوط المتقابلة ، بل كلّ جهة هي ربع الدائرة ، فلا بدّ من الفحص في جميع سطح الأرض في الجهات ، فيكون محلّ المصلّي كالمركز الذي تحيط به دائرة قطرها غلوة أو غلوتان ، ويجب الفحص في جميع تلك الدائرة ؛ أي السطح المحاط بالخطّ الموهوم ، وهذا هو المراد من النصّ والفتوى .

ص: 41


1- تقدّم في الصفحة 36 .
2- تقدّم في الصفحة 38 .
الأمر الثاني في المراد من الألفاظ الواردة في رواية السكوني
اشارة

المراد من الحزونة والسهولة

«الحُزونة» و«السهولة» الواردتان في رواية السكوني ، يحتمل أن تكونا بمعنى ما غلظ من الأرض وضدّه ؛ بأن يكون عنوان «الأرض» مأخوذاً في مفهومهما ، كما يظهر من بعض تعبيرات اللغويّين ، ففي «الصحاح» : «السهل : نقيض الجبل » و«الحَزْن : ما غلظ من الأرض ، وعن الأصمعي : الحُزَن : الجبال الغلاظ»(1) .

ويحتمل أن تكونا بمعنى الغلظة وضدّها من غير اعتبار الأرض فيهما ، وإنّما نُسبتا إليها وقيل : السهل من الأرض ، والحَزْن منها ، كما يظهر من بعض تعبيراتهم ، ففي «الصحاح» - بعد قوله : «والحَزْن : ما غلظ من الأرض» - قال : «وفيها حُزونة(2) » يظهر منه أنّ الحُزونة الغلظة ، ويقال : «في الأرض حُزونة» أي غلظة .

وفي «المنجد» : «حَزُن يحزُن حُزونةً المكانُ : صار حَزْناً ؛ أي غليظاً»(3) وهو كالصريح في أنّ «الحَزْن» هو نفس الغِلْظة ، لا ما غَلُظ من الأرض ، وإن قال

ص: 42


1- الصحاح 5 : 1733 و2098 .
2- الصحاح 5 : 2098 .
3- المنجد : 126 (الطبع التاسع) .

بعده : «الحَزْن ما غَلُظ من الأرض» .

ولا يبعد أن يكون الاحتمال الثاني أرجح ، فيقال : «أرض سهلة وحَزْنة» و«رجل سهل الخُلُق» و«نهر سَهْل» أي ذو سهولة ، و«سهل الموضع» بل و«أسهل الدواء» بمعنى ، ويفهم بالانتساب إلى المتعلّقات كيفية السهولة .

وكذا الحَزْن ، فإذا قيل للجبال الغلاظ : «الحُزَن» ك- «صُرَد» وللشاة السيّئة

الخُلُق : «الحَزون» ولقَدْمة العرب على العجم في أوّل قدومهم الذي أسحقوا (1) فيه ما أسحقوا من الدور والضياع : «الحُزانة»(2) يكون بمعنى واحد . بل لا أستبعد أن يكون «الحُزْن» - مقابل الفرح - من هذا الأصل وإن اختلفت الهيئات .

ثمّ على الاحتمال الأوّل ، يكون الميزان في الغلوة والغلوتين سهولة الأرض وحزونتها ذاتاً ؛ سواء كانتا في الخبر خبراً والكون ناقصاً ، أو فاعلاً وهو تامّاً ؛

لأنّ المفروض مأخوذية عنوان «الأرض» فيهما ، ولا ريب في أ نّهما إذا كانتا صفة الأرض ، تلاحظ غلظتها وسهولتها الذاتية ، ككونها جبلاً وبسيطاً ، فلا تنافي السهولة الأشجار فيها ، فأراضي العراق سهلة مع ما فيها من الأشجار ، فلا بدّ في إسراء الحكم إلى غيرها - كالأراضي المُشْجِرة - من دعوى إلغاء الخصوصية ، والعُهدة على مدّعيها .

وأمّا على الاحتمال الثاني الراجح ، فإن كان الكون ناقصاً ، وقدّرت «الأرض» اسماً له - بقرينة المقام - يكون الأمر كما مرّ .

وإن كان تامّاً ، ويكون المعنى : «إن تحقّقت حُزونة فكذا» - من غير انتساب

ص: 43


1- والموجود في كتب اللغة «استحقّوا» بدل «أسحقوا» .
2- القاموس المحيط 4 : 215 ؛ تاج العروس 9 : 174 ؛ لسان العرب 3 : 158 .

إلى الأرض - يمكن استفادة سائر الموانع كالشجر والثلج الغليظ منها .

ولو لم يمكن استظهار تمامية الكون والوثوق بترجيح ثاني الاحتمالين ، فلا محيص عن الاحتياط ؛ لما عرفت(1) من حكم العقل ودلالة الآية ، وأنّ رواية السكوني لتقدير المقدار ، فمع إجمالها يحتاط في موارد الاحتمال بالأخذ بأكثر الحدّين ، وكذا في كلّ مورد مشكوك فيه .

المراد من الغلوة لغة

وأمّا «الغَلْوة» - بفتح المعجمة - فالمرّة من «غلا» وهي رَمْية بأبعد المقدور :

قال في «الصحاح» : «غَلَوتُ بالسهم غَلْواً : إذا رميتَ به أبعد ما تقدر عليه ، والغَلْوة : الغاية ؛ رمية سهم» وقال : «غلا يغلو غُلُوّاً : أي جاوز فيه الحدّ»(2) ، ويظهر منه مجيئها بمعنى رَمْية سهم أيضاً .

وفي «القاموس» : «غلا في الأمر غُلُوّاً : جاوز حدّه ، وبالسهم غَلْواً وغُلُوّاً : رفع يديه لأقصى الغاية . . .» إلى أن قال : «فهو رجل غلاء - كسماء - : أي بعيد الغَلْو بالسهم ، والسهم ارتفع في ذهابه وجاوز المدى»(3) أي الغاية .

وفي «المنجد» : «غلا يغلو غَلْواً وغُلُوّاً السهم وبالسهم : رمى به أقصى الغاية ، غالى غِلاء ومُغالاة السهمَ وبالسهم : رمى به أقصى الغاية . . .» إلى أن قال : «الغَلْوة : المرّة من غلا ، الغاية ؛ وهي رمية سهم أبعد ما تقدر عليه . المِغْلى

ص: 44


1- تقدّم في الصفحة 34 - 35 .
2- الصحاح 6 : 2448 .
3- القاموس المحيط 4 : 373 .

والمِغْلاة : سهم يُغلى به ؛ أي يُرمى به إلى أقصى الغاية»(1) .

والظاهر أنّ «الغَلَيان» و«الغُلُوّ» في باب المبالغة ، و«الغلاء» في السعر ، كلّها من هذا الباب ، وهو التجاوز إلى أقصى الغاية .

نعم ، في «مجمع البحرين» : «وفي الحديث ذكر الغَلْوة وهي - بالفتح - : مقدار

رَمْية سهم»(2) والظاهر منه أ نّها لُغةً كذلك ، وقد عرفت ما في اللغة .

ولا يبعد أن يكون استعمالها في مطلق الرمية بنحو من التوسّع ، وإلاّ ففي كلّ مورد استعملت تكون بالمعنى المعروف المتقدّم . بل لا يبعد أن تكون «الغالية» - المركّبة من عدّة من الطيب - أيضاً بلحاظ المعنى المتقدّم . هذا حال اللغة .

تفسير الغلوة في كلمات الفقهاء

وأمّا الفقهاء فقد اختلفت كلماتهم ؛ فمنهم من قدّر المقدار برمية سهم ، كالشيخ

في «نهايته» وعن «مبسوطه»(3) ، وعن المفيد وأبي الصلاح مثله(4) ، وفي «الوسيلة» و«الغنية» و«إشارة السبق» كذلك(5) .

ومنهم من قدّره بغلوة سهم أو غلوتين ك- «المراسم»(6) ، وعن ابن إدريس :

ص: 45


1- المنجد : 558 .
2- مجمع البحرين 1 : 319 .
3- النهاية : 48 ؛ المبسوط 1 : 31 .
4- المقنعة : 61 ؛ الكافي في الفقه : 136 .
5- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 69 ؛ غنية النزوع 1 : 64 ؛ إشارة السبق : 74 .
6- المراسم : 54 .

«وحدّه ما وردت به الروايات وتواتر به النقل في طلبه ؛ إذا كانت الأرض سهلة غلوة سهمين ، وإذا كانت حَزْنة فغلوة سهم»(1) ، وفي «الشرائع» و«النافع» و«القواعد» و«الإرشاد» التعبير ب- «الغَلْوة» و«الغَلْوتين»(2) .

وعن «المعتبر» : «والتقدير بالغلوة والغلوتين رواية السكوني ، وهو ضعيف ، غير أنّ الجماعة عملوا بها»(3) ومنه يظهر عمل الجماعة بها بما لها من التعبير .

والظاهر أنّ التفسير ب- «الرمية» و«الرميتين» اجتهاد منهم ؛ ضرورة أ نّه لا يكون في الباب غير رواية السكوني(4) ومرسلات الحلّي(5) ، وفيها «الغلوة» و«الغلوتان» فلا يكون دليل على الرمية والرميتين ، ولهذا ترى أنّ بعضهم فسّر «الغلوة» ب- «الرمية» . قال في «كشف الغطاء» : «الغلوة : الرمية بالسهم المتوسّط في القوس المتوسّط من الراميّ المتوسّط ، مع الحالة المتوسّطة في الهواء المتوسّط ، والوضع المتوسّط والجذب والدفع المتوسّطين»(6) .

وفي «المسالك» : «الغلوة : مقدار الرمية من الراميّ المعتدل بالآلة المعتدلة»(7) .

ص: 46


1- السرائر 1 : 135 .
2- شرائع الإسلام 1 : 38 ؛ المختصر النافع : 17 ؛ قواعد الأحكام 1 : 236 ؛ إرشاد الأذهان 1 : 233 .
3- المعتبر 1 : 393 .
4- تقدّمت في الصفحة 35 .
5- السرائر 1 : 135 .
6- كشف الغطاء 2: 328 .
7- مسالك الأفهام 1 : 109 .

ومثلهما ما في بعض كتب من قارب عصرنا (1) .

وقد عرفت أنّ هذا التفسير مخالف للّغة بل العرف ، فالمعتبر في الرمي هو إلى أقصى الغاية وأبعد ما يكون مدوراً . نعم، يعتبر في الراميّ والآلة وغيرهما المتوسّط المتعارف ؛ لأ نّه المتفاهم من التحديدات ، كالشبر والذراع . . .

وهكذا .

لكنّ الإشكال في المقام : هو عدم إمكان تعيين المقدار خارجاً ؛ لعدم تداول الرمي في هذه الأعصار ، وما هو المعتبر هو الغلوة والغلوتان من الراميّ المتدرّب في الفنّ ، كما كان في عصر صدور الرواية ، ومعلوم أنّ الراميّ الذي فنّه ذلك يرمي بما لا يمكن لغيره ، فحينئذٍ لا محيص عن الاحتياط والأخذ بالمقدار المحتمل العقلائي ؛ فإنّ الدليل على الوجوب ليس رواية السكوني؛ حتّى يقال بعدم الوجوب إلاّ بمقدار متيقّن ، فينفى الزائد بالأصل ، بل يحكم العقل بالوجوب إلى أن يحرز المعذّر . مضافاً إلى أنّ شرع التيمّم معلّق على عدم الوجدان ، فلا بدّ

من إحراز موضوعه لدى الشكّ .

ص: 47


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 99 .
الأمر الثالث حول المراد بعدم وجدان الماء

لا شبهة في أنّ المتفاهم عرفاً من الآية الكريمة(1) - ولو بسبب مناسبة الحكم والموضوع وما هو مرتكز في الذهن - أنّ المراد بعدم الوجدان هو عدم وجدان ما يمكن أن يستعمل في الوضوء والغسل . بل هو الظاهر من قوله : )فَلَمْ

تَجِدُوا( بعد قوله : )إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا . . . وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا( .

فعدم الوجدان أعمّ من عدم الوجود واقعاً ، ومن الوجود مع عدم العثور وعدم التقصير في الفحص بالمقدار المأثور ، فلا يكون الموضوع في تشريع التيمّم عدم الماء فقط ، ولا يكون عنوان «عدم الوجدان» معتبراً فيه حتّى يقال : لازم الأوّل بطلان التيمّم لو كان الماء موجوداً واقعاً ؛ مع عدم العثور عليه ولو بعد الفحص الكامل ، ولازم الثاني عدم الصحّة حتّى مع العلم بعدم الماء ، وحتّى مع موافقته للواقع ، بل لا بدّ له من الضرب في الأرض بالمقدار المأثور حتّى يصير الفقدان وجدانياً ؛ للفرق بين العلم بالعدم وعدم الوجدان .

فإنّ الاحتمالين خلاف المتفاهم العرفي ؛ فإنّ الطلب المتفاهم من قوله : )فَلَمْ تَجِدُوا( لأجل تحقّق موضوع تشريع التيمّم ؛ وهو عدم الماء الذي يمكن عقلاً وشرعاً استعماله في الطهارة ، فإذا علم بعدم وجوده علم بتحقّقه ، فلا وجه بعدُ للطلب ، كما أ نّه لو طلب الغلوة أو الغلوتين ولم يجد يتحقّق الموضوع ؛ وهو عدم

ص: 48


1- تقدّمت في الصفحة 14 - 15 .

الماء الذي يمكن له استعماله خارجاً ؛ للعجز عن استعمال ما لا يعثر عليه .

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ عدم الماء الكذائي موضوع لشرع التيمّم ، فإذا تفحّص قبل الوقت أو في الوقت ، وعلم بعدم الماء ، يستصحب إلى زمان قيام الأمارة على وجوده ، وهو يحرز ما هو موضوع ؛ من غير فرق بين قبل الوقت وبعده ، بل ولا بين الارتحال من مكان الطلب والعود إليه وبين عدمه ، ومن غير فرق بين صلاة واحدة وصلوات عديدة . فما عن المحقّق في «المعتبر» والعلاّمة والشهيد من عدم الاعتداد بالطلب قبل الوقت ، بل يجب إعادته ، إلاّ أن يعلم استمرار العدم الأوّل(1) ، فغير وجيه وإن استدلّ عليه في «الجواهر» تارة : بظاهر ما دلّ على وجوبه من الإجماعات وغيرها ، وهو لا يتحقّق إلاّ بعد الوقت .

واُخرى : بأنّ صدق «عدم الوجدان» يتوقّف عليه ، سيّما بعد ظهور الآية - الدالّة على اشتراطه - في إرادة عدم الوجدان عند إرادة التيمّم للصلاة .

وثالثة : بصحيحة زرارة المتقدّمة(2) .

ورابعة : بأ نّه لو اكتفى به قبل الوقت لصحّ الاكتفاء به مرّة واحدة للأيّام المتعدّدة ، وهو معلوم البطلان .

وخامسة : بأنّ المنساق إلى الذهن من الأدلّة ، إرادة الطلب عند الحاجة إلى الماء .

ثمّ استشكل في الاستصحاب : بأ نّه لا يعارض ما ذكرنا من ظهور الأدلّة في شرطية الطلب أن يكون بعد الوقت(3) ، انتهى ملخّصاً .

ص: 49


1- المعتبر 1 : 393 ؛ منتهى المطلب 3 : 49 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 182 .
2- تقدّمت في الصفحة 38 .
3- جواهر الكلام 5 : 83 - 84 .

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ الوجوب لا يكون شرعياً ، بل يكون عقلياً محضاً لأجل حفظ المطلوب المطلق ، ولا دليل غيره على الوجوب ، فضلاً عن استفادة الوجوب الشرعي منه ؛ لعدم ثبوت غير ما هو حكم العقل من الإجماعات ؛ لعدم كشفها عن دليل آخر مع وجودِ حكم العقل ، واحتمالِ استفادتهم الوجوب من الأدلّة اللفظية أيضاً .

وأمّا صحيحة زرارة فقد عرفت لزوم حملها على الاستحباب(1) ، وعرفت حال رواية السكوني من عدم دلالتها على الوجوب(2) .

وأمّا الآية فلا يدلّ ذيلها - أي قوله : )فَلَمْ تَجِدُوا( - على وجوب الطلب ، بل يدلّ على شرطية عدم الوجدان لشرع التيمّم . نعم هو ظاهر في عدم الوجدان في الوقت ، وقد عرفت أنّ الموضوع عدم الماء في الوقت ، وهو يحرز بالاستصحاب ، ويكون الأصل حاكماً على الآية ، ومحقّقاً لموضوع وجوب التيمّم ومشروعيته ، فلا دليل على وجوب الطلب بنحو يقدّم على الاستصحاب وهو حاكم أو وارد على حكم العقل .

وأمّا النقض بلزوم الاكتفاء بالطلب مرّة لصلوات عديدة ، ودعوى معلومية بطلانه ، فلا يتّضح وجهها بعد جريان الاستصحاب وإحراز موضوع التيمّم .

فالأقوى بحسب القواعد كفاية الطلب الواحد مطلقاً ؛ سواء كان قبل الوقت أو بعده ، وسواء كان تجدّد الماء محتملاً أو مظنوناً . نعم مع قيام الأمارة المعتبرة أو

الوثوق بالتجدّد ، يجب الطلب ، وينبغي الاحتياط مطلقاً .

ص: 50


1- تقدّم في الصفحة 39 .
2- تقدّم في الصفحة 36 .

وممّا ذكرنا يظهر حال وجوب الطلب ، فإنّه عقلي محض غير مرتبط بالتيمّم ، بل هو لأجل إحراز العذر عن ترك المطلوب المطلق ؛ أي الصلاة مع المائية . وليس في المقام دليل لفظي يدلّ على الوجوب حتّى يبحث عن كونه نفسياً أو شرطياً أو غيرياً ، كما عرفت .

ولو سُلّم دلالة مثل رواية السكوني على وجوبه أو عدم حمل صحيحة زرارة على الاستحباب ، فلا شبهة في عدم دلالتهما على الوجوب النفسي ؛ لظهور الأوامر في مثل المقام في الإرشاد ؛ إمّا إلى الشرطية أو إلى حكم العقل ، فاحتمال النفسية في غاية الضعف .

واحتمال الوجوب الشرطي أيضاً ضعيف ؛ لأنّ الظاهر من قوله في الصحيحة : «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم وليصلّ . . .» إلى آخره ، أنّ وجوب الطلب إنّما هو لتحصيل الماء ، لا لتحقّق موضوع التيمّم ، وأنّ التيمّم مشروع عند خوف فوت الوقت ، وشرطه ذلك ، لا الطلب .

وقوله في رواية السكوني : «يطلب الماء في السفر» ظاهر في أنّ الطلب واجب لتحصيل الماء ، لا لشرطيته للتيمّم ، وقد مرّ تحقيق مدلول الآية(1) .

فتحصّل من جميع ذلك : أنّ الروايات - بناءً على تسليم دلالتها على الوجوب - إرشاد إلى حكم العقل ، أو تحديد لما يحكم به ، كما مرّ(2) في رواية السكوني .

ص: 51


1- تقدّم في الصفحة 48 .
2- تقدّم في الصفحة 38 و41 .
الأمر الرابع في حكم الإخلال بالطلب

إذا أخلّ بالطلب وتيمّم وصلّى مع سعة الوقت ، ففي «الجواهر» بطلانه قطعاً وإجماعاً منقولاً إن لم يكن محصّلاً ؛ لما دلّ على اشتراط صحّته به ، ولا فرق بين أن يصادف عدم الماء بعد الطلب وعدمه(1) .

أقول : أمّا دعوى الإجماع في مثل هذه المسألة الفرعية الاجتهادية المتراكمة فيها الأدلّة العقلية والنقلية ، فغير وجيهة . وأمّا أدلّة الاشتراط المدّعاة ، فقد تقدّم(2) عدم دلالتها على اشتراط الطلب ، بل الظاهر من الأدلّة أنّ عدم الماء الذي يمكن استعماله في الوضوء والغسل - إمّا لفقده ، أو لعدم وجدانه - موجب لانقلاب المائية بالترابية ، من غير دخالة للطلب موضوعاً ، ولا لعنوان «عدم الوجدان» - أي هذا الأمر الانتزاعي - فيه ، ولهذا لو علم بعدم الماء ، لا يجب عليه الطلب وإن لم يصدق عدم الوجدان عليه ؛ لأ نّه عنوان منتزع من عدم العثور عليه بالقوى الجزئية كالبصر ، ومع فرض عدم وجوب الطلب مع العلم بعدم الماء ، لا محيص عن القول بأنّ عدم الماء واقعاً موضوع للانقلاب ، وإلاّ لزم موضوعية العلم ولو بنحو جزء الموضوع ، وهو - كماترى - خلاف ارتكاز العقلاء والمتفاهم من الأدلّة ، فيكون عدم الماء واقعاً تمام الموضوع للانقلاب .

ص: 52


1- جواهر الكلام 5 : 85 .
2- تقدّم في الصفحة 50 .

وإن جهل المكلّف ، فلزوم الطلب عقلاً أو شرعاً لإحراز الواقعة ، لا لتحقّق الموضوع ، فلو كان الماء غير موجود في محلّ الطلب ، أو كان بوجه لا يهتدي إليه لو طلبه ، صحّ تيمّمه وصلاته :

أمّا إذا كان بحيث لم يوجد إلى آخر الوقت ، فظاهر بما مرّ .

وأمّا إذا حدث بعد الصلاة فلإطلاق الآية ؛ فإنّ الظاهر من صدرها أ نّه إذا قام المكلّف إلى الصلاة ، يجب عليه الوضوء أو الغسل ولو في سعة الوقت ، ومقتضى عطف المرضى والمسافر الفاقد عليه ، جوازُ التيمّم في السعة ، وبعد ما علم أنّ المراد بعدم الوجدان عدم الاهتداء إلى ما يمكن استعماله ، تمّت الدلالة على صحّة التيمّم والصلاة ؛ لتحقّق الموضوع ، وظهور الآية في الإجزاء .

ويمكن الاستدلال على المطلوب بما دلّ على عدم وجوب الإعادة لو وجد بعد الصلاة مع بقاء الوقت ، كصحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : فإن

أصاب الماء وقد صلّى بتيمّم وهو في وقت ؟ قال : «تمّت صلاته ، ولا إعادة عليه»(1) ومثلها غيرها .

وهي وإن كانت في مقام بيان حكم آخر ، لكن يستفاد منها أنّ من كان تكليفه التيمّم فصلّى بتيمّم ، لا إعادة عليه وإن وجد الماء في الوقت .

ولو أخلّ بالطلب حتّى ضاق الوقت تيمّم وصلّى ولا قضاء عليه ، وعن

ص: 53


1- تهذيب الأحكام 1 : 194 / 562 ؛ وسائل الشيعة 3 : 368 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 9 .

«المدارك» : «أ نّه المشهور»(1) ، وعن «الروض» نسبته إلى فتوى الأصحاب(2) ، وفي «الجواهر» : «أ نّه الأظهر الأشهر»(3) .

ويمكن استفادته من الآية بمناسبات مغروسة في الأذهان ؛ بأن يقال : إنّ المراد من «عدم وجدان الماء» عدم وجدان ما يمكن استعماله مع حفظ الوقت ، وإلاّ فلو لم تلاحظ مصلحة الوقت ، أو كانت مصلحة المائية مقدّمة على مصلحته ، لم يشرع التيمّم مع عدم الوجدان ؛ ضرورة أنّ عدمه لم يستمرّ إلى آخر العمر ، فإيجاب التيمّم مع الفقد لأجل عدم فوت الصلاة وحفظ مصلحة الوقت ، فالمراد ب- «عدم الوجدان» عدم وجدان ما يغتسل ويتوضّأ به في الوقت ، ومع الضيق يكون فاقداً للماء الكذائي وإن كان واجداً للطبيعة ، والظاهر من تعليق الحكم عليه أ نّه تمام الموضوع للتبديل من غير دخالة شيء آخر .

ودعوى الانصراف إلى ما لا يكون سببه المكلّف عصياناً (4) ، في غير محلّها ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ الترابية مع فقد الماء طهور قائمة مقام المائية ؛ من غير دخالة

لأسباب الفقد فيه . بل المناسبات المغروسة في الذهن ، توجب إلغاء بعض القيود لو كان في الكلام ، ومعه لا معنى لدعوى الانصراف .

وتدلّ عليه أيضاً صحيحة زرارة المتقدّمة ، عن أحدهما علیهما السلام قال : «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت

ص: 54


1- مدارك الأحكام 2 : 183 .
2- روض الجنان 1 : 343 .
3- جواهر الكلام 5 : 86 .
4- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 102 .

فليتيمّم وليصلّ . . .»(1) إلى آخره .

فإنّ وجوب الطلب ما دام في الوقت - على فرضه - لأجل تحصيل الماء ، لا لاشتراط التيمّم به . وقوله : «فإذا خاف . . .» إلى آخره ، ظاهر في أنّ خوف الفوت سبب وموضوع تامّ لوجوب التيمّم من أيّ سبب حصل ، فلو أراق الماء ، أو قصّر في الطلب ، أو ترك الوضوء بالماء الموجود حتّى خاف الفوت ، يجب عليه التيمّم ، وتتمّ صلاته ، ولا قضاء عليه ؛ لظاهر الصحيحة بل يستفاد ذلك من مجموع الأدلّة ، فإنّه يعلم منها أنّ للوقت منزلة لدى الشارع ليست لغيره ، وأنّ «الصلاة لا تترك بحال» .

وما قيل : «إنّ التيمّم في هذه الحال يمكن أن يكون مبغوضاً ، فضلاً عن أن يقع

عبادة»(2) فاسد ؛ فإنّ المبغوض هو ترك الصلاة مع المائية ، لا إتيانها مع الترابية ، ولا الطهارة الترابية ؛ لعدم وجه لمبغوضيتهما .

وممّا ذكرنا يتّضح عدم وجوب الاحتياط ؛ بدعوى تردّد المكلّف به المعلوم بالإجمال(3) ؛ لما عرفت من التكليف بالترابية وإجزائها .

ص: 55


1- تقدّمت في الصفحة 38 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 103 .
3- نفس المصدر .
الأمر الخامس فيما يترتّب على الموضوع لانقلاب التكليف بالترابية

قد مرّ أنّ الموضوع لانقلاب التكليف بالترابية ، هو عدم الاهتداء إلى ما يمكنه الاستعمال(1) .

وإن شئت قلت : كون الواقعة بحيث لا يهتدي المكلّف إلى ماء يمكنه استعماله عقلاً وشرعاً .

أو قلت : عدم الوجدان الأعمّ من عدم الوجود للماء الكذائي .

فحينئذٍ نقول : لو تفحّص عن الماء بما قرّره الشارع ولم يقصّر فيه ، صحّ تيمّمه وصلاته ولو كان الماء موجوداً بحسب الواقع ؛ لتحقّق موضوع الانقلاب .

وأمّا لو قطع بعدم الماء ، أو عدم الاهتداء إليه ، أو قامت البيّنة على عدمه ، أو عدم الاهتداء إليه ، بطلا لعدم تحقّق الموضوع ؛ لعدم كون الواقعة بحيث لا يهتدي إلى الماء ، فهو واجد للماء وإن كان قاطعاً بعدمه وغير معذور واقعاً ؛ وإن كان معذوراً ظاهراً وغير معاقب على ترك الصلاة مع المائية ، فيجب عليه الإعادة .

وكذا يجب الإعادة على الناسي لماء في رَحْله ؛ سواء طلب في خارجه غلوة أو غلوتين أو لا ؛ لأ نّه واجد وإن كان غافلاً عنه . وعدم الوجدان في خارج الرحل مع كونه واجداً فيه ، لا يوجب الانتقال .

ص: 56


1- تقدّم في الصفحة 48 .

ويدلّ عليه موثّقة أبي بصير أو صحيحته(1) ، قال : سألته عن رجل كان في سفر ، وكان معه ماء ، فنسيه فتيمّم وصلّى ، ثمّ ذكر أنّ معه ماء قبل أن يخرج الوقت ، قال : «عليه أن يتوضّأ ويعيد الصلاة»(2) ومقتضى إطلاقها لزوم الإعادة ولو طلب خارج رحله ، والمفروض فيها عدم الطلب في رحله .

ص: 57


1- رواها الكليني ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير . والترديد في سند الرواية لوقوع عثمان بن عيسى في السند وهو كان شيخ الواقفة ووجهها ومن أصحاب الإجماع على قول ، ولكن يظهر من ترجمته أ نّه رجع عن الوقف . رجال النجاشي : 300 / 817 ؛ اختيار معرفة الرجال : 556 / 1050 ؛ الفهرست ، الطوسي : 193/545 ؛ تنقيح المقال 2 : 247 - 249 (أبواب العين) .
2- الكافي 3 : 65 / 10 ؛ وسائل الشيعة 3 : 367 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 5 .
الأمر السادس في عدم الماء بمقدار الكفاية كعدمه المطلق

الظاهر من الآية الكريمة - كما مرّ(1) - عدم وجدان ما يمكن معه الوضوء أو الغسل ، فعدم الماء بمقدار الكفاية كعدمه المطلق ؛ لعدم تبعّض الطهارة وعدم تلفيقها من الماء والتراب .

فما يقال : «من استعمال ما وجد في بعض الأعضاء والتيمّم»(2) غير وجيه مخالف لظاهر الآية ، ولما ورد من وجوب التيمّم على الجنب مع وجدان الماء بقدر الوضوء ، كصحيحة الحلبي : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يجنب ومعه قدر ما يكفيه من الماء لوضوء الصلاة ، أيتوضّأ بالماء أو يتيمّم ؟ قال : «لا بل يتيمّم ؛ ألا ترى أ نّه إنّما جعل عليه نصف الوضوء ؟!»(3) .

ومثلها رواية الحسين بن أبي العلاء ، إلاّ أنّ في آخرها بدل «نصف الوضوء» :

«نصف الطهور»(4) وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما علیهما السلام : في رجل

ص: 58


1- تقدّم في الصفحة 48 .
2- اُنظر جواهر الكلام 5 : 93 ؛ نهاية الإحكام 1 : 186 ؛ روض الجنان 1 : 322 .
3- الفقيه 1 : 57 / 213 ؛ وسائل الشيعة 3 : 386 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 24 ، الحديث 1 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 404 / 1266 ؛ وسائل الشيعة 3 : 387 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 24 ، الحديث 3 .

أجنب في سفر ومعه ماء قدر ما يتوضّأ به ، قال : «يتيمّم ولا يتوضّأ»(1) .

ومن هنا يظهر : أنّ التمسّك بمثل قاعدة «الميسور» في غسل ما يمكن أن يُغسل ليس في محلّه ، بعد تسليم جريانها في مثل المقام .

ص: 59


1- تهذيب الأحكام 1 : 405 / 1272 ؛ وسائل الشيعة 3 : 387 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 24 ، الحديث 4 .
الأمر السابع في وجوب تحصيل الماء ولو بالمعالجة

لو تمكّن من مزج الماء الذي لا يكفيه بما لا يسلبه الاسم فتحصّل به الكفاية ، فهل يجب ذلك ، كما عن جماعة من المتأخّرين منهم العلاّمة(1) ، أو لا ، كما عن الشيخ وأتباعه(2) ؟

مقتضى ما مرّ مراراً (3) - من أنّ التيمّم مصداق اضطراري لدى العجز عن

المصداق الاختياري ، وأنّ التكليف بالصلاة مع المائية مطلق يحكم العقل بلزوم تحصيله ولو بحفر بئر ، أو إذابة ثلج ما لم يكن حرجياً ، أو غير ذلك من أنحاء التوصّل إليه - لزوم مثل هذا العلاج لتحصيل المطلوب المطلق . والمتفاهم من الأدلّة تعليق التيمّم على العجز عن الماء ، وليس المراد من «عدم الوجدان» هو ما يقتضي الجمود عليه ، ولهذا يجب الوضوء والغسل مع وجود ثلج أو ماء جامد مع إمكان إذابتهما أو دلكهما على الجسد بنحو يحصل مسمّاهما بواسطة الإذابة بحرارته ، ففي رواية محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام

عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلاّ الثلج ، قال : «يغتسل بالثلج أو

ص: 60


1- مختلف الشيعة 1 : 73 ؛ البيان : 103 ؛ روض الجنان 1 : 360 ؛ مدارك الأحكام 1 : 115 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 1 : 356 - 357 ؛ المبسوط 1 : 9 - 10 .
3- تقدّم في الصفحة 15 - 16 و22 و32 .

ماء النهر»(1) يعني هما سواء .

وفي رواية معاوية بن شريح قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام فقال : يصيبنا الدَمَقُ والثلج ، ونريد أن نتوضّأ ، ولا نجد إلاّ ماءً جامداً ، فكيف أتوضّأ ؛ أدلك به جلدي ؟ قال : «نعم»(2) .

فيظهر منهما ومن غيرهما : أنّ الجمود على عدم الوجدان غير وجيه .

ويؤيّد ذلك رواية الحسين بن أبي طلحة قال : سألت عبداً صالحاً عن قول اللّه

عزّ وجلّ : )أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً((3) ما حدُّ ذلك ؟ قال : «فإن لم تجدوا بشراءٍ أو غير شراء»(4) .

فلو كان عنده المادّتان اللتان يتركّب منهما الماء - حسب التجربيات الحديثة - ويمكنه مزجهما حتّى يحصل الماء ، يجب عليه ، ولا أظنّ التزامهم بعدم الوجوب والانتقال إلى التيمّم .

وما يقال : من عدم اعتناء العرف والعقلاء بهذا النحو من القدرة الحاصلة بالمعالجات غير المتعارفة ، وقياسه بخلط الحنطة بالتراب(5) ، غير وجيه ،

ص: 61


1- تهذيب الأحكام 1 : 191 / 550 ؛ وسائل الشيعة 3 : 356 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 10 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 191 / 552 ؛ وسائل الشيعة 3 : 357 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 10 ، الحديث 2 .
3- النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
4- تفسير العيّاشي 1 : 244 / 146 ؛ وسائل الشيعة 3 : 389 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 26 ، الحديث 2 .
5- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 119 - 120 .

والقياس مع الفارق ؛ فإنّ المدّعى : إمّا أنّ العرف لا يستفيد من الآية المطلوبية المطلقة للمائية ، وهو كما ترى ، بل لا يلتزم به القائل .

أو أنّ عدم الوجدان صادق ، ولا يجب على المكلّف إيجاد الماء وانسلاك نفسه في الواجد ، وهو أيضاً غير وجيه ، ولا أظنّ التزامه به ، وتردّه الروايات المتقدّمة .

أو أنّ العقلاء يرون نفوسهم عاجزة ، ولا يكون العلاج المذكور تحصيلاً للقدرة ، أو لا يكون تحصيلها كذلك واجباً ؛ وأنّ التكليف بمثله قبيح ، فهو أيضاً بجميع تقاديره ممنوع ؛ لعدم العجز بحسب الواقع مع إمكان المزج ، وعدم وجوبه إمّا ناشئ من عدم التكليف المطلق ، أو من حصول شرط التيمّم ، وهما ممنوعان . وأمّا غفلتهم عن إمكان تحصيل الماء بمثل ذلك فلا يضرّ بالمطلوب ، وليس ذلك إلاّ كغفلتهم عن وجود الماء ، وقد عرفت بطلان التيمّم معه(1) .

وكيف كان : الأقوى وجوب العلاج بأيّ نحو يمكنه بلا حرج ومشقّة .

ص: 62


1- تقدّم في الصفحة 56 .
السبب الثاني: عدم الوصلة إلى الماء

السبب الثاني : عدم الوصلة إلى الماء ، وهو قد يكون للتعذّر العقلي أو العادي ، كما لو كان في بئر لا يمكنه إخراجه والوصول إليه بوجه ، أو كان في محلّ لا يمكنه الوصول إليه لكبر ونحوه ، ومنه عدم الثمن لشرائه ، وهذا ممّا لا إشكال في التبديل به ؛ لما عرفت من استفادته من الآية بالبيان المتقدّم(1) .

وقد يكون الوصول إليه حرجياً ، كما لو كان في بئر يمكنه الوصول إليه مع الحرج والعسر ، ويدلّ على التبديل فيه أدلّة نفي الحرج .

وقد يقال : «إنّ الظاهر من نفي الحرج في الدين أنّ أحكام الدين سهلة غير حرجية ، فإذا لزم من الوضوء أو الغسل أو نحوهما حرج يرفع بدليله ، وأمّا إذا كان الحرج في المقدّمات فلا ؛ لأنّ المقدّمات ليست من الدين ، ووجوبها عقلي لا شرعي ، فما هو من الدين - كالوضوء في المقام - ليس حرجياً ، وما فيه الحرج ليس مجعولاً ، ولا من الدين»(2) .

ص: 63


1- تقدّم في الصفحة 31 .
2- اُنظر جواهر الكلام 13 : 25 ؛ مصباح الفقيه ، الصلاة 15 : 443 .

وفيه : أنّ المتفاهم من آية نفي الحرج - بمناسبة كونه تعالى في مقام الامتنان - أ نّه تعالى لم يجعل تكليفاً ينشأ من قِبله الحرج ؛ كان في نفس المكلّف به أو مقدّماته أو نتائجه .

ويؤيّد ما ذكرنا بل يدلّ عليه استشهاد أبي عبداللّه علیه السلام في رواية عبد الأعلى الصحيحة - على الأصحّ(1) - بالآية الكريمة ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : عثرت

فانقطع ظفري ، فجعلت على إصبعي مرارة ، فكيف أصنع بالوضوء ؟ قال : «يعرف هذا وأشباهه من كتاب اللّه عزّ وجلّ ؛ قال اللّه تعالى : )مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ((2) امسح عليه»(3) .

فإنّ الحرج ليس في مسح الإصبع برطوبة اليد ، بل في مقدّماته من نزع الخرقة ورفع المرارة .

هذا ، مضافاً إلى إمكان استفادته من ذيل آية التيمّم ، قال تعالى : )وَإِنْ كُنْتُمْ

مَرْضَى أَوْ على سَفَرٍ . . . فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً . . .( إلى أن قال : )مَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ((4) فإنّ الظاهر ارتباط هذه الجملة بالمريض والمسافر ، ولا

ص: 64


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن علي بن الحسن بن رباط ، عن عبدالأعلى مولى آل سام . ولا كلام في رجال السند إلاّ في عبدالأعلى مولى آل سام . تنقيح المقال 2 : 132 / السطر21 (أبواب العين) .
2- الحجّ (22) : 78 .
3- الكافي 3 : 33 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 363 / 1097 ؛ وسائل الشيعة 1 : 464 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 39 ، الحديث 5 .
4- المائدة (5) : 6 .

وجه لاختصاصها بالأوّل ، فتكون حرجية الوضوء بالنسبة إلى المسافر الفاقد في

مقدّمات تحصيل الماء ، كالتخلّف عن الرفقة وغيره ، فيستفاد منها أعمّية الحرج من كونه في الطبيعة المأمور بها .

وأمّا روايات الركية ، كصحيحة الحلبي : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل

يمرّ بالركية وليس معه دلو ، قال : «ليس عليه أن يدخل الركية ؛ لأنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض ، فليتيمّم»(1) ، ومثلها صحيحة الحسين بن أبي العلاء(2) على الأصحّ(3).

وصحيحة عبداللّه بن أبي يعفور ، عنه قال : «إذا أتيت البئر وأنت جنب ، فلم تجد دلواً ولا شيئاً تغرف به ، فتيمّم بالصعيد ؛ فإنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد ، ولا تقع في البئر ، ولا تفسد على القوم ماءَهم»(4) .

ص: 65


1- الفقيه 1 : 57 / 213 ؛ وسائل الشيعة 3 : 343 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 3 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 64 / 7 ؛ وسائل الشيعة 3 : 344 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 3 ، الحديث 4 .
3- الحسين بن أبي العلاء الخفّاف هو أبو علي الأعور ، وأخواه علي وعبد الحميد ، وكان الحسين أوجههم ، ولا ريب في كونه إمامياً ، ولكن اختلفوا في وثاقته ؛ فمنهم من أثبتها ومنهم من أنكرها والمصنّف رجّح جانب الوثاقة . رجال النجاشي : 52 / 117 ؛ اختيار معرفة الرجال : 44 / 94 ؛ الفهرست ، الطوسي : 107/204 ؛ تنقيح المقال 1 : 317 / السطر 11 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 185 / 535 ؛ وسائل الشيعة 3 : 344 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 3 ، الحديث 2 .

ففي دلالتها على المطلوب إشكال :

أمّا الاُوليان ، فلاحتمال أن يكون ذلك لخوف السقوط والعطب ، أو للحرج ، أو لإفساد الماء على القوم ؛ لأجل سقوط الوحل والتراب من جدار البئر ، وإن كان الأخير غير مناسب لقوله : «ليس عليه أن يدخل» بل المناسب له : «ليس له أن يدخل» . وكيف كان : دلالتهما على التبديل - في الجملة - ظاهرة ، لكن كونه للحرج غير ظاهر . إلاّ أن يقال بشمول إطلاقهما له ، أو يقال : إنّ خوف الضرر موجب لحرجية التكليف .

وأمّا صحيحة ابن أبي يعفور الواردة في الجنب ، فليست مربوطة بالحرج ، بل النهي عن الدخول إنّما هو لإفساد الماء المعدّ لشرب القوافل والمارّة ، وتلك الآبار في الطرق إنّما حفرت لاستقاء المارّة للشرب وسائر الحاجات ، ولا يجوز إفسادها والدخول فيها ؛ لعدم كونها كالمياه المباحة ، ولا يجوز التصرّف فيها بغير ما جعلت له . وكيف كان لا ربط لها بالحرج الذي يكون الكلام فيه .

ومن الحرج الشراء الموجب للشدّة والضيق في المعيشة ، أو للوهن في وجاهته واعتباره ؛ من غير فرق بين أن يكون أزيد من ثمن المثل أو لا ، ولا في حصول الحرج في الحال أو في الاستقبال ممّا يعدّ بنظر العرف حرجاً . وما دلّ على وجوب شرائه بمائة درهم بل بما بلغ - لو سلّم إطلاقه بالنسبة إلى مورد الحرج ، وغضّ عن أنّ قوله في صحيحة صفوان : «وهو واجد لها»(1) ظاهر في أ نّه ميسور له ، كما هو ظاهر ذيل خبر الحسين بن أبي طلحة ،

ص: 66


1- الكافي 3 : 74 / 17 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 406 / 1276 ؛ وسائل الشيعة 3 : 389 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 26 ، الحديث 1 .

وهو قوله : «على قدر جِدَته»(1) - فمحكوم لدليل نفي الحرج ، كما هو واضح .

ومن الحرج الخوف من السبع واللصّ ولو كان على أخذ ماله لا على نفسه ؛ لأنّ لأخذ اللصّ ماله والتسلّط عليه مهانةً وذلّةً ووهناً تأبى عنها النفوس غالباً ،

ويكون تحمّلها حرجياً .

ومنه الخوف على العرض ، فإنّ الوقوع في معرض هتك الأعراض من أوضح موارد الحرج .

وتدلّ على جواز التيمّم عند خوف السبع واللصّ - مضافاً إلى دليل نفي الحرج - رواية داود بن كثير الرقّي ، ولا يبعد صحّتها ؛ لعدم بُعد وثاقة داود(2) ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : أكون في السفر فتحضر الصلاة ، وليس معي ماء ، ويقال : إنّ الماء قريب منّا ، أفأطلب الماء - وأنا في وقت - يميناً وشمالاً ؟ قال : «لا تطلب الماء ، ولكن تيمّم ؛ فإنّي أخاف عليك التخلّف عن أصحابك ، فتضلّ ويأكلك السبع»(3) .

ص: 67


1- تفسير العيّاشي 1 : 244 / 146 ؛ وسائل الشيعة 3 : 389 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 26 ، الحديث 2 .
2- اختلف الأصحاب في وثاقة داود بن كثير الرقّي ؛ قال النجاشي : «ضعيف جدّاً والغلاة تروي عنه» ، وقال الشيخ : «داود بن كثير الرقّي مولى بني أسد ثقة» . رجال النجاشي : 156/ 410 ؛ رجال الطوسي : 336/ 1 ؛ تنقيح المقال 1 : 414 / السطر 2 .
3- الكافي 3 : 64 / 6 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 185 / 536 ؛ وسائل الشيعة 3 : 342 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 2 ، الحديث 1 .

ورواية يعقوب بن سالم قال : سألت أبا عبداللّه عن رجل لا يكون معه ماء ، والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين أو نحو ذلك ، قال : «لا آمره أن يغرّر بنفسه ؛ فيعرض له لصّ أو سبع»(1) .

وهما مختصّتان بالخوف على نفسه ، ولعلّ اللصوص في تلك الأزمنة والأمكنة كانوا كثيرين ، والتخلّف عن الرِفقة كان تغريراً بالنفس نوعاً ؛ لعدم إبائهم عن إراقة الدماء ، ولهذا أجاب الإمام علیه السلام بما أجاب ، مع إطلاق السؤال ، بل لا يبعد أن يكون السؤال قرينة على الخوف ، وإلاّ فمع الأمن ووجود الماء لا يحتمل سقوط الوضوء .

وقد يكون في الوصول إلى الماء ضرر مالي ؛ من غير حصول عنوان آخر كالحرج ، فقد استدلّ(2) على سقوط المائية به بدليل «لا ضرر ولا ضرار»(3) وبالإجماع المحكيّ عن «الغنية» و«المعتبر» و«المنتهى» و«التذكرة» و«كشف اللثام» و«المدارك»(4) وبروايتي داود ويعقوب المتقدّمتين ، وباستقراء أخبار التيمّم في سقوط المائية بأقلّ من ذلك .

وفيه ما ذكرناه في رسالة مستقلّة : من أنّ دليل الضرر ليس بصدد رفع

ص: 68


1- الكافي 3 : 65 / 8 ؛ وسائل الشيعة 3 : 342 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 2 ، الحديث 2 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 124 - 126 .
3- الكافي 5 : 292 / 2 ؛ الفقيه 3 : 147 / 18 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 146/ 651 ؛ وسائل الشيعة 25 : 428 ، كتاب إحياء الموات ، الباب 12 ، الحديث 3 .
4- غنية النزوع 1 : 64 ؛ المعتبر 1 : 366 ؛ منتهى المطلب 3 : 21 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 163 ؛ كشف اللثام 2 : 439 ؛ مدارك الأحكام 2 : 190 .

الأحكام الضررية ، كما أفادوا (1) ، بل حكم سياسي سلطاني صدر من رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بما هو سلطان على الناس ، فراجع(2) .

والإجماع المحكيّ - مع كونه موهوناً ؛ لأجل احتمال استنادهم إلى الأدلّة ،

مثل دليلي الضرر والحرج وغيرهما من الأخبار - لا يبعد أن يكون معقده هو الخوف من اللصّ على ماله ، وقد مرّ أ نّه حرجي مرفوع بدليله ، ففي «الغنية» ادّعى الإجماع على الجواز عند حصول خوف من عدوّ من غير ذكر المال(3) .

وفي «المنتهى» ادّعى عدم وجدان الخلاف في الخوف على المال من لصّ أو عدوّ أو حريق(4) ، وعن «المعتبر» و«كشف اللثام» مثله(5) .

وفي «المدارك» : «هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب على ما نقله جماعة ، بل قال في «المنتهى» : إنّه لا يعرف فيه خلافاً بين أهل العلم»(6) انتهى . والقيد الأخير ليس في النسخة الموجودة عندي .

وكيف كان : هذه العبارات - كماترى - ظاهرة في دعوى الإجماع في مورد الخوف من اللصّ ومثله ، وهو حرجي كما مرّ . والروايتان موردهما الخوف من اللصّ والسبع أيضاً ، بل ظاهرهما الخوف على النفس .

ص: 69


1- رسائل فقهية ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 23 : 114 ؛ كفاية الاُصول : 433 ؛ منية الطالب ، قاعدة لا ضرر 3 : 382 .
2- بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر ، الإمام الخميني قدس سره : 74 .
3- غنية النزوع 1 : 64 .
4- منتهى المطلب 3 : 21 .
5- المعتبر 1 : 366 ؛ كشف اللثام 2 : 439 .
6- مدارك الأحكام 2 : 190 .

والتمسّك بالاستقراء(1) في غير محلّه ؛ بعد ورود وجوب شراء ماء الوضوء بالغاً ما بلغ(2) ، بل يمكن استفادة وجوب صرف المال لتحصيل الماء للطهارة من صحيحة صفوان في غير المورد المنصوص عليه ، قال : سألت أبا الحسن علیه السلام

عن رجل احتاج إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء ، فوجد بقدر ما يتوضّأ به بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها ، أيشتري ويتوضّأ ، أو يتيمّم ؟ قال : «لا ، بل يشتري ، قد أصابني مثل ذلك فاشتريت وتوضّأت ، وما يشتري بذلك مال كثير»(3) .

حيث قال : «إنّ ماء الوضوء مال كثير» وهو بمنزلة التعليل ، فيستفاد منه أنّ صرف المال لتحصيل المال الكثير عقلائي ، فإذا كان تحصيل ذلك المال الكثير لازماً ، يجب صرف المال لأجله ولو بغير شرائه ، كشراء الآلات وحفر البئر وإعطاء المال للإذن بالدخول في ملكه ، والعبور عنه للوصول إليه ، واستئجار الغير لتحصيله ، بل ولو خاف من ضياع ماله في سبيل تحصيله ما لم يكن حرجياً ، بل وشقّ الثوب النفيس إذا لم يكن فيه محذور شرعي ، على تأمّل في الأخير لأجل احتمال انصرافِ الدليل عن مثله ، وصدقِ عدم الوجدان وعدم القدرة عرفاً على تحصيله .

ص: 70


1- جواهر الكلام 5 : 103 .
2- وسائل الشيعة 3 : 389 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 26 ، الحديث 2 .
3- الكافي 3 : 74 / 17 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 406 / 1276 ؛ وسائل الشيعة 3 : 389 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 26 ، الحديث 1 .
السبب الثالث: كون الاستعمال حرجياً
اشارة

السبب الثالث : كون الاستعمال حرجياً ولو لم يخف الضرر ، كالبرد الشديد الذي يكون التوضّي والاغتسال معه ذا مشقّة ، ويعدّ التكليف معه حرجياً ، أو كان في استعمال الماء ضرر موجب للهلاك ، أو عيب ، أو حدوث مرض ، أو شدّته ، أو طول مدّته ، أو صعوبة علاجه ، أو عدم بُرئه ، أو خاف على نفسه ممّا ذكر وأمثاله من الأمراض المعتدّ بها ؛ حتّى مثل الشَين الذي يعلو البشرة من الخشونة المشوّهة للخلقة ممّا يعتني به العقلاء ، ولا عبرة باليسير غير المعتنى به ممّا لا يعدّ ضرراً ولا حرجاً ولا مرضاً .

وتدلّ على ذلك كلّه الآية الكريمة : )وَإنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ . . .(إلى قوله تعالى : )مَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ((1) .

فإنّ عنوان «المرض» وإن كان صادقاً على مطلقه ؛ حتّى ما لا يكون استعمال الماء منافياً له أو مضرّاً به ، لكن المناسبة بين الحكم والموضوع وذكر المرض

ص: 71


1- المائدة (5) : 6 .

عقيب وجوب المائية ، توجب الانصراف إلى ما تكون المائية منافية لمرضه ومضرّة به ، كما يستفاد منه التبديل إذا أضرّته المائية ولو لم يندرج تحت عنوان «المرض» كما لو كان به قرح أو جرح ، فإنّهما لا يعدّان مرضاً عرفاً ، فإنّه عبارة عن اختلال مزاجي ، كالحمّى والسلّ وغيرهما ، كما أنّ الظاهر أنّ الرمد وبعض الأوجاع أيضاً لا يعدّ مرضاً عرفاً .

وكيف كان : يستفاد حكم جميع ما ذُكر من ذكر المرض في ذيل الوضوء والغسل ؛ بمناسبة الحكم والموضوع .

هذا مع قطع النظر عن قوله : )مَا يُرِيدُ اللّه . . .( إلى آخره ، وإلاّ يكون الحكم أوضح ، فتدلّ الآية - صدراً وذيلاً - على التبديل في مطلق ما ينافيه المائية ومطلق الحرج ولو كان مأموناً من المرض ، بل يكون في نفس الوضوء لأجل البرد حرج . وتدلّ عليه آية عدم جعل الحرج في الدين أيضاً .

نعم ، تنصرف الأدلّة عن اليسير غير المعتنى به ، كما أشرنا إليه ، ولعلّ مراد

المحقّق رحمه الله علیه وغيره من المرض الشديد(1) ، هو مقابل اليسير المذكور ، ولا أظنّ أن يكون مرادهم اعتبار الشدّة احترازاً عن أوّل مراتب الحمّى - مثلاً - ولو كان الغسل معه مضرّاً به .

سقوط المائية مع خوف حدوث الأمراض مثلاً

ثمّ إنّه يستفاد من ذيل الآية رفع المائية مع خوف المذكورات ، فإنّ التكليف بها مع الخوف ضيق وحرج وتشديد على المكلّف ، فيعدّ التكليف مع خوف

ص: 72


1- شرائع الإسلام 1 : 39 ؛ تحرير الأحكام 1 : 142 .

الهلاك أو حدوث العيوب والأمراض تضييقاً وتحريجاً عليه ، ومخالفاً لقوله : )ما يُرِيدُ اللّه . . .( إلى آخره .

وتدلّ على ما ذكر - مضافاً إلى الآية والإجماع المتكرّر في ألسنتهم(1) - روايات مستفيضة لو لم تكن متواترة ، ففي صحيحة محمّد بن سكين ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قيل له : إنّ فلاناً أصابته جنابة وهو مجدور ، فغسّلوه فمات ، قال : «قتلوه ، ألا سألوا ؟! ألا يمّموه ؟! إنّ شفاء العيّ السؤال»(2) .

وفي صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الرجل يكون به القرح والجراحة يجنب ، قال : «لا بأس بأن لا يغتسل ؛ يتيمّم»(3) .

وفي صحيحة ابن أبي نصر ، عن الرضا علیه السلام : في الرجل تصيبه الجنابة ، وبه قروح أو جروح ، أو يكون يخاف على نفسه من البرد ، فقال : «لا يغتسل ويتيمّم»(4) .

ونحوها صحيحة داود بن سرحان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام (5) . . . إلى غير ذلك .

ص: 73


1- راجع مفتاح الكرامة 4 : 354 - 355 ؛ جواهر الكلام 5 : 104 - 105 .
2- الكافي 3 : 68 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 346 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 1 .
3- الكافي 3 : 68 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 347 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 5 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 196 / 566 ؛ وسائل الشيعة 3 : 347 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 7 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 185 / 531 ؛ وسائل الشيعة 3 : 348 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 8 .

ولا فرق فيما ذكر بين الحدث الأصغر والأكبر ، ولا بين حدوثه اختياراً أو لا ، لكن وردت روايات منافية لذلك ، كصحيحة سليمان بن خالد وأبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : أ نّه سئل عن رجل كان في أرض باردة ، فتخوّف إن هو اغتسل أن يصيبه عَنَت من الغسل ، كيف يصنع ؟ قال : «يغتسل وإن أصابه ما أصابه» .

قال : - وذكر أ نّه كان وَجِعاً شديد الوجع ، فأصابته جنابة وهو في مكان بارد ، وكانت ليلة شديدة الريح باردة - «فدعوتُ الغِلْمة فقلت لهم : احملوني فاغسلوني ، فقالوا : إنّا نخاف عليك ، فقلت : ليس بدّ ، فحملوني ووضعوني على خَشَبات ، ثمّ صبّوا عليّ الماء فغسّلوني»(1) .

وصحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل تصيبه الجنابة في أرض باردة ولا يجد الماء ، وعسى أن يكون الماء جامداً ، فقال : «يغتسل على ما كان» حدّثه رجل : أ نّه فعل ذلك فمرض شهراً من البرد ، فقال : «اغتسل على ما كان ؛ فإنّه لا بدّ من الغسل» وذكر أبو عبداللّه علیه السلام : أ نّه اضطرّ إليه وهو مريض ، فأتوه به مسخّناً فاغتسل وقال : «لا بدّ من الغسل»(2) .

وقد يجمع(3) بينهما وبين ما تقدّم بحملهما على الجنابة الاختيارية ، وحمل ما سبق على الاحتلام ؛ بشهادة مرفوعة علي بن أحمد ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :

ص: 74


1- تهذيب الأحكام 1 : 198 / 575 ؛ وسائل الشيعة 3 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 17 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 198 / 576 ؛ وسائل الشيعة 3 : 374 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 17 ، الحديث 4 .
3- راجع مستند الشيعة 3 : 374 - 375 .

سألته عن مجدور أصابته جنابة ، قال : «إن كان أجنب هو فليغتسل ، وإن كان احتلم فليتيمّم»(1) .

ومرفوعة إبراهيم بن هاشم قال : «إن أجنب فعليه أن يغتسل على ما كان منه ، وإن احتلم فليتيمّم»(2) .

بل عن «الخلاف» دعوى إجماع الفرقة على وجوب الغسل على من أجنب اختياراً (3) ، وعن المفيد والصدوق اختياره(4) .

وفيه : أنّ مرفوعة ابن هاشم لا يعلم كونها رواية ، بل لا يبعد أن يكون ذلك فتواه جمعاً بين الروايات ، ومرفوعةَ علي بن أحمد - مع رفعها ، وجهالة ابن أحمد(5) ، ومخالفتها للروايات الكثيرة في المجدور(6) مع كونها آبية عن التقييد - لا تصلح للشهادة على الجمع .

مع أنّ مثل هذا الجمع غير عقلائي ولا مقبول ، وأنّ المذكور في صحيحة

ص: 75


1- الكافي 3 : 68 / 3 ؛ الفقيه 1 : 59 / 219 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 198 / 574 ؛ وسائل الشيعة 3 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 17 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 67 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 17 ، الحديث 2 .
3- الخلاف 1 : 157 .
4- المقنعة : 60 ؛ الهداية ، الصدوق : 89 .
5- هو علي بن أحمد بن أشيم ، قال الشيخ الطوسي رحمه الله : «علي بن أحمد بن أشيم مجهول» . رجال الطوسي : 363 / 66 .
6- راجع وسائل الشيعة 3 : 346 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 1 و3 و4 و10 .

ابن مسلم : «تُصيبه الجنابة» ولا يبعد ظهوره في غير الاختيارية ، وكذا الحال في صحيحتي البزنطي وابن سرحان .

وذكرُ أبي عبداللّه علیه السلام لإصابته الجنابة - مع كونه منزّهاً عن الاحتلام - لا يصير شاهداً على كون السؤال عن حصولها باختياره ، والتعبير عن جنابة نفسه ب- «الإصابة» التي يجب صرفها إلى الاختيارية ، لا يوجب ظهورها في نفسها في الاختيارية ، بل لعلّه يوجب وهناً في الرواية . وكيف كان هذا الجمع ضعيف غير مقبول .

وأضعف منه الاتّكال على دعوى إجماع «الخلاف» مع كون خلافه مظنّة الإجماع .

بل عن ظاهر «المنتهى» الإجماع عليه ، قال : «لو أجنب مختاراً وخشي البرد تيمّم عندنا»(1) وفي «الجواهر» : «المشهور بين الأصحاب -

نقلاً وتحصيلاً - عدم الفرق بين متعمّد الجنابة وغيره»(2) .

هذا كلّه مع منافاة ما ذكر للكتاب والسنّة ، وإباء أدلّة نفي الحرج(3) من التقييد ، ومخالفته لسهولة الملّة وسماحتها ، ومخالفة بعض مراتبه للعقل ، كخوف تلف النفس ، ولهذا خصّه بعضهم بما إذا لم يخف منه(4) ، زاعماً كونه جمعاً بين الأخبار وبين مثل صحيحة عبداللّه بن سِنان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في الرجل

ص: 76


1- منتهى المطلب 3 : 126 .
2- جواهر الكلام 5 : 108 .
3- كقوله تعالى : )وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُم فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ( . الحجّ (22) : 78 .
4- مستند الشيعة 3 : 376 .

تصيبه الجنابة في الليلة الباردة ، فيخاف على نفسه التلف إن اغتسل ، فقال :

«يتيمّم ويصلّي ، فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد»(1) .

ويتلو الجمع المتقدّم في الضعف - لو لم يكن أضعف منه - حمل الصحيحتين على الاستحباب بدعوى : «أنّ الغالب أنّ الخوف على النفس من مرض شديد أو تلف من البرد عند صحّة المزاج - كما هو منصرف السؤال - إنّما ينشأ عن احتمال موهوم في الغاية لا يجب رعايته ، والمظنون الغالب في مثل الفرض الأمن من الضرر لو فرض التحمّي والتحفّظ . بل ربّما يكون الخوف من التلف والمرض من تسويلات النفس تنشأ من مشقّة الفعل ، كما تشهد به صحيحة سليمان ؛ حيث فرض إصابة العنت وهو المشقّة ، فقول الإمام علیه السلام : «يغتسل وإن أصابه ما أصابه» يعني من العنت ، وأمّا الخوف من التلف أو المرض الواجب التحرّز ، فلا يكون غالباً إلاّ على الاحتمال الموهوم ، ولا مانع من حمل الصحيحتين على مثل الفرض وحملهما على الاستحباب .

ولا يعارضهما عمومات نفي الحرج والصحاح المتقدّمة ؛ إذ لا يفهم من العمومات إلاّ الرخصة ، ولا من النهي في الصحاح الوارد في مقام توهّم الوجوب إلاّ جواز الترك»(2) انتهى .

وذلك لأنّ دعوى موهومية الاحتمال في المقام في غاية الضعف ، وكيف يكون الاحتمال موهوماً في مورد الصحيحتين مع ذكر الإمام علیه السلام في صحيحة

ص: 77


1- الفقيه 1 : 60 / 224 ؛ وسائل الشيعة 3 : 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 16 ، الحديث 1 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 143 .

سليمان الأمر بتغسيله في ليلة باردة شديدة الريح مع الوجع الشديد ؛ بحيث لم يتمكّن من الحركة ولا من الاغتسال بنفسه ، فحملوه وغسّلوه ، ولم يقل في جواب الغِلْمة حيث قالوا : «إنّا نخاف عليك» : «لا خوف عليّ» بل قال : «ليس بُدّ» أي ولو مع الخوف ، ومع حديث الرجل في صحيحة ابن مسلم : أ نّه فعل ذلك فمرض شهراً من البرد ، فقال علیه السلام : «اغتسل على ما كان ؛ فإنّه لا بدّ من الغسل» ممّا هو كالصريح في لا بدّية الغسل ولو مع الخوف من المرض كائناً ما كان ، بل ولو مع العلم بحدوثه ، بل مع المرض الفعلي ، كما حكى عن غسله في مرضه ؟!

ويتلوه في الضعف دعواه انصراف السؤال إلى صحيح المزاج وسليمه ، فإنّه في نفسه وإن لا يبعد انصرافه إليه ، لكنّ الجواب وحكاية أبي عبداللّه علیه السلام مرضه

ووجعه الشديد ، صريح في لا بدّية الغسل ولو كان مريضاً وسقيماً ، وفي معرض الازدياد ، بل التلف .

وقوله في صحيحة سليمان : «نتخوّف إن هو اغتسل أن يصيبه عَنَت من الغسل» الذي استشهد به لمرامه من أنّ «العَنَت» عبارة عن المشقّة ، وقوله علیه السلام : «يغتسل وإن أصابه ما أصابه» أي من العنت والمشقّة ، غير صالح للاستشهاد ؛ لأنّ «العنت» كما جاء بمعنى المشقّة ، جاء بمعنى الهلاك والفساد(1) ، وظاهر قوله : «نتخوّف أن يصيبه عنت» إصابة فساد أو هلاك ، وإلاّ فأصل المشقّة في الأرض الباردة معلومة ، ولا يقال معها : «نتخوّف أن يصيبه» .

ولو سلّم لكن لحن قوله : «وإن أصابه ما أصابه» لا يلائم الحمل على المشقّة فقط . ولو سلّم لكن حكاية أبي عبداللّه علیه السلام اغتساله مع الوجع الشديد والليلة

ص: 78


1- لسان العرب 9 : 415 ؛ مجمع البحرين 2 : 211 .

الباردة والريح الشديد وقول الغِلْمة وغير ذلك ، مخالف لما ذُكر . ولو سلّم ذلك في صحيحة سليمان لا يأتي احتماله في صحيحة ابن مسلم .

وأضعف من جميع ذلك حملهما على الاستحباب مع إبائهما عنه ، وكيف يحمل عليه قوله : «يغتسل وإن أصابه ما أصابه» وقوله علیه السلام في جواب الغِلْمة مع الخوف على نفسه : «ليس بُدّ» وقوله : «يغتسل على ما كان» وقوله - بعد قول الرجل : «فمرض شهراً من البرد» - : «اغتسل على ما كان» وقوله بعد حكاية غسله في حال المرض : «لا بدّ من الغسل» ؟! ولَعَمري إنّ طرح الرواية أولى من هذا النحو من الجمع .

وكيف كان : لا محيص عن طرحهما وردّ علمهما إلى أهله ؛ بعد وَهْنهما بظهورهما في إصابة الجنابة إيّاه علیه السلام من غير اختيار ، وهو منزّه عنها ، وبغاية بُعد الاختيارية منها في هذه الحال وفي هذه الأرض الباردة المَخوفة على النفس ، ولمخالفتهما للعقل والكتاب والسنّة ، وبإعراض المشهور عنهما على ما حكي(1) ، وموافقتهما للمحكيّ عن أصحاب الرأي وأحمد في إحدى الروايتين(2) .

حول سقوط المائية مع خوف الشَيْن

ثمّ قد مرّ أ نّه لا فرق في خوف المرض وغيره بين الشديد والضعيف ، إلاّ إذا كان يسيراً غير معتنىً به(3) .

ص: 79


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 142 .
2- اُنظر جواهر الكلام 5 : 110 ؛ منته-ى المطلب 3 : 28 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 262 و265 .
3- تقدّم في الصفحة 71 .

وأمّا الشَيْن الذي ادّعي عدم وجدان الخلاف في جواز التيمّم معه(1) ، وعن «المعتبر» و«المنتهى» و«المدارك» و«الكفاية» جوازه عند علمائنا (2) ، وهو ظاهر في الإجماع ، بل عن «جامع المقاصد» دعواه صريحاً (3) ، فإن كان

المراد منه بعض الأمراض الجلدية من قبيل الجرب والسوداء ، فلا إشكال في صحّة التيمّم معه ؛ لإطلاق الآية ، بل يستفاد حكمه من أدلّة القرح والجرح ؛ إمّا بدعوى اندراجه فيها ، أو بدعوى إلغاء الخصوصية عرفاً ، مضافاً إلى أدلّة نفي الحرج .

وإن كان المراد منه هو الخشونة التي تعلو البَشَرة ، وقد تنتهي إلى انشقاق الجلد ، فمع خوف الانشقاق المعتدّ به ينسلك في الأدلّة ولو بإلغاء الخصوصية ، ومع عدمه فلا دليل عليه إلاّ أدلّة نفي الحرج ، فلا بدّ من كونه بحدّ يصدق معه الحرج والمشقّة ، وصار التوضّي مع خوفه مندرجاً في التضييق والتحريج .

المراد من «الحرج»

ثمّ اعلم : أنّ ظاهر بعضهم في المقام - الذي هو من جزئيات الحرج - تقييده بما لا يتحمّل عادة(4) ، والظاهر منه أنّ «الحرج» عبارة عن المشقّة التي لا تتحمّل

ص: 80


1- جواهر الكلام 5 : 113 .
2- المعتبر 1 : 365 ؛ منتهى المطلب 3 : 32 ؛ مدارك الأحكام 2 : 195 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 41 .
3- اُنظر جواهر الكلام 5 : 113 ؛ جامع المقاصد 1 : 473 .
4- مسالك الأفهام 1 : 111 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 215 ؛ جواهر الكلام 5 : 114 .

عادة . ويؤيّده قول بعض أهل اللغة - على ما قيل - : «إنّ الحرج أضيق الضيق»(1) .

وفي «المجمع» : )مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ( أي من ضيق ؛ بأن يكلّفكم ما لا طاقة لكم به وما تعجزون عنه ، يقال : حَرِجَ يَحْرَج - من باب علم - أي ضاق . وفي كلام الشيخ علي بن إبراهيم : «الحرج : الذي لا مدخل له ، والضيق : ما يكون له مدخل»(2) انتهى .

وفي «الصحاح» : «مكانٌ حَرَجٌ وحَرِجٌ : أي ضيّقٌ كثير الشجر لا تصل إليه الراعية»(3) ونُقِل ذلك عن ابن عبّاس أيضاً (4) .

هذا ، لكنّ الظاهر من كثير من كتب اللغة تفسيره بالضيّق من غير تقييد بما لا يتحمّل أو غيره ، ففي «الصحاح» و«القاموس» : «التحريج : التضييق»(5) وتقدّم عن «المجمع» : «حَرِجَ - من باب علم - أي ضاق» .

وفي «المنجد» : «حَرِج الشيء : ضاق ، حَرّجه : ضيّقه»(6) .

وعن «النهاية» : «الحَرَج في الأصل : الضيق»(7) .

وحكى في «مجمع البيان» تفسيره بالضيق والعنت عن جميع المفسّرين(8) ،

ص: 81


1- اُنظر لسان العرب 3 : 107 .
2- مجمع البحرين 2 : 288 - 289 .
3- الصحاح 1 : 305 .
4- اُنظر لسان العرب 3 : 107 .
5- الصحاح 1 : 306 ؛ القاموس المحيط 1 : 189 .
6- المنجد : 125 .
7- النهاية ، ابن الأثير 1 : 361 .
8- مجمع البيان 3 : 259 .

بل فسّره به في صحيحة زرارة المتقدّمة(1) عن المشايخ الثلاثة ، قال لأبي جعفر علیه السلام : ألا تخبرني من أين علمت وقلت : «إنّ المسح ببعض الرأس . . .» ؟ والحديث طويل متعرّض لتفسير الآية والنكات التي فيها ، وقال في آخره : ثمّ قال : «)مَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ((2) والحرج : الضيق»(3) .

وعن «قرب الإسناد» عن الصادق ، عن أبيه ، عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : «أعطى اللّه اُمّتي وفضّلهم به على سائر الاُمم . . .» إلى أن قال : «وإنّ اللّه تعالى أعطى اُمّتي ذلك حيث يقول : )وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ((4) يقول : من ضيق»(5) .

وفي موثّقة أبي بصير في أبواب المياه قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّا نسافر ، فربّما بُلينا بالغدير من المطر . . . إلى أن قال : «افرج الماء بيدك ثمّ توضّأ ؛ فإنّ الدين ليس بمضيّق ، فإنّ اللّه يقول : )مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ(»(6) .

ويظهر أيضاً من بعض موارد تمسّكهم بدليل نفي الحرج ، أوسعية الأمر ممّا

ص: 82


1- تقدّم في مبحث الوضوء . راجع الطهارة (تقريرات الإمام الخميني قدس سره) الفاضل اللنكراني : 448 .
2- المائدة (5) : 6 .
3- الكافي 3 : 30 / 4 ؛ الفقيه 1 : 56 / 212 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 61 / 168 ؛ وسائل الشيعة 3 : 364 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 13 ، الحديث 1 .
4- الحجّ (22) : 78 .
5- قرب الإسناد : 84 / 277 .
6- تهذيب الأحكام 1 : 417 / 1316 ؛ وسائل الشيعة 1 : 163 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 ، الحديث 14 .

قيل ، كرواية عبد الأعلى(1) ، فإنّ رفع المرارة ليس ممّا لا يتحمّل عادة ، بل فيه مشقّة وكلفة .

وفي الرواية المحكيّة عن حمزة بن الطيّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام - والحديث طويل - قال فيه : «وكذلك إذا نظرت في جميع الأشياء لم تجد أحداً في ضيق»(2) .

وعن «قرب الإسناد» عن الصادق علیه السلام عن أبيه ، عن آبائه علیهم السلام قال : «لا غِلَظَ على مسلم في شيء»(3) .

مضافاً إلى أنّ لسان الآيات الشريفة الواردة في مقام الامتنان ، لسان عدم جعل مطلق الضيق ، كقوله : )يُرِيدُ اللّه ُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ((4) وقوله : )رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا((5) .

ص: 83


1- تقدّمت في الصفحة 64 .
2- الكافي 1 : 164 / 4 .
3- قرب الإسناد : 134 / 469 .
4- البقرة (2) : 185 .
5- البقرة (2) : 286 .
السبب الرابع: الخوف من العطش

السبب الرابع : الخوف من العطش في استعمال الماء على نفسه ، أو أولاده وعائلته ، أو صديقه ، بل كلّ ما يتعلّق به من الإنسان والحيوان ؛ من تلف ، أو حدوث مرض ، أو علّة ، أو عروض حرج ، أو مشقّة من فقد الماء ؛ لأدلّة نفي الحرج ؛ ضرورة أ نّه كما يكون التكليف بالوضوء مع خوف ما ذكر على نفسه تحريجاً وتضييقاً ، كذلك إذا خاف على أطفاله وعياله ، أو صديقه ، بل غلمته ، بل حيوانه الذي يحتاج إليه في سفره ، بل مطلقاً إذا كان في حفظه غرض عقلائي ؛ سواء اُخذ للذبح لكن لا يكون في السفر محلّ ذبحه ويشقّ عليه حمله ، أو لم يؤخذ لذلك .

نعم ، لو اُخذ له ، ولا يتعلّق الغرض ببقائه ، ولا يكون في ذبحه أو حمله حرج ، فلا يستفاد حكمه من دليل نفي الحرج وإن لا يبعد استفادته من سائر الأدلّة ، كموثّقة سَماعة قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يكون معه الماء في

ص: 84

السفر ، فيخاف قلّته ، قال : «يتيمّم بالصعيد ، ويستبقي الماء ؛ فإنّ اللّه عزّ وجلّ جعلهما طهوراً : الماء ، والصعيد»(1) .

لصدق خوف القلّة على من كان في سفر مع عائلته وكلّ ما يتعلّق ويرتبط به ؛ إنساناً أو حيواناً ، ذمّياً أو مسلماً ، بل لعلّه يشمل الخوف على الحربي المتعلّق به ؛ وإن كان الأقرب انصرافه عن مثل الحربي الذي يجب على الناس قتله بأيّة وسيلة ممكنة .

نعم ، لو لم يكن مهدور الدم ، لكن يكون مرتكباً لما يكون حدّه القتل - كالقاتل والزاني المحصن ؛ ممّن يكون قتله بيد شخص خاصّ أو بنحو خاصّ - فالظاهر شمول الرواية له .

بل لا يبعد شمولها للخوف على غير ما يتعلّق به ؛ آدمياً كان أو غيره ممّا له

كبد حرّى ؛ ضرورة أ نّه مع رؤية الإنسان إنساناً أو حيواناً يتلظّى عطشاً بمحضر منه ، يكون التكليف بالوضوء عليه تحريجاً وتضييقاً ؛ لأنّ النفوس الشريفة - بل غير القاسية والشقيّة - تأبى عن ذلك ، فحينئذٍ مع خوف حصول ذلك يصدق خوف القلّة ، بل تشمله أدلّة نفي الحرج .

ولا يبعد استفادته من صحيحة ابن سنان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : أ نّه قال في رجل أصابته جنابة في السفر ، وليس معه إلاّ ماء قليل ، ويخاف إن هو اغتسل أن يعطش ، قال : «إن خاف عطشاً فلا يهريق منه قطرة ، وليتيمّم

ص: 85


1- تهذيب الأحكام 1 : 405 / 1274 ؛ وسائل الشيعة 3 : 388 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 25 ، الحديث 3 .

بالصعيد ؛ فإنّ الصعيد أحبّ إليّ»(1) .

فإنّ تغيير الجواب عمّا هو متعارف وتنكير «العطش» ممّا يُشعر أو يدلّ على توسعة الموضوع من عطش نفسه ، وإلاّ كان حقّ الجواب إمّا أن يقول : «فليتيمّم» أو يقول : «إن خاف أن يعطش» أو «خاف العطش» فتبديل الجواب بما هو غير متعارف لا بدّ فيه من نكتة ؛ وهي إفادة توسعة الحكم لخوف عطش على نفسه أو غيره ؛ آدمي أو غيره .

ثمّ إنّ الظاهر من خوف العطش والقلّة أن يكونا مخوفين ، ولا يطلق عرفاً ذلك إلاّ على ما يكون في احتمالهما خطر هلاك أو مرض أو مشقّة ، وأمّا إذا احتمل العطش المتعارف فلا يقال : «يخاف من العطش» أو «القلّة» فليس المراد احتمال حصول أوّل مراتب العطش .

ومنه يظهر : أنّ احتمال قلّة الماء لمثل الطبخ والقهوة والقليان خارج من مصبّ الرواية ؛ لأنّ القلّة لا تكون مخوفة معه عادة ، ضرورة أنّ احتمال القلّة لكلّ حاجة لا يوجب الخوف ، ولا يطلق عليه ، فخوف القلّة ينحصر عرفاً بما يكون معرضاً لخطر أو حرج أو مشقّة .

ص: 86


1- الكافي 3 : 65 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 404 / 1267 ؛ وسائل الشيعة 3 : 388 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 25 ، الحديث 1 .
السبب الخامس: لزوم المحذور الشرعي من استعمال الماء
اشارة

السبب الخامس : ما إذا لزم من استعمال الماء في الوضوء أو الغسل محذور شرعي ؛ من ترك واجب ، كما لو لزم من الاشتغال بأحدهما والصلاة تركُ إنقاذ غريق ، دون التيمّم ، أو تأخيرُ أداء الدين المطالَب به ونحوهما .

أو فعلِ محرّم ، كاستعمال ماء مغصوب ، أو العبور من طريق مغصوب ، أو استعمال آنية الذهب والفضّة ونحوها .

أو تركِ شرط معتبر في الصلاة ، كما لو لزم منه نجاسة مسجد الجبهة مع الانحصار وعدم إمكان التحرّز .

أو حصولِ مانع ، كما لو لزم منه نجاسة الساتر . ومنه ما لو كان الماء بقدر تطهير الثوب النجس أو الوضوء .

لا ريب في صحّة التيمّم - بل لزومه - في بعض تلك الموارد ، فهل يكون في جميع الأعذار الشرعية كذلك ، أو يكون من باب الأهمّ والمهمّ ولا بدّ من ملاحظة قاعدة باب التزاحم ؟

ص: 87

قد يقال(1) باستفادة كون كلّ عذر شرعي أو عقلي موجباً للتيمّم من الآية الكريمة(2) ؛ بدعوى : أنّ الظاهر من ذكر عدم الوجدان عقيب الأمر بالوضوء والغسل ، عدم وجدان ما يستعمل في الطهور بلا محذور مطلقاً ؛ ألا ترى أ نّه لو وجد أقلّ من الوضوء ، أو كان الماء للغير ، لا ينقدح في الذهن صدق وجدانه وعدم صحّة التيمّم معه ، فيظهر منه أنّ الموضوع هو الوجدان من غير محذور .

وفيه : أ نّه لا ريب في أنّ الظاهر من الآية - ولو بمناسبة الحكم والموضوع - هو وجدان ما يمكن استعماله في الطهارة كما مرّ(3) ، ففي صورة كون الماء غير وافٍ يتيمّم ، كما أ نّه لو كان الماء للغير يصدق عدم الوجدان عرفاً ، فإنّه غير واجد لمال الغير ، كما أ نّه يستفاد حكم عدم إمكان التوصّل إليه من الآية كما مرّ(4) ، لكن إلحاق كلّ محذور شرعي به غير ظاهر ؛ فإنّ الوجدان صادق بلا شبهة مع وجوده في آنية الذهب والفضّة ، أو كان في التوصّل إليه وفي طريقه محذور شرعي ، فعدم الوجدان وإن عمّ ما تقدّم ، لكنّه لا يعمّ لمثل المحذور الشرعي ، وليس في الآية الكريمة - صدراً وذيلاً - ما يدلّ على ذلك ولو بالارتكاز العرفي والمناسبات . وبالجملة : إنّ عدم الوجدان هو العرفي منه ، كما في جميع الموضوعات المتعلّقة للأحكام ، وهو صادق مع ما تقدّم ، دون مطلق المحذور الشرعي . وقياس سائر المحاذير بمثل التصرّف في مال الغير

ص: 88


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 86 - 87 و123 .
2- المائدة (5) : 6 .
3- تقدّم في الصفحة 71 .
4- تقدّم في الصفحة 31 .

- أي غصب مائه - في غير محلّه ؛ لصدق عدم الوجدان عرفاً مع كونه للغير ، لا لأجل حكم الشارع بالحرمة ، بل لحكم العقلاء بأنّ الإنسان لم يكن واجداً لمال غيره ، وأمّا إذا كان الماء له والآنية من الذهب أو من مال الغير ، فلا شبهة

في صدق الوجدان ، وعدم إشعار في الآية بالإلحاق .

نعم ، يمكن أن يُستدلّ على المطلوب ببعض الروايات :

منها : صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألت عن رجل أجنب في سفر ، ولم يجد إلاّ الثلج أو ماءً جامداً ، فقال : «هو بمنزلة الضرورة يتيمّم»(1) .

حيث يظهر منها أنّ الضرورة أو ما هو بمنزلتها موضوع لصحّة التيمّم ، وموردها وإن كان من الضرورات التكوينية ، لكن لا يقيّد ما هو بمنزلة التعليل أو الكبرى بالمورد ، ولا ريب في أنّ التخلّص عن ارتكاب المحرّم أو ترك الواجب أو شرطه أو إتيان مانعه ، من الضرورات عرفاً وعقلاً ، ولا يمكن أن يقال : إنّ المحذور الشرعي ليس محذوراً في نظر العرف مع كونه متعبّداً بحكم هذا الشرع ، فأيّ ضرورة أعظم من التخلّص من مخالفة المولى ؟!

ودعوى عدم الإطلاق في الرواية غير وجيهة ، فإنّه لو كان موضوع التبديل عنواناً آخر لكان قوله : «هو بمنزلة الضرورة» في غير محلّه ، خصوصاً مع كونه بمنزلة التعليل ، فالظاهر أنّ كلّ ضرورة موجبة للانتقال .

ومنها : صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا كنتَ في حال

ص: 89


1- الكافي 3 : 67 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 355 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 9 .

لا تقدر إلاّ على الطين فتيمّم به ؛ فإنّ اللّه أولى بالعذر»(1) .

حيث يظهر منها أنّ موضوع التبديل هو العذر من التيمّم بالتراب ، وهي وإن كانت في مورد آخر ، لكن يمكن الاستشهاد بها للمورد ، تأمّل .

ومنها : صحيحة عبداللّه بن أبي يعفور ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا أتيت البئر وأنت جنب ، فلم تجد دَلْواً ولا شيئاً تغرف به ، فتيمّم بالصعيد ؛ فإنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد ، ولا تقع في البئر ، ولا تفسد على القوم ماءهم»(2) .

بدعوى : أنّ الظاهر من قوله : «لا تفسد على القوم ماءهم» أنّ فساد الماء عليهم محذور يوجب الانتقال ، والمحذور إمّا الحرمة الشرعية ، فيفهم أ نّه مع وقوع الحرام لا يجوز التوضّي والغسل ، وإمّا الغضاضة العرفية مع عدم محذور شرعي ، فيدلّ على التبديل مع المحذور الشرعي قطعاً ؛ لدلالتها على صحّة التيمّم بأدنى شيء ؛ ولو بمثل تنفّر الطباع عن الورود في الماء .

ومنها : دعوى أنّ المتفاهم من مجموع الروايات - كقوله : «إنّه أحد الطهورين»(3) و«إنّ ربّهما واحد»(4) و«يكفي عشر سنين»(5) وما دلّ على عدم

ص: 90


1- الكافي 3 : 67 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 354 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 7 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 185 / 535 ؛ وسائل الشيعة 3 : 344 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 3 ، الحديث 2 .
3- تقدّم في الصفحة 20 .
4- وسائل الشيعة 3 : 343 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 3 ؛ جامع أحاديث الشيعة 3 : 70 ، أبواب التيمّم ، الباب 1 ، الحديث 4 .
5- تقدّم في الصفحة 19 .

لزوم الفحص عن الماء أكثر من غلوة وغلوتين(1) مع احتمال وجوده ، بل الظنّ به ، وأخبار الركية(2) ، وما دلّ على جواز إجناب النفس مع عدم الماء(3) ، وما دلّ على جواز إتمام الصلاة مع التيمّم لو وجد الماء بعد الدخول في الركوع ، بل بعد الدخول في الصلاة(4) على الأقرب ، وما دلّ على جواز البدار(5) وجواز التيمّم مع خوف العطش ولو على الذمّي والحيوان(6) - أنّ الأمر في التبديل سهل يوجبه أدنى عذر .

والإنصاف : أنّ الخدشة لو أمكنت في كلّ واحد ممّا ذكر ، لكن من مجموع ما ذكر تطمئنّ النفس بأنّ المحذور الشرعي مطلقاً يوجب التبديل .

وأمّا لو اُغمض عن ذلك ، ورجعنا إلى باب المزاحمة ، فمع إحراز الأهمّية في طرف يؤخذ بالأهمّ ، وكذا مع احتمالها ؛ بناءً على التعيين في دوران الأمر بين التعيين والتخيير ، ومع التساوي بينهما يتخيّر .

وقد يقال : إنّ الوضوء لمّا كان له البدل ، يتأخّر في الدوران عمّا لا يكون له البدل(7) .

ص: 91


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 41 .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 65 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 390 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 27 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 381 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 21 ، الحديث 1 - 3.
5- راجع ما يأتي في الصفحة 362 .
6- راجع ما تقدّم في الصفحة 84 .
7- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 327 .

لكن إن اُريد به دعوى إحراز الأهمّية فيما ليس له البدل بذلك ، فهي كما ترى .

وإن اُريد أنّ الأخذ بالبدل جمع بين الغرضين في مرتبة ، والعقل حاكم بلزومه ، ففيه : أنّ المفروض أنّ احتمال الأهمّية في الغرض الأقصى ، مساوٍ لاحتمالها فيما ليس له البدل ، فليس الأخذ به جمعاً بين الغرضين .

تقديم رفع الخبث على رفع الحدث

نعم ، في خصوص دوران الأمر بين الوضوء والغسل ، وبين رفع النجاسة عن البدن والثوب ، ادّعي الإجماع على تقديم التطهير عن الخبث ، كما عن «المعتبر» و«التذكرة»(1) وتشهد له رواية أبي عبيدة قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن المرأة الحائض ترى الطهر وهي في السفر ، وليس معها ماء يكفيها لغسلها ، وقد حضرت الصلاة ، قال : «إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ، ثمّ تتيمّم وتصلّي»(2) .

فأمر بغسل البدن دون الوضوء ، وقد مرّ وجوب الوضوء مع كلّ غسل إلاّ الجنابة(3) .

ص: 92


1- المعتبر 1 : 371 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 171 .
2- الكافي 3 : 82 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 312 ، كتاب الطهارة ، أبواب الحيض ، الباب 21 ، الحديث 1 .
3- تقدّم في الجزء الأوّل : 271 .

ويؤيّده الأدلّة الواردة في تتميم الصلاة مع التيمّم إذا دخل فيها (1) أو ركع ، فأصاب الماء قائلاً : «إنّ التيمّم أحد الطهورين»(2) ، وما ورد في عروض النجاسة في الأثناء من وجوب غسلها أو انتزاع الثوب ، ومع عدم الإمكان تبطل الصلاة(3) ، فيستشعر من الطائفتين كون إزالة النجاسة أهمّ في نظر الشارع .

ص: 93


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 382 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 21 ، الحديث 3 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 381 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 21 ، الحديث 1 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 431 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث 6، والباب 44 ، الحديث 1 ، و7 : 238 ، كتاب الصلاة ، أبواب قواطع الصلاة ، الباب 2 ، الحديث 1 و6 .
السبب السادس: ضيق الوقت
اشارة

السبب السادس : ضيق الوقت ، فقد يلزم من الطهارة المائية فوت جميع الوقت ، وقد يلزم فوت بعضه .

وعلى الثاني : قد تدرك ركعة من الوقت ، وقد لا تدرك .

وعلى أيّ تقدير : قد يدرك مع التيمّم جميع الوقت ، وقد يدرك بعضه بمقدار ركعة أو أقلّ أو أكثر ، لكن يكون الإدراك معه أكثر من الإدراك مع المائية .

حكم إدراك جميع الوقت مع الترابية وعدم إدراك شيء منه مع المائية

وكيف كان : فعن «المعتبر» و«جامع المقاصد» و«كشف اللثام» و«المدارك» عدم مشروعية التيمّم لضيق الوقت ؛ لاشتراط الصلاة بالطهارة المائية ، وعدم ثبوت مسوّغية ضيق الوقت للتيمّم ؛ لتعليقه على عدم الوجدان ، والمكلّف واجد للماء متمكّن من استعماله ، غاية الأمر أنّ الوقت لا يتّسع له(1) .

ص: 94


1- المعتبر 1 : 366 ؛ جامع المقاصد 1 : 467 ؛ كشف اللثام 2 : 436 ؛ مدارك الأحكام 2 : 185 .

وعن «المنتهى» و«التذكرة» و«المختلف» و«الروضة» وغيرها مشروعيته(1) ، بل عن «الرياض» : «أ نّه الأشهر»(2) واختاره صاحب «الجواهر» وغيره ممّن تأخّر عنه من المحقّقين(3) .

وهو الأقوى ؛ للآية الكريمة(4) ، فإنّ الظاهر منها - بعد تعليق الطلب المطلق في صدرها على الوضوء والغسل ، وتعليق الترابية على بعض العناوين العجزية ؛ أي المرض والفقدان - أنّ التنزّل إلى المصداق الاضطراري ورفع اليد عن المطلوب المطلق ، إنّما هو لإلجاء المكلّف إلى إتيان الصلاة في الوقت ، فيكون حفظ مصلحة الوقت ، موجباً لإلجاء المكلّف إلى إتيان الصلاة فيه كائنة ما كانت ، وهذا الإلجاء والاضطرار صار سبباً لعجز المكلّف عن المائية وتشريع الترابية له ، فلولا حفظ الوقت لم يكن مضطرّاً ، ولا معنى لقبول الفرد الاضطراري وترك المصلحة المطلقة ، فحينئذٍ يستفيد العرف والعقلاء من الآية - بلا إشكال - أنّ مصلحة الترابية(5) المتروكة لحفظ الوقت لا تدفع مصلحة الوقت ، ولا تصير سبباً لترك الصلاة في وقتها المضروب لها .

وبالجملة : إذا صارت أهمّية الوقت موجبة لرفع اليد عن مصلحة المائية ،

ص: 95


1- منتهى المطلب 3 : 38 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 161 - 162 ؛ مختلف الشيعة 1 : 285- 286 ؛ الروضة البهيّة 1 : 131 ؛ روض الجنان 1 : 316 .
2- رياض المسائل 2 : 290 .
3- جواهر الكلام 5 : 91 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 101 - 102 ؛ العروة الوثقى 2 : 184 ، مسألة 26 .
4- المائدة (5) : 6 .
5- والصحيح هو «المائية» كما هو الظاهر .

كيف يمكن مصادمة المائية مع مصلحته ؟!

ولا مجال لتوهّم : أنّ فقدان الماء صار موجباً لحدوث مصلحة في الصلاة مع الترابية ؛ لأنّ ذلك خلاف ظاهر الأدلّة آية ورواية ، فإنّ الظاهر منها أنّ الترابية

مرتبة ناقصة ، كما عبّر عنها في الروايات ب- «نصف الطهور» ففي رواية ابن أبي يعفور عن أبي عبداللّه علیه السلام : «ألا ترى أ نّه إنّما جعل عليه نصف الطهور؟!»(1) ومثلها رواية الحسين بن أبي العلاء(2) ، وإن احتمل أن يكون المراد بهما نصف الوضوء ، كما في صحيحة الحلبي(3) فيكون المقصود المسح على بعض الوجه واليد ، لكن لا ينافي ذلك فهم قصور الترابية عن المائية ، بل قد عرفت سابقاً دلالة الآية عليه(4) .

وبالجملة : لا قصور في دلالة الأدلّة على أنّ الوجدان المنافي لدرك الوقت ، يعدّ من عدم الوجدان وعدم مزاحمة المائية للوقت .

هذا مضافاً إلى أنّ الفحص عن موارد الأعذار ، وأنّ الشارع لم يرفع اليد عن الصلاة في وقتها لأجل عذر من الأعذار ، ويكون التخلّف عنه في غاية القلّة ، يوجب الاطمئنان - بل العلم - بأنّ للوقت أهمّية لا يزاحمها شيء من الأعذار .

بل يشعر بذلك تسمية ترك الإتيان في الوقت ب- «الفوت» دون فقدان غيره من

ص: 96


1- الكافي 3 : 65 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 389 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 25 ، الحديث 4 .
2- تقدّمت في الصفحة 58 .
3- تقدّمت في الصفحة 58 .
4- تقدّم في الصفحة 15 .

الأجزاء والشرائط ، فالآتي بها بعد الوقت جامعة لسائر ما يعتبر فيها فاتت منه ، والآتي بها فيه مع فقد جلّ الأجزاء والشرائط لم تفت منه .

بل الناظر فيما ورد في تارك الصلاة : «وأنّ من تركها متعمّداً فهو كافر» أو «برئت منه ذمّة الإسلام» و«أنّ تركها أعظم من سائر الكبائر»(1) يرى أنّ المراد من تركها عدم إتيانها في وقتها. . . إلى غير ذلك ممّا يستنبط منها أنّ الصلاة لا تترك بحال .

وتدلّ على المقصود أيضاً صحيحة زرارة ، عن أحدهما قال : «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم وليصلِّ في آخر الوقت»(2) .

فإنّ الظاهر منها أنّ وجوب الطلب أو استحبابه ، لأجل التوصّل إلى المطلوب الأعلى ، لا لأجل دخالته في موضوع الصلاة مع التيمّم ، وأنّ الأمر بالتيمّم مخافة فوت الوقت ، إنّما هو لتقديم الشارع حفظ الوقت على الطهارة المائية ، وإلاّ فلا وجه لرفع اليد عن المطلوب المطلق .

فلو علم المكلّف بوجود الماء بعد الوقت ، فليس له تركها فيه وإتيانها مع المائية في خارجه ، كلّ ذلك لأجل رعاية الوقت وأهمّيته ، ومع ذلك كيف يحتمل أن يكون وجدان الماء المفوّت للوقت ، موجباً لترك الصلاة فيه مع المائية والترابية ؟!

ص: 97


1- راجع وسائل الشيعة 4 : 41 ، كتاب الصلاة ، أبواب أعداد الفرائض ، الباب 11 .
2- الكافي 3 : 63 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 366 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 3 .

فممّا ذكرنا يعلم : أنّ عدم الوجدان ليس قيداً للموضوع ، بل مخافة الفوت تمام الموضوع لوجوب التيمّم وعدم ترك الصلاة في الوقت .

وتوهّم : أنّ التيمّم إنّما هو لمن سبق ذكره في الرواية ، وهو من لم يجد ماء ، فكأ نّه قال : «إذا كان الفاقد خائفاً فوت الوقت فليتيمّم» ، في غير محلّه ؛ لما أشرنا

إليه من أنّ الأمر بالتيمّم عند خوف الفوت ، إنّما هو لرعاية الوقت وكونه أهمّ من المائية ، ومعه كيف يمكن مزاحمتها للوقت وإيجابها ترك الصلاة فيه مطلقاً ؟!

ولعمري ، إنّ الحكم بعد التأمّل فيما ذكرنا واضح .

هذا كلّه مع إدراك جميع الوقت مع الترابية ، وعدم إدراك شيء منه مع المائية .

حكم إدراك ركعة من الوقت مع المائية وجميعه مع الترابية

وأمّا إذا أدرك مع المائية ركعة من الوقت ، ومع الترابية جميعه ، فقد يقال بتقديم المائية بدليل «من أدرك . . .»(1) .

وتفصيل الحال : أ نّه بعد البناء على دلالة صحيحة زرارة المتقدّمة على أنّ خوف فوت الوقت تمام الموضوع لصحّة التيمّم ، يقع الكلام في أنّ المراد من قوله : «إذا خاف أن يفوته الوقت» هو خوف فوت جميع الوقت ؛ بحيث لو علم إدراك بعضه وجب أو استحبّ الطلب لإدراك المائية ، فتكون غاية الطلب ولزوم التيمّم خوف فوت تمام الوقت ، وعليه إذا كان الماء موجوداً ولم يخف فوت الوقت ، لزم الوضوء من غير احتياج إلى دليل «من أدرك . . .» بل يكون مفادها أعمّ من دليل «من أدرك . . .» .

ص: 98


1- اُنظر جواهر الكلام 5 : 92 ؛ العروة الوثقى 2 : 183 .

أو أنّ المراد منه خوف فوت الوقت المضروب للصلاة ؛ أي خوف أن يفوته ما هو ظرف لطبيعة الصلاة ، فمع خوف وقوع جزء منها خارج الوقت ، فقد خاف أن يفوته الوقت الذي هو ظرفها ، فإنّ ظرفها هو مقدار من الوقت يسع جميع الصلاة ، ومع ذهاب جزء منه لا يكون الوقت وقتاً لها وإن كان جزءاً من النهار ، فحينئذٍ تدلّ الرواية على أ نّه مع خوف فوت الوقت ولو بجزء منه لا بدّ من التيمّم.

حكومة «من أدرك . . .» على صحيحة زرارة في فرض واحد

ويمكن أن يقال : إنّ دليل «من أدرك . . .» حاكم على الصحيحة وموسّع لموضوعها ؛ فإنّه يدلّ على أنّ إدراك ركعة من الوقت إدراك للوقت ، ومع تنزيل الوقت الخارج منزلة الوقت ، أو تنزيل إدراك ركعة منه منزلة إدراك جميعه ، أو تنزيل إدراك ركعة من الصلاة في الوقت منزلة إدراك الصلاة فيه ، يتمّ المطلوب ، ويرفع خوف فوت الوقت .

لكنّه غير وجيه :

أمّا أوّلاً : فلأنّ ما روي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة»(1) وعن الوصيّ علیه السلام : «من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»(2) وعنه علیه السلام : «من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع

ص: 99


1- ذكرى الشيعة 2 : 352 ؛ وسائل الشيعة 4 : 218 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 30 ، الحديث 4 ؛ صحيح البخاري 1 : 298 / 547 ؛ سنن ابن ماجة 1 : 356 / 1122 .
2- اُنظر جواهر الكلام 3 : 213 ؛ وسائل الشيعة 4 : 218 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 30 ، الحديث 5 .

الشمس فقد أدرك الغداة تامّة»(1) وفي لفظ آخر : «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت» -

على ما في «المنتهى» و«المدارك»(2) - روايات ضعاف ؛ بعضها بالإرسال ، وبعضها بضعف السند .

ودعوى الجبر بالاشتهار بين الأصحاب(3) مشكلة ؛ لعدم ثبوت كون اتّكالهم في صحّة الصلاة مع إدراك ركعة من الوقت على تلك الروايات ؛ لورود موثّقة عمّار بن موسى ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «فإن صلّى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتمّ، فقد جازت صلاته»(4) واحتمال اتّكالهم عليها مع إلغاء الخصوصية.

إلاّ أن يقال : ليس بناء أصحابنا - خصوصاً قدماءهم - على التعدّي من مثل الموثّقة الواردة في الغداة إلى غيرها ، فلا محالة يكون مستندهم تلك الروايات .

وعن «المدارك» بعد أن نقل الروايات قال : «وهذه الأخبار وإن ضعف سندها ، إلاّ أنّ عمل الطائفة عليها ، ولا معارض لها ، فتعيّن العمل بها»(5) .

والإنصاف : أنّ المناقشة فيها من هذه الجهة غير وجيهة .

وأمّا ثانياً : فلأنّ قوله في النبوي : «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» وكذا ما في العلوي ، يحتمل في بادئ الأمر أحد معانٍ :

ص: 100


1- تهذيب الأحكام 2 : 38 / 119 ؛ وسائل الشيعة 4 : 217 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 30 ، الحديث 2 .
2- منتهى المطلب 4 : 109 ؛ مدارك الأحكام 3 : 93 .
3- جواهر الكلام 3 : 213 .
4- تهذيب الأحكام 2 : 38 / 120 و : 262 / 1044 ؛ وسائل الشيعة 4 : 217 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 30 ، الحديث 1 و3 .
5- مدارك الأحكام 3 : 93 .

إمّا توسعة الوقت حقيقة لمن أدرك الركعة ، فيكون خارج الوقت وقتاً اضطرارياً .

وإمّا تنزيل الصلاة الناقصة بحسب الوقت منزلة التامّة .

وإمّا تنزيل مقدار ركعة من الوقت منزلة تمام الوقت .

وإمّا تنزيل خارج الوقت منزلة الوقت .

وإنّما يتمّ المطلوب وتوجّه الحكومة أو الورود ، لو كان المراد منها المعنى الأوّل ، فإنّه مع توسعة الوقت حقيقة يرفع خوف الفوت وجداناً ، فيصير دليله حاكماً على الصحيحة ، ونتيجتها الورود ، ومفنياً لموضوعها تكويناً .

إلاّ أن يقال : إنّ الموضوع في الصحيحة خوف فوت الاختياري من الوقت ؛ أي الوقت المضروب بحسب الأدلّة الأوّلية المحدّدة للأوقات .

لكن مع ذلك الأوجه : أنّ التوسعة الحقيقية توجب رفع خوف فوت طبيعة الوقت المأخوذة في الصحيحة ، وليس موضوعها متقيّداً بالاختياري ؛ وإن كان المنصرَف مع عدم الدليل ، هو الوقت المضروب بحسب الأدلّة الأوّلية لكن بالنظر إلى «من أدرك . . .» وتحكيمه على الأدلّة ، يكون مقتضاه ما ذكر . ولا ينافي ذلك عدم جواز تأخير الصلاة إلى الوقت الإدراكي الاضطراري ، كما لا يخفى .

وكيف كان : لو تمّت الحكومة فإنّما هي في هذا الفرض .

عدم تمامية الحكومة بالنسبة لسائر الفروض

وأمّا في سائر الفروض فلا يرفع الخوف الوجداني المأخوذ في الموضوع :

أمّا على فرض تنزيل الصلاة الناقصة منزلة التامّة فواضح .

ص: 101

وأمّا على فرض تنزيل الوقت - سواء كان متوجّهاً إلى الوقت الناقص ، أو إلى

خارج الوقت - فلأنّ دليل التنزيل لا يوجب رفع خوف فوت الوقت ؛ فإنّ وقتها - حسب الفرض - هو ما قرّره الشارع من دلوك الشمس إلى غروبها ، فمع احتمال ضيقه بمقدار لا يسع أربع ركعات ، لا محالة يخاف فوت الوقت المقرّر ، والتنزيل لا يرفع هذا الخوف .

كما أنّ استصحاب بقاء الوقت لا يرفعه ، فلا يجوز الاتّكال على الاستصحاب وإتيان الطهارة المائية ؛ لعدم زوال الخوف الوجداني به ، مع أ نّه أولى بذلك من دليل «من أدرك . . .» لأنّ المستصحب هو الوقت المضروب ، فيكون الاستصحاب حاكماً ببقاء الوقت ، لكن مع ذلك لا يُرفع به موضوع دليل التيمّم .

فدليل تنزيل الوقت لا يرفع خوف فوته : لا وجداناً ، وهو ظاهر ، ولا تعبّداً ؛ لعدم توجّه التنزيل إليه . وتنزيل الوقت الخارج منزلة الداخل أو الوقت الناقص منزلة التامّ ، غير تنزيل خوف الفوت منزلة عدمه .

هذا كلّه مع أنّ ما هو المشهور الذي يمكن دعوى جبره ، هو النبوي الظاهر في تنزيل الصلاة الناقصة منزلة التامّة ؛ من غير تعرّض لتنزيل الوقت ، فضلاً عن تنزيل خوف فوته منزلة العدم .

ثمّ إنّ ظاهر قوله : «من أدرك . . .» هو التنزيل فيما إذا فات الوقت ولم يبق إلاّ ركعة ، وهو لا يوجب جواز تفويته اختياراً ، فحينئذٍ يقع التزاحم بين الوقت والطهور ، فلا بدّ من إثبات أهمّية الوقت حتّى في هذه الصورة ؛ حتّى يحكم بوجوب التيمّم ، وهو مشكل بعد ورود مثل «من أدرك . . .» والذي يسهّل الخطب عدم المجال للتزاحم بعد ما قدّمناه .

ص: 102

ثمّ إنّه يظهر الكلام ممّا تقدّم فيما إذا لم يدرك مع المائية ركعة ، وأدرك جميع الوقت مع الترابية .

حكم ما إذا أدرك ركعة مع الترابية

وأمّا إذا أدرك ركعة مع الترابية ففي شمول «من أدرك . . .» له نوع خفاء ؛ لاحتمال أن يكون المراد إدراك ركعة حسب وظيفته مع قطع النظر عن الوقت ؛ وإن كان الأقرب صحّة الترابية ولزومها بعد عدم ترك الصلاة بحال ، وأنّ التراب أحد الطهورين ، وأنّ الصلاة معه صلاة . والظاهر أنّ هذا التنزيل بملاحظة أهمّية الوقت وعدم ترك الصلاة حتّى الإمكان ، فلا يبعد التمسّك بإطلاق «من أدرك . . .» فإنّه مع إدراك ركعة مع الترابية يصدق إدراك ركعة

من الصلاة .

وإن شئت قلت : إنّ دليل تنزيل الترابية منزلة المائية ، حاكم على دليل «من أدرك . . .» ومحقّق لموضوعه .

حكم إدراك ركعة مع المائية وأزيد منها مع الترابية

وإن أدرك مع المائية ركعة ومع الترابية أزيد منها ، ففي تقديم الترابية ؛ بدعوى أهمّية الوقت وعدم سقوط الميسور بالمعسور .

أو تقديم المائية ؛ لعدم شمول أدلّة الوقت مطلقاً للمقام ؛ ضرورة فوت الصلاة مع فوت بعض الوقت بحسبها ، فيبقى دليل «من أدرك . . .» وظاهره أنّ إدراك ركعة إدراك للصلاة تامّة ، كما صرّح به في العلوي من طريقنا ،

ص: 103

فلا فرق بحسبه بين إدراك ركعة أو أزيد ، فحينئذٍ لا وجه لرفع اليد عن

الطهارة المائية .

وجهان ، أقربهما الثاني ، لكن الالتزام ببعض لوازمه في غاية الإشكال ، كتجويز تأخير الصلاة مع إدراك ثلاث ركعات منها مثلاً إلى بقاء الوقت بمقدار إدراك ركعة .

وينبغي التنبيه على اُمور :

ص: 104

الأمر الأوّل: في المراد من الخوف المأخوذ في الأدلّة

هل «الخوف» المأخوذ في الأدلّة هو مطلق الخوف ، أو ما يكون حاصلاً من منشأ مَخُوف عرفاً ؟

فإنّ الخوف الوجداني قد يحصل من منشأ مخوف ، كالخوف الحاصل من مفازة تكون في معرض السباع واللصوص ولو باحتمال عقلائي ، أو من قلّة الماء في مفازة قفر ، وكخوف فوت الوقت الحاصل من ضيقه . . . وهكذا .

وقد يحصل من اعتقاد باطل ، كما لو اعتقد كونه في مفازة كذائية مع كونه في محلّ أمن كثير الماء ، أو اعتقد ضيق الوقت مع كونه في سعته . . . وهكذا .

مقتضى الأدلّة هو الثاني :

أمّا غير دليل الحرج ، فلأنّ ما في الباب من الأخبار ظاهرة فيه أو منصرفة إليه ، ففي صحيحة داود الرقّي - بناءً على وثاقته ، كما لا يبعد - قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : أكون في السفر فتحضر الصلاة ، وليس معي ماء ، ويقال : إنّ الماء قريب منّا ، أفأطلب الماء - وأنا في وقت - يميناً وشمالاً ؟ قال : «لا تطلب الماء ،

ص: 105

ولكن تيمّم ؛ فإنّي أخاف عليك التخلّف عن أصحابك ، فتضلّ ويأكلك السبع»(1) .

وفي رواية يعقوب ، عنه علیه السلام - بعد فرض كون الماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين - قال : «لا آمره أن يغرّر بنفسه ، فيعرض له لصّ أو سَبُع»(2) .

والظاهر منهما أنّ في المحلّ المخوف الذي يكون معرضاً للخطر ويخاف منه على النفس يتيمّم ، وأمّا المحلّ الأمن الذي لا يكون معرضاً لذلك ، لكن حصل الخوف لخطأ في الاعتقاد ، فغير مشمول لهما ، خصوصاً أنّ المارّة في تلك الأزمنة والأمكنة ، كانوا يمرّون على مفاوز مخوفة للنفوس غالباً .

وفي صحيحتي ابن أبي نصر وابن سرحان عن الرضا وأبي عبداللّه علیهما السلام : في

الرجل تصيبه الجنابة ، وبه جروح أو قروح ، أو يخاف على نفسه من البرد ، فقال : «لا يغتسل ، ويتيمّم»(3) .

والظاهر منهما الخوف من البرد المحقّق ، لا من تخيّله ، فكأ نّه قال : «إذا كان الهواء بارداً فخاف على نفسه . . .» ولا ريب في عدم شمولهما لمن خاف على نفسه من تخيّل البرد مع كون الهواء حارّاً .

وفي رواية زرارة ، عن أحدهما علیهما السلام قال : قلت : رجل دخل الأجَمة ليس فيها ماء ، وفيها طين ، ما يصنع ؟ قال : «يتيمّم ، فإنّه الصعيد» .

ص: 106


1- الكافي 3 : 64 / 6 ؛ وسائل الشيعة 3 : 342 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 65 / 8 ؛ وسائل الشيعة 3 : 342 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 2 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 185 / 531 ، و : 196 / 566 ؛ وسائل الشيعة 3 : 347 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 7 و8 .

قلت : فإنّه راكب لا يمكنه النزول من خوف ، وليس هو على وضوء ؟ قال : «إن خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوت الوقت فليتيمّم ؛ يضرب بيده على اللِبْد أو البَرْذَعة ، ويتيمّم ويصلّي»(1) .

وهي أيضاً ظاهرة فيما ذكرناه ، خصوصاً إذا كانت «الأجَمة» بمعنى محلّ الأسد ، كما في «المنجد»(2) ، وعلى أيّ تقدير لا تشمل الخوف من اعتقاد باطل .

وكذا الكلام في روايات خوف العطش(3) ، فإنّها أيضاً ظاهرة في أنّ المحلّ كان بحيث يخاف فيه من قلّة الماء أو من العطش .

وكذا في صحيحة زرارة ، عن أحدهما علیهما السلام قال : «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم وليصلِّ في آخر الوقت . . .»(4) إلى آخره ؛ لأنّ الظاهر منها الخوف الحاصل من ضيق الوقت ، كما هو واضح .

وأمّا دليل نفي الحرج(5) ، فقد يمكن أن يقال بصدقه فيما إذا خاف على نفسه

من أيّ منشأ كان ، فيكون التكليف بالوضوء حرجياً على المكلّف المعتقد - ولو خطأً - معرضية المحلّ للخطر .

ص: 107


1- تهذيب الأحكام 1 : 190 / 547 ؛ وسائل الشيعة 3 : 354 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 5 .
2- المنجد : 4 .
3- راجع ما تقدّم في الصفحة 84 - 85 .
4- الكافي 3 : 63 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 366 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 3 .
5- المائدة (5) : 6 ؛ الحجّ (22) : 78 .

لكنّه أيضاً مشكل ؛ لأنّ الظاهر الأوّلي من دليل نفي الحرج ، عدم جعل الحرج

في الدين ؛ أي الأحكام المجعولة فيه ، وغاية ما يمكن الاستفادة منه - بالتقريب المتقدّم في ذيل آية التيمّم(1) - أنّ ما يلزم منه الحرج والمشقّة - سواء كان في مقدّماته ، كتحصيل الماء للوضوء ، أو ما يترتّب عليه ، كأن لزم من التكليف به عطاش في المستقبل - فهو أيضاً غير مجعول ، وأمّا الحرج الحاصل من تخيّل باطل أو تخيّل الحرج ، كما لو تخيّل المرض مع عدمه ، أو البرد في مكان حارّ ، فليس مشمولاً للأدلّة ؛ لعدم الحرج في الدين ولا من قبله واقعاً . ولا يمكن إلغاء الخصوصية بالنسبة إلى ما يلزم من اعتقاد باطل .

ومن هنا يمكن دعوى الفرق بين ما إذا شكّ في ضيق الوقت وسعته ، وبين ما إذا علم ضيقه وشكّ في كفايته لتحصيل المائية : بالبناء على بقاء الوقت في الأوّل للاستصحاب دون الثاني ، لا لما قيل : «من صدق خوف الفوت في الثاني دون الأوّل»(2) ضرورة تحقّق خوفه في الصورتين ؛ لأنّ احتمال الضيق موجب له وجداناً ، بل لأنّ الموضوع في الدليل هو الخوف الناشئ من ضيق ، وفي الصورة الاُولى يكون الخوف من احتماله لا من نفسه ، فيجري الاستصحاب بلا دليل حاكم عليه ، بخلاف الثانية ؛ للدليل الحاكم .

إلاّ أن يقال : إنّ المتفاهم من صحيحة زرارة أنّ الأمر بالتيمّم عند خوف الفوت ، إنّما هو لترجيح إدراك الوقت على الإدراك مع المائية ، فأهمّية الوقت أوجبت الأمر بالتيمّم مع خوف فوته ، وهو حاصل في الصورة الاُولى أيضاً ،

ص: 108


1- تقدّم في الصفحة 31 .
2- العروة الوثقى 1 : 481 ، مسألة 27 .

فالشارع أسقط الاستصحاب في المقام لأجل أهمّية الوقت ، واعتنى بخوف فوته لذلك ، فمع الدوران بين احتمال فوت الوقت وفوت الطهارة المائية ، يلاحظ حال الأهمّ ، فيحكم العقل بالتيمّم ، وأسقط الشارع الأصل لذلك ، فلا فرق حينئذٍ بين الفرعين في لزوم التيمّم .

الأمر الثاني هل «الخوف» المأخوذ في موضوع الأدلّة على نسقٍ واحد ؟

بمعنى أنّ الموضوع لتشريع التيمّم في جميع الموارد هو الخوف ، أو الموضوع في جميعها هو الواقع الذي خاف منه ، فإذا تيمّم من خوف العطش ولو في محلّ مخوف ، ثمّ تبيّن عدم حصول العطش على فرض استعمال الماء ، بطل على الثاني ، دون الأوّل ، وكذا في سائر موارد الخوف ، أو يفصّل بين المقامات ؟

التحقيق هو التفصيل ، فإنّ الظاهر من الأدلّة - غير دليل ضيق الوقت - أنّ صِرف معرضيته للخطر الموجبة للخوف ، موضوع لتشريع التيمّم ورفع الوضوء ، فقوله في صحيحة ابن سِنان : «إن خاف عطشاً فلا يهريق منه قطرة ، وليتيمّم بالصعيد ؛ فإنّ الصعيد أحبّ إليّ»(1) ظاهر في أنّ مجرّد خوف العطش يوجب محبوبية الصعيد .

وقوله في موثّقة سماعة - بعد فرض خوف قلّة الماء - : «يتيمّم بالصعيد ،

ص: 109


1- الكافي 3 : 65 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 404 / 1267 ؛ وسائل الشيعة 3 : 388 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 25 ، الحديث 1 .

ويستبقي الماء ؛ فإنّ اللّه عزّ وجلّ جعلهما طهوراً : الماء ، والصعيد»(1) وقوله في رواية ابن أبي يعفور - بعد فرض انحصار الماء بمقدار شربه - : «يتيمّم أفضل ؛ ألا ترى أ نّه إنّما جعل عليه نصف الطهور؟!»(2) ظاهران في مشروعية التيمّم ، وأ نّه أحد الطهورين ، وأنّ عليه نصف الطهور في هذا الحال ، وكذا الحال في سائر الموارد .

وبالجملة : الظاهر من تلك الموارد أنّ الشارع لاحظ حال المكلّف ؛ لئلاّ يقع في معرض الخطر ، وهذه المعرضية أوجبت رفع الوضوء وتشريع التيمّم . بل الظاهر أنّ في تلك الموارد ، إنّما رفع الوضوء لنكتة رفع الحرج عن المكلّف ، ولا شبهة في أنّ الإلزام بالإقدام على ما هو معرض الخطر حرج عليه ، ففي تلك الموارد إذا تيمّم وصلّى صحّت صلاته ، ولا إعادة عليه ، ولو انكشف عدم اللصّ وعدم إضرار الماء . . . وهكذا .

وأمّا صورة خوف فوت الوقت ، فالظاهر أ نّه ليس على مساق سائر الموارد ، بل الشارع لاحظ فيه حفظ التكليف الأهمّ لدى الدوران بينه وبين المهمّ ، فأمر بالتيمّم لا لأجل صيرورة خوف الفوت موجباً لإسقاط المائية ومحبوبية الترابية ، بل لأجل الاعتناء باحتمال فوت الأهمّ في قبال المهمّ .

بل يمكن أن يقال بعدم تشريع التيمّم في هذا الحال ، فقوله : «إذا خاف

ص: 110


1- تهذيب الأحكام 1 : 405 / 1274 ؛ وسائل الشيعة 3 : 388 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 25 ، الحديث 3 .
2- الكافي 3 : 65 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 389 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 25 ، الحديث 4 .

أن يفوته الوقت فليتيمّم»(1) إرشاد إلى أهمّية الوقت ، وأ نّه مع الدوران بين

احتمال فوت الوقت وفوت الطهارة المائية ، توجب أهمّية الوقت تقديمه ؛ من غير تشريع للتيمّم في هذا الحال ، ومعه لا وجه للإجزاء ، فلو صلّى ثمّ تبيّن سعة الوقت لإعادتها مع المائية تجب الإعادة ، وكذا لو تبيّن صلوح الوقت للمائية ، - ولو فات بواسطة الصلاة مع الترابية - يجب عليه القضاء ، كلّ ذلك لما تقدّم من عدم استفادة التشريع من الرواية .

بل لا معنى للتشريع بعد حكومة العقل بتقديم الأهمّ ؛ وتقديم احتمال فوت الأهمّ على احتمال فوت المهمّ . بل يكفي في عدم الإجزاء احتمال ما ذكرناه ؛ لأنّ الإجزاء متقوّم بالتشريع ، ومع عدم إحرازه يحكم بالإعادة والقضاء ؛ وإن كان في الحكم بالقضاء إشكال يحتاج إلى بسط في المقال وتأمّل في المسألة .

الأمر الثالث في أنّ المستفاد من أدلّة الحرج سقوط المائية على نحو العزيمة
اشارة

قد اشتهر بينهم حتّى صار كالاُصول المسلّمة : «أنّ أدلّة الحرج لمكان ورودها في مقام الامتنان وبيان توسعة الدين ، لا تدلّ إلاّ على نفي الوجوب ، ولا يستفاد منها عدم الجواز»(2) فالتيمّم فيما نحن فيه إذا ثبت تشريعه بدليل نفي الحرج ، رخصة لا عزيمة ، فلو تحمّل المكلّف المشقّة الرافعة للتكليف ،

ص: 111


1- تقدّم في الصفحة 107 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 150 ؛ العروة الوثقى 2 : 171 ، مسألة 18 .

وتوضّأ واغتسل ، لم يرتكب محذوراً ، وصحّت طهارته ، ولا توجب حكومةُ أدلّة الحرج على الأدلّة الأوّلية وتخصيصُها بغير مورد الحرج ، بطلانَ العبادة ولو قلنا بعدم بقاء الجواز ؛ لأنّ غاية ذلك عدم بقاء الحكم الشرعي على جواز المائية ؛ لكن لا يقتضي ذلك رفع مقتضي الطلب ومحبوبية الفعل ، وهو يكفي في صحّة العبادة ، كما قُرّر في مبحث الضدّ(1) .

فهاهنا مقامان من البحث :

أحدهما : أنّ المستفاد من الأدلّة هل هو السقوط على نحو العزيمة ، أو الرخصة ؟

وثانيهما : أ نّه لو خالف وأتى بما فيه الحرج بطلت عبادته أو لا ؟ ولا ملازمة بينهما ، كما سيأتي في الأمر الرابع البحث عنه وعن المقام الثاني(2) .

أمّا المقام الأوّل : فغاية ما يدّعى عدم دلالة قوله : )مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ((3) على كون الرفع على وجه العزيمة ، وأمّا الدلالة على كونه على وجه الرخصة فلا ، فلو دلّ دليل على كونه على وجه العزيمة لا يعارضه ذلك .

ويمكن استفادة العزيمة من قوله تعالى : )وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ اُخَرَ يُرِيدُ اللّه ُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ((4) .

فإنّ اللّه تعالى إذا أراد بنا اليُسر في أحكامه ، لا يجوز علينا مخالفة إرادته

ص: 112


1- مناهج الوصول 2 : 14 .
2- يأتي في الصفحة 124 .
3- الحجّ (22) : 78 .
4- البقرة (2) : 185 .

بإيقاع العُسر على أنفسنا ، فكما أ نّه لو أراد منّا شيئاً لا يجوز لنا التخلّف عن إرادته تعالى ، كذلك لو أراد في حقّنا شيئاً لا يجوز التخلّف عنها ، خصوصاً مع وقوعه في ذيل قوله : )وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ( حيث يكون الصوم على المسافر بل المريض الذي يضرّ به الصوم حراماً ، ويكون السقوط عنهما على سبيل العزيمة .

فدلّت الآية على أنّ إرادته تعالى اليسر في سائر الموارد التي تشملها بالإطلاق ، كإرادته في صيام المسافر والمريض ، والتفكيك بينهما غير جائز إلاّ مع قيام دليل في مورد ؛ فإنّ قوله : )يُرِيدُ اللّه ُ بِكُمُ الْيُسْرَ( كالتعليل لرفع الصوم عن المسافر والمريض ، ولا يصحّ التعليل بشيء ظاهر في عدم الإلزام على أمر إلزامي ، فلا يمكن أن يقال : إلزامية الإرادة فيهما تفهم من الخارج .

فإن قلت : يستفاد عدم الجواز في المريض والمسافر من قوله : )فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ( فأوجب تعالى بمجرّد السفر والمرض عدّةً من غير أيّام شهر رمضان .

قلت : - مضافاً إلى أنّ مجرّد جعل عدّة اُخر ، لا يدلّ على حرمة صوم شهر رمضان - إنّه لو دلّ عليه يوجب تأكّد المطلوب بأنّ إرادة اليُسر إلزامية ؛ وأ نّها في سائر الموارد كإرادته في الموردين .

وتدلّ على العزيمة أيضاً رواية يحيى بن أبي العلاء عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «الصائم في السفر في شهر رمضان كالمفطر فيه في الحضر» .

ثمّ قال : «إنّ رجلاً أتى النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال : يا رسول اللّه ، أصوم شهر رمضان في السفر ؟ فقال : لا ، فقال : يا رسول اللّه ، إنّه عليّ يسير ، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم :

ص: 113

إنّ اللّه تصدّق على مرضى اُمّتي ومسافريها بالإفطار في شهر رمضان ، أيحبّ أحدكم لو تصدّق بصدقة أن تردّ عليه صدقته ؟!»(1) .

لأنّ استشهاد أبي عبداللّه علیه السلام فيها لقوله : «الصائم في السفر . . .» إلى آخره ، بقول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم دليل على أنّ ردّ صدقته تعالى غير جائز ، وإلاّ لما صحّ الاستشهاد للقول بالحرمة بأمر لا يكون محرّماً ، مع أنّ ردّ الصدقة مبغوض وثقيل على النفوس الشريفة ، فيكون قوله : «أيحبّ أحدكم . . .» إلى آخره ، تقريباً لمبغوضيته عند اللّه بما هو مبغوض عندهم .

وليس المراد من قوله : «أيحبّ أحدكم» رفع محبوبيته الأعمّ من المبغوضية ، بل الظاهر من مثله حصول المبغوضية ، كقوله تعالى : )أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتَاً((2) .

فتدلّ الرواية على أنّ ردّ صدقته تعالى وهديّته مبغوض محرّم .

ولا شبهة في أنّ الرفع بدليل نفي الحرج ، صدقة من اللّه تعالى وتفضّل على الاُمّة وهديّة منه تعالى لهم ، كما هو مقتضى الامتنان ، ويدلّ عليه بعض الروايات ، ففي موثّقة السكوني ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه علیه السلام قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إنّ اللّه عزّ وجلّ أهدى إليّ وإلى اُمّتي هديّة لا يهديها إلى أحد من الاُمم ؛ كرامةً من اللّه لنا ، فقالوا : ما ذاك يا رسول اللّه ؟ قال : الإفطار

في السفر ، والتقصير في الصلاة ، فمن لم يفعل ذلك فقد ردّ على اللّه عزّ وجلّ

ص: 114


1- الكافي 4 : 127 / 3 ؛ الفقيه 2 : 90 / 403 ؛ تهذيب الأحكام 4 : 217 / 630 ؛ وسائل الشيعة 10 : 175 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ، الباب 1 ، الحديث 5 .
2- الحجرات (49) : 12 .

هديته»(1) دلالة على أنّ وجه حرمة الصوم في السفر وإتمام الصلاة ؛ هو كونه ردّ

هديّة اللّه تعالى .

ويؤيّد المطلوب ما عن «تفسير العيّاشي» عن عمرو بن مروان الخزّاز قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : رُفعت عن اُمّتي أربع خصال : ما اضطُرّوا إليه ، وما نَسُوا ، وما اُكرهوا عليه ، وما لم يُطيقوا ، وذلك في

كتاب اللّه قوله : )رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ((2) وقولُ اللّه : )إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ((3) »(4) .

حيث ذكر الآية المربوطة بالتقيّة في سياق حديث الرفع ، مع أنّ التقيّة واجبة

ليس للمكلّف تركها ، كما قرّرناه في رسالة مفردة في التقيّة(5) ، فتشعر الرواية بأنّ الرفع عن الاُمّة في موارده على نحو العزيمة .

كما تشعر به ما عن الطبرسي في «الاحتجاج» عن الكاظم علیه السلام (6) والرواية طويلة جدّاً ، وفيها عدّ عدّة موارد رُفعت الآصار عن الاُمّة بدعاء

ص: 115


1- الخصال : 12 / 43 ؛ وسائل الشيعة 8 : 520 ، كتاب الصلاة ، أبواب صلاة المسافر ، الباب 22 ، الحديث 11 .
2- البقرة (2) : 286 .
3- النحل (16) : 106 .
4- تفسير العيّاشي 1 : 160 / 534 ؛ وسائل الشيعة 16 : 218 ، كتاب الأمر والنهي ، الباب 25 ، الحديث 10 .
5- الرسالات الفقهية والاُصولية ، الإمام الخميني قدس سره: 23 .
6- الاحتجاج 1 : 497 / 127 .

رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وهو قوله : )رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا( :

منها : رفع قرض أذى النجاسة من أجسادهم ، وجعل الماء طهوراً للاُمّة .

ومنها : رفع الصلوات المفروضة على سائر الاُمم في ظلم الليل وأنصاف النهار ، وجعلها في أطراف الليل والنهار وفي أوقات نشاطهم .

ومنها : رفع خمسين صلاة ، وجعل الخمس في أوقات خمسة .

فيستشعر أنّ ما رفع عن الاُمّة من التكاليف مثل تلك الموارد ، ليس لهم التكلّف بإتيانها .

فتحصّل من جميع ذلك : أنّ ثبوت الترابية وسقوط المائية إنّما هو على وجه العزيمة ، وليس للعبد اختيار المائية ؛ إمّا لأجل إرادة اللّه التوسيع على العباد ، وإمّا لأجل انطباق عنوان ردّ الهديّة على الإتيان بها ، وإمّا لأجل حرمة الردّ ، لا حرمة المائية ، لكن لأجل اتّحادهما في الخارج يتعيّن عليه الترابية . وسيأتي في الأمر الآتي الفارق بين الاحتمالات وما هو الأظهر بينها (1) .

ثمّ من المحتمل أن يكون رفع الحرج عن العباد وإرادة التوسيع عليهم ، لا لصِرف الامتنان عليهم حتّى يقال : «إنّه لا يقتضي الإلزام ، أو لا يناسبه» بل لأ نّه تعالى لا يرضى بوقوع عباده في المشقّة والحرج ، كالأب الشفيق الذي لا يرضى بوقوع ابنه المحبوب في الحرج ولو باختياره ، فيمنعه إشفاقاً عليه .

ويحتمل أن يكون رفع الحرج في عباداته ومن قبله ؛ لعدم رضائه بوقوع العبيد في المشقّة من ناحيتها ؛ لكونه مظنّة لانزجارهم عنها ، فينتهي إلى إدبار

ص: 116


1- يأتي في الصفحة 137 - 143 .

نفوسهم عن عبادة اللّه ودينه ، وهو أمر مرغوب عنه ، ففي رواية عمرو بن جميع

قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : يا علي ، إنّ هذا الدين متين ، فأوغل فيه بالرفق ، ولا تبغّض إلى نفسك عبادة ربّك ؛ إنّ المُنبتَّ - يعني المفرط - لا ظهراً أبقى ، ولا أرضاً قطع»(1) .

وعن أبي عبداللّه علیه السلام - بسند صحيح - قال : «لا تُكرهوا إلى أنفسكم العبادة»(2) .

ولا يبعد عدم جواز ذلك إذا كانت مخافة الوقوع في الانزجار من دين اللّه ، والعياذ باللّه .

وأمّا ما ورد عن بعض الأئمّة المعصومين علیهم السلام من إيقاع المشقّة على نفوسهم الشريفة(3) ؛ فلأ نّهم مأمونون من خطوات الشيطان وخطراته ، وأمّا سائر الناس فأ نّى لهم بالعلم أو الاطمئنان بالأمن من كيده ووسوسته ؟! بل لنفوسهم الشريفة مقامات من الحبّ لعبادة اللّه والاشتياق إلى لقاء اللّه ، ربّما لا يكون ما هو شاقّ

على سائر النفوس مشقّة عليهم ، بل لهم لذّات في عباداتهم ورياضاتهم ، كما هو معلوم ، رزقنا اللّه تعالى الاقتداء بهم . وقد خرج الكلام من طرز البحث الفقهي إلى وادٍ يتحيّر فيه العقول .

ص: 117


1- الكافي 2 : 87 / 6 ؛ وسائل الشيعة 1 : 110 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 26 ، الحديث 7 .
2- الكافي 2 : 86 / 2 ؛ وسائل الشيعة 1 : 108 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 26 ، الحديث 2 .
3- بحار الأنوار 41 : 11 - 24 ، و48 : 100 - 101 و107 .

مع أنّ ما ورد من تحمّل المشاقّ منهم إنّما هو في المستحبّات دون الواجبات ، وما ورد في غسل أبي عبداللّه علیه السلام في ليلة باردة ، قد مرّ الكلام فيه(1) ، وفي المستحبّات كلام آخر ، ولا يبعد عدم شمول أدلّة الحرج لها ؛ لعدم حرجية الأمر الاستحبابي ، تأمّل .

هذا كلّه في مورد الحرج .

ميزان سقوط المائية على نحو العزيمة في غير مورد الحرج

وأمّا سائر الموارد ، فالميزان في كون التيمّم متعيّناً وسقوطِ المائية على وجه العزيمة ، هو لزوم محذور شرعي من الوضوء والغسل ولو لم يلزم منه حرمتهما ، كما لو كان في التوصّل إلى الماء خوف التلف ، كما إذا خاف من السبع أو السقوط في البئر فيتلف ، أو خاف من استعمال الماء العطشَ المهلك ، أو خاف الهلكة من البرد أو المرض أو غير ذلك ، أو لزم منه ارتكاب محرّم ، كالوضوء من آنية الذهب أو الفضّة ، أو المرور من طريق مغصوب ، أو ترك واجب ، كإنقاذ نفس محترمة ، أو لزم منه فوت الوقت . . . إلى غير ذلك .

ولا إشكال فيما إذا اُحرز المحذور الشرعي ، نعم في بعض موارد الضرر على النفس - كلزوم طول المرض ، أو حدوث مرض غير مهلك ، أو الضرر على الجرح والقرح ، أو لزوم طول زمان البُرء ، أو لزوم ضرر غير مهلك على النفس في طيّ الطريق إلى الماء ، أو خوفه في الموارد التي قد يتردّد في قيام الدليل على الحرمة - هل يمكن استفادة تعيّن التيمّم وكون سقوط المائية عزيمة من

ص: 118


1- تقدّم في الصفحة 74 - 79 .

أدلّة الباب أو لا ؟ لا يبعد ذلك من مجموع الروايات :

فإنّ طائفة منها وردت فيما كان الغسل ضررياً ، كصحيحة محمّد بن سكين ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قيل له : إنّ فلاناً أصابته جنابة وهو مجدور ، فغسّلوه فمات ، فقال : «قتلوه ، ألا سألوا ، ألا يمّموه ؟! إنّ شفاء العيّ السؤال»(1) .

وقريب منها مرسلة ابن أبي عمير(2) ورواية الجعفري ، عن أبي عبداللّه علیه السلام

قال : «إنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم ذُكر له أنّ رجلاً أصابته جنابة على جرح كان به ، فاُمر بالغُسل ، فاغتسل فكزّ فمات ، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : قتلوه قتلهم اللّه ، إنّما كان دواء العيّ السؤال»(3) .

وإطلاق هذه الروايات يقتضي شمولها لما إذا خاف على نفسه التلف أو لا . بل لا يبعد خروج خوف التلف منها ، فإنّ أحداً من العقلاء لا يرتكب الاغتسال أو الأمر به عند خوف تلف النفس ، فيكون خوفه مفروض العدم ، فتدلّ الروايات - باشتمالها على اللوم الشديد ، والدعاء على الآمر بالغسل ، وأ نّه إذا سألوا لكان

الجواب تعيّن التيمّم - على كون السقوط عزيمة لا رخصة ، وإلاّ لما توجّه التقصير إليهم بعد كونه رخصة والغسل جائزاً .

وقوله : «قتلوه» لا يدلّ على أ نّهم تعمّدوا في قتله ، أو كان في مَعرض الموت ،

ص: 119


1- الكافي 3 : 68 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 346 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 1 .
2- الكافي 1 : 40 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 346 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 3 .
3- الكافي 3 : 68 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 347 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 6 .

بل تصحّ النسبة بوجه ؛ لأجل انتهاء أمر الآمر إلى موته ولو لم يكن المفروض خوف الموت ، بل الظاهر منها أنّ التعيير واللوم على الآمر بما هو خلاف حكم الشرع ، أو العمل على خلاف التكليف ؛ من غير دخالة للانتهاء إلى الموت في ذلك .

وبالجملة : بعد إطلاق الروايات لصورة عدم الخوف من الهلاك ، يستفاد منها تعيّن التيمّم في مطلق الخوف على النفس ؛ من غير فرق بين الجُدَري والجرح وغيرهما ، كما لا يخفى .

ومثلها في الدلالة - أو أدلّ منها - صحيحة ابن أبي نصر ، عن الرضا علیه السلام : في

الرجل تُصيبه الجنابة ، وبه قروح أو جروح ، أو يخاف على نفسه من البرد ، فقال : «لا يغتسل ويتيمّم»(1) .

ومثلها صحيحة داود بن سِرحان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام (2) .

والخوف على النفس من البرد إمّا ظاهر في خوف التلف ، أو أعمّ منه ، فشموله له هو القدر المتيقّن .

فحينئذٍ لا يمكن حمل النهي عن الاغتسال والأمر بالتيمّم على رفع الوجوب والترخيص ؛ بدعوى أنّ النهيَ في مقام توهّم الوجوب والأمرَ في مقام توهّم الحظر ؛ ضرورة أ نّه مع الخوف على النفس من الهلاك لايمكن الترخيص وتجويز

ص: 120


1- تهذيب الأحكام 1 : 196 / 566 ؛ وسائل الشيعة 3 : 347 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 7 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 185 / 531 ؛ وسائل الشيعة 3 : 348 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 8 .

الإلقاء في الهلكة ، فلا أقلّ من كون المقام في نظر السائل من قبيل الدوران بين المحذورين ؛ لأجل خوف الضرر والتلف ، فلا يُرفع اليد معه عن ظاهر النهي والأمر ، فحينئذٍ يقتضي ذكر القروح والجروح مع الخوف على النفس ، أن يكون الأمر بالتيمّم والنهي عن الغسل في جميعها على نسق واحد ؛ وهو العزيمة .

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الرجل يكون به القرح والجراحة يُجنب ، قال : «لا بأس بأن لا يغتسل ؛ يتيمّم»(1) وقريب منها روايته الاُخرى(2) - والظاهر وحدتهما - فلا تقاوم الروايات المتقدّمة ؛ فإنّ غاية ما في نفي البأس الإشعار بالترخيص ، لا الدلالة عليه ، فنفي البأس إنّما هو لرفع توهّم عدم جواز ترك الغسل ، فهو نصّ في جواز ترك الغسل ، وأمّا لزوم التيمّم وكونه على وجه العزيمة أو كونه على وجه الرخصة ، فلا تعرّض فيها له ، لو لم نقل بظهورها في العزيمة أخذاً بقوله : «يتيمّم» فلا يجوز رفع اليد عن ظاهر الأدلّة به .

مع أنّ كثيراً ما يعبّر بمثله في مورد لزوم فعله ، كما في روايات التيمّم بالطين

إذا لم يجد غيره ، كقول أبي جعفر علیه السلام : «إذا كنت في حال لا تجد إلاّ الطين فلا بأس أن تتيمّم به»(3) مع لزومه عند عدم وجدان غيره .

ص: 121


1- الكافي 3 : 68 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 347 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 5 .
2- الفقيه 1 : 58 / 216 ؛ وسائل الشيعة 3 : 348 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 11 .
3- الاستبصار 1 : 156 / 538 ؛ وسائل الشيعة 3 : 353 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 3 .

ثمّ إنّ هذه الطائفة وإن وردت في الغسل ، لكن يستفاد منها حكم الوضوء بلا ريب ؛ فإنّ الأمر بالتيمّم إنّما هو لخوف الضرر الأعمّ من الهلاك ، فإذا خاف على نفسه في الوضوء - كخوفه في الغسل - يتعيّن التيمّم ، ويستفيد العرف من الروايات حكمه ، ولعلّ ذكر الغسل لأجل كون الخوف غالباً فيه .

وهنا طائفة اُخرى من الروايات ، وهي ما وردت في مورد خوف العطش ، كموثّقة سَماعة قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يكون معه الماء في السفر ، فيخاف قلّته ، قال : «يتيمّم بالصعيد ويستبقي الماء ؛ فإنّ اللّه عزّ وجلّ جعلهما طهوراً : الماء ، والصعيد»(1) .

وما عن الحلبي قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الجنب يكون معه الماء القليل ، فإن هو اغتسل به خاف العطش ، أيغتسل به ، أو يتيمّم ؟ فقال : «بل يتيمّم ، وكذلك إذا أراد الوضوء»(2) .

وخوف القلّة والعطش أعمّ من خوف الهلاك على نفس محترمة وغيره ، ولا يكون الخوف من الهلاك في تلك الأسفار وتلك الأمكنة في تلك الأعصار بعيداً قليلاً ، فحينئذٍ تدلّ الروايتان على تعيّن التيمّم ووجوب استبقاء الماء .

وأمّا صحيحة عبداللّه بن سِنان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إن خاف عطشاً

ص: 122


1- تهذيب الأحكام 1 : 405 / 1274 ؛ وسائل الشيعة 3 : 388 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 25 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 406 / 1275 ؛ وسائل الشيعة 3 : 388 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 25 ، الحديث 2 .

فلا يُهريق منه قطرة ، وليتيمّم بالصعيد ؛ فإنّ الصعيد أحبّ إليّ»(1) ، ورواية ابن أبي يعفور ، عنه علیه السلام - فيما إذا كان الماء بقدر شربه - قال : «يتيمّم أفضل ؛ ألا ترى إنّما جعل عليه نصف الطهور؟!»(2) فلا يراد بأفعل التفضيل إثبات الجواز والمحبوبية لإهراق الماء ، فإنّه - مضافاً إلى أنّ خوف العطش أعمّ من خوف التلف ، وفي فرضه لا يمكن تجويز الإهراق ، بل في فرض حصول الحرج أيضاً ، لا يكون الإيقاع في الحرج بإهراقه محبوباً ، كما عرفت - أنّ قوله علیه السلام : «لا يهريق منه قطرة» لا يناسب إثبات الفضل لإهراق جميعه بالاغتسال .

كما أنّ قوله في الثانية : «ألا ترى إنّما جعل عليه نصف الطهور؟!» - المراد منه التيمّم الظاهر في حصر جعل التيمّم عليه - لا يناسب كونه أفضل فردي التخيير .

ثمّ إنّه لا يبعد استفادة حرمة إيقاع الضرر على النفس من مجموع الروايات في موارد متفرّقة ، كأبواب الصوم الضرري والوضوء والغسل والتيمّم وغيرها .

ص: 123


1- الكافي 3 : 65 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 404 / 1267 ؛ وسائل الشيعة 3 : 388 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 25 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 65 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 389 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 25 ، الحديث 4 .
الأمر الرابع في صحّة الطهارة المائية عند تعيّن التيمّم
اشارة

هل يصحّ الوضوء أو الغسل في موارد تعيّن عليه التيمّم ؟ لا بدّ من البحث أوّلاً على مقتضى القواعد ، ثمّ النظر في مقتضى الأدلّة الخاصّة .

بيان مقتضى القواعد في المقام

فنقول : لا إشكال في صحّتهما إذا كان التعيّن لأجل توقّفهما على مقدّمة محرّمة ، كطيّ طريق مغصوب أو مخوف ، فلو عصى وأتى الماءَ تجب عليه المائية وتصحّ .

وأمّا إذا كان المحرّم من العناوين المتّحدة مع فعلهما ، فقد يقال بالبطلان بدعوى : «أنّ الفعل الخارجي الذي تعلّق به النهي وصحّ العقاب عليه ، لا يعقل أن يقع عبادة ؛ لتوقّفها على الأمر الممتنع تعلّقه بالمنهيّ عنه ؛ لتعذّر الامتثال ،

ولكون النهي ناشئاً عن قُبح الفعل بلحاظ مفسدته الملزمة القاهرة المقبّحة له ، فيقبح الأمر بإيجاده»(1) .

وفيه : أنّ هذه الدعوى تنحلّ إلى دعويين :

إحداهما : امتناع تعلّق الأمر والنهي بالفعل الخارجي ؛ إمّا لأجل الامتناع الذاتي للتضادّ بينهما ، أو العرضي لأجل تعذّر الامتثال .

ص: 124


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 153 .

وفيها : أ نّه قد فرغنا من جواز اجتماع الأمر والنهي ، وقلنا بأنّ الأوامر والنواهي متعلّقة بالطبائع ، لا المصاديق الخارجية ، بل ولا الوجودات العنوانية ، فموضوع تعلّق كلٍّ غير الآخر في وعاء تعلّقهما ، وظرف اتّحاد المتعلّقين هو الخارج ، ولا يمكن أن يكون ظرفَ تعلّقهما ؛ للزوم طلب الحاصل والزجر عنه ، وهو محال(1) .

فقوله : «الفعل الخارجي الذي تعلّق به النهي» إن كان المراد ظاهره فهو كما ترى ؛ فإنّ الفعل لا يصير خارجياً إلاّ بتحقّقه ووجوده ، وبعده لا يمكن تعلّق الأمر والنهي به .

وإن كان المراد الوجود العنواني كما لا يبعد ، فمع كونه خلاف التحقيق لا يلزم منه الامتناع ؛ لأنّ الوجود العنواني للمنهيّ عنه لا يتّحد مع الوجود العنواني للمأمور به ، وإنّما اتّحدا في المصداق الخارجي .

والحاصل : أنّ هاهنا اُموراً :

الأوّل : ماهية الوضوء والغسل وطبيعتهما ، وماهية الغصب والتصرّف في مال الغير .

الثاني : الوجود العنواني للقبيلتين .

والثالث : الإيجاد العنواني لهما .

والرابع : الوجود الخارجي العيني ، أو الإيجاد الخارجي .

لا إشكال في عدم لزوم الامتناع للتضادّ إذا تعلّق الأمر والنهي بالماهيات

ص: 125


1- مناهج الوصول 2 : 111 .

والطبائع - كما هو الحقّ المحقّق في محلّه مع دفع ما يتخيّل من الإشكال فيه(1) - لاختلافهما ذاتاً .

وكذا لو تعلّقا بالوجود العنواني أو الإيجاد كذلك ؛ لأ نّهما مفهوم الوجود والإيجاد المضاف الحاكي عن المعنون ، والمفهومان مختلفان متغايران في وعاء المفهومية لا اتّحاد بينهما . هذا مضافاً إلى أنّ تعلّقهما بهما خلاف التحقيق .

فلا يبقى إلاّ الوجود والإيجاد ؛ أي الخارجيان المتّحدان ، والمتّحد معهما كلّ العناوين الصادقة عليهما ، ولا ريب في امتناع تعلّقهما بهما .

لا يقال : إنّ الوجودات العنوانية - بل نفس الطبائع - إنّما تصير متعلّقة للأمر والنهي حال كونها مرآةً للخارج ؛ لعدم تعقّل تعلّقهما بالوجود الذهني بما هو كذلك ، ولا بالماهية من حيث هي ، فإنّها ليست إلاّ هي ، فمع المرآتية لا يمكن اجتماعهما ؛ للتضادّ أو لرؤيته(2) .

فإنّه يقال : - مضافاً إلى امتناع تعلّقهما بالعناوين المرآتية إن اُريد تعلّقهما بالمرئيّ دون المرآة ؛ لعين ما ذكر آنفاً إن كان للمرئيّ وجود وحقيقة ، وإلاّ فلا محالة يتعلّق بعنوان لا وعاء له إلاّ الذهن ، وفي هذا الوعاء لا يتّحدان واقعاً ولا في نظر المولى حتّى يلزم منه محذور - إنّ العناوين المرآتية لا يمكن أن تحكي إلاّ عن نفس الطبائع بوجودها الخارجي ، لا عن مقارناتها ومتّحداتها . فعنوان «الصلاة» لا يمكنه الحكاية عن الغصب أو الصلاة في الدار المغصوبة ؛ لعدم التناسب الحقيقي ولا الجعلي بينهما ، ولا يمكن أن يكون

ص: 126


1- مناهج الوصول 2 : 55 .
2- نهاية الأفكار 1 : 380 - 381 .

المرئيّ مغايراً ذاتاً لمرآته والمحكيّ لحاكيه .

والتحقيق : أنّ متعلّقهما هو نفس الطبائع والماهيات من حيث هي ، والهيئة دالّة - وضعاً أو عقلاً - على الإيجاد لتحصيل المكلّف الوجودَ الخارجي ، والتفصيل موكول إلى محلّه(1) .

وممّا ذكرنا يظهر : بطلان دعوى الامتناع عرضاً لتعذّر الامتثال ؛ ضرورة إمكانه بعد كون الطبائع مأموراً بها ومنهيّاً عنها ، وسيأتي ما في توهّم تعذّره عن قريب .

والدعوى الثانية : أ نّه يقبح الأمر بإيجاد ما هو القبيح ، فإنّ النهي ناشئ عن قبح الفعل بلحاظ مفسدته ، فالفعل قبيح ، ولا يمكن أن يتعلّق الأمر بما هو قبيح .

وفيها : أنّ الأمر متعلّق بطبيعة المأمور به ، وهي حسنة ، ولا يتعلّق بالغصب ولا بالوجود الخارجي المتّحد معه حتّى يكون قبيحاً ، ولا يمكن أن يتعدّى كلّ من الأمر والنهي عن متعلّقهما إلى مقارناته ومتّحداته ، فالأمر بالوضوء ليس إلاّ أمراً بهذه الطبيعة ، وهي ليست بمنهيّ عنها ، ولا مشتملة على مفسدة حتّى يكون التعلّق بها قبيحاً .

والظاهر أنّ الدعويين نشأتا من مبدأ واحد ؛ هو الخلط بين متعلّقات الأوامر والنواهي .

وقد تُقرّر الدعوى : «بأنّ إيجاد الفرد الخارجي يعرضه صفة الحسن أو القبح باعتبار جهته القاهرة ، فلا يكون ما يوجده المكلّف - من حيث صدوره منه - إلاّ حسناً أو قبيحاً على سبيل منع الجمع ؛ لامتناع توارد الوصفين المتضادّين على

ص: 127


1- مناهج الوصول 2 : 55 .

الفعل الخاصّ الصادر من المكلّف من حيث صدوره منه ، الذي لا يتّصف بشيء من الوصفين إلاّ من هذه الحيثية ، فالفرد الخارجي من الصلاة الذي يتحقّق به الغصب المحرّم على الإطلاق ، يمتنع أن يطلبه الشارع ؛ فإنّ الأمر بشيء في الجملة ينافي النهي عنه على الإطلاق»(1) .

وفيها : أنّ هذه الدعوى أيضاً تنحلّ إلى دعويين :

إحداهما : - وهي التي ذكرها أخيراً - ترجع إلى امتناع تعلّق الطلب بشيء في الجملة مع تعلّق النهي عنه مطلقاً .

وقد مرّ مورد الخلط فيها ، وقلنا : إنّ الأمر لا يمكن أن يتعلّق بغير عنوان متعلّقه ؛ وهو «الصلاة» في المثال ، كما أنّ النهي أيضاً لا يمكن أن يتعلّق بغير عنوان «الغصب» فلا يتّحد المتعلّقان في وعاء التعلّق ، والخارج ليس وعاءه .

وثانيتهما : أنّ الفعل الخارجي لا يمكن أن يكون حسناً وقبيحاً ؛ لأ نّهما وصفان متضادّان لا يمكن تواردهما على الفعل الخاصّ الصادر من المكلّف .

وفيها : أنّ الحسن والقبح ليسا من الأعراض والكيفيات الخارجية الحالّة في الموضوع - كالسواد والبياض - حتّى لا يكفي اختلاف الجهة في رفع التضادّ بينهما ، فقبح الظلم لا يكون له صورة خارجية حالّة في الجسم ، بل هو أمر عقلي منتزع من التصرّف عدواناً في مال الغير ، أو من قتل نفس محترمة عدواناً مثلاً ، وكذا حسن العدل ليس من الأعراض الخارجية ، بل من الانتزاعيات ، فيمكن أن يكون شيء خارجي ذا عناوين حسنة وقبيحة .

فالفعل الخاصّ الخارجي ليس قبحه لأجل كونه من مقولة خاصّة ، أو كونه

ص: 128


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 153 - 154 .

صادراً من فاعل كذا ، أو في وقت كذا ، أو حالاًّ في محلّ كذا ، مع أنّ كلّها عناوين متّحدة معه ، بل إنّما هو لأجل كونه ظلماً وعدواناً ، فإذا لم يَسْرِ قبحه إلى سائر الجهات ، وبقيت هي على ما هي عليه بلا اقتضاء للحُسْن والقبح ، يعلم أنّ القبح لا يسري من عنوانه وحيثيته إلى حيثية اُخرى وعنوان آخر ، وكذا الحسن .

فلا مانع من أن يكون عنوانا «الحسن» و«القبح» صادقين على موجود خارجي ، فيكون حسناً بوجه ، وقبيحاً بوجه ، والجهات في العقليات تقييدية ، فتكون الحيثيات بما هي موضوعةً للحسن والقبح ، فالصلاة في الدار المغصوبة حسنة بما هي صلاة ليست إلاّ ، والغصب في حال الصلاة قبيح ليس إلاّ ؛ من غير سراية ما لكلّ عنوان وحيثية إلى عنوان آخر وحيثية اُخرى .

وممّا ذكرنا يظهر النظر فيما يقال : من وقوع الكسر والانكسار في الجهات المقتضية ، وبعد قاهرية جهة يتمحّض الفعل في الجهة القاهرة ، فإذا كانت مقبّحة يتمحّض في القبح فقط ، فالفعل الخاصّ الصادر من المكلّف ، لا يكون إلاّ حسناً أو قبيحاً على سبيل منع الجمع(1) .

وذلك لما عرفت : من أنّ الفعل الخارجي مجمع لعناوين ، وله جهات ، فإذا فرض في إحدى عناوينه جهة مقبّحة ، وفي الاُخرى جهة محسّنة ، وفرض غلبة المقبّحة على المحسّنة ، لا توجب خروج الجهة المحسّنة عن كونها جهة محسّنة ؛ لأنّ معنى قاهرية إحدى الجهتين ، ليس سراية القبح منها إلى الجهة التي هي حسنة ، بل لا يكون إلاّ كتقديم الأهمّ على المهمّ ، والفارق الذي بينهما ليس

ص: 129


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 153 .

فارقاً من الجهة المنظورة عقلاً ؛ لأنّ شأن العقل تحليل الجهات وتكثير الحيثيات

وعدم الإهمال فيها .

وبالجملة : لا يعقل أن تكون نتيجة الكسر والانكسار إعدام الجهة المقهورة ، فما فيه الجهتان يكون كلٌّ منهما ممحّضاً فيما هو شأنه ، فالوضوء من الماء المغصوب والصلاة في الدار المغصوب - مع قاهرية حيثية الغصب على حيثيتهما - لا يمكن أن يخرجا عن الجهة المحسّنة التي فيهما بعنوانهما وحيثيتهما الذاتية ؛ وإن حكم العقل بلزوم تركهما والأخذ بما هو ذو جهة قاهرة .

ونحن الآن بصدد بيان مقتضى حكم العقل ، لا الترجيحات التي وقعت من الشارع في مقام التشريع ، بل الكلام بعد التشريع على العناوين واتّفاق اتّحادها في الخارج ، فلا يرد علينا الإشكال : بأنّ الشارع إذا رجّح إحدى الجهتين على الاُخرى في مقام التشريع ، فليس للمكلّف الأخذ بالجهة المرجوحة ، فليس النظر في قاهرية بعض الجهات على بعضها في مقام تشريع الأحكام ، بل في القاهرية التي يدركها العقل بعد التشريع في أحد التكليفين ، والتحقيق فيها ما عرفت .

وبالتأمّل فيما ذكرنا ينحلّ سائر الشبهات ، كامتناع كون شيء واحد شخصي مقرّباً ومبعّداً ، وذا مصلحة ومفسدة . . . إلى غير ذلك .

كما أ نّه ممّا ذكرنا ظهر وجه الصحّة في المسألة الاُخرى :

وهي ما إذا توقّف فعل الوضوء أو الغسل على مقدّمة مقارنة محرّمة ، بل الأمر هاهنا أوضح ؛ فإنّ ذات الوضوء والغسل لا تتّحدان مع المحرّم حتّى يأتي فيه بعض ما تقدّم مع جوابه .

ص: 130

نعم ، قد يقال هاهنا بأنّ الأمر بما يتوقّف على القبيح قبيح ، كالأمر بالقبيح بل هو هو ؛ فإنّ الأمر بالشيء يقتضي إيجاب ما يتوقّف عليه ، ولا أقلّ من أ نّه يقتضي جوازه ، والمفروض حرمة المقدّمة ، فيمتنع أن يكون ما يتوقّف عليها واجباً (1) .

وفيه : أ نّه إن اُريد بالامتناع ما يلزم من اجتماع الأمر والنهي ، فمع الغضّ عن عدم وجوب المقدّمة ، أ نّه قد ذكرنا في محلّه : أنّ ما هو الواجب - على فرضه - هو المقدّمة الموصلة بما هي كذلك ؛ أي حيثية ما يتوصّل به إلى ذي المقدّمة ، فيكون الوجوب متعلِّقاً بهذا العنوان ، لا ذات المقدّمة ، ولا عنوان «ما يتوقّف عليه

ذو المقدّمة» وقد دفعنا الإشكالات التي أوردوها على صاحب «الفصول» رحمه الله علیه

ونقّحنا مقصده بما لا مزيد عليه ، فراجع(2) .

فحينئذٍ نقول : إنّ ما يتعلّق به الأمر الغيري ليس هو عنوان «الاغتراف» ولا الاغتراف الذي هو موصل ، بل عنوان «الموصل» بما هو كذلك ، وهو متّحد الوجود مع الاغتراف الخارجي ، المتّحد مع كونه من الآنية المغصوبة ، أو آنية الذهب والفضّة ، وما هو المحرّم هو عنوان «التصرّف في مال الغير بلا إذنه واستعمال الآنيتين» المتّحدان في الخارج ، فيندفع الإشكال بما دفعناه في المسألة الاُولى .

وبما ذكرنا يظهر دفع توهّم قبح تعلّق الأمر بما يتوقّف على مقدّمة محرّمة ؛ لمنع القبح على فرض ، ومنع التعلّق على آخر ، ويتّضح بالتأمّل فيما مرّ ،

ص: 131


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 155 .
2- مناهج الوصول 1 : 325 .

فلا نعيده ، وأمّا سائر الإشكالات المتقدّمة فلا يتأتّى فيها .

وقد يقال : «بعدم إمكان تصحيح الوضوء المتوقّف على الاغتراف من الآنية المغصوبة ؛ لاشتراط تحقّقه في الخارج بقصد حصول عنوانه بداعي التقرّب ، فيكون القصد المحصّل لعنوانه من مقوّمات ماهية المأمور به ، فيشترط فيه عدم كونه مبغوضاً للشارع ، فغسل الوجه إنّما يقع جزءاً من الوضوء إذا كان الآتي به بانياً على إتمامه وضوءاً ، وهذا البناء ممّن يرتكب المقدّمة المحرّمة ، قبيح يجب هدمه والعزم على ترك الوضوء بترك الغصب ، فلا يجوز أن يكون هذا العزم من مقوّمات العبادة ، بل العزم على ذي المقدّمة عزم على إيجاد مقدّمته إجمالاً ولدى التحليل ، لا أ نّه موقوف عليه»(1) .

وفيه : أنّ ما هو القبيح العزم على الغصب ، لا العزم على إتمام الوضوء ، وحكم العقل بلزوم ترجيح جانب الغصب وهدم العزم ، ليس لأجل كون الوضوء أو عزمه قبيحاً أو حراماً ، بل لأجل ترجيح الأهمّ ، فما هو من مقوّمات ماهية الوضوء ، هو العزم على الوضوء متقرّباً به إلى اللّه ، لا العزم على المعصية

والتصرّف في الآنية المغصوبة ، وما هو قبيح يجب هدمه هو هذا العزم ، لا الأوّل ، فلو فرض تحليل العزم إلى العزم على التصرّف عدواناً ، والعزم على الوضوء ، يكون الأوّل قبيحاً دون الثاني ، ولزوم هدم الثاني عقلاً ، ليس لقبحه وعدم إمكان وقوعه مقوّماً لماهية العبادة ، بل لاتّحاده مع الأوّل وحكم العقل بالترجيح .

هذا مع أنّ ما ذكره أخيراً : «من أنّ العزم على ذي المقدّمة ، عزم على مقدّمته

ص: 132


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 157 .

إجمالاً ولدى التحليل» لا يمكن المساعدة عليه ؛ ضرورة أنّ العزم والإرادة وغيرهما من الأوصاف ذات الإضافة ، إنّما يكون تشخّصها بمتعلّقاتها ، ومع كثرة المتعلّقات لا يمكن وحدتها ، فالعزم المتعلّق بالكون على السطح ، لا يمكن أن يصير متشخّصاً إلاّ بالوجود العنواني لذلك العنوان ، لا العنوان الآخر ، ولا يمكن أن يكون الوجودان مشخّصاً لإرادة واحدة .

مضافاً إلى أنّ مبادئ إرادة ذي المقدّمة غير مبادئ إرادة مقدّمته ، فإرادة ذي المقدّمة موقوفة على تصوّره والتصديق بفائدته . . . إلى آخر المبادئ ، وإرادة المقدّمة موقوفة على تصوّرها ، وتصوّر توقّف ذي المقدّمة عليها ، وكونها موصلة إليه ، والتصديق به . . . إلى آخرها ، فلا معنى لانحلال إرادة ذي المقدّمة إلى إرادتها ، وهو معلوم جدّاً ، فإذا اختلفت الإرادتان لا يبقى مجال للقول بقبح العزم على إتمام الوضوء ؛ ولو فرض لزوم إرادة اُخرى بمقدّماتها لحصول المعصية .

وبما ذكرنا ظهر فساد ما ربّما يقال : «لا يعقل الأمر بالوضوء مع المقدّمة المحرّمة المنحصرة ؛ للزوم الأمر بما يلازم الحرام ، وهو قبيح ، بل محال مع بقاء النهي على فعليته ، كما هو المفروض»(1) .

لما عرفت(2) من تعلّق الأمر والنهي بالعناوين ، وعدم سراية حكم كلٍّ إلى الآخر وإن اتّحدا في الخارج ، ولا يكون الحاكم ناظراً في مقام جعل الحكم إلى حال الخارج ، وحال مقارنات الموضوع في ظرفه ، وكيفية الامتثال ، وترجيح

ص: 133


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 155 .
2- تقدّم في الصفحة 125 .

الراجح على المرجوح ، بل الحاكم فيها هو العقل . بل لو ورد حكم في هذا المقام

من الشارع ، لا يكون إلاّ إرشاداً إلى حكم العقل ، أو إرشاداً إلى أهمّية أحد التكليفين .

نعم ، إذا كان بين العنوانين تلازم ، لا يمكن جعل الحكمين المتضادّين عليهما ؛ لامتناع الامتثال ، ولكنّه خارج عن محطّ البحث .

ثمّ إنّه قد يقال في تصوير الأمر بالوضوء في المقدّمة المقارنة بالترتّب ، لا بأن يكون العصيان الخارجي شرطاً فيه ؛ لأ نّه متأخّر عن الشروع في الفعل ، ويمتنع تقدّم المعلول على علّته ، ولا بأن يكون العزم على المعصية شرطاً للوجوب ؛ فإنّ العزم عليها لا يبيحها ، ولا يخرج فعلها عن كونه مقدّمة لإيجاد ذي المقدّمة حتّى يتنجّز التكليف به على تقدير حصول العزم ، بل يجب عليه نقض العزم وترك المحرّم ، لا إيجاد ما يقتضيه .

بل عنوان كونه عاصياً في الواقع شرط ؛ بمعنى أنّ الطلب الشرعي تعلّق بمن يعصي في فعل المقدّمة ، ويقدر على إيجاد المأمور به ، فعزمه على المعصية طريق لإحراز كونه من مصاديق هذا العنوان ؛ من دون أن يجب عليه تحصيله(1) .

وفيه : أنّ كشفه عن تحقّق عنوان كونه ممّن يعصي مَن عزمه المعصية ، لا يوجب سقوط النهي المتعلّق بالمقدّمة ، ومع تحقّق النهي الفعلي لا يمكن الأمر بها بناءً على هذا المبنى ، فكما أنّ العزم على المعصية لا يبيحها ، ويجب عليه نقضه وترك المعصية ، كذلك العزم الكاشف عن المعصية ، وكذا صدق

ص: 134


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 156 .

عنوان كونه ممّن يعصي لا يوجب إباحتها وسقوط النهي ، بل يجب عليه نقض العزم وهدم العنوان .

وبالجملة : إذا كان القبيح أو الممتنع ، تعلّق الأمر بالوضوء اللازم منه تعلّق الأمر بمقدّماته المحرّمة أو تجويزها ، لا يمكن التخلّص عنهما في المقدّمات المقارنة بالترتّب ؛ سواء جعل الشرط المعصية ، أو عزمها ، أو عنوان من يعصي . لكن التحقيق ما عرفت من دون لزوم تكلّف .

حكم مزاحمة الطهارة المائية لواجب أهمّ

وممّا ذكرنا يظهر الحال في مسألة اُخرى : وهي ما إذا زاحمت الطهارة المائية

واجباً أهمّ ، لا لأجل الترتّب المعروف الذي فرغنا عن إبطاله في الاُصول(1) ، بل لأجل عدم امتناع تعلّق الأمرين بعنوانين متزاحمين في الوجود ؛ سواء كانا من قبيل الأهمّ والمهمّ أو لا ؛ لأنّ الأوامر متعلّقة بنفس الطبائع ؛ من غير سراية إلى الخصوصيات الفردية .

وأنّ الإطلاق - بعد تمامية مقدّماته - ليس كالعموم في تعلّق حكمه بالأفراد ، بل مقتضاه بعدها كون نفس الطبيعة تمام الموضوع ؛ بلا دخالة شيء آخر من الخصوصيات الفردية والحالات الطارئة .

وأنّ الأدلّة غير ناظرة إلى حال المتزاحمات ولا حال علاجها ، فإطلاق دليل المتزاحمين شامل لحال التزاحم ؛ من غير أن يكون ناظراً إلى التزاحم وعلاجه .

ص: 135


1- مناهج الوصول 2 : 23 .

وأنّ الأحكام القانونية تعمّ العاجز والقادر والعالم والجاهل ؛ من غير تقييد بحال دون حال .

وأنّ الأمر بكلٍّ من المتزاحمين أمر بالمقدور ، والجمع غير مقدور ، وهو ليس بمأمور به ، ففي المتزاحمين أمران كلٌّ تعلّق بمقدور ، لا أمر واحد بالجمع الذي هو غير مقدور .

فتحصّل من تلك المقدّمات التي فصّلناها في محلّها (1) : أنّ لدليل المتزاحمين إطلاقاً يشمل حال التزاحم من غير تقييد ، وإنّما يحكم العقل بلزوم الأخذ بالأهمّ وترك المهمّ مع كونه مأموراً به ، فيكون المكلّف - بحكم العقل - معذوراً في ترك التكليف الفعلي بالاشتغال بالأهمّ ، ومع ترك الأهمّ والإتيان بالمهمّ ، أتى بالمأمور به ويثاب عليه ، ولم يكن معذوراً في ترك الأهمّ ، فيستحقّ العقوبة على تركه ، ومع تركهما يستحقّ العقوبة عليهما ؛ لتركه كلاًّ من التكليفين المقدورين بلا عذر . والتفصيل يطلب من محلّه(2) .

ثمّ إنّ الصحّة لا تتوقّف على تصوير الأمر ، بل تصحّ العبادة مع عدمه ، بل لا يبعد القول بها مع الالتزام بكون الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه ؛ لعدم اقتضاء النهي الغيري الفساد .

وكيف كان : لا إشكال في صحّة الوضوء مع الابتلاء بالمزاحم .

هذا كلّه حال تلك المسائل من ناحية حكم العقل .

ص: 136


1- مناهج الوصول 2 : 15 - 23 .
2- مناهج الوصول 2 : 21 - 22 .
بيان مقتضى الأدلّة النقلية في المقام
اشارة

وأمّا حالها بالنظر إلى الأدلّة النقلية ، فلا بدّ لبيانها من إفراز بعض المسائل التي وردت فيها النصوص :

المسألة الاُولى في بطلان الطهارة المائية في موارد سقوطها بدليل نفي الحرج
اشارة

الأقرب بطلان الوضوء والغسل في الموارد التي سقطا بدليل العسر والحرج ، والدليل عليه التعليل المستفاد من الآية الكريمة الواردة في الصوم ، قال تعالى : )شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّه ُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ((1) .

مفاد الآية الكريمة :

والمحتمل بحسب التصوّر أن يكون مفادها حرمة صوم المريض والمسافر ؛ لجهة إرادة اليسر ، أو لجهة عدم إرادة العسر .

وأن يكون إبقاء اليسر وعدم هدمه واجباً ، لا عنوان الصوم العسير حراماً .

وأن يكون إيقاع العسر على النفس حراماً بعنوانه .

فعلى الاحتمالين الأخيرين لا يلزم بطلان الصوم ؛ لما مرّ من عدم بطلان

ص: 137


1- البقرة (2) : 185 .

العبادة المتّحدة مع عنوان محرّم(1) ، وكذا إذا كانت العبادة ضدّ الواجب .

وعلى الاحتمال الأوّل يقع باطلاً ؛ لتعلّق الحرمة بنفس العبادة .

وهنا بعض احتمالات اُخر منفيّ بما يأتي .

والأقرب من بينها هو الاحتمال الأوّل ؛ إمّا لمفهوم قوله : )فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ

الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ( بناءً على كون مفهومه : «ومن لم يشهد فلا يصمه» وأصل المفهوم وكذا كونه كذلك وإن كان محلّ مناقشة في الاُصول(2) ، لكن لا يبعد مساعدة العرف عليهما فيما إذا كان الجزاء من قبيل الهيئة ، لا المعنى الاسمي ؛ للفرق عرفاً بين أخذ المفهوم من قوله : «فمن شهد منكم الشهر فيجب عليه الصيام» حيث إنّ المفهوم : «لا يجب عليه» وبين ما في الآية ، فلا يبعد أن يكون مفهومه : «فلا تصمه» .

وتؤيّده - بل تدلّ عليه في المورد - رواية عبيد بن زرارة التي لا يبعد أن تكون حسنة برواية الصدوق(3) ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : قوله تعالى :

ص: 138


1- تقدّم في الصفحة 125.
2- مناهج الوصول 2 : 158 .
3- والوجه فيه : وقوع الحكم بن مسكين في طريق الصدوق رحمه الله إلى عبيد بن زرارة ، فإنّه قال في مشيخته : «وما كان فيه عن عبيد بن زرارة فقد رويته عن أبي رضى الله عنه ، عن سعد بن عبداللّه ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن الحكم بن مسكين الثقفي ، عن عبيد بن زرارة بن أعين وكان أحول» . وأمّا الرواية بطريق الكليني فضعيفة بعبدالعزيز العبدي، فإنّه رواها عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبدالعزيز العبدي ، عن عبيد بن زرارة . الفقيه ، المشيخة 4 : 31 ؛ تنقيح المقال 1 : 360 / السطر 28 ، و2 : 155 / السطر13 (أبواب العين) .

)فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ( ؟

قال : «ما أبيَنَها! من شهد فليصمه ، ومن سافر فلا يصمه»(1) .

وفي «مجمع البيان» : «فيه وجهان : أحدهما : فمن شهد منكم المصر وحضر ولم يغب في الشهر - والألف واللام في )الشَّهْرَ( للعهد ، والمراد به شهر رمضان - فليصم جميعه . وهذا معنى ما رواه زرارة عن أبي جعفر علیه السلام أ نّه قال لمّا سُئل عن هذه الآية : «ما أبينها لمن عقلها!» قال : «من شهد شهر رمضان فليصمه ، ومن سافر فيه فليفطر(2) »(3) .

وإمّا لإطلاق قوله : )وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ(

حيث دلّت على أنّ نفس المرض والسفر توجب عدّة من أيّام اُخر ؛ من غير دخالة شيء آخر من إفطار أو غيره فيه .

فإذا كان المكلّف مريضاً أو مسافراً في الشهر ، تأتي على عهدته عدّة أيّام اُخر بدل شهر رمضان ، ولا شبهة في أنّ هذه العدّة قضاء شهر رمضان ؛ لما يستفاد من الآية من أنّ الواجب الأصلي هو صيام الشهر ، ومع طروّ العنوانين يتبدّل بعدّة من غيره ، فإذا وجب القضاء بمجرّد طروّهما ، فلا بدّ وأن يقع الصوم معهما باطلاً ، وإلاّ فيلزم إمّا إيجاب البدل ولو على فرض إيجاد المبدل منه وصحّته ، أو تقدير

ص: 139


1- الكافي 4 : 126 / 1 ؛ الفقيه 2 : 91 / 404 ؛ تهذيب الأحكام 4 : 216 / 627 ؛ وسائل الشيعة 10 : 176 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ، الباب 1 ، الحديث 8 .
2- تفسير العيّاشي 1 : 81 / 187 ؛ مستدرك الوسائل 7 : 373 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ، الباب 1 ، الحديث 2 .
3- مجمع البيان 2 : 498 .

في الآية وتقييد بلا دليل وحجّة ؛ بأن يكون المعنى : «ومن كان مريضاً أو على سفر وأفطر» .

وتؤيّده رواية الزُهري ، عن علي بن الحسين علیهما السلام في حديث قال : «وأمّا صوم السفر والمرض فإنّ العامّة قد اختلفت في ذلك ؛ فقال قوم : يصوم ، وقال آخرون : لا يصوم ، وقال قوم : إن شاء صام ، وإن شاء أفطر ، وأمّا نحن فنقول : يفطر في الحالين جميعاً ، فإن صام في حال السفر أو في حال المرض فعليه القضاء ؛ فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقول : )فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ(فهذا تفسير الصيام»(1) .

فحكم بوجوب القضاء عليهما وإن صاما ؛ مستدلاًّ بالآية ومستظهراً منها من دون إعمال تعبّد ، وقد عرفت أنّ ذلك مقتضى إطلاقها .

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ المستفاد من الآية أنّ صوم المريض والمسافر بعنوانهما محرّم باطل ، ويظهر منها تعليله بإرادة اليسر وعدم إرادة العسر على الاُمّة ، فيجب التعميم بمقتضى العلّة المنصوصة .

ثمّ يقع الكلام في أنّ القضايا المعلّلة المعمّمة ، هل تكون ظاهرة في أنّ الحكم لحيثية العلّة ، كما يقال في الأحكام العقلية : «إنّ الحيثيات التعليلية عناوين للموضوعات»(2) فيكون حكم العرف كحكم العقل ؟

أو أنّ الظاهر كون عنوان الموضوع ما اُخذ في ظاهر القضيّة المعلّلة ، وما اُخذ

ص: 140


1- الكافي 4 : 83 / 1 ؛ الفقيه 2 : 46 / 208 ؛ وسائل الشيعة 10 : 174 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ، الباب 1 ، الحديث 2 .
2- نهاية الدراية 2 : 133 .

علّةً واسطة في ثبوت الحكم لموضوعه ، فقوله : «الخمر حرام ؛ لأ نّه مُسكر» ظاهر عرفاً في أنّ موضوع الحرمة هو الخمر ، وكونه مُسكراً واسطة لتعلّقها به ؟

الأقرب هو الثاني ؛ فإنّ الأوّل حكم عقلي دقيق برهاني ، لا عرفي عقلائي ؛ إذ لا إشكال في أنّ العرف يرى في تلك القضايا اُموراً ثلاثة : الموضوع ، والحكم ، وواسطة ثبوته له .

فتحصّل ممّا ذُكر : أنّ المتفاهم من الآية أنّ صوم المريض والمسافر حرام بعنوانه ؛ لأجل إرادة اليسر ، والظاهر بحسب فهم العرف أنّ القضايا المفهومة من تعميم التعليل - كالقضيّة الأصلية المعلّلة - لها موضوع ، وحكم ، ووسط ، فقضيّة تعميم التعليل في قوله : «الخمر حرام ؛ لأ نّه مسكر» أنّ الفُقّاع والنبيذ كذلك بعنوانهما لكونهما مسكرين ؛ فإنّ الحكم في الفرع تابع لأصله ، فاحتمال كون الحكم في الفرع لحيثية الإسكار ، وكون الشيء مسكراً بما هو كذلك ، ضعيف مخالف لفهم العرف والعقلاء .

فظهر ممّا مرّ : أنّ مقتضى تعميم العلّة بنحو ما مرّ ، أنّ ما يلزم منه الحرج والعسر بعنوانه حرام ، فالوضوء الحرجي والغسل العسير بعنوانهما حرام ، فيقعان باطلين .

هذا مضافاً إلى أنّ قوله في آية التيمّم : )وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ . . .(

إلى قوله : )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً((1) كقوله في آية الصوم : )وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً

أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ( فكما أنّ مجرّد السفر صار سبباً لعدّة اُخرى

ص: 141


1- المائدة (5) : 6 .

من غير دخالة شيء آخر كما مرّ(1) ، كذلك الظاهر أنّ المرض بنفسه سبب لإيجاب التيمّم ، وكذا في سائر الأعذار إن عمّمناها بالنسبة إليها .

بل يمكن الاستشهاد على المقصود بتمسّك الأئمّة علیهم السلام بآية الصوم للحرمة تارة بمفهوم قوله : )فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ( كما في روايتي زرارة وابنه ، واُخرى بقوله : )فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ( كما في رواية الزُهري ، مع كونها في مقام الامتنان ، وسياقها كسياق آية التيمّم ، فلو كان الأمر في الرفع امتناناً -

كما ذكره المتأخّرون من عدم الدلالة على العزيمة ولا البطلان على فرض التخلّف(2) - لما كان وجه لتمسّكهم علیهم السلام بها في مقابل من ذهب إلى الرخصة ، فيستشعر منه

أنّ جعل التيمّم بدل الوضوء عزيمة ، كجعل عدّة من أيّام اُخر بدل صوم المسافر .

هذا كلّه في مفاد الآية الكريمة .

مفاد رواية يحيى بن أبي العلاء

ويأتي الكلام المتقدّم في مثل رواية يحيى بن أبي العلاء ، عن أبي عبداللّه علیه السلام

- وسند الشيخ الصدوق إليه(3) كالصحيح ، لكن لم يرد في يحيى توثيق ، واحتمل

ص: 142


1- تقدّم في الصفحة 139 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 150 ؛ العروة الوثقى 2 : 171 ، مسألة 18 ؛ مستمسك العروة الوثقى 4 : 331 .
3- رواها الشيخ الصدوق ، عن يحيى بن أبي العلاء ، عن أبي عبداللّه عليه السلام وقال في مشيخته : «وما كان فيه عن يحيى بن أبي العلاء فقد رويته عن محمّد بن الحسن رضى الله عنه ، عن الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن أبان بن عثمان ، عن يحيى بن أبي العلاء» . وقوله : «كالصحيح» إشارة إلى كلامٍ في مذهب أبان بن عثمان . الفقيه ، المشيخة 4 : 88 ؛ تنقيح المقال 1 : 5 / السطر 34 ؛ مقباس الهداية 1 : 176 .

بعضهم أن يكون متّحداً مع يحيى بن العلاء الثقة(1) ، وهو غير ثابت - قال : «الصائم في السفر في شهر رمضان كالمفطر فيه في الحضر» .

ثمّ قال : «إنّ رجلاً أتى النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال : يا رسول اللّه ، أصوم شهر رمضان في السفر ؟ فقال : لا ، فقال : يا رسول اللّه ، إنّه عليّ يسير ، فقال رسول اللّه : إنّ اللّه تصدّق على مرضى اُمّتي ومسافريها بالإفطار في شهر رمضان ، أيُحبّ أحدُكم لو تصدّق بصدقة أن تردّ عليه صدقته ؟!»(2) .

فيأتي فيها الاحتمالات المتقدّمة(3) ، إلاّ أنّ العنوان هاهنا ردّ الصدقة ، وأقرب الاحتمالات هاهنا أيضاً حرمة عنوان الصوم بعلّية كونه ردّ الصدقة . ويأتي فيها الكلام في التعميم الذي ذكرنا في الآية .

نعم ، هنا كلام آخر : وهو أنّ ظاهر الآية أنّ العلّة لحرمة الصوم ، إرادة اللّه اليسر بالعباد ، وظاهر الرواية وبعض روايات اُخر(4) أنّ العلّة كونه ردّ الصدقة ، والظاهر عدم التنافي بينهما ، ولا مجال لتفصيله .

ص: 143


1- راجع تنقيح المقال 3 : 308 / السطر 24 ، و : 319 / السطر 28 ( أبواب الياء) .
2- الكافي 4 : 127 / 3 ؛ الفقيه 2 : 90 / 403 ؛ تهذيب الأحكام 4 : 217/ 630 ؛ وسائل الشيعة 10 : 175 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ، الباب 1 ، الحديث 5 .
3- تقدّمت في الصفحة 137 - 138 .
4- وسائل الشيعة 10 : 174 ، كتاب الصوم ، أبواب من يصحّ منه الصوم ، الباب 1 ، الحديث 4 و12 .
نكتة اُخرى تقتضي بطلان الصلاة مع المائية

ثمّ اعلم : أنّ هاهنا نكتة اُخرى في باب التكاليف الحرجية ؛ وهي أ نّه لو سُلّم

عدم دلالة ما دلّ على نفي الحرج على بطلان متعلّقات التكاليف النفسية الحرجية - إمّا بدعوى بقاء الجواز بل الرجحان مع رفع الإلزام ؛ لأجل أنّ الواجب عبارة عن الأمر بالشيء مع عدم الرخصة بالترك ، ودليل نفي الحرج يرفع عدم الرخصة ، ويبقى الأمر مع الرخصة فيه ؛ وهو الاستحباب ، أو لكفاية ما يقتضي الطلب ومحبوبية الفعل لصحّته - لكن إذا كان شرط المأمور به أو جزؤه حرجياً فلا يُسلّم ذلك ؛ لأنّ مقتضى نفي الحرج نفي الشرطية والجزئية ، فيكون المأموربه هو الفاقد لهما ؛ سواء قلنا بإمكان تعلّق الرفع والجعل بهما استقلالاً كما

هو التحقيق(1) ، أو قلنا بامتناعه ولزوم رفع الأمر عن المقيّد والمركّب الواجد ، وتعلّق أمر آخر بفاقدهما (2) . وعلى أيّ تقدير يكون المأمور به فعلاً هو الطبيعة

الفاقدة .

ولو بدّل الشرط أو الجزء بآخر ، يكون المأمور به فعلاً هو الطبيعة المتقيّدة بالبدل أو المشتملة عليه ، لا المبدل منه ، فيكون الإتيان به مع الجزء الساقط زيادةً في المأمور به الفعلي ، والاكتفاء به مع فرض التبديل غيرَ مجزٍ عن الواقع ؛ وهو المأمور به الفعلي . ومجرّد اقتضاء الجزئية أو الشرطية لا يوجب عدمَ الزيادة ، وجوازَ ترك الشرط الفعلي والجزء كذلك ، والاكتفاءَ بما فيه الاقتضاء .

ص: 144


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 72 .
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 392 - 393 .

فالصلاة المشروطة بالتيمّم أو بالطهارة الحاصلة منه ، هي المأمور بها فعلاً ، ولم تكن مشروطة بالوضوء والغسل ، والآتي بها معهما آتٍ بغير شرطها ، وكذا في تبديل الجزء .

ودعوى حصول الطهارة التي من الترابية ، من الغسل والوضوء مع شيء زائد ؛ لأ نّها مرتبة كاملة من الطهارة ، غير متّضحة الدليل . ومجرّد كون المائية أكمل من الترابية في تحصيل الغرض ، لا يوجب وحدتَهما واقعاً واختلافَهما بالشدّة والضعف ؛ لإمكان أن تكونا صنفين أحدهما أفضل من الآخر ، فلا يحصل من أحدهما ما يحصل من الآخر .

مع أنّ في أصل دعوى كون الشرط أمراً معنوياً حاصلاً منهما كلاماً ؛ لقوّة احتمال أن يكون الطهور عبارة عن الوضوء والغسل والتيمّم ، لا أمراً حاصلاً منها ، ولا تبعد أقربية ذلك إلى ظواهر الأدلّة وكلمات الأصحاب . ومثل قوله : «التراب أحد الطهورين»(1) و«يكفيك عشر سنين»(2) لا يدلّ على أ نّه أمر معنوي ، ولا على وحدتهما ذاتاً واختلافهما رتبة .

كما أنّ قوله : «الوضوء نور»(3) أو «نور وطهور»(4) لا يدلّ على كون الطهور أمراً معنوياً ؛ لو لم نقل بدلالته على الخلاف .

ص: 145


1- وسائل الشيعة 3 : 381 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 21 ، الحديث 1 ، وفيه «فإنّ التيمّم أحد الطهورين» .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 369 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 12 .
3- وسائل الشيعة 1 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 8 ، الحديث 8 ، وفيه «الوضوء على الوضوء نور على نور» .
4- لم نعثر على هذا النصّ في الجوامع الروائية المتوفّرة لدينا .

بل الظاهر من آية الوضوء(1) أنّ نفس تلك الأفعال أو العناوين شرط للصلاة ، وليس المراد بقوله )فَاطَّهَّرُوا(إلاّ الغسل بحسب وحدة السياق وفهم العرف ، خصوصاً مع قوله : )حَتَّى تَغْتَسِلُوا( في الآية الاُخرى(2) ، لا تحصيل طهارة معنوية .

فتحصّل ممّا ذكرنا : أنّ مقتضى دليل نفي الحرج رفع شرطية الطهارة المائية ، ومقتضى جعل التيمّم بدلاً اشتراط الصلاة به فعلاً ، وقضيّ-تهما بطلان الصلاة مع الاكتفاء بالمائية .

ولو قلنا بأنّ مقتضى دليل نفي الحرج رفع سببية الوضوء والغسل للطهارة ، ومقتضى جعل البدل جعل السببية له ، لكان البطلان أوضح مع الذهاب إلى أنّ الشرط هو الأمر الحاصل بها .

المسألة الثانية في صحّة الطهارة المائية في موارد سقوطها بغير دليل نفي الحرج

ما تقدّم حال أدلّة نفي الحرج ، وأمّا سائر الأدلّة الدالّة على عدم الوضوء أو الغسل - كما وردت في القرح والجرح والخوف على النفس ، مثل صحيحتي البزنطي وابن سرحان وغيرهما (3) ، وما وردت في مورد خوف العطش ، مثل

ص: 146


1- المائدة (5) : 6 .
2- النساء (4) : 43 .
3- وسائل الشيعة 3 : 347 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 7 و8 و1 .

صحيحة ابن سنان وموثّقة سَماعة وغيرهما (1) ، وما وردت في الركية وفرض إفساد الماء ، مثل صحيحة عبداللّه بن أبي يعفور(2) ، وما وردت في مورد خوف فوت الوقت ، مثل صحيحة زرارة(3) ؛ بناءً على ما قدّمناه من الاستفادة منها (4) - فالظاهر عدم استفادة بطلان المائية منها :

أمّا ما لا يتعلّق النهي فيها بالغسل ، بل تعلّق بعنوان خارج - كإفساد الماء أو عدم(5) إهراقه - فظاهر ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ الأمر بالتيمّم لأجل ترجيح أحد المتزاحمين - أي حرمة إفساد الماء ووجوب حفظ النفس - على الطهارة المائية ، فالأمر بالشرط الناقص ليس لأجل تبديل الكامل به وإسقاط شرطيته ، كما قلنا في نفي الحرج ، بل للمزاحمة الواقعة بين الأهمّ والمهمّ ، فيأتي فيه ما مرّ

في باب المتزاحمين(6) .

وأمّا ما تعلّق النهي في ظاهر الدليل بالغسل ، فهو أيضاً كذلك ؛ لأنّ المتفاهم من مجموعها أنّ النهي عنه ليس لمبغوضية فيه ، بل للإرشاد إلى الأخذ بأهمّ التكليفين ، فسبيل قوله في فرض القروح والجروح والمخافة على النفس : «لا يغتسل ، ويتيمّم» سبيل قولِه : «لا تقع في البئر ، ولا تفسد على القوم ماءهم» وقولِه : «إن خاف عطشاً فلا يهريق منه قطرة ، وليتيمّم بالصعيد» حيث

ص: 147


1- وسائل الشيعة 3 : 388 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 25 ، الحديث 1 و3 و2 .
2- وسائل الشيعة 3 : 344 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 3 ، الحديث 2 .
3- وسائل الشيعة 3 : 366 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 3 .
4- تقدّم في الصفحة 97 .
5- الظاهر زيادة كلمة «عدم» .
6- تقدّم في الصفحة 135 - 136 .

لا يفهم منها مبغوضية الغسل والوضوء بعنوانهما ، بل الظاهر أنّ المبغوض هلاك

النفس أو الواجب حفظها ، فلا يدلّ على البطلان . وقد م-رّ أنّ مقتضى القاعدة أيضاً الصحّة(1) .

نعم ، ما ذكرنا من الصحّة بمقتضى القاعدة أو بحسب سائر الأدلّة ، إنّما هو حيثي ، فإذا انطبق على مورد عنوان آخر يقتضي البطلان نحكم به ، كما إذا انطبق عنوان «الحرج» على مورد الضرر أو الخوف على النفس ؛ لما عرفت من أنّ مقتضى أدلّة نفي الحرج البطلان ، فيفصّل في الحكم به بين ما إذا انطبق على مورد عنوان «الحرج» وبين ما إذا انطبق عليه عنوان محرّم ، كالغسل في آنية الذهب والفضّة والوضوء ارتماساً فيها ، فيحكم بالبطلان في الأوّل دون الثاني .

وأوضح منه في الصحّة ما إذا تزاحم مع تكليف أهمّ ، كالوضوء في ضيق الوقت المزاحم لفعل الصلاة ، فإنّه صحيح من غير فرق بين أن يكون قصده امتثال الأمر المتعلّق به من ناحية هذه الصلاة على وجه التقييد وغيره ؛ لما ذكرنا (2) من أنّ ملاك عبادية الطهارات ، ليس الأمر الغيري من ناحية الأمر بالصلاة ؛ لعدم وجوب المقدّمة إلاّ عقلاً ، ولأنّ الطهارات بما هي عبادةٌ جعلت شرطاً ، فعباديتها مقدّمة على تعلّق الأمر الغيري على فرضه ، ولا منافاة بين الأمر الاستحبابي الذاتي والأمر الغيري ؛ لاختلاف العنوان ، فحينئذٍ لو جهل المكلّف وقصد الأمر الغيري ، أو قصد التقرّب به ، يقع قصده لغواً ، وعبادته صحيحة ؛ لعدم اعتبار شيء فيها إلاّ الرجحان الذاتي وقصد كونه للّه .

ص: 148


1- تقدّم في الصفحة 124.
2- تقدّم في الصفحة 11 .

نعم ، لو كان من قصده عدم التعبّد إلاّ بالأمر الغيري ، يقع باطلاً ولو في سعة الوقت ؛ لعدم وجوده ، وعدم كونه مقرّباً على فرضه .

إلاّ أن يقال : إنّه نحو انقياد للمولى ، وهو كافٍ في الصحّة ، فحينئذٍ لا يفرّق بين السعة والضيق .

الأمر الخامس في الإتيان بالمائية لعذر عند تعيّن التيمّم

لو قلنا في الموارد التي تعيّن عليه التيمّم بالحرمة والبطلان ، فأتى بالمائية

لعذر : من غفلة ، أو جهل بالموضوع ، أو بالحكم قصوراً ونحوها ، ففي صحّتها مطلقاً ، أو التفصيل بين الموارد ، وجهان أقواهما التفصيل بين الموارد التي استفدنا

من الأدلّة تقييد المكلّف به بغير المائية وإسقاط شرطيتها ، كما قلنا في مورد الحرج(1) ، فنحكم فيها بالبطلان ؛ لفقد ما هو شرط واقعاً ، ولا تأثير في العمد وغيره والعذر وغيره ، وبين الموارد التي قيل ببطلانها لأجل أنّ المبعّد القبيح لا يمكن أن يقع عبادة وصحيحاً ولو قلنا بجواز الاجتماع ؛ لأ نّه مع العذر لا يقع قبيحاً ومبعّداً ، فلا مانع من مقرّبيته . فالوضوء والغسل صحيحان ؛ لرجحانهما الذاتي ، بل فعلية الأمر بهما ، وعدمِ مانع آخر من صحّتهما ، فالوضوء في آنية الذهب وبالماء المغصوب صحيح .

هذا إذا قلنا بجواز الاجتماع .

ص: 149


1- تقدّم في الصفحة 146 .

وأمّا مع القول بامتناعه وترجيح جانب النهي ، فالصحّة تتوقّف على وجود الملاك في المتعلّق وإمكان مقرّبية الملاك المكسور ، وقد ذكرنا في محلّه : أنّ إمكان تحقّق الملاكين للشيء الواحد ، يهدم أساس الامتناع إذا كان ملاكه لزوم التكليف المحال ، لا التكليف بالمحال(1) ، فإنّ وجود الحيثيتين لحمل الملاكين إذا كان رافعاً للتضادّ بينهما ، يكون رافعاً للتضادّ بين الحكمين قطعاً ، فالقائل بالامتناع لا بدّ وأن يقول : بأنّ الحيثية التي تعلّق بها الأمر عين ما تعلّق به النهي ؛ حتّى يتحقّق التضادّ الموجب للامتناع ، ومع وحدة الحيثية لا يمكن تحقّق الملاكين ، ومع ترجيح جانب النهي يستكشف عدم ملاك الأمر في المتعلّق ، فيقع باطلاً حتّى مع الجهل وسائر الأعذار .

نعم ، إذا كان ملاك الامتناع التكليف بالمحال ، أو أغمضنا عن الإشكال والتزمنا بوجود الملاك ، فالظاهر وقوعه صحيحاً حتّى مع العلم ؛ لوجود الملاك وعدم تقوّم العبادة بالأمر ، بل يكون حاله حال المتزاحمين .

وما قيل : «من أنّ في باب التزاحم إنّما يتزاحم الحكمان في مقام الامتثال عقلاً بعد إنشائهما من قِبَل المولى ، وأمّا في باب الاجتماع فتتزاحم المقتضيات لدى المولى ، فلا تأثير لعلم المكلّف وجهله في وقوعه باطلاً»(2) .

غير وجيه ؛ لأنّ تقييد المولى أحد التكليفين بحال ، قد يكون لفقدان الملاك في غير هذا الحال ، وقد يكون لترجيح أحد الملاكين على الآخر ، فإن كان من قبيل الثاني ، يكون حكمه كحكم العقل في ترجيح الأهمّ على المهمّ ، وفي مثله

ص: 150


1- مناهج الوصول 2 : 106 .
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 431 .

لا مانع من الصحّة لو قلنا بكفاية الملاك ، والملاك المرجوح صالح للمقرّبية

والتقييد في مقام ترجيح الملاكات ، كالتقييد في مقام التزاحم لو قلنا : بأنّ الشارع

ناظر إليه ، أو أنّ العقل يقيّد الأدلّة .

وما قيل(1) : «من أنّ الملاك المكسور غير صالح للمقرّبية» إن كان المراد من «المكسورية» رفع الملاك أو نقصانه عمّا هو عليه بواسطة التزاحم ، فهو ممنوع ؛ لأنّ حامل الملاكات الحيثيات ، ولا يسري حكم حيثية إلى حيثية اُخرى .

وإن كان المراد مرجوحيته ، فهي لا توجب البطلان بعد فرض كفاية الملاك ولو لم يكن مأموراً به ، والتقييد بغير حال الاجتماع لا يستتبع نهياً فرضاً ، فالفعل وإن لم يكن مأموراً به ، لكن مشتمل على الملاك التامّ ، كاشتماله في غير مورد الاجتماع ، فيقع صحيحاً .

ص: 151


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 431 .

ص: 152

المبحث الثاني: فيما يتيمّم به
اشارة

ويتمّ ذلك في ضمن اُمور :

ص: 153

ص: 154

الأمر الأوّل: في اشتراط كونه أرضاً
اشارة

لا إشكال في اشتراط كونه أرضاً ، فلا يجوز بما هو خارج عن مسمّاها ، و«هو مذهب علمائنا» كما عن «المنتهى»(1) ، و«عليه الإجماع» كما عن «كشف اللثام»(2) ، و«لا نزاع فيه عندنا» كما عن «مجمع البرهان»(3) ، وادّعى عليه الإجماع في «الخلاف»(4) .

وعن «السرائر» : «أنّ الإجماع منعقد على أنّ التيمّم لا يكون إلاّ بالأرض ، أو ما يطلق عليه اسمها»(5) .

وفي «الخلاف» : «قال أبو حنيفة : كلّ ما كان من جنس الأرض أو

ص: 155


1- منتهى المطلب 3 : 55 .
2- كشف اللثام 2 : 449 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 220 .
4- الخلاف 1 : 134 - 135 .
5- السرائر 1 : 138 .

متّصلاً بها من الثلج والصخر (والشجر خ . ل) يجوز التيمّم به ، وبه قال مالك(1) » (2) انتهى .

وفي «مفتاح الكرامة» نسبة الجواز بالثلج إلى أبي حنيفة ، وبالنبات إلى مالك(3) . لكن في كتاب «الفقه على المذاهب الأربعة» : «الحنفية قالوا : إنّ الصعيد الطهور هو كلّ ما كان من جنس الأرض ، فيجوز التيمّم على التراب والرمل والحصى والحجر ولو أملس ، والسبخ المنعقد من الأرض ، أمّا الماء المنعقد - وهو الثلج - فلا يجوز التيمّم عليه ؛ لأ نّه ليس من أجزاء الأرض ، كما

لا يجوز التيمّم على الأشجار والزجاج والمعادن . . .»(4) إلى آخره .

واحتمال أن يكون مراده من الحنفية أصحاب أبي حنيفة وتابعيه لا نفسه بعيد ، بل عن ابن رشد عدم تجويز أبي حنيفة التيمّم بالثلج(5) .

وكيف كان : فلا إشكال في عدم جوازه بغير الأرض وما خرج عن مسمّاها ، بل ولا خلاف ظاهراً في حال الاختيار . وسيأتي حال التيمّم بالثلج عند الاضطرار(6) .

ص: 156


1- المحلّى بالآثار 1 : 378 ؛ المجموع 2 : 213 .
2- الخلاف 1 : 134 .
3- مفتاح الكرامة 4 : 374 .
4- الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 160 .
5- اُنظر بداية المجتهد 1 : 72 .
6- يأتي في الصفحة 225 .
تحديد ما يصحّ التيمّم عليه

ثمّ إنّه اختلفت كلمات أصحابنا - بعد اشتراط كونه أرضاً - على أقوال ، فقيل : «إنّه التراب الخالص» حُكي ذلك عن السيّد في «شرح الرسالة» والكاتب والتقيّ(1) بل عن ظاهر «الناصريات» و«الغنية» الإجماع عليه(2) .

وقيل : «إنّه كلّ ما يقع عليه اسم الأرض»(3) و«هو المشهور تحصيلاً» كما في «الجواهر» وعن «الكفاية» و«الحدائق»(4) ، وعن «الخلاف» و«مجمع البيان» وظاهر «التذكرة» الإجماع على الجواز بالحجر(5) ، وعن «مجمع البرهان» و«المفاتيح» و«كشف اللثام» : «هو مذهب الأكثر»(6) ، وعن «مجمع البرهان» : «ينبغي أن يكون لا نزاع فيه»(7) ، و«هو المشهور» كما عن «الكفاية»(8) .

وعن جمع التفصيل بين حال الاختيار والاضطرار(9) .

ص: 157


1- اُنظر جواهر الكلام 5 : 119 ؛ المعتبر 1 : 372 ؛ مختلف الشيعة 1 : 260 - 261 ؛ الكافي في الفقه : 136 .
2- مسائل الناصريات : 151 ؛ غنية النزوع 1 : 51 .
3- المبسوط 1 : 31 ؛ شرائع الإسلام 1 : 39 ؛ تحرير الأحكام 1 : 143 .
4- جواهر الكلام 5 : 118 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 43 ؛ الحدائق الناضرة 4 : 293 .
5- الخلاف 1 : 134 - 135 ؛ مجمع البيان 3 : 82 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 176 .
6- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 220 و222 ؛ مفاتيح الشرائع 1 : 61 ؛ كشف اللثام 2 : 455 .
7- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 220 .
8- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 43 .
9- المقنعة : 60 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 71 ؛ السرائر 1 : 137 .

ومنشأ اختلافهم اختلاف اجتهادهم في الاستنباط من الكتاب والسنّة . ولا شبهة أنّ الشهرة والإجماع في مثل هذه المسألة الاجتهادية المتراكمة فيها الأدلّة والآراء في دلالة الكتاب ، ليست حجّة مستقلّة ، فالأولى صرف الكلام إلى ظواهر الأدلّة :

الاستدلال بالكتاب في المقام

أمّا الكتاب ، فقد نزلت فيه آيتان كريمتان :

إحداهما : في سورة النساء ، وهي قوله تعالى : )وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ((1) .

وثانيتهما : في المائدة بعينها مع زيادة لفظة )مِنْهُ( بعد )وَأَيْدِيكُمْ((2) .

بيان المراد من «الصعيد»

وقد اختلفت كلمة أهل اللغة والعربية في معنى «الصعيد» فعن «العين» و«المحيط» و«الأساس» و«المفردات» للراغب وجمع آخر : «أ نّه وجه الأرض»(3) بل عن الزجّاج : «أ نّه لا يعلم اختلافاً بين أهل اللغة»(4) وعن

ص: 158


1- النساء (4) : 43 .
2- المائدة (5) : 6 .
3- كتاب العين 1 : 290 ؛ القاموس المحيط 1 : 318 ؛ أساس البلاغة : 254 ؛ مفردات ألفاظ القرآن : 484 ؛ المصباح المنير : 339 ؛ معيار اللغة 1 : 315 .
4- اُنظر معجم مقاييس اللغة 3 : 287 ؛ لسان العرب 7 : 344 .

«المعتبر» حكايته عن فضلاء أهل اللغة(1) .

وعن «البحار» : «أنّ الصعيد يتناول الحجر ، كما صرّح به أئمّة اللغة والتفسير»(2) ، وعن «الوسيلة» : «قد فسّر كثير من علماء اللغة الصعيد بوجه الأرض وادّعى بعضهم الإجماع عليه»(3) .

واستدلّ(4) بعضهم بكونه وجه الأرض بقوله تعالى : )فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً((5) وقول النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «يحشر الناس يوم القيامة حفاةً عراةً على صعيد واحد»(6) أي أرض واحدة ؛ لعدم تناسب التراب .

وعن جمع من أهل اللغة : «أ نّه التراب» ك- «الصحاح» والأصمعي وأبي عبيدة(7) بل عن ظاهر «القاموس» وبني الأعرابي وعبّاس وفارس(8) بل عن السيّد حكايته عن أهل اللغة(9) .

ص: 159


1- المعتبر 1 : 373 .
2- بحار الأنوار 78 : 143 .
3- لم نعثر عليه في الوسيلة ولكن نقل عنه في الجواهر ولعلّ الصحيح هو الوسائل . اُنظر جواهر الكلام 5 : 122 ؛ وسائل الشيعة 3 : 352 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 7 ، ذيل الحديث 7 .
4- المعتبر 1 : 373 ؛ جواهر الكلام 5 : 122 .
5- الكهف (18) : 40 .
6- المعتبر 1 : 373 .
7- الصحاح 2 : 498 ؛ اُنظر جمهرة اللغة 2 : 654 ؛ معجم مقاييس اللغة 3 : 287 .
8- القاموس المحيط 1 : 318 ؛ اُنظر تهذيب اللغة 2 : 8 ؛ تنوير المقباس من تفسير ابن عبّاس : 71 ؛ معجم مقاييس اللغة 3 : 287 .
9- اُنظر المعتبر 1 : 372 - 373 .

ويظهر من بعضهم الاشتراك اللفظي بين التراب الخالص ومطلق وجه الأرض ، بل والطريق لا نبات فيه ، قال في «مجمع البحرين» : «والصعيد : التراب الخالص الذي لا يخالطه سَبَخ ولا رمل نقلاً عن «الجمهرة»(1) . والصعيد أيضاً : وجه الأرض تراباً كان أو غيره ، وهو قول الزجّاج . . . حتّى قال : لا أعلم اختلافاً

بين أهل اللغة في ذلك ، فيشمل الحجر والمدر ونحوهما . والصعيد أيضاً : الطريق لا نبات فيها . قال الأزهري : ومذهب أكثر العلماء أنّ «الصعيد» في قوله تعالى : )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً( هو التراب الطاهر الذي على وجه الأرض ، أو خرج من باطنها»(2) انتهى ما في «المجمع» .

بل في «المنجد» : «الصعيد : التراب ، القبر ، الطريق ، ما ارتفع من الأرض»(3).

وما قيل : «إنّ الاشتراك اللفظي كذلك - أي بين مطلق وجه الأرض والتراب - بعيد ، بل إذا دار الأمر بين اللفظي والمعنوي يقدّم الثاني»(4) ناشئ من تخيّل أنّ وقوع الاشتراك اللفظي في الألسن من واضع واحد أو طائفة واحدة ، لكن الظاهر أنّ الاشتراك حاصل من ضمّ الطوائف بعضها إلى بعض ، واختلاط اللغات ، كاختلاط لغة العرب بالعجم ؛ لأجل سلطة الأعراب واختلاطهم مع غيرهم ، فربّما نسي بعض اللغات من إحدى الطائفتين ، وقامت اللغة الاُخرى مقامه ، وربّما بقيت اللغتان ، فبقي لمعنىً واحد لفظان أو أكثر من اختلاط الطوائف ، فيظنّ

ص: 160


1- جمهرة اللغة 2 : 654 .
2- مجمع البحرين 3 : 85 .
3- المنجد : 424 .
4- المعتبر 1 : 373 ؛ جواهر الكلام 5 : 127 .

من ذلك الاشتراك اللفظي البعيد أو المرجوح .

وكيف كان : لا يمكن لنا الاتّكال في معنى «الصعيد» على قول أهل اللغة مع هذا الاختلاف الفاحش بينهم ؛ فإنّ حجّية قولهم ؛ إمّا لحجّية قول أهل الخبرة ، فمع اختلافهم وتعارض أقوالهم تسقط عنها ، أو للاطمئنان والوثوق منه ، فلا يحصل معه . ودعوى الزجّاج عدم الاختلاف بين أهل اللغة ، يردّها قول من عرفت من كونه التراب الخالص ، أو الاشتراك بينه وبين غيره .

كما أنّ الاستدلال على كونه مطلق وجه الأرض بقول اللّه تعالى : )صَعِيداً

زَلَقاً( وقول النبي صلی الله علیه و آله وسلم في النبوي المتقدّم ، في غير محلّه ؛ لعدم جريان أصالة الحقيقة مع معلومية المراد والشكّ في الوضع ، وإنّما هي حجّة في تشخيص المراد بعد العلم بالوضع .

وكذا دعوى الانصراف إلى التراب الخالص - لكونه الفرد الغالب الشائع - في غير محلّها ، لمنع تحقّق الشيوع الموجب له ، كما أنّ «الأرض» لا تنصرف إليه .

وقد يستدلّ(1) لتشخيص المراد من «الصعيد» في الآية التي في المائدة بلفظة )مِنْهُ( بدعوى أنّ المتبادر منها هو المسح ببعض الصعيد ؛ لظهور رجوع الضمير إليه وعدم إمكان المسح بجميعه ، فلا بدّ من المسح ببعضه ، ولا يمكن ذلك إلاّ بإرادة التراب منه ؛ لحصول العلوق به ، دون الحجر ومثله ؛ سواء كان الاستعمال على وجه الحقيقة أو المجاز . والمقصود في المقام إثبات المطلوب ، لا إثبات المعنى الحقيقي .

وفيه : أنّ المحتمل بدواً فيها كون الضمير راجعاً إلى «الصعيد» وكون «مِنْ»

ص: 161


1- جواهر الكلام 5 : 120 .

ابتدائية ، وعليه يكون معنى الآية : «تيمّموا واقصدوا صعيداً ، فإذا انتهيتم إليه فارجعوا منه إلى مسح الوجوه والأيدي» فيكون الصعيد منتهى المقصود أوّلاً ، فإذا انتهى المكلّف إليه صار مبدأ الرجوع إلى عمل المسح ، فاستفيد منها عدم جواز مسح الوجه واليد على الأرض وعدم جواز التمرّغ والتمعّك ، كما فعل عمّار رضى الله عنه فكأنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم حين قال : «هكذا يصنع الحمار ، وإنّما قال اللّه عزّ وجلّ : )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً(»(1)

أراد تفهيم أنّ المستفاد من الآية خلاف ما فعله .

بل يستفاد منها كون اليد آلة المسح ، وطريق الاستفادة أ نّه إذا أمر بالمسح بعد الانتهاء إلى المقصد وهو الصعيد ، والرجوع منه إلى مسح الوجه والأيدي ، يعلم أنّ المسح باليد ؛ فإنّها الآلة المتعارفة للعمل ، وبهذا يعلم أنّ المسح بباطن الكفّ

لكونه الآلة المتعارفة ، وبعد كون باطنها آلته يعلم أنّ الممسوح غيره ، تأمّل . نعم

لا يستفاد منها أنّ الممسوح ظاهرها .

ولعلّ هذا الوجه بالتقريب المتقدّم ، أقوى الوجوه وأنسبها .

ويحتمل أن تكون «مِنْ» تبعيضية ، مع رجوع الضمير إلى «الصعيد» . كما يدّعي المدّعي ، فيكون المعنى : «وامسحوا بوجوهكم وأيديكم بعض الصعيد» فحينئذٍ لا يتّضح من الآية أنّ آلة المسح اليد ؛ لإمكان أن تكون الآلة نفس بعضه ؛ بأن يرفع حجراً أو مدراً ويمسح به ، أو يضع وجهه على الصعيد ويمسحه به ؛ لصدق مسح وجهه ببعض الصعيد ، بل لمّا كان بعض الصعيد هو الصعيد ؛ لصدق

ص: 162


1- السرائر 3 : 554 ؛ وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 9 .

الجنس على الكثير والقليل بنحو واحد ، فكأ نّه قال : «امسحوا بوجوهكم وأيديكم الصعيد» فيكون الصعيد آلة المسح أو الممسوح ، والماسحُ الوجهَ ، فيكون مناسباً لما صنع عمّار ، لكنّه تخيّل أنّ ما هو بدل الوضوء ، عبارة عن وضع الوجه والأيدي على الأرض ، وما هو بدل الغسل - بالمناسبة المرتكزة في ذهنه - عبارة عن مسح جميع البدن بالتراب ، كما يغسل بالماء .

وهذا الاحتمال مع بعده - لأنّ لازمه اعتبار زائد في الصعيد حتّى يخرجه عن المعنى الجنسي الشامل للقليل والكثير بنحو واحد ؛ وهو لحاظه مجموعاً ذا أبعاض ، وهو خلاف الظاهر ، ولأنّ الأصل في «من» الابتدائية ، على ما قالوا (1) ، والاستعمال في غيرها بضرب من التأويل ، ولأنّ ذكر المسح ببعضه غير محتاج إليه بعد عدم إمكانه بجميع ما يصدق عليه الصعيد ، بل غير محتاج إليه مع الإمكان أيضاً ؛ لأنّ طبيعة المسح توجد بأوّل مصداقه عرفاً ، والفرض أنّ «الصعيد» اسم جنس صادق على الكلّ وبعضه - لا يثبت مدّعاهم ؛ وهو كون المراد من «الصعيد» هو التراب :

أمّا أوّلاً : فلما عرفت من عدم دليل في ظاهر الآية على أنّ الماسح الكفّ ، بل يمكن أن يكون نفس الصعيد برفع بعضه إلى الوجه ، وهو يشعر بخلاف مطلوبهم، وأن يكون المراد مسح الوجه على الأرض ، نظير ما صنع عمّار . والمنظور الآن هو النظر في نفس الآية ، لا الأدلّة الخارجية والمرتكزات الحاصلة من معهودية كيفية التيمّم ، وإلاّ يكون مطلوبهم واضح البطلان ، كما يأتي التنبيه عليه(2) .

ص: 163


1- مغني اللبيب 1 : 419 ؛ القاموس المحيط 4 : 275 .
2- يأتي في الصفحة 168 .

وأمّا ثانياً : فلأنّ وجه الأرض لا ينحصر بالتراب والحجر حتّى يثبت مطلوبهم ، بل كثير من الأراضي يكون لها علوق مع عدم كونها تراباً ، كالجصّ والنورة والرمل ، بل والحجر المسحوق وغيرها .

ويحتمل أن تكون «مِنْ» للتأكيد ، كقوله تعالى : )مَا جَعَلَ اللّه ُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِ((1) ، وقوله : )وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ((2) ، فيكون المعنى : «فامسحوا بوجوهكم وأيديكم الصعيد» وهذا الاحتمال إن لم يكن أقرب من الاحتمال المتقدّم - لعدم لزوم التصرّف في «الصعيد» بما مرّ من لزومه على ذاك الاحتمال - فلا أقلّ من مساواته معه ، ويأتي فيه ما مرّ آنفاً في فرض ذاك الاحتمال .

وما قيل : «إنّ مجيء الحرف للتأكيد خلاف الظاهر ، والأصل أن تستعمل في معنى من المعاني» غير مسلّم إذا كان سائر المعاني خلاف ما وضع له ، كما يظهر منهم هاهنا من أنّ الأصل فيها الابتدائية ، بل عن السيّد : «أنّ كلمة «من» ابتدائية ، وأنّ جميع النحويّين من البصريّين منعوا ورود «من» لغير الابتداء»(3) .

نعم ، لو ثبت اشتراكها بين المعاني المذكورة لها ، يكون المجيء للتأكيد خلاف الأصل ، لكنّه غير معلوم .

ويحتمل أن تكون بدلية ، مع رجوع الضمير إلى «الماء» وهذا الاحتمال أيضاً لا يقصر من احتمال كونها تبعيضية .

ص: 164


1- الأحزاب (33) : 4 .
2- الزمر (39) : 75 .
3- مسائل الناصريات : 155 .

ويحتمل أن تكون ابتدائية ، والضمير راجعاً إلى «التيمّم» .

وأن تكون سببية ، والضمير راجعاً إلى الحدث المستفاد من سوق الآية .

أو يكون مساقها مساق قوله : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(1) . . . إلى غير ذلك من الاحتمالات التي بعضها أقرب من التبعيضية أو مساوٍ لها .

وقد يستدلّ(2) لتعيين المراد من الآية بصحيحة زرارة : أ نّه قال لأبي جعفر علیه السلام : ألا تخبرني من أين علمت وقلت : «إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين» ؟ . . . إلى أن قال : «فلمّا وضع الوضوء عمّن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحاً ؛ لأ نّه قال : )بِوُجُوهِكُمْ( ثمّ وصل بها )وَأَيْدِيكُمْ( ثمّ

قال : )مِنْهُ( أي من ذلك التيمّم ؛ لأ نّه علم أنّ ذلك أجمع لم يجرِ على الوجه ؛ لأ نّه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكفّ ، ولا يعلق ببعضها»(3) .

بدعوى : أنّ المراد من «التيمّم» ما يتيمّم به ؛ لبعد الرجوع إلى ذات التيمّم المستفاد من قوله : )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً( فيتناسب التعليل مع تبعيضية «مِنْ» فكأ نّه قال : «التيمّم من بعض الصعيد ؛ لعدم إجراء جميعه على الوجه ، لعلوقه ببعض اليد لا تمامها» فحينئذٍ يتمّ المطلوب ؛ وهو كون «الصعيد» : التراب .

ص: 165


1- الكافي 3 : 57 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 405 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 ، الحديث 2 .
2- اُنظر جواهر الكلام 5 : 120 - 121 .
3- الكافي 3 : 30 / 4 ؛ الفقيه 1 : 56 / 212 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 61 / 168 ؛ وسائل الشيعة 3 : 364 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 13 ، الحديث 1 .

ويرد عليه ما يرد على الاستدلال بالآية - بعد تسليم تمامية جميع المقدّمات - : وهو عدم اختصاص العلوق بالتراب ، فهذه الصحيحة والآية الكريمة - بعد تسليم ما ذكر - تدلاّن على لزوم كون التيمّم بما يصلح أن يعلق منه في الجملة باليد بضربها عليه ، كالرمل والجصّ والنورة والحجر المسحوق ، بل تدلاّن حينئذٍ على لزوم كون المسح بما يصدق عليه «الصعيد» في الجملة ؛ أي ولو لم يلزم الاستيعاب ، فلا يجوز النفض اللازم منه عدم بقاء ما يصدق عليه الصعيد والتراب ؛ ضرورة أنّ الغالب أن يكون الباقي بعد النفض أثر الأرض والتراب ، لا نفسهما وجنسهما ؛ للفرق بين الأثر الباقي بعد النفض وبين التراب ، كالفرق بين النداوة والماء ، وسيأتي الكلام فيه(1) .

هذا مع ممنوعية كون المراد من «التيمّم» ما يتيمّم به ؛ لوضوح كون عناية أبي جعفر علیه السلام برجوع الضمير إلى «التيمّم» وعدم رجوعه إلى «الصعيد» فلو أراد الرجوع إلى ما يتيمّم به لكان اللازم أن يقول : «من ذلك الصعيد» مع ذكره في الآية لئلاّ يصير الكلام المعجز كاللغز ؛ لأنّ عدمَ رجوعه إلى «الصعيد» المذكور في الكلام ، والرجوعَ إلى «التيمّم» الغير المذكور ، وإرادةَ ما يتيمّم به من «التيمّم»

ثمّ إرادةَ الصعيد ممّا يُتيمّم به ، أشبه بالاُحْجِيّة من الكلام المتعارف ، فلا محيص

عن إرجاعه إلى نفس التيمّم بناءً على هذا التفسير .

فلا محالة يكون ذلك لنكتة ، ولعلّها إفادة أنّ المسح بالوجه والأيدي ، لا بدّ وأن يكون من ذلك التيمّم الذي هو كناية عن ضرب الأرض ، فكأ نّه لإفادة لزوم

ص: 166


1- يأتي في الصفحة 175 .

حفظ العلاقة العرفية ؛ وعدم التأخير أو الاشتغال بأمر رافع للربط بين المسح والضرب على الأرض ، فإن ضرب كفّيه على الأرض وغسلهما مثلاً فمسح بهما وجهه ، لم يكن مسحه من ذلك التيمّم ، وكذلك لو فصل بين الضرب والمسح بما يقطع العلاقة العرفية .

وأمّا التعليل في الصحيحة ، فالظاهر أن يكون لعدم رجوع الضمير إلى «الصعيد» حتّى يتوهّم منه لزوم المسح به مع عدم إمكانه ، فكأ نّه قال : «إنّما قلنا : من ذلك التيمّم لا من الصعيد ؛ لعدم إمكان المسح منه ، لعدم إجرائه على الوجه ؛ لأ نّه يعلق منه ببعض الكفّ ، ولا يعلق ببعض» .

وما ذكرنا في توجيه الرواية وإن لا يخلو من بُعد وارتكاب خلاف ظاهر ، لكنّه أهون من القول : بأنّ المراد من «التيمّم» ما يتيمّم به ؛ فإنّ النفس لا ترضى

بانتسابه إلى متعارف الناس ، فضلاً عن أفضلهم علماً وفصاحة ، فضلاً عن الانتساب إلى الوحي المعجز ، فلا بدّ من إبقاء «التيمّم» على ظاهره وتوجيه التعليل ، ومع العجز فردّ علمه إلى أهله .

وفيها احتمالات اُخر يطول بنا البحث في الخوض فيها .

لكن في الذهن شبهة : وهي أ نّه مع إبقاء ظاهر الآية على حاله ، ورجوع الضمير إلى «الصعيد» وإرادة الابتدائية من كلمة «مِنْ» يتّضح ما يراد بالرواية بالتوجيه الذي ذكرناه ، فلا تتوقّف إفادة ما ذكر على رجوع الضمير إلى «التيمّم» فلو كان المراد : «امسح من الصعيد» - أي مبتدئاً منه إلى مسح الوجه - يفهم منه عرفاً ما يفهم من رجوعه إلى «التيمّم» فلا بدّ من نكتة اُخرى فيه غير ما تقدّم ، فلعلّها لإفادة كون المسح على الوجه والأيدي جميعاً من ذلك التيمّم ؛ أي عدم

ص: 167

لزوم تجديد الضرب ، أو عدم جوازه .

ولعلّ التعليل على هذا الاحتمال أقرب ؛ بأن يقال : إنّ المراد منه إفادة أنّ الضرب الثاني لا يحصل به إلاّ ما يحصل بالضرب الأوّل ، ولا يعلق الصعيد على جميع اليد حتّى يجري على الوجه ، بل يعلق على بعضه ، فلا يلزم العلوق ، بل ما لزم هو كون المسح من ذلك التيمّم ، وهو حاصل بالضرب الأوّل .

وبالجملة : ليس اللازم في المسح أن يكون بأجزاء الأرض ؛ لأ نّه غير ممكن في التيمّم ، لأنّ الأجزاء لا تعلق بجميع اليد حتّى تجري على الوجه ، بل اللازم أن يكون من التيمّم ، وهو حاصل بالضرب الأوّل من دون تكرار .

ولعلّ هذا مراد الشهيد في محكيّ «الذكرى» في ذيل الرواية بقوله : «وهذا الصحيح فيه إشارة إلى عدم اعتبار العلوق»(1) وهو كذلك ؛ لأنّ فيها إشارة إلى أنّ المعتبر هو العلاقة ، لا العلوق .

الاستدلال بالسنّة على كفاية مطلق وجه الأرض

ثمّ إنّ الأقوى ما عليه المشهور ؛ من كون ما يتيمّم به مطلق وجه الأرض ، لا التراب خاصّة ؛ لطوائف من الروايات فيها الصحيح والموثّق ، ربّما يستفاد منها أنّ المراد ب- «الصعيد» في الآية مطلق وجه الأرض :

منها : النبوي المعروف : «جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»(2) . وهي رواية مشهورة مستفيضة نقلاً ، لو لم نقل بتواترها ، ولهذا نسبها الشيخ

ص: 168


1- اُنظر جواهر الكلام 5 : 193 ؛ ذكرى الشيعة 2 : 262 - 263 .
2- وسائل الشيعة 3 : 350 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 7 ، الحديث 2 و3 و4 .

الصدوق رحمه الله علیه إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم على سبيل الجزم(1) ، ولا يمكن ذلك من مثله رحمه الله علیه

إلاّ مع علمه بصدورها وقد ذكرنا أنّ جواز الاتّكال على مثل هذا الإرسال بنفسه من مثله لا يخلو من قوّة(2) ، فضلاً عن مثل المقام مع استفاضة النقل ، فقد رواها الشيخ الكليني في «الكافي»(3) والبرقي في «المحاسن»(4) والصدوق في «الخصال» بسندين ، وفي «الأمالي»(5) وابن الشيخ الطوسي في «مجالسه»(6) والطبري في «بشارة المصطفى»(7) والديلمي في «إرشاد القلوب»(8) والشيخ حسن بن سليمان الحلّي فيما رواه من كتاب «المعراج»(9) والمسعودي في «إثبات الوصيّة»(10) والراوندي في «لبّ اللباب»(11) والقاضي في «دعائم الإسلام»(12) .

ومن هنا قد ينقدح في الذهن وقوع اشتباه فيما روى الصدوق رحمه الله علیه -

بسند

ص: 169


1- الفقيه 1 : 155 / 724 .
2- تقدّم في الجزء الأوّل : 81 .
3- الكافي 2 : 17 / 1 .
4- المحاسن : 287 / 431 .
5- الخصال : 201 / 14 ، و : 292 / 56 ؛ الأمالي ، الصدوق : 179 / 6 .
6- الأمالي ، الطوسي : 484 / 1059 .
7- بشارة المصطفى : 141 / 92 .
8- إرشاد القلوب 2 : 305 .
9- اُنظر مستدرك الوسائل 2 : 530 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 9 .
10- إثبات الوصيّة : 116 .
11- اُنظر مستدرك الوسائل 2 : 531 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 11 .
12- دعائم الإسلام 1 : 120 - 121 .

في غاية الضعف - عن جابر بن عبداللّه قال : قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «قال اللّه عزّ وجلّ : جعلت لك ولاُمّتك الأرض كلّها مسجداً ، وترابها طهوراً»(1) وكذا في مرسلة «عوالي اللآلي»(2) .

وأمّا ما في «مجالس» ابن الشيخ في حديث : «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ؛ أينما كنت أتيمّم من تربتها واُصلّي عليها»(3) ، فلا يخالف الروايات ؛ لأنّ عمله صلی الله علیه و آله وسلم يمكن أن يكون لأجل أفضلية التراب لا لتعيّنه ، فلا ينافي صدرها ، ولا يصلح لتقييد إطلاقه ، فضلاً عن سائر المطلقات .

ثمّ إنّ احتمال كون المراد من طهورية الأرض طهوريتها من الخبث - فإنّها طهور منه في الجملة - في غاية الضعف .

بل الاختصاص مقطوع البطلان بعد معروفية التيمّم ، وكونه أحد الطهورين(4) ، ونزول الوحي به في آيتين(5) ، مضافاً إلى التصريح بالتيمّم في بعض الروايات(6) .

فلا شبهة في إرادة خصوص التيمّم منه أو الأعمّ ، فحينئذٍ يمكن الاستشهاد به

ص: 170


1- الخصال : 425 / 1 ؛ علل الشرائع : 127 / 3 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 529 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 3 .
2- عوالي اللآلي 2 : 13 / 26 ، و : 208 / 130 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 530 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 8 .
3- الأمالي ، الطوسي : 56 / 81 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 529 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 5 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 381 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 21 ، الحديث 1 .
5- النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
6- راجع وسائل الشيعة 3 : 343 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 3 و4 .

لكون المراد من «الصعيد» في الآية هو مطلق الأرض ؛ فإنّه ناظر إلى الآيتين الكريمتين ، حيث جعل اللّه تعالى فيهما الصعيد طهوراً ، فيكون بمنزلة المفسّر للآية .

ومنها : ما وردت في قضيّة عمّار بن ياسر رضى الله عنه ففي موثّقة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «أتى عمّار بن ياسر رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقال : يا رسول اللّه ، إنّي أجنبت الليلة فلم يكن معي ماء .

قال : كيف صنعت ؟ قال : طرحت ثيابي وقمت على الصعيد فتمعّكت فيه ، فقال : هكذا يصنع الحمار ، إنّما قال اللّه عزّ وجلّ : )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً( ، فضرب بيديه على الأرض ، ثمّ ضرب إحداهما على الاُخرى ، ثمّ مسح بجبينيه . . .»(1) إلى آخره .

وفي صحيحة زرارة قال : قال أبو جعفر علیه السلام : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ذات

يوم لعمّار في سفر له : يا عمّار ، بلغنا أ نّك أجنبت ، فكيف صنعت ؟ قال : تمرّغت يا رسول اللّه في التراب» .

قال : «فقال : كذلك يتمرّغ الحمار ؛ أفلا صنعت كذا ؟! ثمّ أهوى بيديه إلى الأرض ، فوضعهما على الصعيد ، ثمّ مسح بجبينيه . . .»(2) إلى غير ذلك .

وقد يتوهّم دلالة الصحيحة على مخالفة «الصعيد» للأرض ، حيث قال فيها :

ص: 171


1- السرائر 3 : 554 ؛ وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 9 .
2- الفقيه 1 : 57 / 212 ؛ وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 8 .

«أهوى بيديه إلى الأرض ، فوضعهما على الصعيد» فلو كان «الصعيد» هو الأرض لقال : «فوضعهما عليها» .

وفيه : أ نّه من المحتمل أن يكون ذلك لأجل إفادة أنّ «الصعيد» هو الأرض ؛ فإنّ هذه الطائفة مضافاً إلى دلالتها على المذهب المشهور ، يمكن الاستشهاد بها على كون «الصعيد» في الآية هو الأرض ، لا التراب خاصّة ؛ فإنّه لا شبهة في أنّ قضيّة عمّار قضيّة واحدة حكاها الأئمّة علیهم السلام بتعبيرات مختلفة نقلاً بالمعنى :

ففي رواية : «فوضع يده على المِسْح»(1) .

وفي اُخرى : «فضرب بيديه على الأرض»(2) .

وفي ثالثة : «أهوى بيديه إلى الأرض ، فوضعهما على الصعيد»(3) فيظهر منها كون «الأرض» و«الصعيد» واحداً ليصحّ النقل بالمعنى .

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ النقل بالأعمّ والأخصّ غير مضرّ بعد أن لا تكون العناية

بنقل ما يتيمّم به ، بل بأصل القضيّة ، ولهذا قال أبو عبداللّه علیه السلام : «فوضع يده على المِسْح» .

لكن يظهر من أبي جعفر علیه السلام في نقل القضيّة عناية بذكر ما يتيمّم به ، فراجع

ما روي عنه في القضيّة ، فحينئذٍ يتمّ المطلوب ؛ وهو كون المراد ب- «الصعيد» في الآية هو الأرض لا التراب .

ثمّ إنّه يظهر من قوله : «أفلا صنعت كذا ؟! ثمّ أهوى بيديه . . .» إلى آخره

ص: 172


1- وسائل الشيعة 3 : 358 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 2 .
2- وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 9 .
3- وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 8 .

وقوله : «هكذا يصنع الحمار ، إنّما قال اللّه عزّ وجلّ : )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً

طَيِّباً( . . .» إلى آخره ، أنّ ما صنع عمّار خلاف المتفاهم من الآية الشريفة ، فيحتمل أن يكون مراده إفادة أنّ الآية تدلّ على أنّ المسح من الصعيد ، لا مسح الجسد على الأرض ، فتدلّ على ظهور «مِنْ» في الابتدائية ، وإلاّ فمع التبعيضية كان الظاهر جواز مسح الأعضاء بالأرض .

إلاّ أن يقال : إنّ اعتراض رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عليه لتمرّغه على الأرض في بدل الغسل بتوهّم أنّ المناسب فيه ذلك ، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إنّ الآية تدلّ على أنّ للتيمّم كيفية واحدة بدلاً عن الوضوء والغسل ، فَلِمَ تمرّغت ؟! مع دلالتها على المسح ببعض الوجه والأيدي ، كما تشهد به رواية «دعائم الإسلام» عن علي علیه السلام وفيها : «فقال له : يا عمّار ، تمعّكت تمعّك الحمار ، قد كان يجزيك من ذلك أن تمسح بيديك وجهك وكفّيك ، كما قال اللّه عزّ وجلّ»(1) .

لكن الظاهر حتّى من «رواية الدعائم» أ نّه أرجع عمّاراً إلى ظاهر الآية ، وأ نّها دالّة على أنّ آلة المسح هي اليدان ؛ فإنّ قوله فيها : «يجزيك من ذلك أن تمسح . . .» إلى أن قال : «كما قال اللّه» يدلّ على استفادة ذلك منها . وكذا قوله في صحيحة زرارة : «أفلا صنعت كذا ؟! ثمّ أهوى بيديه إلى الأرض . . .» إلى آخره يدلّ على دلالة الآية على كيفية التيمّم ، ولا بُعد في استفادته منها ، كما أشرنا إلى

استشمامه منها ، ولعلّه يأتي تتمّة لذلك(2) .

ص: 173


1- دعائم الإسلام 1 : 120 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 536 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 2 .
2- يأتي في الصفحة 258 .

ومنها : عدّة روايات اُخر ، كصحيحة الحلبي قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام

يقول : «إذا لم يجد الرجل طهوراً وكان جنباً فليمسح من الأرض وليصلّ ، وإذا وجد ماءً فليغتسل ، وقد أجزأته صلاته التي صلّى»(1) .

لكن احتمال كونها بصدد بيان إجزاء الصلاة التي صلّى مع التيمّم ، لا في مقام

بيان ما يتيمّم به - كاحتمال كونها بصدد بيان أ نّه مع عدم وجدان الماء ، يصحّ التيمّم ولو في سعة الوقت ، ولا يجب الصبر إلى آخره ، وإهمال بيان ما يتيمّم به - غير بعيد .

ونظيرها صحيحة ابن سِنان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام (2) .

وكصحيحة المرادي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في التيمّم قال : «تضرب بكفّيك

على الأرض مرّتين ، ثمّ تنفضهما وتمسح بهما وجهك وذراعيك»(3) .

ورواية زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام في التيمّم : «تضرب بكفّيك الأرض ، ثمّ تنفضهما وتمسح بهما وجهك ويديك»(4) .

واحتمال كونهما بصدد بيان كيفية التيمّم ؛ أي المسحتين ، لا ما يتيمّم به ،

ص: 174


1- الكافي 3 : 63 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 367 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 193 / 556 ، و : 197 / 572 ؛ وسائل الشيعة 3 : 368 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 7 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 209 / 608 ؛ وسائل الشيعة 3 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 2 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 212 / 615 ؛ وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 7 .

ضعيف . بل لو سلّم يكون الضرب على الأرض من كيفياته ، وداخلاً في ماهيته ومقوّماته .

وكيف كان : لا إشكال في ظهور مثل تلك الروايات في أنّ ما يتيمّم به الأرض . بل لا تبعد استفادة كون المراد من «الصعيد» هو الأرض من مثلها ؛ فإنّ الظاهر أنّ كلّها واردة لبيان مفاد الآية ، لا بيان تشريع آخر زائداً على مضمونها وصل إليهم من غير طريقها .

بل يمكن رفع الإجمال عن كلمة «مِنْ» على فرض إجمالها وتردّدها بين الابتدائية وغيرها ، وعن ذيل صحيحة زرارة المتقدّمة وتعليلها (1) ، فإنّه مع النفض لا يبقى من أجزاء الأرض على الكفّ ، وما بقي من الأثر الضعيف لا تصدق عليه «الأرض» فمع كونها تبعيضية لزم المسح بأجزاء الصعيد ، فيقع التنافي بين الآية والروايات ، فمع نصوصية تلك الروايات في مضمونها ، يرفع الإجمال المتوهّم(2) عن الآية والصحيحة وتعليلها .

وتوهّم : أنّ لزوم النفض أو رجحانه دليل على وجوب كون التيمّم بالتراب ، لا مطلق الأرض(3) مدفوع بما مرّ(4) : من أ نّه لا يدلّ على مدّعاهم ، بل لو سُلّم يدلّ على لزوم كون الأرض صالحةً للعلوق . مع أ نّه وارد مورد الغالب ؛ فإنّ الأراضي غالباً ذات أجزاء تعلق باليد ؛ حتّى مثل أراضي الحجاز التي لا تكون

ص: 175


1- تقدّمت في الصفحة 165 .
2- الحدائق الناضرة 4 : 243 .
3- جواهر الكلام 5 : 121 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 183 .
4- تقدّم في الصفحة 166 .

تراباً أو تراباً خالصاً ، فلا تصلح مثلها لرفع اليد عن عنوان «الأرض» الظاهر

في تمام الموضوعية .

ويمكن الاستدلال على المطلوب برواية زرارة ، عن أحدهما قال : قلت : رجل دخل الأجَمة ليس فيها ماء ، وفيها طين ، ما يصنع ؟

قال : «يتيمّم ؛ فإنّه الصعيد . . .»(1) إلى آخره ، فإنّ الظاهر منها أنّ الطين صعيد ،

مع أ نّه ليس بتراب .

لكن في مرسلة علي بن مطر قال : سألت الرضا علیه السلام عن الرجل لا يصيب الماء ولا التراب ، أيتيمّم بالطين ؟ قال : «نعم ؛ صعيد طيّب وماء طهور»(2) .

وهي ظاهرة في أنّ أصل الطين صعيد بقرينة «ماء طهور» فتكون ظاهرة في أنّ الطين ليس بصعيد .

ولكن فيها احتمال آخر : وهو أنّ السؤال عن الأراضي الممطورة التي صارت متطيّنة ، وفيها الطين والأجزاء المائية القليلة التي لا تضرّ بصدق عدم وجدان الماء ، ولا بصدق كون الأرض متطيّنة ، فيكون المراد بقوله : «صعيد طيّب» هو الطين ، وبقوله : «ماء طهور» هو الأجزاء المائية ، كما تشاهد في الأراضي الممطورة ، والطرق المطيّنة ، فتكون الرواية شاهدة على المشهور .

وهنا احتمال ثالث : وهو أنّ المراد بقوله : «صعيد طيّب وماء طهور» أنّ ما

ص: 176


1- تهذيب الأحكام 1 : 190 / 547 ؛ وسائل الشيعة 3 : 354 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 190 / 549 ؛ وسائل الشيعة 3 : 354 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 6 .

يتطهّر به إمّا صعيد طيّب ، وإمّا ماء طهور ، والطين هو الصعيد الطيّب ، فيجوز

التيمّم به ، ومع هذه الاحتمالات لا يمكن رفع اليد عن ظاهر قوله في رواية زرارة : «فإنّه الصعيد» .

هذا مع أنّ إطلاق «الصعيد» على التراب لا يدلّ على عدم صدقه على غيره ، غاية الأمر إشعاره أو دلالته على أنّ الطين ليس بصعيد ، ومع ذلك يكون رواية زرارة أظهر في دلالتها على كون الطين صعيداً من دلالة هذه الرواية على نفيه .

ويمكن الاستشهاد على المطلوب : بأنّ أراضي الحجاز وما حولها غالباً وغالب الأراضي الجبلية ، لا يوجد فيها التراب الخالص ، بل ليس فيها إلاّ الرمل والأحجار الصغار ، فلو كان المراد من «الصعيد» في الآية التراب الخالص ، لكان التيمّم حرجياً على سكّان محلّ نزول الوحي ، وهو ينافي شرع التيمّم والنبوي المشهور : «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» الذي هو في مقام بيان الامتنان . بل لو كان ذلك لشاع وصار مورداً للسؤال والجواب كثيراً .

الاستدلال بالسنّة على اشتراط خصوص التراب وجوابه

ثمّ إنّه قد يستدلّ(1) لمذهب الخصم - بعد إجماع السيّد و«الغنية»(2) - بروايات :

منها : صحيحة محمّد بن حُمران وجميل بن درّاج : أ نّهما سألا أبا عبداللّه علیه السلام

ص: 177


1- جواهر الكلام 5 : 121 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 182 - 183 .
2- مسائل الناصريات : 151 ؛ غنية النزوع 1 : 51 .

عن إمام قوم أصابته جنابة في السفر ، وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل ، أيتوضّأ بعضهم ويصلّي بهم ؟ فقال : «لا ، ولكن يتيمّم الجنب ويصلّي بهم ؛ فإنّ اللّه عزّ وجلّ جعل التراب طهوراً ، كما جعل الماء طهوراً»(1) .

بدعوى : أ نّه في مقام بيان امتنان اللّه على العباد ، فلو كان مطلق الأرض طهوراً كان المناسب أن يذكرها ؛ فإنّه أدخل في الامتنان . مع إمكان أن يقال : إنّها

ناظرة إلى تفسير الآية .

وفيه : أنّ الرواية بصدد بيان صحّة تيمّم المجنب وإمامته مع وجود المتوضّئ ، وإنّما ذكر جعل اللّه تعالى التراب طهوراً استدلالاً على المقصود ؛ من غير نظر إلى امتنان اللّه على العباد ، ولا إلى تفسير الآية ، فلا تدلّ على المطلوب إلاّ بمفهوم اللقب .

هذا مع أ نّه لو كان في مقام الامتنان ، لكان المناسب ذكر الأرض على أيّ حال ؛ لأ نّها طهور في الجملة . وعن «روض الجنان» و«الروضة» : «لا قائل بالمنع مطلقاً»(2) والحقّ ما مرّ(3) ، ولهذا ترى أنّ الروايات التي بصدد بيان الامتنان

ذكرت فيها «الأرض» وهي ما مرّ من الحديث المستفيض عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «جعلتْ لي الأرض مسجداً وطهوراً»(4) .

ص: 178


1- الفقيه 1 : 60 / 223 ؛ وسائل الشيعة 3 : 386 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 24 ، الحديث 2 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 4 : 379 ؛ روض الجنان 1 : 326 ؛ الروضة البهيّة 1 : 133 .
3- تقدّم في الصفحة 168 .
4- تقدّم في الصفحة 168 .

واستدلّ أيضاً بصحيحة رِفاعة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء ، فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم منه . . .»(1) إلى آخره ، ونظيرها صحيحة عبداللّه بن المغيرة(2) .

بدعوى : أنّ فرض عدم التراب خاصّة ، دليل على عدم جواز التيمّم حال الاختيار بوجه الأرض ، وإلاّ لكان عليه فرض عدم الحجر أيضاً .

وفيه : أ نّه من القريب أن يكون فرض عدم التراب ، في الأرض التي لها بِلّة لم تصل إلى حدّ الطين ؛ لأجل أنّ البلّة لم تنفذ إلى باطن التراب ، فمع وجود التراب في الأرض المبتلّة بالمطر القليل مثلاً ، يكون التيمّم بالأرض اليابسة ممكناً ؛ برفع ظاهر التراب والتيمّم باليابس من الأرض الذي لم تنفذ إليه البلّة ، فالصحيحة سيقت لبيان مراتب التيمّم : بأ نّه إن أمكن بالأرض اليابسة فهو ، وإلاّ فبأجفّ موضع منها فالأجفّ ؛ إلى أن لا يجد إلاّ الطين فيتيمّم به ، كما هو المفروض في ذيلها ، فلم تكن بصدد بيان تقدّم التراب على سائر وجه الأرض ، بل بصدد بيان تقدّم اليابس على غيره ، والأجفّ على غيره ، فهي غير مربوطة بالمقام .

وبالجملة : فرض عدم التراب ، لفرض عدم وجود الأرض اليابسة ، لا لموضوعية التراب مقابل وجه الأرض ، فحينئذٍ إن أمكن الالتزام بمضمونها ،

ص: 179


1- تهذيب الأحكام 1 : 189 / 546 ؛ وسائل الشيعة 3 : 354 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 4 .
2- الكافي 3 : 66 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 356 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 10 .

فلا محيص عن اعتبار المراتب فيما يتيمّم به ؛ تراباً كان أو غيره ، فالتراب اليابس والأرض اليابسة مقدّمان على غيرهما ، والأجفّ مقدّم على غيره ، ومع عدم إمكانه - كما هو الحقّ - لا بدّ من حملهما على مراتب الفضل . وربّما يأتي الكلام فيها .

فتحصّل من جميع ما ذكرنا : أنّ مقتضى الأدلّة صحّة التيمّم اختياراً بمطلق وجه الأرض ، وأ نّه المراد من «الصعيد» في الآية .

الاستدلال بالإجماع على اشتراط خصوص التراب وجوابه

بقي الكلام فيما نسب إلى «ناصريات السيّد» من دعوى كون «الصعيد» هو التراب ، بل دعواه الإجماع عليه ، وكذا في إجماع «الغنية» ولا بأس بذكر عبارتهما حتّى يتّضح حال النسبة :

قال في «الناصريات» بعد كلام من الناصر : «والذي يذهب إليه أصحابنا أنّ التيمّم لا يكون إلاّ بالتراب ، أو ما جرى مجرى التراب ؛ ممّا لم يتغيّر تغيّراً يسلبه

إطلاق اسم «الأرض» عليه . ويجوز التيمّم بغبار الثوب وما أشبهه ؛ إذا كان ذلك الغبار من التراب أو ما يجري مجراه» .

ثمّ حكى أقوال العامّة وتجويز أبي حنيفة التيمّم بالزرنيخ والكحل والنورة(1) ، ومالك بالشجر وما يجري مجراه(2) .

ثمّ قال : «دليلنا على صحّة مذهبنا الإجماع المتقدّم ذكره ، ويزيد عليه قوله

ص: 180


1- المبسوط ، السرخسي 1 : 108 .
2- المجموع 2 : 213 ؛ حواشي الشرواني 1 : 352 .

تعالى : )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً( و«الصعيد» هو التراب .

وحكى ابن دريد في كتاب «الجمهرة» عن أبي عبيدة معمّر بن المثنّى : أنّ «الصعيد» هو التراب الخالص الذي لا يخالطه سَبَخٌ(1) ، وقول أبي عبيدة حجّة في اللغة .

و«الصعيد» لا يخلو أن يراد به التراب ، أو نفس الأرض - وقد حكي أ نّه يطلق عليها - أو يراد ما تصاعد على الأرض :

فإن كان الأوّل فقد تمّ ما أردناه .

وإن كان الثاني ، لم يدخل فيه ما ذهب إليه أبو حنيفة ؛ لأنّ الكحل والزرنيخ لا يُسمّيان أرضاً بالإطلاق ، كما لا يسمّى سائر المعادن من الذهب والفضّة والحديد ب- «أ نّه أرض» .

وإن كان «الصعيد» ما تصاعد على الأرض ، لم يخلُ من أن يكون ما تصاعد عليها هو منها ويسمّى باسمها ، أو لا يكون كذلك ، فإن كان الأوّل فقد دخل فيما ذكرناه ، وإن كان الثاني فهو باطل ؛ لأ نّه لو تصاعد على الأرض شيء من التمر والمعادن ، أو ممّا هو خارج عن جوهر الأرض ، فإنّه لا يسمّى «صعيداً» بالإجماع .

وأيضاً : ما روي عنه من قوله : «جُعلتْ لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً» .

وأيضاً : فقد علمنا أ نّه إذا تيمّم بما ذكرناه ، استباح الصلاة بالإجماع ، وإذا تيمّم

ص: 181


1- جمهرة اللغة 2 : 654 .

بما ذكره المخالف لم يستبحها بإجماع وعلم ، فيجب أن يكون الاحتياط والاستظهار فيما ذكرناه .

ولك أيضاً أن تقول : إنّه على يقين من الحدث ، فلا يجوز أن يستبيح الصلاة إلاّ

بيقين ، ولا يقين إلاّ بما ذكرناه ، دون ما ذكره المخالف»(1) انتهى بطوله .

وأنت خبير : بأنّ صدر العبارة صريح في ذهاب أصحابنا إلى صحّة التيمّم بالتراب وغيره ؛ ممّا يطلق عليه اسم «الأرض» ولم يتغيّر تغيّراً مُخرجاً له عن إطلاق اسمها عليه ؛ رملاً كان أو جصّاً أو حجراً ، وقوله : «ممّا لم يتغيّر . . .» إلى

آخره بيان لما يجري مجرى التراب ، وموضّح لمقصوده ، فاحتمال كون مراده «ممّا يجري مجراه» هو المسحوق من غير التراب ضعيف . مع أ نّه مثبت للمدّعى في الجملة .

ثمّ إنّه ادّعى الإجماع على ما ذكره من جواز التيمّم بمطلق ما لا يخرج عن مسمّى «الأرض» أو على عدم الجواز بما يخرج عنه ، في مقابل أبي حنيفة وأشباهه ممّن أجاز التيمّم بالزرنيخ والكحل أو الشجر وشبهه ، فللسيّد - كما يظهر من صدر عبارته وذيلها - دعويان :

إحداهما : صحّة التيمّم بمطلق وجه الأرض .

وثانيتهما : عدم جوازه بما يخرج عن مسمّاها .

فقد استدلّ على الاُولى بالإجماع في أوّل العبارة وأثنائها وآخرها ، وبقاعدة الشغل والاستصحاب ، وعلى الثانية بالآية الكريمة والحديث النبوي . وذكرُ

ص: 182


1- مسائل الناصريات : 151 .

محتملات الآية ردّاً على أبي حنيفة وأضرابه ، لا لإثبات الدعوى الاُولى وإن كان في بعض فقراتها إشعار بأنّ التراب ما يتيمّم به ، فلا ريب في لزوم ردّه إلى ما هو صريح بصحّته بمطلق الأرض ، ولا اغتشاش في عبارته كما ترى .

وهو رحمه الله علیه موافق للمشهور من صحّة التيمّم بالأرض ، وتوهّم مخالفته له ناشئ من زعم أ نّه استدلّ بالآية والرواية لمذهبه ، فاستكشف منه مذهبه ، مع أنّ التدبّر في عبارته موجب للاطمئنان بأنّ استدلاله بهما في مقابل الخصم ولدعواه الثانية ، لا لمذهبه .

وقال في «الغنية» : «وأمّا التراب فالذي يفعل به التيمّم ، ولا يجوز إلاّ بتراب

طاهر ، ولا يجوز بالكحل ولا بالزرنيخ ، ولا بغيرهما من المعادن ، ولا بتراب خالطه شيء من ذلك بالإجماع ، وقوله تعالى : )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً( و«الصعيد» هو التراب الذي لا يخالطه غيره»(1) .

والظاهر أنّ دعواه الإجماع ، راجعة إلى عدم الجواز بالكحل والزرنيخ وغيرهما من المعادن ، والتراب المخلوط بشيء منها ، لا إلى الجملة الاُولى ، وكيف يدّعي الإجماع على عدم الجواز إلاّ بالتراب ؛ مع أنّ السيّد رحمه الله علیه ادّعاه على جوازه بما يجري مجرى التراب ؛ أي الأرض ، وهو مختار الشيخ(2) ، بل لعلّه ادّعى الإجماع عليه ؟!

وربّما يشهد لذلك قوله : «ولا بتراب خالطه شيء من ذلك» أي الكحل

ص: 183


1- غنية النزوع 1 : 51 .
2- الخلاف 1 : 134 - 135 ؛ المبسوط 1 : 31 .

وما بعده ، وإلاّ كان عليه أن يقول : «ولا بتراب خالطه شيء من غيره» .

وكيف كان : لم يظهر منه دعوى الإجماع على عدم الصحّة إلاّ بتراب خالص ، ولو سلّم فهي موهونة بذهاب المشهور إلى خلافها .

وربّما يتمسّك لذلك بقاعدة الشغل(1) . وهو إنّما يصحّ لو كان المأمور به أو الشرط ، هو الطهور المعنوي الذي تكون تلك الأفعال محصّلاته ، وهو غير ثابت ، بل ظاهر الأدلّة أنّ الشرط للصلاة هو الوضوء والغسل والتيمّم ، وقوله : «لا صلاة إلاّ بطهور»(2) لا يدلّ على أ نّه غير تلك العناوين .

نعم ، في بعض الروايات إشعار بما ذكر(3) لم يصل إلى حدّ الدلالة ، ولا يقاوم سائر الأدلّة .

هذا ، مع أ نّه لو سلّم فلا مجال للأصل في مقابل ما عرفت .

ص: 184


1- رياض المسائل 2 : 298 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 49 / 144 ؛ وسائل الشيعة 1 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 1 .
3- وسائل الشيعة 1 : 367 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 9 .
الأمر الثاني في عدم صحّة التيمّم بما خرج عن مسمّى «الأرض»
اشارة

لا يصحّ التيمّم بما خرج عن مسمّى «الأرض» كالمعادن الخارجة عن مسمّاها ، مثل الزرنيخ والملح والكحل والأحجار الكريمة والذهب والفضّة ، وكالنبات والشجر بلا إشكال ولا خلاف ، إلاّ المحكيّ عن ابن أبي عقيل من تجويزه بالأرض وبكلّ ما كان من جنسها ، كالكحل والزرنيخ ، لأ نّه يخرج من الأرض(1) .

والظاهر من قوله : «من جنسها» ما لا يخرج عن مسمّاها ، فيوافق المشهور ، وإن كان تمثيله بما ذكر وتعليله ربّما ينافيان ذلك . ولعلّ مراده من «الخروج من الأرض» بنحو خاصّ منه بما لا ينافي كونه من جنسها ، فيكون موافقاً للحكم الكلّي للقوم ، وتمثيله بما ذكر من تعيين المصداق ، لا الاختلاف في الفتوى وإن لا يخلو من بعد .

وكيف كان : يدلّ على المطلوب الإجماعات المنقولة(2) والشهرة المحقّقة(3) وظواهر الأدلّة الدالّة على أنّ ما يتيمّم به هو الأرض والصعيد ، وما خرج عن

ص: 185


1- اُنظر المعتبر 1 : 372 .
2- اُنظر جواهر الكلام 5 : 130 - 131 ؛ الخلاف 1 : 134 - 135 ؛ غنية النزوع 1 : 51 ؛ منتهى المطلب 3 : 62 - 63 .
3- المعتبر 1 : 372 ؛ قواعد الأحكام 1 : 237 ؛ كشف اللثام 2 : 449 .

مسمّاها ولا يكون صعيداً وأرضاً لا يصحّ التيمّم به(1) .

ولا يخفى : أنّ الميزان في عدم الجواز هو ما ذكرنا ، وأمّا عنوان «المعدن» فليس في شيء من الأدلّة موضوعاً للحكم ، بل يظهر من الإجماعات المنقولة : أنّ المناط هو الخروج عن مسمّاها من غير دخالة لعنوان المعدن ، ففي «المنتهى» : «لا يجوز التيمّم بما ليس بأرض على الإطلاق ، كالمعادن والنبات المنسحق والأشجار . . .» إلى أن قال : «وهو مذهب علمائنا»(2) .

ثمّ قال في الفرع الثاني من التفريعات : «ومنع ابن إدريس من التيمّم بالنورة(3) ، وهو الأقرب ؛ لأ نّها معدن ، فخرجت عن اسم الأرض»(4) .

وعليه يحمل إجماع «الخلاف» و«الغنية»(5) لأ نّهما مثّلا بالكحل والزرنيخ وبغيرهما من المعادن ، والظاهر من كلامهما أنّ مرادهما من المعادن من قبيل الكحل والزرنيخ الخارجين عن مسمّى «الأرض» لا أنّ عنوان «المعدن» بما هو دخيل في الحكم حتّى نحتاج إلى تشخيص مفهومه ومصاديقه ، فيجوز التيمّم بما لم يخرج عن مسمّاها ؛ ولو صدق عليه عنوان «المعدن» كالتراب الأحمر وحجر الرحى والمرمر وطين الرأس والأرمني ، وغيرها من المعادن الصادق عليها «الأرض» .

ص: 186


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 349 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 7 .
2- منتهى المطلب 3 : 62 - 63 .
3- السرائر 1 : 137 .
4- منتهى المطلب 3 : 64 .
5- الخلاف 1 : 134 - 135 ؛ غنية النزوع 1 : 51 .
فيما استدلّ على جواز التيمّم بمطلق ما خرج من الأرض

وقد يستدلّ(1) على جوازه بمطلق ما خرج من الأرض وكان أصله منها - وإن تبدّل بحقيقة اُخرى - برواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي علیهم السلام : «أ نّه سئل عن التيمّم بالجصّ ، فقال : نعم .

فقيل : بالنورة ؟ فقال : نعم .

فقيل : بالرماد ؟ فقال : لا ؛ إنّه ليس يخرج من الأرض ، إنّما يخرج من الشجر»(2) .

وفي رواية «الجعفريات» قيل : هل يتيمّم بالرماد ؟ قال : «لا ؛ لأنّ الرماد لم يخرج من الأرض»(3) .

وفي رواية الراوندي : «ولا يجوز بالرماد ؛ لأ نّه لم يخرج من الأرض»(4) .

دلّت تلك الروايات على أنّ العلّة في عدم جواز التيمّم برماد الشجر عدم خروجه من الأرض ، فلو خرج منها لم يكن مانع منه .

واُورد عليه : بأ نّه لا يدلّ التعليل إلاّ على المنع من كلّ ما لم يخرج

ص: 187


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 189 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 187 / 539 ؛ وسائل الشيعة 3 : 352 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 8 ، الحديث 1 .
3- الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 24 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 532 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 6 ، الحديث 1 .
4- النوادر ، الراوندي : 217 / 437 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 533 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 6 ، الحديث 2 .

من الأرض ، وأمّا الجواز بكلّ ما خرج منها فلا ، وإلاّ لفهم منه جوازه بالنباتات(1) .

وفيه : - بعد بطلان النقض بالنباتات ؛ فإنّها نابتة من الأرض عرفاً ، لا متبدّلة

منها ومنقلبة عنها ، والمراد من «الخروج منها» في الرواية كخروج الرماد من الشجر ، لا كخروج النبات من الأرض ، وهو واضح - أنّ ذلك وارد لو اُريد الاستدلال بمفهوم التعليل ؛ بدعوى دلالته على الحصر والانتفاء عند الانتفاء ؛ ضرورة أنّ مقتضى إطلاق التعليل وإن كان تمام الموضوعية والعلّية التامّة ، لكن لا يقتضي ذلك انحصار العلّة ، فيمكن أن يقوم شيء آخر مقامها في نفي الجواز .

وأمّا لو اُريد الاستدلال بأ نّه إذا كان عدمُ الخروج من الأرض - المراد به

بحسب ظاهر الروايات عدم الانقلاب منها - علّةً لعدم جواز التيمّم بالرماد ، فلا يمكن أن يكون التبدّل والخروج من الأرض أيضاً علّة لعدم الجواز ، فالاستدلال على عدم جوازه بالمعادن بأ نّها خارجة عن مسمّى الأرض ؛ ينافي مفاد الروايات .

وبعبارة اُخرى : أنّ التعليل وإن لم يدلّ على الانحصار ، ويمكن قيام علّة اُخرى مقامها ، لكن لا يمكن قيام نقيض العلّة مقامها في العلّية لشيء واحد ، فتدلّ الروايات على جوازه بكلّ ما خرج من الأرض ، ولا يكون الخروج منها مانعاً عنه .

ص: 188


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 189 .

إن قلت : هذا إذا اُريد بقوله : «لم يخرج من الأرض» أ نّه لم ينقلب منها ، وأمّا لو اُريد منه أ نّه لم تكن مادّته من الأرض ، فلا ينافي قول الفقهاء ؛ بتقريب أنّ عدم الجواز معلول لعلّتين ؛ إحداهما : عدم كون مادّة الشيء من الأرض ، كما دلّت الروايات(1) ، والثانية : عدم كون صورته من الأرض ؛ أي الخروج من مسمّاها ، كما ذكره الفقهاء(2) .

قلت : لا يمكن جعل الشيئين علّة فعلية لشيء إلاّ إذا أمكن افتراقهما في الجملة ، فإذا كان تبدّل صورة الأرض وعدم الخروج عن مادّتها ، علّتين لعدم الجواز ، فلا بدّ من الالتزام بأ نّه إذا لم يخرج الشيء من الأرض لا يجوز التيمّم به

ولو صدق عليه مسمّاها ، وهو كما ترى ؛ ضرورة صحّة التيمّم بالتراب - كتاباً وسنّةً وإجماعاً - ولو كان أصله غير الأرض .

ولو قيل : إنّ الخروج من غير الأرض أو عدم الخروج منها ، علّة في صورة خروج صورته منها .

يقال : إنّ تبديل الصورة الأرضية بغيرها علّة حسب الفرض ، فعلّية عدم الخروج من مادّة الأرض غير معقول ، وجعلها لغوٌ لو كانت مجعولة .

مضافاً إلى أنّ التعليل في الروايات بعدم الخروج من الأرض - مع أنّ الرماد خارج عن مسمّاها ، ولا تصدق «الأرض» عليه - يدلّ على أنّ ما هو العلّة هو عدم الخروج من الأرض ، لا عدم صدق «الأرض» عليه ، وإلاّ لكان

ص: 189


1- تقدّمت في الصفحة 187 .
2- مسائل الناصريات : 153 ؛ منتهى المطلب 3 : 62 ؛ كشف اللثام 2 : 449 ؛ جواهر الكلام 5 : 130 - 131 .

الأولى بل المتعيّن التعليل به ؛ بأن يقال : «إنّه ليس من الأرض» فترك التعليل

بالصفة النفسية ، والتعليل بأصله ومادّته ، دليل على عدم علّية الخروج عن مسمّاها له .

فلو كانت الروايات حجّة معتبرة ، لكان اللازم الالتزام بعدم مانعية تبدّل صورة الأرض ، بل الاعتبار بالأصل والمادّة ، لا بالصورة ؛ لإمكان أن يقال بحكومة تلك الروايات على الآية الكريمة والروايات الدالّة على لزوم التيمّم بالأرض ، تأمّل . لكنّها روايات ضعيفة سنداً ، شاذّة معرض عنها غير معوّل عليها .

ص: 190

الأمر الثالث في عدم صحّة التيمّم بالرماد

لا يصحّ التيمّم بالرماد بلا إشكال ولا خلاف ظاهراً ؛ لعدم كونه أرضاً ، وتؤيّده

الروايات المتقدّمة(1) .

وكذا لا يجوز بالرماد الحاصل من الحجر والأرض ؛ لعدم صدق «الأرض» عليه ، ولا أقلّ من الشكّ فيه ، وعدمِ حجّية الروايات الدالّة على الجواز(2) ، وعدمِ جريان الاستصحاب فيه ؛ لا موضوعاً ولا حكماً ؛ لعدم وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها ، فإنّ الرماد حقيقة غير حقيقة التراب والحجر عرفاً ، وليس تبدّلهما به تبدّل صفة مع بقاء الذات ، بل تبدّل حقيقة باُخرى عرفاً وعقلاً ، فما هو حاصل بعد الاحتراق لا يكون بعينه ما هو قبله .

ولو قيل : «إنّ الرماد كان حجراً فصار رماداً» يراد به أ نّه كان حجراً قبل تبدّله ، وقد تبدّل بشيء آخر ، أو يراد محفوظية المادّة والهيولى ، لا بقاء الحقيقة والتغيّر في الصفة .

نعم ، لو فرض في موردٍ عدم التبدّل في الذات -

كالخزف والآجرّ ونحوهما - فلا إشكال فيه .

ومع الشكّ فلا مانع من إجراء الاستصحاب الحكمي ، دون الموضوعي :

ص: 191


1- تقدّمت في الصفحة 187 .
2- تقدّمت في الصفحة 187 .

أمّا الأوّل : فلأنّ قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»(1) ظاهر في المقام في أ نّها مطهّرة ، ولا يراد منه أ نّها طاهرة ولا مبالغة في الطهارة كما

احتمل في قوله : «خلق اللّه الماء طهوراً»(2) فالآجرّ والخزف قبل طبخهما كانا طهورين بحكم الشارع ، فشكّ في ذلك بعد طبخهما فيستصحب . ولا يكون من الاستصحاب التعليقي ، بل هو كاستصحاب كرّية الماء وطهارته ؛ حيث كان الحكم الشرعي حصول الطهارة بالتيمّم بهما .

ولو كان المراد من قوله : «جعلت لي الأرض . . . طهوراً» أ نّه إن يتيمّم بها تحصل الطهارة - وبعبارة اُخرى : يكون مفاده حكماً تعليقياً - فلا مانع من استصحابه أيضاً ؛ لأ نّه في التعليقات الشرعية جارٍ ، على ما هو المحقّق في محلّه(3) .

وأمّا عدم الجريان في الموضوعي : فلأنّ ذلك من قبيل الشبهات المفهومية ، كتردّد مفهوم «اليوم» بين كونه موضوعاً لامتداده إلى ذهاب الحمرة المشرقية ، أو إلى سقوط الشمس ، فإنّ من المعلوم أنّ الخزف ليس بتراب ، ومعلوم أ نّه خزف ، لكن يشكّ في صدق مفهوم «الأرض» عليه من جهة الشكّ في أنّ مفهومها شامل لما طبخ أو لا ، وفي مثله لا يجري الاستصحاب ؛ لأنّ مصبّ أدلّته هو الشكّ في بقاء الشيء بعد العلم به .

ص: 192


1- تقدّم في الصفحة 168 .
2- المعتبر 1 : 40 و41 ؛ وسائل الشيعة 1 : 135 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 1 ، الحديث 9 .
3- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 147 .

وكذا لا يجري الاستصحاب في الشبهات الحكمية التي من قبيلها ، كما لو شكّ في أنّ الكرّ شرعاً عبارة عن ثلاثة أشبار ونصف طولاً وعرضاً وعمقاً ، أو ثلاثة أشبار ، فإذا كان الماء بالمقدار المتيقّن من الكرّ ، ثمّ وصل إلى ثلاثة أشبار ، لا يجري استصحاب بقاء الكرّ ؛ لأنّ الموضوع معلوم ؛ أي يعلم أ نّه ليس بالحدّ الأوّل ، ويعلم أ نّه بالحدّ الثاني ، فليس الشكّ في بقاء ما علم ، بل في

تطبيق العنوان عليه شرعاً ، وفي أنّ الشارع جعل الكرّ أيَّ الحدّين ، وفي مثله لا يجري الأصل .

ص: 193

الأمر الرابع في جواز التيمّم بالجصّ والنورة

يجوز التيمّم بالجصّ والنورة قبل احتراقهما ، كما عن المشهور(1) ؛ لصدق عنوان «الأرض» عليهما . ولا مضايقة في صدق «المعدن» عليهما ؛ لما عرفت(2) من عدم دليل على اعتبار عدم المعدنية ، بل المناط عدم الخروج عن مسمّى «الأرض» فالمانع إن يدّعِ الخروج عن مسمّاها ، فهو محجوج بالعرف واللغة ، وإن يدّعِ معدنيتهما ، فهو محجوج بأنّ المعدنية غير مضرّة .

وأمّا التفصيل بين حال الاختيار والاضطرار فلا وجه له ؛ لأ نّهما لو خرجا عن

صدق «الأرض» فلا يصحّ التيمّم بهما مطلقاً ، وإلاّ فيصحّ كذلك ، ولا دليل على التفصيل فيهما ، كما في مثل الطين والغبار . نعم ، قد ذكرنا سابقاً : أنّ صحيحة رِفاعة تشعر بالتفصيل بين التراب وغيره ، لكن قد عرفت : أنّ الأظهر كونها في مقام بيان الترتيب بين اليابس والجافّ والأجفّ(3).

وكذا يجوز التيمّم بهما بعد احتراقهما ؛ لصدق عنوان «الأرض» وعدم الخروج عن مسمّاها بمجرّد الطبخ ، ومع الشكّ يرجع إلى الاستصحاب الحكمي لا الموضوعي ، كما مرّ(4) .

ص: 194


1- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 43 ؛ جواهر الكلام 5 : 132 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 192 .
2- تقدّم في الصفحة 186 .
3- تقدّم في الصفحة 179 .
4- تقدّم في الصفحة 191 .
الأمر الخامس في اشتراط إباحة ما يتيمّم به

يشترط فيما يتيمّم به أن يكون مباحاً ، فلا يجوز التيمّم بالمغصوب إجماعاً ،

كما عن «التذكرة»(1) وعقلاً إن كان الضرب على الأرض داخلاً في حقيقته ، كما هو الظاهر ؛ لعدم تعدّد العنوان والجهة معه ؛ وإن أمكن أن يقال : إنّ بين عنواني «الضرب على الأرض» و«التصرّف في مال الغير عدواناً» عموماً من وجه ، فهما عنوانان متصادقان على موجود واحد ، فما هو الحرام التصرّف عدواناً ، وما هو جزء التيمّم هو الضرب على الأرض ، وهو عنوان آخر غيره ، ولهذا يفترقان بالضرب على الأرض المباحة ، وبالتصرّف بغير الضرب في الأرض المغصوبة ، تأمّل .

وكيف كان : لو فرض صحّته فبمقتضى القاعدة ، لكن الالتزام بها في غاية الإشكال ، بل غير ممكن ؛ لتسلّمه بين الأصحاب ، وللإجماع المدّعى ؛ وإن أمكن المناقشة في مثل هذا الإجماع الذي للعقل فيه مدخل ويمكن اتّكال المجمعين على حكمه : إمّا بعدم جواز الاجتماع وترجيح جانب النهي ، أو دعوى أنّ المبعّد لا يمكن أن يكون مقرّباً ولو مع جوازه ، أو جهات اُخر مرّ بيانها والجواب عنها (2) ، لكن مع ذلك لا محيص عمّا ذهب إليه

ص: 195


1- تذكرة الفقهاء 2 : 177 .
2- تقدّم في الصفحة 125 - 135 .

الجماعة ، إلاّ أنّ ذلك فيما إذا كانت الأرض مغصوبة .

وأمّا مع مباحيتها ومغصوبية الآنية أو المكان أو غيرهما ، فلا يبعد القول بالصحّة على طبق القاعدة ؛ لبُعد كون المسألة بالنسبة إلى تلك الفروع إجماعية ، والاحتياط سبيل النجاة .

الأمر السادس في اشتراط طهارة ما يتيمّم به

يشترط في الأرض الطهارة ، فلا يصحّ التيمّم بالتراب النجس إجماعاً ، كما عن «الغنية» و«التذكرة» و«جامع المقاصد» و«شرح الجعفرية»(1) ، وعن «المنتهى» نفي الخلاف عنه(2) ، وعن «المدارك» نسبته إلى الأصحاب(3) ، وهو حجّة .

ويدلّ عليه قوله تعالى : )صَعِيداً طَيِّباً((4) بناءً على كونه بمعنى الطاهر ، كما عن ابن عبّاس(5) ، بل عن «جامع المقاصد» نسبته إلى المفسِّرين(6) . ولا يبعد دعوى ظهوره فيه عرفاً بعد عدم كون المراد منه المُستَلَذّ - الذي قيل : «إنّه معناه

ص: 196


1- اُنظر مفتاح الكرامة 4 : 380 - 381 ؛ غنية النزوع 1 : 51 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 177 ؛ جامع المقاصد 1 : 479 .
2- منتهى المطلب 3 : 78 .
3- مدارك الأحكام 2 : 204 .
4- النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
5- اُنظر نهاية الإحكام 1 : 198 ؛ تنوير المقباس من تفسير ابن عبّاس : 71 / السطر26 .
6- جامع المقاصد 1 : 479 .

الحقيقي»(1) - بمناسبة الحكم والموضوع ، وبكونه على الظاهر مساوقاً للنظيف عرفاً الذي جعل مقابل القذر في بعض الروايات(2) ، أو يكون المراد منه مطلق النظيف ، خرج منه النجس إجماعاً ، وبقي ما هو المقابل للقذر .

واحتمال كونه مقابل الخبيث(3) ، كما في قوله : )وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِى خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً((4) فيكون المراد منه الأرض النابتة ، يُبعده ما مرّ من كون «الصعيد» هو مطلق وجه الأرض بالشواهد المتقدّمة(5) ، فلا يبعد دعوى أقربية ما ذكرناه أوّلاً ولو بضميمة فهم المفسّرين والفقهاء .

مع أنّ «الخبيث» ليس لغة بمعنى الأرض غير النابتة ، بل بمعنى الرديء وما يساوقه(6) ، والنجس أيضاً خبيث ، والمناسبات المغروسة في الأذهان توجب تعيّن الطيّب المقابل للخبيث في الطاهر المقابل له . وقد اشتهرت النجاسات ب- «الأخباث» والطهارة من الخَبَث في مقابل الطهارة من الحدث .

ويؤيّد المطلوب بعض الروايات ، كمرسلة علي بن مطر ، عن بعض أصحابنا قال : سألت الرضا علیه السلام عن الرجل لا يصيب الماء ولا التراب ، أيتيمّم بالطين ؟

ص: 197


1- مجمع البحرين 2 : 111 .
2- وسائل الشيعة 3 : 467 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحديث 4 .
3- اُنظر الحدائق الناضرة 4 : 245 .
4- الأعراف (7) : 58 .
5- تقدّم في الصفحة 168 .
6- لسان العرب 4 : 9 .

قال : «نعم ؛ صعيد طيّب وماء طهور»(1) .

بناءً على أنّ المراد أنّ الطين صعيد طيّب وماء طهور ، فإنّ الظاهر منها أنّ السؤال من حيث صحّة التيمّم ، لا صيرورة بدنه نجساً للصلاة ، والجواب عن هذه الجهة ، فالرواية دالّة على صحّته به ؛ لكونه كذلك ، ولولا اعتبار الطهور في المتيمّم به لا يكون وجه لتقييده بالطهور ، بل في نفس ذكر الطيّب والطهور إشعار بذلك .

وما عن «الفقه الرضوي» : «الصعيد : الموضع المرتفع عن الأرض ، والطيّب : الذي ينحدر عنه الماء»(2) ، وعن «معاني الأخبار» تفسير «الطيّب» بما ذكر(3) ، والأخبار الواردة في أنّ الأرض طهور(4) ؛ أي طاهرة مطهِّرة ، أو مطهِّرة مع قضاء الارتكاز بأنّ المطهّر لا بدّ وأن يكون طاهراً .

والإنصاف : أنّ مجموع ما ذكر يوجب الاطمئنان وإن أمكن الخدشة في غالبها ، فلا ينبغي الإشكال في الحكم .

ص: 198


1- تهذيب الأحكام 1 : 190 / 549 ؛ وسائل الشيعة 3 : 354 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 6 .
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 90 .
3- معاني الأخبار : 283 .
4- وسائل الشيعة 3 : 350 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 7 ، الحديث 2 و3 و4 .
الأمر السابع في امتزاج ما يصحّ التيمّم به بغيره

لو مزج ما يصحّ التيمّم به بغيره ، فإن خرج عن صدق «الأرض» باستهلاكه فيما لا يصحّ ، أو بالامتزاج على وجه لا يصدق عليه «الأرض» - وإن لم يصدق عليه ما اختلط به أيضاً - فلا يصحّ التيمّم به بلا إشكال ولا خلاف ظاهراً ، وهو واضح .

وإن لم يخرج عن مسمّاها باستهلاك غير الأرض فيها - كما إذا امتزج كفّ من الرماد بأمنانٍ من التراب - جاز بلا إشكال ؛ للصدق حقيقة عند العرف من غير مسامحة .

ويلحق به بعض الأجزاء الضعيفة التي لا تستهلك عرفاً ، مثل الشعرة وبعض ذرّات التبن والحشيش ؛ ممّا لا ينفكّ عن الأرض نوعاً ؛ للانصراف وعدم فهم العرف من «الصعيد» و«الأرض» إلاّ تلك الأراضي المتعارفة ، لا لصدق «الأرض» على المجموع من التراب وغيره عرفاً ؛ ضرورة أنّ الحبّة الصغيرة - كحبّة الجاوَرْس والخَشْخاش والأجزاء الصغيرة من التبن وغيره - إذا كانت على وجه الأرض لا يطلق على المجموع «الأرض» أو «التراب» إلاّ بنحو من المسامحة حتّى في نظر العرف ، وقد مرّ(1) أنّ تشخيص موضوعات الأحكام - مفهوماً ومصداقاً - وإن كان بنظر العرف ، لكن المعتبر - لولا القرائن - هو الدقّة

ص: 199


1- تقدّم في الجزء الأوّل : 73 .

العرفية لا مسامحته ؛ من غير فرق بين التحديدات وغيرها ، فإذا وجب التيمّم على الأرض ، ولم تكن قرينة توجب الاكتفاء بالفرد المسامحي المجازي ، لزم أن تكون الأرض خالصة عرفاً ، ويصدق عليها عنوانها من غير مسامحة ؛ تحكيماً لأصالة الحقيقة .

ودعوى : أنّ الأجزاء الصغار ليست ملحوظة لدى العرف بحيالها ؛ لكون المجموع مصداقاً للصعيد في الفرض ، ولا يعتبر أن يكون كلّ جزء جزء يفرض منه ممّا يقع عليه الاسم(1) ، غير وجيهة ؛ ضرورة أنّ كلّ جزء إذا لم يكن أرضاً

عرفاً ، لا يمكن أن يكون المجموع أرضاً إلاّ بالمسامحة والتأوّل .

والنقض بمورد الاستهلاك - كالفرض الأوّل - ليس على ما ينبغي ؛ لأنّ فرض الاستهلاك العرفي ينافي البقاء العرفي ؛ وإن كان المستهلك باقياً بالبرهان والعقل البرهاني ، أو ترى الأجزاء بآلات مكبّرة ، لكن العرف لا يرى المستهلك موجوداً ولو بالدقّة ، كاستهلاك الماء في اللبن ، والمراد بالاستهلاك في الفرض الأوّل ذلك ، فلو رُئيت الأجزاء وميِّزت يكون من قبيل الثاني .

وبالجملة : إنّ مصداق المفاهيم قد يكون عقلياً برهانياً ، أو مشخّصاً بآلات غير عادية كالمكبّرات ، وقد يكون عرفياً حقيقياً من غير مسامحة ، وقد يكون عرفياً مسامحياً ، والميزان هو تشخيص العرف بالنظر الدقيق العرفي ، ولا ريب في أنّ الأرض إذا خالطها أجزاء صغار غير أرضية تدرك بالبصر ، لا يصدق على مجموعها «الأرض» حقيقة ، بل الإطلاق بنحو من المسامحة وتنزيل الموجود الصغير منزلة المعدوم .

ص: 200


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 200 .

ولهذا ترى : أنّ العرف يفرّق بين الموضوعات ، فيتسامح في خليط التبن بما لا يتسامح في خليط الحنطة ، ويتسامح في خليطها بما لا يتسامح في خليط الزعفران والذهب ، وذلك دليل على التسامح وغضّ البصر عن بعض الاُمور ، لا لأنّ صدق «التبن» على الخليط حقيقي بخلاف «الزعفران» .

لكن قد تقدّم وجود قرائن في بعض المقامات على أنّ الموضوع للحكم الشرعي هو الموضوع الذي يتسامح فيه العرف ، مثلاً إذا أوجب الشارع في زكاة الفطر صاعاً من الحنطة أو الشعير ، لا ينقدح في ذهن العرف من وجوب صاعٍ من الحنطة والشعير في زكاة الفطر ، إلاّ ما هو المتعارف منهما في سوق البلد ، لا الخالص غير المتعارف ، فالتعارف يوجب الانصراف إلى ما بين أيديهم من الأفراد وتقع معاملاتهم عليه .

كما أنّ بيع كرّ من الحنطة منصرف إلى المصاديق المتعارفة في سوق البلد ، فلو كانت الأفراد المتداولة مخلوطة بمقدار من غير الجنس ، لا يجب الأداء إلاّ ممّا هو المتعارف ، لا لأجل صدق كرّ من الحنطة حقيقة ومن غير تسامح على الناقص مع المتمّم من غير جنسها ، بل لأجل الانصراف إلى المتعارف وعدم اعتناء العرف بمثل هذا الخليط ، وإن لم يتسامح في الأجناس الغالية العزيزة .

وفي المقام أيضاً ينصرف الأمر بالتيمّم على الصعيد والتراب إلى ما هو المتعارف ، الذي لا ينفكّ عن الخليط بما ذكرناه ؛ وإن لم يصدق عليه «التراب» أو «الصعيد» عليه من غير تسامح ، ولهذا لو كان الخليط غير متعارف مقداراً أو جنساً - كوقوع ذرّات من الذهب على الأرض - لا يصحّ التيمّم به ؛ لعدم تعارف مثل هذا الاختلاط بالأجنبيّ .

ص: 201

وهذا هو السرّ في الافتراق بين الاختلاط بغير الأرض ممّا هو متعارف ، وبين الاختلاط بغير المتعارف ، كالاختلاط بشيء من النجس ، أو الاختلاط الاختياري بشيء غير الأرض ؛ لعدم المناط المتقدّم .

وكذا الحال في أشباه المقام ، كاختلاط مقدار من التراب اختياراً في الحنطة لتتميم الصاع ، فإنّ هذا النحو من الاختلاط غير متعارف لا ينصرف إليه الدليل ، بخلاف الاختلاط الطبيعي غير المنفكّ ، ولهذا يفرّق بين إعطاء صاع من الحنطة في زكاة الفطر ، وصاع من التمر ؛ لاختلاف تعارف الخلط فيهما ، فلو كان التمر مخلوطاً بمثل خلط الحنطة - أي الخلط بالتراب والرمل - لا يكتفى به في الزكاة ؛ لأجل عدم التعارف ، بخلاف اختلاطه بما هو المتعارف ، كالأخشاب الصغار من ساقاته وجذوعه .

فتحصّل من ذلك : جواز التيمّم بالتراب والأرض المتعارفين ؛ ممّا هو مخلوط بصغار التبن والحشيش وغيرهما ممّا لا ينفكّ عنه غالباً ، بخلاف الاختلاط بالأجنبيّ وما هو غير متعارف خلطاً ومخلوطاً ؛ وإن كان صغيراً .

وممّا ذكرنا يظهر النظر في كلام بعض أهل التحقيق ممّن قارب عصرنا (1) ، فراجع .

وليعلم : أنّ ما ذكرنا في المقام مبنيّ على لزوم استيعاب جميع الكفِّ الأرضَ ، لكن فيه كلام سيأتي التعرّض له في محلّه(2) .

ص: 202


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 198 .
2- يأتي في الصفحة 305 .
الأمر الثامن في جواز التيمّم بغبار الثوب ولبد السرج وعُرف الدابّة
اشارة

يجوز التيمّم بغبار الثوب ولِبْد السرج وعُرْف الدابّة عند فقد الأرض أو تعذّر الاستعمال ، بلا إشكال نصّاً وفتوى . وعن «المعتبر» : «هو مذهب علمائنا وأكثر العامّة»(1) .

وتدلّ عليه صحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : أرأيت المُواقِف إن لم يكن على وضوء ، كيف يصنع ولا يقدر على النزول ؟ قال : «يتيمّم من لِبْده أو سرجه أو مَعْرَفة دابّته ؛ فإنّ فيها غباراً ، ويصلّي»(2) .

وموثّقته عن أبي جعفر علیه السلام قال : «إن كان أصابه الثلج فلينظر لِبْد سرجه ، فليتيمّم من غباره أو من شيء معه(3) ، وإن كان في حال لا يجد إلاّ الطين فلا بأس أن يتيمّم منه»(4) .

وصحيحة رِفاعة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا كانت الأرض مبتلّة ليس

ص: 203


1- اُنظر مدارك الأحكام 2 : 206 ؛ المعتبر 1 : 376 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 189 / 544 ؛ وسائل الشيعة 3 : 353 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 1 .
3- لا يبعد أن يكون «معه» مصحَّفَ «مغبَّر» ، ولقربهما في الكتب اشتبه الأمر على النسّاخ ، ويؤيّده صحيحة رفاعة الآتية . [منه قدس سره]
4- تهذيب الأحكام 1 : 189 / 545 ؛ وسائل الشيعة 3 : 353 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب9 ، الحديث 2 .

فيها تراب ولا ماء ، فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم منه» قال(1) : «ذلك توسيع من اللّه عزّ وجلّ» .

قال : «فإن كان في ثلج فلينظر لِبْدَ سرجه فليتيمّم من غُباره أو شيء مُغبّر ، وإن كان في حال لا يجد إلاّ الطين فلا بأس أن يتيمّم منه»(2) .

وصحيحة أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا كنت في حال لا تقدر إلاّ على الطين فتيمّم به ؛ فإنّ اللّه أولى بالعذر إذا لم يكن معك ثوب جافّ أو لِبْد تقدر أن تنفضه وتتيمّم به»(3) .

وينبغي التنبيه على اُمور :

عدم اختصاص الحكم بالأمثلة المذكورة في النصوص

منها : أ نّه يظهر من تعليل صحيحة زرارة وإطلاق قوله : «أو شيء معه» في موثّقته ، عدمُ اختصاص الحكم بالأمثلة المذكورة في النصوص ، بل لولاهما أيضاً لا يفهم منها إلاّ التمثيل ، واختصاص تلك الأمثلة بالذكر ، لأجل كون المحارب المفروض في الصحيحة الاُولى ، والمسافر الذي يكون ظاهراً مفروض سائر الروايات ، لا يكون معهم شيء مغبّر نوعاً إلاّ ما ذكر فيها ، فلا يستفاد منها

ص: 204


1- هكذا في الطبعة الحجرية من الوسائل ، ولكن في بقيّة المصادر : «فإنّ» بدل «قال» .
2- تهذيب الأحكام 1 : 189 / 546 ؛ وسائل الشيعة 3 : 354 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب9 ، الحديث 4 .
3- الكافي 3 : 67 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 354 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب9 ، الحديث 7 .

إلاّ التمثيل ، وتُلغى الخصوصية عرفاً بلا إشكال . كما أنّ الظاهر من النصّ

والفتوى عدم الترتيب بين المذكورات ، فتقديم الثوب على اللِبْد(1) أو العكس(2) ممّا لا وجه له .

اشتراط جواز التيمّم بالغبار بفقد التراب أو مطلق الأرض

ومنها : هل جواز التيمّم بالغبار مشروط بفقد التراب أو مطلق الأرض ، كما نسبه في محكيّ «التذكرة» إلى علمائنا (3) ، وعن «الكفاية» : «أ نّه ظاهر أكثر الأصحاب»(4) ، وعن «كشف اللثام» كذلك تارة ، واُخرى نسبته إلى الأصحاب(5) .

أو لا ، فيصحّ التيمّم به اختياراً ، كما عن السيّد حيث قال : «يجوز التيمّم

بالتراب وغبار الثوب»(6) وعن «المنتهى» و«إرشاد الجعفرية» تقويته ؟

لكن لا يستفاد من عبارتهما المنقولة ذلك ، بل يمكن أن يكون مرادهما جمع الغبار بمقدار يصدق عليه اسم «التراب» وهي هذه : «إنّ الغبار تراب ، فإذا نفض أحد هذه الأشياء عاد إلى أصله ، فصار تراباً مطلقاً»(7) .

بل يمكن أن يكون مراد السيّد من قوله المتقدّم هو الجواز في الجملة ،

ص: 205


1- السرائر 1 : 138 .
2- النهاية : 49 .
3- تذكرة الفقهاء 2 : 179 - 180 .
4- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 44 .
5- كشف اللثام 2 : 458 و459 .
6- مسائل الناصريات : 151 ؛ رسائل الشريف المرتضى 3 : 26 .
7- اُنظر مفتاح الكرامة 4 : 406 ؛ منتهى المطلب 3 : 68 .

ولم يكن بصدد بيان نفي الترتيب وعرضية الجواز .

وكيف كان : فالمتّبع هو الأدلّة المتقدّمة الخاصّة ، وأمّا مقتضى الآية الكريمة(1) والروايات الدالّة على أنّ التيمّم بالأرض والتراب(2) ، فعدم صحّته بالغبار مطلقاً ولو في حال الاضطرار ؛ لعدم صدقهما عرفاً على الشيء المغبّر أو الغبار الذي يعلو السرج واللِبْد ، بل هو أثر التراب لدى العرف ، كالرطوبة بالنسبة إلى الماء ، فلا بدّ من النظر في تلك الروايات :

فنقول : أمّا صحيحة زرارة فلأحد أن يقول : إنّ مقتضى عموم تعليلها جواز التيمّم بما فيه الغبار مطلقاً ، وفرض الراوي عدم القدرة على النزول لا يوجب تنزيل التعليل عليه ؛ فإنّ المورد لا يقيّد ولا يخصّص إطلاق التعليل أو عمومه ، فكما نتعدّى بعموم التعليل أو إطلاقه إلى كلّ ما فيه الغبار ، ونتعدّى إلى كلّ عذر ،

مع أنّ المورد عدم القدرة على النزول ، يمكن أن نتعدّى بعمومه عن مورد التعذّر إلى غيره بعد كون فرض التعذّر في كلام الراوي ، فهو بمنزلة أن يقول : «إذا لم يكن عنده تراب كيف يصنع ؟» فأجاب : «بأ نّه يتيمّم بالحجر ؛ فإنّه أرض» حيث لا يبعد استفادة أنّ الأرض كالتراب في صحّة التيمّم من غير ترتّب بينهما .

نعم ، لو كان تقديره في كلام الإمام كان ظاهراً في التأخّر ، كما في قوله : «إذا كنت لا تجد إلاّ الطين فلا بأس أن تتيمّم به» .

واحتمال التعدّي ولو على هذا الفرض - فلو قال : «إذا لم تجد التراب فتيمّم بالحجر ؛ فإنّه أرض» نحكم بجواز التيمّم بالحجر اختياراً - ضعيف ؛ للفرق بين

ص: 206


1- النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 343 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 3 و7 .

قوله : «لا تشرب الخمر ؛ لأ نّه مسكر» وبين قوله : «إذا لم تجد التراب . . .» إلى آخره ، فإنّ الظاهر من فرض عدم التراب ، أ نّه مع وجوده لا يجوز التيمّم بغيره ، نعم لازم التعليل التعدّي من الحجر إلى غيره ، لا من فرض العجز عن التراب إلى غيره . وهذا بخلاف ما يكون الفرض في السؤال وفي كلام الراوي ؛ لإمكان القول بالتعدّي وأنّ تمام الموضوع للجواز هو مورد العلّة ، تأمّل .

هذا مع تسليم أنّ المفروض في الصحيحة عدم القدرة على التيمّم بالأرض ، لكنّه ممنوع ، بل المفروض فيها - بحسب الظاهر المتفاهم عرفاً - عدم التمكّن من النزول للوضوء ؛ فإنّ قوله : «إن لم يكن على وضوء ، كيف يصنع ولا يقدر على النزول ؟» ظاهر في أ نّه لا يقدر على النزول للوضوء بقرينة ذكره ، وأمّا فرض عدم التمكّن من النزول للتيمّم ، فأمر آخر لا بدّ من فرض فقدان الماء معه ، ولم يفرضه . مع أنّ فقدانه نادر ، وعدم القدرة على النزول لصرف ضرب الكفّ على الأرض نادر أيضاً ، بخلاف عدم القدرة للوضوء ؛ لاحتياجه إلى زمان معتدّ به .

فتحصّل من ذلك : أنّ المفروض فيها العذر عن الوضوء ، فكأ نّه قال : «إذا تعذّر

النزول للوضوء يتيمّم بلِبْد سرجه ؛ لأنّ فيه غباراً» فيدلّ على أ نّه عند فقدان الماء

يجوز التيمّم بالغبار . ومجرّد كون المورد من الذي لا يتمكّن من التيمّم على الأرض ؛ لو فرض فقدان الماء - على فرض تسليمه - لا يوجب تقييد الإطلاق ورفع اليد عن التعليل ؛ بعد عدم فرض فقدان الماء .

وأمّا قوله في موثّقة زرارة : «إن كان أصابه الثلج فلينظر لِبْد سرجه ، فليتيمّم من غباره» وإن كان ظاهراً بدواً في الترتيب ، لكن يحتمل أن يكون المقصود

ص: 207

التنبيه إلى فرد مغفول عنه ، فيكون المراد إفادة صحّة التيمّم بالغبار ؛ لئلاّ يتوهّم أ نّه مع إصابة الثلج فاقد للمتيمّم به ، لا لإفادة الترتيب .

ويؤيّده بل يدلّ عليه : أ نّه لو كان بصدد إفادة الترتيب ، كان عليه أن يقول : «إن لم يجد التراب» فإنّه مع إصابة الثلج ، يمكن له تحصيل التراب والأرض اليابسة نوعاً ؛ من غير حرج رافع للتكليف ، خصوصاً في المناطق الباردة التي تكون الأرض تحت الثلج يابسة ؛ لمنع البرودة من ذوبان الثلج وصيرورتها مبتلّة ، فضلاً عن صيرورتها وَحِلة .

مع أنّ التيمّم بالأرض الندية جائز يدّعى عليه اتّفاق الأصحاب(1) ، ولا يصير تحت الثلج طيناً أو وَحَلاً إلاّ في أوقات خاصّة ، فتجويز التيمّم بالمذكورات مع إصابة الثلج مطلقاً ، دليل على كونه بها مصداقاً اختيارياً .

وكون إصابة الثلج كناية عن عدم وجدان التراب والأرض ، خلاف الظاهر ، مع وجدانهما نوعاً ، فلا يبعد أن يكون التعليق على إصابته ؛ للتنبيه على أ نّه لا يلزم مع إصابته أن يتكلّف برفعه من الأرض ويتيمّم بما تحته ، بل يجوز التيمّم بغبار الثوب ونحوه ؛ فإنّ المكلّف المأمور بالتيمّم إذا أصابه الثلج ، يرى نفسه مكلّفاً وملزماً بتحصيل التراب والأرض - برفع الثلج وسائر الموانع - والتيمّم بها ، فيمكن أن يراد بذلك دفع توهّم لزومه ، لا إفادة الترتيب .

ويؤيّد ما ذكرناه -

من احتمال كون التعليق للإرشاد إلى مصداق آخر اختياري مغفول عنه - صحيحة رِفاعة ؛ حيث أردف فيها قوله : «فإن كان في ثلج» بقوله : «إذا كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء ، فانظر أجفّ

ص: 208


1- تذكرة الفقهاء 2 : 181 .

موضع تجده فتيمّم منه» فإنّه لا يراد منه الترتيب بين أجفّ موضع من الأرض وبين التراب ، كما عليه الفقهاء ، فيكون المراد دفعَ توهّم عدم جواز التيمّم بالأرض المبتلّة ، والإرشادَ إلى مصداق آخر ممّا يصحّ التيمّم به اختياراً ، فيمكن الاستئناس به للفرض الثاني .

ويمكن الاستدلال عليه برواية ابن المغيرة قال : «إن كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء ، فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم من غباره أو شيء مغبّر ، وإن كان في حال لا يجد إلاّ الطين فلا بأس أن يتيمّم به»(1) .

فإنّ الظاهر من عطف «شيء مغبّر» ب- «أو» أ نّه مع فقد التراب والماء في عَرْض الموضع الأجفّ ، فمع البناء على أنّ الأرض الندية في عرض التراب ، ويجوز التيمّم بها اختياراً ، يتمّ المطلوب . إلاّ أنّ المظنون حصول تقطيع في تلك الرواية ؛ وأنّ أصلها هي صحيحة رِفاعة(2) المنقولة بتوسّط ابن المغيرة ، مع أ نّها مقطوعة غير منسوبة إلى المعصوم ، ولعلّه فتواه .

والإنصاف : أ نّه لولا مخافة مخالفة الأصحاب ، وعدم ثبوت مخالف في المسألة حتّى السيّد كما عرفت(3) ، لكان الجواز اختياراً غير بعيد ، لكن بعد تسليم المسألة بينهم ، وبعد ظهور الآية الكريمة في تعيّن التيمّم بالصعيد(4) ، وبعد

ص: 209


1- الكافي 3 : 66 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 356 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 10 .
2- تقدّمت في الصفحة 203 .
3- تقدّم في الصفحة 205 .
4- النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .

ظهور الأخبار الكثيرة التي جملة منها ظاهرة في حصر المتيمّم به بالأرض(1) ، يمكن دعوى : أنّ التجويز بالغبار من جهة أ نّه ميسور الأرض ؛ لكونه أثرها ، ولهذا ترى أنّ ما دلّت على تجويزه به إنّما هي في موارد خاصّة ، كالمُواقِف غير القادر على النزول ، والمصاب بالثلج ، والخائف من سبع وغيره(2) ، وليس في الروايات العامّة إلاّ التيمّم بالأرض والصعيد والتراب ، فلو كان في حال الاختيار جائزاً ، لكان في تلك الروايات الكثيرة - خصوصاً ما وردت في مقام الامتنان - ذكرٌ منه ، فيحصل الاطمئنان بما عليه المشهور .

مع إمكان أن يقال : إنّ ما أنكرنا من دلالة الروايات على الترتيب ، مناقشات

عقلية بعيدة عن الأذهان العرفية ، والعرف يفهم منها - مع خلوّ نفسه عن المناقشات العقلية - الترتيب ، ويشهد به فهم الفقهاء وأرباب اللسان .

وبالجملة : الظاهر من الروايات عرفاً - بعد تعليق الجواز على اُمور عذرية

- أنّ التيمّم به متأخّر عن التيمّم بالصعيد الذي هو التكليف الأوّلي كتاباً وسنّة ، ولا ينقدح في الذهن كونها في مقام بيان توسعة المصداق الاختياري ، فالقول المشهور - مع كونه أحوط - هو الأقوى .

في اعتبار محسوسية الغبار

ومنها : أ نّه لا إشكال في اعتبار كون الغبار محسوساً على ذي الغبار ؛ بحيث يرى ظاهره مغبّراً ، ولا يكفي ضرب اليد على ما يكون الغبار كامناً فيه وإن أثار

ص: 210


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 349 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 7 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 353 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 .

الغبار منه بالضرب عليه ؛ لعدم صدق «التيمّم بالغبار» كما اُمر به في موثّقة زرارة وصحيحة رِفاعة(1) ومقتضى ظاهر صحيحة أبي بصير ، قال فيها : «إذا لم يكن معك ثوب جافّ أو لِبْد تقدر أن تنفضه وتتيمّم به»(2) فإنّ الظاهر أنّ النفض لأن يظهر غباره على ظاهره ؛ لعدم وجود ثوب أو لِبْد يمكن أن ينفض منه مقدار من الغبار يصحّ التيمّم به اختياراً ، فحمل الاشتراط عليه مرجعه إلى اشتراط لغو غير محقّق المصداق ، فلا يفهم من قوله ذلك إلاّ النفض لظهور الغبار ؛ ولو لأجل نُدرة المصداق الاختياري أو فقدانه .

ودعوى صدق «التيمّم على الغبار» إذا ضرب يده على ذي غبار كامن فأثار منه(3) ، في غير محلّها ؛ ضرورة أنّ الظاهر من الأمر بالتيمّم على الغبار ، أن يضرب يده عليه ، ومع عدم كون ظاهره مغبّراً لا يقع الضرب عليه ، بل يقع على الثوب ، وبعده يظهر الغبار ، نظير ما فرض من الضرب على غير الأرض ، فصار بالضرب أرضاً ، فصيرورة الشيء بعد الضرب ممّا يصحّ التيمّم به لا يوجب صدق التيمّم به ، وهو ظاهر .

وعليها يحمل التعليل في صحيحة زرارة(4) ؛ إن لم يكن بنفسه ظاهراً في كون ظاهرها مغبّراً . كما أ نّه عليها يحمل إطلاق رواية زرارة(5) الضعيفة

ص: 211


1- تقدّمتا في الصفحة 203 .
2- تقدّم في الصفحة 204 .
3- جواهر الكلام 5 : 147 .
4- تقدّمت في الصفحة 203 .
5- يأتي في الصفحة 217 .

بأحمد بن هلال(1) . مع أنّ ارتكازية كون الغبار ميسور الصعيد ، لا يبعد أن تمنع من إطلاقها . مضافاً إلى أنّ إطلاقها يقتضي الجواز ولو لم يكن في اللِبْد غبار كامن ، وهو كما ترى .

وكيف كان : لا إشكال في المسألة ، ولا تحتاج إلى طول البحث .

كما لا إشكال في لزوم كون الغبار ممّا يصحّ التيمّم به ، فلا يصحّ بغبار الدقيق والاُشنان ؛ لانصراف الأدلّة وارتكازية كون الغبار ميسور الأرض وأثرها ، فلا ينبغي الخلاف والإشكال فيه .

ومقتضى إطلاق الأدلّة عدم الفرق بين مراتب ذي الغبار ، وأكثريته لا توجب التعيين بعد اشتراك الكلّ في عدم صدق «الأرض» عليه وصدق «الغبار» والاحتياط حسن على كلّ حال .

ص: 212


1- رجال النجاشي : 83 / 199 ؛ الفهرست ، الطوسي : 83 / 45 .
الأمر التاسع في جواز التيمّم بالطين
اشارة

لا إشكال نصّاً (1) وفتوى(2) في جواز التيمّم بالطين إجمالاً ، وإنّما الإشكال في أمرين :

أحدهما : في أنّ مقتضى الأدلّة العامّة والخاصّة هل هو جواز التيمّم به اختياراً ، أو هو مترتّب على مطلق وجه الأرض ومصداق اضطراري للمتيمّم به ؟

وثانيهما : أنّ مقتضاها هل هو تقدّمه على الغبار أو تأخّره ؟

ولنبحث عنهما مع قطع النظر عن فتاوى الأصحاب .

مقتضى الأدلّة العامّة

فنقول : مقتضى ظاهر الكتاب(3) والنصوص الآمرة بالتيمّم بالصعيد والأرض(4) ، جواز التيمّم بما يصدق عليه عنوانهما ، ولا ريب في أنّ الطين إذا كان غليظاً غير رقيق يصدق عليه «الأرض» وإن لم يصدق عليه «التراب» فالطين المتماسك الذي غلبت أجزاء أرضيته على مائيته ، أرض وصعيد ؛ بناءً

ص: 213


1- وسائل الشيعة 3 : 353 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 .
2- المقنع : 27 ؛ المقنعة : 59 ؛ النهاية : 49 ؛ المعتبر 1 : 377 .
3- راجع النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
4- وسائل الشيعة 3 : 349 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 7 .

على ما تقدّم من كونه مطلق الأرض(1) ، ومجرّد خروجه عن صدق «التراب» لا يوجب خروجه عن «الأرض» فاللَبِنة قبل جفافها وبعده أرض ، وليست بتراب حتّى بعد الجفاف ، كما أنّ الأواني المصنوعة من الطين قبل جفافها وبعده أرض ، وليست بتراب .

نعم ، قد يكون رقيقاً بحيث يخرج عن صدق «الأرض» عليه ، أو يشكّ فيه ، كالوحل ، فإنّ في بعض مراتبه لا يصدق عليه «الأرض» ويشكّ فيه في بعضها . ولعلّ الطين أعمّ من الوحل .

ويشهد لما ذكرنا - من صدق «الأرض» على الطين - موثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن حدّ الطين الذي لا يُسجد عليه ، ما هو ؟ فقال : «إذا غرقت الجبهة ولم تثبت على الأرض»(2) .

فإنّ الظاهر منها جواز السجدة على الطين الغليظ المتماسك؛ بحيث تستقرّ الجبهة عليه ، ولا شبهة في أنّ جوازها لأجل كونه أرضاً . بل لا يبعد دعوى استفادة كون ما تغرق الجبهة فيه أرضاً منها ؛ لجعل المانع منها عدم الاستقرار ، لا عدم الأرضية .

وكيف كان : لا شبهة في دلالتها على أرضية الطين الذي تستقرّ عليه الجبهة لتماسكه .

وتدلّ عليه رواية زرارة ، عن أحدهما علیهما السلام قال : قلت : رجل دخل الأجَمة

ص: 214


1- تقدّم في الصفحة 168 .
2- الكافي 3 : 390 / 13 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 312 / 1267 ، و : 376 / 1562 ؛ وسائل الشيعة 5 : 143 ، كتاب الصلاة ، أبواب مكان المصلّي ، الباب 15 ، الحديث 9 .

ليس فيها ماء ، وفيها طين ، ما يصنع ؟ قال : «يتيمّم ؛ فإنّه الصعيد»(1) .

نعم ، ربّما يشعر قوله في مرسلة علي بن مطر : «صعيد طيّب وماء طهور»(2) بخلاف ذلك ، لكنّ الظاهر منها أيضاً جواز التيمّم به لكونه صعيداً . وأمّا قوله : «وماء طهور» فلا بدّ من رفع اليد عن ظاهره؛ لعدم صدق «الماء» عليه بالبداهة ، فلعلّ المراد أ نّه صعيد طيّب فيه ماء طهور لا يمنع عن التيمّم به ، تأمّل .

وكيف كان : بناءً على صدق «الأرض» على الطين ببعض مراتبه ، يجوز التيمّم به اختياراً ولو كان بحيث تتلطّخ اليد بالضرب عليه ؛ لظاهر الكتاب والسنّة ، فلا بدّ من قيام دليل على عدم الجواز يقيّد إطلاقهما ، وهذا بخلاف الغبار

والوحل الذي لا يصدق عليه «الأرض» فلا بدّ فيهما من قيام الدليل على صحّته .

ويظهر ممّا ذكر تقدّم التيمّم بالطين على التيمّم بالغبار بمقتضى الكتاب والسنّة ؛ للصدق في الأوّل دون الثاني .

هذا حال الأدلّة العامّة .

مقتضى الأدلّة الخاصّة

وأمّا الأدلّة الخاصّة ، فقد استدلّ(3) على تأخّر الطين عن الغبار - فضلاً عن الأرض - بروايات ، كموثّقة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «إن كان أصابه الثلج

فلينظر لِبْد سرجه فليتيمّم من غباره أو من شيء معه ، وإن كان في حال

ص: 215


1- يأتي متنه الكامل في الصفحة 217 - 218 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 190 / 549 ؛ وسائل الشيعة 3 : 354 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 6 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 210 .

لا يجد إلاّ الطين فلا بأس أن يتيمّم منه»(1) وقريب منها صحيحة رِفاعة(2) .

وأمّا ما جعلها في «الوسائل» رواية اُخرى عن زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام

- وهي الرواية الثالثة من الباب(3) - فالظاهر أ نّها قطعة من الرواية المتقدّمة ، لا رواية مستقلّة .

ووجه الاستدلال بهذه الروايات قوله : «وإن كان في حال . . .» إلى آخره ؛ حيث علّق فيها جواز التيمّم بالطين على عدم شيء يتيمّم به ؛ ولو مثل اللِبْد والثوب ، ومقتضاه تأخّر رتبته عنه .

وفيه : أنّ الظاهر من قوله : «إن كان أصابه الثلج» - بعد عدم جواز الأخذ بإطلاقه ، كما مرّ في المسألة السابقة(4) - هو كونه بحيث يتعذّر أو يتعسّر التيمّم معه بالأرض ؛ أي لا يمكن رفع الثلج والتيمّم بها ، فيكون عدم إمكان التيمّم بالأرض ولو كانت طيناً ، مفروضاً في الروايات ، فكأ نّه قال : «مع عدم المصداق الاختياري يتيمّم بالاضطراري» وهو الغبار الذي مرّ أ نّه ليس بأرض(5) ، فحينئذٍ لا يجوز حمل قوله : «وإن كان في حال لا يجد إلاّ الطين . . .» إلى آخره ، على تعليق التيمّم به على عدم الغبار ، بل هو محمول على فقدان الأرض غير الطين .

ص: 216


1- تقدّمت في الصفحة 203 .
2- تقدّمت في الصفحة 203 .
3- وسائل الشيعة 3 : 353 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 3 .
4- تقدّم في الصفحة 207 - 208 .
5- تقدّم في الصفحة 206 .

بل بعد صدق «الأرض» على الطين عرفاً ، لا ينقدح في الذهن تأخّره عن الغبار الذي هو فرد اضطراري وليس بأرض ، فيوجب ذلك ظهوراً فيما ذكرنا لو نوقش في ظهوره ذاتاً في ذلك . مع أنّ المناقشة في غير محلّها ظاهراً .

نعم ، لو كان قوله : «إن كان أصابه الثلج» كناية عن فقدان الأرض غير الطين ، لكان لما ذكر وجه . لكن لو كان المراد ذلك لكان ذكر المطر أولى ، فذكر الثلج خصوصاً في تلك الآفاق التي لا ينزل فيها الثلج ، وترك المطر الذي هو أولى بالذكر - لكثرة الابتلاء به وأسرعيته في تطيين الأرض - دليل على أنّ له دخالةً في الحكم ، وللإمام علیه السلام عنايةً في ذكره ، وليس فيه ما يوجب الخصوصية إلاّ

حيلولته عن الوصول إلى وجه الأرض ، فكأ نّه قال : «إذا لم يمكن التيمّم بالأرض لإصابة الثلج وحيلولته ، يتيمّم بالغبار ، وإن أمكنه لكن لا يجد إلاّ الطين ، فلا بأس بالتيمّم به» فتدلّ على تقدّم الطين على الغبار .

وأمّا تقدّم الأرض الجافّة على الطين ، فمبنيّ على أنّ مفهوم «لا بأس» البأس بمعنى الممنوعية ، وأمّا إذا كان المراد التنزيه - خصوصاً في مثل التيمّم بالطين ممّا يوجب تلطّخ اليد والوجه ، وربّما ينافي النظافة المطلوبة - فلا ، ومع احتماله وعدم ظهوره في الأوّل ، لا يمكن رفع اليد عن إطلاق الأدلّة بها .

أدلّة تقدّم الطين على الغبار

وتدلّ على تقدّم الطين على الغبار وعرْضيته مع الأرض ، روايةُ زرارة ، عن أحدهما علیهما السلام قال : قلت : رجل دخل الأجَمة ليس فيها ماء ، وفيها طين ، ما يصنع ؟ قال : «يتيمّم ؛ فإنّه الصعيد» .

ص: 217

قلت : فإنّه راكب ولا يمكنه النزول من خوف ، وليس هو على وضوء ، قال : «إذا خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوت الوقت فليتيمّم ؛ يضرب بيده على اللِبْد والبَرْذَعة ويتيمّم ويصلّي»(1) .

فقوله : «فإنّه الصعيد» إشارة إلى جواز التيمّم به اختياراً ؛ لكونه الصعيد الذي أمر اللّه تعالى بالتيمّم منه ، ولا ريب في أنّ قوله : «فإنّه راكب» ظاهر في أنّ الداخل على الأجمة الكذائية راكب ، ويخاف على نفسه أن ينزل ؛ لكونها مأوى الأسد ، والحمل على سؤال مستأنف(2) خلاف الظاهر جدّاً ، فحينئذٍ تدلّ على تقدّم الطين على الغبار .

ويدلّ عليه أيضاً إطلاق مرسلة علي بن مطر ، عن بعض أصحابنا قال : سألت الرضا علیه السلام عن الرجل لا يصيب الماء ولا التراب ، أيتيمّم بالطين ؟ قال : «نعم ؛

صعيد طيّب وماء طهور»(3) .

والظاهر من قوله : «صعيد . . .» إلى آخره أ نّه فرد اختياري لا منع من التيمّم به ، والماء الذي فيه لا مانع منه .

أمّا صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا كنت في حال لا تقدر إلاّ على الطين فتيمّم به ؛ فإنّ اللّه أولى بالعذر إذا لم يكن معك ثوب جافّ أو

ص: 218


1- تهذيب الأحكام 1 : 190 / 547 ؛ وسائل الشيعة 3 : 354 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 5 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 212 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 190 / 549 ؛ وسائل الشيعة 3 : 354 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 6 .

لِبْد تقدر أن تنفضه وتتيمّم به»(1) .

فمع قطع النظر عن سائر الروايات ، ظاهرة في أنّ الطين فرد اضطراري عذري متأخّر عن الأفراد الاختيارية ، وعن غبار الثوب أو اللِبْد الذي هو فرد اضطراري أيضاً .

لكن لا يبعد أن يكون التصرّفُ فيها - بحمل القدرة على النفض على ما إذا حصل به مقدار من التراب يمكن إيجاد الفرد الاختياري معه ، خصوصاً مع قوله : «إذا لم يكن معك . . .» إلى آخره عقيب قوله : «فإنّ اللّه أولى بالعذر» فإنّ ظاهره أنّ الطين مصداق عذري ، دون التيمّم بما نفض فإنّه مصداق غير عذري - أهونَ من التصرّف في سائر الأدلّة ، كقوله : «فإنّه صعيد» خصوصاً مع بُعد تقديم ما ليس بصعيد على الصعيد . نعم ظاهرها أنّ التراب مقدّم على الطين .

هذا كلّه إذا اُريد ب- «الطين» في جميع الروايات معنى واحد .

لكن يمكن الجمع بينها بوجه آخر : وهو حمل ما دلّ على جوازه اختياراً على الطين الذي يصدق عليه «أ نّه صعيد» بقرينة قوله في رواية زرارة : «إنّه الصعيد» وحمل صحيحة أبي بصير على الوحل الذي يكون مصداقاً عذرياً ؛ بقرينة قوله : «إنّ اللّه أولى بالعذر» لعدم تناسبه مع الطين الصادق عليه «الصعيد» خصوصاً مع جعله في الصحيحة متأخّراً عن الغبار الذي لا تصدق عليه «الأرض» بلا إشكال .

وإن شئت قلت : إنّ إطلاق صدرها وإن يقتضي كون المراد ب- «الطين» أعمّ من

ص: 219


1- الكافي 3 : 67 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 354 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 7 .

الوحل ، ويمكن جعل قوله : «إنّ اللّه أولى بالعذر» دليلاً على أنّ مطلق الطين فرد اضطراري ، لكن كون التعليل بأمر ارتكازي - وهو أ نّه مع عدم إمكان الصعيد والعذر منه ، يتيمّم بالطين - يمنع عن إطلاقه ، فيفهم منه أنّ المراد به ما لا يصدق

عليه «الأرض» أي الوحل ، خصوصاً مع بُعد تأخّر الأرض عن الغبار ، فيكون مقتضى الصحيحة تأخّر الوحل عن الغبار ، وهي تصير قرينة على سائر الروايات ، كموثّقة زرارة(1) وصحيحة رفاعة(2) ؛ ولو مع قطع النظر عن رواية زرارة ومرسلة ابن مطر .

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ مقتضى الجمع المذكور جواز التيمّم بالطين الصادق عليه «الأرض» اختياراً ، وعند الاضطرار يقدّم الغبار على الوحل الذي هو خارج عن مسمّى «الأرض» حفظاً لظهور صحيحة أبي بصير .

النكتة في تعبير الفقهاء ب- «الوحل»

ولعلّ تعبيرات الفقهاء في المتون ب- «الوحل» للجمع المذكور ، مع تطابق النصوص جميعاً على ذكر «الطين» وكان المناسب تبعيتهم لها في التعبير ، كما هو بناؤهم في سائر الموارد غالباً ، خصوصاً قدماء أصحابنا ، فرفع اليد عمّا في النصوص بعنوان مغاير في الجملة للطين ، لا بدّ له من نكتة لا يبعد أن تكون ما ذكرناه من الجمع .

قال الشيخ في «النهاية» : «فإن كان في أرض وحلة لا تراب فيها ولا صخر ،

ص: 220


1- تقدّمت في الصفحة 203 .
2- تقدّمت في الصفحة 203 .

وكانت معه دابّة ، فلينفض عرفها أو لِبْد سرجها ويتيمّم بغبرته . فإن لم يكن معه دابّة وكان معه ثوب تيمّم منه . فإن لم يكن معه شيء من ذلك وضع يديه جميعاً على الوحل ، ويمسح إحداهما بالاُخرى ، وينفضهما حتّى يزول عنهما الوحل ، ثمّ يتيمّم ، ولا يجوز التيمّم بما لا يقع عليه اسم «الأرض» بالإطلاق سوى ما ذكرناه»(1) انتهى .

وهي - كماترى - تدلّ على أنّ الوحل بما أ نّه لا يصدق عليه عنوان «الأرض» لا يجوز التيمّم به ، فدلّت على أنّ اختصاصه بالذكر لأجل عدم صدقها عليه ، فذكر الوحل الذي هو الطين الرقيق ، وترك ما في النصوص وتعليله ذلك ، دليل على عناية به ، ولعلّها ما ذكرناه ، وإلاّ فلا وجه لرفع اليد عن النصوص بما يخالفها .

وقد عبّر ب- «الوحل» في «المراسم» و«الوسيلة» و«الشرائع» و«النافع» و«القواعد» و«التذكرة» و«المنتهى» قائلاً : «ولو لم يجد إلاّ الوحل يتيمّم به ، وهو

مذهب علمائنا»(2) وإن عبّر بالطين أيضاً في خلال المسائل ، لكن الظاهر من تلك العبارة أنّ التيمّم بالوحل مذهب علمائنا . وكذا عبّر به في «الإرشاد» و«الروض»(3) وعن «الدروس»(4) .

وفي «مفتاح الكرامة» في ذيل قول الماتن : «ولا بالوحل» قال : «أي لا يجوز

ص: 221


1- النهاية : 49 .
2- المراسم : 53 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 71 ؛ شرائع الإسلام 1 : 39 و40 ؛ المختصر النافع : 17 ؛ قواعد الأحكام 1 : 238 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 180 ؛ منتهى المطلب 3 : 68 .
3- إرشاد الأذهان 1 : 234 ؛ روض الجنان 1 : 326 .
4- الدروس الشرعية 1 : 130 .

التيمّم بالوحل اختياراً ، كما صرّح به المصنّف وغيره ، وفي «مجمع البرهان» عدم ظهور الخلاف فيه(1) . . .»(2) إلى آخر ما قال ، حيث يظهر منه أنّ معقد عدم ظهور

الخلاف عنوان «الوحل» .

ولا اعتماد على تفسير المتأخّرين المتونَ المشتملة على «الوحل» ب- «الطين» فإنّ الظاهر أنّ التفسير حسب اجتهادهم وعلى ما وجدوا النصوص كذلك ، قال في «مفتاح الكرامة» : «والوحل : هو الطين الرقيق ، كما نصّ عليه جماعة من الأصحاب(3) »(4) وهذا أيضاً دليل على عناية منهم بذكر الوحل مقابل الطين .

وكيف كان : لا ريب في أنّ تطابقهم على التعبير به ، ليس من باب الاتّفاق بلا عناية منهم بمعنى الوحل ، مع ما عرفت من حكاية تفسير جماعة منهم ب- «الطين الرقيق» ، ولا يمكن حمل كلامهم على أنّ المراد به الطين مع ما عرفت ، ومع تفسير أئمّة اللغة «الوحل» ب- «الطين الرقيق» . ففي «الصحاح» : «الوحل : الطين الرقيق»(5) وفي «القاموس» : «الوَحْل - ويحرّك - : الطين الرقيق ترتطم فيه الدوابّ»(6) فما في «مفتاح الكرامة» حكايةً عنه تفسيره ب- «الطين»(7) مخالف لما فيه .

ص: 222


1- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 222 .
2- مفتاح الكرامة 4 : 383 .
3- جامع المقاصد 1 : 481 ؛ مدارك الأحكام 2 : 204 ؛ كشف اللثام 2 : 450 .
4- مفتاح الكرامة 4 : 387 .
5- الصحاح 5 : 1840 .
6- القاموس المحيط 4 : 65 .
7- مفتاح الكرامة 4 : 387 .

وفسّره في «المنجد» و«المجمع» ب- «الطين الرقيق»(1) وقد ذكر الفقهاء الموتحل والغريق في باب صلاة الخوف قرينين(2) ، والمراد به من غرق في الوحل ؛ وهو الطين الرقيق الذي يغرق الإنسان فيه .

ومع ما عرفت لا يمكن دعوى الشهرة أو الإجماع على تأخّر الطين الغليظ المتماسك الذي يصدق عليه «الأرض» عن الصعيد ، فضلاً عن تأخّره عن الغبار ، ولا أقلّ من الشكّ فيه ، ومعه لا يمكن رفع اليد عن إطلاق الكتاب والسنّة ومقتضى الجمع بين الأدلّة ؛ وإن عبّر بعضهم ب- «الطين» كالشيخ في «الخلاف»(3) .

بل ولو نوقش في ظهور الأدلّة فيما ذكرناه وفي اقتضاء الجمع المذكور ، فلا أقلّ من أنّ ما ذكرناه احتمال مساوٍ لما ذكروه ، ودعوى الظهور فيما قالوا ممنوعة ، فلا يجوز رفع اليد عن إطلاق الآية والروايات الصحاح ، إلاّ أن يمنع صدق «الأرض» على الطين بجميع مصاديقه ، أو يدّعى انصراف الأدلّة إلى غيره ، وهما ممنوعان مردودان إلى المدّعي .

كيفية التيمّم بالوحل

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة أ نّه ليس للتيمّم بالوحل كيفية خاصّة ، بل كيفيته هي المعهودة المتداولة في التيمّم بالأرض . نعم لا مانع من فرك الطين

ص: 223


1- المنجد : 891 ؛ مجمع البحرين 5 : 490 .
2- المقنعة : 215 ؛ النهاية : 129 ؛ غنية النزوع 1 : 92 ؛ تحرير الأحكام 1 : 332 .
3- الخلاف 1 : 155 .

من اليد ، بل لا يبعد استحبابه إن قلنا باستحباب النفض ؛ بدعوى استفادته من

أدلّة النفض(1) .

ولعلّه مراد الشيخ المفيد رحمه الله علیه (2) كما أ نّه ظاهر شيخ الطائفة في عبارته المتقدّمة(3) ، حيث قال : «وضع يديه جميعاً على الوحل ، ويمسح إحداهما بالاُخرى ، وينفضهما حتّى يزول عنهما الوحل ، ثمّ يتيمّم» فما نسب إليه من مخالفته للأصحاب(4) ليس على ما ينبغي .

بل لا يبعد أن يكون ذلك أيضاً مراد صاحب «الوسيلة» قال : «فإن لم يكن معه شيء من ذلك ووجد وحلاً يتيمّم منه ، وضرب بيديه عليه ، وقد أطلق الشيوخ رحمه الله علیه ذلك على الإطلاق . والذي تحقّق لي منه أ نّه يلزمه أن يضرب يديه على الوحل قليلاً ، ويتركه عليها حتّى ييبس ، ثمّ ينفض عن اليد ويتيمّم به»(5) انتهى .

فإنّ الظاهر من تعليق جواز التيمّم بالوحل على عدم وجود شيء ممّا يتيمّم به أنّ التيمّم به بهذه الكيفية متأخّر عن سائر المراتب ، ولو كان مراده الحيلة إلى

تحصيل التراب والتيمّم به ، لم يكن وجه لذلك التعليق ؛ فإنّ التيمّم بالتراب جائز كان أصله الوحل أو لا . مع أنّ الظاهر منه أنّ كلامه في مقابل إطلاق الأصحاب

ص: 224


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 359 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 3 و6 و7 ، والباب 12 ، الحديث 2 و4 .
2- المقنعة : 59 .
3- تقدّم في الصفحة 220 - 221 .
4- راجع مفتاح الكرامة 4 : 384 ؛ جواهر الكلام 5 : 148 .
5- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 71 .

في كيفية التيمّم لبيان لزوم النفض ، والظاهر رجوع الضمير في قوله : «ويتيمّم به» إلى الوحل ، لا إلى المنفوض ، تأمّل . وكيف كان فالمتّبع هو إطلاق الأدلّة .

ثمّ إنّ في لزوم تلك الحيلة أو مثلها لتحصيل التراب ، كلاماً ربّما يأتي في ذيل مسألة جواز التيمّم في سعة الوقت .

تتميم

في حكم التيمّم بالثلج

الظاهر انحصار ما يتيمّم به ولو اضطراراً بما ذكر ، ومع فقده يكون فاقد الطهورين . وحُكي عن ظاهر السيّد وابن جنيد وسلاّر التيمّم بالثلج(1) ، واستدلّ عليه(2) بصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن رجل أجنب في سفر ، ولم يجد إلاّ الثلج أو ماءً جامداً ، قال : «هو بمنزلة الضرورة يتيمّم ، ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه»(3) .

بدعوى : أنّ الظاهر منها عدم وجدان شيء ممّا يتيمّم به اختياراً واضطراراً ،

فيكون الظاهر من قوله : «يتيمّم» أ نّه يتيمّم بالثلج .

ويشهد له قوله : «ولا أرى أن يعود . . .» إلى آخره ، فإنّ التراب أحد الطهورين ، ومعه لا يوبق دينه .

ص: 225


1- اُنظر المعتبر 1 : 377 - 378 ؛ المراسم : 53 .
2- اُنظر جواهر الكلام 5 : 149 - 150 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 219 .
3- الكافي 3 : 67 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 355 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 9 .

وفيه : أنّ الظاهر من قوله : «ولم يجد إلاّ الثلج أو ماءً جامداً» هو عدم وجدان الماء ، لا عدم وجدان الأرض ولا الطين ولا الغبار ، وقوله : «يتيمّم» في مقام الجواب ؛ أي إذا لم يجد ماءً وكان الماء جامداً يتيمّم ، وعدم ذكر ما يتيمّم به لأجل وضوحه بنصّ الكتاب والسنّة ، ولو كان المراد التيمّم بالثلج كان عليه التصريح . مع كونه مخالفاً لما ذكر ، وقد مرّ دلالة ذيلها على عدم جواز تحصيل الاضطرار عمداً والتيمّم بالتراب .

وقوله : «لا أرى أن يعود . . .» إلى آخره ؛ أي لا يعود إلى أرض لا يجد فيها ماءً للطهارة ، ومجرّد كون التراب أحد الطهورين ، لا يوجب جواز تحصيل الاضطرار ، كما مرّ في أوائل هذه الوجيزة(1) .

وأمّا التمسّك(2) بقاعدة الاحتياط والشغل ، وقوله : «الصلاة لا تترك بحال»(3) فهو كما ترى . مع حكومة «لا صلاة إلاّ بطهور»(4) على مثل «الصلاة لا تترك بحال» لو سلّم وروده . مع أ نّه لا يوجب طهورية ما ليس بطهور ، بل مقتضاه عدم سقوط الصلاة مع فقد الطهور ، لا جعل ما ليس بطهور طهوراً ، وسيأتي تتمّة لذلك في محلّه إن شاء اللّه (5) .

ص: 226


1- تقدّم في الصفحة 13 .
2- اُنظر جواهر الكلام 5 : 149 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 219 .
3- لم نعثر على نصّ بهذا اللفظ ولكن ورد «لا تدع الصلاة على حال» . اُنظر وسائل الشيعة 2 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 5 .
4- وسائل الشيعة 1 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 1 و6 .
5- يأتي في الصفحة 389 .
حول كلام المفيد في التوضّي بالثلج مثل الدهن

وعن المفيد في «المقنعة» : «وإن كان قد غطّاها الثلج ، ولا سبيل إلى التراب ، فليكسره وليتوضّأ به مثل الدهن»(1) انتهى .

وفيه : أ نّه إن كان مراده ب- «التوضّي مثل الدهن» هو مسح الأعضاء بدل الغسل بدعوى : أ نّه ميسوره ؛ فإنّه عبارة عن إيصال الماء وإجرائه عليه ، ومع عدم إمكان ذلك لا يسقط ميسوره ؛ وهو إيصال رطوبة الماء وبلّته إلى العضو ومسحه به ، كما تشهد به رواية عبد الأعلى ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : عثرت

فانقطع ظفري ، فجعلت على إصبعي مرارة ، فكيف أصنع بالوضوء ؟ قال : «يعرف هذا وأشباهه من كتاب اللّه عزّ وجلّ ؛ قال اللّه تعالى : )مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ((2) امسح عليه»(3) .

فإذا كان المسح على المرارة ميسور المسح على البشرة - لانحلال المسح عليها إلى الإمرار ومماسّة الماسح للممسوح ، فإذا رفعت المماسّة للحرج بقي الإمرار على الملاصق بالعضو ؛ لارتكازية قاعدة «الميسور . . .» - يكون المقام كذلك جزماً .

فيرد عليه : - بعد الغضّ عن سند القاعدة ، وعدم ثبوت جبره ، وعدم ثبوت

ص: 227


1- اُنظر المعتبر 1 : 378 ؛ المقنعة : 59 .
2- الحجّ (22) : 78 .
3- الكافي 3 : 33 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 363 / 1097 ؛ وسائل الشيعة 1 : 464 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 39 ، الحديث 5 .

كونها عقلائية يتّكل عليها العقلاء في اُمورهم - أنّ عنوان «المسح» مقابل بل

مباين للغسل ، ولا يكون ميسوره عرفاً ، ولا يعتني العرف بهذه التحليلات العقلية . مع أنّ الغسل بالماء لا ينحلّ إلى وصول الرطوبة التي ليست بماء ، بل أثره عرفاً ومغايرة له ذاتاً ، فلا مجال للتمسّك بالقاعدة في مثله .

وأمّا رواية عبدالأعلى وإن كانت موهمة لذلك ، لكن التأمّل فيها يدفع التوهّم ؛ فإنّ المفروض فيها حكمان ؛ أحدهما : عدم لزوم المسح على البشرة ، والثاني : لزوم المسح على المرارة ، وما يعرف من كتاب اللّه - أي آية عدم جعل الحرج التي تمسّك بها أبو عبداللّه علیه السلام - هو الحكم الأوّل ؛ ضرورة أنّ المستفاد منها ليس إلاّ عدم جعل التكاليف الحرجية ، وأمّا جعل البدل وبقاء الوضوء المركّب من المسح والغسل بعد تعذّر بعض أجزائه ، فلايكاد يستفاد ويعرف منها .

مضافاً إلى وضوح عدم كون المسح على المرارة ميسور المسح على البشرة ، فلو صحّ التقريب والتحليل المتقدّم لصحّ أن يقال : إنّ المسح على البشرة منحلّ إلى أصل المسح ، وكونه باليد ، وكونه على البشرة ، وكونه بأثر الماء المنحلّ إلى مطلق المائع والخصوصية ، فإذا تعذّر الجميع يجب المسح ولو بأثر مائع غير الماء على غير البشرة وبغير آلية اليد ، وهو كما ترى .

وبالجملة : إنّ المسح على الخرقة ليس ميسور المسح على الرجل ؛ ولو كانت الخرقة متّصلة وملصقة بها .

والظاهر أنّ استناده على الآية إنّما هو للحكم الأوّل ؛ أي عدم لزوم المسح على البشرة ، وقوله : «امسح عليه» - خصوصاً عقيب التمسّك بها - حكم تعبّدي آخر لا يمكن معرفته منها .

ص: 228

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ التمسّك بالقاعدة لتبديل الغسل بالماء بالمسح بالثلج ، في غير محلّه .

وقد يتوهّم(1) دلالة طائفة من الروايات على جواز الاغتسال والتوضّي مسحاً بدل الغسل ، كصحيحة علي بن جعفر ورواية معاوية بن شريح وسيأتي حالها عن قريب .

وإن كان مراده من «التوضّي بمثل الدهن» الاكتفاء بأقلّ مراتب الغسل ، كما هو مقتضى الروايات في الوضوء .

فيرد عليه: أ نّه مع إمكان الوضوء به بلا حرج - كما هو كذلك في الوضوء نوعاً - فلا وجه لتأخّره عن التراب ، ومع حرجيته لا يجب ، ويكون فاقد الطهورين .

وقد يوجّه قوله : بأنّ التيمّم في موارد الحرج لمّا كان رخصة لا عزيمة ، يجوز تحمّل المشقّة بالوضوء والغسل مع حرجيتهما ، ويجوز تركهما والتيمّم . وجعَل ما ذكر وجه الجمع بين طائفة من الروايات - كروايتي محمّد بن مسلم ومعاوية بن شريح وصحيحتي علي بن جعفر - وبين صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة(2) ؛ بحمل ما عدا الأخيرة على جواز الوضوء والغسل مع حرجيتهما ، والأخيرة على جواز التيمّم وعدم تعيّنه(3) .

وقد تقدّم كون ما يرفع بدليل الحرج عزيمة لا رخصة بما لا مزيد عليه(4) .

ص: 229


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 214 - 215 .
2- تقدّمت في الصفحة 225 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 217 - 218 .
4- تقدّم في الصفحة 111 .

والأولى في المقام نقل الروايات حتّى يتّضح حال التوهّم المتقدّم - أي تبديل الغسل بالمسح - والدعوى المتقدّمة في توجيه كلام الشيخ المفيد رحمه الله علیه ، فعن

محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يجنب في السفر لا يجد إلاّ الثلج ، قال : «يغتسل بالثلج أو ماء النهر»(1) .

وعن معاوية بن شريح قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام وأنا عنده فقال : يصيبنا الدمَق والثلج ، ونريد أن نتوضّأ ، ولا نجد إلاّ ماءً جامداً ، فكيف أتوضّأ ، أدلك به

جلدي ؟ قال : «نعم»(2) .

وفي صحيح علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء ، لا يكون معه ماء ، وهو يصيب ثلجاً وصعيداً ؛ أيّهما أفضل أيتيمّم ، أم يمسح بالثلج وجهه ؟ قال : «الثلج إذا بلّ رأسه وجسده أفضل ، فإن لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمّم»(3) وقريب منها روايته الاُخرى(4) .

وقد يتوهّم منها -

خصوصاً من رواية معاوية - وجوب المسح بالثلج في

ص: 230


1- تهذيب الأحكام 1 : 191 / 550 ؛ وسائل الشيعة 3 : 356 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 10 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 191 / 552 ؛ وسائل الشيعة 3 : 357 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 10 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 192 / 554 ؛ وسائل الشيعة 3 : 357 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 10 ، الحديث 3 .
4- قرب الإسناد : 181 / 668 ؛ وسائل الشيعة 3 : 357 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 10 ، الحديث 4 .

صورة فقدان الماء وعدم إمكان الغسل .

وفيه ما لا يخفى ؛ أمّا قوله في رواية ابن مسلم : «يغتسل بالثلج أو ماء النهر» فهو ظاهر في أنّ الاغتسال بهما سواء ، وهو خلاف المطلوب . مضافاً إلى أنّ مسح الثلج بالبشرة غير الاغتسال به بالبداهة .

والظاهر أنّ مراده من «الاغتسال به» هو دلكه على الجسد بنحو يحصل به أقلّ مراتب الغسل ، وقد تقدّم في باب الوضوء والغسل : أنّ المعتبر في ماهيتهما ليس إلاّ أقلّ مراتب الجريان ولو بإعانة اليد ، وليس الغسل فيهما كالغسل من القذارات ، كما هو المصرّح به في الروايات(1) .

وبالجملة : إنّ المتفاهم من هذه الرواية اعتبار تحقّق عنوان «الغسل» وهو موقوف على إجراء ماء الثلج على البشرة في الجملة ؛ ولو بالدلك وإعانة حرارة البدن .

وأمّا رواية ابن شريح فليست في مقام بيان كفاية المسح عن الغسل ، بل بعد فرض إرادة الوضوء المعهود بين المسلمين المصرّح به في الكتاب والسنّة - وهو الغسلتان والمسحتان - سأل عن نحو تحصيله بنحو دلك الماء الجامد على العضو ، فالسؤال عمّا يتوضّأ به ، لا عن تبديل الوضوء بغيره ، كما لا يخفى على المتأمّل . ولعلّ احتمال اعتبار كون ما يتوضّأ به قبل الغسل به ماءً مطلقاً ،

أو احتمال لزوم إجراء الماء على العضو كإجرائه في باب غسل القذارات ، صار منشأً لسؤاله .

ص: 231


1- راجع وسائل الشيعة 1 : 484 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 52 .

وأمّا صحيحة علي بن جعفر فلولا ذيلها لكانت ظاهرة فيما يتوهّم ، على تأمّل فيه ناشئ من أنّ ارتكازية اعتبار الغسل في ماهية الاغتسال تمنع عن ظهور قوله : «إذا بلّ رأسه وجسده» في الرطوبة التي لا يحصل منها أقلّ مراتب الغسل . لكن صراحة قوله : «فإن لم يقدر أن يغتسل به فليتيمّم» رافعة للتوهّم والإجمال على فرضه . بل هو حاكم على الظهور البدوي للصدر لو سلّم ذلك .

هذا حال التوهّم المتقدّم .

وأمّا الدعوى المتقدّمة ، فصحّتها مبنيّة على أن يكون الموضوع في تلك الروايات ، فرض حرجية الوضوء والغسل ، فيقال : إنّ تجويزهما مع فرضها دليل على كون السقوط رخصة لا عزيمة ، فيحمل الأمر بالتيمّم في صحيحة ابن مسلم عليه ، فيكون ذلك طريق جمع بين الروايات .

وفيه : منع كونها في مقام بيان حال حرجيتهما ، بل هي في مقام بيان حكم آخر ، بخلاف صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة .

أمّا رواية ابن مسلم وإن كان ظاهر صدرها ، السؤال عن تكليفه عند عدم وجدان غير الثلج ، فيكون مطابقاً لصحيحته في ذلك ، لكن الظاهر من الجواب ، بيان كون الاغتسال بالثلج وبماء النهر سواء ، فهو في مقام بيان صحّة الاغتسال به كالاغتسال بماء النهر ، وأمّا لزومه أو جوازه فلا يفهم منه ؛ لعدم كونه من هذه الجهة في مقام البيان ، فهو كقوله ابتداءً : «إنّ الوضوء بالثلج كالوضوء بماء النهر» لا يدلّ إلاّ على التسوية بينهما ، وأمّا مع حرجيته فيجوز أو يجب فلا يستفاد من مثله .

مع أ نّه على فرض تسليم شموله لحال الحرج ، يكون إطلاقاً يجب تقييده

ص: 232

بأدلّة الحرج الحاكمة على المطلقات . ودعوى كون المفروض حرجية الاغتسال ممنوعة .

وأمّا رواية ابن شريح ، ففي مقام بيان جواز الوضوء بدلك الثلج على العضو ، ولا إشعار فيها بفرض الحرج ، كما لا يخفى . مع أنّ الوضوء بالثلج ليس حرجياً نوعاً . وكيف كان لا يمكن الاتّكال عليها للمدّعى .

كما أنّ صحيحة علي بن جعفر أيضاً تكون في مقام بيان حكم آخر ؛ وهو أفضلية التيمّم أو المسح بالثلج ، فلا يكون المفروض فيها حرجياً . والاستدلال بقوله : «أفضل» الظاهر في كون التيمّم أيضاً جائزاً ولو كان مفضولاً ، وإن لا يخلو من وجه ، لكن مع قرب احتمال أنّ ذكره لأجل وجوده في السؤال ، لا لأجل عناية بصحّة التيمّم في الفرض - ولهذا قال في ذيلها : «فإن لم يقدر أن يغتسل به فليتيمّم» الظاهر في أنّ التيمّم إنّما هو مشروع مع عدم القدرة ، كما هو المرتكز في الأذهان والمستفاد من الكتاب والسنّة ، كما تقدّم(1) - لا يفهم منه ما يدّعى ، وليس «الأفضل» في هذه الرواية إلاّ كقوله في صحيحة ابن سنان الواردة في خوف العطش : «فإنّ الصعيد أحبّ إليّ»(2) وكقوله في رواية ابن أبي يعفور مع فرض كون الماء بقدر شربه : «يتيمّم أفضل»(3) .

ص: 233


1- تقدّم في الصفحة 14 - 17 .
2- الكافي 3 : 65 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 404 / 1267 ؛ وسائل الشيعة 3 : 388 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 25 ، الحديث 1 .
3- الكافي 3 : 65 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 389 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 25 ، الحديث 4 .

والإنصاف : أ نّه لا يمكن رفع اليد عمّا تقدّم(1) من ضروب الاستدلال - كتاباً ورواية - على كون السقوط في مورد الحرج عزيمة بمثل هذا الإشعار الضعيف .

وبما ذكرنا يرفع التضادّ والمعارضة - المتوهّمان بين تلك الروايات ، وبين صحيحة محمّد بن مسلم الظاهرة في أنّ موردها حرجية الغسل - بوجوه ، فتدبّر .

ص: 234


1- تقدّم في الصفحة 111 .
المبحث الثالث: في كيفية التيمّم
اشارة

وإن كان الترتيب يقتضي أن يذكر أوّلاً ما له دخل في ماهية التيمّم من الأجزاء المقوّمة لها، ثمّ تُذكر شروطها وما هي خارجة عن حقيقتها ، لكن وقع خلاف الترتيب ؛ تبعاً لبعض المتون(1) ،والأمر سهل . وكيف كان :

يعتبر في التيمّم اُمور :

1 - وهو الشرائع كما صرّح قدّس سرّه به في الجزء الأوّل من كتاب الطهارة : 343 ، اُنظر شرائع الإسلام 1 : 40 .

ص: 235

ص: 236

الأمر الأوّل: في اعتبار النيّة
اشارة

وقد فرغنا من المباحث المتعلّقة بها في مبحث الوضوء(1) ، ونتعرّض في المقام لبعض المباحث المتعلّقة بخصوص التيمّم :

عدم لزوم قصد البدلية

منها : إنّ مقتضى ما حقّق في محلّه من أصالة التوصّلية في الأوامر - إمّا للإطلاق اللفظي ؛ لجواز أخذ جميع القيود حتّى ما تأتي من قِبل الأوامر في متعلّقاتها ، كما هو التحقيق(2) ، وإمّا للإطلاق المقامي ؛ بعد كونِ بيان جميع القيود الدخيلة في المتعلّقات المؤثّرة في حصول الغرض ، من وظائف المولى ، وإمكان بيانها بدليل منفصل(3) - عدم وجوب شيء في التيمّم سوى الضرب والمسحات المأخوذة في الأدلّة كتاباً وسنّة .

ص: 237


1- الطهارة (تقريرات الإمام الخميني قدس سره) الفاضل اللنكراني : 347 .
2- راجع مناهج الوصول 1 : 216 .
3- أجود التقريرات 1 : 175 .

ولا إشكال في إطلاق طائفة من الروايات ، كموثّقة زرارة ، عن أبي جعفر في التيمّم قال : «تضرب بكفّيك الأرض ، ثمّ تنفضهما وتمسح بهما وجهك ويديك»(1) وق-ريب منها صحيحة المرادي(2) ، وكبعض ما وردت في قضيّة عمّار بن ياسر(3) وغيرها (4) .

بل الظاهر إطلاق الآية الكريمة(5) أيضاً ، كما يشهد به بعض ما ورد من تمسّك المعصوم بالخصوصيات المأخوذة فيها (6) ممّا لا مجال له إلاّ للإطلاق .

لكن يجب الخروج عن مقتضى الإطلاقات بقيام الإجماع - بل الضرورة - على عبادية التيمّم ولزوم النيّة والإخلاص فيه . وقد مرّ في بعض المباحث السالفة(7) وفي بحث الاُصول : أنّ مناط عبادية الطهارات الثلاث ، ليس الأوامر الغيرية من غاياتها ولو قلنا بوجوب المقدّمة . مع بطلانه أيضاً ؛ وأنّ عباديتها في رتبة سابقة على تعلّقها بالفرض(8) .

ص: 238


1- تهذيب الأحكام 1 : 212/ 615 ؛ وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 7 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 209 / 608 ؛ وسائل الشيعة 3 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 2 .
3- دعائم الإسلام 1 : 120 ؛ تفسير العيّاشي 1 : 244 / 145 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 536 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 2 و 4 ، وقد تقدّم في الصفحة 173 أيضاً .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 3 .
5- النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
6- راجع وسائل الشيعة 3 : 364 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 13 ، الحديث 1 .
7- تقدّم في الصفحة 11 .
8- مناهج الوصول 1 : 316 .

وكيف كان : لا شبهة في اعتبار النيّة في التيمّم ، وقد تظافرت دعوى الإجماع

عليه ، كما عن «الغنية» و«نهاية الإحكام» و«الذكرى» و«إرشاد الجعفرية» و«المدارك» و«كشف اللثام»(1) بل عن «المعتبر» و«التذكرة» و«جامع المقاصد» و«روض الجنان» إجماع علماء الإسلام عليه(2) .

وعن «المنتهى» : «لا نعرف فيه خلافاً ، وبه قال أهل العلم سوى ما حكي عن الأوزاعي والحسن بن صالح بن حيّ(3)» (4) .

بل لزوم النيّة وقصد القربة والإخلاص فيه وفي أخويه ضروري في الفقه ، ولزوم الإخلاص في العبادة مستفاد من السنّة المستفيضة(5) .

وأمّا اعتبار قصد الوجه والتمييز في النيّة وغيرهما - كقصد البدلية - فلا دليل عليه ، بل مقتضى الإطلاق عدمه ولو قلنا : بأنّ التيمّم بدل عن الوضوء والغسل ؛ فإنّ عنوان البدلية - بناءً عليه - ثابت لنفسه من غير دخالة للقصد فيه ، بل في إمكان ذلك تأمّل وإشكال .

مع أ نّه لا دليل على كونه بدلاً منهما ، خصوصاً إن اُريد بالبدلية كون التيمّم

ص: 239


1- اُنظر مفتاح الكرامة 4 : 420 ؛ غنية النزوع 1 : 63 ؛ نهاية الإحكام 1 : 203 ؛ ذكرى الشيعة 2 : 256 ؛ مدارك الأحكام 2 : 215 ؛ كشف اللثام 2 : 466 .
2- المعتبر 1 : 390 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 187 ؛ جامع المقاصد 1 : 488 ؛ روض الجنان 1 : 331 .
3- المغني ، ابن قدامة 1 : 253 .
4- منتهى المطلب 3 : 78 - 79 .
5- راجع وسائل الشيعة 1 : 59 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 8 .

بدل الطهور ، فإنّه مخالف للأدلّة ، ومجرّد كونه أمراً ثابتاً في حال الاضطرار

ومصداقاً اضطرارياً ، لا يستلزم البدلية ؛ فإنّها أمر زائد عليه .

فإن اُريد بالبدلية كونه مصداقاً اضطرارياً - ولهذا يقال : «إنّه بدل اضطراري» - فهذا أمر لا معنى للنزاع فيه ، ولا مشاحّة في الاصطلاح .

وإن كان المراد بها أمراً زائداً على ذلك ، وعنواناً ملازماً للمصداق الاضطراري ، فهو ممنوع ؛ فإنّ المصداق الاضطراري يمكن أن يكون مستقلاًّ في التأثير في ظرفه ، لا نائباً عن غيره وبدلاً عنه ، فلا ملازمة بينهما عقلاً ولا عرفاً .

ودعوى استفادة ذلك من بعض الأخبار ، كصحيحة حمّاد بن عثمان قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل لا يجد الماء ، أيتيمّم لكلّ صلاة ؟ فقال : «لا ؛ هو بمنزلة الماء»(1) .

وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : قلت له : كيف التيمّم ؟ فقال : «هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة»(2) .

وموثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن التيمّم من الوضوء والجنابة ومن الحيض للنساء سواء ؟ فقال : «نعم»(3) .

ص: 240


1- تهذيب الأحكام 1 : 200 / 581 ؛ وسائل الشيعة 3 : 379 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 20 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 210 / 611 ؛ وسائل الشيعة 3 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 212 / 617 ؛ وسائل الشيعة 3 : 362 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 6 .

مدفوعة ؛ لأنّ كونه بمنزلة الماء في جواز إتيان الصلوات الكثيرة به ، لا يلازم كونه بدلاً منه ؛ فإنّ وحدة منزلة شيئين في حصول أمر - لو لم نقل بكونها دليلاً على استقلال كلٍّ في حصوله - لا تكون دليلاً على نيابة أحدهما عن الآخر أو بدليته .

وبالجملة : لا يستفاد منه إلاّ كون التيمّم مثل الوضوء في الحكم المذكور ، أو

مطلقاً ، نظير قوله : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى»(1) فإنّ كون أمير المؤمنين بمنزلة هارون علیهما السلام لا يستلزم نيابتَه عن هارون ، وأصالةَ هارون في نيابته عن موسى ، وعدمَ أصالة المولى علیه السلام في نيابته عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم .

وأمّا الرواية الثانية فلا إشعار فيها بالمدّعى ؛ فإنّ كون التيمّم للوضوء لا معنى له بحسب ظاهره ، والظاهر أنّ ذكر الوضوء وغسل الجنابة ؛ لمجرّد المعرّفية عن التيمّم الذي هو للحدث الأصغر والأكبر ، فلا يستفاد منه البدلية بوجه .

وكذا لا تستفاد من الثالثة ؛ لأنّ قوله : «من الوضوء» - لولا تعقّبه بقوله : «والجنابة ومن الحيض» - لا يبعد ظهوره في البدلية ؛ وإن كان وقوعه في لفظ الراوي لا يفيد شيئاً ، وليس قول الإمام تقريراً لذلك ، لكن مع تعقّبه به يدفع ذلك .

والإنصاف : أنّ تلك الروايات لا تكون في مقام إفادة بدلية التيمّم وأصالة الوضوء والغسل ، بل هي بصدد مجرّد المعرّفية ، نظير قوله في صحيحة محمّد بن

ص: 241


1- الخصال : 572 / 1 ؛ الأمالي ، الصدوق : 147 / 7 ؛ مستدرك الوسائل 18 : 367 ، كتاب الديات ، أبواب ديات الأعضاء ، الباب 20 ، الحديث 3 .

مسلم بعد بيان التيمّم : ثمّ قال : «هذا التيمّم على ما كان فيه الغسل . . .»(1) إلى آخره . بل الظاهر من مثل قوله : «التراب أحد الطهورين»(2) وقوله : «إنّ اللّه جعلهما طهوراً : الماء ، والصعيد»(3) عدم البدلية .

ثمّ إنّه لا يبعد أن يكون القائل بكون التيمّم مبيحاً لا رافعاً ، هو القائل ببدليته ؛ بأن يقول : إنّ المعتبر في الصلاة هو الطهور ، وهو لا يحصل إلاّ بالوضوء والغسل ، وأمّا التيمّم فبدل عن الطهور ، لا موجب له ورافع للحدث ، وإلاّ فلو قيل بحصول الطهور منهما فلا معنى للبدلية ، وسيأتي في المسألة الآتية ما هو التحقيق .

ثمّ إنّ ما ذكرنا هاهنا من إنكار البدلية بالمعنى المتقدّم ، لا ينافي ما سيأتي منّا مراراً من التمسّك بإطلاق البدلية وعموم المنزلة(4) ، كما يظهر بالتأمّل .

رافعية التيمّم للحدث

ومنها : صرّح غير واحد(5) - بل ادّعى الإجماع جماعة(6) - بأنّ التيمّم ليس برافع للحدث ، بل هو مبيح ، فلا يجوز فيه نيّة الرفع . وقد استدلّ عليه

ص: 242


1- تهذيب الأحكام 1 : 210 / 612 ؛ وسائل الشيعة 3 : 362 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 5 .
2- وسائل الشيعة 3 : 381 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 21 ، الحديث 1 ، و : 386 ، الباب 23 ، الحديث 5 ، وفيه «فإنّ التيمّم أحد الطهورين» .
3- وسائل الشيعة 3 : 388 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 25 ، الحديث 3 .
4- يأتي في الصفحة 420 و422 و433 .
5- المبسوط 1 : 34 ؛ جامع المقاصد 1 : 506 ؛ الدروس الشرعية 1 : 134 .
6- المعتبر 1 : 394 ؛ منتهى المطلب 3 : 79 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 214 .

- بعد الإجماع - ببعض وجوه عقلية ، سيأتي الكلام فيها وفي حال الإجماع المدّعى(1) .

وليعلم : أ نّه لا ريب في أنّ المستفاد من الأخبار استفادة قطعية أنّ التيمّم طهور ، كما أنّ الوضوء والغسل كذلك ، كقوله : «إنّه أحد الطهورين»(2) و«إنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد»(3) و«إنّ اللّه جعلهما طهوراً : الماء ، والصعيد»(4) وإنّه «بمنزلة الماء»(5) و«جُعلتْ لي الأرض مسجداً وطهوراً»(6) وإنّ المتيمّم «فعل أحد الطهورين»(7) وإنّ «التيمّم بالصعيد لمن لم يجد الماء كمن توضّأ من غدير ماء»(8) و«إنّ الصعيد طهور المسلم إن لم يجد الماء عشر سنين»(9) و«إنّ التراب طهور المسلم ولو إلى عشر سنين . . .»(10) إلى غير ذلك .

مع ظهور الآية الكريمة(11) فيه صدراً وذيلاً ؛ فإنّ الظاهر عرفاً من جعل التيمّم

في مقام الضرورة شرطاً للصلاة ، أ نّه في حالها يفيد فائدة الوضوء والغسل ولو

ص: 243


1- يأتي في الصفحة 247 - 253 .
2- وسائل الشيعة 3 : 381 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 21 ، الحديث 1 .
3- وسائل الشيعة 3 : 370 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 15 و17 .
4- وسائل الشيعة 3 : 388 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 25 ، الحديث 3 .
5- وسائل الشيعة 3 : 385 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 23 ، الحديث 2 .
6- وسائل الشيعة 3 : 350 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 7 ، الحديث 2 و3 و4 .
7- وسائل الشيعة 3 : 370 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 15 .
8- وسائل الشيعة 3 : 378 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 19 ، الحديث 6 .
9- سنن الترمذي 1 : 81 / 124 ؛ سنن النسائي 1 : 171 (مع تفاوت يسير) .
10- سنن أبي داود 1 : 144 / 332 (مع تفاوت يسير) .
11- النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .

بمرتبة نازلة منها ، لا كونه أجنبيّاً عنهما وعن أثرهما ، كما هو الظاهر في أمثال المقام ، فلو قال الطبيب : «اشرب الدواء الكذائي ، ولو لم تجده اشرب كذا» يفهم أ نّه يفيد فائدة الأوّل ولو بمرتبة ناقصة منه .

وهذا واضح ولو مع الغضّ عن قوله تعالى : )وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ( فإنّه كالنصّ في ذلك . ودعوى كونه مربوطاً بالصدر - أي الوضوء والغسل - كما ترى .

نعم ، في مقابل ما عرفت بعض روايات ، ربّما يدّعى دلالتها على عدم طهوريته ، كصحيحة الحلبي قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «إذا لم يجد الرجل طهوراً ، وكان جُنباً ، فليمسح من الأرض وليصلّ ، فإذا وجد ماء فليغتسل ، وقد أجزأته صلاته التي صلّى»(1) .

ومثلها صحيحة ابن سنان(2) ؛ فإنّ التيمّم لو كان طهوراً لم يقل : «لم يجد طهوراً» مع إشعار الإجزاء به أيضاً .

وفيه : - بعد كونه من قبيل مفهوم القيد الذي لا نقول بحجّيته ، ولمّا لم يكن التيمّم طهوراً مطلقاً كالماء ، كان الكلام مصوناً عن لغوية ذكره - أنّ مثله لا يقاوم

الأدلّة الناصّة على طهوريته ، ودعوى إشعار ذيلها بذلك كما ترى ، بل يمكن دعوى الإشعار أو الدلالة بتحقّق الشرط الذي هو الطهور .

ص: 244


1- الكافي 3 : 63 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 367 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 193 / 556 ، و : 197 / 572 ؛ وسائل الشيعة 3 : 368 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 7 .

ومنه يظهر الحال في موثّقة يعقوب بن سالم ، حيث قال فيها : «قد مضت صلاته ، وليتطهّر»(1) .

وكذيل صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام : «ومتى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنباً ، والوضوء إن لم تكن جنباً»(2) .

وفيه : عدم ظهوره في أنّ إطلاق «الجنب» عليه إنّما هو في حال التيمّم ، فإنّه كان جنباً قبل التيمّم ، فصحّ إطلاقه عليه بلحاظه ، ولا ظهور له في اتّصال زمان وجدان الماء لصفة الجنابة .

نعم ، ظاهره كونه قبل وجدانه جنباً ، فلا يصحّ الحمل على الجنابة الحاصلة بعد وجدانه .

وكموثّقة ابن بكير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت : رجل أمّ قوماً وهو جنب وقد تيمّم ، وهم على طهور ، فقال : «لا بأس»(3) .

بدعوى إطلاق «الجنب» عليه حتّى مع تيمّمه ، فإنّ الظاهر منها أ نّه أمّهم مع كونه جنباً ، وأيضاً جعله مقابل القوم «وهم على طهور» .

وفيه : أنّ قوله : «وهو جنب وقد تيمّم» ليس معناه أ نّه جنب حتّى مع التيمّم ،

ص: 245


1- تهذيب الأحكام 1 : 195 / 563 ؛ وسائل الشيعة 3 : 370 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 14 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 210 / 611 ؛ وسائل الشيعة 3 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 404 / 1265 ، و3 : 167 / 366 ؛ وسائل الشيعة 8 : 327 ، كتاب الصلاة ، أبواب صلاة الجماعة ، الباب 17 ، الحديث 3 .

بل المراد أ نّه جنب فتيمّم ، فأمّ قوماً مع التيمّم ، فلم يظهر منه أ نّه جنب حتّى حال التيمّم والصلاة .

والإنصاف : أنّ السائل إنّما هو بصدد الاستفهام عن جواز اقتداء المتوضّي بالمتيمّم ؛ من دون نظر إلى بقاء جنابته حال التيمّم أو لا ، وأجابه عن ذلك من غير نظر إلى غيره . وقوله : «وهم على طهور» قد مرّ جوابه .

هذا ، مع أنّ إطلاق ابن بكير وجعله مقابلاً لما ذكر ليس بحجّة ، والإمام علیه السلام

ليس إلاّ بصدد بيان حكم الاقتداء ، فلم يظهر منه تقريره لما فهمه . مضافاً إلى عدم مقاومة أمثال تلك الإشعارات - التي لم تصل إلى حدّ الدلالة - لما تقدّم .

وقد ورد في هذا الموضوع حسنة جميل بن درّاج أو صحيحته(1) تكشف المراد من مثل موثّقة ابن بكير ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إمام قوم أصابته جنابة في السفر ، وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل ، أيتوضّأ بعضهم ويصلّي بهم ؟ قال : «لا ، ولكن يتيمّم الجنب ويصلّي بهم ؛ فإنّ اللّه جعل التراب طهوراً ، كما جعل الماء طهوراً»(2) .

ص: 246


1- رواها الصدوق ، عن محمّد بن حمران وجميل بن درّاج ، وطريقه إليهما صحيح ، ورواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبيعمير ، عن محمّد بن حمران وجميل بن درّاج . ولعلّ الترديد لأجل وقوع أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار في طريق الشيخ الطوسي إلى محمّد بن علي بن محبوب ، وهو محلّ كلام . ولا يخفى : أنّ المصنّف قدس سره عبّر عنها بالصحيحة في الصفحة 19 و177 و261 و346 .
2- الفقيه 1 : 60 / 223 ؛ وسائل الشيعة 3 : 386 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 24 ، الحديث 2 .

فنفي البأس في موثّقة ابن بكير إنّما هو لأجل كون التراب طهوراً كالماء ، فلا إشكال في المسألة من هذه الجهة .

إنّما الإشكال من جهتين اُخريين :

الجهة الاُولى : هي الإشكال العقلي المعروف
اشارة

وهو أنّ التيمّم إذا كان رافعاً ومفيداً للطهارة ، لا يمكن أن ينتقض بوجدان

الماء الذي ليس بحدث إجماعاً (1) .

مع أنّ وجدانه لو كان حدثاً لزم المساواة في الموارد ؛ لأ نّه إمّا حدث أصغر يوجب الوضوء ، أو أكبر يوجب الغسل ، مع أ نّه بانتقاض التيمّم ترجع الحالة الاُولى جنابة أو حيضاً أو حدثاً آخر ، وهو دليل على عدم كونه رافعاً .

ويمكن دفع الإشكالين : بأنّ الظاهر من الأخبار في الأبواب المتفرّقة ، أنّ الحدث مانع عن الصلاة ؛ سواء في ذلك الحدث الأصغر والأكبر ، وإيجاب الوضوء والغسل لتطهير الحدثين ، ومنزلتهما كمنزلة الماء في تطهير القذارات الصورية وعود المحلّ إلى حالته الأصلية .

وهذا في الحدث الأكبر واضح ؛ ضرورة أنّ المكلّف الذي لم يحصل له أسباب الجنابة وغيرها من سائر الأحداث الكبيرة ، تصحّ صلاته ، فلو كان شرط الصلاة أمراً وجودياً وكمالاً نفسانياً يحصل بالغسل ، لكان اللازم على المكلّف الغسل ولو مع عدم حصول الأسباب . والقول بكونه واجداً له قبل حصولها ، وهي صارت موجبة لزواله ، والغسل موجب لعوده ، كما ترى .

ص: 247


1- المعتبر 1 : 394 ؛ منتهى المطلب 3 : 79 ؛ روض الجنان 1 : 333 .

والمتدبّر في الروايات - خصوصاً ما تعرّضت لعلل الغسل والوضوء(1) - لا يكاد يشكّ في أنّ الجنابة حالة قذارة تحصل بأسبابها ، والغسل تطهير من الجنابة وتلك القذارة ، وكذا الحال في الوضوء .

بل إطلاق «الطهور» على الغسل والوضوء وكذا على الماء ، ليس إلاّ كإطلاقه على الماء بالنسبة إلى رافعيته للقذارات الصورية ؛ لأنّ معنى «التطهير» : التنظيف المساوق لإزالة القذارة ، والأشياء - غير الأعيان النجسة - نظيفة بحسب ذاتها ، وإنّما عرضت لها القذارة بملاقاتها القذارات ، والماء طهور لها ، وموجب لعودها إلى الحالة الأصلية ، وحال الوضوء والغسل الطهورين من الأحداث والقذارات المعنوية ، حال الماء الطهور من القذارات الصورية .

ويظهر ذلك بالتأمّل في الآية الكريمة(2) ؛ حيث قال تعالى : )وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا( أي من الجنابة .

وكذا يظهر من قوله : )إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا . . .( إلى آخره المفسّر بأ نّه : «إذا قمتم من النوم»(3) فيظهر منه أنّ الوضوء لرفع حدث النوم .

وكذا يظهر ذلك من صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «لا صلاة إلاّ بطهور ، ويجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار ؛ بذلك جرت السنّة من

ص: 248


1- راجع علل الشرائع : 257 ؛ وسائل الشيعة 1 : 367 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 9 ، و2 : 178 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 2 .
2- المائدة (5) : 6 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 7 / 9 ؛ وسائل الشيعة 1 : 253 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 3 ، الحديث 7 .

رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأمّا البول فإنّه لا بدّ من غسله»(1) .

حيث إنّ إطلاقها يقتضي نفي الصلاة إلاّ بطهور من الأحداث والأخباث ، وذيلها ظاهر في أنّ الاستنجاء بالأحجار وغسل البول لإزالة القذر ، ومقتضى وحدة السياق والحكم أن يكون الطهور من الأحداث كذلك ، فليست الصلاة مشروطة بالطهارة ؛ أي الأمر المعنوي الحاصل بالوضوء والغسل ، نعم الطهارات الثلاث عبادات مقرّبات إلى اللّه تعالى ، وبهذه الحيثية يطلق على الوضوء : «أ نّه نور» و«الوضوء على الوضوء نور على نور»(2) .

لكن لم يتّضح كونها بتلك الحيثية شرطاً للصلاة ، بل الظاهر أ نّها مع عباديتها رافعة للقذارات المعنوية التي هي مانعة عنها .

وبالجملة : الأقرب بالنظر إلى مجموع الأدلّة ، هو مانعية الأحداث والأرجاس عن الصلاة ، والطهور رافع لها ، والمسألة تحتاج إلى زيادة تفصيل وتنقيح .

إذا عرفت ذلك نقول : يمكن أن يقال : إنّ الأحداث الحادثة بأسبابها ، إنّما تعرض على المكلّف ، وتصير كالحالة الأصلية الثانوية له ، والتيمّم إنّما يرفع الحدث ما دام متحقّقاً ، فإذا انتقض بوجدان الماء وغيره ، ترجع الحالة الأصلية الثانوية .

وهو بوجه نظير النظافة التي للأشياء ، فإنّها نظيفة لولا عروض القذارة عليها ، ومع رفع القذارة عنها ترجع إلى حالتها الأصلية من غير تأثير سبب ، فيمكن

ص: 249


1- تهذيب الأحكام 1 : 49 / 144 ، و : 209 / 605 ؛ وسائل الشيعة 1 : 315 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 9 ، الحديث 1 .
2- الفقيه 1 : 26 / 82 ؛ وسائل الشيعة 1 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 8 ، الحديث 8 .

أن تكون الجنابة العارضة كالحالة الأصلية وإن كانت حالة أصلية إضافية ، والتيمّم رافعاً لها ما دام باقياً ، وبوجدان الماء انتقض التيمّم ، وترجع الحالة الأصلية من غير لزوم تأثير سبب ، فالماء ليس بحدث ، بل ناقض للتيمّم الرافع للحدث ، والمانع عن فعليته حالة الجنابة .

وإن شئت قلت : إنّ أسباب الأحداث توجب مع الأحداث اقتضاءً في الذات لإبقائها ، والوضوء والغسل رافعان لها وللاقتضاء ، والتيمّم رافع لها لا للاقتضاء ،

ووجدان الماء ناقض للتيمّم ، ورافع لمانع تأثير المقتضي ، فيرجع الحدث بالاقتضاء الحاصل بالأسباب ، تأمّل .

وعلى أيّ تقدير : يندفع كلا الإشكالين العقليين ، مع حفظ ظهور الأدلّة في ناقضية الماء التيمّم وكونه طهوراً ، ومن غير مخالفة للإجماع المدّعى على عدم كون الماء حدثاً .

جواب بعض المحقّقين عن الإشكالين السابقين وما يرد عليه

وما ذكرنا في دفعهما أولى وأقرب إلى ظهور الأدلّة ممّا ذكره بعض المحقّقين :

من أنّ الطهارة إن كانت أمراً وجودياً كما هو الأظهر ، نلتزم بحصولها لموضوع

خاصّ ؛ هو العاجز ، ومع رفع العجز ينتفي الطهور بانتفاء موضوعه ، لا لوجود المزيل .

وإن كانت القذارة أمراً وجودياً ، فلا استحالة في أن يكون التيمّم مزيلاً لتلك القذارة على وجه يعدّ نظافة مع الضرورة ، نظير مسح اليد بالحائط لدى الضرورة . بل من الجائز أن يكون رافعاً لها بالمرّة ، ولكن يكون أسبابها المؤثّرة لحدوثها ،

ص: 250

مقتضيات لتجدّدها عند تجدّد القدرة على استعمال الماء(1) ، انتهى ملخّصاً .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ ما اختاره من كون الطهارة أمراً وجودياً معتبراً في العبادات ، خلاف التحقيق ، كما أشرنا إليه ، وليس المقام جديراً بتحقيقه مستقصى - أنّ القول بأنّ الطهور ينتفي بانتفاء موضوعه لا بوجود المزيل ، مخالف للنصوص المصرّحة بناقضية الماء له ، كصحيحة زرارة(2) وغيرها (3) ولكلمات الفقهاء ؛ فإنّهم جعلوا التمكّن من استعمال الماء ناقضاً له ، بل عن جمع حكاية إجماع أهل العلم - سوى شاذّ من العامّة(4) - عليه(5) ، ومعلوم أنّ ناقضية الماء غير تبدّل الموضوع .

ويرد على فرضه الثاني - أي كون القذارة أمراً وجودياً، والتيمّم يعدّ نظافة لدى الضرورة، وهو عبارة اُخرى عن حصول نظافة ناقصة غير كافية لدى الاختيار - : أنّ هذا أيضاً مخالف لما تقدّم من الأخبار وكلمات الأصحاب ، فإنّه لو صار عاجزاً فتيمّم ، ووجد الماء مع القدرة على استعماله ، ولم يتطهّر وفقد الماء ، لا يجب على ما ذكره تجديد التيمّم ؛ لحصول النظافة الناقصة وعدم تجدّد رافع لها .

وأمّا ما ذكره أخيراً ، فيمكن إرجاعه إلى ما ذكرناه أخيراً وإن كان خلاف ظاهره ، فإنّ الظاهر منه أنّ تلك الأسباب الموجبة للأحداث ، مقتضية للحدث

ص: 251


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 245 - 247 .
2- الكافي 3 : 63 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 200 / 580 ؛ وسائل الشيعة 3 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 19 ، الحديث 1 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 19 ، الحديث 2 و6 .
4- المبسوط ، السرخسي 1 : 110 ؛ الجامع لأحكام القرآن 5 : 234 ؛ المجموع 2 : 302 .
5- المعتبر 1 : 401 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 207 ؛ كشف اللثام 2 : 492 .

عند وجدان الماء ، مع أ نّه مستحيل لو كان الاقتضاء على طبق التكوين . مضافاً إلى أ نّه التزام بحدوث حدث جديد ولو بالسبب الأوّل .

وكيف كان : لا يمكن رفع اليد عن ظاهر الكتاب والسنّة القطعية بتلك الوجوه العقلية القابلة للدفع .

الجهة الثانية : دعوى الإجماع على عدم كون التيمّم رافعاً

وقد تكرّرت الدعوى في كتب القوم ، كالشيخ والمحقّق والعلاّمة والشهيد والمحقّق الثاني وغيرهم(1) .

لكن معروفية الاستدلال بالدليل العقلي المتقدّم بينهم من لدن عصر الشيخ ، تمنع عن كشف دليل شرعي تعبّدي ؛ لقرب احتمال كون المستند هو الوجه العقلي لا غير ، كما ربّما يظهر من الشيخ في «الخلاف» عدم الإجماع منّا في هذه المسألة ، فإنّه ادّعى عدم الخلاف في أنّ المتيمّم إذا وجد الماء وجب عليه الغسل ، ومع كون التيمّم رافعاً لم يكن واجباً ، فيظهر منه أنّ مستنده في هذا الحكم ، هو عدم الخلاف في تلك المسألة والوجه العقلي ، قال :

«التيمّم لا يرفع الحدث ، وإنّما يستباح به الدخول في الصلاة ، وبه قال كافّة

الفقهاء إلاّ داود وبعض أصحاب مالك ، فإنّهم قالوا : يرفع الحدث(2) .

دليلنا : أ نّه لا خلاف في أنّ الجنب إذا تيمّم وصلّى ثمّ وجد الماء وجب عليه

ص: 252


1- الخلاف 1 : 144 ؛ المعتبر 1 : 394 ؛ منتهى المطلب 3 : 79 ؛ ذكرى الشيعة 2 : 282 ؛ جامع المقاصد 1 : 514 ؛ مدارك الأحكام 2 : 252 .
2- المجموع 2 : 221 .

الغسل ، فلو كان الحدث قد زال بالتيمّم لما وجب عليه الغسل ؛ لأنّ رؤية الماء

لا توجب الغسل . . .»(1) إلى آخره .

ومراده ب- «كافّة الفقهاء» هو فقهاء العامّة ، كما يظهر من تعبيراته عنهم وعنّا

في «الخلاف» ولذا استثنى منهم داود وبعض أصحاب مالك ، ولم يستثن السيّدَ منّا المصرّح بأ نّه رافع ، فعن «الذكرى» : «قال المرتضى في «شرح الرسالة» : إنّ الجنب إذا تيمّم ، ثمّ أحدث أصغر ، ووجد ما يكفيه للوضوء ، توضّأ به ؛ لأنّ حدثه الأوّل قد ارتفع وجاء ما يوجب الصغرى»(2) انتهى . بل لا يبعد ظهوره من «مقنع» الصدوق(3) أيضاً .

وكيف كان : فالشيخ لم يدّعِ الإجماع في هذه المسألة ، ولهذا لم يدعه بعد قوله : «دليلنا كذا» بل جعل الدليل عدم الخلاف في مسألة اُخرى جعلها مبنى المسألة وتمسّك بالوجه العقلي المتقدّم(4) . ولا يبعد ظهوره من «منتهى» العلاّمة(5) أيضاً . نعم ظاهر «التذكرة» ادّعاؤه زائداً على الدليل العقلي(6) .

وعلى أيّ تقدير : لا يمكن الاتّكال على الإجماع . مع قوّة احتمال أن يكون مرادهم أنّ التيمّم لا يرفع الحدث كرفع الماء ؛ بحيث لا يحتاج إلى الغسل عند وجدانه ، وهو مسلّم .

ص: 253


1- الخلاف 1 : 144 .
2- ذكرى الشيعة 2 : 283 .
3- المقنع : 25 .
4- تقدّم في الصفحة 247 .
5- منتهى المطلب 3 : 79 .
6- تذكرة الفقهاء 2 : 214 .
الأمر الثاني: في اعتبار المباشرة
اشارة

تعتبر في التيمّم المباشرة حال الاختيار ، فلو يمّمه غيره مع قدرته لم يصحّ بلا إشكال . وعن «المنتهى» : «لا خلاف عندنا في أ نّه لا بدّ من المباشرة بنفسه»(1) . ونفى عنه الريب في محكيّ «المدارك»(2) .

وهو كذلك ؛ لظهور الأدلّة فيها ، فإنّ المتبادر من هيئة الأمر هو بعث المأمور لإيجاد المأمور به . والظاهر أنّ ذلك من دلالة اللفظ ، لا حكم العقل كالإلزام الذي قلنا : إنّه خارج عن مفاد الهيئة وإن كان صِرف البعث حجّةً عقلائية على لزوم الخروج عن عهدة التكليف ما لم يرد من قِبَل المولى ترخيص في الترك(3) . لكن المباشرة مفهومة من ظاهر الهيئة ، لكن لا بمعنى دخول مفهوم اسمي في مفاد الهيئة ، بل بمعنى وضعها لنفس الإغراء المتوجّه إلى الغير بوجه يكون المبعوث خارجاً عنه ، كخروج القيد ودخول التقيّد بوجه ، فتدلّ دلالة لفظية على الإغراء المتوجّه إلى الغير ؛ بحيث لا يكون جزءَ مفادِها .

ولا إشكال في أنّ الصدور الحقيقي بلا تأوّل هو المباشري ، دون التسبيبي والنيابي المحتاجَين إلى نحو تأوّل وادّعاء .

ص: 254


1- منتهى المطلب 3 : 99 - 100 .
2- مدارك الأحكام 2 : 227 .
3- مناهج الوصول 1 : 198 - 199 .
حكم العاجز عن المباشرة

وكيف كان : لا شبهة في ظهور الأوامر - وضعاً أو انصرافاً أو عقلاً مع قطع النظر عن القرائن - في لزوم المباشرة ، ومقتضاه سقوط الأمر عند تعذّره ؛ لعدم دليل على تعدّد المطلوب في نفس الأدلّة الأوّلية ، ولا يستفاد ذلك من الهيئة المتوجّهة إلى المخاطب الباعثة إيّاه نحو المأمور به .

نعم ، لا إشكال في المقام في لزوم إيجاده تسبيباً وجعل غيره آلة لإيجاده بلا خلاف ، كما في «الجواهر»(1) وعن «المدارك» : «تجب الاستنابة في الأفعال دون النيّة عند علمائنا»(2) فيظهر منه تسلّم الحكم عندهم .

مضافاً إلى صحيحة محمّد بن سكين في المجدور الذي غسّلوه فمات ، ففي ذيلها : «ألا يمّموه ؟! إنّ شفاء العيّ السؤال»(3) .

وأمّا مرسلة ابن أبي عمير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «يؤمّم المجدور والكسير إذا أصابتهما جنابة»(4) فمع كونها في نسخة «الوسائل» بدل «يؤمّم» «يتيمّم»(5) يمكن أن يكون مبنيّاً للفاعل ، فإنّ «يمّم» و«تيمّم» بمعنىً واحد ، فلا تدلّ على المطلوب . نعم ، لا يبعد ظهور مرسلة «الفقيه» في البناء للمفعول

ص: 255


1- جواهر الكلام 5 : 178 .
2- مدارك الأحكام 2 : 227 .
3- الكافي 3 : 68 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 346 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 1 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 185 / 533 ؛ وسائل الشيعة 3 : 348 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 10 .
5- في النسخ الموجودة من الوسائل لدينا أيضاً «يؤمّم» .

- على تأمّل - قال : وقال الصادق علیه السلام : «المبطون والكسير يؤمّمان ولا يغسّلان»(1) وإن كان المظنون فيهما البناء للمفعول ، لكنّه ظنّ خارجي غير حجّة . وكيف كان لا إشكال في أصل الحكم .

كما لا إشكال في أنّ المباشر يباشر صورة العمل ؛ مقتصراً على مقدار يعجز عنه المكلّف ، ويباشر النيّة نفس المكلّف ، كما ادّعى «المدارك» .

كما أنّ المعتبر ضرب يدي العاجز مع الإمكان ، فإنّ ضربهما دخيل في ماهية التيمّم جزءاً أو شرطاً ، وليس حاله حال الاغتراف للوضوء أو الغسل . ومع عدم إمكان ضرب يديه ينوب عنه الصحيح ؛ بأن يضرب يديه على الأرض ، فيمسح بهما وجه العليل ويديه .

وعن الكاتب : «يضرب الصحيح بيديه ، ثمّ يضرب بهما يدي العليل»(2) .

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّه مع دوران الأمر بين سقوط ما يتيمّم به وسقوط آلية اليد ، لا شبهة في سقوط الثاني ، وضرب اليد على اليد المضروبة على الأرض ليس ضرباً عليها ؛ ألا ترى أ نّه لو دار الأمر بين سقوط آلية اليد والتيمّم بالحديد

مثلاً اختياراً ، لايحتمل تقديم الثاني ! وضرب اليد على اليد كضربها على الحديد .

وممّا ذكرنا يظهر صحّة قول الشهيد : «إنّه لم نقف على مأخذ قول الكاتب»(3) والنظر فيما عن «كشف اللثام» من دعوى ظهور المأخذ(4) .

ص: 256


1- الفقيه 1 : 59 / 217 ؛ وسائل الشيعة 3 : 348 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 12 .
2- اُنظر ذكرى الشيعة 2 : 269 .
3- نفس المصدر .
4- كشف اللثام 2 : 480 .
الأمر الثالث في اعتبار الترتيب
اشارة

يعتبر الترتيب بين أجزاء التيمّم ؛ بتقديم الضرب على الأرض على مسح الجبهة ، وهو على مسح الكفّ اليمنى ، وهو على اليسرى ، فلو نكس استأنف بما حصل معه الترتيب . وهو إجماعي ، كما عن «الغنية» و«المنتهى» و«إرشاد الجعفرية» و«المدارك» و«المفاتيح» وظاهر «التذكرة» و«الذكرى»(1) .

وعن المرتضى : «أنّ كلّ من أوجب الترتيب في الوضوء أوجبه فيه ، فمن فرّق بينهما خرق الإجماع»(2) .

وعن «جامع المقاصد» : «يجب تقديم اليمنى على اليسرى إجماعاً»(3) ، وعن «الذكرى» نسبته إلى الأصحاب(4) .

لكن ترك جمع منهم ذكر الترتيب بين الكفّين ك- «الشرائع» وعن «المراسم» و«السرائر» و«المقنع» و«جمل العلم والعمل»(5) ، وعن بعضهم ترك ذكر الترتيب

ص: 257


1- اُنظر مفتاح الكرامة 4 : 444 ؛ غنية النزوع 1 : 64 ؛ منتهى المطلب 3 : 97 ؛ مدارك الأحكام 2 : 226 - 227 ؛ مفاتيح الشرائع 1 : 62 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 196 ؛ ذكرى الشيعة 2 : 267 .
2- اُنظر المعتبر 1 : 393 .
3- جامع المقاصد 1 : 492 .
4- ذكرى الشيعة 2 : 267 .
5- شرائع الإسلام 1 : 40 ؛ المراسم : 54 ؛ السرائر 1 : 136 ؛ المقنع : 26 ؛ رسائل الشريف المرتضى ، جمل العلم والعمل 3 : 25 .

مطلقاً (1) ، أو ما في بدل الوضوء(2) ، فالاستناد إلى الإجماع مع ذلك لا يخلو من توقّف .

لكن يمكن الاستدلال عليه بالسيرة العملية في مثل تلك المسألة التي تعمّ بها

البلوى ، وتحتاج إليها طائفة من المكلّفين في صلواتهم ، فلا يبعد الجزم بأ نّه كان كذلك من لدن زمن الشارع ، وكان الخلف أخذ من السلف كذلك إلى عصر المعصوم علیه السلام . بل لا يبعد جواز الاتّكال على الشهرة المحقّقة في هذه المسألة التي يقتضي إطلاق الكتاب والسنّة فيها عدم الترتيب بين الكفّين ، كما يأتي الكلام فيه .

وكيف كان : لا ريب في تقدّم الضرب على الأرض على سائر الأجزاء كتاباً وسنّة ، بل هو كالضروري .

كما لا إشكال في دلالة النصوص على تقدّم المسح على الجبين على مسح الكفّين ، كموثّقة زرارة الآتية وغيرها . وبمثلها يقيّد إطلاق الكتاب والسنّة ، كبعض الروايات الآتية .

الإشكال في استفادة الترتيب بين الكفّين من الأدلّة والجواب عنه

إنّما الإشكال في استفادة الترتيب بين الكفّين من الأدلّة ، فقد استدلّ(3) له بموثّقة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «أتى عمّار بن ياسر رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

ص: 258


1- الهداية ، الصدوق : 87 - 88 .
2- الفقيه 1 : 57 ، ذيل الحديث 212 .
3- رياض المسائل 2 : 325 .

فقال : يا رسول اللّه ، إنّي أجنبت الليل ، فلم يكن معي ماء .

قال : كيف صنعت ؟

قال : طرحت ثيابي ، وقمت على الصعيد ، فتمعّكت فيه .

فقال : هكذا يصنع الحمار ، إنّما قال اللّه عزّ وجلّ : )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً((1) فضرب بيديه على الأرض ، ثمّ ضرب إحداهما على الاُخرى ، ثمّ مسح بجبينيه ، ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة على ظهر الاُخرى ، فمسح اليسرى على اليمنى ، واليمنى على اليسرى»(2) .

وتقريبه : أنّ حكاية أبي جعفر علیه السلام قضيّة عمّار ، إنّما هو لبيان الحكم الشرعي ، لا لبيان أمر تأريخي ، فلا تكون مثل الفعل في عدم إفادة تقديم بعض الأفعال على بعضٍ وجوبَه بعد عدم إمكان الجمع بين الفعلين ، فلا بدّ من الأخذ بخصوصيات النقل الذي هو لإفادة الحكم .

فنقول : إنّ قوله : «فمسح كفّيه كلّ واحدة على ظهر الاُخرى» يكفي في مقام بيان الحكم لو كان الترتيب بينهما غير مراد ، فيبقى قوله : «فمسح اليسرى على اليمنى . . .» إلى آخره بلا نكتة ، وحمله على بيان واقع القضيّة بلا نظر إلى إفادة الحكم بعيد ، ولا نكتة فيه إلاّ بيان تقديم مسح اليمنى على اليسرى ، وهو المطلوب .

ص: 259


1- النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
2- السرائر 3 : 554 ؛ وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 9 .

وفيه : أ نّه لو كان مراده من ذلك بيان لزوم تقديم اليمنى ، لكان عليه عطف «اليمنى» ب- «ثمّ» أو الفاء ، كما ترى عنايته علیه السلام بتخلّل «ثمّ» في الجمل السابقة ، فذكرها فيها وترك ما يفيد الترتيب في الجملة الأخيرة ، دليل على اعتبار الترتيب في غير اليسرى ، وعدم اعتباره فيها .

بل يمكن أن يدّعى أنّ دلالة هذه الموثّقة على عدم اعتباره ، أوضح من الإطلاقات ؛ لأنّ عنايته بذكر خصوصيات ما فعل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم لتعليم

عمّار ، والعطف ب- «ثمّ» والفاء في «الجبهة» و«الكفّين» وتركهما في عطف «اليمنى» على «اليسرى» كادت أن تجعلها صريحة في عدم اعتباره في الكفّين .

نعم ، عن العيّاشي ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن التيمّم ، فقال : «إنّ عمّار . . .» ثمّ ساقها باختلاف يسير مع الموثّقة ، وقال في ذيلها : «ثمّ دلك إحدى يديه بالاُخرى على ظهر الكفّ بدءً باليمنى»(1) .

ودلالتها واضحة ، خصوصاً مع سؤاله عن كيفيته ، ونقل القضيّة لتعليم الكيفية ، وعنايته بحكاية بدأة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم باليمنى ، فلا إشكال فيها إلاّ من جهة الإرسال وعدم الجبر ؛ فإنّ مجرّد مطابقة الفتاوى لها لا توجبه إلاّ أن يعلم استنادهم إليها .

ص: 260


1- تفسير العيّاشي 1 : 302 / 63 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 540 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 3 .

وبهذا يظهر النظر في الاستدلال بما في «فقه الرضا»(1) ودعوى جبره(2) . بل الظاهر عدم فتوى جامع الكتاب بما أرسله ، بل ولا غيره من الفقهاء ؛ لأنّ فيه المسح على ظهر الأصابع من اُصولها ، فراجعه . والأولى للقائل بالجبر بمجرّد المطابقة ، التمسّك برواية العيّاشي الموافقة لفتاوى الفقهاء ، لا مرسلة «فقه الرضا»

المخالفة لها التي هي مرسلة في مرسلة لم يعمل بها مرسلها ، فضلاً عن غيره .

وأمّا التمسّك بذيل صحيحة جميل : «فإنّ اللّه عزّ وجلّ جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً»(3) بدعوى أنّ مقتضى إطلاق التشبيه أ نّه مثل الماء حتّى في كيفيته ، إلاّ ما خرج بدليل .

ص: 261


1- وهي هكذا : «وصفة التيمّم للوضوء والجنابة وسائر أسباب الغسل واحد ، وهو أن تضرب بيديك على الأرض ضربة واحدة ، ثمّ تمسح بهما وجهك من حدّ الحاجبين إلى الذقن ، وروي : أنّ موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف ثمّ تضرب بهما اُخرى فتمسح باليسرى اليمنى إلى حدّ الزند - وروي من اُصول الأصابع من اليد اليمنى - وباليمنى اليسرى على هذه الصفة . وأروي : إذا أردت التيمّم اضرب كفّيك على الأرض ضربة واحدة ، ثمّ تضع إحدى يديك على الاُخرى ، ثمّ تمسح بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك وبقي ما بقي ، ثمّ تضع أصابعك اليسرى على أصابعك اليمنى من أصل الأصابع من فوق الكفّ ، ثمّ تمرّها على مقدّمها على ظهر الكفّ ، ثمّ تضع أصابعك اليمنى على أصابعك اليسرى ، فتصنع بيدك اليمنى ما صنعت بيدك اليسرى على اليمنى مرّة واحدة ، فهذا هو التيمّم» . الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 88 .
2- مستند الشيعة 3 : 453 ؛ جواهر الكلام 5 : 175 .
3- الفقيه 1 : 60 / 223 ؛ وسائل الشيعة 3 : 386 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 24 ، الحديث 2 .

وذيل صحيحة حمّاد قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل لا يجد الماء ، أيتيمّم لكلّ صلاة ؟ فقال : «لا ؛ هو بمنزلة الماء»(1) بدعوى استفادة عموم المنزلة منها حتّى في كيفيته .

ففي غير محلّه ؛ ضرورة أ نّهما في مقام بيان حكم آخر ، ولا إطلاق فيهما من الجهة المبحوث عنها ، كما لا يخفى .

والذي يمكن أن يقال - زائداً على ما تقدّم من السيرة العملية وارتكاز المتشرّعة وحجّية الشهرة في مثل المسألة التي دلّت الأدلّة إطلاقاً على خلافها - : إنّ المستفاد من الآية الكريمة مشفوعاً بالارتكاز العقلائي أنّ فاقد الماء يتيمّم ،

ويقصد الصعيد لتحصيل الطهور الذي كان يحصل بالماء ، وأ نّه يجب أن يفعل معه ما يفعل مع الماء عند فقده ، فلو لم تتعرّض الآية لكيفيته ، واختتمت إلى قوله : )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً( يستفيد منها العقلاء أ نّه عند عدم وجدان الماء ، يقوم الصعيد مقامه فيما يحتاج المكلّف إليه ، فيفهم منه ما فهمه عمّار من التمعّك على الصعيد للغسل ، ومسح أعضاء الوضوء بالكيفية التي فيه للحدث الأصغر .

وبالجملة : المتفاهم منه وضع التراب موضع الماء من غير تغيير وتبديل في الكيفية ، فبقي المتقدّم والمتأخّر في الغسل على حالهما من غير تصرّف وتغيير إلاّ فيما يتطهّر به ، نظير أن يأمر المولى بضيافة العلماء مقدّماً على الأشراف ، وهم

مقدّماً على التجّار ، وعيّن محلاًّ خاصّاً لها ، وشرائطَ وقيوداً ، وقال : «أضفهم

ص: 262


1- تهذيب الأحكام 1 : 200 / 581 ؛ وسائل الشيعة 3 : 385 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 23 ، الحديث 2 .

بالغذاء الفلاني ، ومع فقده بالفلاني» فإنّه لا ريب في أنّ العرف لا يأخذ بإطلاق

قوله : «ومع فقده كذا» ويرفع اليد عن الشرائط والقيود ، بل يحكم بأنّ التبديل إنّما وقع في الغذاء ، لا في سائر الكيفيات ، فلا بدّ من مراعاتها . ومقتضى هذا الارتكاز أنّ كلّ ما يعتبر في الوضوء والغسل ، معتبر في التيمّم الذي هو بدله . والقائل بالبدلية إن كان مراده ذلك فلا كلام ، وإن كان مراده عدم حصول الطهور بل يحصل بدله ، فقد مرّ ما فيه(1) .

وبالجملة : لا شبهة في أنّ مقتضى ارتكاز العقلاء والرجوع إلى الأشباه والنظائر ، أنّ التبديل إنّما هو فيما يتطهّر به ، لا في كيفية التطهير والعمل .

فحينئذٍ نقول : إنّ قوله : )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ((2) يدلّ على سقوط المسح على الرجل والرأس ، وعدم كونه إلى المرفق ، ولا على جميع الوجه ؛ لمكان الباء على ما أفاد أبو جعفر علیه السلام (3) ، وأمّا سائر ما يعتبر فيه من الشرائط والموانع ، فبقيت على حالها ، كالبدأة بالوجه وباليمنى المعتبرة في الوضوء ، وطهارة المحالّ وغيرها من الشرائط ، فلا بدّ من مراعاة ما يعتبر فيهما فيه أيضاً .

ولولا الدليل لقلنا بعدم اعتبار الموالاة في بدل الغسل ، لكن سيأتي(4) بيان

ص: 263


1- تقدّم في الصفحة 239 - 240 .
2- المائدة (5) : 6 .
3- ا لكافي 3 : 30 / 4 ؛ ا لفقيه 1 : 56 / 212 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 61 / 168 ؛ وسائل الشيعة 3 : 364 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 13 ، الحديث 1 .
4- يأتي في الصفحة 266 .

استفادته من الأدلّة حتّى من الآية الكريمة .

ويؤيّد ما ذكرناه قوله في صحيحة زرارة - في تفسير الآية - عن أبي جعفر علیه السلام : « . . . ثمّ قال : )فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ( فلمّا أن وضع الوضوء عمّن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحاً»(1) فإنّه مُشعر أو ظاهر في إثبات المسح ببعض المحالّ ، وإسقاط الغسل فقط ؛ من غير تصرّف في سائر الشرائط والقيود .

كما يشعر به ما في «الرضوي» قال : «ونروي أنّ جبرئيل نزل إلى سيّدنا محمّد صلی الله علیه و آله وسلم في الوضوء . . .» إلى أن قال : «ثمّ نزل في التيمّم بإسقاط المسحين ، وجعل مكان موضع الغسل مسحاً»(2) .

وكيف كان : لا ينبغي الإشكال في أصل الحكم ؛ وإن فرض إمكان المناقشة في بعض ما ذكر .

وممّا ذكرنا من التقريب المتقدّم ، يظهر الدليل على اعتبار كلّ ما يعتبر في الوضوء والغسل جميعاً ، كطهارة المحالّ والمباشرة وغيرهما ممّا يعتبر فيهما .

ص: 264


1- تقدّم تخريجه في الصفحة 263 ، الهامش 3 .
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 89 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 535 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب9 ، الحديث 1 .
الأمر الرابع في اعتبار الموالاة
اشارة

مقتضى التقريب المتقدّم في بيان الترتيب ، التفصيل بين التيمّم الذي للحدث الأصغر وما للأكبر في الموالاة ، كما حكي عن الشهيد رحمه الله علیه في «الدروس»(1) وكذا التفصيل بين الشرائط التي اعتبرت في أحدهما دون الآخر ، كالمسح من الأعلى ، فيقال باعتباره في بدل الوضوء ، دون بدل الغسل .

لكن مقتضى بعض الروايات مساواتهما ، كموثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام

قال : سألته عن التيمّم من الوضوء والجنابة ومن الحيض للنساء ، سواء ؟ فقال : «نعم»(2) .

وموثّقة أبي بصير قال : سألته عن تيمّم الحائض والجنب ، سواء إذا لم يجدا ماءً ؟ قال : «نعم»(3) بناءً على أنّ المراد ب- «تيمّم الحائض إذا لم تجد ماءً» ما تحتاج إليه من بدل الغسل والوضوء .

وحملهما على صِرف الكيفية دون سائر ما يعتبر فيهما ، فاسد بعد اقتضاء الإطلاق سوائيتهما مطلقاً ، فحينئذٍ لا يمكن التمسّك بالآية للتفصيل ، ولا لاعتبار

ص: 265


1- الدروس الشرعية 1 : 133 .
2- الفقيه 1 : 58 / 215 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 212 / 617 ؛ وسائل الشيعة 3 : 362 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 6 .
3- الكافي 3 : 65 / 10 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 212 / 616 ؛ وسائل الشيعة 3 : 363 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 7 .

الموالاة مطلقاً ، ولا لعدمه كذلك ، وكذا في سائر الشرائط التي اعتبرت في أحدهما دون الآخر ، فالقول بالتفصيل غير وجيه .

الدليل على اعتبار الموالاة مطلقاً

والأقوى اعتبارها مطلقاً ، والدليل عليه - مضافاً إلى الإجماعات المحكيّة عن «الغنية» و«جامع المقاصد» و«الروض» و«مجمع البرهان» وظاهر «المنتهى» و«الذكرى» و«المدارك»(1) وإلى ما أشرنا إليه في الترتيب من السيرة المستمرّة الكاشفة عن كونه كذلك من زمن الشارع المقدّس(2) ، وإن كان للإشكال في ذلك مجال ؛ لاحتمال كونها لاقتضاء العادة وعدم الداعي إلى التفريق ، لا الاعتبار ، وإن أمكن أن يقال : إنّ في ارتكاز المتشرّعة اعتبارها - الآية الكريمة ، قال تعالى : )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْه((3) .

بناءً على كون الفاء للترتيب باتّصال ، كما هو المعروف(4) ، فيفيد قوله : )فَامْسَحُوا( الترتيب باتّصال عرفي بين المسح على الوجه والأيدي ، وبين

ص: 266


1- غنية النزوع 1 : 64 ؛ جامع المقاصد 1 : 492 - 493 ؛ روض الجنان 1 : 341 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 238 ؛ منتهى المطلب 3 : 108 ؛ ذكرى الشيعة 2 : 267 ؛ مدارك الأحكام 2 : 227 .
2- تقدّم في الصفحة 258 .
3- المائدة (5) : 6 .
4- شرح الرضيّ على الكافية 4 : 384 ؛ مغني اللبيب 1 : 213 - 214 ؛ البهجة المرضيّة 2 : 69 .

وضع اليدين أو ضربهما على الأرض الذي هو المراد من قوله : )تَيَمَّمُوا( ؛ لأنّ قصد الأرض ليس بنفسه موضوعاً للحكم بلا إشكال .

بل أخذ العنوان الطريقي الذي ليس مقصوداً بالذات فيه ، لعلّه دليل على أنّ المراد منه المرئي والمقصود ، خصوصاً مع قيام القرينة عليه ؛ فإنّ قوله : )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً(عقيب )فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً( ظاهر عرفاً في أنّ المراد ، التوصّل إلى الصعيد للتمسّح به على الوجه ، والمقصود هو الوضع أو الضرب على الأرض ولو بدليل خارجي ، فكأ نّه قال : «اضرب يديك على الأرض ، فتمسّح بلا فصل بوجهك ويديك» .

فلو دلّت الفاء على الترتيب باتّصال ، تمّت الدلالة بلا احتياج إلى دعوى عدم

القول بالفصل ، كما صنع المحقّق الثاني(1) على ما حكي عنه(2) . لكن في دلالتها عليه تأمّل .

نعم ، لا إشكال في دلالتها على الترتّب والتعقّب ، وهي غير كافية .

فالأولى الاستدلال على المطلوب بلفظة )مِنْهُ( فإنّ «مِنْ» - على ما تقدّم - ابتدائية لا تبعيضية(3) ، فالمعنى : «فامسحوا بوجوهكم وأيديكم مبتدئاً من

الصعيد ، ومنتهياً إلى الوجوه والأيدي» والتمسّح من الصعيد - بهذا المعنى - لا يصدق عرفاً إلاّ مع حفظ العلاقة بين الضرب على الأرض والمسح منها على الوجه واليدين .

ص: 267


1- جامع المقاصد 1 : 493 .
2- مستمسك العروة الوثقى 4 : 416 .
3- تقدّم في الصفحة 162 - 163 .

ألا ترى أ نّه لو قيل لمريض : «تمسّح من الضرائح المقدّسة تبرّكاً» لا ينقدح في ذهن العقلاء منه إلاّ مع حفظ العلقة بين المسح عليها والمسح على موضع العلّة! فلو مسحها بيده ، ثمّ انصرف وذهب إلى حوائجه ، ثمّ مسح يده على الموضع بعد سلب العلاقة العرفية ، لم يعمل بقوله : «تمسّح منها» ؛ لأ نّه لا يكون إلاّ بعلاقة خاصّة مقطوعة بالفصل المعتدّ به ، كما ربّما تقطع بغيره ، كما لو ضرب يده على الأرض فغسلها ، فإنّ الظاهر سلب العلاقة وعدم صدق «التمسّح منها» لا لاعتبار العلوق ، بل لاعتبار العلاقة الخاصّة العرفية .

نعم ، لو قلنا بأنّ المراد من قوله : )فَامْسَحُوا . . . مِنْهُ( فامسحوا ببعضه ، أو أراد به العلوق والأثر من الأرض ، لما تمّ الاستدلال ؛ لصدقه مع بقاء أجزاء الأرض على اليد أو أثرها عليها . لكنّه خلاف التحقيق كما مرّ(1) ، وسيأتي بعض الكلام فيه(2) .

وبما ذكرنا يظهر صحّة التمسّك للمطلوب ببعض الأخبار ، كصحيح الحلبي قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «إذا لم يجد الرجل طهوراً وكان جنباً ، فليتمسّح من الأرض»(3) . ونظيرها صحيح ابن سنان(4) .

ص: 268


1- تقدّم في الصفحة 166 - 168 .
2- يأتي في الصفحة 291 .
3- الكافي 3 : 63 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 367 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 4 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 193 / 556 ؛ وسائل الشيعة 3 : 368 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 7 .

لعدم صدق «المسح منها» لو قطعت العلاقة ، بعد ظهور «من» في الابتدائية ، كما تقدّم حكايته عن أئمّة الأدب(1) .

ولو قيل : لا تدلّ الابتدائية إلاّ على لزوم كون ضرب اليد مبتدئاً من الأرض ، ومنتهياً إلى الوجه ، وأمّا اعتبار العلقة فلا ، ألا ترى أنّ المسافر إذا سافر من بلده

إلى مكّة المعظّمة مع اشتغاله بين الطريق باُمور كثيرة ، بل مع تعطّله عن السير في بعض البلاد التي بين الطريق ، يقال : «سافر من بلده إلى مكّة» من غير لزوم العلاقة!

يقال : مع أنّ القياس لعلّه مع الفارق - كما يظهر من التأمّل في مثل : «تمسّح من التربة» أو «من الضرائح المقدّسة» والأشباه والنظائر - إنّ ما ذكر من النقض حاله حال المقام ؛ لأ نّه لو فرض التعطّل عنه بين الطريق بمقدار انقطعت العلقة بين قطعات سفره عرفاً ، يخرج عن صدق «منه» و«إليه» .

لكن في مورد النقض ونظائره ، تعارف لكيفية طيّ الطريق والإقامة في بعض البلاد للزيارة أو لسائر الحوائج ، ما لا يوجب التلبّسُ بها لأجله سلبَ العلقة ، فلو

فرض خروجه عن التعارف ، كما لو سافر من بلده إلى الحجّ ، فأقام في النجف الأشرف مدّة لتحصيل العلم أو غيره ؛ بحيث سلبت العلاقة بين قطعات أسفاره ، لخرج عن الصدق أيضاً ، فالعلاقة معتبرة ، والمقامات متفاوتة ، وفي المقام تنقطع العلاقة بفصل معتدّ به .

وبهذا ظهر الميزان في الموالاة ، فإنّها عبارة عن بقاء تلك العلاقة العرفية ،

ص: 269


1- تقدّم في الصفحة 163 .

وهي محفوظة مع عدم الفصل المعتدّ به عرفاً بين الضرب وبين المسحات .

وأمّا التقدير بمقدار الجفاف في الوضوء أو بمقدار سلب الاسم ، فلا دليل عليه . نعم مع سلب الاسم عرفاً لا تبقى العلاقة المذكورة .

وظهر أيضاً لزوم الموالاة ، سواء قلنا : بأنّ الضرب على الأرض شرط ، أو جزء ، أو لا ذا ولا ذاك ، بل هو مثل الاغتراف ، فإنّ التمسّح من الأرض معتبر بلا إشكال ، وهو لا يصدق إلاّ مع حفظ العلاقة وعدم الفصل بين الضرب والمسح .

وأمّا الاغتراف من الماء فلا يعتبر فيه شيء ؛ لأنّ الوضوء غسل الوجه بالماء ، وهو يحصل لو بقي الماء في كفّه أربعين سنة .

كما أ نّه لو قلنا : إنّ المعتبر في التيمّم المسح ببعض الأرض أو بأثرها ، والضرب مقدّمة لذلك ، لما كان يلزم حفظ العلاقة ، بل المعتبر صدق «المسح ببعضها» أو «أثرها» وهو صادق ولو بقيا ما بقيا .

فتأمّل في أطراف ما ذكرنا والموارد التي نظيره في العرف ، وتدبّر في الارتكازات العرفية حتّى يتّضح لك الحال ، ولا تحتاج إلى التكلّف بما ارتكبه بعض المحقّقين في إقامة الدليل عليه(1) ، مع ما ترى من تردّده في صحّة مقالته ، فيقدّم رجلاً ، ويؤخّر اُخرى .

ص: 270


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 253 - 257 .
الأمر الخامس في اعتبار ضرب اليدين على الأرض
اشارة

هل يعتبر في التيمّم ضرب اليدين على الأرض ؟ أو يعتبر وضعهما ؛ بناءً على مباينته للضرب ؟ أو يكفي مطلق التمسّح عليها وضعاً أو ضرباً ؟

أو لا يعتبر شيء من ذلك ، بل المعتبر وصول أثر الصعيد إلى الوجه والكفّين ، فيكفي تعريضهما للهواء المغبّر ليصل إليهما ؟

أو يعتبر المسح باليدين ، لكن لا يعتبر وضعهما أو ضربهما على الأرض ، بل يكفي تأثّرهما منها ولو بوضعها عليهما ، أو استقبالهما للعواصف حتّى تتأثّرا ، كما حُكي(1) عن العلاّمة(2) ؟ لكن عن بعض تكذيبه ، ونسبة الحكاية إلى الغفلة(3) .

أو يعتبر الضرب أو الوضع على الأرض ، لكن لا يعتبر ماسح خاصّ ، بل يجزي بكلّ آلة ؛ يداً كانت أو غيرها ؟

ولولا مخالفة الأصحاب والسيرة المستمرّة المتقدّمة(4) ، لكان للاحتمال الأخير وجه معتدّ به .

توضيحه : أنّ الظاهر من الآية الكريمة ، أ نّه مع عدم وجدان الماء يقوم التراب مقامه ، لكن مع تبديل الغسل ببعض المسح ، فقوله : )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً(أي

ص: 271


1- مفتاح الكرامة 4 : 430 .
2- نهاية الإحكام 1 : 203 .
3- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 258 .
4- تقدّم في الصفحة 258 و266 .

اقصدوا وانحوا نحوه لتمسّح الوجوه والأيدي منه ، فلا ينقدح في ذهن العرف منه

إلاّ أنّ التمسّح من الصعيد على الوجه والأيدي ، تمام الموضوع وتمام حقيقة التيمّم ، وأنّ قصد الصعيد والذهاب إليه ، إنّما هو لأجل التوصّل إلى هذا المقصود .

ألا ترى أ نّه لو قال : «اذهب إلى الماء ، وخذ غُرفة منه ، فاغسل وجهك به»

لا ينقدح في الذهن دخالة الذهاب والاغتراف فيه ، ويرى العرف والعقلاء أنّ ذكر الغرفة - كذكر التراب - لمحض التوصّل إلى غسل الوجه!

والمقام أولى به منه ؛ لأنّ الأمر بالتيمّم من الصعيد - عقيب الأمر بغسل الوجه

والأيدي في الوضوء الذي يطلب فيه صِرف غسلهما من غير دخالة للآلة - يجعل الذيل ظاهراً بل كالنصّ في أنّ منزلة التراب منزلة الماء ، وأنّ المقصود حصول المسح من الصعيد محلّ الغسل بأيّة آلة حصل . وعدم ذكر الآلة مع كونها في مقام البيان ، يؤكّد ما ذكرناه .

وتشهد به صحيحة زرارة المفسّرة لها ، قال فيها : «فلمّا أن وضع الوضوء عمّن لم يجد الماء ، أثبت بعض الغسل مسحاً ؛ لأ نّه قال : )بِوُجُوهِكُمْ( ثمّ وصل بها )وَأَيْدِيكُمْ(»(1) .

فإنّها ظاهرة في أنّ التصرّف إنّما هو في إثبات المسح موضع الغسل ، فكما أنّ الغسل لا يعتبر فيه آلة خاصّة ، كذلك ما اُثبت محلّه .

فتحصّل من ذلك : أنّ الظاهر من الآية أنّ اللازم فيه هو التمسّح من الصعيد على الوجه والأيدي ، وهو لا يحصل إلاّ مع التوصّل إلى التمسّح على الصعيد ،

ص: 272


1- الفقيه 1 : 56 / 212 ؛ وسائل الشيعة 3 : 364 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 13 ، الحديث 1 .

ومنه إليهما ، وهو صادق بأيّة آلة ، كالغسل بالماء .

فإذا علم ذلك فلا بدّ في رفع اليد عنه من دليل صالح ، والأدلّة الواردة في التيمّمات البيانية(1) وغيرها تشكل صلاحيتها لذلك ؛ فإنّ وِزانها وِزان ما وردت في الوضوءات البيانية(2) ممّا اشتملت على الأخذ بالغُرفة وباليمين ؛ حيث

لا يفهم منها إلاّ صِرف الآلية من غير دخالة في تحصيل الغسل .

وبهذا يظهر الخدشة في دلالة مثل قوله : «تضرب بكفّيك الأرض»(3) فإنّه مع كون اليد آلة للمسح ، لا يفهم العرف منها الخصوصية ، كقوله : «يجزيك من الوضوء ثلاث غُرفات : واحدة للوجه ، واثنتان للذراعين»(4) فكما لا يفهم منه اعتبار الاغتراف ، ولا ينقدح في الذهن إلاّ صرف آليتها ، ولا يصلح لتقييد إطلاق الآية ، كذلك حال الضرب بالكفّين .

وليس المدّعى إلغاء الخصوصية حتّى يقال : لا طريق للعرف إليه في مثل هذا الحكم التعبّدي .

بل المدّعى عدم إمكان رفع اليد عن ظهور الآية بمثله مع عدم الانقداح في الذهن من «ضرب اليد والكفّ» إلاّ الآلية ، فلا يحرز من مثله القيدية حتّى يقيّد به الإطلاق ، كما لا تحرز من الوضوءات البيانية .

ولعمري ، إنّ هذا الوجه وجيه لولا الجهات الخارجية ؛ من مفروغية الحكم

ص: 273


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 358 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 .
2- راجع وسائل الشيعة 1 : 387 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 15 .
3- وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 7 .
4- وسائل الشيعة 1 : 387 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 15 ، الحديث 2 .

لدى الأصحاب ومعهودية التيمّم بين المتشرّعة ؛ بحيث ما ذكرناه يعدّ كالشبهة في مقابل البديهة ، ولهذا ترى أ نّه مع كمال المناسبة بين البابين ، لم يتفوّه أحد بذلك! وهو كافٍ في بطلانه .

وأمّا بعض الاحتمالات المتقدّمة - كالمنسوب إلى العلاّمة وما قبله(1) - فهو مخالف لظاهر الآية وجميع الأدلّة ، فلا داعي للتعرّض له .

وجه اعتبار الضرب أو الوضع

بقي الكلام في أنّ المعتبر هو ضرب اليدين أو وضعهما ؛ بناءً على مباينتهما ، أو لا يعتبر شيء منهما ، بل المعتبر هو شيء أعمّ ؛ أي مطلق المماسّة ولو مسحاً .

مقتضى إطلاق الآية عدم اعتبار شيء إلاّ كون المسح من الأرض ؛ أي مبتدئاً

منها ، وقد قيّدت بالإجماع - بل الضرورة - بلزوم كون الآلةِ اليدَ ، وبقي إطلاقها

بالنسبة إلى الوضع والضرب بحاله . بل بمناسبة كون الصعيد قائماً مقام الماء عند فقده والارتكاز المتقدّم ذكره(2) ، يتقوّى إطلاقها ، ويشكل رفع اليد عنه بمثل قوله : «تضرب بكفّيك الأرض» في مقام بيان كيفية التيمّم ولو مع الغضّ عن الروايات المشتملة على الوضع ؛ لعدم فهم القيدية منه ، بل لا ينقدح في ذهن العرف إلاّ أنّ الضرب للتوصّل إلى التمسّح من الأرض ، خصوصاً من مثل قوله في صحيحة الكندي : «التيمّم ضربة للوجه ، وضربة للكفّين»(3) الظاهر في أنّ

ص: 274


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 271 .
2- تقدّم في الصفحة 262 - 263 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 210 / 609 ؛ وسائل الشيعة 3 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 3 .

الضرب لصرف التمسّح للوجه ، ولا موضوعية له .

وبالجملة : لا يحرز من مثله القيدية ولو مع قطع النظر عن سائر الروايات .

ثمّ إنّ الروايات التي في الباب :

منها : ما هي مشتملة على حكاية عمّار بن ياسر ، كصحيحة زرارة قال : قال أبو جعفر علیه السلام : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ذات يوم لعمّار . . .» إلى أن قال : «فقال : كذلك يتمرّغ الحمار ؛ أفلا صنعت كذا ؟! ثمّ أهوى بيديه إلى الأرض ، فوضعهما على الصعيد . . .»(1) إلى آخره .

والظاهر منها ظهوراً كاد أن يكون كالنصّ ، أنّ قوله : «ثمّ أهوى» من تتمّة كلام أبي جعفر علیه السلام أي أهوى النبي صلی الله علیه و آله وسلم والحاكي له أبو جعفر علیه السلام فلا يأتي فيه احتمال الاشتباه إلاّ من الرواة في نقل القول ، وهو مدفوع بالأصل ، وظاهرها كفاية الوضع ولو لم يشتمل على خصوصية زائدة ؛ وهي الدفع واللطم ، إذ لو كانت دخيلة في ذلك لما أهملها أبو جعفر علیه السلام في مقام بيان الحكاية لتعليم الحكم .

نعم ، في موثّقة زرارة عنه بعد حكاية القضيّة : «فقال : هكذا يصنع الحمار ، وإنّما قال اللّه عزّ وجلّ : )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً( فضرب بيديه على الأرض . . .»(2) إلى آخره .

ص: 275


1- الفقيه 1 : 57 / 212 ؛ وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 8 .
2- السرائر 3 : 554 ؛ وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 9 .

وظاهرها أيضاً أنّ قوله : «فضرب» من كلام أبي جعفر علیه السلام حكاية عن فعل النبي صلی الله علیه و آله وسلم واحتمال أن كان العمل من أبي جعفر علیه السلام فيها ، غير بعيد .

ولا يبعد أن يكون وجه اختلاف الحكاية على فرض كونها منه علیه السلام أو العمل

والحكاية على فرض آخر ، أنّ واقع فعل النبي صلی الله علیه و آله وسلم هو الضرب ، لكن لمّا كان العنوان المفيد للأمر الزائد عن حقيقة الوضع ، غيرَ دخيل في صحّة التيمّم ، وكان متقوّماً بمطلق الوضع كيف كان ، ذكره أبو جعفر علیه السلام لإفادة عدم دخالة شيء غيره . ولمّا كان الضرب وضعاً أيضاً مع قيد ، لا يكون النقل خلاف الواقع ، كما لو كان مجيء إنسان موضوعاً لحكم ، فجاء زيد مثلاً ، فيصحّ أن يقال : «جاء زيد» وأن يقال : «جاء إنسان» .

وبالجملة : حكى أبو جعفر علیه السلام تارة : واقع القضيّة مع بعض الخصوصيات غير الدخيلة في صحّة التيمّم وكيفيته ، كقوله علیه السلام : «أهوى بيديه إلى الأرض» وكقوله : «ضرب بيديه» واُخرى : ما هو دخيل في الحكم ، كقوله : «وضع يديه» إفادةً لعدم دخالة الخصوصية الزائدة . وليس هذا من قبيل المطلق والمقيّد ، بل هو حكاية قضيّة شخصية لا بدّ في ترك القيد الزائد الذي اشتملت عليه من نكتة ، والمحتمل أن تكون ما ذكرناها .

ومنها : ما اشتملت على بيان كيفية التيمّم عملاً ، كرواية الخزّاز - الصحيحة على الأصحّ(1) - عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن التيمّم فقال : «إنّ عمّاراً . . .»

ص: 276


1- رواها الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن أبيأ يّوب الخزّاز . ولا إشكال في رجال السند ، إلاّ في محمّد بن عيسى العبيدي ، وهو ثقة على الأصحّ ، كما صرّح به المصنّف قدس سره في غير موضع من كتبه . راجع الجزء الأوّل : 363 .

إلى أن قال : فقلت له : كيف التيمّم ؟ فوضع يده على المِسْح . . .(1) إلى آخره .

وصحيحة داود بن النعمان قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن التيمّم فقال : «إنّ عمّاراً . . .» إلى أن قال : فقلنا له : فكيف التيمّم ؟ فوضع يده على الأرض . . .(2) إلى آخره .

وصحيحة زرارة قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول ، وذكر التيمّم وما صنع عمّار ، فوضع أبو جعفر علیه السلام كفّيه على الأرض . . .(3) إلى آخره .

وموثّقة سَماعة أو صحيحته(4) قال : سألته : كيف التيمّم ؟ فوضع يده على الأرض . . .(5) إلى آخره .

ص: 277


1- الكافي 3 : 62 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 358 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 207 / 598 ؛ وسائل الشيعة 3 : 359 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 208 / 603 ؛ وسائل الشيعة 3 : 359 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 5 .
4- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة . وجه الترديد لوقوع عثمان بن عيسى وسماعة في السند ؛ لأنّ عثمان بن عيسى كان شيخ الواقفة ووجهها ومن أصحاب الإجماع على قول ، ولكنّ الظاهر رجوعه عن الوقف . وسماعة بن مهران ثقة عند النجاشي وواقفي عند الشيخ الطوسي . رجال النجاشي : 193 / 517 و : 300 / 817 ؛ رجال الطوسي : 337 / 4 ؛ الفهرست ، الطوسي : 193 / 545 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 208 / 602 ؛ وسائل الشيعة 3 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 13 ، الحديث 3 .

واحتمال الاشتباه من الرواة في حكاية الفعل(1) ، لا يُعتنى به ، سيّما مع تعدّدهم وتكرّر الرواية ، وكونهم من قبيل زرارة والخزّاز وسماعة .

فدار الأمر بين تقييد الإطلاقات كتاباً وأخباراً ، ورفع اليد عن صحيحة زرارة المتقدّمة(2) الحاكية لفعل النبي صلی الله علیه و آله وسلم بلفظ أبي جعفر علیه السلام - مع أنّ إعمال الإطلاق والتقييد غير وجيه بعد الحكاية عن الفعل الشخصي تاركاً لما هو دخيل في الحكم فرضاً ؛ وإن فهم من حكايته حكم كلّي - وبين رفع اليد عن قيدية الضرب الوارد في الأخبار الكثيرة ، والأهون في المقام مع الخصوصيات المتقدّمة هو الثاني ، سيّما مع كون المطلق والمقيّد مثبتين ، والحمل في مثله متوقّف على إحراز وحدة المطلوب ، وهو مع ما تقدّم مشكل .

مضافاً إلى أنّ المقام ليس من قبيل المطلق والمقيّد ؛ فإنّ المتفاهم العرفي من قوله : «وضع يده على الأرض» في مقام تعليم التيمّم وبيان كيفيته ، أ نّه كان وضعها بلا دفع واعتماد ، وإلاّ كان على الرواة عدم إهماله ، والحمل على الغفلة قد مرّ ما فيه(3) ، فيظهر أنّ مقتضى هذه الروايات أنّ عمل المعصوم في مقام التعليم ، كان وضعاً لا ضرباً ، ومعه كيف يمكن إعمال المطلق والمقيّد ؟!

فلا محيص عن الالتزام إمّا برفع اليد عن الروايات الصحيحة التي هي في مقام البيان ، وهو كما ترى .

ص: 278


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 264 .
2- تقدّمت في الصفحة 275 .
3- تقدّم في الصفحة 275 .

وإمّا البناء على أنّ للتيمّم كيفيتين ؛ إحداهما : وضع اليد ، وثانيتهما : ضربها .

وإمّا البناء على أنّ المعتبر فيه ليس إلاّ لمس الأرض وضعاً أو ضرباً ، بل أو مسحاً ؛ أخذاً بإطلاق الآية ، وجمعاً بين الروايات ، وهو أهون ؛ لكونه جمعاً عقلائياً بين جميع الروايات .

نعم ، لا يبعد الالتزام برجحان الضرب ؛ أخذاً بظواهر ما دلّت على الضرب واشتملت على الأمر به .

هذا كلّه إذا قلنا بعدم مباينة «الضرب» و«الوضع» .

وأمّا لو قلنا بمباينتهما ، فيقع التعارض بين صحيحة زرارة وموثّقته الحاكيتين عن أبي جعفر علیه السلام نقلَ فعل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم حيث عبّر في الاُولى ب- «الوضع» وفي الثانية ب- «الضرب» وهو لا يوجب رفع اليد عن سائر الروايات الحاكية لفعل أبي عبداللّه وأبي جعفر علیهما السلام في مقام تعليم التيمّم بعد السؤال عن كيفيته ،

فالأخذ بجميع الروايات ، والالتزام بأنّ للتيمّم كيفيتين ، وحمل ما اشتملت على الأمر بالضرب على الرجحان ، أولى وأهون من طرح الطائفة المقابلة مع صحّة سندها . بل هو من قبيل حمل الظاهر على النصّ ؛ لأنّ أخبار الضرب ظاهرة في تعيّنه ، وأخبار الوضع نصّ في الاجتزاء به ، مع موافقتها لإطلاق الكتاب .

وأمّا الشهرة المنقولة في المقام(1) فليست من الشهرات المعتدّ بها ؛ لأنّ المسألة اجتهادية تراكمت فيها الأدلّة . هذا مع ذهاب جملة من الأساطين

ص: 279


1- كشف اللثام 2 : 468 ؛ جواهر الكلام 5 : 180 .

إلى الاجتزاء بالوضع صريحاً أو ظاهراً ، كالشيخ في محكيّ «المبسوط» و«النهاية» والمحقّق في «الشرائع» والشهيد في محكيّ «الذكرى» وعن «جامع المقاصد» و«حاشية الإرشاد»(1) .

لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بعد اشتمالِ أكثر الروايات على «الضرب»(2) ونقلِ الشهرة ، واحتمالِ كون مراد بعض من عبّر ب- «الوضع» الضربَ منه ، وتعارفِ الضرب بين المتشرّعة ، واللّه العالم .

تنبيه : هل الضرب أو الوضع شرط لحصول المسح أو جزءٌ ؟

ظاهر الكتاب والسنّة أنّ الضرب أو الوضع شرط لحصول المسح من الأرض ، لا جزء للتيمّم ؛ فإنّ قوله تعالى : )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً( - متفرّعاً عليه قوله : )فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ( - ظاهر في أنّ قصد الصعيد ضرباً أو وضعاً ؛ لأجل المسح والتوصّل إليه ، ولولا الإجماع والتسلّم بينهم(3) لقلنا بعدم مدخلية الآلة الخاصّة أيضاً ، لكن بعد القول باعتبارها لا ريب أنّ الظاهر منها أنّ الضرب لأجل المسح بالوجوه والأيدي ، كما هو الظاهر أيضاً من مثل قوله :

ص: 280


1- اُنظر مفتاح ا لكرامة 4 : 429 - 430 ؛ ا لمبسوط 1 : 32 - 33 ؛ ا لنهاية : 49 ؛ شرائع الإسلام 1 : 40 ؛ ذكرى الشيعة 2 : 259 - 260 ؛ جامع المقاصد 1 : 489 - 490 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 358 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 1 و3 و6 و7 و9 ، والباب 12 ، الحديث 2 - 5 .
3- راجع ذكرى الشيعة 2 : 258 ؛ جامع المقاصد 1 : 490 و498 ؛ مدارك الأحكام 2 : 217 ؛ جواهر الكلام 5 : 179 .

«التيمّم ضربة للوجه ، وضربة للكفّين»(1) وقوله : «مرّتين مرّتين للوجه واليدين»(2) وهذا يُنافي الجزئية .

ولا دليل على اعتبار الجزئية زائداً على اعتبار الشرطية ؛ بأن يكون جزءاً بالنسبة إلى المجموع ، وشرطاً لسائر الأجزاء . وقوله : «تضرب بكفّيك الأرض ، ثمّ تنفضهما وتمسح بهما وجهك ويديك»(3) لا يدلّ على الجزئية لو لم نقل بدلالتها على الشرطية ، خصوصاً مع كون جميع الروايات كالتفسير للآية الكريمة .

فتوهّم(4) كون التيمّمات البيانية(5) - وكذا أشباه الرواية المتقدّمة - في مقام بيان ماهية التيمّم والأجزاء المقوّمة لها ، غير وجيه جدّاً ؛ لأنّ الظاهر أ نّهم علیهم السلام بصدد بيان كيفية التيمّم الصحيح ؛ من غير نظر إلى ما يعتبر فيه شرطاً أو جزءاً ، لو لم نقل بظهور بعضها - كالرواية المتقدّمة - في الشرطية ، فالأظهر هو الشرطية .

وأمّا الثمرة بين القولين فغير ظاهرة ، نعم لو قلنا : بأنّ دليل اعتبار الموالاة فيه هو ظهور الأوامر المتعلّقة بالمركّبات في إتيان أجزائها متوالية ومرتبطة - كما استدلّوا به له(6) - يكون اعتبار الموالاة بين الضرب والمسح على

ص: 281


1- وسائل الشيعة 3 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 3 .
2- وسائل الشيعة 3 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 1 .
3- وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 7 .
4- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 259 .
5- راجع وسائل الشيعة 3 : 358 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 .
6- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 253 .

الجزئية ، وعدم اعتباره على الشرطية ، ثمرةً بينهما ؛ لأنّ غاية ما يمكن دعواه

هو ظهورها في الموالاة بين الأجزاء ، لا بين الشرائط والأجزاء أيضاً ، كما لا يخفى . لكن قد عرفت أنّ وجه اعتباره غير ذلك(1) ، ومع ما ذكرناه لا تكون هذه ثمرة ، فراجع .

ويمكن أن يقال : إنّه على الشرطية لا دليل على لزوم قصد التقرّب والتعبّد

به ، بخلافه على الجزئية ؛ لأنّ المتيقّن من الإجماع على عبادية التيمّم عبادية ماهيته ، لا الأعمّ منها ومن شرائطه . إلاّ أن يقال : مقتضى ارتكاز المتشرّعة عبادية الضرب أيضاً .

وقد يقال في بيان الثمرة أمران آخران(2) ، وهو غير سديد .

ص: 282


1- تقدّم في الصفحة 267 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 259 .
الأمر السادس فيما هو المعتبر في الضرب
اشارة

اعتبار كون الضرب بكلتا اليدين

لا إشكال نصّاً (1) وفتوى(2) في اعتبار كون الضرب بكلتا يديه ، فلو ضرب بإحداهما بطل ، بل يمكن استفادته من الكتاب العزيز ، فضلاً عن الأخبار الناصّة عليه .

عدم اعتبار الدفعة في الضرب

وأمّا اعتبار الدفعة فغير ظاهر ، بل مقتضى إطلاق الأدلّة عدم اعتبارها ؛ أمّا

إطلاق الكتاب فظاهر ، وأمّا الأخبار فلأنّ الظاهر من قوله : «تضرب بكفّيك»(3) ليس إلاّ اعتبار الضرب بهما ؛ وأ نّه تمام الموضوع للحكم ، وأمّا الدفعة فأمر آخر غير ضربهما لا بدّ في اعتباره من بيان وتقييد مفقود في المقام ، فمقتضى إطلاق مثله هو عدم الاعتبار .

وتوهّم(4) دلالة الأدلّة عليه انصرافاً أو إشعار كلّ واحد من الأخبار ، وبعد ضمّ

ص: 283


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 358 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 .
2- المقنعة : 62 ؛ المبسوط 1 : 32 - 33 ؛ السرائر 1 : 136 ؛ جواهر الكلام 5 : 181 - 182 .
3- وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 7 .
4- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 265 .

بعضها إلى بعض يستفاد الحكم ، غير سديد .

نعم لا يبعد أن يكون العمل الخارجي المتعارف بين الناس ، موجباً لتوهّم الانصراف ، لكنّه غير الانصراف في نفس الأدلّة .

والإنصاف : أنّ رفع اليد عن ظاهر الأدلّة ومقتضى إطلاقها مشكل ؛ وإن كان ترك الاحتياط والبناء على عدم الاعتبار - بعد كون العمل عليه - مشكلاً آخر .

اعتبار الضرب بباطن الكفّين

ثمّ إنّه لا ريب في أنّ الظاهر من الأدلّة - ولو انصرافاً - أنّ المعتبر ضرب

باطن الكفّين ، خصوصاً بعد ارتكازية مخالفة الماسح والممسوح . بل يمكن أن يستدلّ عليه بعدها بمثل موثّقة زرارة : «ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة على ظهر الاُخرى»(1) .

وقوله في رواية داود : «فوضع يديه على الأرض ، ثمّ رفعهما ، فمسح وجهه ويديه فوق الكفّ»(2) بعد كونه في مقام بيان كيفية التيمّم .

ولا يمكن إلغاء الخصوصية بعد ما عرفت من اعتبار الأدلّة الخاصّة فيه ، بل اللازم مراعاة جميع ما يتفاهم من التيمّمات البيانية وغيرها المحتملة دخالتها ، بعد كونها في مقام بيان كيفية التيمّم وما يعتبر فيه .

ص: 284


1- السرائر 3 : 554 ؛ وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 9 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 207 / 598 ؛ وسائل الشيعة 3 : 359 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 4 .
عدم اعتبار اتّصال المتيمّم به بالأرض

كما لا ريب في جواز التيمّم بالتراب ونحوه وإن لم يكن متّصلاً بالأرض ، ويدلّ عليه - مضافاً إلى السيرة القطعية ، وقوله : «التراب أحد الطهورين»(1) وما دلّ على جواز التيمّم بالجصّ والنورة الصادق كلّ منهما على المنفصل من الأرض - أنّ الظاهر عرفاً من قوله تعالى : )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً . . .( إلى قوله : )مِنْه(أنّ ما هو دخيل فيه هو محلّ الضرب ووقوع اليد ، وأمّا سائر أجزاء الأرض التي لا تقع اليد عليها ، فلا دخالة لها في المسح .

ولو نوقش فيه ، فلا إشكال في أصل الحكم ، بعد كون التراب أحد الطهورين ، وقطعية عدم الفصل بينه وبين الحجر وغيره .

اعتبار كون الضرب بجميع الباطن وكفاية الضرب بالكفّ الناقصة

ثمّ إنّ المعتبر فيه ضرب مجموع باطن الكفّين ؛ لكون «الكفّ» اسماً له ظاهراً ، وبعضه جزء له ، لا كفّ على الإطلاق .

نعم ، لو كانت ناقصة يكفي الضرب بها ، ولا يسقط التيمّم بلا إشكال ؛ لقاعدة الميسور ، وضرورية عدم سقوط الصلاة ، بل لا يبعد فهمه من نفس الخطابات المتوجّهة إلى المكلّفين ، كما ذكرناه في الوضوء(2) وقلنا : إنّ قوله تعالى : )فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ( ليس مخصوصاً بمن كان وجهه

ص: 285


1- تقدّم في الصفحة 242 .
2- الطهارة (تقريرات الإمام الخميني قدس سره) الفاضل اللنكراني : 433 .

ويده سليمين ، فمن قطعت يده من الأصابع ، وسمع قوله تعالى : )فَاغْسِلُوا

وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ( يرى لزوم غسل يده الناقصة إلى المرفق ، ولا ينقدح في ذهنه توجّه الخطاب إلى السالمين . نعم لو كان القطع من المرفق يكون خارجاً منه .

وفي المقام أيضاً يرى العرف دخول مقطوع الإصبع تحت الخطاب ولو قلنا بكون «الكفّ» اسماً للمجموع ؛ وذلك لمناسبات مغروسة في الأذهان ، كما هو كذلك في الخطابات العرفية .

بل لا يبعد أن يقال : إنّ «الكفّ» - ك- «اليد» و«الرجل» - صادقة على الكلّ

والبعض ، لكن ينصرف مثل قوله : «اضرب كفّيك» إلى ضرب جميعهما ، وهو يتمّ مع سلامة الكفّ ، ومع نقصها يصدق «أ نّه ضرب كفّيه على الأرض» حقيقة ، فلا إشكال في عدم سقوط التيمّم والصلاة مع نقصان الكفّ .

حكم من قطعت كفّاه من الزند

وأمّا لو قطعت كفّاه من الزَنْد ، فقد يقال بلزوم مسح الوجه بالذراعين ، ومسح ظاهر كلٍّ بباطن الاُخرى . وهو بالنسبة إلى مسح الوجه غير بعيد وإن لا يخلو من شبهة ، لكن بالنسبة إلى ظاهر كلٍّ بباطن الاُخرى وقيامِهما مقامَ الكفّ ، بعيد لعدم شمول الخطابات له ، وهو واضح ، وعدم كون مسح الذراعين ميسورَ مسحِ الكفّين .

ولو حاول أحد تعميم قاعدة الميسور لمثل ذلك ، لصحّ له أن يلتزم بلزوم مسح الرجل أو سائر الجسد بدل اليد إذا قطعت يداه من الأصل ؛ لأنّ المسح

ص: 286

بظاهر الكفّ ينحلّ إلى المسح ، وكونه بظاهر الكفّ ، وكونه بالكفّ ، وكونه بالجسد ، فمع تعسّر كلّ مرتبة يجب قيام الاُخرى مقامها ، وهو كما ترى .

وبالجملة : ليست الذراعان مع الكفّ إلاّ كأجنبيّ في باب التيمّم ، وليس المسح عليهما ميسورَ مسحِ الكفّين ، والانحلال العقلي غير معوّل عليه في مثل المقام . بل لزوم مسح الجبهة فقط ممّن لم يكن له يد - لكونه ميسورَ التيمّم - أيضاً لا يخلو من إشكال .

والاحتياط لازم على أيّ حال في مثل «الصلاة التي لا تُترك بحال» ، مع بُعد عدم تكليف مثله بالصلاة - التي هي عماد الدين - إلى آخر عمره . بل ليس المدّعي للقطع بعدم ترك مثله سُدى بمجازف .

حكم تعذّر الضرب بباطن الكفّين

ثمّ لو تعذّر الضرب بباطن الكفّين ، هل يقوم ظاهرهما مقامه بدعوى : أ نّه ميسوره وأقرب من غيره ، أو يقوم باطن الذراعين مقامه ، فيضرب بباطنهما ، ويمسح بهما الوجه وظاهر الكفّين ، أو يتخيّر بينهما ، أو يجب الجمع ؛ للعلم الإجمالي بحصول التيمّم الواجب بإحدى الكيفيتين ؟

وجوه ، لا يبعد ترجيح الثاني ؛ لأنّ أصل اعتبار كون الماسح هو اليد والكفّين ، غير مستفاد من الأدلّة اللفظية كما مرّ ، وإنّما قلنا باعتباره للسيرة والإجماع(1) ، والمتيقّن منهما اعتباره حال عدم التعذّر وفي صورة الاختيار ، وأمّا مع التعذّر فالأصل وإن اقتضى عدم اعتبار إحدى الخصوصيتين ، لكن المتفاهم من الأدلّة

ص: 287


1- تقدّم في الصفحة 271 و280 .

- كما مرّت الإشارة إليه(1) - مخالفة الماسح للممسوح ؛ وأنّ آلة المسح موصلة لأثر الأرض - ولو أثراً اعتبارياً - إلى ما لم يلمس الأرض ، ومع القول بالانتقال إلى الظاهر ، لا بدّ من رفع اليد عن هذا الظاهر .

وبعبارة اُخرى : يعتبر في التيمّم حال الاختيار ، كونُ المسح بباطن الكفّ ، ومغايرةُ الآلة للممسوح ، وفي حال التعذّر يرفع اليد عن الباطن ، وتحفظ المغايرة مع حفظ آلية اليد ، فيرجّح الذراع على الظاهر .

لكن ما ذكرناه لا يساعد عليه كلمات القوم ممّن تعرّض للمسألة(2) ، والاحتياط بالجمع لا ينبغي تركه .

حكم نجاسة الباطن

ثمّ إنّه مع نجاسة الباطن ؛ إمّا أن تكون سارية إلى الأرض لو تيمّم ، أو إلى الممسوح دون الأرض ، كما لو جرح العضو بعد الضرب ، أو لم تكن سارية مطلقاً :

فعلى الأوّل قد يقال : إنّ ظاهر الأدلّة اعتبار طهارة الصعيد عند ضرب اليد عليه ، فإذا صار قذراً بالضرب لا يضرّ بالتيمّم(3) .

وفيه : أنّ ظاهر الآية(4) - مع قطع النظر عن صحيحة زرارة(5) - اعتبار طهارته

ص: 288


1- تقدّم في الصفحة 284 .
2- جامع المقاصد 1 : 490 ؛ رياض المسائل 2 : 324 ؛ جواهر الكلام 5 : 182 - 183 .
3- مستند الشيعة 3 : 457 ؛ اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 273 .
4- المائدة (5) : 6 .
5- الفقيه 1 : 56 / 212 ؛ وسائل الشيعة 3 : 364 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 13 ، الحديث 1 .

عند رفع اليد منه أيضاً ؛ لمكان )مِنْهُ( فإنّ الظاهر رجوع الضمير إلى «الصعيد الطيّب» فمع ابتدائية «مِنْ» - كما هي الأرجح - يكون المعنى : «فامسحوا مبتدئاً من الصعيد الطيّب» .

نعم ، بناءً على رجوع الضمير إلى «التيمّم» - كما في صحيحة زرارة المفسّرة

للآية - يشكل استفادة ما ذكر منها ، كما تقدّم بعض الكلام فيها (1) .

إلاّ أن يقال : إنّ المراد من قوله : «ذلك التيمّم» ذلك الضرب الواقع على الصعيد الطيّب ، ومع قذارته بالضرب يخرج عن ذلك العنوان ، تأمّل .

ويمكن استفادة اعتبار طهارة الأرض التي يمسح منها المحالّ - وكذا اعتبار طهارة المحالّ الممسوحة إذا فرض سراية نجاسة الكفّ إليها - من الآية الكريمة وصحيحة زرارة المتقدّمة بالتقريب المتقدّم ؛ مستمدّاً بارتكاز العرف في اعتبار كلّ ما يعتبر في الوضوء والغسل جميعاً في التيمّم ، فراجع(2) .

وأمّا مع عدم سرايتها - بأن يكون المحلّ جافّاً - فالظاهر عدم الانتقال إلى الظاهر ، بل ينتقل إلى الذراعين ، كما مرّ الكلام فيه(3) .

وأمّا دعوى : أنّ حفظ الذات أولى من حفظ الوصف ، فمع الانتقال إلى غير باطن الكفّ ، ترك الأصل والذات حفظاً للوصف ، بخلاف المسح بالباطن النجس .

ففيها : أنّ أمثال هذه الاُمور الاعتبارية والترجيحات الظنّية ، غير معوّل عليها

ص: 289


1- تقدّم في الصفحة 272 .
2- تقدّم في الصفحة 262 .
3- تقدّم في الصفحة 287 .

في الأحكام التعبّدية البعيدة عن العقول . مع ما عرفت(1) من أنّ اعتبار باطن الكفّ - بل مطلق آلية اليد - غير مستفاد من الأدلّة لولا الإجماع والسيرة المفقودان في مثل المقام .

والاحتياط في جميع صور الدوران لا ينبغي أن يترك ؛ وإن كانت البراءة في كثير من الموارد محكّمة ؛ بناءً على جريانها في الطهارات الثلاث ، كما هو الأقوى .

ص: 290


1- تقدّم في الصفحة 271 و280 و287 .
الأمر السابع هل يعتبر في التيمّم العلوق ممّا ضرب عليه ؟
اشارة

والكلام فيه يقع في موارد :

عدم لزوم مسح المواضع بالتراب ونحوه

منها : في اعتبار العلوق بمعنى لزوم مسح المواضع بالتراب ونحوه ، ولا إشكال ولا كلام عندنا في عدم اعتباره ، وهو الذي ادّعي الإجماع عليه ، فعن «المنتهى» : «لا يجب استعمال التراب عند علمائنا»(1) وحكي الإجماع عن غيره أيضاً (2) .

والظاهر أنّ خلاف بعض المتأخّرين(3) ليس في ذلك ، كما يظهر من استدلالاتهم ، خصوصاً جوابهم عن الروايات الدالّة على النفض : «من عدم المنافاة بينه وبين لزوم العلوق ؛ لبقاء الأجزاء الصغيرة الغبارية بعد النفض» فيظهر

منهم أنّ مرادَهم بلزوم العلوق ، لزومُ بقاء أثر التراب الذي لا يسمّى «تراباً» . وكيف كان : يدلّ على عدم اعتباره - بعد الإجماع - الأدلّةُ الدالّة على

ص: 291


1- منتهى المطلب 3 : 97 .
2- اُنظر جواهر الكلام 5 : 187 - 188 ؛ كنز العرفان في فقه القرآن 1 : 26 - 27 ؛ جامع المقاصد 1 : 496 ؛ مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 1 : 67 .
3- الحبل المتين : 89 / السطر 5 ؛ مفاتيح الشرائع 1 : 62 ؛ الحدائق الناضرة 4 : 333 .

استحباب النفض أو جوازه(1) ؛ ضرورة أ نّه بعده لا يبقى من نفس الصعيد والأرض على اليد شيء ، وما بقي عليها أحياناً هو أثرهما الذي لا يسمّى «تراباً» عرفاً ولا «أرضاً» .

والآيةُ الكريمة بعد البناء على كون «مِنْ» ابتدائية بشهادة صحيحة زرارة(2) التي دلّت على رجوع الضمير المجرور إلى «التيمّم» لا «الصعيد» وكذا الأخبار المتقدّمة(3) ؛ ضرورة أ نّه لو كان الجارّ للتبعيض والمجرور راجعاً إلى «الصعيد» لزم منه وجوب حمل الصعيد إلى الوجه والكفّين ، مع أ نّه بعد النفض لا يبقى بعض الأرض على اليد للوجه ، فضلاً عن الكفّين ، فإذا لم تكن تبعيضية فلا محالة تكون ابتدائية ؛ لضعف الاحتمالات الاُخر ، فتدلّ على أنّ المعتبر في التيمّم ، أن يكون المسح مبتدئاً من الأرض لا بالأرض ، فتدلّ على عدم اعتبار العلوق بالمعنى المتقدّم ، ولا بغيره كما يأتي ، فلا ينبغي الإشكال في عدم اعتباره بهذا المعنى .

عدم لزوم أن يعلق على اليد من أجزاء الأرض

ومنها : اعتباره بمعنى لزوم أن يعلق على اليد من أجزاء الأرض ولو سقطت بالنفض ، بل ولو لم يبقَ أثرها . ولا ينبغي الإشكال في عدم اعتباره أيضاً ، بل هو

ص: 292


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 359 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 3 و6 و7 و9 .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 288 - 289 .
3- تقدّمت في الصفحة 268 - 269 .

أضعف من سابقه ؛ لإمكان التمسّك له بالآية والصحيحة المتقدّمة ؛ بتوهّم تبعيضية «مِنْ» وبارتكازية بدلية التراب للماء ، وإن ظهر ضعفهما ممّا تقدّم حتّى الثاني ، فإنّ الارتكاز لا يقاوم الأدلّة كتاباً وسنّة .

وأمّا توهّم اعتبار العلوق وكونه واجباً مستقلاًّ ، لا للتمسّح به على الأعضاء ، فهو خلاف الآية والروايات جميعاً ؛ فإنّ الظاهر منها عدم استقلاليته ، بل لو كان معتبراً فلأجل المسح على الأعضاء ، والروايات المشتملة على النفض يظهر منها - بمساعدة الارتكاز العرفي - أنّ النفض لعدم الاحتياج إلى ما يعلق من الصعيد على اليد لمسحها ، ولا إشعار فيها بلزوم العلوق استقلالاً من غير لزوم المسح به .

ولهذا ترى أنّ الروايات المشتملة على الوضع خالية عن ذكر النفض(1) ، بخلاف ما تشتمل على الضرب ، فإنّها مشتملة عليه(2) إلاّ نادراً (3) ! والظاهر أنّ الوجه فيه هو تحقّق العلوق بالضرب دون الوضع ، خصوصاً في أراضي الحجاز الغالب عليها الرمل والأحجار الصغار التي تلصق باليد مع الضرب ، دون الوضع بلا اعتماد ولا قوّة ولا مكث .

وبالجملة : عدم اعتبار العلوق بهذا المعنى أيضاً واضح .

ص: 293


1- راج-ع وسائل الشيعة 3 : 358 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 2 و4 و5 و8 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 359 ، كتاب الطهارة ، أب-واب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 3 و6 و7 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 358 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 1 .
عدم اعتبار انتقال أثر من الأرض إلى الأعضاء

والعمدة البحث عن النحو الثالث من العلوق ؛ وهو أثر التراب والأرض ، ولا يبعد أن يكون ذلك مورداً للكلام ، ومختاراً لبعض المتأخّرين ، كما مرّت الإشارة إليه(1) . وهو أيضاً لا يقصر في الضعف عمّا تقدّم ؛ فإنّ «مِنْ» في الآية الكريم-ة إن كانت تبعيضي-ة ، تنطبق على العلوق بالمعنى الأوّل ، وإن كانت ابتدائية لا تنطبق على العلوق بهذا المعنى أيضاً . بل بعد البناء على الابتدائية ، تدلّ الآية بإطلاقها على عدم اعتبار العلوق ؛ للدلالة على أنّ تمام الموضوع لتحقّق التيمّم ، كون التمسّح مبتدئاً من الصعيد من غير دخالة شيء آخر فيه .

ودعوى : أنّ المسح منه على الوجه والكفّ - ولو بمناسبة الحكم والموضوع - منصرف إلى انتقال أثر من الأرض إلى الأعضاء ، مدفوعة بأنّ ما هو المرتكز من قيام الصعيد مقام الماء ، هو قيام نفسه مقامه ، كما فعل عمّار ، لا قيام

أثره ، وبعد قيام الدليل على عدم لزوم ذلك ، لا مجال لدعوى قيام الأثر ، فلا يجوز رفع اليد عن الإطلاق ، ولا دعوى الانصراف لأجل الارتكاز .

كما أنّ دعوى الانصراف أو عدم الإطلاق - لأجل غلبة الأراضي في انتقال أثرها إلى اليد وبقائه بعد النفض - مدفوعة بمنع الغلبة الموجبة لعدم الإطلاق ، فضلاً عن الانصراف ، سيّما في أراضي نزول الوحي وصدور الروايات ، وخصوصاً مع كون «الصعيد» مطلق وجه الأرض ، وبالأخصّ مع قرب أراضي الحرمين الشريفين من البحر الموجب لنزول الأمطار الغزيرة في غالب الفصول

ص: 294


1- تقدّمت في الصفحة 291 .

فيها ، مع كيفية أرضهما الخالية من التراب الموجب لعدم كونها مغبّرة وعدم بقاء أثرها بعد النفض غالباً ، ومعه كيف تسوغ دعوى الغلبة والانصراف ، وكيف يمكن السكوت عنه مع فرض اعتباره ؟!

مضافاً إلى أ نّه لو فرض بقاء أثر ضعيف بعد النفض ، فلا ريب في أ نّه مع إمرار

اليدين على الوجه ، يرتفع وينتقل إليه ، فلا يبقى للكفّين أثر منه ، فلا بدّ للقائل

بلزوم العلوق ؛ إمّا أن يلتزم بلزومه للوجه فقط ، أو لزوم المسح ببعض اليد على الوجه بوجه يبقى الأثر للكفّين ، أو لزوم ضرب آخر بعد مسح الوجه ، ولا أظنّ التزامه بالأوّلين ، ويأتي الكلام في ضعف الثالث(1) .

ص: 295


1- يأتي في الصفحة 334 .
الأمر الثامن في تحديد الماسح والممسوح وكيفية المسح
اشارة

أمّا الماسح ، فيقع البحث فيه من جهات :

الجهة الاُولى : في كفاية المسح بيد واحدة
اشارة

بعد وضوح لزوم كون المسح بما يضرب على الأرض نصّاً وفتوى ، هل يعتبر أن يقع مسح الجبهة باليدين ، كما عن «التذكرة» : «أ نّه الأظهر من عبارات الأصحاب»(1) ، وعن «المدارك» : «أنّ أكثر الأصحاب على كون المسح بباطن الكفّين معاً»(2) ، وعن «المختلف» و«الذكرى» و«كشف اللثام» : «أ نّه المشهور»(3) .

أو يجتزأ بيد واحدة ، كما عن «التذكرة» احتماله(4) ، وعن المولى الأردبيلي والمحقّق الخونساري اختياره(5) ؟

وجه الاجتزاء بيد واحدة

لا يبعد ترجيح ذلك ؛ لإطلاق الآية الكريمة وعدم صلوح الأدلّة لتقييدها .

ص: 296


1- تذكرة الفقهاء 2 : 194 .
2- مدارك الأحكام 2 : 222 .
3- مختلف الشيعة 1 : 274 ؛ ذكرى الشيعة 2 : 265 ؛ كشف اللثام 2 : 469 .
4- تذكرة الفقهاء 2 : 194 .
5- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 237 ؛ الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية ، المحقّق الخوانساري : 151 / السطر 4 .

ودعوى(1) كونها من المتشابهات التي يجب الرجوع فيها إلى تفسير أهل البيت علیهم السلام - كدعوى عدم إطلاقها ؛ لكونها في مقام أصل التشريع - ضعيفة ؛ ضرورة عدم إجمال وتشابه فيها ، فإنّ الظاهر من قوله : )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً(الواقع في ذيل بيان الوضوء والغسل وأ نّهما بالماء ، وبقرينة )فَامْسَحُوا . . . مِنْهُ(هو التلمّس للأرض بالآلة المتداولة التي هي باطن الكفّين ؛ لعدم إمكان المسح على اليدين بكفّ واحدة ، فيستفاد منها لزوم مسح بعض الوجه واليدين من الأرض بالآلة . نعم لولا الجهات الخارجية لقلنا بعدم لزوم كون اليد آلة ، كما تقدّم(2) .

فإطلاق الآية محكّم ما لم يرد دليل على التقييد . والتقييدات الواردة عليها ليست بحدّ الاستهجان حتّى نلتزم بإهمالها ، أو بقيام قرائن حالية لم تصل إلينا .

والذي يشهد على عدم إجمال أو إهمال فيها ، إرجاع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عمّاراً إليها لرفع خطئه بقوله : «هكذا يصنع الحمار ؛ إنّما قال اللّه عزّ وجلّ : )فَتَيَمَّمُوا

صَعِيداً طَيِّباً(»(3) . وفي رواية : «إنّما قال اللّه : )فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ(»(4) . وفي اُخرى : «أفلا صنعت كذا ؟» ثمّ تيمّم(5) .

ص: 297


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 282 .
2- تقدّم في الصفحة 271 .
3- السرائر 3 : 554 ؛ وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 9 .
4- تفسير العيّاشي 1 : 302 / 63 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 540 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 3 .
5- الفقيه 1 : 57 / 212 ؛ وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 8 .

وتمسّك أبي جعفر علیه السلام بها وبخصوصياتها لتعليم زرارة(1) ، فلا إشكال في إطلاقها وعدم تشابهها . نعم الروايات الحاكية لفعلهم(2) ، لا يكون فيها إطلاق معتدّ به من هذه الجهة .

وأمّا عدم صلوح شيء لتقييدها ؛ فلأنّ أظهر ما في الباب في ذلك - ممّا يمكن الركون إليه سنداً - موثّقة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام في التيمّم قال : «تضرب بكفّيك الأرض ، ثمّ تنفضهما وتمسح بهما وجهك ويديك»(3) .

وصحيحة المرادي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في التيمّم قال : «تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين ، ثمّ تنفضهما وتمسح بهما وجهك وذراعيك»(4) .

بدعوى ظهورهما - بل صراحتهما - في كون مسح الوجه باليدين .

لكن يمكن إنكار ظهورهما - فضلاً عن صراحتهما - بأن يقال : إنّ محتملات قوله : «وتمسح بهما وجهك ويديك» كثيرة بدواً :

أحدها : أن يكون المراد «تمسح بهذه وهذه وجهك ويدك اليمنى واليسرى» جموداً على ظاهر علامة التثنية من تكرير مدخولها ، وظاهر الضمير الراجع إلى طبيعة اليدين ؛ من غير اعتبار الاجتماع في المدخول والمرجع ، فإنّه يحتاج إلى

ص: 298


1- الفقيه 1 : 56 / 212 ؛ وسائل الشيعة 3 : 364 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 13 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 358 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 212 / 615 ؛ وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 7 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 209 / 608 ؛ وسائل الشيعة 3 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 2 .

مؤونة زائدة . ولازم هذا الاحتمال لزوم مسح كلّ يد جميع الجبهة ، أو هي مع الجبينين ، وكذا مسح كلٍّ من اليدين الماسحتين كلَّ واحدة من الممسوحتين ، وهو غير ممكن في الثاني ، ولم يلتزموا به في الأوّل ، فهذا الاحتمال مدفوع لذلك .

ثانيها : أن يكون المراد «تمسح بمجموعهما وجهك وكلّ واحد من يديك» . ولازمه لزوم مسح كلٍّ من اليدين بمجموعهما ، وهو أيضاً مدفوع ؛ لامتناعه .

ثالثها : أن يكون المراد «تمسح بمجموعهما وجهك ومجموع اليدين» . ولازم ذلك ما هو المشهور .

رابعها : «تمسح بمجموعهما مجموع الوجه واليدين» أي بمجموع هذين مجموع الثلاثة . ولازم ذلك جواز مسح الوجه بيد واحدة ، كما اختاره المحقّقان المتقدّمان .

ولا ترجيح لأحد الأخيرين لو لم نقل بترجيح ثانيهما ؛ لأجل ارتكاز العرف بأنّ المسح لإيصال أثر الأرض - ولو أثرها الاعتباري - إلى الوجه من غير دخالة مجموع اليدين في ذلك . وضرب اليدين إنّما هو لتحصيل المسحات الثلاث ، لا لمسح الوجه بهما .

وبالجملة : مع محفوفية الكلام بالقرينة العقلية ، ورفع اليد عن الظاهر الأوّلي ، لا يبقى ظهور في الاحتمال الثالث .

ودعوى : أنّ الظاهر منها هو المسح بهما مطلقاً ، وقيام القرينة العقلية موجب لرفع اليد عنه بالنسبة إلى اليدين دون الوجه ، مدفوعة بأنّ الظاهر منها هو المسح بكلّ واحدة منهما جميع الممسوح ، وهو مخالف لإطلاق الكتاب والفتوى

ص: 299

والعقل ، ومع رفع اليد عنه ودوران الأمر بين أحد الأخيرين ، فالترجيح مع ثانيهما ، فيوافق إطلاق الآية . ومع تساويهما أو الترجيح الظنّي لأوّلهما ، لا يترك

الإطلاق حتّى على الثاني ؛ لعدم ظهورٍ معتدٍّ به ، وعدم كون الظنّ مستنداً إلى اللفظ وظهوره حتّى يكون حجّة .

نعم ، ظاهر رواية الكاهلي - قال : «سألته عن التيمّم ، فضرب بيديه على البساط ، فمسح بهما وجهه ، ثمّ مسح كفّيه إحداهما على ظهر الاُخرى»(1) - هو مسح الوجه باليدين .

لكنّها مع ضعفها سنداً (2) وإضمارها ، لا تصلح لتقييد الكتاب ، ولا يعلم استناد المشهور إليها ، ومجرّد مطابقة فتواهم لرواية لا يجبر ضعفها . وكون الناقل عنه صفوان بن يحيى وصحّة السند إليه ، غير مفيد ؛ لعدم ثبوت أ نّه لا يروي إلاّ عن ثقة وإن قال به الشيخ في محكيّ «العدّة»(3) ، والإجماع على تصحيح ما يصحّ عنه(4) - على فرض ثبوته - لم يتّضح إثبات ما راموا منه ، والتفصيل موكول إلى محلّه(5) .

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن التيمّم ، فضرب بكفّيه الأرض ، ثمّ مسح بهما وجهه ، ثمّ ضرب بشماله الأرض ، فمسح بها مرفقه

ص: 300


1- الكافي 3 : 62 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 358 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 1 .
2- رواها الكليني ، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن صفوان ، عن الكاهلي .
3- العدّة في اُصول الفقه 1 : 154 .
4- اختيار معرفة الرجال : 556 / 1050 .
5- يأتي في الجزء الثالث : 350 .

إلى أطراف الأصابع ؛ واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها ، ثمّ ضرب بيمينه الأرض ، ثمّ صنع بشماله كما صنع بيمينه ، ثمّ قال : «هذا التيمّم على ما كان فيه الغسل ، وفي الوضوء : الوجه واليدين إلى المرفقين . . .»(1) إلى آخره .

فلا يتّكل عليها لتقييد الكتاب ؛ بعد اشتمالها على عدّة أحكام مخالفة للمذهب . والتفكيك في الحجّية في مثلها ، غير جائز بعد عدم الدليل على حجّية خبر الثقة إلاّ بناء العقلاء الممضى ، ولا ريب في عدم ثبوت بنائهم على العمل بما اشتملت على عدّة أحكام مخالفة للواقع ، لو لم نقل بثبوت عدمه .

وجه عدم الاجتزاء بيد واحدة وترجيحه

نعم ، هنا روايات لا يبعد دعوى ظهورها في المطلوب ، كصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام حكايةً لقضيّة عمّار بن ياسر ، وفيها : «ثمّ أهوى بيديه إلى الأرض ، فوضعهما على الصعيد ، ثمّ مسح جبينيه بأصابعه ، وكفّيه إحداهما بالاُخرى ، ثمّ لم يعد ذلك»(2) .

فإنّ الظاهر من «مسح جبينيه بأصابعه» المسح بجميعها ، سيّما بعد قوله : «فوضعهما على الصعيد» .

وموثّقته عن أبي جعفر علیه السلام قال في ذيل حكاية قضيّة عمّار : «فضرب بيديه

ص: 301


1- تهذيب الأحكام 1 : 210 / 612 ؛ وسائل الشيعة 3 : 362 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 5 .
2- الفقيه 1 : 57 / 212 ؛ وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 8 .

على الأرض ، ثمّ ضرب إحداهما على الاُخرى ، ثمّ مسح بجبينيه ، ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة على ظهر الاُخرى»(1) .

فإنّ الظاهر منها أنّ المسح وقع بعين ما ضرب على الأرض للمسح، لا بإحدى يديه ؛ ضرورة أ نّه لو ضرب بيدين ومسح بإحداهما على جبينيه ، لقال - في مقام الحكاية - : «فمسح بواحدة منهما» لكون الضرب بهما والمسح بإحداهما مخالفاً للمتعارف ، ومعه كان عليه حكايته ، ومع عدم الذكر ينصرف إلى المتعارف ؛ وهو المسح بما ضرب ، ألا ترى عدم احتمال كون المسح بغير اليدين مع عدم حكاية كونه بهما! وليس ذلك إلاّ للانصراف والظهور في كونه بما وقع على الأرض .

وهذا نظير أن يقال : «أخذ الماء بغرفتيه ، فغسل وجهه» ؛ حيث يكون ظاهراً في صبّ ما في الغرفتين على وجهه وغسله بهما . ومن هنا يمكن الاستدلال عليه ببعض روايات اُخر(2) .

لكن يمكن المناقشة في صلوح مثل تلك الروايات لتقييد الآية الكريمة ؛ فإنّ مجرّد ظهورها في كون المسح باليدين ولو في مقام بيان الحكم والتعليم ، لا يكفي في التقييد إلاّ إذا دلّت على التعيين ، والعملُ الخارجي الذي لا يمكن أن يقع إلاّ على وجه واحد وكيفية واحدة ، لا يكون ظاهراً فيه ، ودالاًّ على أنّ للتيمّم كيفية واحدة ، وأنّ تمام حقيقته كذلك ، ومعه لا يمكن تقييد المطلق الموافق له به .

ص: 302


1- السرائر 3 : 554 ؛ وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 9 ، ولكنّ المتن موافق للطبع الحجري من وسائل الشيعة 1 : 227 ، السطر 29 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 359 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 4 و5 .

وبعبارة اُخرى : أنّ المطلق والمقيّد المثبتين غير متنافيين ، إلاّ إذا اُحرزت وحدة المطلوب والكيفية ، وهي غير محرزة في المقام .

ولعلّه إلى ما ذكرنا يرجع ما عن المحقّق الخونساري رحمه الله علیه حيث قال : «كما يجوز حمل المطلق على المقيّد ، يجوز القول بكفاية المطلق وحمل المقيّد على أ نّه أحد أفراد الواجب»(1) انتهى .

إلاّ أن يقال : إنّ الظاهر من صحيحة داود بن النعمان(2) هو السؤال عن كيفية التيمّم ، فعملُ أبي عبداللّه علیه السلام في مقام جواب سؤاله عن الكيفية ، ظاهر في

أنّ ما فعل هو الكيفية الفريدة وتمام ماهية التيمّم ، فلو كان المسح بيد واحدة مجزياً ، لفعله في مقام بيان نفس الماهية ؛ لعدم دخالة ضمّ الاُخرى في تحقّقها .

والظاهر منها مسح الوجه باليدين بالتقريب المتقدّم ، بل لا يبعد أظهريتها في ذلك ممّا تقدّم ؛ لقوله : «ثمّ رفعهما ، فمسح وجهه ويديه» .

ولا يخفى : أ نّه فرق بين هذه الصحيحة التي ندّعي ظهورها في كون المسح بيدين ، وبين صحيحة المرادي ورواية زرارة المتقدّمة حيث منعنا ظهورهما فيه كما مرّ(3) ؛ لأنّ الظهور المدّعى في هذه الصحيحة لأجل حكاية الفعل ، كما تقدّم وجهه ، فتدبّر .

بل الظاهر منها ومن صحيحة الخزّاز(4) ، أنّ ما صنع أبو عبداللّه علیه السلام موافق

ص: 303


1- الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية ، المحقّق الخوانساري : 151 / السطر 1 .
2- تقدّمت في الصفحة 277 .
3- تقدّم في الصفحة 298 .
4- الكافي 3 : 62 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 358 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 2 .

لفعل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في مقام تعليم عمّار ، وبعد ضمّ ذلك إلى رواية الكاهلي الذي شهد شيخ الطائفة رحمه الله علیه بوثاقته ؛ لرواية صفوان عنه ، وقيام الإجماع المنقول

على تصحيح ما يصحّ عنه ، وهما وإن كانا موردين للمناقشة كما مرّ(1) ، لكن يوجبان ظنّاً معتدّاً به ، فإذا ضمّ ذلك إلى مرسلة العيّاشي ، عن زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام وفيها : «ثمّ مسح يديه بجبينيه»(2) وإلى رواية فقه الرضا (3) وإلى صحيحة زرارة وموثّقته(4) الحاكيتين لفعل رسول اللّه الظاهرتين في مسحه

باليدين ، يتمّ المطلوب ؛ وهو تعيّنه في كيفية واحدة .

والإنصاف : أنّ الراجع إلى الروايات يطمئنّ بأنّ له كيفية واحدة ، هي ما قال به المشهور . بل قيام السيرة القطعية المتّصلة إلى زمان الأئمّة ، من أقوى الشواهد على كونه بهذه الكيفية المعهودة ، فيتقيّد بها الآية الشريفة ، فلا ينبغي التأمّل فيه .

الجهة الثانية : في عدم اعتبار المسح باليدين دفعة

مقتضى إطلاق الآية وبعض الروايات - كصحيحة المرادي ورواية زرارة المتقدّمتين(5) - عدم اعتبار المسح بهما دفعة ، فيجوز تدريجاً . وإشعار الروايات

ص: 304


1- تقدّم في الصفحة 300 .
2- تفسير العيّاشي 1 : 244 / 144 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 537 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 4 .
3- تقدّم متنها في الصفحة 261، الهامش 1 .
4- تقدّمتا في الصفحة 301 .
5- تقدّمتا في الصفحة 298 .

الحاكية لفعل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأبي جعفر وأبي عبداللّه علیهما السلام (1) أو دلالتها على أنّ عملهم كان بنحو الدفعة ، لا يظهر منها التعيين ؛ للفرق الظاهر بين الإتيان باليدين الظاهر في الدخالة ، وبين الإتيان دفعة ؛ لأ نّه لو كان مجزياً باليد الواحدة ، لكان ضمّ اليد الاُخرى إليها بلا وجه ؛ لعدم تعارف ضمّ ما ليس بدخيل إلى ما هو الدخيل ، بخلاف الدفعة ، فإنّها متعارفة بعد لزوم كون المسح باليدين ، والتعارف يوجب عدم الظهور في التعيين .

كما أنّ السيرة على الدفعة لا تكشف إلاّ صحّته كذلك ، وأمّا بطلان غيره فلا ، كما لا يخفى ، وهذا بخلاف السيرة على المسح باليدين ، فإنّها كاشفة عن دخالة اليد ؛ وذلك لما مرّ من عدم تعارف ضمّ ما ليس بدخيل ، فلا تغفل . لكن الاحتياط لا ينبغي تركه .

الجهة الثالثة : في عدم اعتبار كون المسح بجميع الكفّ
اشارة

الظاهر عدم اعتبار كون المسح بجميع الكفّ ؛ لإطلاق الآية(2) وظهور الأدلّة(3) في أنّ ضرب اليد على الأرض إنّما هو لإيصال أثرها - ولو اعتباراً - إلى الممسوح ، وليس للكفّين إلاّ سمة الآلية للمسح منها ، فإذا حصل ببعض الكفّ سقط التكليف .

وبعبارة اُخرى : أنّ المسح منها الذي هو الواجب الأصيل ، يحصل بتحقّق

ص: 305


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 358 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 .
2- النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 358 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 و12 .

صِرف الوجود من المسح ، ويتحقّق ذلك بأوّل مرتبة الإمرار ، والزائد يحتاج إلى دليل . ولا دليل عليه إلاّ توهّم ظهور الأدلّة في وجوب الضرب بجميع الكفّ ، ولمّا كان ذلك للمسح فلا بدّ من كونه بجميعها .

وفيه : أنّ تقليب ذلك الدليل أولى بحسب ارتكاز العرف ؛ بأن يقال : إنّ الضرب لمّا كان للمسح ، وهو يحصل ببعض الكفّ ، فهو دليل على عدم لزوم الضرب بجميعها . والأولوية لأجل أنّ المطلوب الأصلي هو المنظور فيه ، والتبعي منظور لأجله ، وبعد اقتضاء الدليل كون الضرب للمسح الحاصل بأوّل وجود الإمرار ، لا ينقدح في ذهن العرف توسعة ذي الآلة ، بل ينقدح فيه تضييق الآلة .

هذا مع أنّ ظاهر الأدلّة انصرافاً ، هو المسح بوضع طول الماسح على عرض الممسوح في الكفّ ، وهو أزيد منه بمقدار معتدّ به ؛ بحيث يرى العرف زيادته عليه ، وكذا يزيد عرض اليدين عن الجبهة والجبينين ، ومع لزوم الاستيعاب كان اللازم التنبيه عليه ، وعدمه دليل على عدم لزومه .

هذا مع الغضّ عن صحيحة زرارة(1) ، وإلاّ فهي صريحة في جوازه ، فالأقوى عدم لزوم الاستيعاب وإن كان الأحوط خلافه .

ومن بعض ما ذكرناه يعلم كفاية مسح مجموع الممسوح بمجموع الماسح توزيعاً ، فلا يجب المسح بكلٍّ من اليدين على تمام الممسوح .

ص: 306


1- تقدّمت في الصفحة 301 .
تحديد الممسوح

وأمّا الممسوح ، فيقع البحث فيه من جهات :

الجهة الاُولى : في تحديد الوجه
اشارة

والكلام يقع فيه في مقامين :

المقام الأوّل : في مقتضى الأدلّة مع قطع النظر عن فتوى الأصحاب

فنقول : إنّ مقتضى إطلاق الآية(1) جواز مسح بعض الوجه ؛ أيّ بعض كان بعد كون الباء تبعيضية ؛ إمّا لقول السيّد المرتضى : «إنّ الباء إذا لم يكن لتعدية الفعل إلى المفعول ، لا بدّ له من فائدة ، وإلاّ كان عبثاً ، ولا فائدة

بعد ارتفاع التعدية به إلاّ التبعيض»(2) ، وهو من أهل الخبرة في صناعة الأدب ، تأمّل .

وإمّا لصحيحة زرارة المفسّرة للآية عن أبي جعفر علیه السلام (3) واستدلّ علیه السلام لتبعيض المسح في الوضوء والتيمّم بالباء .

وأمّا الروايات فعلى طوائف :

ص: 307


1- النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
2- الانتصار : 124 - 125 .
3- الفقيه 1 : 56 / 212 ؛ وسائل الشيعة 3 : 364 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 13 ، الحديث 1 .

منها : - وهي الأكثر - ما اشتملت على عنوان «الوجه»(1) .

ومنها : على «الجبينين»(2) .

ومنها : على «الجبين» مفردة(3) . وفي نسخة اُخرى - أو رواية اُخرى - بدل «الجبين» «الجبهة»(4) .

وبعضها : - وهي رواية زرارة ، عن «تفسير العيّاشي» - على المسح «من بين عينيه إلى أسفل حاجبيه»(5) .

وفي رواية «فقه الرضا» : ذكر «موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف» وروى فيه : «مسح الوجه من فوق الحاجبين ، وبقي ما بقي»(6) .

ويمكن الجمع بينها بالأخذ بإطلاق الآية ، وحمل الروايات - على اختلافها - على التخيير بين أعضاء الوجه ؛ بدعوى عدم استفادة التعيين منها بعد ذلك الاختلاف ، وحمل أخبار الوجه على الفضل في الاستيعاب .

ص: 308


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 358 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 1 و2 و4 و5 و7 ، و : 361 ، الباب 12 ، الحديث 1 - 5 .
2- راجع جامع أحاديث الشيعة 3 : 104 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب10 ، الحديث 1 و12 و16 و17 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 211 / 613 و614 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 207 / 601 ، وراجع وسائل الشيعة 3 : 359 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، ذيل الحديث 3 .
5- تفسير العيّاشي 1 : 302 / 63 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 540 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 3 .
6- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 88 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 535 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 1 ؛ وقد تقدّم متنها أيضاً في الصفحة 261، الهامش 1 .

وفيه ما لا يخفى ؛ لأنّ الالتزام بجواز مسح العارض أو الذقن - بعد كونه مخالفاً لجميع الروايات - في غاية الإشكال ، بل غير ممكن وإن يظهر من محكيّ «المعتبر» التخيير بين استيعاب الوجه ، ومسح بعضه بشرط عدم الاقتصار على أقلّ من الجبهة(1) . وظاهره جواز المسح على العارض مثلاً إذا لم يقتصر على أقلّ منها مساحة ، وهو أسوأ من الجمع المتقدّم ؛ لالتزامه بالتخيير بين الأقلّ والأكثر ،

وهو لو لم يكن ممتنعاً ، فلا أقلّ من عدم كونه من الجمع المقبول .

مضافاً إلى أنّ روايات «الجبين» و«الجبهة» لو كانت صالحة لتقييد الآية ، فلا بدّ من التخيير بينهما وبين الوجه ، أو تعيّن المسح بهما ، وإلاّ فلا وجه لعدم

جواز الاقتصار على أقلّ من الجبهة .

وقد يقال(2) بالجمع بين روايات «الوجه» و«الجبينين» بحمل الاُولى على إرادة المسح في الجملة ؛ حملاً للمطلق على المقيّد ، وهو من أهون التصرّفات .

وفيه : أ نّه بعد تسليم دلالة روايات الوجه - على كثرتها - على لزوم الاستيعاب ، يقع التعارض بينها وبين ما دلّ على المسح على الجبينين بالتباين .

والإنصاف : أ نّه لو سلّم دلالة الروايات - المتجاوزة عن العشر ، وفيها الصحاح

والموثّق - على لزوم الاستيعاب ، وكونها في مقام بيان كيفية التيمّم ، لا يتأتّى الجمع بينها بما ذكر ، بل يقع التعارض بينها وبين غيرها بعد عدم كونها من قبيل المطلق والمقيّد ؛ لأنّ نسبة الكلّ والجزء ليست من قبيلهما .

لكن الشأن في ثبوت دعوى دلالتها عليه ؛ فإنّ الناظر بعين التدبّر ، يرى عدم

ص: 309


1- المعتبر 1 : 386 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 292 .

سلامة سوى النادرة منها من المناقشة ؛ إمّا سنداً ، أو دلالة ، أو جهة ، فها هي الروايات :

أمّا ما دلّت على أنّ التيمّم ضربة للوجه ، وضربة لليدين - كصحيحة إسماعيل الكندي ، عن الرضا علیه السلام قال : «التيمّم ضربة للوجه ، وضربة للكفّين»(1) وصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما قال : سألته عن التيمّم فقال : «مرّتين مرّتين للوجه واليدين»(2) وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : قلت له : كيف التيمّم ؟ فقال : «هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة : تضرب بيديك مرّتين ، ثمّ تنفضهما نفضة للوجه ، ومرّة لليدين»(3) - فهي في مقام حكم آخر لا يمكن استفادة لزوم الاستيعاب منها ، كما لا يستفاد لزوم مسح تمام اليد منها ، فهي لا تعارض أخبار المسح على الكفّ ، ولا ما دلّت على مسح الجبينين ، كما لا يخفى . والظاهر أنّ صحيحة المرادي(4) من هذا القبيل .

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم(5) وموثّقة سماعة(6) المشتملتان على مسح

ص: 310


1- تهذيب الأحكام 1 : 210 / 609 ؛ وسائل الشيعة 3 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 210 / 610 ؛ وسائل الشيعة 3 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 210 / 611 ؛ وسائل الشيعة 3 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 4 .
4- تقدّمت في الصفحة 298 .
5- تقدّمت في الصفحة 300 .
6- تهذيب الأحكام 1 : 208 / 602 ؛ وسائل الشيعة 3 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 13 ، الحديث 3 .

الذراعين إلى المرفق ، فهما محمولتان على التقيّة ، واستقرّ المذهب على عدم

العمل بهما . ويمكن أن تكون صحيحة المرادي أيضاً كذلك .

وأمّا موثّقة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «تضرب بكفّيك الأرض ، ثمّ تنفضهما وتمسح بهما وجهك ويديك»(1) فمن القريب أن تكون بصدد بيان عدم لزوم نقل التراب إلى الوجه ؛ حيث قد يدّعى دلالة الآية على لزومه(2) ، ويظهر من فتوى الشافعي أنّ ذلك كان في تلك الأعصار مورد البحث والنظر(3) ، فلا تكون ناظرة إلى مقدار مسح الوجه واليدين ، ولذا ذُكر فيها اليدان لا الكفّان ،

ولو كانت بصدد بيان كيفية التيمّم لم تهمل وظيفة اليد ، فالأقرب ما ذكرنا من كونها بصدد بيان لزوم كون المسح باليد المضروبة على الأرض ، لا بأجزاء التراب ، ولهذا قال فيها : «تنفضهما وتمسح بهما» .

وأمّا روايتا داود بن النعمان(4) والخزّاز(5) فيحتمل فيهما كون قوله : «قليلاً» قيداً للوجه أيضاً ، فيكون المراد مسح الوجه قليلاً ، وفوق الكفّ قليلاً . مع احتمال أن يكون المنظور ضرب اليد على الأرض في مقابل عمل عمّار ، تأمّل .

ص: 311


1- تهذيب الأحكام 1 : 212 / 615 ؛ وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 7 .
2- اُنظر أحكام القرآن ، الجصّاص 2 : 390 ؛ الجامع لأحكام القرآن ، القرطبي 5 : 239 .
3- الاُمّ 1 : 49 ؛ المجموع 2 : 228 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 207 / 598 ؛ وسائل الشيعة 3 : 359 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 4 .
5- الكافي 3 : 62 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 358 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 2 .

وكيف كان : فمع اشتمالهما على ما تصلح للقرينية ، لا يمكن إثبات الاستيعاب بهما .

وأمّا رواية الكاهلي(1) فضعيفة ، ولو قيل بحسنها (2) لكن لا تكون صالحة لمعارضة الصحاح ؛ لا سنداً ولا دلالة .

فبقيت صحيحة واحدة هي صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول ، وذكر التيمّم وما صنع عمّار ، فوضع أبو جعفر كفّيه على الأرض ، ثمّ مسح وجهه وكفّيه ، ولم يمسح الذراعين بشيء(3) .

وهي - مع عدم بيان تفصيل القضيّة فيها حتّى يعلم كون أبي جعفر علیه السلام في مقام بيان أيّة جهة من جهات التيمّم ، وكون المذكور فيها عمله ، ويصحّ لمن يرى مسح يده على جبهته أو جبينه أن يقول : «مسح يده على وجهه» من غير تسامح وتجوّز - لا تقاوم الكتاب ؛ إذ لو كان المراد لزوم مسح جميع الوجه ، فتخالفه بالتباين بعد كون الباء للتبعيض ، ولا تقاوم الروايات الحاكية لفعل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الناصّة على مسحه بجبينيه ، فتكون قرينة على أن ليس المراد ب- «الوجه» جميعه ، لا لتقييد الإطلاق كما قيل(4) ، بل لأنّ «الوجه» يطلق على البعض والتمام بلا مسامحة .

ص: 312


1- تقدّمت في الصفحة 300 .
2- ملاذ الأخيار 2 : 186 ؛ مستند الشيعة 3 : 441 ؛ جواهر الكلام 5 : 205 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 208 / 603 ؛ وسائل الشيعة 3 : 359 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 5 .
4- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 292 .

ولا يبعد دعوى الفرق بين «اغسل وجهك» وبين «امسح بيدك وجهك» بأ نّه يفهم الاستيعاب من الأوّل دون الثاني ، فتأمّل .

وكيف كان : لا شبهة في عدم وجوب الاستيعاب في الوجه حتّى مع الغضّ عن فتاوى الأصحاب(1) ومخالفته للكتاب(2) وموافقته للعامّة(3) . هذا حال الأخبار المشتملة على «الوجه» .

وأمّا سائر الأخبار ؛ فالمعتمد منها - وهي صحيحة زرارة(4) وموثّقته(5) الحاكيتان لفعل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم تعليماً لعمّار ، عن أبي جعفر علیه السلام - كالصريح في كفاية مسح الجبينين من دون لزوم مسح الجبهة ؛ فإنّ قوله علیه السلام : «ثمّ مسح» أي رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم «جبينيه بأصابعه» أو «ثمّ مسح بجبينيه» - في مقام بيان الحكم وماهية التيمّم - ظاهر بل كنصّ في أنّ تمام الدخيل فيه مسحهما فقط ، وليس مسح غيرهما كالجبهة وغيرها دخيلاً في ماهيته . وليس هذا كنقل أحد من الرواة حتّى يقال : إنّه ترك ذكر الجبهة بتوهّم ملازمة مسحها لمسحهما مع عدم الملازمة واقعاً ، أو احتمل فيه الخطأ في فهم كيفية العمل .

وكيف كان : لو كان اللازم مسح الجبهة ، لمسحها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، ونقل

أبو جعفر علیه السلام .

ص: 313


1- سيأتي بيان فتاوى الأصحاب في الصفحة 316 .
2- قوله تعالى : )فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ(. النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
3- المغني ، ابن قدامة 1 : 257 ؛ المجموع 2 : 231 .
4- تقدّمت في الصفحة 301 .
5- تقدّمت في الصفحة 301 .

وتدلّ عليه أيضاً رواية ابن أبي المقدام أو حسنته - لرواية صفوان عنه(1) - عن أبي عبداللّه علیه السلام : «أ نّه وصف التيمّم ، فضرب بيديه على الأرض ، ثمّ رفعهما فنفضهما ،ثمّ مسح على جبينيه(2) وكفّيه مرّة واحدة»(3) .

وذكرُ «الجبينين» مثنّاة وترك «الجبهة» دليل على عدم مسحه جبهته .

والظاهر أنّ موثّقة زرارة(4) ، المختلفة في النقل ، المردّدة بين «جبينه» و«جبهته» كانت في الأصل «جبينه» أو «جبينيه» واشتبهت في النسخ لغاية تشابههما في الخطّ العربي ، سيّما في الخطوط القديمة .

وإنّما رجّحنا «الجبين» على «الجبهة» لشهادة سائر الروايات المتّفقة على «الجبينين»(5) بل المظنون وقوع تصحيف في عبارة الحسن بن علي العُماني ؛

ص: 314


1- رواها الشيخ الطوسي ، عن الشيخ - وهو المفيد - عن أبي القاسم جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن عمرو بن أبي المقدام .
2- كذلك في الطبعة الحجرية من الوسائل 1 : 227 / السطر 25 ، ولكن في طبع آل البيت «جبينه» بدل «جبينيه» .
3- تهذيب الأحكام 1 : 212 / 614 ؛ وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 6 .
4- الكافي 3 : 61 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 207 / 601 و : 211 / 613 ؛ الاستبصار 1 : 171 / 593 ؛ السرائر 3 : 554 ؛ وسائل الشيعة 3 : 359 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 3 و9 .
5- كذلك في الطبعة الحجرية من الوسائل 1 : 227 / السطر 19 - 32 ، ولكن في طبع آل البيت «جبينه» بدل «جبينيه» . راجع وسائل الشيعة 3 : 359 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 3 و6 و8 و9 .

حيث ادّعى تواتر الأخبار بأ نّه حين علّم عمّاراً مسح بهما جبهته وكفّيه(1) ، وكان الأصل «جبينيه» فاشتبهت وصُحّفت ب- «جبهته» لشدّة المشابهة في الخطّ ، وإلاّ فكيف يدّعي تواتر ما ليس بموجود إلاّ نادراً ، وترك ذكر «الجبينين» مع ورود روايات كثيرة فيهما ؟!

وأمّا قول المحقّق في «النافع» : «وهل يجب استيعاب الوجه والذراعين بالمسح ؟ فيه روايتان أشهرهما اختصاص المسح بالجبهة»(2) فليس المراد منه أكثرية الرواية كما توهّم(3) ، بل أشهريتها بحسب الفتوى ، وهو مبنيّ على حمل

عبارات من تقدّم عليه على اختصاص المسح بالجبهة ، وسيأتي الكلام فيها (4) ، وإلاّ فروايات «الوجه» و«الجبينين» أكثر بلا إشكال ، ولم تصل إلى المحقّق روايات اُخر - غير ما بأيدينا - أكثر من روايات «الجبينين» جزماً .

وكيف كان : فمراده أشهرية الفتوى ، والشهرة الفتوائية هي الميزان في قبول رواية أو ردّها لا الأكثرية ، كما هو المقرّر في محلّه(5) .

نعم ، هنا بعض روايات ضعاف تدلّ على وجوب مسح الجبهة ك- «الفقه الرضوي» الذي لم يثبت كونه رواية ، بل الظاهر من عباراته أ نّه مصنَّف فقيهٍ أفتى بمضمون الأخبار ، وفيه : «ثمّ تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر

ص: 315


1- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 270 .
2- المختصر النافع : 17 .
3- رياض المسائل 2 : 312 - 314 .
4- يأتي في الصفحة 316 .
5- أنوار الهداية 1 : 207 .

إلى طرف الأنف» ثمّ قال : «وأروي . . .» إلى أن قال : «ثمّ تمسح بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك ، وبقي ما بقي»(1) .

ولعلّ المراد من هذه الرواية الأخيرة مسح جميع ما فوق الحاجبين ، وإبقاء بقيّة الوجه .

ولا يبعد رجوع مرسلة العيّاشي إلى ذلك ، قال : وعن زرارة ، عن أبي جعفر - بعد ذكر قضيّة عمّار - : «ثمّ وضع يديه جميعاً على الصعيد ، ثمّ مسح من بين عينيه إلى أسفل حاجبيه»(2) وهي موافقة لفتوى الصدوق في «المقنع»(3) مع احتمال كون المراد مسح الجبهة إلى طرف الأنف المحاذي لأسفل الحاجبين .

وكيف كان : فمقتضى الجمود على الروايات الصالحة للاعتماد ، كفاية مسح الجبينين وعدم الاجتزاء بمسح الجبهة خاصّة ؛ لأنّ ما دلّت على الاجتزاء بها غير صالحة للحجّية ، إلاّ أن يثبت استناد المشهور إليها ، وهو غير معلوم . هذا كلّه

حال الروايات .

وأمّا المقام الثاني : وهو حال فتاوى الأصحاب
اشارة

فالظاهر من فتاوى قدمائهم إلى زمان المحقّق - فيما رأيت إلاّ نادراً - هو التحديد بمسح الجبينين والجبهة عرضاً ، ومن قصاص الشعر إلى طرف الأنف

ص: 316


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 88 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 535 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 1 .
2- تفسير العيّاشي 1 : 302 / 63 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 540 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 3 .
3- المقنع : 26 .

طولاً ؛ لأنّ الغالب فيها التعبير ب- «مسح الوجه باليدين من قصاص شعر رأسه إلى

طرف أنفه» وليس في عباراتهم لفظة «الجبهة» .

والظاهر من «مسح الوجه بهما» - أي باليدين مضمومتين ، كما هو المتبادر المتعارف - تحديد العرض ، ومن «قصاص الشعر إلى طرف الأنف» تحديد الطول ، في مقابل العامّة القائلين بالاستيعاب ، أو مسح أكثر الوجه(1) .

وإليه يرجع قول السيّد في «الانتصار» و«الناصريات» قال في الأوّل : «وممّا انفردت به الإمامية : القول بأنّ مسح الوجه بالتراب في التيمّم ، إنّما هو إلى طرف الأنف من غير استيعاب له ، فإنّ باقي الفقهاء يوجبون الاستيعاب»(2) .

وقال في الثاني بعد قول الناصر : «وتعميم الوجه واليدين واجب» بهذه العبارة : «هذا غير صحيح ، وقد بيّنّاه في المسألة التي قبل هذه . . .» إلى أن قال : «وقد أجمع أصحابنا على أنّ التيمّم في الوجه ، إنّما هو من قصاص الشعر إلى طرف الأنف»(3) انتهى .

والظاهر من «مسح الوجه إلى طرف الأنف» هو مسح جميع القطعة التي وقعت من الوجه فوق طرف الأنف ، لا ما هو بحذاء طرفه ، فإنّه أقلّ من عرض إصبع واحد ، ولا ينطبق إلاّ على أقلّ من الجبهة ، فاحتماله في عبارته وسائر عبارات القوم مقطوع الفساد ، بل الإجماع والضرورة على خلافه .

وإليها من هذه الجهة ترجع ظاهراً عبارة «المقنع» : «فامسح بهما بين عينيك

ص: 317


1- المغني ، ابن قدامة 1 : 257 ؛ المجموع 2 : 231 .
2- الانتصار : 124 .
3- مسائل الناصريات : 151 .

إلى أسفل الحاجبين»(1) لاحتمال كون المراد التحديد عرضاً باليدين ، وطولاً إلى أسفل الحاجبين ، سيّما مع ذكر الحاجبين ، لا طرف الأنف .

والظاهر رجوع قول الصدوق في «الأمالي» إليه ، قال فيما وصف دين الإمامية : «فإن أراد الرجل أن يتيمّم ضرب بيديه على الأرض مرّة واحدة ، ثمّ ينفضهما فيمسح بهما وجهه . . .» إلى أن قال : «وقد روي : أن يمسح الرجل جبينه وحاجبيه ، ويمسح على ظهر كفّيه ، وعليه مضى مشايخنا»(2) .

وقال في «الفقيه» : «ومسح بهما جبينيه وحاجبيه»(3) .

والظاهر بقرينة إفراد الجبين في «الأمالي» وضمّ الحاجبين - الظاهر منه مسح

تمامهما الملازم لمسح الجبهة - أنّ مراده مسح الجبهة والجبين . ويشهد له أنّ مسح الجبين فقط مخالف لكلمات الأصحاب .

هذا حال كلمات أصحابنا من زمن الصدوق إلى عصر المحقّق ممّا عثرت عليه من كتبهم ، ك- «الأمالي» ، و«الفقيه» ، و«المقنع» ، و«الهداية» ، و«الانتصار» ،

و«الناصريات» ، و«النهاية» ، و«الخلاف» ، و«الوسيلة» ، و«المراسم» ، و«الغنية» ، و«إشارة السبق» وعن أبي الصلاح وابن إدريس كذلك(4) .

ص: 318


1- المقنع : 26 .
2- الأمالي ، الصدوق : 515 .
3- الفقيه 1 : 57 ، ذيل الحديث 212 .
4- الأمالي ، الصدوق : 515 ؛ الفقيه 1 : 57 ، ذيل الحديث 212 ؛ المقنع : 26 ؛ الهداية ، الصدوق : 87 - 88 ؛ الانتصار : 124 ؛ مسائل الناصريات : 151 ؛ النهاية : 49 ؛ الخلاف 1 : 137 - 138 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 72 ؛ المراسم : 54 ؛ غنية النزوع 1 : 63 ؛ إشارة السبق : 74 ؛ الكافي في الفقه : 136 ؛ السرائر 1 : 136 .

وأمّا من عصر المحقّق فقد تغيّرت العبارات ، فقال في «النافع» : «وهل يجب استيعاب الوجه والذراعين بالمسح ؟ فيه روايتان أشهرهما اختصاص المسح بالجبهة وظاهر الكفّين»(1) .

والظاهر أنّ مراده أشهرهما فتوى ، كما تقدّم(2) ، وهو مبنيّ على أنّ مراد قدماء أصحابنا من العبارات المتقدّمة هو مسح الجبهة ؛ بقرينة قولهم : «من قصاص الشعر إلى طرف الأنف» لكن قد مرّ أنّ ذلك لتحديد الطول(3) ، فكما حدّدوا الوجه في الوضوء من قصاص الشعر إلى محادر شعر الذقن طولاً ، وبما اشتمل عليه الإبهام والوسطى عرضاً ، حدّدوه في المقام عرضاً بقولهم : «مسح بهما» الظاهر في تمام باطنهما متّصلين ، وطولاً بما ذكر في مقابل الاستيعاب(4) .

وقد نسب في محكيّ «المعتبر»(5) مسح الجبهة إلى مذهب الثلاثة(6) وأتباعهم(7) فإن كان مراده اختصاصه بالجبهة كما صرّح في «النافع»(8) ففيه ما مرّ(9) ، وإن كان مراده لزوم مسحها أيضاً مضافاً إلى الجبينين ، فهو حقّ .

ص: 319


1- المختصر النافع : 17 .
2- تقدّم في الصفحة 315 .
3- تقدّم في الصفحة 317 .
4- المقنعة : 43 و62 ؛ النهاية : 12 و49 ؛ الكافي في الفقه : 132 و136 .
5- المعتبر 1 : 384 .
6- المقنعة : 62 ؛ الانتصار : 124 ؛ النهاية : 49 .
7- الكافي في الفقه : 136 ؛ المراسم : 54 ؛ المهذّب 1 : 47 .
8- المختصر النافع : 17 .
9- تقدّم في الصفحة 315 .

وظاهر «الشرائع» اختصاصه بها (1) ، كظاهر العلاّمة في «القواعد» و«الإرشاد»(2) .

وهو ظاهر «التذكرة» أيضاً (3) وإن عبّر فيها ب- «مسح الوجه» لتمسّكه بقول الصادق علیه السلام في رواية زرارة ، قال : «ولأنّ زرارة سأل الصادق علیه السلام عن التيمّم ، فضرب بيديه الأرض ، ثمّ رفعهما فنفضهما ومسح بهما جبهته وكفّيه مرّة واحدة»(4) وهي بعينها موثّقة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام (5) لكنّه نسبها إلى الصادق علیه السلام ، ولعلّها رواية اُخرى عثر عليها وإن كان بعيداً .

وقال في «المنتهى» : «أكثر علمائنا على أنّ حدّ الوجه هنا من قصاص الشعر إلى طرف الأنف ، اختاره الشيخ في كتبه(6) ، والمفيد(7) والمرتضى في «انتصاره»(8) وابن إدريس(9) وأبو الصلاح(10)» . ثمّ حكى قول علي بن بابويه

ص: 320


1- شرائع الإسلام 1 : 40 .
2- قواعد الأحكام 1 : 238 - 239 ؛ إرشاد الأذهان 1 : 234 .
3- تذكرة الفقهاء 2 : 190 .
4- أوردها عن الإمام الصادق عليه السلام في المعتبر 1 : 386 ، ولكن قد وردت في كتب الحديث عن أبي جعفر عليه السلام .
5- تهذيب الأحكام 1 : 207 / 601 ؛ وسائل الشيعة 3 : 359 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 3 .
6- الخلاف 1 : 137 - 138 ؛ المبسوط 1 : 33 ؛ النهاية : 49 .
7- المقنعة : 62 .
8- الانتصار : 124 .
9- السرائر 1 : 136 .
10- الكافي في الفقه : 136 .

وغيره وتمسّك لمختاره بروايات «الجبهة» و«الجبينين» في مقابل القائل بالاستيعاب(1) .

والإنصاف : إمكان إرجاع كلامه فيهما إلى ما ذكرناه واستظهرناه من كلام القوم .

وعن الشهيد في «الذكرى» : «أنّ مسح الجبهة من القصاص إلى طرف الأنف متّفق عليه بين الأصحاب»(2) ولعلّ مراده وجوب مسحها ، لا الاختصاص بها .

وصرّح ثاني الشهيدين في «الروض» بالاختصاص ، وقال : «هذا القدر متّفق عليه بين الأصحاب . . .» إلى أن قال : «وزاد بعضهم مسح الجبينين - وهما المحيطان بالجبهة ، يتّصلان بالصُدْغين - لوجوده في بعض الأخبار»(3) .

وفي مقابله الأردبيلي ، حيث قال : «إنّ المشهور أنّ مسح الجبينين واجب وكافٍ»(4) .

وهو مصيب في وجوبه ، لا في كفايته ، كما أنّ الشهيد مصيب في أنّ وجوب مسح الجبهة متّفق عليه بين الأصحاب - على تأمّل ؛ لما نقل عن المحقّق من التخيير بين الوجه وبعضه بمقدار مساحة الجبهة(5) - وغير مصيب في انتساب الجبينين إلى بعضهم .

ص: 321


1- منتهى المطلب 3 : 83 .
2- ذكرى الشيعة 2 : 263 .
3- روض الجنان 1 : 339 .
4- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 234 - 235 .
5- المعتبر 1 : 386 .

وكيف كان : فالأقوى وجوب مسح الجبينين والجبهة وفاقاً للمشهور بين المتقدّمين ، كما عرفت ، بل والمتأخّرين ؛ فإنّه المحكيّ عن «جامع المقاصد» و«مجمع البرهان» و«المدارك» و«شرح المفاتيح» و«منظومة الطباطبائي» و«فوائد الشرائع» و«حاشية الإرشاد» و«شرح الجعفرية» و«حاشية الميسي» و«الروضة» و«المسالك» و«رسالة صاحب المعالم»(1) ، وعن «مجمع البرهان» : «أ نّه المشهور»(2) ، وعن «شرح المفاتيح» : «لعلّه لا نزاع فيه بين الفقهاء»(3) .

وأمّا ما عن «الأمالي» : «من كونه من دين الإمامية ، ومضى عليه مشايخنا»(4) فالظاهر أنّ ما نَسب إلى دين الإمامية غير ذلك . نعم ظاهر قوله : «ومضى عليه مشايخنا» هو الرجوع إلى ما ذكر كما مرّ(5) ، فراجع عبارته ، فإنّ النسخة التي عندي مغلوطة ظاهراً .

تأويل الروايات على ما تنطبق على القول المشهور

وبعد ما عرفت من الشهرة المحقّقة والسيرة القطعية ، لا بدّ من تأويل الروايات على ما تنطبق على القول المشهور ، أو ردّ علمها إلى أهله ، وانطباقها عليه ليس

ص: 322


1- اُنظر جواهر الكلام 5 : 197 ؛ جامع المقاصد 1 : 490 - 491 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 234 ؛ مدارك الأحكام 2 : 220 ؛ مصابيح الظلام 4 : 285 ؛ الدرّة النجفية : 45 ؛ حاشية الإرشاد ، ضمن غاية المراد 1 : 58 ؛ الروضة البهيّة 1 : 135 ؛ مسالك الأفهام 1 : 114 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 234 .
3- مصابيح الظلام 4 : 286 .
4- الأمالي ، الصدوق : 515 .
5- تقدّم في الصفحة 318 .

ببعيد ؛ بدعوى أنّ مسح جبينيه بتمام أصابعه يلازم عادة مسح الجبهة ، وكذا المسح باليدين عليهما ، كما هو ظاهر موثّقة زرارة(1) ورواية ابن أبي المقدام(2) .

وأولى منهما موثّقة زرارة الاُخرى برواية «الكافي» حيث قال فيها : «ثمّ مسح

بها جبينه» مفردة(3) وإطلاق «الجبين» على تمام القطعة التي فوق الحاجبين غير بعيد ، بل شائع في مثل قولهم : «بكدّ اليمين ، وعرق الجبين» .

لكن يظهر من المجلسي في «مرآته» أ نّه بلفظ التثنية لا المفرد(4) ، وفي «الوافي» عن «الكافي» : «جبهته» بدل «جبينه»(5) فيظهر من ذلك أنّ نسخ «الكافي» أيضاً مختلفة ، ومعه لا يبعد ترجيح النسخة المشتملة على «الجبهة» على تأمّل .

وقد يجمع(6) بين الروايات الحاكية لفعل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم (7) وبين الروايات الظاهرة في مسح الجبهة - كالموثّقة على إحدى النسختين(8) ، والرضوي حيث

ص: 323


1- تقدّمت في الصفحة 301 .
2- تقدّمت في الصفحة 314 .
3- كما في بعض نسخ الكافي . راجع وسائل الشيعة 3 : 359 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 3 ؛ جامع أحاديث الشيعة 3 : 108 / 3441 .
4- مرآة العقول 13 : 172 / 1 .
5- الوافي 6 : 581 / 4978 .
6- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 294 - 295 .
7- راجع وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 8 و9 .
8- تهذيب الأحكام 1 : 207 / 601 ؛ راجع وسائل الشيعة 3 : 359 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، ذيل الحديث 3 .

قال فيه : «ثمّ تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف»(1) ومرسلة العيّاشي ، عن زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال بعد حكاية قضيّة عمّار : «ثمّ وضع يديه جميعاً على الصعيد ، ثمّ مسح من بين عينيه إلى أسفل حاجبيه»(2) بناءً على ظهوره في الجبهة ، كما لا يبعد - برفع اليد عن ظاهر كلٍّ من الطائفتين بصريح الاُخرى ؛ فإنّ الطائفة الثانية نصّ في اعتبار الجبهة ، وظاهرة في عدم اعتبار غيرها من باب السكوت في معرض البيان ، والطائفة الاُولى عكسها ، فيأوّل الظاهر بالنصّ ، فيحكم باعتبارهما .

وهو كما ترى ؛ ضرورة أنّ واحدة من الطائفتين ليست نصّاً في الاعتبار معيّناً ، بل ظاهرة في التعيين .

والأقرب في الجمع بينهما - مع قطع النظر عن فتاوى الأصحاب - هو الاجتزاء بكلٍّ من الجبهة والجبينين ، فيرفع اليد عن ظهورهما فيه . بل لولا مخالفة الأصحاب ، لقلنا بعدم كون ذلك الجمع مخالفاً للظاهر المعتدّ به ؛ لأنّ العمل ليس له ظهور في التعيين ، والروايات كلّها - إلاّ الرضوي - حكاية أعمال . بل ظهور الأعمال في الاجتزاء ، قويّ يعارض ما لو دلّ دليل على اعتبار شيء آخر .

لكن لا مناص من رفع اليد عن هذا الظهور بعد الإجماع على لزوم مسح الجبهة ، وظهور كلمات الأصحاب - كما عرفت - في مسح الجبهة والجبينين .

ص: 324


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 88 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 535 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 1 .
2- تفسير العيّاشي 1 : 302 / 63 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 540 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 3 .
الجهة الثانية : كفاية المسح إلى طرف الأنف الأعلى
اشارة

إنّ ظاهر تحديد الأصحاب إلى طرف الأنف ، هو الطرف الأعلى منه ، كما صرّح به في «المنتهى»(1) وقال : «إنّه المراد في عبارات المفيد والشيخ والسيّد وابن حمزة وأبي الصلاح»(2) وهو ظاهر من قال بمسح الجبينين والحاجبين ، كالصدوق في «الفقيه»(3) . وقال في «الأمالي» : «وقد روي : أن يمسح الرجل جبينه وحاجبيه ، وعليه مضى مشايخنا»(4) .

بل في «الجواهر» : «. . . صرّح به بنو حمزة وإدريس وسعيد(5) والعلاّمة(6) والشهيدان(7) وغيرهم(8) لا الأسفل ، بل في «السرائر» وغيرها (9) الإزراء على من ظنّ ذلك من المتفقّهة»(10) انتهى .

لكن لم يصرّح ابن حمزة به ، ولعلّه رأى في غير «وسيلته» كما أنّ ما نقل عن

ص: 325


1- منتهى المطلب 3 : 87 .
2- المقنعة : 62 ؛ المبسوط 1 : 33 ؛ الانتصار : 124 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 72 ؛ الكافي في الفقه : 136 .
3- الفقيه 1 : 57 ، ذيل الحديث 2 .
4- الأمالي ، الصدوق : 515 .
5- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 72 ؛ السرائر 1 : 136 ؛ الجامع للشرائع : 46 .
6- تذكرة الفقهاء 2 : 190 ؛ إرشاد الأذهان 1 : 234 ؛ نهاية الإحكام 1 : 205 .
7- الدروس الشرعية 1 : 132 ؛ مسالك الأفهام 1 : 114 ؛ الروضة البهيّة 1 : 135 .
8- جامع المقاصد 1 : 490 ؛ مدارك الأحكام 2 : 219 و222 .
9- السرائر 1 : 136 ؛ الحدائق الناضرة 4 : 342 .
10- جواهر الكلام 5 : 200 .

«الأمالي» من المسح إلى طرف الأنف الأعلى ، وإلى الأسفل أولى(1) ، وكذا ما نقل في «مفتاح الكرامة» عن «الأمالي» المسح من القصاص إلى طرف الأنف الأسفل(2) ، ليس شيء منهما موجوداً في النسخة الموجودة عندي .

وكيف كان : مقتضى الأدلّة وكلمات الأصحاب عدم لزومه إلى الأسفل .

لزوم مسح الحاجبين

وأمّا مسح الحاجبين ، فمقتضى تحديدهم إلى طرفٍ دخولُهما في المحدود بعد الاستظهار المتقدّم(3) من كون المراد من قولهم : «يمسح بهما من قصاص الشعر إلى الأنف» تحديدَ الطول والعرض ؛ ضرورة أنّ طرف الأنف الأعلى أسفل من الحاجبين ، فيكون الحاجبان فوق الحدود داخلين في المحدود الممسوح .

ويشهد له قول الصدوق في «الأمالي» - بعد نقل رواية مسح الجبين والحاجبين - : «وعليه مضى مشايخنا»(4) وقد أفتى به في «الفقيه» و«الهداية»(5) أيضاً .

ويشهد له أيضاً إرساله العلاّمة إرسال المسلّمات ، قال في «المنتهى» : «لا يجب مسح ما تحت شعر الحاجبين ، بل ظاهره كالماء»(6) فيظهر النظر في

ص: 326


1- جواهر الكلام 5 : 200 .
2- مفتاح الكرامة 4 : 438 .
3- تقدّم في الصفحة 317 .
4- الأمالي ، الصدوق : 515 .
5- الفقيه 1 : 57 ، ذيل الحديث 2 ؛ الهداية ، الصدوق : 88 .
6- منتهى المطلب 3 : 88 .

محكيّ «الكفاية» من دعوى الشهرة على عدم وجوب مسح الحاجبين(1) .

نعم ، ظاهر الأدلّة الحاكية لتيمّم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وأبيجعفر وأبي عبداللّه علیهما السلام عدم وجوب مسحهما (2) ، وفي بعض روايات ضعيفة وجوبه ، كمرسلة العيّاشي(3) على احتمال ، ومرسلة الصدوق في «الأمالي»(4) فيكون حال الحاجبين حال الجبهة في كون لزوم مسحهما مشهوراً ، وظاهر الأدلّة المعتبرة على خلافه ، مع فرق بينهما ؛ وهو أنّ لزوم مسح الجبهة صريحهم ، ومسح الحاجبين ظاهرهم .

وكيف كان : فلا يبعد ترجيح وجوبه ، كما نفى عنه البأس في محكيّ «الذكرى»(5) واختاره «جامع المقاصد»(6) . بل يمكن أن يقال : إنّ مسح الجبينين والجبهة ملازم لمسحهما ، خصوصاً إذا كانت الجبهة محدودةً بطرف الأنف الأعلى ، والجبينان طرفيها ، كما يظهر من اللغة ، فتنطبق الأخبار على القول المشهور .

الجهة الثالثة : في لزوم مسح الكفّين من الزنْد إلى أطراف الأصابع
اشارة

المشهور بين الأصحاب وجوب مسح الكفّين من الزَنْد - وهو المفصل بين

ص: 327


1- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 44 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 358 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 .
3- تفسير العيّاشي 1 : 302 / 63 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 540 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 3 .
4- الأمالي ، الصدوق : 515 .
5- ذكرى الشيعة 2 : 263 .
6- جامع المقاصد 1 : 491 .

الساعد والكفّ - إلى أطراف الأصابع(1) بل عليه نقل الإجماع(2) والشهرة(3) والمعروفية بين الأصحاب(4) متكرّر ، وعليه جملة من العامّة ، كمالك وأحمد والشافعي قديماً على ما نقل(5) .

وعن علي بن بابويه وجوب استيعاب المسح إلى المرفقين(6) ، وهو المحكيّ عن أبي حنيفة والشافعي ثانياً (7) .

وعن ابن إدريس عن بعض أصحابنا : «أنّ المسح من اُصول الأصابع إلى رؤوسها»(8) .

وروي عن مالك أيضاً : أنّ التيمّم على الكفّ ونصف الذراع(9) ، واحتجاجه عليه(10) من المضحكات .

ص: 328


1- النهاية : 49 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 72 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 191 ؛ الدروس الشرعية 1 : 133 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 4 : 440 ؛ غنية النزوع 1 : 63 ؛ جامع المقاصد 1 : 492 .
3- مختلف الشيعة 1 : 273 ؛ كشف اللثام 2 : 472 ؛ المقاصد العلية : 131 .
4- نقله عن شرح رسالة صاحب المعالم في مفتاح الكرامة 4 : 440 .
5- اُنظر منتهى المطلب 3 : 88 ؛ الجامع لأحكام القرآن 5 : 240 ؛ المجموع 2 : 211 ؛ شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 1 : 113 .
6- اُنظر منتهى المطلب 3 : 88 .
7- اُنظر منتهى المطلب 3 : 88 ؛ المبسوط ، السرخسي 1 : 107 ؛ الجامع لأحكام القرآن 5 : 239 ؛ الاُمّ 1 : 49 .
8- السرائر 1 : 137 .
9- اُنظر منتهى المطلب 3 : 89 .
10- اُنظر منتهى المطلب 3 : 91 - 92 .

وعن الزهري : «يمسح يديه إلى المنكب»(1) .

وتدلّ على المشهور صحيحة زرارة وموثّقته الحاكيتان لفعل رسول اللّه (2) ، وصريح صحيحة زرارة الحاكية عن فعل أبي جعفر علیه السلام قال : «فوضع أبو جعفر علیه السلام كفّيه على الأرض ، ثمّ مسح وجهه وكفّيه ، ولم يمسح الذراعين بشيء»(3) وظاهر غيرها ممّا اشتملت على «الكفّ»(4) .

بل ظاهر صحيحتي داود بن النعمان(5) والخزّاز(6) حيث قال في الاُولى : «فمسح وجهه ويديه فوق الكفّ قليلاً» وقريب منها الثانية ؛ لأنّ الظاهر من «فوق الكفّ قليلاً» - ولو بجهات خارجية - هو حدّ المفصل أو فوقه قليلاً الذي يتعارف المسح له لتحصيل مسح ظهر الكفّ احتياطاً . واحتمال كون المراد منه ظهر الكفّ لإفادة عدم لزوم مسح تمام الظهر(7) ضعيف . ومع احتمال كون المسح

ص: 329


1- اُنظر منتهى المطلب 3 : 89 ؛ المبسوط ، السرخسي 1 : 107 ؛ بداية المجتهد 1 : 70 ؛ الجامع لأحكام القرآن 5 : 240 .
2- تقدّمتا في الصفحة 171 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 208 / 603 ؛ وسائل الشيعة 3 : 359 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 5 .
4- وسائل الشيعة 3 : 358 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 1 و3 و6 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 207 / 598 ؛ وسائل الشيعة 3 : 359 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 4 .
6- الكافي 3 : 62 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 359 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 2 .
7- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 297 .

فوق الكفّ قليلاً ؛ لأجل الاحتياط واليقين بحصول مسح الكفّ ؛ لا يمكن الاستدلال بها للزوم مسح الفوق تعبّداً لدخالته في ماهية التيمّم .

وأمّا روايات ليث المرادي ومحمّد بن مسلم وسَماعة(1) المشتملات على مسح الذراعين ، أو هما مع المرفق ، فمحمولة على التقيّة ، كما تظهر آثارها من ثانيتها . ولولا قوّة احتمالها لكان الحمل على الاستحباب غير بعيد ، بل متعيّناً ؛ حملاً للظاهر على النصّ .

كما أنّ مرسلة «فقه الرضا»(2) ومرسلة حمّاد بن عيسى(3) الظاهرتين في الاجتزاء بالمسح على الأصابع ، غير صالحتين للاحتجاج ، فضلاً عن المقاومة ؛ لما تقدّم . مع إمكان أن يقال : إنّ المراد ب- «موضع القطع» ما هو المعروف عند العامّة ، فأراد أبو عبداللّه علیه السلام تعليم السائل طريق الاحتجاج معهم(4) .

ورواية «فقه الرضا» مجملة المراد ، ولا داعي لبيان محتملاتها بعد عدم حجّيتها .

ص: 330


1- تهذيب الأحكام 1 : 209 / 608 و : 210 / 612 و : 208 / 602 ؛ وسائل الشيعة 3 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 2 و5 ، و : 365 ، الباب 13 ، الحديث 3 .
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 88 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 535 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 1 ، وتقدّمت في الصفحة 261، الهامش 1 .
3- الكافي 3 : 62 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 13 ، الحديث 2 .
4- وسائل الشيعة 3 : 365 ، ذيل الحديث 2 ؛ جواهر الكلام 5 : 204 .
بيان كيفية المسح

وأمّا كيفية المسح ، فمقتضى إطلاق الآية وبعض الروايات ومقتضى سكوت أبي جعفر علیه السلام عن الخصوصية الواقعية التي وقع بها تيمّم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم في مقام تعليم عمّار ، هو عدم دخالة كيفية خاصّة في المسح ، بل التيمّم متقوّم بمسح الوجه والكفّين باليدين بأيّة كيفية ؛ وقع من الأعلى أو إليه ، وقع طول الباطن على عرض الظاهر ، أو طوله على طوله . بل ولو وضع جميع الباطن على جميع الظاهر ، فجرّ الماسح في الجملة حتّى وقع مسح جميع الظاهر به . وكذا لا خصوصية - بمقتضاها - في مسح الوجه .

أمّا إطلاق الآية ، فلما مرّ مراراً (1) من أ نّها في مقام البيان ، ولا إجمال فيها ، ولذا تمسّك النبي صلی الله علیه و آله وسلم والإمام بها وبخصوصياتها المأخوذة فيها لإثبات

الحكم ، فالقول بكونها مجملة(2) نشأ من قلّة التأمّل فيها ، وإلاّ فغالب أحكام التيمّم مستفاد منها .

وأمّا إطلاق بعض الأخبار - كموثّقة زرارة ورواية المرادي(3) - وإن لا يخلو من المناقشة كما مرّ ، لكن لا يبعد إطلاقهما .

وأمّا سكوت أبي جعفر علیه السلام فهو أقوى دليل على عدم الاعتبار ؛ فإنّ

ص: 331


1- تقدّم في الصفحة 238 و274 و297 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 282 و306 .
3- وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 7 ، و : 361 ، الباب 12 ، الحديث 2 ، وقد تقدّمتا أيضاً في الصفحة 174 .

رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قد كان في مقام بيان ماهية التيمّم لعمّار بلا ارتياب ولا إشكال ، وكان أبو جعفر علیه السلام في مقام نقل القضيّة لإفادة الحكم بلا إشكال ؛ وإن كان في تكرار القضيّة منه ومن أبي عبداللّه علیه السلام فائدة اُخرى أو فوائد اُخر ، كإفحام المخالفين ، والتنبيه على جهل الثاني بالأحكام وبالقرآن الذي بين أيديهم ، أو تجاهله ومخالفته للّه ورسوله ، وقد حُكي عن «كتاب سُلَيْم بن قيس الهلالي» عن أمير المؤمنين :

«والعجب لجهله وجهل الاُمّة ، أ نّه كتب إلى جميع عمّاله : أنّ الجنب إذا لم يجد الماء فليس له أن يصلّي ، وليس له أن يتيمّم بالصعيد حتّى يجد الماء وإن لم يجده حتّى يلقى اللّه ، ثمّ قبل الناس ذلك منه ، ورضوا به ، وقد علم وعلم الناس أنّ رسول اللّه قد أمر عمّاراً وأمر أباذرّ أن يتيمّما من الجنابة ويصلّيا ،

وشهدا به عنده وغيرهما فلم يقبل ذلك ، ولم يرفع به رأساً»(1) .

وكيف كان : لو كان للمسح خصوصية - من قبيل كونه من الأعلى ، أو وقوع طول باطن الكفّ على عرض الظاهر ، أو غيرهما - لما أهملها أبو جعفر علیه السلام في

مقام نقل القضيّة لإفادة ماهية التيمّم .

وأمّا التشبّث بدليل التنزيل لإثبات كونه من الأعلى كما في الوضوء(2)، فقد مرّ(3) ما فيه ، وقلنا : إنّ الآية الكريمة مع الارتكاز العرفي وإن يظهر منها اعتبار ما

ص: 332


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي : 138 ؛ بحار الأنوار 78 : 162 / 23 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 551 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 24 ، الحديث 1 .
2- جواهر الكلام 5 : 200 - 201 .
3- تقدّم في الصفحة 262 - 264 .

يعتبر في الغسل والوضوء معاً في التيمّم أيضاً - كالترتيب وطهارة البدن

- من الأحكام المشتركة ، لكن لا يمكن إثبات الشرائط المختصّة بكلّ واحد منهما للتيمّم ؛ بعد كونه بدلاً منهما في الآية الشريفة بنحو واحد .

وأمّا التشبّث بالشهرة(1) ، فهو ناشئ من توهّم ظهور كلمات الأصحاب في وجوب المسح من الأعلى ؛ حيث قالوا : «يمسح من قصاص الشعر إلى طرف الأنف» ولا يخفى على الناظر في كلماتهم أنّ ذلك لتحديد الممسوح ، لا لبيان كيفية المسح ، ولذا لم يتعرّضوا بالنسبة إلى الكفّ(2) ، فيمكن أن يقال : إنّ خلوّ كلماتهم عن الكيفية دليل على عدم اعتبار كيفية خاصّة فيه .

نعم ، إنّ السيرة القطعية على هذه الكيفية المعهودة ، ربّما توجب الوثوق بدخالتها لو لم نقل بأ نّها إنّما دلّت على صحّته بهذه الكيفية ، لا انحصاره بها .

فالأحوط عدم التعدّي عن الكيفية المعهودة ؛ لما ذُكر ، ولدلالةِ ما رُوي في

الرضوي عليه بالنسبة إلى الكفّين(3) ، مع دعوى عدم الفصل بينهما (4) ، وإشعارِ مرسلة العيّاشي عن أبي جعفر علیه السلام به ، قال : «ثمّ مسح من بين عينيه إلى أسفل حاجبيه»(5) واحتمالِ انصراف «مسح الوجه» إلى المسح من الأعلى .

ص: 333


1- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 44 ؛ الحدائق الناضرة 4 : 348 ؛ اُنظر جواهر الكلام 5 : 200 - 201 .
2- شرائع الإسلام 1 : 40 .
3- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 88 ، وتقدّم متنه في الصفحة 261، الهامش 1 .
4- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 302 و303 .
5- تفسير العيّاشي 1 : 302 / 63 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 540 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 3 .
الأمر التاسع في تحديد عدد ضربات التيمّم
اشارة

اختلفوا في عدد الضربات في التيمّم ، فعن المشهور التفصيل بين ما للوضوء وبين ما للغسل ؛ بضربة واحدة في الأوّل ، وضربتين في الثاني .

وعن جمع من المتقدّمين والمتأخّرين الضربة الواحدة فيهما .

وعن جمع آخر منهما الضربتان فيهما .

وربّما نقل عن بعض بل قوم من أصحابنا - كما حكي عن «المعتبر» - ثلاث ضربات(1) .

فالأولى أوّلاً بيان مقتضى الأدلّة والجمع بينها ، ثمّ النظر في كلمات القوم .

بيان مقتضى الأدلّة والجمع بينها

فنقول : مقتضى إطلاق الآية الكريمة(2) الاجتزاء بالضربة الواحدة فيهما ، سيّما بعد ذكر التيمّم عقيب الحدثين .

وأمّا الروايات فهي على طوائف :

منها - وهي عمدتها - : ما هي ظاهرة في الاجتزاء بواحدة ، وفيها الروايات الحاكية لفعل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم تعليماً لعمّار ، حكاه أبو جعفر علیه السلام ، ولا ريب في أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كان في مقام تعليمه وبيان ماهية التيمّم ، كما يظهر من قوله :

ص: 334


1- يأتي تخريج الأقوال وحكاية المعتبر في الصفحة 340 - 341 .
2- النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .

«أفلا صنعت كذا ؟! ثمّ أهوى بيديه إلى الأرض ، فوضعهما على الصعيد ، ثمّ مسح . . .»(1) إلى آخره .

فهل يمكن أن يقال : إنّه صلی الله علیه و آله وسلم -

بعد قوله : «أفلا صنعت كذا ؟!» وإتيانه بالتيمّم الذي هو بدل الغسل الذي ابتلي به عمّار - أهمل في مقام البيان والتعليم ما كان معتبراً في ماهية التيمّم ؟! أو يقال : إنّ أبا جعفر علیه السلام أهمل ما فعله رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وكان دخيلاً في ماهيته ؟! أو إنّ زرارة أو الرواة بعده أهملوا ما وصل إليهم ؟! ولو فتح على الروايات باب هذه الاحتمالات لاختلّ الفقه ، وانسدّ باب الاحتجاج على العقلاء .

وأضعف شيء في المقام احتمال كونه في مقام بيان كيفية قسم من التيمّم ؛ وهو الذي بدل الوضوء ، وهل هذا إلاّ الإغراء بالجهل والإيقاع في خلاف الواقع ؟!

ومثلها قوله في موثّقة زرارة : «هكذا يصنع الحمار ؛ إنّما قال اللّه عزّ وجلّ : )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً( فضرب بيديه الأرض . . .»(2) إلى آخره .

فإنّ تمسّكه بالآية الكريمة وإتيانه بالتيمّم بضربة واحدة ، ممّا جعل الكلام كالنصّ في عدم الاحتياج إلى الضربتين في بدل الغسل ، الذي هو مورد الكلام والمتيقّن في مقام التعليم .

ص: 335


1- الفقيه 1 : 57 / 212 ؛ وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 8 .
2- السرائر 3 : 554 ؛ وسائل الشيعة 3 : 360 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 11 ، الحديث 9 .

ومثلهما صحيحتا الخزّاز وداود بن النعمان(1) حيث سألا أبا عبداللّه علیه السلام عن التيمّم ، فذكر قضيّة عمّار ، فقالا له : «كيف التيمّم ؟ فوضع يديه على الأرض ، ثمّ

رفعهما فمسح وجهه ويديه فوق الكفّ قليلاً» واللفظ من الثانية .

فإنّ الاكتفاء بالمرّة بعد حكاية قصّة عمّار وسؤالهما عن الكيفية ، كالنصّ في كفايتها عن بدل الغسل .

ويدلّ عليه إطلاق موثّقة زرارة وابن أبي المقدام(2) وغيرهما من غير احتياج إلى دعوى كون قوله : «مرّة واحدة» في ذيلهما قيداً للضرب لا للمسح ، أو قيداً لهما ؛ بدعوى أنّ الضرب كان مورد البحث والخلاف عند العامّة والخاصّة ، لا المسح ، فكون القيد للثاني كاللغو(3) . وكيف كان : لا شبهة في قوّة ظهور تلك الروايات في الاجتزاء بالمرّة مطلقاً ، وفي بدل غسل الجنابة بالخصوص .

ومنها : طائفة اُخرى مشتملة على «مرّتين» كصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما ، قال : سألته عن التيمّم فقال : «مرّتين مرّتين للوجه واليدين»(4) .

ومحتملاتها كثيرة ، ككون «المرّتين» قيداً للقول ، أو لأمر مقدّر ك- «اضرب» أو أحدهما قيداً للقول والآخر للأمر .

ثمّ على فرض كونهما من متعلّقات الضرب ، يمكن أن يكون الثاني تأكيداً

ص: 336


1- تقدّم تخريجهما في الصفحة 329 .
2- تقدّمتا في الصفحة 314 .
3- جواهر الكلام 5 : 211 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 210 / 610 ؛ وسائل الشيعة 3 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 1 .

للأوّل ، ويمكن أن يكون تأسيساً لبيان أنّ اللازم في التيمّم أربع ضربات : ضربتان للوجه ، وضربتان لليدين .

والأظهر هو الاحتمال الأخير ، فكأ نّه قال : «ضربتان للوجه ، وضربتان لليدين» ولا أقلّ من كون هذا الاحتمال في عَرض احتمال التأكيد ، مع أ نّه ليس المورد من موارد التأكيد .

فهذه الصحيحة بما لها من الظهور خلاف فتوى الكلّ ، أو هي مجملة في نفسها لا بدّ من رفع إجمالها بسائر الروايات .

وكرواية ليث المرادي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في التيمّم : «تضرب بكفّيك الأرض مرّتين ، ثمّ تنفضهما وتمسح بهما وجهك وذراعيك»(1) . والظاهر منها أنّ ضرب المرّتين قبل المسح .

وبها يرفع الإجمال من هذه الحيثية عن الصحيحة المتقدّمة ؛ إذ لا يتّضح منها أنّ المرّتين قبل المسح ، أو مرّة قبل مسح الوجه ، ومرّة قبل مسح الكفّين .

كما يرفع الإجمال بها عن صحيحة الكندي ، عن الرضا علیه السلام قال : «التيمّم ضربة للوجه ، وضربة للكفّين»(2) لعدم ظهورها في الافتراق وإن كانت مشعرة به ، لكن ظهور رواية المرادي محكّم ومقدّم عليه .

فهذه الروايات الثلاث كما رأيت لا تدلّ على ما نسب إلى المشهور ؛ فإنّ

ص: 337


1- تهذيب الأحكام 1 : 209 / 608 ؛ وسائل الشيعة 3 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 210 / 609 ؛ وسائل الشيعة 3 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 3 .

ظاهرها - بعد ردّ بعضها إلى بعض - ضرب اليدين مرّتين قبلاً ، ثمّ مسح الأعضاء

بهما ، وفتوى القوم خلاف ذلك ؛ ظاهراً في بعض عباراتهم(1) ونصّاً في الآخر(2) فأوجبوا التفريق .

وأمّا صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام التي هي العمدة في مستند القول بالتفصيل ، وجعلت شاهدة للجمع بين الطائفتين(3) ، فليست شاهدة له حتّى بعد تسليم دلالة هذه الروايات على ما راموا من الضربتين ، قال : قلت له : كيف التيمّم ؟ فقال : «هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة : تضرب بيديك مرّتين ، ثمّ تنفضهما نفضةً للوجه ، ومرّة لليدين ، ومتى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنباً ، والوضوء إن لم تكن جنباً»(4) .

لأنّ الظاهر منها أنّ لتيمّم الوضوء والغسل كيفية واحدة ؛ وهي الضرب باليدين مرّتين أوّلاً ، ثمّ نفضهما نفضة ، والمرّتان تكونان للوجه ، ثمّ يجب مرّة اُخرى لليدين ، فتكون الضربات ثلاثة .

ولو أغمضنا عن هذا الظاهر المتفاهم عرفاً ، وقلنا بأنّ الواو في قوله : «والغسل» للاستئناف ، وهو مبتدأ ، و«تضرب» خبره ، فلا يمكن الإغماض عن ظهورها في أنّ الضربات ثلاث كما مرّ ، وهو ممّا لم يقل به أحد منهم ، فلا يمكن

ص: 338


1- المبسوط 1 : 33 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 194 - 195 .
2- السرائر 1 : 137 .
3- جواهر الكلام 5 : 212 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 210 / 611 ؛ وسائل الشيعة 3 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 4 .

الاستشهاد بها للجمع بين الروايات بجميع النسخ المختلفة الحاكية لها ؛ لأنّ كلّها مشتركة في قوله : «تضرب بيديك مرّتين ، ثمّ تنفضهما» الذي هو ظاهر في كونهما قبل مسح الوجه ؛ وإن كانت مختلفة من جهات اُخر في كتب الاستدلال ك- «الخلاف» و«التذكرة» و«المنتهى» و«المدارك» ومحكيّ «المعتبر»(1) لكن لا اعتماد في نقل الروايات على الكتب الاستدلالية غير المعدّة لنقلها بألفاظها ، كما يظهر بالمراجعة إليها ، خصوصاً بعض كتب المتأخّرين .

هذا مع أنّ الجمع بين الطائفتين المتقدّمتين بحمل الاُولى على تيمّم بدل الوضوء ، مع كونها غالباً في مورد الجنابة ، والثانية على بدل الغسل ، مع كونها في مقام بيان أصل الماهية ، ليس جمعاً مقبولاً عقلائياً ، كما لا يخفى .

فحينئذٍ لو سلّمت دلالة الرواية المتقدّمة ، ودلالة صحيحة محمّد بن مسلم(2) الظاهر منها آثار التقيّة ، مع وضوح عدم دلالتها على التفصيل بما قالوا ، بل ظاهرها المرّتان مطلقاً ، والتفصيل في المسح من المرفقين وإليهما ، وسلّم ورود مرسلات اُخر من جملة من الأعاظم - كالمحكيّ عن «المعتبر» قال : «روي في بعض الأخبار التفصيل ، من ذلك رواية حريز ، عن زرارة»(3) ، وفي «الغنية» : «وقد روى أصحابنا أنّ الجنب يضرب ضربتين»(4) وعن السيّد :

ص: 339


1- الخلاف 1 : 134 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 195 ؛ منتهى المطلب 3 : 103 ؛ مدارك الأحكام 2 : 231 ؛ المعتبر 1 : 388 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 210 / 612 ؛ وسائل الشيعة 3 : 362 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 5 .
3- المعتبر 1 : 388 .
4- غنية النزوع 1 : 63 .

«وقد روي أنّ تيمّمه إن كان من جنابة وما أشبهها ، ثنّى ما ذكرناه من

الضربة»(1) وعن الصيمري نسبة التفصيل إلى الروايات(2) - فلا يمكن الجمع بينها بما ذكر ، بل لا بدّ من حملها على الاستحباب أو التقيّة ، مع عدم ثبوت كون تلك المرسلات غير الروايات التي في الباب ؛ وإن يُستشعر من عبارة السيّد كون مرسلته غيرها ، تأمّل .

وكيف كان : لا يمكن الاتّكال عليها . وانجبارُها بالشهرة - مع عدم ثبوت أصلها ، فضلاً عن ثبوت الاتّكال عليها - ممنوع . فلم يبق في المقام إلاّ روايات المرّة ورواية الساباطي الدالّة على التسوية بين التيمّم من الوضوء والجنابة ومن الحيض(3) ، وليس في مقابلها ما دلّ على القول المنسوب إلى المشهور ، وقد أوّل صاحب «الجواهر» رواية التسوية بما لا يخلو من الغرابة(4) .

حول كلمات القوم في المقام

وأمّا الشهرة في المسألة ، فليست بتلك المثابة التي ذكرها في «الجواهر»(5) ولأجلها فتح باب المناقشات على الروايات وكلمات الأصحاب ، فأوّلها بما لا أظنّ ارتضاء نفسه الشريفة به لولا اتّكاله على الشهرة ، حتّى نَسَب الخلاف إلى

ص: 340


1- رسائل الشريف المرتضى 3 : 26 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 538 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 10 ، الحديث 3 .
2- غاية المرام 1 : 93 .
3- سيأتي متنها في الصفحة 343 .
4- جواهر الكلام 5 : 213 .
5- جواهر الكلام 5 : 207 .

الأردبيلي والكاشاني مع أنّ ظاهر الصدوق في «المقنع» و«الهداية»(1) والسيّد في «الانتصار»(2) وابن زهرة في «الغنية»(3) والمحكيّ عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل والمفيد في «المسائل العزّية»(4) وعن «المعتبر» و«الذكرى»(5) وغيرهم(6) ، اختيار الضربة في الجميع . بل حكي اشتهاره بين العامّة عن علي علیه السلام

وابن عبّاس وعمّار(7) .

وعن «المعتبر» عن قوم من أصحابنا اختيار ثلاث ضربات(8) .

وحكي عن المفيد في «الأركان»(9) وعن التقيّ(10) عن جماعة من القدماء في الكلّ ضربتان(11) . ونسب ذلك إلى الصدوق أيضاً (12) ، وهو موافق للنسخة التي

ص: 341


1- المقنع : 26 ؛ الهداية ، الصدوق : 87 .
2- لم نعثر عليه في الانتصار ولكنّه موجود في جمل العلم والعمل . راجع رسائل الشريف المرتضى 3 : 25 - 26 .
3- غنية النزوع 1 : 63 .
4- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 271 .
5- المعتبر 1 : 388 - 389 ؛ ذكرى الشيعة 2 : 262 .
6- مدارك الأحكام 2 : 232 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 45 .
7- رياض المسائل 2 : 320 ؛ جواهر الكلام 5 : 215 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 245 .
8- المعتبر 1 : 388 .
9- اُنظر ذكرى الشيعة 2 : 261 ؛ مصباح الفقيه 6 : 303 .
10- هكذا في الطبعة الحجرية من مصباح الفقيه ، الطهارة : 497 / السطر 18 ، ولكن الصحيح «المنتقى» .
11- منتقى الجمان 1 : 351 .
12- اُنظر المعتبر 1 : 388 .

عندنا من «أماليه» قال : «فإذا أراد الرجل أن يتيمّم ، ضرب بيديه على الأرض

مرّة واحدة ، ثمّ ينفضهما فيمسح بهما وجهه ، ثمّ يضرب بيساره الأرض ، فيمسح بها يده اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع ، ثمّ يضرب بيمينه الأرض فيمسح بها يده اليمنى من الزند إلى أطراف الأصابع ، وقد رُوي : أن يمسح الرجل جبينيه وحاجبيه ، ويمسح على ظهر كفّيه ، وعليه مضى مشايخنا» ، انتهى .

وهذه النسخة وإن كانت مغلوطة ، لكن لم يفصّل فيها بين التيمّم بدل الوضوء والغسل ، فهي شاهدة على أنّ التفصيل لم يكن مشهوراً في تلك الأعصار ، بل مضى المشايخ على خلافه .

ويشهد له أنّ شيخ الطائفة في «الخلاف» لم يتمسّك لمذهبه بالإجماع(1) مع أنّ دأبه فيه ذلك ، وإنّما تمسّك بصحيحة زرارة المتقدّمة(2) ، فيعلم من ذلك أنّ اختياره له كان بتخلّل اجتهاد ، لا لأمر آخر نحن بعيدون عنه .

والإنصاف : أنّ الاتّكال على الشهرة في مثل هذه المسألة التي تراكمت فيها الأدلّة وأقوال أساطين الفقه ، ورفعَ اليد لأجلها عن الأدلّة كتاباً وسنّة ، ممّا لا مجال له .

اتّحاد كيفية التيمّم بدل جميع الأغسال

ثمّ إنّه لا إشكال في اتّحاد كيفية التيمّم بدل الأغسال - واجبة كانت أو مستحبّة - قولاً واحداً ، كما في «الجواهر»(3) ويدلّ عليه كثير من الروايات ؛

ص: 342


1- الخلاف 1 : 132 - 134 .
2- تقدّمت في الصفحة 338 .
3- جواهر الكلام 5 : 216 .

حيث يظهر منها السؤال عن كيفية ماهية التيمّم ، كرواية الكاهلي وموثّقة زرارة

بل وصحيحتي الخزّاز وابن النعمان(1) وغيرها .

مضافاً إلى موثّقة عمّار الساباطي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن التيمّم من الوضوء والجنابة ومن الحيض للنساء ، سواء ؟ فقال : «نعم»(2) .

وموثّقة أبي بصير في حديث ، قال : سألته عن تيمّم الحائض والجنب ، سواء إذا لم يجدا ماءً ؟ قال : «نعم»(3) .

ومعلومية عدم الفصل ، بل يمكن الاستئناس له بالتساوي في المبدل منه ، فلا إشكال فيه .

تتميم : في أنّ التيمّم بمنزلة المبدل منه في جميع الآثار

هل يكون التيمّم كالغسل في الاجتزاء به - فيما إذا كان بدلاً من غسل الجنابة - عن الوضوء ، والاجتزاء بتيمّم واحد عن الأغسال الكثيرة إذا كان فيها غسل جنابة ونوى الجميع ، أو مطلقاً ؛ كان فيها جنابة أو لا ، نوى الجميع أو بعضها ؟

وبالجملة : هل يقوم التيمّم مقام الغسل في جميع ما للغسل ، أو لا مطلقاً ، أو يفصّل بين ما هو بدل غسل الجنابة ، فيقوم مقامه في الاجتزاء عن الوضوء

ص: 343


1- وسائل الشيعة 3: 358، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 11 ، الحديث 1 و3 و2 و4 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 212 / 617 ؛ وسائل الشيعة 3 : 362 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 6 .
3- الكافي 3 : 65 / 10 ؛ وسائل الشيعة 3 : 363 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 12 ، الحديث 7 .

أو التيمّم له ، دون غيره ، فلا يكتفى بتيمّم واحد عن الأغسال المتعدّدة ؟

أو يجتزأ به حتّى فيما لا يجتزأ بالغسل الواحد ، كما لو كان على المرأة غسل الحيض ، وقلنا بوجوب الوضوء عليها مع الغسل ، فيجزي تيمّم واحد عن غسلها ووضوئها ؟

وجوه ، أقواها كونه بمنزلة المبدل منه في جميع ما له ، فيكتفى بتيمّم واحد بدل غسل الجنابة عن الوضوء ، ويتداخل كما تتداخل الأغسال ، ولا يتداخل فيما لا تتداخل ، ولا يجتزأ به فيما لا يجتزأ بالغسل ، فيجب تيمّمان على الحائض بدل الغسل والوضوء :

أمّا الاجتزاء عن الوضوء في بدل غسل الجنابة ، فممّا لا ينبغي الإشكال فيه ، بل في «الجواهر» دعوى عدم وجدان الخلاف فيه(1) ، لكن لا للآية الكريمة(2) بنفسها ، فإنّها مع قطع النظر عن الروايات لا تدلّ على الاجتزاء ؛ فإنّ الظاهر من صدرها لزوم الوضوء للصلاة شرطاً ، ولزوم الغسل من الجنابة كذلك ، فلا يستفاد منها غير ذلك ، فلا تدلّ على إجزاء أحدهما عن الآخر لو لم نقل : إنّ الظاهر منها لزومهما عند تحقّق سببهما .

وأمّا ذيلها فيتفرّع على الصدر ، فلا يستفاد منه زائداً عليه . مع أنّ الظاهر من عطف )لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ( بلفظ )أَوْ( أنّ كلّ واحد من الحدث الأصغر والأكبر سبب للتيمّم ، وإطلاق السببية يقتضي تكرّر المسبّب ، ويكون مقدّماً على إطلاق

ص: 344


1- جواهر الكلام 5 : 216 .
2- المائدة (5) : 6 .

المسبّب ، كما حرّرناه في محلّه(1) . وكيف كان : لا يمكن استفادة الاجتزاء منها بنفسها ، بل يستفاد بضمّ ما دلّ على إجزاء غسل الجنابة عن الوضوء(2) ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ التيمّم عند فقدان الماء بمنزلة الوضوء ، وللمجنب بمنزلة الغسل ، فإذا علم أنّ الغسل كافٍ عن الوضوء ، قام التيمّم مقامه في ذلك .

بل لنا دعوى استفادة عموم التنزيل بالنسبة إلى سائر الأغسال أيضاً ؛ إمّا بدعوى كون قوله : )لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ( كناية عن مطلق الحدث الأكبر ، كما أنّ قوله : )أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ( كناية عن مطلق الأصغر ، وقوله : )وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ( كناية عن مطلق المعذور ، مع المناسبات المغروسة في ذهن العرف ، ومعلومية عدم ترك الصلاة بحال ، وعدم سقوط شرطية الطهارة لها .

أو بدعوى استفادة ذلك من قوله تعالى في ذيل بيان التيمّم : )مَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ((3) الظاهر منه أنّ التيمّم طهور لدى فقدان الماء أو العذر في استعماله ، فكأ نّه قال : التيمّم أحد الطهورين .

فيستفاد منه ومن قبله مع الارتكازات العقلائية : أنّ كلّ ما للوضوء والغسل عند الاحتياج إليهما ، للتيمّم مع تعذّرهما ، فإذا اجتزئ بغسل واحد عن الأغسال المتعدّدة - وإن كان أحدها للجنابة اجتزئ عن الوضوء أيضاً - يجتزأ بالتيمّم الذي هو بمنزلته ، وهو الطهور في هذه الحالة .

ص: 345


1- مناهج الوصول 2 : 175 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 244 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 33 و34 .
3- المائدة (5) : 6 .

وبالجملة : حال البدل حال المبدل منه مطلقاً وفي جميع ما له من الآثار .

ويمكن استفادته من الأخبار أيضاً ، كصحيحة ابن حُمران وجميل بن درّاج بطريق جميل(1) : أ نّهما سألا أبا عبداللّه علیه السلام عن إمام قومٍ أصابته جنابة في السفر ، وليس معه من الماء ما يكفيه للغسل ، أيتوضّأ بعضهم ويصلّي بهم ؟ فقال : «لا ، ولكن يتيمّم الجنب ويصلّي بهم ؛ فإنّ اللّه عزّ وجلّ جعل التراب طهوراً ، كما جعل الماء طهوراً»(2) . فإنّ الظاهر منها الاكتفاء بالتيمّم للصلاة مع فرض وجدان الماء بقدر الوضوء ، ومقتضى تعليله عموم الحكم والمنزلة .

وأمّا ما قد يقال(3) بالاجتزاء بتيمّم واح-د عن غسل الحيض والوضوء وإن

لم نقل في المبدل منه ، فمبنيّ على كون التيمّم للوضوء والغسل بكيفية واحدة ، وعدم قيد يوجب تباينهما ، وعدم إمكان اجتماعهما في المصداق الواحد ، واستفادة جميع التيمّمات من الآية الكريمة بالتقريب المتقدّم ، وتقديم إطلاق الجزاء على إطلاق الشرط في الآية . لكن جميع المقدّمات مسلّمة إلاّ الأخيرة ؛ لما تقرّر من تقديم إطلاق الشرط على الجزاء(4) . مضافاً إلى بُعد زيادة البدل عن المبدل منه ، ولأجله لا يستفاد ذلك في المقام ولو سلّم في سائر المقامات ، فالأقوى هو تساويهما في الآثار مطلقاً .

ص: 346


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 246 ، الهامش 1 ، وما يأتي في الصفحة 411 .
2- الفقيه 1 : 60 / 223 ؛ وسائل الشيعة 3 : 386 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 24 ، الحديث 2 .
3- مدارك الأحكام 2 : 233 .
4- مناهج الوصول 2 : 175 .
المبحث الرابع: في أحكام التيمّم
اشارة

وهي اُمور :

ص: 347

ص: 348

الأمر الأوّل: في عدم صحّة التيمّم قبل الوقت لصاحبته
التمسّك بالإجماع في المقام

لا خلاف ظاهراً بينهم في عدم صحّة التيمّم قبل الوقت لصاحبته ، وعليه نقل الإجماع مستفيضاً ؛ لأ نّه منقول عن ثلاثة عشر موضعاً أو أكثر من زمن المحقّق ومن بعده(1) ، ولو اُضيف إليه فحوى الإجماعات المنقولة على عدم صحّته في سعة الوقت(2) ، يكاد يتجاوز العشرين .

ص: 349


1- المعتبر 1 : 381 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 199 ؛ منتهى المطلب 3 : 50 ؛ قواعد الأحكام 1 : 239 ؛ تحرير الأحكام 1 : 147 ؛ ذكرى الشيعة 2 : 251 ؛ الدروس الشرعية 1 : 132 ؛ التنقيح الرائع 1 : 133 ؛ روض الجنان 1 : 328 ؛ المقاصد العلية : 138 ؛ مدارك الأحكام 2 : 208 ؛ مفاتيح الشرائع 1 : 63 ؛ مفتاح الكرامة 4 : 464 ؛ رياض المسائل 2 : 308 ؛ جواهر الكلام 5 : 154 .
2- الانتصار : 122 - 123 ؛ غنية النزوع 1 : 64 ؛ فقه القرآن 1 : 37 ؛ اُنظر جواهر الكلام 5 : 158 .

وهو الحجّة ؛ لعدم إمكان أن يقال : كلّ ذلك لأمر عقلي ، سيّما إذا ثبت أنّ الوضوء التأهّبي المفتى به(1) ، من قبيل التخصيص عندهم من عدم جواز الوضوء قبل الوقت ؛ لأنّ التأهّب للفرض والتهيُّؤ له عبارة اُخرى عن كونه له ، ومعه لا يكون منعهم لعدم المعقولية .

لكن إثبات الخروج التخصيصي مشكل ، بل غير ممكن ؛ لاحتمال أن يكون تخصّصاً ؛ لأجل الاتّكال على الروايات الدالّة على أفضلية إيقاع الصلوات في أوّل أوقاتها (2) ، فاستكشف منها محبوبية تحصيل الطهور قبل الأوقات ؛ ولو لأجل الكون على الطهارة . ويمكن أن يقال : إنّ نفس التهيّؤ للصلاة غاية اُخرى غير الغيرية .

وكيف كان : ففي الإجماعات كفاية ، بعد فساد توهّم كون الاتّكال على الأمر العقلي غير التامّ ، وتخطئةُ الكلّ في مثل هذا الأمر العقلي الذي ربّما يطابق الوجدان ، خطأٌ فاحش ، سيّما مع ورود نظيره في الشرع ، كمقدّمات الحجّ ، وظهور الكتاب والسنّة - إلاّ بعض الروايات - في كون الصلاة بالنسبة إلى الأوقات من قبيل الواجب المعلّق لا المشروط ، كما سيأتي .

مضافاً إلى عدم اتّكال كثير من قدماء أصحابنا على مثل تلك العقليات التي كثرت وشاعت لدى متأخّري المتأخّرين ، كما لا يخفى ، ومن هنا يمكن كشف كون الحكم معهوداً من الصدر الأوّل .

ص: 350


1- نهاية الإحكام 1 : 20 ؛ الدروس الشرعية 1 : 86 ؛ مفاتيح الشرائع 1 : 41 .
2- وسائل الشيعة 4 : 118 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 3 .
التمسّك بالدليل العقلي على عدم صحّة التيمّم قبل الوقت

وأمّا لو أغمضنا عن ذلك ، فالاتّكال على الدليل العقلي المتوهّم في المقام غير ممكن ؛ بأن يقال : إنّ الصلاة من قبيل الواجب المشروط بالأوقات ، فقبل مجيء أوقاتها لا يكون التكليف بها فعلياً ، ومع عدم وجوب ذي المقدّمة لا يمكن وجوب مقدّمته ؛ لعدم إمكان تحقّق المعلول قبل علّته ، ومعه لا يمكن صحّته لأجل الإتيان به بداعي الأمر المقدّمي الموهوم .

وفيه : - بعد تسليم كون الصلاة من الواجب المشروط ، وتسليم وجوب المقدّمة شرعاً ، وتسليم صلوح الأمر الغيري للعبادية - أنّ التحقيق إمكان وجوب المقدّمة قبل وجوب ذيها ؛ لما حقّقناه في محلّه(1) .

ومجمله : أنّ الملازمة - على فرض تسليمها - ليست بين وجوب المقدّمة ووجوب ذيها ، ولا بين إرادتها وإرادته ؛ بمعنى نشوء وجوب عن وجوب ، أو إرادة عن إرادة ؛ لأنّ البعث إلى ذي المقدّمة لو كان علّة تامّة لبعث آخر متعلّق بمقدّمته - بحيث يكون البعث إليها لازم البعث إليه ومعلوله - لزم منه مقهورية الآمِر الباعث لذي المقدّمة للبعث إلى مقدّمته بلا حصول مقدّماته وما يتوقّف عليه : من التصوّر ، والتصديق بالفائدة ، وغيرهما ، وهو ضروري الفساد .

كما أنّ معلولية إرادة المقدّمة لإرادة ذي المقدّمة - بذلك المعنى - ضرورية

البطلان ؛ ضرورة أنّ كلّ إرادة تحتاج في تحقّقها إلى مبادئ تصوّرية وتصديقية لا يعقل تحقّقها بدونها .

ص: 351


1- مناهج الوصول 1 : 291 - 292 .

نعم ، ما يمكن أن يقال في باب وجوب المقدّمة : إنّ إرادتها تحصل من مبادئ خاصّة بها ، هي تصوّرها ، وتصوّر توقّف ذي المقدّمة عليها ، والتصديق به ، وإدراك لزوم حصولها بيد العبد ، ومعها تتحقّق إرادتها والبعث إليها ، وهذه المقدّمات كما هي حاصلة في مقدّمات الواجب المطلق والمشروط بعد تحقّق شرطه ، حاصلة للمشروط قبل تحقّق شرطه ، فإنّ المولى الآمر بشيء مشروطاً بوقت مثلاً ، إذا تصوّر مقدّمته الوجودية قبل مجيء شرطه ، وتصوّر توقّفه عليها ، وصدّق بذلك ، ورأى أنّ مطلوبه في موطنه متوقّف عليه ؛ وإن لم يكن بالفعل مطلوباً له ، ولا يمكن التوصّل إليه إلاّ بإيجادها ، فمع انحصارها تتعلّق - لا محالة - إرادته بإيجادها ؛ للتوصّل بها إلى ما يصير واجباً ومطلوباً مطلقاً في

موطنه ؛ لحصول مبادئ الإرادة وعدمِ إمكان تفكيك مبادئها عنها .

وتبعية وجوب المقدّمة لوجوب ذي المقدّمة ، ليست إلاّ بهذا المعنى المحقّق في الواجبات المشروطة قبل مجيء شرطها أيضاً ، ومع عدم الانحصار يحكم العقل بالتخيير .

نعم ، لو كانت الملازمة بين الإرادة الفعلية أو الوجوب الفعلي المتعلّق بذي

المقدّمة مع وجوب مقدّمته ، لكان وجوبها قبل وجوبه ممتنعاً ، لكن المبنى فاسد ، بل وجوبها - على فرض تسليم الملازمة - تابع لوجوب ذيها بالوجه الذي عرفت ، وقد عرفت عدم الفرق بين فعلية وجوب ذي المقدّمة أو ما سيصير فعلياً ؛ من غير لزوم الالتزام بالوجوب التعليقي ، أو التفصيل بين المقدّمات المفوّتة وغيرها .

فتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ الطهارات الثلاث قبل حضور أوقات الصلاة واجبة ؛ بناءً على القول بوجوب المقدّمة ولو قلنا بأنّ الوقت شرط الوجوب ، وأنّ

ص: 352

عباديتها تتوقّف على الأمر الغيري المقدّمي .

مع أنّ كون الصلاة من قبيل الواجب المشروط بحضور أوقاتها ، محلّ منع ؛ لظهور الكتاب الكريم وأكثر الأخبار في الوجوب التعليقي ، كقوله تعالى : )أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ((1) .

وقوله تعالى : )إِنَّ الصَّلَوةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابَاً مَوْقُوتاً((2) المفسّر بكونها موجوباً وثابتاً ومفروضاً في الروايات(3) .

وقوله تعالى : )أَقِمِ الصَّلَوةَ طَرَفَىِ الْنَّهارِ وَزُلَفَاً مِنَ اللَّيْلِ((4) المفسّر بصلاة الغداة والمغرب والعشاء(5) .

وكقول أبي جعفر علیه السلام في صحيحة زرارة : «إنّما فرض اللّه عزّ وجلّ على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمساً وثلاثين صلاة»(6) .

فيكون الوجوب فعلياً ، والواجب استقبالياً ، وقد ذكرنا في محلّه إمكان المشروط بما ذكره المشهور(7) ، وكذا المعلّق(8) .

ص: 353


1- الإسراء (17) : 78 .
2- النساء (4) : 103 .
3- وسائل الشيعة 4 : 7 ، كتاب الصلاة ، أبواب أعداد الفرائض ، الباب 1 ، الحديث 1 ، 3 و5 .
4- هود (11) : 114 .
5- تفسير العيّاشي 2 : 161 / 73 .
6- الكافي 3 : 419 / 6 ؛ الفقيه 1 : 266 / 1217 ؛ تهذيب الأحكام 3 : 21 / 77 ؛ وسائل الشيعة 7 : 295 ، كتاب الصلاة ، أبواب صلاة الجمعة وآدابها ، الباب 1 ، الحديث 1 .
7- مناهج الوصول 1 : 287 .
8- مناهج الوصول 1 : 293 .

وأمّا ما ذكره بعض المحقّقين : من لزوم تعلّق الخطابات قبل حضور زمان الفعل ؛ لعدم تعقّل الأمر بإيجاد شيء في زمان صدور الطلب ، وبذلك دفع الإشكال عن وجوب المقدّمة قبل حضور وقت الواجب ، وصحّح حرمة إراقة الماء قبل الوقت إذا علم بعدم إمكان تحصيله بعدُ . . . إلى غير ذلك(1) .

ففيه : أ نّه إن كان المرادُ بعدم تعقّل وحدة زمان الخطاب وإيجاد الفعل ، لزومَ تقدّم إنشاء الخطاب على زمان العمل ، كما هو ظاهره ، فهو غير ملازم للوجوب المعلّق ، فيمكن أن يصدر الخطاب المشروط بزمان العمل قبل مجيء الوقت ، ولا يكون الوجوب فعلياً إلاّ عند مجيء وقته ، ومعه لا يدفع الإشكال في المقام ، ولا في سائر المقامات .

وإن كان المراد أنّ اتّحاد زمان فعلية التكليف والعمل محال ، فلا يمكن أن يكون الزوال شرطاً للوجوب وظرفاً لأوّل جزء من الصلاة ، فهو ممنوع ؛ لأنّ ما هو المسلّم لزوم تقدّم باعثية الأمر على انبعاث المكلّف ، لكن لا يلزم منه أن يكون بينهما تقدّم وتأخّر وجودي ؛ ضرورة أنّ المكلّف إذا علم بخطاب «أقم الصلاة إذا زالت الشمس» مثلاً ، ينبعث منه في أوّل الزوال .

وإن شئت قلت : إنّ التقدّم رتبي لا خارجي ، فلا يلزم أن يكون الخطاب فعلياً قبل مجيء وقت العمل .

والعجب منه أ نّه في ذيل كلامه اعترف بأنّ الوقت من الشرائط الوجوبية للواجبات الموقّتة(2) ، ومع ذلك التزم بالوجوب التعليقي ، فكأ نّه التزم بالوجوب

ص: 354


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 223 - 224 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 225 .

المعلّق والمشروط معاً في الصلاة! وهو كما ترى .

ثمّ إنّ في أصلِ وجوب المقدّمة ، وصلاحيةِ الأمر المقدّمي للمقرّبية ، وكونِ عبادية الطهارات الثلاث من قِبَل الأمر المقدّمي ولو فرض صلوحه للتقرّب ، إشكالاً ومنعاً ينافي التفصيل فيها وضع هذا المختصر .

وبما ذكرناه من عدم الفرق بين ما قبل الوقت وما بعده على فرض وجوب المقدّمة ، وبما حقّقناه في محلّه من عدم تعقّل وجوب المقدّمة رأساً (1) ، يجب التصرّف بوجهٍ في مثل صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة ، ولا صلاة إلاّ بطهور»(2) .

حيث يظهر منها وجوب الطهور عند دخول الوقت ، ومفهومها عدمه بعدمه ؛ فإنّ وجوب الطهور إنّما هو بملاك المقدّمية لا غير ، وقد حقّق عدم تعقّله ، وعلى فرض تعقّله لا يُتعقّل الفرق بين الوقت وقبله ، ولذلك لا بدّ من رفع اليد عن مفهومها والتصرّف في منطوقها بوجه . مضافاً إلى مخالفتها لظاهر الكتاب وصحيحة زرارة المتقدّمة الدالّين على كون الصلاة واجباً معلّقاً .

ثمّ إنّ ما مرّ من الكلام إنّما هو مع المماشاة للقوم ، وإلاّ فالتحقيق أنّ الطهارات الثلاث بما هي عبادات ، جعلت مقدّمةً وشرطاً للصلاة ، أو مقدّمةً لمقدّمتها (3) إن قلنا بأنّ الطهور شرط ، وهو محصَّل منها ، فالإرادة المتعلّقة بالصلاة على فرض

ص: 355


1- مناهج الوصول 1 : 342 .
2- الفقيه 1 : 22 / 67 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 140 / 546 ؛ وسائل الشيعة 1 : 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 4 ، الحديث 1 .
3- مناهج الوصول 1 : 316 .

وجوب المقدّمة ، موجبة - بنحو ما مرّ(1) - لإرادة متعلّقة بتلك العبادات بما هي عبادات وصالحات للتقرّب قبل تعلّق الإرادة بها من قِبل ذي المقدّمة ، وإلاّ يلزم أن يكون سبيلها سبيل الطهارة الخبثية التي هي واجبة توصّلاً ، مع أ نّه خلاف الضرورة ، فالأمر المقدّمي - على فرضه - لا يمكن أن يكون ملاك عباديتها بعد كونها مقدّمة على تعلّقه .

وتوهّم سقوط أوامرها النفسية الاستحبابية عند تعلّق الأمر الوجوبي المقدّمي ، قد فرغنا عن تضعيفه في محلّه(2) .

ثمّ إنّ الأمر المقدّمي - على فرضه - إنّما يدعو إلى الغسل وأخويه ؛ لأجل ترتّب الطهارة عليها ، أو كونها طهارات كما يظهر من الكتاب والسنّة ؛ وإن كان للتأمّل في كون الطهارة بنفسها شرطاً ، أو لأجل رفع القذارة الحاصلة بالأحداث - التي هي الموانع - مجال .

وكيف كان : لا يدعو الأمر المقدّمي إلاّ إليها لأجل ترتّب الطهارة عليها ، فتكون الصلاة غاية ثانوية للطهارات ، والغاية الاُولى حصول الطهور ، لا بمعنى أنّ حصول الطهور يتوقّف على قصده ، فإنّه محلّ إشكال - بل منع - عقلاً إن رجع إلى تقييد في العمل ، بل المراد أنّ الطهور لمّا كان شرط الصلاة مثلاً ، وهو يحصل بتلك الأعمال إذا وجدت للّه تعالى ، فلا محالة يتعلّق الأمر المقدّمي بتحصيله وإتيان الأفعال للّه تعالى لتحصيله ، فتقع دائماً تلك الأعمال لأجل غاية هي الطهور ، ويدعو الأمر المقدّمي إليه .

ص: 356


1- تقدّم في الصفحة 351 - 352 .
2- تهذيب الاُصول 1 : 359 .
الإشكال في الإجماع المدّعى على عدم صحّة التيمّم قبل الوقت

فحينئذٍ يقع الإشكال في الإجماع المدّعى على عدم صحّة التيمّم قبل الوقت(1) ، مع دعوى إرسال الأصحاب صحّةَ التيمّم قبل الوقت لغاية اُخرى - حتّى الكون على الطهارة - إرسال المسلّمات(2) ، مع ما عرفت من أنّ الأمر المقدّمي لا يدعو إلاّ إليها لتحصيل الطهور ، فلا تقع تلك الأفعال إلاّ على وجه واحد ؛ هو الإتيان للّه تعالى لما يترتّب عليها من الطهور .

فعليه لو كان الإجماع قائماً على بطلان التيمّم إذا اُتي به لمحض الأمر الغيري وللصلاة ، مع تجريده عن كافّة الغايات حتّى الكون على الطهارة ، فهو صحيح لو رجع إلى عدم قصد العبادية ، لكن لازمه بطلانه ولو وقع في الوقت أو في ضيقه .

كما أ نّه لو قلنا بصحّته وطهوريته إذا وقع بقصد التقرّب ؛ ولو جرّد عن قصد

كونه طهوراً - لغفلة أو جهل - لكان صحيحاً ولو قبل الوقت ؛ لأنّ ترتّب أثر الشيء عليه لا يتوقّف على قصده .

ولو قيل بقيام الإجماع على بطلانه للصلاة ولو كانت غاية الغاية ، وتكون الغاية الاُولى الطهور ، فهو منافٍ لما ادّعي من تسالمهم على صحّته إذا قصد غاية اُخرى ، إلاّ أن يرجع مرادهم إلى البطلان إذا كانت الصلاة غاية الغاية ، وهو بعيد ،

والمسألة مشكلة ، والاحتياط سبيل النجاة .

ص: 357


1- تقدّم في الصفحة 349 .
2- اُنظر جواهر الكلام 5 : 154 .
الأمر الثاني: في جواز البدار إلى التيمّم مع سعة الوقت
اشارة

لا إشكال ولا كلام في صحّة التيمّم في ضيق الوقت . وأمّا في سعته فعن المشهور عدم الجواز مطلقاً ، ولازم مقابلته للتفصيل الآتي ، هو عدم الجواز حتّى مع العلم باستمرار العجز ؛ وإن كان شمول إطلاق معاقد الإجماعات والشهرات المحكيّة لذلك ، محلّ تأمّل .

وكيف كان : قد نسب هذا القول تارة : إلى الأكثر ، كما عن «المنتهى» و«التذكرة» و«الذكرى» و«كشف الالتباس» و«جامع المقاصد» و«كشف اللثام»(1) واُخرى : إلى الأشهر ، كما عن «الدروس»(2) وثالثة : إلى المشهور ، كما عن «المختلف» و«المسالك»(3) وجملة اُخرى من الكتب(4) ورابعة : إلى

ص: 358


1- منتهى المطلب 3 : 51 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 200 ؛ ذكرى الشيعة 2 : 253 ؛ كشف الالتباس 1 : 377 ؛ جامع المقاصد 1 : 500 ؛ كشف اللثام 2 : 482 .
2- الدروس الشرعية 1 : 132 .
3- مختلف الشيعة 1 : 253 ؛ مسالك الأفهام 1 : 114 .
4- روض الجنان 1 : 328 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 46 .

الإجماع ، كما في «الانتصار» وعن «الناصريات» وعن ظاهر «الغنية» و«شرح جمل السيّد» للقاضي و«أحكام الراوندي»(1) .

وعن جماعة الجواز مطلقاً ، كالعلاّمة في «المنتهى» و«التحرير» و«الإرشاد» والشهيد في «البيان» والأردبيلي والخراساني والكاشاني(2) . وعن «الذكرى» حكايته عن الصدوق وظاهر الجعفي والبَزنطي(3) . وفي «مفتاح الكرامة»(4) : الحاكي عن الصدوق جماعة من الأصحاب ، منهم العلاّمة في جملة من كتبه(5) والمحقّق في «المعتبر»(6) . وعن «حاشية الإرشاد» و«المدارك» : «أ نّه قويّ متين»(7) . وعن «المهذّب البارع» : «أ نّه مشهور كالقول الأوّل»(8) . وحُكي(9)

ص: 359


1- ا لانتصار : 122 -123 ؛ مسائل ا لناصريات : 157 ؛ غنية ا لنزوع 1 : 64 ؛ اُنظر شرح جمل العلم والعمل : 61 ؛ فقه القرآن 1 : 37 .
2- منتهى المطلب 3 : 53 ؛ تحرير الأحكام 1 : 147 ؛ إرشاد الأذهان 1 : 234 ؛ البيان : 86 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 223 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 45 ؛ مفاتيح الشرائع 1 : 63 .
3- اُنظر مفتاح الكرامة 4 : 468 ؛ ذكرى الشيعة 2 : 252 - 253 .
4- مفتاح الكرامة 4 : 468 .
5- تذكرة الفقهاء 2 : 200 ؛ منتهى المطلب 3 : 51 ؛ مختلف الشيعة 1 : 253 .
6- المعتبر 1 : 382 .
7- اُنظر مفتاح الكرامة 4 : 468 - 469 ؛ حياة المحقّق الكركي وآثاره ، حاشية إرشاد الأذهان 9 : 42 ؛ مدارك الأحكام 2 : 212 .
8- المهذّب البارع 1 : 202 .
9- مفتاح الكرامة 4 : 469 .

إطباق جمهور العامّة عليه(1) .

وعن جماعة الجواز مع العلم باستمرار العجز ، وعدمه مع عدمه ، وهو المحكيّ عن «المعتبر» و«التذكرة» و«الفخرية» و«اللمعة» وجملة اُخرى(2) . وعن «جامع المقاصد» : «أنّ عليه أكثر المتأخّرين»(3) وعن «الروضة» : «أ نّه الأشهر بين المتأخّرين»(4) .

وربّما يفصّل بين العلم بارتفاع العجز وعدمه ، كما اختاره جماعة من متأخّري المتأخّرين(5) . وهو محتمل قول من قال بالجواز مطلقاً ؛ بدعوى انصرافه عن هذه الصورة .

وكيف كان : فالمتّبع هو الأدلّة اللفظية ؛ إذ تحصيل الإجماع أو الشهرة المعتبرة في مثل تلك المسألة التي تراكمت فيها الآراء والأدلّة ، مشكل .

ثمّ إنّ لازم ما ذكرناه في الأمر الأوّل ، هو جواز التيمّم في سعة الوقت وصحّته ، لكن لمّا وردت أدلّة كثيرة في هذه المسألة ، فلا بدّ من استئناف الكلام فيها والنظر في الأدلّة ومقتضاها :

ص: 360


1- الاُمّ 1 : 46 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 243 ؛ الشرح الكبير ، ذيل المغني 1 : 275 و276 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 4 : 469 ؛ المعتبر 1 : 383 - 384 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 201 ؛ اللمعة الدمشقية : 31 ؛ نهاية الإحكام 1 : 216 ؛ غاية المرام 1 : 92 ؛ حياة المحقّق الكركي وآثاره ، الرسالة الجعفرية 4 : 151 .
3- جامع المقاصد 1 : 500 .
4- الروضة البهيّة 1 : 459 .
5- العروة الوثقى 2 : 216 ، مسألة 3 ؛ اُنظر مستمسك العروة الوثقى 4 : 447 .
التمسّك بالآية لجواز البدار مطلقاً

فنقول : يمكن الاستدلال للجواز مطلقاً بإطلاق الآية الكريمة(1) .

وقد استشكل على الاستدلال بها علم الهدى في «الانتصار» بما ملخّصه :

أنّ المراد من قوله تعالى : )إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ( إذا أردتم القيام ، بلا خلاف ، ثمّ أتبع ذلك بحكم العادم للماء ، فمن تعلّق بالآية لجواز التيمّم في أوّل الوقت ، لا بدّ أن يدلّ على جواز إرادته القيام للصلاة ، فإنّا نخالف ذلك ونقول : ليس لمن عدم الماء أن يريدها أوّل الوقت ، وإرادة الصلاة شرط في الجملتين ، وإلاّ لزم وجوب التيمّم على المريض والمسافر إذا أحدثا وإن لم يريدا الصلاة ، وهذا لا يقول به أحد(2) ، انتهى .

أقول : ظاهر الآية الشريفة أنّ إرادة القيام للصلاة - على فرض شرطيتها للوضوء والغسل والتيمّم - على نسق واحد ؛ وأنّ في كلّ مورد أراد القيام للصلاة فيجب عليه الطهارة المائية ، ومع فقدان الماء تقوم الترابية مقامها من غير تفكيك بين الموارد ، ولازمه أ نّه إذا أراد القيام للصلاة في أوّل الوقت ، يجب عليه الوضوء

أو الغسل ، ومع فقدان الماء يجب عليه التيمّم ، والتفكيك بينهما خلاف المتفاهم العرفي .

مع أنّ قوله : )إِذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَوةِ( ليس مسوقاً لإفادة شرطية القيام إلى الصلاة للوضوء أو التيمّم ، أو وجوبهما ، بل مسوق لإفادة شرطية الطهور للصلاة ،

ص: 361


1- المائدة (5) : 6 .
2- الانتصار : 123 - 124 .

كما هو المتفاهم عرفاً في مثل تلك التراكيب ، سيّما في مثل العناوين الآلية

والطريقية المأخوذة في تلو الشرط ، فلا يفهم من مثل «إذا أردت الصلاة ، أو إذا قمت إلى الصلاة ، استر عورتك ، أو توجّه إلى القبلة» إلاّ أ نّهما دخيلان في تحقّقها ، لا أنّ القيام والإرادة شرط لوجوبهما .

وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في إطلاق الآية الكريمة ؛ وأ نّه مع عدم وجدان الماء مطلقاً يقوم التيمّم مقام الوضوء والغسل ، والتقييد بعدم وجدانه إلى آخر الوقت ، يحتاج إلى دليل .

وممّا يوجب تحكيم إطلاقها قوله تعالى في ذيل حكم التيمّم : )مَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ( حيث يدلّ على أنّ تشريع التيمّم لدفع الحرج عن المريض وغيره ، ومعه كيف يمكن تحميل لزوم الصبر على المريض والفاقد إلى نصف الليل أو آخره ، وهل هذا إلاّ تحريج وتضييق فوق تحميل الوضوء ، ومعه كيف يمنّ عليه بعدم جعل الحرج وإرادته ؟!

والإنصاف : أنّ إطلاق الآية في غاية القوّة ، خصوصاً مع ضمّ ذيلها إليه ، وهو يقتضي عدم الفرق بين العلم بزوال العذر وعدمه ، ودعوى الانصراف عن صورة العلم غير مسموعة .

هذا حال الآية .

التمسّك بالروايات لجواز البدار مطلقاً

وأمّا الروايات ، فما دلّت على صحّته في السعة على طوائف :

منها : ما دلّت بإطلاقها عليها ، مع التصريح بعدم لزوم الإعادة ، كصحيحة الحلبي : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل إذا أجنب ولم يجد الماء ، قال :

ص: 362

«يتيمّم بالصعيد ، فإذا وجد الماء فليغتسل ولا يعيد»(1) .

وصحيحته الاُخرى قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «إذا لم يجد الرجل

طهوراً وكان جنباً ، فليتمسّح من الأرض وليصلّ ، فإذا وجد ماءً فليغتسل ، وقد أجزأته صلاته التي صلّى»(2) ومثلها صحيحة ابن سِنان(3) وقريب منها غيرها .

ومنها : ما دلّت على صحّته ، مع التصريح بسعة الوقت وعدم لزوم الإعادة ، كموثّقة أبي بصير قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل تيمّم وصلّى ، ثمّ بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت ، فقال : «ليس عليه إعادة الصلاة»(4) .

وصحيحة يعقوب بن سالم أو موثّقته(5) ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في رجل

ص: 363


1- الفقيه 1 : 57 / 213 ؛ وسائل الشيعة 3 : 366 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 63 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 367 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 193 / 556 ، و : 197 / 572 ؛ وسائل الشيعة 3 : 368 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 7 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 195 / 565 ؛ وسائل الشيعة 3 : 369 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 11 .
5- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن الحسن بن علي ، عن علي بن أسباط ، عن يعقوب بن سالم . الحسن بن علي مشترك بين الحسن بن علي بن زياد الوشاء والحسن بن علي بن عبداللّه ابن المغيرة وهما إماميان ثقتان ، وبين الحسن بن علي بن فضّال وهو فطحي ثقة ، وعلي بن أسباط ثقة وكان فطحياً واختلف في رجوعه عن الفطحية . رجال النجاشي : 39 / 80 ، و :62 / 147 ، و : 34 / 72 ، و :252 / 663 ؛ اختيار معرفة الرجال : 562 / 1061 ؛ تنقيح المقال 2 : 268 / السطر14 .

تيمّم وصلّى ، ثمّ أصاب الماء وهو في وقت ، قال : «قد مضت صلاته ، وليتطهّر»(1) .

ورواية علي بن سالم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت له : أتيمّم واُصلّي ، ثمّ أجد الماء وقد بقي عليّ وقت ؟

فقال : «لا تعد الصلاة ؛ فإنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد»(2) .

وصحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : فإن أصاب الماء وقد صلّى بتيمّم وهو في وقت ؟ قال : «تمّت صلاته ، ولا إعادة عليه»(3) .

وجعلُ قوله : «هو في وقت» متعلّقاً ب- «صلّى»(4) في غاية البعد ، خصوصاً مع تعقّبه ب- «لا إعادة عليه» .

إلى غير ذلك، كرواية معاوية بن ميسرة(5) ومرسلة حسين العامري عمّن سأله(6)،

ص: 364


1- تهذيب الأحكام 1 : 195 / 563 ؛ وسائل الشيعة 3 : 370 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 14 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 202 / 587 ؛ وسائل الشيعة 3 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 17 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 194 / 562 ؛ وسائل الشيعة 3 : 368 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 9 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 194 ، ذيل الحديث 562 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 195 / 564 ؛ وسائل الشيعة 3 : 370 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 13 .
6- تهذيب الأحكام 1 : 193 / 557 ؛ وسائل الشيعة 3 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 19 ، الحديث 2 .

والعيّاشي عن أبي أيّوب عن أبي عبداللّه علیه السلام (1) بل رواية داود الرقّي(2) التي لا يبعد أن تكون صحيحة ، بل لا يبعد أن تكون صحيحة ابن مسلم(3) والعيص(4) ظاهرتين في بقاء الوقت .

ومنها : ما دلّت على صحّته ، مع الأمر بالإعادة مع رفع العذر في الوقت ، كصحيحة عبداللّه بن سنان : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة ، ويخاف على نفسه التلف إن اغتسل ، فقال : «يتيمّم ويصلّي ، فإذا أمن من البرد اغتسل وأعاد الصلاة»(5) ونظيرها مرسلة جعفر بن بشير عن أبي عبداللّه علیه السلام (6) .

وصحيحةِ يعقوب بن يقطين قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل تيمّم فصلّى ، فأصاب بعد صلاته ماءً ، أيتوضّأ ويعيد الصلاة ، أم تجوز صلاته ؟

ص: 365


1- تفسير العيّاشي 1 : 244 / 143 ؛ وسائل الشيعة 3 : 378 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 19 ، الحديث 6 .
2- الكافي 3 : 64 / 6 ؛ وسائل الشيعة 3 : 342 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 2 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 197 / 571 ؛ وسائل الشيعة 3 : 370 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 15 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 197 / 569 ؛ وسائل الشيعة 3 : 370 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 16 .
5- الفقيه 1 : 60 / 224 ؛ وسائل الشيعة 3 : 366 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 2 .
6- الكافي 3 : 67 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 367 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 6 .

قال : «إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضّأ وأعاد ، فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه»(1) .

وموثّقةِ منصور بن حازم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في رجل تيمّم فصلّى ، ثمّ أصاب الماء ، فقال : «أمّا أنا فكنت فاعلاً ، إنّي كنت أتوضّأ واُعيد»(2) .

ولا يخفى تعيّن حمل الإعادة في الوقت على الاستحباب ؛ بقرينة نصوصية الطائفة المتقدّمة في عدم وجوب الإعادة ، بل الرواية الأخيرة مشعرة أو ظاهرة في الاستحباب ، فحينئذٍ تكون جميع تلك الطوائف من أدلّة صحّة التيمّم في سعة الوقت .

كما أنّ أوجه المحامل في الروايات التي استدلّ بها على عدم صحّته في السعة ، الحملُ عليه لو سلّمت دلالتها على مقصودهم . لكن يمكن الخدشة فيها :

الخدشة في الروايات المستدلّ بها على عدم جواز البدار مطلقاً

أمّا صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سمعته يقول : «إذا لم تجد ماءً وأردت التيمّم ، فأخّر التيمّم إلى آخر الوقت ، فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض»(3) .

ص: 366


1- تهذيب الأحكام 1 : 193 / 559 ؛ وسائل الشيعة 3 : 368 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 8 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 193 / 558 ؛ وسائل الشيعة 3 : 368 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 10 .
3- الكافي 3 : 63 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 384 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 22 ، الحديث 1 .

فلإمكان أن يقال فيها : إنّ قوله : «فإن فاتك . . .» إلى آخره الذي هو بمنزلة العلّة لقوله : «أخّر التيمّم» ظاهر في أنّ التيمّم في سعة الوقت مع عدم وجدان الماء ، محصّل للطهور المحتاج إليه ، لكن الأمر بالتأخير لاحتمال وجدان الماء الذي هو المصداق الأرجح .

وبعبارة اُخرى : أنّ التراب إذا كان في سعة الوقت غير محصّل للطهارة ، ويكون كالخشب في ذلك ، وإنّما تختصّ طهوريته بآخر الوقت ، فلا يناسب أن يقال : «فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض» فإنّ هذا الكلام إنّما يقال فيما إذا كان المصداق المرجوح ميسوراً في جميع الوقت المضروب ، والمصداق الراجح محتملَ الوجود ، وأمّا إذا كان المصداق المرجوح غير ميسور وغير صحيح إلاّ آخر الوقت ، فلا يقال بتلك العبارة .

ألا ترى أ نّه إذا قيل لأحد : «أخّر الغذاء ؛ فإنّه إذا فاتك اللحم لم يفتك

الخبز» كان ظاهراً في أنّ الخبز مصداق المطلوب مطلقاً ، لكن الأرجح تأخير الأكل لانتظار حصول المطلوب الأرجح ، ولا يقال ذلك فيما إذا لم يكن الخبز صالحاً للطعام إلاّ في آخر الوقت ، والمرجع في مثله العرف . وبه يجاب عن موثّقتي عمّار(1) .

وما ذكرناه وإن ثقل على بعض الأسماع ، لكن بالمراجعة إلى أشباهه في المخاطبات يرفع الاستبعاد ، فتأمّل .

ص: 367


1- الصحيح هو موثّقتي «ابن بكير» . قرب الإسناد : 170 / 623 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 404/ 1265 ؛ وسائل الشيعة 3 : 384 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 22 ، الحديث 3 و4 .

وأمّا صحيحة زرارة ، عن أحدهما قال : «إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم وليصلّ في آخر الوقت»(1) .

فالظاهر منها وجوب الطلب إلى آخر الوقت ، وهو - مع مخالفته لتحديده بغلوة سهم أو سهمين(2) - مخالف لفتوى الأصحاب(3) ، فلا بدّ من حملها على الاستحباب أو تأويلها ؛ بأن يقال : إنّ المراد منه أ نّه يجب الطلب إذا كان في الوقت وكان واسعاً له ؛ من غير تعرّض لمقدار الطلب ، ومع عدم سعته له يتيمّم ، فحينئذٍ تدلّ على جواز التيمّم في سعته ؛ لأنّ قوله : «فليطلب إذا كان في سعة» ظاهر في أ نّه يتيمّم بعد الطلب في سعته ، خصوصاً مع مقابلته لخوف الفوت ، فكأ نّه قال : «مع خوف الفوت يتيمّم بلا طلب ، ومع سعته بعد الطلب» .

نعم ، بناءً على رواية «فليمسك»(4) تدلّ على المطلوب في الجملة .

حول التفصيل بين رجاء رفع العذر وعدمه

ثمّ إنّه بناءً على الغضّ عمّا ذكرنا في الروايات المانعة ، فلا شبهة في أنّ محطّها هو فيما إذا احتمل العثور على الماء :

أمّا فيما علّل بقوله إنّه : «إن فاتك الماء لم تفتك الأرض» فظاهر .

ص: 368


1- الكافي 3 : 63 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 192 / 555 ، و : 203 / 589 ؛ وسائل الشيعة 3 : 366 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 3 .
2- كما في رواية السكوني . راجع وسائل الشيعة 3 : 341 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 1 ، الحديث 2 ، وتقدّم أيضاً في الصفحة 35 .
3- جواهر الكلام 5 : 80 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 194 / 560 .

وأمّا صحيحة زرارة بناءً على رواية «فليمسك» فلأنّ العرف لا يفهم من لزوم الإمساك والتأخير إلى آخر الوقت موضوعيته ؛ بعد كون الصلاة مع الوضوء والغسل فرد المطلوب الأعلى ، وبعد العلم بأنّ المنظور الأصلي في تلك الروايات هو الصلاة مع الطهور إمّا بالماء ، أو بالتيمّم ، فمعه لا يشكّ العرف في أنّ

الأمر بالإمساك إلى آخر الوقت والتيمّم عند خوف فوت الوقت ، ليس إلاّ لاحتمال حصول المطلوب الأعلى ، لا لمطلوبية الإمساك نفساً ، أو اشتراط التيمّم بضيق الوقت .

ومنه يعلم : أنّ الروايات المشتملة على التعليل المتقدّم لو لم تكن مذيّلة به ، يفهم منها أنّ الأمر بالتأخير إنّما هو لأجل احتمال الوصول إلى المطلوب الأعلى ؛ وهو الصلاة مع المائية ، وهذا واضح لدى التأمّل .

فحينئذٍ قد يقال(1) في مقام الجمع بين هذه الطائفة والروايات المتقدّمة ؛ بتقييدها بهذه الطائفة ، فتحمل تلك الروايات والآية الكريمة على مورد العلم بفقدان الماء ، فيفصّل بين رجاء رفع العذر وعدمه ، كما تقدّم نقل اشتهاره بين المتأخّرين من أصحابنا (2) .

لكن الإنصاف : أنّ هذا النحو من الجمع والتقييد في غاية الوهن ؛ لعدم إمكان حمل الآية والروايات - التي ربّما بلغت عشرين كلّها في مقام البيان وتعيين الوظيفة ؛ من غير إشارة إلى هذا القيد النادر التحقّق - على هذا المورد ، سيّما ما

اشتملت على التعليل ب- «إنّ ربّ الماء هو ربّ التراب» كصحيحة ابن مسلم قال :

ص: 369


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 236 .
2- تقدّم في الصفحة 360 .

سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل أجنب ، فتيمّم بالصعيد وصلّى ، ثمّ وجد الماء ، قال : «لا يعيد ؛ إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد ، فقد فعل أحد الطهورين»(1) وقريب منها رواية معاوية بن ميسرة(2) وعلي بن سالم(3) .

وبالجملة : تقييد الآية والروايات المستفيضة بل المتواترة بهذا القيد ، من أبعد المحامل .

وتوهّم : أنّ محيط ورودها لمّا كان قليل الماء ، سيّما في المسافرات البعيدة في البوادي التي قلّت فيها المياه والمعمورة ، فلا مانع من الحمل على صورة العلم بالعدم ؛ لعدم ندرة الفرض .

فاسد ؛ بعد كون جزيرة العرب محاطة بالبحار ؛ وفي معرض الأمطار الكثيرة الغزيرة المعهودة فيها في كثير من الأوقات ، فكيف يمكن دعوى شيوع العلم بذلك أو عدم ندرته ؛ بحيث لا يستهجن ورود المطلقات الكثيرة فيه في مقام البيان ؟!

هذا مع أنّ السائلين لم يكونوا من أهل الجزيرة غالباً ، كزرارة ومحمّد ابن مسلم وليث المرادي ومنصور بن حازم الكوفيين ، والحلبي ويعقوب بن يقطين البغدادي وغيرهم ، فالحمل المذكور غير وجيه ، بخلاف حمل الأخبار المانعة على الاستحباب ؛ حملاً للظاهر على النصّ ، على فرض تسليم الظهور

ص: 370


1- تهذيب الأحكام 1 : 197 / 571 ؛ وسائل الشيعة 3 : 370 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 15 .
2- تقدّمت تخريجه في الصفحة 364 .
3- تقدّمت في الصفحة 364 .

اللغوي في الوجوب ، مع أ نّه محلّ كلام ، كما قُرّر في محلّه(1) .

فلا إشكال في هذا الحمل ، سيّما مع وجود شواهد في نفسها عليه ، ففي رواية محمّد بن حُمران ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت له : رجل تيمّم ، ثمّ دخل في الصلاة ، وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ، ثمّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة ، قال : «يمضي في الصلاة ، واعلم أ نّه ليس ينبغي لأحد أن يتيمّم إلاّ في آخر الوقت»(2) .

فإنّ قوله : «واعلم أ نّه . . .» إلى آخره - بعد الأمر بالمضيّ في الصلاة من غير استفصال - كالنصّ في عدم الإلزام ، فالتفصيل بين العلم باستمرار العذر وعدمه ضعيف .

حول التفصيل بين العلم برفع العذر وعدمه

كما أنّ الأقرب بحسب إطلاق الأدلّة ، عدم الفرق بين العلم بزوال العذر وعدمه ، ودعوى الانصراف إلى صورة عدم العلم برفعه(3) ، في غير محلّها .

نعم ، الإنصاف انصراف الأدلّة عن بعض الموارد بلا إشكال ، كما لو منعه الزِحام عن الوصول إلى الماء إلاّ بعد ساعة ، أو كانت نوبته في الاغتراف من الشريعة بعد اغتراف من سبقه وتقدّم عليه وأمثال ذلك .

بل لا يبعد أن يكون الأمر بالإعادة في موثّقة سماعة - عن أبي عبداللّه علیه السلام

ص: 371


1- مناهج الوصول 1 : 189 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 203 / 590 ؛ وسائل الشيعة 3 : 382 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 21 ، الحديث 3 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 237 .

عن أبيه ، عن علي علیه السلام : «أ نّه سئل عن الرجل يكون في وسط الزِحام يوم الجمعة أو يوم عرفة ، فأحدث أو ذكر أ نّه على غير وضوء ، ولا يستطيع الخروج من كثرة الزحام ، قال : يتيمّم ويصلّي معهم ، ويعيد إذا هو انصرف»(1) وقريب منها موثّقة السكوني(2) - لأجل العلم برفع العذر بعد انصراف الجماعة ،

فيجب عليه الإعادة ، وتدلّ على التفصيل المتقدّم .

والأمر بالصلاة معهم لكون التخلّف عن جماعتهم خلاف التقيّة ، والاعتذار بعدم الوضوء لعلّه كان غير مقبول عندهم .

والأمر بالتيمّم وإن كان ظاهراً في صحّة صلاته في هذا الحال ، ولهذا حملوا الإعادة على الاستحباب(3) ، لكن حمل الأمر بالتيمّم والصلاة معهم عليه ، أولى

من حمل الإعادة عليه بعد انصراف الأدلّة عن مثل هذا العذر الذي يرفع بعد ساعة ، ولهذا لو كان الزحام لأمر آخر يمنعه عن الوضوء مقدار ساعة ، لا يمكن الالتزام بصحّة التيمّم والصلاة ، وكذا لو منعه مانع منه مقدار ساعة .

نعم ، لو قلنا بوجوب الجمعة تعييناً ، فالظاهر صحّته وصحّة صلاته ؛ لخروج وقتها ، كما لو منعه زحام أو غيره عند ضيق الوقت صحّ تيمّمه وصلاته . لكنّ الروايتين ظاهرتان في جمعة الناس ، ومع إقامتهم لا تجب علينا تعييناً ، بل في

ص: 372


1- تهذيب الأحكام 3 : 248 / 678 ؛ وسائل الشيعة 3 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 15 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 185 / 534 ؛ وسائل الشيعة 3 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 15 ، الحديث 1 .
3- مفاتيح الشرائع 1 : 63 ؛ وسائل الشيعة 3 : 371 ، ذيل الحديث 2 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 330 .

وجوبها تعييناً حتّى في زمان الحضور وبسط يد الوالي بالحقّ ، أيضاً كلام وإن أرسلوه ظاهراً إرسال المسلّمات(1) .

فالأقرب التفصيل بين العلم برفع العذر وعدمه . وكونه في بعض الفروض النادرة موجباً للحرج ، غير مضرّ بعد رفعه بدليله .

حول حصر محلّ الخلاف في غير المتيمّم

ثمّ إنّه حكي(2) عن صريح جماعة(3) وظاهر آخرين(4) : «أنّ محلّ الخلاف في المسألة في غير المتيمّم ، وأمّا من كان متيمّماً في أوّل الوقت لصلاة ضاق وقتها أو

لغاية اُخرى ، صحّت صلاته في أوّل وقتها ؛ لوجود المقتضي ورفع المانع» .

ويظهر ممّا ذكر أنّ المانع من تعجيل الصلاة ، هو فقدان الطهور وشرطية ضيق الوقت لصحّة التيمّم ، وأمّا مع حصول الطهور بوجه آخر فلا يبقى مانع ، فحينئذٍ لا ثمرة للنزاع ، كما لا يخفى .

وهذا النحو من البحث وإن أمكن احتماله في كلمات الفقهاء - على بعد في خصوص الفرع بالنظر إلى إطلاق كلماتهم ظاهراً ، بل الظاهر من السيّد في «الناصريات» أ نّه لا يجوز الصلاة بالتيمّم إلاّ في آخر الوقت ، كما لا يجوز التيمّم

أيضاً إلاّ في آخره(5) - لكن غير ممكن في الروايات :

ص: 373


1- راجع جواهر الكلام 11 : 151 .
2- جواهر الكلام 5 : 165 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 240 .
3- المبسوط 1 : 33 - 34 ؛ الروضة البهيّة 1 : 137 ؛ مدارك الأحكام 2 : 212 .
4- الدروس الشرعية 1 : 132 ؛ جامع المقاصد 1 : 502 .
5- مسائل الناصريات : 156 .

أمّا أوّلاً : فلأنّ الظاهر من روايات المضايقة(1) هو الأمر بتأخير التيمّم لتحصيل الفرد الأكمل الاختياري من الصلاة ، لا لأجل عدم حصول الطهور . بل لو فرض اشتراط حصوله بتحقّق الضيق أيضاً ، يكون لأجل الصلاة لا للطهور ، والعرف الملتفت إلى أنّ المنظور الأصلي هو الصلاة ، والطهارات شرائط لها ، لا مطلوبات نفسية إلزامية ، لا يفهم من الأمر بالتأخير إلاّ التحفّظ على الصلاة المطلوبة ذاتاً مع الطهارة المائية ، ولا ينقدح في ذهنه اشتراط الطهور بالوقت بل لو صرّح بالاشتراط لا ينقدح في ذهنه إلاّ مراعاة حال الصلاة مع المائية .

فحينئذٍ لو أخذنا بتلك الروايات الواردة في المضايقة ، وأغمضنا عمّا تقدّم ، فلا محيص عن القول بلزوم تأخير الصلاة إلى آخر الوقت ؛ رجاءً لتحصيل الطهارة المائية .

هذا ، مضافاً إلى أنّ الظاهر من قوله في صحيحة زرارة : «فليتيمّم وليصلّ في آخر الوقت»(2) وقوله في موثّقة ابن بكير ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل أجنب ، فلم يجد ماءً ، يتيمّم ويصلّي ؟ قال : «لا ، حتّى آخر الوقت»(3) أنّ الصلاة يجب أن تكون في آخر الوقت أيضاً ، تأمّل .

مع أنّ قوله في تلك الروايات : «إن فاته الماء لم تفته الأرض»(4) ظاهر في

ص: 374


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 384 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب22 .
2- تقدّمت في الصفحة 368 .
3- قرب الإسناد : 170 / 623 ؛ وسائل الشيعة 3 : 385 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 22 ، الحديث 4 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 384 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 22 ، الحديث 1 ، 3 و4 .

فوت المصلحة الصلاتية ، لا المصلحة النفسية للطهارة ، كما لا يخفى على المتأمّل .

وأمّا ثانياً : فلأ نّه لو كان تحصيل الطهور بوجه آخر وغاية اُخرى ، رافعاً للمانع ، ولم يكن للأمر بتأخير الصلاة والتيمّم إلى آخر الوقت ، موجب إلاّ فقد الطهور الممكن الحصول بغاية اُخرى ، لما أمروا بتأخيرها مع الاهتمام العظيم بالتحفّظ على الصلاة في أوائل أوقاتها بما كاد أن يلحقه بالواجبات فكان على الأئمّة علیهم السلام التنبيه على ذلك ؛ حفظاً لأهمّية أوّل الوقت ، لا الأمر بالتأخير بقول مطلق ، فيظهر من ذاك وذا : أنّ المهمّ في نظر الشارع مراعاة إيجاد الصلاة مع المائية ، وليس الأمر بالتأخير لعدم حصول الطهور .

فالأقوى بناءً على القول بوجوب التأخير ، وجوبه مطلقاً ولو كان الطهور محقّقاً في أوّل الوقت .

نعم ، لا شبهة في عدم وجوب تجديد التيمّم في آخر الوقت ، إذا وجد صحيحاً في أوّله أو قبله في ضيق الوقت مثلاً ، كما صرّحت به الروايات(1) خلافاً لبعض العامّة(2) .

المراد ب- «آخر الوقت» في المقام

ثمّ إنّه قد يقال : إنّ المراد ب- «آخر الوقت» الذي يجب أو ينبغي مراعاته ، هو آخره عرفاً ؛ بحيث يقال : «إنّه أتى بها في آخره» فيصدق ذلك إذا أتى بها مع

ص: 375


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 379 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 20 .
2- المغني ، ابن قدامة 1 : 266 .

الآداب المتعارفة، بل واختيار الفرد الطويل مع التخيير بينه وبين القصير، بل

وإتيان بعض المقدّمات المتعارفة(1) .

ومستندهم فيه هو الأخبار الحاكمة بتأخير التيمّم إلى آخر الوقت المحمولة على الآخر العرفي ، كما هو الشأن في جميع العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام .

ويمكن أن يقال : إنّ الأخبار الواردة في لزوم التأخير فرضاً ، لا يفهم منها إلاّ الإرشاد إلى ما حكم به العقل ، وهو - مع قطع النظر عن الأدلّة الخاصّة - يحكم بوجوب الصلاة بالفرد الاختياري من دلوك الشمس إلى آخر الوقت ، ومع التعذّر عنه جزماً لا احتمالاً ، يجتزئ بالاضطراري ، فيحكم فيما إذا كان للصلاة فرد طويل وقصير مع الاحتمال المعتدّ به برفع العذر ، بالانتظار ، لا الإتيان بالطويل ، كما أ نّه يحكم بالاكتفاء بالواجبات وترك الآداب ؛ حفظاً للغرض الأعلى والفرد الاختياري ، والظاهر أنّ الأخبار وردت للإرشاد ، لا للتوسعة لما يدركه العقل .

لزوم الإعادة مع انكشاف سعة الوقت

ثمّ إنّ ظاهر الأخبار أنّ اللازم هو التأخير إلى آخر الوقت ، وهو الموضوع للحكم ، والأمر بالتيمّم والصلاة مع خوف الفوت ، إنّما هو لترجيح الوقت على الطهارة المائية عند احتمال فوته ، لا لموضوعية في خوف الفوت ، ومعه لو انكشف سعة الوقت بقدر تحصيل المائية ، تجب عليه الإعادة .

ص: 376


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 239 .

بل لا يبعد وجوبها لو وسع للترابية أيضاً ؛ لعدم تحقّق الشرط لو قلنا : بأنّ الضيق لها أو لصحّة الصلاة أيضاً .

لكن الذي يسهّل الخطب أنّ القول بالمضايقة ضعيف ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط .

ولا يخفى : أنّ القائل بالمضايقة ، لا يكون عاملاً بالأخبار الدالّة على عدم لزوم الإعادة ولو مع بقاء الوقت(1) ؛ إمّا بحملها على التقيّة ؛ لمطابقتها لجمهور الناس ، أو لغير ذلك ، ومعه لا وجه لردّ قوله في هذه المسألة تشبّثاً بتلك الروايات ، فقولُ بعض أهل التحقيق - ردّاً على الشيخ القائل بالإعادة(2) - «بأ نّه ضعيف محجوج بالأخبار المصرّحة بعدم الإعادة»(3) كأ نّه وقع في غير محلّه .

ص: 377


1- تقدّمت الروايات في الصفحة 363 - 364.
2- المبسوط 1 : 31 ؛ النهاية : 47 - 48 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 240 .
الأمر الثالث: في إجزاء صلاة المتيمّم عن الإعادة والقضاء
اشارة

من صلّى بتيمّم صحيح لا يجب عليه الإعادة ولا القضاء ؛ لاقتضاء الأمر الإجزاء . ومحلّ الكلام ما إذا قلنا بصحّة صلاته مع التيمّم ؛ إمّا لأجل القول بالمواسعة ، أو للبناء على صحّة صلاته مع التيمّم لغاية اُخرى ، أو مع بقائه من الوقت السابق .

وبعبارة اُخرى : بعد الفراغ عن المسألة السابقة ، ففي كلّ مورد صحّحنا تيمّمه وصلاته فصلّى بتيمّم ، لا يجب عليه الإعادة ، فضلاً عن القضاء ؛ سواء قلنا بأنّ الشرط قابل للجعل المستقلّ ؛ ولا يحتاج إلى انتزاعه من الأمر بالمركّب مقيّداً به ، أو لا :

أمّا على الأوّل فواضح ؛ لأنّ الظاهر من الآية الكريمة(1) أ نّها بصدد جعل شرطية الطهور للصلاة المأمور بها مع الوضوء والغسل ، ومع فقدان الماء مع التيمّم ، فتكون الصلاة طبيعة واحدة ذات أمر واحد ، ولها مصاديق اختيارية

ص: 378


1- المائدة (5) : 6 .

واضطرارية ، فمع طروّ الاضطرار يكون المكلّف مخيّراً - مع سعة الوقت - بين

إتيان الصلاة المأمور بها بفردها الاضطراري ، أو الصبر والإتيان بالفرد الاختياري ، وليس المصداق الاختياري والاضطراري مأموراً به بل لا يكون إلاّ أمر واحد متعلّق بنفس الطبيعة ، ولا يعقل بقاؤه مع الإتيان بمتعلّقه ؛ سواء أتى بالفرد الاختياري منها أو الاضطراري ، ومع فرض إمكان تعلّق الجعل المستقلّ بالشرطية والمانعية ، لا يجوز رفع اليد عن ظاهر الآية الدالّة على جعل شرطية الوضوء والغسل ، ولدى العذر التيمّم .

وأمّا على الثاني فلا محيص عن أمرين ؛ يتعلّق أحدهما بالواجد ، والآخر بالفاقد ، لكن الضرورة قائمة على أنّ الصلاة مطلوبة واحدة ، وتعدّد الأمر - فرضاً - إنّما هو لضيق الخناق وامتناع إفادة الشرطية إلاّ به ، وفي مثله لا يكون

المتعدّد كاشفاً عن كونها مع المائية مطلوبة ، ومع الترابية مطلوبة اُخرى مستقلّة .

وهذا نظير ما إذا قلنا بامتناع أخذ ما يجيء من قِبل الأمر ، كقصده في متعلّقه ، والتزمنا بأمرين ، فإنّ الأمر الثاني لا يكون إلاّ لتحديد المطلوب الأوّل ، ولا استقلال له ، فلا يكون تعدّد الأمر في المقام إلاّ لإفادة الشرطية في الحالين ،

ولتحديد المطلوب الأوّل .

فلا شبهة في استفادة الإجزاء من الآية ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ المكلّف إذا قام إلى الصلاة المأمور بها ، يجب عليه أن يأتي بها مع المائية ، ومع العذر مع الترابية ، ومع الإتيان بالاضطراري يكون آتياً بطبيعة المأمور بها . ومقتضى إطلاقها وإلغاء الخصوصية عرفاً - كما مرّ(1) - عدم الفرق بين السفر والحضر ،

ص: 379


1- تقدّم في الصفحة 31 .

ولا بين أسباب حصول الجنابة ولا غيرها ، فما عن القديمين من إيجاب الإعادة(1) - كما عن السيّد من الفرق بين الحاضر والمسافر ، فأوجبها في الأوّل(2) - ضعيف .

والظاهر أنّ مراد السيّد وجوب القضاء لا الإعادة ؛ لأنّ مذهبه - على ما في «الانتصار»(3) و«الناصريات» - عدم صحّة التيمّم والصلاة إلاّ في آخر الوقت ، ولهذا أورد على الناصر حيث قال : «فإن وجد الماء بعد ما فرغ من صلاته ، وهو في بقيّة من وقتها ، وجب عليه إعادتها» بقوله :

«إنّ هذا الفرع لا يشبه أصل من ذهب إلى أنّ الصلاة بالتيمّم لا تجوز إلاّ في آخر الوقت ، وإنّما يجوز أن يفرِّع هذا الفرع من يجوِّز الصلاة في سعة الوقت ، أو قبل تضييق الوقت ، وقد بيّنّا أنّ ذلك لا يجوز ، فلا معنى لهذا الفرع على مذهبنا ومذهب من وافقنا في أنّ الصلاة لا تجوز إلاّ في آخر الوقت»(4) انتهى .

ولعلّ وجه ذهابه إلى التفصيل أ نّه لم يعمل على أخبار المواسعة(5) ، وظنّ أنّ الآية الشريفة(6) تختصّ بالمسافر الفاقد ، وأخبار المضايقة(7) لم تتعرّض إلاّ

ص: 380


1- اُنظر ذكرى الشيعة 2 : 273 .
2- اُنظر المعتبر 1 : 365 .
3- الانتصار : 122 .
4- مسائل الناصريات : 160 .
5- تقدّمت في الصفحة 363 - 364 .
6- النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
7- راجع وسائل الشيعة 3 : 384 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 22 .

للزوم التأخير إلى آخر الوقت ، إلاّ صحيحة زرارة المختصّة بالمسافر(1) ، وفيها عدم لزوم القضاء عليه بعد الوجدان خارج الوقت .

وفيه : أنّ الآية وإن علّقت على المريض والمسافر ، لكن العرف - بالمناسبات المرتكزة في ذهنه - يلغي الخصوصية ، كما مرّ مراراً (2) ، كما يلغيها من الصحيحة أيضاً . هذا مضافاً إلى ما تقدّم من دلالة طوائف من الروايات على المقصود(3) ، ولا وجه لرفع اليد عنها بعد كون المسألة خلافية من لدن زمن قديم ، ولم يثبت إعراض الأصحاب عنها لو لم نقل بثبوت عدمه وتخلّل الاجتهاد في البين .

عدم الفرق بين تعمّد الجنابة وغيره في الإجزاء

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الآية والرواية ، عدم الفرق في الإجزاء بين تعمّد الجنابة والخشية من استعمال الماء وغيره .

فما حكي عن كتب الشيخ(4) و«المهذّب»(5) و«الإصباح»(6) و«روض الجنان»(7)

ص: 381


1- الكافي 3 : 63 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 192 / 555 ؛ وسائل الشيعة 3 : 366 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 3 ، وتقدّم أيضاً في الصفحة 368 .
2- تقدّم في الصفحة 31 و71 .
3- تقدّم في الصفحة 362 - 366 .
4- اُنظر مفتاح الكرامة 4 : 484 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 196 ، ذيل الحديث 568 ؛ الاستبصار 1 : 162 ، ذيل الحديث 560 ؛ النهاية : 46 ؛ المبسوط 1 : 30 .
5- المهذّب 1 : 48 .
6- إصباح الشيعة : 49 .
7- والموجود في النسخة الموجودة عندنا خلاف ذلك ولكن نقل عنه الفاضل الهندي وصاحب المفتاح ، والظاهر وجود اختلاف في النسخ ، ولذا صرّح صاحب مفتاح الكرامة بأنّ الموجود في النسخة التي عنده هو عدم الإعادة . روض الجنان 1 : 350 ؛ اُنظر كشف اللثام 2 : 487 ؛ مفتاح الكرامة 4 : 484 .

من لزوم الإعادة على المتعمّد ، وعن «المدارك»(1) : أنّ فيه قوّة ، غيرُ متّضح المدرك .

وصحيحة عبداللّه بن سنان : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة ، فيخاف على نفسه التلف إن اغتسل ، فقال : «يتيمّم ويصلّي ، فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد»(2) ، ومثلها مرسلة جعفر بن بشير(3) .

غير ظاهرة في المتعمّد ، لو لم نقل بظهورها في غيره . مع أنّ ظاهرها صحّة الصلاة مع التيمّم في هذه الحال ، ومعها يكون مقتضى القاعدة الإجزاء ، فتكون قرينة على حمل الأمر بالإعادة على الاستحباب ؛ لبعد كون الصلاة صحيحة ووجوب الإعادة تعبّداً .

ولو لم يسلّم ذلك فلا بدّ من حملها على الاستحباب ؛ جمعاً بينها وبين ما تقدّم من الأدلّة المتظافرة على عدم وجوب الإعادة(4) . والتفصيل بين فاقد الماء والمقام في غير محلّه . مع أنّ العرف يفهم من تلك الأدلّة أنّ تمام المناط ، هو صحّة صلاته مع التيمّم واقتضاء الأمر الإجزاء .

ص: 382


1- اُنظر مفتاح الكرامة 4 : 484 ؛ مدارك الأحكام 2 : 240 .
2- الفقيه 1 : 60 / 224 ؛ وسائل الشيعة 3 : 366 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 2 .
3- تقدّم تخريجها في الصفحة 365 .
4- تقدّمت في الصفحة 362 - 364 .

مضافاً إلى صحيحتي داود بن سرحان عن أبي عبداللّه علیه السلام (1) والبَزَنطي عن الرضا علیه السلام (2) : في الرجل يصيبه الجنابة ، وبه جروح أو قروح ، أو يخاف على نفسه من البرد ، فقال : «لا يغتسل ، ويتيمّم» .

فإنّه يفهم منهما - جزماً - صحّة الصلاة مع التيمّم وعدم لزوم الإعادة ؛ لقاعدة

الإجزاء . فحمل الأمر بالإعادة على الاستحباب أولى من التصرّف فيهما ، خصوصاً مع جعل الخائف قريناً مع المجروح والمقروح ، ممّا لم ينقل عن أحد وجوب الإعادة عليهما بعد الالتئام .

التفصيل بين التيمّم لأجل الخوف من الاستعمال وفقدان الماء

وممّا ذكرنا يظهر : أ نّه لا مجال للتفصيل بين وجود الماء والخوف على النفس

من استعماله ، وبين فقدان الماء ؛ بلزوم الإعادة بعد الصلاة مع التيمّم في الأوّل بدعوى : أنّ ذلك مقتضى الروايات ؛ لاختصاص ما دلّت على عدم الإعادة بفاقد الماء ، وما دلّت على الإعادة - أي صحيحة ابن سنان ومرسلة جعفر بن بشير - بالواجد الخائف .

وذلك لما عرفت : من أنّ الأمر بالتيمّم والصلاة في الروايتين ، دالّ على أنّ ما يأتي به في هذه الحال مع التيمّم ، هي الصلاة التي كانت على المسلمين

ص: 383


1- تهذيب الأحكام 1 : 185 / 531 ؛ وسائل الشيعة 3 : 348 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 8 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 196 / 566 ؛ وسائل الشيعة 3 : 347 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 5 ، الحديث 7 .

كتاباً موقوتاً ، لا صلاة اُخرى وجبت على خصوص الخائف تعبّداً ، وبقيت الصلاة المكتوبة على عامّة المسلمين بحالها ؛ يجب عليه إتيانها بعد رفع الخوف ، ومعه لا شبهة في سقوط الأمر عقلاً ؛ لحصول المأمور به بمصداقه الاضطراري .

إلاّ أن يدّعى : أنّ خصوص الخائف مكلّف من بين المسلمين بصلاتين ؛ إحداهما : مع المائية ، والاُخرى : مع الترابية ، والإتيان بالاُولى موجب لسقوط التكليف عن الثانية دون العكس ، وتكون الصلاتان في حقّ خصوص الخائف من الفرائض اليومية . وهو كما ترى .

أو يلتزم بكون المكتوبة عليه - كسائر المسلمين - صلاةً واحدةً ، وهي ساقطة

بإتيان الفرد الاضطراري ، لكن يجب تعبّداً إعادتها ، كاستحباب إعادة الصلاة جماعة بعد الإتيان بها فرادى . وهو أيضاً بمكان من البُعد لا يمكن الالتزام به .

وبعد بطلان الاحتمالات عقلاً وعرفاً ، لا محيص عن حمل الأمر بالإعادة على الاستحباب ولو لم يكن غير الروايتين شيء في الباب . مع أنّ الروايات الدالّة على عدم لزوم الإعادة على الفاقد ، تدلّ عرفاً على أنّ عدمها إنّما هو لأجل كون الصلاة مع التيمّم ، مصداقاً للمأمور به من غير دخالة للسبب فيه ، وإنّما السبب دخيل في حصول موضوع التيمّم ، لا في كون الصلاة معه مصداقاً للمأمور به .

وإن شئت قلت : إنّ العرف يفهم - مع إلغاء الخصوصية - أنّ تمام العلّة لعدم

لزوم الإعادة ، إنّما هو قيام التيمّم مقام المائية وتحقّق الطبيعة المأمور بها بإتيانها

معه ؛ من غير دخالة أسباب العذر والانتقال في ذلك .

ص: 384

هذا مع قطع النظر عن التعليلات الواردة فيها ، وأمّا مع النظر إليها - كقوله في صحيحة محمّد بن مسلم بعد الحكم بعدم الإعادة بعد وجدان الماء : «إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد ، فقد فعل أحد الطهورين»(1) - فالأمر أوضح ؛ لأنّ الظاهر منه أنّ تمام العلّة لعدم الإعادة ، هو فعل أحد الطهورين من غير دخالة شيء آخر فيه ، فحينئذٍ مع الأمر بالإتيان بالصلاة مع التيمّم عند الخوف على النفس ، لا مجال للتشكيك في حصول الطهور به وفعل أحد الطهورين ، فيندرج تحت العلّة المنصوصة ، ولا شبهة في أنّ التصرّف في الأمر بالإعادة بحمله على الاستحباب ، أهون من رفع اليد عن كلّ واحد ممّا تقدّم ، فضلاً عن مجموعه ، فلا إشكال في الحكم بحمد اللّه تعالى .

وجوب الإعادة مع العلم بزوال الزحام بعد ساعة مثلاً

ثمّ إنّ مقتضى ما ذكرناه وإن كان البناء على استحباب الإعادة فيمن منعه الزحام عن الوضوء - كما ذهب إليه جمع(2) بل لعلّه المعروف بينهم ، خلافاً للمحكيّ عن «النهاية» و«المبسوط» و«المقنع» و«الوسيلة» و«المهذّب» و«كشف اللثام»(3) فأوجبوا الإعادة بعد التيمّم والصلاة معهم ، ومستندهم موثّقة

ص: 385


1- تهذيب الأحكام 1 : 197 / 571 ؛ وسائل الشيعة 3 : 370 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 15 .
2- اُنظر الحدائق الناضرة 4 : 269 ؛ مفاتيح الشرائع 1 : 63 ؛ وسائل الشيعة 3 : 371 ، ذيل الحديث 2 .
3- النهاية : 47 ؛ المبسوط 1 : 31 ؛ المقنع : 27 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 70 ؛ المهذّب 1 : 48 ؛ كشف اللثام 2 : 490 .

سماعة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام عن أبيه ، عن علي علیه السلام : «أ نّه سئل عن الرجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة ، فأحدث أو ذكر أ نّه على غير وضوء ، ولا يستطيع الخروج من كثرة الزحام ، قال : يتيمّم ويصلّي معهم ، ويعيد إذا هو انصرف»(1) ، ونظيرها موثّقة السكوني(2) - لكن الالتزام بالانتقال إلى التيمّم مع العلم بزوال العذر بعد ساعة مثلاً بعيد .

ولو بنينا على الأخذ بظاهر الروايتين ، لكان الواجب على من منعه الزحام أو غيره عن الوصول إلى الماء مطلقاً ، الصلاةَ متيمّماً والإعادة ؛ لعدم الخصوصية في زحام عرفة جزماً .

ودعوى اختصاص الجواب بزحام الجمعة ، فيكون لها خصوصية ، في غير محلّها ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ الزحام في يوم الجمعة منعه عن الوضوء لصلاتها ، ويوم عرفة منعه عن الوضوء لفريضة الظهر أو العصر . بل الظاهر منهما أنّ الجمعة للناس ، ومعه لا تجب علينا تعييناً بلا إشكال ، بل المكلّف مخيّر بين الصلاة معهم جمعةً والفرادى ظهراً ، ومعه كيف تجب عليه الصلاة والإعادة معاً ؟! ولهذا قلنا : إنّ الظاهر من الروايتين لزوم الصلاة معهم تقيّة(3) .

ولعلّ الأمر بالتيمّم لأجل أنّ الدخول في الصلاة صورةً - أيضاً - يجب أو يستحبّ أن يكون مع الوضوء أو التيمّم ، كما لعلّه تشهد به رواية مسعدة بن صدقة

ص: 386


1- تهذيب الأحكام 3 : 248 / 678 ؛ وسائل الشيعة 3 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 15 ، الحديث 2 .
2- تقدّم تخريجها في الصفحة 372 .
3- تقدّم في الصفحة 372 .

- التي لا يبعد كونها موثّقة(1) - : أنّ قائلاً قال لجعفر بن محمّد علیهما السلام : جعلت

فداك ، إنّي أمرّ بقوم ناصبية ، وقد اُقيمت لهم الصلاة ، وأنا على غير وضوء ، فإن لم أدخل معهم في الصلاة قالوا ما شاؤوا أن يقولوا ، أفاُصلّي معهم ، ثمّ أتوضّأ إذا

انصرفت واُصلّي ؟

فقال جعفر بن محمّد : «سبحان اللّه! أفما يخاف من يصلّي من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفاً ؟!»(2) تأمّل .

وكيف كان : فالأقرب حملها على أنّ الصلاة معهم وجبت تقيّة ، ويستحبّ أو يجب التيمّم لها ، لكن لا تقع عن الفريضة ، وتجب عليه الإعادة . وعدم وقوعها فريضة ليس لكون الصلاة معهم ؛ لما قلنا في محلّه : إنّها معهم مُجزية(3) ، بل لعدم صحّة التيمّم مع العلم بوجود الماء ورفع المانع في الوقت ، خصوصاً في مثل المفروض في الرواية .

ص: 387


1- رواها الشيخ الصدوق رحمه الله عن مسعدة بن صدقة ، وقال في مشيخته : ما كان فيه عن مسعدة بن صدقة فقد رويته عن أبي رضى الله عنه ، عن عبداللّه بن جعفر الحميري ، عن هارون بن مسلم ، عن مسعدة بن صدقة الربعي . لا كلام في رجال السند إلاّ في مسعدة بن صدقة ؛ فإنّه عامّي واختلف في وثاقته . الفقيه ، المشيخة 4 : 30 ؛ رجال الطوسي : 146 / 40 ؛ تنقيح المقال 3 : 212 / السطر5 (أبواب الميم) .
2- الفقيه 1 : 251 / 1128 ؛ وسائل الشيعة 1 : 367 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 2 ، الحديث1 .
3- الرسالات الفقهية والاُصولية ، الإمام الخميني قدس سره : 30 .
في حكم المتيمّم مع نجاسة الثوب

ثمّ إنّه حُكي(1) عن «النهاية» و«المبسوط» : «أنّ من كان على ثوبه نجاسة غير معفوّة ، وتعذّر عليه إزالتها ، يتيمّم ويصلّي ، ثمّ يعيد»(2) ومستنده موثّقة عمّار الساباطي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : أ نّه سئل عن رجل ليس عليه إلاّ ثوب ، ولا تحلّ الصلاة فيه ، وليس يجد ماءً يغسله ، كيف يصنع ؟ قال : «يتيمّم ويصلّي ، فإذا أصاب ماءً غسله وأعاد الصلاة»(3) .

ولا يخفى : أنّ هذه الموثّقة غير مربوطة بالمقام سؤالاً وجواباً ؛ لوضوح أنّ سؤاله إنّما هو عن وحدة الثوب وعدم إمكان تطهيره ، فأجاب بالتيمّم والصلاة ؛ أي مع الثوب النجس ظاهراً ، ثمّ إذا أصاب الماء أعادها بعد غسله ، فالجواب عن هذه الحيثية ، ولهذا تعرّض لغسله وإعادتها ، لا للوضوء والإعادة ، وإنّما ذكر التيمّم تطفّلاً لفرض فقدان الماء .

فهذه المسألة ليست من مستثنيات المسألة المتقدّمة ، بل هي مسألة اُخرى برأسها تأتي إن شاء اللّه في أبواب النجاسات(4) وقد كثرت الروايات فيمن كان ثوبه نجساً (5)، واختلفت في وجوب الصلاة معه أو عرياناً ، والمقام ليس مورد تنقيحها.

ص: 388


1- جواهر الكلام 5 : 230 - 231 .
2- النهاية : 55 ؛ المبسوط 1 : 35 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 407 / 1279 ؛ وسائل الشيعة 3 : 392 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 30 ، الحديث 1 .
4- يأتي في الجزء الرابع : 330 .
5- راجع وسائل الشيعة 3 : 482 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 43 - 46 .
الأمر الرابع: في حكم فاقد الطهورين
اشارة

المشهور - كما عن «كشف الالتباس» و«الرياض» - أنّ فاقد الطهورين تسقط عنه الصلاة(1) ، وعن «روض الجنان» و«المدارك» : «أ نّه مذهب الأصحاب ، لا نعلم فيه مخالفاً»(2) ، وعن «جامع المقاصد» : «أ نّه ظاهر مذهب أصحابنا»(3) .

لكن في «الشرائع» : «قيل : يصلّي ويعيد»(4) ، وعن «التذكرة»(5) وغيرها (6) : «أنّ بعض الأصحاب قال : يصلّي ويعيد» ، وعن جدّ المرتضى وجوب الأداء لا القضاء(7) .

ص: 389


1- اُنظر مفتاح الكرامة 4 : 415 ؛ كشف الالتباس 1 : 386 ؛ رياض المسائل 4 : 275 .
2- روض الجنان 1 : 345 ؛ مدارك الأحكام 2 : 242 .
3- جامع المقاصد 1 : 486 .
4- شرائع الإسلام 1 : 41 .
5- تذكرة الفقهاء 2 : 183 .
6- جواهر الفقه : 14 ، مسألة 28 .
7- مسائل الناصريات : 161 .
مقتضى القاعدة في مثل المقام

ولا بأس بالإشارة إلى مقتضى القاعدة في مثل المقام ، فنقول : لو علم بجزئية شيء للمركّب أو شرطيته في الجملة ، وشكّ في أ نّه كذلك مطلقاً ، أو مخصوص بحال التمكّن ، فلا يخلو إمّا أن يكون لدليل المركّب إطلاق دون دليل اعتبارهما ، أو العكس ، أو لكلٍّ منهما إطلاق ، أو إهمال :

فإن كان لدليل المركّب إطلاق فقط ، يجب إتيانه مع العجز عن الجزء أو الشرط .

أو لدليل اعتبارهما فقط ، فيسقط معه . ويلحق بإطلاق دليله فقط تقدّم دليله على دليل اعتبارهما بحكومة أو غيرها لو كان لهما إطلاق ، وبإطلاق دليليهما تقدّمهما على دليله كذلك .

ومع إهمالهما أو إطلاقهما من غير ترجيح ، يرجع إلى مقتضى الأصل العقلي أو النقلي مع قطع النظر عن أدلّة العلاج ؛ لو قلنا بشمولها لمثل المقام ، والأصل العقلي يقتضي البراءة مطلقاً ، كما هو المقرّر في محلّه(1) .

وقد يتمسّك(2) بالاستصحاب في بعض الموارد بوجوه من التقرير ، وقد فرغنا عن تضعيفه(3) ، وبقاعدة «الميسور . . .» وهي ضعيفة المستند(4) غير مجبورة .

ص: 390


1- راجع أنوار الهداية 2 : 360 .
2- فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25 : 389 ؛ كفاية الاُصول : 420 .
3- أنوار الهداية 2 : 362 - 367 .
4- راجع أنوار الهداية 2 : 367 .
حول سقوط الأداء في فاقد الطهورين

إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ مقتضى إطلاق آية الوضوء(1) أنّ الصلاة مشروطة بالطهور مطلقاً ولو مع العجز عنه . وتوهّم قصور الأمر عن إثبات الشرطية حال العجز - لعدم إمكان توجّه الخطاب إلى العاجز - فاسد .

لا لما قيل(2) : «من أنّ مثل تلك الأوامر إرشادية لا يعتبر فيها القدرة على متعلّقاتها ؛ لأنّ مفادها ليس إلاّ الإرشاد إلى دخل متعلّقاتها في متعلّق الخطاب النفسي ، ففي الحقيقة أنّ تلك الخطابات بمنزلة الإخبار ؛ لا بعث فيها ، ولا تحريك إلى المتعلَّقات حتّى تقتضي القدرة عليها ، فلا فرق بين الشرطية المستفادة من مثل «لا صلاة إلاّ بطهور»(3) أو المستفادة من الأمر الإرشادي» .

وذلك لما قرّرناه في محلّه(4) : من أنّ مطلق الأوامر نفسية كانت أو غيرية أو إرشادية ، إنّما تستعمل في معناها ؛ وهو نفس البعث والإغراء ، فإنّ الهيئة موضوعة لذلك من غير أن يكون الوجوب أو غيره مفادَها ، لكن البعث إذا توجّه إلى طبيعة من غير دلالة على أ نّه لأجل مطلوب آخر ، ينتزع منه النفسية ، وإذا تعلّق بشيء مع الدلالة على أ نّه لآخر ، ينتزع منه الغيرية ، أو الإرشاد إلى الشرطية ، أو الجزئية ؛ حسب اختلاف المقامات .

ص: 391


1- المائدة (5) : 6 .
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 252 - 253 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 49 / 144 ؛ وسائل الشيعة 1 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 1 .
4- مناهج الوصول 1 : 186 .

فقوله تعالى : )إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ . . .( إلى آخره ، لا ينسلخ عن البعث إلى غسل الوجوه والأيدي ؛ بحيث تكون الهيئة مستعملة في الإخبار باشتراط الصلاة بالوضوء ؛ ضرورة أنّ هذا الاستعمال - مع كونه غلطاً لا مجازاً - مخالف لفهم العرف والعقلاء ، بل الهيئة مستعملة في معناها ؛ وهو البعث والإغراء ، لكن لمّا كانت مسبوقة بقوله : )إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ(تكون دالّة على أنّ البعث إليه لأجل اشتراط الصلاة به ، ففهم الشرطية أو انتزاعها إنّما هو من البعث والإغراء مع خصوصية المورد ، وتصوّر ما ذكر يكفي عن مؤونة تصديقه في مثل المقامات التي يكون الاتّكال فيها على العرف والذوق السليم .

بل لما حقّقناه في مظانّه : من أنّ الأوامر الكلّية القانونية ، غير مشروطة عقلاً بصحّة توجّهها إلى كلّ فرد فرد من المكلّفين ، وليست الخطابات الكلّية منحلّة كلٌّ إلى خطابات متوجّهة إلى آحادهم ؛ فيكون كلّ خطابٍ منحلٍّ منظوراً فيه شرائط توجّه الخطاب ، وإلاّ لزم منه مفاسد ، كعدم تكليف العصاة والكفّار ، والجاهل بالحكم أو الموضوع ، بل واختصاص الوضعيات بمن يختصّ به التكاليف . . . إلى غير ذلك ممّا يطول ذكره ، والخلط بين شرائط الخطاب الجزئي الشخصي والخطاب العامّ القانوني ، منشأ لكثير من الاشتباهات والاختلاطات ، والتفصيل موكول إلى محلّه(1) .

وبالجملة : إنّ إطلاق الآية يقتضي اشتراطها بالطهور مطلقاً ، ومقتضاه سقوط الصلاة مع تعذّر الشرط .

نعم ، لو كان الاتّكال على صِرف ظاهر الآية وإطلاقها ، لكان لتوهّم إطلاق

ص: 392


1- مناهج الوصول 2 : 18 ؛ أنوار الهداية 2 : 204 .

أدلّة الصلاة - سيّما مثل قوله : «الصلاة لا تترك بحال» - مجال ، بل كان ذلك حاكماً على ظاهر الآية ؛ لتعرّضه لمقام الإتيان ، وهو من أقسام الحكومة .

لكن مضافاً إلى عدم إطلاق معتدٍّ به في أدلّة تشريع الصلاة ، وعدم ثبوت قوله : «الصلاة لا تترك بحال» من طريقنا ؛ بحيث يمكن الاتّكال عليه وعلى إطلاقه وحكومته على الآية ، ومقتضى الاستقراء وإن كان أنّ للوقت في نظر الشارع أهمّية فوق غالب الأجزاء والشرائط ، فربّما يحصل الظنّ منه بأنّ الصلاة لا تترك بحال ، لكن ذلك ليس بمثابة يمكن الركون إلى كلّيته وإطلاقه ، وما ورد في بعض الروايات في باب الاستحاضة - كصحيحة زرارة ، وفيها : «ولا تدع الصلاة على حال ؛ فإنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : الصلاة عماد دينكم»(1) - غير مربوط بمثل المقام ، وليس قوله : «فإنّ الصلاة عماد دينكم» علّة يمكن معها كشف صحّتها لدى الشكّ في شرطية شيء لها أو جزئيته .

أنّ قوله في صحيحة زرارة : «لا صلاة إلاّ بطهور» حاكم على مثل قوله : «الصلاة لا تترك بحال» على فرض ثبوته ؛ لأنّ الصحيحة رافعة لموضوعها ،

وهو حاكم على عدم جواز الترك على فرض الموضوع بل من أوضح موارد الحكومة ، كقوله : «لا سهو لمن أقرّ على نفسه بالسهو»(2) مثلاً بالنسبة إلى أدلّة الشكوك .

ص: 393


1- الكافي 3 : 99 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 173 / 496 ؛ وسائل الشيعة 2 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 5 .
2- السرائر 3 : 614 ؛ وسائل الشيعة 8 : 229 ، كتاب الصلاة ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الباب 16 ، الحديث 8 .

وكذا يكون قوله : «لا صلاة إلاّ بطهور» حاكماً على قاعدة الميسور إن كان المراد من قوله : «الميسور لا يسقط بالمعسور» أنّ الطبيعة الميسورة لا تسقط ؛ لعين ما ذكر .

وأمّا إن كان المراد أنّ ميسور الطبيعة لا يسقط ، فلا يبعد أن تكون القاعدة حاكمة عليه ؛ لعدم لزوم صدق الطبيعة على ميسورها ، فيمكن أن يكون شيءٌ ميسورَ شيءٍ عرفاً لا نفسه . بل لا منافاة حينئذٍ بين الصحيحة والقاعدة ؛ لأنّ مفاد

الاُولى أنّ فاقد الطهور ليس بصلاة ، ومفاد الثانية أنّ ميسور الصلاة ولو لم يكن صلاة لا يسقط .

لكن مضافاً إلى عدم ظهور القاعدة في الاحتمال الثاني - لو لم نقل بظهورها في الأوّل - لا أصل لتلك القاعدة ؛ لضعف سندها ، وعدم ثبوت الجبر ، خصوصاً في مثل تلك المسألة التي هي مظنّة الإجماع على عدم وجوب الأداء .

وإن يمكن الإشكال في صحيحة زرارة بوجه آخر : وهو أ نّها منقولة في الباب الأوّل من أبواب الوضوء من «الوسائل» عن محمّد بن الحسن ، بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «لا صلاة إلاّ بطهور»(1) . ورواها في «الوافي» عن «الفقيه» مرسلةً ، وعن «التهذيب» بالسند المتقدّم(2) .

وروى الحرّ في الباب الرابع من أبواب الوضوء بالسند المتقدّم ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة ، ولا صلاة إلاّ

ص: 394


1- وسائل الشيعة 1 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- الوافي 6 : 365 - 366 / 4478 .

بطهور»(1) ورواها في «الفقيه» مرسلةً(2) .

وروى في الباب التاسع من أحكام الخلوة بالسند المتقدّم ، عن أبي جعفر علیه السلام

أيضاً قال : «لا صلاة إلاّ بطهور ، ويجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار ؛ بذلك جرت السنّة من رسول اللّه ، وأمّا البول فإنّه لا بدّ من غسله»(3) .

فيحتمل أن تكون الرواية واحدة ، هي هكذا : «إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة ، ولا صلاة إلاّ بطهور ، ويجزيك عن الاستنجاء . . .» إلى آخره ، فيكون الذيل قرينة على أنّ المراد من «الطهور» هو الطهور من الخبث ، وقد جزّأها المحدّثون والنقَلة على الأبواب . ويمكن دعوى الإطلاق في صدرها للطهورين ؛ وإن كان الذيل يناسب ما ذكر .

ويحتمل كونها روايتين أو ثلاثاً ، كما هو الظاهر من محكيّ «التهذيب» و«الفقيه» ومع ذلك فاختصاص الطهور بالوضوء وأخويه ، بعيد ولو بلحاظ ذيل الصحيحة .

فحينئذٍ مقتضى إطلاقها تحكيمها على أدلّة اشتراط الطهارة من الخبث ، مع أ نّه مخالف للنصّ والفتوى ، فيشكل الأمر من جهة أنّ ورود التقييد على مثل قوله : «لا صلاة إلاّ بطهور» مشكل ؛ لاستهجانه عرفاً ، فلا بدّ في رفعه من الالتزام بأ نّها مخصوصة بموارد بطلان الصلاة مع الخبثية ، ومعه يشكل التشبّث بها وتحكيمها على مثل قوله : «الصلاة لا تترك بحال» .

ص: 395


1- وسائل الشيعة 1 : 372 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 4 ، الحديث 1 .
2- الفقيه 1 : 22 / 67 .
3- وسائل الشيعة 1 : 315 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 9 ، الحديث 1 .

لكن ذلك لا يوجب التوقّف في أصل المسألة ؛ لإطلاق أدلّة الشرط ، كالآية الكريمة وعدم إطلاق في أدلّة تشريع الصلاة كتاباً وسنّة ، فالأقوى عدم وجوب الأداء .

وأمّا وجوب الذكر عليه مقدار الصلاة ، والاكتفاء به عن الأداء والقضاء - كما حكي عن رسالة المفيد إلى ولده(1) وعن أبي العبّاس في صلاة «الموجز» والصيمري في طهارة «كشف الالتباس»(2) - فلم نعثر على مستنده ، بل ولا مستند استحبابه بالخصوص .

حول سقوط القضاء عن فاقد الطهورين

فهل يجب عليه القضاء عند ارتفاع العذر بعد الوقت ؟

قيل : نعم(3) ، وفي «الجواهر» : «أ نّه الأشهر بين المتقدّمين والمتأخّرين»(4) وعن «كشف الالتباس» : «أ نّه المشهور»(5) لعمومِ ما دلّ عليه ، كقوله : «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته»(6) .

وقو لِه في النبوي المشهور كما في «الرياض» : «من فاتته فريضة فليقضها إذا

ص: 396


1- اُنظر السرائر 1 : 353 ؛ مختلف الشيعة 2 : 458 ، مسألة 319 .
2- الرسائل العشر لابن فهد الحلي ، الموجز الحاوي : 109 ؛ كشف الالتباس 1 : 387 .
3- اُنظر شرائع الإسلام 1 : 41 .
4- جواهر الكلام 5 : 233 .
5- كشف الالتباس 1 : 386 .
6- عوالي اللآلي 2 : 54 / 143 ؛ وراجع وسائل الشيعة 8 : 268 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 6 ، الحديث 1 .

ذكرها ، فذلك وقتها»(1) وحكاه في «المنتهى» مع سقوط قوله : «فذلك وقتها»(2) .

والأخبارِ المستفيضة من طريق الخاصّة في الأبواب المتفرّقة ، كصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام أ نّه قال : «أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ ساعة : صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أدّيتها . . .»(3) إلى آخره .

وصحيحة الحلبي قال : سُئل أبو عبداللّه علیه السلام عن رجل فاتته صلاة النهار ، متى يقضيها ؟ قال : «متى شاء»(4) ومثلهما غيرهما .

وصحيحة زرارة، عن أبي جعفر علیه السلام : «ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صلّيتها»(5).

وصحيحته الاُخرى عنه : سئل عن رجل صلّى بغير طهور ، أو نسي صلوات لم يصلّها ، أو نام عنها ، قال : «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها»(6) . . . إلى غير ذلك .

ودعوى تبعية القضاء للأداء ، غير مسموعة ، مع إمكان أن يقال : إنّ الأداء فريضة ؛ إمّا بدعوى صيرورة «الفريضة» اسماً لتلك الصلوات ، لا وصفاً لها ، كما

ص: 397


1- رياض المسائل 4 : 271 .
2- منتهى المطلب 7 : 92 .
3- الفقيه 1 : 278 / 1265 ؛ وسائل الشيعة 8 : 256 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 2 ، الحديث 1 .
4- الكافي 3 : 452 / 6 ؛ وسائل الشيعة 4 : 241 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 39 ، الحديث 7 .
5- الكافي 3 : 291 / 1 ؛ وسائل الشيعة 4 : 290 ، كتاب الصلاة ، أبواب المواقيت ، الباب 63 ، الحديث 1 .
6- تهذيب الأحكام 2 : 266 / 1059 ؛ وسائل الشيعة 8 : 253 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 1 ، الحديث 1 .

احتمله الشهيد(1) ، وإمّا بدعوى : أ نّها فريضة فعلاً وإن كان المكلّف معذوراً في تركها ، كما ذكرناه في محلّه(2) .

كدعوى عدم صدق الفوت ؛ ضرورة صدقه عرفاً مع فوات المصلحة ، فضلاً عمّا قلنا من فعلية الفريضة .

لكن الأشبه مع ذلك عدم وجوبه ، وفاقاً للمحقّق والعلاّمة والكركي وغيرهم(3) للأصل بعد عدم إطلاق أو عموم يمكن الركون إليه ، سيّما في مثل الفرض الذي هو نادر الوجود بحيث يلحق بالعدم .

أمّا النبويان ، فمع عدم جبر سندهما - بعد عدم ثبوت اتّكال الأصحاب عليهما في أبواب القضاء ، مع وجود روايات كثيرة من طرقنا (4) يحتمل اتّكالهم عليها - أ نّهما في مقام بيان حكم آخر :

أمّا الأوّل منهما ففي مقام بيان كيفية القضاء ؛ إن قصراً فقصراً ، وإن تماماً فتماماً . كما أنّ الأمر كذلك في طائفة من رواياتنا ، مثل صحيحة زرارة قال : قلت له : رجل فاتته صلاة من صلاة السفر ، فذكرها في الحضر ، قال : «يقضي ما فاته كما فاته ؛ إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر مثلها ، وإن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته»(5) فهي كالتفسير للنبوي المتقدّم

ص: 398


1- روض الجنان 1 : 346 .
2- مناهج الوصول 2 : 18 .
3- شرائع الإسلام 1 : 41 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 184 ؛ جامع المقاصد 1 : 486 ؛ إيضاح الفوائد 1 : 69 .
4- راجع وسائل الشيعة 8 : 253 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 1 و2 و6 .
5- الكافي 3 : 435 / 7 ؛ تهذيب الأحكام 3 : 162 / 350 ؛ وسائل الشيعة 8 : 268 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 6 ، الحديث 1 .

الأوّل ، وتكون في مقام بيان حكم آخر ، فلا إطلاق لها ولا للنبوي المفسّر بها .

وأمّا النبوي الثاني ، فمضافاً إلى احتمال اختصاصه بالناسي ، كما يشعر به قوله : «إذا ذكرها» ففي مقام بيان جواز إتيان القضاء بلا كراهية في أيّ وقت من الأوقات ، فهو كطائفة اُخرى من رواياتنا ، كالصحاح المتقدّمة .

وممّا ذكرنا يظهر الكلام في الروايات التي هي من طرقنا ، فإنّها جميعاً في مقام بيان أحكام اُخر لا إطلاق في واحد منها ، كما يظهر بالنظر فيها .

ودعوى : أ نّه يفهم منها - ولو بملاحظة المجموع - أنّ وجوب قضاء الفرائض على من لم يأتِ بها في وقتها ، كان من الاُمور المعهودة لديهم(1) ، غير مفيدة ؛ لأنّ معهوديته في الجملة ضرورية ، ولزومه في الجملة منصوص عليه ، لكن لا يثبت بها الحكم في الموارد المشكوك فيها . وإن رجعت الدعوى إلى معهودية القضاء مطلقاً حتّى في مثل المقام ، فهي فاسدة جدّاً .

وبالجملة : لا يثبت بتلك الروايات إلاّ المعهودية في الجملة ، وهي غير مفيدة ، وما هي مفيدة غير ثابتة بها ، خصوصاً في مثل فاقد الطهورين الذي تنصرف عنه الأذهان ؛ لغاية ندرته ، بل هو من الفروع التي أبداها الفقهاء ، ولم يكن معهوداً .

بل يمكن التشبّث لسقوط القضاء بالتعليل الوارد في المغمى عليه بأ نّه : «كلّ ما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر»(2) .

ص: 399


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 338 .
2- الفقيه 1 : 237 / 1042 ؛ وسائل الشيعة 8 : 259 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 3 ، الحديث 3 .

إلاّ أن يقال : إنّ الأخذ بهذا العموم مشكل ؛ لورود تخصيصات كثيرة عليه .

والإنصاف : أنّ القواعد وإن تقتضي سقوطه ، إلاّ أنّ الاحتياط لاينبغي أن يترك .

مقتضى الاحتياط ترك الصلاة مع فقدان الطهورين

لكن ينبغي الاحتياط بترك الصلاة مع فقدان الطهورين ؛ لاحتمال الحرمة النفسية في الدخول فيها جنباً ، بل ومن غير وضوء ؛ لقوله تعالى : )لاَ تَقْرَبُوا الصَّلَوةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاّ عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا((1) .

بناءً على أنّ المراد من )الصَّلَوةَ( نفسها لا محالّها ، كما هو الأظهر في الآية . ولا ينافيه قوله : )إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ( لأ نّه إشارة - ظاهراً - إلى المسافر الفاقد الذي يأتي حكمه في ذيلها ، ولا يكون ذلك تكراراً بشيعاً حتّى يكون قرينة على إرادة محالّها ، بل هو من قبيل الإجمال والتفصيل ، وهو من فنون البلاغة .

والظاهر من التعبير ب- )لاَ تَقْرَبُوا( هو الحرمة الذاتية ، وليس سبيلها سبيل النواهي في المركّبات التي تكون ظاهرة في الإرشاد إلى المانعية ؛ للفرق بين قوله : «لا تصلّ جنباً» و «لا تصلّ في وَبَر ما لا يُؤكل»(2) وبين قوله : )لاَ تَقْرَبُوا الصَّلَوةَ . . . جُنُباً(فإنّ سبيله سبيل قوله : )لاَتَقْرَبُوا الزِّنَا((3) و)لاَ تَقْرَبُوا

ص: 400


1- النساء (4) : 43 .
2- راجع وسائل الشيعة 4 : 347 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 2 ، الحديث 7 .
3- الإسراء (17) : 32 .

الْفَوَاحِشَ((1) و)لاَتَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ((2) ممّا هي ظاهرة في مبغوضية الارتكاب وأهمّية الموضوع .

ولرواية مسعدة بن صدقة الموثّقة على الأصحّ ، وفيها : فقال جعفر ابن محمّد علیه السلام : «سبحان اللّه ، أفما يخاف من يصلّي من غير وضوء أن تأخذه الأرض خسفاً ؟!»(3) .

وصحيحة صفوان الجمّال ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «اُقعِدَ رجل من الأحبار

في قبره ، فقيل له : إنّا جالدوك مائة جلدة من عذاب اللّه . . .» إلى أن قال : «فقال : لِمَ تجلدونيها ؟ قالوا : نجلدك أ نّك صلّيت يوماً بغير وضوء»(4) .

فإنّ الظاهر منها أنّ الجلدة لم تكن لترك الصلاة ، بل لإتيانها بغير وضوء ، وليست الحرمة النفسية ببعيدة بعد وقوع نظيرها في العبادات ، كصلاة الحائض .

نعم ، وردت رواية صحيحة من زرارة(5) يظهر منها أنّ المراد من قوله تعالى : )وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ( هو المساجد .

وكيف كان : فالاحتياط في ترك الاحتياط بإتيانها جنباً ومن غير طهور .

ص: 401


1- الأنعام (6) : 151 .
2- البقرة (2) : 222 .
3- تقدّمت في الصفحة 387 .
4- الفقيه 1 : 35 / 130 ؛ علل الشرائع : 309 / 1 ؛ ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 267 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 368 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 2 ، الحديث 2 .
5- علل الشرائع : 288 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 207 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 15 ، الحديث10 .
الأمر الخامس: في حكم المتيمّم إذا وجد الماء
بطلان التيمّم إذا وجد الماء قبل الدخول في الصلاة

إذا وجد المتيمّم الماء قبل دخوله في الصلاة ، انتقض تيمّمه بلا إشكال نصّاً (1) وفتوى(2) . والمراد من الوجدان هو التمكّن من استعماله عقلاً وشرعاً ، كما هو المحكيّ عن ظاهر معقد إجماع «التذكرة» أو صريحه(3) ، وصريح معقد إجماع «المعتبر» و«الذكرى»(4) بل هو المتفاهم من جميع روايات الباب ، كما قلنا في الآية الشريفة(5) : إنّ المراد من عدم الوجدان هو عدم وجدان ما يُغتسل أو يُتوضّأ به.

والإصابة والوجدان في تلك الروايات وإن لم تكن مقرونة بما في رواية

ص: 402


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 19 .
2- راجع مفتاح الكرامة 4 : 493 ؛ جواهر الكلام 5 : 235 .
3- اُنظر جواهر الكلام 5 : 235 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 207 .
4- المعتبر 1 : 399 ؛ ذكرى الشيعة 2 : 275 .
5- تقدّم في الصفحة 48 .

العيّاشي : «وكان يقدر عليه»(1) ونحوه ، كانت ظاهرة في الإصابة والوجدان على نحو يتمكّن من رفع احتياجه به .

وكونُ الإصابة مطلقاً موجبة للتعبّد بانتقاض التيمّم - حتّى يقال بالانتقاض

مع إصابة ماء قليل لا يكفي للوضوء أو الغسل ، أو كان مغصوباً مع كفايته - بعيدٌ جدّاً ، بل مقطوع الفساد ، فضلاً عن مقارنة الروايات بما يجعلها كالصريح في المقصود ، كقوله في صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام : ويصلّي بتيمّم واحد صلاة الليل والنهار ؟ قال : «نعم ، ما لم يحدث أو يصب ماءً» .

قلت : فإن أصاب الماء ، ورجا أن يقدر على ماء آخر ، وظنّ أ نّه يقدر عليه كلّما أراد ، فعسر ذلك عليه ؟ قال : «ينقض ذلك تيمّمه ، وعليه أن يعيد التيمّم . . .»(2) إلى آخره .

حيث يظهر من قوله : «قلت : فإن أصاب . . .» إلى آخره ، أ نّه فهم من إصابة الماء في قول أبي جعفر علیه السلام ، هو إصابة ما يقدر على استعماله ، كما هو واضح

بأدنى تأمّل .

وكمرسلة العامري ، قال فيها : «فإنّ تيمّمه الأوّل انتقض حين مرّ بالماء ولم يغتسل»(3) .

ص: 403


1- تفسير العيّاشي 1 : 244 / 143 ؛ وسائل الشيعة 3 : 378 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 19 ، الحديث 6 .
2- الكافي 3 : 63 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 19 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 193 / 557 ؛ وسائل الشيعة 3 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 19 ، الحديث 2 .

يظهر منها أنّ الانتقاض إنّما هو بالمرور بماء يتمكّن من الاغتسال به ولم يغتسل.

وأظهر منهما قوله في رواية العيّاشي : «إذا رأى الماء وكان يقدر عليه ، انتقض تيمّمه» .

فلو وجد الماء في ضيق الوقت الذي هو فيه مأمور - بحسب ما استظهرناه من الروايات - بالتيمّم لم ينتقض تيمّمه ، فلو فقد حين الصلاة أو بعدها بلا مهلة لم يجب عليه تجديده .

ثمّ إنّ الأخبار وإن وردت في وجدان الماء ، لكن يظهر منها - بإلغاء الخصوصية - حال رفع سائر الأعذار ، كما هو ظاهر .

ولا فرق في وجدان الماء ورفع العذر بين ما قبل دخول الوقت وما بعده ؛ سواء قلنا بجواز الوضوء والغسل للصلاة قبل الوقت كما هو الأقوى ، أو لا ؛ لإطلاق الروايات وحصول القدرة ولو لغاية اُخرى . وقد مرّ حكم من وجد بعد الفراغ منها (1) .

عدم بطلان التيمّم إذا وجد الماء بعد الدخول في الصلاة

وإن وجد في الأثناء ففيه أقوال خمسة أو ستّة ، لكن العمدة منها قولان :

أحدهما : أ نّه يقطع ما لم يركع ، وهو المحكيّ عن «مقنع الصدوق» أو «فقيهه» و«مصباح السيّد» و«جمله» و«شرح الرسالة» والجُعفي والحسن بن عيسى وعن «النهاية» و«مجمع البرهان» و«المفاتيح» وشرحه ورسالة صاحب «المعالم»

ص: 404


1- تقدّم في الصفحة 378 .

وشرحها (1)، وقد بالغ في تشييده المحقّق صاحب «الجواهر» بما لا مزيد عليه(2) .

ثانيهما : أ نّه يمضي بعد التلبّس بتكبيرة الإحرام ، وهو المحكيّ عن رسالتي علي بن بابويه والسيّد(3) و«المقنعة» و«الخلاف» و«المبسوط» و«الغنية» و«السرائر»(4) وكتب المحقّق(5) والعلاّمة(6) وغيرهم(7) ، وهو المشهور كما عن «جامع المقاصد» و«المسالك» و«روض الجنان» و«مجمع البرهان»(8) بل عن «السرائر» الإجماع عليه في بحث الحيض والاستحاضة(9) .

لا للأصل أو الاُصول أو أدلّة التنزيل والبدلية(10) ، وكفاية عشر سنين(11)

ص: 405


1- اُنظر مفتاح الكرامة 4 : 499 ؛ المقنع : 26 ؛ الفقيه 1 : 58 ، ذيل الحديث 213 ؛ رسائل الشريف المرتضى ، جمل العلم والعمل 3 : 26 ؛ النهاية : 48 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 239 - 240 ؛ مفاتيح الشرائع 1 : 64 ؛ مصابيح الظلام 4 : 398 - 400 .
2- جواهر الكلام 5 : 238 - 245 .
3- اُنظر مفتاح الكرامة 4 : 497 .
4- المقنعة : 61 ؛ الخلاف 1 : 141 ؛ المبسوط 1 : 33 ؛ غنية النزوع 1 : 64 ؛ السرائر 1 : 140 .
5- شرائع الإسلام 1 : 42 ؛ المختصر النافع : 17 ؛ المعتبر 1 : 400 .
6- إرشاد الأذهان 1 : 234 ؛ قواعد الأحكام 1 : 240 ؛ تحرير الأحكام 1 : 148 .
7- الدروس الشرعية 1 : 133 ؛ البيان : 87 ؛ التنقيح الرائع 1 : 138 ؛ الروضة البهيّة 1 : 138 .
8- جامع المقاصد 1 : 508 - 509 ؛ مسالك الأفهام 1 : 116 ؛ روض الجنان 1 : 348 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 239 .
9- السرائر 1 : 153 .
10- راجع وسائل الشيعة 3 : 385 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 23 .
11- وسائل الشيعة 3 : 369 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 12 .

والنهي عن إبطال العمل كتاباً (1) وسنّة عن الانصراف حتّى يسمع الصوت ويجد الريح(2) . . . إلى غير ذلك ممّا يطول ذكرها (3) ؛ لقطع ذلك كلّه بإطلاق أدلّة بطلانه بوجدان الماء وإصابته ؛ ممّا قد مرّ بعضها (4) . ودعوى الانصراف إلى ما لم يشرع في المقصود ، في غير محلّها ، كدعوى عدم إطلاقها ، لكونه القدر المتيقّن ؛ بعد ما حرّر في مقامه من عدم إضراره بالإطلاق(5) ، سيّما أمثال ذلك ممّا يقطع بعدم الإضرار به .

ولا للشهرة والإجماع المنقولين ؛ لعدم حجّيتهما في مثل هذه المسألة التي نقطع بكون المدرك هو النصوص الموجودة ، بل عدم ثبوتهما ، خصوصاً الثاني بعد خماسيتها قولاً أو سداسيتها ، وذهاب من تقدّم وغيرهم إلى التفصيل .

بل لعدم دليل صالح للركون إليه للقول بالتفصيل :

أمّا صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام وفيها قلت : إن أصاب الماء وقد دخل في الصلاة ؟ قال : «فلينصرف فليتوضّأ ما لم يركع ، وإن كان قد ركع فليمض في صلاته ؛ فإنّ التيمّم أحد الطهورين»(6) .

ص: 406


1- في قوله تعالى : )لاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم(. محمّد (47) : 33 .
2- دعائم الإسلام 1 : 190 - 191 ؛ مستدرك الوسائل 5 : 406 ، كتاب الصلاة ، أبواب قواطع الصلاة ، الباب 1 ، الحديث 7 .
3- اُنظر جواهر الكلام 5 : 239 .
4- تقدّم في الصفحة 403 .
5- مناهج الوصول 2 : 290 .
6- الكافي 3 : 63 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 200 / 580 ؛ وسائل الشيعة 3 : 381 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 21 ، الحديث 1 .

فلأنّ حمل الأمر بالانصراف والتوضّي قبل الركوع على الوجوب والإرشاد العقلي إلى بطلان التيمّم قبل الركوع - كحمل الأمر بالمضيّ على الإرشاد إلى الصحّة بعد الركوع ، كما هو الشأن في مثل تلك الأوامر - غير مناسب مع التعليل بأنّ التراب أحد الطهورين ؛ فإنّ العلّة المشتركة بين ما قبل الدخول في الركوع وما بعده ، لا تناسب التفصيل ، بل قاطعة له ، هذا نظير أن يقال : «اشرب الخمر ، ولا تشرب النبيذ ؛ فإنّه مسكر» مع كون المسكرية مشتركة بينهما .

ففي المقام لو كانت العلّة للمضيّ كون التراب أحد الطهورين فقط كما هو الظاهر ، لم يكن للتفصيل وجه ، ولو كان التفصيل إلزامياً حتّى يستفاد منه ما تقدّم ، كان عليه أن يعلّل بأنّ حرمة الركوع مثلاً مانعة عن نقض الطهور ، فلا بدّ من حمل الأمر بالانصراف والتوضّي على الاستحباب ؛ والأخذ بعموم التعليل لصحّة الصلاة مطلقاً ، أو رفع اليد عن التعليل بلا جهة موجبة ، والأوّل متعيّن ، فتكون الصحيحة من أدلّة القول المنصور .

ولعلّه لذلك لم يجعلها المحقّق في «المعتبر» دليلاً على القول بالتفصيل ، مع

كونها بمنظر منه ، فقال : «فإن احتجّ الشيخ بالروايات الدالّة على الرجوع ما لم يركع ، فالجواب عنه : أنّ أصلها عبداللّه بن عاصم ، فهي في التحقيق رواية واحدة ويعارضها روايتنا ، وهي أرجح من وجوه ، أحدها : أنّ محمّد بن حُمران أشهر في العدالة والعلم من عبداللّه بن عاصم ، والأعدل مقدّم»(1) انتهى .

ونسبة المحقّق إلى الغفلة عن صحيحة زرارة(2) ، كأ نّها غفلة .

ص: 407


1- المعتبر 1 : 400 .
2- الحدائق الناضرة 4 : 382 ؛ جواهر الكلام 5 : 242 .

وأمّا رواية عبداللّه بن عاصم ، فهي منقولة من طريق الكليني إليه(1) ، وفي طريقه المعلّى بن محمّد الذي قال النجاشي فيه : «إنّه مضطرب الحديث والمذهب ، وكتبه قريبة»(2) .

وذكره العلاّمة في القسم الثاني من محكيّ «الخلاصة» ووصفه باضطراب الحديث والمذهب(3) .

وعن ابن الغضائري : «يعرف حديثه وينكر ، ويروي عن الضعفاء ، ويجوز أن يخرَّج شاهداً»(4) .

وعن الوجيزة : «أ نّه ضعيف»(5) .

نعم ، قد يقال : إنّه شيخ إجازة ، وهو يُغنيه عن التوثيق ، ولأجله صحّح حديثه

بعضهم(6) .

وفيه : أنّ كونه شيخ إجازة غير ثابت ، وغناء كلّ شيخِ إجازةٍ عن التوثيق أيضاً غير ثابت .

ص: 408


1- رواها الكليني ، عن الحسين بن محمّد ، عن معلّى بن محمّد ، عن الوشّاء ، عن أبان ابن عثمان ، عن عبداللّه بن عاصم قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل لا يجد الماء فيتيمّم ويقيم في الصلاة فجاء الغلام فقال : هو ذا الماء ، فقال : «إن كان لم يركع فلينصرف وليتوضّأ وإن كان قد ركع فليمض في صلاته» . الكافي 3 : 64 / 5 .
2- رجال النجاشي : 418 / 1117 .
3- خلاصة الأقوال : 409 / 2 .
4- الرجال ، ابن الغضائري : 96 / 141 .
5- اُنظر تنقيح المقال 3 : 233 / السطر 20 (أبواب الميم) ؛ منتهى المقال 6 : 299 ؛ .
6- تنقيح المقال 3 : 233 / السطر 21 (أبواب الميم) .

ومن طريق الشيخ إليه تارة : بسند فيه الحسن بن الحسين اللؤلؤي(1) وقد ضعّفه الصدوق(2) واستثناه شيخه ابن الوليد من روايات محمّد بن أحمد بن يحيى ونقل النجاشي استثناء ابن الوليد ، ثمّ قال : «قال أبو العبّاس بن نوح : قد أصاب شيخنا أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه ، وتبعه أبو جعفر ابن بابويه على ذلك ، إلاّ في محمّد بن عيسى بن عبيد ، فلا أدري ما رأيه فيه ؛ لأ نّه كان على ظاهر العدالة والثقة»(3) .

أقول : يظهر من استثناء أبي العبّاس أنّ استثناء ابن الوليد ، إنّما هو لضعف في الرجال نفسهم ، نعم وثّقه النجاشي(4) ، لكن سكت عند نقل عبارة ابن نوح ، ولعلّه لرضاه بما ذكره .

وكيف كان يشكل الاتّكال على توثيقه بعد تضعيف الصدوق وشيخه ظاهراً وابن نوح . واحتمال كون تضعيف الصدوق لاتّباع ابن الوليد وإن كان قريباً ، لكن يؤيّد ذلك بل يدلّ على أنّ ابن الوليد إنّما ضعّف الرجال نفسهم ، وهو - مع تقدّم عصره عن النجاشي ، وقول الصدوق فيه ما قال - لا يقصر عن قول النجاشي لو لم يقدّم عليه .

ص: 409


1- رواها الشيخ بإسناده ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، عن جعفر بن بشير ، عن عبداللّه بن عاصم . تهذيب الأحكام 1 : 204 / 593 ؛ الاستبصار 1 : 167 / 578 .
2- اُنظر رجال الطوسي : 424 / 45 .
3- رجال النجاشي : 348 / 939 .
4- رجال النجاشي : 40 / 83 .

واُخرى : بسند فيه القاسم بن محمّد الجوهري(1) وهو واقفي غير موثّق(2) .

وأمّا عبداللّه بن عاصم فهو مهمل في كتب الرجال ، كما عن «الذخيرة» : «أنّ

عبداللّه بن عاصم غير مذكور في كتب الرجال ، لكن يظهر ممّا سننقل من كلام المحقّق توثيقه»(3) انتهى .

والعبارة المشار إليها هي ما في «المعتبر» في مسألتنا هذه ، قال : «وهي -

أي رواية محمّد بن حُمران - أرجح من وجوه ؛ أحدها : أنّ محمّد بن حُمران أشهر في العدالة والعلم من عبداللّه بن عاصم ، والأعدل مقدّم»(4) انتهى .

لكن المحقّق لم يوثّقه بنفسه ، ولم يعدّله ، بل يظهر منه أشهرية عدالته من ابن حمران(5) ، وهي شهرة منقولة بعدالته على إشكال ، لا وثاقته ، وحجّية مثلها - مع إهمال الرجل في كتب الرجال المعدّة لذلك - محلّ إشكال ، بل منع ، سيّما مع كون الوثاقة غير العلم والعدالة .

والإنصاف : أنّ الركون إلى مثل هذه الرواية - مع ما عرفت ، ومع الغضّ عن سائر الروايات - مشكل ، بل غير جائز . نعم مع الغضّ عن سندها لا إشكال في دلالتها على مذهب المفصّل .

ص: 410


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن محمّد ، عن أبان ابن عثمان ، عن عبداللّه بن عاصم . تهذيب الأحكام 1 : 204 / 592 .
2- رجال النجاشي : 315 / 862 ؛ رجال الطوسي : 342 / 1 .
3- ذخيرة المعاد : 108 / السطر 13 .
4- المعتبر 1 : 400 .
5- هكذا في الأصل ، ولكنّ الصحيح عكس ذلك .

لكن بإزائها - مضافاً إلى صحيحة زرارة المتقدّمة بالتقريب المتقدّم - صحيحة اُخرى عنه وعن محمّد بن مسلم ، قال : قلت في رجل لم يصب الماء ، وحضرت الصلاة ، فتيمّم وصلّى ركعتين ، ثمّ أصاب الماء : أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضّأ ، ثمّ يصلّي ؟ قال : «لا ، ولكنّه يمضي في صلاته ، ولا ينقضهما ؛ لمكان أ نّه دخلها وهو على طهر بتيمّم»(1) .

تدلّ على أنّ تمام العلّة لعدم النقض والمضيّ ، دخوله فيها وهو على طهر بتيمّم .

وحمل الدخول فيها على الدخول في الركوع ، وتقييد التعليل بالدخول فيه ، طرحها في الحقيقة ، لا جمع بينها وبين رواية عبداللّه على فرض تسليم سندها ، فإنّ معنى «دخلها» أي شرع فيها ، ولا يكون صادقاً على الدخول في الركوع

ومطلقاً قابلاً للتقييد ؛ لوضوح الفرق بين هذا التعبير وبين أن يقال : «إنّه داخل في

الصلاة» فإنّ الأوّل لا يصدق إلاّ على أوّل الجزء وحال الشروع ، بخلاف الثاني .

ورواية محمّد بن حُمران ، عن أبي عبداللّه علیه السلام -

التي لا يبعد أن تكون صحيحة ؛ لقرب احتمال أن يكون محمّد بن سَماعة الواقع في سندها هو الحضرمي الثقة ؛ لقيام شواهد عليه ، كما يظهر من ترجمته وترجمة ابنه جعفر ابن محمّد بن سماعة(2) وقرب احتمال أن يكون محمّد بن حمران هو النهدي

الثقة ؛ بقرينة رواية محمّد بن سماعة عنه . ولو كان ابن أعين يكون ممدوحاً ؛

ص: 411


1- تهذيب الأحكام 1 : 205 / 595 ؛ وسائل الشيعة 3 : 382 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 21 ، الحديث 4 .
2- رجال النجاشي : 329 / 890 ، و : 119 / 305 .

لكونه من مشايخ ابن أبي عمير ؛ لحديث في المجلس الثاني من مجالس الصدوق : «أنّ محمّد بن أبي عمير قال : حدّثني جماعة من مشايخنا» وعدّ منهم محمّد بن حمران(1) ، تأمّل . ويشهد بكونه النهدي قول المحقّق : «إنّه أشهر في العلم والعدالة من عبداللّه بن عاصم»(2) ومن كان كذلك هو النهدي - قال : قلت له : رجل تيمّم ، ثمّ دخل في الصلاة ، وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ، ثمّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة ، قال : «يمضي في الصلاة ، واعلم أ نّه ليس ينبغي لأحد أن يتيمّم إلاّ في آخر الوقت»(3) .

وهي كالنصّ في أنّ الإتيان بالماء في أوّل الشروع في الصلاة ؛ لقوله : «حين

يدخل» فإنّ حين الدخول أوّل وقته ، فإذا اُضيف إلى فعل المضارع صار كالنصّ فيه ، وإذا اُضيف إلى ذلك إعادته بعد قوله : «ثمّ دخل في الصلاة» - مع عدم الاحتياج إلى التكرار إن كان المراد مطلق الدخول - يؤكّد ذلك ؛ لأنّ الظاهر أ نّه لإفادة زائدة ؛ وهي بيان أنّ الإتيان به إنّما هو في أوّل

الشروع فيها .

وحملها على ما بعد الدخول في الركوع طرح لها جزماً ، لا جمع بينها وبين رواية عبداللّه ، ولهذا قال المحقّق في مقام ترجيحها على رواية عبداللّه : «إنّ مع

العمل برواية محمّد ، يمكن العمل برواية عبداللّه بالتنزيل على الاستحباب ، ولو

ص: 412


1- الأمالي ، الصدوق : 15 / 2 .
2- المعتبر 1 : 400 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 203 / 590 ؛ وسائل الشيعة 3 : 382 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 21 ، الحديث 3 .

عمل بروايته لم يكن لرواية محمّد محمل»(1) انتهى ، مع أنّ حمل المطلق على المقيّد من أوضح المحامل عندهم .

والإنصاف : أنّ الجمع بين الروايات - بحمل الأمر بالمضيّ قبل الركوع على الاستحباب - متعيّن لا غبار فيه ، ولم نترقّب من المحقّق صاحب «الجواهر» ارتكاب ما ارتكبه في هذه المسألة الواضحة المأخذ بما لا ينقضي العجب منه ؛ من التمسّك بما لا ينبغي التمسّك به ، وحمل الروايات على ما لا ينبغي الحمل عليه ؛ ممّا يطول الكلام لو تعرّضنا لموارد النظر في كلامه!

وأعجب منه أ نّه خالف المشهور مع تصديقه بتحصيل الشهرة ، مع أنّ بناءه على اتّباعها وارتكاب التأويل في الأدلّة المخالفة لها كيف كانت ، وفي المقام خالفها ، وارتكب التأويلات الغريبة في أدلّتها الظاهرة الدلالة على المذهب المشهور!!(2) فراجع .

حول ما عن «التذكرة» من استحباب الاستئناف مطلقاً

ثمّ إنّه حكي(3) عن «التذكرة» استحباب الاستئناف مطلقاً (4) ، ولعلّه لرواية الصيقل ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : رجل تيمّم ، ثمّ قام يصلّي ، فمرّ به نهر وقد صلّى ركعة ، قال : «فليغتسل وليستقبل الصلاة» .

ص: 413


1- المعتبر 1 : 401 .
2- جواهر الكلام 5 : 238 .
3- جواهر الكلام 5 : 240 .
4- تذكرة الفقهاء 2 : 211 .

قلت : إنّه قد صلّى صلاته كلّها ، قال : «لا يعيد»(1) .

بل يمكن أن يقال باستحباب الإعادة مطلقاً حتّى بعد الصلاة ؛ لصحيحة عبداللّه بن سنان المتقدّمة الآمرة بالإعادة بعد الصلاة إذا أمن البرد(2) . ويحتمل أن تكون للاستحباب مراتب بحسب حالات ما قبل الركوع ، وما بعده ، وما بعد الصلاة .

وربّما يقال بالتنافي بين رواية الصيقل وما دلّت على وجوب المضيّ خصوصاً ما فصّلت بين ما قبل الركوع وما بعده(3) ، ودعوى قصور الأخبار عن إفادة وجوب المضيّ - لكون الأوامر فيها في مقام توهّم الحظر - غير مسموعة بعد مغروسية حرمة قطع الصلاة ، وكون النقض منافياً لاحترامها في أذهان المتشرّعة(4) .

وفيه : أنّ الأوامر الواردة في ذلك المضمار ، لا يستفاد منها إلاّ الإرشاد إلى

صحّة العمل ، ولهذا لا يجوز التمسّك بمثلها على حرمة القطع ، كما ترى معروفية عدم الدليل على حرمته إلاّ الإجماع(5) مع أنّ أمثال هذه الروايات كثيرة ، وليس ذلك إلاّ لعدم دلالتها على وجوب المضيّ ، فمع إرشاديتها إلى صحّة العمل وعدم انتقاض التيمّم ، لا مانع من الجمع بينها وبين الأمر بالإعادة بحمله على الاستحباب .

ص: 414


1- تهذيب الأحكام 1 : 406 / 1277 ؛ وسائل الشيعة 3 : 383 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 21 ، الحديث 6 .
2- تقدّمت في الصفحة 365 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 381 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 21 .
4- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 348 .
5- الحدائق الناضرة 4 : 383 ؛ جواهر الكلام 5 : 241 .

ودعوى مغروسية حرمة القطع في أذهان المتشرّعة في زمان صدور الروايات بل مطلقاً ، غير ثابتة ، خصوصاً في مثل المقام الذي يمكن أن يقال فيه بارتكازية وجوب الاستئناف ؛ لكون التيمّم طهارة اضطرارية .

ولولا ضعف الرواية(1) ، وعدم إمكان التشبّث بالتسامح في أدلّة السنن في مثل المقام الذي هو مظنّة الإجماع على حرمة القطع لكان القول بالاستحباب غير بعيد . إلاّ أن ينكر الإجماع بدعوى : أنّ القدر المتيقّن منه في غير مثل المورد ، لكن الأحوط عدم القطع .

وأمّا توهّم التنافي بين استحباب الانصراف قبل الركوع وبقاء التيمّم مع عدم العذر ووجدان الماء(2) ، ففي غاية السقوط بعد وجود الأدلّة الصحيحة المعمول عليها .

عدم الفرق بين الفريضة والنافلة

ثمّ إنّه هل يختصّ الحكم بصحّة الصلاة مع الدخول فيها بتيمّم بالفرائض اليومية ، أو يعمّ مطلق الفرائض ، أو يعمّ النوافل أيضاً ، أو يعمّ مطلق المركّبات المشروطة بالطهارة ؟

ص: 415


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن الحسين بن أبي العلاء ، عن المثنّى ، عن الحسن الصيقل . والرواية ضعيفة بموسى بن سعدان . تهذيب الأحكام 1 : 406 / 1277 ؛ رجال النجاشي : 404 / 1072 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 347 .

قد يقال(1) بالأوّل لاختصاص الأدلّة بها وانصرافها إليها ، وفي غيرها يرجع إلى أدلّة نقض التيمّم بوجدان الماء .

وفي مقابله احتمال التعميم إلى مطلق المركّبات ؛ بدعوى اقتضاء التعليل الوارد في صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم(2) ذلك ؛ فإنّه يظهر من قوله : «لمكان أ نّه دخلها وهو على طهر بتيمّم» أنّ تمام العلّة لعدم النقض والمضيّ ، هو وجدان الطهور حال الدخول في العمل ؛ من غير دخالة لكونه صلاة فريضة ، بل ولا لكونه صلاة ، فكما يعمّم العرف من قوله : «لا تشرب الخمر ؛ لأ نّه مسكر» الحكمَ إلى كلّ مسكر ولو لم يكن خمراً ، ولا يعتني بالمورد ولا بالضمير الراجع إليه ، كذلك في المقام يستفاد من التعليل أنّ الدخول بتيمّم في كلّ عمل مشروط بالطهارة ، يقتضي عدم النقض وصحّة العمل وبقاء الطهور ؛ من غير اعتناء بالضمير الراجع إلى الفريضة أو إلى الصلاة ، فإنّه لو كان لها دخالة فيه لما علّل بالدخول وهو على طهر بتيمّم ، بل كان المناسب التعليل بحرمة القطع ونظائرها .

وبالجملة : هذه الجملة المعلّلة - كأشباهها - تدلّ على عموم الحكم ، ويلغى

المورد وخصوصية الضمير الراجع إليه .

وممّا ذكرنا يظهر التقريب في تعليل الصحيحة الاُخرى لزرارة وهو قوله : «فإنّ التيمّم أحد الطهورين»(3) فإنّ مقتضاه وإن كان الصحّة لو تيمّم صحيحاً ولو

كان قبل الدخول ، لكن يرفع اليد عنه بالنسبة إلى ما قبل الدخول بالروايات

ص: 416


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 352 .
2- تقدّمت في الصفحة 411 .
3- تقدّمت في الصفحة 406 .

الدالّة على نقضه إذا وجد الماء(1) ، فإنّ الظاهر أو المتيقّن منها هو النقض قبل الدخول في الصلاة ، ولو كان فيها إطلاق يرفع اليد عنه بالروايات المتقدّمة ، ومعه لا يمكن تعميم العلّة حتّى بالنسبة إلى ما قبل الدخول ، للزوم طرح تلك الروايات ، فيبقى العموم في غير موردها ، ويعمّم إلى غير الصلاة بالتقريب المتقدّم فنتعدّى إلى الطواف وغيره من غير احتياج إلى التمسّك بالنبوي : «الطواف بالبيت صلاة»(2) حتّى يستشكل في سنده ودلالته أيضاً ؛ بدعوى عدم التنزيل من هذه الجهات .

لكن مع ذلك لا يخلو التعميم بهذه السعة من إشكال ؛ لاحتمال عدم مساعدة العرف على التعميم إلى غير الصلاة ؛ وإن كان إلى مطلق الصلاة فريضة أو نافلة قريباً .

بل دعوى انصراف جميع الروايات إلى الفرائض أو اليومية منها ، ممنوعة ؛ ضرورة أنّ النوافل - سيّما الرواتب منها - كانت معمولاً بها في تلك الأعصار ، ولم تكن كأعصارنا مهجورة ينصرف عنها الأذهان ، فمقتضى إطلاق الأدلّة عدم الفرق بين الفريضة والنافلة .

حكم فقدان الماء بعد وجدانه في أثناء الصلاة

ولو وُجد الماء في أثناء الصلاة بمقدار يمكن معه الوضوء أو الغسل ، وفُقد في

ص: 417


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 19 .
2- عوالي اللآلي 1 : 214 / 70 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 410 ، كتاب الحجّ ، أبواب الطواف ، الباب 38 ، الحديث 2 .

الأثناء أو بعدها بلا مهلة ، فالأقرب بقاء الطهارة وعدم الاحتياج إلى الإعادة ؛ لعدم شمول الروايات الحاكمة بنقض الطهارة بوجدان الماء أو بالقدرة عليه لذلك ؛ فإنّ المراد منهما ليس مطلق الوجدان والقدرة عليه ، ولذا لو وُجد وكان مغصوباً لا ينتقض به بلا ريب ، بل المراد ما يمكن رفع الاحتياج به شرعاً وعقلاً ، فينسلك المورد فيما دلّت على جواز إتيان الصلوات المتعدّدة بتيمّم واحد . ولو نوقش فيه يكفي الأصل بعد حصول الطهور والشكّ في النقض بعد قصور أدلّته .

ص: 418

الأمر السادس: المتيمّم يستبيح ما يستبيحه المتطهّر بالماء
اشارة

قالوا (1) :

المتيمّم يستبيح ما يستبيحه المتطهّر بالماء

والكلام فيه يقع في مقامين :

المقام الأوّل إنّه لو تيمّم لغاية جاز لأجلها التيمّم ، يباح له جميع ما يباح للمتطهّر

فلو تيمّم لصلاة فريضة جاز له فعل النافلة ، ومسّ الكتاب ، واجتياز المسجدين ، واللبث في غيرهما ، وقراءة العزائم . . . إلى غير ذلك ، وخالف في ذلك فخر المحقّقين(2) .

والتحقيق : أنّ الخلاف في هذه المسألة إنّما يأتي بناءً على كون التيمّم مبيحاً ، أو بناءً على اعتبارية الطهور على فرض كونه رافعاً ؛ لإمكان أن يقال على الفرض الأوّل : إنّه مبيح بالنسبة إلى غاية دون غاية اُخرى ، وعلى الثاني : إنّه اعتبرت الطهورية كذلك بالنسبة إلى غاية دون اُخرى .

ص: 419


1- شرائع الإسلام 1 : 42 .
2- إيضاح الفوائد 1 : 66 - 67 .

وأمّا على القول بالرفع وكونه طهوراً ، وكون الطهور أمراً واقعياً كشف عنه الشارع - ككون الحدث قذارة معنوية كشف عنها - فلا مجال للنزاع ؛ لعدم تعقّل كون العاجز المتيمّم طاهراً من الجنابة أو الحدث الأصغر بالنسبة إلى عمل ، وجنباً ومحدثاً بالأصغر بالنسبة إلى آخر ، فهذا النزاع إنّما يتمشّى بعد الفراغ عن مبيحية التيمّم ، ولمّا فرغنا عن كونه طهوراً ورافعاً كما مرّ(1) ، فلا يبقى وجه لذلك ؛ لضعف احتمال اعتبارية الطهور .

ثمّ إنّه على فرض المبيحية أيضاً ، الأقوى ما عليه المشهور ، لأدلّة البدلية والمنزلة ، ولو نوقش في إطلاق بعضها فلا مجال للتشكيك بالنسبة إلى جميعها ، كذيل الآية الكريمة(2) فإنّها وإن وردت في الصلاة ، لكن يظهر منها -

بأتمّ ظهور - أ نّه طهور ، ولأجل طهوريته أمر الشارع به للصلاة ، فمع حصول الطهور يجوز معه الإتيان بكلّ ما يشترط فيه الطهور ويحتاج إليه .

والقائل بعدم حصول الطهور كما هو المفروض ، لا محالة يقول في الآية : إنّه بمنزلته ، فيفهم منه عموم المنزلة ؛ لأنّ الذيل بمنزلة التعليل ، وكأ نّه قال على هذا

المسلك : «لمّا كان التيمّم بمنزلة الطهور تيمّموا» .

وكالروايات المتواترة ؛ لقوله صلی الله علیه و آله وسلم في المستفيضة : «جعلتْ لي الأرض

مسجداً وطهوراً»(3) وقولِه علیه السلام : «هو بمنزلة الماء»(4) وقولِه علیه السلام : «إنّ اللّه جعل

ص: 420


1- تقدّم في الصفحة 242 .
2- المائدة (5) : 6 .
3- وسائل الشيعة 3 : 350 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 7 ، الحديث 2 - 4 .
4- وسائل الشيعة 3 : 385 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 23 ، الحديث 2 .

التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً»(1) وقولِه صلی الله علیه و آله وسلم : «يكفيك عشر سنين»(2) وقولِه علیه السلام : إنّ «ربّ الماء وربّ الأرض واحد»(3) و«إنّه أحد الطهورين»(4) و«إنّ التيمّم غسل المضطرّ ووضوؤه»(5) و«إنّه الوضوء التامّ الكامل في وقت الضرورة»(6) . . . إلى غير ذلك ممّا يعلم منها : أنّ التيمّم بمنزلة الوضوء والغسل في جميع ما لهما من الخواصّ والآثار .

المقام الثاني إنّه هل يجوز التيمّم لكلّ غاية ، أو مخصوص بغايات خاصّة ؟
اشارة

يظهر من بعضهم عدم وجوبه إلاّ للصلاة أو لها وللخروج من المسجدين(7) أو مع زيادة الطواف(8) .

وعن الفخر أنّ والده لا يجوّز التيمّم من الحدث الأكبر للطواف ومسّ كتابة القرآن(9) .

ص: 421


1- وسائل الشيعة 3 : 385 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 23 ، الحديث 1 .
2- وسائل الشيعة 3 : 369 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 14 ، الحديث 12 .
3- مستدرك الوسائل 2 : 548 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 18 ، الحديث 1 .
4- وسائل الشيعة 3 : 381 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 21 ، الحديث 1 .
5- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 88 .
6- مستدرك الوسائل 2 : 535 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 9 ، الحديث 1 .
7- شرائع الإسلام 1 : 3 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 8 ؛ جواهر الكلام 5 : 252 .
8- قواعد الأحكام 1 : 179 ؛ إرشاد الأذهان 1 : 221 .
9- اُنظر كشف اللثام 2 : 491 ؛ مفتاح الكرامة 4 : 491 ؛ جواهر الكلام 5 : 252 .

وعنه أيضاً عدم مشروعية التيمّم لصوم الجنب والحائض والمستحاضة(1) .

ويظهر من المحقّق الأنصاري نوع تردّد فيه ، قال في صومه : «لو لم يتمكّن المكلّف من الغسل فهل يجب عليه التيمّم ؟ فيه قولان : من عموم المنزلة في صحيحة حمّاد : «هو بمنزلة الماء» وفي الروايات : «هو أحد الطهورين» وهو مذهب المحقّق والشهيد الثانيين(2) ، خلافاً للمحكيّ عن «المنتهى»(3) .

ولعلّه من أنّ المانع هو حدث الجنابة ، والتيمّم لا يرفعه ، وهو طهور بمنزلة الماء في كلّ ما يجب فيه الغسل ، لا ما توقّف على رفع الجنابة ، فالتيمّم يجب في كلّ موضع يجب فيه الغسل ، لا فيما يشترط بعدم الجنابة . ويشعر به قوله في صحيحة ابن مسلم : «فإن انتظر ماءً يسخّن أو يستقى فطلع الفجر فلا شيء عليه»(4) حيث إنّه لم يأمر بالتيمّم . . .» إلى أن قال : «فالأحوط التيمّم»(5) انتهى .

وفيه أوّلاً : ما تقدّم(6) من أنّ التيمّم رافع للجنابة في الموضوع الخاصّ ، كما هو مقتضى الأدلّة ، وقد دفعنا الإشكال العقلي فيما مرّ(7) .

ص: 422


1- اُنظر جواهر الكلام 5 : 252 - 253 ؛ منتهى المطلب 3 : 148 .
2- جامع المقاصد 3 : 83 ؛ مسالك الأفهام 2 : 46 .
3- منتهى المطلب 3 : 148 .
4- الكافي 4 : 105 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 4 : 211 / 613 ؛ وسائل الشيعة 10 : 60 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الباب 14 ، الحديث 1 ، والباب 15 ، الحديث 3 .
5- الصوم ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 12 : 32 - 33 .
6- تقدّم في الصفحة 243 .
7- تقدّم في الصفحة 247 .

وثانياً : لو فرض عدم رفعها فلا إشكال في أنّ مقتضى الأدلّة رفع مانعيتها ، فهو - لو لم يكن طهوراً - بمنزلته ويقوم مقامه في كلّ ما له من الآثار ؛ بمقتضى عموم المنزلة . وإن شئت قلت : إنّ دليل عموم المنزلة ، حاكم على ما دلّ على أنّ الجنابة مانعة ، أو رفعها شرط .

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم ، فهي عن أحدهما في حديث : أ نّه سأله عن الرجل تصيبه الجنابة في رمضان ، ثمّ ينام ، قال : «إن استيقظ قبل أن يطلع الفجر ، فإن انتظر ماءً يسخّن أو يستقى فطلع الفجر ، فلا يقضي صومه» .

فالظاهر أ نّها بصدد بيان حكم آخر ؛ وهو حكم طلوع الفجر حال انتظار تسخين الماء أو استقائه ، لا لتكليفه عند ضيق الوقت ، فالسؤال إنّما هو عن طلوع الفجر فجأة ، وهو غير مربوط بالمقام ، كرواية إسماعيل بن عيسى عن الرضا علیه السلام ، وفيها : قلت : رجل أصابته جنابة في آخر الليل ، فقام ليغتسل ولم يصب ماءً ، فذهب يطلبه ، أو بعث من يأتيه بالماء ، فعسر عليه حتّى أصبح ، كيف يصنع ؟ قال : «يغتسل إذا جاءه ، ثمّ يصلّي»(1) فإنّها أيضاً في مقام بيان حكم آخر ، فلا يمكن الاستشهاد عليه بسكوته في مقام البيان لصحّة الصوم مع ترك التيمّم عمداً ، كما لا يخفى .

ص: 423


1- تهذيب الأحكام 4 : 210 / 610 ؛ وسائل الشيعة 10 : 61 ، كتاب الصوم ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الباب 14 ، الحديث 2 .
قيام التيمّم مقام الوضوءات والأغسال المستحبّة

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق المنزلة وعمومها، قيام التيمّم مقام الوضوءات المستحبّة؛ حتّى وضوء الحائض للذِكر ، والأغسال المستحبّة حتّى غسل الجمعة .

والاستشكال في الأوّل : بأ نّه غير رافع ، وفي الثاني بذلك أيضاً ؛ بدعوى(1) انصراف الأدلّة إلى الرافع ، سيّما بملاحظة أنّ الحكمة في شرع بعضها التنظيف(2) مع سكوت روايات غسل الجمعة عن ذكر التيمّم ، خصوصاً الروايات المتعرّضة لعدم التمكّن من الغسل يوم الجمعة مع تعرّضها لتقديمه وقضائه يوم السبت(3) ، لعلّه في غير محلّه :

أمّا دعوى الانصراف فغير وجيهة ، خصوصاً مع حصول نحو طهارة لمطلق الوضوء ، بل الغسل ، كما ورد في رواية أصبغ : كان أمير المؤمنين علیه السلام إذا أراد أن يوبّخ الرجل يقول : «واللّه لأنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة! فإنّه لا يزال في طهر إلى الجمعة الاُخرى»(4) .

وفي روايات استحباب الغسل لدخول مكّة(5) ما يُشعر بذلك بل الظاهر أنّ

ص: 424


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 356 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 315 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأغسال المسنونة ، الباب 6 ، الحديث 15 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 319 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأغسال المسنونة ، الباب 9 و10 .
4- الكافي 3 : 42 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 318 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأغسال المسنونة ، الباب 7 ، الحديث 2 .
5- راجع وسائل الشيعة 13 : 200 ، كتاب الحجّ ، أبواب مقدّمات الطواف ، الباب 5 .

كلاًّ من الغسل والوضوء ماهية واحدة موجبة لنحو طهارة ؛ وإن كانت للطهارة مراتب . وكيف كان لا تتّجه دعوى الانصراف .

وأمّا التأييد للانصراف بأنّ الحكمة في شرع بعضها التنظيف ، ففيه : أنّ الظاهر من الروايات المشتملة على العلل ، أنّ الوضوء وغسل الجنابة وغسل الميّت وغسل مسّه للتنظيف(1) ، ومعه لا يسوغ دعوى الانصراف .

وأمّا عدم التعرّض له في الروايات الواردة فيمن لا يتمكّن من الغسل ، ففيه : أنّ تلك الروايات واردة فيمن نسي الغسل يوم الجمعة وفوّته ، ولم أرَ فيها - عاجلاً - فرض فقدان الماء إلاّ في رواية واحدة(2) ولا يمكن رفع اليد عن إطلاق أدلّة البدلية(3) بمجرّد عدم التعرّض في رواية واحدة .

وأمّا روايات التقديم(4) فلا تشعر بالمقصود ؛ لأ نّه مع شرعيته لا تبقى للبدلية

مجال ، تأمّل .

وكيف كان : فالأقوى ما ذكرناه ، والأحوط الإتيان به رجاءً .

ص: 425


1- علل الشرائع : 281 / 1 ، و : 300 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 478 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 1 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 113 / 300 ؛ وسائل الشيعة 3 : 321 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأغسال المسنونة ، الباب 10 ، الحديث 3 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 385 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 23 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 319 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأغسال المسنونة ، الباب 9 .
الأمر السابع: في حكم اجتماع ميّت وجنب ومحدث بالأصغر

إذا اجتمع ميّت وجنب ومحدث بالأصغر ، ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم ، فإن كان ملكاً لأحدهم اختصّ به ، ويحرم على غيره التصرّف فيه من غير رضاه . فإن كان المالك هو الميّت تعيّن صرفه فيه ؛ لأ نّه أولى بماء غسله من غيره حتّى وارثه .

وإن كان لغيره فلا يبعد القول بجواز إيثاره على نفسه ، لا لما قيل : «من عدم الدليل على وجوب حفظه حتّى مع العلم بعدم الإصابة في مثل المورد ؛ لأنّ المتيقّن من الأدلّة اللبّية ، إنّما هو حرمة تفويت التكليف بإراقة الماء ونحوه ممّا

يعدّ فراراً من التكليف ، وأمّا حرمة صرفه في مقاصده العقلائية - التي من أهمّها احترام موتاهم بتغسيلها - فلا»(1) وذلك لما عرفت في محلّه من دلالة الآية وغيرها على عدم جواز تعذير العبد نفسه(2) ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين المقامات .

ص: 426


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 360 .
2- تقدّم في الصفحة 13 .

ودعوى استفادة الحكم من الأدلّة المتفرّقة في تجويز التيمّم بخوف العطش ولو على الدوابّ(1) وفي مورد الدخول في الركية(2) وغيرهما من الموارد(3) في غير محلّها .

كما أنّ دعوى جواز صرف الماء في مطلق المقاصد العقلائية ، في غير محلّها .

بل لأنّ العقل الحاكم في مقام الإطاعة وكيفيتها ، لا يرى ذلك مخالفة لأمر المولى .

توضيحه : أنّ المولى إذا أمر عبيده بشيء ، كتنظيف بدنهم حين الورود على محضره ؛ بحيث يكون في تنظيف كلّ واحد منهم غرض إلزامي ، ولم يوجد ماء كافٍ لجميعهم ، ولم يمكن حصول أغراض المولى ؛ لقصور الماء ، ولم يكن في نظره فرق بين فعل النظافة منه ومن غيره ، وتركها كذلك ، لا يعدّ العقل من آثر غيره على نفسه - بإعطائه ماءه لإطاعة أمر المولى - مخالفاً لأمره ، بعد كون المولى واحداً ، والعبيدِ كلّهم موظّفين بإطاعته .

وبالجملة : بعد كون العبيد لمولى واحد ، وعملهم لتحصيل غرضه ، لا يفرّق العقل - في مقام المزاحمة وعدم إمكان الجمع - بين السقوط منه ومن غيره ، بل لو آثر غيره على نفسه لوصوله إلى المثوبة ، يكون مأجوراً ؛ للإيثار .

وأوضح منه ما إذا كان الماء مباحاً ، فإنّ التخلية بينه وبين غيره وإيثاره على نفسه ، حسن عقلاً ، وليس مخالفاً لأمره ؛ بعد أن لا يكون غرضه الإهمال

ص: 427


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 388 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 25 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 343 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 3 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 342 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 2 .

في أمره ، والتواني في إطاعته .

وإن شئت قلت : إنّ حال العبيد بالنسبة إلى إطاعة المولى الواحد في المزاحمة ، كعبد واحد بالنسبة إلى تكاليف متعدّدة متساوية في مقام المزاحمة ، فكما يحكم العقل بعدم الترجيح في الثاني ، يحكم بعدمه في الأوّل .

وما ذكرناه وإن أمكن أن يكون بعيداً من الأذهان ابتداءً ، لكن بالنظر والتأمّل في الموالي العرفية والعبيد المأمورين بتحصيل أغراضهم ، يرفع الاستبعاد .

ولا يبعد أن تكون الروايات الواردة في الباب ، وترجيح الجنب في مقام الدوران بين رفع الجنابة ورفع الحدث الأصغر وغسل الميّت وترجيح رفع الحدث الأصغر من جماعة ورفع الجنابة من واحد ؛ لأجل ما ذكرناه من اعتبار المكلّفين كأ نّهم شخص واحد مأمور بتحصيل غرض المولى ، وإلاّ فلا وجه للترجيح في التكاليف المتعدّدة والأشخاص المختلفة ؛ لعدم التعارض بينها إلاّ باعتبار ما ذكر ، تأمّل .

ففي صحيحة عبد الرحمان بن أبي نجران : أ نّه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر علیه السلام عن ثلاثة نفر كانوا في سفر ؛ أحدهم : جنب ، والثاني : ميّت ، والثالث : على غير وضوء ، وحضرت الصلاة ، ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم ، من يأخذ الماء ، وكيف يصنعون ؟

قال : «يغتسل الجنب ، ويدفن الميّت بتيمّم ، ويتيمّم الذي هو على غير وضوء ؛ لأنّ غسل الجنابة فريضة ، وغسل الميّت سنّة ، والتيمّم للآخر جائز»(1) .

ص: 428


1- الفقيه 1 : 59 / 222 ؛ وسائل الشيعة 3 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 18 ، الحديث 1 .

وقريب منها رواية الحسين بن النضر الأرمني(1) إلاّ أنّ فيها فرض ميّت وجنب ، ورواية الحسن التفليسي ، وفي ذيلها : «إذا اجتمعت سُنّة وفريضة بدئ بالفرض»(2) .

وفي موثّقة أبي بصير قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قوم كانوا في سفر ، فأصاب بعضهم جنابة ، وليس معهم من الماء إلاّ ما يكفي الجنب لغسله ، يتوضّؤون هم هو أفضل ، أو يعطون الجنب فيغتسل وهم لا يتوضّؤون ؟ فقال : «يتوضّؤون هم ، ويتيمّم الجنب»(3) .

والظاهر أنّ وقوع المزاحمة والترجيح بما ذكر ، إنّما هو لكون المولى واحداً والعبيد كأ نّهم واحد ، كما أشرنا إليه ، تأمّل .

ثمّ إنّ مقتضى ترك الاستفصال في الروايات عدم الفرق بين كون الماء مشتركاً بينهم ، أو مختصّاً بأحدهم . كما أنّ الظاهر من التعليل هو كون الترجيح استحبابياً لا إلزامياً ، كما يظهر من المحقّق الإجماع عليه(4) ، على تأمّل . لكن العمل على الروايات إذا كان الميّت مالكاً ، مشكل .

نعم ، لا يبعد جواز العمل إذا كان شريكاً ؛ لعدم لزوم إعطاء الشريك ماءه

ص: 429


1- تهذيب الأحكام 1 : 110/ 287 ؛ وسائل الشيعة 3 : 376 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 18 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 109 / 286 ؛ وسائل الشيعة 3 : 376 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 18 ، الحديث 3 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 190 / 548 ؛ وسائل الشيعة 3 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 18 ، الحديث 2 .
4- اُنظر جواهر الكلام 5 : 257 ؛ المعتبر 1 : 406 .

لتغسيله ، ومعه يكون ماؤه - مثل ما يفسد ليومه - يجوز التصرّف فيه وتقويمه ، أو يرجع إلى ورثته ، ويجوز لهم التبرّع به لغسل الجنب . وأمّا حمل الروايات على كون الماء مباحاً أصلياً ، فغير ممكن .

ولا بأس بالعمل بموثّقة أبي بصير بعد كون الترجيح استحبابياً . وأمّا مرسلة

محمّد بن علي(1) فمع ضعفها (2) ومخالفتها للمعتبرة وفتاوى الأصحاب(3) ، لا يعوّل عليها .

ص: 430


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن علي بن محمّد ، عن محمّد بن علي ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : قلت له : الميّت والجنب يتّفقان في مكان لا يكون فيه الماء إلاّ بقدر ما يكتفي به أحدهما ، أ يّهما أولى أن يجعل الماء له ؟ قال : «يتيمّم الجنب ويغسل الميّت بالماء» . تهذيب الأحكام 1 : 110 / 288 ؛ وسائل الشيعة 3 : 376 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 18 ، الحديث 5 .
2- والرواية مع إرسالها ضعيفة بعلي بن محمّد القاشاني . رجال الطوسي : 388 / 9 ؛ تنقيح المقال 2 : 308 / السطر 15 (أبواب العين) .
3- راجع النهاية : 50 ؛ المعتبر 1 : 405 ؛ تحرير الأحكام 1 : 149 ؛ جامع المقاصد 1 : 512 .
الأمر الثامن: في حكم الجنب المتيمّم إذا أحدث بالأصغر
اشارة

إذا تيمّم الجنب بدلاً من الغسل ، ثمّ أحدث بالأصغر ، فعن المشهور : «أ نّه أعاد بدلاً من الغسل ، ولا يتوضّأ لو وجد ماءً بقدر الوضوء»(1) .

وعن السيّد في «شرح الرسالة» : «أنّ المجنب إذا تيمّم ثمّ أحدث حدثاً أصغر ووجد ما يكفيه للوضوء توضّأ ؛ لأنّ حدثه الأوّل قد ارتفع ، وجاء ما يوجب الصغرى ، وقد وجد من الماء ما يكفيه لها ، فيجب عليه استعماله»(2) انتهى .

وأجابوا عنه : «بقيام الإجماع على أنّ التيمّم ليس برافع ، بل هو مبيح ، والجنابة باقية ، وزالت الإباحة بالحدث الأصغر ، فيجب عليه الغسل ، ومع فقد الماء التيمّم بدله»(3) .

ص: 431


1- المهذّب البارع 1 : 216 - 217 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 47 ؛ جواهر الكلام 5 : 260 .
2- اُنظر ذكرى الشيعة 2 : 283 .
3- جامع المقاصد 1 : 514 ؛ روض الجنان 1 : 354 ؛ جواهر الكلام 5 : 260 - 261 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 368 .

ويظهر من الاستدلال وجوابه أنّ المسألة مبتنية على المسألة المتقدّمة ، ومع القول بالرافعية لا مجال للقول المشهور ، ومع القول بالاستباحة لا مجال لقول السيّد . ولكن الأمر ليس كذلك ؛ لإمكان القول بالرافعية إلى غاية حصول الحدث ، وإمكان القول بأ نّه مبيح لا ترفع إباحته من حيث الجنابة بحدوث الأصغر ، فلا بدّ من النظر في الأدلّة على كلا القولين :

فنقول : إنّ مقتضى إطلاق أدلّة التنزيل والبدلية كتاباً (1) وسنّة(2) ، قيام التيمّم مقام الغسل والوضوء في جميع ما لهما من الآثار ؛ سواء قلنا بطهوريته أو لا :

أمّا على الأوّل فواضح ؛ لأنّ الطهور من الجنابة لا ينتقض إلاّ بجنابة جديدة ، نعم لو قام دليل خاصّ على انتقاضه بالحدث الأصغر ، لالتزمنا بكونه طهوراً إلى غاية ، وإلاّ فمقتضى إطلاق الأدلّة طهوريته مطلقاً . وإنّما قلنا بكونه طهوراً للعاجز ؛ لقيام الدليل على الاغتسال بعد رفع العجز ، كما تقدّم(3) .

وأمّا على الاستباحة ؛ فلأنّ غاية ما نرفع اليد به عن إطلاق الأدلّة وتنزيل التراب منزلة الماء - بناءً على قيام دليل عقلي أو غيره على عدم الرفع - هو عدم قيامه مقامه في الرافعية ، فيكون الدليل الخارجي قرينة على أنّ المراد بقوله : «هو أحد الطهورين» هو أحد الطهورين تنزيلاً ؛ أي بمنزلة الطهور ، فيكون

مقتضى الإطلاق أ نّه طهور تعبّدي تنزيلي في جميع الآثار ، فنزّل الشارع المقدّس الجنابة منزلة العدم ، والتيمّم منزلة الطهور والغسل ، فكما أنّ الغسل

ص: 432


1- النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 385 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 23 .
3- تقدّم في الصفحة 402 - 404 .

والطهور من الجنابة لا ينتقض بالأصغر ، كذلك ما هو بمنزلته ، بل هو هو في عالم التنزيل ، فلا بدّ من قيام دليل على ذلك حتّى ترفع اليد عن الأدلّة .

وأمّا إنكار إطلاقها بدعوى : أنّ أدلّة التنزيل ناظرة إلى التنزيل في أصل التحقّق ، لا في الناقض ، فيمكن أن يكون البول مثلاً ناقضاً ، ولا إطلاق لها لرفع هذا الشكّ .

ففيه : أ نّه إن كان المراد أنّ مفادها حصول الطهور ، أو ما هو بمنزلته مطلقاً للفاقد ، ويكون البول موجباً لحدوث جنابة جديدة ، فهو مخالف للضرورة والأدلّة ، فلا بدّ من الالتزام بحصول الطهارة لموضوع خاصّ ، مثل من لم يحدث ، أو إلى أمد خاصّ ؛ أي إلى حين الحدث ، فيرجع إلى التقييد في موضوع الأدلّة الدالّة على أ نّه طهور ، كما لا يخفى .

وقد يقال : لا يبعد الالتزام بمقالة المشهور حتّى مع القول بطهورية التيمّم ؛ بدعوى أنّ الطهور - الذي هو شرط في الصلاة - صفة وجودية ، والحدث أيضاً قذارة معنوية ، فنلتزم بعدم المضادّة بين الوصفين ذاتاً ، بل التنافي بين أثريهما ،

كما أنّ المسلوس طاهر ومحدث حقيقة ، وغسل الجنابة رافع لحدث الجنابة ، ومفيد للطهارة التي هي شرط الصلاة ، وأمّا التيمّم فإنّما يقوم مقام الغسل والوضوء في الطهورية المسوّغة لاستباحة الغايات ؛ أي المجامعة مع المانع ، لا بصفة المانعية ، وأمّا كونه بمنزلتهما في إزالة ذات المانع فالأدلّة قاصرة

عن إثباته :

أمّا ما دلّ على أ نّه طهور فواضح .

وأمّا ما دلّ على أنّ التراب بمنزلة الماء ، فهو وإن اقتضى عموم المنزلة ، لكن

ص: 433

العلم ببقاء الأثر في الجملة المقتضي لوجوب الغسل لدى القدرة ، موجب لصرف الذهن عن إرادة التشبيه في إزالة الذات(1) ، انتهى ملخّصاً . ثمّ تأمّل وتردّد وأمر بالاحتياط .

ولا يخفى ما فيه ؛ فإنّه - مضافاً إلى أنّ التضادّ بين الصفتين ارتكازي بين المتشرّعة ، وأنّ القطرات غير الاختيارية في المسلوس والمبطون ، ليست سبباً للحدث بمقتضى الجمع بين الأدلّة كما حقّق في محلّه(2) وأنّ الحدث مانع للصلاة ، لا الطهارة شرط على الأقرب وإنّما اُمر بالطهارة لإزالة الجنابة وسائر الأحداث ؛ وإن يوهم شرطيتَها بعضُ الأدلّة ، كقوله : «لا صلاة إلاّ بطهور» لكن مع تذيّله بقوله : «ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار»(3) يُدفع التوهّم ، كما أشرنا إليه(4) ، كما أنّ قوله تعالى : )وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا((5) ظاهر في أنّ الأمر بالاغتسال لإزالة الجنابة - أنّ إنكار دلالة الأدلّة على إزالة ذات المانع ، في غير محلّه :

أمّا الآية الكريمة فمع تصديرها بقوله : )وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا(- الذي هو كالنصّ في أنّ الغسل مزيل للجنابة ورافع لها ، وليس ذلك إلاّ للتضادّ بين الوصفين - تكون ظاهرة جدّاً في أنّ التيمّم أيضاً رافع عند فقدان الماء ؛ لما تقدّم

ص: 434


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 375 - 376 .
2- راجع الطهارة (تقريرات الإمام الخميني قدس سره) الخلخالي : 85 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 49 / 144 ؛ وسائل الشيعة 1 : 315 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 9 ، الحديث 1 .
4- تقدّم في الصفحة 395 .
5- المائدة (5) : 6 .

مراراً من استفادة عموم التنزيل منها (1) ولو لم تكن مذيّلة بقوله : )وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ( ومعه لا يبقى مجالُ تشكيكٍ فيه .

نعم ، لو كان الدليل العقلي المعروف بينهم(2) تامّاً ، لما كان بدّ من توجيهها وتوجيه سائر الأدلّة التي هي كالنصّ في الطهورية(3) . ولعلّ إعراض القوم عن هذا الظاهر والتزامهم بالاستباحة ؛ لأجل المانع العقلي ، كما هو المعوّل عليه من زمن شيخ الطائفة رضى الله عنه(4) وبعد ما تقدّم من تصوير الرافعية من غير لزوم إشكال عقلي(5) ، لا يبقى مجال لردّ الأدلّة .

والعجب من دعوى وضوح عدم دلالة مثل قوله : «التيمّم أحد الطهورين»(6) و«إنّ اللّه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً»(7) على كونه مزيلاً لذات الجنابة! مع أنّ صَرف مثل تلك الأخبار عن الدلالة على إزالة قذارة الجنابة - كما هو شأن الماء - إلى كونه في حكمها ، كالطرح للأدلّة بلا موجب . ودلالة هذه الطائفة أوضح بمراتب من دلالة قوله : «هو بمنزلة الماء»(8) كما لا يخفى بأدنى تأمّل .

ص: 435


1- تقدّم في الصفحة 243 - 244 و345 و432 .
2- تقدّم في الصفحة 243 و247 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 385 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 23 .
4- الخلاف 1 : 144 .
5- تقدّم في الصفحة 247 .
6- وسائل الشيعة 3 : 381 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 21 ، الحديث 1 .
7- وسائل الشيعة 3 : 385 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 23 ، الحديث 1 .
8- وسائل الشيعة 3 : 385 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 23 ، الحديث 2 .

فالأدلّة دالّة على المقصود ولو قلنا بمقالة المشهور في مسألة الاستباحة والرفع(1) .

نعم ، هنا بعض الروايات استدلّ بها للقول المشهور(2) ؛ ممّا لا داعي لنقلها والجواب عنها بعد وضوح عدم دلالتها .

بيان مقتضى القاعدة في المقام

ثمّ لو فرض قصور أدلّة التنزيل عن إثبات الحكم ، فقد يقال : بأنّ مقتضى القاعدة الاحتياط ؛ لكون الشكّ في المكلّف به ، فيجب بعد الحدث الجمع بين التيمّم بدلاً من الغسل ، وبين الوضوء أو التيمّم بدله(3) .

وفيه : أنّ المرجع بعد الشكّ إلى استصحاب بقاء الطهور الحقيقي أو التنزيلي ،

ومعه ينقّح موضوع الأدلّة الاجتهادية المستفاد منها - بعد الجمع والتخصيص - أنّ الطاهر من الجنابة إذا أحدث بالصغرى ، يجب عليه الوضوء . ولا يعارضه استصحاب عدم مشروعية الوضوء قبل التيمّم ؛ لأنّ الشكّ في المشروعية وعدمها ناشئ عن بقاء الطهارة وعدمه ، واستصحاب بقائها - المنقّح لموضوع الأدلّة الاجتهادية - حاكم عليه . هذا فيما إذا قلنا بحصول الطهارة حقيقةً واضح .

وكذا إذا قلنا بالاستباحة ؛ لأنّ القائل بها لا يمكنه رفع اليد عن ظاهر الأدلّة

ص: 436


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 242 - 243 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 371 - 373 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 376 .

المتواترة إلاّ بما دلّ دليل عقلي أو نقلي على خلافه ، فمع قيامه على عدم حصول الطهارة واقعاً ، تحمل الأدلّة على حصول التنزيلية منها ، فيكون معنى قوله : «التراب أحد الطهورين» أ نّه أحدهما حكماً ، لكن بلسان تحقّق الموضوع ، وهو من أوضح موارد الحكومة ، فكما أنّ قوله : «التراب طهور» حاكم على مثل «لا صلاة إلاّ بطهور» ولو قلنا بأنّ الطهور تنزيلي ، كذلك استصحابه ينقّح موضوع الأدلّة الاجتهادية الحاكمة على أنّ الحدث الأصغر لغير الجنب موجب للوضوء ، فلا إشكال في المسألة ؛ سواء قلنا بالرافعية كما هو الأقوى ، أو بالاستباحة .

ص: 437

الأمر التاسع: في بعض فروع انتقاض التيمّم مع التمكّن من استعمال الماء
اشارة

لا إشكال نصّاً (1) وفتوى(2) في انتقاض التيمّم مع التمكّن من استعمال الماء

وعدم العذر منه شرعاً وعقلاً ، ومع فقده بعد ذلك افتُقر إلى تجديده . كما لا إشكال في عدم انتقاضه بخروج الوقت ، ولا بإتيان الصلاة ، فما عن الشافعي من اختصاص أثر التيمّم بصلاة واحدة(3) ، ضعيف . كما لا يعوَّل على رواية السكوني(4) المخالفة للروايات(5) وفتوى الأصحاب(6) .

ص: 438


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 377 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 19 .
2- راجع مفتاح الكرامة 4 : 493 ؛ جواهر الكلام 5 : 235 .
3- اُنظر تذكرة الفقهاء 2 : 203 - 204 ؛ الاُمّ 1 : 47 ؛ المجموع 2 : 293 .
4- عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم السلام قال : لا يتمتّع بالتيمّم إلاّ صلاة واحدة ونافلتها . تهذيب الأحكام 1 : 201 / 584 ؛ وسائل الشيعة 3 : 380 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 20 ، الحديث 6 .
5- راجع وسائل الشيعة 3 : 379 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب20 .
6- المقنعة : 60 ؛ رسائل الشريف المرتضى ، جمل العلم والعمل 3 : 26 ؛ النهاية : 50 ؛ مفتاح الكرامة 4 : 507 ؛ جواهر الكلام 5 : 265 .
وإنّما الكلام في بعض الفروع :

منها : لو تيمّمت الحائض أو المستحاضة تيمّمين بدلاً من الغسل والوضوء ، فوجدت ماءً يكفي لواحد منهما لا كليهما ، فلا يخلو إمّا أن تعلم بأهمّية أحدهما المعيّن المعلوم - كالغسل - أهمّيةً إلزاميةً ، أو تحتمل ذلك ، أو تعلم بأهمّية أحدهما

المعيّن واقعاً ولا تعرفه ، أو تحتمل ذلك ، أو تعلم بتساويهما :

فعلى الأوّل : ينتقض ما هو بدل الأهمّ ؛ لحصول التمكّن من استعمال الماء له ، ولا ينتقض بدل المهمّ ؛ للعذر عن استعماله له .

وعلى الثاني : ينتقض محتمل الأهمّية - بناءً على انتقاضهما مع التساوي ، كما يأتي - للعلم التفصيلي بانتقاضه ؛ إمّا لكونه أهمّ ، فيختصّ بالانتقاض ، أو لتساويهما فينتقضان ، والآخر محتمل الانتقاض ، فيستصحب بقاؤه .

وعلى الثالث والرابع : يحصل العلم بانتقاض أحدهما وبقاء أحدهما ، فيجب عليها التيمّمان لو قلنا باختلاف كيفيتهما ، وتكتفي بواحد بقصد ما في الذمّة لو قلنا

باتّحادهما كيفية ، كما هو الأقوى . وكذا مع احتمال الأهمّية في كلّ واحد منهما .

ومع إحراز تساويهما ينتقض التيمّمان ؛ لكونها قادرة على كلّ واحد من الغسل والوضوء ؛ وإن لم تكن قادرة على الجمع ، والقدرة عليه ليست موضوعة للحكم ، بل القدرة على كلّ واحد موجبة لانتقاضه ، وهي حاصلة . وهذا - بوجه - نظير باب المتزاحمين ؛ حيث قلنا : بأ نّه لو ترك المكلّف إنقاذ الغريقين ، يستحقّ العقوبة على ترك كلٍّ منهما ؛ للقدرة على إنقاذه وإن لم يقدر على الجمع ، وهو ليس بمأمور به(1) .

ص: 439


1- مناهج الوصول 2 : 21 - 22 .

ثمّ إنّه قد يقال : «مع إحراز أهمّية الغسل لو توضّأت صحّ وضوؤها ؛ لقاعدة الترتّب ، ومقتضاها انتقاض ما هو بدل من الوضوء أيضاً على تقدير ترك الغسل . ولو أتلفت الماء انتقض التيمّمان»(1) .

وفيه : - مضافاً إلى ما حرّرنا في محلّه من بطلان الترتّب(2) - أنّ انتقاض التيمّم في المقام نصّاً وفتوى ، متوقّف على القدرة الفعلية على استعمال الماء للوضوء ، وعدمِ محذور فيه ، وهي لم تحصل إلاّ باستعمال مقدار من الماء للوضوء أو غيره ، أو إتلافِ مقدار منه ؛ بحيث خرجت البقيّة عن إمكان الاغتسال بها ، فحينئذٍ لو استعملت الماء لغير الوضوء ، أو أتلفته ثمّ توضّأت بالبقيّة ، صحّ وضوؤها . لكن هذا الفرض خارج عن محطّ الكلام .

وأمّا لو استعملت في الوضوء ، فما لم يخرج الماء عن إمكان الاغتسال به ، لم ينتقض تيمّمها ؛ لكونها غير قادرة على استعماله في الوضوء ؛ لبقاء العذر ولزوم تقديم الأهمّ .

وإذا تعذّر بالاستعمال - كما لو تعذّر بعد غسل وجهها للوضوء - انتقض تيمّمها ، فلا يمكن أن يقع ذلك الوضوء صحيحاً ؛ لحصول الانتقاض بعد غسل الوجه وصيرورتها محدثة أثناء الوضوء ، نظير حدوث الحدث أثناءه .

وبالجملة : انتقاض التيمّم حصل بالوضوء وفي أثنائه ، فلا يقع صحيحاً ، وذلك من غير فرق بين القول برافعية التيمّم حقيقةً أو حكماً ، كما لا يخفى وجهه بالتأمّل .

ص: 440


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 379 .
2- مناهج الوصول 2 : 23 .

ثمّ إنّ إتلاف الماء لا يوجب انتقاض التيمّم بدل الوضوء إلاّ أن يكون تدريجياً ؛ بحيث تقدر على الوضوء بعد سلب قدرتها عن الغسل . وأمّا لو أتلفته دفعة ، فلا موجب لانتقاض بدل الأصغر بعد فرض أهمّية الأكبر ؛ لأ نّها قبل التلف لم تكن قادرة على استعماله في الوضوء ، وبالتلف تسلب القدرة عنهما دفعة ، فلا وجه لانتقاض ما هو بدل الأصغر ، فإطلاق القول با نتقاضهما بالإتلاف محلّ إشكال ومنع .

وقد يقال في فرض عدم الأهمّية : «إنّهما ينتقضان إن تركت استعماله فيهما إلى أن يمضي زمان تتمكّن فيه من فعل كلٍّ من الطهارتين ؛ لقدرتها على كلٍّ منهما على تقدير ترك الآخر ، وقد تحقّق التقدير في الفرض . وأمّا على تقدير استعماله في أحدهما ، فالظاهر عدم انتقاض ما هو بدل من الآخر ؛ لعدم قدرتها على الإتيان بمبدله على تقدير صرف الماء فيما استعملت بمقتضى تكليفها»(1) .

وفيه : أنّ مضيّ الزمان بمقدار العمل لا دخالة له في قدرتها ، بل هي حاصلة في أوّل زمان وجدان الماء الجائز الاستعمال شرعاً وعقلاً ؛ فإنّ القدرة على كلٍّ منهما ليست معلّقة على ترك الآخر ، بل فعله رافع للقدرة ؛ لأجل المزاحمة عقلاً بينهما ، فالقدرة قبل الاشتغال بالعملين حاصلة بالنسبة إلى كلٍّ من العملين ، وبالاشتغال بأحدهما ترفع عن الآخر ما دام الاشتغال ، أو مع نقصان الماء بالاستعمال .

ومنه يظهر النظر في كلامه الأخير - أي عدم الانتقاض على تقدير الاستعمال

ص: 441


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 379 - 380 .

في صاحبه - لأنّ القدرة كانت حاصلة لكلٍّ منهما قبل الاشتغال بالآخر ،

ولا يشترط في الانتقاض إلاّ ذلك .

فالأقوى انتقاضهما بمجرّد الوجدان والقدرة على الاستعمال قبل الاشتغال بأحدهما ، ولا تأثير للاشتغال به في عدم الانتقاض .

والعجب أنّ القائل بالتفصيل في هذا الفرع لم يفصّل في الفرع الآخر! فقال : «لو وجد جماعة ماءً يباح لهم التصرّف فيه ، فإن تمكّن كلٌّ منهم من التصرّف فيه على وجه سائغ من غير أن يزاحمه غيره ، انتقض تيمّم الجميع ، وإلاّ انتقض تيمّم المتمكّن خاصّة»(1) انتهى .

وكان عليه التفصيل المتقدّم ؛ من مضيّ زمان بمقدار العمل مع تركهم الاستعمال ، ومع استعمال أحدهم حين الوجدان يلتزم بعدم الانتقاض .

إلاّ أن يقال : إنّ مراده ذلك ، ولم يصرّح به لإيكاله إلى الوضوح بعد بيان الفرع المتقدّم ، فيرد عليه ما تقدّم .

والحمدُ للّه أوّلاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً . وقد وقع الفراغ من هذه الوجيزة في 11 شهر شعبان المعظّم ، سنة 1376 .

ص: 442


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 6 : 380 .

الفهارس العامّة

اشارة

1 - الآيات الكريمة

2 - الأحاديث الشريفة

3 - أسماء المعصومين علیهم السلام

4 - الأعلام

5 - الكتب الواردة في المتن

6 - مصادر التحقيق

7 - الموضوعات

ص: 443

ص: 444

1 - فهرس الآيات الكريمة

الآية رقمها الصفحة

البقرة (2)

(فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ

فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) 184 140

(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ

هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى

وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ

فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى

سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّه ُ بِكُمُ

الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) 185 137

(الشَّهْرَ) 185 139

(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) 185 138، 139، 142

(وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ) 185 113

(وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ

مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) 185 139، 141

ص: 445

الآية رقمها الصفحة

(وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ

مِنْ أَيَّامٍ اُخَرَ يُرِيدُ اللّه ُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ

يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) 185 112

(فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) 185 113، 142

(يُرِيدُ اللّه ُ بِكُمُ الْيُسْرَ) 185 113

(يُرِيدُ اللّه ُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ

الْعُسْرَ) 185 83

(لاَتَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) 222 401

(رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا

رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ

عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا

مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ) 286 115

(رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا

حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) 286 83، 116

النساء (4)

(لاَ تَقْرَبُوا) 43 400

(لاَ تَقْرَبُوا الصَّلَوةَ . . . جُنُباً( 43 400

(لاَ تَقْرَبُوا الصَّلَوةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى

حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ

عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) 43 400

(الصَّلَوةَ) 43 400

ص: 446

الآية رقمها الصفحة

(وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ) 43 401

(إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ) 43 400

(حَتَّى تَغْتَسِلُوا( 43 146

(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ) 43 345

(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ

جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ

النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً

طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) 43 158

(أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ( 43 345

(أَوْ لاَ مَسْتُمُ النِّسَاءِ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً

فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) 43 61

(لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ) 43 344، 345

(فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) 43 160، 162،

259، 262

(صَعِيداً طَيِّباً) 43 196

(إِنَّ الصَّلَوةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ

كِتاباً مَوْقُوتاً) 103 353

المائدة (5)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى

الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ

إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ

ص: 447

الآية رقمها الصفحة

وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً

فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ

أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ

لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا

صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ

وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيَجْعَلَ

عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ

وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) 6 15

(إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ) 6 361، 392

(إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا) 6 248

(إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا

وُجُوهَكُمْ) 6 10، 392

(إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا . . .

وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) 6 48

(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى

الْمَرَافِقِ) 6 285، 286

(فَاغْسِلُوا) 6 15

(وَأَيْدِيكُمْ) 6 158، 165، 272

(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) 6 248، 434

(فَاطَّهَّرُوا) 6 15، 146

(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى) 6 30

(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ) 6 31، 71، 141

ص: 448

الآية رقمها الصفحة

(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ . . .

فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) 6 64

(عَلَى سَفَرٍ) 6 31

(أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً

فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) 6 61

(فَلَمْ تَجِدُوا) 6 15، 35، 48، 50

(فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) 6 267

(فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً

فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ) 6 264

(فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً) 6 165، 267، 285،

297

(فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) 6 20، 141، 171،

173، 181، 183،

259، 262، 271،

275، 280، 297،

335

(فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا

بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) 6 263، 266

(صَعِيداً طَيِّباً) 6 196

(فَامْسَحُوا) 6 266

(فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) 6 280، 297

(فَامْسَحُوا . . . مِنْهُ) 6 268، 297

ص: 449

الآية رقمها الصفحة

(بِوُجُوهِكُمْ) 6 165، 272

(مِنْهُ( 6 158، 161، 165،

267، 285، 289

(مَا يُرِيدُ اللّه ُ) 6 72، 73

(مَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ

حَرَجٍ) 6 16، 31، 64،

71، 82، 362

(مَا يُرِيدُ اللّه ُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ

وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) 6 345

(وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) 6 244، 435

الأنعام (6)

(لاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ) 151 400

الأعراف (7)

(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ

وَالَّذِى خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً) 58 197

هود (11)

(أَقِمِ الصَّلَوةَ طَرَفَىِ الْنَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ

الَّيْلِ) 114 353

ص: 450

الآية رقمها الصفحة

النحل (16)

(إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ

بِالاْءِيمَانِ) 106 115

الإسراء (17)

(لاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا) 32 400

(أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى

غَسَقِ الَّيْلِ) 78 353

الكهف (18)

(فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً) 40 159

(صَعِيداً زَلَقاً) 40 161

الحجّ (22)

(وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ

حَرَجٍ) 78 64، 81، 82،

112، 227

الأحزاب (33)

(مَا جَعَلَ اللّه ُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِى

جَوْفِهِ) 6 164

ص: 451

الآية رقمها الصفحة

الزمر (39)

(وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ

الْعَرْشِ) 75 164

الحجرات (49)

(أيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ

مَيْتاً) 12 114

ص: 452

2 - فهرس الأحاديث الشريفة

أتى عمّار بن ياسر رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقال : يا رسول اللّه 171، 259

أخّر التيمّم 367

إذا أتيت البئر وأنت جنب ، فلم تجد دلواً . . . فتيمّم بالصعيد 65، 90

إذا اجتمعت سُنّة وفريضة بدئ بالفرض 429

إذا بلّ رأسه وجسده. . . 232

إذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم 98، 111

إذا خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوت الوقت فليتيمّم 218

إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة ، ولا صلاة إلاّ بطهور 355، 395

إذا رأى الماء وكان يقدر عليه ، انتقض تيمّمه 404

إذا غرقت الجبهة ولم تثبت على الأرض... 214

إذا قمتم من النوم . . . 248

إذا كانت الأرض مبتلّة . . . فانظر أجفّ موضع تجده فتيمّم منه 179، 204، 209

إذا كان معها بقدر ما تغسل به فرجها فتغسله ، ثمّ تتيمّم وتصلّي 92

إذا كنت في حال لا تجد إلاّ الطين فلا بأس أن تتيمّم به 121

إذا كنتَ في حال لا تقدر إلاّ على الطين فتيمّم به 90، 204، 218

إذا كنت لا تجد إلاّ الطين فلا بأس أن تتيمّم به 206

ص: 453

إذا لم تجد ماءً وأردت التيمّم ، فأخّر التيمّم إلى آخر الوقت 366

إذا لم يجد الرجل طهوراً وكان جنباً ، فليتمسّح من الأرض 268، 363

إذا لم يجد الرجل طهوراً وكان جنباً، فليمسح من الأرض وليصلّ 174، 244

إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت 38، 51، 54،

97، 107، 368

إذا لم يكن معك ثوب جافّ أو لِبْد تقدر أن تنفضه وتتيمّم به 211

إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضّأ وأعاد 366

أربع صلوات يصلّيها الرجل في كلّ ساعة 397

أعطى اللّه اُمّتي وفضّلهم به على سائر الاُمم 82

اغتسل على ما كان 79

اغتسل على ما كان ؛ فإنّه لا بدّ من الغسل 74، 78

اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه 165

افرج الماء بيدك ثمّ توضّأ ؛ فإنّ الدين ليس بمضيّق 82

أفلا صنعت كذا ؟297

أفلا صنعت كذا ؟! ثمّ أهوى بيديه . . . 172، 173

أفلا صنعت كذا ؟! ثمّ أهوى بيديه إلى الأرض ، فوضعهما على الصعيد . . . 335

اُقعِدَ رجل من الأحبار في قبره ، فقيل له : إنّا جالدوك مائة جلدة . . . 401

ألا ترى إنّما جعل عليه نصف الطهور؟! 123

ألا ترى أ نّه إنّما جعل عليه نصف الطهور؟! 96

ألا يمّموه ؟! إنّ شفاء العيّ السؤال 255

أمّا أنا فكنت فاعلاً ، إنّي كنت أتوضّأ واُعيد 366

إن أجنب فعليه أن يغتسل على ما كان منه ، وإن احتلم فليتيمّم 75

إن استيقظ قبل أن يطلع الفجر ، فإن انتظر ماءً يسخّن أو يستقى . . . 423

ص: 454

إنّ التراب طهور المسلم ولو إلى عشر سنين 243

إنّ التيمّم أحد الطهورين 20، 93

إنّ التيمّم غسل المضطرّ ووضوؤه 421

إنّ الصعيد طهور المسلم إن لم يجد الماء عشر سنين 243

إنّ اللّه أولى بالعذر 219، 220

إنّ اللّه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً 20، 421، 435

إنّ اللّه عزّ وجلّ جعلهما طهوراً : الماء ، والصعيد 20، 242، 243

إنّ المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين 165

إنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم ذُكر له أنّ رجلاً أصابته جنابة على جرح كان به... 119

إنّا نخاف عليك 78

أنت منّي بمنزلة هارون من موسى 241

إن خاف عطشاً فلا يهريق منه قطرة ، وليتيمّم بالصعيد 86، 109، 123، 147

إن خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوت الوقت فليتيمّم 107

إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد ، فقد فعل أحد الطهورين 385

إنّ ربّ الماء هو ربّ التراب 369

إنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد 20، 243

إنّ ربّهما واحد 90

إنّ رجلاً أتى النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال : يا رسول اللّه ، أصوم شهر رمضان في السفر ؟114، 143

إن فاتك الماء لم تفتك الأرض 368

إن فاته الماء لم تفته الأرض 374

إن كان أجنب هو فليغتسل ، وإن كان احتلم فليتيمّم 75

إن كان أصابه الثلج 216، 217

إن كان أصابه الثلج فلينظر لِبْد سرجه ، فليتيمّم من غباره 203، 207، 215

ص: 455

إن كانت الأرض مبتلّة ليس فيها تراب ولا ماء ، فانظر . . . 209

إنّما فرض اللّه عزّ وجلّ على الناس من الجمعة إلى الجمعة . . . 353

إنّما قال اللّه : )فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ( 297

أ نّه أتى النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال : يا رسول اللّه هلكتُ ؛ جامعتُ على غير ماء! . . . 19

إنّه أحد الطهورين 90، 243، 421

إنّه الوضوء التامّ الكامل في وقت الضرورة 421

أ نّه سئل عن التيمّم بالجصّ ، فقال : نعم . فقيل : بالنورة ؟ فقال : نعم 187

أ نّه سئل عن الرجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة . . . 372، 386

أهوى بيديه إلى الأرض 276

أهوى بيديه إلى الأرض ، فوضعهما على الصعيد 172

إيت أهلك توجر . . . 18

أيحبّ أحدكم . . . 114

بل يتيمّم ، وكذلك إذا أراد الوضوء 122

بمنزلة الماء 243

التراب أحد الطهورين 145، 242، 285، 437

التراب طهور 437

تضرب بكفّيك الأرض 273، 274

تضرب بكفّيك الأرض ، ثمّ تنفضهما وتمسح بهما وجهك ويديك 174، 238، 281،

298، 311

تضرب بكفّيك الأرض مرّتين ، ثمّ تنفضهما وتمسح بهما 337

تضرب بكفّيك على الأرض مرّتين ، ثمّ تنفضهما وتمسح بهما 174، 298

تضرب بيديك مرّتين ، ثمّ تنفضهما 339

تمّت صلاته ، ولا إعادة عليه 38، 53، 364

ص: 456

تنفضهما وتمسح بهما 311

التيمّم أحد الطهورين 32، 435

التيمّم بالصعيد لمن لا يجد الماء كمن توضّأ من غدير ماء 20

التيمّم بالصعيد لمن لم يجد الماء كمن توضّأ من غدير ماء 243

التيمّم ضربة للوجه ، وضربة للكفّين 274، 281، 310، 337

الثلج إذا بلّ رأسه وجسده أفضل ، فإن لم يقدر . . . 230

ثمّ أهوى بيديه إلى الأرض ، فوضعهما على الصعيد 301

ثمّ تمسح بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك 316

ثمّ تمسح بهما وجهك موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف 316، 324

ثمّ دلك إحدى يديه بالاُخرى على ظهر الكفّ بدءً باليمنى 260

ثمّ مسح بجبينيه 313

ثمّ مسح من بين عينيه إلى أسفل حاجبيه 333

ثمّ مسح يديه بجبينيه 304

ثمّ نزل في التيمّم بإسقاط المسحين ، وجعل مكان موضع الغسل مسحاً 264

ثمّ وضع يديه جميعاً على الصعيد ، ثمّ مسح من بين عينيه . . . 316، 324

جبينيه بأصابعه 313

جعلت لي الأرض . . . طهوراً 192

جُعلتْ لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً 181

جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً 168، 170، 177، 178،

192، 243، 420

الحرج: الضيق 82

خلق اللّه الماء طهوراً 192

ذلك توسيع من اللّه عزّ وجلّ 204

ص: 457

ربّ الماء وربّ الأرض واحد 421

سبحان اللّه! أفما يخاف من يصلّي من غير وضوء . . . 387، 401

الصائم في السفر . . . 114

الصائم في السفر في شهر رمضان كالمفطر فيه في الحضر 113، 143

الصعيد : الموضع المرتفع عن الأرض 198

صعيد طيّب وماء طهور 176، 215

الصلاة لا تترك بحال 226، 393، 395

الطواف بالبيت صلاة 417

على قدر جِدَته 67

عليه أن يتوضّأ ويعيد الصلاة 57

فإنّ التيمّم أحد الطهورين 416

فإنّ الصعيد أحبّ إليّ 233

فإنّ الصلاة عماد دينكم 393

فإنّ اللّه أولى بالعذر 219

فإنّ اللّه عزّ وجلّ جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً 261

فإن انتظر ماءً يسخّن أو يستقى فطلع الفجر فلا شيء عليه 422

فإنّ تيمّمه الأوّل انتقض حين مرّ بالماء ولم يغتسل 403

فإن صلّى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتمّ، فقد جازت صلاته 100

فإن فاتك الماء لم تفتك الأرض 367

فإن كان في ثلج . . . 208

فإن كان في ثلج فلينظر لِبْدَ سرجه فليتيمّم من غُباره 204

فإن لم تجدوا بشراءٍ أو غير شراء 61

فإن لم يقدر أن يغتسل به فليتيمّم 232، 233

فإنّه الصعيد 177، 218، 219

ص: 458

فدعوتُ الغِلْمة فقلت لهم : احملوني فاغسلوني ، فقالوا : إنّا نخاف عليك . . . 74

فضرب بيديه على الأرض 172

فضرب بيديه على الأرض ، ثمّ ضرب إحداهما على الاُخرى 302

فعل أحد الطهورين 243

فقال : كذلك يتمرّغ الحمار ؛ أفلا صنعت كذا ؟! 275

فقال : لِمَ تجلدونيها ؟ قالوا : نجلدك أ نّك صلّيت يوماً بغير وضوء 401

فقال له : يا عمّار . . . يجزيك من ذلك أن تمسح بيديك وجهك وكفّيك 173

فقال : هكذا يصنع الحمار ، وإنّما قال اللّه عزّ وجلّ : )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً( 275

فلمّا وضع الوضوء عمّن لم يجد الماء أثبت بعض الغسل مسحاً 165، 264

فليتيمّم وليصلّ في آخر الوقت 374

فليطلب إذا كان في سعة 368

فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم 40

فليغتسل وليستقبل الصلاة 413

فلينصرف فليتوضّأ ما لم يركع ، وإن كان قد ركع فليمض في صلاته 406

فمسح اليسرى على اليمنى . . . 259

فمسح كفّيه كلّ واحدة على ظهر الاُخرى 259

فوضعهما على الصعيد 301

فوضع يده على المِسْح 172

قال اللّه عزّ وجلّ : جعلت لك ولاُمّتك الأرض كلّها مسجداً ، وترابها طهوراً 170

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : إنّ اللّه عزّ وجلّ أهدى إليّ وإلى اُمّتي هديّة... 114

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ذات يوم لعمّار . . . 171، 275

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : رُفعت عن اُمّتي أربع خصال : ما اضطُرّوا إليه . . . 115

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : يا علي ، إنّ هذا الدين متين ، فأوغل فيه . . . 117

قتلوه ، ألا سألوا ؟! ألا يمّموه ؟! إنّ شفاء العيّ السؤال 73، 119

ص: 459

قد مضت صلاته ، وليتطهّر 245، 364

كذلك يتمرّغ الحمار ؛ أفلا صنعت كذا ؟! ثمّ أهوى بيديه إلى الأرض . . . 171

كلّ ما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر 399

لا آمره أن يُغرّر بنفسه ؛ فيعرض له لصّ أو سبع 37، 68، 106

لا أرى أن يعود . . . 226

لا بأس بأن لا يغتسل ؛ يتيمّم 73، 121

لا بدّ من الغسل 74، 79

لا بل يتيمّم ؛ ألا ترى أ نّه إنّما جعل عليه نصف الوضوء ؟! 58

لا ، بل يشتري ، قد أصابني مثل ذلك فاشتريت وتوضّأت 70

لا تصلّ في وَبَر ما لا يُؤكل 10، 400

لا تطلب الماء ، ولكن تيمّم ؛ فإنّي أخاف عليك . . . 37، 67، 106

لا تطلب يميناً ولا شمالاً ، ولا في بئر ، إن وجدته على الطريق فتوضّأ 36

لا تعد الصلاة ؛ فإنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد 364

لا تفسد على القوم ماءهم 90

لا تقع في البئر، ولا تفسد على القوم ماءهم 147

لا تُكرهوا إلى أنفسكم العبادة 117

لا ، حتّى آخر الوقت 374

لا خوف عليّ 78

لا سهو لمن أقرّ على نفسه بالسهو 393

لا صلاة إلاّ بطهور 32، 184، 226، 391،

393، 394، 395، 434،

437

لا صلاة إلاّ بطهور ، ويجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار 248، 395

لا ضرر ولا ضرار 68

ص: 460

لا غِلَظَ على مسلم في شيء 83

لا ؛ لأنّ الرماد لم يخرج من الأرض 187

لا ، ولكنّه يمضي في صلاته ، ولا ينقضهما ؛ لمكان أ نّه دخلها 411

لا ، ولكن يتيمّم الجنب ويصلّي بهم 178، 246، 346

لا ؛ هو بمنزلة الماء 19، 240، 262

لا يعيد ؛ إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد ، فقد فعل أحد الطهورين 370

لا يغتسل ويتيمّم 73، 106، 120، 147،

383

لا يهريق منه قطرة 123

لمكان أ نّه دخلها وهو على طهر بتيمّم 416

لم يجد طهوراً 244

لم يخرج من الأرض 189

ليس عليه إعادة الصلاة 363

ليس عليه أن يدخل 66

ليس عليه أن يدخل الركية ؛ لأنّ ربّ الماء هو ربّ الأرض ، فليتيمّم 65

الماء يطهّر. . . 36

ما أبينها لمن عقلها! 139

ما أبيَنَها! من شهد فليصمه ، ومن سافر فلا يصمه 139

ما اُحبّ أن يفعل ذلك ، إلاّ أن يكون شَبِقاً ، أو يخاف على نفسه 18

ما يشتري بذلك مال كثير 17

المبطون والكسير يؤمّمان ولا يغسّلان 256

مرّتين مرّتين للوجه واليدين 281، 310، 336

مسح الوجه من فوق الحاجبين ، وبقي ما بقي 308

مسح جبينيه بأصابعه 301

ص: 461

من أدرك . . . 98، 99، 101، 102، 103

من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة 99، 100

من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر 99

من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت 100

من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة 100

من بين عينيه إلى أسفل حاجبيه 308

من شهد شهر رمضان فليصمه ، ومن سافر فيه فليفطر 139

من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها ، فذلك وقتها 397

من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته 396

موضع السجود من مقام الشعر إلى طرف الأنف 308

الميسور لا يسقط بالمعسور 394

نصف الطهور 96

نعم ؛ صعيد طيّب وماء طهور 176، 198، 218

نعم ، ما لم يحدث أو يصب ماءً 403

نور وطهور 145

والعجب لجهله وجهل الاُمّة ، أ نّه كتب إلى جميع عمّاله : أنّ الجنب . . . 332

واللّه لأنت أعجز من تارك الغسل يوم الجمعة! فإنّه لا يزال في طهر... 424

وأمّا صوم السفر والمرض فإنّ العامّة قد اختلفت في ذلك . . . 140

وإن أصابه ما أصابه 78

وإنّ اللّه تعالى أعطى اُمّتي ذلك حيث يقول . . . 82

وإن كان في حال لا يجد إلاّ الطين . . . 216

وتمسح بهما وجهك ويديك 298

الوضوء على الوضوء نور على نور 249

الوضوء فريضة 10

ص: 462

الوضوء نور 145

الوقت والطهور والقبلة والتوجّه والركوع والسجود والدعاء 11

وكذلك إذا نظرت في جميع الأشياء لم تجد أحداً في ضيق 83

ولا أرى أن يعود . . . 225

ولا تدع الصلاة على حال ؛ فإنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : الصلاة عماد دينكم 393

ولا يجوز بالرماد ؛ لأ نّه لم يخرج من الأرض 187

وما يشتري بذلك مال كثير 17

ومتى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت جنباً . . . 245

ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صلّيتها 397

ونروي أنّ جبرئيل نزل إلى سيّدنا محمّد صلی الله علیه و آله وسلم في الوضوء . . . 264

وهو واجد لها 66

ويجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار 434

هذا التيمّم على ما كان فيه الغسل 242، 301

هكذا يصنع الحمار، إنّما قال اللّه عزّوجلّ: )فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً( 162، 173، 297، 335

هو أحد الطهورين 422، 432

هو بمنزلة الضرورة يتيمّم 16، 89، 225

هو بمنزلة الماء 21، 420، 422، 435

هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة 240، 310، 338

هو له حلال 18

يتوضّؤون هم ، ويتيمّم الجنب 429

يتيمّم أفضل 233

يتيمّم أفضل ؛ ألا ترى إنّما جعل عليه نصف الطهور؟! 110، 123

يتيمّم بالصعيد ، فإذا وجد الماء فليغتسل ولا يعيد 363

يتيمّم بالصعيد ، ويستبقي الماء 85، 110، 122

ص: 463

يتيمّم ، فإنّه الصعيد 106، 176، 215، 217

يتيمّم من لِبْده أو سرجه أو مَعْرَفة دابّته ؛ فإنّ فيها غباراً ، ويصلّي 203

يتيمّم ولا يتوضّأ 59

يتيمّم ويصلّي ، فإذا أصاب ماءً غسله وأعاد الصلاة 388

يتيمّم ويصلّي ، فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد 77، 382

يتيمّم ويصلّي ، فإذا أمن من البرد اغتسل وأعاد الصلاة 365

يجزيك من الوضوء ثلاث غُرفات : واحدة للوجه ، واثنتان للذراعين 273

يجزيك من ذلك أن تمسح . . . 173

يحشر الناس يوم القيامة حفاةً عراةً على صعيد واحد 159

يطلب الماء في السفر 51

يطلب الماء في السفر إن كانت الحزونة فغَلْوة ، وإن كانت سهولة فغَلْوتين 35

يعرف هذا وأشباهه من كتاب اللّه عزّ وجلّ 64، 227

يغتسل إذا جاءه ، ثمّ يصلّي 423

يغتسل الجنب ، ويدفن الميّت بتيمّم ، ويتيمّم الذي هو على غير وضوء 428

يغتسل بالثلج أو ماء النهر 61، 230، 231

يغتسل على ما كان 74، 79

يغتسل وإن أصابه ما أصابه 74، 77، 78، 79

يقضي ما فاته كما فاته ؛ إن كانت صلاة السفر أدّاها في الحضر . . . 398

يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها 397

يكفي عشر سنين 90

يكفيك عشر سنين 145، 421

يمضي في الصلاة ، واعلم أ نّه ليس ينبغي لأحد أن يتيمّم . . . 371، 412

ينقض ذلك تيمّمه ، وعليه أن يعيد التيمّم . . . 403

يؤمّم المجدور والكسير إذا أصابتهما جنابة 255

ص: 464

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام

النبي ، محمّد ، رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم = محمّد

بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام

محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام 7،

9، 18، 19، 21، 69، 82، 99، 113،

114، 115، 116، 117، 119، 143،

159، 161، 162، 168، 170، 171،

173، 178، 241، 249، 258، 259،

260، 275، 276، 278، 279، 297،

304، 305، 312، 313، 323، 327،

329، 331، 332، 334، 335، 393،

395

أمير المؤمنين علیه السلام = علي بن أبي

طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل

علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل 35،

117، 173، 187، 241، 332، 341،

372، 386، 424

علي بن الحسين علیه السلام ، الإمام الرابع 140

أبو جعفر علیه السلام = محمّد بن علي علیه السلام ،

الإمام الخامس

محمد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس 10،

11، 19، 35، 38، 53، 73، 82، 121،

139، 165، 166، 171، 172، 174،

187، 203، 215، 216، 238، 240،

245، 248، 258، 259، 260، 263،

264، 275، 276، 277، 278، 279،

298، 301، 304، 305، 307، 310،

311، 312، 313، 316، 320، 324،

327، 329، 331، 332، 333، 334،

335، 338، 353، 355، 364، 394،

395، 397، 401، 403، 406

الصادق علیه السلام ، أبو عبداللّه علیه السلام = جعفر بن

محمّد علیه السلام ، الإمام السادس

جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس 16،

19، 36، 37، 58، 60، 61، 64، 65،

ص: 465

67، 68، 73، 74، 76، 78، 82، 83،

84، 85، 89، 90، 92، 96، 100،

105، 106، 113، 114، 115، 117،

118، 119، 120، 122، 138، 142،

172، 174، 177، 179، 203، 204،

214، 218، 225، 227، 228، 230،

240، 244، 245، 246، 255، 256،

262، 265، 268، 276، 277، 279،

298، 300، 303، 305، 314، 320،

327، 330، 332، 336، 337، 343،

346، 362، 363، 364، 365، 366،

370، 371، 374، 382، 383، 386،

387، 388، 397، 401، 411، 413،

429

الكاظم ، أبو إبراهيم ، أبو الحسن ، العبد

الصالح علیه السلام = موسى بن جعفر علیه السلام ،

الإمام السابع

موسى بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع 18،

61، 115، 230، 428

الرضا ، أبو الحسن علیه السلام = علي بن

موسى علیه السلام ، الإمام الثامن

علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن 70،

73، 106، 120، 176، 197، 218،

261، 304، 308، 310، 330، 337،

365، 383، 423

موسى، نبي اليهود 241

هارون، النبي 241

ص: 466

4 - فهرس الأعلام

الآقا جمال خوانساري، محمّد بن

الحسين 296، 303

إبراهيم بن هاشم = القمّي، إبراهيم بن

هاشم

ابن أبي المقدام = عمرو بن أبي المقدام

ابن أبي عقيل، الحسن بن علي 185،

314، 341

ابن أبي عمير، محمّد 119، 255، 412

ابن أبي نصر = البزنطي، أحمد بن محمّد

ابن أبي يعفور = عبداللّه بن أبي يعفور

ابن إدريس، محمّد بن أحمد 45، 46،

186، 318، 320، 325، 328

ابن الأعرابي 159

ابن البرّاج، عبدالعزيز بن نحرير 359

ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد

157، 225، 256، 341

ابن الشهيد الثاني، الحسن بن زين الدين

322، 404

ابن الشيخ الطوسي = الطوسي، الحسن

بن محمّد

ابن الطيّار 83

ابن الغضائري، أحمد بن الحسين

الغضائري 408

ابن المغيرة = عبداللّه بن المغيرة

ابن النعمان = داود بن النعمان

ابن الوليد 409

ابن بابويه، محمّد بن علي 75، 138،

142، 168، 169، 253، 316، 318،

325، 326، 327، 341، 359، 404،

409، 412

ابن بكير، عبداللّه 245، 246، 247، 374

ابن حمران = محمّد بن حمران

ابن حمزة، محمّد بن علي 224، 325

ابن حنبل، أحمد بن محمّد 33، 79، 328

ص: 467

ابن دريد، محمّد بن الحسن 181

ابن رشد، محمّد بن أحمد 156

ابن زهرة، حمزة بن علي 341

ابن سرحان = داود بن سرحان

ابن سعيد الحلّي = ابن سعيد، يحيى بن

أحمد

ابن سعيد، يحيى بن أحمد 325

ابن سنان = عبداللّه بن سنان

ابن شريح = معاوية بن شريح

ابن عبّاس، عبداللّه بن عبّاس 81، 159،

196، 341

ابن فارس، أحمد بن فارس 159

ابن فهد الحلّي، أحمد بن محمّد 396

ابن مسلم = محمّد بن مسلم

ابن مطر = علي بن مطر

أبو الصلاح الحلبي، التقي بن نجم 45،

157، 318، 320، 325، 341

أبو العبّاس بن نوح 409

أبو العبّاس = ابن فهد الحلّي، أحمد بن

محمّد

أبو أيّوب = الخزّاز، أبو أيّوب

أبو بصير، ليث المرادي 57، 74، 82، 89،

174، 204، 211، 218، 219، 220،

238، 265، 298، 303، 304، 310،

311، 330، 331، 337، 343، 363،

370، 429، 430

أبو جعفر بن بابويه = ابن بابويه، محمّد

بن علي

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد

= ابن الوليد

أبو حنيفة 31، 33، 155، 156، 180،

181، 182، 183، 328

أبو ذرّ 18، 19، 21، 332

أبو عبيدة، معمّر بن المثنّى 92، 159،

181

أحمد بن حنبل = ابن حنبل، أحمد بن

محمّد

أحمد بن هلال 212

الأردبيلي، أحمد بن محمّد 296، 321،

341، 359

الأرمني، الحسين بن النضر 429

الأزهري، محمّد بن أحمد 160

إسحاق بن عمّار 18

إسماعيل الكندي = الكندي، إسماعيل

إسماعيل بن عيسى 423

الأشعري، محمّد بن أحمد بن يحيى بن

عمران 409

أصبغ = الأصبغ بن نباتة

ص: 468

الأصبغ بن نباتة 424

الأصفهاني، محمّد حسين بن عبدالرحيم

131

الأصمعي، عبدالملك بن قريب 42، 159

الأطروش الديلمي (الناصر الكبير)،

الحسن بن علي 389

الأقطع، سليمان بن خالد 74، 77، 78،

79

الأنصاري = الأنصاري، مرتضى بن

محمّد أمين

الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين 422

الأنصاري، جابر بن عبداللّه 170

الأوزاعي، عبدالرحمان بن عمرو بن

يُحمد 239

الأهوازي، الحسين بن سعيد 394

البزنطي، أحمد بن محمّد 73، 76، 106،

120، 146، 359، 383

بعض المحقّقين = الهمداني، رضا بن

محمّد هادي

بعض أهل التحقيق = الهمداني، رضا بن

محمّد هادي

التفليسي، الحسن 429

التقي = أبو الصلاح الحلبي، التقي بن

نجم

التميمي المغربي، النعمان بن محمّد 169

جابر بن عبداللّه = الأنصاري، جابر بن

عبداللّه

جدّ المرتضى = الأطروش الديلمي

(الناصر الكبير)، الحسن بن علي

جعفر بن بشير 365، 382، 383

جعفر بن محمّد بن سماعة 411

الجعفري، جعفر بن إبراهيم 119

الجعفي، أبو الفضل محمّد بن أحمد

الصابوني 359، 404

جميل بن درّاج 19، 177، 246، 261،

346

الجوهري، القاسم بن محمّد 410

الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن 394

حريز = السجستاني، حريز بن عبداللّه

الحرّ = الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن

الحسن التفليسي = التفليسي، الحسن

الحسن بن صالح بن حيّ 239

الحسن بن عيسى 404

الحسين بن أبي العلاء 58، 65، 96

الحسين بن أبي طلحة 61، 66

الحسين بن سعيد = الأهوازي، الحسين

بن سعيد

الحلبي، حسن بن سليمان 169

ص: 469

الحلبي، عبيداللّه بن علي 58، 65، 96،

122، 174، 244، 268، 362، 370،

397

الحلّي = ابن إدريس، محمّد بن أحمد

حمّاد بن عثمان 19، 240، 262، 422

حمّاد بن عيسى 330، 394

حمزة بن الطيّار = ابن الطيّار

الخراساني = المحقّق السبزواري،

محمّد باقر بن محمّد مؤمن

الخزّاز، أبو أيّوب 276، 278، 303،

311، 329، 336، 343، 365

الخونساري = الآقا جمال خوانساري،

محمّد بن الحسين

داود 37، 67، 68، 252، 353، 284

داود بن النعمان 277، 303، 311، 329،

336، 343

داود بن سرحان 73، 76، 106، 120،

146، 383

الديلمي، الحسن بن محمّد 169

الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمّد

158

الراوندي = القطب الراوندي، سعيد بن

هبة اللّه

الراوندي الكاشاني، فضل اللّه بن علي

187

رفاعة = النخّاس، رفاعة بن موسى

الرقّي، داود بن كثير 36، 67، 105، 365

الزجّاج، إبراهيم بن سري 158، 160،

161

زرارة 10، 38، 39، 40، 49، 50، 51،

53، 54، 82، 97، 98، 99، 106،

107، 108، 139، 142، 147، 165،

171، 173، 174، 175، 176، 177،

203، 204، 206، 207، 211، 214،

215، 216، 217، 219، 220، 238،

240، 245، 248، 251، 258، 260،

264، 272، 275، 277، 278، 279،

284، 288، 289، 292، 298، 301،

303، 304، 306، 307، 308، 310،

311، 312، 313، 314، 316، 320،

323، 324، 329، 331، 335، 336،

338، 339، 342، 343، 353، 355،

364، 368، 369، 370، 374، 381،

393، 394، 397، 398، 401، 403،

406، 407، 411، 416

الزهري، محمّد بن مسلم بن شهاب 140،

142، 329

الساباطي، عمّار بن موسى 100، 214،

240، 340، 343، 367، 388

ص: 470

السجستاني، حريز بن عبداللّه 339، 394

السكوني، إسماعيل بن أبي زياد 19، 35،

38، 39، 40، 41، 42، 44، 46، 47،

50، 51، 114، 187، 372، 386،

438

سلاّر الديلمي، حمزة بن عبدالعزيز 225

سليمان بن خالد = الأقطع، سليمان بن

خالد

سماعة بن مهران 84، 109، 122، 147،

277، 278، 310، 330، 371، 386

السيّد المرتضى = علم الهدى، علي بن

الحسين

الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي 49، 168،

252، 256، 265، 280، 321، 359

الشهيد الثاني، زين الدين بن علي 398،

422

الشهيدان (الشهيد الأوّل، محمّد بن

مكّي / الشهيد الثاني، زين الدين بن

علي) 321، 325

الشيخ = الطوسي، محمّد بن الحسن

شيخ الطائفة = الطوسي، محمّد بن

الحسن

صاحب الجواهر، محمّد حسن بن باقر

95، 340، 405، 413

صاحب الفصول الغروية = الأصفهاني،

محمّد حسين

صاحب المعالم = ابن الشهيد الثاني،

الحسن بن زين الدين

صاحب الوسائل = الحرّ العاملي، محمّد

بن الحسن

صاحب الوسيلة إلى نيل الفضيلة = ابن

حمزة، محمّد بن علي

الصدوق = ابن بابويه، محمّد بن علي

صفوان الجمّال 401

صفوان بن يحيى 66، 70، 300، 304،

314

الصيقل، الحسن 413، 414

الصيمري، مفلح بن الحسن 340، 396

الطبرسي، أحمد بن علي 115

الطبري الآملي، محمّد بن أبي القاسم

169

الطبري (عماد الدين الطبري) = الطبري

الآملي، محمّد بن أبي القاسم

الطوسي، الحسن بن محمّد 169، 170

الطوسي، محمّد بن الحسن 35، 39، 45،

60، 183، 220، 223، 224، 252،

253، 280، 300، 304، 320، 325،

342، 377، 381، 394، 407، 409،

435

ص: 471

العامري، الحسين 364، 403

عبدالأعلى = عبدالأعلى بن أعين مولى

آل سام

عبدالأعلى بن أعين مولى آل سام 64،

83، 227، 228

عبدالرحمان بن أبي نجران 428

عبداللّه بن أبي يعفور 65، 66، 90، 96،

110، 123، 147، 233

عبداللّه بن المغيرة 179، 209

عبداللّه بن سنان 76، 85، 109، 122،

147، 174، 233، 244، 268، 363،

365، 382، 383، 414

عبداللّه بن عاصم 407، 408، 409،

410، 412

عبيد بن زرارة 138

العلاّمة الحلّي، الحسن بن يوسف 49،

60، 252، 253، 271 274، 320،

325، 326، 359، 398، 405، 408

علم الهدى، علي بن الحسين 33، 157،

159، 164، 177، 180، 182، 183،

205، 209، 225، 253، 257، 307،

317، 320، 325، 339، 340، 341،

359، 373، 380، 404، 405، 431،

432

علي بن إبراهيم = القمّي، علي بن

إبراهيم

علي بن أحمد 74، 75

علي بن بابويه 320، 328، 405

علي بن جعفر 229، 230، 232، 233

علي بن سالم 36، 38، 364،370

علي بن مطر 176، 197، 215، 218،

220

عمّار بن موسى = الساباطي، عمّار بن

موسى

عمّار ياسر 162، 163، 171، 172،

173، 258، 259، 260، 262، 265،

275، 276، 277، 294، 297، 301،

304، 311، 312، 313، 315، 316،

324، 331، 332، 334، 335، 336،

341

العمّاني = ابن أبي عقيل، الحسن بن علي

عمرو بن أبي المقدام 314، 323، 336

عمرو بن جميع 117

عمرو بن مروان الخزّاز 115

العيّاشي، محمّد بن مسعود 21، 115،

260، 261، 304، 308، 316، 324،

327، 333، 365، 403، 404

العيص بن القاسم 365

ص: 472

الفخر = فخر المحقّقين، محمّد بن

الحسن

فخر الدين = فخر المحقّقين، محمّد بن

الحسن

فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن 419،

421

الفيض الكاشاني، محمّد بن شاه مرتضى

341، 359

القاضي = ابن البرّاج، عبدالعزيز بن

نحرير

القاضي (النعمان بن محمّد التميمي) =

التميمي، النعمان بن محمّد

القاضي صاحب دعائم الإسلام

= التميمي النعمان بن محمّد

القطب الراوندي، سعيد بن هبة اللّه 169،

359

القمّي، إبراهيم بن هاشم 75

القمّي، علي بن إبراهيم 81

الكاتب = ابن الجنيد الإسكافي، محمّد

بن أحمد

الكاشاني = الفيض الكاشاني، محمّد بن

شاه مرتضى

الكاهلي، عبداللّه بن يحيى 11، 300،

304، 312، 343

الكليني، محمّد بن يعقوب 39، 169،

408

الكندي، إسماعيل 274، 310، 337

ليث المرادي = أبو بصير ليث المرادي

اللؤلؤي، الحسن بن الحسين 409

مالك 156، 180، 252، 253، 328

المجلسي، محمّد باقر بن محمّد تقي 323

المحقّق الثاني = المحقّق الكركي، علي

بن الحسين

المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن 22، 35،

49، 72، 252، 280، 315، 316،

318، 319، 321، 349، 359، 398،

405، 407، 410، 412

المحقّق السبزواري، محمّد باقر بن محمّد

مؤمن 359

المحقّق الكركي، علي بن الحسين 252،

267، 398، 422

محمّد بن أبي عمير = ابن أبي عمير،

محمّد

محمّد بن أحمد بن يحيى = الأشعري،

محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران

محمّد بن حمران 19، 177، 346، 371،

407، 410، 411، 412، 413

محمّد بن سكّين 73، 119، 255

ص: 473

محمّد بن سماعة 411

محمّد بن علي 430

محمّد بن علي بن محبوب 18

محمّد بن عيسى بن عبيد 409

محمّد بن مسلم 16، 58، 60، 73، 74،

76، 78، 79، 89، 121، 225، 229،

230، 231، 232، 234، 242، 300،

310، 330، 336، 339، 365، 366،

369، 370، 385، 411، 416، 422،

423

مسعدة بن صدقة 386، 401

المسعودي، علي بن الحسين 169

معاوية بن شريح 61، 229، 230، 231،

233

معاوية بن ميسرة 364، 370

المعلّى بن محمّد 408

المفيد، محمّد بن محمّد 19، 45، 75،

224، 227، 230، 320، 325، 341،

396

منصور بن حازم 366، 370

النجاشي = النجاشي، أحمد بن علي

النجاشي، أحمد بن علي 408، 409

النخّاس، رفاعة بن موسى 179، 194،

203، 208، 209، 211، 216، 220

النوفلي، الحسين بن يزيد 35، 36

النهدي، محمّد بن حمران 411

الهمداني، رضا بن محمّد هادي 22، 25،

39، 202، 250، 270، 354، 377

يحيى بن أبي العلاء 113، 142

يحيى بن العلاء 143

يعقوب بن سالم 37، 68، 106، 245،

363

يعقوب بن يقطين 365، 370

ص: 474

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن

القرآن الكريم 137، 332، 421

إثبات الوصية 169

الاحتجاج 115

أحكام الراوندي 359

الإرشاد = إرشاد الأذهان

إرشاد الأذهان 46، 221، 320، 359

إرشاد الجعفرية 34، 205، 239، 257

إرشاد القلوب 169

الأساس = أساس البلاغة

أساس البلاغة 158

إشارة السبق 45، 318

الإصباح = إصباح الشيعة

إصباح الشيعة 381

الأمالى للصدوق 169، 318، 322،

325، 326، 327، 412

الأمالي للطوسي 169، 170

الانتصار 317، 318، 320، 341، 359،

361، 380

البحار = بحار الأنوار

بحار الأنوار 159

بشارة المصطفى 169

البيان 359

التحرير = تحرير الأحكام

تحرير الأحكام 359

التذكرة = تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء 34، 68، 92، 95، 157،

195، 196، 205، 221، 239، 253،

257، 296، 320، 339، 358، 360،

389، 402، 413

تفسير العيّاشي 115، 308

التنقيح الرائع 34

التهذيب = تهذيب الأحكام

تهذيب الأحكام 394، 395

جامع المقاصد 34، 80، 94، 196، 239،

ص: 475

257، 266، 280، 322، 327، 358،

360، 389، 405

الجعفريات 187

جمل العلم والعمل 257، 404

الجمهرة = جمهرة اللغة

جمهرة اللغة 160، 181

الجواهر = جواهر الكلام

جواهر الكلام 29، 49، 52، 54، 76،

95، 157، 255، 325، 340، 342،

344، 396، 405، 413

حاشية الإرشاد 280، 322، 359

حاشية الميسي 322

الحدائق الناضرة 20، 157

الخصال 169

الخلاصة = خلاصة الأقوال

خلاصة الأقوال 408

الخلاف 34، 75، 76، 155، 157، 186،

223، 252، 253، 318، 339، 342،

405

الدروس الشرعية 221، 265، 358

الدرّة النجفية 322

دعائم الإسلام 169، 173

الذخيرة = ذخيرة المعاد

ذخيرة المعاد 410

الذكرى = ذكرى الشيعة

ذكرى الشيعة 168، 239، 253، 257،

266، 280، 296، 321، 327، 341،

358، 359، 402

رسالة التقيّة للإمام الخميني

(سلام اللّه عليه) 115

رسالة السيّد المرتضى 405

رسالة صاحب المعالم 322، 404

رسالة علي بن بابويه 405

الروض = روض الجنان

روض الجنان 54، 178، 221، 239،

266، 321، 381، 389، 405

الروضة البهيّة 95، 178، 322، 360

الرياض = رياض المسائل

رياض المسائل 95، 389، 396

السرائر 18، 34، 155، 257، 325، 405

الشرائع = شرائع الإسلام

شرائع الإسلام 7، 46، 221، 257، 280،

320، 389

شرح الجعفرية 196، 322

شرح الرسالة للسيّد المرتضى 157،

253، 404، 431

شرح المفاتيح = مصابيح الظلام

شرح جمل العلم والعمل 359

ص: 476

شرح رسالة صاحب المعالم 405

الصحّاح 42، 44، 81، 159، 222

العدّة في اُصول الفقه 300

عوالي اللآلي 170

العين = كتاب العين

الغنية = غنية النزوع

غنية النزوع 34، 45، 68، 69، 157،

177، 180، 183، 186، 196، 239،

257، 266، 318، 339، 341، 359،

405

الفخرية 360

الفصول الغروية 131

الفقه الرضوي = الفقه المنسوب للإمام

الرضا علیه السلام

فقه الرضا = الفقه المنسوب للإمام

الرضا علیه السلام

الفقه على المذاهب الأربعة 156

الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام 198،

261، 304، 308، 315، 330

الفقيه = من لا يحضره الفقيه

فوائد الشرائع 322

القاموس المحيط 44، 81، 159، 222

قرب الإسناد 82، 83

القواعد = قواعد الأحكام

قواعد الأحكام 29، 46، 221، 320

الكافي 169، 323

كتاب سليم بن قيس الهلالي 332

كتاب محمّد بن علي بن محبوب 18

كتاب العين 158

كشف الالتباس 358، 389، 396

كشف الغطاء 46

كشف اللثام 68، 69، 94، 155، 157،

205، 239، 256، 296، 358، 385

الكفاية = كفاية الفقه

كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 80، 157،

205، 327

لبّ اللباب 169

اللمعة الدمشقيّة 360

المبسوط 45، 280، 385، 388، 405

مجالس ابن الشيخ = الأمالي للطوسي

المجمع = مجمع البحرين

مجمع البحرين 45، 81، 160، 223

مجمع البرهان = مجمع الفائدة والبرهان

مجمع البيان 81، 139، 157

مجمع الفائدة والبرهان 155، 157،

222، 266، 322، 404، 405

المحاسن 169

المختصر النافع 46، 221، 315، 319

ص: 477

المختلف = مختلف الشيعة

مختلف الشيعة 95، 296، 358

المدارك = مدارك الأحكام

مدارك الأحكام 34، 54، 68، 69، 80،

94، 100، 196، 239، 254، 255،

256، 257، 266، 296، 322، 339،

359، 382، 389

المرآة = مرآة العقول

مرآة العقول 323

المراسم 45، 221، 257، 318

المسائل العزّية 35، 341

المسالك = مسالك الأفهام

مسالك الأفهام 46، 322، 358، 405

مصابيح الظلام 322، 404

المصباح للسيّد المرتضى 404

معاني الأخبار 198

المعتبر 34، 46، 49، 68، 69 80، 92،

94، 159، 203، 239، 309، 319،

334، 339، 341، 359، 360، 402،

407، 410

المعراج 169

المفاتيح = مفاتيح الشرائع

مفاتيح الشرائع 34، 157، 257، 404

مفتاح الكرامة 156، 221، 222، 326،

359

المفردات = مفردات ألفاظ القرآن

مفردات ألفاظ القرآن 158

المقنع 253، 257، 316، 317، 318،

341، 385، 404

المقنعة 227، 405

المنتهى = منتهى المطلب

منتهى المطلب 34، 68، 69، 76، 80،

95، 100، 155، 186، 196، 205،

221، 239، 253، 254، 257، 266،

291، 320، 325، 326، 339، 358،

359، 397، 422

المنجد 42، 44، 81، 107، 160، 222

منظومة الطباطبائي = الدرّة النجفية

من لا يحضره الفقيه 255، 318، 325،

326، 394، 395، 404

الموجز (الحاوي لتحرير الفتاوي) 396

المهذّب 381، 385

المهذّب البارع 359

الناصريات 157، 180، 317، 318،

359، 373، 380

النافع = المختصر النافع

النهاية = النهاية في غريب الحديث

والأثر

النهاية = النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى

نهاية الإحكام 239

ص: 478

النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى 45،

220، 280، 318، 385، 388، 404

النهاية في غريب الحديث والأثر 81

الوافي 323، 394

الوجيزة 408

الوسائل = وسائل الشيعة

وسائل الشيعة 17، 216، 255، 394

الوسيلة إلى نيل الفضيلة 45، 159، 221،

224، 318، 325، 385

الهداية للصدوق 318، 326، 341

ص: 479

ص: 480

6 - فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم» .

«أ»

1 - إثبات الوصيّة للإمام علي بن أبي طالب . أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي (م 346) ، قم ، مؤسّسة أنصاريان 1417 ق / 1996 م .

2 - أجود التقريرات (تقريرات المحقّق النائيني). السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي (1317 - 1413) ، تحقيق مؤسّسة صاحب الأمر(عج) ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مطبعة ستارة ، 1419 ق .

3 - الاحتجاج . أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (القرن السادس) ، تحقيق إبراهيم البهادري ومحمّد هادي به ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، منشورات اُسوة ،

1413 ق .

4 - أحكام القرآن . أبو بكر أحمد بن علي الجصّاص (م 370) ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، بيروت ، نشر دار الكتاب العربي ، 1406 ق / 1986م.

5 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تصحيح حسن المصطفوي ، جامعة مشهد ، 1348 ش .

6 - إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق فارس الحسّون ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1410 ق .

ص: 481

7 - إرشاد القلوب إلى الصواب . أبو محمّ-د الحسن بن محمّد الديلمي (م الق-رن الثامن) ، تحقيق السيّد هاشم الميلاني ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، دار الاُسوة للطباعة والنشر ، 1417 ق / 1375 ش .

8 - أساس البلاغة . أبو القاسم جاراللّه محمود بن عمر الزمخشري (467 - 538) ، تحقيق عبدالرحيم محمود ، بيروت ، دار المعرفة ، 1402 ق / 1982 م .

9 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الثالثة ، 4 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1390 ق .

10 - الاستصحاب ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

11 - إشارة السبق . علاء الدين أبو الحسن علي بن أبي الفضل بن الحسن بن أبي المجد الحلبي (م القرن السادس) ، تحقيق الشيخ إبراهيم بهادري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1414 ق .

12 - إصباح الشيعة بمصباح الشريعة . قطب الدين محمّد بن الحسين الكيدرى (القرن السادس) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1416 ق .

13 - الاُمّ . أبو عبداللّه محمّد بن إدريس الشافعي (150 - 204) ، تصحيح محمّد زهري النجّار ، بيروت ، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر ، 1408 ق .

14 - الأمالي . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق مؤسّسة البعثة ، الطبعة الاُولى ، قم ، دار الثقافة ، 1414 ق .

15 - الأمالي أو المجالس . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الخامسة ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1400 ق .

16 - الانتصار . السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي (355 - 436) ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق .

ص: 482

17 - أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » .

= موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

18 - إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد . فخر المحقّقين الشيخ أبو طالب محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (682 - 771) ، إعداد عدّة من العلماء ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، المطبعة العلمية ، 1387 ق .

«ب»

19 - بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار . العلاّمة محمّد باقر بن محمّدتقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، الطبعة الثانية ، إعداد عدّة من العلماء ، 110 مجلدٍ ( إلاّ

6 مجلّدات ، من المجلّد 29 - 34) + المدخل ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1403 ق / 1983 م .

20 - بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

21 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد . محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي (520 - 595) ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، منشورات الشريف الرضيّ ، 1412 ق / 1371 ش .

22 - بشارة المصطفى . عماد الدين أبو جعفر محمّد بن أبي القاسم الطبري (م 525) ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1420 ق .

23 - البهجة المرضيّة . جلال الدين السيوطي ، تعليق مصطفى الحسيني الدشتي .

24 - البيان . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، قم ، 1412 ق .

«ت»

25 - تاج العروس من جواهر القاموس . السيّد محمّد بن محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي (1145 - 1205) ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّداً ، بيروت ، منشورات دار مكتبة الحياة ،

1306 ق .

26 - تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن

ص: 483

يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1421 ق .

27 - تذكرة الفقهاء . جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، صدر منه حتّى

الآن 20 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 - 1433 ق .

28 - تفسير العيّاشي . أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي (أواخر قرن الثالث) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية .

29 - التنقيح الرائع لمختصر الشرائع . جمال الدين مقداد بن عبداللّه السيوري الحلّي المعروف بالفاضل المقداد (م 826) ، تحقيق السيّد عبداللطيف الكوه كمري ، الطبعة الاُولى ، 4

مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1404 ق .

30 - تنقيح المقال في علم الرجال . الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351) ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة

المرتضوية ، 1352 ق .

31 - تنوير المقباس من تفسير ابن عباس ، وبهامشه كتابان : لباب النقول في أسباب النزول ومعرفة الناسخ والمنسوخ . أبوطاهر محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (م 817) ، تحقيق لجنة من العلماء برياسة أحمد سعد علي ، بيروت ، دار الجيل .

32 - تهذيب الأحكام . أبو جعفر محمّد بن الحسن ، الشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 10 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1365 ش .

33 - تهذيب الاُصول (تقريرات الإمام الخميني قدّس سرّه ) . الشيخ جعفر السبحاني التبريزي ، تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1424 ق .

ص: 484

34 - تهذيب اللغة . أبو منصور محمّد بن أحمد الأزهري (282 - 370) ، القاهرة ، 1384 - 1387 ق .

«ث»

35 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، طهران ، مكتبة الصدوق ، 1391 ق .

«ج»

36 - جامع أحاديث الشيعة ، الذي اُلّف تحت إشراف آية اللّه العظمى الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي . (1291 - 1380) ، الشيخ إسماعيل المعزّي الملايري ، الطبعة الثانيه ، 26 مجلّداً ، مطبعة مهر ، 1413 ق / 1371 ش .

37 - جامع المقاصد في شرح القواعد . المحقّق الثاني علي بن الحسين بن عبدالعالي الكركي (868 - 940) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 13 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1408 - 1411 ق .

38 - الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) . أبو عبداللّه محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي (م671) ، تصحيح أحمد عبدالعليم البردوني ، الطبعة الثانية ، 24 مجلّداً ، بيروت ، دار

إحياء التراث العربي ، 1405 ق / 1985 م .

39 - الجامع للشرائع . نجيب الدين يحيى بن أحمد بن سعيد الحلّي الهذلي (601 - 689) ، تحقيق جمع من الفضلاء ، قم ، مؤسّسة سيّد الشهداء علیه السلام ، 1405 ق .

40 - الجعفريات أو الأشعثيات المطبوع مع «قرب الإسناد» . أبو علي محمّد بن محمّد الأشعث (القرن الرابع) ، طهران ، مكتبة نينوى الحديثة .

41 - جمهرة اللغة . أبو بكر محمّد بن الحسن بن دُريد (223 - 321) ، تحقيق رمزي منير بعلبكي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، بيروت ، دار العلم للملاي-ين ، 1988 م .

42 - جواهر الفقه . القاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي (400 - 481) تحقيق إبراهيم

ص: 485

البهادري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1411 ق .

43 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام . الشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266) ، تحقيق الشيخ عبّاس القوچاني ، الطبعة الثالثة ، 43 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1367 ش .

«ح»

44 - حاشية الإرشاد ضمن «غاية المراد» . الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي (911 - 965) ، تحقيق رضا المختاري ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّداً ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1414 ق .

45 - الحبل المتين . الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي (953 - 1030) ، قم ، مكتبة بصيرتي ، 1398 ق .

46 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة . الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 - 1186) ، تحقيق محمّد تقيّ الإيرواني ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1406 ق .

47 - حواشي الشرواني . عبد الحميد الشرواني وابن قاسم العبادي (م 1118) ، 10 مجلّداً ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي .

48 - الحواشي على شرح اللمعة الدمشقية . آقا حسين بن جمال الدين محمّد الخوانساري (1019 - 1099) ، قم ، منشورات المدرسة الرضوية .

49 - حياة المحقّق الكركي وآثاره . المحقّق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي (868 - 940) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، 12 مجلّداً، قم ، منشورات الاحتجاج ، 1423 ق .

«خ»

50 - الخصال . أبوجعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، جزءان في مجلّد واحد ،

ص: 486

قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1403 ق .

51 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

52 - الخلاف . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جماعة من المحقّقين ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1407 ق .

«د»

53 - الدروس الشرعية في فقه الإمامية . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1412 - 1414 ق .

54 - الدرّة النجفية (منظومة في الفقه) . العلاّمة السيّد محمّد مهديّ بحر العلوم الطباطبائي (1155 - 1212) ، الطبعة الثانية ، قم ، مكتبة المفيد ، 1414 ق / 1372 ش .

55 - دعائم الإسلام . أبو حنيفة القاضي النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م 363) ، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي ، مجلّدان ، القاهرة ، دار المعارف ، 1383 ق / 1963 م .

«ذ»

56 - ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد . المحقّق السبزواري محمّد باقر بن محمّد مؤمن (1017 - 1090) ، الطبعة الحجرية ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث .

57 - ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ق .

«ر»

58 - رجال الطوسي . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي

ص: 487

(385 - 460) ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق .

59 - رجال النجاشي . أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372 - 450) ، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ق .

60 - الرجال لابن الغضائري . أحمد بن الحسين الغضائري الواسطي البغدادي (القرن الخامس) ، تحقيق السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي ، الطبعة الاُولى ، قم ، دار الحديث ، 1422 ق .

61 - الرسائل التسع . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 676) ، تحقيق رضا الاُستادي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1413 ق / 1371 ش .

62 - رسائل الشريف المرتضى . أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى وعلم الهدى (355 - 436) ، إعداد السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، دار القرآن الكريم ، 1405 - 1410 ق .

63 - الرسائل العشر . أبو العبّاس أحمد بن شمس الدين محمّد بن فهد الحلّي الأسدي (757 - 841) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1409 ق .

64 - الرسالات الفقهية والاُصولية ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

65 - رسائل فقهية ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 23 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281) ، تحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة الفقهية ، 1414 ق .

66 - روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965) ، تحقيق مركز الأبحاث والآثار الإسلامية ، الطبعة الاُولى ،

ص: 488

مجلّدان ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1422 ق .

67 - الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965) ، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي 1424 ق .

68 - رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل . السيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي (1161 - 1231) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ،

مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 - 1423 ق .

«س»

69 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي . أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (543 - 598) ، إعداد مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 - 1411 ق .

70 - سنن ابن ماجة . أبو عبداللّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني (207 - 275) ، تحقيق محمّد فؤاد عبدالباقي ، مجلّدان ، بيروت ، دار الكتب العلمية .

71 - سنن أبي داود . أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (م 275) ، إعداد كمال يوسف الحوت ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، بيروت ، دار الجنان ، 1409 ق / 1988 م .

72 - سنن الترمذي . أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (209 - 279) ، تحقيق عبدالوهّاب عبداللطيف ، الطبعة الثانية ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر للطباعة والنشر ، 1403 ق .

73 - سنن النسائي . أبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب النسائي (214 - 303) ، الطبعة الاُولى، 8 أجزاء في 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر للطباعة والنشر ، 1348 ق / 1930 م .

«ش»

74 - شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن ابن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 676) ، تحقيق عبدالحسين محمّد علي بقّال ، الطبعة الثالثة ، 4 أجزاء في مجلّدين ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1409 ق .

ص: 489

75 - شرح الرضي على الكافية . رضي الدين محمّد بن الحسن الأسترآبادي النحوي (م688) ، تصحيح يوسف حسن عمر ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، تهران ، منشورات مؤسّسة الصادق ، 1398 ق / 1978 م .

76 - شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك . السيّد محمّد الزرقاني ، بيروت ، دار الجيل.

77 - الشرح الكبير . أبو الفرج عبدالرحمن بن محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي (597 - 682) ، المطبوع مع المغني ، لعبداللّه بن أحمد بن قدامة ، 12 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار الكتاب العربي .

78 - شرح جمل العلم والعمل . القاضي ابن البرّاج أبو القاسم عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز (400 - 481) ، تحقيق كاظم مدير شانه چى ، الطبعة الاُولى ، مشهد ، جامعة مشهد ، 1352 ش .

«ص»

79 - الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) . إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م393) ، تحقيق أحمد عبدالغفور عطّار ، الطبعة الرابعة ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار العلم للملايين ،

1407 ق / 1987 م .

80 - صحيح البخاري . أبو عبداللّه محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي (م256) ، تحقيق وشرح الشيخ قاسم الشمّاعي الرفاعي ، الطبعة الاُولى ، 9 أجزاء في 4 مجلّدات ، بيروت ، دار القلم ، 1407 ق / 1987 م .

81 - الصوم ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 12 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 - 1281) ، تحقيق لجنة تراث الشيخ الأعظم ، قم ، مكتبة الفقهية ، 1413 ق .

«ط»

82 - الطهارة (تقريرات الإمام الخميني قدّس سرّه ) . الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني(1310 - 1386) ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه » ، 1422 ق .

83 - الطهارة (تقريرات الإمام الخميني قدّس سرّه ) . الشيخ صادق الخلخالي ، قم ، مؤسّسة تنظيم

ص: 490

ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه » ، سيطبع إن شاء اللّه .

«ع»

84 - العدّة في اُصول الفقه . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق محمّد رضا الأنصاري القمّي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ،

قم ، مطبعة ستارة ، 1417 ق .

85 - العروة الوثقى . السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) ، مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام ، إعداد أحمد المحسني السبزواري ، الطبعة الثانية ، 6 مجلّدات ، قم ،

مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1421 ق .

86 - علل الشرائع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الاُولى ، النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية ، 1385 ق / 1966 م .

87 - عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية . محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (م - أوائل القرن العاشر) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مطبعة سيّدالشهداء ، 1403 ق .

88 - العين . أبو عبدالرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (100 - 175) ، تحقيق الدكتور مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي ، 8 مجلّدات ، بيروت ، دار ومكتبة الهلال .

«غ»

89 - غاية المرام في شرح شرائع الإسلام . الشيخ مفلح بن الحسن بن رشيد بن صلاح الصيمري البحراني ( القرن التاسع) ، تحقيق الشيخ جعفر الكوثراني العاملي ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الهادي للطباعة والنشر ، 1420 ق / 1999 م .

90 - غنية النزوع إلى علمي الاُصول والفروع . أبو المكارم السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي المعروف بابن زهرة (511 - 585) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1417 ق .

ص: 491

«ف»

91 - فرائد الاُصول ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 24 - 27 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1419 ق / 1377 ش .

92 - فقه القرآن . قطب الدين أبو الحسن سعيد بن هبة اللّه الراوندي (م 573) ، تحقيق السيّد أحمد الحسيني ، الطبعة الثانية ، مجلّدان، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1405 ق .

93 - الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، مشهد المقدّس ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا علیه السلام ، 1406 ق .

94 - الفقه على المذاهب الأربعة . عبدالرحمان الجزيري ، الطبعة السابعة ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1406 ق / 1986 م .

95 - الفقيه (من لا يحضره الفقيه) . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 4 مجلّدات ، النجف الأشرف ، دار الكتب الإسلامية ، 1377 ق / 1957 م .

96 - فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) . الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني (1309 - 1365) ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ق .

97 - الفهرست . أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (380 - 460) ، تحقيق الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

«ق»

98 - القاموس المحيط والقابوس الوسيط . أبو طاهر مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (729 - 817) ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الجيل .

99 - قرب الإسناد . أبو العبّاس عبداللّه بن جعفر الحميري القمّي (م بعد 304) ، تحقيق

ص: 492

مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1413 ق .

100 - قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام . العلاّمة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1413 ق .

«ك»

101 - الكافي . ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الخامسة ، 8 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

102 - الكافي في الفقه . تقيّ الدين بن نجم أبو الصلاح الحلبي (374 - 447) ، تحقيق رضا الاُستادي ، أصفهان ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ، 1403 ق .

103 - كتاب سليم بن قيس الهلالي . سليم بن قيس الكوفي الهلالي (م 90) ، دار الكتب الإسلامية .

104 - كشف الالتباس عن موجز أبي العبّاس . مفلح بن الحسن بن رشيد بن صلاح الصيمري (م حدود 900) ، تحقيق مؤسّسة صاحب الأمر (عج) ، قم ، مؤسّسة صاحب الأمر(عج) ، 1417 ق .

105 - كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء . الشيخ جعفر بن خضر المعروف بكاشف الغطاء (1156 - 1228) ، تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي - فرع خراسان ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّداً ، قم ، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي ، 1422 ق / 1380 ش .

106 - كشف اللّثام . محمّد بن الحسن بن محمّد الأصفهاني المعروف بالفاضل الهندي (1062 - 1137) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 11 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1416 - 1424 ق .

107 - كفاية الاُصول . الآخوند الخراساني المولى محمّد كاظم بن حسين الهروي (1255 -

ص: 493

1329) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي .

108 - كفاية الفقه المشتهر ب- «كفاية الأحكام» . محمّد باقر بن محمّد مؤمن الشريف الخراساني السبزواري (1017 - 1090) ، تحقيق الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1423 ق .

109 - كنز العرفان في فقه القرآن . الشيخ جمال الدين المقداد بن عبداللّه السيوري (م 826) ، تعليق الشيخ محمّد باقر شريف زاده ، الطبعة الرابعة ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة الرضوية ، 1369 ش .

«ل»

110 - لسان العرب . أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (630 - 711) ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1408 ق / 1988 م .

111 - اللمعة الدمشقية في فقه الإمامية . شمس الدين محمّد بن مكّي بن العاملي المعروف بالشهيد الأوّل (734 - 786) ، الطبعة الاُولى ، بيروت ، مؤسّسة فقه الشيعة ، 1410 ق

/ 1990 م .

«م»

112 - المبسوط . شمس الدين محمّد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (م 483) ، 30 جزءاً في 15 مجلّداً ، بيروت ، دار المعرفة ، 1409 ق / 1989 م .

113 - المبسوط في فقه الإمامية . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي ، الطبعة الثانية ، 8 أجزاء في

4 مجلّدات ، طهران ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ، 1387 - 1393 ق .

114 - مجمع البحرين ومطلع النيّرين . فخر الدين الطريحي (972 - 1085) ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار ومكتبة الهلال ، 1985 م .

115 - مجمع البيان في تفسير القرآن . أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي

ص: 494

(حوالي 470 - 548) ، تحقيق وتصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي والسيّد

فضل اللّه اليزدي الطباطبائي ، الطبعة الاُولى ، 10 أجزاء في 5 مجلّدات ، بيروت ، دار المعرفة للطباعة والنشر .

116 - مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان . أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993) ، تحقيق مجتبى العراقي وعلي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1402 - 1414 ق .

117 - المجموع (شرح المهذّب) ويليه فتح العزيز ويليه التلخيص الحبير . أبو زكريّا يحيى بن شرف النووي الشافعي (631 - 676) ، [الطبعة الاُولى]، 20 مجلّداً ، بيروت ، دار الفكر .

118 - المحاسن . أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 274 أو 280) ، تحقيق جلال الدين الحسيني الاُرموي ، الطبعة الثانية ، قم ، دار الكتب الإسلامية .

119 - المحلّى بالآثار . أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (م 456) ، تحقيق الدكتور عبدالغفّار سليمان البنداري ، 12 مجلّداً ، بيروت ، دار الفكر .

120 - المختصر النافع . أبو القاسم نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهُذَلي (602 - 676) ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات مؤسّسة المطبوعات الديني ، 1368 ش .

121 - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 9 مجلّدات + الفهرس ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1412 - 1420 ق .

122 - مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام . السيّد محمّد بن علي الموسوي العاملي (م 1009) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 8 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1410 ق .

123 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول . العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي والسيّد جعفر الحسيني والشيخ علي

ص: 495

الآخوندي ، الطبعة الثانية ، 26 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

124 - المراسم في الفقه الإمامي . حمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقّب بسلاّر (م 463) ، إعداد محمود البستاني ، قم ، منشورات حرمين ، 1404 ق .

125 - مسائل الناصريات . أبوالقاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى و علم الهدى (355 - 436) ، تحقيق مركز البحوث والدراسات العلمية ، قم ، مؤسّسة الهدى ، 1417 ق .

126 - مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام . العلاّمة الفاضل الجواد الكاظمي (م - أواسط القرن الحادي عشر) ، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي والشيخ محمّد باقر شريف زاده ، 4 أجزاء في مجلّدان ، طهران ، المكتبة المرتضوية لآثار الجعفرية .

127 - مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام . الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي الجبعي (911 - 965) ، تحقيق مؤسّسة المعارف الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية ، 1413 - 1419 ق .

128 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل . الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري الطبرسي (1254 - 1320) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1407 ق .

129 - مستمسك العروة الوثقى . السيّد محسن الطباطبائي الحكيم (1306 - 1390) ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة دار التفسير ، 1416 ق / 1374 ش .

130 - مستند الشيعة في أحكام الشريعة . أحمد بن محمّد مهدي النراقي (م 1245) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 18 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1415 - 1420 ق .

131 - مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع . المولى محمّد باقر بن محمّد الوحيد البهبهاني (1117 - 1205) ، تحقيق مؤسّسة العلاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني ، الطبعة الاُولى ،

11 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة علاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني ، 1424 ق .

ص: 496

132 - مصباح الفقيه (الطهارة ، الصلاة ، الزكاة ، الخمس ، الصوم ، الرهن) . الحاج آقا رضا بن محمّد هادي الهمداني النجفي (م 1322) ، الطبعة الاُولى ، 19 مجلّداً :

الطهارة والصلاة . تحقيق المؤسّسة الجعفرية لإحياء التراث ، (ج 1 - 17) ، قم ، مؤسّسة

مهديّ الموعود(عج) ، 1417 - 1431 ق .

الزكاة والخمس والصوم والرهن . (ج 13 و14 ، حسب ترتيب مؤسّسة النشر الإسلامي) قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1416 ق .

133 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير . أحمد بن محمّد بن علي المقري الفيّومي (م 770) ، الطبعة الاُولى ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، دار الهجرة ، 1405 ق .

134 - معاني الأخبار . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، ق-م ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1361 ش .

135 - المعتبر في شرح المختصر . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهُذلي (602 - 676) ، تحقيق عدّة من الأفاضل ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة سيّد الشهداء علیه السلام ، 1364 ش .

136 - معجم مقاييس اللغة . أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريّا (م 395) ، تحقيق عبد السلام محمّد هارون ، 6 مجلّدات ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1404 ق .

137 - معيار اللّغة . الميرزا محمّد علي بن محمّد صادق الشيرازي ، الطبعة الحجرية ، ايران ، 1311 - 1316 ق .

138 - مغني اللبيب عن كتب الأعاريب . ابن هشام أبو محمّد عبداللّه بن يوسف بن هشام الأنصاري (708 - 761) ، تحقيق عدّة من العلماء ، الطبعة الخامسة ، قم ، مكتبة سيّد الشهداء علیه السلام ، 1375 ش .

139 - المغني ويليه الشرح الكبير . أبو محمّد عبداللّه بن أحمد بن محمّد بن قدامة (541 - 620) ، وأبو الفرج عبدالرحمان بن أبي عمر محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي

ص: 497

(م 682) الطبعة الاُولى ، 21 مجلّداً ، بيروت ، دار الكتب العربي .

140 - مفاتيح الشرائع . المولى محسن الفيض الكاشاني (م 1091) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، 4 مجلّدات ، قم ، مطبعة الخيّام ، 1401 ق .

141 - مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة . السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي (1160 - 1228) ، تحقيق محمّد باقر الخالصي ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1419 - 1433 ق .

142 - مفردات ألفاظ القرآن . حسين بن محمّد المفضّل الراغب الأصفهاني (م حدود 425) ، تحقيق عدنان صفوان داوودي ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات ذوي القربى ، 1423 ق .

143 - المقاصد العلية في شرح الرسالة الألفية وحاشيتا الألفية . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، قم ، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي ، 1420 ق / 1378 ش .

144 - مقباس الهداية في علم الدراية . الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351) ، تحقيق محمّد رضا المامقاني ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1411 - 1413 ق .

145 - المقنع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311 - 381) ، تحقيق لجنة التحقيق التابعة لمؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، 1415 ق .

146 - المقنعة . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1410 ق .

147 - ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار . العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، 16 مجلّداً ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1406 ق .

ص: 498

148 - مناهج الوصول إلى علم الاُصول ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة

الإمام الخميني قدّس سرّه .

149 - منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان . جمال الدين أبو منصور الحسن بن زين الدين الشهيد الجباعي (م 1011) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1362 - 1365 ش .

150 - منتهى المطلب في تحقيق المذهب . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، مشهد ، مجمع البحوث الإسلامية ، 1412 - 1428 ق .

151 - منتهى المقال في أحوال الرجال . أبو علي محمّد بن إسماعيل الحائري المازندراني (1159 - 1215) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 7 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1416 ق .

152 - المنجد في اللغة . لوئيس معلوف وعدّة من الأساتذة ، الطبعة الثالثة والثلاثون ، بيروت ، دار المشرق ، 1992 م .

153 - منية الطالب في شرح المكاسب (تقريرات المحقّق النائيني) . الشيخ موسى بن محمّد النجفي الخوانساري (1254 - 1363) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1424 ق .

154 - موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه . تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1434 ق / 1392 ش .

155 - المهذّب . أبو القاسم عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز القاضي ابن البرّاج (400 - 481) ، إعداد مؤسّسة سيّدالشهداء ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1406 ق .

156 - المهذّب البارع في شرح المختصر النافع . العلاّمة أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد

ص: 499

الحلّي (757 - 841) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 - 1413 ق .

«ن»

157 - النوادر . السيّد فضل اللّه بن علي الحسيني الراوندي (483 - 571) ، تحقيق سعيد رضا علي عسكري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة دار الحديث ، 1377 ش .

158 - نهاية الإحكام في معرفة الأحكام . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الثانية ، مجلّدان ، قم ،

مؤسّسة إسماعيليان ، 1410 ق .

159 - نهاية الأفكار (تقريرات المحقّق آغا ضياء الدين العراقي) . الشيخ محمّد تقيّ البروجردي النجفي (م 1391) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 4 أجزاء في 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1405 ق .

160 - نهاية الدراية في شرح الكفاية . الشيخ محمّد حسين الأصفهاني (1296 - 1361) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ق .

161 - النهاية في غريب الحديث والأثر . مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمّد بن محمّد الجزري المعروف بابن الأثير (544 - 606) ، تحقيق طاهر أحمد التراوي ومحمود محمّد الطناحي ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1364 ش .

162 - النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، قم ، انتشارات قدس محمّدي .

«و»

163 - الوافي . محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1006 - 1091) ، إعداد ضياء الدين الحسيني ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، أصفهان ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ، 1412 ق .

ص: 500

164 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة . الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 30 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1409 ق .

والطبعة الحجرية منه 3 مجلّدات ، طهران ، دار الطباعة ، 1293 ق .

165 - الوسيلة إلى نيل الفضيلة . عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة ( القرن السادس) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية

اللّه المرعشي ، 1408 ق .

«ه- »

166 - الهداية [في الاُصول والفروع] . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311 - 381) ، تحقيق مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، الطبعة

الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، 1418 ق .

ص: 501

ص: 502

7 - فهرس الموضوعات

مباحث التيمّم

قبل الورود في المباحث لا بأس بذكر اُمور :

الأمر الأوّل : في كون التيمّم من ضروريات الدين ... 9

الأمر الثاني : في عدم اتّصاف الطهارات بالوجوب مطلقاً ... 10

الأمر الثالث : في كون الطهارة الترابية بدلاً اضطرارياً عن المائية ... 13

التمسّك بالكتاب على كون التيمّم بدلاً اضطرارياً ... 14

التمسّك بالسنّة على كون التيمّم بدلاً اضطرارياً ... 16

الروايات المنافي ظاهرها لما سبق ... 18

الإشكال في اضطرارية التيمّم ... 21

عدم جواز التعجيز قبل زمان التكليف وبعده ... 23

إذا عرفت ما ذكر فالمباحث أربعة :

المبحث الأوّل : فيمسوّغات التيمّم

فيمن يشرع له التيمّم ... 29

شمول آية التيمّم لجميع الأعذار ... 30

لابدّ من التعرّض لبعض أسباب العذر ، وهو اُمور :

السبب الأوّل : عدم الماء ... 33

ص: 503

وجوب الطلب والفحص عن الماء ... 34

حكم العقل بوجوب الطلب إلى زمان اليأس أو ضيق الوقت ... 38

يجب التنبيه على اُمور :

الأمر الأوّل : في مقدار الطلب في الجهات الأربع ... 41

الأمر الثاني : في المراد من الألفاظ الواردة في رواية السكوني ... 42

المراد من الحزونة والسهولة ... 42

المراد من الغلوة لغة ... 44

تفسير الغلوة في كلمات الفقهاء ... 45

الأمر الثالث : حول المراد بعدم وجدان الماء ... 48

الأمر الرابع : في حكم الإخلال بالطلب ... 52

الأمر الخامس : فيما يترتّب على الموضوع لانقلاب التكليف بالترابية ... 56

الأمر السادس : في عدم الماء بمقدار الكفاية كعدمه المطلق ... 58

الأمر السابع : في وجوب تحصيل الماء ولو بالمعالجة ... 60

السبب الثاني : عدم الوصلة إلى الماء ... 63

السبب الثالث : كون الاستعمال حرجياً ... 71

سقوط المائية مع خوف حدوث الأمراض مثلاً ... 72

حول سقوط المائية مع خوف الشَيْن ... 79

المراد من «الحرج» ... 80

السبب الرابع : الخوف من العطش ... 84

السبب الخامس : لزوم المحذور الشرعي من استعمال الماء ... 87

تقديم رفع الخبث على رفع الحدث ... 92

السبب السادس : ضيق الوقت ... 94

حكم إدراك جميع الوقت مع الترابية وعدم إدراك شيء منه مع المائية ... 94

حكم إدراك ركعة من الوقت مع المائية وجميعه مع الترابية ... 98

ص: 504

حكومة «من أدرك . . .» على صحيحة زرارة في فرض واحد ... 99

عدم تمامية الحكومة بالنسبة لسائر الفروض ... 101

حكم ما إذا أدرك ركعة مع الترابية ... 103

حكم إدراك ركعة مع المائية وأزيد منها مع الترابية ... 103

وينبغي التنبيه على اُمور :

الأمر الأوّل : في المراد من الخوف المأخوذ في الأدلّة ... 105

الأمر الثاني : هل «الخوف» المأخوذ في موضوع الأدلّة على نسقٍ واحد ؟... 109

الأمر الثالث : في أنّ المستفاد من أدلّة الحرج سقوط المائية على نحو العزيمة ... 111

ميزان سقوط المائية على نحو العزيمة في غير مورد الحرج ... 118

الأمر الرابع : في صحّة الطهارة المائية عند تعيّن التيمّم ... 124

بيان مقتضى القواعد في المقام ... 124

حكم مزاحمة الطهارة المائية لواجب أهمّ ... 135

بيان مقتضى الأدلّة النقلية في المقام ... 137

لابدّ من إفراز بعض المسائل التي وردت فيها النصوص :

المسألة الاُولى : في بطلان الطهارة المائية في موارد سقوطها بدليل نفي الحرج ... 137

مفاد رواية يحيى بن أبي العلاء ... 142

نكتة اُخرى تقتضي بطلان الصلاة مع المائية ... 144

المسألة الثانية : في صحّة الطهارة المائية في موارد سقوطها بغير دليل نفي الحرج ... 146

الأمر الخامس : في الإتيان بالمائية لعذر عند تعيّن التيمّم ... 149

المبحث الثاني : فيما يتيمّم به

ويتمّ ذلك في ضمن اُمور :

الأمر الأوّل : في اشتراط كونه أرضاً ... 155

ص: 505

تحديد ما يصحّ التيمّم عليه ... 157

الاستدلال بالكتاب في المقام ... 158

بيان المراد من «الصعيد» ... 158

الاستدلال بالسنّة على كفاية مطلق وجه الأرض ... 168

الاستدلال بالسنّة على اشتراط خصوص التراب وجوابه ... 177

الاستدلال بالإجماع على اشتراط خصوص التراب وجوابه ... 180

الأمر الثاني : في عدم صحّة التيمّم بما خرج عن مسمّى «الأرض» ... 185

فيما استدلّ على جواز التيمّم بمطلق ما خرج من الأرض ... 187

الأمر الثالث : في عدم صحّة التيمّم بالرماد ... 191

الأمر الرابع : في جواز التيمّم بالجصّ والنورة ... 194

الأمر الخامس : في اشتراط إباحة ما يتيمّم به ... 195

الأمر السادس : في اشتراط طهارة ما يتيمّم به ... 196

الأمر السابع : في امتزاج ما يصحّ التيمّم به بغيره ... 199

الأمر الثامن : في جواز التيمّم بغبار الثوب ولبد السرج وعُرف الدابّة ... 203

عدم اختصاص الحكم بالأمثلة المذكورة في النصوص ... 204

اشتراط جواز التيمّم بالغبار بفقد التراب أو مطلق الأرض ... 205

في اعتبار محسوسية الغبار ... 210

الأمر التاسع : في جواز التيمّم بالطين ... 213

مقتضى الأدلّة العامّة ... 213

مقتضى الأدلّة الخاصّة ... 215

أدلّة تقدّم الطين على الغبار ... 217

النكتة في تعبير الفقهاء ب- «الوحل» ... 220

كيفية التيمّم بالوحل ... 223

ص: 506

تتميم : في حكم التيمّم بالثلج ... 225

حول كلام المفيد في التوضّي بالثلج مثل الدهن ... 227

المبحث الثالث : في كيفية التيمّم

يعتبر في التيمّم اُمور :

الأمر الأوّل : في اعتبار النيّة ... 237

عدم لزوم قصد البدلية ... 237

رافعية التيمّم للحدث ... 242

الإشكال في المسألة من جهتين :

الجهة الاُولى : هي الإشكال العقلي المعروف ... 247

جواب بعض المحقّقين عن الإشكالين السابقين وما يرد عليه ... 250

الجهة الثانية : دعوى الإجماع على عدم كون التيمّم رافعاً ... 252

الأمر الثاني : في اعتبار المباشرة ... 254

حكم العاجز عن المباشرة ... 255

الأمر الثالث : في اعتبار الترتيب ... 257

الإشكال في استفادة الترتيب بين الكفّين من الأدلّة والجواب عنه ... 258

الأمر الرابع : في اعتبار الموالاة ... 265

الدليل على اعتبار الموالاة مطلقاً ... 266

الأمر الخامس : في اعتبار ضرب اليدين على الأرض ... 271

وجه اعتبار الضرب أو الوضع ... 274

تنبيه : هل الضرب أو الوضع شرط لحصول المسح أو جزءٌ ؟... 280

الأمر السادس : فيما هو المعتبر في الضرب ... 283

اعتبار كون الضرب بكلتا اليدين ... 283

ص: 507

عدم اعتبار الدفعة في الضرب ... 283

اعتبار الضرب بباطن الكفّين ... 284

عدم اعتبار اتّصال المتيمّم به بالأرض ... 285

اعتبار كون الضرب بجميع الباطن وكفاية الضرب بالكفّ الناقصة ... 285

حكم من قطعت كفّاه من الزند ... 286

حكم تعذّر الضرب بباطن الكفّين ... 287

حكم نجاسة الباطن ... 288

الأمر السابع : هل يعتبر في التيمّم العلوق ممّا ضرب عليه ؟... 291

عدم لزوم مسح المواضع بالتراب ونحوه ... 291

عدم لزوم أن يعلق على اليد من أجزاء الأرض ... 292

عدم اعتبار انتقال أثر من الأرض إلى الأعضاء ... 294

الأمر الثامن : في تحديد الماسح والممسوح وكيفية المسح ... 296

أمّا الماسح فيقع البحث فيه من جهات:

الجهة الاُولى : في كفاية المسح بيد واحدة ... 296

وجه الاجتزاء بيد واحدة ... 296

وجه عدم الاجتزاء بيد واحدة وترجيحه ... 301

الجهة الثانية : في عدم اعتبار المسح باليدين دفعة ... 304

الجهة الثالثة : في عدم اعتبار كون المسح بجميع الكفّ ... 305

تحديد الممسوح ... 307

وأمّا الممسوح ، فيقع البحث فيه من جهات:

الجهة الاُولى : في تحديد الوجه ... 307

والكلام يقع فيه في مقامين:

المقام الأوّل : في مقتضى الأدلّة مع قطع النظر عن فتوى الأصحاب ... 307

ص: 508

المقام الثاني : وهو حال فتاوى الأصحاب ... 316

تأويل الروايات على ما تنطبق على القول المشهور ... 322

الجهة الثانية : كفاية المسح إلى طرف الأنف الأعلى ... 325

لزوم مسح الحاجبين ... 326

الجهة الثالثة : في لزوم مسح الكفّين من الزنْد إلى أطراف الأصابع ... 327

بيان كيفية المسح ... 331

الأمر التاسع : في تحديد عدد ضربات التيمّم ... 334

بيان مقتضى الأدلّة والجمع بينها ... 334

حول كلمات القوم في المقام ... 340

اتّحاد كيفية التيمّم بدل جميع الأغسال ... 342

ت-تميم : في أنّ التيمّم بمنزلة المبدل منه في جميع الآثار ... 343

المبحث الرابع : في أحكام التيمّم

وهي اُمور :

الأمر الأوّل : في عدم صحّة التيمّم قبل الوقت لصاحبته ... 349

التمسّك بالإجماع في المقام ... 349

التمسّك بالدليل العقلي على عدم صحّة التيمّم قبل الوقت ... 351

الإشكال في الإجماع المدّعى على عدم صحّة التيمّم قبل الوقت ... 357

الأمر الثاني : في جواز البدار إلى التيمّم مع سعة الوقت ... 358

التمسّك بالآية لجواز البدار مطلقاً ... 361

التمسّك بالروايات لجواز البدار مطلقاً ... 362

الخدشة في الروايات المستدلّ بها على عدم جواز البدار مطلقاً ... 366

حول التفصيل بين رجاء رفع العذر وعدمه ... 368

ص: 509

حول التفصيل بين العلم برفع العذر وعدمه ... 371

حول حصر محلّ الخلاف في غير المتيمّم ... 373

المراد ب- «آخر الوقت» في المقام ... 375

لزوم الإعادة مع انكشاف سعة الوقت ... 376

الأمر الثالث : في إجزاء صلاة المتيمّم عن الإعادة والقضاء ... 378

عدم الفرق بين تعمّد الجنابة وغيره في الإجزاء ... 381

التفصيل بين التيمّم لأجل الخوف من الاستعمال وفقدان الماء ... 383

وجوب الإعادة مع العلم بزوال الزحام بعد ساعة مثلاً ... 385

في حكم المتيمّم مع نجاسة الثوب ... 388

الأمر الرابع : في حكم فاقد الطهورين ... 389

مقتضى القاعدة في مثل المقام ... 390

حول سقوط الأداء في فاقد الطهورين ... 391

حول سقوط القضاء عن فاقد الطهورين ... 396

مقتضى الاحتياط ترك الصلاة مع فقدان الطهورين ... 400

الأمر الخامس : في حكم المتيمّم إذا وجد الماء ... 402

بطلان التيمّم إذا وجد الماء قبل الدخول في الصلاة ... 402

عدم بطلان التيمّم إذا وجد الماء بعد الدخول في الصلاة ... 404

حول ما عن «التذكرة» من استحباب الاستئناف مطلقاً ... 413

عدم الفرق بين الفريضة والنافلة ... 415

حكم فقدان الماء بعد وجدانه في أثناء الصلاة ... 417

الأمر السادس : المتيمّم يستبيح ما يستبيحه المتطهّر بالماء ... 419

والكلام فيه يقع في مقامين :

المقام الأوّل : إنّه لو تيمّم لغاية جاز لأجلها التيمّم ، يباح له جميع ما يباح للمتطهّر ... 419

ص: 510

المقام الثاني : إنّه هل يجوز التيمّم لكلّ غاية ، أو مخصوص بغايات خاصّة ؟... 421

قيام التيمّم مقام الوضوءات والأغسال المستحبّة ... 424

الأمر السابع : في حكم اجتماع ميّت وجنب ومحدث بالأصغر ... 426

الأمر الثامن : في حكم الجنب المتيمّم إذا أحدث بالأصغر ... 431

بيان مقتضى القاعدة في المقام ... 436

الأمر التاسع : في بعض فروع انتقاض التيمّم مع التمكّن من استعمال الماء ... 438

الفهارس العامّة

1 - فهرس الآيات الكريمة ... 445

2 - فهرس الأحاديث الشريفة ... 453

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام ... 465

4 - فهرس الأعلام ... 467

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن ... 475

6 - فهرس مصادر التحقيق ... 481

7 - فهرس الموضوعات ... 503

ص: 511

المجلد 3

هویة الکتاب

سرشناسه:خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368.

عنوان و نام پديدآور:موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف :کتاب الطهارة/ تحقیق موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س).

مشخصات نشر:تهران : موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س)، 1396.

مشخصات ظاهری:4 جلد

فروست:موسوعه الامام الخمینی (س).

شابک:3300000 ریال دوره 978-964-212-368-1 : ؛ 200000 ریال: ج.1 978-964-212-358-2 : ؛ 200000 ریال: ج.2 978-964-212-359-9 : ؛ 200000 ریال: ج.3 978-964-212-360-5 : ؛ 200000 ریال: ج.4 978-964-212-361-2 : ؛ 200000 ریال: ج.5 978-964-212-362-9 : ؛ 200000 ریال: ج.6 978-964-212-363-6 : ؛ 200000 ریال: ج.7 978-964-212-364-3 : ؛ 200000 ریال: ج.8 978-964-212-365-0 : ؛ 200000 ریال: ج.9 978-964-212-366-7 : ؛ 200000 ریال: ج.10 978-964-212-367-4 :

وضعیت فهرست نویسی:فاپا(چاپ دوم)

يادداشت:ج.2 - 10 (چاپ اول: 1392)(فیپا).

يادداشت:چاپ دوم.

مندرجات:ج.1. احکام تقلید، طهارت.- ج.2. نماز (از ابتدا تا شرایط شکسته شدن نماز).- ج.3. نماز (از قواطع سفر تا انتها)، روزه، زکات.- ج.4. خمس.- ج.5. حج، امر به معروف و نهی از منکر، مکاسب محرمه.- ج.6. بیع (خرید و فروش) ....- ج.7. وقف و نظایر آن، وصیت، یمین و نذر، کفارات.- ج.8. صید و ذباحه، خوردنی ها و آشامیدنی ها ....- ج.9. نکاح (از اولیای عقد تا انتها)....- ج.10. قضا، شهادات، حدود، قصاص ... .

موضوع:فقه جعفری -- رساله عملیه -- پرسش ها و پاسخ ها

*Islamic law, Ja'fari -- Handbooks, manuals, etc. -- Questions and answers

فتوا های شیعه -- قرن 14

Fatwas, Shiites -- 20th century

شناسه افزوده:موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س)

شناسه افزوده:Institute for Compilation and Publication of Imam Khomeini's Works

رده بندی کنگره:BP183/9/خ8الف47 1396

رده بندی دیویی:297/3422

شماره کتابشناسی ملی:3421059

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين ، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين .

ص: 5

ص: 6

القول في النجاسات

اشارة

وفيه مقدّمة وفصلان :

ص: 7

ص: 8

المقدّمة

اشاره

أمّا المقدّمة ففيها جهات من البحث :

الاُولى : في تحديد المفهوم العرفي للنظافة والنجاسة

الظاهر أنّ النجاسة والقذارة العرفية ، أمر وجودي مقابل النظافة والنقاوة ؛ فإنّ الأعيان الخارجية على قسمين :

أحدهما : ما هو قذر ورجس ، وهو ما يستكرهه العقلاء ويستقذرونه ، ويتنفّرون منه ، كالبول والغائط والمنيّ والنخامة ، وأمثالها ممّا تجتنب منها العقلاء ؛ لتنفّرهم منها ومن التماس معها .

وثانيهما : ما ليس كذلك ، كسائر الأعيان . والثاني نظيف نقيّ ، لا بمعنى أنّ النظافة أمر وجودي قائم بذاتها وراء أوصافها وأعراضها الذاتية ، فالحجر والمدر والجصّ وأمثالها بذاتها نظيفة ؛ ليست بقاذورة يستكرهها الناس ، وإنّما تصير - بملاقاتها مع بعض الأعيان القذرة وتلطّخها بها - نجسةً قذرة بالعرض ، ويستقذرها الناس لتلك المماسّة وذلك التلطّخ . فالأشياء كلّها - ما عدا الأعيان القذرة - نظيفة ؛ أي نقيّة عن القذارة .

فالنظافة هي كون الشيء نقيّاً عن الأقذار ، فإذا صارت الأشياء بملاقاتها قذرة

ص: 9

فغسلت بالماء ، ترجع إلى حالتها الأصلية ؛ أي النقاوة عنها ، من غير أن يحصل لها أمر وجودي قائم بها خارجاً أو اعتباراً .

وما ذكر موافق للاعتبار والعرف ، وهو ظاهر ، وكذا موافق للّغة ، ففي «الصحاح» : «النظافة : النقاوة ، ونظّفته أنا تنظيفاً ؛ أي نقّيته»(1) .

وفي «القاموس» : «النظافة : النقاوة ، وهو نظيف السراويل ، وعفيف الفرج»(2) انتهى .

والظاهر أنّ «نظيف السراويل» كناية عن عدم التلطّخ بدنس الزنا ومثله .

وفي «المجمع» : «النظافة : النقاوة ، ونظُف الشيء ينظُف - بالضمّ - نظافة : نقيّ من الوسخ والدنس»(3) .

وفي «المنجد» : «نظُف الشيء : كان نقيّاً من الوسخ والدنس ، يقال : فلان نظيف السراويل ؛ أي عفيف ، ونظيف الأخلاق ؛ أي مهذّب ، وتنظّف الرجل ؛ أي تنزّه عن المساوئ»(4) .

هذا حال القذارات العرفية ، ويأتي الكلام في حال اعتبار الشارع وحكمه .

الثانية : في انقسام النجاسة شرعاً إلى مجعولة وغير مجعولة

يحتمل في بادئ النظر أن تكون النجاسة من الأحكام الوضعية الشرعية للأعيان النجسة عند الشارع ؛ حتّى فيما هو قذر عند العرف كالبول والغائط ،

ص: 10


1- الصحاح 4 : 1435 .
2- القاموس المحيط 3 : 207 - 208 .
3- مجمع البحرين 5 : 125 .
4- المنجد : 818 .

فتكون النجاسة قذارة اعتبارية غير ما لدى العرف بحسب الحقيقة ، موضوعةً لأحكام شرعية .

ويحتمل أن تكون أمراً انتزاعياً من الأحكام الشرعية ، كوجوب الغسل ، وبطلان الصلاة معها وهكذا .

ويحتمل أن تكون أمراً واقعياً غير ما يعرفها الناس ، كشف عنها الشارع المقدّس ، ورتّب عليها أحكاماً .

ويحتمل أن تكون الأعيان النجسة مختلفة بحسب الجعل ؛ بمعنى أنّ ما هو قذر عرفاً - كالبول والغائط والمنيّ - لم يجعل الشارع لها القذارة ، بل رتّب عليها

أحكاماً ، وما ليس كذلك كالكافر والخمر والكلب ، ألحقها بها موضوعاً ؛ أي جعل واعتبر لها النجاسة والقذارة ، فيكون للقذارة مصداقان : حقيقي وهو الذي يستقذره العرف ، واعتباري جعلي كالأمثلة المتقدّمة وغيرِها من النجاسات الشرعية التي لا يستقذرها الناس لو خلّيت طباعهم وأنفسها . أو ألحقها بها حكماً ؛ أي رتّب عليها أحكام النجاسة من غير جعل نجاسة لها .

والظاهر بحسب الاعتبار بل الأدلّة ، هو احتمال ما قبل الأخير ؛ لأنّ الظاهر أ نّه لم يكن للشارع اصطلاح خاصّ في القذر والنجس ، فما هو قذر ونجس عند العقلاء والعرف ، لا معنى لجعل القذارة له ؛ لأنّ الجعل التكويني محال ، واعتباراً آخر - نظير التكوين - لغو ، وليست للنجاسة والقذارة حقيقة واقعية لم يصل إليها العرف والعقلاء ، كما هو واضح . نعم ، لمّا كان العرف يستقذر أشياء لم يكن لها أحكام النجاسات الإلزامية - وإن استحبّ التنزّه عنها والتنظيف منها ، كالنخامة والمذي والوذي - يكشف ذلك عن استثناء الشارع إيّاها موضوعاً أو حكماً .

ص: 11

وأمّا النجاسات الشرعية التي ليست لدى العرف قذرة نجسة - كالخمر والكافر - فالظاهر إلحاقها بها موضوعاً ، كما هو المرتكز عند المتشرّعة ؛ فإنّها قذرة عندهم كسائر الأعيان النجسة . ولقوله تعالى : )إِنَّمَا ا لْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا ا لْمَسْجِدَ ا لْحَرَامَ((1) ، فإنّ الظاهر منه تفريع عدم قربهم المسجد على نجاستهم .

بل وقوله تعالى : )كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّه ُ ا لرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ((2) ، فإنّ الرجس : القذر ، وظاهره أ نّه تعالى جعلهم رجساً .

وقوله تعالى : )قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِىَ . . .( إلى قوله : )أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فإِنَّهُ رِجْسٌ((3) .

ولحسنة(4) خَيْران الخادم قال : كتبت إلى الرجل أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير ، أيصلّى فيه أم لا ؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه ، فقال

ص: 12


1- التوبة (9) : 28 .
2- الأنعام (6) : 125 .
3- الأنعام (6) : 145 .
4- رواها الكليني ، عن علي بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن خيران الخادم . علي بن محمّد المعروف بعلاّن ثقة عين كما قاله النجاشي . وسهل بن زياد ا لآدمي أمره عند المصنّف سهل ؛ لكثرة رواياته وقدمه الراسخ في جميع أبواب الفقه ، وذلك يوجب الاطمئنان بوثاقته . أمّا خيران الخادم وثّقه الشيخ في رجاله وقال في حقّه العلاّمة المامقاني في نتائج التنقيح : «في أعلى الحسن بل ثقة» ، فلذا عبّر المصنّف في الصفحة 255 و270 بحسنة الخيران أو صحيحته . رجال النجاشي : 260 / 682 ؛ رجال الطوسي : 386 / 5686 ؛ نتائج التنقيح ، ضمن تنقيح المقال 1 : 52 / 3803 . وراجع الجزء الأوّل : 78 .

بعضهم صلّ فيه : فإنّ اللّه إنّما حرّم شربها ، وقال بعضهم : لا تصلّ فيه ، فكتب : «لا تصلّ فيه ؛ فإنّه رجس»(1) . فإنّ التعليل دليل على أنّ عدم صحّة الصلاة فيه

لأجل كون الخمر رجساً ، فلا تكون نجاستها منتزعة من الأحكام ، ولمّا لم تكن الخمر رجساً عرفاً ولدى العقلاء ، فلا محالة تكون نجاستها مجعولة شرعاً .

وصحيحةِ أبي العبّاس ، وفيها : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الكلب ، فقال : «رجس نجس ؛ لا يتوضّأ بفضله»(2) .

والتقريب فيها كسابقتها .

وقريب منها صحيحته الاُخرى(3) ، وحسنة(4) معاوية بن شُريح(5) .

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ النجاسات على نوعين :

ص: 13


1- الكافي 3 : 405 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 469 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 646 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 646 ؛ وسائل الشيعة 3 : 413 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 11 ، الحديث 1 .
4- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن سعد ، عن أحمد بن محمّد ، عن أيّوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن معاوية بن شريح . والرواية حسنة لأجل معاوية بن شريح . تنقيح المقال 3 : 224 / السطر الأوّل (أبواب الميم) .
5- عنه عن أبي عبداللّه عليه السلام - في حديث - أ نّه سئل عن سؤر الكلب ، يشرب منه أو يتوضّأ ؟ قال : «لا» ، قلت : أليس هو سبع ؟ قال : «لا واللّه إنّه نجس ، لا واللّه إنّه نجس» . تهذيب الأحكام 1 : 225 / 647 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 6 .

أحدهما : ما يستقذره الناس ، وقد رتّب الشارع عليه أحكاماً .

وثانيهما : ما جعله الشارع قذراً ، وألحقه بها موضوعاً بحسب الاعتبار والجعل ، فصار قذراً في عالم الجعل ووعاء الاعتبار ، ورتّب عليه أحكام القذر .

الثالثة : في اختلاف ملاكات جعل النجاسة للموضوعات

الظاهر أنّ جعل القذارة للموضوعات التي ليست قذرة عند الناس ، ليس بملاك واحد . كما أنّ الظاهر عدم قذارة واقعية لها لم يطّلع عليها الناس ، وكشف عنها الشارع ؛ ضرورة أنّ القذارة ليست من الحقائق المعنوية الغائبة عن أبصار الناس ومداركهم .

بل الظاهر أنّ جعل القذارة لمثل الخمر لأجل أهمّية المفسدة التي في شربها ، فجعلها نجسة لأن يجتنب الناس عنها غاية الاجتناب . كما أنّ الظاهر أنّ جعل النجاسة للكفّار لمصلحة سياسية ؛ هي تجنّب المسلمين عن معاشرتهم ومؤاكلتهم ، لا لقذارة فيهم تؤثّر في رفعها كلمة الشهادتين .

ولعلّ في مباشرة الكلب والخنزير ، مضرّات أراد الشارع تجنيبهم عنهما تحفّظاً عنها . . . إلى غير ذلك .

ولا أظنّ إمكان الالتزام(1) بأنّ القذارة عند الشارع ، ماهية مجهولة الكنه يصير المرتدّ بمجرّد الردّة قذراً واقعاً ، وصارت الردّة سبباً لاتّصافه تكويناً بصفة وجودية تكوينية غائبة عن أبصارنا ، ومجرّد الإقرار بالشهادتين صار سبباً لرفعها تكويناً .

ص: 14


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 19 .

الفصل الأوّل: في تعيين الأعيان النجسة

اشارة

وهي عشرة أنواع على ما في جملة من الكتب أو أكثر ، كما يأتي حال الخلاف في بعض :

ص: 15

ص: 16

البول والغائط

الأوّل والثاني : البول والغائط من كلّ حيوان غير مأكول ذي نفس سائلة ، فما لا يصدق عليه عنوانهما ليس بنجس ، كالحبّ الخارج من الحيوان إذا لم يصدق عليه «العَذِرة» ولو فرض الخروج عن صدق عنوانه الذاتي أيضاً ، فضلاً عمّا إذا صدق عليه وإن زالت صلابته وقوّة نبته . فما عن «المنتهى» من الحكم بنجاسته إذا زالت صلابته(1) غير وجيه .

وقد حكي الإجماع على نجاستهما مع القيدين عن «الخلاف» و«الغنية» و«المعتبر» و«المنتهى» و«التذكرة» و«كشف الالتباس» و«المدارك» و«الدلائل» و«الذخيرة»(2) . وعن «الناصريات» و«الروض» و«المدارك» و«الذخيرة» نقل الإجماع على عدم الفرق بين الأرواث والأبوال(3) ، ولعلّه هو العمدة في

ص: 17


1- منتهى المطلب 3 : 179 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 3 - 4 ؛ الخلاف 1 : 485 - 487 ؛ غنية النزوع 1 : 40 ؛ المعتبر 1 : 410 ؛ منتهى المطلب 3 : 166 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 49 ؛ كشف الالتباس 1 : 392 ؛ مدارك الأحكام 2 : 258 ؛ ذخيرة المعاد : 145 / السطر 15 .
3- مسائل الناصريات : 88 ؛ روض الجنان 1 : 433 ؛ مدارك الأحكام 2 : 259 ؛ ذخيرة المعاد : 145 / السطر 20 .

الأرواث ؛ لعدم إطلاق أو عموم معتدّ به يمكن الركون إليه وإن لا يبعد في بعضها ، كما سيتّضح الكلام فيه(1) . وأمّا الأبوال ، فلا إشكال في دلالة كثير من الأخبار عموماً أو إطلاقاً على نجاستها (2) ، فلا موجب لنقلها .

والأولى سرد الروايات الواردة في الأرواث :

الروايات الدالّة على نجاسة الأرواث

فمنها : ما عن «المختلف» نقلاً عن «كتاب عمّار بن موسى» عن الصادق علیه السلام

قال : «خُرْء الخُطّاف لا بأس به ؛ هو ممّا يؤكل لحمه ، لكن كره أكله لأ نّه استجار بك وآوى إلى منزلك ، وكلّ طير يستجير بك فأجره»(3) .

بدعوى : أنّ قوله : «هو ممّا يؤكل» تعليل لعدم البأس ، وبرفع العلّة يرفع عدم البأس(4) . وأنّ المراد بعدم البأس صحّة الصلاة معه ، وجواز شرب ملاقيه ، وغير ذلك ؛ ولو بملاحظة معهوديته من البأس واللا بأس في خرء الحيوان وبوله . وبقرينة الروايات الواردة في أبوال ما لا يؤكل لحمه .

وفيها : بعد الغضّ عن أنّ الرواية بعينها نقلت في باب المطاعم عن الشيخ بإسناده عن عمّار ، وفيها : «الخُطّاف لا بأس به»(5) من غير كلمة «خُرْء» .

ص: 18


1- يأتي في الصفحة 20 - 22 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 404 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 .
3- مختلف الشيعة 8 : 310 ؛ وسائل الشيعة 3 : 411 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 20 .
4- رياض المسائل 2 : 345 ؛ مستند الشيعة 1 : 138 .
5- تهذيب الأحكام 9 : 80 / 345 .

واحتمال كونها رواية اُخرى نقلها العلاّمة وأهملها الشيخ ، في غاية البعد ، بل مقطوع الفساد .

نعم ، يحتمل اختلاف النسخ ، فدار الأمر بين الزيادة والنقيصة ، فإن قلنا بتقدّم

أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة لدى العقلاء - خصوصاً في المقام ممّا يظنّ لأجل بعض المناسبات ، وجود لفظ «الخرء» - صحّ الاستدلال بها . لكن إثبات بنائهم على ذلك مشكل ، بل إثبات بنائهم على العمل بمثل الرواية أيضاً مشكل ، وقد حرّر في محلّه أ نّه لا دليل على حجّية خبر الثقة إلاّ بناؤهم المشفوع بإمضاء الشارع(1) .

أنّ غاية ما يستفاد من إطلاق التعليل : أنّ أكل اللحم تمام العلّة وتمام الموضوع لعدم البأس ، وأمّا انحصارها به فغير ظاهر ، ولا يكون مقتضى الإطلاق ، فيمكن قيام علّة اُخرى مقامها عند عدمها .

وبعبارة اُخرى : أنّ الإطلاق يقتضي عدم دخالة شيء غير المأكولية في نفي البأس ، فتكون تمام العلّة له ، لا جزءها ، وهو غير الانحصار ، وما يفيد هو انحصارها بها حتّى يقتضي رفعها ثبوت نقيض الحكم أو ضدّه .

ودعوى : أنّ العرف مع خلوّ ذهنه عن هذه المناقشة ، يفهم من الرواية أنّ في خرء غير المأكول بأساً ، غير مسلّمة . مضافاً إلى أنّ البأس أعمّ ، والمعهودية غير معلومة ، وقرينية أخبار الأبوال غير ظاهرة . مع كون البول أشدّ في بعض الموارد ، كلزوم تعدّد غسله ، وعدمِ الاكتفاء با لأحجار فيه .

ص: 19


1- أنوار الهداية 1 : 254 .

ومنها : موثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «كلّ ما يؤكل فلا بأس

بما يخرج منه»(1) .

بدعوى : أنّ تعليق الحكم على ما يؤكل يفيد العلّية(2) .

والكلام فيها كسابقتها . مضافاً إلى أ نّه لو سلّم دلالتها فلا تدلّ على الكلّية في مفهومها ، فغاية ما يثبت بها أنّ هذه الكلّية غير ثابتة لما لا يؤكل .

بل لو سلّم كون ما يخرج منه عبارة عمّا يخرج من طرفيه من البول والخرء ، فلا يثبت في المفهوم البأس فيهما ، فيمكن أن يكون في أحدهما بأس .

ومنها : رواية الحلبي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في الرجل يطأ في العَذِرة أو البول ، أيعيد الوضوء ؟ قال : «لا ، ولكن يغسل ما أصابه»(3) .

وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباههما تطأ العذرة ، ثمّ تدخل في الماء ، يتوضّأ منه للصلاة ؟ قال : «لا ، إلاّ أن يكون الماء كثيراً قدر كرّ من ماء»(4) .

ورواية علي بن محمّد في حديث قال : سألته عن الفأرة والدجاجة والحمامة وأشباهها تطأ العذرة ، ثمّ تطأ الثوب ، أيغسل ؟ قال : «إن كان استبان

ص: 20


1- تهذيب الأحكام 1 : 266 / 781 ؛ وسائل الشيعة 3 : 409 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 12 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 22 .
3- الكافي 3 : 39 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 444 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 26 ، الحديث 15 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 419 / 1326 ؛ وسائل الشيعة 1 : 155 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 8 ، الحديث 13 .

من أثره شيء فاغسله ، وإلاّ فلا بأس»(1) .

وصحيحة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه أو موثّقته(2) قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام

عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سِنَّوْر أو كلب ، أيعيد صلاته ؟ قال : «إن كان لم يعلم فلا يعيد»(3) .

وصحيحة محمّد بن مسلم قال : كنت مع أبي جعفر علیه السلام إذ مرّ على عذرة يابسة ، فوطأ عليها ، فأصابت ثوبه . فقلت : جعلت فداك ، قد وطأت على عذرة فأصابت ثوبك . فقال : «أليس هي يابسة ؟ !» فقلت : بلى . قال : «لا بأس ؛ إنّ

الأرض يطهّر بعضها بعضاً»(4) .

إلى غير ذلك ، كبعض ما ورد في ماء البئر(5) وأبواب المطاعم(6) .

ص: 21


1- تهذيب الأحكام 1 : 424 / 1347 ؛ وسائل الشيعة 3 : 467 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحديث 3 .
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن علي بن مهزيار ، عن فضالة ، عن أبان ، عن عبد الرحمان بن أبي عبداللّه . والترديد لأجل كلام في مذهب أبان بن عثمان . رجال النجاشي : 13 / 8 ؛ اختيار معرفة الرجال : 352 / 660 ، و : 375 / 705 ؛ تنقيح المقال 1 : 5 / السطر 34 .
3- تهذيب الأحكام 2 : 359 / 1487 ؛ وسائل الشيعة 3 : 475 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 5 .
4- الكافي 3 : 38 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 457 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 2 .
5- راجع وسائل الشيعة 1 : 191 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 20 .
6- راجع وسائل الشيعة 24 : 164 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 27 و28 .

ويظهر منها أنّ نجاسة العذرة بعنوانها كانت معهودة ؛ وإن أمكنت المناقشة في دلالة بعضها وإطلاق بعض .

لكن يتوقّف إثبات عموم الحكم على كون «العَذِرة» خرء مطلق الحيوان ؛ إنساناً وغيره ، طائراً وغيره ، كما هو الظاهر من كلمات كثير من اللغويين :

ففي «القاموس» : «العَذِرة : الغائط وأردأ ما يخرج من الطعام»(1) ونحوه في «المعيار» و«المنجد»(2) .

وفي «الصحاح» : «الخُرء - بالضمّ - : العذرة ، والجمع الخروء ، وقال يهجو :

كأنّ خروء الطير فوق رؤوسهم [ إذا اجتمعت قيسٌ معاً وتميمُ]»(3) .

وفي «المجمع» : «العَذِرة - وزان كَلِمَة - الخُرء»(4) .

وفي «القاموس» : «الخُرء - بالضمّ - : العذرة»(5) وقريب منه ما في «المنجد» و«المعيار»(6) .

وعن «الصراح» : «عذره پليدى مردم و ستور و جز آن»(7) ونحوه عن «منتهى الإرب»(8) .

ويظهر من الفقهاء في المكاسب المحرّمة إطلاق «العذرة» على مطلق مدفوع

ص: 22


1- القاموس المحيط 2 : 89 .
2- معيار اللغة 1 : 462 ؛ المنجد : 494 .
3- الصحاح 1 : 46 .
4- مجمع البحرين 3 : 398 .
5- القاموس المحيط 1 : 14 .
6- المنجد : 172 ؛ معيار اللغة 1 : 44 .
7- صراح اللغة : 126 .
8- منتهى الإرب 3 : 809 .

الحيوان ، وحملوا رواية «لا بأس ببيع العذرة»(1) على عذرة ما يؤكل لحمه ، واستندوا في حرمة عذرة غير المأكول على الإجماع المدّعى على حرمة بيع العذرة . وبالجملة : يظهر منهم إطلاق «العذرة» على مدفوع مطلق الحيوان .

وتدلّ على عدم الاختصاص بعذرة الإنسان - مضافاً إلى صحيحة عبدالرحمان المتقدّمة - رواية سَماعة قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام وأنا حاضر فقال : إنّي رجل أبيع العذرة ، فما تقول ؟ قال : «حرام بيعها وثمنها» وقال : «لا بأس ببيع العذرة»(2) . حيث تدلّ على أنّ العذرة منها ما يجوز بيعها ، ومنها ما لا يجوز ، وقد حملوا الجزء الثاني منها على عذرة الحيوان المحلّل اللحم .

وتؤيّده صحيحة ابن بَزيع في أحكام البئر قال : كتبت إلى رجل . . . إلى أن قال : أو يسقط فيها شيء من عذرة ، كالبعرة ونحوها (3) ، بناءً على كون البعرة مثالاً للعذرة . لكن في رواية اُخرى بدل «من عذرة» «من غيره»(4) .

ودعوى انصراف العذرة إلى ما هي محلّ الابتلاء ، كعذرة الإنسان والسِنَّوْر والكلب ، دون السباع ونحوها (5) ، غير وجيهة ؛ لفهم العرف أنّ حكم النجاسة

ص: 23


1- تهذيب الأحكام 6 : 372 / 1079 ؛ وسائل الشيعة 17 : 175 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 40 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 6 : 372 / 1081 ؛ وسائل الشيعة 17 : 175 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 40 ، الحديث 2 .
3- الكافي 3 : 5 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 244 / 705 ؛ وسائل الشيعة 1 : 176 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 21 .
4- الاستبصار 1 : 44 / 124 .
5- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 15 .

ثابت لذات العذرة من غير دخالة للإضافة إلى صاحبها . ولعدم الانصراف عن عذرة بعض الطيور وبعض الحيوانات ، كالقردة والخنازير ممّا يبتلى بها ولو قليلاً ، وعدم الفصل جزماً بينها وبين غيرها .

مع أنّ إطلاق «الخُرء» على رجيع الطيور والفئران والكلاب شائع ظاهراً ، وهو مساوق للعذرة ، كما مرّ من كتب اللغة المتقدّمة .

لكن مع ذلك ، إثبات كون العذرة الواردة في الروايات شاملةً لفضلة جميع الحيوانات ، مشكل :

أمّا أوّلاً : فلاختلاف اللغويّين في ذلك ، فعن جمع منهم الاختصاص بفضلة الآدمي ، كالهروي في «الغريبين» و«مهذّب الأسماء» و«تهذيب اللغة»(1) و«دائرة المعارف» لفريد(2) ، بل الظاهر من محكيّ ابن الأثير(3) .

وأمّا ثانياً : فلقرب احتمال انصرافها إلى فضلة الآدمي لو فرض كونها أعمّ .

وأمّا ثالثاً : فلعدم الإطلاق في الروايات الواردة لإثبات الحكم ، كما ستأتي

الإشارة إليه(4) .

وكيف كان : لا إشكال في نجاسة البول والغائط من الحيوان غير المأكول الذي له نفس سائلة إلاّ ما استثني ، كما يأتي(5) ؛ لما مرّ من حكاية الإجماع عليها ، بل في بعضها واضحة .

ص: 24


1- اُنظر كشف اللثام 1 : 327 ؛ تهذيب اللغة 2 : 311 .
2- دائرة معارف القرن العشرين ، فريد وجدي 6 : 225 .
3- النهاية ، ابن الأثير 3 : 199 .
4- يأتي في الصفحة 48 .
5- يأتي في الصفحة 28 .
تنبيهات
اشارة

وينبغي التنبيه على اُمور :

عدم الفرق بين غير المأكول الأصلي والعرضي

منها : قالوا : «لا فرق بين غير المأكول الأصلي والعرضي ، كالجلاّل والموطوء» .

وعن «الغنية» الإجماع على نجاسة خُرء مطلق الجلاّل وبوله(1) .

وعن «المختلف» و«التنقيح» و«المدارك» و«الذخيرة» الإجماع على نجاسة ذرق الدجاج الجلاّل(2) .

وعن ظاهر «الذخيرة» و«الدلائل» الإجماع على نجاسة ذرق الجلاّل والموطوء وكلّ ما لا يؤكل لحمه(3) .

وعن «التذكرة» و«المفاتيح» نفي الخلاف في إلحاق الجلاّل من كلّ حيوان والموطوء بغير المأكول في نجاسة البول والعذرة(4) .

وهو العمدة ، ولولاه لكان للخدشة في الحكم مجال ؛ لأنّ الظاهر من «ما يؤكل» و«ما لا يؤكل» المأخوذين في الأدلّة هو الأنواع ، كالبقر والغنم والإبل

ص: 25


1- غنية النزوع 1 : 40 .
2- مختلف الشيعة 1 : 297 ؛ التنقيح الرائع 1 : 146 ؛ مدارك الأحكام 2 : 265 ؛ ذخيرة المعاد : 146 / السطر 35 .
3- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 5 ؛ ذخيرة المعاد : 145 / السطر 15 .
4- تذكرة الفقهاء 1 : 51 ؛ مفاتيح الشرائع 1 : 65 .

والكلب والسِنَّوْر والفأر ، لا أشخاص الأنواع ، فكأ نّه قال : «اغسل ثوبك من

أبوال كلّ نوع لا يؤكل لحمه» كما يظهر من الأمثلة التي في بعض الروايات ، ففي صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه أو موثّقته(1) قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل يصيبه بعض أبوال البهائم ، أيغسله أم لا ؟ قال : «يغسل بول الحمار والفرس والبغل ، وأمّا الشاة وكلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله»(2) .

وعنه مثله ، إلاّ أ نّه قال : «وينضح بول البعير والشاة ، وكلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله»(3) .

إلى غير ذلك ممّا هي ظاهرة في أنّ الحكم في الطرفين معلّق على الأنواع ، ولا ريب في أنّ الظاهر من ذلك التعليق أنّ النوع ممّا اُكل أو لا ، ولا تتنافى مأكوليته مع عروض العدم بالجلل وغيره لبعض الأفراد .

نعم ، لو كان موضوعه أفراد الأنواع كان الجلاّل مصداقه ، لكنّه خلاف ظواهر الأدلّة .

وأمّا الاستشهاد للمطلوب(4) بما ورد من غسل عرق الجلاّل(5) ، ففي

ص: 26


1- تقدّم وجه الترديد في الصفحة 21 ، الهامش 2 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 247 / 711 و : 266 / 780 ؛ وسائل الشيعة 3 : 409 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 9 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 422 / 1337 ؛ وسائل الشيعة 3 : 409 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 10 .
4- جواهر الكلام 5 : 284 .
5- راجع وسائل الشيعة 3 : 423 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 15 ، الحديث 1 و2 .

غير محلّه ولو قلنا بنجاسته ؛ لحرمة القياس . ودعوى الأولوية غير مسموعة بعد

احتمال كون نجاسة عرقه لكونه فضل العذرة ، بخلاف بوله . مع أنّ الأقوى عدم نجاسة عرق ما عدا الإبل الجلاّلة ، كما يأتي(1) .

نعم ، لو اُغمض عمّا ذكرنا ، فلا مجال للقول بتعارض ما دلّ على نجاسة بول غير المأكول وروثه مع ما دلّ على طهارتهما من الغنم والبقر ، تعارضَ العموم من وجه(2) ، فيرجع إلى أصالة الطهارة واستصحابها ؛ لتقدّم الاُولى على الثانية بنحو من الحكومة ، لأنّ المأكولية وغيرها من الأوصاف الانتزاعية الزائدة على الذات ، والدليل الدالّ على الحكم المعلّق عليها ، مقدّم عرفاً على الدالّ على الحكم المعلّق على عناوين الذات .

وكيف كان : لا مجال للتشكيك في الحكم بعد ما عرفت من تسلّمه بين الأصحاب ؛ وإن احتمل أن يكون مستندهم فيه هو الأدلّة اللفظية ؛ بدعوى عمومها للمحرّم بالعرض ، كما صرّح به بعضهم(3) ، وبُعد وصول شيء آخر إليهم غير ما وصل إلينا ، لكن مع ذلك الأقوى ما عليه الأصحاب ، ولفهم العلّية من الأدلّة والدورانِ مدارها ببركة فهمهم منها ، وإمكانِ دعوى إطلاق أدلّة نجاسة البول والعذرة ، والمتيقّن من الخروج هو ما للمأكول فعلاً ، والمتأيّد في روثه بأ نّه

من فضل العذرة ، وهو أردأ منها .

ص: 27


1- يأتي في الصفحة 513 .
2- غنائم الأيّام 1 : 382 - 383 ؛ اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 23 .
3- غنائم الأيّام 1 : 382 ؛ جواهر الكلام 5 : 283 .
نجاسة بول وخرء الطير الذي لا يؤكل لحمه

ومنها : اختلفوا في رجيع الطير ، فعن الصدوق في «الفقيه» : «لا بأس بخرء ما طار وبوله»(1) وإطلاقه يقتضي عدم الفرق بين المأكول وغيره . وحكي القول بطهارته عن ابن أبي عقيل والجعفي(2) ، وتبعهم جمع من متأخّري المتأخّرين(3) .

وعن الشيخ في «المبسوط» القول بها فيما عدا الخُشّاف ، فقال : «بول الطيور وذرقها كلّها طاهر إلاّ الخُشّاف»(4) .

وعن المشهور القول بنجاسة خرء ما لا يؤكل وبوله ، بل في «الجواهر» : «شهرة عظيمة تقرب الإجماع إن قلنا بشمول لفظ «الغائط» و«العذرة» و«الروث» في عبارات الأصحاب لما نحن فيه ، كما قطع به العلاّمة الطباطبائي في «مصابيحه»(5) بالنسبة إلى خصوص عباراتهم»(6) انتهى .

وهو ليس ببعيد ؛ لما عرفت(7) من تصريح اللغويين بمساوقة «العذرة» «للخُرء» وشيوع إطلاق «الخُرء» على رجيع الطير في الأخبار وغيرها .

ص: 28


1- الفقيه 1 : 41 ، ذيل الحديث 164 .
2- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 298 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 110 .
3- مفاتيح الشرائع 1 : 65 ؛ مدارك الأحكام 2 : 262 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 11 ؛ مستند الشيعة 1 : 141 .
4- المبسوط 1 : 39 .
5- المصابيح في الفقه : 174 (مخطوط) .
6- جواهر الكلام 5 : 275 .
7- تقدّم في الصفحة 22 - 24 .

وعن الحلّي في باب البئر : «قد اتّفقنا على نجاسة ذرق غير المأكول من سائر الطيور ، وقد رويت رواية شاذّة لا يعوّل عليها : «أنّ ذرق الطائر طاهر سواء كان مأكول اللحم ، أو غير مأكوله» والمعمول عند محقّقي أصحابنا والمحصّلين منهم خلاف هذه الرواية ؛ لأ نّه هو الذي يقتضيه أخبارهم المجمع عليها»(1) انتهى .

وفي «التذكرة» : «البول والغائط من كلّ حيوان ذي نفس سائلة غير مأكول اللحم ، نجسان بإجماع العلماء كافّة ، وللنصوص الواردة عن الأئمّة علیهم السلام بغسل

البول والغائط عن المحلّ الذي أصاباه ، وهي أكثر من أن تحصى . وقول الشيخ في «المبسوط» بطهارة ذرق ما لا يؤكل لحمه من الطيور - لرواية أبي بصير - ضعيف ؛ لأنّ أحداً لم يعمل بها»(2) انتهى .

وهو ظاهر في أنّ الروايات المشتملة على «البول» و«العذرة» و«الخُرء» بإطلاقها شاملة للطيور وغيرها من أصناف الحيوان ، وكذا كلمات الفقهاء المشتملة عليها وعلى «الغائط» ونحوه ، ويظهر ذلك من الحلّي أيضاً .

وعن «الغنية» : «والنجاسات هي بول ما لا يؤكل وخرؤه بلا خلاف ، وما يؤكل لحمه إذا كان جلاّلاً بدليل الإجماع»(3) .

وشمول «الخرء» لرجيع الطير ممّا لا سبيل إلى إنكاره .

وعن «الخلاف» دعوى إجماع الفرقة وأخبارهم على نجاسة بول وذرق

ص: 29


1- السرائر 1 : 80 .
2- تذكرة الفقهاء 1 : 49 .
3- غنية النزوع 1 : 40 .

ما لا يؤكل طيراً أو غيره(1) .

وعن «الجامعية في شرح الألفية» دعوى إجماع الكلّ على نجاستهما من الطير غير المأكول وغير الطير(2) .

فعليه يشكل العمل بصحيحة أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «كلّ شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه»(3) .

وعن «البحار» : وجدت بخطّ الشيخ محمّد بن علي الجبعي نقلاً من «جامع البَزَنْطي» عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «خرء كلّ شيء يطير وبوله لا بأس به»(4) .

لعدم ثبوت عمل الصدوق بها وإن كان ظاهر «فقيهه»(5) سيّما مع ما عن «مقنعه» قال : «وإن أصاب ثوبك بول الخشاشيف فاغسل ثوبك» . وروي : أ نّه «لا بأس بخرء ما طار وبوله ، ولا تصلّ في ثوب أصابه ذرق الدجاج»(6) انتهى .

فإنّ الظاهر منه عدم عمله بما روي . ولم يحضرني عبارة الجعفي وابن أبي عقيل . ولا يعتمد بما في «المبسوط»(7) مع دعوى الإجماع في «الخلاف»

ص: 30


1- الخلاف 1 : 487 .
2- اُنظر جواهر الكلام 5 : 276 ؛ المسالك الجامعية : 72 .
3- الكافي 3 : 58 / 9 ؛ وسائل الشيعة 3 : 412 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 10 ، الحديث 1 .
4- بحار الأنوار 77 : 110 .
5- الفقيه 1 : 41 ، ذيل الحديث 164 .
6- المقنع : 13 - 14 .
7- المبسوط 1 : 39 .

على خلافه(1) ، ومع فتواه في «النهاية» - التي هي معدّة لذلك - على نجاسة ذرق غير المأكول من الطيور(2) .

كما أ نّه لا اعتماد على فتوى متأخّري المتأخّرين مع إعراض الأصحاب عن الصحيحة بشهادة الحلّي والعلاّمة ، مع صحّة سندها ، ووضوح دلالتها . ولا شبهة في أنّ المشهور بين قدماء أصحابنا هو النجاسة ، ولهذا لم ينقل الخلاف إلاّ ممّن ذكر ، فتكون الفتوى بالطهارة شاذّة .

ولو اُغمض عن ذلك ، ومحّضنا النظر في الروايات ، فيمكن أن يقال : إنّ بين صحيحة أبي بصير وصحيحة ابن سِنان(3) ، تعارضَ العموم من وجه بدواً ؛ فإنّ الاُولى بعمومها شاملة لغير المأكول ، والثانية بإطلاقها شاملة له .

نعم ، هنا رواية اُخرى عن ابن سِنان رواها الكليني في أبواب لباس المصلّي ،

عن علي بن محمّد ، عن عبداللّه بن سِنان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «اغسل ثوبك من بول كلّ ما لا يؤكل لحمه»(4) ، فهي أيضاً شاملة له بالعموم .

لكن فيها إرسال ؛ لأنّ علي بن محمّد من مشايخ الكليني ، ولم يدرك ابن سِنان ؛ فإنّه من أصحاب أبي عبداللّه علیه السلام ولم يثبت إدراكه لأبي الحسن موسى علیه السلام

ص: 31


1- الخلاف 1 : 487 .
2- النهاية : 51 .
3- عن عبداللّه بن سنان قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» . الكافي 3 : 57 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 405 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 ، الحديث 2 .
4- الكافي 3 : 406 / 12 ؛ وسائل الشيعة 3 : 405 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 ، الحديث 3 .

كما يشهد به التتبّع ، وشهد به النجاشي(1) وإن عدّه الشيخ من أصحابه علیه السلام (2)، ولا إشكال في عدم إدراك علي بن محمّد ومن في طبقته له ولمن في طبقته ، بل في طبقة متأخّرة منه أيضاً ، كابن أبي عمير وجميل ومن في طبقتهما .

وعلى أيّ تقدير : بينهما جمع عرفي في مورد الاجتماع ؛ لأنّ الأمر بالغسل من بول ما لا يؤكل من الطير ، حجّة على الإلزام والوجوب ما لم يرد الترخيص ، ونفي البأس ترخيص . ولو سلّم ظهوره في الوجوب لغة يجمع بينهما بحمل الظاهر على النصّ ، وصحيحة أبي بصير نصّ في عدم الوجوب .

وتوهّم عدم إمكان التفكيك في مفاد الهيئة مدفوع :

أمّا على ما ذكرناه في محلّه : بأ نّها لا تدلّ إلاّ على البعث والإغراء من

غير دلالة على الوجوب أو الاستحباب وضعاً (3) ، فظاهر ؛ لعدم لزوم التفكيك في مفادها الذي هو البعث والإغراء وإن انقطعت الحجّة على الإلزام بالنسبة إلى مورد الترخيص دون غيره .

وأمّا على ما قالوا (4) ، فللكشف عن استعمالها في مطلق الرجحان .

وكيف كان : لا تعارض بينهما بعد الجمع العقلائي . مضافاً إلى ما قيل : من تقدّم أصالة العموم على أصالة الإطلاق(5) ، فيقدّم صحيحة أبي بصير بعمومها

ص: 32


1- رجال النجاشي : 214 / 558 .
2- رجال الطوسي : 339 / 14 .
3- مناهج الوصول 1 : 186 و198 .
4- معالم الدين : 46 ؛ قوانين الاُصول 1 : 83 / السطر 15 .
5- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 27 : 98 ؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 511 ، و4 : 729 - 730 .

على إطلاق صحيحة ابن سِنان . وروايتُه الاُخرى وإن كانت عامّة ، لكن قد عرفت أ نّه لا ركون إليها وإن كان في تقديم أصالة العموم على أصالة الإطلاق إشكال وكلام(1) .

مع إمكان أن يقال : إنّ صحيحة ابن سِنان غير ظاهرة في الوجوب ، ولا حجّة عليه ؛ لقرب احتمال أن يكون المراد من «ما لا يؤكل لحمه» ما لا يعدّ للأكل ، ولا يكون أكله متعارفاً ، لا ما يحرم أكله شرعاً . بل لا يبعد دعوى ظهورها في ذلك ؛ لأنّ ما يؤكل وما لا يؤكل ظاهران فيما يأكله الناس وما لا يأكله ، والحمل على ما يحرم أو يحلّ يحتاج إلى تقدير وتأويل .

وتشهد لما ذكر صحيحة عبد الرحمان أو موثّقته(2) ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل يصيبه بعض أبوال البهائم ، أيغسله أم لا ؟ قال : «يغسل بول الفرس والحمار والبغل ، فأمّا الشاة وكلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله»(3) . حيث قابل فيها بين الفرس وأخويه ، وبين ما يؤكل لحمه .

ورواية العيّاشي ، عن زرارة ، عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن أبوال الخيل والبغال والحمير ، قال : «فكرهها» .

فقلت : أليس لحمها حلالاً ؟ قال : فقال : «أليس قد بيّن اللّه لكم : )وَالْأَنْعَامَ

ص: 33


1- راجع التعادل والترجيح ، الإمام الخميني قدس سره : 39 - 41 .
2- تقدّم وجه الترديد في الصفحة 21 ، الهامش 2 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 247 / 711 ، و : 266 / 780 ؛ وسائل الشيعة 3 : 409 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 9 .

خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْ ءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ( وقال في الخيل : )وَالْخَيْلَ

وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَة( ؟ ! - إلى أن قال - وليس لحومها بحرام ، ولكنّ الناس عافوها»(1) .

مضافاً إلى الروايات الكثيرة الآمرة بالغسل من أبوال البهائم الثلاث(2) ، فيضعّف ظهور قوله علیه السلام : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(3) في الوجوب حتّى يستفاد منه النجاسة ؛ بعد معلومية عدم نجاسة بول تلك البهائم من الصدر الأوّل ، خصوصاً في زمان الصادقين علیهما السلام حيث كانت طهارته ضرورية ، مع كثرة ابتلاء الأعراب بها ، وكثرة حشرهم مع تلك الدوابّ في الحروب وغيرها من زمن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إلى عصر الصادقين علیهما السلام .

وبالجملة : إن قلنا بظهور صحيحة ابن سِنان

فيما لا يعدّ للأكل ولا يأكله الناس فعلاً ، لا يبقى ظهور الأمر بالغسل في الوجوب .

ثمّ لو اُغمض عن ذلك ، وقلنا بتعارض الروايتين ، وقلنا بعدم شمول أدلّة العلاج للعامّين من وجه كما هو الأقرب(4) ، فالقاعدة تقتضي سقوطهما والرجوعَ إلى أصالة الطهارة . إلاّ أن يقال بإطلاق الروايات الواردة في البول ، كصحيحة ابن مسلم ، عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن البول يصيب

ص: 34


1- تفسير العيّاشي 2 : 255 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 558 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 5 ، الحديث 2 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 406 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 .
3- تقدّم في الصفحة 31 ، الهامش 3 .
4- التعادل والترجيح ، الإمام الخميني قدس سره : 61 - 66 .

الثوب ، قال : «اغسله مرّتين»(1) . ونحوها غيرها (2) .

وإطلاق ما وردت في العذرة تقدّم جملة منها (3) ؛ وإن كان في إطلاقها لبول الطير كلام . وقد يقال بعدم البول للطيور غير الخُفّاش(4) ، كما يظهر من رواية المفضّل اختلافه مع سائر الطيور في اُمور ، منها : أ نّه يبول دونها (5) .

ويحتمل أن يكون بول الطيور مخلوطاً برجيعها ؛ لوحدة مخرجهما .

وتشهد لوجود البول للطيور صحيحة أبي بصير المتقدّمة(6) ؛ لبعد إلقاء الكلّية في بول الطير لمكان الخُفّاش فقط .

والإنصاف : أ نّه لو لا إعراض الأصحاب عن صحيحة أبي بصير ، لكان القول بالطهارة متجهاً ؛ لما مرّ من الوجوه ، والعمدة منها الجمع العقلائي بينها وبين غيرها ، لكن لا مجال للوسوسة بعد ما عرفت . بل ولولا الخدشة المتقدّمة في رواية «المختلف» عن «كتاب عمّار بن موسى»(7) لكانت الرواية من أقوى

ص: 35


1- تهذيب الأحكام 1 : 251 / 721 ؛ وسائل الشيعة 3 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 .
3- تقدّم في الصفحة 20 - 21 .
4- مستند الشيعة 1 : 144 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 18 .
5- نقلها في البحار ، عن المفضّل . . . خلق الخفّاش خلقة عجيبة بين خلقة الطير وذوات الأربع أقرب ، وذلك أ نّه ذو اُذنين ناشزتين وأسنان ووبر وهو يلد ولاداً ويرضع ويبول ويمشي إذا مشى على أربع ، وكلّ هذا خلاف صفة الطير . بحار الأنوار 3 : 107 .
6- تقدّمت في الصفحة 30 .
7- تقدّمت في الصفحة 18 .

الشواهد على أنّ علّة عدم البأس في خرء الخُطّاف مأكولية اللحم ، لا الطيران ، وإلاّ كان التعليل به أولى ، بل متعيّناً ، فيظهر منها أنّ الطيور أيضاً على قسمين .

نجاسة بول الخُفّاش

وممّا ذكرنا يظهر حال بول الخُفّاش ، بل القول بالنجاسة فيه أظهر :

لا لرواية داود قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي ، فأطلبه فلا أجده ، فقال : «اغسل ثوبك»(1) .

لضعفها سنداً وعدم مقاومتها لموثّقة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه علیهما السلام

قال : «لا بأس بدم البراغيث والبقّ وبول الخشاشيف»(2) ، لا سنداً ولا دلالة :

أمّا الأوّل فواضح ؛ لعدم من يتأمّل فيه في سندها إلاّ غياث وهو موثّق أو ثقة (3) بخلاف الاُولى فإنّ في سندها موسى بن عمر ، ويحيى بن عمر ، ولم يرد فيهما توثيق .

وأمّا دلالة ، فلتقدّمها عليها تقدّم النصّ على الظاهر . مع تأيّدها بما عن

ص: 36


1- تهذيب الأحكام 1 : 265 / 777 ؛ وسائل الشيعة 3 : 412 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 10 ، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 266 / 778 ؛ وسائل الشيعة 3 : 413 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 10 ، الحديث 5 .
3- الترديد لأجل الاختلاف في مذهب غياث بن إبراهيم ، فإنّه مردّد بين كونه إمامياً ثقة كما يظهر من النجاشي وكونه بترياً كما في رجال الشيخ الطوسي . راجع رجال النجاشي : 305 / 833 ؛ رجال الطوسي : 142 / 1 ؛ تنقيح المقال 2 : 366 / السطر 13 (أبواب الغين) .

«نوادر الراوندي» بإسناده عن موسى بن جعفر ، عن آبائه علیهم السلام : «أنّ أمير المؤمنين علیه السلام سئل عن الصلاة في الثوب الذي فيه أبوال الخشاشيف ، ودماء البراغيث ، فقال : لا بأس به»(1) .

بل لما تقدّم من عدم العامل بمثل هذه الرواية(2) . والشيخ الذي أفتى في «المبسوط» بطهارة بول الطيور وذرقها استثنى الخُفّاش(3) ، وحمل هذه الرواية على التقيّة(4) ، مع أ نّها أخصّ مطلقاً من أدلّة نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه ، فهي إذَن شاذّة لا يعبأ بها .

طهارة خرء الدجاجة

وأمّا خرء الدجاجة ، فلا ينبغي الإشكال في طهارته ، بل مع شدّة ابتلاء الناس به لو كان نجساً لصار من الضروري .

مع إمكان دعوى ضرورية طهارته . مضافاً إلى العمومات(5) ، وخصوص رواية وهب(6) .

ص: 37


1- لم نجده في النسخة المطبوعة من النوادر ، اُنظر بحار الأنوار 77 : 110 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 559 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 6 ، الحديث 1 .
2- تقدّم في الصفحة 30 و35 .
3- المبسوط 1 : 39 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 266 ، ذيل الحديث 778 .
5- وهي العمومات التي وردت فيما يؤكل لحمه ، راجع وسائل الشيعة 3 : 406 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 .
6- عن وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه السلام أ نّه قال : «لا بأسبخرء الدجاج والحمام يصيب الثوب» . تهذيب الأحكام 1 : 283 / 831 ؛ وسائل الشيعة 3 : 412 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 10 ، الحديث 2 .

وأمّا رواية فارس قال : كتب إليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج ، تجوز الصلاة فيه ؟ فكتب : «لا»(1) .

فمردودة على راويها الذي هو فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني الكذّاب اللعين ، المختلط الحديث وشاذّه ، المقتول بيد أصحاب أبي محمّد العسكري علیه السلام

وبأمر أبي الحسن علیه السلام كما هو المرويّ(2) .

فما عن المفيد والشيخ من القول بنجاسته(3) غير وجيه .

بل عن ظاهر الثاني في «التهذيب» و«الاستبصار» موافقة الأصحاب(4) .

طهارة أبوال وأرواث الخيل والبغال والحمير

ومن بعض ما تقدّم يظهر وضوح طهارة أبوال الخيل والبغال والحمير وأرواثها ؛ فإنّها مع هذا الابتلاء الكثير المشاهد - خصوصاً في بلاد الأعراب في حروبهم وغيرها - لو كانت نجسة لصارت ضرورية واضحة لدى المسلمين ؛

ص: 38


1- تهذيب الأحكام 1 : 266 / 782 ؛ وسائل الشيعة 3 : 412 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 10 ، الحديث 3 .
2- اختيار معرفة الرجال : 522 - 524 ؛ رجال الطوسي : 390 / 3 ؛ تنقيح المقال 2 : 1 / السطر 2 (أبواب الفاء) .
3- المقنعة : 71 ؛ المبسوط 1 : 36 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 284 ، ذيل الحديث 831 ؛ الاستبصار 1 : 178 ، ذيل الحديث 619 .

لا يشكّ فيها أحد منهم ، مع أنّ الطهارة في جميع الأعصار كالضروري لا يحوم حولها التشكيك .

فالقول بالنجاسة اغتراراً بالروايات الآمرة بالغسل من أبوالها (1) ، في غاية السقوط ولو فرض عدم الروايات النافية للبأس عنها ، وفي مثل المقام يقال : «كلّما ازدادت الروايات صحّة وكثرة ازدادت وهناً وضعفاً» .

مع أنّ الجمع بينها عقلائي ، والتصرّف فيها من أوهن التصرّفات ، ففي حسنة معلّى بن خنيس وعبداللّه بن أبي يعفور أو صحيحتهما قالا : كنّا في جنازة وقدّامنا حمار فبال ، فجاءت الريح ببوله حتّى صكّت وجوهنا وثيابنا ، فدخلنا على أبي عبداللّه علیه السلام فأخبرناه فقال : «ليس عليكم بأس»(2) .

وليس في سندها من يتأمّل فيه إلاّ الحكم بن مسكين ، وهو - مع كونه كثير الرواية ومقبولها ، وروايةِ مثل ابن أبي عمير وابن محبوب وابن أبي الخطّاب والحسن بن علي بن فضّال عنه ، وكو نِه كثير الكتب - يندرج في الحسان(3) .

بل عن الوحيد في «حاشية المدارك» عن المحقّق الحكم بصحّة رواياته(4) ، ومعه لا مجال للتوقّف فيها . وهي نصّ في المطلوب ، فيحمل عليها ما

ص: 39


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 406 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 425 / 1351 ؛ وسائل الشيعة 3 : 410 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 14 .
3- منتهى المقال 3 : 106 ؛ تنقيح المقال 1 : 360 / السطر 28 .
4- الحاشية على مدارك الأحكام 3 : 195 ، قوله : «وهو مجهول . . . » .

هو ظاهر في وجوب الغسل لو سلّم ذلك .

وعن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن الدابّة تبول ، فيصيب بولها المسجد أو حائطه ، أيصلّى فيه قبل أن يغسل ؟ قال : «إذا جفّ فلا بأس»(1) .

قال في «الوسائل» : «ورواه علي بن جعفر في كتابه مثله»(2) فهي صحيحة بالطريق الثاني .

وصحيحته الاُخرى ، عن أخيه علیه السلام قال : سألته عن الثوب يقع في مربط الدابّة على بولها وروثها ، كيف يصنع ؟ قال : «إن علق به شيء فليغسله ، وإن كان جافّاً فلا بأس»(3) .

والظاهر من فرض وقوعه في الأبوال وصولها إليه وتأثّره منها ، فحينئذٍ يراد بقوله : «إن كان جافّاً» صيرورته جافّاً بعد وصول البول إليه ، لا إبداع الشكّ في الوصول أو فرض عدمه ؛ فإنّهما خلاف الظاهر منها ، تأمّل .

ورواية النخّاس قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّي اُعالج الدوابّ ، فربّما خرجت بالليل وقد بالت وراثت ، فيضرب أحدها برجله أو يده ، فينضح على

ص: 40


1- قرب الإسناد : 205 / 794 ؛ وسائل الشيعة 3 : 411 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 18 .
2- مسائل علي بن جعفر : 188 / 380 ؛ وسائل الشيعة 3 : 411 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، ذيل الحديث 18 .
3- مسائل علي بن جعفر : 130 / 116 ؛ وسائل الشيعة 3 : 411 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 21 .

ثيابي ، فاُصبح فأرى أثره فيه ، فقال : «ليس عليك شيء»(1) .

والظاهر أنّ المراد بالدابّة عند الإطلاق الخيل وأخواه ، كما تشهد به رواية زرارة الآتية .

نعم ، يحتمل في رواية النخّاس عدم العلم بوصول البول إلى ثيابه ، لكن بعد فرض أ نّها بالت وراثت ، مع كون بولها وروثها في مكان واحد ، فلا محالة لو كانت الأبوال نجسة صارت الأرواث بملاقاتها نجسة ، سيّما مع فرض دوابّ كثيرة في مكان واحد . فنفي البأس عن الروث دليل على عدم البأس في أبوالها أيضاً . ومنه يظهر إمكان الاستئناس أو الاستدلال للمقصود ببعض ما دلّت على نفي البأس في الأرواث(2) .

وفي رواية زرارة ، عن أحدهما علیهما السلام : في أبوال الدوابّ تصيب الثوب ، فكرهه .

فقلت : أليس لحومها حلالاً ؟ فقال : «بلى ، ولكن ليس ممّا جعله اللّه للأكل»(3) .

بدعوى ظهور «كرهه» في الكراهة وإن لا تخلو من إشكال .

وفي موثّقة ابن بكير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «أنّ الصلاة

ص: 41


1- الكافي 3 : 58 / 10 ؛ وسائل الشيعة 3 : 407 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 2 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 406 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 1 و3 و16 .
3- الكافي 3 : 57 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 408 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 7 .

في وبر كلّ شيء حرام أكله ، فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسد ؛ لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّي في غيره ممّا أحلّ اللّه أكله» .

ثمّ قال : «يا زرارة ، هذا عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فاحفظ ذلك يا زرارة ، فإن كان ممّا يؤكل لحمه ، فالصلاة في وبره وبوله وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز . . .»(1) إلى آخره .

إلى غير ذلك ممّا هو نصّ في الطهارة وعدم البأس ، والجمع بينها وبين ما اُمر فيها بالغسل عقلائي ؛ بحمل الثانية على رجحان التنزّه عنها .

ولقد أطنب صاحب «الحدائق» في المقام ، وأتى بغرائب ، وأطال اللسان على محقّقي أصحابنا بزعم تنبّهه على اُمور غفل عنها المحصّلون(2) ، ولولا مخافة تضييع الوقت لسردت إيراداته مع ما يرد عليها ، لكنّ الأولى الغضّ عنها بعد وضوح المسألة .

نجاسة بول الرضيع

وأمّا بول الرضيع ، فلم ينقل الخلاف في نجاسته إلاّ عن ابن الجنيد ، فإنّه قال : «بول البالغ وغير البالغ من الناس نجس ، إلاّ أن يكون غير البالغ صبيّاً ذكراً ، فإنّ

بوله ولبنه - ما لم يأكل اللحم - ليس بنجس»(3) .

ص: 42


1- الكافي 3 : 397 / 1 ؛ وسائل الشيعة 4 : 345 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- الحدائق الناضرة 5 : 20 - 31 .
3- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 301 .

والظاهر منه نجاسة لبنه إذا أكل اللحم ، وهو غريب .

كما أنّ التقييد بأكل اللحم أيضاً غريب ، لكن عن «المدارك» حكاية «الطعام»

بدل «اللحم» عنه(1) .

والأقوى ما عليه الأصحاب ، لا لروايات غسل بول ما لا يؤكل ؛ فإنّها منصرفة عن الإنسان ، بل للإجماع المحكيّ عن السيّد(2) ، بل دخوله في معقد إجماع غيره(3) ، وللروايات الخاصّة الآمرة بالغسل تارة ، كموثّقة سَماعة(4) ، وبالصبّ والعصر اُخرى ، كصحيحة الحسين بن أبي العلاء(5) ؛ بناءً على وثاقته(6) ، وبالصبّ ثالثة ، مفصّلاً بين من كان قد أكل وغيره ، مع الحكم بأنّ الغلام والجارية شرع سواء(7) .

ولا منافاة بين ما دلّت على الغسل وما دلّت على الصبّ ؛ إمّا بحمل الغسل

ص: 43


1- اُنظر جواهر الكلام 5 : 274 ؛ مدارك الأحكام 2 : 263 .
2- مسائل الناصريات : 88 .
3- منتهى المطلب 3 : 163 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 251 / 723 ؛ وسائل الشيعة 3 : 398 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 3 ، الحديث 3 .
5- الكافي 3 : 55 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 397 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 3 ، الحديث 1 .
6- راجع تنقيح المقال 1 : 317 / السطر 11 .
7- وهي صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن بول الصبيّ ؟ قال : تصبّ عليه الماء ، فإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلاً والغلام والجارية شرع سواء . الكافي 3 : 56 / 6 ؛ وسائل الشيعة 3 : 397 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 3 ، الحديث 2 .

على الصبّ بأن يقال : إنّه نحو من الغسل ، وما دلّت عليه حاكمة على ما دلّت على الغسل ، وبيان لكيفيته .

أو يقال : إنّ ما دلّت على الصبّ مطلقاً محمولة على غير من أكل ، وما دلّت على الغسل محمولة على من أكل ؛ بشهادة صحيحة الحلبي المفصّلة بينهما لو قلنا : بأنّ الغسل مباين له .

وأمّا توهّم : أنّ ما دلّت على الصبّ لا تدلّ على النجاسة ؛ لبعد أن يكون الصبّ مطهّرها مع بقاء الغسالة فيه ، بعد البناء على عدم وجوب العصر ، كما يأتي في محلّه(1) .

فمدفوع : بأنّ غاية ما لزم من عدم لزوم انفصال غسالته أ نّها طاهرة ، فلا يلزم انفصالها ، وهي غير مستبعدة بعد وقوع نظيرها في باب الاستنجاء ، فإنّ لازم طهارة مائه أ نّه يجوز صبّ الماء على الحشفة في السراويل . بل وضعها على ثوب وصبّ الماء عليها .

نعم ، لو قلنا بلزوم انفصال غسالتها ، يكون ذلك نحو افتراق بينهما ، مع اشتراكهما في عدم نجاسة غسالتهما .

فالقائل بالطهارة إن أراد عدم لزوم غسل بول الصبيّ وكذا الصبّ عليه ، فمحجوج بالروايات المعتبرة الدالّة على لزوم الصبّ والغسل ، ولا يمكن رفع اليد عنها بمجرّد الاستبعاد مع تعبّدية الحكم .

وإن أراد أ نّه مع لزومه لا يكون البول نجساً ، فهو أبعد ممّا استبعده ؛ ضرورة

ص: 44


1- يأتي في الجزء الرابع : 146 .

أنّ الأمر بالصبّ ليس إلاّ لنحو تغسيل له ، لا حكم تعبّدي غير مربوط بباب التطهير والتغسيل .

وأمّا ما ورد في قضيّة الحسنين علیهما السلام في رواية الراوندي و«الجعفريات» عن علي علیه السلام : من عدم غسل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ثوبه من بولهما قبل أن يطعما (1) ، فلا تنافي الروايات ؛ لأنّ «الغسل» منصرف أو حقيقة فيما يتعارف من انفصال الغسالة ، وهو غير لازم ، فلم يفعل النبي صلی الله علیه و آله وسلم ولا ينافي لزوم الصبّ ، كما تشهد به رواية الصدوق في «معاني الأخبار» : «أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم اُتي بالحسن بن علي علیه السلام فوضع في حجره فبال ، فقال : «لا تزرموا ابني» ثمّ دعا بماء فصبّ عليه»(2) .

بل لا يبعد أن تكون القضيّة واحدة . بل ورد في مولانا الحسين علیه السلام شبه

القضيّة فقال : «مهلاً يا اُمّ الفضل ، فهذا ثوبي يغسل ، وقد أوجعت ابني»(3) .

وفي رواية فقال : «مهلاً يا اُمّ الفضل ، إنّ هذه الإراقة الماء يطهّرها ، فأيّ شيء يزيل هذا الغبار عن قلب الحسين علیه السلام ؟ !»(4) .

ص: 45


1- راجع النوادر ، الراوندي : 189 / 337 ؛ الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 12 / السطر 11 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 554 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 2 ، الحديث 2 و4 .
2- معاني الأخبار : 211 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 405 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 ، الحديث 4 .
3- الملهوف على قتلى الطفوف : 92 ؛ وسائل الشيعة 3 : 405 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 ، الحديث 5 .
4- مستدرك الوسائل 2 : 557 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 4 ، الحديث 5 .

مضافاً إلى أنّ الروايات الواردة في القضيّتين ، ضعاف لا ركون إليها لإثبات حكم .

وأمّا رواية السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه علیهما السلام : «أنّ عليّاً علیه السلام قال : لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم ؛ لأنّ لبنها يخرج من مثانة اُمّها ، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا من بوله قبل أن يطعم ؛ لأنّ لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين»(1) . فمع اشتمالها على ما يخالف الإجماع والاعتبار ، ومعارضتها لصحيحة الحلبي المصرّحة بالتسوية(2) ، وإمكان كون التصريح بها لدفع مثل ما صدر تقيّة ، وإمكان أن يقال : إنّه لا يغسل من بوله وإن صبّ عليه ، فيكون طريق جمع بينها وبين روايات الصبّ ، لا تصلح لإثبات حكم مخالف للإجماع والأدلّة العامّة والخاصّة .

طهارة بول ورجيع ما لا نفس له

ومنها : لا ينبغي الإشكال في طهارة رجيع ما لا نفس له إذا كان من غير ذوات اللحوم ، كالذباب والخنفساء ونحوهما - وإن حكي عن «المعتبر» التردّد فيه(3) - لانصراف أدلّة ما لا يؤكل لحمه عنها بلا إشكال .

وتوهّم أعمّية ما لا يؤكل من السالبة بسلب الموضوع ، في غاية السقوط .

ص: 46


1- تهذيب الأحكام 1 : 250 / 718 ؛ وسائل الشيعة 3 : 398 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 3 ، الحديث 4 .
2- تقدّم في الصفحة 43 ، الهامش 7 .
3- المعتبر 1 : 411 .

وأمّا ما لا نفس له من ذوات اللحوم ، ففي طهارة بولها ورجيعها ، ونجاستهما ، والتفصيل بين البول والرجيع بنجاسة الأوّل دون الثاني ، وجوه .

والظاهر عدم إجماع في المسألة يمكن الاتّكال عليه في إثبات شيء ممّا ذكر ؛ وإن قال صاحب «الحدائق» : «الظاهر أ نّه لا خلاف بين الأصحاب في طهارة رجيع ما لا نفس له ، كالذباب ونحوه»(1) .

ويشعر قول العلاّمة في «التذكرة» بعدم الخلاف بيننا ؛ حيث نسب الخلاف إلى الشافعي قال : «رجيع ما لا نفس له سائلة - كالذباب والخنافس - طاهر ؛ لأنّ دمه طاهر ، وكذا ميتته ، وروث السمك ، وللشافعي في الجميع قولان»(2) انتهى .

لكن - مع احتمال أن يكون دعوى عدم الخلاف في مثل الذباب ممّا لا لحم له ، وهو مسلّم - أنّ ذلك غير مجدٍ . مع ما نرى من إطلاق كلام كثير من الأصحاب ، كصاحب «الوسيلة» ، و«النهاية» ، و«المراسم» ، و«الغنية» ، و«إشارة السبق»(3) ، ولا يبعد الاستظهار من «الناصريات» ، ومحكيّ «المقنعة» ، و«الخلاف» ، و«الجمل» ، و«النافع» ، و«الدروس»(4) ، مع تقييد بعضهم في الميتة

ص: 47


1- الحدائق الناضرة 5 : 13 .
2- تذكرة الفقهاء 1 : 51 .
3- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 77 - 78 ؛ النهاية : 51 ؛ المراسم : 55 ؛ غنية النزوع 1 : 40 ؛ إشارة السبق : 79 .
4- مسائل الناصريات : 86 ؛ المقنعة : 69 ؛ الخلاف 1 : 485 ؛ الرسائل العشر للشيخ الطوسي ، الجمل والعقود : 171 ؛ المختصر النافع : 18 ؛ الدروس الشرعية 1 : 123 .

والدم بما لا نفس له(1) ممّا يؤكّد الإطلاق ، وإطلاق معقد لا خلاف «الغنية» ومحكيّ «الخلاف»(2) .

والإنصاف : أنّ المسألة اجتهادية لا إجماعية ، ومنشأ الخلاف يمكن أن يكون اختلافهم في فهم الإطلاق من الروايات الدالّة على نجاسة العذرة التي مرّت جملة منها (3) ، وكذا اختلافهم في صدقها على غير ما للإنسان ؛ بحيث تشمل رجيع ما لا نفس له ، وكذا في البول من الخلاف في الإطلاق .

والمسألة محلّ تردّد من هذه الجهة ؛ لعدم الوثوق بإطلاق معتدٍّ به في الأدلّة ، واحتمال اختصاص العذرة بالآدمي ، كما قال جمع(4) ، أو بالأعمّ منه ومن السباع ، كالسِنَّوْر والكلب ، لا مثل رجيع الطير وما لا نفس له ، أو منصرفة إليه .

بل يمكن أن يقال : إنّه ليس في الروايات ما أطلق الحكم على العذرة ؛ لأنّ أوضحها دلالة وإطلاقاً رواية علي بن محمّد قال : سألته عن الفأرة والدجاجة والحمامة وأشباهها تطأ العذرة ، ثمّ تطأ الثوب ، أيغسل ؟ قال : «إن كان استبان من أثره شيء فاغسله»(5) .

وعبدِ الرحمان : عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنّوْر أو

ص: 48


1- الدروس الشرعية 1 : 123 .
2- غنية النزوع 1 : 40 ؛ الخلاف 1 : 487 .
3- تقدّمت في الصفحة 18 .
4- راجع ما تقدّم في الصفحة 24 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 424 / 1347 ؛ وسائل الشيعة 3 : 467 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحديث 3 .

كلب ، أيعيد صلاته ؟ قال : «إن كان لم يعلم فلا يعيد»(1) .

وعلي بن جعفر ، عن أخيه علیه السلام قال : سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباههما تطأ العذرة ، ثمّ تدخل في الماء ، يتوضّأ منه للصلاة ؟

قال : «لا ، إلاّ أن يكون الماء كثيراً قدر كرّ من ماء»(2) .

إلى غير ذلك ممّا هي نظيرها أو أخفى منها .

وهي مع كونها في مقام بيان حكم آخر لا نجاسة العذرة ، موردها عذرة الإنسان وشبهها ممّا هي محلّ الابتلاء التي تطأها المذكورات ، أو تكون في ثوب الإنسان .

وإلغاء الخصوصية عرفاً من موردها حتّى تشمل ممّا لا نفس له ، غير ممكن بعد قرب احتمال الخصوصية ، سيّما مع طهارة ميتتها ودمها .

ومنه يظهر الكلام في صحيحة ابن سِنان قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(3) .

لعدم الوثوق بإطلاقها لما لا نفس له وميتتها ودمها طاهرة ، وعدم إمكان إلغاء الخصوصية عرفاً بعد ذلك والشكِّ في خروج البول منها بحيث يصيب الثوب .

ص: 49


1- تهذيب الأحكام 2 : 359 / 1487 ؛ وسائل الشيعة 3 : 475 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 419 / 1326 ؛ وسائل الشيعة 1 : 155 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 8 ، الحديث 13 .
3- الكافي 3 : 57 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 405 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 ، الحديث 2 .

وأمّا روايته الاُخرى(1) ، فمرسلة(2) لا يمكن إثبات الحكم بعمومها اللغوي . والمسألة محلّ إشكال وإن كانت الطهارة أشبه ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط ، خصوصاً في البول .

تردّد صاحب «الجواهر» في الشبهات الموضوعية في المقام

تنبيه : يظهر من صاحب «الجواهر» رحمه الله علیه نوع ترديد في الشبهات الموضوعية ، كفضلة لم يعلم أ نّها من ذي النفس ، قال :

«بقي شيء بناءً على اعتبار هذا القيد - أي كونه من ذي النفس - : وهو أنّ مجهول الحال من الحيوان الذي لم يُدرَ أ نّه من ذي النفس أو لا ، يحكم بطهارة فضلته حتّى يعلم أ نّه من ذي النفس ؛ للأصل واستصحاب طهارة الملاقي ونحوه .

أو يتوقّف الحكم بالطهارة على اختباره بالذبح ونحوه ؛ لتوقّف امتثال الأمر بالاجتناب عليه ، ولأ نّه كسائر الموضوعات التي علّق الشارع عليها أحكاماً ، كالصلاة للوقت والقبلة ونحوهما .

أو يفرّق بين الحكم بطهارته ، وبين عدم تنجيسه للغير ، فلا يحكم بالأوّل إلاّ بعد الاختبار ، بخلاف الثاني ؛ للاستصحاب فيه من غير معارض ، ولأ نّه حينئذٍ كما لو أصابه رطوبة متردّدة بين البول والماء .

ص: 50


1- الكافي 3 : 406 / 12 ؛ وسائل الشيعة 3 : 405 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 ، الحديث 3 .
2- تقدّم وجه كونها مرسلة في الصفحة 31 .

وجوه لم أعثر على تنقيح منها في كلمات الأصحاب»(1) انتهى .

وفيه : أ نّه لا شبهة في جريان الاُصول الشرعية في الشبهات الموضوعية ، بل الحكمية بعد الفحص . بل الأقوى جريان الاُصول العقلية أيضاً بالنسبة إلى أكل ملاقيه وشربه وسائر التكاليف الاستقلالية ، بل والتكاليف الغيرية والإرشادية لو قلنا بمانعية النجاسة .

نعم ، لو قلنا بشرطية الطهارة أو عدم النجاسة يشكل الأصل العقلي ، لكن يجري الشرعي ؛ لأنّ أصالة الطهارة حاكمة على أدلّة الاشتراط ، ومنقّحة لموضوعها ، كما حرّرنا في محلّه(2) .

نعم ، قد يتوقّف في جريانها في الموارد التي ترفع الشبهة بأدنى شيء كالنظر ؛ بدعوى انصراف أدلّة الاُصول عن المشكوك فيه الذي يزول الشكّ عنه بأدنى اختبار .

لكنّ الأقوى خلاف ذلك ، سيّما في باب النجاسات ؛ لصحيحة زرارة فيها : قلت : فهل عليّ إن شككت في أ نّه أصابه شيء أن أنظر فيه ؟ قال : «لا ، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك»(3) .

بل لا يبعد ظهورها في أنّ عدم لزوم الفحص إنّما هو للاتّكال على الاستصحاب ؛ وأ نّه لا ينبغي نقض اليقين بالشكّ ، لا لخصوصية النجاسة . كما أنّ

ص: 51


1- جواهر الكلام 5 : 289 .
2- مناهج الوصول 1 : 255 - 257 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1335 ؛ وسائل الشيعة 3 : 466 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحديث 1 .

الأقرب عدم انصراف الأدلّة عن مثلها .

وما يقال : «إنّ عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية ، إنّما هو فيما إذا لم تكن مقدّمات العلم حاصلة ؛ بحيث لا يحتاج حصوله إلى أزيد من النظر ؛ فإنّ في مثله يجب النظر ، ولا يجوز الاقتحام في الشبهات مطلقاً إلاّ بعد النظر في المقدّمات ؛ لعدم صدق الفحص على مجرّد النظر»(1) .

ففيه : أنّ ذلك يتمّ لو كان الاتّكال على الإجماع على عدم وجوب الفحص ، وأمّا لو كان المعوّل عليه إطلاق أدلّة الاُصول ، فصدق الفحص وعدمه أجنبيّ عنه . إلاّ أن يدّعى الانصراف ، وهو غير مسلّم ، والتفصيل موكول إلى محلّه(2) .

ص: 52


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 302 .
2- تهذيب الاُصول 3 : 433 .
المنيّ
اشارة

نجاسة منيّ الآدمي

الثالث : المنيّ ، وهو نجس من الآدمي بلا إشكال ونقل خلاف ، بل في «الانتصار» إجماع الشيعة الإمامية على النجاسة(1) ، وكذا عن «الخلاف» ، و«المسائل الطبرية» ، و«الغنية» ، و«المنتهى» ، و«كشف الحقّ» ، الإجماع على نجاسته من كلّ حيوان ذي نفس(2) . وعن «النهاية» ، و«التذكرة»(3) ، و«كشف الالتباس»(4) : «أ نّها مذهب علمائنا» .

واستدلّ عليها السيّد في «الناصريات» - مضافاً إلى الإجماع - بقوله تعالى : )وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ ا لسَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ ا لْشَّيْطَانِ((5) .

ص: 53


1- الانتصار : 95 .
2- مفتاح الكرامة 2 : 7 - 8 ؛ الخلاف 1 : 489 ؛ غنية النزوع 1 : 42 ؛ منتهى المطلب 3 : 179 ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق : 419 .
3- نهاية الإحكام 1 : 267 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 53 .
4- كشف الالتباس 1 : 393 .
5- الأنفال (8) : 11 .

قال : «روي في التفسير أ نّه تعالى أراد بذلك أثر الاحتلام ، فدلّت الآية على نجاسة المنيّ من وجهين :

أحدهما : قوله تعالى : )وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ ا لْشَّيْطَانِ( والرجز والنجس بمعنى واحد . . . إلى أن قال :

والثاني : من دلالة الآية أ نّه تعالى أطلق عليه اسم «التطهير» و«التطهير» لا يطلق في الشرع إلاّ لإزالة النجاسة ، أو غسل الأعضاء الأربعة»(1) انتهى .

وفيه : أنّ الظاهر من عطف قوله : )يُذْهِبَ عَنْكُمْ( على قوله : )لِيُطَهِّرَكُمْ(

- بالواو الظاهر في المغايرة - أنّ التطهير بالماء غير إذهاب رجز الشيطان ، فالمراد بالتطهير إمّا التطهير من الخبث ، وبإذهاب الرجز رفع الجنابة .

أو المراد منه أعمّ من رفع الخبث وحدث الجنابة ، فيكون المراد من إذهاب الرجز إذهاب وسوسة الشيطان ، كما عن ابن عبّاس(2) ، وذلك أ نّه حكي : «أنّ الكفّار في وقعة بدر قد سبقوا المسلمين إلى الماء ، فنزلوا على كثيب الرمل ، فأصبحوا محدثين ومجنبين ، وأصابهم الظمأ ، ووسوس إليهم الشيطان ، فقال : إنّ عدوّكم قد سبقكم إلى الماء ، وأنتم تصلّون مع الجنابة والحدث ، وتسوخ أقدامكم في الرمل ، فمطرهم اللّه حتّى اغتسلوا به من الجنابة ، وتطهّروا به من الحدث ، وتلبّدت به أرضهم ، وأوحلت أرض عدوّهم»(3) .

وهذا هو المراد من ذهاب رجز الشيطان ، كما عن ابن عبّاس ، وعليه لا يتمّ

ص: 54


1- مسائل الناصريات : 92 .
2- تنوير المقباس من تفسير ابن عبّاس : 114 .
3- اُنظر مجمع البيان 4 : 808 .

ما ذكره السيّد من الوجهين .

نعم ، تدلّ على النجاسة - مضافاً إلى الإجماع المحكيّ المستفيض - طوائف من الأخبار :

منها : ما اُمر فيها بغسله(1) . واحتمال كونه مانعاً من الصلاة من غير كونه نجساً ، مقطوع الفساد ، خصوصاً بعد إردافه فيها بالدم والبول(2) .

ومنها : ما اُمر فيها بإعادة الصلاة التي صلّي فيه(3) .

ومنها : ما اُمر بالصلاة عرياناً مع كون الثوب منحصراً بما فيه الجنابة(4) .

ومنها : ما دلّ على جواز الصلاة فيه حال الاضطرار(5) .

ومنها : ما صرّح فيه بالنجاسة ، كقول أبي عبداللّه علیه السلام -

على ما في مرسلة شعيب(6) بن أنس - لأبي حنيفة : «أيّهما أرجس : البول ، أو الجنابة ؟ . . .»(7) إلى آخره .

وروايةِ «العلل» عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا علیه السلام : «وإنّما اُمروا

ص: 55


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 423 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 16 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 474 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 2 و3 و9 .
3- وسائل الشيعة 3 : 424 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 16 ، الحديث 2 .
4- وسائل الشيعة 3 : 486 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 46 ، الحديث 1 و3 .
5- وسائل الشيعة 3 : 485 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 7 .
6- كذا في طبع المكتبة الإسلامية من الوسائل 1 : 467 / 5 .
7- علل الشرائع : 90 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 180 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 2 ، الحديث 5 .

بالغسل من الجنابة ، ولم يؤمروا بالغسل من الخلاء ، وهو أنجس من الجنابة»(1) .

إلى غير ذلك ، فلا إشكال فيها نصّاً وفتوى .

نعم ، هنا روايات ربّما يتوهّم ظهورها في الطهارة :

منها : صحيحة أبي اُسامة زيد الشحّام قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : تصيبني

السماء وعليّ ثوب ، فتبلّه وأنا جنب ، فيصيب بعض ما أصاب جسدي من المنيّ ، أفاُصلّي فيه ؟ قال : «نعم»(2) .

وموثّقة ابن بكير ، عنه [ أبي اُسامة] قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الثوب يكون فيه الجنابة ، فتصيبني السماء حتّى يبتلّ عليّ ، قال : «لا بأس»(3) .

بدعوى : أنّ الظاهر منهما أنّ ملاقي المنيّ طاهر ، ولازمه طهارته .

وفيه : أنّ الظاهر منهما أنّ السؤال إنّما هو عن أمر بعد مفروغية نجاسة المنيّ ، وليس السائل بصدد السؤال عن نجاسته ، بل بصدد أ نّه بمجرّد كون البدن نجساً من المنيّ وصار الثوب مبتلاًّ بالمطر ، يحكم بنجاسة الثوب إذا أصاب بعض ما أصاب الجسد من المنيّ أو لا ؟ فأجاب بعدم البأس ؛ لأنّ مجرّد ذلك لا يوجب العلم بالسراية ووصول أثر المنيّ إلى الثوب ، لاحتمال كون ما أصابه غير مورد

ص: 56


1- علل الشرائع : 258 / 9 ؛ وسائل الشيعة 2 : 179 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 2 ، الحديث 4 .
2- الكافي 3 : 52 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 445 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 3 .
3- الكافي 3 : 53 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 446 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 6 .

البلّة ، أو كون البلّة بمقدار لا يوجب السراية .

وبالجملة : لا يحكم بالنجاسة إلاّ مع العلم بإصابة الثوب بما أصابه المنيّ مع العلم بالسراية ، ومع الشكّ في جهة من الجهات محكوم بالطهارة .

والشاهد على أنّ سؤاله عن الشبهة الموضوعية : أ نّه فرض في الروايتين مصداقين من الشبهة الموضوعية :

أحدهما : فرض كون المنيّ في جسده وثوبه مبتلاًّ ، فسأل عن حال الثوب والصلاة فيه .

وثانيهما : فرض كون الجنابة في ثوبه وإصابة السماء حتّى يبتلّ عليه ، فسأل عن حال جسده .

فهاتان الروايتان من أدلّة نجاسته لا طهارته ؛ لأنّ الظاهر منهما مفروغيتها ، والسؤال عن الشبهة الموضوعية ، والسؤال عنها غير عزيز يظهر بالتتبّع .

ومنها : رواية علي بن أبي حمزة قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام -

وأنا حاضر - عن رجل أجنب في ثوبه ، فيعرق فيه ، فقال : «ما أرى به بأساً» .

وقال : إنّه يعرق حتّى لو شاء أن يعصره عصره ، قال : فقطب أبو عبداللّه علیه السلام

في وجه الرجل فقال : «إن أبيتم فشيء من ماء ينضحه به»(1) .

بدعوى ظهورها في طهارة ملاقيه ، ولازمها طهارته .

وفيه : أنّ فيها احتمالين :

أحدهما : أنّ مراد السائل رفع الشبهة عن عرق الجنب ، كما وردت فيه

ص: 57


1- الكافي 3 : 52 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 445 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 4 .

روايات يظهر منها أنّ عرقه كان مورد الشبهة في تلك الأزمنة(1) ، فيكون قوله : «أجنب في ثوبه» يعني به أجنب وعليه ثوب ، فيعرق فيه ، لا أنّ الجنابة وقعت في الثوب .

وثانيهما : أنّ السؤال عن الشبهة الموضوعية ، كما تقدّم في الروايتين المتقدّمتين .

والشاهد عليه قوله : «إنّه يعرق حتّى لو شاء . . .» إلى آخره ، فكأ نّه قال : «مع كون العرق كذلك ، كيف يحتمل عدم الملاقاة ؟ !» ويؤيّده أمره بالنضح الذي ورد الأمر به في غير مورد من الشبهات الموضوعية ، فتكون الرواية من أدلّة نجاسته لا طهارته .

ومنها : صحيحة زرارة قال : سألته عن الرجل يجنب في ثوبه ، أيتجفّف فيه من غسله ؟ قال : «نعم ، لا بأس به ، إلاّ أن تكون النطفة فيه رطبة ، فإن كانت جافّة فلا بأس به»(2) .

والظاهر منها التفصيل بين الرطب والجافّ ، كما نسب ذلك إلى أبي حنيفة ، قال السيّد في «الناصريات» : «إنّ أبا حنيفة وأصحابه وإن وافقوا في نجاسته ، فإنّهم يوجبون غسله رطباً ، ويجزي عندهم فركه يابساً (3) » (4) .

ص: 58


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 447 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 1 و4 و8 و9 و10 و12 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1332 ؛ وسائل الشيعة 3 : 446 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 7 .
3- بداية المجتهد 1 : 84 ؛ المجموع 2 : 554 / السطر 6 .
4- مسائل الناصريات : 91 .

والظاهر منهم أنّ ملاقي النطفة ليس بنجس ، ولهذا اكتفوا بالفرك . والظاهر أ نّها صدرت تقيّة موافقة لمذهبهم ، فإنّها نفت البأس عن النطفة اليابسة ؛ لأنّ التجفيف مع يبسها لا يوجب إلاّ الملاقاة معها ، وأمّا التجفيف مع الرطبة فيوجب انتقال أجزائها إلى الجسد . والشيخ البهائي حملها على ما لا يخلو من تعسّف وإشكال(1).

ويمكن أن يقال : إنّه مع اليبوسة لا يحصل العلم بسراية النجاسة إلى البدن ؛ لاحتمال سبق موضع الطاهر للبدن وتجفيفه ، ومعه لا تسري النجاسة ، وأمّا مع الرطوبة ووجود المنيّ الرطب فيه ، فلا محالة تسري إليه ، تأمّل .

وكيف كان : فالعمل على المذهب ، والرواية مأوّلة أو مطروحة .

نجاسة منيّ غير الآدمي من ذي النفس

وأمّا المنيّ من الحيوان غير الآدمي من ذي النفس ، فلا إشكال في نجاسته ، ونقل الإجماع عليها متكرّر(2) ؛ بحيث لا يبقى مجال للتشكيك فيها .

وإنّما الكلام في إطلاق الأدلّة ، فإنّه يظهر من «المعتبر» و«المنتهى» التمسّك

بإطلاقها (3) . وأنكره صاحب «المدارك»(4) ، وشدّد النكير عليه صاحب «الحدائق»(5) ، وتبعهما غيرهما (6) .

ص: 59


1- مشرق الشمسين : 416 .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 53 .
3- المعتبر 1 : 415 ؛ منتهى المطلب 3 : 183 - 184 .
4- مدارك الأحكام 2 : 266 .
5- الحدائق الناضرة 5 : 32 .
6- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 37 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 33 .

وقد علّله في «الجواهر» بتبادر الإنسان من الأدلّة ، قال : «ولعلّه لاشتمالها أو أكثرها على إصابة الثوب ونحوه ؛ ممّا يندر غاية الندرة حصوله من غير الإنسان»(1) انتهى .

أقول : إن كانت دعوى التبادر والانصراف لتوهّم ندرة الوجود ، فلا نسلّمها في المحيط الذي وردت الروايات فيه ؛ ضرورة أ نّه محلّ تربية الحيوانات واستنتاجها وإسفادها ، ولا يخفى على من رأى كيفية إسفاد البهائم ، شدّةُ الابتلاء بمنيّها وكثرته ، وأنّ إصابة منيّها - خصوصاً البهائم الثلاث - للثوب وغيره ممّا يحتاج إليه الإنسان ويبتلي به ، كثيرة لا يمكن معها دعوى الانصراف ، والعرب - سيّما سكّان الجزيرة - كان مهمّ شغلهم تربية الحيوانات التي تحتاج إلى الاستفحال الذي يكثر معه إصابة المنيّ لألبستهم وأيديهم وسائر متاعهم .

والإنصاف : أنّ دعوى الانصراف والتبادر إنّما صدرت ممّن لا يبتلي به ، ونشأ في بيت أو محيط كان الابتلاء به نادراً أو مفقوداً رأساً ، فقاس به سائر الأمكنة والأشخاص ، وإلاّ فأيّ قصور - بعد التنبّه لما ذكرناه - في إطلاق رواية ابن أبي يعفور ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن المنيّ يصيب الثوب ، قال : «إن عرفت مكانه فاغسله ، وإن خفي عليك مكانه فاغسل الثوب كلّه» ؟ !(2)

وموثّقةِ سَماعة قال : سألته عن المنيّ يصيب الثوب ، قال : «اغسل الثوب كلّه

ص: 60


1- جواهر الكلام 5 : 290 .
2- الكافي 3 : 53 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 425 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 16 ، الحديث 6 .

إذا خفي عليك مكانه ؛ قليلاً كان أو كثيراً» ؟ !(1)

وصحيحةِ محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : ذكر المنيّ وشدّده وجعله أشدّ من البول . ثمّ قال : «إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ، ثمّ صلّيت فيه ، ثمّ رأيته بعدُ ، فلا إعادة عليك ، وكذا البول»(2) . . . إلى غير ذلك ؟ !

بل لا يبعد أن يقال : إنّ العرف يرى أنّ الحكم لماهية المنيّ من غير دخالة للإضافات فيه .

بل يمكن أن يقال : إنّ المراد من تشديد المنيّ وجعله علیه السلام أشدّ من البول ، هو كونه نجساً مطلقاً ، وأمّا البول فطاهر من مأكول اللحم ، فكان أمره أهون في الشريعة من المنيّ ؛ لكون هذا طاهراً في الجملة ، وذاك نجساً مطلقاً ؛ أي حتّى من المأكول ذي النفس .

وأمّا احتمال كونه أشدّ ؛ لاحتياج إزالته إلى الدلك والفرك دون البول(3) فبعيد ؛ لأ نّه أمر واضح لا يحتاج إلى الذكر والنقل ، مع أنّ الظاهر من قوله : «شدّده وجعله أشدّ» أنّ ذلك أمر لا يعرفه الناس ، ويعرفه الإمام علیه السلام .

وأمّا احتمال كون «الأشدّ» بمعنى الأنجس(4) ، فيردّه تصريح أبي عبداللّه علیه السلام

ص: 61


1- الكافي 3 : 54 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 425 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 16 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 252 / 730 ؛ وسائل الشيعة 3 : 424 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 16 ، الحديث 2 .
3- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 33 .
4- اُنظر مستمسك العروة الوثقى 1 : 296 - 297 .

في رواية شعيب(1) وأبي الحسن الرضا علیه السلام في رواية «العلل»(2) بأنجسية البول ، بل يدلّ على أنجسيته ما دلّ على لزوم غسله مرّتين دون المنيّ(3) .

واحتمال كون الأشدّية باعتبار وجوب غسل الجنابة منه دون البول ، بعيد أيضاً ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ الحكم لطبيعة المنيّ ، لا لخروجه من المجرى ، فبقي الاحتمال الأوّل .

وما ذكر وإن لم يثبت جزماً ، ولا يوجب ظهوراً ، لكن يقرب دعوى الإطلاق فيها .

والإنصاف : أنّ دعواه في تلك الروايات ، لا تقصر عن دعواه في كثير من الموارد التي التزموا به .

نعم ، لا إشكال في اختصاص ما اشتملت على الجنابة أو الاحتلام(4) بالآدمي ، لكن لا يوجب ذلك طرح الإطلاق في غيرها .

وأمّا موثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «كلّ ما اُكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه»(5) ، فالظاهر انصرافها إلى البول والروث ممّا كثرت الروايات في

ص: 62


1- تقدّمت في الصفحة 55 .
2- تقدّمت في الصفحة 55 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 ، الحديث 1 و2 و4 و7 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 424 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 16 ، الحديث 4 و7 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 266 / 781 ؛ وسائل الشيعة 3 : 409 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 12 .

التعرّض لهما ولحكمهما ، ولهذا لا ينقدح في الذهن منها عدم البأس بدمه .

نعم ، لو قلنا بإطلاقها وشمولها للمنيّ لا يعارضها تلك المطلقات ؛ لتقدّمها عليها بنحو حكومة .

ولو نوقش فيها فالأهون الجمع بينهما بحملها على الاستحباب ؛ بقرينة نفي البأس النصّ في عدم النجاسة .

وأمّا موثّقة ابن بكير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث قال : «إن كان ممّا يؤكل

لحمه فالصلاة في وبره وشعره وبوله وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز ؛ إذا علمت أ نّه ذكيّ قد ذكّاه الذبح»(1) .

فمحمولة على ما كانت التذكية دخيلة فيه بمناسبة الشرطية ، لا مثل الدم والمنيّ .

نعم في مثل البول والروث ظاهرها طهارتهما .

وعلى أيّ تقدير : لا إشكال في الحكم بعد الإجماع وما تقدّم من الأخبار .

طهارة منيّ غير ذي النفس

وأمّا غير ذي النفس من الحيوان ، فلا يبعد انصراف الأدلّة عنه . كما لا يبعد انصرافها عن بعض أقسام ذي النفس أيضاً ، لكن يتمّ فيه بالإجماع ، وفي غيره يكون مقتضى الأصل طهارته بعد الانصراف ، أو عدم إحراز الإطلاق .

بل لا وثوق بإطلاقٍ لمعاقد الإجماعات يشمل غير ذي النفس ، بل وبعض

ص: 63


1- الكافي 3 : 397 / 1 ؛ وسائل الشيعة 4 : 345 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 2 ، الحديث 1 .

أفراد ذي النفس ؛ فإنّ المحتمل من عبارة السيّد(1) أنّ دعواه الإجماع بالنسبة إلى منيّ الإنسان ، ولهذا استدلّ عليها - بعد الإجماع - بقوله تعالى : )وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ ا لسَّمَاءِ مَاءً . . .((2) إلى آخره ، وهو مخصوص بمنيّه .

والظاهر من إجماع «الخلاف» هو مقابل أبي حنيفة المدّعي بأ نّه يغسل رطباً ،

ويفرك يابساً (3) ؛ بقرينة قوله بعد دعواه : «ودليل الاحتياط ؛ لأنّ من أزال ذلك بالغسل صحّت صلاته بلا خلاف ، وإذا فركه وأزاله بغير الماء فيه خلاف» ثمّ استدلّ بالآية المتقدّمة(4) .

وفي «الغنية» : «والمنيّ نجس لا يجزي فيه إلاّ الغسل ؛ رطباً كان أو يابساً ؛ بدليل الإجماع المذكور ، وقولِه تعالى : )وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ . . .( »(5) ، ثمّ استدلّ بها كما استدلّ السيّد ، ولم يظهر منها دعوى الإجماع حتّى بالنسبة إلى ما لا نفس له ممّا يشكّ في وجود المنيّ له .

لكنّ الإنصاف : أنّ إنكار شمول إجماع «الخلاف» - المصرّح بأنّ المنيّ كلّه نجس من الإنسان وغير الإنسان ، والرجل والمرأة - لغير ذي النفس مكابرة . مع أ نّه استدلّ بالآية أيضاً كما استدلّ بها السيّد ، ومن هنا يمكن دعوى شمول معقد إجماع السيّد وابن زهرة لمطلق الحيوان ذي النفس وغيره ، وإنّما استدلّوا بالآية

ص: 64


1- مسائل الناصريات : 91 .
2- الأنفال (8) : 11 .
3- بداية المجتهد 1 : 84 ؛ المجموع 2 : 554 / السطر 6 .
4- الخلاف 1 : 489 .
5- غنية النزوع 1 : 42 .

في مقابل بعض العامّة القائل بالطهارة مطلقاً (1) ، فاستدلالهم بها لنفي السلب الكلّي ، لا لإثبات جميع المدّعى ، وإنّما دليلهم على جميعه الإجماع والروايات الواردة من الطريقين(2) .

وقد حكي الإجماع بقول مطلق - زائداً على ما ذكرناه - عن «المسائل الطبرية» و«المنتهى» و«كشف الحقّ» و«السرائر»(3) ، وإن قال صاحب «مفتاح الكرامة» : «بأ نّه لم أجده في «السرائر» وإنّما نصّ على نجاسة المنيّ بقول مطلق من غير نقل إجماع»(4) .

وعن «شرح الفاضل» : «أنّ ظاهر الأكثر على نجاسة منيّ غير ذي النفس»(5) .

وعن «نهاية الإحكام» و«الذكرى» و«الدروس» و«الروض» و«الروضة» أ نّه لا فرق بين الآدمي وغيره والحيوان البرّي والبحري كالتمساح(6) ، مع أ نّه من غير ذي النفس ظاهراً . وهو الظاهر ممّن لم يقيّده بغير ذي النفس ، ك- «الوسيلة» ،

ص: 65


1- بداية المجتهد 1 : 84 ؛ المجموع 2 : 553 - 554 .
2- تقدّمت بعض الروايات من طريقنا في الصفحة 60 - 61 ، وأمّا من طريق العامّة ، فراجع الخلاف 1 :490 ؛ صحيح البخاري1 : 168 ، الباب 164 ؛ صحيح مسلم 1 : 302 ، الباب 32 .
3- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 7 - 8 ؛ منتهى المطلب 3 : 179 ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق : 419 ؛ السرائر 1 : 178 .
4- مفتاح الكرامة 2 : 8 .
5- كشف اللثام 1 : 409 .
6- نهاية الإحكام 1 : 267 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 111 ؛ الدروس الشرعية 1 : 123 ؛ روض الجنان 1 : 434 ؛ الروضة البهيّة 1 : 65 .

و«المراسم» ، و«إشارة السبق»(1) .

بل لم يحكَ عن أحد قبل المحقّق التفصيل بين ذي النفس وغيره ، ولا تقييد المنيّ بذي النفس ، مع تقييدهم الميتة به(2) ، وهو ممّا يؤكّد الإطلاق ، فحينئذٍ كيف يسوغ دعوى الشهرة جزماً ، بل تقريب الإجماع من السيّد في محكيّ «الرياض»(3) ، ودعوى الإجماع من صاحب «مجمع البرهان» ، وصاحب

«الجواهر»(4) ، واستظهار عدم الخلاف من الشيخ الأعظم(5) ؟ !

فالمسألة مشكلة ؛ من أجل إمكان دعوى إطلاق الأدلّة ومعاقد الإجماعات المتقدّمة ، بل عموم معقد إجماع «الخلاف» . ومن إمكان دعوى الانصراف بالنسبة إلى غير ذي النفس ، خصوصاً مع عدم العلم بكونه ذا منيّ . بل ومن بعض أنواع ذي النفس .

والاحتياط لا يترك مطلقاً ؛ وإن كان التفصيل أشبه بالقواعد بعد قوّة دعوى الانصراف عن غير ذي النفس ، والجزم بعدم التفصيل بين أقسام ذي النفس بعد شمول المطلقات لبعضها ، كما تقدّم ، واللّه العالم .

ص: 66


1- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 77 ؛ المراسم : 55 ؛ إشارة السبق : 79 .
2- المقنعة : 72 ؛ إشارة السبق : 79 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 78 .
3- رياض المسائل 2 : 346 - 347 .
4- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 303 ؛ جواهر الكلام 5 : 292 .
5- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 38 .
الميتة
اشارة

الرابع : الميتة ، وهي إمّا من ذي النفس ، أو غيره ، والاُولى إمّا من آدمي ، أو غيره .

نجاسة الميتة من ذي النفس

فقد استفيض نقل الإجماع على نجاسة ميتة ذي النفس(1) .

وعن «المعالم» : «قد تكرّر في كلام الأصحاب ادّعاء الإجماع على هذا الحكم ، وهو الحجّة ؛ إذ النصوص لا تنهض بإثباته»(2) ثمّ ذكر بعض الروايات ، وناقش في سنده ودلالته في إفادة الحكم بكماله .

وعن «المدارك» المناقشة في أصل الحكم ؛ لفقدان نصّ على نجاستها ، وناقش في دلالة ما اُمر فيها بالغسل ونهي عن الأكل على النجاسة(3) ، ثمّ ذكر

ص: 67


1- المعتبر 1 : 420 ؛ منتهى المطلب 3 : 195 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 113 .
2- معالم الدين (قسم الفقه) 2 : 481 .
3- وسائل الشيعة 24 : 180 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 3 ، و : 194 ، الباب 43 .

رواية «الفقيه» النافية للبأس عن جعل الماء ومثله في جلود الميتة(1) ، مع تصريح الصدوق رحمه الله علیه في أوّله : «بأنّ ما أوردته فيه هو ما أفتي وأحكم بصحّته ، وأعتقد أ نّه حجّة بيني وبين ربّي»(2) . ثمّ قال : «والمسألة قويّة الإشكال»(3) .

نجاسة ميتة غير الآدمي من ذي النفس

أقول : أمّا نجاستها من ذي النفس غير الآدمي فلا ينبغي الإشكال فيها ، لا لدعوى الإجماع المتكرّر فقط ، بل لدلالة طوائف من الروايات عليها ، وقلّما توجد كثرة الأخبار في نجاسة شيء بمثلها ، ونحن نذكر قليلاً من كثير :

فمنها : صحيحة حَريز بن عبداللّه ، عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه قال : «كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ من الماء واشرب ، فإذا تغيّر الماء وتغيّر الطعم فلا توضّأ منه ولا تشرب»(4) .

ورواية أبي خالد القمّاط : أ نّه سمع أبا عبداللّه علیه السلام يقول في الماء يمرّ به الرجل وهو نقيع فيه الميتة . فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «إن كان الماء قد تغيّر ريحه وطعمه فلا تشرب ، ولا تتوضّأ منه ، وإن لم يتغيّر ريحه وطعمه فاشرب وتوضّأ»(5) .

ص: 68


1- الفقيه 1 : 9 / 15 .
2- الفقيه 1 : 3 .
3- مدارك الأحكام 2 : 268 - 269 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 216 / 625 ؛ وسائل الشيعة 1 : 137 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 3 ، الحديث 1 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 40 / 112 ؛ وسائل الشيعة 1 : 138 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 3 ، الحديث 4 .

وموثّقة أبي بصير(1) ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الرجل يمرّ بالماء ، وفيه دابّة ميّتة قد أنتنت ، قال : «إن كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضّأ ولا تشرب»(2) .

وموثّقة عبداللّه بن سِنان قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام -

وأنا حاضر - عن غدير أتوه وفيه جيفة ، فقال : «إن كان الماء قاهراً ولا توجد منه الريح فتوضّأ»(3) .

ونحوها مرسلة الصدوق(4) .

ولا إشكال في ظهور هذه الطائفة عرفاً في تنجّس الماء بغلبة الريح ، أو تغيّر

الطعم ، ويُستكشف عن ذلك - مضافاً إلى ذلك ، ومضافاً إلى أنّ الظاهر من بعضها مفروغية نجاستها ، كما يظهر بالتأمّل فيه - برواية زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : قلت له : راوية من ماء سقطت فيها فأرة أو جُرَذ أو صَعْوة ميّتة ، قال : «إذا تفسّخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضّأ فصبّها ، وإذا كان غير متفسّخ فاشرب منه وتوضّأ ، واطرح الميتة إذا أخرجتها طريّة ، وكذلك الجرّة وحُبّ الماء والقِرْبة وأشباه ذلك من أوعية الماء» .

ص: 69


1- وفي المصدر : «سماعة» بدل «أبي بصير» .
2- تهذيب الأحكام 1 : 216 / 624 ؛ وسائل الشيعة 1 : 139 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 3 ، الحديث 6 .
3- الكافي 3 : 4 / 4 ؛ وسائل الشيعة 1 : 141 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 3 ، الحديث 11 .
4- الفقيه 1 : 12 / 22 ؛ وسائل الشيعة 1 : 141 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 3 ، الحديث 13 .

قال : وقال أبو جعفر علیه السلام : «إذا كان الماء أكثر من راوية لا ينجّسه شيء ؛ تفسّخ فيه أو لم يتفسّخ فيه ، إلاّ أن يجيء ريح تغلب على ريح الماء»(1) .

فإنّ ذيلها مفسّر لصدرها ، ومبيّن للنهي عن الشرب والوضوء بأ نّه لأجل النجاسة ، لا لأمر تعبّدي غيرها .

وفي صحيحة زرارة قال : «إذا كان الماء أكثر من راوية . . .»(2) إلى آخر الحديث المتقدّم ، فتفسّر الرواية والصحيحة سائر ما تقدّم ، وتبيّنان أنّ النهي فيها

لنجاسة الماء بملاقاة الميتة إذا كان دون الكرّ ، وبالتغيّر إذا كان كرّاً .

بل يمكن الاستشهاد عليها بمثل صحيحة ابن بَزيع : «ماء البئر واسع لا يفسده شيء . . .»(3) إلى آخره .

فإذا ضمّت تلك الروايات إلى ما تقدّم من الروايات الناهية عن شرب ملاقي الجيفة والميتة ، والوضوء منه ، تنتج نجاستها مطلقاً .

وتوهّم كون تلك الروايات - بل سائر ما في الباب - في مقام بيان حكم آخر ، فلا إطلاق فيها (4) ، فاسد ؛ فإنّ الظاهر منها أنّ الحكم لنفس الجيفة ، وأنّ غلبة ريحها مطلقاً موجبة لعدم جواز الشرب والوضوء . كما أنّ عدم الاستفصال في

ص: 70


1- تهذيب الأحكام 1 : 412 / 1298 ؛ وسائل الشيعة 1 : 139 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 3 ، الحديث 8 .
2- الكافي 3 : 2 / 3 ؛ وسائل الشيعة 1 : 140 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 3 ، الحديث 9 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 234 / 676 ؛ وسائل الشيعة 1 : 172 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 7 .
4- اُنظر معالم الدين (قسم الفقه) 2 : 481 ؛ مدارك الأحكام 2 : 268 .

صحيحة شهاب الآتية دليل عموم الحكم .

والإنصاف : أنّ توهّم عدم الإطلاق فيها وسوسة مخالفة لفهم العرف ، تأمّل .

ونظيرها في وضوح الدلالة صحيحة شهاب بن عبد ربّه قال : أتيت أبا عبداللّه علیه السلام أسأله ، فابتدأني فقال : «إن شئت فاسأل يا شهاب ، وإن شئت أخبرناك بما جئت له».

قلت : أخبرني . قال : «جئت تسألني عن الغدير يكون في جانبه الجيفة ، أتوضّأ منه أو لا ؟» قلت : نعم . قال : «توضّأ من الجانب الآخر ، إلاّ أن يغلب الماءَ الريحُ فينتن . وجئت تسأل عن الماء الراكد ، فما لم يكن فيه تغيير وريح غالبة» .

قلت : فما التغيير ؟ قال : «الصفرة ، فتوضّأ منه ، وكلّما غلب كثرة الماء فهو طاهر»(1) .

فهي مع إطلاقها ، كالصريحة في المطلوب من أنّ الماء ينجس بالتغيير .

وقريب منها في الدلالة رواية زرارة قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : بئر قطرت فيه قطرة دم أم خمر .

قال : «الدم والخمر والميْت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد ، تنزح منه عشرون دلواً ، فإن غلب الريح نزحت حتّى تطيب»(2) .

ص: 71


1- بصائر الدرجات : 238 / 13 ؛ وسائل الشيعة 1 : 161 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 ، الحديث 11 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 241 / 697 ؛ وسائل الشيعة 1 : 179 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 15 ، الحديث 3 .

فإنّ إردافها بسائر النجاسات دليل على نجاستها . وحمل نزح العشرين على الاستحباب - لعدم انفعال البئر - لا يوجب قصورها عن الدلالة .

مع موافقة ذيلها لسائر الروايات ، كصحيحة ابن بَزيع ، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام : «ماء البئر واسع لا يفسده شيء ، إلاّ أن يتغيّر ريحه أو طعمه ، فينزح

منه حتّى يذهب الريح ، ويطيب طعمه ؛ لأنّ له مادّة»(1) .

لأنّ المراد بالفساد هو النجاسة ، كما هو واضح بل الروايات في النزح من الميتة ، كلّها ظاهرة في مفروغية نجاستها ، كما يظهر بالنظر فيها .

وتدلّ عليها صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن آنية أهل الكتاب ، فقال : «لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة والدم ولحم الخنزير»(2) .

فإنّها ظاهرة في تنجيسها ، سيّما مع إردافها بما ذكر .

ورواية «تحف العقول» عن الصادق علیه السلام في حديث قال : «وأمّا وجوه الحرام

من البيع والشراء . . .» إلى أن قال :

«والبيع للميتة أو الدم أو لحم الخنزير . . . أو الخمر أو شيء من وجوه

النجس ، هذا كلّه حرام محرّم . . .»(3) إلى آخره .

ص: 72


1- تهذيب الأحكام 1 : 234 / 676 ؛ وسائل الشيعة 1 : 172 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 7 .
2- تهذيب الأحكام 9 : 88 / 371 ؛ وسائل الشيعة 24 : 211 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 54 ، الحديث 6 .
3- تحف العقول : 333 ؛ وسائل الشيعة 17 : 84 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 2 ، الحديث 1 .

فإنّ الظاهر منها أ نّه في مقام عدّ النجاسات ، فذكر عدّة منها ، وعطف عليها سائرها كما هو واضح .

وما عن «الجعفريات» بسنده عن علي علیه السلام : قال في الزيت والسمن إذا وقع فيه شيء له دم فمات فيه : «استسرجوه ، فمن مسّه فليغسل يده ، وإذا مسّ الثوب أو مسح يده في الثوب أو أصابه منه شيء ، فليغسل الموضع الذي أصاب من الثوب ، أو مسح يده في الثوب يغسل ذلك خاصّة»(1) .

وعن «دعائم الإسلام» عن أمير المؤمنين علیه السلام : أ نّه رخّص في الإدام والطعام يموت فيه خِشاش الأرض والذباب وما لا دم له ، وقال : «لا ينجّس ذلك شيئاً ولا يحرّمه . فإن مات فيه ما له دم وكان مائعاً فسد ، وإن كان جامداً فسد منه ما حوله ، واُكلت بقيّته»(2) .

إلى غير ذلك ممّا يطول الكلام بسردها . نعم لا ننكر عدم إطلاق كثير منها ممّا يكون بصدد بيان أحكام اُخر .

بل يمكن الاستدلال على المطلوب بموثّقة ابن بكير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام

وفيها : «فإن كان ممّا يؤكل لحمه ، فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز ؛ إذا علمت أ نّه ذكيّ قد ذكّاه الذبح . . .»(3) إلى آخره .

ص: 73


1- الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 26 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 577 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 1 .
2- دعائم الإسلام 2 : 126 / 439 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 580 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 28 ، الحديث 3 .
3- الكافي 3 : 397 / 1 ؛ وسائل الشيعة 4 : 345 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 2 ، الحديث 1 .

بناءً على أنّ المراد بقوله : «ذكّاه» طهّره ، كما لعلّه المناسب لنسبة التذكية إلى الذبح ، وبُعد إرادة الذكاة بمعنى الذبح . والذكاة - بالذال - وإن كان بمعنى الذبح في اللغة ، ولم أرَ في اللغة من عدّ الطهارة من معانيه إلاّ في «مجمع البحرين» حيث قال : «وفي الحديث : «كلّ يابس ذكيّ»(1) ؛ أي طاهر ، ومنه : «ذكاة الأرض يبسها» أي طهارتها من النجاسة ، وفيه «أذك بالأدب قلبك» أي طهّره ونظّفه»(2) انتهى ، لكنّه ذكر في «زكى» - بالزاي - : «زكاة الأرض يبسها»(3) .

ويمكن الاستشهاد لاستعمال «ذكيّ» - بالذال - في الطهارة بروايات ، كقوله علیه السلام : «الحوت ذكيّ حيّه وميّته»(4) .

قال الشيخ الحرّ : «الذكيّ هنا بمعنى الطاهر»(5) .

وقوله علیه السلام : «الجراد ذكيّ كلّه ، والحيتان ذكيّ كلّه ، وأمّا ما هلك في البحر فلا تأكل»(6) .

ص: 74


1- تهذيب الأحكام 1 : 49 / 141 ؛ وسائل الشيعة 1 : 351 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 31 ، الحديث 5 .
2- مجمع البحرين 1 : 159 .
3- مجمع البحرين 1 : 206 .
4- المحاسن : 475 / 480 ؛ وسائل الشيعة 24 : 74 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 31 ، الحديث 5 .
5- وسائل الشيعة 24 : 89 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 37 ، ذيل الحديث 8 .
6- المحاسن : 480 / 505 ؛ وسائل الشيعة 24 : 74 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 31 ، الحديث 7 .

بل قوله علیه السلام : «ذكاة الجنين ذكاة اُمّه»(1) .

وقوله علیه السلام : «خمسة أشياء ذكيّة ممّا فيه منافع الخلق : الإنفحة ، والبيض . . .»(2) إلى آخره .

وقوله علیه السلام : «اللبن واللباء . . .» إلى أن قال : «وكلّ شيء يفصل من الشاة والدابّة فهو ذكيّ ، وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصلّ فيه»(3) .

إلى غير ذلك وإن كان للمناقشة فيها أو في جلّها مجال .

بل الظاهر أنّ الذكاة في مقابل الميتة في الروايات ، لا بمعنى الطاهرة ، ولا الذبح مطلقاً كيفما كان ، كما لعلّه يأتي التنبيه عليه(4) .

ويمكن الاستدلال للمطلوب بقوله تعالى : )إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ((5) .

بدعوى : أنّ الظاهر رجوع الضمير إلى جميع المذكورات ؛ فإنّ قوله تعالى : )فإِنَّهُ رِجْسٌ( تعليل لاستثنائها من الحلّية ، فلا يناسب أن يجعل تعليلاً للأخير فقط ، وإهمال التعليل في غيره ، وإن كان للتأمّل فيه مجال ، كالتأمّل في كون

ص: 75


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 124 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 36 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 18 ، الحديث 12 .
2- الكافي 6 : 257 / 2 ؛ وسائل الشيعة 24 : 179 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 2 .
3- الكافي 6 : 258 / 4 ؛ وسائل الشيعة 24 : 180 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 3 .
4- يأتي في الصفحة 89 .
5- الأنعام (6) : 145 .

«الرجس» بمعنى النجس وإن لا يبعد ذلك . وفيما ذكرنا من الأخبار كفاية .

نعم ، في الاستدلال للمطلوب(1) بمثل موثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سئل عن الخنفساء . . . إلى أن قال : «كلّ ما ليس له دم فلا بأس»(2) ، وصحيحةِ ابن مُسكان عنه علیه السلام قال : «كلّ شيء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلك ، فلا بأس»(3) محلّ إشكال ؛ لأنّ الكلّية في طرف نفي البأس عمّا ليس له دم ، لا تثبت الكلّية في الطرف المقابل .

نعم لا إشكال في الإثبات جزئيةً وفي الجملة .

والظاهر من «البأس» النجاسة ولو بقرائن ولو من سائر الروايات .

وكذا يشكل الاستدلال بمثل موثّقة حفص بن غياث ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه علیهما السلام قال : «لا يفسد الماء إلاّ ما كانت له نفس سائلة»(4) .

لإعطائها الكلّية في المستثنى منه دون المستثنى ؛ وإن قال الشيخ الأعظم : «إنّها بصدد تنويع الميتة على قسمين مختلفين في الحكم ، لا مجرّد بيان ضابطة كلّية في طرف المنطوق فقط»(5) وهذه الدعوى خالية من الشاهد، وعهدتها عليه.

ص: 76


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 48 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 230 / 665 ؛ وسائل الشيعة 3 : 463 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 35 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 230 / 666 ؛ وسائل الشيعة 3 : 464 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 35 ، الحديث 3 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 231 / 669 ؛ وسائل الشيعة 3 : 464 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 35 ، الحديث 2 .
5- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 48 .
تنبيهان
التنبيه الأوّل : في حكم جلد الميتة

قال الصدوق في «المقنع» : «ولا بأس أن تتوضّأ من الماء إذا كان في زِقّ من

جلدة ميتة ، ولا بأس بأن تشربه»(1) انتهى .

وقال في «الفقيه» : «وسئل الصادق علیه السلام عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن والماء والسمن ، ما ترى فيه ؟ فقال : «لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن وتتوضّأ منه وتشرب ، ولكن لا تصلّ فيه»(2) .

فصار هذا - مع ضمانه قبل إيراد الحديث بقليل صحّة ما في الكتاب ، وحجّيته بينه وبين ربّه(3) - منشأً لنسبة الخلاف في نجاسة الميتة إليه(4) .

وربّما يجاب عنه : بأ نّه لم يفِ بهذا العهد ، كما يظهر بالتتبّع في «الفقيه»(5) ولعلّه كذلك .

لكن من البعيد حصول البداء له في أوّل كتابه .

لكن لا يظهر من فتواه في «المقنع» ولا روايته في «الفقيه» مخالفته في مسألة نجاسة الميتة ، أو نجاسة جلدها ، واستثناؤه ذلك زائداً على

ص: 77


1- المقنع : 18 .
2- الفقيه 1 : 9 / 15 .
3- الفقيه 1 : 3 .
4- راجع مدارك الأحكام 2 : 268 - 269 ؛ مفتاح الكرامة 2 : 15 - 16 .
5- الحدائق الناضرة 5 : 65 ؛ مفتاح الكرامة 2 : 16 ؛ جواهر الكلام 5 : 300 .

سائر المستثنيات ، كالوبر وغيره ، بل يحتمل ذهابه إلى عدم سراية النجاسة مطلقاً أو في خصوص الجلد أو الميتة إلى ملاقيها . وهو أيضاً في غاية البعد .

نعم ، لا يبعد ذهابه إلى طهارة جلدها بالدباغ ، كما حكي عن ابن الجنيد من القدماء(1) ، وعن الكاشاني(2) .

وكيف كان : فإن كان مراده المخالفة في مسألتنا ، فقد مرّ ما يدلّ على خلافه(3).

وإن كانت في سراية النجاسة أو نجاسة الميتة أو جلدها ، فهي ضعيفة مخالفة للروايات الكثيرة - بل المتواترة - الدالّة على غسل الملاقي ، وانفعال الماء القليل

وسائر المائعات(4) .

وإن كان مراده طهارة الجلود بالدباغ ، فهو مخالف للإجماع المتكرّر في كلام القوم ، ك- «الناصريات» ، و«الخلاف» ، و«الغنية» ، ومحكيّ «الانتصار» ، و«كشف الحقّ»(5) . وعن «المنتهى» و«المختلف» و«ال-دلائل» : «اتّفق علماؤنا

ص: 78


1- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 342 .
2- مفاتيح الشرائع 1 : 68 - 69 .
3- تقدّم في الصفحة 67 - 73 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 414 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، و1 : 150 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 8 ، و205 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 5 .
5- مسائل الناصريات : 102 ؛ الخلاف 1 : 60 - 62 ؛ غنية النزوع 1 : 43 ؛ الانتصار : 91 ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق : 410 .

إلاّ ابن الجنيد على عدمها به»(1) وقريب منه عن «البيان» و«الدروس»(2) . بل عن «شرح المفاتيح» للاُستاذ : «هذا من ضروريات المذهب ، كحرمة القياس»(3) . . . إلى غير ذلك ممّا يعلم منه أ نّه من مسلّمات المذهب ، وهو حجّة قاطعة ، ولولاها لكان للمناقشة في دلالة الأخبار مجال . بل لا يبعد القول بطهارتها بالدباغ بمقتضى الجمع بينها :

فإنّ طائفة منها ظاهرة في حرمة الانتفاع بها مطلقاً الظاهرة في نجاستها ، وعدم طهارتها بالدباغ ، كرواية علي بن أبي المغيرة قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : جعلت فداك ، الميتة ينتفع منها بشيء ؟ فقال : «لا» .

قلت : بلغنا أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم مرّ بشاة ميّتة فقال : «ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها ؟ !» قال : «تلك شاة لسَوْدَة بنت زَمْعَة زوجة النبي صلی الله علیه و آله وسلم وكانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها ، فتركوها حتّى

ماتت ، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا

بإهابها أن (أي - خ . ل) تذكّى»(4) .

وحسنةِ أبي مريم بطريق الصدوق ، وموثّقته بطريق الشيخ(5) ، قال : قلت

ص: 79


1- مفتاح الكرامة 2 : 92 ؛ منتهى المطلب 3 : 352 ؛ مختلف الشيعة 1 : 342 .
2- البيان : 93 ؛ الدروس الشرعية 1 : 126 .
3- مصابيح الظلام 4 : 479 .
4- الكافي 6 : 259 / 7 ؛ وسائل الشيعة 3 : 502 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 61 ، الحديث 2 .
5- وأمّا طريق الصدوق فإنّه رواها بإسناده ، عن يونس بن يعقوب . وقال في مشيخته في طريقه إليه : «وما كان فيه عن يونس بن يعقوب فقد رويته عن أبي رضى الله عنه ، عن سعد بن عبداللّه ، عن محمّد بن الحسين بن الخطّاب ، عن الحكم بن مسكين ، عن يونس بن يعقوب البجلي» . والرواية حسنة بالحكم ، فإنّه روى عنه محمّد بن أبي عمير وجمع من ثقات الأصحاب ، وهو يدلّ على حسنه . راجع الفقيه ، المشيخة 4 : 46 ؛ رجال النجاشي : 136 / 350 . وأمّا طريق الشيخ الطوسي فإنّه رواها بإسناده ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن فضّال ، عن يونس بن يعقوب ، عن أبي مريم . وابن فضّال فطحي ، فالرواية موثّقة . راجع رجال النجاشي : 34 / 72 .

لأبي عبداللّه علیه السلام : السخلة التي مرّ بها رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم وهي ميّتة فقال : «ما ضرّ أهلها لو انتفعوا بإهابها ؟ !» قال : فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «لم تكن ميّتة يا أبا مريم ، ولكنّها كانت مهزولة ، فذبحها أهلها فرموا بها ، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : ما كان على أهلها لو انتفعوا بإهابها ؟ !»(1) .

وروايةِ الفتح بن يزيد ، عن أبي الحسن علیه السلام : «لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب»(2) .

وموثّقة سَماعة قال : سألته عن جلود السباع ، أينتفع بها ؟ فقال : «إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده ، وأمّا الميتة فلا»(3) .

ص: 80


1- الفقيه 3 : 216 / 1004 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 79 / 335 ؛ وسائل الشيعة 24 : 185 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 34 ، الحديث 3 .
2- الكافي 6 : 258 / 6 ؛ وسائل الشيعة 24 : 181 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 7 .
3- تهذيب الأحكام 9 : 79 / 339 ؛ وسائل الشيعة 3 : 489 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 49 ، الحديث 2 .

إلى غير ذلك ، كرواية قاسم الصيقل قال : كتبت إلى الرضا علیه السلام : إنّي أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة ، فتصيب ثيابي ، فاُصلّي فيها ؟ فكتب إليّ : «اتّخذ ثوباً لصلاتك» .

فكتبت إلى أبي جعفر الثاني علیه السلام : كنت كتبت إلى أبيك بكذا وكذا ، فصعب عليّ ذلك ، فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكيّة . فكتب علیه السلام إليّ : «كلّ أعمال البرّ بالصبر يرحمك اللّه ، فإن كان ما تعمل وحشياً ذكيّاً فلا بأس»(1) .

وطائفةً منها دالّة على عدم تذكيتها بالدباغ ، وعدم جواز الصلاة فيها ولو دبغت ، كصحيحة محمّد بن مسلم قال : سألته عن جلد الميتة يلبس في الصلاة إذا دبغ ؟ قال : «لا ، وإن دبغ سبعين مرّة»(2) .

وروايةِ أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام -

في حديث - : «أنّ علي بن

الحسين علیهما السلام كان يبعث إلى العراق ، فيؤتى ممّا قِبَلكم بالفرو فيلبسه ، فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي يليه ، فكان يُسأل عن ذلك ، فقال : إنّ أهل العراق يستحلّون لباس الجلود الميتة ، ويزعمون أنّ دباغه ذكاته»(3) .

وروايةِ عبد الرحمان بن الحجّاج قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّي أدخل

ص: 81


1- الكافي 3 : 407 / 16 ؛ وسائل الشيعة 3 : 489 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 49 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 203 / 794 ؛ وسائل الشيعة 3 : 501 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 61 ، الحديث 1 .
3- الكافي 3 : 397 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 502 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 61 ، الحديث 3 .

سوق المسلمين - أعني هذا الخلق الذين يدّعون الإسلام - فأشتري منهم الفراء

للتجارة ، فأقول لصاحبها : أليس هي ذكيّة ؟ فيقول : بلى ، فهل يصلح لي أن أبيعها على أ نّها ذكيّة ؟

فقال : «لا ، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول : قد شرط لي الذي اشتريتها منه أ نّها ذكيّة» . قلت : وما أفسد ذلك ؟ قال : «استحلال أهل العراق للميتة ، وزعموا أنّ دباغ جلد الميتة ذكاته ، ثمّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلاّ على رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم »(1) .

وصحيحةِ علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیهما السلام قال : سألته عن الماشية تكون لرجل فيموت بعضها ، أيصلح له بيع جلودها ودباغها ويلبسها ؟ قال : «لا ، وإن لبسها فلا يصلّي فيها»(2) .

وروايةِ الفضل بن شاذان ، عن الرضا علیه السلام : أ نّه كتب إلى المأمون : «ولا يصلّى في جلود الميتة»(3) .

وروايةِ «فقه الرضا علیه السلام » : «ولا تصلِّ في جلد الميتة على كلّ حال»(4) .

ص: 82


1- الكافي 3 : 398 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 503 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 61 ، الحديث 4 .
2- مسائل علي بن جعفر : 139 / 151 ؛ وسائل الشيعة 24 : 186 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 34 ، الحديث 6 .
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 123 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 257 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 6 ، الحديث 3 (ط - المكتبة الإسلامية) .
4- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 157 ؛ مستدرك الوسائل 3 : 196 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 1 ، الحديث 5 .

وطائفةً منها نصّ في طهارتها ، بل شاهدة للجمع بين الروايات ، كحسنة(1) الحسين بن زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في جلد شاة ميّتة يدبغ ، فيصبّ فيه اللبن أو الماء ، فأشرب منه وأتوضّأ ؟ قال : «نعم» وقال : «يدبغ فينتفع به ،

ولا يصلّى فيه»(2).

وموثّقةِ سَماعة قال : سألته عن جلد الميتة المملوح وهو الكيمخت ، فرخّص فيه وقال : «إن لم تمسّه فهو أفضل»(3) .

وروايةِ «الفقيه» المتقدّمة(4) .

وروايةِ «دعائم الإسلام» عن علي علیه السلام أ نّه قال : «سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

يقول : لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عظم ولا عصب . فلمّا كان من الغد خرجت معه ، فإذا نحن بسخلة مطروحة على الطريق ، فقال : ما كان على أهل هذه لو انتفعوا بإهابها ؟ ! قال : قلت : يا رسول اللّه ، فأين قولك بالأمس ؟ قال : ينتفع منها

بالإهاب الذي لا يلصق»(5) .

وعن «فقه الرضا» : «وإن كان الصوف والوبر والشعر والريش من الميتة

ص: 83


1- يأتي وجه كونها حسنة في الصفحة 162 .
2- تهذيب الأحكام 9 : 78 / 332 ؛ وسائل الشيعة 24 : 186 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 34 ، الحديث 7 .
3- تهذيب الأحكام 9 : 78 / 333 ؛ وسائل الشيعة 24 : 186 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 34 ، الحديث 8 .
4- تقدّمت في الصفحة 77 .
5- دعائم الإسلام 1 : 126 ؛ مستدرك الوسائل 16 : 192 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 25 ، الحديث 2 .

وغير الميتة - بعد أن يكون ممّا أحلّ اللّه أكله - فلا بأس به ، وكذلك الجلد ؛ فإنّ دباغه طهارته»(1) .

نعم ، عنه أيضاً : «أنّ ذكاة الحيوان ذبحه ، وذكاة الجلود الميتة دباغه»(2) . . . إلى غير ذلك .

وأنت خبير : بأنّ الجمع العرفي بين الروايات ممكن :

إمّا بحمل الروايات الناهية عن الانتفاع بها مطلقاً على الكراهة في مورد الاجتماع ؛ بقرينة ما هو نصّ في طهارته ، ولقوله : فرخّص فيه وقال : «إن لم تمسّه فهو أفضل» فيلتزم بأنّ جلدها يطهر بالدباغ ، لكن لا يصير ذكيّاً ؛ فإنّها عبارة عن صيرورته بحيث يستحلّ معها جميع الآثار ، كالصلاة فيها والبيع والشراء وغيرها .

والظاهر من الروايات : أنّ الذي كذبوا على رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم هو أنّ دباغه ذكاته ، وهو الذي أنكره الأئمّة علیهم السلام على العامّة ، وأمّا الطهارة فليست التذكية ، بل بعض آثارها ، وليست في الأخبار ما تدلّ على نجاسته بعد الدباغ إلاّ إطلاق النواهي القابل للجمع المذكور بالشواهد التي فيها .

نعم ، في رواية «دعائم الإسلام» عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «الميتة نجس وإن دبغت»(3).

ص: 84


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 302 ؛ مستدرك الوسائل 16 : 191 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 24 ، الحديث 6 .
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 303 .
3- دعائم الإسلام 1 : 126 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 592 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 39 ، الحديث 6 .

لكنّها - مع ضعفها وإرسالها ومخالفتها لروايته الاُخرى المتقدّمة - يمكن حملها على القذارة العرفية ؛ لكونها من الميتة التي يستقذرها العرف .

والإنصاف : أنّ هذا الجمع عقلائي . بل لو لا تصريح الأصحاب والعلم من الخارج بأنّ الطهارة بعد الدبغ كانت محلّ الخلاف بين الفريقين ، لقلنا - بحسب الأخبار - إنّ النزاع بينهم في عصر الأئمّة علیهم السلام كان في أنّ دباغه ذكاته ، لا دباغه طهارته . وقد مرّ أنّ الحمل على الكراهة في بعض مدلول النهي ، لا يلزم منه محذور .

أو حمل المطلقات على المقيّد ، فيحكم بعدم الانتفاع بها إلاّ بمثل جعله ظرفاً للماء وغيره .

أو حمل النهي عن الانتفاع بالميتة على الانتفاع قبل الدباغ ؛ بقرينة ما نصّ على أنّ الجلد يدبغ فينتفع به ، لكن لا يصلَّ فيه ، ولا يصير مذكّى به .

هذا كلّه مع قطع النظر عن فتاوى الأصحاب ، وإلاّ فلا ينبغي الترديد في عدم طهارته بالدباغ . كما أنّ الظاهر أنّ محطّ البحث بينهم هو الطهارة والنجاسة ؛ فإنّ أبا حنيفة رأى طهارة جميع الجلود بالدباغ إلاّ جلد الخنزير ، وقال داود : «يطهر الجميع» ، وقال الشافعي : «كلّ حيوان طاهر حال حياته فجلده إذا مات يطهر بالدباغ» ، وقال مالك : «يطهر الظاهر منه دون الباطن»(1) . فلا إشكال في المسألة .

بل لم تثبت مخالفة الصدوق للطائفة ؛ أمّا روايته في «الفقيه» مع الضمان المذكور(2) ، فللجزم بأنّ مراده منه ليس الإفتاء بكلّ ما نقل فيه ؛ ضرورة أ نّه نقل

ص: 85


1- بداية المجتهد 1 : 81 ؛ المجموع 1 : 217 .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 77 .

فيه المطلق والمقيّد ، والعامّ والخاصّ ، والمتعارضين ، ولا يعقل الفتوى بعموم

العامّ وإطلاق المطلق وبما يقابلهما ، ولا بالمتعارضين ، فالمراد منه حجّية الروايات في ذاتها والفتوى بمضمونها بعد الجمع أو الترجيح .

بل يظهر من أوّل «مقنعه» أيضاً أنّ ما فيه روايات محذوفة الإسناد(1) ، فلم يعلم من عبارته المتقدّمة فيه فتواه به ، بل من البعيد جدّاً فتوى مثل الصدوق بما يخالف جميع الأصحاب . نعم لا يبعد ذلك من ابن الجنيد ، كما يظهر من فتاواه .

التنبيه الثاني : حكم الميتة من الحيوانات البحرية غير المأكولة

قال الشيخ في «الخلاف» : «إذا مات في الماء القليل ضفدع أو غيره ممّا لا يؤكل لحمه ممّا يعيش في الماء ، لا ينجس الماء ، وبه قال أبو حنيفة(2) . وقال الشافعي : «إذا قلنا إنّه لا يؤكل لحمه فإنّه ينجّسه»(3) .

دليلنا : أنّ الماء على أصل الطهارة ، والحكم بنجاسته يحتاج إلى دليل . وروي

عنهم علیهم السلام قالوا : «إذا مات في الماء ما فيه حياته لا ينجّسه» وهو يتناول هذا الموضع أيضاً»(4) .

ورُدّ الأصل بإطلاق الأدلّة ، والرواية بعدم العثور عليها (5) .

ص: 86


1- المقنع : 5 .
2- المبسوط ، السرخسي 1 : 57 / السطر 15 .
3- مغني المحتاج 1 : 23 / السطر 26 .
4- الخلاف 1 : 189 .
5- الحدائق الناضرة 5 : 71 - 72 .

وعن المحقّق أ نّه ردّ الشيخ : بأ نّه لا حجّة له في قوله علیه السلام في البحر : «هو الطهور ماؤه ، الحلّ ميتته»(1) ؛ لأنّ التحليل مختصّ بالسُمُوك(2) .

أقول : أمّا قطع الأصل فموقوف على إطلاق الأدلّة ، والقائل بالعموم والإطلاق هاهنا أنكر إطلاق أدلّة نجاسة المنيّ ، كصاحب «الجواهر» ، والشيخ الأعظم ، وصاحب «مصباح الفقيه»(3) ، مع أنّ المانع المدّعى في المنيّ - وهو ندرة إصابته الثوب - موجود في المقام ؛ لأنّ الروايات المتقدّمة الدالّة على نجاسة الميتة على طوائف ، كلّها منصرفة عن الحيوان البحري لو كانت ندرة الابتلاء موجبة له ، كما قالوا في المنيّ .

أمّا أخبار البئر(4) فواضح انصرافها ؛ لعدم وقوع الحيوان البحري فيه مطلقاً . ولو فرض وقوعه فهو من أشذّ الشواذّ .

وكذا أخبار الجيفة ووقوعها في الغدير والماء النقيع(5) ، فإنّ الجيفة الواقعة في المياه والغدران ، هي الجيف المتداولة الموجودة في البرّ ، كالكلب والحمار ، أو بعض السباع البرّية ، دون الحيوانات البحرية .

وكذا ما دلّ على وقوع بعض الحيوانات في الإدام أو السمن أو الزيت

ص: 87


1- وسائل الشيعة 1 : 136 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 2 ، الحديث 4 .
2- المعتبر 1 : 102 .
3- جواهر الكلام 5 : 290 و296 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 37 و50 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 33 و52 .
4- راجع وسائل الشيعة 1 : 170 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 .
5- راجع وسائل الشيعة 1 : 137 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 3 .

وأمثالها (1) ، وما دلّ على نجاسة إناء اليهود لأكلهم الميتة(2) ؛ فإنّ الميتة المأكولة ليست مثل الفرس البحري وكلبه . والروايات التي اُستثني فيها من الميتة بعض الأعضاء - كالشعر والإنفحة واللبن واللباء(3) - موردها الحيوانات البرّية بلا إشكال .

وأمّا رواية «تحف العقول» المتقدّمة(4) ، فمع ضعفها سنداً (5) تكون في مقام بيان حكم آخر يشكل استفادة الإطلاق منها . وقد مرّت المناقشة في رواية جابر ، عن أبي جعفر علیه السلام : «إنّ اللّه حرّم الميتة من كلّ شيء»(6) .

نعم ، يمكن التمسّك بإطلاق الآية الكريمة المتقدّمة(7) ؛ لو قلنا برجوع الضمير إلى جميع المذكورات . لكنّه محلّ إشكال ، والترجيح الظنّي بما تقدّم غير مفيد .

وبموثّقة ابن بكير لو استظهرنا منها أنّ المراد بالتذكية التطهير ، كما مرّ(8) . لكنّه محلّ إشكال ، بل منع ؛ بعد عدم ثبوت كونها بمعناه لغةً . والاستعمال فيه في

ص: 88


1- تقدّم في الصفحة 73 .
2- تقدّم في الصفحة 72 .
3- راجع وسائل الشيعة 24 : 179 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، وقد تقدّم بعضها أيضاً في الصفحة 75 .
4- تقدّمت في الصفحة 72 .
5- وجه الضعف هو الإرسال .
6- تهذيب الأحكام 1 : 420 / 1327 ؛ وسائل الشيعة 1 : 206 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 5 ، الحديث 2 .
7- تقدّمت في الصفحة 75 .
8- تقدّم في الصفحة 74 .

بعض الموارد - لو سلّم - لا يوجب ثبوت الحقيقة . ولقوّة احتمال أن يكون المراد

ب- «التذكية» الواردة في الروايات هي معنى مقابل للميتة ، فمعنى «ذكّاه الذبح» أ نّه جعله مذكّى ، والمراجع للروايات في الأبواب المتفرّقة لعلّه يطمئنّ بكون «المذكّى» فيها مقابلها ، لا مطلق ما ذبح ، فراجع .

فيبقى الأصل سليماً ؛ بناءً على مبناهم من أنّ ندرة الوجود موجبة للانصراف .

بل المقام أولى بدعواه ؛ لما عرفت أنّ إصابة الثوب بمنيّ الحيوانات ليست نادرة(1) .

لكن كما قد عرفت بطلان دعوى الانصراف في المنيّ(2) ، فكذلك تبطل ولو كان ندرة الابتلاء فيه مسلّمةً ؛ ضرورة أنّ مثل قوله علیه السلام في صحيحة ابن مسلم : «لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة والدم ولحم الخنزير»(3) ، ظاهر في أنّ الحكم لنفس الميتة وماهيتها من غير دخالة خصوصياتها فيه .

وكذا قوله علیه السلام في رواية زرارة : «الدم والخمر والميْت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد»(4) ، وكذا غيرها (5) ظاهر في ذلك ، فإنكار الإطلاق في مثل المقام خلاف فهم العرف ، بل ربّما يوجب اختلالاً في الفقه ، فلا إشكال في سقوط الأصل .

ص: 89


1- تقدّم في الصفحة 60 .
2- تقدّم في الصفحة 60 .
3- تهذيب الأحكام 9 : 88 / 371 ؛ وسائل الشيعة 24 : 211 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 54 ، الحديث 6 .
4- تقدّم في الصفحة 71 .
5- وسائل الشيعة 24 : 212 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 55 ، الحديث 1 .

وأمّا الرواية التي أشار إليها الشيخ ، فالظاهر أ نّها غير ما ذكرها المحقّق وأجاب عنها ؛ لأنّ «الحلّ» ظاهر في حلّية اللحم ، ولهذا تختصّ ببعض السُمُوك .

وقد يقال : إنّ نظر الشيخ إلى صحيحة ابن الحجّاج قال : سأل أبا عبداللّه علیه السلام

رجل - وأنا عنده - عن جلود الخزّ ، فقال : «ليس به بأس» .

فقال الرجل : جعلت فداك ، إنّها علاجي ، وإنّما هي كلاب تخرج من الماء ، فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «إذا خرجت من الماء تعيش خارجةً من الماء ؟» فقال الرجل : لا ، قال : «ليس به بأس»(1) .

بدعوى : أنّ ظاهر التعليل نفي البأس عن كلّ ما لا يعيش إلاّ في الماء ، فكأ نّه فهم من ذلك طهارة ميتته ؛ لعدم معهودية ذبحه ، وعدمِ إشعار في الرواية باشتراطه(2) .

وفيه : أنّ الشبهة في الخزّ إنّما هي من قِبل عدم تذكيته ، وإخراجِه من الماء وأخذ الجلد بلا ذبح ، ونفي البأس لأجل أنّ أخذه من الماء ذكاته . وتشهد لذلك رواية ابن أبي يعفور قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام إذ دخل عليه رجل من الخزّازين ، فقال له : جعلت فداك ، ما تقول في الصلاة في الخزّ ؟ فقال : «لا بأس بالصلاة فيه» .

فقال له الرجل : جعلت فداك ، إنّه ميّت ، وهو علاجي ، وأنا أعرفه ، فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «أنا أعرف به منك» .

ص: 90


1- الكافي 6 : 451 / 3 ؛ وسائل الشيعة 4 : 362 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 10 ، الحديث 1 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 52 .

فقال له الرجل : إنّه علاجي ، وليس أحد أعرف به منّي ، فتبسّم أبو عبداللّه علیه السلام

ثمّ قال : «أتقول إنّه دابّة تخرج من الماء ، أو تصاد من الماء فتخرج ، فإذا فقد الماء مات ؟» فقال الرجل : صدقت جعلت فداك ، هكذا هو .

فقال له أبو عبداللّه علیه السلام : «فإنّك تقول : إنّه دابّة تمشي على أربع ، وليس هو في حدّ الحيتان ، فتكون ذكاته خروجه من الماء» فقال له الرجل : إي واللّه ، هكذا أقول .

فقال له أبو عبداللّه علیه السلام : «فإنّ اللّه تعالى أحلّه وجعل ذكاته موته ، كما أحلّ الحيتان وجعل ذكاتها موتها»(1) .

وهي كما ترى ظاهرة في أنّ الشبهة فيه إنّما هي في كونه ميتة ؛ لعدم تعارف ذبحه ، وليس مثل الحيتان يكون خروجها من الماء ذكاتها ، فأجاب بأ نّه مثلها في ذلك . ولا يبعد أن تكون رواية ابن الحجّاج أيضاً حكايةً عن هذه القضيّة التي حكاها ابن أبي يعفور ، فترك ابن الحجّاج ما لا دخالة له في الحكم ، ونقل بالمعنى ما هو دخيل فيه . ولو كانت الواقعة قضيّ-تين فلا ريب في أنّ الشبهة ما ذكرناه ، فتكون الرواية أجنبيّة عمّا نحن بصدده .

ولا أظنّ أنّ الشيخ كان متمسّكه هذه الصحيحة أو الذي ذكره المحقّق ، بل الظاهر عثوره على رواية بالمضمون المحكيّ .

ص: 91


1- الكافي 3 : 399 / 11 ؛ وسائل الشيعة 4 : 359 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 8 ، الحديث 4 .
نجاسة ميتة الآدمي

وأمّا الآدمي منها ، فهل هي نجسة أم لا ؟

وعلى الأوّل ، هل هي نجسة عيناً أو حكماً ؟ وعلى التقديرين ، هل تكون نجاستها على حذو سائر النجاسات في السراية ؛ فلا تسري إلاّ بالملاقاة معها رطباً بنحو يتأثّر منه الملاقي ، أم تسري مع اليبس أيضاً ؟

وعلى التقادير ، هل يكون حال ملاقي ملاقيها كسائر النجاسات أم لا ؟

ربّما يتشبّث القائل بعدم النجاسة العينية بوجه عقلي : وهو أنّ عين النجاسة

لا يعقل رفعها وزوالها بالاغتسال ، مع أنّ الميّت بعد الغسل طاهر بلا إشكال(1) .

وفيه : أنّ ذلك موجّه لو كانت أعيان النجاسات اُموراً تكوينية ، ويكون الميّت - كالمنيّ والعَذِرة - قذراً ذاتاً ، ويكون منشأ نجاسته شرعاً قذارته الذاتية ، لكن

قد عرفت أنّ القذارات الشرعية مختلفة :

فمنها : ما هي مستقذرة عرفاً ، كالأخبثين .

ومنها : ما ليست كذلك ، كالكافر والخمر ، فإنّ القذارة فيهما مجعولة لجهات اُخر غير القذارة العرفية والذاتية(2) . ولا مانع من أن تكون نجاسة الميّت كذلك ؛ أي مجعولة لجهة مرفوعة بالغسل .

ولو قيل : إنّ الميّت ولو كان آدمياً مستقذر عرفاً ، وكان الناس تستقذره ، وتتجنّب منه ، ولعلّه منشأ الحكم بنجاسته .

ص: 92


1- مفاتيح الشرائع 1 : 66 - 67 .
2- تقدّم في الصفحة 14 .

لقلنا : هذا لو صحّ يوجب بقاء نجاسته حتّى بعد الغسل ، فلا بدّ أن يقال بعدم طهارته بالغسل ، لا عدم نجاسته بالموت ؛ ضرورة أنّ التجنّب والاحتراز والاستقذار باقٍ بعد الغسل أيضاً .

والتحقيق : أنّ النجاسة في مثله مجعولة كرافعها . فلا إشكال عقلي في المقام .

وظنّي أنّ الإشكالات في خصوص ميتة الآدمي ، نشأت غالباً من توهّم دلالة الروايات(1) على وجوب غسل ملاقيها ولو مع اليبس ، فظنّ أنّ الميتة ليست كسائر النجاسات المتداولة :

فمنهم : من التزم بعدم النجاسة(2) ، ومنهم : من التزم بالنجاسة الحكمية(3) . وهو أيضاً يرجع إلى الالتزام بعدم النجاسة ؛ فإنّه لا معنى للنجاسة الحكمية إلاّ لزوم ترتيب آثارها تعبّداً على ما ليس بنجس .

وإن قيل : إنّ المراد بالنجاسة الحكمية هي الجعلية مقابل العرفية والذاتية .

قلنا : إنّ لازمه الالتزام بالنجاسة الحكمية في الكافر والخمر ، بل الكلب أيضاً ، مع عدم التزامهم بها في سائر النجاسات .

فأساس الالتزام بالنجاسة الحكمية - وكذا الالتزام بعدم سرايتها إلى ما يلاقيها ، فلا ينجس ملاقي ملاقيها - لا يبعد أن يكون البناء على لزوم غسل الملاقي ولو مع اليبوسة ، فيقال : إنّها لو كانت نجسة كسائر النجاسات ، لكانت نجاسة ملاقيها للسراية ، كما في سائر أنواعها ، وهي لا تتحقّق إلاّ مع الرطوبة ،

ص: 93


1- ستأتي في الصفحة 95 .
2- مفاتيح الشرائع 1 : 67 .
3- منتهى المطلب 2 : 456 .

وهذه لازم عرفي للنجاسات ، ومع فقده يكشف إمّا عن عدم النجاسة رأساً ، ولزوم غسل ملاقيه تعبّداً لا لتنجّسه ، كلزوم غسل المسّ ، أو عن النجاسة الحكمية التي ترجع إلى عدم النجاسة .

فالأولى عطف الكلام على ذلك ، فنقول : لو لا الإجماعات المنقولة المتكرّرة في كلام الأصحاب على عدم الفرق بين الآدمي وغيره - كمحكيّ ظاهر «الطبريات» ، وصريح «الغنية» ، و«المعتبر» ، و«المنتهى» ، و«نهاية الإحكام» ، و«التذكرة» ، و«الذكرى» ، و«كشف الالتباس» ، و«الروض» ، و«الدلائل» ، و«الذخيرة» ، و«شرح الفاضل» (1) ، بل ومحكيّ «الخلاف»(2) - لأمكن المناقشة في نجاستها لو خلّينا والروايات .

بل يمكن المناقشة في الإجماع أيضاً ؛ بدعوى تخلّل الاجتهاد والجزم بعدم شيء عندهم إلاّ تلك الروايات التي باب الاجتهاد فيها واسع ، ولهذا اختلفت الآراء في أصل النجاسة ، فإنّ القول بالنجاسة الحكمية وعدم السراية إلى ما يلاقيها ، يرجع إلى عدم النجاسة كما مرّ .

بل لازم محكيّ كلام الحلّي دعوى عدم الخلاف في عدم النجاسة العينية ، قال - فيما حكي عنه(3) - في مقام الاستدلال على عدم السراية مع الرطوبة

ص: 94


1- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 15 ؛ غنية النزوع 1 : 42 ؛ المعتبر 1 : 420 ؛ منتهى المطلب 3 : 195 ؛ نهاية الإحكام 1 : 269 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 59 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 113 ؛ كشف الالتباس 1 : 396 ؛ روض الجنان 1 : 434 ؛ ذخيرة المعاد : 147 ؛ كشف اللثام 1 : 392 .
2- الخلاف 1 : 700 .
3- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 43 .

أيضاً : «لأنّ هذه النجاسات حكميات ، وليست عينيات ، ولا خلاف بين الاُمّة كافّة أنّ المساجد يجب أن تجتنب النجاسات العينية ، وأجمعنا بغير خلاف على أنّ من غسّل ميّتاً له أن يدخل المسجد ، ويجلس فيه ، فلو كان نجس العين لما جاز ذلك . ولأنّ الماء المستعمل في الطهارة الكبرى طاهر بغير خلاف ، ومن جملة الأغسال غسل من مسّ ميّتاً ، ولو كان ما لاقى الميّت نجساً ، لما كان الماء الذي يغتسل به طاهراً»(1) انتهى .

فكأ نّه ادّعى الإجماع بالملازمة على المسألة ، فلو كانت إجماعية بنفسها لا يتأتّى له ذلك . وليس المقصود في المقام تصحيح كلامه وصحّةَ دعوى إجماعه ، حتّى يقال : إنّ للمناقشة فيه مجالاً واسعاً ، بل المقصود هدم بناء إجماعية المسألة ، وفتح باب احتمال اجتهاديتها .

الروايات التي يمكن الاستدلال بها على نجاسة ميتة الآدمي

وأمّا الروايات ، فما يمكن الاستدلال بها للنجاسة كثيرة :

منها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميّت ، فقال : «يغسل ما أصاب الثوب»(2) .

ورواية إبراهيم بن ميمون قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل يقع ثوبه على جسد الميّت ، قال : «إن كان غسل الميّت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه ،

ص: 95


1- السرائر 1 : 163 .
2- الكافي 3 : 161 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 462 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 34 ، الحديث 2 .

وإن كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه» يعني إذا برد الميّت(1) .

وفيهما احتمالان :

أحدهما : قراءة «الثوبَ» بالفتح على أن يكون مفعول «أصاب» فيكون المعنى : اغسل ما وصل إلى ثوبك من الميّت ، والمراد غسل الثوب ممّا أصابه منه ، وعلى هذا الاحتمال تكون الروايتان ظاهرتين في لزوم غسل الملاقي لأجل السراية ، ويكون المتفاهم منه عرفاً - بل عند المتشرّعة - نجاسته عيناً كسائر النجاسات .

ثانيهما : قراءته بالضمّ على أن يكون فاعله ، ويكون الموصول كناية عن موضع الإصابة ، ويرجع الضمير المجرور إلى الميّت مع حذف العائد ، فيكون المعنى : اغسل موضع إصابة الثوب من الميّت ، نظير صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه علیه السلام قال : وسألته عن الرجل يعرق في الثوب ، ولم يعلم(2) أنّ فيه جنابة ، كيف يصنع ؟ هل يصلح أن يصلّي قبل أن يغسله ؟ قال : «إذا علم أ نّه إذا عرق فيه أصاب جسده من تلك الجنابة التي في الثوب ، فليغسل ما أصاب من ذلك . . .»(3) إلى آخره .

والمظنون وإن كان الاحتمال الأوّل ، لكنّه ظنّ خارجي غير حجّة ،

ص: 96


1- الكافي 3 : 61 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 461 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 34 ، الحديث 1 .
2- هكذا في طبعة المكتبة الإسلامية من الوسائل 2 : 1007 ، ولكن في بقيّة المصادر «يعلم» بدل «ولم يعلم» .
3- مسائل علي بن جعفر : 159 / 238 ؛ وسائل الشيعة 3 : 404 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 7 ، الحديث 10 .

ولا يوجب الظهور . نعم لو كان الاحتمال الثاني غلطاً أدباً - كما قد يدّعى - لتعيّن الأوّل ، لكنّه غير متّضح .

إن قلت : لا فرق بين الاحتمالين في فهم نجاسة الميّت ؛ بعد كون الارتكاز على أنّ الغَسل إنّما هو بالسراية والرطوبة ، ومعه تدلاّن على نجاسته عيناً كباقي النجاسات .

قلت : ما هو المرتكز عند العرف أو المتشرّعة ؛ أنّ ملاقي النجس لا ينجس إلاّ مع السراية والرطوبة السارية ، وأمّا ارتكازية أنّ الأمر بغسل ملاقي كلّ شيء للسراية ، فغير معلومة ، فإن علم أنّ الكلب نجس ، وقيل : «اغسل ثوبك إذا أصاب الكلب» يفهم منه أنّ الغسل لدى السراية كسائر النجاسات ، وأمّا لو احتمل عدم نجاسة شيء ، ولزومُ تطهير ملاقيه تعبّداً ، فلا يثبت ارتكاز بعدم لزوم الغَسل إلاّ بالسراية .

ومنها : رواية «الاحتجاج» قال : ممّا خرج عن صاحب الزمان علیه السلام إلى

محمّد بن عبداللّه بن جعفر الحِميري حيث كتب إليه : روي لنا عن العالم علیه السلام : أ نّه سئل عن إمام قوم يصلّي بهم بعض صلاتهم ، وحدثت عليه حادثة ، كيف يعمل من خلفه ؟ فقال : «يؤخَّر ، ويتقدّم بعضهم ويتمّ صلاتهم ، ويغتسل من مسّه» التوقيع : «ليس على من مسّه إلاّ غسل اليد . . .»(1) إلى آخره .

وعنه قال : وكتب إليه علیه السلام : وروي عن العالم علیه السلام : «أنّ من مسّ ميّتاً بحرارته غَسل يده ، ومن مسّه وقد برد فعليه الغسل» وهذا الميّت في هذه

ص: 97


1- الاحتجاج 2 : 564 / 354 ؛ وسائل الشيعة 3 : 296 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 3 ، الحديث 4 .

الحال لا يكون إلاّ بحرارته ، فالعمل في ذلك على ما هو ، ولعلّه ينحّيه بثيابه

ولا يمسّه ، فكيف يجب عليه الغسل ؟ التوقيع : «إذا مسّه في هذه الحال لم يكن عليه إلاّ غسل يده»(1) .

ويمكن أن يقال : إنّ ظاهرهما أنّ المسّ بلا رطوبة موجب لغسل اليد ، ولا أقلّ من الإطلاق .

إلاّ أن يقال : إنّهما بصدد بيان حكم المستثنى منه ، لا المستثنى ، فلا إطلاق فيهما .

وفيه تأمّل ؛ لقوّة إطلاقهما بالنسبة إلى حال اليبوسة . بل القدر المتيقّن منهما ذلك ، خصوصاً مع أنّ الظاهر منهما أنّ الموضوع في غسل اليد وغسل المسّ واحد ، فيشكل ظهورهما في النجاسة ؛ لما عرفت من أنّ لزوم الغسل لأجل النجاسة ملازم للسراية ، وعدم سرايتها من اليابس ارتكازي عقلائي .

ومنها : رواية الحسن بن عبيد قال : كتبت إلى الصادق علیه السلام : هل اغتسل أمير المؤمنين علیه السلام حين غسَّل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عند موته ؟ فأجابه : «النبي طاهر مطهّر ، ولكن فعل أمير المؤمنين علیه السلام وجرت به السنّة»(2) .

بدعوى ظهورها في اختصاص الطاهرية والمطهّرية بالنبي صلی الله علیه و آله وسلم ويلحق به

ص: 98


1- الاحتجاج 2 : 564 / 354 ؛ وسائل الشيعة 3 : 296 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 3 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 469 / 1541 ؛ وسائل الشيعة 3 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 7 .

سائر المعصومين علیهم السلام بمقتضى المذهب ، وأمّا غيرهم فمسلوب عنه

هذه الخاصّية .

لكن في دلالتها - بعد ضعف سندها (1) - إشكال ؛ لقوّة احتمال أن يكون المراد الطهارة من الحدث الحاصل للميّت ، سيّما مع ما ورد : من أنّ علّة غُسل الميّت هي الجنابة الحاصلة له بواسطة خروج النطفة التي خلق منها (2) ، والنبي صلی الله علیه و آله وسلم لا تصيبه الجنابة بغير اختياره ، بل هي المناسبة للسؤال ، لا النجاسة العينية . وكيف كان يشكل فهم النجاسة منها .

ومنه يعرف عدم دلالة رواية محمّد بن سِنان ، عن الرضا علیه السلام قال : «وعلّة اغتسال من غسَّل الميّت أو مسّه ، الطهارة لما أصابه من نضح الميّت ؛ لأنّ الميّت إذا خرج منه الروح بقي أكثر آفته ، فلذلك يتطهّر منه ويطهَّر»(3) .

لأنّ الظاهر منها - ولو بقرينة الصدر - التطهير منه من حدث المسّ ، وتطهّره من حدث الموت أو الجنابة العارضة له بالموت .

ومنها : رواية زرارة : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : بئر قطرت فيه قطرة دم أو خمر ، قال : «الدم والخمر والميْت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد ؛ ينزح منه

ص: 99


1- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد ، عن محمّد بن عيسى العبيدي ، عن الحسين بن عبيد . والحسن (الحسين) بن عبيد مجهول .
2- كرواية محمّد بن علي بن الحسين قال : سئل الصادق عليه السلام لأيّ علّة يغسّل الميّت ؟ قال : «تخرج منه النطفة التي خلق منها ، تخرج من عينيه ، أو من فيه . . .» الحديث . راجع وسائل الشيعة 2 : 488 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 3 ، الحديث 5 .
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 89 / 1 ؛ علل الشرائع : 300 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 292 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 12 .

عشرون دلواً ، فإن غلب الريح نزحت حتّى تطيب»(1) .

بدعوى إطلاق «الميْت» وشموله للإنسان . ولا ينافيها ما سيأتي من نزح سبعين للإنسان ؛ لأنّ ذلك لأجل اختلاف الحدود في النزح ؛ لكونه مستحبّاً ، كما يختلف في سائر المنزوحات أيضاً ، فراجع .

لكن في إطلاقها - مضافاً إلى ضعفها (2) - تأمّل ؛ لاحتمال أن يكون «الميْت» الحيوان الذي لم يذكَّ ، مع كون الرواية بصدد بيان حكم آخر . نعم لو كان بتضعيف الياء يكون ظاهراً في الإنسان ، لكنّه غير ثابت ، بل بعيد .

ومنها : موثّقة عمّار الساباطي قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام عن رجل ذبح طيراً ، فوقع بدمه في البئر ، فقال : «ينزح منه دلاء . هذا إذا كان ذكيّاً فهو هكذا .

وما سوى ذلك ممّا يقع في بئر الماء فيموت فيه ، فأكبره الإنسان ينزح منها سبعون دلواً ، وأقلّه العصفور ينزح منها دلو واحد ، وما سوى ذلك فيما بين هذين»(3) .

ص: 100


1- تهذيب الأحكام 1 : 241 / 697 ؛ وسائل الشيعة 1 : 179 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 15 ، الحديث 3 .
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن أبي إسحاق ، عن نوح بن شعيب الخراساني ، عن ياسين ، عن حريز ، عن زرارة . نوح بن شعيب الخراساني مجهول ، وياسين الراوي عن حريز هو ياسين الضرير وهو مهمل ، فتكون الرواية ضعيفة . رجال النجاشي : 453 / 1227 ؛ الفهرست ، الطوسي : 267 / 819 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 234 / 678 ؛ وسائل الشيعة 1 : 194 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 21 ، الحديث 2 .

بدعوى : أنّ المراد من أكبرية الإنسان ليس أكبرية جسمه ، وهو معلوم ، ولا أكبرية شأنه ؛ فإنّها لا تناسب أكثرية النزح ، بل أنجسيته وأقذريته من سائر الميتات .

ويمكن الخدشة في دلالتها على النجاسة ؛ لاستحباب النزح ، وبُعْد كون المراد أنّ الإنسان أنجس من الكلب والخنزير جدّاً ، ولذلك تضعف دلالتها على النجاسة . بل لا يبعد أن يكون أكثرية النزح حكماً تعبّدياً غير ناشئ من نجاسته ، وإلاّ فكيف يمكن أن يقال : إنّ المؤمن - الذي له تلك المنزلة الرفيعة عند اللّه تعالى حيّاً وميّتاً - أنجس من سائر الميْتات ؟ ! تأمّل .

الروايات الدالّة أو المشعرة بطهارة ميتة الآدمي

ثمّ لو سلّمت دلالة هذه الروايات على النجاسة ، لكن في مقابلها طوائف من الروايات الدالّة أو المشعرة بالطهارة :

منها : ما وردت في علّة غُسل الميّت ، كرواية الفضل بن شاذان - التي لا يبعد أن تكون حسنة(1) - عن الرضا علیه السلام قال : «إنّما اُمر بغُسل الميّت ؛ لأ نّه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة والآفة والأذى ، فأحبّ أن يكون طاهراً إذا باشر أهل الطهارة من الملائكة الذين يلونه ويماسّونه ، فيماسّهم نظيفاً

ص: 101


1- رواها الصدوق في عيونه ، عن عبدالواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري العطّار ، عن علي بن محمّد بن قتيبة ، عن الفضل بن شاذان . راجع عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 99 / 1 ؛ تنقيح المقال 2 : 233 / السطر20 ، و : 308 / السطر 28 (أبواب العين) ؛ المكاسب المحرّمة ، ا لإمام الخميني قدس سره 2 : 91 .

موجّهاً به إلى اللّه عزّ وجلّ»(1) .

وروايةِ محمّد بن سِنان ، عن الرضا علیه السلام : كتب إليه في جواب مسائله : «علّة

غُسل الميّت أ نّه يغسّل ليتطهّر وينظّف عن أدناس أمراضه ، وما أصابه من صنوف علله . . .»(2) إلى آخره .

فإنّ الظاهر منهما أنّ علّة غُسله رفع القذارات العرضية ، ولو كان الميّت نجساً

عيناً مع قطع النظر عنها والغسلُ مطهّرَة كان الأولى أو المتعيّن التعليل به لا بأمر

عرضي. واحتمال أن يكون المراد من قوله علیه السلام في الثانية : «ليتطهّر وينظّف»

التطهيرَ من النجاسة الذاتية ، والنظافةَ من العرضية ، خلافُ الظاهر جدّاً ، فتدلاّن على عدم نجاسته عيناً وذاتاً . ولا ينافي دلالتها على المقصود كونُ العلّة في أمثالها نكتةً للتشريع ، لا علّةً حقيقيةً .

ومنها : ما دلّت على أنّ غسل الميّت لأجل الجنابة الحاصلة له ، كرواية الديلمي ، عن أبيه ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال في حديث : «إنّ رجلاً سأل أبا جعفر علیه السلام عن الميّت لِمَ يغسّل غُسلَ الجنابة ؟ قال : إذا خرجت الروح من البدن ، خرجت النطفة التي خلق منها بعينها منه ؛ كائناً ما كان ، صغيراً أو كبيراً ،

ذكراً أو اُنثى ، فلذلك يغسّل غسلَ الجنابة»(3) .

ص: 102


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 114 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 478 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 1 ، الحديث 4 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 89 / 1 ؛ علل الشرائع : 300 / 3 ؛ وسائل الشيعة 2 : 478 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 1 ، الحديث 3 .
3- الكافي 3 : 161 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 487 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 3 ، الحديث 2 .

وبهذا المضمون روايات اُخر(1) ، فلو كان الميّت نجساً عيناً ، ويطهّر بالغسل ، كان الأنسب تعليله به ، لا بالأمر العارضي .

إلاّ أن يقال : إنّ غسل الميّت ليس لتطهير بدنه وإن رتّب عليه ، وهو كما ترى .

ومنها : الروايات الكثيرة الواردة في غُسل الميّت(2) ، وموردها الغسل بالماء القليل ، ولم يتعرّض فيها لنجاسة الملاقيات . وكذا ما ورد في تجهيزه من حال خروج الروح إلى ما بعد الغسل(3) ؛ من غير تعرّض لتطهير ما يلاقيه ، وهي وإن كانت في مقام بيان أحكام اُخر ، لكن كان اللازم التنبيه لهذا الأمر الكثير الابتلاء ، المغفول عنه لدى العامّة .

والالتزام بصيرورة يد الغاسل وآلات الغسل المتعارفة طاهرة بالتبع وإن أمكن ، إلاّ أ نّه - مع اختصاصه بحال الغسل ، دون الملاقيات قبله من حال نزع الروح إلى حال الغسل - مسلّم بعد تسلّم نجاسته ، وأمّا مع عدم تسلّمها فهذه الطائفة من أقوى الشواهد على الطهارة ؛ فإنّ التطهير بالتبعية أمر بعيد عن الأذهان ، مخالف للقواعد ، لا يصار إليه إلاّ مع الإلجاء .

ومنها : ما دلّت على رجحان توضّي الميّت قبل الغُسل(4) ، مع أنّ شرطه طهارة الأعضاء ، وإن أمكن المناقشة فيه ، لكن يؤيّد القول بالطهارة .

بل يمكن الاستشهاد أو الاستدلال على الطهارة بمكاتبة الصفّار الصحيحة

ص: 103


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 486 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 3 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 479 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 2 .
3- راجع وسائل الشيعة 2 : 452 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاحتضار ، الباب 35 و44 و46 و47 ، و : 491 ، أبواب غسل الميّت ، الباب 5 و7 و8 و9 .
4- راجع وسائل الشيعة 2 : 491 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 6 .

قال : كتبت إليه : رجل أصاب يده أو بدنه ثوب الميّت الذي يلي جلده قبل أن يغسّل ، هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه ؟ فوقّع علیه السلام : «إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل ، فقد يجب عليك الغسل»(1) .

فإنّ الظاهر أنّ «الغُسل» بالضمّ لا بالفتح ؛ لأنّ في صورة الفتح كان المناسب أن يقول : «غسلها» أو «غسل يدك» كما ترى في سائر الموارد من الأشباه والنظائر(2) ، مع أنّ فرض السائل ملاقاة يده ثوبَ الميّت ، فتغيير الجواب يؤيّد أن يكون المراد أ نّه ليس في إصابة الثوب شيء ، بل يجب الغسل في إصابة الجسد ، فتدلّ على أ نّه ليس في إصابة الثوب شيء ، ولا في ملاقاة جسده إلاّ الغسل ، لا غسل اليد ، تأمّل .

بل عدم النجاسة واستحباب غسل ملاقيه ، مقتضى الجمع بين صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «مسّ الميّت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس بها بأس»(3) ، وبين مكاتبة الحِمْيري المتقدّمة : «إذا مسّه في هذه الحال» أي حال الحرارة «لم يكن عليه إلاّ غسل يده»(4) ؛ فإنّ في الصحيحة نفي البأس عن مسّه في حال الحرارة ، وفي التوقيع جعل عليه في حالها غسل اليد . إلاّ أن يقال بإمكان حمل المطلق على المقيّد .

ص: 104


1- تهذيب الأحكام 1 : 429 / 1368 ؛ وسائل الشيعة 3 : 290 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 5 .
2- مثل روايتي الاحتجاج اللتين تقدّمتا في الصفحة 97 - 98 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 430 / 1370 ؛ وسائل الشيعة 3 : 295 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 3 ، الحديث 1 .
4- تقدّمت في الصفحة 97 .

إلى غير ذلك من الشواهد والمؤيّدات ، كبُعد نجاسة بدن المؤمن عيناً ، كالكلب والخنزير ، مع ما يعلم من منزلته عند اللّه تعالى .

وعدمِ معروفية نجاسته لدى عامّة المكلّفين ، مع أ نّه لو كان نجساً لكان ينبغي اشتهارها بين الناس ، كسائر النجاسات ؛ لابتلائهم بملاقاته من لدن خروج روحه إلى آخر تجهيزه .

التحقيق في المقام

لكن مع ذلك كلّه الأقوى نجاسته كسائر النجاسات ؛ لصحيحة الحلبي ، ورواية ابن ميمون ، وموثّقة عمّار ، والتوقيعين المباركين وغيرها (1) ، خصوصاً مع عدم إفادة النجاسة في سائر النجاسات إلاّ بغسل الملاقيات ، وقلّما اتّفق فيها التصريح بها ، كالكلب(2) والخنزير(3) ، وغالب الروايات فيهما أيضاً يفيدها بالأمر بغسل الملاقي ، أو النهي عن شرب ملاقيهما (4) ، سيّما مع فهم الأصحاب قاطبة من تلك الروايات - وسائر الروايات التي من قبيلها - النجاسةَ ، وهم أهل اللسان ، وفهمِ أساليب الكلام ، وأهل الحلّ والعقد في اللغة والأدب .

بل كثيراً ما في العرف اُفيدت القذارة بغَسل الملاقي ، فإذا قال الطبيب : «اغسل

ص: 105


1- تقدّمت الروايات في الصفحة 95 وما بعدها .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 2 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 418 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 13 ، الحديث 2 .
4- وسائل الشيعة 3 : 414 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 و13 .

فمك إذا شربت الدواء الفلاني» لا ينقدح في الذهن إلاّ نجاسته وقذارته ، تأمّل .

فالشبهة في دلالة تلك الروايات من الوسوسة ، وكإبداء احتمالات عقلية في مقابل الظهور العرفي والدلالة الواضحة . ومعه لا يبقى مجال لما أطنبنا من سرد طوائف من الروايات في مقابلها ؛ فإنّ الروايات الواردة في «العلل»(1) - بعد الغضّ عن إسنادها - لا تصلح لصرف الظواهر ؛ بعد وضوح أنّ العلل فيها من قبيل تقريبات ، لا عللاً واقعيةً ، ولهذا ترى فيها التعليل لشيء واحد باُمور مختلفة ، ففي المقام علّل اغتسال الميّت تارة : بتنظيفه وتطهيره عن أدناس الأمراض ، وما أصابه من صنوف علله ، فجعل ما ذكر علّة .

واُخرى : بأنّ الغالب عليه النجاسة والآفة ، فجعل النجاسة العارضة علّة ، مع أنّ آفة المرض أسبق من النجاسة العارضة في حال المرض .

وثالثة : بخروج المنيّ الذي خلق منه حين الموت ، مع أ نّه متأخّر عنهما .

مضافاً إلى أنّ الروايات الواردة في علّة اغتسال الميّت غسل الجنابة ، ضعاف غالباً ، مجهولة المراد ، بل موهونة المتن لا يمكن الاتّكال عليها في إثبات حكم شرعي .

وأمّا السكوت عن غسل يد الغاسل وآلات الغسل وما يلاقيه عنده عادة ، فمع كونه غير مقاوم للأدلّة اللفظية الدالّة على النجاسة ، ومع كون ما وردت في الغسل في مقام بيان حكم آخر ، أ نّه بعد ثبوت النجاسة نصّاً وفتوى لا بدّ من الالتزام بطهارتها تبعاً ، كآلات نزح البئر .

وأمّا دعوى السكوت عن غسل ملاقيه من حال الموت إلى حال الغسل ،

ص: 106


1- علل الشرائع : 299 ، الباب 238 .

فغير وجيهة بعد ما وردت الروايات المتقدّمة في غسل الثوب واليد الملاقيين لجسد الميّت(1) .

وأمّا التأييد باستحباب توضّيه ، فلا يخفى ما فيه .

وأمّا مكاتبة الصفّار(2) ، فهي وإن كان المظنون ضمّ «الغسل» فيها ، لكن دعوى

الظهور اللفظي في غير محلّها ، بل هو ظنّ خارجي حاصل من بعض الاعتبارات ، وهو غير حجّة .

مع إمكان أن يقال : إنّه من البعيد أن يترك جواب السؤال عن نجاسة الميّت ، وأجاب عن غُسل المسّ ، فالأنسب قراءته بالفتح . وإنّما ذكر ملاقي البدن لإفادة أنّ ملاقاة الثوب الذي يلي البدن ، لا توجب التنجّس ، وإنّما الموجب له ملاقاة بدنه .

مع أنّ الظاهر منها أنّ النجاسة كانت مفروغاً عنها ، وإنّما سأل - بعد الفراغ عنها - عن أمر آخر ، فهذا الاحتمال إن لم يكن أقوى ، فلا أقلّ من مساواته للاحتمال السابق ، فلا تدلّ الرواية على شيء من طرفي الدعوى .

وأمّا دعوى : أنّ عدم النجاسة مقتضى الجمع بين صحيحة ابن مسلم(3) والتوقيع الشريف(4)، فلا يخفى ما فيها ، وسيأتي التعرّض للصحيحة والاحتمالات

التي فيها .

ص: 107


1- تقدّمت في الصفحة 95 .
2- تقدّمت في الصفحة 103 - 104 .
3- تقدّمت في الصفحة 104 .
4- تقدّم في الصفحة 104 .

وأمّا الاستبعاد لنجاسة بدن المؤمن ، فلا يوجب رفع اليد به عن الدليل المعتبر من النصّ والإجماع . مع أنّ شرفه بروحه وقلبه ، لا بجسده ، ولزوم احترامه حيّاً وميّتاً لشرف إيمانه ، وهو حظّ روحه ، ولا يلزم منه عدم نجاسة بدنه بعد خروج روحه . وكيف كان لا يمكن ترك الأدلّة بمجرّد الاستبعاد والاعتبار .

وأمّا دعوى : أ نّه لو كان نجساً لاشتهر وصار واضحاً ، ففي غير محلّها ؛ لأنّ الابتلاء بملاقاة جسد الميّت مع رطوبته ، نادر حتّى بالنسبة إلى أقربائه ، وليس أمره بحيث يدّعى فيه لزوم الاشتهار .

فالأقوى ما عليه الأصحاب من نجاسته عيناً ، كسائر النجاسات ، فينجس ملاقيه مع الرطوبة ، كما هو المرتكز عند العقلاء - بل المتشرّعة - في سائر النجاسات ، فدعوى عدم نجاسة ملاقيه مع نجاسته(1) - كدعوى نجاسة ملاقيه أو لزوم غسله حتّى مع ملاقاته يابساً (2) - ضعيفة مخالفة للأدلّة وفهم العرف .

وأمّا دعوى الحلّي عدمَ السراية مع الرطوبة أيضاً ؛ لما تقدّم منه من دعوى عدم الخلاف في وجوب تجنّب النجاسات العينية عن المساجد ، ودعوى الإجماع على جواز دخول من غسّل ميّتاً المساجد ، فاستنتج منهما عدم نجاسته(3) ، ففيها ما لا يخفى .

أمّا أوّلاً : فلأنّ الإجماع - لو كان - إنّما هو في أعيان النجاسات ، لا في ملاقياتها . مع أ نّه في الأعيان أيضاً محلّ منع مع عدم السراية أو الإهانة . كما

ص: 108


1- مفاتيح الشرائع 1 : 67 .
2- منتهى المطلب 2 : 456 .
3- تقدّم كلام الحلّي في الصفحة 94 - 95 .

أنّ الدعوى الثانية أيضاً محلّ إشكال .

وأمّا ثانياً : فلأ نّه لو سلّم الإجماعان فلا يلزم منهما عدم النجاسة ، بل يمكن أن يقال بحصول الطهارة له تبعاً ، بل المتعيّن ذلك بعد الإجماعين المفروضين وقيامِ الدليل على نجاسته .

وأمّا حال الملاقي مع الواسطة أو الوسائط ، فسيأتي في محلّه(1) بعد عدم خصوصية لهذه النجاسة .

نجاسة الآدمي بمجرّد موته

وهل ينجس بمجرّد الموت ، كما عليه جمع من المحقّقين(2) ، أو بعد البرد ، كما عليه جمع آخر(3) ؟

الأقوى هو الأوّل ؛ لإطلاق صحيحة الحلبي(4) ، وروايةِ ابن ميمون(5) ؛ فإنّ الظاهر أنّ التفسير فيها ليس من المعصوم ، وتفسير غيره لا يوجب رفع اليد عن إطلاقها وإطلاقِ غير الروايتين ممّا مرّ(6) .

وليس في الباب ما يصلح لتقييدها ؛ لأنّ العمدة فيه صحيحة محمّد ابن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «مسّ الميّت عند موته وبعد غسله والقبلة

ص: 109


1- يأتي في الجزء الرابع : 9 .
2- المبسوط 1 : 179 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 135 ؛ روض الجنان 1 : 306 - 307 .
3- ذكرى الشيعة 2 : 99 ؛ جامع المقاصد 1 : 459 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 209 .
4- تقدّمت في الصفحة 95 .
5- تقدّمت في الصفحة 95 .
6- تقدّم في الصفحة 105 .

ليس به بأس» ورواها في «الفقيه» مرسلاً ، وهي مضافاً إلى اختلاف النسخ في نقلها - قال الكاشاني في ذيلها : «ربّما يوجد في بعض النسخ «بعد موته» وهو تصحيف»(1) انتهى . قوله : «وهو تصحيف» اجتهاد منه سيأتي الكلام فيه ، ولا يدفع به اختلاف النسخ المحكيّة وجداناً . وفي نسخة «الوسائل» وبعض نسخ «الفقيه» : «بها» بدل «به»(2) وفي النسخة المطبوعة من «الفقيه» أخيراً : وقال أبو جعفر الباقر علیه السلام : «من مسّ الميّت بعد موته وبعد غسله والقبلة ليس بها بأس»(3) ، وجعل علامة بدل النسخة «عند موته وعند غسله» والموصول في أوّلها وإن كان من زيادة النسّاخ جزماً ، كما هو ظاهر ، لكن يظهر منها أنّ النسخة التي عند المصحّح كان فيها : «بعد موته وبعد غسله» بنحو جعل ذلك الأصل في الكتاب ، وجعل «عند موته وعند غسله» بدلاً - لا تصلح لذلك :

أمّا أوّلاً : فلأنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «عند موته» - مع قطع النظر عن القرائن ، كنظائره مثل «عند غروب الشمس» - هو قُبَيْل الموت ، ولا يطلق على ما بعده ، فلا يقال : «عند طلوع الفجر» لما بعده . كما أنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «مسّ الميّت» مع عدم القرينة هو الميّت فعلاً ، لا من أشرف على الموت ، فعند اجتماعهما في كلام واحد - مثل ما في الصحيحة - يحتمل أن يكون كلّ منهما صارفاً للآخر على سبيل منع الجمع .

ص: 110


1- الوافي 6 : 431 ، ذيل الحديث 14 .
2- وسائل الشيعة 3 : 295 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 3 ، الحديث 1 ؛ الفقيه 1 : 87 / 403 .
3- الفقيه : 36 (مطبعة آفتاب) .

ويحتمل عروض الإجمال عليهما ، ولا ترجيح لحفظ ظهور «الميّت» وجعله قرينة على أنّ المراد من «عنده» بعده ؛ لو لم يكن الترجيح مع عكسه .

ويحتمل بعيداً أن يكون المراد من «عنده» كونه مقارناً له ؛ لإفادة أنّ المسّ

المقارن للموت لا يوجب شيئاً ؛ بمعنى أ نّه إذا وقع المسّ وزهاق الروح في آنٍ واحد ، لا يوجب شيئاً ، كما قيل في حدوث الكرّية وملاقاة النجاسة معاً : «إنّ كلاًّ من أدلّة الاعتصام والانفعال قاصر عن شموله ؛ لأنّ الظاهر منهما أن يكون الملاقاة بعد تحقّق الكرّية أو القلّة»(1) .

فيقال في المقام : إنّ مسّ الميّت يوجب الغسل أو التنجّس ، ومع مقارنته للموت لا يصدق «مسّ الميّت» لأنّ الظاهر منه أن يقع عليه ، ويكون حلول الموت مقدّماً على المسّ .

وأمّا ثانياً : فلأنّ رفع اليد عن إطلاقها ، وصرفَها إلى عدم البأس نفساً ، أو عدم إيجاب الغسل ، أو هما معاً ، أهون من تقييد الروايات المتقدّمة ، سيّما رواية ابن ميمون(2) ؛ وذلك لأنّ الغالب في الأسئلة والأجوبة البحث عن إيجاب الغسل ، وكأ نّه هو مورد الشبهة نوعاً ، أو هو مع حزازته النفسية ، كما يظهر من رواية تقبيل أبي عبداللّه علیه السلام ابنه إسماعيل(3) وغيرها (4) ، وذلك يوجب وهن إطلاقها ، وأوهنية صرفها من الروايات المتقدّمة . ولقوّة ظهور الشرطيتين في

ص: 111


1- اُنظر مستمسك العروة الوثقى 1 : 168 .
2- تقدّمت في الصفحة 95 .
3- سيأتي قريباً .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 289 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 .

رواية ابن ميمون في أنّ الغُسل علّة لرفع النجاسة ، والموت لعروضها ، فهي

أظهر في مفادها من الصحيحة . هذا بناءً على النسخة المعروفة .

وأمّا بناءً على النسخة الاُخرى - أي «بعد الموت وبعد الغسل» - فالأمر أوضح ؛ لأنّ المراد منه حينئذٍ عدم البأس النفسي ، إن كان المراد نفي البأس عن مسّه بعد الموت مستقلاًّ ، ونفيه عمّا بعده كذلك .

وأمّا احتمال معاملة الإطلاق والتقييد ؛ بمعنى تقييد إطلاق الصحيحة بما دلّ على إيجاب الغسل - بالضمّ والفتح - بعد البرد ، ففي غاية البعد ، بل مقطوع الفساد ، وموجب لحملها على النادر .

وإن كان المراد نفي البأس عن مسّه بعد الموت والغسل معاً باحتمال بعيد ، فتشعر أو تدلّ على النجاسة بمجرّد الموت . وأمّا قول الكاشاني : بأ نّه تصحيف ، فلم يتّضح وجهه إن كان مراده اختلالاً في المعنى .

نعم ، لا يبعد أن يكون حكمه به لأجل أنّ النسخ المشهورة تخالفها ، وهو غير بعيد . كما أنّ النسخة المطبوعة أخيراً مصحّفة من جهات .

وكيف كان : لا يمكن رفع اليد عن إطلاق الأدلّة بمثل هذه الصحيحة .

ومنه يظهر الكلام في صحيحة إسماعيل بن جابر قال : دخلت على أبي عبداللّه علیه السلام حين مات ابنه إسماعيل الأكبر ، فجعل يقبّله وهو ميّت ، فقلت : جعلت فداك ، أليس لا ينبغي أن يمسّ الميّت بعد ما يموت ، ومن مسّه فعليه الغسل ؟ فقال : «أمّا بحرارته فلا بأس ، إنّما ذلك إذا برد»(1) .

ص: 112


1- تهذيب الأحكام 1 : 429 / 1366 ؛ وسائل الشيعة 3 : 290 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 2 .

فإنّ الظاهر من نفي البأس هو نفي إيجاب الغسل ، أو مع حزازته النفسية ، كما لا يخفى .

هذا كلّه مع قطع النظر عن روايتي «الاحتجاج»(1) ، وإلاّ فالأمر أوضح وإن كان في سندهما كلام .

وأمّا سائر تشبّثات الخصم - كالتمسّك بالأصل موضوعاً ؛ للشكّ في الموت قبل البرد(2) ، أو حكماً ؛ للجزم بعدم رفع جميع آثار الحياة ، كما قال به صاحب «الحدائق»(3) ، وكدعوى ملازمة الغسل بالفتح والضمّ ، مع أنّ مضمومه

لا يكون إلاّ عند البرد ، وكذا مفتوحه(4) - ففيها ما لا يخفى وإن استشهد(5) للثالث بمكاتبة الحسن بن عبيد قال : كتبت إلى الصادق علیه السلام : هل اغتسل أمير المؤمنين علیه السلام حين غسّل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عند موته ؟ فأجابه : «النبي طاهر مطهّر ، ولكن فعل أمير المؤمنين ، وجرت به السنّة»(6) . ونحوها مكاتبة القاسم الصيقل(7) .

ص: 113


1- تقدّمتا في الصفحة 97 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 209 .
3- الحدائق الناضرة 3 : 336 - 337 .
4- ذكرى الشيعة 2 : 99 ؛ جواهر الكلام 5 : 308 .
5- جواهر الكلام 5 : 308 .
6- تهذيب الأحكام 1 : 469 / 1541 ؛ وسائل الشيعة 3 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 7 .
7- الاستبصار 1 : 99 / 323 ؛ وسائل الشيعة 3 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، ذيل الحديث 7 .

ويمكن الاستشهاد له برواية محمّد بن سِنان ، عن الرضا علیه السلام قال : «وعلّة اغتسال من غسّل الميّت أو مسّه ، الطهارة لما أصابه من نضح الميّت ؛ لأنّ الميّت إذا خرج منه الروح بقي أكثر آفته ، فلذلك يتطهّر منه ويطهّر»(1) .

لكنّ المكاتبة - مع ضعفها (2) - ظاهرة في الطهارة من حدث الجنابة التي تعرض على الميّت ؛ فإنّ المعصوم علیه السلام لا تصيبه الجنابة غير الاختيارية ، تأمّل . أو في الطهارة من حدث الموت الموجب للغُسل وللاغتسال من مسّه . أو منهما ومن النجاسة العينية ؛ بحيث يكون المجموع علّة للاغتسال من مسّه ، ومع الحرارة لا يوجبه ؛ لفقد جزء منها ، فلا تدلّ على الملازمة المدّعاة .

والثانية - مع ضعفها سنداً (3) - موهونة متناً باشتمالها على أنّ غسل المسّ للتطهير من إصابة نضح الميّت ورشحه ، اللازم منه عدم الغسل إذا مسّه بلا نضح ورشح ، وهو كما ترى ، تأمّل .

ثمّ إنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «يتطهّر منه ويطهّر» يغتسل مِن مسّه ويغسّل

ص: 114


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 89 / 1 ؛ علل الشرائع : 300 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 292 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 12 .
2- تقدّم وجه الضعف في الصفحة 99 ، الهامش 1 .
3- رواها الصدوق في عيونه ، عن محمّد بن ماجيلويه ، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم ، عن محمّد بن علي الكوفي ، عن محمّد بن سنان . والرواية ضعيفة بمحمّد بن علي الكوفي وهو الصيرفي أبو سمينة ، فإنّه مرميّ بالكذب . اختيار معرفة الرجال : 545 - 546 / 1032 و1033 ؛ الفهرست ، الطوسي : 223 / 624 ؛ تنقيح المقال 3 : 157 / السطر 22 ، و : 159 / السطر 26 (أبواب الميم) .

بمناسبة صدرها ، فالقول بالملازمة ممّا لا دليل عليه .

بل يمكن الاستشهاد لعدم الملازمة بمرسلة أيّوب بن نوح ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، فإذا مسّه إنسان فكلّ ما فيه عظم فقد وجب على من يمسّه الغسل ، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه»(1) .

بناءً على جبر سندها بالشهرة ، كما سيأتي الكلام فيه إن شاء اللّه في محلّه(2) ؛ فإنّ القطعة المبانة من الحيّ نجسة ؛ سواء اشتملت على العظم أو لا ، كما يأتي(3) ، ولا يوجب مسّها الغُسل إلاّ إذا اشتملت على العظم ، كما قد يوجب الغسل مسّ ما ليس بنجس ، مثل ما لا تحلّه الحياة .

طهارة الميتة من غير ذي النفس

وأمّا الميتة من غير ذي النفس ، فلا ينبغي الإشكال في طهارتها نصّاً وفتوى ،

إلاّ في العقرب والوزغ والعظاية - وهي نوع من الوزغة ظاهراً - فإنّه يظهر من بعضهم نجاسة ميتتها ، كالشيخين في محكيّ «المقنعة» ، و«النهاية»(4) . بل عن «الوسيلة» : «أنّ الوزغة كالكلب نجسة حال الحياة»(5) .

ص: 115


1- تهذيب الأحكام 1 : 429 / 1369 ؛ وسائل الشيعة 3 : 294 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- يأتي في الصفحة 198 .
3- يأتي في الصفحة 121 و124 .
4- المقنعة : 70 ؛ النهاية : 54 .
5- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 77 .

والأقوى ما هو المشهور ، بل عليه الإجماع في محكيّ «الخلاف» ، و«الغنية» ، و«السرائر» ، و«المعتبر» ، و«المنتهى»(1) ؛ لقول الصادق علیه السلام في موثّقة عمّار الساباطي قال : سئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك ، يموت في البئر والزيت والسمن وشبهه ، قال : «كلّ ما ليس له دم فلا بأس»(2) .

وموثّقة حفص بن غياث ، عن جعفر ، عن أبيه علیهما السلام قال : «لا يفسد الماء إلاّ

ما كانت له نفس سائلة»(3) .

ولا إشكال فيهما سنداً - سيّما اُولاهما - ولا دلالة ؛ ضرورة أنّ المراد من نفي البأس وعدم الإفساد هو عدم التنجيس ، كما هو المراد منهما في سائر الموارد المشابهة للمقام(4) .

وقد تقدّم جملة اُخرى من الروايات الدالّة على المقصود(5) .

وليس شيء صالح لتخصيص العامّ أو تقييد المطلق إلاّ موثّقة سَماعة قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن جرّة دخل فيها خنفساء قد مات ، قال : «ألقه وتوضّأ

ص: 116


1- الخلاف 1 : 188 ؛ غنية النزوع 1 : 42 ؛ السرائر 1 : 93 ؛ المعتبر 1 : 427 ؛ منتهى المطلب 1 : 165 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 230 / 665 ؛ وسائل الشيعة 3 : 463 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 35 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 231 / 669 ؛ وسائل الشيعة 3 : 464 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 35 ، الحديث 2 .
4- راجع وسائل الشيعة 1 : 170 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 .
5- تقدّم في الصفحة 73 و75 .

منه . وإن كان عقرباً فأرق الماء ، وتوضّأ من ماء غيره»(1) .

ونحوها رواية أبي بصير(2) .

ويمكن المناقشة في دلالتها على النجاسة ؛ لأنّ العقرب لمّا كان من ذوي السموم ، يمكن أن يكون الأمر بالإراقة لأجل سمّه واحتمالِ دخوله في منافذ البدن عند التوضّي ، فلا ظهور لمثله في أنّ الإراقة لنجاسته .

نعم ، يمكن التمسّك لنجاسة ميتته برواية منهال قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : العقرب تخرج من البئر ميتة ، قال : «استق منها عشرة دلاء» .

قال : قلت : فغيرها من الجيف ؟ قال : «الجيف كلّها سواء . . .»(3) إلى آخره .

بدعوى : أنّ الحكم بالنزح لجيفة العقرب كما في سائر الجيف ، والتسوية بين الجيف كلّها ، دليل على أنّ النزح لأجل ميتته وجيفته ، فتدلّ على النجاسة كما في سائر الجيف .

وهي غير بعيدة لو لا ضعف سندها (4) ، ومعارضتها بدواً لرواية علي بن جعفر :

ص: 117


1- الكافي 3 : 10 / 6 ؛ وسائل الشيعة 3 : 464 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 35 ، الحديث 4 .
2- عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن الخنفساء تقع في الماء أيتوضّأ به ؟ قال : «نعم ، لا بأس به» . قلت : فالعقرب ؟ قال : «أرقه» . تهذيب الأحكام 1 : 230 / 664 ؛ وسائل الشيعة 1 : 240 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 9 ، الحديث 5 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 231 / 667 ؛ وسائل الشيعة 1 : 196 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 22 ، الحديث 7 .
4- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عبدالحميد ، عن يونس بن يعقوب ، عن منهال بن عمرو . وضعف السند لوجود المنهال فيه وهو مهمل . رجال البرقي : 44 و46 ؛ رجال الطوسي : 105 / 2 ، و : 147 / 61 ، و :306 / 538 ؛ رجال ابن داود : 193 / 1606 .

أ نّه سأل أخاه موسى بن جعفر علیهما السلام عن العقرب والخنفساء وأشباههما يموت في الجرّة والدَنّ ، يتوضّأ منه للصلاة ؟ قال : «لا بأس»(1) .

وصحيحةِ ابن مُسْكان قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «كلّ شيء يسقط في البئر ليس له دم - مثل العقارب والخنافس وأشباه ذلك - فلا بأس»(2) .

والجمع العرفي يقتضي عدم نجاسته وإن رجح الاستقاء عشرة دلاء للنظافة ، أو احتمال الضرر .

وإلاّ ما دلّت على النزح من الوزغة ، كحسنة هارون بن حمزة الغَنَوي أو صحيحته(3) ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك يقع

ص: 118


1- مسائل علي بن جعفر : 193 / 405 ؛ قرب الإسناد : 178 / 657 ؛ وسائل الشيعة 3 : 464 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 35 ، الحديث 6 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 230 / 666 ؛ وسائل الشيعة 3 : 464 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 35 ، الحديث 3 .
3- رواها الشيخ الطوسي ، عن الشيخ - هو المفيد رحمه الله - عن أبي جعفر محمّد بن علي ، عن محمّد بن الحسن ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب والحسن بن موسى الخشّاب جميعاً ، عن يزيد بن إسحاق شعر ، عن هارون بن حمزة الغنوي . ووجه الترديد هو الاختلاف في يزيد بن إسحاق من كونه موثّقاً أو ممدوحاً فقط . اختيار معرفة الرجال : 605 / 1126 ؛ خلاصة الأقوال : 295 / 3 ؛ تنقيح المقال 3 : 324 / السطر 15 (أبواب الياء) .

في الماء ، فيخرج حيّاً ، هل يشرب من ذلك الماء ويتوضّأ منه ؟ قال : «يسكب منه ثلاث مرّات ، وقليله وكثيره بمنزلة واحدة ، ثمّ يشرب منه ويتوضّأ منه ، غير الوزغ ، فإنّه لا ينتفع بما يقع فيه(1) .

بدعوى دلالتها على نجاسته العينية ، فميتته نجسة أيضاً .

وروايةِ يعقوب بن عُثيم قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : سامّ أبرص وجدناه قد تفسّخ في البئر ، قال : «إنّما عليك أن تنزح منها سبع دلاء»(2) .

والظاهر أ نّه أيضاً نوع من الوزغة .

وصحيحةِ معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الفأرة والوزغة تقع في البئر ، قال : «ينزح منها ثلاث دلاء»(3) .

لكنّها محمولة على الاستحباب بقرينة غيرها ، كرواية جابر بن يزيد الجُعفي قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن السامّ أبرص يقع في البئر . فقال : «ليس بشيء ، حرّك الماء بالدلو في البئر»(4) . فإنّ الظاهر منها أنّ سامّ أبرص ليس بشيء ينجّس الماء ، لا أنّ ماء البئر معتصم .

ص: 119


1- تهذيب الأحكام 1 : 238 / 690 ؛ وسائل الشيعة 1 : 188 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 19 ، الحديث 5 .
2- الفقيه 1 : 15 / 32 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 245 / 707 ؛ وسائل الشيعة 1 : 189 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 19 ، الحديث 7 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 238 / 688 ؛ وسائل الشيعة 1 : 187 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 19 ، الحديث 2 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 245 / 708 ؛ وسائل الشيعة 1 : 189 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 19 ، الحديث 8 .

ومرسلةِ ابن المغيرة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت : بئر يخرج من مائها قطع جلود ، قال : «ليس بشيء ؛ إنّ الوزغ ربّما طرح جلده» وقال : «يكفيك دلو من ماء»(1) .

دلّت على عدم نجاستها عيناً ، فتصير شاه-دة على حمل رواي-ة الغَنوي على الكراهة .

وصحيحةِ علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیهما السلام قال : سألته عن العظاية والحيّة والوزغ يقع في الماء فلا يموت ، أيتوضّأ منه للصلاة ؟ قال : «لا بأس به»(2) . دلّت على عدم نجاسته عيناً .

وموثّق-ةِ عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث : أ نّه سئل عن العظاية يقع في اللبن ، قال : «يحرم اللبن» قال : «إنّ فيها السمّ»(3) .

وهذه الموثّقة حاكمة على سائر الروايات ، ومفسّرة لها بأنّ علّة النزح وعدم الانتفاع هو كونه ذا سمّ ، ونحن الآن لسنا بصدد بيان حرمة ما مات فيه الوزغ ، أو وقع فيه ، بل بصدد عدم نجاسته ، فلا إشكال فيه . بل الاتّكال على الروايات المتقدّمة الواردة في النزح - مع مخالفتها للمشهور أو المجمع عليه بين

ص: 120


1- الكافي 3 : 6 / 9 ؛ وسائل الشيعة 1 : 189 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 19 ، الحديث 9 .
2- مسائل علي بن جعفر : 193 / 404 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 419 / 1326 ؛ وسائل الشيعة 3 : 460 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 33 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 285 / 832 ؛ وسائل الشيعة 24 : 200 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 46 ، الحديث 2 .

الأصحاب(1) - في غير محلّه . بل تقدّم الإشكال في دلالتها أيضاً ، فتبقى الأدلّة العامّة أو المطلقة بلا مخصّص ومقيّد .

ثمّ إنّه قد وقع في بعض الحيوانات كلام في كونه ذا نفس أو لا ، وتحقيقه ليس من شأن الفقيه ، نعم في مورد الشبهة موضوعاً فالمرجع هو الاُصول .

وينبغي التنبيه على اُمور :

نجاسة القطعة المبانة من كلّ ما ينجس بالموت

منها : أ نّه كلّ ما ينجس بالموت فما قطع من جسده حيّاً أو ميّتاً فهو

نجس «بلا خلاف ظاهراً» كما في «الحدائق»(2) ، و«لا يعرف فيه خلاف بين الأصحاب» كما عن «المعالم»(3) ، و«هو المقطوع به في كلامهم» كما عن «المدارك»(4) .

وعن الاُستاذ الأكبر : «أنّ أجزاءه نجسة ولو قطعت من الحيّ باتّفاق الفقهاء . بل الظاهر كونه إجماعياً ، وعليه الشيعة في الأعصار والأمصار»(5) .

وعن «الذخيرة» : «أنّ المسألة كأ نّها إجماعية ، ولولا الإجماع لم نقل بها ؛

لضعف الأدلّة»(6) .

ص: 121


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 116 .
2- الحدائق الناضرة 5 : 72 .
3- معالم الدين (قسم الفقه) 2 : 482 .
4- مدارك الأحكام 2 : 271 .
5- مصابيح الظلام 4 : 448 .
6- ذخيرة المعاد : 147 / 30 .

وقال في محكيّ «المدارك» : «احتجّ عليه في «المنتهى» : بأنّ المقتضي لنجاسة الجملة الموت ، وهذا المقتضي موجود في الأجزاء ، فيتعلّق بها الحكم(1) . وضعفه ظاهر ؛ إذ غاية ما يستفاد من الأخبار نجاسة جسد الميّت ، وهو لا يصدق على الأجزاء قطعاً .

نعم ، يمكن القول بنجاسة القطعة المبانة من الميّت استصحاباً لحكمها حال الاتّصال ، ولا يخفى ما فيه»(2) انتهى .

نجاسة القطعة المبانة من الميّت

أقول : أمّا القطعة المبانة من الميّت فلا ينبغي الإشكال في نجاستها ، لا للإجماع حتّى يستشكل تارة : بعدم ثبوته وتحصيله ، وأنّ المنقول منه في كتب المتأخّرين غير حجّة ، سيّما مع ترديد النقلة ، كما يظهر من كلماتهم .

واُخرى : بأ نّه مسألة اجتهادية فرعية لا يعلم أنّ استناد المجمعين إلى غير الأدلّة التي في الباب .

ولا للاستصحاب وإن كان جريانه ممّا لا إشكال فيه ؛ بعد وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها ، لأنّ الجزء حال اتّصاله بالكلّ كان نجساً قطعاً ، ويشكّ في بقاء نجاسته بعد الانفصال ، ولا ريب في أنّ الاتّصال والانفصال من حالات الموضوع ، ولا يوجبان تبدّله .

وتوهّم : أنّ الأحكام تتعلّق بالعناوين ، وعنوان «الميتة» لا يصدق على الجزء

ص: 122


1- منتهى المطلب 3 : 202 .
2- مدارك الأحكام 2 : 271 - 272 .

بعد الانفصال ، وإنّما يصدق على المجموع حال الاتّصال ، ناشئ من الخلط بين موضوع الدليل الاجتهادي وموضوع الاستصحاب ، فإنّ الأوّل هو العناوين ، ومع الشكّ في تبدّلها لا يمكن التمسّك بالدليل ، فضلاً عمّا إذا علم ذلك كما في المقام ،

لكن بعد تحقّق العنوان خارجاً - بوجود مصداقه - يصير المصداق الخارجي متعلّقاً لليقين بثبوت الحكم له ، فإذا تبدّل بعض حالاته فصار منشأً للشكّ ، فلا مانع من جريان الاستصحاب ؛ لوحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها .

فإذا تعلّق حكم النجاسة بالميتة ، فلا إشكال في أ نّها تثبت لأجزائها -

كاليد والرجل وغيرهما - عند تحقّق العنوان في الخارج ، فيتعلّق اليقين بنجاسة الأجزاء الخارجية ، وبعد الانفصال يصحّ أن يقال : «إنّي كنت على يقين من نجاسة هذه اليد الموجودة في الخارج ، فأشكّ في بقائها بعد الانفصال» ولا إشكال في وحدة القضيّ-تين ، وهي المعتبرة في الاستصحاب ، لا بقاء موضوع الدليل الاجتهادي ، فقول صاحب «المدارك» : «ولا يخفى ما فيه»(1) - تضعيفاً للاستصحاب - لا يخفى ما فيه .

ومنه يعلم : أنّ مقتضى الاستصحاب في الجزء المبان من الحيّ الطهارة وعدم النجاسة ؛ ما لم يدلّ دليل على خلافه .

بل للأدلّة المثبتة للحكم على الميتة ؛ فإنّ معروض النجاسة - بحسب نظر العرف - هو أجزاء الميتة ، من غير فرق في نظرهم بين الاتّصال والانفصال . كما أنّ ما دلّ على أنّ الكلب رجس نجس(2) ، يفهم منه أ نّه بجميع أجزائه نجس ،

ص: 123


1- مدارك الأحكام 2 : 272 ، الهامش 3 .
2- وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 2 .

ولا يحتاج في إثبات النجاسة للأجزاء إلى التمسّك بدليل آخر غيره ، كما لا يحتاج في إثبات نجاستها بعد الانفصال إلى غيره .

وبعبارة اُخرى : أنّ العرف يرى أنّ موضوع النجاسة ذات الأجزاء ؛ من غير دخالة للاتّصال والانفصال فيها ، كما أنّ الاستقذار من الكلب - على فرضه - استقذار من أجزائه ؛ اتّصلت بالكلّ ، أو انفصلت ، وهو ممّا لا شبهة فيه .

نجاسة القطعة المنفصلة من الحيّ غير الآدمي

وأمّا المنفصل من الحيّ ، فقد عرفت أنّ مقتضى الأصل طهارته ، فلا بدّ في الخروج من مقتضاه من قيام دليل . وقد عرفت من محكيّ «المنتهى» أنّ المقتضي لنجاسة المجموع - وهو الموت - موجود في الأجزاء ، فيتعلّق بها الحكم(1) .

وفيه : أ نّه إن أراد من وجود المقتضي في الأجزاء ، التشبّثَ بالقطع بوجود المناط الذي في الكلّ فيها ، فالعهدة عليه ، فأ نّى لنا القطع في الاُمور التشريعية المجهولة المناط ، وأيّ مناط في وجوب غسل المسّ في الأجزاء المبانة من الحيّ إذا اشتملت على العظم ، وعدمه في اللحم المجرّد ؟ ! بل لازمه الحكم بنجاسة الجزء المتّصل إذا علم موته وفساده .

وبالجملة : الطريق إلى العلم بمناطات مثل تلك الأحكام التعبّدية مسدود .

وإن أراد استفادة الحكم من الأدلّة المثبتة للحكم على الميتة ؛ بدعوى إلغاء خصوصية الكلّية والجزئية عرفاً .

ففيه ما لا يخفى ؛ ضرورة أنّ العرف - مع ما يرى من الخصوصية بين الميّت

ص: 124


1- تقدّم في الصفحة 122 .

وأجزائه ، وبين الحيّ وجزئه المبان منه - لا يمكن له إلغاؤها ، فلا يمكن إثبات الحكم بمثله .

كما لا يمكن التشبّث بالأدلّة العامّة المثبتة للنجاسة لعنوان «الميتة» و«الجيفة» لعدم صدقهما على الجزء المبان من الحيّ . وإنّما قلنا بثبوت الحكم للجزء المبان من الميّت بواسطة الأدلّة المثبتة للنجاسة للميّت والجيفة ، لا لأجل صدقهما عليه استقلالاً ، بل لأجل أنّ الحكم الثابت للميّت ثابت لأجزائه بنفس ثبوته له عرفاً ، والفرض أ نّه في المقام لم يثبت الحكم للكلّ حتّى يجري على الأجزاء تبعاً واستجراراً ؛ لأنّ الجزء مقطوع من الحيّ ، فصار مستقلاًّ بالقطع ، وهو

ليس بميتة عرفاً ولغةً ، فلا يمكن إثبات الحكم له بدليل نجاسة الميتة .

كما أنّ إثباته بقول العلاّمة - في محكيّ «التذكرة» : «إنّ كلّ ما اُبين من الحيّ ممّا تحلّه الحياة فهو ميْت ، فإن كان من آدمي فهو نجس عندنا ، خلافاً للشافعي»(1) انتهى - مشكل .

نعم ، هنا روايات خاصّة يمكن التمسّك بها :

منها : صحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «قال أمير المؤمنين علیه السلام : ما أخذت الحِبالة من صيد فقطعت منه يداً أو رجلاً فذروه ؛ فإنّه ميْت ، وكلوا ممّا أدركتم حيّاً وذكرتم اسم اللّه عليه»(2) .

وصحيحة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه - برواية الصدوق - عن أبي عبداللّه علیه السلام

ص: 125


1- تذكرة الفقهاء 1 : 60 .
2- الكافي 6 : 214 / 1 ؛ وسائل الشيعة 23 : 376 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 24 ، الحديث 1 .

قال : «ما أخذت الحِبالة فقطعت منه شيئاً فهو ميْت ، وما أدركت من سائر جسده حيّاً فذكّه ، ثمّ كل منه»(1) . ونحوها خبر زرارة(2) .

ورواية عبداللّه بن سليمان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «ما أخذت الحِبالة فانقطع منه شيء فهو ميتة»(3) .

والظاهر منها - بعد العلم بعدم كون الجزء ميتة عرفاً ولغة - أ نّه ميتة تنزيلاً وبلحاظ الآثار ، وإطلاق التنزيل يقتضي النجاسة .

وتوهّم : أنّ المتبادر منها هو التنزيل من حيث حرمة الأكل ؛ بقرينة ما ذكر فيها من أكل ما اُدرك حيّاً بعد التذكية ، ولهذا يستفاد منها حرمة الأجزاء الصغار المقطوعة بالحِبالة ولو كانت في غاية الصغر ، ولا يستفاد نجاستها (4) .

فاسد ؛ لأنّ التعليل في صحيحة ابن قيس ، يقتضي أن يكون وجوب رفضه بسبب كونه ميْتاً ، والحمل على أ نّه ميْت في هذا الحكم ، مستهجن ؛ ومن قبيل تعليل الشيء بنفسه ، تأمّل ، وأمّا إذا كان الجزء بمنزلة الميْت في جميع الأحكام ، يكون التعليل حسناً .

وبالجملة : فرق بين قوله علیه السلام : «فذروه ؛ فإنّه ميْت» وبين قوله علیه السلام في موثّقة

ص: 126


1- الفقيه 3 : 202 / 918 ؛ وسائل الشيعة 23 : 376 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 24 ، الحديث 2 .
2- الكافي 6 : 214 / 5 ؛ وسائل الشيعة 23 : 377 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 24 ، الحديث 4 .
3- الكافي 6 : 214 / 4 ؛ وسائل الشيعة 23 : 377 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 24 ، الحديث 3 .
4- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 70 .

معاوية بن عمّار في العصير : «خمر لا تشربه»(1) ، فإنّ الثاني لا يستبعد فيه التنزيل من جهة الشرب من غير استهجان ، بخلاف الأوّل الذي ذكر القضيّة معلّلة ، كما لا يخفى على العارف بالمحاورات العرفية .

هذا لو سلّم أنّ قوله علیه السلام : «فذروه» بمعنى : لا تأكلوه ؛ بقرينة قوله : «وكلوا ممّا أدركتم حيّاً» مع أ نّه غير مسلّم ؛ لاحتمال أن يكون المراد منه : لا تنتفعوا به ، وإنّما ذكر أحد الانتفاعات التي هي أهمّ من سائرها فيما اُدرك حيّاً .

بل لأحد أن يقول : إنّ قوله : «وكلوا ممّا أدركتم حيّاً» كناية عن جواز الانتفاع به مع ذكر أوضح الانتفاعات ، ولهذا لا يفهم منه جواز الانتفاع أكلاً فقط ؛ حتّى يكون مقابله عدم جواز ذلك .

وكذا تدلّ الصحيحة الثانية على المطلوب ؛ لإطلاق التنزيل . ولا يكون ذيلها قرينة على اختصاصه بالأكل ، سيّما مع ذكر التذكية في مقابل الميتة ، وخصوصاً مع كون قوله علیه السلام : «ثمّ كل منه» من متفرّعات التذكية بحسب ظاهرها ، وسيأتي تتمّة لذلك عن قريب(2) . وأوضح منهما في الإطلاق رواية عبداللّه بن سليمان .

وأمّا توهّم استفادة حرمة الأجزاء التي في غاية الصغر ، وعدمِ استفادة النجاسة منها (3) ، فغير وجيه سيأتي التعرّض له(4) .

ص: 127


1- يأتي متنها الكامل وبيان ما فيها من اختلاف النسخ في الصفحة 294 - 296 .
2- يأتي في الصفحة 132 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 70 .
4- يأتي في الصفحة 133 .

وتدلّ على النجاسة أيضاً صحيحة عبداللّه بن يحيى الكاهلي بطريق الصدوق(1) ، بل بطريق الكليني أيضاً بناءً على وثاقة سهل بن زياد(2) قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام - وأنا عنده - عن قطع أليات الغنم ، فقال : «لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك» .

ثمّ قال : «إنّ في كتاب علي علیه السلام : أنّ ما قطع منها ، ميْت لا ينتفع به»(3) .

فإنّ الاستشهاد بكتاب علي علیه السلام دليل على أ نّه ميْت تنزيلاً وحكماً ، لا عرفاً ولغةً ، وإطلاق التنزيل وتفريع عدم الانتفاع به مطلقاً ، دليل على نجاسته .

وأوضح منها رواية الحسن بن علي قال : سألت أبا الحسن علیه السلام فقلت : جعلت فداك ، إنّ أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها ، قال : «هي حرام» .

قلت : فنصطبح بها ؟ قال : «أما تعلم أ نّه يصيب اليد والثوب وهو حرام ؟ !»(4) .

والظاهر عدم إرادة النجس من «الحرام» بل الظاهر منها معروفية الملازمة بين حرمة الأكل في العضو المقطوع وبين النجاسة في عصر الصدور ، كما

ص: 128


1- رواه عن أبيه رضى الله عنه ، عن سعد بن عبداللّه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، عن الكاهلي . الفقيه ، المشيخة 4 : 101 .
2- رواه الكليني ، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن الكاهلي .
3- الكافي 6 : 254 / 1 ؛ الفقيه 3 : 209 / 967 ؛ وسائل الشيعة 24 : 71 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 30 ، الحديث 1 .
4- الكافي 6 : 255 / 3 ؛ وسائل الشيعة 24 : 71 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 30 ، الحديث 2 .

هو مقتضى التأمّل في ألفاظ الرواية ، فيستفاد منها نجاسة كلّ عضو حرام أكله .

ويدلّ عليها إطلاق رواية أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : أ نّه قال في أليات الضأن تقطع وهي أحياء : «إنّها ميتة»(1) .

وأمّا ما في صحيحة الحلبي : «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ؛ إنّ الصوف ليس فيه روح»(2) ، فالظاهر عدم دلالتها على المقصود ؛ فإنّ موضوع

الكلام فيها هو جزء الميتة ، فتدلّ على أنّ الأجزاء التي فيها روح لا يصلّى فيها إذا قطعت من الميْت .

هذا حال غير الآدمي .

نجاسة القطعة المنفصلة من الحيّ الآدمي

وأمّا هو فتدلّ على نجاسته مرسلة أيّوب بن نوح ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، فإذا مسّه إنسان فكلّ ما فيه عظم فقد وجب على من يمسّه الغسل ، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه»(3) .

ص: 129


1- الكافي 6 : 255 / 2 ؛ وسائل الشيعة 24 : 72 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 30 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 368 / 1530 ؛ وسائل الشيعة 3 : 513 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 68 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 429 / 1369 ؛ وسائل الشيعة 3 : 294 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 2 ، الحديث 1 .

وتفريع الذيل والتفصيل بين ما له العظم وغيره ، جعله كالنصّ في عموم التنزيل وعدم الاختصاص بغسل المسّ ، وسيأتي الكلام في حال سندها في غسل المسّ إن شاء اللّه (1) .

تذنيب : في طهارة الأجزاء الصغار المنفصلة من الإنسان

حكي عن العلاّمة في «المنتهى» : «أنّ الأقرب طهارة ما ينفصل عن بدن الإنسان من الأجزاء الصغيرة ، مثل البُثُور والثُؤْلُول وغيرهما ؛ لعدم إمكان التحرّز

عنها ، فكان عفواً دفعاً للمشقّة»(2) .

واعترض عليه : «بأنّ التمسّك بدليل الحرج دليل على أنّ أدلّة النجاسة شاملة

لها ، وإنّما تستثنى منها بدليل الحرج ، مع قصورها عن شمولها»(3) .

أقول : لا بأس بذكر محتملات الروايات المتقدّمة ، خصوصاً صحيحة محمّد بن قيس(4) حتّى يتّضح الحال :

فنقول : إنّ في قوله علیه السلام - فيها : «ما أخذت الحِبالة من صيد فقطعت منه يداً أو رجلاً فذروه ؛ فإنّه ميْت . . .» إلى آخره - احتمالاتٍ :

الأوّل : أن يكون المراد من قوله علیه السلام : «فإنّه ميْت» أ نّه ميت حكماً ، على معنى أنّ مصحّح الادّعاء - بعد عدم الصدق على نحو الحقيقة - هو محكومية

ص: 130


1- يأتي في الصفحة 198 .
2- منتهى المطلب 3 : 210 .
3- معالم الدين (قسم الفقه) 2 : 483 .
4- تقدّمت في الصفحة 125 .

الجزء بأحكام الميت ، كقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «الطواف بالبيت صلاة»(1) ، فيكون مفاده أنّ وجوب رفضه لأجل كونه ميتة حكماً ، ولازم هذا الاحتمال أنّ الأجزاء المقطوعة بالحِبالة في حكم الميتة ، وقد قلنا سابقاً : إنّ مقتضى إطلاق التنزيل وتناسب التعليل نجاستها أيضاً (2) .

لكن لا يكون هذا التعليل كسائر التعليلات المعمّمة ، فالموضوع للحكم هو الأجزاء المقطوعة بالحِبالة ؛ لكونها في حكم الميتة ، فلا تشمل الأجزاء المتّصلة ، ولا ما انفصلت لا بالقطع ، بل برفض الطبيعة المودوعة من قِبَل اللّه تعالى في الحيوان ، كفأرة المسك ، وكجلد الحيّة الذي رفضته وأفرزته ؛ بناءً على كون الحيّة من ذي النفس .

بل يمكن أن يقال بعدم شمولها للأجزاء الصغار ولو كانت ذا روح ، وزهق بالقطع ؛ ممّا لا تأخذها الحِبالة لصغرها . ودعوى إلغاء الخصوصية - بعد احتمال أن يكون للجزء المعتدّ به خصوصية ، كما فرّق في المسّ بين ذي العظم وغيره - في غير محلّها . نعم ، لا خصوصية في الحِبالة ولا الرجل واليد بنظر العرف .

الثاني : أنّ المصحّح للدعوى بأ نّه ميْت ؛ هو مشابهة الجزء للكلّ في زهاق الروح ، فكأ نّه قال : «فذروه ؛ لأ نّه زهق روحه» فعليه تكون العلّة للحكم برفضه هي زهاق روحه ، والعلّة تعمّم ، فتشمل الأجزاء المتّصلة إذا زهق روحها ، وذهبت إلى الفساد والنتن . وكذا ما زهق روحه ولو باقتضاء الطبع ، كالبُثُور

ص: 131


1- راجع السنن الكبرى ، البيهقي 5 : 87 ؛ عوالي اللآلي 1 : 214 / 70 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 410 ، كتاب الحجّ ، أبواب الطواف ، الباب 38 ، الحديث 2 .
2- تقدّم في الصفحة 126 .

والثُؤْلُول والفأر ونظائرها ؛ لوجود العلّة ، وتحقّقِ موضوع الحكم .

نعم ، لو كان المراد من قوله علیه السلام : «فذروه» ترك الأكل - بقرينة ذيلها - لما استفيد النجاسة منها . لكنّه ضعيف قد أشرنا إليه(1) ، وسنشير إليه تارة اُخرى .

الثالث : أن يقال : إنّ المراد بقوله علیه السلام : «فإنّه ميْت» أ نّه غير مذكّى ؛ لإفادة أنّ الحيوان بأجزائه إذا لم يكن مذكّى بما جعله الشارع سبباً لتذكيته ، فهو ميْت ، فالميتة مقابلة المذكّى في الشرع ، كما يظهر بالرجوع إلى الروايات وموارد الاستعمالات ، وليست «التذكية» في لسان الشارع وعرف المتشرّعة عبارةً عمّا في عرف اللغة ؛ فإنّ «الذكاة» لغةً الذبح(2) ، وليست كذلك في الشرع ؛ إذ «التذكية» ذبح بخصوصيات معتبرة في الشرع ، ولهذا ترى لم تطلق هي ولا مشتقّاتها في الذبح بغير طريق شرعي ، كذبائح أهل الكتاب والكفّار ، وكذا لو ذبح بغير تسمية ، أو على غير القبلة عمداً (3) وهكذا .

فدعوى : أنّ للتذكية حقيقةً شرعيةً قريبةٌ جدّاً ، وكذا للميتة التي هي في مقابلها ، فالمذبوح بغير ما قرّر شرعاً ميتة وإن قلنا بعدم صدقها عرفاً إلاّ على ما

مات حتف أنفه ، أو بغير الذبح . وكذا الأجزاء المبانة من الحيوان ميتة ؛ أي غير مذكّاة وإن لم تصدق عليها في العرف واللغة .

وإطلاق «الميتة» و«غير المذكّى» على الأجزاء كإطلاق «المذكّى» و«الذكيّ»

ص: 132


1- تقدّم في الصفحة 127 .
2- القاموس المحيط 4 : 332 ؛ أقرب الموارد 1 : 371 ؛ المنجد : 237 .
3- راجع وسائل الشيعة 24 : 52 و29 و27 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 27 و15 و14 .

عليها ، في الأخبار شائع فيراد في تلك الروايات ب- «الميتة» مقابل المذكّى .

ويشهد له ذيل الصحيحة ، حيث قال علیه السلام : «وكلوا ممّا أدركتم حيّاً وذكرتم اسم اللّه عليه» ، فإنّ الظاهر من مقابلتهما أنّ ما اُدرك حيّاً وذبح على الشرائط مذكّى ، والجزء المقطوع ميتة غير مذكّى . ولا ريب في أنّ قوله علیه السلام : «كلوا» من قبيل التمثيل ، وإلاّ فيجوز بيعه ، والصلاة فيه ، ويكون طاهراً . . . إلى غير ذلك .

فالصحيحة بصدد بيان أنّ ما قطع بالحِبالة ميْت وغير مذكّى ، وما ذبح على الشرائط هو المذكّى .

ولازم هذا الوجه نجاسة الأجزاء ولو كانت صغيرة ، بل نجاسة ما خرج منه الروح برفض الطبيعة ؛ لعدم ورود التذكية عليه ، فهو ميت على إشكال . بل منع في هذا الأخير ؛ لأنّ ظواهر الأدلّة لا تشملها ، ضرورة عدم شمول ما قطعت الحِبالة لمثل ثُؤْلُول الإنسان وبُثُوره ، ولمثل الألياف الصغيرة في أطراف أظفاره ،

وما يتطاير من القشور عند حكّها ، وما يعلو الجراحات . . . إلى غير ذلك .

وكذا رواية ابن نوح(1) ؛ لعدم صدق «القطعة» على مثلها ، أو انصرافها . بل لا تشمل الأدلّة أمثال ما ذكر في الحيوانات غير الإنسان أيضاً .

وبالجملة : عناوين الروايات قاصرة عن شمولها . بل عن شمول الأجزاء الصغار الحيّة .

وما يساعد عليه العرف في إلغاء الخصوصية ؛ هو عدم الفرق بين الصغيرة والكبيرة التي فيها روح ، وزال بالقطع ؛ لإمكان دعوى استفادته من النصوص

ص: 133


1- تقدّمت في الصفحة 129 .

بدعوى : أنّ المستفاد منها أنّ موضوع الحكم -

بعد إلغاء الخصوصية - هو قطع الأجزاء التي فيها حياة ، وأمّا إلغاؤها بالنسبة إلى ما رفضه الطبيعة وألقته بإذن اللّه

تعالى فلا ؛ لوجود الخصوصية في نظر العرف ، سيّما إذا كانت الإبانة أيضاً - كإزالة الحياة - برفضها .

ثمّ إنّ الاحتمالات المتقدّمة إنّما تأتي في صحيحة ابن قيس لو خلّيت ونفسها ، وأمّا مع لحاظ سائر الروايات فيسقط الاحتمال الثاني جزماً ؛ لعدم تأتّيه في سائرها ، للفرق الظاهر بين قوله علیه السلام في الصحيحة : «فذروه ؛ فإنّه ميت»

وبين التعبير الذي في غيرها ؛ أي قوله علیه السلام : «ما أخذت الحِبالة فقطعت منه شيئاً فهو ميت» .

نعم ، يأتي احتماله - على بُعد - في رواية الكاهلي . وأبعد منه احتماله في رواية الحسن بن علي .

وبعد عدم صحّة الاحتمال الثاني في غير الصحيحة ، يسقط فيها أيضاً ؛ للجزم بوحدة مفاد الجميع ، وعدم إعطاء حكم فيها غير ما في سائرها .

فبقي الاحتمالان ، والأقرب الأخير منهما ؛ لما عرفت من كثرة استعمال «الميتة» قبال المذكّى ؛ بحيث صارت كحقيقة شرعية ، أو متشرّعية ، أو نفسهما ، بل لو ادّعاها أحد فليس بمجازف . فاتّضح ممّا مرّ قوّة التفصيل بين الأجزاء الصغار التي زالت حياتها بالقطع ، وغيرها كالثُؤْلُول والبُثُور .

وقد يتمسّك(1) لطهارة أمثالها بصحيحة علي بن جعفر : أ نّه سأل أخاه

ص: 134


1- اُنظر مدارك الأحكام 2 : 272 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 76 - 77 ؛ مستند الشيعة 1 : 175 .

موسى بن جعفر علیه السلام عن الرجل يكون به الثُؤْلُول أو الجرح ، هل يصلح له أن يقطع الثُؤْلُول وهو في صلاته ، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه ؟ قال : «إذا لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس ، وإن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله»(1).

ولا تخلو من دلالة ؛ لأنّ السؤال ولو كان -

بملاحظة صدرها الذي سأل عن نزع الأسنان - من نفس هذا العمل ، لكن الجواب - مع تعرّضه لخوف السيلان ، وعدم تعرّضه لملاقاته مع الرطوبة ، خصوصاً مع كون بلد السؤال ممّا يعرق فيه الأبدان كثيراً ، وسيّما مع السؤال عن اللحم ، وهو مرطوب نوعاً ، خصوصاً ما هو على الجرح - يدلّ على أنّ المانع من جوازه الإدماء لا غير ، فلا بأس بملاقيه رطباً ، وحمله في الصلاة .

طهارة فأرة المسك

وأمّا فأرة المسك - وهي الجلدة التي وعاؤه - فعن العلاّمة في «التذكرة» و«النهاية» والشهيد في «الذكرى» التصريح باستثنائها من القطعة المبانة ؛ سواء انفصلت من الظبي في حال حياته ، أو اُبينت بعد موته(2) .

بل عن ظاهر «التذكرة» و«الذكرى» الإجماع عليه .

وعن «كشف اللثام» القول بنجاستها مطلقاً ؛ سواء انفصلت عن الحيّ أو

ص: 135


1- الفقيه 1 : 164 / 775 ؛ وسائل الشيعة 7 : 284 ، كتاب الصلاة ، أبواب قواطع الصلاة ، الباب 27 ، الحديث 1 .
2- تذكرة الفقهاء 1 : 58 ؛ نهاية الإحكام 1 : 270 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 118 .

الميت ، إلاّ إذا كان ذكيّاً (1) .

وعن «المنتهى» التفصيل بين الأخذ من الميتة ، وبين الأخذ من الحيّ والمذكّى(2) .

والظاهر أنّ محطّ البحث فيها هي الفأرة التي انقطعت علاقتها الروحية من غزالها ، وزالت حياتها ، واستقلّت وبلغت وآن أوانُ رفضها ؛ سواء انفصلت بطبعها من الحيّ ، أو بقيت على اتّصالها ، وسواء كان الحيوان حيّاً أو ميْتاً ، وأمّا ما كانت

حيّة ، وعلاقتها الروحية باقية ، فلا ينبغي الإشكال في عدم كونها محلّ البحث ، كما يظهر من كلماتهم ؛ لأ نّها جزء حيواني ، كسائر الأجزاء التي قد مرّ أنّ مبانها من الميْت والحيّ نجس(3) .

وكيف كان : تدلّ على طهارتها في الحيّ أصالة الطهارة ، أو استصحاب الطهارة الثابتة لها حال اتّصالها .

ولا يعارضه الاستصحاب التعليقي ؛ بأن يقال : إنّ هذا الجزء قبل ذهاب الروح منه إذا كان مباناً من الحيّ نجس ، فيستصحب الحكم التعليقي ، وحصول المعلّق عليه وجداني ، وهو مقدّم على الاستصحاب التنجيزي ؛ لحكومته عليه ، كما حرّر في محلّه(4) .

وذلك لأنّ الاستصحاب التعليقي إنّما يجري فيما إذا كان الحكم الصادر

ص: 136


1- كشف اللثام 1 : 406 .
2- منتهى المطلب 3 : 209 .
3- راجع ما تقدّم في الصفحة 121 .
4- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 161 - 164.

من الشارع على نحو التعليق ، كقوله علیه السلام : «العصير العنبي إذا نشّ وغلى يحرم»(1) ، دون ما إذا كان الحكم تنجيزياً ، وانتزعنا منه التعليق ؛ لأ نّه ليس حكماً شرعياً ، ولا موضوعاً ذا حكم ، والمقام من هذا القبيل ؛ فإنّ في أدلّة الحِبالة والأليات علّق الحكم التنجيزي على الأجزاء المبانة ، ولم يرد حكم تعليقي في الجزء المتّصل حتّى يستصحب .

وقد أشرنا إلى قصور أدلّة نجاسة الجزء المبان من الحيّ عن شمول نحو الفأرة التي استقلّت وبلغت ، وصارت كشيء أجنبيّ من الحيوان(2) .

وفي الميّت أصالةُ الطهارة بعد قصور أدلّة نجاسة الميتة عن إثباتها لها ؛ فإنّ ما تدلّ على نجاستها - على كثرتها - إنّما تدلّ على نجاسة «الجيفة» و«الميتة» كما تقدّم(3) ، ولا تشمل الجزء ؛ لعدم صدقهما عليه .

وإنّما قلنا بنجاسة أجزائها مبانة أو غير مبانة ؛ لارتكاز العقلاء على أنّ ثبوتها للميتة ليس إلاّ للموجود الخارجي بأجزائه ، فلا بدّ في إسراء الحكم لمثل هذا الجزء المستقلّ - الذي زالت حياته برفض الطبيعة ، وبلوغه حدّ الاستقلال - من دعوى عدم الفارق بين الأجزاء ، وأ نّى لنا بهذه بعد ظهور الفارق بين هذا الجزء وغيره ؟ !

ولم يرد في دليل أنّ ملاقي الميتة أو ملاقي جسدها نجس - حتّى يستفاد منه

ص: 137


1- الموجود في المجاميع الروائية هو : «إذا نشّ العصير أو غلى حرم» . وسائل الشيعة 25 : 287 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب3 ، الحديث 4 .
2- تقدّم في الصفحة 131 .
3- تقدّم في الصفحة 68 .

نجاسة هذا الجزء ؛ بدعوى كونه من أجزائها ومن جسدها حال اتّصاله بها ، ودعوى إلغاء خصوصية الاتّصال والانفصال - إلاّ في صحيحة الحلبي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميّت ، فقال : «يغسل ما أصاب الثوب»(1) . وهي منصرفة إلى ميّت الإنسان إن كانت الياء مشدّدة . نعم لو ثبت سكونها وتخفيفها لا يبعد انصرافها إلى غير الإنسان .

والشاهد على انصراف الأوّل - بعد موافقة العرف - رواية ابن ميمون قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل يقع ثوبه على جسد الميّت ، قال : «إن كان غسل الميّت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه . . .»(2) إلى آخره .

حيث حمل الإطلاق على ميّت الإنسان ، والظاهر أنّ الياء مشدّدة فيها . بل لا يبعد دعوى ظهور صحيحة الحلبي في ذلك ، ولهذا ذكرها الفقهاء في أدلّة نجاسة الميّت الآدمي ، لا الحيواني(3) .

وأمّا صحيحة عبداللّه بن جعفر قال : كتبت إليه - يعني أبا محمّد علیه السلام - : يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة المسك ؟ فكتب : «لا بأس به إذا كان ذكيّاً»(4) .

ص: 138


1- الكافي 3 : 161 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 462 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 34 ، الحديث 2 .
2- الكافي 3 : 61 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 461 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 34 ، الحديث 1 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 65 ؛ جواهر الكلام 5 : 305 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 41 .
4- تهذيب الأحكام 2 : 362 / 1500 ؛ وسائل الشيعة 4 : 433 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 41 ، الحديث 2 .

فاحتمال عود الضمير المذكّر إلى الغزال الذي يؤخذ منه الفأرة - حتّى تدلّ على نجاسة ما يؤخذ من الميتة ومن الحيّ - غير موجّه ، ولا حجّة فيه . كاحتمال كون «الذكي» بمعنى الطاهر ، وعوده إلى المسك . بل هذا الاحتمال بعيد جدّاً ؛ لأنّ السؤال إنّما هو عن الفأرة ، ولا يناسب الجواب عن مسكها .

كما أنّ احتمال عوده إلى الفأرة ، وكون «الذكي» بمعنى الطاهر أيضاً بعيد ؛ لعدم موافقته للّغة ، وبُعْد استعمال «الذكي» فيه مجازاً ، بل المظنون قويّاً أنّ «الذكي» في مقابل الميتة ، كما في سائر الروايات(1) .

وعود الضمير إلى الفأرة إمّا بأنّ الأمر في التذكير والتأنيث سهل يتسامح فيه ، وإمّا بمناسبة كونه معها ، فعاد إلى ما معها .

فتدلّ على أنّ للفأرة نوعين : ذكيّة ، وغيرها . لكن لا يستفاد منها أنّ أيّ قسم منها ذكيّة أو غيرها ، فمن المحتمل أن تكون بعد استقلالها وبلوغها ، وخروج الروح منها برفض الطبيعة ، صارت ذكيّة ، وتكون حالها حينئذٍ كالظفر والحافر ، ويكون القسم غير المذكّى ما لم تبلغ إلى هذا الحدّ ، وقطعت قبل أوان بلوغها ، ونحن لا نعلم حال الفأرة ، فمن الممكن أن تكون هي أو نوع منها تتبدّل ما في جوفها مسكاً قبل تمام استقلالها ، ولا شبهة في أنّ هذا النوع تذكيتها بتذكية غزالها ، وسائر أقسامها يمكن أن يكون من القسم المذكّى .

وبالجملة : لا ركون إلى هذه الرواية مع هذا التشويش والإجمال في إثبات الحكم .

ص: 139


1- كصحيحة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه التي تقدّمت في الصفحة 125 .

وقد يتمسّك للطهارة بالتعليل الوارد في صوف الميتة بقوله علیه السلام : «إنّ الصوف ليس فيه روح»(1) . وفي رواية : «ليس في الصوف روح ألا ترى أ نّه يجزّ ويباع وهو حيّ ؟ !»(2) .

وبصحيحة حَريز قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام لزرارة ومحمّد بن مسلم : «اللبن

واللباء والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر وكلّ شيء يفصل من الشاة والدابّة ، فهو ذكيّ ، وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصلّ فيه»(3) .

وبرواية أبي حمزة الثُمالي ، عن أبي جعفر علیه السلام ، حيث علّل عدم البأس في الإنفحة بأ نّها «ليس لها عروق ، ولا فيها دم ، ولا لها عظم ، إنّما تخرج من بين فرث ودم . إنّ الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة اُخرجت منها بيضة»(4) .

وبصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى علیه السلام قال : سألته عن فأرة المسك تكون مع من يصلّي وهو في جيبه ، أو ثيابه ، فقال : «لا بأس بذلك»(5) .

ص: 140


1- تهذيب الأحكام 2 : 368 / 1530 ؛ وسائل الشيعة 3 : 513 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 68 ، الحديث 1 .
2- مكارم الأخلاق 1 : 237 / 700 ؛ وسائل الشيعة 3 : 514 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 68 ، الحديث 7 .
3- الكافي 6 : 258 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 75 / 321 ؛ وسائل الشيعة 24 : 180 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 3 .
4- الكافي 6 : 256 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 179 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 1 .
5- الفقيه 1 : 164 / 775 ؛ وسائل الشيعة 4 : 433 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 41 ، الحديث 1 .

وبفحوى ما دلّ على طهارة المسك .

وبالحرج .

وفي الكلّ نظر ؛ لأنّ المراد من كون الصوف غير ذي روح أ نّه كذلك رأساً ، فلا يشمل ما كان ذا روح فزهق ، ولذلك لا يتوهّم شموله للعضو الفَلِج ، فالمراد منه أنّ الصوف من غير ذوات الأرواح ، لا أ نّه ليس له روح فعلاً ولو بزهاقه ، وإلاّ

فالميتة أيضاً كذلك .

وتشهد له رواية الحسين بن زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «الشعر والصوف والريش وكلّ نابت لا يكون ميتاً»(1) ، فإنّها بمنزلة المفسّر لغير ذي الروح ؛ أي ما كان من قبيل النبات ليس له روح حيواني .

ومنه يظهر ما في الاستشهاد بصحيحة زرارة(2) ؛ فإنّ المراد من «كلّ ما يفصل من الشاة والدابّة» ما كان من قبيل المعدودات فيها ؛ أي ما يجزّ في حال حياتها ، لا كلّ ما يفصل حتّى من قبيل اليد والرجل ، وليس المراد ممّا يفصل ما ينقطع عنه بطبعه ؛ فإنّ المذكورات ليست كذلك .

والتعليل الذي في الإنفحة لا يعلم تحقّقه في الفأرة ، فمن أين يعلم أنّ الفأرة ليس لها عروق ولا دم حال نموّها وارتزاقها وحياتها الحيوانية ، أو خروجها من بين فرث ودم ، أو كونها بمنزلة البيضة ؟ ! بل المظنون - لو لم يكن المقطوع - أنّ طريق نموّها وارتزاقها بالدم والعروق الضعيفة ،

ص: 141


1- الكافي 6 : 258 ، ذيل الحديث 3 ؛ وسائل الشيعة 24 : 181 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 8 .
2- وهي صحيحة حريز .

كسائر الأعضاء ذوات الأرواح . بل في الإنفحة أيضاً كلام سيأتي في محلّه

إن شاء اللّه (1) .

وصحيحة علي بن جعفر علیه السلام - مع أنّ التمسّك بها مبنيّ على عدم صحّة الصلاة في المحمول - إطلاقها محلّ تأمّل ، مع كون المتعارف من الفأرة ما هي موجودة في بلاد المسلمين . مضافاً إلى أ نّها متقيّدة بصحيحة عبداللّه بن جعفر المتقدّمة ، والاستدلال مبنيّ على عدم سراية إجمال القيد ، كعدم سراية إجمال المخصّص ، وهو لا يخلو من كلام .

والفحوى ليست بشيء ؛ بعد عدم معلومية الحكم بطهارته الواقعية حتّى مع الملاقاة رطباً مع جلدته ، وبعد إمكان كون المسك كاللبن واللباء والإنفحة على بعض الاحتمالات ، ووقوع النظائر لها في الميتة يرفع الاستبعاد . ولا يخفى ما في التمسّك بالحرج .

نعم ، قد يقال بعدم معلومية كون الفأرة ممّا تحلّها الحياة ، ومجرّد كونها جلدة

لا يستلزم حلول الروح ، ومعه لا إشكال في طهارتها (2) .

لكنّ الظاهر حلول الروح فيها كسائر الجلود ، وليس الجلد كالظفر والحافر والقرن وسائر النابتات ، ومع إحراز الروح فيها فالأقوى أيضاً طهارة ما بلغت واستقلّت وح-ان حينُ لفظها ؛ سواء انفصلت بطبعها ، أم قطعت م-ن الحيّ أو الميت .

ثمّ إنّ ملاقي ما قلنا بنجاستها نجس ؛ سواء كان المسك الذي فيه أو غيره ،

ص: 142


1- سيأتي في الصفحة 154 .
2- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 59 .

كسائر ملاقيات النجاسات . وليس شيء موجباً للخروج عن القاعدة إلاّ توهّم إطلاق أدلّة طهارة المسك ، وفيه ما لا يخفى ؛ لفقد إطلاق يقتضي ذلك ، كما يظهر من المراجعة إليها .

عدم نجاسة ما لا تحلّه الحياة من الميتة

ومنها : لا ينجس من الميتة ما لا تحلّه الحياة ، كالعظم والقرن والسنّ والمنقار

والظفر والظِلْف والحافر والشعر والصوف والوبر والريش ، اتّفاقاً كما عن «كشف اللثام»(1) ، وبلا خلاف كما عن «المدارك»(2) . وعن «الذخيرة» : «لا أعرف خلافاً بين الأصحاب في ذلك»(3) . وعن «الغنية» دعوى الإجماع في شعر الميتة وصوفها (4) . وعن «المنتهى» دعواه على طهارة العظم(5) .

وعن شارح «الدروس» : «أنّ العمدة في طهارة هذه الأجزاء عدم وجود نصّ يدلّ على نجاسة الميتة حتّى تدخل ، لا عدم حلول الحياة ، وإلاّ لو كان هناك نصّ كذلك لدخلت ، كشعر الكلب والخنزير ، وإلاّ فزوال الحياة ليس سبباً للنجاسة ، وإلاّ لاقتضى نجاسة المذكّى . على أ نّه لا استبعاد في صيرورة الموت سبباً لنجاسة جميع أجزاء الحيوان وإن لم تحلّه الحياة»(6) انتهى .

ص: 143


1- كشف اللثام 1 : 407 .
2- مدارك الأحكام 2 : 272 .
3- ذخيرة المعاد : 147 / السطر 38 .
4- غنية النزوع 1 : 42 .
5- منتهى المطلب 3 : 199 .
6- مشارق الشموس : 316 / السطر 30 .

وفيه : أ نّه إن أراد عدم الدليل على نجاسة الميتة ، فقد مرّ ما يدلّ عليها (1) .

وإن أراد أ نّه لا دليل على نجاسة أجزائها ؛ فإنّ «الميتة» اسم للمجموع ، فقد مرّ ما فيه(2) . مع أنّ التعليل لعدم الأكل في آنية أهل الكتاب : بأ نّهم يأكلون فيها الميتة والدم ولحم الخنزير ، دليل على أنّ الأجزاء نجسة ؛ فإنّ المأكول لحمها .

وإن أراد قصور الأدلّة عن إثبات نجاسة ما لا تحلّه الحياة منها ، فهو لا يخلو من وجه ؛ لأنّ ما دلّ على نجاسة الميتة - على كثرتها - إنّما علّق فيها الحكم على عنوان «الجيفة» و«الميتة» ، وهما بمالهما من المعنى الوصفي لا تشملان ما لا تحلّه الحياة ؛ فإنّ «الجيفة» هي جثّة الميتة المنتنة ، والنتن وصف لما تحلّه الحياة ، ولا ينتن الشعر والظفر وغيرهما من غير ما تحلّه الحياة .

ودعوى : أ نّها وإن كانت معنى وصفياً ، ولكنّها صارت اسماً للمجموع الذي من جملته ما لا تحلّه ، في غير محلّها ؛ لعدم ثبوت ذلك ، بل الظاهر من اللغة أنّ «الجيفة» اسم للجثّة المنتنة ، فتكون تلك الأجزاء خارجة عن مسمّاها ، ففي «القاموس» و«الصحاح» : «الجيفة : جثّة الميت وقد أراح ؛ أي أنتن»(3) . وفي «المنجد» : «الجيفة : جثّة الميت المنتنة» وفيه : «جافت الجثّة أي أنتنت»(4) .

والميتة ما زال عنها الروح في مقابل الحيّ ، ولا تطلق على الأجزاء التي

ص: 144


1- تقدّم في الصفحة 67 .
2- تقدّم في الصفحة 122 - 123 .
3- القاموس المحيط 3 : 129 ؛ الصحاح 4 : 1340 .
4- المنجد : 112 .

لم تحلّها الحياة ولو بتأوّل ، كما تطلق كذلك على ما تحلّها . وصيرورتها اسماً للمجموع الداخل فيه تلك الأجزاء غير ثابت ، وارتكاز العقلاء على إسراء النجاسة إلى الأجزاء ، إنّما يوافق بالنسبة إلى ما تحلّه الحياة لا غير ، فالحكم بنجاسة الجيفة والميتة لا يشمل تلك الأجزاء ؛ لا لفظاً ، ولا بمدد الارتكاز ، فأصالة الطهارة بالنسبة إليها محكّمة .

هذا بالنسبة إلى ما لا تحلّها ، أو ما شكّ في حلولها فيها . وأمّا لو فرض بعض تلك الأجزاء المستثناة ممّا تحلّه الحياة كالإنفحة ، فلا يأتي فيه ما ذكر ، فلا بدّ

من إقامة دليل على استثنائه .

ثمّ إنّ المنسوب إلى المحقّق المتقدّم : أ نّه لو دلّ دليل على النجاسة ، لا تصلح الأدلّة الخاصّة لتخصيصه واستثناء المذكورات(1) . ولا تبعد استفادة ذلك من كلامه المتقدّم .

وفيه ما لا يخفى ؛ ضرورة أنّ تلك الأدلّة الناصّة على أنّ تلك الأجزاء ذكيّة ، دالّة على طهارتها سواء كان «الذكي» بمعنى الطاهر كما قيل(2) ، أو مقابل الميتة كما هو التحقيق .

فلا إشكال في أصل الحكم بالنسبة إلى ما لا تحلّه الحياة ، وكذا بالنسبة إلى ما هو المنصوص به في الأدلّة والفتاوى ، من غير فرق في الصوف والريش والشعر والوبر بين الأخذ من الميتة جزّاً أو قلعاً ؛ وإن احتاج الاُصول في الثاني إلى الغسل لو كان ملاقاتها للميتة مع الرطوبة ؛ لإطلاق الأدلّة ، وكونها

ص: 145


1- الحدائق الناضرة 5 : 82 .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 74 .

ممّا لا تحلّها الحياة وإن فرض عدم استحالتها إلى المذكورات ، بل لو شكّ فيها فالأصل يقتضي الطهارة .

فما عن «نهاية الشيخ» من تخصيص الطهارة بالمقطوع جزّاً (1) ، كأ نّه ليس خلافاً في المسألة حكماً ، بل موضوعاً ؛ بدعوى كونها من الأجزاء التي حلّت فيها الحياة ، ولم تخرج بالاستحالة إلى أحد المذكورات ، وفيه ما لا يخفى .

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ مقتضى إطلاق قوله علیه السلام في صحيحة حَريز : «وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصلّ فيه»(2) ، لزوم الغسل ولو لم يلاقِ المأخوذ جلدَ الميتة برطوبة ، وهو يقتضي نجاسة أمثال ذلك بعد الموت ، ويكون الغسل موجباً لزوالها ، فالموت سبب لنجاسة ما تحلّه الحياة ذاتاً ، فلا تزول بالغسل وغيره ، وفي مثل المذكورات بمرتبةٍ ترتفع بالغسل .

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ مقتضى ما دلّ على طهارة المذكورات ذاتاً ، والأمرِ في

هذه الرواية بالغسل ، هو أنّ الغسل إنّما هو لملاقاتها للميتة برطوبة ، فالعرف - بالارتكاز - يقيّدها بالصورة المذكورة ، كما ورد نظيره في ملاقي الكلب ، ومصافحة اليهود ، وغيرهما (3) ممّا لا يفهم منها إلاّ مع الملاقاة رطباً .

نعم ، ظاهر موثّقة مَسْعدة بن صدقة ، عن جعفر ، عن أبيه علیهما السلام قال : «قال جابر بن عبداللّه : إنّ دباغة الصوف والشعر غسله بالماء ، وأيّ شيء يكون

ص: 146


1- النهاية : 585 .
2- تقدّمت في الصفحة 140 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 414 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 و14 .

أطهر من الماء ؟ !»(1) ، أنّ الشعر والصوف يحتاجان إلى التطهير بذاتهما . والتعبير ب- «الدباغة» مكان «التطهير» لعلّه بمناسبة قول العامّة بأنّ دباغة جلد الميتة مطهّرة(2).

فالظاهر منها أنّ الشعر بذاته لا يكون طاهراً ، ويحتاج إلى الدباغة ليتطهّر ، ودباغته غسله بالماء . وحملها على النجاسة العرضية خلاف الظاهر جدّاً .

لكنّها - مع مخالفتها لفتوى الأصحاب(3) ، وإعراضهم عن ظاهرها - مخالفة للأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ المذكورات ذكيّة ؛ معلّلاً في الصوف بعدم الروح فيه(4) ، وهي أظهر في مفادها من تلك الموثّقة ، فتحمل على الاستحباب ، أو غسل موضع الملاقاة رطباً .

ومنه يظهر الكلام في صحيحة الحلبي الظاهرة في اشتراط الذكاة في السنّ الذي يضعه مكان سنّه(5) .

ثمّ إنّه قد يتراءى منافاة في الروايات الواردة في استثناء المذكورات ، ففي

ص: 147


1- قرب الإسناد : 76 / 246 ؛ وسائل الشيعة 3 : 514 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 68 ، الحديث 6 .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 85 .
3- تقدّم في الصفحة 143 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 513 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 68 ، الحديث 1 و2 و3 و4 و7 ، و24 : 179 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 .
5- المحاسن : 644 / 174 ؛ وسائل الشيعة 3 : 514 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 68 ، الحديث 5 .

رواية يونس ، عنهم علیهم السلام قالوا : «خمسة أشياء ذكيّة ممّا فيه منافع الخلق : الإنفحة والبيض والصوف والشعر والوبر . . .»(1) إلى آخره .

والظاهر منها انحصار الاستثناء بها وإن قلنا بعدم مفهوم العدد في غير المقام . وأيضاً تشعر بأنّ الاستثناء لأجل منفعة الخلق وإن كان فيها اقتضاء النجاسة ، فهي بهاتين الجهتين مخالفة لغيرها .

ويمكن أن يجاب عنها : - مضافاً إلى أنّ اختصاصها بالذكر لعلّه لكونها ذات منافع للخلق نوعاً ، بخلاف غيرها حتّى مثل لبنها . نعم في الريش أيضاً منافع ، ولعلّه داخل بإلغاء الخصوصية في إحدى الثلاثة الأخيرة ، تأمّل ، ومعه لا مفهوم فيه جزماً - بأنّ من الممكن أن تكون «ذكيّة» صفة لخمسة ، وخبرها بعدها ، فيكون المراد الإخبار بأنّ في بعض المستثنيات منافع الناس ، تأمّل .

وكيف كان : لا ريب في عدم صلاحيتها لمعارضة سائر النصوص ، كعدم صلاحية رواية الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسن علیه السلام قال : كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ذكيّاً ، فكتب علیه السلام : «لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب ، وكلّ ما كان من السِخال : الصوف إن جزّ(2) ، والشعر والوبر والإنفحة والقرن ، ولا يتعدّى إلى غيرها إن شاء اللّه»(3) .

ص: 148


1- الكافي 6 : 257 / 2 ؛ وسائل الشيعة 24 : 179 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 2 .
2- هكذا في الوسائل طبع المكتبة الإسلامية ولكن في الوسائل طبع آل البيت «وإن جزّ» بدل «إن جزّ» .
3- الكافي 6 : 258 / 6 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 76 / 323 ؛ وسائل الشيعة 24 : 181 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 7 .

الظاهرة في أنّ جواز الانتفاع في الصوف مشروط بالجزّ ، وأنّ المستثنيات منحصرة بما ذكر فيها لا تتعدّى إلى غيرها ، بعد ضعف سندها (1) ، ووهن متنها بوجوه ، ومخالفتها للنصوص المعتبرة الصريحة(2) ، ولفتوى الأصحاب(3) . ولعلّ الاشتراط في الصوف للانتفاع به فعلاً مع الجزّ . وأمّا مع القلع فبعد الغسل ، والظاهر عدم اختصاصه بالصوف دون الشعر والوبر .

طهارة الإنفحة من الميتة

ثمّ إنّه قد صرّح في النصوص والفتاوى بخروج أشياء اُخر ما عدا المذكورات ، منها : الإنفحة ، ولا إشكال نصّاً وفتوى في طهارتها ، فعن «المدارك» : «أ نّه مقطوع به في كلام الأصحاب»(4) . وعن «المنتهى» : «أ نّه قول علمائنا»(5) . وعن «الغنية» و«كشف اللثام» دعوى الإجماع عليه(6) .

ص: 149


1- رواها الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن المختار بن محمّد بن المختار ومحمّد بن الحسن ، عن عبداللّه بن الحسن العلوي جميعاً ، عن الفتح بن يزيد الجرجاني . والرواية ضعيفة ؛ لأنّ عبداللّه بن الحسن العلوي مجهول والفتح بن يزيد الجرجاني مهمل . رجال النجاشي : 311 / 853 ؛ الفهرست ، الطوسي : 201 / 573 .
2- راجع وسائل الشيعة 24 : 179 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 .
3- تقدّمت في الصفحة 143 .
4- مدارك الأحكام 2 : 273 .
5- منتهى المطلب 3 : 207 .
6- غنية النزوع 1 : 401 ؛ كشف اللثام 1 : 422 .

وتدلّ عليها صحيحة زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الإنفحة تُخرج من الجدي الميت . قال : «لا بأس به . . .»(1) إلى آخره .

ورواية الحسين بن زرارة أو موثّقته(2) قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام وأبي

يسأله عن اللبن من الميتة ، والبيضة من الميتة ، وإنفحة الميتة ، فقال : «كلّ هذا ذكيّ»(3) .

ورواية يونس المتقدّمة(4) أو حسنته(5) ، وغيرها (6) .

نعم ، يظهر من عدّة روايات خلاف ذلك ، كرواية بكر بن حبيب قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام عن الجبن ، وأ نّه توضع فيه الإنفحة من الميتة ، قال : «لا تصلح» .

ثمّ أرسل بدرهم فقال : «اشترِ من رجل مسلم ، ولا تسأله عن شيء»(7) .

ص: 150


1- تهذيب الأحكام 9 : 76 / 324 ؛ وسائل الشيعة 24 : 182 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 10 .
2- سيأتي من المصنّف رحمه الله وجه الترديد وما يفيد للمقام في الصفحة 162 و164 .
3- الكافي 6 : 258 / 3 ؛ وسائل الشيعة 24 : 180 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب33 ، الحديث 4 .
4- تقدّمت في الصفحة 148 .
5- رواها الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرّار ، عن يونس . ووجه الترديد وقوع إسماعيل بن مرّار في السند ، لأنّ وثاقته مختلف فيها . تنقيح المقال 1 : 144 / السطر 38 ، وراجع أيضاً الجزء الأوّل : 93 .
6- كرواية الحسين بن زرارة ، راجع تهذيب الأحكام 9 : 78 / 332 ؛ وسائل الشيعة 24 : 183 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 12 .
7- المحاسن : 496 / 598 ؛ وسائل الشيعة 25 : 118 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 4 .

وروايةِ عبداللّه بن سليمان ، عنه علیه السلام في الجبن قال : «كلّ شيء لك حلال

حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتةً»(1) .

وروايتِه الاُخرى قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الجبن . . . إلى أن قال : قلت : ما تقول في الجبن ؟ قال : «أو لم ترني آكله ؟!» قلت : بلى ، ولكنّي اُحبّ أن أسمعه منك ، فقال : «ساُخبرك عن الجبن وغيره : كلّ ما كان فيه حلال وحرام ، فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه فتدعه»(2) .

وروايةِ أبي الجارود قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن الجبن فقلت له : أخبرني من رأى أ نّه يجعل فيه الميتة ، فقال : «أمِن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم ما في جميع الأرضين ؟ ! إذا علمت أ نّه ميتة فلا تأكله ، وإن لم تعلم فاشترِ وبعْ وكلْ ، واللّه ِ إنّي لأعترض السوق ، فأشتري بها اللحم والسمن والجبن ، واللّه ِ ما أظنّ كلّهم يسمّون : هذه البربر ، وهذه السودان»(3) .

ولا شبهة في أنّ ما يجعل في الجبن وما كان محلّ الكلام هو الإنفحة ، كما نصّ عليه روايتا بكر بن حبيب المتقدّمة ، وأبي حمزة الآتية .

لكنّها محمولة على بعض المحامل ، كالتقيّة والمماشاة معهم ، والجدل بما

ص: 151


1- الكافي 6 : 339 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 118 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 2 .
2- الكافي 6 : 339 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 117 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 1 .
3- المحاسن : 495 / 597 ؛ وسائل الشيعة 25 : 119 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 5 .

هو أحسن(1) ، كما تشهد به رواية أبي حمزة الثُمالي ، عن أبي جعفر علیه السلام في حديث : أنّ قتادة قال له : أخبرني عن الجبن فقال : «لا بأس به» .

فقال : إنّه ربّما جعلت فيه إنفحة الميتة ، فقال : «ليس به بأس ؛ إنّ الإنفحة ليس لها عروق ، ولا فيها دم ، ولا لها عظم ، إنّما تخرج من بين فرث ودم ، وإنّما الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة اُخرجت منها بيضة . . .» .

إلى أن قال : «فاشترِ الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلّين ، ولا تسأل عنه ، إلاّ أن يأتيك من يخبرك عنه»(2) .

فإنّ الإرجاع إلى الحكم الظاهري - بعد بيان الحكم الواقعي - إنّما هو على طريق المماشاة والجدل بما هو أحسن ، فلا إشكال في أصل الحكم .

بيان ماهية الإنفحة

إنّما الكلام في ماهية الإنفحة ، حيث اختلفت كلمات أهل اللغة في تفسيرها ، ففي «الصحاح» : «والإنفَحة : - بكسر الهمزة ، وفتح الفاء مخفّفة - كَرِش الحمل أو

الجدي ما لم يأكل ، فإذا أكل فهو كرش ، عن أبي زيد»(3) .

وفي «القاموس» : «الإنفحّة - بكسر الهمزة وتشديد الحاء ، وقد تكسر الفاء - والمنفحة ، والبنفحة : شيء يستخرج من بطن الجدي الراضع أصفرُ ، فيعصر في

ص: 152


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 93 .
2- الكافي 6 : 256 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 179 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 1 .
3- الصحاح 1 : 413 .

صوفة فيغلظ كالجبن ، فإذا أكل الجدي فهو كرش وتفسير الجوهري الإنفحة بالكرش سهو»(1) . وقريب منه في «المنجد»(2) ، وعن «المغرب»(3) .

واختلفت كلمات الفقهاء على حذو اختلاف اللغويّين .

وقد اتّفقت كلمات اللغويّين - فيما رأيت في مادّة «الكرش» - أ نّها بمنزلة

المعدة للإنسان ، وأنّ الإنفحة صارت كرشاً إذا رعى الجدي وأكل ، ففي «الصحاح» : «الكرش لكلّ مجترّ بمنزلة المعدة للإنسان . . .» إلى أن قال : «واستكرشت الإنفحة ؛ لأنّ الكرش تسمّى إنفحة ما لم يأكل الجدي ، فإذا أكل تسمّى كرشاً»(4) .

وفي «القاموس» : «الكَرِش - ككتف - لكلّ مجترّ بمنزلة المعدة للإنسان . . .» إلى أن قال : «استكرشت الإنفحة صارت كرشاً ، وذلك إذا رعى الجدي النبات»(5) . وقريب منهما في «المنجد» ، و«المجمع» ، و«البستان»(6) .

والظاهر منهما أنّ الكرش عين الإنفحة ، والفرق بينهما أنّ الإنفحة معدة الجدي قبل الرعي والأكل ، والكرش معدته بعده . فنسبة السهو إلى الجوهري كأ نّها في غير محلّها .

وتوهّم : أنّ المادّة الصفراء - التي هي كاللبن ، ولم تكن مربوطة بالحيوان

ص: 153


1- القاموس المحيط 1 : 262 .
2- المنجد : 823 .
3- المغرب في ترتيب المعرب 2 : 220 .
4- الصحاح 3 : 1017 .
5- القاموس المحيط 2 : 297 .
6- المنجد : 681 ؛ مجمع البحرين 4 : 152 ؛ البستان 2 : 2072 / السطر 24 .

ارتباطاً حياتياً واتّصالاً حيوانياً - صارت كرشاً ، مقطوع الفساد .

فعلم من اتّفاق أهل اللغة : بأنّ الإنفحة التي صارت كرشاً بالأكل أ نّها هي الجلدة ، لا المادّة التي في جوفها . غاية الأمر أنّ الجلدة في الجدي قبل الرعي رقيقة ، وإذا بلغ حدّه ورعى صارت غليظة مستكرشة . فالأظهر - بحسب كلمات أهل اللغة - أنّ الإنفحة هي الجلدة الرقيقة ، لا المادّة في جوفها .

نعم ، يظهر من رواية الثُمالي المتقدّمة أ نّها المادّة التي كاللبن ، أو هي اللبن بعينه ؛ وإن صارت في جوف الجدي غليظةً . كما أنّ الظاهر أنّ تلك المادّة كانت فيها منافع الناس ، وهي التي تجعل في الجبن ؛ وإن احتمل أن تكون الجلدة الرقيقة بما في جوفها مادّتَه .

بيان حكم الإنفحة

وكيف كان : لا إشكال في طهارة المظروف ؛ إمّا لطهارة ظرفه إن كان إنفحة ، أو لعدم انفعاله منه إن كان المظروف إنفحة .

ولو شكّ في أ نّها ظرف أو مظروف ، فيمكن أن يقال بوقوع التعارض بين أصالة الإطلاق في أدلّة نجاسة أجزاء الميتة التي تحلّها الحياة ، وأصالة الإطلاق في دليل منجّسية النجس ، فيرجع إلى أصالة الطهارة في الظرف بعد العلم تفصيلاً بطهارة المظروف .

لكن التحقيق نجاسة الظرف ؛ أخذاً بإطلاق دليل نجاسة الميتة . ولا تعارض أصالة الإطلاق فيها بأصالة الإطلاق في دليل منجّسية النجس ؛ لعدم جريانها فيما علم الطهارة ، وشكّ في أ نّه من باب التخصيص ، أو التقييد ، أو التخصّص

ص: 154

والخروج موضوعاً ؛ لأنّ تلك الاُصول العقلائية عملية يتّكل عليها العقلاء في

مقام الاحتجاج والعمل دون غيره ، نظير أصالة الحقيقة فيما دار الأمر بينها وبين المجاز ، فإنّها جارية مع الشكّ في المراد ، لا مع الشكّ في نحو الاستعمال بعد العلم بالمراد .

ففيما نحن فيه بعد ما علمنا بأنّ المظروف طاهر ، وشككنا في أنّ طهارته لأجل التقييد في إطلاق «النجس منجّس» أو التخصيص في عمومه ، أو لأجل الخروج موضوعاً والتخصّص ، لا تجري أصالة الإطلاق ؛ لعدم بناء العقلاء على إجرائها في مثله بعد عدم الأثر العملي لها ، فبقيت أصالة العموم أو الإطلاق في نجاسة الميتة على حالها . نعم لو شكّ في كونها ممّا تحلّه الحياة فالأصل الطهارة .

هذا إذا كان ما في جوف الجلدة جامداً طبعاً ، أو مائعاً كذلك ، وقلنا بعدم انفعاله بملاقاة الجلدة النجسة .

وأمّا إذا كان جامداً طبعاً كالخميرة ، وقلنا بانفعاله ولزوم غسل ظاهره الملاقي للجلدة ، فالأمر بالأخذ بأصالة الإطلاق في نجاسة أجزاء الميت ممّا تحلّه الحياة ، والحكم بنجاسة الجلدة أوضح ؛ للعلم بدخولها فيما تحلّه الحياة ، والشكّ في ورود المخصّص عليه ؛ للشكّ في كون الإنفحة الظرف أو المظروف ، فمقتضى الإطلاق نجاستها وتنجيس ما في جوفها .

وهذا - بوجه - نظير العلم بعدم وجوب إكرام زيد ، وتردّد الأمر بين كونه زيداً العالم حتّى خصّص «أكرم العلماء» أو غير العالم حتّى بقي العالم في العموم ، فمقتضى العموم وجوب إكرام زيد العالم ؛ للشكّ في التخصيص .

ص: 155

نعم ، لا يستكشف بأصالة العموم والإطلاق حال الفرد الخارج ، ففيما نحن فيه لا يحرز بها أنّ الإنفحة هي ما في الجوف .

ثمّ إنّ الأظهر وجوب غسل ظاهر الإنفحة الملاقي للميت برطوبة ؛ إن قلنا : بأ نّها هي الجلدة ، أو قلنا : بأ نّها ما في جوفها ، مع كونها طبعاً ونوعاً جامدةً ؛ لعدم استفادة عدم انفعالها حينئذٍ من الأدلّة ، لقصور دلالتها إلاّ على طهارتها الذاتية ، كالشعر والوبر والصوف ، حيث نصّت الروايات بأ نّها ذكيّة ، مع الأمر بغسلها إذا قلعت من الميتة ، فيظهر منها أنّ الحكم بذكاتها في مقابل الميتة التي هي نجسة ذاتاً .

وهذا بخلاف اللبن واللباء والإنفحة - إذا كانت ممّا في الجوف ، وهي مائعة - فإنّ لازم نفي البأس عنها والحكم بأ نّها ذكيّة ، عدم انفعالها ؛ لعدم إمكان غسلها ،

ولا معنى لبيان طهارتها الذاتية مع لزوم النجاسة معها .

ولا يبعد اختصاص الحكم بالإنفحة المتعارفة التي تجعل في الجبن ، والظاهر أ نّها من الجدي والعَناق والسِخال والحمل ، لا من غير المأكول ، ولا من المأكول كالحمار والفرس . بل في البقر والبعير أيضاً تأمّل ؛ لعدم العلم بتعارف الأخذ منهما . بل في صدق «الإنفحة» على غير المأخوذ من الجدي والحمل إشكال ؛ لظهور كلمات اللغويين في الاختصاص بهما (1) .

نعم ، في بعض الروايات شبهة الإطلاق على فرض صدق «الإنفحة» على سائر الحيوانات ، كمرسلة الصدوق قال : قال الصادق علیه السلام : «عشرة أشياء من

ص: 156


1- تقدّمت أقوال اللغويّين في الصفحة 152 - 153 .

الميتة ذكيّة . . .»(1) وعدّ منها الإنفحة ، وروايةِ الحسين بن زرارة(2) .

لكنّ المظنون أنّ ما هو محلّ الكلام هي الإنفحة التي تجعل في الجبن ، كما يظهر من الروايات الواردة في الجبن(3) ، فإنّها التي فيها منافع الناس ، وتكون مورد السؤال غالباً ، ومعه يشكل الإطلاق فيهما .

فالأحوط - لو لم يكن الأقوى - اختصاص الحكم بما يتعارف جعلها في الجبن ، والمتيقّن منه إنفحة الجدي والحمل .

نعم ، لو شكّ في كونها ممّا تحلّها الحياة - كما تدلّ عليه رواية الثُمالي(4) - فالأصل طهارتها مطلقاً .

طهارة البيض المأخوذ من الميتة

وأمّا البيض ، فلا إشكال في طهارته نصّاً وفتوى . بل مقتضى القاعدة طهارته ؛ لعدم كونه من أجزاء الميتة بعد استقلاله واكتسائه الجلد الأعلى ، وعدم كونه ممّا تحلّه الحياة قبله ، مع الشكّ في ملاقاته للميتة ، فضلاً عن القطع به ، والعلمِ بعدم

سراية النجاسة من الجلدة الرقيقة ، فضلاً عن الغليظة .

لكن حكي اتّفاق الأصحاب على التقييد باكتسائه الجلد الأعلى أو الغليظ ،

ص: 157


1- الفقيه 3 : 219 / 1011 ؛ وسائل الشيعة 24 : 182 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 9 .
2- تقدّمت في الصفحة 150 .
3- وسائل الشيعة 25 : 117 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 .
4- تقدّمت في الصفحة 152 .

بل عن جمهور العامّة موافقتنا في ذلك ، فذهبوا إلى عدم حيلولة الجلد الرقيق

بينه وبين النجاسة(1) .

أقول : لو لا ذلك لكان للمناقشة في الحكم مجال ، لا لضعف(2) رواية غياث ابن إبراهيم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة ، قال : «إن كانت اكتست الجلد الغليظ فلا بأس بها»(3) .

فإنّها من الموثّق ؛ لو لم تكن من الصحيح .

بل لقوّة احتمال أن يكون السؤال عن حلّيتها وحرمتها ، لا نجاستها ، والجواب موافق للقاعدة ؛ لأنّ البيضة قبل اكتسائها الجلد الغليظ ، تكون من أجزاء الحيوان ، مرتزقةً منه ، متّصلةً به ، وبعده تصير مستقلّة منحازة ، فخرجت عن جزئيتها ، فهي قبل الاكتساء جزء الميتة حرام أكلها ؛ وإن كانت طاهرة لكونها ممّا لا تحلّه الحياة ، وللشكّ في سراية النجاسة منها إليها ؛ لقطع الارتزاق بالموت ، وعدم العلم بالسراية ، وبعد الاستقلال خرجت عن الجزئية ، فحلال أكلها وطاهرة ، فنفي البأس بعد الاكتساء لا يدلّ على نجاستها قبله ؛ إن كانت الشبهة في الحلّية والحرمة ، ويكفي الشكّ في وجه السؤال بعد كون الطهارة موافقة للأصل .

لكن مخالفة الأصحاب غير ممكنة . واحتمال أن يكون مستندهم الموثّقة

ص: 158


1- مصابيح الظلام 4 : 463 - 464 ؛ مفتاح الكرامة 2 : 53 .
2- كما قاله صاحب المدارك ، مدارك الأحكام 2 : 273 .
3- الكافي 6 : 258 / 5 ؛ وسائل الشيعة 24 : 181 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 6 .

المتقدّمة - مع تخلّل اجتهاد منهم - ضعيف ؛ لاشتهار الحكم بين الفريقين قديماً وحديثاً على ما حكي ، وفي مثله لا يمكن أن يكون المستند رواية غياث فقط . مع أنّ المفهوم منها ثبوت البأس ، وهو أعمّ من النجاسة ، مضافاً إلى ما مرّ من الاحتمال ، فالأقوى ما عليه الأصحاب .

لكن لا يشترط فيه صلابة الجلد ؛ فإنّها تحصل -

على ما قيل - بعد خروجها من است الدجاجة بتصرّف الهواء الخارج ، وحين الخروج لا تكون صلبة وإن كانت غليظة . وكيف كان : فالحكم مترتّب على الجلد الغليظ ، لا الصلب ولو حصل في جوف الدجاجة .

طهارة اللبن في ضرع الميتة

وأمّا اللبن ، فعن الصدوق والمفيد والشيخ والقاضي وابني زهرة وحمزة وصاحبي «كشفي الرموز واللثام» والشهيد(1) وغيرهم(2) ، القول بالطهارة .

وعن «البيان» : «أ نّه قول المشهور» . وعن «الدروس» : «أنّ القائل بخبر المنع

نادر»(3) . وعن «الخلاف» الإجماع على طهارة ما في ضرع الشاة(4) .

ص: 159


1- الهداية ، الصدوق : 309 - 310 ؛ المقنعة : 583 ؛ النهاية : 585 ؛ المهذّب 2 : 441 ؛ غنية النزوع 1 : 401 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 361 - 362 ؛ كشف الرموز 2 : 368 - 369 ؛ كشف اللثام 9 : 273 ؛ الدروس الشرعية 1 : 124 .
2- مدارك الأحكام 2 : 274 ؛ ذخيرة المعاد : 148 / السطر 17 - 19 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 93 .
3- البيان : 90 ؛ الدروس الشرعية 3 : 15 .
4- الخلاف 1 : 519 .

وعن «الغنية» الإجماع على جواز الانتفاع بلبن ميتة ما يقع الذكاة عليه(1) .

وتدلّ عليه صحيحة زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الإنفحة . . . إلى أن قال : قلت : اللبن يكون في ضرع الشاة وقد ماتت ، قال : «لا بأس به»(2) .

وخبر الحسين بن زرارة أو موثّقته(3) قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام وأبي يسأله عن اللبن من الميتة ، والبيضة من الميتة ، وإنفحة الميتة ، فقال : «كلّ هذا ذكيّ»(4) .

ومرسلة الصدوق قال : قال الصادق علیه السلام : «عشرة أشياء من الميتة ذكيّة . . .» وعدّ منها اللبن(5) .

ورواها في «الخصال» بسند غير نقيّ ، عن ابن أبي عمير ، رفعه إلى أبي عبداللّه علیه السلام مع مخالفة في الترتيب(6) .

بل وصحيحة حَريز قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام لزرارة ومحمّد بن مسلم : «اللبن

واللباء . . .» إلى أن قال : «وكلّ شيء يفصل من الشاة والدابّة فهو ذكيّ ، وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله ، وصلّ فيه»(7) .

ص: 160


1- غنية النزوع 1 : 401 .
2- تهذيب الأحكام 9 : 76 / 324 ؛ وسائل الشيعة 24 : 182 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 10 .
3- سيأتي وجه الترديد وما يفيد للمقام في الصفحة 162 و164 .
4- تقدّم في الصفحة 150 .
5- الفقيه 3 : 219 / 1011 .
6- الخصال : 434 / 19 .
7- الكافي 6 : 258 / 4 ؛ وسائل الشيعة 24 : 180 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 3 .

خلافاً للمحكيّ عن أبي علي وأبي يعلى والعجلي والمحقّق وأبي العبّاس والعلاّمة والمحقّق الثاني والصيمري والمقداد(1) .

وعن الحلّي : «أ نّه لا خلاف فيه بين المحصّلين من أصحابنا»(2) .

وعن «المنتهى» : «أ نّه المشهور»(3) .

وعن «جامع المقاصد» : «أ نّه المشهور الموافق لاُصول المذهب ، وعليه الفتوى»(4) .

ويمكن تأييده بدعوى قصور الأدلّة عن إثبات هذا الحكم المخالف للقواعد ، بل المنكر في أذهان المتشرّعة ، لا لما ذكره الشيخ الأعظم : «من أنّ طرح الأخبار الصحيحة المخالفة لاُصول المذهب غير عزيز ، إلاّ أن تعضد بفتوى الأصحاب ، كما في الإنفحة ، أو بشهرة عظيمة توجب شذوذ المخالف ، وما نحن فيه ليس كذلك»(5) .

فإنّ قاعدة منجّسية النجس ليست من القواعد المعدودة من اُصول المذهب ؛ بحيث لا يمكن تخصيصها بالرواية الصحيحة ، فضلاً عن الروايات الصحيحة المؤيّدة بفتوى من عرفت .

ص: 161


1- اُنظر مختلف الشيعة 8 : 333 ؛ المراسم : 211 ؛ السرائر 3 : 112 ؛ شرائع الإسلام 3 : 174 ؛ المهذّب البارع 4 : 213 - 214 ؛ نهاية الإحكام 1 : 270 ؛ جامع المقاصد 1 : 167 ؛ اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 86 ؛ التنقيح الرائع 4 : 44 .
2- السرائر 3 : 112 .
3- منتهى المطلب 3 : 204 .
4- جامع المقاصد 1 : 167 .
5- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 71 .

بل لو لم يثبت إعراض الأصحاب عنها لوجب العمل بها ، ولا ريب في عدم إعراضهم عنها ، بل عملهم بها .

بل لاستضعاف سند روايةِ الحسين بن زرارة ؛ لكونه مجهولاً وإن دعا له أبو عبداللّه علیه السلام دعاءً بليغاً (1) ؛ إذ لا يوجب ذلك ثقته في الحديث ، وحجّية روايته . مع أنّ في نسخة من «الوسائل» بدل «اللبن» : «السنّ»(2) .

ومرسلةِ الصدوق - وإن نسب إلى الصادق علیه السلام جزماً ، ونحن قلنا بقرب اعتبار مثل هذا الإرسال(3) - وذلك لما قال في ذيلها في «الفقيه» : «وقد ذكرت

ذلك مسنداً في كتاب «الخصال» في باب العشرات»(4) وسند «الخصال»(5) ضعيف بجهالة علي بن أحمد بن عبداللّه وأبيه .

ولعدم الإطلاق في صحيحة حَريز . بل إشعار ذيلها بأنّ ما ذكر في صدرها هو ما يفصل من الحيّ .

فبقيت صحيحة واحدة هي صحيحة زرارة وهي - مع اشتمالها على «الجلد» ممّا هو خلاف الإجماع ، واختلافِ متنها ؛ لسقوط «الجلد» في رواية الصدوق(6) ،

ص: 162


1- راجع اختيار معرفة الرجال : 138 / 221 .
2- وسائل الشيعة 24 : 180 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 4 .
3- راجع ما تقدّم في الجزء الأوّل : 81 .
4- الفقيه 3 : 219 ، ذيل الحديث 1011 .
5- الخصال : 434 / 19 .
6- الفقيه 3 : 216 / 1006 .

وثبوتِه في رواية الشيخ(1) ، وهو يوجب نحو وهن فيها - لا يمكن الاتّكال عليها في الخروج عن القاعدة . مع أ نّها مخصوصة بالشاة ، ولم يقل أحد بالاختصاص .

خصوصاً مع ما عن الحلّي : «أ نّه نجس بغير خلاف عند المحصّلين من أصحابنا ؛ لأ نّه مائع في ميتة ملامس لها» قال : «وما أورده شيخنا في «نهايته»(2) رواية شاذّة مخالفة لاُصول المذهب ، ولا يعضدها كتاب اللّه تعالى ولا سنّة مقطوعة بها ، ولا إجماع»(3) .

ودعوى العلاّمة الشهرة على النجاسة(4) . سيّما مع اعتضادها برواية وهب ، عن جعفر ، عن أبيه علیهما السلام : «أنّ عليّاً علیه السلام سئل عن شاة ماتت ، فحلب منها لبن ، فقال علي علیه السلام : ذلك الحرام محضاً»(5) .

وروايةِ الفتح بن يزيد ، عن أبي الحسن علیه السلام وفيها : «وكلّ ما كان من السِخال : الصوف وإن جزّ ، والشعر والوبر والإنفحة والقرن ، ولا يتعدّى إلى غيرها إن شاء اللّه»(6) .

ص: 163


1- تهذيب الأحكام 9 : 76 / 324 .
2- النهاية : 585 .
3- السرائر 3 : 112 .
4- تقدّمت في الصفحة 161 .
5- تهذيب الأحكام 9 : 76 / 325 ؛ وسائل الشيعة 24 : 183 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 11 .
6- الكافي 6 : 258 / 6 ؛ وسائل الشيعة 24 : 181 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 7 .

وروايةِ يونس ، عنهم علیهم السلام قالوا : «خمسة أشياء ذكيّة . . .»(1) ولم يعدّ اللبن منها . لكن مع ذلك الأقوى هو الطهارة .

والمناقشة في تلك الروايات - المعمول بها ، المعوّل عليها قديماً وحديثاً - في غاية الفساد والضعف .

مع أنّ تضعيف رواية الحسين - مع كونه إمامياً ممدوحاً يروي عنه الأجلّة ، كصفوان بن يحيى(2) - في غير محلّه . مضافاً إلى أنّ ظاهر الكليني حيث قال : وزاد فيه علي بن عقبة وعلي بن الحسن بن رباط قال : «والشعر والصوف كلّه ذكيّ»(3) ، أ نّهما رويا ما روى الحسين مع زيادة عمّن روى لا عنه ؛ فإنّهما لم يرويا عن الحسين . بل علي بن عقبة من رجال الصادق علیه السلام (4) وقيل في علي بن الحسن أيضاً ذلك(5) . ولو كان من أصحاب الرضا علیه السلام (6) لا يبعد إدراكه مجلس أبي عبداللّه علیه السلام وإن لم يكن راوياً عنه ، فتكون الرواية صحيحة لوثاقتهما (7) .

ولا شبهة في خطأ نسخة «الوسائل» لروايتها في مورد آخر وفيها : «اللبن»(8)،

ص: 164


1- تقدّمت في الصفحة 148 .
2- راجع تنقيح المقال 1 : 328 / السطر 10 .
3- الكافي 6 : 258 / 3 .
4- رجال الطوسي : 245 / 302 .
5- اُنظر تنقيح المقال 2 : 277 / السطر 31 (أبواب العين) .
6- رجال النجاشي : 251 / 659 ؛ خلاصة الأقوال : 186 / 39 .
7- رجال النجاشي : 251 / 659 ، و : 271 / 710 .
8- وسائل الشيعة 3 : 513 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 68 ، الحديث 2 و3 .

وفي «مرآة العقول» كذلك(1) ، وفي كتب الفروع أيضاً كذلك ، فالنسخة من خطأ النسّاخ جزماً .

بل المناقشة في مرسلة الصدوق أيضاً لا تخلو من إشكال ؛ بعد انتساب الرواية جزماً إلى الصادق علیه السلام وهو غير ممكن من مثل الصدوق إلاّ مع وثاقة رواتها ، أو محفوفيتها بقرائن توجب جزمه بالصدور ، فيمكن أن يجعل ذلك توثيقاً منه للرجلين .

ولو نوقش فيه فلا أقلّ من كونها معتمدة عنده ، ومجزوماً بها ، سيّما مع ما في

أوّل «الفقيه» من الضمان(2) .

مضافاً إلى أنّ المحكيّ عن العلاّمة تصحيح بعض روايات ابن مسلم إلى الصدوق ، وعلي بن أحمد فيه(3) .

وقيل : «إنّ الصدوق كثيراً ما يذكره مترضّياً عنه ، ومترحّماً عليه»(4) .

وعن المجلسي الأوّل توثيق أبيه ؛ مستنداً إلى اعتماد الصدوق عليه في كثير من الروايات(5) .

ص: 165


1- مرآة العقول 22 : 53 / 3 .
2- الفقيه 1 : 3 .
3- اُنظر تعليقات على منهج المقال ، المحقّق الوحيد البهبهاني : 225 ؛ منتهى المقال 4 : 338 ؛ مختلف الشيعة 1 : 145 ، و4 : 94 و106 .
4- اُنظر تعليقات على منهج المقال ، المحقّق الوحيد البهبهاني : 225 ؛ منتهى المقال 4 : 338 ؛ التوحيد : 99 / 6 ؛ الخصال : 98 / 48 ، و : 102 / 59 .
5- روضة المتّقين 14 : 255 .

وعن الفاضل الخراساني تصحيح خبرهما في سنده ، وجعلهما من مشايخ الإجازة(1) .

والظاهر أنّ لصحيحة حريز إطلاقاً . ولا يكون ذيلها قرينة على عدمه لو لم يكن مؤكّداً له ؛ فإنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصلّ فيه» ، هو ذكر أحد شقّي المذكور في الصدر ، فكأ نّه قال : «كلّ ما يفصل من الدابّة ذكيّ ذاتاً ، لكن إذا أخذت من الميّت اغسله ؛ لنجاسته العرضية» .

وأغرب من جميع ذلك ، المناقشة في صحيحة زرارة بمجرّد اشتمالها على «الجلد» إمّا لاشتباه من النسّاخ ، أو الرواة ، أو لجهة في الصدور ، مع كون سائر المذكورات فيها موافقة للنصوص والفتاوى ، فلا وجه لردّها .

وأغرب من ذلك ، المناقشة في الصحيحة بطريق الصدوق ، مع عدم اشتمالها على «الجلد» بل يكشف ذلك عن الاشتباه في رواية الشيخ ، فلا وهن فيها بوجه ، وهي حجّة كافية في رفع اليد عن قاعدة منجّسية النجس .

وفي دعوى الحلّي ما لا يخفى ، سيّما في نسبة الشذوذ إلى الرواية ، مع أ نّها مشهورة فتوى ، متكرّرة نقلاً ، موافقة لفتوى المحصّلين من أصحابنا .

ولعلّ مراد العلاّمة الشهرة عند المتأخّرين ، وإلاّ فقد مرّت كلمات القوم ، وإجماع «الخلاف» ، و«الغنية» . والشهرة المتأخّرة لا تفيد جرحاً ولا جبراً ، ومن ذلك لا يعبأ برواية وهب بن وهب أكذب البرية(2) .

ص: 166


1- ذخيرة المعاد : 39 / السطر 29 .
2- اختيار معرفة الرجال : 309 / 558 .

مع أنّ الحرمة غير النجاسة ، فيمكن أن يكون اللبن من الميت حراماً غير نجس ، فلو كانت الرواية معتمدة ، يمكن الجمع بينها وبين سائر الروايات بذلك ، فبقي ما دلّ على الطهارة بلا معارض .

وأمّا رواية الفتح فمع ضعفها سنداً ، ووهنها متناً ، مخالفة للإجماع والنصوص المعتبرة .

وقد مرّ الكلام في رواية يونس(1) . مع أنّ الانحصار بالخمسة ممّا لم يقل به أحد ، فلا مفهوم لها جزماً .

نجاسة ما لا تحلّه الحياة من نجس العين

ثمّ إنّه يأتي الكلام - إن شاء اللّه - في نجاسة شعر الكلب وأخويه في محلّه

المناسب له(2) ، فإنّ الكلام هاهنا في نجاسة الميتة . نعم ينبغي الجزم بعدم تأثير الموت في تنجيس ميتتها ، بعد الجزم بعدم كون النجاسة بالموت أغلظ من نجاستها الذاتية ؛ لعدم معنى تنجّس النجس .

لكن لو كان للميت بما هو كذلك حكم ، يترتّب عليها بموتها ، فما يشعر به كلام الشيخ الأعظم من ارتضائه بتنجّسها بالموت ، مضافاً إلى نجاستها العينية ، وعدم نجاسة ما لا تحلّه الحياة منها بالموت ، بل تكون على نجاستها الأوّلية(3) ، لا يخلو عن الإشكال . ولعلّه أشار إليه بقوله : «فافهم» .

ص: 167


1- تقدّمت في الصفحة 148 .
2- يأتي في الصفحة 227 و232 و439 .
3- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 72 - 73 .
تنبيه استطرادي في وجوب غسل مسّ الميّت

ذكر المحقّق هاهنا غسل المسّ فقال : «يجب الغسل على من مسّ ميّتاً من الناس قبل تطهيره وبعد برده»(1) .

والظاهر منه أنّ محلّ الكلام موضوع واحد هو مسّه ، كما هو المعروف .

لكن يظهر من الشيخ في «الخلاف» أنّ محطّ البحث بين الفريقين أمران :

الأوّل : أ نّه هل يجب الغسل على غاسل الميّت ؟

والثاني : هل يجب ذلك على من مسّ ميّتاً بعد برده وقبل غسله ؟

وذلك أ نّه عنون المسألة الاُولى فقال : «يجب الغسل على من غسّل ميّتاً ، وبه قال الشافعي في «البويطي»(2) ، وهو قول علي علیه السلام وأبي هريرة(3) . وذهب ابن عمر وابن عبّاس وعائشة والفقهاء أجمع - مالك وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأحد قولي الشافعي ، قاله في عامّة كتبه - أنّ ذلك مستحبّ»(4) .

ثمّ استدلّ على الوجوب بإجماع الفرقة ، وقاعدة الاحتياط ، ورواية

ص: 168


1- شرائع الإسلام 1 : 44 .
2- المجموع 5 : 185 - 186 .
3- المحلّى بالآثار 1 : 270 - 271 ؛ المجموع 2 : 203 ، و5 : 185 - 186 .
4- الاُمّ 1 : 38 و266 ؛ سنن الترمذي 2 : 231 / 998 ؛ المحلّى بالآثار 1 : 270 - 271 ؛ المجموع 2 : 202 - 203 ، و5 : 185 - 186 .

أبي هريرة : أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : «من غسّل ميّتاً فليغتسل ، ومن حمله فليتوضّأ»(1).

ثمّ عنون الثانية ، وجعل المخالف جميع الفقهاء ، واستدلّ بالإجماع والاحتياط ، دون الرواية(2) . وهو ظاهر في أنّ خلافهم في الاُولى دون الثانية .

ثمّ إنّ الموضوع في المسألة الاُولى يحتمل أن يكون عنوان «الغاسل» ولو لم يمسّ الميّت ، فيكون الخلاف في أنّ الغاسل بما هو هل يجب عليه أم لا ؟

ويحتمل أن يكون المسّ الحاصل بتبع الغسل ؛ بمعنى أنّ للمسّ مصداقين :

الأوّل : ما هو تبع الغسل ، وهو محلّ الخلاف الأوّل .

والثاني : ما هو مستقلّ ، وهو مورد الثاني .

ومقتضى الجمود على ظاهر عنوان «الخلاف» أنّ محطّ البحث الأوّلُ ، كما ربّما تشهد له بعض الروايات ، كصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما علیهما السلام

قال : قلت : الرجل يغمّض عين الميّت ، أعليه غسل ؟ قال : «إذا مسّه بحرارته فلا ، ولكن إذا مسّه بعد ما برد فليغتسل» .

قلت : فالذي يغسّله يغتسل ؟ قال : «نعم»(3) .

وصحيحتِه الاُخرى ، عن أحدهما علیهما السلام قال : «الغُسل في سبعة عشر

ص: 169


1- سنن أبي داود 2 : 218 / 3161 .
2- الخلاف 1 : 700 - 701 .
3- الكافي 3 : 160 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 428 / 1364 ؛ وسائل الشيعة 3 : 289 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 1 .

موطناً . . .» إلى أن قال : «وإذا غسّلت ميّتاً أو كفّنته أو مسسته . . .»(1) إلى آخره .

ورواها الصدوق عن أبي جعفر علیه السلام باختلاف يسير ، لكن عطف فيها «كفّنته»

بالواو(2) ، وهو الصحيح .

وصحيحةِ معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الذي يغسّل الميّت أعليه غسل ؟ قال : «نعم» .

قلت : فإذا مسّه وهو سُخْن ؟ قال : «لا غسل عليه ، فإذا برد فعليه الغسل»(3) .

حيث يظهر منها أنّ عنوان «الغاسل» غير عنوان «الماسّ» ويجب على كلّ منهما الغسل .

مضافاً إلى أنّ ذلك مقتضى الجمود على ظاهر ما علّق فيها الغسل على عنوان «من يغسّل الميّت» تارة ، وعلى «من مسّه» اُخرى في سائر الروايات(4) .

لكن مع ذلك لا يمكن الالتزام بوجوبه عليه ولو مع عدم المسّ ؛ لعدم احتماله في كلمات القوم ، فضلاً عن اختياره ، فلا بدّ من حمل ما دلّ على وجوبه على من مسّه حال غسله :

ص: 170


1- تهذيب الأحكام 1 : 114 / 302 ؛ وسائل الشيعة 3 : 307 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأغسال المسنونة ، الباب 1 ، الحديث 11 .
2- هكذا في الوسائل وفي بعض نسخ الفقيه . راجع الفقيه 1 : 77 / 172 (ط - مؤسسة النشر الإسلامي) ؛ وسائل الشيعة 3 : 304 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأغسال المسنونة ، الباب 1 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 429 / 1367 ؛ وسائل الشيعة 3 : 290 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 4 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 289 و295 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 و3 .

أمّا حمل مثل صحيحة ابن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «من غسّل ميّتاً وكفّنه اغتسل غسل الجنابة»(1) على ذلك ؛ فلأنّ غسله ملازم عادة لمسّه ، وقلّما يتّفق التفكيك ، لو لم نقل : لم يتّفق .

وأمّا صحيحته الاُولى المتقدّمة ؛ فلاحتمال أن يكون سؤاله لشبهة أنّ مسّه حال الغسل لا يوجبه ، أو أنّ غسله موجب لسقوط غسل المسّ تبعاً . كما أنّ السؤال في صحيحة معاوية محمول عليه أيضاً ، فلا يكون سؤاله عن عنوان «الغسل» بل عن مسّه في ضمنه ، كما لعلّه المتفاهم عرفاً منها ، بل هو ظاهرها .

وعليه تحمل صحيحة ابن مسلم الاُخرى ؛ ضرورة أنّ التكفين لا يوجب شيئاً ، فيكون المقصود المسّ حال الغسل ، وذكر التكفين لعلّه لأجل أنّ الغاسل هو المكفّن ، ولهذا عدّ فيها للثلاثة غسلاً واحداً ، ولولا ذلك للزم أن يكون الغسل في تسعة عشر موطناً ، لا سبعة عشر ، فالغسل في الثلاثة لعنوان واحد هو «المسّ» فتكون الرواية شاهدة على عدم تعدّد العنوان . وتشهد لذلك حسنة الفضل الآتية الواردة في علّة غسل من غسّل ميّتاً (2) ، بل هي حاكمة على غيرها .

فموضوع البحث هو مسّ الميّت بعد برده وقبل غسله ، كما عنون المحقّق(3) وغيره(4) ، وقد عرفت عنوان الشيخ .

ص: 171


1- تهذيب الأحكام 1 : 447 / 1446 ؛ وسائل الشيعة 3 : 290 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 6 .
2- تأتي في الصفحة 174 .
3- شرائع الإسلام 1 : 44 .
4- مختلف الشيعة 1 : 149 ؛ جامع المقاصد 1 : 458 .

ولعلّ خلاف العامّة في الغاسل الذي مسّه ، لا الأعمّ ، ولا أظنّ الخلاف في عدم وجوبه على من لم يمسّه .

أدلّة وجوب الغسل

وكيف كان : فالغسل واجب لمسّه إجماعاً ، كما في «الخلاف»(1) ، وعن «الغنية»(2). وفي استفادته من كلامهما كلام. و«هو المشهور» كما عن «المختلف» و«جامع المقاصد» ، و«الكفاية»(3) ، و«مذهب الأكثر» كما عن طهارة «الخلاف» و«التذكرة» و«المنتهى» و«المدارك» و«الكفاية» في موضع آخر(4).

ولم يحكَ الخلاف صريحاً إلاّ عن السيّد(5) . وفي «الخلاف» : «أنّ من شذّ منهم لا يعتدّ بخلافه»(6) .

وتدلّ عليه روايات مستفيضة أو متواترة ، فهي بين آمرةٍ بالغسل ، كصحيحة

محمّد بن مسلم المتقدّمة ، عن أحدهما علیهما السلام (7) ، وصحيحة عاصم بن حُمَيْد(8) ،

ص: 172


1- الخلاف 1 : 701 .
2- غنية النزوع 1 : 40 .
3- مختلف الشيعة 1 : 149 ؛ جامع المقاصد 1 : 458 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 17 .
4- الخلاف 1 : 222 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 134 ؛ منتهى المطلب 2 : 452 ؛ مدارك الأحكام 2 : 277 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 38 .
5- اُنظر الخلاف 1 : 222 ؛ رسائل الشريف المرتضى 3 : 25 .
6- الخلاف 1 : 701 .
7- تقدّمت في الصفحة 169 .
8- تهذيب الأحكام 1 : 429 / 1365 ؛ وسائل الشيعة 3 : 290 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 3 .

وصحيحة ابن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «من غسّل ميّتاً وكفّنه اغتسل غسل الجنابة»(1) .

وصحيحةِ الحلبي وفيها : «ويغتسل من مسّه»(2) ، وصحيحةِ الأقطع(3) ، وصحيحة حَريز ، عن أبي عبداللّه علیه السلام (4) .

ومعبّرةٍ ب- «أنّ عليه الغسل» كصحيحة معاوية بن عمّار قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الذي يغسّل الميّت أعليه غسل ؟ قال : «نعم . . .» إلى أن قال : «فإذا برد فعليه الغسل . . .»(5) إلى آخره .

وصحيحةِ عبداللّه بن سِنان - على الأصحّ (6) - عن أبي عبداللّه علیه السلام وفيها : «ولكن إذا مسّه وقبّله وقد برد فعليه الغسل»(7) .

وصحيحةِ علي بن جعفر ، عن أخيه علیه السلام قال : سألته عن رجل مسّ ميّتاً ،

ص: 173


1- تقدّمت في الصفحة 171 .
2- الفقيه 1 : 262 / 1197 ؛ وسائل الشيعة 3 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 9 .
3- الفقيه 1 : 98 / 451 ؛ وسائل الشيعة 3 : 292 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 10 .
4- الكافي 3 : 160 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 292 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 14 .
5- تقدّمت في الصفحة 170 .
6- بناءً على وثاقة سهل بن زياد وقد تقدّم ما يدلّ على توثيقه في الجزء الأوّل : 78 و267 - 268 .
7- الكافي 3 : 160 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 15 .

عليه الغسل ؟ قال : فقال : «إن كان الميّت لم يبرد فلا غسل عليه ، وإن كان قد برد فعليه الغسل إذا مسّه»(1) .

ومعبّرةٍ ب- «أ نّه الفرض» كرواية يونس ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبداللّه علیه السلام

قال : «الغسل في سبعة عشر موطناً ، منها الفرض ثلاثة» .

قلت : ما الفرض منها ؟ قال : «غسل الجنابة ، وغسل من مسّ ميّتاً ، وغسل الإحرام»(2) .

ومعبّرةٍ بمادّة «الأمر» كحسنة الفضل بن شاذان ، عن الرضا علیه السلام قال : «إنّما اُمر من يغسّل الميّت بالغسل لعلّة الطهارة ممّا أصابه من نضح الميّت ؛ لأنّ الميّت إذا خرج منه الروح بقي منه أكثر آفته»(3) .

ومعبّرةٍ بمادّة «الوجوب» كصحيحة الصفّار قال : كتبت إليه علیه السلام : رجل أصاب يده أو بدنه ثوب الميّت الذي يلي جلده قبل أن يغسّل ، هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه ؟ فوقّع : «إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل ، فقد يجب عليك الغُسل»(4) . بناءً على ضمّ المعجمة ، كما لا يبعد .

ص: 174


1- مسائل علي بن جعفر : 198 / 426 ؛ وسائل الشيعة 3 : 293 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب1 ، الحديث 18 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 105 / 271 ؛ وسائل الشيعة 2 : 174 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 1 ، الحديث 4 .
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 114 / 1 ؛ علل الشرائع : 268 / 9 ؛ وسائل الشيعة 3 : 292 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 11 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 429 / 1368 ؛ وسائل الشيعة 3 : 290 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 5 .

وفي موثّقة سَماعة أو صحيحته(1) : «وغسل من مسّ الميّت واجب»(2) تأمّل .

إلى غير ذلك ، فلا إشكال في دلالتها على وجوبه . والخدشة فيها من بعضهم(3) في غير محلّها .

حول ما يتمسّك به لعدم وجوب الغسل

نعم ، هنا روايات ربّما يتمسّك بها لعدم الوجوب(4) ، كرواية سعد بن أبي خلف - ولا يبعد أن تكون صحيحة(5) - قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «الغسل في

ص: 175


1- رواها الشيخ الطوسي ، عن الشيخ - وهو المفيد رحمه الله - قال : أخبرني أحمد بن محمّد ، عن أبيه ، عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمّد ، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة . وجه الترديد وقوع عثمان بن عيسى وسماعة في السند ؛ لأنّ عثمان بن عيسى كان شيخ الواقفة ووجهها ومن أصحاب الإجماع على قول ، ولكنّ الظاهر رجوعه عن الوقف . وسماعة بن مهران ثقة عند النجاشي وواقفي عند الشيخ الطوسي . رجال النجاشي : 193 / 517 و : 300 / 817 ؛ رجال الطوسي : 337 / 4 ؛ الفهرست ، الطوسي : 193 / 545 .
2- الفقيه 1 : 45 / 176 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 104 / 270 ؛ وسائل الشيعة 2 : 174 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 1 ، ذيل الحديث 3 .
3- ذخيرة المعاد : 91 / السطر 31 .
4- اُنظر التنقيح الرائع 1 : 128 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 331 .
5- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، عن أحمد بن محمّد ، عن سعد بن أبي خلف . وليس في السند من يتأمّل فيه إلاّ الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، وقد تقدّم الكلام فيه من المصنّف في الجزء الثاني : 409 .

أربعة عشر موطناً ، واحد فريضة ، والباقي سنّة»(1) .

وفيه : أنّ المواطن غير مذكورة فيها ، ولعلّ الباقي المراد منها الأغسال المندوبة ، وإلاّ فلا شبهة في وجوب أغسال اُخر . كما لا إشكال في زيادتها عن أربعة عشر .

ولو قيل : باندراج بعضها في بعض ، يقال : من المحتمل اندراج الواجبات في غسل الجنابة ؛ باعتبار اشتراكها في رفع الحدث الأكبر .

ومع الإغماض عنه لا بدّ من حمل «الفريضة» على ما ثبت وجوبه بالكتاب ، وإلاّ فلا ينحصر الواجب في غسل الجنابة بالضرورة ، فسبيل هذه الرواية سبيل صحيحة عبد الرحمان بن أبي نجران : أ نّه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر علیه السلام

عن ثلاثة نفر كانوا في سفر : أحدهم جنب ، والثاني ميّت . . . إلى أن قال : «لأنّ غسل الجنابة فريضة ، وغسل الميّت سنّة»(2) .

وقريب منها رواية الحسين بن النضر(3) ، وغيرها (4) ؛ ضرورة وجوب غسل الميّت .

ولو كان المراد من «أربعة عشر موطناً» هو المعدودة في محكيّ «الخصال»

ص: 176


1- تهذيب الأحكام 1 : 110 / 289 ؛ وسائل الشيعة 2 : 176 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 1 ، الحديث 11 .
2- الفقيه 1 : 59 / 222 ؛ وسائل الشيعة 3 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 18 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 110 / 287 ؛ وسائل الشيعة 3 : 376 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 18 ، الحديث 4 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 18 .

صحيحةً عن عبداللّه بن سِنان(1) ، لوجب حملها على ما ذكر ؛ لأنّ فيها غسل الميّت ، وهو واجب بلا شبهة .

ومنه يظهر الجواب عن مرسلة الصدوق ، عن أبي جعفر علیه السلام وصحيحة محمّد ابن مسلم ، والظاهر كونهما واحدة كما مرّ(2) ، وفيها - بعد عدّ جملة من الأغسال ، منها غسل المسّ - قال : «وغسل الجنابة فريضة» . هذا مع عدم المفهوم لها .

ومنه يظهر الجواب عن رواية الأعمش ، عن جعفر بن محمّد علیهما السلام ، وفيها

- بعد عدّ جملة منها غسل المسّ - قال : «وأمّا الفرض فغسل الجنابة ، وغسل الجنابة والحيض واحد»(3) .

مضافاً إلى أنّ من جملة المعدود فيها غسل الميّت ، وهو معلوم الوجوب ، فلا بدّ من رفع اليد عن مفهومها - لو سلّم المفهوم - أو حملها على ما تقدّم .

ومن بعض ما تقدّم يظهر الجواب عن رواية عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي علیهم السلام قال : «الغسل من سبعة : من الجنابة ، وهو واجب ، ومن غسل الميّت ، وإن تطهّرت أجزأك . . .»(4) وذكر غير ذلك .

فإنّ إثبات الوجوب لغسل الجنابة ، لا يدلّ على النفي عن غيره . ولو استدلّ له بقوله علیه السلام : «وإن تطهّرت . . .» إلى آخره ، فلم يتّضح معناه ؛ لاحتمال كون

ص: 177


1- الخصال : 498 / 5 .
2- تقدّم في الصفحة 170 .
3- الخصال : 603 / 9 ؛ وسائل الشيعة 3 : 306 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأغسال المسنونة ، الباب 1 ، الحديث 8 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 464 / 1517 ؛ وسائل الشيعة 3 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 8 .

المراد من «التطهّر» غسل الجنابة ، ويريد إجزاءه عن غسل المسّ . ولعلّ التعبير

ب- «التطهّر» تبعاً للكتاب ، حيث قال : )وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا((1) .

وحملها الشيخ على التقيّة(2) ، ولا بأس به لو اُغمض عمّا ذكرناه .

وأمّا رواية الحسن بن عبيد قال : كتبت إلى الصادق علیه السلام : هل اغتسل أمير المؤمنين حين غسّل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عند موته ؟ فأجاب : «النبيّ طاهر

مطهّر ، ولكن فعل أمير المؤمنين ، وجرت به السنّة»(3) .

فهي ظاهرة في معروفية ثبوت الغسل لمسّ الميّت ، وإنّما سأل عن مسّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم لخصوصية فيه ، فأجاب بما أجاب ، فيظهر منها أنّ غسل مسّ المعصوم علیه السلام سنّة ؛ لكونه طاهراً مطهّراً ، وحكمه غير حكم مسّ غيره ، فلا بدّ - بعد ثبوته - أن يكون واجباً ، فتدلّ على المقصود ؛ أي وجوبه لمسّ غير الطاهر .

وأمّا رواية «الاحتجاج»(4) ، فظاهرة في المسّ حال الحرارة كما لا يخفى . وتدلّ عليه مكاتبة اُخرى(5) ، فراجع .

ص: 178


1- المائدة (5) : 6 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 464 ، ذيل الحديث 1517 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 469 / 1541 ؛ وسائل الشيعة 3 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 7 .
4- الاحتجاج 2 : 564 / 354 ؛ وسائل الشيعة 3 : 296 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 3 ، الحديث 4 ، وقد تقدّم متنها أيضاً في الصفحة 97 .
5- الاحتجاج 2 : 564 / 354 ؛ وسائل الشيعة 3 : 296 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 3 ، الحديث 5 ، وقد تقدّم متنها أيضاً في الصفحة 97 - 98 .

وأمّا عدّه في عداد المستحبّات(1) ، فلا دلالة على استحبابه ، كما عُدّ غسل الميّت والحيض في عدادها .

وأمّا ما دلّ على حصر النواقض في غيره(2) ، فمضافاً إلى أنّ الكلام في وجوبه لا ناقضيته ، أنّ تلك الروايات في مقام الردّ على العامّة الذين عدّوا كثيراً من الاُمور من النواقض ، فالحصر إضافي ، فراجعها .

فتحصّل ممّا ذكر : أن لا معارض للروايات الدالّة على وجوبه ، فلا إشكال فيه . كما لا إشكال في عدم الغسل لمسّه قبل البرد ، كما صرّحت به جملة من الروايات(3) ، فيحمل عليها إطلاق غيرها لو كان .

وكذا لا إشكال في عدم شيء بمسّه بعد الغسل ، كما صرّح به في صحيحة ابن مسلم(4) ، وعبداللّه بن سِنان(5) ، فلا بدّ من حمل موثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «يغتسل الذي غسّل الميّت ، وكلّ من مسّ ميّ-تاً فعليه

ص: 179


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 304 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأغسال المسنونة ، الباب 1 ، الحديث 4 - 11 .
2- راجع وسائل الشيعة 1 : 248 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 2 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 290 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 4 و15 و18 .
4- عن أبي جعفر عليه السلام قال : «مسّ الميّت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس بها بأس» . تهذيب الأحكام 1 : 430 / 1370 ؛ وسائل الشيعة 3 : 295 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 3 ، الحديث 1 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 430 / 1372 ؛ وسائل الشيعة 3 : 295 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 3 ، الحديث 2 .

الغسل وإن كان الميّت قد غسّل»(1) على الاستحباب ، أو غير ذلك .

هذا إذا لم يجز جعل اسم «كان» ضميراً راجعاً إلى «من مسّ» وجعل الجملة التي بعدها خبرها ؛ بدعوى عدم جواز جعل معمول الخبر تلو العامل(2) ، وإلاّ فتسقط عن الدلالة على الخلاف . فلا دليل على استحبابه إلاّ إشعار بعض الروايات ، كصحيحة سليمان بن خالد ، عن أبي عبداللّه علیه السلام وفيها قال : فمن أدخله القبر ؟ قال : «لا ، إنّما مسّ الثياب»(3) .

ونحوها صحيحة حَريز(4) ، فهما مشعرتان أو ظاهرتان في أ نّه إذا مسّ جسده فعليه الغسل ، فلا بدّ من حملهما على الاستحباب جمعاً ، والأمر سهل .

ناقضية مسّ الميّت للطهارة

ثمّ الظاهر أنّ المسّ من الأحداث الموجبة لنقض الطهارة ، كما عن «النهاية» ،

و«الدروس» ، و«الذكرى» ، و«الألفية»(5) .

وعن «شرح المفاتيح» : «أنّ المشهور المعروف بين الفقهاء أنّ مسّ الميّت

ص: 180


1- تهذيب الأحكام 1 : 430 / 1373 ؛ وسائل الشيعة 3 : 295 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 3 ، الحديث 3 .
2- أوضح المسالك 1 : 248 ؛ البهجة المرضيّة 1 : 102 .
3- الفقيه 1 : 98 / 451 ؛ وسائل الشيعة 3 : 292 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 10 .
4- الكافي 3 : 160 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 292 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 14 .
5- النهاية : 18 ؛ الدروس الشرعية 1 : 88 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 217 ؛ رسائل الشهيد الأوّل ، الألفي-ة : 162 .

من الناس حدث أكبر ، كالجنابة والحيض»(1) . وعن «الحدائق» دعوى عدم الخلاف بينهم(2) .

لا لمجرّد أنّ الأمر بالغُسل عند مسّه ، ظاهر في أ نّه مثل الجنابة من الأحداث المقتضية للطهارة ؛ لأنّ الظاهر منه أنّ الغسل رافع لما يحدث بالمسّ ، لكن لا يجدي ذلك في إثبات أنّ ما يحدث به حدث مانع للصلاة . وقياسه على سائر الأحداث كما ترى .

وبعبارة اُخرى : أنّ الظاهر من ترتّب وجوب الغُسل على المسّ ، أ نّه دخيل في ذلك ، والمتفاهم منه عرفاً أنّ المسّ موجب لحدوث حالة معنوية للماسّ لا ترتفع إلاّ بالغسل ، وأمّا كون تلك الحالة مانعة عن الصلاة ، أو أنّ الغسل منه شرط لها فلا ، إلاّ بالقياس على الجنابة وغيرها .

بل لدلالة جملة من الروايات كمكاتبتي الحسن بن عبيد والصيقل قال : كتبت إلى الصادق علیه السلام : هل اغتسل أمير المؤمنين حين غسّل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عند موته ، فأجابه : «النبي طاهر مطهّر ، ولكن فعل أمير المؤمنين ، وجرت به السنّة»(3).

حيث إنّ الظاهر منهما أنّ مسّ غير الطاهر المطهّر من حدث الموت ، موجب للغسل ، والظاهر منه أنّ إيجابه له إنّما هو بنحو من السراية ، كما أنّ الظاهر من

ص: 181


1- مصابيح الظلام 4 : 38 .
2- الحدائق الناضرة 3 : 339 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 469 / 1541 ؛ الاستبصار 1 : 99 / 323 ؛ وسائل الشيعة 3 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 7 .

أدلّة غسل ملاقي النجاسات ذلك ، فالمفهوم منهما أنّ مسّ الأموات موجب لحصول حالة شبيهة بما في الأموات ؛ أي القذارة المعنوية المقابلة للطهارة ، وترتفع بالغسل وتتطهّر به .

فإذا ضمّ ذلك إلى قوله علیه السلام : «لا صلاة إلاّ بطهور»(1) ، يتمّ المطلوب . ويؤيّده - بل يدلّ عليه - ما دلّ على أنّ غسل الأموات غسل الجنابة(2) .

وكحسنة(3) الفضل بن شاذان ، عن الرضا علیه السلام قال : «إنّما اُمر من يغسّل

الميّت بالغسل لعلّة الطهارة ممّا أصابه من نضح الميّت . . .»(4) إلى آخره .

وقريب منها رواية محمّد بن سِنان ، عنه علیه السلام . لكن في ذيلها : «لأنّ الميّت إذا خرج منه الروح بقي أكثر آفته ، فلذلك يتطهّر منه ويطهّر»(5) .

وهما كالصريح في أنّ المسّ موجب للقذارة والحدث المقابلين للطهارة ، وهي تحصل بالغُسل ، ولمّا كان بصدد بيان علّة الاغتسال فلا بدّ من حمل «ما أصابه» على قذارة معنوية مقابلة للطهور الحاصل بالغُسل - بالضمّ - .

وأصرح من ذلك ذيل الثانية ؛ أي «يتطهّر منه ويطهّر» إذ معلوم أنّ المراد التطهير من الحدث ، كتطهير الميّت منه .

ص: 182


1- تهذيب الأحكام 1 : 49 / 144 ، و : 209 / 605 ؛ وسائل الشيعة 1 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 486 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 3 .
3- راجع ما تقدّم في الصفحة 101 ، الهامش 1 .
4- تقدّمت في الصفحة 174 .
5- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 89 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 292 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 12 .

بل يمكن الاستشهاد لذلك بالقول المحكيّ عن أمير المؤمنين علیه السلام في رواية

زيد بن علي علیه السلام قال : «الغسل من سبعة : من الجنابة ، وهو واجب ، ومن غسل الميّت ، وإن تطهّرت أجزأك»(1) .

بناءً على أنّ المراد التطهير من الجنابة ، كما احتملناه(2) ، أو التطهير من مسّ الميّت ، كما احتمله الحرّ في «الوسائل»(3) . وكيف كان : لا إشكال في كونه حدثاً مانعاً من الصلاة وغيرها ممّا هو مشروط بالطهارة .

وهل هو ناقض للوضوء ، فلو كان على وضوء ومسّه ، يجب عليه الغسل والوضوء إن قلنا بعدم كفاية الأوّل عن الثاني كما هو الحقّ ؟ وجهان :

لا يبعد أقربية الأوّل ، ويمكن الاستدلال عليه برواية ابن أبي عمير ، عن

حمّاد بن عثمان أو غيره ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «في كلّ غسل وضوء إلاّ

الجنابة»(4) .

وفي مرسلته الاُخرى ، عنه علیه السلام قال : «كلّ غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة»(5) .

ص: 183


1- تهذيب الأحكام 1 : 464 / 1517 ؛ وسائل الشيعة 3 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 8 .
2- تقدّم في الصفحة 177 - 178 .
3- وسائل الشيعة 3 : 291 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، ذيل الحديث 8 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 143 / 403 ؛ وسائل الشيعة 2 : 248 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 35 ، الحديث 2 .
5- الكافي 3 : 45 / 13 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 139 / 391 ؛ وسائل الشيعة 2 : 248 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 35 ، الحديث 1 .

بدعوى : أنّ الظاهر أنّ الحكم فعلي ؛ وأنّ كلّ غسل يجب قبله أو بعده وضوء ، ومقتضى الإطلاق لزومه ولو مع كونه على وضوء قبل تحقّق السبب ، لا حيثي يراد به أنّ غير غسل الجنابة لا يجزي عن الوضوء ، حتّى يقال : لا يراد لزوم الوضوء حتّى مع الفرض ، فتدلّ على سببية ما يوجب الغسل للوضوء أيضاً ، وعدم إجزاء الغسل عنه .

نعم ، على ما احتملناه سابقاً من أنّ المراد اشتراط تحقّق الغسل بالوضوء(1) ، تكون أجنبيّة عن المقام . لكن لا يبعد دعوى كون ذلك الاحتمال خلاف الظاهر ، ولهذا لم أجد احتماله في كلماتهم .

وكيف كان لو لم يكن الناقضية أقوى فهي أحوط .

بدلية التيمّم عن الغسل بالنسبة إلى الميّت في جميع الآثار

وهل يلحق المتيمّم بالمغتسل مطلقاً في رفع حدثه وخبثه ، أو لا مطلقاً ، أو يلحق في رفع الأوّل ؟ وجوه :

أقواها الأوّل ، لا لما قد يقال : «إنّه مقتضى عموم أدلّة البدلية»(2) ؛ لعدم الدليل على عمومها حتّى في الخليطين :

أمّا دليل تنزيل التراب منزلة الماء فظاهر .

وأمّا مثل قوله علیه السلام : «إنّ اللّه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء

ص: 184


1- تقدّم في الجزء الأوّل : 278 - 281 .
2- كشف اللثام 2 : 245 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 269 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 5 : 200 .

طهوراً»(1) ؛ فلأنّ تلك الروايات ناظرة إلى الآية الكريمة(2) التي أفادت بدليته عن الماء في الوضوء وغسل الجنابة ، وليست مطلقة خرجت منها الطهارة من الأخباث في جميع الموارد إلاّ ما ندر ، كما لا يخفى ، فسبيل تلك الطائفة سبيل دليل التنزيل .

ولا لما يقال : «إنّه حيث علم أنّ غسله ليس إلاّ غسل الجنابة ، وأ نّه يغسّل الميّت لصيرورته جنباً ، فيكون الحال حينئذٍ بمنزلة ما لو بيّن الشارع للجنابة سبباً آخر غير السببين المعهودين ، فلا يشكّ حينئذٍ في قيام التيمّم مقام غسلها حال الضرورة ؛ بمقتضى عموم ما دلّ على أ نّه أحد الطهورين ، فيعلم أنّ التعدّد وتشريك غير الماء معه في طهوريته لخصوصية المورد ، فاعتبار ذلك لا يمنع من شمول أدلّة البدلية . خصوصاً مع أنّ السبب الأعظم الذي يستند إلى الطهورية إنّما هو الماء ، وخصوصياته المعتبرة - ككونه بماء السدر والكافور - بمنزلة الأوصاف غير المقوّمة»(3) .

وذلك لأ نّه بعد الاعتراف بأنّ الخليط دخيل في الرفع ، وليس الماء القُراح تمام السبب في ذلك ، لا بدّ من التماس دليل على قيام التراب منزلة الماء المخلوط الذي يكون الخلط جزء سبب الرفع . ومجرّد كون الماء ، السبب الأعظم - على فرض تسليمه - لا يفيد في قيام التيمّم مقامه .

ص: 185


1- الفقيه 1 : 60 / 223 ؛ وسائل الشيعة 3 : 385 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 23 ، الحديث 1 .
2- المائدة (5): 6 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 5 : 200 .

وكون غسله غسل الجنابة - على فرض تسليم كون تلك الجنابة كسائر الجنابات ، والغضِّ عمّا في النصوص من خروج النطفة التي خلق منها من فمه أو غيره(1) ، الدالّ على أنّ هذه من غير سنخ سائر الجنابات - لا يفيد أيضاً بعد كون السبب الرافع - ولو لخصوصية المورد - غير الماء القراح ، بل الأغسال الثلاثة بالمقرّرات الخاصّة ، ومعه لا بدّ من دلالة دليل على قيام التراب منزلة السبب ، وهو مفقود .

بل للأدلّة الخاصّة الدالّة على وجوب تيمّم الميّت مع فقد الماء ، كصحيحة عبد الرحمان بن أبي نجران : أ نّه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر علیه السلام عن ثلاثة نفر كانوا في سفر : أحدهم جنب ، والثاني ميّت ، والثالث على غير وضوء ، وحضرت الصلاة ، ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم ، من يأخذ الماء ، وكيف يصنعون ؟ قال : «يغتسل الجنب ، ويدفن الميّت بتيمّم ، ويتيمّم الذي هو على غير وضوء ؛ لأنّ غسل الجنابة فريضة ، وغسل الميّت سنّة ، والتيمّم للآخر جائز»(2) .

وفي نسخة من «الوسائل» الموجودة لديّ نقلها بهذا المتن عن الشيخ ، بسنده عن عبد الرحمان ، عمّن حدّثه ، عن الرضا علیه السلام لكن عن «المدارك» نقل الصحيحة مع سقوط لفظ «بتيمّم»(3) .

ص: 186


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 486 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 3 .
2- الفقيه 1 : 59 / 222 ؛ وسائل الشيعة 3 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 18 ، الحديث 1 .
3- مدارك الأحكام 2 : 85 .

وأورد عليه صاحب «الحدائق» : «بأنّ الصحيحة بسند الصدوق مشتملة عليه . نعم لم تشتمل عليه رواية الشيخ(1) ، وهي غير صحيحة» .

ثمّ قال : «إنّ صاحب «الوافي»(2) و«الوسائل» قد نقلا هذه الرواية من «التهذيب» بهذا المتن - الذي ذكره ؛ أي مع سقوطه - ثمّ نقلاها عن «الفقيه» وأحالا المتن على ما نقلاه عن «التهذيب» ولم ينبّها على الزيادة» .

ثمّ قال : «إنّي قد تتبّعت نسخاً عديدة مضبوطة من «الفقيه» فوجدت الرواية فيها كما ذكرته من الزيادة»(3) انتهى .

لكن في نسخة «الوسائل» عكس ما قال في «الحدائق» فإنّه نقل صحيحة ابن أبي نجران من «الفقيه» مع الزيادة ، ثمّ نقل عن «التهذيب» وأحال المتن على ما نقل عن «الفقيه»(4) .

وكيف كان : هذه الصحيحة المشتملة على الزيادة ، حجّة قاطعة على وجوب تيمّمه مع فقد الماء .

وتدلّ على وجوبه عند العذر رواية عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه ، عن علي علیهم السلام قال : «إنّ قوماً أتوا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقالوا : يا رسول اللّه ، مات صاحب لنا وهو مجدور ، فإن غسّلناه انسلخ ، فقال : يمّموه»(5) .

ص: 187


1- تهذيب الأحكام 1 : 109 / 285 .
2- الوافي 6 : 569 / 32 .
3- الحدائق الناضرة 3 : 473 - 474 .
4- وسائل الشيعة 3 : 375 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 18 ، الحديث 1 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 333 / 977 ؛ وسائل الشيعة 2 : 513 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 16 ، الحديث 3 .

وقد يقال بجبر سندها بفتوى الأصحاب بمضمونها ، وذكره في المتون(1) .

وجه الدلالة على المقصود : أنّ المتفاهم منهما - بعد مسبوقية ذهن المتشرّعة بقيام التيمّم مقام الغسل في الجنابة وغيرها - أنّ الأمر بالتيمّم عند فقد الماء والتعذّر ؛ لأجل حصول ما يحصل بالغسل به في هذا الحال ، ولا يكون التيمّم أجنبيّاً غير مؤثّر في تطهير الميّت ؛ لمقطوعية خلافه ، ومخالفته لارتكاز المتشرّعة ، فالمفهوم منهما أ نّه يقوم مقام الغسل في جميع الآثار ومنها رفع الخبث ؛ فإنّ الرافع له مع نجاسته العينية ليس الغَسل - بالفتح - بل الغُسل .

وبالجملة : إنّ أدلّة البدلية كتاباً وسنّة ، صارت موجبة لاستظهار ما ذكرناه

من الدليل الخاصّ لو فرض قصوره ؛ وإن لم تكن بنفسها دالّة عليه ، فالأقوى قيامه مقامه في رفع الخبث أيضاً . نعم ، رفعه لهما في موضوع خاصّ ، أو إلى أمد خاصّ ، كما مرّ في باب التيمّم(2) .

قيام الأغسال الاضطرارية للميّت مقام الغسل الاختياري

ومن هنا يظهر حال الأغسال الاضطرارية ؛ سواء كان مستندها الأدلّة الخاصّة ، كغسل المحرم بلا كافور ، أو كون الغاسل كافراً أو مخالفاً ، أو مستندها أدلّة التقيّة ، كالغسل على طبق أهل الخلاف تقيّةً ، أو دليل الميسور ، أو إطلاق أدلّة

الغسل مع قصور دليل اعتبار الشرط والقيد مثلاً : أمّا الأخير فواضح .

وأمّا ما عداه ، فلظهور الأدلّة الخاصّة والعامّة في أنّ الطبيعة المأتيّ بها حينئذٍ ،

ص: 188


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 5 : 199 - 200 .
2- تقدّم في الجزء الثاني : 242 .

ليست أمراً أجنبيّاً عن تحصيل ما يترقّب من الغسل من رفع الحدث والخبث ، بل

المتفاهم منها أنّ الغسل الذي أوجبه اللّه تعالى - لتطهير الميّت حدثاً وخبثاً ، ولملاقاته لملائكة اللّه طاهراً نظيفاً - هو المصداق الاضطراري لدى الاضطرار ، وأ نّه موجب لتطهّره ، فهل يمكن أن يقال : إنّ المحرم المحروم من الكافور باقٍ على جنابته ونجاسته ، ويكون الأمر بغسله لا للتطهير منهما ، بل لمطلوبية نفسية بلا ترتّب أثر عليه ؟ ! ولا أظنّ التزام مثل الشيخ الأعظم المستشكل في المسألة بذلك فيه(1) . وكذا فيما إذا كان الغاسل كافراً ، فإنّ الظاهر من الأدلّة أ نّه يأتي بالغسل الذي يترتّب عليه الآثار المطلوبة .

بل الأمر كذلك لو كان الدليل المثبت قاعدة الميسور ؛ لأنّ الأرجح في معنى قوله علیه السلام : «الميسور لا يسقط بالمعسور»(2) أنّ ميسور الطبيعة لا يسقط بمعسورها ؛ بمعنى أنّ الطبيعة المأمور بها التي يكون لها فردان - اختياري واضطراري - لا تسقط عن العهدة بمعسورية الاختياري ، بل يؤتى بها بمصداقها الميسور ، فالطبيعة المأتيّ بها حال الاضطرار عين المأتيّ بها حال الاختيار ، والاختلاف في الخصوصيات الفردية ، فيترتّب عليها ما يترتّب على الاختياري منها .

وقد فرغنا في رسالة التقيّة عن أنّ المأتيّ به حالها مجزٍ عن الواقع ، ويترتّب

عليه ما يترتّب على الفرد المأتيّ به في غير حالها (3) .

ص: 189


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 266 .
2- عوالي اللآلي 4 : 58 / 205 .
3- الرسالات الفقهية والاُصولية ، الإمام الخميني قدس سره: 67 .

فما أفاده شيخنا الأعظم : «من انصراف الغسل في الأخبار إلى الغسل الاختياري التامّ ، ولا دليل على قيام الاضطراري مقام الاختياري في جميع الأحكام»(1) ، غير متّجه .

حكم من لا يجب تغسيله بعد الموت

وأمّا من لا يجب تغسيله :

إمّا لتقديم غسله على موته كالمرجوم ، أو لكونه شهيداً لا يغسّل كرامةً ، أو لكونه كافراً لا يغسّل إهانةً ، ولقصور المحلّ عن التأثّر .

فالأظهر عدم إيجاب الموت في الأوّلين الجنابة والنجاسة ؛ لظهور دليل أوّلهما في أنّ غسله المعهود صار مقدّماً .

ولا يتوهّم عدم معقولية تأثير السبب المتقدّم في رفع أثر السبب المتأخّر زماناً ؛ لأ نّه بعد ظهور الدليل في أنّ غسله غسل الميّت قدّم على موته ، نلتزم بمانعيته عن تأثير السبب - أي الموت - في الحدث والخبث .

وبالجملة : الظاهر من دليل تقديم الغسل ، أنّ الأثر المترتّب على الغسل المتأخّر مترتّب عليه وإن كان نحو التأثير مختلفاً ؛ لكون المتأخّر رافعاً ، وهو دافع .

واحتمال أنّ وجوب الغسل المتقدّم بملاك آخر غير ملاك سائر الأغسال ، وأنّ المرجوم لا بدّ وأن يدفن جنباً ونجساً ، في غاية السقوط .

وأمّا الشهيد ، فلا شبهة في أنّ سقوط غسله إنّما هو لكرامة فيه ؛ وأ نّه لعلوّ

ص: 190


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 433 .

قدره لا يصير جنباً ، ولا نجساً ، ومعه لا يجب على من مسّه غَسل ولا غُسل .

أمّا بالفتح فواضح .

وأمّا بالضمّ ؛ فلظهور الأدلّة في أنّ الموجب له مسّ غير المطهّر .

فلا إشكال في المسألة وإن قال الشيخ الأعظم : «إنّ المسألة لا تخلو من إشكال»(1) .

وأمّا الثالث ، فيجب الغسل بمسّه ؛ لإطلاق مثل صحيحة عاصم بن حُمَيْد قال :

سألته عن الميّت إذا مسّه إنسان ، أفيه غسل ؟ قال : فقال : «إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل»(2) .

بل الظاهر من سائر الأخبار أنّ الموجب للغسل هو المسّ ؛ وأنّ الغسل غاية لرفع الحكم ، لا قيد في الموضوع ، فظاهر مثل قوله علیه السلام : «إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل ، فقد يجب عليك الغسل»(3) ، أنّ مسّ جسده موجب لذلك ، والغسل غاية لرفع الحكم ، لا أنّ مسّ جسد من يجب غسله أو من يغسّل موجب له . وتدلّ عليه رواية «العلل»(4) ، وغيرها (5) .

بل ربّما يتمسّك له(6) بمثل صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما علیهما السلام :

ص: 191


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 434 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 429 / 1365 ؛ وسائل الشيعة 3 : 290 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 3 .
3- تقدّم في الصفحة 174 .
4- تقدّمت في الصفحة 174 .
5- راجع وسائل الشيعة 3 : 289 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 .
6- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 437 .

في رجل مسّ ميتة ، أعليه الغسل ؟ قال : «لا ، إنّما ذلك من الإنسان»(1) .

وفيه كلام وإشكال .

عدم الفرق في الماسّ والممسوس بين ما تحلّه الحياة وغيره
اشارة

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق بعض الروايات - كصحيحتي علي بن جعفر(2) ، ومحمّد بن مسلم(3) وغيرهما - عدم الفرق في الماسّ والممسوس بين ما تحلّه الحياة وغيره .

نعم ، لا يبعد الانصراف أو عدم الصدق في الشعر ، سيّما المسترسل منه . وعلى فرض الإطلاق يمكن القول بالتفصيل في الممسوس بينه وبين غيره ؛ لصحيحة عاصم بن حميد المتقدّمة آنفاً ؛ فإنّ الظاهر من ذكر الجسد - سيّما بعد فرض الراوي مسّ الميّت - أنّ له دخالة في الحكم ، وهو علیه السلام ذو عناية بذكره ، والظاهر عدم صدقه على الشعر . بل لا يبعد مساوقته للبشرة .

نعم ، لا شبهة في صدقه على مثل الظفر والعظم والسنّ .

وأمّا مكاتبة الصفّار الصحيحة قال : كتبت إليه : رجل أصاب يده أو بدنه ثوب الميّت الذي يلي جلده قبل أن يغسّل ، هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه ؟ فوقّع علیه السلام : «إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل ، فقد يجب عليك الغسل»(4) .

ص: 192


1- تهذيب الأحكام 1 : 430 / 1374 ؛ وسائل الشيعة 3 : 299 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 6 ، الحديث 1 .
2- تقدّمت في الصفحة 173 - 174 .
3- تقدّمت في الصفحة 169 .
4- تقدّمت في الصفحة 174 .

ففي دلالتها تأمّل ناشئ من احتمال كون «الغسل» بالفتح بمناسبة السؤال ، وإن كان المظنون ضمّه ، ومن احتمال كون ذكر الجسد في مقابل الثوب المذكور في السؤال .

ويمكن التمسّك للتفصيل بين الشعر وغيره بمكاتبة الحسن بن عبيد المتقدّمة (1)، فإنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «النبي طاهر مطهّر» ، أنّ علّة الغسل من المسّ نحو سراية من الممسوس إلى الماسّ ، والمناسبة تقتضي أن تكون السراية في الخبثية نحوَها ، وفي الحدثية نحوَها ، فإن قلنا : بأنّ الشعر كما أ نّه لا ينجس

لا يصير معروضاً للحدث ، ولا يجب غسله في غسل الجنابة ولا غسل الميّت ، تدلّ الرواية على عدم لزوم الغسل بمسّه ؛ لعدم السراية منه . ومنه يظهر دلالة رواية «العلل» و«العيون»(2) ومحمّد بن سِنان عن الرضا علیه السلام (3) عليه .

نعم ، إن قلنا بوجوب غسل الشعر في الجنابة وغسل الميّت - كما لا يبعد - فلا تكون الروايات شاهدة على التفصيل .

وكيف كان : الأقوى التفصيل في الممسوس ، كما لا يبعد في الماسّ أيضاً ؛ لقوّة دعوى الانصراف ، أو عدم الصدق .

وأمّا التفصيل بين ما تحلّه الحياة وغيره ؛ تشبّثاً بحسنة(4) الفضل بن شاذان ، عن الرضا علیه السلام قال : «إنّما لم يجب الغسل على من مسّ شيئاً من الأموات

ص: 193


1- تقدّمت في الصفحة 178 .
2- تقدّمت في الصفحة 174 .
3- تقدّمت في الصفحة 182 .
4- راجع ما تقدّم في الصفحة 101 ، الهامش 1 .

غير الإنسان - كالطيور والبهائم والسباع وغير ذلك - لأنّ هذه الأشياء كلّها ملبّسة ريشاً وصوفاً وشعراً ووبراً ، وهذا كلّه ذكيّ لا يموت ، وإنّما يماسّ منه الشيء الذي هو ذكيّ من الحيّ والميّت»(1) .

ففي غاية الإشكال ، بل غير وجيه وإن ذهب إليه الشيخ الأعظم(2) ؛ فإنّ ما ذكر إن كان علّة للتفصيل بين ما تحلّه الحياة وغيره ، لا بين الإنسان وغيره ، فلا إشكال في مخالفتها للإجماع ، بل الضرورة .

وإن كان نكتة للتشريع بمعنى أنّ الأغلب لمّا كان الملاقاة لغير الإنسان بما ذكر صار ذلك علّة لجعل عدم البأس لملاقاته مطلقاً ، أو لعدم جعل الحكم له كذلك مسّ البشرة أو غيرها ، يكون مقتضى المقابلة أنّ مسّ ميّت الإنسان مطلقاً موجب له ، وإن كانت نكتة التشريع غلبة المباشرة مع البشرة ، فتكون شاهدة على خلاف المقصود . ولا أقلّ من عدم الدلالة على التفصيل .

وبالجملة : كيف يمكن الاستدلال للتفصيل بما يكون محلّ التفصيل منه غير مراد جزماً ، فما أفاده شيخنا الأعظم في وجه التمسّك غير وجيه . والتفصيل بين ما تحلّه وغيره في الممسوس ضعيف ، فضلاً عن الماسّ وإن فصّل الشهيد في «الروض» بينهما في الماسّ والممسوس(3) .

ص: 194


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 114 / 1 ؛ علل الشرائع : 268 / 9 ؛ وسائل الشيعة 3 : 300 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 6 ، الحديث 5 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 437 .
3- روض الجنان 1 : 311 .

فروع :

الفرع الأوّل: في حكم مسّ القطعة المبانة من الميّت والحيّ
اشارة

مقتضى الأصل : أنّ مسّ القطعة المبانة من الميّت موجب للغسل ؛ سواء كانت مشتملة على العظم ، أو لا ، أو عظماً مجرّداً ؛ حتّى السنّ والظفر ، فكلّ ما يوجب مسّه الغسل حال الاتّصال يوجبه حال الانفصال ؛ لاستصحاب الحكم التعليقي ، وقد فرغنا عن جريانه إذا كان التعليق شرعياً (1) ، كما في المقام .

وقد يتوهّم عدم جريانه «لأ نّه فرع إحراز الموضوع ، والقدر المتيقّن الذي علم ثبوته عند اتّصال العضو بالميّت ، إنّما هو وجوب الغسل بمسّ الميّت المتحقّق بمسّ عضوه ، وهو مفروض الانتفاء عند الانفصال . وسببية العضو من حيث هو لم يعلم في السابق حتّى يستصحب»(2) .

وفيه : أنّ موضوع الاستصحاب ليس عين الدليل الاجتهادي حتّى يشكّ فيه مع الشكّ في الثاني ، ويعلم انتفاؤه مع العلم بانتفائه ؛ ضرورة أنّ موضوع الأدلّة الاجتهادية هو العناوين الأوّلية ، مثل «الميّت» و«العنب» و«العالم» وغيرها .

وأمّا الاستصحاب فجريانه يتوقّف على صدق نقض اليقين بالشكّ ، ووحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها .

فإذا اُشير إلى موضوع خارجي كالعنب ويقال : «إنّ هذا الموجود إذا غلى

ص: 195


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 151 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 122 .

عصيره يحرم» ثمّ يبس وخرج عن عنوان العنبية ، لكن بقيت هذيته وتشخّصه عرفاً - بحيث يقال : «إنّ هذا الموجود عين الموجود سابقاً وإن تغيّر صفةً» - فلا شبهة في جريان الاستصحاب فيه مع العلم بتبدّل موضوع الدليل الاجتهادي ، كما في المثال ؛ لأنّ موضوعه عصير العنب ، وهو لا يصدق على الزبيب جزماً ، لكن العنب الخارجي متيقّن الحكم بهذيته ، لا بمعنى تعلّق الحكم على عنوان «هذيته» بل بمعنى تعلّق اليقين بأنّ هذا الموجود الذي هو مصداق العنوان ذو حكم ؛ بتشكيل صغرى وجدانية وكبرى اجتهادية .

ففي المقام يصحّ أن يقال مشيراً إلى كفّ الميّت المتّصلة به : «إذا مسست هذه يجب عليّ الغسل» فإذا قطعت منه وانفصلت لا تتغيّر إلاّ في بعض الحالات ، فالقضيّة المتيقّنة عين المشكوك فيها ، وهو الميزان في جريان الاستصحاب ، وأمّا تغي-ير موضوع الدليل الاجتهادي فأجنبيّ عن جريانه ولا جريانه . وهذا الخلط يسدّ باب جريانه في كثير من الموارد .

والعجب من قوله أخيراً : «إنّ سببية مسّ يده من حيث هو لم تعلم في السابق حتّى تستصحب»(1) لأ نّه إذا علم سببيته من حيث هو بلا دخالة شيء آخر ، فيتمسّك بإطلاق الدليل لا الاستصحاب ، إلاّ مع دعوى قصور الأدلّة عن إثبات الحكم حال الانفصال ولو في الفرض .

ثمّ إنّه لا فرق في اقتضاء الاستصحاب ذلك بين القطعات ، كما أشرنا إليه(2) . هذا حال الجزء المبان من الميّت .

ص: 196


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 122 .
2- تقدّمت في الصفحة 195 .

وأمّا المبان من الحيّ ، فمقتضى الاستصحاب عدم إيجابه شيئاً إن قلنا بجريانه في مثل المقام ، وإلاّ فمقتضى البراءة ذلك . والخروج في المسألتين عن مقتضى الأصل يحتاج إلى الدليل .

وأمّا الأدلّة الاجتهادية ، فما اشتملت على مسّ الميّت أو مسّ جسده ، فلا إشكال في عدم شمولها لمسّ القطعة المنفصلة ؛ لعدم صدق «الميّت» ولا «جسده» عليها عرفاً ؛ سواء انفصلت من حيّ أو ميّت .

ودعوى إلغاء الخصوصية عرفاً ؛ إذ لم يفرّق العرف بين حال الاتّصال والانفصال ، فاسدة جدّاً في مثل هذا الحكم التعبّدي المجهول العلّة .

كما أنّ التمسّك بالتعليل الوارد في رواية «العلل» وغيرها ؛ بدعوى أنّ العلّة لوجوب الغسل إذا كانت إصابة نضح الميّت وآفاته ، فهي متحقّقة مع الانفصال من الميّت ، في غير محلّه ؛ لأنّ العلّة فيها غير حقيقية ، ولا يكون الحكم دائراً مدارها ، وإلاّ لزم الالتزام بعدم الوجوب إذا فرض العلم بنظافة الميّت ، وعدمِ آفات صورية فيه ، وهو كما ترى ، فتلك العلل ليست معمّمة ولا مخصّصة .

مع أنّ المراد فيها ليس النضح الظاهري ، ولا الآفات الظاهرية ؛ فإنّها ترتفع بتنظيف اليد المماسّة وتطهيرها ، لا بالغسل الذي هو أمر تعبّدي ، كما لا يخفى .

وقد يستدلّ(1) لإثبات الحكم للقطعة المنفصلة من الميّت بإطلاق مرسلة أيّوب بن نوح ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، فإذا مسّه إنسان فكلّ ما فيه عظم ، فقد وجب على من

ص: 197


1- راجع تذكرة الفقهاء 2 : 135 ؛ الحدائق الناضرة 3 : 426 .

يمسّه الغسل ، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه»(1) .

ولا شبهة في جبرها باتّكال الأصحاب عليها قديماً وحديثاً (2) ؛ ضرورة أنّ الفتوى بمثل هذا الحكم التعبّدي - الذي هو مضمون المرسلة - لا يمكن إلاّ بالاتّكال عليها ؛ فإنّ ما في «الفقه الرضوي»(3) مخصوص بالميّت ، فلم يكن مستند الحكم في الحيّ ، فالخدشة فيها من جهة القطع(4) في غير محلّها .

كما أنّ إطلاقها غير بعيد ، سيّما إذا قلنا : بأنّ «الرجل» بكسر الراء وسكون المعجمة ، كما لا يبعد ، ولا يكون قوله علیه السلام : «فهي ميتة» موجباً لصرفها إلى الحيّ ؛ فإنّ المراد بقوله ذلك تنزيل القطعة منزلة الميتة ، وإلاّ فليس صدق الميتة على العضو حقيقياً .

وكيف كان : لا يبعد الإطلاق . بل لو شكّ في الانصراف - بعد شمول اللفظ ، وصدق الطبيعة عليهما - يشكل رفع اليد عنه بمجرّده ؛ لأ نّه شكّ في انصراف الكلام عن ظاهره اللغوي . إلاّ أن يقال : بأنّ إحراز عدم الانصراف من مقدّمات الأخذ بالإطلاق وهو ممنوع .

ص: 198


1- تهذيب الأحكام 1 : 429 / 1369 ؛ وسائل الشيعة 3 : 294 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- راجع تذكرة الفقهاء 2 : 135 ؛ مستند الشيعة 3 : 66 ؛ جواهر الكلام 5 : 340 .
3- في فقه الرضا عليه السلام : «وإن مسست شيئاً من جسد أكيلة السبع فعليك الغسل ، إن كان فيما مسست عظم ، وما لم يكن فيه عظم فلا غسل عليك في مسّه» . الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 174 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 492 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 2 ، الحديث 1 .
4- المعتبر 1 : 352 .

وأمّا ما قيل : «من أنّ الرواية وإن انصرفت إلى الحيّ ، لكن يلحق به الميّت

بالأولوية القطعية»(1) .

ففيه : أنّ ذلك موجّه في إيجاب الغسل في مسّ القطعة المشتملة على العظم ، لا في عدم إيجاب مسّ القطعة المجرّدة ، ففائدة القول بالإطلاق تظهر في ذلك الذي هو مخالف للاستصحاب .

لكن لو قلنا بانصرافها إلى الحيّ - وقد عرفت عدم الأولوية في الفقرة الثانية - يلزم منه أن لا تكون مستند المشهور تلك الرواية ، فإمّا أن يكون مستندهم «الفقه الرضوي» وهو بعيد ، أو يكون الشهرة أو الإجماع المدّعى في «الخلاف» بلا استناد إلى رواية ، وهي أيضاً حجّة قاطعة في مثل تلك المسألة المخالفة للقواعد والبعيدة عن العقول .

نعم ، يحتمل في عبارة الخلاف أن يكون قوله : «وكان فيها عظم» راجعاً إلى ما قطعت من الحيّ ، حيث قال : «إن مسّ قطعة من ميّت أو قطعة قطعت من حيّ ، وكان فيها عظم ، وجب عليه الغسل . وخالف جميع الفقهاء في ذلك»(2) ، فتكون القطعة المبانة من الميّت مطلقاً مورد دعوى الإجماع . لكن عبارته في «النهاية» صريحة في أنّ القطعة المبانة من الميّت أيضاً مقيّدة باشتمالها على العظم(3) ، ومنها يرفع الاحتمال من عبارة «الخلاف» بإرجاع القيد إلى كليهما ، كما فهم الأصحاب ، ولم أجد في كلماتهم احتمال الرجوع إلى الأخير .

ص: 199


1- اُنظر مصباح الفقيه ؛ الطهارة 7 : 119 ؛ مستمسك العروة الوثقى 3 : 473 .
2- الخلاف 1 : 701 .
3- النهاية : 53 .

فتحصّل ممّا ذكر : قوّة التفصيل بين المشتمل على العظم وبين غيره في الحيّ والميّت ، كما هو معقد إجماع «الخلاف» على ما استظهرناه .

وفي «التذكرة» نسب الخلاف إلى الجمهور ، مع التنصيص باشتمال القطعة على العظم من آدمي حيّ أو ميّت ، وتمسّك بالمرسلة ناسباً بنحو الجزم إلى الصادق علیه السلام (1) ، وهو دليل على جبرها عنده ، بل ثبوت الصدور لديه .

و«هو المشهور» كما عن «جامع المقاصد»(2) . وفي «الحدائق» كذلك(3) . وفي «التذكرة» : «عن الأكثر»(4) . وفي «روض الجنان» : «هو الأشهر»(5) . وفي «الجواهر» : «على المشهور بين الأصحاب قديماً وحديثاً ، بل لا أجد خلافاً إلاّ من الإسكافي ، فقيّده في المبان من الحيّ بما بينه وبين سنة(6) ، وإلاّ من المصنّف في «المعتبر»(7) ، والسيّد في «المدارك»(8) فلم يوجباه»(9) انتهى .

وفي «طهارة» شيخنا الأعظم دعوى معروفيته ممّن عدا المحقّق في «المعتبر» تارة ، ومشهوريته ومخالفته للجمهور اُخرى(10) .

ص: 200


1- تذكرة الفقهاء 2 : 135 .
2- جامع المقاصد 1 : 459 .
3- الحدائق الناضرة 3 : 341 .
4- تذكرة الفقهاء 2 : 134 - 135 .
5- روض الجنان 1 : 306 .
6- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 151 .
7- المعتبر 1 : 352 - 353 .
8- مدارك الأحكام 2 : 280 .
9- جواهر الكلام 5 : 340 .
10- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 4 : 440 - 441 .
عدم وجوب الغسل بمسّ العظم المبان من الحيّ دون الميّت

ثمّ إنّ الظاهر من الرواية وجوب الغسل بمسّ القطعة المشتملة على العظم ، وأمّا مسّ عظم تلك القطعة فهي قاصرة عن إثبات وجوبه به ؛ فإنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «فكلّ ما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسّه الغسل ، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه»(1) رجوع ضمير «يمسّه» إلى الموصول ، فيصير المعنى : إذا مسّ ما كان فيه عظم ، والظاهر منه اللحم الذي فيه عظم .

ويؤكّده قوله علیه السلام : «فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه» لأنّ الظاهر أنّ الموضوع في كليهما مسّ ما كان مشتملاً عليه . والحمل على اشتمال الكلّ على الجزء خلاف الظاهر جدّاً .

بل لا يبعد أن يكون ذلك ظاهر كلمات الفقهاء ، كالشيخ والعلاّمة(2) وغيرهما ؛ فإنّهم عبّروا بمثل الرواية أو قريباً منها ، فمسّ العظم من القطعة المبانة من الحيّ

لا يوجب شيئاً على الأقرب ، فضلاً عن العظم المجرّد منه .

نعم ، العظم المبان من الميّت يوجبه ؛ مجرّداً كان أو لا ؛ لما تقدّم من الأصل(3) ، ولإشعار ما دلّت على أنّ العظام يجب غسلها (4) ؛ بعد ما يظهر من

ص: 201


1- تقدّم في الصفحة 197 - 198 .
2- النهاية : 53 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 135 .
3- تقدّم في الصفحة 195 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 134 ، كتاب الطهارة ، أبواب صلاة الجنازة ، الباب 38 ، الحديث 1 و5 .

الروايات أنّ غسل المسّ لنحو من السراية(1) .

ولا فرق بين الضرس والظفر وغيرهما . ودعوى السيرة القطعية على عدم الغسل بملاقاتهما في الميّت(2) كما ترى ، نعم هي في الحيّ في محلّها .

توقّف وجوب الغسل على برودة القطعة المبانة من الحيّ والميّت

ثمّ إنّ الأظهر اعتبار حصول البرد في القطعة المبانة من الحيّ أو الميّت ؛ لظهور الرواية في أنّ إيجاب مسّها للغسل ، متفرّع على التنزيل منزلة الميّت ، فهي باعتبار كونها ميتة في نظر الشارع يوجب مسّها الغسل ، فلا محالة يعتبر فيها ما يعتبر في الميّت .

واحتمال أن يكون التنزيل في النجاسة فقط ؛ باعتبار لفظ «الميتة» التي لا تطلق على الإنسان ، وباعتبار التفصيل بين ذي العظم وغيره ، غير وجيه ؛ لظهور الرواية في أنّ إيجاب المسّ للغسل متفرّع على كونها ميتة ، وهي قرينة على أنّ «الميتة» هاهنا مستعملة في الإنسان لو سلّم عدم استعمالها فيه . مع أ نّه غير مسلّم وإن لا يبعد انصرافها إليه عند الإطلاق .

وبالجملة : ظهور التفريع محكّم على ذلك وعلى إشعار التفصيل بأنّ الحكم ليس للميّت ، فالأظهر اعتبار البرودة ، كما أنّ الأظهر اعتبار كونه قبل الغسل .

ص: 202


1- راجع ما تقدّم من الروايات في الصفحة 181 - 182 .
2- جواهر الكلام 5 : 342 .
الفرع الثاني في حكم ما يوجد في المقابر

لو وجد ميّت أو جزء منه في مقبرة ، فإمّا أن تكون المقبرة للمسلمين ، أو لغيرهم ، أو مشتركة بينهما ، أو غير معلومة الحال ، فعلى أيّ تقدير إنّ الأصل يقتضي وجوب الغسل بمسّه ؛ وإن يقع الكلام في جريانه موضوعاً أو حكماً .

توضيحه : أ نّه إن قلنا بأنّ موضوع وجوبه بحسب الأدلّة مسّ الميّت قبل غسله - بدعوى دلالة مكاتبة الصفّار عليه ، إذ فيها : «إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل ، فقد يجب عليك الغسل»(1) ، ومفهوم صحيحتي محمّد بن مسلم وعبداللّه بن سِنان ، إذ قال علیه السلام فيهما : «لا بأس أن يمسّه بعد الغسل ويقبّله»(2) ؛ لأنّ مفهومه عرفاً أنّ قبل الغسل فيه بأس - فلا يجري استصحاب عدم غسله لإثبات كون المسّ قبل الغسل ؛ لكونه مثبتاً ، وأمّا الاستصحاب الحكمي التعليقي فلا مانع منه ، وقد قلنا بجريانه في مثل المقام(3) .

وإن قلنا : بأنّ موضوعه هو الميّت الذي لم يغسّل - كما هو الأقرب - فلا مانع من الاستصحاب الموضوعي ، سواء في الميّت أو العضو منه ؛ وإن قلنا بأنّ الغُسل من واجبات الميّت لا العضو ؛ لصحّة أن يقال : «إنّ هذا العضو كان

ص: 203


1- تهذيب الأحكام 1 : 429 / 1368 ؛ وسائل الشيعة 3 : 290 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل المسّ ، الباب 1 ، الحديث 5 .
2- تقدّم تخريجهما في الصفحة 179 .
3- تقدّم في الصفحة 195 .

في زمان لم يغسّل صاحبه ، والآن كما كان» والفرض أنّ عدم غسل الميّت موضوع لوجوب الغسل بمسّ أعضائه شرعاً . وبهذا يظهر جريانه فيما وجد في مقبرة الكفّار . وكذا لو وجد الميّت في المقبرة المشتركة ، أو مجهولة الحال .

وأمّا إذا وجد عضو منه في المقبرة المشتركة ، فيدور الأمر بين كون هذا العضو من معلوم الاغتسال ، أو من معلوم العدم ، فحينئذٍ إن قلنا : بأنّ الغُسل صفة الميّت لا العضو ، فيقع الإشكال في الأصل الموضوعي ، نظير الإشكال في أصالة عدم التذكية في العضو المردّد في أخذه من معلوم التذكية أو معلوم العدم : بأنّ الأصل غير جارٍ بالنسبة إلى نفس الحيوانين ؛ لعدم الشكّ فرضاً فيهما ، ولا في العضو ؛ لعدم كون التذكية من صفاته ، ولا أصل يثبت كونه من أحد القسمين .

وقد يقال بجريان الموضوعي فضلاً عن الحكمي ؛ فإنّ هذا العضو كان في زمان لم يغسّل صاحبه ، فيستصحب(1) . وبهذا التقرير يمكن إجراؤه في المثال المتقدّم ؛ فإنّ هذا العضو لم يكن صاحبه مذكّى في زمان ، والفرض أنّ عدم تذكية الحيوان موجب شرعاً لحرمة أجزائه ، وعدمِ صحّة الصلاة فيها .

وفيه إشكال؛ لأنّ صاحب هذا العضو ليس مشكوكاً فيه حتّى يجري الاستصحاب فيه ، بل الشكّ في أخذ هذا العضو من هذا المعلوم أو ذاك ، ولا أصل محرز له .

وقد يقال : بأنّ ما وجد في مقبرة المسلمين محكوم بالتغسيل ؛ فإنّ الغلبة كافية في إحراز كونه منهم ، وإحراز جريان يدهم عليه بمثل الدفن والكفن ،

ص: 204


1- جواهر الكلام 5 : 344 .

بل وإحراز كونه مغسّلاً ، سيّما مع شدّة اهتمام المسلمين في أمر موتاهم وتجهيزها ، وخلوّ مقابرهم من سائر الأموات ، بل وشدّة اهتمام سائر الطوائف في اختصاص مقابرهم بموتاهم ، وعدمِ التدفين في مقابر غيرهم ، ومثل هذه الغلبة حجّة .

بل مع إحراز جريان يد المسلمين عليه من تكفينه وتدفينه يحكم بطهارته وعدم الغسل بمسّه ؛ لكون تصرّفهم من قبيل تصرّف ذي اليد فيما يتعلّق به تصرّفاً مشروطاً بالطهارة ؛ فإنّه - كإخباره بالطهارة - حجّة شرعية حاكمة على الاستصحاب(1) .

وفيه : أنّ مجرّد الغلبة أو بناء العقلاء على عدم الاعتناء بالاحتمال المخالف ، لا يوجب الحجّية إلاّ مع انضمام عدم ردع من الشارع الكاشف عن رضائه به ، وهو مفقود في المقام ؛ لعدم إحراز وجوده في زمان الشارع الصادع صلی الله علیه و آله وسلم أو أئمّة الهدى علیهم السلام وعمل العقلاء على طبقه ولم يردع عنه الشارع .

وإن شئت قلت : إمضاء بناء العقلاء ليس بدليل لفظي يتمسّك بإطلاقه ، بل يحرز لأجل السكوت عمّا يعمل العقلاء بمرءى ومنظر من الشارع ، فهو كاشف قطعي عن الرضا به ، كالعمل بخبر الثقة واليد وأصالة الصحّة ، وأمّا في مثل المقام الذي يكون نادر الاتّفاق ، ولم يعلم تحقّقه في زمانه وارتضائه به ، فلا يمكن الحكم بحجّية الغلبة أو بناء العقلاء ؛ لعدم الدليل على الإمضاء .

نعم ، مع حصول الاطمئنان الشخصي لا كلام فيه ؛ لأ نّه علم عادي ، وهو غاية للاستصحاب .

ص: 205


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 127 .

ومنه يظهر ما في دعوى السيرة(1) ؛ لعدم إحراز اتّصالها بزمنهم ، على فرض تسليم تحقّقها ، وعدم القول : بأنّ عدم اعتنائهم لحصول العلم - ولو عادياً - على اغتسال ما وجد .

وأمّا دعوى : أنّ تصرّف المسلم فيما يكون مترتّباً على الغسل كتصرّف ذي اليد ، وهو بمنزلة إخباره .

ففيها : - بعد تسليم كون تصرّفه كتصرّف ذي اليد ، وأنّ تصرّف ذي اليد مطلقاً حجّة - أ نّه لا يسلّم كونه كإخباره بالطهارة ؛ فإنّ غاية ما في الباب أنّ تصرّفه في

الدفن كان موافقاً لوظيفته ، وهو لا يكفي في دفع احتمال كون ترك الغسل والتيمّم لعذر ، فلا بدّ في دفعه من التشبّث بالغلبة وبناء العقلاء على عدم الاعتناء ، وقد عرفت ما فيه .

فالأحوط - لو لم يكن أقوى - وجوب الغسل بمسّه إلاّ مع الاطمئنان ، كما هو حاصل غالباً .

الفرع الثالث وجوب الغسل بمسّ السقط بعد ولوج الروح فيه لا قبله

السقط بعد ولوج الروح كغيره يجب في مسّه الغسل ؛ لصدق «الميّت» عليه بلا إشكال .

كما لا إشكال في عدم الوجوب قبله ؛ لعدم الصدق ، فإنّ «الميّت» ما زال عنه الروح ، لا ما لم يلج فيه ولو مع شأنيته . ومقتضى الأصل طهارته وإن حكي عن

ص: 206


1- جواهر الكلام 5 : 343 .

العلاّمة التصريح بوجوب غسل اليد منه(1) ، وعن النراقي عدم الخلاف فيه(2) ، لكن إثبات الحكم به مشكل ، بل ممنوع .

ودعوى : أنّ نجاسته لكونه قطعة مبانة من الحيّ(3) ، كما ترى ؛ لأ نّه ليس قطعة من اُمّه ، وعلى فرضه لا يكون ممّا تحلّه الحياة .

ودعوى حلول روح الاُمّ فيه قبل حلول روحه ، وبحلوله زال روحها (4) ، مجازفة مقطوعة الخلاف ، ولا أقلّ من الشكّ فيه ، والأصل معه الطهارة .

كما أنّ دعوى استفادة نجاسته من قوله علیه السلام : «ذكاة الجنين ذكاة اُمّه»(5) ؛ بدعوى أنّ الظاهر منه قبول الجنين للتذكية ، وأنّ ما عدا المذكّى ميتة شرعاً (6) ، غير وجيهة ؛ فإنّ قوله ذلك لا يثبت إلاّ أنّ تذكية ما يحتاج إلى التذكية بتذكية اُمّه ، لا أنّ لكلّ جنين تذكية حتّى يقال : إذا لم يذكَّ يكون ميتة .

وبالجملة : لا تدلّ الرواية على أنّ لكلّ جنين تذكيةً ، بل تدلّ على أنّ ما فرض قبوله لها تكون تذكيته بتذكية اُمّه .

وبعبارة اُخرى : أنّ الموضوع المفروض ما يمكن أن تقع عليه التذكية ، لا مطلق الجنين .

ص: 207


1- منتهى المطلب 2 : 457 - 458 .
2- لوامع الأحكام : 143 .
3- اُنظر جواهر الكلام 5 : 345 .
4- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 72 .
5- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 124 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 36 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 18 ، الحديث 12 .
6- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 126 .
الدم
اشارة

الخامس من النجاسات : الدم ، ونجاسته في الجملة واضحة . بل يظهر منهم أ نّها إجماعية بين المسلمين ، بل قيل : «إنّها من ضروريات الدين»(1) .

لكن لمّا كان بعض مصاديقه محلّ الشبهة -

كالعلقة ودم البيضة والمخلوق آية والمصنوع بتركيب أجزائه لو فرض اصطناعه . . . إلى غير ذلك - فلا بدّ من النظر في الأدلّة ؛ حتّى يعلم أنّ الأصل في الدم النجاسة ، والاستثناءَ يحتاج إلى دليل ، أو العكسُ وإلحاقَ المورد المشكوك فيه يحتاج إليه .

الاستدلال على أصالة النجاسة في الدم مطلقاً وما فيه

وقد استدلّ(2) على نجاسته مطلقاً بالآية الكريمة : )قُلْ لاَ أَجِدُ فِى مَا أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ((3) .

ص: 208


1- جواهر الكلام 5 : 354 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 75 .
3- الأنعام (6) : 145 .

بناءً على كون «الرجس» بمعنى النجس ، وعودِ الضمير إلى جميع ما تقدّم .

وفيه تأمّل حتّى بعد تسليم الأمرين كما لا يبعد ؛ فإنّ «الرجس» - على ما نصّ عليه أهل اللغة - هو القذر(1) ، وهو عرفاً بمعنى النجس وإن قيل : «إنّه أعمّ»(2) .

وعلى فرض أعمّيته لا يبعد دعوى : أ نّه في الآية بمعناه ، كما حكي ع-ن شيخ الطائفة في «التهذيب» : «أنّ الرجس هو النجس بلا خلاف»(3) ، وقيل : «ظاهره أ نّه لا خلاف بين علمائنا في أ نّه في الآية بمعنى النجس»(4) .

ولا يبعد استظهاره من الآية بأن يقال :

إنّ ما قيل في معنى «الرجس» لا يناسب في الآية إلاّ القذارة بالمعنى الأعمّ ؛ أي ما يقابل النظافة ، ولا ريب في أنّ لحم الخنزير - الذي هو المتيقّن في عود الضمير إليه - لا يكون غير نظيف عرفاً ، وإنّما يستقذره المسلمون للتلقين الحاصل لهم تبعاً للشرع ، وحكمِه بنجاسته وحرمته ، لا لقذارة فيه عند العرف والعقلاء ، وليس استقذارهم منه إلاّ كاستقذارهم من الكافر والخمر والكلب .

فلا مجال في حمل الآية على القذارة العرفية المقابلة للنظافة ، ومع عدم إرادة ذلك يتعيّن الحمل على النجاسة بالمعنى المعهود شرعاً ؛ إذ لا يتناسب شيء آخر ممّا ذكر في معناه يصحّ الانتساب إليه ، كالقذارة المعنوية ، مع بُعدها عن الأذهان .

ص: 209


1- راجع القاموس المحيط 2 : 227 ؛ الصحاح 3 : 933 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 309 ؛ ذخيرة المعاد : 149 / السطر 14 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 278 ، ذيل الحديث 816 .
4- اُنظر مجمع البحرين 4 : 74 .

ويؤيّد ذلك ما ورد في الكلب : أ نّه «رجس نجس»(1) ، وفي الخمر : «لا تصلّ فيه ؛ فإنّه رجس»(2) .

بل لا يبعد أن يكون «الرجس» بمعنى النجس والقذر ، وإطلاقه على مثل الأوثان والميسر والأنصاب والأزلام بنحو من التوسعة . بل لا يبعد أن يكون الشرع والعرف موافقين في مفهومه ؛ وإن ألحق الشارع بعض ما ليس بقذر عرفاً به ، واستثنى بعض ما يستقذره العرف عنه .

وكيف كان : دعوى ظهور الرجس في النجس المعهود - ولو بواسطة القرائن الداخلية والخارجية - غير مجازفة .

كما لا يبعد عود الضمير إلى جميع المذكورات بواسطة القرينة ؛ بأن يقال : إنّ الظاهر من الآية تعليل حرمة الأكل بما ذكر ، وهو لا يناسب قصره على الأخير .

ودعوى عدم احتياج الأوّلين إلى التعليل - لاستقذار الناس منهما دون الأخير ؛ ضرورة أنّ النهي عن أكلهما لردع الناس عنه ، ومع استقذارهم لا يحتاج إليه - كما ترى ، سيّما إذا كان المراد ب- «الميتة» غير المذكّى ، لا ما مات حتف أنفه ، فإنّه ليس بمستقذر عندهم رأساً . وفي «المجمع» إرجاع الضمير إلى جميع المذكورات بلا احتمال خلاف(3) .

ص: 210


1- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 646 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 2 .
2- الكافي 3 : 405 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 469 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 4 .
3- مجمع البيان 4 : 583 .

لكن مع ذلك استفادة الإطلاق من الآية ، مشكلة بعد كونها بصدد بيان حرمة أكل المذكورات ؛ وذلك لأنّ الدم مطلقاً وبجميع أنواعه ، ليس مأكولاً أو متعارف الأكل ، فالمستفاد منها - بعد تسليم ما تقدّم - هو نجاسة الدم المطعوم لا مطلقه .

بل لو اُغمض عن ذلك يمكن منع الإطلاق في المستثنى ؛ بدعوى عدم كونها في مقام بيان حكمه ، بل الظاهر كونها بصدد بيان العقد السلبي ؛ وأ نّه لم يوجد - غير المذكورات - محرّم ، لا بصدد بيان حرمة المذكورات حتّى يؤخذ بإطلاقها في المشتبهات .

إلاّ أن يقال : إنّ تقييد الدم ب- «المسفوح» وتعليل المذكورات بقوله تعالى : )فَإِنَّهُ رِجْسٌ( دليل على كونها بصدد بيان المستثنى وعنايتها بحكمه أيضاً ، فيؤخذ بإطلاقها .

وفيه تأمّل ؛ لأنّ القيد - على فرض قيديته - لعلّه لأجل تعارف أكل المسفوح . ويحتمل أن يكون التعليل لبيان أنّ حرمتها ليست إلاّ لنجاستها لا لعناوينها ، تأمّل .

وأمّا الروايات : فعلى كثرتها لم أجد فيها ما يمكن الاتّكال على إطلاقها إلاّ النبوي : «يغسل الثوب من المنيّ والدم والبول»(1) .

ورواية «دعائم الإسلام» عن الباقر والصادق علیهما السلام : أ نّهما قالا في الدم يصيب الثوب : «يغسل كما تغسل النجاسات»(2) .

ص: 211


1- راجع ذكرى الشيعة 1 : 111 - 112 ؛ سنن الدارقطني 1 : 127 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 1 : 14 .
2- دعائم الإسلام 1 : 117 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 565 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 15 ، الحديث 2 .

وهما ضعيفان سنداً ؛ إذ لم يحرز اتّكال القوم عليهما ، بل الظاهر عدم استنادهم إليهما .

وربّما يحتمل في الثانية كونها بصدد بيان كيفية غسل الدم لا أصله ، وهو كما ترى ، سيّما مع اختلاف النجاسات في كيفية التطهير .

وأمّا سائر الروايات فلا إطلاق فيها ؛ لكونها بصدد بيان أحكام اُخر ، كموثّقة

عمّار بن موسى ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وفيها : فقال : «كلّ شيء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه ، إلاّ أن ترى في منقاره دماً ، فإن رأيت في منقاره دماً فلا تتوضّأ منه ولا تشرب»(1) .

فإنّها بصدد بيان سؤر الطيور لا نجاسة الدم ، فكأ نّه قال : «سؤر الطير لا بأس به إلاّ أن يتنجّس بالدم» .

ونظيرها رواية زرارة قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : بئر قطرت فيه قطرة دم أو خمر ، قال : «الدم والخمر والميْت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد ؛ ينزح منه عشرون دلواً ، فإن غلب الريح نزحت حتّى تطيب»(2) ، فإنّها في مقام بيان حكم البئر لا الدم .

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة الواردة في بيان أحكام الصلاة والماء والمكاسب المحرّمة وآنية أهل الكتاب وغيرها ممّا لا مجال لتوهّم الإطلاق فيها .

ص: 212


1- الكافي 3 : 9 / 5 ؛ وسائل الشيعة 1 : 230 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 4 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 241 / 697 ؛ وسائل الشيعة 1 : 179 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 15 ، الحديث 3 .

وأمّا رواية السَكوني ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إنّ عليّاً علیه السلام كان لا يرى بأساً بدم ما لم يذكّ يكون في الثوب فيصلّي فيه الرجل - يعني دم السمك - »(1) .

فلا إطلاق فيها بالنسبة إلى ما يذكّى ؛ لأ نّه بصدد بيان نفي البأس عمّا لم يذكّ ، لا إثبات البأس فيما يذكّى .

ثمّ إن قلنا بعدم الإطلاق في الروايات ، فكما لا يمكن التمسّك بها لإثبات نجاسة مطلق الدم ، لا يمكن التمسّك بها لإثبات نجاسة دم ما له نفس سائلة ، فلو شكّ في نجاسته ما دام كونه في الباطن ، أو في نجاسة العلقة إن قلنا : بأ نّها لذي النفس ، أو في بعض أقسام الدم المتخلّف ، كالمتخلّف في القلب والكبد ، أو في العضو المحرّم ، أو المتخلّف في الحيوان غير المأكول ، لا تصلح تلك الروايات لرفع الشكّ فيها .

ودعوى : أنّ الناظر في تلك الروايات الكثيرة في الأبواب المختلفة ، لا يشكّ في أنّ نجاسة الدم مطلقاً كانت معهودة مفروضة التحقّق لدى السائل والمسؤول(2) ، كما تشهد به صحيحة أبي بصير قال : دخلت على أبي جعفر علیه السلام وهو يصلّي ، فقال لي قائدي : إنّ في ثوبه دماً ، فلمّا انصرف قلت له : إنّ قائدي أخبرني أنّ بثوبك دماً ، فقال : «إنّ بي دماميل ، ولست أغسل ثوبي حتّى تبرأ»(3) .

ص: 213


1- الكافي 3 : 59 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 436 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 23 ، الحديث 2 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 135 .
3- الكافي 3 : 58 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 433 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 22 ، الحديث 1 .

في غير محلّها ؛ لأنّ المسلّم من معهوديتها إنّما هو بنحو الإجمال لا الإطلاق ، كما هو واضح ، وأمّا الرواية فلا تدلّ على معهوديتها مطلقاً ؛ فإنّ الدم في ثوبه لم يكن إلاّ من دمه الشريف عادة أو نظيره ، ولم يحتمل الناظر غير ذلك ، كدم العلقة أو المخلوق آية .

كدعوى : إلغاء الخصوصية عرفاً من الروايات الواردة في دم الرعاف وحكّة الجلد وغيرهما (1) ؛ فإنّ إلغاء الخصوصية إنّما هو فيما لا تحتمل خصوصية عرفاً ، وأمّا مع احتمال أنّ للدم الظاهر أو في الأجزاء الأصلية خصوصيةً ، فلا مجال لإلغائها .

مع إمكان أن يقال : إنَّ إلغاء الخصوصية إنّما هو فيما إذا كانت الروايات بصدد بيان نجاسة الدم ، وأمّا بعد مفروضية نجاسته والسؤال عن حال الابتلاء به ، فلا مجال لإلغائها .

فتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ الأصل في الدم الطهارة إلاّ أن يدلّ دليل على نجاسته.

نجاسة الدم الخارج من ذي النفس

والظاهر أنّ دم ما له نفس سائلة مع خروجه إلى الظاهر ، ممّا لا كلام ولا إشكال في نجاسته ، وقد ادّعي الإجماع في الدم من ذي النفس السائلة في محكيّ «المختلف» و«الذكرى» و«كشف الالتباس» و«شرح الفاضل» (2) . وعن

ص: 214


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 133 - 134 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 11 ؛ مختلف الشيعة 1 : 318 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 112 ؛ كشف الالتباس 1 : 394 ؛ كشف اللثام 1 : 391 .

«الغنية» و«التذكرة» : «لا خلاف فيه»(1) .

وعن «المنتهى» و«نهاية الإحكام» و«المعتبر» و«المدارك» و«الدلائل» : «هو مذهب أصحابنا»(2) مع استثناء ابن الجنيد في الثلاثة الأخيرة ، ونقل عنه : «الدماء كلّها تنجّس الثوب بحلولها فيه ، وأغلظها نجاسةً دم الحيض»(3) .

لكن يظهر من جماعة التقييد بالمسفوح ، فعن الحلّي الاستدلال على طهارة دم السمك ونحوه : «بأ نّه ليس بمسفوح» . وعنه أيضاً : «الدم الطاهر هو دم السمك والبراغيث وما ليس بمسفوح»(4) .

وقد نسب العلاّمة في «المنتهى» التقييد به إلى علمائنا قال : «قال علماؤنا : الدم المسفوح من كلّ حيوان ذي نفس سائلة - أي يكون خارجاً بدفع من عرق - نجس ، وهو مذهب علماء الإسلام ؛ لقوله تعالى : )قُلْ لاَ أَجِدُ . . .((5) إلى آخره .

وقال : «دم السمك طاهر ، وهو مذهب علمائنا - إلى أن قال - : وقوله تعالى :

)دَمَاً مَسْفُوحَاً( ودم السمك ليس بمسفوح»(6) .

والظاهر أنّ كلّ من قيّد الدم به إنّما هو بتبع الآية الكريمة ، كما ترى تمسّك

ص: 215


1- غنية النزوع 1 : 41 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 56 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 11 ؛ منتهى المطلب 3 : 188 ؛ نهاية الإحكام 1 : 268 ؛ المعتبر 1 : 420 ؛ مدارك الأحكام 2 : 281 .
3- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 314 .
4- السرائر 1 : 174 .
5- الأنعام (6) : 145 .
6- منتهى المطلب 3 : 188 و191 - 192 .

العلاّمة بها ، فالأولى عطف الكلام على مفادها .

فنقول : إنّ في بادئ النظر وإن احتمل أن يكون التوصيف ب- «المسفوح» للاحتراز عمّا لا يخرج من العرق صبّاً وإهراقاً بدفع ، في مقابل الرشح ، كدم السمك وغيره ممّا لا نفس سائلة له ، أو للاحتراز عن الدم المتخلّف في الذبيحة ، أو للاحتراز عن الدم في الباطن مقابل الظاهر ، أو للاحتراز عن جميع المذكورات ، لكنّ الأقرب عدم قيدية الوصف ؛ لأنّ ما هو المتعارف أكله هو الدم المسفوح ؛ أي الدم المأخوذ من الذبائح دون سائر الدماء ، ومعه لا يصلح القيد للاحتراز .

مضافاً إلى أنّ الاستثناء لمّا كان من حرمة الأكل ، لا يراد بالقيد الاحترازُ عن المذكورات وإثباتُ الحلّية لسائر أقسام الدم المقابل للمسفوح ولا أظنّ من أحد احتمال حلّية دم خرج من عرق حيوان بلا صبّ ودفع تمسّكاً بالآية الكريمة .

نعم ، لو قيل : بأنّ المراد ب- «غير المسفوح» هو ما اختلط باللحم ممّا لا يتعارف الاحتراز عنه أو لا يمكن ، لكان له وجه ، لكنّه خلاف ظاهر القيد ؛ فإنّ الظاهر منه - كما مرّ في كلام العلاّمة - هو ما خرج بدفع من العرق .

والإنصاف : أنّ فهم القيدية واحترازية الوصف مشكل ، ومعه لا يجوز التمسّك بها لطهارة ما في الباطن أو المتخلّف في الذبيحة ، وإن لا تدلّ على نجاستهما أيضاً ؛ لأنّ عدم احترازية القيد لا يلازم الإطلاق .

وبعبارة اُخرى : أنّ المدّعى أنّ الآية حرّمت ما يتعارف بينهم أكله ؛ أي الدم المسفوح ، والتقييد للتعارف لا للاحتراز ، فتكون ساكتة عن حكم غيره إثباتاً ونفياً .

ص: 216

هذا كلّه مع عدم المفهوم للوصف ، فلا تدلّ على حلّية غير محلّ الوصف ، فضلاً عن طهارته ، فالاستدلال لطهارة دم السمك أو المتخلّف بالآية في غير محلّه ، سيّما مع القول بحرمة دمهما إذا لم يكن تبعاً للّحم .

وبهذا كلّه ظهر عدم صلاحية القيد في الآية لتقييد قوله تعالى : )حُرِّمَتْ

عَلَيْكُمُ ا لْمَيْتَةُ وَا لدَّمُ((1) . وللمسألة محلّ آخر .

طهارة الدم المخلوق آيةً والصناعي والموجود في البيضة

ثمّ إنّ المتفاهم أو المتيقّن من معاقد الإجماعات ؛ نجاسة الدم الخارج من حيوان له نفس سائلة ، والتقييد بالمسفوح في كلام الحلّي والعلاّمة وغيرهما ، ليس لإخراج مثل دم الرعاف والدماميل بالضرورة ، بل لإخراج المتخلّف وما لا نفس له ؛ ضرورة نجاسة المذكورات نصّاً وفتوى ، فمثل الدم المخلوق آية أو الصناعي - فرضاً - ليس مشمولاً لها ، كما لا تشمل الدم الذي يوجد في البيضة ؛ فإنّه ليس دم الحيوان ، والأصل فيه الطهارة .

ودعوى : غلبة الظنّ بمعهودية نجاسة مطلق الدم في الشريعة ، عهدتها على مدعيها . مع أنّ الظنّ لا يدفع الأصل إلاّ أن يكون حجّة شرعية .

كدعوى : مغروسية نجاسة مثله في أذهان المتشرّعة ؛ بحيث أمكن دعوى تلقّيه من الشارع الأقدس(2) ، فإنّها بلا بيّنة .

ص: 217


1- المائدة (5) : 3 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 137 .
نجاسة العلقة من ذي النفس لا ما في البيضة

وكذا العلقة غير معلومة الشمول للإجماع ؛ لأنّ الظاهر من دم الحيوان غيرها ، فإنّها نطفة تبدّلت بالعلقة ، فلا تكون دم الاُمّ عرفاً ، ولا دم الحيوان الذي تنقلب

إليه بعد حين .

لكنّ الشيخ ادّعى في «الخلاف» إجماعَ الفرقة على نجاستها ، واستدلّ لها أيضاً بإطلاق الأدلّة(1) .

ويظهر من المحقّق والعلاّمة ومحكيّ غيرهما التمسّك لها بأ نّها دم ، أو دم ذي نفس(2) ، ومن ذلك ربّما توهن دعوى إجماع «الخلاف» .

ولعلّ مراد القاضي في محكيّ «المهذّب» من «أ نّه الذي يقتضيه المذهب»(3) ظاهر الأدلّة .

لكن مع ذلك الأحوط نجاستها ، بل لا تخلو من ترجيح .

وأمّا العلقة في البيضة ، فغير معلومة الشمول لإجماع «الخلاف» بل الظاهر عدم إطلاق «العلقة» عليها حقيقة ، ولا أقلّ من انصرافها عنها ، فالأقوى طهارتها .

ص: 218


1- الخلاف 1 : 490 - 491 .
2- المعتبر 1 : 422 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 57 ؛ جامع المقاصد 1 : 167 .
3- القول لابن فهد الحلّي في المهذّب البارع 4 : 222 ، وقد نسب إلى المهذّب في مفتاح الكرامة 2 : 13 .
طهارة الدم المتخلّف في الحيوان

كما أنّ الحكم بطهارة الدم المتخلّف ، لا يحتاج إلى إقامة برهان بعد قصور الأدلّة اللفظية عن إثبات نجاسة مطلق دم ذي النفس ، وعدم دليل آخر على نجاسته وإن قام الدليل على طهارته :

كما عن «المختلف» و«كنز العرفان» و«الحدائق» و«آيات الجواد» دعوى الإجماع عليها (1) وإن كان في معقد بعضها قيد .

وعن المجلسي وصاحب «كشف اللثام» و«الذخيرة» و«الكفاية» عدم الخلاف فيها (2) .

بل هو الظاهر من «الجواهر»(3) أيضاً ، وعن أطعمة «المسالك» : «أنّ ظاهرهم الاتّفاق عليه»(4) .

نعم ، استثنى بعضهم ما في الجزء المحرّم كالطحال(5) ؛ بزعم أنّ حرمة أكله ملازمة لنجاسته ، وهو كما ترى . أو بزعم إطلاق أدلّة نجاسة الدم ،

ص: 219


1- مختلف الشيعة 1 : 315 ؛ كنز العرفان 2 : 300 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 45 ؛ مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 4 : 151 .
2- بحار الأنوار 77 : 86 ؛ كشف اللثام 1 : 407 ؛ ذخيرة المعاد : 149 / السطر 14 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 59 .
3- جواهر الكلام 5 : 363 .
4- مسالك الأفهام 12 : 78 .
5- اُنظر جواهر الكلام 5 : 363 ؛ جامع المقاصد 1 : 163 ؛ روض الجنان 1 : 436 .

وقصورِ دليل الإخراج ، وقد مرّ ما فيه(1) .

هذا مع استقرار السيرة على عدم الاجتناب عنه وعن اللحم الملاقي له ، من غير فرق بين دم القلب والكبد والطحال وغيرها ، وبين الدم الظاهر الخارج منها والمخلوط بها ، فما عن بعضهم من احتمال الفرق أو اختياره(2) ، في غير محلّه .

ولو نوقش في شمول معقد الإجماع لبعض المذكورات ، أو ثبوت السيرة في بعض ، فلا مجال للمناقشة في الأصل بعد ما تقدّم من فقد الإطلاق(3) . مع أنّ المناقشة في السيرة لعلّها في غير محلّها .

كما أنّ مقتضى الأصل طهارة المتخلّف في الحيوان المحرّم . لكن عن «البحار» و«الذخيرة» و«الكفاية» و«شرح الاُستاذ» : «أنّ ظاهر الأصحاب الحكم بنجاسته في غير المأكول»(4) ، وثبوت الحكم بمثله مشكل ، لكنّ الاحتياط لا ينبغي تركه .

طهارة دم ما لا نفس سائلة له

كما أنّ طهارة دم ما لا نفس سائلة له ، لا تحتاج إلى تجشّم استدلال بعد ما عرفت ؛ وإن تكرّر نقل الإجماع عليها من السيّد ، والشيخ ، وابن زهرة ، والحلّي ،

ص: 220


1- تقدّم في الصفحة 213 - 214 و219 .
2- اُنظر مشارق الشموس : 305 / السطر 17 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 142 .
3- تقدّم في الصفحة 213 - 214 و219 .
4- بحار الأنوار 77 : 86 ؛ ذخيرة المعاد : 149 / السطر 19 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 59 ؛ مصابيح الظلام 4 : 440 .

والمحقّق ، والعلاّمة ، والشهيدين ، وغيرهم(1) .

وتشهد لبعضها السيرةُ المستمرّة ، وروايةُ السَكوني ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إنّ عليّاً علیه السلام كان لا يرى بأساً بدم ما لم يذكّ يكون في الثوب فيصلّي فيه الرجل ؛ يعني دم السمك »(2) .

وكون التفسير من أبي عبداللّه علیه السلام غير معلوم ، فتدلّ على عدم البأس في مطلق ما لم يذكّ ، تأمّل .

بل لا يبعد صحّة الاستدلال ببعض الروايات الواردة في ماء البئر والمياه ، كموثّقتي عمّار(3) وحفص بن غياث(4) .

فما يظهر من بعضهم كالمحكيّ عن «المبسوط» و«الجمل» و«المراسم» و«الوسيلة»(5) ممّا يوهم النجاسة وإن عفي عنه على فرض ثبوته ، لعلّه لزعم قصور الأدلّة عن إثبات طهارتها بعد إطلاق أدلّة النجاسة ؛ لأنّ نفي البأس أعمّ

ص: 221


1- مسائل الناصريات : 94 ؛ الخلاف 1 : 476 - 477 ؛ غنية النزوع 1 : 41 ؛ السرائر 1 : 174 ؛ المعتبر 1 : 421 ؛ منتهى المطلب 3 : 190 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 112 ؛ روض الجنان 1 : 435 ؛ جواهر الكلام 5 : 363 .
2- تقدّمت في الصفحة 213 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 230 / 665 ؛ وسائل الشيعة 3 : 463 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 35 ، الحديث 1 ، وقد تقدّم أيضاً في الصفحة 76 و116 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 231 / 669 ؛ وسائل الشيعة 1 : 241 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 10 ، الحديث 2 ، وقد تقدّم أيضاً في الصفحة 76 و116 .
5- المبسوط 1 : 35 ؛ الرسائل العشر للشيخ الطوسي ، الجمل والعقود : 170 - 171 ؛ المراسم : 55 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 76 - 77 .

من الطهارة ، فلا يدلّ إلاّ على العفو ، وهو مقتضى الجمع بين الأدلّة والاقتصار على تقييد المطلقات وتخصيص العمومات .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ المتفاهم من نفي البأس في المقام الطهارة - أ نّه

لا إطلاق ولا عموم في الأدلّة - كما مرّ مراراً (1) - حتّى يأتي فيها ما ذكر .

فرع : في طهارة الدم المشكوك فيه

المشكوك في كونه دماً أو غيره ، أو كونه ممّا له نفس أو غيره ، أو من الدم المتخلّف أو غيره ، محكوم بالطهارة ؛ للأصل بعد قصور الأدلّة عن إثبات نجاسة الدم مطلقاً ، فلا مجال للتشبّث بترك الاستفصال(2) في الروايات الكثيرة الواردة في الدم ، كقوله : «بئر قطرت فيه قطرة دم»(3) .

وقوله علیه السلام : «فإن رأيت في منقاره دماً»(4) .

وقوله علیه السلام : «إن رأيت في ثوبك دماً»(5) .

وقوله : «فأصاب ثوباً نصفه دم»(6) ، وغيرها .

ص: 222


1- تقدّم في الصفحة 211 - 214 .
2- جواهر الكلام 5 : 357 - 358 .
3- تقدّم في الصفحة 212 .
4- تقدّم في الصفحة 212 .
5- السرائر 3 : 592 ؛ وسائل الشيعة 3 : 483 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 44 ، الحديث 3 .
6- تهذيب الأحكام 2 : 224 / 884 ؛ وسائل الشيعة 3 : 484 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 5 .

ضرورة أنّ ترك الاستفصال دليل العموم أو الإطلاق ؛ فيما إذا كان المتكلّم في مقام بيان الحكم ، وتلك الروايات في مقام بيان أحكام اُخر .

وبعبارة اُخرى : أ نّه بعد فرض نجاسة قسم من الدم ، سأل فيها عن الابتلاء بما هو نجس ، وفي مثله لا معنى للاستفصال ، ولا وجه لتوهّم العموم مع تركه .

وهذا الإشكال مشترك الورود في جميع الروايات ، ويختصّ بعضها بإشكال أو إشكالات لا مجال لعدّها بعد ضعف أصل الدعوى .

ثمّ على فرض تسليم كون الأدلّة أو بعضها في مقام البيان ، لكن لا مجال لتوهّم العموم اللفظي فيها ؛ لفقدانه جزماً ، فلا يكون في المقام إلاّ الإطلاق المتوهّم ، والتمسّك بالشبهة الموردية في المطلقات المتقيّدة ولو بتقييد منفصل ، أضعف جدّاً من التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية ؛ لقرب احتمال صيرورة المطلق بعد التقييد بمنزلة المقيّد ، فتكون الشبهة من قبيل الشبهة الموردية في المقيّد المتّصل ، بخلاف تخصيص العامّ بالمنفصل ، فإنّه لا يوجب حصول عنوان أو قيد فيه ؛ وإن توهّمه بعضهم قياساً بالمطلق والمقيّد(1) ، وقد فرغنا عن تهجينه في محلّه(2) .

وكيف كان : لا عموم في المقام حتّى يأتيَ فيه ما ذكر في بيان جواز التمسّك به في الشبهة المصداقية للمخصّص : من تمامية الحجّة بالنسبة إلى الفرد المشمول للعامّ ، وعدم حجّة على دفعها ؛ لكون الفرد من الشبهة المصداقية لنفس

ص: 223


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 525 .
2- مناهج الوصول 2 : 218 .

المخصّص ، فالعامّ حجّة بالنسبة إلى الفرد ، والخاصّ ليس بحجّة(1) .

ونحتاجَ إلى الجواب عنه : بأنّ حجّية العامّ تتوقّف على مقدّمات : منها أصالة الجدّ ، وبعد خروج أفراد من العامّ ، يعلم عدمُ تطابق الجدّ والاستعمال بالنسبة إلى

الأفراد الواقعية من المخصّص ، وتطابقُهما بالنسبة إلى غير مورد التخصيص والمورد المشتبه من الشبهة المصداقية لأصالة التطابق ، وليس بناء العقلاء على جريانها في مورده ، كما لا يخفى .

أو نحتاجَ إلى ما أتعب به شيخنا الأعظم نفسه الشريفة من التصدّي للجواب عن التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية(2) .

وربّما يقال في الدم المتخلّف في الذبيحة إذا شكّ في أ نّه من القسم الطاهر أو النجس : «بأنّ الظاهر الحكم بنجاسته عملاً بالاستصحاب ، أو بالعامّ مع لبّية المخصّص(3) . ويحتمل التفصيل بين ما إذا كان الشكّ من جهة احتمال ردّ النفس ، فيحكم بالطهارة ؛ لأصالة عدم الردّ ، وبين ما كان لأجل احتمال كون رأسه على علوّ ، فيحكم بالنجاسة عملاً بأصالة عدم خروج المقدار المتعارف»(4) .

وفيه : أنّ الاستصحاب في الدم غير جارٍ ؛ لعدم العلم بنجاسته في الباطن ، لقصور الأدلّة عن إثباتها ، والتمسّكَ بالعامّ في المخصّص اللبّي فرع وجوده ،

ص: 224


1- اُنظر مطارح الأنظار 2 : 141 ؛ كفاية الاُصول : 258 ؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1 : 528 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 86 ؛ مطارح الأنظار 2 : 136 .
3- العروة الوثقى 1 : 64 ، الهامش 10 ، تعليقة المحقّق الرفيعي (ط - مؤسّسة الأعلمي) .
4- العروة الوثقى 1 : 134 - 135 ، مسألة 7 .

وهو مفقود . مع أنّ في التمسّك به مع لبّيته إذا كان الإخراج بعنوان واحد إشكالاً ، بل منعاً .

وأمّا أصالة عدم ردّ النفس فلا تثبت كون هذا متخلّفاً ؛ لأنّ خروج الدم بالمقدار المتعارف لازم عقلي أو عادي لعدم ردّ النفس ، وكون الدم متخلّفاً لازم لهذا اللازم .

كما أنّ أصالة عدم خروج المقدار المتعارف ، لا تثبت كون هذا الدم نجساً ؛ لأنّ الدم النجس هو «الدم غير المتخلّف» أو «الدم المسفوح» أو نحوهما ، والأصل المتقدّم لا يثبت تلك العناوين .

بل أصالة عدم خروج الدم المتعارف ، لا تثبت لمصداق الدم حكماً ، نظير ما إذا علمنا بأنّ واحداً من الشخصين الموجودين في البيت عالم ، فخرج أحدهما منه ، فلا إشكال في جريان استصحاب بقاء العالم فيه ، لكن لا يثبت به أنّ الموجود في البيت عالم حتّى يترتّب عليه أثره .

ثمّ لو حاولنا جريان أصالة عدم ردّ النفس لإثبات طهارة بقيّة الدم ، لجرى أصل عدم كون رأسه على علوّ لإثبات طهارته ، وهو حاكم على أصالة عدم خروج الدم المتعارف .

لكن التحقيق عدم جريان واحد من تلك الاُصول ، والحكم بطهارة المشكوك فيه ؛ لأصالة الطهارة .

ص: 225

الكلب والخنزير
اشارة

السادس والسابع : الكلب والخنزير ، ونجاستهما في الجملة واضحة لا تحتاج إلى تجشّم استدلال ؛ وإن ذهب إلى طهارتهما مالك والزُهري وداود ، على ما حكى عنهم العلاّمة في «المنتهى»(1) .

نجاسة الكلب

ونقل في «التذكرة» عن أبي حنيفة القول بطهارة الكلب دون الخنزير(2). ونسب الشيخ في «الخلاف» إلى أبي حنيفة القول بنجاسة الكلب حكماً لا عيناً (3) .

واستدلّ(4) على طهارته بقوله تعالى : )فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ((5) .

وفيه ما لا يخفى من الوهن ؛ ضرورة أ نّها في مقام بيان حلّيته وتذكيته ،

ص: 226


1- منتهى المطلب 3 : 211 .
2- تذكرة الفقهاء 1 : 66 .
3- الخلاف 1 : 177 .
4- اُنظر المجموع 2 : 567 .
5- المائدة (5) : 4 .

ولا إطلاق فيها من جهة اُخرى ، ولهذا لا يجوز التمسّك بها لجواز أكله من غير تغسيل عن دمه الخارج من موضع عضّ الكلب ، وهو واضح .

وتدلّ على نجاسته - مضافاً إلى الإجماع المستفيض(1) - روايات مستفيضة ، كقوله علیه السلام في صحيحة البَقباق : «رجس نجس لا يتوضّأ بفضله»(2) .

وكصحيحة ابن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الكلب يصيب شيئاً من جسد الرجل ، قال : «يغسل المكان الذي أصابه»(3) .

وفي رواية معاوية بن شريح : «لا واللّه ، إنّه نجس ، لا واللّه ، إنّه نجس»(4) . . . إلى غير ذلك .

عدم الفرق في أجزاء الكلب بين ما تحلّه الحياة وغيره

ولا فرق بين ما تحلّه الحياة وغيره ؛ فإنّ الكلب عبارة عن الموجود الخارجي بجميع أجزائه : من الشعر والظفر وغيرهما . فما عن السيّد من إنكار أنّ ما لا تحلّه الحياة من جملة الحيّ وإن كان متّصلاً به(5) ، إن كان مراده

ص: 227


1- راجع الخلاف 1 : 176 - 177 ؛ منتهى المطلب 3 : 210 ؛ جواهر الكلام 5 : 366 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 646 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 260 / 758 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 4 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 647 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 6 .
5- مسائل الناصريات : 101 .

أ نّه ليس من جملته بما هو حيّ - أي لا تحلّه الحياة - فهو معلوم لا كلام

فيه ، لكن لا دليل على تخصيص النجاسة بما تحلّه الحياة في الكلب أو الخنزير .

وإن أراد أ نّه ليس من أجزائه مطلقاً ، فهو غير وجيه ، فكيف يمكن نفي جزئية العظم والظفر ، بل الشعر ؟ ! فإنّ الكلب في الخارج كلب بجميع أجزائه .

بل المتيقّن من قوله : «الكلب يصيب شيئاً من جسد الرجل» ، وقوله علیه السلام في

صحيحة ابن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الكلب السَلوقي ، فقال : «إذا

مسسته فاغسل يدك»(1) ، ونحوِهما ، ملاقاة شعره ؛ لأ نّه نوعي غالبي . ولو نوقش فيه فلا أقلّ من الإطلاق ، بل هو الفرد الشائع .

وكيف يمكن أن يقال في مثل قول علي علیه السلام -

على ما في حديث الأربعمائة - «تنزّهوا عن قرب الكلاب ، فمن أصاب الكلب وهو رطب فليغسله ، وإن كان جافّاً فلينضح ثوبه بالماء»(2) : لا يراد منه إصابة ظاهره المحفوف بالشعر ، ولا يلاقي الملاقي - نوعاً - إلاّ شعره ؟ !

نعم ، يمكن المناقشة في دلالة مثل صحيحة أبي العبّاس قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ، وإن أصابه جافّاً فاصبب عليه الماء» .

ص: 228


1- الكافي 6 : 553 / 12 ؛ وسائل الشيعة 3 : 416 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 9 .
2- الخصال : 626 / 10 ؛ وسائل الشيعة 3 : 417 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 11 .

قلت : ولِمَ صار بهذه المنزلة ؟ قال : «لأنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم أمر بقتله»(1) .

لاحتمال أن يكون المراد برطوبة الكلب مثلَ لعابه ، لا ملاقاته رطباً ؛ وإن

لا يبعد الاحتمال الثاني بقرينة قوله علیه السلام : «أصابه جافّاً»، تأمّل .

وكيف كان : لا شبهة في نجاسة شعره وسائر ما لا تحلّه الحياة . ودعوى السيّد الإجماع على طهارته(2) موهونة ؛ لعدم الموافق له ظاهراً ، فضلاً عن الإجماع عليها .

حكم الرطوبات الذاتية للكلب

نعم ، ربّما يمكن المناقشة في استفادة نجاسة لعابه وسائر رطوباته ذاتاً من الروايات ، بل من الإجماع أيضاً ؛ بدعوى أنّ الرطوبات خارجة عن اسمه ، فكما أنّ خرءه لا يدخل فيه ؛ لأ نّه منفصل عنه وإن كان في جوفه ، كذلك سائر رطوباته ، فما دلّت على نجاسته عيناً لا تدلّ على نجاستها ذاتاً وعيناً .

بل لمّا كانت الرطوبات ملاقية له ، لا يمكن استفادة نجاستها الذاتية من دليل ناطق بنجاستها ؛ فإنّها أعمّ من العينية .

لكن الظاهر أ نّه شبهة في مقابل المسلّم ، بل البديهي . بل يمكن دعوى دخول الرطوبات في إطلاقه عرفاً كدخول دمه فيه وإن لم يدخل فيه خرؤه .

ص: 229


1- تهذيب الأحكام 1 : 261 / 759 ؛ وسائل الشيعة 3 : 414 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 1 .
2- مسائل الناصريات : 100 .
نجاسة كلب الصيد

ومقتضى إطلاق الأدلّة(1) وخصوص صحيحة ابن مسلم المتقدّمة(2) في الكلب السَلُوقي ، نجاسة كلب الصيد كسائر الكلاب ، فما عن ظاهر الصدوق من طهارته(3) ضعيف . وربّما كان منشأه دعوى عدم صدق «الكلب» عليه ، أو انصراف الأدلّة عنه ، أو إطلاق قوله تعالى : )فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ((4) والجميع كما ترى . هذا مع عدم ورود شيء منها على الصحيحة .

وبهذا كلّه ظهر لزوم التصرّف في صحيحة ابن مُسْكان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام

قال : سألته عن الوضوء ممّا ولغ الكلب فيه والسِنَّوْر ، أو شرب منه جمل أو دابّة أو غير ذلك ، أيتوضّأ منه أو يغتسل ؟ قال : «نعم ، إلاّ أن تجد غيره فتنزّه عنه»(5) ، بتقييد إطلاقها بما فصّل في سؤر الكلب بين الماء الكثير والقليل(6) . هذا كلّه في الكلب .

ص: 230


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 413 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 11 و12 .
2- تقدّمت في الصفحة 228 .
3- الفقيه 1 : 43 .
4- المائدة (5) : 4 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 226 / 649 ؛ وسائل الشيعة 1 : 228 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 2 ، الحديث 6 .
6- كرواية أبي بصير عن أبي عبداللّه عليه السلام وفيها : «لا يشرب سؤر الكلب إلاّ أن يكون حوضاً كبيراً يستقى منه» . تهذيب الأحكام 1 : 226 / 650 ؛ وسائل الشيعة 1 : 226 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 1 ، الحديث 7 .
نجاسة الخنزير

وأمّا الخنزير ، فيدلّ على نجاسته - مضافاً إلى الآية الكريمة(1) والإجماعات المتقدّمة - صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیهما السلام قال : سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله ، فذكر وهو في صلاته ، كيف يصنع به ؟ قال : «إن كان دخل في صلاته فليمضِ ، وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصابه من ثوبه ، إلاّ أن يكون فيه أثر فيغسله» .

قال : وسألته عن خنزير يشرب من إناء ، كيف يصنع به ؟ قال : «يغسل سبع مرّات»(2) .

فإنّها ظاهرة في معهودية نجاسته ، وإنّما سأل بعدها عن حكم آخر ، فحينئذٍ يكون المراد من التفصيل بين ما إذا كان له أثر ولم يكن ، التفصيلَ مطلقاً ؛ سواء كان قبل الصلاة أو بعدها . مع أنّ ذيلها أيضاً دالّ على نجاسته ، فالأمر بالمضيّ مع

دخوله في الصلاة في صورة الشبهة ، لا العلم بوجود الأثر .

مضافاً إلى أنّ الأمر بالمضيّ لا يدلّ على طهارته ، بل دليل على صحّة الصلاة مع النجس إذا تذكّر في الأثناء ، كما هو واضح . وحمل الغسل على الاستحباب - بقرينة الأمر بالمضيّ - بعيد جدّاً .

ورواية ابن رِئاب ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في الشطرنج قال : «المقلّب لها كالمقلّب لحم الخنزير» . قال : قلت : ما على من قلّب لحم الخنزير ؟ قال :

ص: 231


1- الأنعام (6) : 145 .
2- الكافي 3 : 61 / 6 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 261 / 760 ؛ وسائل الشيعة 3 : 417 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 13 ، الحديث 1 .

«يغسل يده»(1) . وفي دلالتها تأمّل .

ورواية زرارة الواردة في البئر(2) .

وتدلّ على نجاسة شعره مصحّحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : قلت له : إنّ رجلاً من مواليك يعمل الحمايل بشعر الخنزير ، قال : «إذا فرغ فليغسل يده»(3) .

ورواية بُرْد الإسكاف قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن شعر الخنزير يعمل به . . . إلى أن قال : «فاعمل به ، واغسل يدك إذا مسسته عند كلّ صلاة» .

قلت : ووضوء ؟ قال : «لا ، اغسل يدك كما تمسّ الكلب»(4) .

ولعلّ قوله : «ووضوء» بالرفع ؛ أي ووضوء عليّ إذا مسسته ، أو وضوء في مسّه ؟ قال : «لا» ولكن «اغسل يدك كما تمسّ الكلب» فكما لا وضوء معه ، فكذا مع مسّ الخنزير . وقريب منها روايته الاُخرى(5) .

ص: 232


1- الكافي 6 : 437 / 15 ؛ وسائل الشيعة 17 : 322 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 103 ، الحديث 3 .
2- وهي «قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : بئر قطرت فيها قطرة دم ، أو خمر ، قال : الدم والخمر والميّت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد ، ينزح منه عشرون دلواً» . تهذيب الأحكام 1 : 241 / 697 ؛ وسائل الشيعة 1 : 179 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 15 ، الحديث 3 .
3- تهذيب الأحكام 6 : 382 / 1129 ؛ وسائل الشيعة 17 : 227 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 58 ، الحديث 1 .
4- تهذيب الأحكام 6 : 382 / 1130 ؛ وسائل الشيعة 17 : 228 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 58 ، الحديث 2 .
5- الفقيه 3 : 220 / 1019 ؛ وسائل الشيعة 17 : 228 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 58 ، الحديث 4 .

ورواية سليمان الإسكاف قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن شعر الخنزير يخرز به ، قال : «لا بأس به ، ولكن يغسل يده إذا أراد أن يصلّي»(1) .

فلا إشكال في نجاسته ونجاسة ما لا تحلّ الحياة منه . ويأتي في لعابه ورطوباته ما مرّ في الكلب(2) ، والظاهر نجاستها ذاتاً كما في الكلب .

طهارة كلب الماء وخنزيره

وعن «النهاية» و«التحرير» و«التذكرة» و«الذكرى» طهارة كلب الماء(3) ، وعن «الكفاية» : «أ نّه المشهور»(4) . وعن الحلّي نجاسته(5) ، وعن «المنتهى» تقريب شموله له معلّلاً : «بأنّ اللفظ يقال له بالاشتراك»(6) .

والأقوى طهارة كلب الماء وخنزيره ، لا لانصراف الأدلّة ، على فرض صدق العنوان عليهما ؛ فإنّه ممنوع . ومجرّد كون بعض الأفراد يعيش في محلّ أو يندر الابتلاء به ، لا يوجب الانصراف .

بل لعدم صدق العنوانين عليهما جزماً ، وعدم كونهما مع البرّي منهما من نوع

ص: 233


1- تهذيب الأحكام 9 : 85 / 357 ؛ وسائل الشيعة 3 : 418 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 13 ، الحديث 3 .
2- تقدّم في الصفحة 229 .
3- نهاية الإحكام 1 : 272 ؛ تحرير الأحكام 1 : 157 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 67 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 119 .
4- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 59 .
5- السرائر 2 : 220 .
6- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 18 ؛ منتهى المطلب 3 : 213 .

واحد ، وقد طبع في «المنجد» رسمهما (1) ، فترى لا يوجد بينهما وبين البرّي منهما أدنى شباهة ؛ وإن قال في الكلب : «كلب الماء وكلب البحر : سمك بينه وبين الكلب بعض الشبه» .

وقال : «خنزير البحر : جنس من الحيتان أصغر من الدلفين»(2) .

وتدلّ على طهارة كلبه - بل وخنزيره على وجهٍ - صحيحة عبد الرحمان ابن الحجّاج قال : سأل أبا عبداللّه علیه السلام رجل وأنا عنده عن جلود الخزّ ، فقال : «ليس به بأس» .

فقال الرجل : جعلت فداك ، إنّها علاجي ، وإنّما هي كلاب تخرج من الماء ، فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «إذا خرجت من الماء تعيش خارجةً من الماء ؟» فقال الرجل : لا ، قال : «ليس به بأس»(3) .

حكم المتولّد من نجس العين

ثمّ إنّ المتولّد من النجسين أو أحدهما إن صدق عليه اسم أحدهما ، فلا إشكال في نجاسته . وإن صدق عليه اسم أحد الحيوانات الطاهرة ، فلا ينبغي الإشكال في طهارته ؛ إمّا لإطلاق دليل طهارته لو كان ، وإمّا للأصل .

ص: 234


1- المنجد : 200 و696 .
2- المنجد : 197 و694 .
3- الكافي 6 : 451 / 3 ؛ علل الشرائع : 357 / 1 ؛ وسائل الشيعة 4 : 362 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 10 ، الحديث 1 .

ودعوى ارتكازية نجاسة المتولّد من الكلبين أو الكلب والخنزير عند المتشرّعة ، وتبعية ولدهما لهما فيها كتبعية ولد الكافر له . أو كونِه حقيقة من جنس الوالدين وإن كان غيرهما ظاهراً ، والأحكام مترتّبة على الحقيقة ، والأسماء كاشفة عنها . أو القطعِ بالمناط(1) .

غير وجيهة وإن صدرت عن الشيخ الأعظم - نضّر اللّه وجهه - لعدم ثبوت ارتكازيتها في مثل المقام ، ولا دليل على التبعية هاهنا ، والتبعية في الكافر لا توجب الحكم بها في غيره . وممنوعية كون حقيقته ما ذكر بعد صدق عنوان آخر عليه ، وسلب صدق اسمهما عنه . ولو سلّم ذلك فلا دليل على أنّ الأحكام مترتّبة على الحقائق بذلك المعنى . وممنوعية القطع بالمناط بعد كونهما عنوانين .

وأمّا استصحاب النجاسة فيما إذا كانت اُمّه نجسة - سواء كان أبوه طاهراً أو لا - بدعوى كون الجنين جزءاً من الاُمّ ، ولا يتبدّل الموضوع بنفخ الروح فيه(2) .

ففيه ما لا يخفى بعد عدم الدليل على نجاسته ، وممنوعية جزئيته لاُمّه .

وأضعف منه استصحاب نجاسته في حال كونه علقة أو منيّاً ؛ حتّى فيما إذا كانت الاُمّ نجساً (3) ، ضرورة تبدّل الموضوع .

وقد يقال : بجريان استصحاب الكلّي الجامع بين الذاتي والعرضي في جميع

ص: 235


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 95 - 96 .
2- راجع الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 94 .
3- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 111 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 366 .

الموارد المشكوك فيها ؛ فإنّه عند ملاقاته لرطوبات اُمّه نعلم بنجاسته إمّا عرضاً أو ذاتاً ، ومع الغسل عن العرضية نشكّ في بقاء الذاتية(1) .

أقول : تارة نقول بتنجّس الجنين في الباطن ؛ لملاقاته النجس ، واُخرى نقول بعدمه ؛ إمّا لقصور أدلّة النجاسة عن إثبات نجاسة البواطن ، أو لقصور أدلّة نجاسة الملاقى لإثبات نجاسة الملاقي في الباطن ، أو لغير ذلك .

فعلى الثاني لا إشكال في جريان أصالة الطهارة في الجنين في بطن اُمّه مع الشكّ في نجاسته ذاتاً ، فحينئذٍ إن تنجّس حين التولّد عرضاً ، فلا يجري الاستصحاب بعد زوالها وتطهيرها ؛ لأ نّه مع جريان أصل الطهارة في الجنين ، لا مجال لدعوى العلم الإجمالي بأ نّه إمّا نجس ذاتاً أو عرضاً ؛ للعلم بالطهارة الظاهرية وترتّب جميع آثار الطهارة عليه ، ومعه ينقّح موضوع تنجّس الظاهر بالملاقاة نجاسةً عرضيةً ؛ بناءً على عدم تنجّس النجس .

وبالجملة : إنّ العلم الإجمالي بأنّ الجنين في الخارج بعد ملاقاة اُمّه ؛ إمّا نجس ذاتاً أو عرضاً ، ممّا لا أثر له مع جريان أصالة الطهارة في أحد طرفيه .

وإن شئت قلت : إنّ محتمل البقاء هو الذي حكم الشارع بطهارته ، أو قلت بعد غسل ظاهره : نعلم بأ نّه إمّا طاهر واقعاً ، أو طاهر ظاهراً .

ولو حاول أحد جريان مثل هذا الاستصحاب ، للزم عليه إجراؤه فيما إذا شكّ في نجاسة عينية لواحد من الحيوانات كالوزغة ، فيحكم بطهارتها قبل عروض

ص: 236


1- مستمسك العروة الوثقى 1 : 366 .

النجاسة عليها ، وبنجاستها بعد عروضها وغسلها ، وهو كما ترى .

وكذا لو فرض نجاسة طرف من الثوب ، وشكّ في نجاسة الباقي ، فغسل موضع النجس ، لزم عليه الحكم ببقاء نجاسته ؛ لاحتمال البقاء .

والجواب والحلّ : أ نّه مع هذا الاحتمال المحكوم عليه بالطهارة ، لا مجرى للأصل ، ولا أثر للعلم . تأمّل جيّداً حتّى لا يختلط عليك بين المقام والمقامات التي يكون الاستصحاب حاكماً على أصل الطهارة ، وكذا لا يختلط بينه وبين المقامات التي قلنا بعدم جريان الأصل في الفرد المشكوك في حدوثه ؛ للتحكيم على استصحاب بقاء الكلّي ، فإنّ الفارق بينهما ظاهر لدى التأمّل .

وممّا ذكرنا ظهر الحال فيما إذا قلنا بتنجّس ما في الباطن ؛ فإنّ الظاهر جريان أصالة الطهارة في الجنين لإثبات طهارته العينية ظاهراً حتّى مع تنجّسها بالعرض ؛ لوجود الأثر في جريانها كما عرفت .

ص: 237

الاختلاف في نجاسة الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة والمسوخ

ثمّ إنّه قد وقع الخلاف من قدماء أصحابنا في نجاسة جملة اُخرى غيرهما ، كالثعلب والأرنب والفأرة والوزغة والمسوخ ، بل وما لا يؤكل لحمه .

فعن «المقنعة» نجاسة الأربعة الاُول(1) . وعن ظاهر «الفقيه» و«المقنع» نجاسة الفأرة(2) .

وعن «المراسم» : «أنّ الفأرة والوزغة كالكلب والخنزير في رشّ ما مسّاه بيبوسة»(3) .

وعن الشيخ : «أنّ الأربعة المذكورة كالكلب والخنزير في وجوب إراقة ما باشرته من المياه»(4) .

وعن «الوسيلة» عدّها في عداد الكلب والخنزير والكافر والناصب في وجوب غسل ما مسّته رطباً ، ورشّه يابساً (5) .

بل عن «الغنية» دعوى الإجماع في بعض المذكورات(6) .

ص: 238


1- المقنعة : 70 و150 .
2- الفقيه 1 : 43 / 167 ؛ المقنع : 14 .
3- المراسم : 56 .
4- المبسوط 1 : 37 .
5- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 77 .
6- غنية النزوع 1 : 44 .

وعن الشيخ في«التهذيب» النصّ بنجاسة ما لا يؤكل لحمه(1) . وعن «الاستبصار» استثناء ما لا يمكن التحرّز عنه(2) .

وعن «الخلاف» القول بنجاسة المسوخ(3) . وعزي في محكيّ «المختلف» إلى سلاّر وابن حمزة(4) . وعن «المعالم» حكايته عن ابن الجنيد(5) .

فيما يدلّ على طهارة جميع المذكورات

وكيف كان : تدلّ على طهارة الجميع صحيحة الفضل أبي العبّاس قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن فضل الهرّة والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع ، فلم أترك شيئاً إلاّ سألت عنه ، فقال : «لا بأس» حتّى انتهيت إلى الكلب . . .(6) إلى آخره ؛ لدخول الثعلب والأرنب في الوحش والسباع ؛ فإنّ الأوّل سبع بلا إشكال ، وعدّ بعضهم الثاني فيه أيضاً (7) . ويظهر من بعض الروايات أنّ الأرنب بمنزلة الهرّة ، وله مخالب كسباع الوحش(8) .

ص: 239


1- تهذيب الأحكام 1 : 224 ، ذيل الحديث 642 .
2- الاستبصار 1 : 26 ، ذيل الحديث 65 .
3- الخلاف 3 : 184 .
4- مختلف الشيعة 1 : 307 ؛ المراسم : 55 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 78 .
5- معالم الدين (قسم الفقه) 2 : 548 .
6- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 646 ؛ وسائل الشيعة 1 : 226 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 1 ، الحديث 4 .
7- اُنظر جواهر الكلام 5 : 369 ؛ المنجد : 9 .
8- راجع وسائل الشيعة 24 : 109 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 11 .

بل تدخل الوزغة في الوحش ، وكذا بعض أنواع الفأرة ؛ إن كان «الوحش» مطلق الحيوان البرّي مقابل الأهلي ، إذ الظاهر أنّ سؤاله كان عن عنوان «الوحش» و«السباع» لا عن أفرادهما تفصيلاً . بل المظنون أنّ الفأرة والوزغة كانتا من جملة ما سأل عنها ؛ فإنّ قوله : «فلم أترك شيئاً» وإن كان على سبيل المبالغة ، لكن من البعيد جدّاً ترك السؤال عن الفأرة المبتلى بها والمعهودة في الذهن والوزغة المعروفة ، سيّما في بلد السؤال والراوي .

ويظهر ممّا مرّ جواز الاستدلال لطهارة الأوّلين - بناءً على سبعيتهما - بكلّ ما دلّ على طهارة السباع ، كصحيحة ابن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الكلب يشرب من الإناء ، قال : «اغسل الإناء» .

وعن السِنَّوْر ، قال : «لا بأس أن تتوضّأ من فضلها ؛ إنّما هي من السباع»(1) .

وصحيحة زرارة ، عنه علیه السلام قال : «في كتاب علي علیه السلام : أنّ الهرّ سبع ، ولا بأس بسؤره»(2) . . . إلى غير ذلك ممّا يعلم منه مفروغية طهارة السبع(3) إلاّ ما استثني .

ص: 240


1- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 644 ؛ الاستبصار 1 : 18 / 39 ؛ وسائل الشيعة 1 : 227 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 2 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 227 / 655 ؛ وسائل الشيعة 1 : 227 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 2 ، الحديث 2 .
3- كرواية أبي الصباح عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كان علي عليه السلام يقول : لا تدع فضل السنّور أن تتوضّأ منه ، إنّما هي سبع» . تهذيب الأحكام 1 : 227 / 653 ؛ وسائل الشيعة 1 : 228 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 2 ، الحديث 4 .
طهارة الوزغة والفأرة

وتدلّ على طهارة الوزغة والفأرة مصحّحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام في حديث قال : سألته عن العظاية والحيّة والوزغ يقع في الماء فلا يموت ، أيتوضّأ منه للصلاة ؟ قال : «لا بأس به» .

وسألته عن فأرة وقعت في حبّ دهن ، واُخرجت قبل أن تموت ، أيبيعه من مسلم ؟ قال : «نعم ، ويدهن منه»(1) .

وعلى طهارة الفأرة صحيحة إسحاق بن عمّار(2) ، ورواية أبي البَخْتري(3) ، وصدر صحيحة هارون بن حمزة الغَنوي(4) ، وصحيحة سعيد الأعرج - برواية الشيخ - قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الفأرة يقع في السمن والزيت ، ثمّ يخرج حيّاً ، قال : «لا بأس بأكله»(5) .

ص: 241


1- تهذيب الأحكام 1 : 419 / 1326 ؛ وسائل الشيعة 1 : 238 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 9 ، الحديث 1 .
2- عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّ أبا جعفر عليه السلام كان يقول : «لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء أن يشرب منه ويتوضّأ منه» . تهذيب الأحكام 1 : 419 / 1323 ؛ وسائل الشيعة 1 : 239 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 9 ، الحديث 2 .
3- عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهماالسلام أنّ عليّاً عليه السلام قال : «لا بأس بسؤر الفأرة أن يشرب منه ويتوضّأ» . قرب الإسناد : 150 / 542 ؛ وسائل الشيعة 1 : 241 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 9 ، الحديث 8 .
4- سيأتي نقل الحديث بكامله في الصفحة 245 .
5- تهذيب الأحكام 9 : 86 / 362 .

وفي رواية الكليني : «عن الفأرة والكلب يقع . . .»(1) إلى آخره .

والظاهر زيادة لفظ «الكلب» من النسّاخ ، أو بعض الرواة ؛ فإنّ أصالة عدم الزيادة - ولو كانت أرجح من أصالة عدم النقيصة - لم تسلم في مثل المقام الذي كانت نجاسة الكلب معهودة من الصدر الأوّل . مع بُعد سمن أو زيت يقع الكلب فيه ، ويكون في معرض الموت ، فالمظنون وقوع الزيادة ، سيّما مع إفراد الضمير .

ويدلّ على طهارة الوزغ كلّ ما دلّ على طهارة ميتة ما لا نفس له(2) ؛ ضرورة أنّ الموت لو لم يؤثّر في تغليظ النجاسة ، لم يؤثّر في تطهير الميت . مضافاً إلى حسنة(3) يعقوب بن عُثيم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت : بئر يخرج من مائها قطع جلود ، قال : «ليس بشيء ؛ إنّ الوزغ ربّما طرح جلده» .

وقال : «يكفيك دلو واحد من ماء»(4) .

ص: 242


1- الكافي 6 : 261 / 4 .
2- تقدّم في الصفحة 115 - 121 .
3- رواها الصدوق بإسناده ، عن يعقوب بن عثيم ، وقال في المشيخة : «وما كان فيه عن يعقوب بن عثيم فقد رويته عن محمّد بن موسى بن المتوكّل رضى الله عنه ، عن علي بن إبراهيم ابن هاشم ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن يعقوب بن عثيم . وجه كونها حسنة ، وقوع يعقوب بن عُثيم في السند ويعلم حسن حاله وصحّة حديثه من عدّ العلاّمة رحمه الله طريق الصدوق إ ليه في الفقيه صحيحاً ومن رواية أبان وابن أبي عمير وأضرابهما عنه ومن استصحاح الأصحاب أخباراً هو في طريقها . الفقيه ، المشيخة 4 : 6 ؛ منتهى المقال 7 : 67 - 68 ؛ تنقيح المقال 3 : 331 / السطر 36 (أبواب الياء) .
4- الفقيه 1 : 15 / 30 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 419 / 1325 ؛ وسائل الشيعة 1 : 189 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 19 ، الحديث 9 .
طهارة الثعلب

وعلى طهارة الثعلب جملة من الروايات الواردة في لباس المصلّي الدالّة على قبوله التذكية ، كرواية جعفر بن محمّد بن أبي زيد قال : سئل الرضا علیه السلام عن

جلود الثعالب الذكيّة ، قال : «لا تصلّ فيها»(1) .

ورواية الوليد بن أبان قال : قلت للرضا علیه السلام : يصلّى في الثعالب إذا كانت ذكيّة ؟ قال : «لا تصلّ فيها»(2) .

فإنّ الظاهر تقريره لقبوله التذكية .

بل وصحيحة ابن أبي نجران(3) ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الصلاة في جلود الثعالب فقال : «إذا كانت ذكيّة فلا بأس»(4) ، ونحوها غيرها (5) .

وهي وإن صدرت تقيّة من جهة تجويز الصلاة فيها ، لكن لا دليل على أنّ التعليق أيضاً صدر كذلك .

ص: 243


1- تهذيب الأحكام 2 : 210 / 824 ؛ وسائل الشيعة 4 : 357 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 7 ، الحديث 6 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 207 / 811 ؛ وسائل الشيعة 4 : 357 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 7 ، الحديث 7 .
3- كذلك في الطبعة الحجرية من الوسائل (1 : 294 / السطر 35) ولكن في سائر النسخ والمصادر الروائية «جميل» بدل «ابن أبي نجران» وهذا هو الصحيح .
4- تهذيب الأحكام 2 : 206 / 809 ؛ الاستبصار 1 : 382 / 1447 ؛ وسائل الشيعة 4 : 357 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 7 ، الحديث 9 .
5- راجع وسائل الشيعة 4 : 358 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 7 ، الحديث 10 و11 .
طهارة الأرنب

بل قد يشعر بعض الروايات بقبول الأرنب التذكي-ة ، كمكاتب-ة محمّ-د بن عبدالجبّار قال : كتبت إلى أبي محمّد علیه السلام أسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لايؤكل لحمه ، أو تكّة حرير محض ، أو تكّة من وبر الأرانب ؟ فكتب : «لاتحلّ الصلاة في الحرير المحض ، وإن كان الوبر ذكياً حلّت الصلاة فيه إن شاء اللّه»(1) .

ومن المعلوم أنّ التذكية لا تقع على نجس العين .

فيما يستدلّ به لنجاسة المذكورات

وفي مقابلها جملة من الروايات ربّما يستدلّ بها للنجاسة ، كمرسلة يونس ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته هل يحلّ أن يمسّ الثعلب والأرنب أو شيئاً من السباع حيّاً وميّتاً ؟ قال : «لا يضرّه ، ولكن يغسل يده»(2) .

وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیهما السلام قال : سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء ، فتمشي على الثياب ، أيصلّى فيها ؟ قال : «اغسل ما رأيت من أثرها ، وما لم تره انضحه بالماء»(3) .

ص: 244


1- تهذيب الأحكام 2 : 207 / 810 ؛ وسائل الشيعة 4 : 377 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 14 ، الحديث 4 .
2- الكافي 3 : 60 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 462 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 34 ، الحديث 3 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 261 / 761 ؛ وسائل الشيعة 3 : 460 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 33 ، الحديث 2 .

وصحيحته الاُخرى ، عنه علیه السلام قال : سألته عن الفأرة والكلب إذا أكلا من الخبز أو شمّاه ، أيؤكل ؟ قال : «يطرح ما شمّاه ، ويؤكل ما بقي»(1) . وقريب منها موثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام (2) .

ورواية الحسين بن زيد ، عن الصادق علیه السلام في حديث المناهي قال : «نهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن أكل سؤر الفأر»(3) .

وذيل صحيحة هارون بن حمزة الغَنوي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الفأرة والعقرب وأشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيّاً ، هل يشرب من ذلك الماء ويتوضّأ به ؟ قال : «يسكب منه ثلاث مرّات ، وقليله وكثيره بمنزلة واحدة ، ثمّ يشرب منه ويتوضّأ منه ، غير الوزغ ، فإنّه لا ينتفع بما يقع فيه»(4) .

وصحيحة معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الفأرة والوزغة تقع في البئر قال : «ينزح منها ثلاث دلاء»(5) .

ص: 245


1- تهذيب الأحكام 1 : 229 / 663 ؛ وسائل الشيعة 3 : 465 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 36 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 284 / 832 ؛ وسائل الشيعة 3 : 465 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 36 ، الحديث 2 .
3- الفقيه 4 : 2 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 240 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 9 ، الحديث 7 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 238 / 690 ؛ وسائل الشيعة 1 : 188 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 19 ، الحديث 5 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 238 / 688 ، و : 245 / 706 ؛ وسائل الشيعة 1 : 187 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 19 ، الحديث 2 .

ورواية «العلل» و«العيون» عن محمّد بن سِنان ، عن الرضا علیه السلام فيما كتب إليه من جواب مسائله في «العلل» : «وحرّم الأرنب لأ نّها بمنزلة السِنَّوْر ، ولها مخالب كمخالب السِنَّوْر وسباع الوحش ، فجرت مجراها ، مع قذرها في نفسها ، وما يكون منها من الدم كما يكون من النساء ؛ لأ نّها مسخ»(1) ؛ بدعوى أنّ «القذر» النجس .

إلى غير ذلك ممّا لا بدّ من حملها على استحباب الغسل والتنزّه وكراهة الارتكاب ؛ جمعاً بينها وبين ما هو نصّ في الطهارة ، خصوصاً في الفأرة والوزغة .

هذا لو سلّم ظهورها في النجاسة ، وهو ممنوع في جلّها ؛ فإنّ المرسلة -

بعد إرسالها ، وكلامٍ في محمّد بن عيسى ، عن يونس(2) - لا يمكن حملها على النجاسة بعد اقترانهما ب- «شيء من السباع حيّاً وميّتاً» مع كون جميع السباع طاهراً حيّاً إلاّ ما ندر ، واستثناؤها لا يخلو من استهجان .

مضافاً إلى أنّ السؤال عن حلّية المسّ ، وإطلاقه شامل للمسّ يابساً ، ولا ينصرف إلى حال الرطوبة كما ينصرف في ملاقي النجس ، ومعه لا محيص

ص: 246


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 93 / 1 ؛ علل الشرائع : 482 / 1 ؛ وسائل الشيعة 24 : 109 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 11 .
2- إشارة إ لى ما ذكره النجاشي في ترجمة محمّد بن عيسى من أ نّه «ذكر أبو جعفر بن بابويه عن ابن الوليد أ نّه قال : ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه . ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول ويقولون : مَن مِثل أبي جعفر محمّد بن عيسى» . رجال النجاشي : 333 / 896 ؛ تنقيح المقال 3 : 167 / السطر 26 (أبواب الميم) .

عن حمل الأمر على الاستحباب ، وهو أولى في المقام من ارتكاب التخصيص والتقييد ، كما لا يخفى .

وصحيحة علي بن جعفر وغيرها ممّا وردت في الفأرة ، لا تحمل عليها أيضاً ؛ للسيرة المستمرّة على عدم التحرّز عن سؤرها ، ومعها لا ينقدح في الذهن من الأمر بالغسل النجاسة .

وصحيحته الاُخرى الواردة في أكل الكلب والفأرة وشمّهما ، لا محيص عن حملها على الاستحباب أو كراهة الأكل ؛ ضرورة أنّ مجرّد الشمّ - بل الأكل - لا يوجب النجاسة ، ولم يفرض فيها سراية رطوبتهما ، ومع الشكّ محكوم بالطهارة .

وصحيحة معاوية في النزح - مع عدم دلالتها على النجاسة بعد كونه استحبابياً ، تأمّل - محمولة على موتهما فيه ، كما هو مورد السؤال في باب المنزوحات غالباً .

وذيل صحيحة الغنوي محمول على الكراهة ؛ بصراحة صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة(1) ، تأمّل .

و«القذر» في رواية «العلل» - بعد الغضّ عن السند(2) - لا يراد به النجاسة ، وإلاّ كان تمام الموضوع للحرمة ، مع أنّ الظاهر منها أ نّها جزء العلّة . ويشهد له ما

رواه في «العلل» : «وأمّا الأرنب ، فكانت امرأة قذرة لا تغتسل من حيض

ص: 247


1- تقدّمت في الصفحة 241 .
2- تقدّم وجه ضعفه في الصفحة 114 ، الهامش 3 .

ولا جنابة»(1) ، والظاهر أنّ القذارة فيه كالقذارة التي في المرأة الحائض والجنب ، وهي ليست النجاسة .

وكيف كان : لا إشكال في طهارة المذكورات ، فضلاً عن طهارة المسوخ وما لا يؤكل لحمه إلاّ ما استثني ؛ فإنّ نجاستهما بنحو العموم مخالف للنصّ والإجماع ، بل الضرورة ، ولذا لا بدّ من تأويل ما نسب إلى الشيخ رحمه الله علیه (2) .

ص: 248


1- علل الشرائع : 486 / 2 .
2- مفتاح الكرامة 2 : 67 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 224 ، ذيل الحديث 642 .
المسكر المائع بالأصالة
اشارة

الثامن : المسكر المائع بالأصالة ، كالخمر وغيرها ، فالمشهور بيننا نجاسته ،

ولم ينقل من قدماء أصحابنا القول بالطهارة إلاّ من الصدوق(1) ووالده في «الرسالة»(2) وابن أبي عقيل والجُعْفي(3) .

لكن في «الجواهر» : «عدم ثبوت ذلك عن الثاني ، بل أنكره بعض الأساطين ، وعدم صراحة الأوّل فيه أيضاً ، سيّما بملاحظة ما نقل عنه من إيجابه نزح البئر منه ، كعدم معروفية حكاية ذلك عن الجُعْفي في كثير من كتب الأصحاب ، كالعلاّمة وغيره . نعم حكاه في «الذكرى» وتبعه بعض من تأخّر عنه»(4) انتهى .

أقول : إنّ الصدوق نفى البأس - على المحكيّ(5) - عن الصلاة في ثوب أصابه

ص: 249


1- الفقيه 1 : 43 / 167 .
2- اُنظر الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا عليه السلام : 281 ؛ السرائر 1 : 179 .
3- مختلف الشيعة 1 : 310 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 114 .
4- جواهر الكلام 6 : 3 .
5- مختلف الشيعة 1 : 310 .

خمر قائلاً : «إنّ اللّه حرّم شربها ، ولم يحرّم الصلاة في ثوب أصابته»(1) وهو ظاهر في طهارتها . لكن من المحتمل بعيداً أن يكون مراده العفو في الصلاة ، كقليل الدم .

وكذا لم ينقل من الجمهور إلاّ عن داود وربيعة(2) ، وهو أحد قولي الشافعي على ما في «التذكرة»(3) لكن لم ينسبها إليه في «المنتهى»(4) وظاهره انحصار المخالف فيهم بداود ، وفي حكايةٍ ربيعة .

وربّما يظهر من البهائي عدم كون الشافعي قائلاً بها ، حيث قال في «الحبل المتين» : «وقد أطبق علماء الخاصّة والعامّة على ذلك ، إلاّ شرذمة منّا ومنهم لم يعتدّ الفريقان بمخالفتهم»(5) .

بل من السيّد أيضاً حيث قال : «لا خلاف بين المسلمين في نجاسة الخمر ، إلاّ

ما يحكى عن شذّاذ لا اعتبار بقولهم»(6) ، فإنّ الشافعي ليس من الشذّاذ الذين لا اعتداد بقولهم ، ولم يعتدّ الفريقان بمخالفتهم .

وأمّا الصدوق منّا فلم يصرّح بالطهارة كما مرّ .

بل لعلّ المجتهدين - كالسيّد والمفيد والشيخ وأضرابهم - لم يعتدّوا برأيه

ص: 250


1- الفقيه 1 : 43 ، ذيل الحديث 167 .
2- الجامع لأحكام القرآن 6 : 288 ؛ المجموع 2 : 563 .
3- تذكرة الفقهاء 1 : 64 .
4- منتهى المطلب 3 : 213 .
5- الحبل المتين : 102 / السطر 7 .
6- مسائل الناصريات : 95 .

وإن اعتدّوا بنقله ونفسه ، ولهذا حكي عن الشيخ : «أنّ الخمر نجس بلا خلاف»(1) ولم يستثن أحداً .

الاستدلال على نجاسة الخمر بالإجماع والكتاب

وكيف كان : قد تكرّر نقل الإجماع بيننا - بل بين المسلمين - على نجاسة الخمر(2) .

وتدلّ عليها الآية الكريمة : )إِنَّمَا ا لْخَمْرُ وَا لْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ ا لشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ((3) .

بناءً على أنّ «الرجس» بمعنى النجس إمّا مطلقاً ، أو في المقام ؛ إمّا لنقل الإجماع في محكيّ «التهذيب» على أ نّه هاهنا بمعنى النجس(4) ، أو لمناسبة المقام ؛ فإنّ اللّه تعالى فرّع وجوب الاجتناب عن المذكورات على كونها رجساً من عمل الشيطان ، ولا يناسب التفريعَ على مطلق الرجس المشترك بين ما لا بأس به ولا يجب الاجتناب عنه ، وبين ما به بأس ، فرفع اليد عن ذات العناوين والتفريع على الرجس ، لا يناسب إلاّ كونه بمعنى النجس المعهود الذي كان وجوب الاجتناب عنه معهوداً بينهم .

ويؤيّده إطلاق «الرجس» على لحم الخنزير ، أو عليه وعلى الميتة والدم في

ص: 251


1- المبسوط 1 : 36 .
2- راجع المبسوط 1 : 36 ؛ غنية النزوع 1 : 41 ؛ السرائر 1 : 178 ؛ جواهر الكلام 6 : 2 .
3- المائدة (5) : 90 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 278 ، ذيل الحديث 816 .

آية اُخرى(1) ، وإطلاقه على لحم الخنزير والخمر في بعض الروايات(2) . ولا يبعد أن يكون ذلك تبعاً للآية .

وبناءً على أنّ باب المجازات مطلقاً ، ليس من قبيل استعمال اللفظ في غير ما وضع له ، بل من قبيل ادّعاء ما ليس بمصداق الماهية حقيقةً مصداقَها ، وتطبيق المعنى الحقيقي الذي استعمل اللفظ فيه عليه ، كما حقّق في محلّه(3) .

ففي المقام استعمل «الرجس» في النجس الذي هو أحد معانيه بالتقريب المتقدّم ، وادّعي كون الثلاثة التي بعد الخمر مصداقاً له ؛ تنزيلاً لما ليس بنجس منزلته ، لقيام القرينة العقلية عليه ، ولم تقم قرينة على التنزيل والادّعاء في الخمر ، فيحمل على الحقيقة ، فتثبت نجاستها .

لكن بعد اللتيّا والتي ، إثبات نجاستها بالآية محلّ إشكال ومناقشة لا مجال للتفصيل حولها .

الاستدلال على نجاسة الخمر بالروايات

وأمّا الروايات فعلى طوائف :

منها : ما هي ظاهرة في النجاسة ، وهي التي اُمر فيها بغسل ملاقيها ، أو النهي عن الصلاة فيما يلاقيها ، وهي كثيرة ، كموثّقة عمّار بن موسى قال : سألته عن الدَنّ يكون فيه الخمر ، هل يصلح أن يكون فيه خلّ أو ماء

ص: 252


1- الأنعام (6) : 145 .
2- وسائل الشيعة 3 : 418 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 13 ، الحديث 2 .
3- مناهج الوصول 1 : 62 .

كامخ أو زيتون ؟ قال : «إذا غسل فلا بأس» .

وعن الإبريق وغيره يكون فيه خمر ، أيصلح أن يكون فيه ماء ؟ قال : «إذا غسل فلا بأس» .

وقال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر ، قال : «تغسله ثلاث مرّات» .

وسئل : أيجزيه أن يصبّ فيه الماء ؟ قال : «لا يجزيه حتّى يدلكه بيده ، ويغسله ثلاث مرّات»(1) .

والفقرات منها ظاهرة في النجاسة ، والأخيرة كالنصّ فيها .

وموثّقتِه الاُخرى ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «لا تصلّ في ثوب أصابه خمر أو مسكر ، واغسله إن عرفت موضعه ، فإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه ، فإن صلّيت فيه فأعد صلاتك»(2) .

ونحوها مرسلة يونس ، عنه علیه السلام (3) .

ورواية أبي جميلة البصري قال : كنت مع يونس ببغداد وأنا أمشي في السوق ، ففتح صاحب الفُقّاع فُقّاعه ، فقفز فأصاب ثوب يونس ، فرأيته قد اغتمّ لذلك حتّى زالت الشمس ، فقلت له : يا أبا محمّد ، ألا تصلّي ؟ قال : فقال لي : ليس اُريد

أن اُصلّي حتّى أرجع إلى البيت فأغسل هذا الخمر من ثوبي .

ص: 253


1- الكافي 6 : 427 / 1 ؛ وسائل الشيع-ة 3 : 494 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 51 ، الحديث 1 .
2- هذه محكيّة في الحدائق وغيره ، ولم أجدها الآن عاجلاً في كتب الحديث .[ منه قدس سره]
3- الكافي 3 : 405 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 469 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 3 .

فقلت له : هذا رأي رأيته ، أو شيء ترويه ؟ فقال : أخبرني هشام بن الحكم : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الفُقّاع ، فقال : «لا تشربه ، فإنّه خمر مجهول ، فإذا أصاب ثوبك فاغسله»(1) .

ولا تخفى دلالتها على النجاسة من وجوه .

وصحيحة علي بن جعفر المنقولة في الأشربة المحرّمة ، عن أخيه علیه السلام قال : سألته عن النَضُوح يجعل فيه النبيذ ، أيصلح للمرأة أن تصلّي وهو على رأسها ؟ قال : «لا ، حتّى تغتسل منه»(2) .

وصحيحته الاُخرى ، عنه علیه السلام قال : سألته عن الشرب في الإناء يشرب فيه الخمر قدحاً عيدان أو باطية ، قال : «إذا غسله فلا بأس» .

قال : وسألته عن دَنّ الخمر يجعل فيه الخلّ والزيتون أو شبهه ، قال : «إذا غسل فلا بأس»(3) . . . إلى غير ذلك .

بل يظهر من بعضها مفروغية النجاسة ، كصحيحة معاوية بن عمّار الواردة في الثياب يعملها المجوس(4) .

ص: 254


1- الكافي 6 : 423 / 7 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 282 / 828 ؛ وسائل الشيعة 3 : 469 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 5 .
2- مسائل علي بن جعفر : 151 / 200 ؛ قرب الإسناد : 225 / 878 ؛ وسائل الشيعة 25 : 380 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 37 ، الحديث 3 .
3- مسائل علي بن جعفر : 154 / 212 و : 155 / 216 ؛ وسائل الشيعة 25 : 369 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 30 ، الحديث 5 و6 .
4- تهذيب الأحكام 2 : 362 / 1497 ؛ وسائل الشيعة 3 : 518 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 73 ، الحديث 1 .

ومنها : ما هي كصريحة أو صريحة فيها ، كرواية أبي بصير في حديث اُمّ خالد العبدية في التداوي بالنبيذ ، قال في ذيلها : ثمّ قال أبو عبداللّه علیه السلام : «ما يبلّ الميل ينجّس حبّاً من ماء» يقولها ثلاثاً (1) .

وحسنةِ خَيْران الخادم أو صحيحته قال : كتبت إلى الرجل أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير ، أيصلّى فيه أم لا ؟ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه ، فقال

بعضهم : صلّ فيه ؛ فإنّ اللّه إنّما حرّم شربها ، وقال بعضهم : لا تصلّ فيه . فوقّع : «لا تصلّ فيه ؛ فإنّه رجس . . .»(2) إلى آخره .

ضرورة أنّ «الرجس» في الحديث بمعنى النجس ؛ فإنّ اختلاف الأصحاب لم يكن في استحباب غسله ، بل في نجاسته كما هو واضح .

وصحيحةِ عبداللّه بن سِنان قال : سأل أبي أبا عبداللّه علیه السلام وأنا حاضر : إنّي أعير الذمّي ثوبي ، وأنا أعلم أ نّه يشرب الخمر ، ويأكل لحم الخنزير ، فيردّه عليّ ،

فأغسله قبل أن اُصلّي فيه ؟ فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك ؛ فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر ، ولم تستيقن أ نّه نجّسه ، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أ نّه نجّسه»(3) .

فإنّ الظاهر منها مفروغية نجاسة الخمر ولحم الخنزير ، وإنّما سأل عن الشبهة

ص: 255


1- الكافي 6 : 413 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 344 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 20 ، الحديث 2 .
2- الكافي 3 : 405 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 469 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 2 : 361 / 1495 ؛ وسائل الشيعة 3 : 521 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 74 ، الحديث 1 .

الموضوعية ، فأجاب بما أجاب ، حيث يعلم منه أ نّه مع ملاقاته يصير نجساً ، سيّما مع اقترانه بلحم الخنزير .

وصحيحةِ هارون بن حمزة الغَنوي - بناءً على وثاقة يزيد بن إسحاق ، كما لا تبعد - عن أبي عبداللّه علیه السلام : في رجل اشتكى عينيه ، فنعت له بكحل يعجن بالخمر ، فقال : «هو خبيث بمنزلة الميتة ، فإن كان مضطرّاً فليكتحل به»(1) .

فإنّ التنزيل منزلة الميتة إمّا يكون في النجاسة ، أو مع الحرمة ، لا في الحرمة

فقط ، سيّما مع قوله علیه السلام : «خبيث» وسيّما أنّ الاكتحال ليس بأكل ، وأنّ الخمر مستهلك في الكحل ، فالأنسب فيه النجاسة ، ولا أقلّ من إطلاق التنزيل .

ومنه يظهر صحّة الاستدلال برواية الحلبي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن

دواء يعجن بالخمر لا يجوز أن يعجن إلاّ به ، إنّما هو اضطرار؟ فقال : «لا واللّه ، لا يحلّ للمسلم أن ينظر إليه ، فكيف يتداوى به ؟ ! وإنّما هو بمنزلة شحم الخنزير الذي يقع في كذا وكذا . . .»(2) إلى آخره ، تأمّل .

ويمكن عدّ الروايات الواردة في باب المنزوحات(3) من تلك الطائفة ؛ فإنّ الناظر فيها لا يشكّ في أنّ نجاستها كانت مفروغاً عنها ، وإنّما وقع بعدها السؤال عن حال البئر .

ص: 256


1- تهذيب الأحكام 9 : 114 / 493 ؛ وسائل الشيعة 25 : 350 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 21 ، الحديث 5 .
2- بحار الأنوار 59 : 88 / 15 ؛ وسائل الشيعة 25 : 346 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 20 ، الحديث 10 .
3- راجع وسائل الشيعة 1 : 179 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 15 .

بل جميع الروايات في منزوحات البئر - إلاّ ما شذّ منها - واردة في ملاقاته لنجاسات مفروغ عنها ، فلا شبهة في دلالتها عليها ، سيّما مع إردافها بالدم والميتة ولحم الخنزير ، وتسويتها معها ، فجعلها كالصريحة في المطلوب .

كما أنّ منها : موثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث : أ نّه سأله عن الإناء يشرب فيه النبيذ ، فقال : «تغسله سبع مرّات ، وكذلك الكلب»(1) .

فإنّ اقترانه بالكلب وتنظير الكلب به ، جعله كالصريح في النجاسة وإن قلنا بأنّ السبع استحبابي .

ومنها : ما اُمر فيها بإهراق ملاقيها ، كرواية زكريّا بن آدم قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر ، قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير ، قال : «يهراق المرق ، أو تطعمه أهل الذمّة أو الكلب ، واللحم اغسله وكله» . قلت : فإنّه قطر فيه دم ، قال : «الدم تأكله النار إن شاء اللّه» .

قلت : فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم ، قال فقال : «فسد» . قلت : أبيعه من اليهود والنصارى واُبيّن لهم ؟ قال : «نعم ؛ فإنّهم يستحلّون شربه» .

قلت : والفُقّاع هو بتلك المنزلة إذا قطر في شيء من ذلك ؟ قال فقال : «أكره أن آكله إذا قطر في شيء من طعامي»(2) .

واشتمالها على أكل النار الدم ، لا يضرّ بالمطلوب مع احتمال كون الدم مردّداً

ص: 257


1- تهذيب الأحكام 9 : 116 / 502 ؛ وسائل الشيعة 25 : 377 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 35 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 279 / 820 ؛ وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 8 .

بين النجس وغيره ، سيّما مع تعقيبه بأ نّه مع تقطير الدم في العجين يوجب الفساد . ودلالتها على النجاسة لا تكاد تخفى ؛ فإنّ إهراق المرق الكثير لأمر استحبابي بعيد .

نعم ، فيها إشعار بأنّ حرمة الخمر صارت موجبة للإهراق ، على تأمّل ؛ إذ لا يبعد أن يكون قوله علیه السلام : «يستحلّون شربه» إشارة إلى ملازمة الحرمة والنجاسة ، وإلاّ فمجرّد حرمة الخمر أو الدم مع استهلاكهما لا يوجب التحريم .

وحسنة(1) عمر بن حنظلة قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ما ترى في قدح من مسكر يصبّ عليه الماء حتّى تذهب عاديته ، ويذهب سكره ؟ فقال : «لا واللّه ،

ولا قطرة قطرت في حبّ إلاّ اُهريق ذلك الحبّ»(2) .

وإطلاقها يقتضي لزوم إهراق كلّ ما لاقاها ولو مثل الزيت والدبس ، ومع عدم النجاسة يكون الإهراق بعيداً مع استهلاكها . واحتمال أن يكون ذلك لأجل

ص: 258


1- رواها الكليني ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، وعن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعاً ، عن علي بن الحكم ، عن أبي المغرا ، عن عمر بن حنظلة . وليس في السند من يتأمّل فيه إلاّ عمر بن حنظلة ، وهو حسن لوجود الشواهد الكثيرة المذكورة في محلّه ، فإنّها لو لم تدلّ على وثاقته فلا أقلّ من دلالتها على حسنه ، كما قال المصنّف في كتاب «البيع» . منتهى المقال 5 : 128 ؛ تنقيح المقال 2 : 342 / السطر 15 (أبواب العين) ؛ البيع 2 : 678 .
2- الكافي 6 : 410 / 15 ؛ وسائل الشيعة 25 : 341 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 18 ، الحديث 1 .

المبالغة في أمر الخمر وشربها ، أيضاً بعيد ؛ لإمكان بيان حرمتها والمبالغة فيها بنحو آخر غير الأمر بإهراق مال محترم .

الاستدلال على طهارة الخمر بالروايات وردّه

وفي مقابلها روايات استدلّ بها للطهارة ربّما يقال ببلوغها اثنتي عشرة(1) ، وهو غير ظاهر ، إلاّ أن يلحق بها بعض أدلّة النجاسة ، كرواية إعارة الثوب لمن يعلم أ نّه يشرب الخمر ، حيث أجاز الصلاة فيه قبل غسله ، وروايةٍ دلّت على جواز الصلاة فيما يعمله المجوس وهم يشربون الخمر ، وغيرهما ، وقد مرّ أ نّها ظاهرة في مفروغية نجاستها .

فممّا استدلّ بها صحيحة أبي بكر الحضرمي قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : أصاب ثوبي نبيذ ، اُصلّي فيه ؟ قال : «نعم» .

قلت : قطرة من نبيذ قطر في حبّ ، أشرب منه ؟ قال : «نعم ؛ إنّ أصل النبيذ حلال ، وأصل الخمر حرام»(2) .

وفيه : أ نّها تدلّ على خلاف مطلوبهم إن جعلت العلّة مربوطة بالفقرتين ؛ لدلالتها على ملازمة حرمة المشروب لنجاسته ، ولا محيص عن حمل قوله علیه السلام : «أصل النبيذ حلال . . .» إلى آخره ، على حلّية نفس النبيذ ، وحرمة نفس الخمر ، وإلاّ فما يؤخذ منه الخمر حلال بالضرورة . إلاّ أن يراد من

ص: 259


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 162 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 279 / 821 ؛ وسائل الشيعة 3 : 471 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 9 .

«الأصل» حال الغليان قبل صيرورته خمراً ، وهو كما ترى .

ولا تدلّ على مطلوبهم إن جعلت علّة للأخيرة ؛ فإنّها قرينة على أنّ المراد من «النبيذ» في الفقرة المتقدّمة قسم الحلال منه . ولا يبعد شيوع النبيذ الحلال في تلك الأزمنة ؛ بحيث كان اللفظ منصرفاً إليه ، ولهذا ترى في بعض الروايات تقييده بالمسكر(1) ، وفي بعضها سئل عنه بلا قيد ، فأجاب بأ نّه حلال ، كرواية الكلبي النسّابة : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن النبيذ ، فقال : «حلال» .

فقال : إنّا ننبذه ، فنطرح فيه العَكَر وما سوى ذلك ، فقال : «شه ، شه ، تلك الخمرة المنتنة . . .»(2) إلى آخره .

وموثّقة حنان بن سَدير قال : سمعت رجلاً يقول لأبي عبداللّه علیه السلام : ما

تقول في النبيذ ، فإنّ أبا مريم يشربه ، ويزعم أ نّك أمرته بشربه ؟ فقال : «صدق أبو مريم ، سألني عن النبيذ ، فأخبرته أ نّه حلال ، ولم يسألني عن المسكر»(3) .

فيظهر منهما شيوع استعماله في القسم الحلال ، ومعه لا مجال للاستدلال بها للطهارة في القسم الحرام .

والعجب من الأردبيلي حيث اقتصر على نقل صدرها لمطلوبه ، وترك ذيلها

ص: 260


1- وسائل الشيعة 3 : 469 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 3 و8 و14 .
2- الكافي 6 : 416 / 3 ؛ وسائل الشيعة 1 : 203 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 2 ، الحديث 2 .
3- الكافي 6 : 415 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 352 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 22 ، الحديث 5 .

الذي هو قرينة على الصدر ، أو دالّ على خلاف مطلوبه(1) .

وأعجب منه توهّم(2) انحصار الصحيحة في الروايات الدالّة على النجاسة

بصحيحة ابن مهزيار(3) ، مع أنّ فيها جملةً من الصحاح تدلّ عليها ، كصحيحتي(4) عبداللّه بن سِنان في باب إعارة الثوب الذمّيَّ ، ومعاوية بن عمّار في باب طهارة ما يعمله الكفّار من الثياب ما لم يعلم تنجيسهم لها وغيرها .

مع أنّ الموثّق - سيّما مثل موثّق عمّار(5) - لا يقصر في إثبات الحكم عن الصحاح .

والعجب منه أيضاً تصحيح رواية الحسين بن أبي سارة بمجرّد ظنّه بأنّ ما وقع في «التهذيب» في موضعين(6) ، من اشتباه النسّاخ ، وأنّ الصحيح : «الحسن بن أبي سارة» لوقوعه في «الاستبصار» مكبّراً (7) ، وعدم ذكر من الحسين في الرجال(8) ، فإنّ مجرّد وقوعه فيه كذلك وإهمال الحسين ، لا يوجب الاطمئنان به ، والظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً ، مع أنّ إهمال الراوي في كتب الرجال ليس بعزيز ، ومن المحتمل أنّ لأبي سارة ولداً آخر يسمّى

ص: 261


1- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 310 .
2- نفس المصدر .
3- ستأتي في الصفحة 269 .
4- تقدّمتا في الصفحة 254 و255 .
5- تقدّم في الصفحة 252 - 253 .
6- تهذيب الأحكام : 99 (ط - الحجري) ؛ تهذيب الأحكام 1 : 280 / 822 و824 .
7- الاستبصار 1 : 189 / 664 و666 .
8- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 311 .

ب- «الحسين» وقد أهمله أصحاب الرجال لجهالته .

نعم لو قيل : بأنّ ذلك لا يوجب جواز طرح رواية «الاستبصار» التي في سندها الحسن الثقة ، لكان له وجه .

لكنّه غير وجيه ؛ لعدم احتمال كون ما في «الاستبصار» حديثاً ثالثاً غير ما في «التهذيب» مع اتّحادهما من جميع الجهات إلاّ الاختلاف في الحسن مكبّراً ومصغّراً ، ومع ما يقال : إنّ «الاستبصار» قطعة من «التهذيب»(1) .

وقد قلنا في محلّه : أن لا دليل على حجّية أخبار الثقة إلاّ بناء العقلاء الممضى

من الشارع المقدّس(2) ، وليس بناؤهم على الاحتجاج بمثل هذه الرواية مع هذه الحال . مضافاً إلى أنّ متنها أيضاً لا يخلو من نحو اختلال ، وهو هذا : قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إن أصاب ثوبي شيء من الخمر ، اُصلّي فيه قبل أن أغسله ؟

قال : «لا بأس ؛ إنّ الثوب لا يسكر»(3) .

فإنّ هذا التعليل غير المناسب للسؤال والحكم ، ربّما يوجب وهناً فيها ، سيّما في المقام ؛ سواء كان «لا يسكر» من باب الإفعال ؛ ويراد به أنّ الثوب لا يوجب سكر لابسه حتّى لا تصحّ صلاته لأجل كونه سكرانَ ، أو يراد به أنّ الثوب لا يكون مسكراً حتّى لا تصحّ الصلاة فيه ، أو من المجرّد ؛ ويراد به أنّ الثوب لا يصير سكرانَ ؛ فإنّ إفادة طهارة الثوب أو الخمر بتلك العلّة البعيدة عن الأذهان

ص: 262


1- وسائل الشيعة ، الخاتمة 30 : 542 .
2- أنوار الهداية 1 : 254 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 280 / 822 ؛ وسائل الشيعة 3 : 471 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 10 .

وغير المناسبة للمقام ، توجب وهناً فيها ، وينقدح في الذهن أ نّها معلّلة . مع أ نّه على الاحتمال الثاني تشعر بنجاسة الخمر ، أو تدلّ عليها .

وأضعف منها سنداً ودلالة روايته الاُخرى :

قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّا نخالط اليهود والنصارى والمجوس ، وندخل عليهم وهم يأكلون ويشربون ، فيمرّ ساقيهم ، ويصبّ على ثيابي الخمر ، فقال : «لا بأس به ، إلاّ أن تشتهي أن تغسله لأثره»(1) .

فإنّها - مضافاً إلى اشتراكها مع ما قبلها في الحسين بن أبي سارة - في سندها صالح بن سَيابة ، وهو مجهول .

مع أنّ في متنها أيضاً وهناً :

من جهة تقريره حضورهم في مجلس شربهم ، والمخالطة معهم حتّى في المجالس التي يشربون فيها ، ويدور الساقي حولها ، مع أ نّه حرام منهيّ عنه .

ومن جهة دلالتها على طهارة الطوائف الثلاث ؛ فإنّ الظاهر أنّ الخمر التي أصابت ثيابه من يد ساقيهم ، كانت من فضلهم ، ومن الكأس الدائر بينهم للشرب ، فتعارض ما دلّت على نجاستهم آيةً وروايةً وإجماعاً (2) ، وسيأتي محمل لمثلها (3) .

ويتلوهما في ذلك رواية الصدوق قال : سئل أبو جعفر وأبو عبداللّه علیهما السلام فقيل لهما : إنّا نشتري ثياباً يصيبها الخمر و ودك الخنزير عند حاكتها ، أنصلّي فيها قبل

ص: 263


1- تهذيب الأحكام 1 : 280 / 824 ؛ وسائل الشيعة 3 : 471 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 12 .
2- يأتي في الصفحة 412 .
3- سيأتي في الصفحة 265 - 266 .

أن نغسلها ؟ فقالا : «نعم ، لا بأس ؛ إنّ اللّه إنّما حرّم أكله وشربه ، ولم يحرّم لبسه ولمسه والصلاة فيه»(1) .

إذ اشتمالها على «ودك الخنزير» - أي شحمه ودسمه - الذي لا يجوز الصلاة فيه بما أ نّه نجس العين ، وبما أ نّه ميتة ، وبما أ نّه من غير المأكول ، موجب لوهنها

وعدم جواز التمسّك بها . والتفكيك في مثله كما ترى .

ونظيرهما في ضعف السند بل الدلالة رواية حفص الأعور قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الدَنّ يكون فيه الخمر ، ثمّ يجفّف فيجعل فيه الخلّ ، قال : «نعم»(2) ؛ لجهالة حفص ، وقوّةِ احتمال أن يكون السائل بصدد السؤال عن أنّ الدنّ الذي هو وعاء من خزف ينفذ فيه الخمر إذا جفّف يجعل فيه الخلّ ، ولا ينفذ من جوفه الخمر ؛ فتسري إلى الخلّ فتفسده وتنجّسه ؟ ولم يكن في مقام السؤال عن طهارة الخمر ونجاستها .

بل تشعر الرواية أو تدلّ على نجاستها من حيث مفروغيتها ، والسؤال عن نفوذها وتنجيسها ، تأمّل . وكيف كان ؛ الظاهر عدم الإطلاق فيها .

وبالجملة : لمّا كانت الظروف التي تصنع فيها الخمر من نظائره ، منهيّاً عنها في الروايات - كما في رواية أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «نهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن كلّ مسكر ، فكلّ مسكر حرام» . قلت : فالظروف التي

ص: 264


1- الفقيه 1 : 160 / 752 ؛ وسائل الشيعة 3 : 472 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 13 .
2- الكافي 6 : 428 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 495 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 51 ، الحديث 2 .

يصنع فيها منه ؟ قال : «نهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن الدباء والمُزَفَّت والحَنْتَم والنَقير . . .»(1) إلى آخره - فلعلّ ذلك صار سبباً للسؤال عن نحوها ، فلا يكون لها إطلاق يتمسّك به للطهارة ؛ لو لم نقل بدلالتها على خلافها .

ومنه يظهر الكلام في حسنة(2) علي الواسطي قال : دخلت الجويرية - وكانت تحت عيسى بن موسى - على أبي عبداللّه علیه السلام وكانت صالحة ، فقالت : إنّي أتطيّب لزوجي ، فيجعل في المشطة التي أمتشط بها الخمر ، وأجعله في رأسي ، قال : «لا بأس»(3) .

لقرب احتمال أن تكون شبهتها في حلّية الانتفاع بالخمر ، وجواز التمشّط بها ؛ ضرورة أ نّه مع تلك التشديدات في أمر الخمر والمسكر - كقوله علیه السلام : «لا يحلّ للمسلم أن ينظر إليه»(4) ، وقوله علیه السلام : «ما اُحبّ أن أنظر إليه ،

ص: 265


1- الكافي 6 : 418 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 496 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 52 ، الحديث 2 .
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن العبّاس بن معروف ، عن سعدان بن مسلم ، عن علي الواسطي ، والرواية حسنة بسعدان بن مسلم بناءً على كون علي الواسطي هو علي بن حسّان الواسطي . راجع تنقيح المقال 2 : 23 / السطر 6 (أبواب السين) و : 276 / السطر 25 (أبواب العين) ؛ منتهى المقال 3 : 331 .
3- تهذيب الأحكام 9 : 123 / 530 ؛ وسائل الشيعة 25 : 379 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 37 ، الحديث 2 .
4- وسائل الشيعة 25 : 346 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 20 ، الحديث 10 .

ولا أشمّه»(1) ، والنهي عن الانتفاع بها (2) ، وتحريم الأكل على مائدة تشرب عليها الخمر(3) ، والنهي عن الجلوس عند شرّاب الخمر(4) ، وعن الصلاة في بيت فيه خمر(5) ، وعن الظروف التي يصنع فيها الخمر(6) ، وعن التداوي بها (7) . . . إلى غير ذلك(8) - ينقدح في الأذهان عدم جواز التطيّب بها ، بل وسائر الانتفاعات . بل لعلّه تنقدح فيها شبهة جواز مسّها ولمسها ، ولبس الثوب الذي أصابها .

وعليه لا يبقى لمثل قوله علیه السلام : «لا بأس» ظهور في الطهارة مع قرب احتمال نفي الحرمة النفسية ، فإذن فرق بين الخمر والمسكر ، وبين سائر الموارد ممّا

ص: 266


1- وسائل الشيعة 25 : 345 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 20 ، الحديث 6 .
2- وسائل الشيعة 25 : 280 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 1 ، الحديث 5 .
3- وسائل الشيعة 25 : 374 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 1 .
4- وسائل الشيعة 25 : 374 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 33 ، الحديث 2 .
5- وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 7 .
6- وسائل الشيعة 25 : 357 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 25 ، الحديث 1 .
7- وسائل الشيعة 25 : 343 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 20 ، الحديث 1 .
8- مثل تحريم الاكتحال بالخمر ، راجع وسائل الشيعة 25 : 349 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 21 .

لا يحتمل الحرمة النفسية احتمالاً معتدّاً به ، حيث يقال فيها : بظهور نفي البأس في نفي المانعية أو النجاسة ، فإنّه مع هذا الاحتمال القريب ، لا يبقى لنفي البأس ظهور في الغيرية حتّى يستفاد منه ذلك .

وعليه لا يبعد إنكار ظهور موثّقة ابن بكير - قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام

وأنا عنده عن المسكر والنبيذ يصيب الثوب ، قال : «لا بأس»(1) - في نفي البأس الغيري حتّى يستفاد منه الطهارة ، أو عدم المانعية ؛ بعد احتمال أن يكون نفيه عن لبس ما يصيبه الخمر ، كما نفى البأس عنه في موثّقته الاُخرى المتقدّمة ، وفيها : «نعم لا بأس ، إنّ اللّه حرّم أكله وشربه ، ولم يحرّم لبسه ولمسه والصلاة فيه»(2) ، فإنّها تشعر أو تدلّ على أنّ جواز اللبس واللمس ، أيضاً كان مورد الشبهة والنظر ، فلا يبقى ظهورها في الطهارة بعد ما عرفت . وهذا ليس ببعيد بعد التأمّل فيما مرّ ، والتدبّر فيما ورد في الخمر ؛ وإن كان بعيداً بدواً .

وأمّا صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى علیه السلام قال : سألته عن البيت يبال على ظهره ، ويغتسل من الجنابة ، ثمّ يصيبه المطر ، أيؤخذ من مائه فيتوضّأ به للصلاة ؟ فقال : «إذا جرى فلا بأس به» .

قال : وسألته عن الرجل يمرّ في ماء المطر وقد صبّ فيه خمر ، فأصاب ثوبه ، هل يصلّي فيه قبل أن يغسله ؟ فقال : «لا يغسل ثوبه ولا رجله ،

ص: 267


1- تهذيب الأحكام 1 : 280 / 823 ؛ وسائل الشيعة 3 : 471 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 11 .
2- تقدّم في الصفحة 264 ، لكن رواها الصدوق مرسلة في الفقيه ومسندة في العلل بسند صحيح إلى بكير دون ابن بكير . الفقيه 1 : 160 / 752 ؛ علل الشرائع : 357 / 1 .

ويصلّي فيه ، ولا بأس به»(1) .

وعن «كتاب علي بن جعفر» مثله(2) وزاد : وسألته عن الكنيف يكون فوق البيت ، فيصيبه المطر ، فيكفّ فيصيب الثياب ، أيصلّى فيها قبل أن تغسل ؟ قال : «إذا جرى من ماء المطر لا بأس ، ويصلّى فيه»(3) .

فهي من أدلّة نجاسة الخمر لا طهارتها ؛ ضرورة أنّ السؤال عنها - كالسؤال عن البول والكنيف بعد الفراغ عن نجاستها - إنّما هو عن حال إصابة المطر لها .

والإنصاف : أنّ الاستدلال بمثلها للطهارة ، ليس إلاّ لتكثير سواد الدليل ، وإلاّ فهي من أدلّة نجاستها .

وأمّا رواية «فقه الرضا»(4) - فمع ضعفها بل عدم ثبوت كونها رواية(5) - مشتملة على ما لا نقول به ، فراجعها .

فما بقي في الباب إلاّ صحيحة ابن رئاب قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن

ص: 268


1- الفقيه 1 : 7 / 6 و7 ؛ وسائل الشيعة 1 : 145 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 2 .
2- مسائل علي بن جعفر : 204 / 433 .
3- مسائل علي بن جعفر : 192 / 398 .
4- وهي هكذا «لا بأس أن تصلّي في ثوب أصابه خمر ؛ لأنّ اللّه حرّم شربها ولم يحرّم الصلاة في ثوب أصابته ، وإن خاط خياط ثوبك بريقه وهو شارب الخمر ؛ إن كان يشرب غبّاً فلا بأس ، وإن كان مدمناً للشرب كلّ يوم فلا تصلّ في ذلك الثوب حتّى يغسل» . الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 281 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 584 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 31 ، الحديث 4 .
5- لوجود الشواهد على أنّ هذا الكتاب من تصنيف بعض العلماء ، وليس كتاب مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام كما قاله المصنّف قدس سره في الجزء الأوّل : 552 .

الخمر والنبيذ المسكر يصيب ثوبي ، فأغسله ، أو اُصلّي فيه ؟ قال : «صلّ فيه ، إلاّ أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر ؛ إنّ اللّه تعالى إنّما حرّم شربها»(1) ، فإنّها سليمة سنداً ودلالةً من الخدشة .

بل يمكن أن يقال : إنّ قوله علیه السلام : «إلاّ أن تقذره فتغسل منه . . .» إلى آخره ، نحو تفسير للأوامر الواردة في غسل الثوب منها . بل لقوله : «رجس» و«نجس» بدعوى : أنّ القذارة فيها بالمعنى العرفي ، فتكون شاهدة للرجس والنجس في غيرها .

بل قوله علیه السلام : «إنّ اللّه إنّما حرّم شربها . . .» إلى آخره ، حاكم على ما تقدّم لولا صحيحة علي بن مَهْزِيار قال : قرأت في «كتاب عبداللّه بن محمّد» إلى أبي الحسن علیه السلام : جعلت فداك ، روى زرارة ، عن أبي جعفر وأبي عبداللّه علیهما السلام : في الخمر يصيب ثوب الرجل ، أ نّهما قالا : «لا بأس بأن تصلّي فيه ؛ إنّما حرّم شربها» .

وروى غير زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه قال : «إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ - يعني المسكر

- فاغسله إن عرفت موضعه ، وإن لم تعرف موضعه فاغسله كلّه ، وإن صلّيت فيه فأعد صلاتك» . فأعلمني ما آخذ به ؟ فوقّع علیه السلام بخطّه وقرأته : «خذ بقول أبي عبداللّه علیه السلام »(2) .

ص: 269


1- قرب الإسناد : 163 / 595 ؛ وسائل الشيعة 3 : 472 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 14 .
2- الكافي 3 : 407 / 14 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 281 / 826 ؛ وسائل الشيعة 3 : 468 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 2 .

وحسنة خَيْران الخادم أو صحيحته المتقدّمة(1) ، فإنّهما حاكمتان عليها وعلى جميع الروايات في الباب ؛ على فرض تسليم دلالتها .

والعجب من الأردبيلي ، حيث ردّ الاُولى تارة : باحتمال أنّ المراد من الأخذ

بقول أبي عبداللّه علیه السلام هو الأخذ بقوله المشترك مع أبي جعفر علیه السلام ، واُخرى : بأنّ المشافهة خير من المكاتبة(2) ، وأنت خبير بما فيه من الضعف .

ثمّ إنّه على فرض تسليم دلالة الروايات المذكورة على الطهارة ، والغضّ عمّا

مرّ ، فلا شبهة في تعارض الطائفتين من غير جمع مقبول بينهما ؛ ضرورة وقوع المعارضة والمخالفة بين قوله علیه السلام : «لا تصلّ فيه ؛ فإنّه رجس» ، وقوله علیه السلام : «ما يبلّ الميل ينجّس حبّاً من ماء» ، وقوله علیه السلام : «لا واللّه ، ولا قطرة قطرت في حبّ إلاّ اُهريق ذلك الحبّ» ، وقوله علیه السلام : «إنّه خبيث بمنزلة الميتة ، وإنّه بمنزلة شحم الخنزير» ، وقوله علیه السلام : «تغسل الإناء منه سبع مرّات ، وكذلك الكلب» . . . إلى غير ذلك .

وبين قوله علیه السلام : «لا بأس بالصلاة فيه» ، وقوله علیه السلام : «صلّ فيه» معلّلاً ب- «أنّ اللّه إنّما حرّم شربها» . . . إلى غير ذلك .

ولو حاول أحد الجمع بينهما ؛ بحمل الطائفة الاُولى على الاستحباب(3) ، أو حمل «الرجس» و«النجس» على غير ما هو المعهود(4) ، لساغ له الجمع بين

ص: 270


1- تقدّم وجه الترديد في الصفحة 12 ، الهامش 4 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 310 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 312 ؛ مدارك الأحكام 2 : 292 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 401 .
4- اُنظر مدارك الأحكام 2 : 291 .

جميع الروايات المتعارضة ، فإنّه ما من مورد إلاّ ويمكن حمل الروايات على ما

يخرجها عن التعارض ، فبقيت أخبار العلاج بلا مورد ، وقد حقّق في محلّه : أنّ ميزان الجمع هو الجمع العرفي لا العقلي(1) ، وهو مفقود في المقام .

وقد قلنا في محلّه : إنّ الشهرة التي اُمرنا في مقبولة عمر بن حنظلة(2) في باب التعارض بالأخذ بها ، وترك الشاذّ النادر المقابل لها ، هو الشهرة في الفتوى ، لا في النقل ، وتلك الشهرة ومقابلها معيار تشخيص الحجّة عن اللا حجّة ، والمشهور بين الأصحاب بيّن رشده ، ومقابله بيّن غيّه ، والمقام من هذا القبيل ، والتفصيل موكول إلى محلّه(3) .

سريان حكم الخمر في جميع المسكرات المائعة بالأصالة

ثمّ إنّ حكم الخمر سارٍ في جميع المسكرات المائعة بالأصالة ، ولا يختصّ بالخمر والنبيذ المنصوص عليهما في الروايات :

لا لصدق «الخمر» عليها لغة أو عرفاً ؛ ضرورة عدم ثبوت ذلك لو لم نقل بثبوت خلافه .

ولا للحقيقة الشرعية كما ادّعاها صاحب «الحدائق» مستدلاًّ بجملة من الروايات ، كرواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالى : )إِنَّمَا ا لْخَمْرُ

ص: 271


1- التعادل والترجيح ، الإمام الخميني قدس سره : 27 - 28 .
2- الكافي 1 : 67 / 10 ؛ وسائل الشيعة 27 : 106 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 9 ، الحديث 1 .
3- التعادل والترجيح ، الإمام الخميني قدس سره : 121 .

وَا لْمَيْسِرُ . . .((1) الآية : «أمّا الخمر : فكلّ مسكر من الشراب إذا أخمر فهو خمر ، وما أسكر كثيره فقليله حرام . . .» ثمّ ذكر قضيّة أبي بكر .

ثمّ قال : «إنّما كانت الخمر يوم حرّمت بالمدينة فضيخ البُسْر والتمر ، فلمّا نزل تحريمها خرج رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقعد في المسجد ، ثمّ دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فأكفأها ، وقال : هذه كلّها خمر حرّمها اللّه ، فكان أكثر شيء أكفى في ذلك اليوم الفضيخ ، ولم أعلم اُكفئ يومئذٍ من خمر العنب شيء إلاّ إناء واحد كان فيه زبيب وتمر جميعاً ، وأمّا عصير العنب فلم يكن منه يومئذٍ بالمدينة شيء ، وحرّم اللّه الخمر قليلها وكثيرها ، وبيعها وشراءها ، والانتفاع بها . . .»(2) إلى آخره .

وبما عن ابن عبّاس في تفسير الآية قال : «يريد بالخمر جميع الأشربة التي تسكر»(3) .

وبقوله صلی الله علیه و آله وسلم المحكيّ في رواية عطاء بن يسار ، عن الباقر علیه السلام قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : كلّ مسكر حرام ، وكلّ مسكر خمر»(4) .

وبجملة من الروايات المصرّحة بأنّ الخمر من خمسة أو ستّة أشياء ، كصحيحة عبد الرحمان بن الحجّاج ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :

ص: 272


1- المائدة (5) : 90 .
2- تفسير القمّي 1 : 180 ؛ وسائل الشيعة 25 : 280 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 1 ، الحديث 5 .
3- اُنظر مجمع البيان 3 : 370 .
4- الكافي 6 : 408 / 3 ؛ وسائل الشيعة 25 : 326 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 15 ، الحديث 5 .

«قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : الخمر من خمسة : العصير من الكرم ، والنقيع من الزبيب ، والبتع من العسل ، والمِزْر من الشعير ، والنبيذ من التمر»(1) ، ونحوها غيرها (2) .

قال في «الحدائق» : «فقد ظهر بما نقلناه من الأخبار ، تطابق كلام اللّه تعالى

ورسوله على أنّ الخمر أعمّ ممّا ذكروه من التخصيص بالمتّخذ من العنب ، فيكون حقيقة شرعية في ذلك بلا إشكال»(3) .

وأنت خبير بما فيه ؛ ضرورة أنّ تلك الروايات وقول ابن عبّاس ، لا يثبت بها إلاّ إطلاق «الخمر» على غير المتّخذ من العنب أحياناً ، وأمّا كونه على وجه الحقيقة فغير ظاهر . والتمسّك بأصالة الحقيقة مع معلومية المراد والشكّ في الوضع لإثباته كما ترى . مع أنّ شأن الرسول والأئمّة - صلوات اللّه عليهم - ليس بيان اللغة ووضعها .

والعجب منه كيف غفل عن سائر الروايات الظاهرة في أنّ الخمر مختصّة بالمتّخذ من العنب ، وأنّ ما حرّم اللّه تعالى هو ذلك بعينه ، وأنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

حرّم غيره من المسكرات ؟ ! كرواية زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «وضع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم دية العين ودية النفس ، وحرّم النبيذ وكلّ مسكر» .

ص: 273


1- الكافي 6 : 392 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 279 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 25 : 279 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 1 ، الحديث 2 و3 و6 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 113 - 114 .

فقال له رجل : وضع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم من غير أن يكون جاء فيه شيء ؟ فقال : «نعم ؛ ليعلم من يطيع الرسول ممّن يعصيه»(1) .

فانظر كيف صرّح فيها بعدم ورود شيء في حرمة المسكرات ، مع ورود حكم الخمر في الكتاب العزيز .

وروايةِ أبي الربيع الشامي قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «إنّ اللّه حرّم الخمر بعينها ، فقليلها وكثيرها حرام ، كما حرّم الميتة والدم ولحم الخنزير ، وحرّم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الشراب من كلّ مسكر ، وما حرّمه رسول اللّه فقد حرّمه اللّه عزّ وجلّ»(2) .

وروايةِ الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : سألته عن النبيذ ، فقال : «حرّم اللّه الخمر بعينها ، وحرّم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم من الأشربة كلّ مسكر(3) .

وأوضح منها صحيحة علي بن يقطين ، عن أبي الحسن الماضي علیه السلام قال : «إنّ اللّه لم يحرّم الخمر لاسمها ، ولكن حرّمها لعاقبتها ، فما كان عاقبته عاقبة الخمر

فهو خمر»(4) .

ص: 274


1- الكافي 1 : 267 / 7 ؛ وسائل الشيعة 25 : 354 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 24 ، الحديث 2 .
2- الكافي 6 : 408 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 325 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 15 ، الحديث 4 .
3- الكافي 6 : 408 / 5 ؛ وسائل الشيعة 25 : 326 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 15 ، الحديث 6 .
4- الكافي 6 : 412 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 342 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 19 ، الحديث 1 .

فإنّها صريحة في أنّ اسم «الخمر» لا يطلق على غيرها من المسكرات ، لكنّها خمر عاقبة وأثراً وحكماً ، وهي شاهدة للمراد في الروايات - التي تمسّك بها صاحب «الحدائق»(1) - بأنّ المراد من كون الخمر من خمسة : أ نّها خمر لأجل كون عاقبتها عاقبة الخمر ، فهي خمر حكماً ، لا اسماً ولغة .

ولا تنافي بينها وبين ما تقدّم من أنّ تحريم غيرها من رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

فإنّ الظاهر منها أيضاً أنّ اللّه إنّما حرّم الخمر ، لكن سرّ تحريمه عاقبتها ،

ورسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم حرّم كلّ ما فيه هذا السرّ .

وبعبارة اُخرى : أنّ اللّه تعالى حرّم الخمر فقط ، لكن حكمة الجعل إسكاره ،

ورسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم حرّم كلّ ما فيه هذه الحكمة .

ولا لكون «النبيذ» حقيقة في جميع الأنبذة ؛ وإن ظهر ذلك من بعض اللغويين ، قال في «القاموس» : «النبيذ : الملقى ، وما نبذ من عصير ونحوه»(2) .

وفي «المجمع» : «والنبيذ : ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير وغير ذلك»(3) .

وفي «المنجد» : «النبيذ : المنبوذ ، الخمر المعتصر من العنب أو التمر ،

الشراب عموماً»(4) .

وذلك لأنّ الشائع في عصر صدور الروايات ومحلّه ؛ هو استعماله في النبيذ

ص: 275


1- الحدائق الناضرة 5 : 113 - 114 .
2- القاموس المحيط 1 : 372 .
3- مجمع البحرين 3 : 189 .
4- المنجد : 785 .

من التمر ، وقد يطلق على الزبيب ، فكان المستعمل فيها منصرفاً عن سائر الأنبذة

جزماً ، وعن الزبيب ظاهراً ، وقد تقدّم عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أنّ «الخمر من خمسة . . .»(1) وخصّ النبيذ بالتمر ، والنقيع بالزبيب ، ولعلّ شيوع استعماله فيه لأجل كون التمر في محيط صدور الروايات شائعاً جدّاً ، وما كانوا ينبذون من غيره إلاّ نادراً .

وكيف كان : لا يمكن استفادة حكم سائر المسكرات من روايات النبيذ .

بل لروايات خاصّة - مضافاً إلى عدم الخلاف فيه ممّن قال بحرمته(2) ، وقد مرّ عدم الاعتداد بخلاف من خالف في المسألة المتقدّمة(3) - كموثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «لا تصلّ في بيت فيه خمر ولا مسكر ؛ لأنّ الملائكة لا تدخله ، ولا تصلّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتّى تغسله»(4) .

والخدشة فيها : بأنّ اشتمالها على النهي عن الصلاة في بيت فيه خمر المحمول على الكراهة ، يوهن دلالتها على الحرمة الوضعية(5) .

مدفوعة أوّلاً : بأنّ مجرّد ورود نهي في صدرها قام الدليل على عدم حرمته ، لا يوجب الوهن في نهي آخر مستقلّ مستأنف .

ص: 276


1- تقدّم في الصفحة 273 .
2- مسائل الناصريات : 96 .
3- تقدّم في الصفحة 250 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 278 / 817 ؛ وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 7 .
5- مشارق الشموس : 331 / السطر 24 .

وثانياً : اقتران «المسكر» ب- «الخمر» وعطفه عليها يدفع توهّم الوهن لو فرض ؛ فإنّ النهي عن الصلاة في ثوب أصابه خمر ، تحريمي كما مرّ(1) ، ولأجل نجاستها ، كما صرّحت بها رواية خَيْران الخادم(2) ، وكذلك في «المسكر» المعطوف عليه .

وحسنةِ عمر بن حنظلة قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ما ترى في قدح من مسكر يصبّ عليه الماء حتّى تذهب عاديته ، ويذهب سكره ؟ فقال : «لا واللّه ، ولا قطرة قطرت في حبّ إلاّ اُهريق ذلك الحبّ»(3) .

بل وصحيحة علي بن مهْزيار(4) ؛ بناءً على أنّ قوله : «يعني المسكر» لم يكن تفسيراً للنبيذ ، بل يكون المراد التعميم في السؤال ، وهو وإن كان للراوي ظاهراً ، لكن تقرير أبي الحسن علیه السلام إيّاه ، وإرجاعه إلى قول أبي عبداللّه علیه السلام من غير التعرّض للتفسير ، دالّ على ارتضائه به .

لكن للخدشة فيها مجال ؛ لاحتمال أن يكون التفسير للنبيذ ؛ فإنّه على قسمين : محلّل ، ومحرّم مسكر .

والإنصاف : أنّ روايات النبيذ مع التقييد بالمسكر ، أو التفسير به ، وما وردت في الخمر - كقوله علیه السلام : «إنّ الثوب لا يسكر» ، وقوله علیه السلام : «إنّ اللّه لم يحرّم الخمر لاسمها ، لكن حرّمها لعاقبتها ، فما كان عاقبته عاقبة الخمر

ص: 277


1- تقدّم في الصفحة 252 .
2- تقدّم في الصفحة 255 .
3- تقدّمت في الصفحة 258 .
4- تقدّمت في الصفحة 269 .

فهو خمر» - ممّا تؤيّد نجاسة مطلق المسكر .

بل لأحد أن يقول : إنّ المستفاد من الأخيرة عموم التنزيل وإطلاقه . ومجرّد كون صدرها في مقام بيان التحريم ، لا يوجب صرف الإطلاق .

إلاّ أن يقال : إنّ المعروف من خاصّة الخمر في تلك الأزمنة هو حرمتها لا نجاستها ، فإنّها كانت محلّ خلاف وكلام ، فينزّل على الخاصّة المعروفة في زمان الصدور . وهو لا يخلو من تأمّل وكلام .

وأمّا التمسّك لإثبات النجاسة بما دلّت على أنّ الخمر من خمسة أشياء(1) ؛ بدعوى أنّ الحمل إمّا حقيقي كما قد يدّعى(2) ، وإمّا لثبوت أحكام الحقيقة(3) ، فغير تامّ ؛ لأنّ الحمل ليس بحقيقي كما تقدّم(4) ، وليس في تلك الروايات إطلاق جزماً ، فهي أسوأ حالاً من الرواية المتقدّمة ؛ وإن عكس الأمر شيخنا الأعظم رحمه الله علیه (5) .

طهارة المسكر الجامد بالأصالة

ثمّ إنّ مقتضى الأصل طهارة المسكر الجامد بالأصالة وإن صار مائعاً بالعرض ، كما نصّ عليها في محكيّ «التذكرة» ، و«الذكرى» ، و«جامع المقاصد» ،

ص: 278


1- تقدّم في الصفحة 273 .
2- الحدائق الناضرة 5 : 114 .
3- راجع الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 162 .
4- تقدّم في الصفحة 271 .
5- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 161 .

و«الروض» ، و«المسالك» ، و«المدارك» ، و«الذخيرة»(1) .

بل عن الأخير : «أنّ الحكم بنجاسة المسكرات مخصوص عند الأصحاب بما هو مائع بالأصالة» . وعن «المدارك» : «أنّ الحكم به مقطوع به في كلام الأصحاب» .

بل عن «الدلائل» نقل الإجماع عليه(2) . وعن «الحدائق» اتّفاق كلّهم عليه(3) . وعن «شرح الدروس» عدم ظهور الخلاف فيه(4) .

وقد يتوهّم شمول بعض الروايات الدالّة على النجاسة له أيضاً (5) ، كعموم التنزيل في الرواية المتقدّمة(6) ، وقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «كلّ مسكر حرام ، وكلّ مسكر خمر»(7) . . . إلى غير ذلك .

وفيه : أ نّها منصرفة إلى المائعات ، خصوصاً مع حصر الخمر في الروايات التي تقدّم بعضها بالأشياء التي كلّها مائعات بالأصالة . مضافاً إلى قوله علیه السلام

في رواية أبي الجارود : «فكلّ مسكر من الشراب فهو خمر» .

ص: 279


1- تذكرة الفقهاء 1 : 65 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 118 ؛ جامع المقاصد 1 : 161 ؛ روض الجنان 1 : 437 ؛ مسالك الأفهام 1 : 122 ؛ مدارك الأحكام 2 : 289 ؛ ذخيرة المعاد : 154 / السطر 39 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 23 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 117 .
4- مشارق الشموس : 335 / السطر الأخير .
5- مشارق الشموس : 335 / السطر الأخير ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 404 .
6- تقدّمت في الصفحة 274 .
7- تقدّم في الصفحة 272 .

هذا مع عدم الجزم بعموم التنزيل في تلك الروايات ، فلا ينبغي التأمّل في قصورها عن إثباتها .

نجاسة المسكر المنجمد المائع بالأصالة

كما لا ينبغي التأمّل في نجاسة المنجمد من المسكر المائع بالأصالة ؛ للأصل ، بل إطلاق الأدلّة ، ضرورة أ نّه لو جمد الخمر أو المسكر ، لا يسلب عنه الاسم ، فتكون خمراً جامدة ومسكرة كذلك ؛ لعدم انقلاب الحقيقة بالجمود عمّا هي عليه .

نعم ، لو زال عن غير الخمر والنبيذ إسكاره ، يتشبّث فيه بالاستصحاب لإثبات نجاسته ، ولا شبهة في جريانه ، وأمّا الخمر والنبيذ فالحكم تابع لعنوانهما .

ص: 280

تنبيه في حكم العصير العنبي

قد وقع الخلاف بين أصحابنا قديماً وحديثاً في نجاسة عصير العنب الذي غلى ولم يذهب ثلثاه ، ولم يعرض له إسكار ، بعد عدم الإشكال والريب في حرمته .

ثمّ اعلم : أ نّه لا يجوز الاتّكال في المسألة على دعاوى الشهرة وعدم الخلاف والاتّفاق ؛ لتراكم الأقوال والدعاوى فيها من الطرفين :

فربّما يدّعى الشهرة على نجاسته بين المتأخّرين(1) ، أو مطلقاً (2) . أو يدّعى(3) عدم الوقوف على القول بها إلاّ من ابن حمزة من القدماء(4) ، والمحقّق في «المعتبر»(5) . أو يقال : «إنّ القول بالنجاسة بين الطبقة الاُولى من فقهائنا إمّا قليل

ص: 281


1- مسالك الأفهام 1 : 123 ؛ مدارك الأحكام 2 : 292 .
2- جامع المقاصد 1 : 162 ؛ روض الجنان 1 : 438 .
3- ذكرى الشيعة 1 : 115 .
4- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 365 .
5- المعتبر 1 : 424 .

أو معدوم»(1) وهو كذلك ظاهراً، كما يظهر بالمراجعة إلى كتبهم، ك- «الناصريات»، و «النهاية» ، و «المراسم» ، و «الغنية» ، بل و «الوسيلة»(2) . بل هو الظاهر من كلّ من قيّده بالاشتداد(3) .

وأمّا الصدوقان وإن يظهر منهما أنّ العصير المغليّ خمر(4) ، لكن قد مرّ أنّ الظاهر منهما عدم نجاسة الخمر(5) .

وبالجملة : إنّ المسألة ممّا لا يمكن تحصيل الشهرة والإجماع فيها ؛ فإنّ في

كثير من عبارات الأصحاب التقييدَ بالاشتداد ، حتّى قيل : «إنّ نجاسته إذا غلى واشتدّ مشهورة بين الأصحاب»(6) وحكي ذلك عن «الذكرى» ، و«جامع المقاصد» ، وغيرهما (7) . بل في «المجمع» وعن «كنز العرفان» دعوى الإجماع

على نجاسته وحرمته مع الاشتداد(8) .

والظاهر أو المحتمل أن يكون مرادهم من «الاشتداد» السكر ، كما احتمله

ص: 282


1- مستند الشيعة 1 : 214 .
2- مسائل الناصريات : 96 ؛ النهاية : 591 ؛ المراسم : 55 ؛ غنية النزوع 1 : 41 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 365 .
3- السرائر 1 : 66 ؛ شرائع الإسلام 1 : 44 ؛ منتهى المطلب 3 : 219 .
4- الفقيه 4 : 40 ، ذيل الحديث 131 ؛ المقنع : 453 .
5- تقدّم في الصفحة 249 .
6- مفتاح الكرامة 2 : 30 .
7- ذكرى الشيعة 1 : 115 ، (وليس فيه القول بالشهرة لكن نقلها عنه في مفتاح الكرامة 2 : 30 ؛ جامع المقاصد 1 : 162 ؛ روض الجنان 1 : 438 .
8- مجمع البحرين 3 : 407 ؛ كنز العرفان 1 : 53 .

جمع ، منهم النراقي(1) ، وتبعهم بعض أهل التتبّع والتحقيق ، وأصرّ عليه(2) ، فحينئذٍ تكون المسألة خارجة عن بحثنا ؛ أي إلحاق العصير المغليّ غير المسكر بالمسكر .

تعيين المراد من «العصير» المبحوث عنه

وكيف كان : لا بأس قبل الاشتغال بالاستدلال بتحصيل المراد من «العصير» الوارد في النصّ والفتوى .

فنقول : لا شبهة في أنّ المراد منه فيهما هو العصير العنبي ، لا لأ نّه موضوع لخصوصه وضعاً جامداً ؛ فإنّه غير ثابت .

كما أنّ وضعه لمطلق عصارة الأجسام غير ثابت ؛ وإن يوهمه بعض تعبيرات اللغويين ، أو يظهر منه ذلك :

ففي «القاموس» : «عصر العنب ونحوه يعصره ، فهو معصور وعصير - إلى أن قال - وعصارته وعصاره وعصيره : ما تحلَّب منه»(3) .

وفي «المنجد» : «العصير والعصيرة والعصار : ما تحلَّب ممّا عصر ، العصير أيضاً : المعصور»(4) .

والمستفاد منهما - ظاهراً - أ نّه موضوع له نحو موضوعية «العصارة» له ، لا أ نّه يطلق عليه نحو إطلاق العنوان الاشتقاقي عليه .

ص: 283


1- مستند الشيعة 1 : 215 .
2- إفاضة القدير في أحكام العصير : 41 .
3- القاموس المحيط 2 : 93 .
4- المنجد : 509 .

نعم ، في «المجمع» : «عصرت العنب عصراً - من باب ضرب - : استخرجت ماءه ، واسم الماء العصير فعيل بمعنى مفعول»(1) .

ومراده من اسمه - بقرينة قوله : «فعيل بمعنى مفعول» - أ نّه يطلق عليه وصفاً .

كلام المحقّق شيخ الشريعة في المقام ونقده

ولعلّه منه أخذ بعض أهل التحقيق ، حيث ذهب في رسالته المعمولة في عصير العنب إلى أنّ «العصير» اُطلق على الماء المستخرج من العنب وغيره بالمعنى الوصفي ، ومن قبيل استعمال «فعيل» بمعنى مفعول .

ووجّهه تارة : بأنّ العصر إذا وقع على الشيء المتضمّن للماء ، فقد وقع على جميع أجزائه التي منها الماء .

واُخرى : بأنّ إطلاق «الفعيل» بمعنى المفعول حقيقةً ، لا يختصّ بما إذا كان مفعولاً من غير تقييد ، بل يصحّ إذا كان مفعولاً مع التقييد بحرف ، كالنبيذ والنقيع والمريس ، فإنّ «النبيذ» استعمل في الماء الذي ينبذ فيه التمر ، والنقيع فيما نقع فيه الزبيب ، والمريس في الماء الذي دلك فيه التمر أو الزبيب ، فهي «فعيل» بمعنى المفعول مع التقييد ، والعصير أيضاً يستعمل في الماء المستخرج استعمال «الفعيل» في المفعول المقيّد . وقد جعل ذلك دقيقة لغوية .

وقال أيضاً في تقريبه :

إنّه إذا تحقّق العصر فالفاعل عاصر ، وذلك الشيء معصور ، والماء معصور منه ، وقد يؤدّى هذا المعنى بالفعل المجهول ، فيقال : «عُصِر هذا من ذاك»

ص: 284


1- مجمع البحرين 3 : 407 .

وقد يؤدّى بصيغة المفعول ، فيقال : «إنّه معصور منه» فالعنب وماؤه كلاهما معصور منه ، لكن كلمة «منه» في الأوّل نائب الفاعل ، وفي الثاني الضمير المستتر في المعصور الراجع إلى الماء ، هو نائب الفاعل(1) انتهى ملخّصاً .

وفيه مواقع للنظر :

منها : ما يدّعي من أنّ العصر إذا وقع على العنب ، وقع على مائه الذي في جوفه ، لأنّ الماء ونحوه من المائعات لا يقع عليها العصر ، ولا تصير معصوراً حقيقة في العرف واللغة ، فإذا وقع العصر على شيء كان في جوفه الماء ، يقع العصر على ذلك الشيء ، ويفرّ الماء من تحت يد العاصر ، وربّما يخرج من المعصور .

فالماء لا يقبل العصر ولا يقع عليه ، إلاّ ببعض الآلات الحديثة ممّا توجب تكاثفه ، وأمّا الماء في جوف العنب أو الثوب فلا يصير معصوراً ، وإلاّ لكان «العصير» صادقاً على الماء الذي في جوف العنب إذا عصر العنب رقيقاً ؛ بحيث لا يخرج ماؤه ، ولكان «المعصور» و«العصير» صادقاً على الماء في جوف القربة إذا عصرت ، وهو كما ترى . والسرّ فيه عدم قبول المائعات العصر .

ومنها : أنّ ما جعله دقيقة لغوية في العصير والنبيذ ومثلهما - من إطلاق «الفعيل» بمعنى المفعول مع التقييد - يخالف الموازين الأدبية والدقائق اللغوية ، ومغالطة نشأت من الخلط بين المفعول الصرفي والمفعول النحوي ، فإنّ «الفعيل» يجيء بمعنى المفعول الصرفي لا النحوي ، والمفعول الصرفي - مقابل الفاعل

ص: 285


1- إفاضة القدير في أحكام العصير : 6 - 9 .

الصرفي - لا يصدق حقيقة إلاّ على ما وقع عليه الفعل ، فهل ترى صحّة إطلاق «الفعيل» على المفعول فيه حقيقة ، فيقال : «الجريح» على زمان الجرح ومكانه ، وعلى سائر المفاعيل ، كالمفعول المطلق والمفعول له ؟ !

ففي المقام ما وقع عليه العصر هو العنب ، ولأجله خرج الماء من جوفه ، فالعنب معصور وعصير ؛ بمعنى المعصور ، والماء مستخرج منه ، لا معصور منه .

بل لا محصّل عند التأمّل للمعصور منه ، إلاّ أن يراد أ نّه معصور من قِبَله . مع أنّ الماء ليس معصوراً لا من قِبَل العاصر ، كما عرفت ، ولا من قِبَل العنب ، فلو اُطلق على الماء «المعصور منه» يكون المراد أ نّه مستخرج من العنب بالعصر الواقع عليه ، لا على الماء . نعم لا مانع من الإطلاق الاستعاري والمجازي .

ومنها : أنّ دعواه أنّ العنب معصور منه وكذا الماء ؛ مستشهداً بصدق «عصر هذا من ذاك» في غير محلّها ؛ لأنّ العنب معصور ، لا معصور منه ؛ فإنّ «عصر» متعدٍّ ، يقال : «عصر العنب يعصره ، فهو عاصر ، وذاك معصور» ولا معنى لتعديته ب- «من» .

وأمّا الماء فلا يطلق عليه : «أ نّه معصور منه» بمعنى وقع عليه العصر من العاصر ، فلا يصحّ إطلاق «العصير» عليه ، إلاّ أن يراد أ نّه يستخرج من العنب عصراً ؛ بمعنى وقوعه على العنب ، لا وقوعه عليه ، وكذا الحال في «عصر هذا من ذاك» يراد به أ نّه خارج منه عصراً ، لا أ نّه معصور منه ، فإنّه لا يرجع إلى محصّل ، فما زعمه دقيقة ففي الحقيقة غفلة عن دقيقة .

نعم ، لا إشكال في أنّ «العصير» في الأخبار - على كثرتها - لم يعهد

ص: 286

استعماله في غير الماء المستخرج من العنب ، كما أنّ استعماله فيه شائع كثير

الورود فيها (1) ؛ بحيث لا يبقى شبهة للمتتبّع فيها في أنّ «العصير» فيها ليس إلاّ الماء المستخرج من العنب ، وهذا كافٍ في حمل المطلقات عليه ولو قلنا بأنّ استعماله حقيقة في مطلق المعتصر من الأجسام ، فضلاً عن القول بأ نّه ليس على نحو الحقيقة ؛ لأنّ المتيقّن منه حينئذٍ عصير العنب ، وإرادة غيره مشكوك فيها .

والإنصاف : أ نّه لا مجال للتشكيك في أنّ المراد من المطلقات والعمومات هو خصوص العنبي منه .

الروايات الدالّة على إرادة خصوص العنبي من العصير

هذا مع أنّ جملة من الروايات شاهدة على أنّ ما هو محطّ النظر فيها هو خصوص ذلك ، كرواية أبي الربيع الشامي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن أصل

الخمر ، كيف كان بدء حلالها وحرامها ، ومتى اتّخذ الخمر ؟ فقال : «إنّ آدم لمّا اُهبط من الجنّة اشتهى من ثمارها ، فأنزل اللّه عليه قضيبتين من عنب فغرسهما . . .» ثمّ ساق قضيّة منازعته مع إبليس ، إلى أن قال : «فرضيا بينهما بروح القدس ، فلمّا انتهيا إليه قصّ آدم عليه قصّته ، فأخذ روح القدس ضغثاً من نار فرمى به عليهما والعنب في أغصانهما ، حتّى ظنّ آدم أ نّه لم يبقَ منهما شيء ، وظنّ إبليس مثل ذلك» .

ص: 287


1- راجع وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 و4 و8 .

قال : «فدخلت النار حيث دخلت وقد ذهب منهما ثلثاهما ، وبقي الثلث ، فقال الروح : أمّا ما ذهب منهما فحظّ إبليس ، وما بقي فلك يا آدم»(1) .

وموثّقةِ زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «إنّ نوحاً لمّا هبط من السفينة غرس غرساً ، فكان فيما غرس الحَبَلَة(2) ، فجاء إبليس فقلعها . . .» إلى أن قال : «فجعل له الثلثين» .

فقال أبو جعفر علیه السلام : «إذا أخذت عصيراً فاطبخه حتّى يذهب الثلثان ، وكل واشرب ، فذاك نصيب الشيطان» . كذا في «الكافي»(3) .

وقال المجلسي : «وفي بعض النسخ : النخلة»(4) .

ونقلها في «الوسائل» باختلاف ما ، وذكر بدل «الحَبَلَة» «النخلة»(5) .

أقول : والأصحّ «الحَبَلَة» لأنّ الظاهر من المجلسي أنّ النسخة المشهورة كذلك . مضافاً إلى أنّ سائر الروايات قرينة عليها ، كموثّقة سعيد بن يسار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إنّ إبليس - لعنه اللّه - نازع نوحاً في الكرم ، فأتاه جبرئيل فقال له : إنّ له حقّاً فأعطه ، فأعطاه الثلث فلم يرضَ إبليس ، ثمّ أعطاه النصف فلم يرضَ ، فطرح جبرئيل ناراً ، فأحرقت الثلثين ، وبقي الثلث ، فقال : ما أحرقت

ص: 288


1- الكافي 6 : 393 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 2 .
2- الحَبَلَة ، القضيب من شجر العنب . [ منه قدس سره]
3- الكافي 6 : 394 / 3 .
4- مرآة العقول 22 : 249 .
5- وسائل الشيعة 25 : 284 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 4 .

النار فهو نصيبه ، وما بقي فهو لك يا نوح»(1) .

وفي رواية وهب بن مُنبِّه ذكر قضيّة نوح قال : «وكان آخر شيء أخرج حَبَلَة العنب . . .» ثمّ ساق القضيّة فقال : «فما كان فوق الثلث من طبخها فلإبليس ، وهو حظّه ، وما كان من الثلث فما دونه فهو لنوح ، وهو حظّه ، وذلك الحلال الطيّب يشرب منه»(2) .

يظهر من تلك الروايات أنّ أصل قضيّة التثليث ، والنزاع بين إبليس وآدم علیه السلام

تارة ، وبينه وبين نوح علیه السلام اُخرى ، إنّما هو في الكرم والحَبَلَة والعصير هو العنبي المورد للنزاع .

وتدلّ عليه طوائف اُخرى من الروايات :

منها : ما حكي عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : أنّ «الخمر من خمسة : العصير من الكرم ، والنقيع من الزبيب . . .»(3) إلى آخره .

ومنها : ما وردت في جواز بيع العصير ممّن يعمل خمراً ، مثل رواية أبي كَهْمَس قال : «سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام عن العصير فقال : لي كرم ، وأنا أعصره كلّ سنة وأجعله في الدنان . . .»(4) إلى آخره .

ص: 289


1- الكافي 6 : 394 / 4 ؛ وسائل الشيعة 25 : 284 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 5 .
2- علل الشرائع : 477 / 3 ؛ وسائل الشيعة 25 : 286 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 11 .
3- تقدّم في الصفحة 273 .
4- الكافي 5 : 232 / 12 ؛ وسائل الشيعة 17 : 230 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 6 .

وصحيحةِ رِفاعة بن موسى قال : «سئل أبو عبداللّه علیه السلام -

وأنا حاضر - عن بيع العصير ممّن يخمّره . . .»(1) إلى غير ذلك .

ومنها : ما سئل فيه عن بيعه ، فيصير خمراً قبل قبض الثمن(2) .

ومنها : ما حكي فيها لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم الخمر وعاصرها ومعتصرها . . . إلى آخره(3) .

ومنها : أخبار متفرّقة ، كصحيحة عبيد بن زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : أ نّه قال في الرجل إذا باع عصيراً ، فحبسه السلطان حتّى صار خمراً ، فجعله صاحبه خلاًّ ، فقال : «إذا تحوّل عن اسم «الخمر» فلا بأس»(4) .

وصحيحةِ عبدالعزيز قال : «كتبت إلى الرضا علیه السلام : جعلت فداك ، العصير يصير خمراً فيصبّ عليه الخلّ . . .»(5) إلى آخره .

وجه دلالة تلك الروايات : هو أنّ «الخمر» - كما عرفت - اسم لما يختمر

ص: 290


1- تهذيب الأحكام 7 : 136 / 603 ؛ وسائل الشيعة 17 : 231 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 8 .
2- الكافي 5 : 230 / 1 ؛ وسائل الشيعة 17 : 229 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 59 ، الحديث 1 .
3- الكافي 6 : 398 / 10 ؛ وسائل الشيعة 17 : 224 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 55 ، الحديث 3 .
4- تهذيب الأحكام 9 : 117 / 507 ؛ وسائل الشيعة 25 : 371 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 5 .
5- تهذيب الأحكام 9 : 118 / 509 ؛ وسائل الشيعة 25 : 372 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 8 .

من العنب(1) ، وغيره لا يسمّى «خمراً» عرفاً ولغة ، كما هو الظاهر من الروايات أيضاً (2) .

إرادة العصير العنبي أيضاً من «الطِلاء» و«البختج»

كما أنّ «الطِلاء» الوارد في الأخبار - كصحيحة ابن أبي يعفور ، عن

أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا زاد الطِلاء على الثلث فهو حرام»(3) - هو العصير العنبي ، إمّا المطبوخ منه إلى ذهاب الثلثين ، كما في بعض كتب اللغة ، أو أعمّ من ذلك ، كما في بعض : ففي «الصحاح» : «الطِلاء : ما طبخ من عصير العنب حتّى ذهب ثلثاه ، وتسمّيه العجم : المَيْبخْتَج»(4) .

وفي «المجمع» و«المنجد» تفسيره بذلك(5) . وعن «النهاية» تفسيره بالشراب المطبوخ من عصير العنب(6) .

وفي «دعائم الإسلام» : «روينا عن علي علیه السلام : أ نّه كان يروِّق الطِلاء ؛ وهو ما طبخ من عصير العنب حتّى يصير له قوام»(7) . والظاهر أنّ التفسير من صاحب

ص: 291


1- تقدّم في الصفحة 271 - 276 .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 273 .
3- الكافي 6 : 420 / 3 ؛ وسائل الشيعة 25 : 285 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 8 .
4- الصحاح 6 : 2414 .
5- مجمع البحرين 1 : 277 ؛ المنجد : 471 .
6- النهاية ، ابن الأثير 3 : 137 .
7- دعائم الإسلام 2 : 128 / 441 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 39 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 3 .

«الدعائم» ولعلّ مراده من «القوام» ذهاب الثلثين .

وكيف كان : لا شبهة في أنّ «الطِلاء» هو العصير العنبي المطبوخ ، كما يظهر أيضاً من قصّة ورود عمر بالشام ، وتوصيف أهله ما صنعوا من العنب شراباً يشبه العسل ، فجعل عمر يرفعه بإصبعه يتمدّد كهيئة العسل ، فقال : «كأنّ هذا طِلاء الإبل»(1) ولعلّ هذا صار سبباً لتسميته به .

كما أنّ «البُخْتُج» الوارد في بعض الروايات هو العصير المطبوخ ، لا مطلق المطبوخ ، وهو واضح ، ولا المطبوخ من سائر العصارات التي تجعل خمراً ؛ لتعارف الطبخ في العصير دون غيره . ولأنّ الطبخ على الثلث - كما في بعض رواياته - هو التثليث المعهود في عصير العنب ، ولم يعهد وروده في الروايات في غيره إلاّ في شاذّ غير معتمد عليه(2) . ولتفسيره به ، فعن «النهاية» : «البُخْتُج العصير المطبوخ ، وأصله بالفارسية : مَيْ پُخْتَه»(3) . وفسّره في «المجمع» أيضاً به(4) . بل قد يقال : «إنّه مفسّر في كلام الكلّ بالعصير المطبوخ»(5) . وقد يقال : «باتّفاق اللغويين على ذلك»(6) .

ولعلّ مراده اتّفاق المتعرّض لتفسيره ، وإلاّ فلم يتعرّض الكلّ لذكره أو

ص: 292


1- الموطّأ 2 : 847 / 14 .
2- كرواية خليلان بن هاشم ، التي تأتي في الصفحة 394 - 395 .
3- النهاية ، ابن الأثير 1 : 101 .
4- مجمع البحرين 2 : 276 .
5- إفاضة القدير في أحكام العصير : 13 .
6- إفاضة القدير في أحكام العصير : 101 .

تفسيره . نعم الفقهاء المستدلّون(1) على نجاسة العصير المغليّ بصحيحة معاوية ابن عمّار الآتية ، لم يعهد استدلالهم بها على نجاسة سائر العصارات .

فقد تحصّل ممّا مرّ : أنّ العناوين الثلاثة الواردة في الأخبار حرمتها قبل ذهاب الثلثين - أي العصير والطِلاء والبُخْتُج - هي خصوص العصير العنبي ؛ حتّى المطلقات والعمومات ، كصحيحة عبداللّه بن سِنان قال : ذكر أبو عبداللّه علیه السلام : «أنّ العصير إذا طبخ حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، فهو حلال»(2) .

وصحيحته الاُخرى ، عنه علیه السلام قال : «كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه»(3) ، وغيرهما (4) .

ص: 293


1- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 123 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 168 .
2- الكافي 6 : 420 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 288 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 5 ، الحديث 1 .
3- الكافي 6 : 419 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 1 .
4- راجع وسائل الشيعة 25 : 285 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 7 ، والباب 3 ، الحديث 1 و2 و3 .
حول ما استدلّ به لنجاسة العصير المغليّ

وكيف كان : فقد استدلّ(1) على نجاسة العصير المغليّ تارة : بالإجماع والشهرة ، وقد عرفت حالهما (2) .

واُخرى : بموثّقة معاوية بن عمّار أو صحيحته(3) قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام

عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ ، يأتيني بالبُخْتُج ويقول : قد طبخ على الثلث ، وأنا أعرفه أ نّه يشربه على النصف ، أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف ؟ فقال : «خمر ، لا تشربه» . قلت : فرجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه يشربه على الثلث ، ولا يستحلّه على النصف ، يخبرنا أنّ عنده بُخْتُجاً على الثلث قد ذهب ثلثاه ، وبقي ثلثه ، يشرب منه ؟ قال : «نعم»(4) .

ص: 294


1- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 122 - 123 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 197 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 405 .
2- تقدّم في الصفحة 281 - 282 .
3- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن أحمد بن محمّد ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن يونس بن يعقوب ، عن معاوية بن عمّار . وجه الترديد وقوع يونس بن يعقوب في السند ، فإنّه ثقة ولكن اختلفوا في مذهبه بين كونه إمامياً أو فطحياً . رجال النجاشي : 446 / 1207 ؛ تنقيح المقال 3 : 344 / السطر 9 (أبواب الياء) .
4- تهذيب الأحكام 9 : 122 / 526 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 41 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 4 ، الحديث 1 .

بتقريب : أنّ الحمل إمّا حقيقي ، كما هو المحكيّ عن جمع من الفريقين : «أنّ

«الخمر» اسم للعصير»(1) ، وإمّا تنزيلي(2) ، فمقتضى إطلاق التنزيل ثبوت جميع أحكامه له .

والجواب : أنّ الحمل لا يمكن أن يكون حقيقياً ؛ لأنّ الموضوع هو المغليّ المشتبه بين كونه على الثلث أو النصف ، ولا يجوز حمل «الخمر» حقيقةً على مشتبه الخمرية ، فضلاً عن العصير المشتبه . مع أنّ خمرية العصير بمجرّد الغليان ممنوعة ؛ لعدم صدق «الخمر» عليه عرفاً ولغة ، وسيأتي الكلام في ذلك(3) .

ولا يمكن أن يكون تنزيلياً ؛ لأنّ المشتبه لا يكون منزّلاً منزلته واقعاً ؛ بحيث يكون محرّماً ونجساً واقعاً ولو كان مطبوخاً على الثلث . بل الظاهر من الرواية صدراً وذيلاً هو السؤال عن الحكم الظاهري ؛ وعن حال شهادة ذي اليد بالتثليث ، فالمراد بقوله علیه السلام : «خمر» أي خمر ظاهراً يجب البناء على خمريته ؛ للاستصحاب ، وهو وإن يكشف عن كون المغليّ قبل التثليث نازلاً منزلة الخمر في الجملة ، لكن لا يكشف عن إطلاق دليل التنزيل .

وبعبارة اُخرى : أ نّها ليست في مقام بيان التنزيل وحكم العصير حتّى يتمسّك بإطلاقها ، بل بعد الفراغ عن حكمه كانت بصدد بيان حال الشكّ ، فدعوى إمكان استكشاف دليل مطلق من الحكم الظاهري ممنوعة .

ص: 295


1- اُنظر جواهر الكلام 6 : 14 - 15 ؛ الفقيه 4 : 40 ، ذيل الحديث 131 ؛ المهذّب البارع 5 : 79 ؛ صحيح البخاري 7 : 198 .
2- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 123 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 169 .
3- يأتي في الصفحة 299 - 300 .

وليس لأحد أن يقول : إنّه يمكن أن تكون بصدد أمرين ؛ أحدهما : تنزيل العصير منزلة الخمر ، والآخر : التعبّد ببقاء خمريته ، لأنّ ذلك غير معقول بجعل واحد . بل هو أسوأ حالاً من استفادة قاعدة الطهارة والاستصحاب من مثل قوله علیه السلام : «كلّ شيء حلال حتّى تعرف أ نّه حرام»(1) ؛ لأنّ القائل بها إنّما قال باستفادة الثاني من الغاية(2) ، والمقام ليس كذلك .

وأمّا احتمال أن يكون قوله علیه السلام : «خمر» خبراً عن العصير المغليّ قبل ذهاب ثلثيه ؛ إفادةً للحكم الواقعي بالتنزيل ، وقوله علیه السلام : «لا تشربه» يكون نهياً عن شرب المشتبه ، فهو - كما ترى - لا يستأهل جواباً . وعلى فرض كونها بصدد التنزيل فإطلاقه أيضاً لا يخلو من مناقشة .

ثمّ إنّ ذلك مع الغضّ عمّا في الرواية من الإشكال ؛ فإنّها في «الكافي» - بل والنسخة من «التهذيب» التي كانت عند الحرّ والكاشاني(3) - خالية من لفظة «خمر»(4) مع إتقان «الكافي» وشدّة ضبط الكليني ، وما يقال : من الاغتشاش والتحريف والزيادة والنقيصة في «التهذيب»(5) .

ص: 296


1- وسائل الشيعة 17 : 87 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 4 ، الحديث 1 و4 ، و25 : 117 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 1 و7 .
2- كفاية الاُصول : 452 .
3- راجع وسائل الشيعة 25 : 293 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 7 ، الحديث 4 ؛ الوافي 20 : 655 / 13 .
4- الكافي 6 : 421 / 7 .
5- الحدائق الناضرة 5 : 124 .

ويؤيّد ذلك : - مضافاً إلى ما قيل : من عدم تمسّك الفقهاء بها لنجاسته ، وأوّل من تمسّك بها الأسترآبادي(1) - أنّ هذا التعبير غير معهود في أدلّة الاستصحاب

على كثرتها عموماً وخصوصاً ، بل التعبير فيها ب- «عدم نقض اليقين بالشكّ» وما يشبهه . بل الزيادة في مثل الرواية ليست بذلك البعد ؛ لأنّ خمرية عصير العنب لمّا كانت مورداً للبحث والجدال ، فربّما تنسبق إلى ذهن الراوي أو الناسخ ، فيأتي بها ارتكازاً ، كما قلنا (2) نظيره في قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»(3) . فما يقال : «من تقدّم أصالة عدم الزيادة على أصالة

عدم النقيصة»(4) ، ليس مسلّماً مطلقاً لو سلّم في الجملة .

وكذا ما أفاد شيخنا الأعظم : «من أنّ الظاهر عدم الزيادة حتّى من الشيخ الذي

يكثر منه الخلل»(5) غير موجّه إن أراد ب- «الظاهر» غير الأصل العقلائي ؛ لعدم الدليل عليه . وقد عرفت عدم ثبوت الأصل العقلائي في مثل المقام .

كما أنّ تأييده وجود لفظ «الخمر» في الرواية بتعبير والد الصدوق بمضمونها في رسالته إلى ولده(6) التي هي كالروايات المنقولة بالمعنى ، غير وجيه ؛ لأنّ تعبير والد الصدوق غير مضمون الرواية ؛ فإنّه بصدد بيان حكم العصير العنبي إذا

ص: 297


1- الحدائق الناضرة 5 : 123 ؛ إفاضة القدير في أحكام العصير : 39 .
2- بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر ، الإمام الخميني قدس سره : 24 .
3- الفقيه 4 : 243 / 777 ؛ وسائل الشيعة 26 : 14 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب موانع الإرث ، الباب 1 ، الحديث 10 .
4- جواهر الكلام 6 : 14 .
5- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 169 .
6- ستأتي في الصفحة 309 .

غلى أو نشّ بنفسه ، وهي بصدد بيان الحكم الظاهري ؛ وأنّ المشتبه محكوم بحرمة الشرب ، فأين أحدهما من الآخر ؟ !

إلاّ أن يراد به مجرّد اشتماله على لفظة «خمر» وهو كما ترى .

أو يراد أنّ والد الصدوق عثر على رواية بذلك المضمون ، وهو كذلك ؛ لأنّ عبارته عين عبارة «الفقه الرضوي»(1) لو كان رواية . لكن لا يوجب ذلك تأييد اشتمال الموثّقة عليها مع اختلافهما في المضمون .

وقد يستدلّ بصحيحة عمر بن يزيد - بناءً على كونه بيّاع السابري ، كما لا يبعد - قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الرجل يهدي إليّ البُخْتُج من غير أصحابنا ، فقال : «إن كان ممّن يستحلّ المسكر فلا تشربه ، وإن كان ممّن لا يستحلّ شربه فاقبله» أو قال : «اشربه»(2) .

احتجّ بها صاحب «الجواهر»(3) . والعجب من بعض أهل التتبّع من دعوى عدم وجدان الاحتجاج بها من أحد(4) .

وتقريبه : أنّ المنع عن شرب ما في يد المستحلّ إنّما هو لخوف الإسكار ، فيظهر منه أنّ للعصير المطبوخ قسمين : مسكر ، وغيره ، والمستحلّ لا يأبى عن هديّة المسكر منه ، فلا يقبل هديته . وليس المراد من ذكر الاستحلال بيان فسقه جزماً ، بل ذكر لمناسبة بينهما ، كما لا يخفى .

ص: 298


1- ستأتي في الصفحة 302 .
2- الكافي 6 : 420 / 4 ؛ وسائل الشيعة 25 : 292 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 7 ، الحديث 1 .
3- جواهر الكلام 6 : 16 .
4- إفاضة القدير في أحكام العصير : 106 .

وفيه أوّلاً : أنّ غاية ما تدلّ الرواية عليه وجود قسم مسكر للبُخْتُج ، وهو لا يدلّ على أنّ مطلق المغليّ قبل التثليث مسكر ، ولعلّ المستحلّ كان يطبخ عصيراً ويعالجه حتّى يصير مسكراً ، كما كانوا يعالجون النبيذ .

وثانياً : أنّ الإسكار - كما هو الظاهر من الروايات وغيرها - إنّما يحصل بالاختمار والفساد ، لا بالغليان بالنار والطبخ المانع منهما ، ومعه لا خوف من الإسكار إذا كان منشأ الشكّ طبخه على الثلث أو أزيد . فلا بدّ من حمل الرواية على أنّ المستحلّ للمسكر لمّا لا يبالي بالعصير المطبوخ ، ولا يرى غير الخمر حراماً ، لا يجوز الاعتماد عليه في هديته ، بخلاف غير المستحلّ .

مضافاً إلى أنّ المستحلّ لا يبالي بإبقاء العصير قبل تثليثه للشرب مدّة ؛ حتّى يعرض عليه الاختمار المطلوب لأصحابه .

وأمّا الاستدلال عليها بالروايات الحاكية لقضيّتي آدم ونوح علیهما السلام مع إبليس(1) ؛ بدعوى دلالتها على أنّ تلك الواقعة منشأ تحريم الخمر ، وفيها دلالة واضحة على أنّ عصير العنب إذا غلى بالنار أو نشّ بنفسه ، حكمه حكم الخمر ، إلاّ أن يذهب ثلثاه ، أو يصير خلاًّ ، كما أفاده الشيخ الأعظم(2) .

ففيه : أ نّه لا دلالة فيها رأساً ، فضلاً عن وضوح الدلالة :

أمّا رواية أبي الربيع الشامي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن أصل الخمر ، كيف كان بدء حلالها وحرامها ، ومتى اتّخذ الخمر ؟ فقال : «إنّ آدم لمّا اُهبط من

ص: 299


1- وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 171 .

الجنّة. . .»(1) ثمّ ساق القضيّة في بيان حرمة عصير العنب المغليّ قبل ذهاب ثلثيه .

ففيها إشعار بأنّ العصير المغليّ خمر حقيقة ، حيث تصدّى لبيان حرمته عند السؤال عن بدو حرمة الخمر ، لكن لمّا كانت خمرية العصير المغليّ خلاف الوجدان والضرورة ، وإن فرض مسكريته مع ممنوعيتها أيضاً ، فلا محالة لا يريد بذكر القضيّة بيان خمريته ، بل أراد بيان بدو القضيّة ومقدّماتها ؛ حتّى انجرّ إلى حرمة الخمر ، فكأنّ نزاع آدم مع إبليس في الكرم صار موجباً لتحريم الخمر ، لا أنّ محلّ النزاع هو الخمر ، فإنّه خلاف الواقع .

وأمّا احتمال كونه بصدد بيان أنّ حكم العصير حكم الخمر ، ففي غاية البعد ؛ لعدم تطابق السؤال والجواب ، فإنّه سأل عن بدو حرمة الخمر ، فالجواب بأنّ عصير العنب خمر حكماً ، غير مربوط به .

وبالجملة : هذه الرواية محمولة على أ نّه بصدد بيان أنّ الخمر كانت حراماً من

لدن زمن آدم علیه السلام كما وردت به روايات ، وبدو قصّتها نزاع آدم علیه السلام مع إبليس

في الكرم وعصيره ، لا بصدد بيان أنّ العصير خمر أو في حكمه ، كما يظهر بالتأمّل في سائر روايات الباب . هذا مع ما فيها من الضعف سنداً (2) .

ص: 300


1- تقدّمت في الصفحة 287 - 288 .
2- رواها الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه وعدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد وسهل بن زياد جميعاً ، عن ابن محبوب ، عن خا لد بن جرير ، عن أبي الربيع الشامي . والرواية ضعيفة بأبي الربيع الشامي فإنّه مجهول . الكافي 6 : 393 / 1 ؛ رجال النجاشي : 153 / 403 ؛ الفهرست ، الطوسي : 271 / 841 ؛ تنقيح المقال 3 : 16 / السطر 17 (فصل الكُنى) .

وأمّا سائر الروايات الواردة في تلك القضيّة أو قضيّة نوح علیه السلام (1) فلا إشعار فيها بما ذكره رحمه الله علیه .

وأمّا الاستدلال عليها بقوله علیه السلام : «فلا خير فيه»(2) ، وقوله علیه السلام : «فمن هنا طاب الطِلاء على الثلث»(3) ، وقوله علیه السلام : «وذلك الحلال الطيّب»(4) ، وقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «الخمر من خمسة : العصير من الكرم»(5) ففيه ما لا يخفى .

نعم ، يمكن الاستدلال عليها برواية «فقه الرضا علیه السلام » قال : «الخمر حرام بعينها . . .» إلى أن قال : «ولها خمسة أسامٍ ، فالعصير من الكرم ، وهي الخمرة الملعونة»(6) .

بأن يقال : إنّ العصير لمّا لم يكن وجداناً الخمرة الملعونة ، لا بدّ من الحمل على التنزيل ، وإطلاقه وإن اقتضى كونه بمنزلتها حتّى قبل الغليان وبعد التثليث ، لكنّهما خارجان نصّاً وفتوى ، وبقي الباقي ، ومقتضى إطلاق التنزيل ثبوت جميع الأحكام له .

ص: 301


1- وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 .
2- وسائل الشيعة 25 : 285 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 7 .
3- وسائل الشيعة 25 : 286 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 10 .
4- وسائل الشيعة 25 : 286 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 11 .
5- تقدّم في الصفحة 273 .
6- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 280 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 37 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 1 ، الحديث 2 .

وفيه : - مضافاً إلى ضعفها (1) - أنّ ظاهرها بقرينة قوله : «ولها خمسة أسامٍ» وسائرِ فقراتها ، أنّ المراد بها الخمرة الواقعية لا التنزيلية ، كما يشعر به توصيفها ب- «الملعونة» ولمّا كان العصير قبل غليانه وبعده إذا كان بالنار ليس خمراً حقيقة بلا شبهة ، فلا محالة يراد بذلك العصير الخاصّ المختمر .

ويمكن الاستدلال عليها ب- «الفقه الرضوي» أيضاً ، قال فيه : «اعلم : أنّ أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار أو غلى من غير أن تصيبه النار ، فهو خمر ولا يحلّ شربه إلاّ أن يذهب ثلثاه . . .»(2) إلى آخره . وهو بعينه عبارة والد الصدوق رحمهما اللّه (3) .

بأن يقال : إنّ حمل «الخمر» عليه بعد ما لم يكن حقيقياً يحمل على التنزيل ، وعمومه يقتضي ترتّب جميع الآثار . لكنّه غير صالح للاستناد عليه ؛ لضعفه . بل عدم ثبوت كونه رواية . مع احتمال أن يكون التنزيل في حرمة شربه ، كما قيل(4) في موثّقة ابن عمّار(5) .

وممّا جعله صاحب «الجواهر» مؤكّداً لنجاسته قوله :

«إنّه قد استفاضت الروايات - بل كادت تكون متواترة - بتعليق الحرمة في

ص: 302


1- تقدّم وجه الضعف في الصفحة 268 ، الهامش 5 .
2- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 280 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 39 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 5 .
3- ستأتي في الصفحة 309 .
4- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 124 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 203 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 408 .
5- تقدّم في الصفحة 294 .

النبيذ وغيره على الإسكار ، وعدمها على عدمه ، مع استفاضة الروايات بحرمة عصير العنب إذا غلى قبل ذهاب الثلثين . وحملها على التخصيص ، ليس بأولى من حملها على تحقّق الإسكار فيه . بل هو أولى ؛ لأصالة عدم التجوّز ، بل لعلّه متعيّن ؛ لعدم القرينة . بل قد يقطع به ؛ لعدم ظهور شيء من روايات الحرمة في خروج ذلك عن تلك الكلّية ، بل ولا إشارة»(1) انتهى .

وهو لا يخلو من غرابة ؛ لعدم ورود رواية في مطلق الأشربة ولا في الخمر أو العصير أو النبيذ بنحو ما ذكره من التعليق ، فضلاً عن استفاضتها .

نعم ، وردت روايات كثيرة بأنّ كلّ مسكر حرام ، وأنّ المسكر حرام(2) ، وفي النبيذ روايات بأنّ المسكر منه حرام(3) . وأمّا ورود روايات بأنّ ما ليس بمسكر فليس بحرام فكلاّ ، لا بنحو الإطلاق أو العموم ، ولا في موضوع خاصّ ، فدوران الأمر بين التخصيص والتخصّص لا موضوع له جزماً .

ثمّ لو فرض ورود روايات في النبيذ بذلك المضمون ، فلا ربط له بالعصير العنبي الذي هو عنوان خاصّ مغاير له ، فما معنى تخصيص ما ورد في النبيذ بما ورد في العصير ؟ !

مضافاً إلى أنّ أولوية التخصّص من التخصيص فيما إذا علم المراد ممنوعة ،

ص: 303


1- جواهر الكلام 6 : 17 .
2- راجع وسائل الشيعة 25 : 336 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 17 .
3- راجع وسائل الشيعة 25 : 355 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 24 ، الحديث 5 و6 و8 .

فإذا علم عدم وجوب إكرام زيد ، ولم يعلم أ نّه عالم وخارج عن وجوب إكرام العلماء تخصيصاً ، أو ليس بعالم ، فخرج تخصّصاً ، لا دليل على تقديم الثاني ، فأصالة عدم التخصيص - كأصالة الحقيقة - غير معوّل عليها مطلقاً في نحو المقام . وأمّا تشبّثه بأصالة عدم التجوّز فلا يخفى ما فيه . وفي كلامه موارد اُخر للمناقشة .

فتحصّل من جميع ما ذكر عدم دليل على نجاسته ، فالأصل طهارته ؛ من غير فرق بين ما غلى بنفسه ، أو بالنار وغيرها .

حول تفصيل ابن حمزة بين ما غلى بنفسه وغيره

وقد فصّل ابن حمزة في «الوسيلة» بين ما غلى بنفسه ، فذهب إلى نجاسته وحرمته إلى أن يصير خلاًّ ، وبين ما غلى بالنار ، فذهب إلى حرمته إلى ذهاب الثلثين دون نجاسته(1) .

وربّما يتوهّم : أنّ تفصيله ليس في الحكم الشرعي ، بل لإحراز مسكرية ما غلى بنفسه ، فحكمه بالنجاسة لمسكريته ، لا للتفصيل في العصير . ولقد أصرّ على ذلك بعض أهل التتبّع ، حتّى نسب الغفلة إلى أساطين العلم وجهابذة الفنّ ، وأرعد وأبرق في رسالته المعمولة لحكم العصير ، ولم يأتِ بشيء مربوط بجوهر المسألة الفقهية .

وقد وقع منه فلتات عجيبة ، من جملتها دعوى عدم تفرّد ابن حمزة في ذلك التفصيل ، وزعم أنّ مرجع أقوال عدا من شذّ إلى هذا القول ، وعدّ منهم شيخ

ص: 304


1- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 365 .

الطائفة والحلّي والقاضي صاحب «دعائم الإسلام» والقاضي ابن البرّاج في «المهذّب» والشهيد في «الدروس» . بل استظهر من «رسالة علي بن بابويه» ومن عبارة «فقه الرضا» .

ثمّ قال : «إنّ المحقّق والعلاّمة والفاضل المقداد كلّهم ، موافقون لما عزي إلى ابن حمزة من التفصيل ، وإنّ عدّ قولهم مقابلاً لقوله ناشئ من عدم تدقيق النظر وتحديد البصر ، فانتظر لهذه الفائدة التي لم يتنبّه لها أحد في الحديث والقديم ، ولا ينبّئك مثل الخبير العليم»(1) انتهى .

وأنا أقول : لم أرَ من وافق ابن حمزة ؛ حتّى صاحب هذه الرسالة نفسه ، ولتوضيح ذلك لا بدّ من تحرير المسألة حتّى يتّضح موضع الخلط .

فنقول : إنّ محطّ البحث في هذه المسألة - بعد الفراغ عن حكم المسكر ونجاسته - في أنّ العصير العنبي هل هو ملحق بالمسكرات في النجاسة مطلقاً ، أو لا مطلقاً ، أو ملحق بها إذا غلى بنفسه ، دون ما إذا غلى بالنار ؟ والأقوال إنّما تتقابل في المسألة الفقهية إذا كان محطّ كلامهم العصير الذي لا يسكر ، أو لم يحرز إسكاره ، وأمّا إذا ادّعى أحد مسكريته فحكم بنجاسته ، والآخر عدمها فذهب إلى طهارته ، والمفصّل يرى مسكرية قسم منه ، فلا تتقابل في المسألة الفقهية . ولو فرض اختلاف كلامهم موضوعاً فلا تتقابل الأقوال رأساً .

ص: 305


1- إفاضة القدير في أحكام العصير : 28 - 33 .
حول الاختلاف في غاية حرمة العصير

ثمّ إنّه قد وقع خلاف آخر بين الفقهاء في غاية حرمة العصير لا نجاسته ، فذهب جمع إلى أنّ غايتها ذهاب الثلثين ، وجمع آخر إلى التفصيل بين ما غلى بنفسه فغايتها انقلابه خلاًّ ، وما غلى بالنار فذهاب الثلثين .

إذا عرفت ذلك فاعلم : أنّ ابن حمزة قائل بالتفصيل في المسألتين ، ولم يوافقه أحد - فيما أعلم - في المسألة الاُولى ، ووافقه جملة من الأساطين في الثانية ، والخلط بين المسألتين صار سبباً لنسبة التفصيل في المسألة الاُولى إليهم ، وقلّة التأمّل في كلام ابن حمزة - بل وفي المسألة أيضاً - صارت منشأً لتوهّم أنّ ابن حمزة قائل بنجاسة ما غلى بنفسه ؛ لصيرورته مسكراً . كما أنّ قلّة التدبّر في كلمات القوم ، صارت منشأً لزعم موافقتهم مع ابن حمزة في التفصيل بما زعم أ نّه قائل به .

ونحن نحكي كلام ابن حمزة والشيخ حتّى يتّضح مورد خلط صاحب الرسالة في كلامهما ، ثمّ راجع غيرهما من كلمات الأصحاب حتّى يتّضح لك الأمر :

قال ابن حمزة في «الوسيلة» - بعد ذكر الأشربة التي تؤخذ من الحيوان - هذه العبارة : «وأمّا ما يؤخذ من الأشربة من غير الحيوان فضربان : مسكر ، وغير مسكر ، فالمسكر نجس حرام . . .» . ثمّ قال : «وغير المسكر ضربان : ربّ ، وغيره . . .»(1) . ثمّ قال : «وغير الربّ ضربان : إمّا جعل فيه شيء من المسكرات ،

ص: 306


1- في المصدر: «وغير المسكر ضربان : فقّاع وغيره ، فالفقّاع حرام نجس ، وغير الفقّاع ضربان : ربّ وغيره» .

ويحرم شربه ، وينجس بوقوع المسكر فيه ، أو لم يجعل فيه شيء منها : فإن كان عصيراً لم يخلُ إمّا غلى ، أو لم يغلِ : فإن غلى لم يخلُ إمّا غلى من قِبَل نفسه ، أو

بالنار : فإن غلى من قِبَل نفسه حتّى يعود أسفله أعلاه حرم ونجس ، إلاّ أن يصير خلاًّ بنفسه أو بفعل غيره ، فيعود حلالاً طيّباً . وإن غلى بالنار حرم شربه حتّى يذهب على النار نصفه ونصف سدسه ، ولم ينجس أو يخضب الإناء ويعلق به ويحلو»(1) انتهى .

وظاهر كلامه كالصريح في أنّ التفصيل بين المغليّ بنفسه وغيره ، بعد الفراغ عن عدم كونه مسكراً ، فإنّه من قسم غير المسكر الذي لم يقع فيه مسكر ، كما هو واضح ، فهو مفصّل في مسألتنا ، وقائل بنجاسة العصير الذي غلى بنفسه ، ولم يكن مسكراً ، وجعل غاية النجاسة الانقلاب بالخلّ .

كما أ نّه مفصّل في المسألة الثانية بأنّ غاية الحلّية(2) فيما إذا غلى بنفسه ، صيرورته خلاًّ ، وفيما إذا غلى بالنار التثليث .

وكثير من الأصحاب وافقوه في المسألة الثانية دون الاُولى ؛ حتّى أنّ صاحب الرسالة أيضاً لم يوافقه فيها ، ولم يلتزم بالنجاسة لو فرض عدم إسكاره ، لكنّه مدّعٍ لذلك ، وسيأتي الكلام فيه(3) .

وقال الشيخ في «النهاية» : «كلّ ما أسكر كثيره فالقليل منه حرام ؛ لا يجوز استعماله بالشرب ، والتصرّف فيه بالبيع والهبة ، وينجس ما يحصل فيه ؛ خمراً

ص: 307


1- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 364 - 365 .
2- والصحيح هو «غاية الحرمة» .
3- سيأتي في الصفحة 311 .

كان أو نبيذاً أو بتعاً أو نقيعاً أو مزراً ، أو غير ذلك من أجناس المسكرات .

وحكم الفُقّاع حكم الخمر على السواء في أ نّه حرام شربه وبيعه والتصرّف فيه .

والعصير لا بأس بشربه وبيعه ما لم يغلِ . وحدّ الغليان الذي يحرّم ذلك هو أن يصير أسفله أعلاه ، فإذا غلى حرم شربه وبيعه إلى أن يعود إلى كونه خلاًّ ، وإذا غلى العصير على النار لم يجز شربه إلى أن يذهب ثلثاه ، ويبقى ثلثه»(1) انتهى .

وأنت خبير : بأنّ الظاهر منه موافقة ابن حمزة في غاية الحلّية ، لا في النجاسة . بل الظاهر منه عدم نجاسة العصير مطلقاً ، حيث جعله مقابل النجس ، ولم يحكم بالتسوية فيه كما حكم في الفُقّاع ؛ وإن كانت عبارته في الفُقّاع لا تخلو من نوع إجمال .

وعلى هذا المنوال أو قريب منه العبارات المحكيّة عن ابن إدريس ، وصاحب «الدعائم» ، والقاضي ابن البرّاج ، والشهيد(2) ، فإنّها أيضاً بصدد بيان المسألة الثانية لا الاُولى ، فراجع .

وأعجب من ذلك إرجاع كلمات المحقّق والعلاّمة والفاضل المقداد إلى ما فصّل ابن حمزة ، مع أنّ المتأمّل في عباراتهم لا ينبغي أن يشكّ في خلافه ؛ وأ نّهم في طرف النقيض منه :

ص: 308


1- النهاية : 590 - 591 .
2- السرائر 3: 130 ؛ دعائم الإسلام 2 : 127 / 440 ؛ المهذّب 2 : 433 ؛ الدروس الشرعية 3 : 16 .

قال المحقّق في «المعتبر» : «وفي نجاسة العصير بغليانه قبل اشتداده تردّد أمّا

التحريم فعليه إجماع فقهائنا ، ثمّ منهم من اتّبع التحريم النجاسة . والوجه الحكم بالتحريم مع الغليان حتّى يذهب الثلثان ، ووقوف النجاسة على الاشتداد»(1) .

وهو صريح في خلاف ابن حمزة القائل بالنجاسة مع عدم السكر ؛ إن أراد ب- «الاشتداد» السكر ، كما قال به صاحب الرسالة(2) .

ونحوه في ذلك كلام العلاّمة ، والمحكيّ عن الفاضل المقداد(3) .

وأمّا والد الصدوق ، فقال في وصيّته إلى ابنه : «اعلم يا بنيّ : أنّ أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار ، أو غلى من غير أن تصيبه النار فيصير أسفله أعلاه ، فهو خمر لا يحلّ شربه إلى أن يذهب ثلثاه ، ويبقى ثلثه ، فإن نشّ من غير أن تصيبه النار فدعه حتّى يصير خلاًّ من ذاته من غير أن تلقي فيه شيئاً فإذا صار خلاًّ من ذاته حلّ أكله ، فإن تغيّر بعد ذلك وصار خمراً فلا بأس أن تلقي فيه ملحاً أو غيره حتّى يتحوّل خلاًّ»(4) انتهى .

وهو كما ترى مخالف لابن حمزة وموافقيه في المسألة الثانية ؛ أي غاية الحلّية .

وأمّا قوله : «فإن نشّ . . .» إلى آخره ، فمسألة اُخرى غير مربوطة بما ذكرها أوّلاً ، كما لا يخفى على المتأمّل في قوله : «من غير أن تلقي . . .» إلى آخره ، لكن

ص: 309


1- المعتبر 1 : 424 .
2- إفاضة القدير في أحكام العصير : 40 - 41 .
3- تذكرة الفقهاء 1 : 65 ؛ كنز العرفان 1 : 53 .
4- اُنظر الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 280 ؛ الفقيه 4 : 40 / 131 .

صاحب الرسالة لم يرتضِ إلاّ بأن يأوّل كلامه وكذا عبارة «فقه الرضا»(1) الموافقة له بما لا يرضى به صاحبهما ، ولا منصف متأمّل(2) .

فتبيّن ممّا مرّ : أنّ ابن حمزة متفرّد في تفصيله في مسألتنا ؛ بذهابه إلى النجاسة في المغليّ بنفسه مع عدم إسكاره ، وعدمها في المغليّ بالنار .

ثمّ إنّ تفصيله خالٍ عن الوجه .

بل لو فصّل أحد بعكس ما فصّل - أي ذهب إلى نجاسة ما يغلي بالنار ، دون ما يغلي بنفسه - لكان أوجه ؛ بدعوى أنّ عمدة ما يمكن أن يتمسّك بها للنجاسة موثّقةُ معاوية بن عمّار وصحيحة عمر بن يزيد المتقدّمتان(3) ، وهما واردتان في البُخْتُج ؛ وهو العصير المطبوخ ، بل غالب ما يستدلّ به لها إنّما هو في العصير المغليّ بالنار .

وكيف كان : فالأقوى طهارة العصير ؛ سواء غلى بالنار أو بنفسه ، إلاّ أن يحرز مسكريته ، وهو أمر آخر .

حول مسكرية العصير المغليّ بنفسه

ثمّ إنّه لا يلزم علينا دفع الشبهة الموضوعية ، وليس تحقيق مسكرية ما غلى بنفسه شأن الفقيه ، لكن لا بأس في البحث عنها على سبيل الاختصار ؛ دفعاً لتوهّم دلالة الروايات عليها .

ص: 310


1- تقدّمت في الصفحة 302 .
2- إفاضة القدير في أحكام العصير : 33 .
3- تقدّمتا في الصفحة 294 و298 .

والعجب من صاحب الرسالة ! أ نّه لمّا سمع أنّ قائلاً من معاصريه قال : «إنّ البحث في الشبهة الموضوعية ليس بمهمّ للفقيه» ، اعترض عليه ، ونسبه إلى الغرور والغفلة ، والبعد عن تلك المسائل بمراحل ، وأ نّه عدوّ لما جهله ، وقال :

«إنّ الذي لا يهمّ للفقيه أن يتكلّم في موضوع وهمي فرضي ، من قبيل اتّصاف الشيء بنقيضه ، أو سلب الشيء عن نفسه ، أو يتعرّض لحكم الكوسج العريض اللحية ، أو العنّين المستهتر بالجماع»(1) انتهى .

وأنت خبير بما في كلامه من الوهن ، وكيف غفل عن أمر واضح : وهو أنّ تنقيح الموضوعات ؛ وإثبات كون شيء خمراً أو خلاًّ ، أو أنّ الأدوية الكذائية مسكرة ، أو ليست بمسكرة ، أو أنّ المسافة الكذائية ثمانية فراسخ أو لا وهكذا ، ليس من المسائل الفقهية التي للفقيه البحث عنها ، وليس رأي الفقيه فيها حجّة على غيره ، وإنّما شأنه البحث عن الأحكام الكلّية ومداركها ، لا عن موضوعاتها؟!

إعضالات المحقّق شيخ الشريعة وحلّها

وكيف كان : فقد زعم أنّ في المسألة إعضالات لا تنحلّ إلاّ بالالتزام بمسكرية العصير المغليّ بنفسه :

الإعضال الأوّل : أنّ الروايات المتضمّنة لحرمة العصير المطبوخ ، كلّها مغيّاة

ص: 311


1- إفاضة القدير في أحكام العصير : 34 - 35 .

بذهاب الثلثين(1) ، ولم يتّفق التحديد بذهابهما إلاّ فيما تضمّن لفظ «الطبخ» ، أو ما يساوقه ، ك- «البُخْتُج» ، و«الطِلاء» ، وأمّا الروايات الحاكمة بتحريم العصير بالغليان(2) ، فكلّها خالية من التحديد بهما (3) .

فجعل هذا شاهداً على أنّ العصير المغليّ بنفسه مسكر ، وشاهداً على التفصيل المتقدّم ، بعد التنبيه على أنّ الغليان والنشيش إذا اُسندا إلى الأشياء التي يحدثان فيها تارة بسبب ، واُخرى باقتضاء نفسها من غير ذكر السبب ، كان المراد بهما حصولهما بنفسها لا بالسبب ، وبعد دعوى حصول السكر بمجرّد الغليان(4) .

وفيه : أ نّه بعد تسليم كون الروايات كما زعمها ، لا تدلّ هي إلاّ على أنّ غاية الحرمة فيما نشّ بنفسه ، ليست التثليث ، وهو موافق للتفصيل في المسألة الثانية المشار إليها في صدر البحث ، وغير مربوط بالمسألة الاُولى ، ولا هي شاهدة على حصول السكر في المغليّ بنفسه . مع أنّ دعاويه بجميع شعبها ممنوعة ، أو غير مسلّمة .

أمّا دعوى كون الغليان إذا لم يسند إلى سبب ومؤثّر خارجي ، يكون المراد ما حصل بذاته ، ففيها - مضافاً إلى كونها مجرّدة من الدليل - ما لا يخفى ؛ فإنّ المتبادر من «الغليان» عرفاً ولغةً هو الفوران والقلب بقوّة ، ولا يبعد أن يكون

ص: 312


1- وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 و4 و5 و8 .
2- وسائل الشيعة 25 : 287 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 3 .
3- إفاضة القدير في أحكام العصير : 16 .
4- إفاضة القدير في أحكام العصير : 20 .

مأخوذاً من الصوت في الأصل ، ثمّ اشتقّ منه :

ففي «المجمع» : «غلت القدر غلياناً : إذا اشتدّ فورانها»(1) .

وفي «المنجد» : «غلت القدر : جاشت بقوّة الحرارة»(2) . ولم يفسّره في «الصحاح» و«القاموس»(3) لوضوحه عرفاً .

ومعلوم : أنّ الفوران واشتداده لا يحصل فيما إذا غلى العصير بنفسه ، بل ما حصل بنفسه هو النشّ والجيش الضعيف ، فإذن لأحد أن يقول : إنّ «الغليان» وسائر تصاريفه إذا اُسند إلى شيء بلا إضافة إلى نفسه ، يتبادر منه الفوران الشديد بقوّة الحرارة النارية وغيرها ، وإذا قيل : «غلى بنفسه» يراد منه القلب الضعيف غالباً .

ولعلّ «النشّ» المستعمل في الروايات(4) فيما إذا غلى العصير بنفسه ، عبارة عن الصوت الحاصل من الجيش الضعيف للعصير المغليّ بنفسه ؛ وإن كان لغةً أعمّ منه(5) .

وكيف كان : لا بيّنة على دعواه ، بل على خلافها ، ولا أقلّ من أن يكون «الغليان» أعمّ .

ص: 313


1- مجمع البحرين 1 : 319 .
2- المنجد : 558 .
3- الصحاح 6 : 2448 ؛ القاموس المحيط 4 : 373 .
4- وسائل الشيعة 25 : 287 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 3 ، الحديث 4 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 38 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 1 و5 .
5- القاموس المحيط 2 : 301 .

وأمّا دعوى حصول الإسكار بمجرّد الغليان ، فسيأتي الكلام فيها (1) .

وممّا ذكرنا يظهر حال مستنده : وهو أنّ كلّ ما ذكر فيه «الغليان» لم يذكر فيه الثلثان لإثبات أنّ الغليان بنفسه موجب للإسكار . مع أنّ الواقع ليس كما ذكره :

أمّا صحيحة حمّاد ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «لا يحرم العصير حتّى

يغلي»(2) - فمع الغضّ عمّا ذكرناه آنفاً ، والغضّ عن احتمال كون «يغلّى» مجهولاً من باب «التفعيل» ولا دافع له إلاّ الظنّ الخارجي غير الحجّة ، والغضّ عن أنّ المراد في المقام الذي بصدد بيان الكبرى الكلّية هو مطلق الغليان بنفسه أو بغيره جزماً ، ولا تعارض بينها وبين ما دلّ على حرمة العصير المغليّ بالنار ، وأنّ الاختصاص موجب لمخالفته للواقع نصّاً وفتوى - فلا معنى لذكر الثلثين فيها ؛ لأ نّها بصدد بيان غاية الحلّية ، لا غاية الحرمة كما هو واضح .

ومنه يظهر الحال في روايته الاُخرى قال : سألته عن شرب العصير ، قال : «تشرب ما لم يغلِ ، فإذا غلى فلا تشربه» .

قلت : أيّ شيء الغليان ؟ قال : «القلب»(3) .

فإنّها أيضاً بيان غاية الحلّية صدراً وذيلاً ، فلا معنى لذكر التثليث فيها .

وأمّا موثّقة ذُرَيح - قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «إذا نشّ العصير أو

ص: 314


1- سيأتي في الصفحة 326 - 332 .
2- الكافي 6 : 419 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 287 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 3 ، الحديث 1 .
3- الكافي 6 : 419 / 3 ؛ وسائل الشيعة 25 : 287 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 3 ، الحديث 3 .

غلى حرم»(1) - فهي كالنصّ في خلاف دعواه ، ولهذا تشبّث بدعوى اُخرى : وهي أنّ الرواية في النسخ المصحّحة من «الكافي» بالواو ، وفي «التهذيب» : «أو» بدلها .

قال : «والأوّل أصحّ ؛ لأضبطية «الكافي» وأ نّه لا وجه لجعل النشيش - وهو الصوت الحاصل بالغليان - مقابلاً له ، إلاّ على وجه راجع إلى عدم المقابلة»(2) انتهى .

وفيه : أنّ الرواية - على ما هو الموجود في كتب الأخبار والفقه واللغة ك- «المرآة» ، و«الوسائل» ، و«الحدائق» ، و«الجواهر» ، و«المستند» ، و«طهارة الشيخ» ، و«مصباح الفقيه» ، و«مجمع البحرين» - إنّما هي ب- «أو» لا بالواو(3) ، ولم يشر أحدهم - حتّى المجلسي - إلى اختلاف نسخ «الكافي» فضلاً عن كون النسخ المصحّحة كذلك ، فأضبطية «الكافي» إنّما تفيد إذا ثبت كونها كذلك فيه ، وأمّا مع اختلاف نسخه - على فرض التسليم - واتّفاق نسخ «التهذيب» بذكر «أو» موافقةً للنسخ المشهورة المتداولة من «الكافي» فلا وجه لرجحان ما ذكر .

مع أنّ الأصحّ بحسب الاعتبار نسخة «التهذيب» لما أشرنا إليه من أنّ «النشّ»

ص: 315


1- الكافي 6 : 419 / 4 ؛ وسائل الشيعة 25 : 287 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 3 ، الحديث 4 .
2- إفاضة القدير في أحكام العصير : 4 .
3- مرآة العقول 22 : 282 / 4 ؛ وسائل الشيعة 25 : 287 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 3 ، الحديث 4 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 127 ؛ جواهر الكلام 6 : 19 ؛ مستند الشيعة 15 : 174 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 193 ؛ لم نجدها في مصباح الفقيه ؛ مجمع البحرين 4 : 154 .

كلّما اُطلق في الأخبار اُريد به الجيش بنفسه ، و«الغليان» عند الإطلاق - بمناسبة ما ذكرناه(1) - هو ما حصل بالنار ، ولا أقلّ من كونه أعمّ ، لكن في الرواية بعد عدم معنى لذكر «النشّ» و«الغليان» معاً بعد كون أحدهما موضوعاً للحكم ، لا بدّ وأن يراد ب- «النشّ» ما ذكرناه ، كما في سائر الروايات ، وب- «الغليان»

ما غلى بغيره ، فلا بدّ من العطف ب- «أو» لا الواو ، لكن صاحب الرسالة لمّا اغترّ بإصابة رأيه فتح باب التأويل والتحريف في الروايات المخالفة له .

وأمّا دعواه : بأنّ كلّ ما ورد بلفظ «الطبخ» أو ما يساوقه ، فهو مغيّا بذهاب

الثلثين ، ففيها : أ نّه إن أراد بذلك أنّ ما ذكر فيها ذهاب الثلثين منحصر بالمطبوخ

- كما هو الظاهر منه ، ولهذا ادّعى أمراً آخر : وهو أنّ المغليّ بنفسه إذا ذهب ثلثاه

بالنار يكون حراماً ، ولا يفيد التثليث إلاّ في العصير الذي طبخ قبل نشيشه بنفسه - ففيها منع ؛ فإنّ الظاهر من غير واحد من الروايات أنّ التثليث غاية مطلقاً ، ففي رواية أبي الربيع الشامي - بعد ذكر منازعة آدم علیه السلام وإبليس لعنه اللّه - قال : «فرضيا بينهما بروح القدس ، فلمّا انتهيا إليه قصّ آدم علیه السلام عليه قصّته ، فأخذ روح القدس ضغثاً من نار فرمى به عليهما» أي على القضيبين «والعنب في أغصانهما ؛ حتّى ظنّ آدم أ نّه لم يبقَ منهما شيء ، وظنّ إبليس مثل ذلك» قال : «فدخلت النار حيث دخلت ، وقد ذهب منهما ثلثاهما ، وبقي الثلث ، فقال الروح : أمّا ما ذهب منهما فحظّ إبليس ، وما بقي فلك يا آدم»(2) .

ص: 316


1- تقدّم في الصفحة 312 .
2- الكافي 6 : 393 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 2 .

فإنّ الظاهر منها أنّ التثليث مطلقاً موجب للحلّية ؛ لأنّ إحراق نفس القضيبين

إنّما هو لتعيين حظّ آدم وإبليس ، وهو غير مربوط بطبخ عصير العنب وتثليثه بالنار ، فبعد تعيين ذلك وتحديد الحدود قال الروح : «أمّا ما ذهب منهما فحظّ إبليس» أي مقدار ما ذهب من القضيبين - وهو الثلثان - فحظّ إبليس من العصير الذي نشّ أو غلى بالنار ، وإنّما قيّدناه بذلك ؛ لقيام الإجماع والضرورة بعدم حظّ لإبليس في نفس العنب ، ولا في عصيره قبل الغليان .

فاتّضح ممّا ذكر من فقه الحديث : أنّ مقتضى إطلاقه أنّ الثلثين من العصير المغليّ بنفسه أو بغيره لإبليس ، وبعد ذهابهما يتخلّص سهم آدم علیه السلام ويحلّ ما بقي . ومنه يظهر الكلام في موثّقة سعيد بن يسار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام (1) .

وكأنّ صاحب الرسالة حمل الطبخ في الروايتين ونحوهما على طبخ العصير ، فصار ذلك موجباً لدعواه المتقدّمة ، مع أ نّهما صريحتان في أنّ الإحراق وقع في نفس القضيبين والكرم لتعيين الحظّين ، لا في العصير للتثليث .

وفي موثّقة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام -

بعد ذكر معارضة إبليس نوحاً علیه السلام في الحَبَلَة - : «فقال جبرئيل : أحسن يا رسول اللّه ، فإنّ منك الإحسان ، فعلم نوح أ نّه قد جُعل له عليها سلطان ، فجعل له الثلثين» فقال أبو جعفر علیه السلام : «فإذا أخذت عصيراً فطبخته حتّى يذهب الثلثان - نصيب الشيطان - فكل واشرب»(2) .

وهو أيضاً ظاهر في أنّ حظّ إبليس هو الثلثان ، وأمّا قول أبي جعفر علیه السلام

ص: 317


1- تقدّم في الصفحة 288 .
2- الكافي 6 : 394 / 3 ؛ وسائل الشيعة 25 : 284 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 4 .

فتفريع على قول نوح لا ينبغي أن يتوهّم منه اختصاص الغاية بذهاب الثلثين بالنار ، كما لا يتوهّم منه اختصاص الحرمة بالغليان بها .

وفي حسنة(1) محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «كان أبي علیه السلام يقول : إنّ نوحاً حين اُمر بالغرس كان إبليس إلى جانبه ، فلمّا أراد أن يغرس العنب قال : هذه الشجرة لي ، فقال له نوح : كذبت ، فقال إبليس : فما لي منها ؟ فقال نوح : لك الثلثان ، فمن هناك طاب الطِلاء على الثلث»(2) .

وهي أوضح في تفريع قوله : «فمن هناك . . .» إلى آخره ، على كلّية : هي كون الثلثين من العصير المغليّ لإبليس لعنه اللّه ، والثلثِ لنوح علیه السلام . ومن هنا يظهر حال رواية وهب بن منبّه(3) .

وفي مرسلة محمّد بن الهيثم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن العصير يطبخ بالنار حتّى يغلي من ساعته ، أيشربه صاحبه ؟ فقال : «إذا تغيّر عن حاله وغلى فلا خير فيه حتّى يذهب ثلثاه ، ويبقى ثلثه»(4) .

ص: 318


1- رواها الصدوق في العلل ، عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرّار ، عن يونس بن عبد الرحمان ، عن العلاء ، عن محمّد ابن مسلم . والرواية حسنة بإسماعيل بن مرّار الذي لم يرد فيه توثيق . راجع الجزء الأوّل : 93 ؛ تنقيح المقال 1 : 144 / السطر 38 .
2- علل الشرائع : 477 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 286 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 10 .
3- تقدّمت في الصفحة 289 .
4- الكافي 6 : 419 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 285 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 7 .

وهي أوضح فيما ذكرناه ؛ فإنّ فاعل «تغيّر» و«غلى» ضمير راجع إلى العصير ، لا هو مع قيد الطبخ والغليان ، وهو واضح ، فحينئذٍ إعراضه عن الموضوع المفروض في السؤال ، واستئناف الكلام بأ نّه «إذا تغيّر العصير عن حاله وغلى» لإعطاء قاعدة كلّية : وهي أنّ مطلق التغيّر عن حاله والغليان موجب للحرمة إلى ذهاب الثلثين .

مع أنّ قوله علیه السلام : «تغيّر عن حاله» لا يبعد أن يكون ظاهراً في الفساد الذي يحصل من الجيش بنفسه . وكيف كان لا وجه لاختصاصه بالنار .

وفي «فقه الرضا» : «اعلم : أنّ أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار ، أو غلى من غير أن تصيبه النار ، فهو خمر ، ولا يحلّ شربه إلاّ أن يذهب ثلثاه على النار ، وبقي ثلثه ، فإن نشّ من غير أن تصيبه النار فدعه حتّى يصير خلاًّ من ذاته من غير أن يلقى فيه شيء»(1) .

وهي ظاهرة في أنّ ما غلى بنفسه يحلّ إذا ذهب ثلثاه على النار ، وأمّا قوله :

«فإذا نشّ . . . فدعه . . .» إلى آخره ، فمتعرّض لفرع آخر : وهو عدم جواز إلقاء شيء خارجي فيما يجعل خلاًّ ، بل لا بدّ من أن يدعه حتّى يصير خلاًّ بذاته من دون إلقاء شيء فيه .

وإنّما قيد ذهاب الثلثين بكونه على النار ؛ لأجل أنّ التثليث بغير النار قلّما يتّفق . بل العصير إذا غلى بنفسه يصير خلاًّ أو خمراً بعلاج أو بغيره قبل أن يذهب ثلثاه . لا أقول : إنّه يصير خمراً أو مسكراً بمجرّد الغليان بنفسه ، بل أقول : قبل

ص: 319


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 280 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 39 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 5 .

ذهاب الثلثين يتبدّل إليه أو إلى الخلّ ، ولهذا قيّده بقوله : «على النار» .

ولعلّه لأجل ما ذكرناه - من عدم دخالة النار في الحلّية لو اتّفق التثليث بغيرها - أسقطها علي بن بابويه ، فقال : «لا يحلّ شربه إلى أن يذهب ثلثاه ، ويبقى ثلثه»(1) مع أنّ كلامه عين ما في «فقه الرضا» تقريباً ، لكن صاحب الرسالة نقل كلام ابن بابويه ، ثمّ قال :

«والذي اُحصّله من هذا الكلام : أنّ عصير الكرم إذا أصابته النار ولم يذهب ثلثاه ، وترك على هذا الحال ، أو غلى من غير أن يصيبه النار ، فهو خمر ، وإن لم يترك طبخه حتّى ذهب ثلثاه كان حلالاً ، وإن غلى بنفسه كان خمراً لا يفيد فيه التثليث إلاّ أن ينقلب خلاًّ»(2) انتهى .

وليت شعري ، من أين حصل له هذا الأمر المخالف لظاهر الكلام ، بل صريحه ، ومن أين لفّق بالعبارة قولَه : «وترك على هذا الحال» وقولَه : «وإن لم يترك طبخه حتّى يذهب ثلثاه كان حلالاً» حتّى وافقت مذهبه بعد مخالفتها له ؟ !

مع أ نّه على فرض كون مراده ذلك لا يتّضح موافقته لمذهبه ؛ لما مرّ من أنّ هؤلاء إنّما يكون كلامهم في مسألة الحلّية والحرمة ، لا النجاسة والطهارة(3) ، ولم يتّضح أنّ مراده من كونه خمراً أ نّه هو تكويناً ، ولعلّه تبع بعض النصوص(4) في إطلاق «الخمر» عليه ، كما هو دأبه ، ولم يظهر منه ولا من الفقهاء ملازمة النشيش

ص: 320


1- تقدّم في الصفحة 309 .
2- إفاضة القدير في أحكام العصير : 33 .
3- تقدّم في الصفحة 305 وما بعدها .
4- تقدّم في الصفحة 294 .

والغليان من قِبَل نفسه للإسكار ؛ وإن نسب صاحب الرسالة ذلك أيضاً إليهم(1) من غير حجّة . بل مع الحجّة على خلافه ، كما لعلّنا أشرنا إليها من ذي قبل(2) .

الإعضال الثاني: أ نّه قد ورد في صحيحة عبداللّه بن سِنان عن أبي عبداللّه علیه السلام

قال : «كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه»(3).

هذا التقييد لا يتّضح وجهه مع أ نّه بصدد إعطاء القاعدة ، وموضوع الحكم مطلق ما غلى بنفسه أو بالنار ، فالتقييد مخلّ إن قلنا بمفهوم الوصف ، وموجب لعدم دلالته على حكم ما غلى بنفسه إن لم نقل به ، فالمناسب أو المتعيّن أن يقول : «كلّ عصير غلى فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه» .

وجعل وجه حلّه : أنّ الحديث في مقام بيان الحرمة المحدودة بذهاب الثلثين ، وليست إلاّ في العصير المطبوخ ، فالتقييد في موقعه ، والضابطة تامّة ، والقاعدة محكمة(4) انتهى ملخّصاً .

وفيه أوّلاً : أ نّه بعد تسليم ما ذكره ، لا تدلّ إلاّ على أنّ غاية الحرمة في المغليّ بالنار ذهاب الثلثين ، لا في المغليّ بنفسه ، وهو غير مربوط بمدّعاه الذي ذكر الإعضالات والانحلالات المتوهّمة لأجله ؛ وهي مسكرية ما غلى بنفسه ، دون ما غلى بالنار .

وقد عرفت : أنّ مورد البحث ومحطّ كلام الفقهاء في مسألتين :

ص: 321


1- إفاضة القدير في أحكام العصير : 40 .
2- يأتي في الصفحة 326 وما بعدها .
3- تقدّمت في الصفحة 293 .
4- إفاضة القدير في أحكام العصير : 17 و21 .

إحداهما : في النجاسة والطهارة .

وثانيتهما : في غاية الحلّية .

فالرواية - على فرض تمامية مدّعاه - مربوطة بالثانية ، وهو يريد الاستدلال بها للاُولى على زعمه في طرح المسألة .

وثانياً : أ نّه لا إشكال في أنّ الصحيحة بصدد بيان حرمة ما أصابته النار ، لا مطلق العصير المغليّ ، كما لا إشكال في أنّ ذهاب الثلثين غاية للحرمة فيه ، وأمّا عدم ذكر العصير المغليّ بنفسه مع حرمته بنحو الإطلاق ، فهو إشكال مشترك لو فرض وروده .

والعذر بأ نّها بصدد بيان العصير الذي يصير حلالاً بذهاب الثلثين ، تسليم للإشكال ، لا دافع له .

إلاّ أن يقال : إنّها بصدد بيان الغاية فقط ، وهو كما ترى .

هذا مع عدم ورود الإشكال رأساً ؛ لأنّ السكوت عن بعض أنواع موضوع بعد عدم المفهوم للقيد هنا جزماً ، غير عزيز ، سيّما إذا كان المذكور أخفى حكماً ، كما في المقام .

والظاهر أ نّه غفل عمّا التزم به من اختصاص مثل رواية حمّاد بن عثمان ، ع-ن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «لا يحرم العصير حتّى يغلي»(1) ، بما يغلي بنفسه(2) ، مع أ نّها بصدد بيان الضابطة والقاعدة الكلّية جزماً ، والضابطة مع ذلك الاختصاص مخلّة بالمقصود جزماً ؛ لأنّ ما غلى بالنار حرام أيضاً ، ولم يذكر فيها

ص: 322


1- تقدّمت في الصفحة 314 .
2- إفاضة القدير في أحكام العصير : 20 .

الغاية حتّى يتوهّم أ نّها بصدد بيان ما كانت غايته التخليل .

اللهمّ إلاّ أن يقول : الذي اُحصّله منها ذلك ، كما قال في عبارة الصدوق(1) ، فلا كلام لنا حينئذٍ .

وثالثاً : أ نّه لقائل أن يقول : إنّ إطلاق ذيل الصحيحة يقتضي أن يحلّ ما أصابته النار بذهاب الثلثين ولو بغير النار ، ومجرّد كون الغليان بالنار لا يوجب صرفه إلى كون التثليث بها . ولو توهّم الانصراف فهو بدوي . كما أنّ ندرة الوجود لا توجبه .

بل مقتضى إطلاق صدرها أنّ ما أصابته النار أعمّ ممّا كانت الإصابة بعد النشّ بنفسه أو لا ، وأوّل مراتب النشّ ليس بنادر في العصير الذي يتهيّأ للطبخ ، سيّما إذا كان كثيراً ، ويعصر بتدريج ، وسيّما إذا كان في المناطق الحارّة ، وليس ظهور الصحيحة في حدوث الحرمة بإصابة النار ظهوراً يدفع الإطلاق ، سيّما مع قوّة احتمال أن يكون المقصود الأصلي فيها بيان غاية التحريم .

فتكون دالّة على خلاف مدّعاه من وجهين :

أحدهما : دعواه بأنّ ما غلى بنفسه لا يحلّ ولا يطهر إلاّ بصيرورته خلاًّ ، ولا يفيده ذهاب الثلثين بالنار ، وهي دالّة على خلافها .

وثانيهما : دعواه بأنّ ما غلى بالنار لا يحلّ إلاّ بذهاب ثلثيه بها ، وهي دالّة على خلافها .

الإعضال الثالث : أ نّه قد وقع في موثّقة عمّار ما لم يهتدِ إلى وجهه وسرّه أغلب الواقفين عليها ، قال عمّار : وصف لي أبو عبداللّه علیه السلام المطبوخ كيف يطبخ

ص: 323


1- تقدّم في الصفحة 320 .

حتّى يصير حلالاً ، فقال : «تأخذ ربعاً من زبيب وتنقّيه ، ثمّ تصبّ عليه اثني عشر رطلاً من ماء ، ثمّ تنقعه ليلة ، فإذا كان أيّام الصيف وخشيت أن ينشّ جعلته في تنّور مسجور قليلاً حتّى لا ينشّ . . .» .

إلى أن قال : «ثمّ تغليه بالنار ، فلا تزال تغليه حتّى يذهب الثلثان ، ويبقى الثلث»(1) .

فإنّ هذه الفقرة ممّا تحيّر الناظر من وجهين :

أحدهما : أ نّه إذا نشّ خارج التنُّور فهو بأن ينشّ فيه أولى ، فكيف داواه بما يضاعفه ؟ !

ثانيهما : أ نّه أمره بعد ذلك بالتثليث ، فالنشيش ليس فيه محذور يخاف منه .

ولو فرض خوف فيندفع بعد الغليان والتثليث(2) .

ثمّ حلّ هذه المعضلة : بأ نّه إذا نشّ بنفسه حدث فيه الإسكار ، وبطل المقصود ؛ إذ لا بدّ من إراقته أو تخليله ، بخلاف تعجيل غليانه بالتنُّور المسجور ،

فإنّه يمنع من تسارع الفساد إليه(3) انتهى بتلخيص .

وفيه : بعد الغضّ عن تسميتها «موثّقة» مع تردّدها بين موثّقة ومرسلة(4) ،

ص: 324


1- الكافي 6 : 424 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 289 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 5 ، الحديث 2 .
2- إفاضة القدير في أحكام العصير : 18 - 19 .
3- إفاضة القدير في أحكام العصير : 22 .
4- رواها الكليني ، عن محمّد بن يحيى ، عن علي بن الحسن - أو عن رجل ، عن علي بن الحسن - بن فضّال ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدّق بن صدقة ، عن عمّار بن موسى الساباطي .

وبعد الغضّ عن أنّ ذلك بعد تسليم المقدّمات لا ينتج مقصوده ؛ لأنّ غاية ما يستفاد منها أ نّه مع النشيش بنفسه لا يحلّله التثليث ، وهو المسألة الثانية من المسألتين المتقدّمتين(1) ، وهو استدلّ بها للاُولى .

أنّ هذه الرواية لا يمكن التعويل عليها حتّى في حرمة ما ينشّ بنفسه لو لا دليل آخر ؛ ضرورة أنّ القيود الكثيرة المأخوذة فيها ، ممّا لا دخالة لها في الحلّية

تمنع عن الاستدلال بها ، فمن المحتمل قريباً أن يكون الأمر بجعله في التنُّور لئلاّ ينشّ ؛ لأجل أنّ النشيش بنفسه يوجب الفساد تكويناً ، فلا يحصل معه المقصود من تحصيل مشروب لذيذ طبّي مطبوخ له خواصّ وآثار ، لا لما ذكره من لزوم إراقته أو تخليله .

إلاّ أن يقول : الذي اُحصّله ذلك ، ولا كلام معه .

نعم ، لا إشكال في أنّ الرواية دالّة على أ نّه بعد ما عمل بدستوره ، حصل له مطبوخ حلال ، وأمّا لو نشّ فلم يصر حلالاً لإسكاره ولا يحلّ إلاّ بالتخليل ، فلا تدلّ عليه بوجه .

هذا مع أنّ هذه الفقرة غير مذكورة في روايته الاُخرى الموثّقة(2) ، مع أنّ الناظر فيهما يرى أ نّهما رواية واحدة نقلتا بالمعنى لحكاية قضيّة واحدة ، نعم ترك في الثانية ذيل الاُولى ، فلو كان النشّ موجباً لحرمته وعدم حلّيته بالتثليث ، كان عليه ذكره . إلاّ أن يقال بوقوع السقط في الثانية اشتباهاً ، أو

ص: 325


1- تقدّمت في الصفحة 304 و306 .
2- الكافي 6 : 425 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 290 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 5 ، الحديث 3 .

بتوهّم الساباطي عدم الدخالة .

وأولى بالدلالة على عدم الدخالة ما لو كانت الموثّقة رواية مستقلّة اُخرى .

الإعضال الرابع : أ نّه قد ورد في صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام

أ نّه قال : سألته عن نبيذ قد سكن غليانه ، قال : «كلّ مسكر حرام» .

وجه الإشكال : أ نّه قد دلّ الجواب - سيّما مع ترك الاستفصال - على أنّ مطلق الغليان في النبيذ يوجب إسكاره ؛ غلى بنفسه أو بالنار ، بل يدلّ على أنّ اندراجه في موضوع الجواب مفروغ عنه عند السائل ، وهو - مع مخالفته للوجدان ، وصريح رواية وفد اليمن - يشكل : بأ نّه لو كان الغليان موجباً لإسكاره ، لم يكن معنى لجعل ذهاب الثلثين محلّلاً ؛ فإنّ تسخين المسكر وتغليظه لا يزيل إسكاره(1) .

ثمّ أجاب عنه : بأنّ المراد من «الغليان» ما كان بنفسه ، فاندراجه تحت الكبرى لمّا كان مفروغاً عنه أجاب بما أجاب(2) .

وفيه : بعد إصلاح الرواية ؛ فإنّ صحيحة ابن مسلم ليست كما نقلها ، بل هي هكذا : محمّد بن مسلم ، عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن نبيذ سكن غليانه ، فقال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : كلّ مسكر حرام»(3) .

وبعد تسليم اندراج مورد السؤال في موضوع الجواب ، بل مفروغيته لدى

ص: 326


1- إفاضة القدير في أحكام العصير : 19 .
2- إفاضة القدير في أحكام العصير : 22 .
3- الكافي 6 : 418 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 357 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 25 ، الحديث 1 .

السائل ، والغضّ عن احتمال أنّ إلقاء الكبرى لأجل إفادة أنّ الحرمة دائرة مدار

السكر ، فإن كان ما وصفته مسكراً فهو حرام ، وإلاّ فلا ، كما في رواية وفد اليمن ، حيث إنّ فيها قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم - بعد توصيفهم ما صنعوا - : «يا هذا ، قد أكثرت عليّ ، أفيسكر ؟» قال : نعم ، فقال : «كلّ مسكر حرام»(1) .

أنّ مضمون الرواية غير مرتبط بدعواه التي من أجلها أسّس أساس المعضلات المتوهّمة ؛ أي مسكرية العصير إذا نشّ وغلى بنفسه ، لو لم نقل : إنّه ضدّها ، لا لأ نّها واردة في النبيذ ، وكلامنا في العصير ، بل لأنّ موضوع السؤال نبيذ سكن غليانه ، لا حدث فيه الغليان ، فلو فرض كون النبيذ الذي غلى بنفسه وبقي حتّى سكن غليانه مسكراً ، لم يثبت به مسكرية ما غلى في أوّل غليانه فيه ، فضلاً عن العصير .

بل يمكن أن يقال : إنّ عدم مسكرية ما غلى بنفسه مفروغ عنه لدى السائل ، وإنّما شبهته فيما سكن غليانه .

وهذه الصحيحة نظير جملة اُخرى من الروايات التي تمسّك بها لإثبات مدّعاه بعد عدّة مقالات ، كرواية إبراهيم بن أبي البلاد ، عن أبيه قال : كنت عند أبي جعفر علیه السلام فقلت : يا جارية ، اسقيني ماءً ، فقال لها : «اسقيه من نبيذي» فجاءت بنبيذ مَرِيس في قدح من صفر .

قلت : لكن أهل الكوفة لا يرضون بهذا ، قال : «فما نبيذهم ؟» قلت : يجعلون

ص: 327


1- الكافي 6 : 417 / 7 ؛ وسائل الشيعة 25 : 355 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 24 ، الحديث 6 .

فيه القعوة ، قال : «وما القعوة ؟» قلت : الدازي ، قال : «وما الدازي ؟» قلت : ثفل التمر يفرى به الإناء حتّى يهدر النبيذ فيغلي ، ثمّ يسكن فيشرب ، قال : «ذاك حرام»(1) .

وقريب منها رواية إبراهيم بن أبي البلاد ، عن [ ابن] الرضا علیه السلام (2) .

وفي نسخة «مرآة العقول» : «ثمّ يسكر» بدل «ثمّ يسكن»(3) فعليها تدلّ الرواية على ضدّ مقصوده ، لمكان «ثمّ» .

وكصحيحة عبد الرحمان بن الحجّاج قال : استأذنت لبعض أصحابنا على أبي عبداللّه علیه السلام فسأله عن النبيذ ، فقال : «حلال» .

فقال : إنّما سألتك عن النبيذ الذي يجعل فيه العكر ، [فيغلي] ثمّ يسكن ، فقال

أبو عبداللّه علیه السلام : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : كلّ مسكر حرام»(4) .

وفي نسخة «المرآة» : «فيغلي حتّى يسكر»(5) فعليها تدلّ على ضدّ مقصوده ؛ فإنّ الظاهر منها أ نّه يغلي إلى أن ينتهي إلى السكر ، فتدلّ على أنّ السكر بعد الغليان بمدّة .

وفي رواية وفد اليمن في وصف النبيذ : يؤخذ التمر فينبذ في إناء ، ثمّ يصبّ

ص: 328


1- الكافي 6 : 416 / 4 ؛ وسائل الشيعة 25 : 353 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 24 ، الحديث 1 .
2- الكافي 6 : 416 / 5 ؛ وسائل الشيعة 25 : 354 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 24 ، الحديث 3 .
3- مرآة العقول 22 : 277 / 4 .
4- الكافي 6 : 417 / 6 ؛ وسائل الشيعة 25 : 355 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 24 ، الحديث 5 .
5- مرآة العقول 22 : 278 / 6 .

عليه الماء حتّى يمتلي ، ثمّ يوقد تحته حتّى ينطبخ ، فإذا انطبخ أخرجوه فألقوه

في إناء آخر ، ثمّ صبّوا عليه ماءً ، ثمّ مرس ، ثمّ صفّوه بثوب ، ثمّ اُلقي في إناء ، ثمّ صبّ عليه من عكر ما كان قبله ، ثمّ هدر وغلى ، ثمّ سكن على عكره ، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «يا هذا ، قد أكثرت عليّ ، أفيسكر ؟» قال : نعم ، فقال : «كلّ مسكر حرام»(1) .

وهذه الروايات - كما ترى - تدلّ على أنّ النبيذ بعد العلاج وإلقاء العكر فيه والغليان والسكون بعده ، صار مسكراً ، فتدلّ على أنّ الإسكار إنّما هو بعد تلك المقدّمات لا بمجرّده ، فتكون دالّة على ضدّ مقصوده .

ولو منعت دلالتها على ذلك فلا شبهة في عدم دلالتها - بل ولا إشعارها - بحصول السكر بمجرّد الغليان . لكن صاحب الرسالة لا يبالي بعدم الدلالة ؛ حتّى استدلّ بها على حصول السكر بمجرّده .

كما استدلّ عليه بروايات اُخر نظيرها في عدم الدلالة ، كذيل رواية إبراهيم في باب تحريم العصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «ثمّ إنّ إبليس ذهب بعد وفاة آدم علیه السلام فبال في أصل الكرمة والنخلة ، فجرى الماء في عودهما ببول عدوّ اللّه ، فمن ثمّ يختمر العنب والتمر ، فحرّم اللّه على ذرّية آدم كلّ مسكر ؛ لأنّ الماء جرى ببول عدوّ اللّه في النخلة والعنب ، وصار كلّ مختمر خمراً ؛ لأنّ الماء اختمر في النخلة والكرمة من رائحة بول عدوّ اللّه»(2) .

ص: 329


1- تقدّمت تخريجها في الصفحة 327 .
2- الكافي 6 : 393 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 283 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 3 .

واستشهد لإتمام الدلالة بقول ابن الأعرابي(1) : «سمّيت الخمر خمراً ؛ لأ نّها تركت واختمرت» ، قال : «واختمارها تغيّر ريحها»(2) .

أقول : أمّا الرواية فلا دلالة لها على منظوره بوجه ؛ فإنّ صيرورة الخمر حراماً لجريان بول عدوّ اللّه في عود النخلة والكرم ، وصيرورةَ كلّ مختمر خمراً لاختمار الماء فيهما من رائحة بوله ، لا تدلّ على أنّ العصير بمجرّد غليانه بنفسه صار مسكراً أو خمراً ، وأيّ ربط بين تلك الفقرات ودعواه ؟ !

إلاّ أن يقال : إنّ رائحة الخمر إذا كانت في شيء ، تكشف عن بول عدوّ اللّه واختماره ببوله . وهو حسن لمن أراد الدعابة والمزاح . مع أنّ موافقة رائحة الخمر لرائحة العصير إذا نشّ ، غير معلومة ، بل معلومة العدم .

وأمّا التشبّث بقول ابن الأعرابي وغيره من أئمّة اللغة(3) ، فمع الغضّ عن عدم حجّية قولهم في غير المعاني اللغوية ، وذكر وجه التسمية غير داخل في فنّهم ، بل من قبيل الاجتهاد في أصل اللغة ، أنّ العبارة المنقولة عنه غير دالّة على أنّ كلّ

ما تغيّر ريحها تسمّى «خمراً» بل تدلّ على أنّ الخمر سمّيت بذلك لهذا الوجه ، والافتراق بينهما ظاهر لا يخفى .

وأمّا قوله : «اختمارها تغيّر ريحها» فإن أراد به الإخبار عن حقيقة كيمياوية ، فهو غير مسموع منه ؛ لعدم كونه داخلاً في فنّه . إلاّ أن يدّعي التجربة ، وهي كما ترى .

ص: 330


1- اُنظر الصحاح 2 : 649 .
2- إفاضة القدير في أحكام العصير : 51 .
3- راجع الصحاح 2 : 649 ؛ المصباح المنير 1 : 182 ؛ تاج العروس 3 : 188 .

هذا مضافاً إلى أنّ الظاهر من تلك العبارة أنّ الخمر سمّيت «خمراً» لأ نّها - أي الخمر - تركت واختمرت وتغيّرت حالها ، لا أنّ العصير إذا ترك وتغيّر حاله يصير خمراً ويسمّى بها ، فلعلّ مراده أنّ وجه تسمية الخمر أ نّها إذا تركت تتغيّر في ريحها . وتأويل كلامه بما يرجع إلى ما أراد المستدلّ - بلا حجّة - لا داعي له .

واستدلّ أيضاً (1) بما دلّ على حرمة ما تغيّر من العصير وغيره إذا نشّ وغلى بنفسه(2) . وأمر النبي صلی الله علیه و آله وسلم بإهراق ما تغيّر ونشّ(3) . والأمرِ بغسل الإناء الذي ينبذ فيه لكيلا يغتلم(4) . وبروايات النهي عن الانتباذ في جملة من الأواني ، أو مطلق استعمالها ، كالدباء والمزَّفَت والحَنْتَم والنَقير(5) .

وأنت خبير بما في الاستدلال بها لإثبات مسكرية ما غلى بنفسه من الوهن ؛ بعد التأمّل فيما مرّ ، والتمييز بين المسألتين المتقدّمتين ؛ أي مسألة حرمة ما نشّ

وغلى والاختلاف في غايتها ، ومسألة نجاسة العصير المغليّ التي تفرّد بالتفصيل فيها ابن حمزة كما مرّ(6) ، ومع جعل ذلك نصب عينيك ، تهتدي إلى أنّ ما تمسّك

ص: 331


1- إفاضة القدير في أحكام العصير : 50 - 63 .
2- راجع وسائل الشيعة 25 : 283 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 3 .
3- دعائم الإسلام 2 : 128 / 444 .
4- الكافي 6 : 415 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 352 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 22 ، الحديث 5 .
5- وسائل الشيعة 25 : 357 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 25 .
6- تقدّم في الصفحة 304 .

به لمدّعاه من الأخبار وكلمات الأصحاب ، إمّا مخالف لمذهبه ، أو غير مربوط به ، إلاّ بعض إشعارات في بعض الكلمات .

ولو كان الوقت متّسعاً ، والحال مقتضياً ، والمسألة مهمّة ، لسردت عليك موارد خلطه حتّى لا تغترّ بعباراته ودعاويه ، واتّضح لك وهن اعتراضاته على أئمّة الفقه ومهرة الفنّ ، واللّه العاصم .

فاتّضح ممّا مرّ عدم قيام دليل على نجاسته مطلقاً ؛ لا ما غلى بنفسه ، ولا ما غلى بغيره .

حول المراد بالاشتداد

ثمّ إنّ «الاشتداد» الواقع في كلام جملة من الأصحاب - كالمحقّق والعلاّمة(1) - إن كان المراد منه الإسكار فالتعبير ب- «الإلحاق بالمسكر» غير مناسب .

وإن كان المراد الثخانة والخثورة ، فلا دليل على اعتباره إلاّ ما احتمله الشيخ

الأعظم : «من أنّ عمدة الدليل على النجاسة لمّا كانت الموثّقة المتقدّمة المختصّة بما بعد الثخونة المحسوسة ، وفتوى المشهور المتيقّن منها ذلك ، كان الاقتصار في مخالفة الأصل عليها أولى ؛ وإن كان الإطلاق لا يخلو من قوّة»(2) انتهى .

وهو غير وجيه ؛ فإنّه على فرض كون المستند هو الموثّقة ، لا يظهر منها الاختصاص ، بل الظاهر منها ولو بالقرائن الداخلية والخارجية هو الإطلاق .

ص: 332


1- المعتبر 1 : 424 ؛ منتهى المطلب 3 : 219 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 172 .

مضافاً إلى أنّ في كونها مستندهم إشكالاً ؛ بعد كونها في مقام بيان الحكم الظاهري كما مرّ(1) ، وبعد ما قيل : «من عدم معهودية التمسّك بها إلى زمان الأسترآبادي»(2) .

ولو قيل باستنادهم إلى مثل الرضوي المتقدّم(3) ، وصحيحة عمر بن يزيد المتقدّمة(4) ، كان أولى ، ولم يظهر منهما الاختصاص :

أمّا الرضوي فظاهر .

وأمّا الصحيحة ، فلأنّ «البُخْتُج» صادق على أوّل مراتب الطبخ الحاصل بالغليان . ويحتمل أن يكون المراد به الاشتداد في الغليان وإن كان بعيداً بل غير وجيه .

وكيف كان : فبعد بطلان أصل الدعوى ، لا داعي للبحث في متفرّعاتها وقيودها .

ص: 333


1- تقدّم في الصفحة 295 - 296 .
2- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 123 ؛ إفاضة القدير في أحكام العصير : 39 .
3- تقدّم في الصفحة 302 .
4- تقدّمت في الصفحة 298 .
في طهارة عصير الزبيب

وأمّا عصير الزبيب ، فلا ينبغي الإشكال في طهارته ، وإن قلنا بنجاسة عصير العنب . بل في «الحدائق» : «الظاهر أ نّه لا خلاف في طهارته وعدم نجاسته بالغليان ؛ فإنّي لم أقف على قائل بالنجاسة هنا»(1) . وحكي ذلك عن «الذخيرة» أيضاً (2) .

لكن يظهر من بعضهم وجود قول بها (3) ، بل عن أطعمة «مجمع البرهان» : «أ نّه يظهر من «الذكرى» اختيار نجاسة عصير التمر والزبيب»(4) .

لكن في «مفتاح الكرامة» ليس لذلك في «الذكرى» عين ولا أثر ، قال : «وفي «الذكرى» - بعد أن نسب الحكم بالنجاسة إلى ابن حمزة والمحقّق في «المعتبر» ، وذكر أنّ المصنّف تردّد في «النهاية» - قال : ولم نقف لغيرهم على قول بالنجاسة(5) . نعم اختار في «الألفية» النجاسة(6)»(7) انتهى .

أقول : ولم أرَ في «الوسيلة» و«المعتبر» ما نسب إليهما . إلاّ أن يقال : إنّ العصير شامل للأقسام ، وهو غير ظاهر ، سيّما بعد معروفية اختصاصه عند

ص: 334


1- الحدائق الناضرة 5 : 125 .
2- ذخيرة المعاد : 155 / السطر 3 .
3- جامع المقاصد 1 : 162 ؛ روض الجنان 1 : 439 ؛ الدرّة النجفية : 50 .
4- مجمع الفائدة والبرهان 11 : 203 .
5- ذكرى الشيعة 1 : 115 .
6- راجع رسائل الشهيد الأوّل ، الألفية : 166 .
7- مفتاح الكرامة 2 : 31 .

الإطلاق بالعنبي وتسميةِ غيره بأسماء اُخر .

وكيف كان : فالأصل فيه الطهارة إلى قيام دليل على نجاسته .

التمسّك بالاستصحاب لإثبات النجاسة وجوابه

وربّما يتمسّك لنجاسته - بعد البناء على نجاسة العصير العنبي المغليّ - بالاستصحاب التعليقي تارة ، وبالتنجيزي اُخرى ؛ وهو استصحاب سببية غليانه للحرمة والنجاسة ، أو استصحاب ملازمته لهما (1) .

أقول : إنّ ظواهر الأدلّة المستدلّ بها لنجاسة العصير مختلفة ، ويختلف حال الاستصحاب حسب اختلاف المستند ، فإنّ ظاهر موثّقة معاوية بن عمّار(2) ، وصحيحة عمر بن يزيد(3) ، جعل الحكم التنجيزي للعصير المطبوخ ؛ لأنّ موضوع

السؤال فيهما البُخْتُج ؛ وهو العصير المطبوخ ، فقد نزّله في الموثّقة منزلة الخمر في الآثار فرضاً ، ومنها النجاسة ، فكأ نّه قال : «البُخْتُج حرام ونجس» وكذا الحال

في الصحيحة ، فإنّ الحكم فيها أيضاً تنجيزي لا تعليقي .

وأمّا ظاهر مرسلة محمّد بن الهيثم(4) ، وخبر «فقه الرضا»(5) ، بل خبر أبي بصير(6) ، المستدلّ بكلّ منها عليها ، فهو إنشاء قضايا تعليقية ؛ أي «إذا

ص: 335


1- المصابيح في الفقه : 193 (مخطوط) .
2- تقدّمت في الصفحة 294 .
3- تقدّمت في الصفحة 298 .
4- تقدّمت في الصفحة 318 .
5- تقدّم في الصفحة 319 .
6- عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام وسئل عن الطلاء فقال : «إن طبخ حتّى يذهب منه اثنان ويبقى واحد فهو حلال ، وما كان دون ذلك فليس فيه خير» . الكافي 6 : 420 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 285 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 6 .

تغيّر العصير وغلى فلا خير فيه» أو «إذا أصابته النار أو غلى من غير أن تصيبه

النار فهو خمر» فإنّ المستفاد من مثلهما جعل حكم على العصير معلّقاً على الغليان .

ولا يرجع ذلك إلى الحكم التنجيزي مطلقاً ؛ لا في الجعل ، ولا في الاعتبار ، ولا في الواقع ، لا قبل حصول المعلّق عليه ، ولا بعده ؛ لاختلاف موضوعهما اعتباراً وواقعاً ، وكذا حكمهما ؛ لأنّ المجعول في القضايا التنجيزية - أي مفاد الطائفة الاُولى - هو الحكم الفعلي المنجّز على موضوع مقيّد ؛ أي العصير المغليّ ولو تحليلاً ؛ فإنّ البُخْتُج هو العصير المغليّ أو المطبوخ ، وفي القضايا التعليقية

يكون الموضوع ذات العصير ، والغليان واسطةً ومعلّقاً عليه الحكم ، وهو أمر تعليقي يتوقّف فعليته على حصول المعلّق عليه .

فقبل حصول المعلّق عليه وبعده ، لا يفترق الموضوع ولا الحكم المجعول ؛ فإنّ القضيّة لا تنقلب عمّا هي عليها ؛ حصل المعلّق عليه ، أو لم يحصل .

نعم ، بعد حصول المعلّق عليه يصير الحكم فعلياً منجّزاً على العبد ، وحجّة عليه ، لا بانقلاب القضيّة التعليقية إلى التنجيزية ، أو انقلاب موضوعها إلى موضوع آخر ؛ فإنّه غير معقول ، فالموضوع في القضيّة التعليقية هو العصير - لا العصير المغليّ - ولو بعد حصول المعلّق عليه ، فالغليان ليس قيداً له في وعاء من الأوعية .

ص: 336

وما قرع الأسماع : «من أنّ الجهات التعليلية ترجع إلى التقي-يدية»(1) ، إنّما هو في القضايا العقلية ، لا القضايا العرفية والظواهر اللفظية ، وهو ظاهر لدى التأمّل .

ثمّ إنّ الظاهر من القضايا التعليقية ؛ هو جعل الحكم على الموضوع على تقدير وجود المعلّق عليه ، ففي المقام جعل النجاسة والحرمة على تقدير وجود الغليان ، وينتزع منه سببية الغليان لهما ، أو ملازمتهما معه .

لا أقول : لا يمكن جعل السببية أو الملازمة ثبوتاً ، بل أقول : إنّ الظاهر منها في مقام الإثبات جعل الحكم ، لا جعل السببية أو الملازمة ، فهما منتزعتان من جعل الحكم عقلاً ، لا مجعولتان شرعاً .

إذا عرفت ذلك فاعلم : أ نّه إن قلنا : بأنّ النجاسة في العصير العنبي مستفادة من القضيّة التعليقية ، فإن قلنا : بأنّ المستفاد منها هو سببية الغليان لها ، أو ملازمته

لها ، فاستصحابهما وإن كان تنجيزياً ، والسببية والملازمة شرعية ، لكن تحقّق المسبّب بتحقّق سببه - وكذا تحقّق الملازم بتحقّق صاحبه - عقلي ، فاستصحاب السببية المجعولة لعصير العنب ، لا يثبت نجاسة عصير الزبيب المغليّ إلاّ بالأصل المثبت ، وكذا استصحاب الملازمة ، فصِرف كون السببية أو الملازمة شرعية ، لا يوجب التخلّص من المثبتية .

وإن قلنا : بأنّ المستفاد منها الحكم التعليقي ، فيجري استصحابه من غير شبهة المثبتية ؛ لأنّ حصول الحكم بحصول المعلّق عليه شرعي ، فكأنّ الشارع المقدّس قال : «تعبَّدْ بأ نّه إذا وجد غليان عصير الزبيب ، وجدت النجاسة» أو

ص: 337


1- نهاية الدراية 2 : 131 ؛ بدائع الأفكار (تقريرات المحقّق العراقي) الآملي 1 : 387 ؛ مناهج الوصول 1 : 323 .

«تعبَّدْ بوجودها عند وجوده» فلا إشكال من هذه الجهة .

وكذا لو قلنا : بأنّ السببية الشرعية ليست على مثابة السببية التكوينية ، بل ترجع إلى التعبّد بوجود المسبّب عند وجود سببه ، يكون استصحابها كاستصحاب الحكم التعليقي جارياً .

في الإشكالات الواردة على الاستصحاب التعليقي

لكن قد يستشكل في الاستصحاب :

تارة : بعدم بقاء الموضوع ؛ فإنّ «العنب» و«الزبيب» عنوانان مختلفان عرفاً وعقلاً ، وكذا مصاديقهما ، ولهذا لا يمكن التمسّك بدليل حكم العنب على حكم الزبيب(1) .

وفيه : أنّ المعتبر في الاستصحاب وحدة القضيّة المتيقّنة مع القضيّة المشكوك فيها ، لا وحدة المستصحب مع موضوع الدليل الاجتهادي ، ولمّا كان الزبيب في الخارج مسبوقاً بالعنبية ، فحين كان عنباً يقال : «هذا الموجود في الخارج إذا غلى عصيره ينجس ويحرم» وذلك بالاستنتاج من كبرى كلّية اجتهادية ، وصغرى وجدانية .

فموضوع القضيّة المتيقّنة فيه ليس عنوان «العنب» الكلّي ، بل الموجود الخارجي المشار إليه ؛ لانطباق الكبرى عليه ، فإذا جفّ رطوبته لم يصر موجوداً آخر ؛ وإن صدق عليه عنوان آخر ، وسلب عنه عنوانه الأوّلي ، فالرطوبة

ص: 338


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26 : 223 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 173 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 209 .

واليبوسة فيه نظير الكبر والصغر والمرض والصحّة في الشخص الخارجي ، حيث بقيت شخصيته عرفاً وعقلاً مع تبادل العناوين والعوارض عليه ، فموضوع القضيّة المتيقّنة باقٍ مع العلم بعدم بقاء موضوع الدليل الاجتهادي .

واُخرى : بأنّ الحكم التعليقي والتقديري ليس بشيء ، ولا بدّ في الاستصحاب من ثبوت حكم وضعي أو تكليفي أو موضوع ذي حكم ، والشكّ في بقائه(1) .

وفيه : - مضافاً إلى أنّ الحكم التكليفي أو الوضعي المشروط ، أمر مجعول محقّق في وعائه ، وليس معدوماً ولا شيء - أ نّه لا يشترط في الاستصحاب كون المستصحب أمراً موجوداً ، بل ما يعتبر فيه هو فعليةُ الشكّ واليقين ، لا فعلية المتيقّن والمشكوك فيه ، وكونُ المتعلّق ذا أثر قابل للتعبّد في زمان الشكّ .

فلو تعلّق اليقين بعدم شيء ، وكان له أثر في زمان الشكّ ، يجري الاستصحاب بلا شبهة ، فضلاً عن المقام ؛ فإنّ اليقين متعلّق بقضيّة شرعية هي «أ نّه إذا نشّ العصير أو غلى يحرم» أو «إذا أصابته النار فهو خمر» وشكّ في بقائها بعد انطباقها على العنب الخارجي لأجل صيرورته زبيباً ، والتعبّد به ذو أثر في زمان الشكّ ، وهو الحكم بالنجاسة والحرمة إذا تحقّق الغليان .

وأمّا ما قيل : بأنّ معنى الاستصحاب التعليقي ؛ هو الشكّ في بقاء الحكم المرتّب على موضوع مركّب من جزءين عند فرض وجود أحد جزءيه ، وتبدّل بعض حالاته قبل فرض وجود الجزء الآخر .

ثمّ استشكل على الاستصحاب التعليقي تارة : بأنّ الحكم المرتّب على

ص: 339


1- اُنظر فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26 : 222 ؛ المناهل : 652 / السطر 31 .

الموضوع المركّب ، إنّما يكون وجوده وتقرّره بوجود الموضوع بما له من الأجزاء والشرائط ؛ لأنّ الموضوع كالعلّة للحكم ، ولا يعقل تقدّم الحكم عليه ، فلا معنى لاستصحاب ما لا وجود له .

وتارة : بأ نّه ليس للجزء الموجود من المركّب أثر إلاّ إذا انضمّ إليه الغليان ، وهذا ممّا لا شكّ فيه ، فلا معنى لاستصحابه .

وتارة : بأنّ هذه القضيّة التعليقية عقلية ؛ لأ نّها لازم جعل الحكم على الموضوع المركّب(1) .

فلا ينبغي أن يصغى إليه ؛ بعد خلطه بين القضايا التعليقية التي موضوعها نفس العناوين ، وحكمها تعليقي ، والمعلّق عليه واسطة في ثبوت الحكم للموضوع ، وبين القضايا التنجيزية التي موضوعها أمر مركّب من جزءين ؛ أي العصير ، والغليان ، وهو مبنى إشكاله الأوّل .

وأعجب منه إشكاله الثاني ، فإنّ ما لا شكّ فيه هو عصير العنب إذا ضمّ إليه الغليان ، لا عصير الزبيب .

وأعجب من ذلك إشكاله الثالث ، حيث أرجع القضايا التعليقية الواردة في الشرع إلى القضايا التنجيزية المركّبة الموضوع ، ثمّ قال : «إنّ القضيّة التعليقية لازمة عقلاً لجعل الحكم على الموضوع المركّب» .

وثالثة: بأنّ الاستصحاب التعليقي معارض دائماً باستصحاب تنجيزي(2)؛ فإنّ

ص: 340


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 463 - 469 .
2- المناهل : 653 / السطر 2 ؛ فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26 : 223 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 174 ؛ نهاية النهاية 2 : 203 .

العصير الزبيبي المغليّ ، كما هو محكوم بالنجاسة والحرمة للاستصحاب التعليقي

وبعد حصول المعلّق عليه، كذلك محكوم بالطهارة والحلّية الثابتتين له قبل الغليان.

فأجابوا عنه : بحكومة الأصل التعليقي السببي على التنجيزي المسبّبي ، وذكروا في وجهها ما لا يخلو من مناقشة أو مناقشات(1) .

والتحقيق في تقريرها أن يقال : إنّ الاستصحاب التعليقي جارٍ بلحاظ حال قبل الغليان ، والمستصحب فيه هو القضيّة التعليقية ، فإذا شكّ في بقائها يستصحب ، وأمّا مفاد القضيّة المستصحبة فهو : أنّ هذا العصير إذا غلى ينجس ويحرم ، وبعد حصول الغليان وضمّ الوجدان إلى القضيّة المستصحبة تصير النتيجة : أنّ هذا العصير نجس وحرام ، لا أنّ العصير المشكوك في نجاسته أو حرمته كذا ؛ لأنّ الاستصحاب لم يجرِ في المغليّ المشكوك فيه ، بل يجري في التعليقي بلحاظ قبل الغليان ، فيحرز الدليل الاجتهادي في ظرفه .

وأمّا استصحاب الحلّ والطهارة ، فإنّما يجري في العصير المغليّ المشكوك في حلّيته وطهارته .

فالدليل الاجتهادي المستصحب لسانه نجاسة هذا العصير إذا غلى ، وبعد الغليان ينتج نجاسة هذا العصير من غير قيد الشكّ ، ولسان استصحاب الحلّ والطهارة الجاري في المغليّ : أنّ المشكوك فيه طاهر وحلال ، فالأوّل بلسانه مقدّم على الثاني .

وهذا هو السرّ في تقدّم الأصل السببي على المسبّبي في جميع الموارد ، مثلاً

ص: 341


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26 : 223 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 174 ؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 473 - 477 .

إذا شكّ في نجاسة الثوب المغسول بما شكّ في كرّيته ، فاستصحاب الكرّية ينقّح موضوع الدليل الاجتهادي تعبّداً ، فينطبق عليه الدليل الاجتهادي ؛ أي أنّ الكرّ مطهّر لما أصابه وغسل فيه ، وليس مفاده : إذا شككت فيما غسل فيه فهو طاهر ، بخلاف مفاد استصحاب نجاسة الثوب ، فإنّ مفاده : إذا شكّ في نجاسته فهو باقٍ عليها ، فمفاد الأوّل بعد تطبيق الدليل : أنّ هذا طاهر ، ومفاد الثاني : إذا شكّ في

نجاسته فهو نجس .

وإن شئت قلت : إنّ استصحاب الكرّية في المثال ، لا يعارض استصحاب النجاسة ؛ لتعدّد موضوعهما ، وإنّما التعارض بين مفاد الدليل الاجتهادي المنطبق على المستصحب تعبّداً بعد ضمّ الوجدان ، وبين مفاد استصحاب نجاسة الثوب ، والأوّل مقدّم بلسانه على الثاني وحاكم عليه ؛ ولو كان تنقيحه ببركة التعبّد ببقاء الكرّية بالاستصحاب ، وكذا الحال في المقام ، فتدبّر واغتنم .

ورابعة : بأنّ الحكم إنّما تعلّق بالعصير ، لا بالعنب حتّى يقال ببقاء الموضوع . وهذا الإشكال يقرّر بوجهين :

أحدهما : أنّ موضوع الدليل الاجتهادي عصير العنب لا نفسه ، وهو غير باقٍ ؛ فإنّ الزبيب لمّا كان مسبوقاً بالعنبية صحّ أن يقال : «إنّ هذا الموجود كان كذا ، والآن كما كان» لكن عصيره لم يكن مسبوقاً بعصيرية العنب حتّى يجيء فيه ما ذكر ، فإسراء الحكم من عصير العنب إلى عصيره ، إسراء له من موضوع إلى موضوع مباين له في المفهوم والحقيقة والوجود(1) .

ص: 342


1- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 472 - 473 ؛ إفاضة القدير في أحكام العصير : 119 .

وفيه : أ نّه بعد فرض تعلّق الحكم بعصير العنب ، يصحّ أن يقال عليه : «إنّ عصير هذا الموجود إذا غلى يحرم وينجس» فإذا يبس وصار زبيباً يقال : «إنّ هذا الموجود كان عصيره كذا ، والآن كما كان» .

وثانيهما : أ نّه ليس للزبيب عصير ، فإنّ العنب بعد جفاف ما في جوفه من الماء صار زبيباً ، وما بقي فيه هو الجرم اللزج ، وهو ليس بعصير جزماً ، وموضوع الحكم في العنب هو عصيره لا نفسه ، فإذا صار زبيباً لا يبقى فيه ماء يعتصر ويغلي ، والماء الخارجي الذي يراق فيه لإخراج حلاوته غير العصير العنبي جزماً ، فالقضيّة المتيقّنة غير القضيّة المشكوك فيها يقيناً (1) .

وهذا الإشكال متين ، وهو الجواب عن الاستصحاب التعليقي .

هذا كلّه إذا كان المستند للنجاسة والحرمة هو القضايا التعليقية .

وأمّا إذا كان المستند لهما القضايا التنجيزية ، كقوله : «البُخْتُج خمر» أو «لا تشرب البُخْتُج من يد مستحلّ المسكر» فعدم جريان الاستصحاب واضح ؛ لأنّ الحكم التنجيزي على الموضوع المقيّد ، لا يتحقّق إلاّ بعد تحقّق موضوعه بجميع قيوده ، وقبله لا وجود له ولو بنحو الاعتبار في الخارج حتّى يشكّ في بقائه ويستصحب .

وتوهّم إجراء الاستصحاب التعليقي بتقريب : أنّ العنب كان إذا انضمّ إليه الغليان محكوماً بالحرمة والنجاسة ، فإذا صار زبيباً يستصحب الحكم التعليقي ، فاسد ؛ فإنّ هذا التعليق عقلي لا شرعي ؛ لأنّ المفروض أ نّه ليس للشارع إلاّ

ص: 343


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 173 - 174 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 209 - 210 .

حكم تنجيزي على العصير المغليّ ، فالحكم التعليقي غير مجعول ، بل من اللوازم العقلية ، وفي مثله لا يجري الاستصحاب .

مضافاً إلى ورود الإشكال الأخير - أي عدم بقاء الموضوع - عليه أيضاً .

فتحصّل ممّا ذكر عدم جريان الأصل ، وعدم الدليل على نجاسة العصير الزبيبي .

ودعوى صدق «العصير» عليه قد مرّ جوابها (1) .

هذا كلّه على فرض تسليم نجاسة عصير العنب ، وإلاّ فقد عرفت عدم نجاسته(2) ، فضلاً عن نجاسة عصير الزبيب .

في حلّية عصير الزبيب

ثمّ إنّه لا بأس بصرف الكلام إلى حكم عصير الزبيب من جهة الحرمة - وإن كان خارجاً عن محطّ البحث - لكونه محلاًّ للابتلاء .

فنقول : المشهور كما في «الحدائق» حلّيته(3) . بل في طهارة شيخنا الأعظم عن جماعة دعوى الشهرة عليه(4) . بل عن «الرياض» : «كادت تكون إجماعية»(5) .

وهي مقتضى الأصل السالم عن المعارض :

أمّا الاستصحاب فقد عرفت الكلام فيه . وأمّا غيره :

ص: 344


1- تقدّم في الصفحة 334 .
2- تقدّم في الصفحة 337 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 152 .
4- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 174 .
5- رياض المسائل 12 : 206 .
حول التمسّك برواية زيد النرسي للحرمة

فعمدة المستند للحرمة رواية زيد النرْسي في أصله قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام

عن الزبيب يدقّ ويلقى في القدر ، ثمّ يصبّ عليه الماء ، ويوقد تحته ، فقال : «لا تأكله حتّى يذهب الثلثان ، ويبقى الثلث ؛ فإنّ النار قد أصابته» .

قلت : فالزبيب كما هو في القدر ، ويصبّ عليه الماء ، ثمّ يطبخ ويصفّى عنه الماء ، فقال : «كذلك هو سواء ، إذا أدّت الحلاوة إلى الماء ، فصار حلواً بمنزلة العصير ، ثمّ نشّ من غير أن تصيبه النار فقد حرم ، وكذلك إذا أصابته النار فأغلاه فسد»(1) .

ص: 345


1- أصل زيد النرسي : 58 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 38 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 1 .
تحقيق في حجّية أصل زيد النرسي
حول محاولة العلاّمة الطباطبائي

وقد حاول العلاّمة الطباطبائي تصحيح سندها تبعاً للمجلسي رحمه الله علیه (1) واستند في ذلك :

تارة : على قول النجاشي : «له كتاب يرويه عنه جماعة» قال : «أخبرنا أحمد بن علي بن نوح السِيرافي ، قال : حدّثنا محمّد بن أحمد الصفواني ، قال : حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن زيد النرسي بكتابه»(2) .

وعلى نصّ الشيخ رواية ابن أبي عمير كتابه(3) . وعن «البحار» وغيره طريق إليه بتوسّط ابن أبي عمير(4) .

قال : «وروايته لهذا الأصل تدلّ على صحّته واعتباره والوثوق بمن رواه ؛ فإنّ المستفاد من تتبّع الحديث وكتب الرجال ، بلوغه الغاية في الثقة والعدالة والورع والضبط ، والتحذّر عن التخليط ، والرواية عن الضعفاء والمجاهيل ، ولهذا ترى أنّ

ص: 346


1- بحار الأنوار 1 : 43 .
2- رجال النجاشي : 174 / 460 .
3- الفهرست ، الطوسي : 130 / 299 .
4- بحار الأنوار 1 : 43 ؛ تهذيب الأحكام ، المشيخة 10 : 79 ؛ الفهرست ، الطوسي : 130 / 299 .

الأصحاب يسكنون إلى روايته ، ويعتمدون على مراسيله ، وقد ذكر الشيخ في «العدّة» : «أ نّه لا يروي ولا يرسل إلاّ عمّن يوثق به»(1) ، وهذا توثيق عامّ لمن روى عنه ، ولا معارض له هاهنا» .

ثمّ ذكر إجماع الكَشّي على تصحيح ما يصحّ عنه(2) ، وأجال القلم حوله(3) .

واُخرى : على قول الشيخ : «له أصل»(4) قال : «وعدّ النَرْسي من أصحاب الاُصول ، وتسمية كتابه «أصلاً» ممّا يشهد بحسن حاله واعتبار كتابه ؛ فإنّ «الأصل» في اصطلاح المحدّثين من أصحابنا بمعنى الكتاب المعتمد الذي لم ينتزع من كتاب آخر ، وليس بمعنى مطلق الكتاب ، فإنّه قد يجعل مقابلاً له فيقال : له كتاب ، وله أصل» .

ثمّ حكى الكلام المنقول عن المفيد - طاب ثراه - ب- «إنّه صنّفت الإمامية من

عهد أمير المؤمنين علیه السلام إلى عهد أبي محمّد الحسن بن علي العسكري علیه السلام

أربعمائة كتاب تسمّى : الاُصول . قال : وهذا معنى قولهم : له أصل(5) .

ومعلوم أنّ مصنّفات الإمامية فيما ذكر من المدّة ، تزيد على ذلك بكثير ، كما يشهد به تتبّع كتب الرجال ، فالأصل أخصّ من الكتاب .

ولا يكفي فيه مجرّد عدم انتزاعه من كتاب آخر وإن لم يكن معتمداً ، فإنّه

ص: 347


1- العدّة في اُصول الفقه 1 : 154 .
2- اختيار معرفة الرجال : 556 / 1050 .
3- الفوائد الرجالية ، بحر العلوم 2 : 362 - 367 .
4- الفهرست ، الطوسي : 130 / 299 .
5- اُنظر معالم العلماء : 3 .

يؤخذ في كلام الأصحاب مدحاً لصاحبه ، ووجهاً للاعتماد على ما تضمّنه ، وربّما ضعّفوا الرواية لعدم وجدان متنها في شيء من الاُصول»(1) .

وثالثة : بسكوت ابن الغضائري عن الطعن فيه ، مع طعنه في جملة من المشايخ وأجلاّء الأصحاب ، حتّى قيل : «السالم من رجال الحديث من سلم منه» . بل قال : «زيد الزَرّاد وزيد النَرْسي : رويا عن أبي عبداللّه علیه السلام

قال أبو جعفر بن بابويه : «إنّ كتابهما موضوع وضعه محمّد بن موسى السمّان» ، وغلط أبو جعفر في هذا القول ، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة من محمّد بن أبي عمير»(2) انتهى .

قال : «ولولا أنّ هذا الأصل من الاُصول المعتمدة المتلقّاة بالقبول بين الطائفة ، لما سلم من طعنه ومن غمزه ؛ على ما جرت به عادته في كتابه الموضوع لهذا الغرض»(3) .

ورابعة : بإخراج الكليني في جامعه «الكافي» الذي ذكر أ نّه قد جمع الآثار الصحيحة عن الصادقين علیهم السلام (4) روايتين عنه :

إحداهما : في باب التقبيل من كتاب الإيمان والكفر(5) .

وثانيتهما : في كتاب الصوم في باب صوم العاشوراء(6) .

ص: 348


1- الفوائد الرجالية ، بحر العلوم 2 : 367 .
2- الرجال ، ابن الغضائري : 61 - 62 / 52 و53 .
3- الفوائد الرجالية ، بحر العلوم 2 : 369 .
4- الكافي 1 : 8 .
5- الكافي 2 : 185 / 3 .
6- الكافي 4 : 147 / 6 .

وأخرج الشيخ عنه حديثاً في كتاب الوصايا من «التهذيب»(1) ، مع إيراده الرواية الأخيرة في كتابي الأخبار بإسناده عن الكليني(2) ، فلا تخلو الكتب الأربعة من أخباره(3) .

بل روى جعفر بن قولويه ، عن علي بن الحسين وغيره ، بسندهم عن النرسي(4) ، ومنه يعلم رواية علي بن بابويه والد الصدوق أصل النرسي . ويظهر منه أنّ أصل نسبة اعتقاد وضعهما إلى الصدوق تبعاً لشيخه ضعيف ، أو رجع عنه بعد ما ذكره في فهرسته(5) ، فإنّ والده - شيخ القمّي-ين وفقيههم وثقتهم والذي

خاطبه الإمام العسكري علیه السلام بقوله في توقيعه : «يا شيخي ومعتمدي . . .» - يروي الأصل المذكور ، وولده يعتقد كونه موضوعاً ؟ ! هذا ممّا لا ينبغي نسبته إليه(6) ، انتهى ملخّصاً .

وهو تفصيل ما أفاده المجلسي على ما حكي عنه تقريباً ، قال بعد نقل كلمات الجماعة في الأصلين وصاحبيهما : «أقول : وإن لم يوثّقهما أصحاب الرجال ، لكن أخذُ أكابر المحدّثين من كتابهما ، واعتمادهم عليهما حتّى الصدوق في «معاني الأخبار» وغيره ، ورواية ابن أبي عمير عنهما ، وعدّ

ص: 349


1- تهذيب الأحكام 9 : 228 / 896 .
2- تهذيب الأحكام 4 : 301 / 912 ؛ الاستبصار 2 : 135 / 443 .
3- إلى هنا تمّ كلام العلاّمة الطباطبائي ، وبقيّة الكلام من صاحب المستدرك . الفوائد الرجالية ، بحر العلوم 2 : 372 - 374 .
4- كامل الزيارات : 510 / 10 .
5- اُنظر الفهرست ، الطوسي : 130 / 299 .
6- خاتمة مستدرك الوسائل 1 :72 .

الشيخ كتابهما من الاُصول ، لعلّها تكفي لجواز الاعتماد عليهما»(1) انتهى ، ثمّ ذكر حال نسخته العتيقة .

التحقيق في أخبار أصحاب الإجماع وهو الجواب عمّا تشبّث به أوّلاً

أقول : لا بأس بصرف الكلام إلى حال ما تشبّثا به ، سيّما إجماع الكَشّي الذي هو العمدة في المقام وغيره من الموارد الكثيرة المبتلى بها .

فعن الكَشّي في حقّ فقهاء أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه علیهما السلام : «اجتمعت

العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه علیهما السلام

وانقادوا لهم بالفقه ، فقالوا : أفقه الأوّلين ستّة . . .»(2) . ثمّ ساق أسماءهم .

وفي فقهاء أصحاب أبي عبداللّه علیه السلام : «أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء ، وتصديقهم لما يقولون ، وأقرّوا لهم بالفقه . . .»(3) . ثمّ ساق أسماءهم .

وفي فقهاء أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن علیهما السلام : «اجتمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء ، وتصديقهم ، وأقرّوا لهم بالفقه والعلم . . .»(4) . ثمّ ذكر أسماءهم .

ويقع الكلام تارة : في المفهوم المراد من تلك العبارات .

ص: 350


1- بحار الأنوار 1 : 43 .
2- اختيار معرفة الرجال : 238 / 431 .
3- اختيار معرفة الرجال : 375 / 705 .
4- اختيار معرفة الرجال : 556 / 1050 .

واُخرى : حول كلمات الأصحاب ، وفهمهم المعنى المراد منها ، وحال دعوى تلقّيهم هذا الإجماع بالقبول .

المراد من تصديق أصحاب الإجماع وتصحيح ما يصحّ عنهم

أمّا الأوّل : ففيها احتمالات ، أظهرها أنّ المراد تصديقهم بما أخبروا عنه ،

وليس إخبارهم في الإخبار مع الواسطة إلاّ الإخبار عن قول الواسطة وتحديثه ، فإذا قال محمّد بن أبي عمير : «حدّثني زيد النَرْسي قال : حدّثني علي بن مَزْيَد قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام كذا» لا يكون إخبار ابن أبي عمير إلاّ بتحديث زيد . وهذا فيما ورد في الطبقة الاُولى واضح .

وكذلك الحال في الطبقتين الأخيرتين ؛ أي الإجماع على تصحيح ما يصحّ عنهم ؛ لأنّ ما يصحّ عنهم ليس متن الحديث في الإخبار مع الواسطة ؛ لو لم نقل مطلقاً . فحينئذٍ إن كان المراد من الموصول مطلق ما صحّ عنهم ، يكون لازمه قيام الإجماع على صحّة مطلق إخبارهم ؛ سواء كان مع الواسطة أو لا ، إلاّ أ نّه في الإخبار مع الواسطة لا يفيد تصديقهم وتصحيح ما صحّ عنهم بالنسبة إلى الوسائط ، فلا بدّ من ملاحظة حالهم ووثاقتهم وعدمها .

وإن كان المراد منه متن الحديث بدعوى : أنّ الصحّة والضعف من صفات المتن ولو بلحاظ سنده ، فلازمه قيام الإجماع على تصحيح الإخبار بلا واسطة ؛ فإنّ ما يصحّ عنهم من المتن هو الذي أخبروا عن نفسه ، وأمّا الإخبار مع الواسطة فليس إخبارهم عن متنه ، بل عن تحديث الغير ذلك .

وإن شئت قلت : ما صحّ عنهم الذي يجب تصحيحه ، لا بدّ وأن يكون الإخبار

ص: 351

عن واقع حتّى يجوز فيه الصدق والكذب ، والتصحيح وعدمه ، فإذا قال ابن أبي عمير : «حدّثني النرسي قال : حدّثني علي بن مَزْيَد : قال الصادق علیه السلام

كذا» فما أخبر به ابن أبي عمير ويصحّ أن يكون كاذباً فيه وصادقاً ويمكن الحكم بصحّته والإجماع على تصحيحه ، هو إخباره بأنّ زيداً حدّثني ، وأمّا قول النرسي وعلي بن مَزْيَد وكذا قول الصادق علیه السلام فليس من إخباره ، ولهذا لو كان إخبار النرسي أو علي بن مَزْيَد كاذباً لا يكون ابن أبي عمير كاذباً ، وليس ذلك إلاّ لعدم إخباره به ، وصحّة سلبه عنه .

وهو واضح جدّاً ، فهل ترى من نفسك لزوم تصديق الجماعة حتّى فيما لا يقولون ، بل قالوا : «إنّا لم نقله» ؟ ! فإذا كذب علي بن مزيد مثلاً على الصادق علیه السلام ونقل ابن أبي عمير قوله ، ثمّ قيل له : «لِمَ كذبت على الصادق علیه السلام ؟» يصحّ له أن يقول : «إنّي لم أكذب عليه ، بل نقلت عن زيد ، وهو عن علي بن مزيد ، وهو كاذب ، لا أنا ، ولا زيد» وإنّما كرّرنا هذا الأمر الواضح لما هو مورد الاشتباه كثيراً .

فما قد يقال في ردّ هذا الاحتمال : «من أ نّه لا يخفى ما فيه من الركاكة ؛ خصوصاً بالنسبة إلى هؤلاء الأعلام ، ولو كان المراد ما ذكر اكتفي بقوله : «أجمعت العصابة على تصديقهم» بل هنا دقيقة اُخرى : وهي أنّ الصحّة والضعف من أوصاف متن الحديث ، تعرضه باعتبار اختلاف حالات رجال السند»(1) .

لا

يخفى ما فيه من الغفلة عن أنّ ذلك من قبيل الفرار من المطر إلى الميزاب ،

ص: 352


1- خاتمة مستدرك الوسائل 7 : 23 .

فإنّه يلزم منه عدم قيام الإجماع على تصديقهم في الإخبار مع الواسطة ؛ حتّى بالنسبة إلى تحديث الوسائط ، إلاّ بدعوى تنقيح المناط . نعم لازم تصديقهم وثاقتهم وصداقتهم في النقل ، وهو واضح .

وأمّا دعوى ركاكة دعوى الإجماع على صِرْف تصديقهم ، سيّما في هؤلاء العظماء ، ففيها أ نّه إذا قام الإجماع على تصديق هؤلاء ، فأيّة ركاكة في نقله ؟ ! كما لا ركاكة في نقل الإجماع على فقاهتهم والإقرار لهم بالعلم ، كما نقله أيضاً (1) .

ودعوى عدم اختصاص هذا الإجماع بهم(2) - بعد تسليمها - يمكن أن لا يكون عند الكَشّي ثابتاً في غيرهم .

هذا مضافاً إلى أنّ لزوم الركاكة في ظاهر لفظ ، لا يوجب جواز صرفه عن ظاهره ، وحمله على ما لا تلزم منه الركاكة كائناً ما كان .

وقوله : «لو كان المراد ذلك لاكتفى بقوله : «أجمعت العصابة على تصديقهم» .

فيه أوّلاً : اكتفى به في الطبقة الاُولى ، ومن في الطبقتين الأخيرتين ليسوا بأوثق وأورع ممّن في الاُولى ، ومن ذلك يمكن أن يقال : إنّ مراده في الجميع واحد ، وحيث لم يرد في الاُولى إلاّ تصديقهم وتوثيقهم لم يرد في غيرها إلاّ ذلك .

إلاّ أن يقال : إنّ الطبقة الاُولى لمّا لم يكن إخبارهم مع الواسطة ، لم يحتج إلى دعوى الإجماع على تصحيح ما يصحّ عنهم ، وهو كذلك نوعاً . لكن دعوى

ص: 353


1- اختيار معرفة الرجال : 556 / 1050 .
2- اُنظر خاتمة مستدرك الوسائل 7 : 25 .

الإجماع على تصديقهم لو كانت ركيكة ، كانت بالنسبة إليهم ركيكة أيضاً ، بل أشدّ ركاكة .

وثانياً : لنا أن نقول : لو كان المراد من العبارة ما ذكرتم من تصحيح الرواية مع توثيق من بعده ، لكان عليه أن يقول : «اجتمعت العصابة على وثاقة من نقل عنه واحد من هؤلاء» أو نحو ذلك من العبارات ، حتّى لا يشتبه الأمر على الناظر ، وما الداعي إلى ذكر تلك العبارة التي هي ظاهرة في خلاف المقصود ؟ !

وربّما يقال : «إنّ بناء فقهاء أصحاب الأئمّة علیهم السلام نقل فتواهم بالرواية ، فكلّ ما روى أحد هؤلاء العظماء كان مضمونها فتواه ، فكما صحّ من أصحاب الإجماع التحديث بالمعنى الذي تقدّم ، صحّ منهم الفتوى على مضمون حديثه ، ومقتضى تصديقهم وتصحيح ما صحّ عنهم ، تصديق التحديث ومضمون الحديث جميعاً ، فيتمّ المطلوب»(1) .

وفيه : - بعد تسليم ذلك ، وبعد الغضّ عن أنّ ذلك الإجماع لو ثبت ، فإنّما قام على تصديقهم في النقل لا الفتوى ، كما هو الظاهر من معقده - أنّ ما ينتج لإتمام المطلوب إثبات أنّ كلّ ما رووا موافق لفتواهم ، وهو مقطوع البطلان ؛ ضرورة وجود رواية المتعارضين من شخص واحد في مرويّاتنا ، ورواية ما هو خلاف المذهب اُصولاً أو فروعاً فيها ممّا لا يمكن مطابقتها لفتواهم .

وأمّا إثبات كون فتواهم بنحو الرواية فلا ينتج المطلوب ، فإذا علمنا أنّ بعض ما روى ابن أبي عمير مطابق لفتواه ، لا ينتج ذلك لزوم الأخذ بجميع رواياته ،

ص: 354


1- خاتمة مستدرك الوسائل 7 : 60 .

وكذا لو علمنا أنّ كلّ ما أفتى به فهو بنحو الرواية . وهذا مغالطة نشأت من إيهام الانعكاس . مع أنّ في أصل الدعوى أيضاً كلاماً .

في وجه حجّية هذا الإجماع

ثمّ إنّهم ذكروا في وجه حجّية هذا الإجماع -

بعد عدم كونه بالمعنى المصطلح - أحد الأمرين :

الأوّل : اطّلاع العصابة على احتفاف جميع الأخبار التي هي منقولة بتوسّطهم بقرائن خارجية ، يوجب الاطّلاع عليها العلم بصحّة الخبر(1) .

وهذا غير ممكن عادة ؛ ضرورة عدم حصر تلك الأخبار ، وعدم إمكان اطّلاع جميع العصابة على القرائن الموجبة لكلّ ناظر في كلّ واحد من الأخبار التي لاتحصى ، فهذا محمّد بن مسلم أحد الجماعة ، روي عن الكَشّي ، عن حَريز ، عنه أ نّه قال : «ما شجر في رأيي [ شيء] قطّ إلاّ سألت عنه أبا جعفر علیه السلام حتّى سألته عن ثلاثين ألف حديث ، وسألت أبا عبداللّه علیه السلام عن ستّة عشر ألف حديث»(2) .

والظاهر أنّ أحاديث زرارة لم تقصر عنها ؛ لو لم تكن أزيد ، ومن المحال اطّلاع جميع الأصحاب على جميع ما روى هؤلاء مع اطّلاعهم على قرائن موجبة للقطع ، بل من المحال عادة احتفاف جميع أخبارهم بالقرائن الكذائية ، فهذا ليس وجه إجماعهم ، ولا ذاك وجه حجّيته .

الثاني : اطّلاعهم على جميع مشايخ هؤلاء ومن يروون عنهم مسنداً

ص: 355


1- خاتمة مستدرك الوسائل 7 : 21 .
2- اختيار معرفة الرجال : 163 / 276 .

ومرسلاً ، والعلم بوثاقة جميعهم ، فحكموا بصحّة أحاديثهم لأجل صحّة سندها إلى المعصوم علیه السلام (1) . هذا وجه إجماعهم ، ومنه يظهر وجه حجّيته .

وهو وإن كان دون الأوّل في البطلان ، لكنّه يتلوه فيه :

أمّا أوّلاً : فلأنّ اطّلاع جميع العصابة على جميع الأفراد الذين يروي هؤلاء الجماعة عنهم بلا واسطة ومع الواسطة ، بعيد في الغاية ، بل غير ممكن عادة ، مع عدم تدوين كتب الحديث والرجال في تلك الأعصار ؛ بنحو يصل الكلّ إلى الكلّ ، وبُعْد وصول أخبار البلاد البعيدة بعضها إلى بعض . وتصوير تهيئة الأسباب جميعاً لجميعهم ، مجرّد تصوّر لا يمكن تصديقه .

وأمّا ثانياً : فلأنّ مشايخ الجماعة ومن يروون عنهم ، لم يكن كلّهم ثقاة ، بل فيهم من كان كاذباً وضّاعاً ضعيفاً لا يعتنى برواياته وبكتبه :

هذا ابن أبي عمير - وهو أشهر الطائفة في هذه الخاصّة - يروي عن يونس ابن ظَبْيان الذي قال النجاشي فيه - على ما حكي عنه - : «ضعيف جدّاً ، لا يلتفت إلى ما رواه ، كلّ كتبه تخليط»(2) . وعن ابن الغضائري : «أ نّه غالٍ وضّاع للحديث»(3) . وعن الفضل في بعض كتبه : «الكذّابون المشهورون : أبو الخطّاب ، ويونس بن ظبيان ، ويزيد الصائغ . . .»(4) إلى آخره .

وقد ورد فيه عن أبي الحسن الرضا علیه السلام اللعن البليغ(5) .

ص: 356


1- اُنظر خاتمة مستدرك الوسائل 7 : 54 - 55 ، و5 : 127 .
2- رجال النجاشي : 448 / 1210 .
3- الرجال ، ابن الغضائري : 101 / 152 .
4- اُنظر اختيار معرفة الرجال : 546 / 1033 .
5- اختيار معرفة الرجال : 363 / 673 .

وعن عبداللّه بن القاسم الحضرمي ، الذي قال فيه ابن الغضائري : «ضعيف غالٍ متهافت»(1) . وقال النجاشي : «كذّاب غالٍ يروي عن الغلاة ، لا خير فيه ، ولا يعتدّ بروايته»(2) . وقريب منه بل أزيد عن «الخلاصة»(3) .

وعن علي بن أبي حمزة البطائني ، الذي قال فيه أبو الحسن علي بن الحسن ابن فضّال - على المحكيّ - : «علي بن أبي حمزة كذّاب متّهم ملعون ، قد رويت عنه أحاديث كثيرة ، وكتبت عنه تفسير القرآن من أوّله إلى آخره ، إلاّ أ نّي لا أستحلّ أن أروي عنه حديثاً واحداً»(4) .

نعم ، عن صاحب «المعالم» أنّ ذلك في حقّ ابنه الحسن بن علي بن أبي حمزة(5).

وعن ابن الغضائري : «أ نّه - لعنه اللّه - أصل الوقف ، وأشدّ الخلق عداوة

للمولى» يعني الرضا علیه السلام (6) .

ونقل عنه نفسه : قال لي أبو الحسن موسى علیه السلام : «إنّما أنت يا علي وأصحابك أشباه الحمير»(7) .

وروى الكَشّي روايات في ذمّه :

ص: 357


1- الرجال ، ابن الغضائري : 78 / 91 .
2- رجال النجاشي : 226 / 594 .
3- خلاصة الأقوال : 370 / 9 .
4- اُنظر اختيار معرفة الرجال : 404 / 756 .
5- التحرير الطاوسي : 354 .
6- الرجال ، ابن الغضائري : 83 / 107 .
7- اختيار معرفة الرجال : 404 / 757 .

منها : ما رواه بسنده عن يونس بن عبد الرحمان قال : «مات أبو الحسن وليس من قوّامه أحد إلاّ وعنده المال الكثير ، وكان ذلك سبب وقفهم وجحودهم موته ، وكان عند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار» .

ومنها : ما رواه بسنده عن محمّد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام

حديثاً ، وفيه : وسمعته يقول في ابن أبي حمزة : «أما استبان لكم كذبه ؟ !» . . . إلى غير ذلك(1) .

والاعتذار بأنّ رواية ابن أبي عمير عنه كانت قبل وقفه ، غير مقبول ؛ لظهور ما

تقدّم وغيره في سوء حاله قبل الوقف ، وأنّ الوقف لأجل حطام الدنيا ، ولهذا لم يستحلّ علي بن الحسن بن فضّال أن يروي عنه رواية واحدة ، فلو كان قبل الوقف صحيح الرواية ، لم يستحلّ له ترك روايته ؛ بناءً على كون ذلك في حقّه كما عن ابن طاوس والعلاّمة(2) .

وعمل الطائفة برواياته لا يوجب توثيقه . مع أ نّه غير مسلّم بعد ما نقل عن المشهور عدم العمل بها (3) ، تأمّل .

وعن أبي جميلة الذي ضعّفه النجاشي(4) ، وقال ابن الغضائري والعلاّمة : «إنّه ضعيف كذّاب يصنع الحديث»(5) .

ص: 358


1- اختيار معرفة الرجال : 403 - 405 / 759 و760 و755 .
2- التحرير الطاوسي : 353 / 245 ؛ خلاصة الأقوال : 362 / 1 .
3- تنقيح المقال 2 : 262 / السطر 7 (أبواب العين) .
4- رجال النجاشي : 128 / 332 .
5- الرجال ، ابن الغضائري : 88 / 118 ؛ خلاصة الأقوال : 407 / 2 .

وعن علي بن حديد الذي قال الشيخ في محكيّ «الاستبصار» : «إنّه ضعيف جدّاً لا يعوّل على ما ينفرد بنقله»(1) . وضعّفه في محكيّ «التهذيب» أيضاً (2) .

وعن الحسين بن أحمد المِنْقَري الذي ضعّفه الشيخ والنجاشي والعلاّمة وغيرهم . . .(3) ، إلى غير ذلك(4) .

وأمّا نقله عن غير المعتمد والمجهول والمهمل ومن ضعّفه المتأخّرون -

أمثال محمّد بن ميمون التميمي(5) ، وهاشم بن حيّان(6) - فكثير يظهر للمتتبّع .

وأمّا صفوان بن يحيى ، فقد روى عن علي بن أبي حمزة ، وأبي جميلة المفضّل بن صالح المتقدّمين ، وعن محمّد بن سِنان الذي ضعّفوه(7) ، بل عن الفضل : «أ نّه من الكذّابين المشهورين»(8) وعن عبداللّه بن خِداش الذي قال فيه النجاشي : «ضعيف جدّاً»(9) . . . إلى غير ذلك .

وأمّا البَزَنْطي ، فروى عن أبي جميلة المتقدّم ، وأحمد بن زياد الخزّاز

ص: 359


1- الاستبصار 3 : 95 / 325 .
2- تهذيب الأحكام 7 : 101 / 435 .
3- رجال الطوسي : 334 / 8 ؛ رجال النجاشي : 53 / 118 ؛ خلاصة الأقوال : 338 / 2 .
4- كأبي البختري وهب بن وهب الذي قال النجاشي فيه «كان كذّاباً» ، رجال النجاشي : 430 / 1155 ؛ وراجع تهذيب الأحكام 3 : 150 / 325 .
5- رجال النجاشي : 355 / 950 ؛ خلاصة الأقوال : 402 / 48 .
6- خلاصة الأقوال : 335 / 10 ؛ تنقيح المقال 3 : 287 / السطر 26 (أبواب الهاء) .
7- اختيار معرفة الرجال : 389 / 729 ؛ رجال النجاشي : 328 / 888 ؛ الفهرست ، الطوسي : 219 / 619 .
8- اختيار معرفة الرجال : 546 / 1033 ؛ خلاصة الأقوال : 394 / 17 .
9- رجال النجاشي : 228 / 604 .

الضعيف(1) ، والحسن بن علي بن أبي حمزة الضعيف المطعون ، فعن ابن الغضائري : «أ نّه واقفي ابن واقفي ، ضعيف في نفسه ، وأبوه أوثق منه . وقال الحسن بن علي بن فضّال : إنّي لأستحيي من اللّه أن أروي عن الحسن ابن علي»(2) .

وقد مرّ أنّ ما حكي عن ابن فضّال في علي بن أبي حمزة ذهب صاحب «المعالم» إلى أ نّه في ابنه الحسن . وحكى الكَشّي عن بعضهم : «أنّ الحسن ابن علي بن أبي حمزة كذّاب»(3) .

وأمّا الحسن بن محبوب ، فروى عن أبي الجارود الضعيف جدّاً ، الوارد فيه عن الصادق علیه السلام : «أ نّه كذّاب مكذّب كافر عليه لعنة اللّه»(4) . وعن محمّد ابن سِنان أ نّه قال : «أبو الجارود لم يمت حتّى شرب المسكر ، وتولّى الكافرين»(5) .

وعن صالح بن سهل الهمداني ، الذي قال ابن الغضائري فيه : «إنّه غالٍ كذّاب وضّاع للحديث ، روى عن أبي عبداللّه علیه السلام ، لا خير فيه ولا في سائر ما رواه»(6) وقد روي أ نّه قال باُلوهية الصادق علیه السلام (7) .

ص: 360


1- خلاصة الأقوال : 319 / 1 ؛ تنقيح المقال 1 : 62 / السطر 4 .
2- الرجال ، ابن الغضائري : 51 / 33 .
3- اختيار معرفة الرجال : 552 / 1042 .
4- اختيار معرفة الرجال : 230 / 416 .
5- الفهرست ، ابن النديم : 221 ؛ تنقيح المقال 1 : 460 / السطر 1 .
6- الرجال ، ابن الغضائري : 69 / 69 .
7- اختيار معرفة الرجال : 341 / 632 .

وعن عمرو بن شمر ، الذي قال فيه النجاشي : «إنّه ضعيف جدّاً ، زيّد أحاديث في كتب جابر الجعفي»(1) .

وغيرِهم ، كعبدالعزيز العبدي ، وأبي جميلة ، ومحمّد بن سِنان ، ومقاتل ابن سليمان من الضعاف والموصوفين بالوضع(2) ، فقد حكي أ نّه قيل لأبي حنيفة : «قدم مقاتل بن سليمان» قال : «إذن يجيئك بكذب كثير»(3) فويل لمن . . .(4) .

وأمّا يونس بن عبد الرحمان ، فقد روى عن صالح بن سهل ، وعمرو بن جميع(5) ، وأبي جميلة ، ومحمّد بن سِنان ، ومحمّد بن مصادف(6) . . . إلى غير ذلك من الضعفاء .

وكذا حال غيرهم ، كرواية ابن بُكير وابن مُسْكان عن محمّد بن مصادف ، وجميل وأبان بن عثمان عن صالح بن الحكم النيلي(7) . . . إلى غير ذلك .

وأمّا روايتهم عن المجاهيل وغير الموثّقين فإلى ما شاء اللّه .

وممّا ذكرنا يظهر الجواب عن دعوى شيخ الطائفة ، قال في محكيّ «العدّة» :

«إذا كان أحد الراويين مسنِداً ، والآخر مرسِلاً ، نظر في حال المرسل ، فإن كان ممّن يعلم أ نّه لا يرسل إلاّ عن ثقة موثوق به ، فلا ترجيح لخبر غيره على

ص: 361


1- رجال النجاشي : 287 / 765 .
2- رجال النجاشي : 244 / 641 و : 128 / 332 و : 328 / 888 .
3- تنقيح المقال 3 : 244 / السطر 9 (أبواب الميم) .
4- إشارة إلى ما يقال : ويل لمن كفّره نمرود .
5- رجال النجاشي : 288 / 769 .
6- الرجال ، ابن الغضائري : 91 / 128 .
7- رجال النجاشي : 200 / 533 .

خبره ، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما رواه محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمّد بن أبي نصر - وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأ نّهم لا يروون ولا يرسلون إلاّ عمّن يوثق به - وبين ما يسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم»(1) انتهى .

فإنّ هذا الإجماع المدّعى معلّل ، ونحن إذا وجدنا خلاف ما وجدوا أو ادّعوا لا يمكننا التعويل على إجماعهم ، فضلاً عن دعواه .

وما قيل : من عدم منافاة خروج فرد أو فردين للظنّ بل الاطمئنان بالوثاقة(2) .

مدفوع : بأنّ الخارج كثير ، سيّما مع انضمام المجهول والمهمل إلى الضعيف ، ومعه كيف يمكن حصول الاطمئنان بذلك ؟ ! والظنّ لو حصل لا يغني من الحقّ شيئاً .

هذا مع عدم إحراز اتّكال أصحابنا على دعوى إجماع الكَشّي ، ولا على إجماع الشيخ .

دعوى اتّكال الأصحاب على إجماع الكشّي وجوابها

وقد يقال(3) : باتّكالهم على إجماع الكشّي ؛ فإنّ شيخ الطائفة قال في أوّل كتابه المختار من «رجال الكشّي» هذه العبارة :

«فإنّ هذه الأخبار اختصرتها من كتاب «الرجال» لأبي عمرو محمّد بن

ص: 362


1- العدّة في اُصول الفقه 1 : 154 .
2- خاتمة مستدرك الوسائل 5 : 124 .
3- خاتمة مستدرك الوسائل 7 : 12 - 14 .

عمر بن عبدالعزيز الكشّي ، واخترت ما فيها»(1) انتهى .

بدعوى ظهورها أو صراحتها في أنّ ما في الكتاب مختاره ومرضيه .

وأيضاً : عبارته المتقدّمة المحكيّة عن «العدّة» إشارة إلى الإجماع المذكور .

وأيضاً : نقل الشهيد في «الروضة» عنه : «أنّ العصابة أجمعت على تصحيح ما يصحّ عن عبداللّه بن بكير ، وأقرّوا له بالفقه والثقة»(2) .

وفيه : أنّ ما ذكر في أوّل الرجال لا إشعار فيه بكون ما فيه مختاره ؛ لو لم نقل بإشعاره بخلافه ، فضلاً عن الظهور أو الصراحة فيه ؛ فإنّ الضمير المؤنّث في قوله : «ما فيها» يرجع إلى الأخبار المذكورة قبله ، فيظهر منه أنّ مختاره بعض الأخبار التي اختصرها من كتابه ، وإلاّ لكان عليه أن يقول : «واخترناها» أو «اخترنا ما فيه» مع أنّ الاختيار في مقام التصنيف غير الارتضاء والاختيار بحسب الرأي ، كما هو ظاهر بعد التدبّر .

ثمّ إنّ «رجال الكشّي» - على ما يظهر من مختاره ومختصره - مشحون بالروايات والأحاديث ، وإنّما قال الشيخ : «إنّ هذه الأخبار اختصرتها من كتابه» وظاهره الأخبار المصطلحة ، فأيّ ربط لهذا الكلام مع ما ذكر من اختياره لدعاوي الكشّي وسائر ما في الكتاب ؟ !

مع أنّ الضرورة قائمة على عدم كون جميع ما في الكتاب الذي اختصره من «كتاب الكشّي» مرضيّاً له ؛ فإنّ فيه روايات الطعن على زرارة ومحمّد بن مسلم وأبي بصير وبُرَيْد بن معاوية من مشايخ أصحاب أبي جعفر وأبي عبداللّه علیهما السلام

ص: 363


1- اُنظر فرج المهموم : 130 - 131 .
2- الروضة البهيّة 3 : 361 .

وغيرهم ، وفيه الأخبار المتناقضة ، فهل يمكن أن تكون تلك الأخبار مختاراً له ؟ ! ولو كان كذلك لزم منه هدم إجماع الكشّي .

وأمّا عبارته المتقدّمة(1) ، فمفادها غير مفاد إجماع الكشّي ، على ما تقدّم مستقصىً مفاده(2) . إلاّ أن يقال : إنّه اتّكل على إجماعه ؛ ونقله بالمعنى ، وأخطأ في فهم المراد منه . وفيه ما فيه .

بل الظاهر عدم اعتماده على إجماع الكشّي ، وقد طعن على عبداللّه بن بكير بجواز وضعه الرواية والكذب على زرارة ؛ نصرةً لمذهبه ، في محكيّ كتاب الطلاق من «التهذيب» ، و«الاستبصار» ، قال - بعد ذكر روايته عن زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام في هدم كلّ طلاق ما قبله إذا تركت الزوجة حتّى تخرج العدّة ولو كان مائة مرّة - هذه العبارة : «هذه الرواية في طريقها ابن بكير ، وقد قدّمنا أ نّه قال حين سئل عن هذه المسألة : «هذا ممّا رزق اللّه من الرأي» ولو كان سمع ذلك لكان يقول : «نعم ، رواية زرارة» ويجوز أن يكون أسند إلى زرارة نصرةً لمذهبه لمّا رأى أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه . وقد وقع منه من اعتقاد الفطحية ما هو أعظم من ذلك»(3) انتهى .

وأنت خبير : بأنّ ما ذكره فيه لا يجتمع مع تصديقه إجماع الكشّي ؛ لما عرفت(4) أنّ لازم إجماعه وثاقة الجماعة ، أو مع من بعدهم على زعم بعضهم ،

ص: 364


1- تقدّمت في الصفحة 361 - 362 .
2- تقدّم في الصفحة 350 - 354 .
3- تهذيب الأحكام 8 : 35 ، ذيل الحديث 107 ؛ الاستبصار 3 : 276، ذيل الحديث 982 .
4- تقدّم في الصفحة 351 .

ولا يمكن دعوى احتفاف جميع رواياتهم بالقرائن الموجبة للاطمئنان أو القطع بالصدور سوى هذه الرواية من ابن بكير .

هذا مع ما يأتي من شواهد اُخر على عدم اعتماده على إجماعه .

وأمّا العبارة المحكيّة عن «الروضة»(1) - فمع عدم وجودها في كتب الشيخ ، كما قال بعض أهل التتبّع(2) ، واحتمال أن يكون النقل بالمعنى من العبارة المتقدّمة ؛ بزعم كونها إشارة إلى إجماع الكشّي ، أو زعم أنّ ما في مختصر الكشّي مختاره ومرضيّه ، ومنه دعوى الإجماع ، كما زعمها غيره(3) - فلا يمكن الاتّكال عليها في نسبة تصديق الإجماع إليه مع وجود الشواهد على خلافه ، كما مرّ ويأتي . هذا حال شيخ الطائفة .

وأمّا النجاشي - الذي هو أبو عُذْرة هذا الفنّ ، وسابق حلبته ، ومقدّم على الكلّ فيه - فلم ترَ منه إشارة ما إلى هذا الإجماع ، ولم يظهر منه أدنى اتّكال عليه ، مع شدّة حرصه على توضيح أحوال الرجال ، والفحص عن وثاقتهم ، وعنايته بنقل توثيق الثقات ، ولو كان هذا الإجماع صالحاً للاتّكال عليه لما غفل عنه ، بل لما خفي عليه إجماعهم مع تضلّعه وكثرة اطّلاعه ، وتقدّمه عليه في سعة الباع والإحاطة ، وقرب عهده منه ، فلو ثبت عنده ما ثبت عند الكشّي ، أو كان نقله معتمداً عنده ، لما صحّ منه التوقّف في أحد من الجماعة ورجالهم ، فضلاً عن تضعيف بعض رجالهم .

ص: 365


1- تقدّمت في الصفحة 363 .
2- خاتمة مستدرك الوسائل 7 : 14 .
3- خاتمة مستدرك الوسائل 7 : 12 .

فعدم التعرّض لهذا الإجماع ، وعدم توثيق بعض أصحابه ، كأبان بن عثمان وعبداللّه بن بكير(1) ، وتضعيف بعض رجالهم ، ورميه بالكذب والوضع كما تقدّم

منه(2) ، كاشف قطعي عن عدم ثبوت الإجماع عنده ، وعدم اعتنائه بنقل الكشّي ، لا لعدم اتّكاله على الإجماع المنقول بخبر الواحد ، بل لوجدان خلافه مع قربه منه ، وكان كتاب الكشّي موجوداً عنده .

قال في ترجمته : «محمّد بن عمر بن عبدالعزيز الكشّي أبو عمرو : كان ثقة عيناً ، وروى عن الضعفاء كثيراً - إلى أن قال - : له كتاب «الرجال» كثير العلم ، وفيه أغلاط كثيرة ، أخبرنا أحمد بن علي بن نوح وغيره ، عن جعفر بن محمّد ، عنه بكتابه»(3) انتهى .

سيّما مع تعرّضه في ترجمة ابن أبي عمير لسكون الأصحاب إلى مرسلاته ، فلو كان إجماعه ثابتاً ، أو كان متّكلاً عليه في ابن أبي عمير ، لأشار إليه في سائر

الرجال المشاركين له فيه ، قال في ترجمة ابن أبي عمير :

«وكان حبس في أيّام الرشيد - إلى أن قال - وقيل : «إنّ اُخته دفنت كتبه في

حال استتاره وكونه في الحبس أربع سنين ، فهلكت الكتب» وقيل : «بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت» فحدّث من حفظه وممّا سلف له في أيدي الناس ، فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله»(4) انتهى .

ص: 366


1- رجال النجاشي : 13 / 8 ، و : 222 / 581 .
2- راجع ما تقدّم في الصفحة 356 - 361 .
3- رجال النجاشي : 372 / 1018 .
4- رجال النجاشي : 326 / 887 .

وهو واضح الدلالة على أنّ الأمر ليس كما ذكره الكشّي أو نسب إليه ، بل هذا خاصّة ابن أبي عمير عنده .

نعم ، صِرْف ضياع الكتب ليس موجباً لعملهم على مراسيله ؛ لو كان السكون بمعنى العمل والاعتماد ، وفيه كلام ، بل لا بدّ من علمهم أو ثقتهم بأ نّه لا يرسل إلاّ

عن ثقة ، وهو يدلّ على أنّ مرسلاته فقط مورد اعتماد أصحابنا ، دون غيرها .

بل المتيقّن منها ما إذا أسقط الواسطة ، ورفع الحديث إلى الإمام علیه السلام لا ما

ذكره بلفظ مبهم ك- «رجل» أو «بعض أصحابنا» وكون المرسلة في تلك الأزمنة أعمّ غير واضح عندي عجالةً ، ولا بدّ من الفحص والتحقيق .

فاتّضح بما ذكر : أنّ النجاشي لم يكن مبالياً بإجماع الكشّي ، وكان يرى سكون الأصحاب إلى خصوص مرسلات ابن أبي عمير ، دون مسنداته ، ولا بمرسلات غيره ومسنداته .

وكذا لم يظهر من ابن الغضائري المعاصر لشيخ الطائفة - بل له نحو شيخوخة وتقدّم عليه - أدنى اعتماد على ذلك الإجماع ، تأمّل .

وكذا المفيد وغيره ممّن هو في عصر الكشّي أو قريب منه . وقد ضعّف القمّيون يونس بن عبد الرحمان ، وطعنوا فيه(1) ، وبهذا يظهر المناقشة في دعوى إجماع شيخ الطائفة في عبارته المتقدّمة(2) . هذا حال تلك الأعصار .

وأمّا الأعصار المتأخّرة عنها التي اشتهر هذا الإجماع فيها ، وكلّما مضى الزمان قوى الاشتهار ، فلا حجّية في شهرتهم وإجماعهم ، لا في مثل المسألة ،

ص: 367


1- رجال الطوسي : 346 / 11 .
2- تقدّم في الصفحة 361 - 362 .

ولا في المسائل الفرعية ؛ لعدم شيء عندهم غير ما عندنا .

ومع ذلك فإنّ المحقّق اختلفت كلماته ، فربّما مال إلى حجّية مرسلات ابن أبي عمير ، أو قال بها (1) ، وربّما صرّح بعدمها ، فعن موضع من «المعتبر» قال : «الجواب : الطعن في السند ؛ لمكان الإرسال ، ولو قال قائل : مراسيل ابن أبي عمير يعمل بها الأصحاب ، منعنا ذلك ؛ لأنّ في رجاله من طعن الأصحاب فيه ، فإذا أرسل احتمل أن يكون الراوي أحدهم»(2) انتهى .

هذا بالنسبة إلى ابن أبي عمير ، فما حال مرسلات غيره ، كصفوان والبَزَنْطي ، فضلاً عن غيرهما ؟ !

وعنه في زكاة المستحقّين : «أنّ في أبان بن عثمان ضعفاً»(3) . وقريب منه عن العلاّمة والفخر والمقداد والشهيد(4) .

وعن الشهيد الثاني : «أنّ ظاهر كلام الأصحاب قبول مرسلات ابن أبي عمير ؛ لأجل إحراز أ نّه لا يرسل إلاّ عن ثقة ، ودون إثباته خرط القَتَاد ، وقد نازعهم صاحب «البشرى» في ذلك ؛ ومنع تلك الدعوى»(5) انتهى .

ومع كون العلاّمة اتّكل كثيراً على الإجماع المذكور(6) ، حكى عنه فخر الدين

ص: 368


1- المعتبر 1 : 47 .
2- المعتبر 1: 165 .
3- المعتبر 2 : 580 .
4- اُنظر تنقيح المقال 1 : 7 / السطر 17 ؛ منتهى المطلب 8 : 362 ؛ إيضاح الفوائد 4 : 631 ؛ التنقيح الرائع 1 : 324 ؛ غاية المراد 1 : 259 .
5- الرعاية في علم الدراية : 138 .
6- اُنظر خاتمة مستدرك الوسائل 7 : 16 ؛ خلاصة الأقوال : 74 / 3 ، و : 107 / 24 .

قال : «سألت والدي عن أبان بن عثمان قال : الأقرب عدم قبول روايته ؛ لقوله تعالى : )إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ . . .((1) الآية ، ولا فسق أعظم من عدم الإيمان»(2) .

وردّ ابن طاوس رواية ابن بكير(3) ، وضعّفه المحقّق والفاضل المقداد والشهيد ، وطعنوا في روايات هو في سندها لأجله(4) . ويظهر من ابن طاوس نحو تردّد في جميل بن درّاج(5) . والاختلاف في الأسدي والمرادي معروف(6) .

ولم يتعرّض النجاشي لمعروف بن خَرَّبوذ ، ولم يوثّقه الشيخ(7) والعلاّمة ، وقال الثاني : «روى الكشّي فيه مدحاً وقدحاً»(8) . وقال ابن داود : «وثقته أصحّ»(9) ، وهو ظاهر أو مشعر بوجود الخلاف فيه .

وعن ابن داود في بُرَيد بن معاوية : «مدحه الكشّي ثمّ ذمّه ، ويقوى عندي أنّ ذمّه إنّما هو لإطباق العامّة على مدحه والثناء عليه، فساء ظنّ بعض أصحابنا به»(10)

ص: 369


1- الحجرات (49) : 6 .
2- ذكر ذلك الشهيد الثاني رحمه الله في تعليقته على الخلاصة . راجع رسائل الشهيد الثاني 2 : 911 .
3- التحرير الطاوسي : 561 .
4- المعتبر 1 : 210 ؛ التنقيح الرائع 1 : 105 ، و3 : 320 ؛ مسالك الأفهام 9 : 128 .
5- التحرير الطاوسي : 118 / 85 .
6- اختيار معرفة الرجال : 238 / 431 ؛ رسالة في أحوال أبي بصير ، ضمن الجوامع الفقهية : 64 .
7- رجال الطوسي : 311 / 644 .
8- خلاصة الأقوال : 278 / 10 .
9- رجال ابن داود : 190 / 1576 .
10- رجال ابن داود : 233 / 72 .

وهو ظاهر في أنّ الذامّ غير منحصر بالكشّي .

هذا حال أصحاب الإجماع ، وقد تقدّم حال جملة من رجالهم ومشايخهم ، وعليك بالفحص في حال سائرهم حتّى يتّضح لك حال إجماع الكشّي والشيخ . هذا شطر من الكلام في أوّل ما تشبّث به الطباطبائي في إصلاح حال النَرْسي وكتابه .

المراد من «الأصل» و«الكتاب» وهو الجواب عمّا تشبّث به ثانياً

وأمّا ما تشبّث به ثانياً من أ نّه ذو أصل(1) ، وهو في اصطلاح المحدّثين من أصحابنا بمعنى الكتاب المعتمد الذي لم ينتزع من كتاب آخر . . . إلى آخر ما تقدّم منه ، فهو ينحلّ إلى دعويين ، أو دعاوٍ ثلاث إن حاول به إصلاح حال النرسي الراوي له :

الدعوى الاُولى : أنّ الأصل عبارة عن كتاب معتمد ، لا مطلق الكتاب .

ويرد عليها أوّلاً : أ نّه لا مستند له في ذلك من قول متقدّمي أصحابنا إلاّ قول المفيد المتقدّم(2) ؛ أي انحصار الاُصول بالأربعمائة ، مع كون الكتب أكثر من ذلك ، وأنت خبير بأنّ مجرّد ذلك لا يدلّ على مطلوبه ، بل يدلّ على أخصّية الأصل من الكتاب ، فيمكن أن يكون الأصل عبارة عن كتاب جامع لعدّة كتب يكون نسبته إليها كنسبة كتاب «الشرائع» إلى كتاب الطهارة والصلاة . . . إلى الديات ، فتكون تلك الكتب متفرّعة عن الكتاب الأصل ، وعددها أكثر من الأصل بكثير .

ص: 370


1- تقدّم في الصفحة 347 .
2- تقدّم في الصفحة 347 .

ويمكن أن يكون الأصل كتاباً غير مأخوذ من كتاب آخر من غير قيد الاعتماد فيه ، والكتاب أعمّ منه ، ولا دليل على أكثرية الكتب بلا واسطة من أربعمائة ، سيّما إذا قلنا : بأنّ الأصل عبارة عن مجموع كتب غير مأخوذ من آخر ؛ أي أخذنا فيه القيدين ، وسيجيء احتمال أقرب منها ، فانتظر(1) . وبالجملة دليله أعمّ .

وثانياً : يظهر من التصفّح في كتب الرجال خلاف ما أفاده ؛ لأنّ جعل الاصطلاح - على فرضه - لا يمكن أن يكون لمحض التفنّن لغواً - والعياذ باللّه

- سيّما من مثل هؤلاء الأعاظم ، بل لا بدّ أن يكون لتمييز من تأخّر منهم الكتبَ المعتمدة من غيرها ، فحينئذٍ كان عليهم التصريح به في كتبهم الموضوعة في الرجال والحديث ، مع عدم نقله منهم ، وعدم تصريح أو إشارة إليه فيها ، وإلاّ لما اختلفت كلمة المتأخّرين في معنى الأصل هذا الاختلاف ، ولكان عليهم عدّ جميع الكتب التي بهذه الخاصّية أصلاً .

مع أ نّه خلاف ما نجد في الفهارس وكتب الرجال ؛ لعدم إطلاقهم «الأصل» على كتب أصحاب الإجماع في جميع الطبقات غير «كتاب جميل بن درّاج» فإنّ الشيخ قال : «له أصل»(2) وأثبت النجاشي له كتاباً وأصلاً(3) ، وغي-ر أبان بن عثمان ، فأثبت الشيخ له أصلاً(4) ، وقال النجاشي : «له كتاب»(5) .

ص: 371


1- يأتي في الصفحة 380 - 381 .
2- الفهرست ، الطوسي : 94 / 154 .
3- رجال النجاشي : 126 / 328 .
4- الفهرست ، الطوسي : 59 / 62 .
5- رجال النجاشي : 13 / 8 .

وكذا لا يطلقون «الأصل» على نوع كتب أصحاب الأئمّة أكابرهم وغيرهم ، وإنّما أطلق النجاشي على كتب معدودة منهم لعلّها لم تتجاوز عدد الأصابع(1) .

والشيخ وإن أطلقه على كتب جمع منهم كثيراً نسبةً ، لكن نسبته إلى ما لا يطلق عليه - بل اُطلق «الكتاب» عليه - كنسبة القطرة إلى البحر ، فممّن لم يذكر له أصل من كبار أصحاب الأئمّة - غير من تقدّم من أصحاب الإجماع - أبو بصير ليث المرادي ، والحسن بن علي بن فضّال ، وفضالة بن أيّوب ، وعثمان ابن عيسى - وهؤلاء من أصحاب الإجماع على نقل بعضهم(2) - وجعفر بن بشير ، وصفوان الجمّال ، وعبد الرحمان بن الحجّاج ، وعبّاس بن معروف ، وعبد الرحمان بن أبي نجران ، وعبداللّه بن سِنان ، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، وعلي بن الحسن بن فضّال ، ومحمّد الحلبي ، وعبيداللّه الحلبي ، وعمّار بن موسى الساباطي ، وعلي بن النعمان ، والحسن بن موسى الخشّاب ، وحَريز بن عبداللّه ، وسعد بن سعد ، وعلي بن يقطين ، والصفّار ، والحِمْيري . . . إلى

غير ذلك من المشايخ وأصحاب الكتب المتعدّدة والاُصول المعوّل عليها ممّن يطول ذكرهم ، كثعلبة بن ميمون ، ومعاوية بن وهب ، ومعاوية بن عمّار ، ومعاوية ابن حكيم ، والحسين بن سعيد ، وسعد بن عبداللّه وغيرهم .

فهل ترى من نفسك أنّ هؤلاء المشايخ اصطلحوا على أنّ الأصل الكتاب المعتمد ، ثمّ لم يعدّوا كتب جميع المشايخ والأصحاب - مع كونها معتمدة - في الاُصول إلاّ نادراً منها ، فما عذر هذا الإغراء بالجهل ؟ !

ص: 372


1- رجال النجاشي : 51 / 113 ، و : 104 / 260 و261 ، و : 106 / 267 .
2- اختيار معرفة الرجال : 238 / 431 ، و : 556 / 1050 .

وثالثاً : ربّما اُطلق «الأصل» على كتب غير معتمدة من قوم ضعاف بتصريح منهم :

كالحسن بن صالح بن حيّ . قال الشيخ : «إنّه زيدي ، إليه تنسب الصالحية منهم»(1) ، وعن «التهذيب» : «أ نّه زيدي بتري ، متروك العمل بما يختصّ بروايته»(2) ، ومع ذلك قال في «الفهرست» : «الحسن الرباطي له أصل ، والحسن بن صالح بن حيّ له أصل»(3) ، والرباطي أيضاً غير موثّق ، و«سعيد الأعرج له أصل»(4) . وقال العلاّمة : «لا حجّة في روايته»(5) .

وزكريّا بن مؤمن عدّه الشيخ في ترجمة أحمد بن الحسين المفلّس من صاحب الاُصول(6) ، وقال النجاشي : «حكي عنه ما يدلّ على أ نّه كان واقفاً ، وكان مختلط الأمر في حديثه»(7) .

وقال الشيخ في أحمد بن عمر الحلاّل : «إنّه كوفي رديء الأصل ثقة»(8) . وتوقّف العلاّمة في قبول روايته لقوله هذا (9) .

ص: 373


1- رجال الطوسي : 130 / 6 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 408 ، ذيل الحديث 1282 .
3- الفهرست ، الطوسي : 100 / 175 و176 .
4- الفهرست، الطوسي : 137 / 2 .
5- مختلف الشيعة 8 : 347 .
6- رجال الطوسي : 409 / 26 .
7- رجال النجاشي : 172 / 453 .
8- رجال الطوسي : 352 / 19 .
9- خلاصة الأقوال : 62 / 4 .

والغرض من ذكره : أنّ الأصل لو كان بحسب اصطلاحهم الكتاب المعتمد ، لم يتوقّف العلاّمة في ذلك ، بل كان يحمل «رديء الأصل» على محامل اُخر .

وأثبت الشيخ الأصل لجماعة اُخر من الضعاف ، أو غير الموثّقين ، كعلي بن أبي حمزة ، وسفيان بن صالح(1) ، وعلي بن بُزُرْج(2) ، وشهاب بن عبد ربّه(3) ، وعبداللّه بن سليمان(4) ، وسعدان بن مسلم ، وزيد الزرّاد ، وزيد النَرْسي ، وإبراهيم ابن عمر اليماني ، وإبراهيم بن يحيى(5) . . . إلى غير ذلك ممّن يطلع عليه المتتبّع ، فهل تكون كتب تلك الجماعة المتقدّمة غير معتبرة عندهم ، دون هذه الجماعة من الضعفاء والمردودين ، أو اصطلحوا على أمر ، وخالفوه في غالب الموارد ؟ !

اللهمّ لا ، ولكن . . .

وأيضاً : بعض تعابيرهم تشعر أو تدلّ على خلاف هذه الدعوى ، كقول الشيخ في الساباطي : «له أصل ، وكان فطحياً ، إلاّ أ نّه ثقة ، وأصله معتمد عليه»(6) .

وكالمحكيّ عن الشيخ البهائي في «مشرق الشمسين» في الاُمور الموجبة لحكم القدماء بصحّة الحديث : «منها : وجوده في كثير من الاُصول الأربعمائة المشهورة ، أو تكرّره في أصل أو أصلين منها بأسانيد مختلفة متعدّدة ، أو وجوده

ص: 374


1- الفهرست ، الطوسي : 161 / 418 ، و : 143 / 344 .
2- رجال الطوسي : 430 / 20 .
3- الفهرست ، الطوسي : 145 / 355 .
4- لم نعثر عليه في كتب الشيخ ، ولكنّ النجاشي أثبت «الأصل» له ، رجال النجاشي : 225 / 592 .
5- الفهرست ، الطوسي : 140 / 336 ، و : 130 / 300 و299 ، و : 43 / 20 ، و : 44 / 23 .
6- الفهرست ، الطوسي : 54 / 52 .

في أصل رجل واحد من أصحاب الإجماع»(1) انتهى .

ولو كان الأصل هو الكتاب المعتمد عليه ، لكان وجوده في أصل واحد من أيّ شخص موجباً للحكم بالصحّة ؛ وإن كان في كلام البهائي كلام من جهة اُخرى .

وكالمحكيّ عن «رواشح المحقّق الداماد» : «وليعلم : أنّ الأخذ من الاُصول المصحّحة المعتمدة أحد أركان تصحيح الرواية»(2) .

وأنت خبير : بأنّ التقييد ب- «المصحّحة المعتمدة» مع كون الأصل الكتاب المعتمد ، بشيع مخلّ بالمقصود .

الدعوى الثانية : أنّ الأصل هو الكتاب الذي لم ينتزع من كتاب .

وفيها أوّلاً : - مضافاً إلى أ نّه على فرض صحّتها ، لا تنتج المدّعى إلاّ مع ضمّ الدعوى الاُولى إليها ، وقد عرفت ما فيها (3) - أ نّها مجرّد دعوى خالية عن البيّنة . وكون كتب أصحابنا أكثر من الاُصول المنحصرة بالأربعمائة ، أعمّ من مدّعاه ، كما مرّ في دعواه الاُولى(4) .

وقد يقال : إنّ الأصل بمعناه اللغوي ، وهو مقابل الفرع ، فإن كان الكتاب مأخوذاً من كتاب آخر يكون ذلك فرع ما اُخذ منه ، وهو أصله(5) .

ص: 375


1- مشرق الشمسين : 26 - 27 .
2- الرواشح السماوية : 161 .
3- تقدّم في الصفحة 370 .
4- تقدّم في الصفحة 370 .
5- مقباس الهداية 3 : 26 ؛ الذريعة إلى تصانيف الشيعة 2 : 125 .

وفيه : - مضافاً إلى أ نّه أيضاً دعوى بلا بيّنة ، والتمسّك بأصالة عدم النقل كما ترى - أ نّه أعمّ من المدّعى ؛ لصحّة أن يقال لكتاب كبير مشتمل على كتب كثيرة - ككتاب الشرائع المشتمل على عدّة كتب - : «إنّ هذه فروع ، وذاك أصل» .

بل يصحّ إطلاق «الأصل» حقيقةً على كتاب مشتمل على أخبار اُصول الدين والمذهب ، ككتاب التوحيد والإمامة ، مقابل كتب الفروع .

كما يصحّ إطلاق «الأصل» أو «الاُصول» على مطلق كتب الأخبار في مقابل كتب الفروع المستنبطة منها ، كالكتب الفقهية ، كما يظهر من البهائي(1) .

وثانياً : أنّ المحدّثين أطلقوا «الأصل» على كتاب منتزع من كتب آخر : قال الشيخ البهائي في «الوجيزة» - بعد ذكر الاُصول الأربعمائة - : «ثمّ تصدّى جماعة من المتأخّرين - شكر اللّه سعيهم - لجمع تلك الكتب وترتيبها تقليلاً للانتشار ، وتسهيلاً على طالبي تلك الأخبار ، فأ لّفوا كتباً مبسوطة مبوّبة ، واُصولاً مضبوطة مهذّبة ، مشتملة على الأسانيد المتّصلة بأصحاب العصمة سلام اللّه عليهم ، ك- «الكافي» وكتاب «من لا يحضره الفقيه» و«التهذيب» و«الاستبصار» و«مدينة العلم» و«الخصال» و«الأمالي» و«عيون أخبار الرضا» وغيرها ، والاُصول الأربعة الاُوَل هي التي عليها المدار في هذه الأعصار» .

إلى أن قال : «فجمعت في كتاب «الحبل المتين» خلاصة ما تضمّنه الاُصول الأربعة من الأحاديث الصحاح والحسان والموثّقات التي منها تستنبط اُمّهات الأحكام الفقهية ، وإليها تردّ مهمّات المطالب الفرعية»(2) انتهى .

ص: 376


1- الوجيزة ، ضمن الحبل المتين : 6 / السطر 27 .
2- نفس المصدر .

وظاهره أنّ الاُصول عبارة عن كتب الأخبار مطلقاً ، مقابل الفروع التي هي الكتب المشتملة على ما يستنبط منها مثل الكتب الفقهية .

وقد تكرّر من المحدّث الكاشاني إطلاق «الاُصول» على الكتب الأربعة في مقدّمات «الوافي»(1) . وقال المحدّث المجلسي في أوّل «مرآة العقول» : «إنّ «الكافي» أضبط الاُصول وأجمعها»(2) . وعن السيّد الجزائري : «أنّ هذه الاُصول الأربعة لم تستوفِ الأحكام»(3) .

وقال شيخ الطائفة في ترجمة أحمد بن محمّد بن زيد : «إنّه لم يروِ عنهم» وقال : «روى عنه حُمَيْد اُصولاً كثيرة»(4) .

وعدّ أحمد بن محمّد بن عمّار في باب من لم يروِ عنهم(5) ، ومع ذلك قال في «الفهرست» : «إنّه كثير الحديث والاُصول ، وصنّف كتباً . . . وعن الحسين بن عبيداللّه : أ نّه مات سنة ستّ وأربعين وثلاثمائة»(6) .

وعدّ علي بن بُزُرْج ممّن لم يروِ عنهم ، وقال : «روى عنه حُمَيْد كتباً كثيرة من الاُصول»(7) .

ومن البعيد جدّاً -

لو لم نقل : مقطوع الخلاف - أن تكون تلك الاُصول الكثيرة

ص: 377


1- الوافي 1 : 4 و28 و29 .
2- مرآة العقول 1 : 3 .
3- اُنظر الحدائق الناضرة 1 : 25 .
4- رجال الطوسي : 408 / 23 .
5- رجال الطوسي : 416 / 98 .
6- الفهرست ، الطوسي : 75 / 88 .
7- رجال الطوسي : 430 / 20 .

من الجماعة ، رواياتٍ بلا واسطة ، أو مع الواسطة سماعاً ، لا من كتاب مدوّن

قبلهم ، مع شدّة حرص أصحابنا على ضبط أخبار الأئمّة علیهم السلام وكتابتها .

واحتمال أن لا تكون تلك الاُصول من الجماعة بل من غيرهم ، في غاية البعد ، بل كخلاف الصريح في مثل قوله : «كثير الحديث والاُصول» .

مضافاً إلى أنّ عدمَ إنهاء الكتب والاُصول إلى صاحبها والروايةَ عن الواسطة ، خلاف المعهود بينهم والمتعارف ، كما لا يخفى ، وعليه يمكن الاستدلال لضدّ مطلوبهم بكلّ من كان كذلك ، ك- [ عبيداللّه بن] أحمد بن نَهِيك وعلي بن إبراهيم الخيّاط وغيرهما ممّن لم يرووا عنهم ، وروي عنهم اُصول أو أصل(1) .

فتحصّل من جميع ما تقدّم : عدم وجاهة دعوييه ، بل دعاويه الثلاث لو حاول إثبات وثاقة النرسي أو حسنه .

تحقيق في المراد من الأصل

ثمّ بعد ما لم يثبت كون الأصل في اصطلاح متقدّمي أصحابنا بمعنى الكتاب المعتمد المعوّل عليه أو ثبت خلافه ، لا نتيجة معتدّ بها في التحقيق عن مرادهم من «كون الرجل ذا أصل» أو «له اُصول» لكن لمّا بلغ الكلام إلى هذا المجال ، لا بأس بالإشارة إلى احتمالين منقدحين في ذهني القاصر :

أحدهما : الذي انقدح في ذهني لأجل بعض التعبيرات والقرائن ؛ من أ نّه عبارة عن كتاب معدّ لتدوين ما هو مرتبط باُصول الدين أو المذهب ، كالإمامة والعصمة والبداء والرجعة وبطلان الجبر والتفويض . . . إلى غير ذلك من المطالب الكثيرة

ص: 378


1- رجال الطوسي : 430 / 19 و21 ، و : 408 / 21 و24 .

الأصلية التي كان التصنيف فيها متعارفاً في تلك الأزمنة ، كما يظهر من الفهارس

والتراجم ، والكتاب أعمّ منه .

والذي أوقعني في هذا الاحتمال إثباتهم الأصل لكثير من أصحابنا المتكلّمين ، كهشام بن الحكم وهشام بن سالم وجميل بن درّاج وسعيد ابن غزوان الذي يظهر من ترجمته أ نّه أيضاً منهم(1) ؛ روى الكشّي بإسناده عن جعفر بن حكيم الخَثْعَمي قال : «اجتمع هشام بن سالم وهشام بن الحكم وجميل بن درّاج وعبد الرحمان بن الحجّاج ومحمّد بن حُمْران وسعيد بن غزوان ونحو من خمسة عشر رجلاً من أصحابنا ، فسألوا هشام بن الحكم أن يناظر هشام بن سالم فيما اختلفوا فيه من التوحيد وصفة اللّه عزّ وجلّ ؛ لينظروا أيّهما أقوى»(2) .

ويؤيّد هذا الاحتمال قول الشيخ في «الفهرست» في ترجمة أبي منصور الصرّام : «إنّه من جملة المتكلّمين من أهل نيسابور ، وكان رئيساً مقدّماً ، وله كتب

كثيرة : منها كتاب في الاُصول سمّاه : بيان الدين»(3) .

وقال في ترجمة هشام بن الحكم : «له مباحث كثيرة مع المخالفين في الاُصول وغيرها ، وله أصل»(4) .

وعن منتجب الدين في ترجمة أبي الخير بركة بن محمّد : «أ نّه فقيه ديّن ، قرأ

ص: 379


1- راجع الفهرست، الطوسي: 257 / 782، و 258 / 783، و: 94 / 154، و: 138 / 324.
2- اختيار معرفة الرجال : 279 / 500 .
3- الفهرست ، الطوسي : 277 / 876 .
4- الفهرست ، الطوسي : 258 / 783 .

على شيخنا أبي جعفر الطوسي ، وله كتاب «حقائق الإيمان» في الاُصول وكتاب «الحجج» في الإمامة(1) . . . إلى غير ذلك من التعبيرات .

ثانيهما : ثمّ عدلت عن هذا الاحتمال ، وقوي في نفسي احتمال آخر لعلّ المنصف يجزم به بعد الفحص الأكيد ؛ وهو أنّ لأصحابنا - كما يظهر من كلماتهم - تعبيراتٍ عن مؤلّفات أصحاب الكتب ، فقد يعبّر عنها ب- «الكتاب» فيقال : «لفلان كتاب» أو «له كتب» وهو أكثر تداولاً وإطلاقاً .

وقد يعبّر ب- «الأصل» فيقال : «له أصل» أو «له اُصول» كما مرّ(2) ، وهو أقلّ تداولاً .

وقد يعبّر ب- «المصنَّف» فيقال : «له مصنّفات» أو «له من المصنّفات كتاب كذا» .

وقد يعبّر ب- «النوادر» وقد يقال : «له روايات» أو «أخبار» .

كما أنّ لأصحاب الأئمّة علیهم السلام ومن بعدهم وغيرهم كتباً مختلفة ؛ فربّما كان الكتاب ممحّضاً في نقل الرواية لا غيرها . وربّما كان لمقصد آخر ، كالتأريخ والأدب والرجال والتفسير وإثبات المعراج والرجعة والبداء . . . إلى غير ذلك ممّا شاع تصنيفها في تلك الأعصار ، كما يظهر بأدنى مراجعة إلى تراجمهم ، وتلك المصنّفات وإن عملت لأجل إثبات مقصد ، لكنّها كانت مشحونة بالآيات والروايات ، وكان مصنّفوها استشهدوا بها كثيراً .

إذا عرفت ذلك نقول : إنّ الظاهر المقطوع به أنّ الكتاب أعمّ من المصنّفات والاُصول ، وهما قسمان منه ، وكلٌّ قسيم الآخر .

ص: 380


1- الفهرست ، منتجب الدين : 42 / 54 .
2- تقدّم في الصفحة 373 - 374 و378 .

والظاهر أنّ الأصل : عبارة عن كتاب معمول لنقل الحديث ؛ سواء كان مسموعاً عن الإمام علیه السلام بلا واسطة أو معها ، وسواء كان مأخوذاً من كتاب وأصل آخر أو لا . ولا يبعد أن يكون غالب استعماله فيما لم يؤخذ من كتاب آخر .

والمصنَّف : عبارة عن كتاب معمول لأجل مقصد ممّا تقدّم ؛ وإن اُطلق أحياناً على مطلق الكتاب .

والشاهد على ما ذكرناه ما عن الشيخ في «الفهرست» قال : «إنّي رأيت جماعة من أصحابنا من شيوخ طائفتنا من أصحاب التصانيف ، عملوا فهرست كتب أصحابنا ، وما صنّفوه من التصانيف ، ورووه من الاُصول ، فلم أجد أحداً استوفى ذلك إلاّ أحمد بن الحسين الغضائري ، فإنّه عمل كتابين ؛ أحدهما : ذكر فيه المصنّفات ، والآخر : فيه الاُصول»(1) انتهى .

وهذا - كما ترى - ظاهر الدلالة في أنّ الكتاب أعمّ من التصانيف والاُصول ، وهما متقابلان .

بل يمكن أن يقال : إنّ ظاهر قوله : «ما صنّفوه من التصانيف ، ورووه من الاُصول» أنّ كلمة «من» في الفقرتين بيانية ، فتدلّ على أنّ مطلق كتب الرواية أصل .

ويشهد له أيضاً ما قال في ترجمة أبان بن عثمان : «وما عرفت من مصنّفاته إلاّ كتابه الذي يجمع المبدأ والمبعث والمغازي والوفاة والسقيفة والردّة . . .» . ثمّ

ذكر طرقه إليه ، ثمّ أنهى طريقه إلى أصل له إلى محسن بن أحمد وابن أبي نصر(2) .

ص: 381


1- الفهرست ، الطوسي : 31 .
2- الفهرست ، الطوسي : 59 / 62 .

فترى كيف جعل المعروف من مصنّفاته منحصراً في كتابه الكذائي ، وأثبت له أصلاً ، وأنهى طريقه إليه . وفيه شهادة على مقابلة التصنيف بالأصل ، وعلى سنخ الكتب المصنّفة .

وعنه في ترجمة هشام بن الحكم : «كانت له مباحث كثيرة مع المخالفين في الاُصول وغيرها ، وكان له أصل أخبرنا به جماعة - إلى أن قال - وله من المصنّفات كتب كثيرة» ثمّ عدّ ثمانية وعشرين كتاباً (1) انتهى .

ومع الأسف ، ليس عندي «فهرست الشيخ» حتّى أنظر في تلك الكتب ، وإنّما أنقل عنه بواسطة . وعلى أيّ حال يظهر منه مقابلة المصنّف بالاُصول .

وعنه في ترجمة أحمد بن محمّد بن عمّار : «أ نّه كثير الحديث والاُصول ، وصنّف كتباً : منها كتاب «أخبار آل النبي وفضائلهم» و«إيمان أبي طالب علیه السلام » وكتاب «المبيِّضة»(2) وهي - على ما حكي - الفرقة المخالفة لبني العبّاس في البيعة والرأي(3) . وعدّ النجاشي من كتبه كتاب «الفلك» وكتاب «الممدوحين

والمذمومين»(4) ويظهر منه - مضافاً إلى التقابل بين المصنّف والأصل - سنخ المصنّفات .

وعن المفيد - بعد ذكر جماعة من الأصحاب - قال : «هم أصحاب الاُصول

ص: 382


1- اُنظر تنقيح المق-ال 3 : 294 / السطر 27 (أبواب الهاء) ؛ الفهرست ، الطوسي : 258 / 783 .
2- الفهرست ، الطوسي : 75 / 88 .
3- تنقيح المقال 1 : 89 / السطر 35 .
4- رجال النجاشي : 95 / 236 . والموجود فيه «العلل» بدل «الفلك» ولكنّ المتن مطابق للطبعة الحجرية منه .

المدوّنة والمصنّفات المشهورة»(1) .

وقال الشيخ الصدوق في «الفقيه» بعد ذكر جملة من الكتب : «ورسالة أبي—إليّ ، وغيرها من الاُصول والمصنّفات»(2) .

وقال النجاشي في ترجمة أحمد بن عبيداللّه بن يحيى : «ذكره أصحابنا في المصنّفين ، وأنّ له كتاباً يصف فيه سيّدنا أبا محمّد علیه السلام »(3) . . . إلى غير ذلك . فاتّضح ممّا مرّ مقابلة المصنّف بالأصل .

ثمّ إنّك لو تصفّحت مليّاً ، تجد أنّ «التصنيف» يطلق غالباً في لسانهم على الكتاب الذي عمل لمقصد غير جمع الأخبار ؛ وإن ذكرت فيه استشهاداً بها مثل بيان الفروع ، ك- «كتاب علي بن الحسين» إلى ابنه ، أو لغير ذلك ، كالرجال والطبّ والنجوم وما يرتبط باُصول المذهب ونحوها ، فالكتاب أعمّ من الصنفين .

ثمّ لا يبعد أن يقال : إنّ سرّ عدم إطلاق «الأصل» على كتب من في الطبقة الاُولى من أصحاب الإجماع وأضرابهم - إلاّ ما استثني - عدم كونهم من المصنّفين ، وتعارف التصنيف في الطبقات المتأخّرة عنهم ، وإنّما اُطلق على كتاب أبان بن عثمان لكونه ذا تصنيف ، مضافاً إلى أ نّه ذو أصل(4) ، وكذا يظهر من ترجمة جميل بن درّاج أنّ له أصلاً ، وله كتاباً (5) .

ص: 383


1- جوابات أهل الموصل ، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 9 : 25 .
2- الفقيه 1 : 5 .
3- رجال النجاشي : 87 / 213 .
4- الفهرست ، الطوسي : 59 / 62 .
5- رجال النجاشي : 126 / 328 .

هذه جملة حول الأصل والكتاب ، وقد اتّضح عدم دلالة قولهم : «إنّ له أصلاً» على الاعتماد عليه أو على صاحبه ، فضلاً عن قولهم : «له كتاب» .

الجواب عمّا تشبّث به العلاّمة الطباطبائي ثالثاً

وأمّا ما تشبّث به ثالثاً لإصلاح حال زيد : من عدم طعن ابن الغضائري عليه(1) ، ففيه ما لا يخفى :

أمّا تغليطه الشيخ الصدوق ، فهو غير مرتبط بوثاقة النَرْسي أو صحّة أصله ، بل غايته أ نّه غير مجعول ، ولم يكذب محمّد بن موسى الهمداني على زيد النرسي ، ففي الحقيقة هو دفاع عن الهمداني .

وأمّا سكوته فلا يدلّ على شيء ، ولعلّه لم يطّلع على طعن فيه ، وكان عنده من المجاهيل ، وهو لا يكفي في الاعتماد عليه .

الجواب عمّا تشبّث به العلاّمة الطباطبائي رابعاً

وأمّا ما تشبّث به رابعاً : من عدم خلوّ الكتب الأربعة من أخبار «أصل النرسي»(2) فهو عجيب منه ؛ فإنّه لو لم يكن إلاّ هذا الأمر في سلب الوثوق عن أصله لكان كافياً ؛ لأنّ اقتصار المشايخ الثلاثة من روايات أصله على حديثين أو ثلاثة أحاديث ، دليل على عدم اعتمادهم على أصله من حيث هو أصله ، أو من حيث رواية ابن أبي عمير عنه ، فكانت لما نقلوا منه خصوصية خارجية ، وإلاّ

ص: 384


1- تقدّم في الصفحة 348 .
2- تقدّم في الصفحة 348 .

فلأيّ علّة تركوا جميع أصله ، واقتصروا على روايتين منه ، مع كون الأصل عندهم ، وبمرءى ومنظرهم ؟ !

بل لو ثبت أنّ كتاباً كان عندهم ، فتركوا الرواية عنه إلاّ واحدة أو اثنتين مثلاً ، صار ذلك موجباً لعدم الاكتفاء بتوثيق أصحاب الرجال صاحبه في جواز الأخذ بالكتاب . وهذا واضح جدّاً ، وموجب لرفع اليد عن كتاب النرسي جزماً .

بل تركهم الرواية عنه مع كون الراوي عنه ابن أبي عمير ، دليل على عدم تمامية ما قيل في شأن ابن أبي عمير : «من أ نّه لا يروي إلاّ عن ثقة»(1) تأمّل .

وبما ذكرنا في حال «أصل النرسي» يظهر الكلام في «أصل زيد الزرّاد» فإنّهما مشتركان غالباً فيما ذكر .

تتمّة الكلام فيما يرد على التمسّك برواية زيد النرسي

هذا كلّه مع عدم وصول النسخة التي عند المحدّث المجلسي إليه بسند يمكن الاتّكال عليه ؛ لجهالة منصور بن الحسن الآبي الذي كانت النسخة بخطّه مؤرّخة بأربع وسبعين وثلاثمائة(2) . وهو غير منصور بن الحسين الآبي الذي ترجمه منتجب الدين ، وقال : «فاضل عالم فقيه ، وله نظم حسن ، قرأ على شيخنا المحقّق أبي جعفر الطوسي»(3) انتهى ، لتأخّره عن كتابة النسخة عصراً بناءً على ما

ص: 385


1- العدّة في اُصول الفقه 1 : 154 .
2- بحار الأنوار 1 : 43 .
3- الفهرست ، منتجب الدين : 104 / 376 .

ترجمه ؛ وإن صرّح بعض بأ نّه معاصر الصاحب بن عبّاد(1) . مضافاً إلى اختلافهما في الأب .

هذا مع عدم ثبوت وثاقة الثاني أيضاً ، وعدم كفاية ما قال منتجب الدين فيها .

هذا مع ما حكي من اشتمال أصله على المناكير وما يخالف المذهب(2) ، تأمّل .

أضف إلى كلّ ذلك أنّ الرواية مغشوشة المتن ؛ فإنّ المحكيّ عن جملة من المشايخ - كسليمان بن عبداللّه البحراني رحمه الله علیه والوحيد البهبهاني وصاحب «البرهان»(3) والموجود في «الحدائق»(4) و«الجواهر»(5) و«طهارة شيخنا الأعظم»(6) - نقلها بغير المتن الذي نقله المجلسي(7) وتبعه جملة اُخرى من المشايخ(8) .

والعجب من بعض أهل التتبّع ! حيث رأى صراحة الرواية بذلك المتن على خلاف مدّعاه الذي قد فرغنا عن فساده ، فأخذ في الإشكال - بل الطعن - على

ص: 386


1- معجم البلدان 1 : 51 .
2- اُنظر قاموس الرجال 4 : 549 / 3041 .
3- اُنظر إفاضة القدير في أحكام العصير : 22 و24 ؛ البرهان القاطع 1 : 462 / السطر الأخير .
4- الحدائق الناضرة 5 : 158 .
5- جواهر الكلام 6 : 34 .
6- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 177 .
7- بحار الأنوار 76 : 177 .
8- كالعلاّمة الطباطبائي في المصابيح والمحقّق الكاظمي في الوسائل والعلاّمة النراقي في المستند . اُنظر إفاضة القدير في أحكام العصير : 24 ؛ مستند الشيعة 15 : 220 .

أكابر المشايخ ، فقال : «هذا الذي اتّفق من هؤلاء الأكابر ، أمر ينبغي الاسترجاع

عند تذكّر مثله ، والاستعاذة باللّه العاصم من الوقوع في شبهه»(1) .

ثمّ نقل الرواية على طبق رواية المجلسي من النسخة المتقدّمة ، وقد سبقه إلى

ذكر هذا الاختلاف المحدّث النوري في «مستدركه»(2) .

ثمّ ذكر موارد الاختلاف بين المتنين مسمّياً لما يخالف مذهبه ب- «التصحيف والزيادة الباطلة» .

ثمّ قال : «والذي نقلناه مطابق لجميع نسخ «أصل زيد» المصحّحة الموجودة في عصرنا المنتشرة في بلاد مختلفة» .

ثمّ قال بعد كلام : «وأوّل من عثرت عليه ممّن وقع في تلك الورطة الموحشة والهوّة المظلمة : الشيخ الفاضل المتبحّر الشيخ سليمان الماحوزي البحراني ، فتبعه من تبعه ممّن لا يراجع إلى «أصل زيد» ولا «البحار» كالذين سمّيناهم أوّلاً ، وسلم منه من راجعه أو «البحار» كالذين سمّيناهم أخيراً» .

ثمّ ذكر وصيّة الفاضل الهندي في آخ-ر «كشف اللثام» تتميماً لإشكاله وطعنه(3) .

أقول : لأحد أن يسترجع عند تذكّر مثله من مثله من إطالة اللسان على هؤلاء الأكابر من غير دليل وثيق على خطئهم ؛ فإنّ الشيخ الأجلّ أبا الحسن سليمان بن عبداللّه البحراني - كما يظهر من ترجمته ، وشهدت له الأكابر -

ص: 387


1- إفاضة القدير في أحكام العصير : 23 .
2- مستدرك الوسائل 17 : 38 ، ذيل الحديث 1 .
3- إفاضة القدير في أحكام العصير : 23 - 24 .

كان زميلاً للمحدّث المجلسي ، وعديلاً له عصراً وثقة وحفظاً وإحاطةً وعلماً

وخبراً ؛ فعن المولى الوحيد :

«أ نّه العالم العامل والفاضل الكامل المحقّق المدقّق الفقيه النبيه نادرة العصر

والزمان المحقّق الشيخ سليمان»(1) .

وعن تلميذه - أي تلميذ الشيخ سليمان - الشيخ عبداللّه بن صالح في إجازاته : «كان هذا الشيخ اُعجوبةً في الحفظ والدقّة وسرعة الانتقال في الجواب والمناظرة وطلاقة اللسان ، لم أرَ مثله قطّ ، وكان ثقة في النقل ضابطاً ، إماماً في

عصره ، وحيداً في دهره ، أذعنت له جميع العلماء ، وأقرّت بفضله جميع الحكماء ، وكان جامعاً لجميع العلوم ، علاّمة في جميع الفنون ، حسن التقرير ، عجيب التحرير ، خطيباً شاعراً مفوّهاً ، وكان أيضاً في غاية الإنصاف ، وكان أعظم علومه الحديث والرجال والتواريخ»(2) انتهى .

وقريب منهما عن صاحب «الحدائق» مع ذكر تأريخ وفاته ، وهو سنة سبع وثلاثين ومائة وألف(3) .

فكان هذا الشيخ معاصراً للمولى المجلسي ، وهو يروي هذا الحديث - على ما حكي - بمتن روى صاحب «الحدائق» وغيره(4) ، وكيف يمكن تغليطه ونسبة التصحيف والخطأ إليه بمجرّد مخالفة حديثه نسخة المحدّث المجلسي ، وهل هذا

ص: 388


1- اُنظر تنقيح المقال 2 : 63 / السطر 35 (أبواب السين) ؛ منتهى المقال 3 : 400 .
2- اُنظر لؤلؤة البحرين : 7 - 8 ؛ تنقيح المقال 2 : 63 / السطر 35 (أبواب السين) .
3- لؤلؤة البحرين : 9 .
4- اُنظر إفاضة القدير في أحكام العصير : 24 .

إلاّ مثل تغليط المجلسي في رواية روى بعض معاصريه على خلافها ؛ ولو من نسخة عتيقة أو غيرها ؟ !

مع احتمال كون ما روى من نسخة غيرها ، سيّما مثل هذا الشيخ الذي كان عمدة علومه الحديث والرجال ، كيف يمكن منه رواية حديث والاستناد إليه من غير إسناد إلى كتاب ونسخة أصل ؟ ! بل المحدّث صاحب «الحدائق» أيضاً مثله في ذلك . وشأن الوحيد البهبهاني وتقدّمه في العلوم ، معلوم لا يحتاج إلى إطالة الكلام فيه .

نعم ، لا يبعد من صاحب «الجواهر» وشيخنا المرتضى نقل رواية اتّكالاً على نقل صاحب «الحدائق» .

وليت شعري ، كيف لغير العالم بالغيب الاطلاع على جميع نسخ كتاب - سيّما مثل «أصل النرسي» - حتّى يحكم بخطأ هؤلاء الأكابر ؟ !

والعجب أ نّه ادّعى : «أنّ ما نقلناه مطابق لجميع نسخ أصل زيد . . .»(1) إلى آخره! لا لأنّ الاطلاع على جميعها بل غالبها غير ممكن ، سيّما لمن لم يخرج من سور بلد ، وهل هذه الدعوى إلاّ من سذوجة النفس وصفاء الضمير ، حيث رأى أو سمع كون بعض النسخ كذلك ، فجزم بمطابقته لجميع النسخ المتفرّقة في البلاد ؟ !

بل لأنّ الآلاف من النسخ المصحّحة إذا انتهت إلى نسخة المجلسي ، لا تفيد شيئاً إلاّ الجزم بأ نّها موافقة لما في «البحار» وعند المجلسي ، وأ نّها

ص: 389


1- إفاضة القدير في أحكام العصير : 23 .

فيه بعين هذه الألفاظ ، ولا يكشف منها عدم نسخة اُخرى عند الشيخ سليمان وغيره .

هذا مضافاً إلى اختلاف بعض ما حكي عن «أصل زيد» في «الكافي» مع ما هو الموجود عند المجلسي(1) ، وهو دليل على اختلاف في النسخ ، فراجع .

فاتّضح من جميع ذلك : عدم إمكان الاتّكال على أصلي الزيدين وما هو من قبيلهما .

وأمّا مع الغضّ عنه فالإنصاف : أنّ الخدشة في دلالتها في غير محلّها ؛ لظهورها صدراً وذيلاً في حرمة عصير الزبيب إذا غلى بالنار أو بنفسه .

وما يقال : «من أنّ التعبير في ذيلها عن الحكم ب- «الفساد» دون التحريم ، لا يبعد أن يكون الوجه فيه أ نّه بعد إصابة النار صار مَعْرضاً لطروّ الفساد والإسكار لا لحرمته»(2) لا ينبغي الإصغاء إليه ؛ لأنّ مجرّد الاحتمال لا يوجب جواز رفع اليد عن الظاهر المتفاهم عرفاً . وإطلاقُ «الفاسد» على ما يكون مَعْرضاً للإسكار - على فرض تسليم دعوى : أنّ إصابة النار توجب تسريع الإسكار والمعرضية له - مجازٌ لا يصار إليه بلا وجه ، ولم يظهر - ولو إشعاراً - التفكيك بين ما غلى بنفسه وغيره ، بل ظاهرها عدم التفكيك كما لا يخفى ، فالعمدة ما مرّ .

ص: 390


1- راجع الكافي 7 : 21 / 1 ؛ بحار الأنوار 100 : 208 / 21 .
2- إفاضة القدير في أحكام العصير : 127 .
حول التمسّك بباقي الروايات لحرمة العصير الزبيبي

ثمّ إنّه قد يتمسّك للتحريم بوجوه مخدوشة(1) ، كعموم قوله علیه السلام : «كلّ عصير أصابته النار فهو حرام . . .»(2) إلى آخره .

وفيه ما مرّ في أوائل البحث : من أنّ «العصير» في الروايات هو العنبي منه لا غير(3) . مضافاً إلى أنّ مطلق العصير لا يكون موضوعاً للحكم بالضرورة .

ولو كان المدّعى الأخذ بالعموم بعد خروج ما خرج منه(4) ، ففيه : أ نّه من تخصيص الأكثر البشيع ، فلا بدّ أن يحمل على عصير معهود ، والمتيقّن هو العنبي ، وغيره مشكوك فيه .

مع أنّ العصير بنفسه ليس موضوع الحكم ، فلا محيص من أن يقال : إنّ الموضوع عصير العنب ونحوه ، ومن الواضح أ نّه ليس للزبيب والتمر بلا نقع في الماء عصير ، ومعه يَجذب الماءَ الخارجي ، وهو ليس عصير الزبيب ؛ فإنّ المتفاهم من «عصير الشيء» هو عصيره بالذات ، لا بمداخلة شيء أجنبيّ فيه وإخراجه منه .

نعم ، لو دلّ دليل على «أنّ عصير الزبيب أو التمر إذا غلى يحرم» لا يكون بدّ

ص: 391


1- اُنظر مجمع الفائدة والبرهان 1 : 313 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 145 ؛ مستند الشيعة 15 : 188 ؛ إفاضة القدير في أحكام العصير : 120 .
2- الكافي 6 : 419 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 1 .
3- تقدّم في الصفحة 287 .
4- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 313 .

إلاّ بالحمل على الماء الخارجي المعصور منه بعد نقعه فيه ، وهو مفقود ، وإطلاق «العصير» لا يحمل إلاّ على ما بنفسه عصير الشيء ، فالعصير منحصر بالعنب أو ما يشبهه .

مضافاً إلى أنّ الزبيب المنقوع في الماء ، لا يجذب من الماء ما يمكن أن يعصر منه شيء معتدّ به ، بل دائماً يكون المعصور منه مستهلكاً في الماء المصبوب فيه ، فلا يطلق على المجموع «العصير» .

وكالروايات الواردة في خصوص الزبيب ، كمرسلة الساباطي أو موثّقته(1) قال : «وصف لي أبو عبداللّه علیه السلام المطبوخ كيف يطبخ حتّى يصير حلالاً . . .»(2) .

وموثّقته عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «سئل عن الزبيب كيف طبخه حتّى يشرب حلالاً . . .»(3) إلى آخره .

فذكر فيهما كيفية طبخه ، وأمر بالإغلاء حتّى يذهب الثلثان .

وفيه : أنّ الرواية الاُولى وإن كانت ظاهرة في أنّ المفروض لدى الساباطي ؛ أنّ المغليّ من الزبيب حرام إلى غاية ، ويصير حلالاً بما وصف أبو عبداللّه علیه السلام ، لكن لم يظهر منها أنّ أبا عبداللّه علیه السلام أفتى بحرمته وصيرورته حلالاً بالتثليث ، بل

ص: 392


1- تقدّم وجه الترديد في الصفحة 324 ، الهامش 4 .
2- الكافي 6 : 424 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 289 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 5 ، الحديث 2 .
3- الكافي 6 : 425 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 290 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 5 ، الحديث 3 .

فيها توصيف أبي عبداللّه علیه السلام طبخه من غير ذكر الحرمة والحلّية ، ولعلّ الساباطي توهّم من ذكر التثليث أنّ الغليانَ موجب للحرمة ، والتثليثَ لرفعها ؛ قياساً على عصير العنب المعهود فيه ذلك . مع أ نّها مردّدة بين المرسلة والموثّقة ،

ولا اعتماد عليها .

والثانية وإن كانت موثّقة ، لكن لا ظهور فيها في المدّعى ؛ للفرق الظاهر بين قوله : «كيف يطبخ حتّى يصير حلالاً ؟» وبين قوله : «كيف طبخه حتّى يشرب حلالاً ؟» لأنّ المتعارف في طبخ الزبيب - مع تلك التفصيلات والتشريفات المذكورة في الروايتين - طبخ مقدار كثير حتّى بقي عدّة أيّام كثيرة ، بل إلى شهور أو سنة أو أزيد ، كما قال في رواية علي بن جعفر الآتية ، فيشرب منه السنة ، فإذا لم يذهب الثلثان لا يبعد أن يعرض عليه الفساد والإسكار إذا طال بقاؤه ، سيّما في تلك الآفاق ، فإذا اُريد أن يشرب ذاك المشروب حلالاً من غير عروض الإسكار عليه ، فلا بدّ من طبخه حتّى يذهب ثلثاه ، فيشرب حلالاً إلى آخر أمده .

والإنصاف : أنّ هذا الاحتمال لو لم يكن ظاهراً فيها ، فلا أقلّ من عدم مرجوحيته بالنسبة إلى احتمال آخر يوافق دعوى المدّعي .

ويشهد لرجحانه - بل تعيّنه - ذيل رواية إسماعيل الهاشمي ، حيث قال بعد وصف النبيذ : «وهو شراب طيّب لا يتغيّر إذا بقي إن شاء اللّه»(1) .

ولعلّ «الطيّب» مقابل «الخبيث» الذي اُطلق على الخمر والمسكر .

ص: 393


1- الكافي 6 : 426 / 3 ؛ وسائل الشيعة 25 : 290 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 5 ، الحديث 4 .

وكذا تشهد له صحيحة علي بن جعفر - بناءً على وثاقة سهل بن زياد ، كما هو الأصحّ(1) - عن أخيه موسى أبي الحسن علیه السلام قال : سألته عن الزبيب ، هل يصلح أن يطبخ حتّى يخرج طعمه ، ثمّ يؤخذ الماء ، فيطبخ حتّى يذهب ثلثاه ، ويبقى ثلثه ، ثمّ يرفع فيشرب منه السنة ؟ فقال : «لا بأس به»(2) .

فإنّ الظاهر أنّ علي بن جعفر لم يكن شكّه إلاّ في أنّ ماء الزبيب المطبوخ كذلك إذا بقي سنة ، يحلّ شربه ، أو يعرضه الفساد والإسكار ، وإلاّ فحلّيته بعد ذهاب الثلثين كانت واضحة ، فتصير شاهدة لسائر الروايات أيضاً .

وبما ذكرناه يظهر ضعف الاستدلال بها على حرمة عصير الزبيب قبل التثليث بتوهّم دلالتها على معهوديتها ؛ وذلك لما عرفت من أنّ السؤال لم يكن عن حلّيته بالتثليث ، بل عن بقائه حلالاً إلى آخر السنة ؛ لاحتمال عروض الفساد عليه .

هذا مضافاً إلى أنّ غاية ما تدلّ عليه هذه الصحيحة - بل سائر الروايات - معهودية التثليث ، وأمّا كونه لرفع الحرمة فلا ، والظاهر أنّ تعارفه لأجل عدم عروض الفساد والإسكار عليه .

ويشهد لذلك - مضافاً إلى ما تقدّم - ورود التثليث في السفرجل والعسل في رواية خليلان بن هاشم قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام : جعلت فداك ، عندنا شراب يسمّى : «المَيْبِهْ» نعمد إلى السفرجل فنقشره ونلقيه في الماء ، ثمّ نعمد

ص: 394


1- تقدّم الكلام في سهل بن زياد في الجزء الأوّل : 78 و267 - 268 .
2- الكافي 6 : 421 / 10 ؛ وسائل الشيعة 25 : 295 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 8 ، الحديث 2 .

إلى العصير فنطبخه على الثلث ، ثمّ ندقّ ذلك السفرجل ونأخذ ماءه ، ونعمد إلى

هذا المثلّث وهذا السفرجل فنلقي فيه المسك والأفاوي والزعفران والعسل ، فنطبخه حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، أيحلّ شربه ؟ فكتب : «لا بأس به ما لم يتغيّر»(1) .

مع وضوح عدم حرمة عصير السفرجل والعسل بالغليان بالنار . ووروده في دستور الطبيب أيضاً في رواية إسحاق بن عمّار(2) ، وليس ذلك ظاهراً إلاّ لعدم عروض الفساد أو الإسكار عليه بطول المدّة .

وربّما يتمسّك(3) للحرمة بالروايات الحاكية لمشاجرة إبليس -

لعنه اللّه - آدم ونوحاً علیهما السلام (4) بدعوى إعطائهما إبليس من ثمرة الحَبَلة الثلثين .

وفيه ما لا يخفى ؛ فإنّ الأخذ بظاهر تلك الروايات ، مستلزم لمالكية إبليس ثلثي جميع شجرة الكرم ، كما هو مقتضى بعضها (5) ، ولزوم تثليث ماء العنب بإغلائه وإخراج حظّ إبليس ، وعدم جواز شربه قبل غليانه ، وهو كما ترى ،

ص: 395


1- الكافي 6 : 427 / 3 ؛ وسائل الشيعة 25 : 367 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 29 ، الحديث 3 .
2- الكافي 6 : 426 / 4 ؛ وسائل الشيعة 25 : 291 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 5 ، الحديث 5 .
3- اُنظر مستند الشيعة 15 : 211 - 212 ؛ جواهر الكلام 6 : 34 ؛ إفاضة القدير في أحكام العصير : 121 .
4- وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 .
5- وسائل الشيعة 25 : 282 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 2 و5 .

فلا بدّ من حملها على بيان سرّ حرمة الخمر أو عصير العنب المغليّ ، كما هو

المتيقّن منها ، بل الظاهر من بعضها (1) .

وبعبارة اُخرى : لا يستفاد الإطلاق من هذه الروايات التي هي بصدد بيان سرّ مخفيّ ، وحكمةٍ غير معقولة لنا لحرمة شيء معهود ، كما لا يخفى .

وأضعف منه التمسّك(2) بموثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث : أ نّه سأل عن الرجل يأتي بالشراب فيقول : هذا مطبوخ على الثلث ، قال : «إن كان مسلماً ورعاً مؤمناً فلا بأس أن يشرب»(3) .

ونحوها رواية علي بن جعفر ، عن أخيه(4) لأ نّها بصدد بيان حكم آخر ، فلا إطلاق فيها .

فتحصّل من جميع ذلك : حلّية عصير الزبيب المغليّ وطهارته .

ص: 396


1- وسائل الشيعة 25 : 283 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 3 .
2- اُنظر مستند الشيعة 15 : 201 ؛ إفاضة القدير في أحكام العصير : 121 .
3- تهذيب الأحكام 9 : 116 / 502 ؛ وسائل الشيعة 25 : 294 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 7 ، الحديث 6 .
4- تهذيب الأحكام 9 : 122 / 528 ؛ وسائل الشيعة 25 : 294 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 7 ، الحديث 7 .
حلّية العصير التمري وطهارته

وأمّا العصير التمري فأولى بهما ؛ لفقد الأصل الذي تمسّك به للزبيبي ، وعدم

دليل على حرمته عدا ما عن «دعائم الإسلام» عن جعفر بن محمّد علیه السلام أ نّه قال : «الحلال من النبيذ أن تنبذه وتشربه من يومه ومن الغد ، فإذا تغيّر فلا تشربه ، ونحن نشربه حلواً قبل أن يغلي»(1) .

وفيه : - مضافاً إلى ضعف سنده وإرساله ، ونقل الإجماع على خلافه(2) ، ومعارضته بما يأتي(3) - أنّ المراد ب- «التغيّر» يمكن أن يكون الإسكار ، لا مطلق التغيّر أو الغليان . ويمكن الاستشهاد عليه بقوله علیه السلام : «نحن نشربه . . .» إلى آخره ، حيث يشعر بأنّ عدم الشرب بعد الغليان ليس حكماً إلزامياً على الناس ، بل أهل البيت علیهم السلام كانوا لا يشربونه .

ونحو هذا التعبير غير عزيز في الروايات ، كرواية زرارة قال : قلت : في مسح الخفّين تقيّة ؟ فقال : «ثلاث لا أتقي فيهنّ أحداً : شرب المسكر ، ومسح الخفّين ، ومتعة الحجّ» قال زرارة : ولم يقل : «الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهنّ أحداً»(4) .

ص: 397


1- دعائم الإسلام 2 : 129 / 445 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 39 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 2 ، الحديث 2 .
2- الحدائق الناضرة 5 : 141 .
3- يأتي في الصفحة 399 .
4- الكافي 3 : 32 / 2 ؛ وسائل الشيعة 1 : 457 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 38 ، الحديث 1 .

وورد نظيره في إتيان أدبار النساء(1) . . . إلى غير ذلك ، فحينئذٍ يكون التغيّر مقابلاً للغليان ، فيرجع إلى الاستحالة وصيرورته خمراً ومسكراً ، تأمّل .

ولا على نجاسته إلاّ بعض الروايات الشاذّة المشعرة بها - كموثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث : أ نّه سئل عن النَضُوح المُعَتَّق ، كيف يصنع به حتّى يحلّ ؟ قال : «خذ ماء التمر فأغله حتّى يذهب ثلثا ماء التمر»(2) وموثّقته الاُخرى ، عنه علیه السلام قال : سألته عن النَضُوح ، قال : «يطبخ التمر حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، ثمّ يمتشطن»(3) - ممّا يجب طرحها على فرض دلالتها ؛ لقيام الشهرة على طهارته . بل حكى شيخنا المرتضى الأنصاري خمسة إجماعات عليها (4) ، ولو ضمّ إليها ما حكي على حلّيته(5) المستلزم للطهارة لزاد عددها .

مع ما في دلالتهما من الإشكال :

أمّا الثانية فواضح .

وأمّا الاُولى ، فبعد القطع بأنّ المراد من «الحلّية» ليس حلّية الشرب ؛ لكونه من الطيب ، بل إمّا حلّية الاستعمال تكليفاً ، أو حلّية الصلاة فيه وضعاً ، أنّ الوصف

ص: 398


1- تهذيب الأحكام 7 : 415 / 1663 ؛ راجع وسائل الشيعة 20 : 145 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ، الباب 73 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 9 : 116 / 502 ؛ وسائل الشيعة 25 : 373 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 32 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 9 : 123 / 531 ؛ وسائل الشيعة 25 : 379 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 37 ، الحديث 1 .
4- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 182 .
5- الحدائق الناضرة 5 : 141 .

ب- «المُعتَّق» مشعر أو دالّ على أنّ المراد أ نّه كيف يصنع النَضُوح - أي الطيب الخاصّ - حتّى يحلّ استعماله معتَّقاً ؟

وبعبارة اُخرى : كيف يصنع حتّى لا يصير مع صيرورته عتيقاً ، فاسداً ومسكراً ؟ فالأمر بإذهاب الثلثين حينئذٍ لأجل عدم طروّ الفساد عليه . ويظهر من الروايات تعارف جعل الخمر أو النبيذ في النَضُوح في تلك الأزمنة(1) .

مضافاً إلى دلالة بعض الأخبار على أنّ حرمته ونجاسته تابعة لإسكاره ، كخبر وفد اليمن ، وفيها - بعد توصيفهم النبيذ من التمر لرسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

وتصريحهم بطبخه - قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «قد أكثرت عليّ ، أفيسكر ؟» قال : نعم ، قال : «كلّ مسكر حرام»(2) .

يظهر منها أ نّه مع طبخه وعدم عروض الإسكار عليه ليس بحرام ، ولازمه عدم نجاسته ، فالمسألة واضحة بحمد اللّه .

ص: 399


1- كرواية علي بن جعفر ، قال : سألته عن النضوح يجعل فيه النبيذ ، أيصلح للمرأة أن تصلّي وهو على رأسها ؟ قال : «لا ، حتّى تغتسل منه» . مسائل علي بن جعفر : 151 / 200 ؛ وسائل الشيعة 25 : 380 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 37 ، الحديث 3 .
2- الكافي 6 : 417 / 7 ؛ وسائل الشيعة 25 : 355 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 24 ، الحديث 6 .
الفُقّاع
اشارة

التاسع : الفُقّاع ، ولا ريب في نجاسته ، وقد حكي الإجماع عليها مستفيضاً ،

كما في «الانتصار» و«الخلاف» ومحكيّ «الغنية» و«المنتهى» و«المهذّب البارع» و«التنقيح» و«كشف الالتباس» و«إرشاد الجعفرية» وظاهر «المبسوط» و«التذكرة» و«الذكرى»(1) .

وعن «المدارك» تأمّل في نجاسته ، حيث قال : «وردت به رواية ضعيفة»(2) .

أراد رواية «الكافي» عن أبي جميلة البصري قال : كنت مع يونس ببغداد وأنا أمشي معه في السوق ، ففتح صاحب الفُقّاع فُقّاعه ، فقفز(3) فأصاب يونس ، فرأيته قد اغتمّ لذلك حتّى زالت الشمس ، فقلت له : يا أبا محمّد ، ألا تصلّي ؟ قال :

فقال لي : ليس اُريد أن اُصلّي حتّى أرجع إلى البيت فأغسل هذا الخمر من ثوبي .

فقلت له : هذا رأي رأيته ، أو شيء ترويه ؟

ص: 400


1- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 34 ؛ الانتصار : 418 ؛ الخلاف 5 : 489 - 490 ؛ غنية النزوع 1 : 41 ؛ منتهى المطلب 3 : 217 ؛ المهذّب البارع 5 : 79 ؛ التنقيح الرائع 1 : 145 ؛ كشف الالتباس 1 : 403 ؛ المبسوط 1 : 36 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 65 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 115 .
2- مدارك الأحكام 2 : 293 .
3- قفز بالقاف ثمّ الزاء : وثب (الوافي) . [ منه قدس سره]

فقال : أخبرني هشام بن الحكم : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الفُقّاع ، فقال : «لا تشربه ؛ فإنّه خمر مجهول ، فإذا أصاب ثوبك فاغسله»(1) .

ولا مجال للتردّد في الحكم بعد ذلك الاشتهار وتلك الإجماعات . ولو نوقش في الرواية بضعف السند - بل وعدم العلم بالجبر ؛ لاشتراطه بإحراز الاستناد ، وهو ممنوع - لما تصحّ المناقشة في دلالة الروايات المتظافرة الآتية(2) الحاكمة بأ نّه «خمر بعينها» أو «من الخمر» أو «خمرة استصغرها الناس» . . . إلى غير ذلك ، فإنّها : إمّا تدلّ على خمريته ومسكريته واقعاً ، فقد فرغنا عن نجاسة المسكرات المائعة(3) .

وإمّا تدلّ على التنزيل منزلته حكماً ، فلا شبهة في استفادة عموم التنزيل مع هذه التعبيرات والتأكيدات ، ولولا كونه بمنزلته في جميع الآثار ، لما صحّ هذا التنزيل بهذا اللسان الأكيد .

والشاهد عليه ثبوت حكم شارب الخمر عليه(4) فلا ينبغي الإشكال في نجاسته وحرمته .

ص: 401


1- الكافي 6 : 423 / 7 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 282 / 828 ؛ وسائل الشيعة 3 : 469 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 5 .
2- يأتي في الصفحة 406 .
3- تقدّم في الصفحة 249 .
4- كما في رواية ابن فضّال ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن الفقّاع فقال : «هو الخمر وفيه حدّ شارب الخمر» . راجع وسائل الشيعة 25 : 360 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 27 ، الحديث 2 و11 ، والباب 28 ، الحديث 1 .

فما في رواية زكريّا بن آدم ، عن أبي الحسن علیه السلام (1) ممّا يشعر أو يدلّ على الخلاف ، لا يعوّل عليه . مع ضعفها سنداً بابن المبارك ، ووهنها متناً باشتمالها على

حكم في الدم لا نقول به ، وموافقتها للناس ، ومخالفتها للإجماع والنصوص .

عدم خمرية الفقّاع وعدم مسكريته

نعم ، يأتي الكلام في جهة اُخرى : وهي أنّ الفقّاع ليس خمراً حقيقة ، ولم يسمّ باسمها عرفاً ولغة ، والدليل عليه - مضافاً إلى وضوحه - وفاق أهل الخلاف في عدم حرمته ونجاسته(2) ، مع أنّ كثيراً منهم من أهل اللسان وعلماء العربية وأئمّة الأدب واللغة ، فلو كان «الخمر» صادقاً عليه حقيقة لما اتّفق بينهم هذا الاتّفاق مع حرمتها بنصّ الكتاب(3) .

مضافاً إلى استفادة ذلك من الأخبار وكلمات أصحابنا :

أمّا الأخبار فقد تقدّم الكلام فيها : من أنّ الظاهر منها أنّ «الخمر» اسم للمادّة الخبيثة المأخوذة من العنب ، وهي التي حرّمها اللّه تعالى ، وإنّما حرّم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم سائر المسكرات ، وفي بعضها «إنّ اللّه لم يحرّم الخمر لاسمها ، بل حرّمها لعاقبتها» وهو كالنصّ في أنّ الاسم مختصّ بالمتّخذ من العنب .

ص: 402


1- تهذيب الأحكام 1 : 279 / 820 ؛ وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 8 .
2- اُنظر الخلاف 5 : 490 ؛ المغني ، ابن قدامة 10 : 341 ؛ الشرح الكبير ، ذيل المغني 10 : 342 .
3- وهو قوله تعالى : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنصابُ وَالأَزلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَيطانِ فَاجتَنِبُوه( . المائدة (5) : 90 .

وإطلاقها على غيرها بضرب من التأويل(1) ، فراجع .

وأمّا كلمات الأصحاب فبين ظاهرة في ذلك ؛ لأنّ مقابلة المسكرات مع الفقّاع في كلماتهم - في أبواب النجاسات والأشربة المحرّمة والمكاسب المحرّمة والحدود - ظاهرة في أ نّه بعنوانه موضوع الحكم لا لإسكاره ، ولا لصدق «الخمر» عليه .

مضافاً إلى أ نّه لم نرَ استدلالهم على خلاف العامّة في حرمته بظاهر القرآن ، فقد استدلّوا عليه تارة : بروايات من طرقهم ، واُخرى : بدليل الاحتياط ، ولو أمكن الاستدلال عليه بظاهر الآية - ولو بوجه - لاستدلّوا عليه ، سيّما علم الهدى—الذي عمل «الانتصار» لانتصار الحقّ وإزهاق الباطل ، جزاه اللّه عن الإسلام أفضل جزاء ، ومن دأبه التشبّث بظواهر الآيات عليهم حيثما أمكن . مع أ نّه من أئمّة الأدب واللسان . وكذا شيخ الطائفة في «خلافه» بل وابن زهرة(2) .

وقد تمسّك الشيخ في حدود «نهايته» لإثبات أحكام الخمر له بثبوت سوائيته مع الخمر من أئمّة آل محمّد عليهم الصلاة والسلام(3) .

وبالجملة : يظهر من كلمات أصحابنا عدم كونه خمراً أو مسكراً ، وليست حرمته لهما ؛ ففي «النهاية» بعد ذكر المسكرات : «وحكم الفقّاع حكم الخمر على السواء»(4) .

ص: 403


1- تقدّم في الصفحة 273 .
2- الانتصار : 418 ؛ الخلاف 5 : 489 - 490 ؛ غنية النزوع 1 : 41 .
3- النهاية : 713 .
4- النهاية : 591 .

وفي «المراسم» : «والخمر وسائر المسكرات والفقّاع»(1) .

وفي «الغنية» : «وكلّ شراب مسكر نجس ، وكلّ فقّاع نجس»(2) .

وكذا سائر الكتب والمصنّفات على هذا المنوال قديماً وحديثاً .

وبين ناصّة على عدم مسكريته مطلقاً ، أو قسم منه ، المتفاهم منه عدم خمريته أيضاً ؛ لبعد تسميته «خمراً» مع عدم الإسكار .

ففي «الانتصار» : «وقد روى أصحاب الحديث من طرق معروفة : أنّ قوماً من العرب سألوا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن الشراب المتّخذ من القمح ، فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «هل يسكر ؟» قالوا : نعم ، فقال : «لا تقربوه»(3) ولم يسأل من الشراب المتّخذ من الشعير عن الإسكار ، بل حرّم ذلك على الإطلاق ، وحرّم الشراب الآخر إذا كان مسكراً»(4) .

وقال قبل ذلك : «وممّا انفردت به الإمامية القول بتحريم الفقّاع ؛ وأ نّه جارٍ

مجرى الخمر في جميع الأحكام»(5) .

وهو كالنصّ في أ نّه بمنزلة الخمر لا نفسها .

وفي «الوسيلة» : «وغير المسكر ضربان : فقّاع ، وغيره ، والفقّاع حرام نجس»(6) .

ص: 404


1- المراسم : 55 .
2- غنية النزوع 1 : 41 .
3- المسند ، أحمد بن حنبل 14 : 44 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 8 : 292 .
4- الانتصار : 420 .
5- الانتصار : 418 .
6- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 364 .

وعن «فقه الرضا» : «واعلم : أنّ كلّ صنف من صنوف الأشربة التي لا يغيّر العقل شرب الكثير منها لا بأس به ، سوى الفقّاع ، فإنّه منصوص عليه لغير هذه العلّة»(1) .

وعن الاُستاذ في «حاشية المدارك» : «أ نّهم صرّحوا بأنّ حرمة الفقّاع ونجاسته يدوران مع الاسم والغليان لا السكر ، فهو حرام ونجس وإن لم يكن مسكراً ؛ لأنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم حكم بالحرمة من دون استفصال»(2) .

وفي «المجمع» : «الفُقّاع - كرُمّان - : شيء يشرب ، يتّخذ من ماء الشعير فقط ، ليس بمسكر ، ولكن ورد النهي عنه»(3) .

نعم ، ظاهر «المعتبر»(4) أ نّه خمر اسماً وإن لم يكن مسكراً ، متمسّكاً بالتسمية الشرعية ، وأصالة الحقيقة - وهو كما ترى - وبقول أبي هاشم الواسطي المحكيّ في «الانتصار» : «الفُقّاع نبيذ الشعير ، فإذا نشّ فهو خمر»(5) .

وهو أيضاً غير وجيه ؛ لأنّ الظاهر أنّ مراده من كونه خمراً أ نّه مسكر ، لا أ نّه مسمّى بها . مع أنّ التعويل على قوله - مع ما عرفت - في غير محلّه ، ولهذا لم يعوّل عليه علم الهدى ، وإلاّ لاستدلّ على حرمته بظاهر الكتاب .

ص: 405


1- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 255 ؛ مستدرك الوسائل 17 : 72 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 19 ، الحديث 8 .
2- الحاشية على مدارك الأحكام 2 : 197 ، قوله : «والحكم بنجاسته . . . » .
3- مجمع البحرين 4 : 376 .
4- المعتبر 1 : 425 .
5- الانتصار : 421 .

إلاّ أن يقال : إنّ الكتاب منصرف عنه . وهو غير معلوم ، بل ممنوع بعد الصدق حقيقة .

ثمّ إنّه بعد العلم بعدم خمريته حقيقة ، لا بدّ من حمل الروايات الحاكمة بأ نّه «خمر بعينها»(1) أو «من الخمر»(2) أو «خمرة استصغرها الناس»(3) على نحو من التنزيل ، فيدور الأمر بين احتمالين :

إمّا البناء على التنزيل باعتبار الحكم ؛ بمعنى أنّ الأئمّة علیهم السلام لمّا رأوا ثبوت جميع آثار الخمر له ، أطلقوها عليه ادّعاءً ومجازاً .

وإمّا البناء على التنزيل باعتبار الخاصّية ؛ وأ نّه لمّا كان عاقبته عاقبة الخمر وفعله فعلها ، نزّلوه منزلتها .

والفرق بينهما : أ نّه على الأوّل يحكم بترتّب الأحكام بمجرّد صدق الفُقّاع وإن لم يكن مسكراً ؛ لأنّ التنزيل ليس بلحاظ إسكاره ، وعلى الثاني يترتّب الأحكام على قسم المسكر ؛ لأنّ التنزيل باعتبار مسكريته .

ولا شبهة في أنّ مقتضى إطلاق الأخبار البناء على الوجه الأوّل ، ولا وجه لرفع اليد عن إطلاقها بلا دليل مقيّد ، ودعوى الانصراف إلى القسم المسكر ممنوعة .

ص: 406


1- الكافي 6 : 423 / 4 ؛ وسائل الشيعة 25 : 361 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 27 ، الحديث 7 .
2- الكافي 6 : 422 / 3 ؛ وسائل الشيعة 25 : 361 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 27 ، الحديث 6 .
3- الكافي 6 : 423 / 9 ؛ وسائل الشيعة 25 : 365 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 28 ، الحديث 1 .

فالأقوى حرمته ونجاسته وترتّب سائر الآثار عليه بمجرّد صدق الاسم ولو لم يكن مسكراً ، كما نصّ عليه الأصحاب في كلماتهم المتقدّمة ، وأرسلوه إرسال المسلّمات(1) .

حلّية الفقّاع في صورة عدم غليانه

نعم ، الظاهر عدم ترتّبها قبل الغليان ؛ لصحيحة ابن أبي عمير ، عن مُرازِم قال : «كان يعمل لأبي الحسن علیه السلام الفقّاع في منزله» قال ابن أبي عمير : «ولم يعمل

فقّاع يغلي»(2) .

والظاهر أنّ ابن أبي عمير كان بصدد دفع توهّم عمل الفقّاع الحرام .

وموثّقةِ عثمان بن عيسى قال : كتب عبداللّه بن محمّد الرازي إلى أبي جعفر الثاني علیه السلام : إن رأيت أن تفسّر لي الفقّاع ، فإنّه قد اشتبه علينا ، أمكروه هو بعد غليانه ، أم قبله ؟ فكتب علیه السلام : «لا تقرب الفقّاع إلاّ ما لم يضرّ آنيته ، أو كان جديداً» .

فأعاد الكتاب إليه : كتبت أسأل عن الفقّاع ما لم يغلِ ، فأتاني : أن اشربه ماكان في إناء جديد ، أو غير ضارّ ، ولم أعرف حدّ الضراوة والجديد ، وسأل أن يفسّر ذلك له ، وهل يجوز شرب ما يعمل في الغَضارة والزجاج والخشب ونحوه من الأواني ؟ فكتب علیه السلام : «يفعل الفقّاع في الزجاج وفي الفخّار الجديد إلى قدر

ص: 407


1- تقدّمت في الصفحة 400 و403 - 404 .
2- تهذيب الأحكام 9 : 126 / 545 ؛ وسائل الشيعة 25 : 381 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 39 ، الحديث 1 .

ثلاث عملات ، ثمّ لا يعد منه بعد ثلاث عملات إلاّ في إناء جديد ، والخشب

مثل ذلك»(1) .

والظاهر منها أنّ النهي عن هذه الظروف لأجل حصول النشيش والغليان له إذا نبذ فيها . ويمكن أن يكون لحصول الإسكار له ، لكن هذا مجرّد احتمال لا يمكن رفع اليد به عن إطلاق الأدلّة وكلمات الأجلّة .

وصحيحةِ علي بن يقطين ، عن أبي الحسن الماضي علیه السلام قال : سألته عن شرب الفقّاع الذي يعمل في السوق ويباع ، ولا أدري كيف عمل ، ولا متى عمل ، أيحلّ أن أشربه ؟ قال : «لا اُحبّه»(2) .

والظاهر منها وجود قسمين منه : حلال ، وحرام ، والظاهر من الروايتين المتقدّمتين أنّ الحلال منه قبل غليانه ونشيشه ، والحرامَ بعده ، وكذا الأخيرة أيضاً ؛ لإشعار قوله : «متى عمل» - أو ظهوره - في شكّه في بقائه إلى حال التغيّر والنشيش ، ولا يبعد حمل إطلاق كلمات الأصحاب على ما بعده ، كما مرّ ما عن الاُستاذ في «حاشية المدارك» : «أ نّهم صرّحوا بأنّ حرمة الفقّاع ونجاسته تدوران مع الاسم والغليان»(3) .

بل الظاهر من اللغويين عدم صدقه على ما لم ينشّ ؛ قال في «القاموس» :

ص: 408


1- تهذيب الأحكام 9 : 126 / 546 ؛ وسائل الشيعة 25 : 381 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 39 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 9 : 126 / 547 ؛ وسائل الشيعة 25 : 382 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 39 ، الحديث 3 .
3- تقدّم في الصفحة 405 .

«الفُقّاع - كرمّان - : هذا الذي يشرب ، سمّي به لما يرتفع في رأسه من الزَبَد»(1) ونحوه في «المنجد» و«معيار اللغة»(2) .

وفي «المجمع» : «قيل : سمّي «فقّاعاً» لما يرتفع في رأسه من الزَبَد»(3) .

ويظهر من الشهيد في محكيّ «الروض» اعتباره في الصدق(4) .

اختصاص حكم الفقّاع بالمتّخذ من الشعير دون غيره

ثمّ إنّ المتيقّن منه ما اُخذ من الشعير ، والظاهر عدم الكلام فيه ، وإنّما الكلام والإشكال فيما يؤخذ من سائر الأشياء ، كالقمح والذرة والزبيب وغيرها . وقد مرّ كلام الطريحي في «المجمع» في انحصاره بما يؤخذ من الشعير(5) . وهو ظاهر السيّد في «الانتصار» حيث استدلّ على حرمة الفقّاع مطلقاً بعدم استفصال النبي صلی الله علیه و آله وسلم فيما يؤخذ من الشعير ، دون ما يؤخذ من القمح(6) ، فما نسب إليه من أخذه من القمح أيضاً (7) مخالف لذلك .

نعم ، حكى هو من طريق الناس ، عن اُمّ حبيبة زوجة النبي صلی الله علیه و آله وسلم : أنّ اُناساً

من أهل اليمن قدموا على رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ليعلّمهم الصلاة والسنن والفرائض ،

ص: 409


1- القاموس المحيط 3 : 66 .
2- المنجد : 590 ؛ معيار اللغة 2 : 125 .
3- مجمع البحرين 4 : 376 .
4- روض الجنان 1 : 440 .
5- تقدّم في الصفحة 405 .
6- الانتصار : 420 .
7- مفتاح الكرامة 2 : 34 .

فقالوا : يا رسول اللّه ، إنّ لنا شراباً نعمله من القمح والشعير ، فقال : «الغُبَيْراء ؟» قالوا : نعم ، قال : «لا تطعموه . . .»(1) إلى آخره .

ثمّ حكى تفسير زيد بن أسلم «الغُبَيْراء» بالسُكُرْكة ، وهي بالفقّاع(2) .

ولعلّ «الغُبَيْراء» في كلام النبي صلی الله علیه و آله وسلم كان مربوطاً بالمتّخذ من الشعير المتأخّر في الذكر في كلام السائل ، لا منه ومن القمح ، تأمّل . ويظهر من السيّد اختصاص الغُبَيْراء بما يؤخذ من الشعير ، فراجع «الانتصار» بتعمّق(3) .

وعن «المدنيات» : «أ نّه شراب معمول من الشعير»(4) وحكى السيّد عن الواسطي : «أنّ الفقّاع نبيذ الشعير ، وإذا نشّ فهو خمر»(5) .

وعن بعض آخر عدم الاختصاص به ؛ فعن «رازيات السيّد» و«الانتصار» : «كان يعمل من الشعير ومن القمح»(6) وقد عرفت حال ما في «الانتصار» وليس عندي «الرازيات» .

وعن «مقداديات الشهيد» : «كان قديماً يتّخذ من الشعير غالباً ، ويحصّل حتّى يحصل فيه التنشّر ، وكأ نّه الآن يتّخذ من الزبيب»(7) انتهى . كذا في

ص: 410


1- المسند ، أحمد بن حنبل 18 : 536 / 27280 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي 8 : 292 .
2- الانتصار : 419 .
3- الانتصار : 419 - 421 .
4- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 34 .
5- الانتصار : 421 .
6- مفتاح الكرامة 2 : 34 ؛ رسائل الشريف المرتضى 1 : 102 ؛ الانتصار : 420 .
7- رسائل الشهيد الأوّل ، أجوبة مسائل الفاضل المقداد : 272 .

«مفتاح الكرامة»(1) ولعلّ مراده أ نّه يبقى حتّى ينشّ .

وعن أبي عبيد : «أنّ السُكُرْكة من الذرة»(2) .

وعن «مخزن الأدوية» : «أنّ الفقّاع اسم لنوع من النبيذ مركّب طعمه من حلاوة قليلة وحموضة ومرارة ، ويصنع من أكثر الحبوب ، كالشعير والأرُزّ والدخن والذرّة والخبز الحواري والزبيب والتمر والسكّر والعسل ، وقد يضيفون إليه الفلفل وسنبل الطيب والقرنفل»(3) انتهى .

والمتحصّل من الجميع : أنّ ما يؤخذ من الشعير فقّاع بلا ريب ، وصدقَه على ما عداه مشكوك فيه ، ومقتضى الأصل الحلّية والطهارة بعد كون الشكّ في المفهوم والوضع . ومجرّد إطلاقه في الأزمنة المتأخّرة على المأخوذ من غيره ، لا يفيد . وأصالة عدم النقل والاشتراك - على فرض جريانهما - لا تفيد في إثبات الوضع ولو كانت عقلائية .

ص: 411


1- مفتاح الكرامة 2 : 34 . ولكنّ المتن مطابق للطبعة القديمة .
2- لسان العرب 6 : 307 .
3- قرابادين كبير (مخزن الأدوية) : 314 / السطر 26 .
الكافر
اشارة

العاشر : الكافر بجميع أنواعه ؛ ذمّياً كان أو غيره ، أصلياً أو مرتدّاً ، إجماعاً كما في «الانتصار» و«الناصريات» مع التصريح بالكلّية(1) . وفي «الخلاف» دعواه في المشرك الذمّي وغيره(2) .

وفي «الغنية» ادّعى الإجماع المركّب ، وقال : «التفرقة بين نجاسة المشرك وغيره خلاف الإجماع»(3) .

وادّعى الإجماع صريحاً في «المنتهى»(4) وظاهراً في «التذكرة»(5) وهو المحكيّ عن «السرائر» و«البحار» و«الدلائل» و«شرح الفاضل»(6) وظاهر «نهاية الإحكام»(7) .

ص: 412


1- الانتصار : 88 ؛ مسائل الناصريات : 84 .
2- الخلاف 1 : 70 .
3- غنية النزوع 1 : 44 .
4- منتهى المطلب 3 : 222 .
5- تذكرة الفقهاء 1 : 67 .
6- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 35 ؛ السرائر 3 : 124 ؛ بحار الأنوار 77 : 44 ؛ كشف اللثام 1 : 400 .
7- نهاية الإحكام 1 : 273 .

وعن «التهذيب» : «إجماع المسلمين»(1) ولعلّ مراده المؤمنون الذين هم المسلمون حقّاً . وحكي تأويله عن الفاضل الهندي بما هو أبعد ممّا ذكرناه(2) .

وعن «حاشية المدارك» : «أنّ الحكم بالنجاسة شعار الشيعة يعرفه علماء العامّة منهم ، بل وعوامّهم يعرفون أنّ هذا مذهب الشيعة ، بل ونساؤهم وصبيانهم يعرفون ذلك ، وجميع الشيعة يعرفون أنّ هذا مذهبهم في الأعصار والأمصار»(3) .

وعن القديمين القول بعدم نجاسة أسآر اليهود والنصارى(4) ، وكذا عن ظاهر المفيد(5) ، وعن موضع من «النهاية»(6) .

لكن عن «حاشية المدارك» : «لا يحسن جعل ابن أبي عقيل من المخالفين مع تخصيصه عدم النجاسة بأسآرهم ؛ لأ نّه لا يقول بانفعال الماء القليل ، والسؤر هو الماء الملاقي لجسم حيوان» .

قال : «والكراهة في كلام المفيد لعلّه يريد منها المعنى اللغوي»(7) انتهى . وهو حسن .

وأمّا ما نسب إلى «نهاية الشيخ» ففي غير محلّه جزماً ، قال فيها : «ولا يجوز

ص: 413


1- تهذيب الأحكام 1 : 223 ، ذيل الحديث 637 .
2- كشف اللثام 1 : 399 .
3- الحاشية على مدارك الأحكام : 2 199 ، قوله : «بل ادّعى عليه . . . » .
4- اُنظر مختلف الشيعة 8 : 316 .
5- اُنظر المعتبر 1 : 96 ؛ مفتاح الكرامة 2 : 36 .
6- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 36 ؛ النهاية : 589 - 590 .
7- الحاشية على مدارك الأحكام 2 : 199 ، قوله : «ونقل عن ابن الجنيد . . . ».

مؤاكلة الكفّار على اختلاف مللهم ، ولا استعمال أوانيهم إلاّ بعد غسلها بالماء ، وكلّ طعام تولاّه بعض الكفّار بأيديهم وباشروه بنفوسهم لم يجز أكله ؛ لأ نّهم أنجاس ينجس الطعام بمباشرتهم إيّاه» .

قال بعد أسطر : «ويكره أن يدعو الإنسان أحداً من الكفّار إلى طعامه فيأكل منه ، وإن دعاه فليأمره بغسل يديه»(1) انتهى .

وهو كما ترى محمول - كما عن «نكتها»(2) - على الطعام اليابس ، كالتمر والخبز ونحوهما ؛ بقرينة ما تقدّم ، والأمر بغسل يدهم لدفع القذارة العرفية . وأمّا

ما عن ابن إدريس من أ نّه ذكر ذلك إيراداً لا اعتقاداً (3) فبعيد .

والظاهر استناد الشيخ فيما ذكره إلى صحيحة عِيص بن القاسم(4) ، فإنّها بمضمون ما ذكره ظاهراً .

ولم يحضرني كلام ابن الجنيد ، وما نقل عنه(5) غير ظاهر في المخالفة .

ونسب إلى صاحب «المدارك» و«المفاتيح» الميل إلى طهارتهم(6) ، لكن لم يظهر من «المدارك» ذلك فراجع(7) ، ولم يحضرني «المفاتيح»(8) .

ص: 414


1- النهاية : 589 - 590 .
2- النهاية ونكتها 3 : 107 .
3- السرائر 3 : 123 .
4- تأتي في الصفحة 430 .
5- مختلف الشيعة 8 : 316 .
6- مفتاح الكرامة 2 : 36 .
7- مدارك الأحكام 2 : 294 - 298 .
8- مفاتيح الشرائع 1 : 70 - 71 .

نعم ، قد يظهر من «الوافي» ذلك ؛ لأ نّه بعد ذكر الأخبار قال : «وقد مضى في

باب طهارة الماء خبر في جواز الشرب من كوز شرب منه اليهودي(1) ، والتطهير من مسّهم ممّا لا ينبغي تركه»(2) وفيه إشعار برجحان التطهير منه لا لزومه .

التمسّك بالإجماع والسيرة لإثبات نجاسة الكفّار

وكيف كان : فالعمدة هو الإجماعات المتقدّمة ، والمعروفية بين جميع طبقات الشيعة ؛ بحيث صار شعارهم عند الفريقين ، كما تقدّم عن الاُستاذ الوحيد . ولا يمكن أن يقال : إنّ ذلك لتخلّل اجتهاد من الفقهاء ، وتبعهم العوامّ :

أمّا أوّلاً : فلأنّ الأخبار - كما تأتي جملة منها (3) - ظاهرة الدلالة على طهارة أهل الكتاب ، ولها جمع عقلائي مقبول مع غيرها لا يمكن خفاؤه على فاضل ، فضلاً عن جميع الطبقات من أهل الحلّ والعقد من الطائفة ، وهو دليل على أنّ استنادهم إلى بعض الآيات والأخبار(4) ليس مبنى فتواهم ، بل المبنى هو المعلومية من الصدر الأوّل ؛ وأخذ كلّ طبقة لاحقة عن سابقتها .

واحتمال تخلّل الاجتهاد وخطأ جميع طبقات الفقهاء في هذه المسألة الواضحة المأخذ بحسب الرواية ، ممّا تبطله الضرورة . ولا تقاس هذه المسألة بمسألة المنزوحات التي اختلفت الآراء والأخبار فيها ؛ بحيث تكون مظنّة

ص: 415


1- الوافي 6 : 26 / 26 .
2- الوافي 6 : 211 ، ذيل الحديث 31 .
3- تأتي في الصفحة 427 .
4- راجع ما يأتي في الصفحة 415 وما بعدها .

تخلّل الاجتهاد ، كما يظهر بالرجوع إليها .

وأمّا ثانياً : فلأنّ احتمال كون المعروفية عند جميع الطبقات - من النساء والصبيان والحاضر والبادي - من فتوى فقهائهم ، بعيد جدّاً ، بل غير وجيه ؛ فإنّ المسائل الاجتهادية التي أجمعت الفقهاء عليها غير عزيزة ، مع عدم معروفيتها لدى العامّة ؛ حتّى فيما تكون محلّ الابتلاء ، كحرمة العصير العنبي ، وحرمة كثير من أجزاء الذبيحة .

هذا مع أنّ كثيراً ممّن يكون الحكم واضحاً عندهم ، لعلّه لا عهد لهم بالفقهاء وآرائهم .

وبالجملة : هذه الشهرة والمعروفية في جميع الطبقات في الأعصار والأمصار ، تكشف جزماً عن رأي أئمّتهم علیهم السلام ولا يبقى فيها محلّ تشكيك وريب ، سيّما مع مخالفة العامّة جميعاً ، فذهبوا إلى طهارة الكفّار مطلقاً ، قال السيّد :

«وممّا انفردت به الإمامية القول بنجاسة سؤر اليهودي والنصراني وكلّ كافر ،

وخالف جميع الفقهاء في ذلك ، وحكى الطحاوي عن مالك في سؤر النصراني والمشرك : «أ نّه لا يتوضّأ به» ووجدت المحصّلين من أصحاب مالك يقولون : «إنّ ذلك على سبيل الكراهة لا التحريم» لأجل استحلالهم الخمر والخنزير ، وليس بمقطوع على نجاسته ، فالإمامية منفردة بهذا المذهب»(1) انتهى .

هذا أيضاً يؤكّد البناء على نجاستهم ، وعلى معلّلية ما دلّت على طهارتهم من

ص: 416


1- الانتصار : 88 .

الأخبار ، وقد تكرّر منّا (1) : أ نّه لا دليل معتدّ به على حجّية خبر الثقة إلاّ بناء العقلاء ، والتي وردت في هذا المضمار - آيةً وروايةً - لا يستشعر منها التأسيس ، بل كلّها أو جلّها دالّة على إمضاء ما لدى العقلاء ، وليس للشارع المقدّس طريق خاصّ وتعبّد في ذلك ، ولو وجد فيها ما يشعر بخلاف ذلك لم تصل إلى حدّ الدلالة .

ولا شبهة في عدم بناء العقلاء على العمل بمثل الروايات التي أعرض عنها الأصحاب مع كونها بمرءى ومنظر منهم ، وكونهم متعبّدين بالعمل بما وصل إليهم من طريق أهل البيت علیهم السلام فيكون إعراضهم إمّا موجباً للوهن في سندها ، أو مع عدم إمكان ذلك - لكثرة الروايات ، والقطع بصدور بعضها - فلا محالة يوجب الوهن في جهة صدورها مع اتّفاق أهل الخلاف على طهارتهم(2) .

فالقول(3) : «بأنّ مجرّد وثاقة الراوي يكفي في العمل بالرواية» تارة ، و«بأنّ احتمال صدورها تقيّة في المقال في مقام بيان الحكم ، بعيد عن مساق الأخبار» اُخرى ، لا ينبغي أن يصغى إليه .

كما أنّ القول : «بحدوث هذه السيرة والمعروفية بعد عصر الأئمّة علیهم السلام

ولم يكن الحكم معروفاً في زمانهم ؛ لشهادة جلّ الروايات بخلوّ أذهان السائلين - الذين هم من عظماء الشيعة ورواة الأحاديث - من احتمال نجاستهم الذاتية ، وأنّ الذي أوقعهم في الريبة الموجبة للسؤال عدم تجنّبهم عن النجاسات ؛ حتّى

ص: 417


1- تقدّم في الصفحة 19 و262 .
2- المغني ، ابن قدامة 1 : 43 ؛ الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 6 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 255 .

أنّ محمّد بن عبداللّه بن جعفر الحميري الذي كتب إلى صاحب الزمان في عصر الغيبة استشكل في الصلاة في الثياب المتّخذة من المجوس ؛ لأجل أ نّهم كانوا يأكلون الميتة ، ولا يغتسلون من الجنابة(1) ، فيستفاد منه عدم انقداح نجاستهم الذاتية في ذهنه ، فيظنّ منه حدوث المعروفية لدى العلماء للاجتهاد ، ولدى العوامّ للتقليد»(2) .

في غاية الضعف :

أمّا أسئلة الرواة ، فلا تدلّ على عدم المعروفية لدى الشيعة ؛ فإنّ المتتبّع في أسئلتهم في المسائل الفقهية ، يرى أنّ كثيراً ما لم تكن الأسئلة الصادرة من فقهاء أصحابهم لرفع شبهة ، بل كان بناؤهم على السؤال لضبط الجواب عن كلّ إمام في اُصولهم وكتبهم ، فمثل مشايخ أصحاب أبي عبداللّه علیه السلام -

نظير زرارة ومحمّد ابن مسلم وأبي بصير ، وغيرهم ممّن أدركوا عصر أبي جعفر علیه السلام وأخذوا المسائل منه - سألوا أبا عبداللّه علیه السلام عن تلك المسائل بعينها ، وربّما سألوا عن مسائل

واضحة لا يمكن خفاؤها عليهم إلى زمان الصادق علیه السلام ككيفية غسل الجنابة وغسل الميّت والوضوء وجواز المسح على الخفّين بل وعدد الصلوات الفرائض ، إلى غير ذلك ممّا لا تحصى ، حيث كان السؤال لمقاصد اُخر ، كالحفظ في الكتب للبقاء والوصول إلى الطبقة المتأخّرة ، وكثرة الانتشار ، وغير ذلك .

وأمّا دعوى : أنّ جلّ الروايات شاهدة على خلوّ أذهان السائلين عن

ص: 418


1- الاحتجاج 2 : 570 ؛ وسائل الشيعة 3 : 520 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 73 ، الحديث 9 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 258 - 259 .

نجاستهم ذاتاً ، ففيها : أنّ الواقع خلاف ذلك ؛ فإنّ جلّها خالية من الإشعار بما ذكر ، فضلاً عن الشهادة به ، كما يظهر للمراجع إليها في كتاب الطهارة والأطعمة .

نعم ، في بعضها إشعار بذلك ، كرواية الحميري المتقدّمة . لكن ليس محطّ نظره السؤال عن نجاسة المجوس ، بل نظره إلى السؤال عن حال الثوب المنسوج بيدهم . ولا يبعد أن يكون بعد الفراغ عن نجاستهم ، ولهذا خصّهم بالذكر ، وإنّما ذكر أكلهم الميتة وعدم اغتسالهم من الجنابة ؛ لفرض قوّة احتمال تنجّس الثوب ، وأ نّه مع كونهم نجساً كانوا كذلك ، ولأجله صار ما بأيديهم أقرب إلى التنجّس ، ولهذا أضاف إلى أكل الميتة عدم اغتسالهم من الجنابة .

فهي نظير صحيحة معاوية بن عمّار قال : «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الثياب

السابرية يعملها المجوس ، وهم أخباث ، وهم يشربون الخمر ، ونساؤهم على تلك الحال ، ألبسها ولا أغسلها . . .»(1) إلى آخره .

والظاهر أنّ المراد ب- «الأخباث» الأنجاس ؛ فإنّ الخبث الباطني النفساني لا يناسب المقام ، وذكر النجاسة العرضية غير مناسب لقوله بعده : «وهم يشربون الخمر» فالظاهر فرض قوّة احتمال تلوّث الثياب وتنجّسها بفرض نجاسات ذاتاً وعرضاً فيهم وفيما بأيديهم .

ونحوها صحيحة عبداللّه بن سِنان(2) حيث فرض فيها إعارة الذمّي الثوب ،

ص: 419


1- تهذيب الأحكام 2 : 362 / 1497 ؛ وسائل الشيعة 3 : 518 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 73 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 361 / 1495 ؛ وسائل الشيعة 3 : 521 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 74 ، الحديث 1 .

ويعلم أ نّه يشرب الخمر ، ويأكل لحم الخنزير . بل الأسئلة الكثيرة في الروايات

عن ثياب المجوس والنصارى واليهود وبواريهم وما يعملونه وغير ذلك(1) ، ظاهرة الدلالة في معهودية نجاستهم في ذلك العصر . إلاّ أن يقال : اختصاصهم بالذكر لكثرة ابتلائهم بها ، كما ربّما يشهد به بعضها .

التمسّك بالكتاب لإثبات نجاسة الكفّار

ثمّ إنّه قد استدلّ(2) على نجاستهم بقوله تعالى : )إِنَّمَا ا لْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ((3) .

ويمكن تقريبه بنحو لا يرد عليه بعض الإشكالات : وهو أنّ المستفاد من كلمة الحصر وحمل المصدر ؛ أنّ المشركين ليسوا إلاّ حقيقة النجاسة بالمعنى المصدري ، وهو مبنيّ على الادّعاء والتأوّل ، وهو لا يناسب طهارتهم ونظافتهم ظاهراً التي هي بنظر العرف أوضح مقابل للنجاسة وأظهره ، فلا يجوز الحمل على القذارة الباطنية : من كفرهم أو جنابتهم ؛ لبشاعة أن يقال : «إنّ الكافر ليس إلاّ عين القذارة ، لكنّه طاهر نظيف في ظاهره ، كسائر الأعيان الطاهرة» .

بل لو منع من إفادة كلمة «إنّما» الحصر ، يكون حمل المصدر الدالّ على الاتّحاد في الوجود ، موجباً لذلك أيضاً ، كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام.

ص: 420


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 419 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، و : 518 ، الباب 73 .
2- المعتبر 1 : 96 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 164 ؛ جواهر الكلام 6 : 41 و42 .
3- التوبة (9) : 28 .

نعم ، لو قرن الكلام بدعوى اُخرى : هي دعوى أنّ المشركين ليسوا إلاّ بواطنهم ، لكان لإنكار الدلالة وجه ، لكنّها على فرض صحّتها خلاف الأصل .

والحمل على القذارة الصورية العرفية غير جائز ؛ لعدم مطابقته للواقع إن اُريد الحقيقة ، فلا بدّ من ارتكاب تجوّز ؛ وهو دعوى : أ نّه من هو نظيف بينهم كالعدم ، وهي لا تصحّ إلاّ إذا كان النظيف بينهم نادراً يلحق بالعدم ، وهو غير معلوم ، بل معلوم العدم . مع أنّ المجاز خلاف الأصل ، ولا قرينة عليه .

وكذا إن اُريد نجاستهم عرضاً لا بدّ من ارتكاب التجوّز ، وهو أيضاً خلاف الأصل لو فرض كثرة ابتلائهم بحدّ تصحّح الدعوى .

مضافاً إلى أنّ دعوى كونهم عين النجاسة بالمعنى المصدري أو حاصله ، أيضاً لا تتناسب في النجاسة العرضية إلاّ في بعض الأحيان ، كما لو تلوّث جميع البدن تحقيقاً أو تقريباً ، وإلاّ فمع الملاقاة ببعض البدن لا يصحّ دعوى أ نّه عين القذارة ، وتلوّث جميع أفراد المشركين أو أكثرهم - بنحو تصحّ دعوى أنّ جميعهم نجاسة ونجَس بالفتح - معلوم العدم . مع أنّ المجاز خلاف الأصل .

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ حمل الآية على إرادة القذارة المعنوية فقط ، غير صحيح لا يناسب البلاغة ، وحملَها على القذارة العرفية حقيقة ، غير موافق للواقع ، وعلى التأوّل غير صحيح ، ومع فرض الصحّة مخالف للأصل ، وكذا على القذارة العرضية .

فبقي احتمال أن يكون المراد به النجاسة الجعلية الاعتبارية ، فهو :

إمّا محمول على الإخبار عن الواقع ، فلا بدّ من مسبوقيته بجعل آخر ، وهو بعيد .

ص: 421

أو على الإخبار في مقام الإنشاء ، فيصحّ دعوى أ نّهم عين القذارة والنجاسة بعد كون جميع أبدانهم قذراً ، سيّما إذا اُريد نجاستهم الباطنية أيضاً ، فتكون دعوى أ نّهم عين القذارة - بعد كونهم ظاهراً وباطناً ملوّثين بالكفر والخباثة والجنابة والقذارة - في غاية البلاغة ، فإبقاء المصدر على ظاهره أبلغ في إفادة المطلوب من حمله على خلاف ظاهره مرادفاً للنجِس بالكسر .

وبما ذكرناه يندفع الإشكال : «بأ نّه نمنع كون «النجَس» في زمان صدور الآية

حقيقة في المعنى المصطلح ، بل المتبادر منه هو المعنى اللغوي الذي هو أعمّ من الاصطلاحي»(1) لما عرفت من أنّ الحمل على المعنى الحقيقي -

أي القذارة العرفية - غير ممكن ، كما تقدّم .

ولو قيل : إنّه يدور الأمر بين حمل «النجَس» على المعنى الحقيقي ، والتصرّف والتأويل في «المشركين» أو العكس ، ولا ترجيح .

يقال : إنّ الترجيح مع حمل «النجَس» على الجعلي الاعتباري ؛ لمساعدة العرف . مع أنّ مصحّح الادّعاء في المشركين غير محقّق ؛ لما تقدّم .

هذا مضافاً إلى ما أشرنا إليه(2) في هذا المختصر : بأنْ ليس للشارع اصطلاح خاصّ في النجاسة والقذارة مقابل العرف ، بل وضع أحكاماً لبعض القذارات العرفية ، وأخرج بعضها عنها ، وألحق اُموراً بها ، فالبول والغائط ونحوهما قذرة عرفاً وشرعاً ، ووضع الشارع لها أحكاماً ، وأخرج مثل النخامة والقيح - ونحوهما من القذارات العرفية - عنها حكماً بلسان نفي الموضوع في بعضها ،

ص: 422


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 236 .
2- تقدّم في الصفحة 11 .

وألحق مثل الكافر والخمر والكلب بها بجعلها نجَساً ؛ أي اعتبر القذارة لها .

ففي الحقيقة أخرج مصاديق من المفاهيم تعبّداً ، وأدخل مصاديق فيه كذلك ؛ من غير تصرّف في المفهوم ، فإن اُريد من الاصطلاح الشرعي ذلك فلا كلام ، وإن اُريد أنّ مفهوم «القذارة» عند الشرع والعرف مختلفان ، فهو ممنوع .

ولا إشكال في أنّ الأحكام الشرعية كانت مترتبة على قذارات - كالأخبثين وغيرهما - في عصر الشارع الأقدس ، فقوله تعالى : )إِنَّمَا ا لْمُشْرِكُونَ

نَجَسٌ((1) محمول على النجاسة بمفهومها ، لكن لا بمعنى الإخبار عن الواقع ، فإنّه غير محقّق ، ومع فرض تحقّقه لا يكون الإخبار به وظيفة الشارع ، بل بمعنى جعل ما ليس بمصداق مصداقاً تعبّداً ، وهو الأقرب بعد قيام القرينة العقلية والعادية ، كما عرفت الكلام فيها مستقصىً(2) .

فتحصّل من ذلك : أنّ دلالة الآية الكريمة بالنسبة إلى المشركين تامّة .

وأمّا بالنسبة إلى الذمّي :

فقد يقال بانسلاكه فيهم(3) ؛ لقوله تعالى : )وَقَالَتِ ا ليَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّه ِ . . .( إلى قوله : )سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ((4) .

وفيه : أنّ تلك الآية مسبوقة باُخرى ؛ وهي : )اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابَاً مِنْ دُونِ اللّه ِ وَا لْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا اُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً

ص: 423


1- التوبة (9) : 28 .
2- تقدّم في الصفحة 11 - 13 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 166 .
4- التوبة (9) : 30 - 31 .

لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ( .

والمراد باتّخاذهم أرباباً ليس ما هو ظاهرها ؛ لعدم قولهم باُلوهيتهم ، ففي

«مجمع البيان» عن الثعلبي ، عن عديّ بن حاتم في حديث قال : انتهيت إليه - أي إلى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم - وهو يقرأ من سورة البراءة هذه الآية : )اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ . . .( حتّى فرغ منها ، فقلت له : لسنا نعبدهم ، فقال : «أليس يحرّمون ما أحلّ اللّه فتحرّمونه ، ويحلّون ما حرّم اللّه فتستحلّونه ؟» قال : قلت : بلى ، قال : «فتلك عبادتهم»(1) .

وقريب منها في رواياتنا (2) ، فعليه لا يكون الشرك بمعناه الحقيقي .

إلاّ أن يقول النصارى : بأنّ المسيح اللّه ، كما قال تعالى : )أ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّى إِلهَيْنِ((3) .

وقال تعالى في الآية المتقدّمة : )وَا لْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ( ولم ينفه عديّ بن حاتم ، بل الظاهر نفي عبادتهم للأحبار والرهبان .

وقال تعالى : )لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّه َ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ((4) .

قال في «المجمع» : «القائلون بهذه المقالة جمهور النصارى : من الملكانية ، واليعقوبية ، والنسطورية ؛ لأ نّهم يقولون بثلاثة أقانيم»(5) .

ص: 424


1- مجمع البيان 5 : 37 .
2- تفسير العيّاشي 2 : 86 - 87 ؛ مجمع البيان 5 : 37 .
3- المائدة (5) : 116 .
4- المائدة (5) : 73 .
5- مجمع البيان 3 : 353 .

وفي «مجمع البحرين» : «قيل : هو ردّ على النصارى لإثباتهم قدم الاُقْنوم»(1) انتهى .

وقال تعالى : )لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّه َ هُوَ ا لْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ ا لْمَسِيحُ يَا بَنِى إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللّه َ رَبِّى وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّه ِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّه ُ عَلَيْهِ ا لْجَنَّةَ((2) .

حيث يظهر منها شركهم . ولعلّه لقولهم بأنّ المسيح هو الربّ المتجسّد في الناسوت ؛ حتّى أنّ صاحب «المنجد» المسيحي قال : «المسيح : لقب الربّ ، يسوع ابن اللّه المتجسّد» وقال : «المسيحي : المنسوب إلى المسيح الربّ»(3) .

تعالى اللّه عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً .

وفي «مجمع البيان» : «هذا مذهب اليعقوبية منهم ؛ لأ نّهم قالوا : إنّ اللّه اتّحد بالمسيح اتّحاد الذات ، فصارا شيئاً واحداً ، وصار الناسوت لاهوتاً ، وذلك قولهم : إنّه الإله»(4) .

وكيف كان : لا يمكن لنا إثبات الشرك لجميع طوائفهم ، ولا إثباته لليهود مطلقاً .

وليس في قول النصارى : )ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ((5) إشعار بأنّ اليهود قائلون : إنّه

ص: 425


1- مجمع البحرين 2 : 239 .
2- المائدة (5) : 72 .
3- المنجد (الطبعة الثانية) : 560 .
4- مجمع البيان 3 : 352 .
5- المائدة (5) : 73 .

ثاني اثنين ، ومجرّد القول : بأنّ عزيراً ابن اللّه لا يوجب الشرك وإن لزم منه الكفر . مع أنّ القائلين بذلك - على ما قيل(1) - طائفة منهم قد انقرضوا .

وأمّا المجوس :

فإن قالوا بإلهية النور والظلمة ، أو يزدان وأهْرمن ، فهم مشركون داخلون في إطلاق الآية الكريمة . مع احتمال أن يكون المراد بالمشركين في الآية هو مشركو العرب ؛ أي الوثنيون .

كما أنّ الطبيعيين من الكفّار والمنتحلين للإسلام ، خارجون عن الشرك ، فالآية الشريفة غير وافية لإثبات تمام المدّعى ؛ أي نجاسة تمام صنوف الكفّار .

واستدلّ المحقّق لنجاستهم(2) بقوله تعالى : )كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّه ُ ا لرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ((3) .

وهو مشكل مع اشتراكه بين العذاب واللعنة وغيرهما ؛ وإن حكي عن الشيخ في «التهذيب» : «أنّ )ا لرِّجْسَ( هو النجس بلا خلاف»(4) .

وقال في «المجمع» : «ظاهره أ نّه لا خلاف بين علمائنا في أ نّه في الآية بمعنى النجس»(5) انتهى .

ولعلّ دعواه ناشئة من عدم الخلاف في نجاستهم ، وإلاّ فلم يفسّره

ص: 426


1- مجمع البيان 5 : 36 .
2- المعتبر 1 : 96 .
3- الأنعام (6) : 125 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 278 ، ذيل الحديث 816 .
5- مجمع البحرين 4 : 74 .

المفسّرون به ، كما يظهر من المحقّق(1) ، ولم يحتمله في «مجمع البيان» ولم ينقله من أحد(2) ، مع أنّ بناءه على نقل الأقوال .

التمسّك بطوائف من الروايات لإثبات نجاسة أهل الكتاب وما فيه

واستدلّ على نجاسة أهل الكتاب بروايات مستفيضة ، وهي على طوائف :

منها : ما وردت في النهي عن مصافحتهم ، والأمر بغسل اليد إن صافحهم ، كصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام : في رجل صافح رجلاً مجوسياً ، فقال : «يغسل يده ، ولا يتوضّأ»(3) .

وصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن موسى علیه السلام قال : سألته عن مؤاكلة المجوسي في قَصْعة واحدة ، وأرقد معه على فراش واحد ، واُصافحه ، قال : «لا»(4) . وقريب منها صحيحته الاُخرى(5) .

فإنّ الأمر بالغسل محمول على ما إذا كان في اليد رطوبة سارية ، فهو ظاهر في نجاستهم ، كالأمر بغسل الثوب من ملاقاة الكلب(6) .

ص: 427


1- المعتبر 1 : 96 .
2- راجع مجمع البيان 4 : 562 .
3- الكافي 2 : 650 / 12 ؛ وسائل الشيعة 3 : 419 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 3 .
4- الكافي 6 : 264 / 7 ؛ وسائل الشيعة 3 : 420 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 6 .
5- تأتي في الصفحة 429 .
6- راجع وسائل الشيعة 3 : 414 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 1 .

وفيه : أنّ الأمر كذلك بالنسبة إلى صحيحة ابن مسلم لو لا سائر الروايات ، وأمّا مع ملاحظتها فالظاهر منها أنّ مصافحة الذمّي مرجوح نفساً ؛ لأجل ترك المحابّة معهم ، والأمر بالغسل محمول على الاستحباب لإظهار التنفّر والانزجار عنهم ؛ سواء كانت اليد مرطوبة أو لا .

والدليل على المرجوحية مطلقاً - مضافاً إلى رواية الحسين بن زيد ، عن الصادق ، عن آبائه علیهم السلام عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «أ نّه نهى عن مصافحة الذمّي»(1) - صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة ، وصحيحته الاُخرى الظاهرتان في أنّ المصافحة معهم مطلقاً مرجوح . وحمل النهي فيها على الغيري خلاف الظاهر ، سيّما في مثل المقام ممّا يعلم مرجوحية إظهار الموادّة معهم بأيّ نحو كان .

ويؤيّده بل يدلّ عليه إرداف النهي عن المصافحة بالرقود مع المجوس على فراش واحد ، وبالنهي عن إقعاد اليهودي والنصراني على فراشه ومسجده في صحيحته الاُخرى .

وتدلّ على أنّ الغسل ليس للتطهير بل لإظهار التنفّر - مضافاً إلى ما تقدّم - رواية خالد القَلانسي قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ألقى الذمّي فيصافحني ، قال : «امسحها بالتراب أو بالحائط» . قلت : فالناصب ، قال : «اغسلها»(2) .

فإنّ الظاهر منها أنّ الموضوع في الموردين واحد ، فيكون المسح بالتراب أو

ص: 428


1- الفقيه 4 : 4 / 1 ؛ وسائل الشيع-ة 12 : 225 ، كتاب الحجّ ، أبواب أحكام العشرة ، الباب 127 ، الحديث 7 .
2- الكافي 2 : 650 / 11 ؛ وسائل الشيعة 3 : 420 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 4 .

الحائط لإظهار نفرة وانزجار منهم ، وهو في الناصب أشدّ . ويمكن أن يكون الغسل في الناصب للنجاسة ، والمسح في الذمّي لإظهار النفرة ، فالرواية دالّة على طهارتهم .

وموثّقة أبي بصير ، عن أحدهما علیهما السلام : في مصافحة المسلم اليهودي والنصراني قال : «من وراء الثوب ، فإن صافحك بيده فاغسل يدك»(1) .

والظاهر منها أنّ غسل اليد ليس للنجاسة ، وإلاّ لكان يأمر بغسل الثوب أيضاً ، بل لأجل التماسّ مع يدهما ، وهو نحو انزجار ونفور . والحمل على عرق اليدين مشترك ، والتفكيك كما ترى ، فتلك الطائفة أجنبيّة عن الدلالة على النجاسة .

ومنها : ما دلّت على النهي عن مؤاكلتهم في قَصْعة واحدة ، كصحيحة علي ابن جعفر المتقدّمة وصحيحته الاُخرى ، عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن فراش اليهودي والنصراني ، ينام عليه ؟ قال : «لا بأس ، ولا يصلّى في ثيابهما ، ولا يأكل المسلم مع المجوسي في قَصْعة واحدة ، ولا يقعده على فراشه ، ولا مسجده ، ولا يصافحه . . .»(2) إلى آخره .

وصحيحة هارون بن خارجة قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّي اُخالط المجوس ، فآكل من طعامهم ؟ فقال : «لا»(3) .

ص: 429


1- الكافي 2 : 650 / 10 ؛ وسائل الشيعة 3 : 420 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 263 / 766 ؛ وسائل الشيعة 3 : 421 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 10 .
3- الكافي 6 : 264 / 8 ؛ وسائل الشيعة 3 : 420 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 7 .

والظاهر منها النهي عن المؤاكلة ، فتدلّ على نجاستهم .

وفيه : أ نّه لا دلالة لها على النجاسة ؛ لقوّة احتمال مرجوحية المؤاكلة معهم مطلقاً ، لا للسراية ، كما أ نّه مقتضى إطلاقها الشامل لليابس ، سيّما مع اشتمالها على النهي عن الإقعاد على الفراش والمسجد ونحوهما .

وتشهد له حسنة الكاهلي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قوم مسلمين يأكلون ، وحضرهم رجل مجوسي ، أيدعونه إلى طعامهم ؟ فقال : «أمّا أنا فلا اُؤاكل المجوس ، وأكره أن اُحرّم عليكم شيئاً تصنعونه في بلادكم»(1) .

والمراد من التحريم المنع ، وظاهرها أنّ الحكم على سبيل التنزّه لا الحرمة ، كما هو ظاهر هذا التعبير في غير واحد من المقامات .

وصحيحةُ عِيص بن القاسم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن مؤاكلة اليهودي والنصراني والمجوسي ، فقال : «إن كان من طعامك وتوضّأ فلا بأس»(2) .

وصحيحتهُ الاُخرى قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن مؤاكلة اليهودي والنصراني ، فقال : «لا بأس إذا كان من طعامك» .

وسألت عن مؤاكلة المجوسي ، فقال : «إذا توضّأ فلا بأس»(3) .

ولعلّ المراد بالتوضّي الاستنجاء بالماء ، أو غسل يده . وهما ظاهرتا الدلالة

ص: 430


1- الكافي 6 : 263 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 419 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 2 .
2- الكافي 6 : 263 / 3 ؛ وسائل الشيعة 24 : 208 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 53 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 9 : 88 / 373 ؛ وسائل الشيعة 24 : 209 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 53 ، الحديث 4 .

في عدم نجاستهم ، والنهي عن مؤاكلتهم على سبيل الكراهة مطلقاً ، أو في بعض الصور .

ومنها : ما وردت في النهي عن آنيتهم ، كصحيحة إسماعيل بن جابر قال : قال لي أبو عبداللّه علیه السلام : «لا تأكل ذبائحهم ، ولا تأكل في آنيتهم» يعني أهل الكتاب(1) ونحوها روايته الاُخرى(2) وكذا رواية عبداللّه بن طلحة(3) .

وصحيحةِ محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن آنية أهل الذمّة والمجوس ، فقال : «لا تأكلوا في آنيتهم ، ولا من طعامهم الذي يطبخون ، ولا في آنيتهم الذي يشربون فيه الخمر»(4) . بدعوى : أنّ النهي عنه ظاهر في نجاستهم .

وفيها : أنّ هاهنا احتمالين آخرين أقرب ممّا ذكر :

أحدهما : احتمال المرجوحية النفسية ؛ لكون الأكل في آنيتهم أيضاً نحو عِشْرة معهم .

والدليل عليه -

مضافاً إلى أنّ إطلاقها يقتضي منع الأكل من مطلق أوانيهم ؛

ص: 431


1- الكافي 6 : 240 / 13 ؛ وسائل الشيعة 24 : 55 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 27 ، الحديث 10 .
2- الكافي 6 : 240 / 11 ؛ وسائل الشيعة 24 : 54 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 27 ، الحديث 7 .
3- المحاسن : 584 / 72 ؛ وسائل الشيعة 24 : 212 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 54 ، الحديث 7 .
4- الكافي 6 : 264 / 5 ؛ وسائل الشيعة 24 : 210 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 54 ، الحديث 3 .

سواء كان المأكول يابساً أو لا ، والآنية يابسة أو لا - رواية زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في آنية المجوس ، فقال : «إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء»(1) .

فإنّ الظاهر منها أنّ المنع ليس لنجاستهم ، وإلاّ لما قيّده بالاضطرار .

نعم ، ظاهر الأمر بالغسل نجاسة إنائهم ، وإطلاقه يقتضي نجاستهم ؛ وإن أمكن أن يقال : إنّ إطلاقه يقتضي لزوم غسل إنائهم ولو لم يستعملوه في المائعات ، أو شكّ فيه ، فيكون الغسل نحو نفور وانزجار عنهم ، تأمّل .

ثانيهما : أنّ الأمر بالغسل لكونها مستعملة في أكل النجس وشربه ، وتدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألته عن آنية أهل الكتاب ، فقال : «لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة والدم ولحم الخنزير»(2) .

وصحيحةُ إسماعيل بن جابر قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ما تقول في طعام أهل الكتاب ؟ فقال : «لا تأكله» ثمّ سكت هنيئة ، ثمّ قال : «لا تأكله» ثمّ سكت هنيئة ، ثمّ قال : «لا تأكله ، ولا تتركه ، تقول : إنّه حرام ، ولكن تتركه تتنزّه» «تنزّهاً» - خ . ل - «عنه ؛ إنّ في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير»(3) .

وهما مفسّرتان لسائر الروايات ، وظاهرتان في طهارتهم ، وشاهدتان للجمع

ص: 432


1- المحاسن : 584 / 73 ؛ وسائل الشيعة 24 : 212 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 54 ، الحديث 8 .
2- تهذيب الأحكام 9 : 88 / 371 ؛ وسائل الشيعة 24 : 211 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 54 ، الحديث 6 .
3- الكافي 6 : 264 / 9 ؛ وسائل الشيعة 24 : 210 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 54 ، الحديث 4 .

بين جميع الروايات ؛ لو فرضت دلالتها على النجاسة في نفسها .

ومنها : ما وردت في سؤرهم ، كصحيحة سعيد الأعرج - بناءً على كونه ابن عبد الرحمان ، كما هو الظاهر - قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن سؤر اليهودي والنصراني ، فقال : «لا»(1) .

ومرسلة الوشّاء ، عمّن ذكره ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «أ نّه كره سؤر ولد الزنا ، وسؤر اليهودي والنصراني والمشرك ، وكلّ من خالف الإسلام ، وكان أشدّ ذلك عنده سؤر الناصب»(2) .

بناءً على كون الكراهة الانزجار على نحو الالتزام .

وفيه : - مضافاً إلى معارضتهما بما هو كالصريح في الطهارة ؛ أعني موثّقة عمّار الساباطي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الرجل هل يتوضّأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه على أ نّه يهودي ؟ فقال : «نعم» فقلت : من ذلك الماء الذي يشرب منه ؟ ! قال : «نعم»(3) .

والظاهر أنّ المراد بقوله : «على أ نّه يهودي» أ نّه على فرض كون الرجل يهودياً . والحمل على الظنّ بكونه يهودياً خلاف الظاهر .

وصحيحةَ إبراهيم بن أبي محمود قال : قلت للرضا علیه السلام : الجارية النصرانية

ص: 433


1- الكافي 3 : 11 / 5 ؛ وسائل الشيعة 1 : 229 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 3 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 11 / 6 ؛ وسائل الشيعة 1 : 229 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 3 ، الحديث 2 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 223 / 641 ؛ وسائل الشيعة 1 : 229 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 3 ، الحديث 3 .

تخدمك ، وأنت تعلم أ نّها نصرانية ؛ لا تتوضّأ ، ولا تغتسل من جنابة ، قال : «لا بأس ، تغسل يديها»(1) .

ومقتضى الجمع بينهما وبين ما تقدّم حمل النهي على الكراهة ؛ لاحتمال النجاسة العرفية بل الصحيحة الأخيرة شاهدة للجمع بين الروايات المتفرّقة كما هو واضح - أ نّه يمكن منع دلالتهما :

أمّا الثانية : فهي على خلاف المطلوب أدلّ ، سيّما مع اقترانه بولد الزنا .

وأمّا الاُولى : فلأنّ استفادة نجاستهم منها ، إنّما هي بمدد ارتكاز العقلاء

على أنّ النهي عن سؤرهم لانفعال الماء منه ، كما تستفاد النجاسة في سائر النجاسات من الأمر بالغسل ، أو النهي عن الصلاة فيها ، أو نحو ذلك ، وهو في المقام ممنوع بعد الاحتمال العقلائي المعوّل عليه بأنّ الشرب من سؤرهم وفضلهم - بما أ نّهم أعداء اللّه - كان منهيّاً عنه ومنفوراً ، سيّما مع ورود النهي عن مؤاكلتهم ومصافحتهم ، والنوم معهم على فراش واحد ، وإقعادهم على الفراش والمسجد(2) ، فإنّها توجب قوّة احتمال أن تكون النواهي الواردة فيهم ، نواهيَ نفسية لتجنّب المسلمين ونفورهم عنهم ، لا لنجاستهم العرضية أو الذاتية ، بل لمحض كونهم مخالفين للإسلام وأعداء اللّه ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم .

ويؤيّده قوله في المرسلة : «وكان أشدّ ذلك عنده سؤر الناصب» .

ص: 434


1- تهذيب الأحكام 1 : 399 / 1245 ؛ وسائل الشيعة 3 : 422 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 11 .
2- راجع ما تقدّم من الروايات في الصفحة 427 .

وبالجملة : لو لم نقل بأنّ تلك النواهي ظاهرة في ذلك ، فلا أقلّ من الاحتمال الراجح أو المساوي ، فلا يستفاد منها نجاستهم بوجه .

وممّا ذكرناه يظهر الكلام في روايات اُخر ، كموثّقة عبداللّه بن أبي يعفور ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث قال :

«وإيّاك أن تغتسل من غُسالة الحمّام ؛ ففيها يجتمع غُسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهلَ البيت ، وهو شرّهم ؛ فإنّ اللّه تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب ، وإنّ الناصب لنا أهلَ البيت لأنجس منه»(1) .

فإنّ استفادة نجاستهم منها لمقارنتهم بالناصب ، مع تصريحه بأ نّهم «أنجس من الكلب» وهي لم تصل إلى حدّ الدلالة ، فضلاً عن معارضة غيرها .

ولو سلّمت دلالتها فمقتضى الجمع بينها وبين ما هو كالصريح في طهارتهم ، حملها على الكراهة ، أو على ابتلائهم بالنجاسات .

مضافاً إلى قيام شواهد على ذلك في روايات المنع عن الاغتسال بغسالة الحمّام ، أو على الحمل على الكراهة ، كالتعليل بأنّ فيها غسالة ولد الزنا ، وهو لا يطهر إلى سبعة آباء(2) ؛ لمعلومية أنّ الطهارة فيها غير ما تقابل نجاسة ظاهر أبدانهم ، كرواية محمّد بن علي بن جعفر ، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام قال : «من

ص: 435


1- علل الشرائع : 292 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 220 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 5 .
2- راجع وسائل الشيعة 1 : 219 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 4 .

اغتسل من الماء الذي قد اغتُسل فيه فأصابه الجُذام ، فلا يلومنّ إلاّ نفسه» .

فقلت لأبي الحسن : إنّ أهل المدينة يقولون : إنّ فيه شفاء من العين ، فقال :

«كذبوا ، يغتسل فيه الجنب من الحرام والزاني والناصب الذي هو شرّهما وكلّ من خلق اللّه ، ثمّ يكون فيه شفاء من العين ؟ !»(1) . بناءً على أنّ المراد ، الغسل من غسالة الحمّام .

وعنه علیه السلام في حديث أ نّه قال : «لا تغتسل من غسالة ماء الحمّام ؛ فإنّه يغتسل فيه من الزنا ، ويغتسل فيه ولد الزنا والناصب لنا أهل البيت ، وهو شرّهم»(2) .

وغيرها ممّا تشعر أو تدلّ على الكراه-ة . هذا إذا كان المراد م-ن «الغسالة» غير ماء الحمّام ، كما لا يبعد .

وأمّا لو كان المراد ذلك ، فلا إشكال في كونها محمولة على الكراهة ؛ للمستفيضة الدالّة على عدم انفعال ماء الحمّام ، وأ نّه «كماء النهر»(3) و«لا ينجّسه شيء»(4) فعليها أيضاً تحمل صحيحة علي بن جعفر : أ نّه سأل أخاه موسى

ص: 436


1- الكافي 6 : 503 / 38 ؛ وسائل الشيعة 1 : 219 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 2 .
2- الكافي 6 : 498 / 10 ؛ وسائل الشيعة 1 : 219 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 3 .
3- الكافي 3 : 14 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 150 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 7 ، الحديث 7 .
4- قرب الإسناد : 309 / 1205 ؛ وسائل الشيعة 1 : 150 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 7 ، الحديث 8 .

ابن جعفر علیه السلام عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمّام ، قال : «إذا علم أ نّه نصراني اغتسل بغير ماء الحمّام ، إلاّ أن يغتسل وحده على الحوض ، فيغسله ثمّ يغتسل» .

وسأله عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء ، أيتوضّأ منه للصلاة ؟ قال :

«لا ، إلاّ أن يضطرّ إليه»(1) .

فإنّ الظاهر منها الاغتسال بماء الحمّام ، لا غسالته المجتمعة في البئر ، فلا محيص عن الحمل على الكراهة ؛ لعدم انفعاله . مع أنّ الظاهر من ذيلها طهارتهم . والحمل على الاضطرار للتقيّة ، كما ترى .

ومنها : ما وردت فيما يعملون من الثياب أو يستعيرونها (2) فإنّها وإن اشتملت على نفي البأس غالباً ، لكن يظهر منها معهودية نجاستهم .

وفيه : أ نّها أعمّ من الذاتية ، كما تشعر أو تدلّ على العرضية نفس الروايات . مع أ نّها لا تقاوم الأدلّة الصريحة أو كالصريحة بطهارتهم ، كما مرّت(3) .

فتحصّل من جميع ذلك : أنْ لا دليل على نجاسة أهل الكتاب ولا الملحدين ما عدا المشركين ، بل مقتضى الأصل طهارتهم . بل قامت الأدلّة على طهارة الطائفة الاُولى . بل هي مقتضى الأخبار الكثيرة الدالّة على جواز تزويج الكتابية(4)

ص: 437


1- تهذيب الأحكام 1 : 223 / 640 ؛ وسائل الشيعة 3 : 421 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 9 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 518 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 73 و74 .
3- تقدّمت في الصفحة 433 .
4- راجع وسائل الشيعة 20 : 536 ، كتاب النكاح ، أبواب ما يحرم بالكفر ، الباب 2 .

واتّخاذها ظِئراً (1) ، وتغسيل الكتابي للميّت المسلم بعض الأحيان(2) . . . إلى غير ذلك . ويؤيّدها مخالطة الأئمّة علیهم السلام وخواصّهم للعامّة غير المتحرّزين عن معاشرتهم .

فالمسألة مع هذه الحال التيتراها لا ينبغي وقوع خطأ عمّن له قدم في الصناعة فيها ، فضلاً عن أكابر أصحاب الفنّ ومهرة الصناعة ، فكيف بجميع طبقاتهم ؟ !

ومن ذلك يعلم : أنّ المسألة معروفة بينهم من الأوّل ، وأخذ كلّ طائفة من سابقتها . . . وهكذا إلى عصر الأئمّة علیهم السلام والتمسّك بالأدلّة أحياناً ليس لابتناء الفتوى عليها .

ولقد أجاد العلَم المحقّق صاحب «الجواهر» قدّس اللّه نفسه حيث قال : «فتطويل البحث في المقام تضييع للأيّام في غير ما أعدّ له الملك العلاّم»(3) وتعريض بعض الأجلّة عليه(4) وقع في غير محلّه ، وخروجٌ عن الحدّ في حقّ من عجز البيان عن وصفه ، وعقم الدهر عن الإتيان بمثله في التحقيق والتدقيق ، والكرّ والفرّ ، والرتق والفتق ، وجودة الذهن ، وثقابة الفكر ، والإحاطة

بأطراف المسائل والآثار والدلائل ، شكر اللّه سعيه ، ونضّر اللّه وجهه ، وجزاه اللّه

عنّا وعن الإسلام أفضل الجزاء .

ص: 438


1- راجع وسائل الشيعة 21 : 464 ، كتاب النكاح ، أبواب أحكام الأولاد ، الباب 76 .
2- راجع وسائل الشيعة 2 : 515 ، كتاب الطهارة ، أبواب غسل الميّت ، الباب 19 .
3- جواهر الكلام 6 : 44 .
4- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 259 .
عدم الفرق في نجاسة الكفّار بين ما تحلّه الحياة وغيره

ثمّ إنّه لا فرق في نجاسة الكفّار بين ما تحلّه الحياة وما لا تحلّه ، لا للآية الكريمة المتقدّمة(1) الظاهرة في نجاسة المشرك الذي هو الموجود الخارجي بجميع أجزائه ، ك- «الكلب» الذي هو اسم للموجود كذلك ، وتتميمه بعدم القول بالفصل .

ولا لما دلّ على نجاسة الناصب بعنوانه الشامل لما ذكر(2) ، وتتميمه بما ذكر ؛ وإن كان لهما وجه .

بل لإطلاق معاقد الإجماعات وإطلاق فتاوى الأصحاب(3) ؛ لعدم تعقّل طهارة ما لا تحلّه الحياة من الكفّار وعدم استثناء الفقهاء ، مع شمول اللفظ للموجود بجميع أجزائه ، وهل هذا إلاّ الفتوى بغير ما أنزل اللّه تعالى ، وهل ترى أنّ استثناء ما لا تحلّ في الميتة وقع من باب الاتّفاق ، كعدم الاستثناء هاهنا ؟ !

ولو كان اللفظ غير شامل له عندهم ، واحتمل خطأ الكلّ في مثل هذا الأمر الواضح ، فلِمَ استثنوها في الميتة(4) ، وتركوها هاهنا ؟ ! بل ليس ذلك إلاّ لعدم كونها مستثناةً عندهم .

نعم ، مقتضى كلام السيّد في «الناصريات» واستدلاله في خروج ما لا تحلّه الحياة في الكلب والخنزير(5) ، جريان بحثه هاهنا أيضاً ، لكنّه ضعيف .

ص: 439


1- تقدّمت في الصفحة 420 .
2- تقدّمت في الصفحة 434 - 435 .
3- تقدّمت في الصفحة 412 - 413 .
4- تقدّم في الصفحة 143 .
5- مسائل الناصريات : 101 .
إلحاق المتولّد من الكافرين بالكافر

ويلحق بالكافر ما تولّد من الكافرين ، كما عن «المبسوط» و«التذكرة» و«الإيضاح» و«كشف الالتباس»(1) وعن الاُستاذ : «أنّ الصبيّ الذي يبلغ مجنوناً نجس عند الأصحاب»(2) وهو مؤذن بالإجماع .

وعن «الكفاية» : «أ نّه مشهور»(3) وقرّبه العلاّمة(4) ، قيل : «وهو مؤذن بالخلاف»(5) وهو غير معلوم . وفي جهاد «الجواهر» دعوى الإجماع بقسميه على تبعية الولد لوالديه في النجاسة والطهارة(6) .

وعن جملة من الكتب دعوى الإجماع صريحاً على تبعية الولد المسبيّ مع أبويه لهما في النجاسة(7) . والدليل عليها - مضافاً إلى ذلك ، وإلى احتمال صدق «اليهودي» و«النصراني» و«المجوسي» على أولادهم ، كما جزم به النراقي حتّى في الناصب(8) ؛ وإن لا يخلو من نظر ، بل منع ، سيّما في الأخير ، وإلى

ص: 440


1- المبسوط 3 : 342 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 68 ؛ إيضاح الفوائد 2 : 141 ؛ كشف الالتباس 1 : 402 .
2- مصابيح الظلام 4 : 519 - 520 .
3- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 60 .
4- نهاية الإحكام 1 : 274 .
5- مفتاح الكرامة 2 : 41 .
6- جواهر الكلام 21 : 134 - 135 .
7- اُنظر مستمسك العروة الوثقى 1 : 381 و384 ؛ الخلاف 5 : 533 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 10 : 414 ؛ جواهر الكلام 21 : 138 ، و38 : 184 .
8- مستند الشيعة 1 : 209 .

صدق العناوين على أطفالهم المميّزين المظهرين لدين آبائهم ، سيّما مع قربهم

بأوان التكليف ، مع عدم القول بالفصل جزماً - السيرة القطعية على معاملة الطائفة الحقّة معهم معاملة آبائهم في الاحتراز عنهم ، وإلحاقهم بآبائهم ، وعدم التفريق بينهم .

وأمّا سائر الاستدلالات فغير تامّ ، كالاستصحاب ، وتنقيح المناط عند أهل الشرع ، حيث إنّهم يتعدّون من نجاسة الأبوين ذاتاً إلى أولادهما ، وهو شيء مركوز في أذهانهم(1) ؛ إن لم يرجع إلى ما تقدّم من السيرة القطعية .

وكقوله تعالى : )وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً (2)((3) .

وقولِه صلی الله علیه و آله وسلم : «أبواه يهوّدانه»(4) بدعوى أنّ المراد منه يجعلانه تبعاً لهما في التهوّد(5) .

وصحيحة عبداللّه بن سِنان(6) وغيرها (7) ممّا وردت في أولاد الكفّار(8) .

ص: 441


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 261 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 381 .
2- نوح (71) : 27 .
3- اُنظر إيضاح الفوائد 2 : 141 ؛ جواهر الكلام 6 : 45 - 46 .
4- يأتي في الصفحة 443 .
5- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 114 .
6- قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحنث ، قال : «كفّار . . .» إلى آخره . الفقيه 3 : 317 / 1544 .
7- كرواية وهب بن وهب ، عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه عليهماالسلام قال : قال علي عليه السلام : «أولاد المشركين مع آبائهم في النار . . .» إلى آخره . الفقيه 3 : 317 / 1543 .
8- الحدائق الناضرة 5 : 198 ؛ جواهر الكلام 6 : 44 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 381 .

ورواية حفص بن غياث قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب ، فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك ، فقال : «إسلامه إسلام لنفسه ولولده الصغار ، وهم أحرار ، وولده ومتاعه ورقيقه له ، وأمّا الولد الكبار فهم فيء للمسلمين ، إلاّ أن يكونوا أسلموا قبل ذلك . . .»(1) إلى آخره .

لما مرّ في نظائره : من أنّ الطفل في بطن اُمّه ليس من أجزائها (2) .

واستصحاب الكلّي الجامع بين الذاتية والعرضية ، قد عرفت ما فيه(3) .

وتنقيح المناط - إن لم يرجع إلى السيرة المتقدّمة - ممنوع بعد عدم كفر الصغار وعدم نصبهم .

ولا يراد من عدم توليدهم إلاّ فاجراً كفّاراً ، هو كونهم كذلك لدى الولادة ؛ ضرورة عدم كونه فاجراً ، بل المراد أ نّهم يصيرون كذلك بسوء تربيتهم وتلقيناتهم ، وهو المراد من تهويد الوالدين .

والروايات المشار إليها - مع مخالفتها لاُصول العدلية - غير مربوطة بعالم

التكليف . مضافاً إلى معارضتها لجملة اُخرى من الروايات الدالّة على امتحانهم في الآخرة بتأجيج النار ، وأمرهم بالدخول فيها (4) .

ص: 442


1- تهذيب الأحكام 6 : 151 / 262 ؛ وسائل الشيعة 15 : 116 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد العدوّ ، الباب 43 ، الحديث 1 .
2- تقدّم في الصفحة 235 .
3- تقدّم في الصفحة 235 - 236 .
4- راجع الكافي 3 : 248 / 1 و2 و6 و7 .

ورواية حفص - مع الغضّ عن سندها - لا تدلّ على المقصود ؛ لأنّ قوله علیه السلام : «إسلامه إسلام . . .» إلى آخره ، ليس على وجه الحقيقة ، بل على نحو التنزيل ، ولم يتّضح التنزيل من جميع الجهات وإن لا يبعد . ثمّ لو سلّم ذلك لا تدلّ على عمومه للكفر أيضاً ، كما لا يخفى .

وأمّا الاستدلال على طهارتهم بالأصل(1) ، وقوله تعالى : )فِطْرَتَ اللّه ِ ا لَّتِى فَطَرَ ا لنَّاسَ عَلَيْهَا((2) المفسّر بفطرة التوحيد والمعرفة والإسلام(3) .

وقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «كلّ مولود يولد على فطرة الإسلام ثمّ أبواه يهوّدانه . . .(4) »(5).

ففيه ما لا يخفى ؛ لانقطاع الأصل بما تقدّم ، وعدم كون المراد من فطرة التوحيد أو الإسلام هو كونهم موحّدين مسلمين ، بل المراد - ظاهراً - أ نّهم مولودون على وجهٍ لو لا إضلال الأبوين وتلقيناتهما ، لاهتدوا بنور فطرتهم إلى تصديق الحقّ ورفض الباطل عند التنبّه على آثار التوحيد وأدلّة المذهب الحقّ ، وهو المراد من النبوي المعروف .

ص: 443


1- غنائم الأيّام 1 : 420 .
2- الروم (30) : 30 .
3- الكافي 2 : 12 ، باب فطرة الخلق على التوحيد .
4- عوالي اللآلي 1 : 35 / 18 ؛ وسائل الشيعة 15 : 125 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد العدوّ ، الباب 48 ، الحديث 3 (مع اختلاف) ؛ صحيح مسلم 5 : 212 - 214 .
5- كما ا ستدلّ به الشيخ الأعظم قدس سره . راجع الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 114 .
إلحاق الولد الكافر بأشرف أبويه

ولو أسلم أحد الأبوين اُلحق به ولده ، لا لقوله علیه السلام : «الإسلام يعلو ، ولا يعلى عليه(1)»(2) لمنع دلالته على ذلك ؛ لاحتمال أن يكون المراد منه غلبة حجّته على سائر الحجج . أو يكون المراد منه عدم علوّ غير المسلم على المسلم ، نظير قوله : )وَلَنْ يَجْعَلَ اللّه ُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ا لْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً((3) .

ولا لقوله تعالى : )وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ . . .(4) ((5) لكونه أجنبيّاً عمّا نحن بصدده .

ولا للنبوي : «كلّ مولود . . .(6) »(7) ؛ لما تقدّم(8) .

ولا لكون عمدة دليل الحكم بالتبعية الإجماع والسيرة ، فليقتصر على القدر المتيقّن منهما ؛ وهو ثبوت الحكم مع تبعيته لهما ، ومقتضى الأصل الطهارة(9) ؛ لما

ص: 444


1- الفقيه 4 : 243 / 778 ؛ وسائل الشيعة 26 : 14 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب موانع الإرث ، الباب 1 ، الحديث 11 .
2- كما استدلّ به في جواهر الكلام 21 : 136 ومصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 262 .
3- النساء (4) : 141 .
4- الطور (52) : 21 .
5- كما استدلّ به في الخلاف 3 : 591 .
6- تقدّم تخريجه في الصفحة 443.
7- كما استدلّ به في الخلاف 3 : 591 .
8- تقدّم في الصفحة 443 .
9- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 262 .

يأتي من جريان استصحاب النجاسة فيه وفي المسبيّ(1) .

بل لعدم نقل الخلاف في المسألة ، ودعوى الشيخ الإجماع عليها في لقطة «الخلاف» .

قال : «إذا أسلمت الاُمّ وهي حبلى من مشرك ، أو كان لها منه ولد غير بالغ ،

فإنّه يحكم للولد والحمل بالإسلام ويتبعانها» ثمّ قال : «دليلنا : إجماع الفرقة» وفي نسخة : «وأخبارهم»(2) .

وفي جهاد «الجواهر»(3) نفى وجدان الخلاف عنها ، كما اعترف به بعضهم ، واستدلّ برواية حفص بن غياث المتقدّمة(4) ، ولا يبعد دعوى عموم التنزيل فيها تمسّكاً بإطلاقه .

حكم ولد الكافر المسبيّ

وأمّا المسبيّ ، فإن انفرد عن أبويه ففي إلحاقه بالسابي المسلم في مطلق الأحكام ، أو في الطهارة فقط ، أو عدم الإلحاق مطلقاً ، وجوه ؛ أوجهها الأخير ؛ لاستصحاب نجاسته المتيقّنة قبل السبي ، وكذا غيرها من الأحكام .

واستشكل الشيخ الأعظم فيه :

«بأنّ الدليل على ثبوت النجاسة للطفل هو الإجماع ، ولم يعلم ثبوتها لنفس الطفل أو الطفل المصاحب للأبوين ، فلعلّ لوصف المصاحبة مدخلاً في الموضوع

ص: 445


1- يأتي في الصفحة 445 .
2- الخلاف 3 : 591 .
3- جواهر الكلام 21 : 135 .
4- تقدّمت في الصفحة 443 .

الذي يعتبر القطع ببقائه في جريان الاستصحاب»(1) .

وإليه يرجع ما في كلام بعض أهل التحقيق في الإشكال على استصحاب نجاسة من أسلم أحد أبويه : «بتبدّل الموضوع وعدم بقائه عرفاً ؛ لأنّ وصف التبعية من مقوّمات الموضوع عرفاً في مثل هذه الأحكام الثابتة له بالتبع» .

وأضاف إليه : «أنّ الاستصحاب فيه من قبيل الشكّ في المقتضي»(2) .

والجواب عنه ما مرّ مراراً (3) : من أنّ المعتبر في جريان الاستصحاب وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوك فيها ؛ من غير مدخلية لبقاء موضوع الدليل الاجتهادي وعدمه ، بل ومع القطع بعدم بقاء ما اُخذ في موضوعه ، فلو علمنا بأنّ المأخوذ في الدليل الاجتهادي هو الطفل المصاحب لأبويه ، لكن كان الدليل قاصراً عن نفي الحكم عمّا بعد المصاحبة ، وشككنا في بقاء الحكم ؛ لاحتمال أن يكون وصف المصاحبة واسطة في الإثبات ودخيلاً في ثبوت الحكم ، لا في بقائه ، فلا إشكال في جريانه ؛ لأ نّا على يقين من أنّ الطفل الموجود في الخارج ، كان نجساً ببركة الكبرى الكلّية المنضمّة إلى الصغرى الوجدانية ، فيشار إلى الطفل الموجود ويقال :

«هذا كان مصاحباً لأبويه الكافرين ، وكلّ طفل كان كذلك كان نجساً ولو لأجل مصاحبته ، فهذا كان نجساً» وهو القضيّة المتيقّنة المتّحدة مع القضيّة المشكوك فيها .

ص: 446


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 113 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 263 .
3- تقدّم في الصفحة 123 و195 .

ولو قيل : إنّ القضيّة المتيقّنة ببركة الدليل الاجتهادي ، لا بدّ وأن تكون على طبقه ، وهو لم يثبت الحكم على نفس الذات ، بل على الذات الموصوفة ، وهي غير باقية .

يقال له : إنّ الذات الموصوفة متّحدة الوجود في الخارج مع الذات ، ولا يعقل حصول القطع بنجاسة الذات الموصوفة الخارجية ، وعدم حصول القطع بنجاسة الذات .

والتفكيك بين العناوين الكلّية ، لا يستلزم التفكيك في الموجود الخارجي عرفاً . فإذا كان زيد عالماً في الخارج ، يحصل القطع بأنّ ابن عمرو وابن أخ خالد عالم ؛ لمكان الاتّحاد ولو كانت العناوين مختلفة .

وبالجملة : إنكار العلم بأنّ الطفل الموجود المسمّى بفلان نجس مكابرة ، فالقضيّة المتيقّنة موضوعها الطفل المسمّى بكذا ، وهو باقٍ بعينه عقلاً وعرفاً .

مع أنّ ما ذكر مستلزم للبناء على طهارة من انقطعت عنه هذه المصاحبة ولو بغير السبي ، كما لو فرّ الطفل من حجر أبويه ، أو مات الأبوان ، أو أخذه الوالي وسلّمه إلى دار الرضاعة من غير البناء على إعادته إليهما . . . إلى غير ذلك ممّا لا يمكن الالتزام به .

ودعوى دخالة السبي في الحكم بالطهارة - مع خلوّها عن الدليل - خروج عن محطّ البحث ، وفرار عن المبنى .

والاستدلال(1) للتبعية ببعض ما تقدّم من النبوي وغيره ، كما ترى .

ص: 447


1- اُنظر مجمع الفائدة والبرهان 7 : 465 ؛ جواهر الكلام 21 : 136 .

فالأقوى عدم تبعيته مطلقاً إذا سبي منفرداً ، فضلاً عمّن سبي مع أبويه أو أحدهما .

حكم اللقيط

وأمّا اللقيط ، فمقتضى الأصل طهارته ، وعدم جريان الأحكام المخالفة للقواعد عليه .

نعم ، لا يبعد جريان حكم المسلم عليه إذا غلب على البلد المسلمون ؛ بحيث يكون غيرهم نادراً ، وحكم الكافر إذا غلبت الكفّار كذلك ؛ لعدم اعتناء العقلاء في أمثال ذلك على الاحتمال ، كما في الشبهة غير المحصورة ونحوها .

إلاّ أن يقال : مجرّد الغلبة لا يكون حجّة ما لم يحصل العلم العادي والاطمئنان ، إلاّ إذا كان بناء العقلاء على العمل ، وأحرزنا إمضاء الشارع ، وهو مشكل .

ص: 448

تنبيه
اشارة

في تحصيل مفهوم الكفر

والظاهر مقابلته مع الإسلام تقابل العدم والملكة ، والكافر وغير المسلم متساوقان ، فمن لم يعتقد بالاُلوهية - ولو لم يعتقد بخلافها ، ولم ينقدح في ذهنه شيء من المعارف ومقابلاتها - يكون كافراً .

وما ذكرناه هو المرتكز عند المتشرّعة ، والمستفاد من الأدلّة ، فما في بعض الروايات ممّا يوهم خلاف ذلك ، لا بدّ من توجيهه ، كقوله علیه السلام في رواية

عبد الرحيم القصير : «ولا يخرجه إلى الكفر إلاّ الجحود والاستحلال»(1) .

وفي صحيحةِ زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا»(2) .

وروايةِ محمّد بن مسلم قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام جالساً عن يساره ، وزرارة عن يمينه ، إذ دخل أبو بصير فقال : يا أبا عبداللّه ، ما تقول فيمن شكّ في اللّه تعالى ؟ قال : «كافر ، يا أبا محمّد» .

قال : فشكّ في رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ؟ فقال : «كافر» .

ص: 449


1- الكافي 2 : 27 / 1 ؛ وسائل الشيعة 28 : 354 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 10 ، الحديث 50 .
2- الكافي 2 : 388 / 19 ؛ وسائل الشيعة 27 : 158 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 12 ، الحديث 11 .

ثمّ التفت إلى زرارة فقال : «إنّما يكفر إذا جحد»(1) .

ولعلّ المراد أ نّه لا يحكم بكفره إلاّ مع الجحود .

ومن المحتمل أن يكون «يُكفَّر» من التفعيل مبنيّاً للمفعول ، بل هو مقتضى الجمع بين صدرها وذيلها ، ومقتضى الجمع بينها وبين غيرها ممّا حكم فيه بكفر الشاكّ ، كصحيحة منصور بن حازم قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : من شكّ في رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : «كافر» .

قال : قلت : فمن شكّ في كفر الشاكّ فهو كافر ؟ فأمسك عنّي ، فرددت عليه ثلاث مرّات ، فاستبنت في وجهه الغضب(2) .

وعن أمير المؤمنين علیه السلام في خطبة : «لا ترتابوا فتشكّوا ، ولا تشكّوا فتكفروا»(3) .

وفي صحيحة ابن سِنان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «من شكّ في اللّه تعالى

وفي رسوله صلی الله علیه و آله وسلم فهو كافر»(4) .

وبالجملة : لا إشكال بحسب ارتكاز المتشرّعة في مقابلة الكفر والإسلام ؛ وأنّ الكافر من لم يكن مسلماً ومن شأنه ذلك ، فلا بدّ في تحصيل معنى الكفر من

ص: 450


1- الكافي 2 : 399 / 3 ؛ وسائل الشيعة 28 : 356 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 10 ، الحديث 56 .
2- الكافي 2 : 387 / 11 ؛ وسائل الشيعة 28 : 355 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 10 ، الحديث 53 .
3- الكافي 2 : 399 / 2 .
4- الكافي 2 : 386 / 10 ؛ وسائل الشيعة 28 : 355 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 10 ، الحديث 52 .

تحصيل مفهوم الإسلام حتّى يتّضح هو بمقابلته .

فنقول : إنّ المسلم بحسب ارتكاز المتشرّعة هو المعتقد باللّه تعالى ، ووحدانيته ، ورسالة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، أو الشهادة بالثلاثة ، على احتمالين يأتي الكلام فيهما (1) . وهذه الثلاثة ممّا لا شبهة ولا خلاف في اعتبارها في معنى الإسلام .

ويحتمل أن يكون الاعتقاد بالمعاد إجمالاً أيضاً مأخوذاً فيه لدى المتشرّعة ،

على تأمّل يأتي وجهه(2) .

في حكم المخالفين

وأمّا الاعتقاد بالولاية فلا شبهة في عدم اعتباره فيه ، وينبغي أن يعدّ ذلك من الواضحات لدى كافّة الطائفة الحقّة ؛ إن اُريد بالكفر المقابل له ما يطلق على مثل أهل الذمّة : من نجاستهم وحرمة ذبيحتهم ومساورتهم وتزويجهم ، ضرورة استمرار السيرة من صدر الإسلام إلى زماننا على عشرتهم ومؤاكلتهم ومساورتهم وأكل ذبائحهم والصلاة في جلودها ، وترتيب آثار سوق المسلمين على أسواقهم ؛ من غير أن يكون ذلك لأجل التقيّة .

وذلك واضح لا يحتاج إلى مزيد تجشّم ، لكن اغترّ بعض(3) من اختلّت طريقته ببعض ظواهر الأخبار وكلمات الأصحاب من غير غور في مغزاها ،

ص: 451


1- يأتي في الصفحة 468 وما بعدها .
2- يأتي في الصفحة 469 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 178 وما بعدها .

فحكم بنجاستهم وكفرهم ، وأطال في التشنيع على المحقّق القائل بطهارتهم(1) بما لا ينبغي له وله ، غافلاً عن أ نّه حفظ أشياء هو غافل عنها .

تمسّك صاحب «الحدائق» بالأخبار الدالّة على الكفر لإثبات نجاستهم

فقد تمسّك لنجاستهم باُمور ؛ منها روايات مستفيضة(2) دلّت على كفرهم ، كموثّقة الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «إنّ اللّه تعالى نصب عليّاً علماً بينه وبين خلقه ، فمن عرفه كان مؤمناً ، ومن أنكره كان كافراً ، ومن جهله كان ضالاًّ ، ومن نصب معه شيئاً كان مشركاً ، ومن جاء بولايته دخل الجنّة ، ومن جاء بعداوته دخل النار»(3) .

وروايةِ أبي حمزة قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : «إنّ عليّاً باب فتحه

اللّه تعالى ، من دخله كان مؤمناً ، ومن خرج منه كان كافراً»(4) ونحوهما أخبار كثيرة(5) .

وفيه : أنّ كفرهم - على فرض تسليمه - لا يفيد ما لم يضمّ إليه كبرى كلّية هي : «كلّ كافر نجس» ولا دليل عليها سوى توهّم إطلاق معاقد إجماعات

ص: 452


1- المعتبر 1 : 97 .
2- الحدائق الناضرة 5 : 177 و181 - 183 .
3- الكافي 2 : 388 / 20 ؛ وسائل الشيعة 28 : 353 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 10 ، الحديث 48 .
4- الكافي 2 : 388 / 16 ؛ وسائل الشيعة 28 : 354 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 10 ، الحديث 49 .
5- راجع الكافي 2 : 388 / 17 و18 و21 .

نجاسة الكفّار(1) ، وهو وهم ظاهر ؛ ضرورة أنّ المراد من «الكفّار» فيها مقابل المسلمين الأعمّ من العامّة والخاصّة ، ولهذا ترى إلحاقهم بعض المنتحلين للإسلام - كالخوارج والغلاة - بالكفّار(2) ، فلو كان مطلق المخالف نجساً عندهم فلا معنى لذلك .

بل يمكن دعوى الإجماع أو الضرورة على عدم نجاستهم . وتخيّل أنّ المحقّق أوّل من قال بطهارتهم(3) باطل ؛ لقلّة مصرّح بنجاستهم قبله أيضاً .

نعم ، قد صرّح جمع بكفرهم ، منهم المحقّق في أوصاف المستحقّين من كتاب الزكاة ، قال : «وكذا لا يعطى غير الإمامي وإن اتّصف بالإسلام ، ونعني بهم كلّ مخالف في اعتقادهم الحقّ ، كالخوارج والمجسّمة ، وغيرهم من الفرق الذين يخرجهم اعتقادهم عن الإيمان . . .» .

إلى أن قال : «إنّ الإيمان هو تصديق النبي صلی الله علیه و آله وسلم في كلّ ما جاء به ، والكفر جحود ذلك ، فمن ليس بمؤمن فهو كافر»(4) انتهى .

ومع ذلك قد صرّح بطهارتهم في كتاب الطهارة(5) ، فالقول بكفرهم وطهارتهم غير متناقضين ؛ لعدم الدليل على نجاسة مطلق الكفّار .

والعلاّمة أيضاً - مع ظهور كلامه في محكيّ شرحه لكتاب «فصّ الياقوت»

ص: 453


1- تقدّمت الإجماعات في الصفحة 412 .
2- راجع شرائع الإسلام 1 : 45 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 68 ؛ جامع المقاصد 1 : 164 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 178 .
4- المعتبر 2 : 579 .
5- المعتبر 1 : 97 .

تصنيف الشيخ ابن نوبَخْت في كفرهم بالمعنى المعروف(1) ، على تأمّل - لم يحكم بنجاستهم في طهارة «القواعد» و«التذكرة» و«المنتهى»(2) بل صرّح في «التذكرة» بطهارة من عدا النواصب منهم(3) ، فيظهر منه أنّ كفرهم لا يلازم نجاستهم .

ومن ذلك يعلم عدم استفادة النجاسة من مثل قول ابن نوبَخْت : «دافِعو النصّ كفرة عند جمهور أصحابنا ، ومن أصحابنا من يفسّقهم»(4) .

ولا من قول ابن إدريس المحكيّ عن «السرائر» - بعد اختيار عدم جواز الصلاة على المخالف تبعاً للمفيد(5) - «وهو أظهر ، ويعضده القرآن ، وهو قوله تعالى : )وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدَاً((6) يعني الكفّار ، والمخالف لأهل الحقّ كافر بلا خلاف بيننا»(7) انتهى .

ولعلّ السيّد المرتضى أيضاً حكم بكفرهم دون نجاستهم(8) ؛ وإن كان ما نقل

ص: 454


1- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 175 ؛ أنوار الملكوت في شرح الياقوت : 204 - 205 ، المسألة الثانية عشر في حكم المخالفين (سقطت هذه المسألة في النسخة المطبوعة) .
2- قواعد الأحكام 1 : 192 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 68 ؛ منتهى المطلب 1 : 148 ، و3 : 224 و225 .
3- تذكرة الفقهاء 1 : 68 .
4- أنوار الملكوت في شرح الياقوت : 204 ، المسألة الثانية عشر في حكم المخالفين (سقطت هذه المسألة في النسخة المطبوعة) .
5- المقنعة : 85 .
6- التوبة (9) : 84 .
7- السرائر 1 : 356 .
8- الانتصار : 217 .

عنه خلاف ذلك(1) . وهكذا حال سائر العبارات الموجبة لاغترار الغافل .

وبالجملة : لو التزمنا بكفرهم لا يوجب ذلك الالتزام بنجاستهم ؛ بعد عدم الدليل عليها ولا على نجاسة مطلق الكفّار الشامل لهم .

بل مع قيام الأدلّة على طهارتهم من النصوص المتفرّقة في أبواب الصيد والذباحة(2) وسوق المسلم(3) وغيرها (4) .

وتوهّم أنّ المراد من «المسلم» في النصوص والفتاوى في تلك الأبواب خصوص الشيعة الاثني عشرية(5) ، من أفحش التوهّمات .

هذا كلّه لو سلّم أ نّهم كفّار ، مع أ نّه غير مسلّم ؛ لتطابق النصوص والفتاوى في الأبواب المتفرّقة على إطلاق «المسلم» عليهم ، فلا يراد ب- «ذبيحة المسلمين» ولا «سوقهم» و«بلادهم» إلاّ ما هو الأعمّ من الخاصّة والعامّة ؛ لو لم نقل باختصاصها بهم ؛ لعدم السوق في تلك الأعصار للشيعة ، كما هو ظاهر .

كما أنّ المراد من «إجماع المسلمين» في كتب أصحابنا ، هو الأعمّ من الطائفتين .

هذا مع ما تقدّم من ارتكاز المتشرّعة خلفاً بعد سلف على إسلامهم(6) .

ص: 455


1- الحدائق الناضرة 5 : 176 .
2- وسائل الشيعة 24 : 44 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 23 ، الحديث 6 و7 و11 ، والباب 26 ، الحديث 1 .
3- وسائل الشيعة 24 : 70 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 29 .
4- وسائل الشيعة 3 : 490 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 .
5- الحدائق الناضرة 5 : 181 .
6- تقدّم في الصفحة 451 .

وأمّا الأخبار المتقدّمة(1) ونظائرها ، فمحمولة على بعض مراتب الكفر ؛ فإنّ «الإسلام» و«الإيمان» و«الشرك» اُطلقت في الكتاب والسنّة بمعانٍ مختلفة ، ولها مراتب متفاوتة ، ومدارج متكثّرة ، كما صرّحت بها النصوص ، ويظهر من التدبّر في الآيات ، ففي آية : )قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاْءِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ((2) .

وفي آية : )فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً((3) .

وفي آية : )إِنَّ ا لدِّينَ عِنْدَ اللّه ِ الاْءِسْلاَمُ((4) .

وفي آية : )فَإِنْ أسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا((5) .

وفي آية : )فَمَنْ يُرِدِ اللّه ُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلاْءِسْلامِ((6) .

وفي رواية : «الإسلام ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها» .

وفي اُخرى : « والإسلام : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، والتصديق برسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم » .

وفي ثالثة : «إنّ اللّه خلق الإسلام فجعل له عرصة ، وجعل له نوراً ، وجعل له حصناً ، وجعل له ناصراً . . .» إلى آخره .

ص: 456


1- تقدّمت في الصفحة 452 .
2- الحجرات (49) : 14 .
3- الجنّ (72) : 14 .
4- آل عمران (3) : 19 .
5- آل عمران (3) : 20 .
6- الأنعام (6) : 125 .

وفي رابعة : «الإسلام عريان ، فلباسه الحياء ، وزينته الوفاء ، ومروّته العمل الصالح ، وعماده الورع ، ولكلّ شيء أساس ، وأساس الإسلام حبّنا أهلَ البيت».

وفي خامسة : قال أمير المؤمنين علیه السلام : «لأنسبنّ الإسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي ، ولا ينسبه أحد بعدي إلاّ بمثل ذلك : إنّ الإسلام هو التسليم ، والتسليم هو اليقين ، واليقين هو التصديق ، والتصديق هو الإقرار ، والإقرار هو العمل ، والعمل هو الأداء . . .»(1) إلى آخره .

وكذا للإيمان مراتب ، لو حاولنا ذكرها خرجنا عمّا هو مقصدنا الآن ، وبإزاء كلّ مرتبة من مراتب الإسلام والإيمان مرتبة من مراتب الكفر والشرك ، فراجع أبواب اُصول «الكافي» وغيره ، كباب وجوه الكفر ، وباب وجوه الشرك ، وباب أدنى الكفر والشرك ، ترى أ نّهما اُطلقا على غير الإمامي(2) وعلى الكافر بالنعمة(3) وعلى تارك ما أمر اللّه به(4) وعلى تارك الصلاة وعلى تاركها مع الجحد(5) وعلى تارك عمل أقرّ به(6) وعلى من عصى عليّاً علیه السلام (7) وعلى الزاني وشارب الخمر(8) ومن ابتدع رأياً ، فيحبّ عليه

ص: 457


1- الكافي 2 : 26 / 5 ، و2 : 25 / 1 ، و2 : 46 / 3 ، و2 : 46 / 2 ، و2 : 45 / 1 .
2- الكافي 2 : 388 / 20 .
3- الكافي 2 : 389 / 1 .
4- نفس المصدر .
5- وسائل الشيعة 4 : 41 ، كتاب الصلاة ، أبواب أعداد الفرائض ، الباب 11 .
6- الكافي 2 : 384 / 5 .
7- الكافي 1 : 437 / 7 .
8- الكافي 5 : 123 / 4 ، و6 : 405 / 9 .

ويبغض(1) ومن سمع عن ناطق يروي عن الشيطان(2) وعلى من قال للنواة : إنّها حصاة ، وللحصاة : إنّها نواة ، ثمّ دان به(3) .

وقد استفاضت الروايات في إطلاق «المشرك» على المرائي(4) بل يستفاد من بعض الروايات أنّ من لقي اللّه وفي قلبه غيره تعالى فهو مشرك(5) . . . إلى غير ذلك .

فهل لصاحب «الحدائق» وأمثاله أن يقولوا : إنّ كلّ من اُطلق في الروايات عليه «المشرك» أو «الكافر» فهو نجس ، وملحق بالكفّار وأهل الكتاب ، فهلاّ تنبّه إلى أنّ الروايات التي تشبّث بها ، لم يرد في واحدة منها أنّ من عرف علياً علیه السلام فهو مسلم ، ومن جهله فهو كافر ، بل قوبل في جميعها بين المؤمن والكافر ، والكافر المقابل للمسلم غير المقابل للمؤمن ؟ !

والإنصاف : أنّ سِنخ هذه الروايات الواردة في المعارف ، غير سنخ ما وردت في الفقه ، والخلط بين المقامين أوقعه فيما أوقعه ، ولهذا فإنّ صاحب «الوسائل» لم يورد تلك الروايات في أبواب النجاسات في جامعه ؛ لأ نّها أجنبيّة عن إفادة الحكم الفقهي .

ص: 458


1- الكافي 2 : 397 / 2 .
2- اُنظر الكافي 6 : 434 / 24 .
3- الكافي 2 : 397 / 1 .
4- الكافي 2 : 293 / 3 و4 و9 ؛ وسائل الشيعة 1 : 68 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 11 ، الحديث 13 ، والباب 12 ، الحديث 2 ، 4 ، 6 و11 .
5- الكافي 2 : 295 / 9 و10 .

ثمّ مع الغضّ عن كلّ ذلك ، فقد وردت روايات اُخر حاكمة عليها لا يشكّ معها ناظر في أنّ إطلاق «الكافر» عليهم ليس على ما هو موضوع للنجاسة وسائر الآثار الظاهرة ، كموثّقة سَماعة قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : أخبرني عن الإسلام والإيمان ، أهما مختلفان ؟ فقال : «إنّ الإيمان يشارك الإسلام ، والإسلام لا يشارك الإيمان» .

فقلت : فصفهما لي ، فقال : «الإسلام : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، والتصديق برسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس . . .»(1) إلى آخره .

وحسنةِ حُمران بن أعين أو صحيحته(2) ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : سمعته يقول : «الإيمان : ما استقرّ في القلب ، وأفضى به إلى اللّه ، وصدّقه العمل بالطاعة للّه ، والتسليم لأمر اللّه ، والإسلام : ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي

عليه جماعة الناس من الفرق كلّها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث ، وجاز النكاح . . .» إلى أن قال : فهل للمؤمن فضل على المسلم في شيء من الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك ؟ فقال : «لا ، هما يجريان في ذلك مجرى واحد ، ولكن للمؤمن فضل على المسلم . . .»(3) إلى آخره .

ص: 459


1- الكافي 2 : 25 / 1 .
2- رواها الكليني ، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ومحمّد بن يحيى ، عن أحمد ابن محمّد جميعاً ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن حمران بن أعين . والترديد لأجل وقوع حُمران بن أعين في السند . منتهى المقال 3 : 126 ؛ تنقيح المقال 1 : 370 / السطر 16 .
3- الكافي 2 : 26 / 5 .

وبعض فقرات هذا الحديث لا يخلو من تشويش ، فراجع .

وروايةِ سفيان بن السِمْط قال : سأل رجل أبا عبداللّه علیه السلام عن الإسلام

والإيمان ، ما الفرق بينهما ؟ فلم يجبه ، ثمّ سأله فلم يجبه ، ثمّ التقيا في الطريق

وقد أزف من الرجل الرحيل ، فقال له أبو عبداللّه علیه السلام : «كأ نّه قد أزف منك رحيل ؟» فقال : نعم ، قال : «فالقني في البيت» فلقيه ، فسأل عن الإسلام والإيمان ، ما الفرق بينهما ؟ فقال : «الإسلام : هو الظاهر الذي عليه الناس ؛ شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحجّ البيت ، وصيام شهر رمضان ، فهذا الإسلام» . وقال : «الإيمان : معرفة هذا الأمر مع هذا ، فإن أقرّ بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلماً ، وكان ضالاًّ»(1) .

وروايةِ قاسم الصيرفي قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «الإسلام يحقن به الدم ، وتؤدّى به الأمانة ، وتستحلّ به الفروج ، والثواب على الإيمان»(2) .

وقريب منها روايات اُخر يظهر منها - بنحو حكومة - أنّ الناس مسلمون ، وأنّ الإسلام عبارة عن الشهادتين ، وبهما حقنت الدماء ، وجرت الأحكام ؛ وإن كان الثواب على الإيمان والفضل له(3) .

هذا مع ما مرّ(4) من أنّ الكفر يقابل الإسلام تقابل العدم والملكة ؛ حسب

ص: 460


1- الكافي 2 : 24 / 4 .
2- الكافي 2 : 24 / 1 .
3- الكافي 2 : 24 - 27 .
4- تقدّم في الصفحة 449 - 451 .

ارتكاز المتشرّعة ، وأنّ ما اُخذ في ماهية الإسلام ليس إلاّ الشهادة بالوحدانية ، والرسالة ، والاعتقاد بالمعاد ، بلا إشكال في الأوّلين ، وعلى احتمال اعتبار الأخير أيضاً ولو بنحو الإجمال ، ولا يعتبر فيها سوى ذلك ؛ سواء فيه الاعتقاد بالولاية وغيرها ، فالإمامة من اُصول المذهب ، لا الدين .

فالعامّة العمياء من المسلمين ؛ بشهادة جميع الملل مسلمة وغيرها ، وإنكاره إنكار لأمر واضح عند جميع طبقات الناس .

فما وردت في أ نّهم كفّار لا يراد به الحقيقة بلا إشكال ، ولا التنزيل

في الأحكام الظاهرة ؛ لأ نّه - مع مخالفته للأخبار المستفيضة ، بل المتواترة

التي مرّت جملة منها - واضح البطلان ؛ ضرورة معاشرة أهل الحقّ معهم أنواع العشرة من لدن عصر الأئمّة علیهم السلام إلى الحال من غير نكير ، ومن غير شائبة تقيّة .

فلا بدّ من حملها إمّا على التنزيل في الأحكام الباطنة ، كالثواب في الآخرة ، كما صرّحت به رواية الصيرفي ، أو على بعض المراتب التي هي غير مربوطة بالأحكام الظاهرة .

وأمّا الحمل على أ نّهم كفّار حقيقة ، لكن يجري عليهم أحكام الإسلام ظاهراً

- ولو من باب المصالح العالية ؛ وعدم التفرقة بين جماعات المسلمين(1) - فغير وجيه بعد ما تقدّم من أ نّه لا يعتبر في الإسلام إلاّ ما مرّ ذكره(2) .

ص: 461


1- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 184 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 268 .
2- تقدّم في الصفحة 449 - 451 .
تمسّك صاحب «الحدائق» بكونهم نصّاباً لإثبات نجاستهم

وممّا ذكرناه يتّضح الجواب عن دعوى صاحب «الحدائق» بأ نّهم نصّاب ، وكلّ ناصب نجس(1) :

أمّا الصغرى ، فلروايات :

منها : رواية عبداللّه بن سِنان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «ليس الناصب من نصب لنا أهلَ البيت ؛ لأ نّك لا تجد رجلاً يقول : أنا أبغض محمّداً وآل محمّد ، ولكنّ الناصب من نصب لكم وهو يعلم أ نّكم تتولّونا ، وأ نّكم من شيعتنا»(2) ونحوها عن المعلّى بن خُنيس(3) .

ومنها : مكاتبة محمّد بن علي بن عيسى المنقولة عن «السرائر» قال : كتبت إليه - يعني علي بن محمّد علیهما السلام - أسأله عن الناصب : هل أحتاج في امتحانه إلى

أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت ، واعتقاد إمامتهما ؟ فرجع الجواب : «من كان على هذا فهو ناصب»(4) .

وأمّا الكبرى ، فللإجماع والأخبار على نجاسة الناصب(5) .

ص: 462


1- الحدائق الناضرة 5 : 185 - 188 .
2- ثواب الأعمال : 247 / 4 ؛ وسائل الشيعة 9 : 486 ، كتاب الخمس ، أبواب ما يجب فيه الخمس ، الباب 2 ، الحديث 3 .
3- صفات الشيعة : 9 / 17 ؛ وسائل الشيعة 9 : 486 ، كتاب الخمس ، أبواب ما يجب فيه الخمس ، الباب 2 ، ذيل الحديث 3 .
4- السرائر 3 : 583 ؛ وسائل الشيعة 9 : 490 ، كتاب الخمس ، أبواب ما يجب فيه الخمس ، الباب 2 ، الحديث 14 .
5- راجع الحدائق الناضرة 5 : 187 - 188 .

والجواب : بمنع المقدّمة الاُولى ؛ لضعف مستندها :

أمّا الرواية الاُولى : فمضافاً إلى ضعف سندها(1) بجميع طرقها ، في متنها وهن :

أمّا أوّلاً : فلورود روايات تدلّ على وجود الناصب لهم أهل البيت علیهم السلام (2) وحملها على الناصب لشيعتهم بعيد جدّاً . مع أنّ الواقع على خلاف ذلك ، فكم لهم ناصب وعدوّ في عصرهم !

وأمّا ثانياً : فلأنّ الظاهر منها أنّ كلّ من نصب لمن يعلم أ نّه يتولاّهم وشيعتهم فهو ناصب ، ولا يمكن الالتزام به .

إلاّ أن يقال : إنّ من نصب لجميع الشيعة التي تتولّى الأئمّة علیهم السلام مع علمه

بذلك فهو ناصب ؛ أي ناصب للشيعة وللموالي بما هم كذلك ، لكنّه ملازم لعداوتهم ، سيّما مع ضمّ تولّيهم ؛ فإنّ البغض لمن يتولاّهم بما هو كذلك يرجع إلى البغض لهم ، ولعلّ المراد أنّ الناصب لم يصرّح بعداوتنا ، ولو نصب لكم بما أنتم من موالينا يكون ذلك دليلاً على نصبه .

وأمّا الرواية الثانية : فمع ضعفها سنداً (3) ، أيضاً مخالفة للواقع إن كان المراد أنّ

ص: 463


1- والرواية ضعيفة بجميع طرقها بإبراهيم بن إسحاق ؛ فإنّه كان ضعيفاً في حديثه ومتّهماً في دينه . الفهرست ، الطوسي : 39 / 9 ؛ رجال النجاشي : 19 / 21 ؛ تنقيح المقال 1 : 13 / السطر 21 .
2- وسائل الشيعة 1 : 218 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 1 و3 و5 .
3- والرواية ضعيفة بمحمّد بن علي الكوفي وهو الصيرفي أبو سمينة ، فإنّه ضعيف جدّاً . رجال النجاشي : 332 / 894 ؛ تنقيح المقال 3 : 157 / السطر 22 و : 159 / السطر 26 (أبواب الميم) .

كلّ من قدّمهما فهو ناصب لهم حقيقة ، كيف ؟ ! وكثير منهم لا يكونون ناصبين لهم

وإن قدّموا الجبت والطاغوت ، فيحتمل التنزيل بحسب الآثار في يوم القيامة ، وأمّا بحسب الآثار ظاهراً فلا ؛ لما تقدّم(1) .

وبمنع المقدّمة الثانية :

أمّا دعوى الإجماع على الكلّي بحيث يشمل محلّ البحث ، فواضحة الفساد ، بل يمكن دعوى الإجماع على خلافها ، بل الإجماع العملي من جميع الطبقات على خلافها .

وأمّا الأخبار فصرّح في جملة منها ب- «الناصب لنا أهلَ البيت»(2) وما اشتملت على «الناصب» بلا قيد(3) فمحمول عليه ؛ لتبادر الناصب للناصب لهم لا لشيعتهم . بل مع تلك السيرة القطعية والإجماع العملي ، لا يمكن العمل برواية على خلافهما لو وردت كذلك ، فضلاً عن فقدانها .

وممّا ذكرنا : يظهر الحال في غير الاثني عشري من سائر فرق الشيعة ، كالزيدي والواقفي .

نعم ، لو كان فيهم من نصب لأهل البيت فمحكوم بحكمه ، وسيأتي الكلام فيه(4) ، وأمّا مجرّد الزيدية والواقفية فلا يوجب الكفر المقابل

ص: 464


1- تقدّم في الصفحة 461 .
2- راجع وسائل الشيعة 1 : 218 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 1 و3 و5 .
3- وسائل الشيعة 3 : 420 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 14 ، الحديث 4 .
4- سيأتي في الصفحة 480 - 483 .

للإسلام ، وحال الأخبار الواردة فيهم(1) حال ما وردت في الناس ، وقد عرفت الكلام فيها (2) .

تمسّك صاحب «الحدائق» بكونهم منكرين للضروري لإثبات نجاستهم

ومن بعض ما ذكر يظهر حال الدعوى الاُخرى لصاحب «الحدائق» : وهي أ نّهم منكرون للضروري من الإسلام ، ومن كان كذلك فكافر(3) ، لكنّه خلط بين مطلق العامّة ، ونصّابهم من قبيل يزيد وابن زياد عليهما لعائن اللّه .

وفيها أوّلاً : أنّ الإمامة بالمعنى الذي عند الإمامية ، ليست من ضروريات الدين ، فإنّها عبارة عن اُمور واضحة بديهية عند جميع طبقات المسلمين ، ولعلّ الضرورة عند كثير على خلافها ، فضلاً عن كونها ضرورة . نعم هي من اُصول المذهب ، ومنكرها خارج عنه ، لا عن الإسلام .

وأمّا التمثيل بمثل قاتلي الأئمّة علیهم السلام وناصبيهم ، فغير مربوط بالمدّعى .

وثانياً : أنّ منكر الضروري بوجه يشمل منكر أصل الإمامة ، لا دليل على نجاسته من إجماع أو غيره ، بل الأدلّة على خلافها ، كما تقدّم الكلام فيها (4) .

ص: 465


1- اختيار معرفة الرجال : 228 - 229 / 409 - 411 ، و : 456 / 861 و862 و867 ؛ بحار الأنوار 48 : 256 / 10 ، و : 263 / 18 و19 .
2- تقدّم في الصفحة 456 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 175 .
4- تقدّم في الصفحة 451 .
تنبيه آخر في كفر منكر الضروري ونجاسته

قد اختلفت كلماتهم في كفر منكر الضروري ونجاسته ، فلا بدّ من تمحيص البحث في منكره بما هو ؛ في مقابل منكر الاُلوهية والنبوّة .

وأمّا البحث عن المنكر الذي يرجع إنكاره إلى إنكار اللّه تعالى أو النبي صلی الله علیه و آله وسلم

فهو خارج عن محطّ البحث ؛ ضرورة أنّ الموجب للكفر حينئذٍ هو إنكار الأصلين لا الضروري ، وهو بأيّ نحو موجب له ، نعم أحد مبرزاته إنكار الضروري أحياناً .

فالبحث المفيد هاهنا : هو أنّ إنكاره مستقلاًّ موجب للكفر كإنكارهما أو لا ؟

ثمّ إنّ القائل : بأنّ إنكاره موجب له إذا رجع إلى إنكار أحد الأصلين ، من المنكرين لموجبيته له .

حول استدلال الشيخ الأعظم على كفر منكر الضروري

فقد استدلّ الشيخ الأعظم على كفره بوجوه :

منها : أنّ الإسلام عرفاً وشرعاً عبارة عن التديّن بهذا الدين الخاصّ الذي يراد منه مجموع حدود شرعية منجّزة على العباد ، كما قال اللّه تعالى : )إِنَّ

ا لدِّينَ عِنْدَ اللّه ِ الاْءسْلاَمُ((1) ثمّ تمسّك بروايات يأتي حالها (2) .

ص: 466


1- آل عمران (3) : 19 .
2- يأتي في الصفحة 471 .

ثمّ قال : «وأمّا ما دلّ من النصوص والفتاوى على كفاية الشهادتين في الإسلام ، فالظاهر أنّ المراد به حدوث الإسلام ممّن ينكرهما من غير منتحلي الإسلام ؛ إذ يكفي منه الشهادة بالوحدانية والرسالة المستلزمة للالتزام بجميع ما جاء به النبي صلی الله علیه و آله وسلم إجمالاً ، فلا ينافي ما ذكرنا : من أنّ عدم التديّن ببعض الشريعة أو التديّن بخلافه ، موجب للخروج عن الإسلام .

وكيف كان : فلا إشكال في أنّ عدم التديّن بالشريعة كلاًّ أو بعضاً ، مخرج عن الدين والإسلام» .

ثمّ ذكر أقسام المنكرين ، وساق الكلام إلى أن قال في تأييد عموم كلام الفقهاء في نجاسة الخوارج والنواصب للقاصر والمقصّر : «ويؤيّدها ما ذكرنا : من أنّ التارك للتديّن ببعض الدين خارج عن الدين»(1) انتهى ملخّصاً .

وفيه : أنّ لازم دليله - من أنّ الإسلام عبارة عن مجموع الأحكام ، والتديّن بالمجموع إسلام ، وعدم التديّن به كفر - هو كفر كلّ من لم يتديّن بمجموع ما جاء به النبي واقعاً ؛ أصلاً وفرعاً ، ضرورياً وغيره ، منجّزاً على المكلّف أو لا ؛ لأنّ عدم التنجّز العقلي لا يوجب خروج غير المنجّز عن قواعد الإسلام ، فلا وجه للتقييد بالمنجّز .

مع أنّ هذا التقييد ينافي التأييد في ذيل كلامه ؛ لعدم تنجّز التكليف على القاصر .

كما لا ينبغي معه الفرق بين الاُمور الاعتقادية والعملية ؛ بعد كون الإسلام

ص: 467


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 134 - 141 .

عبارة عن مجموع ما ذكر ، فالتفصيل بين الأمرين - كما وقع في خلال كلامه - منافٍ لدليله .

ومجرّد أنّ المطلوب في الأحكام العملية ليس إلاّ العمل ، لا يوجب خروجها عن ماهيته التي ادّعى أ نّها مجموع هذه الحدود الشرعية ، وبترك التديّن ببعضها يخرج عن الإسلام .

والإنصاف : أنّ كلامه في تقرير هذا المدّعى ، لا يخلو من تدافع واغتشاش .

والتحقيق: أنّ ما يعتبر في حقيقة الإسلام بحيث يقال للمتديّن به : «إنّه مسلم» ليس إلاّ الاعتقاد بالاُصول الثلاثة ، أو الأربعة ؛ أي الاُلوهية ، والتوحيد ، والنبوّة ، والمعاد على احتمال ، وسائر القواعد عبارة عن أحكام الإسلام ، ولا دخل لها في ماهيته ؛ سواء عند الحدوث أو البقاء ، فإذا فرض الجمع بين الاعتقاد بتلك الاُصول وعدم الاعتقاد بغيرها لشبهة - بحيث لا يرجع إلى إنكارها - يكون مسلماً.

نعم ، لا يمكن الجمع بين الاعتقاد بالنبوّة ، مع عدم الاعتقاد بشيء من الأحكام ، وهذا بخلاف بعضها - ضرورياً كان أو غيره - لأجل بعض الشبهات والاعوجاجات ، فإذا علم أنّ فلاناً اعتقد بالاُصول ، والتزم بما جاء به النبي صلی الله علیه و آله وسلم إجمالاً الذي هو لازم الاعتقاد بنبوّته ، لكن وقع في شبهة من وجوب الصلاة أو الحجّ ، وتخيّل أ نّهما كانا واجبين في أوّل الإسلام مثلاً ، دون الأعصار المتأخّرة ، لا يقال : «إنّه ليس بمسلم» في عرف المتشرّعة .

وتدلّ على إسلامه الأدلّة المتقدّمة(1) الدالّة على أنّ الإسلام هو الشهادتان .

ص: 468


1- تقدّمت في الصفحة 459 - 460 .

ودعوى : أ نّهما كافيتان في حدوث الإسلام ، وأمّا المسلم فيعتبر في إسلامه اُمور اُخر زائداً عليهما ، خالية عن الشاهد ، بل الشواهد في نفس تلك الروايات على خلافها ، كما في حسنة حُمران : «والإسلام : ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها ، وبه حقنت الدماء»(1) وغيرها ممّا تقدّم ذكرها .

والإنصاف : أنّ دعوى كون الإسلامِ عبارةً عن مجموع ما جاء به النبي صلی الله علیه و آله وسلم

وتركِ الالتزام ببعضها - بأيّ نحو - موجباً للكفر ، ممّا لا يمكن تصديقها ، ولهذا

فإنّ الشيخ الأعظم لم يلتزم به بعد الكرّ والفرّ .

ومع الإغماض عمّا تقدّم ، يلزم من دليله كفر كلّ من أنكر شيئاً ممّا يطلب فيه

الاعتقاد ولو لم يكن ضرورياً ، كبعض أحوال القبر والبرزخ والقيامة ، وكعصمة الأنبياء والأئمّة علیهم السلام ونظائرها . والتفكيك بين الضروري وغيره خروج عن

التمسّك بهذا الدليل .

ثمّ إنّ اندراج منكر المعاد أيضاً في الكفّار حقيقة ، ودعوى كون الإسلام عبارة عن الاعتقاد بالأركان الأربعة ، والاعتقاد بالمعاد داخل في ماهيته ، أيضاً لا يخلو من إشكال ، بل منع ؛ لإطلاق الأدلّة المتقدّمة الشارحة لماهية الإسلام الذي به حقنت الدماء(2) ، وقوّةِ احتمال أن يكون الارتكاز المدّعى لأجل

وضوح عدم الجمع بين الاعتقاد بالنبوّة وإنكار المعاد ، الذي لأجل كمال بداهة كونه من الإسلام عدّ في الاُصول .

ص: 469


1- تقدّمت في الصفحة 459 .
2- تقدّمت في الصفحة 459 - 460 .

فدعوى كون الإسلام هو الاعتقاد بالاُلوهية والتوحيد والنبوّة ، غير بعيدة .

وكلامنا هاهنا في مقام الثبوت والواقع ، وإلاّ فمنكر الضروري - سيّما مثل المعاد - محكوم بالكفر ظاهراً ، ويعدّ منكراً للاُلوهية أو النبوّة . بل لا يقبل قوله

إذا ادّعى الشبهة إلاّ في بعض أشخاص أو بعض اُمور يمكن عادة وقوع الشبهة منه أو فيه ، كما أنّ إنكار البديهيات لدى العقول لا يقبل من متعارف الناس ، فلو ادّعى أحد : أنّ اعتقاده أنّ الاثنين أكثر من الألف ، لا يقبل منه ، بل يحمل على أ نّه

خلاف الواقع ، إلاّ أن يكون خلاف المتعارف .

ويمكن أن يقال : إنّ أصلَ الإمامة كان في الصدر الأوّل من ضروريات الإسلام ، والطبقةَ الاُولى المنكرين لإمامة المولى أمير المؤمنين صلوات اللّه وسلامه عليه ولنصّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم على خلافته ووزارته ، كانوا منكرين للضروري من غير شبهة مقبولة من نوعهم ، سيّما أصحاب الحلّ والعقد ، وسيأتي الكلام فيهم(1) .

ثمّ وقعت الشبهة للطبقات المتأخّرة ؛ لشدّة وثوقهم بالطبقة الاُولى ، وعدم احتمال تخلّفهم عمداً عن قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ونصّه على المولى سلام اللّه عليه ، وعدم انقداح احتمال السهو والنسيان من هذا الجمّ الغفير .

ولعلّ ما ذكرناه هو سرّ ما ورد من ارتداد الناس بعد رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إلاّ

أربعة أو أقلّ أو أكثر(2) .

ص: 470


1- يأتي في الصفحة 482 .
2- اختيار معرفة الرجال : 8 / 17 ، و : 11 / 24 ؛ بحار الأنوار 28 : 238 - 239 / 25 - 26 .

والظاهر عدم إرادة ارتداد جميع الناس ؛ سواء كانوا حاضرين في بلد الوحي أو لا .

ويحتمل أن يكون المراد من «ارتداد الناس» نكث عهد الولاية ولو ظاهراً وتقيّة ، لا الارتداد عن الإسلام ، وهو أقرب .

وممّا استدلّ به على كفره جملة من الروايات ؛ منها : مصحّحة أبي الصباح ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «قيل لأميرالمؤمنين علیه السلام : من شهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه كان مؤمناً ؟ قال : فأين فرائض اللّه ؟ !» قال : وسمعته يقول :

«كان علي علیه السلام يقول : لو كان الإيمان كلاماً لم ينزّل فيه صوم ولا صلاة ولا حلال ولا حرام» .

قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : إنّ عندنا قوماً يقولون : إذا شهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه ، فهو مؤمن ، قال : «فلِمَ يضربون الحدود ، ولِمَ يقطع أيديهم وما خلق اللّه تعالى خلقاً أكرم على اللّه من مؤمن ؛ لأنّ الملائكة خدّام المؤمنين ، وأنّ جوار اللّه تعالى للمؤمنين ، وأنّ الجنّة للمؤمنين ، وأنّ الحور العين

للمؤمنين ؟ !» . ثمّ قال : «فما بال من جحد الفرائض كان كافراً !»(1) .

قال الشيخ الأعظم : «فهذه الرواية واضحة الدلالة على أنّ التشرّع بالفرائض ،

مأخوذ في الإيمان المرادف للإسلام ، كما هو ظاهر السؤال والجواب ، كما لا يخفى»(2) انتهى .

ص: 471


1- الكافي 2 : 33 / 2 ؛ وسائل الشيعة 1 : 34 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 13 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 134 .

أقول : بل هي واضحة الدلالة على أنّ المراد من «الإيمان» فيها هو الإيمان الكامل المنافي لترك ما فرضه اللّه ، ولفعل ما يوجب إجراء الحدّ عليه ، والمؤمن الذي هذا صفته وملائكة اللّه خدّامه وجوار اللّه له ، هو المؤمن الكامل ،

لا المرادف للمسلم الذي لا ينافي إسلامه ارتكاب المعاصي وإجراء الحدود عليه . . . إلى غير ذلك .

نعم ، ذيلها يدلّ على أنّ جحد الفرائض موجب للكفر ، فهو محمول - بقرينة صدرها - على أنّ الجحد موجب للكفر المقابل للإيمان لا الإسلام ، فيكون شاهداً على الحمل في سائر الروايات ، فإنّها - على كثرتها - طائفتان :

إحداهما : ما دلّت على أنّ ترك الفرائض أو ترك ما أمر اللّه به ، موجب للكفر ، وهي كثيرة جدّاً ، كرواية زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «من اجترى على اللّه في المعصية وارتكاب الكبائر فهو كافر ، ومن نصب ديناً غير دين اللّه فهو مشرك»(1) .

وروايةِ حُمران بن أعين قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : )إِنّا هَدَيْنَاهُ ا لسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً((2) قال : «إمّا آخذ فهو شاكر ، وإمّا تارك فهو كافر»(3) .

ص: 472


1- المحاسن : 209 / 75 ؛ وسائل الشيعة 1 : 38 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 21 .
2- الإنسان (76) : 3 .
3- الكافي 2 : 384 / 4 ؛ وسائل الشيعة 1 : 31 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 5 .

وروايةِ عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : )وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ((1) فقال : «ترك العمل الذي أقرّ به ، منه الذي يدع الصلاة متعمّداً ، لا من سكر ، ولا من علّة»(2) .

وروايةِ أبي عمرو الزبيري ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «الكفر في كتاب اللّه على خمسة أوجه . . .» إلى أن قال : «والوجه الرابع من الكفر : ترك ما أمر اللّه عزّ وجلّ به ، وهو قول اللّه عزّ وجلّ : )أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ا لْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ((3) فكفّرهم بترك ما أمر اللّه عزّ وجلّ به»(4) .

وفي كثير من الروايات ورد كفر تارك الصلاة(5) ومانع الزكاة(6) وتارك الحجّ(7) . . . إلى غير ذلك .

وثانيتهما : ما دلّت على أنّ تركها مع الجحود أو الاستكبار أو نفس الجحد موجب له ، وهي كثيرة أيضاً :

كصحيحة محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : «كلّ شيء

ص: 473


1- المائدة (5) : 5 .
2- الكافي 2 : 387 / 12 ؛ وسائل الشيعة 1 : 31 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 6 .
3- البقرة (2) : 85 .
4- الكافي 2 : 389 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 32 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 9 .
5- راجع وسائل الشيعة 4 : 41 ، كتاب الصلاة ، أبواب أعداد الفرائض ، الباب 11 .
6- وسائل الشيعة 9 : 34 ، كتاب الزكاة ، أبواب ما تجب فيه الزكاة ، الباب 4 ، الحديث 7 .
7- وسائل الشيعة 11 : 29 ، كتاب الحجّ ، أبواب وجوب الحجّ ، الباب 7 .

يجرّه الإقرار والتسليم فهو الإيمان ، وكلّ شيء يجرّه الإنكار والجحود فهو الكفر»(1) .

وروايةِ داود بن كثير الرقّي قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : سنن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم . . . إلى أن قال : «فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها وجحدها كان كافراً»(2) .

وروايةِ عبد الرحيم القصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام وفيها : «ولم يخرجه إلى الكفر إلاّ الجحود والاستحلال ، فإذا قال للحلال : هذا حرام ، وللحرام : هذا حلال ، ودان بذلك ، فعندها يكون خارجاً من الإيمان والإسلام إلى الكفر»(3) .

وروايةِ زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا»(4) .

وروايةِ عبداللّه بن سِنان قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام . . . إلى أن قال فقال : «من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أ نّها حلال ، أخرجه ذلك من الإسلام ، وعذّب أشدّ العذاب ، وإن كان معترفاً أ نّه ذنب ومات عليها ، أخرجه من الإيمان ،

ص: 474


1- الكافي 2 : 387 / 15 ؛ وسائل الشيعة 1 : 30 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- الكافي 2 : 383 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 30 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 2 .
3- التوحيد : 229 / 7 ؛ وسائل الشيعة 1 : 37 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 18 .
4- الكافي 2 : 388 / 19 ؛ وسائل الشيعة 1 : 32 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 8 .

ولم يخرجه من الإسلام ، وكان عذابه أهون من عذاب الأوّل»(1) .

وروايةِ زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام أ نّه قال في حديث : «الكفر أقدم من الشرك . . .» ثمّ ذكر كفر إبليس .

ثمّ قال : «فمن اجترى على اللّه فأبى الطاعة وأقام على الكبائر ، فهو كافر» يعني مستخفّ كافر(2) . . . إلى غير ذلك(3) .

ويمكن الجمع بينها :

إمّا بحمل الجميع على مراتب الكفر والشرك والإيمان والإسلام ؛ فأوّل مراتب الإسلام هو ما يحقن به الدماء ، ويترتّب عليه أحكام ظاهرة ، وهو شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم كما في موثّقة سَماعة ونحوها (4) ، وأكمل مراتبه هو ما عرّفه أمير المؤمنين علیه السلام -

على ما في مرفوعة البرقي - قال : «لأنسبنّ الإسلام . . .»(5) إلى آخره .

ولعلّه المراد بقوله تعالى : )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِى السِّلْمِ كَافَّةً((6) .

فهذه المرتبة من الإسلام أعلى من كثير من مراتب الإيمان . وبين المرتبتين

ص: 475


1- الكافي 2 : 285 / 23 ؛ وسائل الشيعة 1 : 33 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 10 .
2- الكافي 2 : 384 / 3 ؛ وسائل الشيعة 1 : 31 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 4 .
3- وسائل الشيعة 1 : 33 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 2 ، الحديث 11 و13 .
4- تقدّمت في الصفحة 459 .
5- تقدّمت في الصفحة 457 .
6- البقرة (2) : 208 .

مراتب إلى ما شاء اللّه ، وبإزاء كلّ مرتبة مرتبة من الكفر أو الشرك . وكذا للإيمان درجات ومراتب كثيرة يشهد بها الوجدان والروايات(1) .

وبذلك يجمع بين جميع الروايات الكثيرة الواردة في الأبواب المتفرّقة ، وله شواهد كثيرة في نفس الروايات ، فخرجت الروايات المستشهد بها لكفر منكر الضروري عن صلاحية الاستشهاد بها ، وعن صلاحية تقييد مثل موثّقة سَماعة المتقدّمة وغيرها .

وإمّا بحمل الطائفة الاُولى المتقدّمة على الثانية ، وحمل الطائفة الثانية على ما إذا جحد حكماً علم أ نّه من الدين ، لكن لا لكونه موجباً للكفر بنفسه ، بل لكونه مستلزماً لإنكار الاُلوهية أو النبوّة وتكذيب النبي صلی الله علیه و آله وسلم بدعوى عدم ملاءمة تصديق النبوّة مع إنكار ما علم أ نّه جاء به منتسباً إلى اللّه ، من غير فرق بين الضروري منها وغيره .

وهذا أقرب إلى حفظ ظواهرها من حملها على إنكار الضروري . بل حملها عليه خالٍ من الشاهد ، بل مخالف لكثير منها ، سيّما إذا قيل بالتسوية بين الجحد عن علم وغير علم ؛ وإن لم نقل : بأنّ الجحد هو الإنكار عن علم ، وإلاّ فالأمر أوضح .

وهنا احتمال ثالث - بعد حمل المطلقات على المقيّدات - : وهو حملها على الحكم الظاهري ؛ وأنّ الجاحد لمّا علم أ نّه من الدين محكوم بالكفر . لكنّه لا يلائم جميع الروايات وإن لاءم بعضها .

ص: 476


1- الكافي 2 : 42 ، باب درجات الإيمان .

كما أنّ الجمع الثاني كذلك وإن كان أقرب من الثالث . وأقرب منهما الجمع الأوّل .

وكيف كان : لا دلالة لها على كفر منكر الضروري من حيث هو .

عدم قيام الإجماع أو الشهرة على نجاسة منكر الضروري

والظاهر أنّ غالب كلمات الأصحاب في الأبواب المختلفة - سيّما أبواب الحدود - ناظر إلى الحكم الظاهري ، وبعضها محتمل للوجه الثاني ، أو محمول عليه ، فلا يمكن تحصيل الشهرة أو الإجماع على المدّعى ؛ ففي كتاب المرتدّ من «الخلاف» : «من ترك الصلاة معتقداً أ نّها غير واجبة ، كان كافراً يجب قتله بلا خلاف»(1) .

وفي «النهاية» : «من استحلّ الميتة والدم ولحم الخنزير ممّن هو مولود على فطرة الإسلام ، فقد ارتدّ بذلك عن دين الإسلام ، ووجب عليه القتل بالإجماع»(2).

وفي حدود «الشرائع» : «من شرب الخمر مستحلاًّ استتيب ، فإن تاب اُقيم عليه الحدّ ، وإن امتنع قتل . وقيل : «يكون حكمه حكم المرتدّ» وهو قويّ . وأمّا سائر المسكرات فلا يقتل مستحلّها ؛ لتحقّق الخلاف بين المسلمين» .

وقال : «من استحلّ شيئاً من المحرّمات المجمع عليها - كالميتة والدم ولحم

ص: 477


1- الخلاف 5 : 359 .
2- النهاية : 713 .

الخنزير - ممّن ولد على الفطرة يقتل»(1) .

ويحتمل في هذه العبارات أحد الوجهين ، ولهذا قال المحقّق في حدود «الشرائع» : «كلمة الإسلام أن يقول : أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه»(2) .

نعم ، صريح بعض(3) وظاهر جمع(4) حصول الارتداد بإنكار الضروري ، أو ما يعلم أ نّه من الدين مطلقاً ، وأ نّه سبب مستقلّ . كما أنّ صريح بعض(5) وظاهر جمع(6) أ نّه ليس سبباً مستقلاًّ ، بل هو لأجل رجوعه إلى إنكار الأصلين . ولم يظهر من قدماء أصحابنا شيء من الوجهين يمكن الوثوق بمرادهم ، فضلاً عن تحصيل الشهرة في المسألة .

نعم قد يقال : بأنّ تسالمهم على نجاسة الخوارج والنصّاب ، مع استدلالهم لها : بأ نّهم منكرو الضروري من الدين ، دليل على تسالمهم على أنّ إنكاره مطلقاً موجب للكفر ؛ ضرورة أنّ كثيراً منهم - بل غالبهم - كانوا يتقرّبون إلى اللّه تعالى

بالنصب لهم والحرب معهم ؛ لجهلهم بما ورد في حقّهم من الكتاب والسنّة(7) .

ص: 478


1- شرائع الإسلام 4 : 157 - 158 .
2- شرائع الإسلام 4 : 172 .
3- جواهر الكلام 6 : 47 ، و41 : 601 .
4- شرائع الإسلام 1 : 45 ؛ تحرير الأحكام 1 : 158 ؛ الروضة البهيّة 1 : 66 .
5- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 284 ؛ العروة الوثقى 1 : 138 - 139 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 378 - 380 .
6- مجمع الفائدة والبرهان 3 : 199 ؛ كشف اللثام 1 : 402 .
7- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 282 .

وفيه : أنّ التمسّك لنجاستهم بإنكارهم الضروري ، إنّما وقع من بعضهم ، ولم يظهر تسالمهم عليه ، بل الظاهر أنّ نجاسة الطائفتين مسلّمة عندهم بعنوان النصب والحرب ، ولهذا لم ينقل الخلاف في نجاستهما ، مع وقوع الخلاف في منكر الضروري .

فالأقوى عدم نجاسة منكر الضروري ، إلاّ أن يرجع إلى إنكار الأصلين ولو قلنا : بأنّ الإنكار مطلقاً موجب للكفر ؛ لعدم الدليل على نجاسة الكفّار بحيث يشمل المرتدّ بهذا المعنى :

أمّا الآية(1) فواضح .

وأمّا الروايات فقد مرّ الكلام فيها (2) .

وأمّا الإجماع فلم يقم عليها .

بل لا يبعد أن يكون دعوى الشيخ الإجماع على كفر مستحلّ الميتة والدم ولحم الخنزير وارتداده تارةً ، ودعوى عدم الخلاف في كفر من ترك الصلاة معتقداً أ نّها غير واجبة اُخرى - مضافاً إلى ما تقدّم - هي ارتداده بحسب بعض الآثار كالقتل وغيره ، دون النجاسة ، تأمّل .

وكيف كان : لا يمكن إثبات نجاسته بالإجماع أو الشهرة .

ص: 479


1- التوبة (9) : 28 .
2- تقدّمت في الصفحة 427 .
في كفر النواصب والخوارج ونجاستهم

وأمّا الطائفتان فالظاهر نجاستهما ، كما نقل الإجماع وعدم الخلاف وعدم الكلام فيها من جملة من الأعاظم ، وإرسالهم إيّاها إرسال المسلّمات(1) .

ويمكن الاستدلال عليها بموثّقة ابن أبي يعفور ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث قال : «وإيّاك أن تغتسل من غسالة الحمّام ؛ ففيها يجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهلَ البيت ، وهو شرّهم ؛ فإنّ اللّه تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب ، وإنّ الناصب لنا أهلَ البيت لأنجس منه»(2) .

فإنّه بعد ثبوت نجاسة الطوائف الثلاث بما مرّ مستقصىً(3) ، جعل هذه الطائفة الخبيثة قرينةً لهم ، يشعر أو يدلّ على كونها نجسة .

هذا مع التصريح بأ نّهم «أنجس من الكلب» الظاهر - بمناسبة الحكم والموضوع - في النجاسة الظاهرية . ومجرّد جعلهم أنجس من الكلب ، لا يوجب رفع اليد عن الظاهر الحجّة .

ص: 480


1- اُنظر مستمسك العروة الوثقى 1 : 387 ؛ جامع المقاصد 1 : 164 ؛ روض الجنان 1 : 437 ؛ جواهر الكلام 6 : 50 .
2- علل الشرائع : 292 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 220 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 5 .
3- تقدّم في الصفحة 426 - 438 .

ولا ينافي ذلك ما مرّ منّا من الخدشة في الاستدلال عليها لنجاسة الطوائف الثلاث(1) ؛ لأنّ الاستدلال هناك كان لمقارنتهم مع النصّاب ، وقلنا : إنّ صِرف ذلك لا يدلّ على المطلوب ، وهاهنا بعد ثبوت النجاسة للطوائف ، يستدلّ من المقارنة على أنّ المراد بتلك النجاسة هي النجاسة الظاهرة التي للطوائف والكلب بالدليل الخارجي ، تأمّل .

وأمّا الاستدلال لها برجوع إنكارهم فضائل أهل البيت - الواردة من النبي الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم - إلى تخطئته واعتقاد الغفلة والجهل بعواقب اُمورهم في حقّه صلی الله علیه و آله وسلم وهو كفر(2) ، فغير تامّ صغرى وكبرى ؛ لمنع عموم المدّعى في جميع

طبقاتهم ، ومنع صيرورته موجباً للكفر والنجاسة ، سيّما مع ذهاب بعض أصحابنا - كابن الوليد - إلى أنّ نفي السهو عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أوّل مراتب الغلوّ(3) ، وظهور بعض الآيات(4) والروايات(5) في سهوه .

وكيف كان : لا ينبغي الإشكال في كفر الطائفتين ونجاستهما .

ص: 481


1- تقدّم في الصفحة 435 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 283 - 284 .
3- اُنظر الفقيه 1 : 235 .
4- كقوله تعالى : )وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَيطَانُ فَلاَ تَقعُدْ بَعدَ الذِّكرى مَعَ القَومِ الظَّالِمِينَ( . الأنعام (6) : 68 .
5- كرواية أبي بكر الحضرمي عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديث قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمسها فسلّم في ركعتين ثمّ ذكر . . .» إلى آخره . راجع بحار الأنوار 17 : 97 - 129 .
المستثنى من حكم النواصب والخوارج

ثمّ إنّ المتيقّن من الإجماع هو كفر النواصب والخوارج ؛ أي الطائفتين المعروفتين ، وهم الذين نصبوا للأئمّة علیهم السلام أو لأحدهم بعنوان التديّن به ؛ وأنّ ذلك وظيفة دينية لهم ، أو خرجوا على أحدهم كذلك ، كالخوارج المعروفة ، والظاهر أنّ «الناصب» الوارد في الروايات - كموثّقة ابن أبي يعفور المتقدّمة - أيضاً يراد به ذلك ؛ فإنّ النواصب كانوا طائفة معهودة في تلك الأعصار ، كما يظهر من الموثّقة أيضاً ، حيث نهي فيها عن الاغتسال في غسالة الحمّام التي يغتسل فيها الطوائف الثلاث والناصب ، وليس المراد منه المعنى الاشتقاقي الصادق على كلّ من نصب بأيّ عنوان كان ، بل المراد هو الطائفة المعروفة ، وهم النصّاب الذين كانوا يتديّنون بالنصب ، ولعلّهم من شعب الخوارج .

وأمّا سائر الطوائف من النصّاب بل الخوارج ، فلا دليل على نجاستهم وإن كانوا أشدّ عذاباً من الكفّار ، فلو خرج سلطان على أمير المؤمنين علیه السلام لا بعنوان

التديّن ، بل للمعارضة في الملك ، أو غرض آخر ، كعائشة والزبير وطلحة ومعاوية وأشباههم ، أو نصب أحد عداوة له أو لأحد من الأئمّة علیهم السلام لا بعنوان

التديّن ، بل لعداوة قريش ، أو بني هاشم ، أو العرب ، أو لأجل كونه قاتل ولده أو أبيه ، أو غير ذلك ، لا يوجب - ظاهراً - شيءٌ منها نجاسة ظاهرية وإن كانوا أخبث من الكلاب والخنازير ؛ لعدم دليل من إجماع أو أخبار عليه .

بل الدليل على خلافه ؛ فإنّ الظاهر أنّ كثيراً من المسلمين بعد رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم - كأصحاب الجمل وصفّين وأهل الشام وكثير من أهالي الحرمين

ص: 482

الشريفين - كانوا مبغضين لأميرالمؤمنين وأهل بيته الطاهرين - صلوات اللّه

عليهم - وتجاهروا فيه ، ولم ينقل مجانبة أمير المؤمنين وأولاده المعصومين علیهم السلام

وشيعته المنتجبين عن مساورتهم ومؤاكلتهم وسائر أنواع العشرة .

والقول : بأنّ الحكم لم يكن معلوماً في ذلك الزمان ، وإنّما صار معلوماً في

عصر الصادقين علیهما السلام (1) كما ترى . مع عدم نقل مجانبة الصادقين علیهما السلام

وأصحابهما وشيعتهما وكذا سائر الأئمّة علیهم السلام المتأخّرة عنهما وشيعتهم عن مساورة شيعة بني اُميّة وبني العبّاس ، ولا من خلفاء الجور .

والظاهر أنّ ذلك لعدم نجاسة مطلق المحارب والناصب ، وأنّ الطائفتين - لعنهما اللّه - لم تنصبا للأئمّة علیهم السلام لاقتضاء تديّنهما ذلك ، بل لطلب الجاه والرياسة وحبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة ، أعاذنا اللّه منه بفضله .

بل المنقول عن بعض خلفاء بني العبّاس أ نّه كان شيعياً ، ونقل عن المأمون أ نّه قال : «إنّي أخذت التشيّع من أبي»(2) ومع ذلك كان هو وأبوه على أشدّ عداوة لأبي الحسن موسى بن جعفر وابنه الرضا علیهما السلام لمّا رأيا توجّه النفوس إليهما ، فخافا على ملكهما من وجودهما .

وبالجملة : لا دليل على نجاسة النصّاب والخوارج إلاّ الإجماع وبعض الأخبار ، وشيء منهما لا يصلح لإثبات نجاسة مطلق الناصب والخارج ؛ وإن قلنا بكفرهم مطلقاً ، بل وجوب قتلهم في بعض الأحيان .

ص: 483


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 148 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 88 / 11 .
حكم سائر الطوائف من المنتحلين للإسلام أو التشيّع

ثمّ إنّ المتحصّل من جميع ما تقدّم : أنّ المحكوم بالنجاسة هو الكافر المنكر للاُلوهية ، أو التوحيد ، أو النبوّة ، وخصوص النواصب والخوارج بالمعنى المذكور.

وأمّا سائر الطوائف من المنتحلين للإسلام أو التشيّع - كالزيدية والواقفة والغلاة والمجسّمة والمجبّرة والمفوّضة وغيرهم - إن اندرجوا في منكري الاُصول أو في إحدى الطائفتين ، فلا إشكال في نجاستهم ، كما يقال : «إنّ الواقفة من النصّاب لسائر الأئمّة من بعد الصادق علیه السلام »(1) .

وأمّا مع عدم الاندراج فلا دليل على نجاستهم ؛ فإنّ بعض الأخبار الواردة في كفر بعضهم - كقوله علیه السلام : «من شبّه اللّه بخلقه فهو مشرك ، ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر»(2) وقوله علیه السلام : «من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك»(3) وقوله علیه السلام : «والقائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك»(4) وغير

ص: 484


1- اختيار معرفة الرجال : 229 / 410 و411 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 189 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 114 / 1 ؛ وسائل الشيعة 28 : 339 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 10 ، الحديث 1 .
3- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 143 / 45 ؛ وسائل الشيعة 28 : 340 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 10 ، الحديث 5 .
4- عيون أخبار الرضا عليه السلام 1 : 124 / 17 ؛ وسائل الشيعة 28 : 340 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 10 ، الحديث 4 .

ذلك(1) - فسبيله سبيل الأخبار الكثيرة المتقدّمة(2) وغيرها ممّا لا يحصى ممّا اُطلق فيها «الكافر» و«المشرك» على كثير ممّن يعلم عدم كفرهم وشركهم في ظاهر الإسلام ، وقد حملناها على مراتب الشرك والكفر(3) ، كما قامت الشواهد في نفس الروايات عليه .

والإنصاف : أنّ كثرة استعمال اللفظين في غير الكفر والشرك الظاهريين ، صارت بحيث لم يبقَ لهما ظهور يمكن الاتّكال عليه لإثبات الكفر والشرك الموجبين للنجاسة فيمن اُطلقا عليه ، ولا لإثبات التنزيل في جميع الآثار ، وهو واضح جدّاً لمن تتبّع الروايات ، ولا دليل آخر من إجماع أو غيره على نجاستهم .

حكم الغلاة

وأمّا الغلاة ، فإن قالوا بإلهية أحد الأئمّة علیهم السلام مع نفي إله آخر أو إثباته ، أو قالوا بنبوّته ، فلا إشكال في كفرهم .

وأمّا مع الاعتقاد باُلوهيته تعالى ، ووحدانيته ، ونبوّة النبي صلی الله علیه و آله وسلم ، فلا يوجب شيء من عقائدهم الفاسدة كفرَهم ونجاستهم ؛ حتّى القول بالاتّحاد أو الحلول إن لم يرجع إلى كون اللّه تعالى هو هذا الموجود المحسوس - والعياذ باللّه - فإنّه

يرجع إلى إنكار اللّه تعالى ، بل يراد بهما ما عند بعض الصوفية : من فناء العبد

ص: 485


1- راجع وسائل الشيع-ة 28 : 339 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 10 .
2- تقدّم في الصفحة 472 - 475 .
3- تقدّم في الصفحة 475 .

في اللّه واتّحاده معه نحو فناء الظلّ في ذيه ، فإنّ تلك الدعاوى لا توجب الكفر

وإن كانت فاسدة .

وكالاعتقاد بأنّ اللّه تعالى فوّض أمر الخلق مطلقاً إلى أمير المؤمنين علیه السلام فهو

بتفويض اللّه تعالى إليه خالق ما يرى وما لا يرى ، ورازق الورى ، وأ نّه محي ومميت . . . إلى غير ذلك من الدعاوى الفاسدة ، فإنّ شيئاً منها لا يوجب الكفر وإن كان غلوّاً ، وكان الأئمّة علیهم السلام يبرأون منها ، وينهون الناس عن الاعتقاد

بها .

ودعوى : أنّ إثبات ما هو مختصّ باللّه تعالى لغيره ، إنكار للضروري(1) ، ممنوعة إن اُريد به ضروري الإسلام ؛ فإنّ تلك الاُمور من ضروري العقول لا الإسلام . مع أنّ منكر الضروري ليس بكافر ، كما مرّ(2) .

حكم المجسّمة

وأمّا المجسّمة ، فإن التزموا بأ نّه تعالى جسم حادث كسائر الحوادث ، فلا إشكال في كفرهم ؛ لإنكار اُلوهيته تعالى ، ولا أظنّ التزامهم به . ومع عدمه : بأن اعتقد بجسميته تعالى ؛ بمعنى أن يعتقد أنّ الإله القديم الذي يعتقد به كافّة الموحّدين جسم - لنقص معرفته وعقله - فلا يوجب ذلك كفراً ونجاسة .

هذا إن ذهب إلى أ نّه جسم حقيقة ، فضلاً عمّا إذا قال بأ نّه جسم لا كالأجسام ، كما نسب إلى هشام بن الحكم الثقة الجليل المتكلّم(3) ولقد ذبّ

ص: 486


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 293 .
2- تقدّم في الصفحة 475 - 476 .
3- اُنظر الشافي في الإمامة 1 : 82 - 84 ؛ الملل والنحل 1 : 164 - 165 .

أصحابنا عنه ، وقالوا : «إنّما قال ذلك معارضةً لطائفة لا اعتقاداً»(1) وبعض الأخبار وإن كان ينافي ذلك(2) ، لكن ساحة مثل هشام مبرّأ عن مثل هذا الاعتقاد السخيف . مع أنّ مراده غير معلوم على فرض ثبوت اعتقاده به .

حكم المجبّرة والمفوّضة

وأمّا القول بالجبر أو التفويض ، فلا إشكال في عدم استلزامه الكفر - بمعنى نفي الاُصول - إلاّ على وجه دقيق يغفل عنه الأعلام ، فضلاً عن عامّة الناس ، ومع عدم الالتفات إلى اللازم لا يوجب الكفر جزماً .

ودعوى استلزام الجبر لنفي العقاب والثواب ، وذلك إبطال للنبوّات(3) ، لو فرضت صحّتها لم يلتزم المجبّرة به ، ولا إشكال في أنّ القائل بهما ليس منكراً للضروري ؛ لعدم كون الأمر بين الأمرين من ضروريات الدين ، بل ولا من ضروريات المذهب ؛ وإن كان ثابتاً بحسب الأخبار(4) ، بل البرهان كما حقّق في محلّه(5) .

والإنصاف : أنّ الأمر بين الأمرين - بالمعنى المستفاد من الأخبار ، والقائم عليه البرهان الدقيق - لا يمكن تحميل الاعتقاد به على فضلاء الناس ، فضلاً عن

ص: 487


1- اُنظر الشافي في الإمامة 1 : 82 - 86 ؛ تنقيح المقال 3 : 294 / السطر23 (أبواب الهاء) .
2- الكافي 1 : 104 / 1 و4 - 7 .
3- كشف اللثام 1 : 404 ؛ جواهر الكلام 6 : 54 .
4- الكافي 1 : 155 ، باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ؛ التوحيد ، الصدوق : 359 ، الباب 59 .
5- الطلب والإرادة ، الإمام الخميني قدس سره : 20 .

عوامّهم وعامّتهم ، ولهذا ترى أ نّه قلّما يتّفق لأحد تحقيق الحقّ فيه وسلوك مسلك الأمر بين الأمرين من دون الوقوع في أحد الطرفين ؛ أي الجبر والتفويض سيّما الثاني .

فتحصّل ممّا ذكر عدم كفر الطوائف المتقدّمة ، فما عن غير واحد : «من أنّ نجاسة الغلاة إجماعية»(1) أو : «لا خلاف»(2) و : «لا كلام فيها»(3) فالقدر المتيقّن منه هو الغلوّ بالمعنى الأوّل ، لا بمعنى التجاوز عن الحدّ مطلقاً . وما عن الشيخ وغيره من نجاسة المجسّمة(4) وعن «حاشية المقاصد»(5) و«الدلائل» : «لا كلام في نجاستهم»(6) لعلّ المراد لهم مَن توجّه والتفت إلى لازمه ، وإلاّ فلا دليل عليها كما تقدّم ، وكذا الكلام في المجبّرة والمفوّضة .

حكم المنافقين

بقي الكلام في المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر :

فإن قلنا : بأنّ الإسلام عبارة عن الاعتقاد بالاُصول الثلاثة ، وكلمة الشهادتين طريق إثباته في الظاهر ، أو أ نّه عبارة عن الإقرار باللسان ، والاعتقاد بالجنان ،

ص: 488


1- روض الجنان 1 : 437 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 43 .
3- جامع المقاصد 1 : 164 .
4- المبسوط 1 : 14 ؛ منتهى المطلب 3 : 224 .
5- هكذا في الطبعة الحجرية من مفتاح الكرامة ولكن في الطبعة الحديثة المصحّحة : «جامع المقاصد» بدل «حاشية المقاصد» .
6- جامع المقاصد 1 : 164 ؛ اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 43 .

فيكون موضوع الأحكام مركّباً من جزءين ، وجُعل أحدهما طريقاً للآخر ، فلا إشكال في كفرهم واقعاً وإن رتّبت عليهم أحكام الإسلام ظاهراً ما لم يثبت خلافه .

فإذا علمنا بنفاقهم لا يجوز إجراء الأحكام عليهم ، فحينئذٍ يقع الإشكال في المنافقين الذين كانوا في صدر الإسلام ، وكان النبي صلی الله علیه و آله وسلم والوصيّ علیه السلام يتعاملان معهم معاملة الإسلام .

وطريق دفعه إمّا بأن يقال : إنّ مصالح الإسلام اقتضت جعل أحكام ثانوية واقعية نظير باب التقيّة ، فجريان أحكام الإسلام عليهم واقعاً لمصلحة تقوية الإسلام في أوائل حدوثه ، فإنّه مع عدم إجرائها في حال ضعفه ونفوذ المنافقين وقوّتهم ، كان يلزم منه الفساد والتفرقة ، فأجرى اللّه تعالى أحكامه عليهم واقعاً ،

وأمّا بعد قوّة الإسلام وعدم الخوف منهم وعدم لزوم تلك المفسدة ، فلا تجري الأحكام عليهم .

وإمّا بأن يقال : إنّ ترتيب الآثار كان - ظاهراً - لخوف تفرقة المسلمين ، فهم مع كفرهم وعدم محكوميتهم بأحكامه واقعاً ، كان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ووصيّه علیه السلام يتعاملان معهم معاملة المسلمين ظاهراً ؛ حفظاً لشوكة الإسلام .

والالتزام بالثاني في غاية الإشكال . بل مقطوع الخلاف بالنسبة إلى بعض الأحكام .

وإمّا بأن يقال : إنّ العلم غير العادي -

كالعلم من طريق الوحي - لم يكن معتبراً ، لا بمعنى نفي اعتباره حتّى يلزم منه الإشكال ، بل بالتزام تقييد في الموضوع . وهو أيضاً بعيد .

ص: 489

وإن قلنا : بأنّ الإسلام عبارة عن صِرف الإقرار ظاهراً والشهادة باللسان ، وهو تمام الموضوع لإجراء الأحكام واقعاً ، فلا إشكال في طهارتهم وإجراء الأحكام عليهم ، ولا يرد الإشكال على معاملة النبي صلی الله علیه و آله وسلم معهم معاملة الإسلام ، فإنّهم مسلمون حقيقة ، إلاّ أن يظهر منهم مخالفة الإسلام ؛ بأن يقال : إنّ

الإسلام عبارة عن التسليم والانقياد ظاهراً ، مقابل الجحد والخروج عن السلم ، فمن ترك عبادة الأوثان مثلاً ، ودخل في الإسلام بالإقرار بالشهادتين ، وانقاد لأحكامه ، كان مسلماً منقاداً يجري عليه أحكامه واقعاً ، إلاّ أن يظهر منه ما يخالف الاُصول . هذا بحسب مقام الثبوت .

وأمّا بحسب مقام الإثبات والتصديق :

فقد عرفت في صدر المبحث : أنّ المرتكز في أذهان المتشرّعة أنّ الإسلام عبارة عن الاعتقاد بالاُصول الثلاثة(1) ، فلو علمنا بأنّ نصرانياً أظهر الإسلام من غير اعتقاد ، بل يبقى على اعتقاد التنصّر ، لم يكن في ارتكازهم مسلماً .

لكن يظهر من الكتاب والأخبار خلاف ذلك ؛ قال تعالى : )قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاْءِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ((2) .

في «المجمع» : «هم قوم من بني أسد أتوا النبي صلی الله علیه و آله وسلم في سنة جَدْبة ، وأظهروا الإسلام ، ولم يكونوا مؤمنين في السرّ» .

ثمّ قال : «قال الزجّاج : الإسلام : إظهار الخضوع والقبول لما أتى به

ص: 490


1- تقدّم في الصفحة 451 .
2- الحجرات (49) : 14 .

الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بذلك يحقن الدم ، فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك الإيمان - إلى أن قال : - وروى أنس ، عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : «الإسلام علانية ، والإيمان في القلب» أشار إلى صدره»(1) انتهى .

وفي موثّقة أبي بصير ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : سمعته يقول : )قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا( فمن زعم أ نّهم آمنوا فقد كذب ، ومن زعم أ نّهم لم يسلموا فقد كذب»(2) .

وفي موثّقة جميل بن درّاج قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قول اللّه تعالى : )قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الاْءِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ( فقال لي : «ألا ترى أنّ الإيمان غير الإسلام !»(3) .

وفي حسنة(4) حُمران بن أعين ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : سمعته يقول : «الإيمان : ما استقرّ في القلب ، وأفضى به إلى اللّه ، وصدّقه العمل بالطاعة للّه ، والتسليم لأمر اللّه ، والإسلام : ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث وجاز النكاح» . ثمّ استشهد بالآية المتقدّمة وقال :

«فقول اللّه أصدق القول»(5) .

ص: 491


1- مجمع البيان 9 : 207 - 208 .
2- الكافي 2 : 25 / 5 .
3- الكافي 2 : 24 / 3 .
4- تقدّم وجهها في الصفحة 459 ، الهامش 2 .
5- الكافي 2 : 26 / 5 .

وتدلّ عليه أيضاً جملة من الروايات الاُخر ، كموثّقة سَماعة المتقدّمة(1) ، عن أبي عبداللّه علیه السلام وفيها : فقلت : فصفهما لي ، فقال : «الإسلام : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، والتصديق برسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس ، والإيمان : الهدى وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام ، وما ظهر من العمل به ، والإيمان أرفع من الإسلام بدرجة ؛ إنّ الإيمان يشارك الإسلام في الظاهر ، والإسلام لا يشارك الإيمان في الباطن ؛ وإن اجتمعا في القول والصفة»(2) .

وهي بحسب ذيلها كالصريحة أو الصريحة في المقصود .

ويمكن المناقشة في صدرها بأن يقال : إنّ الشهادة لا تصدق إلاّ مع الموافقة للقلوب ، ولهذا كذّب اللّه تعالى المنافقين مع شهادتهم برسالة النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال : )وَاللّه ُ يَشْهَدُ إِنَّ ا لْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ((3) والظاهر أنّ تكذيبهم لعدم موافقة شهادتهم لقلوبهم .

ويمكن دفعها : بأنّ «الشهادة» صادقة بصِرف الشهادة ظاهراً ، ولهذا تجعل مقسماً للصادقة والكاذبة بلا تأوّل ، ولعلّ التكذيب في الآية كان لقرينة على دعواهم موافقة القلوب للظاهر .

وكيف كان : لا إشكال في دلالتها عليه .

ص: 492


1- تقدّمت في الصفحة 459 .
2- الكافي 2 : 25 / 1 .
3- المنافقون (63) : 1 .

وفي صحيحة الفضيل بن يسار قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «إنّ الإيمان يشارك الإسلام ، ولا يشاركه الإسلام ؛ إنّ الإيمان ما وقر في القلوب ، والإسلام ما عليه المناكح والمواريث ، وحقن الدماء»(1) .

وفي رواية حفص بن خارجة قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام . . . إلى أن قال : «فما أكثر من يشهد له المؤمنون بالإيمان ، ويجري عليه أحكام المؤمنين ، وهو عند اللّه كافر ، وقد أصاب من أجرى عليه أحكام المؤمنين بظاهر قوله وعمله !»(2) . . . إلى غير ذلك .

وحمل تلك الروايات على لزوم جريان الأحكام في الظاهر لو أمكن في بعضها ، لكن يأبى عنه أكثرها .

ص: 493


1- الكافي 2 : 26 / 3 .
2- الكافي 2 : 39 / 8 .
طهارة ولد الزنا وإسلامه

ثمّ إنّ المشهور - على ما حكاه جماعة(1) - طهارة ولد الزنا وإسلامه . بل عن «الخلاف» الإجماع على طهارته(2) ، ولعلّه مبنيّ على أنّ فتوى السيّد بكفره(3) لا تلازم فتواه بنجاسته ، كما أنّ فتوى الصدوق بعدم جواز الوضوء بسؤره(4) لا تستلزم القول بها .

ولم يحضرني كلام السيّد ولا الحلّي ، واختلف النقل عنهما ؛ ففي «الجواهر» :

«في «السرائر» : «أنّ ولد الزنا قد ثبت كفره بالأدلّة بلا خلاف بيننا» بل يظهر

منه أ نّه من المسلّمات ، كما عن المرتضى الحكم بكفره أيضاً»(5) انتهى .

ويظهر ذلك أيضاً من الشيخ سليمان البحراني ، كما في «الحدائق»(6) .

وهو لا يدلّ على حكمهما بنجاسته ؛ لعدم الملازمة بينهما بعد قصور الأدلّة عن إثبات نجاسة مطلق الكافر . إلاّ أن يقال : إنّ السيّد قائل بنجاسة كلّ كافر ، كما يظهر من «انتصاره»(7) و«ناصرياته»(8) .

ص: 494


1- جواهر الكلام 6 : 68 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 155 .
2- اُنظر جواهر الكلام 6 : 68 ؛ الخلاف 1 : 713 .
3- الانتصار : 544 .
4- الفقيه 1 : 8 / 11 .
5- جواهر الكلام 6 : 68 .
6- الحدائق الناضرة 5 : 191 .
7- الانتصار : 88 .
8- مسائل الناصريات : 84 .

وكيف كان : تدلّ على إسلامه الأخبار الشارحة للإسلام الذي عليه المناكح والمواريث(1) ، وإطلاقها شامل له بلا شبهة ، ودعوى عدم الإطلاق(2) في غاية الضعف ، وهي حاكمة على جميع ما ورد في حقّ ولد الزنا ، فإنّ غاية ما في الباب تصريح الأخبار بكفره ، فتكون حالها حال الأخبار التي وردت في كفر كثير من الطوائف وشركهم ممّا مرّ الكلام فيها (3) ، مع عدم دليل عليه أيضاً ، كما سنشير إليه .

ثمّ إنّ القائل بكفره إن أراد منه أ نّه لا يمكن منه الإسلام عقلاً ، أو لا يقع منه خارجاً ، فلا بدّ من طرح إظهاره للشهادتين ؛ للعلم بتخلّفه عن الواقع .

ففيه : - مضافاً إلى عدم الدليل على ذلك لو لم نقل : إنّ الدليل على خلافه - أ نّه لو سلّم لا يوجب كفره ؛ لما مرّ من أنّ الإسلام الذي يجري عليه الأحكام ظاهراً ، ليس إلاّ التسليم الظاهري والانقياد بإظهار الشهادتين ، فما لم يظهر منه شيء مخالف لذلك ، يكون محكوماً بالإسلام ولو علم عدم اعتقاده ، كما قلنا في المنافقين(4) .

وإن أراد منه أ نّه محكوم بأحكام الكفر من عدم جواز التزويج وغيره ، فهو ممكن ، لكن يحتاج إلى قيام دليل عليه ، وهو مفقود ؛ لأنّ الأخبار الواردة

ص: 495


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 459 - 460 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 7 : 299 .
3- تقدّم في الصفحة 472 - 475 .
4- تقدّم في الصفحة 489 .

فيهم الدالّة على عدم دخولهم في الجنّة(1) - فإنّها للمطهّرين - لا تدلّ على كفرهم ، بل فيها ما تدلّ على صحّة إيمانهم ، مثل ما دلّ على بناء بيت في النار لولد الزنا العارف ، وكان منعّماً فيها ، ومحفوظاً عن لهيبها (2) ، وهذا دليل على صحّة إيمانه .

ولا يجب على اللّه تعالى أن يدخله الجنّة ؛ فإنّ ما يحكم به العقل امتناع تعذيب اللّه تعالى أحداً من غير كفر أو عصيان ، وأمّا لزوم إدخاله في الجنّة - بل لزوم جزائه واستحقاقه على اللّه تعالى شيئاً - فلا دليل عليه ، بل العقل

حاكم على خلافه .

نعم ، لا يمكن تخلّف وعده ، لكن لو دلّ دليل على اختصاص وعده بطائفة خاصّة ، لا ينافي حكم العقل .

وكيف كان : هذه الطائفة من الأخبار أجنبيّة عن الأحكام الظاهرية ، كأجنبيّة

سائر ما تشبّث به في «الحدائق»(3) كما وردت في مساواة ديتهم لدية أهل الكتاب(4) ، مع عدم عمل الطائفة بهذه الأخبار على ما حكي(5) .

وما وردت من «أنّ حبّ علي علیه السلام علامة طيب الولادة وبغضه علامة خبثها»(6) .

ص: 496


1- راجع المحاسن : 139 / 28 و29 ؛ بحار الأنوار 5 : 287 / 10 و11 .
2- المحاسن : 149 / 64 ؛ بحار الأنوار 5 : 287 / 12 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 194 - 196 .
4- وسائل الشيعة 29 : 222 ، كتاب الديات ، أبواب ديات النفس ، الباب 15 .
5- جواهر الكلام 6 : 70 .
6- بحار الأنوار 38 : 189 ، الباب 63 ؛ الغدير 4 : 322 - 323 .

وما وردت من «أنّ لبن أهل الكتاب أحبّ إليّ من لبن ولد الزنا»(1) .

وما وردت من «أنّ نوحاً علیه السلام لم يحمل في السفينة ولد الزنا ، مع حمله الكلب والخنزير»(2) .

وما وردت من عدم قبول شهادته ، وعدم جواز توليته القضاء والإمامة(3) . . . إلى غير ذلك ممّا لا دخل لها بكفره ونجاسته(4) ، كما لا يخفى .

نعم ، ربّما يتمسّك لنجاسته بأخبار غسالة الحمّام وبكفره ؛ بدعوى ملازمتها مع كفره ، وفي المقدّمتين إشكال ومنع .

أمّا الثانية : فلعدم الدليل عليها .

وأمّا الاُولى : فللإشكال في رواياتها سنداً ودلالةً :

أمّا رواية حمزة بن أحمد ، عن أبي الحسن علیه السلام قال : سألته - أو سأله غيري - عن الحمّام ، قال : «ادخله بمئزر ، وغضّ بصرك ، ولا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام ؛ فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا

ص: 497


1- الكافي 6 : 43 / 5 ؛ وسائل الشيعة 21 : 462 ، كتاب النكاح ، أبواب أحكام الأولاد ، الباب 75 ، الحديث 2 .
2- تفسير العيّاشي 2 : 148 / 27 و28 ؛ وسائل الشيعة 27 : 377 ، كتاب الشهادات ، الباب 31 ، الحديث 9 و10 .
3- وسائل الشيعة 27 : 374 ، كتاب الشهادات ، الباب 31 ، و8 : 321 ، كتاب الصلاة ، أبواب صلاة الجماعة ، الباب 14 ، الحديث 1 و2 و4 و6 .
4- مثل رواية زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «لا خير في ولد الزنا ولا في بشره ولا شعره ولا لحمه ولا في دمه ولا في شيء منه» . المحاسن : 108 / 100 ؛ بحار الأنوار 5 : 285 / 6 .

والناصب لنا أهلَ البيت ، وهو شرّهم»(1) .

فم-ع ضعفها وإرسالها (2) ، أنّ الظاهر منها أنّ اغتسال الجنب بما هو ، مانع عن الاغتسال بغسالة الحمّام لا للنجاسة ، ولعلّه لكون البقيّة هو الماء المستعمل ، فلا يمكن الاستدلال بها لنجاسة ولد الزنا ولو كان الناصب نجساً .

وقريب منها رواية علي بن الحكم ، عن رجل ، عن أبي الحسن علیه السلام في حديث أ نّه قال :

«لا تغتسل من غسالة الحمّام ؛ فإنّه يغتسل فيه من الزنا ، ويغتسل فيه ولد الزنا ، والناصب لنا أهلَ البيت ، وهو شرّهم»(3) .

والظاهر منها أنّ غسالة الغسل من الزنا بما هي من غسل الزنا مانع ، وهو غير نجس بالضرورة . والحمل على نجاسة عرقه خلاف ظاهرها .

وأمّا رواية ابن أبي يعفور ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :

«لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمّام ؛ فإنّ فيها غسالة

ص: 498


1- تهذيب الأحكام 1 : 373 / 1143 ؛ وسائل الشيعة 1 : 218 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 1 .
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن محمّد بن عبدالحميد ، عن حمزة بن أحمد . والرواية ضعيفة بحمزة بن أحمد ؛ فإنّه مهمل . رجال الطوسي : 335 / 13 .
3- الكافي 6 : 498 / 10 ؛ وسائل الشيعة 1 : 219 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 3 .

ولد الزنا ، وهو لا يطهر إلى سبع آباء»(1) .

فمع ضعفها وإرسالها (2) ، تدلّ على خلاف مطلوبه ؛ ضرورة أنّ قوله علیه السلام : «لا يطهر إلى سبع آباء» بمنزلة التعليل للمنع ، مع قيام الضرورة على عدم

نجاسة آباء ولد الزنا أو أبنائه ، فيعلم أنّ ما أوجب النهي عن غسالته هو خباثته المعنوية ، لا النجاسة الصورية .

ولو كان المراد منه المبالغة فلا تناسب إلاّ الخباثة المعنوية .

بل هي شاهدة على صرف سائر الروايات على فرض دلالتها ، فأخبار هذا الباب ينبغي أن تعدّ من أدلّة طهارة ولد الزنا لا نجاسته .

فما في «الحدائق» من دعوى دلالة الأخبار الصحيحة الصريحة غير القابلة للتأويل على كفره أو نجاسته(3) على فرض إرادتها أيضاً ، في غاية الغرابة ؛ بعد ما عرفت من عدم دلالة رواية واحدة على مطلوبه . بل عرفت دلالتها على خلافه .

وأغرب منه توهّم عدم وقوف علمائنا الأعلام على هذه الأخبار(4) التي خرجت من لديهم إليه وإلى مثله ، وهو عيال عليهم في العثور عليها ، وكم له من نظير !

ص: 499


1- الكافي 3 : 14 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 219 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 4 .
2- رواها الكليني ، عن بعض أصحابنا ، عن ابن جمهور ، عن محمّد بن القاسم ، عن ابن أبي يعفور . والرواية ضعيفة بمحمّد بن القاسم فإنّه مجهول .
3- الحدائق الناضرة 5 : 193 .
4- نفس المصدر .
تتميم يذكر

فيه بعض ما هو محلّ خلاف بين الأصحاب

منها : عرق الجنب من الحرام

فعن جملة من المتقدّمين - كالصدوقين والشيخين والقاضي وابن الجنيد - القول بالنجاسة(1) . وعن «الخلاف» الإجماع عليه(2) . وعن الاُستاذ دعوى الشهرة العظيمة عليه(3) ، وعن «الرياض» الشهرة العظيمة بين القدماء(4) .

وعن «المراسم» و«الغنية» نسبته إلى أصحابنا (5) . وعن «المبسوط» إلى رواية أصحابنا (6) . وعن «أمالي الشيخ الصدوق» : «أ نّه من دين الإمامية»(7) .

ص: 500


1- المقنع : 43 نقله عن رسالة أبيه إليه ؛ الفقيه 1 : 40 / 153 ؛ المقنعة : 71 ؛ النهاية : 53 ؛ المهذّب 1 : 51 ؛ اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 214 .
2- الخلاف 1 : 483 .
3- مصابيح الظلام 5 : 35 و36 .
4- رياض المسائل 2 : 366 .
5- المراسم : 56 ؛ غنية النزوع 1 : 45 .
6- المبسوط 1 : 37 - 38 .
7- الأمالي ، الصدوق : 516 .

واستدلّ عليه بجملة من الروايات :

كرواية إدريس بن زياد الكَفَرْتوثي : أ نّه كان يقول بالوقف ، فدخل سرّ من رأى في عهد أبي الحسن علیه السلام وأراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب ، أيصلّي فيه؟ فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره حرّكه أبو الحسن علیه السلام بمقرعة ، وقال مبتدئاً : «إن كان من حلال فصلّ فيه ، وإن كان من حرام فلا تصلّ فيه»(1) .

وعن «إثبات الوصيّة» لعلي بن الحسين المسعودي نقل الرواية بتفصيل آخر ، وفي آخرها :

فقال لي : «يا إدريس ، أما آن لك ؟» فقلت : بلى يا سيّدي ، فقال : «إن كان العرق من الحلال فحلال ، وإن كان من الحرام فحرام» من غير أن أسأله ، فقلت به ، وسلّمت لأمره(2) .

وعن «البحار» : «وجدت في كتاب عتيق من مؤلّفات قدماء أصحابنا رواه عن أبي الفتح غازي بن محمّد الطريفي ، عن علي بن عبداللّه الميموني ، عن محمّد بن علي بن معمر ، عن علي بن يقطين بن موسى الأهوازي ، عن الكاظم علیه السلام مثله ، وقال : «إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال ، وإن كان

من حرام فالصلاة في الثوب حرام»(3) .

ص: 501


1- ذكرى الشيعة 1 : 120 ؛ وسائل الشيعة 3 : 447 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 12 .
2- إثبات الوصيّة : 238 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 571 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث 7 .
3- بحار الأنوار 77 : 118 / 6 .

كذا في «مفتاح الكرامة»(1) وفي «المستدرك» ذكره بعد رواية «المناقب» نقلاً عن «البحار»(2) .

وعن «مناقب ابن شهر آشوب» : أنّ علي بن مَهْزِيار كان أراد أن يسأل أبا الحسن علیه السلام عن ذلك وهو شاكّ في الإمامة . . . إلى أن قال : ثمّ قلت : اُريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب ، فقلت في نفسي : إن كشف عن وجهه فهو الإمام ، فلمّا قرب منّي كشف وجهه ، ثمّ قال : «إن كان عرق الجنب في الثوب وجنابته من حرام ، لا تجوز الصلاة فيه ، وإن كان جنابته من حلال فلا بأس» فلم يبقَ في نفسي بعد ذلك شبهة(3) .

وعن «الفقه الرضوي» : «إن عرقت في ثوبك وأنت جنب فكانت الجنابة من الحلال ، فتجوز الصلاة فيه، وإن كان حراماً فلا تجوز الصلاة فيه حتّى يغسل»(4) .

نقله في «الحدائق»(5) ولم ينقله صاحب «المستدرك» .

وقد يؤيّد بما ورد في غسالة الحمّام ، كرواية علي بن الحكم ، عن رجل ، عن أبي الحسن علیه السلام قال : «لا تغتسل من غسالة ماء الحمّام ؛ فإنّه يغتسل فيه من الزنا»(6) .

ص: 502


1- مفتاح الكرامة 2 : 70 .
2- مستدرك الوسائل 2 : 569 - 570 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث 5 .
3- مناقب آل أبي طالب 4 : 413 - 414 .
4- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 84 .
5- الحدائق الناضرة 5 : 217 .
6- تقدّمت في الصفحة 498 .

وفي الكلّ نظر :

أمّا الإجماع أو الشهرة ، فغير ثابت لا بالنسبة إلى النجاسة ، ولا المانعية ؛ لأنّ عبارات القدماء - إلاّ الشاذّ منهم - خالية عن التصريح بالنجاسة ، بل ولا ظهور فيها يمكن الاتّكال عليه ، ففي «الأمالي» فيما يملي من دين الإمامية : «وإذا عرق الجنب في ثوبه وكانت الجنابة من حلال ، فحلال الصلاة في الثوب ، وإن كانت من حرام فحرام الصلاة فيه»(1) .

وفي «الفقيه» : «ومتى عرق في ثوبه وهو جنب ، فليستنشف فيه إذا اغتسل ، وإن كانت الجنابة من حلال فحلال الصلاة فيه ، وإن كانت من حرام فحرام الصلاة فيه»(2) .

وهما - كما ترى - ظاهران في المانعية لا النجاسة . بل الظاهر من الثاني الطهارة مع المانعية ؛ لأنّ الظاهر أنّ الضمير المجرور في ذيله راجع إلى الثوب الذي أجاز التنشيف به .

وفي «الخلاف» : «عرق الجنب إذا كان الجنابة من حرام يحرم الصلاة فيه ، وإذا كان من حلال فلا بأس بالصلاة فيه» .

ثمّ قال : «دليلنا : إجماع الفرقة ، ودليل الاحتياط ، والأخبار التي ذكرناها في

الكتابين المتقدّم ذكرهما»(3) .

وهو - كما ترى - نقل الإجماع على حرمة الصلاة ، وهي أعمّ من النجاسة ،

ص: 503


1- الأمالي ، الصدوق : 516 .
2- الفقيه 1 : 40 / 153 .
3- الخلاف 1 : 483 .

كحرمة الصلاة في وبر ما لا يؤكل .

وتوهّم : أنّ مراده النجاسة ؛ بقرينة تصريحه في «نهايته» بنجاسته(1) ، وتظهر من «تهذيبه» أيضاً (2) ، في غير محلّه حتّى بالنسبة إلى فتواه ، فضلاً عن نقل فتوى الفرقة ؛ لاحتمال عدوله عن الفتوى بالنجاسة . كما يظهر من محكيّ «مبسوطه» التوقّف في الحكم(3) .

وفي «التهذيب» في ذيل كلام المفيد حيث قال : «ولا يجب غسل الثوب منه - أي من عرق الجنب - إلاّ أن تكون الجنابة من حرام ، فتغسل ما أصابه من عرق صاحبها من جسد وثوب ، ويعمل في الطهارة بالاحتياط»(4) .

قال بهذه العبارة : «فأمّا ما يدلّ على أنّ الجنابة من حرام فإنّه يغسل الثوب

منها احتياطاً ، فهو ما أخبرني . . .» ثمّ نقل صحيحة الحلبي قال : «قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : رجل أجنب في ثوبه . . .» إلى آخره ، ثمّ حمل الرواية على عرق المجنب من حرام .

ثمّ قال : «مع أ نّه يحتمل أن يكون المعنى فيه أن يكون أصاب الثوب نجاسة ، فحينئذٍ يصلّي فيه ويعيد»(5) انتهى .

فترى أنّ كلام الشيخين مبنيّ على الاحتياط .

ص: 504


1- النهاية : 53 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 271 ، ذيل الحديث 799 .
3- المبسوط 1 : 37 - 38 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 268 ، ذيل الحديث 785 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 271 ، ذيل الحديث 798 .

نعم يظهر منهما - سيّما الأوّل - أ نّه لاحتمال النجاسة .

وفي «المراسم» : «وأمّا غسل الثياب من ذرق الدجاج وعرق الجلاّل وعرق الجنب من الحرام ، فأصحابنا يوجبون إزالته ، وهو عندي ندب»(1) .

والظاهر أنّ المسألة لم تكن إجماعية ؛ لمخالفته صريحاً ، وذكرِ ذرق الدجاج . مضافاً إلى عدم ظهور معتدّ به لكلامه في النجاسة .

وفي «الغنية» : «وقد ألحق أصحابنا بالنجاسات عرق الإبل الجلاّلة ، وعرق الجنب إذا أجنب من حرام»(2) .

وهو غير صريح ، بل ولا ظاهر في النجاسة ؛ لاحتمال أن يكون مراده الإلحاق الحكمي مطلقاً ، أو في خصوص الصلاة ، فيمكن تأييد شارح «الموجز» فعنه : «أنّ القول بالنجاسة للشيخ ، وهو متروك»(3) بل تصديقه . بل تصديق دعوى الحلّي الإجماع على الطهارة ؛ بدعوى رجوع الشيخ عن القول بها (4) ، فضلاً عن تصديق دعوى صاحب «المختلف» و«الذكرى» و«الكفاية» و«الدلائل» الشهرة عليها (5) .

وأمّا الأخبار ، فلا دلالة لشيء منها على النجاسة ، نعم ظاهرها مانعيته عن الصلاة ، وهي أعمّ منها .

ص: 505


1- المراسم : 56 .
2- غنية النزوع 1 : 45 .
3- كشف الالتباس 1 : 404 .
4- السرائر 1 : 181 .
5- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 69 ؛ مختلف الشيعة 1 : 303 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 120 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 60 .

نعم ما عن «الفقه الرضوي»(1) لا يخلو من إشعار بها ، لكن كون هذا الكتاب رواية غير ثابت ، فضلاً عن اعتباره .

فلو ثبت اعتماد الأصحاب على تلك الروايات الدالّة على عدم جواز الصلاة فيه ، فلا محيص عن العمل بها . لكنّه أيضاً محلّ إشكال ، سيّما مع ما في «الخلاف» كما تقدّم(2) ، حيث تمسّك في الحكم بالأخبار التي في «التهذيبين»(3) فلو كان اعتماده على تلك الأخبار لم يقل ذلك ، ولم يكن وجه لترك التمسّك بها في الكتابين ، وسيّما مع نقل «الدلائل» عن «المبسوط» نسبة كراهة الصلاة فيه إلى الأصحاب(4) ؛ وإن قال صاحب «مفتاح الكرامة» : «ولم أجد ذكر ذلك فيه»(5) فإنّ عدم وجدانه أعمّ .

فإثبات المانعية بتلك الروايات الضعيفة غير المجبورة ، مشكل بل ممنوع ، والاتّكال على نفس الشهرة والإجماع المنقول في «الخلاف» وغيره أيضاً لا يخلو من إشكال ؛ لإعراض المتأخّرين عنه من زمن الحلّي .

مضافاً إلى أنّ مدّعي الإجماع - كالشيخ - توقّف أو مال إلى الخلاف ، على ما

في محكيّ «مبسوطه»(6) ويظهر من «تهذيبه»(7) .

ص: 506


1- تقدّم في الصفحة 502 .
2- تقدّم في الصفحة 503 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 271 / 799 ؛ الاستبصار 1 : 187 / 655 .
4- راجع المبسوط 1 : 91 .
5- مفتاح الكرامة 2 : 70 .
6- المبسوط 1 : 91 .
7- تهذيب الأحكام 1 : 271 ، ذيل الحديث 799 .

والناسب إلى الأصحاب توقّف ، كابن زهرة(1) ، أو أفتى بالخلاف ، كأبي يعلى سلاّر بن عبدالعزيز(2) .

وأمّا ما في «الأمالي» فالظاهر أنّ ما أدّى إليه نظره عدّه من دين الإمامية ، كما يظهر بالرجوع إلى أحكام ذكرها في ذلك المجلس .

هذا مع ما في جملة من الروايات المصرّحة بعدم البأس عن عرق الجنب ، ولا يبعد دعوى تحكيم بعضها على تلك الأخبار :

مثل ما عن أمير المؤمنين علیه السلام قال : «سألت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن الجنب

والحائض يعرقان في الثوب حتّى يلصق عليهما ، فقال : إنّ الحيض والجنابة حيث جعلهما اللّه عزّ وجلّ ، ليس في العرق ، فلا يغسلان ثوبهما»(3) .

وعن أبي عبداللّه علیه السلام : «لا يجنّب الثوب الرجل ، ولا يجنّب الرجل الثوب»(4) .

فلو كان عرق الجنب موجباً للنجاسة أو المانعية في الجملة ، لم يعبّرا بمثل ما ذكر فيهما .

هذا ولكن الاحتياط لا ينبغي أن يترك ، سيّما بالنسبة إلى المانعية .

ص: 507


1- غنية النزوع 1 : 45 .
2- المراسم : 56 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 269 / 792 ؛ وسائل الشيعة 3 : 447 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 9 .
4- الكافي 3 : 52 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 445 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 5 .
ومنها : عرق الإبل الجلاّلة

والأقوى نجاسته ، وفاقاً للمحكيّ عن الصدوقين(1) والشيخين في«المقنعة» و«النهاية» و«المبسوط» والقاضي والعلاّمة في «المنتهى» وصاحب «كشف اللثام» و«الحدائق» و«اللوامع»(2) . وعن «الرياض» : «أ نّها الأشهر بين القدماء»(3) .

وقد تقدّم ما في «الغنية» و«المراسم» من نسبة إلحاقه بالنجاسات في الأوّل ونسبة وجوب إزالته عن الثياب في الثاني إلى الأصحاب(4) .

وما قلنا في المسألة السابقة : «إنّ المحتمل في الأوّل الإلحاق الحكمي ، ولم يكن الثاني صريحاً في النجاسة»(5) - لدفع تحصيل الشهرة أو الإجماع بإبداء الاحتمال - لا ينافي تشبّثنا بكلامهما في المقام ؛ للفرق بين المسألتين : بأنّ

هناك لم يدلّ دليل معتمد على النجاسة ، بل ولا على المانعية ، فاحتجنا في إثباتها إليهما ولو لجبر سند بعض ما تقدّم ، والمناقشة في تحقّقهما

ص: 508


1- نسبه في اللوامع إلى الصدوقين على ما في الجواهر . اُنظر جواهر الكلام 6 : 77 ؛ الفقيه 3 : 214 / 991 ؛ المقنع : 421 .
2- المقنعة : 71 ؛ النهاية : 53 ؛ المبسوط 1 : 38 ؛ شرح جمل العلم والعمل : 56 ؛ منتهى المطلب 3 : 234 ؛ كشف اللثام 1 : 415 - 416 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 221 ؛ لوامع الأحكام : 141 .
3- رياض المسائل 2 : 367 .
4- تقدّم في الصفحة 505 .
5- تقدّم في الصفحة 505 .

أو جبر الإسناد بهما بما تقدّم كافية فيه .

وهاهنا تدلّ الرواية الصحيحة على نجاسته ، فلا يجوز رفع اليد عنها إلاّ بإثبات إعراض الأصحاب عنها ، ومع المناقشة فيه - باحتمال كون مراد صاحب «الغنية» و«المراسم» ذهابَ الأصحاب إلى نجاسته - تبقى الصحيحة سليمة عن الموهن ، وهي صحيحة حفص بن البَخْتَري ، عن أبي عبداللّه علیه السلام

قال : «لا تشرب من ألبان الإبل الجلاّلة ، وإن أصابك شيء من عرقها فاغسله»(1) .

وإطلاق صحيح هشام بن سالم ، عنه علیه السلام قال : قال : «لا تأكل اللحوم

الجلاّلة ، وإن أصابك من عرقها فاغسله»(2) .

وعن «الفقيه» : نهى علیه السلام عن ركوب الجلاّلات وشرب ألبانها «وإن أصابك من عرقها فاغسله»(3) .

وخلافاً ل- «المراسم»(4) وع-ن الديلمي(5) والحلّي(6) وجمهور المتأخّرين(7) .

ص: 509


1- الكافي 6 : 251 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 423 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 15 ، الحديث 2 .
2- الكافي 6 : 250 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 263 / 768 ؛ وسائل الشيعة 3 : 423 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 15 ، الحديث 1 .
3- الفقيه 3 : 214 / 991 .
4- المراسم : 56 .
5- نفس المصدر .
6- اُنظر جواهر الكلام 6 : 78 ؛ السرائر 1 : 181 .
7- اُنظر ذخيرة المعاد : 155 / السطر الأخير .

بل عن «كشف الالتباس» و«الذكرى» و«البحار» وغيرها نسبته إلى الشهرة من غير تقييد(1) . بل عن «كشف الالتباس» : «أنّ القول بالنجاسة للشيخ ، وهو متروك»(2) .

حول تأييد صاحب الجواهر القول بالطهارة

وقد بالغ المحقّق صاحب «الجواهر» في تشييده وتأييده بما لا مزيد عليه ، ولم يأتِ بشيء مقنع يتّجه معه ترك العمل بالحجّة الظاهرة في النجاسة :

أمّا تمسّكه بالاُصول ، فمع الإشكال في بعضها فظاهر ، كتمسّكه بعمومات طهارة الحيوان أو سؤره . وكون الجلاّل طاهر العين . وملازمة طهارة سؤره لطهارة عرقه ؛ لعدم الانفكاك غالباً . واستبعاد الفرق بينه وبين ما حرّم أكله أصالة ، بل وبين سائر الجلاّلات ، بل وبين سائر فضلات نفسه . وما دلّ على حلّ أكله بعد الاستبراء من غير ذكر نجاسته . وبفحوى عدم حرمة استعماله في الركوب وحمل الأثقال - مع استلزامه للعرق غالباً - من غير الأمر بالتجنّب(3) .

إذ العمومات - على فرض وجودها - قابلة للتخصيص . مع أنّ الظاهر عدم عموم لفظي يدلّ على طهارة الجلاّل أو سؤره ، بل لو كان شيء يكون إطلاقاً . مع أ نّه أيضاً محلّ تأمّل ومناقشة ، وعلى فرضه قابل للتقييد .

ص: 510


1- كشف الالتباس 1 : 403 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 120 ؛ بحار الأنوار 77 : 120 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 60 .
2- كشف الالتباس 1 : 404 .
3- جواهر الكلام 6 : 78 - 80 .

وقضيّة ملازمة طهارة سؤره لطهارة عرقه - على فرضها - إنّما هي متّجهة لو ورد دليل في خصوص سؤر الجلاّل ، وهو مفقود ، والعمومات والإطلاقات لا تقتضي ما ذكر ، مع أ نّها مخصّصة أو مقيّدة .

والاستبعاد المذكور غير معتمد في الأحكام التعبّدية ، مع عدم بُعْد في بعض ، وعدم إطلاق فيما دلّ على حلّ الأكل بعد الاستبراء ؛ لكونها في مقام بيان حكم آخر .

ومنه يظهر حال الفحوى المدّعاة . . . إلى غير ذلك من مؤيّداته .

وأمّا ما أفاده : «من أنّ صحيحة هشام ومرسل «الفقيه» لا اختصاص فيهما بالإبل ولا قائل غير «النزهة» بالأعمّ(1) ، والتخصيص إلى واحد غير جائز والحمل على العهد تكلّف ، فلا بدّ من الحمل على غير الوجوب ، وإلاّ لكان الخبر من الشواذّ . ومجاز الندب أولى من عموم المجاز ؛ لشيوعه حتّى قيل : «إنّه مساوٍ للحقيقة»(2) فيكون قرينة على إرادة الندب أيضاً بالنسبة إلى الإبل في حسنة حفص»(3) .

ففيه : - بعد تسليم جميع المقدّمات - أ نّه لا يوجب رفع اليد عن الحسنة ، ودعوى قرينية ما ذكر لإرادة الندب فيها ممنوعة ، بل هي مخصّصة أو مقيّدة للصحيح والمرسل .

مع أنّ ما ذكر من المقدّمات غير سليمة عن المناقشة ، بل المنع ؛ لمنع لزوم

ص: 511


1- نزهة الناظر : 19 .
2- معالم الدين : 53 .
3- جواهر الكلام 6 : 79 .

الاستهجان لو قلنا بعدم نجاسة غير عرق الإبل ، فإنّ هيئة الأمر - على ما ذكرنا

في محلّه - لا تدلّ على الوجوب دلالة لفظية وضعية ، بل هي موضوعة للبعث والإغراء(1) ، كما أنّ هيئة النهي موضوعة للزجر(2) ، فهي في عالم الألفاظ كالإشارة المغرية أو الزاجرة .

نعم ، مع عدم قيام دليل على الترخيص تكون حجّة على العبد ؛ لحكم العقل والعقلاء بلزوم تبعية إغراء المولى وزجره مع عدم الدليل على الترخيص ، كما ترى في الإشارة الإغرائية أو الزاجرة مع عدم وضعها لشيء .

فحينئذٍ نقول : إنّ الترخيص إلى واحد ، لا يوجب الاستهجان مع بقاء أصل البعث بالنسبة إلى سائر الأفراد ؛ فإنّ الترخيص ليس مخصّصاً للدليل ، بل يكون كاشفاً عن عدم الإرادة الإلزامية بالنسبة إلى مورد الترخيص ، مع بقاء البعث بحاله من غير ارتكاب خلاف ظاهر .

نعم ، لو دلّ دليل على عدم استحباب غسل عرق سائر الجلاّلات ، لا يبعد القول بالاستهجان .

هذا لو لم نقل : بأنّ كثرة ابتلاء أهالي محيط ورود الروايات ، بالإبل دون سائر الجلاّلات ، فإنّها بالنسبة إلى غير الإبل كانت قليلة ؛ بحيث توجب الانصراف أو عدم استهجان التخصيص ، وإلاّ فالأمر أوضح .

والإنصاف : عدم قيام الحجّة بما ذكره لرفع اليد عن الحجّة القائمة على النجاسة ، فالأقوى نجاسته .

ص: 512


1- مناهج الوصول 1 : 186 .
2- مناهج الوصول 2 : 90 .
طهارة عرق سائر الجلاّلات

كما أنّ الأقوى طهارة عرق سائر الجلاّلات ، والأحوط التجنّب منه أيضاً .

وقد وقع من الشيخ الأعظم هنا أمر ناشئ عن الاستناد إلى حافظته الشريفة والتعجيل في التصنيف : وهو أ نّه نقل حسنة ابن البَخْتَري مع إسقاط لفظة «الإبل» فقال : «إنّ ظاهر الصحيحة الاُولى - كالحسنة - عدم اختصاص الحكم بالإبل»(1) .

مع أنّ جميع النسخ الموجودة عندي وكذا الكتب الفرعية التي راجعتها ، مشتملة عليها ، ومن هنا لزم على كلّ باحث أن يراجع المدارك عند التأليف والفتوى ، ولا يكتفي بالكتب الاستدلالية لنقل الرواية ، ولا يتّكل عليها ، فضلاً عن حفظ نفسه ؛ بعد ما رأى وقوع مثله مِن مثل مَن هو تالي العصمة وفقيهُ الاُمّة ، واللّه العاصم .

ثمّ إنّه قد تقدّم الكلام في المسوخ(2) ، فلا نطيل بالإعادة . وهنا بعض اُمور اُخر قد ذهب بعض إلى نجاسته ، ودلّت بعض الأخبار عليها ، كلبن الجارية(3)

ص: 513


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 202 .
2- تقدّم في الصفحة 238 .
3- ذهب ابن حمزة إلى نجاسة لبن الجارية . الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 78 . والرواية التي يستدلّ عليها ، هو خبر السكوني وفيه «لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم . . .» إلى آخره . تهذيب الأحكام 1 : 250 / 718 ؛ وسائل الشيعة 3 : 398 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 3 ، الحديث 4 .

والحديد(1) وأبوال البغال والحمير(2) ، وغيرها (3) ممّا هي ضعيفة المستند بعد كون طهارتها كأمر ضروري ، فلا نطيل بذكرها .

والحمد للّه أوّلاً وآخراً، وظاهراً وباطناً،

وقد وقع الفراغ من مبيضَّة هذه الوريقات في صبيحة العاشر من ذي الحجّة الحرام سنة 1377 ه- . ق

ص: 514


1- لم نقف على قائل بنجاسته ولكن قد ورد في بعض الأخبار ما يمكن استفادة النجاسة منه ، نحو : «لا تجوز الصلاة في شيء من الحديد فإنّه نجس ممسوخ» . راجع الحدائق الناضرة 5 : 233 ؛ جواهر الكلام 6 : 84 ؛ وسائل الشيعة 3 : 530 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 83 ، الحديث 5 و6 و7 .
2- والمنقول عن ابن الجنيد وعليه الشيخ في النهاية : نجاسة أبوال البغال والحمير . اُنظر المعتبر 1 : 413 ؛ النهاية : 51 ، وأمّا الروايات فقد ورد في بعضها «يغسل بول الحمار والفرس والبغل . . .» إلى آخره . وسائل الشيعة 3 : 406 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 5 ، 8 ، 9 ، 11 و13 .
3- كالقيء كما نقل عن بعض الأصحاب نجاسته ، اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 233 ، وقد ورد في بعض الروايات «يجزيك من الرعاف والقيء أن تغسله ولا تعيد الوضوء» . تهذيب الأحكام 1 : 349 / 1026 ؛ وسائل الشيعة 1 : 266 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 7 ، الحديث 8 .

الفهارس العامّة

اشارة

1 - الآيات الكريمة

2 - الأحاديث الشريفة

3 - أسماء المعصومين علیهم السلام

4 - الأعلام

5 - الكتب الواردة في المتن

6 - مصادر التحقيق

7 - الموضوعات

ص: 515

ص: 516

1 - فهرس الآيات الكريمة

الآية رقمها الصفحة

البقرة (2)

(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ا لْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ

بِبَعْضٍ) 85 473

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِى

السِّلْمِ كَافَّةً) 208 475

آل عمران (3)

(إِنَّ ا لدِّينَ عِنْدَ اللّه ِ الاْءِسْلاَمُ) 19 456، 466

(فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا) 20 456

النساء (4)

(وَلَنْ يَجْعَلَ اللّه ُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى

الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) 141 444

ص: 517

الآية رقمها الصفحة

المائدة (5)

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ا لْمَيْتَةُ وَا لدَّمُ) 3 217

(فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ) 4 230

(فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) 4 226

(وَمَنْ يَكْفُرْ بِالاْءِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ

عَمَلُهُ) 5 473

(وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) 6 178

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّه َ هُوَ

ا لْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ ا لْمَسِيحُ يَا

بَنِى إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللّه َ رَبِّى وَرَبَّكُمْ

إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّه ِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّه ُ عَلَيْهِ

ا لْجَنَّةَ) 72 425

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّه َ ثَالِثُ

ثَلاَثَةٍ( 73 424

(ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ) 73 425

(إِنَّمَا ا لْخَمْرُ وَا لْمَيْسِرُ) 90 272

(إِنَّمَا ا لْخَمْرُ وَا لْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ

وَالْأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ

فَاجْتَنِبُوهُ) 90 251

(أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ

إِلهَيْنِ) 116 424

ص: 518

الآية رقمها الصفحة

الأنعام (6)

(فَمَنْ يُرِدِ اللّه ُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ

صَدْرَهُ لِلاْءِسْلاَمِ) 125 456

(كَذلِكَ يَجْعَلُ اللّه ُ ا لرِّجْسَ عَلَى

الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ) 125 12، 426

(الرِّجْسَ) 125 426

(قُلْ لاَ أَجِدُ فِى مَا أُوِحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّماً

عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً

أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ

رِجْسٌ) 145 208

(قُلْ لاَ أَجِدُ) 145 215

(قُلْ لاَ أَجِدُ فِى مَا أُوحِىَ) 145 12

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً

أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) 145 75

(دَماً مَسْفُوحاً) 145 215

(أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإنَّهُ رِجْسٌ) 145 12

(فإِنَّهُ رِجْسٌ) 145 75، 211

الأنفال (8)

(وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ) 11 64

(وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) 11 64

(وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً

ص: 519

الآية رقمها الصفحة

لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ

ا لشَّيْطَانِ) 11 53

(لِيُطَهِّرَكُمْ) 11 54

(يُذْهِبَ عَنْكُمْ( 11 54

(وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ ا لشَّيْطَانِ) 11 54

التوبة (9)

(إِنَّمَا ا لْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) 28 420، 423

(إِنَّمَا ا لْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا

ا لْمَسْجِدَ ا لْحَرَامَ) 28 12

(وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرُ ابْنُ اللّه ِ) 30 423

(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ) 31 424

(اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً

مِنْ دُونِ اللّه ِ وَا لْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا

أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً وَاحِداً لاَ إِلَهَ إِلاَّ

هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) 31 424

(وَا لْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) 31 424

(سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) 31 423

(وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً) 84 454

النحل (16)

(وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْ ءٌ

وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) 5 34

ص: 520

الآية رقمها الصفحة

(وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا

وَزِينَةً) 8 34

الروم (30)

(فِطْرَتَ اللّه ِ الَّتِى فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) 30 443

الحجرات (49)

(إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ) 6 369

(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا

وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) 14 491

(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا

وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ

الاْءِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ) 14 456، 490، 491

الطور (52)

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ

بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) 21 444

المنافقون (63)

(وَاللّه ُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) 1 492

نوح (71)

(وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً) 27 441

ص: 521

الآية رقمها الصفحة

الجنّ (72)

(فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً) 14 456

الإنسان (76)

(إِنَّا هَدَيْنَاهُ ا لسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا

كَفُوراً) 3 472

ص: 522

2 - فهرس الأحاديث الشريفة

أبواه يهوّدانه 441

اتّخذ ثوباً لصلاتك 81

أتقول إنّه دابّة تخرج من الماء ، أو تصاد من الماء فتخرج 91

ادخله بمئزر . . . ولا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام 498

إذا أخذت عصيراً فاطبخه حتّى يذهب الثلثان ، وكل واشرب 288

إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ - يعني المسكر - فاغسله 269

إذا أصاب يدك جسد الميّت قبل أن يغسّل ، فقد يجب عليك الغسل 104، 174، 191،

192، 203

إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء 432

إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس 290

إذا تغيّر عن حاله وغلى فلا خير فيه حتّى يذهب ثلثاه ، ويبقى ثلثه 318

إذا تفسّخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضّأ فصبّها 69

إذا توضّأ فلا بأس 430

إذا جرى فلا بأس به 267

إذا جرى من ماء المطر لا بأس ، ويصلّى فيه 268

إذا جفّ فلا بأس 40

ص: 523

إذا خرجت من الماء تعيش خارجةً من الماء ؟ 90، 234

إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده ، وأمّا الميتة فلا 80

إذا زاد الطِلاء على الثلث فهو حرام 291

إذا علم أ نّه إذا عرق فيه أصاب جسده من تلك الجنابة . . . فليغسل 96

إذا علم أ نّه نصراني اغتسل بغير ماء الحمّام 437

إذا غسل فلا بأس 253، 254

إذا فرغ فليغسل يده 232

إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، فإذا مسّه إنسان . . . 115، 129، 197

إذا كان الماء أكثر من راوية لا ينجّسه شيء ؛ تفسّخ فيه أو لم يتفسّخ فيه 70

إذا كانت ذكية فلا بأس 243

إذا لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس ، وإن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله 135

إذا مسست جسده حين يبرد فاغتسل 191

إذا مسسته فاغسل يدك 228

إذا مسّه بحرارته فلا ، ولكن إذا مسّه بعد ما برد فليغتسل 169

إذا مسّه في هذه الحال . . . 104

إذا مسّه في هذه الحال لم يكن عليه إلاّ غسل يده 98

إذا نشّ العصير أو غلى حرم 315

أذك بالأدب قلبك 74

استحلال أهل العراق للميت-ة ، وزعموا أنّ دباغ جلد الميت-ة ذكاته 82

استسرجوه ، فمن مسّه فليغسل يده ، وإذا مسّ الثوب . . . 73

استق منها عشرة دلاء 117

اسقيه من نبيذي 327

الإسلام : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، والتصديق برسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم 459، 492

ص: 524

الإسلام عريان ، فلباسه الحياء ، وزينته الوفاء ، ومروّته العمل الصالح 457

الإسلام علانية ، والإيمان في القلب 491

الإسلام ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس 456

إسلامه إسلام لنفسه ولولده الصغار ، وهم أحرار 442

الإسلام : هو الظاهر الذي عليه الناس ؛ شهادة أن لا إله إلاّ اللّه . . . 460

الإسلام يحقن به الدم ، وتؤدّى به الأمانة ، وتستحلّ به الفروج 460

الإسلام يعلو ، ولا يعلى عليه 444

اشترِ من رجل مسلم ، ولا تسأله عن شيء 150

أصابه جافّاً 229

أصل النبيذ حلال 259

اعلم : أنّ أصل الخمر من الكرم إذا أصابته النار أو غلى... 302، 319

اغسل الإناء 240

اغسل الثوب كلّه إذا خفي عليك مكانه ؛ قليلاً كان أو كثيراً 61

اغسل ثوبك 36

اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه 34، 49

اغسل ثوبك من بول كلّ ما لا يؤكل لحمه 31

اغسل ما رأيت من أثرها ، وما لم تره انضحه بالماء 244

اغسله مرّتين 35

اغسل يدك كما تمسّ الكلب 232

أكره أن آكله إذا قطر في شيء من طعامي 257

إلاّ أن تقذره فتغسل منه . . . 269

ألا ترى أنّ الإيمان غير الإسلام ! 491

ألقه وتوضّأ منه . وإن كان عقرباً فأرق الماء ، وتوضّأ من ماء غيره 117

ص: 525

أ ليس هي يابسة ؟ ! 21

أ ليس يحرّمون ما أحلّ اللّه فتحرّمونه ، ويحلّون ما حرّم اللّه فتستحلّونه ؟ 424

إمّا آخذ فهو شاكر ، وإمّا تارك فهو كافر 472

أما استبان لكم كذبه ؟ ! 358

أمّا الخمر : فكلّ مسكر من الشراب إذا أخمر فهو خمر 272

أمّا أنا فلا اُؤاكل المجوس ، وأكره أن اُحرّم عليكم شيئاً تصنعونه 430

أمّا بحرارته فلا بأس ، إنّما ذلك إذا برد 112

أما تعلم أ نّه يصيب اليد والثوب وهو حرام ؟ ! 128

أمّا ما ذهب منهما فحظّ إبليس 317

امسحها بالتراب أو بالحائط 428

أمِن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم ما في جميع الأرضين ؟ ! . . . 151

إنّ آدم لمّا اُهبط من الجنّة. . . 300

إنّ آدم لمّا اُهبط من الجنّة اشتهى من ثمارها ، فأنزل اللّه عليه . . . 287

أنا أعرف به منك 90

إنّ إبليس - لعنه اللّه - نازع نوحاً في الكرم ، فأتاه جبرئيل فقال له... 288

إن أبيتم فشيء من ماء ينضحه به 57

إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ، وإن أصابه جافّاً . . . 228

إنّ الإيمان يشارك الإسلام ، والإسلام لا يشارك الإيمان 459

إنّ الإيمان يشارك الإسلام ، ولا يشاركه الإسلام 493

إنّ الثوب لا يسكر 277

أنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله . . . فاسد 42

إنّ الصوف ليس فيه روح 140

أنّ العصير إذا طبخ حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، فهو حلال 293

ص: 526

إنّ اللّه إنّما حرّم شربها 269، 270

إنّ اللّه تعالى نصب عليّاً علماً بينه وبين خلقه ، فمن عرفه كان مؤمناً 452

إنّ اللّه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً 185

إنّ اللّه حرّم الخمر بعينها ، فقليلها وكثيرها حرام 274

إنّ اللّه حرّم الميتة من كلّ شيء 88

إنّ اللّه خلق الإسلام فجعل له عرصة ، وجعل له نوراً . . . 456

إنّ اللّه لم يحرّم الخمر لاسمها ، بل حرّمها لعاقبتها 402

إنّ اللّه لم يحرّم الخمر لاسمها ، لكن حرّمها لعاقبتها 277

أنّ أمير المؤمنين علیه السلام سئل عن الصلاة في الثوب الذي فيه . . . 37

إنّ بي دماميل ، ولست أغسل ثوبي حتّى تبرأ 213

أنجس من الكلب 435، 480

إنّ دباغة الصوف والشعر غسله بالماء ، وأيّ شيء يكون أطهر من الماء ؟ ! 147

أنّ ذرق الطائر طاهر سواء كان مأكول اللحم ، أو غير مأكوله 29

أنّ ذكاة الحيوان ذبحه ، وذكاة الجلود الميتة دباغه 84

إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة 61

إن رأيت في ثوبك دماً... 222

إنّ رجلاً سأل أبا جعفر علیه السلام عن الميّت لِمَ يغسّل غُسلَ الجنابة ؟ . . . 102

إن شئت فاسأل يا شهاب ، وإن شئت أخبرناك بما جئت له 71

إن عرفت مكانه فاغسله ، وإن خفي عليك مكانه فاغسل الثوب كلّه 60

إن عرقت في ثوبك وأنت جنب فكانت الجنابة من الحلال . . . 502

إن علق به شيء فليغسله ، وإن كان جافّاً فلا بأس 40

إنّ عليّاً باب فتحه اللّه تعالى ، من دخله كان مؤمناً 452

أنّ عليّاً علیه السلام سئل عن شاة ماتت ، فحلب منها لبن . . . 163

ص: 527

أنّ عليّاً علیه السلام قال : لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم 46

إنّ عليّاً علیه السلام كان لا يرى بأساً بدم ما لم يذكّ يكون في الثوب... 213، 221

أنّ علي بن الحسين علیهما السلام كان يبعث إلى العراق ، فيؤتى . . . 81

إنّ في آنيتهم الخمر ولحكم الخنزير 432

إنّ في كتاب علي علیه السلام : أنّ ما قطع منها ، ميْت لا ينتفع به 128

إنّ فيها السمّ 120

إنّ قوماً أتوا رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فقالوا : . . . فإن غسّلناه انسلخ ، فقال : يمّموه 187

إن كان استبان من أثره شيء فاغسله 21، 48

إن كان العرق من الحلال فحلال ، وإن كان من الحرام فحرام 501

إن كان الماء قاهراً ولا توجد منه الريح فتوضّأ 69

إن كان الماء قد تغيّر ريحه وطعمه فلا تشرب ، ولا تتوضّأ منه 68

إن كان الميّت لم يبرد فلا غسل عليه ، وإن كان قد برد فعليه الغسل 174

إن كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضّأ ولا تشرب 69

إن كانت اكتست الجلد الغليظ فلا بأس بها 158

إن كان دخل في صلاته فليمضِ ، وإن لم يكن دخل في صلاته . . . 231

إن كان عرق الجنب في الثوب وجنابته من حرام ، لا تجوز الصلاة فيه . . . 502

إن كان غسل الميّت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه 95، 138

إن كان لم يعلم فلا يعيد 21، 49

إن كان مسلماً ورعاً مؤمناً فلا بأس أن يشرب 396

إن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وشعره وبوله وروثه . . . جائز 63

إن كان ممّن يستحلّ المسكر فلا تشربه ، وإن كان ممّن لا يستحلّ . . . 298

إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال ، وإن كان من حرام . . . 501

إن كان من حلال فصلّ فيه ، وإن كان من حرام فلا تصلّ فيه 501

ص: 528

إن كان من طعامك وتوضّأ فلا بأس 430

إن لم تمسّه فهو أفضل 83، 84

إنّما اُمر بغُسل الميّت ؛ لأ نّه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة 101

إنّما اُمر من يغسّل الميّت بالغسل لعلّة الطهارة ممّا أصابه 174، 182

إنّما أنت يا علي وأصحابك أشباه الحمير 357

إنّما عليك أن تنزح منها سبع دلاء 119

إنّما كانت الخمر يوم حرّمت بالمدينة فضيخ البُسْر والتمر 272

إنّما لم يجب الغسل على من مسّ شيئاً من الأموات غير الإنسان . . . 193

إنّما يكفر إذا جحد 450

أنّ من مسّ ميّتاً بحرارته غَسل يده ، ومن مسّه وقد برد فعليه الغسل 97

إنّ نوحاً حين اُمر بالغرس كان إبليس إلى جانبه . . . 318

إنّ نوحاً لمّا هبط من السفينة غرس غرساً ، فكان فيما غرس الحَبَلَة 288

إنّه خبيث بمنزلة الميتة ، وإنّه بمنزلة شحم الخنزير 270

أ نّه نهى عن مصافحة الذمّي 428

أو لم ترني آكله ؟! 151

الإيمان : ما استقرّ في القلب ، وأفضى به إلى اللّه ، وصدّقه العمل بالطاعة للّه . . . 459، 491

الإيمان : معرفة هذا الأمر مع هذا ، فإن أقرّ بها ولم يعرف هذا الأمر كان مسلماً 460

أيّهما أرجس : البول ، أو الجنابة ؟ 55

بعد الموت وبعد الغسل 112

بعد موته وبعد غسله 110

بلى ، ولكن ليس ممّا جعله اللّه للأكل 41

تأخذ ربعاً من زبيب وتنقّيه ، ثمّ تصبّ عليه اثني عشر رطلاً من ماء 324

ترك العمل الذي أقرّ به ، منه الذي يدع الصلاة متعمّداً 473

ص: 529

تشرب ما لم يغلِ ، فإذا غلى فلا تشربه 314

تغسل الإناء منه سبع مرّات ، وكذلك الكلب 270

تغسله ثلاث مرّات 253

تغسله سبع مرّات ، وكذلك الكلب 257

تلك شاة لسَوْدَة بنت زَمْعَة زوجة النبي صلی الله علیه و آله وسلم وكانت شاة مهزولة . . . 79

تنزّهوا عن قرب الكلاب ، فمن أصاب الكلب وهو رطب فليغسله 228

توضّأ من الجانب الآخر ، إلاّ أن يغلب الماءَ الريحُ فينتن 71

ثلاث لا أتقي فيهنّ أحداً : شرب المسكر ، ومسح الخفّين ، ومتعة الحجّ 397

ثمّ إنّ إبليس ذهب بعد وفاة آدم علیه السلام فبال في أصل الكرمة والنخلة 329

ثمّ تغليه بالنار ، فلا تزال تغليه حتّى يذهب الثلثان ، ويبقى الثلث 324

جئت تسألني عن الغدير يكون في جانبه الجيفة ، أتوضّأ منه أو لا ؟ 71

الجراد ذكيّ كلّه ، والحيتان ذكيّ كلّه ، وأمّا ما هلك في البحر فلا تأكل 74

الجيف كلّها سواء 117

حرام بيعها وثمنها 23

حرّم اللّه الخمر بعينها ، وحرّم رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم من الأشربة كلّ مسكر 274

الحلال من النبيذ أن تنبذه وتشربه من يومه ومن الغد ، فإذا تغيّر فلا تشربه . . . 397

الحوت ذكيّ حيّه وميّته 74

خذ بقول أبي عبداللّه علیه السلام 269

خذ ماء التمر فأغله حتّى يذهب ثلثا ماء التمر 398

خُرْء الخُطّاف لا بأس به ؛ هو ممّا يؤكل لحمه ، لكن كره أكله . . . 18

خرء كلّ شيء يطير وبوله لا بأس به 30

الخُطّاف لا بأس به 18

الخمر حرام بعينها 301

ص: 530

خمر لا تشربه 127، 294

الخمر من خمسة . . . 276

الخمر من خمسة : العصير من الكرم... 289، 301

خمرة استصغرها الناس 401، 406

خمسة أشياء ذكيّة ممّا فيه منافع الخلق : الإنفحة ، والبيض . . . 75، 148، 164

الدم تأكله النار إن شاء اللّه 257

الدم والخمر والميْت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد 71، 89، 99، 212

ذكاة الأرض يبسها 74

ذكاة الجنين ذكاة اُمّه 75، 207

ذكّاه الذبح 89

رجس نجس 210

رجس نجس ؛ لا يتوضّأ بفضله 13، 227

زكاة الأرض يبسها 74

ساُخبرك عن الجبن وغيره : كلّ ما كان فيه حلال وحرام ، فهو لك حلال 151

سألت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن الجنب والحائض يعرقان في الثوب . . . 507

سمعت رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم يقول : لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عظم 83

الشعر والصوف والريش وكلّ نابت لا يكون ميتاً 141

شه ، شه ، تلك الخمرة المنتنة 260

صدق أبو مريم ، سألني عن النبيذ ، فأخبرته أ نّه حلال 260

الصفرة ، فتوضّأ منه ، وكلّما غلب كثرة الماء فهو طاهر 71

صلّ فيه ، إلاّ أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر 269

صلّ فيه ولا تغسله من أجل ذلك ؛ فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر . . . 255

الطواف بالبيت صلاة 131

ص: 531

عشرة أشياء من الميتة ذكيّة . . . 157، 160

العصير العنبي إذا نشّ وغلى يحرم 137

علّة غُسل الميّت أ نّه يغسّل ليتطهّر وينظّف عن أدناس أمراضه 102

عند موته وعند غسله 110

غسل الجنابة ، وغسل من مسّ ميّتاً ، وغسل الإحرام 174

الغسل في أربعة عشر موطناً ، واحد فريضة ، والباقي سنّة 176

الغُسل في سبعة عشر موطناً . . . 170

الغسل في سبعة عشر موطناً ، منها الفرض ثلاثة 174

الغسل من سبعة : من الجنابة ، وهو واجب ، ومن غسل الميّت . . . 177، 183

فإذا أخذت عصيراً فطبخته حتّى يذهب الثلثان . . . فكل واشرب 317

فإذا برد فعليه الغسل . . . 173

فإذا نشّ . . . فدعه 319

فاشترِ الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلّين 152

فاعمل به ، واغسل يدك إذا مسسته عند كلّ صلاة 232

فالقني في البيت 460

فإنّ اللّه تعالى أحلّه وجعل ذكاته موته 91

فإن رأيت في منقاره دماً... 222

فإن كان ممّا يؤكل لحمه ، فالصلاة في وبره وبوله وشعره . . . 73

فإنّك تقول : إنّه دابّة تمشي على أربع ، وليس هو في حدّ الحيتان 91

فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه 201

فدخلت النار حيث دخلت وقد ذهب منهما ثلثاهما ، وبقي الثلث 288، 316

فذروه ؛ فإنّه ميْت 126، 134

فرضيا بينهما بروح القدس ، فلمّا انتهيا إليه قصّ آدم عليه قصّته . . . 287، 316

ص: 532

فقال جبرئيل : أحسن يا رسول اللّه ، فإنّ منك الإحسان 317

فقول اللّه أصدق القول 491

فكلّ ما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسّه الغسل 201

فكلّ مسكر من الشراب فهو خمر 279

فلِمَ يضربون الحدود ، ولِمَ يقطع أيديهم 471

فما أكثر من يشهد له المؤمنون بالإيمان ، ويجري عليه أحكام المؤمنين 493

فما بال من جحد الفرائض كان كافراً ! 471

فما كان فوق الثلث من طبخها فلإبليس ، وهو حظّه 289

فمن اجترى على اللّه فأبى الطاعة وأقام على الكبائر ، فهو كافر 475

فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها وجحدها كان كافراً 474

فمن هنا طاب الطِلاء على الثلث 301

في كتاب علي علیه السلام : أنّ الهرّ سبع ، ولا بأس بسؤره 240

في كلّ غسل وضوء إلاّ الجنابة 183

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : الخمر من خمسة : العصير من الكرم... 273

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : كلّ مسكر حرام 326، 328

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : كلّ مسكر حرام ، وكلّ مسكر خمر 272

قد أكثرت عليّ ، أفيسكر ؟ 399

قيل لأميرالمؤمنين علیه السلام : من شهد أن لا إله إلاّ اللّه ، و... كان مؤمناً؟ 471

كافر ، يا أبا محمّد 449

كأ نّه قد أزف منك رحيل ؟ 436

كذبوا ، يغتسل فيه الجنب من الحرام والزاني والناصب . . . 436

كذلك هو سواء ، إذا أدّت الحلاوة إلى الماء ، فصار حلواً بمنزلة العصير . . . 345

الكفر أقدم من الشرك . . . 475

ص: 533

الكفر في كتاب اللّه على خمسة أوجه . . . 473

كلّ أعمال البرّ بالصبر يرحمك اللّه ، فإن كان ما تعمل وحشياً . . . 81

كلّ شيء حلال حتّى تعرف أ نّه حرام 296

كلّ شيء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتةً 151

كلّ شيء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه ، إلاّ أن ترى في منقاره دماً 212

كلّ شيء يجرّه الإقرار والتسليم فهو الإيمان 474

كلّ شيء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب... فلا بأس 76، 118

كلّ شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه 30

كلّ عصير أصابته النار فهو حرام 391

كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه 293، 321

كلّ غسل قبله وضوء إلاّ غسل الجنابة 183

كلّ ما اُكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه 62

كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ من الماء واشرب 68

كلّ ما ليس له دم فلا بأس 76، 116

كلّ ما يفصل من الشاة والدابّة... 141

كلّ ما يؤكل فلا بأس بما يخرج منه 20

كلّ مسكر حرام 326، 327، 329، 399

كلّ مسكر حرام ، وكلّ مسكر خمر 279

كلّ مولود يولد على فطرة الإسلام ثمّ أبواه يهوّدانه 443

كلّ هذا ذكيّ 150، 160

كلّ يابس ذكيّ 74

لا ، اغسل يدك كما تمسّ الكلب 232

لا ، إلاّ أن يضطرّ إليه 437

ص: 534

لا ، إلاّ أن يكون الماء كثيراً قدر كرّ من ماء 20، 49

لا ، إنّما ذلك من الإنسان 192

لا ، إنّما مسّ الثياب 180

لا بأس إذا كان من طعامك 430

لا بأس ؛ إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً 21

لا بأس ؛ إنّ الثوب لا يسكر 262

لا بأس أن تتوضّأ من فضلها ؛ إنّما هي من السباع 240

لا بأس أن يمسّه بعد الغسل ويقبّله 203

لا بأس بأكله 241

لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ؛ إنّ الصوف ليس فيه روح 129

لا بأس بالصلاة فيه 90، 270

لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن 77

لا بأس بأن تصلّي فيه ؛ إنّما حرّم شربها 269

لا بأس ببيع العذرة 23

لا بأس بخرء ما طار وبوله ، ولا تصلّ في ثوب أصابه ذرق الدجاج 30

لا بأس بدم البراغيث والبقّ وبول الخشاشيف 36

لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك 128

لا بأس به إذا كان ذكيّاً 138

لا بأس به ، إلاّ أن تشتهي أن تغسله لأثره 263

لا بأس به ما لم يتغيّر 395

لا بأس به ، ولكن يغسل يده إذا أراد أن يصلّي 233

لا بأس ، تغسل يديها 434

لا بأس ، ولا يصلّى في ثيابهما ، ولا يأكل المسلم مع المجوسي 429

ص: 535

لا تأكل اللحوم الجلاّلة ، وإن أصابك من عرقها فاغسله 509

لا تأكل ذبائحهم ، ولا تأكل في آنيتهم 431

لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة والدم ولحم الخنزير 72، 89، 432

لا تأكلوا في آنيتهم ، ولا من طعامهم الذي يطبخون 431

لا تأكله حتّى يذهب الثلثان ، ويبقى الثلث ؛ فإنّ النار قد أصابته 345

لا تأكله ، ولا تتركه ، تقول : إنّه حرام ، ولكن تتركه تتنزّه 432

لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض ، وإن كان الوبر ذكياً حلّت 244

لا ترتابوا فتشكّوا ، ولا تشكّوا فتكفروا 450

لا تزرموا ابني 45

لا تشرب من ألبان الإبل الجلاّلة ، وإن أصابك شيء من عرقها فاغسله 509

لا تشربه ، فإنّه خمر مجهول ، فإذا أصاب ثوبك فاغسله 254، 401

لا تصلّ في بيت فيه خمر ولا مسكر ؛ لأنّ الملائكة لا تدخله 276

لا تصلّ في ثوب أصابه خمر أو مسكر ، واغسله إن عرفت موضعه 253

لا تصلّ فيه ؛ فإنّه رجس 13، 210، 255، 270

لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمّام 498

لا تغتسل من غسالة الحمّام ؛ فإنّه يغتسل فيه من الزنا 498

لا تغتسل من غسالة ماء الحمّام ؛ فإنّه يغتسل فيه من الزنا 436، 502

لا تقرب الفقّاع إلاّ ما لم يضرّ آنيته ، أو كان جديداً 407

لا ، حتّى تغتسل منه 254

لا صلاة إلاّ بطهور 182

لا ضرر ولا ضرار في الإسلام 297

لا غسل عليه ، فإذا برد فعليه الغسل 170

لأنّ الميّت إذا خرج منه الروح بقي أكثر آفته ، فلذلك يتطهّر منه ويطهّر 182

ص: 536

لأنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم أمر بقتله 229

لأنسبنّ الإسلام نسبة لم ينسبه أحد قبلي ، ولا ينسبه أحد بعدي 457

لأنّ غسل الجنابة فريضة ، وغسل الميّت سنّة 176

لا واللّه ، إنّه نجس ، لا واللّه ، إنّه نجس 227

لا واللّه ، لا يحلّ للمسلم أن ينظر إليه ، فكيف يتداوى به ؟ ! . . . 256

لا واللّه ، ولا قطرة قطرت في حبّ إلاّ اُهريق ذلك الحبّ 258، 270، 277

لا ، وإن دبغ سبعين مرّة 81

لا ، وإن لبسها فلا يصلّي فيها 82

لا ، ولكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك 51

لا ، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول : قد شرط لي الذي اشتريتها منه أ نّها ذكية 82

لا ، ولكن يغسل ما أصابه 20

لا ، هما يجريان في ذلك مجرى واحد ، ولكن للمؤمن فضل على المسلم 459

لا يجزيه حتّى يدلكه بيده ، ويغسله ثلاث مرّات 253

لا يجنّب الثوب الرجل ، ولا يجنّب الرجل الثوب 507

لا يحرم العصير حتّى يغلي 314، 322

لا يحلّ للمسلم أن ينظر إليه 265

لا يضرّه ، ولكن يغسل يده 244

لا يطهر إلى سبع آباء 499

لا يغسل ثوبه ولا رجله ، ويصلّي فيه ، ولا بأس به 268

لا يفسد الماء إلاّ ما كانت له نفس سائلة 76، 116

لا ينتفع من الميتة بإهاب ولا عصب 80، 148

لا ينجّس ذلك شيئاً ولا يحرّمه . فإن مات فيه ما له دم وكان مائعاً فسد 73

اللبن واللباء والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر . . . فهو ذكيّ 140

ص: 537

لم تكن ميّتة يا أبا مريم ، ولكنّها كانت مهزولة ، فذبحها أهلها فرموا بها 80

لم يكن عليه إلاّ غسل يده 104

لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا 449، 474

لو كان الإيمان كلاماً لم ينزّل فيه صوم ولا صلاة ولا حلال ولا حرام 471

ليتطهّر وينظّف 102

ليس الناصب من نصب لنا أهلَ البيت ؛ لأ نّك لا تجد رجلاً . . . 462

ليس بشيء ؛ إنّ الوزغ ربّما طرح جلده 120، 242

ليس بشيء ، حرّك الماء بالدلو في البئر 119

ليس به بأس ؛ إنّ الإنفحة ليس لها عروق ، ولا فيها دم ، ولا لها عظم 152

ليس عليك شيء 41

ليس عليكم بأس 39

ليس على من مسّه إلاّ غسل اليد 97

ليس في الصوف روح ألا ترى أ نّه يجزّ ويباع وهو حيّ ؟ ! 140

ليس لها عروق ، ولا فيها دم ، ولا لها عظم 140

ماء البئر واسع لا يفسده شيء . . . 70

ماء البئر واسع لا يفسده شيء ، إلاّ أن يتغيّر ريحه أو طعمه 72

ما اُحبّ أن أنظر إليه ، ولا أشمّه 266

ما أخذت الحِبالة فانقطع منه شيء فهو ميتة 126

ما أخذت الحِبالة فقطعت منه شيئاً فهو ميت 126، 134

ما أخذت الحِبالة من صيد فقطعت منه يداً أو رجلاً فذروه 125، 130

ما أرى به بأساً 57

ما ضرّ أهلها لو انتفعوا بإهابها ؟ ! 80

ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها أن ينتفعوا بإهابها ؟ ! 79

ص: 538

ما يبلّ الميل ينجّس حبّاً من ماء 255، 270

مسّ الميّت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس بها بأس 104

مسّ الميّت عند موته وبعد غسله والقبلة ليس به بأس 110

المقلّب لها كالمقلّب لحم الخنزير 231

من اجترى على اللّه في المعصية وارتكاب الكبائر فهو كافر 472

من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أ نّها حلال ، أخرجه ذلك من الإسلام 474

من اغتسل من الماء الذي قد اغتُسل فيه فأصابه الجُذام . . . 436

من شبّه اللّه بخلقه فهو مشرك ، ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر 484

من شكّ في اللّه تعالى وفي رسوله صلی الله علیه و آله وسلم فهو كافر 450

من غسّل ميّتاً فليغتسل ، ومن حمله فليتوضّأ 169

من غسّل ميّتاً وكفّنه اغتسل غسل الجنابة 171، 173

من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك 484

من كان على هذا فهو ناصب 462

من مسّ الميّت بعد موته وبعد غسله والقبلة ليس بها بأس 110

من وراء الثوب ، فإن صافحك بيده فاغسل يدك 429

مهلاً يا اُمّ الفضل ، إنّ هذه الإراقة الماء يطهّرها 45

مهلاً يا اُمّ الفضل ، فهذا ثوبي يغسل ، وقد أوجعت ابني 45

الميت-ة نجس وإن دبغت 84

الميسور لا يسقط بالمعسور 189

الناصب لنا أهلَ البيت... 464

النبي طاهر مطهّر 193

النبي طاهر مطهّر ، ولكن فعل أمير المؤمنين علیه السلام وجرت . . . 98، 113، 178، 181

نعم ، إلاّ أن تجد غيره فتنزّه عنه 230

ص: 539

نعم ؛ إنّ أصل النبيذ حلال ، وأصل الخمر حرام 259

نعم ؛ فإنّهم يستحلّون شربه 257

نعم ، لا بأس ؛ إنّ اللّه إنّما حرّم أكله وشربه ، ولم يحرّم لبسه ولمسه 264، 267

نعم ، لا بأس به ، إلاّ أن تكون النطفة فيه رطبة ، فإن كانت جافّة فلا بأس به 58

نعم ؛ ليعلم من يطيع الرسول ممّن يعصيه 274

نعم ، ويدهن منه 241

نهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن أكل سؤر الفأر 245

نهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن الدباء والمُزَفَّت والحَنْتَم والنَقير . . . 265

نهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن كلّ مسكر ، فكلّ مسكر حرام 265

وإذا غسّلت ميّتاً أو كفّنته أو مسسته . . . 170

واعلم : أنّ كلّ صنف من صنوف الأشربة التي لا يغيّر العقل . . . 405

والإسلام : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، والتصديق برسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم 456

والإسلام : ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس 469

والبيع للميتة أو الدم أو لحم الخنزير . . . 72

والشعر والصوف كلّه ذكيّ 164

والعنب في أغصانهما ؛ حتّى ظنّ آدم أ نّه لم يبقَ منهما شيء 316

والقائل بالجبر كافر ، والقائل بالتفويض مشرك 484

والوجه الرابع من الكفر : ترك ما أمر اللّه عزّ وجلّ به 473

وأمّا الأرنب ، فكانت امرأة قذرة لا تغتسل من حيض ولا جنابة 248

وأمّا الفرض فغسل الجنابة ، وغسل الجنابة والحيض واحد 177

وأمّا وجوه الحرام من البيع والشراء . . . 72

وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله وصلّ فيه 146، 166

وإن أصابك من عرقها فاغسله 509

ص: 540

وإن كان الصوف والوبر والشعر والريش من الميتة وغير الميتة . . . فلا بأس به 83

وإنّما اُمروا بالغسل من الجنابة ، ولم يؤمروا بالغسل من الخلاء 56

وإيّاك أن تغتسل من غُسالة الحمّام ؛ ففيها يجتمع غُسالة اليهودي . . . 435، 480

وحرّم الأرنب لأ نّها بمنزلة السِنَّوْر ، ولها مخالب كمخالب السِنَّوْر 246

وضع رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم دية العين ودية النفس ، وحرّم النبيذ وكلّ مسكر 273

وعلّة اغتسال من غسَّل الميّت أو مسّه ، الطهارة لما أصابه 99، 114

وغسل الجنابة فريضة 177

وغسل من مسّ الميّت واجب 175

وكان آخر شيء أخرج حَبَلَة العنب . . . 289

وكلّ شيء يفصل من الشاة والدابّة فهو ذكيّ ، وإن أخذته منه . . . 75، 160

وكلّ ما كان من السِخال : الصوف وإن جزّ ، والشعر والوبر . . . 163

وكلوا ممّا أدركتم حيّاً 127

وكلوا ممّا أدركتم حيّاً وذكرتم اسم اللّه عليه 133

ولا تصلِّ في جلد الميتة على كلّ حال 82

ولا يخرجه إلى الكفر إلاّ الجحود والاستحلال 449

ولا يصلّى في جلود الميتة 82

ولكن إذا مسّه وقبّله وقد برد فعليه الغسل 173

ولم يخرجه إلى الكفر إلاّ الجحود والاستحلال 474

ولها خمسة أسامٍ... 302

ولها خمسة أسامٍ ، فالعصير من الكرم ، وهي الخمرة الملعونة 301

وليس لحومها بحرام ، ولكنّ الناس عافوها 34

وما الدازي ؟ 328

وما القعوة ؟ 328

ص: 541

ويغتسل من مسّه 173

وينضح بول البعير والشاة ، وكلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله 26

هو الطهور ماؤه ، الحلّ ميتته 87

هو خبيث بمنزلة الميتة ، فإن كان مضطرّاً فليكتحل به 256

هو ممّا يؤكل 18

يا إدريس ، أما آن لك ؟ 501

يا زرارة ، هذا عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فاحفظ ذلك يا زرارة 42

يا شيخي ومعتمدي . . . 349

يا هذا ، قد أكثرت عليّ ، أفيسكر ؟ 327، 329

يتطهّر منه ويطهّر 114، 182

يدبغ فينتفع به ، ولا يصلّى فيه 83

يستحلّون شربه 258

يسكب منه ثلاث مرّات ، وقليله وكثيره بمنزلة واحدة 119، 245

يطبخ التمر حتّى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ، ثمّ يمتشطن 398

يطرح ما شمّاه ، ويؤكل ما بقي 245

يغتسل الجنب ، ويدفن الميّت بتيمّم ، ويتيمّم الذي هو على غير وضوء 186

يغتسل الذي غسّل الميّت ، وكلّ من مسّ ميّتاً فعليه الغسل 180

يغسل الثوب من المنيّ والدم والبول 211

يغسل المكان الذي أصابه 227

يغسل بول الحمار والفرس والبغل ، وأمّا الشاة وكلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله 26

يغسل بول الفرس... فأمّا الشاة وكلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله 33

يغسل سبع مرّات 231

يغسل كما تغسل النجاسات 211

ص: 542

يغسل ما أصاب الثوب 95، 138

يغسل يده ، ولا يتوضّأ 427

يفعل الفقّاع في الزجاج وفي الفخّار الجديد إلى قدر ثلاث عملات . . . 407

يكفيك دلو من ماء 120

يكفيك دلو واحد من ماء 242

ينزح منها ثلاث دلاء 119، 245

ينزح منه دلاء . هذا إذا كان ذكيّاً فهو هكذا . وما سوى ذلك . . . 100

يؤخَّر ، ويتقدّم بعضهم ويتمّ صلاتهم ، ويغتسل من مسّه 97

يهراق المرق ، أو تطعمه أهل الذمّة أو الكلب ، واللحم اغسله وكله 257

ص: 543

ص: 544

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام

النبي ، محمّد ، رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم = محمّد

بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام

محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام 5،

34، 41، 42، 45، 79، 80، 82، 83،

84، 98، 99، 113، 169، 178،

181، 187، 193، 229، 245، 265،

272، 273، 274، 275، 276، 289،

290، 317، 326، 327، 328، 329،

331، 399، 402، 403، 404، 405،

409، 410، 424، 428، 434، 449،

450، 451، 453، 456، 459، 460،

462، 466، 467، 468، 469، 470،

471، 474، 475، 476، 478، 481،

482، 485، 489، 490، 491، 492،

507

أمير المؤمنين علیه السلام = علي بن أبي

طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل

علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل 37،

45، 73، 83، 98، 113، 125، 128،

163، 168، 177، 178، 181، 183،

187، 228، 240، 291، 347، 450،

457، 470، 471، 475، 482، 483،

486، 496، 507

الحسن بن علي علیه السلام ، الإمام الثاني 45

الإمام الحسين بن علي علیه السلام = الحسين

بن علي علیه السلام ، الإمام الثالث

الحسين بن علي علیه السلام ، الإمام الثالث 45

الحسنين علیهما السلام (الحسن بن علي علیه السلام ،

الإمام الثاني / الحسين بن علي علیه السلام ،

الإمام الثالث)45

علي بن الحسين علیه السلام ، الإمام الرابع 81

الباقر، أبو جعفر علیه السلام = محمّد بن

علي علیه السلام ، الإمام الخامس

محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس 21،

ص: 545

69، 70، 88، 102، 104، 109،

110، 119، 125، 140، 151، 152،

170، 177، 211، 213، 232، 263،

269، 270، 271، 272، 273، 274،

288، 317، 326، 327، 350، 355،

363، 364، 418، 427، 431، 452،

459، 471، 472، 473، 475، 491

الصادق ، أبو عبداللّه علیه السلام = جعفر بن

محمّد علیه السلام ، الإمام السادس

جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس 13،

18، 20، 21، 23، 26، 30، 31، 33،

36، 39 40، 41، 46، 49، 55، 56،

57، 60، 61، 62، 63، 68، 69، 71،

72، 73، 76، 77، 79، 80، 81، 83،

90، 91، 95، 98، 99، 100، 102،

111، 112، 113، 115، 116، 117،

118، 119، 120، 125، 126، 128،

129، 138، 140، 141، 146، 150،

156، 158، 160، 162، 163، 164،

165، 170، 171، 173، 174، 175،

177، 178، 179، 180، 181، 183،

197، 200، 211، 212، 213، 221،

227، 228، 230، 231، 232، 234،

239، 240، 241، 242، 243، 244،

245، 253، 254، 255، 256، 257،

258، 259، 260، 262، 263، 264،

265، 267، 268، 269، 270، 272،

274، 276، 277، 287، 288، 289،

290، 291، 293، 294، 298، 299،

314، 317، 318، 321، 322، 323،

328، 329، 345، 348، 350، 351،

352، 355، 360، 363، 366، 392،

393، 396، 397، 398، 401، 418،

419، 428، 429، 430، 431، 432،

433، 435، 442، 449، 450، 459،

460، 462، 472، 473، 474، 480،

484، 491، 492، 493، 498، 504،

507، 509

الصادقين علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام

الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام

السادس) 34، 483

أحدهما علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام

الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام

السادس) 33، 34، 41، 72، 169،

172، 191، 326، 429

الكاظم ، أبو الحسن ، أبو الحسن الماضي ،

أبو إبراهيم ، موسى بن جعفر علیه السلام =

موسى بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع

ص: 546

موسى بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع 20،

31، 37، 40، 82، 118، 120، 135،

140، 176، 186، 231، 241، 244،

267، 274، 350، 357، 358، 394،

407، 408، 427، 429، 437، 497،

498

الرضا ، أبو الحسن ، أبو الحسن الرضا علیه السلام

‘ علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن

علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن 55،

62، 72، 80، 81، 82، 83، 99، 101،

102، 113، 128، 148، 163، 164،

174، 182، 186، 193، 243، 246،

257، 268، 269، 277، 290، 301،

305، 310، 319، 320، 335، 350،

356، 357، 358، 376، 402، 405،

433، 435، 436، 483، 498، 502

أبو جعفر الثاني ، ابن الرضا علیه السلام = محمّد

بن علي علیه السلام ، الإمام التاسع

محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام التاسع 81،

328، 407

أبو الحسن علیه السلام = علي بن محمّد علیه السلام ،

الإمام العاشر

علي بن محمّد علیه السلام ، الإمام العاشر 38،

80، 148، 163، 462، 501

العسكري ، أبو محمّد علیه السلام = الحسن بن

علي علیه السلام ، الإمام الحادي عشر

الحسن بن علي علیه السلام ، الإمام الحادي عشر

38، 138، 244، 347، 383

صاحب الزمان (عجّل اللّه تعالى فرجه

الشريف)، الإمام الثاني عشر 97،

418

آدم 287، 288، 289، 299، 300، 316،

317، 329، 395

نوح، النبي 288، 289، 299، 301،

317، 318، 395، 497

عيسى المسيح 423، 424، 425

ص: 547

ص: 548

4 - فهرس الأعلام

الآبي، الحسن بن أبي طالب 159

آل بحر العلوم، علي بن محمّد رضا 386

أبان بن عثمان 361، 366، 368، 369،

371، 381، 383

إبراهيم بن أبي البلاد 327، 328

إبراهيم بن أبي محمود 433

إبراهيم بن عمر 329

إبراهيم بن ميمون 95، 105، 109، 111،

112، 138

إبراهيم بن يحيى 374

إبراهيم = إبراهيم بن عمر

ابن أبي الخطّاب = محمّد بن الحسين بن

أبي الخطّاب

ابن أبي حمزة = البطائني، علي بن أبي

حمزة

ابن أبي عقيل، الحسن بن علي 28، 30،

249، 413

ابن أبي عمير، محمّد 32، 39، 160،

183، 346، 348، 349، 351، 352،

354، 356، 358، 362، 366، 367،

368، 384، 385، 407

ابن أبي نجران = عبدالرحمان بن أبي

نجران

ابن أبي نصر = البزنطي، أحمد بن محمّد

ابن أبي يعفور = عبداللّه بن أبي يعفور

ابن إدريس، محمّد بن أحمد 29، 31،

94، 108، 161، 163، 166، 215،

217، 220، 233، 304، 308، 414،

454، 494، 505، 506، 509

ابن الأثير 24

ابن الأعرابي 330

ابن البختري = حفص بن البختري

ابن البرّاج، عبدالعزيز بن نحرير 159،

218، 305، 308، 500، 508

ص: 549

ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد

42، 78، 79، 86، 161، 200، 215،

239، 414، 500

ابن الحجّاج = عبدالرحمان بن الحجّاج

ابن الشهيد الثاني، الحسن بن زيد بن علي

357، 360

ابن الغضائري، أحمد بن الحسين

الغضائري 348، 356، 357، 358،

360، 367، 381، 384

ابن المبارك 402

ابن المغيرة، عبداللّه = عبداللّه بن المغيرة

ابن الوليد 481

ابن بابويه، علي بن الحسين 249، 297،

298، 302، 305، 309، 320، 349

ابن بابويه، محمّد بن علي 28، 30، 45،

68، 69، 77، 79، 85، 86، 125،

128، 156، 159، 160، 162، 165،

166، 170، 177، 187، 230، 249،

250، 263، 320، 323، 348، 349،

383، 384، 494، 500

ابن بزيع = محمّد بن إسماعيل بن بزيع

ابن بكير، عبداللّه 41، 56، 63، 73، 88،

267، 361، 363، 364، 365، 366،

369

ابن حمزة، محمّد بن علي 47، 159،

239، 281، 304، 305، 306، 308،

309، 310، 331، 334

ابن حنبل، أحمد بن محمّد 168

ابن داود = ابن داود الحلّي، الحسن بن

علي

ابن داود الحلّي، الحسن بن علي 369

ابن رئاب = علي بن رئاب

ابن زهرة، حمزة بن علي 47، 64، 159،

220، 403، 507، 509

ابن زياد، عبيداللّه 465

ابن سنان = عبداللّه بن سنان

ابن شاذان، الفضل بن شاذان 55، 82،

101، 171، 174، 182، 193، 356،

359

ابن شهر آشوب، محمّد بن علي 502

ابن طاوس، أحمد بن موسى 358، 368،

369

ابن عبّاس، عبداللّه بن عبّاس 54، 168،

272، 273

ابن عبدالرحمان = سعيد الأعرج

ابن عمّار = معاوية بن عمّار

ابن عمر 168

ابن فضّال، الحسن بن علي 39، 360،

372

ص: 550

ابن فهد الحلّي، أحمد بن محمّد 161

ابن قيس = محمّد بن قيس

ابن محبوب = الحسن بن محبوب

ابن مسكان = عبداللّه بن مسكان

ابن مسلم = محمّد بن مسلم

ابن مهزيار = علي بن مهزيار

ابن ميمون = إبراهيم بن ميمون

ابن نوبخت، أبو إسحاق 454

ابن نوح = أيّوب بن نوح

أبو اُسامة زيد الشحّام = زيد الشحّام

أبو البختري 37، 163، 166، 241

أبو الجارود 151، 271، 279، 360

أبو الحسن علي بن الحسن بن فضّال 357

أبو الحسين البصري = البصري، محمّد

بن علي

أبو الخطّاب = محمّد بن الحسين بن أبي

الخطّاب

أبو الخير بركة بن محمّد 379

أبو الربيع الشامي = الشامي، أبو الربيع

أبو الصباح = أبو الصباح الكناني

أبو الصباح الكناني 471

أبو العبّاس = ابن فهد الحلّي، أحمد بن

محمّد

أبو بصير 29، 30، 31، 32، 35، 69، 81،

117، 129، 213، 255، 335، 363،

369، 418، 429، 449، 491

أبو بصير، ليث المرادي 372

أبو بكر = أبو بكر، عبداللّه بن أبي قحافة

أبو بكر، عبداللّه بن أبي قحافة 272

أبو جميلة المفضّل بن صالح = المفضّل

بن صالح

أبو حمزة الثمالي، ثابت بن دينار 140،

151، 152، 154، 157، 452

أبو حنيفة 55، 58، 64، 85، 86، 168،

226، 361

أبو خالد القمّاط = القمّاط، أبو خالد

أبو زيد 152

أبو سارة 261

أبو طالب بن عبدالمطّلب 382

أبو عبيد 411

أبو عبيد الهروي، أحمد بن محمّد 24

أبو علي = ابن الجنيد الإسكافي، محمّد

بن أحمد

أبو كهمس، الهيثم بن عبيد 289

أبو محمّد = أبو بصير

أبو محمّد = يونس بن عبدالرحمان

أبو مريم 79، 80، 260

أبو منصور الصرّام = الصرّام، أبو منصور

ص: 551

أبو هريرة، عبداللّه بن عامر 167، 169

أبو يعلى، سلاّر بن عبد العزيز = سلاّر

الديلمي، حمزة بن عبدالعزيز

أبو يعلى = سلاّر الديلمي، حمزة بن

عبدالعزيز

أحمد بن الحسين الغضائري = ابن

الغضائري، أحمد بن الحسين

الغضائري

أحمد بن حنبل = ابن حنبل، أحمد بن

محمّد

أحمد بن عبيداللّه بن يحيى 383

أحمد بن محمّد بن أبي نصر = البزنطي،

أحمد بن محمّد

أحمد بن محمّد بن زيد 377

أحمد بن محمّد بن عمّار 377، 382

الأردبيلي، أحمد بن محمّد 66، 260،

270

الاُستاذ الأكبر = البهبهاني، محمّد باقر

بن محمّد أكمل

الاُستاذ الوحيد = البهبهاني، محمّد باقر

بن محمّد أكمل

الاُستاذ = البهبهاني، محمّد باقر بن

محمّد أكمل

الأسترآبادي، محمّد أمين بن محمّد

شريف 297، 333

إسحاق = إسحاق بن عمّار

إسحاق بن عمّار 168، 241، 395

الأسدي = أبو بصير

الإسكافي = ابن الجنيد الإسكافي،

محمّد بن أحمد

إسماعيل، ابن الإمام الصادق علیه السلام 111،

112

إسماعيل بن جابر 112، 431، 432

الأعمش، سليمان بن مهران 177

الأقطع، سليمان بن خالد 173، 180

اُمّ الفضل 45

اُمّ حبيبة 409

اُمّ خالد العبدية 255

أنس 491

الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين 66،

76، 87، 161، 167، 189، 190،

191، 194، 200، 224، 235، 278،

297، 299، 332، 344، 386، 389،

398، 445، 466، 469، 471، 513

الأنصاري، جابر بن عبداللّه 146

الأهوازي، الحسين بن سعيد 372

أيّوب بن نوح 115، 129، 133، 197

بحر العلوم، محمّد مهدي بن مرتضى 28،

ص: 552

346، 370، 384

البحراني، سليمان بن عبداللّه 386، 387،

388، 390، 494

البحراني، يوسف بن أحمد 42، 47، 59،

113، 187، 271، 275، 388، 389،

452، 458، 462، 465، 508

بُرد الإسكاف 232

البرقي، أحمد بن محمّد بن خالد 475

بريد بن معاوية 363، 369

البزنطي، أحمد بن محمّد 30، 359،

362، 368، 381

البصري، أبو جميلة 253، 400

البصري، محمّد بن علي 132

البطائني، الحسن بن علي بن أبي حمزة

357، 360

البطائني، علي بن أبي حمزة 57، 357،

358، 359، 360، 374

بعض الأجلّة = الهمداني، رضا بن محمّد

هادي

بعض أهل التتبّع = الشريعة الأصفهاني،

فتح اللّه بن محمّد جواد

بعض أهل التحقيق = الشريعة

الأصفهاني، فتح اللّه بن محمّد جواد

بعض أهل التحقيق = الهمداني، رضا بن

محمّد هادي

البقباق = الفضل بن عبدالملك البقباق

بكر بن حبيب 150، 151

البهائي = شيخ البهائي، محمّد بن

الحسين

البهبهاني محمّد باقر بن محمّد أكمل 39،

79، 121، 220، 386، 388، 389،

405، 408، 415، 440، 441، 500

التميمي المغربي، النعمان بن محمّد 292،

305، 308

التميمي، محمّد بن ميمون 359

ثعلبة بن ميمون 372

الثعلبي، أحمد بن محمّد 424

الثمالي = أبو حمزة الثمالي، ثابت بن

دينار

جابر بن عبداللّه = الأنصاري، جابر بن

عبداللّه

الجبعي، محمّد بن علي 30

الجرجانى، الفتح بن يزيد 80، 148،

163، 167

الجزائري، نعمت اللّه بن عبداللّه 377

جعفر بن بشير 372

جعفر بن قولويه 349

جعفر بن محمّد 366

جعفر بن محمّد بن أبي زيد 243

ص: 553

الجعفي، جابر بن يزيد 28، 30، 88،

119، 249، 361

جميل بن درّاج 32، 361، 369، 371،

379، 383، 491

الجوهري، إسماعيل بن حمّاد 153

الجويرية 265

حاكم النيسابوري، محمّد بن عبداللّه 502

الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن 74،

183، 187، 296، 458

حريز بن عبداللّه = السجستاني، حريز

بن عبداللّه

الحسن بن أبي سارة 261، 262

الحسن بن صالح بن حيّ 373

الحسن بن عبيد 98، 113، 178، 181،

193

الحسن بن علي بن أبي حمزة =

البطائني، الحسن بن علي بن أبي

حمزة

الحسن بن علي بن فضّال = ابن فضّال،

الحسن بن علي

الحسن بن علي = الوشّاء، الحسن بن

علي

الحسن بن محبوب = السرّاد، الحسن بن

محبوب

الحسين بن أبي العلاء 43

الحسين بن أبي سارة 261، 262، 263

الحسين بن النضر 176

الحسين بن زرارة 83، 141، 150، 157،

160، 162، 164

الحسين بن زيد 245، 428

الحسين بن سعيد = الأهوازي، الحسين

بن سعيد

الحسين بن عبيداللّه 377

الحضرمي، أبو بكر 259

الحضرمي، عبداللّه بن القاسم 357

حفص الأعور 264

حفص بن البختري 509، 511، 513

حفص بن خارجة 493

حفص بن غياث 76، 116، 221، 442،

443، 445

الحكم بن مسكين 39

الحلاّل، أحمد بن عمر 373

الحلبي، عبيداللّه بن علي 20، 44، 46،

95، 105، 109، 129، 138، 147،

173، 256، 372، 504

الحلبي، محمّد 372

الحلّي، علاء الدين أبو الحسن علي بن

أبي الفضل 47

ص: 554

الحلّي = ابن إدريس، محمّد بن أحمد

حمّاد بن عثمان 183، 314، 322

حمران بن أعين 459، 469، 472، 491

حمزة بن أحمد 497

حميد = حميد بن زياد

حميد بن زياد 377

الحميري، محمّد بن عبداللّه 97، 104،

372، 418، 419

حنّان بن سدير 260

الخادم، خيران 12، 255، 270، 277

الخثعمي، جعفر بن الحكيم 379

الخزّاز، أحمد بن زياد 359

الخشّاب، الحسن بن موسى 372

الخيّاط، علي بن إبراهيم 378

خيران الخادم = الخادم، خيران

الداماد، محمّد باقر بن محمّد =

الميرداماد، محمّد باقر بن محمّد

داود 36، 85، 226، 250

الديلمي، محمّد بن سليمان 102

الديلمي = سلاّر الديلمي، حمزة بن عبد

العزيز

ذريح = المحاربي، ذريح بن محمّد

الرازي، عبداللّه بن محمّد 407

الراوندي الكاشاني، فضل اللّه بن علي

37، 45

الرباطي، الحسن 373

ربيعة 250

الرشيد = هارون الرشيد

رفاعة بن موسى = النخّاس، رفاعة بن

موسى

الرقّي، داود بن كثير 474

الزبير 482

الزبيري، أبو عمرو 473

زرارة 33، 41، 42، 51، 58، 69، 70،

71، 89، 99، 126، 140، 141،

150، 160، 162، 166، 212، 232،

240، 269، 273، 288، 317، 355،

363، 364، 397، 418، 432، 449،

450، 472، 474، 475

زكريّا بن آدم = القمّي، زكريّا بن آدم

زكريّا بن مؤمن 373

زيد 351، 352، 384، 387، 389، 390

زيد الزرّاد 348، 374، 385

زيد الشحّام 56

زيد بن أسلم 410

زيد بن علي 177، 183، 187

الساباطي، عمّار بن موسى 18، 20، 35،

62، 76، 100، 105، 116، 120،

ص: 555

179، 212، 221، 245، 252، 257،

261، 276، 323، 326، 372، 374،

392، 293، 396، 398، 433

السجستاني، حريز بن عبداللّه 68، 140،

146، 160، 162، 166، 173، 180،

355، 372

السرّاد، الحسن بن محبوب 360

سعدان بن مسلم 374

سعد بن أبي خلف 175

سعد بن سعد 372

سعد بن عبداللّه 372

سعيد الأعرج = السمّان، سعيد الأعرج

سعيد بن غزوان 379

سعيد بن يسار 288، 317

سفيان بن السمط 460

سفيان بن صالح 374

السكوني، إسماعيل بن أبي زياد 46،

213، 221

سلاّر الديلمي، حمزة بن عبدالعزيز 47،

161، 239، 507، 509

سليمان الإسكاف 233

سليمان الماحوزي = البحراني، سليمان

بن عبداللّه

سليمان بن خالد = الأقطع، سليمان بن

خالد

سليمان بن عبداللّه البحراني = البحراني،

سليمان بن عبداللّه

سماعة بن مهران 23، 43، 60، 80، 83،

116، 175، 459، 475، 476، 491

السمّان، سعيد الأعرج 241، 373، 433

السمّان، محمّد بن موسى 348

سودة بنت زمعة 79

سهل بن زياد الآدمي 128، 394

السيّد الجزائري = الجزائري، نعمت اللّه

بن عبداللّه

السيّد المرتضى = علم الهدى، علي بن

الحسين

السيّد (محمّد العاملي) = الموسوي

العاملي، محمّد بن علي

السيرافي، أحمد بن علي 346، 366

شارح الدروس = المحقّق الخوانساري،

الحسين بن محمّد

شارح الموجز = الصيمري، مفلح بن

الحسن

الشافعي، محمّد بن إدريس 47، 85، 86،

125، 168، 250

الشامي، أبو الربيع 265، 274، 287،

299، 316

الشريعة الأصفهاني، فتح اللّه بن محمّد

ص: 556

جواد 283، 284، 298، 304، 305،

306، 307، 309، 310، 311، 316،

317، 320، 321، 329، 365، 386

شعيب بن أنس 55، 62

شهاب بن عبد ربّه 71، 374

الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي 505

الشهيد الثاني، زين الدين بن علي 368

الشيخ = الطوسي، محمّد بن الحسن

الشيخ الأعظم = الأنصاري، مرتضى بن

محمّد أمين

الشيخان (المفيد، محمّد بن محمّد /

الطوسي، محمّد بن حسن) 115،

500، 504، 508

شيخ البهائي، محمّد بن الحسين 59،

250، 374، 375، 376

شيخ الطائفة = الطوسي، محمّد بن

الحسن

الصائغ، يزيد 356

صاحب إشارة السبق = الحلّي، علاء

الدين أبو الحسن علي بن أبي الفضل

صاحب البرهان = آل بحر العلوم، علي

بن محمّد رضا

صاحب البشرى = ابن طاوس، أحمد بن

موسى

صاحب الجواهر، محمّد حسن بن باقر

50، 66، 87، 298، 302، 389،

438، 510

صاحب الحدائق = البحراني

الماحوزي، يوسف بن أحمد

صاحب الدلائل 505

صاحب الذخيرة = المحقّق السبزواري،

محمّد باقر بن محمّد مؤمن

صاحب الذكرى = الشهيد الأوّل، محمّد

بن مكّي

صاحب الرسالة = الشريعة الأصفهاني،

فتح اللّه بن محمّد جواد

صاحب الصحاح = الجوهري، إسماعيل

بن حمّاد

صاحب الغنية = ابن زهرة، حمزة بن

علي

صاحب الكفاية = المحقّق السبزواري،

محمّد باقر بن محمّد مؤمن

صاحب اللوامع = النراقي، مهدي بن

أبي ذرّ

صاحب المختلف = العلاّمة الحلّي،

الحسن بن يوسف

صاحب المدارك = الموسوي العاملي،

محمّد بن علي

ص: 557

صاحب المراسم = سلاّر الديلمي، حمزة

بن عبدالعزيز

صاحب المستدرك = حاكم النيسابوري،

محمّد بن عبداللّه

صاحب المعالم = ابن الشهيد الثاني،

الحسن بن زين الدين

صاحب المفاتيح = الطباطبائي، محمّد

بن علي

صاحب المنجد = المعلوف، لويس

صاحب النهاية = الطوسي، محمّد بن

الحسن

صاحب الوافي = فيض الكاشاني،

محمّد بن شاه المرتضى

صاحب الوسائل = الحرّ العاملي، محمّد

بن الحسن

صاحب الوسيلة = ابن حمزة، محمّد بن

علي

الصاحب بن عبّاد، إسماعيل بن عبّاد 386

صاحب دعائم الإسلام = التميمي

المغربي، نعمان بن محمّد

صاحب كشف الرموز = الآبي، الحسن

بن أبي طالب

صاحب كشف اللثام = الفاضل الهندي،

محمّد بن الحسن

صاحب مجمع البرهان = الأردبيلي،

أحمد بن محمّد

صاحب مصباح الفقيه = الهمداني، رضا

بن محمّد هادي

صاحب مفتاح الكرامة = العاملي

الغروي، جواد بن محمّد

صالح بن سيّابة 263

الصدوق = ابن بابويه، محمّد بن علي

الصدوقان (ابن بابويه، علي بن الحسين /

ابن بابويه، محمّد بن علي) 282، 500،

508

الصرّام، أبو منصور 379

الصفّار، محمّد بن الحسن 103، 107،

174، 192، 203، 372

صفوان الجمّال 372

صفوان بن يحيى 164، 359، 362، 368

الصفواني، محمّد بن أحمد 346

الصيرفي، القاسم 460، 461

الصيقل، القاسم 81، 113، 181

الصيمري، مفلح بن الحسن 161، 505

الطباطبائي (بحر العلوم) = بحر العلوم،

محمّد مهدي بن مرتضى

الطباطبائي، محمّد بن علي 414

الطحاوي، أحمد بن محمّد 416

ص: 558

الطريحي، فخر الدين بن محمّد 409

الطريفي، أبو الفتح غازي بن محمّد 501

طلحة 482

الطوسي، محمّد بن الحسن 18، 19، 28،

29، 32، 37، 38، 47، 79، 86، 87،

90، 91، 146، 159، 163، 166،

168، 171، 178، 186، 187، 201،

209، 218، 220، 226، 238، 239،

241، 248، 250، 251، 297، 305،

306، 307، 315، 346، 347، 349،

350، 359، 361، 362، 363، 365،

367، 369، 370، 371، 372، 373،

374، 377، 379، 380، 381، 382،

385، 403، 413، 414، 426، 445،

479، 488، 505، 506، 510

عائشة بنت أبي بكر 168، 482

عاصم بن حميد 172، 191، 192

العاملي الغروي، جواد بن محمّد 65،

506

عبّاس بن معروف 372

عبدالرحمان بن أبي عبداللّه 21، 23، 33،

48، 26، 125

عبدالرحمان بن أبي نجران 176، 186،

187، 243، 372

عبدالرحمان بن الحجّاج 81، 90، 91،

234، 272، 328، 372، 379

عبدالرحيم القصير 449، 474

عبدالعزيز العبدي 361

عبدالعزيز بن المهتدي 290

عبداللّه بن أبي يعفور 39، 60، 90، 91،

291، 435، 480، 482، 498

عبداللّه بن المغيرة 120

عبداللّه بن جعفر 138، 142

عبداللّه بن خداش 359

عبداللّه بن سليمان 126، 127، 150،

374

عبداللّه بن سنان 31، 33، 34، 49، 69،

173، 177، 179، 203، 255، 261،

293، 321، 372، 419، 441، 450،

462، 474

عبداللّه بن صالح 388

عبداللّه بن طلحة 431

عبداللّه بن محمّد 269

عبداللّه بن محمّد الرازي = الرازي،

عبداللّه بن محمّد

عبداللّه بن مسكان 76، 118، 230، 361

عبيداللّه بن أحمد بن نهيك 378

عبيد بن زرارة 290، 473

ص: 559

عثمان بن عيسى 372، 407

العجلي = ابن إدريس، محمّد بن أحمد

عدي بن حاتم 424

عطاء بن يسار 272

العلاّمة الحلّي، الحسن بن يوسف 19،

31، 47، 125، 130، 135، 161،

163، 165، 166، 201، 207، 215،

216، 217، 218، 221، 226، 249،

305، 308، 309، 332، 358، 359،

368، 369، 373، 374، 440، 453،

505، 508

العلاّمة الطباطبائي = بحر العلوم، محمّد

مهدي بن مرتضى

علم الهدى، علي بن الحسين 43، 53،

55، 58، 64، 66، 172، 220، 227،

229، 250، 403، 405، 409، 410،

416، 439، 454، 494

علي بن إبراهيم بن هاشم = القمّي، علي

بن إبراهيم

علي بن أبي المغيرة 79

علي بن أحمد بن عبداللّه 162، 165

علي بن الحسن بن رباط 164

علي بن الحسن بن فضّال 358، 372

علي بن الحسين 349، 383

علي بن الحكم 498، 502

علي بن النعمان 372

علي بن بزرج 374، 377

علي بن جعفر 20، 40، 49، 82، 96،

117، 120، 134، 140، 142، 173،

192، 231، 241، 244، 247، 254،

267، 268، 393، 394، 396، 427،

428، 429، 436

علي بن حديد 359

علي بن رئاب 231، 268

علي بن عقبة 164

علي بن محمّد 20، 31، 32، 48

علي بن مَزْيَد 351، 352

علي بن مهزيار 261، 269، 277، 502

علي بن يقطين 274، 372، 408، 501

علي بن يقطين بن موسى الأهوازي =

علي بن يقطين

عمر (الخليفة الثاني) = عمر بن الخطّاب

عمر بن حنظلة 258، 271، 277

عمر بن الخطّاب 292

عمر بن يزيد 298، 310، 333، 335

عمرو بن جميع 361

عمرو بن خالد 177، 187

عمرو بن شمر 361

ص: 560

العيّاشي، محمّد بن مسعود 33

عيسى بن موسى 265

العيص بن القاسم 414، 430

عيص = العيص بن القاسم

الغنوي، هارون بن حمزة 118، 120،

241، 245، 247، 256

غياث بن إبراهيم 36، 158، 159

فارس بن حاتم بن ماهويه = القزويني،

فارس بن حاتم

الفاضل الخراساني = المحقّق

السبزواري، محمّد باقر بن محمّد

مؤمن

الفاضل = الفاضل الهندي، محمّد بن

الحسن

الفاضل المقداد، المقداد بن عبداللّه 161،

305، 308، 309، 368، 369

الفاضل الهندي، محمّد بن الحسن 65،

94، 159، 214، 219، 387، 412،

413، 508

الفتح بن يزيد = الجرجاني، الفتح بن

يزيد

فخر الدين = فخر المحقّقين، محمّد بن

الحسن

فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن 368

الفخر = فخر المحقّقين، محمّد بن

الحسن

فريد = وجدي، فريد

فضالة بن أيّوب 372

الفضل أبو العبّاس = الفضل بن

عبدالملك البقباق

الفضل بن شاذان = ابن شاذان، الفضل

بن شاذان

الفضل بن عبد الملك البقباق 13، 227،

228، 239

الفضيل بن يسار 274، 452، 493

الفيض الكاشاني، محمّد بن شاه مرتضى

78، 110، 112، 187، 296، 377

قاسم الصيرفي = الصيرفي، قاسم

القاضي = ابن البرّاج، عبدالعزيز بن

نحرير

قتادة 152

القزويني، فارس بن حاتم 38

القلانسي، خالد 428

القمّاط، أبو خالد 68

القمّي، زكريّا بن آدم 257، 402

القمّي، علي بن إبراهيم 346

الكاشاني = الفيض الكاشاني، محمّد بن

شاه مرتضى

ص: 561

الكاهلي، عبداللّه بن يحيى 128، 134،

430

الكشّي، محمّد بن عمر 347، 350، 353،

355، 357، 360، 362، 363، 364،

365، 366، 367، 369، 370، 379

الكفرتوثي، إدريس بن زياد 501

الكليني، محمّد بن يعقوب 31، 128،

164، 242، 296، 348، 349

مالك 85، 168، 226، 416

المأمون، خليفة العبّاسي 82، 483

المجلسي الأوّل = المجلسي، محمّد تقي

بن مقصود علي

المجلسي، محمّد باقر بن محمّد تقي

219، 288، 315، 346، 349، 377،

385، 386، 387، 388، 389، 390

المجلسي، محمّد تقي بن مقصود علي

165

المحاربي، ذريح بن محمّد 314

المحدّث الكاشاني = الفيض الكاشاني،

محمّد بن شاه مرتضى

المحدّث النوري = نوري، الحسين بن

محمّد تقي

محسن بن أحمد 381

المحقّق الثاني = المحقّق الكركي، علي

بن الحسين

المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن 39، 66،

86، 90، 91، 161، 168، 171،

200، 218، 221، 281، 305، 308،

309، 332، 334، 368، 369، 426،

427، 452، 453، 478

المحقّق الخوانساري، الحسين بن محمّد

143

المحقّق السبزواري، محمّد باقر بن محمّد

مؤمن 166، 219، 509

المحقّق الكركي، علي بن الحسين 161

محمّد بن أبي عمير = ابن أبي عمير،

محمّد

محمّد بن أحمد بن الصفواني =

الصفواني، محمّد بن أحمد

محمّد بن إسماعيل بن بزيع 23، 70، 72

محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب 39،

356، 372

محمّد بن الفضيل 358

محمّد بن الهيثم 318، 335

محمّد بن حمران 379

محمّد بن سنان 99، 102، 114، 182،

193، 246، 359، 360، 361

محمّد بن عبدالجبّار 244

ص: 562

محمّد بن علي بن جعفر 435

محمّد بن علي بن عيسى 462

محمّد بن علي بن معمّر 501

محمّد بن عيسى 246

محمّد بن قيس 125، 126، 130، 134

محمّد بن مسلم 21، 34، 61، 72، 81،

89، 104، 107، 109، 140، 160،

165، 169، 171، 172، 173، 177،

179، 191، 192، 203، 227، 228،

230، 240، 318، 326، 355، 363،

418، 427، 428، 431، 432، 449،

473

محمّد بن مصادف 361

المرادي 369

مرازم 407

المسعودي، علي بن الحسين 501

المشايخ الثلاثة (الكليني، محمّد بن

يعقوب / ابن بابويه، محمّد بن علي /

الطوسي، محمّد بن حسن) 384

معاوية بن أبي سفيان، خليفة الاُموي

482

معاوية بن حكيم 372

معاوية بن شريح 13، 227

معاوية بن عمّار 119، 127، 170، 171،

173، 245، 247، 254، 261، 293،

294، 302، 310، 335، 372، 419

معاوية بن وهب 372

معروف بن خرّبوذ 369

المعلوف، لويس 425

المعلّى بن خنيس 39، 462

المفضّل = المفضّل بن عمر

المفضّل بن صالح 358، 359، 361

المفضّل بن عمر 35

المفلّس، أحمد بن الحسين 373

المفيد، محمّد بن محمّد 38، 159، 250،

347، 367، 370، 382، 413، 454،

504

مقاتل بن سليمان 361

منتجب الدين الرازي، علي بن عبيداللّه

379، 385، 386

منتجب الدين = منتجب الدين الرازي،

علي بن عبيداللّه

منصور بن الحسن الآبي 385

منصور بن حازم 450

المنقري، الحسين بن أحمد 359

الموسوي العاملي، محمّد بن علي 59،

123، 200، 414

موسى بن عمر 36

ص: 563

الميرداماد، محمّد باقر بن محمّد 375

الميموني، علي بن عبداللّه 501

النجاشي، أحمد بن علي 32، 346، 356،

357، 358، 359، 361، 365، 367،

369، 371، 372، 373، 382، 383

النخّاس، رفاعة بن موسى 40، 41، 290

النراقي، أحمد بن محمّد مهدي 207،

283، 440

النراقي، مهدى بن أبي ذرّ 508

النرسي، زيد 345، 346، 347، 348،

349، 351، 352، 372، 374، 378،

384، 385، 389

نوري، الحسين بن محمّد تقي 387

النيلي، صالح بن الحكم 361

الواسطي، أبو هاشم 405، 410

الواسطي، علي 265

والد الصدوق = ابن بابويه، علي بن

الحسين

والد الفخر المحقّقين = العلاّمة الحلّي،

الحسن بن يوسف

وجدي، فريد 24

الوحيد البهبهاني = البهبهاني محمّد باقر

بن محمّد أكمل

الوشّاء، الحسن بن علي 128، 134، 433

الوليد بن أبان 243

وهب بن منبّه 289، 318

وهب بن وهب = أبو البختري

هارون الرشيد 366

هارون بن خارجه 429

هاشم بن حيّان 359

الهاشمي، إسماعيل بن الفضل 393

الهروي = أبو عبيد الهروي، أحمد بن

محمّد

هشام بن الحكم 254، 379، 382، 401،

486، 487

هشام بن سالم 379، 509، 511

الهمداني، رضا بن محمّد هادي 87،

438، 446

الهمداني، صالح بن سهل 360، 361

الهمداني، محمّد بن موسى 384

يحيى بن عمر 36

يزيد الصائغ = الصائغ، يزيد

يزيد بن إسحاق 256

يزيد بن معاوية 465

يعقوب بن عثيم 119، 242

اليماني، إبراهيم بن عمر 374

يونس بن ظبيان 356

يونس بن عبدالرحمان 148، 150، 164،

167، 174، 244، 246، 253، 358،

361، 367، 400

ص: 564

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن

القرآن الكريم 357، 403، 454

آيات الجواد = مسالك الأفهام إلى آيات

الأحكام

مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام 219

إثبات الوصية 501

أجوبة مسائل الفاضل المقداد 410

الاحتجاج 97، 113، 178

أخبار آل النبي وفضائلهم 382

إرشاد الجعفرية 400

الاستبصار 38، 239، 261، 262، 359،

364، 376

إشارة السبق 47، 66

أصل زيد الزرّاد 385

أصل زيد النرسي 345، 346، 349،

384، 385، 387، 389، 390

إفاضة القدير في أحكام العصير 305،

306، 307، 309، 310، 311، 316،

317، 320، 321، 329

الألفية والنفلية 180، 334

الأمالي للصدوق 376، 500، 503، 507

الانتصار 53، 78، 400، 403، 404،

405، 409، 410، 412، 494

أنوار الملكوت في شرح الياقوت 453

الإيضاح = إيضاح الفوائد

إيضاح الفوائد 440

كتاب إيمان أبي طالب 382

البحار = بحار الأنوار

بحار الأنوار 30، 220، 346، 387،

389، 412، 501، 502، 510

البرهان القاطع 386

البستان 153

البويطي 168

البيان 79، 159

التحرير = تحرير الأحكام

ص: 565

تحرير الأحكام 233

تحف العقول 72، 88

التذكرة = تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء 17، 25، 29، 47، 53، 94،

125، 135، 172، 200، 215، 226،

233، 250، 278، 400، 412، 440،

454

التنقيح الرائع 25، 400

التهذيب = تهذيب الأحكام

تهذيب الأحكام 38، 187، 209، 239،

251، 261، 262، 296، 315، 349،

359، 364، 373، 376، 413، 426،

504، 506

التهذيبين (تهذيب الأحكام /

الاستبصار) 506

جامع البزنطي 30

جامع المقاصد 161، 172، 200، 279،

282، 488

الجعفريات 45، 73

الجمل = الجمل والعقود

الجمل والعقود 47، 221

الجواهر = جواهر الكلام

جواهر الكلام 28، 50، 60، 66، 87،

200، 219، 249، 298، 302، 315،

386، 389، 438، 440، 445، 494،

510

حاشية المدارك = الحاشية على مدارك

الأحكام

الحاشية على مدارك الأحكام 39، 405،

408، 413

حاشية المقاصد = جامع المقاصد

الحبل المتين 250، 376

الحجج 380

الحدائق الناضرة 42، 47، 59، 113،

121، 181، 187، 200، 219، 271،

273، 275، 279، 315، 334، 344،

386، 388، 389، 452، 458، 462،

465، 494، 496، 499، 502، 508

حقائق الإيمان 380

الخصال 160، 162، 176، 376

الخلاف 17، 29، 30، 47، 48، 53، 64،

66، 78، 86، 94، 116، 159، 166،

168، 169، 172، 199، 200، 218،

226، 239، 400، 403، 412، 445،

477، 494، 500، 503، 506

دائرة المعارف = دائرة معارف القرن

العشرين

دائرة معارف القرن العشرين 24

ص: 566

الدروس الشرعية 47، 65، 79، 143،

159، 180، 305

الدعائم = دعائم الإسلام

دعائم الإسلام 73، 83، 84، 211، 291،

292، 305، 308، 397

الدلائل 17، 25، 78، 94، 215، 279،

412، 488، 505، 506

الذخيرة = ذخيرة المعاد

ذخيرة المعاد 17، 25، 94، 121، 143،

219، 220، 279، 334

الذكرى = ذكرى الشيعة

ذكرى الشيعة 65، 94، 135، 180، 214،

233، 249، 278، 282، 334، 400،

505، 510

الرازيات 410

رجال الكشّي 362، 363، 366

الرسالة = إفاضة القدير في أحكام

العصير

رسالة التقية للإمام الخميني(سلام اللّه

عليه) 189

رسالة علي بن بابويه 249، 305

الرواشح السماوية 375

الروض = روض الجنان

روض الجنان 17، 65، 94، 194، 200،

279، 409

الروضة البهيّة 65، 363، 365

الرياض = رياض المسائل

رياض المسائل 66، 344، 500، 508

السرائر 65، 116، 412، 454، 462،

494

الشرائع = شرائع الإسلام

شرائع الإسلام 370، 376، 477، 478

شرح الدروس = مشارق الشموس

شرح الفاضل = كشف اللثام

شرح فصّ الياقوت = أنوار الملكوت في

شرح الياقوت

الصحاح 10، 22، 144، 152، 153،

291، 313

الصراح = صراح اللغة

صراح اللغة 22

الطبريات 94

الطهارة للشيخ الأنصاري 200، 315،

344، 386

العدّة في اُصول الفقه 347، 361، 363

العلل = علل الشرائع

علل الشرائع 55، 62، 106، 191، 193،

197، 246، 247

العيون = عيون أخبار الرضا علیه السلام

ص: 567

عيون أخبار الرضا علیه السلام 193، 246، 376

الغريبين 24

الغنية = غنية النزوع

غنية النزوع 17، 25، 29، 47، 48، 53،

64، 78، 94، 116، 143، 149،

160، 166، 172، 215، 238، 282،

400، 404، 412، 500، 505، 508،

509

فصّ الياقوت 453

فقه الرضا علیه السلام = الفقه المنسوب للإمام

الرضا علیه السلام

الفقه الرضوي = الفقه المنسوب للإمام

الرضا علیه السلام

الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام 82، 83،

198، 199، 268، 298، 301، 302،

305، 310، 319، 320، 335، 405،

502، 506

الفقيه = من لا يحضره الفقيه

الفلك 382

الفهرست للشيخ الطوسي 349، 373،

377، 379، 381، 382

القاموس المحيط 10، 22، 144، 152،

153، 275، 283، 313، 408

القواعد = قواعد الأحكام

قواعد الأحكام 454

الكافي 288، 296، 315، 348، 376،

377، 390، 400، 457

كتاب أبان بن عثمان 383

كتاب أحمد بن عبيداللّه بن يحيى 383

كتاب الكشّي 363، 366

كتاب النرسي 370، 385

كتاب جميل بن درّاج 371

كتاب عبداللّه بن محمّد 269

كتاب علي علیه السلام 128، 240

كتاب علي بن الحسين 383

كتاب علي بن جعفر 40، 268

كتاب عمّار بن موسى 18، 35

كشف الالتباس 17، 53، 94، 214،

400، 440، 510

كشف الحقّ 53، 65، 78

كشف الرموز 159

كشف اللثام 65، 94، 135، 143، 149،

159، 214، 219، 387، 412، 508

الكفاية = كفاية الفقه

كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 172، 219،

220، 233، 440، 505

كنز العرفان في فقه القرآن 219، 282

اللوامع 508

ص: 568

المبسوط 28، 29، 30، 37، 221، 400،

440، 500، 504، 506، 508

المبيضّة 382

المجمع = مجمع البحرين

المجمع = مجمع البيان

مجمع البرهان = مجمع الفائدة والبرهان

مجمع الفائدة والبرهان 66، 334

مجمع البحرين 10، 22، 74، 153، 275،

282، 284، 291، 292، 313، 315،

405، 409، 425، 426

مجمع البيان 210، 424، 425، 427،

490

المختصر النافع 48

المختلف = مختلف الشيعة

مختلف الشيعة 18، 25، 35، 78، 172،

214، 219، 239، 505

مخزن الأدوية (قرابادين كبير) 411

المدارك = مدارك الأحكام

مدارك الأحكام 17، 25، 43، 59، 67،

121، 122، 123، 143، 149، 172،

186، 200، 215، 279، 400، 414

المدنيات 410

مدينة العلم 376

مرآة العقول 165، 315، 328، 377

المراسم 47، 66، 221، 238، 282،

404، 500، 505، 508، 509

المسائل الطبرية 53، 65

المسالك = مسالك الأفهام

مسالك الأفهام 219، 279

المسالك الجامعية 30

المستدرك = مستدرك الوسائل

مستدرك الوسائل 387، 502

المستند = مستند الشيعة

مستند الشيعة 315

مشارق الشموس 279

مشرق الشمسين 374

مصابيح الظلام 79، 180، 220

المصابيح في الفقه 28

مصباح الفقيه 87، 315

المعالم = معالم الدين

معالم الدين 67، 121، 239، 357، 360

معاني الأخبار 45، 349

المعتبر 17، 46، 59، 94، 116، 200،

215، 281، 309، 334، 368، 405

المعيار = معيار اللغة

معيار اللغة 22، 409

المغرب في ترتيب المعرب 153

المفاتيح = مفاتيح الشرائع

ص: 569

مفاتيح الشرائع 25، 414

مفتاح الكرامة 65، 334، 410، 502،

506

مقداديات = أجوبة مسائل الفاضل

المقداد

المقنع 30، 77، 86، 238

المقنعة 47، 115، 238، 508

المناقب = مناقب آل أبي طالب

مناقب آل أبي طالب 502

من لا يحضره الفقيه 28، 30، 68، 77،

83، 85، 110، 162، 165، 187،

238، 376، 383، 503، 509، 511

منتهى الإرب 22

المنتهى = منتهى المطلب

منتهى المطلب 17، 53، 59، 65، 78،

94، 116، 122، 124، 130، 136،

143، 149، 161، 172، 215، 226،

233، 250، 400، 412، 454، 508

المنجد 10، 22، 144، 153، 234، 275،

283، 291، 313، 409، 425

الموجز 505

المهذّب 218، 305

مهذّب الأسماء 24

المهذّب البارع 400

الناصريات 17، 47، 53، 58، 78، 282،

412، 439، 494

النافع = المختصر النافع

النهاية = النهاية في مجرّد الفقه

والفتاوى

النهاية = النهاية في غريب الحديث

والأثر

النهاية = نهاية الإحكام

نهاية الإحكام 53، 65، 94، 135، 215،

233، 334، 412

النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى 31، 47،

53، 115، 146، 163، 180، 199،

282، 307، 334، 403، 413، 477،

504، 508

النهاية في غريب الحديث والأثر 291،

292

الوافي 187، 377، 415

الوجيزة للشيخ البهائي 376

الوسائل = وسائل الشيعة

وسائل الشيعة 40، 110، 162، 164،

183، 186، 187، 288، 315، 458

الوسيلة إلى نيل الفضيلة 47، 65، 115،

221، 238، 282، 304، 306، 334،

404

ص: 570

6 - فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم» .

«أ»

1 - إثبات الوصيّة للإمام علي بن أبي طالب . أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي (م 346) ، قم ، مؤسّسة أنصاريان 1417 ق / 1996 م .

2 - الاحتجاج . أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (القرن السادس) ، تحقيق إبراهيم البهادري ومحمّد هادي به ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، منشورات اُسوة ،

1413 ق .

3 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تصحيح حسن المصطفوي ، جامعة مشهد ، 1348 ش .

4 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الثالثة ، 4 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1390 ق .

5 - الاستصحاب ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

6 - إشارة السبق . علاء الدين أبو الحسن علي بن أبي الفضل بن الحسن بن أبي المجد الحلبي (م القرن السادس) ، تحقيق الشيخ إبراهيم بهادري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1414 ق .

ص: 571

7 - أصل زيد النرسي ، ضمن «الاُصول الستّة عشر» . لعدّة من الرواة القدماء ، قم ، دار الشبستري للمطبوعات ، 1405 ق .

8 - إفاضة القدير في أحكام العصير ، المطبوع مع «قاعدة لا ضرر» ، العلاّمة شيخ الشريعة الأصفهاني ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي .

9 - أقرب الموارد . سعيد الخوري الشرتوني اللبناني ، 3 مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1403 ق .

10 - الاُمّ . أبو عبداللّه محمّد بن إدريس الشافعي (150 - 204) ، تصحيح محمّد زهري النجّار ، بيروت ، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر ، 1408 ق .

11 - الأمالي أو المجالس . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الخامسة، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1400 ق .

12 - الانتصار . السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي (355 - 436) ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق .

13 - أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

14 - أوضح المسالك . أبو محمّد عبداللّه جمال الدين بن يوسف بن أحمد بن عبداللّه بن هشام الأنصاري (م 761) ، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد ، الطبعة الخامسة ، 4 مجلّدات ، قم ، مكتبة سيّد الشهداء ، 1366 ش .

15 - إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد . فخر المحقّقين الشيخ أبو طالب محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (682 - 771) ، إعداد عدّة من العلماء ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، المطبعة العلمية ، 1387 ق .

«ب»

16 - بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار . العلاّمة محمّد باقر بن محمّدتقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، الطبعة الثانية ، إعداد عدّة من العلماء ، 110 مجلدٍ (إلاّ 6

ص: 572

مجلّدات ، من المجلّد 29 - 34) + المدخل ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1403 ق / 1983 م .

17 - بدائع الأفكار في الاُصول (تقريرات المحقّق العراقي) . الشيخ هاشم الآملي (1282 - 1371 ش) ، الطبعة الاُولى ، النجف الأشرف ، 1370 ق .

18 - بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة

الإمام الخميني قدّس سرّه .

19 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد . محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي (520 - 595) ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، منشورات الشريف الرضيّ ، 1412 ق / 1371 ش .

20 - البرهان القاطع في شرح المختصر النافع . السيّد علي آل بحر العلوم (م 1298) ، 3 مجلّدات ، الطبعة الحجرية .

21 - البستان في اللغة . عبداللّه بن ميخائيل بن ناصيف البستاني الماروني (1271 - 1348) ، مجلّدان ، بيروت .

22 - بصائر الدرجات . أبو جعفر محمّد بن الحسن بن فرّوخ الصفّار (م 290) ، تصحيح الميرزا محسن كوچه باغي ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1404 ق .

23 - البهجة المرضيّة . جلال الدين السيوطي ، تعليق مصطفى الحسيني الدشتي .

24 - البيان . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، قم ، 1412 ق .

25 - البيع (تقرير بحث آية اللّه العظمى السيّد محمّد الحجة الكوه كمري) . الشيخ أبوطالب التجليل التبريزي ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1409 ق .

«ت»

26 - تاج العروس من جواهر القاموس . السيّد محمّد بن محمّد مرتضى الحسيني الزبيدي (1145 - 1205) ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّداً ، بيروت ، منشورات دار مكتبة الحياة ،

1306 ق .

ص: 573

27 - تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات + الفهارس ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1421 ق .

28 - التحرير الطاوسي المستخرج من كتاب حلّ الإشكال . الشيخ حسن بن زين الدين بن علي صاحب المعالم (م 1011) ، تحقيق فاضل الجواهري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1411 ق .

29 - تحف العقول عن آل الرسول . أبو محمّد بن الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ق .

30 - تذكرة الفقهاء . جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، صدر منه حتّى

الآن 20 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 - 1433 ق .

31 - التعادل والترجيح ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ». = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

32 - تعليقات على منهج المقال . المولى محمّد باقر بن محمّد أكمل الوحيد البهبهاني (1118 - 1206) ، الطبعة الحجرية .

33 - تفسير العيّاشي . أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي (أواخر قرن الثالث) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية .

34 - تفسير القمّي . أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي (م 307) ، تصحيح السيّد طيّب الموسوي الجزائري ، الطبعة الثالثة ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة دار الكتاب ، 1404 ق .

35 - التنقيح الرائع لمختصر الشرائع . جمال الدين مقداد بن عبداللّه السيوري الحلّي المعروف بالفاضل المقداد (م 826) ، تحقيق السيّد عبداللطيف الكوه كمري ، الطبعة الاُولى ، 4

مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1404 ق .

ص: 574

36 - تنقيح المقال في علم الرجال . الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351) ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة

المرتضوية ، 1352 ق .

37 - تنوير المقباس من تفسير ابن عباس ، وبهامشه كتابان : لباب النقول في أسباب النزول ومعرفة الناسخ والمنسوخ. أبوطاهر محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (م 817) ، تحقيق لجنة من العلماء برياسة أحمد سعد علي ، بيروت ، دار الجيل .

38 - التوحيد . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1398 ق .

39 - تهذيب الأحكام . أبو جعفر محمّد بن الحسن ، الشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 10 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1365 ش .

والطبع الحجري منه مجلّدان ، الطبعة الاُولى ، طهران ، مكتبة الفراهاني ، 1363 ش .

40 - تهذيب الاُصول (تقريرات الإمام الخميني قدّس سرّه ) . الشيخ جعفر السبحاني التبريزي ، تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1424 ق .

41 - تهذيب اللغة . أبو منصور محمّد بن أحمد الأزهري (282 - 370) ، القاهرة ، 1384 - 1387 ق .

«ث»

42 - ثواب الأعمال وعقاب الأعمال . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، طهران ، مكتبة الصدوق ، 1391 ق .

«ج»

43 - جامع المقاصد في شرح القواعد . المحقّق الثاني علي بن الحسين بن عبدالعالي الكركي

ص: 575

(868 - 940) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 13 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1408 - 1411 ق .

44 - الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي) . أبو عبداللّه محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي (م 672) ، الطبعة الثانية ، 24 مجلّداً ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1405

ق / 1985 م .

45 - الجعفريات أو الأشعثيات المطبوع مع «قرب الإسناد» . أبو علي محمّد بن محمّد الأشعث ( القرن الرابع) ، طهران ، مكتبة نينوى الحديثة .

46 - جوابات أهل الموصل ، ضمن «مصنّفات الشيخ المفيد» ج 9 . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد ابن النعمان البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (336 - 413) ، الطبعة الاُولى ، قم ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد ، 1413 ق .

47 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام . الشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266) ، تحقيق الشيخ عبّاس القوچاني ، الطبعة الثالثة ، 43 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1367 ش .

«ح»

48 - الحاشية على مدارك الأحكام . المولى محمّد باقر بن محمّد أكمل الوحيد البهبهاني (1118 - 1206) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1419 ق .

49 - الحبل المتين . الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي (953 - 1030) ، قم ، مكتبة بصيرتي ، 1398 ق .

50 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة . الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 - 1186) ، تحقيق محمّد تقيّ الإيرواني ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1406 ق .

ص: 576

«خ»

51 - الخصال . أبوجعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، جزءان في مجلّد واحد ،

قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1403 ق .

52 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

53 - الخلاف . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جماعة من المحقّقين ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1407 ق .

«د»

54 - دائرة معارف القرن العشرين . محمّد فريد بن مصطفى وجدي بن علي رشاد (1292 - 1373) ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّداً ، بيروت ، دار الفكر ، 1399 ق / 1979 م .

55 - الدروس الشرعية في فقه الإمامية . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1412 - 1414 ق .

56 - الدرّة النجفية (منظومة في الفقه) . العلاّمة السيّد محمّدمهديّ بحرالعلوم الطباطبائي (1155 - 1212) ، الطبعة الثانية ، قم ، مكتبة المفيد ، 1414 ق / 1372 ش .

57 - دعائم الإسلام . أبو حنيفة القاضي النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م 363) ، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي ، مجلّدان ، القاهرة ، دار المعارف ، 1383 ق / 1963 م .

«ذ»

58 - ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد . المحقّق السبزواري محمّد باقر بن محمّد مؤمن (1017

ص: 577

- 1090) ، الطبعة الحجرية ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث .

59 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة . الشيخ محمّدمحسن آقا بزرگ الطهراني (1293 - 1389) ، 25 جزءاً في 28 مجلّداً (الجزء 9 في 4 مجلّدات) ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان.

60 - ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ق .

«ر»

61 - رجال ابن داود . تقيّ الدين الحسن بن علي بن داود الحلّي (647 - 707) ، إعداد السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم ، قم ، منشورات الشريف الرضيّ ، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة الحيدرية ، 1392 ق .

62 - رجال البرقي . أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 280) ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة القيّوم ، 1419 ق .

63 - رجال الطوسي . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1415 ق .

64 - رجال النجاشي . أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372 - 450) ، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ق .

65 - الرجال لابن الغضائري . أحمد بن الحسين الغضائري الواسطي البغدادي (القرن الخامس) ، تحقيق السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي ، الطبعة الاُولى ، قم ، دار الحديث ، 1422 ق .

66 - رسائل الشريف المرتضى . أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف

المرتضى وعلم الهدى (355 - 436) ، إعداد السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الاُولى ،

ص: 578

4 مجلّدات ، قم ، دار القرآن الكريم ، 1405 - 1410 ق .

67 - رسائل الشهيد الأوّل . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، إعداد مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1423 ق / 1381 ش .

68 - رسائل الشهيد الثاني . زين الدين بن علي العاملي المشهور بالشهيد الثاني (911 - 965) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي ، 1421 ق / 1379 ش .

69 - الرسائل العشر . أبو العبّاس أحمد بن شمس الدين محمّد بن فهد الحلّي الأسدي (757 - 841) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1409 ق .

70 - الرسالات الفقهية والاُصولية ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

71 - رسالة في أحوال أبي بصير ضمن «الجوامع الفقهية» . السيّد محمّد مهدي الخوانساري ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي .

72 - الرعاية في علم الدراية . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965) ، تحقيق عبدالحسين محمّد علي بقّال ، الطبعة الثانية ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1413 ق .

73 - الرواشح السماوية في شرح أحاديث الإمامية . السيّد محمّد باقر بن شمس الدين محمّد الحسيني الأسترآبادي المعروف ب- «الميرداماد» (م 1041) ، تحقيق غلامحسين قيصرى ها ونعمة اللّه الجليلي ، الطبعة الاُولى ، قم ، دار الحديث للطباعة والنشر ،

1422 ق / 1380 ش .

74 - روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965) ، تحقيق مركز الأبحاث والآثار الإسلامية ، الطبعة الاُولى ،

ص: 579

مجلّدان ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1422 ق .

75 - الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965) ، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1424 ق .

76 - روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه . العلاّمة المولى محمّد تقيّ المجلسي (1003 - 1070) ، إعداد السيّد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي پناه الاشتهاردي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، بنياد فرهنگ إسلامي ، حاج محمّد حسين كوشانپور ، 1393 - 1399 ق .

77 - رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل . السيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي (1161 - 1231) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ،

مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 - 1423 ق .

«س»

78 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي . أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (543 - 598) ، إعداد مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 - 1411 ق .

79 - سنن أبي داود . أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (م 275) ، إعداد كمال يوسف الحوت ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، بيروت ، دار الجنان ، 1409 ق / 1988 م .

80 - سنن الترمذي . أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (209 - 279) ، تحقيق عبدالوهّاب عبداللطيف ، الطبعة الثانية ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر للطباعة والنشر ، 1403 ق .

81 - سنن الدارقطني . علي بن عمر الدارقطني (306 - 385) ، 4 أجزاء في مجلّدين ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1413 ق / 1993 م .

82 - السنن الكبرى . أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي (384 - 458) ، إعداد

ص: 580

الدكتور يوسف عبدالرحمان المرعشلي ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّدات + الفهرس ،

بيروت ، دار المعرفة ، 1413 ق / 1992 م .

«ش»

83 - الشافي في الإمامة . الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي (م 436) ، الطبعة الثانية ، طهران ، مؤسّسة الصادق ، 1410 ق .

84 - شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن حسن ابن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 676) ، تحقيق عبدالحسين محمّد علي بقّال ، الطبعة الثالثة ، 4 أجزاء في مجلّدين ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1409 ق .

85 - الشرح الكبير . أبو الفرج عبدالرحمان بن محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي (597 - 682) ، المطبوع مع المغني ، لعبداللّه بن أحمد بن قدامة ، 12 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار الكتاب العربي .

86 - شرح جمل العلم والعمل . القاضي ابن البرّاج أبو القاسم عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز (400 - 481) ، تحقيق كاظم مدير شانه چى ، الطبعة الاُولى ، مشهد ، جامعة مشهد ، 1352 ش .

«ص»

87 - الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) . إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393) ، تحقيق أحمد عبدالغفور عطّار ، الطبعة الرابعة ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار العلم للملايين ،

1407 ق / 1987 م .

88 - صحيح البخاري . أبو عبداللّه محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي (م 256) ، تحقيق وشرح الشيخ قاسم الشمّاعي الرفاعي ، الطبعة الاُولى ، 9 أجزاء في 4 مجلّدات ، بيروت ، دار القلم ، 1407 ق / 1987 م .

89 - صحيح مسلم . أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (206 - 261) ، تحقيق وتعليق الدكتور موسى شاهين لاشين والدكتور أحمد عمر هاشم ، الطبعة

ص: 581

الاُولى ، 5 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة عزّ الدين ، 1407 ق / 1987 م .

90 - صراح اللغة . أبو الفضل محمّد بن عمر بن خالد المدعوّ بجمّال القرشي (م بعد 681)، الطبع الحجري .

91 - صفات الشيعة ، المطبوع مع «المواعظ» و«فضائل الشيعة» . محمّد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمّي (م 381) ، تحقيق محمود البدري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية ، 1421 ق .

«ط»

92 - الطلب والإرادة ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

93 - الطهارة ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 1 - 5 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، المكتبة الفقهية ، 1415 ق .

«ع»

94 - العدّة في اُصول الفقه . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق محمّد رضا الأنصاري القمّي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ،

قم ، مطبعة ستارة ، 1417 ق .

95 - العروة الوثقى . السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) ، مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام ، إعداد أحمد المحسني السبزواري ، الطبعة الثانية ، 6 مجلّدات ، قم ،

مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1421 ق .

96 - علل الشرائع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الاُولى ، النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية ، 1385 ق / 1966 م .

97 - عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية . محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (م - أوائل القرن العاشر) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مطبعة سيّدالشهداء ، 1403 ق .

ص: 582

98 - عيون أخبار الرضا علیه السلام . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح السيّد مهديّ الحسيني اللاجوردي ، الطبعة الثانية ، منشورات جهان .

«غ»

99 - غاية المراد . شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي الشهيد الأوّل (م 786) ، تحقيق رضا المختاري ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، قم ، 1414

ق .

100 - الغدير في الكتاب والسنّة والأدب . العلاّمة الشيخ عبدالحسين أحمد الأميني (1320 - 1390) ، الطبعة الثانية ، 11 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1366 ش .

101 - غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام . الميرزا أبو القاسم بن الحسن الجيلاني المعروف بالمحقّق القمّي (1151 - 1231) ، تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي - فرع خراسان ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي ، 1417 - 1420 ق / 1375 - 1378 ش .

102 - غنية النزوع إلى علمي الاُصول والفروع . أبو المكارم السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي المعروف بابن زهرة (511 - 585) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1417 ق .

«ف»

103 - فرائد الاُصول ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 24 - 27 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1419 ق / 1377 ش .

104 - فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم . رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر ابن محمّد بن طاوس (م 664) ، قم ، منشورات الرضي ، 1363 ش .

105 - الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، مشهد المقدّس ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا علیه السلام ، 1406 ق .

ص: 583

106 - الفقه على المذاهب الأربعة . عبدالرحمان الجزيري ، الطبعة السابعة ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1406 ق / 1986 م .

107 - الفقيه (من لا يحضره الفقيه) . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 4 مجلّدات ، النجف الأشرف ، دار الكتب الإسلامية ، 1377 ق / 1957 م .

108 - فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) . الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني (1309 - 1365) ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ق .

109 - الفوائد الرجالية . السيّد محمّد المهدي بحر العلوم الطباطبائي (م 1212) ، تحقيق محمّد صادق بحر العلوم وحسين بحر العلوم ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، طهران ، مكتبة الصادق ، 1363 ش .

110 - الفهرست . أبو الفرج محمّد بن إسحاق ، ابن النديم (م 385) ، إعداد الشيخ إبراهيم رمضان ، الطبعة الثانية ، بيروت ، دار المعرفة للطباعة والنشر.

111 - الفهرست . أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (380 - 460) ، تحقيق الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

112 - الفهرست . منتجب الدين أبو الحسن علي بن عبيداللّه بن بابويه الرازي (504 - 600) ، تحقيق السيّد جلال الدين المحدّث اُرموي ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1366 ش .

«ق»

113 - قاموس الرجال . الشيخ محمّد تقيّ التستري (1320 - 1415) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 12 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 ق .

114 - القاموس المحيط والقابوس الوسيط . أبو طاهر مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (729 - 817) ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الجيل .

115 - قرابادين كبير (مخزن الأدوية) . مير محمّد خان عقيلي شيرازي ، الطبعة الحجرية ، طهران ، 1277 .

ص: 584

116 - قرب الإسناد . أبو العبّاس عبداللّه بن جعفر الحميري القمّي (م بعد 304) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1413 ق .

117 - قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام . العلاّمة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1413 ق .

118 - قوانين الاُصول . المحقّق ميرزا أبو القاسم القمّي بن المولى محمّد حسين الجيلاني المعروف بالميرزا القمّي (1151 - 1231) ، مجلّدان ، الطبعة الحجرية ، المجلّد الأوّل ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية ، 1378 ، والمجلّد الثاني ، طهران ، المستنسخة سنة

1310 ق .

«ك»

119 - الكافي . ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الخامسة ، 8 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

120 - كامل الزيارات . أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي ، الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

121 - كشف الالتباس عن موجز أبي العبّاس . مفلح بن الحسن بن رشيد بن صلاح الصيمري (م حدود 900) ، تحقيق مؤسّسة صاحب الأمر (عج) ، قم ، مؤسّسة صاحب الأمر(عج) ، 1417 ق .

122 - كشف الرموز في شرح المختصر النافع . زين الدين أبو علي الحسن بن أبيطالب بن أبيالمجد اليوسفي المعروف بالفاضل والمحقّق الآبي (م بعد 672) ، تحقيق علي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ،

1408 ق .

ص: 585

123 - كشف اللثام عن قواعد الأحكام . بهاء الدين محمّد بن الحسن بن محمّد الأصفهاني المعروف بالفاضل الهندي (1062 - 1135) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 11 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1416 - 1424 ق .

124 - كفاية الاُصول . الآخوند الخراساني المولى محمّد كاظم بن حسين الهروي (1255 - 1329) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

125 - كفاية الفقه المشتهر ب- «كفاية الأحكام» . محمّد باقر بن محمّد مؤمن الشريف الخراساني السبزواري (1017 - 1090) ، تحقيق الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1423 ق .

126 - كنز العرفان في فقه القرآن . الشيخ جمال الدين المقداد بن عبداللّه السيوري (م826) ، تعليق الشيخ محمّد باقر شريف زاده ، الطبعة الرابعة ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة الرضوية ، 1369 ش .

«ل»

127 - لسان العرب . أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (630 - 711) ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1408 ق / 1988 م .

128 - لوامع الأحكام في فقه شريعة الإسلام . المولى محمّد مهديّ بن أبي ذرّ النراقي (1128 - 1209) ، الطبعة الاُولى ، قم .

129 - لؤلؤة البحرين في الإجازة لقرّتي العين . الشيخ يوسف بن أحمد البحراني صاحب الحدائق (1107 - 1186) ، تحقيق السيّد محمّد صادق بحر العلوم ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث .

«م»

130 - المبسوط . شمس الدين محمّد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (م 483) ، 30 جزءاً في 15 مجلّداً ، بيروت ، دار المعرفة ، 1409 ق / 1989 م .

ص: 586

131 - المبسوط في فقه الإمامية . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي ، الطبعة الثانية ، 8 أجزاء في

4 مجلّدات ، طهران ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ، 1387 - 1393 ق .

132 - مجمع البحرين ومطلع النيّرين . فخر الدين الطريحي (972 - 1085) ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار ومكتبة الهلال ، 1985م .

133 - مجمع البيان في تفسير القرآن . أبو علي أمين الإسلام الفضل بن الحسن الطبرسي (حوالي 470 - 548) ، تحقيق وتصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي والسيّد فضل اللّه اليزدي الطباطبائي ، الطبعة الاُولى ، 10 أجزاء في 5 مجلّدات ، بيروت ، دار

المعرفة للطباعة والنشر .

134 - مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان . أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993) ، تحقيق مجتبى العراقي وعلي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1402 - 1414 ق .

135 - المجموع (شرح المهذّب) ويليه فتح العزيز ويليه التلخيص الحبير . أبو زكريّا يحيى بن شرف النووي الشافعي (631 - 676) ، [الطبعة الاُولى]، 20 مجلّداً ، بيروت ، دار الفكر .

136 - المحاسن. أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 274 أو 280) ، تحقيق جلال الدين الحسيني الاُرموي ، الطبعة الثانية ، قم ، دار الكتب الإسلامية .

137 - المحلّى بالآثار . أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (م 456) ، تحقيق الدكتور عبدالغفّار سليمان البنداري ، 12 مجلّداً ، بيروت ، دار الفكر .

138 - المختصر النافع . أبو القاسم نجم الدين جعفر بن حسن بن يحيى بن سعيد الهُذَلي (602 - 676) ، الطبع-ة الثاني-ة ، ق-م ، منشورات مؤسّس-ة المطبوعات الديني ، 1368 ش .

139 - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ،

ص: 587

9 مجلّدات + الفهرس ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1412 - 1420 ق .

140 - مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام . السيّد محمّد بن علي الموسوي العاملي (م 1009) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 8 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1410 ق .

141 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول . العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي والسيّد جعفر الحسيني والشيخ علي الآخوندي ، الطبعة الثانية ، 26 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

142 - المراسم في الفقه الإمامي . حمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقّب بسلاّر (م 463) ، إعداد محمود البستاني ، قم ، منشورات حرمين ، 1404 ق .

143 - مسائل الناصريات . أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى وعلم الهدى (355 - 436) ، تحقيق مركز البحوث والدراسات العلمية ، قم ، مؤسّسة الهدى ، 1417 ق .

144 - مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، بيروت ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1410 ق / 1990 م .

145 - مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام . العلاّمة الفاضل الجواد الكاظمي (م - أواسط القرن الحادي عشر) ، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي والشيخ محمّد باقر شريف زاده ، 4 أجزاء في مجلّدان ، طهران ، المكتبة المرتضوية لآثار الجعفرية .

146 - مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام . الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي الجبعي (911 - 965) ، تحقيق مؤسّسة المعارف الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية ، 1413 - 1419 ق .

147 - المسالك الجامعية في شرح الرسالة الألفية ، ضمن «المقاصد العلية» . محمّد بن علي بن أبيجمهور الأحسائي (م القرن العاشر) ، الطبعة الحجرية ، 1312 ق .

148 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل . الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري الطبرسي

ص: 588

(1254 - 1320) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1407 ق .

149 - مستمسك العروة الوثقى . السيّد محسن الطباطبائي الحكيم (1306 - 1390) ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة دار التفسير ، 1416 ق / 1374 ش .

150 - مستند الشيعة في أحكام الشريعة . أحمد بن محمّد مهدي النراقي (م 1245) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 18 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1415 - 1420 ق .

151 - المسند . أحمد بن محمّد بن حنبل (164 - 241) ، إعداد أحمد محمّد شاكر وحمزة أحمد الزين ، الطبعة الاُولى ، 20 مجلّداً ، القاهرة ، دار الحديث ، 1416 ق .

152 - مشارق الشموس في شرح الدروس . آقا حسين بن جمال الدين محمّد الخوانساري (1019 - 1099) ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث .

153 - مشرق الشمسين واكسير السعادتين . الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبدالصمد الحارثي العاملي (953 - 1030) ، مع تعليقات للعلاّمة المحقّق محمّد إسماعيل بن الحسين المازندراني الخواجوئي ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الاُولى ، مشهد ، مؤسّسة الطبع والنشر التابعة للآستانة الرضوية المقدّسة ، 1414 ق /

1372 ش .

154 - مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع . المولى محمّد باقر بن محمّد الوحيد البهبهاني (1117 - 1205) ، تحقيق مؤسّسة العلاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني ، الطبعة الاُولى ،

11 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة علاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني ، 1424 ق .

155 - المصابيح في الفقه . السيّد محمّد مهدي بن مرتضى بن محمّد الطباطبائي البروجردي (م 1212) ، مخطوط .

156 - مصباح الفقيه (الطهارة ، الصلاة ، الزكاة ، الخمس ، الصوم ، الرهن) . الحاج آقا رضا بن محمّد هادي الهمداني النجفي (م 1322) ، الطبعة الاُولى ، 19 مجلّداً :

ص: 589

الطهارة والصلاة . تحقيق المؤسّسة الجعفرية لإحياء التراث ، (ج 1 - 17) ، قم ، مؤسّسة مهديّ الموعود(عج) ، 1417 - 1431 ق .

الزكاة والخمس والصوم والرهن . (ج 13 و14 ، حسب ترتيب مؤسّسة النشر الإسلامي) قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1416 ق .

157 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير . أحمد بن محمّد بن علي المقري الفيّومي (م 770) ، الطبعة الاُولى ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، دار الهجرة ، 1405 ق .

158 - مطارح الأنظار (تقريرات الشيخ الأعظم الأنصاري) . الميرزا أبو القاسم الكلانتري (1236 - 1292) ، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1425 ق .

159 - معالم الدين وملاذ المجتهدين «قسم الاُصول» . أبو منصور جمال الدين الحسن بن زين الدين العاملي (959 - 1011) ، تحقيق لجنة التحقيق ، الطبعة الحادي عشر ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1416 ق .

160 - معالم الدين وملاذ المجتهدين «قسم الفقه» . أبو منصور جمال الدين الحسن بن زين الدين العاملي (959 - 1011) ، تحقيق السيّد منذر الحكيم ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة الفقه للطباعة والنشر ، 1418 ق .

161 - معالم العلماء . أبو جعفر محمّد بن علي بن شهرآشوب المازندراني (م 588) ، إعداد السيّد محمّد صادق بحر العلوم ، النجف الأشرف ، المطبعة الحيدرية ، 1380 ق .

162 - معاني الأخبار . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1361 ش .

163 - المعتبر في شرح المختصر . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهُذلي (602 - 676) ، تحقيق عدّة من الأفاضل ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة سيّد الشهداء علیه السلام ، 1364 ش .

ص: 590

164 - معجم البلدان . شهاب الدين أبو عبداللّه ياقوت بن عبداللّه الرومي الحموي البغدادي (574 - 626) ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار بيروت للطباع-ة والنشر ، 1408 ق / 1988 م .

165 - معيار اللّغة . الميرزا محمّد عليّ بن محمّد صادق الشيرازي ، الطبعة الحجرية ، ايران ، 1311 - 1316 ق .

166 - المغرب في ترتيب المعرب . أبو الفتح ناصر بن عبدالسيّد بن علي المطرزي (538 - 610) ، بيروت ، دار الكتاب العربي .

167 - مغنى المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج . شمس الدين محمّد بن أحمد الشربيتي الشافعي (م 977) ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1377 ق / 1958 م .

168 - المغني ويليه الشرح الكبير . أبو محمّد عبداللّه بن أحمد بن محمّد بن قدامة (541 - 620) ، وأبو الفرج عبدالرحمان بن أبي عمر محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي (م 682) ، الطبعة الاُولى ، 21 مجلّداً ، بيروت ، دار الكتب العربي .

169 - مفاتيح الشرائع . المولى محسن الفيض الكاشاني (م 1091) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، 4 مجلّدات، قم ، مطبعة الخيّام ، 1401 ق .

170 - مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة . السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي (1160 - 1228) ، تحقيق محمّد باقر الخالصي ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1419 - 1433 ق .

171 - مقباس الهداية في علم الدراية . الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351) ، تحقيق محمّد رضا المامقاني ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1411 - 1413 ق .

172 - المقنع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق

ص: 591

(311 - 381) ، تحقيق لجنة التحقيق التابعة لمؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، 1415 ق .

173 - المقنعة . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1410 ق .

174 - مكارم الأخلاق . أبو نصر رضيّ الدين الحسن بن الفضل الطبرسي ( القرن السادس الهجري) ، تحقيق علاء آل جعفر ، مجلّدان ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1414 ق .

175 - المكاسب المحرّمة ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه ». = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

176 - الملل والنحل . أبو الفتح محمّد بن عبدالكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني (479 - 548) ، تخريج محمّد بن فتح اللّه بدران ، الطبعة الثانية ، جزءان في مجلّد واحد ، القاهرة ، مكتبة الانجلو المصرية ، 1375 ق / 1956 م .

177 - الملهوف على قتلى الطفوف . أبو القاسم رضيّ الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاوس الحسني (م 664) ، تحقيق الشيخ فارس تبريزيان «الحسّون» ، الطبعة الثانية ، طهران ، دار الاُسوة للطباعة والنشر ، 1417 ق / 1375 ش .

178 - مناقب آل أبي طالب . أبو جعفر رشيد الدين محمّد علي بن شهر آشوب السروي المازندراني (م 588) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسه انتشارات علاّمه ، 1379 ق .

179 - مناهج الوصول إلى علم الاُصول ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة

الإمام الخميني قدّس سرّه .

180 - المناهل . السيّد المجاهد محمّد الطباطبائي (م 1242) ، الطبعة الحجرية ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث .

ص: 592

181 - منتهى الإرب في لغة العرب . عبدالرحيم بن عبدالكريم الصفيپور ، 4 أجزاء في مجلّدين ، طهران ، كتابخانه سنائي ، 1298 ق .

182 - منتهى المطلب في تحقيق المذهب . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، مشهد ، مجمع البحوث الإسلامية ، 1412 - 1428 ق .

183 - منتهى المقال في أحوال الرجال . أبو علي محمّد بن إسماعيل الحائري المازندراني (1159 - 1215) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 7 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1416 ق .

184 - المنجد في اللغة . لوئيس معلوف وعدّة من الأساتذة ، الطبعة الثالثة والثلاثون ، بيروت ، دار المشرق ، 1992 م .

185 - موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه . تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1434 ق / 1392 ش .

186 - الموطّأ . أبو عبداللّه مالك بن أنس بن مالك (93 - 179) ، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي ، مجلّدان ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1406 ق / 1985 م .

187 - المهذّب . أبو القاسم عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز القاضي ابن البرّاج (400 - 481) ، إعداد مؤسّسة سيّدالشهداء ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1406 ق .

188 - المهذّب البارع في شرح المختصر النافع . العلاّمة أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (757 - 841) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 - 1413 ق .

«ن»

189 - نزهة الناظر . أبو زكريّا نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن بن سعيد

ص: 593

الهذلي الحلّي (م 690) ، تحقيق السيّد أحمد الحسيني ونورالدين الواعظي ، النجف

الأشرف ، مطبعة الآداب ، 1386 ق .

190 - النوادر . السيّد فضل اللّه بن علي الحسيني الراوندي (483 - 571) ، تحقيق سعيد رضا علي عسكري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة دار الحديث ، 1377 ش .

191 - نهاية الإحكام في معرفة الأحكام . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الثانية ، مجلّدان ، قم ،

مؤسّسة إسماعيليان ، 1410 ق .

192 - نهاية الدراية في شرح الكفاية . الشيخ محمّد حسين الأصفهاني (1296 - 1361) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ق .

193 - نهاية النهاية في شرح الكفاية . الميرزا علي الإيرواني النجفي (1301 - 1354) ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1370 ش .

194 - النهاية في غريب الحديث والأثر . مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمّد بن محمّد الجزري المعروف بابن الأثير (544 - 606) ، تحقيق طاهر أحمد التراوي ومحمود محمّد الطناحي ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1364 ش .

195 - النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، قم ، انتشارات قدس محمّدي .

196 - النهاية ونكتها . الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 ق .

197 - نهج الحقّ وكشف الصدق . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق الشيخ عين اللّه الحسيني الاُرموي ، الطبعة الرابعة ، قم ، دار الهجرة ، 1414 ق .

ص: 594

«و»

198 - الوافي . محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1006 - 1091) ، إعداد ضياء الدين الحسيني ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، أصفهان ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ، 1412 ق .

199 - الوجيزة . = الحبل المتين.

200 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة . الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1033 - 1104) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 30 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1409 ق .

والطبعة الحجرية منه 3 مجلّدات ، طهران ، دار الطباعة ، 1293 ق .

201 - الوسيلة إلى نيل الفضيلة . عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة ( القرن السادس) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية

اللّه المرعشي ، 1408 ق .

«ه-»

202 - الهداية[في الاُصول والفروع] . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311 - 381) ، تحقيق مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، الطبعة

الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، 1418 ق .

ص: 595

ص: 596

7 - فهرس الموضوعات

القول في النجاسات

وفيه مقدّمة وفصلان :

المقدّمة ... 9

فيها جهات من البحث :

الاُولى : في تحديد المفهوم العرفي للنظافة والنجاسة ... 9

الثانية : في انقسام النجاسة شرعاً إلى مجعولة وغير مجعولة ... 10

الثالثة : في اختلاف ملاكات جعل النجاسة للموضوعات ... 14

الفصل الأوّل : في تعيين الأعيان النجسة

وهي عشرة أنواع على ما في جملة من الكتب :

النوع الأوّل والثاني : البول والغائط

الروايات الدالّة على نجاسة الأرواث ... 18

تنبيهات :

منها : عدم الفرق بين غير المأكول الأصلي والعرضي ... 25

ومنها : نجاسة بول وخرء الطير الذي لا يؤكل لحمه ... 28

ص: 597

نجاسة بول الخُفّاش ... 36

طهارة خرء الدجاجة ... 37

طهارة أبوال وأرواث الخيل والبغال والحمير ... 38

نجاسة بول الرضيع ... 42

ومنها : طهارة بول ورجيع ما لا نفس له ... 46

تردّد صاحب «الجواهر» في الشبهات الموضوعية في المقام ... 50

النوع الثالث : المنيّ

نجاسة منيّ الآدمي ... 53

نجاسة منيّ غير الآدمي من ذي النفس ... 59

طهارة منيّ غير ذي النفس ... 63

النوع الرابع : الميتة

نجاسة الميتة من ذي النفس ... 67

نجاسة ميتة غير الآدمي من ذي النفس ... 68

تنبيهان :

التنبيه الأوّل : في حكم جلد الميتة ... 77

التنبيه الثاني : حكم الميتة من الحيوانات البحرية غير المأكولة ... 86

نجاسة ميتة الآدمي ... 92

الروايات التي يمكن الاستدلال بها على نجاسة ميتة الآدمي ... 95

الروايات الدالّة أو المشعرة بطهارة ميتة الآدمي ... 101

التحقيق في المقام ... 105

نجاسة الآدمي بمجرّد موته ... 109

ص: 598

طهارة الميتة من غير ذي النفس ... 115

نجاسة القطعة المبانة من كلّ ما ينجس بالموت ... 121

نجاسة القطعة المبانة من الميّت ... 122

نجاسة القطعة المنفصلة من الحيّ غير الآدمي ... 124

نجاسة القطعة المنفصلة من الحيّ الآدمي ... 129

تذنيب : في طهارة الأجزاء الصغار المنفصلة من الإنسان ... 130

طهارة فأرة المسك ... 135

عدم نجاسة ما لا تحلّه الحياة من الميتة ... 143

طهارة الإنفحة من الميتة ... 149

بيان ماهية الإنفحة ... 152

بيان حكم الإنفحة ... 154

طهارة البيض المأخوذ من الميتة ... 157

طهارة اللبن في ضرع الميتة ... 159

نجاسة ما لا تحلّه الحياة من نجس العين ... 167

تنبيه استطرادي : في وجوب غسل مسّ الميّت ... 168

أدلّة وجوب الغسل ... 172

حول ما يتمسّك به لعدم وجوب الغسل ... 175

ناقضية مسّ الميّت للطهارة ... 180

بدلية التيمّم عن الغسل بالنسبة إلى الميّت في جميع الآثار ... 184

قيام الأغسال الاضطرارية للميّت مقام الغسل الاختياري ... 188

حكم من لا يجب تغسيله بعد الموت ... 190

عدم الفرق في الماسّ والممسوس بين ما تحلّه الحياة وغيره ... 192

فروع :

الفرع الأوّل : في حكم مسّ القطعة المبانة من الميّت والحيّ ... 195

ص: 599

عدم وجوب الغسل بمسّ العظم المبان من الحيّ دون الميّت ... 201

توقّف وجوب الغسل على برودة القطعة المبانة من الحيّ والميّت ... 202

الفرع الثاني : في حكم ما يوجد في المقابر ... 203

الفرع الثالث : وجوب الغسل بمسّ السقط بعد ولوج الروح فيه لا قبله ... 206

النوع الخامس : الدم

الاستدلال على أصالة النجاسة في الدم مطلقاً وما فيه ... 208

نجاسة الدم الخارج من ذي النفس ... 214

طهارة الدم المخلوق آيةً والصناعي والموجود في البيضة ... 217

نجاسة العلقة من ذي النفس لا ما في البيضة ... 218

طهارة الدم المتخلّف في الحيوان ... 219

طهارة دم ما لا نفس سائلة له ... 220

فرع : في طهارة الدم المشكوك فيه ... 222

النوع السادس والسابع : الكلب والخنزير

نجاسة الكلب ... 226

عدم الفرق في أجزاء الكلب بين ما تحلّه الحياة وغيره ... 227

حكم الرطوبات الذاتية للكلب ... 229

نجاسة كلب الصيد ... 230

نجاسة الخنزير ... 231

طهارة كلب الماء وخنزيره ... 233

حكم المتولّد من نجس العين ... 234

الاختلاف في نجاسة الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة والمسوخ ... 238

ص: 600

فيما يدلّ على طهارة جميع المذكورات ... 239

طهارة الوزغة والفأرة ... 241

طهارة الثعلب ... 243

طهارة الأرنب ... 244

فيما يستدلّ به لنجاسة المذكورات ... 244

النوع الثامن : المسكر المائع بالأصالة

الاستدلال على نجاسة الخمر بالإجماع والكتاب ... 251

الاستدلال على نجاسة الخمر بالروايات ... 252

الاستدلال على طهارة الخمر بالروايات وردّه ... 259

سريان حكم الخمر في جميع المسكرات المائعة بالأصالة ... 271

طهارة المسكر الجامد بالأصالة ... 278

نجاسة المسكر المنجمد المائع بالأصالة ... 280

تنبيه : في حكم العصير العنبي ... 281

تعي-ين المراد من «العصير» المبحوث عنه ... 283

كلام المحقّق شيخ الشريعة في المقام ونقده ... 284

الروايات الدالّة على إرادة خصوص العنبي من العصير ... 287

إرادة العصير العنبي أيضاً من «الطِلاء» و«البختج» ... 291

حول ما استدلّ به لنجاسة العصير المغليّ ... 294

حول تفصيل ابن حمزة بين ما غلى بنفسه وغيره ... 304

حول الاختلاف في غاية حرمة العصير ... 306

حول مسكرية العصير المغليّ بنفسه ... 310

إعضالات المحقّق شيخ الشريعة وحلّها ... 311

ص: 601

حول المراد بالاشتداد ... 332

في طهارة عصير الزبيب ... 334

التمسّك بالاستصحاب لإثبات النجاسة وجوابه ... 335

في الإشكالات الواردة على الاستصحاب التعليقي ... 338

في حلّية عصير الزبيب ... 344

حول التمسّك برواية زيد النرسي للحرمة ... 345

تحقيق : في حجّية أصل زيد النرسي ... 346

حول محاولة العلاّمة الطباطبائي ... 346

التحقيق في أخبار أصحاب الإجماع وهو الجواب عمّا تشبّث به أوّلاً ... 350

المراد من تصديق أصحاب الإجماع وتصحيح ما يصحّ عنهم ... 351

في وجه حجّية هذا الإجماع ... 355

دعوى اتّكال الأصحاب على إجماع الكشّي وجوابها ... 362

المراد من «الأصل» و«الكتاب» وهو الجواب عمّا تشبّث به ثانياً ... 370

تحقيق في المراد من الأصل ... 378

الجواب عمّا تشبّث به العلاّمة الطباطبائي ثالثاً ... 384

الجواب عمّا تشبّث به العلاّمة الطباطبائي رابعاً ... 384

تتمّة الكلام فيما يرد على التمسّك برواية زيد النرسي ... 385

حول التمسّك بباقي الروايات لحرمة العصير الزبيبي ... 391

حلّية العصير التمري وطهارته ... 397

النوع التاسع : الفُقّاع

عدم خمرية الفقّاع وعدم مسكريته ... 402

حلّية الفقّاع في صورة عدم غليانه ... 407

اختصاص حكم الفقّاع بالمتّخذ من الشعير دون غيره ... 409

ص: 602

النوع العاشر : الكافر

التمسّك بالإجماع والسيرة لإثبات نجاسة الكفّار ... 415

التمسّك بالكتاب لإثبات نجاسة الكفّار ... 420

التمسّك بطوائف من الروايات لإثبات نجاسة أهل الكتاب وما فيه ... 427

عدم الفرق في نجاسة الكفّار بين ما تحلّه الحياة وغيره ... 439

إلحاق المتولّد من الكافرين بالكافر ... 440

إلحاق الولد الكافر بأشرف أبويه ... 444

حكم ولد الكافر المسبيّ ... 445

حكم اللقيط ... 448

تنبيه : في تحصيل مفهوم الكفر ... 449

في حكم المخالفين ... 451

تمسّك صاحب «الحدائق» بالأخبار الدالّة على الكفر لإثبات نجاستهم ... 452

تمسّك صاحب «الحدائق» بكونهم نصّاباً لإثبات نجاستهم ... 462

تمسّك صاحب «الحدائق» بكونهم منكرين للضروري لإثبات نجاستهم ... 465

تنبيه آخر : في كفر منكر الضروري ونجاسته ... 466

حول استدلال الشيخ الأعظم على كفر منكر الضروري ... 466

عدم قيام الإجماع أو الشهرة على نجاسة منكر الضروري ... 477

في كفر النواصب والخوارج ونجاستهم ... 480

المستثنى من حكم النواصب والخوارج ... 482

حكم سائر الطوائف من المنتحلين للإسلام أو التشيّع ... 484

حكم الغلاة ... 485

حكم المجسّمة ... 486

ص: 603

حكم المجبّرة والمفوّضة ... 487

حكم المنافقين ... 488

طهارة ولد الزنا وإسلامه ... 494

تتميم : يذكر فيه بعض ما هو محلّ خلاف بين الأصحاب ... 500

منها : عرق الجنب من الحرام ... 500

ومنها : عرق الإبل الجلاّلة ... 508

حول تأي-يد صاحب الجواهر القول بالطهارة ... 510

طهارة عرق سائر الجلاّلات ... 513

الفهارس العامّة

1 - فهرس الآيات الكريمة ... 517

2 - فهرس الأحاديث الشريفة ... 523

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام ... 545

4 - فهرس الأعلام ... 549

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن ... 565

6 - فهرس مصادر التحقيق ... 571

7 - فهرس الموضوعات ... 597

ص: 604

المجلد 4

هوية الکتاب

سرشناسه:خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1279 - 1368.

عنوان و نام پديدآور:موسوعة الامام الخمیني قدس سرة الشریف :کتاب الطهارة/ تحقیق موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س).

مشخصات نشر:تهران : موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س)، 1396.

مشخصات ظاهری:4 جلد

فروست:موسوعه الامام الخمینی (س).

شابک:3300000 ریال دوره 978-964-212-368-1 : ؛ 200000 ریال: ج.1 978-964-212-358-2 : ؛ 200000 ریال: ج.2 978-964-212-359-9 : ؛ 200000 ریال: ج.3 978-964-212-360-5 : ؛ 200000 ریال: ج.4 978-964-212-361-2 : ؛ 200000 ریال: ج.5 978-964-212-362-9 : ؛ 200000 ریال: ج.6 978-964-212-363-6 : ؛ 200000 ریال: ج.7 978-964-212-364-3 : ؛ 200000 ریال: ج.8 978-964-212-365-0 : ؛ 200000 ریال: ج.9 978-964-212-366-7 : ؛ 200000 ریال: ج.10 978-964-212-367-4 :

وضعیت فهرست نویسی:فاپا(چاپ دوم)

يادداشت:ج.2 - 10 (چاپ اول: 1392)(فیپا).

يادداشت:چاپ دوم.

مندرجات:ج.1. احکام تقلید، طهارت.- ج.2. نماز (از ابتدا تا شرایط شکسته شدن نماز).- ج.3. نماز (از قواطع سفر تا انتها)، روزه، زکات.- ج.4. خمس.- ج.5. حج، امر به معروف و نهی از منکر، مکاسب محرمه.- ج.6. بیع (خرید و فروش) ....- ج.7. وقف و نظایر آن، وصیت، یمین و نذر، کفارات.- ج.8. صید و ذباحه، خوردنی ها و آشامیدنی ها ....- ج.9. نکاح (از اولیای عقد تا انتها)....- ج.10. قضا، شهادات، حدود، قصاص ... .

موضوع:فقه جعفری -- رساله عملیه -- پرسش ها و پاسخ ها

*Islamic law, Ja'fari -- Handbooks, manuals, etc. -- Questions and answers

فتوا های شیعه -- قرن 14

Fatwas, Shiites -- 20th century

شناسه افزوده:موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س)

شناسه افزوده:Institute for Compilation and Publication of Imam Khomeini's Works

رده بندی کنگره:BP183/9/خ8الف47 1396

رده بندی دیویی:297/3422

شماره کتابشناسی ملی:3421059

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربّ العالمين

وصلّى اللّه على محمّد وآله أجمعين

ولعنة اللّه على أعدائهم إلى يوم الدين

ص: 5

ص: 6

الفصل الثاني في أحكام النجاسات

اشاره

وفيه مطالب :

ص: 7

ص: 8

المطلب الأوّل: في سراية النجاسة إلى الملاقيات

اشاره

المعروف بينهم القول بسراية النجاسة ممّا هو محكوم بها شرعاً إلى ما يلاقيه وهكذا ؛ بلغ ما بلغ(1) .

فهاهنا جهات من البحث ، بعد الفراغ عن أنّ السراية من الأعيان النجسة إلى ملاقياتها ، تتوقّف على الرطوبة السارية ، كما مرّ الكلام فيه مستقصىً(2) :

الجهة الاُولى : في سراية النجاسة من الأعيان النجسة
اشارة

الكلام في سرايتها إلى الملاقيات ، مقابل من أنكر ذلك إمّا مطلقاً ، أو في الجملة ، وهو لازم كلام علم الهدى ، حيث حكي عنه في مقام الاستدلال لجواز استعمال المائعات الطاهرة غير الماء في تطهير الثوب : «بأنّ تطهيره ليس إلاّ إزالة النجاسة عنه ، وقد زالت بغير الماء مشاهدةً»(3) .

ص: 9


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 7 .
2- تقدّم في الجزء الثالث : 90 و91 و94 و108 .
3- مسائل الناصريات : 105 .

وأوضح منه ما حكي عنه من جواز تطهير الأجسام الصقيلة بالمسح بحيث تزول عنها العين ؛ معلّلاً لذلك بزوال العلّة(1) .

والظاهر منهما أنّ الأعيان النجسة ، لا تؤثّر في تنجيس ملاقياتها حكماً ، وأنّ الطهارة للأشياء ليست إلاّ زوال عين النجاسة منها ، فإذا زالت العلّة ولا يبقى أثر منها تصير طاهرة ؛ إذ ليست النجاسة إلاّ تلطّخها بأعيانها ، وهذا مساوق للقول بعدم سراية النجاسة من الأعيان إليها .

وعن المحدّث الكاشاني : «أ نّه لا يخلو من قوّة ؛ إذ غاية ما يستفاد من الشرع

وجوب اجتناب أعيان النجاسات ، وأمّا وجوب غسلها بالماء من كلّ جسم فلا ، فما علم زوال النجاسة عنه قطعاً حكم بتطهّره، إلاّ ما خرج بدليل يقتضي اشتراط الماء ، كالثوب والبدن . ومن هنا يظهر طهارة البواطن بزوال العين ، وطهارة أعضاء الحيوان النجسة - غير الآدمي - به ، كما يستفاد من الصحاح»(2) انتهى .

ولعمري ، إنّ قول السيّد أظهر في هذا المقال من قول الكاشاني ، أو مثله حيث

تبعه في ذلك ، فلا وجه للطعن عليه بتفرّده(3) .

فيما استدلّ به لعدم سراية النجاسة

ويمكن أن يستدلّ على مطلوبهما بطوائف من الأخبار :

منها : ما دلّت على أنّ اللّه جعل الأرض مسجداً وطهوراً ، وورودها في مقام

ص: 10


1- اُنظر المعتبر 1 : 450 .
2- مفاتيح الشرائع 1 : 77 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 266 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 13 .

الامتنان يؤكّد إطلاقها ، فعن «الخصال» بإسناده عن أبي اُمامة قال : قال رسول

اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «فضّلت بأربع : جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»(1) .

وفي مرسلة أبان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «إنّ اللّه تبارك وتعالى أعطى محمّداً صلی الله علیه و آله وسلم شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى . . .» إلى أن قال : «جعل له الأرض مسجداً وطهوراً . . .»(2) إلى آخره .

ودعوى عدم إطلاقها ؛ فإنّها في مقام الإخبار بالتشريع ، كأ نّها في غير محلّها ؛ فإنّ حكايته إنّما هي للعمل ، لا لنقل قضيّة كنقل التأريخ ، فلو كانت أرض خاصّة طهوراً لكان عليه البيان ، سيّما مع اقتضاء المقام التعميم ، كدعوى اختصاصها برفع الحدث ، لعدم الدليل عليه . ومجرّد اشتمال بعضها على ذكر التيمّم لا يوجب الاختصاص .

ومن هذا القبيل صحيحة جميل ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إنّ اللّه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً»(3) سيّما إذا اُريد التشبيه . ومجرّد كون صدرها في مورد التيمّم ، لا يوجب تقي-يد الكبرى الكلّية التي في مقام الامتنان المقتضي للتعميم .

وتقريب الاستدلال بهذه الطائفة للمطلوب بأن يقال : إنّ الطهارة لدى العرف

ص: 11


1- الخصال : 201 / 14 ؛ وسائل الشيعة 3 : 350 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 7 ، الحديث 3 .
2- المحاسن : 287 / 431 ؛ الكافي 2 : 17 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 349 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 7 ، الحديث 1 .
3- الفقيه 1 : 60 / 223 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 404 / 1264 ؛ وسائل الشيعة 3 : 386 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 24 ، الحديث 2 .

عبارة عن خلوّ الأشياء ونقائها عن القذارات ، والأرض - كالماء - مؤثّرة في

إزالتها وإرجاعها إلى حالها الأصلية وزوالِ العلّة ، وهي بعينها دعوى السيّد ، ولازمه عدم سراية القذارات في الأشياء ؛ إذ الأرض لا تؤثّر إلاّ في زوال الأعيان ، وهو بعينه الطهارة عرفاً وعقلاً .

وبالجملة : هذه الطائفة تدلّ على ما ذهب إليه من عدم اختصاص الطهور بالماء ، ويثبت بها لازمه ، وشاهدة أيضاً على ما لدى العقلاء في ماهية الطهارة والقذارة .

فما قد يمكن أن يقال : إنّ التعبير ب- «الطهور» دليل على أنّ الأشياء تصير قذرة محتاجة إلى المطهّر ، غاية الأمر كما يكون الماء مطهّراً تكون الأرض مطهّرة ، وهو مخالف لمذهب السيّد .

مدفوع : بأنّ العرف لا يرى الطهارة إلاّ إزالة النجاسة عن الجسم وإرجاعَه إلى

حالته الذاتية ، وطهورية الأرض - كطهورية الماء - ليست إلاّ ذلك ، وهي معلومة بالمشاهدة ، كما قال السيّد في كلامه المتقدّم .

ومنها : ما دلّت على مطهّرية غير الماء لبعض النجاسات ، كصحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : رجل وطأ على عَذِرة ، فساخت رجله فيها ، أينقض

ذلك وضوءه ، وهل يجب عليه غسلها ؟ فقال : «لا يغسلها إلاّ أن يقذِرها ، ولكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها ، ويصلّي»(1) .

ولا يخفى قوّة دلالتها على مذهب السيّد ؛ فإنّ «العَذِرة» ظاهرة - وضعاً أو

ص: 12


1- تهذيب الأحكام 1 : 275 / 809 ؛ وسائل الشيعة 3 : 458 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 7 .

انصرافاً - فيما للإنسان ، أو الأعمّ منها وممّا لغير المأكول من السباع ، كالكلب والسِنَّوْر . وحملها على عذرة مأكول اللحم خلاف الظاهر جدّاً .

كما أنّ حمل «المسح» على المسح بالأرض خلاف ظاهرها ، بل الظاهر منها أنّ كلّ ما أذهب أثرها كافٍ ، والميزان فيه ذهاب الأثر بأيّ طريق كان ، وهو عين مدّعاه ، ولازمه عدم السراية حكماً مطلقاً .

بل يمكن دعوى حكومة هذه الرواية على الروايات الواردة في غسل ملاقي القذارات(1) ؛ بدعوى أنّ قوله علیه السلام : «لا يغسلها إلاّ أن يقذِرها» دليل على أنّ الأمر بالغسل فيها ؛ لرفع القذارة العرفية بجميع مراتبها ، لا لكون الماء ذا خصوصية شرعاً ، بل المعتبر لدى الشارع ليس إلاّ ذهاب الأثر بأيّ نحو اتّفق .

وكموثّقة الحلبي أو صحيحته(2) قال : نزلنا في مكان بيننا وبين المسجد زقاق قذر ، فدخلت على أبي عبداللّه علیه السلام فقال : «أين نزلتم ؟» فقلت : في دار فلان . فقال : «إنّ بينكم وبين المسجد زُقاقاً قذراً» أو قلنا له : إنّ بيننا وبين المسجد زُقاقاً قذراً ، فقال : «لا بأس ؛ الأرض يطهّر بعضها بعضاً»(3) .

ومقتضى إطلاقها أنّ الأرض بإزالتها للعين موجبة للتطهّر من غير اختصاص بالمشي أو بالرجل وغير ذلك .

ص: 13


1- يأتي تخريجها في الصفحة 19 ، الهامش 1 .
2- رواها الكليني ، عن محمّد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان ، عن إسحاق بن عمّار ، عن محمّد الحلبي . والترديد لوقوع إسحاق بن عمّار في السند .
3- الكافي 3 : 38 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 458 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 4 .

وبما ذكرنا - من أنّ الطهارة في الأشياء عرفاً وعقلاً ، ليست إلاّ زوالَ القذارات

عنها ورجوعَها إلى حالتها الأصلية ؛ من غير حصول صفة وجودية فيها - يظهر صحّة الاستدلال بروايات تدلّ على مطهّرية الشمس أو هي والريح في بعض ما

يذهب أثره بإشراق الشمس وتبخيرها (1) .

وبما هو كالضروري ؛ من أنّ زوال عين النجاسة عن بدن الحيوان - بأيّ نحو - موجب لطهارته .

وبما دلّ على طهارة بصاق شارب الخمر(2) وما دلّ على أ نّه ليس للاستنجاء حدّ إلاّ النقاء(3) وبموثّق غياث الدالّ على جواز غسل الدم بالبصاق(4) .

وبمرسلة ابن أبي عمير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في عجين عجن وخبز ، ثمّ علم أنّ الماء كانت فيه ميتة ، قال : «لا بأس ؛ أكلت النار ما فيه»(5) .

وبما دلّ على طهارة الدَنّ الذي كان فيه الخمر ، ثمّ يجفّف ويجعل فيه الخلّ(6) . . . إلى غير ذلك ، فإنّ كلّ تلك الموارد موافق للقواعد ، وليس للشارع

ص: 14


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 451 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 29 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 473 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 39 .
3- راجع وسائل الشيعة 1 : 322 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 13 ، الحديث 1 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 425 / 1350 ؛ وسائل الشيعة 1 : 205 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 4 ، الحديث 2 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 414 / 1304 ؛ وسائل الشيعة 1 : 175 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 18 .
6- وسائل الشيعة 3 : 495 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 51 ، الحديث 2 .

إعمال تعبّد فيها بعد عدم كون الطهارة أمراً مجعولاً تعبّدياً ، بل هي بمعنى

النظافة ، وهي تحصل بإزالة القذارة بأيّ نحو كان .

ونحوها - أو أوضح منها - رواية عبد الأعلى ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الحجامة ، أفيها وضوء ؟ قال : «لا ، ولا يغسل مكانها ؛ لأنّ الحجّام مؤتمن إذا كان ينظّفه ، ولم يكن صبيّاً صغيراً»(1) .

فإنّ الظاهر منها أنّ التنظيف بأيّ نحو ، يقع مقام الغسل في تحصيل الطهارة ، وليس المراد منه الغسل بالماء جزماً :

أمّا أوّلاً : فلعدم تعارف غسل الحجّام محلّ الحجامة ، بل المتعارف تنظيفه بثوب أو خرقة ، فحملها عليه حمل على الفرد النادر ، أو غير المحقّق .

وأمّا ثانياً : فلأنّ تبديل الغسل بالتنظيف وجعله مقابلاً له - مع أنّ المناسب ذكر الغسل - دليل على مغايرتهما ، فهي دالّة على أنّ الغسل لم يؤمر به إلاّ للتنظيف ، والحجّام إذا كان ينظّفه يحصل المقصود به .

ومنه يعرف سرّ الأمر بالغسل في سائر النجاسات ؛ وهو تحصيل النظافة عرفاً .

ومن ضمّ تلك الروايات الكثيرة وغيرها ممّا لم نذكره ، يحصل الجزم - لو خلّيت الواقعة عن دليل تعبّدي - بأنّ التنظيف عند الشارع ليس إلاّ ما لدى العقلاء ، وأنّ الأمر بالغسل بالماء فيما ورد ؛ إنّما هو لسهولة تحصيل الطهور به ولوفوره ، ولكونه - مع مجّانيته - أوقع وأسهل في تحصيله .

ص: 15


1- تهذيب الأحكام 1 : 349 / 1031 ؛ وسائل الشيعة 3 : 499 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 56 ، الحديث 1 .

ومعه لا يفهم من الأدلّة الآمرة بغسل الأشياء بالماء ، خصوصية تعبّدية ، ولا يفهم العرف أنّ التطهير والتنظيف لدى الشارع ، غير ما لدى العقلاء ، وأنّ الطهارة عنده ليست عبارة عن خلوّ الشيء عن القذارة العارضة ، بل هي أمر آخر ليس للعقلاء إلى فهمه سبيل ، فإنّ كل ذلك بعيد عن الأفهام ، مخالف لتلك الروايات الكثيرة ، يحتاج إثباته إلى دليل تعبّدي رادع للعقلاء عن ارتكازهم ، ولا تصلح الروايات الآمرة بالغسل لذلك ؛ لما عرفت .

ومنها : روايات متفرّقة في الأبواب ظاهرة في عدم السراية ، كصحيحة حكم بن حكيم قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : أبول فلا اُصيب الماء . وقد أصاب يدي شيء من البول ، فأمسحه بالحائط وبالتراب ، ثمّ تعرق يدي ، فأمسح بها وجهي ، أو بعض جسدي ، أو يصيب ثوبي ، قال : «لا بأس به»(1) .

وهي أيضاً موافقة لما تقدّم .

ونحوها رواية سَماعة قال : قلت لأبي الحسن موسى علیه السلام : إنّي أبول فأتمسّح بالأحجار ، فيجيء منّي البلل ما يفسد سراويلي . قال : «ليس به بأس»(2) .

ورواية زيد الشحّام : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الثوب يكون فيه الجنابة ، فتصيبني السماء حتّى يبتلّ عليّ ، فقال : «لا بأس به»(3) .

ص: 16


1- الكافي 3 : 55 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 401 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 6 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 51 / 150 ؛ وسائل الشيعة 1 : 283 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 13 ، الحديث 4 .
3- الفقيه 1 : 40 / 153 ؛ وسائل الشيعة 3 : 425 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 16 ، الحديث 7 .

وحملها على تطهّر الثوب بالمطر(1) كما ترى .

ورواية علي بن جعفر ، عن أخيه علیه السلام قال : سألته عن الكنيف يصبّ فيه الماء ، فينضح على الثياب ، ما حاله ؟ قال : «إذا كان جافّاً فلا بأس»(2) .

وصحيحة أبي اُسامة قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : تصيبني السماء وعليّ ثوب ، فتبلّه وأنا جنب ، فيصيب بعض ما أصاب جسدي من المنيّ ، أفأُصلّي فيه ؟ قال : «نعم»(3) .

بناءً على أنّ المراد إصابة الثوب لنفس المنيّ الذي في الجسد ، لا للجسد الملاقي له .

ورواية علي بن أبي حمزة قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام -

وأنا حاضر - عن رجل أجنب في ثوبه فيعرق فيه ، فقال : «ما أرى به بأساً» .

فقال : إنّه يعرق حتّى لو شاء أن يعصره عصره ، قال : فقطب أبو عبداللّه علیه السلام

في وجه الرجل ، فقال : «إن أبيتم فشيء من ماء فانضحه»(4) .

والظاهر أنّ السؤال عن الثوب الذي فيه أثر الجنابة إذا عرق فيه ، ومعلوم أنّ العرق بالوجه المسؤول عنه يوجب ملاقاة البدن للأثر . والحمل على

ص: 17


1- وسائل الشيعة 3 : 425 ، ذيل الحديث 7 .
2- قرب الإسناد : 281 / 1113 ؛ وسائل الشيعة 3 : 501 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 60 ، الحديث 2 .
3- الكافي 3 : 52 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 445 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 3 .
4- الكافي 3 : 52 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 268 / 787 ؛ وسائل الشيعة 3 : 445 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 4 .

السؤال عن عرق الجنب كما ترى .

وموثّقة أبي اُسامة قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الثوب الذي فيه الجنابة ، فتصيبني السماء حتّى يبتلّ عليّ ، قال : «لا بأس»(1) .

وتوجيهها بأنّ المطر طهّره(2) بعيد ؛ فإنّ إزالة المنيّ تحتاج إلى الدلك

ونحوه .

وأوضح منها صحيحة زرارة قال : سألته عن الرجل يجنب في ثوبه ، أيتجفّف فيه من غسله ؟ قال : «نعم ، لا بأس به ، إلاّ أن تكون النطفة فيه رطبة ، فإن كانت جافّة فلا بأس»(3) .

والظاهر أنّ التفصيل بين الرطبة وغيرها ؛ لكون التجفيف بالرطبة موجباً لتلوّث البدن بها ، دون اليابسة التي لا يوجب ذلك معها إلاّ الملاقاة له بلا تلوّث بالنطفة .

إلى غير ذلك ممّا يعثر عليه المت-تبّع(4) .

وليس في مقابلها غير الروايات المستفيضة - بل المتواترة - الآمرة بالغسل

ص: 18


1- الكافي 3 : 53 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 446 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 6 .
2- وسائل الشيعة 3 : 445 و446 ، ذيل الحديث3 و6 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1332 ؛ وسائل الشيعة 3 : 446 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 7 .
4- راجع وسائل الشيعة 1 : 284 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 13 ، الحديث 7 ، و : 320 ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 11 ، الحديث 2 ، و3 : 401 ، أبواب النجاسات ، الباب 6 ، الحديث 2 .

بالماء أو بالغسل(1) المنصرف إلى كونه بالماء في أنواع النجاسات ، وهي لا تصلح لمعارضتها :

أمّا أوّلاً : فلأنّ المفهوم منها - بعد ما تقدّم من أنّ الطهارة ليست لدى العقلاء إلاّ إزالة النجاسة(2) - أنّ الأمر بالغسل بالماء ليس إلاّ للتطهير والتنظيف من غير خصوصية للماء ، وإنّما خصّ بالذكر لسهولته وكثرته وأوقعيته للتطهير غالباً .

وأمّا ثانياً : فلعدم المفهوم لتلك الروايات ، فلا تنافي بينها وبين ما تقدّم من جواز التنظيف بغيره ، كالأرض والتراب والبصاق ونحوها . بل لبعض الأخبار المتقدّمة نحو حكومة عليها ، كما تقدّم(3) .

نعم ، ما دلّ على أنّ الاستنجاء في محلّ البول لا بدّ له من الماء ، ولا

يجوز بغيره(4) مخصوص بمورده ، ولا يتعدّى منه إلى البول في سائر الموارد ، فضلاً عن غيره . مع احتمال أن يكون اللابدّية إضافية في مقابل التحجّر ، لا سائر المائعات .

وغير ما دلّ على تغسيل ملاقي مثل الكلب والخنزير والكافر(5) ممّا

ص: 19


1- راجع وسائل الشيعة 1 : 315 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 9 ، 26 ، 28 ، 29 ، 31 ، 34 ، و3 : 395 ، أبواب النجاسات ، الباب1 ، 2 ، 4 ، 5 ، 7 ، 8 ، 12 ، 13 ، 14 ، 16 ، 19 ، 21 ، 24 ، 34 ، 38 ، 40 ، 51 ، 53 و68 .
2- تقدّم في الصفحة 11 - 12 .
3- تقدّم في الصفحة 13 .
4- راجع وسائل الشيعة 1 : 315 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 9 ، الحديث 1 و6 .
5- راجع وسائل الشيعة 3 : 414 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، 13 ، 14 و26 .

لا يتلوّث الملاقي به ، وهو دليل على عدم كون النجاسة والطهارة لدى الشارع ما لدى العرف ، ولهذا حكم بنجاسة اُمور لا يستقذرها العرف ، وعدمِ نجاسة اُمور يستقذرها .

ويمكن أن يجاب عنه : بأنّ النجاسات الإلحاقية - كالكافر والكلب وغيرها ممّا لا يستقذرها العقلاء بما هم كذلك - ليست نجاستها لكشف قذارة واقعية في ظاهر أجسامها من سنخ القذارات الصورية ؛ لعدم قذارة كذائية فيها ، بل الظاهر أنّ انسلاكها في سلك القذارات بجهات وعلل اُخرى سياسية أو غيرها ، وليس الحكم بغسل ملاقياتها للسراية كما في سائر النجاسات المستقذرة ، بل لاُمور اُخر وعلل شتّى غير السراية ، كتجنّب المسلمين عن الكفّار ، وعدم اختلاطهم بهم ، وكدفع مضرّات لم نطّلع عليها .

فإذا لم يكن الأمر بالغسل للسراية ، لم تكن تلك الروايات شاهدة على أنّ سائر النجاسات كذلك ؛ وأنّ الطهارة والنجاسة مطلقاً في عرف الشرع ونظر الشارع المقدّس ، غير ما عند العقلاء .

وبعبارة اُخرى : مجرّد إلحاق أشياء بها وإخراج أشياء منها ، لا يدلّ على مخالفة نظره مع العرف في أصل ماهية النجس والطاهر .

وغير الأدلّة الدالّة على انفعال الماء القليل وسائر المائعات(1) وهي تبلغ في الكثرة حدّ التواتر .

ص: 20


1- راجع وسائل الشيعة 1 : 150 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب8 ، و : 205 ، أبواب الماء المضاف ، الباب 5 .

وفيه : أنّ تلك مسألة برأسها لا تكون أوضح من هذه المسألة ، ولا ملازمة بينهما كما لا يخفى . هذا غاية ما يمكن لنا ذكره في هذا المختصر لتأييد مذهبهما .

التحقيق في المقام

لكن الإنصاف : عدم خلوّ كثير من تلك الأخبار من المناقشة إمّا في السند ، أو في الدلالة ، أو الجهة ، لو حاولنا ذكرها تفصيلاً لطال بنا البحث .

كما أنّ الإنصاف خلوّ بعضها منها ، لكن مع ذلك كلّه لا يمكن الاتّكال في تلك

المسألة - التي عدّت من الضروريات - على تلك الأخبار المعرض عنها أو عن إطلاقها خلفاً عن سلف ، وقد مرّ منّا مراراً : أنّ دليل حجّية أخبار الثقة ليس إلاّ

بناء العقلاء مع إمضاء الشارع(1) ، ومعلوم أنّ العقلاء لا يتّكلون على أخبار أعرض عنها نقلتها وغيرهم ، بل ادّعى جمع من الأعاظم الإجماع على تنجيس المتنجّس ، فضلاً عن النجس(2) .

فهذه المسألة من المسائل التي يقال فيها : «إنّه كلّما ازدادت الأخبار فيها كثرة وصحّةً ، ازدادت وهناً وضعفاً» .

هذا مع تظافر الأخبار على سراية النجاسة من المتنجّس كما تأتي ، فضلاً عن النجس .

ص: 21


1- تقدّم في الجزء الثالث : 19 و262 و417 .
2- اُنظر مستمسك العروة الوثقى 1 : 479 ؛ مستند الشيعة 1 : 241 ؛ جواهر الكلام 2 : 15 .
الجهة الثانية : في أصل سراية النجاسة من المتنجّس

بعد الفراغ عن السراية من الأعيان النجسة ، يقع الكلام في السراية من المتنجّس إلى ملاقيه ، إمّا في الجملة ، أو مطلقاً ولو بلغ ما بلغ ، وهي الجهة الثالثة .

وقد نسب الخلاف في أصل السراية إلى ابن إدريس(1) ، واختاره صريحاً المحدّث الكاشاني(2) ، لكن لم يظهر من الحلّي الإنكار مطلقاً - أي في مطلق المتنجّسات - لاحتمال اختصاص كلامه بميّت الإنسان ؛ وإن كان ظاهر تعليله العموم ، لكن يظهر منه في بعض الموارد عدم العموم(3) ، ولهذا عدّ ذلك من متفرّدات الكاشاني(4) . نعم لازم كلام السيّد(5) ذلك أيضاً ، كما لا يخفى .

قال الكاشاني في محكيّ «المفاتيح» : «إنّما يجب غسل ما لاقى عين النجاسة ، وأمّا ما لاقى الملاقي لها بعد ما اُزيل عنه بالتمسّح ونحوه - بحيث لا يبقى فيه شيء منها - فلا يجب غسله ، كما يستفاد من المعتبرة . على أ نّا لا نحتاج إلى دليل على ذلك . . .»(6) إلى آخره .

أقول : أمّا ما ادّعى من عدم الدليل ، ففيه : أنّ الأدلّة المتفرّقة في الأبواب بلغت حدّ التواتر أو قريباً منه ؛ إن أراد عدم الدليل حتّى بالنسبة إلى المائعات ، كما هو

ص: 22


1- اُنظر جواهر الكلام 5 : 307 ؛ السرائر 1 : 163 .
2- مفاتيح الشرائع 1 : 75 .
3- راجع السرائر 1 : 180 .
4- الحدائق الناضرة 5 : 244 و266 ؛ جواهر الكلام 2 : 15 .
5- تقدّم في الصفحة 9 .
6- مفاتيح الشرائع 1 : 75 .

مقتضى إطلاقه ، وإلاّ فهي أيضاً كثيرة ، نذكر جملة منها مع الإشارة إلى مقدار

دلالتها بالنسبة إلى الوسائط ؛ حتّى يظهر حال الملاقيات مع الوسائط .

منها : صحيحة الفضل أبي العبّاس قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن فضل الهرّة - إلى أن قال - : حتّى انتهيت إلى الكلب ، فقال : «رجس نجس ، لا يتوضّأ بفضله ، واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب أوّل مرّة ، ثمّ بالماء»(1) .

والظاهر منها أنّ الماء الملاقي للكلب صار نجساً ، والإناء الملاقي للماء كذلك ، وأمر بغسله لسراية النجاسة منه إلى ما يلاقيه بعد ذلك .

ودعوى : أنّ غاية ما يمكن استفادته منها ومن مثلها - بعد البناء على ظهورها

في الوجوب الغيري ، كما هو المتعيّن - إنّما هو حرمة استعمالها حال كونها متنجّسة في المأكول والمشروب ، المطلوب فيهما النظافة والطهارة في الجملة ولو بالنسبة إلى المائعات التي يتنفّر الطبع من شربها في إناء يستقذره ، وأمّا تأثيرها في نجاسة ما فيها فلا(2) .

مدفوعة : بأنّ العرف لا يشكّ في أنّ الأمر بغسل الإناء - سيّما مع تفرّعه

على قوله علیه السلام : «رجس نجس» - ليس إلاّ لتأثير الإناء في المائع المصبوب فيه ، ولا يشكّ في الفرق بين الأمر بغسل خارج الإناء الذي لا يلاقي المائع ، وداخله الملاقي .

وهل يكون استقذار العقلاء من المائعات المصبوبة في الإناء غير النظيف

ص: 23


1- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 646 ؛ وسائل الشيعة 1 : 226 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 1 ، الحديث 4 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 17 .

دون الجامدات ؛ إلاّ لتأثّر الاُولى منه دون الثانية ؟ !

فالاعتراف بتنفّر الطباع من الشرب في إناء مستقذر دون أكل الجوامد ، اعتراف بالسراية عرفاً .

وبالجملة : يظهر من هذه الرواية تنجّس الملاقي للنجس وملاقيه وملاقي ملاقيه ، ومن تعليله أنّ ذلك حكم النجس من غير اختصاص بالكلب . واختصاصُ كيفية الغسل به بدليل آخر ، لا يوجب اختصاص سائر الأحكام به .

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألته عن الكلب يشرب من الإناء ، قال : «اغسل الإناء»(1) .

ونحوها ما دلّ على غسل الإناء من شرب الخنزير ، كصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه علیه السلام (2) .

ومنها : حسنة(3) المعلّى بن خُنيس قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء، أمرّ عليه حافياً؟ فقال: «أ ليس

ص: 24


1- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 644 ؛ وسائل الشيعة 1 : 225 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 1 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 261 / 760 ؛ وسائل الشيعة 1 : 225 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 1 ، الحديث 2 .
3- رواها الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن درّاج ، عن المعلّى بن خنيس . والرواية حسنة بالمعلّى بن خنيس، فإنّه قد اختلفت الأنظار والأخبار الواردة في شأنه . راجع اختيار معرفة الرج-ال : 376 / 707 ؛ رجال النجاشي : 417 / 1114 ؛ تنقيح المقال 3 : 230 / السطر 3 (أبواب الميم) .

وراءه شيء جافّ؟» قلت: بلى، قال: «فلا بأس؛ إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً»(1).

وهي كالصريح في نجاسة الرجل الملاقية لملاقي النجس .

ومنها : ما دلّت على وجوب غسل آنية اليهود(2) وآنية يشرب فيها الخمر(3) وغسل أواني الخمر(4) وغسل ما فيه الجُرَذ ميتاً (5) وغسل الفراش والبساط وما فيه الحشو(6) وغسل لحم القدر الذي قطرت فيه قطرة من الخمر(7) وغسل الثوب الذي لاقى الطين الذي نجّسه شيء بعد المطر(8) وغسل الفخذ الملاقي للذكر بعد مسحه بالحجر(9) .

ص: 25


1- الكافي 3 : 39 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 458 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 3 .
2- المحاسن : 584 / 72 ؛ وسائل الشيعة 24 : 212 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 54 ، الحديث 7 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 494 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 51 .
4- راجع وسائل الشيعة 25 : 368 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 30 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 284 / 832 ؛ وسائل الشيعة 3 : 496 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 53 ، الحديث 1 .
6- راجع وسائل الشيعة 3 : 400 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 5 .
7- الكافي 6 : 422 / 1 ؛ وسائل الشيعة 25 : 358 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 26 ، الحديث 1 .
8- الكافي 3 : 13 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 522 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 75 ، الحديث 1 .
9- تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1333 ؛ وسائل الشيعة 3 : 441 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 26 ، الحديث 1 .

وما دلّ على عدم جواز الصلاة على البواري التي يبلّ قصبها بماء قذر قبل الجفاف(1) .

ومنها : موثّقة الساباطي الآمرة بغسل كلّ ما أصابه ماءٌ مات فيه الفأرة(2) .

ورواية العِيص الآمرة بغسل الثوب الذي أصابه قطرة من طَسْت فيه وَضوء من بول أو قذر(3) .

وصحيحة معاوية بن عمّار الآمرة بغسل الثوب الملاقي للبئر النتن(4) .

وما دلّت على انفعال الماء القليل ببعض المتنجّسات(5) . . . إلى غير ذلك .

الجهة الثالثة : في تنجّس الوسائط الكثيرة
اشارة

نعم ، لا يظهر من تلك الروايات - على كثرتها - إلاّ التنجيس بواسطة أو واسطتين ، فلا بدّ من التماس دليل على تنجّس الوسائط الكثيرة ، سيّما إذا كانت الكثرة معتدّاً بها. والتشبّث بإلغاء الخصوصية من واسطة أو واسطتين إلى الوسائط

ص: 26


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 453 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 30 ، الحديث 2 و5 .
2- الفقيه 1 : 14 / 26 ؛ وسائل الشيعة 1 : 142 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 4 ، الحديث 1 .
3- ذكرى الشيعة 1 : 84 ؛ وسائل الشيعة 1 : 215 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 9 ، الحديث 14 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 232 / 670 ؛ وسائل الشيعة 1 : 173 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 10 .
5- راجع وسائل الشيعة 1 : 150 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 8 .

- سيّما الكثيرة - في غير محلّه بعد وضوح الفرق بين الكثرة والقلّة في الوسائط .

وغاية ما يمكن الاستدلال على تنجّسها بالغة ما بلغت أن يقال : إنّ الظاهر من كثير من الروايات أنّ ملاقي النجس يصير نجساً ، وبالملاقاة ينسلك الملاقي - بالكسر - تحت عنوان «النجس» كقوله علیه السلام في المستفيضة : «إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء»(1) فإنّه بمفهومه يدلّ على أنّ ملاقاة الماء للنجس ، موجبة لصيرورته نجساً .

وقو لِه علیه السلام : «خلق اللّه الماء طهوراً لا ينجّسه شيء إلاّ ما غيّر لونه . . .»(2) إلى آخره .

وكقوله علیه السلام في الثوب الذي يستعيره الذمّي : «أعرته إيّاه وهو طاهر ، ولم تستيقن أ نّه نجّسه ، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أ نّه نجّسه»(3) .

وقو لِه علیه السلام في النبيذ : «ما يبلّ الميل ينجّس حبّاً من ماء»(4) . . . إلى غير ذلك .

فإذا ضمّ ذلك إلى التعليل في بعض الروايات المتقدّمة(5) لغسل الملاقي بكونه

ص: 27


1- راجع وسائل الشيعة 1 : 158 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 ، الحديث 1 و2 و5 و6 .
2- المعتبر 1 : 40 ؛ وسائل الشيعة 1 : 135 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 1 ، الحديث 9 .
3- تهذيب الأحكام 2 : 361 / 1495 ؛ وسائل الشيعة 3 : 521 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 74 ، الحديث 1 .
4- الكافي 6 : 413 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 6 .
5- تقدّم في الصفحة 23 .

نجساً ، وضمّ إليه ارتكاز العرف على أنّ الأمر بغسل الملاقي للسراية ، ينتج

المطلوب ؛ بأن يقال : لو فرضت سلسلة مترتّبة من الملاقيات رأسها عين النجس ، فالملاقي الأوّل محكوم بأ نّه نجس ؛ لأنّ العين نجّسته بارتكاز العرف ودلالة الروايات ، وبمقتضى التعليل بأنّ النجس يغسل ملاقيه ، وبضميمة الارتكازِ بأنّ لزوم الغسل ليس لتعبّد محض ، بل للسراية وصيرورة الملاقي نجساً والتأييدِ بالروايات الحاكمة بصيرورته نجساً ، يحكم بنجاسة ملاقي الملاقي .

وهكذا في جميع السلسلة يحكم بلزوم غسل ملاقي كلّ نجس ، وبالارتكاز والروايات المتقدّمة يحكم بصيرورة الملاقي نجساً .

وبعبارة اُخرى : يستفاد من التعليل والارتكاز وضميمة الروايات قاعدة كلّية هي «أنّ كلّ نجس منجّس» أي موجب لتحقّق مصداق آخر للنجس ، وهو أيضاً منجّس ، وهلمّ جرّاً .

لكنّ الإنصاف : عدم خلوّه عن إشكال بل منع ، بعد ما علمنا اختصاص الحكم المذكور في الرواية - المشتملة على العلّة - بولوغ الكلب ، وعدم الإسراء إلى سائر ملاقياتها ، فضلاً عن سائر النجاسات . ودعوى أنّ ورود التقييد أو التخصيص في حكم لا يوجب رفع اليد عن عموم العلّة ، غير وجيهة ؛ فإنّه مع اختصاص هذا الحكم الظاهر به ، لا يبقى وثوق بعموم التعليل ، ولا ظهور له .

مضافاً إلى الإشكال في كون قوله علیه السلام : «رجس نجس» تعليلاً يمكن الاتّكال عليه لإسراء الحكم ، نعم فيه إشعار بأنّ التغليظ في نجاسة الكلب ربّما يوجب اختصاص الأحكام به ، أو بما هو من قبيله ، ولا دليل على كون سائر النجاسات

ص: 28

مغلّظة نحوها ، فضلاً عن ملاقياتها ولو مع الوسائط المعلوم عدم غلظتها كذلك .

مضافاً إلى أنّ التعليل الآخر في صحيحة اُخرى لأبي العبّاس ، يورث وهناً فيه ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ، وإن أصابه جافّاً فاصبب عليه الماء» .

قلت : و لِمَ صار بهذه المنزلة ؟ قال : «لأنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم أمر بقتلها»(1) .

هذا مع أنّ ما دلّت من الروايات على صيرورة الملاقي نجساً ، إنّما هو في ملاقي أعيان النجاسات ، لا ملاقي ملاقيها . . . وهكذا . والتشبّث بارتكاز العرف في الوسائط الكثيرة محلّ إشكال ومنع ، فاستفادة نجاستها ممّا تقدّم مشكلة بل ممنوعة .

بيان حال الإجماعات المنقولة في المقام

بقي الكلام في حال الإجماعات المنقولة ، فليعلم : أنّ هذه المسألة بهذا الوجه لم تكن معنونة في كتب القدماء من أصحابنا ؛ على ما ت-تبّعت الكتب الموجودة عندي ، ولم أرَ النقل عنهم فيما هو معدّ لنقل الأقوال .

نعم ، عنون الشيخ في «الخلاف» مسألتين :

إحداهما : مسألة (136) : «إذا ولغ الكلب في الإناء نجس الماء الذي فيه ، فإن وقع ذلك الماء على بدن الإنسان أو ثوبه وجب عليه غسله - إلى أن قال - : دليلنا : أنّ وجوب غسله معلوم بالاتّفاق ؛ لنجاسة الماء» .

ص: 29


1- تهذيب الأحكام 1 : 261 / 759 ؛ وسائل الشيعة 3 : 414 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 1 .

ثانيتهما : مسألة (137) : «إذا أصاب الماء الذي يغسل به الإناء من ولوغ الكلب ثوبَ الإنسان أو جسدَه ، لا يجب غسله ؛ سواء كان من الدفعة الاُولى ، أو الثانية ، أو الثالثة» .

ثمّ قال : «دليلنا : أنّ الحكم بنجاسة ذلك يحتاج إلى دليل ، وليس في الشرع ما

يدلّ عليه» ثمّ تمسّك بالدليل العقلي المعروف في الغُسالة(1) .

أقول : لم يتّضح من قوله في المسألة الاُولى إلاّ دعوى الاتّفاق على وجوب غسله ، وأمّا التعليل بنجاسة الماء فليس من معقد الاتّفاق ؛ حتّى يتوهّم الإجماع على أنّ كلّ نجس يجب غسل ملاقيه ، ويضمّ إليه ارتكازية السراية بالتقريب المتقدّم(2) .

بل الظاهر من المسألة الثانية : أنّ مسألة تنجيس ملاقي ملاقيه ليست ثابتةً بإجماع أو غيره ، وهي وإن كانت في الغُسالة التي وقعت محلّ البحث ، لكن تعليله بعدم الدليل دليلٌ على عدم قيام الإجماع على الكلّية .

مع أنّ الدليل العقلي في الغُسالة - على فرض صحّته - إنّما يجري في الغسلة

الأخيرة لا مطلقاً ، وقد صرّح بعدم الفرق بين الغسلات ، ومن هنا يظهر أنّ استدلاله بالدليل العقلي لبعض المقصود ؛ وهو الغسلة الأخيرة .

وممّا يدلّ على عدم إجماعية المسألة وعدم وضوحها في تلك الأعصار ، قوله في كتاب الصلاة في مسألة (222) :

ص: 30


1- الخلاف 1 : 181 .
2- تقدّم في الصفحة 28 .

«الجسم الصقيل مثل السيف والمرآة والقوارير إذا أصابته نجاسة ، فالظاهر أ نّه لا يطهر إلاّ بأن يغسل بالماء ، وبه قال الشافعي .

وفي أصحابنا من قال : «يطهر بأن يمسح ذلك منه ، أو يغسل بالماء» اختاره المرتضى ، ولست أعرف به أثراً وبه قال أبو حنيفة .

دليلنا : أ نّا قد علمنا حصول النجاسة في هذا الجسم ، والحكم بزوالها يحتاج

إلى شرع ، وليس في الشرع ما يدلّ على زوال هذا الحكم ممّا قالوه» ثمّ تمسّك بدليل الاحتياط(1) انتهى .

وقد تقدّم أنّ لازم كلام السيّد - بل صريح ما نقل عنه في دليل مذهبه - أنّ

ملاقي النجس ليس بنجس(2) ، فضلاً عن ملاقي المتنجّس ، ومع ذلك قد ترى أنّ

ظاهر كلام الشيخ وجود القائل غير السيّد فيها ، وعدم إجماع أو دليل آخر على خلافه ، وإلاّ لتمسّك به ، ولم يقل : «والظاهر كذا» ممّا يظهر منه عدم الجزم بالمسألة ، ولم يتمسّك بالأصل والاحتياط ، ولم يقل : «لست أعرف به أثراً» فيظهر منه أنّ المسألة - حتّى في ملاقي عين النجس - لم تكن إجماعية في عصره ، فضلاً عن ضروريتها ، فضلاً عن إجماعية نجاسة الملاقي مع الوسائط بالغة ما بلغت ، أو ضروريتها .

وظاهر ابن إدريس أنّ ملاقي ملاقي النجس لا يحكم بنجاسته ؛ لعدم الدليل عليها (3) ، ولو كانت المسألة إجماعية لما قال ذلك .

ص: 31


1- الخلاف 1 : 479 .
2- تقدّم في الصفحة 9 .
3- السرائر 1 : 163 .

نعم ، قد يقال : إنّ كلامه مختصّ بالميّت مع الملاقاة بيبوسة(1) . لكنّ الظاهر من كلامه ع-دم الاختصاص باليابس ، بل يظهر منه أنّ النجاسات الحكمية مطلقاً ، لا تؤثّر في تنجيس الملاقي . ولا يبعد - بقرينة المقام - أن يكون مراده من «الحكميات» من قبيل الملاقي الذي لا أثر فيه من الملاقاة، مقابل الأعيان النجسة.

كما أنّ استدلال المحقّق في «المعتبر» في ردّ الحلّي بقوله : «لمّا اجتمع الأصحاب على نجاسة اليد الملاقية للميّت ، وأجمعوا على نجاسة المائع إذا وقعت فيه نجاسة ، لزم من مجموع القولين نجاسة ذلك المائع»(2) انتهى ، دليل على عدم إجماعية نجاسة الملاقيات ولو بلا واسطة ، وإلاّ لتمسّك به من غير احتياج إلى التمسّك بالإجماعين على نحو لا يخلو من إشكال ومصادرة .

وأمّا دعاوى متأخّري المتأخّرين الإجماع أو الضرورة :

فجملة منها في مقابل المحدّث الكاشاني ، كالاُستاذ الأكبر والمحقّق القمّي والنراقي وصاحب «الجواهر» والشيخ الأعظم(3) وغيرهم(4) .

والبعض منها الظاهر أو المصرّح بعدم الخلاف في الوسائط وهلمّ جرّاً - كالطباطبائي صاحب «البرهان»(5) - لا وثوق بها ؛ بعد ما عرفت من عدم كون

ص: 32


1- مفتاح الكرامة 2 : 180 ، و4 : 324 .
2- المعتبر 1 : 350 .
3- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 184 ؛ غنائم الأيّام 1 : 452 ؛ مستند الشيعة 1 : 241 ؛ جواهر الكلام 1 : 134 ، و2 : 15 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 1 : 300 .
4- اُنظر مستمسك العروة الوثقى 1 : 479 .
5- البرهان القاطع 1 : 429 / السطر 2 .

المسألة معنونة في كتب القدماء ، ومن غير ذلك ممّا تقدّم ذكره .

ومن جملة ثالثة لم يظهر دعوى الإجماع على الوسائط كذلك ، كالشهيد في «الروض» بناءً على استفادة الإجماع منه لأجل استثناء ابن إدريس فقط ، قال في حكم مسّ الميّت : «فإن كان مع الرطوبة فهي عينية محضة ، فلو لمس اللامس له برطوبةٍ آخر برطوبةٍ نجس أيضاً ، وهلمّ جرّاً ، وخلاف ابن إدريس في ذلك ضعيف»(1) انتهى .

فإنّه - بعد تسليم الاستفادة - لا يظهر منه إلاّ الإجماع في مقابل ابن إدريس

القائل بعدم تنجيس المتنجّس مطلقاً . مع أنّ في الاستفادة أيضاً إشكالاً .

نعم ، لا يبعد ظهور كلام صاحب «المعالم» في الوسائط - قال فيما حكي عنه : «إنّ كلّ ما حكم بنجاسته شرعاً ، فهو يؤثّر التنجيس في غيره أيضاً مع الرطوبة عند جمهور الأصحاب ، لا نعرف فيه الخلاف إلاّ من العلاّمة وابن إدريس»(2) - بأن يقال : إنّ التأثير في التنجيس ، عبارة اُخرى عن صيرورة الملاقي محكوماً بنجاسته شرعاً ، فلا بدّ من تأثيره ، وهلمّ جرّاً .

وفيه : - مضافاً إلى إمكان أن يكون الكلام في مقابل ابن إدريس والعلاّمة ،

فمن البعيد استفادة الوسائط الكثيرة منه - أنّ دعوى عدم معرفة الخلاف غير دعوى عدم الخلاف أو الإجماع .

هذا مع ما تقدّم من عدم كون المسألة إجماعية في الطبقة الاُولى ، وعدم تعرّض تلك الطبقة - بل الطبقة الثانية أيضاً - للمسألة .

ص: 33


1- روض الجنان 1 : 313 .
2- معالم الدين (قسم الفقه) 2 : 572 .
الشواهد الداخلية والخارجية في المقام

ثمّ إنّ هاهنا شواهد داخلية وخارجية على عدم تنجّس الملاقيات مع الوسائط المتعدّدة :

أمّا الاُولى : فيمكن الاستشهاد عليه بروايات :

منها : موثّقة عمّار الساباطي : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل يجد في إنائه فأرة ، وقد توضّأ من ذلك الإناء مراراً ، أو اغتسل منه ، أو غسل ثيابه ، وقد كانت الفأرة متسلّخة ، فقال : «إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضّأ أو يغسل ثيابه ، ثمّ فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء ، فعليه أن يغسل ثيابه ، ويغسل كلّ ما أصابه ذلك الماء ، ويعيد الوضوء والصلاة . . .»(1) إلى آخره .

فإنّ الظاهر أنّ الإناء المسؤول عنه ، هو مثل الحبّ الذي كان متعارفاً في تلك الأمكنة أن يصبّ فيه الماء لرفع الحوائج ؛ من الوضوء والغسل وغسل الثياب وغيرها ، وقد اتّفق رؤية الفأرة المتسلّخة فيه ، ومن الواضح أ نّه لو تنجّس يوماً يوجب ذلك نجاسة كثير ممّا في الأيدي ؛ لو قلنا بسراية النجاسة من الملاقيات هلمّ جرّاً ، فضلاً عن تنجّسه أيّاماً ، كما هو مقتضى ظاهر الرواية أو إطلاقها .

وبالجملة : لا شبهة في ابتلاء صاحب الحبّ بملاقيات الماء ، وملاقيات ملاقياته . . . وهكذا بعد مضيّ أيّام ، فلو صار الملاقاة مطلقاً موجبةً للنجاسة ، كان

على الإمام علیه السلام الأمر بغسل ملاقي ملاقي الماء . . . وهكذا ، فسكوتُه عنها مع العلم

ص: 34


1- الفقيه 1 : 14 / 26 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 418 / 1322 ؛ وسائل الشيعة 1 : 142 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 4 ، الحديث 1 .

عادة بالابتلاء ، وتخصيصُ التطهير بملاقي ذلك الماء المشعر بعدم لزوم تطهير

غيره - لو لم نقل بدلالة نحو التعبير عليه - دليلٌ على عدم السراية مع الوسائط ؛ فإنّ الماء تنجّس بالفأرة ، وملاقي الماء تنجّس به ، والأمرُ بغسل ملاقيه مطلقاً - الذي منه الأواني والظروف - دليلٌ على تنجّس ملاقي ذلك الملاقي .

وأمّا الملاقي لذلك الملاقي الأخير فلا يؤثّر ذلك في نجاسته ، وإلاّ لأمر بغسلها مع الجزم بالابتلاء عادة ، بل كان عليه البيان بعد السؤال عن تكليف الرجل الذي ابتلى بذلك ، مع احتمال ابتلائه بملاقي الملاقي للماء ، فضلاً عن الجزم به ، فعدم البيان دليل على عدم التنجيس ، فضلاً عن الإشعار المذكور الموجب للإغراء ، والعياذ باللّه .

ومنها : رواية بكّار بن أبي بكر قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الرجل يضع الكوز الذي يغرف به من الحبّ في مكان قذر ، ثمّ يدخله الحبّ ، قال : «يصبّ من الماء ثلاثة أكفّ ، ثمّ يدلك الكوز»(1) .

بناءً على أنّ المراد ب- «المكان القذر» المتنجّس ، لا المكان الذي فيه عين النجس ، كما لا يبعد أن يكون منصرفاً إليه ، وإلاّ لخرجت عن الاستشهاد بها للمقام ، وتنسلك في الأدلّة الدالّة على كلام المحدّث الكاشاني .

وهنا احتمال آخر في الرواية : هو أنّ المراد من قوله : «ثمّ يدخله» إرادة إدخاله فيه ، وقوله علیه السلام : «يصبّ . . .» إلى آخره ، بيان تطهير الكوز(2) ، لكنّه بعيد .

ص: 35


1- الكافي 3 : 12 / 6 ؛ وسائل الشيعة 1 : 164 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 ، الحديث 17 .
2- راجع وسائل الشيعة 1 : 164 ، ذيل الحديث 17 .

ومنها : الروايات التي تعرّضت لإكفاء الماء وإراقته ، مع السكوت عن حكم الإناء ، مع اقتضاء المقام بيانه لو تنجّس ، كصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الرجل يدخل يده في الإناء وهي قذرة ، قال :

«يكفئ الإناء»(1) وصحيحة أبي بصير(2) وغيرهما (3) .

ونظيرها موثّقة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه علیهما السلام : «إنّ علياً علیه السلام سئل

عن قدر طبخت ، وإذا في القدر فأرة ، قال : يهراق مرقها ، ويغسل اللحم ويؤكل»(4) .

وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت ، فإن كان جامداً فألقها وما يليها ، وكل ما بقي ، وإن كان ذائباً فلا تأكله ، واستصبح به ، والزيت مثل ذلك»(5) . . . إلى غير ذلك(6) .

ص: 36


1- تهذيب الأحكام 1 : 39 / 105 ؛ وسائل الشيعة 1 : 153 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 8 ، الحديث 7 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 38 / 103 ؛ الاستبصار 1 : 20 / 46 ؛ وسائل الشيعة 1 : 154 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 8 ، الحديث 11 .
3- راجع وسائل الشيعة 1 : 151 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 8 ، الحديث 2 و4 و10 و14 .
4- الاستبصار 1 : 25 / 62 ؛ وسائل الشيعة 1 : 206 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف والمستعمل ، الباب 5 ، الحديث 3 .
5- الكافي 6 : 261 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 85 / 360 ؛ وسائل الشيعة 24 : 194 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب43 ، الحديث2 .
6- راجع وسائل الشيعة 24 : 194 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 43 .

والسكوت في مقام سئل عن التكليف في القضيّة المبتلى بها عن حال الأواني وسائر الملاقيات ، دليل على عدم تنجّسها ، سيّما في مثل الرواية الأخيرة ؛ فإنّ الاستصباح بالسمن والدهن في مدّة كثيرة مع كثرتهما ، لا يتخلّف عن الابتلاء بالملاقيات بلا وسط ومعه .

ودعوى كون الحكم معهوداً أو مرتكزاً تردّها نفس الروايات ، كدعوى كونها في مقام بيان حكم آخر .

وأمّا الشواهد الخارجية فكثيرة ؛ منها : أنّ فقهاء العامّة الذين كانوا مرجعاً للناس في تلك الأعصار من زمن الصادقين علیهما السلام إلى زمن الهادي والعسكري علیهما السلام قلّما اتّفق موافقتهم معنا في أعيان النجاسات وكيفية تطهيرها :

فمالك والشافعي في الجديد خالفانا في نجاسة المنيّ(1) .

وأبو حنيفة قال بإجزاء فركه إذا كان يابساً (2) .

والشافعي في أحد وجهيه والزُهري ذهبا إلى طهارة الميتة(3) .

ومالك وداود والزُهري إلى طهارة الكلب(4) .

وداود إلى طهارة الخمر(5) . وأبو حنيفة إلى طهارة المسكرات(6) ، وجمهورهم

ص: 37


1- تذكرة الفقهاء 1 : 53 ؛ المحلّى بالآثار 1 : 135 ؛ بداية المجتهد 1 : 84 .
2- بداية المجتهد 1 : 84 ؛ المجموع 2 : 554 .
3- تذكرة الفقهاء 2 : 131 ؛ المجموع 1 : 217 ، و2 : 561 - 562 .
4- تذكرة الفقهاء 1 : 66 ؛ المجموع 2 : 567 .
5- تذكرة الفقهاء 1 : 64 ؛ المجموع 2 : 563 .
6- تذكرة الفقهاء 1 : 65 ؛ بداية المجتهد 1 : 34 ؛ فتح العزيز ، ذيل المجموع 1 : 158 ؛ المجموع 1 : 93 ، و2 : 564 .

إلى طهارة الفُقّاع وحلّيته(1) ، وطهارة الكفّار(2) .

وقال أبو حنيفة : «تطهر جلود الميتة بالدباغ إلاّ الخنزير»(3) وعن مالك : «حتّى الخنزير»(4) . وعن الشافعي : «الحيوان الطاهر»(5) .

وقال أبو حنيفة : «لا يجب العدد في النجاسات»(6) وعن داود ومالك والزُهري : «إناء الولوغ طاهر»(7) .

وعن كثير منهم - كالشافعي في أحد قوليه ومالك في إحدى الروايتين - عدم نجاسة الماء القليل إلاّ بالتغيّر(8) . واختلفوا معنا في تحديد الكرّ أيضاً (9) .

ص: 38


1- تذكرة الفقهاء 1 : 65 ؛ المبسوط ، السرخسي 24 : 17 / السطر 19 ؛ المغني ، ابن قدامة 10 : 341 .
2- منتهى المطلب 1 : 149 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 68 - 69 و211 - 212 .
3- تذكرة الفقهاء 2 : 464 ؛ أحكام القرآن ، الجصّاص 1 : 115 / السطر 12 ؛ بداية المجتهد 1 : 81 ؛ التفسير الكبير 5 : 17 ؛ المجموع 1 : 217 .
4- تذكرة الفقهاء 2 : 464 ؛ التفسير الكبير 5 : 17 ؛ المجموع 1 : 217 .
5- تذكرة الفقهاء 2 : 463 ؛ الاُمّ 1 : 9 / السطر 7 ؛ أحكام القرآن ، الجصّاص 1 : 115 / السطر 13 ؛ ب-داية المجتهد 1 : 81 ؛ التفسير الكبير 5 : 17 / السطر 17 ؛ المجموع 1 : 217 .
6- الخلاف 1 : 175 ؛ المحلّى بالآثار 1 : 124 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 45 ؛ المجموع 2 : 580 .
7- تذكرة الفقهاء 1 : 66 ؛ المبسوط ، السرخسي 1 : 48 / السطر 14 ؛ المجموع 2 : 567 .
8- تذكرة الفقهاء 1 : 22 ؛ بداية المجتهد 1 : 24 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 24 - 25 ؛ المجموع 1 : 113 .
9- المغني ، ابن قدامة 1 : 27 - 28 ؛ المجموع 1 : 119 - 120 .

وعن أبي حنيفة جواز إزالة النجاسة بالمضاف(1) . وعن أحمد روايتان . وعنه في إحدى الروايتين عدم تنجّس المضاف إن بلغ قلّتين(2) ، وفي الاُخرى : «ما أصله الماء - كالخلّ التمري - فكالماء»(3) .

وقال أبو حنيفة : «لا يجب الاستنجاء من البول والغائط بالماء وغيره» وهو إحدى الروايتين عن مالك(4) . وقال الشافعي ومالك في الاُخرى وأحمد : «يكفي في البول الحجر»(5) . . . إلى غير ذلك .

فهذه جملة من موارد اختلافهم معنا في أبواب النجاسات والطهارات ، فلو كان أمر الملاقي وملاقي ملاقيه وهلمّ جرّاً كما ذكر في السراية ، لما بقي من الناس طاهر ، ومع اختلاط الخاصّة معهم في تلك الأعصار صارت حالهم كذلك ، ومع ذلك لم يسأل أحد من أصحاب الأئمّة علیهم السلام عن حال

الملاقيات لهم مطلقاً ، ولم يكن ذلك إلاّ لما رأوا أنّ الأئمّة علیهم السلام تعاشروا معهم كعشرتهم مع غيرهم .

أضف إلى ذلك ما هو المشاهد من حال أهل البوادي ؛ وعدم احترازهم غالباً عن النجاسات وملاقياتها ، وكانت تلك الطوائف في زمن الأئمّة علیهم السلام

ص: 39


1- منتهى المطلب 1 : 120 ؛ المبسوط ، السرخسي 1 : 96 / السطر 5 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 8 / السطر 15 ؛ المجموع 1 : 95 / السطر 11 .
2- منتهى المطلب 1 : 127 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 29 ، و11 : 86 .
3- منتهى المطلب 1 : 127 ؛ المغني ، ابن قدامة 11 : 86 .
4- منتهى المطلب 1 : 256 ؛ بدائع الصنائع 1 : 19 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 141 ؛ المجموع 2 : 95 .
5- منتهى المطلب 1 : 257 ؛ الاُمّ 1 : 22 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 143 .

متردّدين في البلاد ، سيّما الحرمين الشريفين ، ولم يعهد من أحد من

الأئمّة علیهم السلام وأصحابهم وشيعتهم التنزّه عنهم ، أو السؤال عن ح-الهم وعن ملاقياتهم .

وهذه الاُمور وغيرها ممّا توجب الجزم : بأنّ قضيّة الملاقي ليست كما ذكر من السراية هلمّ جرّاً ، سيّما مع سهولة الملّة وسماحتها .

والإنصاف : أنّ الفتوى بالنجاسة - سيّما مع الوسائط الكثيرة - جرأة على المولى ، والأشبه عدم النجاسة مع الوسائط الكثيرة ، والاحتياط - سيّما فيما علم تفصيلاً بالملاقاة ولو مع الوسائط - لا ينبغي تركه .

ص: 40

المطلب الثاني: في إزالة النجاسة للصلاة

في الوجوب الشرطي لإزالة النجاسة عن الثوب والبدن

اشارة

قالوا : «يجب إزالة النجاسة عينية كانت أو حكمية عن الثياب عدا ما استثني وعن ظاهر البدن للصلاة - واجبة كانت أو مندوبة - بالوجوب الشرطي الذي يتبعه الوجوب الشرعي المقدّمي عند وجوب ذيها أصلاً أو عارضاً»(1) .

أقول : أمّا الوجوب الشرعي المقدّمي ، فقد فرغنا عن بطلانه - بل عدم تعقّله - في محلّه(2) . وأمّا الوجوب الشرطي فهو موقوف على كون الشرط للصلاة إزالة النجاسة ، أو عدمَ النجاسة ، وهو محلّ بحث ونظر ، ولا بأس ببسط الكلام فيه ؛ لترتّب ثمرات مهمّة عليه .

فنقول : يحتمل ثبوتاً أن تكون الطهارة شرطاً للصلاة ، أو عدم القذارة شرطاً لها أو القذارة مانعة عنها .

والفرق بين الأوّلين واضح وإن كان في صحّة جعل العدم شرطاً كلام .

ص: 41


1- شرائع الإسلام 1 : 45 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 290 ؛ جواهر الكلام 6 : 89 .
2- مناهج الوصول 1 : 342 .
الفرق بين الشرطية والمانعية

وأمّا الفرق بين الشرطية والمانعية : فهو أنّ الشرط ما هو دخيل في الملاكات الواقعية ؛ إن كان المراد به شرط الماهية ، كما في المقام الذي لا يحتمل أن يكون الطهور شرطاً لوجودها ، لا دخيلاً في ماهيتها .

وبعبارة اُخرى : أنّ الشرط لبّاً من مقوّمات حمل الملاك ، والصلاة بلا طهور لا تكون حاملة للملاك ؛ بناءً على شرطية الطهور . وبناءً على شرطية عدم القذارة فإنّ ماهية الصلاة المجرّدة عن القذارة حاملة له .

وأمّا المانع فلا يتصوّر للماهية ، ولا يرجع إلى محصّل ، بل المانعية مطلقاً

ترجع إلى مقام الوجود ، ومنشأها الضدّية بين الشيئين ، وتصويرها في المقام بأن يقال : إنّ الملاك الذي في ماهية الصلاة - من غير دخالة لعدم القذارة ، أو وجود الطهارة فيه - مضادّ لوجود القذارة أو المفسدة الواقعية الحاصلة منه ، وهذه المضادّة موجبة لمانعية الملاك الأقوى للملاك الأضعف ، من غير تقي-يد وجود أحدهما بعدم الآخر ؛ حتّى ترجع المانعية إلى الاشتراط بعدم المانع .

وبعبارة اُخرى : كما أنّ البياض والسواد متضادّان ، ويكون وجود كلٍّ مانعاً عن وجود الآخر من غير اشتراط وجود أحدهما بعدم الآخر ، ولا مقدّمية له ، بل نفس المضادّة موجبة للتمانع ، فإذا كان أحدهما أقوى مقتضياً يمنع عن تحقّق الآخر ، كذلك يتصوّر ذلك في الملاكات الواقعية ، فمع تحقّق المانع والملاك المضادّ الذي هو أقوى ، لا يمكن تحقّق الممنوع ، ومع عدم تحقّقه تقع الصلاة بلا ملاك وباطلة .

ص: 42

ولا تتوهّم : أنّ ذلك مستلزم للقول بالاشتغال في الشكّ في المانع ، وهو خلاف مختارك في مباحث البراءة والاشتغال(1) ، قائلاً : إنّ احتمال عدم سقوط الأمر - لاحتمال عدم حصول الملاك الواقعي وأخصّية الغرض - لا يصير حجّة على العبد .

ضرورة أنّ ما ذكرناه في مباحث البراءة ، إنّما هو في مقام الإثبات وتمامية الحجّة ، وقلنا : إنّ العقل يحكم بالبراءة مع عدم تمامية حجّة المولى ، واحتمال بقاء الأمر - لأجل احتمال بقاء الملاك - لا يوجب تمامية حجّته بعد قيام العبد بما هو حجّة عليه ، والكلام هاهنا في الملاكات الواقعية وتصوّر المانعية والشرطية بحسب الثبوت ، فلا تناقض بين الكلامين .

ثمّ إنّه بعد تصوّر المانعية بنحو لا ترجع إلى شرطية العدم ، لو قام دليل ظاهر في المانعية لا يجوز رفع اليد عنه ، وإنّما نطرح الظاهر إن قلنا بعدم تعقّل المانعية ، وقد عرفت تعقّلها .

امتناع الجمع بين شرطية شيء ومانعية ضدّه

ثمّ إنّ ما ذكرناه من تردّد الأمر بين شرطية الطهارة أو عدم القذارة ، وبين مانعية القذارة الراجعة إلى منع الجمع بينهما ، إنّما يصحّ لو امتنع الجمع بين شرطية الضدّ ومانعية ضدّه فيما لا ثالث لهما ، وكذا بين شرطية الشيء ومانعية نقيضه ، وإلاّ لما بقي مجال للتردّد ، ولا تتعارض الأدلّة لو فرض فيها ما هو ظاهرها الشرطية وما ظاهرها المانعية ، كما لا يخفى .

ص: 43


1- أنوار الهداية 1 : 129 - 130 .

والتحقيق امتناع ذلك ، وعدم إمكان الجمع بين شرطية شيء ومانعية نقيضه أو ضدّه الذي لا ثالث له ؛ لأنّ اشتراط شيء لماهية المأمور به ، لا يعقل - بحسب الملاكات الواقعية - إلاّ مع دخالته في حاملية الملاك ؛ لئلاّ يلزم جُزافية الإرادة ، وكذا لا يمكن تعلّق الإرادة بالفاقد لما هو دخيل في تحصيل الملاك ، وكذا الحال في تعلّق الأمر الواقعي .

فحينئذٍ لو كان عدم النجاسة مثلاً شرطاً لماهية المأمور به ، لا يعقل وقوع التمانع بين الملاك الواقعي لها مع وجود النجاسة ؛ إذ قد عرفت أنّ التمانع إنّما يكون بين الوجودين لا الماهيتين ، وأمّا الشرطية فترجع إلى قيد في الماهية ، مع عدمه لا تكون حاملة للملاك ، ومع عدم الملاك لا يعقل التمانع بين الملاكين .

وبالجملة : الماهية المشروطة بشرط مع فقده لا تكون ذات ملاك ، ولا متعلّقة للإرادة ولا للأمر ، ومعه لا يعقل التمانع الذي ظرفه الوجود بعد تمامية الملاك . هذا كلّه بحسب التصوّر والثبوت .

المأخوذ في الصلاة مانعية النجاسة لا شرطية الطهارة

وأمّا حال مقام الإثبات ودلالة الأدلّة ، فتتّضح بعد التنبيه إلى ما مرّ منّا من أنّ الطهارة الخبثية ليست أمراً وجودياً مضادّاً للقذارة ، بل هي عبارة عن خلوّ الجسم من القذارات ، ونقائه عنها (1) ، لا بمعنى دخالة هذا العنوان ، بل الطهارة عدمُ تلوّث الجسم الموجود بشيء من القذارات وكونُه على حالته الأصلية ؛ فإنّ الضرورة قاضية بأ نّه لم يكن في الجسم - غير أوصافه الذاتية والعرضية - شيء وجودي

ص: 44


1- تقدّم في الصفحة 11 - 12 .

هو الطهارة مقابل القذارة ، فالطهارة عبارة اُخرى عن عدم القذارة ، وكذا النظافة .

بل الطهارة من الأخباث المعنوية والصفات الخبيثة ، ليست إلاّ خلوّ النفس منها ، وأمّا حصول كمالات مقابلات لها فهي اُمور اُخر غير الطهارة منها ، كما يظهر بالتأمّل .

وما ذكرناه هو الموافق للعرف واللغة . فما ادّعى بعض الأعيان من وضوح كون الطهارة ضدّاً وجودياً للقذارة الخبثية(1) ، في غير محلّه ، بل مدّعي وضوح خلافه غير مجازف .

فحينئذٍ نقول : لا يعقل شرطية حيثية العدم للماهية المأمور بها ؛ لا بحسب الملاكات الواقعية ، ولا بحسب تعلّق الإرادة الجدّية ، ولا بحسب الأوامر المتعلّقة بمتعلّقاتها :

أمّا الاُولى ، فلعدم إمكان مؤثّرية العدم - ولو بنحو جزء الموضوع - في شيء . وما يتوهّم ذلك في بعض الأمثلة العرفية ، ناشئ من الخلط وقلّة التدبّر ، وإلاّ فما ليس بشيء أصلاً كيف يمكن تأثيره ودخالته في أمر ؟ ! فإنّ التأثير ونحوه من الاُمور الوجودية لا يمكن اتّصاف العدم به .

ومن هنا يظهر امتناع تعلّق الإرادة والأمر به ؛ أي بما هو عدم حقيقة ، لا بمفهوم العدم الذي هو وجود بالحمل الشائع .

وما ذكرناه ليس أمراً دقيقاً عقلياً خارجاً عن فهم العرف ؛ حتّى يقال : إنّ الميزان في هذه الأبواب هو الفهم العرفي .

ص: 45


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 2 : 9 .

وبعد امتناع شرطية العدم ، لا محيص عن إرجاع ما يظهر منه الشرطية إلى مانعية الوجود التي قد عرفت تعقّلها . مع أنّ غالب الأدلّة ظاهرة في مانعية النجاسة ، لا شرطية الطهارة أو عدم النجاسة ، كقوله علیه السلام في مكاتبة خَيْران

الخادم في الخمر : «لا تصلّ فيه ؛ فإنّه رجس»(1) .

وفي رواية أبي يزيد القسمي في جلود الدارِش : «لا تصلّ فيها ؛ فإنّها تدبغ بخرء الكلاب»(2) .

ومثلِ ما دلّت على نفي البأس عن الدم ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم(3) حيث يظهر منها البأس في مقداره ، وهو عين المانعية . وما دلّت على نفي البأس عن القذارة فيما لا تتمّ فيه الصلاة وحدها (4) وما دلّت على إعادة الصلاة مع إتيانها في النجس في الموارد الخاصّة(5) وهي كثيرة ، والمتفاهم منها عرفاً أنّ النجس موجب للإعادة . بل ما دلّت على وجوب الغسل والإعادة إذا صلّى في النجس(6) وهي كثيرة . بل لك أن تتمسّك بقوله علیه السلام : «لا تجوز الصلاة في شيء

ص: 46


1- الكافي 3 : 405 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 469 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 4 .
2- الكافي 3 : 403 / 25 ؛ وسائل الشيعة 3 : 516 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 71 ، الحديث 1 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 429 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 455 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 31 .
5- راجع وسائل الشيع-ة 3 : 428 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 18 - 21 و40 - 44 .
6- نفس المصدر .

من الحديد ؛ فإنّه نجس ممسوخ»(1) فإنّه يظهر منها كراهة الصلاة في النجس الذي صار ممسوخاً، ويستأنس منه عدم الجواز في النجس غير الممسوخ، تأمّل.

حول الروايات الظاهرة في شرطية الطهارة

نعم ، بإزائها روايات ربّما تكون ظاهرة في شرطية الطهارة ، كقوله علیه السلام في صحيحة زرارة : «لا صلاة إلاّ بطهور»(2) بناءً على شمولها للطهارة الخبثية ، أو ظهورها فيها بقرينة ذيلها . وصحيحة زرارة الثانية(3) من أدلّة الاستصحاب . وقوله علیه السلام : «الصلاة ثلثها الطهور»(4) . وقوله علیه السلام : «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمس . . .»(5) وعدّ منها الطهور .

وما عدّ الطهور من فروض الصلاة(6) بناءً على أعمّيته من الطهور من الخبث .

ص: 47


1- الكافي 3 : 400 / 13 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 227 / 894 ؛ وسائل الشيعة 4 : 419 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 32 ، الحديث 6 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 49 / 144 ؛ وسائل الشيعة 1 : 315 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 9 ، الحديث 1 .
3- يأتي في الصفحة 49 .
4- الكافي 3 : 273 / 8 ؛ الفقيه 1 : 22 / 66 ؛ وسائل الشيعة 1 : 366 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 8 .
5- الفقيه 1 : 225 / 991 ؛ وسائل الشيعة 1 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 3 ، الحديث 8 .
6- كصحيحة زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الفرض في الصلاة ، فقال : «الوقت والطهور والقبلة . . .» ، راجع وسائل الشيعة 1 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 3 .

وهو محلّ إشكال في كثير منها . مع أنّ قوله علیه السلام مثلاً : «لا صلاة إلاّ بطهور»

- بناءً على ما تقدّم من أنّ «الطهور» ليس إلاّ خلوَّ المحلّ من القذارة وكونَه على حالته الأصلية - معناه : لا صلاة إلاّ بإزالة القذارة والتطهّر منها ، وهو غير ظاهر

في شرطية الطهور ، بل غير ظاهر في شرطية الإزالة . بل لا يبعد دعوى ظهورها في أنّ النجاسة لمّا كانت مانعة عن الصلاة قال : «لا صلاة إلاّ بإزالتها» .

ولو نوقش في ذلك ، فرفع اليد عن مثله أولى من رفع اليد عن الأدلّة الكثيرة الدالّة على مانعية النجاسة ؛ لو لم نقل بتعيّنه بلحاظ ما تقدّم(1) .

فالأقرب : أنّ النجاسة مانعة ، لا الطهارة أو إزالة النجاسة شرط ، فما قيل : «من أنّ إزالة النجاسات واجبة شرطاً للصلاة»(2) لا يخلو من تسامح .

نعم ، يجب عقلاً إزالتها ؛ لمانعيتها عن الصلاة :

من غير فرق بين الواجبة والمندوبة ؛ لإطلاق الأدلّة .

ومن غير فرق بين أنواع النجاسات ؛ للإجماع المنقول عن جملة من الأصحاب(3) . بل لزومها في الجملة من الواضحات ، والنصوص في الموارد الخاصّة مستفيضة أو متواترة ؛ بحيث لا يبقى للناظر فيها شكّ في مانعية مطلق النجاسات بإلغاء الخصوصية عن الموارد المنصوصة ، من غير احتياج إلى دعوى الإجماع المركّب(4) .

ص: 48


1- تقدّم في الصفحة 44 .
2- تقدّم في الصفحة 41 .
3- اُنظر جواهر الكلام 6 : 89 ؛ الخلاف 1 : 476 - 477 ؛ السرائر 1 : 179 - 180 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 71 .
4- جواهر الكلام 6 : 89 .

بل المستفاد من جملة من الروايات عموم الحكم لمطلق النجاسات ، كصحيحة عبداللّه بن سِنان قال : سأل أبي أبا عبداللّه علیه السلام -

وأنا حاضر - : إنّي أعير الذمّي ثوبي ، وأنا أعلم أ نّه يشرب الخمر ، ويأكل لحم الخنزير ، فيردّه عليّ ، فأغسله قبل أن اُصلّي فيه ؟ فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «صلّ فيه ، ولا تغسله من أجل ذلك ؛ فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر ، ولم تستيقن أ نّه نجّسه ، فلا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أ نّه نجّسه»(1) .

يعلم منها : أنّ غاية جواز الصلاة فيه العلم بتنجّسه ، ومقتضى الإطلاق ثبوت الحكم لمطلق النجاسات .

وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من المنيّ - إلى أن قال - : فإن ظننت أ نّه قد أصابه ، ولم أتيقّن ذلك ، فنظرت فلم أرَ شيئاً ، ثمّ صلّيت فيه فرأيت فيه ؟ قال : «تغسله ولا تعيد الصلاة» .

قلت : لِمَ ذلك ؟ قال : «لأ نّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت ، فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً» .

قلت : فإنّي قد علمت أ نّه قد أصابه ، ولم أدرِ أين هو فأغسله ، قال : «تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أ نّه قد أصابها حتّى تكون على يقين من طهارتك . . .»(2) إلى آخره .

ص: 49


1- تهذيب الأحكام 2 : 361 / 1495 ؛ وسائل الشيعة 3 : 521 ؛ كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 74 ، الحديث 1 .
2- علل الشرائع : 361 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1335 ؛ وسائل الشيعة 3 : 402 ؛ كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 7 ، الحديث 2 ، والباب 37 ، الحديث 1 .

فإنّ المستفاد منها أنّ الطهارة من جميع القذارات ، لازمة في الصلاة . بل الظاهر من صدرها أنّ المذكور فيها من قبيل المثال لمطلق النجاسات . وكيف كان فلا إشكال في استفادة حكم مطلق النجاسات منها . . . إلى غير ذلك ممّا سيأتي الكلام في بعضها ، كرواية خَيْران الخادم(1) .

ومن غير فرق بين الثوب والبدن؛ للإجماع المتقدّم ولفحوى ما دلّت على لزوم إزالتها عن الثوب(2) وللمستفيضة الدالّة على إعادة الصلاة على من نسي

غسل البول عن فخذه ، أو جسده ، أو ذكرِه ، أو نسي الاستنجاء فصلّى ، أو دخل في الصلاة(3) .

ولصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «لا صلاة إلاّ بطهور ، ويجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار ، بذلك جرت السنّة من رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، وأمّا البول فلا بدّ من غسله»(4) .

حيث يظهر منها لزوم طهارة البدن - بل الثوب - عن النجاسات ، وسيأتي ت-تمّة لفقه الحديث(5) .

ص: 50


1- يأتي في الصفحة 51 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 404 ؛ كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 و16 و19 و42 .
3- راجع وسائل الشيعة 1 : 294 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 18 ، و : 317 ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 10 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 49 / 144 ، و : 209 / 605 ؛ وسائل الشيعة 1 : 315 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 9 ، الحديث 1 .
5- يأتي في الصفحة 57 - 58 .

ولرواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیهما السلام قال : سألته عن النَضُوح يجعل فيه النبيذ ، أيصلح أن تصلّي المرأة وهو على رأسها ؟ قال : «لا ، حتّى تغتسل منه»(1) . . . إلى غير ذلك . ويظهر منها عدم الفرق بين الشعر وغيره ، كما أنّ مقتضى إطلاق ما تقدّم - كصحيحة زرارة - عدم الفرق بين الظفر والشعر وغيرها .

ومن غير فرق بين ما صدق عليه اسم «الثوب» عرفاً ، أو لا إذا كان للمصلّي نحو تلبّس به ، كالقطن والصوف غير المنسوجين الملفوفين بالبدن ، والحصير والحشيش كذلك ؛ لإمكان دعوى أنّ «الثوب» الوارد في الأدلّة من باب المثال ، أو لجري العادة على السؤال عنه .

ولرواية خَيْران الخادم الحسنة أو الصحيحة(2) قال : كتبت إلى الرجل أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير ، أيصلّى فيه أم لا ؛ فإنّ أصحابنا قد اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : صلّ فيه ؛ فإنّ اللّه إنّما حرّم شربها ، وقال بعضهم :

لا تصلّ فيه ؟ فوقّع : «لا تصلّ فيه ؛ فإنّه رجس . . . »(3) إلى آخره .

يظهر من التعليل عدم جواز الصلاة في الرجس مطلقاً .

نعم ، يقع الكلام في هذه الظرفية هل هي للمصلّي ، فيكون المعنى : لا يصلّ المصلّي وهو في رجس ، فلا تصدق في مثل الخاتم والسيف والخفّ والجَوْرَب

ص: 51


1- مسائل علي بن جعفر : 151 / 200 ؛ وسائل الشيعة 25 : 380 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 37 ، الحديث 3 .
2- تقدّم وجه الترديد في الجزء الثالث : 12 ، الهامش 4 .
3- الكافي 3 : 405 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 469 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 4 .

والتِكّة ، وغيرها ممّا لا تتمّ فيها الصلاة ، فتكون خارجة تخصّصاً ؛ ضرورة عدم صدق «كون الإنسان في الخاتم والسيف» ونحوهما ممّا ليس لها نحو اشتمال على البدن ، كالقميص والرداء والقَباء ممّا هي صادقة فيها عرفاً بخلاف ما قبلها ؟

بل التأويل والادّعاء فيها أيضاً لا يخلو من إشكال ونحو ركاكة ، إلاّ في بعض الأحيان الذي ليس المقام منه .

أو هي للصلاة بالمعنى المصدري أو حاصله بنحو من الادّعاء والتخيّل ، فيكون المعنى : لا تجعل صلاتك في النجس ؟

وهو نحو ادّعاء واعتبار ليس للعرف تشخيص مراده إلاّ ببيان من المتكلّم ؛ وإقامة قرينة على مراده .

ويمكن دعوى أقربية الاحتمال الثاني بالنظر إلى الروايات وموارد الاستعمال في خصوص المقام ؛ لشيوع استعمال الظرفية في مثل الخفّ والنعل والجَوْرَب والجُرْمُوق والتِكّة والكمرة والمنديل والقَلَنْسوة والفصّ والسيف وأشباه ذلك .

وقد عرفت أنّ دعوى ظرفية هذه الاُمور للمصلّي - ولو بنحو من التأويل - بعيدة ، وأمّا ظرفيتها لفعل الصلاة وحاصله فمبتنية على نحو اعتبار وادّعاء ، فلو قامت قرينة على اعتبار ظرفية تلك الاُمور له ، يتبع بمقدار دلالتها .

والذي يمكن دعواه : أنّ شيوع استعمال الظرفية فيما يتلبّس المصلّي بنحو تلبّس - كالتختّم والتقلّد ، والتلبّس بنحو التكّة والكمرة وأشباهها - يوجب حمل ما يستفاد من الرواية المتقدّمة - أي «لا تصلّ في النجس» - على الأعمّ من الثياب ومن مثل هذا النحو من المتلبّسات ، فالاستعمال الشائع الكثير والمتعارف قرينة على إرادة الأعمّ ، فيكون خروج ما لا ت-تمّ فيه الصلاة من قبيل الاستثناء .

ص: 52

جواز الصلاة مع المحمول النجس

وأمّا إلحاق المحمول بها ، فلا بدّ من قيام دليل آخر غير ذلك ؛ لعدم الظرفية : لا للمصلّي ، وهو واضح ، ولا للصلاة ؛ لعدم قيام قرينة عليه بعد عدم تشخيص العرف ؛ لإناطته على اعتبار المعتبِر ، وهو يحتاج إلى قيام القرينة .

نعم ، لو كان استعمال الظرف في المحمول أيضاً شائعاً - كاستعماله في الملبوس وما يتلبّس به بنحو ما تقدّم - كان الإلحاق وجيهاً ، لكن لم يثبت ذلك .

بل التعبير في لسان الأدلّة سؤالاً وجواباً في المحمول والمصاحب ، على خلافه في اللباس وما يتلبّس به :

ففي صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى علیه السلام قال : سألته عن فأرة

المسك تكون مع من يصلّي ، وهو في جيبه أو ثيابه ، فقال : «لا بأس بذلك»(1) ونحوها مكاتبة عبداللّه بن جعفر الآتية(2) .

وفي صحيحته الاُخرى : سألته عن الرجل يصلّي ومعه دَبّة من جلد حمار أو بغل ، قال : «لا يصلح أن يصلّي وهي معه»(3) ونحوها صحيحته الاُخرى(4) .

ص: 53


1- الفقيه 1 : 165 / 775 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 362 / 1499 ؛ وسائل الشيعة 4 : 433 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 41 ، الحديث 1 .
2- يأتي في الصفحة 55 .
3- الفقيه 1 : 164 / 775 ؛ وسائل الشيعة 4 : 461 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 60 ، الحديث 2 .
4- تهذيب الأحكام 2 : 373 / 1553 ؛ وسائل الشيعة 4 : 462 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 60 ، الحديث 4 .

وعلى هذا التعبير ورد في الطير والدراهم في جملة من الروايات(1) وفي المفتاح والسكّين(2) . . . إلى غير ذلك .

وأمّا مرسلة عبداللّه بن سِنان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام أ نّه قال : «كلّ ما كان على

الإنسان أو معه - ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده - فلا بأس أن يصلّي فيه وإن كان فيه قذر ، مثل القلنسوة والتِكّة والكمرة والنعل والخفّين وما أشبه ذلك»(3).

فلا تدلّ على استعمال الظرف فيما مع الإنسان أو عليه ، بل الظاهر استعمالها فيما يتلبّس به المصلّي ، كالأمثلة المذكورة ، فإنّها مع الإنسان ، وبعضها عليه ، لكن مع نحو من التلبّس . ويشهد له قصر الأمثلة في الملبوسات ، فلو كان ما معه مختصّاً بالمحمول أو الأعمّ منه ، كان عليه ذكر مثال له ، سيّما على الأوّل .

وأمّا قوله علیه السلام في موثّقة ابن بكير : «الصلاة في وبره وروثه وبوله . . .»(4) إلى آخره وقوله في رواية فارس عن ذرق الدجاج : «يجوز الصلاة فيه؟»(5) فليس في مورد المحمول ، بل فيما تلوّث اللباس بها ، فاستعمال الظرف باعتبار

ص: 54


1- راجع وسائل الشيعة 4 : 437 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 45 ، الحديث 3 ، والباب 60 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 4 : 417 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 32 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 275 / 810 ؛ وسائل الشيعة 3 : 456 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 31 ، الحديث 5 .
4- الكافي 3 : 397 / 1 ؛ وسائل الشيعة 4 : 345 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 2 ، الحديث 1 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 266 / 782 ؛ وسائل الشيعة 3 : 412 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 10 ، الحديث 3 .

الصلاة في الثوب المتلوّث بها .

فتحصّل من جميع ذلك : عدم صحّة الاستدلال بمثل رواية خَيْران الخادم(1) لعدم صحّة الصلاة في المحمول .

وربّما يستدلّ على المنع فيه بروايات أجنبيّة عن المقام ، كمكاتبة عبداللّه بن جعفر الواردة في فأرة المسك(2) ، وصحيحة علي بن جعفر الواردة في دَبّة من جلد الحمار والبغل(3) ، فإنّهما - على فرض دلالتهما - غير مربوطتين بالمقام ، بل ترجعان إلى مانعية الميتة وأجزائها .

نعم ، لو كان المراد ب- «الذكيّ» الطاهر كان له وجه ، لكنّه خلاف ظاهره . وقد مرّ الكلام في الرواية في نجاسة الميتة(4) .

وكرواية رِفاعة وفيها : أيصلّي في حِنّائه ؟ قال : «نعم ، إذا كانت خرقته طاهرة»(5) .

فإنّ الخرقة إذا كانت نجسة ، تسري لا محالة إلى البدن . بل لا يبعد صدق «الصلاة فيها وفي الحِنّاء» مع هذا التلبّس نحو التلبّس بالكمرة والتِكّة .

وكرواية وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيه علیهما السلام : «إنّ علياً علیه السلام قال :

ص: 55


1- تقدّمت في الصفحة 51 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 362 / 1500 ؛ وسائل الشيعة 4 : 433 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 41 ، الحديث 2 .
3- تقدّمت في الصفحة 53 .
4- تقدّم في الجزء الثالث : 138 - 139 .
5- الفقيه 1 : 173 / 819 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 356 / 1470 ؛ وسائل الشيعة 4 : 429 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 39 ، الحديث 2 .

السيف بمنزلة الرداء تصلّي فيه ما لم ترَ فيه دماً ، والقوس بمنزلة الرداء»(1) .

فإنّها أيضاً مربوطة بما يتلبّس به ؛ فإنّ المراد منه السيف المتقلَّد والصلاة فيه لا المحمول ، ولهذا قال علیه السلام : إنّه «بمنزلة الرداء» وكذا القوس . ولولا ضعف سندها (2) لما كانت روايات ما لا ت-تمّ فيه الصلاة معارضة معها ؛ لحكومتها عليها بواسطة التنزيل منزلة الرداء ، فخرج السيف والقوس عمّا لا ت-تمّ . مع أ نّها أخصّ من تلك الروايات .

وكرواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى علیه السلام قال : وسألته عن الرجل يمرّ بالمكان فيه العَذِرة ، فتهبّ الريح فتسفي عليه من العَذِرة ، فيصيب ثوبه ورأسه ، يصلّي فيه قبل أن يغسله ؟ قال : «نعم ، ينفضه ويصلّي فلا بأس»(3) .

فإنّ الظاهر أ نّه من قبيل المتلبّسات التي يصدق معها «الصلاة فيه» فإنّ سفيَ الريح من العَذِرة على الثوب والرأس ، وصيرورتَهما مغبّرين بما هو نحو الذرّ ، يوجب نحو تلبّس بالنجاسة يصدق معه «الصلاة فيه» فلا تجوز الصلاة كذلك ، فلا يستفاد منها حكم المحمول الذي عرفت عدم صدق «الصلاة فيه» هذا مع ضعف سندها .

ص: 56


1- قرب الإسناد : 131 / 460 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 371 / 1546 ؛ وسائل الشيعة 4 : 458 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 57 ، الحديث 2 .
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أبيه، عن وهب بن وهب. والرواية ضعيفة بوهب بن وهب. رجال النجاشي: 430 / 1155؛ الفهرست، الطوسي: 256 / 779.
3- مسائل علي بن جعفر : 155 / 214 ؛ وسائل الشيعة 3 : 443 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 26 ، الحديث 12 .

وقد يقال : لا يدلّ قوله علیه السلام : «ينفضه» على وجوب النفض ؛ لجريانه مجرى العادة ، والرواية بصدد بيان نفي الغسل(1) .

وفيه ما لا يخفى ، سيّما إن قلنا : بأنّ المستفاد من قوله علیه السلام : «فلا بأس» أ نّه جواب شرط ، فكأ نّه قال : «إن ينفضه ويصلّي فلا بأس» .

وبالجملة : رفع اليد عن ظاهر الدليل الموافق لارتكاز مانعية النجاسة -

ولو في الجملة - بمجرّد احتمال الجري مجرى العادة ، ممّا لا وجه له ، فالوجه ما ذكرناه . بل مع احتماله لا تدلّ الرواية على مطلق المحمول بعد كون موردها غيره عرفاً .

ويمكن الاستدلال عليه بصحيحة زرارة : «لا صلاة إلاّ بطهور»(2) الشاملة للطهور من الخبث ؛ بدعوى شمولها للمحمول - بمناسبة الحكم والموضوع - بأن يقال : إنّ المصلّي المناجي لربّه القائم بين يدي الجبّار ، لا بدّ وأن يكون طاهراً

نقيّاً عن الأدناس والأرجاس مطلقاً في بدنه وثوبه ومصاحباته .

كما ربّما يستأنس به من رواية «العلل» عن الفضل بن شاذان ، عن الرضا علیه السلام

قال : «إنّما اُمر بالوضوء وبدئ به ؛ لأن يكون العبد إذا قام بين يدي الجبّار عند مناجاته إيّاه ، مطيعاً له فيما أمره ، نقيّاً عن الأدناس والنجاسة»(3) .

ومع نجاسة شيء منها لا تكون الصلاة بطهور ؛ ضرورة أنّ المراد منه مطلق

ص: 57


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 41 .
2- تقدّمت في الصفحة 47 .
3- علل الشرائع : 257 / 9 ؛ وسائل الشيعة 1 : 367 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 9 .

وجود الطهور ، لا صِرف وجوده ، وهو لا يتحقّق إلاّ مع كون المصلّي طاهراً بجميع ما معه وعليه .

هذا ، ولكنّ الإنصاف عدم جواز التعويل على هذه الاستحسانات

والاعتبارات في تعميم الصحيحة للبدن والثوب ، فضلاً عن المحمول ، مع ما نرى من إعمال تعبّدات في العبادة بعيدة عن العقول ، كجواز الصلاة فيما لا تتمّ الصلاة فيه ولو كان متلطّخاً بالقذارة ، وجوازها في الدم القليل غير الدماء

الثلاثة ، وإجزاء الأحجار في الغائط دون البول ، مع أقذريته عرفاً ، فأمثال ما ذكر وغيرها ممّا هو وارد في باب التعبّديات ، توجب عدم الاتّكال على الاعتبارات والمقايسات العقلية ، كمقايسة محضر الربّ الجليل بمحاضر أشراف البشر .

وأمّا رواية «العلل» فلا تكون بمثابة يمكن التعدّي عن موردها - الذي هو الطهارة عن الحدث - إلى غيره .

وأمّا دعوى : أنّ المراد من «الطهور» هو مطلق الوجود الشامل للمحمول ، فخالية عن الشاهد . نعم، الظاهر - ولو بمساعدة فهم العرف - مطلق وجوده بالنسبة إلى البدن ، وعدم الاختصاص بمحلّ النجو . لكنْ إسراؤه إلى اللباس - فضلاً عن المحمول - محلّ إشكال .

وإن شئت قلت : إن كان المراد من قوله علیه السلام : «لا صلاة إلاّ بطهور» أنّ الصلاة لا بدّ وأن تكون طاهرة ، فلا ت-تّصف هي بالطهارة . مع أنّ العقول قاصرة عن إدراك كيفية طهارتها .

وإن كان المراد غير ذلك - كما أنّ الأمر كذلك - فلا بدّ من تقدير ، مثل «لا صلاة إلاّ بطهور بدن المصلّي» أو «نفس المصلّي» أو «بدنه ولباسه» أو «مع

ص: 58

ملابساته» أو «مع محموله» ولا طريق إلى إثبات شيء منها إلاّ بدنه الذي يدلّ

عليه ذيل الصحيحة ، وغاية ما يمكن دعواه هو التعميم بالنسبة إلى ما يصلّي فيه ، فيكون مساوقاً لقوله : «لا تصلّ في النجس» وهو غير شامل للمحمول الذي كالأجنبيّ عن الصلاة .

وأضعف ممّا تقدّم أو نحوها التمسّك بصحيحة زرارة المعروفة في الاستصحاب ، وفيها : فإنّي قد علمت أ نّه أصابه ، ولم أدرِ أين هو فأغسله ، قال : «تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أ نّه أصابها ؛ حتّى تكون على يقين من طهارتك»(1) ؛ بأن يقال : إنّ انتساب الطهارة إليه ، دالّ على لزوم طهارته وطهارة جميع ما عليه وفيه ومعه(2) .

وفيه ما لا يخفى من الوهن ؛ ضرورة أنّ الانتساب إلى اللابس إنّما يكون بنحو من التأويل والدعوى ، وهما في اللباس صحيحان ؛ لأنّ المصحّح هو التلبّس ، فيصحّ أن يقال مع نجاسة اللباس : «إنّي نجس» ومع طهارته : «إنّي طاهر» دون مثل المحمول ، فهل يصحّ لمن يكون في جيبه سكّين نجس أن يقول : «إنّي نجس» أو كان بيده سيف نجس يقول ذلك ؟ !

بل لا تصحّ الدعوى في بعض الألبسة والملابسات ، كالخاتم والسيف المتقلّد . مضافاً إلى أنّ فرض صحّة الدعوى لا يوجب وقوعها . فلا تدلّ الرواية إلاّ على لزوم طهارة الإنسان ولباسه ، لا مطلق متلبّساته ، فضلاً عن محمولاته

ص: 59


1- تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1335 ؛ وسائل الشيعة 3 : 402 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 7 ، الحديث 2 .
2- تقرير بحث سماحة آية اللّه العظمى السيّد البروجردي 1 : 304 .

التي لا يصحّ إطلاق «طهارتك» -

حتّى مجازاً وادّعاءً - بالنسبة إليها .

فمقتضى الأصل جواز الصلاة مع المحمول النجس ؛ من غير فرق بين كونه عين النجاسة أو لا .

قال الشيخ في «الخلاف» في قارورة مشدودة الرأس بالرصاص فيها بول أو نجاسة : «ليس لأصحابنا فيه نصّ ، والذي يقتضيه المذهب أ نّه لا ينقض الصلاة به» وهو كذلك ؛ للأصل السالم عن الدليل الحاكم .

وقوله بعد ذلك : «ولو قلنا : إنّه يبطل الصلاة لدليل الاحتياط ، كان قويّاً» مبنيّ على القول بالاشتغال في الشكّ في القيود والموانع ، وهو ضعيف .

وأمّا قوله : «ولأنّ على المسألة الإجماع ؛ فإنّ خلاف ابن أبي هريرة لا يعتدّ

به»(1) فالظاهر منه إجماع القوم بدليل ما تقدّم منه ، وبدليل استثناء ابن أبي هريرة . وأمّا احتمال أن يكون مراده الإجماع على القاعدة فبعيد .

بل يمكن الاستدلال على الجواز في عين النجاسة بصحيحة علي بن جعفر : أ نّه سأل أخاه موسى بن جعفر علیه السلام عن الرجل يكون به الثُؤْلول أو الجرح ، هل له أن يقطع الثُؤْلول وهو في صلاته ، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه ؟ قال : «إن لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس ، وإن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله»(2) .

فإنّ اللحم الذي على الجرح أو حوله ، ليس مثل الثُؤْلول الذي ترفضه الطبيعة

ص: 60


1- الخلاف 1 : 503 - 504 .
2- الفقيه 1 : 165 / 775 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 378 / 1576 ؛ وسائل الشيعة 7 : 284 ، كتاب الصلاة ، أبواب قواطع الصلاة ، الباب 27 ، الحديث 1 .

بإذن اللّه تعالى ، وقلنا في محلّه بعدم نجاسته ، وعدمِ كونه ميتة أو في حكمها (1) ، لأنّ اللحم الفاسد بتبع الجرح ممّا تحلّه الحياة ، وذهاب حياته لأجل الفساد - لو فرض - لا يوجب عدم كونه ممّا تحلّه الحياة ، فنفي البأس عنه دليل على عدم مانعية المحمول النجس .

وتوهّم : أنّ قوله علیه السلام : «إن لم يتخوّف أن يسيل الدم» كناية عن عدم كونه ممّا تحلّه الحياة ، والخوف من السيلان كناية عمّا تحلّه ، كما ترى .

كتوهّم عدم صدق المحمول على النتف والرمي ، فإنّ قلّة زمان الحمل لا يوجب نفي الصدق . إلاّ أن يقال بانصراف الدليل ، فيلزم منه الالتزام بعدم مانعية سائر الموانع مع قلّته ، فيقال بجواز لبس ما لا يؤكل والنجس عمداً وطرحه فوراً ، وهو كما ترى .

مع أنّ الطرح الذي في لسان السائل ليس به غايته ؛ أي ليس نظره إلى قلّة الزمان ، بل نظره إلى جواز الأخذ في حال الصلاة ، فلا يبعد فهم جوازه - ولو مع حفظ القطعة المأخوذة - من الرواية ، تأمّل .

ولك الاستدلال للمطلوب بموثّقة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما علیهما السلام : في الرجل يمسّ أنفه في الصلاة فيرى دماً ، كيف يصنع أينصرف ؟ قال : «إن كان يابساً فليرمِ به ، ولا بأس»(2) . بتقريب : أنّ التفصيل بين الرطب واليابس ، دليل على أنّ الدم لو كان رطباً كان مانعاً ، فالمفروض فيه ما كان

ص: 61


1- تقدّم في الجزء الثالث : 131 .
2- الكافي 3 : 364 / 5 ؛ وسائل الشيعة 7 : 239 ، كتاب الصلاة ، أبواب قواطع الصلاة ، الباب 2 ، الحديث 5 .

بمقدار غير معفوّ عنه ، ومع ذلك نفى البأس عن يابسه .

إلاّ أن يقال : إنّ التفصيل لأجل أ نّه مع عدم يبسه ، يمكن أن يسري إلى اللباس والبدن ، فصار زائداً عن المعفوّ عنه ، دون ما إذا كان يابساً . مضافاً إلى بُعد كون

الدم اليابس المأخوذ بمسّ الأنف ، زائداً عنه .

إلاّ أن يقال : إنّ التعرّض للفرد النادر لا مانع منه . وحملها على عدم بيان الحكم الشرعي بعيد .

وكيف كان : لا فرق بين عين النجاسة وغيرها ، والتفصيل ضعيف(1) ، لعلّ منشأه رواية الفأرة والدَبّة وقد عرفت حالهما (2) . ولو قال أحد بالتفصيل بين عينها وغيرها - بعكس ما ذهب إليه المفصّل - وقال بالعفو في العين كان أوجه ؛ لمكان الروايتين المتقدّمتين ، لكنّ الوجه عدم التفصيل .

ولا فرق في المحمول بين ما تتمّ فيه الصلاة وغيره ، ولا وجه للتفريق بينهما

إلاّ تخيّل صدق «الصلاة فيه» في المحمول مطلقاً ، وقد خرج ما لا تتمّ بالأدلّة الآتية ، وبقي غيره ، وقد عرفت بطلانه(3) .

وإلاّ توهّم دلالة مرسلة عبداللّه بن سِنان المتقدّمة(4) عليه ؛ بدعوى أنّ المراد من قوله : «معه» هو المحمول ، وقد فصّل فيها بين ما تتمّ الصلاة فيه وغيره ، وقد مرّ ما فيها ، فراجع(5) .

ص: 62


1- العروة الوثقى 1 : 211 - 212 .
2- تقدّم في الصفحة 55 .
3- تقدّم في الصفحة 54 - 55 .
4- تقدّمت في الصفحة 54 .
5- تقدّم في الصفحة 54 .
جواز الصلاة فيما لا تتمّ فيه الصلاة منفرداً مع نجاسته

ثمّ إنّه لا إشكال نصّاً وفتوى - في الجملة - في استثناء ما لا ت-تمّ فيه الصلاة منفرداً ، وقد حكي عليه الإجماع أو الاتّفاق في «الانتصار» و«الخلاف» وعن «السرائر»(1) . ونسبه في «التذكرة» إلى علمائنا (2) . وعن «المختلف» و«المدارك» نسبته إلى الأصحاب(3) ، وعن «الذخيرة» و«الكفاية» و«شرح الاُستاذ» : «لا أعلم في أصل الحكم خلافاً بين الأصحاب»(4) .

وبه يجبر ضعف الروايات سنداً ، ودلالةً إن كان ضعف في دلالة ما هي معتبرة الإسناد ، فإنّه قد يقال(5) : إنّ الروايات في الباب بين ما هي ضعيفة دلالة مع اعتبار سندها ، كصحيحة زرارة أو موثّقته(6) ، عن أحدهما علیهما السلام قال : «كلّ ما كان

ص: 63


1- اُنظر جواهر الكلام 6: 128؛ الانتصار: 136؛ الخلاف 1: 479 - 480؛ السرائر 1: 264.
2- تذكرة الفقهاء 2 : 481 - 482 .
3- مختلف الشيعة 1 : 325 ؛ مدارك الأحكام 2 : 322 .
4- ذخيرة المعاد : 160 / السطر 31 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 63 ؛ مصابيح الظلام 6 : 226 .
5- مدارك الأحكام 2 : 322 .
6- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمّد بن الحسين ، عن علي بن أسباط ، عن علي بن عقبة ، عن زرارة . والترديد لوقوع علي بن أسباط في السند؛ لأ نّه اختلف في رجوعه عن الفطحية . رجال النجاشي : 252 / 663 ؛ اختيار معرفة الرجال : 345 / 639 و : 562 / 1061 ؛ تنقيح المقال 2 : 268 / السطر 14 (أبواب العين) .

لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشيء ، مثل القَلَنْسوة

والتِكّة والجَوْرَب»(1) .

فإنّ في قوله علیه السلام : «عليه الشيء» إجمالاً غير معلوم المراد . كما أنّ كونه «عليه» غير متّضح المقصود .

وبين ما هي واضحة الدلالة غير معتبرة الإسناد ، كمرسلة إبراهيم(2) وابن سِنان(3) وحمّاد(4) وكرواية زرارة(5) وحفص بن أبي عيسى(6) و«فقه الرضا»(7) .

لكن الإنصاف : عدم ورود الإشكال بشيء مع استفاضة الروايات وعمل

ص: 64


1- تهذيب الأحكام 2 : 358 / 1482 ؛ وسائل الشيعة 3 : 455 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 31 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 358 / 1481 ؛ وسائل الشيعة 3 : 456 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 31 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 275 / 810 ؛ وسائل الشيعة 3 : 456 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 31 ، الحديث 5 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 274 / 807 ، و2 : 357 / 1479 ؛ وسائل الشيعة 3 : 456 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 31 ، الحديث 2 .
5- تهذيب الأحكام 2 : 357 / 1480 ؛ وسائل الشيعة 3 : 456 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 31 ، الحديث 3 .
6- تهذيب الأحكام 1 : 274 / 808 ؛ وسائل الشيعة 3 : 458 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 6 .
7- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 95 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 575 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 24 ، الحديث 1 .

الأصحاب بها قديماً وحديثاً ؛ لا في الإسناد ، ولا في دلالة الموثّقة ؛ فإنّه لا يشكّ أحد في أنّ المراد قذارة المذكورات ، لا حمل القذر ؛ لعدم التناسب معها ، ولا حمل سائر الموانع ، والتشكيك فيه وسوسة ، ولهذا لم يعهد من أحدٍ الإشكال فيها من هذه الجهة ، فالمسألة لا إشكال فيها إجمالاً .

كما أنّ الحكم عامّ لجميع مصاديق ما لا تتمّ ؛ سواء كانت من المذكورات أو غيرها ، فما عن القطب من الحصر(1) ضعيف . بل لا يبعد عدم استفادة الحصر من عبارته المحكيّة في «مفتاح الكرامة»(2) . ونسب ذلك إلى أبي الصلاح وسلاّر(3) . ولعلّهم اقتصروا على مورد اتّفاق النصّ والفتوى بعد الخدشة في الروايات بما مرّت منّا ، تأمّل .

فروع الأوّل : في تحقيق المراد من «ما لا تجوز الصلاة فيه وحده»

يحتمل في بادئ النظر أن يكون المراد من قوله علیه السلام : «كلّ ما كان لا يجوز فيه الصلاة وحده» أ نّه كلّ ما لا تجوز مطلقاً وبنحو السلب الكلّي ، في مقابل جوازها في الجملة وبنحو الإيجاب الجزئي ؛ بمعنى أنّ الموضوع للعفو ما لا تتمّ الصلاة فيه ؛ لا من الرجال ، ولا من النساء ، ولا من صغير الجثّة ، ولا كبيرها ، فإذا صحّ الصلاة في الجملة يرتفع العفو .

ص: 65


1- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 325 - 326 .
2- مفتاح الكرامة 2 : 123 .
3- اُنظر جواهر الكلام 6 : 129 ؛ الكافي في الفقه : 140 ؛ المراسم : 56 .

وأن يكون المراد : أ نّه كلّ ما لا تجوز في الجملة بنحو السلب الجزئي ، يكون

موضوعاً للعفو ، في مقابل الإيجاب الكلّي ، فإذا لم تصحّ ولو من مكلّف ، يكون معفوّاً عنه من جميع المكلّفين ، ولازمه العفو عن كلّ ثوب لا يصحّ الصلاة فيه - ولو من النساء - للرجال والنساء .

وأن يكون المراد ما لا تتمّ بالقياس إلى صنف الرجال وصنف النساء ، فيكون مثل المقنعة والقميص غيرَ معفوّ عنه للرجال ؛ لجواز صلاتهم فيه منفرداً ، ومعفوّاً عنه للنساء .

وأن يكون عدم التمام بالقياس إلى أشخاص المكلّفين ، فيكون بعض الثياب معفوّاً عنه عن صغير الجثّة لا كبيرها .

وجوه أوجهها الأوّل ، لا للأمثلة المذكورة في الروايات ؛ فإنّها لا توجب التقييد في موضوع الحكم بصِرف كونها من قبيله . نعم، يمكن تأي-يد الوجه الآتي بها ، بل لا يبعد أن تكون الأمثلة مرجّحة له .

بل لأجل أنّ الظاهر أنّ الحكم لطبيعة الصلاة ، وعدمها بعدم جميع الأفراد عرفاً ، كما أنّ وجودها بوجود فرد ما ، فما لا تتمّ الصلاة فيه إنّما يصدق إذا لم تتمّ فيه مطلقاً ، وإلاّ فيصدق أ نّه ممّا تتمّ فيه ، وهو الموافق لفهم العرف .

ثمّ الثالث بدعوى : أنّ الروايات متعرّضة لحال الرجال ، كنوع الأحكام المشتركة بينهم وبين النساء ، كقوله : «رجل شكّ بين كذا وكذا» لكنّ العرف - بإلغاء الخصوصية - يفهم أنّ الحكم أعمّ ومشترك بين الصنفين ، ومقتضى ذلك أنّ ما لا تتمّ الصلاة فيه للرجال ، تصحّ صلاتهم فيه مع القذارة ، وما لا تتمّ للنساء تصحّ صلاتهنّ فيه .

ص: 66

أو يقال : إنّ العرف لمّا علم أنّ ما لا تتمّ للرجال مغاير لما لا تتمّ للنساء ، لا ينقدح في ذهنه إلاّ أنّ لكلّ صنف حكمه ، فكلّ صنف لا تتمّ صلاته في شيء تصحّ صلاته فيه مع القذارة .

وأمّا الاحتمالان الآخران فضعيفان ، سيّما الأخير .

والأقوى هو الوجه الأوّل وإن كان الثاني لا يخلو من قوّة . ولو شككنا في ترجيح أحد الوجهين ، كان المرجع عموم عدم جواز الصلاة في النجس ؛ لإجمال المخصّص المنفصل ، والمتيقّن منه مورد الأمثلة المذكورة وأشباهها .

الثاني : في عدم كون العمامة ممّا لا تتمّ الصلاة فيها

عن الصدوقين عدّ العمامة ممّا لا تتمّ الصلاة فيها (1) ، وهو موافق «للفقه الرضوي»(2) وربّما يحمل كلامهما على العمامة التي تكون كذلك لصغرها (3) .

وقد يقال : إنّ العمامة بالهيئة الفعلية المعهودة لا تتمّ فيها ، وهو الميزان فيما لا تتمّ ، وإلاّ لأمكن تغيير القَلَنْسوة أيضاً بنحو يتمّ الصلاة فيها (4) .

والتحقيق : أنّ الظاهر من الروايات أنّ الثياب على نوعين :

منها : ما يصدق عليها أ نّها موصوفة بجواز الصلاة فيها وحدها .

ومنها : ما هي بخلاف ذلك .

والموضوع لجواز الصلاة مع القذارة ، هو الثوب الذي له هذا الوصف العنواني

ص: 67


1- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 327 ؛ الفقيه 1 : 42 ، ذيل الحديث 167 ؛ المقنع : 14 .
2- تقدّم تخريجه في الصفحة 64 ، الهامش 7 .
3- اُنظر المعتبر 1 : 435 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 482 .
4- اُنظر مدارك الأحكام 2 : 322 ؛ جواهر الكلام 6 : 130 .

من غير لحاظ كونه على المصلّي ، ولا لحاظ إتيان الصلاة معه فعلاً ، فالقلنسوة

متّصفة فعلاً بأ نّها ممّا لا تجوز الصلاة فيها وحدها ؛ سواء صلّى فيها مصلٍّ أو لا ، والرداء متّصف بجواز الصلاة فيه ؛ صلّى فيه مصلٍّ أو لا ، والعمامة من الثياب التي تتّصف بالوصف العنواني - أي جواز الصلاة فيها - بأيّة هيئة كانت ، كما أنّ الرداء

كذلك ؛ كان ملفوفاً أو لا .

وبالجملة : لم يلحظ في الثياب هيئة فعلية ، بل الملحوظ نفس الثياب ، ولا شبهة في أنّ العمامة كالمئزر في صدق جواز الصلاة فيها .

فما قد يقال : إنّ الروايات - لولا الأمثلة المذكورة - لا يبعد دلالتها على قول الصدوق ؛ لظهورها في أنّ المدار جواز الصلاة فيها وحدها بالفعل لا بالفرض(1) .

غير وجيه ؛ لأنّ الظاهر منها النظر إلى ذات الثياب لا هيئاتها ، فكما أنّ الرداء بذاته يصدق عليه جواز الصلاة فيه ولو كان ملفوفاً ، كذلك العمامة ، فهي قطعة كرباس مثلاً يجوز الصلاة فيها ؛ أي يمكن جعلها ساتراً ، وهو ثابت لها بأيّة هيئة كانت . فلو لوحظ فعلية جواز الصلاة فيها حقيقة ، لا يصدق ذلك على شيء إلاّ مع جعله مئزراً بالفعل ، واعتبار ذلك - مع كونه خلاف الضرورة ؛ للزوم البناء على العفو عن سائر الألبسة عدا الساتر الفعلي - خلاف المتفاهم من الروايات .

وبالجملة : الجواز الفعلي لا يصدق إلاّ مع فعلية التلبّس والتستّر به وهو غير مقصود بالبداهة ، والوصف العنواني صادق حتّى مع لفّه وكونه على هيئة العمامة .

وأمّا النقض بالقلنسوة : بأ نّه يمكن تغييرها بنحو يجوز الصلاة فيها فهو كما ترى .

ص: 68


1- اُنظر مصباح الفقيه، الطهارة 8 : 109 - 110 .
الثالث : في عدم اعتبار كون الملابس المعفوّ عنها في محالّها

اعتبر العلاّمة وجمع آخر - منهم الشيخ الأعظم - أن تكون الملابس المعفوّ عنها في محالّها مدّعياً : «أ نّه المتبادر من إطلاق النصّ ومعاقد الإجماعات ، فلو شدّ تكّته في وسطه أو حملها على عاتقه لم تجز الصلاة»(1) .

أقول : أمّا لو أخذها من محالّها وحملها من غير تلبّس ، فعدم الجواز مبنيّ على عدم جواز حمل المتنجّس ، وقد مرّ جوازه(2) .

وأمّا مع التلبّس بها في غير محلّها فالظاهر أيضاً الجواز ؛ لأنّ الظاهر من الروايات أنّ ما له هذا الوصف العنواني لصغره ، يكون تمام الموضوع لجواز الصلاة فيه من غير دخالة شيء آخر فيه . ولم يلحظ فيها حال الصلاة والمصلّي فعلاً حتّى يقال : «إنّ المتبادر تلبّسه بها في محلّها» .

وتوهّم : أنّ الحكم مبنيّ على العفو ، كما هو ظاهر تعبير الفقهاء ، وهو مناسب لكون تلك الألبسة في محلّها . وبالجملة : معنى «العفو»: أنّ المقتضي للمنع موجود ، لكن مصلحة التسهيل على المكلّف أوجبت العفو عنها ، فيقتصر على ما إذا كانت في محلّها .

مدفوع أوّلاً : بأن لا إشعار في شيء من روايات الباب بالعفو ، ولم يتّضح من تعبير بعض الفقهاء بذلك أن يكون مراده وجود الاقتضاء فيها ، بل الظاهر جريانه

ص: 69


1- تحرير الأحكام 1 : 159 ؛ قواعد الأحكام 1 : 193 ؛ البيان : 96 ؛ كشف اللثام 1 : 434 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 256 .
2- تقدّم في الصفحة 53 .

مجرى العادة ؛ وتبعاً لذكر دم الجروح والقروح الذي يظهر من نفس الواقعة فيه

العفو ، فدعوى العفو في المقام بهذا المعنى خالية عن الشاهد .

وثانياً : لو فرض العفو ، لكن لا يلزم منه رفع اليد عن ظاهر الرواية وإطلاقها . ودعوى الانصراف ممنوعة ، وإلاّ فلقائل أن يدّعي الانصراف في دليل المنع أيضاً ، فالأقوى عدم الفرق بين كونها في المحالّ وعدمه .

الرابع : في المحمول الذي لا تتمّ فيه بناءً على عدم جواز حمل المتنجّس

بناءً على عدم جواز حمل المتنجّس ، لا فرق بين ما تتمّ فيه الصلاة وغيره ؛

إن قلنا باستفادة عدم جوازه من غير ما دلّ على عدم جواز الصلاة في النجس ، كصحيحة زرارة(1) وغيرها ، ومنعنا صدق «الصلاة فيه» بالنسبة إلى المحمول ؛ لأنّ أدلّة التجويز إنّما أجازت فيما لا تتمّ الصلاة فيها إذا كانت قذرة ، والمحمول

خارج عنه فرضاً .

نعم ، لو قلنا بصدق «الصلاة فيه» وقلنا باستفادة حكمه من الكبرى الدالّة على عدم جواز الصلاة في النجس ، فمقتضى أدلّة العفو التفصيل في المحمول أيضاً ، كالتفصيل في الملبوس .

الخامس : في جواز الصلاة فيما لا تتمّ فيه مهما كان جنسه ونجاسته

قيل : «مقتضى إطلاق النصّ والفتوى ، عدم الفرق في العفو بين النجاسات التي من فضلات غير مأكول اللحم أو غيرها ، وكذا عدم الفرق بين ما يكون ما

ص: 70


1- تقدّمت في الصفحة 49 .

لا تتمّ من أعيان النجاسات - كالخفّ المتّخذ من جلد الميتة ، والقَلَنْسوة

المنسوجة من شعر الكلب والخنزير - أو غيرها»(1) .

أقول : ما هو المناسب بالبحث عنه هاهنا هو حيثية إطلاق نصوص العفو لما ذكر .

وأمّا البحث عن أدلّة عدم الجواز فيما لا يؤكل أو في الميتة ونجس العين ومقدار دلالتها ومعارضتها ، فهو موكول إلى محلّ آخر .

والظاهر عدم الإطلاق في الأدلّة :

أمّا غير موثّقة زرارة(2) ، فلأنّ الظاهر منه هو العفو من حيث النجاسة ، لا الموانع الاُخر ، ولهذا لا يتوهّم إطلاقها لما إذا كان ما لا تتمّ مغصوباً .

وبالجملة : إطلاق العفو عن النجس حيثي ؛ لا يقتضي رفع مانعية اُخرى تكون مستقلّة في المانعية ، كغير المأكول ، والميتة بناءً على مانعيتها من غير جهة النجاسة .

وأمّا الموثّقة(3) ، فلأنّ قوله علیه السلام : «بأن يكون عليه الشيء» ليس له إطلاق ، بل الظاهر أ نّه إشارة إلى شيء خاصّ ، وإلاّ لقال : «عليه شيءٌ» منكّراً ، وهو

إمّا القذر ، كما هو الظاهر ولو بقرينة سائر الروايات ، أو مجمل لا يدلّ على المقصود .

ص: 71


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 112 .
2- تقدّم في الصفحة 64 .
3- تقدّمت في الصفحة 63 - 64 .
فصل في العفو عن دم الجروح والقروح في الصلاة

لا إشكال نصّاً وفتوى في العفو عن دم القروح والجروح في الجملة ، وعليه الإجماع في محكيّ «الخلاف» و«الغنية» وغيرهما (1) ، لكن عبارات القوم مختلفة في اعتبار الدوام والسيلان وعدمه ، ومشقّةِ الإزالة وعدمها ، ووجوبِ التقليل وعدمه ، ووجوبِ إبدال الخرقة مع الإمكان وعدمه . والعفوِ لو ترشرش عليه من دمِ غيره وعدمه ، ووجوبِ العصب وعدمه ، وأنّ الغاية هي الاندمال ، أو قطع الدم . . . إلى غير ذلك .

وقبل الورود في أصل المسألة ، لا بأس بذكر أمر يبتني عليه بعض فروعها ، ويترتّب عليه ثمرات في غير المقام وهو :

هل المانع صِرف وجود النجاسة أو الطبيعة السارية؟

إنّه بعد ما فرغنا فيما سلف عن أنّ النجاسة مانعة عن الصلاة ، لا أنّ الطهارة شرط فيها (2) ، يقع الكلام في المانع وكيفية مانعيته ؛ بمعنى أنّ المانع هل هو عنوان «النجس» الجامع بين أنواع النجاسات ، فيكون المانع شيئاً واحداً هو النجس ، أو كلّ نوع من أنواعها مانع مستقلّ بنحو تمام الموضوع أو بعضه ،

ص: 72


1- الخلاف 1 : 252 ؛ غنية النزوع 1 : 41 ؛ كشف اللثام 1 : 431 .
2- تقدّم في الصفحة 44 .

فيكون المنيّ بعنوانه مانعاً ، والبول كذلك بناءً على تمام الموضوعية ، أو المنيّ أو البول النجسان كذلك بناءً على جزء الموضوعية ؟

وعلى أيّ تقدير : هل يكون المانع بعنوان صِرف الوجود أو الطبيعة السارية ؟

ولوازم الصور معلومة ، فإنّه إن كان المانع النجس الجامع بعنوان صِرف الوجود ، لو اضطرّ المكلّف إلى بعض النجاسات في صلاته ، لا يجب التطهير من سائر الأنواع ، ولا تقليل ما يضطرّ إليها ، بخلاف ما لو كان بالوجود الساري ، فيجب عليه التطهير والتقليل .

وكذا الحال بالنسبة إلى كلّ نوع لو قلنا بمانعيته مستقلاًّ ، أو بنحو جزء الموضوع ، فإن قلنا بمانعية كلّ نوع بنحو صِرف الوجود ، فإذا اضطرّ إلى ارتكاب نوع منها ، لا يجب تقليله ، لكن يجب تطهير سائر الأنواع غير المضطرّ إليها ، بخلاف ما إذا كان بنحو الوجود الساري ، فإنّه يجب عليه التقليل والتطهير .

ويمكن أن يكون الاعتبار في بعض الأنواع بنحو صِرف الوجود وفي بعضها بنحو الوجود الساري ، ولوازمه معلومة .

هذا بحسب مقام الثبوت .

وأمّا بحسب مقام الدلالة والإثبات ، فيمكن أن يستدلّ برواية خَيْران الخادم المتقدّمة(1) على أنّ المانع هو النجاسة بعنوانها ؛ بأن يقال : إنّ قوله علیه السلام : «لا تصلّ فيه» - أي في الثوب الذي أصابه الخمر - «فإنّه رجس» يدلّ على أنّ تمام الموضوع لعدم جواز الصلاة ، هو الرجس من غير دخالة الخمر فيه ،

ص: 73


1- تقدّمت في الصفحة 51 .

لا بنحو تمام الموضوع ، ولا جزئه .

ومقتضى عموم العلّة : أنّ النجس بعنوانه مانع في جميع أنواع النجاسات ومع مانعية النجاسة التي هي صفة زائدة على الذات لازمة لها ، لا يكون المانع ذات العناوين ، وإلاّ نسبت المانعية إليها ؛ لأولوية الانتساب إلى الذات من الانتساب إلى الصفة الزائدة ، أو تعيّنه ، فالانتساب إلى الرجس بعنوانه الظاهر في أ نّه مانع ، دليل على أن لا مانعية لذوات العناوين ، ولا دخالة لها رأساً .

وتدلّ عليه صحيحة عبداللّه بن سِنان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في الثوب الذي يستعيره الذمّي ، وفيها «ولا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أ نّه نجّسه»(1) .

ويدلّ عليه أيضاً بعض ما ورد فيما لا تتمّ الصلاة فيه(2) .

وكذا يمكن الاستدلال برواية خَيْران الخادم على أنّ المانع هو الطبيعة السارية ؛ بأن يقال : إنّ النهي إذا تعلّق بطبيعة ، يكون ظاهره الزجر عن تلك الطبيعة ، ولازمه العرفي مبغوضيتها بأيّ وجود تحقّقت به ، بخلاف الأمر كما حقّق في محلّه(3) . هذا في الأوامر والنواهي النفسيتين .

وكذا الحال في الإرشاديتين مثل المقام ، فإنّ النهي عن الصلاة في النجس وإن كان إرشاداً إلى مانعيته ، لكن ليس معناه : أ نّه مستعمل في عنوان المانع ؛ بحيث يكون معنى «لا تصلّ في النجس» : أنّ النجس مانع ؛ حتّى يتوهّم

ص: 74


1- تقدّمت في الصفحة 49 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 456 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 31 ، الحديث 2 و4 و5 .
3- مناهج الوصول 2 : 90 .

ظهوره في صِرف الوجود ، على تأمّل فيه أيضاً .

بل هو مستعمل في معناه الموضوع له ؛ أي الزجر عن الصلاة في النجس ، لكن المتفاهم العرفي من الزجر الكذائي هو أ نّه لمانعية النجس ، لا للمبغوضية النفسية .

ولا ريب في أنّ الزجر عن الصلاة في النجس - كالزجر عن شرب الخمر - لازمه الزجر عن الطبيعة بأيّ وجود وجدت ، ولازمه مانعيتها لجميع أنحاء تحقّقها .

وتدلّ عليه - في الجملة - رواية أبي يزيد القسمي ، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام : أ نّه سأله عن جلود الدارِش التي يتّخذ منها الخفاف ، قال : «لا تصلّ فيها ؛ فإنّها تدبغ بخرء الكلاب»(1) ويتمّ المطلوب بعدم الفصل جزماً .

بل يمكن أن يقال : إنّ المتفاهم من التعليل - ولو بضميمة الارتكاز - أنّ خرء

الكلاب لنجاسته منهيّ عنه . بل لا ينبغي الشكّ فيه بعد دلالة الأدلّة المتقدّمة على

أنّ المانع هو القذارة ، لا العناوين الذاتية ، فيصيرمفادها كرواية خَيْران .

ومنه يعلم الوجه في دلالة موثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام وفيها : «لا تصلّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتّى يغسل»(2) بالتقريب المتقدّم ، سيّما مع إشعار به في نفسها .

ص: 75


1- الكافي 3 : 403 / 25 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 373 / 1552 ؛ وسائل الشيعة 3 : 516 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 71 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 278 / 817 ؛ وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 7 .

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب مانعية الطبيعة السارية .

لكن مع ذلك لا تخلو من إشكال بل منع ؛ لأنّ الظاهر من تلك الروايات تعلّق النهي بطبيعة الصلاة ؛ بمعنى أنّ المنهيّ عنه هو الصلاة في النجس ، أو ثوب أصابه الخمر ، ولازمه - بالتقريب المتقدّم - النهي عن جميع مصاديق الصلاة في النجس ، لا في جميع مصاديق النجس .

فمعنى قوله علیه السلام : «لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل»(1) - على فرض الانحلال، أو على التقريب المتقدّم - هو النهي عن إيجاد المكلّف الصلاة مطلقاً وبأيّ مصداق منها في وبر ما لا يؤكل ، لا عدم التلبّس بأيّ مصداق من الوبر ؛ ضرورة أنّ ما يقال في الانحلال(2) أو ما قلنا في لازم النهي(3) ، إنّما هو في الطبيعة التي جعلت تلو النهي ، وصارت منهيّاً عنها ، وهي الصلاة في الوبر على أن يكون ظرفاً لها .

فتحصّل من ذلك : أنّ المتفاهم من الروايات مانعية النجس عن كلّ صلاة ، لا مانعية كلّ مصداق منه عن الصلاة .

مضافاً إلى الفرق بين النواهي النفسية والإرشادية ؛ فإنّ وقوع جميع مصاديق الطبيعة في الاُولى على صفة المبغوضية الفعلية ، لا مانع منه ، بخلاف الثانية ؛ لعدم إمكان اتّصاف المصداق الثاني بالمانعية الفعلية مع اتّصاف المصداق المتقدّم بها ، فلا بدّ من الالتزام بالمانعية الشأنية أو التقديرية ، وهو خلاف ظاهر الأدلّة .

ص: 76


1- اُنظر علل الشرائع : 342 / 1 ؛ وسائل الشيعة 4 : 347 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 2 ، الحديث 7 .
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2 : 395 ؛ نهاية الاُصول : 248 .
3- مناهج الوصول 2 : 90 ، وراجع ما تقدّم أيضاً في الصفحة 75 .

ولا يرد النقض بالموانع الاُخر من غير سنخ النجاسة ؛ لأنّ الأدلّة في كلّ نوع غير ناظرة إلى حال الأدلّة الاُخرى ، فضلاً عن حال تقدّم بعض المصاديق وتأخّرها ، وهذا بخلاف الدليل الواحد الظاهر في النهي الفعلي عن الصلاة في النجس الظاهر في فعلية المانعية، وهي تناسب مانعية صِرف الوجود، ولهذا يمكن دعوى ظهور الأدلّة في مانعية صِرف الوجود من النجس لطبيعة الصلاة السارية .

ولو نوقش في هذا الأخير ، فلا أقلّ من عدم دلالة الروايات على مانعية الوجود الساري بما تقدّم .

نعم ، لرواية أبي يزيد القسمي نوع إشعار به لا يبلغ حدّ الظهور والدلالة ، مع

ضعف سندها جدّاً (1) ، كالإشعار في صحيحة علي بن جعفر الواردة في الثُؤْلول

والجرح(2) .

وأمّا صحيحة الحلبي(3) وموثّقة ابن سِنان(4) الواردتان في كيفية غسل

ص: 77


1- رواها الكليني ، عن محمّد بن أحمد ، عن السيّاري ، عن أبي يزيد القسمي . والرواية ضعيفة بالسيّاري وأبي يزيد القسمي ؛ فإنّ الأوّل منهما ضعيف الحديث وفاسد المذهب عند الشيخ والنجاشي ، والثاني منهما مجهول . رجال النجاشي : 80 / 192 ؛ الفهرست ، الطوسي : 66 / 70 .
2- الفقيه 1 : 164 / 775 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 378 / 1576 ؛ وسائل الشيعة 3 : 504 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 63 ، الحديث 1 .
3- الكافي 3 : 33 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 437 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 24 ، الحديث 3 .
4- الكافي 3 : 32 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 438 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 24 ، الحديث 4 .

الجرح فلا ينبغي توهّم الإشعار فيهما ، فضلاً عن الدلالة . مع أ نّهما غير واردتين في الصلاة .

فتحصّل ممّا ذكر : عدم الدليل على أنّ المانع هو الوجود الساري للنجاسة .

بل يمكن الاستدلال بجملة من الروايات على عدم مانعيته ، مثل ما وردت في جواز الصلاة في الثوب النجس مع تعذّر الإزالة ، كصحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل أجنب في ثوبه ، وليس معه ثوب غيره ، قال : «يصلّي فيه ، فإذا وجد الماء غسله»(1) . ونحوها صحيحة عبدالرحمان بن أبي عبداللّه (2) وغيرها .

وكصحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى علیه السلام قال: سألته عن رجل عريان، وحضرت الصلاة ، فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه دم ، يصلّي فيه ، أو يصلّي عرياناً ؟ قال : «إن وجد ماءً غسله ، وإن لم يجد ماءً صلّى فيه ، ولم يصلّ عرياناً»(3) .

فإنّ عدم الأمر بفرك المنيّ والدم عن الثوب مع أنّ لهما عيناً قابلة له -

سيّما الثوب الذي كلّه أو نصفه دم - دليلٌ على عدم لزوم فركهما وتقليلهما ، ولازمه كون المانع صِرف الوجود ، لا الساري منه .

ومنها : ما وردت في المقام ؛ أي دم القرح والجرح ، كصحيحة أبي بصير قال :

ص: 78


1- الفقيه 1 : 40 / 155 ؛ وسائل الشيعة 3 : 484 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 1 .
2- الفقيه 1 : 160 / 754 ؛ وسائل الشيعة 3 : 484 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 2 : 224 / 884 ؛ وسائل الشيعة 3 : 484 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 5 .

دخلت على أبي جعفر علیه السلام وهو يصلّي ، فقال قائدي : إنّ في ثوبه دماً ، فلمّا انصرف قلت له : إنّ قائدي أخبرني أنّ بثوبك دماً ، فقال : «إنّ بي دماميل ، ولست أغسل ثوبي حتّى تبرأ»(1) .

وموثّقة عبدالرحمان بن أبي عبداللّه قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الجرح

يكون في مكان لا يقدر على ربطه ، فيسيل منه الدم والقيح فيصيب ثوبي ، فقال : «دعه ، فلا يضرّك أن لا تغسله»(2) .

وصحيحة ليث المرادي قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الرجل يكون به الدماميل والقروح ، فجلده وثيابه مملوءة دماً وقيحاً ، وثيابه بمنزلة جلده ، فقال :

«يصلّي في ثيابه ولا يغسلها ، ولا شيء عليه»(3) .

ورواية سَماعة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه ، فلا يغسله حتّى يبرأ وينقطع الدم»(4) . . . إلى غير ذلك .

فإنّ أقرب الاحتمالات فيها : هو أ نّه بعد الابتلاء بالدم زائداً على المقدار المعفوّ عنه وحرجية غسل الدماميل نوعاً أو شخصاً ، لا يكون الدم في

ص: 79


1- الكافي 3 : 58 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 433 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 22 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 259 / 751 ؛ وسائل الشيعة 3 : 435 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 22 ، الحديث 6 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 258 / 750 ؛ وسائل الشيعة 3 : 434 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 22 ، الحديث 5 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 259 / 752 ؛ وسائل الشيعة 3 : 435 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 22 ، الحديث 7 .

الثوب والبدن مانعاً عن الصلاة .

وأمّا احتمال حرجية غسل الثوب نوعاً أو شخصاً فواضح البطلان ، سيّما إلى أن يبرأ القرح والجرح ؛ ضرورة أنّ البرء والاندمال تدريجي التحقّق ، وقبله يوماً أو أزيد لا يكون الدم سائلاً ، ولا تعويض الثوب أو غسله حرجياً ؛ لا نوعاً ولا شخصاً .

فعدم لزوم الغسل والتعويض إلى زمان البرء ، إمّا للعفو عن المانع بعد فرض مانعية الطبيعة السارية ، أو لعدم مانعية الزائد عن صِرف وجود الزائد عن مقدار الدرهم بعد الابتلاء به وحرجية غسله .

والعفو مع فرض المانعية - بلا جهة موجبة له ؛ من الحرج نوعاً أو شخصاً ، بل

مع سهولة التعويض ، كما هو كذلك نوعاً - بعيد في نفسه ، بل عن سوق الروايات ؛ فإنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «لا يضرّك» وقوله علیه السلام : «لست أغسله حتّى تبرأ» لا يبعد أن يكون عدم اقتضائه للمانعية ، لا العفو عن المقتضي .

بل إقامة الدليل على أنّ المانع صِرف الوجود ، غير لازمة ، وعدم الدليل على مانعية الطبيعة السارية كافٍ ؛ بعد جريان الأصل أو الاُصول .

نعم ، يمكن أن يستدلّ لمانعية الطبيعة السارية بموثّقة سَماعة قال : سألته عن الرجل به الجرح والقرح ، فلا يستطيع أن يربطه ، ولا يغسل دمه ، قال : «يصلّي ولا يغسل ثوبه كلّ يوم إلاّ مرّة واحدة ؛ فإنّه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كلّ ساعة»(1) .

ص: 80


1- الكافي 3 : 58 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 433 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 22 ، الحديث 2 .

وروايةِ محمّد بن مسلم عن «مستطرفات السرائر» قال : قال : «إنّ صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها ولا حبس دمها يصلّي ، ولا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرّة»(1) .

بدعوى : أنّ الظاهر منهما لزوم غسل الثوب مرّة في اليوم ، ولولا مانعية الطبيعة السارية لما كان وجه للزومه . بل الظاهر من تعليل الاُولى أنّ عدم لزوم الغسل زائداً على مرّة واحدة لعدم استطاعته ، وإلاّ فالمقتضي له محقّق ، وهو لا يتمّ إلاّ مع مانعية الوجود الساري .

وفيه : أنّ دلالتهما على ما ذكر فرع لزوم الغسل في اليوم مرّة واحدة ، ولا يمكن الالتزام به ؛ إمّا لإعراض الأصحاب عن ظاهرهما وعدم الإفتاء بهما . وإمّا لأنّ مقتضى الجمع بينهما وبين ما تقدّم حملهما على الاستحباب ؛ ضرورة عدم إمكان حمل صحيحة أبي بصير المتقدّمة(2) على غسل أبي جعفر علیه السلام ثوبَه

كلّ يوم مرّة ؛ فإنّها ليست من قبيل المطلق القابل للتقييد ، بل هو إخبار منه عن عدم غسله إلى زمان البرء ، فاللازم حملهما على الاستحباب ، فيكون التعليل لأمر استحبابي لا لزومي ، فدلّت الاُولى على أ نّه لو كان مستطيعاً لكان الراجح عليه الغسل لا اللازم ، وهو لا يتمّ إلاّ بما ذكرناه .

لكن لازم ما ذكرناه أمر لا يمكن الالتزام به ؛ لمخالفته لارتكاز المتشرّعة ، بل من البعيد التزام أحد من الأصحاب به ؛ وهو عدم مانعية سائر النجاسات عن الصلاة بعد ابتلاء المكلّف بواحدة منها ، فيقال فيما نحن فيه : لا يكون البول

ص: 81


1- السرائر 3 : 558 .
2- تقدّمت في الصفحة 78 - 79 .

والمنيّ وغيرهما مانعة ، ويجوز للمكلّف الصلاة مع التلوّث بها عمداً ، والالتزام به في النوع غير المبتلى به غير ممكن ، وأمّا في المبتلى به فليس بذلك البعد ، كما هو مورد الروايات المتقدّمة في الدم والمنيّ(1) .

وقد التزم به - في الجملة - بعضهم مدّعياً عليه الإجماع ؛ قال في «مفتاح الكرامة» : وفي «نهاية الإحكام» و«المنتهى» : لو ترشرش عليه من دمِ غيره فلا عفو(2) ، ونقله الاُستاذ الآقا - أيّده اللّه تعالى

- عن بعض من قرب زمانه ، وردّه بالإجماع على عدم الفرق بين الدمين ، وبمطلقات أخبار العفو . وإليه أشار في «المبسوط»(3) حيث قال : وما نقص(4) عنه . . . من سائر الحيوان»(5) انتهى .

وعن «المدارك» تقريب ثبوت العفو إن أصاب الدم ماءً ، فأصاب الماء الثوب(6) ، وعن «الذكرى» تقويته(7) .

نعم ، عن «شرح الاُستاذ» دعوى الاتّفاق على عدم العفو إن أصاب الدم نجاسة خارجية(8) .

ص: 82


1- تقدّمت في الصفحة 78 .
2- نهاية الإحكام 1 : 287 ؛ منتهى المطلب 3 : 248 .
3- المبسوط 1 : 36 .
4- في مفتاح الكرامة «نقص» بالقاف والصاد المهملة ، ولعلّه بالفاء والضاد المعجمة . [منه قدس سره ]
5- مفتاح الكرامة 2 : 119 - 120 .
6- مدارك الأحكام 2 : 310 .
7- ذكرى الشيعة 1 : 138 .
8- مصابيح الظلام 6 : 201 .

فالتفصيل بين النوع المبتلى به وغيره غير بعيد ؛ وإن كان الاحتياط -

سيّما في بعض الفروع - لازم المراعاة .

المحتملات في العفو عن دم القروح والجروح

إذا عرفت ذلك ، فالمحتملات في باب دم القرح والجرح كثيرة :

ككون الحكم مطلقاً - في نفس القروح والجروح وما يتلوّث بدمهما - دائراً مدار الحرج الشخصي ، فلا يكون في الباب تعبّد خاصّ ، ويكون ممّا قال فيه أبو عبداللّه علیه السلام : «يعرف هذا وأشباهه من كتاب اللّه»(1) .

أو الحرج النوعي ، فيكون التعبّد في المقام لأجله .

أو كون حكم نفس القرح والجرح دائراً مداره شخصاً أو نوعاً ، دون الثياب وما يتلوّث بالدم ، فلا يكون فيهما مانعاً كما تقدّم(2) .

أو يكون معفوّاً عنه على فرض المانعية .

أو كون حكم نفسهما العفو مع الاستمرار واللزوم أو مطلقاً مع فرض عدم المانعية في غيرهما أو العفو .

أو كون الحكم فيهما وما يتلوّث بدمهما مبنيّاً على العفو إمّا مطلقاً ، أو مع الاستمرار . والاستمرار أينما يعتبر يمكن أن يكون المراد منه الاستمرار الفعلي في جميع الأوقات . أو شأنيته ؛ أي تكون له مادّة قابلة لدفع الدم وجريانه . . . إلى غير ذلك من الاحتمالات .

ص: 83


1- الكافي 3 : 33 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 363 / 1097 ؛ وسائل الشيعة 1 : 464 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 39 ، الحديث 5 .
2- تقدّم في الصفحة 79 .

ثمّ إنّ بعضَها مقطوع الفساد بحسب مفاد الأدلّة ، كالاحتمالين الأوّلين ؛ ضرورة عدم حرجية غسل الثياب أو تبديلها إلى زمان البرء ؛ لا شخصاً ولا نوعاً . وبعضَها مبنيّ على عدم مانعية الدم بطبيعته السارية ، وقد مرّ الكلام فيه(1) .

والأولى عطف الكلام على بعض الاحتمالات المعتدّ بها :

في احتمال اختصاص العفو بصورة حرجية الغسل نوعاً

منها : أنّ موضوع العفو هل القرح والجرح إذا كان غسلهما حرجياً ؛ بمعنى أ نّه مع حرجية غسلهما يعمّ العفو الثيابَ وغيرها ممّا يتلوّث به عادة مطلقاً ؛ حرجياً كان غسلهما أو لا ؟

فنقول : بناءً على مانعية الطبيعة السارية ، لا بدّ في رفع اليد عن دليل المانعية من دليل ، والظاهر قصور الأدلّة عن إفادة العفو عن مطلق دم القروح والجروح ، والمتيقّن منها ما يلزم منه الحرج :

أمّا صحيحة أبي بصير ، عن أبي جعفر علیه السلام (2) فمع كونها قضيّة شخصية ، ولم يتّضح أنّ دماميله علیه السلام على أيّة كيفية ، أنّ الظاهر أنّ الدماميل مع كثرتها يعسر عادة غسلها ، ويكون تطهيرها حرجياً ولو نوعاً ، سيّما في اليدين .

بل لا يبعد أن يكون الدُمَّل غير مطلق الجراح عرفاً ، بل ما له مادّة معتدّ بها .

وكيف كان : لا يستفاد منها العفو عن مطلق القروح .

وفي موثّقة سَماعة(3) يكون عدم استطاعة الغسل مفروضاً ، والمراد منه غسل

ص: 84


1- تقدّم في الصفحة 78 - 80 .
2- تقدّمت في الصفحة 78 - 79 .
3- تقدّمت في الصفحة 80 .

نفس الجرح والقرح ، لا غسل الدم عن الثوب ، كما يظهر من الجواب . أو غسل جميع الدم الحاصل منهما باعتبار عدم إمكان غسلهما .

وفي موثّقة عبد الرحمان(1) كان المفروض سيلان الدم والقيح ، وغسل مثله في معرض الضرر ، ويكون فيه الحرج ولو نوعاً .

مع أنّ قوله : «لا يقدر على ربطه» دالّ على احتياجه إلى الربط ، ومثله يكون معتدّاً به ، وغسله حرجياً نوعاً .

والمفروض في صحيحة محمّد بن مسلم(2) أ نّها لا تزال تدمي ، وغسل مثلها حرجي بلا شبهة .

وكذا مورد صحيحة ليث المرادي(3) . وكذا ظاهر «جرح سائل» في رواية سَماعة(4) .

ورواية عمّار(5) مع ضعفها بعلي بن خالد ، ظاهرة فيما يكون معتدّاً به ؛ فإنّ

ص: 85


1- تقدّمت في الصفحة 79 .
2- عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهماالسلام قال : سألته عن الرجل تخرج به القروح فلا تزال تدمي ، كيف يصلّي ؟ فقال : «يصلّي وإن كانت الدماء تسيل» . تهذيب الأحكام 1 : 256 / 744 ؛ وسائل الشيعة 3 : 434 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 22 ، الحديث 4 .
3- تقدّمت في الصفحة 79 .
4- تقدّمت في الصفحة 79 .
5- عن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن الدمّل يكون بالرجل فينفجر وهو في الصلاة ؟ قال : «يمسحه ويمسح يده بالحائط أو بالأرض ، ولا يقطع الصلاة» . تهذيب الأحكام 1 : 349 / 1028 ؛ وسائل الشيعة 3 : 435 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 22 ، الحديث 8 .

«الانفجار» لا يصدق إلاّ مع مادّة كثيرة معتدّ بها ، فيكون غسله حرجياً .

فتحصّل من ذلك : اعتبار الحرج النوعي في غسل نفس الجرح والقرح . لكن لا بمعنى دوران الحكم مدار الحرج حتّى يلزم منه وجوب الغسل عند قرب الاندمال ؛ لعدم الحرج فيه نوعاً ، بل بمعنى أنّ المعتبر كونهما على وجه يكون غسلهما ولو في زمان طغيانهما حرجياً ، فحينئذٍ يكون الدم مطلقاً معفوّاً عنه ولو في زمان لا يكون الغسل حرجياً ، والثوب كذلك .

وتوهّم : أنّ ذلك مستلزم للعفو عن مطلق الجرح والقرح ؛ لعدم الفرق بين ما هو قريب بالاندمال وما هو في رتبته ، مدفوع بكونه قياساً ممنوعاً .

في احتمال اعتبار الاستمرار وتحديده

ومنها : أنّ الاستمرار هل هو معتبر أم لا ؟

لا شبهة في أنّ الاستمرار الفعلي وعدم الفتور في جميع الأوقات غير معتبر ، كما هو ظاهر النصوص ؛ فإنّ الظاهر من صحيحة أبي بصير(1) ، أنّ الغاية لعدم وجوب الغسل هي البرء ، ومعلوم أ نّه تدريجي الحصول ، وينقطع الدم وسيلانه قبله بيوم أو أيّام حسب اختلاف الدماميل .

وأمّا رواية سَماعة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه ، فلا يغسله حتّى يبرأ وينقطع الدم»(2) .

فالظاهر أنّ البرء غاية لا الانقطاع ، وذكره جارٍ مجرى العادة ؛ لكونه لازم

ص: 86


1- تقدّمت في الصفحة 78 - 79 .
2- تقدّمت في الصفحة 79 .

البرء ، فلا يظهر منه القيدية وليس المراد بقوله علیه السلام : «جرح سائل» السيلان الفعلي في كلّ زمان ، بل المراد الذي له مادّة سائلة يسيل منه الدم دفعة بعد دفعة ، وإلاّ فليس في الجروح ما يكون دائم السيلان فعلاً إلى زمان البرء .

هذا مضافاً إلى عدم المفهوم للقيد ولا للشرطية ؛ لكونها محقّقة للموضوع .

ولا يراد من قوله في صحيحة ابن مسلم : «فلا تزال تدمي»(1) السيلان الدائمي الفعلي ؛ لما عرفت . مع أ نّه في السؤال ، لا في كلامه علیه السلام .

وبالجملة : اعتبار السيلان الفعلي ضعيف .

نعم ، المتيقّن من مورد الروايات كونهما داميتين ؛ بمعنى أن يكون لهما مادّة معتدّ بها يكون لها شأنية السريان والإدماء ، فتكون صاحبة الدم والمادّة ، فلا يشمل العفو مطلق الدماميل .

وهذا هو المراد من «الجرح السائل» ومن قوله : «لا تزال تدمي» ولا إطلاق في الباب يشمل غير الداميات والسائلات بالمعنى المتقدّم ؛ أمّا صحيحة أبي بصير فواضح ؛ لكون القضيّة شخصية ، مع أنّ خروج الدماميل ملازم نوعاً لشأنية السيلان وكونها ذا مادّة قابلة له ، سيّما في الأبدان السمينة البدينة . وظاهر

موثّقة سَماعة ذلك ؛ لأنّ ما يحتاج إلى الربط ملازم لها .

وكذا الحال في سائر الروايات حتّى رواية عمّار(2) ؛ لأنّ «الانفجار» لا يقال إلاّ في ما له مادّة سائلة .

ص: 87


1- تقدّمت في الصفحة 85 ، الهامش 2 .
2- تقدّمت في الصفحة 85 ، الهامش 5 .

ثمّ إنّه بناءً على مانعية النجاسات بطبائعها السائلة ، لا يكون سائر النجاسات معفوّاً عنها إذا أصابت الدم المعفوّ عنه ؛ حتّى دم نفسه ، فضلاً عن دم غيره ، فضلاً

عن سائر النجاسات .

بل الظاهر عدم العفو عن الماء الواصل لهذا الدم فتنجّس به .

نعم ، الرطوبات الملازمة للقرح والجرح كالعرق والقيح وكذا الدواء الموضوع عليهما ، معفوّ عنها .

حكم الدم المشكوك كونه من القروح

ولو شكّ في دم أ نّه من القروح أو لا ، فالأحوط عدم العفو وإن كان العفو لا يخلو من وجه ؛ لأنّ المانع عن الصلاة ليس مطلق الدم ، بل الدم المسفوح ، وقد خرج منه ما سفح بالجرح والقرح ، فصار الموضوع بحسب الواقع واللبّ «الدم المسفوح لا منهما» على نحو القضيّة المعدولة ، أو «الدم الذي لا يكون مسفوحاً منهما» على نعت القضيّة الموجبة السالبة المحمول ولا حالة سابقة لهما .

واستصحاب العدم الأزلي لإثبات القضيّة على أحد النحوين مثبت ، كاستصحاب عدم خروجه منهما ، أو استصحاب كون هذا الدم غير خارج منهما ، أو لم يكن خارجاً منهما ؛ فإنّ هذه العناوين ليست موضوعة للحكم .

بل الموضوع الدم المسفوح بالقيد المتقدّم ، وتلك الاستصحابات لا تثبته إلاّ

على الأصل المثبت ، والتفصيل موكول إلى محلّه(1) .

ص: 88


1- مناهج الوصول 2 : 228 ؛ الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 104 - 114 .
فصل في العفو عن الدم القليل

وعفي عن قليل الدم - غير ما استثني - يكون في الثوب بلا إشكال ، وحكي عليه الإجماع مستفيضاً (1) . وهو العمدة في إطلاق الحكم ، وإلاّ فربّما يمكن

المناقشة في دلالة الروايات وإطلاقها بالنسبة إلى العالم العامد :

أمّا صحيحة ابن أبي يعفور(2) فموردها الناسي ، ودعوى فهم عدم المانعية مطلقاً بإلغاء الخصوصية ، ممنوعة بعد اختلاف الحكم في الناسي وغيره في موارد ، فمن الجائز اختصاص العفو به في الدم القليل .

وأمّا رواية إسماعيل الجُعْفي ، عن أبي جعفر علیه السلام ق-ال في الدم يكون في الثوب :

«إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة ، وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسله حتّى صلّى فليعد صلاته ، وإن لم يكن رآه

ص: 89


1- راجع مفتاح الكرامة 2 : 103 ؛ المعتبر 1 : 429 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 73 ؛ نهاية الإحكام 1 : 285 .
2- وهي ما عن عبداللّه بن أبي يعفور - في حديث - قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ، ثمّ يعلم فينسي أن يغسله فيصلّي ثمّ يذكر بعد ما صلّى أيعيد صلاته ؟ قال : «يغسله ولا يعيد صلاته إلاّ أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله ويعيد الصلاة» . تهذيب الأحكام 1 : 255 / 740 ؛ وسائل الشيعة 3 : 429 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث 1 .

حتّى صلّى فلا يعيد الصلاة»(1) .

فمع ضعفها سنداً (2) ، أنّ الظاهر أنّ مقول قول أبي جعفر علیه السلام قوله : «إن كان أقلّ . . .» إلى آخره ، ولم يذكر الجُعْفي خصوصيات السؤال ، ويظهر من الجواب أنّ سؤاله كان فيمن صلّى مع الدم ، ولم يتّضح أ نّه كان مختصّاً بالناسي ، أو العامد ، أو الأعمّ ، ومجرّد عدم ذكره لا يدلّ على الأعمّ . واحتمال كون قوله : «في الدم يكون في الثوب» من أبي جعفر علیه السلام بعيد ، بل غير مناسب لابتداء الكلام .

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ قوله علیه السلام : «وإن كان أكثر» قرينة على أعمّية السؤال والجواب في الدم الأقلّ ، لكنّه محلّ إشكال وتأمّل .

بل الظاهر من قوله علیه السلام : «وكان رآه . . .» إلى آخره ، أنّ رؤيته السابقة صارت موجبة للإعادة ، وهو مخصوص بالناسي .

وبالجملة : في دلالتِها على العفو مطلقاً تأمّل ، فتأمّل .

كدلالةِ مرسلة جميل ، عن أبي جعفر وأبي عبداللّه علیهما السلام أ نّهما قالا : «لا بأس بأن يصلّي الرجل في الثوب وفيه الدم متفرّقاً شبه النضح ، وإن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم»(3) .

فإنّه مع ضعف سندها بعلي بن حديد - ومجرّد أنّ الراوي عنه أحمد بن محمّد

ص: 90


1- تهذيب الأحكام 1 : 255 / 739 ؛ وسائل الشيعة 3 : 430 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث 2 .
2- الرواية ضعيفة بالحسن بن الحسين اللؤلؤي . راجع الجزء الثاني : 409 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 256 / 742 ؛ وسائل الشيعة 3 : 430 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث4 .

ابن عيسى ، وهو كان يخرج من «قم» من يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ، لا يوجب وثاقة الراوي(1) وهو ظاهر ، ولا موثّقية الصدور(2) ؛ لاحتمال اتّكاله على أمر لم يكن عندنا معتمداً عليه. كما أنّ كون المرسل جميلاً وهو من أصحاب الإجماع ، لا يوجب اعتبارها (3) ؛ لعدم دليل مقنع على ما ذكروا في أصحاب الإجماع ، وقد مرّ شطر من الكلام فيهم في باب العصير(4) - يمكن المناقشة في دلالتها ؛ لاحتمال كون «إن» في قوله علیه السلام : «وإن كان . . .» إلى آخره وصليةً .

وقوله علیه السلام : «فلا بأس» اُعيد للفصل الطويل بينه وبين سابقه ، وللتوطئة للقيد المذكور ؛ أي قوله علیه السلام : «ما لم يكن مجتمعاً . . .» إلى آخره ، فيكون التالي للوصلية أخفى الأفراد . ولو كان العفو مطلقاً حتّى بالنسبة إلى العامد ، كان حقّ العبارة غير ما ذكرت . فعلى الوصلية تدلّ الرواية على العفو بالنسبة إلى من رأى ، فنسيه وصلّى .

ولو قلنا بشرطية «إن» كان الظاهر من الرواية عدمَ البأس بشبه النضح مطلقاً ، على تأمّل ، والتفصيلَ بين قدر الدرهم وأقلّه في غيره ، فلا يبعد أن يكون الظاهر حينئذٍ أيضاً بيان حال الناسي ؛ لظهور قوله علیه السلام : «رآه صاحبه قبل ذلك» في أنّ المقتضي للإعادة رؤيته قبلاً ، وفي العامد يكون المقتضي العلم به فعلاً لا سابقاً .

ص: 91


1- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 243 .
2- نفس المصدر .
3- نفس المصدر .
4- تقدّم في الجزء الثالث : 350 .

وكيف كان : لا دلالة فيها على العفو مطلقاً ولو عن العامد .

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : قلت له : الدم يكون في الثوب عليّ وأنا في الصلاة ، قال : «إن رأيته وعليك ثوب غيره فأطرحه وصلّ في غيره ، وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ، ولا إعادة عليك ؛ ما لم يزد على مقدار الدرهم . وما كان أقلّ من ذلك فليس بشيء ؛ رأيته من قبلُ أو لم تره . وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة ، فأعد ما صلّيت فيه»(1) .

فالتفصيل فيها بين الثوب المنحصر وغيره ، وهو مسألة اُخرى . واحتمال أنّ قوله علیه السلام : «وما كان أقلّ» أمر مستأنف ، لا من فروع الثوب المنحصر ، بعيد غايته . مع أ نّه على فرضه يكون مخصوصاً بالناسي ؛ بمناسبة قوله علیه السلام : «رأيته من قبلُ أو لم تره» بالتقريب المتقدّم .

نعم ، عن «التهذيب» : «وما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشيء» بزيادة الواو ، وحذف «وما كان أقلّ»(2) وعن «الاستبصار» حذفه بلا زيادة الواو(3) .

وفي نسخة من «التهذيب» مقروءة على المحدّث المجلسي كتبت الواو في ذيل السطر ، مع علامة النسخة ، يظهر منها أنّ نسخة الأصل بلا واو ، وفي نسخة

ص: 92


1- وسائل الشيعة 3 : 431 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث 6 .
2- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 307 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 254 / 736 .
3- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 307 ؛ جامع أحاديث الشيعة 2 : 178 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 28 ، الحديث 1621 .

زيادتها ، وليس فيها لفظ «من قبل» بعد قوله علیه السلام : «رأيته» فتكون العبارة كذلك : «وما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشيء ؛ رأيته أو لم تره . . .» إلى آخره .

فعلى نسخة زيادة الواو وسقوط «من قبل» تدلّ الرواية على مذهب المشهور من جهةٍ ؛ أي التفصيل بين القليل والكثير مطلقاً ، وجواز الصلاة مع قليله ولو عمداً .

لكنّ الاتّكال على هذه النسخة - مع مخالفتها «للكافي» و«الفقيه»(1) بل و«الاستبصار» وبعض نسخ «التهذيب» - مشكل ، سيّما مع مخالفتها لمذهب المشهور من جهة اُخرى ، كما يأتي(2) .

وأمّا رواية أبي بصير ، عن أبي عبداللّه أو أبي جعفر علیهما السلام قال : «لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض ، فإنّ قليله وكثيره في الثوب إن رآه أو لم يره سواء»(3) فمع ضعف سندها (4) ، منصرفة عن العمد .

لكنّ الإنصاف : أنّ المناقشة في هذه المسألة المجمع عليها في غير محلّها . بل

ص: 93


1- الكافي 3 : 59 / 3 ؛ الفقيه 1 : 161 / 758 .
2- يأتي في الصفحة 99 .
3- الكافي 3 : 405 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 257 / 745 ؛ وسائل الشيعة 3 : 432 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 21 ، الحديث 1 .
4- رواها الكليني ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمّد بن أحمد ، عن محمّد بن عيسى ، عن النضر بن سويد ، عن أبي سعيد المكاري ، عن أبي بصير . والرواية ضعيفة السند بأبي سعيد المكاري ، كما يأتي التصريح به من المصنّف قدس سره في الصفحة 107 .

الظاهر أنّ المناقشة في إطلاق بعض الروايات - كرواية الجُعْفي وبعض آخر - كذلك .

بل مقتضى موثّقة داود بن سِرحان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في الرجل يصلّي ، فأبصر في ثوبه دماً ، قال : «يتمّ»(1) صحّة الصلاة في الدم مطلقاً ، خرج منه الزائد على مقدار العفو إجماعاً ونصوصاً ، وبقي الباقي .

وتوهّم التفصيل بين أثناء الصلاة وغيره ، فاسد مخالف للإجماع .

وكيف كان : لا ينبغي الإشكال في المسألة من هذه الجهة .

إلحاق البدن بالثوب في العفو

كما لا ينبغي الإشكال في إلحاق البدن بالثوب ؛ لعدم القول بالفرق . بل مقتضى تصريح جمع(2) وإطلاق آخر(3) الإجماع عليه . ومجرّد سكوت جمع عن البدن(4) ، لا يوجب استظهار الفتوى بالاختصاص ، سيّما أنّ مثل الصدوق يوافق لفظ النصّ في التعبير(5) .

والشيخ في «الخلاف» - على النسخ المشهورة(6) - ألحق البدن به ، ويظهر منه

ص: 94


1- تهذيب الأحكام 1 : 423 / 1344 ؛ وسائل الشيعة 3 : 430 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث 3 .
2- الانتصار : 93 ؛ السرائر 1 : 177 ؛ نهاية الإحكام 1 : 285 .
3- المعتبر 1 : 429 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 73 ؛ مدارك الأحكام 2 : 311 .
4- المقنعة : 69 ؛ المراسم : 55 ؛ المبسوط 1 : 36 .
5- الفقيه 1 : 42 / 165 ؛ الهداية ، الصدوق: 72.
6- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 103 ؛ الخلاف 1 : 476 - 477 .

الإجماع عليه ، وهو قرينة على أنّ ما في «المبسوط»(1) ليس مخالفاً للخلاف .

كما أنّ دعوى السيّد إجماع الإمامية على العفو في البدن(2) ، دليل على أنّ رأي اُستاذه المفيد موافق له .

وأمّا ابن زُهرة ، فكلامه في دم القروح والجروح ، وهو أمر آخر . مع أ نّه لا يظهر منه الاختصاص ، بل مقتضى مجموع كلامه عدمه ، وإنّما ذكر الثوب مثالاً ، ولهذا ذكره أيضاً في الدماء الثلاثة(3) مع القطع بعدم إرادته الخصوصية .

وأمّا سلاّر ، فقد عقد البحث رأساً في تطهير الثياب عن النجاسات ، فلا يظهر

منه القيدية(4) .

هذا مضافاً إلى إمكان استفادة الإلحاق من رواية أبي بصير ، عن أبي عبداللّه أو أبي جعفر علیهما السلام المتقدّمة(5) ، فإنّ مقتضى إطلاق صدرها عدم وجوب الإعادة في الدم القليل في الثوب والبدن .

وأمّا ذكر الثوب في التعليل الراجع إلى المستثنى ، فالمقطوع عدم قيديته ، بل ذكر من باب المثال ؛ ضرورة وجوب تطهير البدن - كالثوب - عن دم الحيض ، فلا يجوز تقديره في الصدر ودعوى دخالته في الحكم ، كما لا تتّجه دعوى عدم الإطلاق في الصدر ؛ بتوهّم أ نّه بصدد بيان الفرق بين الدمين ، أو أنّ الصدر

ص: 95


1- المبسوط 1 : 36 .
2- الانتصار : 93 .
3- غنية النزوع 1 : 41 .
4- المراسم : 55 .
5- تقدّمت في الصفحة 93 .

توطئة لبيان حكم دم الحيض ، فإنّ كلّ ذلك تكلّف وتهجّس مخالف للظاهر .

ثمّ إنّ المستفاد منها أصل التفصيل ، وأمّ-ا مقدار المعفوّ عن-ه فمستفاد : من سائر الروايات ؛ بعد الجزم بعدم التفصيل فيه بين الثوب والبدن ، ومن صحيح-ة ابن مسلم المتقدّمة(1) ؛ فإنّ قوله علیه السلام : «وما كان أقلّ من ذلك فليس بشيء» ظاهر في أنّ القليل منه لأجل قلّته ليس بشيء ، ولا يكون مانعاً ، وأنّ القلّة بما هي ، تمام الموضوع لعدم المانعية ، ولو كان الثوب دخيلاً في الحكم لم يتّجه ذلك التعبير .

بل يمكن الاستئناس لعدم دخالة الثوب في الروايات بمقطوعية عدم دخالته في الدم الذي بمقدار الدرهم أو أكثر ، مع أ نّه مذكور فيها أيضاً ، فالقطع بعدم دخالته في غير المعفوّ عنه وأ نّه ذكر تبعاً للسائل أو من باب المثال ، يقرّب أنّ ذكره في المعفوّ عنه أيضاً كذلك ؛ فإنّ التفرقة بين الفقرات خلاف ظاهر السياق وارتكاز العرف .

ومن رواية مثنّى بن عبدالسلام ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت : إنّي حككت جلدي ، فخرج منه دم ، فقال : «إن اجتمع قدر حمّصة فاغسله ، وإلاّ فلا»(2) بعد عدم إمكان التفصيل بين الثوب والبدن في مقدار الدم ، وفساد حمل الرواية على عدم نجاسته إذا كان أقلّ من حمّصة ؛ لمخالفته لارتكاز العقلاء والمتشرّعة ، بل للقطع بفساده ، فلا محيص عن حملها على عدم مانعية الأقلّ منها ، وهو يعطي

ص: 96


1- تقدّمت في الصفحة 92 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 255/ 741 ؛ وسائل الشيعة 3 : 430 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث 5 .

التفصيل بين القليل والكثير في البدن ، وإن كانت في مقداره محمولة على بعض المحامل(1) ، تأمّل . وكيف كان : لا إشكال في أصل الحكم .

هل الدرهم غاية للرخصة أو للمنع ؟

وإنّما الإشكال في أنّ مقدار الدرهم غاية للرخصة أو للمنع ، فالمشهور - كما عن «كشف الالتباس» و«المسالك» - الثاني(2) ، بل في «الخلاف» الإجماع عليه(3) .

وذهب سلاّر إلى الأوّل(4) ، وربّما نسب(5) ذلك إلى السيّد في «انتصاره» وهو خلاف الواقع ؛ فإنّه بعد ما صرّح بأ نّه ممّا انفردت به الإمامية هو جواز الصلاة في

ثوب أو بدن أصاب منه ما ينقص مقداره عن سعة الدرهم ، ونقل عن الشافعي القول بعدم الاعتبار بالدرهم في جميع النجاسات(6) ، وعن أبي حنيفة القول باعتبار مقداره في جميعها (7) قال : «فاعتباره في بعضها دون بعض هو التفرّد» .

ثمّ ق-ال : «ويمكن القول : بأنّ الشيعة غير متفرّدة بهذه التفرقة» ثمّ حكى

ص: 97


1- جواهر الكلام 6 : 108 ؛ الطهارة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 240 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 71 .
2- كشف الالتباس 1 : 454 ؛ مسالك الأفهام 1 : 125 .
3- الخلاف 1 : 477 .
4- المراسم : 55 .
5- مدارك الأحكام 2 : 312 .
6- الاُمّ 1 : 55 ؛ بداية المجتهد 1 : 83 ؛ المبسوط ، السرخسي 1 : 60 .
7- المجموع 3 : 136 .

قول زفر وقال : «هو نظير قول الإمامية» ثمّ حكى قول حسن بن صالح وقال : «هذا مضاهٍ لقول الإمامية»(1) .

ومراده في أصل التفصيل والتفرقة بين الدم وغيره ، لا في مقداره ؛ ضرورة أنّ قوليهما مختلفان في المقدار ، فإنّ الأوّل جعل الدرهم معفوّاً عنه دون الثاني .

وأمّا ما في خلال كلامه في مقام الاستدلال ممّا يوهم خلاف المشهور ، فلا بدّ من حمله على صدر كلامه ؛ دفعاً للتناقض . بل ليس في خلال البحث بصدد بيان الخصوصيات ، بل بصدد بيان أصل التفرقة ، فالمخالف هو سلاّر ظاهراً .

وتدلّ على المشهور صحيحة ابن أبي يعفور ومرسلة جميل بل ورواية إسماعيل الجُعْفي(2) فإنّ الظاهر من قوله : «إن كان أقلّ فكذا ، وإن كان أكثر فكذا» أنّ الجملة الثانية بيان لمفهوم الجملة الاُولى ، وإنّما خصّ بالذكر بعض المصاديق الشائعة منه ؛ لأنّ المساوي لمقدار الدرهم قليل الوجود ، بخلاف الأكثر منه ، ولا مفهوم للجملة الثانية التي بصدد بيان مفهوم الاُولى عرفاً . فتوهّم

أنّ مفهومي الجملتين متعارضان ، بل مفهوم الثانية معارض للروايتين المتقدّمتين ، أيضاً ضعيف .

وأضعف منه توهّم كون الجملة الاُولى بيان بعض مصاديق مفهوم الجملة الثانية عكس ما قلناه ؛ ضرورة أ نّه في غاية الحزازة ، ومخالف للمحاورات العرفية .

ص: 98


1- الانتصار : 93 - 94 .
2- تقدّمت الروايات في الصفحة 90 - 91 .

نعم ، يحتمل أن لا يكون لمثل الجملتين مفهوم ، فكان مقدار المساوي مسكوتاً عنه .

لكنّ الأقرب ما ذكرناه وإن لا يختلف الحكم على هذا الاحتمال ، غاية الأمر لا تكون هذه الرواية متعرّضة للمقدار المساوي ، فنأخذ فيه بالروايتين المتقدّمتين .

وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة(1) ، فعلى نسخة «الكافي» و«الفقيه» لا يبعد أن يكون مفادها كرواية الجُعْفي ؛ فإنّ قوله علیه السلام : «ما لم يزد عليه» من تتمّة حكم انحصار الثوب مع رؤية الدم في الأثناء ، وهو مسألة اُخرى ، والظاهر أنّ قوله علیه السلام : «وما كان أقلّ من ذلك» مسألة اُخرى برأسها ، لا في موضوع الثوب المنحصر حتّى يكون تتمّة للجملة السابقة ؛ فإنّ جعله من ت-تمّتها يوجب التكرار في حكم الزائد عن مقدار الدرهم .

مضافاً إلى أنّ ظاهر الذيل ينافي كونه في الفرض السابق ، فحينئذٍ تكون الشرطيتان نظير الشرطيتين في رواية الجُعْفي ، وقد عرفت حالهما ، فلو فرض كونها من تتمّتها فتكون مسألة اُخرى : هي فرض انحصار الثوب ، تأمّل .

نعم ، على نسخة «التهذيب» تكون معارضة لسائر الروايات ، لكن قد عرفت عدم جواز الاعتماد على نسخته(2) ، وعلى فرض التعارض لا يعتمد عليها ؛ لمخالفتها للمشهور ، وكونها شاذّة ، ولموافقتها لأبي حنيفة ، ومخالفتها للقواعد والعمومات ، فلا إشكال في الحكم . هذا إن كان الدم مجتمعاً قدر الدرهم .

ص: 99


1- تقدّمت في الصفحة 92 .
2- تقدّم في الصفحة 92 - 93 .
حكم الدم المتفرّق

وأمّا إن كان متفرّقاً ، فإن لم يكن قدره لو اجتمع فلا إشكال - بل لا خلاف كما في «الجواهر»(1) - في مساواته للمجتمع في العفو عنه ؛ لإطلاق الأدلّة ، وخصوص ما تقدّم(2) .

وإن كان قدره أو زائداً ففيه خلاف ، فعن «المبسوط» و«السرائر» و«النافع» و«الشرائع» وابن سعيد(3) والأردبيلي(4) و«التلخيص» و«الكفاية» و«الذخيرة» و«الحدائق» وبعض من متأخّري المتأخّرين العفو(5) . وعن «الذكرى» : «أ نّه المشهور»(6) .

وفي «المراسم» و«الوسيلة»(7) وعن العلاّمة - في جملة من كتبه(8) - وجملة

ص: 100


1- جواهر الكلام 6 : 125 .
2- هي صحيحة ابن أبي يعفور ، تقدّمت في الصفحة 89 .
3- المبسوط 1 : 36 ؛ السرائر 1 : 178 ؛ المختصر النافع : 18 ؛ شرائع الإسلام 1 : 45 ؛ الجامع للشرائع : 23 .
4- اُنظر جواهر الكلام 6 : 125 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 317 و328 .
5- تلخيص المرام : 17 (وفيه : فقد عني . . . عن المتفرّق على رأي) ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 62 ؛ ذخيرة المعاد : 159 / السطر 12 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 315 - 316 ؛ مدارك الأحكام 2 : 318 .
6- ذكرى الشيعة 1 : 137 .
7- المراسم : 55 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 77 .
8- تحرير الأحكام 1 : 160 ؛ منتهى المطلب 3 : 253 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 74 ؛ قواعد الأحكام 1 : 193 .

وافرة ممّن تأخّر عنه(1) عدمه ، بل عن بعضهم دعوى الشهرة عليه(2) ، وعن جملة نسبته إلى أكثر المتأخّرين(3) ، وهو ظاهر «نهاية» الشيخ(4) على تأمّل .

وعن المحقّق في «المعتبر» القول بالعفو إلاّ أن يتفاحش(5) ، لكنّ عبارته فيه على خلاف ما نسب إليه ، فراجع(6) .

ومنشأ اختلافهم الاختلاف في فهم الروايات ، فقد استدلّ كلّ من القائل بالعفو وعدمه برواية ابن أبي يعفور ، ومحتملاتها كثيرة لا يمكن الركون إلى واحد منها ، ولا استظهار واحد من القولين منها ؛ لاحتمال أن يكون «مقدار الدرهم» في قوله علیه السلام : «إلاّ أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً» مرفوعاً اسماً للفعل الناقص ، وخبره «مجتمعاً» .

وأن يكون منصوباً خبراً له ، واسمه الضمير الراجع إلى الدم و«مجتمعاً» خبراً بعد خبر ، أو الراجع إلى نقط الدم و«مجتمعاً» خبراً ثانياً ؛ إمّا لسهولة أمر التذكير والتأنيث ، أو لكونها مضافة إلى المذكّر الممكن قيامه مقامها .

وعلى التقديرين : يمكن أن يكون «مجتمعاً» حالاً محقّقة من «مقدار

الدرهم» أو من الضمير ، وأن يكون حالاً مقدّرة .

ص: 101


1- ذكرى الشيعة 1 : 137 ؛ جامع المقاصد 1 : 172 ؛ روض الجنان 1 : 444 .
2- كشف الالتباس 1 : 456 .
3- روض الجنان 1 : 444 ؛ ذخيرة المعاد : 159 / السطر 13 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 315 .
4- النهاية : 51 - 52 .
5- اُنظر مدارك الأحكام 2 : 318 .
6- المعتبر 1 : 430 - 431 .

وعلى جميع الاحتمالات تكون ظاهرة في العفو ، إلاّ على تقدير كون الحال مقدّرة ، وقد قيل : «باتّفاق أئمّة الأدب على اشتراط كون الحال مقدّرة بمخالفة زمان العامل مع الحال»(1) وهو مفقود في المقام ، فعلى فرض صحّة ذلك يكون

هذا الاحتمال مرجوحاً ؛ وإن كان انقطاع الاستثناء على سائر الاحتمالات مخالفَ الظاهر أيضاً .

لكنّ الإنصاف : أنّ الاتّكال على تلك الرواية - مع تلك الاحتمالات الكثيرة - لإثبات كلّ من طرفي الدعوى مشكل .

نعم ، ظاهر مرسلة جميل(2) العفو ؛ فإنّ قوله علیه السلام : «وإن كان قد رآه صاحبه . . .» إلى آخره ، وصلية ، وإلاّ يلزم التفصيل بين شبه النضح وغيره في العلم به وعدمه ، وهو خلاف الواقع ، وعلى الوصلية تكون ظاهرة في العفو ؛ فإنّ قوله علیه السلام : «فلا بأس به . . .» إلى آخره ، بيان للجملة المتقدّمة ؛ أي لا بأس بالدم ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم ، فشبه النضح لا بأس به .

لكنّ الاتّكال عليها مشكل ؛ لضعف سندها (3) ، وعدم جابر له ؛ لأنّ الأصحاب وإن أفتوا بمضمون روايات الباب ، لكن لمّا كانت بينها روايات صحيحة معتمدة لا يظهر منهم الاتّكال على تلك المرسلة .

ص: 102


1- رياض المسائل 2 : 378 ؛ مستند الشيعة 4 : 302 ؛ جواهر الكلام 6 : 126 - 127 ؛ مغني اللبيب 2 : 605 - 606 .
2- تقدّمت في الصفحة 90 .
3- تقدّم وجه ضعف سندها بعلي بن حديد في الصفحة 90 .

وأمّا رواية إسماعيل الجُعْفي(1) وصحيحة محمّد بن مسلم(2) فيمكن أن يستدلّ بهما للطرفين بأن يقال : إنّ المراد بالدم والثوب جنسهما ، فيكون المعنى : إن كان جنس الدم في جنس الثوب أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد ، وإن كان أكثر فيعيد ، وإطلاقهما شامل للمتفرّق .

وأن يقال : إنّ الحكم على طبيعتي الدم والثوب ، وهما صادقتان على المصداق الخارجي الفعلي ، وليس في الخارج من طبيعة الدم إلاّ هذا المصداق ، وذاك ، وذلك ، وكذا الثوب ، وأمّا مجموع الدمين والدماء فليس مصداقاً للدم ، ولا موجوداً في الخارج ، وفرض الاجتماع لا يوجب إلاّ المصداق الفرضي لا الفعلي ، وهذا خلاف ظواهر الأدلّة .

فك-لّ مصداق محقّق في الخارج منه أقلّ من مقدار الدرهم فرضاً ، وغير ذلك غير موجود خارجاً إلاّ بحسب الفرض والتعليق المخالف للظاهر ، فالروايتان دالّتان على القول بالعفو إن كان العرف مساعداً على ما ذكرناه ، كما لا يبعد .

ومن هنا يمكن الاستدلال عليه برواية أبي بصير المعمول بها عند الأصحاب ، عن أبي جعفر أو أبي عبداللّه علیهما السلام قال : «لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض ، فإنّ قليله وكثيره في الثوب إن رآه وإن لم يره سواء»(3) .

ص: 103


1- تقدّمت في الصفحة 89 .
2- تقدّمت في الصفحة 92 .
3- تقدّمت في الصفحة 93 .

فإنّ ما في الخارج شبه النضح مصاديق كثيرة يصدق على كلّ منها : «أ نّها دم لا تبصره» ومجموعها ليس إلاّ مصداقاً تخيّلياً . إلاّ أن يكون قوله علیه السلام : «لا تبصره» كناية عن الدم القليل المقابل للكثير ، وقلنا : بأنّ العرف يرى الدماء التي على شبه النضح كثيراً .

وتدلّ على العفو صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن دم البراغيث يكون في الثوب ، هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه ؟ قال : «لا ، وإن كثر فلا بأس أيضاً بشبهه من الرعاف ، ينضحه ولا يغسله»(1) .

فإنّ الظاهر أنّ قوله علیه السلام : «ينضحه ولا يغسله» راجع إلى دم البراغيث ؛ لأ نّه مورد السؤال والجواب ، وإنّما ذكر الرعاف استطراداً وتطفّلاً ، والمنظور الأصلي بيان حكم دم البراغيث . وللمناسبة بينه وبين النضح ، كما هو وارد في بعض موارد اُخر نظيره ممّا لا يكون قذراً ، كالملاقي مع الكلب يابساً . وللقرينة العقلية على عدم كون المراد منه دم الرعاف ؛ حيث يوجب النضح تكثير النجس لا تطهيره ، فلا شبهة في رجوعهما إلى دم البراغيث ، فلا إشكال في الرواية من هذه الحيثية .

وأمّا دلالتها على المطلوب فواضحة ، بل تدلّ على العفو وإن كثر وتفاحش ؛ لظهور التشبيه فيه ، فلا إشكال في الرواية سنداً ولا دلالة .

وتدلّ عليه إطلاق مرفوعة أبي عبداللّه ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قال : «دمك

ص: 104


1- الكافي 3 : 59 / 8 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 259 / 753 ؛ وسائل الشيعة 3 : 431 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث 7 .

أنظف من دم غيرك ، إذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس ، وإن كان دم غيرك - قليلاً أو كثيراً - فاغسله»(1) بعد حمل ذيلها على الاستحباب في الدم القليل ، وكون المراد بالكثير مقابل النضح ؛ لعدم الفصل في الدماء .

فتحصّل ممّا ذكر : قوّة القول الأوّل .

عدم الفرق في الدم المتفرّق بين المتفاحش وغيره

ومقتضى إطلاق الروايات عدم الفرق بين المتفاحش وغيره . مضافاً إلى ظهور صحيحة الحلبي فيه كما تقدّم . ودعوى انصرافها عن المتفاحش(2) في غير محلّها ، كما أنّ الاستبعاد في الأحكام التعبّدية المجهولة المناط ، في غير محلّه .

وأمّا رواية «دعائم الإسلام»(3) فلا ركون إليها بعد ضعفها سنداً ، ووهنها متناً .

لكنّ الاحتياط حسن على كلّ حال ، سيّما مع كون الثوب واحداً ، وسيّما مع التفاحش جدّاً .

ص: 105


1- الكافي 3 : 59 / 7 ؛ وسائل الشيعة 3 : 432 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 21 ، الحديث 2 .
2- راجع مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 103 .
3- وهي ما عن الباقر والصادق عليهماالسلام أ نّهما قالا في الدم يصيب الثوب : «يغسل كما تغسل النجاسات» ورخّصا في النضح اليسير منه ومن سائر النجاسات ، مثل دم البراغيث وأشباهه ، قالا : «فإذا تفاحش غسل» . دعائم الإسلام 1 : 117 ؛ بحار الأنوار 77 : 92 / 9 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 565 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 15 ، الحديث 2 .
حول ما استثني من أدلّة العفو

ثمّ إنّه قد استثني من أدلّة العفو موارد :

منها : الدماء الثلاثة

كما في «الوسيلة» و«المراسم» و«الغنية» و«الشرائع» وعن «السرائر» و«كشف الحقّ» وكتب الشهيدين(1) ، بل في «الغنية» الإجماع(2) ، ولا يبعد استظهار دعوى الإجماع من «الخلاف»(3) وعن «السرائر» عدم الخلاف فيه(4) ، بل عن ظاهر «كشف الحقّ» هو من دين الإمامية(5) . ويظهر من «الانتصار» إلحاق النفاس بالحيض(6) .

هذا مضافاً إلى رواية أبي بصير المتقدّمة(7) بالنسبة إلى دم الحيض ، وهي مرويّة في «الوافي» عن أبي جعفر أو أبي عبداللّه علیهما السلام

وفي «التهذيب»

ص: 106


1- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 77 ؛ المراسم : 55 ؛ غنية النزوع 1 : 41 ؛ شرائع الإسلام 1 : 45 ؛ السرائر 1 : 176 ؛ نهج الحقّ وكشف الصدق : 419 ؛ الدروس الشرعية 1 : 126 ؛ البيان : 95 ؛ مسالك الأفهام 1 : 125 ؛ الروضة البهية 1 : 67 .
2- غنية النزوع 1 : 41 .
3- الخلاف 1 : 476 - 477 .
4- السرائر 1 : 176 .
5- نهج الحقّ وكشف الصدق : 419 .
6- الانتصار : 95 .
7- تقدّمت في الصفحة 93 .

عن أبي عبداللّه وأبي جعفر علیهما السلام كليهما (1) .

والإشكال فيها بالقطع(2) غير وجيه ، مضافاً إلى أنّ قطع مثل أبي بصير لا يضرّ ؛ بعد القطع بأنّ مثله لا يقول إلاّ مع السماع عن المعصوم علیه السلام .

كما أنّ تضعيفها بأبي سعيد المُكاري(3) في غير محلّه بعد الجبر بعمل الأصحاب ، كما أشار إليه المحقّق(4) أيضاً .

وظاهرها بل صريحها عدم العفو عن الأقلّ من الدرهم ، فإنّ الاستثناء فيه عن دم لم تبصره ، وهو أقلّ من الدرهم ، فالمراد بالقليل هو مثل ما في المستثنى منه ، وهو واضح .

وأمّا دم النفاس ، فمضافاً إلى الإجماعات المتقدّمة - التي لا يضرّ بها نسبة الإلحاق في «المعتبر» إلى الشيخ ؛ بحيث يظهر منه اختصاصه به(5) ، فإنّه خلاف الوجدان ؛ لأنّ كثيراً ممّن تقدّم على المحقّق لم يفرّق بين الدماء الثلاثة ، بل ادّعى

الإجماع أو عدم الخلاف عليه(6) - الإجماعات المدّعاة في اتّحاد حكم النفاس مع الحيض إلاّ فيما استثني(7) .

ص: 107


1- الوافي 6 : 183 / 7 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 257 / 745 .
2- اُنظر المعتبر 1 : 428 ؛ مدارك الأحكام 2 : 316 .
3- نفس المصدر .
4- المعتبر 1 : 428 .
5- المعتبر 1 : 429 .
6- راجع الخلاف 1 : 476 - 477 ؛ غنية النزوع 1 : 41 ؛ السرائر 1 : 176 .
7- غنية النزوع 1 : 40 ؛ المعتبر 1 : 257 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 332 ؛ جواهر الكلام 6 : 120 .

وأمّا دعوى : أنّ النفاس حيض محتبس(1) ، فقد مرّ في محلّه أ نّه لا دليل عليها (2) .

وأمّا دم الاستحاضة ، فمضافاً إلى ما تقدّم ، تدلّ على عدم العفو عنه : الإجماعات المستفيضة المنقولة(3) والشهرة المحقّقة على لزوم تبديل القطنة في أوقات الصلاة في القليلة منها . مع أنّ الغالب فيها عدم بلوغ الدم مقدار الدرهم ، سيّما إذا قلنا : بأنّ مقداره قدر أخمص الراحة .

فالشهرة قائمة على وجوب التبديل من غير تفصيل من الصدر الأوّل ، وهي الحجّة القاطعة ، سيّما مع ما مرّ في محلّه : من أنّ إطلاق الأدلّة على خلاف الإجماعات والشهرات(4) ، ومعه يزيد الوثوق بها .

ولا شبهة في أنّ التبديل ليس واجباً تعبّدياً نفسياً ، بل لمانعيته عن الصلاة ، كما لا شبهة في أنّ الظاهر من الأدلّة أنّ المانع هو الدم بما هو من غير دخالة للقطنة والمحلّ فيه ، ولهذا قلنا بلزوم تبديل الخرقة أيضاً إن تلوّثت به(5) ، فيستفاد منها مانعيته في الثوب والبدن ؛ قليلاً كان أو كثيراً .

بل يمكن الاستدلال عليه بإطلاق بعض ما ورد في المستحاضة المتوسّطة على لزوم تبديل القطنة(6) ؛ لعدم ملازمة التوسّط مع كون الدم بمقدار

ص: 108


1- جواهر الكلام 6 : 120 - 121 .
2- تقدّم في الجزء الأوّل : 534 - 535 .
3- راجع مفتاح الكرامة 3 : 329 .
4- تقدّم في الجزء الأوّل : 447 .
5- تقدّم في الجزء الأوّل : 449 - 450 .
6- راجع وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 .

الدرهم ، فإنّ الميزان فيه هو ثقب القطن ، ولا يلزم منه أكثريته منه ، فلو منع ذلك فيكفي ما تقدّم .

فإلحاقهما بالحيض مع أ نّه أحوط ، لا يخلو من قوّة .

ومنها : دم نجس العين

فقد استثناه العلاّمة في «القواعد» و«التذكرة» وعن سائر كتبه ذلك(1) ، بل عن جملة من الأصحاب استثناؤه(2) .

وعن الطوسي(3) والراوندي(4) استثناء دم الكلب والخنزير ، وربّما ينسب إليهما استثناء مطلق دم نجس العين(5) .

وعن ابن إدريس - بعد نسبة استثناء دم الكلب والخنزير إلى الراوندي معلّلاً : بأ نّه دم نجس العين - قال : «وهذا خطأ عظيم وزلل فاحش ؛ لأنّ هذا هدم وخرق لإجماع أصحابنا»(6) انتهى .

وقد استدلّ عليه تارة : بأنّ ملاقاة دم نجس العين لسائر أجزائه ، موجبة لطروّ

ص: 109


1- قواعد الأحكام 1 : 193 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 73 ؛ منتهى المطلب 3 : 255 ؛ تبصرة المتعلّمين : 17 ؛ مختلف الشيعة 1 : 318 .
2- الدروس الشرعية 1 : 126 ؛ مسالك الأفهام 1 : 125 ؛ رياض المسائل 2 : 381 ؛ جواهر الكلام 6 : 121 - 122 .
3- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 77 .
4- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 114 ؛ مختلف الشيعة 1 : 318 .
5- كشف الالتباس 1 : 453 .
6- السرائر 1 : 177 .

نجاسة اُخرى عليه منها ، وهي غير معفوّ عنها (1) .

وبعبارة اُخرى : أدلّة العفو عن الدم ناظرة إلى العفو عنه ، لا عنه وعن ملاقيه ، كما لو لاقى نجاسة اُخرى كالعذرة والبول .

واُخرى : بأنّ دم نجس العين منطبَق عنوانين :

أحدهما : كونه دماً ، وهو مانع .

وثانيهما : كونه جزء من نجس العين ، وهو مانع آخر .

وما دلّ على العفو عن الدم قاصر عن الدلالة على العفو عن العنوان الثاني(2) .

وثالثة : بأنّ دم نجس العين من أجزاء غير المأكول ، وهو مانع آخر ، فالعفو عن الدم لا عنه(3) .

وسيأتي الكلام في هذا الأخير .

وأمّا الوجه الأوّل ففيه : أ نّه لا دليل على انفعال أجزاء نجس العين بعضها ببعض ، بل ولا انفعال نجس بمثله ، فلا يتنجّس بول من بول آخر ، ولا بعض أجزاء الكافر بملاقاة بعض آخر من أجزائه . بل لا دليل على تنجّس النجاسات بملاقاة بعضها مع بعض حتّى فيما إذا كان أحد النجسين أغلظ وأشدّ ؛ لعدم إطلاق أو عموم في أدلّة الانفعال بالملاقاة ، وعدم إمكان إلغاء الخصوصية من الموارد الجزئية .

ص: 110


1- المعتبر 1 : 429 ؛ منتهى المطلب 3 : 255 ؛ جواهر الكلام 6 : 121 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 91 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 93 .

ولهذا لا يبعد القول بالعفو فيما إذا لاقى الدم المعفوّ عنه نجاسة اُخرى ؛ إذا لم تكن أجزاؤها محقّقةً فيه فعلاً ، بل استهلكت فيه ، ومع عدم ملاقاتها للجسد ، فإنّه مع ملاقاته يشكل العفو .

وبالجملة : لا شبهة في عدم الدليل على تنجّس دم نجس العين بملاقاة أجزائه ، فلا يكون دمه نجساً ذاتاً وعرضاً .

وأمّا الوجه الثاني ففيه : أ نّه لا دليل على مانعية أجزاء نجس العين بما أ نّه أجزاؤه ؛ بمعنى أنّ جزء الكلب بما أ نّه كلب يكون مانعاً ، بل الظاهر من الأدلّة أنّ

المانع النجاسة ، فأجزاء الكلب بما أ نّها نجسة مانعة عن الصلاة لا بما أ نّها أجزاؤه ، وكذا الدم ليس بعنوانه مانعاً ، فلا يكون عنوان «نجس العين» مانعاً آخر مغايراً لمانعية النجس .

ومنها : دم غير المأكول

فقد استثناه من العفو بعضهم(1) ، وعن الاُستاذ اختياره(2) ، وهو مخالف لتضاعيف كلمات الفقهاء ، حيث اقتصروا على استثناء الدماء الثلاثة ، أو مع نجس العين(3) ، ولإجماع الحلّي(4) .

ويدلّ على العفو إطلاق أدلّته . ودعوى الانصراف فاسدة جدّاً ، كدعوى(5)

ص: 111


1- اُنظر جواهر الكلام 6 : 121 ؛ العروة الوثقى 1 : 206 .
2- كشف الغطاء 2 : 363 .
3- الخلاف 1 : 476 - 477 ؛ مختلف الشيعة 1 : 318 ؛ الدروس الشرعية 1 : 126 .
4- السرائر 1 : 177 .
5- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 94 .

معارضتها لموثّقة ابن بكير(1) فإنّها حاكمة عليها أوّلاً .

ويحتمل قريباً عدم شمول الموثّقة للدم والمنيّ المانعين عن الصلاة ؛ سواء كانا من مأكول اللحم أو غيره ، ثانياً .

ومثلها في الضعف دعوى : أنّ أدلّة العفو متعرّضة لحيثية نجاسة الدم لا لحيثية

اُخرى منطبقة عليه ؛ وهو كونه من غير المأكول(2) ، ضرورة أ نّه ليس فيها ما يمكن استشمام تعرّضها لحيثية نجاسته ، بل الموضوع فيها نفس الدم ، ومقتضى إطلاقها عدم مانعيته بأيّ عنوان منطبق عليه ذاتاً ، فلا قصور فيها لشمول مطلق الدماء ؛ من المأكول أو غيره ، نجس العين أو غيره ، وقد عرفت حكومتها على موثّقة ابن بكير وإن كان بينهما عموم من وجه .

ودعوى قوّة إطلاق الموثّقة بل صراحتها في الإطلاق - كدعوى إبائها عن التقييد(3) - مردودة على مدّعيها .

وأضعف من الجميع استبعاد العفو عن الدم القليل من غير المأكول مع كونه نجساً ، وعدم العفو عن سائر أجزائه مع طهارتها (4) ؛ ضرورة عدم طريق للعقول

ص: 112


1- عن ابن بكير قال : سأل زرارة أبا عبداللّه عليه السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر ؟ - إلى أن قال عليه السلام - : «وإن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شيء منه فاسد» . الكافي 3 : 397 / 1 ؛ وسائل الشيعة 4 : 345 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- جواهر الكلام 6 : 121 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 566 .
3- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 95 .
4- جواهر الكلام 6 : 121 ؛ مصباح الفقيه 8 : 95 .

إلى فهم مناطات الأحكام التعبّدية ، وإلاّ فأيّ فارق عند العقول بين الدم

وغيره ، وبين مقدار الدرهم والأقلّ منه ، وبين دم القروح والجروح وغيره . . . إلى غير ذلك من التعبّديات ؟ !

فالفقيه كلّ الفقيه من يقف على التعبّديات ، ولا يستبعد شيئاً منها بعد ما رأى

رواية أبان في الدية(1) .

تعيين سعة الدرهم

ثمّ إنّ البحث في أطراف كون الدرهم هو البغلي أو الوافي ، وكونهما واحداً أو متعدّداً ، وكون وزنه درهماً وثلثاً ، لا فائدة فيه في المقام .

وما هو مفيد : البحث عن تعيين سعته التي هي موضوع الحكم نصّاً وفتوى ، لكن لا طريق لنا إليه ؛ لاختلاف الكلمات في ذلك .

وما نسب إلى الحلّي من كونه قريباً من أخمص الراحة(2) ليس على ما ينبغي ؛ قال في محكيّ «السرائر» :

«إنّ الشارع عفى عن ثوب وبدن أصابه منه دون سعة الدرهم الوافي المضروب من درهم وثلث .

وبعضهم يقولون : دون قدر الدرهم البغلي المضروب المنسوب إلى مدينة قديمة يقال لها : «بغل» قريبة من «بابل» بينهما قريب من فرسخ ، متّصلة ببلد

ص: 113


1- الكافي 7 : 299 / 6 ؛ الفقيه 4 : 88 / 283 ؛ تهذيب الأحكام 10 : 184 / 719 ؛ وسائل الشيعة 29 : 352 ، كتاب الديات ، أبواب ديات الأعضاء ، الباب 44 ، الحديث 1 .
2- روض الجنان 1 : 443 ؛ رياض المسائل 2 : 374 .

«الجامعين» يجد فيها الحَفَرة دراهم واسعة ، شاهدت درهماً من تلك الدراهم . وهذا الدرهم أوسع من الدينار المضروب بمدينة «السلام» المعتاد ، يقرب سعته من سعة أخمص الراحة»(1) انتهى .

وهذا كما ترى بعد الغضّ عن نحو إجمال فيه ، ليس شهادة برؤية الدرهم الوافي وأنّ سعته كذا ، بل شهادة برؤية درهم ممّا وجدها الحَفَرة ، من غير تعرّض لكون ما شاهده عين الوافي .

مع أنّ الشهادة في ذلك مبنيّة على الحدس والاجتهاد ولو فرض رسم فيه يدلّ على كونه وافياً أو بغلياً ؛ لاحتمال ضرب الحَفَرة دراهم على نعت الدراهم القديمة اختلاقاً ؛ لجلب الأنظار وبيعها بثمن غالٍ على طالبي الآثار القديمة .

كما أ نّه لا اعتماد على مدّعي الخبرة في هذا العصر ، ولا على الدراهم المنقوشة ممّا يزعم الناظر أ نّها من الآثار القديمة ؛ لكثرة الخدعة والاختلاق ، وعدم الوثوق بأقوالهم وما في أيديهم .

فمقتضى القاعدة الاقتصار على الأقلّ فيما دار الأمر بينه وبين الأقلّ منه .

ص: 114


1- السرائر 1 : 177 .

المطلب الثالث: في إدخال النجاسات في المساجد

حكم النجاسات غير المتعدّية

ومن أحكام النجاسات : عدم جواز إدخالها في المساجد ولو مع عدم التعدّي . قال الشيخ في «الخلاف» : «لا يجوز للمشركين أن يدخلوا المسجد الحرام ، ولا شيئاً من المساجد ؛ لا بإذن ولا بغير إذن» .

ثمّ تمسّك بالآية الشريفة الآتية . ثمّ قال :

«وإذا ثبت نجاستهم فلا يجوز أن يدخلوا شيئاً من المساجد ؛ لأ نّه لا خلاف في أنّ المساجد يجب أن تجنّب النجاسات»(1) انتهى .

وعن الحلّي في مقام الاستدلال على طهارة ميّت الإنسان :

«ولا خلاف بين الاُمّة كافّة أنّ المساجد يجب أن تجنّب النجاسات العينية ،

ص: 115


1- الخلاف 1 : 518 .

وقد أجمعنا - بغير خلاف بيننا - أنّ من غسّل ميّتاً له أن يدخل المسجد ، ويجلس فيه»(1) انتهى .

وقد أنكر المحقّق عليه جواز دخول الغاسل المسجد(2) ، ولم ينكر عليه دعواه عدم الخلاف بين الاُمّة تجنّب المساجد .

ولأحد أن يقول : إنّ معقد عدم الخلاف وجوب تجنّب المساجد النجاسات ، والظاهر من تجنّبها منها أو المتيقّن منه هو وجوب تجنّبها عن التلوّث بالقذارة ، لا حرمة إدخال النجاسة غير المتعدّية فيها ، ولعلّ استدلالهما على ما ذكراه مبنيّ عل-ى اجتهادهما واستظهارهما الإطلاق من معقد الإجماع ، وهو ليس بحجّة .

ومنه يظهر النظر فيما عن «كشف الحقّ» في توجيه الاستدلال بالآية : «بأ نّه لا خلاف في وجوب تجنّب المساجد كلّها عن النجاسات بأجمعها»(3) فضلاً عمّا عن «المفاتيح» من نفي الخلاف عن إزالة النجاسة عنها (4) ، فإنّ «الإزالة» ظاهرة في رفع تلوّث المسجد عنها ، أو منصرفة إليه ، وأمّا إخراج النجس غير المتعدّي منها فلا يقال له : «الإزالة» .

فالمتيقّن من تلك الدعاوى وجوب تنزّه المساجد عن التنجّس أو حرمة تنجّسها ، أو وجوب إزالتها عنها ، سيّما مع دعوى الحلّي عدم الخلاف في جواز

ص: 116


1- السرائر 1 : 163 .
2- المعتبر 1 : 350 .
3- نهج الحقّ وكشف الصدق : 436 .
4- مفاتيح الشرائع 1 : 74 .

دخول من غسّل الميّت المساجدَ والجلوسَ فيها (1) وهو وإن استدلّ به على أمر آخر ، لكن نحن نأخذ بروايته ، ونترك درايته كما أشار إليه الشيخ الأعظم(2) .

واستدلّ(3) على حرمة إدخال مطلق النجاسات فيها - ولو مع عدم التعدّي - قوله تعالى : )يَا أَ يُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ((4) .

وقد مرّ في باب نجاسة الكافر تقريب أنّ المراد بالنجاسة المعنى المعهود(5) ، فلا نعيده .

نعم ، هاهنا مناقشة اُخرى في دلالتها : وهي أنّ النهي قد تعلّق بالفعل الاختياري ؛ أي دخول المشركين المسجد ، ومقتضى تفريع الحكم على نجاستهم أنّ كلّ نجس لا يدخله ، فيعمّ الحكم سائر طوائف الكفّار ، وأمّا إدخال النجس فيه فلا ؛ لاحتمال دخالة الفعل الاختياري من نجس العين في الحكم ، وهذا الاحتمال سيّال في جميع الأوامر والنواهي المتعلّقة بالأفعال الاختيارية ، إلاّ أن تقوم القرينة على إلغاء الخصوصية .

لكنّها مدفوعة : بأنّ النهي عن القرب متفرّع على النجاسة ، فيدلّ على أنّ نجاستهم تمام الموضوع لعدم الدخول ، لا الاختياري منه ، فدخالة الاختيارية

ص: 117


1- السرائر 1 : 163 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 224 .
3- اُنظر مدارك الأحكام 2 : 305 ؛ جواهر الكلام 6 : 93 .
4- التوبة (9) : 28 .
5- تقدّم في الجزء الثالث : 420 - 422 .

خلاف الظاهر . مع أنّ العرف يساعد على إلغاء خصوصية الاختيار ، سيّما في المقام الذي يؤكّده مناسبة الحكم والموضوع .

نعم ، هنا أمر آخر : وهو أنّ حمل المصدر على الذات لا يصحّ إلاّ بادّعاء وتأوّل ، وهو لا يصحّ إلاّ في مقام المبالغة ، سيّما مع المقارنة لكلمة )إِنّما( المفيدة للحصر أو التأكيد ، فكأ نّه قال : «لا حيثية للمشركين إلاّ حيثية القذارة» أو

«المشركون بتمام حقيقتهم عين القذارة» .

وهذه الدعوى إنّما تحسن وتصير بليغة إذا كان المشرك خبيثاً في باطنه ، ونجساً في ظاهره ، ولا تكون له نقطة طهارة ولو ادّعاء ، وإنّما تفرّع عدم قرب المسجد الحرام على هذه المرتبة من النجاسة الادّعائية ، وهي مختصّة بالمشرك ، أو هو وسائر الكفّار ، وأمّا سائر النجاسات فلا دليل على إلحاقها بهم ما لم يدّعَ لها ما ادّعي ، فالحكم لم يتفرّع على النجِس - بالكسر - حتّى يتعدّى إلى سائر النجاسات ، بل على ما بلغ مرتبة يدّعى له هذه الدعوى على سبيل المبالغة .

ولعلّ ما ذكرناه هو مراد من قال بغلظة نجاستهم(1) ، فلا يرد عليه ما قيل : «إنّ أغلظية نجاسة الكافر من الكلب أو دم الحيض ، غير معلومة»(2) .

وبالجملة : إسراء الحكم من هذه الحقيقة الادّعائية - المبنيّة على ما أشرنا إليه - إلى غيرها مشكل ، بل ممنوع .

ولا يتوهّم: أنّ أعيان النجاسات كلّها عين النجَس - بالفتح - وذلك أنّ شيئاً منها ليس كذلك ، بل لها ذوات وحقائق غير هذا المعنى المصدري ، أو الحاصل من

ص: 118


1- ذكرى الشيعة 1 : 122 .
2- جواهر الكلام 6 : 95 .

المصدر. نعم يصدق عليها النجِس - بالكسر - بلا تأوّل، لكن لم يتفرّع عليه الحكم.

ثمّ إنّ هاهنا كلاماً آخر : وهو أنّ قوله : )فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هذَا( ، لا يبعد أن يكون كناية عن عدم دخولهم للحجّ وعمل المناسك ؛ بقرينة قوله : )بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا( المتفاهم منه عدم قربهم في سائر الأعوام ، ومع كون المعهود من شدّ رحال المشركين في كلّ سنة إلى المسجد الحرام لعمل المناسك ، لم يبقَ للآية ظهور في الكناية عن مطلق الدخول ، بل لا يبعد أن تكون كناية عن الدخول للعمل ، أو عمل المناسك المستلزم للدخول .

ففي «المجمع» : «والعام الذي أشار إليه هو سنة تسع الذي نادى فيه علي علیه السلام

بالبراءة ، وقال : «لا يحجّنّ بعد هذا العام مشرك»(1) .

وفي «البرهان» عن العيّاشي ، عن حَريز ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم بعث أبا بكر - إلى أن قال - : وقال - أي قال علي علیه السلام - : لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك بعد هذا العام»(2) .

وعنه ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «خطب علي علیه السلام بالناس

واخترط سيفه ، وقال : لا يطوفنّ بالبيت عريان ، ولا يحجّنّ بالبيت مشرك . . .»(3) إلى آخره .

ص: 119


1- مجمع البيان 5 : 32 ؛ مستدرك الوسائل 9 : 408 ، كتاب الحجّ ، أبواب الطواف ، الباب 37 ، الحديث 2 .
2- البرهان في تفسير القرآن 4 : 385 / 6 ؛ تفسير العيّاشي 2 : 73 / 4 ؛ وسائل الشيعة 13 : 401 ، كتاب الحجّ ، أبواب الطواف ، الباب 53 ، الحديث 7 .
3- البرهان في تفسير القرآن 4 : 386 / 9 ؛ تفسير العيّاشي 2 : 74 / 7 ؛ وسائل الشيعة 13 : 401 ، كتاب الحجّ ، أبواب الطواف ، الباب 53 ، الحديث 5 .

وعن الصدوق بسنده عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث قال : «إنّما سمّي :

الأكبر» أي الحجّ «لأ نّها كانت سنة حجّ فيها المسلمون والمشركون ، ولم يحجّ المشركون بعد تلك السنة»(1) .

وفي بعض الروايات : «فكان ما نادى به : أن لا يطوف بعد هذا العام عريان ، ولا يقرب المسجد الحرام بعد هذا العام مشرك»(2) .

ولا يبعد أن يكون الظاهر من تلك الروايات : أنّ النهي عن القرب لأجل الحجّ والطواف وأعمال المناسك لا مطلقاً . لكن الظاهر تسالمهم على عدم جواز تمكين الكفّار المسجد الحرام .

ثمّ إنّ إلحاق سائر المساجد به - بعد عدم إلغاء الخصوصية عرفاً ؛ لما له من العظمة والأحكام الخاصّة - يحتاج إلى دليل .

ودعوى عدم القول بالفصل(3) غير مسموعة ، بل هو غير حجّة ما لم يرجع إلى الإجماع على التلازم .

ولو سلّم عدم القول بالفصل بين تمكينهم سائر المساجد وتمكينهم المسجد الحرام ، لكن عدم القول بالفصل بين تمكينهم وإدخال النجاسة سائر المساجد لو نوقش في دلالة الآية بما تقدّم ، أو عدم القول بالفصل بين حرمة إدخال النجاسات في المسجد الحرام ، وبين إدخالها في سائر المساجد على فرض

ص: 120


1- البرهان في تفسير القرآن 4 : 390 / 27 ؛ علل الشرائع : 442 / 1 .
2- البرهان في تفسير القرآن 4 : 387 / 14 ؛ تفسير العيّاشي 2 : 76 / 12 ؛ وسائل الشيعة 13 : 401 ، كتاب الحجّ ، أبواب الطواف ، الباب 53 ، الحديث 6 .
3- مدارك الأحكام 2 : 305 ؛ جواهر الكلام 6 : 93 .

تسليم دلالتها بالنسبة إلى المسجد الحرام - بحيث يرجع إلى الإجماع على التلازم - أ نّى لنا بإثباته ؟ !

فالقول بجواز إدخال النجاسات غير المتعدّية غير المستلزمة لهتك حرمة المسجد ، لا يخلو من قوّة ؛ فإنّ عمدة الدليل على عدم الجواز دعوى الإجماع والشهرة ودلالة الآية ، وقد تقدّم الكلام فيهما .

وأمّا قوله تعالى : )وَطَهِّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ((1) فهو أجنبيّ عن إدخال النجاسة غير المتعدّية فيها . مع أنّ الخطاب لإبراهيم علیه السلام أو هو وإسماعيل علیه السلام كما في آية اُخرى(2) .

وأمّا ما عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «جنّبوا مساجدكم النجاسة»(3) ففي سنده ودلالته إشكال ؛ إذ استنادهم إليه غير ثابت ، واحتمال أن يكون المراد بالمساجد محالّ السجدة قريب .

هذا مضافاً إلى ما دلّت على جواز اجتياز الجنب والحائض المساجد ؛ بما لايمكن حملها على الجواز الحيثي ، كصحيحة أبي حمزة قال : قال أبوجعفر علیه السلام : «إذا كان الرجل نائماً في المسجد الحرام أو مسجد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ، فاحتلم

فأصابته جنابة ، فليتيمّم ، ولا يمرّ في المسجد إلاّ متيمّماً ، ولا بأس أن يمرّ

ص: 121


1- الحجّ (22) : 26 .
2- قال اللّه تعالى : )وَعَهِدْنَا إِلَى إِبراهِيمَ وإِسمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِى لِلطَّائِفِينَ . . .(، البقرة (2) : 125 .
3- المعتبر 2 : 449 ؛ تذكرة الفقهاء 2 : 433 ؛ وسائل الشيعة 5 : 229 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساجد ، الباب 24 ، الحديث 2 .

في سائر المساجد ، ولا يجلس في شيء من المساجد»(1) .

وهي - كما ترى - ظاهرة في أنّ الذي احتلم يجوز له الاجتياز ، وهو حكم فعلي لا حيثي .

وقريب منها روايته الاُخرى إلاّ أنّ فيها : «وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك ، ولا بأس أن يمرّا في سائر المساجد ، ولا يجلسان فيها»(2) .

وهذه بملاحظة ذيلها أوضح دلالة . مضافاً إلى أ نّه قلّما يتّفق كون الحائض طاهرة . بل لعلّ نوع النساء لا يتجنّبن عن بعض النجاسات في أيّام الحيض ، فتجويز دخولها في المساجد ملازم لتجويز دخول النجاسة .

وتدلّ عليه ما وردت في المستحاضة : من جواز دخولها في المسجد ، وجواز الطواف لها (3) . والسيرة المستمرّة على تمكين الصبيان ، بل إدخالهم في المساجد . بل ادّعيت السيرة على عدم منع أصحاب القروح والجروح ومن به دم قليل عن الجمعة والجماعات(4) .

وهذه كلّها شاهدة على عدم العموم في الآية ، وعدم إمكان إلغاء الخصوصية ، وعدم صحّة دعوى عدم القول بالفصل بين حرمة تمكين الكفّار

ص: 122


1- تهذيب الأحكام 1 : 407 / 1280 ؛ وسائل الشيعة 2 : 206 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 15 ، الحديث 6 .
2- الكافي 3 : 73 / 14 ؛ وسائل الشيعة 2 : 205 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 15 ، الحديث 3 .
3- وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 1 و8 .
4- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 225 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 50 .

المسجد الحرام أو مطلق المساجد ، وبين إدخال سائر النجاسات غير المتعدّية .

وممّا ذكر ظهر عدم حرمة إدخال المتنجّس فيها مع عدم السراية .

حرمة إدخال النجاسات السارية لأجل استلزامه تنجيس المساجد

وأمّا إدخال النجاسات السارية ، فالظاهر أنّ حرمته لا بعنوان إدخالها فيها ، بل بعنوان تنجيس المساجد ، وهو القدر المتيقّن من الإجماعات . بل حرمة التنجيس معروفة لدى المتشرّعة .

وهما العمدة فيها ، وأمّا سائر ما استدلّ لها - كقوله تعالى : )وَطَهِّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ . . .((1) إلى آخره ، ورواية الثُمالي التي لا يبعد صحّتها ، عن أبي جعفر علیه السلام وفيها : «إنّ اللّه أوحى إلى نبيّه أن طهّر مسجدك ، وأخرج من المسجد من يرقد بالليل ، ومر بسدّ أبواب من كان له في مسجدك باب إلاّ باب علي علیه السلام ومسكن فاطمةI ولا يمرّنّ فيه جنب»(2) ، وصحيحة الحلبي الواردة في زُقاق قذر بينه وبين المسجد(3) ، ورواية علي بن جعفر الواردة في إصابة بول الدابّة المسجد أو حائطه(4) . . . إلى غير ذلك - فغير تامّ :

ص: 123


1- الحجّ (22) : 26 .
2- الكافي 5 : 339 / 1 ؛ وسائل الشيعة 2 : 205 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 15 ، الحديث 1 .
3- الكافي 3 : 38 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 458 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 4 .
4- مسائل علي بن جعفر : 188 / 380 ؛ قرب الإسناد : 205 / 794 ؛ وسائل الشيعة 3 : 411 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 9 ، الحديث 18 .

إذ الآية الشريفة مع كونها مربوطة بالاُمم السالفة ، لا يبعد أن يكون المراد من «التطهير» فيها هو التنظيف العرفي والكنس ، لا التطهير من النجاسة ؛ بمناسبة قوله : )لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ . . .((1) إلى آخره . مع أنّ التعدّي من المسجد الحرام يحتاج إلى دليل .

ورواية الثُمالي راجعة إلى مسجد النبي صلی الله علیه و آله وسلم والتعدّي منه إلى غيره يحتاج إلى دليل بعد عدم إمكان إلغاء الخصوصية عرفاً .

ورواية الزُقاق أجنبيّة عن المقام ؛ فإنّ الظاهر منها أنّ مورد الكلام تنجّس الرِجل المانع عن الصلاة .

ورواية علي بن جعفر لا تدلّ على المطلوب بعد طهارة أبوال الدوابّ ، فيمكن أن يكون وجه السؤال معهودية كراهة الصلاة مع تلوّث المسجد .

وقد يستدلّ على ذلك بالأخبار المستفيضة الدالّة على جواز اتّخاذ الكنيف مسجداً بعد تطهيره ، مثل صحيحة الحلبي : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام في مسجد

يكون في الدار ، فيبدو لأهله أن يتوسّعوا بطائفة منه ، أو يحوّلوه عن مكانه ، فقال : «لا بأس بذلك» .

قال : فقلت : أفيصلح المكان الذي كان حشّاً زماناً - حشي رماداً (خ . ل)

- أن ينظّف ويتّخذ مسجداً ؟ قال : «نعم ، إذا اُلقي عليه من التراب ما يواريه ، فإنّ ذلك ينظّفه ويطهّره»(2) .

ص: 124


1- البقرة (2) : 125 .
2- الفقيه 1 : 153 / 713 ؛ وسائل الشيعة 5 : 208 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساجد ، الباب 10 ، الحديث 1 ، و : 209 ، الباب 11 ، الحديث 1 .

وقريب منها رواية أبي الجارود(1) وصحيحة عبداللّه بن سِنان(2) .

ومثل رواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى علیه السلام قال : سأله عن بيت كان حشّاً زماناً ، هل يصلح أن يجعل مسجداً ؟ قال : «إذا نظّف واُصلح فلا بأس»(3) .

ورواية مَسْعدة - التي لا يبعد أن تكون موثّقة(4) - عن جعفر بن محمّد علیهما السلام : أ نّه سأل أيصلح مكان حشّ أن يتّخذ مسجداً ؟ فقال : «إذا اُلقي عليه من التراب ما يواري ذلك ويقطع ريحه فلا بأس ، وذلك لأنّ التراب يطهّره ، وبه مضت السنّة»(5) .

واستدلّ بعضهم بها على وجوب تطهير ظاهر المسجد دون باطنه مطلقاً ، أو في خصوص مورد الأخبار ، وبعضهم على عدم وجوبه مطلقاً (6) .

أقول : لا يبعد أن يكون المساجد في تلك الروايات ، غيرَ المساجد المعهودة التي هي محلّ البحث ، بل المراد منها الأمكنة التي اتّخذت في البيت مسجداً ،

ص: 125


1- الكافي 3 : 368 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 3 : 259 / 727 ؛ وسائل الشيعة 5 : 210 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساجد ، الباب 11 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 3 : 260 / 730 ؛ وسائل الشيعة 5 : 210 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساجد ، الباب 11 ، الحديث 4 .
3- قرب الإسناد : 289 / 1142 ؛ وسائل الشيعة 5 : 211 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساجد ، الباب 11 ، الحديث 7 .
4- راجع تنقيح المقال 3 : 212 / السطر 5 (أبواب الميم) .
5- تهذيب الأحكام 3 : 260 / 729 ؛ وسائل الشيعة 5 : 210 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساجد ، الباب 11 ، الحديث 5 .
6- راجع مجمع الفائدة والبرهان 2 : 160 ؛ جواهر الكلام 14 : 98 - 100 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 55 .

كما قد يشهد صدر الروايات الثلاث المتقدّمة ، ويشعر به قوله : «يتّخذ مسجداً» .

ويحتمل في بعضها أن يكون المراد من «اتّخاذ المسجد» اتّخاذها محلاًّ يسجد عليه ، فيكون سؤاله عن جواز السجدة على مكان كان حشّاً بعد تنظيفه .

وأمّا الحمل على السؤال عن بناء المسجد أو الوقف للمسجدية ، فبعيد عن سوق الروايات .

وربّما تشهد لما ذكرناه رواية عبيد بن زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «الأرض كلّها مسجد إلاّ بئر غائط أو مقبرة»(1) .

ولو اُريد بها المساجد المعهودة ، فمقتضى الجمع بينها جواز جعل الكنيف بعد تطهيره وتنظيفه مسجداً ، وعليه يحمل المطلق منها ، وأمّا إلقاء التراب فلكمال النظافة ، لا للتطهير الشرعي ، ولهذا أمر به مع فرض السائل تنظيفه .

وحمل «التنظيف» في لسان السائل على الكنس مع بقاء النجاسة ، لا وجه معتدّ به له .

وكيف كان : لا يمكن التشبّث بتلك الروايات على جواز تنجيس بواطن المساجد ، أو عدم وجوب تطهيرها .

نعم ، ربّما يقال : إنّ المتيقّن من معاقد الإجماع والروايات تطهير ظواهرها (2) .

وفيه : أنّ «المسجد» عنوان معهود واسم للمعبد المعهود بين المسلمين ، والمعنى الوضعي منسيّ ، والإجماع القائم على تجنّب المساجد النجاسات ، يدلّ

ص: 126


1- تهذيب الأحكام 3 : 259 / 728 ؛ وسائل الشيعة 5 : 211 ، كتاب الصلاة ، أبواب أحكام المساجد ، الباب 11 ، الحديث 8 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 55 .

على وجوب ما يصدق عليه هذا العنوان ، وهو مجموع ما جعلت للمعبدية : أرضها إلى مقدار متعارف ، وسقفها وجدارها داخلاً وخارجاً ، وليس «المسجد» من قبيل المطلق حتّى يؤخذ بالقدر المتيقّن فيه ، بل هو كالعلم اسم لهذه البنْية .

فالأظهر حرمة تنجيس أجزائه ظاهراً وباطناً . بل لا يبعد استفادة حرمة تنجيس حصيره وفرشه بالمناسبات المغروسة في الأذهان من النبوي ومعقد الإجماع . بل الظاهر معهوديتها لدى المتشرّعة .

وجوب إزالة النجاسة عن المساجد وما يلحق بها

ثمّ إنّه كما يحرم تنجيسه يجب إزالة النجاسة منه ، ولا يبعد أن يكون قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «جنّبوا مساجدكم»(1) وكذا معاقد الإجماعات ، ظاهرةً في وجوب الإزالة .

لكن المتفاهم منها عرفاً أنّ الأمر بها وبتجنّب المساجد ؛ لمبغوضية تنجيسها حدوثاً وبقاءً . ومنه يعلم أنّ وجوب الإزالة فوري عقلاً ؛ لاستفادة مبغوضية تلوّث المساجد مطلقاً من الأدلّة .

ويلحق بالمساجد المصحف الشريف ، والمشاهد المشرّفة ، والضرائح المقدّسة ، والتربة الحسينية ، سيّما المتّخذة للتبرّك والاستشفاء والسجدة عليها ، بلا إشكال مع لزوم الوهن ، بل مطلقاً على وجه موافق للارتكاز . بل لا يبعد أن يكون المناط في نظر المتشرّعة وارتكازهم في وجوب تجنّب المساجد النجاسات ، هو حيثية عظمتها وحرمتها لدى الشارع الأقدس ، أو كون التنجيس

ص: 127


1- تقدّم في الصفحة 121 .

مطلقاً هتكاً عنده ولو لم يكن عندنا كذلك .

هذا بالنسبة إلى غير الخطّ من المصحف ، وأمّا هو فلا ينبغي الإشكال في حرمة تنجيسه ، ووجوب الإزالة عنه ؛ لارتكازية الحكم لدى المتشرّعة ، ولفحوى قوله تعالى : )لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ((1) الظاهر منه مبغوضية مسّ غير الطاهر إيّاه بأيّ وجه اتّفق ، والمفهوم منه الحكم فيما نحن فيه ، سيّما أنّ الظاهر من الآية الكريمة أنّ المناط فيها غاية علوّ القرآن وعظمته وكرامته .

ص: 128


1- الواقعة (56) : 79 .

المطلب الرابع: في اعتبار انفصال الغسالة

اعتبار انفصال الغسالة في التطهير بالقليل

يعتبر في التطهير بالماء القليل انفصال الغسالة على النحو المتعارف ، ففي مثل

الأجسام التي لا يرسب فيها النجاسة - كالبدن والجسم الصقيل - يكفي صبّ الماء بنحو ينفصل غسالته عنها ، وفيما ترسب النجاسة فيه وتنفذ ، لا بدّ من إخراج الغسالة بالعصر أو بغيره بأيّ نحو يمكن :

لا لقيام إجماع(1) أو شهرة(2) عليه ، كما قد يدّعى ، فإنّ الظاهر من تعليل من

يدّعي الشهرة أو الإجماع أنّ الاستناد لم يكن إليهما ، بل المسألة من التفريعات التي يدخلها الاجتهاد ، وفي مثلها لا يكون الإجماع حجّة ، فضلاً عن الشهرة .

ص: 129


1- اُنظر مستند الشيعة 1 : 266 ؛ منتهى المطلب 3 : 267 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 365 .
2- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 64 ؛ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 261 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 118 .

بل الظاهر أ نّه لم يكن للشارع إعمال تعبّد في تطهير النجاسات ، إلاّ ما استثني ممّا نصّ على كيفية تطهيره . والشاهد عليه : أنّ الروايات الواردة في باب تطهير أنواع النجاسات - على كثرتها - لم تزد على الأمر بالغسل أو الصبّ في بعض الموارد ، من غير تعرّض لبيان الكيفية إلاّ نادراً . والتنصيصُ في بعض الموارد على التعدّد كالبول(1) أو على كيفية خاصّة كالولوغ(2) ، دليل على كونها في مقام البيان في سائر النجاسات أيضاً ، فإطلاق الأمر بالغسل فيها ، يكشف عن عدم طريقة خاصّة في التطهير ، فدعوى ورود تعبّد خاصّ زائداً على لزوم الغسل ، في غير محلّها .

ولا لأنّ «الغسل» متضمّن للعصر لغةً أو عرفاً ؛ وإن قال المحقّق في «المعتبر» : «الغسل يتضمّن العصر ، ومع عدم العصر يكون صبّاً» .

ثمّ قال : ويجري ذلك - أي قولهم : «يغسل الثياب والبدن» - مجرى قول الشاعر : علفتها تبناً وماء بارداً (3) .

ثمّ استشهد برواية الحسين بن أبي العلاء ، حيث قال في الجسد : «يصبّ عليه الماء مرّتين» وفي الثوب : «اغسله مرّتين»(4) فجعل الصبّ مقابل الغسل .

ثمّ قال : «أمّا الفرق بين الثوب والبدن : فلأنّ البول يلاقي ظاهر البدن ،

ص: 130


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 3 : 516 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 70 .
3- وتمامه : علفتها تبناً وماء بارداً حتّى شتت همّالة عيناها اُنظر جامع الشواهد 2 : 100 .
4- يأتي تمام الرواية في الصفحة 134 .

ولا يرسب فيه ، فيكفي صبّ الماء ؛ لأ نّه يزيل ما على ظاهره ، وليس كذلك الثوب ؛ لأنّ النجاسة ترسخ فيه ، فلا تزول إلاّ بالعصر»(1) انتهى .

والظاهر من كلامه أنّ العصر مأخوذ في مفهوم «الغسل» فلا بدّ في الثياب من الغسل ، ولا يكفي فيها الصبّ ؛ لأ نّه لا يزيل النجاسة التي رسبت فيها ، وسائر كلامه تعقيب لما فهم من معنى «الغسل» .

ولا يبعد أن يكون قوله : «وهو مذهب علمائنا» استشهاداً بفهمهم لتضمّن «الغسل» العصرَ ، لا دعوى الإجماع على حكم تعبّدي . وإنّما قلنا : لا لذلك ؛ لأنّ «الغسل» صادق عرفاً ولغةً على صبّ الماء على البدن لإزالة القذارة وغيرها ، وقد ورد الأمر بغسل الجسد والبدن والوجه واليدين في الكتاب(2) والسنّة(3) إلى ما شاء اللّه من غير شائبة تجوّز وتأوّل .

وسيأتي الكلام في مثل رواية الحسين بن أبي العلاء(4) .

وتوهّم اعتبار العصر في مفهوم «غسل الثياب» ونحوها دون غيرها ، فيكون «الغسل» مشتركاً لفظياً ، في غاية الفساد يردّه العرف واللغة .

ولا لأنّ خروج الغسالة وانفصالها معتبر في مفهوم «الغسل» كما يظهر من المحقّق القمّي(5) - على ما ببالي - لمنع ذلك ، وصدقه مع عدم انفصالها عرفاً .

ص: 131


1- المعتبر 1 : 435 .
2- المائدة (5) : 6 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 404 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 7 ، الحديث 10 ، والباب 12 ، الحديث 9 ، والباب 13 ، الحديث 3 و4 ، والباب 14 ، الحديث 3 .
4- يأتي في الصفحة 134 .
5- غنائم الأيّام 1 : 440 .

ولا لأنّ مفهوم «الإزالة» مأخوذ في ماهية الغسل ، كما قال به في «مصباح الفقيه»(1) ضرورة صدقه على الفاقد لها أيضاً ، فيصدق على صبّ الماء على اليد ولو لم تكن قذرة ، كالغسلتين في الوضوء .

بل لأنّ الظاهر من أدلّة غسل النجاسات : أنّ الأمر به غيري لإزالة النجاسة ، ولا يكون عنوان «الغسل» بما هو مطلوباً حتّى نقتصر في تحقّقه على أوّل المصاديق بأيّ نحو وجد ، ولا شبهة في أنّ إزالة النجاسة وإرجاع الأجسام إلى حالتها الأصلية ، تختلف باختلاف الأجسام واختلاف النجاسات ، فإذا أمر بغسل الثوب من المنيّ ، يفهم العرف منه أ نّه لا بدّ من الفرك والدلك والغمز ونحوها ، لا لاعتبارها في مفهوم «الغسل» بل لأ نّه توصّلي إلى حصول النظافة للجسم ورجوعه إلى حالته الأصلية ، وهو لا يحصل إلاّ بها .

وإذا أمر بغسل اليد من البول الذي لا جرم له ، لا يفهم منه إلاّ صبّ الماء عليه وإخراج غسالته ؛ لأنّ ملاقاة البول لا توجب حصول أثر يحتاج إلى الدلك ؛ وإن احتاج إلى إخراج غسالته لزوال القذارة به .

وبعبارة اُخرى : أنّ الغسل بالماء إنّما يوجب النظافة ورفع القذارة ، لأ نّه إذا صبّ على المحلّ وغسل به ، يوجب ذلك انتقال القذارة منه إليه ، فمع بقاء الغسالة على المحلّ لا يرتفع القذارة ، فلو يبس الثوب المغسول بالماء من غير إخراج غسالته ، تبقى قذارته عرفاً ، بخلاف ما لو خرجت منه ، فالمعتبر في التطهير ليس العصر بعنوانه ، بل المعتبر خروج الغسالة بأيّ علاج كان ، وهو أمر

ص: 132


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 122 .

عقلائي متفاهم من الأوامر الواردة في غسل النجاسات .

وهذا بالنسبة إلى القذارات التي يدرك العرف قذارتها ، لا إشكال فيه ، ولا في مساعدة العرف عليه .

وإن كانت حكمية بنظر العرف ؛ بأن لا يبقى في الملاقي أثر من الملاقى ، لكن تتنفّر الطباع بمجرّد ملاقاته ، كملاقاته لبدن الميّت ، أو العَذِرة اليابسة ، أو ملاقاة

طعامه لها ، فإنّ غسله لرفع النفرة لا يتحقّق إلاّ بانفصال الغسالة .

وأمّا النجاسات الجعلية الإلحاقية كالكافر والكلب ونحوهما ، فهي أيضاً كذلك لأنّ الغسل كما عرفت لإزالة القذارة ، وهي تتوقّف على إخراج الغسالة بالعصر أو ما يقوم مقامه في القذارات العرفية ، فإذا جعل الشارع قذارة لشيء ، وأوجد مصداقاً من القذارة في عالم التعبّد ، يجب على المكلّف ترتيب آثار القذارة العرفية عليه .

نعم ، لمّا لم يكن التنزيل والجعل إلاّ في نفس القذارة لا غير ، يكون حكمه حكم القذارات غير العينية إذا لم يلصق من أعيانها على الملاقي ، كالمثال المتقدّم ، فلا يحتاج في التطهير إلى الدلك ونحوه .

اعتبار انفصال الغسالة حتّى مع القول بعدم انفعال الغسالة

ثمّ إنّ ما ذكرناه من لزوم العصر أو ما يقوم مقامه لإخراج الغسالة ، ثابت حتّى

مع القول بعدم انفعال الغسالة(1) ؛ فإنّ عدم انفعالها لا يلازم إزالة النجاسة عن المحلّ المتوقّفة على إخراج الماء وانفصاله .

ص: 133


1- المبسوط 1 : 92 .

نعم ، لو قلنا : بأنّ المحلّ يصير طاهراً قبل خروج الغسالة ، ومع بقائها فيه ينفعل ثانياً بها ، لكان للتفصيل وجه . لكن المبنى غير صحيح ؛ لأنّ طهارة المحلّ ونظافته إنّما تحصل بمرور الماء على المحلّ القذر ، وخروجِه منه ، فلو صبّ الماء في إناء قذر ، وقلنا بعدم انفعاله ، فمع بقائه فيه حتّى ييبس ، لا يصير طاهراً نظيفاً بحكم العقلاء ولو لم ينفعل الماء ، فالنظافة موقوفة على إزالة النجاسة وذهابها بوسيلة مرور الماء على المحلّ ؛ سواء انفعل أم لا .

وبعبارة اُخرى : أنّ الماء يزيل القذارة بمروره على المحلّ وانفصاله عنه ، لا بانتقال النجاسة إليه محضاً . مضافاً إلى أنّ الأقوى انفعال الغسالة ، وعدم التلازم بين طهارة المحلّ وطهارتها ، كما هو المقرّر في محلّه(1) .

المراد بالغسل والصبّ في الأخبار الواردة في غسل البول

ثمّ إنّ الأخبار الواردة في غسل البول - كصحيحة الحسين بن أبي العلاء على الأصحّ(2) قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن البول يصيب الجسد ، قال : «صبّ عليه الماء مرّتين ؛ فإنّما هو ماء» وسألته عن الثوب يصيبه البول ،

ص: 134


1- الطهارة (تقريرات الإمام الخميني قدس سره) الفاضل اللنكراني : 199 .
2- الحسين بن أبي العلاء الخفّاف هو أبو علي الأعور وأخواه علي وعبد الحميد وكان الحسين أوجههم ، ولا ريب في كونه إمامياً ولكن اختلفوا في وثاقته ، فمنهم من عدّه ثقة ومنهم من توقّف في حاله ، ولكنّ المصنّف قدس سره رجّح جانب الوثاقة . رجال النجاشي : 52 / 117 ؛ الفهرست ، الطوسي : 107 / 204 ؛ تنقيح المقال 1 : 317 / السطر 11 .

قال : «اغسله مرّتين» ، وسألته عن الصبيّ يبول على الثوب ، قال : «يصبّ عليه الماء قليلاً ، ثمّ يعصره»(1) ، وصحيحة البَزَنْطي قال : سألته عن البول يصيب الجسد ، قال : «صبّ عليه الماء مرّتين ؛ فإنّما هو ماء» وسألته عن الثوب ، قال : «اغسله مرّتين»(2) - لا تدلّ على اعتبار العصر أو نحوه في مفهوم «الغسل»

وهو واضح .

ولا تدلّ على أنّ الصبّ ليس بغسل ، بل تدلّ على أنّ الغسل المطلوب لإزالة القذارة ، يحصل في مثل البول والجسد بالصبّ من غير احتياج إلى الدلك والغمز ، ولهذا يفهم العرف منه أنّ الصبّ بوجه خاصّ تزال به القذارة مطلوب ، لا مطلقه ولو لم يمرّ على المحلّ ، ولم تخرج غسالته .

وإنّما قال في الثوب : «اغسله» لأجل أ نّه لو قال : «صبّ عليه» لتوهّم منه عدم لزوم إخراج غسالته ردعاً لبناء العقلاء في كيفية الغسل ، وأمر بالغسل لمعهودية كيفيته إذا كان لإزالة القذارة .

فتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ ما يعتبر في التطهير إخراج الغسالة وانفصالها بأيّ علاج كان . بل لو كان «العصر» مصرّحاً به في الروايات ، لما كان ينقدح منه في الأذهان إلاّ الطريقية لخروج الغسالة ، لا موضوعية عنوانه بحيث لم يقم مقامه ما فَعل فعلَه .

ص: 135


1- الكافي 3 : 55 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 ، الحديث 4 ، و : 397 ، الباب 3 ، الحديث 1 .
2- السرائر 3 : 557 ؛ وسائل الشيعة 3 : 396 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 ، الحديث 7 .
اعتبار انفصال الغسالة في التطهير بالجاري ونحوه

ثمّ إنّه يظهر ممّا مرّ من أنّ عدم انفعال ماء الغسالة ، لا يلازم عدم لزوم إخراجها في التطهير : أ نّه يعتبر في الغسل بالماء الجاري والكثير المعتصم ، خروج الماء المحيط بالثوب ولو بتغيّره وتبدّله ؛ ولو في داخل الماء ، بأيّ نحو كان : من الغمز ، أو تموّج الماء ، أو قوّة حركته وجريانه . . . إلى

غير ذلك .

فالاكتفاء في التطهير بمطلق إصابة الثوب الكرّ أو الجاري ، مشكل لا دليل عليه . والأخذ بإطلاق أدلّة الغسل(1) - بعد ما مرّ من مساعدة العرف في كيفية التطهير على إمرار الماء على المحلّ لإذهاب القذارة - في غير محلّه .

كما أنّ التمسّك(2) بمرسلة الكاهلي الواردة في المطر ، وفيها : «كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر»(3) مع دعوى عدم القول بالفصل بينه وبين الجاري ، بل عدمِ القول به بينه وبين الكثير ، مضافاً إلى المرسل المحكيّ عن «المنتهى»(4) عن أبي جعفر علیه السلام مشيراً إلى غدير ماء : «إنّ هذا لا يصيب شيئاً إلاّ طهّره»(5) مشكل ؛

ص: 136


1- مستمسك العروة الوثقى 2 : 36 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 128 .
3- الكافي 3 : 13 / 3 ؛ وسائل الشيعة 1 : 146 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 5 .
4- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 128 .
5- مختلف الشيعة1 : 15 ؛ مستدرك الوسائل 1 : 198 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 ، الحديث 8 .

لضعف المرسلة ولو سلّم جبرها بالعمل ، كما لا يبعد ، وسيأتي في محلّه(1) .

فعدم القول بالفصل والإجماع على التلازم بين المطر والجاري والكرّ ، غير ثابت . بل مقتضى إطلاق كثير من الأصحاب - على ما حكي(2) - عدم الفرق في لزوم العصر بين القليل وغيره ولو لبنائهم على كون العصر مأخوذاً في مفهوم «الغسل» .

ومرسلة «المنتهى» غير حجّة ، واشتهار الحكم بين المتأخّرين - بل واستنادهم إليها - لا يوجب الجبر مع عدم معلومية الاستناد إليها .

فالأحوط لو لم يكن الأقوى لزوم الفرك ، أو العصر ، أو التحريك ، أو نحوها ممّا يوجب تبدّل الماء الداخل في الجملة .

والظاهر تحقّقه بالغمس في الجاري الذي يكون جريانه محسوساً ، سيّما إذا كان قويّاً .

بل الظاهر حصول ذلك في القليل في بعض الأحيان ، كما إذا صبّ من مكان مرتفع بقوّة ، أو صبّ على الثوب مستمرّاً ؛ بحيث خرجت الغسالة بورود الماء بعد ورود مستمرّاً .

كفاية صبّ الماء على بول الصبيّ وعدم لزوم غسله

ثمّ إنّه يستثنى ممّا ذكر بول الصبيّ قبل أن أكل واُطعم ، وقد ادّعى السيّد إجماع الفرقة المحقّة على جواز الاقتصار على صبّ الماء والنضح ، ثمّ تمسّك

ص: 137


1- يأتي في الصفحة 343 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 128 .

بما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال : «يغسل من بول الجارية ، وينضح من - على (خ . ل) - بول الصبيّ ما لم يأكل الطعام» .

وبما روت زينب - لباب (خ ل) - بنت الجون : أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم أخذ الحسين ابن علي علیهما السلام فأجلسه في حجره ، فبال عليه ، قالت : فقلت له : لو أخذت ثوباً وأعطيتني إزارك لأغسله ، فقال : «إنّما يغسل من بول الاُنثى ، وينضح على بول الذكر»(1) انتهى . والروايتان من غير طرق أصحابنا (2) .

وكذا ادّعى الشيخ إجماع الفرقة فيه على كفاية الصبّ بمقدار ما يغمره ، وعدم

وجوب غسله(3) .

وعن غير واحد من المتأخّرين دعوى عدم الخلاف، وأ نّه مذهب الأصحاب(4).

وتدلّ عليه - مضافاً إلى ذلك - صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام

عن بول الصبيّ ، قال : «تصبّ عليه الماء ، فإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلاً ، والغلام والجارية في ذلك شرع سواء»(5) ونحوها عن «فقه الرضا علیه السلام »(6) .

ص: 138


1- مسائل الناصريات : 89 - 90 .
2- سنن أبي داود 1: 155/ 375، و: 156/ 377؛ سنن ابن ماجة 1 : 174 / 522 و525.
3- الخلاف 1 : 484 - 485 .
4- مدارك الأحكام 2 : 332 ؛ ذخيرة المعاد : 164 / السطر 29 ؛ مفاتيح الشرائع 1 : 74 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 384 ؛ جواهر الكلام 6 : 160 .
5- الكافي 3 : 56 / 6 ؛ وسائل الشيعة 3 : 397 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 3 ، الحديث 2 .
6- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 95 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 554 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 2 ، الحديث 1 .

وعن الصدوق في «معاني الأخبار» : أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم اُتي بالحسن بن علي علیهما السلام فوضع في حجره فبال ، فقال : «لا تزرموا ابني» ثمّ دعا بماء فصبّ عليه(1) .

وعن «دعائم الإسلام» : قال الصادق علیه السلام في بول الصبيّ : «يصبّ عليه الماء

حتّى يخرج من الجانب الآخر»(2) .

وموثّقة السَكوني ، عن جعفر ، عن أبيه علیهما السلام : «أنّ علياً علیه السلام قال : لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أن تطعم ؛ لأنّ لبنها يخرج من مثانة اُمّها ، ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا من بوله قبل أن يطعم ؛ لأنّ لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين»(3) .

وروى في «فقه الرضا علیه السلام » نحوها ، عنه علیه السلام (4) وقريب منها ما عن «الجعفريات» عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن علي علیهم السلام (5) .

ص: 139


1- معاني الأخبار : 211 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 405 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 ، الحديث 4 .
2- دعائم الإسلام 1 : 117 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 555 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 2 ، الحديث 5 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 250 / 718 ؛ وسائل الشيعة 3 : 398 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 3 ، الحديث 4 .
4- الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 95 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 554 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 2 ، الحديث 1 .
5- الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 12 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 554 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 2 ، الحديث 3 .

وعنها ، عن جعفر بن محمّد ، عن علي علیهم السلام : «أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم بال

عليه الحسن والحسين علیهما السلام قبل أن يطعما ، فكان لا يغسل بولهما من ثوبه»(1) .

ولا منافاة بين ما دلّ على عدم الغسل من بوله ، وبين ما دلّ على وجوب الصبّ ؛ فإنّ دلالة الأوّل على طهارته وعدم لزوم شيء ، بالسكوت في مقام البيان ، وهو لا يقاوم التصريح بالصبّ . بل في كون موثّقة السَكوني وما بمضمونها في مقام البيان من هذه الجهة منع ؛ فإنّ الظاهر أ نّها في مقام بيان نكتة الفرق بين بول الغلام والجارية بعد معهودية أصل الفرق .

وأمّا موثّقة سَماعة قال : سألته عن بول الصبيّ يصيب الثوب ، فقال : «اغسله» . قلت : فإن لم أجد مكانه ، قال : «اغسل الثوب كلّه»(2) .

فطريق الجمع بينها وبين صحيحة الحلبي تقييدها بها . ويمكن حملها على الاستحباب وكمال النظافة ؛ تحكيماً لنصّ رواية السَكوني على ظاهرها .

وأمّا رواية الحسين بن أبي العلاء - الصحيحة على الأصحّ(3) - قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن البول يصيب الجسد قال : «صبّ عليه الماء مرّتين ؛ فإنّما هو ماء» . وسألته عن الثوب يصيبه البول ، قال : «اغسله مرّتين» .

ص: 140


1- الجعفريات ، ضمن قرب الإسناد : 12 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 554 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 2 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 251 / 723 ، و : 267 / 785 ؛ وسائل الشيعة 3 : 398 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 3 ، الحديث 3 .
3- راجع ما تقدّم في الصفحة 134، الهامش 2.

وسألته عن الصبيّ يبول على الثوب ، قال : «يصبّ عليه الماء قليلاً ، ثمّ يعصره»(1) .

فليس المراد من «العصر» فيها العصر المعهود في غسل الثياب ؛ بقرينة مقابلة صبّ الماء قليلاً والعصر ، مع غسل الثوب في بول غير الصبيّ ، فإنّه لو كان المراد منه صبّ الماء والعصر على النحو المعهود في غسل سائر النجاسات ، لقال : «اغسله» ولو كان الفرق بين بوله وبول غيره بالمرّة والمرّتين لقال : «اغسله مرّة» فتغيير التعبير دليل على عدم لزوم الغسل ، فلو كان العصر هو المعهود لزم منه وجوب الغسل ، وهو ينافي المقابلة سيّما مع تقييد الصبّ بكونه قليلاً ، وهو دليل آخر على عدم لزوم الغسل ، وعلى عدم كون العصر لإخراج الغسالة .

بل الظاهر أ نّه لإيصال الماء إلى جوف الثوب ؛ فإنّ من طباع البول - لحرارته - أن يرسب في الثوب ، ومن طباع الماء البارد أن لا يرسب عاجلاً إلاّ بالعلاج ، سيّما مع قلّته ، فلا منافاة بينها وبين صحيحة الحلبي المقتصر فيها على الصبّ ، فإنّه أيضاً لا يكفي إلاّ مع الغلبة على البول ووصول الماء إلى جميع ما وصل إليه البول ، ولا يكفي الصبّ على ظاهر الثوب لتطهير باطنه ، كما هو الظاهر من رواية «الدعائم» المتقدّمة(2) ، فإنّ الخروج من الجانب الآخر من الثوب لوصوله إلى كلّ ما وصل إليه البول في غالب الثياب ، فلا تعارض بين الروايات بحمد اللّه .

ص: 141


1- تقدّم في الصفحة 134 - 135 .
2- تقدّم في الصفحة 139 .
حول إلحاق الصبيّة بالصبيّ

وهل تلحق الصبيّة بالصبيّ ؟ ظاهر «الخلاف» بل «الناصريات» الإجماع على عدم الإلحاق(1) . وعن «المختلف» الإجماع على اختصاص الحكم بالصبيّ(2) . وعن جمع دعوى الشهرة عليه(3) .

وعن «الذكرى» : «وفي بول الصبيّة قول بالمساواة»(4) ، ولعلّه استظهره من محكيّ عبارة الصدوقين(5) ، حيث أوردا عبارة «الرضوي» بعينها (6) واختاره صاحب «الحدائق» صريحاً (7) .

والأقوى عدم الإلحاق كما عليه الأصحاب ؛ لإعراضهم عن ذيل الصحيحة .

ص: 142


1- الخلاف 1 : 484 - 485 ؛ مسائل الناصريات : 89 - 90 .
2- نقله عنه صاحب مفتاح الكرامة ، لكن لم نعثر عليه في «المختلف» كما قاله صاحب الجواهر أيضاً . اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 172 - 173 ؛ جواهر الكلام 6 : 167 .
3- مدارك الأحكام 2 : 333 ؛ ذخيرة المعاد : 165 / السطر 3 ؛ جواهر الكلام 6 : 167 .
4- ذكرى الشيعة 1 : 123 .
5- اُنظر المعتبر 1 : 437 ؛ الفقيه 1 : 40 / 156 ؛ الهداية ، ضمن الجوامع الفقهية : 48 / السطر 23 .
6- هذا نصّ عبارة الرضوي : «وإن كان بول الغلام الرضيع فتصبّ عليه الماء صبّاً وإن كان قد أكل الطعام فاغسله ، والغلام والجارية سواء» . الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 95 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 554 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 2 ، الحديث 1 .
7- الحدائق الناضرة 5 : 386 .

مع معارضتها لموثّقة السَكوني(1) ، حيث إنّها نفت التفرقة بينهما ، وهي صرّحت بها ، ولا جمع عقلائي بينهما . ومع التعارض فإن قلنا : بأنّ الشهرة مرجّحة ، فالترجيح مع الموثّقة .

وإن قلنا : بأ نّها موهنة لمخالفها ، فالوهن للصحيحة .

وإن قلنا : بأنّ موافقة السنّة القطعية مرجّحة ، فالترجيح للموثّقة .

وإن قلنا : بأنّ العمومات مرجع لدى التعارض ، فعمومات غسل النجاسات وغسل البول مرّتين حاكمة على عدم المساواة .

موضوع الحكم هو الصبيّ الذي لم يطعم أو لم يأكل

ثمّ إنّ الظاهر المتفاهم من الأدلّة : أنّ الموضوع للحكم هو الصبيّ الذي لم يطعم ، أو لم يأكل الطعام ، كما هو معقد إجماع «الخلاف»(2) بل «الناصريات»(3) كما يظهر من عنوان البحث فيها ، وهو المراد من «الرضيع» في خلال كلامه ، كما هو ظاهر .

وهو ومقابله مأخوذان في الروايات المحكيّة من طرقهم وطرقنا (4) عدا «فقه الرضا علیه السلام » الذي لم يثبت كونه رواية ، ولا شبهة في أنّ الظاهر من قوله علیه السلام في صحيحة الحلبي : «فإن كان قد أكل فاغسله» أ نّه إذا كان متغذّياً

ص: 143


1- تقدّمت في الصفحة 139 .
2- الخلاف 1 : 484 - 485 .
3- مسائل الناصريات: 89 .
4- تقدّمت في الصفحة 138 - 139 .

وآكلاً بشهوته وإرادته على النحو المعهود ؛ بحيث يقال : «إنّه صار متغذّياً»

للفرق بين قوله : «إذا أكل فاغسله» وقوله : «فإن كان قد أكل» لأنّ الثاني ظاهر فيما ذكرناه دون الأوّل .

وكذا الحال في قوله علیه السلام في موثّقة السَكوني : «قبل أن يطعم» وقوله علیه السلام : «ما لم يأكل الطعام» . . . إلى غير ذلك من التعابير .

وليس الرضيع موضوعاً للحكم حتّى يقال : بانصرافه إلى من لم يبلغ سنتين . واحتمال كون العنوانين كناية عن عدم كونه رضيعاً ، وفي مقابله الرضيع ، لا يساعده الظاهر ، ولهذا لا يحتمل كون بول المولود آنَ ولادته قبل الرضاع ، كبول سائر الناس ، ولا أظنّ التزام أحد بذلك . إلاّ أن يقال : بصدق «الرضيع» عليه ؛ بمعنى كونه في سنّ الرضاع ، وهو كما ترى مجاز في مجاز .

وممّا ذكرناه من كون الموضوع هو الصبيّ الذي لم يطعم ولم يأكل ، يتّضح ثبوت الحكم للصبيّ الذي شرب من لبن كافرة أو خنزيرة ، فضلاً عن بقرة ونحوها .

بل لا يبعد ثبوته لمن شرب من الألبان الجافّة المعمولة في هذه الأعصار ، على إشكال ، سيّما إذا كان ممزوجاً ببعض الأغذية ، بل الأقرب عدم الثبوت في هذا الفرض .

ثمّ إنّ ما ذكرناه من ثبوت الحكم للمذكورات ؛ إنّما هو لإطلاق الأدلّة ، ودعوى انصرافها عنها إنّما تسمع - على تأمّل في بعضها - إذا كان الموضوع للحكم الرضيع ، والاستئناس أو الاستدلال لوجوب الغسل في بعضها بموثّقة

ص: 144

السَكوني(1) - بدعوى : أنّ مقتضى التعليل فيها وجوبه(2) - كما ترى ؛ فإنّ التعليل على فرض العمل به ، تعبّدي يناسب استحباب الغسل لا لزومه ؛ ضرورة أنّ اللبن إذا خرج من المثانة ، لا يوجب ذلك نجاسته لو اُريد الملاقاة للنجس في الباطن . ومع ذلك هو غير مربوط بالاغتذاء باللبن النجس ، كما هو ظاهر .

نعم ، في إلحاق بول طفل الكافر نوع تردّد ، ناشئ من أنّ ملاقاته لجسمه يمكن أن يلحقه الأثر الزائد وإن لم ينجّسه . ويأتي ذلك التردّد فيما إذا لاقى بوله نجساً آخر ، واستهلك ذلك النجس فيه .

ولو لاقى المحلّ بعد ملاقاته لبول الصبيّ نجساً آخر - كبول غيره - فالظاهر

وجوب غسله ، وعدم الاكتفاء بالصبّ .

عدم كفاية النضح والرشّ عن الصبّ

ثمّ إنّ الظاهر من الأخبار المعتمدة لزوم الصبّ ، فلا يكفي النضح والرشّ ، وهو معقد إجماع «الخلاف»(3) .

ولا يبعد أن يكون عطف السيّد في «الناصريات» «النضح» على «الصبّ»(4) إنّما أراد به ما يصدق عليه «الصبّ» كبعض مصاديقه ، ولهذا لم يعطفه ب- «أو» إذ من البعيد استناده في الفتوى إلى الروايتين المتقدّمتين(5) من طرقهم ، وإنّما استدلّ

ص: 145


1- تقدّم في الصفحة 139 .
2- راجع جواهر الكلام 6 : 166 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 47 .
3- الخلاف 1 : 484 .
4- مسائل الناصريات : 90 .
5- تقدّمتا في الصفحة 138 .

بهما إقحاماً لهم ، كما هو دأبه ، وكذا دأب شيخ الطائفة وبعض آخر من أصحابنا . كما أ نّهم ربّما يستدلّون في الأحكام باُمور تشبه القياس إرغاماً لهم ، لا استناداً

إليها ، وظنّ الغافل غير ذلك ، وربّما طعن بهم والعياذ باللّه .

وكيف كان : فالأقوى عدم كفاية الرشّ . ودعوى إلغاء الخصوصية لو فرضت قاهرية الماء بالرشّ مع تكرّره(1) وإن لا تخلو من وجه ، لكنّ الأوجه خلافها ؛ لاحتمال كون الدفعة دخيلة في التطهير ، والقاهرية التدريجية غير كافية . بل العرف يساعد على ذلك في أبواب التطهير وإزالة النجاسات .

عدم لزوم إخراج غسالة بول الصبيّ وطهارتُها

ثمّ إنّ الظاهر من الأخبار : أنّ مجرّد صبّ الماء على بوله موجب لطهارته ؛ من غير لزوم خروج الغسالة وجري الماء على المحلّ ، ولازمه عرفاً عدم نجاسة ما انفصل منه لو فرض انفصاله بعصر أو غيره؛ للفرق الواضح بين غسالته وغسالة سائر النجاسات بحسب اقتضاء الأدلّة ؛ فإنّ كيفية تطهير سائرها - على ما مرّ(2) - بصبّ الماء على المحلّ القذر وإجرائه عليه ؛ لإزالة القذارة بذلك ، بمعنى أنّ الماء

بإجرائه على المحلّ وانفصاله يذهب بقذارته ، فصار الماء قذراً ، والمحلّ طاهراً ؛ لانتقال قذارته إلى الماء ، وهو أمر يساعد عليه العرف والعقلاء في رفع القذارات العرفية ، كما هو واضح ، ولهذا قلنا بنجاسة الغسالة حتّى المطهِّرة(3) .

ص: 146


1- جواهر الكلام 6 : 163 .
2- تقدّم في الصفحة 132 .
3- الطهارة (تقريرات الإمام الخميني قدس سره) الفاضل اللنكراني : 199 .

وأمّا بول الرضيع الذي بيّن الشارع كيفية تطهيره ، وأخطأ العرف فيها ، فلا ينبغي الإشكال في أنّ المتفاهم من أدلّتها : أنّ غلبة الماء عليه مطهّرة من غير انفعاله به ، وإلاّ فلا يحكم بجواز بقائه في الثوب حتّى ييبس ، ومعه كيف يمكن التفكيك عرفاً بين الماء الذي في المحلّ ؛ فيقال بطهارته إذا كان فيه ، ونجاسته إذا انفصل منه ؟ !

وبالجملة : فرق واضح بين الغسلة المزيلة للنجاسة بجريانها وانفصالها ، وبين

الماء المطهّر للمحلّ بنفس إصابته وقاهريته ولو لم يخرج منه ، فالقول بالتفكيك كالقياس على الغسالة(1) ضعيف جدّاً .

كيفية تطهير ظاهر الفراش وباطنه

ثمّ إنّ ما ذكرناه في صدر المبحث - من اعتبار حصول الغسل في النجاسات لإزالتها وتطهيرها ، وهو يتوقّف على قاهرية الماء على المحلّ وخروج غسالته ؛ لتحصيل الإزالة وإذهاب القذارة بمرور الماء وخروجه - هو مقتضى الأدلّة الواردة في غسل النجاسات ، وليس للشارع - إلاّ فيما استثني - طريقة خاصّة في ذلك ، ولا إعمال تعبّد ، فحينئذٍ يكون غسل الفرش المحشوّة بالصوف أو القطن ممكناً :

أمّا ظاهرها : فبإجراء الماء عليه وعصرها ، ولا تسري النجاسة من باطنها إليه بمجرّد رطوبة متّصلة ما لم يلاقِ النجسَ برطوبة . وملاقاة أحد الطرفين لا يوجب نجاسة الطرف الآخر ، كما هو مقتضى صحيحة إبراهيم بن أبي محمود

ص: 147


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 159 .

قال : قلت للرضا علیه السلام : الطنفسة والفراش يصيبهما البول ، كيف يصنع بهما وهو ثخين كثير الحشو ؟ قال : «يغسل ما ظهر منه في وجهه»(1) .

وأمّا باطنها : فلا بدّ في تطهيره من حصول الغسل بالمعنى المتقدّم فيه ، وهو يحصل بغمرها في الماء الكثير وتحريكها ، أو غمزها أو عصرها لخروج الماء الداخل فيها ، أو صبّ الماء القليل عليها حتّى يقهر على النجاسة ، ثمّ إخراج غسالته بوجه من العلاج .

وربّما يتوهّم(2) من رواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى علیه السلام خلافُ ذلك ، وأوسعيةُ الأمر فيها ، قال : سألته عن الفراش يكون كثير الصوف ، فيصيبه البول ، كيف يغسل ؟ قال : «يغسل الظاهر ، ثمّ يصبّ عليه الماء في المكان الذي أصابه البول حتّى يخرج من جانب الفراش الآخر»(3) .

بدعوى دلالتها على عدم لزوم العصر وإخراج الغسالة .

وفيه أوّلاً : أنّ الظاهر منها إصابة البول لظاهر الفراش ؛ للفرق بين قوله علیه السلام : «أصابه البول» وبين قوله : «بال عليه شخص» لأنّ الظاهر من الأوّل إصابة ظاهره ، ولعلّ السؤال عنه والقيد بكثرة الصوف ؛ لاحتماله لزومَ إخراج الصوف منه ثمّ غسله ، وعدمَ تحقّق غسل ظاهره إلاّ به ، والأمر بصبّ الماء عليه بعد

ص: 148


1- الكافي 3 : 55 / 2 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 251 / 724 ؛ وسائل الشيعة 3 : 400 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 5 ، الحديث 1 .
2- جواهر الكلام 6 : 144 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 130 - 131 .
3- مسائل علي بن جعفر : 192 / 397 ؛ قرب الإسناد : 281 / 1114 ؛ وسائل الشيعة 3 : 400 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 5 ، الحديث 3 .

غسل ظاهره ؛ لعلّه لاحتمال السراية ، كالرشّ الوارد في نظيره ، ولهذا أمر بغسل

ظاهره أوّلاً ، ثمّ صبّ الماء عليه .

وتشهد لما ذكرناه صحيحة إبراهيم بن عبد الحميد قال : سألت أبا الحسن علیه السلام

عن الثوب يصيبه البول ، فينفذ إلى الجانب الآخر ، وعن الفرو وما فيه من الحشو ، قال : «اغسل ما أصاب منه ، ومسّ الجانب الآخر ، فإذا أصبت مسّ(1) شيء منه فاغسله ، وإلاّ فانضحه»(2) .

حيث أمره بالغسل في فرض نفوذ النجاسة إلى الباطن .

وثانياً : أ نّه من المحتمل أن يكون مراده من خروجه من الجانب الآخر ، خروجَ جميعه أو معظمه ، ولم يذكر العصر أو نحوه ؛ لعدم الاحتياج إلى الذكر بعد توقّفه عليه ، تأمّل .

وثالثاً : يمكن أن يكون الصوف الكثير في باطن الفراش بوجه لا يقبل الماء نوعاً ، وخرج منه الغسالة بلا علاج .

والإنصاف : أنّ رفع اليد عن إطلاق أدلّة الغسل الموافق للقواعد وارتكاز العقلاء وخصوص صحيحة إبراهيم المتقدّمة ، لا يجوز بمثل هذه الرواية .

هذا كلّه فيما يمكن فيها الغسل بالمعنى المعتبر في إزالة النجاسة .

ص: 149


1- في الوافي «من» بدل «مسّ» . [منه قدس سره]
2- الكافي 3 : 55 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 400 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 5 ، الحديث 2 .
كيفية تطهير ما لا ينفذ فيها الماء

وأمّا الأجسام التي لا يمكن فيها ذلك - كالصابون والحبوب والفواكه ، وما يجري مجراها ممّا لا ينفذ الماء فيها ، بل تنفذ الرطوبة فيها - فالظاهر عدم إمكان تطهير بواطنها ؛ لا بالماء الكثير ، ولا بالقليل ؛ فإنّ تطهيرها يتوقّف على مرور الماء المطلق عليها وخروجه منها لإزالة القذارة ، كما مرّ مراراً (1) ، وليس للشارع تعبّد خاصّ في تطهير البواطن ، وسيأتي في حال بعض الأخبار المتمسّك بها لذلك .

كما أ نّه ليس في الأدلّة ما تدلّ على قبول كلّية الأجسام للتطهير .

وما قيل : «إنّه يستفاد من تتبّع الأخبار وكلمات الأصحاب : أنّ كلّ متنجّس

حاله حال الثوب والبدن في قبوله للتطهير ، والتشكيك في ذلك سفسطة»(2) غير وجيه ، ولا مستند إلى دليل .

نعم ، لا شبهة في أنّ تحقّق الغسل في كلّ متنجّس موجب للطهارة ، وأمّا مع تعذّره - لأجل عدم إمكان نفوذ الماء فيه ، أو عدم إمكان إخراج غسالته منه - فلا دليل على حصولِ الطهارة له وغمضِ الشارع عن الغسل ، والاكتفاءِ بغيره بدله ، أو اكتفائه بغسل ظاهره - لطهارة باطنه تبعاً من غير تحقّق الغسل - إلاّ بعض الروايات ، كرواية زكريّا بن آدم قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر ، قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير ؟

ص: 150


1- تقدّم في الصفحة 132 و133 و134 و146 و147 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 133 .

قال : «يهراق المرق ، أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلب ، واللحم اغسله وكله»(1) .

وقريب منها خبر السَكوني(2) .

بدعوى : أنّ مقتضى إطلاقها إمكان غسل اللحم مطلقاً ؛ سواء كان ممّا ينفذ فيه الماء أو لا ، فتدلّ على جواز غسل مطلق اللحوم - بل مطلق أجسام نحوها - بماء كثير أو قليل يمرّ على ظاهرها، وطهارة باطنها بتبعه ، وعدم لزوم مرور الماء أو سرايته ونفوذه إلى باطنها ؛ فإنّ اللحم الذي يكون رطباً ولزجاً وقد رسب فيه الماء المتنجّس ، لا يرسب فيه الماء حتّى يتحقّق الغسل بالنسبة إلى باطنه ، فالأمر بغسله وأكله دليل على أنّ غسل ظاهره، كافٍ في طهارته ظاهراً وباطناً(3) .

وفيه : أنّ ما ذكر وجيه لو لم يقبل باطن اللحوم مطلقاً غسلاً ، وأمّا مع قبول كثير من أفرادها فلا وجه له ؛ لأنّ الأمر بغسل اللحم وأكله لا يدلّ على قبول كلّ لحم ذلك ، كما هو واضح .

فهل يمكن أن يقال : إنّ قوله : «اغسل ثوبك من البول وصلّ فيه» يدلّ على قبول كلّ ثوب الغسل ، فلو فرض عدم إمكان غسل باطن ثوب لعارض ، يكتفى بظاهره ويصلّى فيه ؟ !

ص: 151


1- تهذيب الأحكام 1 : 279 / 820 ؛ وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 8 .
2- الكافي 6 : 261 / 3 ؛ وسائل الشيعة 24 : 196 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المحرّمة ، الباب 44 ، الحديث 1 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 142 - 143 .

بل لأحد أن يقول : إنّ الروايتين - بما أ نّهما تد لاّن على توقّف جواز الأكل

على الغسل الذي هو أمر عقلائي معهود - دالّتان على أنّ ما لا يمكن غسله لا يجوز أكله ، فلا يجوز أكل مثل الشحم وبعض أقسام اللحوم الذي لا يرسب فيه الماء ، ولا يمكن غسله .

مضافاً إلى أنّ في إطلاقهما لصورة العلم بنفوذ النجاسة إلى باطن اللحم مع ندرة حصوله إشكالاً . بل لعلّ الجمع بين إفادةِ لزوم الغسل فيما يمكن غسل باطنه ، والاكتفاءِ بغسل الظاهر عن الباطن وطهارته تبعاً ، بلفظ واحد غير ممكن ، وكالجمع بين اللحاظين المختلفين ، فتدبّر .

والإنصاف : أنّ القول بتبعية الباطن للظاهر - التي هي خلاف القواعد المحكمة - بمثل هاتين الروايتين اللتين هما على خلاف المطلوب أدلّ ، ممّا لا يمكن المساعدة عليه .

وأضعف منه التمسّك(1) بمرسلة الكاهلي ، وفيها : «كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر»(2) . بدعوى عدم الفصل بينه وبين سائر المياه -

حتّى الماء القليل - من هذه الجهة .

ومرسلة العلاّمة في غدير الماء(3) مع الدعوى المذكورة .

ص: 152


1- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 266 - 267 .
2- الكافي 3 : 13 / 3 ؛ وسائل الشيعة 1 : 146 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 5 .
3- مختلف الشيعة 1 : 15 ؛ مستدرك الوسائل 1 : 198 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 ، الحديث 8 .

وذلك لمنع إصابة ماء المطر وإصابة الكرّ بواطن الأشياء ، بل ما أصابها هو الرطوبة ، وهي غير الماء عرفاً .

مع ضعف مرسلة العلاّمة ، وعدم الجابر لها ، وعدم ثبوت الإجماع على الملازمة ، سيّما مع القليل .

وأغرب منه التمسّك بمرسلة الصدوق(1) الحاكية لوجدان أبي جعفر علیه السلام لقمة

خبز في القذر ، فأخذها وغسلها ليأكلها ، فأكلها غلامه(2) لأ نّها قضيّة شخصية لا يعلم كيفية قذارة الخبز، بل لا يعلم تأثّره من القذر، فضلاً عن العلم بقذارة باطنه.

ويتلوه في الضعف التشبّث(3) برواية طهارة طين المطر إلى ثلاثة أيّام(4) ونحوها ممّا هي أجنبيّة عن المقام . مع أنّ في المطر كلاماً ربّما يلتزم فيه بما لا يلتزم في غيره .

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ في كلّ جسم من المذكورات تحقّق الغسل بما هو معتبر فيه لإزالة النجاسة - ولو بجعله مرّة أو مرّات في الماء العاصم لينفذ الماء المطلق

إلى باطنها ويخرج منه - صار طاهراً ، وإلاّ فمجرّد وصول الرطوبة ولو من الماء العاصم إليه ، لا يوجب الطهارة .

ص: 153


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 145 .
2- الفقيه 1 : 18 / 49 ؛ وسائل الشيعة 1 : 361 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 39 ، الحديث 1 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 136 - 137 .
4- الكافي 3 : 13 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 267 / 783 ؛ وسائل الشيعة 3 : 522 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 75 ، الحديث 1 .

ودعوى وحدة الماء مع الرطوبة التي في الجوف(1) ، غير مسموعة أوّلاً ، وغير مفيدة للطهارة ثانياً ، كما مرّ(2) .

وأوضح منها فساداً دعوى : «أنّ المناط في التطهير على صدق نفوذ الكرّ فيه ،

ووصولِ الماء المطلق إلى باطنه ، ولا ملازمة بينه وبين إطلاق اسم «الماء» عليه ، فإنّه لو سرت نداوة الماء إلى خارج الإناء يطلق عرفاً : « أنّ ماءه نفذ فيه ، وخرج منه» إطلاقاً حقيقياً ، لكن لو لوحظ الأجزاء المائية السارية فيه بحَيالها لا يطلق عليها اسم «الماء» لاستهلاكها في الظرف»(3) انتهى .

إذ لم يتّضح كيف لا يصدق على ما سرى فيه «الماء» ومع ذلك صدق نفوذ الماء فيه ، ووصول الماء المطلق إلى باطنه ، وأ نّه غسل باطنه بالماء ، مع كون الرطوبة غير الماء عرفاً ، وهل هذا إلاّ تناقض ظاهر ؟ !

ومجرّد لحاظ الأجزاء تارة مستقلاًّ ، واُخرى تبعاً ، لا يوجب صيرورة الرطوبةِ ماءً ، والماءِ رطوبةً .

وليت شعري ، ما الداعي إلى هذه التكلّفات البعيدة عن الواقع والأذهان لإثبات أمر لا دليل عليه ، وأيّ دليل على قبول كلّ شيء التطهير ؟ !

فالأقوى ما تقدّم .

ص: 154


1- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 270 .
2- تقدّم في الصفحة 150 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 136 .
لزوم إمرار الماء على الأرض وإخراج الغسالة في تطهيرها

ويظهر ممّا مرّ في كيفية غسل المتنجّسات : أ نّه لو تنجّس الأرض تصير طاهرة بإمرار الماء القليل عليها ، وإخراج الغسالة ، ولا يكفي صبّه عليها من غير الإمرار والإخراج .

ورواية أبي هريرة(1) - مع كونها ضعيفة ، وتسميتها : «مقبولة»(2) غير مقبولة ، ومجرّد تمسّك شيخ الطائفة(3) بها إرغاماً للقوم ، لا يوجب مقبوليتها - فيها نقل قضيّة مجهولة لا يعلم كيفيتها ؛ لاحتمال أنّ الأعرابي بال عند باب المسجد ؛ بحيث صار صبّ ذَنُوب من الماء عليه موجباً لخروج غسالته عن المسجد .

ص: 155


1- عن أبي هريرة قال : قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس فقال لهم النبي صلى الله عليه و آله وسلم : «دَعوه وأهريقوا على بوله سَجلاً من ماء أو ذَ نُوباً من ماء فإنّما بعثتم ميَسِّرين ولم تبعثوا معسِّرين» . صحيح البخاري 1 : 164 / 214 ؛ سنن أبي داود 1 : 157 / 380 ؛ سنن الترمذي 1 : 99 / 147 .
2- ذكرى الشيعة 1 : 130 .
3- الخلاف 1 : 494 .

المطلب الخامس: في اعتبار التعدّد في التطهير

لزوم الغسل مرّتين في تطهير البول بالماء القليل

يعتبر في تطهير البول - عدا ما استثني - بالماء القليل الغسل مرّتين من غير فرق بين الثوب والجسد ؛ لتظافر الأخبار عليه ، كصحيحة محمّد بن مسلم ، عن أحدهما علیهما السلام قال : سألته عن البول يصيب الثوب ، قال : «اغسله مرّتين»(1) .

ونحوها صحيحة ابن أبي يعفور(2) وصحيحة الحسين بن أبي العلاء المتقدّمة(3) .

وصحيحة البَزَنْطي المنقولة عن «جامعه» قال : سألته عن البول يصيب

ص: 156


1- تهذيب الأحكام 1 : 251 / 721 ؛ وسائل الشيعة 3 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 251 / 722 ؛ وسائل الشيعة 3 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 ، الحديث 2 .
3- تقدّمت في الصفحة 134 .

الجسد ، قال : «صبّ عليه الماء مرّتين ؛ فإنّما هو ماء» .

وسألته عن الثوب يصيبه البول ، قال : «اغسله مرّتين»(1) .

وصحيحة أبي إسحاق النحوي - ثعلبة بن ميمون الثقة على الأصحّ(2) - عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن البول يصيب الجسد ، قال : «صبّ عليه الماء مرّتين»(3) .

فالتفصيل بين الثوب وغيره بلزوم المرّتين في الأوّل والاكتفاء بالمرّة في الثاني - للخدشة في إسناد ما دلّ على المرّتين في الجسد(4) - ضعيف ؛ لصحّة الروايات المتقدّمة ، ووثاقة رواتها على الأصحّ . مع أنّ الحكم مشهور بين الأصحاب ، كما عن «البحار» و«المدارك» و«الكفاية»(5) وعن «المعتبر» نسبته إلى علمائنا (6) ، وعن «الذخيرة» : «أنّ عليه عمل الطائفة»(7) وليس لهم مستند غيرها ، فإسنادها مجبور لو فرض ضعفها .

وتوهّم : أنّ حمل أخبار المرّتين على الاستحباب ، أولى من رفع اليد عن

ص: 157


1- السرائر 3 : 557 ؛ وسائل الشيعة 3 : 396 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 ، الحديث 7 .
2- راجع تنقيح المقال 1 : 196 / السطر5 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 249 / 716 ؛ وسائل الشيعة 3 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 ، الحديث 3 .
4- مدارك الأحكام 2 : 336 - 337 .
5- بحار الأنوار 77 : 129 ؛ مدارك الأحكام 2 : 336 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 64 .
6- المعتبر 1 : 435 .
7- ذخيرة المعاد : 161 / السطر 38 .

إطلاق الروايات الكثيرة المقتصرة على الأمر بالغسل ، مؤيّداً بما دلّ على الاكتفاء

بالمرّة في الاستنجاء ، بعد عدم الفارق عرفاً بينه وبين غيره .

فاسد ؛ لعدم الإطلاق في الأخبار ؛ لأنّ كلّها أو جلّها في مقام بيان أحكام اُخر ، فلا إطلاق فيها ، كما تقدّم في غسل الفراش(1) ؛ لكونها في مقام بيان كيفية غسل الفراش ، لا حال البول ، فقوله علیه السلام في صحيحة إبراهيم بن أبي محمود : «يغسل ما ظهر منها في وجهه»(2) يراد منه أ نّه يكتفى بغسل ظاهره ، ولا يجب إخراج حشوه أو غسله ؛ لعدم الاحتياج إليه ، وعدم الابتلاء إلاّ بظاهره ، فلا إطلاق فيها ، وكذا الحال في غيرها .

نعم ، لا يبعد الإطلاق في صحيحة عبداللّه بن سِنان قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(3) على إشكال فيه ؛ لاحتمال كونه بصدد الفرق بين بول ما يؤكل وما لا يؤكل ، لا بصدد كيفية الغسل . ولو فرض الإطلاق في بعضها ، فيقيّد بالمستفيضة الدالّة على وجوب التعدّد .

والتأييد بما في باب الاستنجاء في غير محلّه ، فإنّه لو التزمنا فيه بكفاية المرّة فلا يمكن إلغاء الخصوصية ؛ بعد ما نرى فيه من التخفيف ما ليس في غيره .

ص: 158


1- تقدّم في الصفحة 147 - 149 .
2- تقدّمت في الصفحة 147 - 148 .
3- الكافي 3 : 57 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 264 / 770 ؛ وسائل الشيعة 3 : 405 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 ، الحديث 2 .
لزوم إخراج الغسالة في كلّ غسلة

ثمّ إنّ الظاهر منها : أنّ المعتبر في كلّ غسلة هو إخراج الغسالة على النحو المتقدّم(1) ، وأمّا الاكتفاء في الغسلة الاُولى بإزالة العين كيفما اتّفقت ، فخلاف ظاهر الأدلّة حتّى بناءً على أنّ قوله : «مرّة للإزالة ، ومرّة للإنقاء» من تتمّة رواية ابن أبي العلاء المحكيّة في «المعتبر» و«الذكرى»(2) فإنّ الغسل للإزالة بنظر العرف هو بإمرار الماء وإخراج غسالته ، لا الإزالة كيفما اتّفقت .

فالمأمور به الغسلُ للإزالة لا الإزالةُ ، كما لا يكتفى بالإنقاء كيفما اتّفق ، فكما أنّ الغسل للإنقاء لا يقتضي الاكتفاء بالإنقاء ولو بغير الغسل ، فكذا للإزالة ، سيّما مع الارتكاز على أنّ للماء خصوصيةً ، وأنّ للغسل لإزالة النجاسة لديهم كيفيةً معهودةً .

هذا كلّه مع أنّ الوثوق حاصل بعدم كون هذا الذيل من تتمّة الحديث ، بل هو من اجتهاد الناقل ؛ لعدم وجوده في شيء من كتب الحديث ، كما هو المحكيّ(3) والمشاهد . هذا كلّه حال بول غير الصبيّ .

ص: 159


1- تقدّم في الصفحة 129 .
2- المعتبر 1 : 435 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 124 .
3- ذخيرة المعاد : 161 / السطر 33 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 359 - 360 ؛ جواهر الكلام 6 : 186 - 187 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 176 .
عدم اعتبار تعدّد الصبّ في تطهير بول الصبيّ

وأمّا بوله فالظاهر عدم اعتبار تعدّد الصبّ فيه ؛ لإطلاق صحيحة الحسين المتقدّمة(1) ، سيّما بعد وقوع السؤال عن بوله عقيب السؤال عن البول الذي أصاب الجسد والثوب ، والأمر فيهما بالصبّ والغسل مرّتين ، إذ لا يبقى معه مجال توهّم عدم الإطلاق .

بل الظاهر إطلاق صحيحة الحلبي أيضاً ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن بول

الصبيّ ، قال : «تصبّ عليه الماء ، فإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلاً»(2) .

فإنّ الظاهر أنّ سؤاله كان بعد الفراغ عن كيفية غسل بول غير الصبيّ ، وإنّما

كان شاكّاً في كيفية غسل بوله ، فقوله علیه السلام : «تصبّ عليه الماء» لبيان كيفيته ، وقوله علیه السلام : «فإن كان قد أكل» لبيان غاية الحكم في الصبيّ ، لا لبيان غسل بول غيره حتّى يقال : كما لم يذكر الكيفية في الثاني - لعدم كونه في مقام بيانها - فكذا

بول الصبيّ .

وبالجملة : إنّ الظاهر كونه في مقام بيان كيفية غسل بول الصبيّ الذي هو محطّ السؤال ، فيؤخذ بإطلاقه ، لا لبيان كيفية غسل بول غيره ، فلا إطلاق فيها من هذه الجهة ، فلا ينبغي الإشكال في كفاية المرّة . هذا حال الغسل بالماء القليل .

ص: 160


1- تقدّمت في الصفحة 134 .
2- الكافي 3 : 56 / 6 ؛ وسائل الشيعة 3 : 397 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 3 ، الحديث 2 .
كفاية المرّة في تطهير البول بالماء الجاري لا الكرّ

وأمّا الجاري فيكفي فيه مرّة واحدة بلا خلاف على المحكيّ(1) ، وتدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الثوب يصيبه البول ، قال : «اغسله في المِرْكَن مرّتين ، فإن غسلته في ماءٍ جارٍ فمرّةً واحدةً»(2) .

ويمكن الاستدلال بها للاكتفاء بالغسل في الكرّ بمرّة واحدة بأن يقال : لا إشكال في أنّ قوله علیه السلام : «في المِرْكَن» كناية عن الغسل بالماء القليل ، وإلاّ فالكون في المِرْكَن لا دخالة له في الحكم ، سيّما مع مقابلته للجاري ، فكأ نّه قال : «اغسله بالقليل مرّتين» .

ولا ريب في أنّ لقيد القلّة دخالةً في إيجاب المرّتين ، ومفهوم القيد وإن لم يكن حجّة في غير المقام ، لكن فيه خصوصية لا بدّ من الالتزام بحجّيته : وهي عدم كون شيء آخر صالح للقيام مقام القيد في إيجاب المرّتين ؛ فإنّ ما يتوهّم إمكان قيامه هو الكثير المقابل للجاري والقليل المذكورين ، وهو لا يصلح للنيابة ؛ لأنّ دخالة القلّة في ثبوت حكم لا يمكن مع دخالة الكثرة أيضاً ، وكون الحكم للجامع بينهما يخالف ظاهر الرواية ، فلا بدّ من القول : بأنّ القلّة علّة منحصرة ، ومع فقدها لا يجب المرّتان ، والأكثر منهما مقطوع العدم ، فيجب المرّة في غير القليل ، وهو المطلوب .

ص: 161


1- جواهر الكلام 6 : 195 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 179 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 250 / 717 ؛ وسائل الشيعة 3 : 397 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 2 ، الحديث 1 .

وإنّما ذكر أحد مصاديق المفهوم وهو الجاري ؛ لنكتة خفيّة علينا .

وقد قلنا سابقاً (1) : أنْ لا مفهوم للقضيّة الشرطية التي ذكرت تصريحاً

بالمفهوم ؛ وإن قلنا بالمفهوم في سائر الموارد . هذا مع أنّ الشرطية في المقام سيقت لبيان تحقّق الموضوع ، والوصف لا مفهوم له في غير المقام ، فضلاً عن المقام الذي ذكرت القضيّة الثانية لبيان مفهوم القيد في القضيّة الاُولى .

فتحصّل من ذلك : حجّية مفهوم القيد في الجملة الاُولى دون الثانية ، فلا تعارض بينهما من حيث المفهوم ، وإنّما ذكر الجاري - وهو أحد مصاديق المفهوم - لنكتة لعلّها كثرة وجوده في بلد السائل .

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الصحيحة لإثبات المطلوب .

لكنّه محلّ إشكال ولو سلّم كون المِرْكَن كناية عن القلّة ؛ لإمكان أن يكون النائب مناب القيد الركود لا الكثرة ، فلا يأتي فيه ما تقدّم من البيان .

لا يقال : إنّ الركود مشترك بين القليل والكرّ ؛ فإنّ الجاري القليل حكمه مرّة ، فلا معنى لنيابته عنه .

فإنّه يقال : يمكن أن تكون القلّة سبباً مستقلاًّ ، والجريان مانعاً عن تأثيره ، والركود سبباً آخر ، وإنّما نسب الحكم في القليل إلى القلّة لكونها كالوصف الذاتي للماء ، بخلاف الركود المقابل للجريان ، فإنّه من الأعراض اللاحقة ، والوصف الذاتي أسبق في التأثير .

هذا مع إمكان أن يقال : إنّ ذكر المِرْكَن ليس للاحتراز ، بل لمجرّد ذكر قسم

ص: 162


1- تقدّم في الصفحة 98 .

من الماء ، فحينئذٍ لأحد أن يعكس الأمر ويقول : إنّ توصيف الماء ب- «الجاري» لدخالته في الحكم ، وليس شيء ينوب منابه ؛ إذ مقابل الجاري الراكد ، وهو لا يصلح للنيابة ؛ لعين ما تقدّم ، فيكون للجملة الثانية مفهوم بعد عدم المفهوم للاُولى ، وإنّما ذكر المِرْكَن لأ نّه أحد المصاديق ، فتدلّ الرواية بمفهومها على وجوب التعدّد في غير الجاري .

لكنّه أيضاً محلّ إشكال ؛ لأنّ الراكد وإن لم يصلح للنيابة ، لكنّ الكثير يمكن أن ينوب عن الجاري ، سيّما مع التناسب بينهما .

ولكن الإنصاف : أنّ إثبات حكم المرّة أو المرّتين في الكرّ بهذه الرواية ، في غاية الإشكال ، والظاهر سكوتها عن حكم الكرّ .

وأمّا الاستدلال(1) على الاكتفاء بالمرّة بمرسلة العلاّمة المتقدّمة ، عن أبي جعفر علیه السلام مشيراً إلى غدير : «إنّ هذا لا يصيب شيئاً إلاّ طهّره»(2) بدعوى انجبار سندها بالشهرة ، وأقوائية دلالتها ممّا وردت في غسل البول مرّتين ؛ لأ نّها بالعموم ، وتلك بالإطلاق . بل الإطلاق أيضاً صار موهوناً بخروج الجاري منها . بل يمكن إنكار دلالتها إلاّ على القليل ؛ لكثرة القليل ، وقلّة الكثير في تلك البلاد ، سيّما مع مقابلة الغسل للصبّ فيها ، ومصبّه القليل .

ففيه : منع جبر السند بعمل المتأخّرين ، مع عدم ثبوت الاشتهار بالعمل بها حتّى منهم .

ص: 163


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 180 .
2- تقدّمت في الصفحة 136 .

ومنع أقوائية دلالتها ؛ لأ نّها بالإطلاق أيضاً لا العموم ، كما قرّر في محلّه(1) . بل للمنع من أقوائية العموم من الإطلاق مجال .

وخروج الجاري لا يوجب وهناً في الإطلاق لو لم نقل بإيجابه القوّة ، ولا مجال لإنكار إطلاقها حتّى فيما اشتملت على الصبّ ، فضلاً عن غيرها . وقلّة الكثير في بلد السائل - كابن مسلم وأبي إسحاق وابن أبي يعفور الكوفيين - كما ترى .

والاستدلال عليه(2) بروايات ماء الحمّام - كقوله علیه السلام : «هو بمنزلة الماء الجاري»(3) وقوله : «ماء الحمّام كماء النهر يطهّر بعضه بعضاً»(4) - فرع إثبات عموم التنزيل ، وهو ممنوع ؛ لأنّ الناظر في الروايات لا ينبغي أن يشكّ في أنّ التنزيل في عدم الانفعال ، وتقوّي بعضه ببعض آخر ، وتطهيرِ المادّة الحياضَ كما هو الظاهر من الأسئلة والأجوبة ، فلا دلالة على عمومه ، سيّما مع كون المعهود ذلك .

ودعوى إلغاء الخصوصية عرفاً من قوله علیه السلام : «فإن غسلته بالماء الجاري فمرّة واحدة»(5) فإنّ الاكتفاء فيه بها ليس إلاّ لقاهريته واستهلاك النجاسة فيه ،

ص: 164


1- مناهج الوصول 2 : 209 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 181 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 378 / 1170 ؛ وسائل الشيعة 1 : 148 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 7 ، الحديث 1 .
4- الكافي 3 : 14 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 150 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 7 ، الحديث 7 .
5- تقدّم في الصفحة 161 .

ولا دخالة للمادّة والجريان فيه . بل ربّما يدّعى القطع بالمساواة(1) .

فيها ما لا يخفى ؛ لعدم مجال لإلغائها عرفاً بعد ما نرى أنّ للجاري خصوصية عرفاً ولدى العقلاء . ومن هنا لا ظنّ بالمساواة ، فضلاً عن القطع بها ، سيّما مع ما

في الأحكام من المناطات التي تقصر العقول عن إدراكها .

ولقد أطنب المحقّق صاحب «الجواهر» وأكثر في الاستدلال على الاكتفاء ، ولم يأتِ بشيء مقنع يمكن التشبّث به في مقابل الإطلاقات والأصل(2) .

عدم الفرق بين بول الإنسان وغيره من الحيوانات غير المأكولة

ثمّ إنّ مقتضى الأدلّة عدم الفرق بين بول الإنسان وغيره من الحيوانات غير المأكولة ، ودعوى الانصراف وعدم الإطلاق(3) ضعيفة ، كما لا يتوهّم فيما ورد في الدم وغيره ، مع كونهما من قبيله ، أو أسوأ حالاً .

بل لا يبعد استفادة حكم سائر الأبوال لو فرض السؤال عن بوله الذي أصاب ثوبه ، فإنّه كما تلغى الخصوصية من الثوب عرفاً تلغى من البول ، فيقال : إنّ الحكم لطبيعة البول ، لا لبول نفسه أو نوعه ، تأمّل .

مضافاً إلى أ نّه لا قصور في إطلاق صحيحة ابن مسلم وأبي إسحاق وابن أبي يعفور وغيرها (4) ، والظاهر منها أنّ الحكم لنفس طبيعته ، وقلّة الابتلاء ببول

ص: 165


1- جواهر الكلام 6 : 196 - 197 .
2- جواهر الكلام 6 : 196 - 198 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 189 .
4- تقدّمت الروايات في الصفحة 156 - 157 .

غير الإنسان وكثرة الابتلاء ببوله ، لا توجب الانصراف ، كما لا تنصرف سائر المطلقات عن الأفراد القليلة الابتلاء بها . مع منع قلّة الابتلاء ببعض الأبوال .

ومضافاً إلى موثّقة سَماعة قال : سألته عن أبوال الكلب والسِنَّوْر والحمار

والفرس ، فقال : «كأبوال الإنسان»(1) .

ومقتضى عموم التشبيه أنّ حدّ قذارتها كقذارة بوله ، فلا بدّ من غسلها مرّتين . وحمل الحكم في الحمار والفرس على محمل كالتقيّة ونحوها (2) ، لا يوجب رفع اليد عن غيره . والظاهر أنّ ذكر الكلب والسِنَّوْر من باب المثال لكلّ ما لا يؤكل .

ولو نوقش فيما ذكر ففي الإطلاقات كفاية .

لزوم التعدّد فيما زالت عين البول بغير الغسل

كما أنّ مقتضى إطلاقها لزوم الغسل مرّتين ولو بعد جفاف البول ، أو زواله بغير الماء ، وكذا مقتضاه عدم لزوم كونهما بعد زوال العين إذا فرض زوالها بالغسلة الاُولى .

وبالجملة : ما يعتبر فيه هو المرّتان ، سواء كانت عين البول زائلة بشيء آخر ، أو زالت بإحداهما ، فيضمّ إليها الاُخرى ، ويكتفى بهما .

والقول : بالاكتفاء بالمرّة مع زوال العين ولو بالجفاف ، أو بغير الماء ؛ بدعوى أنّ الغسلة الاُولى للإزالة ، فإذا تحقّقت لا يحتاج إليها ، بل يطهر مع مرّة ، كما هو

ص: 166


1- تهذيب الأحكام 1 : 422 / 1336 ؛ وسائل الشيعة 3 : 406 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 8 ، الحديث 7 .
2- كما حمله الشيخ الطوسي ، اُنظر الاستبصار 1 : 180 ، ذيل الحديث627 .

مقتضى ذيل صحيحة الحسين - على نقل المحقّق والشهيد(1) -(2) .

ضعيف ؛ لعدم الدليل على كون الاُولى لمجرّد الإزالة بأيّ نحو اتّفقت ، بل لا دليل على كونها لها مطلقاً ، وقد مرّ الكلام في حال ذيل الصحيحة .

بل قلنا : إنّه مع فرضه أيضاً لا ينتج ، فمقتضى إطلاق الأدلّة لزومهما ؛ جفّ أو لا ، اُزيل بغير الغسل أو لا .

كما أنّ القول بكفاية المرّتين ولو لم تزل العين بالاُولى(3) ، ضعيف جدّاً ؛ فإنّ فرض حصول الغسل بالاُولى وبقاء عين البول ، فرض غير واقع أو نادر جدّاً ، ولو فرض تحقّقه في بعض الأحيان - كما إذا تكرّر البول في شيء ورسب ، وبقي جرمه ورسوبه فيه - فلا يطهر إلاّ بالدلك وإزالة العين ، ثمّ غسله مرّتين ، ويكفي ضمّ غسله إلى الغسلة المزيلة .

عدم كفاية الغسل المستمرّ بقدر الغسلتين

وقريب منها في الضعف دعوى كفاية التقدير في الغسلتين ؛ بمعنى الاكتفاء بالصبّ المستمرّ بقدر الغسلتين، بدعوى: أنّ الأمر بالمرّتين لحصول النظافة، وهي تحصل بالاستمرار. بل ربّما يكون ذلك أوقع في التنظيف. بل لا دخالة لقطع الماء جزماً ، وما هو المزيل والمطهّر جريان الماء وقاهريته ، وقد حصلا بالاستمرار(4) .

ص: 167


1- تقدّم تخريجهما في الصفحة 159 ، الهامش 2 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 175 ؛ قواعد الأحكام 1 : 193 .
3- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 182 .
4- اُنظر جواهر الكلام 6 : 190 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 128 .

وفيها : أنّ تلك الدعاوى لا توجب رفع اليد عن ظاهر الأخبار المستفيضة . ودعوى الجزم بالمناط في غير محلّها في الأحكام التعبّدية .

فالأقوى اعتبار التعدّد ولو في الكرّ ؛ بناءً على اعتباره فيه . ولا يكفي الجري تحت الماء مرّتين إلاّ إذا حصل تعدّد الغسل عرفاً ، كما لا يبعد حصوله بعض الأحيان ، تأمّل .

فرع في عدم اعتبار التعدّد في تطهير غير البول

هل يختصّ اعتبار التعدّد بغسل البول ، فيكفي في غيره غسله مرّة واحدة ، أم يجري في سائر النجاسات ؟

الأقوى الأوّل ، كما نسب إلى الأكثر ، بل المشهور(1) :

لا لإطلاق الأدلّة(2) ؛ لعدم الإطلاق في جميع الأنواع ، بل يتطرّق الإشكال في كثير من الموارد التي ادّعي فيها الإطلاق . نعم لا يبعد في بعضها ، لكن كفايته بالنسبة إلى ما لا إطلاق فيه مشكلة .

ودعوى عدم القول بالفصل(3) غير متّجهة .

وما يمكن دعوى الإطلاق فيها بالنسبة إلى جميع النجاسات ، ليست إلاّ مرسلة محمّد بن إسماعيل ، عن أبي الحسن علیه السلام في طين المطر : «إنّه لا بأس به

ص: 168


1- مستند الشيعة 1 : 286 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 184 .
2- اُنظر جواهر الكلام 6 : 192 - 193 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 184 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 186 .

أن يصيب الثوب ثلاثة أيّام ، إلاّ أن يعلم أ نّه قد نجّسه شيء بعد المطر ، فإن أصابه بعد ثلاثة أيّام فاغسله ، وإن كان الطريق نظيفاً لم تغسله»(1) .

بدعوى : أنّ قوله علیه السلام : «فإن أصابه بعد ثلاثة أيّام فاغسله» يراد به أ نّه إذا نجّسه شيء من النجاسات ، ومقتضى إطلاقها كفاية المرّة في مطلق النجاسات إلاّ ما خرجت بالدليل .

لكنّها مشكلة ، بل ممنوعة ؛ فإنّه بعد الغضّ عن كونها في مقام بيان حكم آخر فلا إطلاق فيها من هذه الجهة ، أنّ ظاهرها لزوم الغسل بعد ثلاثة أيّام في فرض عدم العلم ، وإلاّ فلا وجه للفرق بين ثلاثة أيّام وبعدها ، فلا بدّ من حمل الأمر على الاستحباب بعد المخالفة للقواعد ، والظاهر عدم التزامهم بمضمونها . مع أ نّها ضعيفة أيضاً .

وأمّا غيرها ، ففي موارد خاصّة(2) لا يمكن إلحاق غيرها بها بدعوى إلغاء الخصوصية ؛ بعد إعمال التعبّد في بعض الموارد ، كالبول والولوغ .

ولا لأصالة البراءة عن الغسلة الثانية بدعوى : أنّ النجاسة في الحكميات انتزاعية من التكليف ، فمرجع الشكّ في زوالها إلى الشكّ في لزوم المرّة أو المرّتين ، فتدفع الثانية بالأصل ، ولا يجري الاستصحاب(3) .

ص: 169


1- الكافي 3 : 13 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 267 / 783 ؛ وسائل الشيعة 3 : 522 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 75 ، الحديث 1 .
2- مثل ما ورد في الكلب والخنزير والكافر . راجع وسائل الشيعة 3 : 414 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، 13 ، 14 ، 15 و16 .
3- جواهر الكلام 6 : 193 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 187 .

إذ هي ضعيفة مخالفة لظواهر الأدلّة ، ولقد قلنا سابقاً : إنّه ليس للشارع المقدّس في باب النجاسات اصطلاح خاصّ ، وقد تصرّف فيها بالإلحاق والإخراج(1) ، فالقذارة - كما لدى العرف والعقلاء - أمر قائم بالجسم ، باقٍ فيه إلى أن تزول بمزيل ولو في المعنوي منها بنظرهم ، فكذلك لدى الشارع ، ومع الشكّ في بقائها يجري الاستصحاب ، ولا مجال لجريان أصالة البراءة .

وبالجملة : للقذارة مصداقان : عرفي ، وجعلي وضعي ، ولا ينبغي الإشكال في جريان الاستصحاب فيها ، كما في أشباهها .

ولا لقوله علیه السلام (2) : «خلق اللّه الماء طهوراً لا ينجّسه شيء»(3) ضرورة عدم الإطلاق فيه للمقام ، ومثله أجنبيّ عنه .

بل لأنّ الطهور وإزالة النجاسة لمّا كانا أمرين معلومين لدى العقلاء ، وتكون كيفية حصولهما معهودة معروفة لديهم ، ولهم طريقة عقلائية معمولة فيهما ، وحصول الطهور - وهو إرجاع الأمر المتلوّث بالقذارة إلى حالته الأوّلية ونظافته الذاتية - أمر معلوم لدى كلّ أحد ، فلا محالة إذا حكم الشارع بعدم جواز الصلاة في الثوب المستقذر بالمنيّ أو الدم مثلاً إلاّ إذا طهّر ، لا يشكّ العرف في كيفية رفع

قذارته وحصول الطهارة له ، فإذا تحقّق لا يرى العقلاء بقاء المانع أو عدم حصول الشرائط ، إلاّ أن يدلّ دليل على الخلاف .

ص: 170


1- تقدّم في الجزء الثالث : 9 - 11 .
2- اُنظر مستمسك العروة الوثقى 2 : 17 .
3- السرائر 1 : 64 ؛ المعتبر 1 : 41 ؛ وسائل الشيعة 1 : 135 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 1 ، الحديث 9 .

وإن شئت قلت : إنّ ذلك نظير بناء العقلاء على العمل بشيء ، فإذا لم يرد منع عنه يكشف عن ارتضاء الشارع به . بل هو أولى من ذلك ؛ فإنّه أمر تكويني حاصل بالوجدان ، فإذا قال الشارع : «إنّ الثوب النجس بالبول أو الدم لا يجوز الصلاة فيه حتّى يطهّر» لا يشكّ العرف في كيفية تطهّره وإرجاعه إلى حالته الاُولى ، إلاّ أن يرد تعبّد خاصّ من الشارع يردعه عمّا هو المعلوم عنده .

وإن شئت سمّ ذلك : ب- «الإطلاق المقامي» بل هو أوضح عنده ، ولهذا لم يرد في شيء من الأدلّة - إلاّ فيما فيه تعبّد خاصّ - بيان كيفية الغسل إلاّ نادراً ، وليس

ذلك إلاّ لعدم الاحتياج إليه ، كعدم الاحتياج إلى بيان سائر الموضوعات المعلومة لدى العرف .

هذا مضافاً إلى إمكان الاستدلال للمطلوب بكفاية المرّة في ملاقي الكلب ؛ لإطلاق أدلّة غسله ، كصحيحة الفضل قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ، وإن أصابه جافّاً فاصبب عليه الماء»(1) .

وصحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الكلب يصيب شيئاً من جسد الرجل ، قال : «يغسل المكان الذي أصابه»(2) .

ص: 171


1- تهذيب الأحكام 1 : 261 / 759 ؛ وسائل الشيعة 3 : 414 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 260 / 758 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 4 .

وفي حديث الأربعمائة عن علي علیه السلام قال : «تنزّهوا عن قرب الكلاب ، فمن أصاب الكلب وهو رطب فليغسله ، وإن كان جافّاً فلينضح ثوبه بالماء»(1) .

إلى غير ذلك ممّا لا ينبغي الإشكال في إطلاقها ، سيّما صحيحة ابن مسلم ، فإنّ السامع إذا سمع مثل ذلك ، يفهم منه أنّ تحقّق الغسل كافٍ في رفع القذارة ، سيّما مع كون الغسل من القذارات معهوداً عندهم .

فإذا ضمّ إلى ذلك موثّقة ابن أبي يعفور ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «وإيّاك أن تغتسل من غسالة الحمّام ؛ ففيها يجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا أهلَ البيت ، وهو شرّهم ؛ فإنّ اللّه تبارك وتعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب ، وإنّ الناصب لنا أهلَ البيت لأنجس منه»(2) .

يستفاد منها أنّ سائر النجاسات التي لا تكون بمثابة نجاسة الكلب تطهر بمرّة ، إلاّ ما ورد دليل على عدم الاكتفاء بها ، فيستكشف منه أقذريته من الكلب . واستثناء شيء منها موضوعاً أو حكماً لا مانع منه .

وتوهّم عدم ملازمة الأقذرية لما ذكر ، مدفوع بمخالفته لفهم العرف . نعم لا يلزم أن يكون ملاقي الأقذر محتاجاً إلى مرّتين ؛ لإمكان أن تكون المرّة مزيلة لتمام مراتب النجاسة .

ص: 172


1- الخصال : 626 ؛ وسائل الشيعة 3 : 417 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب12 ، الحديث 11 .
2- علل الشرائع : 292 / 1 ؛ وسائل الشيعة 1 : 220 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 ، الحديث 5 .

ولا ينبغي الإشكال في أنّ النجاسة المذكورة في الرواية هي المعهودة ؛ بقرينة صدرها ، لا القذارة المعنوية .

والمراد من «غسالة الحمّام» فيها هي ماء البئر الذي يكون من فضالة ماء الحياض التي لها مادّة من المنابع التي في الحمّامات ، فإنّ الظاهر من مجموع ما وردت في الحمّامات : أنّ لها في تلك الأعصار منابع محفوظة ، لها مزمّلة ، وتحت المزمّلات حياض صغار متقوّيات بتلك المنابع بوسيلة المزمّلات ، وكان يغتسل الناس في تلك الحياض، وتجري فضالتها إلى محلّ آخر يقال له: «البئر».

فما وردت من عدم انفعال ماء الحمّام وأ نّه بمنزلة الجاري(1) يراد به ما في الحياض الصغار المتقوّية بالمنابع التي يقال لها : «المادّة» ، وما بمضمون الموثّقة(2) يراد به ماء البئر الذي غير متقوٍّ بالمادّة ، فلا منافاة بينها حتّى نحتاج إلى حمل هذه الطائفة على الاستحباب ، كما صنع صاحب «الوسائل»(3) وتخرج عن الاستشهاد بها للمقام . ودعوى اختصاص أقذرية الكلب بولوغه أو أ نّه أقذر بلحاظها ، مخالفة لظاهر الدليل ، كما لا يخفى .

وأمّا الاستدلال(4) للزوم المرّتين في سائر النجاسات بقوله علیه السلام في البول : «إنّما هو ماء»(5) مع لزوم المرّتين فيه ، فإذا وجب الغسل في الأهون

ص: 173


1- راجع وسائل الشيعة 1 : 148 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 7 .
2- راجع وسائل الشيعة 1 : 218 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المضاف ، الباب 11 .
3- وسائل الشيعة 1 : 220 ، ذيل الحديث5 .
4- منتهى المطلب 3 : 264 ؛ كشف اللثام 1 : 437 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 188 .
5- تقدّم في الصفحة 157 .

مرّتين يجب في غيره ، كالمنيّ الذي شدّده وجعله أشدّ من البول ، كما في الحديث(1) .

فضعيف ؛ لأنّ قوله علیه السلام : «هو ماء» يراد به عدم لزوم الدلك ، لا أهونية نجاسته ، كما يراد بأشدّية المنيّ احتياجه إليه ، لا أقذريته من البول ، ولهذا قال أبو عبداللّه علیه السلام - على ما في حديث إبطال القياس - ردّاً على أبي حنيفة : «أيّهما أرجس : البول أو الجنابة ؟» فقال : البول ، فقال أبو عبداللّه علیه السلام : «فما بال الناس يغتسلون من الجنابة ، ولا يغتسلون من البول ؟ !»(2) .

والظاهر أنّ أرجسية البول كان متسالماً بينهما ؛ وإن احتمل كونها عند أبي حنيفة ، وألزمه بما هو مسلّم عنده .

اعتبار جريان الماء على المتنجّس بعد زوال عين النجاسة

ثمّ إنّ الظاهر كون المرّة في سائر النجاسات غير الغسلة المزيلة ، لا بمعنى

لزوم مرّة بعدها ، بل بمعنى إمرار الماء على المحلّ بعد الإزالة ولو باستمرار الغسلة المزيلة ؛ فإنّ التطهير وإزالة القذارة لدى العرف معهودان ، وإطلاقات الغسل محمولة على ما هو المعهود ، وهما متقوّمتان على ما مرّ(3) بما ذكر ، فلا مجال للأخذ بإطلاق الأدلّة(4) .

ص: 174


1- وسائل الشيعة 3 : 424 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 16 ، الحديث 2 .
2- علل الشرائع : 90 / 5 ؛ وسائل الشيعة 2 : 180 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 2 ، الحديث 5 .
3- تقدّم في الصفحة 132 .
4- مدارك الأحكام 2 : 338 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 21 .
عدم العبرة ببقاء لون النجاسة أو ريحها في التطهير

ويظهر ممّا مرّ آنفاً - من أنّ الغسل للإزالة معهود - أ نّه لا عبرة باللون والريح ، ونحوهما ممّا لا تعدّ لدى العرف من أعيان النجاسات ، فغسل الدم من الثوب ليس إلاّ إزالة عينه بالماء بالطريق المعهود ، واللون ليس بدم عرفاً ، وليس بنجس ، ولا يحتاج في تطهير الدم إلى إزالته .

ولا عبرة بحكم العقل البرهاني ببقاء العين حتّى في الرائحة ، ولا بالآلات المستحدثة المكبّرة للأجزاء الصغار حتّى يرى بتوسّطها الألوان أعياناً .

وهذا واضح لا يحتاج إلى تجشّم استدلال ؛ بعد وضوح كون المشخّص لموضوعات الأحكام - مفهوماً ومصداقاً - هو العرف العامّ .

وأمّا الروايات المستدلّ بها (1) للمطلوب ، فلا تخلو دلالتها من نوع مناقشة ؛ لأنّ صحيحة ابن المغيرة - عن أبي الحسن علیه السلام قال : قلت له : إنّ للاستنجاء حدّاً ؟ قال : «لا ، حتّى ينقى ما ثمّة» .

قلت : فإنّه ينقى ما ثمّة ويبقى الريح ، قال : «الريح لا ينظر إليه»(2) - يحتمل فيها أن يكون الحكم من مختصّات الاستنجاء ، ولا يجوز إلغاء الخصوصية بعد اختصاصه بأحكام وتخفيفات لا تعمّ غيره .

نعم ، لو أراد بقوله علیه السلام : «الريح لا ينظر إليه» أ نّه ليس بشيء ، يمكن أن يقال

ص: 175


1- الحدائق الناضرة 5 : 297 ؛ جواهر الكلام 6 : 198 - 199 .
2- الكافي 3 : 17 / 9 ؛ وسائل الشيعة 3 : 439 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 25 ، الحديث 2 .

باستفادة الحكم الكلّي منه ، وأمّا إن أراد منه أ نّه لا بأس به فالاستفادة مشكلة .

ومنه يظهر الكلام في مرسلة الصدوق في الريح الباقي بعد الاستنجاء(1) .

وأمّا ما ورد من نفي الشيء عليه من الشقاق ، فلعلّه لكونه من البواطن كباطن الأنف ، بل هو أولى منه .

ورواية علي بن أبي حمزة ، عن العبد الصالح علیه السلام قال : سألته اُمّ ولد لأبيه - إلى أن قال - قالت : أصاب ثوبي دم حيض ، فغسلته فلم يذهب أثره ، فقال : «اصبغيه بمشق(2) حتّى يختلط ويذهب أثره»(3) فمع ضعفها (4) على خلاف المطلوب أدلّ ؛ لاحتمال أن يكون بصدد بيان العلاج لرفع الأثر وصيرورته طاهراً ؛ ضرورة أنّ مجرّد الاختلاط لا يذهب بالأثر ، بل لا بدّ من غسله حتّى يذهب ، والسكوت عنه لمعلوميته . والحمل على أمر عادي لا حكم شرعي ، خلاف المعهود من شأن المعصوم علیه السلام .

ص: 176


1- قال : سئل الرضا عليه السلام عن الرجل يطأ في الحمّام وفي رجله الشقاق فيطأ البول والنورة فيدخل الشقاق أثر أسود ممّا وطئ من القذر وقد غسله ، كيف يصنع به وبرجله ، التي وطئ بهما ؟ أيجزيه الغسل أم يخلّل أظفاره بأظفاره ويستنجي فيجد الريح من أظفاره ولا يرى شيئاً ؟ فقال : «لا شيء عليه من الريح والشقاق بعد غسله» . الفقيه 1 : 42 / 165 ؛ وسائل الشيعة 3 : 440 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 25 ، الحديث 6 .
2- المِشق : الطين الأحمر . [منه قدس سره]
3- الكافي 3 : 59 / 6 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 272 / 800 ؛ وسائل الشيعة 3 : 439 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 25 ، الحديث 1 .
4- لوقوع علي بن أبي حمزة البطائني في السند، وقد مرّ الكلام فيه من المصنِّف في الجزء الثالث : 357 .

وعليها يحمل إطلاق قول أبي عبداللّه علیه السلام : «قل لها : تصبغه بمشق حتّى يختلط»(1) ومرفوعة الأشعري قال : «اصبغيه بمشق»(2) فإنّ الاختلاط بغير الغسل بعده لا يذهب بالأثر .

فالاستدلال بتلك الروايات لإثبات عدم العبرة مشكل ، ولإثبات العبرة بها أشكل ؛ بعد ضعف إسنادها ، ومخالفتها للسيرة القطعية في تطهير الأشياء ومعهودية كيفية التطهير .

وأشكل منها الاستدلال بضعيفة القسمي(3) ، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام : أ نّه سأل عن جلود الدارِش التي يتّخذ منها الخفاف قال : «لا تصلّ فيها ؛ فإنّها تدبغ بخرء الكلاب»(4) .

لأنّ الظاهر النهي عنها لنجاستها الحاصلة من ملاقاة الخرء ، كقوله : «لا تصلّ في الثوب الكذائي ؛ لأ نّه أصابته الخمر» فلا تدلّ على عدم تطهّرها بالغسل بالماء .

مع أنّ ظاهرها النهي عن الصلاة في الخفّ ، وهو ممّا لا تتمّ فيه الصلاة ، واحتمال كون السؤال عن أثواب اُخر غير الخفاف ، خلاف الظاهر منها ، تأمّل .

ص: 177


1- تهذيب الأحكام 1 : 272 / 801 ؛ وسائل الشيعة 3 : 439 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 25 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 257 / 746 ؛ وسائل الشيعة 3 : 440 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 25 ، الحديث 4 .
3- تقدّم وجه الضعف في الصفحة 77 ، الهامش 1 .
4- الكافي 3 : 403 / 25 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 373 / 1552 ؛ وسائل الشيعة 3 : 516 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 71 ، الحديث 1 .
فصل في كيفية تطهير الأواني

وفيها مسائل :

المسألة الاُولى : في كيفية تطهير الأواني من ولوغ الكلب
اشارة

اختلفت كلمات الأصحاب في كيفية تطهيرها من ولوغ الكلب ؛ فعن المشهور : يغسل ثلاث مرّات اُولاهنّ بالتراب(1) . وفي «الناصريات» : «الصحيح عندنا أنّ الإناء يغسل من ولوغ الكلب ثلاث مرّات ، اُولاهنّ بالتراب» .

ثمّ قال بعد كلام : «لا خلاف بين الأصحاب في التحديد بوجوب الثلاث»(2) .

والظاهر منه عدم الخلاف في الثلاث على الكيفية المتقدّمة ، سيّما مع قوله :

«الصحيح عندنا» وادّعى الإجماع عليها في «الغنية»(3) .

ص: 178


1- المهذّب البارع 1: 265 - 266 ؛ مفتاح الكرامة 2 : 246 ؛ مستند الشيعة 1: 293 و295.
2- مسائل الناصريات : 103 و104 .
3- غنية النزوع 1 : 43 .

وعلى ما في «الناصريات» يحمل ما في «الانتصار» وهو قوله : «ممّا انفردت الإمامية إيجابهم غسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاث مرّات ، إحداهنّ بالتراب»(1) .

وكذا ما في «الخلاف» أي «ثلاث مرّات إحداهنّ بالتراب»(2) بقرينة قوله في «النهاية» : «إحداهنّ - وهي الاُولى - بالتراب»(3) . فهي مفسّرة لما في «الخلاف» بل يمكن رفع الإجمال عنه بإجماع «الناصريات» إذ من البعيد أن يكون مراد الشيخ الإجماع على عنوان «إحداهنّ» في مقابل دعوى السيّد . كما أ نّه من البعيد دعوى ابن زهرة الإجماع على أنّ اُولاهنّ بالتراب ، مقابل دعوى الشيخ الإجماع على الإطلاق .

فلا ينبغي الإشكال في أنّ مراد الجميع - حتّى الصدوقين(4) - واحد ؛ وهو كون الاُولى بالتراب ، كما تدلّ عليه صحيحة البقباق الآتية (5).

كما لا إشكال في اعتبار العدد ؛ للإجماع المتقدّم ، وعدم نقل خلاف من أحد منّا ، فيقيّد به إطلاق صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام

قال : سألته عن الكلب يشرب من الإناء ، قال : «اغسل الإناء»(6) لو فرض لها إطلاق .

ص: 179


1- الانتصار : 86 .
2- الخلاف 1 : 175 .
3- النهاية : 5 .
4- اُنظر منتهى المطلب 3 : 334 ؛ المقنع : 37 ؛ الفقيه 1 : 8 / 10 .
5- وهي صحيحة الفضل أبي العبّاس ، تأتي بعد أسطر .
6- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 644 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 3 .

مع إمكان الخدشة فيه ؛ بأن يقال : إنّها بصدد بيان أصل نجاسة الكلب ، لا كيفية الغسل ، وإنّما أمر به إرشاداً لنجاسته ، تأمّل .

وإطلاق صحيحة الفضل أبي العبّاس ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث قال في الكلب : «رجس نجس ، لا يتوضّأ بفضله ، واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب أوّل مرّة ، ثمّ بالماء»(1) .

ويحتمل بعيداً عدم الإطلاق فيها ؛ بدعوى كونها بصدد بيان الترتيب بين الغسل بالتراب والغسل بالماء ، فلا إطلاق لها من جهة العدد .

هذا مع أ نّها منقولة في «الخلاف» في أوّل مسائل الولوغ مع زيادة «مرّتين» بعد قوله : «ثمّ بالماء»(2) وإن نقلها في مواضع اُخر منه وكذا في «التهذيب»

بغير الزيادة(3) ، وفي «المعتبر» و«المنتهى» مع الزيادة(4) ، وعن «المختلف» بلا زيادة(5) ، وعليه لا وثوق بإطلاقها . بل يمكن كشف الزيادة من شهرة القول بالعدد بين قدماء أصحابنا (6) . بل استدلّ الشيخ في «التهذيب» و«الخلاف» بها على لزوم الثلاث(7) ؛ وإن تشبّث في الأوّل عليه بما لا دلالة فيه ، ولولا استدلاله

ص: 180


1- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 646 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 2 .
2- الخلاف 1 : 176 .
3- الخلاف 1 : 177 و188 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 225 / 646 .
4- المعتبر 1 : 458 ؛ منتهى المطلب 3 : 336 .
5- مختلف الشيعة 1 : 336 .
6- المقنعة : 65 و68 ؛ الانتصار : 86 ؛ المراسم : 36 ؛ المهذّب 1 : 28 .
7- تهذيب الأحكام 1 : 224 - 225 ؛ الخلاف 1 : 175 - 176 .

بغيرها لم يبقَ شكّ في كون النقيصة من النسّاخ .

هذا مع ما اشتهر بينهم من تقديم أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة ؛ وإن كان للتأمّل في أصله مجال ، فضلاً عن مثل المقام الذي تكرّر الحديث بلا زيادة في كتب الاُصول والفروع .

وأمّا ما قال الشيخ البهائي - ردّاً على من قال : «بأنّ الزيادة من قلم النسّاخ»(1) - : «إنّ المحقّق مصدَّق فيما نقله ، وعدم اطّلاعنا عليها في الاُصول المتداولة في هذا الزمان غير قادح ؛ فإنّ كلامه في أوائل «المعتبر»(2) يعطي أ نّه نقل بعض الأحاديث المذكورة فيه عن كتب ليس في أيدي أهل زماننا هذا إلاّ أسماؤها ، ككتب الحسن بن محبوب ومحمّد بن أبي نصر البَزَنْطي(3) والحسين بن سعيد والفضل بن شاذان وغيرهم ، فلعلّه - طاب ثراه - نقل هذه الزيادة من بعض تلك الكتب»(4) انتهى .

فغير وجيه ؛ لأنّ الظاهر من الفصل الرابع من مقدّمات «المعتبر» أ نّه اقتصر في النقل فيه عن كتب المتقدّمين على ما نقله [ الحسن] بن محبوب وأحمد بن محمّد ابن أبي نصر والحسين بن سعيد والفضل بن شاذان ويونس بن عبد الرحمان ، وعن المتأخّرين على كتب الصدوقين والكليني والشيخ وعدّة اُخرى سمّاهم(5) ،

ص: 181


1- مدارك الأحكام 2 : 391 .
2- المعتبر 1 : 33 .
3- هكذا في الحبل المتين ، وكذا في نسخة غير نقيّة من المعتبر . والصحيح أحمد بن محمّد بن أبي نصر . [منه قدس سره]
4- الحبل المتين : 98 / السطر 19 .
5- المعتبر 1 : 33 .

وليس أبو العبّاس الفضل منهم ، فلم ينقل منه إلاّ بتوسّط الجوامع المتأخّرة ، لا من أصل آخر .

هذا مع أ نّه لم يُنقل لأبي العبّاس إلاّ كتاب واحد نقله سعد بن عبداللّه (1) والنجاشي(2) ، فلا معنى لنقل المحقّق روايته عن أصل آخر غير كتابه ، فهو إمّا ناقل عن كتابه ، أو من كتاب آخر ناقل عنه ، أو من «التهذيب» الناقل عنه .

وعلى أيّ حال : يدور الأمر بين الزيادة والنقيصة في كتاب أبي العبّاس ، أو فيما نقل عنه .

والظاهر أ نّه حكاها عن «التهذيب» والشاهد عليه أنّ العلاّمة في «المنتهى» نقلها مع الزيادة عن الشيخ(3) ، فيظهر منه اختلاف نسخ «التهذيب» بل من البعيد أن يكون كتاب أبي العبّاس عند المحقّق ، وكانت الرواية فيها مع الزيادة ، ولم يطّلع عليها العلاّمة مع تلمّذه عليه ، ونقَلها بتوسّط الشيخ .

وعلى أيّ حال : فالاعتماد في الحكم على الإجماع والشهرة قديماً وحديثاً في مثل هذه المسألة التعبّدية ، سيّما لو كانت الرواية خالية منها ، وسيّما مع إطلاقها والبناء على إطلاق صحيحة ابن مسلم المتقدّمة(4) ، فإنّ ترك أصحابنا إطلاق الصحيحتين والفتوى بلزوم العدد ، يوجب الجزم بكون الحكم معروفاً بين السلف والخلف ، ومأخوذاً عن أئمّة أهل البيت علیهم السلام .

ص: 182


1- اُنظر رجال البرقي: 91 / 880.
2- رجال النجاشي : 308 / 843 .
3- منتهى المطلب 3 : 336 .
4- تقدّم في الصفحة 179 .

ويظهر ممّا مرّ ضعف قول ابن الجنيد من لزوم السبع ، إحداهنّ أو اُولاهنّ بالتراب(1) ، وفاقاً للشافعي(2) ؛ وإن أمكن الاستدلال عليه - بعد عدم ثبوت الزيادة

المتقدّمة في صحيحة أبي العبّاس - بتقي-يد إطلاقها بموثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في الإناء يشرب فيه النبيذ ، قال : «تغسله سبع مرّات ، وكذا الكلب»(3) وتقييد الغسلات في الموثّقة بكون الاُولى منها بالتراب ، وكذا الكلب بالولوغ ؛ وإن كانت التقييدات - سيّما الأخيرتان - بعيدة .

وكيف كان : لا ينبغي التأمّل في ضعف ما ذهب إليه بعد عدم موافق له ، فالمتيقّن حمل الموثّقة على الاستحباب .

ويتلوه في الضعف قول المفيد ؛ وهو وجوب الثلاث وسطهنّ بالتراب(4) ، وإن قال في «الوسيلة» : «به رواية»(5) إذ هي غير ثابتة ، ومع ثبوتها شاذّة بلا إشكال ، فالأقوى ما عليه المشهور .

ص: 183


1- اُنظر المعتبر 1 : 458 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 474 .
2- الاُمّ 1 : 6 / السطر 4 ؛ المحلّى بالآثار 1 : 123 ؛ بداية المجتهد 1 : 88 .
3- تهذيب الأحكام 9 : 116 / 502 ؛ وسائل الشيعة 25 : 368 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 30 ، الحديث 2 .
4- المقنعة : 65 و68 .
5- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 80 .
تنبيهات
الأوّل : اختصاص التعفير بالولوغ
اشارة

ظاهر الأصحاب قديماً وحديثاً - عدا شاذّ منهم ، كالصدوقين(1) والمحكيّ عن المفيد(2) من القدماء ، وكالمحكيّ عن الكركي وصاحبي «المدارك»

و«الحدائق» من المتأخّرين(3) - اختصاص الحكم بالولوغ ، وهو شربه من الإناء بأطراف لسانه ، على ما هو المعهود من شربه ، ويظهر من اللغة(4) . وهو معقد إجماع السيّد والشيخ وابن زهرة(5) .

وألحق جمع اللطع بالولوغ(6) ، وادّعى شيخنا المرتضى الشهرة عليه(7) ، وهي غير ثابتة ، بل الظاهر من قدماء أصحابنا الاختصاص(8) ، والتعدّي من بعض المتأخّرين .

ص: 184


1- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 246 ؛ المقنع : 37 ؛ الفقيه 1 : 8 / 10 .
2- المقنعة : 68 .
3- جامع المقاصد 1 : 190 ؛ مدارك الأحكام 2 : 390 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 475 .
4- الصحاح 4 : 1329 ؛ لسان العرب 15 : 397 ؛ القاموس المحيط 3 : 119 .
5- مسائل الناصريات : 103 ؛ الخلاف 1 : 175 - 176 ؛ غنية النزوع 1 : 43 .
6- جامع المقاصد 1 : 190 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 475 ؛ مدارك الأحكام 2 : 390 .
7- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 364 و366 .
8- الخلاف 1 : 175 - 176 ؛ غنية النزوع 1 : 43 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 80 ؛ السرائر 1 : 91 .

وألحق الصدوق الوقوع بالولوغ(1) ، وهو المحكيّ عن أبيه(2) موافقاً «للرضوي»(3) .

والأصل في الحكم صحيحة أبي العبّاس المتقدّمة(4) ففي صدرها : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن فضل الهرّة والشاة - إلى أن قال - حتّى انتهيت إلى الكلب ، فقال : «رجس نجس . . .» إلى آخره .

واحتمل بحسب التصوّر : أن يكون «رجس نجس» علّة للحكم ، فتعمّم إلى كلّ رجس ولو كان غير الكلب .

وأن يكون علّة لكون فضله محكوماً بالحكم ، فيتعدّى إلى فضل كلّ نجس ، كالخنزير والكافر .

وأن تكون نجاسة الكلب علّة ، فيتعدّى من ولوغه إلى مباشرة سائر أجزائه .

وأن تكون نجاسته علّة لكون فضله محكوماً بالحكم ، فيختصّ بالولوغ .

والحقّ : عدم استفادة العلّية منها ؛ بحيث يدور الحكم مدارها كائنة ما كانت ، بل هو خلاف المقطوع به وضرورة الفقه ، نعم الحكم متفرّع على كون الكلب رجساً نجساً ، ومن المحتمل - بل المعلوم - أنّ لمرتبة نجاسته دخالةً في ذلك ،

ص: 185


1- المقنع : 37 ؛ الفقيه 1 : 8 / 10 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 246 ؛ منتهى المطلب 3 : 339 .
3- وما في فقه الرضا عليه السلام هكذا : «إن وقع كلب في الماء ، أو شرب منه ، اُهريق الماء ، وغسل الإناء ثلاث مرّات : مرّة بالتراب ومرّتين بالماء ، ثمّ يجفف» . الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 93 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 602 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 1 .
4- تقدّمت في الصفحة 180 .

فاحتمال أنّ الحكم لمطلق النجس ، أو لفضل مطلق نجس العين ، ضعيف ؛ وإن قال الشيخ وبعض من تأخّر عنه : «إنّ الخنزير كالكلب»(1) بل في «الخلاف» : «هو مذهب جميع الفقهاء» لكنّ ظاهره فقهاء العامّة ، ولهذا لم يستدلّ عليه بالإجماع ، بل تشبّث بأمرين ضعيفين(2) ، فراجع .

فانحصر الاحتمال بالآخرين ، وأقواهما الثاني ؛ لعدم فهم العلّية بنحو توجب التعدّي من فضله إلى مباشرة سائر أجزائه ، وعدم إمكان إلغاء الخصوصية عن الفضل ؛ لخصوصية ظاهرة في ولوغه ليست في غيره حتّى في لطعه ، فإنّ لشربه بأطراف لسانه - بكيفية معهودة موجبة لرجوع المشروب إلى الإناء مراراً - قذارةً ليست في سائر ملاقياته حتّى لطعه ، بل ولا لعابه ، فمن المحتمل أن يكون للشرب كذلك دخالة في الحكم ، فلا تلغى الخصوصية عرفاً .

فما يقال في اللطع : «إنّه مساوٍ للولوغ ، ولا يفقد شيئاً ممّا يتضمّنه من الاُمور

المناسبة للتنجيس»(3) وفي اللعاب : «إنّ المقصود قلعه من غير اعتبار السبب»(4).

ممنوع ؛ لوضوح الفرق بين الولوغ ومجرّد اللطع ، فإنّ الثاني يفقد بعض الخصوصيات المناسبة لشدّة الاستقذار ممّا يتضمّنها الأوّل ، كما مرّت الإشارة إليه ، وعدم الدليل على أنّ المقصود قلع اللعاب ، بل في شربه خصوصية خاصّة به .

ص: 186


1- الخلاف 1 : 186 ؛ المبسوط 1 : 15 ؛ المهذّب 1 : 28 .
2- الخلاف 1 : 186 - 187 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 406 .
4- نهاية الإحكام 1 : 294 .

فالتحقيق قصور الرواية عن إثبات الحكم لما عدا ولوغه . بل لو شرب بغير النحو المتعارف لعلّة - كقطع لسانه - بحيث لم يسمّ : «ولوغاً» لا يلحقه الحكم .

وتوهّم : أنّ الحكم متعلّق بالفضل ، وهو أيضاً فضله(1) ، في غير محلّه بعد معهودية نحو شربه الموجبة لانصراف الدليل إليه ، سيّما مع الخصوصية التي في شربه المعهود ، ولهذا اُخذ الولوغ خاصّة في معاقد الإجماعات وظواهر الفتاوى ، مع أنّ الأصل في الحكم صحيحة أبي العبّاس .

ولكن الاحتياط - سيّما في الأخير وفي وقوع اللعاب - لا ينبغي تركه .

نعم ، لا إشكال في أنّ العرف لا يرى لخصوصية الماء دخالة ، بل الظاهر المتفاهم من الدليل : أنّ الشرب الكذائي تمام الموضوع للحكم ، فلو كان المشروب لبناً أو غيره من المائعات يلحقه الحكم .

وأمّا فضله من غير المائعات - كاللحم الفاضل منه في الإناء مع ملاقاته له

- فلا يلحقه الحكم ؛ لقصور الدليل عن إثباته .

اختصاص التعفير بالإناء دون غيره

فهل يلحق غير الإناء - ممّا يمكن تعفيره - بالإناء ؛ بأن يقال : إنّ الإناء غير مذكور في النصّ ، ولو فرض فهمه منه لكن لا يفرّق العرف بينه وبين حجر مثلاً لو اجتمع على سطحه الماء ، وولغ فيه الكلب ، فإنّ الحكم عرفاً للولوغ من غير دخالة للمحلّ فيه ؟(2)

ص: 187


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 406 .
2- اُنظر جواهر الكلام 6 : 359 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 31 .

لكنّ الأقوى الاختصاص ، كما هو ظاهر الفقهاء وظاهر معاقد الإجماعات(1) ؛ لأنّ في الأواني - التي مورد استعمال الأكل والشرب - غالباً خصوصية ليست في غيرها ، والنظافة المطلوبة فيها ليست مطلوبة في غيرها ، ولهذا ترى أنّ الشارع الأقدس اعتبر في كيفية تطهيرها ما لا يعتبر في غيرها ، كالغسل ثلاثاً من مطلق النجاسات ، وسبعاً من بعضها ، فالأقوى اختصاص الحكم بولوغ الكلب في الأواني ونحوها ، كما هو ظاهر الأصحاب والمتيقّن من النصّ ، وطريق الاحتياط واضح .

الثاني : في مزج التراب بالماء

هل يعتبر مزج التراب بالماء مع بقاء مسمّى «التراب» ؟ أو يتعيّن عدم مزجه ؟ أو يعتبر المزج بما يخرجه عن مسمّاه ؟ أو بمقدار حصول الميعان ؟ أو يعتبر الغسل بالماء مع مزجه بالتراب بما لا يخرجه عن الإطلاق ؟ أو بما يخرجه عنه ؟ أو يجب الجمع بين الأوّلين ؟ أو هما مع الثالث ؟ أو هي مع ما قبل الأخير ؟ أو يتخيّر بينها ؟ وجوه ، بل في بعضها قول .

لم يتعرّض النصّ ولا الفتوى في الطبقة الاُولى من الفقهاء - كالصدوقين والسيّد والشيخين ، ومن في تلك الطبقة ، أو قريب منها - لكيفية الغسل بالتراب ، بل اقتصروا على ما في النصّ ؛ أي غسله بالتراب .

وعن الحلّي والراوندي لزوم المزج(2) ، ولم يظهر من الاستدلال المحكيّ عن

ص: 188


1- راجع ما تقدّم في الصفحة 184 .
2- اُنظر ذكرى الشيعة 1 : 125 .

الأوّل أ نّه قائل بأيّ نحو من الامتزاج ؛ قال : «إنّ الغسل بالتراب غسل بمجموع

الأمرين منه ومن الماء ، لا يفرد أحدهما عن الآخر ؛ إذ الغسل بالتراب لا يسمّى «غسلاً» لأنّ حقيقته جريان المائع على الجسم المغسول ، والتراب وحده غير جارٍ»(1) انتهى ، ولا يبعد إرادته المزج بمقدار حصول الميعان .

ويظهر من «التذكرة» أ نّه - عند القائل بالامتزاج - : الاكتفاء بامتزاج لا يخرج الماء عن إطلاقه مسلّم ؛ قال : «التاسع : إن قلنا بمزج الماء بالتراب ، فهل يجزي لو صار مضافاً ؟ إشكال»(2) .

ثمّ إنّ أردأ الوجوه الوجه الثالث وما هو نظيره بحسب ظاهر النصّ ؛ لأ نّه موجب لرفع اليد عن مفهوم «الغسل» ومفهوم «التراب» ومفهوم «الغسل بالتراب» جميعاً .

ودعوى كونه موافقاً لفهم العرف من إضافة «الغسل» إلى «التراب»(3) فاسدة ، كما يأتي الإشارة إليه .

ثمّ الوجه الخامس ؛ لأ نّه وإن كان موجباً لحفظ ظهور «الغسل» لكن موجب لرفع اليد عن ظهور «التراب» وظهور الظرف في اللغوية وتعلّقه بالغسل ، وعن ظهور المقابلة بين الغسل بالتراب والغسل بالماء في المغايرة . وصِرف كون أحد الماءين خالصاً والآخر مخلوطاً بما لا يخرجه عن الإطلاق ، لا يوجب مقابلته للغسل بالماء ، بل في مثله لا بدّ من مقابلة القُراح بالمخلوط ، وظاهر النصّ

ص: 189


1- اُنظر منتهى المطلب 3 : 339 ؛ السرائر 1 : 91 .
2- تذكرة الفقهاء 1 : 87 .
3- كشف اللثام 1 : 495 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 25 .

خلافه ، فحفظ ظهور الغسل موجب لارتكاب مخالفات للظواهر المتقدّمة .

وأمّا الاحتياط بالجمع بين الاثنين فما زاد ، فلزومه يتوقّف على التوقّف في فهم النصّ .

والظاهر المتفاهم منه عرفاً - بالمناسبات المغروسة في الأذهان ؛ من كون الغسل بالتراب لقلع اللزوجة الحاصلة للإناء من لعاب الكلب الخارجة من فمه بواسطة الولوغ ، أو لأجل رفع القذارة الشديدة التي حصلت به - أنّ المراد من ذلك التعفير ، ووضع التراب في الإناء ، ودلكه عنيفاً حتّى يقلع الأثر ، أو يدفع الاستقذار منه ، وهذا هو الموافق لفهم العرف في محاوراتهم ومقاولاتهم .

وبعبارة اُخرى : كانت الظهورات المتقدّمة محكّمة لدى العرف على ظهور «الغسل» لو سلّم ظهوره، بل تكون إضافته إلى «التراب» موجبة لظهوره فيما قلناه.

نعم ، مقتضى إطلاق الرواية عدم الفرق بين التراب اليابس ، أو مع المزج بمقدار لا يخرجه عن مسمّى «التراب» وكما أنّ العرف يرى أنّ التراب مع مزج ما موجب لقلع القذارة ، كذلك يرى هذه الخاصّة للتراب بلا مزج ، كما يشاهد أنّ ذلك التراب أو نحوه يابساً على الأواني ، موجب لنظافتها جدّاً ، بل لعلّه أبلغ فيها

من الممزوج بالماء .

فالأقوى هو التخيير بينهما أخذاً بإطلاق النصّ ومعاقد الإجماعات .

ثمّ إنّ طريق الاحتياط التامّ الموجب للعمل بقول جميع الأصحاب : أن يغسله أوّلاً بالماء ، ثمّ أربع مرّات بالتراب ؛ أي يابسة ، وممزوجة مع بقاء اسمه ،

ص: 190

وممزوجة مع ميعانه ، ومزجه بالماء مع بقاء إطلاقه ، ثمّ ستّاً بالماء عملاً بقول ابن الجنيد(1) .

وأمّا ما أفاده الشيخ الأعظم : «من لزوم العشر إذا روعي مذهب المفيد مع احتمالات أربعة : ثمان بالتراب بينها غسلة وبعدها غسلة ، وإذا روعي مذهب الإسكافي بالسبع صارت الغسلات المتأخّرة خمساً ، فيصير أربعة عشر»(2) انتهى ، فيحتاج إلى مزيد تأمّل ، وإلاّ فيرد على ظاهره إشكالات .

الثالث : في قيام غير التراب مقامه في التعفير
اشارة

حكي عن أبي علي الغسل بالتراب أو ما يقوم مقامه من غير قيد بفقده(3) . وعن «التحرير» احتمال القيام مطلقاً (4) . وعن الشيخ في «المبسوط» والعلاّمة في جملة من كتبه قيام ما يشبهه - كالاُشْنان والصابون والجصّ ونظائرها - مقامَه عند فقده(5) . وعن الشيخ وجمع آخر : «أ نّه مع تعذّر التراب سقط اعتباره ، وطهر الإناء بغسله مرّتين»(6) .

ص: 191


1- اُنظر منتهى المطلب 3 : 334 .
2- الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 363 .
3- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 338 .
4- تحرير الأحكام 1 : 167 .
5- المبسوط 1 : 14 ؛ تحرير الأحكام 1 : 167 ؛ تذكرة الفقهاء 1 : 86 ؛ مختلف الشيعة 1 : 338 .
6- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 249 ؛ المبسوط 1 : 14 ؛ منتهى المطلب 3 : 337 ؛ الدروس الشرعية 1 : 125 .

ولولا مخافة مخالفة ظاهر الأصحاب والاحتياط ، لكان قول أبي علي قويّاً في النفس ؛ فإنّ النصّ وإن اقتصر على التراب ، وكذا ظاهر كلمات الأصحاب لزوم الغسل بالتراب ، لكن ليس باب غسل القذارات كباب التيمّم من الاُمور التعبّدية التي ليس للعرف طريق إلى فهم الملاك منها، فإنّه أمر معهود معلوم الملاك.

بل طريق تطهير جملة من الاُمور لدى العرف الغسل بالتراب ، كالأواني المتلوّثة بالدسومات ونحوها ممّا فيها لزوجة ، بل استقذار شديد ، ولم يقتصروا فيها على الغمس في الماء ، أو الدلك باليد .

ومع هذا وذاك لا ينقدح في ذهن العرف من قوله : «اغسله بالتراب أوّل مرّة» إلاّ أنّ ذكره من باب المثال لكلّ قالع نحوه ، وإنّما ذكره لكونه كثير الوجود والمتعارف في التعفير ، فلو أمر بعض أهل العرف بعضاً بغسل إناء دسم بالتراب لا ينقدح في ذهنه أنّ للتراب خصوصية لا يحصل التنظيف إلاّ به ، وأ نّه لو غسله بالرماد أو الرمل أو النورة أو الجصّ ونحوها ، تخلّف عن الإتيان بالمراد .

وتوهّم : أنّ نجاسة الولوغ أمر معنوي مغفول لا يصل إليها العقول ، والغسل بخصوص التراب موجب لحصول النظافة منه بكشف الشارع ، فاسد وإن كانت نجاسة الكلب بجعل من الشارع ، لكن لم تكن إلاّ كسائر النجاسات الشديدة التي كان لنظافتها طريق معهود .

وبالجملة : لمّا كان التطهير في ارتكاز العقلاء ، عبارةً عن إرجاع الأجسام والملاقيات للقذارات إلى حالتها الأصلية الأوّلية ، وهو يحصل بقلع المادّة القذرة بكيفية معهودة عندهم - من التغسيل بالماء في جملة منها ، والتعفير ثمّ التغسيل في جملة اُخرى - لا ينقدح في ذهنهم من قوله : «اغسله بالتراب أوّل مرّة ثمّ

ص: 192

بالماء مرّتين» إلاّ ما هو المعهود بينهم في التعفير والغسل فيما يحتاج إليهما ، وإلاّ

كان لازم الاقتصار والجمود على النصّ ، وجوبَ غسله بالتراب الخالص ، وعدمَ كفاية التراب الممزوج بالتبن أو الرمل أو الحصاة في الجملة مثلاً ، كما أنّ الأمر كذلك في التيمّم بالتراب ، فيعتبر أن يكون خالصاً من الأجزاء غير الأرضية إلاّ إذا استهلك فيها ، ولا أظنّ التزامهم به في المقام ، وليس ذلك إلاّ لما ذكرناه من الارتكاز .

وبالجملة : لا ينقدح في الأذهان الخالية عن الدقائق العلمية والفارغة من الشبهات المخرجة للنفوس عن السذاجة لفهم المطالب العرفية : أنّ للتراب خصوصية ليست لغيره ، فكما لا يفهم العقلاء من قوله : «رجل شكّ بين الثلاث والأربع» أنّ للرجل خصوصية ، فلا يكون إسراء الحكم إلى المرأة قياساً ، كذلك الأمر فيما نحن فيه .

ولولا مخافة مخالفتهم لقلنا بقيام كلّ قالع مقامه ، لكنّ الخروج عمّا قالوا مشكل ، بل الخروج عن مورد النصّ كذلك ، فالاقتصار على مورده لو لم يكن أقوى فهو أحوط ، سيّما في هذه النجاسة المجعولة من قِبل الشارع .

عدم سقوط التعفير عند فقد التراب

وأمّا سقوط التعفير مطلقاً مع فقد التراب والاقتصار على الغسلتين ، فغير وجيه جدّاً ، فهو نظير الالتزام بسقوط إحدى الغسلتين إذا فقد الماء إلاّ لمرّة ، أو

سقوطهما مع فقده .

كما أنّ قيام غير التراب مقامه حال الفقدان والعذر كذلك ؛ لأنّ خصوصية

ص: 193

التراب معتبرة ، فلا تتحقّق الطهارة إلاّ به ، والعذر والفقدان لا يوجبان مطهّرية غير المطهّر .

ودليل الميسور(1) - مع عدم ثبوت جابر له ، وعدم كون مثل المورد مصبّه - لا يدلّ على حصول الطهارة بالميسور ، ولهذا لو فقد الماء بمقدار الغسلتين ، لا يقوم المرّة مقام المرّتين بدليله .

كما أنّ مثل المورد ليس مجرى دليل الحرج(2) والضرر(3) ، ولا يكون دليلهما مشرّعاً ، ولهذا لو فقد الماء والتراب ، لا يمكن أن يقال بطهارة الإناء ، وهو واضح .

فالأوجه من تلك الأقوال قول أبي علي ؛ وإن كان الوقوف على ظاهر النصّ وكلمات الأصحاب أحوط أو أوجه .

الرابع : في صور العجز عن التعفير وأحكامها

لو لم يمكن التعفير ، فهو إمّا لضيق المجرى ؛ بحيث لا يمكن معه ذلك ولو بآلة ، كخشبة رقيقة أو ميل كذلك تجعل في رأسهما خرقة ليعفّر بها .

أو لعدم قابلية المحلّ ، ككون الإناء من القرطاس ونحوه .

أو يلزم منه فساده ، كآنية منقوشة لو غسلت بالتراب زالت النقوش وفسدت .

لا شبهة في أنّ الأخيرة لا تطهر إلاّ بالتعفير ، وزوال النقوش به لا يوجب طهارتها بلا مطهّر معتبر ، كما لو فرض زوالها بالغسل ، فإنّه لا يوجب طهارتها

ص: 194


1- عوالي اللآلي 4 : 58 / 205 - 207 .
2- الحجّ (22) : 78 .
3- راجع وسائل الشيعة 25 : 427 ، كتاب إحياء الموات ، الباب 12 .

بلا غسل . وقد مرّ ما في التمسّك بدليل الحرج والضرر .

وأمّا الاُوليان ، فيمكن القول بقصور دليل التعفير عن إثباته لنحوهما :

أمّا الاُولى : فلأنّ تحقّق الولوغ فيها غير معلوم ، أو معلوم العدم ؛ لأ نّه عبارة

عن شرب الكلب من الإناء بأطراف لسانه بالنحو المعهود ، وهو لا يحصل في مثل قارورة ضيّقة الفم جدّاً بحيث لا يمكن إدخال ميل فيه .

نعم ، لو فرض تحقّقه - كما لو كان رأسها وسيعاً ، وعنقها ضيّقاً - فالظاهر

بقاؤها على النجاسة . وكون تعطيلها حرجاً أو ضرراً قد مرّ الكلام فيه .

وأمّا الثانية : فلأنّ سوق الرواية في إناء يمكن تعفيره ، فالدليل منصرف عمّا لا يمكن تعفيره لفقد القابلية، ولهذا اقتصر الفقهاء قديماً وحديثاً على الأواني، مع

أنّ مورد النصّ فضل الكلب ، وهو صادق فيما إذا ولغ في ثوب اجتمع فيه الماء ، كعمامة أو قَلَنْسوة ، لكن لمّا لم يكن التعفير ونحوه في الأثواب ونظائرها متعارفاً

لدى العرف ، بل لم تكن قابلة له عرفاً ، لم يفهم من النصّ غير الأواني القابلة له .

فالأقوى في مثل الآنية غير القابلة ذاتاً للتعفير عدم لزومه ، وطهارته بغيره ؛ أخذاً بإطلاق صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الكلب يشرب من الإناء ، قال : «اغسل الإناء»(1) لقصور صحيحة البقباق(2) عن تقييدها في مثل المورد .

ص: 195


1- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 644 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 225 / 646 ؛ وسائل الشيعة 3 : 415 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 12 ، الحديث 2 . وتقدّمت في الصفحة 175 .

ولو استشكل في إطلاقها أو قيل بوهنها - لاستلزام تقييدها بصحيحة البقباق في الأواني الممكنة الغسل ، بقاءَ الفرد النادر تحتها ، وهو مستهجن حتّى في المطلقات - يمكن التمسّك بموثّقة عمّار الساباطي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سئل عن الكوز والإناء يكون قذراً ، كيف يغسل ، وكم مرّة يغسل ؟ قال : «يغسل ثلاث مرّات : يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه ، ثمّ يفرغ منه ، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ، ثمّ يفرغ ذلك الماء ، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ، ثمّ يفرغ منه ، فقد طهر»(1) .

بعد تقييدها بصحيحة البقباق في إناء يمكن تعفيره ، ولا يلزم فيه استهجان ، كما لا يخفى .

فالأقوى في الموارد التي كانت خارجة عن مصبّ الصحيحة ، الغسل ثلاثاً ، والاكتفاء بالواحد غير جائز ؛ لما عرفت من الإشكال في إطلاق صحيحة ابن مسلم . بل لقرب احتمال عدم الإطلاق فيها ، بل لعلّه مقطوع الخلاف ؛ لما يأتي من لزوم غسل الأواني من مطلق النجاسات ثلاث مرّات(2) ، مع كون الكلب أنجس من سائر المخلوقات ، وكون المتنجّس بولوغه أشدّ رجساً من سائر أجزائه ، كما يظهر من الروايات(3) .

ص: 196


1- تهذيب الأحكام 1 : 284 / 832 ؛ وسائل الشيعة 3 : 496 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 53 ، الحديث 1 .
2- سيأتي في الصفحة 204 .
3- نظير موثّقة ابن أبي يعفور ، وصحيحة الفضل أبي العبّاس ، تقدّمتا في الصفحة 172 و180 .

ومنه يظهر : أنّ الاكتفاء بالمرّتين بدعوى : أنّ التعفير ساقط والغسلتين مطهّرتان بعد سقوطه - أخذاً بصحيحة البقباق في المرّتين - ضعيف ؛ لأنّ مصبّها أنّ الغسلتين مطهّرتان فيما إذا سبقهما التعفير ، المؤثّر في تخفيف النجاسة بالقلع ورفع الأثر ، ولولا موثّقة عمّار المتقدّمة لأمكن القول ببقاء تلك الأواني على النجاسة أخذاً بالاستصحاب .

الخامس : عدم سقوط التعفير والعدد عند الغسل بالماء الكثير والجاري

هل يسقط التعفير بالغسل بالماء الكثير والجاري والمطر وما بحكمها وكذا العدد فيكتفى بمرّة واحدة ؟ أو يسقط العدد دون التعفير ؟ أو يسقط العدد أيضاً ؟ وجوه :

قال في «الحدائق» : «المشهور بين الأصحاب سقوط التعدّد في الغسل إذا وقع الإناء في الماء الكثير ، وكذا كلّ نجس يحتاج إلى العدد ، إلاّ أ نّه لا بدّ من

تقديم التعفير في إناء الولوغ»(1) انتهى .

وفيما ادّعى من الشهرة - سيّما في الطبقة المتقدّمة من فقهاء أصحابنا - إشكال ومنع ، بل مقتضى إطلاقهم وإطلاق معاقد الإجماعات المدّعاة(2) ، عدم الفرق بين القليل والكثير وسائر أقسام المياه . ويؤكّد الإطلاق تصريح شيخ الطائفة بلزوم العدد في الكثير(3) ، فيظهر منه أ نّه أراد بلزوم الغسل بالماء

ص: 197


1- الحدائق الناضرة 5 : 489 .
2- تقدّم في الصفحة 178 - 179 .
3- الخلاف 1 : 178 و179 ؛ المبسوط 1 : 14 .

مرّتين مطلقَ المياه ، فتمسّكه بالإجماع وصحيحة أبي العبّاس ، يكون في الأعمّ

من القليل(1) .

وكيف كان : الأقوى عدم سقوط التعفير ، وكذا العدد :

أمّا الأوّل ، فلأنّ المتفاهم من قوله علیه السلام : «اغسله بالتراب» أنّ التعفير به لقلع الأثر لا التطهير . ومرسلة الكاهلي في المطر(2) ومرسلة العلاّمة في الكثير(3) - مع الغضّ عن إرسالهما - إنّما تد لاّن على قيام المطر والكثير مقام العدد في المطهّر المعتبر فيه العدد ، لا في القالع للأثر ؛ لظهورهما في كونهما مطهّرين وقائمين مقام

المطهّر لا القالع ، وليس القالع مطهّراً ، ولهذا إنّ الأقوى عدم اعتبار الطهارة في

التراب ؛ لإطلاق الصحيحة(4) ، ومنع الانصراف إلى الطاهر فيما لا يكون إلاّ للقلع

الحاصل به مطلقاً (5) .

وإن شئت قلت : إنّ الروايتين منصرفتان عن القيام مقامه .

وأمّا القيام مقام العدد ، فقد يقال في تقريبه : بأ نّه إذا سلّمنا وجود المرّتين في رواية البقباق ، ومقتضى إطلاقها لزومهما حتّى في غير القليل ، لكن تقييدها بما إذا كان الغسل بالقليل ، أولى في مقام الجمع من تخصيص الخبرين بها ؛ فإنّ ظهور المطلق أضعف من ظهور العامّين في العموم بالنسبة إلى مورد الاجتماع .

ص: 198


1- الخلاف 1 : 176 .
2- تقدّم في الصفحة 136 .
3- تقدّم في الصفحة 136 .
4- وهي صحيحة البقباق التي تقدّمت في الصفحة 180 .
5- جواهر الكلام 6 : 365 .

بل قد يدّعى انصراف المطلق في حدّ ذاته إلى إرادة الغسل بالماء القليل ؛ لكونه هو الغالب في مكان صدور المطلق(1) .

ولا يخفى ما فيه ؛ فإنّ الأمر لا يدور بين التخصيص والتقي-يد حتّى يقال فيه

بالترجيح ، مع إشكال فيه أيضاً ، بل يدور بين التقييدين ؛ فإنّ لقوله علیه السلام : «كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر»(2) عموماً أفرادياً بالنسبة إلى المتنجّسات ، وإطلاقاً لازمه الاكتفاء بمجرّد الرؤية وعدم لزوم العدد ، فلو خرج المتنجّس بالولوغ عنه تخصيصاً ، يلزم منه عدم مطهّرية المطر له ؛ سواء أصابه مرّة أو دفعات ، وهو كما ترى . وأمّا لو قيل بلزوم العدد فليس ذلك تخصيصاً للأفراد ، بل تقييد لإطلاق الرؤية ، كما أنّ لزوم التعفير أيضاً تقي-يد ؛ لو فرض إطلاقها من هذه الجهة ، وغضّ البصر عمّا تقدّم .

فحينئذٍ الأرجح في النظر العرفي تقديم إطلاق الصحيحة على إطلاق المرسلة ؛ لأنّ العرف يرى أنّ للولوغ خصوصية موجبة لشدّة نجاسة الإناء به ، بحيث لا يكتفى فيه بالماء فقط ، ولا بالمرّة ، فلا ينقدح في الأذهان إلاّ إخراج الإناء الذي ولغ فيه الكلب من سائر النجاسات ؛ لمزيد خصوصية فيه .

وإن شئت قلت : إنّ الأظهر تحكيم الصحيحة على المرسلة .

وأضعف منه دعوى الانصراف إلى القليل ؛ فإنّ مجرّد ذلك لا يوجبه . مع أنّ السائل من الكوفيين ، والمجيب يراعي حال السائل وبلده ، وهو محلّ وفور الجاري والكثير .

ص: 199


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 416 .
2- وهي مرسلة الكاهلي التي تقدّمت في الصفحة 136 .

وممّا ذكرناه يظهر حال مرسلة العلاّمة ، مع أنّ فيها ضعفاً غير مجبور . نعم الظاهر كون سند الاُولى مجبوراً بالعمل .

المسألة الثانية : في تطهير إناء الخنزير أو الخمر أو ما مات فيه جُرَذ

اختلفوا في إناء شرب منه الخنزير ؛ فالشيخ في «الخلاف» ألحقه بولوغ الكلب متمسّكاً بوجهين غير وجيهين(1) . وألحقه المحقّق بسائر النجاسات ؛ واكتفى بمرّة(2) .

وحكيت الشهرة بين المتأخّرين على وجوب السبع(3) ؛ أخذاً بصحيحة علي ابن جعفر ، عن أخيه علیه السلام قال : سألته عن خنزير يشرب من الإناء ، كيف يصنع

به ؟ قال : «يغسل سبع مرّات»(4) . وقد حملها المحقّق على الاستحباب(5) .

قيل : «لقلّة العامل بها»(6) وهو كذلك ؛ لأنّ الظاهر من قدماء أصحابنا كالمفيد

والسيّد والشيخ وابن حمزة وسلاّر بل الصدوق ومن بعدهم - كالحلّي وابن

ص: 200


1- الخلاف 1 : 186 - 187 .
2- المعتبر 1 : 459 - 460 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 492 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 417 - 418 .
4- هذه ذيل رواية الكليني على ما رواها الشيخ الطوسي في «التهذيب» والشيخ الحرّ في «الوسائل» ولكن هذا الذيل غير موجود في النسخ الموجودة لدينا من الكافي . الكافي 3 : 61 / 6 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 261 / 760 ؛ وسائل الشيعة 1 : 225 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 1 ، الحديث 2 ، و3 : 417 ، أبواب النجاسات ، الباب 13 ، الحديث 1 .
5- المعتبر 1 : 460 .
6- جواهر الكلام 6 : 358 .

زهرة - عدم وجوب السبع(1) ، بل ظاهر «الخلاف» على عدم وجوب الزيادة على الثلاث في النجاسات سوى الولوغ(2) ، ومعه لا يبقى وثوق بها مع كونها بمرأى ومنظر لهم رواها الكليني والشيخ ، ومع عدم معارض لها ، فتقييد موثّقة عمّار الآتية(3) بها مشكل ، وطريق الاحتياط واضح .

وأمّا الخمر ، فذهب جملة من الأصحاب إلى وجوب غسل الإناء منها سبعاً (4) . وذهب جمع إلى الثلاث(5) ، وهو مقتضى الجمع بين الروايات ؛ فإنّ منها : ما تدلّ على السبع ، كموثّقة عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في الإناء يشرب فيه النبيذ ، قال : «تغسله سبع مرّات ، وكذلك الكلب»(6) .

والظاهر إلغاء الخصوصية وفهم حكم الخمر منها ، ولهذا استدلّوا بها لها (7) .

ومنها : ما تدلّ على الثلاث ، كموثّقته الاُخرى ، عنه علیه السلام قال : سألته عن الدَنّ يكون فيه الخمر ، هل يصلح أن يكون فيه خلّ ، أو ماء كامخ ، أو زيتون ؟ قال : «إذا غسل فلا بأس» .

ص: 201


1- اُنظر المقنعة : 68 ؛ الانتصار : 86 - 88 ؛ الخلاف 1 : 186 - 187 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 80 ؛ المراسم : 36 ؛ المقنع : 37 ؛ السرائر 1 : 91 - 92 ؛ غنية النزوع 1 : 43 .
2- راجع الخلاف 1 : 182 .
3- تأتي في الصفحة 204 .
4- المراسم : 36 ؛ الدروس الشرعية 1 : 125 ؛ جامع المقاصد 1 : 191 .
5- شرائع الإسلام 1 : 48 ؛ قواعد الأحكام 1 : 197 ؛ كشف الرموز 1 : 121 .
6- تهذيب الأحكام 9 : 116 / 502 ؛ وسائل الشيعة 25 : 368 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 30 ، الحديث 2 .
7- كشف الرموز 1 : 121 ؛ جامع المقاصد 1 : 191 ؛ مدارك الأحكام 2 : 396 .

وعن الإبريق وغيره يكون فيه خمر ، أيصلح أن يكون فيه ماء ؟ قال : «إذا غسل فلا بأس» .

وقال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر ، قال : «تغسله ثلاث مرّات» .

وسأل : أيجزيه أن يصبّ فيه الماء ؟ قال : «لا يجزيه حتّى يدلكه بيده ، ويغسله ثلاث مرّات»(1) .

فتحمل الاُولى على الاستحباب جمعاً ، سيّما مع عطف الكلب عليها ، ويحمل إطلاق الغسل في الدَنّ والإبريق على المقيّد .

لكن هو في المقام لا يخلو من إشكال ؛ لقوّة ظهور الصدر في الإطلاق ، لمقابلته مع الأمر بالثلاث في القدح والإناء ، واحتمالِ الفرق بين الأواني المستعملة في الشرب وغيرها .

لكنّ الأقوى التقييد ؛ لأنّ من المحتمل - بل الظاهر - أنّ عمّاراً جمع في النقل بين روايات مستقلّة ، لا أ نّها كانت واحدة ، ومعه لا قوّة في الإطلاق .

مع أنّ ذلك التفصيل مخالف لفهم العقلاء ، ولهذا لم ينقل من أحد حتّى احتماله .

بل لا يبعد إنكار إطلاق الصدر رأساً ؛ لاحتمال أن تكون شبهة السائل عدمَ جواز جعل الخلّ في ظرف الخمر ولو بعد الغسل ، فأجاب بجوازه بعده ، فلا يكون في مقام بيان كيفية الغسل .

ص: 202


1- الكافي 6 : 427 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 115 / 501 ؛ وسائل الشيعة 25 : 368 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 30 ، الحديث 1 .

وأمّا ما مات فيه الجُرَذ ، فقد ورد عن عمّار في الموثّقة الغسل سبعاً (1) ومقتضى الجمود هو الأخذ بها مع كونها موثّقة ، ولا معارض لها ، فيقيّد بها موثّقته الاُخرى الآتية(2) في مطلق القذارات الآمرة بالثلاث .

لكن في النفس وسوسة : وهي أنّ السبع في الكلب والخمر والخنزير بعد ما كان محمولاً على الاستحباب ، واكتفي فيها بالثلاث ، وكذا في جميع النجاسات ، يشكل الالتزام بوجوب السبع - من بين جميع النجاسات - بميتة الجُرَذ . مع أنّ الكلب بحسب النصّ أنجس من جميع المخلوقات(3) ، وورد في الخمر ما يظهر منه شدّة قذارته(4) . مضافاً إلى دعوى الشيخ الإجماع على طهارة النجاسات

سوى الولوغ بالثلاث(5) .

والإنصاف : أنّ حمل الموثّقة على الاستحباب - مع ما نرى من حمل نظائرها عليه في الباب - أهون من تقييد الموثّقة الآمرة بالثلاث ، مع قوّة إطلاقها ، كما يظهر بالتأمّل فيها . لكن رفع اليد عن ظاهر الأمر بالسبع - مع دعوى

ص: 203


1- عن عمّار عن أبي عبداللّه عليه السلام في حديث قال : «اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتاً ، سبع مرّات» . تهذيب الأحكام 1 : 284 / 832 ؛ وسائل الشيعة 3 : 496 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 53 ، الحديث 1 .
2- تأتي بعد أسطر .
3- تقدّم في الصفحة 172 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 6 و7 ، و25 : 368 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 30 ، الحديث 1 و2 .
5- الخلاف 1 : 182 .

اشتهاره(1) ، وفتوى جمع من قدماء أصحابنا (2) - جرأة على المولى ، فالسبع أشبه مع كونه أحوط ؛ وإن بقيت الوسوسة في النفس .

إلاّ أن يقال أو يحتمل : كون الغسل سبعاً لشيء آخر غير محض القذارة .

المسألة الثالثة : في لزوم غسل الأواني ثلاث مرّات من سائر النجاسات
اشارة

مقتضى موثّقة عمّار عن أبي عبداللّه علیه السلام وجوب غسل الأواني من سائر النجاسات ثلاثاً ، قال : سئل عن الكوز والإناء يكون قذراً ، كيف يغسل ، وكم مرّة يغسل ؟

قال : «يغسل ثلاث مرّات : يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه ، ثمّ يفرغ منه ، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ، ثمّ يفرغ ذلك الماء ، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه ، ثمّ يفرغ منه ، وقد طهر»(3) .

وهو المحكيّ عن أبي علي(4) والشيخ في غير «المبسوط»(5) والشهيد في «الذكرى» و«الدروس»(6) والكركي في «جامع المقاصد» و«تعليق

ص: 204


1- جامع المقاصد 1 : 191 .
2- المقنع : 34 ؛ النهاية : 5 - 6 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 80 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 284 / 832 ؛ وسائل الشيعة 3 : 496 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 53 ، الحديث 1 .
4- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 254 ؛ المعتبر 1 : 461 .
5- الخلاف 1 : 182 ؛ مصباح المتهجّد : 14 ؛ النهاية : 5 ؛ الرسائل العشر للشيخ الطوسي ، الجمل والعقود : 171 .
6- ذكرى الشيعة 1 : 127 ؛ الدروس الشرعية 1 : 125 .

النافع»(1) وجعلها في «الشرائع» ومحكيّ «المبسوط» و«النافع» و«الإصباح» أحوط(2) .

واختار في «المعتبر» المرّة ، وقال : «والذي يقوى عندي الاقتصار في اعتبار العدد على الولوغ ، وفيما عداه على إزالة النجاسة ، وغسلِ الإناء بعد ذلك مرّة واحدة ؛ لحصول الغرض من الإزالة»(3) انتهى .

وتقريب ما ذكره : أنّ النجاسة والطهارة ليستا من الاُمور المعنوية التي لم يصلها العقول ، بل هما من الاُمور الواضحة والمفاهيم الظاهرة عنواناً ومصداقاً ، فإذا علم من الشارع لزوم تطهير الأواني أو غيرها ، وعدم جواز استعمالها إلاّ مع طهارتها ، لا يحتاج العقلاء في تحصيل الطهارة إلى بيان من الشارع ، كما لا يحتاجون في بيان سائر المصاديق العرفية والعناوين الكذائية إليه .

واحتمال أنّ الطهارة أمر غير ما يدركها العقلاء - كاحتمال لزوم الغسل تعبّداً ؛ من غير نظر إلى التطهير وإرجاع الشيء إلى حالته الأصلية - ضعيف مخالف لظواهر الأدلّة وفهم العقلاء منها ، ولهذا لا ينقدح في ذهن العقلاء من الأمر بغسل الأواني ثلاثاً ، إلاّ أ نّه لغرض تنظيفها ، فإذا حصلت النظافة بمرّة إذا بالغ في تنظيفها ، فقد حصل الغرض .

وبهذا الوجه يمكن الاستدلال على جواز الاكتفاء بمرّة في الغسل بماء جارٍ أو كثير ؛ إذا حصل الغرض من الغمس فيهما .

ص: 205


1- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 254 ؛ جامع المقاصد 1 : 192 .
2- شرائع الإسلام 1 : 48 ؛ المبسوط 1 : 15 ؛ المختصر النافع : 20 ؛ إصباح الشيعة : 26 .
3- المعتبر 1 : 461 - 462 .

بل يتّسع نطاق البيان إلى جميع أنواع النجاسات ، كالبول والولوغ أيضاً ؛ بدعوى عدم إعمال تعبّد من الشرع في باب النجاسات والطهارات ، إلاّ بجعل مصداق نجساً ، أو سلب النجاسة عن قذر عرفي ، فالطهارة أمر واضح يدركه العقلاء ، والأمر بالغسل والدلك والتعفير والتعدّد لأجل حصولها ، من غير إعمال تعبّد في ماهيتها ، فإذا علم حصولها - ولو بنحو مغاير لما في الأوامر الشرعية التوصّلية - تسقط الأوامر ؛ لحصول الغرض .

هذا غاية تقريب كلام المحقّق رحمه الله علیه .

وبه قال العلاّمة ، وحمل الروايات الآمرة بالعدد على الغالب ، لا على المقدّر ؛ قال في جملة من كلامه في الخمر :

«والأقرب عندي عدم اعتبار العدد ، بل الواجب الإنقاء ، لنا محلّ نجس ، فوجب تطهيره بصيرورته إلى الحال الأوّل ، وذلك إنّما يحصل بالنقاء ، فيجب الإنقاء . لكنّ الغالب أ نّه لا يحصل إلاّ مع الثلاث ، فيجب لا باعتبار أ نّه مقدّر»(1) انتهى ، وهو متين .

لكن مع ذلك يشكل الخروج عن مقتضى موثّقة عمّار ، سيّما مع ما نرى من إعمال التعبّد في أبواب النجاسات إلى ما شاء اللّه ، كالاكتفاء في محلّ النجو بالأحجار ونحوها ، دون محلّ البول ، مع أشدّية قذارة الأوّل عرفاً ، وكالاكتفاء بالأرض في تطهير بعض الاُمور خاصّة ، مثل تحت الأقدام ، وكالاكتفاء بتطهير الشمس في بعض الاُمور ؛ أي غير المنقول ، وكزوال عين النجاسة في الحيوان

ص: 206


1- منتهى المطلب 3 : 344 .

الصامت بأيّ نحو كان . . . إلى غير ذلك ، ومعه كيف يمكن دعوى عدم إعمال تعبّد

من قِبله في أبوابهما ؟ ! فلا محيص عن الوقوف على المنصوص .

لزوم التعدّد حتّى مع الغسل بالكثير والجاري والمطر

وعليه لا فرق ظاهراً بين القليل والكثير والجاري والمطر ؛ لأنّ الظاهر من موثّقة عمّار أ نّه علیه السلام سئل عن كيفية الغسل وعن كمّيته ، فأجاب عن الثانية

بقوله علیه السلام : «يغسل ثلاث مرّات» وعن الاُولى بقوله : «يصبّ فيه الماء . . .»(1) إلى آخره . وإطلاق الجواب الأوّل يقتضي عدم الفرق بين القليل وغيره .

والجملة الثانية لا تكون قرينة على أنّ المراد بالاُولى الغسل بالقليل ؛ لأنّ

بيان الكيفية إنّما يحتاج إليه في القليل ، دون الكرّ والجاري ؛ فإنّ كيفية غسله فيهما واضحة ، وأمّا الغسل بالقليل فلمّا كان في نظر العرف أنّ صبّ الماء في الإناء يوجب تنجيسه ، فلا يمكن التطهير به إلاّ بنحو يجري الماء من غير أن يجتمع فيه ، كان بيانه لازماً ورافعاً للتحيّر ، فلا يصير الذيل قرينة على الصدر ، ولا مقيّداً له ، فتكون الموثّقة مقدّمة على مرسلة الكاهلي الواردة في المطر ، وعلى مرسلة العلاّمة في الكثير(2) ؛ لما مرّ سابقاً من تحكيم مثلها عليهما (3) . هذا مع ضعف الثانية بلا جبر .

فالأحوط - لو لم يكن أقوى - اعتبار التعدّد مطلقاً .

ص: 207


1- تقدّمت في الصفحة 204 .
2- تقدّمتا في الصفحة 136 .
3- تقدّم في الصفحة 199 - 200 .
فائدة استطرادية في أحكام الأواني والجلود
اشارة

جرت عادتهم باستطراد أحكام الأواني والجلود في المقام ، وفيها مسائل :

المسألة الاُولى : حكم استعمال آنية الذهب والفضّة
اشارة

لا يجوز الأكل والشرب وكذا سائر الاستعمالات من آنية الذهب والفضّة وهو في الجملة ثابت ، ادّعي عليه الإجماع(1) وعدم الخلاف(2) ، وسيأتي الكلام فيه(3) .

في التمسّك بالروايات لإثبات حرمة الأكل والشرب

وتدلّ على الأوّل جملة من الروايات من طرق الناس ، كالمرويّ عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «لا تشربوا في آنية الذهب والفضّة ، ولا تأكلوا في صحافها ، فإنّها لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة»(4) .

وعنه صلی الله علیه و آله وسلم : «نهى عن الشرب في آنية الفضّة»(5) .

ص: 208


1- ذكرى الشيعة 1 : 145 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 362 ؛ مدارك الأحكام 2 : 379 .
2- كشف الرموز 1 : 118 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 504 .
3- سيأتي في الصفحة 216 .
4- صحيح البخاري 7 : 144 / 338 ؛ صحيح مسلم 4 : 301 / 5 .
5- صحيح البخاري 7 : 213 / 537 ، و : 214 / 540 ؛ صحيح مسلم 4 : 298 / 3 .

وعنه صلی الله علیه و آله وسلم : «من يشرب في آنية الفضّة في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة»(1).

وعنه صلی الله علیه و آله وسلم : «الذي يشرب في آنية الفضّة إنّما يجرجر في بطنه نار جهنّم»(2) .

ومن طرقنا صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «لا تأكل من آنية الذهب والفضّة»(3) .

وصحيحته الاُخرى - على الأصحّ(4) - عنه علیه السلام : «أ نّه نهى عن آنية الذهب والفضّة»(5) .

ورواية داود بن سِرحان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «لا تأكل في آنية

الذهب والفضّة»(6) .

ص: 209


1- صحيح مسلم 4 : 299 / 3 .
2- صحيح البخاري 7 : 213 / 539 ؛ سنن الدارمي 2 : 121 ؛ صحيح مسلم 4 : 297 / 1 .
3- الفقيه 3 : 222 / 1031 ؛ وسائل الشيعة 3 : 508 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 7 .
4- رواها الكليني ، عن عدّة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن العلاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم . وليس في السند من يتأمّل فيه إلاّ سهل بن زياد، وهو ثقة عند المصنّف قدس سره؛ لكثرة رواياته وقدمه الراسخ في جميع أبواب الفقه . راجع الجزء الأوّل : 78 .
5- الكافي 6 : 267 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 506 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 3 .
6- الكافي 6 : 267 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 506 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 2 .

وفي حديث المناهي قال : «نهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن الشرب في آنية الذهب والفضّة»(1) .

ورواية مَسعدة بن صدقة - الموثّقة ظاهراً (2) - عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه علیهما السلام : «أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهاهم عن سبع منها : الشرب في آنية الذهب والفضّة»(3) .

لكن بإزائها روايات ربّما يكون مقتضى الجمع العقلائي بينها وبين الاُولى ، الحكم على الكراهة لولا الجهات الخارجية ، كموثّقة سَماعة بن مِهران ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «لا ينبغي الشرب في آنية الذهب والفضّة»(4) .

وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «أ نّه كره آنية الذهب والفضّة والآنية المفضّضة»(5) .

وظاهرها أنّ الكراهة في الفضّة والمفضّضة سواء ، فتكون الكراهة ظاهرة في الاصطلاحية .

ولو قيل : إنّ الكراهة لأصل الآنية لا تنافي حرمة الشرب منها .

ص: 210


1- الفقيه 4 : 4 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 508 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 9 .
2- راجع تنقيح المقال 3 : 212 / السطر 5 (أبواب الميم) .
3- قرب الإسناد : 71 / 228 ؛ وسائل الشيعة 3 : 508 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 11 .
4- الكافي 6 : 385 / 3 ؛ الفقيه 3 : 222 / 1030 ؛ وسائل الشيعة 3 : 507 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 5 .
5- المحاسن : 582 / 61 ؛ وسائل الشيعة 3 : 508 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 10 .

يقال : الظاهر أنّ المراد من كراهتهما كراهة الأكل والشرب ، كما تشهد به روايته الاُخرى عنه علیه السلام قال : «لا تأكل في آنية من فضّة ، ولا آنية مفضّضة»(1) .

ولعلّ الرواية الاُولى نقل بالمعنى للثانية ، وإنّما فهم الحلبي من النهي الكراهة

بقرينة ذكر المفضّضة . وهو جيّد ؛ لأنّ الظاهر من الثاني أنّ المفضّضة كالفضّة ، فإذا ضمّ إليها صحيحة عبداللّه بن سِنان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضّض ، واعزل فمك عن موضع الفضّة»(2) يستفاد منها الكراهة . وكون الاُولى في الأكل والثانية في الشرب ، لا يقدح في ذلك ؛ لإلغاء الخصوصية عرفاً ، وعدم الفصل جزماً .

وموثّقة بُرَيد ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «أ نّه كره الشرب في الفضّة ، وفي القدح المفضّض ، وكذلك أن يدهن في مدهن مفضّض ، والمشطة كذلك»(3) .

وهي ظاهرة الدلالة في الكراهة الاصطلاحية بعد عطف «المفضّض» و«المشطة» عليها .

وصحيحة ابن بَزيع قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن آنية الذهب والفضّة فكرههما ، فقلت : قد روى بعض أصحابنا : أ نّه كان لأبي الحسن علیه السلام مرآة ملبّسة فضّة ، قال : «لا والحمد للّه ، وإنّما كانت لها حلقة من فضّة . . .» إلى أن قال : «نحواً

ص: 211


1- الكافي 6 : 267 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 509 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 66 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 9 : 91 / 392 ؛ وسائل الشيعة 3 : 510 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 66 ، الحديث 5 .
3- الكافي 6 : 267 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 509 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 66 ، الحديث 2 .

من عشرة دراهم ، فأمر به أبو الحسن علیه السلام فكسر»(1) .

وهي أيضاً - بلحاظ ذيلها ونحو تعبيرها - ظاهرة في الكراهة مقابل الحرمة .

ورواية موسى بن بكر ، عن أبي الحسن علیه السلام قال : «آنية الذهب والفضّة متاع الذين لا يوقنون»(2) .

وهي أيضاً مشعرة بالكراهة ، أو ظاهرة فيها .

والإنصاف : أنّ الجمع بين الطائفتين من أهون التصرّفات العقلائية . نعم لو كانت الروايات التي من طرقهم معتبرة عندنا ، كان الجمع بينهما مشكلاً ، لكنّها غير معوّل عليها . هذا حال الأكل والشرب .

بيان حكم سائر الاستعمالات على ضوء الأخبار

ومنه يظهر حال سائر الاستعمالات ، فإنّ ما يمكن الاستشهاد بها على حرمة سائرها ، ليست إلاّ صحيحة محمّد بن مسلم الثانية(3) ، لكن لمّا لا يمكن أن يتعلّق النهي بماهية آنية الذهب والفضّة ، لا بدّ وأن يتعلّق بمحذوف ، كالأكل والشرب ، أو الاستعمال ، أو الاقتناء .

وليس المقام ممّا يقال فيه : «إنّ حذف المتعلّق دليل العموم» لأنّ محمّد بن مسلم حكى أ نّه علیه السلام نهى عنها ، ولم يحكِ نحو النهي الذي في كلامه ، ولا متعلّقه ،

ص: 212


1- الكافي 6 : 267 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 505 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 1 .
2- المحاسن : 582 / 62 ؛ الكافي 6 : 268 / 7 ؛ وسائل الشيعة 3 : 507 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 4 .
3- تقدّمت في الصفحة 209 .

والمتيقّن - بل الظاهر - هو النهي عن الأكل والشرب ، لا كلّ شيء ، كما تشهد به سائر الروايات .

وقياس المورد بقوله علیه السلام : «نهى النبي صلی الله علیه و آله وسلم عن الغرر»(1) حيث يستفاد منه الغرر في كلّ معاملة ، مع الفارق ؛ لأنّ «الغرر» مصدر يمكن تعلّق النهي به ، دون آنية الذهب .

بل الظاهر أنّ هذه الرواية نقل بالمعنى لروايته الاُخرى عنه علیه السلام قال : «لا تأكل من آنية الذهب والفضّة»(2) .

وبالجملة : لو سمع ابن مسلم من أبي جعفر علیه السلام هذا النهي ، يجوز له أن يقول : «نهى أبو جعفر علیه السلام عن آنية الذهب والفضّة» .

وتوهّم : أنّ الصادر عن أبي جعفر علیه السلام بتوسّط ابن مسلم روايتان : إحداهما منقولة بلفظها ، والاُخرى بمعناها ، ولا بدّ أن يكون النهي عن عنوان عامّ حتّى يصحّ له أن يحكي عنه علیه السلام بقوله : «نهى عن الآنية» كما ترى .

والحاصل : أ نّه لا يمكن إثبات نهي عن مطلق الاستعمال بحكايته النهي عن الآنية ، مع صحّة الحكاية إن لم يصدر عن أبي جعفر علیه السلام إلاّ روايته الاُخرى المتقدّمة .

وأمّا سائر الروايات التي يمكن استفادة حكم مطلق الاستعمال منها ، فظاهرة في الكراهة ، كرواية موسى بن بكر ، وصحيحة ابن بَزيع وصحيحة الحلبي - مع إشكال فيها تقدّم ذكره : وهو أ نّها عين صحيحته الاُخرى منقولة بالمعنى -

ص: 213


1- الخلاف 3 : 319 .
2- تقدّم في الصفحة 209 .

ورواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن المرآة ، هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقة من فضّة ؟ قال : «نعم ، إنّما يكره استعمال ما يشرب فيه»(1) . بناءً على أنّ المراد كراهة مطلق استعمال إناء يشرب فيه ؛ أي يكون معدّاً للشرب . وهذه أيضاً ظاهرة الدلالة على الكراهة المصطلحة . بل لو فرض ظهور في صحيحة ابن مسلم في حرمة مطلق الاستعمال ، تكون هذه الرواية حاكمة عليها موجبة لصرفها عنه .

فتحصّل ممّا ذكر : عدم دليل لفظي على حرمة استعمال الأواني بنحو الإطلاق ، ولا الأكل والشرب منها .

حكم الاستعمالات غير المتعارفة والتزيين والاقتناء

ثمّ لو فرض دلالة الأدلّة على حرمة الأكل والشرب وكذا حرمة الاستعمال ، هل تنصرف إلى حرمة الشرب والأكل في آنية يتعارف الأكل والشرب منها ، وكذا تنصرف إلى الأكل والشرب المتعارفين ، أو تعمّ غير المتعارفين في البابين ؟

وجهان ، لا يبعد القول بالتعميم ؛ لأجل ارتكاز العقلاء على عدم دخالة كيفية الأكل والشرب ، ولا تعارف الإناء فيهما .

نعم ، الظاهر أنّ استعمال الإناء منصرف إلى استعمال يكون من شأن الأواني ، لا مثل قتل الحيّة ودقّ الباب بها ، فلو ورد دليل على أنّ استعمال الأواني محرّم - كمرسلة «الخلاف» : روي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «أ نّه نهى عن استعمال أواني

ص: 214


1- مسائل علي بن جعفر : 299 / 756 ؛ المحاسن : 583 / 69 ؛ وسائل الشيعة 3 : 511 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 67 ، الحديث 5 .

الذهب والفضّة»(1) - لا يعمّ إلاّ ما يكون الاستعمال نحو استعمال الأواني .

ولو استعمل ما للشرب في الأكل أو بالعكس ، أو استعمل ما ليس لهما فيهما ، فشرب من القنديل وغلاف السيف ، يكون محرّماً - على إشكال في مثل الأخير - دون ما لو استعمل الإناء فيما لا يكون شأن الأواني بما هي ، كاستعمالها في ضرب الدابّة ، ووضعها والجلوس عليها .

كما أنّ الظاهر عدم التعميم لمثل الوضع على الرفوف للتزيين ، إلاّ ما كان نحو استعمالها كذلك ؛ بناءً على عموم حرمة الاستعمال .

وأولى بعدم الحرمة اقتناؤها . نعم لو استفيد من صحيحة ابن بَزيع(2) الحرمة ، لا يبعد أن يقال : إنّها متعلّقة بذات الآنية ، فيكون وجودها مبغوضاً لا يجوز اقتناؤها ، بل يجب كسرها ، كما أمر أبو الحسن علیه السلام بكسر قضيب ملبّس بالفضّة على ما فيها لكنّها ظاهرة في الكراهة ، أو غير دالّة على الحرمة .

كما أ نّه لو فرض استفادة الحرمة من قوله علیه السلام : «آنية الذهب والفضّة متاع الذين لا يوقنون»(3) يكون دالاًّ على حرمة مطلق الانتفاع والتمتّع بها ممّا هو من شأن الأواني . نعم لا يشمل مثل الاقتناء ، فإنّه تعطيل عن الانتفاع ، لا انتفاع بها .

هذا كلّه حال الأدلّة اللفظية ، وقد عرفت عدم نهوضها لإثبات حرمة الأكل والشرب ، فضلاً عن سائر الاستعمالات .

ص: 215


1- الخلاف 1 : 70 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 598 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 42 ، الحديث 9 .
2- تقدّمت في الصفحة 211 .
3- تقدّم في الصفحة 212 .

في التمسّك بالإجماع على حرمة الأكل والشرب وسائر الاستعمالات

نعم ، قد تكرّر واستفاض نقل الإجماع من عصر العلاّمة إلى عصرنا على حرمة الأكل والشرب في جملة من الكتب(1) ، وعن «الذكرى»(2) و«المجمع» للأردبيلي(3) و«المدارك»(4) وغيرها (5) على حرمة سائر الاستعمالات أيضاً ، وعن «كشف الرموز» : «لا خلاف فيه»(6) ونسبه في محكيّ «الكفاية» إلى المشهور(7) .

وعن الصدوق والمفيد وسلاّر والشيخ في «النهاية» الاقتصار على الأكل والشرب(8) ، وعن «المدارك» و«الكفاية» : «أنّ تحريم اتّخاذها لغير الاستعمال هو المشهور»(9) ، وعن «المجمع» : «هو مذهب الأكثر»(10) وهو المحكيّ عن الشيخ والمحقّق واليوسفي والعلاّمة والفخر والكركي وظاهر الشهيد(11) .

ص: 216


1- تذكرة الفقهاء 2 : 225 ؛ الحبل المتين : 128 / السطر 6 ؛ جواهر الكلام 6 : 328 .
2- اُنظر ذخيرة المعاد : 173 / السطر 38 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 145 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 362 .
4- مدارك الأحكام 2 : 379 .
5- رياض المسائل 2 : 419 .
6- كشف الرموز 1 : 118 .
7- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 73 .
8- الفقيه 3 : 222 / 1030 و1031 ؛ المقنع : 424 ؛ المقنعة : 584 ؛ المراسم : 210 ؛ النهاية : 589 .
9- مدارك الأحكام 2 : 380 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 73 .
10- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 363 .
11- المبسوط 1 : 13 ؛ المعتبر 1 : 456 ؛ كشف الرموز 1 : 119 ؛ نهاية الإحكام 1 : 297 ؛ إيضاح الفوائد 1 : 32 ؛ جامع المقاصد 1 : 188 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 145 .

وعن الحلّي والعلاّمة في «المختلف» تقريب الجواز(1) ، وعن «المدارك» استحسانه(2) ، وعن شيخه الأردبيلي الميل إليه(3) .

هذا ، والذي يوجب وسوسة في النفس أمران :

أحدهما : احتمال تخلّل الاجتهاد في الحكم ؛ وأنّ الفقهاء إنّما أفتوا بالحرمة في الأكل والشرب وسائر الاستعمالات اتّكالاً على الروايات ، سيّما مع استدلال الشيخ والمفيد ، ومن بعدهما كالمحقّق والعلاّمة ، وأمثالهما من عُمَد أصحاب الفتوى وأئمّة الفنّ ، بها .

ومعه كيف يمكن القطع بأنّ عندهم غير تلك الروايات أمراً آخر ، ويكون الحكم معروفاً من لدن زمن الأئمّة علیهم السلام وإنّما ذكروا الروايات إيراداً ، لا استناداً واعتماداً ، أو أعرضوا عن الروايات الحاكمة عليها ، لا رجّحوا مفاد ما دلّت على التحريم عليها بالتقريبات التي ذكرها المتأخّرون ؟ !

والحاصل : أ نّه مع الظنّ الراجح على استنادهم إلى الروايات ، كيف يمكن القطع بكشف الإجماع عن الدليل المعتبر غيرها ، أو عن أخذهم الحكم خلفاً عن سلف من غير تخلّل اجتهاد ؟ !

وثانيهما : عبارة الشيخ في «الخلاف» قال في (مسألة 15) من كتاب الطهارة : يكره استعمال أواني الذهب والفضّة ، وكذلك المفضّض منها .

ص: 217


1- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 238 ؛ السرائر 3 : 123 ؛ مختلف الشيعة 1 : 336 .
2- مدارك الأحكام 2 : 380 .
3- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 363 - 364 .

وقال الشافعي : «لا يجوز استعمال أواني الذهب والفضّة»(1) وبه قال أبو حنيفة في الشرب والأكل والتطيّب على كلّ حال(2) . وقال الشافعي : «يكره المفضّض»(3) وقال أبو حنيفة : «لا يكره»(4) وهو مذهب داود .

دليلنا : إجماع الفرقة ، وأيضاً روى الحلبي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «لا تأكل في آنية من فضّة ، ولا في آنية مفضّضة»(5) . وروى ابن محبوب ، عن العلاء بن رَزين ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام : «أ نّه نهى عن آنية الذهب والفضّة»(6) . وروي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم : «أ نّه نهى عن استعمال أواني الذهب والفضّة»(7) انتهى .

وهذه - كما ترى - ظاهرةٌ في الكراهة المصطلحة ، غيرُ ممكن التأويل بغيرها من وجوه ؛ وإن كان مقتضى تمسّكه بالروايات الظاهرة في الحرمة أن يكون مدّعاه التحريم ، لكن نصوصية الصدر حاكمة على الذيل ، سيّما مع أنّ رواية الحلبي محمولة على الكراهة بقرينة عطف «المفضّضة» على «آنية الفضّة»

ص: 218


1- المغني ، ابن قدامة 1 : 62 / السطر 15 ؛ المجموع 1 : 246 .
2- بدائع الصنائع 5 : 132 .
3- المجموع 1 : 258 / السطر 6 .
4- المغني ، ابن قدامة 1 : 64 / السطر 11 ؛ المجموع 1 : 261 / السطر 5 .
5- الكافي 6 : 267 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 509 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 66 ، الحديث 1 .
6- الكافي 6 : 267 / 4 ؛ وسائل الشيعة 3 : 506 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 3 .
7- الخلاف 1 : 69 .

والنصّ قائم على عدم البأس بها ؛ وهو صحيحة عبداللّه بن سِنان المتقدّمة(1) .

ولعلّ استناد الشيخ إليها للكراهة كذلك ، كما أنّ الحلبي الناقل لها عن أبي عبداللّه علیه السلام قال في موضع آخر : «إنّه كره آنية الذهب والفضّة ، والآنية المفضّضة»(2).

وأمّا فتواه في زكاة «الخلاف» بحرمة الاتّخاذ والاستعمال(3) مستدلاًّ بالنبويين المتقدّمين(4) ، وكذا فتواه في «النهاية» بحرمة الأكل والشرب(5) ، فلا يصيران قرينة على أنّ مراده في المقام الحرمة، أو الجامع بينهما وبين الكراهة؛ فإنّ التصرّف في عبارة «الخلاف» كطرح النصّ ، لا تأويل الظاهر أو المجمل .

نعم ، لأحد أن يقول بتصحيف نسخة «الخلاف» وهو كما ترى .

فإذا كان الأمر كذلك ، والمسألة على هذا المنوال ، كيف يمكن الاتّكال على دعوى إجماع العلاّمة ومن تأخّر عنه ، سيّما في مطلق الاستعمال . مع أنّ جمعاً من المتقدّمين اقتصروا على الأكل والشرب ، كما تقدّم ؟ ! فالمسألة قويّة الإشكال .

ولكن الخروج عن الإجماعات المنقولة في الأكل والشرب والاستعمالات

ص: 219


1- تقدّمت في الصفحة 211 .
2- المحاسن : 582 / 61 ؛ وسائل الشيعة 3 : 508 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 10 .
3- الخلاف 2 : 90 .
4- وهما : «نهى عن الشرب في آنية الفضّة» و«نهى عن استعمال أواني الذهب والفضّة» تقدّمتا في الصفحة 208 و214 - 215 .
5- النهاية : 589 .

المتعارفة المتيقّنة أشكل ؛ للوهن الحاصل منها في الروايات المقابلة للنواهي الواردة عن الأكل والشرب ، أو حصول الوثوق بأنّ المراد من «الكراهة» في الروايات غير معناها الاصطلاحي .

المختار في المقام

وعلى أيّ حال : غاية ما يمكن الاتّكال عليها في ذاك وذلك ، هي حرمة الأكل والشرب والاستعمالات المتعارفة ، دون غير المتعارفة ، أو غير المتوقّعة من الأواني ، ولا سيّما الثانية ، فضلاً عمّا لا يكون استعمالاً أو شكّ فيه ، كالوضع

على الرفوف للتزي-ين والاقتناء ونحوهما .

فالأقوى حلّية غير الأكل والشرب والاستعمالات المتوقّعة من الأواني ؛ وإن لا يخلو عن تأمّل فيما لا يتعارف فيها ، كالشرب من غلاف السيف لو قلنا : بأ نّه آنية ، أو جعل الكوز والكأس محلاًّ للمداد لأجل الكتابة ونظائرها .

عدم حرمة الأكل والشرب من الآنية المفضّضة

وقد ظهر من بعض ما تقدّم عدم حرمة المفضّض . وهل يحرم الشرب من موضع الفضّة ، أو يكره ؟

ظاهر ذيل صحيحة ابن سِنان المتقدّمة(1) الأوّل ، وبه قال جملة من الأصحاب قديماً وحديثاً (2) .

ص: 220


1- تقدّم في الصفحة 211 .
2- المبسوط 1 : 13 ؛ المهذّب 1 : 28 ؛ الجامع للشرائع : 391 ؛ جامع المقاصد 1 : 188 - 189 ؛ رياض المسائل 2 : 422 ؛ جواهر الكلام 6 : 341 .

بل عن «الكفاية» نقل الشهرة عليه(1) ، وفي «المدارك» نسبته إلى عامّة المتأخّرين(2) .

واختار المحقّق في «المعتبر» الاستحباب(3) ، واستحسنه صاحب «المدارك»(4) ، لإطلاق صحيحة معاوية بن وهب قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام عن الشرب في القدح فيه ضَبّة من فضّة ، قال : «لا بأس ، إلاّ أن يكره الفضّة فينزعها»(5) .

ومقتضى الجمود على قواعد الفنّ وإن كان تقييد هذا الإطلاق ، لكن لا يبعد أقربية حمل الصحيحة على استحباب العزل أو كراهة الشرب من المحلّ منها ؛ لقوّة الإطلاق ، سيّما إذا كانت «الضَبّة» بمعنى الشُعَب التي يزيّن بها الإناء ، فإنّ الابتلاء بها في الشرب كثير ، فعدم النهي عنها والتذييل بقوله علیه السلام : «إلاّ أن يكره الفضّة فينزعها» والمناسبات المغروسة في الذهن ، ربّما توجب ترجيح الحمل على الكراهة على التقييد .

لكن مع ذلك رفع اليد عن ظهور الصحيحة مشكل .

فالأحوط العزل ، كما أنّ الأحوط إلحاق المذهّب بالمفضّض ، بل لا يخلو من قوّة .

ص: 221


1- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 74 .
2- مدارك الأحكام 2 : 383 .
3- المعتبر 1 : 455 .
4- مدارك الأحكام 2 : 383 .
5- المحاسن : 582 / 65 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 91 / 391 ؛ وسائل الشيعة 3 : 509 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 66 ، الحديث 4 .
المسألة الثانية في أنّ المحرّم هو الأكل والشرب ونحوهما أو عنوان الاستعمال

يحتمل بحسب التصوّر حرمة «الأكل» و«الشرب» من الآنيتين ، وكذا سائر العناوين التي نظيرهما في استلزام الاستعمال ، ك- «الوضوء» و«التدهين» و«التطيّب» و«التدخين» وهكذا ؛ بمعنى أنّ المنهيّ عنه ذات تلك العناوين ، فكلّ منها محرّم بعنوانه .

ويحتمل حرمة عنوان «استعمالهما» سواء كان في الأكل أو الشرب أو غيرهما من المقاصد ؛ بحيث يكون نفس الاستعمال بما هو محرّماً ، لا العناوين المتقدّمة .

ويحتمل أن يكون الأكل والشرب بعنوانهما محرّماً دون سائر العناوين ، بل هي بعنوان الاستعمال محرّمة .

ظاهر شيخ الطائفة في عبارته المتقدّمة(1) عن موضعين من «الخلاف» ثاني الاحتمالات .

وهو ظاهر المحقّق في «المعتبر»(2) و«النافع»(3) حيث قال في الأوّل : «لا يجوز استعمال أواني الذهب والفضّة في الأكل والشرب وغيرهما» والظاهر منه حرمة نفس الاستعمال ، لا عنوان «الشرب» و«الأكل» وهكذا .

ويشهد له ما قال بعد ذلك : «لا يحرم المأكول والمشروب فيهما وإن كان

ص: 222


1- تقدّمت في الصفحة 217 - 218 و219 .
2- المعتبر 1 : 454 و456 .
3- المختصر النافع : 20 .

الاستعمال محرّماً ؛ لأنّ النهي عن الاستعمال لا يتناول المستعمل» .

ويؤيّده ما قال في ردّ من قال ببطلان الوضوء من آنية الذهب والفضّة : «لنا : أنّ انتزاع الماء ليس جزءاً من الطهارة ، بل لا يحصل الشروع فيها إلاّ بعده» انتهى ، تأمّل تعرف .

بل لا يبعد رجوع عبارة «الشرائع» إليه ، قال : «لا يجوز الأكل والشرب في آنية من ذهب أو فضّة ، ولا استعمالها في غير ذلك»(1) ؛ بأن يقال : إنّ الأكل والشرب المذكورين ، مثال لأنحاء الاستعمال المذكور في الذيل ، فكأ نّه قال : «لا يجوز استعمالها في الأكل والشرب وغير ذلك» سيّما مع قرينية ما في «المعتبر» و«النافع» عليه .

وهو ظاهر «القواعد»(2) و«التذكرة»(3) قال في الثاني : «ويحرم استعمال المتّخذ من الذهب والفضّة في أكل وشرب وغيرهما عند علمائنا أجمع» .

ثمّ قال : «فروع : الأوّل : لا فرق في تحريم الاستعمال بين الأكل والشرب وغيرهما ، كالبخور والاكتحال منه ، والطهارة وشبهه ، وجميع وجوه الاستعمال ؛ لأنّ في تحريم الأكل والشرب تنبيهاً على منع غيرهما» انتهى .

فيظهر منه البناء على إلغاء الخصوصية من الأكل والشرب الواردين في النصوص .

ولولا ذهابه إلى صحّة الوضوء والغسل في آنيتهما (4) ، واستدلاله بما استدلّ

ص: 223


1- شرائع الإسلام 1 : 47 .
2- قواعد الأحكام 1 : 196 .
3- تذكرة الفقهاء 2 : 225 و226 .
4- تذكرة الفقهاء 2 : 227 - 228 .

به المحقّق ، لكان المحتمل في عبارته أنّ مراده من سائر الاستعمالات غير الأكل

والشرب ، عناوين اُخر نظيرهما ك- «الوضوء» و«الغسل» حتّى يكون موافقاً للاحتمال الأوّل من الاحتمالات المتقدّمة . لكنّ ما ذكره أخيراً كالنصّ في أنّ النهي لم يتعلّق بالعناوين ، فيكون قرينة على أنّ مراده من كون الأكل والشرب تنبيهاً على منع غيرهما ، أ نّهما مثال لمطلق الاستعمال ، فهو محرّم منطبق على سائر العناوين ، وهو قرينة على ما في «المنتهى»(1) .

وكيف كان : ظاهرهم حرمة الاستعمال والتناول ، كما نسب إلى المشهور(2) .

وما ذكروه هو الأقرب ؛ لأنّ مقتضى الجمود على ظاهر النواهي المتعلّقة بعنوان «الأكل» و«الشرب» وإن كان موضوعيتهما ؛ وأنّ المحرّم نفس عنوانهما ، لا الاستعمالات التي هي مقدّمات لهما ، فلا بدّ من الاقتصار عليهما لولا دليل آخر ، لكن بعد ثبوت حرمة مطلق الاستعمالات - إمّا للإجماع(3) أو بعض الأدلّة المتقدّمة(4) - وبعد كون الشرب والأكل فيها نحو استعمال لها عرفاً ، لا يبقى ظهور في موضوعية العنوانين .

ألا ترى أ نّه لو ورد دليل بعدم جواز استعمال الأواني مطلقاً ، ثمّ ورد النهي عن الاغتراف منها ، لا ينقدح في الذهن إلاّ أنّ النهي عنه لكونه استعمالاً ، لا لخصوصية في عنوانه ! !

وإن شئت قلت : إنّ ملازمةَ الأكل والشرب للاستعمال ، وكونَهما من الأفراد

ص: 224


1- منتهى المطلب 3 : 322 .
2- كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 73 .
3- راجع ما تقدّم في الصفحة 216 .
4- تقدّمت في الصفحة 212 - 214 .

الشائعة في استعمال الأواني ، وبُعدَ حرمة العنوانين مستقلاًّ في مقابل الاستعمال المطلق ، وبُعدَ كون الشرب من الآنية محرّماً من حيث الشرب ومن حيث الاستعمال ، فيكون وضع الفم على الآنية وجذب الماء منها محرّماً ، وبلعه وازدراده محرّماً آخر ، وبُعدَ عدم حرمة التناول والاستعمال في الأكل والشرب ، فيكون المحرّم مطلق الاستعمالات إلاّ ما كانت مقدّمة لهما ، توجب رفع اليد عن موضوعية عنوان «الأكل» و«الشرب» .

بل بعد التنبيه على تلك المقدّمات ، لا ينقدح في الذهن من قوله : «لا تأكل من آنية الذهب والفضّة» إلاّ ما يفهم من قوله : «لا تحجّ على الدابّة المغصوبة» وقوله : «لا ترتفع على السطح بالسلَّم المغصوب» حيث يرى العرف أنّ المبغوض هو التصرّف في المال المغصوب ، لا الحجّ أو الكون على السطح .

نعم ، لو لم يكن في المقام إلاّ قوله : «لا تشرب من آنية الذهب» أو «لا تأكل

منها» كان الظاهر حرمة عنوانهما ، بخلاف باب الغصب في المثالين ؛ للقرينة العرفية فيهما ، لكن بعد ما ذكرناه من الشواهد ، لا يبقى مجال لدعوى الظهور في حرمة نفس العنوانين(1) ، بل المستفاد عرفاً منه أنّ المحرّم هو الاستعمال مطلقاً ، ولهذا ترى أنّ الشيخ قد استدلّ على حرمة مطلق الاستعمالات بالروايات الناهية عن الأكل والشرب(2) ، وكذا المحقّق(3) ، بعد الوثوق بأنّ استدلالهما بروايات الناس ليس استناداً واعتماداً ، بل جدلاً في مقابلهم .

ص: 225


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 358 .
2- الخلاف 1 : 69 ، و2 : 90 .
3- المعتبر 1 : 455 .
المسألة الثالثة في عدم سراية الحرمة إلى المأكول والمشروب

لو فرضنا حرمة العنوانين ، فهل تسري إلى المأكول والمشروب ؟

فعن المفيد : نعم(1) . وعن «الذكرى» : «وهو يلوح من كلام أبي الصلاح»(2) .

وردّه المحقّق : «بأنّ النهي عن الاستعمال لا يتناول المستعمل»(3) وهو موافق للتحقيق ولو كان المراد من الاستعمال عنوان «الشرب» و«الأكل» لأنّ ما تعلّق به النهي هو الشرب من الآنية من غير لحاظ إضافته إلى مشروب أصلاً ، ولزوم التعلّق بمشروب ما محقّق عنوان «الشرب» لا جزء موضوع المحرّم .

وإن شئت قلت : إنّ هاهنا عناوين يمكن بحسب الثبوت أن يتعلّق النهي بكلّ منها :

الأوّل : «الشرب» المطلق ، مقابل الأكل والمشي ونحوهما ، فيكون المبغوض أصل الشرب ، لا الشرب المتعلّق بمائع ؛ وإن كان في تحقّقه يتوقّف على متعلّق ما ، لكنّه خارج عن الموضوع المنهيّ عنه .

الثاني : «شرب الخمر» مقابل شرب الماء ، فيكون المنهيّ عنه شرب هذا العنوان الخاصّ ، وهو بذاته مبغوض .

ص: 226


1- لم نعثر عليه في المقنعة ، اُنظر ذكرى الشيعة 1 : 148 ؛ المقنعة : 584 .
2- ذكرى الشيعة 1 : 148 ؛ الكافي في الفقه : 278 .
3- المعتبر 1 : 456 .

ومنه شرب المتنجّس أو أكل لحم الموطوء ، فإنّ النهي إذا تعلّق بالعنوان الخاصّ - كشرب المتنجّس - يكون بذاته مبغوضاً ، نعم إذا تعلّق بمائع إذا تنجّس يكون المائع مبغوضاً بالعرض .

والثالث : «شرب المائع» مطلقاً ، والفرق بينه وبين الأوّل : بأنّ المائع هاهنا اُخذ جزء الموضوع بخلافه هناك .

والرابع : «شرب الخمر من آنية كذائية» أو «في مكان كذا» بحيث يكون عنوان «الخمر» جزء الموضوع ، والإضافة إلى الآنية أو المكان جزءاً آخر له .

والخامس : «شرب المائع المطلق من آنية كذائية» أو «مكان كذا» .

والسادس : «الشرب في آنية» أو «من آنية كذائية» بحيث تكون نفس طبيعة الشرب - بلا تعلّق بمتعلّق - إذا كانت من آنية كذائية أو فيها مبغوضةً ، فيكون الشرب في آنية كذائية متعلّق النهي ، فيكون الشرب المطلق من حيث المتعلّق جزءاً من الموضوع ، والإضافة إلى الآنية جزءاً آخر منه ، فالمتعلّق في هذه الصورة محتاج إليه في وجوده من غير أن يكون مقوّماً للموضوع المنهيّ عنه .

والمقام من قبيل الأخير ؛ فإنّ قوله : «لا تشرب في آنية الذهب والفضّة ، ولا تأكل فيها» يكون من حيث المتعلّق ساقط الإضافة ، فلا يكون المائع بنحو الإطلاق ولا العناوين الخاصّة - كالماء واللبن - جزءاً للموضوع المنهيّ عنه ، ولا متعلّقاً للنهي ، ولا مبغوضاً .

وهذا مرادنا من أنّ النهي عن الشرب لا يتناول المشروب ، ولعلّه مراد المحقّق

ص: 227

أيضاً وإن استظهرنا من كلامه : أنّ المحرّم هو الاستعمال والتناول من الآنيتين(1) .

وممّا ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال للسراية بقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «الذي يشرب في آنية الذهب والفضّة إنّما يجرجر في بطنه نار جهنّم»(2) فإنّ ظاهره أنّ نفس الشرب منها يوجب الجرجرة ، لا المشروب . بل المناسب للجرجرة هو الشرب ؛ لأ نّه سببها ، لا المشروب .

وكيف كان : يتّضح ممّا ذكرناه ضعف توجيه صاحب «الحدائق» كلام المفيد : «بأنّ المأكول صار حراماً بالعرض ، ويرجع النهي ثانياً وبالعرض إلى المأكول ، فيكون حراماً متى اُكل بهذه الكيفية ، وظاهر النصوص يساعده»(3) انتهى .

أقول : بل لا يساعده شيء من النصوص ؛ فإنّ النهي فيها إنّما تعلّق بالشرب من الآنية ، لا بالمشروب .

وأضعف منه تنظيره بما اُخذ من الحقّ الشرعي بحكم حاكم الجور ؛ لوضوح الفارق ، فإنّ الدليل هناك - وهو مقبولة عمر بن حنظلة(4) - دالّ على أنّ ما أخذه بحكمه سُحت ، فالحرمة تعلّقت بما أخذ ، بخلاف المقام ، فإنّ النهي لم يتعلّق بما شرب .

ص: 228


1- تقدّم في الصفحة 222 .
2- صحيح البخاري 7 : 213 / 539 ؛ سنن الدارمي 2 : 121 ؛ صحيح مسلم 4 : 297 / 1 .
3- الحدائق الناضرة 5 : 508 .
4- الكافي 1 : 67 / 10 ، و7 : 412 / 5 ؛ تهذيب الأحكام 6 : 218 / 514 ، و : 301 / 845 ؛ وسائل الشيعة 27 : 136 ، كتاب القضاء ، أبواب صفات القاضي ، الباب 11 ، الحديث 1 .

ويتلوه في الضعف قول بعض أهل النظر : «بأنّ إضافة الحرمة إلى الذوات ، إنّما هي بلحاظ الفعل المتعلّق بها ، فالمراد بحرمة المأكول ما دام في الآنية ، ليس

إلاّ حرمة أكله فيها ، فالاعتراض عليه : بأنّ النهي عن الأكل لا يتعدّي إلى المأكول ، ليس على ما ينبغي» .

ثمّ ذكر المناقشة التي أوردوها في الاستدلال بحديث الجرجرة ، وأجاب عنها : «بأنّ المتبادر منه كون الشرب بنفسه سبباً لجرجرة النار في البطن ، لا مقدّمته التي هي أجنبيّة عن البطن ، فالمتبادر إلى الذهن من التشبيه ، ليس إلاّ

حرمة المأكول التي مآلها إلى حرمة الأكل ، كما أنّ هذا هو المتبادر من الأخبار الناهية ، فهذا هو الأقوى»(1) انتهى .

وأنت خبير بما فيه ؛ فإنّ المراد من عدم حرمة المأكول ، ليس عدم حرمة الذات بما هي ، حتّى يقال : إنّ الذات لا يتعلّق بها النهي إلاّ بلحاظ الفعل ، بل المراد أنّ المنهيّ عنه هو الاستعمال ، أو الشرب والأكل من الآنية أو فيها ، لا شرب المائع فيها ، أو شرب الماء واللبن وسائر العناوين ، فلا تسري الحرمة من الشرب إلى متعلّقه ؛ أي الماء ، فلا يكون شرب الماء من الآنية حراماً ، بل الشرب منها حرام بلا إضافة إلى متعلّق ، وإنّما هو دخيل في تحقّق عنوان المحرّم ، لا جزء لموضوعه .

فالمفيد رحمه الله علیه قائل : بأنّ المأكول حرام كحرمة الخمر ، أو حرمة المال الذي اُخذ بحكم حاكم الجور ، أو حرمة لحم الموطوء ، أو العين المنذور عدم أكلها ، وكلّ

ص: 229


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 359 .

ذلك يرجع إلى حرمة أكل هذه العناوين ذاتاً أو عرضاً بالمعنى الذي أشرنا إليه(1)، على تأمّل في المثال الأخير ، قد أشرنا إليه في بعض مسفوراتنا (2) .

والمحقّق رحمه الله علیه منكر لذلك(3) ؛ إمّا لأنّ المحرّم التناول والاستعمال ، كما قدّمنا

تقريبه وتقويته(4) ، وإمّا لأنّ المحرّم الشرب والأكل من الإناء ، لا شرب المائع أو الماء ، كما تقدّم(5) . وقد تقدّم الكلام في حديث الجرجرة(6) .

وإنّما ارتكبنا في المقام التطويل المملّ مع وضوح المطلب بنظري القاصر ، لما وقع الخلط من بعض أهل التحقيق ، وحمله كلام المحقّق على غير مرضيّه(7) .

ص: 230


1- تقدّم في الصفحة 226 .
2- مناهج الوصول 1 : 121 ، و2 : 124 .
3- تقدّم في الصفحة 226 .
4- تقدّم في الصفحة 222 - 224 .
5- تقدّم في الصفحة 227 .
6- تقدّم في الصفحة 228 .
7- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 359 .
المسألة الرابعة في الوضوء والغسل بأواني الذهب والفضّة
اشارة

إن قلنا : بأنّ المنهيّ عنه استعمال الأواني ، فالأقوى صحّة الوضوء والغسل بها ؛ سواء كانا بالاغتراف أو الارتماس ، وسواء كان الماء منحصراً ولم يمكن إفراغه في غيرها أم لا :

أمّا في صورة عدم الانحصار وإتيانه بالاغتراف فواضح .

وأمّا مع الانحصار والإتيان بالاغتراف ، فلأنّ غاية ما يقال في وجه البطلان : عدم الأمر بهما ، أو عدم تنجّز التكليف بهما (1) .

وفيه : أنّ صحّتهما لا تتوقّف على الأمر ، ولا على تنجّزه ، وكفى فيها عباديتهما ومطلوبيتهما الذاتية ، والمفروض أنّ النهي لم يتعلّق بهما ، والتبديل بالتيمّم ليس لمبغوضيتهما في هذه الحالة ، بل لمبغوضية استعمال الإناء .

وبالجملة : إنّ المقام من قبيل تزاحم المطلوب الأعلى مع المبغوض ، فاكتفاء الشارع بالمطلوب الأدنى بلحاظ عدم الابتلاء باستعمال المبغوض ، لا بلحاظ عدم الاقتضاء في المحبوب الأعلى أو مبغوضيته ، فلو تخلّف المكلّف وأتى بالمطلوب الأعلى ، صحّ وضوؤه وإن عصى باستعمال الآنية .

مع أنّ لنا الالتزام بتعلّق الأمر الاستحبابي النفسي بالوضوء والغسل ؛ بناءً

ص: 231


1- منتهى المطلب 3 : 325 ؛ جواهر الكلام 6 : 332 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 361 .

على ما حقّقناه(1) : من أنّ عباديتهما غير متقوّمة بالأمر الوجوبي الغيري ، بل إنّما تتوقّف على الأمر الاستحبابي - بناءً على توقّفها على الأمر - وذلك لأنّ الأوامر متعلّقة بنفس الطبائع من غير لحاظ حال التزاحم ، وفي صورة التزاحم لا يسقط الأمر ، بل يرجّح العقل أو الشرع المزاحمَ الأقوى على الأضعف ، فالوضوء فيما نحن فيه متعلّق لأمر استحبابي فعلي ، لكنّ الشارع رجّح جانب حرمة الاستعمال على الوضوء الاستحبابي الذي هو مقدّمة وشرط للصلاة الواجبة .

ويتّضح ممّا ذكر حال ما لو قلنا بتقوّم العبادية بالأمر الغيري ، فتدبّر .

وبالجملة : لا وجه معتدّ به لبطلان الوضوء والغسل في صورة الانحصار ؛ لأنّ الأمر بالتيمّم لا يوجب النهي عن الوضوء ، ولا مبغوضيته ، بل ولا عدم الأمر ، على ما حقّقناه في تصويره(2) .

وكذا يصحّ الوضوء والغسل ارتماساً ؛ لما قلنا في باب اجتماع الأمر والنهي :

من صحّة العبادة المتّحدة في الوجود مع المنهيّ عنه ، وحديث «أنّ المبعّد لا يمكن أن يصير مقرّباً» قد فرغنا عن حلّه(3) .

بل لو قلنا : بأنّ المستفاد من الأدلّة النهي عن العناوين الخاصّة فكأ نّه قال : «لا تتوضّأ من الآنيتين» ، يمكن تقريب الصحّة بأن يقال : إنّ المنهيّ عنه في أمثال المقام هو إيجاد الطبيعة بتلك الإضافة ، فالنهي في قوله علیه السلام : «لا تصلّ في

ص: 232


1- مناهج الوصول 1 : 319 .
2- تقدّم في الجزء الثاني : 124 .
3- مناهج الوصول 2 : 111 .

الحمّام»(1) إنّما تعلّق بأمر خارج ؛ وهو تمكين الصلاة المطلوبة في المكان الكذائي .

وهكذا الحال في المقام ، فإنّ النهي تعلّق بالإضافة الخارجية أو نحوها ؛ وهي

كون الوضوء من آنية الذهب ، لا بنفس طبيعة الوضوء ، فالمسألة في هذه الصورة - بحسب حكم العقل - محلّ نظر وإشكال وإن كان العرف لا يساعد على هذا التحليل ، ويكون قوله : «لا تتوضّأ من آنية الذهب» من قبيل النهي في العبادة عرفاً ، فالأوجه في هذه الصورة البطلان .

مرجعية العرف في تشخيص الإناء

ثمّ إنّ المرجع في تشخيص الإناء والآنية والأواني المذكورة في النصوص ، هو العرف ، كما عن كثير من اللغويين إيكاله إليه(2) . والتفسير ب- «الوعاء» و«الأوعية»(3) في غير محلّه ؛ لإطلاق «الوعاء» على ما لا تكون آنية جزماً من غير تأويل ، قال تعالى في قضيّة يوسف - على نبيّنا وآله وعليه السلام - : )فَبَدَأَ

بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ((4) ومعلوم أنّ أوعيتهم لم تكن من الأواني ، بل كانت

من الجواليق وما يشبهها .

وأمّا ما عن كاشف الغطاء في تشخيص الموضوع : من اعتبار الظرفية ، وكون

ص: 233


1- الكافي 3 : 390 / 12 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 219 / 863 ؛ وسائل الشيعة 5 : 177 ، كتاب الصلاة ، أبواب مكان المصلّي ، الباب 34 ، الحديث 3 .
2- الصحاح 6 : 2274 ؛ لسان العرب 1 : 250 ؛ مجمع البحرين 1 : 36 .
3- المصباح المنير : 28 .
4- يوسف (12) : 76 .

المظروف معرضاً للرفع والوضع ؛ احترازاً عن موضع فصّ الخاتم وعَكُّوز الرمح ونحوها .

وأن تكون موضوعة على صورة متاع البيت الذي يعتاد استعماله عند أهله في أكل أو شرب أو طبخ أو غسل أو نحوها ؛ احترازاً عن كوز الغليان ورأسها ، ورأس الشطب ، وقراب السيف ونحوه ، وبيت السهام ، وبيت المكحلة والمرآة والصندوق وقوطي النَشُوق والعطر ونحوها .

وأن يكون لها أسفل يمسك ما يوضع فيه ، وحواشٍ كذلك ؛ احترازاً عن القناديل والمشبّكات والمخرّمات والطبق(1) .

فلا يخلو من إشكال ؛ وإن كان كلامه ذلك - مع كونه من أهل اللسان - يوجب لنا الشكّ في صدقها على كثير ممّا ذكره ، ومعه مقتضى الأصل الإباحة .

والإنصاف : أنّ المتيقّن منها ما ذكره ؛ وإن كان الاحتياط في مثل كوز الغليان لا ينبغي تركه ، بل لا يترك .

وأمّا ما عدّ صاحب «الجواهر» منها كرأس الغليان ، ورأس الشطب ، وما يجعل موضعاً له ، وقراب السيف والخنجر والسكّين ، وبيت السهام ، وظروف الغالية والكحل والعنبر والقير والمعجون والتتن والتنباك والأفيون ، والمشكاة والمجامر والمحابر ونحوها (2) .

فكثير منها محلّ إشكال أو منع ، سيّما مع جزم الاُستاذ على خلافه ، وهو يوجب الشكّ لنا . مع عدم إمكان إحرازها أو إحراز كثير منها من العرف واللغة ؛

ص: 234


1- كشف الغطاء 2 : 392 .
2- جواهر الكلام 6 : 334 .

بعد ما كان الإناء في عصرنا قليل الاستعمال أو عديمه ، على ما شهد به صاحب «الجواهر» وغيره من أهل اللسان(1) .

ودعوى : استفادة إنائية كثير منها أو جميعها من صحيحة محمّد بن إسماعيل ابن بَزيع قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام عن آنية الذهب والفضّة فكرهها ، فقلت : قد روى بعض أصحابنا أ نّه كان لأبي الحسن علیه السلام مرآة ملبّسة فضّة ، فقال : «لا والحمد للّه ، إنّما كانت لها حلقة من فضّة ، وهي عندي» .

ثمّ قال : «إنّ العبّاس حين عذر عمل له قضيب ملبّس فضّة من نحو ما يعمل للصبيان ، تكون فضّة نحواً من عشرة دراهم ، فأمر به أبو الحسن علیه السلام فكسر»(2) . بدعوى : أنّ الظاهر أنّ الراوي نقض عليه بفعل أبي الحسن علیه السلام فأنكره شديداً ، وحكى أمره بكسر القضيب الملبّس ، وهو دليل على صدقها في جميع تلك الموارد(3) حتّى فيما لا يقول به صاحب «الجواهر» كالمثال .

ضعيفة ؛ لمنع كون كلام الراوي نقضاً بالنسبة إلى المرآة بدعوى صدق «الآنية» عليها ، بل من المحتمل قريباً أ نّه فهم من كراهة أبي الحسن الرضا علیه السلام

أنّ استعمال مطلق الذهب والفضّة مكروه ، فقال ما قال ، وإلاّ فالظاهر عدم صدق «الآنية» على المرآة الملبّسة ، ولا على لباس المرآة ، وكذا لا يصدق على القضيب أو لباسه .

ص: 235


1- جواهر الكلام 6 : 334 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 173 .
2- المحاسن : 582 / 67 ؛ الكافي 6 : 267 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 505 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 65 ، الحديث 1 .
3- اُنظر الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 5 : 348 .

والظاهر من قوله علیه السلام : «تكون فضّة نحواً من عشرة دراهم» أنّ إدخار الفضّة حتّى بهذا المقدار ، كان مكروهاً لدى أبي الحسن علیه السلام فضلاً عن إدخار الملبّسة بها .

والإنصاف : أنّ دعوى تشخيص الآنية من الرواية في غاية السقوط ؛ بعد عدم صدقها على ما فيها .

وأضعف منه دعوى كون الموضوع الشرعي أعمّ ؛ بدعوى أنّ للآنية حقيقة شرعية ، وهو كما ترى .

نعم لا يبعد استفادة كراهة مطلق استعمال الآلات المعمولة من الفضّة والذهب من هذه الرواية وبعض روايات اُخر واردة فيها وفي الذهب(1) والأمر سهل .

ص: 236


1- راجع وسائل الشيعة 3 : 510 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 67 ، الحديث 1 و6 .
المسألة الخامسة اشتراط التذكية في جواز استعمال الجلود
اشارة

لا يجوز استعمال شيء من الجلود إذا كانت من ذوات الأنفس فيما يشترط فيه الطهارة - إلاّ إذا كانت من حيوان وردت عليه تذكية شرعية بالشروط المقرّرة - ولو دبغت سبعين مرّة ؛ إذ هي بدون التذكية نجسة ميتة لا تحلّ الصلاة فيها . وهذا لا إشكال فيه نصّاً وفتوى إلاّ من ابن الجنيد القائل بطهارتها بالدباغة(1) ؛ وإن قال بعدم جواز الصلاة فيها (2) .

حكم الحيوان مشكوك التذكية

والذي ينبغي بسط الكلام فيه : أ نّه هل يعتبر في جواز استعمالها ، وكذا في حلّية اللحوم من الحيوانات المحلّلة الأكل ، وكذا في صحّة الصلاة فيما تجوز فيها مع التذكية ، إحرازها بالعلم أو بأمارة شرعية معتبرة ، ومع عدمه يحكم بنجاستها ، وحرمةِ الانتفاع بها ، وعدمِ جواز الصلاة فيها ؟

أو عدم التذكية يحتاج إلى دليل ، ومع عدمه يحكم بطهارتها ، وجوازِ الصلاة فيها ، وحلّيةِ أكل اللحم ؟ أو تفصيل بين الطهارة وغيرها ؟

قد استقرّ آراؤهم على جريان أصالة عدم التذكية في الجملة ، وإن فصّل

ص: 237


1- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 342 .
2- اُنظر مختلف الشيعة 2 : 93 .

بعضهم بين ما إذا رتّبت الأحكام على مجرّد عدم التذكية بنحو السالبة المحصّلة ، وبين ما إذا كان الموضوع بنحو الإيجاب العدولي ، كما لعلّه الظاهر من الشيخ الأعظم(1) .

وفصّل آخر بين كون المذكّى ومقابله من قبيل الضدّين فلا تجري ، وبين كونهما من قبيل العدم والملكة فتجري ، وتترتّب عليها الأحكام ؛ بدعوى كون الموضوع في هذه الصورة من قبيل الموضوعات المركّبة أو المقيّدة المشكوك فيها بقيدها أو جزئها ، فيحرز بالأصل ، وهو ظاهر المحقّق الخراساني(2) .

وثالث بين الآثار التي رتّبت على عدم كون الحيوان مذكّى ، كعدم الحلّية ، وعدم جواز الصلاة ، وعدم الطهارة ؛ من الأحكام العدمية المنتزعة من الوجوديات التي تكون التذكية شرطاً في ثبوتها ، فيقال : الأصل عدم تعلّق التذكية بهذا اللحم الذي زهق روحه ، فلا يحلّ أكله ، ولا الصلاة فيه ، ولا استعماله

فيما يشترط بالطهارة ، وبين الآثار المترتّبة على كونه غير المذكّى ، كالأحكام الوجودية الملازمة لهذه العدميات ، كحرمة أكله ، ونجاسته وتنجيس ملاقيه ونحوها .

بدعوى : أنّ الحلّية وسائر الأحكام الوجودية المترتّبة على سبب حادث تصير منتفية بانتفاء سببها ، فالموت المقرون بالشرائط أمر مركّب سبب للأحكام ، وهو أمر حادث مسبوق بالعدم ، فأصالة عدمه ممّا يترتّب عليها عدم الحلّية والطهارة وجواز الصلاة فيها ، فعدم حلّية اللحم من آثار عدم حدوث ما

ص: 238


1- فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26 : 199 - 200 .
2- درر الفوائد ، المحقّق الخراساني : 340 - 341 .

يؤثّر في حلّيته بعد الموت ، لا من آثار كون الموت فاقداً للشرائط حتّى لا يمكن إحرازه بالأصل .

وهو صريح المولى الهمداني(1) تبعاً لظاهر الشيخ الأعظم ، ولعلّه يرجع إلى التفصيل الأوّل ، أو قريب منه .

حول جريان أصالة عدم التذكية

ونحن قد استقصينا البحث في أطراف أصالة عدم التذكية وما هي نحوها بما لا مزيد عليه مع مقدّمات مفيدة في المقام وسائر المقامات في الاُصول(2) ، وتذكارها ونقلها هاهنا موجب للتطويل المخالف لوضع هذا المختصر ، ولهذا نشير إلى لمحة منها احترازاً عن الحوالة .

فنقول : لا شبهة في أنّ التذكية عبارة عن أمر وجودي ؛ هو إزهاق الروح بكيفية خاصّة معتبرة في الشرع ؛ أي فري المسلم الأوداج الأربعة ، متوجّهاً بالحيوان إلى القبلة ، ذاكراً عليه اسم اللّه ، مع قابلية الحيوان لها ، وهو الموضوع

للأحكام المتقدّمة ؛ أي الطهارة ، وحلّية الأكل ، وجواز الصلاة في أجزائه وغيرها .

ومقابل هذا العنوان الذي يكون موضوعاً لأحكام اُخر - أي الحرمة والنجاسة، أو عدم الحلّية وعدم الطهارة، وعدم جواز الصلاة فيه - يمكن أن يكون

ص: 239


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 378 و382 ؛ حاشية فرائد الاُصول ، المحقّ-ق الهمداني : 388 و390 .
2- أنوار الهداية 2 : 94 ؛ الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 104 .

عنواناً وجودياً؛ هو إزهاق الروح بكيفية اُخرى ضدّ الكيفية المأخوذة في التذكية.

ويمكن أن يكون إزهاقه لا بالكيفية المذكورة ؛ على نعت الإيجاب العدولي .

أو إزهاقه الذي لم يكن بالكيفية الخاصّة ؛ على نعت الموجبة السالبة المحمول .

أو إزهاقه مسلوباً عنه الكيفية الخاصّة ؛ على نعت سلب محصّل بسلب المحمول ، مع فرض وجود الموضوع .

ويمكن أن يكون أمراً سلبياً بالسلب التحصيلي الأعمّ من سلب الموضوع .

ويمكن أن يكون مركّباً من إزهاق الروح ، وعدمِ تحقّق الكيفية الخاصّة بنحو العدم المحمولي .

هذا بحسب التصوّر والاحتمال البدوي .

لكن لا شبهة في أنّ الموضوع للأحكام ، ليس عدم إزهاق الروح بالكيفية الخاصّة بنحو السالبة المحصّلة الأعمّ من سلب الموضوع ؛ ضرورة عدم إمكان موضوعية عدمٍ محض للأحكام ثبوتاً ، وعدم مساعدة الأدلّة عليها إثباتاً .

ومنه يظهر بطلان الصورة الأخيرة ؛ لعدم تعقّل كون جزء الموضوع للأحكام ، شيئاً أعمّ من الوجود . بل يلزم من جزئيته له التناقض ؛ لأنّ فرضَ إزهاق الروح الذي هو صفة لأمر وجودي وفرضَ سلب الكيفية بالسلب البسيط الأعمّ ، فرض كون المتناقضين موضوع الحكم .

فبقيت الاعتبارات الاُخر ، وفي شيء منها لا مصير لجريان أصالة عدم التذكية لإثبات الحكم :

أمّا في صورة الضدّية فواضح ؛ ضرورة أنّ سلب الضدّ - على فرض جريان

ص: 240

الأصل - لا يثبت تحقّق الضدّ الآخر إلاّ بالأصل المثبت ولو مع فرض عدم الثالث لهما .

وأمّا صورة اعتبار الإيجاب العدولي ، والموجبة السالبة المحمول ، والسالبة المحصّلة مع فرض وجود الموضوع وكون السلب عنه ، فليس لشيء منها بعنوانه حالة سابقة يقينية .

واستصحاب السلب البسيط التحصيلي الجامع بين سلب الحيوان وسلب الزهوق وسلب الكيفية ، لا يثبت الحكم المترتّب على مصداقه المنحصر إلاّ بالأصل المثبت ؛ فإنّ موضوع الحكم إذا كان بأحد الاعتبارات الثلاثة ، لا يكون السلب التحصيلي موضوعاً له ، بل هو - أي السلب المطلق - كلّي جامع منطبق على السلب الأزلي بسلب الحيوان وسلب الإزهاق مع وجود الحيوان وإزهاق روحه بغير الكيفية الخاصّة ، وموضوع الحكم هو الأخير ، واستصحاب الجامع وإثبات الفرد وأحكامه مثبت ، كما هو ظاهر .

ومنه يتّضح بطلان ما يمكن أن يقال : إنّ الحيوان في حالة حياته يصدق عليه : أ نّه غير زاهق الروح بالكيفية الخاصّة ، أو مسلوب عنه الزهوق الكذائي ، وهذا العنوان وإن لم يكن موضوعاً للحكم في حال اليقين ، لكنّه موضوع له في حال الشكّ ، وهو كافٍ في الاستصحاب .

وذلك لأنّ موضوعه ليس عنوان عدم زهوق الروح القابل للصدق على الحيوان الحيّ ولو بنحو الإيجاب العدولي مع موضوعية الحيوان ، بل الموضوع زهوقه بلا كيفية خاصّة ، فاستصحاب أنّ الحيوان غير زاهق الروح بالكيفية الخاصّة لترتّب الأحكام عليه ، غير صحيح ؛ لأنّ هذا العنوان المستصحب ليس

ص: 241

موضوع الحكم ، بل الموضوع عنوان آخر منطبَق هذا العنوان ، واستصحاب العنوان الأعمّ لا يثبت أحكام الأخصّ .

وما ذكره المولى الهمداني فهو غفلة عن دقيقة : وهي أنّ سلب السبب الموجب لأحكام وجودية بالسلب المطلق ، لازمه سلبُ الأحكام الوجودية القابلُ للانطباق على عدم التشريع رأساً ، لا ثبوت حكم آخر سلبي أو ثبوتي ، فاستصحاب عدم تحقّق السبب لإثبات حكم من الشارع - كعدم الحلّية ونحوه - من المثبتات لو لم نقل : بأنّ سلب السبب لإثبات سلب المسبّب أيضاً من المثبتات ، فأصالة الحلّ والطهارة محكّمة ما لم يدلّ دليل على خلافها .

هذا إجمال ممّا فصّلناه في الاُصول(1) ، ولا بدّ أن يطلب التحقيق من هناك .

دلالة الأخبار على توقّف حلّية الأكل على إحراز التذكية

والأولى في المقام صرف الكلام إلى حال الروايات :

فنقول : قد وردت جملة من الأخبار في باب الصيد والذباحة ، يستفاد منها توقّف حلّية الأكل على إحراز الذبح الشرعي ، كصحيحة الحذّاء قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يسرّح كلبه المعلّم ، ويسمّي إذا سرّحه ، قال : «يأكل ممّا أمسك عليه ، فإذا أدركه قبل قتله ذكّاه ، وإن وجد معه كلباً غير معلّم فلا يأكل منه»(2) .

ص: 242


1- تقدّم تخريجه في الصفحة 239 ، الهامش 2 .
2- الكافي 6 : 203 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 26 / 106 ؛ وسائل الشيعة 23 : 332 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 1 ، الحديث 2 .

ورواية أبي بصير ، عنه علیه السلام قال : سألته عن قوم أرسلوا كلابهم وهي معلّمة

كلّها ، وقد سمّوا عليها ، فلمّا أن مضت الكلاب دخل فيها كلب غريب لا يعرفون له صاحباً ، واشتركت جميعاً في الصيد ، فقال : «لا يؤكل منه ؛ لأ نّك لا تدري أخذه معلّم أم لا»(1) .

وصحيحة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «من جرح صيداً بسلاح ، وذكر اسم اللّه عليه ، ثمّ بقي ليلة أو ليلتين لم يأكل منه سبع ، وقد علم أنّ سلاحه هو الذي قتله ، فليأكل منه إن شاء»(2) وبمضمونها عدّة روايات(3) .

وصحيحته الاُخرى ، عنه علیه السلام قال : «قال أمير المؤمنين علیه السلام في صيد وجد فيه سهم ، وهو ميّت لا يدرى من قتله ، قال : لا تطعمه»(4) .

وحسنة(5) حُمران ، عنه علیه السلام : أ نّه سأله عن الذبح فقال : «إن تردّى في جُبّ أو

ص: 243


1- الكافي 6 : 206 / 19 ؛ وسائل الشيعة 23 : 343 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 5 ، الحديث 2 .
2- الكافي 6 : 210 / 2 ؛ وسائل الشيعة 23 : 362 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 16 ، الحديث 1 .
3- راجع وسائل الشيعة 23 : 362 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 16 و18 .
4- الكافي 6 : 211 / 8 ؛ وسائل الشيعة 23 : 368 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الصيد ، الباب 19 ، الحديث 1 .
5- رواها الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي هاشم الجعفري ، عن أبيه ، عن حمران بن أعين . والظاهر أنّ الرواية حسنة بالقاسم بن إسحاق وهو والد داود بن القاسم المعروف بأبي هاشم الجعفري .

وَهْدة من الأرض فلا تأكله ولا تطعم ؛ فإنّك لا تدري التردّي قتله أو

الذبح»(1) . . . إلى غير ذلك .

ويستفاد من التعليل فيها وفي رواية أبي بصير - ولو بالمناسبات وإلغاء الخصوصيات عرفاً - أ نّه مع الشكّ في وقوع التذكية الشرعية على الحيوان ، لا يجوز الأكل منه ، فجواز الأكل موقوف على إحراز التذكية الشرعية .

وبإزائها موثّقة السَكوني ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : «إنّ أمير المؤمنين علیه السلام سئل

عن سفرة وجدت في الطريق . . .» إلى أن قال : «قيل له : يا أمير المؤمنين ، لا يدرى سفرة مسلم ، أم سفرة مجوسي ، فقال : هم في سعة حتّى يعلموا»(2) .

ومقتضى إطلاقها وإن كان جواز الأكل حتّى مع الشكّ في التذكية ، لكنّها مقيّدة بالروايات المتقدّمة ، فتحمل على جواز الأكل إذا كانت الشبهة في الطهارة والنجاسة .

نعم ، لو كان بدل «المجوسي» «اليهودي» لكان الحمل مشكلاً ؛ لأنّ اليهود لا يأكلون من ذبائح المسلمين ، ونقل عن بعضهم : «أنّ أكل ذبائح المسلمين علامة الخروج عن التهوّد» أو «كالخروج منه» لكن الظاهر أنّ المجوس ليسوا كذلك ، فلا مانع من هذا الجمع .

ص: 244


1- الكافي 6 : 229 / 4 ؛ وسائل الشيعة 24 : 26 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 13 ، الحديث 2 .
2- الكافي 6 : 297 / 2 ؛ وسائل الشيعة 24 : 90 ، كتاب الصيد والذبائح ، الباب38 ، الحديث 2 .
الكلام في مقدار ما يستفاد من الأخبار السابقة

إنّما الكلام في أ نّه هل يستفاد من تلك الروايات : أ نّه مع عدم إحراز التذكية يحكم بأ نّه غير مذكّى في جميع الأحكام ، فهو محكوم بالنجاسة ، ولا تصحّ الصلاة في أجزائه ، مع قطع النظر عن الروايات الواردة في الصلاة ؟ :

إمّا بدعوى : أنّ الظاهر منها أنّ هذا الحكم إنّما هو للاتّكال على الاستصحاب ، فيكشف منها جريان استصحاب عدم التذكية ، كما جعلها بعضهم شاهدة على جريانه(1) .

وإمّا بدعوى : إلغاء الخصوصية عرفاً بين عدم جواز الأكل وسائر أ حكام غير المذكّى .

وإمّا بدعوى : أنّ التعليل في الروايتين ، دليل على أنّ تمام العلّة للحكم بعدم جواز الأكل ، هو الجهل بالتذكية ، ومعه يكون محكوماً بعدمها .

وإمّا بدعوى : أنّ النهي عن الأكل ليس إلاّ للشكّ في عدم التذكية ، فما

شكّ في تذكيته محكوم بعدمها ، والحكم بالحرمة متفرّع على ذلك ، سيّما مع ما يأتي من الروايات الدالّة على لزوم إحراز التذكية الشرعية في صحّة الصلاة(2) .

فإذا ضمّ تلك الروايات إلى هذه ، يستفاد منها استفادة قطعية بأنّ المشكوك فيه في حكم غير المذكّى مطلقاً ، وأنّ الحكم بعدم جواز الصلاة فيه وعدم

ص: 245


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 384 .
2- يأتي في الصفحة 248 .

جواز الأكل منه ، متفرّعان على ترجيح احتمال عدم التذكية على الاحتمال المقابل .

وللإشكال في جميع الدعاوى مجال واسع ؛ فإنّ الاتّكال على الاستصحاب لم يظهر في شيء منها ، بل الظاهر منها أنّ مجرّد عدم الدراية موضوع للحكم بالحرمة ، لا إحراز عدم التذكية بالأصل . مع أنّ لازمه حجّية الاستصحاب في المثبتات بعد ما عرفت : أنّ الأصل المذكور مثبت ، وهذا وإن لم يكن محذوراً لو دلّ الدليل عليه ، لكنّ التزامهم به مشكل . مع أنّ الشأن في قيام الدليل عليه ، وهو

ممنوع مخالف للظواهر .

ودعوى إلغاء الخصوصية عرفاً ممنوعة ، مع الاحتمال القريب في أنّ لأكل الميتة خصوصية لا يرضى الشارع بارتكابه بمجرّد الشكّ وأصل الحلّ ، بل لا بدّ فيه من إحراز التذكية والحلّية بأمارة معتبرة ، فدعوى إلغاء الخصوصية من حرمة الأكل ومن عدم صحّة الصلاة ، والحكم بترتّب سائر الأحكام - كالنجاسة وحرمة سائر الانتفاعات - غير وجيهة .

وأضعف منها دعوى الاستفادة من التعليل ؛ فإنّه وإن يعمّ ، لكن لا لموضوع أجنبيّ أو حكم كذلك ، فأيّ تناسب بين قوله علیه السلام : «لا تأكله ؛ فإنّك لا تدري التردّي قتله أو الذبح» وبين نجاسة الحيوان المذبوح ، أو عدم جواز الصلاة في أجزائه ؟ ! والنهي عن الأكل وإن كان للشكّ في تذكيته ، لكن لا ينتج : أنّ كلّ ما شكّ في تذكيته محكوم بعدمها في جميع الأحكام ، وحكم حرمة الأكل متفرّع على التعبّد بعدمها مطلقاً ؛ إذ لا شاهد عليها ، وإنّما هي مجرّد دعوى بلا بيّنة ،

ص: 246

كدعوى ترجيح جانب احتمال عدم التذكية .

والحاصل : أنّ المشكوك فيه ليس غير المذكّى واقعاً ، فلا بدّ من قيام دليل على التعبّد بعدم التذكية مطلقاً ، ولم يظهر من تلك الروايات ولا الروايات الآتية إشعار بأنّ المشكوك فيه محكوم بعدمها ، فضلاً عن الدلالة ، فضلاً عن عموم التنزيل والتعبّد ، والتفكيك في الأحكام تعبّداً بين المتلازمات غير عزيز .

نعم ، دعوى حصول الظنّ من جميع ما ذكر بعدم التفكيك وجيهة ، لكنّه لا يغني من الحقّ شيئاً .

فمقتضى قصور الأخبار عن إثبات عدم التذكية مطلقاً تعبّداً ، البناء على الطهارة وجواز لبسها وسائر الانتفاعات بها إلاّ الأكل .

ص: 247

حكم الصلاة في مشكوك التذكية

وأمّا جواز الصلاة في أجزائها ، فمع عدم جريان أصالة عدم التذكية والبناء على البراءة في الأقلّ والأكثر ، هو ذلك مع قطع النظر عن الأخبار ، فلا بدّ من التماس دليل على المنع ، وفي كلّ مورد قصرت الأدلّة عن إثبات المنع يحكم بالجواز على طبق القواعد .

الأخبار الواردة في المقام

ثمّ إنّ الأخبار في المقام على طوائف :

منها : ما تدلّ على عدم جواز الصلاة فيها إلاّ بعد العلم بالتذكية :

كموثّقة ابن بكير قال : سأل زرارة أبا عبداللّه علیه السلام عن الصلاة في الثعالب . . . إلى أن قال : «فإن كان ممّا يؤكل لحمه ، فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز ؛ إذا علمت أ نّه ذكيّ وقد ذكّاه الذبح»(1) .

ومنها : ما تدلّ على الجواز مطلقاً حتّى يعلم أ نّها ميتة :

كصحيحة جعفر بن محمّد بن يونس : أنّ أباه كتب إلى أبي الحسن علیه السلام يسأله

عن الفرو والخفّ ، ألبسه واُصلّي فيه ولا أعلم أ نّه ذكيّ ، فكتب «لا بأس به»(2) .

ص: 248


1- الكافي 3 : 397 / 1 ؛ وسائل الشيعة 4 : 345 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 2 ، الحديث 1 .
2- الفقيه 1 : 167 / 789 ؛ وسائل الشيعة 4 : 456 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 55 ، الحديث 4 .

وموثّقة سَماعة : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن تقليد السيف في الصلاة وفيه الفراء والكيمخت ، فقال : «لا بأس ما لم تعلم أ نّه ميتة»(1) .

ورواية علي بن أبي حمزة : أنّ رجلاً سأل أبا عبداللّه علیه السلام وأنا عنده عن الرجل يتقلّد السيف ويصلّي فيه قال : «نعم» .

فقال الرجل : إنّ فيه الكيمخت ، قال : «وما الكيمخت ؟» فقال : جلود دوابّ ، منه ما يكون ذكيّاً ، ومنه ما يكون ميتة ، فقال : «ما علمت أ نّه ميتة فلا تصلّ فيه»(2) .

ومنها : ما دلّت على جوازها في موارد :

كمورد السؤال عن الاشتراء من السوق ، وهي صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الخفاف التي تباع في السوق ، فقال : «اشتر وصلّ فيها حتّى تعلم أ نّه ميتة بعينه»(3) وقريب منها صحيحته الاُخرى(4) .

وصحيحة البَزَنْطي قال : سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبّة فراء ، لا يدري أ ذكيّة هي أم غير ذكيّة ، أيصلّي فيها ؟

ص: 249


1- الفقيه 1 : 172 / 811 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 205 / 800 ؛ وسائل الشيعة 3 : 493 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 12 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 368 / 1530 ؛ وسائل الشيعة 3 : 491 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 2 : 234 / 920 ؛ وسائل الشيعة 3 : 490 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 2 .
4- الكافي 3 : 403 / 28 ؛ وسائل الشيعة 3 : 491 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، ذيل الحديث 2 .

فقال : «نعم ، ليس عليكم المسألة ؛ إنّ أبا جعفر علیه السلام كان يقول : إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم ، إنّ الدين أوسع من ذلك»(1) وقريب منها صحيحته الاُخرى عن الرضا علیه السلام (2) .

ورواية الحسن بن الجهم قال : قلت لأبي الحسن علیه السلام : أعترض السوق فأشتري خفّاً لا أدري أ ذكيّ أم لا ، قال : «صلّ فيه» .

قلت : فالنعل ، قال : «مثل ذلك» . قلت : إنّي أضيق من هذا ، قال : «أترغب عمّا كان أبو الحسن علیه السلام يفعله ؟ !»(3) .

ومثل مورد الضمان ، وهي رواية محمّد بن الحسين الأشعري قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني علیه السلام : ما تقول في الفرو يشترى من السوق ؟ فقال : «إذا كان مضموناً فلا بأس»(4) .

ومورد المصنوع في أرض الإسلام ، وهي موثّقة إسحاق بن عمّار ، عن

العبد الصالح علیه السلام أ نّه قال : «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني ، وفيما صنع

في أرض الإسلام» . قلت : فإن كان فيها غير أهل الإسلام ؟ قال : «إذا كان

ص: 250


1- تهذيب الأحكام 2 : 368 / 1529 ؛ وسائل الشيعة 3 : 491 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 371 / 1545 ؛ وسائل الشيعة 3 : 492 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 6 .
3- الكافي 3 : 404 / 31 ؛ وسائل الشيعة 3 : 493 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب50 ، الحديث9 .
4- الكافي 3 : 398 / 7 ؛ وسائل الشيعة 3 : 493 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 10 .

الغالب عليها المسلمين فلا بأس»(1) .

ومورد صلاتهم فيها ، كرواية إسماعيل بن عيسى قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجيل ، أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف ؟

قال : «عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ، وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه»(2) .

ومنها : ما فصّلت بين النعل والخفاف في المشترى في أرض غير المسلمين وغيرهما ، كموثّقة إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن لباس الجلود والخفاف والنعال والصلاة فيها إذا لم تكن من أرض المسلمين (المصلّين خ . ل)؟ فقال : «أمّا النعل والخفاف فلا بأس بهما»(3) .

ومنها : ما يظهر منها التفصيل بين ما صنع في أرض يستحلّ أهلها الميتة بدباغتها وغيرها ، كرواية أبي بصير قال :

سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الصلاة في الفراء ، فقال : «كان علي بن الحسين علیه السلام رجلاً صَرِداً لا يدفئه فراء الحجاز ؛ لأنّ دباغها بالقَرَظ ، فكان يبعث إلى العراق فيؤتى ممّا قِبلكم بالفرو فيلبسه ، فإذا حضرت الصلاة ألقاه

ص: 251


1- تهذيب الأحكام 2 : 368 / 1532 ؛ وسائل الشيعة 3 : 491 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 371 / 1544 ؛ وسائل الشيعة 3 : 492 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 7 .
3- تهذيب الأحكام 2 : 234 / 922 ؛ وسائل الشيعة 4 : 427 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 38 ، الحديث 3 .

وألقى القميص الذي يليه ، فكان يسأل عن ذلك ، فقال : إنّ أهل العراق يستحلّون لباس جلود الميّت ، ويزعمون أنّ دباغه ذكاته»(1) .

وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : «تكره الصلاة في الفراء إلاّ ما صنع في أرض الحجاز ، أو ما علمت منه ذكاة»(2) .

وجوه الجمع بين الطوائف السابقة من الأخبار

وقد جمعوا بين الروايات بحمل المطلقات من الطرفين على الموارد الخاصّة ، فصارت النتيجة : عدم جواز الصلاة فيها إلاّ إذا علم تذكيته ، أو قامت أمارة عليها ،

كسوق المسلمين ، أو الصنع في أرضهم ، أو يد المسلم مطلقاً أو مع معاملته معه معاملة المذكّى أو إخباره بالتذكية(3) .

وهذا الجمع لا يخلو من إشكال :

أمّا في مثل الطائفة الاُولى من الطائفة الثالثة التي لم يرد القيد في كلام المعصوم علیه السلام - كصحيحتي الحلبي وما بعدهما - فلأنّ فهم القيدية فيهما مشكل ؛ فإنّ قوله : «الرجل يأتي السوق فيشتري» أو قوله : «أعترض السوق فأشتري خفّاً» بل وكذا قوله : «سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الخفاف التي تباع في السوق»

ص: 252


1- الكافي 3 : 397 / 2 ؛ وسائل الشيعة 4 : 462 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 61 ، الحديث 2 .
2- الكافي 3 : 398 / 4 ؛ وسائل الشيعة 4 : 462 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 61 ، الحديث 1 .
3- مستند الشيعة 1 : 352 - 355 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 385 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 325 .

إنّما يجري مجرى العادة ، كقوله : «ادخلْ السوق واشترِ كذا» وليست العناية بالاشتراء منه بخصوصه والسؤال عن حاله حتّى يقال : إنّه بصدد بيان أمارية السوق للتذكية ، بل الظاهر من قوله علیه السلام : «صلّ فيها حتّى تعلم أ نّه ميتة بعينه» أنّ الموضوع لجواز الصلاة عدم العلم ، لا الأمارة على التذكية .

فهل ترى من نفسك فيما إذا قال أبو عبداللّه علیه السلام : «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أ نّه قذر»(1) ثمّ سئل عنه منفصلاً : «إنّي أعترض السوق ، فأشرب من المياه التي فيه» فقال : «اشرب منها حتّى تعلم أ نّها قذرة» تقييد الرواية الاُولى

بالثانية ، فيقال : لا يجوز الشرب إلاّ مع قيام أمارة - وهي سوق المسلمين - على الطهارة ؟ !

فهل المقام إلاّ نظيره ؟ ! إذ قال علیه السلام في مورد : «لا بأس ما لم تعلم أ نّه ميتة» وسئل في مورد : إنّي أعترض السوق ، فأشتري الخفّ واُصلّي فيه ، فقال : «صلّ حتّى تعلم أ نّه ميتة» فهل الذهن الخالي عن شبهة جريان أصالة عدم التذكية وأ نّه لا بدّ من قيام أمارة يدفع بها الأصل ، ينقدح فيه غير ما ينقدح فيه من المثال المتقدّم ؟ ! فكما لا يتوهّم منه أمارية السوق كذلك فيما نحن فيه ، سيّما مع ما تقدّم من عدم جريان أصالة عدم التذكية(2) .

إن قلت : نعم ، ولكن إلغاء الخصوصية وفهم الإطلاق أشكل .

قلت : إنّما المراد عدم صالحية تلك الروايات لتقي-يد المطلقات ، لا التمسّك

ص: 253


1- تهذيب الأحكام 1 : 285 / 832 ؛ وسائل الشيعة 3 : 467 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحديث 4 .
2- تقدّم في الصفحة 239 .

بإطلاقها . مع أنّ الإنصاف أنّ عدّ تلك الروايات في عداد المطلقات ، أقرب إلى الفهم العرفي من عدّها في المقيّدات والبناء على أمارية سوق المسلمين ، سيّما إن قلنا : إنّ إحراز عدم التذكية يحتاج إلى أمارة ، لا جواز الصلاة ونحوه .

وأمّا سائر الروايات ما عدا موثّقة ابن بكير وموثّقة الهاشمي ، فالجمع بينها بالحمل على مراتب الفضل في التنزّه عن المشكوك فيه ، أقرب من تقييد المطلقات أو حملها على مورد قيام الأمارة ؛ فإنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «صلّ فيها حتّى تعلم أ نّه ميتة بعينه» وما هو نظيره ؛ أنّ تمام الموضوع لجواز الصلاة هو عدم العلم بكونه ميتة ، وعدم اعتبار قيام الأمارة على التذكية في الجواز ، وإرجاع مثله إلى مورد قيام الأمارة بعيد عن الأذهان .

ودعوى الانصراف إلى ما يشترى من سوق المسلمين(1) وإن لم تكن بعيدة ذلك البعد ، لكن حملها على مراتب الفضل في التنزّه أو مراتب الكراهة في الارتكاب لعلّه أقرب ، بأن يقال : إنّ ما شكّ في تذكيته تصحّ الصلاة فيه إلى أن يعلم كونه ميتة ، أو قامت أمارة عليه ، لكن يكره ارتكابه ، وترتفع كراهته بمراتبها إذا علم وجداناً تذكيته ، أو صنع في مثل أرض الحجاز ، كما هو ظاهر صحيحة الحلبي الأخيرة .

وعليه يحمل فعل زين العابدين علي بن الحسين علیه السلام وتنزّهه عمّا صنع في أرض العراق ، وفعل أبي جعفر علیه السلام على ما في رواية عبداللّه بن سِنان قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : «اُهديت لأبي جبّة فرو من العراق ، وكان إذا أراد

ص: 254


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 385 .

أن يصلّي نزعها فطرحها»(1) . فإنّ اشتراءه وقبول هديّته ولبسه وعدم التنزّه عنه إلاّ في الصلاة ، دليل على أ نّه على سبيل الفضل .

وكذا ترتفع ببعض مراتبها أو جميعها إذا اشترى من سوق المسلمين من مسلم ضمن تذكيته ، وهو ظاهر رواية الأشعري(2) ، فإنّ «الاشتراء من السوق» منصرف إلى الاشتراء من سوق المسلمين ، والظاهر من قوله علیه السلام : «إذا كان مضموناً» أنّ الضامن البائع المسلم لا الكافر فإنّه في غاية البعد ، فمع قيام أمارة أو أمارتين - أي سوق المسلم ، وبيعه على التذكية - لا يكون اعتبار الضمان إلاّ على الفضل .

وترتفع ببعض مراتبها فيما إذا صنع في أرض الإسلام ، أو أرض كان الغالب عليها المسلمين ، أو صلّى فيه المسلم ، أو كان في سوق المسلمين .

والحمل المذكور قريب جدّاً ، لكنّ المانع منه موثّقة ابن بكير المتقدّمة(3) ، حيث إنّ ظاهرها أنّ الصلاة في الجلود مع عدم العلم بتذكيتها فاسدة ، وأنّ الجواز موقوف على العلم بالتذكية ، وحملها على الجواز بلا كراهية مع العلم بها ، بعيد غايته ، سيّما مع التصريح بالفساد في صدرها وذيلها ، الموجب لقوّة ظهور كون الجواز مقابل الفساد .

فالأقرب بالنظر إلى الموثّقة ، حمل الروايات المتقدّمة - التي ترك فيها الاستفصال - على كون الكيمخت وغيره كان في أرض المسلمين وسوقهم

ص: 255


1- مكارم الأخلاق 1 : 257 / 772 ؛ وسائل الشيعة 4 : 428 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 38 ، الحديث 5 .
2- تقدّمت في الصفحة 250 .
3- تقدّمت في الصفحة 248 .

لا الكفّار ؛ فإنّ المظنون أنّ ما كان مورد السؤال ، الأشياءُ التي اشتريت من الأسواق ، وكانت هي من المسلمين ، أو كان الغالب على أهلها الإسلام .

فتحصّل من ذلك : أنّ الجمع الذي صنعه أهل التحقيق(1) لا محيص عنه .

نعم ، يبقى الكلام في موثّقة الهاشمي(2) ، ولا يبعد أن يكون التفصيل فيها بين ما تتمّ وما لا تتمّ في غير المذكّى ، لا في مشتبه التذكية ، كما فصّل بينهما في النجس ، ويشهد له أنّ الظاهر منها قيام الأمارة العقلائية على عدم التذكية ، فإنّ قوله : «في غير أرض المسلمين» أو «المصلّين» يراد به أ نّه من أرض الكفّار ، والحمل على مشتبه الحال أو الأعمّ فاسد .

فاتّضح أ نّها بصدد بيان مسألة غير ما نحن بصددها .

أمارية سوق المسلمين على التذكية وإن كانوا مستحلّين لغير المذكّى

ثمّ إنّ «السوق» منصرف إلى سوق المسلمين ، سيّما بالنظر إلى موثّقة إسحاق بن عمّار(3) ، وهو واضح . ولا فرق بين سوق المستحلّين وغيرهم ؛ لما قدّمنا من ظهور رواية أبي بصير(4) الحاكية عن فعل علي بن الحسين علیهما السلام في أنّ جلود الع-راق أيضاً محكومة بالتذكية ، وإلاّ لما اشتراها ، ولما لبسها ، ولما قبل

ص: 256


1- تقدّم تخريجه في الصفحة 252 ، الهامش 3 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 234 / 922 ؛ وسائل الشيعة 4 : 427 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 38 ، الحديث 3 . وتقدّمت في الصفحة 242 .
3- تقدّمت في الصفحة 250 .
4- تقدّمت في الصفحة 251 .

أبو جعفر علیه السلام هديّتها ، وإنّما ألقاها لفضل التنزّه منها ، فهي ونحوها ظاهرة في عدم الفرق بين السوقين ، فتوهّم تقي-يد إطلاق الأدلّة بها فاسد .

ويشهد للتعميم موثّقة إسحاق بن عمّار ، حيث نفي فيها البأس عن الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام ، ومقتضى المقابلة بينهما جواز الصلاة فيما صنع في أرض غير المستحلّين كاليمن ، والمستحلّين ، وحملها على سائر المستحلّين بعيد ، لها إطلاق قويّ في قوّة التصريح .

ويشهد له أيضاً كون السائلين فقهاء العراق ، كالحلبي وابن أبي نصر وإسحاق بن عمّار ، ومن البعيد جدّاً استثناء سوق العراق ، وعدم جواز الصلاة فيما يشترى من أرضه ، وعدم التنبّه للعراقيين مع ابتلائهم به ، ولعلّ سوق العراق القدر المتيقّن من الروايات .

أمارية سوق المسلمين ومجتمعهم وإن كان البائع كافراً

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الأدلّة ، اعتبار سوق المسلمين وأماريته للتذكية مطلقاً

ولو كان الكافر بائعاً في سوقهم ، فضلاً عن مجهول الحال . بل لموثّقة إسحاق بن عمّار قوّة إطلاق بالنسبة إلى الأخذ من الكافر . بل قوله : فإن كان فيها غير أهل الإسلام ؟ قال : «إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس»(1) لا يبعد أن يراد به الاشتراء من غير المسلم بعد كون يد المسلم أمارة بنفسها . بل الظاهر منها أنّ غلبة المسلمين في بلد ، أمارة على أنّ المصنوع من صنعهم ، لا صنع الصنف الذي في الأقلّية .

ص: 257


1- تقدّمت في الصفحة 250 .

والحاصل : أنّ مقتضى الإطلاق اعتبار سوق المسلمين وأرضهم ، فهما أمارة على وقوع التذكية الشرعية ، وإن شئت قلت : أمارة على إجراء يد المسلمين عليه ، وكون المصنوع منهم ولو كان بيد الكافر ، إلاّ أن يعلم عدم إجراء يد المسلم عليه .

والظاهر أنّ الأمر كذلك لدى العقلاء أيضاً ؛ فإنّ السوق إذا كان للمسلمين ، ويكون متاعٌ متاعَ تجارتهم ، وكان فيهم بعض أهل ملّة اُخرى ، وكانت تحت يده من ذلك المتاع ، يكون احتمال كونه من غير بلد المسلمين واشترائه من غير أهل هذا السوق ، احتمالاً بعيداً لا يعتني به العقلاء .

ولو استشكل في هذا البناء أو حجّيته ، لكن لا إشكال في أنّ ذلك الارتكاز موجب لفهم العرف من الروايات : أنّ سوق المسلمين وغلبتهم صار سبباً لحكم الشارع بجواز الصلاة فيما يشترى منه ، أو ممّا صنع في أرضهم .

نعم ربّما يقال(1) : إنّ رواية إسماعيل بن عيسى قال : سألت أبا الحسن علیه السلام

عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجيل ، أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف ؟

قال : «عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ، وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه»(2) دلّت على أنّ يد الكافر أمارة على عدم التذكية .

ص: 258


1- جواهر الكلام 8 : 54 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 371 / 1544 ؛ وسائل الشيعة 3 : 492 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب50 ، الحديث7 .

وفيه : - مع ضعف الرواية(1) - أنّ الظاهر منها أنّ الفراء إذا كان من المتاع الذي يبيعه المشركون ، وكان له نحو اختصاص بهم في التجارة ، وكانوا هم الذين يبيعونه ، لا يجوز الصلاة فيه ، ويجب السؤال عنه ، وهو غير أمارية يد الكافر ، فكما أنّ سوق المسلمين أمارة على التذكية بما قدّمناه ، كذلك سوق الكفّار ، وكون المتاع منهم ومن مال تجارتهم يكون أمارة على عدمها .

وبالجملة : فرق بين قوله : «إذا كان المشركون يبيعون ذلك» وبين قوله : «إذا اشتريت من مشرك» أو «من المشركين» فالمفهوم من العبارة الاُولى أنّ للمتاع نحو اختصاص بهم في التجارة دون الثانية . ولا أقلّ من مساواة هذا الاحتمال للاحتمال الآخر ، فلا يجوز معه رفع اليد عن إطلاق أدلّة اعتبار السوق الموافق لارتكاز العقلاء .

نعم ، سوق الكفّار أو كون المتاع من أمتعتهم ، أمارة على عدم التذكية ، ما لم تقم أمارة أقوى عليها ، كترتيب المسلم آثار التذكية عليها . ولعلّه الظاهر من ذيل رواية إسماعيل ، وهو قوله علیه السلام : «وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه» . فإنّ المفهوم منه أنّ ما رأيتم المشركين يبيعونه يجب السؤال عنه ، إلاّ إذا رأيتم المسلمين يصلّون فيه ؛ أي في ذلك المتاع الذي يبيعه المشركون . وليس المراد من قوله : «يصلّون فيه» أنّ جميع المسلمين يصلّون فيه ، فلا محالة يراد به جواز الصلاة إذا رتّب المسلم آثار التذكية عليه . ولا اختصاص بالصلاة فيه ، بل الظاهر

ص: 259


1- رواها الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمّد ، عن سعد بن إسماعيل ، عن أبيه إسماعيل بن عيسى . والرواية ضعيفة بسعد بن إسماعيل وأبيه؛ فإنّهما غير مذكورين في كتب الرجال .

أنّ ترتيب مطلق آثارها موجب لذلك ، وسيأتي إشكال فيه(1) .

ثمّ اعلم : أ نّا وإن قلنا بعدم جريان أصالة عدم التذكية(2) ، لكن بمقتضى موثّقة ابن بكير التي علّق فيها جواز الصلاة على العلم بالتذكية(3) ، نحكم بعدم الجواز إلاّ مع قيام الأمارة عليها ، أو دلّ دليل على جواز معاملة المذكّى معه ، ولا شبهة عندهم في أنّ سوق المسلمين والصنع في أرضهم أمارة عليها ، لا بمعنى اعتبار مفهوم «السوق» بل الظاهر أنّ ما هو الموضوع للحكم هو اجتماع المسلمين ، وكون المتاع في مجتمعهم ومورد تجارتهم ، سواء كان في السوق أو غيره .

كما أنّ المراد بما صنع في أرض الإسلام ، أنّ المصنوع من مصنوعات مجتمعهم ولو لم تكن الأرض لهم ، فلو اجتمع المسلمون في أرض غيرهم ، وكان المتاع الفلاني - كالفراء - من مصنوعات ذلك المجتمع ، وكان صنع غيرهم له مشكوكاً فيه أو نادراً ، يحكم عليه بالتذكية .

والحاصل : أنّ الأمارة على التذكية كون الجلد في مجتمعهم ؛ سوقاً أو غيره ، وكونُه صنعَ مجتمعهم ومستقرّهم ؛ كان الأرض ملكاً لهم أو لا ، وهذا لا ريب فيه ظاهراً . واحتمال خصوصية «السوق» ونحوه من العناوين ، ضعيف ملغى بنظر العرف ؛ ضرورة أ نّهم لا يرون لخصوصية السقف والجدار دخالة في الحكم ، وكذا لمملوكية الأرض . وكون النكتة للجعل دفع الحرج ، مشتركة بين السوق وغيره . مع أنّ كونها ذلك غير معلوم .

ص: 260


1- يأتي في الصفحة 262 .
2- تقدّم في الصفحة 239 .
3- تقدّم في الصفحة 248 .
أمارية سوق المسلمين على التذكية بلا وسط

ثمّ إنّه لا ثمرة مهمّة في البحث عن أنّ عنوان «السوق» وعنوان «الصنع في أرض المسلمين» أو «الفراء اليماني» أو «الحجازي» - ممّا ورد في النصوص - يرجع إلى عنوان واحد هو «كون الشيء في مجتمعهم» أو عناوين مستقلّة ؟

نعم ، الظاهر بناءً على الأمارية أنّ عنوان «السوق» وغيره أمارة على التذكية بلا وسط - لا أمارة على الأمارة عليها ، وما هي أمارة بلا وسط يد المسلم ، أو يده مع ترتيبه أثر التذكية على ما في اليد ، أو نفس ترتيب المسلم أثرها ولو لم يكن تحت يده ، مثل عدم احترازه عن ملاقاته والصلاة في ملاقيه - لأنّ ظاهر الأدلّة أنّ السوق بنفسه أمارة عليها لا بوسط ، ولا دليل على الوسطية ، بل لا إشعار في الروايات عليها .

حول أمارية يد المسلم على التذكية

فحينئذٍ يقع الكلام في أنّ يد المسلم مطلقاً أو مع ترتيب أثر التذكية أو نفس ترتيبه الأثر ، أمارة عليها ، فإن كان شيء تحت يده أو تعامل معه معاملة المذكّى في غير سوق المسلمين وأرضهم ، يحكم عليه بالتذكية ؟ الظاهر ذلك .

لا لكون الأدلّة الواردة في المقام ، ظاهرة في أمارية يده عليها أصالة ؛ لما عرفت .

ولا لرواية إسماعيل بن عيسى المتقدّمة(1) :

ص: 261


1- تقدّمت في الصفحة 258 .

بدعوى : أنّ الظاهر منها عدم لزوم السؤال عمّا كان بائعه مسلماً غير عارف ، فضلاً عن العارف ؛ لقصرها لزوم السؤال على ما إذا كان المشركون يبيعونه ، فكأ نّه قال : «لا يجب السؤال إذا كان المسلم يبيعه» .

وبدعوى : أنّ دلالة ذيلها على أنّ ترتيب المسلم أثر التذكية أمارة كما تقدّم(1)، فتدلّ على اعتبار يد المسلم وترتيبه الأثر وإن كانت يده مسبوقة بيد الكافر ، كما يظهر من ذيلها بالتقريب السابق .

وذلك لأنّ في الرواية احتمالاً آخر مساوياً له ، أو أقرب منه ؛ وهو أنّ قوله علیه السلام : «عليكم أنتم أن تسألوا عنه» أي عليكم أن تسألوا عمّا يبيعه المسلم غير العارف إذا كان المتاع ممّا يبيعه المشركون ، فيكون المراد أنّ المبيع إذا كان من متاع المشركين ومورد تجارتهم نوعاً ، يجب السؤال عنه وإن باعه مسلم ؛ ترجيحاً للغلبة .

وقوله علیه السلام : «وإذا رأيتهم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه» معناه : أنّ ما كان من متاع تجارة المشركين ، وكان له نحو اختصاص بهم ، لا يجوز الصلاة فيه ، إلاّ أن يكون المسلمون يصلّون فيه ، لا بمعنى صلاة جميع المسلمين فيه ، بل بمعنى بناء المسلمين على الصلاة فيه .

وحاصل فقه الحديث على هذا الاحتمال : أنّ البائع إذا كان مسلماً ، وباع المتاع الذي كان يبيعه المشركون نوعاً - بحيث ينسب المتجر إليهم - يجب السؤال عنه ؛ لترجيح غلبة الكفّار على فرد من المسلمين .

ص: 262


1- تقدّم في الصفحة 259 .

نعم إن كان بناء المسلمين على الصلاة فيه ، يجوز الصلاة فيه بلا سؤال ؛ ترجيحاً لعمل المسلمين على سوق الكفّار .

وهذا الاحتمال لو لم يكن ظاهر الرواية ، فلا أقلّ من مساواته للاحتمال المتقدّم ، فتدلّ الرواية حينئذٍ على عدم اعتبار يد المسلم في مثل الواقعة ، نعم لاتدلّ على نفي الاعتبار مطلقاً ، ولا على الاعتبار ولو في الجملة . هذا بعد تسليم أنّ السوق المسؤول عنه أعمّ من سوق المسلمين في خصوص الرواية ؛ لقرينة .

ولا للروايات الواردة في باب سَوْق الهدي ، كصحيحة حفص بن البَخْتَري قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : رجل ساق الهدي ، فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدّق به عليه[ولا يعلم أنّه هدي] ، قال : «ينحره ، ويكتب كتاباً يضعه عليه ؛ ليعلم من مرّ به أ نّه صدقة»(1) وقريب منها روايات اُخر(2) .

وذلك لأنّ في مورد تلك الروايات يكون النحر وجدانياً ، وكونه بيد مسلم مجزوماً به بالأمارات ، كالنحر والكتابة وكونه في طريق الحجّ ، وإنّما الشكّ في حصول التذكية الشرعية ، وهي محرزة بأصالة الصحّة ، ولا كلام في جريانها فيما إذا اُحرز عمل المسلم وشكّ في صحّته ، وهو غير ما نحن بصدده من إحراز التذكية من غير إحراز الذبح والنحر ، فضلاً عن كونهما بيد المسلم ، فتلك الروايات أجنبيّة عن المدّعى .

ولا لأولوية اعتبار يد المسلم من يد مجهول الحال في سوق المسلمين ؛

ص: 263


1- الفقيه 2 : 297 / 1477 ؛ وسائل الشيعة 14 : 141 ، كتاب الحجّ ، أبواب الذبح ، الباب 31 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 14 : 141 ، كتاب الحجّ ، أبواب الذبح ، الباب 31 .

وذلك لأنّ المعتبر في المفروض سوق المسلمين ، لا يد مجهول الحال . ولولا مخافة مخالفة الأصحاب ، لقلنا باعتبار سوق المسلمين ولو كان الشيء في يد الكافر ، لا لكون يده معتبرة ، بل لكون السوق كذلك .

ولا لأصالة الصحّة ؛ لأنّ إثباتها لتلك المثبتات محلّ إشكال .

مضافاً إلى أنّ مبنى أصالة الصحّة عند العقلاء ، أنّ العاقل إذا أتى بعمل يعتبر

في صحّته اُمور، لا يتركها عمداً ، ولا يأتي بها فاسداً ؛ لمنافاة الترك عمداً لقصد

فراغ الذمّة وقصد تحقّق المأتيّ به ، والترك من غير عمد مخالف للأصل ، وهذا غير جارٍ في المستحلّ . ولا تجري أصالة الصحّة مع احتمال التصادف للواقع من باب الاتّفاق ، كما قرّر في محلّه(1) .

مع أنّ الصحّة في بعض الأحيان والأعمال لا تلازم التذكية ، كما لو صلّى في شيء لإمكان كون صلاته فيه لعذر ، ولا يحرز بأصالة الصحّة عدم العذر .

ولا لكون ترتيب آثار التذكية بمنزلة الإخبار عنها ، فكما أنّ إخبار ذي اليد حجّة عند العقلاء كذلك ما هو بمنزلته ؛ وذلك لمنع كونه بمنزلته ، سيّما في المستحلّ ذبيحة أهل الكتاب ومستحلّ الصلاة في جلد الميتة مع دباغه ، وسيّما مع اختلاف الناس معنا في بعض شرائط التذكية ، كالتسمية وفري الأوداج وغيرهما .

بل لا يلازم بعض الأعمال من غير المستحلّ أيضاً التذكيةَ ، كما تقدّم ، فلا يكون مطلق ترتيب الآثار بمنزلة الإخبار .

بل لبناء المتشرّعة على ترتيب آثار الملكية على ما في يد المسلمين

ص: 264


1- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 402 .

من غير نكير ، وهو كاشف عن التذكية .

وإن شئت قلت : سيرة المتشرّعة على ترتيب آثار الملكية والتذكية على ما في يدهم من غير تفرقة بين المستحلّ وغيره ؛ سواء كان في سوق المسلمين أم لا .

مضافاً إلى أنّ البناء العملي على التذكية فيما في يد غير المستحلّ مع ترتيبه

آثارها ، كأ نّه إجماعي لم ينقل الخلاف فيه من أحد(1) .

والإنصاف : أنّ الخدش في كلّ واحد ممّا ذكر وإن أمكن ، لكن لا يبعد دعوى الوثوق من مجموعها على أ نّه يتعامل مع ما في أيدي المسلمين معاملة المذكّى ، سيّما مع كون ذبيحة المسلمين محلّلة علينا ، وقد اختلفوا معنا في شرائط الذبح ، مع مناسبة الحكم لسهولة الملّة وسمحتها .

مضافاً إلى أنّ سوق المسلمين في تلك الأعصار والبلاد ، كان لغير الطائفة المحقّة ، ولم يكن لهذه الطائفة سوق في تلك البلاد ، وهم مختلفون مع الطائفة في كثير من الشرائط ، كفري الأوداج(2) واستقبال القبلة(3) ، والتسمية(4) ، ومورد النحر والذبح(5) ، وآلة الذبح(6) ، وفي الصيد أيضاً في صائده وشرائطه(7) ، وفي

ص: 265


1- راجع مستند الشيعة 1 : 352 .
2- الخلاف 6 : 47 ؛ الاُمّ 2 : 236 ؛ المجموع 9 : 90 .
3- الخلاف 6 : 50 ؛ الاُمّ 2 : 239 ؛ المجموع 9 : 86 .
4- الخلاف 6 : 10 ؛ الاُمّ 2 : 227 و234 ؛ المغني ، ابن قدامة 11 : 4 و33 .
5- الخلاف 6 : 48 ؛ الاُمّ 2 : 239 ؛ المجموع 9 : 90 .
6- الخلاف 6: 22؛ المبسوط 6: 263؛ بداية المجتهد 1: 467؛ المغني، ابن قدامة 11 : 43.
7- الخلاف 6 : 5 - 6 ؛ الاُمّ 2 : 227 ؛ المجموع 9 : 92 - 97 .

استحلال ذبيحة أهل الكتاب(1) مع كثرتهم في ذلك العصر ، كما يظهر من الأسئلة والأجوبة في الروايات الواردة في ذبيحتهم وأوانيهم وأثوابهم(2) . ومعه يمكن أن يقال :

اعتبار السوق واليد لأجل التوسعة على العباد لا الأمارية

إنّ حكم تحليل ما يشترى من السوق ، لأجل التوسعة على العباد لا لكاشفيته وأماريته عن التذكية ؛ ضرورة أ نّه مع هذا الاختلاف الفاحش بين الفرقتين ، وأقلّية الفرقة الحقّة ، لم يكن سوق المسلمين ولا يدهم أمارة عقلائية على التذكية الشرعية ، فخصوصية السوق ليست لكاشفيته عن التذكية الشرعية ، بل لأجل أ نّه يتعامل مع المأخوذ من يد المسلمين الذين لا يراعون شرائط التذكية ، معاملة المذكّى توسعةً على العباد ، كما أ نّه يتعامل مع ما في سوقهم وما صنع في أرضهم معاملته ، كلّ ذلك للتوسعة .

وتشهد لما ذكرناه - مضافاً إلى عدم صالحية مثل هذا السوق وتلك اليد للأمارية - الروايات الواردة في الباب الظاهرة فيما ذكرناه ، وليس فيها بكثرتها ما

تشعر بالأمارية ، بل لسانها لسان أدلّة الاُصول :

كقوله علیه السلام : «هم في سعة حتّى يعلموا»(3) .

ص: 266


1- الخلاف 6 : 23 - 24 ؛ الاُمّ 2 : 231 ؛ المجموع 9 : 78 .
2- راجع وسائل الشيعة 24 : 48 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب 26 و27 ، و3 : 517 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 72 - 74 .
3- تقدّم في الصفحة 244 .

وقولِه علیه السلام : «إنّ الدين أوسع من ذلك»(1) .

وقولِه علیه السلام : «لا بأس ما لم تعلم أ نّه ميتة»(2) .

وقولِه علیه السلام : «صلّ فيها حتّى تعلم أ نّه ميتة بعينه»(3) .

وما ظهر لي بعد التأمّل في الأخبار والنظر في حال سوق المسلمين في تلك الأعصار الذي كان منحصراً بالعامّة أمران :

أحدهما : أنّ منشأ سؤال السائلين احتمال عدم مراعاة القصّابين شرائطَ التذكية .

وثانيهما : أنّ الحكم على سبيل التوسعة ، لا للأمارية العقلائية ، ولا الجعلية الشرعية لو سلّم إمكانها ، كما تشهد لهما صحيحة الفضلاء : أ نّهم سألوا أبا جعفر علیه السلام عن شراء اللحوم من الأسواق ، ولا يدرى ما صنع القصّابون ؟ فقال : «كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين ، ولا تسأل عنه»(4) .

فكان منشأ سؤال فقهاء أصحاب أبي جعفر علیه السلام اطّلاعهم على فتاوى أبي حنيفة ومالك ، واختلافها معنا .

وقوله علیه السلام : «كل . . .» إلى آخره ، لا يدلّ إلاّ على جواز الأكل ممّا كان في سوق المسلمين ، لا لأماريته على التذكية الشرعية بالشرائط المقرّرة عند الفرقة

ص: 267


1- تقدّم في الصفحة 250 .
2- تقدّم في الصفحة 249 .
3- تقدّم في الصفحة 249 .
4- الكافي 6 : 237 / 2 ؛ الفقيه 3 : 211 / 976 ؛ وسائل الشيعة 24 : 70 ، كتاب الصيد والذبائح ، أبواب الذبائح ، الباب29 ، الحديث1 .

المحقّة ؛ ضرورة عدم أماريته لها ، كما مرّ .

ولا لأصالة الصحّة ، فإنّها غير جارية في مثل المقام الذي يحتمل الانطباق من باب الاتّفاق .

ولا لأمارية اليد الكذائية ؛ لعين ما ذكر .

بل للتوسعة على العباد ، كما تدلّ عليه الروايات المتقدّمة .

وإن شئت قلت : هذه الرواية لا تدلّ إلاّ على جواز الأكل بلا سؤال ، وسائر الروايات ظاهرة في أنّ الحكم على نحو التوسعة لا الأمارية ، فلا تنافي بينهما .

بل يمكن أن يقال : إنّ تجويزَ الأكل وتركَ السؤال في موضوع لا يقوم عليه أمارة عند العقلاء ، ظاهر في التوسعة .

وتشهد أيضاً لما ذكرناه رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر علیه السلام ، وفيها : «واللّه ، إنّي لأعترض السوق ، فأشتري بها اللحم والسمن والجبن ، واللّه ما أظنّ كلّهم يسمّون : هذه البربر ، وهذه السودان»(1) .

فلو كان السوق أمارة على التذكية لكان المناسب أن يقول علیه السلام : «إنّ ما يشترى منه مذكّى» ولا يتناسب هذا التعبير مع إلغاء احتمال الخلاف في الأمارات.

ويشهد له خبر عبد الرحمان بن الحجّاج ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّي أدخل السوق - أعني هذا الخلق الذي يدّعون الإسلام - فأشتري منهم الفراء للتجارة ، وأقول لصاحبها : أ ليس هي ذكيّة ؟ فيقول : بلى ، فهل يصلح لي أن أبيعها على أ نّها ذكيّة ؟ فقال : «لا ، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول : قد شرط

ص: 268


1- المحاسن : 495 / 597 ؛ وسائل الشيعة 25 : 119 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 5 .

لي الذي اشتريتها منه أ نّها ذكيّة» .

قلت : وما أفسد ذلك ؟ قال : «استحلال أهل العراق الميتةَ»(1) .

حيث يظهر منها جواز البيع والشراء مطلقاً ، وعدم جواز الإخبار بتذكيتها حتّى مع إخبار صاحبها ؛ لاستحلال أهل العراق الميتة ، فلو كان سوق المسلمين أمارة على التذكية ، جاز الإخبار بها ولو لم يخبر صاحبها بها ، وليس هذا إلاّ لكون جواز ترتيب أثر التذكية عملاً ، إنّما هو للتوسعة على العباد ، لا أنّ السوق أو اليد أمارة عليها .

فظهر من جميع ذلك جواز معاملة المذكّى لما في سوق المسلمين وما صنع في أرضهم وما في أيدي المستحلّ وغيره ، بل مورد الروايات هو ما في أيدي المستحلّين للميتة ولو لاستحلال ذبيحة أهل الكتاب ، أو استحلال ما لا يكون مذكّى شرعاً عند الفرق الناجية .

ومقتضى إطلاق الروايات جواز الشراء من يد مجهول الحال .

بل لعلّ سوق المسلمين وأرضهم أمارة على أنّ مجهول الحال مسلم .

وأمّا المأخوذ من يد الكافر ، فمع كون الحكم بعدم التذكية مظنّة الإجماع(2) ، يمكن دعوى قصور الروايات عن شموله بالتقريب الأخير ؛ فإنّها - سؤالاً وجواباً - بصدد بيان حال المأخوذ من سوق العامّة وأيديهم . والمسألة بجميع جوانبها تحتاج إلى مزيد تدبّر .

ص: 269


1- الكافي 3 : 398 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 503 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 61 ، الحديث 4 .
2- مستند الشيعة 1 : 353 .

المطلب السادس: في ثبوت الطهارة والنجاسة وسائر الموضوعات الخارجية بالعلم وما قام مقامه

اشارة

طريق ثبوت النجاسة والطهارة وغيرهما من الموضوعات الخارجية : العلم ، وما قام مقامه من الأمارات الشرعية ، وبعض الاُصول .

وقيل : بثبوتها بمطلق الظنّ ؛ فإنّ الشرعيات كلّها ظنّية ، والعمل بالمرجوح في مقابل الراجح قبيح . وهو منقول عن أبي الصلاح الحلبي(1) .

وفيه منع اعتبار الظنّ المطلق في الشرعيات . ولو فرض اعتباره في الأحكام فإلحاق الموضوعات بها قياس . ومنع كون عدم العمل بالظنّ من باب ترجيح المرجوح عليه ، بل لعدم الدليل على اعتباره ، والعمل بالاُصول المعتبرة في مقابل الظنّ عمل بالراجح .

وعن ابن البرّاج أنّ طريق ثبوتها العلم فقط ، قائلاً : «إنّ الطهارة ثابتة بالعلم ، والبيّنة لا تفيد إلاّ الظنّ»(2) .

ص: 270


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 162 ؛ إيضاح الفوائد 1 : 23 ؛ الكافي في الفقه : 140 .
2- جواهر الفقه : 9 .

وفيه منع ثبوت الطهارة بالعلم إلاّ في بعض الأحيان . ومنع الملازمة بين ثبوتها بالعلم وثبوت النجاسة به ؛ لعدم الدليل على أنّ الشيء إذا ثبت بالعلم لا

بدّ وأن يثبت ضدّه به أيضاً .

وأمّا الاستدلال(1) له بنحو قوله علیه السلام : «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أ نّه قذر»(2) فلا يخفى ما فيه بعد تحكيم أدلّة اعتبارات الأمارات عليه ؛ لو سلّم أنّ المراد بالعلم هو العلم الوجداني ، وإلاّ فهو أيضاً محلّ منع أشرنا إلى وجهه في بعض المقامات(3) .

فالأولى صرف الكلام إلى ما يثبت به النجاسة غير العلم :

في ثبوت النجاسة وسائر الموضوعات بالبيّنة

لا ينبغي الإشكال في ثبوتها بالبيّنة ، كما عن المشهور(4) ؛ فإنّ الأدلّة الواردة في ثبوت المعظّمات بها (5) - مثل ما يوجب القتل كالزندقة وعبادة الأوثان

ص: 271


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 162 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 285 / 832 ؛ وسائل الشيعة 3 : 467 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحديث 4 .
3- الاستصحاب ، الإمام الخميني قدس سره : 87 و275 .
4- جواهر الكلام 6 : 172 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 166 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 202 .
5- راجع وسائل الشيعة 27 : 241 ، كتاب القضاء ، أبواب كيفية الحكم ، الباب 7 و8 و12 و15 ، و : 332 ، كتاب الشهادات ، الباب 14 و41 و49 و51 ، و28 : 156 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ اللواط ، الباب 2 ، و : 262 ، أبواب حدّ السرقة ، الباب 8 ، الحديث 1 ، و : 239 ، أبواب حدّ المسكر ، الباب 14 .

واللواط ، أو القطع كالسرقة ، أو الحدّ كشرب الخمر ونحوها ممّا يعثر عليه المتتبّع - وكذا في موارد حقوق الناس وغيرها من الموارد الكثيرة المختلفة موجبة لإلغاء الخصوصية عرفاً ؛ لأنّ العرف يرى أنّ ثبوت تلك الأحكام كالقطع والقتل والحدّ ، إنّما هو لثبوت موضوعاتها بالبيّنة من غير دخالة لخصوصية الموضوع أو الحكم في ذلك .

بل دعوى الجزم باعتبارها في مثل النجاسة والطهارة من غير المعظّمات - بعد ثبوت تلك المعظّمات بها - غير جزاف .

هذا مضافاً إلى موثّقة مَسْعدة بن صدقة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أ نّه حرام بعينه ، فتدعه من قِبل نفسك ، وذلك مثل الثوب عليك قد اشتريته وهو سرقة ، والمملوك عندك ولعلّه حرّ قد باع نفسه ، أو خدع فبيع قهراً ، أو امرأة تحتك وهي اُختك أو رضيعتك ، والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البيّنة»(1) .

وفي الرواية احتمالان :

أحدهما : ما فهموا منها ؛ وهو أنّ كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه ؛ سواء كان من قبيل الأمثلة ممّا قامت أمارة عقلائية وشرعية على حلّيتها أم لا ، فإنّ الأمارة لا توجب العلم الوجداني بالحلّية ، فيصحّ انسلاك موردها فيما لا يعلم ، وذكر خصوص تلك الأمثلة إنّما هو من باب الاتّفاق .

ص: 272


1- الكافي 5 : 313 / 40 ؛ تهذيب الأحكام 7 : 226 / 989 ؛ وسائل الشيعة 17 : 89 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 4 ، الحديث 4 .

ثمّ عقّبها بقاعدة كلّية شاملة لمواردها وغيرها ؛ هي قوله علیه السلام : «والأشياء كلّها على هذا . . .» إلى آخره .

والمراد بالاستبانة المقابلة للبيّنة إن كان خصوص العلم الوجداني ، فاختصاصهما بالذكر لكونهما أوضح مصاديق ما يثبت به الموضوع ، فلا ينافي ثبوته بغيرهما ، كإخبار ذي اليد والاستصحاب .

وإن كان المراد بها مطلق الأمارات والاُصول المحرزة ، فاختصاص البيّنة بالذكر لكونها أوضح مصاديق ما جعله الشارع حجّة .

والمراد من «قيام البيّنة» قيامها على السرقة والحرّية والاُختية ونحوها من الموضوعات التي تقوم عليها البيّنة عادة .

وتوهّم أنّ المراد قيامها على الحكم ، فاسد جدّاً مخالف لظاهر الرواية ، وللمعهود من قيامها على الموضوعات فتترتّب عليها الأحكام ، لا عليها .

ولا شبهة في عدم فهم خصوصية للموضوعات التي تترتّب عليها الحرمة حتّى يقال : لا دلالة لها على حجّية البيّنة فيما يترتّب عليه حكم وجوبي ؛ لأنّ المستفاد منها أنّ تمام الملاك لثبوت الموضوع قيام البيّنة ، سيّما مع كونها أمارة عقلائية مضاعفة ، فإنّ خبر الثقة أيضاً أمارة عقلائية .

وبالجملة : لمّا كانت للبيّنة حيثية الأمارية ، فلا يفهم العرف من قاطعيتها للحلّية إلاّ لأماريتها على الواقع وثبوته بها ؛ من غير خصوصية للموضوعات أو الأحكام المترتّبة عليها ، خصوصاً مع جعلها عدلاً للاستبانة .

والاحتمال الثاني الذي يمكن أن يكون ثقيلاً على الأسماع ابتداءً ، وليس بعيداً بعد التنبّه لخصوصيات الرواية : هو أنّ المراد بقوله علیه السلام : «كلّ شيء هو لك

ص: 273

حلال» أنّ ما هو لك بحسب ظاهر الشرع حلال ، فيكون قوله علیه السلام : «هو لك» من قيود الشيء «وحلال» خبره ، وتشهد لهذا اُمور :

منها : ذكر «هو» في خلال الكلام ، وهو غير مناسب لبيان حلّية المجهول ، كما هو غير مذكور في الروايات التي سيقت لبيان حلّيته(1) ، فنكتة ذكر الضمير لعلّها لإفادة خصوصية زائدة ؛ هي تقييد الشيء بكونه لك .

ومنها : قوله : «وذلك مثل . . .» كذا وكذا ، فإنّ الظاهر منه أنّ له عناية خاصّة بالأمثلة التي ذكرها ، ولها نحو اختصاص بالحكم .

ومنها : ذكر الأمثلة التي كلّها من قبيل ما تقدّم من كون الموضوع ممّا يختصّ به بحسب أمارة شرعية ، كاليد ، أو أصالة الصحّة ، أو الاستصحاب ، فذكر خصوص تلك الأمثلة التي ليست واحدة منها من مورد كون الشكّ موجباً للحلّية ، يؤكّد ما ذكرناه ، بل يدلّ عليه .

ومنها : أنّ لسان الرواية بناءً على الاحتمال الأوّل لسان الأصل ، وهو لا يناسب الأمثلة المذكورة ، وأمّا بناءً على الاحتمال الثاني فليس المنظور جعل الحكم الظاهري حتّى لا يناسبها ، بل أمر آخر يأتي بيانه .

ومنها : تخصيص العلم الوجداني والبيّنة بالذكر ، فإنّ الظاهر من «الاستبانة» في مقابل البيّنة هو العلم الوجداني ، فحملها على الأعمّ خلاف الظاهر المتفاهم منها ، فعليه تكون الرواية بصدد بيان أنّ ما هو لك بحسب الأمارات الشرعية

ص: 274


1- راجع وسائل الشيعة 17 : 88 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب 4 ، الحديث 1 ، و25 : 118 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 1 و2 و7 .

ونحوها ، لا تنقطع حلّيته إلاّ بالعلم الوجداني وخصوص البيّنة من بين الأمارات ، وليست بصدد بيان الحكم الظاهري .

ففقه الحديث على هذا : أنّ ما هو بحسب ظاهر الشرع لك ومختصّ بك - كالثوب الذي اشتريته واحتمل أن يكون سرقة ، والمملوك الذي تحت يدك ومحكوم بملكيتك واحتمل حرّيته ، والامرأة التي تحتك واحتمل كونها اُختك أو رضيعتك ، مع أنّ اليدَ وأصالةَ الصحّة بل والاستصحابَ الموضوعي في الرضيعة بل في الاُخت على فرض جريانه في الأعدام الأزلية ، كلّ يقتضي كونها زوجتك - هو حلال لك لا تنقطع حلّيته إلاّ بأمرين : العلم الوجداني ، والبيّنة ، دون

سائر الأمارات .

وهذا الاحتمال وإن كان بعيداً ابتداءً ؛ لاُنس الأذهان بأنّ مثل العبارة سيقت

في سائر الروايات لبيان الحكم الظاهري ، لكن بعد التأمّل في الجهات المتقدّمة لا يبعد أن يكون أظهر من الأوّل ، ولا أقلّ من مساواته له في رفع الإشكال به عن الرواية ، فيكون حينئذٍ المراد من قوله علیه السلام : «والأشياء كلّها على هذا» أنّ كلّ شيء من قبيل الأمثلة ، لا جميع الأشياء .

وكيف كان : تثبت على هذا الاحتمال أيضاً حجّية البيّنة مطلقاً ؛ ضرورة أنّ جعلها عِدلاً للعلم في قطع الاُصول والأمارات العقلائية والشرعية المخالفة لها ، موجب لاستظهار كونها أقوى الأمارات في إثبات الموضوعات ، واحتمال دخالة خصوصية قيام الأمارة على خلافها في حجّيتها ، مدفوع بالقطع ومخالفته لفهم العقلاء ، فالمستفاد منها أنّ البيّنة عِدل العلم في إثبات الموضوعات حتّى مع قيام الأمارات على خلافها .

ص: 275

وتدلّ على ثبوتها بها أيضاً رواية عبداللّه بن سليمان قال : «كلّ شيء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتة»(1) .

في عدم ثبوت النجاسة وسائر الموضوعات بخبر الثقة

وهل يثبت النجاسة بل سائر الموضوعات بخبر الثقة ؟

قيل : نعم(2) ؛ تمسّكاً باستقرار سيرة العقلاء على العمل به ، ولم يثبت الردع من الشارع ، بل ثبت الإنفاذ في أخذ الأحكام والأخبار من الثقات .

والظاهر من الأخبار الواردة في هذا المضمار أنّ الشارع لم يؤسّس حكماً بل أنفذ ما لدى العقلاء من الأخذ عن الثقات ، ولا فرق في نظر العقل والعقلاء بين الأحكام وموضوعاتها . نعم ، ورد الردع في بعض الموارد ، كأبواب الخصومات .

بل يمكن الاستدلال للمطلوب بموثّقة مَسْعدة المتقدّمة(3) ؛ بدعوى أنّ الاستبانة أعمّ من العلم وغيره ، كخبر الثقة ، وإنّما خصّت البيّنة بالذكر لكونها أوضح الطرق الشرعية ، لا لخصوصية فيها .

وتشهد له أيضاً الأخبار الواردة في أبواب مختلفة ، مثل صحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، وفيها : قلت : فإنّ الوكيل أمضى الأمر قبل أن يعلم العزل أو يبلغه أ نّه قد عزل عن الوكالة ، فالأمر على ما أمضاه ؟

ص: 276


1- الكافي 6 : 339 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 118 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 2 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 168 - 169 .
3- تقدّمت في الصفحة 272 .

قال : «نعم» . قلت له : فإن بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر ، ثمّ ذهب حتّى أمضاه ، لم يكن ذلك بشيء ؟ قال : «نعم ؛ إنّ الوكيل إذا وكّل ثمّ قام عن المجلس ، فأمره ماضٍ أبداً ، والوكالة ثابتة ؛ حتّى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه ، أو يشافه بالعزل عن الوكالة»(1) .

وموثّقةِ إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن رجل كانت له عندي دنانير ، وكان مريضاً ، فقال لي : إن حدث بي حدث فأعط فلاناً عشرين ديناراً ، وأعط أخي بقيّة الدنانير ، فمات ولم أشهد موته ، فأتاني رجل مسلم صادق فقال لي : إنّه أمرني أن أقول لك : اُنظر الدنانير التي أمرتك أن تدفعها إلى أخي ، فتصدّق منها بعشرة دنانير ؛ اقسمها في المسلمين ، ولم يعلم أخوه أنّ عندي شيئاً ، فقال : «أرى أن تصدّق منها بعشرة دنانير»(2) .

وموثّقةِ سَماعة قال : سألته عن رجل تزوّج امرأة أو تمتّع بها ، فحدّثه رجل

ثقة أو غير ثقة فقال : إنّ هذه امرأتي ، وليست لي بيّنة ، فقال : «إن كان ثقة فلا يقربها ، وإن كان غير ثقة فلا يقبل»(3) .

والأخبارِ الدالّة على جواز الاعتماد على أذان الثقة(4) وما دلّت على جواز

ص: 277


1- الفقيه 3 : 49 / 170 ؛ تهذيب الأحكام 6 : 213 / 503 ؛ وسائل الشيعة 19 : 162 ، كتاب الوكالة ، الباب2 ، الحديث1 .
2- الكافي 7 : 64 / 27 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 237 / 923 ؛ وسائل الشيعة 19 : 433 ، كتاب الوصايا ، الباب97 ، الحديث1 .
3- تهذيب الأحكام 7 : 461 / 1845 ؛ وسائل الشيعة 20 : 300 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 23 ، الحديث 2 .
4- راجع وسائل الشيعة 5 : 378 ، كتاب الصلاة ، أبواب الأذان والإقامة ، الباب 3 .

وطي الأمة بغير استبراء إذا كان البائع ثقة أميناً (1) .

وصحيحةِ ابن سِنان ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «اغتسل أبي من الجنابة ، فقيل له : قد أبقيت لُمعة في ظهرك لم يصبها الماء ، فقال له : ما كان عليك لو سكتّ ؟ ! ثمّ مسح تلك اللُمعة بيده»(2) .

أقول : وفي الجميع نظر :

أمّا استقرار سيرة العقلاء ، فمسلّم ، لكن مع ما نرى من اعتبار البيّنة في موارد كثيرة لا تحصى ، لا يبقى وثوق بها ؛ فإنّها بنفسها ليست بحجّة ، ومع ورود الردع في تلك الموارد لا يمكن استكشاف عدمه في الموارد المشكوك فيها .

إلاّ أن يقال : إنّ للموارد المردوعة خصوصيات ، كباب الخصومات ؛ فإنّ غالب مواردها قامت أمارة شرعية على أمر يراد دفعها ، فلا بدّ وأن تكون الأمارة الدافعة أقوى منها ، ولهذا اعتبرت فيها البيّنة لقطعها ، وفي موارد الحدود ونحوها ،

يكون للشارع الأقدس مزيد عناية بعدم ثبوتها ، ومحفوظيةِ عِرض المسلم ودمه ، ولهذا تدرأ بالشبهات ، ولا يعتنى في بعض الموارد بإقرار المرتكب مرّة أو مرّتين أو أزيد ، فردع الشارع في تلك الموارد المهمّة ، لا يدلّ على ردعه في سائر الموارد .

ص: 278


1- راجع وسائل الشيعة 21 : 89 ، كتاب النكاح ، أبواب نكاح العبيد والإماء ، الباب6 ، الحديث 1 و2 و4 و6 .
2- الكافي 3 : 45 / 15 ؛ وسائل الشيعة 2 : 259 ، كتاب الطهارة ، أبواب الجنابة ، الباب 41 ، الحديث 1 .

لكن نَقْل الشهرة على عدم اعتبار خبر الثقة فيما نحن فيه(1) ، وكذا نَقْلها بل نَقْل الإجماع في الموارد التي ورد فيها الخبر بالخصوص باعتبار خبر الثقة ، على عدم الثبوت به ، كمورد عزل الوكيل(2) ، ومورد الوصيّة(3) ، ومورد أذان الثقة(4) ، ممّا تأتي الإشارة إليه(5) ، ربّما توجب الوثوق بمعهودية عدم اعتباره في الموضوعات .

هذا مع أنّ موثّقة مَسْعدة(6) ظاهرة في الردع عنه ؛ بناءً على ما هو المعروف في معناها ، أي الاحتمال الأوّل من الاحتمالين المتقدّمين ؛ فإنّ الظاهر أنّ الغاية

للحلّ مطلقاً البيّنة ، فلو كان خبر الثقة مثبتاً للموضوع ، كان اعتبار البيّنة بلا وجه ؛ فإنّ معنى اعتبارها أن يكون كلّ واحد من الشاهدين جزء الموضوع للإثبات ، ومقتضى ثبوته بخبر الثقة أ نّه تمام الموضوع ، فلا يمكن الجمع بينهما في الجعل ، فالقول بأنّ الاستبانة أعمّ من العلم وخبر الثقة(7) ، ضعيف غايته ؛ ضرورة لغوية جعل البيّنة حينئذٍ غايةً .

فإن قلت : المراد بالبيّنة شاهدا عدل ولو لم يكونا ثقتين من غير جهة الكذب ، بل من جهته أيضاً ، فإنّ ظهور الصلاح كاشف تعبّدي عن العدالة ، فحينئذٍ يكون

ص: 279


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 168 .
2- جامع المقاصد 8 : 290 .
3- جواهر الكلام 28 : 352 و354 .
4- جواهر الكلام 7 : 268 ؛ مستمسك العروة الوثقى 5 : 152 .
5- ستأتي في الصفحة 281 .
6- تقدّمت في الصفحة 272 .
7- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 170 - 171 .

خبر الثقة في مقابل البيّنة ، لا جزءها حتّى يرد الإشكال العقلي ، فالبيّنة إحدى طرق الإثبات ، وهي شاهدا عدل ثبت عدالتهما بظهور الصلاح ولو لم نثق بهما من جهة الاحتراز عن الكذب ، أو من جهة الغفلة والخطأ ، وخبر الثقة - ولو لم يكن عدلاً - طريق آخر له مباين لها ، لا مداخل فيها . نعم لو قلنا باعتبار خبر واحد عدل ، لتطرّق الإشكال المتقدّم .

قلت : نمنع عدم اعتبار الوثوق من جهة احتمال الغفلة والخطأ في البيّنة ؛ فإنّ الشاهدين إذا كانا من متعارف الناس ، تجري فيهما أصالة عدم الخطأ والغفلة لدى العقلاء . وإن لم يكونا كذلك ، وكان الغالب عليهما الاشتباه والخطأ ، أو كانا بحيث لم يتّكل عليهما العقلاء ، ولم تجرِ في حقّهما الاُصول العقلائية ، لا تعتبر شهادتهما ، وتكون أدلّة اعتبار البيّنة منصرفة عن مثلهما .

والظاهر ملازمة ظهور الصلاح - بالمعنى المعتبر في الكاشف - للوثوق النوعي بالاحتراز عن الكذب ، والوثوق الشخصي غير معتبر ؛ لا في البيّنة ، ولا في خبر الثقة ، ومع عدم حصول الوثوق النوعي لجهة من الجهات في الشاهدين ، فلا محالة تكون تلك الجهة منافية لظهور الصلاح .

مضافاً إلى أنّ إطلاق الموثّقة ، يقتضي اعتبار التعدّد ولو كان الشاهدان موثّقين . وحملها على خصوص غير الموثّق مع كون العدلين موثوقاً بهما نوعاً ، كما ترى .

فتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ الموثّقة رادعة عن العمل بخبر الثقة في الموضوعات ، ومن هنا ظهر ضعف التمسّك بها لإثبات اعتبار خبر الثقة ، كما هو واضح .

نعم ، بناءً على الاحتمال الثاني لا تكون الموثّقة رادعة إلاّ عن الموارد

ص: 280

التي قامت أمارة على إحراز موضوع ، ويراد إثبات خلافها ، نظير الأمثلة المتقدّمة(1) .

وأمّا الروايات المستشهد بها ، فمع كونها في موارد خاصّة لا يمكن إثبات سائر الموارد بها ، سيّما مع البناء على كون الموثّقة رادعة ، وسيّما مع قلّة العامل

بها على الظاهر ، كما حكي عن «التذكرة» و«جامع المقاصد» الإجماع على عدم ثبوت العزل بخبر العدل(2) ، وظهور الكتاب والسنّة في عدم ثبوت الوصيّة إلاّ

بشاهدين عدلين(3) ، بل أرسل الأصحاب إرسال المسلّمات عدم ثبوت شيء من الوصيّة بإخبار رجل عدل(4) ؛ وإن ثبت الربع منها بإخبار مرأة ، والربعين بمرأتين ، وثلاثة أرباع بثلاث للنصّ(5) فضلاً عن ثبوت التمام به ، وعدم عمل المشهور بالأخبار الواردة في أذان الثقة في حال إمكان العلم(6) ، ومع عدمه يكون مطلق الظنّ حجّة يثبت به الوقت .

أنّ المحتمل في خبر عزل الوكيل ، أنّ العزل المحقّق واقعاً إذا بلغ بثقة ، ينعزل الوكيل به ، لا لأجل ثبوت العزل به ، بل لبلوغه ، ففرق بين ثبوت العزل به عند الشكّ فيه ، وبين بلوغ العزل المحقّق بثقة ، فالأوّل محطّ البحث هاهنا ، والثاني مورد دلالة الخبر .

ص: 281


1- تقدّم في الصفحة 279 .
2- تذكرة الفقهاء 15: 228 ؛ جامع المقاصد 8 : 290 .
3- المائدة (5) : 106 - 107 ؛ وسائل الشيعة 19 : 309 ، كتاب الوصايا ، الباب20 .
4- جامع المقاصد 11 : 305 ؛ مسالك الأفهام 6 : 204 ؛ جواهر الكلام 28 : 352 و354 .
5- راجع وسائل الشيعة 19 : 316 ، كتاب الوصايا ، الباب22 .
6- مستمسك العروة الوثقى 5 : 152 .

وبعبارة اُخرى : أنّ العزل الواقعي لا يكون موضوع حكم حتّى يكون خبر الثقة مثبتاً له ، بل الموضوع للحكم بلوغ العزل بثقة ؛ على أن يكون كلّ من العزل والبلوغ جزءاً للموضوع ، وهو أجنبيّ عمّا نحن بصدده ، ولا دليل على أنّ أحد الجزءين مثبت للجزء الآخر ؛ وبهذا اللحاظ يكون موضوعاً له ، فتدبّر تعرف .

والمحتمل في خبر الوصيّة، أنّ الوصيّ لم تكن شبهته في ثبوت الوصاية بخبر الثقة ، بل الظاهر فرض حصول الاطمئنان بها ، حيث فرض كون المخبر صادقاً .

مع أ نّه أخبر عن واقعة شخصية كانت بينه وبين الموصي ، ومعه تطمئنّ النفس بصدقه ، سيّما في أمر لا داعي له أن يكذب فيه ، بل كانت شبهته في أنّ تبديل الوصيّة بوصيّة اُخرى جائز ، ومعه هل يجب على الموصي العمل بالاُولى أو الثانية ؟ تأمّل .

وموثّقة سَماعة(1) محمولة على الاستحباب ؛ ضرورة عدم اعتبار قول المدّعي ولو كان ثقة ، وقد ورد في موردها ما يدلّ على عدم سماع دعواه إلاّ بالبيّنة(2) .

وخبر قبول الاستبراء من البائع(3) من إخبار ذي اليد ، وهو أمر آخر غير مربوط بالمقام .

ولم يظهر من خبر اللُمعة(4) العمل بخبر الثقة ، بل لعلّه كان مشتغلاً بالعمل ،

ص: 282


1- تقدّمت في الصفحة 277 .
2- وسائل الشيعة 20 : 300 ، كتاب النكاح ، أبواب عقد النكاح ، الباب 23 ، الحديث 3 .
3- تقدّم تخريجه في الصفحة 278 ، الهامش 1 .
4- تقدّم في الصفحة 278 .

فصار خبره موجباً للشكّ حال الاشتغال ، أو كانت اللمعة في الطرف الأيسر ؛ بناءً

على اعتبار الشكّ فيه ولو بعد الفراغ ، أو كان من باب الاحتياط .

فالمسألة محلّ إشكال من جهة الإشكال في معنى موثّقة مَسْعدة ، ومن جهة عدم العثور على مورد عمل الأصحاب بخبر الثقة في الموضوعات كما عملوا به في الأحكام . ومن هنا يشكل الاعتماد على السيرة والوثوق بعدم الردع ، فالأحوط عدم الثبوت بخبر الثقة لو لم يكن الأقوى .

في ثبوت النجاسة وسائر الموضوعات بإخبار ذي اليد

وأمّا إخبار ذي اليد - أي من كان له نحو استيلاء وتصرّف في الشيء ولو كان غاصباً وفاسقاً ، فضلاً عمّن كان مالكاً أو أميناً ، كالمستأجر والمستودع ، بل والخادم وغيرهم - فلا ينبغي الإشكال في اعتبار قوله في ثبوت النجاسة والطهارة ، بل وغيرهما إلاّ ما استثني .

والدليل عليه السيرة المستمرّة ، وبناء العقلاء ، ونقل الشهرة ، والاتّفاق على

قبول قوله(1) .

ويدلّ على اعتباره في الجملة الأخبار المختلفة في موارد لا يبعد إلغاء الخصوصية منها عرفاً :

منها : روايات قبول خبر غير العارف وغير معروف الحال في البختج إن لم يكن مستحلاًّ ، كصحيحة عمر بن يزيد قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : الرجل يهدي إليّ البختج من غير أصحابنا فقال : «إن كان ممّن يستحلّ المسكر فلا تشربه ،

ص: 283


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 172 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 206 .

وإن كان ممّن لا يستحلّ فاشربه»(1) .

وصحيحةِ معاوية بن عمّار قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ ، يأتيني بالبختج ويقول : قد طبخ على الثلث ، وأنا أعرف أ نّه يشربه على النصف ، فأشربه بقوله وهو يشربه على النصف ؟ فقال : «لا تشربه» .

قلت : فرجل من غير أهل المعرفة ممّن لا نعرفه يشربه على الثلث ، ولا يستحلّه على النصف ، يخبرنا أنّ عنده بختجاً على الثلث قد ذهب ثلثاه ، وبقي ثلثه ، يشرب منه ؟ قال : «نعم»(2) .

دلّتا على أ نّه مع كون الرجل غير متّهم ولا مكذّب عملُه قولَه ، يقبل منه إخباره ولو كان إخباراً عملياً ؛ سواء كان من أهل المعرفة أو لا ، معلوم الحال أو لا ، وإطلاقهما يقتضي قبول قول الفاسق في مذهبه .

نعم ، في بعض الروايات اعتبار كون المخبر مسلماً ورعاً مؤمناً ، أو مسلماً عارفاً ، أو اعتبار كون البختج حلواً يخضّب الإناء مضافاً إلى إخبار صاحبه(3) ، والاُوليان محمولتان على الاستحباب حملاً على النصّ ، والثالثة محمولة على ما إذا كانت الأمارة على خلاف قوله ؛ فإنّ عدم الاختضاب دليل على عدم التثليث ،

ص: 284


1- الكافي 6 : 420 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 122 / 524 ؛ وسائل الشيعة 25 : 292 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب7 ، الحديث1 .
2- الكافي 6 : 421 / 7 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 122 / 526 ؛ وسائل الشيعة 25 : 293 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 7 ، الحديث 4 .
3- راجع وسائل الشيعة 25 : 294 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 7 ، الحديث 6 و7 ، و : 293 ، الحديث 3 .

بل لعلّه دليل قطعي على عدمه ، وأمّا الاختضاب فأعمّ من حصول التثليث ، فاعتباره لأجل حصول الشكّ فيه ، لا قيام الأمارة عليه .

نعم ، إطلاق صحيحة عمر بن يزيد ، عن أبي عبداللّه علیه السلام وفيها : «إذا كان يخضّب الإناء فاشربه»(1) يقتضي أمارية الاختضاب على التثليث ، لكنّها محمولة

على صحيحة معاوية بن وهب(2) التي اعتبر فيها مضافاً إلى ذلك إخبار ذي اليد ؛ حملاً للمطلق على المقيّد .

ومنها : بعض الروايات الواردة في الجبن ، كرواية بكر بن حبيب قال : سئل أبو عبداللّه علیه السلام عن الجبن ؛ وأ نّه توضع فيه الإنفحة من الميتة ؟ قال : «لا تصلح» ثمّ أرسل بدرهم ، فقال : «اشترِ من رجل مسلم ، ولا تسأله عن شيء»(3) ونحوها في عدم لزوم السؤال رواية حمّاد بن عيسى(4) .

وهذه الروايات وإن صدرت تقيّة ؛ لأنّ الإنفحة من الميتة طاهرة عندنا ، لكن يظهر منها أ نّه لا بأس بالاشتراء والأكل من سوق المسلمين ، ولا يلزم السؤال ، لكن لو سأل ، وأجاب صاحب اليد بكون الميتة فيه ، لا يجوز الأكل ، فيظهر منهما

ص: 285


1- الكافي 6 : 420 / 5 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 122 / 525 ؛ وسائل الشيعة 25 : 293 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب7 ، الحديث2 .
2- الكافي 6 : 420 / 6 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 121 / 523 ؛ وسائل الشيعة 25 : 293 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب7 ، الحديث3 .
3- المحاسن : 496 / 598 ؛ وسائل الشيعة 25 : 118 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 61 ، الحديث 4 .
4- قرب الإسناد : 19 / 63 ؛ وسائل الشيعة 3 : 492 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 50 ، الحديث 8 .

أنّ هذا الحكم كان معهوداً في ذلك العصر .

ومنها : ما وردت في قبول قول البائع الأمين الثقة في استبراء الأمة(1) . واعتبار الأمانة والثقة لكون أمر الفروج مهمّاً ، كما يظهر من تلك الروايات .

ومنها : رواية عبد الرحمان بن الحجّاج قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّي

أدخل السوق - أعني هذا الخلق الذي يدّعون الإسلام - فأشتري منهم الفراء للتجارة ، وأقول لصاحبها : أ ليس هي ذكيّة ؟ فيقول : بلى ، فهل يصلح لي أن أبيعها على أ نّها ذكيّة ؟ فقال : «لا ، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول : قد شرط لي الذي اشتريتها منه أ نّها ذكيّة» .

قلت : ما أفسد ذلك ؟ قال : «استحلال أهل العراق الميتةَ»(2) .

وقد مرّ في المسألة السابقة(3) : أنّ الظاهر منها ومن سائر الروايات أنّ سوق المسلمين - أي هذا الخلق - ليس أمارة على التذكية وإن جاز لنا ترتيب آثارها توسعةً ، وأمّا جواز الإخبار بها فهو من آثار ثبوتها لدى المخبر ، وإنّما نهي عن الإخبار بها مع إخبار ذي اليد ؛ لاستحلال أهل العراق الميتة ، فيظهر منه أ نّه لولا

ذلك لجاز الاتّكال على إخباره .

وقول عبد الرحمان : «ما أفسد ذلك ؟» دليل على معروفية الاتّكال على قول صاحب اليد ، فسأل عن وجه عدم الجواز ، فأجابه علیه السلام بذلك .

ص: 286


1- تقدّم تخريجه في الصفحة 278 ، الهامش 1 .
2- الكافي 3 : 398 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 503 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 61 ، الحديث 4 .
3- تقدّم في الصفحة 266 - 269 .

إن قلت : مع عدم استحلاله تكون يده أمارة .

قلت : المراد ب- «الاستحلال» استحلال الميتة بالدباغ ، ولهذا نسبه إلى أهل العراق ، فحينئذٍ مع عدم الاستحلال أيضاً لا يكون سوقهم أمارة ، ولا يدهم ؛ لاختلافهم معنا في معظم شرائط التذكية ، تأمّل .

ويمكن أن تعدّ من الشواهد أو الأدلّة الروايات الواردة في سياق الهدي ، كصحيح حفص بن البَخْتَري قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : رجل ساق الهدي ، فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدّق به عليه [ولا يعلم أنّه هدي] ، قال : «ينحره ، ويكتب كتاباً يضعه عليه ؛ ليعلم من مرّ به أ نّه صدقة»(1) .

بدعوى دلالتها على معروفية قبول قول صاحب اليد : بأ نّها صدقة .

إلى غير ذلك من الموارد التي يعلم - بإلغاء الخصوصية عنها عرفاً - أنّ

قول صاحب اليد معتبر عند الشارع ، كما هو معتبر عند العرف ، سيّما مع قبوله في المهمّات .

ص: 287


1- الفقيه 2 : 297 / 1477 ؛ وسائل الشيعة 14 : 141 ، كتاب الحجّ ، أبواب الذبح ، الباب31 ، الحديث1 .

المطلب السابع: في بطلان الصلاة الواقعة في النجس

اشارة

مقتضى إطلاق أدلّة شرطية الطهارة أو مانعية النجاسة - كقوله علیه السلام في صحيحة زرارة : «لا صلاة إلاّ بطهور»(1) المتيقّن منها بقرينة ذيلها الطهور من الخبث ، وقوله علیه السلام : «لا تعاد الصلاة . . .»(2) إلى آخره ؛ بناءً على أنّ الطهور في المستثنى أعمّ من الخبث - بطلان الصلاة التي يؤتى بها في النجس مطلقاً ؛ سواء كان عن عمد ، أو جهل بالحكم ، أو الموضوع ، أو النسيان ، أو غيرها من الأعذار ، فلا بدّ من التماس دليل على صحّة الصلاة المأتيّ بها في النجس .

ص: 288


1- تهذيب الأحكام 1 : 49 / 144 ، و : 209 / 605 ؛ وسائل الشيعة 1 : 315 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 9 ، الحديث 1 .
2- الفقيه 1 : 225 / 991 ؛ وسائل الشيعة 1 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 3 ، الحديث 8 .
حكم الصلاة في النجس مع الجهل بالحكم

وقد يقال : إنّ الأدلّة قاصرة عن إثبات الحكم للجاهل ؛ لقبح تعلّق التكليف بالغافل(1) ، وعليه يكون المأتيّ به مع النجاسة مجزياً ؛ لأ نّه صلاة تامّة في حقّه بعد عدم الدليل على إثبات المانعية أو الشرطية في حقّه .

وفيه ما حقّق في الاُصول : من عدم قصور الأدلّة عن إثبات التكليف لمطلق المكلّفين ، ولا مانع من تعلّقه بالعناوين الكلّية الشاملة لعامّة المكلّفين ؛ وإن كان

التارك عن عذر معذوراً في أدائه(2) .

والسرّ فيه : عدم انحلال الخطاب المتعلّق بالعناوين ك- «الناس» و«المؤمنين» إلى خطابات جزئية بعدد النفوس أو العناوين الطارئة ، ولهذا يكون العصاة مكلّفين ، مع أنّ العاصي الذي يعلم المولى طغيانه ، لا يمكن تكليفه جدّاً لغرض الانبعاث ؛ لامتناع انقداح إرادة التكليف جدّاً ممّن لا يطيع .

هذا مع أنّ ما ذكر لا يتأتّى في الوضعيات ، كقوله علیه السلام : «لا صلاة إلاّ بطهور» ولا شبهة في إطلاقه بالنسبة إلى كلّ صلاة من دون إشكال .

نعم ، لا فرق في الإشكال بين الأوامر النفسية ، وما هي للإرشاد إلى الشرطية ، كقوله : )إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ . . .((3) إلى آخره فإنّها وإن كانت للإرشاد ، لكنّها لم تنسلخ عن البعث والتكليف ، ولم تستعمل في

ص: 289


1- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 342 ؛ مدارك الأحكام 2 : 344 .
2- مناهج الوصول 2 : 18 - 20 ؛ أنوار الهداية 2 : 204 .
3- المائدة (5) : 6 .

الاشتراط ، بل يفهم العرف من البعث إلى تحصيل الطهور للصلاة اشتراطها بها ،

فإن قَبح أو امتنع تعلّق التكليف بالغافل ، لا يمكن انتزاع الاشتراط مطلقاً منها بحيث يشمل الغافل .

فما قد يقال في الجواب عنه : «إنّ الأوامر الإرشادية لا إشكال فيها»(1) كأ نّه في غير محلّه .

هذا مع اقتضاء بعض الأدلّة الخاصّة في المقام ، بطلان الصلاة في النجاسة ، كصحيحة عبداللّه بن سِنان قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم ، قال : «إن كان علم أ نّه أصاب ثوبه جنابة قبل أن يصلّي ، ثمّ صلّى فيه ولم يغسله ، فعليه أن يعيد ما صلّى»(2) وغيرها ممّا تشمل بإطلاقها العالم وغيره(3) .

حكم الصلاة في النجس مع الجهل بالموضوع

وأمّا الجاهل بالموضوع ففيه أقوال : عدم الإعادة مطلقاً (4) ، والإعادة كذلك ، كما حكي عن بعض(5) ، والتفصيل بين التذكّر في الوقت وخارجه ، فيعيد في

ص: 290


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 204 .
2- الكافي 3 : 406 / 9 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 359 / 1488 ؛ وسائل الشيعة 3 : 482 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 43 ، الحديث 1 .
3- وسائل الشيعة 3 : 482 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 43 ، الحديث 2 .
4- مدارك الأحكام 2 : 348 - 349 ؛ جواهر الكلام 6 : 209 - 210 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 203 .
5- اُنظر الخلاف 1 : 478 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 203 .

الأوّل(1) ، والتفصيل بين المتذكّر الذي لم يتفحّص وغيره ، فيعيد الأوّل(2) .

في التفصيل بين التذكّر في الوقت وخارجه

وقد يقال : إنّ مقتضى الجمع بين الروايات التفصيل الأوّل ؛ لأنّ منها : ما تدلّ على عدم الإعادة مطلقاً ، كموثّقة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عَذِرة إنسان أو سِنَّوْر أو كلب ، أيعيد صلاته ؟ قال : «إن كان لم يعلم فلا يعيد»(3) ونحوها روايات(4) .

ومنها : ما تدلّ على الإعادة مطلقاً ، كصحيحة وهب بن عبد ربّه ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم بها صاحبه ، فيصلّي فيه ، ثمّ يعلم بعد ذلك ، قال : «يعيد إذا لم يكن علم»(5) .

ورواية أبي بصير الصحيحة - بناءً على كون وهب بن حفص هو الجُرَيْري الثقة - عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن رجل صلّى وفي ثوبه بول أو جنابة ،

ص: 291


1- المهذّب 1 : 27 و153 و154 ؛ غنية النزوع 1 : 66 ؛ قواعد الأحكام 1 : 189 ؛ جامع المقاصد 1 : 150 .
2- اُنظر ذكرى الشيعة 1 : 141 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 203 .
3- الكافي 3 : 406 / 11 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 359 / 1487 ؛ وسائل الشيعة 3 : 475 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 5 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 474 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 2 و3 و7 .
5- تهذيب الأحكام 2 : 360 / 1491 (وفيه «لا يعيد» ) ؛ وسائل الشيعة 3 : 476 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 8 .

فقال : «علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم»(1) .

ومنها : ما تدلّ على عدم وجوب القضاء ، كصحيحة العِيص بن القاسم قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجل صلّى في ثوب رجل أيّاماً ، ثمّ إنّ صاحب الثوب أخبره أ نّه لا يصلّي فيه ، قال : «لا يعيد شيئاً من صلاته»(2) .

ورواية علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن الرجل احتجم فأصاب ثوبه دم ، فلم يعلم به حتّى إذا كان من الغد ، كيف يصنع ؟ قال : «إذا كان رآه فلم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلّي ، ولا يَنقص منه شيء . وإن كان رآه وقد صلّى فليعتدّ بتلك الصلاة ثمّ ليغسله»(3) .

وطريق الجمع بينها بتقييد صحيحة ابن عبد ربّه ورواية أبي بصير بالروايتين الأخيرتين ، فيصير مفادهما بعده الإعادة في الوقت دون خارجه ، فتقيّد بهما الطائفة الاُولى الدالّة على عدم الإعادة مطلقاً ، فتصير النتيجة التفصيل بين الوقت وخارجه .

وفيه : مضافاً إلى منع كون الأخيرتين مختصّتين بالقضاء :

أمّا صحيحة العِيص فظاهر ؛ ضرورة أنّ ترك الاستفصال في وقت إخبار

ص: 292


1- تهذيب الأحكام 2 : 202 / 792 ؛ وسائل الشيعة 3 : 476 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 9 .
2- الكافي 3 : 404 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 360 / 1490 ؛ وسائل الشيعة 3 : 475 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 6 .
3- قرب الإسناد : 208 / 810 ؛ وسائل الشيعة 3 : 477 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 10 .

صاحب اليد ، دليل على عموم الحكم لما إذا أخبره في الوقت وقد صلّى في ثوبه وبقي وقت الإعادة .

والرواية الثانية وإن كان صدرها متعرّضاً للقضاء ، لكنّ ذيلها مطلق يشمل الفرض المتقدّم . ومجرّد تعرّض الصدر للقضاء ، لا يوجب الانصراف أو تقييد الإطلاق .

أنّ المتفاهم العرفي من نفي القضاء هو الإرشاد إلى صحّة الصلاة المأتيّ بها فيفهم العرف من نفي القضاء نفي الإعادة ، كما أ نّه يفهم من نفي الإعادة نفي القضاء ؛ وذلك لأنّ نفي كلّ منهما دليل عرفاً على صحّة الصلاة ، وإرشاد إليها . واحتمال أن تكون النجاسة المحرزة في جزء من أجزاء الوقت مانعة منها - وبعبارة اُخرى : تعقّبها بالإحراز في الوقت ولو بعد الصلاة مانعة - بعيد عن فهم

العرف غايته .

نعم ، لو ورد دليل على التفصيل بين الإعادة في الوقت وعدم القضاء خارجه ، كان هذا التصوير العقلي موجباً لعدم جواز طرحه وعدم العمل به ، وأمّا إن كانت الواقعة مثل المقام في عدم الدليل على التفصيل ، وإنّما أردنا البناء عليه بدليل نفي القضاء والتقييد المشار إليه ، فلا يساعده العرف ؛ فإنّ ما يدلّ على نفي القضاء يدلّ على صحّة الصلاة لدى العرف ، فيعارض ما دلّ على الإعادة .

هذا مع التأمّل في أنّ هذا النحو من التقي-يد وانقلاب النسبة ، جمع مقبول عقلائي ، بل كأ نّه أمر صناعي عقلي ، لا جمع عرفي ، والميزان في جمع الأدلّة هو الثاني ، وهو محلّ إشكال ، سيّما في المقام الذي يأبى جلّ الروايات عن الحمل على ما بعد الوقت ، كما لا يخفى على المتأمّل فيها .

ص: 293

فبقيت صحيحة ابن عبد ربّه ورواية أبي بصير ، معارضتين لسائر الروايات .

ويمكن أن يجاب عن الاُولى : بأنّ الشرطية المذكورة فيها ظاهرة في دخالتها في الحكم ، فيكون موضوع الإعادة النجاسة غير المعلومة ، وهذا غير البناء على المفهوم ، كما هو المقرّر في محلّه ، فإذا قطعنا بعدم دخالتها في الحكم ، بل كان ذكرها مخلاًّ بالمقصود ، أو لغواً يجب تنزيه ساحة القائل عنهما ، يدور الأمر بين زيادة الشرطية وما بعدها ، ونقصان كلمة «لا» قبل «يعيد» أو كون أداة الاستفهام غير مذكورة ؛ فيكون الاستفهام إنكارياً ، ولا ترجيح لواحد منها .

وبعبارة اُخرى : أنّ العمل بالظواهر ليس أمراً تعبّدياً ، بل أمر عقلائي يتوقّف

على جريان الاُصول العقلائية - كأصالة عدم الخطأ والنسيان والغفلة في صدورها - حتّى يجوز الاتّكال عليها ، وفي مثل المورد الذي كان القيد الزائد بلا وجه ، لا يعتدّ العقلاء بالاُصول المتقدّمة ، سيّما مع معارضتها بالروايات المستفيضة المصرّحة : بأ نّه لا يعيد إذا لم يعلم .

والإنصاف : أنّ دعوى الجزم بوجود خلل فيها غير بعيدة .

وأوضح منه الجواب عن الثانية ؛ فإنّه بعد الغضّ عن عدم الدليل على أنّ وهب بن حفص هو الجُرَيْري الثقة ، أنّ صحّة الشرطية فيها أيضاً تحتاج إلى التوجيه والتأويل ، وإلاّ فبعد قوله علیه السلام : «علم به» الظاهر في أ نّه علم به حين الصلاة ، لا وجه للتقييد بأ نّه إذا علم ، فلا بدّ من أن يقال : «سواء علم به فنسي أو لم يعلم ، فعليه الإعادة إذا علم بالخلل» وهو تأويل فيها بلا دليل .

ولا ترجيح لهذا الاحتمال على الاحتمال الآخر : وهو الحمل على أنّ قوله علیه السلام : «علم به أو لم يعلم» استفسار عن الواقعة ؛ وأنّ الشرطية لإفادة أنّ في

ص: 294

شقّ منهما يعيد دون الآخر ، وعليه تكون الرواية من أدلّة القول المشهور .

والإنصاف : عدم إمكان التعويل عليهما في مقابل تلك الروايات الظاهرة الدلالة ، الواضحة المراد ، السليمة عن المناقشة في الأسناد والمتون .

والحمل على الاستحباب(1) لا يخلو من بُعد وإشكال ، سيّما في المقام الذي يكون الأمر بالإعادة لدى العرف ، إرشاداً إلى الفساد .

كما أنّ النهي عنها إرشاد إلى الصحّة ، ولم ينقدح في الأذهان منهما النفسية ؛ وجوباً كان أو استحباباً .

كما أ نّه مع تصديق التعارض بين الأخبار ، يشكل ترجيح الروايات النافية للإعادة عليهما ؛ بعد ما قرّر في محلّه : أنّ كثرة الرواية ليست من المرجّحات(2) . وليس في المقام شهرة فتوائية موهنة لمقابلها ؛ بحيث يكون المقابل شاذّاً نادراً ؛ بعد عملِ عُمَد الفقهاء بها ، كالشيخ وابن زهرة والمحقّق والعلاّمة وثاني المحقّقين والشهيدين وغيرهم على ما حكي عنهم(3) ، وموافقتِهما لأدلّة الاشتراط ، مثل «لا صلاة إلاّ بطهور»(4) و«لا تعاد . . .»(5)

ص: 295


1- اُنظر جواهر الكلام 6 : 212 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 208 و209 .
2- التعادل والترجيح ، الإمام الخميني قدس سره : 123 .
3- اُنظر جواهر الكلام 6 : 211 ؛ المبسوط 1 : 38 ؛ غنية النزوع 1 : 66 ؛ المختصر النافع : 19 (حكى عنه صاحب الجواهر رحمه الله ولكن صريح عبارته خلاف ذلك) ؛ قواعد الأحكام 1 : 194 ؛ جامع المقاصد 1 : 150 ؛ مسالك الأفهام 1 : 127 ؛ المهذّب 1 : 154 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 49 / 144 ، و : 209 / 605 ؛ وسائل الشيعة 1 : 315 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 9 ، الحديث 1 .
5- الفقيه 1 : 225 / 991 ؛ وسائل الشيعة 1 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 3 ، الحديث 8 .

بناءً على أنّ «الطهور» أعمّ ، وغيرهما من أدلّة اعتبار الطهارة أو مانعية النجاسة .

فالتفصيل المتقدّم ضعيف ، لا لما ذكر آنفاً ، بل لما تقدّم من الوجه(1) .

في التفصيل بين المتذكّر الذي لم يتفحّص وغيره

وأضعف منه التفصيل الثاني ؛ لعدم دليل عليه سوى رواية ميمون الصيقل ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت له : رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل ، فلمّا أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة ، فقال : «الحمد للّه الذي لم يدع شيئاً إلاّ وله حدّ : إن كان حين قام نظر فلم يرَ شيئاً فلا إعادة عليه ، وإن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة» .كذا في نسخة «الوسائل» و«مرآة العقول»(2) .

وفي «الوافي» عن «الكافي» و«التهذيب» بزيادة «وصلّى» بعد «فاغتسل»(3) .

وفي هامش «الوافي» : «هذا الخبر أورده في «التهذيب» مرّتين(4) ، وليس في أحدهما قوله علیه السلام : «حين» الأوّل إلى «حين» الثاني [منه رحمه الله علیه ] »(5) انتهى .

وفي «الوسائل» بعد نقله عن «الكافي» كما تقدّم قال : ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يعقوب ، ورواه أيضاً بإسناده عن الصفّار ، عن الحسن بن علي بن

ص: 296


1- تقدّم في الصفحة 292 - 293 .
2- وسائل الشيعة 3 : 478 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 41 ، الحديث 3 ؛ مرآة العقول 15 : 325 / 7 .
3- الوافي 6 : 163 / 10 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 424 / 1346 ، و2 : 202 / 791 .
5- الوافي 1 : 26 ، أبواب الطهارة عن الخبث (ط - الحجري) .

عبداللّه ، ورواه أيضاً مثله إلى قوله علیه السلام : «فلا إعادة عليه»(1) .

وفي نسخة من «التهذيب» مقروءة على المحدّث المجلسي كما تقدّم عن «الوسائل» لكن بزيادة «إلى الصلاة» بعد قوله علیه السلام : «حين قام» الأوّل .

وقد اختلف نقلها في الكتب الاستدلالية أيضاً (2) .

فهذه الرواية مع هذا السند الضعيف - بل المغشوش ، كما يظهر بالرجوع إلى كتب الحديث - وهذا المتن المشوّش ، لا يمكن الاتّكال عليها ، سيّما مع عدم تحقّق عامل بها .

مع أ نّه على نسخة «الوسائل» التي ليس فيها قوله : «وصلّى » لم يتّضح أنّ الإعادة إعادة الصلاة ، ولعلّها إعادة الغسل .

ولزوم فساد المتن على هذا الفرض لا يوجب العلم بكون المقدّر فيها الصلاة ، إلاّ أن يكون ذلك موجباً لترجيح النسخة الاُخرى .

وعلى النسخة التي ليس فيها جملة : «وإن كان حين قام لم ينظر . . .» إلى آخره ، لا تدلّ على المقصود إلاّ بتوهّم : أنّ المفهوم لها «أ نّه إذا لم ينظر . . .» إلى آخره ، وهو غير معلوم ؛ لأنّ أخذ النظر وغيره من العناوين التي لها طريقية إلى الواقع في موضوع ، لا يكون ظاهراً في الموضوعية ، ولعلّ قوله علیه السلام : «نظر فلم يرَ» اُخذ أمارة على عدم الجنابة فيه واقعاً ، ومقابلها وجودها واقعاً فيه . ومعارضة هذا المفهوم للأدلّة المتقدّمة لا توجب ظهوراً فيها .

ص: 297


1- وسائل الشيعة 3 : 478 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 41 ، ذيل الحديث 3 .
2- راجع الحدائق الناضرة 5 : 415 ؛ رياض المسائل 2 : 400 ؛ مستند الشيعة 4 : 264 ؛ جواهر الكلام 6 : 213 .

وأمّا دعوى تقدّم أصالة عدم الزيادة على أصالة عدم النقيصة ، فعلى فرض تسليمها لا تسلّم في المقام ؛ فإنّ المحتمل فيه أن تكون الزيادة عن عمد نقلاً بالمعنى ، وتفصيلاً لما اُجمل في الرواية ، وهو ليس بممنوع حتّى ينافي العدالة ، فيدور الأمر بين النقيصة السهوية أو العمدية بلا وجه ، وبين الزيادة السهوية أو العمدية مع الوجه .

إلاّ أن يقال : يحتمل في النقيصة أن تكون عن عمد في المقام أيضاً ؛ لاحتمال اكتفاء الراوي بالمنطوق وإيكال فهم المفهوم إلى السامع ، لكنّه بعيد .

بل ما ذكرناه أيضاً كذلك ، فالأوجه في الجواب عنها الطعن في السند والهجر في العمل .

وبالأخير يجاب عن سائر الروايات التي استدلّ بها (1) للمقصود لو سلّمت دلالتها ، لكنّها غير مسلّمة ؛ لأنّ الظاهر من صحيحة محمّد بن مسلم - عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : ذكر المنيّ فشدّده وجعله أشدّ من البول ، ثمّ قال : «إن رأيت

المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة ، فعليك إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ، ثمّ صلّيت فيه ، ثمّ رأيته بعد ، فلا إعادة عليك ، وكذلك البول»(2) - أنّ الجملة الثانية مفهوم الشرطية الاُولى ، وليست جملة مستقلّة غير مربوطة بها ، فيكون المراد عدم رؤية المنيّ في الثوب ، وقد مرّ منّا : أنّ الجملة المذكورة لبيان المفهوم لا مفهوم لها (3) .

ص: 298


1- راجع الحدائق الناضرة 5 : 415 - 416 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 532 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 252 / 730 ، و2 : 223 / 880 ؛ وسائل الشيعة 3 : 478 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 41 ، الحديث 2 .
3- تقدّم في الصفحة 162 .

وأمّا مرسلة الصدوق(1) فهي - على الظاهر - عين الرواية المتقدّمة ، ورواية مُيسّر(2) أجنبيّة عن المقام .

حكم الصلاة فيما لو رأى النجاسة في أثنائها

ولو رأى النجاسة في أثناء الصلاة ، فإن علم بسبقها وأنّ بعض صلاته وقع مع النجاسة ، بطلت صلاته مع سعة الوقت ؛ لبطلان المشروط مع فقد شرطه ، ولجملة من الروايات الآتية عن قريب(3) .

القول بتصحيح الصلاة في هذه الصورة وما فيه

وقد يقال : إنّ مقتضى الرواياتِ الواردة في حدوث الدم في أثناء الصلاة - كصحيحة معاوية بن وهب ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الرعاف أينقض الوضوء ؟ قال : «لو أنّ رجلاً رعف في صلاته ، وكان عنده ماء ، أو من

ص: 299


1- هكذا نصّها : قال : وقد روي في المنيّ أ نّه : «إن كان الرجل جنباً حيث قام نظر وطلب فلم يجد شيئاً فلا شيء عليه ، فإن كان لم ينظر ولم يطلب فعليه أن يغسله ويعيد صلاته » . الفقيه 1 : 42/ 167 ؛ وسائل الشيعة 3 : 478 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 41 ، الحديث 4 .
2- قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : آمر الجارية فتغسل ثوبي من المنيّ فلا تبالغ في غسله ، فاُصلّي فيه فإذا هو يابس . قال : «أعد صلاتك ، أمّا أ نّك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شيء» . الكافي 3 : 53 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 428 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 18 ، الحديث 1 .
3- سيأتي في الصفحة 303 .

يشير إليه بماء ، فتناوله فقال برأسه فغسله ، فليبن على صلاته ولا يقطعها»(1) ونحوها جملة من الصحاح وغيرها (2) - والرواياتِ الواردة في صحّتها لو علم بالنجاسة بعدها (3) ، صحّة صلاته في الفرض ؛ فإنّ الجهل إذا كان في جميعها عذراً ، يكون في بعضها بالأولوية وإلغاء الخصوصية عرفاً ، فصحّت صلاته إلى حين الالتفات ، وفي حاله والاشتغال بالتطهير ، يكون معذوراً بمقتضى الروايات المتقدّمة في الرعاف ، والعرف لا يفرّق بين الحدوث والعلم بالوجود ؛ لأنّ المانع للصلاة النجاسة لا حدوثها .

وبالجملة : تصحّ صلاته هذه بعضها بدليل معذورية الجاهل ، وبعضها بما دلّ على معذوريته حال الاشتغال بالتطهير ، وبعضها بوجدانها للشرط(4) .

وفيه : منع الأولوية المدّعاة :

وأمّا إن قلنا بالعفو ؛ فلأنّ العفو في الجميع ربّما يكون تخفيفاً على المكلّف ؛ وعدم إرادة إعادة جميع الصلاة ، دون بعضها .

وإن قلنا بعدم المانعية فكذلك ؛ لإمكان أن يكون للجهل في جميع الصلاة دخالة فيه ، فلا قطع بالمناط ، وهو واضح ، سيّما مع وقوع نظائره في الشرع .

ص: 300


1- تهذيب الأحكام 2 : 327 / 1344 ؛ وسائل الشيعة 7 : 241 ، كتاب الصلاة ، أبواب قواطع الصلاة ، الباب 2 ، الحديث 11 .
2- راجع وسائل الشيعة 7 : 238 ، كتاب الصلاة ، أبواب قواطع الصلاة ، الباب 2 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 474 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 .
4- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 218 .

ولا يمكن دعوى إلغاء الخصوصية ؛ لمنع فهم العرف من الأدلّة ذكر «بعد الصلاة» من باب المثال مثلاً ؛ بعد ما يرى أنّ لتمام الصلاة خصوصيةً وأحكاماً في الشرع ليست لبعضها .

ومنع القطع بعدم الفارق بين حدوث الدم وحدوث الالتفات إليه ؛ لاحتمال أن يكون للحدوث القهري خصوصية لم تكن لغيره . بل لو كان الدليل في الباب منحصراً بأدلّة الرعاف ، لا يمكن لنا التعدّي منها إلى سائر النجاسات ؛ بعد ثبوت التخفيف في الدم بما لا يكون في غيره ، كالتخفيف في دم القروح والجروح كائناً ما كان ، وكالأقلّ من الدرهم .

لكن سيأتي ما يستفاد منه العموم لسائر النجاسات .

وقد يقال لتصحيح العبادة في الفرض وسائر الفروض في المقام : إنّه لا دليل على مانعية النجاسة في جميع الصلاة أفعالاً وأكواناً ؛ لقصور أدلّة الاشتراط أو المانعية عن شمول الأكوان ، ومع الشكّ مقتضى الأصل البراءة ، فتكون الصلاة صحيحة إلى حين الالتفات بأدلّة الجهل كما تقدّم ، وفي حينه وحين الاشتغال بالتطهير بأصالة البراءة(1) .

وفيه : ما مرّ من عدم الدليل على معذورية الجاهل مع الالتفات في أثناء الصلاة ، ومنع فقدان الدليل على اعتبار الطهارة أو عدم النجاسة في الأكوان ؛ لعدم قصور صحيحة زرارة - عن أبي جعفر علیه السلام قال : «لا صلاة إلاّ بطهور ، ويجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار ، بذلك جرت السنّة عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم

ص: 301


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 220 .

وأمّا البول فإنّه لا بدّ من غسله»(1) - عن إفادة ذلك ؛ لأنّ الظاهر منها أنّ الصلاة

باطلة مع فقد الطهور ، فإذا فَقدت الطهور في بعضها لم تكن هي بطهور ، وبالجملة الظاهر منها اعتباره في جميعها .

إن قلت : نعم ، لكن الأكوان ليست بصلاة ، بل هي عبارة عن التكبير إلى التسليم ؛ أي الأجزاء الوجودية من الأذكار وغيرها ، والسكوتات المتخلّلات بينها ليست من الصلاة(2) .

قلت : - مضافاً إلى إمكان أن يقال : إنّ المصلّي من أوّل صلاته إلى آخرها ،

لا يخلو من التلبّس بفعل من أفعال الصلاة ، كالقيام والقعود والركوع والسجود ، بل يمكن أن يقال : إنّ النهوض للقيام والهويّ للسجود أيضاً من أجزائها ، لا من مقدّماتها ، فأجزاء الصلاة متّصلة إلى آخرها ، تأمّل - إنّ المرتكز لدى المتشرّعة أنّ المصلّي إذا كبّر ، يكون في الصلاة إلى أن يخرج عنها بالسلام ، فتكون الصلاة عندهم أمراً ممتدّاً يكون المكلّف متلبّساً بها في جميع الحالات ؛ أكواناً أو أفعالاً ، ودعوى أنّ الأكوان خارجة عنها مخالفة لارتكازهم .

مع أنّ التعبير ب- «القاطع» في جملة من الموارد(3) ، يدلّ على أ نّها أمر ممتدّ في الاعتبار يقطعها بعض القواطع . والقول بأنّ التعبير ب- «القاطع» لأجل

ص: 302


1- تهذيب الأحكام 1 : 49 / 144 ، و : 209 / 605 ؛ وسائل الشيعة 1 : 315 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 9 ، الحديث 1 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 220 .
3- وسائل الشيعة 7 : 233 ، كتاب الصلاة ، أبواب قواطع الصلاة ، الباب 1 ، الحديث 2 ، والباب 7 ، الحديث 2 و3 و4 ، والباب 25 ، الحديث 6 .

إبطاله الأجزاء السابقة ، وسلب صلوح اتّصالها بالأجزاء اللاحقة ، خلاف ظاهر

«القطع» و«القاطع» .

مع أنّ اعتبار الطهور وسائر ما يعتبر في الصلاة في جميع الأجزاء والأكوان ، ممّا لا ينبغي الشكّ والترديد فيه ، ومن هنا لا يجوز الإتيان بالموانع عمداً في الأكوان ورفعها للأفعال ، وهو كالضروري ، وليس إلاّ لبعض ما تقدّم .

مقتضى القاعدة والروايات بطلان الصلاة في المقام

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ مقتضى القاعدة بطلان الصلاة في صورة العلم بسبق العروض ؛ سواء علم بسبقه على الدخول في الصلاة ، أو سبقه على الرؤية ، مع إتيان بعض الصلاة مع النجس .

هذا مضافاً إلى دلالة صحيحة زرارة الطويلة عليه ، قال : قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من منيّ ، فعلّمت أثره . . . إلى أن قال :

قلت : إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة ، قال : «تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته ، وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطباً قطعت الصلاة وغسلته ، ثمّ بنيت على الصلاة ؛ لأ نّك لا تدري لعلّه شيء اُوقع عليك ، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ»(1) .

ولا ريب في أ نّه يستفاد منها حكم مطلق النجاسات ؛ ضرورة أنّ ذكر الدم والمنيّ من باب المثال ، كما يظهر - مضافاً إلى وضوحه - من سائر فقراتها .

ص: 303


1- علل الشرائع : 361 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1335 ؛ وسائل الشيعة 3 : 482 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 44 ، الحديث 1 .

كما لا شبهة في أنّ المراد بالفرع الأوّل من الفرعين ، مورد العلم بسبق النجاسة على زمان الرؤية . وقوله علیه السلام : «إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته» لتنقيح موضوع الاطمئنان بكون ما رآه هو المشكوك فيه قبلاً ، كما يظهر ذلك من تقييد المرئيّ في الفقرة الثانية بكونه رطباً ؛ فإنّه مع فرض اليبوسة يعلم بسبقه .

ويؤيّده بل يشهد عليه قوله علیه السلام : «لأ نّك لا تدري لعلّه شيء اُوقع عليك» فإنّه لإلقاء الشبهة بحدوث النجاسة .

وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في ظهورها في أ نّه مع العلم بوجود النجاسة قبل الرؤية ، تبطل الصلاة ، ومع الشكّ لا تبطل . وحمل الفقرة الاُولى على مورد العلم الإجمالي(1) ، مخالف للظاهر من وجوه .

فيبقى سؤال الفارق بين الفرعين ، حيث تمسّك في الثانية بالاستصحاب دون الأوّل ، مع أنّ جريان الأصل إنّما يفيد لحال الجهل ، لا الالتفات بوجود النجاسة ، وفي الفرع الأوّل أيضاً كان المصلّي شاكّاً في عروضها ، وتبيّن الخلاف غير مضرّ به ، كما أجراه في صدر الصحيحة بالنسبة إلى من صلّى في الثوب ، ثمّ علم بالنجاسة .

وبالجملة : كما أ نّه في الفرع الثاني يجري الاستصحاب ، ويفيد بالنسبة إلى حال قبل الالتفات ، كذا في الأوّل بالنسبة إليه ، ولا بدّ في تصحيح حال الالتفات والعلم من دليل آخر غير الاستصحاب .

والجواب عنه ما ذكرناه(2) : من احتمال عدم العفو عن النجاسة الموجودة قبل

حال الرؤية في حالها ؛ لقصور الأدلّة الدالّة على حدوث الرعاف بين الصلاة عن

ص: 304


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 224 .
2- تقدّم في الصفحة 301 .

إثباته ، وهذه الصحيحة شاهدة على ما ذكرناه من اقتضاء القواعد ، وإنّما تمسّك

في الفرع الثاني بالاستصحاب لإصلاح حال الجهل ، لا حال الالتفات ، وأمّا في حال العلم فلمّا شكّ في وقوعها من الأوّل أو حدوثها في الآن ، يشكّ في حدوث المانع ، فأصالة البراءة عقلاً وشرعاً جارية ، ومع التطهير تصحّ صلاته ببركة الاستصحاب وأصالة البراءة والطهارة الواقعية .

هذا إذا كان المراد من الاستصحاب في الرواية ، استصحابَ عدم عروض النجاسة ، وإنّما تمسّكنا بأصالة البراءة دون أدلّة الرعاف ، فإنّ استصحاب عدم عروض النجاسة إلى زمان الرؤية ، لا يثبت حدوثها في الحال حتّى ينقّح به موضوع الأدلّة الاجتهادية ، فالأصل لإثبات الحدوث مثبت .

وأمّا إن اُريد استصحاب عدم عروض المانع أو استصحاب بقاء الهيئة الاتّصالية للصلاة - على فرض جريانهما - فالأمر واضح .

وأمّا الفرع الأوّل فلا يمكن تصحيحه بالاستصحاب ؛ لأ نّه مع انكشاف أنّ النجس عرض سابقاً ، يحرز عدم اندراج المورد في أدلّة العفو الظاهرة في حدوث النجاسة لدى الرؤية ، فتبقى أدلّة اعتبار الطهور في الصلاة بلا مقيّد .

وتدلّ على المطلوب أيضاً صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ، ثمّ علم به ، قال : «عليه أن يبتدئ الصلاة» .

قال : وسألته عن رجل يصلّي وفي ثوبه جنابة أو دم حتّى فرغ من صلاته ، ثمّ علم ، قال : «مضت صلاته ، ولا شيء عليه»(1) .

ص: 305


1- الكافي 3 : 405 / 6 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 360 / 1489 ؛ وسائل الشيعة 3 : 474 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 2 .

واحتمال أن يكون المراد فرض نسيان النجاسة(1) ، في غاية البعد لو لم نقل : مقطوع الخلاف ، سيّما بملاحظة ذيلها الذي لا شبهة في أنّ المراد منه الجهل لا النسيان .

واحتمال أنّ الفقرة الثانية كانت رواية اُخرى مستقلّة ذكرت في ذيلها تلفيقاً (2) ، بعيد لا يصار إليه .

وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في دلالتها على المطلوب .

وتدلّ عليه أيضاً إطلاق صدر صحيحة محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه علیه السلام

قال : ذكر المنيّ فشدّده وجعله أشدّ من البول ، ثمّ قال : «إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة ، فعليك إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ، وصلّيت فيه ، ثمّ رأيته بعد ذلك ، فلا إعادة عليك ، وكذلك البول»(3) .

ولو نوقش فيها بدعوى ظهورها - بمناسبة الإعادة وغيرها - فيما لو صلّى وأتمّها بعد رؤية الدم(4) ، ففيما عداها كفاية وإن أمكن إنكار المناقشة .

وربّما يقال : بأنّ الإعادة مختصّة بما إذا لم يمكن نزع الثوب أو تطهيره ، ومع إمكان ذلك فعَله وأتمّها ؛ جمعاً بين الروايات(5) بشهادة صحيحة محمّد بن مسلم

ص: 306


1- اُنظر مرآة العقول 15 : 325 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 225 .
2- اُنظر الوافي 6 : 163 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 252 / 730 ، و2 : 223 / 880 ؛ وسائل الشيعة 3 : 478 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 41 ، الحديث 2 .
4- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 225 .
5- جواهر الكلام 6 : 223 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 216 و220 .

قال : قلت له : الدم يكون في الثوب عليّ وأنا في الصلاة ، قال : «إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلّ ، وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ، ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم ، وما كان أقلّ من ذلك فليس بشيء ؛ رأيته من قبل أو لم تره ، وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم ، فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة ، فأعد ما صلّيت فيه»(1) .

وفيه : - بعد الغضّ عن اغتشاش متنها ونقلها ، كما مرّ في باب العفو عن الدم القليل(2) ، والغضّ عن أنّ ظاهرها بيان أحكام لموضوعات ثلاثة : الدم المساوي للدرهم ، والدم الأقلّ منه ، والأكثر منه ؛ فإنّ «ما لم يزد» إذا وقع في مقابل الزائد والقليل ، يتعيّن أن يكون بمقداره ، وهو تفصيل لم يقل به أحد - أنّ الاستدلال بها لما ذكر موقوف على أنّ المراد بالشرطية الاُولى الدم الكثير ، وبالثانية طبيعة الدم ، وإرجاع القيد إلى الثانية فقط ، وهو خلاف الظاهر ؛ فإنّ الظاهر أنّ قوله علیه السلام : «وإن لم يكن عليك ثوب غيره» بيان مفهوم الشرطية الاُولى ، فحينئذٍ يكون القيد راجعاً إليهما ، فيكون الأمر بالطرح محمولاً على الاستحباب إن اُريد ب- «ما لم يزد» الدم الأقلّ ، وإلاّ كانت الشرطية الثانية خلاف الإجماع والأخبار .

والإنصاف : أنّ رفع اليد عن القواعد والتصرّف في الأخبار بهذه الرواية ، غير ممكن .

ص: 307


1- وسائل الشيعة 3 : 431 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث 6 ، وراجع أيضاً ما تقدّم في الصفحة 92 .
2- تقدّم في الصفحة 92 - 93 .
حكم الصلاة مع نسيان النجاسة

وأمّا الناسي ، بأن علم بالنجاسة فنسيها وصلّى ، فعليه الإعادة في الوقت وخارجه على المشهور أو مذهب الأكثر ، كما عن «المعتبر» و«كشف الالتباس» و«الروض» وغيرها (1) . وعن «كشف الرموز» نسبته إلى الشيخ والمفيد وعلم

الهدى وأتباعهم(2) .

وعن «التنقيح» : «أ نّه مذهب الثلاثة وأتباعهم ، وعليه الفتوى»(3) .

وعن ابن زهرة والحلّي وظاهر «شرح القاضي» الإجماع عليه(4) .

ولم ينسب الخلاف إلى متقدّمي أصحابنا إلاّ الشيخ في «الاستبصار»(5) الذي لم يعدّ للفتوى ، بل لرفع التنافي بين الأخبار ، فلا ينبغي عدّه مخالفاً .

نعم عن «التذكرة» نسبة عدم وجوب الإعادة مطلقاً إليه في بعض أقواله(6) .

وعلى أيّ تقدير : الشهرة محقّقة في الطبقة الاُولى من أصحابنا .

وقبل التكلّم في مفاد الأخبار الخاصّة ، لا بأس بالتكلّم في مقتضى القواعد :

ص: 308


1- المعتبر 1 : 441 - 442 ؛ كشف الالتباس 1 : 457 ؛ روض الجنان 1 : 449 - 450 ؛ ذخيرة المعاد : 168 / السطر 8 .
2- كشف الرموز 1 : 113 .
3- التنقيح الرائع 1 : 152 .
4- غنية النزوع 1 : 66 ؛ السرائر 1 : 271 ؛ شرح جمل العلم والعمل : 101 - 102 .
5- اُنظر السرائر 1 : 183 ؛ الاستبصار 1 : 184 .
6- تذكرة الفقهاء 2 : 490 .
بيان مقتضى القواعد

فنقول : مقتضى أدلّة اشتراط الطهور أو مانعية النجس - سيّما مثل قوله علیه السلام : «لا صلاة إلاّ بطهور»(1) - هو بطلانها مع فقده نسياناً . وقد فرغنا عن رفع إشكال الأردبيلي ومن تبعه في المسألة المتقدّمة(2) .

وأمّا حديث «لا تعاد الصلاة . . .»(3) إلى آخره ، فإن قلنا : بأنّ «الطهور» في المستثنى أعمّ من الطهور من الخبث كما هو الأظهر ، يكون مقتضاه موافقاً لأدلّة الاشتراط .

وإن قلنا باختصاصه بالطهور من الحدث ، فيكون الطهور من الخبث في العقد المستثنى منه ، تكون النسبة بينه وبين «لا صلاة إلاّ بطهور» أعمَّ من وجه ؛ سواء كان الحديث مخصوصاً بالنسيان ، كما حكي عن المشهور(4) ، أو كان الأعمّ منه ومن الجهل بالحكم والموضوع ومن نسيان الحكم ، ويكون الخارج منه العالم العامد ؛ للانصراف عنه ، لا للإشكال العقلي كما قيل(5) .

وكيف كان : يكون «لا صلاة إلاّ بطهور» حاكماً عليه ؛ لأنّ الصحيحة تنفي موضوع الحديث بلسانها ، وهو الصلاة المأخوذة في موضوعه ، فوزان الصحيحة

ص: 309


1- تقدّم في الصفحة 288 .
2- تقدّم في الصفحة 289 .
3- تقدّم في الصفحة 288 .
4- الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 2 : 406 ؛ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 238 - 239 ؛ مستمسك العروة الوثقى 7 : 383 .
5- الصلاة ، المحقّق الحائري : 315 .

معه وزان «لا سهو لمن أقرّ على نفسه بالسهو»(1) مع أدلّة السهو .

وما قد يقال من حكومة حديث «لا تعاد . . .» على أدلّة اعتبار الأجزاء والشرائط(2) ، ممنوع على إطلاقه ، نعم هو حاكم على نحوِ قوله : «لا تصلّ في النجس» لا مثلِ الصحيحة التي تتصرّف في عقد وضع الحديث . بل ولا على ما دلّت على الإعادة بعنوانها ؛ فإنّها معارضة معه ، أو مخصّصة إيّاه .

فتحصّل ممّا ذكر : أنّ حديث «لا تعاد . . .» إمّا معاضد للصحيحة ، أو محكوم لها ، فتصير النتيجة بطلان الصلاة مع نسيان الطهور .

وأمّا حال حديث «لا تعاد . . .» مع حديث الرفع(3) ، فإن قلنا باختصاص «لا تعاد . . .» بالنسيان ، وشمولِ المستثنى للطهور من الخبث ، فيكون مخصّصاً لحديث الرفع ؛ لأخصّيته منه ، ويقدّم عليه ولو فرض تحكيم لسان حديث الرفع ؛ فإنّ التحكيم إنّما يفيد في الجمع العرفي فيما كانت نتيجته التخصيص ، لا فيما كانت النتيجة سقوط الدليل في جميع مفاده ، فالخاصّ والمقيّد مقدّمان على العامّ والمطلق ولو كان لسانهما الحكومة .

نعم ، لو كان «لا تعاد . . .» أعمّ من النسيان ، وشاملاً لغير العامد العالم ، تكون

ص: 310


1- السرائر 3 : 614 ؛ وسائل الشيعة 8 : 229 ، كتاب الصلاة ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الباب 16 ، الحديث 8 .
2- فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 238 - 239 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 528 ، و7 : 383 .
3- الخصال : 417 / 9 ؛ الفقيه 1 : 36 / 132 ؛ وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحديث 1 .

النسبة بينه وبين حديث الرفع العموم من وجه ، ويمكن أن يقال بتقدّم حديث الرفع عليه ؛ فإنّ المستثنى في «لا تعاد . . .» إن كان إرشاداً إلى اشتراط الصلاة بالخمسة في جميع الأحوال ، فحديث الرفع حاكم عليه ؛ لأ نّه ناظر إلى أدلّة الاشتراط بالرفع حال النسيان .

وإن كان متعرّضاً لعدم التقبّل في المستثنى ، والتقبّل في المستثنى منه ، فالمفروض فيه الاشتراط حال العمل ، ولسان الرفع مقدّم عليه ، على تأمّل ، لكن لا يمكن تحكيم حديث الرفع عليه ؛ لأنّ «لا تعاد . . .» وإن كان شاملاً لغير العامد ، لكن حديث الرفع أيضاً بفقراته مستغرق لجميع مفاد «لا تعاد . . .» في العقد المستثنى ، فيقع التعارض بينهما ، كما قرّر في محلّه(1) ، فيكون المرجع أو المرجّح أدلّة الاشتراط .

وأمّا حال حديث الرفع ، وقوله علیه السلام في صحيحة زرارة : «لا صلاة إلاّ بطهور» - مع الغضّ عن «لا تعاد . . .» - فلا يبعد أن يقال بتحكيمه على حديث الرفع ؛ فإنّ الحديث يرفع الشرط والجزء بعد مفروغية كون المأتيّ به صلاة ، والصحيحة ترفع الموضوع ، ومع عدمه لا معنى لرفع الجزء والشرط ، تأمّل .

فتحصّل من ذلك : أنّ مقتضى القواعد بطلانها مع فقد الطهور نسياناً .

بيان مقتضى الروايات وتعارضها

وتدلّ عليه - مضافاً إلى ذلك - روايات مستفيضة ، كصحيحةِ زرارة قال : قلت له : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من منيّ ، فعلّمت أثره إلى أن اُصيب

ص: 311


1- الخلل في الصلاة ، الإمام الخميني قدس سره : 51 .

له الماء ، وحضرت الصلاة ، ونسيت أنّ بثوبي شيئاً وصلّيت ، ثمّ إنّي ذكرت بعد

ذلك ، قال : «تعيد الصلاة وتغسله» . قلت : فإنّي لم أكن رأيت موضعه ، وعلمت أ نّه أصابه ، فطلبته فلم أقدر عليه ، فلمّا صلّيت وجدته ، قال : «تغسله وتعيد . . .»(1) إلى آخره .

وصحيحةِ أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : «إن أصاب ثوب الرجل الدم ، فصلّى فيه وهو لا يعلم ، فلا إعادة عليه . وإن هو علم قبل أن يصلّي ، فنسي وصلّى فيه ، فعليه الإعادة»(2) .

وموثّقةِ سَماعة قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يرى في ثوبه الدم ، فينسى أن يغسله حتّى يصلّي ، قال : «يعيد صلاته كي يهتمّ بالشيء إذا كان في ثوبه ؛ عقوبة لنسيانه»(3) .

إلى غير ذلك ممّا وردت في البول والدم والاستنجاء ، كموثّقة سَماعة قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : «إذا دخلت الغائط ، فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء ، ثمّ توضّأت ونسيت أن تستنجي ، فذكرت بعد ما صلّيت ، فعليك الإعادة . فإن كنت أهرقت الماء ، فنسيت أن تغسل ذكرك حتّى صلّيت ، فعليك إعادة الوضوء

ص: 312


1- علل الشرائع : 361 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 421 / 1335 ؛ وسائل الشيعة 3 : 479 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 42 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 254 / 737 ؛ وسائل الشيعة 3 : 476 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 40 ، الحديث 7 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 254 / 738 ؛ وسائل الشيعة 3 : 480 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 42 ، الحديث 5 .

والصلاة وغسل ذكرك ؛ لأنّ البول مثل البراز»(1) . وقريب منها غيرها (2) .

وبإزائها روايات :

منها : صحيحة العلاء ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشيء ينجّسه ، فينسى أن يغسله فيصلّي فيه ، ثمّ يذكر أ نّه لم يكن غسله ، أيعيد الصلاة ؟ قال : «لا يعيد ، قد مضت الصلاة وكتبت له»(3) .

ومنها: موثّقة عمّار بن موسى قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: «لو أنّ رجلاً نسي أن يستنجي من الغائط حتّى يصلّي ، لم يعد الصلاة»(4) ونحوها غيرها (5) .

وجوه الجمع بين الروايات السابقة وإبطالها

ولولا روايات الاستنجاء ، أو أمكن الالتزام باختلاف حكمه مع غيره كما قيل(6) ، لأمكن الجمع بين روايات الباب بالتفصيل بين نسيان الغسل من أعيان

ص: 313


1- الكافي 3 : 19 / 17 ؛ علل الشرائع : 580 / 12 ؛ وسائل الشيعة 1 : 319 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 10 ، الحديث 5 .
2- راجع وسائل الشيعة 1 : 294 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 18 ، و : 317 ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 10 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 423 / 1345 ، و2 : 360 / 1492 ؛ وسائل الشيعة 3 : 480 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 42 ، الحديث 3 .
4- تهذيب الأحكام 2 : 201 / 789 ؛ وسائل الشيعة 1 : 318 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 10 ، الحديث 3 .
5- راجع وسائل الشيعة 1 : 317 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 10 ، الحديث 2 و4 .
6- اُنظر الحدائق الناضرة 5 : 418 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 231 .

النجاسات ، كالدم والمنيّ وغيرهما ، فيقال فيه بالإعادة ، وبين نسيان غسل المتنجّس بها ، فيقال بعدمها ؛ فإنّ موردَ روايات إيجاب الإعادة نسيان الأعيان ، وموردَ صحيحة العلاء تنجّس الثوب بها .

لكن مضافاً إلى بُعْد ذلك جدّاً ، أنّ هذا التفصيل لم ينقل من أحد ولو احتمالاً .

ويمكن الجمع بين الروايات بحمل ما دلّت على عدم الإعادة على الحكم الحيثي ؛ بقرينة موثّقة سَماعة الاُولى ، فإنّ ظاهرها أنّ إيجاب الإعادة إنّما هو لعقوبة الناسي وعدم اهتمامه ، فتحمل رواياتُ إيجابها على كونه للعقوبة ، لا جبراً لبطلانها ، وأخبارُ نفيها على أ نّها لا تعاد لأجل فسادها ، وقد مضت صلاته وكتبت له ، لكن تجب الإعادة لكي يهتمّ بالشيء .

وهذا الجمع وإن كان أقرب من حمل روايات الإعادة على الاستحباب(1) - لإباء بعضها عنه ، سيّما مع ما أشرنا إليه(2) : من أنّ الأمرَ بالإعادة إرشاد إلى فساد الصلاة ، كما أنّ النهي عنها إرشاد إلى صحّتها ، والحملَ على الاستحباب النفسي بعيد في الغاية وغير مقبول عرفاً - لكنّه أيضاً بعيد عن مذاق العرف ، وليس جمعاً عقلائياً مقبولاً .

وأبعد منه التفصيل بين الوقت وخارجه(3) ؛ بشهادة صحيحة علي بن مَهْزِيار قال : كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره أ نّه بال في ظلمة الليل ، وأ نّه أصاب كفَّه بردُ نقطة من البول لم يشكّ أ نّه أصابه ، ولم يره ، وأ نّه مسحه بخرقة ، ثمّ

ص: 314


1- مدارك الأحكام 2 : 348 ؛ وسائل الشيعة 3 : 481 ، ذيل الحديث6 .
2- تقدّم في الصفحة 295 .
3- الاستبصار 1 : 184 ، ذيل الحديث642 .

نسي أن يغسله ، وتمسّح بدهن ، فمسح به كفّيه ووجهه ورأسه ، ثمّ توضّأ وضوء

الصلاة فصلّى .

فأجابه بجواب قرأته بخطّه : «أمّا ما توهّمت ممّا أصاب يدك ، فليس بشيء إلاّ ما تحقّق ، فإن حقّقت ذلك كنت حقيقاً أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صلّيتهنّ بذلك الوضوء بعينه ما كان منهنّ في وقتها ، وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها ؛ من قِبل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجساً ، لم يعد الصلاة إلاّ ما كان في وقت ، وإن كان جنباً ، أو صلّى على غير وضوء ، فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته ؛ لأنّ الثوب خلاف الجسد ، فاعمل على ذلك إن شاء اللّه»(1) .

وأنت خبير : بأنّ الروايات آبية عن هذا التفصيل ، ولو سلمت هذه الصحيحة عن الخدشة ، فكيف يمكن حمل موثّقة الساباطي المتقدّمة على نفي القضاء ؟ !

وكذا الحال في صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر علیه السلام قال : سألته عن رجل ذكر وهو في صلاته أ نّه لم يستنجِ من الخلاء ، قال : «ينصرف ويستنجي من الخلاء ، ويعيد الصلاة ، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته فقد أجزأه ذلك ، ولا إعادة»(2) .

فضلاً عن أ نّه لم تسلم عنها سنداً ؛ لإضمارها وإن كان المظنون كون

ص: 315


1- تهذيب الأحكام 1 : 426 / 1355 ؛ وسائل الشيعة 3 : 479 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 42 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 50 / 145 ؛ وسائل الشيعة 1 : 318 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 10 ، الحديث 4 .

المسؤول عنه أبو الحسن الرضا ، أو أحد الإمامين بعده علیهم السلام ، ومتناً ، وهو واضح .

والمظنون أنّ فيها سقطاً بعد قوله علیه السلام : «وما فات وقتها» ولا يبعد أن يكون السقط نحو هذه العبارة : «وإن كان ثوبك نجساً» ويكون قوله : «وما فات وقتها» عطفاً على سابقه ، لا استئنافاً ، ويكون المراد من قوله : «إنّ الثوب خلاف الجسد» أنّ النجاسة خلاف الحدث الذي محلّه الجسد .

وكيف كان : لا يمكن الاتّكال على مثل هذه الرواية ؛ والتصرّف بها في سائر الروايات ، وتخصيص القواعد بها .

ترجيح الروايات الدالّة على وجوب الإعادة

والإنصاف : أنّ الروايات متعارضة ، والترجيح لروايات إيجاب الإعادة . بل الظاهر عدم عمل متقدّمي أصحابنا بروايات نفي الإعادة ، وأعرضوا عنها ، فلا تصلح للحجّية ؛ لما ذكرنا أنّ العمل بالأخبار لبناء العقلاء وإمضاء الشارع(1) ، وفي مثل تلك الروايات التي لم يعمل بها رواتها ، لا يتّكل العقلاء عليها ، فهي ساقطة عن الحجّية ، لا مرجوحة بعد الفراغ عن حجّيتها .

ومع الغضّ عنه فالترجيح مع أخبار الإعادة ؛ لموافقة مقابلاتها للعامّة ، كأبي حنيفة والشافعي في القديم والأوزاعي ، حيث ذهبوا - على ما حكي عنهم - إلى عدم وجوب الإعادة في الناسي وغيره(2) ، بل ذهب أبو حنيفة إلى

ص: 316


1- تقدّم في الصفحة 21 .
2- اُنظر الخلاف 1 : 479 ؛ المجموع 3 : 132 / السطر 4 ، و : 157 / السطر 4 .

استحباب الاستنجاء من الغائط(1) ، فتحمل موثّقة عمّار(2) على التقيّة . ورواية هشام بن سالم(3) ضعيفة(4) .

مع أنّ أخبار وجوب الإعادة موافقة لقواعد السنّة القطعية ، ولعلّها تكون مرجّحة كموافقة الكتاب .

فالأقوى وجوب الإعادة وقتاً وخارجاً . هذا حال الناسي .

بطلان الصلاة مع العلم بالنجاسة وما يستثنى منه

وأمّا إذا صلّى فيه عالماً عامداً ، فعليه الإعادة بلا إشكال نصّاً وفتوى .

ثوب المربّية المتنجّس ببول المولود

نعم ، يستثنى منه موارد قد تقدّم بعضها (5) ، ومنها المرأة المربّية لمولود إذا تنجّس ببوله قميصها مع وحدته ، فإنّها تغسل ثوبها في اليوم مرّة واحدة ،

ص: 317


1- اُنظر الخلاف 1 : 104 ؛ المغني ، ابن قدامة 1 : 141 / السطر 11 ؛ فتح العزيز ، ذيل المجموع 1 : 456 .
2- تقدّمت في الصفحة 313 .
3- عن أبي عبداللّه عليه السلام ، في الرجل يتوضّأ وينسى أن يغسل ذكره وقد بال ، فقال : «يغسل ذكره ولا يعيد الصلاة» . تهذيب الأحكام 1 : 48 / 140 ؛ وسائل الشيعة 1 : 317 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 10 ، الحديث 2 .
4- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن سعد ، عن موسى بن الحسن والحسن بن علي ، عن أحمد بن هلال ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم . والرواية ضعيفة بأحمد بن هلال .
5- تقدّم في الصفحة 63 و72 و89 .

وتجزيها عن الغسل في بقيّته . والأصل فيه رواية أبي حفص ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سئل عن امرأة ليس لها إلاّ قميص واحد ، ولها مولود فيبول عليها ، كيف تصنع ؟ قال : «تغسل القميص في اليوم مرّة»(1) .

ولا ينبغي الإشكال في سندها (2) بعد عمل الأصحاب بها قديماً وحديثاً ، فأصل الحكم لا إشكال فيه ، وإنّما الكلام في بعض الفروع ، ولا بدّ من الخروج عن القواعد بمقدار دلالتها .

فنقول : إلحاق الرجل المربّي بالمرأة محلّ إشكال ؛ لأنّ النصّ مخصوص بها ، ولها خصوصية ؛ وهي كونها ضعيفة - بحسب النوع - جسماً وروحاً ، فيمكن أن يكون التخفيف عنها دون الرجال ، فإنّ غسل الثوب في كلّ يوم مراراً ربّما يكون موجباً لمعرضية فساده ، وهو مشقّة على النساء نوعاً دون الرجال ، فإلغاء الخصوصية منها أو القطع بالملاك ممنوعان .

والظاهر عدم الفرق بين القميص وغيره كالسربال ، لا نحو المقنعة التي لا يبول عليها عادة ؛ وذلك لإلغاء الخصوصية عرفاً .

نعم ، لا يجوز التعدّي إلى البدن ؛ لعسر الغسل في الثوب دون البدن ، لاحتياج الأوّل في تجفيفه إلى زمان معتدّ به دون الثاني ، فلا يمكن التعدّي .

وهل الحكم مختصّ بقميص واحد كما هو مورد النصّ ، أو يتعدّى إلى المتعدّد مع الاحتياج إليه في اللبس ؛ بحيث لا يمكنها الاكتفاء بغيره ؟

ص: 318


1- تهذيب الأحكام 1 : 250 / 719 ؛ وسائل الشيعة 3 : 399 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 4 ، الحديث 1 .
2- مدارك الأحكام 2 : 355 .

الظاهر ذلك ؛ لمساعدة العرف في الفهم من النصّ بإلغاء الخصوصية .

كما أنّ الحكم لا يختصّ بما ولد منها ، فيتعدّى إلى المؤجرة والمتبرّعة والمربّية بغير رضاع ؛ لأنّ العرف يرى أنّ الحكم جعل تخفيفاً عن المرأة المتصدّية للطفل ؛ من غير دخالة للولادة في ذلك ، وإنّما ذكر المولود مثالاً ومن باب الغلبة .

كما أ نّه شامل للذكر والاُنثى، والواحد والمتعدّد، ولو قيل باختصاصه بالأوّلين منهما لا يختصّ الحكم بهما ؛ لأنّ المفهوم من النصّ أنّ ذلك تخفيف بالنسبة إلى المرأة ؛ من غير دخالة لخصوصية الولد ، ولا لكونه واحداً ، فتوهّم أنّ بول الصبيّ والواحد أخفّ من الصبيّة والمتعدّد ، فيمكن الاختصاص بهما (1) ، في غير محلّه بعد ما يتفاهم منه أنّ الحكم جعل للتخفيف عن المرأة ، لا لتخفيف البول .

والظاهر أنّ الحكم مختصّ بالبول لخصوصية فيه - دون الغائط ، فضلاً عن سائر نجاساته - وهي كثرة الابتلاء به دون غيره ، فلا يمكن التعدّي من ظاهر النصّ . نعم الظاهر أنّ ملاقي بوله في حكمه .

والظاهر أنّ المراد ب- «الغسل» في النصّ ، ليس إلاّ ما كان تكليفها في تطهير بول المولود ، فإن كان ذكراً فبالصبّ ، وإن كان اُنثى فبالغسل ، فتوهّم أنّ الغسل في خصوص المورد واجب حتّى في مورد جواز الصبّ(2) ، ضعيف .

وإن شئت قلت : إنّ الرواية ليست بصدد بيان حال الغسل وكيفيته ، حتّى

ص: 319


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 239 ؛ نهاية الإحكام 1 : 288 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 347 .
2- ذخيرة المعاد : 165 / السطر 20 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 348 .

يقال : أراد ب- «الغسل» عنوانه مطلقاً ، بل بصدد بيان الاجتزاء بتطهير واحد عن الكثير . بل لا إشكال في أ نّها بصدد تخفيف ما كان عليها ، لا تبديل الحكم بحكم آخر ، فضلاً عن التضييق عليها .

والظاهر أنّ المراد من «اليوم» اليوم بليلته ؛ بمعنى كفاية غسل واحد للصلوات النهارية والليلية ، ولا دخالة لبياض اليوم في الحكم . وتخصيص التخفيف باليوم والتضييق في الليل - مع أ نّها أولى بالتخفيف - مخالف لفهم العرف من الرواية .

وهل يجب وقوع الغسل في النهار ، ولا يكفي الغسل في الليل عنه ؟

مقتضى الجمود على اللفظ ذلك ، لكن الظاهر المتفاهم من الرواية : أنّ «اليوم» فيها في مقابل اليومين والثلاثة ، وكذا في مقام ردع لزومه لكلّ صلاة ، فلا عناية فيه بحيثية وقوع الغسل فيه ، سيّما أنّ السائل إنّما سأل عن تكليفها في صلواتها الخمس ؛ وأ نّه مع الابتلاء بالبول كيف تصنع ؟ فترك ذكر الليل وأ نّه لو ابتليت فيها لا بدّ من غسله لكلّ صلاة ، يدلّ على أنّ الغسل مرّة واحدة عند الابتلاء به وإرادة الصلاة ، كافٍ ولو وقع في الليل ، وتكون تلك النجاسة معفوّة في سائر الصلوات . والبناء على الشرط المتأخّر(1) كما ترى .

وبالجملة : لا يفهم العرف لليوم خصوصية وإن كان الغسل فيه أسهل ، بل الظاهر المتفاهم أنّ الغسل الواحد المحتاج إليه ، كافٍ لجميع الصلوات .

والظاهر أنّ المقصود ب- «الغسل في اليوم مرّة» هو وقوع صلاة منها مع الطهارة ، والعفو عن البقيّ-ة ، فالغسل في غير موقع الصلاة وإتيان جميع

ص: 320


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 243 .

الصلوات مع النجس ، غير مراد جزماً .

وبعبارة اُخرى : أنّ الغسل لمّا كان لأجل الصلاة ولا نفسية له ، لا ينقدح في الذهن إطلاق في الرواية لوقوعه في أيّ قطعة من اليوم ، بل لا بدّ من إيقاعه قبل صلاة من الصلوات اليومية ؛ لتقع بعضها مع الطهور .

نعم ، لا يجب عليها الجمع بين الصلوات ، بل ولا الصلاتين ؛ لإطلاق الرواية ، فلو كان عليها الجمع لكان عليه التنبيه عليه ، سيّما أنّ بناءهم في الصدر الأوّل على تفريق الصلوات ، وكانوا يصلّون صلاة الظهر أوّل الزوال ، والعصر في موقعه ، وهكذا في المغرب والعشاء ، كما ورد في أخبار المستحاضة من الأمر بتأخير الظهر وتقديم العصر ، وكذا في العشاءين(1) فيظهر منها أنّ بناء النساء أيضاً كان على التفريق بينها ، ومع هذا البناء والعادة ، لو كان الواجب عليها الجمع بين الصلاتين ، لوجب عليه التنبيه عليه .

وتوهّم عدم الإطلاق لها ؛ فإنّها بصدد بيان الاجتزاء بغسل واحد مقابل الغسل لكلّ صلاة ، في غاية الفساد ؛ لأ نّه سأل عن تكليفها ؛ وأ نّها كيف تصنع مع هذا الابتلاء ؟ فلو كان أمر آخر غير الغسل دخيلاً فيه لنبّه عليه .

ثمّ إنّ الظاهر من الرواية : أنّ الغسل إنّما هو لتحصيل شرط الصلاة على وِزان سائر المكلّفين ؛ وإن عفي عن الشرط في بعضها ، لا أنّ الشرط المجعول لسائر المكلّفين سقط عنها ، وجعل لها شرط آخر متأخّر إذا أوقعت الطهارة آخر النهار بعد الصلوات اليومية والليلية السابقة ، أو بعد العشاء على احتمال ، ومتقدّم إذا

ص: 321


1- راجع وسائل الشيعة 2 : 371 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 .

أوقعت قبلها ، ومتقدّم ومتأخّر إن أوقعت في خلالها ، فإنّ كلّ ذلك خلاف الواقع

والمتفاهم من الدليل . ومع القول بالعفو أيضاً لا ينقدح في الأذهان هذا النحو من العفو ؛ بأن يكون موقوفاً على أمر متأخّر تارة ، ومتقدّم اُخرى ، وهما معاً ثالثة .

فدعوى الإطلاق بالنسبة إلى ساعات النهار(1) ممنوعة .

وكذا بالنسبة إلى الصلوات أيضاً ؛ بأن تكون مخيّرة في إيقاعه قبل صلاة من صلواتها الخمس ؛ بحيث تصحّ المتقدّمة والمتأخّرة بغسلها المتخلّل(2) ، فإنّه أيضاً مستلزم لتغيّر شرط الصلاة بالنسبة إليها من بين سائر المكلّفين ، وهو مقطوع الفساد .

كما أ نّه لا إطلاق لها يشمل ما إذا غسلت ثوبها للصلاة ، فبال عليه قبل إتيان الصلاة ؛ فإنّ الأمر بالغسل في المقام ، ليس إلاّ كالأمر به في سائر المقامات ، والفرق بينه وبينها : أنّ الشارع الأقدس خفّف عليها إذا غسلت ثوبها وصلّت فيه مع الطهارة في أوّل الدورة ؛ بالنسبة إلى سائر الصلوات في هذه الدورة .

والحاصل : أنّ الظاهر منها أ نّه إذا تنجّس ثوبها ببول الصبيّ ، غسلته وصلّت فيه ، فإذا ابتلت به بعدها يكون معفوّاً عنه ، وتصحّ صلاتها في ذلك اليوم وليلته ، ولا يجوز عليها إتيان الصلاة في النجس في أوّل الابتلاء والغسل لسائرها ، فإذا ابتلت في الصبح غسلته وصلّت بطهور ، وعفي عن سائر صلواتها إلى العشاء ، ويجب عليها الغسل ليوم آخر ، وإذا ابتلت في الظهر صلّت الظهر بطهور ، وعفي عمّا بعدها إلى العشاء وهكذا. والتلفيق وإن كان محتملاً، لكن خلاف ظاهر الدليل.

ص: 322


1- رياض المسائل 2 : 406 ؛ جواهر الكلام 6 : 236 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 587 .
2- اُنظر جواهر الكلام 6 : 237 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 589 .
فرع حكم من علم إجمالاً بنجاسة أحد الثوبين

لو كان مع المصلّي ثوبان أحدهما نجس ، ولا يعلمه بعينه ، وتعذّر غسل أحدهما ليصلّي فيه بطهارة ، صلّى في كلّ منهما تحصيلاً للقطع بفراغ الذمّة ، على المشهور نقلاً وتحصيلاً ، بل لا نعرف فيه خلافاً إلاّ من ابني إدريس وسعيد ، كما في «الجواهر»(1) .

وعن الشيخ في «الخلاف» حكاية الخلاف عن قوم من أصحابنا ، فأوجبوا الصلاة عارياً (2) .

وهو ضعيف مخالف للنصّ والفتوى ، ففي صحيحة صفوان بن يحيى ، عن أبي الحسن علیه السلام : أ نّه كتب إليه يسأله عن الرجل كان معه ثوبان ، فأصاب أحدَهما بول ، ولم يدرِ أيّهما هو ، وقد حضرت الصلاة وخاف فوتها ، وليس عنده ماء ، كيف يصنع ؟ قال : «يصلّي فيهما جميعاً»(3) .

وعن الحلّي الاستدلال على ما ذهب إليه بأمرين :

أحدهما : أ نّه يجب عليه عند افتتاح كلّ فريضة القطع بطهارة ثوبه ؛ فإنّ المؤثّرات في وجوه الأفعال تجب أن تكون مقارنة لها ، لا متأخّرةً عنها ،

ص: 323


1- جواهر الكلام 6 : 241 ؛ السرائر 1 : 184 - 185 ؛ الجامع للشرائع : 24 .
2- الخلاف 1 : 481 .
3- الفقيه 1 : 161 / 757 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 225 / 887 ؛ وسائل الشيعة 3 : 505 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 64 ، الحديث 1 .

والمسألة خلافية ، ودليل الإجماع فيها مفقود ، والاحتياط يوجب ما قلناه .

ثانيهما : أنّ كون الصلاة واجبة وجهٌ تقع عليه الصلاة ، وكيف يؤثّر في هذا الوجه ما يأتي بعدها ، ومن شأن المؤثّر في وجوه الأفعال أن يكون مقارناً لها لا يتأخّر عنها ؟ !(1)

والظاهر أ نّهما يرجعان إلى عدم إمكان الجزم بالنيّة المعتبر في العبادات .

وفيه : أ نّه على فرض تسليم اعتبار الجزم لا يتمّ مطلوبه ؛ لعدم القطع بكون الصلاة عارياً مأموراً بها ، ولا يدلّ عليه دليل شرعي ، ولهذا تمسّك هو بفقد الإجماع وتشبّث بدليل الاحتياط ، ومعه كيف يمكن الجزم بأنّ المأتيّ به هو الواجب الشرعي ، والفرض أنّ الوجوب وجه للواجب يجب العلم به مقارناً للإتيان ؟ !

بل الإتيان عارياً أسوأ حالاً من الإتيان فيهما ؛ فإنّه مع الإتيان فيهما يعلم بإتيان المأمور به الواقعي وإن ترك نيّة الوجه ، ومع الإتيان عارياً لا يعلم بإتيانه

بعد الصلاة ، ولا مقارناً لها ، تأمّل .

وليت شعري ، أ نّه كيف بنى على تحقّق الجزم في الصلاة عارياً مع تمسّكه في الواقعة بالاحتياط ؟ ! هذا مع ما في مبناه من الضعف ؛ لعدم الدليل على اعتباره ، ولا يمكن كشف الحكم الشرعي من الإجماع المنقول فيه ؛ لأنّ المسألة عقلية كلامية ، ولهذا نقل عليها الإجماع في الكتب الكلامية(2) .

ص: 324


1- السرائر 1 : 185 .
2- اُنظر جامع المقاصد 1 : 202 ؛ ذخيرة المعاد : 23 / السطر 33 ؛ مفتاح الكرامة 2 : 322 ؛ فرائد الاُصول، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25 : 408 .

وأمّا ما أجاب عنه صاحب «الجواهر» : «من إمكان الجزم في النيّة في المقام ؛ لأنّ كلّ واحد منهما واجب وإن كان أحدهما أصلياً ، والآخر مقدّمياً»(1) .

ففيه ما لا يخفى ؛ لأنّ التحقيق عدم وجوب المقدّمات الوجودية ، فضلاً عن المقدّمة العلمية ، ولا يستفاد من الصحيحة المتقدّمة وجوبهما شرعاً ؛ بعد كون الحكم موافقاً للعقل ، ووضوح عدم تغيير التكليف الشرعي في المورد ، فلا يفهم منها إلاّ الإرشاد إلى حكم العقل ، فدعوى كونهما صلاة شرعية تمسّكاً بها في غير محلّها .

ثمّ على فرض تسليم اعتبار الجزم في النيّة وحصوله بالصلاة عارياً ، لا يرد عليه : أ نّه مع الدوران بين سقوط هذا وغيره من الاُمور المعتبرة في الماهية ، يتعيّن سقوط هذا الشرط المتأخّر عن غيره في الرتبة(2) .

ضرورة أنّ القائل باعتباره في العبادات إنّما يدّعي : أ نّها بلا نيّة جازمة لا تقع عبادة ، فالجزم - كالنيّة - مقوّم لعبادية العبادة ؛ إذ وقوعها على صفة الطاعة للمولى متوقّف على انبعاثه ببعثه ، ومع عدم الجزم لا يمكن ذلك ، فلا تقع ما فعل عبادة ، فدار الأمر بين ترك أصلها ، أو ترك شرطها ، أو جزئها .

مع أنّ مجرّد التأخّر الرتبي لا يوجب أولوية السقوط ، بل هي تابعة للأهمّية ، والقائل يمكنه أن يقول بأهمّية النيّة وما بحكمها ؛ لتقوّم العبادة بها ،

دون سائر الشروط .

ص: 325


1- جواهر الكلام 6 : 242 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 250 - 251 .

فالتحقيق في الجواب تضعيف المبنى وفساد ما بني عليه . هذا مع ما تقدّم من النصّ الصحيح الصريح المعمول به(1) .

حكم صورة كثرة الثياب

ولو كانت الثياب كثيرة ، وأمكن الإتيان بصلاة في ثوب طاهر بتكرارها ، يجب عليه ذلك حتّى يعلم الإتيان بصلاة صحيحة ؛ على قاعدة العلم الإجمالي . بل يستفاد حكمها من الصحيحة المتقدّمة بإلغاء الخصوصية عرفاً .

حكم عدم التمكّن إلاّ من الإتيان بصلاة واحدة

ولو لم يمكنه إلاّ صلاة واحدة ؛ لضيق أو غيره ، هل يجب عليه نزع الثوب والصلاة عارياً ، أو يصلّي في أحدهما ، أو يتخيّر بينهما ؟ وجوه .

ويقع الكلام هاهنا بعد الفراغ عن وجوبها عارياً مع انحصار الثوب النجس ، كما يأتي في المسألة الآتية(2) .

وأمّا إن قلنا في تلك المسألة بوجوبها في النجس ، فلا إشكال في وجوبها في محتمل النجاسة في المقام ؛ ضرورة أ نّه على أيّ تقدير يجب الصلاة فيه .

وكذا إن قلنا فيها بالتخيير بين الصلاة فيه أو عارياً ؛ فإنّ الإتيان فيه حينئذٍ مسقط يقيني ، لأنّ الثوب إمّا طاهر يتعيّن الصلاة فيه ، أو نجس يتخيّر بين الصلاة فيه أو عارياً ، وأمّا إن صلّى عارياً فلا يحصل له اليقين بالبراءة ؛ لاحتمال كونه

ص: 326


1- تقدّم في الصفحة 323 .
2- يأتي في الصفحة 330 .

طاهراً يجب الصلاة فيه ، ففي مورد دوران الأمر بين التعيين والتخيير يحكم العقل بالتعيين ، سيّما في مقام إبراء الذمّة والفراغ عن الاشتغال اليقيني .

فمع وجوبها عارياً في تلك المسألة ، قد يقال : بوجوبها فيه في هذه المسألة ؛

لدوران الأمر بين المخالفة القطعية لدليل الستر ، والمخالفة الاحتمالية لدليل مانعية النجس(1) .

وقد يجاب عنه : باحتمال أن يكون أهمّية المانع بحدّ يقدّم مخالفته الاحتمالية

على المخالفة القطعية لشرطية الستر ، ولازمه التخيير بينهما (2) .

والتحقيق أن يقال : إنّ كون المورد من قبيل الدوران بين المخالفة القطعية والاحتمالية ، يتوقّف على استفادة شرطية الستر للصلاة مطلقاً ؛ بحيث يكون مطلوباً ولو مع النجاسة ، وتكون النجاسة أيضاً مانعة مطلقاً ، فيكون المورد من قبيل المتزاحمين وإن قدّم الشارع أحدهما - وهو المانع - على الآخر ، وذلك يتوقّف على إطلاق أدلّة الستر ، وهو مفقود ؛ فإنّ دليله الإجماع(3) الذي لا إطلاق فيه وبعض الأخبار(4) التي في مقام بيان حكم آخر ، ولا إطلاق فيها .

فحينئذٍ يحتمل أن يكون الستر الطاهر مطلوباً واحداً ، فيكون المورد من الدوران بين الموافقتين الاحتماليتين ؛ فإنّ إتيان الصلاة في الثوب لا يكون موافقة قطعية للشرط ، كما أنّ ترك الصلاة في أحد الثوبين ، ليس مخالفة قطعية

ص: 327


1- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 255 .
2- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 255 ؛ مستمسك العروة الوثقى 1 : 547 .
3- تذكرة الفقهاء 2 : 444 ؛ جواهر الكلام 8 : 175 .
4- راجع وسائل الشيعة 4 : 448 ، كتاب الصلاة ، أبواب لباس المصلّي ، الباب 50 .

في خصوص المقام الذي لا يمكنه إلاّ صلاة واحدة .

فحينئذٍ يمكن أن يقال : إنّ الأوجه وجوب الصلاة عارياً ؛ لأنّ أهمّية مراعاة المانع كما أوجبت الصلاة عارياً مع النجس المحرز ، توجب تقديم الموافقة الاحتمالية فيه على الموافقة الاحتمالية في الستر عقلاً في مقام الامتثال ، فيجب الصلاة عارياً .

إلاّ أن يقال : إنّه مع احتمال تعدّد المطلوب يأتي احتمال أهمّية الستر من المانع ، كما يحتمل العكس ، فالقاعدة التخيير .

لكن يمكن أن يقال : إنّه مع الشكّ في اعتبار الستر مع نجاسته ، يكون إطلاق دليل مانعية النجس محكّماً .

هذا مضافاً إلى جريان البراءة الشرعية عن الستر في حال نجاسته ، وهو كافٍ في وجه التقديم في المقام ، فتدبّر جيّداً وتأمّل ؛ فإنّه لا يخلو منه .

عدم سقوط القضاء عند العمل على وفق حكم العقل

وهل العمل على طبق حكم العقل يوجب سقوط القضاء ؟

بدعوى كشف التكليف الشرعي من حكم العقل بتقديم محتمل الأهمّية ، ومع إحرازه يحكم بسقوط الأمر ، فلا إعادة عليه ولا قضاء .

مضافاً إلى أنّ إثبات القضاء يتوقّف على إحراز الفوت، وهو لا يحرز بالأصل.

أو لا يوجبه ؟ بدعوى : أنّ كشف الحكم الشرعي ، يتوقّف على إحراز وحدة المطلوب في الستر الطاهر ، وأمّا مع احتمال التعدّد فلا يمكن ذلك . وهذا لا ينافي ما تقدّم من تقدّم محتمل الأهمّية ، تأمّل .

مضافاً إلى أنّ تقديم محتمل الأهمّية على غيره بحكم العقل ، لا يكشف

ص: 328

عن حكم الشرع ، فلا دليل على سقوط القضاء .

وأمّا دعوى : أنّ القضاء مترتّب على «الفوت» وهو عنوان لا يمكن إحرازه بالأصل .

فممنوعة ؛ لأنّ الأمر بالقضاء وإن علّق على «الفوت» في غالب الأخبار(1) ، لكن علّق على عدم الإتيان والترك في بعضها (2) ، فلا يبعد دعوى عدم دخالة هذا العنوان الوجودي فيه ، وموضوعه صِرْف عدم الإتيان بها في الوقت ؛ أي عدم إتيانها إلى خارج الوقت ، ومعه لا مانع من إحرازه بالأصل .

وقد يقال : بأ نّه لا شكّ في الخارج في المورد ؛ لأنّ ما أتى بها هي الصلاة عارياً ، وما لم يأتِ بها هي مع الثوب ، فالمقام نظير الشكّ في كون الغروب سقوط الشمس أو ذهاب الحمرة ؛ ممّا لا يجري فيه الاستصحاب .

وفيه ما لا يخفى ولو سلّم عدم الجريان في مورد النقض ؛ لأ نّا لا نريد إثبات حكم للصلاة المتحقّقة في الخارج ، بل الموضوع لوجوب القضاء عدم إتيان المكلّف بالصلاة المأمور بها إلى بعد الوقت ، والآتي بها عارياً يشكّ في إتيانه للمأمور به شرعاً ؛ لاحتمال أن يكون الثوب طاهراً ، وكان تكليفه إتيانها فيه ، فيجري استصحاب عدم الإتيان بالمأمور به ، فيجب عليه القضاء .

فالأحوط - لو لم يكن أقوى - إتيانها عارياً ، وقضاؤها خارج الوقت .

ص: 329


1- راجع وسائل الشيعة 8 : 256 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 2 ، الحديث 1 و3 و5 ، والباب 4 ، الحديث 2 و8 و13 ، والباب 6 ، الحديث 1 .
2- راجع وسائل الشيعة 8 : 253 ، كتاب الصلاة ، أبواب قضاء الصلوات ، الباب 1 ، الحديث 2 و5 ، والباب 3 ، الحديث 25 ، والباب 4 ، الحديث 1 و12 .
فرع حكم من لم يجد إلاّ ثوباً نجساً

لو لم يجد إلاّ ثوباً نجساً يجب أن يلقيه ويصلّي عرياناً ؛ إذا لم يتمكّن من

غسله ، ولم يضطرّ إلى لبسه لضرورة عرفية أو شرعية ، كما عن جلّ المتقدّمين ، بل كلّهم عدا ابن الجنيد ، فإنّ المحكيّ عنه التخيير بين الصلاة فيه والصلاة عرياناً (1) ، ولم ينقل ذلك عن غيره إلى عصر المحقّق .

نعم ، حكي عن الشيخ احتماله(2) ، لكن ادّعى في «الخلاف» الإجماع على الأوّل(3) وعن «الدروس» و«المسالك» و«الروض» و«الدلائل» و«المدارك» نقل الشهرة فيه(4) .

وعن المحقّق في «المعتبر»(5) والعلاّمة في بعض كتبه(6) وبعض من تأخّر عنهما (7) القول بالتخيير .

ص: 330


1- اُنظر مختلف الشيعة 1 : 330 .
2- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 195 ؛ كشف اللثام 1 : 455 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 224 ، ذيل الحديث 885 .
3- الخلاف 1 : 398 - 399، و474 - 475 .
4- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 195 ؛ الدروس الشرعية 1 : 127 ؛ مسالك الأفهام 1 : 129 ؛ روض الجنان 1 : 452 ؛ مدارك الأحكام 2 : 359 .
5- المعتبر 1 : 445 .
6- منتهى المطلب 3 : 303 .
7- الدروس الشرعية 1 : 127 ؛ جامع المقاصد 1 : 177 ؛ مسالك الأفهام 1 : 129 .

ولم يحك عن أحدٍ القول بتعيّن الصلاة فيه ، وإنّما هو أمر حادث بين بعض متأخّري المتأخّرين ممّن قارب عصرنا (1) .

فالمسألة لدى القدماء ذات قول واحد حقيقة ، ولدى المتأخّرين ذات قولين إلى الأعصار القريبة منّا ، فحدث قول ثالث فيها .

ثمّ إنّه حكي عن «المنتهى» : «أ نّه لو صلّى عارياً فلا إعادة قولاً واحداً»(2) وعن «الذخيرة» و«الكفاية» حكاية الشهرة على أ نّه لو صلّى بالثوب لم يعد(3) ، ولعلّ مرادهما فيما لا يمكن نزعه ، أو حكاية الشهرة بين المتأخّرين .

واختلفت آراء العامّة فيها ؛ فعن الشافعي : «يصلّي عرياناً ، ولا إعادة

عليه»(4) وعن مالك ومحمّد بن الحسن والمُزني : «يصلّي فيه ، ولا إعادة عليه»(5) وعن أبي حنيفة : «إن كان أكثره طاهراً لزمه أن يصلّي فيه ، ولا إعادة عليه ، وإن كان أكثره نجساً فهو بالخيار بين أن يصلّي فيه ، وبين أن يصلّي عرياناً ، وكيف كان ما صلّى فلا إعادة عليه»(6) ومنشأ الاختلاف بيننا اختلاف الأخبار .

ص: 331


1- العروة الوثقى 1 : 195 ، مسألة 4 .
2- منتهى المطلب 3 : 305 .
3- ذخيرة المعاد : 169 / السطر 32 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 68 .
4- الخلاف 1 : 398 ؛ المجموع 3 : 143 و188 .
5- الخلاف 1 : 474 ؛ المبسوط ، السرخسي 1 : 187 / السطر 13 ؛ المجموع 3 : 143 .
6- الخلاف 1 : 475 ؛ المبسوط ، السرخسي 1 : 187 / السطر 11 ؛ المجموع 3 : 143 .
تعيّن الصلاة عارياً وردّ القول بجواز الصلاة في النجس

فممّا تدلّ على الصلاة فيه صحيحة الحلبي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام

عن رجل أجنب في ثوبه ، وليس معه ثوب غيره ، قال : «يصلّي فيه ، فإذا وجد الماء غسله»(1) .

وقريب منها صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبداللّه عنه علیه السلام (2) وموثّقته(3) وهما رواية واحدة .

ويحتمل في هذه الروايات أن يكون السؤال عن عرق المجنب ، كما سئل عنه في روايات عديدة(4) . وحمل شيخ الطائفة رواية الحلبي على عرق المجنب من الحرام(5) . وما ذكرناه وإن كان خلاف المظنون ، لكنّه ظنّ خارجي لا دليل على حجّيته ، تأمّل .

وأمّا موثّقة الساباطي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : أ نّه سئل عن رجل ليس معه إلاّ ثوب ، ولا تحلّ الصلاة فيه ، وليس يجد ماءً يغسله ، كيف يصنع ؟

ص: 332


1- الفقيه 1 : 40 / 155 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 271 / 799 ؛ وسائل الشيعة 3 : 447 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 11 ، و : 484 ، الباب 45 ، الحديث 1 .
2- الفقيه 1 : 160 / 754 ؛ وسائل الشيعة 3 : 484 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 2 : 224 / 885 ؛ وسائل الشيعة 3 : 485 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 6 .
4- راجع وسائل الشيعة 3 : 444 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 27 ، الحديث 1 ، 4 ، 8 ، 9 ، 10 و12 .
5- تهذيب الأحكام 1 : 271 ، ذيل الحديث799 .

قال : «يتيمّم ويصلّي ، فإذا أصاب ماءً غسله وأعاد الصلاة»(1) .

فلا يظهر منها بأ نّه يصلّي فيه ، سيّما مع قوله : «ولا تحلّ الصلاة فيه» فيمكن

أن أقرّه على عدم الصحّة ، وأراد ب- «الصلاة» الصلاة عرياناً . والظنّ الخارجي بأنّ المراد الصلاة فيه قد مرّ حاله .

وأمّا صحيحة الحلبي الاُخرى : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يكون له الثوب الواحد ، فيه بول لا يقدر على غسله ، قال : «يصلّي فيه»(2) .

فمن المحتمل قريباً وقوع التقطيع فيها ؛ فإنّ الحلبي روى ثلاث روايات :

الاُولى : ما تقدّمت ، وهي متعرّضة لحكم الثوب الذي أجنب فيه .

والثانية : متعرّضة لحكم البول ؛ وهي أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل . . .» إلى آخره التي تقدّمت آنفاً .

والثالثة : قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يجنب في الثوب ، أو يصيبه بول ، وليس معه ثوب غيره ، قال : «يصلّي فيه إذا اضطرّ إليه»(3) .

فيحتمل أن تكون الثالثة هي الأصل ، والاُوليان تقطيعاً منها ؛ إذ من البعيد أن يسأل الحلبي أبا عبداللّه علیه السلام تارة : عن الثوب الذي أجنب فيه ، واُخرى : عن

ص: 333


1- تهذيب الأحكام 1 : 407 / 1279 ، و2 : 224 / 886 ؛ وسائل الشيعة 3 : 485 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 8 .
2- الفقيه 1 : 160 / 753 ؛ وسائل الشيعة 3 : 484 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 3 .
3- تهذيب الأحكام 2 : 224 / 883 ؛ وسائل الشيعة 3 : 485 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 7 .

الثوب الذي أصابه البول ، وثالثة : عن كليهما ، فقيد الاضطرار غير مذكور للتقطيع . وهذا وإن كان غير مرضيّ في غير الباب ، لكن يوجب فيه نحو وهن فيها لخصوصية فيه ، والرواية الثالثة إمّا ظاهرة في الاضطرار في اللبس ؛ لبرد أو ناظر محترم ، أو محتملة له ، فلا يمكن معه استفادة الإطلاق منها .

فبقيت صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى علیه السلام قال : سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة ، فأصاب ثوباً نصفه دم أو كلّه دم ، يصلّي فيه ، أو يصلّي عرياناً ؟ قال : «إن وجد ماءً غسله ، وإن لم يجد ماءً صلّى فيه ، ولم يصلّ عرياناً»(1) فهي صريحة الدلالة وصحيحة السند .

لكن ربّما يمكن الخدشة فيها : بأنّ الظاهر من «إصابة الثوب» أ نّه وجده مطروحاً كاللقطة ، فكيف أجاز التصرّف والصلاة فيه ؟ ! وهو نحو وهن فيها .

ولو نوقش في الخدشات بضعف الاحتمالات المتطرّقة ، وظهورها في صحّة الصلاة في الثوب النجس ، كما هو الصواب ، يمكن أن يقال : إنّ وجه الجمع بينها وبين موثّقة سَماعة قال : سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض ، وليس معه إلاّ ثوب فأجنب فيه ، وليس يجد الماء ، قال : «يتيمّم ويصلّي عرياناً قائماً يومئ إيماء»(2) .

ص: 334


1- تهذيب الأحكام 2 : 224 / 884 ؛ وسائل الشيعة 3 : 484 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 45 ، الحديث 5 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 405 / 1271 ؛ وسائل الشيعة 3 : 486 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 46 ، الحديث 3 .

ونحوها روايته الاُخرى ، إلاّ أنّ فيها : «ويصلّي . . . قاعداً»(1) وعن الكليني والشيخ رواية الموثّقة أيضاً كذلك(2) .

ومصحّحة الحلبي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في رجل أصابته جنابة وهو بالفلاة ، وليس عليه إلاّ ثوب واحد ، وأصاب ثوبه منيّ ، قال : «يتيمّم ويطرح ثوبه فيجلس مجتمعاً ، فيصلّي فيومئ إيماء»(3) .

بحمل الأخبار المتقدّمة على حال وجود الناظر المحترم ؛ بدعوى أنّ قوله : «وهو في الفلاة» لإفادة فقدان الناظر المحترم ، فتكون أخصّ مطلقاً منها ، فتقيّد بها .

وتشهد له رواية الحلبي المتقدّمة(4) ، وحملها على اضطرار اللبس للصلاة(5) تأكيد ، والتأسيس خير منه وأظهر .

ولو نوقش في ذلك : بأنّ ذكر «الفلاة» توطئة لبيان عدم إصابة ثوب آخر وعدم إصابة الماء ، وبمنع ظهور رواية الحلبي في الاضطرار التكويني ؛ بعد كون الصلاة عند المسلمين من الضرورات التي يصدق معها الاضطرار ، فصارت الروايات متعارضة ، فلا ينبغي الإشكال في ترجيح الروايات الحاكمة بالصلاة عارياً على معارضاتها ، بل لا تصلح هي للحجّية ؛ لإعراض الطبقة الاُولى من

ص: 335


1- وسائل الشيعة 3 : 486 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 46 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 396 / 15 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 223 / 881 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 406 / 1278 ، و2 : 223 / 882 ؛ وسائل الشيعة 3 : 486 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 46 ، الحديث 4 .
4- تقدّمت في الصفحة 333 .
5- مستمسك العروة الوثقى 1 : 546 .

أصحابنا عنها ، والميزان في وهن الرواية هو إعراض تلك الطبقة المتقدّمة .

والظاهر أنّ المحامل التي تراها من شيخ الطائفة - ممّا هي مقطوع الخلاف ، ولا يليق بجنابه ، كحمل صحيحة علي بن جعفر على الدم المعفوّ عنه(1) ، وحمل الأخبار الاُخر على صلاة الجنازة(2) - إنّما هي بعد مفروغية عدم صلوحها للعمل ، لا أنّ اتّكاله على هذا الجمع في الفتوى .

فتركُ الروايات المتكثّرة الصحيحة الظاهرة الدلالة - لأجل روايتين ربّما يخدش في سندهما بالقطع ، وبأحمد بن محمّد بن يحيى ومحمّد بن عبد الحميد وسيف بن عميرة - إلى عصر المحقّق ، وعدمُ طرح أحد من أصحابنا هاتين الروايتين حتّى صاحب «المدارك» الذي دأبه الإشكال والخدشة في الروايات ، فإنّه لم يردّهما ، بل جعل الأخذ بالروايات الاُولى أولى(3) ، يدفعنا عن الاستبداد بالرأي اغتراراً بصحّة تلك الروايات وكثرتها ، ففي مثل المقام يقال : «كلّما ازدادت الروايات صحّة وكثرة ، ازدادت ضعفاً ووهناً» .

هذا مع موافقتها لمالك وغيره ممّن تقدّم ذكره(4) ، ولأبي حنيفة غالباً ، والروايتان الآمرتان بالصلاة عارياً مخالفتان لأبي حنيفة ومالك ، وهما من عُمَد الفقهاء من أهل الخلاف في عصر صدور الروايات ، ولم يكن الشافعي موجوداً

ص: 336


1- تهذيب الأحكام 2 : 224 ، ذيل الحديث 886 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 224 ، ذيل الحديث 885 .
3- مدارك الأحكام 2 : 361 .
4- تقدّم في الصفحة 331 .

فيه ، بل لعلّه لم يكن معتمداً في زمن أبي الحسن علیه السلام فإنّه كان شابّاً في عصره ، فلا ينبغي الإشكال في تعيّن الصلاة عارياً .

فما قد يقال : من أنّ أصل الستر أولى بالرعاية من وصفه أو أ نّه مع إلقائه يلزم

ترك السجود والركوع الاختياري(1) .

اجتهاد في مقابل النصّ المعمول به .

ثمّ إنّه مع عدم تمكّنه من النزع لعذر عقلي أو شرعي ، صلّى فيه بلا إشكال ؛ لعدم سقوط الصلاة بحال ، وتكون صحيحة مجزية لا تجب إعادتها ، كما عن المشهور(2) ، وهو الموافق للقواعد . وما في موثّقة الساباطي من الأمر بالإعادة(3) - فمع اشتمالها على التيمّم - محمول على الاستحباب .

ص: 337


1- كشف اللثام 1 : 455 ؛ جواهر الكلام 6 : 249 .
2- جواهر الكلام 6 : 252 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 263 .
3- تقدّم في الصفحة 332 .

ص: 338

خاتمة في باقي المطهّرات

اشارة

وهو اُمور :

ص: 339

ص: 340

الأمر الأوّل: في مطهّرية المطر
اشارة

الأوّل : المطر ، ومطهّريته - كطهارته - من الواضحات التي لا ينبغي التكلّم

فيها ، كيف ؟ ! وهو من أقسام الماء المطلق الذي خلقه اللّه طهوراً ، ونزل فيه

قوله تعالى : )وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً((1) وقوله : )وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ . . .((2) إلى آخره .

اعتصام المطر وكيفية التطهير به

ولهذا لم يعنون في كلمات القوم أصل طهوريته أو طهارته ، وإنّما أفردوه بالذكر لبيان حكمين آخرين :

أحدهما : عدم انفعاله بملاقاة النجس حال تقاطره ، مع أ نّه من أقسام الماء القليل ، فكان معتصماً حين نزوله ؛ سواء فيه القطرات النازلة المعتصمة بعضها

ص: 341


1- الفرقان (25) : 48 .
2- الأنفال (8) : 11 .

بالبعض ، كالماء الجاري والكرّ المعتصم بالمادّة والكثرة ، أو ما اجتمع منه بعد النزول وكان قليلاً ؛ بشرط تمطير السماء فعلاً ، وعدم الانقطاع وارتباط بينهما .

وثانيهما : كيفية التطهير به ؛ وأنّ مجرّد إصابته للمحلّ المتنجّس موجب لطهارته ؛ بشرط قابليته لها .

ثمّ اعلم : أ نّا لو التزمنا باعتبار الكرّية في الماء الجاري ، أو قلنا باعتبار العصر

فيه في مثل الثياب ، أو التعدّد في الأواني ، لا يوجب ذلك التزامنا باعتبارها في المطر ؛ لعدم دليل على مشاركته للجاري في الأحكام والشروط ، وإنّما حكي الشهرة على أنّ ماء المطر كالجاري في عدم الانفعال وتطهير ما أصابه(1) ، بعد الفراغ عن عدم اعتبار ما تقدّم ؛ أي الكرّية والعصر والتعدّد في الجاري ، فمع سقوط تلك القيود نزّلوا المطر منزلته ، لا لقيام دليل على التنزيل ، فالمتّبع في ماء

المطر الأدلّة الخاصّة .

أدلّة الحكمين السابقين

فنقول : تدلّ على الحكمين - مضافاً إلى الشهرة المنقولة ، واعتراف بعض الأعيان بعدم معرفة الخلاف بين الأصحاب ، بل عن «الذخيرة» : «الظاهر عدم الخلاف في أ نّه لو أصاب حال تقاطره متنجّساً غير الماء طهر مطلقاً»(2) اللازم منه عدم انفعاله - مرسلة عبداللّه بن يحي-ى الكاهلي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال قلت : أمرّ في الطريق ، فيسيل عليّ الميزاب في أوقات أعلم أنّ الناس يتوضّؤون ،

ص: 342


1- جواهر الكلام 6 : 312 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 345 .
2- ذخيرة المعاد : 121 / السطر 35 .

قال : «ليس به بأس ، لا تسأل عنه» .

قلت : يسيل عليّ من ماء المطر ، أرى فيه التغيّر ، وأرى فيه آثار القذر ، فتقطر

القطرات عليّ ، وينتضح عليّ منه ، والبيت يتوضّأ على سطحه ، فيكِفُ على ثيابنا ، قال : «ما بذا بأس لا تغسله ؛ كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر»(1) .

والظاهر جبر سندها بالشهرة ؛ لنقل جمع من الأعيان الشهرة على الحكم الثاني من الحكمين المتقدّمين(2) ، وليس في المسألة دليل صالح للاتّكال عليه إلاّ المرسلة ، ولهذا لم يرمها صاحب «المدارك» بالضعف(3) .

وقال الأردبيلي بعد الإشكال في طريقها : «وقد يقال : ينجبر بالشهرة ، وفيه تأمّل»(4) والظاهر تأمّله في الانجبار بالشهرة ، لا في تحقّقها ، ولعلّه استشكل في أصل الانجبار بها ، أو ثبوت اتّكالهم عليها .

أقول : في مثل هذا الحكم المخالف للقواعد المفقود فيه الدليل إلاّ المرسلة والمرسلة الآتية(5) - على إشكال فيها - يطمئنّ النفس بأنّ اتّكالهم كان عليها ، وهذا يكفي في الجبر .

ولا إشكال في دلالتها على مطهّريته بمجرّد الإصابة ؛ من غير لزوم خروج

ص: 343


1- الكافي 3 : 13 / 3 ؛ وسائل الشيعة 1 : 146 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 5 .
2- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 256 ؛ الحدائق الناضرة 1 : 220 و222 ؛ مشارق الشموس : 211 / السطر 8 ؛ مستند الشيعة 1 : 28 .
3- مدارك الأحكام 2 : 376 .
4- مجمع الفائدة والبرهان 1 : 256 .
5- سيأتي في الصفحة 345 .

الغسالة أو شرط آخر فيما يعتبر في الغسل بالماء القليل ، ولازمه عدم انفعاله ؛ إذ لو انفعل لما يمكن التطهير به مع بقاء الغسالة ، فتدلّ على الحكمين .

ثمّ إنّ قوله : «أمرّ في الطريق . . .» إلى آخره في صدرها ، سؤال عن مورد يظنّ بكون ما سال من الميزاب نجساً ؛ فإنّ المراد ب- «توضّي الناس» إمّا استنجاؤهم ، أو الوضوء ، لكنّهم كانوا يتوضّؤون في محلّ يبولون فيه ويستنجون ، فأجابه بما أجاب .

ثمّ سأل عن سيلان المطر مع فرض العلم بملاقاته للنجاسة برؤية آثارها فيه ، ورؤية تغيير فيه ، وهذا التعبير لا يدلّ على كون ماء المطر متغيّراً ولو فرض أنّ المراد التغيير بالنجاسة ، فإنّ الظاهر من رؤية التغيير فيه أنّ فيه آثار القذارة ؛ بأن يكون بعض الماء الذي يسيل متغيّراً ، فقوله : «وأرى فيه آثار القذر» على هذا يكون بياناً للجملة المتقدّمة .

وبالجملة : الظاهر منه عدم تغيّر جميع الماء ، بل رأى تغيّراً وآثاراً من القذارة فيه ، فأجاب بأ نّه لا بأس به ، وعلّله بأنّ «كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر» .

لا يقال : التعليل لا يناسب هذا الحكم ؛ لأنّ المناسب أن يقول : «ماء المطر لا ينفعل» لا «أ نّه مطهّر لما يراه» لعدم التنافي بين مطهّريته وتنجّسه به ، كغسالة

الماء القليل .

فإنّه يقال : يحتمل أن يكون المراد تطبيق الكبرى على الماء الذي يسيل ويرى فيه آثار القذر ، فأفاد أنّ هذا الماء الذي يسيل حال تقاطر المطر يطهّر ما أصابه ، فكيف يتنجّس به ، بل كيف يمكن انفعاله ، فإنّ الماء المتنجّس لا يكون

ص: 344

مطهّراً ؟ ! فأفاد المراد بلازمه بنحو بليغ .

ويحتمل أن يكون المراد تطبيقها على الماء حال وصوله إلى المحلّ القذر قبل جريانه ؛ بأن يقال : إنّ ماء المطر ليس كسائر المياه القليلة ؛ لأ نّه بمجرّد الإصابة مطهّر ، وما من شأنه ذلك لا بدّ وأن لا ينفعل بملاقاة النجس ولو بمثل الأعيان النجسة ؛ لعدم الفرق في التنجّس بينها وبين ما تنجّس بها ، تأمّل .

وكيف كان : لا إشكال في إفادتها الحكمين المتقدّمين .

وتدلّ عليهما أيضاً مرسلة محمّد بن إسماعيل ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي الحسن علیه السلام في طين المطر : «أ نّه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيّام ، إلاّ أن يعلم أ نّه قد نجّسه شيء بعد المطر . فإن أصابه بعد ثلاثة أيّام فاغسله ، وإن كان الطريق نظيفاً فلا تغسله»(1) .

ومقتضى إطلاقها أنّ طينه طاهر ولو نجّسه شيء قبل المطر ، سيّما مع تعقّبه بقوله علیه السلام : «إلاّ أن يعلم . . .» إلى آخره ، المتفاهم منه أنّ العلم بنجاسته قبل المطر لا يوجب التحرّز . ولعلّ الأمر بالغسل بعد ثلاثة أيّام للاستحباب .

وعلى أيّ تقدير : يظهر منها طهارة المتنجّس ، ولازمها عدم انفعال ماء المطر ؛ لعدم خروج الغسالة واختلاط المطر بالطين .

وتدلّ على الحكم الأوّل من الحكمين المتقدّمين جملة من الروايات ، كصحيحةِ هشام بن سالم : أ نّه سأل أبا عبداللّه علیه السلام عن السطح يبال عليه ،

ص: 345


1- الكافي 3 : 13 / 4 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 267 / 783 ؛ وسائل الشيعة 3 : 522 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 75 ، الحديث 1 .

فتصيبه السماء، فيكف فيصيب الثوب، فقال: «لا بأس به؛ ما أصابه من الماء أكثر منه»(1).

وصحيحةِ هشام بن الحكم ، عنه علیه السلام : في ميزابين سالا ، أحدهما بول ، والآخر ماء المطر ، فاختلطا فأصاب ثوب رجل : «لم يضرّه ذلك»(2) . . . إلى غير ذلك .

ويمكن أن يستدلّ بها للحكم الثاني في الجملة ؛ بأن يقال : إنّه - بعد عدم انفعال ماء المطر بملاقاة النجس - إذا أصاب المتنجّس وغلب عليه يصير طاهراً ؛ لصدق «الغسل» وعدم لزوم إخراج غسالته .

وإنّما اعتبر إخراجها في الغسل بالماء القليل ؛ لانفعاله بالملاقاة ، فلا بدّ في الغسل به من صبّ الماء عليه وإخراج غسالته لإزالة النجاسة بعد انتقال القذارة من المتنجّس إلى الماء ، كما مرّ تقريبه في بابه(3) .

وأمّا ماء المطر ، فلمّا لم ينفعل بحكم تلك الروايات ، فلا يحتاج في التطهير به إلى إخراجه من المحلّ المتنجّس ، ولازمه تطهيره بإصابته وغلبته عليه .

هذا بناءً على عدم لزوم العصر في الكثير والجاري ؛ بدعوى صدق «الغسل» بمجرّد نفوذ الماء في المحلّ .

ص: 346


1- الفقيه 1 : 7 / 4 ؛ وسائل الشيعة 1 : 144 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 1 .
2- الكافي 3 : 12 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 411 / 1295 ؛ وسائل الشيعة 1 : 145 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 4 .
3- تقدّم في الصفحة 129 .

وأمّا لو بني على عدم صدقه أو شكّ فيه إلاّ بعد العصر ، أو التحريك في الماء ؛ حتّى ينتقل الماء الداخل في الجملة - كما تقدّم احتماله أو اختياره(1) - فلا تدلّ تلك الروايات على الحكم الثاني .

وعلى الفرض الأوّل أيضاً لا تدلّ على تمام المطلوب ؛ أي الكفاية عمّا يحتاج إلى التعدّد ، كالبول والأواني ، بخلاف مرسلة الكاهلي المتقدّمة(2) ، فهي الأصل في إثبات الحكم على نحو الإطلاق .

عدم اعتبار الجريان في التطهير بالمطر

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق المرسلتين وصحيحة هشام بن سالم وذيل صحيحة

علي بن جعفر الآتية ورواية أبي بصير قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الكنيف

يكون خارجاً ، فتمطر السماء ، فتقطر عليّ القطرة ، قال : «ليس به بأس»(3) .

ثبوت الحكم بمجرّد صدق «المطر» من غير اعتبار الجريان على الأرض ، فضلاً عن كونه بحدّ يجري من الميزاب ، كما لعلّه مراد الشيخ وابن سعيد(4) ؛ ضرورة فساد توهّم : أنّ مرادهما من «الجريان منه» دخالة الجريان منه في الحكم ؛ بحيث لو لم يجرِ منه بالفعل لفقدانه ، أو كون محلّ التمطير

ص: 347


1- تقدّم في الصفحة 136 .
2- تقدّم في الصفحة 342 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 424 / 1348 ؛ وسائل الشيعة 1 : 147 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 8 .
4- تهذيب الأحكام 1 : 411 ، ذيل الحديث 1296 ؛ المبسوط 1 : 6 ؛ الجامع للشرائع : 20 .

كالصحاري والبراري ، لم يحكم بمطهّريته ، فالنقض عليهما بمثل ذلك(1) غير صحيح ؛ فإنّ ذكر الميزاب لبيان تعيين حدّ الجريان ، لا اعتبار ذاك الخشب والجريان منه .

كما إنّ الظاهر من ابن حمزة أنّ الحدّ جريانه من الشِعْب ، قال في بيان ما

هو بحكم الماء الجاري : «وحكم الماء الجاري من الشِعْب(2) من ماء المطر كذلك»(3) و«الشِعْب» - بكسر الأوّل - : الطريق في الجبل ، ومسيل الماء في بطن الأرض(4) ، فيرجع كلامه إلى اعتبار الجريان بمقدار يسيل من مسيل الجبل المنحدر .

وهو يوافق الجريان من الميزاب الذي ظاهر الشيخ ، قال في «التهذيب» : «قال محمّد بن الحسن : الوجه في هذين الخبرين - أي خبر هشام بن الحكم وخبر محمّد بن مروان الواردين في ميزابين - أنّ ماء المطر إذا جرى من الميزاب ، فحكمه حكم الماء الجاري ؛ لا ينجّسه شيء إلاّ ما غيّر لونه أو طعمه أو رائحته .

ويدلّ على ذلك ما رواه علي بن جعفر قال : سألت أبا الحسن موسى علیه السلام عن البيت يبال على ظهره ، ويغتسل فيه من الجنابة ، ثمّ يصيبه المطر ، أيؤخذ من مائه

ص: 348


1- مستمسك العروة الوثقى 1 : 176 - 177 .
2- هكذا في الطبع الحجري ، ولكن في الطبع الجديد «المثعب» . راجع الجوامع الفقهية ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 704 / السطر 23 .
3- الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 73 .
4- أقرب الموارد 1 : 593 ؛ المنجد : 390 .

فيتوضّأ به للصلاة ؟ فقال : «إذا جرى فلا بأس(1) »(2) انتهى .

ولا يبعد أن يكون مراده مطلق الجريان ، وإنّما ذَكر في ذيل الخبرين الواردين في ميزابين ، وجهَ عدم الانفعال في موردهما ، لا تقي-يد أصل الحكم ؛ بقرينة تمسّكه برواية علي بن جعفر ، فالقول باشتراطه الجريان من خصوص الميزاب ، فاسد جدّاً . نعم ، لا يبعد اعتباره ذلك بحدٍّ جرى من الميزاب .

لكنّ الأقرب أ نّه اشترط أصل الجريان ، على تأمّل فيه أيضاً ناشئ من أنّ كتاب «التهذيب» لم يعمل للفتيا ، بل عمل لتأويل الروايات المختلفة وتوجيهها ؛ لحفظ القلوب الضعيفة التي ثقل عليها الاختلاف فيها ، كما يظهر من أوّله(3) . ولم يحضرني كتاب «المبسوط»(4) .

وكيف كان : فالمشهور - على ما حكي - عدم اعتبار الجريان شهرةً عظيمةً(5) بل عن «الروض» أ نّه جعل المخالف الشيخ(6) وعن «المصابيح» بعد نسبته إلى فتوى الأصحاب : «أ نّه لم يثبت مخالف ناصّ»(7) وهو كذلك بالنسبة إلى الشيخ

ص: 349


1- مسائل علي بن جعفر : 204 / 433 ؛ الفقيه 1 : 7 / 6 ؛ وسائل الشيعة 1 : 145 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 2 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 411 ، ذيل الحديث 1296 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 2 - 3 .
4- المبسوط 1 : 6 ، قال فيه : «ومياه الموازيب الجارية من المطر حكمها حكم الماء الجاري سواء» .
5- جواهر الكلام 6 : 312 و321 .
6- روض الجنان 1 : 372 .
7- المصابيح في الفقه : 102 / السطر 4 (مخطوط) .

في «تهذيبه» على ما تقدّم . لكن ظاهر ابن حمزة اعتباره بنحو ما تقدّم .

ومستند أصل الجريان صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة ، فتقيّد بها المطلقات .

و لا يخفى ما فيه ؛ فإنّ الظاهر من قوله : «البيت يبال على ظهره» أنّ ظهره معدّ لذلك ، والظاهر أ نّه كان متعارفاً في تلك الأمكنة والأزمنة ، كما يظهر من سائر الروايات(1) ، فحينئذٍ يكون اشتراط الجريان لخصوصية المورد ؛ لعدم غلبة المطر على النجاسة بلا جريان في مثله ممّا يكون مُبالاً . كما أنّ السؤال عن الاغتسال من الجنابة يؤيّده ، فيكون اعتبار الجريان للغلبة على النجاسة .

ويحتمل أن يكون المراد من «الأخذ من مائه» أخذ ما جرى خارج المحلّ ؛ فإنّه إذا كان الماء فيه وكان معدّاً للبول ، لم يذهب بالمطر عينُ النجاسة ، ومع بقائها فيه والأخذ منه لا محالة يبتلي المكلّف بها إذا أخذ منه ، فيكون القيد للإرشاد إلى الأخذ من المحلّ الخارج ؛ لئلاّ يبتلي بها ، ولهذا لم يذكر الجريان في ذيلها ، وهو هكذا : قال : وسألته عن الرجل يمرّ في ماء المطر ، وقد صبّ فيه خمر فأصاب ثوبه ، هل يصلّي فيه قبل أن يغسله ؟ فقال : «لا يغسل ثوبه ولا رجله ، ويصلّي فيه ، ولا بأس به»(2) .

هذا مضافاً إلى احتمال أن يكون المراد من «جريانه» فعلية تمطير السماء ، فالشرط لأجل أنّ المحلّ المعدّ للبول ، لا يرتفع جرم البول المتراكم فيه بالمطر ، فمع قطع الجريان ينفعل ماؤه ، كسائر المياه القليلة .

ص: 350


1- راجع وسائل الشيعة 1 : 144 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 .
2- الفقيه 1 : 7 / 7 ؛ وسائل الشيعة 1 : 145 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 2 .

والإنصاف : أ نّه لا يجوز رفع اليد عن الإطلاقات - سيّما مثل قوله علیه السلام : «ما أصابه من الماء أكثر»(1) - بمثل هذه الرواية .

وأمّا رواية الحِمْيَري بإسناده عن علي بن جعفر : وسألته عن الكنيف يكون فوق البيت ، فيصيبه المطر ، فيكف فيصيب الثياب ، أيصلّى فيه قبل أن تغسل ؟ قال : «إذا جرى من ماء المطر فلا بأس»(2) .

فظاهرها أنّ ما يكف إن كان من ماء المطر فلا بأس ، في مقابل ما كان من البول أو ماء الكنيف ، فهي في الحقيقة من أدلّة عدم اعتبار الجريان فيه ، أو لا أقلّ

من عدم دلالتها على اعتباره .

كما إنّ ما في «كتاب علي بن جعفر» عن أخيه موسى علیه السلام قال : سألته عن المطر يجري في المكان فيه العَذِرة ، فيصيب الثوب ، أيصلّى فيه قبل أن يغسل ؟ قال : «إذا جرى فيه المطر فلا بأس»(3) لا ظهور فيه في القيدية بعد مسبوقيته بفرض جريانه في المكان ، فكأ نّه قال : «على هذا الفرض لا بأس به» .

مضافاً إلى أنّ الظاهر أنّ المفروض جريان ماء المطر إلى محلّ فيه العَذِرة ، ولم يكن ذلك المكان مورد إصابة المطر ، فالسؤال عن تمطير السماء في مكان ، وإجراء مائه في مكان آخر فيه العَذِرة ، فلا يدلّ على القيدية في مورد البحث .

ص: 351


1- تقدّم في الصفحة 346 .
2- مسائل علي بن جعفر : 192 / 398 ؛ قرب الإسناد : 192 / 724 ؛ وسائل الشيعة 1 : 145 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 3 .
3- مسائل علي بن جعفر : 130 / 115 ؛ وسائل الشيعة 1 : 148 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 9 .

مع أنّ الشرطية لبيان تحقّق الموضوع ؛ فإنّ مفهومها «إذا لم يجر فيه المطر» لا «إذا تحقّق المطر ولم يكن جارياً» فالأقوى ما عليه القوم من عدم اعتبار الجريان .

نعم ، لا عبرة بالقطرات اليسيرة ؛ لانصراف الأدلّة عنها ، بل لا يبعد عدم صدق «المطر» عليها عرفاً ، بل ولغة .

توقّف التطهير بالمطر على صدق رؤية مائه للمتنجّس

ثمّ إنّ التطهير بالمطر متوقّف على صدق رؤية مائه للشيء النجس؛ أي المحلّ الذي تنجّس ، فإذا تقاطر على بعض الجسم النجس ، طهر موضع التقاطر لا غير .

هذا في غير المائعات ، وأمّا فيها فلا إشكال في عدم طهارة غير الماء منها به ؛ لعدم إمكان رؤيته جميع أجزائها ، وما وصل إليه أيضاً لا يطهر ؛ للسراية ، ففي مثله لا يمكن حصول الطهارة .

وإن شئت قلت : إنّ قوله علیه السلام : «كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر»(1) لا يشمل مثل المائعات ؛ فإنّها غير قابلة للتطهير كالأعيان النجسة ؛ فإنّ رؤية المطر جميعَ أجزائها غير ممكن ، وبعضَها المتّصل بالنجس غير قابل له فلا يشمله الدليل .

ومن ذلك يعلم الحال في الماء أيضاً .

ودعوى صدق رؤيته إيّاه بتقطير قطرات بل قطرة عليه(2) ، غير وجيهة ؛ لأنّ

ص: 352


1- تقدّمت في الصفحة 343 .
2- روض الجنان 1 : 372 ؛ جواهر الكلام 6 : 319 .

المراد من صدقها إن كان صدق الرؤية لهذا الجسم بملاحظة كونه موجوداً واحداً ، فإذا صدق رؤيته لجزء منه صدق رؤيته له ، فلازمه طهارة جميع الأرض إذا تقاطر على نقطة منها المطر ؛ لصدق رؤيته إيّاها .

والحلّ : أنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «كلّ شيء يراه . . .» إلى آخره - بمناسبة الحكم والموضوع - أنّ الطهارة مخصوصة بموضع الملاقاة دون غيره ، وهو واضح .

ولو قيل : إنّ مقتضى إطلاق الرؤية طهارة الجزء الذي رآه المطر ، ولازمه طهارة جميع الماء ؛ للإجماع على عدم محكومية الماء الواحد بحكمين .

يقال له : - بعد تسليم ثبوت الإجماع المذكور - إنّا نمنع إطلاقها لمثل المورد ؛ لعدم إمكان قبوله للتطهير كسائر المائعات ؛ فإنّ الجزء المائع المتّصل بالنجس اللازم الانفعال منه ، لا يصير طاهراً بورود المطهّر عليه .

بل لولا الإجماع على قبول المياه للطهارة(1) ودلالة بعض الأخبار عليه - كصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بَزيع الواردة في ماء البئر(2) وما وردت في ماء الحمّام(3) - لكان الحكم بقبوله لها مشكلاً ، والمتيقّن من الإجماع طهارته بعد

ص: 353


1- مستند الشيعة 1 : 15 .
2- عن الرضا عليه السلام قال : «ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلاّ أن يتغيّر ريحه أو طعمه ، فينزح حتّى يذهب الريح ويطيب طعمه لأنّ له مادّة» . تهذيب الأحكام 1 : 234 / 676 ؛ وسائل الشيعة 1 : 172 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث 7 .
3- راجع وسائل الشيعة 1 : 148 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 7 .

الامتزاج ، كما إنّ مورد الروايات المتقدّمة(1) ذلك ، فالأقوى عدم طهارة الماء المتنجّس إلاّ بالامتزاج بالمعتصم .

وقد يقال : بدلالة مرسلة الكاهلي على طهارته بالتقاطر عليه على بعض نسخ «الكافي» كما نقل في «الوافي» : «ويسيل على الماء المطرُ» بتعريف «الماء» وجرّه ب- «على» وكون «المطرُ» فاعل «يسيل» قال في «الوافي» : «والغرض من السؤال الثاني أنّ المطر يسيل على الماء المتغيّر بالقذر ، فيثب من الماء القطرات ، وينتضح عليّ ، و«البيت يتوضّأ على سطحه . . .» سؤال آخر»(2) انتهى ، بدعوى : أنّ «كلّ شيء يراه . . .» إلى آخره بعد تعقّبه بذلك ، يدلّ على المطلوب(3) .

وفيه : - مع عدم ثبوت صحّة هذه النسخة ، ولهذا لم يشر إليها المحدّث المجلسي في «مرآته»(4) ولا الحرّ في جامعه(5) ، والاستشهاد على صحّتها بمنافاة فرض السيلان عليه على النسخة المعروفة مع فرض ورود القطرات عليه(6) ، غير تامّ ؛ لإمكان رفع التنافي بأن يقال : إنّ فرض ورود القطرات ، قرينة على أنّ المراد من سيلانه عليه سيلانه من فوق رأسه ، فكأ نّه قال :

ص: 354


1- تقدّم في الصفحة 345 .
2- الوافي 6 : 46 .
3- مستمسك العروة الوثقى 1 : 182 .
4- مرآة العقول 13 : 43 - 44 .
5- وسائل الشيعة 1 : 146 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 6 ، الحديث 5 .
6- مستمسك العروة الوثقى 1 : 182 .

«يسيل عليّ الميزاب ، فيقطر عليّ منه القطرات» - أنّ سيلان المطر على الماء بناءً على هذه النسخة ، ملازم لامتزاجه به ، ولعلّه مع الامتزاج صدق الرؤية عرفاً بنحو من التسامح .

مع أنّ لنا أن نقول : إنّ تطبيق الكبرى على المورد دليل على صحّة النسخة المشهورة ؛ لو منع الصدق العرفي مع الامتزاج .

وكيف كان : لا يمكن إثبات هذا الحكم المخالف للقواعد والارتكاز العرفي بهذه النسخة غير الثابتة .

ص: 355

الأمر الثاني: في مطهّرية الشمس
اشارة

الثاني : الشمس إذا جفّفت بإشراقها البول وغيره من النجاسات والمتنجّسات التي لا يبقى جِرمها بعد الجفاف بالتبخير عن الأرض وغيرها ممّا لا ينقل ، كالنباتات والأشجار ، وأثمارها الموصولة بها ، والأبنية وما يتعلّق بها من الأبواب والأخشاب والمسامير وغيرها ، بل عن البواري والحصر من المنقولات ، على الأظهر الأقوى في جميع المذكورات .

وقد خالف في أصل الحكم المحدّث الكاشاني ، فاختار في «الوافي» عدم مطهّريتها ، بل عدم العفو حتّى عن السجدة عليها ، قال في ذيل رواية ابن أبي عمير - قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : اُصلّي على الشاذكونة وقد أصابتها الجنابة ، قال : «لا بأس»(1) - بهذه العبارة :

«والوجه في ذلك عدم اشتراط الطهارة في مواضع الصلاة إلاّ بقدر ما يسجد

ص: 356


1- تهذيب الأحكام 2 : 370 / 1538 ؛ وسائل الشيعة 3 : 454 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 30 ، الحديث 4 .

عليه . نعم يشترط أن لا يكون فيها - إذا كانت نجسة - رطوبة يتعدّى بها النجاسة إلى ثوب المصلّي أو بدنه . وبناء الأخبار الآتية على هذا الأصل ، إلاّ أنّ

جماعة من أصحابنا اشتبه ذلك عليهم ، فزعموا أنّ الشمس تطهّر الأرض والبواري»(1) .

ثمّ ذكر في ذيل بعض الأحاديث مؤيّداتٍ لما اختاره ، وحمل صحيحة زرارة الآتية ورواية أبي بكر الحضرمي على المعنى اللغوي ؛ أي عدم سراية القذر ، كقوله علیه السلام : «كلّ شيء يابس زكيّ»(2) ليوافقا سائر الأخبار(3) .

وعن جملة من الأصحاب القول بصحّة السجود عليها وبقائها على النجاسة(4) ، فيكون البناء على العفو في خصوص هذا الحكم .

والمشهور البناء على الطهارة ، بل عن جملة منهم دعوى الإجماع عليها ، ففي «الخلاف» الإجماع على طهارة الأرض والحصر والبواري من البول(5) ، وعن «السرائر» الإجماع على التطهير بالشمس(6)، وعن «كشف الحقّ»: «ذهب الإمامية إلى أنّ الأرض لو أصابها البول وجفّت بالشمس طهرت ، وجاز التيمّم منها»(7)

ص: 357


1- الوافي 6 : 231 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 49 / 141 ؛ وسائل الشيعة 1 : 351 ، كتاب الطهارة ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 31 ، الحديث 5 .
3- الوافي 6 : 231 و232 و234 .
4- اُنظر جواهر الكلام 6 : 258 ؛ الوسيلة إلى نيل الفضيلة : 79 ؛ المعتبر 1 : 446 .
5- الخلاف 1 : 218 - 219 و495 .
6- السرائر 1 : 182 .
7- نهج الحقّ وكشف الصدق : 418 .

وعن جملة منهم دعوى الشهرة عليها (1) .

وأيضاً يظهر من بعضهم اختصاص الحكم بالبول(2) . وعن جملة منهم دعوى الشهرة على التطهير من سائر النجاسات المائعة(3) . وظاهر بعضهم اختصاص الحكم بالأرض والحصر والبواري(4) . وعن جملة منهم نقل الشهرة عليها وعلى كلّ ما لا ينقل ، كالنباتات والأبنية وغيرهما (5) .

والأقوى في المقامات الثلاثة ما حكي عن المشهور أي :

1 - حصول الطهارة .

2 - وعموم الحكم لكلّ مائع متنجّس أو نجس ، نظير البول ممّا يتبخّر بإشراق الشمس .

3 - وعمومه لكلّ ما لا ينقل ، وللحصر والبواري .

فيما يدلّ على مطهّرية الشمس

وتدلّ على المطلوب في المقامات الثلاثة صحيحة زرارة ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن البول يكون على السطح ، أو في المكان الذي يصلّى فيه ،

ص: 358


1- مختلف الشيعة 1 : 323 ؛ المهذّب البارع 1 : 252 ؛ مفاتيح الشرائع 1 : 79 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 436 - 437 .
2- المقنعة : 71 ؛ المبسوط 1 : 38 ؛ المراسم : 56 .
3- مختلف الشيعة 1 : 323 ؛ المهذّب البارع 1 : 252 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 450 ؛ جواهر الكلام 6 : 259 - 260 .
4- المقنعة : 71 ؛ المبسوط 1 : 38 ؛ السرائر 1 : 182 ؛ المختصر النافع : 19 .
5- الحدائق الناضرة 5 : 436 ؛ مستند الشيعة 1 : 320 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 78 .

فقال : «إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه ؛ فهو طاهر»(1) .

أمّا دلالتها على الطهارة فلا ينبغي الإشكال فيها . وتوهّم أنّ «الطهارة» فيها

بمعنى عدم السراية(2) - كقوله علیه السلام : «كلّ شيء يابس زكيّ»(3) - خلاف الظاهر بل الصريح ؛ لا يذهب إليه إلاّ مع قيام قرينة ، وسيأتي حال بعض ما يتوهّم قرينيته(4) .

بل الظاهر من قوله علیه السلام : «فصلّ عليه» أنّ شرط الصلاة عليه حاصل ، ومعلوم أنّ المتعارف في تلك الأعصار السجود على المكان الذي كانوا يصلّون فيه .

نعم ، من كان على مذهب الحقّ ، كان لا محالة يراعي كون المكان ممّا تصحّ السجدة عليه ، وأمّا وضع شيء - كتراب قبر مولانا الحسين - سلام اللّه عليه - أو

حجر ، أو خشب ، فلم يكن معهوداً ومتعارفاً ، سيّما مع شدّة التقيّة .

فسؤال زرارة عن البول في المكان الذي يصلّى فيه ، إنّما هو عن صحّة الصلاة والسجود عليه مع جفاف البول ؛ ضرورة عدم تعقّل السؤال عن البول الرطب الساري ، فقوله علیه السلام في مقام الجواب : «إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه» يدلّ على حصول شرط السجود .

والحمل على العفو مع بقاء النجاسة ، خلاف الظاهر المتفاهم ، فهل ترى من

ص: 359


1- الفقيه 1 : 157 / 732 ؛ وسائل الشيعة 3 : 451 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 29 ، الحديث 1 .
2- الوافي 6 : 234 .
3- تقدّم في الصفحة 357 .
4- يأتي في الصفحة 362 .

نفسك - بعد معهودية اشتراط الطهارة في ثوب المصلّي - انقداحَ احتمال العفو

وبقاء النجاسة من قوله مثلاً : «إن أصابه المطر صلّ فيه» ؟ ! وليس ذلك إلاّ لأنّ تجويز الصلاة فيه دليل على حصول شرطه ، فيستفاد من الصحيحة - مع الغضّ عن قوله علیه السلام : «فهو طاهر» - حصول شرط السجدة مع الجفاف بالشمس .

فاحتمال التجفيف مخالف للظاهر ، فضلاً عن احتمال ارتكبه الكاشاني ؛ فإنّه بناءً على ما ذكره يكون ذكر الشمس والتعليق عليها ، في غير محلّه ؛ إذ لو كان الموضوع هو التجفيف فلا معنى للتقييد . وكون الشمس أسرع في التجفيف ، لا يوجب تعليقه عليها من غير دخالة لها .

هذا مع أنّ «الطاهر» في مقابل «القذر» عرفاً وشرعاً ، وليس للشارع اصطلاح خاصّ فيهما ، كما مرّ مراراً (1) . وحملها على عدم السراية مع الجفاف ، من قبيل توضيح الواضحات بعد وضوحه لدى العرف .

وبالجملة : لا شبهة في دلالتها وصراحتها على المطلوب .

وتدلّ عليه أيضاً رواية الحضرمي ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «كلّ ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر»(2) . وفي رواية اُخرى عنه علیه السلام «ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر»(3) .

ص: 360


1- تقدّم في الصفحة 16 و170 ، وفي الجزء الثالث : 9 - 11 .
2- تهذيب الأحكام 2 : 377 / 1572 ؛ وسائل الشيعة 3 : 453 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 29 ، الحديث 6 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 273 / 804 ؛ وسائل الشيعة 3 : 452 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 29 ، الحديث 5 .

والظاهر أ نّهما رواية واحدة ، والسند وإن كان ضعيفاً بعثمان بن عبد الملك ، بل في الحضرمي تأمّل ، لكن رواية أحمد بن محمّد بن عيسى إيّاها - مع ما هو المعروف من طريقته(1) - لا يبعد أن تكون نحو توثيق لهما ، أو دالّةً على قرينة على صدورها .

وأمّا صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بَزيع قال : سألته عن الأرض والسطح يصيبه البول وما أشبهه ، هل تطهّره الشمس من غير ماء ؟ قال : «كيف يطهّر من غير ماء ؟ !»(2) .

فالظاهر منها أنّ الشمس تطهِّر مع الماء ، سيّما لو كان «يطهّر» في الذيل من التفعيل ، وضميره راجعاً إلى الشمس ، كما هو المناسب للسؤال .

وفي نسخة «الوافي» : «تطهّر» بالتاء(3) ، والظاهر منها كونه من التفعيل ، لا من باب المجرّد ، فتكون الرواية دالّة على المطلوب ، فدعوى الكاشاني بأ نّها صريحة في عدم التطهّر بالشمس(4) ، غير وجيهة .

ومن بعض ما ذكرناه يظهر إمكان الاستدلال للمطلوب - أي حصول الطهارة - بصحيحة زرارة وحديد الأزدي قالا : قلنا لأبي عبداللّه علیه السلام : السطح يصيبه البول أو يبال عليه ، يصلّى في ذلك المكان ؟ فقال : «إن تصيبه الشمس والريح

ص: 361


1- راجع رجال النجاشي : 185 / 490 و : 332 / 894 ؛ خلاصة الأقوال : 63 / 7 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 273 / 805 ؛ وسائل الشيعة 3 : 453 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 29 ، الحديث 7 .
3- الوافي 6 : 231 / 20 .
4- الوافي 6 : 231 ، ذيل الحديث 20 .

وكان جافّاً فلا بأس به ، إلاّ أن يكون يتّخذ مبالاً»(1) . فإنّ التفصيل بين ما يتّخذ مبالاً ، فلا يجوز فيه الصلاة مع جفافه ، وبين غيره فيجوز ، كالصريح في مخالفة مختار الكاشاني . ومع معهودية اشتراط الطهور في محلّ سجدة المصلّي ، وكون المتعارف عدم وضع شيء للسجود ، تدلّ الرواية على حصول الشرط ؛ أي الطهور .

فدعوى : أنّ تجويز الصلاة فيه ونفي البأس ، لا يدلاّن على حصول الطهارة ؛ لإمكان كونهما مبنيّين على العفو(2) ، خلاف فهم العرف وظهور الرواية .

نعم ، فيها مناقشة ناشئة من ضمّ الريح إلى الشمس(3) .

ومناقشة اُخرى : وهي دعوى كون قوله علیه السلام : «وكان جافّاً» ظاهراً في أنّ الجفاف موضوع الحكم ولو لم يحصل بالشمس(4) .

وهما ضعيفتان ؛ فإنّ ذكر الريح - بعد قيام الإجماع(5) وظهور الأدلّة في عدم دخالتها - لعلّه لدفع توهّم : أنّ دخالتها الجزئية مضرّة بتطهير الشمس ، ومن المعلوم أنّ الشمس إذا أشرقت على موضع ، وهبّ الريح عليه ، يكون التأثير في التجفيف مستنداً إلى إشراقها ؛ وإن كان للريح أيضاً تأثير

ص: 362


1- الكافي 3 : 392 / 23 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 376 / 1567 ؛ وسائل الشيعة 3 : 451 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 29 ، الحديث 2 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 267 .
3- اُنظر جواهر الكلام 6 : 255 ؛ الوافي 6 : 231 .
4- اُنظر جواهر الكلام 6 : 255 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 77 .
5- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 267 .

ضعيف ، فلا يكون هذا التأثير مضرّاً ، لا أ نّه جزء الموضوع بحيث ينتفي

الحكم بانتفائه .

وأمّا قوله علیه السلام : «وكان جافّاً» فلا ظهور فيه فيما ادّعي . نعم لا ظهور فيه بأنّ الجفاف حصل بالشمس فقط ؛ وإن لا يبعد ظهوره العرفي فيه . ولو كان فيه إجمال يرفع بسائر الروايات ، فلا إشكال فيها .

وأمّا موثّقة عمّار الساباطي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سئل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره ، فلا تصيبه الشمس ، ولكنّه قد يبس الموضع القذر ، قال : «لا يصلّى ، وأعلم موضعه حتّى تغسله» .

وعن الشمس هل تطهّر الأرض ؟ قال : «إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك ، فأصابته الشمس ثمّ يبس الموضع ، فالصلاة على الموضع جائزة . وإن أصابته الشمس ولم ييبس الموضع القذر وكان رطباً ، فلا يجوز الصلاة حتّى ييبس ، وإن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر ، فلا تصلّ على ذلك الموضع حتّى ييبس . وإن كان غير الشمس أصابه حتّى ييبس فإنّه لا يجوز ذلك» .

كذا في «الوسائل»(1) وليس في «الوافي» : «حتّى ييبس» بعد قوله علیه السلام : «ذلك الموضع» ويكون بدل «غير الشمس» «عين الشمس» وبدل «أصابه» «أصابته»(2) .

وفي نسخة من «التهذيب» مقروءة على المولى المجلسي رواها نحو

ص: 363


1- وسائل الشيعة 3 : 452 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 29 ، الحديث 4 .
2- الوافي 6 : 232 / 21 .

«الوافي» إلاّ أ نّه جعل فيها لفظ «غير» فوق «عين» مع علامة نسخة ، ونقل «أصابه» مذكّراً .

وفي «حبل المتين» : «ربّما يوجد في بعض نسخ «التهذيب» بدل «عين الشمس» بالعين المهملة والنون «غير الشمس» بالغين المعجمة والراء ، والصحيح الموجود في النسخ الموثوق بها هو الأوّل»(1) انتهى .

وفي «المنتهى» رواها نحو ما في «الوسائل» وصرّح في ذيلها : «بأنّ رواية عمّار فرّقت بين اليبوسة بالشمس وغيرها»(2) .

وفي هامش «حبل المتين» : «وقد ظفرنا في النسخ الصحيحة المعتمد عليها جدّاً على لفظة «غير» أيضاً نسخة»(3) ، والظاهر أنّ الهامش لمصحّح الكتاب .

وكيف كان : فالموثّقة متعرّضة لأحكام :

منها : أ نّه إن يبس الموضع بغير الشمس ، لا يجوز الصلاة عليه حتّى يغسل ، ووجهه لزوم كون محلّ السجدة طاهراً ، فالمراد من النهي عنها إمّا عن خصوص السجود ، أو عن الصلاة بجميع أجزائها التي منها السجود ؛ لما ذكرناه من عدم تعارف وضع شيء للسجدة عليه(4) ، فلا محالة يكون السؤال عن الصلاة على موضع قذر ، شاملاً للسجود عليه .

ومنها : أ نّه إذا كان الموضع قذراً ببول أو غيره فيبس بالشمس ، يجوز الصلاة

ص: 364


1- الحبل المتين : 126 / السطر 10 .
2- منتهى المطلب 3 : 275 - 276 .
3- الحبل المتين : 126 ، الهامش .
4- تقدّم في الصفحة 359 و362 .

عليه ، والتفصيل بين الجفاف بالشمس وغيرها كالنصّ على ردّ الكاشاني ، وليس المراد من قوله علیه السلام : «ثمّ يبس» اليبوسة ولو بغير الشمس ، بل المراد الجفاف بها ، وتخلّل لفظة «ثمّ» لكون الجفاف يحصل بتدريج ، فيكون متأخّراً عن حدوث إصابتها .

ولو كان فيه نوع إجمال يرفع بصحيحة زرارة المتقدّمة(1) ، وبالإجماع على أنّ الجفاف بغير الشمس غير مفيد ، كما أ نّه لو كان له إطلاق يقيّد بهما .

والتقريب فيها لحصول الطهارة بنحو ما تقدّم من أنّ العرف بعد ما رأى أنّ الطهارة في محلّ السجدة معتبرة ، لا ينقدح في ذهنه من تجويز الصلاة إلاّ حصول الشرط ، والعفو لا ينقدح في الأذهان غير المشوّشة بالعلميات .

ومنها : أ نّه إن أصابته الشمس فلم ييبس وكان رطباً ، لا يجوز الصلاة عليه حتّى ييبس .

والظاهر أنّ هذه الفقرة مفهوم الفقرة المتقدّمة ، وقولَه علیه السلام : «حتّى ييبس» تأكيد لها . ولو فرض الإجمال أو الإطلاق فيها يرفع أو يقيّد ، كما تقدّم .

ومنها : أ نّه مع رطوبة الأعضاء لا يجوز الصلاة عليه حتّى ييبس ، والمراد اليبوسة بالشمس بقرينة الفقرة الآتية ؛ أي «وإن كان غير الشمس أصابه . . .» إلى آخره .

والمراد من الفقرتين التفصيل في الصلاة عليه مع رطوبة الأعضاء بين الجفاف بالشمس وغيرها ، فتدلّ على حصول الطهارة بالأوّل دون الثاني .

هذا على نسخة «الوسائل» الموافقة ل- «منتهى العلاّمة» وللنصوص والفتاوى ،

ص: 365


1- تقدّم في الصفحة 358 .

والمناسب لتذكير الضمير ، كما في «التهذيب» و«الوسائل» .

ولعلّ البهائي والكاشاني تصرّفا في النسخة بعد ترجيح «عين» على «غير» فجعلا الضمير مؤنّثاً ، كما يظهر من «حبل المتين» حيث جعل «أصابته» بالتأنيث في المتن ، والتذكير فوق السطر مع علامة «التهذيب»(1) مع أنّ الرواية من «التهذيب» فكأنّ نسخته كذلك ، وتصرّف فيها تصحيحاً .

وأمّا على النسخة الاُخرى وهي هكذا :

«وإن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر ، فلا تصلّ على ذلك الموضع وإن كان عين الشمس أصابه حتّى ييبس ؛ فإنّه لا يجوز ذلك» .

ففيه احتمالان :

أحدهما : أنّ المراد ب- «ذلك الموضع» هو الموضع القذر الرطب ؛ أي لا تصلّ مع رطوبة الأعضاء على ذلك الموضع - وإن كان عين الشمس أصابته - إلاّ أن ييبس بالشمس ، فيجوز حينئذٍ الصلاة عليه مع رطوبتها ، فكأنّ المقصود بهذه الفقرة إثبات طهارة ما أصابته الشمس ، فتكون مخالفة للقول بالعفو دون الطهارة .

فعلى هذا الاحتمال تكون الفقرة السابقة على هذه الفقرة ، متعرّضةً لعدم جواز الصلاة على الموضع حتّى ييبس ، وهذه الفقرة لجواز الصلاة مع رطوبة الأعضاء فيما إذا يبس الموضع بالشمس ، فيكون التعرّض لعدم الجواز حتّى ييبس ، توطئةً لهذا الحكم ، فتدلّ على طهارة الموضع بالتجفيف بالشمس .

ص: 366


1- الحبل المتين : 125 / السطر 17 .

وعلى هذا الاحتمال يكون «حتّى ييبس» غاية لعدم جواز الصلاة . نعم ، يحتمل أن يكون متعلّقاً بقوله : «أصابه» فتدلّ على عدم الطهارة .

وثانيهما : أنّ المراد الموضع القذر بعد اليبوسة ؛ أي لا تصلّ مع رطوبة الأعضاء على الموضع الذي يبس وإن كان أصابه عين الشمس ويبس بها ، فتدلّ على نجاسة ما يبس بالشمس .

ولا ترجيح لهذا الاحتمال على الاحتمال الأوّل ، بل الترجيح معه ، سيّما مع كونه موافقاً لسائر الروايات الدالّة على الطهارة صريحاً .

فدعوى الكاشاني بأنّ الرواية على هذه النسخة صريحة في عدم الطهارة(1) غير وجيهة ، بل لا ظهور لها فيه ، بل الأرجح دلالتها على الطهارة على هذه النسخة أيضاً .

واستدلّ(2) على عدم الطهارة بها بصحيحة ابن بَزيع قال : سألته عن الأرض والسطح يصيبه البول وما أشبهه ، هل تطهّره الشمس من غير ماء ؟ قال : «كيف يطهر من غير ماءٍ ؟ !»(3) .

بدعوى : أنّ المراد من السؤال أنّ الشمس مطهّرة في قبال الماء ، ومن الجواب أ نّه كيف يطهر بالشمس ؟ ! بل لا بدّ من الغسل بالماء .

وفيها : أنّ هاهنا احتمالاً آخر أقرب منه بلفظ الرواية ؛ وهو أنّ الشمس في

ص: 367


1- الوافي 6 : 232 .
2- الوافي 6 : 231 .
3- تهذيب الأحكام 1 : 273 / 805 ؛ وسائل الشيعة 3 : 453 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 29 ، الحديث 7 .

تطهيرها تحتاج إلى ماء ، أو يطهر المحلّ بصِرف إشراقها عليه ؟ فتعجّب من ذلك

وقال : «كيف تطهر من غير ماءٍ ؟ !» أي تحتاج في التطهير إلى التبخير والتجفيف ، وهما لا يتمّان إلاّ بماء ، ولعلّ المراد ب- «الماء» مطلق المائع القابل للتبخير ، ولهذا

نكّره . ولو نوقش في ذلك يجب تقييد إطلاقها بصحيحة زرارة(1) .

وإنّما قلنا : هذا الاحتمال أقرب ؛ لأنّ الرواية مشعرة بأنّ مطهّرية الشمس كانت مفروضة ، وإنّما سئل عن كيفيتها ؛ وأنّ الإشراق بلا ماء كافٍ أو لا ؟

وقوله علیه السلام : «كيف يطهر . . . ؟ !» معناه : كيف يطهر المحلّ بالشمس فقط من دون ماء ؟ ! سيّما على نسخة «الوافي» فإنّ فيها «تطهّر» بالتاء المثنّاة(2) ، والظاهر أ نّه من التفعيل بمناسبة السؤال ، وسيّما مع تنكير «ماءٍ» فإنّه مشعر بأنّ المراد ليس التطهير بالماء على النحو المعهود ، بل لا بدّ فيه من ماء يتبخّر بالشمس .

ومع تساوي الاحتمالين ، لا يجوز رفع اليد عن صحيحة زرارة وغيرها الناصّة على الطهارة بمثلها .

بل مع فرض أرجحية الاحتمال الأوّل صارت معارضة لها ، والترجيح معها ؛ لموافقتها مع الشهرة والإجماعات المنقولة(3) .

والإنصاف : أنّ طرح الصحيحة الصريحة بمثل هذه المضمرة المجملة غير جائز .

ص: 368


1- تقدّمت في الصفحة 358 .
2- الوافي 6 : 231 / 20 .
3- تقدّم في الصفحة 357 .

وأمّا الروايات الواردة في الشاذكونة وغيرها (1) ؛ ممّا تدلّ على جواز الصلاة عليها مع الجفاف بلا تقييد بالشمس ، وهي التي صارت موجبة لاغترار الكاشاني ؛ وارتكابه للتأويل البعيد في صحيحة زرارة وغيرها ، فهي مطلقات يمكن تقييدها بتلك الروايات .

ومع المناقشة فيه فالتصرّف فيها بحملها على جواز الصلاة فيها ، أو عليها إذا

كان موضع السجدة طاهراً - بتقييدها بالإجماع على لزوم طهارته - أولى من التصرّف في صحيحة زرارة ونحوها الموافقة للشهرة والإجماعات المنقولة . هذا حال إحدى المقامات الثلاثة .

فيما يدلّ على تعميم موضوع الحكم لغير السطح والمصلّى

وأمّا دلالة صحيحة زرارة على تعميم الموضوع وعدم الاختصاص بالسطح والمكان الذي يصلّى فيه ، فبإلغاء الخصوصية عرفاً . بل لدلالة الشرطية على أنّ تمام العلّة للتطهير هو تجفيف الشمس ، من غير دخالة القابل فيه ، والمقام لا يقصر عن سائر المقامات التي يدّعى فيها إلغاء الخصوصية عرفاً .

وبالجملة : لا ينقدح في ذهن العرف من هذا الكلام ؛ أنّ السطح بما هو مكان خاصّ أو مكان المصلّي بما هو كذلك ، دخيل في تطهيره بالشمس ، بل يرى أنّ التأثير للشمس وإشراقها والتجفيف بها ، من غير دخالة الأرض والسطح ومكان المصلّي فيه .

نعم ، لو كان الحكم من قبيل العفو لكان لدعوى الخصوصية وجه ، لكن بعد

ص: 369


1- وسائل الشيعة 3 : 453 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 30 .

البناء على حصول الطهارة ، لا ينقدح في الأذهان الخصوصية ، سيّما مع وقوع المكان الخاصّ في كلام السائل ، فلو كان بدل هذه الشرطية قوله : «إذا أصابه المطر صلّ عليه ، وهو طاهر» هل يختلج في الذهن أنّ المطر مطهّر السطح أو مكان المصلّي ؛ بحيث يكون للجدار تحت السطح أو لصلاة المصلّي دخالة فيه ؟ ! والمقام من قبيله .

وعدم معهودية كون الشمس مطهّرة ، لا يوجب فهم الخصوصية بعد دلالة الدليل على أصل الحكم .

وبالجملة : إنّ الظاهر المتفاهم من الشرطية أنّ السبب الوحيد للتطهير تجفيف الشمس ، كما هو المتفاهم في غير المقام .

نعم ، يستثنى المنقولات - ما عدا الحصر والبواري - عنها بالإجماع(1) ودلالة بعض الأدلّة(2) ، أو بدعوى عدم إلغاء الخصوصية بالنسبة إليها ؛ بملاحظة الأخبار الواردة في كيفية تطهير الأواني والثياب وأمثالهما (3) ، تأمّل .

ويدلّ على التعميم رواية أبي بكر الحضرمي المتقدّمة(4) بعد تقييدها بحصول

ص: 370


1- رياض المسائل 2 : 410 ؛ مستند الشيعة 1 : 320 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 80 .
2- كرواية فقه الرضا عليه السلام : «وما وقعت الشمس عليه من الأماكن - التي أصابها شيء من النجاسة مثل البول وغيره - طهّرتها ، وأمّا الثياب فلا تطهر إلاّ بالغسل» . الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه السلام : 303 ؛ مستدرك الوسائل 2 : 574 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 22 ، الحديث 5 .
3- راجع وسائل الشيعة 3 : 395 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 1 ، 2 ، 3 ، 13 ، 51 و53 .
4- تقدّم في الصفحة 360 .

الجفاف ، لو لم نقل بانصرافها عمّا قبله ؛ بعد عدم إمكان كون إشراقها مطهّراً مع بقاء عين النجس أو الرطوبة المتنجّسة ، فلا ينقدح في الأذهان من قوله علیه السلام : «كلّ ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر» إلاّ إذهاب الإشراق عين النجس أو الرطوبة المتنجّسة بالتبخير . لكن يجب تقييدها بالمنقولات بالإجماع .

وتوهّم انصرافها إلى غير المنقول الذي من شأنه الثبات وإشراق الشمس عليه(1) ، كما ترى .

إلاّ أن يدّعى الانصراف بملاحظة ما وردت في كيفية تطهير الأواني والثياب ، وهو أيضاً لا يخلو من تأمّل .

ويشهد على التعميم حكاية جمع من الأعاظم الشهرة عليه(2) .

وممّا تقدّم يظهر الحال في الاُمور التي يشكّ في كونها منقولاً أو لا ؛ لعدم دليل على هذا العنوان ، بل ما دلّ على الاستثناء هو الإجماع ، والواجب الأخذ بالمتيقّن منه ؛ وهو غير المذكورات .

فيما يدلّ على تعميم الحكم بالنسبة إلى غير البول

وتدلّ على تعميم الحكم بالنسبة إلى غير البول - ممّا هو نظيره في رقّته وتبخيره - صحيحة زرارة بعد إلغاء الخصوصية منه عرفاً ، سيّما مع كون البول أشدّ نجاسة من المائعات المتنجّسة بسائر النجاسات، بل من كثير من النجاسات.

ص: 371


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 272 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 79 .
2- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 272 ؛ جواهر الكلام 6 : 262 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 78 .

ويدلّ عليه أيضاً - مضافاً إلى الشهرة المنقولة بتوسّط كثير من الأعيان(1) - إطلاق رواية الحضرمي وموثّقة الساباطي(2) وصحيحة ابن بزيع بناءً على أح-د الاحتمالين(3) .

اشتراط تحقّق اليبوسة واستقلال الشمس فيه

ثمّ إنّ المراد من «الجفاف» في صحيحة زرارة وغيرها هو حصول اليبوسة ، كما في موثّقة عمّار ؛ ضرورة أ نّه مع بقاء رطوبة عين البول وكذا سائر المائعات النجسة أو المتنجّسة ، لا يطهر المحلّ ، وهو واضح ، والميزان حصول اليبوسة ، وعدم بقاء أثر النجس .

ولو كان للبول وغيره - بواسطة التكرار على المحلّ - جِرم لا يتبخّر بإشراق

الشمس ، لم يطهر ، وهذا هو المراد من استثناء المحلّ المتّخذ مبالاً في صحيحة زرارة وحديد(4) ، ولعلّه مراد الشيخ من استثناء الخمر(5) .

والظاهر من النصوص أن يكون الجفاف واليبس ، حاصلاً بإشراقها استقلالاً ، فلو اشترك معه غيره ولو بتنشيف المحلّ ؛ بحيث لا يبقى من الرطوبة السارية شيء ، أو اُعينت الشمس في فعلها بحرارة ونحوها ، لا يطهر المحلّ . وكون الشمس متأخّرة في التأثير في بعض الصور ، لا يوجب استقلالها في حصوله .

ص: 372


1- تقدّم تخريجها في الصفحة 358 ، الهامش 3 .
2- تقدّمتا في الصفحة 360 و363 .
3- تقدّمت في الصفحة 367 .
4- تقدّمت في الصفحة 361 .
5- المبسوط 1 : 93 .

نعم ، لا يضرّ تقليل العين والرطوبة عنه مع بقاء شيء من الرطوبة السارية ؛ للصدق العرفي .

لا يقال : إطلاق موثّقة عمّار - أي قوله علیه السلام : «إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك ، فأصابته الشمس ، ثمّ يبس الموضع ، فالصلاة على الموضع جائزة» - يقتضي طهارته ولو مع نداوة غير سارية ، فاللازم استقلال الشمس في تحصيل اليبوسة ، وهو حاصل ولو كان الوصول إلى حدّ الرطوبة غير السارية بفاعل آخر ، بل ولو لم يبقَ للمحلّ إلاّ نداوة ضعيفة جدّاً ؛ لصدق أنّ المحلّ كان قذراً بالبول ، ويبس بالشمس(1) .

فإنّه يقال : إطلاقها محلّ تأمّل ؛ لأنّ اليبوسة فيها في مقابل الرطب المذكور في الفقرة الثانية ، وهو لا يصدق على النداوة الضعيفة غير السارية ؛ فإنّ المتفاهم من كون الشيء رطباً - ولو بالانصراف - هو كونه ذا نداوة سارية ، ولا يلزم أن تكون الرطوبة أيضاً كذلك ؛ أي لا تصدق إلاّ على السارية ؛ لاختلاف المشتقّات بعضها مع بعض أحياناً ولو للانصراف ، ك- «جري الماء» و«الماء الجاري» ألا ترى أنّ الظاهر من قوله علیه السلام في الفقرة الاُخرى منها : «إن كانت

رجلك رطبة . . .» إلى آخره ، كونها ذات نداوة سارية ؟ !

مع إمكان أن يقال : إنّها بصدد بيان حكم آخر ؛ وهو حصول اليبس بالشمس تارةً ، وبغيرها اُخرى ، لا بصدد بيان كيفية التطهير بها .

مضافاً إلى أنّ صحيحة محمّد بن إسماعيل - على الاحتمال الراجح - تقيّد الإطلاق لو كان .

ص: 373


1- مستمسك العروة الوثقى 2 : 82 .

هذا مع أنّ في صحيحة زرارة التي هي الأصل في المسألة ، علّق الحكم على التجفيف ، وهو لا يصدق على ما ذكر ، ولا يلزم منه كفاية حصول الجفاف مع بقاء رطوبة غير سارية في التطهير ؛ للقرينة العقلية على أنّ المراد حصول الجفاف إلى حدّ اليبوسة ، فلا بدّ من حفظ مفهوم «الجفاف» غير الصادق على حصول اليبس من النداوة غير السارية ، والتقييد بانتهائه إلى حدّ اليبوسة .

فالأحوط بل الأقوى عدم الطهارة إلاّ مع نداوة سارية للمحلّ .

ولو جفّ بغير الشمس ويراد تطهيره يرشّ عليه الماء ، فإذا جفّفته الشمس طهر ؛ لعدم الفرق بين النجس والمتنجّس .

ص: 374

الأمر الثالث: في مطهّرية النار
اشارة

الثالث : النار ، والكلام فيها يقع في مقامين :

المقام الأوّل : في أنّها هل هي مطهّرة كمطهّرية الشمس ؟

فكما أنّ الثانية مطهّرة بإشراقها على المحلّ وتبخير النجس أو المتنجّس ، كذلك الاُولى إذا أصابت شيئاً طهّرته ؟

يظهر من الشيخ في مياه «نهايته» ومحكيّ «استبصاره»(1) ذلك في الجملة ، قال في «النهاية» : «فإن استُعمل شيء من هذه المياه النجسة في عجين يعجن به ويخبز ، لم يكن بأس بأكل ذلك الخبز ؛ لأنّ النار قد طهّرته»(2) .

نعم ، عدل عنه في أطعمتها فقال : «لم يجز أكل ذلك الخبز ، وقد رويت رخصة في جواز أكله ، وذكر أنّ النار طهّرته»(3) .

ص: 375


1- الاستبصار 1 : 29 - 30 ، ذيل الحديث 77 .
2- النهاية : 8 .
3- النهاية : 590 .

ويظهر من «المقنع» ذلك أيضاً ، حيث أجاز الأكل من خبز عجينٍ عجن بماء البئر الواقع فيه الفأرة وغيرها وماتت فيها (1) ؛ بناءً على انفعال ماء البئر عنده .

وعن «خلاف» الشيخ و«مبسوطه» وجمع آخر القول بطهارة الخزف والآجرّ مع نجاسة طينهما (2) ، وادّعى الشيخ الإجماع عليه (3) ، واستدلّ على الطهارة بصحيحة ابن محبوب الآتية . والظاهر منهم مطهّريتها مع عدم تبدّل الموضوع ، سيّما مع الاستدلال بالصحيحة .

وقد أفتى الشيخ في أطعمة «النهاية»(4) بمضمون رواية زكريّا بن آدم(5) الظاهر منها : أنّ النار إذا أكلت الدم طهر المرق ، فكانت مطهّريتها فوق سائر المطهّرات حتّى الماء .

وكيف كان : فما يمكن أن يستدلّ به على مطلوبهم روايات :

منها : صحيحة الحسن بن محبوب قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن الجصّ

يوقد عليه بالعَذِرة وعظام الموتى ، ثمّ يجصّص به المسجد ، أيسجد عليه ؟ فكتب إليّ بخطّه : «إنّ الماء والنار قد طهّراه»(6) .

ص: 376


1- المقنع : 33 .
2- الخلاف 1 : 499 ؛ المبسوط 1 : 94 ؛ البيان : 92 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 1 : 70 ؛ رياض المسائل 2 : 415 .
3- الخلاف 1 : 500 .
4- النهاية : 588 .
5- تأتي في الصفحة 380 .
6- الفقيه 1 : 175 / 829 ؛ تهذيب الأحكام 2 : 235 / 928 ؛ وسائل الشيعة 3 : 527 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 81 ، الحديث 1 .

بدعوى : أنّ السؤال عن الجصّ الملاقي للعَذِرة والعظام الموقدتين عليه ، وهما ملازمتان للرطوبة ، سيّما الثانية التي لا تنفكّ غالباً عن دسومة سارية في أوّل الإيقاد ، فسئل عن النجاسة العارضة للجصّ ، فأجاب علیه السلام : ب- «إنّ الماء والنار قد طهّراه» .

ومعلوم أ نّهما لم يقعا عليه دفعة ، بل النار أصابته أوّلاً للطبخ ، والماء بعدها للتجصيص ، وبعد عدم مطهّرية الماء المخلوط بالجصّ جزماً وإجماعاً ، وعدم كونه جزء المطهّر أيضاً - كالمرّة الثانية في الماء المطهّر للبول - فلا محالة تكون

المطهّرية مستندة إلى النار حقيقة ، وللماء أيضاً نحو تأثير في رفع القذارة العرفية .

ولا يلزم منه استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والمجازي ؛ لما مرّ مراراً : من أنّ «الطهارة» و«القذارة» في اصطلاح الشارع ليستا إلاّ بالمعنى العرفي واللغوي(1) . مع أنّ الاستعمال في الجامع - بعد قيام القرينة - لا مانع منه . بل لا يمتنع الاستعمال في المعنيين ، كما قرّر في محلّه(2) .

فتحصّل من ذلك : أنّ الجصّ النجس بملاقاة النجاسة ، صار طاهراً بإيقاد النار عليه .

وفيه: أنّ في الرواية احتمالات اُخر لعلّ بعضها أقرب ممّا ذكر ، كاحتمال كون السؤال عن الجصّ الموقد عليه ما ذكر لأجل اختلاطه برمادهما وعدم إمكان تفكيكه عنه ، فعليه يكون المراد من التطهير بالنار استحالتهما وبالماء رفع القذارة العرفية ، والتطهير بالاستحالة وتبدّل الموضوع غير ما هو المطلوب في المقام .

ص: 377


1- تقدّم في الصفحة 16 و170 ، وفي الجزء الثالث : 9 - 11 .
2- مناهج الوصول 1 : 131 .

وكاحتمال كون السؤال لتوهّم : أنّ الطبخ بالعَذِرة وعظام الموتى ، منافٍ لاحترام المسجد والسجود ، فسئل عن جوازه ، فأجاب بعدم المنافاة ؛ لرفع القذارة العرفية بالنار والماء .

وكاحتمال أن يكون المراد أنّ إيقادهما عليه معرض لعروض النجاسة ، فيكون مظنّة لذلك ، فأجاب بما ذكر ، والمراد بالتطهير رفع القذارة المظنونة أو المحتملة ، كما ورد الرشّ في موارد الشبهات في الأخبار(1) .

والإنصاف : أنّ إثبات هذا الحكم المخالف للقواعد بمثل هذه الرواية ، غير ممكن . مع أنّ الظاهر منها أنّ النار جزء الموضوع للتطهير ، والحمل المتقدّم بعيد جدّاً .

ومنها : مرسلة ابن أبي عمير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : في عجين عجن وخبز ، ثمّ علم أنّ الماء كانت فيه ميتة ، قال : «لا بأس ؛ أكلت النار ما فيه»(2) .

وفيه : مضافاً إلى أ نّه لم يصرّح فيها بأنّ العجين عجن بالماء النجس ، بل الظاهر منها أ نّه بعد العجن علم : أنّ في الماء الذي اُخذ ماء العجين منه كانت ميتة ، فلو فرض أنّ المأخوذ منه لم يكن بئراً ، لكن لم يعلم أنّ الميتة كانت فيه حين اُخذ الماء منه ، أو وقعت فيه بعده ، كانت الشبهة موضوعية .

ص: 378


1- وسائل الشيعة 1 : 292 ، كتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 16 ، الحديث 3 ، و : 320 ، أبواب أحكام الخلوة ، الباب 11 ، الحديث 1 ، و3 : 403 ، أبواب النجاسات ، الباب 7 ، الحديث 6 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 414 / 1304 ؛ وسائل الشيعة 1 : 175 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 14 ، الحديث18 .

وقوله علیه السلام : «أكلت النار ما فيه» لدفع القذارة المحتملة ، كرشّ الماء في مثله ، ولم يتّضح حال من أرسل عنه ابن أبي عمير ، فلعلّه كان رجلاً مبتلىً بوسواس ، فأراد أبو عبداللّه علیه السلام دفعها ، كما نقل عن الشيخ الأعظم : «أ نّه رأى رجلاً مبتلىً بالوسواس يتحرّز عن بخار الحمّام ؛ لكونه بخار الماء النجس ، فقال له : إنّ هذا البخار متّصل بالخزانة ، وهي كرّ ، فلا ينفعل» .

وبالجملة : إنّ الشبهة ظاهراً كانت موضوعية ، تأمّل .

أ نّها معارضة بما هو أوضح سنداً ومتناً ، وهو مرسلته الاُخرى بالسند المتقدّم ، عن بعض أصحابنا - وما أحسبه إلاّ عن حفص بن البَخْتَري - قال : قيل لأبي عبداللّه علیه السلام : في العجين يعجن من الماء النجس ، كيف يصنع به ؟ قال : «يباع ممّن يستحلّ أكل الميتة»(1) .

وبالإسناد عنه ، عن بعض أصحابه ، عنه علیه السلام قال : «يدفن ولا يباع»(2) .

وحمل الثانية على الاستحباب(3) كما ترى ؛ فإنّ دفن المال المحترم تبذير . ولا يبعد حملها على النهي عن بيعه على المسلم ، فيجوز البيع على المستحلّ ، ومع عدمه أو عدم اشترائه - كما هو الغالب - يدفن ، فهذه نصّ في العجين بالماء النجس ، والاُولى محتمل للأمرين ، فتحمل على مورد الشبهة .

ص: 379


1- تهذيب الأحكام 1 : 414 / 1305 ؛ وسائل الشيعة 1 : 242 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 11 ، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 414 / 1306 ؛ وسائل الشيعة 1 : 243 ، كتاب الطهارة ، أبواب الأسآر ، الباب 11 ، الحديث 2 .
3- وسائل الشيعة 1 : 243 ، ذيل الحديث 2 .

هذا مع عدم نقل عامل بها يعتدّ به ؛ فإنّ الشيخ قد رجع عن القول به في أطعمة «النهاية» . و«الاستبصار» ليس كتاب الفتوى .

ومنها : رواية زكريّا بن آدم قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر ، قطرت في قدر فيه لحم كثير ومرق كثير ، قال : «يهراق المرق ، أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلب ، واللحم اغسله وكله» .

قلت : فإنّه قطر فيه الدم ، قال : «الدم تأكله النار إن شاء اللّه» .

قلت : فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم ، قال : فقال : «فسد» .

قلت : أبيعه من اليهودي والنصراني واُبيّن لهم ؟ قال : «نعم ، فإنّهم يستحلّون شربه . . . »(1) إلى آخره .

وفيه : أ نّها - مع ضعفها سنداً (2) ، ومناقضة صدرها وذيلها في الدم ، ومخالفتها لقاعدة انفعال المضاف ، وتفصيلها بين الدم وغيره ، وهو كما ترى ، وظهور ذيلها في كراهة أكل ما قطر فيه الفُقّاع - لا تصلح لإثبات هذا الحكم المخالف للقواعد . بل الظاهر منها أنّ أكل النار الدم موجب لطهارة المرق أيضاً ، وهو غير معهود في شيء من المطهّرات .

ص: 380


1- تهذيب الأحكام 1 : 279 / 820 ؛ وسائل الشيعة 3 : 470 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 38 ، الحديث 8 .
2- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن يعقوب بن يزيد ، عن الحسن بن المبارك ، عن زكريّا بن آدم . والرواية ضعيفة؛ لوقوع الحسن بن المبارك - كما في المطبوعة - أو الحسين بن المبارك - كما في بعض النسخ المعتبرة - في سندها؛ فإنّه مجهول أو مهمل لم يرد بشأنه شيء من الجرح أو التعديل . اُنظر رجال النجاشي : 56 / 129 ؛ الفهرست ، الطوسي : 108 / 210 .

هذا مضافاً إلى أنّ الدم المستهلك في المرق ، لا تأكله النار بالتبخير أو لا يمكن العلم به إلاّ بعد تبخير جميع المرق . بل المستهلك ليس بشيء عرفاً حتّى تأكله النار .

فتحصّل ممّا ذكر : عدم كون النار مطهّرة مطلقاً .

المقام الثاني : في تطهيرها كلّ ما أحالته دخاناً أو رماداً
اشارة

وهذا الحكم ليس من مختصّات النار ، وليست الاستحالة مطهّرة ، بل هي من قبيل تبديل موضوع بموضوع آخر ، كما أنّ الأمر كذلك في بعض آخر ممّا يعدّ مطهّراً .

والميزان الكلّي في الحكم بالطهارة بالاستحالة : تبدّل موضوع النجس أو المتنجّس بآخر طاهر ؛ بنحو لا يصدق عليه عنوان موضوع الدليل الاجتهادي المثبت للحكم على الموضوع الأوّل ، ولم يبق موضوع القضيّة المتيقّنة عرفاً حتّى يستصحب ، فإنْ فرض حصول التغيّر للموضوع الأوّل ، لكن بنحو لم يخرج عن صدق عنوانه عليه ، أو فرض حصوله بنحو بقي عرفاً موضوع القضيّة المتيقّنة المعتبر في الاستصحاب ، حكم عليه بالنجاسة ، وخرج عن موضوع الاستحالة ولو ظاهراً .

نعم ، قد يتّفق حصول التغيّر على النحو الأوّل دون الثاني ، فيكون المورد مجرى الاستصحاب ، لكن قام دليل لفظي اجتهادي أو إجماع أو سيرة على طهارته ، فيحكم بها تحكيماً للدليل على الأصل .

ثمّ إنّ الاختلافات التي وقعت في المقام - كالاختلاف في التفرقة بين

ص: 381

النجاسات والمتنجّسات وعدمها ، وكالاختلاف في الآجرّ والخزف المعمولين من الطين النجس ، وكالاختلاف في الفحم ، وفي بخار الماء النجس ، أو المائع النجس ، ودخان الدهن المتنجّس وغيرها - كلّها موضوعية ، فالقائل بالنجاسة يرى الموضوع الاستصحابي باقياً ، والقائل بالطهارة ينكره ، أو يشكّ فيه ، وليست الاختلافات فيها فقهية ؛ وإن يظهر من بعض استدلالاتهم كونها في بعض الموارد كذلك .

حكم الانتقال على ضوء القاعدة

ثمّ إنّ الانتقال من الاستحالة لو فرض إيجابه لتعدّد الموضوع ؛ بحيث لا يبقى موضوع الدليل الاجتهادي ، ولا القضيّة المتيقّنة ، وذلك مثل ما إذا انتقل إلى النبات ، وتبدّل إلى الرطوبة التي جزء له ، وخرج عن مسمّاه ، أو شرب حيوان دم إنسان ، فتبدّل بتصرّف جهاز هضمه إلى أجزائه ، كالدم وغيره .

وأمّا لو لم يتبدّل ، بل انتقل إلى المنتقل إليه وبقي على حقيقته ، فلا يخلو إمّا أن يصدق عليه أ نّه من المنتقل منه ، ولم يصدق أ نّه من المنتقل إليه ، أو على عكسه ، أو يصدقا عليه ، أو لم يصدق شيء منهما عليه ، أو يصدق أحدهما ، ويشكّ في صدق الآخر ، أو شكّ في صدق كلّ منهما عليه .

وعلى أيّ تقدير : فإمّا كان لدليل المنتقل منه إطلاق يشمله ، أو للمنتقل إليه ، أو لدليلهما ، أو لا إطلاق لهما :

فمع إطلاق دليل أحدهما وإحراز موضوعه - ولو بالأصل - دون الآخر ، يحكم به ، فلو اُحرز أنّ الدم من الإنسان كدم مصّه العلق ، وكان لدليل نجاسته

ص: 382

إطلاق ، حكم بها له . وكذا لو شكّ في تبديل الإضافة ؛ لتنقيح موضوع الدليل بالاستصحاب .

ولو كان لدليل طهارة دم المنتقل إليه إطلاق دون المنتقل منه ، واُحرز كونه من المنتقل إليه ، يحكم عليه بالطهارة . ولو شكّ فيه يحكم بالنجاسة ؛ للاستصحاب الحكمي .

ولو كان لدليلهما إطلاق ، واُحرز كونه لهما - لو فرض صحّة ذلك - يقع التعارض بين الدليلين ، فيؤخذ بالأرجح لو قلنا بالترجيح في مثل المقام ، ومع عدمه يحكم بالنجاسة لو قلنا بسقوطهما في مثله . بل وكذلك لو شكّ في كونه مضافاً إلى المنتقل منه ؛ سواء اُحرز كونه من المنتقل إليه ، أم شكّ فيه ؛ كلّ ذلك للاستصحاب ، على تأمّل في بعض الصور .

ومنه يظهر حال الفروض الاُخر . هذا بحسب القاعدة .

طهارة دم البقّ والبرغوث دون العلق

لكن لا يبعد الحكم بطهارة دم البقّ والبرغوث ؛ ولو مع العلم بأنّ الدم الذي

فيهما من الإنسان ؛ لقيام السيرة على عدم الاحتراز منه ، ولإطلاق صحيحة ابن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ما تقول في دم البراغيث ؟ قال : «ليس به بأس» .

قلت : إنّه يكثر ويتفاحش ، قال : «وإن كثر»(1) .

ص: 383


1- تهذيب الأحكام 1 : 255 / 740 ؛ وسائل الشيعة 3 : 435 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 23 ، الحديث 1 .

ورواية الحلبي قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن دم البراغيث في الثوب ، هل يمنعه ذلك من الصلاة ؟ قال : «لا»(1) .

ورواية غياث ، عن جعفر ، عن أبيه علیهما السلام قال : «لا بأس بدم البراغيث والبقّ وبول الخشاشيف»(2) .

ومكاتبة محمّد بن ريّان قال : كتبت إلى الرجل علیه السلام : هل يجري دم البقّ مجرى دم البراغيث ، وهل يجوز لأحد أن يقيس دم البقّ على البراغيث فيصلّي فيه ، وأن يقيس على نحو هذا فيعمل به ؟ فوقّع : «يجوز الصلاة ، والطهر منه أفضل»(3) .

وتلك الروايات وإن وردت في الدم المضاف إليهما ، لكن ما يضاف إليهما - سيّما إلى البقّ - هو ما اجتمع في جوفهما من دم الإنسان ، وأمّا بعد هضمه فلا يتبدّل بالدم عرفاً ، ولهذا لا يرى للبقّ دم إلاّ ما امتصّه من الإنسان .

ولعلّ البرغوث أيضاً كذلك ، ولو كان له دم أيضاً فلا شبهة في شمول الروايات للدم الذي في جوفه وامتصّه من الإنسان .

فالأقوى ما ذكر ؛ وإن كان الأحوط الاجتناب عن الدم الذي امتصّه من الإنسان ولم يستقرّ في جوفه زماناً .

ص: 384


1- الكافي 3 : 59 / 8 ؛ تهذيب الأحكام 1 : 259 / 753 ؛ وسائل الشيعة 3 : 431 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 20 ، الحديث 7 .
2- تهذيب الأحكام 1 : 266 / 778 ؛ وسائل الشيعة 3 : 413 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 10 ، الحديث 5 .
3- الكافي 3 : 60 / 9 ؛ وسائل الشيعة 3 : 436 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 23 ، الحديث 3 .

كما إنّ الأقوى نجاسة الدم الذي امتصّه العلق ؛ للاستصحاب . بل لإطلاق الدليل ، على احتمال ، وعدم سيرة أو دليل آخر على طهارته .

نعم ، لو صار جزء بدنه وتبدّل إلى موضوع آخر - ولو كان دماً - طهر .

طهارة الخمر بانقلابها خلاًّ ولو بعلاج

وأمّا انقلاب الخمر خلاًّ فلا يكون استحالة ؛ للتبدّل في الصفة عرفاً ، فبقي موضوع الاستصحاب ، وجرى الاستصحاب الحكمي فيه . بل مع الغضّ عنه يحكم بنجاسته ؛ لملاقاته مع الإناء المتنجّس بالخمر .

فلا بدّ في الحكم بطهارته من قيام دليل مخرج عن الأصل وإطلاق الدليل ، وهو النصوص المستفيضة - مضافاً إلى الإجماع المنقول مستفيضاً فيما ينقلب خلاًّ بنفسه(1) ، وإطلاق بعض معاقده فيما ينقلب بالعلاج(2) . وعن جمع دعوى الشهرة عليه(3) - مثل موثّقةِ زرارة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : سألته عن الخمر العتيقة تجعل خلاًّ ، قال : «لا بأس»(4) .

وموثّقةِ عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الرجل يأخذ الخمر

ص: 385


1- الانتصار : 422 ؛ منتهى المطلب 3 : 219 ؛ التنقيح الرائع 4 : 61 ؛ مجمع الفائدة والبرهان 1 : 354 .
2- المهذّب البارع 4 : 240 ؛ كشف اللثام 1 : 466 .
3- مسالك الأفهام 12 : 101 ؛ كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 2 : 622 ؛ مستند الشيعة 1 : 332 .
4- الكافي 6 : 428 / 2 ؛ وسائل الشيعة 25 : 370 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 1 .

فيجعلها خلاًّ ، قال : «لا بأس»(1) .

وموثّقتِه الاُخرى ، عنه علیه السلام : أ نّه قال في الرجل إذا باع عصيراً ، فحبسه السلطان حتّى صار خمراً ، فجعله صاحبه خلاًّ ، قال : «إذا تحوّل عن اسم «الخمر» فلا بأس»(2) .

والظاهر منها جعلها خلاًّ بالعلاج ؛ فإنّ الخمر بنفسها ولو بقيت طويلاً لا تصير خلاًّ ، فالمراد من جعلها خلاًّ هو علاجها حتّى صارت كذلك ؛ بأن يوضع فيها شيء كالخلّ والملح .

هذا مع تصريح بعض الروايات به ، مثل ما عن ابن إدريس نقلاً عن «جامع البَزَنْطي» عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام : أ نّه سئل عن الخمر تعالج بالملح وغيره لتحوّل خلاًّ ، قال : «لا بأس بمعالجتها . . . »(3) إلى آخره .

وصحيحةِ عبد العزيز بن المهتدي - على الأصحّ(4) - قال : كتبت إلى

ص: 386


1- الكافي 6 : 428 / 3 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 117 / 505 ؛ وسائل الشيعة 25 : 370 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 3 .
2- تهذيب الأحكام 9 : 117 / 507 ؛ وسائل الشيعة 25 : 371 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 5 .
3- السرائر 3 : 577 ؛ وسائل الشيعة 25 : 372 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 11 .
4- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن محمّد بن أحمد بن يحيى ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن عبد العزيز بن المهتدي . وليس في السند من يتأمّل فيه غير محمّد بن عيسى ابن عبيد ، فإنّه وثّقه النجاشي وضعّفه الشيخ . أمّا عند المصنّف قدس سره فهو ثقة على الأصحّ كما صرّح به في الجزء الأوّل أيضاً في الصفحة 363 ، فراجع .

الرضا علیه السلام : جعلت فداك ، العصير يصير خمراً ، فيصبّ عليه الخلّ وشيء يغيّره حتّى يصير خلاًّ ، قال : «لا بأس به»(1) .

فما في بعض الروايات الشاذّة من المنع مطروح ، أو مؤوّل ومحمول على الكراهة ، مثل ما عن «العيون» عن علي علیه السلام : «كلوا من الخمر ما انفسد ، ولا تأكلوا ما أفسدتموه أنتم»(2) .

ورواية أبي بصير - ولا يبعد أن تكون صحيحةً(3) - عن أبي عبداللّه علیه السلام

قال : سئل عن الخمر يجعل فيها الخلّ ، فقال : «لا ، إلاّ ما جاء من قِبَل نفسه»(4) .

مع ما في الاُولى من الإجمال . بل الثانية لا تخلو منه أيضاً .

وأمّا موثّقة أبي بصير قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الخمر تجعل خلاًّ ، قال :

ص: 387


1- تهذيب الأحكام 9 : 118 / 509 ؛ وسائل الشيعة 25 : 372 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 8 .
2- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 40 / 127 ؛ وسائل الشيعة 25 : 25 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأطعمة المباحة ، الباب 10 ، الحديث 24 .
3- رواها الشيخ الطوسي بإسناده ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن حسين الأحمسي ، عن محمّد بن مسلم وأبي بصير وعلي عن أبي بصير . وليس في السند من يناقش فيه إلاّ علي بن أبي حمزة البطائني . راجع رجال النجاشي : 249 / 656 ؛ الفهرست ، الطوسي : 161 / 418 ؛ اختيار معرفة الرجال : 403 / 755 ؛ تنقيح المقال 2 : 260 / السطر 39 (أبواب العين) .
4- تهذيب الأحكام 9 : 118 / 510 ؛ وسائل الشيعة 25 : 371 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 7 .

«لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يغلبها» ففي «الوسائل» و«الكافي» : «يغلبها» بالغين المعجمة(1) ، وفي بعض كتب الاستدلال «يقلبها» بالقاف(2) .

والظاهر أ نّها موافقة لمضمون روايته الاُخرى عنه ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الخمر يصنع فيها شيء حتّى تحمّض ، قال : «إن كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فيه ، فلا بأس به»(3) .

فهي مؤيّدة لصحّة نسخة «الكافي» و«الوسائل» وفيها نحو إجمال يرفع بما في النسختين ، فيكون المراد من الروايتين النهي عن غلبة ما يعالج به الخمر لتصير خلاًّ ، فلا يجوز صبّ مقدار منها في خلّ كثير ، ولا تطهر ولو مع العلم بصيرورتها خلاًّ ؛ لأ نّه صار نجساً بصبّها فيه . ولا دليل على صيرورته طاهراً بالتبع ؛ فإنّ ما طهر بالتبع هو شيء يصبّ للعلاج بحسب المتعارف ، كمقدار من الملح أو الخلّ ممّا يتعارف صبّه فيها للانقلاب .

فما عن الشيخ من القول بطهارة الخمر القليلة الملقاة في خلّ كثير ؛ إذا مضى عليها زمان يعلم عادة باستحالتها (4) ضعيف ، لا لما قيل : «بأنّ صبّ

ص: 388


1- الكافي 6 : 428 / 4 ؛ وسائل الشيعة 25 : 371 ، كتاب الأطعمة والأشربة ، أبواب الأشربة المحرّمة ، الباب 31 ، الحديث 4 .
2- جواهر الكلام 6 : 284 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 293 .
3- ا لكافي 6 : 428 / 1 ؛ تهذيب ا لأحكام 9 : 119 / 511 ؛ وسائل ا لشيعة 25 : 370 ، كتاب ا لأطعمة وا لأشربة ، أبواب ا لأشربة ا لمحرّمة ، ا لباب 31 ، الحديث 2 .
4- النهاية : 592 - 593 ؛ تهذيب الأحكام 9 : 118 - 119 .

المائع حتّى للعلاج محلّ إشكال ، فضلاً عن غيره»(1) فإنّ الخلّ الوارد في الأدلّة من المائعات . مضافاً إلى أنّ مقتضى إطلاق الأدلّة عدم الفرق .

بل منشأ الإشكال أنّ المستفاد من الأدلّة ، هو طهارة ما يعمل علاجاً ويتعارف استعماله فيه دون غيره ، فإلقاء الأجسام الأجنبيّة فيها - سواء كانت من المائعات أو الجامدات ؛ لتصير طاهرة بالتبع - محلّ إشكال ومنع .

بل الإشكال في الجامدات أشدّ إذا كانت المائعات بمقدار يستهلك فيها ؛ وإن زاد عن المتعارف . بل مع الاستهلاك يكون للقول بالطهارة وجه .

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ مقتضى موثّقتي أبي بصير ، جواز جعل الخلّ وغيره فيها إذا لم يغلبها وإن زاد عن المتعارف . لكنّ الاتّكال عليهما - مع اختلاف نسخة الاُولى ، والإجمال في الثانية - لا يخلو من إشكال ، فالأحوط عدم التجاوز عن المقدار المتعارف للعلاج .

وأمّا ذهاب الثلثين ، فلا موجب للبحث عنه بعد ما تقدّم من عدم نجاسة العصير بغليانه(2) . ولو فرض حصول الإسكار في بعض الأحيان وصار خمراً ، فلا يطهر إلاّ بالانقلاب .

ص: 389


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 295 .
2- تقدّم في الجزء الثالث : 310 .
الكلام في مطهّرية الإسلام

وأمّا الإسلام ، فموجب لارتفاع نجاسة الكفر ، وهو - نظير الانقلاب - من تبدّل عنوان بالآخر دلّت الأدلّة على طهارة المعنون به .

نعم ، إن قلنا بطهارة رطوباته المتّصلة به ، كعرقه وبصاقه ووسخه وثوبه المتنجّس بها ، كما ادّعي عليها السيرة ، وعدم معهودية الأمر بتطهيره بعد الإسلام مع ملازمته لها (1) ، يكون الإسلام مطهّراً لها .

وأمّا بناءً على ما قيل من تبدّل النسبة وصيرورتها من المسلم(2) ، فيكون من الانقلاب . لكنّه كما ترى ، سيّما في بعضها .

وكيف كان : فالحكم بطهارة المسلم من الكفر الأصلي إجماعي(3) ، بل ضروري ، كما ادّعاه الأعلام(4) ، وهو كذلك .

طهارة من أسلم عن الارتداد الملّي

وهو متسالم عليه فيمن أسلم عن ارتداد ملّي ، وحكي عليه الاتّفاق(5) . وتدلّ عليه - مضافاً إلى أولوية قبول إسلامه وتوبته من الفطري ، الذي يأتي قوّة قبوله

ص: 390


1- اُنظر مستمسك العروة الوثقى 2 : 116 .
2- جواهر الكلام 6 : 299 .
3- منتهى المطلب 3 : 225 ؛ ذكرى الشيعة 1 : 131 .
4- مستند الشيعة 1 : 341 ؛ جواهر الكلام 6 : 293 .
5- مستمسك العروة الوثقى 2 : 116 .

منه آنفاً - صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه أبي الحسن علیه السلام قال : سألته عن مسلم تنصّر ، قال : «يقتل ولا يستتاب» .

قلت : فنصراني أسلم ثمّ ارتدّ ، قال : «يستتاب ، فإن رجع وإلاّ قتل»(1) .

وبها يقيّد إطلاق نحو صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر علیه السلام

عن المرتدّ ، فقال : «من رغب عن الإسلام ، وكفر بما اُنزل على محمّد بعد إسلامه ، فلا توبة له وقد وجب قتله ، وبانت منه امرأته ، ويقسم ما ترك على ولده»(2) .

والمراد من قوله علیه السلام : «بعد إسلامه» بعد كونه مسلماً ، لا بعد دخوله في الإسلام ؛ جمعاً بينها وبين صحيحة علي بن جعفر المصرّحة باستتابته .

قبول توبة المرتدّ الفطري باطناً وظاهراً وطهارته بعدها

وأمّا المرتدّ الفطري ، فالظاهر قبول توبته أيضاً :

أمّا باطناً : فيمكن دعوى القطع به ؛ لعموم رحمته تعالى وفضله على العباد ، وعدم إمكان طرد من رجع إليه وتاب وأسلم وآمن ؛ بأن ردّه من بابه ، وعذّبه عذاب الكفّار . بل لعلّه مخالف لاُصول العدلية .

وأمّا ظاهراً : - بمعنى صحّة إسلامه - فقد يقال بعدم قبوله . وعلى فرض قبوله

ص: 391


1- الكافي 7 : 257 / 10 ؛ تهذيب الأحكام 10 : 138 / 548 ؛ وسائل الشيعة 28 : 325 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 1 ، الحديث 5 .
2- الكافي 7 : 256 / 1 ؛ تهذيب الأحكام 10 : 136 / 540 ؛ وسائل الشيعة 28 : 323 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 1 ، الحديث 2 .

وصيرورته مسلماً فلا دليل على صيرورته طاهراً ؛ لعدم عموم على طهارة كلّ مسلم يشمل مثله ، فمقتضى الاستصحاب نجاسته(1) .

وقد يستدلّ(2) على عدم قبوله بصحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة .

وفيه : مضافاً إلى عدم الملازمة بين عدم قبول توبته وعدم صحّة إسلامه ؛ لإمكان أن يكون المرتدّ الذي عصى ربّه واستوجب القتل في الدنيا والعذاب في الآخرة ، لا تقبل توبته من هذا العصيان وإن صار مسلماً ، فمقتضى الجمع بين الصحيحة وبين ما دلّت على أنّ الإسلام عبارة عن الشهادتين(3) ، أن يصحّ إسلامه ، ويترتّب عليه أحكام الإسلام : من الطهارة وغيرها ، لكن لا يصير إسلامه موجباً لقبول توبته من عصيانه السابق ، فيستحقّ العقوبة في الآخرة ، لا نحو عقوبة الكفّار من الخلود ، وفي الدنيا تترتّب عليه أحكام المرتدّ .

أنّ الصحيحة قاصرة عن إثبات عدم قبول توبته باطناً وظاهراً ؛ فيما هو راجع إلى الأحكام الثابتة له بالارتداد ، كوجوب قتله وبينونة زوجته وتقسيم ماله وما لا يرجع إليه ؛ لأنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «وقد وجب قتله ، وبانت امرأته ، ويقسم ما ترك على ولده» أنّ الجمل حالية .

فحاصل الصحيحة : أنّ الأحكام الثلاثة بعد ثبوتها بحدوث الارتداد ، لا ترفع بالتوبة ، فلا توبة له والحال أنّ القتل صار ثابتاً ، والامرأة بائنةً ، والمال منتقلاً

ص: 392


1- مستمسك العروة الوثقى 2 : 118 - 119 .
2- جواهر الكلام 6 : 294 .
3- الكافي 2 : 25 / 1 .

إلى الورثة ، فيمكن دعوى ظهورها أو إشعارها بأنْ لا توبة له بالنسبة إلى ما ثبت عليه ومضى ؛ وهي الأحكام الثلاثة ، دون ما سيأتي من الأحكام ، كطهارته وغيرها .

بل الظاهر أنّ الصحيحة نظير غيرها من الروايات الواردة في الباب(1) ، الدالّة على أنّ المرتدّ الملّي يستتاب ولا يقتل ، والفطري لا يستتاب ، وعلى الإمام أن يقتله بلا استتابة ، فلا إطلاق فيها .

وبالجملة : لا يصحّ إثبات هذا الحكم المخالف للعقول في قبول توبته باطناً وللأدلّة في قبول إسلامه وتحقّقه منه ، بتلك الرواية . ولا يبعد رجوع كلمات الفقهاء إلى ما تقدّم ، فلا يمكن الاعتماد على الشهرة المحكيّة في الباب(2) .

وأمّا احتمال بقاء نجاسته بعد صحّة إسلامه ، فلا ينبغي التفوّه به بعد وضوح طهارة كلّ مسلم لدى المتشرّعة . بل لو أنكر أحد نجاسة هذا المرتدّ الراجع عن ارتداده ، كان أقرب إلى الصواب من إنكار طهارة هذا المسلم الذي إسلامه كسائر المسلمين .

مضافاً إلى أنّ الروايات الواردة في تشريح حقيقة الإسلام ، ظاهرة في أنّ جميع أحكام الإسلام مترتّبة على من أقرّ بالشهادتين ، كموثّقة سَماعة قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : أخبرني عن الإسلام . . . إلى أن قال : «الإسلام : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، والتصديق برسول اللّه ، به حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح

ص: 393


1- وسائل الشيعة 28 : 323 ، كتاب الحدود والتعزيرات ، أبواب حدّ المرتدّ ، الباب 1 و3 .
2- جواهر الكلام 6 : 294 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 306 .

والمواريث، وعلى ظاهره جماعة الناس»(1) ونحوها صحيحة حُمران بن أعين(2).

ومعلوم أنّ تلك الأمثلة لإفادة أنّ جميع الأحكام الظاهرة - من المعاشرات والمناكحات وغيرها - مترتّبة على الشهادتين ، فتوهّم أنّ الطهارة التي هي من أوضح ما يحتاج إليها الناس في عشرتهم لا تترتّب عليها ، في غاية السقوط .

نعم ، لأحد أن يقول : إنّ الروايات في هذا المضمار إنّما هي لبيان الإسلام المقابل للإيمان ، ولا إطلاق لها بالنسبة إلى المرتدّ عن الإسلام إذا رجع وأظهر الشهادتين .

لكنّه وهم ؛ فإنّ المنساق من الروايات أنّ الشهادتين تمام حقيقة الإسلام ، وتمام الموضوع لترتّب الآثار الظاهرة على مظهرها ، فالتشكيك في طهارة المسلم - سيّما المؤمن بجميع ما جاء به النبي صلی الله علیه و آله وسلم الذي هو أعزّ من الكبريت الأحمر ، ويكون من أولياء اللّه تعالى . . . إلى غير ذلك من الأوصاف التي ذكرت له في الروايات(3) - كالتشكيك في البديهي .

وأمّا الاستدلال عليها : بأ نّه مكلّف بالإسلام وشرائعه ، فلا بدّ من صحّتها منه ، وإلاّ فلا يعقل تكليفه بها جدّاً ، والصحّة متوقّفة على قبول إسلامه وعلى طهارته(4) .

فغير وجيه ؛ إذ غاية ما يدلّ عليه هذا الوجه ، هو قبول إسلامه الذي هو شرط

ص: 394


1- الكافي 2 : 25 / 1 .
2- الكافي 2 : 26 / 5 .
3- راجع الكافي 2 : 242 / 1 ؛ بحار الأنوار 64 : 159 / 3 .
4- الروضة البهية 4 : 386 ؛ اُنظر مستمسك العروة الوثقى 2 : 118 .

في قبول عمله ، ولا يمكن التخصيص في دليله ، وأمّا اشتراط الطهارة فيمكن أن يقال بسقوطه منه ، فالعلم بصحّة العبادات منه ملازم للعلم بصحّة إسلامه ، لا العلم بطهارته .

ومنه يظهر أنّ الاستدلال(1) عليها برواية محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر علیه السلام : فيمن كان مؤمناً فحجّ وعمل في إيمانه ، ثمّ أصابته في إيمانه فتنة فكفر ، ثمّ تاب وآمن ، قال : «يحسب له كلّ عمل صالح في إيمانه ، ولا يبطل منه شيء»(2) غير وجيه ؛ لأ نّها تدلّ على قبول أعماله الصالحة ، وهو لا يلازم طهارة بدنه .

نعم ، يلازم صحّة عباداته ولو مع إسقاط شرطية الطهارة .

ص: 395


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 311 .
2- تهذيب الأحكام 5 : 459 / 1597 ؛ وسائل الشيعة 1 : 125 ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 30 ، الحديث 1 ، (وفيهما : «عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام» ) .
الأمر الرابع: في مطهّرية الأرض
اشارة

الرابع : الأرض ، ولا ينبغي الإشكال في مطهّريتها إجمالاً ، وعن «جامع المقاصد» الإجماع عليها في باطن النعل وأسفل القدم والخفّ والقبقاب ونحوه(1) .

وعن «المدارك» : «أنّ هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، وظاهرهم الاتّفاق عليه»(2) . وعن «الدلائل» : «هو مقطوع به في كلام الأصحاب ، ونقل بعضهم الإجماع عليه»(3) . وعن «المعالم» و«الذخيرة» : «لا يعرف فيه خلاف بين الأصحاب»(4) . وربّما يظهر من الشيخ في «الخلاف» خلاف في ذلك(5) ، على إشكال في ظهور كلامه ، وعلى فرضه لا بدّ من تأويله .

ص: 396


1- جامع المقاصد 1 : 179 .
2- مدارك الأحكام 2 : 372 .
3- اُنظر مفتاح الكرامة 2 : 214 .
4- معالم الدين (قسم الفقه) 2 : 752 ؛ ذخيرة المعاد : 173 / السطر 7 .
5- الخلاف 1 : 217 - 218 .
الروايات الدالّة على مطهّرية الأرض

وتدلّ عليها الكبرى الواردة في الروايات ب- «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» :

تارة : في وط ء العَذِرَة ، كصحيحة محمّد بن مسلم قال : كنت مع أبي جعفر علیه السلام

إذ مرّ على عَذِرة يابسة ، فوطأ عليها فأصابت ثوبه ، فقلت : جعلت فداك ، قد وطأت على عَذِرة فأصابت ثوبك ، فقال : «أ ليس هي يابسة ؟» فقلت : بلى ، قال : «لا بأس ؛ إنّ الأرض تطهّر بعضها بعضاً»(1) .

ولعلّ المراد أ نّه لا بأس بإصابة الثوب ؛ لكونها يابسة ، ولا بوطئها الملازم لصحابة أجزائها للرجل أو النعل ؛ لأنّ الأرض تزيلها ، وعلى هذا يكون مفادها غير مفاد ما تأتي في سائر الروايات .

ويحتمل بعيداً أن يراد بنفي البأس إذا كانت يابسة ، نفيه عن إصابة الثوب ، وذكر الكبرى لأجل التنبيه على أ نّها لو كانت رطبة وتلوّثت بها الرجل ، تطهر بالأرض ، فضلاً عمّا كانت يابسة ، وعليه يكون مفادها كغيرها . واحتمل بعضهم وقوع سقط فيها (2) .

واُخرى : في مورد التنجّس بملاقي الخنزير ، كحسنة(3) المعلّى بن خُنيس قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن الخنزير يخرج من الماء ، فيمرّ على الطريق

فيسيل منه الماء ، أمرّ عليه حافياً ؟ فقال : «أ ليس وراءه شيء جافّ ؟» قلت : بلى ،

ص: 397


1- الكافي 3 : 38 / 2 ؛ وسائل الشيعة 3 : 457 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 2 .
2- غنائم الأيّام 1 : 483 .
3- تقدّم وجهها في الصفحة 24 ، الهامش 3 .

قال : «فلا بأس ؛ إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً»(1) .

وثالثة : في مورد التنجّس بالبول ، كحسنة الحلبي ، عن أبي عبداللّه علیه السلام

قال : قلت له : إنّ طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه ، فربّما مررت فيه وليس عليّ حذاء ، فيلصق برجلي من نداوته ، فقال : «أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة ؟» قلت : بلى ، قال : «فلا بأس ؛ إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً»(2) . . . إلى آخره .

ورابعة : في مورد التنجّس بمطلق القذر ، كموثّقة الحلبي(3) لو كانت القضيّة غير ما في الحسنة ، وإلاّ كان المراد من «القذر» البول ، كما صرّح به في الاُولى .

وكيف كان : يظهر من تلك الكبرى أنّ الأرض مطهّرة للرجل ولو فرض أنّ فيها إجمالاً ؛ فإنّ صدورها لإفادة طهارتها وجواز الدخول معها في المسجد والدخول في الصلاة - كما لعلّه المنساق منها - ممّا لا ينبغي الإشكال فيه .

وإنّما الإشكال في كيفية إفادتها طهارة الرجل ، ولا يبعد أن يكون المتفاهم منها : أنّ الأرض يطهّر بعضها ما يتنجّس ببعضها ، أو يكون المراد ب- «البعض» الثاني نفسَ النجاسات الحالّة في الأرض بنحو من التأويل ، فإنّها صارت كالجزء لها ، والمراد ب- «تطهيرها» تطهير آثارها من الملاقي ، كقوله : «الماء يطهّر

الدم» .

ص: 398


1- الكافي 3 : 39 / 5 ؛ وسائل الشيعة 3 : 458 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 3 .
2- السرائر 3 : 555 ؛ وسائل الشيعة 3 : 459 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 9 .
3- الكافي 3 : 38 / 3 ؛ وسائل الشيعة 3 : 458 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 4 ، وقد تقدّم متنه في الصفحة 13 .

نعم ، ما احتمله الكاشاني(1) غير بعيد بالنسبة إلى صحيحة ابن مسلم المتقدّمة(2) ، والظاهر أنّ مراده توجيه هذه الرواية دون غيرها .

بل يمكن استفادة الطهارة من سائر الروايات أيضاً ؛ فإنّ اشتراط طهارة البدن

لمّا كان معهوداً لدى السائل والمسؤول ، فلا يفهم من تجويز الصلاة مع رجل ساخت في العَذِرة بعد مسحها وذهاب أثرها (3) ، ولا من نفي البأس إذا مشى نحو خمسة عشر ذراعاً (4) ، إلاّ حصولَ شرط الصلاة والطهارة ، وأمّا رفع اليد عنه والعفو فشيء لا يفهمه العرف ، فلا ينبغي التأمّل في حصولها .

نعم ، الاستدلال عليها (5) بمثل قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»(6) أو قوله علیه السلام : «إنّ اللّه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً»(7) ضعيف ؛ لأنّ الظاهر منهما - سيّما الثانية - كونهما إشارة إلى آية التيمّم(8) ، وإلاّ فالأخذ بإطلاقهما خلاف الإجماع، بل الضرورة. وتقييدهما موجب للاستهجان.

ص: 399


1- الوافي 6 : 225 .
2- تقدّمت في الصفحة 397 .
3- كما في صحيحة زرارة الآتية في الصفحة 402 - 403 .
4- كما في صحيحة الأحول الآتية في الصفحة 400 .
5- الحدائق الناضرة 5 : 457 .
6- الفقيه 1 : 155 / 724 ؛ وسائل الشيعة 3 : 350 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 7 ، الحديث 2 .
7- الفقيه 1 : 60 / 223 ؛ وسائل الشيعة 3 : 386 ، كتاب الطهارة ، أبواب التيمّم ، الباب 24 ، الحديث 2 .
8- النساء (4) : 43 ؛ المائدة (5) : 6 .
عموم مطهّرية الأرض لجميع النجاسات

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق بعض الروايات - كالكبرى المتقدّمة(1) ، وصحيحة الأحول ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ، ثمّ يطأ بعده مكاناً نظيفاً ، قال : «لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً ، أو نحو ذلك»(2) بل وموثّقة عمّار بن موسى ، عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث : أ نّه سأله عن رجل يتوضّأ ويمشي حافياً ورجله رطبة ، قال : «إن كانت أرضكم مبلّطة أجزأكم المشي عليها . . .»(3) إلى آخره - عموم الحكم لجميع النجاسات من غير فرق بين العَذِرة والبول وغيرهما .

اعتبار كون النجاسة من الأرض

وهل يعمّ الحكم حصولها بأيّ نحو كان ، أو يختصّ بحصولها من الأرض بمشي ونحوه ، لا النجاسة الخارجية ؛ كأن قطرت على باطن القدم قطرة دم أو غيره ؟

قد يقال : «إنّ مورد جلّ الروايات أو كلّها وإن كان ما حصل التلوّث من الأرض ، بل قد يستشعر من قوله علیه السلام : «الأرض يطهّر بعضها بعضاً»(4) ذلك ،

ص: 400


1- تقدّمت في الصفحة 397 .
2- الكافي 3 : 38 / 1 ؛ وسائل الشيعة 3 : 457 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 1 .
3- تهذيب الأحكام 2 : 372 / 1548 ؛ وسائل الشيعة 3 : 459 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 8 .
4- تقدّم في الصفحة 397 .

لكن استبعاد مدخلية مثل هذه الخصوصية في موضوع الحكم ، مانع عن أن يقف الذهن دونها ، ولهذا لم يفهم الأصحاب منها الاختصاص»(1) .

وحاصل كلامه يرجع إلى إلغاء الخصوصية عرفاً .

ويمكن أن يستدلّ له بإطلاق صحيحة الأحول ؛ فإنّ الموضع الذي ليس بنظيف أعمّ من الأرض ؛ كأن وطأ على فراش ونحوه ، ويتمّ في غيره بعدم الفصل جزماً .

لكن الحكم بالتعميم في المقام لا يخلو من إشكال ؛ لأنّ الكبرى المتقدّمة لمّا

كانت في مقام بيان الضابط ، لا بدّ من أخذ القيود التي فيها ، ولا يجوز إلغاؤها إذا

كانت في مورد إعطاء القاعدة ، ولا يبعد أن يكون أظهر الاحتمالات فيها أحد الاحتمالين المتقدّمين(2) ، فيفهم منها دخالة خصوصية حصول النجاسة من الأرض ، وإلاّ لم يأخذها في مقام إعطاء الضابط .

واحتمال أن يكون المراد من «البعض» الثاني الأرض ، ويكون المراد من «تطهيرها» إزالة أثرها ، أو استحالتها وتبديل موضوعها ، ويكون الاستدلال بهذه القضيّة لطهارة الرجل والخفّ ، مبنيّاً على تنزيلهما منزلة الأرض بعلاقة المجاورة(3) ، بعيد مخالف للمتفاهم العرفي ، بل لعلّه من أبعد الاحتمالات .

كما أنّ في إطلاق صحيحة الأحول إشكالاً ، سيّما مع أنّ المراد من المكان النظيف الذي بعده هو الأرض ، كما يأتي الكلام فيه(4) . والتفكيك بينهما - بدعوى

ص: 401


1- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 325 - 326 .
2- تقدّما في الصفحة 398 .
3- مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 324 - 325 .
4- يأتي في الصفحة 405 - 406 .

إطلاق «الموضع الذي ليس بنظيف» لكلّ موضع ؛ لمساعدة العرف ، مع عدم الفرق بين أسباب حصول النجاسة ، وعدم إطلاق قوله : «مكاناً نظيفاً» - بعيد ، سيّما مع الكبرى المتقدّمة .

بل يمكن تقييد إطلاقه بها لو فرض الإطلاق ؛ بعد ما عرفت ظهورها ؛ وأنّ القيد فيها ظاهر في القيدية . بل وظهور النبويين العامّيين في الاختصاص ؛ فإنّ قوله صلی الله علیه و آله وسلم : «إذا وطأ أحدكم الأذى بخفّيه فطهورهما التراب»(1) وقوله صلی الله علیه و آله وسلم : «إذا وطأ أحدكم بنعليه الأذى فإنّ التراب له طهور»(2) ظاهر أو مشعر بالاختصاص ، ومعه يشكل إلغاء الخصوصية .

وأمّا عدم ذكر الأصحاب هذا القيد ، بل مقتضى إطلاق كلامهم عدم القيدية ، فليس إلاّ لاجتهادهم في تلك الروايات ؛ للجزم بعدم أمر آخر عندهم وراءها ، ومعه ليست الشهرة بحجّة .

إلاّ أن يقال : إنّ عدم دخالة الخصوصية عرفاً يستكشف من فهم الأصحاب ؛ فإنّهم أيضاً من العرف .

وهو مشكل بعد عدم استفادتنا إلغاء الخصوصية بالشواهد المتقدّمة ، فالأحوط - لو لم يكن أقوى - اعتبار كون النجاسة من الأرض .

نعم ، لا يلزم أن يكون التنجّس بملاقاة الأرض المتنجّسة ، بل أعمّ منه ومن ملاقاة عين النجس الملقاة فيها ، كما تدلّ عليه صحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : رجل وطأ على عَذِرة ، فساخت رجله فيها ، أينقض ذلك

ص: 402


1- سنن أبي داود 1 : 158 / 386 .
2- سنن أبي داود 1 : 158 / 385 ؛ المستدرك على الصحيحين 1 : 166 .

وضوءه ، وهل يجب عليه غسلها ؟ فقال : «لا يغسلها إلاّ أن يقذرها ، ولكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها ويصلّي»(1) .

كما تدلّ على ثبوت الحكم لملاقاة الأرض المتنجّسة حسنة المعلّى(2) وإطلاق بعض الروايات .

مطهّرية الأرض لأسفل القدم وباطن النعل والخفّ

ثمّ إنّه لا ينبغي الإشكال في ثبوت الحكم لأسفل القدم ؛ لإطلاق بعض الروايات ، كصحيحة الأحول وإحدى روايتي الحلبي ، وصراحة جملة منها ، كحسنتي المعلّى والحلبي وصحيحة زرارة وموثّقة عمّار ، ولم يتّضح مع ذلك وجه إشكال العلاّمة في محكيّ «التحرير»(3) وتوقّفه في محكيّ «المنتهى»(4) فيه.

وأمّا باطن النعل والخفّ ، فمضافاً إلى حكاية الشهرة(5) والإجماع وعدم الخلاف فيه(6) ، يدلّ عليه إطلاق الكبرى المتقدّمة ، وإطلاق صحيحة الأحول وصحيحة ابن مسلم ، فإنّ من المعلوم عدم كون أبي جعفر علیه السلام بلا حذاء ، ورواية حفص بن أبي عيسى قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّي وطأت عَذِرة بخفّي ،

ص: 403


1- تهذيب الأحكام 1 : 275 / 809 ؛ وسائل الشيعة 3 : 458 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 7 .
2- تقدّمت في الصفحة 397 .
3- تحرير الأحكام 1 : 163 .
4- منتهى المطلب 3 : 285 .
5- الحدائق الناضرة 5 : 451 .
6- تقدّم في الصفحة 396 .

ومسحته حتّى لم أرَ فيه شيئاً ، ما تقول في الصلاة فيه ؟ فقال : «لا بأس»(1) .

إذ الظاهر أنّ سؤاله عن طهارته بالمسح ، وإلاّ فصلاته صحيحة مع نجاسته أيضاً .

ويلحق بهما مثل القبقاب ، وظاهر القدم والنعل إذا كان المشي عليه لنقص في الخلقة على الأقوى ؛ لإطلاق بعض الأخبار .

وفي إلحاق الركبتين واليدين ممّن يمشي عليهما تأمّل، وإن لا يخلو من وجه؛ للتعليل المتقدّم . بل لا يبعد صدق «الوط ء» عليهما على تأمّل ، سيّما في اليدين .

وفي إلحاق عصى الأعرج وخشبة الأقطع إشكال ؛ لاحتمال انصراف الأدلّة عنهما . وأشكل منهما نعل الدوابّ وأسفل العكّاز وكعب الرمح . ومن الكلّ أسفل العربات والدبّابات ونحوها .

واحتمال إلحاق الجميع ؛ لإطلاق الكبرى المتقدّمة ، غير وجيه ؛ لعدم إمكان الأخذ بإطلاقها ، إذ مقتضى ذلك أنّ كلّ ما تنجّس بالأرض يطهر بها ، وهو مقطوع البطلان ، فلا بدّ من اختصاصها بأنحاء ما وقع السؤال عنها ، وعدم التعدّي عن إطلاق بعض الأدلّة ، مثل صحيحة الأحول .

وبالجملة : بعد وضوح بطلان الأخذ بإطلاق الكبرى المتقدّمة - للزوم التعدّي

إلى كلّ ما تنجّس بالأرض ؛ حتّى الثياب والأواني - لا يبقى لإطلاقها في المذكورات وثوق ، بل يوهن ذلك الإطلاق ، ويشكل التعدّي عن موردها ؛ أي القدم والنعل .

ص: 404


1- تهذيب الأحكام 1 : 274 / 808 ؛ وسائل الشيعة 3 : 458 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 6 .

نعم ، لا فرق بين أنحاء النعال ، بل لا يبعد إلحاق الجورب إذا خيط في أسفله

جلد الدابّة - كما قد يعمل - على تأمّل فيه . وأمّا الجورب المعمول من القطن والصوف أو غيرهما ، فالأقوى عدم الإلحاق ؛ لانصراف صحيحة الأحول(1) عنه ، وعدم دليل آخر عليه .

اعتبار كون المطهّر أرضاً لا حصيراً مثلاً

ثمّ إنّه يعتبر في المطهّر أن يكون أرضاً ، وعن ابن الجنيد كفاية المسح بكلّ

قالع(2) ، وعن «النهاية» احتماله(3) . واختار النراقي الاجتزاء بالمشي في غير الأرض ، كالحصير والنبات والخشب(4) .

والدليل على الاعتبار : الكبرى الملقاة في مقام الضابط ، حيث لا بدّ من الأخذ بقيودها والحكم بدخالتها ، فلو كان مطلق القالع أو المشي على مطلقه مجزياً ، لما كان اختصاص الأرض بالذكر في مقام ذكر الضابط مناسباً ، سيّما مع قوله علیه السلام في حسنة الحلبي : «أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة ؟» .

وهي المراد بقوله علیه السلام : «أ ليس وراءه شيء جافّ ؟» في حسنة المعلّى بقرينة ذكر الكبرى بعده ، وهما يؤكّدان خصوصية الأرض .

ويؤيّد الاعتبار بل يدلّ عليه موثّقة عمّار . ويؤيّده النبويان المتقدّمان . بل

ص: 405


1- تقدّمت في الصفحة 400 .
2- اُنظر المعتبر 1 : 447 ؛ مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 331 .
3- نهاية الإحكام 1 : 291 .
4- مستند الشيعة 1 : 338 .

كون الأرض بخصوصها مطهّرة للحدث ، لا يخلو من تأي-يد .

وبكلّ ذلك يقيّد إطلاق صحيحتي الأحول وزرارة ورواية حفص المتقدّمات ، وذيل صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : «جرت السنّة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله ، ويجوز أن يمسح رجليه ولا يغسلهما»(1) على فرض تسليم إطلاقها .

مع إمكان إنكاره بدعوى : أنّ صحيحة الأحول منصرفة إلى الأرض ، كما عن صاحب «الحدائق»(2) وهو غير بعيد ، سيّما مع أنّ الوط ء بالرجل القذرة لمثل الفراش بعيد ، خصوصاً عمداً . وأنّ غير الأرض في محلّ الصدور نادر .

ودعوى : أنّ صحيحة زرارة في مقام بيان عدم وجوب الغسل وكفاية المسح ، وليست بصدد بيان ما يمسح به وشرائطه . مع أنّ المتعارف في مسح ما يقذر بالعذرة هو المسح على الأرض ، سيّما في تلك البلاد وذلك العصر .

ومنه يظهر الحال في رواية حفص . والصحيحة الأخيرة - مع عدم وضوح المراد منها - يأتي فيها ما ذكر .

وأمّا دعوى كون المقام نظير باب الاستنجاء ، بل هو منه ، فكما يكفي فيه مطلق القالع ، كذلك في المقام ، ففيه ما لا يخفى ، فالأقوى اعتبار كون القالع أرضاً .

ص: 406


1- تهذيب الأحكام 1 : 46 / 129 ؛ وسائل الشيعة 3 : 459 ، كتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 32 ، الحديث 10 .
2- اُنظر مستمسك العروة الوثقى 2 : 67 - 68 ؛ الحدائق الناضرة 5 : 458 .
عدم الفرق بين أجزاء الأرض في التطهير

نعم ، لا فرق بين أجزاء الأرض ، كالتراب والحجر والحصى والرمل والجصّ والنورة ، بل والآجرّ والخزف ؛ لصدق «الأرض» عليها ، ولجريان استصحاب كونها مطهّرة في بعضها .

ولا يضرّ بالحكم اختلاط غير الأرض بها بما لا يضرّ بالصدق العرفي ، كالتبن القليل ونحوه ؛ لابتلاء الأراضي نوعاً به ، فمقتضى الإطلاق عدم الإضرار ، وإلاّ لوجب التنبيه عليه .

اعتبار جفاف الأرض ويبوستها

ومن بعض ما تقدّم يظهر اعتبار الجفاف واليبوسة في الأرض ؛ لأنّ ذكر «الجافّ» في حسنة المعلّى(1) و«اليابس» في حسنة الحلبي(2) ، دليل عليه ، سيّما في مقام بيان الضابط .

ودعوى : أنّ «الجافّ» في الاُولى في مقابل الماء السائل من الخنزير ، و«اليابسة» في الثانية في مقابل نداوة البول(3) ، كما ترى ؛ فإنّه إن اُريد مقابلتهما للنداوة والرطوبة مطلقاً فمسلّم ، لكن يستفاد منهما التقي-يد .

وإن اُريد مقابلتهما لنداوة البول وما سال من الخنزير - أي يكون جافّاً من هذه الرطوبة والنداوة حتّى لا ينافي كونه رطباً بغيرها ، بل وحلاً - فهو ممنوع

ص: 407


1- تقدّمت في الصفحة 397 .
2- تقدّمت في الصفحة 398 .
3- اُنظر مصباح الفقيه ، الطهارة 8 : 334 ؛ مستمسك العروة الوثقى 2 : 70 .

جدّاً ؛ لعدم صدق «الجفاف» و«اليبوسة» عليه ، كما لا يخفى .

مع أنّ للمسح على الجافّ واليابس ، دخالةً في قلع القذارة لدى العرف ؛ فإنّ المسح بشيء رطب رطوبة سارية أو بشيء نحو الوحل ، يوجب انتشار القذارة ، بل صيرورة المحلّ أقذر ، لا قلعها ، ولهذا يناسب «الجفاف» و«اليبس» القلعَ بارتكاز العرف ، فيفهم منهما القيدية ، وبهما يقيّد إطلاق لو كان .

نعم ، لا يبعد أن يقال : إنّ الرطوبة الضعيفة غير السارية غير مضرّة ؛ لصدق «الجافّ» بل و«اليابس» على الأرض إذا كانت كذلك ، سيّما بعض مراتبها .

ولو كان «الجفاف» أعمّ من «اليبوسة» وكانت الثانية غير صادقة على الأرض التي لها رطوبة غير سارية ، فلا يبعد أيضاً القول بكفاية الجفاف ؛ بدعوى أنّ ذكر «اليبوسة» لكونها أحد المصاديق الحاصل به التطهير ، فيكون كلّ من الجافّة واليابسة مطهّرة ؛ وإن كانت الثانية أسرع في القلع وأوقع . وبعبارة اُخرى : تقييد حسنة المعلّى بحسنة الحلبي ، أبعد من البناء على ما ذكر .

وأمّا تأييد كفاية الرطوبة السارية بل الوحل : بأنّ الملّة سمحة سهلة ، وبحصول الحرج في فصل الشتاء(1) ، فهو كما ترى .

اعتبار طهارة الأرض

وتعتبر طهارة الأرض ؛ لأنّ الظاهر من قوله علیه السلام : «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً»(2) التقابل بين الأرض التي تنجّس بها القدم والأرض المطهّرة ، فيفهم منه

ص: 408


1- راجع مفتاح الكرامة 2 : 216 ؛ غنائم الأيّام 1 : 484 .
2- تقدّم في الصفحة 397 و398 .

أنّ الأرض الطاهرة ترفع النجاسة الحاصلة من الأرض القذرة ، تأمّل .

مضافاً إلى أنّ التناسب بين طهارة الشيء ومطهّريته ، يوجب صرف الذهن إلى ذلك ، ولهذه المناسبة قابل الأحول في روايته(1) بين الموضع الذي ليس بنظيف والمكان النظيف ، فيمكن أن يستدلّ على اعتبارها بالرواية للارتكاز المذكور .

ولهذا لو قيل : «إنّ العَذِرة اليابسة مطهّرة للنجاسة إذا ذهب بالمسح بها أثرها» عدّ عند العرف مستنكراً ، فلا ينقدح في الأذهان من الأدلّة إطلاق يشمل الأرض النجسة ، فلو كانت الأرض نجسةً بالبول ، وكانت رطوبة البول موجودة غير سارية ، وقلنا باجتزاء الجفاف ، فهل ترى من نفسك أنّ المشي في رطوبة البول صار مطهّراً لنداوته ؟ !

والإنصاف : أنّ الأدلّة منصرفة عن الأرض النجسة ، فلا وجه للتمسّك بإطلاقها لنفي الاعتبار .

وتوهّم : أنّ ترك هذا القيد في الأخبار على كثرتها ، دليل على عدم الاعتبار(2) .

مدفوع : بأنّ الترك للاتّكال على الارتكاز العقلائي ، ولهذا لم يرد هذا القيد في مطهّرية الماء ؛ لعدم الاحتياج إلى ذكره ، لا لعدم الاعتبار .

ص: 409


1- تقدّمت في الصفحة 400 .
2- اُنظر جواهر الكلام 6 : 308 ؛ رياض المسائل 2 : 418 .
عدم الفرق بين المشي والمسح في حصول الطهارة

ثمّ إنّه لا فرق بين المشي والمسح في حصول الطهارة ، كما تدلّ على كلّ منهما الروايات المتقدّمة .

ولا يتقدّر المشي بمقدار معيّن ، بل المعتبر زوال عين النجاسة . ولا تصلح صحيحة الأحول(1) لتقي-يد الإطلاقات ، سيّما مثل قوله علیه السلام : «إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً» خصوصاً بعد قوله علیه السلام : «أ ليس وراءه شيء جافّ ؟» أو «أ ليس

يمشي بعد ذلك في أرض يابسة ؟» .

مضافاً إلى أنّ الظاهر من قوله علیه السلام في صحيحة زرارة : «لكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها» أنّ المسح ونحوه إنّما هو لإذهاب الأثر ، فلها نحو حكومة على سائر الأخبار ، فيفسّر المقصود من مشي خمسة عشر ذراعاً بأ نّه ليس إلاّ للقلع ، ولهذا لا يشكّ أحد في أ نّه مع عدم القلع بهذا المقدار لا يصير طاهراً .

مع أنّ قوله علیه السلام في الصحيحة : «أو نحو ذلك» دليل على أنّ التحديد ليس تعبّدياً ، بل لحصول الغاية بها نوعاً .

واحتمال أن يكون في التطهير بالمشي إعمال تعبّد ، وهو المقدار الذي في الصحيحة ، دون المسح ، فإذا مسح كانت الغاية زوال الأثر ، دون ما إذا مشى ، في غاية السقوط ؛ ضرورة عدم انقداح النفسية في أمثال المقامات في الأذهان .

بل يمكن أن يقال : بأنْ لا خفاء لمفهوم «التطهير» عند العرف ، فإذا قال الشارع : «إنّ الأرض تطهّر كذا» يستفاد منه أنّ التطهير بها عبارة عن رفع القذارة

ص: 410


1- تقدّمت في الصفحة 400 .

عن الشيء بها ، وهو بقلع عين النجس عنه ، كما إذا قال أحد من أهل العرف لصاحبه : «نظّف قدمك بالتراب» يفهم منه إزالة القذارة منها بمسحها به ، أو المشي عليه . فظاهر قوله علیه السلام : «الأرض يطهّر بعضها بعضاً» أنّ تطهيره عبارة عن إزالة قذارته ، فلا يختلج في الأذهان - بعد هذا الارتكاز - إعمال تعبّد خاصّ في مقدار المشي . نعم ، لا مانع من إعمال التعبّد ، لكن يحتاج إلى بيان غير ما في الصحيحة .

تعيّن المسح على الأرض وعدم الاجتزاء بمسح التراب على الموضع

وهل يتعيّن المسح على الأرض ، أو يجتزى بمسح التراب أو الحجر على الموضع حتّى يذهب أثره ؟

ظاهر الكبرى المتقدّمة هو الأوّل ؛ لعدم صدق بعض الأرض على الجزء المنفصل عنها صدقاً حقيقياً ، وإنّما يصدق عليه حال الاتّصال .

ولو نوقش فيه فالظاهر من الكبرى - ولو بقرينة سابقها - هو المشي على الأرض ، ولمّا كانت الكبرى في مقام بيان الضابط ، لا بدّ من الحكم بدخالة الخصوصية فيه .

ولا يجوز في المقام الاتّكال على ارتكاز العرف ؛ فإنّه يوجب اتّساع الخرق كما تقدّم(1) ، فبها يقيّد إطلاق صحيحة زرارة(2) و[روايةحفص(3) ، على فرض تسليم إطلاقهما .

ص: 411


1- تقدّم في الصفحة 404 .
2- تقدّمت في الصفحة 402 .
3- تقدّمت في الصفحة 403 .

قد يقال : إنّ الظاهر منهما أنّ الرجل والخفّ ممسوحتان ، لا ماسحتان(1) .

وفيه : أنّ المتعلّق غير مذكور ، فإن كان التقدير : «يمسحها على الأرض» تكون الرجل ماسحة ، وإن كان : «يمسحها بالتراب» مثلاً تكون ممسوحة ، ومع عدم الذكر ولو فرض أنّ مقتضاه الاجتزاء بكلّ منهما ، نظير الإطلاق ، لكن مقتضى الكبرى عدم الاجتزاء إلاّ بالمسح على الأرض ، فيقدّم عليه .

ولو قيل : إنّ بين الصحيحة والكبرى عموماً من وجه .

قلنا : إنّ الترجيح مع الكبرى ؛ لأظهريتها وموافقتها للشهرة ظاهراً .

في حصول الطهارة بذهاب عين النجاسة وأثرها

ثمّ إنّ التطهير حاصل بذهاب عين النجاسة وأثرها ؛ بمعنى الأجزاء الصغار التي تعدّ أثراً لدى العرف ، ولا يلزم رفع الآثار ، كالرائحة واللون .

وأمّا احتمال أنّ الأرض مطهّرة للأجزاء الصغار التي يراها العرف الأعيان النجسة ، فلا ينبغي التفوّه به ، فضلاً عن اختياره ؛ لعدم معنى طهارة عين النجاسة .

نعم ، لو كانت الإزالة بالأرض من قبيل العفو لا التطهير ، لكان لاحتمال العفو عن الأجزاء الصغار سبيل ؛ وإن كان أيضاً خلاف الأدلّة ، لكن مع البناء على الطهارة فلا سبيل إليه . وبناء الحكم على السهولة لا يوجب طهارة النجس ذاتاً .

وأمّا الأجزاء الصغار التي لا يراها العرف أعياناً ، فلا يعتنى بها .

بل الألوان والروائح من بقايا الأعيان واقعاً بحسب البرهان ، أو كشف الآلات الحديثة المكبّرة ، لكنّ الميزان في التشخيص العرف العامّ ، فلا يعبأ بمثلها .

ص: 412


1- اُنظر مستمسك العروة الوثقى 2 : 66 .
عدم لزوم إزالة النجاسة بالمشي أو المسح

وهل يتعيّن أن يكون السبب لذهاب عين النجاسة المشي أو المسح ، أو لا ، فلو ذهبت بغيرهما يطهر المحلّ بالمشي أو المسح ؟

وبالجملة : كما أ نّهما موجبان للطهارة بإذهاب العين ، موجبان لها عن ملاقي الأعيان ؟

الأقوى الثاني ؛ لإطلاق الكبرى المتقدّمة وصحيحة الأحول . بل إطلاق بعض روايات اُخر .

ولا ينافيها صحيحة زرارة ورواية حفص ؛ لعدم ظهورهما في القيدية ، بل فرض فيهما وجود العين ، فقوله علیه السلام : «يمسحها حتّى يذهب أثرها» لبيان حال قضيّة مفروضة ، فيكون بياناً عادياً لا يستفاد منه دخالة وجود العين في طهارة المحلّ ، ولا ينقدح في الأذهان منه بقاء النجاسة على المحلّ لو زالت العين بغير الأرض ولو مشى بعده ما مشى .

وبالجملة : لا تصلح الصحيحة ونحوها لتقييد إطلاق الكبرى وغيرها . مع أنّ تطهير المحلّ الخالي من العين ، أولى من المشغول بها في نظر العرف . فالأقوى عدم اعتبار وجودها أو أثرها في المحلّ .

ومع عدمهما يكفي مجرّد المسح أو المشي دون المسّ ؛ لعدم الدليل عليها إلاّ دعوى إطلاق الكبرى ، وهو مشكل ، سيّما مع سبقِها في حسنة الحلبي بقوله علیه السلام : «أ ليس تمشي بعد ذلك . . . ؟»(1) إلى آخره ، وتبادرِ المشي من موارد

ص: 413


1- تقدّمت في الصفحة 398 .

غيرها ، وهو وإن لا يصلح لتقي-يد إطلاق لو كان ، لكن يوهن توهّم الإطلاق ، فإنّ

الأظهر عدم إطلاقها لصِرف المماسّة ؛ لأنّ التطهير به خلاف ارتكاز العقلاء في باب التنظيف بالأرض ، دون التمسّح الذي هو موافق له ، ودون المشي الذي دلّ عليه الدليل .

مع إمكان أن يقال : إنّه كالمسح في رفع الأثر .

هذا مع إمكان تقييد إطلاقها - لو فرض - بموثّقة عمّار بن موسى(1) ، تأمّل .

وكيف كان : فالأحوط - لو لم يكن أقوى - عدم الاجتزاء بمجرّد المماسّة .

والحمد للّه أوّلاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين. وقد وقع الفراغ من هذه الوجيزة يوم الثامن والعشرين من شهر ذي القعدة الحرام سنة (1377 ه- . ق).

ص: 414


1- تقدّمت في الصفحة 400 .

الفهارس العامّة

اشارة

1 - الآيات الكريمة

2 - الأحاديث الشريفة

3 - أسماء المعصومين علیهم السلام

4 - الأعلام

5 - الكتب الواردة في المتن

6 - مصادر التحقيق

7 - الموضوعات

ص: 415

ص: 416

1 - فهرس الآيات الكريمة

الآية رقمها الصفحة

البقرة (2)

(لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ) 125 124

المائدة (5)

(إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا

وُجُوهَكُمْ) 6 289

الأنفال (8)

(وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً

لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) 11 341

التوبة (9)

(يَا أَ يُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ

نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) 28 117

ص: 417

الآية رقمها الصفحة

(فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ

عَامِهِمْ هَذَا) 28 119

(بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) 28 119

يوسف (12)

(فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ) 76 233

الحجّ (22)

(وَطَهِّرْ بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ) 26 121، 123

الفرقان (25)

(وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً) 48 341

الواقعة (56)

(لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) 79 128

ص: 418

2 - فهرس الأحاديث الشريفة

آنية الذهب والفضّة متاع الذين لا يوقنون 212، 215

أترغب عمّا كان أبو الحسن علیه السلام يفعله ؟ ! 250

إذا اُلقي عليه من التراب ما يواري ذلك ويقطع ريحه فلا بأس 125

إذا بلغ الماء قدر كرّ لا ينجّسه شيء 27

إذا تحوّل عن اسم «الخمر» فلا بأس 386

إذا جرى فلا بأس 349

إذا جرى فيه المطر فلا بأس 351

إذا جرى من ماء المطر فلا بأس 351

إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه ؛ فهو طاهر 359

إذا دخلت الغائط ، فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء . . . 312

إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته 304

إذا غسل فلا بأس 201، 202

إذا كان الرجل نائماً في المسجد الحرام أو مسجد الرسول . . . 121

إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس 251، 257

ص: 419

إذا كان الموضع قذراً من البول أو غير ذلك، فأصابته الشمس... 363، 373

إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه ، فلا يغسله 79، 86

إذا كان جافّاً فلا بأس 17

إذا كان رآه فلم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلّي 292

إذا كان مضموناً فلا بأس 250

إذا كان يخضّب الإناء فاشربه 285

إذا نظّف واُصلح فلا بأس 125

إذا وطأ أحدكم الأذى بخفّيه فطهورهما التراب 402

إذا وطأ أحدكم بنعليه الأذى فإنّ التراب له طهور 402

إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت ، فإن كان جامداً فألقها 36

الأرض كلّها مسجد إلاّ بئر غائط أو مقبرة 126

الأرض يطهّر بعضها بعضاً 400، 411

أرى أن تصدّق منها بعشرة دنانير 277

استحلال أهل العراق الميتةَ 269، 286

الإسلام : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، والتصديق برسول اللّه 393

اشترِ من رجل مسلم ، ولا تسأله عن شيء 285

اشتر وصلّ فيها حتّى تعلم أ نّه ميتة بعينه 249

اصبغيه بمشق 177

اصبغيه بمشق حتّى يختلط ويذهب أثره 176

أعرته إيّاه وهو طاهر ، ولم تستيقن أ نّه نجّسه ، فلا بأس أن تصلّي فيه . . . 27

اغتسل أبي من الجنابة ، فقيل له : قد أبقيت لُمعة في ظهرك 278

اغسل الإناء 179، 195

اغسل الثوب كلّه 140

ص: 420

اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه 158

اغسل ما أصاب منه ، ومسّ الجانب الآخر ، فإذا أصبت 149

اغسله بالتراب 198

اغسله بالتراب أوّل مرّة 192، 193

اغسله في المِرْكَن مرّتين ، فإن غسلته في ماءٍ جارٍ . . . 161

اغسله مرّتين 130، 135، 140، 156، 157

أكلت النار ما فيه 379

إلاّ أن يكره الفضّة فينزعها 221

إلاّ أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً 101

أليس تمشي بعد ذلك . . . ؟ 413

أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة ؟ 398، 405

أليس وراءه شيء جافّ؟ 25، 397، 405، 410

أليس هي يابسة ؟ 397

أليس يمشي بعد ذلك في أرض يابسة ؟ 410

أمّا النعل والخفاف فلا بأس بهما 251

أمّا ما توهّمت ممّا أصاب يدك ، فليس بشيء 315

إن أبيتم فشيء من ماء فانضحه 17

إن اجتمع قدر حمّصة فاغسله ، وإلاّ فلا 96

إن أصاب ثوب الرجل الدم ، فصلّى فيه وهو لا يعلم ، فلا إعادة عليه 312

إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله 29، 171

إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً 397، 408، 410

إنّ الثوب خلاف الجسد 316

إنّ الدين أوسع من ذلك 267

ص: 421

إنّ العبّاس حين عذر عمل له قضيب ملبّس فضّة من نحو ما يعمل للصبيان 235

إنّ اللّه أوحى إلى نبيّه أن طهّر مسجدك ، وأخرج من المسجد من يرقد بالليل 123

إنّ اللّه تبارك وتعالى أعطى محمّداً صلی الله علیه و آله وسلم شرائع نوح وإبراهيم وموسى . . . 11

إنّ اللّه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً 11، 399

إنّ الماء والنار قد طهّراه 376، 377

أنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم بال عليه الحسن والحسين علیهما السلام قبل أن يطعما . . . 140

إنّ أمير المؤمنين علیه السلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق . . . 244

إنّ بي دماميل ، ولست أغسل ثوبي حتّى تبرأ 79

إن تردّى في جُبّ أو وَهْدة من الأرض فلا تأكله ولا تطعم 244

إن تصيبه الشمس والريح وك-ان جافّاً فلا بأس به 362

إن رأيت المنيّ قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة ، فعليك إعادة الصلاة 298، 306

إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلّ 92، 307

أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم نهاهم عن سبع منها : الشرب في آنية الذهب والفضّة 210

إنّ صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها ولا حبس دمها يصلّي . . . 81

إنّ علياً علیه السلام سئل عن قدر طبخت ، وإذا في القدر فأرة . . . 36

أنّ علياً علیه السلام قال : لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب 139

إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة 89

إن كان الذي صنع فيها هو الغالب على ما صنع فيه ، فلا بأس به 388

إن كانت أرضكم مبلّطة أجزأكم المشي عليها 400

إن كانت رجلك رطبة . . . 373

إن كان ثقة فلا يقربها ، وإن كان غير ثقة فلا يقبل 277

إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضّأ أو يغسل ثيابه . . . 34

إن كان علم أ نّه أصاب ثوبه جنابة قبل أن يصلّي . . . 290

ص: 422

إن كان لم يعلم فلا يعيد 291

إن كان ممّن يستحلّ المسكر فلا تشربه ، وإن كان ممّن لا يستحلّ فاشربه 284

إن كان يابساً فليرمِ به ، ولا بأس 61

أن لا يطوف بعد هذا العام عريان ، ولا يقرب المسجد الحرام . . . 120

إن لم يتخوّف أن يسيل الدم 61

إن لم يتخوّف أن يسيل الدم فلا بأس ، وإن تخوّف أن يسيل الدم فلا يفعله 60

إنّما اُمر بالوضوء وبدئ به ؛ لأن يكون العبد إذا قام بين يدي الجبّار . . . 57

إنّما سمّي : الأكبر؛ لأ نّها كانت سنة حجّ فيها المسلمون والمشركون 120

إنّما يغسل من بول الاُنثى ، وينضح على بول الذكر 138

إن وجد ماءً غسله، وإن لم يجد ماءً صلّى فيه، ولم يصلّ عرياناً 78، 334

إنّ هذا لا يصيب شيئاً إلاّ طهّره 136، 163

أ نّه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيّام ، إلاّ أن يعلم أ نّه قد نجّسه . . . 169، 345

اُهديت لأبي جبّة فرو من العراق ، وكان إذا أراد أن يصلّي نزعها فطرحها 255

أيّهما أرجس : البول أو الجنابة ؟ 174

تصبّ عليه الماء 160

تصبّ عليه الماء ، فإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلاً 138، 160

تعيد الصلاة وتغسله 312

تغسل القميص في اليوم مرّة 318

تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أ نّه أصابها 59

تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أ نّه قد أصابها 49

تغسله ثلاث مرّات 202

تغسله سبع مرّات ، وكذا الكلب 183

تغسله سبع مرّات ، وكذلك الكلب 201

ص: 423

تغسله وتعيد . . . 312

تغسله ولا تعيد الصلاة 49

تكره الصلاة في الفراء إلاّ ما صنع في أرض الحجاز 252

تكون فضّة نحواً من عشرة دراهم 236

تنزّهوا عن قرب الكلاب ، فمن أصاب الكلب وهو رطب فليغسله 172

تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته . . . 303

جرت السنّة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان ولا يغسله 406

جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً 399

جعل له الأرض مسجداً وطهوراً 11

جنّبوا مساجدكم 127

جنّبوا مساجدكم النجاسة 121

الحمد للّه الذي لم يدع شيئاً إلاّ وله حدّ 296

خلق اللّه الماء طهوراً لا ينجّسه شيء 27، 170

دعه ، فلا يضرّك أن لا تغسله 79

الدم تأكله النار إن شاء اللّه 380

دمك أنظف من دم غيرك ، إذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس 105

الذي يشرب في آنية الذهب والفضّة إنّما يجرجر في بطنه نار جهنّم 228

الذي يشرب في آنية الفضّة إنّما يجرجر في بطنه نار جهنّم 209

رجس نجس 185

رجس نجس ، لا يتوضّأ بفضله ، واصبب ذلك الماء ، واغسله بالتراب 23، 180

الريح لا ينظر إليه 175

السيف بمنزلة الرداء تصلّي فيه ما لم ترَ فيه دماً 56

صبّ عليه الماء مرّتين 157

ص: 424

صبّ عليه الماء مرّتين ؛ فإنّما هو ماء 134، 135، 140، 157

الصلاة ثلثها الطهور 47

الصلاة في وبره وروثه وبوله . . . 54

صلّ حتّى تعلم أ نّه ميتة 253

صلّ فيها حتّى تعلم أ نّه ميتة بعينه 253، 254، 267

صلّ فيه ، ولا تغسله من أجل ذلك ؛ فإنّك أعرته إيّاه وهو طاهر 49

علم به أو لم يعلم 294

علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم 292

عليكم أنتم أن تسألوا عنه . . . 257

عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك 251، 258

عليه أن يبتدئ الصلاة 305

فإن أصابه بعد ثلاثة أيّام فاغسله 169

فإن غسلته بالماء الجاري فمرّة واحدة 164

فإن كان قد أكل . . . 144، 160

فإن كان قد أكل فاغسله 143

فإن كان ممّا يؤكل لحمه ، فالصلاة في وبره وبوله وشعره . . . 248

فضّلت بأربع : جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً 11

فلا بأس؛ إنّ الأرض يطهّر بعضها بعضاً 25، 398

فما بال الناس يغتسلون من الجنابة ، ولا يغتسلون من البول ؟ ! 174

قال أمير المؤمنين علیه السلام في صيد وجد فيه سهم ، وهو ميّت . . . 243

قل لها : تصبغه بمشق حتّى يختلط 177

كان علي بن الحسين علیه السلام رجلاً صَرِداً لا يدفئه فراء الحجاز 251

كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين ، ولا تسأل عنه 267

ص: 425

كلّ شيء لك حلال حتّى يجيئك شاهدان يشهدان أنّ فيه ميتة 276

كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أ نّه قذر 253، 271

كلّ شيء هو لك حلال 274

كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أ نّه حرام بعينه 272

كلّ شيء يابس زكيّ 357، 359

كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر 136، 152، 199، 344، 352

كلّ ما أشرقت عليه الشمس فهو طاهر 360، 371

كلّ ما كان على الإنسان أو معه - ممّا لا تجوز الصلاة فيه وحده . . . 54

كلّ ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشيء 64، 65

كلوا من الخمر ما انفسد ، ولا تأكلوا ما أفسدتموه أنتم 387

كيف يطهّر من غير ماء ؟ ! 361، 367، 368

لا ، إلاّ ما جاء من قِبَل نفسه 387

لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعاً ، أو نحو ذلك 400

لا بأس إذا لم يجعل فيها ما يغلبها 388

لا بأس ؛ أكلت النار ما فيه 14، 378

لا بأس ، إلاّ أن يكره الفضّة فينزعها 221

لا بأس ؛ الأرض يطهّر بعضها بعضاً 13

لا بأس ؛ إنّ الأرض تطهّر بعضها بعضاً 397

لا بأس أن يشرب الرجل في القدح المفضّض 211

لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني ، وفيما صنع في أرض الإسلام 250

لا بأس بأن يصلّي الرجل في الثوب وفيه الدم متفرّقاً شبه النضح 90

لا بأس بدم البراغيث والبقّ وبول الخشاشيف 384

لا بأس بمعالجتها 386

ص: 426

لا بأس به؛ ما أصابه من الماء أكثر منه 346

لا بأس ما لم تعلم أ نّه ميتة 249، 253، 267

لا تأكل في آنية الذهب والفضّة 209

لا تأكل في آنية من فضّة ، ولا آنية مفضّضة 211

لا تأكل في آنية من فضّة ، ولا في آنية مفضّضة 218

لا تأكل من آنية الذهب والفضّة 209، 213، 225

لا تأكله ؛ فإنّك لا تدري التردّي قتله أو الذبح 246

لا تجوز الصلاة في شيء من الحديد ؛ فإنّه نجس ممسوخ 47

لا تزرموا ابني 139

لا تشربوا في آنية الذهب والفضّة ، ولا تأكلوا في صحافها 208

لا تصلّ في الحمّام 233

لا تصلّ في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتّى يغسل 75

لا تصلّ في وبر ما لا يؤكل 76

لا تصلّ فيها ؛ فإنّها تدبغ بخرء الكلاب 46، 75، 177

لا تصلّ فيه ؛ فإنّه رجس 46، 51

لا تعاد . . . 295، 310، 311

لا تعاد الصلاة . . . 288، 309

لا تعاد الصلاة إلاّ من خمس . . . 47

لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره غير دم الحيض 93، 103

لا ، حتّى تغتسل منه 51

لا ، حتّى ينقى ما ثمّة 175

لا سهو لمن أقرّ على نفسه بالسهو 310

لا صلاة إلاّ بطهور 47، 48، 57، 58، 288،

289، 295، 309، 311

ص: 427

لا صلاة إلاّ بطهور ، ويجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار 50، 301

لأنّ النبي صلی الله علیه و آله وسلم أمر بقتلها 29

لأ نّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت 49

لأ نّك لا تدري لعلّه شيء اُوقع عليك 304

لا والحمد للّه ، وإنّما كانت لها حلقة من فضّة . . . 211، 235

لا ، وإن كثر فلا بأس أيضاً بشبهه من الرعاف ، ينضحه ولا يغسله 104

لا ، ولا يغسل مكانها ؛ لأنّ الحجّام مؤتمن إذا كان ينظّفه 15

لا ، ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول : قد شرط لي... أ نّها ذكيّة 269، 286

لا يجزيه حتّى يدلكه بيده ، ويغسله ثلاث مرّات 202

لا يحجّنّ بعد هذا العام مشرك 119

لا يدرى سفرة مسلم ، أم سفرة مجوسي ، فقال : هم في سعة حتّى يعلموا 244

لا يصلح أن يصلّي وهي معه 53

لا يصلّى ، وأعلم موضعه حتّى تغسله 363

لا يطوف بالبيت عريان ولا عريانة ولا مشرك بعد هذا العام 119

لا يطوفنّ بالبيت عريان ، ولا يحجّنّ بالبيت مشرك 119

لا يعيد شيئاً من صلاته 292

لا يعيد ، قد مضت الصلاة وكتبت له 313

لا يغسل ثوبه ولا رجله ، ويصلّي فيه ، ولا بأس به 350

لا يغسلها إلاّ أن يقذِرها 13

لا يغسلها إلاّ أن يقذِرها ، ولكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها ، ويصلّي 12، 403

لا ينبغي الشرب في آنية الذهب والفضّة 210

لا يؤكل منه ؛ لأ نّك لا تدري أخذه معلّم أم لا 243

لست أغسله حتّى تبرأ 80

ص: 428

لكنّه يمسحها حتّى يذهب أثرها 410

لو أنّ رجلاً رعف في صلاته ، وكان عنده ماء ، أو من يشير إليه بماء . . 300

لو أنّ رجلاً نسي أن يستنجي من الغائط حتّى يصلّي ، لم يعد الصلاة 313

ليس به بأس 347

ليس به بأس ، لا تسأل عنه 343

ما أرى به بأساً 17

ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر 360

ما أصابه من الماء أكثر 351

ماء الحمّام كماء النهر يطهّر بعضه بعضاً 164

ما بذا بأس لا تغسله ؛ كلّ شيء يراه ماء المطر فقد طهر 343

ما علمت أ نّه ميتة فلا تصلّ فيه 249

ما لم يأكل الطعام 144

ما يبلّ الميل ينجّس حبّاً من ماء 27

مضت صلاته ، ولا شيء عليه 305

من جرح صيداً بسلاح ، وذكر اسم اللّه عليه ، ثمّ بقي ليلة أو ليلتين . . . 243

من رغب عن الإسلام ، وكفر بما اُنزل على محمّد بعد إسلام-ه ، فلا توبة له 391

من يشرب في آنية الفضّة في الدنيا لم يشرب فيها في الآخرة 209

نحواً من عشرة دراهم ، فأمر به أبو الحسن علیه السلام فكسر 212

نظر فلم يرَ 297

نعم ، إذا اُلقي عليه من التراب ما يواريه ، فإنّ ذلك ينظّفه ويطهّره 124

نعم ، إذا كانت خرقته طاهرة 55

نعم ، إنّ الوكيل إذا وكّل ثمّ قام عن المجلس ، فأمره ماضٍ أبداً 277

نعم ، إنّما يكره استعمال ما يشرب فيه 214

ص: 429

نعم ، فإنّهم يستحلّون شربه . . . 380

نعم ، لا بأس به ، إلاّ أن تكون النطفة فيه رطبة ، فإن كانت جافّة فلا بأس 18

نعم ، ليس عليكم المسألة ؛ إنّ أبا جعفر علیه السلام كان يقول : إنّ الخوارج ضيّقوا . . . 250

نعم ، ينفضه ويصلّي فلا بأس 56

نهى النبي صلی الله علیه و آله وسلم عن الغرر 213

نهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم عن الشرب في آنية الذهب والفضّة 210

وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه 259

وإذا رأيتهم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه 262

والأشياء كلّها على هذا . . . 273، 275

واللّه ، إنّي لأعترض السوق ، فأشتري بها اللحم والسمن والجبن 268

وإن كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك . . . 366

وإن كان حين قام لم ينظر . . . 297

وإن كان غير الشمس أصابه . . . 365

وإن لم يكن عليك ثوب غيره 307

وإيّاك أن تغتسل من غسالة الحمّام ؛ ففيها يجتمع غسالة اليهودي . . . 172

وقد وجب قتله ، وبانت امرأته ، ويقسم ما ترك على ولده 392

وكذلك الحائض إذا أصابها الحيض تفعل ذلك 122

ولا بأس أن تصلّي فيه حتّى تستيقن أ نّه نجّسه 74

وما الكيمخت ؟ 249

وما فات وقتها 316

وما كان أقلّ من ذلك فليس بشيء 96

وما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشيء 92

ويصلّي . . . قاعداً 335

ص: 430

هم في سعة حتّى يعلموا 266

هو بمنزلة الماء الجاري 164

يأكل ممّا أمسك عليه ، فإذا أدركه قبل قتله ذكّاه 242

يباع ممّن يستحلّ أكل الميتة 379

يتيمّم ويصلّي عرياناً قائماً يومئ إيماء 334

يتيمّم ويصلّي ، فإذا أصاب ماءً غسله وأعاد الصلاة 333

يتيمّم ويطرح ثوبه فيجلس مجتمعاً ، فيصلّي فيومئ إيماء 335

يجوز الصلاة ، والطهر منه أفضل 384

يحسب له كلّ عمل صالح في إيمانه ، ولا يبطل منه شيء 395

يدفن ولا يباع 379

يستتاب ، فإن رجع وإلاّ قتل 391

يصبّ عليه الماء حتّى يخرج من الجانب الآخر 139

يصبّ عليه الماء قليلاً ، ثمّ يعصره 135، 141

يصبّ عليه الماء مرّتين 130

يصبّ فيه الماء . . . 207

يصبّ من الماء ثلاثة أكفّ ، ثمّ يدلك الكوز 35

يصلّي في ثيابه ولا يغسلها ، ولا شيء عليه 79

يصلّي فيه إذا اضطرّ إليه 333

يصلّي فيه ، فإذا وجد الماء غسله 78، 332

يصلّي فيهما جميعاً 323

يصلّي ولا يغسل ثوبه كلّ يوم إلاّ مرّة واحدة 80

يعرف هذا وأشباهه من كتاب اللّه 83

يعيد إذا لم يكن علم 291

ص: 431

يعيد صلاته كي يهتمّ بالشيء إذا كان في ثوبه ؛ عقوبة لنسيانه 312

يغسل الظاهر ، ثمّ يصبّ عليه الماء في المكان الذي أصابه البول 148

يغسل المكان الذي أصابه 171

يغسل ثلاث مرّات 207

يغسل ثلاث مرّات : يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه ، ثمّ يفرغ منه 196، 204

يغسل سبع مرّات 200

يغسل ما ظهر منها في وجهه 158

يغسل ما ظهر منه في وجهه 148

يغسل من بول الجارية ، وينضح من بول الصبيّ ما لم يأكل الطعام 138

يقتل ولا يستتاب 391

يمسحها حتّى يذهب أثرها 413

ينحره ، ويكتب كتاباً يضعه عليه ؛ ليعلم من مرّ به أ نّه صدقة 263، 287

ينصرف ويستنجي من الخلاء ، ويعيد الصلاة 315

ينضحه ولا يغسله 104

يهراق المرق ، أو يطعمه أهل الذمّة أو الكلب ، واللحم اغسله وكله 151، 380

ص: 432

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام

النبي، محمّد، رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم = محمّد

بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام

محمّد بن عبداللّه صلی الله علیه و آله وسلم ، نبي الإسلام 5،

11، 29، 50، 119، 121، 123،

124، 138، 139، 140، 208، 210،

213، 214، 218، 233، 301، 391،

393، 394، 414

علي، أمير المؤمنين علیه السلام = علي بن أبي

طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل

علي بن أبي طالب علیه السلام ، الإمام الأوّل 36،

55، 119، 123، 138، 139، 140،

172، 243، 244، 387

فاطمة الزهراء (سلام اللّه عليها) 123

الحسن بن علي علیه السلام ، الإمام الثاني 139،

140

الحسين بن علي علیه السلام ، الإمام الثالث 138،

140، 359

علي بن الحسين علیه السلام ، الإمام الرابع 251،

254، 256

أبو جعفر علیه السلام = محمّد بن علي علیه السلام ،

الإمام الخامس

محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام الخامس 12،

36، 49، 50، 79، 81، 84، 89، 90،

92، 93، 95، 103، 106، 107،

119، 121، 123، 136، 153، 163،

209، 213، 218، 243، 250، 254،

257، 267، 268، 301، 358، 360،

391، 395، 397، 402، 403، 406

الصادق، أبو عبداللّه علیه السلام = جعفر بن

محمّد علیه السلام ، الإمام السادس

جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام السادس 11،

13، 14، 15، 16، 17، 18، 23، 24،

29، 34، 35، 49، 54، 74، 75، 78،

79، 83، 86، 90، 93، 94، 95، 96،

103، 104، 106، 107، 119، 120،

124، 125، 126، 134، 138، 139،

ص: 433

140، 157، 158، 160، 161، 171،

172، 174، 177، 179، 180، 183،

185، 195، 196، 201، 204، 209،

210، 211، 218، 219، 221، 242،

244، 248، 249، 251، 252، 253،

254، 263، 268، 272، 276، 277،

278، 283، 284، 285، 286، 287،

290، 291، 292، 296، 298، 299،

305، 306، 312، 313، 318، 332،

333، 335، 342، 345، 347، 356،

361، 363، 378، 379، 383، 384،

385، 386، 387، 388، 393، 397،

398، 400، 403

الصادقين علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام

الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام

السادس) 37

أحدهما علیهما السلام (محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام

الخامس / جعفر بن محمّد علیه السلام ، الإمام

السادس) 61، 63، 156

العبد الصالح، أبو الحسن علیه السلام = موسى

بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع

موسى بن جعفر علیه السلام ، الإمام السابع 16،

36، 51، 53، 56، 60، 78، 125،

148، 149، 150، 168، 175، 176،

211، 212، 214، 215، 235، 236،

248، 250، 251، 258، 292، 315،

323، 334، 337، 345، 348، 351،

376، 380، 391

الرضا، أبو الحسن (الثاني) علیه السلام = علي

بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن

علي بن موسى علیه السلام ، الإمام الثامن 57،

64، 75، 138، 139، 143، 148،

177، 211، 235، 250، 316، 387

أبو جعفر الثاني علیه السلام = محمّد بن

علي علیه السلام ، الإمام التاسع

محمّد بن علي علیه السلام ، الإمام التاسع 250

الهادي علیه السلام = علي بن محمّد علیه السلام ، الإمام

العاشر

علي بن محمّد علیه السلام ، الإمام العاشر 37

العسكري علیه السلام = الحسن بن علي علیه السلام ،

الإمام الحادي عشر

الحسن بن علي علیه السلام ، الإمام الحادي عشر

37

نوح، النبي 11

إبراهيم، النبي 11، 121

إسماعيل، النبي 121

يوسف، النبي 233

موسى، نبي اليهود 11

عيسى المسيح 11

ص: 434

4 - فهرس الأعلام

الآبي، الحسن بن أبي طالب 216

الآخوند الخراساني، محمّد كاظم بن

الحسين 238

آل بحر العلوم، علي بن محمّد رضا 32

أبان بن تغلب 113

أبان بن عثمان 11

أبان = أبان بن تغلب

أبان = أبان بن عثمان

إبراهيم بن أبي البلاد 64

إبراهيم بن أبي محمود 147، 158

إبراهيم بن عبدالحميد 149

ابن أبي العلاء = الحسين بن أبي العلاء

ابن أبي عمير، محمّد 14، 356، 378،

379

ابن أبي نصر = البزنطي، أحمد بن محمّد

ابن أبي هريرة 60

ابن أبي يعفور = عبداللّه بن أبي يعفور

ابن إدريس ، محمّد بن أحمد 22، 31،

32، 33، 109، 111، 113، 115،

116، 188، 200، 217، 308، 323،

386

ابن البرّاج، عبدالعزيز بن نحرير 270

ابن الجنيد الإسكافي، محمّد بن أحمد

183، 191، 192، 194، 204، 237،

330، 405

ابن الشهيد الثاني، الحسن بن زين الدين

بن علي 33

ابن المغيرة، عبداللّه = عبداللّه بن المغيرة

ابن بابويه، محمّد بن علي 68، 94، 120،

139، 153، 176، 185، 200، 216،

299

ابن بزيع = محمّد بن إسماعيل بن بزيع

ابن بكير، عبداللّه 54، 112، 248، 254،

255، 260

ص: 435

ابن حمزة، محمّد بن علي 109، 200،

348، 350

ابن حنبل، أحمد بن محمّد 39

ابن زهرة، حمزة بن علي 95، 179،

184، 201، 295، 308

ابن سعيد الحلّي = ابن سعيد، يحيى بن

أحمد

ابن سعيد، يحيى بن أحمد 100، 323،

347

ابن سنان = عبداللّه بن سنان

ابن شاذان، الفضل بن شاذان 57، 181

ابن عبد ربّه = وهب بن عبد ربّه

ابن محبوب = الحسن بن محبوب

ابن مسلم = محمّد بن مسلم

أبو اُسامة = زيد الشحّام

أبو البختري 55

أبو الجارود 125، 268

أبو الصلاح الحلبي، التقي بن نجم 65،

226، 270

أبو العبّاس الفضل = الفضل بن

عبدالملك البقباق

أبو اُمامة 11

أبو بصير 36، 78، 81، 84، 86، 87، 93،

95، 103، 106، 107، 119، 243،

244، 251، 256، 291، 292، 294،

305، 312، 347، 386، 387، 389

أبو بصير، ليث المرادي 79، 85

أبو بكر = أبوبكر، عبداللّه بن أبي قحافة

أبو بكر، عبداللّه بن أبي قحافة 119

أبو حفص 318

أبو حمزة الثمالي، ثابت بن دينار 121،

123، 124

أبو حنيفة 31، 37، 38، 39، 97، 99،

174، 218، 267، 316، 331، 336

أبو عبداللّه = البرقي، محمّد بن خالد

أبو هريرة، عبداللّه بن عامر 155

أحمد بن حنبل = ابن حنبل، أحمد بن

محمّد

أحمد بن محمّد بن أبي نصر = البزنطي،

أحمد بن محمّد

أحمد بن محمّد بن عيسى 90، 361

أحمد بن محمّد بن يحيى 336

الأحول 400، 401، 403، 404، 405،

406، 409، 410، 413

الأردبيلي، أحمد بن محمّد 100، 216،

217، 309، 343

الاُستاذ الآقا = البهبهاني، محمّد باقر بن

محمّد أكمل

ص: 436

الاُستاذ الأكبر = البهبهاني، محمّد باقر

بن محمّد أكمل

الاُستاذ = البهبهاني، محمّد باقر بن

محمّد أكمل

الاُستاذ = كاشف الغطاء، جعفر بن خضر

إسحاق بن عمّار 250، 256، 257، 277

الإسكافي = ابن الجنيد الإسكافي،

محمّد بن أحمد

إسماعيل بن عيسى 251، 258، 259،

261

الأشعري، محمّد بن أحمد بن يحيى 177

الأشعري، محمّد بن الحسين 250، 255

الأنصاري، مرتضى بن محمّد أمين 32،

69، 117، 191، 238، 239، 379

الأوزاعي، عبدالرحمان بن عمرو بن

يُحمد 316

الأهوازي، الحسين بن سعيد 180

البحراني، يوسف بن أحمد 142، 184،

228، 406

البرقي، محمّد بن خالد 104

بريد بن معاوية 211

بريد = بريد بن معاوية

البزنطي، أحمد بن محمّد 36، 135،

156، 181، 249، 257، 386

البطائني، علي بن أبي حمزة 17، 176،

249

بعض أهل التحقيق = الهمداني، رضا بن

محمّد هادي

بعض أهل النظر = الهمداني، رضا بن

محمّد هادي

البقباق = الفضل بن عبدالملك البقباق

بكّار بن أبي بكر 35

بكر بن حبيب 285

البهائي = شيخ البهائي، محمّد بن

الحسين

البهبهاني، محمّد باقر بن محمّد أكمل 32،

63، 82

ثعلبة بن ميمون 157

الثمالي = أبو حمزة الثمالي، ثابت بن

دينار

الجريري، وهب بن حفص 291، 294

جعفر بن محمّد بن يونس 248

الجعفي، إسماعيل 89، 90، 94، 98، 99،

103

جميل بن درّاج 11، 90، 91، 98، 102

جميل = جميل بن درّاج

حديد الأزدي = حديد بن حكيم

الأزدي

ص: 437

حديد بن حكيم الأزدي 361، 372

الحذّاء، زياد بن عيسى 242

الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن 173

حريز = السجستاني، حريز بن عبداللّه

الحسن بن الجهم 250

الحسن بن صالح بن حيّ 98

الحسن بن علي بن عبداللّه 297

الحسن بن محبوب = السرّاد، الحسن بن

محبوب

الحسين بن أبي العلاء 130، 131، 134،

140، 156، 159، 160، 167

الحسين بن سعيد = الأهوازي، الحسين

بن سعيد

الحضرمي، أبو بكر 357، 360، 361،

370، 372

حفص بن أبي عيسى 64، 403، 406،

411، 413

حفص بن البختري 263، 287، 379

حكم بن حكيم 16

الحلبي، عبيداللّه بن علي 13، 77، 78،

104، 105، 123، 124، 138، 140،

141، 143، 160، 210، 211، 213،

218، 219، 249، 252، 254، 257،

270، 332، 333، 335، 384، 398،

403، 405، 407، 408، 413

الحلّي = ابن إدريس، محمّد بن أحمد

حمّاد بن عثمان 64

حمّاد بن عيسى 285

حمران بن أعين 243، 394

الحميري، محمّد بن عبداللّه 351

الخادم، خيران 46، 50، 51، 55، 73،

74، 75

الخراساني = الآخوند الخراساني،

محمّد كاظم بن الحسين

خيران الخادم = الخادم، خيران

داود 37، 38، 218

داود بن سرحان 94، 209

الراوندي = القطب الراوندي، سعيد بن

هبة اللّه

رفاعة = النخّاس، رفاعة بن موسى

زرارة 12، 18، 36، 47، 49، 50، 51،

57، 59، 63، 64، 70، 71، 248،

288، 301، 303، 311، 357، 358،

359، 361، 365، 368، 369، 371،

372، 374، 385، 402، 403، 406،

410، 411، 413

زفر 98

زكريّا بن آدم = القمّي، زكريّا بن آدم

ص: 438

الزهري، محمّد بن مسلم بن شهاب 37،

38

زيد الشحّام (أبو اُسامة) 16، 17، 18

زينب بنت الجون 138

الساباطي، عمّار بن موسى 26، 34، 75،

85، 87، 183، 196، 197، 201،

202، 203، 204، 206، 207، 313،

315، 317، 332، 337، 363، 364،

372، 373، 400، 403، 405، 414

السجستاني، حريز بن عبداللّه 119

السرّاد، الحسن بن محبوب 181، 218،

376

سعد بن عبداللّه 182

السكوني، إسماعيل بن أبي زياد 36،

139، 140، 143، 144، 145، 151،

244

سلاّر = سلاّر الديلمي، حمزة بن

عبدالعزيز

سلاّر الديلمي، حمزة بن عبدالعزيز 65،

95، 97، 98، 200، 216

سليمان بن رشيد 314

سماعة بن مهران 16، 79، 80، 84، 85،

86، 87، 140، 166، 210، 249،

277، 282، 312، 314، 334، 393

السيّد المرتضى = علم الهدى، علي بن

الحسين

سيف بن عميرة 336

الشافعي، محمّد بن إدريس 31، 37، 38،

39، 97، 183، 218، 316، 331،

336

الشهيد = الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي

الشهيد الأوّل، محمّد بن مكّي 167،

204، 216

الشهيد الثاني، زين الدين بن علي 33،

295

الشهيدان (الشهيد الأوّل، محمّد بن

مكّي / الشهيد الثاني، زين الدين بن

علي) 106

الشيباني، محمّد بن الحسن 331

الشيخ = الطوسي، محمّد بن الحسن

الشيخ الأعظم = الأنصاري، مرتضى بن

محمّد أمين

الشيخان (المفيد، محمّد بن محمّد /

الطوسي، محمّد بن الحسن) 188

شيخ البهائي، محمّد بن الحسين 181،

366

شيخ الطائفة محمّد بن الحسن =

الطوسي، محمّد بن الحسن

ص: 439

صاحب البرهان = آل بحر العلوم، علي

بن محمّد رضا

صاحب الجواهر، محمّد حسن بن باقر

32، 165، 234، 235، 325

صاحب الحدائق = البحراني، يوسف بن

أحمد

صاحب المدارك = الموسوي العاملي،

محمّد بن علي

صاحب المعالم = ابن الشهيد الثاني،

الحسن بن زين الدين

صاحب الوسائل = الحرّ العاملي، محمّد

بن الحسن

الصدوقان (ابن بابويه، علي بن الحسين /

ابن بابويه، محمّد بن علي) 67، 142،

179، 181، 184، 188

الصدوق = ابن بابويه، محمّد بن علي

الصفّار، محمّد بن الحسن 296

صفوان بن يحيى 323

الصيقل، ميمون 296

الطوسي، أبو حمزة محمّد بن علي = ابن

حمزة، محمّد بن علي

الطوسي، محمّد بن الحسن 29، 31، 60،

94، 101، 107، 115، 138، 146،

155، 179، 180، 181، 182، 184،

186، 191، 197، 200، 201، 203،

204، 216، 217، 219، 222، 225،

295، 296، 308، 323، 330، 332،

335، 336، 347، 348، 349، 372،

375، 376، 380، 388، 396

العبّاس 235

عبدالأعلى = عبدالأعلى بن أعين مولى

آل سام

عبدالأعلى بن أعين مولى آل سام 15

عبدالرحمان بن أبي عبداللّه 78، 79، 85،

291، 332

عبدالرحمان بن الحجّاج 268، 286

عبدالعزيز بن المهتدي 386

عبداللّه بن أبي يعفور 89، 98، 101،

156، 164، 165، 172، 383

عبداللّه بن المغيرة 175

عبداللّه بن جعفر 53، 55

عبداللّه بن سليمان 276

عبداللّه بن سنان 49، 54، 62، 64، 74،

77، 125، 158، 211، 219، 220،

254، 278، 290

عبيد بن زرارة 126، 385

عثمان بن عبدالملك 361

العلاّمة الحلّي، الحسن بن يوسف 33،

ص: 440

69، 100، 109، 152، 153، 163،

182، 191، 198، 200، 206، 207،

216، 217، 219، 295، 330، 365،

403

العلاء بن رزين 218، 313، 314

علم الهدى، علي بن الحسين 9، 10، 12،

22، 31، 95، 97، 137، 145، 179،

184، 188، 200، 308

علي بن أبي حمزة = البطائني، علي بن

أبي حمزة

علي بن جعفر 17، 24، 51، 53، 55، 56،

60، 77، 78، 123، 124، 125،

148، 200، 214، 292، 315، 334،

336، 347، 348، 349، 350، 351،

391

علي بن حديد 90

علي بن خالد 85

علي بن مهزيار 314

عمر بن حنظلة 228

عمر بن يزيد 283، 285

العيّاشي، محمّد بن مسعود 119

العيص بن القاسم 26، 292

غياث 14، 384

فارس 54

الفخر = فخر المحقّقين، محمّد بن

الحسن

فخر الدين = فخر المحقّقين، محمّد بن

الحسن

فخر المحقّقين، محمّد بن الحسن 216

الفضل أبو العبّاس = الفضل بن

عبدالملك البقباق

الفضل بن شاذان = ابن شاذان، الفضل

بن شاذان

الفضل بن عبدالملك البقباق 23، 29،

171، 179 180، 182، 183، 185،

187، 195، 196، 197، 198

الفيض الكاشاني، محمّد بن شاه مرتضى

10، 22، 32، 35، 356، 360، 361،

362، 365، 366، 367، 369، 399

القسمي، أبو يزيد 46، 75، 77

القطب = القطب الراوندي، سعيد بن

هبة اللّه

القطب الراوندي، سعيد بن هبة اللّه 65،

109، 188

القمّي = الميرزا القمّي، أبو القاسم بن

محمّد حسن

القمّي، زكريّا بن آدم 150، 376، 380

الكاشاني = الفيض الكاشاني، محمّد بن

شاه مرتضى

ص: 441

كاشف الغطاء، جعفر بن خضر 111،

233، 234

الكاهلي، عبداللّه بن يحيى 136، 152،

198، 207، 342، 347، 354

الكليني، محمّد بن يعقوب 181، 201،

296، 335

لباب بنت الجون 138

ليث المرادي = أبو بصير، ليث المرادي

مالك 37، 38، 39، 267، 331، 336

مثنّى بن عبدالسلام 96

المجلسي = المجلسي، محمّد باقر بن

محمّد تقي

المجلسي، محمّد باقر بن محمّد تقي 92،

297، 354، 363

المحقّق الثاني = المحقّق الكركي، علي

بن الحسين

المحقّق الحلّي، جعفر بن الحسن 32،

101، 107، 116، 130، 167، 181،

182، 200، 206، 216، 217، 221،

222، 224، 225، 226، 227، 230،

295، 330، 336

المحقّق الكركي، علي بن الحسين 184،

204، 216، 295

محمّد بن أبي نصر البزنطي = البزنطي،

أحمد بن محمّد

محمّد بن إسماعيل بن بزيع 168، 211،

213، 215، 235، 345، 353، 361،

367، 372، 373

محمّد بن ريّان 384

محمّد بن عبدالحميد 336

محمّد بن قيس 243

محمّد بن مروان 348

محمّد بن مسلم 24، 61، 81، 85، 87،

92، 96، 99، 103، 156، 161،

164، 165، 171، 172، 179، 182،

195، 196، 209، 212، 213، 214،

218، 298، 306، 391، 392، 395،

397، 399، 403

المزني 331

مسعدة بن صدقة 125، 210، 272،

276، 279، 283

معاوية بن عمّار 26، 284

معاوية بن وهب 221، 285، 299

المعلّى بن خنيس 24، 397، 403، 405،

407، 408

المفيد، محمّد بن محمّد 95، 183، 184،

191، 200، 216، 217، 226، 228،

229، 308

ص: 442

المكاري، أبو سعيد 107

الموسوي العاملي، محمّد بن علي 184،

221، 336، 343

موسى بن بكر 212، 213

الميرزا القمّي، أبو القاسم بن محمّد حسن

32، 131

ميسّر 299

النجاشي، أحمد بن علي 182

النحوي، أبو إسحاق 157، 164، 165

النخّاس، رفاعة بن موسى 55

النراقي، أحمد بن محمّد مهدي 32، 405

الوحيد البهبهاني = البهبهاني، محمّد باقر

بن محمّد أكمل

وهب بن حفص = الجريري، وهب بن

حفص

وهب بن عبد ربّه 291، 292، 294

وهب بن وهب = أبو البختري

الهاشمي، إسماعيل بن الفضل 251،

254، 256

هشام بن الحكم 346، 348

هشام بن سالم 276، 317، 345، 347

الهمداني، رضا بن محمّد هادي 239،

242

اليوسفي = الآبي، الحسن بن أبي طالب

يونس بن عبدالرحمان 181

ص: 443

ص: 444

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن

القرآن الكريم 128

الاستبصار 92، 93، 308، 375، 380

الإصباح = إصباح الشيعة

إصباح الشيعة 205

الانتصار 63، 97، 106، 179

البحار = بحار الأنوار

بحار الأنوار 157

البرهان القاطع 32

البرهان في تفسير القرآن 119

التحرير = تحرير الأحكام

تحرير الأحكام 191، 403

التذكرة = تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء 63، 109، 189، 223،

281، 308

تعليق النافع 205

التلخيص = تلخيص المرام

تلخيص المرام 100

التنقيح الرائع 308

التهذيب = تهذيب الأحكام

تهذيب الأحكام 92، 93، 99، 106،

180، 182، 296، 297، 348،

349،350، 363، 364، 366

جامع البزنطي 156، 386

جامع المقاصد 204، 281، 396

الجعفريات 139

الجواهر = جواهر الكلام

جواهر الكلام 32، 100، 165، 234،

235، 323، 325

الحبل المتين 364، 366

الحدائق الناضرة 100، 142، 184،

197، 228، 406

الخصال 11

الخلاف 29، 60، 63، 72، 94، 95، 97،

106، 115، 142، 143، 145، 179،

ص: 445

180، 186، 200، 201، 214، 217،

219، 222، 323، 330، 357، 376،

396

الدروس الشرعية 204، 330

دعائم الإسلام 105، 139، 141

الدلائل 330، 396

الذخيرة = ذخيرة المعاد

ذخيرة المعاد 63، 100، 157، 331،

342، 396

الذكرى = ذكرى الشيعة

ذكرى الشيعة 82، 100، 142، 159،

204، 216، 226

الروض = روض الجنان

روض الجنان 33، 308، 330، 349

السرائر 63، 100، 106، 113، 357

الشرائع = شرائع الإسلام

شرائع الإسلام 100، 106، 205، 223

شرح الاُستاذ = مصابيح الظلام

شرح جمل العلم والعمل 308

شرح القاضي = شرح جمل العلم

والعمل

الصحاح 10

العلل = علل الشرائع

علل الشرائع 57، 58

العيون = عيون أخبار الرضا علیه السلام

عيون أخبار الرضا علیه السلام 387

الغنية = غنية النزوع

غنية النزوع 72، 106، 178

فقه الرضا علیه السلام = الفقه المنسوب للإمام

الرضا علیه السلام

الفقه الرضوى = الفقه المنسوب للإمام

الرضا علیه السلام

الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام 64، 67،

138، 139، 143

الفقيه = من لايحضره الفقيه

القواعد = قواعد الأحكام

قواعد الأحكام 109، 223

الكافي 93، 99، 296، 354، 388

كتاب علي بن جعفر 351

كشف الالتباس 97، 308

كشف الحقّ 106، 116، 357

كشف الرموز 216، 308

الكفاية = كفاية الفقه

كفاية الفقه (كفاية الأحكام) 63، 100،

157، 216، 221، 331

المبسوط 82، 95، 100، 191، 204،

205، 349، 376

المجمع = مجمع البيان

ص: 446

المجمع = مجمع الفائدة والبرهان

مجمع البيان 119

مجمع الفائدة والبرهان 216

المختصر النافع 100، 205، 222، 223

المختلف = مختلف الشيعة

مختلف الشيعة 63، 142، 180، 217

المدارك = مدارك الأحكام

مدارك الأحكام 63، 82، 157، 184،

216، 217، 221، 330، 336، 343،

396

مرآة العقول 296، 354

المراسم 100، 106

المسالك = مسالك الأفهام

مسالك الأفهام 97، 330

مستطرفات السرائر 81

المصابيح في الفقه 349

مصابيح الظلام 63، 82

مصباح الفقيه 132

المعالم = معالم الدين

معالم الدين 33، 396

معاني الأخبار 139

المعتبر 32، 101، 107، 130، 157،

159، 180، 181، 205، 221، 222،

223، 308، 330

المفاتيح = مفاتيح الشرائع

مفاتيح الشرائع 22، 116

مفتاح الكرامة 65، 82

المقنع 376

المنتهى = منتهى المطلب

منتهى المطلب 82، 136، 137، 180،

182، 224، 331، 364، 365، 403

من لايحضره الفقيه 93، 99

الناصريات 142، 143، 145، 178،

179

النافع = المختصر النافع

النهاية = نهاية الإحكام

النهاية = النهاية في مجرّد الفقه

والفتاوى

النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى 101،

179، 216، 219، 375، 376، 380

نهاية الإحكام 82، 405

الوافي 106، 296، 354، 356، 361،

363، 364، 368

الوسائل = وسائل الشيعة

وسائل الشيعة 173، 296، 297، 354،

363، 364، 365، 366، 388

الوسيلة إلى نيل الفضيلة 100، 106،

183

ص: 447

ص: 448

6 - فهرس مصادر التحقيق

«القرآن الكريم» .

«أ»

1 - أحكام القرآن . أبو بكر أحمد بن علي الجصّاص (م 370) ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، بيروت ، نشر دار الكتاب العربي ، 1406 ق / 1986 م .

2 - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تصحيح حسن المصطفوي ، جامعة مشهد ، 1348 ش .

3 - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الثالثة ، 4 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1390 ق .

4 - الاستصحاب ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

5 - إصباح الشيعة بمصباح الشريعة . قطب الدين محمّد بن الحسين الكيدرى ( القرن السادس) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1416 ق .

6 - أقرب الموارد . سعيد الخوري الشرتوني اللبناني ، 3 مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1403 ق .

ص: 449

7 - الاُمّ . أبو عبداللّه محمّد بن إدريس الشافعي (150 - 204) ، تصحيح محمّد زهري النجّار ، بيروت ، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر ، 1408 ق .

8 - الانتصار . السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي (355 - 436) ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1415 ق .

9 - أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

10 - إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد . فخر المحقّقين الشيخ أبو طالب محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (682 - 771) ، إعداد عدّة من العلماء ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، المطبعة العلمية ، 1387 ق .

«ب»

11 - بحار الأنوار الجامعة لدُرر أخبار الأئمّة الأطهار. العلاّمة محمّد باقر بن محمّدتقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، الطبعة الثانية ، إعداد عدّة من العلماء ، 110 مجلدٍ (إلاّ

6 مجلّدات ، من المجلّد 29 - 34) + المدخل ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1403 ق / 1983 م .

12 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع . علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاشاني (م 587) ، الطبعة الاُولى ، پاكستان ، المكتبة الحبيبية ، 1409 ق / 1989 م .

13 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد . محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي (520 - 595) ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، منشورات الشريف الرضيّ ، 1412 ق / 1371 ش .

14 - البرهان القاطع في شرح المختصر النافع . السيّد علي آل بحر العلوم (م 1298) ، 3 مجلّدات ، الطبعة الحجرية .

15 - البرهان في تفسير القرآن . السيّد هاشم بن سليمان بن إسماعيل بن عبدالجواد الحسيني البحراني (م 1107) ، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية ، مؤسّسة البعثة ، الطبعة الاُولى ، 10 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة البعثة ، 1419 ق / 1999 م .

ص: 450

16 - البيان . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، قم ، 1412 ق .

«ت»

17 - تبصرة المتعلّمين في أحكام الدين . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق السيّد أحمد الحسينى والشيخ هادي اليوسفي ، قم ، مجمع الذخائر الإسلامية .

18 - تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1421 ق .

19 - تذكرة الفقهاء . جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر ، العلاّمة الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، صدر منه حتّى

الآن 20 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 - 1433 ق .

20 - التعادل والترجيح ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

21 - تفسير العيّاشي . أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي (أواخر قرن الثالث) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي ، مجلّدان ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية .

22 - التفسير الكبير . محمّد بن عمر الخطيب فخرالدين الرازي (544 - 606) ، الطبعة الثالثة ، 32 جزءاً في 16 مجلّداً ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1411 ق .

23 - تقرير سماحة آية اللّه العظمى السيّد البروجردي . الشيخ علي پناه الاشتهاردي (م 1429) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1416 ق .

24 - تلخيص المرام في معرفة الأحكام . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن

ص: 451

المطهّر (648 - 726) ، تحقيق هادي القبيسي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتب الإعلام

الإسلامي ، 1421 ق / 1379 ش .

25 - التنقيح الرائع لمختصر الشرائع . جمال الدين مقداد بن عبداللّه السيوري الحلّي المعروف بالفاضل المقداد (م 826) ، تحقيق السيّد عبداللطيف الكوه كمري ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مكتبة آية اللّه المرعشي ، 1404 ق .

26 - تنقيح المقال في علم الرجال . الشيخ عبداللّه بن محمّد حسن المامقاني (1290 - 1351) ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، بالاُفست عن طبعة النجف الأشرف ، المطبعة

المرتضوية ، 1352 ق .

27 - تهذيب الأحكام . أبو جعفر محمّد بن الحسن ، الشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 10 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1365 ش .

«ج»

28 - جامع أحاديث الشيعة ، الذي اُلّف تحت إشراف آية اللّه العظمى الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي (1291 - 1380) ، الشيخ إسماعيل المعزّي الملايري ، الطبعة الثانيه ، 26 مجلّداً ، مطبعة مهر ، 1413 ق / 1371 ش .

29 - جامع الشواهد . الشيخ ميرزا محمّد باقر بن المولى عليرضا الأردكاني (م حدود 1300) ، جزءان في مجلّد واحد ، أصفهان ، مؤسّسة المطبوعات الأدبية ، 1380 ق .

30 - جامع المقاصد في شرح القواعد . المحقّق الثاني علي بن الحسين بن عبدالعالي الكركي (868 - 940) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 13 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1408 - 1411 ق .

31 - الجامع للشرائع . نجيب الدين يحيى بن أحمد بن سعيد الحلّي الهذلي (601 - 689) ، تحقيق جمع من الفضلاء ، قم ، مؤسّسة سيّد الشهداء علیه السلام ، 1405 ق .

ص: 452

32 - الجعفريات أو الأشعثيات المطبوع مع «قرب الإسناد» . أبو على محمّد بن محمّد الأشعث ( القرن الرابع) ، طهران ، مكتبة نينوى الحديثة .

33 - الجوامع الفقهية . جماعة من الأركان وعدّة من الأعيان ، الطبع الحجري ، قم ، منشورات مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي ، 1404 ق .

34 - جواهر الفقه . القاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي (400 - 481) تحقيق إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1411 ق .

35 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام . الشيخ محمّد حسن بن باقر النجفي (م 1266) ، تحقيق الشيخ عبّاس القوچاني ، الطبعة الثالثة ، 43 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1367 ش .

«ح»

36 - حاشية فرائد الاُصول أو الفوائد الرضوية على الفرائد المرتضوية . الحاج آقا رضا بن محمّد هادي الهمداني النجفي (م 1322) ، تحقيق محمّد رضا الأنصاري القميّ ، الطبعة الاُولى ، قم ، مهدي موعود(عج) ، 1421 ق / 1379 ش .

37 - الحبل المتين . الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي (953 - 1030) ، قم ، مكتبة بصيرتي ، 1398 ق .

38 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة . الشيخ يوسف بن أحمد البحراني (1107 - 1186) ، تحقيق محمّد تقيّ الإيرواني ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1406 ق .

«خ»

39 - الخصال . أبوجعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية ، جزءان في مجلّد واحد ،

قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1403 ق .

40 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن

ص: 453

المطهّر (648 - 726) ، تحقيق جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

41 - الخلاف . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق جماعة من المحقّقين ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1407 ق .

42 - الخلل في الصلاة ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه .

«د»

43 - درر الفوائد في الحاشية على الفرائد . الآخوند محمّد كاظم الهروي الخراساني (1255 - 1329) ، تحقيق السيّد مهدي شمس الدين ، الطبعة الاُولى ، طهران ، مؤسّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ، 1410 ق / 1990 م .

44 - الدروس الشرعية في فقه الإمامية . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة

النشر الإسلامي ، 1412 - 1414 ق .

45 - دعائم الإسلام . أبو حنيفة القاضي النعمان بن محمّد بن منصور بن أحمد بن حيّون التميمي المغربي (م 363) ، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي ، مجلّدان ، القاهرة ، دار المعارف ، 1383 ق / 1963 م .

«ذ»

46 - ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد . المحقّق السبزواري محمّد باقر بن محمّد مؤمن (1017 - 1090) ، الطبعة الحجرية ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث .

47 - ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة . الشهيد الأوّل شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي (م 786) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ق .

ص: 454

«ر»

48 - رجال البرقي . الشيخ أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 280)، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، الطبعة الاُولى ، نشر مؤسّسة القيّوم ، 1419 ق .

49 - رجال النجاشي . أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي الأسدي الكوفي (372 - 450) ، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 ق .

50 - الرسائل العشر . أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي المعروف بشيخ الطائفة (385 - 460) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي .

51 - روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965) ، تحقيق مركز الأبحاث والآثار الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1422 ق .

52 - الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية . الشهيد الثاني زين الدين بن علي بن أحمد العاملي (911 - 965) ، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1424 ق .

53 - رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل . السيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي (1161 - 1231) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ،

مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1412 - 1423 ق .

«س»

54 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي . أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي (543 - 598) ، إعداد مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1410 - 1411 ق .

55 - سنن ابن ماجة . أبو عبداللّه محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني (207 - 275) ، تحقيق محمّد فؤاد عبدالباقي ، مجلّدان ، بيروت ، دار الكتب العلمية .

ص: 455

56 - سنن أبي داود . أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (م 275) ، إعداد كمال يوسف الحوت ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، بيروت ، دار الجنان ، 1409 ق / 1988 م .

57 - سنن الترمذي . أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي (209 - 279) ، تحقيق عبدالوهّاب عبداللطيف ، الطبعة الثانية ، 5 مجلّدات ، بيروت ، دار الفكر للطباعة والنشر ، 1403 ق .

58 - سنن الدارمي . أبو محمّد عبداللّه بن عبدالرحمن السمرقندي الدارمي (181 - 255) ، مجلّدان ، بيروت ، دار الفكر ، 1398 ق .

«ش»

59 - شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن ابن يحيى بن سعيد الهذلي (602 - 676) ، تحقيق عبدالحسين محمّد علي بقّال ، الطبعة الثالثة ، 4 أجزاء في مجلّدين ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان ، 1409 ق .

60 - شرح جمل العلم والعمل . القاضي ابن البرّاج أبو القاسم عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز (400 - 481) ، تحقيق كاظم مدير شانه چى ، الطبعة الاُولى ، مشهد ، جامعة مشهد ، 1352 ش .

«ص»

61 - الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربية) . إسماعيل بن حمّاد الجوهري (م 393) ، تحقيق أحمد عبدالغفور عطّار ، الطبعة الرابعة ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار العلم للملايين ،

1407 ق / 1987 م .

62 - صحيح البخاري . أبو عبداللّه محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي (م 256) ، تحقيق وشرح الشيخ قاسم الشمّاعي الرفاعي ، الطبعة الاُولى ، 9 أجزاء في 4 مجلّدات ، بيروت ، دار القلم ، 1407 ق / 1987 م .

63 - صحيح مسلم . أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري (206 - 261) ، تحقيق وتعليق الدكتور موسى شاهين لاشين والدكتور أحمد عمر هاشم ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، بيروت ، مؤسّسة عزّ الدين ، 1407 ق / 1987 م .

ص: 456

64 - الصلاة . المحقّق الحائري (م 1355) ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1362 ش .

65 - الصلاة (تقريرات المحقق النائيني) . الشيخ محمّد تقي الآملى (1304 - 1391) ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت للطباعة والنشر .

«ط»

66 - الطهارة (تقريرات الإمام الخميني قدّس سرّه ) . الشيخ محمّد الفاضل اللنكراني(1310 - 1386) ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه » ، 1422 ق .

67 - الطهارة ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 1 - 5 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، المكتبة الفقهية ، 1415 ق .

«ع»

68 - العروة الوثقى . السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (م 1337) ، مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام ، إعداد أحمد المحسني السبزواري ، الطبعة الثانية ، 6 مجلّدات ، قم ،

مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1421 ق .

69 - علل الشرائع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، الطبعة الاُولى ، النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية ، 1385 ق / 1966 م .

70 - عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية . محمّد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (م - أوائل القرن العاشر) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مطبعة سيّدالشهداء ، 1403 ق .

71 - عيون أخبار الرضا علیه السلام . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، الشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح السيّد مهدي الحسيني اللاجوردي ، الطبعة الثانية ، منشورات جهان .

«غ»

72 - غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام . الميرزا أبو القاسم بن الحسن الجيلاني

ص: 457

المعروف بالمحقّق القمّي (1151 - 1231) ، تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي - فرع

خراسان ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، قم ، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي ، 1417 - 1420 ق / 1375 - 1378 ش .

73 - غنية النزوع إلى علمي الاُصول والفروع . أبو المكارم السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي المعروف بابن زهرة (511 - 585) ، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق علیه السلام ، 1417 ق .

«ف»

74 - فتح العزيز شرح الوجيز . = المجموع (شرح المهذّب) .

75 - فرائد الاُصول ، ضمن «تراث الشيخ الأعظم» ج 24 - 27 . الشيخ الأعظم مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري (1214 - 1281) ، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مجمع الفكر الإسلامي ، 1419 ق / 1377 ش .

76 - الفقه المنسوب للإمام الرضا علیه السلام . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، مشهد المقدّس ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا علیه السلام ، 1406 ق .

77 - الفقيه (من لا يحضره الفقيه) . أبو جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، إعداد السيّد حسن الموسوي الخرسان ، الطبعة الرابعة ، 4 مجلّدات ، النجف الأشرف ، دار الكتب الإسلامية ، 1377 ق / 1957 م .

78 - فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) . الشيخ محمّد علي الكاظمي الخراساني (1309 - 1365) ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1404 ق .

79 - الفهرست . أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (380 - 460) ، تحقيق الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، 1417 ق .

«ق»

80 - القاموس المحيط والقابوس الوسيط . أبو طاهر مجد الدين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي (729 - 817) ، 4 مجلّدات ، بيروت ، دار الجيل .

ص: 458

81 - قرب الإسناد . أبو العبّاس عبداللّه بن جعفر الحميري القمّي (م بعد 304) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1413 ق .

82 - قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام . العلاّمة الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي (648 - 726) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 3 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1413 ق .

«ك»

83 - الكافي . ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (م 329) ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الخامسة ، 8 مجلّدات ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

84 - الكافي في الفقه . تقيّ الدين بن نجم أبو الصلاح الحلبي (374 - 447) ، تحقيق رضا الاُستادي ، أصفهان ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ، 1403 ق .

85 - كشف الالتباس عن موجز أبي العبّاس . مفلح بن الحسن بن رشيد بن صلاح الصيمري (م حدود 900) ، تحقيق مؤسّسة صاحب الأمر (عج) ، قم ، مؤسّسة صاحب الأمر(عج) ، 1417 ق .

86 - كشف الرموز في شرح المختصر النافع . زين الدين أبو علي الحسن بن أبيطالب بن أبيالمجد اليوسفي المعروف بالفاضل والمحقّق الآبي (م بعد 672) ، تحقيق علي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ،

1408 ق .

87 - كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء . الشيخ جعفر بن خضر المعروف ب- «كاشف الغطاء» (1156 - 1228) ، تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي - فرع خراسان ، الطبعة الاُولى ، 4 مجلّداً ، قم ، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي ، 1422 ق / 1380 ش .

88 - كشف اللّثام . محمّد بن الحسن بن محمّد الأصفهاني المعروف بالفاضل الهندي (1062

ص: 459

- 1137) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الاُولى ، 11 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1416 - 1424 ق .

89 - كفاية الفقه المشتهر ب- «كفاية الأحكام» . محمّد باقر بن محمّد مؤمن الشريف الخراساني السبزواري (1017 - 1090) ، تحقيق الشيخ مرتضى الواعظي الأراكي ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1423 ق .

«ل»

90 - لسان العرب . أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور المصري (630 - 711) ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً + الفهرس ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي ، 1408 ق / 1988 م .

«م»

91 - المبسوط . شمس الدين محمّد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (م 483) ، 30 جزءاً في 15 مجلّداً ، بيروت ، دار المعرفة ، 1409 ق / 1989 م .

92 - المبسوط في فقه الإمامية . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي ، الطبعة الثانية ، 8 أجزاء في 4 مجلّدات ، طهران ، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية ، 1387 - 1393 ق .

93 - مجمع البحرين ومطلع النيّرين . فخر الدين الطريحي (972 - 1085) ، الطبعة الاُولى ، 6 مجلّدات ، بيروت ، دار ومكتبة الهلال ، 1985 م .

94 - مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان . أحمد بن محمّد المعروف بالمقدّس الأردبيلي (م 993) ، تحقيق مجتبى العراقي وعلي پناه الاشتهاردي وحسين اليزدي ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1402 - 1414 ق .

95 - المجموع (شرح المهذّب) ويليه فتح العزيز ويليه التلخيص الحبير . أبو زكريّا يحيى بن شرف النووي الشافعي (631 - 676) ، [الطبعة الاُولى]، 20 مجلّداً ، بيروت ، دار الفكر .

96 - المحاسن . أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (م 274 أو 280) ، تحقيق

ص: 460

جلال الدين الحسيني الاُرموي ، الطبعة الثانية ، قم ، دار الكتب الإسلامية .

97 - المحلّى بالآثار . أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي (م 456) ، تحقيق الدكتور عبدالغفّار سليمان البنداري ، 12 مجلّداً ، بيروت ، دار الفكر .

98 - المختصر النافع . أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهُذَلي (602 - 676) ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات مؤسّسة المطبوعات الديني ، 1368 ش .

99 - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 9 مجلّدات + الفهرس ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي ، 1412 - 1420 ق .

100 - مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام . السيّد محمّد بن علي الموسوي العاملي (م 1009) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 8 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1410 ق .

101 - المراسم في الفقه الإمامي . حمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقّب بسلاّر (م 463) ، إعداد محمود البستاني ، قم ، منشورات حرمين ، 1404 ق .

102 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول . العلاّمة محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي (1037 - 1110) ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي والسيّد جعفر الحسيني والشيخ علي الآخوندي ، الطبعة الثانية ، 26 مجلّداً ، طهران ، دار الكتب الإسلامية ، 1363 ش .

103 - مسائل الناصريات . أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي المعروف بالشريف المرتضى وعلم الهدى (355 - 436) ، تحقيق مركز البحوث والدراسات العلمية ، قم ، مؤسّسة الهدى ، 1417 ق .

104 - مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها . تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، بيروت ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1410 ق / 1990 م .

105 - مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام . العلاّمة الفاضل الجواد الكاظمي (م - أواسط القرن

الحادي عشر) ، إعداد السيّد محمّد تقيّ الكشفي والشيخ محمّد باقر شريف زاده ، 4

ص: 461

أجزاء في مجلّدان ، طهران ، المكتبة المرتضوية لآثار الجعفرية .

106 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل . الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري الطبرسي ، (1254 - 1320) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 25 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1407 ق .

107 - المستدرك على الصحيحين . الإمام الحافظ أبو عبداللّه الحاكم النيسابوري (312 - 405) ، تحت إشراف يوسف عبدالرحمن المرعشلي ، 4 مجلّدات + الفهرس ، بيروت ، دار المعرفة .

108 - مستمسك العروة الوثقى . السيّد محسن الطباطبائي الحكيم (1306 - 1390) ، الطبعة الاُولى ، 14 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة دار التفسير ، 1416 ق / 1374 ش .

109 - مستند الشيعة في أحكام الشريعة . أحمد بن محمّد مهدي النراقي (م 1245) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 18 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1415 - 1420 ق .

110 - مشارق الشموس في شرح الدروس . آقا حسين بن جمال الدين محمّد الخوانساري (1019 - 1099) ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث .

111 - مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع . المولى محمّد باقر بن محمّد الوحيد البهبهاني (1117 - 1205) ، تحقيق مؤسّسة العلاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني ، الطبعة الاُولى ،

11 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة علاّمة المجدّد الوحيد البهبهاني ، 1424 ق .

112 - المصابيح في الفقه . السيّد محمّد مهدي بن مرتضى بن محمّد الطباطبائي البروجردي (م 1212) ، مخطوط .

113 - مصباح الفقيه (الطهارة ، الصلاة ، الزكاة ، الخمس ، الصوم ، الرهن) . الحاج آقا رضا بن محمّد هادي الهمداني النجفي (م 1322) ، الطبعة الاُولى ، 19 مجلّداً :

الطهارة والصلاة . تحقيق المؤسّسة الجعفرية لإحياء التراث ، (ج 1 - 17) ، قم ، مؤسّسة مهديّ الموعود(عج) ، 1417 - 1431 ق .

ص: 462

الزكاة والخمس والصوم والرهن . (ج 13 و14 ، حسب ترتيب مؤسّسة النشر الإسلامي) قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1416 ق .

114 - مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، تحقيق الشيخ حسين الأعلمي ، الطبعة الاُولى ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، 1418 ق / 1998 م .

115 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير . أحمد بن محمّد بن علي المقري الفيّومي (م 770) ، الطبعة الاُولى ، جزءان في مجلّد واحد ، قم ، دار الهجرة ، 1405 ق .

116 - معالم الدين وملاذ المجتهدين «قسم الاُصول» . أبو منصور جمال الدين الحسن بن زين الدين العاملي (959 - 1011) ، تحقيق لجنة التحقيق ، الطبعة الحادي عشر ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1416 ق .

117 - معاني الأخبار . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (م 381) ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1361 ش .

118 - المعتبر في شرح المختصر . المحقّق الحلّي نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهُذلي (602 - 676) ، تحقيق عدّة من الأفاضل ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة سيّد الشهداء علیه السلام ، 1364 ش .

119 - مغني اللبيب عن كتب الأعاريب . ابن هشام أبو محمّد عبداللّه بن يوسف بن هشام الأنصاري (708 - 761) ، تحقيق عدّة من العلماء ، الطبعة الخامسة ، قم ، مكتبة سيّد الشهداء علیه السلام ، 1375 ش .

120 - المغني ويليه الشرح الكبير . أبو محمّد عبداللّه بن أحمد بن محمّد بن قدامة (541 - 620) ، وأبو الفرج عبدالرحمان بن أبي عمر محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي (م 682) ، الطبعة الاُولى ، 21 مجلّداً ، بيروت ، دار الكتب العربي .

121 - مفاتيح الشرائع . المولى محسن الفيض الكاشاني (م 1091) ، تحقيق السيّد مهدي

ص: 463

الرجائي ، 4 مجلّدات ، قم ، مطبعة الخيّام ، 1401 ق .

122 - مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلاّمة . السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي (1160 - 1228) ، تحقيق محمّد باقر الخالصي ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1419 - 1433 ق .

123 - المقنع . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311 - 381) ، تحقيق لجنة التحقيق التابعة لمؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، 1415 ق .

124 - المقنعة . أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد (م 413) ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، قم ، مؤسّسة النشر

الإسلامي ، 1410 ق .

125 - مكارم الأخلاق . أبو نصر رضيّ الدين الحسن بن الفضل الطبرسي ( القرن السادس الهجري) ، تحقيق علاء آل جعفر ، مجلّدان ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1414 ق .

126 - مناهج الوصول إلى علم الاُصول ، ضمن «موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه » . = موسوعة

الإمام الخميني قدّس سرّه .

127 - منتهى المطلب في تحقيق المذهب . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية ، الطبعة الاُولى ، 15 مجلّداً ، مشهد ، مجمع البحوث الإسلامية ، 1412 - 1428 ق .

128 - المنجد في اللغة . لوئيس معلوف وعدّة من الأساتذة ، الطبعة الثالثة والثلاثون ، بيروت ، دار المشرق ، 1992 م .

129 - موسوعة الإمام الخميني قدّس سرّه . تحقيق مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، الطبعة الاُولى ، قم ، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدّس سرّه ، 1434 ق / 1392 ش .

130 - المهذّب . أبو القاسم عبدالعزيز بن نحرير بن عبدالعزيز القاضي ابن البرّاج (400 -

ص: 464

481) ، إعداد مؤسّسة سيّدالشهداء ، الطبعة الاُولى ، مجلّدان ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1406 ق .

131 - المهذّب البارع في شرح المختصر النافع . العلاّمة أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن فهد الحلّي (757 - 841) ، تحقيق مجتبى العراقي ، الطبعة الاُولى ، 5 مجلّدات ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، 1407 - 1413 ق .

«ن»

132 - نهاية الإحكام في معرفة الأحكام . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الثانية ، مجلّدان ، قم ،

مؤسّسة إسماعيليان ، 1410 ق .

133 - نهاية الاُصول (تقريرات المحقّق البروجردي) . الشيخ حسينعلي المنتظري ، الطبعة الاُولى ، قم ، نشر تفكّر ، 1415 ق .

134 - النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى . أبو جعفر شيخ الطائفة محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي (385 - 460) ، قم ، انتشارات قدس محمّدي .

135 - نهج الحقّ وكشف الصدق . العلاّمة الحلّي جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر (648 - 726) ، تحقيق الشيخ عين اللّه الحسيني الاُرموي ، الطبعة الرابعة ، قم ، دار الهجرة ، 1414 ق .

«و»

136 - الوافي . محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني (1006 - 1091) ، إعداد ضياء الدين الحسيني ، الطبعة الاُولى ، 26 مجلّداً ، أصفهان ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ، 1412 ق .

والطبع الحجري منه 3 مجلّدات ، قم ، منشورات مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي ، 1404 ق .

137 - وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة. الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي

ص: 465

(1033 - 1104) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، الطبعة الاُولى ، 30 مجلّداً ، قم ، مؤسّسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث ، 1409 ق .

138 - الوسيلة إلى نيل الفضيلة . عماد الدين أبو جعفر محمّد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة ( القرن السادس) ، تحقيق الشيخ محمّد الحسّون ، الطبعة الاُولى ، قم ، مكتبة آية

اللّه المرعشي ، 1408 ق .

«ه- »

139 - الهداية [في الاُصول والفروع] . أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي المعروف بالشيخ الصدوق (311 - 381) ، تحقيق مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، الطبعة

الاُولى ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي علیه السلام ، 1418 ق .

ص: 466

7 - فهرس الموضوعات

الفصل

الثاني : في أحكام النجاسات

وفيه مطالب :

المطلب الأوّل : في سراية النجاسة إلى الملاقيات

فهاهنا جهات من البحث :

الجهة الاُولى : في سراية النجاسة من الأعيان النجسة ... 9

فيما استدلّ به لعدم سراية النجاسة ... 10

التحقيق في المقام ... 21

الجهة الثانية : في أصل سراية النجاسة من المتنجّس ... 22

الجهة الثالثة : في تنجّس الوسائط الكثيرة ... 26

بيان حال الإجماعات المنقولة في المقام ... 29

الشواهد الداخلية والخارجية في المقام ... 34

المطلب الثاني : في إزالة النجاسة للصلاة

في الوجوب الشرطي لإزالة النجاسة عن الثوب والبدن ... 41

الفرق بين الشرطية والمانعية ... 42

ص: 467

امتناع الجمع بين شرطية شيء ومانعية ضدّه ... 43

المأخوذ في الصلاة مانعية النجاسة لا شرطية الطهارة ... 44

حول الروايات الظاهرة في شرطية الطهارة ... 47

جواز الصلاة مع المحمول النجس ... 53

جواز الصلاة فيما لا تتمّ فيه الصلاة منفرداً مع نجاسته ... 63

فروع :

الأوّل : في تحقيق المراد من «ما لا تجوز الصلاة فيه وحده» ... 65

الثاني : في عدم كون العمامة ممّا لا تتمّ الصلاة فيها ... 67

الثالث : في عدم اعتبار كون الملابس المعفوّ عنها في محالّها ... 69

الرابع : في المحمول الذي لا تتمّ فيه بناءً على عدم جواز حمل المتنجّس ... 70

الخامس : في جواز الصلاة فيما لا تتمّ فيه مهما كان جنسه ونجاسته ... 70

فصل : في العفو عن دم الجروح والقروح في الصلاة ... 72

هل المانع صِرف وجود النجاسة أو الطبيعة السارية ؟... 72

المحتملات في العفو عن دم القروح والجروح ... 83

في احتمال اختصاص العفو بصورة حرجية الغسل نوعاً ... 84

في احتمال اعتبار الاستمرار وتحديده ... 86

حكم الدم المشكوك كونه من القروح ... 88

فصل : في العفو عن الدم القليل ... 89

إلحاق البدن بالثوب في العفو ... 94

هل الدرهم غاية للرخصة أو للمنع ؟... 97

حكم الدم المتفرّق ... 100

عدم الفرق في الدم المتفرّق بين المتفاحش وغيره ... 105

حول ما استثني من أدلّة العفو ... 106

ص: 468

منها : الدماء الثلاثة ... 106

ومنها : دم نجس العين ... 109

ومنها : دم غير المأكول ... 111

تعيين سعة الدرهم ... 113

المطلب الثالث : في إدخال النجاسات في المساجد

حكم النجاسات غير المتعدّية ... 115

حرمة إدخال النجاسات السارية لأجل استلزامه تنجيس المساجد ... 123

وجوب إزالة النجاسة عن المساجد وما يلحق بها ... 127

المطلب الرابع : في اعتبار انفصال الغسالة

اعتبار انفصال الغسالة في التطهير بالقليل ... 129

اعتبار انفصال الغسالة حتّى مع القول بعدم انفعال الغسالة ... 133

المراد بالغسل والصبّ في الأخبار الواردة في غسل البول ... 134

اعتبار انفصال الغسالة في التطهير بالجاري ونحوه ... 136

كفاية صبّ الماء على بول الصبيّ وعدم لزوم غسله ... 137

حول إلحاق الصبيّة بالصبيّ ... 142

موضوع الحكم هو الصبيّ الذي لم يطعم أو لم يأكل ... 143

عدم كفاية النضح والرشّ عن الصبّ ... 145

عدم لزوم إخراج غسالة بول الصبيّ وطهارتُها ... 146

كيفية تطهير ظاهر الفراش وباطنه ... 147

كيفية تطهير ما لا ينفذ فيها الماء ... 150

لزوم إمرار الماء على الأرض وإخراج الغسالة في تطهيرها ... 155

ص: 469

المطلب الخامس : في اعتبار التعدّد في التطهير

لزوم الغسل مرّتين في تطهير البول بالماء القليل ... 156

لزوم إخراج الغسالة في كلّ غسلة ... 159

عدم اعتبار تعدّد الصبّ في تطهير بول الصبيّ ... 160

كفاية المرّة في تطهير البول بالماء الجاري لا الكرّ ... 161

عدم الفرق بين بول الإنسان وغيره من الحيوانات غير المأكولة ... 165

لزوم التعدّد فيما زالت عين البول بغير الغسل ... 166

عدم كفاية الغسل المستمرّ بقدر الغسلتين ... 167

فرع : في عدم اعتبار التعدّد في تطهير غير البول ... 168

اعتبار جريان الماء على المتنجّس بعد زوال عين النجاسة ... 174

عدم العبرة ببقاء لون النجاسة أو ريحها في التطهير ... 175

فصل : في كيفية تطهير الأواني ... 178

وفيه مسائل :

المسألة الاُولى : في كيفية تطهير الأواني من ولوغ الكلب ... 178

تنبيهات :

الأوّل : اختصاص التعفير بالولوغ ... 184

اختصاص التعفير بالإناء دون غيره ... 187

الثاني : في مزج التراب بالماء ... 188

الثالث : في قيام غير التراب مقامه في التعفير ... 191

عدم سقوط التعفير عند فقد التراب ... 193

الرابع : في صور العجز عن التعفير وأحكامها ... 194

الخامس : عدم سقوط التعفير والعدد عند الغسل بالماء الكثير والجاري ... 197

المسألة الثانية : في تطهير إناء الخنزير أو الخمر أو ما مات فيه جُرَذ ... 200

ص: 470

المسألة الثالثة : في لزوم غسل الأواني ثلاث مرّات من سائر النجاسات ... 204

لزوم التعدّد حتّى مع الغسل بالكثير والجاري والمطر ... 207

فائدة استطرادية في أحكام الأواني والجلود ... 208

وفيها مسائل :

المسألة الاُولى : حكم استعمال آنية الذهب والفضّة ... 208

في التمسّك بالروايات لإثبات حرمة الأكل والشرب ... 208

بيان حكم سائر الاستعمالات على ضوء الأخبار ... 212

حكم الاستعمالات غير المتعارفة والتزيين والاقتناء ... 214

في التمسّك بالإجماع على حرمة الأكل والشرب وسائر الاستعمالات ... 216

المختار في المقام ... 220

عدم حرمة الأكل والشرب من الآنية المفضّضة ... 220

المسألة الثانية : في أنّ المحرّم هو الأكل والشرب ونحوهما أو عنوان الاستعمال ... 222

المسألة الثالثة : في عدم سراية الحرمة إلى المأكول والمشروب ... 226

المسألة الرابعة : في الوضوء والغسل بأواني الذهب والفضّة ... 231

مرجعية العرف في تشخيص الإناء ... 233

المسألة الخامسة : اشتراط التذكية في جواز استعمال الجلود ... 237

حكم الحيوان مشكوك التذكية ... 237

حول جريان أصالة عدم التذكية ... 239

دلالة الأخبار على توقّف حلّية الأكل على إحراز التذكية ... 242

الكلام في مقدار ما يستفاد من الأخبار السابقة ... 245

حكم الصلاة في مشكوك التذكية ... 248

الأخبار الواردة في المقام ... 248

وجوه الجمع بين الطوائف السابقة من الأخبار ... 252

ص: 471

أمارية سوق المسلمين على التذكية وإن كانوا مستحلّين لغير المذكّى ... 256

أمارية سوق المسلمين ومجتمعهم وإن كان البائع كافراً ... 257

أمارية سوق المسلمين على التذكية بلا وسط ... 261

حول أمارية يد المسلم على التذكية ... 261

اعتبار السوق واليد لأجل التوسعة على العباد لا الأمارية ... 266

المطلب السادس : في ثبوت الطهارة والنجاسة بالعلم وما قام مقامه

في ثبوت النجاسة وسائر الموضوعات بالبيّنة ... 271

في عدم ثبوت النجاسة وسائر الموضوعات بخبر الثقة ... 276

في ثبوت النجاسة وسائر الموضوعات بإخبار ذي اليد ... 283

المطلب السابع : في بطلان الصلاة الواقعة في النجس

حكم الصلاة في النجس مع الجهل بالحكم ... 289

حكم الصلاة في النجس مع الجهل بالموضوع ... 290

في التفصيل بين التذكّر في الوقت وخارجه ... 291

في التفصيل بين المتذكّر الذي لم يتفحّص وغيره ... 296

حكم الصلاة فيما لو رأى النجاسة في أثنائها ... 299

القول بتصحيح الصلاة في هذه الصورة وما فيه ... 299

مقتضى القاعدة والروايات بطلان الصلاة في المقام ... 303

حكم الصلاة مع نسيان النجاسة ... 308

بيان مقتضى القواعد ... 309

بيان مقتضى الروايات وتعارضها ... 311

ص: 472

وجوه الجمع بين الروايات السابقة وإبطالها ... 313

ترجيح الروايات الدالّة على وجوب الإعادة ... 316

بطلان الصلاة مع العلم بالنجاسة وما يستثنى منه ... 317

ثوب المربّية المتنجّس ببول المولود ... 317

فرع : حكم من علم إجمالاً بنجاسة أحد الثوبين ... 323

حكم صورة كثرة الثياب ... 326

حكم عدم التمكّن إلاّ من الإتيان بصلاة واحدة ... 326

عدم سقوط القضاء عند العمل على وفق حكم العقل ... 328

فرع : حكم من لم يجد إلاّ ثوباً نجساً ... 330

تعيّن الصلاة عارياً وردّ القول بجواز الصلاة في النجس ... 332

خاتمة : في باقي المطهّرات

وهو اُمور :

الأمر الأوّل : في مطهّرية المطر ... 341

اعتصام المطر وكيفية التطهير به ... 341

أدلّة الحكمين السابقين ... 342

عدم اعتبار الجريان في التطهير بالمطر ... 347

توقّف التطهير بالمطر على صدق رؤية مائه للمتنجّس ... 352

الأمر الثاني : في مطهّرية الشمس ... 356

فيما يدلّ على مطهّرية الشمس ... 358

فيما يدلّ على تعميم موضوع الحكم لغير السطح والمصلّى ... 369

فيما يدلّ على تعميم الحكم بالنسبة إلى غير البول ... 371

اشتراط تحقّق اليبوسة واستقلال الشمس فيه ... 372

ص: 473

الأمر الثالث : في مطهّرية النار ... 375

الكلام فيها يقع في مقامين :

المقام الأوّل : في أنّها هل هي مطهّرة كمطهّرية الشمس ؟... 375

المقام الثاني : في تطهيرها كلّ ما أحالته دخاناً أو رماداً ... 381

حكم الانتقال على ضوء القاعدة ... 382

طهارة دم البقّ والبرغوث دون العلق ... 383

طهارة الخمر بانقلابها خلاًّ ولو بعلاج ... 385

الكلام في مطهّرية الإسلام ... 390

طهارة من أسلم عن الارتداد الملّي ... 390

قبول توبة المرتدّ الفطري باطناً وظاهراً وطهارته بعدها ... 391

الأمر الرابع : في مطهّرية الأرض ... 396

الروايات الدالّة على مطهّرية الأرض ... 397

عموم مطهّرية الأرض لجميع النجاسات ... 400

اعتبار كون النجاسة من الأرض ... 400

مطهّرية الأرض لأسفل القدم وباطن النعل والخفّ ... 403

اعتبار كون المطهّر أرضاً لا حصيراً مثلاً ... 405

عدم الفرق بين أجزاء الأرض في التطهير ... 407

اعتبار جفاف الأرض ويبوستها ... 407

اعتبار طهارة الأرض ... 408

عدم الفرق بين المشي والمسح في حصول الطهارة ... 410

تعيّن المسح على الأرض وعدم الاجتزاء بمسح التراب على الموضع ... 411

في حصول الطهارة بذهاب عين النجاسة وأثرها ... 412

عدم لزوم إزالة النجاسة بالمشي أو المسح ... 413

ص: 474

الفهارس العامّة

1 - فهرس الآيات الكريمة ... 417

2 - فهرس الأحاديث الشريفة ... 419

3 - فهرس أسماء المعصومين علیهم السلام ... 433

4 - فهرس الأعلام ... 435

5 - فهرس الكتب الواردة في المتن ... 445

6 - فهرس مصادر التحقيق ... 449

7 - فهرس الموضوعات ... 467

ص: 475

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.