بطاقة تعريف: الإصفهاني، محمد تقي، 1308 - 1262
عنوان و نام پديدآور : مکیال المکارم في فوائد الدعاآ للقائم علیه السلام/ تالیف محمدتقي الموسوي الإصفهاني «فقيه أحمد آبادي»؛ التحقیق و النشر موسسة الامام المهدي علیه السلام
مشخصات نشر : قم: موسسة الإمام المهدي (عج): حبل المتین، 1422ق. = - 1380.
ISBN : 964-93462-4-4(الفترة) ؛ 964-93462-4-4(الفترة) ؛ 964-93462-5-2(ج.1)
ملاحظة: عربي
ملاحظة: الإصدار السابق: بدر، 1374
ملاحظة : ج. 1422 2ق. = 40000 :1380 ریال
ملحوظة: فهرس
الموضوع: مهدويت - انتظار
صلاة
محمدبن حسن (عج)، الإمام الثاني عشر، 255ق. - .
المعرف المضاف: المدرسة الامام المهدي (عج). موسسة الامام المهدي
ترتيب الكونجرس: BP224/الف6م7 1380
تصنيف ديوي: 297/462
رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 80-24881
ص: 1
مِکیال المُکارِم في فَوَائِدِ الدُّعَاءِ لِلقَائِمِ
تَألیفُ العَلّاَمِةِ آيَةِ اللهِ الحَاجّ مِیرزَا مُحمَّد تَقي المُوسَويّ الإصفَهَاني «فَقيهَ أحمَدَ آبَادي»
آية الله الفقيد السیّد محمّد تقي الموسوي الإصفهاني «فقيه أحمد آبادي»
و 1301 - 1368 ه. ق.
إن المعارف قد كستك مواهباً***بهدي العقيدة لا بفکر واهم
قد آرخوك موالياً أحييت***«مکیال المکارم في الدعا للقائم»
الكتاب: مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم علیه السلام .
التحقيق والنشر: مؤسسة الإمام المهدي علیه السلام - قم
الطبعة الرابعه: سنّة 1422 ه- تمتاز بتحقيق جديد،وصف الحروف کمبیوتریّاً
المطبعة: امیران-قم.
الكميّة: 3000 نسخة.
الناشر: حبلُ المتین: قم - ت 7752375.
شابک (دوره): 4-4-93462-964.
شابک (ج1): 2- 5 - 93462 - 964.
حقوق الطبع كلها محفوظة لمؤسسة الإمام المهدي علیه السلام - قم المقدسة
ص: 2
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي »
«وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»
ص: 3
ص: 4
الرسول الأكرم صلی الله علیه وآله وسلم : بأبي وأُمّي سميي و شبيهي وشبيه موسی بن عمران .(1)
أمیرالمؤمنین علیه السلام : بأبي ابن خيرة الإماء .(2)
هاه - وأومأ بيده إلى صدره - شوقاً إلى رؤيته . (3)
آه آه شوقاً إلى رؤيتهم . (4)
الإمام الباقر علیه السلام : بأبي وأمّي المسمىّ باسمي، والمكنّى بكنيتي السابع من بعدي . بأبي من يملا الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلماً وجوراً . (5)... أما إني لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر.(6)
الإمام الصادق علیه السلام : ... ولو أدركته لخدمته أيام حياتي . (7)
سيّدي غيبتك نفت رقادي ...
سيّدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد.(8)
الإمام الكاظم علیه السلام : بأبي المنبدح البطن ... بأبي من ليله يرعى النجوم ساجداً
وراكعاً، بأبي من لا يأخذه في الله لومة لائم، بأبي القائم بأمر الله .(9)
الإمام الرضا علیه السلام : بأبي وأُمّي سمي جدي صلی الله علیه وآله وسلم وشبيهي وشبيه موسی بن عمران . (10) .
الإمام العسكري علیه السلام : الحمد لله الّذي لَم يُخرجني من الدنيا حتّی أراني الخلف من بعدي . (11)
الإمام الحجّة علیه السلام : أنا بقية الله في أرضية.(12)
ص: 5
من بين غمرات الحياة ولججها، وصروف الليالي وتقلب الأيام، انقدحت بارقة وضاءة في قلب سیّدنا العلّامة الكبير الراحل صاحب هذه الموسوعة القيمة، التي توصل حبل ولائه بمحمّد وعترته الطاهرة، وتزيده إليهم تقرباً وزلفي، وهو ممن يحمل الإخلاص الشديد والحب لهم في الولاء، والصادق في هيامه جهراً وخفاءً، حتّی استشهد دفاعاً عنهم.
ولهذا عزم أن يغتنم من بين معترك مشاغله وقتاً، ويفرد في إمامة المهدي المنتظر عجلّ الله تعالی فرجه الشريف سفراً، يكون له كرامةً وذخراً، يجمع فيه من الدعوات والابتهالات في تعجيل ظهور ابن خيرة الإماء علیه السلام ولكن عاقه عن عزيمته طوارق الزمان، وسددت إليه النائبات قسي الهموم والأحزان، حتّی إذا آن الأوان، وقبل أن يخط من كتابه سطراً، ويعبق من أريجه عطراً ...
فإذا بالإمام علیه السلام يتجلى له بأنواره القدسية، وطلعته البهية في المنام، فيغمر سیدنا المؤلف بالنفحات الندية، والهبات الزكية ويشرفه بأمر - خصه دون العباد - بكتابة ما كان عليه عازماً، وبلسان عربّي مبين، وأن يسميه
ب-«مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم علیه السلام »
فكان (سیدنا المؤلف) خیر مبعوث لهذه الرسالة ومصطفى للأمانة، وأنه حاز من الكمالات والدرجات فيما خص بالمكرمات حيث أطاع سیّده ولباه، وأخرج کتاباً حسناً مباركاً نافعاً، فطوبى لمن تشرف في منامه بمولاه، وطوبى لكتاب رضي به الإمام علیه السلام وسمّاه؛
فالكتاب فيه الطاف وبشائر، لانّه سرّ من أسرار الغيب، وله خصوصيّة عند (بقيّة الله الأعظم عجلّ الله تعالی فرجه الشريف ) فموضوعه مستمد من المحل الأقدس وهالة مداده نبعت من فيض جنابه الارفع، فسطع الكتاب بفوائده، وشع بقلائده، فحري لل(مكيال) أن يبلج عن باسم ثغره، ويشر من ندي قطره فيتلمسه المنتظرون للفرج، ويتلاقفه المستضعفون المعدون أنفسهم لنصرة سليل
ص: 6
الأنبياء وخاتم الاوصياء الّذي طالما صبت إليه القلوب، وهفت إليه الأرواح وليكثروا من الدعوات الصادقات في ظهوره حتّی يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً.
ولهذا شمرت له من جدي ساعداً، وجعلته محطاً للتدقيق، ومنهلاً للتحقيق ولما انتهيت من سبر غوره بتمامه، من أوله لختامه، قلت حقاً:
(أن صدقت الرؤيا، إنا لنراك من المحسنين) فإنّه سفر نفیس، لا يورث قارءه إلا معرفة بإمامه، ولا يزيده إلآ شوقا للقائه ، وتعجيلا لظهوره.
وقد أثناه سیّدنا المؤلف في مقدمة كتابه بقوله: «فدونك كتاباً ... ونختمه بخاتمة» ولكن الأجلّ وافاه ، فبقي الكتاب يتيماً موتوراً بلا خاتمة ...
ثمّ الحمد لله أولا وآخرة.
بسم الله الرحمن الرحيم
وله الحمد على ما قدر وهدى . وأنعم وأعطى، وأوضح من الصراط المستقيم، هو الّذي حبانا بدينه، واختصنا بملته ، وعرّفنا بمته سبل إحسانه ورضوانه لنسلكها ونفوز بجنات النعيم؛
وأتم الصلاة وأزكى السلام على سیّد رسله، وخاتم أنبيائه، أول النبيين میثاقا وآخرهم مبعثة، الداعي إلى الله العزيز الحكيم والسراج المنير ، الّذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، بل هو عند الله عزیز کریم؛
وعلى آله آل الله جلّ جلاله الّذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وقرن طاعتهم بطاعته، وجعلهم «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ »الأئمة المعصومين الميامين؛
سیّما خاتمهم الثاني عشر، الحجّة القائم المنتظر، المعدة لنصرة الحقّ،
ص: 7
وإقامة العدل واجتثاث الظلم والبدع، وکلّ أمر سقيم؛
وبعد، نقدم بکلّ فخر واعتزاز - للمرة الرابعة - هذا السفر الثمين، الّذي يقصر مکیال المکارم والمدائح عن عد عبارات الإطراء، وإحصاء كلمات الثناء التي ما برحت تزخ وابلها إعجابة به؛ لما تضمن من مادة قيمة، وحوى من مواضيع هامة، واشتمل على أحاديث شريفة طيبة، تسر فؤاد المتّيم المنتظر لرمز الإنسانية والسعادة والأمان، وتشفي غليل العاشق الولهان، وتبل صدى الظامئ الطالب للحقيقة، وتنير مسالك الإفهام لمن التبس عليه الأمر والبيان، وتقطع
الطريق بدامغ حججها على المنكر والمرتاب؛
کلّ ذلك بأسلوب علمي شيق، وعرض موضوعي منسق ينبئ عن صدق وصفاء عقيدة المؤلف (رحمه الله) و خلوص نيتّه، وشدّة حبّه حدّ الوله والهيام بالإمام المعصوم المنتظر الحجّة الثاني عشر عجلّ الله تعالی فرجه الشريف .
وبالفعل فقد كان يناجيه كلّ ساعة وأوان، ويتمنّى وصاله في كلّ آن؛
فشمله صلوات الله عليه بلطفه، حيث تجلّى له في رؤية رآها سرّت قلبه وطيّبت خاطره، وأمره علیه السلام فيها بتأليف هذا الكتاب على منهج اسمه الّذي سماه له.
- والحقّ يقال -: إن هذا من أعظم النعم، فلا عجب أن يحظى هذا الكتاب بهذه المنزلة، وتتلقفه الأيدي بتلهّف في کلّ مكان، سيما بين الإخوة المسلمين في الدول العربيّة ، والأوربّيّة، وقد كان لزيادة الطلب عليه ، ونفاد نسخه بما في ذلك النسخ المترجمة إلى اللغة الفارسيّة، دافعاً كبيراً إلى إضافة بعض اللمسات التحقيقية على هذه الطبعة من إضافة بعض التخریجات، وكتابة بعض التعليقات ودرج بعض البيانات ممّا نعتقد بأن إضافته في الهامش يساعد القارئ ويمكنه من إستيعاب المادة بشکلّ أسهل؛ فالحمد لله ربّ العالمين وما التوفيق إلا من عند الملك الوهاب ، عليه نتوکلّ و إليه المرجع والمآب .
سبط المؤلف السیّد محمّد باقر الموحد الأبطحي
ص: 8
«كتب سماحة العلاّمة المحقّق السيّد محمّد عليّ الروضاتی» هذه الرسالة بالفارسيّة، وترجمها بعض الأفاضل إلى العربيّة وأضاف إليها ، فإليهما الشكر الجزيل، ونسأله تعالى أن يوفّقهما بمزيد التوفيق .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، وصلىّ الله على سيّدنا ونبيّنا محمّد وعترته الطيّبين الطاهرين، إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذه رسالة «آثار التقوی» في أحوال و آثار سیّدنا العالم الفاضل المحقق المدقق، الفاني في ولاء أهل بيت الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ، والمخلص المنقطع إلى عتبة وليّ العصر وإمام الزمان ومهديّ آل محمّد عجلّ الله تعالی فرجه الشريف .
أعني السيّد التقيّ النقيّ الحاج میرزا السيّد محمّد تقيّ الموسويّ الإصبهاني الشهير بالأحمد آبادي ، قدّس الله تربّته الزكيّة، وحشره مع الأئمّة الهداة المهديّين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
كتبتها لتكون مع كتاب «مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم علیه السلام ».
الكتاب الّذي ألّفه مؤلّفه الجليل المذكور في الدعاء للإمام المنتظر علیه السلام ووجد قبولاً تامّاً في الأوساط العلميّة، وطبع مكرّراً ، وأقبل على قراءته العلماء والفضلاء.
ص: 9
أسرته العلميّة : «رُبيّ» سيّدنا المؤلّف في أُسرة علميّة طابعها التقوى خلفاً عن سلف، ولها في المجالات المختلفة رجالات وشخصيّات معروفة مشهورة يحترمهم الناس ويتوجّهون إليهم في الشؤون الدينيّة وغيرها، وامتدّت الوجهة العلميّة في الأسرة حتّى الآن حيث لا يزال فيها علماء معروفون يشار إليهم بالبنان وتعقد عليهم الآمال.
فوالده : السید میرزا عبدالرزاق بن میرزا عبدالجواد بن الحاج السيّد محمّد مهدي الموسوي نائب الصدر الأصبهاني الخراساني الملقب بافتخار الدین والمكنى بأبي عبدالله، كان من العلماء المعروفين بالإجتهاد والسداد يقيم الجماعة في جامع مشتطلوعين من يوم الجمعة 28 محرم 1319.
وعبر عنه ولده السیّد المترجم في بعض مؤلفاته ب-«العالم الربّانييّ والحبر الصمدانيّ الجامع بين مرتبتي العلم والعمل، المبرا عن کلّ نقص وخطل، فقيه آل الرسول ورئيس العلماء الفحول ...».
ووالدته : بنت المرحوم الحاج میرزا حسین نائب الصدر المتوفى سنّة 1326 ه-. ق، وقد نقل في المكيال ج2 ص 310 من الطبعة الثانية رؤيا تدل على حسن حال جده الأمّيّ هذا.
وابن عمته : السیّد ميرزا اسد الله الّذي درس عنده بعض المقدمات.
وخاله: السیّد میر محمّد صادق المدرس، من أعلام المجتهدين والمدرسين بإصبهان، فقيه، مفسر جليل ينقل عنه المؤلف بعض آرائه التفسيرية .
*وأما ولده وأحفاده(1) العلماء فهم
1- ولده الحاج السیّد محمّد، وكان هو من علماء إصبهان الأفاضل، وله رسالة في ترجمة «طبيب زاده» طبعت مع کتاب «حور مقصورات» .
2- ولده الآخر الحاج السیّد عباس، وهو من أئمة الجماعة الأتقياء والخطباء
ص: 10
بإصبهان .
3- صهره السيّد مرتضى الموحّد الأبطحي، وهو من أعلام العلماء المدرسين بإصبهان، وله رسائل و أجزاء في مسائل علميّة جليلة .
4- السیّد محمّد باقر بن السیّد مرتضى الموحّد الأبطحيّ، وهو من الشخصيات العلميّة البارزة في قم، وصاحب مشاريع علميّة هامّة في الفقه والحديث والتفسير وغيرها.
طبع منها ج1-2 «المدخل إلى التفسير الموضوعي للقرآن الكريم». .
5- السیّد محمّد عليّ بن السیّد مرتضى الموحد الأبطحي، وهو من أجلاء العلماء بالنجف والمدرسين بإصبهان، وله مؤلفات قيمة في الفقه والحديث
والرجال طبع منها ج1-2 «تهذيب المقال في شرح كتاب النجاشي في الرجال» .
6- السیّد عليّ بن السیّد مرتضى الموحد الأبطحي، من أفاضل العلماء بقم.
7- السیّد محمّد رضا بن السیّد مرتضى الموحد الأبطحي، من أفاضل قم.
8- السیّد حجّة بن السیّد مرتضى الموحد الأبطحي من أفاضل إصبهان .
9- السیّد حسن بن السیّد مرتضى الموحد الأبطحي.
10 - السیّد حسين بن السیّد مرتضى الموحد الأبطحي.
أساتذته وشيوخه: تتلمذ رضوان الله عليه على جماعة من الشيوخ والعلماء وذكر جملة منهم في طيات مؤلفاته مع احترام بالغ وإجلال، كما أنه أجيز اجتهادة ورواية من بعض أساتذته مع التفخيم والإعظام.
وإليك فيما يلي بعض من وقفنا على أسمائهم من أساتذته وشيوخ إجازاته :
1- والده السیّد عبدالرزاق الموسوي.
2- ابن عمته السیّد ميرزا اسد الله، درس عنده فنَّي النحو والتصريف.
3- السیّد محمود الحسينيّ الگلشاديّ الإصبهانيّ، قرأ عليه المغني وغيره، ونقل بعض آرائه الأدبيّة في تأليفه.
ص: 11
4- السیّد أبي القاسم الدهکردي، أجازه اجتهاداً ورواية .
5- المولى الشيخ عبد الكريم الجزي، أجازه رواية .
6- الحاج آقا منير الدين البروجردي الإصبهاني.
7- الحاج میرزا بديع «الدربّ إمامي».
8- المولى محمّد الكاشاني.
وقد كتب إجازة الحديث لصديقنا الأستاذ المحقق المرحوم المعلم الحبيب آبادي في كتابيه «وظيفة الأنام» و «نور الأبصار» ونحن نروي بواسطة الأستاذ عنه بين المولد والوفاة: ولد رضوان الله عليه في سنّة 1301 ه. ق بإصبهان(1) وتوفي بها سنّة 1368، فيكون مجموع السنين التي عاشها في الدنيا 47 سنّة وهذا يعني أنه لم يتعد الشباب إلى الكهولة، ولكن مع ذلك تعدت آثاره العلميّة ومساعيه المشكورة عن طور البداءة إلى مرحلة النضج الكامل والعمق والأصالة، ويعود هذا إلى خلوص نیته وإخلاصه في طلب العلم و طي مراحل التعليم، وجده في العمل الخالص والتوجه إلى الله تعالى وانقطاعه عن سواه.
هذا بالإضافة إلى أنه كان شديد الإخلاص لأهل بيت الرسول، أئمة الهدی عليهم الصلاة والسلام ، كثير التوسل بهم في کلّ حالاته وأحواله ، مقتديا بهداهم في جميع أقواله وأعماله، لا يتخطى عن تعاليمهم المقدسة وإرشاداتهم القويمة.
وخاصة الإمام المنتظر الحجّة بن الحسن عجلّ الله تعالی فرجه الشريف .
فإنّه بلغ شوطاً بعيداً في معرفته علیه السلام والوظائف التي يجب أن يلتزم بها أهل الإيمان في زمن غيبته من الدعاء له والتوسل بذیل عنايته ، وآل به الأمر أن ألف في هذا الموضوع كتباً ورسائل مهمة مفيدة أهمها كتابه القيم «مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم» الّذي سنذكره بتفصيل .
ص: 12
التوجه إلى الله تعالی :
في حياة سیّدنا المؤلف - أعلى الله مقامه الشريف - تبرز نقطة جليلة يجب الإنتباه إليها والإلتفات إلى مغزاها، وهي أنه لم يهتم بشؤون الدنيا وزخارفها مقتنعة باليسير من العيش، ومكتفيا بالقليل من الدنيا، واضعاً نصب عينيه ما أثر عن أمیرالمؤمنین عليّ علیه السلام : «عز من قنع وذل من طمع» و«القناعة كنز لا يفنى»
تمسك في الأمور المادية بالقناعة معرضا عن الخلق، ومقبلا على العلم والكمال لم يطلب جاهاً و جلالاً ، ولم يسع في جمع المال وادخاره، عمر آخرته ودنياه بولاء أهل البيت علیهم السلام وجعله ذخيرته ليوم عقباه، واكتفى بذلك عن زخارف الدنيا و بهار جها.
خلّف - مع قلّة سنيّ عمره - آثاراً علميّة وأولاداً صالحين هي أحسن الذخائر وأجلّ المآثر، ولا يزال أحفاده ينالون من بركات أنفاسه القدسية، وهم أحلاف التقى والصدق «ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ»من عباده الصالحين.
لقد كان زمنه مليئاً بالأحداث والمشاکلّ يشمل البلاد القتل والنهب والغلاء والقحط و نفوذ الفرق الضالة والنحل الباطلة، وخاصة مدينة إصبهان امتازت في تلك الأيام بأشد أنواع البلايا والمحن، ومع هذا كله ترى في الزوايا نفوسا - ومنهم سیّدنا المترجم - استكملت إيمانها وتوجهت بقلوب مطمئنة إلى العلم والعمل، لم تؤثر فيهم الأحداث، ولم تزلزلهم المصائب، ولم يتوانوا عن الجد والدأب ولو قارناهم بغير هم لرأينا بعد المسافة بينهم و لظهر حقيقة کلّ واحد منهم، وحينذاك حقّ أن نقول «رحم الله معشر الماضين من العلماء العاملين».
و من وجوه نشاطات السیّد المترجم في حاشية أعماله العلميّة استنساخ طائفة من الكتب الثمينة التي كان يحتاجها في دراساته و مطالعاته، منها كتاب «نصاب الصبيان» كتبه سنّة 1310، و«المفصّل» للزمخشري وفرغ منه سنّة 1319 ه.ق و«توضيح الألغاز» للفاضل الايجي وفرغ منه سنّة 1317، و«شرح الكافية »
ص: 13
للخبيصي، و«كتاب في النحو» نسخه سنّة 1317، وغيرها من الكتب .
1- «تذكرة الطالبين في ترجمة آداب المتعلمين» مثنوي فارسي في أكثر من مائتي بيت، نظمه بطلب من الميرزا أحمد الأديب الجواهري في سنّة 1319 .(1)
2- «مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم»، وهو هذا الكتاب.
3- «أبواب الجئات في آداب الجمعات»، وهو فارسي أتمه سنّة 1326، وهو في الخامس والعشرين من عمره.
4- «بساتين الجنان في المعاني والبيان»، شرح عربّي على أرجوزة المولی محمّد، وتم تأليفه في شهر صفر سنّة 1319.
5- «آداب صلاة الليل» عربّي الفه بطلب أحد الفضلاء.
6- «وظيفة الانام في زمن غيبة الإمام» فارسي في جزئين مطبوع مرتين .
7- «نور الابصار في فضيلة الإنتظار» فارسي
8-« کنز الغنائم في فوائد الدعاء للقائم» فارسي.
9- «سراج القبور» في آداب صلاة الليل.
10- «توضيح الشواهد» في توضيح شواهد کتاب «جامع الشواهد» .
11- «ترغيب الطلاب» في النحو
12- «أنيس المتفردین».
13- تحفة المتأدبين في شرح هداية الطالبين» .
14- «کتاب المنابر» في المواعظ.
10- «دیوان شعره» ويتخلص فيه با «تقيّ».
16- «محاسن الأديب في دقائق الأعاريب»، تمّ في الرابع من جمادى الآخرة
سنّة 1319 .
ص: 14
شعره: كان سیّدنا المترجم رضوان الله تعالى عليه ينظم قصائد و أبياتا في ساعات الفراغ، وخصص نظمه بأهل البيت علیهم السلام وخاصة في الإمام المهدي علیه السلام .
وترى أشعاره مبثوثة في مؤلفاته ورسائله، وكان يتخلص فيها با «تقي» وربّما تخلص با «شرعي زاده» وإليك بعض أشعاره:
قال في إمامنا الحجّة المنتظر :
ای وصل تو غاية المراد دل ما ***وی ذکر توزیب وزیور محفل ما
اندر دل ما لشکر غم منزل کرد*** زانروز که دور گشتی از منزل ما
وقال :
ياربّ فرجی که ما اسیریم*** یا ربّ کرمی که ما فقیریم
مائیم لئيم وتو کريمي*** ما غرق گناهیم و تو رحيمي
وقال من قصيدة طويلة :
گر همی جوئی وصال یار را ***کن برون از قلب خود اغیار را
چونکه آن یعقوب شیخ المرسلين ***حب يوسف گشت در قلبش مکین
چونکه غیر آمد بدل دلدار رفت ***شد مقام ظاهر واسرار رفت
حقّ تعالی خواست بیدارش کند*** فارغ از هر چیز جز یارش کند
مبتلایش کرد بر درد فراق*** ماه روی یوسفش شد در محاق
وقال في المعمي:
چیست آن هیئتی که جانش نیست ***می زند نعره و زبانش نیست
گاه می گرید وندارد چشم*** گاه می خندد ودهانش نیست
وقال في الحجّة :
زدوری رخت ای پادشا محسن وجمال ***رسیده جان بلب عاشقان تعال تعال
بذکر حسن تو کرو بیان عالم قدس ***يسبحون له بالغدو والآصال
امام مهدی هادی شهنشه دو جهان*** سمي ختم رسل ماحي رسوم ضلال(1)
ص: 15
أول من ترجمه - على ما أعلم - العالم الفاضل الكامل صديقنا المرحوم الميرزا محمّد عليّ المعلم الحبیب آبادی (1308 - 1396) في ثلاثة كتب من مؤلفاته ، فقال في كتابه المخطوط (الأمالي) ص129:
«من كبار علماء إصبهان وساداتها الأجلاء، كان يقيم الجماعة في مسجدمشهد السیّد إسماعيل بن زید بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب خلفا عن والده السیّد میرزا عبدالرزاق الموسوي، وكان كثير الإشتغال بجمع الأخبار والآثار الواردة في الإمام المهدي علیه السلام ... أمه بنت المرحوم الحاج میرزا حسین نائب الصدر، وخاله الفقيه الحاج میر محمّد صادق المدرس ... وكان له شعرمتوسط في الحجّة المنتظر يتخلص فيه «تقي» ... وخطه جميل جيد».
وقال أيضاً في كتابه «مقالات مبسوطة».
«تتلمذ على كبار أساتذة إصبهان ... حتّی أصبح من العلماء المبرزين ومن مسلمي الإجتهاد ... وحصلت المودة بيني وبينه سنین قبل وفاته، وزرته مكررة في بيته بمحلة «یزد آباد» من محال إصبهان ... عاش سني عمره قنعة متعففة وسافر إلى مكة المكرمة والعراق للحج وزيارة الأئمة المعصومین علیهم السلام مرارة نيابة عن بعض المؤمنين، وفي شهر رجب من سنّة 1368 باع ما يملكه من قليل المتاع وسافر إلى العراق وبعد العودة أصيب بمرض أودى بحياته ...».
وقال أيضاً في كتابه «مکارم الآثار» ذیل وقائع سنّة 1301 :
«... وكان سیّداً نجيباً وفقيهاً أديباً، ومن العلماء الممتازين بإصبهان، كان له خط مليح وشعر جيد ...
كان للناس عقيدة به في كتابة العرائض إلى الإمام المنتظر علیه السلام وزيارة عاشوراء، وتشرفت بخدمته مكرراً ، واستفدت منه كثيراً ... »
وقال آية الله شيخنا العلّامة المرحوم الشيخ آقا بزرك الطهراني في كتابه «نقباء البشر» ص258:
ص: 16
«عالم فاضل وخطيب بارع ... كان من العلماء الاعلام القائمين بالوظائف الشرعية وإمامة الجماعة والوعظ وغيرها ...».
وقال شيخ الأدباء المرحوم الحاج میرزا حسن خان الأنصاري المعروف بشیخ جابري في كتابه «تاريخ إصبهان 53/3 » :
«الميرزا السیّد محمّد تقي بن الميرزا عبدالرزاق الأحمد آبادي من المعاصرين وهو صاحب تألیف .. إتصلت صداقتنا به سنین، وكان والده جميل الخط توقي شابّاً ...».
وكتب السیّد الفاضل الصالح الحاج السیّد مصلح الدین ترجمة مختصرة أيضاً لسیّدنا المؤلف في كتابه «رجال إصبهان»، فليراجع.
كما قد ترجم له أيضاً الزركلي في «الأعلام 289/6 » و کحالة في «معجم المؤلفين 9ر131» ومشار في «مؤلفين كتب جابي 2/ 282».
واشتبه كحالة في مدفنه حيث ذکر همدان بدلا من إصبهان . فلينتبه .
ص: 17
إجازة له:
صورة إجازة الآقا السیّد أبي القاسم بن محمّد باقر الدهکردي(1) دام ظله للآقا الحاج میرزا محمّد تقي اليزدآبادي سلمه الله تعالی .
نقلت من نسخة نقلت هي من نسخة الأصل التي هي بخطه الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الّذي أوضح لأوليائه سبيل المعرفة والإيقان، وسهل لعباده طرق الخير والرضوان. مفضل مداد العلماء على دماء الشهداء ومبلغهم إلى أعلى درجات السعداء ، والصلاة الدائمة على فاتحة کتاب التكوين وخاتمة رقيمة الإيجاد واليقين، والسلام على أوصيائه المعصومین شموس فلك الولاية والإرشاد والهداية سيما على من به ختم الولاية وتمت الكلمة .
ثمّ إنّه لما تعلقت المشية الإلهية بحفظ هذا الدين القويم والصراط المستقیم جعل في کلّ قرن علماء عدولا ينفون عن هذا الدين شبه الجاهلين وتحريف المنتحلين، وممن وجدناه في قرننا هذا سالكة مسلك الرشاد وناهج منهج السداد ناشرة لأخبار الأئمة المعصومين متفقها في الدين جناب العالم العامل والفاضل الكامل الجامع للكمالات النفسانية والحائز للمراتب الإيمانية المهذب الصفي والألمعي الزكي أخونا وصديقنا «الحاج میرزا محمّد تقي» أدام الله تأييده فإنا قد وجدناه بعد قراءته علينا شطرة من المباحث الأصولية والمسائل الفقهية صاحب الذهن الوقاد والفهم النقاد وجودة القريحة والسليقة المستقيمة، خارجاً عن ذل التبعية إلى عز الإستقلال، وبالغا رتبة الإجتهاد، مروجا للدين ناشراً الاحكام سیّد المرسلين مفخراً للسادة العلوية افتخاراً للشيعة الإمامية، لا زال سحاب فضله ممطاراً على المستفيدين والمستهدين.
ص: 18
ثمّ إني أجزته أدام الله أيامه أن يروي عتي الكتب الأربعة التي عليها المدار في جميع الأعصار والأمصار والجوامع الثلاثة من الوافي والبحار والوسائل المشتهرة في الآفاق المتواترة عن مؤلفيها المعروفين كالشمس في رابعة النهار وسائر الأصول المعتمدة والكتب الفقهية والأصولية الدائرة بين الإمامية المعلومة انتسابها إلى مصنفيها، وما أبرزته في قالب التأليف والتصنيف من كتاب «منیر الوسيلة . كذا» ورسالة «اللمعات» في شرح دعاء السمات و شرح شرائع الإسلام في الفقه «وتنقيح المباني في علم أصول الفقه بحقّ روايتي عن مشايخي الكرام أنار الله برهانهم بطرقي الصحيحة المعتمدة .
1- منهم : السیّد السند المضطلع اليلمعي الآقا میر محمّد هاشم الإصفهاني عن الشيخ الأعظم والأستاذ الأفخم علم الهدی و كهف التقى مولانا الشيخ مرتضی الأنصاري، عن المولى الأجلّ الفاضل الملا أحمد النراقي، عن شيخه السیّد المستند بحر العلوم السیّد مهدي الطباطبائي النجفي، عن شيخه الوحيد البهبهاني عن والده الأكمل مولانا محمّد أكمل، عن عدة من مشايخه منهم غواص «بحار الأنوار» مولانا محمّد باقر المجلسي الإصفهاني عن مشايخه المذكورين في بحار الأنوار» في مجلد إجازاته وفي أول أربعينه وسائر إجازاته الموجودة عندي بخطه الشريف إلى أن ينتهي إلى أجدادنا المعصومين الأئمة الهادین علیهم السلام .
2- ومنهم : علامة العلماء المحققين أستاذ الفضلاء المدققین مولانا محمّد كاظم الهروي الطوسي النجفي عن السیّد صاحب الكرامات الباهرة السیّد السند محمّد باقر القزويني (1)الحلاوي عن الفقيه الكبير الشيخ جعفر النجفي، صاحب
ص: 19
«کشف الغطاء» عن الوحيد البهبهاني عن والده الأكمل، عن العلّامة المجلسي عن والده المقدس التقي، عن شيخ الإسلام شيخنا البهائي، عن والده المبرأ من کلّ شين الشيخ حسين، عن أفقه الفقهاء الراشدين شيخنا الشهيد الثاني، عن شيخه الأجلّ عليّ بن عبدالعالي الميسي، عن الشيخ شمس الدين محمّد بن المؤذن الجزيني، عن الشيخ ضياء الدين، عن والده السعيد الشهيد محمّد بن مكي، عن فخر المحققين، عن والده العلّامة آية الله في الأرضين، عن المحقق جعفر بن سعید صاحب الشرائع السیّد فخار بن معد الموسوي، عن الشيخ أبي الفضل شاذان بن جبرئيل القمي ، عن الشيخ الفقيه العماد أبي عليّ الحسن بن أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي قدس سره القدوسي، عن والده المذكور اسمه السني آنفة ، عن الشيخ الإمام المفيد محمّد بن محمّد النعمان، عن الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولویه، عن الشيخ الجليل أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني بأسانيده المذكورة في كتابه الكافي في الأصول والفروع.
3- ومنهم : العالم الثقة الميرزا محمّد حسن بن العالم الفقيه آقا محمّد عليّ النجفي ، عن الشيخ الكبير صاحب الجواهر، عن الشيخ الفقيه الأكبر صاحب کشف الغطاء الشيخ جعفر النجفي بالإسناد المتقدم المتصل إلى الشيخ الكليني .
4- ومنهم: الشيخ الفقيه المحدث النبيل «المقدس - كذا» من کلّ شين الحاج میرزا حسين النوري القطن في بلدة سامراء، عن خاتم المجتهدين الشيخ مرتضی الأنصاري، عن مستنده في مناهج الأحكام المولى أحمد النراقي، عن آية الله بحر العلوم السیّد مهدي الطباطبائي النجفي، عن الوحيد البهبهاني، عن والده الأكمل محمّد أكمل، عن ذي الفيض القدسي العلّامة المجلسي صاحب کتاب بحار الأنوار بسنده المتصل إلى الأئمة الأطهار المذكورة في إجازات البحار .
فليرو عنّي أدام الله تأييده ما شاء وأحب وأجاز لمن شاء وأحب وأذنت له التصرف في الأمور الحسبية الراجعة إلى الحاكم الشرعي وأوصيه أدام الله توفيقاته بملازمة التقوى والتورع عن المكاره، وحسن الظن بالله تعالی
ص: 20
والإصلاح بين الناس فإنّه من أفضل عامة الخيرات، والإعتزال عن مجالس الحسرة، والإكثار في الكلام الموجب للندامة، والتقليل في الطعام والكلام والمنام، وملازمة صحبة الكرام فإنّه يوجب قوة القلب وشهامة النفس، وأسأله أن لا ينساني من صالح الدعاء خصوصا في أعقاب الصلوات ومظان إجابة الدعوات .
نمّقه بيده الدائرة أحوج المربّوبين إلى خالق البرية السیّد أبو القاسم الدهکردي ثمّ النجفي في الثاني عشر من شهر محرم الحرام من شهور سنّة 1334 أربع وثلاثين وثلاثمائة بعد الألف الهجرية على هاجرها آلاف التحية .
«مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم»
کتاب قيم جليل مبتكر، يستعرض المؤلف فيه كثيراً من المسائل المتعلقة بعقيدة «المهدوية» وموضوع الحجّة المنتظر علیه آلاف الصلاة والسلام، تحت عنوان الدعاء له والتضرع إلى الله تعالی لحفظه علیه السلام من المكاره والآفات .
سافر المؤلف إلى حج بیت الله الحرام في سنّة 1330 وظهر الوباء الشديد بمكة المكرمة، فاكتسح كثيرة من الزائرين والحجاج؛
فعاهد الله تعالى أن يقوم بتأليف هذا الكتاب إذا عاد إلى وطنه سالماً، وبعد العودة أنجز ما عاهد فكانت هذه الصحائف المليئة بالتحقيقات العلميّة والتدقيقات الرشيقة والمباحث التي لا غنى لطلاب العلم عنها .
يشير رضوان الله عليه في مقدمة الكتاب إلى أن شدة شوقه إلى لقاء الإمام المنتظر علیه السلام ساقته إلي زيارته في المنام والتشرف بخدمته، وبأمر منه أتم الكتاب وهو الّذي اختار اسمه، وسماه به لامره عجلّ الله تعالی فرجه .
والحقّ يقال إن الكتاب مرآة صافية لذوق المؤلف السليم وذوق أساتذته
ص: 21
الاعلام، وهو أنموذج ممتاز للتحقيق العلمي الصحيح الّذي كان دارجة في الحوزة العلميّة بإصبهان أوائل هذا القرن الّذي نعيش نحن في أواخره.
إنّه يشتمل على بحوث مختلفة بالغة الأهمية في الحديث والفقه والكلام والرجال وحتّی الفلسفة والأدب بأسلوب متقن رصين وإستنتاجات صائبة .
ويكفي للتدليل على ما قلنا الإشارة إلى ما استنبطه المؤلف في ج2 ص 359 من الطبعة الثانية، حيث كشف في تنبيه له عن اشتباهين لعلمين من أعلام العلم الأول منها في كتاب «الغيبة» لشيخ الطائفة الطوسي ونسبه إلى خطأ النساخ والثاني منهما في مشيخة الصدوق من کتاب «مستدرك الوسائل».
والجدير بالإلتفات ما جاء بعد هذا التنبيه حيث يقول :
«وأمثال هذه الأمور ممّا يبعث العالم على الفحص والتبع ويوجب له الظفر بما غفل عنه من قبله، فعليكم ياإخواني بالسعي والإجتهاد، فإن الله لا يخيب کلّ مرتاد» إنتهی .
يحتوي الكتاب على ثمانية أبواب کعدد أبواب جنّة المأوى، وقد طبع لاول مرة باهتمام أولاده الأماجد في إصبهان سنّة 1369 في 587 صفحة .
وها هو الآن يطبع في قم بحلته القشيبة وطباعته المتقنة في جزءين .
في شهر رجب من سنّة 1348 ذهب رحمه الله إلى العراق زائراً، وبعد أن عاد إلى وطنه تمرض في أواخر شهر شعبان ولازم الفراش حتّی أتته المنية بعد مضي ساعتين ونصف من ليلة الثلاثاء 25 شهر رمضان المبارك من السنّة المذكورة ودفن بمقبرة تخت فولاد بجوار والده الشريف في الحظيرة .
ص: 22
كلمة آية الله المحقق الشيخ لطف الله الصافي في كتابه «منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر علیه السلام »:
إن كتاب «مکیال المکارم» کتاب کبیر حسن نافع لم أر مثله في موضوعه أفرده مصنفه «رحمه الله» لذكر فوائد الدعاء للقائم علیه السلام وما ورد في الأدعية له ولفرجه وما يتقرب به إليه، وقد جمع فيه أدعية كثيرة جليلة من الكتب المفيدة، وذكر فيه من الآداب والفوائد أو الجهات الموجبة للدعاء له والآثار المترتبة عليه والأوقات و الحالات والأماكن التي يتأكد فيها الدعاء له ما لايتسعه هذا الكتاب .
وللمؤلف «رحمه الله» في مقدمة كتابه «نور الأبصار» بالفارسي الطبعة الثانية 1401ترجمة قد ذكرها نجله الأكبر حجّة الإسلام الحاج السیّد محمّد فقيه الاحمدآبادي معربّا عما تفضل به عن حياة المؤلف العلميّة والدينية «المحقق الآية ... السیّد محمّد عليّ الموحد الأبطحي» فللقارئ أن يرجع إليه بطوله.
وفي كتاب «شهدای روحانيت في المائة الأخيرة» ج2 ص 59-64بالفارسي ذكر حياة المؤلف هذا ، وسبب شهادته «فقيه أهل البيت المتفاني لولائهم علیهم السلام »
أقدم شكري الجزيل وثنائي العاطر الجميل للإخوة الأفاضل الّذين عاضدوني في مؤسسة الإمام المهدي علیه السلام في الحوزة العلميّة بقم «مرکز تحقيق أخبار أهل البيت صلوات الله عليهم» لاخراج هذا السفر القيم
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين.
«رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ».
سبط المؤلف
محمّد باقر نجلّ آية الله السیّد مرتضى الموحد الأبطحي
ص: 23
قال النبي
صلى الله عليه وآله وسلم :
«من أحب أن يلقى الله وقد كمل إيمانه، وحسن إسلامهفليتو الحجّة صاحب الزمان المنتظر علیه السلام
«الأربعين لحافظ أهل السنّة ابن أبي الفوارس ح 4 »
کتب سماحة آية الله العلّامة المحقق الأستاذ ...
الحاج آقا «لطف الله الصافي الگلپایگاني» دامت برکاته مؤلف کتاب «منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر علیه السلام » هذه الرسالة بعنوان «من لهذا العالم»؟ مقدمة لهذا الكتاب «مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم علیه السلام » .
فله الفضل وشكر جزيل.
ص: 24
بسم الله الرحمن الرحيم
من لهذا العالم المليء بالفساد والفواصل والفوارق والمظالم؟
من لدفع هذه الأساليب الإلحادية التي أهوت بالإنسانية في أسفل در کات الحيوانية؟
من لدحض هذه الشبهات التي أشغلت أفكار شبابنا وشيبتنا وفتياننا وفتياتنا؟
من لإزالة هذا الخوف والإضطراب والعناء الّذي استولى على جميع البرية؟
من للشرائع الإلهية التي عطلت وألغيت رسميّاً و ...؟
من ذا الّذي يقوم بإذن الله بإزالة هذه الخلاعة والدعارة التي شملت البلاد؟
من الّذي يرفع الله به المستضعفين، ويؤمن به الخائفين، وينجي به الصالحين ويضع به المستكبرين، ويهلك به الجبارين، ويجتث به أصول الظالمين؟
من هو المصلح الّذي بشّر الله به الأمم بلسان أنبيائه وما أوحي إليهم في كتبه وصحفه؟ .
من الموعود الّذي يملأ به الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً؟
فمتى يقوم بأمر الله القائم الّذي لما قرأ دعبل قصيدته التائيّة المشهورة على الرضا علیه السلام فذكره بقوله:
خروج إمام لا محالة لازم ***يقوم على اسم الله والبركات
وضع الرضا علیه السلام يده على رأسه وتواضع قائماً ودعا له بالفرج، فقال :
«اللّهمّ عجّل فرجه وسهّل مخرجه »(1)؟
إلى متى يبقى في حجاب الغيبة؟ فقد ظهر كثير من علائم ظهوره وعضنا البلاء
ص: 25
فها هو الجور قد عم البلاد ، والفتن قد شملت الآفاق، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصار المنكر معروفاً، والمعروف منكراً، وخرجت النساء کاشفات عاريات متبرجات، خارجات من الدين داخلات في الفتن، مائلات إلى الشهوات، مستحلات للمحرمات، لم يبق من القرآن إلا قراءته في الإذاعات والمسجلات، ومن الإسلام إلا الإسم، يسمون به وهم أبعد الناس منه ، يفرون من العلماء كما يفر الغنم من الذئب.
وها هي الصلاة قد أُمّيتت، والأمانة قد ضيعت، والخمرّ يباع ويشربّ علانية وأهل الباطل قد استعلوا على أهل الحقّ ، والأموال الكثيرة تصرف في معصية الله، وتنفق في سخطه، والولاة يقربون أهل الكفر، ويبعدون أهل الخير والحدود قد عطلت والسلطان يذل المؤمن للكافر، والرجل يتكلم بشيء من الحقّ ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، فيقوم إليه من ينصحه في نفسه ، ويقول هذا عنك موضوع، وظهر الإستخفاف بالوالدين، والنساء قد دخلن فيما لا ينبغي لهن دخوله، والقضاة يقضون بغير ما أنزل الله واستحل الربّا لا یری به بأس والرجال تشبهوا بالنساء، والنساء تشبهن بالرجال، وكثر الطلاق، وكثر أولاد الزنا، وظهر القينات والمعازف، وتداعى علينا الأمم كما تداعى الأكلة على القصاع لكراهيتنا الموت وحبنا للدنيا، وركبت ذوات الفروج السروج وتغنوا بالقرآن، وتعلموه لغير الله واتخذوه مزامير، وهدر فتيق الباطل بعد كظوم وتواخى الناس على الفجور، يمسي الرجل مؤمناً، ويصبح كافراً، تحزن ذوات الأولاد وتفرح العواقر(1)
فمتى تطلع شمس الإقبال والسعادة من مشرق بيت الوحي والرسالة والولاية؟
سبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ما أطول هذا العناء، وأبعد هذا الرجاء، فالله أكبر الّذي جعل لکلّ عسر يسرة، ولکلّ ضيق رخاء، ولکلّ فتنة
ص: 26
مخرجا، ولکلّ شدة فرجا .
فلاتيأسوا يا إخواني من روح الله، إنّه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ولا تحسبوا قوة الظالمين وسلطة الكافرين شيئاً، فإنّهم على شفا حفرة الهلاك والدمار، وعن قريب يزول ملكهم، ويبور سعيهم.
وإن أمعنت النظر يا أخي في كتاب ربّك القرآن الكريم وفي الأحاديث المروية عن نبيك والأئمة الطيبين من عترته، زاد رجاؤك بالمستقبل الزاهر، وبعد عنك اليأس والكسل، وليبعثك النشاط والأمل إلى السعي والعمل، ولادیت واجبك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولعرفت مسؤولياتك وما أنت مسؤول عنه قبال دينك وكتاب دينك وأحكامه، ولعرفت أن الّذي خلق العباد لا يهملهم سدى، ولا يتركهم في تيّار هذه الخسائر والمهالك، وأن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجّة إما ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً.
وتعرف أن البشرية ليست محكوماً عليها بالبؤس والشقاء والظلم وأن الأرض الله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين .
رسالة الإسلام : كما تعرف، وتيقن أن المبشَّر به في لسان الأنبياء، والكتب السماويّة، والقرآن الكريم والسنّة النبوية، والأحاديث المرويّة عن العترة الطاهرة، والآثار المخرجة عن الصحابة هو «ابن الإمام الحسن العسكري بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسی بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب علیهم السلام » وهو الإمام الثاني عشر، والعدل المشتهر، وصاحب الزمان أرواح العالمين له الفداء.
فالله لا يخلف الميعاد، وهو أصدق القائلين حيث يقول :
«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ »(1)
ص: 27
وقال تعالى جده :«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا »(1)
وقال عز اسمه: «إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ» (2) وقال تبارك وتعالى:«وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ *إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ *فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ »(3)
وقال رسول الله الصادق المصدَّق : لا تقوم الساعة حتّی تملأ الأرض ظلماً وجوراً وعدواناً ، ثمّ يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً . (4)
وقال صلی الله علیه وآله وسلم : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّی يملك رجل من أهل بيتي يظهر الإسلام، ولا يخلف وعده، وهو على وعده قدير . (5)
وقال صلی الله علیه وآله وسلم : لو لم يبق من الدنيا إلا يومٌ واحدٌ لطول الله ذلك اليوم حتّی يخرج رجل من أمتّي، يواطئ إسمه إسمي، وکنیته کنیتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً .منتخب الأثر: 149 ح 23، 150 ح26، 169 ح 80.
وقال صلی الله علیه وآله وسلم : أبشروا بالمهدي - قالها ثلاثاً - يخرج على حين اختلاف من الناس وزلزال شدید، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، يملأ قلوب عباده عبادة ويسعهم عدله . منتخب الأثر: 149 ح 23، 150 ح26، 169 ح 80.
وقال صلی الله علیه وآله وسلم : الأئمة من بعدي إثنا عشر، أولهم أنت يا عليّ، وآخرهم القائم الّذي يفتح الله عزّ وجلّ على يديه مشارق الأرض ومغاربّها .(6)
ص: 28
وقال صلی الله علیه وآله وسلم في حديث أبي سعيد الخدري: الأئمة بعدي إثنا عشر، تسعة من صلب الحسين، والتاسع قائمهم، فطوبى لمن أحبهم .(1)
وقال صلی الله علیه وآله وسلم : إن عليا إمام أمتّي من بعدي، ومن ولده القائم المنتظر الّذي إذا ظهر يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جوراً وظلماً، والّذي بعثني بالحقّ بشيراً ونذيراً إن الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر .
فقام إليه جابر بن عبدالله الأنصاري، فقال : يا رسول الله لولدك القائم غيبة؟
قال : إي وربّي ليمحّصنّ الّذين آمنوا ويمحقّ الكافرين.
يا جابر ، إن هذا الأمر من أمر الله وسرّ من سرّ الله ، مطويّ من عباد الله وإيّاك والشكّ فيه فإنّ الشكّ في أمر الله عزّ وجلّ كفر .(2)
وقال صلی الله علیه وآله وسلم : والّذي نفسي بيده إنّ مهديّ هذه الأمة الّذي يصلّي عیسی خلفه منّا ثمّ ضربّ يده على منكب الحسين علیه السلام ، وقال : من هذا، من هذا .(3)
وقال أمیرالمؤمنین علیه السلام : تنقض الفتن حتّی لا يقول أحد: (لا إله إلا الله) وقال بعضهم: لا يقال (الله الله) ثمّ ضربّ يعسوب الدين بذنبه ثمّ يبعث الله قوماً كقزع الخريف، وإني لأعرف إسم أمیرهم، ومناخ ركابهم . (4)
وقال علیه السلام : إن ابني هذا - يعني الحسين - السیّد كما سماه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وسيخرج من صلبه رجل باسم نبيكم، يخرج على حين غفلة من الناس، وإماتة الحقّ، وإظهار الجور، ويفرح لخروجه أهل السماء وسكّانها - إلى أن قال - يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.(5)
وقال في خطبة من خطبه : وليكونن من يخلفني في أهل بيتي رجل يأمر بأمر
ص: 29
الله، قوي، يحكم بحكم الله، وذلك بعد زمان مكلح مفصح يشتدّ فيه البلاء وينقطع فيه الرجاء، ويقبل فيه الرشاء - الخطبة . (1)
وقال في خطبة أخرى : فنحن أنوار السماوات والأرض، وسفن النجاة، وفينا مکنون العلم ، وإلينا مصير الأمور، وبمهديّنا تقطع الحجج، فهو خاتم الائمة ومنقذ الأمة . (2)
وقال الإمام السبط الأكبر الحسن المجتبی محدثاً عن أبيه عليّ بن أبي طالب أنه قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لا تذهب الدنيا حتّی يقوم بأمر أمتّي رجل من ولد الحسين يملا الدنيا عدلاً كما ملئت ظلماً .(3)
وقال سیّدنا أبو الشهداء و سیّد أهل الإباء أبو عبدالله الحسین علیه السلام :
منّا اثنا عشر أولهم أمیرالمؤمنین عليّ بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي وهو القائم بالحقّ، يحيي الله به الأرض بعد موتها، ويظهر به دین الحقّ على الدين كله، ولو كره المشركون، له غيبة يرتد فيها قوم، ويثبت على الدين فيها آخرون فيؤذون، ويقال لهم : «مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ» .
أما إن الصابرين في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهدين بالسيف بين يدي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم . (4)
وقال الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين علیه السلام في حديث رواه عنه أبو خالد:
تمتد الغيبة بولی الله عزّ وجلّ الثاني عشر من أوصياء رسول الله والأئمة بعده يا أبا خالد، إن أهل زمان غیبته القائلين بإمامته، والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل کلّ زمان، لأن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين
ص: 30
يدي رسول الله بالسيف، أولئك هم المخلصون حقاً وشیعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله عزّ وجلّ سراً وجهراً، وقال : إنتظار الفرج من أفضل العمل . (1)
وقال الإمام أبو جعفر محمّد الباقر علیه السلام - في حديث - : إن قائمنا هو التاسع من ولد الحسين علیه السلام الأئمة بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إثنا عشر الثاني عشر هو القائم . (2)
وقال الإمام أبو عبدالله جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام :
إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي، وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أولهم أمیرالمؤمنین عليّ بن أبي طالب وآخرهم القائم بالحقّ بقية الله في الأرض وصاحب الزمان، الحديث.(3)
وفي حديث آخر، قال : هو الخامس من ولد ابني موسى، ذلك ابن سیّدة الإماء يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون، ثمّ يظهره الله عزّ وجلّ فيفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربّها، وينزل روح الله عیسی بن مریم علیه السلام فيصلي خلفه فتشرق الأرض بنور ربّها، ولا تبقى في الأرض قطعة عبد فيها غير الله عزّ وجلّ إلا عبد الله عزّ وجلّ فيها، ويكون الدين كله لله، ولو كره المشركون.(4)
وقال الإمام أبو إبراهيم موسی بن جعفر الكاظم علیه السلام - في حديث -:
القائم الّذي يطهر الأرض من أعداء الله ، ويملاها عدلا كما ملئت جوراً ، هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوام، ويثبت فيها آخرون.
ثمّ قال علیه السلام : طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا، والبراءة من أعدائنا ، أولئك منا ونحن منهم، الحديث.(5)
ص: 31
وقال الإمام أبو الحسن عليّ بن موسی الرضا علیه السلام - في حديث -:
الإمام بعدي إبني محمّد، وبعد محمّد ابنه علي، وبعد عليّ ابنه الحسن وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم، وهو المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره، فيملا الأرض قسطا كما ملئت جوراً وظلماً. (1)
وقال الإمام أبو جعفر محمّد بن عليّ الجواد علیه السلام :
إن القائم منّا هو المهدي الّذي يجب أن ينتظر في غيبته، ويطاع في ظهوره وهو الثالث من ولدي، والّذي بعث محمّداً بالنبوّة، وخصّنا بالإمامة، إنّه لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتّی يخرج فيه، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً - إلى أن قال -:
أفضل أعمال شیعتنا انتظار الفرج .(2)
وقال الإمام أبو الحسن عليّ بن محمّد الهادي علیه السلام :
الإمام بعدي الحسن ابني، وبعد الحسن ابنه القائم الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً . (3)
وقال الإمام أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكري علیه السلام :
أما إن لولدي غيبةً يرتاب فيها الناس إلا من عصمه الله .
وقال في حديث آخر:
أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقّاتون، فكأنّي أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة .(4)
وممّا وجد بخطه علیه السلام : أعوذ بالله من قوم حذفوا محكمات الكتاب، ونسوا الله ربّ الأربّاب، والنبي، وساقي الكوثر في مواطن الحساب، ولظى والطامّة الكبرى، ونعيم يوم المآب .
ص: 32
فنحن السنام الأعظم، وفينا النبوة والإمامة والكرم، ونحن منار الهدى، والعروة الوثقى، والأنبياء كانوا يغترفون من أنوارنا، ويقتفون آثارنا، وسيظهر الله مهديّنا على الخلق، والسيف المسلول لإظهار الحقّ.
وهذا بخط الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسی بن جعفر بن محمّد ابن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام .(1)
هذا غيض من فيض، وقطرة من بحر، وقليل من كثير ، ومن سیر کتب الأحاديث والجوامع المعتمدة يعرف أن النبیّ والأئمة من أهل بيته علیهم السلام بشروا الناس بظهور المهدي علیه السلام في البشائر المؤكدة الصريحة المتواترة، وأن ذلك كان عقيدة السلف من عصر النبیّ والصحابة وقام اتفاق المسلمين عليه، ولا اعتناء بمناقشة البعض في بعض الخصوصيات والصفات، لقلة مصادره أولبعض الأغراض والدعايات بعد ماورد فيه من الأحاديث المعينة لشخصه وصفاته ونسبه
وقد أخرج محدثوا الفريقين من أربّاب الجوامع والكتب هذه الأحاديث عن جمع من الصحابة، مثل:
(1) أمیرالمؤمنین عليّ علیه السلام .
(2) وسیّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء علیهاالسلام .
(3) والإمام الحسن المجتبى علیه السلام .
(4) والإمام الحسين سیّد الشهداء علیه السلام .
(5) وأم سلمة.
(6) وعائشة .
(7) وعبدالله بن مسعود .
(8) وعبدالله بن عباس .
(9) وعبدالله بن عمر.
(10) وعبدالله بن عمرو .
(11) وسلمان.
(12) وأبي أيوب الأنصاري .
(13) وأبي عليّ الهلالي .
(14) وجابر بن عبدالله الأنصاري
ص: 33
(15) وجابر بن سمرة .
(16) وثوبان .
(17) وأبي سعيد الخدري .
(18) وعبدالرحمان بن عوف .
(19) وأبي سلمى.
(20) وأبي هريرة.
(21) وأنس بن مالك.
(22) وعوف بن مالك .
(23) وحذيفة بن اليمان .
(24) وأبي ليلى الأنصاري .
(25) وجابر بن ماجد الصدفي .
(26) وعدي بن حاتم.
(27) وطلحة بن عبيدالله .
(28) وقرة بن إياس المزني .
(29) وعبدالله بن الحارث .
(30) وأبي أمامة .
(31) وعمرو بن العاص .
(32) وعمّار بن یاسر .
(33) وأبي الطفيل .
(34) و أويس الثقفي .
كما أخرج أكابر أهل السنّة من حفّاظهم ومحدثيهم طوائف كثيرة من هذه الأحاديث في مسانیدهم وسننهم وصحاحهم، وجوامعهم فقلّما يوجد کتاب حديث لم تكن فيه رواية أو أثر في المهدي علیه السلام فإليك أسماء بعض كتبهم :
(1) مسند أحمد.
(2) السنن الترمذي .
(3و4) کنز العمال ومنتخبه لعليّ المتقي الهندي المكي.
(5) سنن أبي داود.
(6) سنن ابن ماجة .
(7) صحیح مسلم.
(8) صحيح البخاري .
(9) ينابيع المودة للقندوزي .
(10) مودة القربى للهمداني .
(11) فرائد السمطين للحمويني الشافعي .
(12 و 13) المناقب والمقتل للخوارزمي .
(14) الأربعين للحافظ ابن أبي الفوارس .
(15) مصابیح السنّة للبغوي .
(16) التاج الجامع للأصول للشيخ منصور عليّ ناصف .
ص: 34
(17) الصواعق لابن حجر .
(18) جواهر العقدين للسمهودي
(19) السنن للبيهقي .
(20) الجامع الصغير للسيوطي .
(21) جامع الأصول لابن الأثير .
(22) تيسير الوصول لابن الدبيع الشيباني .
(23) المستدرك للحاكم.
(26 - 24) المعجم الكبير، والأوسط، والصغير للطبراني .
(27) الدرّ المنثور للسيوطي.
(28) نور الأبصار للشبلنجي .
(29) إسعاف الراغبين للصبان.
(30) مطالب السؤول لمحمّد بن طلحة الشافعي .
(31) تاريخ إصبهان لابن مندة .
(32 و 33) تاريخ إصبهان، وحلية الأولياء لأبي نعيم .
(34، 35) تفسير الثعلبي، والعرايس له .
(36) فردوس الأخبار للديلمي.
(37) ذخائر العقبی لمحب الدين الطبري .
(38) تذکرة الخواص للسبط ابن الجوزي .
(39) فوائد الأخبار لأبي بكر الإسكاف .
(40) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد.
(41) الغرائب للنيسابوري .
(42) تفسير الفخر الرازي.
(43) نظرة عابرة للكوثري .
(44) البيان والتبيين للجاحظ.
(45) الفتن للنعيم التابعي .
(46) العوالي لابن حاتم.
(47) تلخيص الخطيب .
(48) بدائع الزهور لمحمّد بن أحمد الحنفي .
(49) الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي .
(50) تاریخ ابن عساکر .
(51) السيرة الحلبية لعليّ بن برهان الدين الحلبي .
ص: 35
(52) السنن لأبي عمرو الداني.
(53) السنن للنسائي .
(54) الجمع بين الصحيحين للعبدري.
(55) فضائل الصحابة للقرطبي .
(56) تهذيب الآثار للطبري.
(57) المتفق والمفترق للخطيب .
(58) تاریخ ابن الجوزي.
(59) الملاحم لابن منادي .
(60) الفوائد لأبي نعيم.
(61) أسد الغابة لابن الأثير .
(62) الإعلام بحكم عیسی علیه السلام للسيوطي.
(63) الفتن لأبي يحيی
(64) کنوز الحقّائق للمناوي.
(65) الفتن للسليلي.
(66) عقيدة أهل الإسلام للغماري.
(67) صحيح ابن حبان .
(68) مسند الروياني.
(69) المناقب لابن المغازلي .
(70) مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصبهاني . (1)
(71) الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي .
(72) غاية المأمول للشيخ منصور عليّ ناصف .
(73) شرح سيرة الرسول لعبدالرحمان الحنفي السهيلي .
(74) غريب الحديث لابن قتيبة.
(75) سنن أبي عمر المقري .
(76) التذكرة لعبدالوهاب الشعراني.
(77) الإشاعة للبرزنجي المدني .
(78) الإذاعة للسیّد محمّد صدیق حسن.
(79) الإستيعاب لابن عبد البر .
(80) مسند أبي عوانة.
(81) مجمع الزوائد للهيثمي .
(82) لوامع الأنوار البهية للسفاريني الحنبلي .
(83) حجج الكرامة للسیّد محمّد صديق .
(84) إبراز الوهم المكنون له.
(85) مسند أبي يعلى .
ص: 36
(86) الإفراد للدارقطني.
(87) المصتف للبيهقي .
(88) الحربّيات لأبي الحسن الحربّي .
(89) نظم المتناثر من الحديث المتواتر لمحمّد بن جعفر الكناني .
(90) التصريح بما تواتر في نزول المسيح للشيخ محمّد أنور الكشميري .
(91) إقامة البرهان للغماري.
(92) المنار لابن القيم
(93) معجم البلدان الياقوت الحموي.
(94) مقاليد الكنوز لأحمد محمّد شاكر.
(95) شرح الديوان للميبدي .
(96) مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي.
(97) مناقب الشافعي لمحمّد بن حسن الأسنوي .
(98) مسند بزار .
(99) دلائل النبوة للبيهقي .
(100) جمع الجوامع للسيوطي .
(101) تلخيص المستدرك للذهبي .
(102) الفتوح لابن اعثمّ الكوفي .
(103) لوامع العقول للكشخانوي .
(104) تلخيص المتشابه للخطيب .
(105) شرح ورد السحر لأبي عبد السلام عمر الشبراوي.
(106) التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح للشوكاني .
(107) الهدية الندية للسیّد مصطفى البكري .
(108) شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني .
(109) روح المعاني للآلوسي.
(110) لسان المیزان : لإبن حجر .
(111) أرجح المطالب : للشيخ عبيدالله آمرّ تسري الهندي الحنفي .
(112) نهاية البداية والنهاية : لابن كثير الدمشقي المتوفى سنّة 774 .
ص: 37
ولا يخفى عليك أيضاً أن للقوم في المهدي المنتظر وما يرجع إليه كتباً مفردة لا بأس بذكر أسماء بعضها ممّا اطلعت عليها . فمنها :
1- البرهان في علامات مهدي آخر الزمان : للعالم الشهير ملا عليّ المتقي المتوفى سنّة 975.
2- البيان في أخبار صاحب الزمان : للكنجي الشافعي المتوفى سنّة 658.
3- عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر : لجمال الدین یوسف الدمشقي من أعلام القرن السابع.
4- مناقب المهدي علیه السلام : لأبي نعيم الأصبهاني المتوفى سنّة 430.
5- القول المختصر في علامات المهدي المنتظر : لابن حجر المتوفى سنّة 974
6- العرف الوردي في أخبار المهدي : للسيوطي المتوفى سنّة 911.
7- مهدي آل الرسول : لعليّ بن سلطان محمّد الهروي الحنفي .
8- فوائد الفكر في ظهور المهدي المنتظر : للشيخ مرعي .
9- المشربّ الوردي في مذهب المهدي: لعليّ القاري.
10- فرائد فوائد الفكر في الإمام المهدي المنتظر : للمقدسي.
11۔ منظومة القطر الشهدي في أوصاف المهدي : الشهاب الدين أحمد الخليجي الحلواني الشافعي.
12- العطر الوردي بشرح القطر الشهدي: للبليسي .
13- تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزمان : لابن كمال باشا الحنفي المتوفى سنّة 940.
14- إرشاد المستهدي في بعض الأحاديث والآثار الواردة في شأن الإمام المهدي : لمحمّد عليّ حسين البكري المدني.
15- أحاديث المهدي، وأخبار المهدي : لأبي بكر بن خيثمة .
16- الأحاديث القاضية بخروج المهدي : لمحمّد بن إسماعيل الأمیر اليماني المتوفى سنّة 751.
ص: 38
17- الهدية الندية فيما جاء في فضل ذات المهدية : لقطب الدین مصطفی بن كمال الدين عليّ بن عبدالقادر البكري الدمشقي الحنفي، المتوفى 1162.
18- الجواب المقنع المحرر في الرد على من طغى وتجبر بدعوى أنه عیسی أو المهدي المنتظرة للشيخ محمّد حبیب الله بن مایابي الجكني الشنقيطي المدني.
19- النظم الواضح المبين : للشيخ عبدالقادر بن محمّد سالم.
20- أحوال صاحب الزمان : للشيخ سعد الدين الحموي.
21- الأربعين من أحاديث المهدي : لأبي العلاء الهمداني، كما في ذخائر العقبی
22- تحديق النظر في أخبار المهدي المنتظر : لمحمّد بن عبدالعزيز بن مافع (كما في مقدمة الينابيع).
23- تلخيص البيان في أخبار مهدي آخر الزمان : لعليّ المتقي.
24 - الرد على من حكم وقضى بأن المهدي جاء ومضي : لملاّ عليّ القاري المتوفى سنّة 1014.
25- علامات المهدي: للسيوطي.
26۔ المهدي : لشمس الدين بن قيم الجوزية، المتوفى سنّة 751.
27 - المهدي : إلى ما ورد في المهدي : لشمس الدين محمّد بن طولون.
28 - النجم الثاقب في بيان أن المهدي من أولاد عليّ بن أبي طالب.
29- الهدية المهدوية : لأبي الرجاء محمّد الهندي.
30- کتاب المهدي: لأبي داود صاحب السنن .
31- الفواصم عن الفتن القواصم، كما ذكر في السيرة الحلبية ج1 ص227.
32- رسالة في المهدي علیه السلام : لابن كثير الدمشقي .
33- كلمتان هامّتان. 1- نصف شعبان. 2- والمهدي المنتظر : لمحمّد زكي إبراهيم المعاصر .
ص: 39
34- رسالة في رد من أنكر أن عيسى علیه السلام إذا نزل يصلي خلف المهدي صلاة الصبح : للسيوطي.
35- فصل الحكم بالعدل وفضل الإمام العادل .
ثمّ اعلم أنه مضافاً إلى ماذكر قد صرح جمع من أكابر أهل السنّة بتواتر أحاديث المهدي علیه السلام وباتفاق المسلمين على ظهوره .
كما قد صرح جمع منهم بأنه هو ابن الإمام الحسن العسكري علیه السلام وصرحوا بولادته وتاريخه، وغيبته وبقائه حيّاً إلى أن يظهره الله تعالى .(1)
هذا مختصر الكلام في شأن الموضوع عند أهل السنّة، وكمال اعتناء أكابرهم وعلمائهم به، وأما الشيعة الإثنا عشرية فأحاديثهم ومقالاتهم وكتبهم في ذلك أكثر من أن تحصی. (2)
نذكر نموذجاً منها في مقدمة هذا الكتاب الّذي بين يديك کتاب :
«مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم علیه السلام »
الكتاب الّذي يعربّ عن طول باع مؤلّفه وسعة تتبعه وتفكيره لم نعرف له نظيراً في بابه، ولم نطلع في ما كتب حول المهدوية على كتاب مفرد في آداب الدعاء للمهدي علیه السلام وفوائده غير هذا الكتاب، ولقد أدى مؤلّفه العلّامة حقّ التأليف، والتنقيب حول ذلك، وبين تكاليف الرعية بالنسبة إليه علیه السلام.
ص: 40
وهذا الكتاب الشريف وإن صنف في فوائد الدعاء لمولانا القائم أرواحنا فداه ولكنه موسوعة كبيرة في کلّ ما يتعلق به علیه السلام ممّا هو مذكور في كتب الأحاديث والجوامع الكبيرة المعتمدة، ولو أسماه «موسوعة الإمام المهدي أو موسوعة المهدي المنتظر» لكان أيضاً بذلك جدير، ووقع الإسم على المسمى.
فلله درّ مؤلّفه البارع المخلص الوليّ الوفيّ لإمامه ، العلّامة الحجّة الآية «السیّد محمّد تقي الموسوي» وعليه أجره و برّه فيما تحمّل في سبيل إخراج هذا الأثر الجليل من العناء الّذي لا يعرفه إلا الأوحدي من أهل التأليف والتنقيب.
فهنيئاً له لتأليف هذا الكتاب ما أكرمه الله من التوفيق الّذي لا يكرم به إلا أهل الإخلاص والوفاء، وذوي النيات الصادقة، والقلوب السليمة، والمتمسکین بحبل العترة الهادية .
فاعرف يا أخي قدر هذا الكتاب واقرأه بکلّ إمعان ، فأنت تجد فيه کلّ ما تريد أن تعرفه من شؤون المهدي علیه السلام ، وحياته الغالية العزيزة، وتاريخه، وسماته وصفاته . فاقرأه حتّی تعرف أن واجب کلّ مسلم أن يكون دائما في السير والحركة حتّی يصل هو والعالم إلى نقطة الكمال، ولا تقاعد ولا تكاسل عن العمل حتّی يملأ الله الأرض به قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجوراً.
فالدعاء له يجب أن يكون عوناً للجهاد والعمل الدائب في تحقيق أهدافه ومقاصده، فمن اتکلّ على الدعاء وترك العمل خاب وضلّ، ومن اتکلّ على العمل و ترك الدعاء كان من الخاسرين . قال الله تعالى: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ »(1)
وقال جلّ وعز: «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ»(2).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
لطف الله الصافي الگلپایگانی
5 جمادی الثانية 1398
ص: 41
ص: 42
بسم الله الرحمن الرحيم
(وهو حسبي)
یا من حارت في كبرياء هويته دقائق لطائف الأوهام، وانحسرت دون إدراك عظمته خطائف أبصار الأنام، يا من عنت الوجوه لهيبته، وخضعت الرقاب العظمته، ووجلت القلوب من خيفته ، ربّ أنت في الدارين رجائي، جلّ قدسك عن ثنائي، سبحانك لا أبلغ حمدك، ولا أحصي ثناءك، أنت كما أثنيت على نفسك، وفوق ما يقول القائلون. أحمدك على تظافر نعمائك، وتكاثر آلائك وأُصلّي وأُسلم على خاتم أنبيائك، وأفضل أصفيائك محمّد وآله المعصومين حججك وأمنائك؛ ولاسيما المدخر للإنتقام من أعدائك، الّذي بفرجه فرج اولیائك، واللعنة الدائمة المضاعفة على أعدائهم أعدائك.
أما بعد، فيقول العبد المذنب الضعيف الخاطئ المهجور اللهيف الغريق في بحر الأماني، محمّد تقي، ابن العالم الربّاني والحبر الصمداني مولاي الميرزا عبدالرزاق الموسوي الإصفهاني عفى الله عن جرائمهما، وجمع الله تعالی بينهما وبين إمامهما.
إن أحقّ الأمور وأوجبها عقلاً و شرعاً أداء حقّ من له حقّ عليك (1)، ومكافاة من أحسن إليك، ولا ريب أن أعظم الناس حقّاً علينا (2) وأوفرهم إحساناً إلينا وأكثرهم منناً ونعماً لدينا، من جعل الله تعالى معرفته تمام دیننا، والإذعان له
ص: 43
مکمّل یقیننا، وانتظار فرجه أفضل أعمالنا، وزيارته غاية آمالنا، أعني «صاحب الزمان»، وحامل راية العدل والإحسان، وماحي آثار الكفر والطغيان .
الّذي أمرنا بمتابعته، ونهينا عن تسميته، ثاني عشر الأئمة المعصومين، وخاتم الأوصياء المرضيين، القائم المنتظر الرضي ابن الزكي الحسن العسكري عجلّ الله تعالی فرجه، وسهل مخرجه، ولا فرق بيننا وبينه في الدنيا والآخرة.
لمؤلّفه
بنفسي مَن مِن هجره أنا ضائل***ومن اللواء الفتح والنصر حامل
بنفسي إماماً قائماً غاب شخصه***وليس له في العالمين ممّاثل
بنفسي من يحيي شريعة جدّه***ويقضي بحكم لم يرمه الأوائل
ويجتث أصل الظالمين وفرعهم***ويحيي به رسم العليّ والفضائل
فيا ربّ عجلّ في ظهور إمامنا***وهذا دعاء للبرية شامل
وحيث أنا لا نقدر على أداء حقوقه على التحقيق، وشكر وُجُوده وجوده كما يليق، وجب علينا الإستباق إلى الميسور، فإنّه لا يسقط بالمعسور.
وأفضل الأمور في زمان غیبته انتظار فرجه، والدعاء له، والمسابقة إلى ما يسره، ويزلف لديه، ويتقرب به إليه.
وقد ذكرت في الباب الثامن من كتاب أبواب الجنات في آداب الجمعات(1) نيفاً وثمانين فائدة من الفوائد الدنيوية والأخروية المترتبة على الدعاء لفرجه علیه السلام .
ص: 44
ثمّ سنح لي أن أفرد لذلك كتاباً يشتمل على تلك الفوائد، وينظم فيه تلك الفرائد، فعاقني عن ذلك نوائب الزمان، وتوارد الأحزان، حتّی تجلی لي في المنام من لا أقدر على وصفه بالقلم والكلام، أعني مولاي وإمامي المنتظر وحبيب قلبي المنکسر، وقال لي ببيان أبهج من وصل الحبيب، وأهيج من صوت العندليب، ما لفظه:
این کتاب را بنويس وعربّي هم بنویس و نام او را بگذار :
«مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم»
فانتبهت کالعطشان، وأسفت أسف اللهفان، وعزمت إطاعة أمره الأعلى وقلت : كلمة الله هي العليا؛
ثمّ لم يساعدني التوفيق حتّی سافرت في العام الماضي 1330، وهي السنّة المتممة للثلاثين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة إلى البيت العتيق، ولما تأطّم هنالك الوباء، وتلاطم اللأواء
عاهدت الله جلّ جلاله، وعمّ نواله إن يخلّصني من المهالك، ويسهّل لي إلى وطني المسالك - أشرع في تصنيف ذلك .
ص: 45
فمنّ عليَّ بالسلامة ممّا كنت أخاف، وكم له لدي من المواهب والألطاف فشرعت فيه إمتثالا لقوله عز من قائل:
«وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ»(1)
وقوله المطاع الاعلى:
«وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا »(2)
فدونك كتاباً ک-
«فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ*قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ » (3)
«لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً*فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ »(4)
لها أبواب ثمانية
«لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ » (5)
ونختمه بخاتمة فوائدها دائمة
«لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ»(6)
«خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ »(7)
«لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ»(8)
ص: 46
ويدل على ذلك(1) العقل والنقل :
أما الأول : فلأن العلل المحوجة إلى وجود النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم هي المحوجة إلى وجود الوصي علیه السلام بعد وفاة النبي، والجهة الموجبة للرجوع إلى النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم هي الموجبة للرجوع إلى الوصي بعينها، فيجب على الله تعالی نصبه، وعلى الناس معرفته، لتوقف اتباعه على معرفته . (2)
ص: 47
ص: 48
وأما الثاني : فمتواتر لكنا نذكر نبذاً ممّا رواه ثقة الاسلام محمّد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) في الكافي روماً للإختصار:
1- فمنها : في الصحيح عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله علیه السلام في قول الله عزّ وجلّ: «وللهِ الأسماءُ الحسنی فادعُوهُ بِها» (1)قال :
نحن والله الأسماء الحسني التي(2) لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا .(3)
أقول: لعل التعبير عنهم بالأسماء لكونهم أدلاء على الله، وعلامات قدرته وجبروته ، كما أن الاسم علامة لصاحبه، دال عليه، والله تعالى هو العالم . ويشهد لذلك:
مارواه الكليني (رحمه الله) في الصحيح عن الرضا علیه السلام في قول الله عزّوجلّ :
«وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»(4)
قال علیه السلام : نحن العلامات ، والنجم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم .(5)
ص: 49
2- ومنها : في الصحيح عن العبد الصالح علیه السلام قال :
إن الحجّة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام حتّی يعرف(1). (2)
أقول: يشير إلى وجوب إقامة الحجّة على الله تعالى، وأن معرفته لا تتمّ إلا بوجود الإمام، فيجب معرفته على الناس ونصبه على الله.
3- ومنها : في الصحيح، عن أبي عبدالله علیه السلام - في خطبة له يذكر فيها حال الأئمة علیهم السلام وصفاتهم -:
إن الله عزّ وجلّ أوضح بأئمة الهدى من أهل بيت نبيّنا عن دينه، وأبلج (3) بهم عن سبيل منهاجه ، وفتح بهم عن باطن ينابيع علمه ، فمن عرف من أمّة محمّد صلی الله علیه وآله وسلم واجب حقّ إمامه وجد طعم حلاوة إيمانه، وعلم فضل طلاوة (4) إسلامه، لأن الله تبارك وتعالی نصب الإمام علماً لخلقه، وجعله حجّة على أهل مواده وعالمه (5) وألبسه الله تاج الوقار، وغشاه من نور الجبار، يمد بسبب إلى السماء، لا ينقطع عنه مواده ، ولا ينال ما عند الله إلا بجهة أسبابه، ولا يقبل الله أعمال العباد إلا
ص: 50
بمعرفته، فهو عالم بما يرد عليه من ملتبسات الدجى (1) ومعيات السنن ومشبهات (2) الفتن،
فلم يزل الله تبارك وتعالى يختارهم لخلقه من ولد الحسين علیه السلام من عقب کلّ إمام، يصطفيهم لذلك، ويجتبيهم، ويرضى بهم لخلقه ويرتضيهم، كلما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماماً، علماً بیناً، وهادياً نيراً، وإماماً قيماً، وحجّة عالمة، أئمة من الله «يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ» (3) حجج الله ودعاته، ورعاته على خلقه، يدين بهداهم العباد، وتستهل(4) بنورهم البلاد، وينمو ببركتهم التلاد (5).
جعلهم الله حياة للأنام، ومصابيح للظلام، ومفاتيح للكلام، ودعائم للإسلام، جرت بذلك فيهم مقادير الله على محتومها. .
فالإمام هو المنتجب المرتضی، والهادي المنتجي (6) والقائم المرتجی،
اصطفاه الله [تعالی] بذلك واصطنعه على عينه (7)في الذر (8)حين ذرأه، وفي البرية حين برأه ظلا قبل خلق نسمة عن يمين عرشه، محبواً (9)بالحكمة في علم الغيب عنده، اختاره بعلمه، وانتجبه لطهره،
بقية من آدم علیه السلام وخيرة من ذرية نوح علیه السلام و مصطفی من آل إبراهيم علیه السلام ، وسلالة من إسماعيل علیه السلام ، وصفوة من عترة محمّد صلی الله علیه وآله وسلم .
لم يزل مرعيّاً بعين الله، يحفظه ويكلؤه بستره، مطروداً عنه حبائل إبليس
ص: 51
وجنوده، مدفوعاً عنه وقوب الغواسق (1)، ونفوث کلّ فاسق، مصروفاً عنه قوارف(2) السوء، مبرءاً من العاهات، محجوباً عن الآفات ، معصوماً من الزلات مصوناً(3) عن الفواحش كلها، معروفاً بالحلم والبر في يفاعه(4) منسوباً إلى العفاف .. والعلم والفضل عند انتهائه ، مسنداً إليه أمر والده، صامتاً عن المنطق في حياته .
فإذا انقضت مدة والده إلى أن انتهت به مقادير الله إلى مشيته، وجاءت الإرادة من الله فيه إلى محبته، وبلغ منتهي مدة والده علیه السلام فمضى، وصار أمر الله إليه من بعده، وقلده دينه، وجعله الحجّة على عباده، وقيمه في بلاده ، وأيده بروحه، وآتاه علمه، وأنبأه فصل بیانه، واستودعه سره، وانتدبه (5) لعظیم أمره، وأنبأه فضل بیان علمه، ونصبه علما لخلقه، وجعله حجّة على أهل عالمه، وضياء لأهل دينه، والقيم على عباده، رضي الله به إماماً لهم، استودعه سره، واستحفظه علمه، واستخبأه (6) حكمته، واسترعاه لدينه، وانتدبه لعظيم أمره، وأحيا به مناهج سبيله، وفرائضه وحدوده، فقام بالعدل - عند تحير أهل الجهل، وتحيير أهل الجدل - بالنور الساطع، والشفاء النافع، بالحقّ الأبلج والبيان اللائح من کلّ مخرج، على طريق المنهج، الّذي مضى عليه الصادقون من آبائه علیه السلام فليس يجهل حقّ هذا العالم إلا شقي، ولا يجحده إلآ غوي، ولا يصد عنه إلا جري على الله جلّ وعلا. إنتهى بطوله .(7)
ص: 52
4- ومنها : بسند الصحيح أو الصحيح على بعض الوجوه عن أحدهما علیهماالسلام أنه قال : لا يكون العبد مؤمنا حتّی يعرف الله ورسوله والأئمة علیهم السلام كلهم وإمام زمانه ويرد إليه و يسلم له، ثمّ قال : كيف يعرف الآخر وهو يجهل الأول؟ !(1)
5- ومنها : في الصحيح عن زرارة، قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام :
أخبرني عن معرفة الإمام منکم واجبة على جميع الخلق؟
فقال : إن الله عزّ وجلّ بعث محمّداً صلی الله علیه وآله وسلم إلى الناس أجمعين رسولاً وحجّة الله على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن بالله وبمحمّد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم واتبعه وصدّقه، فإن معرفة الإمام منا واجبة عليه، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتبعه ولم يصدقه، ويعرف حقهما(2) ، فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقهما .(3)
أقول: يريد أن وجوب معرفة الله ورسوله مقدم رتبة على وجوب معرفة الإمام، لا نفي وجوب معرفة الإمام عمن لا يعرف الله ورسوله.
6- ومنها : في الصحيح عن محمّد بن مسلم، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: کلّ من دان الله عزّ وجلّ بعبادة يجهد فيها نفسه، ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحير، والله شانئ لأعماله (4) ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها، فهجمت ذاهبة وجائية يومها، فلمّا جتها الليل بصرت بقطيع مع غير راعيها، فحنت إليها، واغترت بها، فباتت معها في ربّضتها (5)فلمّا أن ساق الراعي قطيعه، أنکرت راعيها وقطيعها فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها ، فبصرت بغنم مع راعيها فحبيت إليها ، واغترت بها، فصاح
ص: 53
بها الراعي: الحقّي براعيك وقطيعك، فإنك تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك فهجمت ذعرة (1)، متحيرة نادةً (2)لا راعي لها يرشدها إلى مرعاها ، أو يردها، فبينا هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها، وكذلك والله يا محمّد؛
من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عزّ وجلّ، ظاهراً عادلاً ، أصبح ضالاً تائهاً، وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق.
واعلم يا محمّد، أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا، فأعمالهم التي يعملونها«كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ »(3). (4)
قوله علیه السلام : طاهراً إن كان بالمهملة، فالمعنى طاهر عن الأرجاس والذنوب وهو معنی کونه معصوماً،
وإن كان بالمعجمة، فالمعنى ظاهر وجوده وحجّيّته بالدلائل الواضحة ، والعلائم اللائحة، وإن كان شخصه غائباً عن الأبصار القاصرة .(5)
7- ومنها: بسند کالصحيح أو الصحيح على بعض الوجوه، عن أبي جعفر علیه السلام قال :
إنما يعرف الله عزّ وجلّ ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منّا أهل البيت،
ص: 54
ومن لا يعرف الله عزّ وجلّ و«لا» يعرف الإمام ما أهل البيت فإنما يعرف ويعبد غير الله، هكذا والله ضلالا.(1)
8- ومنها : في الصحيح عنه علیه السلام قال :
ذروة الأمر وسنامه(2)، ومفتاحه ، وباب الأشياء (3)ورضى الرحمان تبارك وتعالى الطاعة للإمام بعد معرفته،
ثمّ قال : إن الله عزّ وجلّ يقول : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا » (4)
أما لو أن رجلا قام ليله، وصام نهاره، وتصدق بجميع ماله، وحج جميع دهره، ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ، ماكان له على الله حقّ في ثوابه، ولا كان من أهل الإيمان . (5)
9- ومنها : في الصحيح عن عيسى بن السري أبي اليسع، قال:
قلت لأبي عبدالله علیه السلام : أخبرني بدعائم الإسلام التي لا يسع أحداً التقصير عن معرفة شيء منها، الّذي من قصر عن معرفة شيء منها فسد عليه دينه، و لم يقبل الله منه عمله، ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه، وقبل منه عمله، و لم يضق(6) به ممّا هو فيه لجهل شيء من الأمور جهله؟
فقال : شهادة أن لا إله إلا الله، والإيمان بأن محمّدا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؛
والإقرار بما جاء به من عند الله وحقّ في الأموال الزكاة ؛
والولاية التي أمر الله عزّ وجلّ بها: ولاية آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم .
ص: 55
قال : فقلت له : هل في الولاية شيء(1) دون شيء فضل يعرف لمن أخذ به؟
قال: نعم، قال الله عزّ وجلّ:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »(2)
وقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية
وكان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وكان عليّاً وقال الآخرون : كان معاوية ،
ثمّ كان الحسن، ثمّ كان الحسين
وقال الآخرون: یزید بن معاوية و حسین بن علي، ولا سواء ولا سواء .
قال : ثمّ سكت علیه السلام ، ثمّ قال : أزيدك؟
فقال له حكم الاعور: نعم، جعلت فداك ؛
قال : ثمّ كان عليّ بن الحسين، ثمّ كان محمّد بن عليّ أبا جعفر
ص: 56
وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر علیه السلام وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم، حتّی كان أبو جعفر ففتح لهم، وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم، حتّی صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلى الناس؛ وهكذا يكون الأمر، والأرض لا تكون إلا بإمام، ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية،
وأحوج ما تكون إلى ما أنت عليه، إذ بلغت نفسك هذه - وأهوى بيده إلى حلقه - وانقطعت عنك الدنيا، تقول: لقد كنت على أمر حسن. (1)
10- ومنها : في الصحيح عن الحارث بن المغيرة، قال :
قلت لأبي عبدالله علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ؟ قال : نعم، قلت : جاهلية جهلاء، أو جاهلية لا يعرف إمامه؟
قال علیه السلام : جاهلية كفر و نفاق وضلال. (2)
أقول : الأحاديث الواردة في هذا الباب كثيرة جداً.
11- ومنها : ما روي في كمال الدين : عن أبي الحسن موسی علیه السلام قال :
من شك في أربعة فقد کفر بجميع ما أنزل الله تبارك وتعالى، أحدها : معرفة الإمام في کلّ زمان و أوان بشخصه ونعته.(3)
12- وفيه : أيضاً عن الصادق ، عن آبائه علیهم السلام عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال :
من أنكر القائم من ولدي في زمان غیبته مات ميتة جاهلية . (4)
وفيه : عنه علیه السلام عن آبائه ، عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال :
من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني .(5)
ص: 57
13- وفي غيبة النعماني : بإسناده عن الصادق علیه السلام قال :
من بات ليلة لا يعرف فيها إمام زمانه مات ميتة جاهلية .(1)
إلى غير ذلك من الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار .
وأما المراد من المعرفة التي يجب تحصيلها فسيأتي في صدر الباب الثامن(2) أن الواجب من المعرفة أمران:
أحدهما: معرفة شخص الإمام باسمه ونسبه، والثاني :
معرفة صفاته وخصائصه التي يمتاز بها عن غيره، فانتظر لتفصيله إن شاء الله
تنبيه :
قال المتأخرون من المجتهدين :
الخبر الصحيح ما كان راويه في کلّ طبقة عدلاً إمامياً،
وقال المتقدمون: هو ما حصل الاطمئنان بصدوره عن المعصوم،
ومرادي بالصحيح في هذا الباب، هو المعنى الأول، وكلما عبرت فيه :
بسند کالصحيح أو الصحيح على بعض الوجوه، فهو الصحيح بالمعنى الثاني .
ص: 58
إعلم - ثبتك الله وإيانا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة، وجمع بيننا وبين الخلف المنتظر من العترة الطاهرة - أنه لا طريق إلى إثبات الإمامة إلا النص وظهور المعجزة، وذلك لأن من شرط الإمام أن يكون معصوماً، وهي [واجبة] وإلا لا نتقض الغرض من نصبه، وهو محال، والأدلة على وجوب العصمة فيه كثيرة مذكورة في محلها، وهي كيفية نفسانية، ومرتبة خفية باطنية ، لايعلمها إلا الله تعالى شأنه ومن ألهمه الله تعالی علم ذلك، فالواجب على الله تعالی أن يعينه لعباده إما بالنص عليه على لسان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أو الإمام السابق عليه ، وإما بإجراء المعجزة على يديه، وإذا تعين الإمام من الله فالواجب على الناس أن يرجعوا إليه ويعتمدوا عليه: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا »(1) ويشهد لما ذكرنا الأحاديث المتواترة معنی :
ص: 59
14- منها: ما رواه الشيخ الثقة الجليل أحمد بن أبي طالب الطبرسي(1) في الإحتجاج، وهذا الحديث وإن كان طويلا لكنه يشتمل على فوائد جمة وأمور مهمة ويثبت إمامة مولانا بالنص والمعجزة، وأنه ليس للأمة في نصب الإمام خيرة، فلا غرو أن نذكره بطوله، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل قبوله.
قال رہ: إحتجاج الحجّة القائم المنتظر صاحب الزمان صلوات الله عليه وعلى آبائه :
سعد بن عبدالله القمي الأشعري قال : بلیت بأشد النواصب منازعة، فقال الي يوما بعد ما ناظرته: تباً لك ولأصحابك، أنتم معاشر الروافض تقصدون المهاجرين والأنصار بالطعن عليهم، وبالجحود لمحبّة النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم لهم، فالصديق هو فوق الصحابة بسبب سبق الإسلام،
ألا تعلمون أن رسول الله إنما ذهب به ليلة الغار لأنه خاف عليه كما خاف على نفسه! ولما علم أنه يكون الخليفة في أمته ، وأراد أن يصون نفسه كما يصون خاصة نفسه ، كي لا يختل حال الدين من بعده، ويكون الإسلام منتظماً، وقد أقام علياً على فراشه، لما كان في علمه أنه لو قتل لا يختل الإسلام بقتله، لأنه يكون من الصحابة من يقوم مقامه، لا جرم لم يبال من قتله !!
قال سعد: إني قلت على ذلك أجوبة، لكنها غير مسكتة ، ثمّ قال :
معاشر الروافض، تقولون أن الأول والثاني كانا ينافقان، وتستدلون على ذلك بليلة العقبة .
ثمّ قال لي: أخبرني عن إسلامهما، كان من طوع ورغبة، أو كان عن إكراه وإجبار؟ فاحترزت عن جواب ذلك، وقلت مع نفسي: إن كنت أجبته بأنه كان عن طوع، فيقول : لا يكون على هذا الوجه إيمانهما عن نفاق .
ص: 60
وإن قلت : كان عن إكراه وإجبار، لم يكن في ذلك الوقت للإسلام قوة حتّی يكون إسلامهما بإكراه وقهر .
فرجعت عن هذا الخصم على حال ينقطع كبدي، فأخذت طوماراً وكتبت بضعاً وأربعين مسالة من المسائل الغامضة التي لم يكن عندي جوابها ، فقلت :
ادفعها إلى صاحب مولاي أبي محمّد الحسن بن عليّ [العسكري] **** الّذي كان في قم، أحمد بن إسحاق، فلمّا طلبته كان هو قد ذهب، فمشيت على أثره فأدركته، وقلت الحال معه.
فقال لي: جئ معي إلى سر من رأى، حتّی نسأل عن هذه المسائل مولانا الحسن بن عليّ علیه السلام ، فذهبت معه إلى سر من رأى، ثمّ جئنا إلى باب دار مولانا علیه السلام فاستاذنا [للدخول] عليه، فأذن لنا فدخلنا الدار، وكان مع أحمد بن إسحاق جراب قد ستره بكساء طبري، وكان فيه مائة وستون صرة من الذهب والورق على کلّ واحدة منها خاتم صاحبها، الّذي دفعها إليه.
ولما دخلنا ووقع أعيننا على [وجه] أبي محمّد الحسن بن عليّ علیه السلام كان وجهه كالقمر ليلة البدر، وقد رأينا على فخذه غلاما يشبه المشتري في الحسن والجمال، وكان على رأسه ذؤابتان، وكان بين يديه رمان من الذهب قد حلي بالفصوص والجواهر الثمينة ، قد أهداه واحد من رؤساء البصرة، وكان في يده قلم يكتب به شيئا على قرطاس، فكلما أراد أن يكتب شيئا أخذ الغلام يده ، فألقى الرمان حتّی يذهب الغلام إليه ويجيء به ، فلمّا ترك يده يكتب ما شاء.
ثمّ فتح أحمد بن إسحاق الكساء ووضع الجراب بين يدي العسكري علیه السلام فنظر إلى الغلام، وقال : فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك.
فقال علیه السلام : يا مولاي أيجوز أن أمد يداً طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة؟
ثمّ قال : يا بن إسحاق، أخرج ما في الجراب ليميز بين الحرام والحلال، ثمّ أخرج صرة، فقال الغلام: هذا لفلان بن فلان من محلة كذا بقم، مشتمل على
ص: 61
اثنين وستين دیناراً، فيها من ثمن حجرة باعها، وكانت إرثاً عن أبيه ، خمسة وأربعون دیناراً، ومن أثمان سبعة أثواب أربعة عشر دیناراً، وفيه من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير .
فقال مولانا علیه السلام : صدقت يا بنيّ، دلّ الرجل على الحرام منها، فقال الغلام: في هذه العين دینار بسكّة الرّيّ تاريخه في سنّة كذا، قد ذهب نصف نقشه عنه، وثلاثة أقطاع قراضة بالوزن دانق ونصف [دانق]، في هذه الصرة الحرام هذا القدر، فإن صاحب هذه الصرة في سنّة كذا في شهر كذا كان له عند نساج - وهو من جملة جيرانه - من وربع، فأتي على ذلك زمان كثير، فسرقه سارق من عنده فأخبره النساج بذلك، فما صدقه، وأخذ الغرامة بغزل أدق منه مبلغ من ونصف، ثمّ أمر حتّی نسج منه ثوب، وهذا الدينار والقراضة من ثمنه ثمّ حل عقدها، فوجد الدينار والقراضة كما أخبر .
ثمّ أخرج صرة أخرى، فقال الغلام علیه السلام : هذا لفلان بن فلان، من المحلة الفلانية بقم، والعين فيها خمسون دینارة، ولا ينبغي لنا أن ندني أيدينا إليها
قال : لم؟ فقال علیه السلام : من أجلّ أن هذه الدنانير [من] ثمن الحنطة، وكانت هذه الحنطة بينه وبين حراث له، فأخذ نصيبه بكيل كامل، وأعطى نصيبه بكيل ناقص، فقال مولانا الحسن بن عليّ علیه السلام: صدقت يا بنيّ.
ثمّ قال علیه السلام : يابن إسحاق، احمل هذه الصرر، وبلغ أصحابها، وأوص بتبليغها إلى أصحابها، فإنّه لا حاجة بنا إليها.
ثمّ قال : جئ إلي بثوب تلك العجوز، فقال أحمد بن إسحاق :
كان ذلك في حقيبة فنسيته ، ثمّ مشى أحمد بن إسحاق ليجيء بذلك .
فنظر إلىَّ مولانا أبو محمّد العسكري علیه السلام وقال : ما جاء بك يا سعد؟ فقلت : شوقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا.
قال علیه السلام : المسائل التي أردت أن تسأل عنها؟ قلت : على حالها يا مولاي .
ص: 62
قال : فاسال قرة عيني - وأومأ إلى الغلام - عما بدا لك، فقلت :
یا مولانا وابن مولانا، روي لنا أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جعل طلاق نسائه إلى أمیرالمؤمنین علیه السلام حتّی أنه بعث في يوم الجمل رسولا إلى عائشة ، وقال :
إنك أدخلت الهلاك على الإسلام وأهله بالغش الّذي حصل منك، وأوردت أولادك في موضع الهلاك بالجهالة ، فإن امتنعت وإلا طلقتك.
فأخبرنا يا مولاي عن معنى الطلاق الّذي فوض حكمه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلى أمیرالمؤمنین علیه السلام ، فقال علیه السلام : إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فخصهن بشرف الأمهات، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : يا أبا الحسن إن هذا شرف باقٍ مادمن لله على طاعة، فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فطلّقها من الأزواج، وأسقطها من شرف أُمّية المؤمنين .
ثمّ قلت : أخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا فعلت المرأة ذلك، يجوز البعلها أن يخرجها من بيته في أيام عدتها،
فقال علیه السلام : تلك الفاحشة : السحقّ وليست بالزنا، فإنّها إذا زنت يقام عليها الحد، وليس لمن أراد تزويجها أن يمتنع من العقد عليها لاجلّ الحد الّذي أقيم عليها، وأما إذا ساحقت فيجب عليها الرجم، والرجم هو الخزي، ومن أمر الله بر جمها فقد أخزاها، ليس لأحد أن يقربها.
ثمّ قلت : أخبرني يا بن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عن قول الله عزّ وجلّ لنبيه موسی علیه السلام «فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى» (1) فإن فقهاء الفريقين يزعمون أنها كانت من أهاب الميتة، فقال علیه السلام : من قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوته، لاته ما خلا الأمر فيها من خطبين، إما أن كانت صلاة موسى فيها جائزة، أو غير جائزة، فإن كانت صلاة موسى جائزة فيها، فجاز الموسى علیه السلام أن يكون لابسها في تلك البقعة، وإن كانت مقدّسة مطهّرة،
ص: 63
وإن كانت صلاته غير جائزة فيها، فقد أوجب أن موسى لم يعرف الحلال والحرام، ولم يعلم ما جازت الصلاة فيه ممّا لم يجز، وهذا كفر.
قلت : فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيها، قال علیه السلام : إن موسى كان بالواد المقدس، فقال : يا ربّ، إلي أخلصت لك المحبة منّي وغسلت قلبي عمن سواك، وكان شديد الحب لأهله، فقال الله تبارك وتعالى:
«فاخلَع نَعلَيكَ» أي إنزع حب أهلك من قلبك، إن كانت محبتك لي خالصاً وقلبك من الميل إلى من سواي مغسولاً
فقلت : أخبرني عن تأويل «کهیعص » قال علیه السلام : هذه الحروف من أنباء الغيب، اطلع الله عليها عبده زكريا، ثمّ قصّها على محمّد صلی الله علیه وآله وسلم .
وذلك أن زکریا علیه السلام سأل ربّه أن يعلمه الأسماء الخمسة، فأهبط عليه جبرئیل، فعلمه إياها، فكان زكريا علیه السلام إذا ذکر محمّداً وعلياًّ وفاطمة والحسن علیهم السلام سری عنه همه، وانجلی کربّه، وإذا ذكر اسم الحسين علیه السلام خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة (1)، فقال ذات يوم: إلهي، ما بالي إذا ذكرت أربعاً منهم تسلیت بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني، وتثور (2)زفرتي؟
فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته .
فقال : «کهیعص » ، فالكاف : إسم کربّلاء ، والهاء : هلاك العترة، والياء : يزيد، وهو ظالم الحسين علیه السلام والعين : عطشه، والصاد: صبره.
فلمّا سمع بذلك زکریا علیه السلام لم يفارق مسجده ثلاثة أيام، ومنع فيهن الناس من الدخول عليه، وأقبل على البكاء والنحيب، وكان يرثيه : إلهي أفجع خیر جميع خلقك بولده! إلهي أنزل بلوى هذه الرزية بفنائه ! إلهي ألبس علياً وفاطمة ثوب هذه المصيبة ! إلهي أتُحل کربّة هذه المصيبة بساحتهما ، ثمّ كان يقول:
إلهي ارزقني ولداً تقر به عيني على الكبر فإذا رزقتنيه، فافتنّي بحبّه، ثمّ
ص: 64
افجعني به كما تفجع محمّداً حبيبك بولده، فرزقه الله تعالى يحيى، وفجعه به وكان حمل یحیی ستة أشهر، وحمل الحسين علیه السلام كذلك
فقلت : أخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار الإمام الانفسهم، قال علیه السلام : مصلح او مفسد؟ قلت: مصلح،
قال : هل يجوز أن يقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت: بلى، قال : فهي العلة، أيدتها لك ببرهان يقبل ذلك عقلك؟ قلت: نعم.
قال علیه السلام : أخبرني عن الرسل الّذين اصطفاهم الله، وأنزل عليهم الكتب وأيدهم بالوحي والعصم، إذ هم أعلام الأمم، فأهدى إلى ثبت الإختيار، ومنهم موسى وعيسى، هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذ هما بالإختيار، أن يقع خيرتهما على المنافق، وهما يظنان أنه مؤمن؟ قلت: لا،
قال علیه السلام : فهذا موسی کلیم الله مع وفور عقله، وكمال علمه، ونزول الوحي عليه، إختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلا من لم يشك في إيمانهم، وإخلاصهم، فوقعت خيرته على المنافقين.
قال الله عزّ وجلّ : «وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا »(1)
فلمّا وجدنا اختیار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعاً على الأفسد دون الأصلح، وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد،
علمنا أن لا اختيار لمن لا يعلم ما تخفي الصدور، وما تكن الضمائر وينصرف عنه السرائر، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد، لما أرادوا أهل الصلاح، ثمّ قال مولانا علیه السلام :
یا سعد، من ادعى (2) - وهو خصمك - أن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ذهب بمختار هذه الأمة مع نفسه إلى الغار، فإنّه خاف عليه كما خاف على نفسه، لما علم أنه الخليفة
ص: 65
من بعده على أمته ، لأنه لم يكن من حكم الإختفاء أن يذهب بغيره معه، وإنما أقام علياً على مبيته، لاته علم: أنه إن قتل لا يكون من الخلل بقتله ما يكون بقتل أبي بكر، لأنه يكون لعليّ من يقوم مقامه في الأمور.
لم لا تنقض عليه بقولك : أولستم تقولون: إن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : إن الخلافة من بعدي ثلاثون سنّة، وصيرها موقوفة على أعمّار هؤلاء الأربعة: أبي بكر وعمر، وعثمان، وعليّ علیه السلام فإنّهم كانوا على مذهبكم خلفاء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؟
فإن خصمك لم يجد بدأً من قوله: بلی، قلت له : فإذا كان الأمر كذلك فكما كان أبو بكر الخليفة من بعده، كان هذه الثلاثة خلفاء أمته من بعده، فلم ذهب بخليفة واحد وهو أبو بكر إلى الغار، ولم يذهب بهذه الثلاثة؟
فعلى هذا الأساس يكون النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مستخفاً بهم دون أبي بكر، فإنّه يجب عليه أن يفعل بهم ما فعل بأبي بكر، فلمّا لم يفعل ذلك بهم یکون متهاوناً بحقوقهم، وتاركاً للشفقة عليهم، بعد أن كان يجب عليه أن يفعل بهم جميعاً على ترتيب خلافتهم ما فعل بأبي بكر.
وأما ما قال لك الخصم بأنهما أسلما طوعاً أو كرهاً؟ لم لم تقل : بل إنّهما أسلما طمعاً، وذلك أنهما كانا يخالطان مع اليهود ويخبران بخروج محمّد صلی الله علیه وآله وسلم واستيلائه على العرب من التوراة والكتب المقدسة، وملاحم قصة محمّد صلی الله علیه وآله وسلم ويقولون لهما: يكون استيلاؤه على العرب كاستيلاء بخت نصر على بني إسرائيل، إلا أنه يدعي النبوة، ولا يكون من النبوة في شيء.
فلمّا ظهر أمر رسول الله [صلی الله علیه وآله وسلم] فساعدا معه على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمّداً رسول الله طمعاً أن يجدا من جهة ولاية رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولاية بلد إذا انتظم أمره، وحسن باله ، واستقامت ولايته،
فلمّا أيسا من ذلك، وافقا مع أمثالهما ليلة العقبة، وتلثّما(1) مثل من تلثّم
ص: 66
منهم، فنفروا بدابة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لتسقطه، ويصير هالكاً بسقوطه بعد أن صعد العقبة فيمن صعد، فحفظ الله تعالى نبيه من كيدهم، ولم يقدروا أن يفعلوا شيئا، وكان حالهما كحال طلحة والزبير إذ جاءاعلياً علیه السلام وبايعاه طمعاً أن تكون لکلّ واحد منهما ولاية، فلمّا لم يكن ذلك ، وأيسا من الولاية نكثا بيعته وخرجا عليه، حتّی آل أمر کلّ واحد منهما إلى ما يؤول أمر من ينكث العهود والمواثيق .
ثمّ قام مولانا الحسن بن عليّ علیه السلام لصلاته، وقام القائم علیه السلام معه ، فرجعت من عندهما، وطلبت أحمد بن إسحاق فاستقبلني باكياً، فقلت : ما أبطأك وما أبكاك ؟ قال : قد فقدت الثوب الّذي سألني مولاي إحضاره، قلت: لا بأس عليك، فاخبره، فدخل عليه وانصرف من عنده متبسماً، وهو يصلي على محمّد وأهل بيته، فقلت : ما الخبر؟
فقال : وجدت الثوب مبسوطاً تحت قدمي مولانا علیه السلام يصلي عليه
قال سعد: فحمدنا الله جلّ ذكره على ذلك، وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم إلى منزل مولانا علیه السلام أي اماً فلا نرى الغلام بين يديه.
فلمّا كان يوم الوداع، دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا فانتصب أحمد بن إسحاق بين يديه قائماً، وقال :
يا بن رسول الله، قد دنت الرحلة، واشتدت المحنة، فنحن نسأل الله أن يصلي على المصطفى جدك وعلى المرتضى أبيك، وعلى سیّدة النساء أمك فاطمة الزهراء، وعلى سيّدي شباب أهل الجنّة عمّك وأبيك، وعلى الأئمة من بعدهما آبائك، وأن يصلي عليك وعلى ولدك، ونرغب إليه أن يعليّ كعبك، ویکبت عدوك، ولا جعل الله هذا آخر عهدنا من لقائك، قال: فلمّا قال هذه الكلمة استعبر مولانا علیه السلام حتّی استهملت(1) دموعه، وتقاطرت عبراته .
ص: 67
ثمّ قال : يا بن إسحاق، لا تكلف في دعائك شططاً، فإنك ملاق الله في صدرك هذا، فخر أحمد مغشيا عليه ، فلمّا أفاق قال : سألتك بالله وبحرمة جدك إلا ما شرفتني بخرقة أجعلها كفناً، فأدخل مولانا علیه السلام يده تحت البساط، فأخرج ثلاثة عشر درهماً، فقال : خذها ولا تنفق على نفسك غيرها، فإنك لن تعدم ما سألت، والله لا يضيع أجر المحسنين.
قال سعد: فلمّا صرنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا علیه السلام من حلوان على ثلاثة فراسخ، حم أحمد بن إسحاق، وثارت عليه علة صعبة أيس من حياته بها، فلمّا وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات، دعا أحمد بن إسحاق رجلا من أهل بلده كان قاطناً بها.
ثمّ قال : تفرقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي، فانصرفنا عنه، ورجع کلّ واحد إلى مرقده، قال سعد: فلمّا حان أن ينكشف الليل عن الصبح، أصابتني فكرة، ففتحت عيني، فإذا أنا بكافور الخادم، خادم مولانا أبي محمّد علیه السلام وهو يقول : أحسن الله بالخير عزاكم، وختم بالمحبوب رزیتکم، قد فرغنا من غسل صاحبكم، ومن تكفينه، فقوموا لدفنه، فإنّه من أكرمكم محلاً عند سیدکم، ثمّ غاب عن أعيننا، فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والنحيب والعويل حتّی قضينا حقه وفرغنا من أمره رحمه الله . (1)
15- ومنها: ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح، عن أبي عبدالله علیه السلام : أترون الموصي منّا يوصي إلى من يريد؟ لا والله، ولكن عهد من الله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم لرجل فرجل حتّی ينتهي الأمر إلى صاحبه .(2)
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أن إمامة مولانا وسیّدنا الحجّة بن الحسن
ص: 68
العسكري صاحب الزمان عجلّ الله تعالی فرجه ثابتة بكلا الطريقين، أعني بالنص والمعجزة المتواترین،
فلنذكر نبذاً منها في فصلين، لئلا يكون هذا الكتاب خالياً عن الدليل، والله
يقضي بالحقّ وهو يهدي السبيل، وهو حسبي ونعم الوكيل :
16- فمنها : ما رواه ثقة الإسلام في الكافي في الصحيح، عن أبي جعفر الثاني علیه السلام قال : أقبل أمیرالمؤمنین علیه السلام ومعه الحسن بن عليّ علیه السلام ، وهو متكئ على يد سلمان، فدخل المسجد الحرام، فجلس، إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس، فسلم على أمیرالمؤمنین، فرد عليه السلام، فجلس، ثمّ قال :
يا أمیرالمؤمنین، أسألك عن ثلاث مسائل، إن أخبرتني بهن علمت أن القوم ركبوا من أمرك ما قضى عليهم، وأن ليسوا بمأمونين في دنياهم وآخرتهم وإن تكن الأخرى، علمت أنك وهم شرع سواء .
فقال له أمیرالمؤمنین علیه السلام : سلني عما بدا لك،
قال : أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وینسی؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟
فالتفت أمیر المؤمنین علیه السلام إلى الحسن، فقال : يا أبا محمّد، أجبه ، قال :
فأجابه الحسن علیه السلام ، فقال الرجل : أشهد أن لا إله إلا الله، ولم أزل أشهد بها، وأشهد أن محمّدا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولم أزل أشهد بذلك، وأشهد أنك وصي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والقائم بحجته - واشار إلى أمیرالمؤمنین علیه السلام - ولم أزل أشهد بها وأشهد أنك وصيه والقائم بحجته . وأشار إلى الحسن علیه السلام - وأشهد أن الحسین ابن عليّ وصي اخيه، والقائم بحجته بعده
ص: 69
وأشهد على عليّ بن الحسين أنه القائم بأمر الحسين بعده، وأشهد على محمّد بن على أنه القائم بأمر عليّ بن الحسين، وأشهد على جعفر بن محمّد بأنه القائم بأمر محمّد، وأشهد على موسى أنه القائم بأمر جعفر بن محمّد، وأشهد على عليّ بن موسى أنه القائم بأمر موسی بن جعفر، وأشهد على محمّد بن علي أنه القائم بأمر عليّ بن موسى، وأشهد على عليّ بن محمّد بأنه القائم بأمر محمّد ابن علي، وأشهد على الحسن بن عليّ بأنه القائم بأمر عليّ بن محمّد،
وأشهد على رجل من ولد الحسن لایکنّی، ولايُسمّى حتّی يظهر أمره فيملأها عدلاً كما ملئت جوراً،
والسلام عليك يا أمیرالمؤمنین ورحمة الله وبركاته . ثمّ قام فمضى .
فقال أمیرالمؤمنین علیه السلام : يا أبا محمّد، اتبعه، فانظر أين يقصد،؟
فخرج الحسن بن عليّ علیه السلام فقال : ما كان إلا أن وضع رجله خارجة من المسجد، فما دريت أين أخذ من أرض الله،
فرجعت إلى أمیرالمؤمنین علیه السلام فأعلمته، فقال : يا أبا محمّد، أتعرفه؟ قلت : الله ورسوله وأمیرالمؤمنین أعلم، قال : هو الخضر علیه السلام . (1)
17- ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق الفقيه السديد أبو جعفر محمّد بن علي ابن حسین بن موسی بن بابويه القمي (رحمه الله) في إكمال الدين وإتمام النعمة بسند كالصحيح أو الصحيح على بعض الوجوه، عن يونس بن عبدالرحمان، قال :
دخلت على موسی بن جعفر علیه السلام فقلت له: يا بن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، أنت القائم بالحقّ ؟
فقال : أنا القائم بالحقّ، ولكن القائم الّذي يطهر الأرض من أعداء الله عزّ وجلّ ويملاها عدلا كما ملئت جوراً وظلماً، هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون.
ص: 70
ثمّ قال علیه السلام : طوبى لشيعتنا المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئك منا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، ثمّ طوبى لهم، هم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة . (1)
18- ومنها : ما روي في الخرائج، أن محمّد بن مسلم قال : كنت عند أبي عبدالله علیه السلام إذ دخل عليه المعلّی بن خنیس باكياً، فقال : وما يبكيك؟
قال : بالباب قوم يزعمون أن ليس لكم عليهم فضل، وأنكم وهم شيء واحد، فسكت، ثمّ دعا بطبق من تمرّ، فأخذ منه تمرة فشقها نصفين، وأکلّ التمرة، وغرس النوى في الأرض فنبته الله فحمل بسراً، فأخذ منها واحدة فشقها نصفين وأکلّ وأخرج منها رقة ودفعه إلى المعلى وقال له: إقرأ، فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله، محمّد رسول الله عليّ المرتضی والحسن والحسين وعليّ بن الحسين، وعدهم واحداً واحداً إلى العسكري وابنه .(2)
19- ومنها : ما رواه الصدوق في الصحيح عن الريان بن الصلت، قال :
قلت للرضا علیه السلام : أنت صاحب هذا الأمر؟
فقال : أنا صاحب هذا الأمر، ولكني لست بالّذي أملأها عدلاً كما ملئت جوراً، وكيف أكون ذلك على ما تري من ضعف بدني !
وإن القائم هو الّذي إذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشبان، قوياً في بدنه حتّی لو مد يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسى، وخاتم سليمان علیه السلام
ذاك الرابع من ولدي، يغيبه الله في ستره ما شاء، ثمّ يظهره فيملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً . (3)
ص: 71
20- ومنها : ما رواه في الصحيح عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري قال : سمعت أبا الحسن صاحب العسكر علیه السلام يقول:
الخلف من بعدي ابني الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟
فقلت : ولم، جعلني الله فداك؟ فقال : لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه فقلت: فكيف نذكره؟
قال علیه السلام : قولوا: الحجّة من آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم . (1)
21- ومنها: ما رواه الصدوق في الصحيح، عن عثمان بن سعيد العمري قال : سئل أبو محمّد الحسن بن عليّ علیه السلام وأنا عنده عن الخبر الّذي روي عن آبائه علیهم السلام : إن الأرض لا تخلو من حجّة الله على خلقه إلى يوم القيامة، وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية .
فقال علیه السلام : إن هذا حقّ كما أن النهار حق،
فقيل له: يابن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فمن الحجّة والإمام بعدك؟
فقال علیه السلام : إبني محمّد هو الإمام والحجّة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية ، أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقّاتون، ثمّ يخرج،
فكأني أنظر إلى الاعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة . (2)
أقول: قد روى الشيخ الثقة الجليل عليّ بن محمّد بن عليّ الخزاز القمي (رحمه الله) في كتاب كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر مائة وسبعين حدیثاً من طرق الفريقين كلها مشتملة على التصريح بالقائم المنتظر،
وفيها كفاية لمن اعتبر، وهداية لمن استبصر ، ولعلنا نذكر بعضها في سائر أبواب هذا الكتاب، وإلى الله أدعو وإليه مآب .
ص: 72
22- فمنها : ما رواه الصدوق عن محمّد بن عثمان العمري (رحمه الله) يقول :
لما ولد الخلف المهدي علیه السلام سطع نور من فوق رأسه إلى عنان السماء ثمّ سقط لوجهه ساجداً لربّه تعالى ذكره، ثمّ رفع رأسه، وهو يقول:
«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ » (1). (2)
23- ومنها : أنه هبط من السماء حين ولد طيور بيضاء، ومسحت أجنحتها على رأسه ووجهه، وسائر جسده، ثمّ طارت، فقال أبو محمّد :
تلك الملائكة نزلت للتبرك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج .(3)
24- ومنها : ما فيه بسند صحيح عن محمّد بن شاذان بن نعيم النيسابوري قال : اجتمع عندي مال للقائم علیه السلام خمسمائة درهم تنقص منها عشرين درهماً فأنفت أن أبعث بها ناقصة هذا المقدار، فأتممتها من عندي، وبعثت بها إلى محمّد بن جعفر، ولم أكتب مالي فيها، فأنفذ إلي محمّد بن جعفر القبض.
وفيه : وصلت خمسمائة درهم، لك منها عشرون درهما . (4)
أقول: ورواه في الكافي عن عليّ بن محمّد، عن محمّد بن عليّ بن شاذان النيسابوري (مثله) بأدنی تفاوت في اللفظ .(5)
ص: 73
25- ومنها : ما رواه أيضاً في الصحيح عن محمّد بن هارون، قال : كانت للغريم علیه السلام عليّ خمسمائة دينار، فأنا ليلة ببغداد، وقد كان لها ريح وظلمة ، وقد فزعت فزعاً شديداً وفكرت فيما عليّ ولي وقلت في نفسي: حوانیت اشتريتها بخمسمائة وثلاثين دیناراً وقد جعلتها للغريم لا بخمسمائة دينار .
قال : فجاءني من يتسلم مني الحوانيت، وما كتبت إليه في شيء من ذلك من قبل أن أطلق به لساني ولا أخبرت به أحداً .(1)
26- ومنها : أن عليّ بن محمّد الصيمري كتب إليه علیه السلام يسأل كفناً، فورد «أنه يحتاج إليه سنّة ثمانين أو إحدى وثمانين» فمات رحمه الله في الوقت الّذي حده، وبعث إليه بالكفن قبل موته بشهر .(2)
أقول: من جملة معجزاته الباهرة وكراماته الظاهرة حصول المقاصد بإلقاء رقعة الإستغاثة به علیه السلام ، وهذا أمر مشاهد بالعيان ومجربّ بالوجدان .
وسنذكرها في خاتمة هذا الكتاب، والله هو الهادي إلى الصواب
وإن شئت أن تطلع على معجزاته فارجع إلى الكتب المعدة لذلك لكي تتضح لك المسالك، مثل كتاب إكمال الدين للشيخ الصدوق، والخرائج للشيخ سعيد بن هبة الله، وبحار الأنوار للفاضل الكامل مولانا محمّد باقر المجلسي والنجم الثاقب للعالم الكامل مولانا الحاج میرزا حسين النوري، شكر الله تعالی مساعيهم الجميلة، وأثابهم بالأيادي الجزيلة،
وإني لو ذكرت أكثر ممّا رویت لعاقني عمّا على نفسي قضيت.
وما ذكرت كاف إذا كان أحد في البيت .
ص: 74
وهي كثيرة جليلة لا أكاد أحصيها، ولا أستطيع الغوص فيها، فمثلها البحر الزاخر، واليم المایر، غير أني أغترف منه غرفة، وأبتغي بذلك القرية، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.
فمنها : حقّ الوجود،
فإنّه السبب في وجودك وکلّ موجود، ولولاه ما خلقت أنت ولا غيرك ، بل لولاه ما خلقت أرض ولا فلك، لولاه لم يقترن بالأول الثاني .
27- ويدل على ذلك : قوله علیه السلام في التوقيع الشريف المروي في الإحتجاج : «ونحن صنائع ربّنا، والخلق بعد صنائعنا»(1) ومعنى هذا الكلام يجري على وجهين : أحدهما ما ذكر صلوات الله عليه في توقيع آخر :
28- روي في الإحتجاج: أنه اختلف جماعة من الشيعة في أن الله عزّ وجلّ فوض إلى الأئمة صلوات الله عليهم أن يخلقوا ويرزقوا.
فقال قوم: هذا محال، لا يجوز على الله تعالى لان الأجسام لا يقدر على
ص: 75
خلقها غير الله عزّ وجلّ، وقال آخرون : بل الله عزّ وجلّ أقدر الأئمة على ذلك وفوض إليهم، فخلقوا ورزقوا، وتنازعوا في ذلك نزاعاً شديداً.
فقال قائل : ما بالكم لا ترجعون إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان، فتسألوه عن ذلك، ليوضح لكم الحقّ فيه، فإنّه الطريق إلى صاحب الأمر، فرضیت الجماعة بأبي جعفر، وسلمت، وأجابت - إلى قوله - فكتبوا المسألة، وأنفذوها إليه ، فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته :
إن الله تعالى هو الّذي خلق الأجسام، وقسم الأرزاق، لانّه ليس بجسم ولاحال في جسم، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير .
وأما الأئمة علیهم السلام فإنّهم يسألون الله تعالى فيخلق، ويسألونه فيرزق، إيجابا المسألتهم وإعظاماً لحقهم، إنتهى .(1)
وحاصل هذا الوجه: أنه وآباءه علیهم السلام هم الوسائط في إيصال الفيوضات الإلهية إلى سائر المخلوقات، وإليه أشير في دعاء الندبة :
«أين السبب المتصل بين أهل الأرض والسماء»(2) ونسبة الفعل إلى السبب والواسطة كثيرة جدا في العرف واللغة.
والوجه الثاني: أنه المقصود الأصلية والغرض الحقيقي من خلق جميع ما أنشأه الباری تعالی شأنه، وكذا آباءه الطاهرين علیهم السلام فهم العلة الغائية، وخلق ما سواهم لاجلهم .
ويؤيّد ذلك ما روي عن أمیرالمؤمنین علیه السلام أنه قال : نحن صنائع ربّنا، والخلق(3)بعد صنائع لنا (4)، والأحاديث الدالة عليه متظافرة:
29۔ منها : ما رواه الصدوق في الإكمال مسنداً عن عليّ بن موسى الرضا علیه السلام
ص: 76
عن أبيه موسی بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه عليّ بن أبي طالب علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ما خلق الله خلقاً أفضل منّي، ولا أكرم عليه منّي.
قال عليّ علیه السلام : فقلت: يا رسول الله، فأنت أفضل أم جبرئيل؟
فقال علیه السلام : يا عليّ إن الله تبارك وتعالی فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك، فإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا.
يا علي، الّذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم ويستغفرون اللذين آمنوا بولايتنا، يا عليّ، لولا نحن ما خلق الله آدم و حوّا، ولا الجنّة ولا النّار، ولا السماء ولا الأرض، وكيف لا نكون أفضل من الملائكة ، وقد سبقناهم إلى التوحيد، ومعرفة ربّنا عزّ وجلّ، وتسبيحه ، وتقديسه، وتهليله!
لان أول ما خلق الله عزّ وجلّ أرواحنا، فأنطقنا بتوحيده وتمجيده .
ثمّ خلق الملائكة، فلمّا شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً، استعظموا أمورنا فسبحنا لتعلم الملائكة أنا خلق مخلوقون وأنه منزه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة لتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا، فلمّا شاهدوا عظم شأننا، هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله وأنا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه فقالوا:
لا إله إلا الله، فلمّا شاهدوا كبر محلنا، كبرنا الله، لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال، وأنه عظيم المحل.
فلمّا شاهدوا ما جعله الله لنا من العزة والقوة ، قلنا: لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم لتعلم الملائكة أن لا حول ولا قوة إلا بالله، فقالت الملائكة : لا حول ولا قوة إلا بالله.
فلمّا شاهدوا ما أنعم الله به علينا، وأوجبه من فرض الطاعة قلنا: الحمد الله، لتعلم الملائكة ما يحقّ لله تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه، فقالت
ص: 77
الملائكة : الحمد لله، فبنا اهتدوا إلى معرفة الله تعالى وتسبيحه وتهليله وتحميده، ثمّ إن الله تعالى خلق آدم علیه السلام ؟ وأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما لنا وإكراماً، وكان سجودهم لله عزّ وجلّ عبودية، ولآدم إكراماً وطاعة، لكوننا في صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون، وإنّه لما عرج بي إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى، وأقام مثنی مثنى ، ثمّ قال : تقدم یا محمّد، فقلت : يا جبرئیل، أتقدم عليك؟
فقال : نعم، لأن الله تبارك وتعالى اسمه فضل أنبياءه على ملائكته أجمعين، وفضلك خاصة. فتقدمت، وصليت بهم ولا فخر.
فلمّا انتهينا إلى حجب النور، قال لي جبرئيل علیه السلام : تقدم یا محمّد، وتخلف عنّي، فقلت : يا جبرئیل، في مثل هذا الموضع تفارقني؟
فقال : يا محمّد، إن هذا إنتهاء حدي الّذي وضعه الله لي في هذا المكان فإن تجاوزته احترقت أجنحتي، لتعدي حدود ربّي جلّ جلاله، فزخّ بي(1) ربّي زخّة في النور، حتّی انتهيت إلى حيث ما شاء الله عزّ وجلّ من ملكوته .
فنودیت : يا محمّد، فقلت: لبيك ربّي وسعديك، تباركت وتعاليت فنوديت: يا محمّد، أنت عبدي، وأنا ربّك، فإيّاي فاعبد، وعليّ فتوكل، فإنّك نوري في عبادي، ورسولي إلى خلقي، وحجّتي في بريّتي، لمن تبعك خلقت جنّتي، ولمن عصاك وخالفك خلقت ناري، ولأوصيائك أوجبت كرامتّي ولشيعتك أوجبت ثوابي.
فقلت : يا ربّ، ومن أوصيائي؟ فنوديت : يا محمّد، إن أوصياءك المکتوبون على ساق العرش، فنظرت - وأنا بين يدي ربّي - إلى ساق العرش، فرأيت إثني عشر نوراً، في کلّ نور سطر أخضر مكتوب عليه إسم کلّ وصي من أوصيائي أولهم عليّ بن أبي طالب، وآخرهم مهدي أمتّي .
ص: 78
فقلت : يا ربّ أهؤلاء أوصيائي من بعدي؟ فنودیت : يا محمّد هؤلاء أوليائي وأحبائي وأصفيائي، وحججي بعدك على بريتي، وهم أوصياؤك وخلفاؤك و خیر خلقي بعدك، وعزتي وجلالي، لأظهرن بهم ديني، ولأعلين بهم كلمتّي، ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي، ولأملکنّه مشارق الأرض ومغاربّها، ولأسخّرن له الرياح، ولأذلل له الرقاب الصعاب، ولأرقينّه في الأسباب، ولانصرنّه بجندي، ولأمدّنّه بملائكتي حتّی يعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحيدي ثمّ لأديمن ملکه، ولأداولنّ الايام بين أوليائي إلى يوم القيامة، والحمد لله ربّ العالمين والصلاة على نبينا محمّد وآله الطيبين الطاهرين، وسلم تسليما .(1)
30- ومنها : حقّ البقاء في الدنيا، فلولاه ما حييت في الدنيا ساعة، ولا وجدت على الأرض ساحة، ويدل عليه ما رواه ثقة الإسلام (رحمه الله) في الكافي بسند صحيح، عن الوشاء (2) قال : سألت أبا الحسن الرضا علیه السلام :
هل تبقى الأرض بغير إمام؟ قال : لا ، قلت : إنا نروى (3) أنها لا تبقى إلا أن يسخط الله عزّ وجلّ على العباد . قال : لا تبقى، إذاً لساخت .(4)
31- وفي رواية أخرى : عن أبي عبدالله علیه السلام :
لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت . (5)
32- وروى الصدوق (رحمه الله) في الإكمال بسند قوي كالصحيح أو الصحيح على بعض الوجوه، عن عليّ بن أبي حمزة الثمالي(6)، عن الصادق جعفر بن محمّد عن أبيه، عن آبائه علیهم السلام قال :
ص: 79
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : حدثني جبرئيل، عن ربّ العزة جلّ جلاله أنه قال : من علم أن لا إله إلا أنا وحدي، وأن محمّدا عبدي ورسولي، وأن عليّ بن أبي طالب خليفتي، وأن الأئمة من ولده حججي، أدخله الجنّة برحمتّي ونجيّته من النار بعفوي وأبحت له جواري، وأوجبت له کرامتّي، وأتممت عليه نعمتّي، وجعلته من خاصّتي وخالصتي، إن ناداني لبّيته، وإن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته، وإن سكت ابتدأته، وإن ساء رحمته، وإن فرمنّي دعوته، وإن رجع إلي قبلته، وإن قرع بابی فتحته .
ومن لم يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي أو شهد بذلك ولم يشهد أن محمّدا عبدي ورسولي أو شهد بذلك ولم يشهد أن عليّ بن أبي طالب خليفتي أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمة من ولده حججي، فقد جحد نعمتّي، وصغر عظمتّي وكفر بآياتي وكتبي، إن قصدني حجبته ، وإن سألني حرمته، وإن ناداني لم أسمع نداءه، وإن دعاني لم أستجب دعاءه، وإن رجاني خيبته، وذلك جزاؤه مني، وما أنا بظلام للعبيد. فقام جابر بن عبدالله الأنصاري، فقال :
یا رسول الله، ومن الأئمة من ولد عليّ بن أبي طالب؟
قال صلی الله علیه وآله وسلم : الحسن والحسين سیّدا شباب أهل الجنّة، ثمّ سیّد العابدين في زمانه عليّ بن الحسين، ثمّ الباقر محمّد بن علي، وستدرکه یا جابر ، فإذا أدركته فأقرئه مني السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ الكاظم موسی بن جعفر، ثم الرضا عليّ بن موسى، ثمّ التقي محمّد بن علي، ثمّ النقي عليّ بن محمّد، ثم الزكي الحسن بن علي، ثمّ ابنه القائم بالحقّ مهدي أمتّي، الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً،
هؤلاء یا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي، من أطاعهم فقد أطاعني، ومن عصاهم فقد عصاني، ومن أنكرهم أو أنكر واحداً منهم فقد أنكرني، بهم يمسك الله عزّ وجلّ السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبهم
ص: 80
يحفظ الأرض أن تميد بأهلها . (1)
33- وعن غيبة النعماني: عن الصادق، عن أمیرالمؤمنین علیه السلام :
واعلموا أن الأرض لا تخلو من حجّة الله عزّ وجلّ ولكن الله سيعمي خلقه عنها بظلمهم وجورهم، وإسرافهم على أنفسهم، ولو خلت الارض ساعة واحدة من حجّة لله لساخت بأهلها(2) ، والأخبار في هذا المعنى كثيرة جدا. (3)
ومنها : حقّ القرابة من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم
ففي سورة حمعسق «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(4)
34- وعن أبي جعفر علیه السلام قال : هم الأئمة علیهم السلام . (5)
وفي حديث نداء القائم علیه السلام حين ظهوره في مكة : وأسالكم بحقّ الله، وحقّ رسوله وبحقي، فإن لي عليكم حقّ القربي من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم .(6)
ومنها : حقّ المنعم على المتنعم، وحقّ واسطة النعمة:
30- ففي الحديث النبوي، قال صلی الله علیه وآله وسلم : من أتى إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتّی تعلموا [من أنفسكم] أنكم كافأتموه . (7)
وقد اجتمع الحقّان لمولانا صاحب الزمان علیه السلام فإن ما ينتفع به أهل کلّ زمان إنما هو ببركة إمام زمانهم علیه السلام ،
ويدل على ما ذكرنا ما في زيارة الجامعة «وأولياء النعم». (8)
36- وما في الكافي : عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
ص: 81
إن الله خلقنا فأحسن خلقنا، وصورنا فأحسن صورنا، وجعلنا عينه في عباده، ولسانه الناطق(1) في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ووجهه الّذي يؤتي منه، وبابه(2) الّذي يدل عليه، وخزانه في سمائه وأرضه ،
بنا أثمرت الأشجار، وأينعت الثمار، وجرت الأنهار، وبنا ينزل غيث السماء وينبت عشب الأرض، وبعبادتنا عبد الله، ولولا نحن ما عبد الله . (3)
37- وفي الخرائج : عنه علیه السلام : يا داود، لولانا ما اطّردت الأنهار، ولا أينعت الثمار، ولا اخضرت الأشجار. (4)
38- ومافي الكافي: في حديث مرفوع عن أبي جعفر علیه السلام قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : خلق الله آدم، وأقطعه الدنيا قطيعة، فما كان لآدم علیه السلام فلرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وما كان لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فهو للأئمة من آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم .(5)
39- وفي حديث آخر : الدنيا وما فيها الله تبارك وتعالى ولرسوله ولنا، فمن غلب على شيء منها فليتق الله، وليؤد حقّ الله تبارك وتعالى، وليبر إخوانه فإن لم يفعل ذلك فالله ورسوله ونحن براء منه.(6)
40- وفي دار السلام من کتاب بصائر الدرجات : عن أبي حمزة، عن عليّ ابن الحسين علیهما السلام : يا أبا حمزة، لا تنامن قبل طلوع الشمس، فإني أكرهها لك، إن الله يقسم في ذلك الوقت أرزاق العباد، وعلى أيدينا يجريها .(7)
ص: 82
ومنها حقّ الوالد على الولد: فإن الشيعة مخلوقون من فاضل طينتهم، كما أن الولد مخلوق من والده :
41- وفي الكافي: عن الرضا علیه السلام : الإمام الأنيس الرفيق، والوالد الشفيق . (1)
وعن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أنا وعليّ أبوا هذه الأمة .(2)
42- وعن أبي عبدالله علیه السلام : إن الله خلقنا من عليين، وخلق أرواحنا من فوق ذلك ، وخلق أرواح شیعتنا من عليين، وخلق أجسادهم من دون ذلك فمن أجلّ ذلك القرابة بيننا وبينهم قلوبهم تحنّ إلينا .(3)
43- وعن أبي جعفر علیه السلام : إن الله خلقنا من أعلى عليين، وخلق قلوب شیعتنا ممّا خلقنا، وخلق أبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوي إلينا، لانّها خلقت ممّا خلقنا، الخبر. (4)
44. وفي الإكمال : عن عمر بن سالم صاحب السابري، قال : سألت أبا عبدالله علیه السلام عن هذه الآية : «أصلُها ثابِتٌ وفَرعُها في السَّماء »(5) ، قال :
أصلها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وفرعها أمیرالمؤمنین علیه السلام ، والحسن والحسين ثمرها، وتسعة من ولد الحسين أغصانها، والشيعة ورقها، والله إن الرجل منهم ليموت فتسقط ورقة من تلك الشجرة.(6)
45- وفي البحار ، عن أمالي الشيخ الطوسي (رحمه الله)، عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال :
أنا شجرة، وفاطمة فرعها، وعليّ لقاحها، والحسن والحسين ثمرها
ص: 83
ومحبوهم من أمتّي ورقها .(1)
والأخبار في هذا المعنى كثيرة جدا، مروية في الكافي والبرهان وغيرهما(2) تركناها حذراً من الإطالة، والعارف تكفيه الإشارة، ولله درّ من قال (3):
ياحبذا دوحة في الخلد نابتة ***ما مثلها نبتت في الخلد من شجر
المصطفى أصلها والفرع فاطمة*** ثمّ اللقاح عليّ سیّد البشر
والهاشميان سبطاها لها ثمر*** والشيعة الورق الملتف بالثمر
هذا مقال رسول الله جاء به*** أهل الروايات في العالي من الخبر
إني بحبهم أرجو النجاة غدا*** والفوز مع زمرة من أحسن الزمرّ (4)
ومنها حقّ السیّد على العبد:
46- ففي الزيارة الجامعة: «والسادة الولاة» .(5)
47- وفي الحديث النبوي صلی الله علیه وآله وسلم من طريق المخالفين :
نحن بنو عبدالمطلب سادة أهل الجنّة، أنا وأخي عليّ ، وحمزة وجعفر والحسن والحسين والمهدي علیهم السلام. (6)
أقول: بيان سيادة الأئمة علیهم السلام لنا يظهر ممّا مرّ، ومعنی سیادتهم علیهم السلام كونهم أولى بك منك في جميع أمورك كما قال الله تعالی :
48- «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ »(7)
49- روي في كفاية الأثر: مسنداً عن الحسين بن عليّ علیه السلام قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لعليّ علیه السلام : أنا أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم،
ص: 84
ثمّ أنت يا عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعدك الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده محمّد أولى بالمؤمنين من أنفسهم،
وبعده جعفر أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده موسى أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده محمّد أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ثمّ بعده عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم،
ثمّ بعده الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، والحجّة بن الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم، أئمة أبرار، هم مع الحقّ والحقّ معهم. (1)
50- و قريب منه في الإكمال والكافي من طريق آخر.(2)
51- وعن أبي الحسن الرضا علیه السلام : إن الناس عبيد لنا في الطاعة .(3)
52- ومنها : حقّ العالم على المتعلم، فهو وآباؤه الطاهرون هم الراسخون
في العلم، كما في عدة روايات عن الصادق ع(4) وقد أمر الناس بالسؤال عنهم في قوله تعالى : «فَاسألُوا أهلَ الذِّكرِ إن كُنتم لا تَعلَمون»(5)
«ومنها حقّ الإمام على الرعية»
53 - ففي الكافي : بإسناده عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر علیه السلام: ما حق الإمام على الناس؟ قال علیه السلام: حقه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا، «الخبر».(6)
ص: 85
54- وفي خطبة أمیرالمؤمنین علیه السلام المروية في روضة الكافي :
قال : أما بعد، فقد جعل الله تعالی لي عليكم حقاًً بولاية أمركم، ومنزلتي التي أنزلني الله عز ذکره بها منكم - إلى أن قال - في ذكر الحقّوق التي فرضها الله تعالی : فأعظم ما افترض الله تبارك وتعالى من تلك الحقّوق حقّ الوالي على الرعية، إلخ.(1)
فهذه نبذة من حقوقه علیه السلام على الأنام .
ويتبين لك جملة منها في الباب الآتي إن شاء الله تعالی .
ص: 86
وهي أمور، لو وجد واحد منها في أحد لاستحقّ الدعاء بحكم العقل، أو الشرع أو الجبلة الإنسانية، بل الطبيعة الحيوانية، وقد اجتمع كلها في وجوده،
وذلك من كمال سعوده، وهي كثيرة أيضاً، لكني أذكر جملة منها على ترتیب حروف الهجاء، وأستعين من خالق الأرض والسماء، وأسأله أن يجعلني من موالي خاتم الأوصياء وآبائه البررة الأتقياء، إن ربّي لسميع الدعاء .
ينبغي الدعاء للمؤمن بمقتضى الإشتراك في الإيمان بحكم العقل والشرع :
55- ففي الكافي : مسنداً عن أبي عبدالله علیه السلام قال:
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ما من مؤمن دعا للمؤمنين والمؤمنات إلا رد الله عز وجلّ عليه مثل الّذي دعا لهم به، من کلّ مؤمن ومؤمنة مضى من أول الدهر أوهو آت إلى يوم القيامة ، إن العبد المؤمن ليؤمرّ به إلى النار يوم القيامة فيسحب، فيقول المؤمنون والمؤمنات : يا ربّ، هذا الّذي كان يدعو لنا، فشفّعنا
ص: 87
فيه، فيشفّعهم الله عزّ وجلّ فيه فينجو .(1)
56 - وفيه : مسنداً عن عيسى بن أبي منصور ، قال : كنت عند أبي عبدالله علیه السلام أنا وابن أبي يعفور وعبدالله بن طلحة، فقال علیه السلام ابتداءً منه : يا بن أبي يعفور،
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ستّ خصال من كنّ فيه كان بين يدي الله عزّ وجلّ وعن يمين الله، فقال ابن أبي يعفور: وما هن، جعلت فداك؟
قال : يحبّ المرء المسلم لأخيه ما يحب لأعز أهله، ويكره المرء المسلم الأخيه ما يكره لأعز أهله، ويناصحه الولاية، .
فبکی ابن أبي يعفور وقال : كيف يناصحه الولاية؟ قال : يا بن أبي يعفور ، إذا كان منه بتلك المنزلة بثّه همّه، ففرح لفرحه إن هو فرح، وحزن لحزنه إن هو حزن، وإن كان عنده ما يفرج عنه ، فرج عنه، وإلا دعا الله له .
قال : ثمّ قال أبو عبدالله صلی الله علیه وآله وسلم : ثلاث لكم، وثلاث لنا: أن تعرفوا فضلنا وأن تطأوا عقبنا، وتنتظروا عاقبتنا، فمن كان هكذا كان بين يدي الله عزّ وجلّ فيستضيء بنورهم من هو أسفل منهم، وأما الّذين عن يمين الله فلو أنهم يراهم من دونهم لم يهتتهم العيش ممّا يرون من فضلهم.
فقال ابن أبي يعفور : وما لهم لا يرون وهم عن يمين الله؟!
فقال علیه السلام: يا بن أبي يعفور، إنّهم محجوبون بنور الله، أما بلغك الحديث أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم كان يقول : إن لله خلقا عن يمين العرش بين يدي الله، وعن يمين الله، وجوههم أبيض من الثلج، وأضوء من الشمس الضاحية، يسأل السائل ما هؤلاء؟ فيقال : هؤلاء الّذين تحابوا في جلال الله . (2)
إعلم أنّ من جملة نعم الله تعالى العظيمة علينا إذنه لنا في الدعاء ومسألة حاجاتنا منه تبارك وتعالى، واستجابة دعائنا بمنه وكرمه،
ولما ثبت أن وصول جميع نعمه إلينا إنما يكون ببركة وجود إمام زماننا علیه السلام وثبت أن إجابة الدعاء من أجلّ النعم بل أعظمها، إذ به يتوصل إلى سائر نعمه تحقق عظمة حقّ مولانا صاحب الزمان علیه السلام علينا بسبب كون وجوده وسيلة الحصول هذه النعمة الجسيمة، والموهبة العظيمة، فيجب علينا تلافي ذلك بالدعاء له علیه السلام وبسائر ما يحصل به شکر ذلك الإنعام.
وممّا يدل بالخصوص على كون وجود الإمام سبباً وواسطة لحصول هذا الإنعام بالنسبة إلى كافة الأنام:
57-ما رواه الصفار في بصائر الدرجات، بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لأمیرالمؤمنین علیه السلام: أكتب ما أملي عليك،
قال عليّ علیه السلام: يا نبیّ الله، وتخاف النسيان؟! قال: لست أخاف عليك النسيان، وقد دعوت الله لك أن يحفظك فلا ينساك، لكن أكتب لشركائك .
قال: قلت: ومن شركائي يا نبیّ الله؟ قال صلی الله علیه وآله وسلم: الأئمة من ولدك ، بهم يسقي أمتّي الغيث، وبهم يستجاب دعاؤهم، وبهم يصرف البلاء عنهم، وبهم تنزل الرحمة من السماء، وهذا أولهم - وأومی بيده إلى الحسن علیه السلام .
ثمّ أومی بيده إلى الحسين علیه السلام - ثمّ قال صلی الله علیه وآله وسلم : الأئمة من ولدك .(1)
أقول: وهذا الحديث بملاحظة سائر عباراته صريخ في ما ذكرناه كما لا يخفی.
بالدعاء ودفع الأعداء، وكشف البأساء، وسائر ما نشير إلى جملة منها إن
ص: 89
شاء الله . وقد قال الله تعالى : «هَل جَزاءِ الإحسانِ إلا الإحسان» (1)
والإحسان باعث للدعاء بحكم العقل والشرع، ومقتضى الجبلة الإنسانيّة أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ.
58. ففي الكافي : عن مسمع، عن الصادق علیه السلام، في حديث طويل : يا أبا سیار، إن الأرض كلها لنا، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا، فقلت له: وأنا أحمل إليك المال كله؟ فقال ع:
يا أبا سیّار، قد طيبناه لك، وأحللناك منه، فضم إليك مالك،
وكلّ ما في أيدي شيعتنا من الأرض، فهم فيه محلّلون حتّی يقوم قائمنا علیه السلام فيجبيهم طسق (2) ما كان في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم، وأما ما كان في أيدي غيرهم، فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم، حتّی يقوم قائمنا، فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم صغرة، الحديث .(3)
يأتي في حرف الظاء المعجمة(4) وفي شباهاته بجدّه الشهيد أبي عبدالله الحسين علیه السلام في حرف الكاف(5) وفي نداءاته من حرف النون (6)إن شاء الله تعالی .
59- ففي توقيعه علیه السلام إلى الشيخ المفيد : إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسین لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء، واصطلمكم الأعداء، إلخ .(7) .
60- ويعجبني هنا نقل واقعة ممّا ذكره العالم الفاضل الربّاني، الحاج میرزا
ص: 90
حسين النوري - ضاعف الله له النور، وأعلى درجته في دار السرور - في كتاب جنّة المأوى، في ذكر من فاز بلقاء الحجّة علیه السلام أو معجزته في الغيبة الكبرى قال :
حدّثني العالم الجليل، والحبر النبيل، مجمع الفضائل والفواضل الصفي الوفي، المولي عليّ الرشتي «طاب ثراه»، وكان عالماً برّاً تقياً زاهداً، حاوياً لأنواع العلم، بصيراً ناقداً، من تلامذة السیّد السند الأستاذ الأعظم «دام ظله»، ولما طال شكوى أهل الأرض حدود فارس، ومن والاه إليه من عدم وجود عالم عامل " کامل، نافذ الحكم فيهم، أرسله إليهم، عاش فيهم سعيداً ومات هناك حميداً رحمه الله، وقد صاحبته مدّةً سفراً وحضراً ولم أجد في خلقه وفضله نظيراً إلا يسيراً
قال : رجعت مرة من زيارة أبي عبدالله علیه السلام عازماً للنجف الأشرف من طريق الفرات، فلمّا ركبنا في بعض السفن الصغار التي كانت بين کربّلا وطویریج، رأيت أهلها من أهل الحلّة، ومن طويرج تفترق طريق الحلّة والنجف، واشتغل الجماعة باللهو واللعب والمزاح، رأيت واحداً منهم لا يدخل في عملهم، عليه آثار السكينة والوقار، لا يمازح ولا يضاحك، وكانوا يعيبون على مذهبه ، ويقدحون فيه، ومع ذلك كان شريكة في أكلهم وشربّهم، فتعجبت منه إلى أن وصلنا إلى محل كان الماء قليلا، فأخرجنا صاحب السفينة، فكنّا نمشي على شاطئ النهر ، فاتفق اجتماعي مع هذا الرجل في الطريق، فسألته عن سبب مجانبته عن أصحابه ، وذمهم إياه وقدحهم فيه. فقال : هؤلاء من أقاربي من أهل السنّة ، وأبي منهم، وأُمّي من أهل الإيمان، وكنت أيضأ منهم، ولكن الله من عليّ بالتشيع ببركة الحجّة صاحب الزمان علیه السلام، فسألت عن كيفية إيمانه .
فقال : اسمي ياقوت، وأنا أبيع الدهن عند جسر الحلّة، فخرجت في بعض السنين لجلب الدهن من أهل البراري خارج الحلّة، فبعدت عنها بمراحل، إلى أن قضيت وطري (1) من شراء ما كنت أريده منه وحملته على حماري،
ص: 91
ورجعت مع جماعة من أهل الحلّة، ونزلنا في بعض المنازل ونمنا وانتبهت فما رأيت أحداً منهم، وقد ذهبوا جميعا، وكان طريقنا في برية قفر (1) ذات سباع كثيرة، ليس في أطرافها معمورة، إلا بعد فراسخ كثيرة، فقمت وجعلت الحمل على الحمار ومشيت خلفهم، فضل عتي الطريق، وبقيت متحيراً، خائفاً من السباع والعطش في يومه، فأخذت استغيث بالخلفاء والمشايخ، وأسألهم الإعانة، وجعلتهم شفعاء عند الله تعالى، وتضرعت كثيراً فلم يظهر منهم شيء فقلت في نفسي: إني سمعت من أُمّي أنها كانت تقول إن لنا إماماً حياً يكنّى أبو صالح، يرشد الضالّ ويغيث الملهوف، ويعين الضعيف فعاهدت الله تعالى إن استغثت به فأغاثني أن أدخل في دين أُمّي فناديته واستغثت به، فإذا بشخص في جنبی وهو يمشي معي، وعليه عمامة خضراء.
قال (رحمه الله): وأشار حينئذ إلى نبات حاقة النهر ، وقال : كانت خضرتها مثل خضرة هذا النبات، ثمّ دلني على الطريق، وأمرني بالدخول في دين أُمّي
وذکر کلمات نسيتها، وقال : ستصل عن قريب إلى قرية أهلها جميعاً من الشيعة ، قال : فقلت : يا سيّدي، أنت لا تجيء معي إلى هذه القرية؟
فقال علیه السلام: ما معناه: لا، لأنه استغاث بي ألف نفس في أطراف البلاد، أريد أن أغيثهم، ثمّ غاب عتي، فما مشيت إلا قليلا حتّی وصلت إلى القرية، وكانت في مسافة بعيدة، ووصلت الجماعة إليها بعدي بيوم.
فلمّا دخلت الحلّة ذهبت إلى سیّد الفقهاء السیّد مهدي القزويني «طاب ثراه» وذكرت له القصة، فعلّمني معالم ديني، فسألت عنه عملاً أتوصل به إلى لقائه علیه السلام مرّة أخرى، فقال : زر أبا عبدالله علیه السلام أربعين ليلة جمعة .
قال : فكنت أزوره من الحكة في ليالي الجُمَع إلى أن بقيت واحدة، فذهبت
من الحلّة في يوم الخميس، فلمّا وصلت إلى باب البلد، فإذا جماعة من أعوان
ص: 92
الظلمة يطالبون الواردين التذكرة، وما كان عندي تذكرة ولا قيمتها، فبقيت متحيراً، والناس متزاحمون على الباب ، فأردت مراراً أن أتخفى وأجوز عنهم، فما تیسر لي، وإذا بصاحبي صاحب الامرّ علیه السلام في زيّ لباس طلبة الأعاجم، عليه عمامة بيضاء، في داخل البلد فلمّا رأيته استغثت به، فخرج وأخذني معه وأدخلني من الباب فما رآني أحد.
فلمّا دخلت البلد افتقدته من بين الناس، وبقيت متحيراً على فراقه علیه السلام وقد ذهب عن خاطري بعض ما كان في تلك الحكاية .(1)
61- في البحار من إرشاد المفيد: عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
إذا قام القائم حكم بالعدل، وارتفع في أيّامه الجور، وأمنت به السبل وأخرجت الأرض بركاتها، ورد کلّ حقّ إلى أهله ... إلخ .(2)
وفي حديث آخر عنه علیه السلام: تخرج العجوز الضعيفة من المشرق ترید
المغربّ، ولا ينهاها أحد(3)
وفي آخر، عنه علیه السلام في قوله تعالى : «سيروا فيها لَيالِيَ وأيّاماً آمِنينَ »(4)
فقال علیه السلام: مع قائمنا أهل البيت (5)
62- وفي تفسير قوله تعالى : «ليُظهِرَه عَلَى الدّينِ كُلّهِ »(1) بظهور القائم ."(2)
63- وفي البحار : في حديث طويل عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي أمتّي، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله، ليظهر بعد غيبة طويلة، وحيرة مضلّة ، فيعلي أمر الله، ويظهر دين الله، ويؤيد بنصر الله، وينصر بملائكة الله، فيملأ الأرض عدلا وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً .(3)
64 - وفي البحار : في حديث طويل عن أبي جعفر علیه السلام: ثمّ يرجع إلى الكوفة فيبعث الثلاثمائة والبضعة عشر رجلا إلى الآفاق كلها، فيمسح بين أكتافهم، وعلى صدورهم، فلا يتعايون في قضاء، ولا تبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمّداً رسول الله . (4)
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدّاً، والغرض الإشارة .
وفي الإكمال : بإسناده عن الصادق علیه السلام عن أبيه، عن آبائه علیهم السلام عن أمیرالمؤمنین علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
لمّا أسري بي إلى السماء، أوحي إلي ربّي جلّ جلاله ، فقال :
یامحمّد، إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة، فاخترتك منها، فجعلتك نبيّاً وشققت لك من إسمي إسماً، فأنا المحمود وأنت محمّد، ثمّ اطلعت الثانية فاخترت منها عليّاً ، وجعلته وصيك وخليفتك، وزوج ابنتك، وأبا ذريتك وشققت له إسماً من أسمائي، فأنا العليّ الأعلى، وهو علي، وخلقت فاطمة والحسن والحسين من نوركما، ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة، فمن قبلها كان عندي من المقربين، یا محمّد، لو أن عبداً عبدني حتّی ينقطع، ويصير
ص: 94
کالشن البالي، ثمّ أتاني جاحداً لولايتهم فما أسكنته جنّتي، ولا أظللته تحت عرشي، یا محمّد، تحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا ربّ.
فقال عزّ وجلّ: إرفع رأسك، فرفعت رأسي وإذا أنا بأنوار عليّ، وفاطمة والحسن، والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد وموسی بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن علي، وعليّ بن محمّد والحسن بن علي، «وم ح م د» بن الحسن القائم في وسطهم، كأنه كوكب دري قلت : يا ربّ، ومن هؤلاء؟
قال : الأئمة، وهذا القائم الّذي يحلّل حلالي ويحرّم حرامي، وبه أنتقم من أعدائي، وهو راحة لأوليائي، وهو الّذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين، فيخرج اللات والعزّى طريّين، فيحرقهما، فلفتنة الناس يومئذ بهما أشد من فتنة العجلّ والسامري.(1)
65- وفي البحار، عن العلل: بإسناده عن عبدالرحيم القصير، عن أبي جعفر علیه السلام قال : أما لو قام قائمنا، لقد ردت إليه الحميراء حتّی يجلدها الحد وحتّی ينتقم لابنة محمّد صلی الله علیه وآله وسلم فاطمة منها، قلت: جعلت فداك، ولم يجلدها الحد؟ قال : لفريتها على أمّ إبراهيم، قلت : فكيف أخره الله للقائم؟ فقال له :
إن الله تبارك وتعالى بعث محمّداً صلی الله علیه وآله وسلم رحمة، وبعث القائم نقمة .(2)
66- وفيه : عن المزار الكبير : بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام:
إذا قام قائمنا انتقم لله ولرسوله ولنا أجمعين . (3)
67- وفيه ، عن إرشاد المفيد: عنه ع: وقطع أيدي بني شيبة، وعلقها على باب الكعبة، وكتب عليها: هؤلاء سراق الكعبة .(4)
ص: 95
68- وفي الإحتجاج : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم في خطبة الغدير ، قال :
ألا إن خاتم الأئمة منّا القائم المهدي [صلوات الله عليه ] ألا إنّه الظاهر على الدين [كلّه ] ألا إنّه المنتقم من الظالمين، ألا إنّه فاتح الحصون وهادمها، ألا إنّه قاتل کلّ قبيلة من أهل الشرك ، ألا إنّه مدرك بکلّ ثار لأولياء الله [عزّ وجلّ]،
ألا إنّه الناصر لدين الله، ألا إنّه الغراف في بحر عميق،
ألا إنّه يسم کلّ ذي فضل بفضله، وکلّ ذي جهل بجهله، ألا إنّه خيرة الله ومختاره، ألا إنّه وارث کلّ علم والمحيط به، ألا إنّه المخبر عن ربّه عزّ وجلّ والمنبّه بأمر إيمانه، ألا إنّه الرشيد السديد، ألا إنّه المفوض إليه،
ألا إنّه قد بشّر من سلف بين يديه ، ألا إنّه الباقي حجّة ولاحجّة بعده، ولا حقّ إلا معه، ولا نور إلا عنده، ألا إنّه لا غالب له، ولا منصور عليه،
ألا وإنّه ولي الله في أرضه، وحكمه في خلقه وأُمّينه في سره وعلانيته .
وقال صلی الله علیه وآله وسلم : في موضع آخر من هذه الخطبة :
معاشر الناس، النور من الله عزّ وجلّ في مسلوك ثمّ في علي، ثمّ في النسل منه، إلى القائم المهدي، الّذي يأخذ بحقّ الله، وبکلّ حقّ هو لنا ... .(1)
69 - وفي تفسير القمي : في قوله تعالى : «فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا»(2) الوقت بعث القائم، فينتقم لي من الجبارين والطواغيت من قريش وبني أُمّية وسائر الناس . (3)
70- في الدعاء المروي عنه علیه السلام بتوسط العمري (رحمه الله):
وأقم به الحدود المعطلة، والأحكام المهملة . (4)
ص: 96
71- وفي كمال الدين : عن الصادق علیه السلام في وصف زمان ظهوره:
«ويقام حدود الله» .(1)
72- وفي حديث آخر : إن إقامة حد واحد من حدود الله أزكى من المطر
أربعين يوماً وليلة .(2) كما في الحديث عن أبي جعفر علیه السلام:
ويأتي في حياة الأرض به علیه السلام ما يفيد هنا إن شاء الله .(3)
73- وفي البحار : عن الصادق علیه السلام: دمان في الإسلام حلال من الله عزّ وجلّ لا يقضي فيهما أحد بحكم الله عزّ وجلّ حتّی يبعث الله القائم من أهل البيت فيحكم فيهما بحكم الله عزّ وجلّ، لا يريد فيه بينة :
الزاني المحصن يرجمه، ومانع الزكاة يضربّ رقبته .(4)
أقول : حدّ الزاني المحصن هو الرجم، وتخصيصه بإجراء هذا الحكم من حيث حكمه بمقتضی علمه الواقعي، وعدم درء الحد بالشبهات، كما في زمن سائر الأئمة علیهم السلام .
74- في دعاء الندبة : أين المضطر الّذي يجاب إذا دعا. (5)
75- وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (رحمه الله) في قوله تعالى : «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ»(6) قال : فإنّه حدثني أبي ، عن الحسن ابن عليّ بن فضال، عن صالح بن عقبة، عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
نزلت في القائم من آل محمّد علیهم السلام وهو المضطر إذا صلى في المقام رکعتین، ودعا الله فأجابه، ويكشف السوء، ويجعله خليفة في الأرض . (7)
ص: 97
76- في البحار : عن أبي جعفر علیه السلام في وصف القائم علیه السلام:
وتجمع إليه أموال الدنيا كلّها من بطن الأرض وظهرها، فيقول للناس : تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدماء الحرام، وركبتم فيه ما حرم الله عزّ وجلّ، فيعطي شيئا لم يعطه أحد كان قبله ، إلخ.(1)
ويأتي في سخائه ماله دخل في المقام .(2)
وهم العلماء، لدلالة الناس وإصلاح أمورهم
77- ففي التوقيع المروي عنه علیه السلام في الإحتجاج: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حجتي علكيم، وأنا حجّة الله . (3)
78- روى الصدوق : بإسناده عن سیّد العابدین علیه السلام أنه قال :
في القائم سنن من سبعة أنبياء - إلى أن قال علیه السلام - :
وأما من أيوب فالفرج بعد البلوى، الخبر .(4)
قد تقدم في الباب الثالث (5)أن جميع ما يصل إلى الخلائق من النعم الظاهرة والباطنة في زمانه إنما هو من برکات وجوده صلوات الله عليه
ص: 98
79- والأخبار في ذلك فوق حد التواتر، ولذلك قال علیه السلام في التوقيع المروي في الإحتجاج : وأما وجه الإنتفاع بي في غيبتي فكالإنتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب . (1)
80 -في دعاء الندبة : أين مؤلف شمل الصلاح والرضا؟ (2)
81- وفي دعاء أمر المؤمنين علیه السلام له: «واجمع به شمل الأمة» .(3)
82 -وفي حديث آخر : ويؤلف به بين القلوب المختلفة . (4)
83- وفي الكافي : عن الصادق : ويؤلف الله بين القلوب المختلفة . (5)
84- وفي البحار في الحديث المروي عن أميرالمؤمنين ، قال :
قلت : يا رسول الله، أمنّا آل محمّد المهدي أم من غيرنا؟
فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لا بل منّا، يختم الله به الدين، كما فتح بنا، وبنا ينقذون من الفتن، كما أنقذوا من الشرك، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة إخواناً، كما ألف بينهم بعد عداوة الشرك إخواناً في دينهم.(6)
وهذا الحديث مروي من طريق أهل السنّة وقد أذعنوا بصحّته والحمد لله . (7)
ص: 99
يشهد بذلك قوله علیه السلام في التوقيع المروي:
85- في الإحتجاج: أنّه أنهي إلىَّ ارتياب جماعة منكم في الدين، وما دخلهم من الشك والحيرة، في ولاة أمرهم، فغمنا ذلك لكم لا لنا، وساءنا فيكم الا فينا، لأن الله معنا، فلا فاقة بنا إلى غيره، والحقّ معنا فلن يوحشنا من قعد عنا، ونحن صنائع ربّنا والخلق بعد صنائعنا(1).
ويدل على المقصود أيضاً ما في بصائر الدرجات :
86- بإسناده عن زيد الشحّام، قال : دخلت على أبي عبدالله علیه السلام فقال :
یا زید، جدّد عبادة، وأحدث توبة ، قال : نعيت إلي نفسي جعلت فداك؟
قال : فقال لي: يا زيد، ما عندنا خير لك، وأنت من شيعتنا، قال : وقلت : وكيف لي أنا أكون من شيعتكم؟
قال : فقال علیه السلام: أنت من شيعتنا، إلينا الصراط والميزان، وحساب شیعتنا، والله، لأنا أرحم بكم منكم بأنفسكم، الخبر .(2)
وأما في الآخرة :
88- فقد روي في البحار عن الصادق علیه السلام أنه قال : إذا كان يوم القيامة جعل الله حساب شیعتنا إلينا، فما كان بينهم وبين الله استوهبه محمّد صلی الله علیه وآله وسلم من الله وما كان فيما بينهم وبين الناس من المظالم أداه محمّد صلی الله علیه وآله وسلم عنهم،
وما كان فيما بيننا وبينهم وهبناه لهم، حتّی يدخلوا الجنّة بغير حساب .(1)
89- أقول: روي في البرهان عدة أحاديث في هذا المعنى، عن الأئمة علیهم السلام في تفسير قوله تعالى : «إنّ عَلَينا حِسابَهُم (2)، فراجع .(3)
90- يدل عليه ما روي في البحار، من كتاب المناقب :
أنّه اجتمعت عصابة الشيعة بنيسابور، واختاروا محمّد بن عليّ النيسابوري فدفعوا إليه ثلاثين ألف دينار، وخمسين ألف درهم، وشقة من الثياب،
وأتت شطيطة بدرهم صحيح وشقة خام من غزل يدها تساوي أربعة دراهم فقالت: إن الله لا يستحيي من الحقّ.
قال : فثنّیت در همها، وجاؤا بجزء فيه مسائل ملء سبعين ورقة، في كل ورقة مسألة، وباقي الورق بیاض ليكتب الجواب تحتها، وقد حزمت کلّ ورقتين بثلاث حزم، وختم عليها بثلاث خواتيم، على کلّ حزام خاتم، وقالوا: ادفع إلى الإمام ليلة، وخذ في غد ، فإن وجدت الجزء صحيح الخواتيم فاکسر منها خمسة، وانظر هل أجاب عن المسائل، فإن لم تنكسر الخواتيم فهو الإمام المستحقّ للمال، فادفع إليه، وإلا فرد إلينا أموالنا.
فدخل على الأفطح عبدالله بن جعفر، وجربّه ، وخرج عنه، قائلا : «ربّ اهدني إلى سواء الصراط » (4) قال : فبينما أنا واقف إذا أنا بغلام يقول:
ص: 101
أجب من تريد، فأتى بي دار موسی بن جعفر علیهما السلام، فلمّا رآني قال : لم تقنط يا أبا جعفر، ولم تفزع إلى اليهود والنصارى؟
إلي فأنا حجّة الله ووليه، ألم يعرفك أبو حمزة على باب مسجد جدي؟
وقد أجبتك عما في الجزء من المسائل بجميع ما تحتاج إليه منذ أمس فجئني به، وبدرهم شطيطة، الّذي وزنه درهم ودانقان، الّذي في الكيس، الّذي فيه أربعمائة درهماً للوازوري والشقّة التي في رزمة الأخوين البلخيين.
قال : فطار عقلي من مقاله، وأتيت بما أمرني، ووضعت ذلك قبله، فأخذ درهم شطيطة وإزارها، ثمّ استقبلني، وقال: «إن الله لا يستحيي من الحقّ» یا أبا جعفر ، أبلغ شطيطة سلامي وأعطها هذه الصرة، وكانت أربعين درهما.
ثمّ قال : وأهديت لها شقة من أكفاني من قطن قريتنا صيدا، قرية فاطمة علیهاالسلام وغزل أختي حليمة ابنة أبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام
ثمّ قال : وقل لها : ستعيشين تسعة عشر يوما من وصول أبي جعفر، ووصول الشقة والدراهم، فأنفقي على نفسك منها ستة عشر درهما، واجعليّ أربعة وعشرين صدقة عنك، وما يلزم عنك، وأنا أتولى الصلاة عليك،
فإذا رأيتني يا أبا جعفر فاکتم عليّ فإنّه أبقى لنفسك. .
ثمّ قال علیه السلام: واردد الأموال إلى أصحابها، وافكك هذه الخواتيم عن الجزء، وانظر هل أجبناك عن المسائل أم لا، من قبل أن تجيئنا بالجزء؟
فوجدت الخواتيم صحيحة، ففتحت منها واحداً من وسطها، فوجدت فيه مكتوباً : ما يقول العالم علیه السلام في رجل قال : نذرت لله لأعتقن کلّ مملوك كان في رقي «قديماً»، وكان له جماعة من العبيد؟ الجواب بخطه :
ليعتقن من كان في ملكه من قبل ستة أشهر، والدليل على صحة ذلك قوله
تعالى : «والقمر قدرناه ...» (1) «والحديث» من ليس له ستة أشهر .
ص: 102
وفككت الختام الثاني فوجدت ما تحته: ما يقول العالم في رجل قال : والله لاتصدقن بمال كثير، فما يتصدّق؟
الجواب تحته بخطه : إن كان الّذي حلف من أربّاب شياه، فليتصدق بأربع
وثمانين شاة، وإن كان من أصحاب النعم، فليتصدق بأربع وثمانين بعيراً،
وإن كان من أربّاب الدراهم، فليتصدق بأربع وثمانين درهما.
والدليل عليه قوله تعالى : «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ» (1)
فعددت مواطن رسول الله قبل نزول تلك الآية، فكانت أربعة وثمانين موطنا، فكسرت الخاتم الثالث، فوجدت تحته مكتوبا :
ما يقول العالم في رجل نبش قبر میت وقطع رأس الميت وأخذ الكفن؟
الجواب بخطه : يقطع السارق لأخذ الكفن من وراء الحرز، ويلزم مائة دينار القطع رأس الميت، لانّا جعلناه بمنزلة الجنين في بطن أمّه قبل أن ينفخ فيه الروح، فجعلنا في النطفة عشرين ديناراً، المسألة إلى آخرها،
فلمّا وافی خراسان، وجد الّذين رد عليهم أموالهم ارتدوا إلى الفطحية ، وشطيطة على الحقّ، فبلغها سلامه وأعطاها صرته وشقته،
فعاشت كما قال علیه السلام فلمّا توفّيت شطيطة جاء الإمام على بعير له،
فلمّا فرغ من تجهيزها ركب بعيره، وانثنی نحو البرية، وقال علیه السلام: عرف أصحابك وأقرأهم منّي السلام، وقل لهم : إني ومن يجري مجراي من الأئمة علیهم السلام لا بد لنا من حضور جنايزكم في أي بلد كنتم، فاتقوا الله في أنفسكم.(2)
91- ففي الدعاء المروي عنه علیه السلام بتوسط العمريّ (رحمه الله):
وجدد به ما امتحی من دينك . (3)
ص: 103
92- وفي الدعاء المروي عن أبي الحسن الرضا علیه السلام وجدّد به ما امتحی من دينك، وبدّل من حكمك، حتّی تعيد دينك به وعلى يديه جديداً غضّاً. (1)
93- وفي البحار نقلا عن إرشاد المفيد، عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
إذا قام القائم دعا الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهم إلى أمرقد دثر، وضلّ عنه الجمهور، وإنّما سمّي القائم مهديّاً لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه، وسمي القائم لقيامه بالحقّ. (2)
94 - ومن كتاب غيبة النعماني : عن أبي جعفر علیه السلام في سيرة القائم علیه السلام: يقوم بأمر جديد، وكتاب جديد، وقضاء جديد، على العرب شديد . (3)
95- وعن أبي عبدالله علیه السلام في جواب من سأل عن سيرة المهدي علیه السلام قال : يصنع كما صنع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يهدم ما كان قبله، كما هدم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أمر الجاهلية، ويستأنف الإسلام جديداً. (4)
96- وفي خبر آخر عن أبي جعفر علیه السلام (مثله) . (5)
97- وعنه : إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد، كما دعا إليه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وإن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغربّاء .(6)
98- وعن أبي عبدالله صلی الله علیه وآله وسلم : الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ فطوبی للغربّاء، قال أبو بصير : فقلت : اشرح لي هذا أصلحك الله.
فقال : يستأنف الداعي منّا دعاء جديداً كما دعا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم .(7)
99- وعنه علیه السلام: كأني بالقائم على منبر [الكوفة] عليه قباء، فيخرج من وریان قبائه کتاباً مختوماً بخاتم ذهب فيفه ، فيقرأه على الناس، فيجفلون عنه إجفال الغنم، فلم يبق إلا النقباء، فيتكلم بكلام فلا يلحقون ملجأ حتّی يرجعوا
ص: 104
الیه، و إنّي لا عرف الکلام الذي یتکلّم به.(1)
100- في كتاب التوحيد للشيخ الصدوق : بإسناده إلى الرضا علیه السلام في تفسير حروف المعجم قال علیه السلام: والتاء تمام الأمر بقائم آل محمّد. (2)
الّذي جمعه أمیرالمؤمنین وسیّد الوصيين صلی الله علیه وآله وسلم
في البحار نقلا عن غيبة النعماني(3): عن أمیرالمؤمنین علیه السلام :
كأني أنظر إلى شيعتنا بمسجد الكوفة، وقد ضربّوا الفساطيط، يعلمون الناس القرآن كما أنزل .(4)
101- وعنه علیه السلام: كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن كما أنزل، قال أصبغ بن نباتة : قلت : يا أمیرالمؤمنین، أوليس هو كما أنزل؟ فقال : لا، محي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم،
وما ترك أبو لهب إلآ للإزراء على رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لأنّه عمّه . (5)
102- وعن أبي عبدالله علیه السلام: كأني بشيعة عليّ في أيديهم المثاني يعلمون الناس .(6)
103- وعن إرشاد المفيد، عن أبي جعفر علیه السلام : إذا قام قائم آل محمّد علیه السلام
ص: 105
ضربّ فساطيط يعلم الناس القرآن، على ما أنزل الله عزّ وجلّ،
فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنه يخالف فيه التأليف .(1)
104- وفي الكافي : بإسناده عن سالم بن أبي سالم، قال : قرأ رجل على أبي عبدالله علیه السلام وأنا أستمع حروفاً من القرآن، ليس على ما يقرؤها الناس،
فقال أبو عبدالله علیه السلام: كف عن هذه القراءة، إقرأ كما يقرأ الناس، حتّی يقوم القائم علیه السلام، فإذا قام القائم قرأ كتاب الله عزّ وجلّ على حدّه، وأخرج المصحف الّذي كتبه عليّ علیه السلام وقال :
أخرجه عليّ علیه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه ، فقال لهم : هذا كتاب الله عزّ وجلّ كما أنزله الله على محمّد صلی الله علیه وآله وسلم وقد جمعته في اللوحين، فقالوا:
هوذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه ، فقال علیه السلام: أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبدا، إنما كان على أن أخبركم حين جمعته لتقرأوه .(2)
105- وفي الإحتجاج : أنه لمّا توفي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جمع عليّ علیه السلام القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار، وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فلمّا فتحه أبو بكر ، خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم،
فوثب عمر وقال : يا علي، اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه علیه السلام وانصرف.
ثمّ أحضروا زید بن ثابت، وكان قارئاً للقرآن ، فقال له عمر: إن علياً جاء بالقرآن، وفيه فضائح المهاجرين والأنصار وقد رأينا أن نؤلف القرآن، ونسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذلك،
ثمّ قال : فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم، وأظهر على القرآن الّذي ألفه، أليس قد بطل کلّ ما عملتم؟ قال عمر : فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة، فقال عمر : ما حيلة دون أن نقتله ونستريح منه فدبر في قتله على يد
ص: 106
خالد بن الوليد، فلم يقدر على ذلك .
فلمّا استخلف عمر سأل علياً علیه السلام لا أن يدفع إليهم القرآن فيحرقوه فيما بينهم، فقال : يا أبا الحسن، إن جئت بالقرآن الّذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر، حتّی نجتمع عليه . فقال عليّ علیه السلام:
هيهات ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم به الحجّة علیکم، ولا تقولوا يوم القيامة : إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا ما جئتنا به، إن القران الّذي عندي لا يمسه إلا المطهرون، والأوصياء من ولدي.
فقال عمر: فهل لإظهاره وقت معلوم؟
فقال علیه السلام: نعم، إذا قام القائم من ولدي يظهره، ويحمل الناس عليه (1) فتجري الستة به صلوات الله عليه .(2)
أقول: يمكن أن يكون هذا هو السر في تسمية القائم علیه السلام بالقرآن العظيم باعتبار أنه الآمرّ به وحامل الناس على قراءته، ومظهره ومروجه.
106- روي في البرهان : عن حسان العامري، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن قوله تعالى : «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ »(3)
قال : ليس هكذا تنزيلها، إنما هي:
ولقد آتينا السبع من المثاني، نحن هم، والقرآن العظيم : ولد الولد.(4)
107- وعن القاسم بن عروة، عنه علیه السلام عن قول الله تعالى : «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ »، قال : سبعة أئمة والقائم . (5)
أقول : أما كونهم سبعة فيمكن أن يقال أنه باعتبار أسمائهم وتكون فاطمة علیهاالسلام مقصودة أيضاً في الحديث الأول، والقرآن العظيم : ولد الولد، وهو القائم علیه السلام وأما الحديث الثاني فبتسمية القائم علیه السلام باسم سابع وهو أحمد:
ص: 107
108- كما في البحار : عن أمیرالمؤمنین علیه السلام قال : له إسمان : إسم يخفى وإسم يعلن، فأما الّذي يخفي فأحمد، وأما الّذي يعلن فمحمّد، إلخ.(1)
109- ويؤيده ما رواه عن يونس بن عبدالرحمان ، عمن ذكره، رفعه ، قال : سألت أبا عبدالله علیه السلام عن قول الله [تعالى]: «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ » قال : إن ظاهرها الحمد وباطنها ولد الولد، والسابع منها القائم علیه السلام (2)
وعلى هذا يكون عطف القرآن العظيم على سبع من باب تخصیصه علیه السلام بالذكر لأمور مهمة.
وأما المثاني فيمكن أن يكون المراد به جميع الآيات القرآنية، ويؤيده قوله تعالى : «اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ...»(3).
ويؤيده أيضاً قوله علیه السلام في الحديث الأول : إنما هي السبع من المثاني . (4)
110- ويؤيده أيضاً قول أبي عبدالله علیه السلام في الحديث المروي سابقاً.
عن غيبة النعماني : كأني بشيعة عليّ علیه السلام في أيديهم المثاني (5)
والتعبير بذلك لتكرر نزوله، فقد نزل إلى البيت المعمور جملة واحدة في ليلة القدر مرة أولى ثمّ نزل منه إلى النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم نجوماً في مدة عشرين سنّة (6)ويمكن أن يكون المراد به خصوص فاتحة الكتاب كما عن أمیرالمؤمنین علیه السلام (7) والتعبير عنها بالمثاني إما لتكررها في کلّ فريضة ، أو لتكرر نزولها على النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم والتعبير عن الأئمة علیهم السلام بذلك اللفظ إما باعتبار كونهم ولد الولد
فهم في مرتبة ثانية بالنسبة إلى النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بحسب عالم البشرية، وترتيب
ص: 108
الخلقة الانسانيّة، كما أن فاطمة في المرتبة الأولى؛
وإما باعتبار كونهم في مرتبة ثانية بالنسبة إلى الكتاب الكريم، كما يشهد به حديث الثقلين المتواتر المروي من طريق المخالف والمؤالف.
111- فمن طريق المخالفين : عن أبي سعيد الخدري، عنه صلی الله علیه وآله وسلم قال :
إني تارك فيكم الثقلين، ألا إن أحدهما أكبر من الآخر:
كتاب الله [عزّ وجلّ] حبل ممدود من السماء إلى الأرض،
وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يتفرقا حتّی يردا عليّ الحوض(1)
وإما باعتبار كونهم علیه السلام في مرتبة ثانية بالنسبة إلى النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بحسب العلوم الربّانية، والمقامات العقلانية :
112- فقد قال : أنا مدينة الحكمة وعليّ بابها . (2)
113۔ وقال أمیرالمؤمنین علیه السلام: علمني رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الف باب ، کلّ باب يفتح لي ألف باب .(3)
هذا ما سنح بالبال في حل الإشكال وتحقيق هذا المقال، والله العالم بحقاًئق الأحوال،
وقد قيل فيه وجوه بعيدة لا نطيل الكتاب بذكرها، من أرادها فليرجع إلى «کتاب مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار» للشيخ أبي الحسن الشريف. (4)
ص: 109
قد مضى في الباب الأول (1)ما يشهد له، ويأتي في الباب الثامن ما يدل عليه .
114- وفي كمال الدين : عن الصادق علیه السلام قال :
من أقر بالأئمة من آبائي وولدي، وجحد المهدي من ولدي، كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمّدا صلی الله علیه وآله وسلم نبوته . قال عبدالله بن أبي يعفور:
فقلت : يا سيّدي ، ومن المهدي من ولدك؟ قال علیه السلام:
الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه، ولايحل لكم تسميته .(2)
وفي هذا المعنى أخبار كثيرة يأتي بعضها في الباب الثامن إن شاء الله .(3)
في المجمع: الثائر الّذي لا يبقى على شيء حتّی يدرك ثاره، إنتهى .(4)
115- وفي زيارة عاشوراء: «فأسأل الله الّذي أكرم مقامك، وأكرمني بك أن يرزقني طلب ثارك، مع إمام منصور من أهل بيت محمّد صلی الله علیه وآله وسلم » .(5)
116- وفي البحار، عن النعماني: عن أبي جعفر علیه السلام في وصفه:
ليس شأنه إلا القتل، لا يستبقي أحداً .(6)
117۔ وعن العياشي: عن سلام بن المستنير، عن أبي جعفر علیه السلام في تفسير قوله تعالى : «مَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا » (7)، قال : هو الحسين بن عليّ علیه السلام قتل مظلوماً ونحن أولياؤه، والقائم ما إذا قام طلب بثار الحسين علیه السلام فيقتل حتّی يقال قد أسرف في القتل.
ص: 110
وقال علیه السلام: المقتول الحسين علیه السلام ووليه القائم، والإسراف في القتل أن يقتل غير قاتله، «إنّه كان منصوراً»، فإنّه لا يذهب من الدنيا حتّی ينتصر برجل من آل رسول الله و يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. (1)
118- وفي رواية أخرى عن الكافي : عن أبي عبدالله علیه السلام في قوله تعالی : «ومَن قُتِلَ مَظلوُماً ... »
قال : نزلت في الحسين علیه السلام، لو قتل أهل الأرض به ما كان سرفاً . (2)
119- وفي العلل: عن أبي جعفر علیه السلام قال : لمّا قتل جدي الحسين علیه السلام ضجت عليه الملائكة إلى الله تعالى بالبكاء والنحيب، وقالوا:
إلهنا وسیّدنا أتغفل عمن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك . فأوحى الله عزّ وجلّ إليهم : قروا ملائكتي فو عزتي وجلالي لأنتقمنّ منهم ولو بعد حين، ثمّ كشف الله عزّوجلّ عن الأئمة من ولد الحسين علیه السلام للملائكة، فسرت الملائكة بذلك، فإذا أحدهم قائم يصلي،
فقال الله عزّ وجلّ: بذلك القائم أنتقم منهم.(3)
120- وفي الكافي : عن أبي عبدالله علیه السلام قال : فإن الحسین علیه السلام لما قتل عجت السماوات والأرض ومن عليهما والملائكة، فقالوا: يا ربّنا ائذن لنا في هلاك الخلق حتّی نجدهم عن جديد الأرض بما استحلوا حرمتك، وقتلوا صفوتك، فأوحى الله إليهم: يا ملائكتي ویا سماواتي ويا أرضي اسكنوا،
ثمّ کشف حجاباً من الحجب، فإذا خلفه محمّد صلی الله علیه وآله وسلم واثنا عشر وصيّاً له علیه السلام وأخذ بيد فلان القائم من بينهم، فقال : يا ملائكتي وياسماواتي، ويا أرضي، بهذا أنتصر، قالها ثلاث مرات . (4)
121- وفي غاية المرام للسیّد المحدّث الجليل، السیّد هاشم البحرانيّ
ص: 111
121- وفي غاية المرام للسیّد المحدّث الجليل، السیّد هاشم البحرانيّ (رحمه الله): - من طريق العامة في حديث المعراج - قال الله تعالی :
یا محمّد، تحب أن تراهم، قلت: نعم، يا ربّ، قال : فالتفت عن يمين العرش، فالتفت فإذا بعليّ وفاطمة والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، و موسی بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن عليّ ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ ، والمهدي علیه السلام في ضحضاح من نور قیام يصلون، وهو في وسطهم - يعني المهدي علیه السلام - كأنه كوكب دري وقال : يا محمّد، هؤلاء الحجج، وهذا الثائر من عترتك، وعزتي وجلالي إنّه الحجّة الواجبة والمنتقم [من أعدائي ].(1)
122. وفي البحار :- في وصف أصحاب القائم علیه السلام - عن أبي عبدالله علیه السلام : كأن قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شك في ذات الله، أشد من الحجر لو حملوا على الجبال لأزالوها، لا يقصدون براياتهم بلدة إلآ خربّوها، كأن على خيولهم العقبان ، يتمسحون بسرج الإمام علیه السلام يطلبون بذلك البركة، ويحفون به يقونه بأنفسهم في الحروب، ويكفونه ما يريد فيهم، رجال لا ينامون الليل، لهم دوي في صلاتهم کدوي النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل، ليوث بالنهار ، هم. أطوع له من الأمة لسیّدها کالمصابيح، كأن قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة ، ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله.
شعارهم: يا لثارات الحسين، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر يمشون إلى المولى إرسالا، بهم ينصر الله إمام الحقّ . (2)
123- وعنه علیه السلام قال: إذا خرج القائم علیه السلام قتل ذراري قتلة الحسين علیه السلام بفعال آبائها . وقد علل ذلك في الحديث الرضوي بأنهم :
ص: 112
يرضون بفعال آبائهم، ويفتخرون بها، ومن رضي شيئا كان كمن أتاه . (1)
124- وفي كتاب المحجّة فيما نزل في القائم الحجّة عن الصادق علیه السلام في قوله تعالى : «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا ...» قال : نزلت في الحسين علیه السلام لو قتل وليه أهل الأرض ما كان مسرفاً، ووليه القائم.(2)
إعلم أن مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه أجمل الناس وأحسنهم وجها لاته أشبه الناس برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
125- لما رواه السیّد البحرانيّ في كتاب المحجّة، وغيره : عن عمّار، عن رسول الله، أنه قال : يا عمّار، إن الله تبارك وتعالى عهد إلى أنه يخرج من صلب الحسين علیه السلام أئمة تسعة، والتاسع من ولده يغيب عنهم، وذلك قوله عز وجل: «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ » (3)، يكون له غيبة طويلة، يرجع عنها قوم ويثبت عليها آخرون، فإذا كان في آخر الزمان، يخرج فيملأ الدنيا قسطا وعدلا، كما ملئت جوراً وظلماً، ويقاتل على التأويل، كما قاتلت على التنزيل، وهو سميي، وأشبه الناس بي، «الحديث» . (4)
126- وفي إكمال الدين : عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال :
المهدي من ولدي، إسمه إسمي، وکنیته کنیتي، أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً، تكون به غيبة وحيرة تضل فيها الأمم، ثمّ يقبل کالشهاب الثاقب، يملأها عدلاً وقسطا كما ملئت جوراً وظلماً. (5)
ص: 113
127- وفيه أيضاً: بسند صحيح عن الصادق، عن آبائه علیهم السلام قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : المهدي من ولدي اسمه إسمي، وكنيته کنيتي، أشبه الناس بي خلقا وخلقاً، تكون له غيبة وحيرة، حتّی تضلّ الخلق عن أديانهم فعند ذلك يقبل کالشهاب الثاقب، فيملأها قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً.(1)
128- وفيه أيضاً : مسنداً عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في حديث ابن عباس : وجعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري، ويحفظون وصيتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي، ومهدي أمتّي، أشبه الناس بي في شمائله، وأقواله وأفعاله «الحديث».(2)
وإذ قد عرفت أنه أشبه الناس برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فاعلم أنه قد ثبت بالنص أن رسول الله كان أجمل الناس وجهاً وأحسنهم صورة:
129- لما رواه ثقة الإسلام في الكافي : عن أبي جعفر علیه السلام قال :
كان نبیّ الله أبيض مشربّ حمرة، أدعج العينين (3)، مقرون الحاجبين، شثن (4) الأطراف، كأن الذهب أفرغ على براثنه(5)، عظیم مشاشة (6) المنكبين، إذا التفت يلتفت جميعاً من شدة استرساله (7)، سربته (8) سائلة من لبَّته (9) إلى سرّته كأنّها وسط الفضة المصفّاة، وكأنّ عنقه إلى كاهله(10) إبريق فضة، يكاد أنفه إذا شربّ أن يرد الماء، وإذا مشى تكفّا (11) كأنه ينزل في صبب(12)، لم ير مثل نبي الله قبله ولا بعده [صلی الله علیه وآله وسلم]. (13)
ص: 114
130- وفي البحار، عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (رحمه الله): عن أمیرالمؤمنین علیه السلام قال على المنبر : يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان أبيض، مشربّ حمرة مبدح البطن(1)، عريض الفخذين، عظیم مشاش المنكبين، بظهره شامّتان، شامّة على لون جلده، وشامّة على شبه شامّة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، «الحديث».(2)
131- ومن طريق المخالفين عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال :
المهدي طاووس أهل الجنّة . (3)
132- وعنه صلی الله علیه وآله وسلم قال : المهدي رجل من ولدي، لونه لون عربّي، وجسمه جسم إسرائيلي، على خدّه الأيمن خال، كأنه کوکب درّي . (4)
133- وعنه صلی الله علیه وآله وسلم قال : المهديّ منّا أجلى الجبين، أقنى الأنف . (5)
134- وفي كتاب تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي علیه السلام:
عن أبي نعيم محمّد بن أحمد الأنصاري، قال : وجه قوم من المفوضة والمقصّرة کامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمّد علیه السلام، قال کامل : فقلت في نفسي : أسأله علیه السلام لا يدخل الجنّة إلا من يعرف معرفتي، وقال بمقالتي؟
فلمّا دخلت على سيّدي أبي محمّد علیه السلام نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه ، فقلت في نفسي: ولي الله وحجته يلبس الناعم من الثياب، ويأمر بمواساة الإخوان، وينهانا عن لباس مثله، فقال علیه السلام متبسماً: یا کامل،
وحسر عن ذراعيه، فإذا مسح أسود خشن على جلده ، فقال :
ص: 115
هذا لله، وهذا لكم، فسلمت وجلست إلى باب عليه ستر مرخی، فجاءت الريح، فكشفت طرفه ، فإذا أنا بفتی كأنه فلقة قمرّ، من أبناء أربع سنين أو مثلها
فقال : يا کامل بن إبراهيم - واقشعررت من ذلك . وألهمت أن قلت :
لبيك يا سيّدي، فقال : جئت إلى ولي الله وحجته وبابه تسأله هل يدخل الجنّة إلا من يعرف معرفتك وقال بمقالتك ؟ فقلت : إي والله،
فقال علیه السلام: إذاً والله يقل داخلها، والله ليدخلها قوم يقال لهم الحقّيّة .
قلت : يا سيّدي ومن هم؟ قال علیه السلام: قوم من حبهم لعليّ علیه السلام يحلفون بحقّه، ولا يدرون ما حقّه وفضله، ثمّ سكت صلوات الله عليه .
ثمّ قال : وجئت تسأله عن مقالة المفوضة ، كذبوا، بل قلوبنا أوعية لمشيّة
الله، فإذا [شاء] شئنا والله يقول :«وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ » (1)
ثمّ رجع الستر إلى حالته، فلم أستطع كشفه، ونظر إلي أبو محمّد علیه السلام متبسماً، فقال : يا کامل، ما جلوسك وقد أنبأك بحاجتك الحجّة من بعدي.
فقمت ، وخرجت ولم أعاینه بعد ذلك . (2)
135- وفي قضية محمّد بن عبيدالله القمي المنقولة في البحار ، عن غيبة الشيخ الطوسي، قال : لم أر قط في حسن صورته واعتدال قامته ... إلخ (3)
والأخبار في هذا المعنى كثيرة جداً، ولعلنا نذكر بعضها في غير هذا الباب والله الهادي إلى نهج الصواب، ولله در من قال :
قمرّ تکامل في نهاية حسنه ***مثل القضيب على رشاقة قده
فالبدر يطلع من ضیاء جبينه ***والشمس تغربّ في شقائق خده
ملك الجمال بأسره فكأنما ***حسن البرية كلها من عنده
وأما وجه تشبيهه علیه السلام بالشهاب الثاقب فلعله لأنه علیه السلام يظهر بغتة ،
ص: 116
كما ورد في عدة روایات، وكذلك الشهاب، أو لأنه يضيء حتّی يرى ضوؤه كالشهاب الثاقب، ويشهد بذلك أيضاً عدة روايات تأتي في نوره علیه السلام،
أو لأنه يطرد الشياطين ويدفعهم كما يطردون بالشهاب الثاقب.
قال الله تعالى : «إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ»(1)
مرّ في الباب الثالث: ص 83 ح 40.
136- في الدعاء المروي عن أبي الحسن الرضا علیه السلام للحجّة علیه السلام في وصفه : الحاج(2)، المجاهد، المجتهد، ....(3)
137- وفي البحار، عن أبي جعفر علیه السلام: إنّه يخرج موتوراً غضبان أسفاً الغضب الله على هذا الخلق، عليه قميص رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الّذي كان عليه يوم أحد، وعمامته السحاب، ودرع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم السابغة، وسيف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ذو الفقار، يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يقتل هر جاً، «الحديث». (4)
138- وعنه علیه السلام في قول الله تعالى : «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ»(5)، فقال : لم يجئ تأويل هذه الآية بعد أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم رخص لهم لحاجته وحاجة أصحابه، فلو قد جاء تأويلها، لم يقبل منهم، ولكنهم يقتلون حتّی يوحد الله عزّ وجلّ وحتّی لا يكون شرك .(6)
139- ومنه ، عن بشير النبال قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام: إنّهم يقولون :
ص: 117
إن المهدي علیه السلام لو قام لاستقامت له الأمور عفواً، ولا يهريق محجمة دم، فقال علیه السلام: كلا، والّذي نفسي بيده، لو استقامت لأحد عفواً لاستقامت لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حين أدميت ربّاعيته، وشج في وجهه ، كلا والّذي نفسي بيده ، حتی نمسح نحن وأنتم العرق والعلق (1)، ثمّ مسح علیه السلام جبهته . (2)
140- وفي كمال الدين : عن عيسى الخشاب ، قال : قلت للحسين بن علي علیه السلام : أنت صاحب هذا الأمر؟ قال: لا، ولكن صاحب الأمر الطريد الشريد الموتور(3) بأبيه، المکتی بعمه، يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر .(4)
أقول: قوله علیه السلام المکنّی بعمّه يعني أن من کناه «أبو جعفر».
141. كما ورد في رواية أخرى: عن الحسن بن المنذر، عن حمزة بن أبي الفتح، قال : (كان يوماً جالساً)(5) فقال لي: البشارة، ولد البارحة في الدار مولود لأبي محمّد علیه السلام وأمر بكتمانه، (وأمر أن يعق عنه ثلاثمائة شاة)
فقلت: وما اسمه؟ قال : يسمى محمّد ويکنّی (بأبي) (6)جعفر .(7)
142- وفيه أيضاً : عن محمّد بن مسلم، قال :
دخلت على أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر علیه السلام وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم فقال لي مبتدئاً : يا محمّد بن مسلم، إن في القائم من أهل
ص: 118
بيت محمّد علیه السلام سنّة (1)من خمسة من الرسل : يونس بن متّي، ويوسف بن يعقوب، وموسى، وعيسى، ومحمّد صلوات الله عليهم .
فأما سنّة (2) من يونس بن متّي: فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن.
وأما سنّة من يوسف بن يعقوب : فالغيبة من خاصته وعامته، واختفاؤه من إخوته وإشكال أمره على أبيه يعقوب (النبیّ ) علیه السلام مع قرب المسافة بينه وبين أبيه، وأهله وشیعته.
وأما ستة من موسى ع: فدوام خوفه، وطول غيبته، وخفاء ولادته،
وتعب شيعته من بعده ممّا لقوا من الأذى والهوان، إلى أن أذن الله عزّ وجلّ في
ظهوره، ونصره، وأيده على عدوه.
وأما سنّة من عيسى علیه السلام فاختلاف من اختلف فيه، حتّی قالت طائفة :
ما ولد، وطائفة منهم قالت : مات، وطائفة قالت: قتل وصلب .
وأما سنّة من جده المصطفی (محمّد) صلی الله علیه وآله وسلم فخروجه بالسيف (3)، وقتله أعداء الله تعالى وأعداء رسوله صلی الله علیه وآله وسلم والجبارين، والطواغيت، وأنه ينصر بالسيف والرعب، وأنه لا ترد له راية، وأن من علامات خروجه علیه السلام خروج السفياني من الشام، وخروج اليماني، وصيحة من السماء في شهر رمضان، ومناد ينادي (من السماء) باسمه واسم أبيه .(4)
143- ففي دعاء الندبة : أين جامع الكلم على التقوى . (5)
وفي كتاب المحجّة وغيره : عن أمیرالمؤمنین في قوله تعالی :
ص: 119
«لِيظهِرهُ عَلَى الدّين كلّهِ ...» (1)حتّی لا تبقى قرية إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمّدا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بكرة وعشيا .(2)
144- وعن ابن عباس - الّذي قال : أكثر ما قلت في التفسير مأخوذ عن أمیرالمؤمنین علیه السلام . قال : لا يكون ذلك حتّی لا يبقى يهودي ولا نصراني، ولا صاحب ملة إلا (صار إلى)(3) الإسلام، حتّی تأمن الشاة والذئب، والبقرة والأسد، والإنسان والحية، حتّی لا تقرض الفارة جراباً، وحتّی توضع الجزية ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، وهو قوله تعالى : «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»(4) وذلك يكون عند قيام القائم علیه السلام . (5)
وقال عليّ بن إبراهيم عند تفسير هذه الآية : إنّها نزلت في قائم آل محمّد.(6)
145- وفي كتاب المحجّة، عن العياشي: في تفسيره عن أبي عبدالله علیه السلام في قوله تعالى :«وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا» (7)
قال : إذا قام القائم لايبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمّداً رسول الله . (8)
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً،
مرّ بعضها ويأتي بعض آخر إن شاء الله تعالی .
ص: 120
ففي تفسير قوله تعالى : «أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا » (1) عن أبي عبدالله علیه السلام: يعني أصحاب القائم علیه السلام الثلاثمائة والبضعة عشر
قال علیه السلام: يجتمعون والله في ساعة واحدة قزع كقزع الخريف .(2)
146- وعن عليّ بن الحسين [أ] و ابنه علیه السلام قال :
الفقداء قوم يفقدون من فرشهم فيصبحون بمكّة،
وهو قول الله تعالى :«أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا » . (3)
147- وعن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال :
لقد نزلت هذه الآية في المفقودين من أصحاب القائم علیه السلام «أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا »، إنّهم المفقودون من فرشهم ليلا فيصبحون بمكة، وبعضهم يسير في السحاب نهاراً، يعرف باسمه، واسم أبيه ، ونسبه وحسبه
قال مفضل: فقلت: جعلت فداك، أيهم أعظم إيمانا؟
قال علیه السلام: الّذي يسير في السحاب نهاراً . (4)
148- وعن أبي الحسن موسی: والله، لو قد قام قائمنا يجمع الله إليه شیعتنا من جميع البلدان (5). ونعم ما قيل في هذا المعنى:
لقد جدت یابن الأكرمين بنعمة ***جمعت بها بين المحبين في ستر
فلا زلت بالإحسان کهفاً وملجأ ***وقد جلّ ما قد كان منك عن الشكر
149- وفي البحار : عن أبي عبدالله علیه السلام أنه ينحط عليه الملائكة الّذين
ص: 121
كانوا مع نوح في السفينة، والّذين كانوا مع إبراهيم علیه السلام حين ألقي في النار والّذين كانوا مع موسى حين فلق البحر لبني إسرائيل، والّذين كانوا مع عيسی حين رفعه الله إليه، وأربعة آلاف ملك مع النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مسومين وألف مردفين وثلاثمائة وثلاثة عشر ملائكة بدريين، وأربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن عليّ علیهماالسلام فلم يؤذن لهم في القتال، فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة، ورئيسهم ملك يقال له : منصور فلا يزوره زائر إلا استقبلوه، ولا يودعه مودع إلآ شيعوه، ولا يمرض مریض إلا عادوه، ولا يموت ميت إلا صلوا على جنازته، واستغفروا له بعد موته،
وکلّ هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم إلى وقت خروجه علیه السلام .(1)
150- وفي حديث مفضل، عن الصادق علیه السلام قال :
یا مفضّل يظهر وحده، ويأتي البيت وحده، ويلج الكعبة وحده، ويجن عليه الليل وحده، فإذا نامت العيون، وغسق الليل نزل إليه جبرئیل و میکائیل علیهماالسلام والملائكة صفوفاً، فيقول له جبرئیل :
يا سيّدي، قولك مقبول، وأمرك جائز فيمسح علیه السلام يده على وجهه .
ويقول : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ»(2) ويقف بين الركن والمقام، فيصرخ صرخة فيقول:
يا معشر نقبائي، وأهل خاصتي ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض، ایتوني طائعين، فترد صيحته علیه السلام عليهم وهم في محاربهم، وعلى فرشهم في شرق الأرض وغربّها، فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن كل رجل فيجيئون نحوها، ولا يمضي لهم إلا كلمحة بصر حتّی يكون كلهم بين يديه علیه السلام بين الركن والمقام،
ص: 122
فيأمر الله عزّ وجلّ النور فيصير عموداً من الأرض إلى السماء، فيستضيء به کلّ مؤمن على وجه الأرض، ويدخل عليه نور من جوف بيته، فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور - إلى أن قال المفضل -: ياسيّدي يقيم بمكة؟
قال علیه السلام: لا يا مفضل، بل يستخلف منها رجلا من أهله فإذا سار منها وثبوا عليه فيقتلونه، فيرجع إليهم، فيأتونه مهطعين، مقنعي رؤوسهم، يبكون ويتضرعون، ويقولون:
یا مهدي آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم التوبة، التوبة، فيعظهم وينذرهم، ويحذرهم، ويستخلف عليهم منهم خليفة ويسير،
فيثبون عليه بعده فيقتلونه، فيرد إليهم أنصاره من الجن والنقباء،
ويقول لهم : ارجعوا فلا تبقوا منهم بشراً إلآ من آمن، فلولا أن رحمة ربّكم وسعت کلّ شيء وأنا تلك الرحمة، لرجعت إليهم معكم، فقد قطعوا الأعذار بينهم وبين الله، وبيني وبينهم، فيرجعون إليهم، فوالله لا يسلم من المائة منهم واحد، لا و الله، ولا من ألف واحد.
قال المفضل: قلت: يا سيّدي، فأين تكون دار المهدي علیه السلام ومجتمع المؤمنين؟
قال علیه السلام: دار ملکه الكوفة، ومجلس حكمه جامعها، وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة، وموضع خلواته الذكوات البيض من الغريين .
قال المفضل : يا مولاي، کلّ المؤمنين يكونون بالكوفة؟ قال : إي والله ،
لا يبقى مؤمن إلا كان بها، أو حواليها، وليبلغن مجالة فرس منها ألفي درهم، وليون أكثر الناس أنه اشترى شبراً من أرض السبع، بشبر من ذهب،
والسبع خطة من خطط همدان، «الحديث».(1)
ولعل المراد من قوله علیه السلام: لا يبقى مؤمن إلآ كان بها أو حواليها، الكون
ص: 123
للزيارة أي زيارة مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه ، لا الكون على الدوام للإقامة، ويشهد لذلك قوله : وليودّن (إلخ).
ويحتمل أن يكون «أو حواليها» تصحيف «أو حن إليها» كما في رواية مروية في البحار وغيره عن أبي عبدالله علیه السلام.
151- ويؤيد المعنى الأول الّذي ذكرناه ، ما في البحار عن غيبة الشيخ الطوسي (رحمه الله) عن أبي جعفر علیه السلام قال :
إذا دخل القائم علیه السلام الكوفة لم يبق مؤمن إلآ وهو بها أو يجيء إليها .(1)
152- وممّا يدل على اجتماع المؤمنين عند مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه و عجلّ الله فرجه ، ما رواه الصدوق في كمال الدين : عن أبي الحسن عليّ بن محمّد العسكري علیه السلام ، فإنّه علیه السلام سئل عن معنى قول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم :
لا تعادوا الأيام فتعاديكم،
فقال علیه السلام: نعم، الأيام : نحن، بنا قامت السماوات والأرض .
فالسبت: إسم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، والأحد: أمیرالمؤمنین
والإثنين : الحسن والحسين، والثلاثاء: عليّ بن الحسين، ومحمّد بن علي الباقر، وجعفر بن محمّد الصادق،
والأربعاء: موسی بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن علي، وأنا ، والخميس : ابني الحسن،
والجمعة : ابن ابني، وإليه تجتمع عصابة الحقّ، وهو الّذي يملأها قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً،
فهذا معنى الأيام، ولا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة .(2)
ص: 124
6- جمع العقول(1)
153- في كمال الدين : عن أبي جعفر علیه السلام قال : إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم وكملت بها أحلامهم.(2)
وفي الخرائج : وأكمل به أخلاقهم - بدل الجزء الأخير - .(3)
154- وفي أصول الكافي : بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام قال : إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم، وكملت به أحلامهم (4). (5)
أقول: الأظهر أن الضمير في يده يرجع إلى القائم علیه السلام،
155- والدليل على هذا قول الصادق علیه السلام في حديث آخر مروي في الكافي قال علیه السلام: إن هذا الأمر يصير إلى من يلوي له الحنك(6)
ص: 125
فإذا كانت من الله فيه المشيئة خرج، فيقول الناس : ما هذا الّذي كان؟ ويضع الله له بدأ على رأس رعيته . (1)
يظهر من جهاده وحربّه
156- في البحار، عن النعماني : بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام أنه قال :
كأنّي بدينكم هذا لا يزال مولياً يفحص بدمه (2)
ثمّ لا يرده عليكم إلا رجل منّا أهل البيت، (الحديث).(3)
ويأتي تمامه في سخائه، وفي كشف العلوم إن شاء الله تعالی . (4)
والفرق بينه وبين الجهاد : أن الجهاد بالنسبة إلى الكفار، والحربّ یعم أهل كلمة الإسلام، كما يدل عليه آية المحارب، وغيرها.
157- وكيف كان، فيشهد لما ذكرنا ما في البحار عن النعماني:
بإسناده عن الفضيل، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول : إن قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشد ما استقبله رسول الله علیه السلام من جهال الجاهلية .
فقلت : وكيف ذلك؟ قال: إن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أتى الناس وهم يعبدون الحجارة، والصخور، والعيدان، والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتی
ص: 126
الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله، ويحتج عليه به ، الحديث . (1)
158- وفي رواية أخرى، عنه علیه السلام:
فيتأولون عليه كتاب الله، ويقاتلونه عليه .(2)
159- وعنه علیه السلام أنه قال :
ثلاثة عشر مدينة وطائفة يحاربّ القائم أهلها ويحاربّونه :
أهل مكة، وأهل المدينة، وأهل الشام، وبنو أُمّية، وأهل البصرة، وأهل دمیسان، والأكراد والأعراب ، وضبة، وغنى، وباهلة ، وأزد، وأهل الري. (3)
160- وفي كمال الدين : عن أبي جعفر علیه السلام ، قال :
في صاحب الأمر سنّة من موسی، وسنّة من عیسی ، وسنّة من يوسف، وسنّة من محمّد صلى الله عليه وآله [وعليهم].
فأما من موسی: خائف يترقب، وأما من عیسی : فيقال فيه ما قيل في عيسى، وأما من يوسف علیه السلام : فالسجن والغيبة،
وأما من محمّد صلی الله علیه وآله وسلم : فالقيام (بالسيف) وسيرته، وتبيين آثاره،
ثمّ يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر بيمينه، فلا يزال يقتل أعداء الله حتّی يرضى الله عزّ وجلّ.
قال أبو بصير : قلت : وكيف يعلم أن الله تعالى قد رضي؟
قال : يلقي في قلبه الرحمة .(4)
161- وفي حديث مفضل عن الصادق علیه السلام قال : يخرج الحسني الفتی
ص: 127
الصبيح، من نحو الديلم، يصيح بصوت له فصيح: یا آل أحمد أجيبوا الملهوف، والمنادي من حول الضريح، فتجيبه کنوز الله بالطالقان، كنوز وأي کنوز، ليست من فضة ولا ذهب، بل هي رجال كزبر الحديد، على البراذين الشهب، بأيديهم الحراب، ولم يزل يقتل الظلمة حتّی يرد الكوفة، وقد صفا أكثر الأرض فيجعلها له معقلا، فيتصل به وبأصحابه خبر المهدي علیه السلام ويقولون :
یابن رسول الله، من هذا الّذي قد نزل بساحتنا؟ فيقول:
أخرجوا بنا إليه حتّی ننظر من هو، وما يريد؟ وهو والله يعلم أنه المهدي وأنه ليعرفه، ولم يرد بذلك الأمر إلا ليعرف أصحابه من هو، فيخرج الحسني فيقول : إن كنت مهدي آل محمّد فأين هراوة جدك رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وخاتمه وبردته، ودرعه الفاضل، وعمامته السحاب، وفرسه اليربّوع، وناقته العضباء وبغلته الدلدل، وحماره اليعفور، ونجيبه البراق، ومصحف أمیرالمؤمنین علیه السلام
فيخرج له ذلك، ثمّ يأخذ الهراوة فيغرسها في الحجر الصلد وتورق،
ولم يرد ذلك إلا أن يري أصحابه فضل المهدي، حتّی يبايعونه.
فيقول الحسني : الله أكبر، مد يدك يابن رسول الله حتّی نبايعك، فيمد يده، فيبايعه ويبایعه سائر العسكر الّذي مع الحسني إلا أربعين ألفا أصحاب المصاحف، المعروفون بالزيدية ، فإنّهم يقولون : ما هذا إلا سحر عظيم، فيختلط العسكران، فيقبل المهدي علیه السلام على الطائفة المنحرفة فيعظهم، ويدعوهم ثلاثة أيام، فلا يزدادون إلا طغيانا وكفرة، فيأمر بقتلهم، فيقتلون جميعا.
ثمّ يقول لأصحابه : لا تأخذوا المصاحف، ودعوها، تكون عليهم حسرة كما بذلوها وغيروها و حرفوها، ولم يعملوا بما فيها ، الحديث . (1)
والأخبار في هذا الباب كثيرة، يأتي بعضها في قتل الكافرين بسيفه إن شاء
الله تعالى . (2)
ص: 128
162- روى الصدوق في كمال الدين : بسند صحيح عن محمّد بن عثمان العمري (رحمه الله) قال : والله ، إن صاحب هذا الأمر يحضر الموسم کلّ سنة ، فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه .(1)
أقول: والّذي يدل على استحباب الدعاء للحجاج من حيث حجه بيت الله :
163- ما رواه في الفقيه : عن الصادق علیه السلام قال : إذا كان عشية عرفة بعث الله عزّ وجلّ ملكين يتصفحان وجوه الناس، فإذا فقدا رجلا قد عود نفسه الحج قال أحدهما لصاحبه: يا فلان، ما فعل فلان؟
قال : فيقول الله أعلم، قال: فيقول أحدهما : اللهمّ إن كان حبسه عن الحج فقرأ فأغنه، وإن كان حبسه دین فاقض عنه دينه، وإن كان حبسه مرض فاشفه وإن كان حبسه موت فاغفر له وارحمه، إنتهی . (2)
فإن هذا الحديث يدل على استحباب الدعاء لمن عود نفسه الحج، كما لا يخفى، ويأتي في شباهته بالخضر ما يناسب المقام إن شاء الله تعالی . (3)
164- روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدين: بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام في قول الله عزّ وجلّ : «اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا »(4) قال : يحييها الله عزّ وجلّ بالقائم علیه السلام بعد موتها - يعني بموتها كفر أهلها - والكافر ميت . (5)
165- وفي كتاب المحجّة : عن ابن عباس، في قوله تعالى : «اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا »يعني يصلح الله الأرض بقائم آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم بعد موتها يعني [من] بعد جور أهل مملكتها،
ص: 129
«قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ - بقائم آل محمّد - لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» .(1)
166- وعن أبي إبراهيم علیه السلام، في قول الله عزّ وجلّ: «يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا » ، قال : ليس يحييها بالقطر، ولكن يبعث الله عزّ وجلّ رجالا فيحيون العدل فتحي الأرض لإحياء العدل، ولإقامة الحد فيها أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحا. (2)
167- وفي الجواهر ، عن سدير ، قال : قال أبو جعفر علیه السلام:
حد يقام في الأرض أزکی فيها من مطر أربعين ليلة وأيامها .(3)
168- وفي المحجّة : عن الحلبي، أنه سأل أبا عبدالله علیه السلام عن قول الله عز وجل: «اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا » قال علیه السلام : العدل بعد الجور . (4)
يظهر ممّا يأتي في «خلقه» إن شاء الله تعالی .(5)
وبالجملة : کلّ إحسانه إلينا ثمرة حبه لنا إن شاء الله تعالی.
لكن، لا يخفى عليك أن حبه لنا ليس إلا من جهة الإيمان بالله، والإطاعة له عزّ وجلّ، فإن أردت حبه صلوات الله عليه لك، فعليك بإطاعة الله تعالی وإياك ، إياك أن تؤذيه و تعاديه بمخالفة الله جلّ جلاله، فتكون ممن قال الله عزّ وجلّ في حقه: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا »(1)
169- روي في دار السلام : عن الباقر علیه السلام أنه قال لجابر الجعفي:
ما يتقرب العبد إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة، ما معنا براءة من النار ولا على الله لأحد منكم حجّة، من كان لله مطيعا فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو، ولا ينال ولايتنا إلا بالعمل والورع.(2)
والأخبار في هذا المعنى كثيرة، وكما أن إطاعة الله تعالی توجب کمال المحبة ، فكذلك العصيان يوجب زوالها:
170- روي في الكافي : عن أبي عبدالله علیه السلام قال : قال أمیرالمؤمنین علیه السلام :
ما من عبد إلا وعليه أربعون جُنّة، حتّی يعمل أربعين كبيرة، فإذا عمل أربعين كبيرة انكشفت عنه الجُنن، فيوحي الله إليهم أن استروا عبدي بأجنحتكم فتستره الملائكة بأجنحتها
قال : فما يدع شيئاً من القبيح إلا قارفه حتّی يتمدح إلى الناس بفعله القبيح
فيقول الملائكة : يا ربّ هذا عبدك ما يدع شيئا إلا ركبه ، وإنا لنستحيي ممّا يصنع، فيوحي الله عزّ وجلّ إليهم: أن ارفعوا أجنحتكم عنه ، فإذا فعل ذلك أخذ في بغضنا أهل البيت، فعند ذلك ينهتك ستره في السماء، وستره في الأرض فيقول الملائكة : يا ربّ هذا عبدك قد بقي مهتوك الستر، فيوحي الله عزّ وجلّ إليهم : لو كانت لله فيه حاجة ما أمركم أن ترفعوا أجنحتكم عنه . (3)
ص: 131
171- روي في كمال الدين : بإسناده عن أبان بن تغلب قال :
قال أبو عبدالله علیه السلام: سيأتي في مسجد كم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا - يعني مسجد مكة - يعلم أهل مكة أنه لم يلدهم آباؤهم ولا أجدادهم، عليهم السيوف، مكتوب على کلّ سيف كلمة تفتح ألف كلمة، فيبعث الله تبارك وتعالی ریحاً، فتنادي بکلّ واد: هذا المهدي يقضي بقضاء داود وسليمان علیه السلام ولا يريد عليه بينة . (1)
172- وفيه أيضاً: عنه ، قال : قال أبو عبدالله علیه السلام: إذا قام القائم علیه السلام لم يقم بين يديه أحد من خلق الرحمان إلا عرفه، صالح هو أم طالح؟
لأن فيه آية للمتوسمين وهي بسبيل مقیم.(2)
173- وفي البحار، عن كتاب الغيبة للسیّد عليّ بن عبدالحمید (رحمه الله) :
بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي جعفر علیه السلام قال :
يقضي القائم بقضايا ينكرها بعض أصحابه ممن قد ضربّ قدامه بالسيف وهو قضاء آدم علیه السلام، فيقدمهم فيضربّ أعناقهم،
ثمّ يقضي الثانية فينكرها قوم آخرون ممن قد ضربّ قدامه بالسيف، وهو قضاء داود علیه السلام فيقدمهم فيضربّ أعناقهم،
ثمّ يقضي الثالثة فينكرها قوم آخرون ممن قد ضربّ قدامه بالسيف وهو قضاء إبراهيم علیه السلام فيقدمهم فيضربّ أعناقهم.
ثمّ يقضي الرابعة وهو قضاء محمّد صلی الله علیه وآله وسلم فلا ينكرها أحد عليه . (3)
ص: 132
174- في البحار، عن النعماني : عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال :
بينا الرجل على رأس القائم بأمره وينهاه، إذ قال : أديروه فيديرونه إلى قدامه ، فيأمر بضربّ عنقه، فلا يبقى في الخافقين شيء إلا خافه .(1)
175- وعن إرشاد المفيد، عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
إذا قام قائم آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم حكم بين الناس بحكم داود، لا يحتاج إلى بينة يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه ويخبر کلّ قوم بما اسبطنوه، ويعرف وليه من عدوه بالتوسم
قال الله سبحانه : «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ» (2)(3)
176- وعن عبدالله بن المغيرة، عنه علیه السلام قال :
إذا قام القائم من آل محمّد علیه السلام أقام خمسمائة من قريش فضربّ أعناقهم، ثمّ أقام خمسمائة أخرى، حتّی يفعل ذلك ستّ مرّات، قلت : ويبلغ عدد هؤلاء هذا، قال علیه السلام: نعم، منهم ومن مواليهم. (4)
177- وعنه علیه السلام قال : إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتّی يرده إلى أساسه ، وحول المقام إلى الموضع الّذي كان فيه ، وقطع أيدي بني شيبة، وعلقها على باب الكعبة، وكتب عليها : هؤلاء سراق الكعبة . (5)
أقول: قد مرّ ما يدل عليه، ويأتي إن شاء الله تعالى في قتل الكافرين، وفي هدم أبنية الكفر والشقاق والنفاق .(6)
ص: 133
178- في البحار، عن النعماني : بإسناده عن أبي وائل، قال :
نظر أمیرالمؤمنین عليّ علیه السلام إلى الحسين، فقال : إن ابني هذا سیّد، كما سماه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سیّداً، وسيخرج الله من صلبه رجلا باسم نبيكم، يشبهه في الخلق والخلق، يخرج على حين غفلة من الناس، وإماتة للحق، وإظهار للجور والله لو لم يخرج لضربّت عنقه(1) يفرح بخروجه أهل السماوات وسكانها، وهو رجل أجلى الجبين أقنى الأنف ....(2)
179- ومن طريق المخالفين عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، قال : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لبعث الله رجلا اسمه إسمي وخلقه خلقي، الحديث . (3)
وقد مرّ بعض الأخبار في جماله علیه السلام فراجع . (4)
والخلق كما في كتب اللغة : السجية، فمعنی کون خلقه كخلق النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم شباهته به في عامة صفاته وسجاياه، لا خصوص حسن المعاشرة وغير ذلك.
ويؤيد ما ذكرنا : أن صاحب کشف الغمة نقل عن محمّد بن يوسف الشافعي في كفاية الطالب، أنه قال بعد ذكر هذا الحديث : ومعنى قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «خلقه خلقي» من أحسن الكنايات عن انتقام المهدي علیه السلام من الكفار لدين الله تعالی كما كان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وقد قال تعالى : «إنّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (5)
قال الفقير إلى الله تعالى عليّ بن عیسی «عفى الله عنه» :
ص: 134
العجب من قوله: من أحسن الكنايات، إلى آخر الكلام، ومن أين تحجر على الخلق فجعله مقصوراً على الإنتقام فقط! وهو عام في جميع أخلاق النبي صلی الله علیه وآله وسلم: من كرمه، وشرفه، وعلمه وحلمه، وشجاعته، وغير ذلك من أخلاقه التي عددتها في صدر هذا الكتاب وأعجب من قوله : ذكر الآية دليلا على ما قرره إنتهى كلامه، رفع في الخلد مقامه .(1)
180- في الكافي : بإسناده عن زرارة، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول : إن للقائم علیه السلام غيبة قبل أن يقوم، قلت : ولم؟
قال : إنّه يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه - يعني القتل . (2)
181- وفي حديث آخر : عن زرارة، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول: إن للغلام غيبة قبل أن يقوم، قال : قلت : ولم؟
قال : يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه -.
ثمّ قال: يا زرارة، وهو المنتظر، وهو الّذي يُشك في ولادته، منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول : حمل، ومنهم من يقول : إنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين وهو المنتظر، غير أن الله عزّ وجلّ يحب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون
قال زرارة : فقلت: جعلت فداك، إن أدركت ذلك الزمان أي شيء أعمل؟
قال علیه السلام يا زرارة ، إذا أدركت ذلك الزمان فادع بهذا الدعاء : «اللهمّ عرّفني نفسك، فإنك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيك .
اللهمّ عرّفني رسولك، فإنك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجتك،
ص: 135
اللهمّ عرّفني حجتك، فإنك إن لم تعرّفني حجتك ضللت عن ديني».(1)
أقول: قد ورد هذا الدعاء في حديث آخر هكذا:
اللهمّ عرّفني نفسك، فإنك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرفك ، اللهمّ عرّفني
نبیّك فإنك إن لم تعرّفني نبيك لم أعرفه قطّ، اللهمّ عرّفني حجتك، فإنك إن لم
تعرّفني حجتك، ضللت عن ديني . (2)
182- وفي الكافي : عن أمیرالمؤمنین علیه السلام في خطبة له : وإنك لا تخلي أرضك من حجّة لك على خلقك، ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور، كي لا تبطل حجتك، ولا يضل أولياؤك بعد إذ هديتهم....(3)
ومرّ في الباب الثاني عن الإمام موسی بن جعفر علیه السلام أنه قال :
هو الخامس من ولدي، له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه .(4)
183- وفي كمال الدين : بإسناده عن سیّد العابدین علیه السلام:
في القائم سنّة من سبعة أنبياء : (5)
سنّة من أبينا آدم علیه السلام وسنّة من نوح، وسنّة من إبراهيم، وسنّة من موسی، وسنّة من عيسى، وسنّة من أيوب، وسنّة من محمّد صلوات الله عليهم .
فأما من آدم ونوح : فطول العمر، وأما من إبراهيم : فخفاء الولادة واعتزال الناس، وأما من موسی : فالخوف والغيبة، وأما من عیسی : فاختلاف الناس فيه، وأما من أيوب: فالفرج بعد البلوى،
وأما من محمّد صلی الله علیه وآله وسلم : فالخروج بالسيف . (6)
ص: 136
184- وفيه : عن أبي جعفر علیه السلام قال : في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء علیهم السلام: سنّة من موسى، وسنّة من عيسى، وسنّة من يوسف، وسنّة من محمّد صلی الله علیه وآله وسلم ، فأما من موسى : فخائف يترقب، وأما من يوسف : فالسجن،
وأما من عیسی : فيقال : إنّه مات ولم يمت، وأما من محمّد صلی الله علیه وآله وسلم فالسيف .(1)
185- وفيه : عن الصادق علیه السلام عن أبيه علیه السلام قال : إذا قام القائم علیه السلام قال :
«فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ». (2)(3)
186- وفيه : بإسناده عن زرارة ، قال : سمعت الصادق جعفر بن محمّد يا يقول : إن للقائم غيبة(4) قبل أن يقوم، قلت : ولم ذلك، جعلت فداك؟
قال : يخاف . وأشار بيده إلى بطنه وعنقه - ...(5)
187- وفي كتاب المحجّة : عن الصادق علیه السلام في تفسير قول الله عزّ وجلّ :
«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا»(6)، قال علیه السلام: نزلت في القائم وأصحابه . (7)
188- ويدل عليه أيضاً: ما في كفاية الأثر : من طريق العامة عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : الخلفاء بعدي إثنا عشر، تسعة من صلب الحسين علیه السلام والتاسع مهديهم، فطوبی لمحبيهم، والويل لمبغضيهم.(1)
189- وفيه : عنه صلی الله علیه وآله وسلم قال : لا تقوم الساعة حتّی يقوم قائم الحقّ منّا، وذلك حين يأذن الله عزّ وجلّ، فمن تبعه نجا، ومن تخلف عنه هلك،
فالله الله عباد الله، إئتوه ولو على الثلج، فإنّه خليفة الله . (2)
190- ويدل عليه أيضاً: ما في البحار، عن كشف الغمة من طريق العامة :
عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيها مناد ينادي :
هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه .(3)
191- ومن طريق العامة أيضاً : عنه صلی الله علیه وآله وسلم قال : يقتل عند كنزكم ثلاثة :
كلهم ابن خليفة، ثمّ لا يصير إلى واحد منهم، ثمّ تجيء الرايات السود، فيقتلونهم قتلا لم يقتله قوم، ثمّ يجيء خليفة الله المهدي، فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه، فإنّه خليفة الله المهدي. (4)
192- في حديث كميل المروي في دار السلام :
قال أمیر المؤمنین علیه السلام : یا کمیل، ما من علم إلا وأنا أفتحه، وما من شيء إلا والقائم علیه السلام يختمه، الخبر . (5)
ص: 138
أقول: المراد بشيء، إما العلم، بقرينة صدر الكلام، وإما جميع الكمالات والأخلاق الحسنّة، والعلوم والمعارف الحقّة التي أظهر سائر الأئمة بعضها بمقتضی صلاح زمانهم،
والقائم عجلّ الله تعالی فرجه يظهر جميعها فالجميع يختم بظهوره.
193- ويؤيد ذلك ما رواه الصدوق (رحمه الله): عن أبي عبدالله علیه السلام عن آبائه صلوات الله عليهم ، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
إن الله عزّ وجلّ اختار من الأيام الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، واختارني على جميع الأنبياء، واختار منّي علياً، وفضله على جميع الأوصياء، واختار من عليّ الحسن والحسين، واختار من الحسین الأوصياء من ولده ، ينفون عن التنزيل تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الضالین، تاسعهم قائمهم، وهو ظاهرهم وهو باطنهم.(1)
194- وفي الكافي - في حديث الراهب الّذي أسلم بید مولانا الكاظم علیه السلام-
ثمّ إن الراهب قال: أخبرني عن ثمانية أحرف (2) نزلت،
فتبين في الأرض منها أربعة، وبقي في الهواء منها أربعة،
على من نزلت تلك الأربعة التي في الهواء، ومن يفسرها؟
قال علیه السلام : ذاك قائمنا، ينزله الله عليه، فيفسره، وينزل عليه ما لم ينزل على الصديقين والرسل والمهتدين، الحديث . (3)
ص: 139
ويأتي في كشف العلوم لهم ما يدل على المقصود إن شاء الله تعالى .(1)
يجب عليه إطاعة لأمر الله، ودفعا لأعدائه ، وحفظاً لنفسه، لما عرفت في خلقه في حديث أمیرالمؤمنین عليّ أنه لو لم يخرج لضربّت عنقه(2).
ويأتي في أخبار غيبته ونداءاته (3) ما يناسب المقام، فلاتغفل .
195- ففي التوقيع المروي في آخر الإحتجاج، عنه علیه السلام:
لانّنا من وراء حفظهم بالدعاء الّذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء ، فليطمئن بذلك من أوليائنا القلوب .... (4)
وقال السیّد الأجلّ عليّ بن طاووس «رحمه الله» في المهج: وكنت أنا بسر من رأي، فسمعت سحراً دعاءه علیه السلام، فحفظت منه من الدعاء لمن ذكره من الأحياء والأموات : وأبقهم (أو قال : وأحيهم) في عزنا وملكنا وسلطاننا ودولتنا، وكان ذلك في ليلة الأربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنّة ثمان وثلاثين وستمائة ، إنتهی كلامه رفع مقامه .(5)
196- وفي الكافي : بإسناده عن أبي عبدالله ؟ عن رسول الله في خطبته في مسجد الخیف قال : ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة (6) لأئمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم (7)محيطة من ورائهم.(8)
ص: 140
197- وفي الكافي أيضاً : بإسناده عن رجل من قريش من أهل مكة ، قال : قال سفيان الثوري: إذهب بنا إلى جعفر بن محمّد علیه السلام. قال : فذهبت معه إليه، فوجدناه قد ركب دابته، فقال له سفيان : يا أبا عبدالله، حدثنا بحديث خطبة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في مسجد الخيف ، قال : دعني حتّی أذهب في حاجتي فإني قد ركبت، فإذا جئت حدثتك، فقال : أسألك بقرابتك من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لما حدثتني، قال : فنزل، فقال له سفيان :
مر لي بدواة وقرطاس حتّی أثبته، فدعا به، ثمّ قال علیه السلام: أكتب
بسم الله الرحمن الرحيم، خطبة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في مسجد الخیف: نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها (1) وبلغها من لم تبلغه، يا أيها الناس، ليبلغ الشاهد الغائب، فربّ حامل فقه ليس بفقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه .
ثلاث لا يغل عليهن قلب امریء مسلم:
إخلاص العمل لله، والنصيحة لائمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم، المؤمنون إخوة، تتكافی (2) دماؤهم، وهم يد على من سواهم، يسعى بذمتهم أدناهم.
فكتبه سفيان، ثمّ عرضه عليه، وركب أبو عبدالله علیه السلام و وجئت أنا وسفيان فلمّا كنا في بعض الطريق، قال لي : كما أنت حتّی أنظر في هذا الحديث.
فقلت له : قد والله ألزم أبو عبدالله رقبتك شيئا لا يذهب من رقبتك أبدا فقال : وأي شيء ذلك؟ فقلت له: ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله قد عرّفناه ، والنصيحة لأئمة المسلمين، من هؤلاء الأئمة
ص: 141
الّذين يجب علينا نصيحتهم؟ معاوية بن أبي سفيان، ويزيد بن معاوية، ومروان ابن الحكم، وکلّ من لا تجوز شهادته عندنا، ولا تجوز الصلاة خلفهم؟!
وقوله : واللزوم لجماعتهم، فأي الجماعة؟
مرجئ يقول: من لم يصل ولم يصم ولم يغتسل من جنابة، وهدم الكعبة ، ونکح أمه ، فهو على إيمان جبرئیل و میکائیل؟
أو قدري يقول: لا يكون ما شاء الله عزّ وجلّ، ويكون ماشاء إبليس؟
أو حروري يتبرأ من عليّ بن أبي طالب وشهد عليه بالكفر؟
أو جهمي يقول: إنما هي معرفة الله وحده، ليس الإيمان شيء غيرها؟!!
قال : ويحك، وأي شيء يقولون؟ فقلت يقولون: إن عليّ بن أبي طالب علیه السلام والله الإمام الّذي يجب علينا نصيحته، ولزوم جماعتهم: أهل بيته،
قال : فأخذ الكتاب فخرقه، ثمّ قال : لا تخبر بها أحداً .(1)
198- ويدل على دعاء إمام کلّ زمان لشيعته أيضاً (2)، ما روي في البحار، عن مناقب ابن شهر آشوب، عن موسی بن سیار، قال :
كنت مع الرضا علیه السلام وقد أشرف على حيطان طوس، وسمعت واعية فاتبعتها فإذا نحن بجنازة، فلمّا بصرت بها رأيت سيّدي وقد ثني (3)رجله عن فرسه، ثم أقبل نحو الجنازة فرفعها، ثمّ أقبل يلوذ بها، كما تلوذ السخلة بأمها.
ثمّ أقبل عليّ وقال : يا موسی بن سیار، من شيع جنازة ولي من أوليائنا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، لا ذنب عليه، حتّی إذا وضع الرجل على شفير قبره، رأيت سيّدي قد أقبل، فأفرج الناس عن الجنازة حتّی بدا له الميت،
ص: 142
فوضع يده على صدره، ثمّ قال :
یا فلان بن فلان، أبشر بالجنّة، فلا خوف عليك بعد هذه الساعة.
فقلت : جعلت فداك ، هل تعرف الرجل؟ فوالله إنّها بقعة لم تطأها قبل يومك هذا، فقال علیه السلام لي: يا موسی بن سیار، أما علمت أنا معاشر الأئمة تعرض علينا أعمال شیعتنا صباحا ومساء، فما كان من التقصير في أعمالهم سألنا الله تعالى الصفح لصاحبه، وما كان من العلو سألنا الله الشكر لصاحبه .(1)
199 - ويدل على المقصود أيضاً : ما روي عن أمیرالمؤمنین علیه السلام في حديث رميلة، قال : يا رميلة، ليس من مؤمن يمرض إلا مرضنا بمرضه، ولا يحزن إلا حزنا بحزنه، ولا يدعو إلا أمنا لدعائه ، ولا يسكت إلآ دعونا له، الخبر .(2)
ويأتي بطوله في الباب الخامس إن شاء الله تعالی .(3)
هذا، وأنت إذا لاحظت توقيعاته الشريفة المروية في كتاب الإحتجاج كفاك في هذا الباب، والله الهادي إلى نهج الصواب .
200- ويدل على المقصود أيضاً : ما رواه محمّد بن الحسن الصفار في بصائر الدرجات : بإسناده عن أبي الربّيع الشامي قال : قلت لأبي عبدالله علیه السلام :
بلغني عن عمرو بن إسحاق حدیث، فقال : اعرضه، قال : دخل عليّ أمیرالمؤمنین علیه السلام فرأى صفرة في وجهه.
قال علیه السلام: ما هذه الصفرة؟ فذكر وجعاً به ، فقال له عليّ علیه السلام : إنا لنفرح لفرحكم، ونحزن لحزنكم، ونمرض لمرضكم، وندعو لكم، وتدعون فنؤمن
قال عمرو : قد عرفت ما قلت، ولكن كيف ندعو فتؤمن؟ فقال علیه السلام: إنا سواء علينا البادي والحاضر، فقال أبو عبدالله علیه السلام : صدق عمرو. (4)
ص: 143
201- في زيارته علیه السلام : السلام عليك يا داعي الله، وربّاني آياته .(1)
وفي الجامعة : السلام على الأئمة الدعاة، والقادة الهداة .(2)
202- وفي حديث عبدالعزيز بن مسلم المروي في الكافي والكمال، عن أبي الحسن الرضا علیه السلام: الإمام أُمّين الله في خلقه ، وحجته على عباده، وخليفته في بلاده، والداعي إلى الله، والذاب عن حرم الله ....(3)
203- وفي البحار : عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إذا أذن الله عزّ وجلّ للقائم في الخروج، صعد المنبر، ودعا الناس إلى نفسه، وناشدهم بالله، ودعاهم إلى حقه، وأن يسير فيهم بسيرة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ويعمل فيهم بعمله،
فيبعث الله جلّ جلاله جبرئيل علیه السلام حتّی يأتيه ، فينزل على الحطيم، ثمّ يقول له : إلى أي شيء تدعو؟ فيخبره القائم علیه السلام.
فيقول جبرئیل علیه السلام: أنا أول من يبايعك ، ابسط يدك ، فيمسح على يده، وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، فيبايعونه، ويقيم بمكة، حتّی يتم أصحابه عشرة آلاف أنفس، ثمّ يسير منها إلى المدينة . (4)
204- وعن أبي جعفر علیه السلام في حديث طويل: ثمّ ينطلق فيدعو الناس إلى كتاب الله، وسنّة نبيه عليه وآله السلام، والولاية لعليّ بن أبي طالب علیه السلام والبراءة من عدوه ....(5)
ص: 144
205- وعنه علیه السلام: إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد، كما دعا إليه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وإن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغربّاء .(1)
206- وعن أبي بصير ، عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال : الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغربّاء، فقلت : اشرح لي هذا أصلحك الله .
فقال علیه السلام: يستأنف الداعي منا دعاء جديداً كما دعا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. (2)
قد مضى بعض ما يدل عليه في حرف الألف . (3)
207- ويدل عليه أيضاً ما في الخرائج: روی علان، عن طريف، عن نصر الخادم، قال: دخلت على صاحب الزمان علیه السلام وهو في المهد، فقال لي : علي بالصندل الأحمر، فأتيته به ، فقال علیه السلام: أتعرّفني؟ قلت: نعم، أنت سيّدي، وابن سيّدي، فقال علیه السلام: ليس عن هذا سألتك ، قلت : فسر لي.
قال علیه السلام: أنا خاتم الاوصياء، وبي يدفع البلاء عن أهلي وشيعتي .(4)
208- وفي غاية المرام من مسند أحمد بن حنبل: بإسناده عن عليّ علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:
النجوم أمان لأهل السماء، إذا ذهبت النجوم ذهبوا، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض . (5)
209- وفيه عن الحمويني من أعيان علماء العامة : بإسناده عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتّي .(6)
ص: 145
210- وفي كفاية الأثر : بإسناده عن أبي سعيد الخدري، قال :
سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقول : أهل بيتي أمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء، قيل : یا رسول الله فالأئمة بعدك من أهل بيتك؟
قال: نعم، الأئمة بعدي إثنا عشر إماماً، تسعة من صلب الحسین علیه السلام أمناء معصومون، ومنّا مهدي هذه الأمة، ألا إنّهم أهل بيتي، وعترتي من لحمي ودمي، ما بال أقوام يؤذوني فيهم، لا أنالهم الله شفاعتي .(1)
211- وفيه : عن الحسين بن عليّ علیه السلام عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
أول ما خلق الله حجبه، فكتب على حواشيها (2): لا إله إلا الله محمّد رسول الله عليّ وصيه، ثمّ خلق العرش، فكتب على أركانه : لا إله إلا الله محمّد رسول الله عليّ وصيه، ثمّ خلق الأرضين فكتب على أطوارها (3): لا إله إلا الله محمّد رسول الله عليّ وصيه، ثمّ خلق اللوح فكتب على حدوده: لا إله إلا الله محمّد رسول الله عليّ وصيه.
فمن زعم أنه يحب النبیّ ولا يحب الوصي، فقد كذب،
ومن زعم أنه يعرف النبیّ ولا يعرف الوصي فقد کفر.
ثمّ قال علیه السلام: ألا إن أهل بيتي أمان لكم، فأحبوهم بحبي(4)، وتمسكوا بهم لن تضلوا، قيل: فمن أهل بيتك يا نبیّ الله؟
قال علیه السلام: عليّ وسبطاي وتسعة من ولد الحسين، أئمة أبرار، أمناء معصومون ألا إنّهم أهل بيتي وعترتي من لحمي ودمي .(5)
212- وفي غاية المرام : بإسناده عن جابر الجعفي، قال : قلت لأبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر علیه السلام: لاي شيء يحتاج إلى النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم والإمام؟
ص: 146
فقال علیه السلام : لبقاء العالم على صلاحه، وذلك أن الله عزّ وجلّ يرفع العذاب
عن أهل الأرض إذا كان فيها نبیّ أو إمام، قال الله عزّ وجلّ: «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ » (1)
وقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهبت النجوم أتی أهل السماء ما يكرهون، وإذا ذهب أهل بيتي أتی أهل الأرض ما يكرهون.(2)
213- وفي الإكمال والأمالي : بسنده (3)عن سیّد العابدين علیه السلام، قال :
نحن أئمة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الّذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ، وبنا يمسك الأرض أن تميد (4) بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وتنشر الرحمة وتخرج بركات الأرض، ولولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها .
ثمّ قال علیه السلام: ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجّة الله فيها ظاهر مشهور ، أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة الله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله .
قال سليمان : فقلت للصادق علیه السلام : فكيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب المستور قال علیه السلام : كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب . (5)
أقول: وجه تشبيهه علیه السلام بالشمس يأتي إن شاء الله تعالى في نفعه. (6)
ص: 147
214- وعن سیّد الساجدين علیه السلام، قال : إذا قام قائمنا أذهب الله عزّ وجلّ عن شیعتنا العاهة، وجعل قلوبهم كزبر الحديد ....(1)
وهذا أيضاً من برکات وجوده وكمال جوده
215- روي في كمال الدين : عن أبي جعفر علیه السلام قال :
يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إن أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري جلّ جلاله فيقول: عبادي (2) وإمائي آمنتم بسري وصدقتم بغيبي، فأبشروا بحسن الثواب مني فأنتم عبادي وإمائي حقاً، منكم أتقبل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبکم أسقي عبادي الغيث، وأدفع عنهم البلاء، لولاكم لانزلت عليهم عذابي .(3)
أما في زمن غيبته فبدعائه، كما عرفت، وأما في زمن حضوره فقد ظهر من حربّه وجهاده، ويظهر من قتل الكافرين بسيفه، ومن ذلة الأعداء بيده . (4)
216- في الكافي، عن أبي جعفر علیه السلام قال :
إذا قام القائم عرض الإيمان على کلّ ناصب، فإن دخل فيه بحقيقة وإلا ضرب عنقه ، أو يؤدي الجزية كما يؤديها اليوم أهل الذمة، ويشد على وسطه
ص: 148
الهميان، ويخرجهم من الأمصار إلى السواد .(1)
أقول: مرّ في حرف الألف ما يدل عليه . (2)
217- وفي الكافي : عن أبي عبدالله علیه السلام، قال : إن للحقّ دولة، وللباطل
دولة، وکلّ واحد منهما في دولة صاحبه ذليل، «الحديث».(3)
218- وفي البحار عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالى : «تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ »(4)، قال ع: يعني يوم خروج القائم علیه السلام. (5)
219- وفي تفسير عليّ بن إبراهيم : عن أبي عبدالله علیه السلام في قوله تعالی : «فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا » (6)، قال : هي والله للنصاب
قال معاوية بن عمّار : جعلت فداك ، قد رأيناهم دهرهم الأطول في كفاية
حتّی ماتوا، قال علیه السلام: ذلك والله في الرجعة يأكلون العذرة . (7)
سيأتي في حرف الميم بعنوان المرابطة إن شاء الله تعالى .(8)
220- في البحار : عن ابن عباس في قوله تعالی :
«لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ »(9)، قال : لا يكون ذلك حتّی لا يبقى يهودي، ولا نصراني، ولا صاحب ملة إلا دخل في الإسلام، حتّی يأمن
ص: 149
الشاة والذئب، والبقرة والأسد والإنسان والحية، وحتّی لا تقرض فارة جرابا - إلى أن قال : وذلك يكون عند قيام القائم . (1) .
221- وفي البحار : عن أمیرالمؤمنین علیه السلام في وصفه علیه السلام: وتصطلح في ملکه السباع، وتخرج الأرض نبتها، وتنزل السماء بركتها - الخبر .(2)
222- وفيه : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال :
المهدي رجل من ولدي، لونه لون عربّي، وجسمه جسم إسرائيلي، على خده الأيمن خال ، كأنه كوكب دري، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جوراً ، يرضى في خلافته أهل الأرض وأهل السماء والطير في الجو.(3)
223- وفي حديث آخر، عنه صلی الله علیه وآله وسلم : يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض يقسم المال صحاحاً، فقال له رجل: وما صحاحاً؟ قال : السوية بين الناس. (4)
224- وفيه، عن کتاب سعد السعود، نقلاً عن صحف إدريس علیه السلام:
وألقي في تلك الزمان الأمانة على الأرض فلا يضر شيء شيئا، ولا يخاف شيء من شيء، ثمّ تكون الهوام والمواشي بين الناس، فلا يؤذي بعضهم بعضا وأنزع حمه کلّ ذي حمة من الهوام وغيرها، وأذهب سم کلّ ما يلدغ، وأنزل بركات من السماء والأرض، وتزهر الأرض بحسن نباتها، وتخرج کلّ ثمارها وأنواع طيبها، وألقي الرأفة والرحمة بينهم ....(5)
225- وعن أمیرالمؤمنین علیه السلام، قال : لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء
ص: 150
قطرها، وأخرجت الأرض نباتها، ولذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم حتّی تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدميها إلا على النبات وعلى رأسها زينتها لا يهيجها سبع ولا تخافه . (1)
ومرّ في حرف الالف ما يدل على ذلك .
تظهر ممّا مرّ في جهاده وحربّه وغيرهما،
ويأتي في صبره وقتل الكافرين وغيرهما ما يدل عليه . (2)
226- في الكافي : بإسناده عن حماد بن عثمان قال :
حضرت ابا عبدالله علیه السلام وقال له رجل: أصلحك الله، ذكرت أن عليّ بن أبي طالب علیه السلام كان يلبس الخشن، يلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك، ونرى عليك اللباس الجديد، فقال له:
إن عليّ بن أبي طالب علیه السلام كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر عليه، ولو لبس مثل ذلك اليوم شهر به، فخير لباس کلّ زمان لباس أهله، غير أن قائمنا أهل البيت علیهم السلام إذا قام لبس ثياب عليّ علیه السلام وسار بسيرة عليّ علیه السلام .(3)
أقول: ولعل هذا هو المراد في قول أمیرالمؤمنین علیه السلام لأبي عبدالله
الجدلي: ألا أخبرك بأنف المهدي علیه السلام وعينه؟
قال : قلت : نعم، فضربّ بيده إلى صدره، فقال : أنا . (4)
ص: 151
لان الأنف بمعنى السیّد، والمقتدى في الأمور، والعين بمعنی من یکون كذات الشيء ونفسه، فيكون هذا الكلام كناية عن أن المهدي علیه السلام يسير بسيرة أمیرالمؤمنین علیه السلام في أفعاله، فهو أنفه : أي مقتداه في أفعاله، وعينه : أي كأنه هو في زهده، وعبادته وسيرته، وشجاعته، وسائر خصوصياته ،
وهذا استعمال شائع متعارف في المحاورات العرفية أيضاً، حيث يقال الشيء يكون مشابهاً وموافقاً لشيء آخر في تمام الخصوصيات : هذا عينه،
وأما كون الأنف بمعنى السیّد والمقتدى فيشهد له قول الشاعر :
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم*** ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
والله تعالى هو العالم.
227- وفيه : عن المعلی بن خنيس قال : قلت لأبي عبدالله علیه السلام يوما :
جعلت فداك، ذكرت آل فلان وما هم فيه من النعيم، فقلت: لو كان هذا إليكم لعشنا معكم، فقال : هيهات یا معلی ! أما والله، أن لو كان ذاك ما كان إلا سياسة الليل(1)، وسياحة النهار، ولبس الخشن، وأکلّ الجشب، فزوي ذلك عنا، فهل رأيت ظلامة قط صيرها الله نعمة إلا هذه .(2)
228- وفي البحار ، عن النعماني : بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال : ما تستعجلون بخروج القائم؟! فوالله ما لباسه إلآ الغليظ، وما طعامه إلا الشعير الجشب، وما هو إلا السيف، والموت تحت ظل السيف . (3)
229- ومنه : عن الرضا علیه السلام قال : أنتم أرخی بالا منكم يومئذ، قال الراوي :
ص: 152
وكيف؟ قال : لو قد خرج قائمنا علیه السلام لم يكن إلا العلق (1) والعرق «و» القوم على السروج، ومالباس القائم علیه السلام إلا الغليظ، وما طعامه إلا الجشب ).(2)(3)
وسائر المعصومين الكرام قطعية عند ذوي الأفهام
230- ويشهد لهذا المقام ما في البحار - في ضمن واقعة الجزيرة الخضراء - قال السیّد شمس الدين بعد أن سأله الراوي :
هل يحج الإمام علیه السلام ؟ قال : الدنيا خطوة مؤمن، فكيف بمن لم تقم الدنيا إلا بوجوده ووجود آبائه علیهم السلام! نعم، يحج في کلّ عام، ويزور آباءه في المدينة ، والعراق، وطوس، على مشر فيها السلام ....(4)
وأما رجحان الدعاء لزوارهم علیهم السلام فغير خفي على من استضاء بنور الإسلام
231- ويدل عليه ما رواه ابن وهب، عن الصادق علیه السلام ، أنه دعا في سجوده الزوار الحسين بدعاء طويل، وطلب لهم الثواب الجزيل، وأثنى عليهم بالثناء الجميل، ثمّ قال : يا معاوية ، من يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعو لهم في الأرض(5)، وسنذكر الحديث بطوله في الباب الثامن إن شاء الله تعالی . (6)
232- وفي البحار : عن أبي جعفر علیه السلام في وصف القائم عجلّ الله تعالی فرجه
ص: 153
قال : إذا قام سار بسيرة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ....(1)
233- وفي البحار، عن النعماني: بإسناده عن عبدالله بن عطا، قال :
سألت أبا جعفر الباقر علیه السلام فقلت : إذا قام القائم علیه السلام بأي سيرة يسير في الناس؟
فقال : يهدم ما قبله كما صنع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ويستأنف الإسلام جديداً . (2)
234- وفي بصائر الدرجات : بإسناده عن عبدالملك بن أعين، قال : أراني أبو جعفر علیه السلام بعض کتب عليّ علیه السلام ثمّ قال لي: لأي شيء كتبت هذه الكتب؟
قلت : ما أبين الرأي فيها، قال علیه السلام: هات،
قلت : علم أن قائمكم يقوم يوما فأحب أن يعمل بما فيها، قال: صدقت . (3)
يظهر ممّا مرّ في خلقه، ويأتي في ندائه . (4)
235- وفي البحار، عن النعماني : عن أبي جعفر علیه السلام أنه قال : كأنني بدینکم هذا لا يزال مولياً يفحص بدمه (5)، ثمّ لا يرده عليكم إلا رجل منا أهل البيت فيعطيكم في السنّة عطاءين، ويرزقكم في الشهر رزقين، وتؤتون الحكمة في زمانه حتّی أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى، وسنّة رسول الله .(6)
236- وفي حديث آخر : عنه علیه السلام قال : ويجتمع إليه أموال الدنيا كلها، من بطن الأرض وظهرها فيقال للناس: تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدم الحرام، وركبتم فيه المحارم، فيعطي عطاء لم يعطه أحد قبله . (7)
ص: 154
237- وعن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم من طريق العامة أنه قال : فيجيء إليه الرجل فيقول:
یا مهدي أعطني، قال : فيحتي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله . (1)
238- وفي حديث آخر من طريقهم، عنه صلی الله علیه وآله وسلم : والمال يومئذ کدوس، يقوم
الرجل فيقول: يا مهدي أعطني، فيقول: خذ.(2)
239- وفي غاية المرام : من طريقهم، عنه صلی الله علیه وآله وسلم في حديث أبي سعيد الخدري : يكون المال كدوساً، يأتيه الرجل فيسأله، فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله . (3)
240- وفي حديث أبي هريرة، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
يخرج في آخر الزمان خليفة يعطي المال بلا عدد .(4)
أقول: ويأتي في كرمه ما يناسب هذا المقام، ونعم ما قيل :
بنت المكارم وسط كفك منزلا*** فجميع مالك للأنام مباح
وإذا المكارم أقفلت أبوابها ***يوما فأنت لقفلها مفتاح
وقال آخر:
هو البحر من أي النواحي أتيته ***ولجته المعروف والبر ساحله
تعود بسط الكف حتّی لو أنه ***أراد انقباضة لم تطعه أنامله
فلو لم يكن في كفه غير نفسه*** لجاد بها فليتق الله سائله
وقال مؤلف هذا الكتاب «عفي الله تعالی عنه » ، في التضمين :
إن الّذي خلق المكارم حازها*** في ذات آدم للإمام القائم
ص: 155
تبين ما مرّ في حربّه وجهاده، ويأتي في علمه وفي قتل الكفرة.(1)
241- في غاية المرام : من طريق العامة، عن أمیرالمؤمنین علیه السلام قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أنا واردكم على الحوض، وأنت يا عليّ الساقي (2)والحسن الذائد(3)، والحسين الأمر، وعليّ بن الحسين الفارض، ومحمّد بن علي الناشر، وجعفر بن محمّد السائق، وموسی بن جعفر محصي المحبين والمبغضين، وقامع المنافقين، وعليّ بن موسی مزين المؤمنين، ومحمّد بن على منزل أهل الجنّة في درجاتهم، وعليّ بن محمّد خطیب شیعته ومزوجهم الحور العين، والحسن بن عليّ سراج أهل الجنّة يستضيؤن به ،
والمهدي شفيعهم يوم القيامة، حيث لا يأذن الله إلا لمن يشاء ويرضى .(4)
أقول : السرّ في تخصيص الشفاعة بمولانا الحجّة صلوات الله عليه مع أنهم جميعاً شفعاء يوم القيامة، أن شفاعتهم لا تشمل المنکرین لمولانا صاحب الزمان علیه السلام، «فَمَا لَهم مِنْ شَافِعِينَ *وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ »(5)وإن أقروا بمن سبقه من الأئمة الطاهرين.
242- ولهذا ورد في الحديث المروي في كمال الدين، عن الصادق علیه السلام :
من أقر بالأئمة من آبائي وولدي، وجحد المهدي من ولدي، كان كمن أقر
ص: 156
بجميع الأنبياء، وجحد محمّدا صلی الله علیه وآله وسلم - الخبر . (1)
وفي معناه روايات أخر، وفيما ذكرناه كفاية لمن اعتبر .
243- في الكافي في تفسير قوله تعالى : «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا»(2)عن أبي عبدالله علیه السلام ، قال : نزلت في أمة محمّد صلی الله علیه وآله وسلم خاصة، في کلّ قرن منهم إمام ما شاهد عليهم، ومحمّد صلی الله علیه وآله وسلم شاهد علينا .(3)
244- وعنه علیه السلام قال : نحن الشهداء على الناس، فمن صدق صدقناه يوم القيامة، ومن كذب كذبناه يوم القيامة .(4)
245- و عن أبي جعفر علیهما السلام في قوله تعالی :
«وكذلك جعلناكم أمّة وسطاً... »(5)، قال : نحن الأمة الوسط، ونحن شهداء الله تبارك وتعالى على خلقه، وحججه في أرضه ، الخبر .(6)
246- وعن أمیرالمؤمنین علیه السلام، قال : إن الله تبارك وتعالى طهرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه، وحجته في أرضه،
وجعلنا مع القرآن، وجعل القرآن معنا، لا نفارقه ولا يفارقنا . (7)
247- في البحار، عن النعماني : بإسناده، سئل أبو عبدالله علیه السلام :
ص: 157
هل ولد القائم؟ قال: لا، ولو أدركته لخدمته أيام حياتي .(1)
أقول: تأمل أيها اللبيب، وتأدب بهذا التأديب، ولا تؤذه أيام حياتك بصنوف سيئاتك، وسيوف کلماتك .
248- في حديث اللوح المروي في كمال الدين وغيره ، بعدة طرق في وصف القائم علیه السلام : عليه كمال موسى، وبهاء عيسى، وصبر أيوب، الخبر .(2)
ومرّ في بلائه ما يدل عليه، ونعم ما قيل :
فحزني ما يعقوب بث أقله ***وکلّ بلا أيوب بعض بليتي
لأنه قد جمع له أنواع البلاء، وطول ذلك يوجب اشتداده، وأنت إذا تفكرت ساعة ظهر لك حقيقة ما ذكرت،
فعليك بالدعاء له وطلب الفرج له من الله تعالى شأنه .
249- روي في دار السلام عن قصص الأنبياء: أن إبراهيم علیه السلام کان یکنّی بأبي الضيفان، وكان لا يتغدى ولا يتعشى إلا مع ضيف، وربّما مشی میلا أو ميلين أو أكثر حتّی يجد ضيفاً، وضيافته قائمة إلى يوم القيامة،
وهي الشجرة المباركة التي قال الله تعالى : «يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ » (3)(4)
أقول: لا يخفى أن هذه الضيافة هي الضيافة بالعلوم والسنن القائمة بوجود
ص: 158
النبیّ والإمام علیه السلام إلى يوم القيامة.
وفي زیارة يوم الجمعة : وأنا يا مولاي فيه ضيفك و جارك .(1)
وقد مضى في الباب الثالث (2)ما يناسب هذا المقام.
وقال السیّد ابن طاووس «رحمه الله تعالی» في جمال الأسبوع:
نزیلك حيث ما اتجهت رکابي*** وضيفك حيث كنت من البلاد(3)
250- ويعجبني هنا نقل حديث لا يخلو من مناسبة للمقام، ذكره في كتاب دار السلام نقلا عن مشكاة الطبرسي، قال : قال رجل لأبي الحسن صاحب العسكر علیه السلام : كيف أبو دلف له أربعة آلاف قرية وقرية؟
فقال علیه السلام: إنّه ضاف به مؤمن ليلة فزوده جلة من تمرّ كان فيها أربعة آلاف تمرة وتمرة، فأعطاه الله تعالى بکلّ تمرة قرية . (4)
251- في كمال الدين، عن الصادق علیه السلام : إن الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام، فهي أرواحنا
فقيل له: يا بن رسول الله، ومن الأربعة عشر؟ فقال : محمّد، وعلي، وفاطمة، والحسن والحسين، والأئمة من ولد الحسين، آخرهم القائم الّذي يقوم بعد غيبته، فيقتل الدّجال، ويطهّر الأرض من کلّ جور وظلم (5)
وقد مضى ما يدل على ذلك في حرف الحاء (6) وغيره.
ص: 159
252- في البحار : عن أمیرالمؤمنین علیه السلام قال : أما والله، لأقتلن أنا وابناي هذان، وليبعثن الله رجلا من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا، وليغيبن عنهم تمييزاً لأهل الضلالة ، حتّی يقول الجاهل : ما لله في آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم من حاجة .(1)
أقول: مرّ في حرف الالف ما يناسبه، ويأتي ما يدل عليه إن شاء الله تعالى .(2)
يظهر من حياة الأرض به، وقتل الكافرين، وتجديد الإسلام
253- في الكافي : عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
إن منّا إماماً مظفر مستتراً، فإذا أراد الله عز ذكره إظهار أمره، نكت في قلبه نكتة فظهر ، فقام بأمر الله تبارك وتعالى .(3)
254- وفي المحجّة، عن أبي عبدالله علیه السلام في قوله تعالى : «ولولا أخرتنا إلى
أجلّ قريب »(4)، إلى خروج القائم علیه السلام، فإن معه النصر والظفر .(5)
ويأتي في علمه ما يدل عليه . (6)
ص: 160
255- روى عليّ بن إبراهيم في تفسيره: بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالى : «ولمن انتصر بعد ظُلمه - یعني القائم علیه السلام وأصحابه - فأولئك ما عليهم من سبيله»(1)، والقائم إذا قام انتصر من بني أُمّية، ومن المكذبين والنصاب، هو وأصحابه (2)
256- ورواه في المحجّة : عن محمّد بن العباس بإسناده عنه علیه السلام من طريق آخر.(3)
257- وروى عليّ بن إبراهيم، عن أبي عبدالله علیه السلام في قوله تعالی :
«أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ»(4)، قال :
إن العامة يقولون : نزلت في رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أخرجته قریش من مكة ،
وإنما هو القائم علیه السلام ، إذا خرج يطلب بدم الحسين علیه السلام وهو قوله :
نحن أولياء الدم، وطلاب الدية . (5)
258- وروى السیّد(6) في البرهان، عن أبي جعفر علیهماالسلام ؛ أنه قال في هذه الآية :
في القائم وأصحابه علیه السلام.(7)
259- وفي كتاب المحجّة والبحار، عن الباقر علیه السلام : أن القائم علیه السلام يسند ظهره حين ظهوره إلى البيت الحرام مستجيراً به، ينادي - إلى أن يقول -:
وأسألكم بحقّ الله و[حق] رسوله، وبحقي، فإن لي عليكم حقّ القربي من
ص: 161
رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أعنتمونا، ومنعتمونا ممن يظلمنا،
فقد أخفنا، وظلمنا، وطردنا من ديارنا، وأبنائنا، وبغي علينا، الخبر . (1)
ويأتي بطوله في ندائه علیه السلام . (2)
260- وفي البحار : مرفوعاً عن أبي عبدالله علیه السلام قال : يقدم القائم علیه السلام حتّی يأتي النجف، فيخرج إليه من الكوفة جيش السفياني وأصحابه ، والناس معه وذلك يوم الأربعاء، فيدعوهم ويناشدهم حقه، ويخبرهم أنه مظلوم مقهور
ويقول: من حاجني في الله فأنا أولى الناس بالله ، الخبر .(3)
261- وفي كمال الدين : بإسناده عن الحسين بن عليّ علیه السلام قال :
قائم هذه الأمة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغيبة، وهو الّذي يقسم میراثه، وهو حي. (4)
262- وفيه : في حديث أبي خالد الكابلي، عن عليّ بن الحسين علیهما السلام قال :
كأني بجعفر الكذاب، وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله والمغيب في حفظ الله، والموکلّ بحرم أبيه جهلا منه بولادته، وحرصاً منه على قتله، إن ظفر به، طمعاً في ميراثه حتّی يأخذه بغير حقه ... .(5)
ويأتي بطوله في الباب الثامن إن شاء الله تعالی . (6)
263- وفي غيبة الشيخ الطوسي (رحمه الله) عن رشیق، قال : بعث إلينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر، فأمرنا أن يركب کلّ واحد منا فرساً ونجنب (7) آخر، ونخرج مخفين (8)لا يكون معنا قليل ولا كثير، إلا على السرج مصلی .
ص: 162
وقال لنا: إلحقوا بسامرة، ووصف لنا محلة ودارة، وقال: إذا أتيتموها تجدون على الباب خادماً أسود، فاكبسوا الدار (1) ومن رأيتم فيها فأتوني برأسه .
فوافينا سامرة، فوجدنا الأمر كما وصفه، وفي الدهليز خادم أسود، وفي يده تكة ينسجها، فسألناه عن الدار ومن فيها، فقال : صاحبها، فو الله ما التفت إلينا وقل اكتراثه بنا، فكبسنا الدار كما أمرنا، فوجدنا داراً سرية، ومقابل الدار ستر ما نظرت قط إلى أنبل منه، كأن الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت، ولم يكن في الدار أحد، فرفعنا الستر، فإذا بيت كبير كأن بحراً فيه ماء وفي أقصى البيت حصير، قد علمنا أنه على الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي فلم يلتفت إلينا، ولا إلى شيء من أسبابنا . فسبق أحمد بن عبدالله ليتخطى البيت فغرق في الماء، وما زال يضطربّ حتّی مددت يدي إليه فخلصته وأخرجته وغشي عليه وبقي ساعة، وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك الفعل، فناله مثل ذلك، وبقيت مبهوتا، فقلت لصاحب البيت : المعذرة إلى الله وإليك، فوالله ما علمت كيف الخبر، ولا إلى من أجيء، وأنا تائب إلى الله، فما التفت إلى شيء ممّا قلنا، وما انفتل عما كان فيه ، فهالنا ذلك وانصرفنا عنه .
وقد كان المعتضد ينتظرنا، وقد تقدم إلى الحجاب إذا وافيناه أن ندخل عليه في أي وقت كان، فوافيناه في بعض الليل، فأدخلنا عليه ، فسألنا عن الخبر ،
فحكينا له ما رأينا، فقال : ويحكم، لقيكم أحد قبلي، وجرى منكم إلى أحد سبب شئ، أو قول؟ قلنا: لا. فقال : أنا نفي من جدي(2)، وحلف باشد أيمان له أنه رجل إن بلغه هذا الخبر ليضربّن أعناقنا،
فما جسرنا أن نحدث به إلا بعد موته .(3)
ص: 163
تقدم في ختم العلوم به من حرف الخاء قول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم في وصفه :
هو ظاهرهم، وهو باطنهم. (1)
ومعنى ذلك - والله يعلم - أنه مظهر جميع العلوم الظاهرة والباطنة، التي آتاها الله النبي، والأئمة علیهم السلام، ومظهر كمالاتهم وشؤونهم جميعا.
264- ويؤيد هذا المعنى ما في تاسع البحار، عن الإختصاص : أن أمیرالمؤمنین علیه السلام كان قاعداً في المسجد، وعنده جماعة من أصحابه ،
فقالوا له : حدثنا يا أمیرالمؤمنین، فقال لهم : ويحكم إن كلامي صعب مستصعب، لا يعقله إلا العالمون، قالوا: لا بد من أن تحدثنا.
قال علیه السلام: قوموا بنا، فدخل الدار، فقال : أنا الّذي علوت فقهرت، أنا الّذي أحيي وأُمّيت، أنا الأول والآخر والظاهر والباطن فغضبوا، وقالوا: كفر، وقاموا
فقالى عليّ علیه السلام للباب : يا باب، استمسك عليهم، فاستمسك عليهم الباب ، فقال صلوات الله وسلامه عليه :" ألم أقل لكم إن كلامي صعب مستصعب لا يعقله إلا العالمون؟ تعالوا أفسّر لكم.
أما قولي : أنا الّذي علوت فقهرت : فأنا الّذي علوتكم بهذا السيف فقهرتكم حتّی آمنتم بالله ورسوله، وأما قولي : أنا أحيي وأُمّيت : فأنا أحيي السنّة وأُمّيت البدعة، وأما قولي أنا الأول : فأنا أول من آمن بالله وأسلم.
وأما قولي أنا الآخر : فأنا آخر من سجي على النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ثوبه ودفنه،
وأما قولي أنا الظاهر والباطن : فأنا عندي علم الظاهر والباطن .(2)
وأنت إذا لاحظت ما ذكرنا ونذكر في هذا الباب، اتضح لك نهج الصواب وعلمت أنه علیه السلام مظهر جميع صفات الأئمة الأطياب، ومظهر كمالات البررة الإنجاب، وفيما ذكرناه كفاية لأولي الألباب .
ص: 164
مضى في حكمه بالحقّ ما يدل عليه . (1)
265- وفي كمال الدين : عن أبي جعفر علیه السلام قال :
إن العلم بكتاب الله عزّ وجلّ وسنّة نبيه صلی الله علیه وآله وسلم لينبت في قلب مهدينا كما ينبت الزرع على أحسن نباته، فمن بقي منكم حتّی يراه ، فليقل حين يراه : السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة والنبوة، ومعدن العلم وموضع الرسالة (2).(3)
266- وفي البحار، عن النعماني : بإسناده عن جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام عن أبيه، عن جده، عن الحسين بن عليّ ،علیهم السلام قال : جاء رجل إلى أمیرالمؤمنین علیه السلام، فقال له: يا أمیرالمؤمنین، نبئنا بمهديكم هذا،
فقال علیه السلام: إذا درج الدارجون (4)وقل المؤمنون، وذهب المجلبون (5) فهناك . فقال : يا أمیرالمؤمنین عليك السلام، ممن الرجل؟
فقال : من بني هاشم، من ذروة طود (6)العرب، وبحر مغيضها (7) إذا وردت ، ومجفو أهلها (8) إذا أتت ، ومعدن صفوتها إذا اكتدرت ، لا يجبن إذا المنايا هلعت (9)
ص: 165
ولا يحور(1) إذا المؤمنون اكتنفت، ولا ينکلّ إذا الكماة (2) اصطرعت، مشمرّ مغلولب ظفر (3)، ضرغامة (4)حصد(5)، مخدش (6) ذكر (7)، سيف من سيوف الله رأس (8)قثم (9)، نشق رأسه (10) في باذخ (11) السؤدد، وغارز مجده (12)في أكرم المحتد (13) فلا يصرفنّك عن تبعته صارف عارض ، ينوص إلى الفتنة کلّ مناص(14) إن قال فشر قائل، وإن سکت فذو دعائر(15).
ثمّ رجع إلى صفة المهدي علیه السلام ، فقال : أوسعکم کهفاً وأكثركم علماً وأوصلكم رحماً، اللهمّ فاجعل بيعته خروجاً من الغمة، واجمع به شمل الأمة فإن جاز لك(16) فاعزم، ولا تنثن عنه (17) إن وفقت له، ولا تجيزنّ عنه(18) إن هديت إليه، هاه ، وأومی بيده إلى صدره - شوقا إلى رؤيته - .(19)
ص: 166
أقول: تقدم ما يدل على المقصود،
ويأتي ما يدل عليه في كشف العلوم إن شاء الله تعالى . (1)
في دعاء الندبة : أين معز الأولياء، ومذل الأعداء(2)
267- وفي كمال الدين : عن أبي جعفر علیه السلام قال : كأني بأصحاب القائم علیه السلام قد أحاطوا ما بين الخافقين، ليس من شيء إلا وهو مطيع لهم، حتّی سباع الأرض وسباع الطير تطلب رضاهم في کلّ شيء، حتّی تفخر الأرض على الأرض وتقول : مربّي اليوم رجل من أصحاب القائم علیه السلام . (3)
268- عن أبي عبدالله علیه السلام في قوله تعالی :
«وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ» (4) قال :
العذاب خروج القائم علیه السلام والأمة المعدودة [عدة] (5)أهل بدر وأصحابه . (6)
269- وقال عليّ بن إبراهيم في قوله تعالى : «سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ»(7)
سئل أبو جعفر علیه السلام عن معنى هذا؟
فقال : نار تخرج من المغربّ، وملك يسوقها من خلفها، حتّی تأتي دار بني سعد بن همام عند مسجدهم، فلا تدع داراً لبني أُمّية إلا أحرقتها وأهلها، ولا
ص: 167
تدع داراً فيها وتر لآل محمّد إلا أحرقتها، وذلك المهدي علیه السلام . (1)
أقول: يأتي ما يدل على ذلك في حرف القاف . (2)
270۔ ولهذا لقب بالعدل كما في الدعاء المروي عنه لليالي شهر رمضان : اللهمّ وصل على ولي أمرك القائم المؤمل، والعدل المنتظر .(3)
271- وفي حديث أبي، المروي في كمال الدين، وغيره: عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال في وصفه علیه السلام: أول العدل وآخره ... (4)يريد بذلك كمال عدله،
وقلّما يخلو حدیث ذكر فيه عن ذكر عدله.
272- فعن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم في كمال الدين : إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الإثني عشر، أولهم أخي، وآخرهم ولدي،
قيل : یا رسول الله، ومن أخوك ؟ قال : عليّ بن أبي طالب،
قيل: فمن ولدك؟ قال : المهدي الّذي يملأها قسطا وعدلا، كما ملئت جوراً وظلماً، والّذي بعثني بالحقّ نبيا، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتّی يخرج فيه ولدي المهدي ، فينزل روح الله عیسی بن مریم ، فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنوره، ويبلغ سلطانه المشرق والمغربّ .(5)
273- وعن سیّد الشهداء علیه السلام قال : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم، حتّی يخرج رجل من ولدي، فيملأها عدلاً وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً، كذلك سمعت رسول الله لا يقول. (6)
ص: 168
أقول: الأخبار في هذا المعنى متواترة جدّاً، ونذكر بعضها فيما يأتي إن شاء الله تعالى، والّذي يظهر لي من تتبع موارد الإستعمال :
أن العدل أعم من القسط، فإن القسط يستعمل في مقام توفية حقّ الغير ، مثل مقام أداء الشهادة والقضاء، والكيل والوزن، ونحوها،
والعدل يستعمل فيما يستعمل فيه القسط وفي غيره .
وبعبارة أخرى: القسط لا يستعمل إلا فيما يرجع إلى الغير،
والعدل يستعمل في ما يرجع إلى النفس والغير .
فالعدل : موافقة الحقّ مطلقة ، والقسط : موافقة الحقّ في مورد الخلائق،
وإن شئت تصديق ما ذكرنا فارجع إلى الآيات الشريفة القرآنية المذكورة فيها العدل والقسط، والجور ضد القسط. والظلم ضد العدل، فالظلم هو التجاوز عن الحقّ مطلقة، والجور هو التجاوز عن الحقّ الراجع إلى الغير .
والأحاديث الواردة بهذا المضمون تدل على أن الحكام والرؤساء والقضاة يجورون في حكومتهم بين الناس في آخر الزمان، وهم يظلمون أنفسهم وغيرهم أيضاً، وإذا ظهر القائم علیه السلام رفع الجور، وعدل في الحكومة بينهم، واجتث أصل الظالمين وفرعهم، بحيث يشمل عدله جميع العالم فلا يظلم أحد أحداً .
274-ولذلك قال الصادق علیه السلام في الحديث المروي في البحار، وغيبة النعماني :
أما والله، ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر(1)(2)
وسيأتي بعض الأخبار المصرحة بعدله. ... ..
275- من كلام أمیرالمؤمنین علیه السلام في وصف القائم علیه السلام في بعض خطبه :
ص: 169
يعطف الهوى على الهدي إذا عطفوا الهدى على الهوي، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي . (1)
276- في البحار وغاية المرام من طريق العامة : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال :
يكون عند انقطاع من الزمان و ظهور من الفتن رجل يقال له : المهدي يكون عطاؤه هنيئاً . (2)
أقول: كون عطائه هنيئاً بسبب وقوع المؤمنين قبل ظهوره في المضيقة وابتلائهم بأنواع الشدة والمصيبة :
277- كما ورد في تفسير قوله تعالى :«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ »(3)
عن الصادق علیه السلام : أنها للمؤمنين قبل قيام القائم .(4)
ويأتي الحديث، في الباب الثامن إن شاء الله تعالى . (5)
وفي حديث إبراهيم الكرخي المروي في كمال الدين : عن أبي عبدالله علیه السلام في وصف القائم علیه السلام قال : يا إبراهيم، هو مفرج الكربّ عن شيعته بعد ضنك شديد، وبلاء طويل ... (6)
ويأتي بطوله في حرف الفاء إن شاء الله تعالى أيضاً. (7)
ص: 170
278- وفي تفسير «حم *عسق »(1) عن أبي جعفر علیه السلام قال : «حم» : حتم و «ع» : عذاب، و«س»: سنون کسني يوسف علیه السلام و«ق» : قذف وخسف ومسخ يكون في آخر الزمان ، إلخ.(2)
ولا يخفى أن الفرج بعد الشدة، والعطاء بعد الضيق والمشقة، أهنأ من غيره، وإلى ذلك أشار علیه السلام في صدر الحديث بقوله: «عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن» ويمكن أن يكون ذلك من جهة عدم شوب عطائه بالمن، كما هو دأب أكثر الناس، فإنّهم إن أعطوا أعطوا قليلا، ومنّوا كثيراً، ومن جهة كونه أكرم الناس وأعظمهم شأناً، ولا ريب أن عطاء الكريم أهنأ من غيره، أو من جهة كثرة عطائه .
279- فقد ورد من طريق العامة ، عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال :
يخرج في آخر الزمان خليفة يعطي المال بغیر عدد .(3)
280- وفي حديث آخر : عنه صلی الله علیه وآله وسلم في وصف القائم ع: والمال يومئذ كثير ، يقول الرجل : يا مهدي أعطني، فيقول: خذ. رواهما في غاية المرام . (4)
وتقدم في «سخائه» ما يناسب المقام . (5)
ويأتي في «کرمه» ما له دخل في هذا المطلب إن شاء الله تعالى .(6)
مرّ في خوفه ما يدل عليه.
281- وفي الصحيح عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال :
لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولا بد له في غيبته من عزلة، ونعم
ص: 171
المنزل طيبة(1)، وما بثلاثين من وحشة(2). (3)
282- وفي قضية إبراهيم بن مهزيار المروية في كمال الدين و غيره،
قال علیه السلام : إن أبي علیه السلام عهد إلي أن لا أوطن من الأرض إلا أخفاها وأقصاها إسراراً لأمري وتحصيناً لمحلي من مكائد(4) أهل الضلال والمردة، من أحداث الأمم الضوال - إلى آخر ما قال علیه السلام . (5)
283- يدل على ذلك ما روي عن الكاظم علیه السلام في وصفه علیه السلام : يعتوره (6) مع سمرته صفرة من سهر الليل . (7)
أقول: وهذا معنى قول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم في وصفه : وجهه كالدينار .(8) وقال الفاضل المحدث النوري : يعني كالدينار في الصفا والتلالؤ، والله العالم.(9)
يقول المصنف : إن الحديث الأول مروي في كتاب فلاح السائل وصلاة البحار عن الكاظم علیه السلام وبعده : بأبي من ليله يرعى النجوم ساجداً وراکعاً ... (10)
وسيأتي الحديث بتمامه في الباب السادس(11) فنسبة هذا الحديث إلى
ص: 172
الصادق علیه السلام كما وقع في «النجم الثاقب» كأنه سهو منه، فتدبر، ولعله وقف على حديث آخر.
قد أخبر بها الرسول المختار، والأئمة الأطهار صلوات الله عليهم ما أظلم الليل وأضاء النهار .
284- ففي كمال الدين : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال :
المهديّ من ولدي، إسمه إسمي وکنیته کنيتي، أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً، تكون له غيبة وحيرة، تضل فيها الأمم، ثمّ يقبل کالشهاب الثاقب، يملأها عدة وقسطا كما ملئت جورا وظلما .(1)
285- وعنه صلی الله علیه وآله وسلم أيضاً قال : المهدي من ولدي، تكون له غيبة وحيرة، تضل فيها الأمم، يأتي بذخيرة الأنبياء علیهم السلام فيملأها عدة وقسطة، كما ملئت جوراً وظلماً . (2)
286- وعنه صلی الله علیه وآله وسلم ، قال : طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي، وهو يأتم به في غيبته قبل قيامه، ويتولى أولياءه، ويعادي أعداءه، ذلك من رفقائي وذوي مودتي وأكرم أمتّي عليّ يوم القيامة .(3)
ص: 173
287- وعن أمیرالمؤمنین علیه السلام أنه قال للحسين علیه السلام: التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحقّ، المظهر للدين، والباسط للعدل،
قال الحسين علیه السلام : فقلت له: يا أمیرالمؤمنین، وإن ذلك لكائن؟
فقال علیه السلام: إي والّذي بعث محمّداً صلی الله علیه وآله وسلم بالنبوة، واصطفاه على جميع البرية، ولكن بعد غيبة وحيرة، فلايثبت فيها على دينه إلا المخلصون المباشرون الروح اليقين، الّذين أخذ الله عزّ وجلّ میثاقهم بولايتنا، وكتب في قلوبهم الإيمان، وأيدهم بروح منه .(1)
288- وعن أصبغ بن نباتة، قال :
أتيت أمیرالمؤمنین عليّ بن أبي طالب علیه السلام فوجدته متفكراً، ينكت في الأرض (2)فقلت: يا أمیر المؤمنین، مالي أراك متفكراً، تنكت في الأرض، أرغبت فيها؟ فقال : لا والله، ما رغبت فيها ولا في الدنيا يوما قط،
ولكن فكرت في مولود یکون من ظهري، الحادي عشر من ولّدي، هو المهدي، يملأها عدلا كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له حيرة وغيبة تضل فيها أقوام وتهتدي فيها آخرون، فقلت : يا أمیرالمؤمنین علیه السلام وإن هذا الكائن ؟
فقال علیه السلام: نعم، كما أنه مخلوق، الخبر .(3)
289- وعنه علیه السلام قال : للقائم منّا غيبة أمدها طويل، كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته، يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه، ولم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه، فهو معي في درجتي يوم القيامة .
ص: 174
ثمّ قال علیه السلام: إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه .(1)
290- وعنه علیه السلام قال حين ذكر عنده القائم علیه السلام: أما ليغيين حتّی يقول الجاهل: ما الله في آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم حاجة .(2)
291- وعن الحسن بن عليّ علیه السلام قال :
ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلا القائم الّذي يصلي روح الله عیسی بن مریم علیهما السلام خلفه، فإن الله عزّ وجلّ يخفي ولادته، ويغيب شخصه، لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين بن سیّدة النساء، يطيل الله عمره في غيبته، ثمّ يظهره بقدرته، في صورة شاب دون أربعين سنة، وذلك ليعلم أن الله على کلّ شيء قدير .(3)
292- وعن الحسين بن عليّ علیهماالسلام قال : قائم هذه الأمة هو التاسع من ولدي وهو صاحب الغيبة، هو الّذي يقسم میراثه وهو حي. (4)
293- وعن عليّ بن الحسين علیهماالسلام ، قال : إن للقائم منا غيبتين : أحدهما أطول من الأخرى، أما الأولى: فستة أيام وستة أشهر أو ستّة سنين (5)
ص: 175
وأما الأخرى : فيطول أمدها حتّی يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به، فلا يثبت عليه إلا من قوي يقينه، وصحت معرفته، ولم يجد في نفسه حرجا ممّا قضيناه، وسلم لنا أهل البيت .(1)
294- وعن الباقر علیه السلام قوله تعالى : «فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّسِ»(2) قال : هذا مولود في آخر الزمان ، هو المهدي من هذه العترة، تكون له حيرة وغيبة، يضل فيها أقوام، ويهتدي فيها أقوام ....(3)
295- وعن الصادق علیه السلام في حديث ابن أبي يعفور، قال : من أقر بالأئمة من آبائي وولدي، وجحد المهدي من ولدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمّدا صلی الله علیه وآله وسلم نبوته، فقلت : يا سيّدي ، ومن المهدي من ولدك ؟ قال : الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه، ولا يحل لكم تسميته . (4)
296- وعنه علیه السلام قال : أقرب ما يكون العبد إلى الله عزّ وجلّ، وأرضی ما يكون عنه إذا افتقدوا حجّة الله، فكم يظهر لهم وحجب عنهم فلم يعلموا بمكانه، وهم في ذلك يعلمون أنه لم تبطل حجج الله عزّوجلّ ولا بيناته،
فعندها فتوقعوا الفرج صباحا ومساء، فإن أشد ما يكون غضب الله على أعدائه ، إذا افتقدوا حجته فلم يظهر لهم، وقد علم أن أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنهم يرتابون ما أفقدهم حجته طرفة عين . (5)
297- وعنه علیه السلام قال : إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي، وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أولهم أمیرالمؤمنین عليّ بن أبي
ص: 176
طالب، وآخرهم القائم بالحقّ، بقية الله في الأرض، وصاحب الزمان .
والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتّی يظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً . (1)
298- وعن عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسی بن جعفر علیه السلام قال :
إذا فقد الخامس من ولد السابع، فالله الله في أديانكم، لا يردكم (2) أحد عنها، یا بني إنّه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة، حتّی يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به، إنما هي محنة من الله عزّ وجلّ، امتحن بها خلقه، ولو علم آباؤكم وأجدادكم دينا أصح من هذا لاتبعوه .(3)
299- وعن الحسين بن خالد ، قال : قال عليّ بن موسى الرضا علیه السلام : لا دین لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقية له، وإن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقيّة ،
فقيل له : يا بن رسول الله، إلى متى؟ قال : إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منّا.
فقيل له : يابن رسول الله، ومن القائم منكم أهل البيت؟ قال علیه السلام : الرابع من ولدي، ابن سیّدة الإماء، يطهر الله به الأرض من کلّ جور، ويقدسها من كل ظلم، وهو الّذي يشك الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه.
فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره (4)ووضع میزان العدل بين الناس، فلايظلم أحد أحداً، وهو الّذي تطوى له الأرض، ولا يكون له ظل، وهو الّذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه ، يقول : ألا إن حجّة الله
ص: 177
قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه، فإن الحقّ معه وفيه، وهو قول الله عزّ وجلّ :«إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ ».(1)(2)
300- وعن عبد العظيم بن عبدالله الحسني ، قال : قلت لمحمّد بن عليّ بن موسى علیهم السلام: إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد صلی الله علیه وآله وسلم الّذي يملا الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً، فقال علیه السلام:
يا أبا القاسم، ما منا إلا وهو قائم بأمر الله عزّ وجلّ، وهاد إلى دين الله ولكن القائم الّذي يطهر الله عزّ وجلّ به الأرض من أهل الكفر والجحود ويملأها عدلا وقسطاً، هو الّذي تخفى على (3)الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته ، وهو سمي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وكنيه، وهو الّذي تطوى له الأرض، ويذل له کلّ صعب ، ويجتمع إليه من أصحابه عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض،
وذلك قول الله عزّ وجلّ : «وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ »(4) فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص، أظهر الله أمره، فإذا أكمل له العقد، وهو عشرة آلاف رجل، خرج بإذن الله عزّ وجلّ، فلا يزال يقتل أعداء الله، حتّی يرضى الله تعالی.
قال عبدالعظیم: فقلت له: يا سيّدي، وكيف يعلم أن الله عزّ وجلّ قد رضي؟ قال : يلقي في قلبه الرحمة،
فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما .(5)
ص: 178
301- وعن عليّ بن مهزیار، قال :
كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر علیه السلام أسأله عن الفرج.
فكتب إلي: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين، فتوقعوا الفرج .(1)
302- وعن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، قال : دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ علیهماالسلام وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده،
فقال لي مبتدءاً : يا أحمد بن إسحاق، إن الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم علیه السلام ولايخليها إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض،
قال : فقلت له: يا بن رسول الله، فمن الإمام والخليفة بعدك؟
فنهض علیه السلام مسرعاً فدخل البيت، ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء ثلاث سنين ، فقال :
يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله عزّ وجلّ وعلى حججه، ما عرضت عليك ابني هذا، إنّه سمي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وكنيه الّذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً.
يا أحمد بن إسحاق، مثله في هذه الأمة مثل الخضر علیه السلام ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيين غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلا من ثبته الله عزّ وجلّ على القول بإمامته، ووفقه فيها للدعاء بتعجیل فرجه.
فقال أحمد بن إسحاق : فقلت : يامولاي، فهل من علامة يطمئن إليها قلبي؟ فنطق الغلام علیه السلام بلسان عربّي فصيح ، فقال : أنا بقية الله في أرضه والمنتقم من أعدائه ، فلا تطلب أثراً بعد عين يا أحمد بن إسحاق .
قال أحمد بن إسحاق : فخرجت مسروراً فرحاً، فلمّا كان من الغد عدت
ص: 179
إليه ، فقلت له : يابن رسول الله، لقد عظم سروري بما مننت به عليَّ، فما السنّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال علیه السلام: طول الغيبة يا أحمد،
قلت : يا بن رسول الله وإن غيبته لتطول؟
قال : إني وربّي حتّی يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، ولا يبقى إلا من أخذ الله عزّ وجلّ عهده لولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان، وأيده بروح منه یا أحمد بن إسحاق، هذا أمر من أمر الله وسر من سر الله، وغيب من غيب الله فخذ ما آتيتك واكتمه، وكن من الشاکرین، تكن معنا غداً في علّيّين .(1)
303- وعن أبي محمّد الحسن بن أحمد المكتّب، قال : كنت بمدينة السلام في السنّة التي توفي فيها الشيخ [أبو الحسن] عليّ بن محمّد السمري «قدس الله روحه»، فحضرته قبل وفاته بأيام، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته :
بسم الله الرحمن الرحيم، يا عليّ بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله عزّ وجلّ، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جورا وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب(2)مفتر(3) ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم .(4)
قال : فنسخنا هذا التوقيع، وخرجنا من عنده ، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه ، فقيل له : من وصيك من بعدك، فقال : الله أمر هو بالغه ،
ص: 180
ومضى رضي الله عنه، فهذا آخر كلام سمع منه رحمة الله ورضوانه عليه .(1)
أقول: هذه نبذة ممّا ورد عن الأئمة الأطهار، في الإخبار بغيبة الإمام الغائب عن الأبصار، رويتها بإسنادي الآتي في خاتمة الكتاب عن الشيخ الصدوق في کتاب کمال الدین وتمام النعمة،
ومضى فيما مرّ، ويأتي فيما بعد ما يناسب هذا المقام.
وينبغي هنا التنبيه على أمور :
الأول : في سبب غيبته، وهو قسمان :
الأول : ما لم يبين لنا ويتبين بعد ظهوره :
304- روى الشيخ الصدوق : بإسناده عن عبدالله بن الفضل الهاشمي ، قال : سمعت الصادق جعفر بن محمّد علیهماالسلام يقول : إن لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها، يرتاب فيها کلّ مبطل . فقلت : ولم جعلت فداك؟ قال علیه السلام: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم. قلت : فما وجه الحكمة في غيبته؟
قال : وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر علیه السلام من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسى علیه السلام إلآ وقت افتراقهما.
یابن الفضل: إن هذا الأمر أمر من أمر الله [تعالى]، وسر من سر الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنه عزّ وجلّ حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة، وإن كان وجهها غير منکشف لنا. (2)
ص: 181
305- وفي التوقيع المروي في الاحتجاج عن الحجّة علیه السلام: وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عزّ وجلّ يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ » (1)إنّه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لاحد من الطواغيت في عنقي ... .(2)
الثاني : ما بينه الأئمة المعصومون علیهم السلام لنا وهو وجوه :
الأول : خوفه علیه السلام من القتل، كما مرّ في خوفه علیه السلام فراجع(3)، وهذا أيضاً أحد الأسباب الموجبة لخروجه بالسيف إذا ظهر، كما مرّ في حديث أمیرالمؤمنین علیه السلام أنه قال : لو لم يخرج لضربّت عنقه ...(4)، يعني يجب عليه الخروج بالسيف بعد ظهوره، حفظاً لنفسه الشريفة، فإن الظهور أعم من الخروج، فربّما يكون الإمام ظاهراً ولا يخرج بالسيف، مثل سائر الأئمة علیهم السلام سوی مولانا الحسين علیه السلام، فإنّه لو لم يخرج لقتله الأعداء كما قتلوا آباءه الطاهرين بغياً وعدوانا، وكفراً وطغياناً .
الثاني : أن لا يكون لأحد من الطواغيت في عنقه بيعة، وقد تقدم هذا الوجه في التوقيع وفي حديث الحسن المجتبى(5) وأبيه صلوات الله وسلامه عليهما.
الثالث: الإمتحان للخلق «وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ»(6) كما ذكر في حديث الإمام موسی بن جعفر علیهماالسلام وحديث الصادق علیه السلام الّذي مرّ في خوفه . (7)
306- وعن الرضا علیه السلام، قال : والله ما يكون ما تمدون أعينكم إليه حتّی تمحصوا وتميزوا، وحتّی لا يبقى منكم إلا الأندر فالاندر . (8)
ص: 182
307- وعن النعماني: بإسناده عن الصادق علیه السلام قال : زاد الفرات على عهد أمیرالمؤمنین فركب هو وابناه الحسن والحسين علیهماالسلام فمرّ بثقيف، فقالوا:
قد جاء عليّ يرد الماء، فقال عليّ علیه السلام: أما والله لأقتلن أنا وابناي هذان وليبعثن الله رجلا من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا، وليغيبن عنهم تميزاً لأهل الضلالة، حتّی يقول الجاهل : ما لله في آل محمّد من حاجة . (1)
الرابع : أن يجري فيه سنن الأنبياء:
308- كما ورد في حديث سدير، عن الصادق علیه السلام قال : إن للقائم منا غيبة يطول أمدها، فقلت له : ولم ذاك ، یا بن رسول الله؟ قال : إن الله عزّ وجلّ أبي إلا أن يجري فيه سنن الأنبياء ,, في غيباتهم، وإنّه لا بد له یا سدیر من استيفاء مدد غيباتهم. قال الله تعالى : «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ»(2)
أي سنناً على سنن من كان قبلكم.(3)
الخامس: أن لا تضيع ودائع الله عزّ وجلّ، أعني المؤمنين الّذين يظهرون من أصلاب الكافرين.
309- كما روي في العلل والكمال: عن أبي عبدالله علیه السلام في حديث ابن أبي عمير ، عمن ذكره، قال: قلت له - يعني أبا عبدالله علیه السلام - : ما بال أمیرالمؤمنین لم يقاتل مخالفيه في الأول؟ قال : لآية في كتاب الله عزّ وجلّ : «لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا»(4)
قال: قلت: وما يعني بتزايلهم؟ قال : ودائع مؤمنون في أصلاب قوم کافرين، وكذلك القائم علیه السلام لن يظهر أبداً، حتّی تخرج ودائع الله عزّ وجلّ، فإذا
ص: 183
خرجت ظهر على من ظهر من أعداء الله عزّوجلّ، فقتلهم. (1)
السادس : قبائح أعمالنا، وفضائح أفعالنا، فإنّها المانعة عن ظهوره علیه السلام عقوبة علينا.
310- كما عن أمیرالمؤمنین علیه السلام : واعلموا أن الأرض لا تخلو من حجّة لله ولكن الله سيعمي خلقه منها بظلمهم وجورهم، وإسرافهم على أنفسهم الخبر . (2)
311. وفي توقيع الحجّة علیه السلام إلى الشيخ المفيد: ولو أن أشیاعنا - وفقهم الله لطاعته - على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا، على حقّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا ممّا نكرهه، ولا نؤثره منهم، والله المستعان . (3) .
الأمر الثاني : إعلم أنّ له علیه السلام ؛ غيبتين : إحداهما الصغرى، والثانية الكبرى
أما الصغرى : فكانت مدتها من حين وفاة أبيه إلى وفاة السمري، وكان وفاة أبيه علیه السلام لثمان خلون من ربّيع الأول، سنة ستين ومائتين، ووفاة السمري في منتصف شعبان ، سنّة ثمان وعشرين وثلاثمائة، فتكون الغيبة الصغرى ثمان وستين سنّة وإن جعلت الغيبة من زمان ولادته، فهي ثلاث وسبعون سنة، فإن ولادته كانت في منتصف شعبان سنّة خمس وخمسين ومائتين.
312- كما في الكافي، وفيه أيضاً: بإسناده عن أحمد بن محمّد، قال :
خرج عن أبي محمّد علیه السلام ؛ حين قتل الزبيري : هذا جزاء من افترى على الله
ص: 184
في أوليائه ، زعم أنه يقتلني، وليس لي عقب، فكيف رأى قدرة الله، وولد له ولد سماه «م ح م د) سنّة ست وخمسين ومائتين(1). (2)
الأمر الثالث : أنه ليس لغيبته الكبرى التي مبدؤها وفاة السمري (رضی الله عنه) أمد محدود، ولا أجلّ موعود، بل لله الحكم في وقت ظهوره، وإشراق نوره
ويدل على ذلك أخبار مستفيضة :
313- ففي البحار، عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (رحمه الله): بإسناده عن الفضيل، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام : هل لهذا الأمر وقت؟
فقال : كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون.(3)
314- وعن أبي عبدالله علیه السلام قال : كذب الموقّتون، ماوقتنا فيما مضى ولا نوقت فيما يستقبل . (4)
315- وفي المحجّة: عن المفضل بن عمر، قال : سألت سيّدي أبا عبدالله الصادق علیه السلام : هل للمأمول المنتظر المهدي وقت موقت تعلمه الناس؟
فقال : حاش الله أن يوقت له وقتاً، قال : قلت : مولاي، ولم ذلك؟
قال : لانّه الساعة التي قال الله تعالى :«يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ »(5)، الخبر .(6)
ص: 185
316- وفي الصحيح، عن محمّد بن مسلم (رحمه الله)، عن أبي عبدالله علیه السلام، قال : من وقت لك من الناس شيئا فلا تهابن أن تكذبه، فلسنا نوقت لاحد وقتاً. (1)
317- وفي حديث محمّد بن الحنفية ، حين سئل عنه: هل لذلك وقت؟ قال: لا، لأن علم الله غلب علم الموقتين، إن الله وعد موسی ثلاثين ليلة وأتمها بعشر، لم يعلمها موسى، ولم يعلمها بنو إسرائيل، فلمّا جاوز الوقت قالوا: غرنا موسی، فعبدوا العجل، ولكن إذا كثرت الحاجة والفاقة في الناس وأنكر بعضهم بعضا، فعند ذلك توقعوا أمر الله صباحا ومساء .(2)
318- وفي الصحيح، عن أبي حمزة الثمالي، قال :
قلت لأبي جعفر علیه السلام: إن عليّاً علیه السلام و كان يقول : إلى السبعين بلاء، وكان يقول بعد البلاء رخاء ، وقد مضت السبعون ولم نر رخاءاً، فقال أبو جعفر علیه السلام :
یا ثابت إن الله تعالی کان وقت هذا الأمر في السبعين فلمّا قتل الحسین اشتد غضب الله على أهل الأرض، فأخره إلى أربعين ومائة سنة فحدثناكم فأذعتم الحديث، وكشفتم قناع السر، فأخره الله ولم يجعل له بعد ذلك عندنا وقتا، و«يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ».(3)
قال أبو حمزة : وقلت ذلك لأبي عبدالله علیه السلام فقال : قد كان ذاك .(4)
319- وعن أبي بصير ، عن أبي عبدالله علیه السلام ، قال : قلت له : جعلت فداك
متى خروج القائم علیه السلام ؟ فقال : يا أبا محمّد إنا أهل بيت لا نوقت، وقد قال
محمّد صلی الله علیه وآله وسلم : كذب الوقّاتون، يا أبا محمّد، إن قدام هذا الأمر خمس علامات :
ص: 186
أوليهن (1): النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني وقتل النفس الزكية، وخسف بالبيداء ... الخبر . (2)
320- وفي التوقيع الشريف المروي في البحار :
أما ظهور الفرج، فإنّه إلى الله، وكذب الوقّاتون .(3)
الأمر الرابع : أن الأئمة علیهم السلام قد أخبروا بكلتي غيبتيه :
321- ففي البحار عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال بعد عد الأئمة علیهم السلام : ثمّ يغيب عنهم إمامهم ما شاء الله، ويكون له غيبتان إحداهما أطول من الأخرى . ثمّ التفت إلينا رسول الله، فقال رافعا صوته: الحذر الحذر، إذا فقد الخامس من ولد السابع من ولدي . قال عليّ علیه السلام: فقلت : يا رسول الله، فما يكون حاله عند غيبته؟
قال : يصبر حتّی يأذن الله له بالخروج، فيخرج (من اليمن) من قرية يقال لها: كرعة، على رأسه عمامتّي متدرع بدرعي، متقلد بسيفي ذي الفقار، ومناد ينادي : هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه ....(4)
322- وعن أبي جعفر علیه السلام أنه قال : إن لصاحب هذا الأمر غيبتين .... (5)
323- وفي حديث آخر عنه علیه السلام: إن للقائم غیبتين يقال في إحداهما :
هلك ولا يدري في أي واد سلك .(6)
324- وعن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال لحازم بن حبيب: يا حازم، إن الصاحب هذا الأمر غيبتين ، يظهر في الثانية، إن جاءك من يقول :
إنّه نفض يده من تراب قبره فلا تصدقه . (7)
ص: 187
325- وفي حديث آخر عنه علیه السلام قال : للقائم غیبتان : إحداهما قصيرة والأخرى طويلة ، فالأولى يعلم بمكانه فيها خاصة من شیعته، والأخرى لا يعلم بمكانه إلآ خاصة مواليه في دينه . (1)
الأمر الخامس: أنه في زمن غيبته يشهد الناس ويراهم، ولا يرونه :
326- ففي البحار، عن النعماني: بإسناده عن سدير الصيرفي قال:
سمعت أبا عبدالله الصادق علیه السلام يقول : إن في صاحب هذا الأمر لشبه (2)من يوسف، فقلت : فكأنك تخبرنا بغيبة أو حيرة!
فقال : ما ينكر هذا الخلق الملعون أشباه الخنازير من ذلك! إن إخوة يوسف كانوا عقلاء، الباء، أسباطاً، أولاد أنبياء، دخلوا عليه فكلموه وخاطبوه وتاجروه وراو دوه، وكانوا إخوته وهو أخوهم، لم يعرفوه حتّی عرفهم نفسه، وقال لهم : «أنا يوسف» فعرفوه حينئذ، فما تنكر هذه الأمة المتحيرة أن يكون الله جلّ وعز يريد في وقت من الأوقات أن يستر حجته عنهم؟! لقد كان يوسف إليه ملك مصر، وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوما، فلو أراد أن يعلمه مكانه لقدر على ذلك، والله لقد سار یعقوب وولده عند البشارة تسعة أيام من بدوهم إلى مصر ، فما تنكر هذه الأمة أن يكون الله يفعل بحجته ما فعل بيوسف؟ وأن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقه، صاحب هذا الأمر يتردد بينهم، ويمشي في أسواقهم، ويطأ فرشهم، ولا يعرفونه، حتّی يأذن الله له أن يعرفهم نفسه، كما أذن ليوسف حتّی قال له إخوته : «أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ » (3). (4)
ص: 188
327- وعن أبي عبدالله علیه السلام قال : يفقد الناس إمامهم، فيشهدهم الموسم فيراهم ولا يرونه .(1)
الأمر السادس : إن غيبته لا تنافي اللطف الموجب لإظهار الإمام علیه السلام :
أما بالنسبة إلى المجرمين، فلأنهم السبب في خفائه ، كما عرفت في الوجه السادس(2) وأما بالنسبة إلى الصالحين، فلوجهين :
الأول : إن الله تعالى قد أعطاهم من العقول والافهام ما صارت الغيبة لهم بمنزلة المشاهدة، كما صرح به سید العابدين علیه السلام في حديث أبي خالد الكابلي الّذي يأتي ذكره في الباب الثامن إن شاء الله تعالى . (3)
328- وفي حديث محمّد بن النعمان عن الصادق علیه السلام: وقد علم أن أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنهم يرتابون ما أفقدهم حجته طرفة عين . (4)
وقد قدّمنا هذا الحديث في إخباره عن غيبة القائم .(5)
وفي حديث مفضل عنه علیه السلام، قال : والله لأمرنا أبين من هذه الشمس وسنذكره في الباب الثامن .(6) الوجه الثاني :
أن مشاهدته علیه السلام غير ممنوعة عن بعض الصالحين ، كما يشعر بذلك قوله علیه السلام في التوقيع، الّذي قدمناه في الوجه السادس من أسباب غيبته، فراجع .(7)
329- ويدل عليه ما في قضية عليّ بن إبراهيم بن مهزیار ، ثمّ قال : ما الّذي تريد يا أبا الحسن؟ قلت: الإمام المحجوب عن العالم ، قال : وما هو محجوب عنكم، ولكن حجبه سوء أعمالكم ... ، والحديث مذكور في تبصرة الولي وغيره (8)، فإن شئت تفصيل ذلك فاطلبه هناك، لا نشراح صدرك، وصلاح حالك
ص: 189
مضافاً إلى أن أدل الأمور على إمكان شيء وقوعه، وقد وقع الفوز بلقائه صلوات الله عليه لجمع من سلفنا الصالحين رحمة الله عليهم أجمعين .
وذكر تفصيل تلك الوقائع خارج عما نحن بصدده، ولعل الله عزّ وجلّ يوفقني لذكر طرف منها في خاتمة هذا الكتاب ، فإنّه الهادي إلى نهج الصواب، وإن شئت ما يكفيك فانظر في كتاب النجم الثاقب وکتاب جنّة المأوى، الّذين ألفهما العالم الربّاني، المستفيض بالفيض القدسي، الحاج میرزا حسین النوري الطبرسي رحمه الله تعالى ، وقال السیّد الأجلّ المرتضی، علم الهدی رضي الله تعالی عنه، في كلمات المحققين :
فإن قيل: فأي فرق بين وجوده غائباً لا يصل إليه أحد، ولا ينتفع به بشر ، وبين عدمه؟ وإلا جاز إعدامه إلى حين علم الله سبحانه بتمكين الرعية له، كما جاز أن يبيحه الاستتار، حتّی يعلم منه التمكين له فيظهر .
قيل له : أولا نحن نجوز أن يصل إليه كثير من أوليائه ، والقائلين بإمامته فينتفعون به، ومن لا يصل إليه منهم ولا يلقاه من شیعته، ومعتقدي إمامته، فهم ينتفعون به في حال الغيبة النفع الّذي نقول إنّه لا بد في التكليف منه، لاتهم مع علمهم بوجوده علیه السلام بينهم، وقطعهم على وجوب طاعته عليهم، ولزومها لهم لا بد من أن يخافوه ويهابوه في إرتكاب القبائح، ويخشوا تأديبه ومؤاخذته ، فيقل منهم فعل القبيح، إلى آخر ما أفاده، اعلى الله مقامه، وزاد له إنعامه .
وقال السیّد العالم العابد الزاهد عليّ بن طاووس (رحمه الله) في كشف المحجّة مخاطباً لولده : والطريق مفتوحة إلى إمامك علیه السلام لمن يريد الله جلّ شأنه عنايته به وتمام إحسانه إليه، إنتهى كلامه ، رفع مقامه .(1)
وإن ذكرت كلمات العلماء الصالحين في هذا الباب، طال الكتاب، وملّ الأصحاب، فإن قلت : إذا أثبتت جواز المشاهدة، ووقوعها، فكيف التوفيق بين
ص: 190
ذلك وبين التوقيع الّذي خرج إلى السمري! فقد صرح فيه بتكذيب من يدعي المشاهدة .
قلت : قد ذكر علماؤنا في ذلك وجوهاً ، أوجهها ما ذكره المجلسي في البحار حيث قال بعد ذكر التوقيع المذكور : لعله محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة، وإيصال الأخبار من جانبه علیه السلام إلى الشيعة على مثال السفراء لئلا ينافي الأخبار التي مضت، وستأتي فيمن رآه، والله يعلم.(1)
إعلم أنّ للغربّة معنيين :
أحدهما: البعد عن الأهل والوطن والديار، والثاني : قلة الأعوان والأنصار، وهو - روحي فداه - غريب بكلا المعنيين، فيا عباد الله أعينوه ، ويا عباد الله انصروه . ويدل على غربّته بالمعنى الأول ما ذكرناه في عزلته(2) وبالمعنی الثاني ما مرّ في حديث الجواد علیه السلام فإذا اجتمعت له هذه العدة ، يعني ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا من أهل الإخلاص أظهر الله أمره ... (3)
فانظر أيها العاقل، کیف طالت السنون، ومضت الأعوام، ولم تجتمع هذه العدة للإمام علیه السلام فهذا أقوى شاهد على قلة أنصاره و غربّته.
330- ويدل على ذلك أيضاً ما في البحار، عن غيبة الشيخ الطوسي (رحمه الله) : النفس الزكية غلام من آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم إسمه محمّد بن الحسن، يقتل بلا جرم ولا ذنب، فإذا قتلوه لم يبق لهم في السماء عاذر، ولا في الأرض ناصر، فعند ذلك يبعث الله قائم آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم في عصبة لهم، أدق في أعين الناس من الكحل، فإذا خرجوا بکی لهم الناس، لا يرون إلا أنهم يختطفون، يفتح الله لهم مشارق الأرض ومغاربّها، ألا وهم المؤمنون حقاً، ألا إن خير الجهاد في آخر الزمان .(4)
ص: 191
أقول : يدل على أن التشبيه بالكحل من جهة القلة.
قوله علیه السلام: لا يرون إلا أنهم يختطفون، أي يستلبون من جهة قلتهم.
331- ويدل على هذا المعنى ويؤيده ما في البحار، عن أمیرالمؤمنین علیه السلام :
أصحاب المهديّ شباب لا کهول فيهم، إلا مثل كحل العين، والملح في الزاد، وأقل الزاد الملح.(1)
332- ويدل على غربّته بالمعنيين جميعاً : قول أمیرالمؤمنین علیه السلام في الحديث المروي في كمال الدين :
قال علیه السلام: صاحب هذا الأمر الشريد، الطريد، الفريد، الوحيد.(2)
333- وفيه : عن داود بن كثير الرقّي قال :
سألت أبا الحسن موسی بن جعفر علیه السلام عن صاحب هذا الأمر، قال علیه السلام:
هو الطريد الوحيد الغريب، الغائب عن أهله، الموتور بأبيه علیه السلام . (3)
مرّ في حياة الأرض به علیه السلام وفي إحياء دين الله وإعلاء كلمة الله ما يدل على ذلك، ويأتي في قتل الكافرين ما يدل عليه .
334- وفي المحجّة : عن زرارة، قال :
قال أبو جعفر علیه السلام: «قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً»(4) حتّی لا
يكون شركاً (5)«وَيكُونَ الدّينُ كلُّه لِلهِ»(6)
فقال علیه السلام: لم يجئ تأويل هذه الآية، ولو قد قام قائمنا بعد، سیری من
ص: 192
یدرکه ما یکون من تأويل هذه الآية، وليبلغن دین محمّد ما بلغ الليل، حتّی لا يكون شرك على ظهر الأرض كما قال الله . (1)
335- عن الصادق علیه السلام - في حديث -: ويطلب الرجل منكم من يصله بماله، ويأخذ من زكاته، لا يوجد أحد يقبل منه ذلك، استغنى الناس بما رزقهم الله من فضله .(2)
أقول: يأتي تمامه في نوره من حرف النون. (3)
مرّ بعض ما يدل عليه في الباب الثالث، وبعض في هذا الباب ،
وفيه كفاية لأولي الألباب .
336- يدل عليه ما في البحار، عن العياشي في تفسيره: عن عجلان أبي صالح، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول:
لا تمضي الأيام والليالي حتّی ينادي مناد من السماء : يا أهل الحقّ اعتزلوا، يا أهل الباطل اعتزلوا، فيعزل هؤلاء من هؤلاء، ويعزل هؤلاء من هؤلاء،
قال : قلت : أصلحك الله، يخالط هؤلاء وهولاء بعد ذلك النداء؟
قال : كلا إنّه يقول في الكتاب:
ص: 193
«مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ».(1)(2)
337- وفيه : في حديث طويل عن أمیرالمؤمنین علیه السلام - في وقائع زمان ظهور
القائم وخروجه -: وينادي مناد في شهر رمضان من ناحية المشرق عند الفجر:
يا أهل الهدی اجتمعوا، وينادي مناد من قبل المغربّ بعد ما يغيب الشفق :
يا أهل الباطل اجتمعوا، ومن الغد عند الظهر تتلون الشمس، وتصفر فتصير سوداء مظلمة، ويوم الثالث يفرق الله بين الحقّ والباطل، وتخرج دابة الأرض وتقبل الروم إلى ساحل البحر عند کهف الفتية، فيبعث الله الفتية من كهفهم مع کلبهم، منهم رجل يقال له: ملیخا، وآخر خملاها، وهما الشاهدان المسلمان للقائم علیه السلام . (3)
338- وعن غيبة النعماني : عن أبان بن تغلب ، قال : سمعت أبا عبدالله جعفر بن محمّد علیهماالسلام يقول : لاتذهب الدنيا حتّی ينادي مناد من السماء :
يا أهل الحقّ اجتمعوا، فيصيرون في صعيد واحد، ثمّ ينادي مرة أخرى :
يا أهل الباطل اجتمعوا، فيصيرون في صعيد واحد، قلت : فيستطيع هؤلاء أن يدخلوا في هؤلاء؟
قال : لا والله، وذلك قول الله عزّ وجلّ : «مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ » . (4)
أقول: ويفصل بين الحقّ والباطل بوجه آخر وهو أنه علیه السلام يعرفهم بسيماهم، فيخبط أعداءه بالسيف.
ويأتي مايدل على ذلك في قتل الكافرين بسيفه إن شاء الله تعالی .(5)
ص: 194
339- يدل عليه قوله علیه السلام في التوقيع المروي في الإحتجاج :
وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم(1)، لأن الظاهر کون اسم الإشارة إشارة إلى الفرج، يعني أن فرجكم يحصل بظهوره وفرجه صلوات الله عليه، وعجلّ الله تعالی فرجه .
340- ويدل عليه أيضاً زيارة يوم الجمعة :
وهذا يوم الجمعة، وهو يومك المتوقع فيه ظهورك، والفرج فيه للمؤمنين على يديك، وقتل الكافرين بسيفك ....(2)
341- ويدل عليه أيضاً ما في كمال الدين : بإسناده عن إبراهيم الكرخي قال : دخلت على أبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام وإني لجالس عنده إذ دخل أبو الحسن موسی بن جعفر علیه السلام وهو غلام، فقمت إليه فقبلته، وجلست (معه)، فقال أبو عبدالله علیه السلام:
يا إبراهيم أما إنّه [ل] صاحبك من بعدي، أما ليهلكن فيه أقوام، ويسعد آخرون، فلعن الله قاتله، وضاعف على روحه العذاب، أما ليخرجن الله من صلبه خير أهل الأرض في زمانه ، سمي جده ووارث علمه وأحكامه وفضائله ، معدن الإمامة ورأس الحكمة، يقتله جبار بني فلان بعد عجائب طريفة، حسداً له، ولكن الله عزّ وجلّ بالغ أمره ولو كره المشركون.
ويخرج الله عزّ وجلّ من صلبه تكملة اثني عشر مهديّاً، اختصهم الله بكرامته، وأحلهم دار قدسه، المنتظر للثاني عشر منهم، المقر به كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يذب عنه .
قال: فدخل رجل من موالي بني أُمّية، فانقطع کلامه، فعدت إلى أبي عبدالله علیه السلام أحد عشر مرة، أريد منه أن يتم الكلام، فما قدرت على ذلك،
ص: 195
فلمّا كان عام القابل من السنّة الثانية، دخلت عليه وهو جالس، فقال :
يا إبراهيم، هو مفرج الكربّ عن شيعته بعد ضنك شديد، وبلاء طويل وجزع وخوف، فطوبى لمن أدرك ذلك الزمان، حسبك يا إبراهيم
،قال إبراهيم: فما رجعت بشيء هو آنس (1)من هذا لقلبي ولا أقر لعيني .(2)
342- وعن أمیرالمؤمنین - في ذكر حال المؤمنين في زمان الجائرين -:
حتّی لا يكون لأحدكم موضع قدمه، وحتّی تكونوا على الناس أهون من الميتة عند صاحبها، فبينا أنتم كذلك «إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ» (3)
وهو قول ربّي عزّ وجلّ في كتابه : «حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا».(4)(5)
343- وفي البحار ، عن غيبة الشيخ: عن وهب بن منبّه ، عن ابن عباس - في حديث طويل - أنه قال : يا وهب، ثمّ يخرج المهدي علیه السلام قلت : من ولدك ؟
قال : لا والله، ما هو من ولدي، ولكن من ولد عليّ علیه السلام ، فطوبى لمن أدرك زمانه، وبه يفرج الله عن الأمة حتّی يملأها قسطا وعدلا، إلى آخر الخبر .(6)
344- وفي دعاء الصادق علیه السلام في اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان، المروي في كتاب الإقبال :
وأن تأذن لفرج من بفرجه فرج أوليائك وأصفيائك من خلقك - إلى آخر ما قال - وسيأتي إن شاء الله تعالى .(7)
ص: 196
345- في كمال الدين : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : الأئمة [من] بعدي إثنا عشر أولهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الّذي يفتح الله عزّ وجلّ على يديه مشارق الأرض ومغاربّها.(1)
346- وفي تاسع البحار ، عن أمالي الشيخ الطوسي، عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم في حديث جابر : فختم الله بي النبوة، وولد عليّ فختمت به الوصية، ثمّ اجتمعت النطفتان منّي ومن عليّ فولدتا الجهر والجهير الحسنان(2) فختم الله بهما أسباط النبوة، وجعل ذرّيّتي منهما والّذي يفتح مدينة - أو قال : مدائن - الكفر، ويملا أرض الله عدلا بعد ما ملئت جوراً ....(3)
أقول: الجهر والجهير بمعنى الجميل الحسن المنظر كما ذكره أهل اللغة .
347- وفي الثالث عشر من البحار، عن أبي جعفر علیه السلام قال :
يملك القائم ثلاثمائة سنّة ويزداد تسعاً كما لبث أهل الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجوراً، فيفتح الله له شرق الأرض وغربّها، ويقتل الناس حتّی لا يبقى إلا دین محمّد يسير بسيرة سلیمان بن داود له ويدعو الشمس والقمر فيجيبانه، وتطوى له الأرض، ويوحى إليه فيعمل بالوحي بأمر الله . (4)
348- وفي غاية المرام وغيره من طريق العامة، عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم، قال :
المهدي من ولدي ابن أربعين سنّة، كأن وجهه کوکبه دوي، في خده
الأيمن خال أسود، عليه عباءتان قطوانيتان كأنه من رجال بني إسرائيل، يستخرج
الكنوز ويفتح مدائن الشرك . (5)
ص: 197
349- وعنه أيضاً قال : لا تقوم الساعة حتّی يملك رجل من أهل بيتي ، يفتح الله القسطنطنية، و[جبل] الديلم على يده، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد الطول الله ذلك اليوم حتّی يفتحها .(1)
350- وفي البحار : عن الصادق علیه السلام قال : إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في کلّ إقليم رجلا يقول: عهدك في كفك، فإذا ورد عليك ما لاتفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفك واعمل بما فيها .
قال : ويبعث جنداً إلى القسطنطينية، فإذا بلغوا إلى الخليج، كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء،
قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء فكيف هو؟! فعند ذلك يفتحون لهم باب المدينة، فيدخلونها، فيحكمون فيها بما يريدون .(2)
351- في الكافي: عن الصادق علیه السلام قال لابن أبي يعفور: وعندي الجفر الأحمر، قال : قلت : وأي شيء في الجفر الأحمر؟ قال : السلاح، وذلك إنما يفتح للدم، يفتحه صاحب السيف للقتل، (الخبر).(3)
يأتي ما يدل عليه في نفعه من حرف النون إن شاء الله تعالى . (4)
352- يدل على ذلك أخبار مستفيضة أو متواترة ، ففي البحار وغيره عن
ص: 198
كتاب الإختصاص : عن معاوية الدهني، عن أبي عبدالله علیه السلام في قول الله تعالی : «يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ»(1)
فقال : يا معاوية ما يقولون في هذا؟ قلت : يزعمون أن الله تبارك وتعالی يعرف المجرمين بسيماهم في القيامة فيأمر بهم، فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم، فيلقون في النار، فقال علیه السلام لي : وكيف يحتاج الجبار تبارك وتعالى إلى (معرفة خلق أنشأهم، وهم خلقه ! )(2) فقلت :
جعلت فداك، وما ذلك؟ قال علیه السلام: لوقام قائمنا أعطاه الله السيماء، فيأمر بالكافر، فيؤخذ بنواصيهم وأقدامهم، ثمّ يخبط بالسيف خبطاً . (3)(4)
353- وفي كتاب المحجّة : عن أبي بصير، عن أبي عبدالله علیه السلام: هذه نزلت في القائم علیه السلام وهويعرفهم بسيماهم، فيخبطهم بالسيف هو وأصحابه خبطاً (5)
354- وعن العياشي: بإسناده عن ابن بكير ، قال :
سألت أبا الحسن علیه السلام عن قوله [تعالى] : «وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا» (6)
قال علیه السلام : أنزلت في القائم علیه السلام إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردة والكفار في شرق الأرض وغربّها، فعرض عليهم الإسلام
فمن أسلم طوعاً أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمرّ به المسلم ويجب لله، ومن لم يسلم ضربّ عنقه حتّی لا يبقى في المشارق والمغاربّ أحد إلا وحد الله،
قلت : جعلت فداك، إن الخلق أكثر من ذلك!
ص: 199
فقال علیه السلام: إن الله إذا أراد أمرا قلل الكثير وكثر القليل .(1)
355- وعن أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله عن قول الله تعالى في كتابه : «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» (2) فقال علیه السلام: والله ما أنزل تأويلها بعد،
قلت: جعلت فداك، ومتى ينزل [تأويلها]؟
قال : حتّی يقوم القائم إن شاء الله تعالى فإذا خرج القائم علیه السلام لم يبق کافر ولا مشرك إلا كره خروجه، حتّی لو كان كافر أو مشرك في بطن صخرة لقالت الصخرة : يا مؤمن، في بطني كافر، أو مشرك فاقتله، قال : فيجيئه (3) فيقتله . (4)
356- وعن مفضل بن عمر قال : سألت أبا عبدالله عن قول الله عزّ وجلّ «وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ» (5)
قال : الأدنى : غلاء السعر(6) والأكبر : المهدي علیه السلام بالسيف .(7)
357- وعن كشف البيان، عن الصادق علیه السلام في معنى الآية أن الأدنى : القحط والجدب، والأكبر : خروج القائم المهدي علیه السلام بالسيف في آخر الزمان . (8)
358- وفي البحار، عن الإختصاص: - في حديث مرفوع - عن الصادق علیه السلام قال : إذا قام القائم علیه السلام أتی رحبة الكوفة، فقال برجله(9) هكذا - وأومأ بيده إلى
ص: 200
موضع . ثمّ قال: احفروا هنا، فيحفرون، فيستخرجون إثني عشر ألف درع وإثني عشر ألف سيف، وإثني عشر ألف بيضة، لکلّ بيضة وجهان، ثمّ يدعو إثني عشر ألف رجل من الموالي (من العرب) والعجم، فيلبسهم ذلك، ثم يقول: من لم يكن عليه مثل ما عليكم فاقتلوه.(1)
359- وعن النعماني : بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام قال : لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج، لاحب أكثرهم أن لا يروه، ممّا يقتل من الناس، أما إنّه لا يبدأ إلا بقريش، فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف، حتّی يقول كثير من الناس : ليس هذا من آل محمّد علیهم السلام لو كان من آل محمّد علیهم السلام لرحم.(2)
360- وعن إرشاد المفيد: عن أبي جعفر علیه السلام قال : إذا قام القائم علیه السلام سار إلى الكوفة، فيخرج منها بضعة عشر ألف نفس يدعون: البترية (3) عليهم السلاح فيقولون له: إرجع من حيث جئت، فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع فيهم السيف، حتّی يأتي على آخرهم، ثمّ يدخل الكوفة فيقتل بها کلّ منافق مرتاب ويهدم قصورها ويقتل مقاتليها حتّی يرضى الله عز وعلا . (4)
أقول : الاخبار في هذا الباب كثيرة جداً، تركناها حذراً من الإطالة ،
وفيما ذكرناه كفاية إن شاء الله تعالی.
361- روي في البحار عن كتاب الأنوار المضيئة : - في حديث مرفوع - عن إسحاق بن عمّار قال: سألته عن إنظار الله تعالی إبليس وقتاً معلوماً ذكره في كتابه ، فقال :«قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ*إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ» (5)
قال: الوقت المعلوم : يوم قيام القائم، فإذا بعثه الله كان في مسجد
ص: 201
الكوفة، وجاء إبليس حتّی يجثوا على ركبتيه ، فيقول : يا ويلاه من هذا اليوم،
فيأخذ بناصيته فيضربّ عنقه، فذلك « يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ» منتهى أجله .(1)
أقول: رواه السیّد البحرانيّ في البرهان : عن الصادق علیه السلام وفي معناه روايات أخز، ولا تنافي بينها وبين ما روي في البحار والبرهان : أن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقتل إبليس(2) لان الفعل(3) في الرواية الأولى على بناء المبني للمفعول فتدبر والمراد باليوم زمان الظهور، لاخصوص اليوم المتعارف، كما لا يخفی على من له تتبع في الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار .
3- قوة أبدان المؤمنين وقلوبهم وجوارحهم في زمان ظهوره وإنتشار نوره
362- يدل على ذلك ما روي في البحار، عن الخصال : بإسناده عن سیّد العابدين عليّ بن الحسين علیه السلام قال : إذا قام قائمنا أذهب الله عزّ وجلّ عن شيعتنا العاهة، وجعل قلوبهم کزبر الحديد، وجعل قوة الرجل منهم قوة أربعين رجلا ويكونون حكام الأرض وسنامها. (4)
363- وفي البصائر في حديث - عن أبي جعفر الباقر علیه السلام:
فإذا وقع أمرنا وجاء مهدينا، كان الرجل من شيعتنا أجري من ليث، وأمضى من سنان، يطأ عدونا برجليه، ويضربّه بكفيه، وذلك عند نزول رحمة الله وفرجه على العباد . (5)
364- وفي كمال الدين : عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
ص: 202
ما كان قول لوط علیه السلام لقومه :«لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ » (1)
إلا تمتّية لقوة القائم علیه السلام ولا ذكر (2)إلا شدة أصحابه ، وإن الرجل منهم يعطى قوة أربعين رجلا، وإن قلبه لأشد من زبر الحديد، ولو مروا بجبال الحديد القطعوها، لا يكون سيوفهم حتّی يرضى الله عزّ وجلّ . (3)
365- وفي البحار عن أبي جعفر علیه السلام قال :
إنّه لو كان ذلك أعطي الرجل منكم قوة أربعين رجلا، وجعل قلوبكم كزبر الحديد(4)، لوقذفتم بها الجبال فلقتها (5).(6)
366- وفي روضة الكافي عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
إن قائمنا إذا قام مد الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم، حتّی لا يكون بينهم وبين القائم برید، يكلمهم فيسمعون، وينظرون إليه وهو في مكانه . (7)
367- وفي حديث آخر : عنه علیه السلام قال :
إن المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الّذي في المغربّ، وكذا الّذي في المغربّ یری أخاه الّذي في المشرق .(8)
368- في الكافي : عن أبي عبدالله علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
ص: 203
أيما مؤمن أو مسلم مات وترك ديناً لم يكن في فساد ولا إسراف فعلى الإمام أن يقضيه ، فإن لم يقض فعليه إثمّ ذلك، الخبر .(1)
369- وفي كتاب المحجّة والبحار : عن أبي جعفر علیه السلام - في حديث طويل - قال : ثمّ يقبل إلى الكوفة، فيكون منزله بها، فلايترك عبداً مسلماً إلاّ اشتراه وأعتقه، ولاغارماً إلا قضى دينه، ولا مظلماً لأحد من الناس إلا ردها، ولا يقتل منهم عبد إلا أدى ثمنه «ودية مسلّمة إلى أهله» (2) ولايقتل قتيل إلا قضي عنه دينه وألحقّ عياله في العطاء، حتّی يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلماً وجوراً وعدواناً، ويسكن هو وأهل بيته الرحبة،
والرحبة إنما كانت مسکن نوح، وهي أرض طيبة زاكية .(3)
370- وفي البحار : عن الصادق علیه السلام قال : أول مايبتدئ المهدي علیه السلام أن ينادي في جميع العالم : الأمن له عند أحد من شيعتنا دین فليذكره حتّی يرد الثومة والخردلة فضلا عن القناطير المقنطرة، من الذهب والفضة والأملاك فيوقيه إياه . (4)
مرّ ما يدل عليه، ويأتي في نداءاته أيضاً ،
ونكتفي في هذا المقام بذکر واقعتين :
الأولى منهما: قد وقعت للعبد الآثمّ الجاني محمّد تقي الموسوي الإصفهاني، مؤلف هذا الكتاب، وهي: أنه قد كثرت عليّ الديون قبل تأليف هذا الكتاب بثلاث سنين فتوسلت به وبآبائه علیهم السلام ذات ليلة، وذكرت حاجتي لهم، وكان في شهر رمضان، فلمّا رجعت من المسجد كان بعد طلوع الشمس فنمت، وسمعته قال لي في المنام ما لفظه: «قدری باید صبر کنی تا از مال
ص: 204
خاص دوستان خاص خود بگیریم و بتو برسانیم» .
يعني: إصبر قليلا حتّی نأخذ من خاصة أموال خواص محبينا فنعطيك فانتبهت فرحاً مسروراً، متنجزاً متشكراً محبوراً، فلمّا مضی برهة من الزمان جاءني بعض من الإخوان، كنت أعرفه بالصلاح، وأشم منه نسيم الإرتياح وأعطاني ما قضى به الديون، وسكن عنّي الشجون، وقال :
هذا من سهم الإمام علیه السلام فسررت غاية السرور شوقاً.
وقلت : « هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا»(1)
فيا إخواني في الدين وخلاني على اليقين، أوصيكم بعرض حوائجكم إليه فلا يخفي شيء من أموركم عليه.
371- ففي الكافي عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
إن الإمام ليسمع في بطن أمه، فإذا ولد خط بين كتفيه : «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » (2) فإذا صار الأمر إليه، جعل الله له عمودا من نور يبصر به ما يعمل أهل کلّ بلدة .(3)
372- وفي جنّة المأوى، عن کشف المحجّة : عن الكليني في كتاب الرسائل عمن سماه ، قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام: إن الرجل يحب أن يفضي إلى إمامه ما يحب أن يفضي به إلى ربّه ، قال :
فكتب علیه السلام : إن كانت لك حاجة فحرك شفتيك، فإن الجواب يأتيك . (4)
أقول: الأخبار في ذلك المعنى متعددة، من أرادها فليطلبها من مظائها .
الواقعة الثانية: ما في جنّة المأوی تأليف العالم الجليل الحاج میرزا حسین النوري ضاعف الله تعالى له النور، وأعلى درجته في دار السرور، قال :
في شهر جمادى الأولى من سنّة ألف ومائتين وتسعة وتسعين، ورد
ص: 205
الكاظمين علیهماالسلام رجل اسمه «آقا محمّد مهدي» وكان من قاطني بندر ملومين، من بنادر ماجین و ممالك برمة، وهو الآن في تصرف الإنجریز(1)، ومن بلدة كلكته قاعدة سلطنة ممّالك الهند إليه مسافة ستة أيام من البحر، مع المراكب الدخانية وكان أبوه من أهل شیراز ولكنه ولد وتعيش في البندر المذكور، وابتلی قبل التاريخ المذكور بثلاث سنين بمرض شديد، فلمّا عوفي منه بقي أصم أخرس فتوسل لشفاء مرضه بزيارة أئمة العراق علیهم السلام .
وكان له أقارب في بلدة كاظمين علیهماالسلام من التجار المعروفين، فنزل عليهم وبقي عندهم عشرين يوما، فصادف وقت حركة مركب الدخان إلى سر من رأي، لطغيان الماء، فأتوا به إلى المركب، وسلموه إلى راكبيه، وهم من أهل بغداد وكربّلاء، وسألوهم المراقبة في حاله ، والنظر في حوائجه، لعدم قدرته على إبرازها.
وكتبوا إلى بعض المجاورين من أهل سامرا للتوجه في أموره، فلمّا ورد تلك الأرض المشرفة والناحية المقدسة، أتي إلى السرداب المنور بعد الظهر من يوم الجمعة العاشر من جمادى الآخرة من السنّة المذكورة، وكان فيه جماعة من الثقات والمقدسين إلى أن أتي إلى الصفقة المباركة،
فبکی وتضرع فيها زماناً طويلاً ، وكان يكتب قبيله حاله على الجدار، ويسأل من الناظرين الدعاء والشفاعة، فماتم بکاؤه وتضرّعه إلا وقد فتح الله تعالی لسانه، وخرج بإعجاز الحجّة علیه السلام من ذلك المقام المنيف مع لسان ذلق وكلام فصيح؛
وأحضر في يوم السبت في محفل تدریس سید الفقهاء وشيخ العلماء، رئيس الشيعة وتاج الشريعة، المنتهى إليه رئاسة الإمامية، سیّدنا الأفخم وأستاذنا الأعظم الحاج الأقا میرزا محمّد حسن الشيرازي «متع الله المسلمين بطول بقائه »
ص: 206
وقرأ عنده متبركاً سورة المباركة الفاتحة، بنحو أذعن الحاضرون بصحته وحسن قراءته، وصار يوماً مشهوداً ومقاما محموداً، وفي ليلة الأحد والإثنين اجتمع العلماء والفضلاء في الصحن الشريف فرحين مسرورين، وأضاءوا فضاءه من المصابيح والقناديل ونظموا القصة، ونشروها في البلاد.
وكان معه في المركب مادح أهل البيت علیهم السلام الفاضل اللبيب الحاج ملا عباس الصفار الزنوزي البغدادي
فقال - وهو من قصيدة طويلة ورآه مريضاً وصحيحاً:
وفي عامها جئت والزائرين*** إلى بلدة سرمن قد رآها
رأيت من الصين فيها فتى*** وكان سمي إمام هداها
يشير إذا ما أراد الكلام ***وللنفس منه ... [كذا] براها
وقد قيد السقم منه الكلام ***وأطلق من مقلتيه دماها
فوافي إلى باب سرداب من*** به الناس طراً ينال مناها
يروم بغير لسان يزور ***وللنفس منه دهت بعناها
وقد صار یکتب فوق الجدار*** مافيه للروح منه شفاها
أروم الزيارة بعد الدعاء*** ممن رأى أسطري وتلاها
لعل لساني يعود الفصيح*** وعليّ أزور وأدعو الإلها
إذا هو في رجل مقبل*** تراه ورى البعض من أتقياها
تأبط خیر کتاب له ***وقد جاء من حيث غاب ابن طه
فأومى إليه: أدع ما قد كتب*** وجاء فلمّا تلاه دعاها
وأوصى به سیّدة جالساً ***أن ادعوا له بالشفاء شفاها
فقام وأدخله غيبة الإمام الإ***مام المغيب من أوصیاها
وجاء إلى حفرة الصفّة ***التي هي للعين نور ضياها
وأسرج آخر فيها السراج*** وأدناه من فمه ليراها
ص: 207
هناك دعا الله مستغفراً ***وعيناه مشغولة ببكاها
ومذ عاد منها يريد الصلاة ***قد عاود النفس منه شفاها
وقد أطلق الله منه اللسان ***وتلك الصلاة أتم أداها (1)
أقول : أمثال هذه الواقعة كثيرة، تركتها حذراً من الإطناب، ولعليّ أذكر طرفا منها في هذا الكتاب ، والله تعالى هو الهادي إلى نهج الصواب .
مرّ في حرف الحاء المهملة ما يدل عليه.
373- وفي البحار، عن دعوات الراوندي: عن الحسن بن طريف، قال :
كتبت إلى أبي محمّد العسكري علیه السلام أسأله عن القائم إذا قام بم يقضي بين الناس؟ وأردت أن أسأله عن شيء لحمى الربع فأغفلت ذكر الحمى، فجاء الجواب : سألت عن الإمام، فإذا قام يقضي بين الناس بعلمه كقضاء داود علیه السلام لا يسأل البينة، الخبر .(2)
347- وفيه، عن كتاب الغيبة للسیّد عليّ بن عبدالحمید: بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام قال : أول ما يبدأ القائم علیه السلام بأنطاكية، فيستخرج منها التوراة من غار فيه عصا موسى وخاتم سليمان، قال : وأسعد الناس به أهل الكوفة، وقال : إنما سمي المهدي لأنه يهدي إلى أمر خفي، حتّی أنه يبعث إلى رجل لا يعلم الناس له ذنبا فيقتله، حتّی أن أحدهم يتكلم في بيته فيخاف أن يشهد عليه الجدار . (3)
أقول: وفي هذا المعنى قلت في أبيات أثبتناها في صدر هذا الكتاب :
بنفسي من يحيي شريعة جده ***ويقضي بحكم لم يرمه الأوائل
وفي هذا المعنى أخبار كثيرة.
ص: 208
ثمّ إن هذا الحديث، يدل على أن بدء ظهوره علیه السلام من أنطاكية، والجمع بينه وبين ما روي في البحار وغيره عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنه يخرج من قرية يقال لها کرعة .(1)
وفي بعض الروايات أنه يخرج من المدينة، وفي بعضها من مكة، بتعدد ظهوراته، كما يدل عليه الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار .
ويأتي ذكرها في کلّ مقام بمناسبته.
تقتضي الدعاء له لأنه من المودة، وقد قال الله تعالى : «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(2) .
وسيأتي في ذلك زيادة تحقيق في الباب الخامس إن شاء الله تعالی .
375- ولما رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) في الخصال : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال :
أربعة أنا الشفيع لهم يوم القيامة ولو أتوني بذنوب أهل الأرض، معين أهل بيتي، والقاضي لهم حوائجهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه والدافع عنهم بيده . (3)
أقول: وقد ورد هذا الحديث بغير هذا الطريق أيضاً .
ويأتي ذكره في الباب الخامس إن شاء الله تعالی .
قد مرّ معناه، وبعض ما يدل عليه في «عدله »(4)
ونزيدك هنا عدة روایات لئلا يخلو هذا العنوان، والله تعالى هو المستعان .
376- فمنها ما في غاية المرام : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : أبشركم بالمهدي يبعث في أمتّي على اختلاف من الناس وزلازل، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت
ص: 209
ظلماً و جوراً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض .(1)
377- وفي حديث آخر، فيه : عنه صلی الله علیه وآله وسلم قال :
لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة واحدة، لطول الله تلك الليلة حتّی يملك رجل من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، الخبر .(2)
فإن قلت : هذا الخبر مصرح بأن اسم أبيه اسم أبي النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وهذا مناف الكون القائم ابن الإمام الحسن العسكري علیه السلام . قلت :
قد أجاب عن ذلك محمّد بن طلحة الشافعي، وهو من أعيان علماء العامة :
أوّلاً : بأن هذا من زيادات زائدة - أحد رواة هذا الحديث - وهو ممن عادته الزيادة في الأحاديث، ورواية أبي داود والترمذي في صحيحيهما خالية من تلك الزيادة .
وثانياً : لو فرض ورود ذلك احتمل أن يكون اسم أبي مصحف ابني ومثل ذلك كثير الوقوع.
ثالثاً : لو فرض وروده بهذا النحو أول بأن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عبّر عن الكنية بالإسم وعن الجد بالأب، فالمراد بأبيه الحسين علیه السلام، وكنيته أبو عبدالله
وهذان التعبير ان شائعان في العرف واللغة، إنتهى كلامه ملخصاً.
أقول: ليس المعول في إثبات كون الحجّة ابن الحسن صلوات الله عليه هو القائم الموعود على هذا الحديث، بل المعول على الأخبار الكثيرة المتواترة
ص: 210
الناصّة المصرّحة بذلك الّتي قدّمنا نبذة منها.
وإنما أوردت هذا الحديث مع أجوبة هذا الفاضل اللبيب لئلا يشتبه الأمر على من لاحظه، ولأن يعلم الناظر في هذا الكتاب ما جرى عليه عادة بعض رواتهم من الزيادة في الأحاديث، وقد صرح جمع منهم بأن زائدة أحد رواة هذا الحديث من ديدنه الزيادة، ولكي تعلم أن كون القائم هو ابن الحسن العسكري من الأمور المسلمة بينهم، حتّی أن الفاضل أوجب على نفسه تأويل هذا الحديث على فرض صدوره، والحمد لله تعالى على إتمام نوره،
ويعجبني هنا نقل رواية تبصر السیّد محمّد الحميري (رحمه الله) لأن فيها التصريح بالحجّة ابن الحسن، وأنه الّذي يملأ الأرض قسطا وعدلا :
378- روى الشيخ الصدوق رحمة الله عليه في كمال الدين : بإسناده عن السیّد المذكور، قال : كنت أقول بالغلو، وأعتقد غيبة محمّد بن عليّ بن الحنفية، قد ضللت في ذلك زماناً، فمن الله على بالصادق جعفر بن محمّد علیهما السلام وأنقذني به من النار وهداني إلى سواء الصراط .
فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجّة الله علي وعلى جميع أهل زمانه، وأنه الإمام الّذي فرض الله طاعته، وأوجب الإقتداء به
فقلت له: يا بن رسول الله، قد روي لنا أخبار عن آبائك علیهم السلام في الغيبة وصحة كونها، فأخبرني بمن تقع، فقال علیه السلام: إن الغيبة ستقع بالسادس من ولدي، وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم .
أوّلهم : أمیرالمؤمنین عليّ بن أبي طالب وآخرهم: القائم بالحقّ، بقية الله في الأرض، وصاحب الزمان، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتّی يظهر، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً .
قال السیّد : فلمّا سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمّد علیهماالسلام تبت إلى الله تعالى ذكره على يديه وقلت قصيدتي الّتي أوّلها:
ص: 211
فلمّا رأيت الناس في الدين قد غووا ***تجعفرت باسم الله فيمن تجعفروا
وناديت باسم الله والله أكبر*** وأيقنت أن الله يعفو ويغفر
ودنت بدين الله ما كنت دیناً*** به ونهاني سیّد الناس جعفر
فقلت : فهبني قد تهودت برهة*** وإلا فدیني دین من يتنصر
وإني إلى الرحمان من ذاك تائب*** وإني قد أسلمت والله أكبر
فلست بغال ما حييت وراجع*** إلى ما عليه كنت أخفي وأظهر
ولا قائل حي برضوی محمّد*** وإن عاب جهال مقالي وأكثروا
ولكنه ممن مضى لسبیله*** على أفضل الحالات يقفي ويخبر
مع الطيبين الطاهرين الأولى لهم ***من المصطفى فرع زكي وعنصر
إلى آخر القصيدة وهي طويلة، وقلت بعد ذلك قصيدة أخرى
أيا راكباً نحو المدينة جسرة (1) ***عذافرة (2) يطوى بها کلّ سبسب (3)
إذا ما هداك الله عاينت جعفراً ***فقل لولي الله وابن المهذب
ألايا أمین الله وابن أمينه*** أتوب إلى الرحمان ثمّ تأوبي
إليك من الأمر الّذي كنت مبطناً(4)*** أحاربّ فيه جاهدة کلّ معربّ
وما كان قولي في ابن خولة مطنباً ***معاندة متّي لنسل المطيب
ولكن روينا عن وصي محمّد*** وما كان فيما قال بالمتکذب
بأن ولي الأمر يفقد لا يرى ***ستيراً (5) كفعل الخائف المترقب
فتقسم أموال الفقيد كأنما*** تغيبه بين الصفيح المنصب (6)
فيمكث حيناً ثمّ ينبع نبعة ***كنبعة جدي من الأفق کوکبِ (7)
ص: 212
يسير بنصر الله من بيت ربّه*** على سؤدد منه وأمر مسبب
يسير إلى أعدائه بلوائه*** فيقتلهم قتلاً کحرّان (1) مغضبِ
فلمّا روى أن ابن خولة غائب*** صرفنا إليه قولنا لم نكذبِ
وقلنا هو المهدي والقائم الّذي ***يعيش به من عدله کلّ مجدبِ
فإن قلت لا فالحقّ قولك والّذي*** أمرت فحتم غير ما متعصبِ
وأشهد ربّي أن قولك حجّة ***على الناس طرّا من مطيع ومذنبِ
بأن ولي الأمر والقائم الّذي*** تطلع نفسي نحوه بتطربِّ
له غيبة لا بد من أن يغيبها*** فصلى عليه الله من متغيبِ
فیمکث حيناً ثمّ يظهر حينه (2) *** فيملك من في شرقها والمغربِّ (3)
بذاك أدين الله سرّاً وجهرةً*** ولست وإن عوتبت فيه بمعتبِ(4)
379- وفي البحار عن المناقب : عن داود الرقي، قال : بلغ السیّد الحميري أنه ذكر عند الصادق علیه السلام فقال علیه السلام: السیّد كافر، فأتاه وقال :
يا سيّدي، أنا كافر مع شدة حبي لكم ومعاداتي الناس فيكم؟!
قال : وما ينفعك ذاك وأنت كافر بحجّة الدهر والزمان ، ثمّ أخذ بيده، وأدخله بيتاً، فإذا في البيت قبر ، فصلى ركعتين، ثمّ ضربّ بيده على القبر، فصار القبر قطعاً، فخرج شخص من قبره ينفض التراب عن رأسه ولحيته .
فقال له الصادق علیه السلام : من أنت؟ قال : أنا محمّد بن عليّ المسمى بابن الحنفية ، فقال علیه السلام: فمن أنا؟ قال : جعفر بن محمّد حجّة الدهر والزمان .
فخرج السیّد يقول : تجعفرت باسم الله فيمن تجعفرا . (5)
ص: 213
380- ومنه : عن عباد بن صهيب ، قال : كنت عند جعفر بن محمّد علیه السلام، فأتاه نعي السیّد، فدعا له وترحم عليه، فقال له رجل: يابن رسول الله، وهو يشربّ الخمرّ، ويؤمن بالرجعة، فقال علیه السلام : حدثني أبي، عن جدي :
أن محبي آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم لا يموتون إلآ تائبين، وقد تاب، ورفع مصلی کان تحته، فأخرج كتاباً من السیّد يعرفه أنه قد تاب ويسأله الدعاء .(1)
381- يدل عليه ما رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدين :
بإسناده عن الصادق علیه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى خلق أربعة عشر نوراً قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام، فهي أرواحنا، فقيل له:
یابن رسول الله، ومن الأربعة عشر ؟ فقال : محمّد صلی الله علیه وآله وسلم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين، والأئمة من ولد الحسين علیهم السلام آخرهم القائم، الّذي يقوم بعد غيبته ، فيقتل الدجال، ويطهر الأرض من کلّ جور وظلم.(2)
382- وفيه أيضاً: بإسناده عن النزال بن سبرة، قال : خطبنا أمیر المؤمنین عليّ بن أبي طالب علیه السلام فحمد الله عزّ وجلّ، وأثنى عليه، وصلى على محمّد وآله ، ثمّ قال علیه السلام: سلوني أيها الناس قبل أن تفقدوني - ثلاثا ۔
فقام إليه صعصعة بن صوحان ، فقال : يا أمیر المؤمنین متى يخرج الدجال؟
فقال له عليّ علیه السلام: أقعد، فقد سمع الله كلامك، وعلم ما أردت ، والله ما المسؤول عنه بأعلم من السائل، ولكن لذلك علامات وهيئات يتبع بعضها بعضا، كحذو النعل بالنعل، وإن شئت أنبأتك بها، قال : نعم، يا أمیرالمؤمنین
فقال علیه السلام: إحفظ، فإن علامة ذلك :
ص: 214
إذا أمات الناس الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلوا الكذب، وأكلوا الربّا وأخذوا الرشا، وشيدوا البنيان، وباعوا الدين بالدنيا، واستعملوا السفهاء وشاوروا النساء، وقطعوا الأرحام، واتبعوا الأهواء، واستخفوا بالدماء، وكان الحلم ضعفاً، والظلم فخرا، وكانت الأمراء فجرة، والوزراء ظلمة، والعرفاء خونة، والقراء فسقة، وظهرت شهادة الزور، واستعلن الفجور، وقول البهتان والإثمّ والطغيان، وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وطولت المنارات (1)وأكرمت الأشرار، وازدحمت الصفوف، واختلفت القلوب، ونقضت العهود واقتربّ الموعود، وشارك النساء أزواجهن في التجارة حرصاً على الدنيا وعلت أصوات الفساق، واستمع منهم.
وكان زعيم القوم أرذلهم، واتقي الفاجر مخافة شره ، وصدق الكاذب وائتمن الخائن، واتخذت القيان (2) والمعازف (3) ، ولعن آخر هذه الأمة أولها، وركب ذوات الفروج السروج، وتشبه النساء بالرجال، والرجال بالنساء، وشهد الشاهد من غير أن يستشهد، وشهد الآخر قضاء لذمام بغير حقّ عرفه، وتفقه لغير الدين، وآثروا عمل الدنيا على [عمل ] الآخرة، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب ، وقلوبهم أنتن من الجيف وأمر من الصبر، فعند ذلك الوحا الوحا (4) ثم العجلّ العجل، خير المساكن يومئذ بیت المقدس، وليأتين على الناس زمان يتمتّي (5) أحدهم أنه من سكانه .
فقام إليه الأصبغ بن نباتة ، فقال : يا أمیرالمؤمنین، من الدجال؟
فقال : ألا إن الدجال صائد بن صائد (6) فالشقي من صدقه، والسعيد من كذبه، يخرج من بلدة يقال لها : إصفهان، من قرية تعرف باليهودية، عينه اليمني ممسوحة، والعين الأخرى في جبهته تضيء كأنها كوكب الصبح، فيها علقة
ص: 215
كأنّها ممزوجة بالدم، بين عينيه مكتوب: کافر، يقرأه کلّ كاتب وأُمّي، يخوض البحار، وتسير معه الشمس، بين يديه جبل من دخان، وخلفه جبل أبيض، يري الناس أنه طعام.
يخرج حين يخرج في قحط شديد، تحته حمار أقمر (1)خطوة حماره میل تطوى له الأرض منهلاً منهلاً، لا يمرّ بماء إلآ غار إلى يوم القيامة ، ينادي بأعلى صوته يسمع ما بين الخافقين من الجن والإنس والشياطين، يقول: إلي أوليائي «أنا الّذي خلق فسوى، وقدر فهدى، أنا ربّكم الأعلى» وكذب عدو الله، إنّه أعور، يطعم الطعام، ويمشي في الأسواق، وإن ربّكم ليس بأعور ولا يطعم ولا يمشي ولا يزول، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
ألا وإن أكثر أتباعه يومئذ أولاد الزنا، وأصحاب الطيالسة(2) الخضر، يقتله الله عزّ وجلّ بالشام على عقبة تعرف بعقبة أفيق (3) ، لثلاث ساعات مضت من يوم الجمعة على يد من يصلي المسيح عیسی بن مریم علیهماالسلام خلفه .
ألا إن بعد ذلك الطامة الكبرى، قلنا: وما ذلك يا أمیرالمؤمنین؟
قال : خروج دابة الأرض من عند الصفا ، معها خاتم سليمان بن داود ، وعصا موسی علیه السلام تضع الخاتم على وجه کلّ مؤمن، فينطبع فيه: هذا مؤمن حقاً وتضعه على وجه کلّ كافر فيكتب فيه: هذا كافر حقاً، حتّی أن المؤمن لينادي : الويل لك يا كافر، وأن الكافر ينادي : طوبى لك يا مؤمن، وددت أني كنت مثلك فأفوز فوزاً عظيماً . ثمّ ترفع الدابّة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله جلّ جلاله، وذلك بعد طلوع الشمس من مغربّها، فعند ذلك ترفع التوبة، فلا
ص: 216
يقبل توبة، و«لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا »(1).
ثمّ قال علیه السلام: لا تسألوني عما يكون بعد هذا، فإنّه عهد إلي حبيبي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن لا أخبر به غير عترتي ، فقال النزال بن سبرة:
فقلت لصعصعة بن صوحان : ما عني أمیر المؤمنین علیه السلام بهذا؟
فقال صعصعة : يا بن سبرة، إن الّذي يصلي خلفه عیسی بن مریم علیهما السلام هو الثاني عشر من العترة، التاسع من ولد الحسين بن عليّ علیهما السلام، وهو الشمس الطالعة من مغربّها، يظهر عند الركن والمقام، فيطهر الأرض، ويضع ميزان العدل، فلا يظلم أحد أحداً.
فأخبر أمیرالمؤمنین عليه الصلاة والسلام أن حبیبه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عهد إليه أن لا يخبر بما يكون بعد ذلك إلآ عترته الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين .(2)
أقول: لا ريب في حكم الشرع والعقل السديد بأن قاتل هذا الكافر العنيد يستوجب أن يدعى له بالنصر والتأييد .
ثمّ إن هذا الخبر وإن كان ضعيفاً باشتماله على عدة مجاهيل، لكن أكثر ما تضمنه معتضد بغيره من الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار .
وهاهنا فوائد ينبغي التنبيه عليها:
الأولى : أن قوله علیه السلام: «والله ما المسؤول عنه بأعلم من السائل» يدل على أن ذلك من الأمور البدائية، التي يتطرق إليها احتمال التقدم والتأخر، وليس لها وقت معين كما أن ظهور مولانا الغائب علیه السلام أيضاً من هذا القبيل .
وقد أشرنا إلى ذلك في تنبيهات الغيبة من حرف الغين المعجمة .
الثانية : أنّ الدجال عليه اللعنة إنما يكون ساحراً، وما يخيل إلى الناس من
ص: 217
سير الشمس معه ... إلخ إنما هو بسحره، ويدل على ما ذكرنا قوله علیه السلام: «يري الناس أنه طعام» وأما قوله علیه السلام: «تطوى له الأرض» فإنما هو بسبب عظمة حماره، وهذا الكلام كناية عن سرعة سيره كما لا يخفى .
الثالثة : أن خروج دابة الأرض إنما يكون في زمن ظهور المهدي عجلّ الله تعالی فرجه وقد وردت أخبار عديدة بأن المراد بها أمیر المؤمنین صلوات الله عليه.
383- فمنها ما في البحار : بإسناده عن أبي عبدالله الجدلي، قال :
دخلت على عليّ بن أبي طالب علیه السلام فقال : ألا أحدثك ثلاثاً قبل أن يدخل عليّ وعليك داخل؟ قلت: بلى، فقال : أنا عبدالله وأنا دابة الأرض، صدقها وعدلها وأخو نبيها، ألا أخبرك بأنف المهدي وعينه؟
قال : قلت : بلى، قال : فضربّ بيده إلى صدره، فقال : أنا .(1)
قال مؤلف هذا الكتاب محمّد تقي الموسوي الإصفهاني عفي عنه :
قد ذكرنا معنى قوله علیه السلام: ألا أخبرك بأنف المهدي وعينه ... إلخ في حرف الزاء المعجمة فراجع .(2)
وأما أبو عبدالله الجدلي راوي هذا الحديث فاسمه عبيد بن عبد
ونقل السیّد المعتمد البارع السیّد مصطفى في كتاب نقد الرجال عن الخلاصة : أنه من أولياء أمیرالمؤمنین علیه السلام وخواصه . (3)
384- وفي رواية أخرى : عنه علیه السلام قال : دخلت على عليّ علیه السلام فقال :
أحدثك بسبعة أحاديث إلا أن يدخل علينا داخل، قال : قلت : إفعل، جعلت فداك ، قال : أتعرف أنف المهدي علیه السلام وعينه؟
قال : قلت : أنت يا أمیر المؤمنین .
ص: 218
قال علیه السلام: وحاجبا الضلالة تبدو مخازيهما في آخر الزمان .
قال : قلت : أظن والله يا أمیرالمؤمنین أنهما فلان وفلان .
فقال علیه السلام: الدابّة ! وما الدابّة ! عدلها، وصدقها، وموقع بعثها، والله مهلك من ظلمها (إلخ). (1)
385- وممّا يناسب ما ذكرناه ويؤكده ما في البحار أيضاً، عن معاني الأخبار : بإسناده عن عباية الأسدي، قال : سمعت أمیرالمؤمنین علیه السلام؛ وهو مشتكي(2) وأنا قائم عليه : لابنين بمصر منبراً، ولانقضن دمشق حجراً حجراً، ولأخرجن اليهود والنصارى من کلّ كور العرب، ولاسوقن العرب بعصاي هذه .
قال : قلت له: يا أمیرالمؤمنین، كأنك تخبر أنك تحيى بعد ما تموت.
فقال علیه السلام: هيهات يا عباية ذهبت في غير مذهب، يفعله رجل منّي .(3)
قال الصدوق (رضی الله عنه) : إن أمیرالمؤمنین علیه السلام اتقى عباية الأسدي في هذا الحديث لأنه كان غير محتمل لأسرار آل محمّد علیهم السلام.
386- وفي البحار أيضاً : عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال : قال رجل لعمّار بن ياسر : يا أبا اليقظان، آية في كتاب الله قد أفسدت قلبي، وشككتني،
قال عمّار: وأية آية هي؟ قال : قول الله تعالى : «وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ » (4) الآية
فاية دابة هذه؟ قال عمّار : والله ما أجلس ولا آکلّ ولا أشربّ حتّی أريكها.
فجاء عمّار مع الرجل إلى أمیرالمؤمنین علیه السلام وهو يأکلّ تمراً وزبداً، فقال : يا أبا اليقظان، هل، فجلس عمّار، وأقبل يأکلّ معه، فتعجب الرجل منه،
فلمّا قام عمّار، قال الرجل: سبحان الله ، يا أبا اليقظان، حلفت أنك لا
ص: 219
تأکلّ ولا تشربّ ولا تجلس حتّی ترينيها ! قال عمّار : قد أريتكها إن كنت تعقل . (1)
387- وعنه علیه السلام قال : إنتهى رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلى أمیرالمؤمنین علیه السلام وهو نائم في المسجد، قد جمع رملاً ووضع رأسه عليه، فحرکه برجله .
ثمّ قال : قم، یا دابة الله، فقال رجل من أصحابه : یا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنسمي بعضنا بعضاً بهذا الإسم ؟ فقال : لا والله ، ما هو إلا له خاصة، وهو الدابّة التي ذكرها الله تعالى في كتابه ، الخبر(2) وفيما أسمعناك كفاية إن شاء الله.
الفائدة الرابعة :
أن قوله علیه السلام في الحديث المذكور في صدر الكلام: «فعند ذلك ترفع التوبة ... إلخ» يدل على أن الحجّة عجلّ الله تعالی فرجه وظهوره يقبل التوبة والإيمان ممن سبق إلى الكفر والطغيان قبل خروج دابة الأرض وإذا خرج ارتفعت التوبة ، « لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ»
وبهذا الوجه يجمع بين الأخبار المختلفة الواردة في هذا الباب فإن بعضها يدل على أن المهدي عجلّ الله تعالی فرجه يقبل ذلك، مثل ما ذكرناه في قتل الكافرين(3) ، وحاصله أنه يعرض الإسلام عليهم فمن أطاع سلم وغنم، ومن أبي قتل و قصم، وبعضها يدل على أنه لا يقبل الإسلام ممن لم يكن مسلماً قبل ذلك، ولا يقبل توبة أحد.
388- مثل ما رواه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدين : عن أبي عبدالله علیه السلام، في قول الله عزّ وجلّ : «يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ» (4)
ص: 220
فقال علیه السلام: الآيات [هم] الأئمة(1)
والآية المنتظرة القائم علیه السلام فيومئذ لاينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف، وإن آمنت بمن تقدمه من آبائه علیه السلام (2)
389- وفي الحديث المروي في البحار: - في وصفه - عن أبي جعفر علیه السلام: لا يستتيب أحداً، ولا يأخذه في الله لومة لائم.(3)
إلى غير ذلك من الأخبار المتعارضة بظواهرها، وحاصل هذا الجمع :
أنّه علیه السلام يقبل التوبة والإيمان من المخالفين قبل خروج الدابّة ، ولا يقبل بعد ذلك . فإن قلت : إنّه يبعد هذا الوجه -
390- ما روي في البرهان : في تفسير قوله تعالى :(يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ) إلخ، عن أبي عبدالله علیه السلام قال : ما زالت الأرض إلا ولله فيها حجّة يعرف الحلال والحرام، ويدعو الناس إلى سبيل الله ، ولا تنقطع الحجّة من الأرض إلا أربعين يوما قبل يوم القيامة، فإذا رفعت الحجّة أغلق باب التوبة ولم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجّة، الخبر . (4)
قلت : إنّ الناس لايصيرون معصومين عن الآثام في زمن ظهور الإمام والمقصود من هذا الخبر : أن المكلف إن عصي ثمّ تاب قبلت توبته إلى ذلك الوقت المعلوم، فإذا رفعت الحجّة أغلق باب التوبة، إلخ،
ص: 221
فلا تنافي بينه وبين ما ذكرناه .
هذا ويمكن الجمع بين الأخبار السابقة بوجه آخر، لعله أحسن الوجوه :
وهو : أن المهدي علیه السلام يقبل توبة من يعلم أن إيمانه يكون عن حقيقة وإخلاص، ولا يقبل ممن يؤمن بلسانه للخلاص، ولات حین مناص،
ويشهد لهذا الوجه ما سبق من أنه علیه السلام يحكم بمقتضی علمه الباطني المختص به صلوات الله عليه ، هذا ما خطر بالبال في حل الإشكال .
وقال السیّد الجليل السیّد نعمة الله الجزائري رحمه الله تعالى في الأنوار : قد كنت كثيراً أفكر في تلك الأخبار، وأطلب وجه الجمع بينهما حتّی وفق الله تعالى للوقوف على حديث يجمع بين هذه الأخبار، وحاصله :
أن المهدي علیه السلام إذا خرج أحيا الله سبحانه له جماعة ممن محض الكفر محضاً، كما سيأتي بيانه، فهؤلاء الأحياء الّذين تقدم موتهم، ورأوا العذاب عياناً، وعذبوا به، واضطروا إلى الإيمان، لا يقبل المهدي علیه السلام منهم التوبة، لان توبتهم في هذا الحال مثل توبة فرعون لما أدركه الغرق، فقال عزّ وجلّ في جوابه :«آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ »(1) فلم يقبل له توبة، ومثل توبة من بلغت روحه إلى حلقه وتغرغرت في صدره، ورأي مكانه من النار، وعاينه، فإنّه إذا تاب لا يقبل له توبة أيضاً، فالمراد بالنفس التي لا ينفعها إيمانها هذه النفس.
وأما الأحياء الّذين يكونون في زمان ظهوره علیه السلام ولم يسبق عليهم الموت فلا يقبل علیه السلام منهم إلا القتل، أو الإيمان، إنتهى كلامه رفع مقامه .(2)
أقول : هذا المطلب صحيح في نفسه لكن الاخبار السابقة آبية عن هذا الجمع لأن الظاهر منها بیان حال الأحياء، كما لا يخفى على المتأمل
والظاهر أن السیّد (رحمه الله) لما وقف على هذا الحديث ، جعله وجها للجمع بين تلك الأخبار بسليقته، وبعده غير خفي، فالوجه الوجيه هو الوجه الأول، أو الثاني
ص: 222
الّذي ذكرناه بعون الله تعالى وهو العالم .
الفائدة الخامسة :
أنه قد ظهر من قوله علیه السلام في حديث وصف الدجال : «عينه اليمنى ممسوحة»إلخ، وجه تسميته بالمسيح، ومن هذا القبيل تسمية الدرهم الأطلس الّذي لا يكون مسکوکاً بالمسيح، لاستواء سطحه، والأرض المستوية بالمسحاء.
ويظهر من صاحب القاموس وجه آخر : وهو أن الدجال سمي مسيحاً الشؤمه ؛ قال في معنى التمسيح : أن يخلق الله الشيء مباركاً، أو ملعوناً ضد
قال : والمسيح عيسی لبركته، وذكرت في إشتقاقه خمسين قولا في شرحي لمشارق الأنوار، وغيره إلى آخر ما قال ممّا لايهم ذكره.
الفائدة السادسة : قال صاحب القاموس في لغة دجلّ : الدُجَیل كزبیر، وثمامة القطران، ودجلّ البعير: طلاه به، أو عم جسمه بالهناء، ومنه الدجال المسيح لانه يعم الأرض، أو من دجل: كذب وأحرق وجامع وقطع نواحي الأرض سیراً، أو من دجلّ تدجيلا: غطي وطلي بالذهب، لتمويهه بالباطل، أو من الدجال للذهب، أو مائه ، لأن الكنوز تتبعه، أو من الدجال لفرند السيف، أو من الدجالة للرفقة العظيمة، أو من الدجال كسحاب للسرجين، لأنه ينجس وجه الأرض، أو من دُجّل الناس للُقّاطهم، لأنهم يتبعونه، إنتهى كلامه . (1)
الفائدة السابعة : قال السیّد الجزائري (رحمه الله) في الأنوار :
أما الدجال فقد عرفت في حديث الصدوق (رحمه الله) أنه يخرج من إصبهان، وفي الاخبار الكثيرة، أنه يخرج من سیستان، بلدة من بلاد العجم.
ويمكن الجمع بين الأخبار ، بأن له خروجاً مكرراً كما أن أحواله مختلفة عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، إنتهى كلامه . (2)
ص: 223
الفائدة الثامنة :
391- روی شیخنا أُمّين الدين الفضل بن الحسن الطبرسي (رحمه الله) في كتاب مجمع البيان - مرسلا: عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال :
من قرأها - سورة الكهف - فهو معصوم ثمانية أيام من کلّ فتنة، فإن خرج الدجال في تلك الثمانية الأيام عصمه الله من فتنة الدجال .(1)
392- وفيه : في حديث آخر، عنه صلی الله علیه وآله وسلم قال : من قرأ عشر آيات من سورة الكهف حفظا لم تضره فتنة الدجال، ومن قرأ السورة كلها دخل الجنّة .مجمع البيان : 447 / 6 .
393- وفي آخر : عنه صلی الله علیه وآله وسلم قال : ألا أدلكم على سورة شيعها سبعون ألف ملك حين نزلت، ملأت عظمتها ما بين السماء والأرض، قالوا: بلى، قال صلی الله علیه وآله وسلم :
سورة أصحاب الكهف، من قرأها يوم الجمعة، غفر الله له إلى الجمعة الأخرى، وزيادة ثلاثة أيام، وأعطي نوراً يبلغ السماء، ووقي فتنة الدجال .مجمع البيان : 447 / 6 .
394-وفي آخر، عنه صلی الله علیه وآله وسلم قال :
من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف ثمّ أدرك الدجال لم يضره ،
ومن حفظ خواتيم سورة الكهف كانت له نورا يوم القيامة . مجمع البيان : 447 / 6 .
إذا سمعت أنّ رجلاً متّصفاً بكمال بل كمالات، ابتلي ببلية بل بليات، بعثك عقلك إلى نصره، والقيام بفكه عن أسره، ولو لم تقدر على ذلك لابتدرت إلى الدعاء له بالفرج والخلاص، مراعياً له بالشفقة والإخلاص، إذا عرفت ذلك فنقول : إن مولانا صاحب الزمان قد حاز أطراف الكمال، ونال غاية الشرف والجلال والجمال وهو مع ذلك مبتلي ببليات من أهل الضلال، وبعيد عن الدار
ص: 224
والأهل والعيال، وهذا واضح لمن نشط عن العقال، وراقب جانب الإعتدال .
أما عظمة مصائبه علیه السلام فبمقدار عظمته، وأما عظم كمالاته فيکلّ اللسان عن صفته، وتحسر العقول عن كنه معرفته، ولعلك إذا نظرت في حذافير هذا الكتاب، اهتديت إلى هذا الباب، وارتویت من هذا الشراب.
ونزيدك هنا في بيان أنه مجمع کمالات الأنبياء والأئمة علیهم السلام ومظهر صفاتهم
395- ما رواه الشيخ الأجل، محمّد بن الحسن الحر العاملي (رحمه الله) في كتاب إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، عن كتاب إثبات الرجعة، للفضل بن شاذان (رحمه الله) أنه روی - بإسناد صحيح - عن الصادق علیه السلام أنه قال :
ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء إلا ويظهر الله تبارك وتعالی مثلها في يد قائمنا لإتمام الحجّة على الأعداء، إنتهی . (1)
ونعم ما قيل : آنچه خوبان همه دارند تو تنها داري.
396- ويدل على المقصود أيضاً ما رواه الفاضل العلّامة المجلسي (رحمه الله) في البحار : عن أبي عبدالله علیه السلام في رواية المفضل (رضی الله عنه) قال : وسیّدنا القائم علیه السلام مسند ظهره إلى الكعبة، ويقول: يا معشر الخلائق، ألا ومن أراد أن ينظر إلى آدم و شیث فها أنا آدم وشيث، ألا ومن أراد أن ينظر إلى نوح وولده سام، فها أنا ذا نوح وسام، ألا ومن أراد أن ينظر إلى إبراهيم وإسماعيل، فها أنا ذا إبراهيم وإسماعيل، ألا ومن أراد أن ينظر إلى موسی ویوشع، فها أنا ذا موسى ويوشع
ألا ومن أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون، فها أنا ذا عيسى وشمعون.
ألا ومن أراد أن ينظر إلى محمّد وأمیر المؤمنین صلوات الله عليهما، فها أنا ذا محمّد صلی الله علیه وآله وسلم و أمیرالمؤمنین علیه السلام، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الحسن والحسين علیهماالسلام فها أنا ذا الحسن والحسين علیهماالسلام ، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الأئمة من ولد الحسين علیهم السلام فها أنا ذا الأئمة علیهم السلام ، أجيبوا إلى مسألتي، فإني أنبّئكم بما نبّئتم به
ص: 225
وما لم تنبئوا به ... إلخ . (1)
أقول: هذا الحديث يدل على اجتماع جميع صفات الأنبياء العظام ومکارم الأئمة الكرام في وجود إمام زماننا وظهورها منه .
ويدل على ذلك أيضاً، ما ذكرناه فيما سبق روايته عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال : تاسعهم قائمهم، وهو ظاهرهم وباطنهم.
397- ويدل عليه أيضاً ما رواه الصدوق في كمال الدين : بإسناده عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول : إن سنن الأنبياء علیهم السلام بما وقع بهم من الغيبات حادثة في القائم منّا أهل البيت، حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة .
قال أبو بصير : فقلت : يا بن رسول الله، ومن القائم منكم أهل البيت؟
فقال : يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسى، ذلك ابن سیّدة الإماء يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون، ثمّ يظهره الله عزّ وجلّ، فيفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربّها، وينزل روح الله عیسی بن مریم علیهماالسلام فيصلي خلفه . الخبر .(2)
وحيث انجر الكلام إلى هذا المقام ، فلنبين هذا المرام في ثلاثة فصول، بعون الملك العلام:
(آدم) أورثه الله تعالى الأرض جميعها، وجعله خليفة فيها، فقال :
«إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»(3) .
(والحجّة علیه السلام ) يورثه الله تعالى جميع الأرض ويجعله خليفة فيها :
ص: 226
398- كما ورد عن أبي عبدالله علیه السلام في تفسير قول الله عزّ وجلّ: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ» الآية (1)، أنه القائم وأصحابه، ويقول حين ظهوره بمكة ماسحاً يده على وجهه :«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ » .(2) (3)
كما في حديث مفضل (4).
399- وكما عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ويخرج وعلى رأسه غمامة فيها مناد ينادي :
هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه .(5)
400- (آدم) بكى على الجنّة : كما عن أبي عبدالله علیه السلام:
فأمّا آدم فبكى على الجنّة حتّی صار في خديه أمثال الأودية .(6)
401- (القائم) قال في زيارة الناحية :
فلأندبنّك صباحاً ومساءً، ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً . (7)
(آدم) نزل في حقه : «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا» (8) .
(القائم) علمه ماعلمه آدم، وما لم يعلمه آدم، فإن آدم أعطي من الإسم الاعظم خمسة وعشرين حرفاً، كما في الحديث .(9)
402- وقد أعطي نبينا صلی الله علیه وآله وسلم إثنان وسبعون حرفا. (10)
وجميع ما أعطاه الله تعالى النبیّ أعطاه أوصياءه علیهم السلام حتّی انتهى إلى مولانا القائم عجلّ الله تعالی فرجه .
403- وروی ثقة الإسلام الكليني : في الصحيح، عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال : إن العلم الّذي نزل مع آدم علیه السلام، لم يرفع، وما مات عالم إلا وقد ورث
ص: 227
علمه، إن الأرض لا تبقى بغير عالم . (1)
(آدم) أحيا الأرض بعبادة الله بعد موتها بكفر بني الجان و طغيانهم .
(القائم) يحيي الأرض بدين الله، وعبادته وعدله، وإقامة حدوده، بعد موتها بكفز أهلها وظلمهم وعصيانهم :
404- ففي البحار : عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالي :
«يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا» (2)، قال : يحييها الله عزّ وجلّ بالقائم علیه السلام بعد موتها، يعني بموتها : كفر أهلها، والكافر میت.(3)
405- وفي الوسائل : في قول الله عزّ وجلّ: «يُحي الأرضَ بَعدَ مَوتِها» عن أبي إبراهيم علیه السلام قال :
ليس يحييها بالقطر، ولكن يبعث الله رجالا فيحيون العدل، فتحيا الأرض لإحياء العدل، ولإقامة الحد فيها أنفع في الأرض من القطر أربعين صباحاً.(4)
406- وفيه عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : ساعة إمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنّة، وحدّ يقام لله في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحا (5)
هذا، وإلى متى، وحتّی متى أقول: آدم والقائم؟ وما خلق آدم إلا لأجلّ القائم .
إن الّذي خلق المكارم حازها*** في صلب آدم للإمام القائم
(هابيل علیه السلام ) قتله أقرب الناس إليه، وأمهم رحماً به، وهو أخوه قابيل .
قال الله تعالى في كتابه العزيز :
ص: 228
«وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ »(1).
(القائم) روحي وأرواح العالمين فداه، أراد قتله وعزم عليه أقرب الناس إليه وأمسهم رحماً به، وهو عمه جعفر الكذاب :
407- فعن سیّد العابدین علیه السلام قال : كأنّي بجعفر الكذّاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله، والمغيب في حفظ الله، والموکلّ بحرم أبيه جهلا منه بولادته، وحرصا منه على قتله إن ظفر به ، طمعا في ميراث أخيه، حتّی يأخذه بغير حق. (2)
(هبة الله) لم يؤذن في إظهار علمه خوفا.
408- روى الكليني (رحمه الله) في روضة الكافي : عن أبي جعفر علیه السلام - في حديث طویل -: إن هبة الله لما دفن أباه أتاه قابيل، فقال : يا هبة الله إني قد رأيت أبي آدم قد خصك من العلم بما لم أخص به أنا، وهو العلم الّذي دعا به أخوك هابيل فتقبل قربانه ، وإنما قتلته لكيلا يكون له عقب فيفتخرون على عقبي فيقولون :
نحن أبناء الّذي تقبل قربانه وأنتم أبناء الّذي ترك قربانه ، فإنك إن أظهرت من العلم الّذي اختصك به أبوك شيئا قتلتك، كما قتلت أخاك هابيل، فلبث هبة الله والعقب منه مستخفين بما عندهم من العلم والإيمان، الخبر .(3)
وكذلك القائم لم يؤذن له إلى الوقت المعلوم :
409- كما قال علیه السلام: حين سقط من بطن أمه جاثياً على ركبتيه ، رافعاً سبّابتیه إلى السماء ، ثمّ عطس، فقال علیه السلام:
ص: 229
الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمّد وآله، زعمت الظلمة أن حجّة الله داحضة، لو أذن لنا في الكلام لزال الشكّ.
رواه رئيس المحدّثين في كمال الدين .(1)
410- فعن الصادق والهادي علیهماالسلام أنه عاش خمسمائة وألفي عام .(2)
411- (القائم علیه السلام) شيخ الأوصياء، فإنّه ولد - كما في الكافي - للنصف من شعبان سنّة خمس وخمسين ومائتين(3)، فعمره الشريف إلى الآن، وهذا يوم الأحد عاشر ذي قعدة الحرام من سنّة إحدى وثلاثين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة يكون ألفا وإحدى وثمانين سنّة وخمسة وثمانين يوما.
412- وعن سیّد العابدین علیه السلام: أن في القائم سنّة من آدم ومن نوح وهي طول العمر ... إلخ (4)وقد مرّ الخبر بتمامه . (5)
(نوح) طهر الأرض من الكافرين بكلامه .
فقال : (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) (6)
(القائم) يطهّر الأرض من الكافرين بحسامه ، حتّی لا يبقى منهم آثاراً كما مرّ (نوح) صبر ألف سنّة إلا خمسين عاماً ، قال الله :
«فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ» (7)
(القائم) صبر منذ أول إمامته إلى الآن،
ولا أدري إلى متى يصبر مولانا صاحب الزمان .
(نوح) من تخلف عنه غرق.
ص: 230
( القائم) من تخلف عنه هلك، كما في الحديث.(1)
(نوح) أخر الله فرجه وفرج أصحابه حتّی رجع عنه أكثر القائلين به.
(القائم) يؤخر الله تعالی فرجه وفرج أوليائه حتّی يرجع عنه أكثر القائلين به كما عن العسكري علیه السلام . (2)
(نوح) بشر بظهوره إدريس النبي.
(القائم) بشر الله تعالی بظهوره الملائكة، كما مرّ، وبشر به النبیّ والأئمة علیهم السلام بل بشر به الأنبياء السابقون، ولو ذكرنا ذلك لطال الكتاب .
(نوح) كان يبلغ صوته شرق الأرض وغربّها حين ندائه وصيحته، وكان هذا أحد معجزاته، كما في زبدة التصانيف.
413۔ (القائم علیه السلام) يقف بين الركن والمقام [حين ظهوره]، فيصرخ صرخة فيقول: يا معاشر نقبائي، وأهل خاصتي، ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض، إئتوني طائعين،
فترد صيحته علیه السلام عليهم، وهم على محاريبهم، وعلى فرشهم، في شرق الأرض وغربّها، فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن کلّ رجل، فيجيئون نحوها، ولا يمضي لهم إلا كلمحة بصر حتّی يكون كلهم بين يديه علیه السلام بين الركن والمقام ، كما في حديث المفضل عن الصادق علیه السلام .(3)
( إدريس علیه السلام) وهو جد أبي نوح علیه السلام واسمه أخنوخ، رفعه الله مكاناً علياً (4)
قيل : رفع إلى السماء الرابعة، وقيل : إلى السادسة :
ص: 231
414- وفي مجمع البيان : قال مجاهد: رفع إدريس كما رفع عیسی [وهو] حي لم يمت، وقال آخرون : إنّه قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة .
وروي ذلك عن أبي جعفر علیه السلام . (1)
(القائم علیه السلام )رفعه الله مكاناً عليّاً إلى السماء.
(إدريس علیه السلام) حمله الملك على جناحه فطار به في جو السماء :
415- روى عليّ بن إبراهيم القمي (رحمه الله): عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير عمن حدثه، عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إن الله تبارك وتعالى غضب على ملك من الملائكة فقطع جناحه، وألقاه في جزيرة من جزائر البحر، فبقي ما شاء الله تعالى في ذلك البحر، فلمّا بعث الله تعالى إدریس علیه السلام جاء ذلك الملك إليه فقال : يا نبیّ الله، ادع الله لي أن يرضى عنّي، ويرد عليّ جناحي، قال : نعم فدعا إدريس ربّه، فرد الله عليه جناحه، ورضي عنه،
قال الملك لإدريس : لك إلي حاجة؟ قال: نعم، أحب أن ترفعني إلى السماء، حتّی أنظر إلى ملك الموت، فإنّه لا عيش لي مع ذكره، فأخذه الملك على جناحه حتّی انتهى به إلى السماء الرابعة، فإذا ملك الموت يحرك رأسه تعجبّاً، فسلّم إدريس على ملك الموت، وقال له : ما لك تحرّك رأسك؟
قال : إن ربّ العزة أمرني أن أقبض روحك بين السماء الرابعة والخامسة
فقلت : يا ربّ وكيف هذا وغلظ السماء الرابعة مسيرة خمسمائة عام، ومن السماء الرابعة إلى السماء الثالثة مسيرة خمسمائة عام، وغلظ السماء الثالثة خمسمائة عام، وکلّ سماء وما بينهما كذلك فكيف يكون هذا؟! ثمّ قبض روحه بين السماء الرابعة والخامسة وهو قوله : «وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا»(2)قال : وسمي إدريس [على نبينا وآله وعليه السلام] لكثرة دراسته للكتب، إنتهى .(3)
ص: 232
وقيل : إنّه حي في الجنّة، وهو المروي عن ابن عباس .(1)
(القائم علیه السلام) رفعه روح القدس صلوات الله عليه وطار به في جو السماء:
416- ففي الحديث المروي في كمال الدين : عن حكيمة - في باب میلاد القائم علیه السلام - : فتناوله الحسن علیه السلام منّي والطير ترفرف على رأسه، فصاح بطير منها، فقال له: احمله واحفظه، ورده إلينا في کلّ أربعين يوما، فتناوله الطير وطار به في جو السماء، واتبعه سائر الطير، فسمعت أبا محمّد علیه السلام يقول:
أستودعك الّذي أودعته أم موسی علیه السلام فبكت نرجس ، فقال لها : اسكتي، فإن الرضاع محرم عليه إلا من ثديك، وسيعاد إليك، كما رد موسى إلى أمه، وذلك قوله عزّ وجلّ: «فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ »(2).
قالت حكيمة : قلت: وما هذا الطير؟
قال علیه السلام: هذا روح القدس، الموکلّ بالأئمة، يوفقهم ويسددهم، ويربّيهم(3) بالعلم، الخبر .(4)
(إدريس) غاب عن قومه لما عزموا على قتله، كما في الحديث، عن أبي جعفر صلوات الله وسلامه عليه . (5)
(القائم علیه السلام )غاب عن قومه لما عزموا على قتله، كما مرّ في ظلم الأعداء عليه، من حرف الظاء المعجمة.
(إدريس) طالت غيبته حتّی وقع شيعته في غاية العسر والضيق والشدة
(القائم) تطول غيبته حتّی تقع شیعته في غاية العسر والضيق والشدة .
417۔ ففي البحار : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال:
لا يزال بكم الأمر حتّی يولد في الفتنة والجور من لا يعرف غيرهاحتّی تملأ الأرض جوراً، فلا يقدر أحد يقول: الله، ثمّ يبعث الله عزّ وجلّ رجلا مني ومن
ص: 233
عترتی ، فيملأ الأرض عدلا كما ملأها من كان قبله جوراً . (1)
418- وعن أمیرالمؤمنین علیه السلام أنه قال : لتملان الأرض ظلماً وجوراً حتّی لا يقول أحد: الله، إلآ مستخفياً، ثمّ يأتي الله بقوم صالحين يملأونها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجوراً (2) وقد مرّ في حرف الفاء ما يدل على ذلك.
(إدريس) لمّا طالت غيبته اتفق الناس على التوبة إلى الله فأظهره الله تعالی وكشف عنهم البؤس والشدّة .
(القائم علیه السلام ) لو اتفق الناس على التوبة إلى الله تعالى في أمره، وعزموا على نصره، لأظهره الله تعالی.
ويأتي ما يدل على ذلك في الباب الثامن إن شاء الله تعالى . (3)
(إدريس علیه السلام ) لما ظهر ذل له الملك الجبار وأهل قريته .
(القائم علیه السلام) إذا ظهر ذل له الملوك الجبابرة، وجميع أهل العالم،
وإن شئت الإطلاع على أحوال إدريس فانظر في الكتب المفصلة ، مثل كمال الدين، والبحار، وحياة القلوب، وغيرها.
ولو ذكرنا أكثر من ذلك صرفنا عما نحن بصدده فلنكتف بهذا المقدار، ونسأل الله تعالى أن يجمع بيننا وبين أوليائه في دار القرار .
6- باب شباهته بهود
(هود علیه السلام) قيل اسمه عابر ، بشر بظهوره نوح علیه السلام:
419- روي في كمال الدين : عن الصادق علیه السلام، قال : لما حضرت نوحا علیه السلام الوفاة دعا الشيعة، فقال لهم: اعلموا أنه ستكون من بعدي غيبة تظهر الطواغيت، وأن الله عزّ وجلّ يفرج عنكم بالقائم من ولدي إسمه هود، له سمت
ص: 234
وسكينة ووقار، يشبهني في خلقي وخلقي، وسيهلك الله أعداءكم عند ظهوره بالريح، فلم يزالوا يترقبون هودا علیه السلام وينتظرون ظهوره، حتّی طال عليهم الأمد وقست قلوب أكثرهم، فأظهر الله تعالى ذكره نبيه هود علیه السلام عند اليأس منهم وتناهي البلاعبهم، وأهلك الأعداء بالريح العقيم، التي وصفها الله تعالى ذكره فقال :«مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ» (1)
ثمّ وقعت الغيبة به بعد ذلك إلى أن ظهر صالح علیه السلام. (2).
(القائم علیه السلام ) قد بشر بظهوره بعد غيبته بجميع تلك الخصوصيات کلّ واحد من آبائه الكرام عليهم الصلاة والسلام. وقد تقدم نبذ منها في باب غيبته، فراجع.
(هود علیه السلام) أهلك الله عزّ وجلّ الكافرين به بالريح العقيم، كما قال تعالى :
«إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ *مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ » . (3)
(القائم) عجلّ الله تعالی فرجه سيهلك الله تعالی جمعاً من الكافرين به بریح سوداء مظلمة كما في رواية مفضل. (4)
وسيأتي في نداءاته إن شاء الله تعالى .(5)
(صالح) غاب عن قومه فلمّا رجع إليهم أنكره كثير منهم.
420- روي في كمال الدين : عن أبي عبدالله علیه السلام، قال : إن صالحاً علیه السلام غاب عن قومه زماناً، وكان يوم غاب عنهم کهلاً، مبدح(6) البطن، حسن الجسم وافر اللحية، خميص البطن (7)خفيف العارضين ، مجتمعاً ربعة من الرجال . (8)
ص: 235
فلمّا رجع إلى قومه لم يعرفوه بصورته، فرجع إليهم وهم على ثلاث طبقات ، طبقة جاحدة لا ترجع أبدا، وأخرى شاكة فيه، وأخرى على يقين،
فبدأ علیه السلام حيث رجع بطبقة الشكاك (1) ، فقال لهم : أنا صالح، فكذبوه وشتموه، وزجروه، وقالوا : برئ الله منك، إن صالحاً كان في غير صورتك.
قال علیه السلام: فأتى الجحاد فلم يسمعوا منه القول، ونفروا منه أشد النفور،
ثمّ انطلق إلى الطبقة الثالثة، وهم أهل اليقين ، فقال لهم: أنا صالح ، فقالوا: أخبرنا خبراً لا نشك فيك معه أنك صالح، فإنا لا نمتري أن الله تبارك وتعالی الخالق ينقل ويحول في أي صورة شاء، وقد أخبرنا وتدارسنا فيما بيننا بعلامات القائم إذا جاء، وإنما يصح عندنا إذا أتى الخبر من السماء.
فقال لهم صالح: أنا صالح الّذي آتيتكم بالناقة، فقالوا: صدقت، وهي التي نتدارس، فما علامتها؟ فقال : «لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ»(2)
قالوا: آمنا بالله وبما جئتنا به، فعند ذلك قال الله تبارك وتعالى: (أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ - فقال أهل اليقين : -إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ) (3) .
و(قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا - وهم الشكاك والجحّاد - إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ(4) قلت : هل كان فيهم ذلك اليوم عالم به؟
قال علیه السلام: الله أعدل من أن يترك الأرض بلا عالم يدل على الله عزّ وجلّ، ولقد مكث القوم بعد خروج صالح سبعة أيام على فترة لا يعرفون إماماً غير أنهم على ما في أيديهم من دين الله عزّ وجلّ كلمتهم واحدة .
فلمّا ظهر صالح علیه السلام اجتمعوا عليه، وإنما مثل القائم علیه السلام مثل صالح. (5)
(القائم علیه السلام) يجري فيه ما جرى في صالح حرفاً بحرف، فإنّه يظهر مع طول عمره في صورة شاب دون أربعين سنّة، والناس بين موقن وشاكّ وجاحد
ص: 236
فيدعوهم فينكرونه، فيقتلهم، والموقنون يطلبون العلّامة، فيريهم، فيبايعونه .
وقد ورد بکلّ ذلك الرواية ، قدّمنا بعضها ،
ويأتي بعض آخر إن شاء الله والغرض هنا الإشارة .
(ابراهیم علیه السلام)خفي حمله وولادته .
(القائم علیه السلام ) خفي حمله وولادته.
(إبراهيم علیه السلام) كان يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة، ويشب في الجمعة كما يشب غيره في الشهر، ويشب في الشهر كما يشب غيره في السنّة ، كما وردت بذلك الرواية عن الصادق علیه السلام. (1)
(القائم علیه السلام ) كذلك :
421. ففي خبر حكيمة رضي الله عنها المفصلة، قالت:
فلمّا كان بعد أربعين يوما دخلت دار أبي محمّد علیه السلام فإذا مولانا صاحب الزمان علیه السلام يمشي في الدار، فلم أر وجهاً أحسن من وجهه، ولا لغة أفصح من لغته، فقال لي أبو محمّد علیه السلام: هذا المولود الكريم على الله عزّ وجلّ،
قلت له : يا سيّدي له أربعون يوما وأنا أرى من أمره ما آری!
فقال علیه السلام: يا عمتّي، أما علمت أنا معشر الأوصياء ننشأ في اليوم ما ينشأ غيرنا في الجمعة، وننشأ في الجمعة ما ينشأ غيرنا في السنّة (الخبر). (2)
(إبراهيم) اعتزل الناس، قال الله عزّ وجلّ نقلا عنه : «وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ: (3) الآية .
(القائم علیه السلام) اعتزل الناس، وقد مرّ ما يدل على ذلك في حرف العين .
(إبراهيم) وقع له غيبتان
(القائم علیه السلام ) وقع له غيبتان .
ص: 237
(إبراهيم) لبس قميصاً مخصوصاً جاء به جبرئيل من الجنّة حين ألقي في النار
(القائم علیه السلام) يلبس هذا القميص بعينه حين يخرج:
422- ففي كمال الدين : عن مفضل، عن الصادق علیه السلام قال :
سمعته يقول: أتدري ما كان قميص يوسف علیه السلام ؟ قلت: لا.
قال إن إبراهيم علیه السلام: لما أوقدت له النار، نزل إليه جبرئیل علیه السلام بالقميص وألبسه إياه، فلم يضره معه حرّ ولا برد،
فلمّا حضرته الوفاة جعله في تميمة وعلقه على إسحاق، وعلقه إسحاق على يعقوب، فلمّا ولد يوسف علقه عليه وكان في عضده حتّی كان من أمره ما كان .
فلمّا أخرجه يوسف علیه السلام بمصر من التميمة (1) وجد يعقوب علیه السلام ريحه، وهو قوله تعالى حكاية عنه : « إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ» (2) (3)
فهو ذلك القميص الّذي أنزل من الجنّة.
قلت : جعلت فداك، فإلى من صار هذا القميص؟ قال : إلى أهله، وهو مع قائمنا إذا خرج، ثمّ قال : کلّ نبیّ ورث علما أو غيره فقد انتهى إلى محمّد صلی الله علیه وآله وسلم .(4)
423- أقول: لا ينافي هذا الحديث ما رواه الفاضل العلّامة المجلسي (رحمه الله) في البحار، عن النعماني : بإسناده عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال : ألا أريك قميص القائم الّذي يقوم عليه؟ فقلت : بلى، فدعا بقمطر (5) ففتحه، وأخرج منه قمیص کرابیس، فنشره، فإذا في كمه الأيسر دَمٌ.
فقال : هذا قميص رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الّذي عليه يوم ضربّت ربّاعيته، وفيه يقوم
ص: 238
القائم، فقبلت الدم ووضعته على وجهي، ثمّ طواه أبو عبدالله علیه السلام ورفعه .(1)
لأنه يحتمل أن يلبس کلّ واحد منهما في بعض الأحيان، ويحتمل أيضاً أن يكون قميص إبراهيم معه على عضده أو غيره، إذ لا صراحة في الحديث الأول على کونه علیه السلام لابساً له، والله العالم.
(إبراهيم) بني البيت، ووضع الحجر الأسود مكانه،
قال الله عزّ وجلّ: «وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» .(2)
424. وفي البرهان وغيره: عن عقبة بن بشیر، عن أحدهما - أي الباقر والصادق علیه السلام - قال علیه السلام: إن الله عزّ وجلّ أمر إبراهيم علیه السلام ببناء الكعبة، وأن يرفع قواعدها، ويري الناس مناسكهم، فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت کلّ يوم ساقاً، حتّی انتهى إلى موضع الحجر الأسود،
وقال أبو جعفر علیه السلام : فنادى أبو قبيس إبراهيم علیه السلام :
إنّ لك عندي وديعة، فأعطاه الحجر، فوضعه موضعه . (3)
(القائم علیه السلام) له مثل ذلك :
425- ففي البحار : عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتّی يرده إلى أساسه، وحول المقام إلى الموضع الّذي كان فيه ، الخبر . (4)
426- وفي الخرائج : عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولویه (5) قال :
ص: 239
لما وصلت بغداد في سنة تسع (1) وثلاثين وثلاثمائة للحج وهي السنة التي رد القرامطة(2) فيها الحجر في مكانه إلى البيت كان أكبر همي الظفر بمن ينصب الحجر، لأنه مضى(3) في أثناء الكتب قصة أخذه ، وأنه لا يضعه في مكانه إلا الحجّة في الزمان ، كما في زمان الحجاج وضعه زین العابدین علیه السلام مكانه فاستقر، فاعتللت علة صعبة خفت منها على نفسي، ولم يتهيأ لي ما قصدت له
فعرفت أن ابن هشام يمضي إلى الحرم فكتبت رقعة وأعطيته إياها مختومة أسأل فيها عن مدة عمري، وهل تكون الموتة(4) في هذه العلة أم لا؟ وقلت له : همي في إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه وأخذ جوابه، وإنما أندبك لهذا . قال : فقال المعروف بابن هشام :
لمّا حصلت بمكّة، وعزم على إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه ، وأقمت معي منهم من يمنع عتي ازدحام الناس، فكلما عمد إنسان لوضعه اضطربّ، ولم يستقم.
فأقبل غلام أسمرّ اللون، حسن الوجه ، فتناوله فوضعه في مكانه، فاستقام كأنه لم يزل عنه، وعلت لذلك الأصوات، فانصرف خارجة من الباب .
فنهضت من مكاني أتبعه، وأدفع الناس عني يميناً وشمالا حتّی ظن بي الاختلاط في العقل، والناس يفرجون له وعيني لا تفارقه حتّی انقطع عن الناس فكنت أسرع المشي(5)خلفه، وهو يمشي على تؤدة السير (6) ولا أدرکه.
فلمّا حصل بحيث لا أحد يراه غيري وقف، والتفت إلي، فقال علیه السلام:
هات ما معك، فناولته الرقعة، فقال : من غير أن ينظر إليها : قل له:
ص: 240
لا خوف عليك من هذه العلة، ويكون ما لا بدّ منه بعد ثلاثين سنّة .
قال : فوقع علىَّ الدمع حتّی لم أطق حراكاً، وتركني وانصرف.
قال أبو القاسم: فحضر، فأعلمني بهذه الجملة ، قال :
فلمّا كان سنّة ثلاثين اعتل أبو القاسم، فأخذ ينظر في أمره بتحصيل جهاز قبره، وكتب وصيته، فاستعمل الجد في ذلك، فقيل له : ماذا الخوف؟ ونرجو أن يتفضل الله بالسلامة، فما عليك ممّا تخافه؟
فقال : هذه السنّة التي خوفت فيها، فمات في علته ومضی (رحمه الله) .(1)
(إبراهيم) أنجاه الله تعالى من النار، قال عزّ وجلّ في كتابه الكريم :
«قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ » (2)
(القائم) يظهر مثل ذلك بكرامته :
427- ففي بعض الكتب : عن محمّد بن زيد الكوفي، عن الصادق علیه السلام قال : يأتي إلى القائم علیه السلام حين يظهر رجل من إصفهان، ويطلب منه معجزة إبراهيم خليل الرحمان، فيأمر علیه السلام أن توقد نار عظيمة، ويقرأ قوله تعالی : «فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»(3) ثمّ يدخل في النار، ثم يخرج منها سالماً، فينكر الرجل، لعنة الله تعالى عليه، ويقول: هذا سحر .
فيأمر القائم علیه السلام النار فتأخذه، وتحرقه فيحترق، ويقول هذا جزاء من أنکر صاحب الزمان، وحجّة الرحمان، صلوات الله وسلامه عليه .
(إبراهيم) دعا الناس إلى الله لقوله تعالى : «وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ» (4).
428- وفي البرهان : عن أبي جعفر علیه السلام قال : إن إبراهيم أذن في الناس بالحج، فقال : أيها الناس إني إبراهيم خليل الله، وإن الله أمركم أن تحجوا هذا البيت فحجوه، فأجابه من يحج إلى يوم القيامة .(5)
ص: 241
(القائم علیه السلام) يدعو الناس إلى الله، وقد مرّ ما يدل على ذلك في حرف الدال، وفي أول حرف الكاف، ويأتي ما يدل عليه إن شاء الله تعالى .(1)
(إسماعيل) بشر الله تعالی بولادته، قال عزّ وجلّ :«فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ »(2)
(القائم علیه السلام) بشر الله تعالى بولادته، وبقيامه ،
وقد مرّ ما يدل على ذلك في الباب الثالث،
وبشر بذلك أيضاً رسول الله والأئمة الأطهار علیهم السلام .
429- ويدل عليه ما في تبصرة الولي والبحار : عن إسماعيل بن علي النوبختي (رحمه الله) قال : دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ علیه السلام في المرضية التي مات فيها فأنا عنده إذ قال علیه السلام لخادمه عقيد - وكان الخادم أسود نوبيا (3) قد خدم من قبله عليّ بن محمّد علیه السلام، وهو ربّي الحسن علیه السلام - فقال له : يا عقید، اغل لي ماء بمصطكي، فأغلى له، ثمّ جاءت به صیقل الجارية، أمّ الخلف علیه السلام
فلمّا صار القدح في يده، وهم بشربّه فجعلت يده تر تعد، حتّی ضربّ القدح ثنايا الحسن علیه السلام فتركه من يده، وقال لعقيد :
ادخل البيت فإنك ترى صبياً ساجداً فأتني به.
قال أبو سهل : قال عقيد: فدخلت أتحرى (4) ، فإذا أنا بصبي ساجد رافع سبابته نحو السماء، فسلمت عليه، فأوجز في صلاته ، فقلت :
إن سيّدي يأمرك بالخروج إليه، إذ جاءت أمه صیقل، فأخذت بيده ، وأخرجته إلى أبيه الحسن علیه السلام.
قال أبو سهل : فلمّا مثل الصبي بين يديه سلم، وإذا هو دري اللون، وفي شعر رأسه قطط ، مفلج الأسنان، فلمّا رآه الحسن علیه السلام بکی، وقال :
ص: 242
یا سید أهل بيته، اسقني الماء، فإني ذاهب إلى ربّي، وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده، ثمّ حرك شفتيه ثمّ سقاه ، فلمّا شربّه قال :
هيؤوني للصلاة، فطرح في حجره مندیل، فوضاه الصبي واحدة واحدة ومسح على رأسه وقدميه.
فقال له أبو محمّد علیه السلام: أبشر يا بنيّ، فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي، وأنت حجّة الله في أرضه، وأنت ولدي ووصيي، وأنا ولدتك، وأنت م ح م د بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسی بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، ولدك رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وأنت خاتم الأئمة الطاهرين، وبشر بك رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وسمّاك وكنّاك، بذلك عهد إلي أبي، عن آبائك الطاهرين صلى الله على أهل البيت، ربّنا إنّه حمید مجید،
ومات الحسن بن عليّ من وقته صلوات الله عليهم أجمعين .(1)
أقول: كان وفاته بالسم في ثامن شهر ربّيع الأول من سنة ستين ومائتين وكان عمره ثمانية وعشرين سنّة صلوات الله عليه .
(إسماعيل علیه السلام) انفجر له من الأرض عین زمزم.
(القائم علیه السلام) ينفجر له من الحجر الصلب.
كما يأتي في شباهته بموسى وقد نبع له من الأرض مراراً :
430- منها ما في البحار عن كتاب تنبيه الخواطر : حدّثني السیّد الأجلّ علي بن إبراهيم العريضي العلوي الحسيني، عن عليّ بن عليّ بن نما، قال : حدثنا الحسن بن عليّ بن حمزة الأقاسي، في دار الشريف عليّ بن جعفر بن علي المدائني العلوي، قال : كان بالكوفة شيخ قصار، وكان موسوماً بالزهد ، منخرطا (2) في سلك السياحة، متبتلا للعبادة، مقتضياً للآثار الصالحة،
ص: 243
فاتفق يوما أنتي كنت بمجلس والدي، وكان هذا الشيخ يحدثه وهو مقبل عليه ، قال : كنت ذات ليلة بمسجد جعفي، وهو مسجد قديم في ظاهر الكوفة وقد انتصف الليل، وأنا بمفردي فيه للخلوة والعبادة، إذ أقبل عليّ ثلاثة أشخاص، فدخلوا المسجد، فلمّا توسطوا صرحته جلس أحدهم، ثمّ مسح الأرض بيده يمنة ويسرة، وخضخض الماء ونبع، فأسبغ الوضوء منه .
ثمّ أشار إلى الشخصين الآخرين بإسباغ الوضوء، فتوضئا، ثمّ تقدم فصلی بهما إماماً، فصليت معهم مؤتمّاً به، فلمّا سلم وقضى صلاته ، بهرني حاله واستعظمت فعله من إنباع الماء، فسألت الشخص الّذي كان منهما على يميني عن الرجل، فقلت له : من هذا؟ فقال لي: هذا صاحب الأمر، ولد الحسن علیه السلام فدنوت منه وقبلت يديه، وقلت له : يابن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ما تقول في الشريف عمر بن حمزة هل هو على الحقّ؟ فقال: لا، وربّما اهتدى، إلا أنه لايموت حتّی يراني، فاستطرفنا هذا الحديث .
فمضت برهة طويلة فتوقي الشريف عمر، ولم يسمع أنه لقيه علیه السلام
فلمّا اجتمعت بالشيخ الزاهد ابن بادية أذكرته بالحكاية التي كان ذکرها، وقلت له مثل الراد عليه: أليس كنت ذكرت أن هذا الشريف لايموت حتّی يرى صاحب الامرّ الّذي أشرت إليه؟ فقال لي: ومن أين علمت أنه لم يره .
ثمّ إنني اجتمعت فيما بعد بالشريف أبي المناقب ولد الشريف عمر بن حمزة، وتفاوضنا أحاديث والده، فقال : إنا كنا ذات ليلة في آخر الليل عند والدي، وهو في مرضه الّذي مات فيه، وقد سقطت قوته، وخفت صوته والأبواب مغلقة علينا، إذ دخل علينا شخص هبناه، واستطرفنا دخوله، وذهلنا (1) عن سؤاله ، فجلس إلى جنب والدي، وجعل يحدثه مليّاً، ووالدي يبكي .
ثمّ نهض، فلمّا غاب عن أعيننا، تحامل والدي، وقال :
ص: 244
أجلسوني فأجلسناه، وفتح عينيه وقال : أين الشخص الّذي كان عندي؟
فقلنا : خرج من حيث أتي، فقال : اطلبوه، فذهبنا في أثره فوجدنا الأبواب مغلقة، ولم نجد له أثرا فعدنا إليه ، فأخبرناه بحاله، وأنا لم نجده، وسألناه عنه
فقال : هذا صاحب الأمر. ثمّ عاد إلى ثقله في المرض، وأغمي عليه . (1)
أقول: قد مرّ ما يناسب هذا المقام في حرف الظاء المعجمة فراجع .
(إسماعيل) كان يرعى الأغنام.
431- (القائم علیه السلام) في حديث مفضل (رحمه الله) عن الصادق علیه السلام:
ووالله يامفضل، كأني أنظر إليه دخل مكة، وعليه بردة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعلى رأسه عمامة صفراء، وفي رجليه نعلا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم المخصوفة، وفي ايده هراوته علیه السلام (2) يسوق بين يديه عنازاً(3) عجافاً، حتّی يصل بها نحو البيت ليس ثمّ أحد يعرفه، ويظهر وهو شاب. الخبر .(4)
(إسماعيل علیه السلام) سلم لأمر الله عزّ وجلّ، وقال :
«و يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ » (5) .
(القائم علیه السلام) سلم لأمر الله عزّ وجلّ.
(إسحاق علیه السلام) بشر الله تعالی بولادته بعد يأس سارة عن ذلك، قال عز وجلّ : «وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ *قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ )» (6) .
(القائم علیه السلام) بشر بولادته بعد يأس الناس من ذلك .
ص: 245
432- ففي الخرائج : عن عیسی بن صبيح (1)قال :
دخل الحسن العسکري علیه السلام علينا الحبس، وكنت به عارفاً، فقال لي : لك خمس وستّون سنة وشهر ويومان، وكان معي کتاب دعاء وعليه تاريخ مولدي وإني نظرت فيه فكان كما قال : ثمّ قال : هل رزقت من ولد؟ قلت: لا،
قال : اللهمّ ارزقه ولداً يكون له عضداً، فنعم العضد الولد، ثمّ تمثل وقال :
من كان ذا عضد يدرك ظلامته*** إن الذليل الّذي ليست له عضد (2)
فقلت له : ألك ولد؟ قال علیه السلام: أي والله، سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطا وعدلا ، فأما الآن فلا، ثمّ تمثل علیه السلام وقال :
العلك يوما أن تراني كأنما ***بني حوالي الأسود اللوابدُ
فإن تميماً قبل أن يلد الحصا*** أقام زمانا وهو في الناس واحد (3)
(لوط علیه السلام) نزل الملائكة لنصرته،
«قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ» الآية . (4)
(القائم علیه السلام) تنزل الملائكة لنصرته، وقد مرّ ما يدل على ذلك .
433- وفي خبرجارية أبي محمّد علیه السلام: لما ولد السیّد علیه السلام (5)، رأت له نوراً ساطعا قد ظهر منه وبلغ أفق السماء، ورأت طیوراً بيضاء تهبط من السماء، وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه، وسائر جسده ، ثمّ تطير ،
فأخبرنا أبا محمّد علیه السلام بذلك، فضحك، ثمّ قال :
ص: 246
تلك الملائكة نزلت للتبرك بهذا المولود وهي أنصاره إذا خرج(1)
هذا وقد مرّ في قوة المؤمنين ما يناسب المقام . (2)
(لوط علیه السلام) خرج عن بلاد الفاسقين .
(القائم علیه السلام) خرج عن بلاد الفاسقين .
(یعقوب علیه السلام) جمع الله شمله بعد زمان طويل.
(القائم علیه السلام ) يجمع الله شمله بعد زمان أطول من زمن يعقوب.
(يعقوب علیه السلام) بکی عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (3)
(القائم علیه السلام) بکی لجده الحسين علیه السلام :
434-فقال في زيارة الناحية : ولابكين عليك بدل الدموع دما . (4)
(یعقوب علیه السلام ) كان ينتظر الفرج، ويقول:
« وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ» (5)
(القائم علیه السلام) ينتظر الفرج، كما تشهد به الروايات .
(یوسف) كان أجمل أهل زمانه .
(القائم علیه السلام) أجمل أهل زماناً، وقد مرّ ما يدل عليه في جماله .
(یوسف) غاب زماناً طويلا فدخل عليه إخوته«وفَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ»(6)
(القائم علیه السلام) غاب عن الخلق، وهو مع ذلك يسير فيهم، ويعرفهم ولا يعرفونه، وقد مرّ ما يدل على ذلك في حرف الغين المعجمة .
(یوسف) أصلح الله تعالى أمره في ليلة واحدة، حيث رأى فيها ملك مصر
ص: 247
في المنام ما رأي .
(القائم علیه السلام) يصلح الله تعالى أمره في ليلة واحدة فيجمع له فيها أعوانه من أقاصي البلاد:
435- روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدين : عن أبي جعفر علیه السلام قال :
إن صاحب هذا الأمر فيه شبه (1)من يوسف ( ابن أمة سوداء) (2) يصلح الله عزّ وجلّ أمره في ليلة واحدة .(3)
436. وعن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال :
المهدي منّا أهل البيت، يصلح الله له أمره في ليلة . (4)
(یوسف) ابتلي بالسجن ، قال : « رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ»
(القائم علیه السلام) مرّ في حديث أبي جعفر علیه السلام أنه قال :
في صاحب هذا الأمر سنّة من موسى، وسنّة من عیسی، وستة من يوسف وسنّة من محمّد صلی الله علیه وآله وسلم - إلى أن قال : وأما من يوسف : فالسجن والغيبة .(5)
أقول: إعتبر أيها المحبة الموالي، وتأمل في عظمة مصيبة مولاك، وشدة محنته، كيف صارت الدنيا بسعتها، والأرض بر حبها سجنا له، بحيث لا يأمن أن يظهر لجور المعاندين، ومعاندتهم إياه .
نسأل الله تعالى أن يعجلّ فرجه ويسهل مخرجه .
(یوسف علیه السلام) لبث في السجن بضع سنین.
(القائم علیه السلام ) ليت شعري كم يلبث في السجن ولا يخرج؟ !
ص: 248
(يوسف) غاب عن خاصته وعامته واختفى عن إخوته، وأشکل أمره على أبيه يعقوب، مع قرب المسافة بينه وبين أهله وشيعته ، كما في الحديث .(1)
437۔ (القائم علیه السلام) في حديث آخر في كمال الدين عن الباقر علیه السلام - في بیان شباهته بجمع من الأنبياء - قال علیه السلام: وأما شبهه من يوسف بن يعقوب علیه السلام فالغيبة من خاصته وعامته واختفاؤه من إخوته، وإشكال أمره على أبيه يعقوب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشیعته (الخبر) .(2)
أقول: الأخبار الدالة على كونه علیه السلام معنا، واطلاعه علينا كثيرة،
ولعلنا نذكر بعضها في هذا الكتاب إن شاء الله تعالی .
(الخضر علیه السلام) طول الله عزّ وجلّ عمره، وهذا ثابت عند الفريقين
ويدل عليه أخبار كثيرة :
438۔ منها: ما في البحار عن المناقب : عن داود الرقي، قال : خرج أخوان لي يريدان المزار، فعطش أحدهما عطشاً شديداً، حتّی سقط من الحمار، وسقط الآخر في يده، فقام فصلى، ودعا الله ومحمّدأ صلی الله علیه وآله وسلم وأمیر المؤمنین والأئمة علیهم السلام كان يدعو واحداً بعد واحد حتّی بلغ إلى آخرهم جعفر بن محمّد علیه السلام فلم يزل يدعوه ويلوذ به، فإذا هو برجل قد قام عليه، وهو يقول: يا هذا ، ما قصتك؟ فذكر له حاله، فناوله قطعة عود، وقال : ضع هذا بين شفتيه ففعل ذلك ، فإذا هو قد فتح عينيه ، واستوى جالساً، ولا عطش به ، فمضى حتّی زار القبر
فلمّا انصرفا إلى الكوفة، أتى صاحب الدعاء المدينة ، فدخل على الصادق علیه السلام فقال له: اجلس، ما حال أخيك؟ أين العود؟ فقال : يا سيّدي إني لما أصبت بأخي اغتممت غمّاً شديداً فلمّا رد الله عليه روحه نسيت العود من الفرح
ص: 249
فقال الصادق علیه السلام: أما إنّه ساعة صرت إلى غم أخيك أتاني أخي الخضر فبعثت إليك على يديه قطعة غود من شجرة طوبی، ثمّ التفت إلى خادم له فقال :
عليّ بالسفط، فأتي به، ففتحه، وأخرج منه قطعة العود بعينها، ثمّ أراها إياه حتّی عرفها، ثمّ ردها إلى السفط .(1)
(القائم علیه السلام ) طول الله عمره، بل يظهر من بعض الأحاديث أن الحكمة في تطويل عمر الخضر علیه السلام أن يكون دليلا على طول عمر القائم علیه السلام :
439- روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدين - في حديث طويل نذكره في الباب الثامن إن شاء الله تعالى - عن الصادق علیه السلام أنه قال :
وأمّا العبد الصالح الخضر علیه السلام، فإن الله تبارك وتعالى ما طول عمره لنبوة قدرها له، ولا لكتاب ينزله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء، ولا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له، بلى، إن الله تبارك وتعالى لما كان في سابق علمه أن يقدر من عمر القائم علیه السلام ما يقدر من عمر الخضر، وما قدر في أيام غيبته ما قدر، وعلم ما یکون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طول عمر العبد الصالح من غير سبب يوجب ذلك إلا لعلة الإستدلال به على عمر القائم علیه السلام وليقطع بذلك حجّة المعاندین لئلا يكون للناس على الله حجّة .(2)
440- وفي كمال الدين أيضاً : عن الرضا علیه السلام، قال :
إنّ الخضر علیه السلام شربّ من ماء الحياة، فهو حي لا يموت حتّی ينفخ في الصور، وإنّه ليأتينا فيسلم [علينا]، فنسمع صوته ولا نرى شخصه، وإنّه ليحضر حيث ما ذكر، فمن ذكره منكم فليسلم عليه، وإنّه ليحضر الموسم کلّ سنّة فيقضي جميع المناسك ويقف بعرفة، فيؤمن على دعاء المؤمنين ،
ص: 250
وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته . (1)
(الخضر علیه السلام) إسمه بليا، وقيل غير ذلك، سمي خضراً لأنه كان لا يجلس على خشبة يابسة إلا اخضرت، كما عن الصدوق «رحمه الله» (2) وقيل لأنه كان إذا صلی اخضر ما حوله، وقيل : لأنه كان في أرض بيضاء فإذا هي تهتز خضراء من خلفه
وفي لفظه ثلاث لغات: فتح الخاء، وكسرها مع سكون الضاد، وفتح الخاء مع كسر الضاد.
441- (القائم علیه السلام) روي في النجم الثاقب:
أنه لا ينزل بأرض إلا اخضرت واعشوشبت، ونبع منها الماء، فإذا ارتحل غار الماء وصارت الأرض كما كانت . (3)
أقول: لهذا الخبر شواهد أخر يطول ذكرها في هذا المختصر .
(الخضر علیه السلام) أعطاه الله تعالى من القوة أنه يتصور كيف شاء - رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن الصادق علیه السلام (4).
(القائم علیه السلام) أعطاه الله تعالى ذلك، والروايات والحكايات الدالة على ذلك كثيرة ذكرنا بعضها في هذا الكتاب ، والله الموفق للصواب .
(الخضر علیه السلام) كان مأموراً بعلم الباطن ولهذا قال لموسى:
«إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا »(5)
(القائم علیه السلام) أيضاً مأمور بعلم الباطن
وقد مرّ ما يدل على ذلك في حكمه وعلمه .(6)
(الخضر علیه السلام) لم يتبين وجه أفعاله إلا بعد كشفه لذلك .
ص: 251
(القائم علیه السلام) لا يتبين وجه غيبته كما ينبغي إلا بعد ظهوره وكشفه لذلك كما مرّ ذلك مروياً في تنبيهات الغيبة من الغين المعجمة .(1)
(الخضر علیه السلام) يحضر الموسم کلّ سنّة فيقضي مناسك الحج كما عرفت .
(القائم علیه السلام) يحضر الموسم کلّ سنة فيقضي مناسك الحج.
وقد سبق ما يدلّ على ذلك في حجه، في الحاء المهملة (2)
ويعجبني هنا نقل رواية لطيفة وحكاية شريفة فيها فوائد عظيمة وموائد جسيمة :
442- روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كمال الدين: بإسناده عن أبي نعيم الأنصاري، ورواه الفاضل المجلسي «رحمه الله» في البحار، عن كتاب الغيبة للشيخ الأجلّ محمّد بن الحسن الطوسي (رحمه الله): بإسناده عن أبي نعيم أحمد بن محمّد الأنصاري، قال :
كنت حاضراً عند المستجار بمكّة، وجماعة زهاء ثلاثين رجلا، لم يكن منهم مخلص غير محمّد بن القاسم العلوي، فبينا نحن كذلك في اليوم السادس من ذي الحجّة سنّة ثلاث وتسعين ومائتين إذ خرج علينا شاب من الطواف، عليه إزاران محرم بهما وفي يده نعلان، فلمّا رأيناه قمنا جميعا هيبة له، ولم يبق منّا أحد إلا قام، فسلم علينا وجلس متوسطاً ونحن حوله.
ثمّ التفت يمينا وشمالا ، ثمّ قال : أتدرون ما كان أبو عبدالله علیه السلام يقول في دعاء الإلحاح؟ قلنا: وما كان يقول؟
قال علیه السلام: كان يقول: «اللهمّ إني أسألك باسمك الّذي به تقوم السماء ، وبه تقوم الأرض، وبه تفرق بين الحقّ والباطل، وبه تجمع بين المتفرق، وبه تفرق بين المجتمع، وبه أحصيت عدد الرمال، وزنة الجبال، وكيل البحار، أن تصلي على محمّد وآل محمّد، وأن تجعل لي من أمري فرجا ومخرجا».
ص: 252
ثمّ نهض ودخل الطواف، فقمنا لقيامه حتّی انصرف وأنسينا أن نذكر أمره أو أن نقول : من هو؟ وأي شيء هو؟ إلى الغد في ذلك الوقت، فخرج علينا من الطواف، فقمنا له كقيامنا بالأمس، وجلس في مجلسه متوسطاً، فنظر يمينا وشمالا وقال : أتدرون ما كان يقول أمیرالمؤمنین علیه السلام بعد صلاة الفريضة؟
فقلنا: وما كان يقول؟ قال : كان يقول: «إليك رفعت الأصوات، ودعيت الدعوات، ولك عنت الوجوه، ولك خضعت الرقاب، وإليك التحاكم في الأعمال، يا خير من سئل، ويا خير من أعطى، یا صادق، یا بارئ، یا من لايخلف الميعاد،
یا من أمر بالدعاء ووعد بالإجابة ، يا من قال : «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»(1)
يا من قال : «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ». (2)
ويا من قال : « يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ » (3) لبيك وسعديك، ها أنا ذا بين يديك ، المسرف، وأنت القائل :(لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) ثمّ نظر يمينا وشمالا بعد هذا الدعاء، فقال علیه السلام: أتدرون ما كان أمیرالمؤمنین علیه السلام يقول في سجدة الشكر؟ فقلنا : وما كان يقول؟
قال : كان يقول : يا من لا يزيده كثرة العطاء إلا سعة وعطاء، (یا من لا يزيده إلحاح الملحين إلا جوداً و کرماً) يا من لا ينفد خزائنه، يا من له خزائن السماوات والأرض، يا من له خزائن ما دق وجل، لايمنعك إساءتي من إحسانك، إني أسألك أن تفعل بي ما أنت أهله، فأنت أهل الجود، والكرم والعفو والتجاوز، يا ربّ يا الله، لا تفعل بي الّذي أنا أهله، فإني أهل العقوبة وقد استحققتها، لا حجّة لي ولا عذر لي عندك ، أبوء لك بذنوبي كلها، وأعترف
ص: 253
بها كي تعفو عنّي، وأنت أعلم بها متّي، بؤت إليك (1) بکلّ ذنب أذنبته، وبكل خطيئة أخطأتها، وبکلّ سيئة عملتها، یا ربّ اغفر لي وارحم وتجاوز عما تعلم إنك أنت الأعز الأكرم».
وقام فدخل الطواف، فقمنا لقيامه، وعاد من الغد في ذلك الوقت، فقمنا لإقباله کفعلنا فيما مضى، فجلس متوسطاً ونظر يميناً وشمالاً،
فقال : كان عليّ بن الحسین سید العابدين علیه السلام يقول في سجوده في هذا الموضع - وأشار بيده إلى الحجر تحت الميزاب - : «عبيدك بفنائك، مسکينك بفنائك، فقيرك بفنائك ، سائلك بفنائك، يسألك ما لا يقدر عليه غيرك»(2).
ثمّ نظر يمينا وشمالا ونظر إلى محمّد بن القاسم العلوي من بيننا، فقال : یا محمّد بن القاسم أنت على خير إن شاء الله، وكان محمّد بن القاسم يقول بهذا الأمر، ثمّ قام فدخل الطواف، فما بقي منا أحد إلا وقد ألهم ما ذكره من الدعاء وأنسينا أن نتذاكر أمره إلآ في آخر يوم . فقال لنا أبو عليّ المحمودي :
یا قوم، أتعرفون هذا؟ هذا والله صاحب زمانكم! فقلنا: وكيف علمت یا أبا علي؟ فذكر أنه مکث سبع سنين يدعو ربّه ويسأله معاينة صاحب الزمان علیه السلام .
قال : فبينا نحن يوماً عشية عرفة وإذا بالرجل بعينه يدعو بدعاء وعيته فسألته ممن هو؟ فقال علیه السلام: من الناس، قلت : من أي الناس؟ قال : من عربّها، قلت : من أي عربّها؟ قال: من أشرفها، قلت : ومن هم؟ قال : بنو هاشم،
قلت : من أي بني هاشم؟ قال : من أعلاها ذروة وأسناها رفعة، قلت : ممن؟ قال : ممن فلق الهام وأطعم الطعام، وصلى بالليل والناس نيام.
قال : فعلمت أنه علوي فأحببته على العلوية ، ثمّ افتقدته من بين يدي، فلم أدر كيف مضى، في السماء أم في الأرض؟ فسألت القوم الّذين كانوا حوله :
ص: 254
تعرفون هذا العلوي؟ قالوا: نعم، يحج معنا في کلّ سنة ماشياً، فقلت :
سبحان الله، والله ما أری به أثر مشي.
قال : فانصرفت إلى المزدلفة كئيباً حزيناً على فراقه، ونمت في ليلتي تلك
فإذا أنا برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : يا محمّد رأيت طلبتك؟
فقلت: ومن ذاك يا سيّدي؟ فقال صلی الله علیه وآله وسلم : الّذي رأيته في عشيتك هو صاحب زمانك ، قال : فلمّا سمعنا ذلك منه عاتبناه على أن لا يكون أعلمنا ذلك، فذكر أنه كان ينسى أمره إلى وقت ما حدثنا به . (1)
أقول: كان بين رواية الشيخ الصدوق في كمال الدين، وبين ما ذكره الفاضل المجلسي في البحار، نقلا عن غيبة الشيخ الطوسي اختلاف يسير في بعض الألفاظ، بحيث لا يغير المعنى، فجمعت بين الروايتين، والله الموفق.
(إلياس) طول الله عمره کالخضر علیه السلام
(القائم علیه السلام) طول الله عمره.
(إلياس) يحج کلّ سنّة كالخضر علیه السلام ويلتقيان .
443- يدل عليه ما في تفسير العسكري علیه السلام: أن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال لزيد بن أرقم: إن أردت أن لا يصيبك شرهم، ولا ينالك مكرهم، (يعني المنافقين والكافرين) فقل إذا أصبحت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإن الله يقيك من شرهم، فإنما هم شياطين« يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ». (2)
وإذا أردت أن يؤمنك بعد ذلك عن الغرق والحرق والسرق،
فقل إذا أصبحت: «بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا يَصْرِفُ السُّوءَ إِلَّا اللَّهُ بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا يَسُوقُ الْخَيْرَ إِلَّا اللَّهُ بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ مَا يَكُونُ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ
ص: 255
بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ بِسْمِ اللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبِين».
فإنّ من قالها ثلاثا إذا أصبح أمن من الغرق والحرق والسرق حتّی يمسي . ومن قالها ثلاثة إذا أمسى أمن من الحرق والغرق والسرق حتّی يصبح.
وإن الخضر وإلياس علیهما السلام يلتقيان في کلّ موسم ، فإذا تفرقا، تفرقا عن هذه الكلمات، وإن ذلك شعار شيعتي، وبه يمتاز أعدائي من أوليائي يوم خروج قائمهم. (1)
(القائم علیه السلام) يحج کلّ سنة.
وقد مرّ ما يدل عليه في حرف الحاء، وفي شباهته بالخضر علیه السلام .
ويأتي في الباب الخامس ما يدل عليه إن شاء الله تعالی.
(إلياس علیه السلام) هرب من قومه وغاب عنهم خوفاً لما أرادوا قتله .
(القائم علیه السلام) هرب من قومه وغاب عنهم خوفا لما أرادوا قتله .
(إلياس علیه السلام) غاب سبع سنين .
(القائم علیه السلام) ما أدري إلى متى تطول غيبته؟
(إلياس علیه السلام) سكن في جبل وعر.
444- (القائم علیه السلام )قال - في حديث عليّ بن مهزيار الأهوازي المروي في الكمال والبحار وتبصرة الولي وغيرها -:
أبي أبو محمّد علیهما السلام عهد إلي أن لا أجاور قوماً غضب الله عليهم ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ولهم عذاب أليم وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلّا وعرها ومن البلاد إلا قفرها، والله مولاكم أظهر التقيّة فوكلها بي، فأنا في التقيّة إلى يوم يؤذن لي فأخرج.
فقلت : يا سيّدي، متى يكون هذا الأمر؟
ص: 256
فقال علیه السلام: إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة، واجتمع الشمس والقمر واستدار بهما الكواكب والنجوم ... ، الخبر .(1)
(إلياس علیه السلام) أحيا الله تعالی بدعائه يونس النبي(2) وهو صبي، بعد أربعة عشر يوما من موته، كما في الحديث . (3)
(القائم علیه السلام )يحيى الله تعالی ببركته ودعائه أمواتاً بعد انقضاء سنين كثيرة من موتهم، منهم أصحاب الكهف، ومنهم خمسة وعشرون من قوم موسی الّذين يقضون بالحقّ وبه يعدلون (4)ومنهم يوشع وصي موسى، ومنهم مؤمن آل فرعون، ومنهم سلمان الفارسي، ومنهم أبو دجانة الأنصاري، ومنهم مالك الأشتر، رواه في البحار وغيره، عن الصادق علیه السلام . (5)
ويأتي ما يدل عليه في حرف النون إن شاء الله تعالى، ومن أنصاره أيضاً إلياس النبیّ كما في الرواية أيضاً عن الصادق، ويأتي إن شاء الله.
(إلياس علیه السلام) رفعه الله تعالى إلى السماء، كما روي عن ابن عباس . (6)
(القائم علیه السلام )رفعه الله إلى السماء، كما مرّ في شباهته بإدريس .
(إلياس علیه السلام) قيل : إنّه يغيث الملهوفين، المضطرين، الضالين في البراري والفيافي ويهديهم، والخضر يعينهم ويرشدهم في جزائر البحار،
(نقله المجلسي «رضي الله عنه» في حياة القلوب).
(القائم علیه السلام )يغيث الملهوفين، ويهدي الضالين، ويجيب المضطرين في البر
ص: 257
والبحر، بل في الأرض والسماء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
(إلياس علیه السلام) نزلت له المائدة من السماء بإذن الله تعالی.
445- يدل عليه ما في تفسير البرهان وغيره : عن أنس، أن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم سمع صوتا من قلة جبل : اللهمّ اجعلني من الأمة المرحومة المغفورة،
فأتى رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فإذا بشيخ أشيب قامته ثلاثمائة ذراع،
فلمّا رأى رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عانقه، ثمّ قال : إني آکلّ في کلّ سنة مرة واحدة وهذا أوانه، فإذا هو بمائدة أنزلت من السماء، فأكلا، وكان إلياس علیه السلام. (1)
446۔ (القائم علیه السلام )نزلت بأمره ولاجله المائدة من السماء .
ونكتفي في هذا المقام بذكر واقعة شريفة، ذكرها المجلسي وغيره ، نقلا عن أبي محمّد عیسی بن مهدي الجوهري، قال :
خرجت في سنة ثمان وستين ومائتين إلى الحج، و كان قصدي المدينة ، حيث صحّ عندنا أن صاحب الزمان صلوات الله وسلامه عليه قد ظهر فاعتللت، وقد خرجنا من فيد(2)، فتعلقت نفسي بشهوة السمك والتمرّ واللبن،
فلمّا وردت المدينة ولقيت بها إخواننا بشروني بظهوره علیه السلام بصابر .
فصرت إلى صابر، فلمّا أشرفت على الوادي رأيت عنيزات عجافاً، فدخلت القصر، فوقفت أرقب الأمر، إلى أن صليت العشاءين، وأنا أدعو وأتضرع وأسأل، فإذا أنا ببدر الخادم يصيح بي : یا عیسی بن مهدي الجوهري، ادخل فكبرت و هللت، وأكثرت من حمد الله عزّ وجلّ، والثناء عليه.
فلمّا صرت في صحن القصر، رأيت مائدة منصوبة، فمرّ بي الخادم إليها فأجلسني عليها، وقال لي : مولاك يأمرك أن تأکلّ ما اشتهيت في علتك، وأنت
ص: 258
خارج من فيد، فقلت : حسبي بهذا برهانا، فكيف آکلّ ولم أر سيّدي ومولاي فصاح علیه السلام : یا عیسی کل من طعامك، فإنك تراني.
فجلست على المائدة فنظرت فإذا عليها سمك حار يفور، وتمرّ إلى جانبه أشبه التمور بتمورنا، وبجانب التمرّ لبن، فقلت في نفسي: عليل وسمك وتمر ولبن، فصاح علیه السلام بي : يا عيسى، أتشك في أمرنا؟ أفأنت أعلم بماينفعك ويضرك؟
فبكيت واستغفرت الله تعالى وأكلت من الجميع، وكلما رفعت يدي منه لم يتبين موضعها فيه، فوجدته أطيب ما ذقته في الدنيا فأكلت منه كثيراً حتّی استحييت فصاح علیه السلام بي: لا تستحي يا عيسى، فإنّه من طعام الجنّة، لم تصنعه يد مخلوق، فأكلت، فرأيت نفسي لا تنتهي عنه من أكله.
فقلت : يا مولاي حسبي، فصاح بي: أقبل إلي، فقلت في نفسي : آتي مولاي ولم أغسل يدي، فصاح بي: يا عيسى، وهل لما أكلت غمر؟
فشممت يدي، وإذا هي أعطر من المسك والكافور، فدنوت منه علیه السلام فبدا لي نور غشي بصري، ورهبت حتّی ظننت أن عقلي قد اختلط.
فقال لي: يا عیسی، ما كان لك أن تراني لولا المكذبون القائلون بأين هو؟ ومتى؟ وأين ولد؟ ومن رآه؟ وما الّذي خرج إليكم منه؟ وبأي شيء نبأكم؟ وأي معجز أتاكم؟ أما والله لقد دفعوا أمیرالمؤمنین مع ما رووه، وقدموا عليه وكادوه، وقتلوه، وكذلك آبائي علیهم السلام ولم يصدقوهم، ونسبوهم إلى السحر وخدمة الجن إلى ما تبين .
یا عیسی، فخبر أولياءنا ما رأيت، وإياك أن تخبر عدونا فتسلبه،
فقلت : يا مولاي ادع لي بالثبات ، فقال علیه السلام: لو لم يثبتك الله ما رأيتني وامض بنجحك راشداً، فخرجت أكثر حمدا لله وشكراً. (1)
ص: 259
(ذو القرنين) لم يكن نبيا ولكنه دعا إلى الله تعالى وأمر بتقوى الله جلّ شأنه (القائم عليه الصلاة والسلام) ليس نبيا ، إذ لا نبیّ بعد نبينا محمّد المصطفى صلی الله علیه وآله وسلم ولكنه يدعو إلى الله ويأمر بتقوى الله كما مر.
(ذو القرنين) (1)كان حجّة على الناس.
(القائم علیه السلام )حجّة على جميع أهل العالم.
(ذو القرنین) رفعه الله [تعالى] إلى السماء الدنيا فكشط له عن الأرض كلها جبالها وسهولها وفجاجها، حتّی أبصر ما بين المشرق والمغربّ، وآتاه الله من کلّ شيء علما يعرف به الحقّ والباطل، وأيده في قرنيه بكسف من السماء فيه ظلمات ورعد و برق، ثمّ أهبط إلى الأرض، وأوحي إليه : أن سر في ناحية غربّ الأرض وشرقها، إلخ، رواه الفاضل المجلسي (رحمه الله) في خامس البحار - في حديث طويل - عن أمیرالمؤمنین علیه السلام. (2)
(القائم علیه السلام )رفعه الله تعالى إلى ما فوق السماء ثمّ أهبط إلى الأرض كما مر
(ذو القرنین) غاب عن قومه غيبة طويلة .
(القائم علیه السلام )غاب عن قومه غيبة طويلة .
وفي حديث أحمد بن إسحاق، عن العسكري علیه السلام قال أحمد: فما السنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين ؟ قال علیه السلام: طول الغيبة يا أحمد ... الخبر .
وقد مرّ بطوله في غيبته من حرف الغين المعجمة .(3)
(ذو القرنين) بلغ مغربّ الشمس ومطلعها، كما نطق به القرآن الكريم. (4)
ص: 260
447- (القائم علیه السلام )كذلك ، ففي كمال الدين : بإسناده عن جابر الأنصاري قال : سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقول : إن ذا القرنين كان عبدا صالحا جعله الله عز وجلّ حجّة على عباده، فدعا قومه إلى الله وأمرهم بتقواه، فضربّوه على قرنه فغاب عنهم زمانا، حتّی قيل : مات أو هلك بأي واد سلك ؟ ثمّ ظهر ورجع إلى قومه، فضربّوه على قرنه الآخر، وفيكم من هو على سنّته
وإن الله عزّ وجلّ مكن لذي القرنين في الأرض، وجعل له (1)من کلّ شيء سبباً ، وبلغ المغربّ والمشرق، وإن الله عزّ وجلّ سيجري سنته في القائم من ولدي، فيبلغه شرق الأرض وغربّها، حتّی لا يبقى منهلاً ولا موضعاً [منها] من سهل أو جبل وطئه ذو القرنين إلاّ وطئه ،
ويظهر الله عزّ وجلّ له كنوز الأرض ومعادنها، وينصره بالرعب، فيملا الأرض به عدلا وقسطاً، كما ملئت جوراً وظلماً . (2)
(ذو القرنين علیه السلام) ملك ما بين المشرق والمغربّ
(القائم علیه السلام) يملك ما بين المشرق والمغربّ.
(ذو القرنين علیه السلام) لم يكن نبيا، كما في الحديث لكن أوحي إليه . (3)
(القائم علیه السلام )ليس نبيا لكنه يوحى إليه ، كما في الحديث.
(ذو القرنین علیه السلام) ركب السحاب .
448۔ (القائم علیه السلام )يركب السحاب
ويدل على ما ذكرنا ما رواه الصقار والفاضل المجلسي (رحمه الله) في البحار عن البصائر والاختصاص : بإسنادهما عن عبدالرحيم، عن أبي جعفر علیه السلام قال : [أما] إن ذا القرنين قد خير السحابين، فاختار الذلول وذخر لصاحبكم الصعب
قال [الراوي ]: قلت: وما الصعب ؟ قال : ما كان من سحاب فيه رعد وصاعقة أو برق فصاحبكم يركبه، أما إنّه سيركب السحاب ويرقي في الأسباب :
ص: 261
أسباب السماوات السبع، والأرضين السبع، خمس عوامرّ، واثنتان خرابان .
وفي بصائر الدرجات : بإسناده عن سورة، عن أبي جعفر علیه السلام (مثله) .(1)
449- وبإسنادهما عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إن الله خير ذا القرنين السحابين الذلول والصعب، فاختار الذلول، وهو ما ليس فيه برق ولا رعد، ولو اختار الصعب لم يكن له ذلك، لأن الله إخره للقائم علیه السلام. (2)
450۔ (شعيب علیه السلام) دعا قومه إلى الله، حتّی كبر سنه، ودق عظمه، ثم غاب عنهم ما شاء الله، ثمّ عاد إليهم شاباً.
رواه الفاضل المجلسي (رحمه الله) في خامس البحار، عن أمیرالمؤمنین علیه السلام . (3)
(القائم علیه السلام )يظهر مع طول عمره في صورة شاب له دون أربعين سنة .
وقد مرّ ما يدل على ذلك . (4)
451 -وفي البحار : عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
«ليس صاحب هذا الأمر من جاز أربعين» (5) . (6)وفي معناه أخبار عديدة .
452۔ (شعيب علیه السلام) في النبوي : إنّه بکی شعيب من حب الله حتّی عمی فرد الله عزّ وجلّ عليه بصره، ثمّ بكى حتّی عمى، فرد الله عليه بصره، ثمّ بكى حتّی عمی، فرد الله عليه بصره، إلخ.(7)
(القائم علیه السلام )في زيارة الناحية : ولأبكين عليك بدل الدموع دماً .(8)
(شعيب علیه السلام) نادى في قومه : «بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين» .
ص: 262
453۔ (القائم علیه السلام )في كمال الدين : عن أبي جعفر علیه السلام أن القائم علیه السلام إذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا،
فأول ما ينطق به هذه الآية :«بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» (1)
ثمّ يقول : أنا بقية الله وحجته ، وخليفته عليكم،
فلا يسلم عليه مسلم إلا قال : السلام عليك يا بقية الله في أرضه ،
فإذا اجتمع له العقد - وهو عشرة آلاف رجل - خرج فلا يبقى في الأرض معبود دون الله عزّ وجلّ من صنم ووثن وغيره، إلا وقعت فيه نار فاحترق وذلك بعد غيبة طويلة، ليعلم الله من يطيعه بالغيب ، ويؤمن به .)
(شعيب علیه السلام) احترق مكذبوه بنار خرجت من السحابة التي أظلتهم، قال الله عزّ وجلّ: «فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ » (2).
(القائم علیه السلام )يحرق الأوثان وجميع ما يعبد من دون الرحمان في زمان ظهوره بالنار، كما عرفت آنفا في الحديث .
(موسی علیه السلام ) اختفى الحمل به .
(القائم علیه السلام )اختفى الحمل به .
(موسی علیه السلام ) أخفى الله ولادته .
(القائم علیه السلام ) أخفى الله تعالى ولادته .
(موسی علیه السلام ) غاب عن قومه غیبتين، إحداهما أطول من الأخرى :
فالأولى غيبته عن مصر، والثانية حين ذهب إلى ميقات ربّه ،
ومدة الأولى كانت ثمانية وعشرين سنّة.
ص: 263
454- كما في رواية الصدوق، في كمال الدين : بإسناده عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله علیه السلام قال : سمعته يقول:
في القائم سنّة من موسی بن عمران علیه السلام فقلت : وما سنّة موسی بن عمران؟
فقال : خفاء مولده ، وغيبته عن قومه ، فقلت : وكم غاب موسی بن عمران علیه السلام عن قومه وأهله؟ فقال : ثماني وعشرين سنة .(1)
ومدة الثانية أربعين ليلة، قال الله : « فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً » (2).
(القائم علیه السلام )غاب عن قومه غیبتين، إحداهما أطول من الأخرى، كما مر.
(موسی علیه السلام) کلمه الله تعالى، فقال : «قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ » (3)
(القائم علیه السلام )كلمه الله تعالى حين رفع إلى سرادق العرش،
455۔ ففي البحار : عن أبي محمّد العسكري علیه السلام، قال :
لما وهب لي ربّي مهدي هذه الأمة، أرسل ملكين، فحملاه إلى سرادق العرش، حتّی وقفا به بين يدي الله عزّ وجلّ،
فقال له : مرحبا بك عبدي لنصرة ديني وإظهار أمري، ومهدي عبادي،
آليت أتي بك آخذ، وبك أعطي، وبك أغفر ، وبك أعذب ... الخبر. (4)
(موسى علیه السلام ) غاب عن قومه وعن غيرهم، خوفا من أعدائهم،
قال الله عزّ وجلّ: فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ الآية(5).
(القائم علیه السلام )غاب عن قومه وعن غيرهم، خوفا من أعدائه، كما مر.(6)
(موسى على نبينا وآله وعليه السلام) وقع قومه في زمان غيبته في غاية التعب والمشقة والذلة، فإن أعداءهم كانوا يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم.
ص: 264
(القائم علیه السلام ) يقع شيعته ومحبوه في زمان غيبته في غاية التعب والمشقة والذلة «وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ»(1)
456- ففي كمال الدين عن أبي جعفر علیه السلام - في بيان شباهته بجمع من الأنبياء - قال علیه السلام : وأما سنّة (2) من موسى علیه السلام فدوام خوفه وطول غيبته وخفاء ولادته وتعب شیعته من بعده ممّا لقوا من الأذى والهوان إلى أن أذن الله عزوجل في ظهوره، ونصره وأيده على عدوه .(3)
457- وفي البحار، عن النعماني: بإسناده عن أمیرالمؤمنین علیه السلام قال :
لا تنفك هذه الشيعة حتّی تكون بمنزلة المعز، لا يدري الخابس (4)على أيها يضع يده ، فليس لهم شرف يشرفونه، ولا سناد يستندون إليه في أمورهم . (5)
458- وفيه، عن أمالي الشيخ: عن أمیرالمؤمنین علیه السلام قال :
لتملأن الأرض ظلماً وجوراً حتّی لا يقول أحد: «الله» إلاّ مستخفياً، ثم يأتي الله بقوم صالحين، يملأونها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً .(6)
459- وفيه - في علامات زمان الغيبة - عن الصادق علیه السلام في حديث طويل :
ورأيت المؤمن محزوناً محتقراً ذليلا، ورأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلا بقلبه، ورأيت من يحبنا يزور ولا يقبل شهادته، ورأيت السلطان يذل للكافر المؤمن ... الخبر، وهو طويل .(7)
ص: 265
460- وعن أمیرالمؤمنین علیه السلام - في بيان حال الشيعة في هذا الزمان وطول زمان شدتهم وابتلائهم - قال :
والله لا يكون ما تأملون حتّی يهلك المبطلون ويضمحل الجاهلون، ويأمن المتقون، وقليل ما يكون، حتّی لايكون لأحدكم موضع قدمه ، وحتّی تكونوا على الناس أهون من الميتة عند صاحبها ... الخبر .(1)
461- وفي حديث آخر: أن المؤمن يتمنى الموت في ذلك الزمان صباحاً ومساءً (2)، والأخبار في هذا المعنى كثيرة جداً، لكن الشدة کلّ الشدة في زمان خروج السفياني :
462- ففي البحار، عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي : بإسناده عن عمر بن أبان الكلبي، عن أبي عبدالله علیه السلام قال : كأني بالسفياني أو بصاحب السفياني قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة، فنادى مناديه : من جاء برأس شيعة عليّ علیه السلام فله ألف درهم، فيثب الجار على جاره، ويقول : هذا منهم، فيضربّ عنقه ويأخذ ألف درهم، أما إن إمارتكم يومئذ لا تكون إلا لأولاد البغايا،
وكأني أنظر إلى صاحب البرقع، قلت : ومن صاحب البرقع؟
فقال علیه السلام: رجل منکم، يقول بقولكم، يلبس البرقع، فيحوشكم (3) فيعرفكم ولا تعرفونه، فيغمز بكم رجلا رجلا، أما إنّه لا يكون إلا ابن بغي. (4)
أقول: خروج السفياني، من العلامات المحتومة قبل ظهور القائم عجلّ الله تعالی فرجه كما نطقت بذلك روايات كثيرة، وهو من أحفاد بني أُمّية لعنهم الله تعالی واسمه : عثمان بن عيينة .(5)(
ص: 266
463- وعن الصادق علیه السلام ، قال : إنك لو رأيت السفياني، رأيت أخبث الناس، أشقر، أحمر، أزرق .(1)
464- وعن أمیرالمؤمنین علیه السلام قال :
يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، وهو رجل ربعة، وحش الوجه(2) ضخم الهامة، بوجهه أثر الجدري ... الخبر .(3)
وتفصيل هذه الوقائع مذكور في البحار وغيره .
(موسی علیه السلام ) لما وقع قومه في التيه وتاهوا، وبقوا فيه، كانوا إذا ولد فيهم مولود يكون عليه ثوب يطول بطوله كالجلد .
نقله الطبرسي (رحمه الله) في مجمع البيان . (4)
(القائم علیه السلام )يكون لشيعته نظير ذلك في زمان ظهوره :
465- ففي المحجّة : عن الصادق علیه السلام قال :
إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها، واستغنى العباد عن ضوء الشمس، وصار الليل والنهار واحداً، (وذهبت الظلمة) وعاش الرجل في زمانه ألف سنة، يولد له في کلّ سنّة غلام، لا يولد له جارية، يكسوه الثوب فيطول عليه كلما طال، ويكون عليه أي لون شاء .(5)
(موسی علیه السلام)كان بنو إسرائيل ينتظرون قيامه لانّهم أخبروا بأن فرجهم على يده .
ص: 267
(القائم علیه السلام )شیعته ينتظرونه، لاتهم أخبروا بأن فرجهم على يده .
وقد مرّ بعض ما يدل على ذلك في حرف الفاء،
جعلنا الله تعالى من شیعته، ومنتظريه ، والذابين عنه والمحامين له (لمؤلّفه) :
فياربّ عجلّ في ظهور إمامنا ***وهذا دعاء للبرية شامل
(موسی علیه السلام ) قال الله تعالى : «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ»(1) الآية قال الطبرسي (رحمه الله) في مجمع البيان :
يريد أن قومه اختلفوا فيه، أي في صحة الكتاب الّذي أنزل عليه .(2)
(القائم علیه السلام )كذلك يختلف في الكتاب الّذي معه، وهو ما جمعه أمیرالمؤمنین علیه السلام وهو القرآن التام المدخر عند الحجّة علیه السلام:
466- ويدلّ على ذلك ما في روضة الكافي : بإسناده عن أبي جعفر في قوله تعالى :«وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ» قال :
اختلفوا كما اختلفت هذه الأمة في الكتاب ، وسيختلفون في الكتاب الّذي مع القائم الّذي يأتيهم به، حتّی ينكره ناس كثير ، فيقدمهم فيضربّ أعناقهم.(3)
467- وفي البحار، عن الشيخ الطوسي : بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إن أصحاب موسی (4) ابتلوا بنهر ، وهو قول الله تعالى : « إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ » (5)وإن أصحاب القائم علیه السلام يبتلون بمثل ذلك .(6)
(موسی علیه السلام) خصه الله تعالى بالعصا، وجعلها معجزة له .
(القائم علیه السلام )خصه الله بتلك العصا بعينها،
468- ففي كمال الدين : عن أبي جعفر علیه السلام قال : كانت عصا موسى لآدم علیه السلام فصارت إلى شعيب علیه السلام ثمّ صارت إلى موسی بن عمران، وإنّها لعندنا
ص: 268
وإن عهدي بها آنفا وهي خضراء، كهيئتها حين انتزعت من شجرتها، وإنّها التنطق إذا استنطقت، أعدت لقائمنا علیه السلام، يصنع بها ما كان يصنع بها موسی بن عمران علیه السلام، وإنّها تصنع ما تؤمرّ، وإنّها حيث ألقيت تلقف ما يأفكون بلسانها.
469- ورواه الفاضل المجلسي (رحمه الله) في الثالث عشر من البحار ، عن كتاب بصائر الدرجات : وفيه: أعدت لقائمنا، ليصنع كما كان موسى علیه السلام يصنع بها وإنّها لتروع وتلقف ما يأفكون، وتصنع كما تؤمرّ، وإنّها حيث أقبلت تلقف مايأفكون، تفتح لها شفتان(1)، إحداهما في الأرض، والأخرى في السقف وبينهما أربعون ذراعا وتلقف ما يأفكون بلسانها.
وروى ثقة الإسلام الكليني (رحمه الله) في الكافي، مثل هذا .(2)
470- وفي كتاب تذكرة الأئمة الّذي ينسب إلى الفاضل المجلسي، ولم أتثبته - روی عن محمّد بن زيد الكوفي، عن الصادق علیه السلام: إن رجلا من فارس يأتي القائم علیه السلام فيطلب عنه معجزة موسي ، فيلقي العصا فتصير ثعبانا مبينة، فيقول الرجل: هذا سحر، فتلقفه العصا بأمر شبيه موسى علیه السلام.
تنبيه : يناسب المقام - في ذكر تلك العصا وصفتها - نقل العلم العامل الفاضل المجلسي في خامس البحار، عن كتاب عرائس المجالس للثعلبي، أنه قال : اختلف في اسم العصا، فقال ابن جبير : إسمها ما شاء الله، وقال مقاتل : إسمها نفعة ، وقيل : غياث ، وقيل : عليق .
وأما صفتها، والمآربّ التي فيها لموسى علیه السلام،
فقال أهل العلم بأخبار الماضين : كان لعصا موسی شعبتان، ومحجن في أصل الشعبتين، وسنان حديد في أسفلها، فكان موسی علیه السلام إذا دخل مفازة ليلا ولم يكن قمر تضيء شعبناها كالشعبتين من نور، تضيئان له مد البصر، وكان إذ
ص: 269
أعوز الماء أدلاها في البئر، فجعلت تمتد إلى مقدار قعر البئر، وتصير في رأسها شبه الدلو يستقي، وإذا احتاج إلى الطعام ضربّ الأرض بعصاه فيخرج ما يأكل يومه، وكان. إذا اشتهي فاكهة من الفواكه غرزها في الأرض فتغنت أغصان تلك الشجرة التي اشتهی موسى فاكهتها، وأثمرت له من ساعتها،
ويقال : كان عصاه من اللوز فكان إذا جاع ركزها في الأرض (1) فأورقت، وأثمرت وأطعمت فكان يأکلّ منها اللوز، وكان إذا قاتل عدوه يظهر على شعبتيها تنينان (2) يتناضلان، وكان يضربّ على الجبل الصعب الوعر المرتقى وعلى الشجر، والعشب، والشوك فينفرج وإذا أراد عبور نهر من الأنهار بلا سفينة ضربّها عليه فانفلق، وبدا له طريق مهيع يمشي فيه .
وكان صلوات الله عليه يشربّ أحيانا من إحدى الشعبتين اللبن، ومن الآخر العسل
وكان إذا أعيا في طريقه يركبها، فتحمله إلى أي موضع شاء من غير ركض ولاتحريك رجل، وكانت تدله على الطريق، وتقاتل أعداءه،
وإذا احتاج موسى إلى الطيب فاح منها الطيب حتّی يتطيب ثوبه، وإذا كان في طريق فيه لصوص تخشى الناس جانبهم، تكلمه العصا وتقول له : خذ جانب كذا، وكان يهش بها على غنمه، ويدفع بها السباع والحيات والحشرات، وإذا سافر وضعها على عاتقه، وعلق عليها جهازه ومتاعه، ومخلاعته، ومقلاعه وكساءه، وطعامه وسقاءه إلى آخر ما قال ممّا لا يهمنا ذكره . (3)
وإنّما ذكرنا هذا المقدار لأن تلك العصا متعلقة ومخصوصة في هذه الأعصار بسیّدنا وإمامنا الغائب عن الأبصار، صلى الله عليه ما أظلم الليل وأشرق النهار ، كما نطقت به الأخبار، والله العالم بخبايا الأسرار .
471- وفي البحار، عن النعماني : بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
كانت عصا موسى قضيب آس من غرس الجنّة، أتاه بها جبرئیل علیه السلام لما
ص: 270
توجّه تلقاء مدين، وهي وتابوت آدم في بحيرة طبرية، ولن يبليا، ولن يتغيرا حتّی يخرجهما القائم علیه السلام إذا قام . (1)
(موسى علیه السلام) فر من مصر خوفا، قال الله عزّ وجلّ نقلا عنه :
«فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ » الآية (2).
(القائم علیه السلام )فر من الأمصار، وسكن فيافي القفار ، خوفا من الأشرار، لكنه مع ذلك يأتي الناس، ويمشي فيهم، ويطلع عليهم، وهم لا يعرفونه كما مر.
ويفر عند ظهوره أيضاً من المدينة المنورة خوفا من السفياني.
472. ويدل على ذلك ما في البحار وغيره : عن أبي جعفر علیه السلام - في شرح حال السفياني العنه الله» . قال :
ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة ، فينفر المهدي علیه السلام منها إلى مكة، فيبلغ أمیر جيش السفياني أن المهدي قد خرج إلى مكة، فيبعث جيشا على أثره فلا يدركه، حتّی يدخل مكة خائفا يترقب، على سنّة موسی بن عمران .
قال علیه السلام: وينزل أمير جيش السفياني البيداء، فينادي مناد من السماء یابیداء أبيدي القوم (3) فيخسف بهم، فلا يفلت منهم إلا ثلاثة نفر، يحول الله وجوههم إلى أقفيتهم وهم من كلب،
وفيهم نزلت هذه الآية : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا »، الآية). (4)(5)
(موسی) خسف الله تعالی بعدوه الأرض و هو قارون،
قال عزّ وجلّ:«فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ »(6) ، الآية.
ص: 271
(القائم علیه السلام )يخسف الله تعالى بأعدائه الأرض، وهم جيش السفياني كما ذكرنا آنفا .
(موسی علیه السلام) و«وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ»(1).
(القائم علیه السلام )يضيء نوره بحيث يستغني الناس عن ضوء الشمس والقمر .
ويأتي ما يدل على ذلك في نوره إن شاء الله تعالی.
(موسی علیه السلام) انفجرت له من الحجر اثنتا عشرة عيناً .
473- (القائم علیه السلام )روي في البحار، عن النعماني : بإسناده عن أبي جعفر علیهما السلام قال : إذا ظهر القائم علیه السلام ظهر براية رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وخاتم سليمان، وحجر موسی وعصاه، ثمّ يأمر مناديه فينادي :
ألا لا يحملن رجل منکم طعاما ولا شرابا ولا علفاً،
فيقول أصحابه : إنّه يريد أن يقتلنا ويقتل دوابّنا من الجوع والعطش، فيسير ويسيرون معه، فأول منزل ينزله يضربّ الحجر فينبع منه طعام وشراب و علف فيأكلون ويشربّون ودوابهم، حتّی ينزلوا النجف بظهر الكوفة.(2)
474-وفي كمال الدين : عنه علیه السلام قال : إذا خرج القائم علیه السلام من مكة ينادي مناديه : ألا لا يحملن أحد طعاما ولا شراباً، وحمل معه حجر موسی بن عمران علیه السلام وهو وقر بعير، فلا ينزل منزلا إلا انفجرت منه عيون، فمن كان جائعاً شبع ومن كان ظمآنا روي، ورويت دوابهم، حتّی ينزلوا النجف من ظهر الكوفة.
أقول: روى ثقة الإسلام الكليني (رحمه الله) في أصول الكافي : عن الصادق، عن أبيه علیه السلام ( مثله) بأدنی تفاوت في بعض الألفاظ .(3)
475- وفي الخرائج : عن الصادق، عن أبيه علیه السلام قال :
ص: 272
إذا قام القائم بمكة وأراد أن يتوجه إلى الكوفة، نادى مناد :
«ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً» ويحمل معه حجر موسی بن عمران الّذي انبجست (1)منه اثنتا عشرة عيناً، فلا ينزل منزلا إلا نصبه، فانبجست(2)
منه العيون، فمن كان جائعا شبع، ومن كان عطشاناً (3)روي، فيكون زادهم حتّی ينزلوا النجف من ظاهر الكوفة، فإذا نزلوا ظاهرها انبعث منه الماء واللبن دائما فمن كان جائعا شبع، ومن كان عطشاناً روي . (2)
(موسی علیه السلام) قتل فرعون لأجلّ إرادة قتله خلق كثيرة ، وما ظفر بمراده ووقع ما أراد الله تعالی.
(القائم علیه السلام )قتل فراعنة زمان الأئمة علیهم السلام لأجلّ إرادة قتله خلقا كثيراً من أولاد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم :
476- ففي كمال الدين : عن الصادق علیه السلام قال - في حديث طويل، في بيان شباهته بموسى علیه السلام -:
إن فرعون لما وقف على أن زوال ملكه على يده أمر بإحضار الكهنة فدلوه على نسبه، وأنه يكون من بني إسرائيل، فلم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل، حتّی قتل في طلبه نيفا وعشرين ألف مولود وتعذر عليه الوصول إلى قتل موسى علیه السلام بحفظ الله تبارك وتعالى إياه،
كذلك بنو أُمّية وبنو العباس لما وقفوا على أن زوال ملكهم وملك الأمراء والجبابرة منهم على يد القائم منا، ناصبونا العداوة، ووضعوا سيوفهم في قتل آل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وإبادة نسله طمعا منهم في الوصول إلى قتل القائم،
ويأبى الله عزّ وجلّ أن يكشف أمره لواحد من الظلماً، إلا أن يتم نوره ولو
ص: 273
کره المشركون ... الخبر .(1) وهو طويل يأتي في الباب الثامن . (2)
(موسی علیه السلام) أصلح الله أمره في ليلة واحدة .
(القائم علیه السلام )يصلح الله أمره في ليلة واحدة :
477۔ ففي كمال الدين : عن أبي جعفر الثاني علیه السلام في حديث وصف القائم :
قال : وإن الله تبارك وتعالى ليصلح له أمره في ليلة، كما أصلح أمر كليمه موسی علیه السلام إذ ذهب ليقتبس لأهله ناراً فرجع وهو رسول نبیّ ... الخبر . (3)
ويأتي في الباب الثامن إن شاء الله تعالی.
(موسی علیه السلام) أخر الله تعالی ظهوره للقوم امتحانا لهم لكي يتبين من يعبد العجلّ عمن يعبد الله عزّ وجلّ.
( القائم علیه السلام ) أخر الله تعالی ظهوره لأجلّ هذه الجهة أيضاً.
وقد مرّ ما يدل على ذلك . (4)
(هارون علیه السلام) رفعه الله تعالى إلى السماء ثمّ رده إلى الأرض :
478- يدل عليه ما في خامس البحار : مسنداً عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
قال موسى علیه السلام لهارون علیه السلام: امض بنا إلى جبل طور سینا، ثمّ خرجا، فإذا بيت على بابه شجرة عليها ثوبان، فقال موسى لهارون : اطرح ثيابك وادخل هذا البيت، والبس هاتين الحلتين، ونم على السرير، ففعل هارون،
فلمّا أن نام على السرير قبضه الله إليه وارتفع البيت والشجرة، ورجع موسی إلى بني إسرائيل، فأعلمهم أن الله قبض هارون ورفعه إليه ، فقالوا: كذبت، أنت قتلته، فشکی موسى علیه السلام ذلك إلى ربّه ، فأمر الله تعالى الملائكة فأنزلته على
ص: 274
سرير بين السماء والأرض، حتّی رأته بنو إسرائيل فعلموا أنه مات .(1)
ونقل عن صاحب الكامل قريباً منه .
(القائم علیه السلام )رفعه الله تعالى إلى السماء بعد ولادته ، ثمّ رده إلى الأرض، وقد مرّ ما يدل عليه في شباهته بموسی علیه السلام.
(هارون علیه السلام) كان يسمع کلام موسی من مكان بعيد، وكذلك موسى يسمع کلام هارون من مكان بعيد، ذكره صاحب كتاب بدائع الزهور .
479- (القائم علیه السلام )روي في روضة الكافي : عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إن قائمنا إذا قام مد الله عزّ وجلّ لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتّی لا يكون بينهم و بين القائم برید، يكلمهم فيسمعون، وينظرون إليه وهو في مكانه . (2)
(یوشع علیه السلام) حاربّه المنافقون من أمة موسی علیه السلام بعد وفاة موسی .
(القائم علیه السلام )يحاربّه المنافقون من هذه الأمة.
وقد مرّ ما يدل على ذلك في «حرف الحاء» . (3)
(یوشع علیه السلام) ردت له الشمس.
480 - (القائم علیه السلام ) يكلم الشمس والقمر ويدعوهما فيجيبانه ، كما رواه العلّامة المجلسي في البحار : عن أبي جعفر علیهما السلام قال : يملك القائم ثلاثمائة سنّة ويزداد تسعاً، كما لبث أهل الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلماً و جوراً، فيفتح الله له شرق الأرض وغربّها، ويقتل الناس حتّی الايبقى إلا دین محمّد، [ويسير] بسيرة سلیمان بن داود، ويدعو الشمس والقمر فيجيبانه، وتطوى له الأرض، ويوحى إليه فيعمل بالوحي بأمر الله . (4)
ص: 275
أقول: وقد نظمت ذلك:
وإنما الوارد في نص الخبر*** بأنه يدعو لشمس وقمر
ومنهما يستمع الإجابة*** وليس في ذلك من غرابة
إذ فضل يوشع بجنب الحجّة*** كإبرة انغمست في لجة
فيا لهذا العز والكمال*** ويا لهذا المجد والجلال
ويا لهذا الفضل والكرامة*** ويا لهذا الشأن والفخامة
بالحاء المهملة والزاء المعجمة، وحزقل كزبرج لغة أيضاً.
(حزقيل علیه السلام) أحيا الله تعالى له أمواتا .
481۔ ففي روضة الكافي: عن أبي جعفر وأبي عبدالله علیه السلام
في قول الله عزّ وجلّ: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ »(1)
فقال علیه السلام: إن هؤلاء أهل مدينة من مدائن الشام، وكانوا سبعين ألف بيت، وكان الطاعون يقع فيهم في کلّ أوان، فكانوا إذا أحسوا به خرج من المدينة الأغنياء لقوتهم، وبقي فيها الفقراء لضعفهم، فكان الموت يكثر في الّذين أقاموا، وقل في الّذين خرجوا، فيقول الّذين خرجوا : لو كنا أقمنا لكثر فينا الموت، ويقول الّذين أقاموا : لو كنا خرجنا لقل فينا الموت .
قال علیه السلام: فاجتمع رأيهم جميعا أنه إذا وقع الطاعون فيهم وأحسوا به خرجوا كلهم من المدينة، فلمّا أحسوا بالطاعون خرجوا جميعا، وتنحوا عن الطاعون حذر الموت، فساروا في البلاد ما شاء الله.
ثمّ إنّهم مروا بمدينة خربّة قد جلا أهلها عنها وأفناهم الطاعون، فنزلوا بها
ص: 276
فلمّا حطوا رحالهم واطمأنّوا، قال لهم الله عزّ وجلّ: موتوا جميعا، فماتوا من ساعتهم وصاروا رميما يلوح(1)، وكانوا على الطريق المارة فكنستهم المارة فنحوهم وجمعوهم في موضع، فمرّ بهم نبیّ من أنبياء بني إسرائيل يقال له :
حزقیل، فلمّا رأى تلك العظام بکی واستعبر، وقال : يا ربّ لو شئت لأحييتهم الساعة كما أمتهم، فعمروا بلادك وولدوا عبادك، وعبدوك مع من يعبدك من خلقك، فأوحى الله تعالى إليه: أفتحب ذلك؟ قال : نعم يا ربّ، فأحيهم.
قال علیه السلام: فأوحى الله عزّ وجلّ: أن قل كذا وكذا، فقال الّذي أمره الله عزّ وجلّ أن يقوله، فقال أبو عبدالله علیه السلام: وهو الإسم الأعظم،
فلمّا قال حزقيل ذلك الكلام نظر إلى العظام يطير بعضها إلى بعض، فعادوا أحياء ينظر بعضهم إلى بعض يسبحون الله عز ذكره، ويكبرونه ، ويهللونه،
فقال حزقيل عند ذلك : أشهد أن الله على کلّ شيء قدير .(2)
(القائم علیه السلام )يحيي الله تعالی له أمواتا من المؤمنين، والمنافقين، والكافرين، والأخبار الدالة على ذلك كثيرة بل متواترة:
482۔ فمنها ما في روضة الكافي : عن أبي بصير ، قال :
قلت لأبي عبدالله علیه السلام قوله تبارك وتعالى : «وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ » (3)
قال : فقال لي : يا أبا ما تقول في هذه الآية؟
قال : قلت : إن المشركين يزعمون ويحلفون لرسول الله علیه السلام أن الله لا يبعث الموتى، قال : فقال علیه السلام : تبّاً لمن قال هذا،
سلهم هل كان المشركون يحلفون بالله ، أم باللات والعزى؟
ص: 277
قال : قلت : جعلت فداك، فأوجدنيه ، قال : فقال لي:
يا أبا بصير، لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوما من شيعتنا قباع سيوفهم(1) على عواتقهم، فيبلغ ذلك قوما من شيعتنا لم يموتوا، فيقولون : بعث فلان و فلان وفلان من قبورهم وهم مع القائم، فيبلغ ذلك قوما من عدونا فيقولون :
يا معشر الشيعة ما أكذبكم، هذه دولتكم وأنتم تقولون فيها الكذب ! لا والله ما عاش هؤلاء ولا يعيشون إلى يوم القيامة ، قال : فحكى الله قولهم، فقال : «وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ ». (2)
483- وفيه : عن الحسن بن شاذان الواسطي قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا علیه السلام أشكو جفاء أهل واسط، وحملهم علي، وكانت عصابة من العثمانية تؤذيني، فوقّع علیه السلام بخطه : إن الله تبارك وتعالى أخذ ميثاق أوليائنا على الصبر في دولة الباطل، فاصبر لحكم ربّك، فلو قد قام سیّد الخلق (3) لقالوا:
« يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ» (4). (5)
484-وفي البحار : عن عبدالكريم الخثعمي، قال :
قلت لأبي عبدالله علیه السلام : كم يملك القائم علیه السلام ؟
فقال : سبع سنين، يطول الأيام والليالي حتّی تكون السنّة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم، فيكون سنو ملکه سبعين سنّة من سنيكم هذه،
وإذا آن قیامه مطر الناس جمادى الآخرة و عشرة أيام من رجب، مطرا لم تر الخلائق مثله ، فينبت الله به لحوم المؤمنين و أبدانهم في قبورهم
ص: 278
وكأنّي أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة، ينفضون شعورهم من التراب .(1)
485- وفيه ، عن المختصر : عن أمیرالمؤمنین علیه السلام - في حديث طويل -
قال علیه السلام: فيا عجبا وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء، يلبون زمرة زمرة بالتلبية : لبيك لبيك يا داعي الله، قد تخللوا سكك الكوفة ... الخبر .(2)
486- وعنه لا في قوله عزّ وجلّ:«رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2)» (3) قال : هو أنا إذا خرجت أنا وشيعتي، وخرج عثمان بن عفان و شیعته ونقتل بني أُمّية ، فعندها يود الّذين كفروا لو كانوا مسلمين . (4)
487- وفي تفسير عليّ بن إبراهيم : في قوله تعالی : «فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا » (5) لوقت بعث القائم فينتقم لي من الجبارين والطواغيت من قريش وبني أُمّية وسائر الناس . (6)
أقول: قد سبق بعض ما يدل على المقصود .(7)
ويأتي إن شاء الله تعالى في حرف النون ما يدل عليه .
(داود علیه السلام) جعله الله عزّ وجلّ خليفة ، فقال :
«يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ »(8)
(القائم علیه السلام )جعله الله تعالى خليفة، فقال تعالى :
«أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ» (9) .
ص: 279
488- وفي الدعاء المروي عن أبي الحسن الرضا علیه السلام له:
إدفع عن وليك وخليفتك، إلخ.(1)
وقد مرّ ما يدل على ذلك في حرف الألف، وحرف الخاء المعجمة . (2)
(داود علیه السلام) ألان الله له الحديد، قال عزّ وجلّ: «و وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ». (3)
(القائم علیه السلام) ألان الله له الحديد.
489- وفي بعض الكتب : عن محمّد بن زيد الكوفي، عن الصادق علیه السلام قال : إن رجلا من عمان يأتي إلى صاحب الزمان علیه السلام ويقول:
إنّ الحديد قد لان لداود فإن أتيت بمثل ذلك صدقتك، فیریه علیه السلام معجزة داود، فينكر ذلك الرجل، فيلقي القائم عجلّ الله تعالی فرجه على عنقه عموداً من حديد فيهلك، ويقول : هذا جزاء من كذب بآيات الله.
(داود علیه السلام) ناداه الحجر، فقال : يا داود خذني فاقتل بي جالوت.
(القائم علیه السلام) يناديه حين خروجه علمه فيقول: أخرج يا ولي الله، فاقتل أعداء الله، ويناديه سيفه بمثل ذلك،
روی جميعها الشيخ الصدوق رضي الله تعالی عنه في كمال الدین وتمام النعمة .(4)
490- وينادي الحجر المؤمن في زمان ظهوره حين يختفي تحته الكافر فيقول: يا مؤمن إن تحتي کافراً فاقتله، فيجيء المؤمن فيقتله، كما في الرواية .(5)
(داود علیه السلام) قتل جالوت.
(القائم علیه السلام) يقتل الدجال وهو شر من جالوت.
(داود علیه السلام) كان يحكم بين الناس بالإلهام.
(القائم علیه السلام) قد سبق في حرف الحاء المهملة :
أنّه يحكم بحكم داود لا يحتاج إلى بينة.
ص: 280
(داود علیه السلام) نزل عليه كتاب من السماء مختوم بخاتم من ذهب، فيه ثلاث عشرة مسألة ، فأوحى الله [تعالى] إلى داود:
أن سل عنها ابنك سليمان، فإن أخبر بهن فهو الخليفة من بعدك،
فدعا داود سبعين قسّاً، وسبعين حبراً، وأجلس سليمان علیه السلام بين أيديهم،
فقال : أخبرني يا بني، ما أقرب الأشياء؟ وما أبعد الأشياء؟ وما آنس الأشياء؟ وما أوحش الأشياء؟ وما أحسن الأشياء؟ وما أقبح الأشياء؟ وما أقل الأشياء؟ وما أكثر الأشياء؟ وما القائمان؟ وما المختلفان؟ وما المتباغضان؟ وما الأمر الّذي إذا ركبه الرجل حمد آخره؟ والأمر الّذي إذا ركبه الرجل ذم آخره؟
قال سليمان: أما أقرب الأشياء فالآخرة، وأما أبعد الأشياء فما فاتك من الدنيا، وأما آنس الأشياء فجسد فيه روح ناطق، وأما أوحش الأشياء فجسد بلا روح، وأما أحسن الأشياء فالإيمان بعد الكفر، وأما أقبح الأشياء فالكفر بعد الإيمان، وأما أقل الأشياء فاليقين، وأما أكثر الأشياء فالشك،
وأما القائمان فالسماء والأرض، وأما المختلفان فالليل والنهار، وأما المتباغضان فالموت والحياة، وأما الأمر الّذي إذا ركبه الرجل حمد آخره فالحلم على الغضب، وأما الأمر الّذي إذا ركبه الرجل ذم آخره فالحدة على الغضب.
قال : ففك ذلك الخاتم فإذا هذه المسائل سواء على ما نزل من السماء
فقال القسيسون والأحبار: ما الشيء الّذي إذا صلح صلح کلّ شيء من الإنسان، وإذا فسد فسد کلّ شيء منه؟ فقال : القلب، فرضوا بخلافته . (1)
(القائم علیه السلام )معه كتاب مختوم بخاتم من ذهب:
491- روي في كمال الدين : عن الصادق علیه السلام أنه قال :
كأنّي أنظر إلى القائم علیه السلام على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، عدة أهل بدر، وهم أصحاب الألوية، وهم حكام الله في أرضه
ص: 281
على خلقه، حتّی يستخرج من قبائه كتاباً مختوماً بخاتم من ذهب - عهد معهود من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم - فيجفلون عنه (1) إجفال الغنم البكم، فلا يبقى منهم إلا الوزير وأحد عشر نقيبا ، كما بقوا مع موسی بن عمران علیه السلام،
فيجولون في الأرض ولا يجدون عنه مذهباً، فيرجعون إليه ... الخبر .(2)
وقد مرّ من طريق آخر عن البحار، مع تفاوت فيه، فراجع .
(سلیمان علیه السلام) جعله داود خليفة، ولم يبلغ الحلم :
492- ففي الحديث، عن أبي جعفر الثاني علیه السلام:
إن الله تبارك وتعالى أوحي إلى داود علیه السلام أن يستخلف سليمان وهو صبي يرعى الغنم، فأنكر ذلك عباد بني إسرائيل وعلماؤهم.
فأوحى الله تعالى : أن خذ عصي المتكلمين وعصا سليمان، واجعلها في بیت، واختم عليه بخواتيم القوم، فإذا كان من الغد فمن كانت عصاه قد أورقت وأثمرت فهو الخليفة، فأخبرهم داود علیه السلام فقالوا : قد رضينا وسلمنا .(3)
(القائم علیه السلام) جعله الله عزّ وجلّ خليفة وهو صبي له خمس سنين تقريبا وقد أجاب في حياة أبيه عن مسائل سعد بن عبدالله القمي، كما مر.(4)
(سلیمان علیه السلام) «هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي» من حيث الكيفية، فإن ملك سلاطين العالم كما هو المتعارف المعتاد مشوب بالجور والفساد، وأراد سليمان أن يكون ملکه كذلك، وأيضاً سلطنة ملوك الأرض إنما هو على الإنس وسلطنته كانت على الجن والإنس والطير قال الله عزّوجلّ :
«وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ »(5)
ص: 282
(القائم علیه السلام )وهب الله تعالى له ملكا لم يكن نظيره لأحد من الأولين والآخرين، من حيث الكيفية والكمية، أما الكمية : فلأنه يملك ما بين الخافقين، كما في الحديث، وأما الكيفية : فلأنه محض العدل، وعدل محض ولان سلطنته تعم جميع أهل السماوات والأرضين كما مر.
(سلیمان علیه السلام) سخر الله له الريح، قال الله عزّ وجلّ:«فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ» (1)
(القائم علیه السلام )يسخر الله له الريح، ففي كمال الدين : عن أبي عبدالله علیه السلام - في حديث مرّ تمامه . قال : فيبعث الله تبارك وتعالى ريحاً فتنادي بکلّ واد : هذا المهدي يقضي بقضاء داود وسليمان علیه السلام ولا يريد عليه بينة .(2)
(سلیمان علیه السلام) غاب عن قومه برهة من الزمان، كما عن الصادق علیه السلام في حديث رواه رئيس المحدثين في كتاب كمال الدين .
(القائم علیه السلام) غاب عن قومه أكثر من غيبة سليمان
(سلیمان علیه السلام) ردت له الشمس.
(القائم علیه السلام) يدعو الشمس والقمر فیجیبانه .
(سلیمان علیه السلام) حشمة الله .
(القائم علیه السلام )حشمة الله.
( آصف) كان عنده علم من الكتاب .
(القائم علیه السلام )عنده علوم الكتاب .
(آصف) غيبه الله تعالى غيبة طال أمدها، كما روي في كمال الدين (3) .
(القائم علیه السلام )غيبه الله تعالى غيبة طال أمدها .
ص: 283
( آصف) اشتدت البلوى على بني إسرائيل بغيبته.
(القائم علیه السلام) اشتدت البلوى على المؤمنين بغيبته كما مر.(1)
(دانیال علیه السلام) غاب عن بني إسرائيل مدة مديدة، وكان محبوساً في جب عظیم واسع مع أسد ليفترسه، فحرسه الله تعالى، وأمر نبيا من بني إسرائيل أن يأتيه بطعامه وشرابه، واشتد البلاء على شيعته وأحبائه . (2)
(القائم علیه السلام )غاب عنّا واشتد البلاء بغيبته علينا، وأراد أعداؤه أن يقتلوه فحرسه الله تعالى، كما سبق .
(عزیر علیه السلام) لما رجع إلى قومه وظهر فيهم قرأ التوراة، كما أنزلت على موسی بن عمران علیه السلام.
(القائم علیه السلام) حين يظهر لأهل الأرض يقرأ القرآن، كما أنزل على خاتم النبيين صلی الله علیه وآله وسلم .
(جرجيس علیه السلام) أحيا الله له الموتی :
493- ففي البحار : إن امرأة جاءته فقالت :
أيها العبد الصالح، كان لنا ثور نعيش به، فمات، فقال لها جرجیس : خذي عصاي هذه فضعيها على ثورك وقولي : إن جرجيس يقول: قم بإذن الله، ففعلت، فقام حيا فآمنت بالله . (3)
(القائم علیه السلام )يحيي الله تعالى له الموتی کما مر.(4)
ص: 284
(ایوب علیه السلام) صبر على البلاء سبع سنين، كما روي عن أبي عبدالله علیه السلام وقال الله تعالى : « إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ » (1)
(القائم علیه السلام) صبر على البلاء منذ مات أبوه إلى الآن، ولا أدري إلى متى يطول صبره؟ وقد مرّ في حرف الباء ما يناسب المقام.
(ایوب علیه السلام) نبع له من الأرض عين من الماء أو عينان، قال الله تعالی : ««ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ » . (2)
(القائم علیه السلام) نبع له من الأرض عين من الماء .
وقد مرّ بعض الروايات والحكايات في ذلك .(3)
494- ونزيدك هنا ملخص ما نقله القطب الراوندي في الخرائج، ونقله الفاضل المجلسي في البحار، عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: بإسناده عن أبي سورة، أنه رأى الحجّة علیه السلام حين رجوعه من کربّلا، بعد زيارة عرفة،
قال أبو سورة: ومشينا ليلتنا فإذا نحن على مقابر مسجد السهلة ، فقال : هو ذا منزلك، ثمّ قال علیه السلام : تمضي أنت إلى ابن الزراري عليّ بن يحيى، فتقول له : يعطيك المال بعلامة كذا وكذا، في موضع كذا وكذا، ومغطى بكذا،
فقلت : من أنت؟ فقال : أنا محمّد بن الحسن،
ثمّ مشينا حتّی انتهينا إلى النواويس في السحر، فجلس وحفر بيده فإذا الماء قد خرج، وتوضأ، ثمّ صلی ثلاث عشرة ركعة، فمضيت إلى الزراري، فدققت الباب ، فقال : من أنت؟
فقلت : أبو سورة، فسمعته يقول: مالي ولك يا أبا سورة، فلمّا خرج وقصصت عليه القصة صافحني، وقبل وجهي، ومسح يدي على وجهه، ثم أدخلني الدار، فأخرج الصرة من عند رجلي السرير ،
ص: 285
فاستبصر أبو سورة، وتشيع وكان زيديّاً .(1)
(أيوب علیه السلام) أحيا الله عزّ وجلّ له الموتى، قال الله تعالی :
« أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ » . (2)
(القائم علیه السلام) يحي الله تعالی له الموتى، وقد مرّ ما يدل على ذلك،
ويأتي ما يدل عليه في شباهته بعيسى إن شاء الله تعالى .(3)
495- روى الشيخ الصدوق (رحمه الله): بإسناده عن محمّد بن مسلم، قال :
دخلت على أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر علیه السلام وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال علیه السلام مبتدئا : يا محمّد بن مسلم، إن في القائم من آل محمّد علیه السلام شبها من خمسة من الرسل: يونس بن متى، ويوسف بن يعقوب، وموسى، وعيسى، ومحمّد صلوات الله عليهم، فأما شبهه من يونس ابن متی: فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن ... الخبر . (4)
وقد مضى تمامه .(5)
(زکریا علیه السلام) نادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب .
(القائم علیه السلام )ناداه الجبار جلّ جلاله، كما مرّ (6)، وتناديه الملائكة في كل ليلة قدر، وينادیه جبرئيل حين يبايعه ويده على يده، ويقول: البيعة لله.
رواه الراوندي في الخرائج عن أبي جعفر الباقر علیه السلام . (7)
ص: 286
496- وفي حديث مفضل المروي في البحار : عن الصادق علیه السلام:
يقول له جبرئیل : يا سيّدي، قولك مقبول، وأمرك جائز، الخبر . (1)
(زکریا علیه السلام) بکی في مصيبة مولانا أبي عبدالله الحسين علیه السلام ثلاثة أيام .
كما تقدم في حديث أحمد بن إسحاق في الباب الثاني . (2)
(القائم علیه السلام) يبكيه ويندبه طول عمره، وجميع دهره :
497- ففي زيارة الناحية : ولاندبتك صباحا ومساء، ولابكين عليك بدل الدموع دما.(3)
(یحیی علیه السلام) و بشر بولادته قبل أن يولد.
(القائم علیه السلام )و بشر بولادته قبل أن يولد.
498۔ (یحیی علیه السلام) تكلم في بطن أمه،
كما في الحديث عن العسكري علیه السلام: إن مریم دخلت على أم يحيى امرأة زکریا، فلم تقم لها، فناداها : تدخل إليك سیّدة نساء العالمين، مشتملة على سیّد رجال العالمين، فلا تقومين إليها؟ !(4) فانزعجت، وقامت إليها.
(القائم علیه السلام )تكلم في بطن أمه، فقرأ سورة القدر ، كما في رواية حكيمة .(5)
(یحیی علیه السلام) كان أزهد أهل زمانه وأعبدهم.
(القائم علیه السلام )أعبد أهل زمانه وازهدهم.
ص: 287
( عیسی علیه السلام) ابن سیّدة النساء في زمانها .
(القائم علیه السلام ) ابن سیّدة النساء في زمانها .
(عیسی علیه السلام) تكلم في بطن أمه، وكان يسبح، رواه الفاضل المجلسي (رحمه الله) في حاشية خامس البحار عن الثعلبي من طريق العامة . (1)
(القائم علیه السلام ) تكلم في بطن أمه كما مرّ آنفا .
(عیسی علیه السلام) تكلم في المهد صبيا.
(القائم علیه السلام) تكلم في المهد صبياً، ويدل على ذلك عدة روایات :
499- منها : ما في كمال الدين : عن حكيمة بنت محمّد بن عليّ الجواد علیه السلام :
إن الحجّة علیه السلام تكلم بعد ولادته، فقال :
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمّدا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ثم صلى على أمیرالمؤمنین، وعلى الأئمة علیهم السلام إلى أن وقف على أبيه، ثمّ أحجم(2)
وتكلم في اليوم السابع بالتوحيد، والصلاة على محمّد والأئمة علیهم السلام
ثمّ تلا هذه الآية : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ...). (3) (4)
500- ومنها ما في رواية أخرى فيه : أنه حين تولده خر ساجدا لوجهه جاثياً على ركبتيه، رافعا سبابتيه، وهو يقول:
أشهد أن لا إله إلا الله، وأن جدي محمّدا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأن أبي أمیرالمؤمنین، ثمّ عد إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه، ثمّ قال علیه السلام: اللهمّ أنجز لي ما وعدتني، وأتمم لي أمري، وثبت وطأتي، واملأ الأرض بي عدلا وقسطاً. (5)
ص: 288
501- ومنها ما فيه أيضاً : عن نسیم ومارية الجاريتين : أنه سقط صاحب الزمان علیه السلام من بطن أُمّه جاثياً على ركبتيه ، رافعاً سبابتيه إلى السماء، ثمّ عطس فقال : الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمّد وآله،
زعمت الظلمةأن حجّة الله داحضة، لو أذن لنا في الكلام لزال الشك.(1)
502- وفيه : عن نسيم الخادمة، قالت: قال صاحب الزمان علیه السلام وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة، فعطست عنده، فقال علیه السلام : يرحمك الله،
قالت نسیم: ففرحت بذلك، فقال علیه السلام لي: ألا أبشرك في العطاس؟
فقلت : بلی، یامولاي، فقال : هو أمان من الموت ثلاثة أيام . (2)
(عیسی علیه السلام) آتاه الله الحكم صبيا .
(القائم علیه السلام) آتاه الحكم صبيا، كما مر.(3)
(عیسی علیه السلام) رفعه الله إليه .
(القائم علیه السلام) رفعه الله إليه ، كما تقدم .(4)
(عیسی علیه السلام) اختلف الناس فيه .
(القائم علیه السلام) اختلف الناس فيه.
ويأتي إن شاء الله في الباب الثامن : أن الصادق علیه السلام قال في بيان شباهة الحجّة علیه السلام بعيسى: إن اليهود والنصارى اتفقت على أنه قتل، فكذبهم الله جل ذكره بقوله عزّ وجلّ: « وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ » (5)
كذلك غيبة القائم، فإن الأمة ستنكرها لطولها، فمن قائل يقول (6): إنّه لم يولد، وقائل يفتري بقوله : إنّه ولد ومات، وقائل یکفر بقوله: إنّ حادي
ص: 289
عشرنا كان عقيماً، وقائل يمرق بقوله : إنّه يتعدى إلى ثالث عشر فصاعدا، وقائل يعصي الله عزّ وجلّ يدعواه: إن روح القائم ينطق في هیکل غیره ... الخبر .(1)
(عيسى علیه السلام) كان يحي الموتى بإذن الله تعالى،
قال الله عزّ وجلّ نقلا عنه علیه السلام«وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ»(2)
وقال تعالى مخاطباً له : (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي) الآية (3).
503- ويعجبني هنا نقل رواية لطيفة مشتملة على مواعظ شريفة، رواها جمع من سلفنا الصالحين (رحمه الله) في كتبهم، منهم:
الشيخ البهائي (رحمه الله) في كتاب شرح الأربعين عن الصادق علیه السلام، قال :
مرّ عیسی بن مریم علیهما السلام على قرية قد مات أهلها وطيرها ودوابها،
فقال علیه السلام: أما إنّهم لم يموتوا إلا بسخطة، ولو ماتوا متفرقين لتدافنوا،
فقال الحواريّون: يا روح الله وكلمته، أدع الله أن يحييهم لنا، فيخبرونا ما كانت أعمالهم، فنجتنبها، فدعا عیسی علیه السلام ربّه، فنودي من الجو: أن نادهم.
فقام عيسى بالليل على شرف من الأرض، فقال : يا أهل هذه القرية، فأجابه منهم مجيب : لبيك يا روح الله وكلمته ، فقال : ويحكم ما كانت أعمالكم؟
قال : عبادة الطاغوت وحب الدنيا، مع خوف قليل وأمل بعيد، وغفلة في لهو ولعب، فقال : كيف كان حبكم للدنيا؟ قال : كحب الصبي لأمه، إذا أقبلت علينا فرحنا وسررنا وإذا أدبرت عنا بكينا وحزنا.
قال علیه السلام: كيف كانت عبادتكم للطاغوت؟ قال : الطاعة لأهل المعاصي .
قال علیه السلام: كيف كانت عاقبة أمركم؟ فقال : بتنا في ليلة في عافية، وأصبحنا في الهاوية ، فقال : وما الهاوية؟ قال : سجين،
ص: 290
قال علیه السلام: وما السجين ؟ قال : جبال من جمرّ توقد علينا إلى يوم القيامة .
قال علیه السلام: فما قلتم؟ وما قيل لكم؟ قال : قلنا ردنا إلى الدنيا فزهد فيها ،
قيل لنا: كذبتم ، قال علیه السلام: ويحك ، كيف لم يكلمني غيرك من بينهم؟
قال : يا روح الله وكلمته، إنّهم ملجمون بلجام من نار، بأيدي ملائكة غلاظ شداد، وأنا كنت فيهم ولم أكن منهم، فلمّا نزل العذاب عمني معهم، فأنا معلق بشعرة على شفير جهنم، لا أدري أكبكب فيها أم أنجو منها؟
فالتفت عیسی علیه السلام إلى الحواريين، وقال : يا أولياء الله، أکلّ الخبز اليابس بالملح الجريش والنوم على المزابل خیر کثیر، مع عافية الدنيا والآخرة.
(القائم علیه السلام) يحي الموتى بإذن الله تعالى،
ويدل على ذلك روايات مستفيضة، مرّ بعضها في شباهته بحزقیل وغيره. (1)
504-وفي بعض الكتب عن الصادق علیه السلام: أنه إذا ظهر القائم علیه السلام أتاه رجل من آذربيجان وفي يده عظم من العظام النخرة، فيقول : إن كنت حجّة الله، فأمر هذا العظم بأن ينطق، فينطق العظم بأمره علیه السلام ويقول: إني معذب منذ ألف عام وأرجو من دعائك أن يخلصني الله تعالى من العذاب،
فيقول الرجل : هذا سحر، فيصلب بأمره علیه السلام، ويصيح مصلوباً سبعة أيام وينادي : هذا جزاء من نسب معجزة الإمام إلى السحر ثمّ يموت.
(عیسی علیه السلام) قال :«وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ» (2).
(القائم علیه السلام) يطلع على جميع أحوالنا وأفعالنا،
والدليل على ذلك جميع الأخبار الكثيرة الواردة في باب علم الأئمة علیهم السلام ولكني أتبرك في هذا المقام بذكر عدة روایات :
505- فمنها ما في الخرائج : عن أبي بصير ، قال : دخلت المسجد مع أبي جعفر علیه السلام والناس يدخلون ويخرجون، فقال علیه السلام لي : سل الناس هل يرونني؟
ص: 291
فکلّ من لقيته سألته عنه : هل رأيت أبا جعفر علیه السلام فيقول: لا. وهو واقف - حتّی دخل أبو هارون المكفوف، فقال : سل هذا، فقلت: هل رأيت أبا جعفر علیه السلام فقال : أليس هو قائماً؟ (1) قلت: وما علمك؟
قال : وكيف لا أعلم، وهو نور ساطع، قال : وسمعته يقول لرجل من أهل الأفريقية : ما حال راشد؟ قال : خلفته حيا صالحا يقرؤك السلام.
قال علیه السلام: رحمه الله، قال : مات ؟ قال : نعم، قال: متى؟
قال علیه السلام: بعد خروجك بيومين، قال : والله ما مرض ولا به کانت علة وإنما يموت من يموت من مرض أوعلة، قلت : من الرجل؟
قال علیه السلام : رجل كان لنا موالية ولنا محبا،
ثمّ قال : لئن تروا أنه ليس لنا معكم أعين ناظرة، أو أسماع سامعة، لبئس ما رأيتم، والله ما يخفى علينا شيء من أعمالكم فأحضرونا جميعا(2) ، وعودوا أنفسكم الخبر، وكونوا من أهله تعرفوا به ، فإني بهذا آمرّ ولدي وشيعتي .(3)
506- ومنها في الخرائج أيضاً : عن الصادق علیه السلام أنه دخل ناس على أبي فقالوا: ما حد الإمام؟
قال علیه السلام: حدّه عظيم، إذا دخلتم عليه فوقروه وعظموه، وآمنوا بما جاء به من شيء، وعليه أن يهديكم، وفيه خصلة: إذا دخلتم عليه لم يقدر أحد أن يملا عينه منه إجلالا له وهيبة، لأن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم كان كذلك . وكذلك يكون الإمام،
قالوا: فيعرف شيعته؟ ! قال علیه السلام: نعم، يراهم كلهم (4)
قالوا: فنحن لك شيعة؟ قال علیه السلام: نعم، كلكم، قالوا: أخبرنا بعلامة ذلك، قال : أخبركم بأسمائکم وأسماء آباءكم وأسماء قبائل کم، قالوا: أخبرنا فأخبرهم، قالوا: صدقت، قال :
ص: 292
وأخبركم عما أردتم أن تسألوا عنه، هي قوله تعالى :«كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ » (1)، قالوا: صدقت، قال : نحن الشجرة التي قال الله تعالی : «أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ» و نحن نعطي شيعتنا ما نشاء من العلم (2)
ثمّ قال علیه السلام: يقنعكم؟ قالوا: بدون هذا نقنع .(3)
507- ومنها ما في كمال الدين : عن حسن بن وجناء النصيبي، قال :
کنت ساجداً تحت الميزاب في رابع أربع وخمسين حجّة، بعد العتمة، وأنا أتضرع في الدعاء ، إذ حركني محرك ، فقال : قم، یا حسن بن وجناء .
قال : فقمت، فإذا جارية صفراء، نحيفة البدن، أقول: إنّها من أبناء أربعين فما فوقها، فمشت بين يدي، وأنا لا أسألها عن شيء، حتّی أتت بي إلى دار خديجة صلوات الله عليها ، وفيها بيت بابه في وسط الحائط، وله درج ساج يرتقي فصعدت الجارية، وجاءني النداء : اصعد یا حسن، فصعدت ، فوقفت بالباب،
فقال لي صاحب الزمان علیه السلام: يا حسن، أتراك خفيت علي؟ والله ما من وقت في حجك إلا وأنا معك فيه.
ثمّ جعل يعد عليّ أوقاتي، فوقعت مغشيّاً على وجهي، فحسست بيد قد وقعت علي، فقمت، فقال لي: يا حسن، إلزم دار جعفر بن محمّد علیهما السلام، ولا يهمّنّك طعامك ولا شرابك، ولا ما يستر عورتك.
ثمّ دفع إلى دفتراً فيه دعاء الفرج، وصلاة عليه.
فقال : بهذا فادع، وهكذا صل على، ولا تعطه إلآ محقى أوليائي، وإن الله جلّ جلاله موفقك ، فقلت : يا مولاي، لا أراك بعدها؟ فقال علیه السلام: يا حسن، إذا شاء الله، قال: فانصرفت من حجتي، ولزمت دار جعفر بن محمّد علیه السلام
فأنا أخرج منها فلا أعود إليها إلا لثلاث خصال : لتجديد وضوء، أو لنوم أو لوقت الإفطار، وأدخل بيتي وقت الإفطار فأصيب ربّاعيا مملوءاً ماء ورغيفا
ص: 293
على رأسه وعليه ما تشتهي نفسي بالنهار، فآکلّ ذلك فهو كفاية لي، وكسوة الشتاء في وقت الشتاء، وكسوة الصيف في وقت الصيف، وإني لأدخل الماء بالنهار، وأرش البيت، وأدع الكوز فارغاً، فأوتي بالطعام، ولا حاجة لي إليه فأصدق به لي كي لا يعلم بي من معي .(1)
508- والكلمة الجامعة في هذا الباب قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : المهدي من ولدي، إسمه إسمي، وکنیته کنيتي، أشبه الناس بي خلقا وخلقاً، الخبر . (2)
أقول: وهذا الكلام المبارك ينفتح منه أبواب كثيرة .
فعليك بالتدبر فيه إن شاء الله تعالى كي يتم صبرك وينشرح صدرك .
وحيث أن ذكر کلّ واحد من خصائص آبائه الطاهرين، وخصالهم وأحوالهم، ومعجزاتهم، وتطبيقها بخصاله وأحواله ومعجزاته يحتاج إلى شرح طويل، ومجال عريض، ويخرجنا عما نحن بصدده،
فلاجرم أن نكتفي في ذكر کلّ منهم بما هو أظهر صفاته وأشهرها . فنقول :
أما أمیرالمؤمنین علیه السلام، فأظهر صفاته علمه وزهده وشجاعته، وكلها يظهر من القائم علیه السلام
و وقد مرّ ما يدل على ذلك في حرف الجيم والحاء والزاء والعين . (3)
وأما الحسن علیه السلام: فأظهر صفاته حلمه، ومن آثار الحلم السكون، وعدم .
ص: 294
طيش النفس في المؤاخذة ، حين يرى الشخص ما يكره من غيره، ونعم ما قيل :
تحكم على الأدنين واستبق ودهم*** فلن تستطيع الحلم حتّی تحلما
وأنت إذا تأملت في طول ما جرى على مولانا الحجّة صلوات الله عليه من رعيته، وشدة ابتلائه بهم، عرفت قوة صفة الحلم فيه، وظهورها منه، بحيث لم يظهر من أحد بهذه الكيفية .
وأما الحسين علیه السلام: فيأتي شباهته به في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى .(1)
وأما عليّ بن الحسين علیه السلام : فأظهر صفاته عبادته، ولذا سمي بزين العابدین وسیّد العابدين، وذي الثفنات، لأنه قد انخرم أنفه، وثفنت جبهته وركبتاه وراحتاه، إدآباً منه لنفسه في العبادة.
509- كما في حديث أبي جعفر الباقر علیه السلام عن فاطمة بنت عليّ بن أبي طالب : ولقد سألت عنه مولاة له، فقالت: أطنب أو أختصر؟ فقيل : بل اختصري، فقالت: ما آتيته بطعام نهاراً قط ، وما فرشت له فراشاً بليل قط (2)إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي وردت في شدة جهده في العبادة،
ولمولانا الحجّة عجلّ الله تعالی فرجه في جده سیّد العابدين أسوة حسنّة:
510- فعن أبي الحسن موسی بن جعفر علیه السلام أنه قال في وصف المهدي روحي فداه : يعتوره مع سمرته صفرة من سهر الليل، بأبي من ليله يرعى النجوم ساجداً وراکعاً (إلخ).(3)
ويأتي بطوله في الباب السادس إن شاء الله تعالى .(4)
وأما أبو جعفر محمّد بن عليّ علیه السلام: فأظهر صفاته شباهته برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ولذا قال جابر الأنصاري - حين نظر إليه -:
شمائل رسول الله وربّ الكعبة، كما ورد به عدة روايات (5) مع أنه قد رأی
ص: 295
من قبله الحسنين، وعليّ بن الحسين علیه السلام ولم يقل مثل هذا الكلام،
وكذا مولانا صاحب الأمر علیه السلام ، بل شباهته بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أتم وأكثر، لما روي عنه علیه السلام في روايات مستفيضة، من طريق الخاصة والعامة، أنه قال في وصفه :
أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله
وقد مرّ نبذة منها في حرف الجيم فراجع.(1)
وأما أبو عبدالله جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام: فأظهر صفاته کشف العلوم وبيان الأحكام للأنام بنحو لم يتيسر لمن قبله من الأئمة علیهم السلام
قال بعض أهل الحديث: إنّه روى عنه أربعة الآف رجل من الثقات.(2)
أقول: ومع ذلك لم يكشف عن جميع ما عنده من أبواب العلوم، وأخر ذلك إلى زمان ظهور القائم علیه السلام فهو الّذي يبين للناس جميع الأحكام ، ويكشف عما لم يجد السابقون عليه له أهلا، حتّی أن أمیرالمؤمنین علیه السلام كان يقول - مشيراً إلى صدره -: إن هاهنا لعلما جمّا، لو أصبت له حملة ... إلى آخر كلامه الشريف، ويأتي ما يشهد لما قلناه في كشف العلوم إن شاء الله تعالى .(3)
وأما أبو إبراهيم موسی بن جعفر علیه السلام، فقد ابتلي بالتقية وشدة الخوف أكثر وأعظم ممّا ابتلی به آباؤه علیه السلام، وهذا واضح لمن لا حظ تاریخ أحواله علیه السلام،
وكذلك مولانا القائم علیه السلام كما أشرنا إليه في حرف الخاء المعجمة .(4)
وأما أبو الحسن عليّ بن موسى الرضا علیهما السلام، فقد جعل الله له الرئاسة الظاهرة والاستيلاء على ما لم يستول عليه آباؤه الطاهرون، وارتفع التقنية والخوف في زمانه في الجملة،
وكذلك القائم علیه السلام، ليبدلنه الله تعالى من بعد خوفه أمنا، ولیمکّننّه في الأرض بنحو لم يقع لأحد ممن تقدم عليه ، كما مرّ الإشارة إليه،
واستيلاؤه على جميع العالم كاستيلاء سلطان النهار على الليل المظلم(5)
ص: 296
511- وقد روي عليّ بن إبراهيم (رحمه الله) : بسند صحيح عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالى: «وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى»(1) قال علیه السلام:
النهار هو القائم منا أهل البيت، إذا قام غلب دولة الباطل(2) ... الخبر .(3)
وأما أبو جعفر محمّد بن عليّ التقي علیه السلام ، فقد آتاه الإمامة حين لم يبلغ مبلغ الرجال، ولم يرتق عمره إلى ثمانية أحوال،
وكذلك الحجّة علیه السلام، كما مرّ في حرف الغين المعجمة . (4)
وأما أبو الحسن عليّ بن محمّد الهادي علیه السلام، فكان له هيبة لم يكن لأحد مثلها، بحيث كان أعداؤه يخصونه باحترامات وإكرامات لا يخصون بها أحداً وهذا كان يقع منهم إجلالا له، وهيبة منه ، لا وداً ومحبة،
وكذا القائم علیه السلام، فإن له هيبة خاصة في قلوب الأعداء ورعباً.
وقد مرّ ما يدل عليه في شباهته بذي القرنين(5)،
وكذلك كان سیّدنا أبو محمّد الحسن بن عليّ العسكري علیه السلام .
512- ولنختم الكلام بذکر رواية شريفة مروية في ثاني عشر البحار بإسناده :
دخل العباسيون على صالح بن وصيف، ودخل صالح بن عليّ وغيرهم من المنحرفين عن هذه الناحية على صالح بن وصيف عندما حبس أبو محمّد علیه السلام
فقال له : ضيّق عليه ولا توسّع.
فقال لهم صالح : ما أصنع به وقد وگلت به رجلين شر من قدرت عليه، فقد صارا من العبادة والصلاة إلى أمر عظيم، ثمّ أمر بإحضار الموكلين،
فقال لهما : ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟ فقالا له:
ما نقول في رجل يصوم نهاره ويقوم ليله كله، لا يتكلم ولا يتشاغل بغير
ص: 297
العبادة، فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا، وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا
فلمّا سمع ذلك العباسيون انصرفوا خاسئين .
ويأتي في شباهته علیه السلام بالحسين علیه السلام ما يناسب المقام،
هذا وفي الزوايا خبايا قد طوينا عنها كشحاً لئلا يطول الكتاب ،
والله تعالى هو الموفق للصواب .
وهي أمور، منها : شدة الإهتمام بذكر أمرهما في الكتاب الكريم وفي السنّة الأنبياء وكتبهم، كما لا يخفى على المتتبع،
وإن شئت الإطلاع على جملة من ذلك فارجع إلى كتاب المحجّة فيما نزل من القرآن في الحجّة علیه السلام، وكتاب عاشر البحار(1)وكتب التفسير وغيرها
ومنها : اهتمام الأنبياء السابقين في البكاء لمولانا الحسين علیه السلام وإقامة مجلس رثائه قبل شهادته، ومثله اهتمام الأئمة السابقين في الدعاء الفرج مولانا الحجّة، وطلب ظهوره قبل وقوع غيبته .
ومنها : شدة سعيهما في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن مولانا الشهيد أبا عبدالله الحسين علیه السلام لم يلاحظ التقية في ذلك، وهذا من خصائصه ، وكذلك الحجّة علیه السلام، ويأتي في حرف النون ما يدل على المقصود .(2)
ومنها: عدم وقوع بيعة طاغية الزمان عليهما .
513- ففي أوصاف الحسين علیه السلام أنّه قيل له يوم الطفّ: إنزل على حكم بني
ص: 298
عمك ، قال : لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفر فرار العبيد،
ثمّ نادى : يا عباد الله، «و إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ » (1) . (2)
وقال علیه السلام : موت في عز خير من حياة في ذل،
ومرّ في أسباب غيبة الحجّة عجلّ الله تعالی فرجه مايدل على المقصود . (3)
ومنها : الرفع إلى السماء، فقد رفعتهما الملائكة إلى السماء بإذن الله تعالى كما مرّ في شباهته بإدريس.
ومنها : أنّ في تمتّي الكون مع الحسين علیه السلام يوم الطف، والعزم على نصرته ثواب الشهادة معه، وفي تمنّي الكون مع القائم علیه السلام في زمان ظهوره والعزم على نصرته ثواب الشهادة، وجهاد الأعداء بمحضره،
كما وردت بهما الرواية، ويأتي إن شاء الله تعالى في الباب الثامن .(4)
ومنها : أن الحسين علیه السلام خرج من المدينة خائفة يترقب، ثمّ نزل في مكة، ثم ارتحل منها إلى نحو الكوفة، والحجّة علیه السلام يقع له مثل ذلك،
514- ففي الصحيح عن أبي جعفر علیه السلام قال :
ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة ، فينفر المهدي علیه السلام منها إلى مكة، فيبلغ أمیر جيش السفياني أن المهدي علیه السلام قد خرج إلى مكّة، فيبعث جيشاً على أثره فلا يدركه، حتّی يدخل مكة خائفا يترقب على سنّة موسی بن عمران .
قال علیه السلام: وينزل أمیر جيش السفياني البيداء، فينادي مناد من السماء :
یا بیداء أبيدي القوم، فيخسف بهم، فلا يفلت منهم إلا ثلاثة نفر، يحول الله وجوهم إلى أقفيتهم وهم من كلب ... إلخ.(5)
ص: 299
ومنها : كون مصيبتهما أشد المصائب :
515- أما الحسين علیه السلام ففي حديث آدم وجبرئیل، أنه قال :
یا آدم ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب (إلخ).(1)
وأما القائم علیه السلام فلطول مصيبته وشدّة محنته.
516- ومنها : أن الحسين علیه السلام استنصر في مكة حين أراد المسير إلى العراق، فقال: «من كان فينا باذلا مهجته، موطّناً على لقاء الله نفسه ، فليرحل معنا، فإنّي راحل مصبحا إن شاء الله» .(2)
وكذلك الحجّة عجلّ الله تعالی فرجه ، يستنصر في مكة حين ظهوره بها،
517- فعن أبي جعفر الباقر - في حديث طويل صحيح - (3) قال :
والقائم علیه السلام يومئذ بمكة، قد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيراً به فينادي : يا أيها الناس إنا نستنصر الله ومن أجابنا من الناس، فإنا أهل بیت نبيكم محمّد صلی الله علیه وآله وسلم ، ونحن أولى الناس بالله، وبمحمّد صلی الله علیه وآله وسلم
فمن حاجني في آدم فأنا أولى الناس بادم، ومن حاجني في نوح فأنا أولى الناس بنوح، ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولى الناس بابراهيم، ومن حاجني في
ص: 300
محمّد صلی الله علیه وآله وسلم فأنا أولى الناس بمحمّد صلی الله علیه وآله وسلم ، ومن حاجني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين، أليس الله يقول في محكم كتابه :«إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ *ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » (1)
فأنا بقية من آدم، وذخيرة من نوح، ومصطفى من إبراهيم، وصفوة من محمّد صلى الله عليهم أجمعين .
ألا فمن حاجني في كتاب الله، فأنا أولى الناس بكتاب الله، ألا ومن حاجني في سنّة رسول الله، فأنا أولى الناس بسنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم
فأنشد الله من سمع كلامي اليوم لما بلغ الشاهد منكم الغائب،
وأسألكم بحقّ الله وحقّ رسوله صلی الله علیه وآله وسلم وبحقي، فإن لي عليكم حقّ القربي من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلا أعنتمونا، ومنعتمونا ممن يظلمنا، فقد أخفنا وظلمنا، وطردنا من ديارنا وأبنائنا، وبغي علينا، ودفعنا عن حقنا، وافترى أهل الباطل علينا، فالله الله فينا لا تخذلونا، وانصرونا ينصركم الله ... الخبر .(2)
أقول: إذا فتحت مسامع قلبك، وشرح صدرك بنور من ربّك، سمعت نداء إمام زمانك في هذا الزمان، واستنصاره من أهل الإيمان، فهل من مجيب يجيبه؟ وهل من معين يعينه؟ وهل من ناصر ینصره؟ فإن النصرة في کلّ زمان علی حسبه، فعليكم النصر، فإن نصره نصر لله، ونصر لرسول الله ، صلی الله علیه وآله وسلم ولأولياء الله، ونصر للإسلام وللإيمان، ونصر للغريب، ونصر للمظلوم، ونصر للمضطر، ونصر للعالم، ونصر لولي النعمة، ونصر للوالد الرحيم،
إلى غير ذلك من العناوين الصادقة عليه، الحاصلة بنصره .
واعلم أن من أقسام نصرته وإعانته بذل المال في ذكره، وطبع الكتب المتعلقة به، المتكقلة لبيان آدابه
ومنها: بذل المال لذرية الأئمة علیهم السلام وشیعتهم.
ص: 301
ومنها : إعانة من يعينه ، وينصر بما تيسر من المال أو الجاه، أو الشفاعة واللسان أو غير ذلك والله الهادي .
ومن الجهات الموجبة للدعاء له على جميع الأنام : المبدوّة ألفاظها بالكاف :
فإنّ الطباع مجبولة على محبة الكريم، والعقول متفقة على رجحان الدعاء بل لزوم ذلك، كما لا يخفى، والفرق بين السخي والكريم : أن السخي يعطي بعد السؤال، والكريم يعطي قبل السؤال،
وقد ذكروا في أحوال مولانا الحسن المجتبى علیه السلام أنه جاءه بعض الأعراب فقال علیه السلام: أعطوه ما في الخزانة، فوجد فيها عشرون ألف دينار(1) فدفعها إلى الأعرابي، فقال الأعرابي : يا مولاي، ألا تركتني أبوح (2) بحاجتي وأنشر مدحتي ! فأنشأ الحسن علیه السلام:
نحن أناس نوالناخضل*** يرتع فيه الرجال والامل
تجود قبل السؤال أنفسنا ***خوفا على ماء وجه من يسل
لو علم البحر فضل نائلنا*** الفاض من بعد فیضه خجل
ثمّ إن الأحاديث الدالة على كمال هذه الصفة في سیّدنا ومولانا صاحب الزمان عجلّ الله تعالی فرجه كثيرة، عموماً وخصوصاً.
فمنها : ما دل على أن الإمام في کلّ عصر أكرم الناس وأسخاهم.
ومنها : ما دل على أن خلقه خلق رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وقد مرّ تحقيقه . (3)
ومنها : ما دل على تحليله عليه الصلاة والسلام، وإباحته صلوات الله عليه خمس ما في أيدي المخالفين، مثل السبي والغنائم، وغيرهما للمؤمنين إذا اشتروها من المخالفين، لتطيب ولادتهم وتزكوا أموالهم.
ص: 302
518- ومنها : ما في البحار، عن أبي جعفر علیه السلام :
إذا ظهر القائم ودخل الكوفة ، بعث الله تعالى من ظهر الكوفة سبعين ألف صديق ، فيكونون في أصحابه وأنصاره، ويرد السواد إلى أهله هم أهله، ويعطي الناس عطايا مرتين في السنة، ويرزقهم في الشهر رزقين، ويسوي بين الناس حتّی لا ترى محتاجاً إلى الزكاة، ويجيء أصحاب الزكاة بزكاتهم إلى المحاويج من شیعته فلا يقبلونها، فيصرونها ويدورون في دورهم فيخرجون إليهم فيقولون: لا حاجة لنا في دراهمكم . وساق الحديث إلى أن قال :
ويجتمع إليه أموال أهل الدنيا كلها من بطن الأرض وظهرها، فيقال للناس :
تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدم الحرام، وركبتم فيه المحارم، فيعطي عطاء لم يعطه أحد قبله . (1)
أقول: قد مرّ في سخائه(2) ما يدل على المقصود.
بنحو لم يتحقق قبل ظهوره لأحد من النبيين والوصيين:
519- ففي البصائر : بإسناده عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة قال : كان أمیرالمؤمنین علیه السلام إذا وقف الرجل بين يديه ، قال :
یا فلان، استعد وأعد لنفسك ما تريد، فإنك تمرض في يوم كذا وكذا، في ساعة كذا وكذا وسبب مرضك كذا وكذا، وتموت في شهر كذا وكذا، في يوم كذا وكذا، في ساعة كذا وكذا،
قال سعد: فقلت هذا الكلام لأبي جعفر علیه السلام فقال : كان ذاك فقلت : جعلت فداك، فكيف لا تقول أنت ، فلا تخبرنا فنستعد له؟ قال علیه السلام: هذا باب أغلق الجواب فيه عليّ بن الحسین علیه السلام حتّی يقوم قائمنا علیه السلام . (3)
ص: 303
520- وفي البحار : عن أبي عبدالله علیه السلام، قال :
العلم سبعة وعشرون حرفا فجميع ما جاءت به الرسل حرفان، فلم يعرف الناس حتّی اليوم غير الحرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرقة فبثّها في الناس، وضم إليها الحرفين حتّی يبثّها سبعة وعشرين حرفا.(1)
521- وفيه: عن أبي جعفر علیه السلام في وصف آداب القائم علیه السلام في زمان ظهوره قال - في حديث طویل - : ثمّ يرجع إلى الكوفة، فيبعث الثلاثمائة والبضعة عشر رجلا إلى الآفاق كلها، فيمسح بين أكتافهم، وعلى صدورهم، فلا يتعايون في قضاء، ولا تبقى أرض إلآ نودي فيها شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمّدا رسول الله، وهو قوله:
« وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ»(2)
ولا يقبل صاحب هذا الأمر الجزية كما قبلها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو قول الله :
«وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ...» (3) إلخ.(4)
522-وفي حديث آخر ، عنه علیه السلام قال : ويؤتون الحكمة في زمانه حتّی أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم . (5)
523- وفي حديث آخر ، عنه علیه السلام: إذا قام القائم أقام في أقاليم الارض في کلّ أقليم رجلا، يقول : عهدك في كفك، فإذا ورد عليك ما لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه، فانظر إلى كفك، واعمل بما فيها، الخبر .(6)
524- وفي كتاب الخرائج: عنه، عن سیّد الشهداء علیه السلام: إن الله ليهب الشيعتنا كرامة لا يخفى عليهم شيء في الأرض، وما كان فيها، حتّی أن الرجل
ص: 304
منهم يريد أن يعلم علم أهل بيته فيخبرهم بعلم ما يعلمون .(1)
525- وفي البحار : عن أمیرالمؤمنین علیه السلام - في حديث طويل قال - : ويقذف في قلوب المؤمنين العلم، فلا يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من علم، فيومئذ تأويل هذه الآية :«و يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ »(2)، وتخرج لهم الأرض كنوزها، ويقول القائم : «كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ » (3) الخبر .(4)
بالدعاء لهم عموما كما مرّ، وخصوصا في موارد أكثر من أن تحصی:
526- فمنها : ما نقله العالم الكامل مولانا المجلسي (رحمه الله) في التاسع عشر من البحار : بعدة طرق، عن أبي الوفاء الشيرازي، قال :
کنت ماسوراً بكرمان في يد ابن إلياس مقيداً مغلولاً فأخبرت أنه قدهم بصلبي، فاستشفعت إلى الله عزّ وجلّ بزین العابدين عليّ بن الحسين علیه السلام فحملتني عيني، فرأيت في المنام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو يقول:
لا يتوسل بي، ولا بابنتي ولا بابني في شيء من عروض الدنيا، بل للآخرة وما تؤمل من فضل الله عزّ وجلّ فيها،
فأما أخي أبو الحسن فإنّه ينتقم لك ممن يظلمك.
فقلت : يا رسول الله، أليس قد ظلمت فاطمة فصبر، وغصب هو على إرثك فصبر، فكيف ينتقم لي ممن ظلمني ؟!
فقال صلی الله علیه وآله وسلم: ذلك عهد عهدته إليه [وأمر]أمرته به، ولم يجد بدا من القيام به وقد أدى الحقّ فيه، والآن فالويل لمن يتعرض لمولاه.
وأما عليّ بن الحسين فللنجاة من السلاطين، ومن مفسدة الشياطين
وأما محمّد بن عليّ وجعفر بن محمّد فللآخرة، وأما موسی بن جعفر
ص: 305
فالتمس به العافية ، وأما عليّ بن موسى فللنجاة في الأسفار في البر والبحر
وأما محمّد بن عليّ فاستنزل به الرزق من الله تعالى، وأما عليّ بن محمّد فلقضاء النوافل وبر الإخوان، وأما الحسن بن عليّ فللآخرة
وأما الحجّة فإذا بلغ السيف منك المذبح - وأومأ صلی الله علیه وآله وسلم بي بيده إلى حلقه - فاستغث به، فهو يغيثك، وهو کهف وغياث لمن استغاث به .
فقلت : يا مولاي ياصاحب الزمان، أنا مستغيث بك،
فإذا أنا بشخص قد نزل من السماء تحته فرس وبيده حربّة من حديد(1)
فقلت : يامولاي، اكفني شر من يؤذيني، فقال : قد كفيتك، فإنني سألت الله عزّ وجلّ فيك ، وقد استجاب دعوتي ، فأصبحت فاستدعاني ابن إلياس ، و حل قيدي، وخلع علي، وقال : بمن استغثت؟ فقلت : استغشت بمن هو غياث المستغيثين حتّی سأل ربّه عزّ وجلّ، والحمد لله ربّ العالمين .(2)
527- ومنها: ما نقله في المجلد الثالث عشر : عن والده العالم العامل مولانا محمّد تقي المعروف بالمجلسي الاول (رحمه الله) أنه قال :
كان في زماننا رجل شریف صالح، كان يقال له : أمیر إسحاق الإسترآبادي وكان قد حج أربعين حجّة ماشياً، وكان قد اشتهر بين الناس أنه تطوى له الأرض، فورد في بعض السنين بلدة إصفهان، فأتيته وسألته عما اشتهر فيه
فقال : كان سبب ذلك أني كنت في بعض السنين مع الحاج متوجهين إلى بیت الله الحرام، فلمّا وصلنا إلى موضع كان بيننا وبين مكة سبعة منازل أو تسعة تأخرت عن القافلة لبعض الأسباب، حتّی غابت عني، وضللت عن الطريق وتحيرت و غلبني العطش، حتّی أيست من الحياة
فناديت : يا صالح یا ابا صالح أرشدونا إلى الطريق يرحمكم الله.
فتراءى لي في منتهى البادية شبح، فلمّا تأملته حضر عندي في زمان يسير
ص: 306
فرأيته شابّاً حسن الوجه، نقي الثياب، أسمر، على هيئة الشرفاء، راكبا على جمل ومعه إداوة (1)، فسلمت عليه، فرد عليّ السلام
وقال : أنت عطشان؟ قلت: نعم، فأعطاني الإدارة فشربّت، ثمّ قال :
تريد أن تلحقّ القافلة؟ قلت: نعم، فأردفني خلفه، وتوجه نحو مكة ،
وكان من عادتي قراءة الحرز اليماني في کلّ يوم، فأخذت في قراءته ،
فقال علیه السلام في بعض المواضع : إقرأ هكذا.
قال : فما مضى إلآ زمان يسير، حتّی قال لي: تعرف هذا الموضع؟ فنظرت ، فإذا أنا بالأبطح، فقال : انزل، فلمّا نزلت رجعت، وغاب عنّي، فعند ذلك عرفت أنه القائم علیه السلام فندمت وتأسفت على مفارقته وعدم معرفته ، فلمّا كان بعد سبعة أيام، أتت القافلة فرأوني في مكة بعد ما أيسوا من حياتي، فلذا اشتهرت بطي الأرض.
قال الوالد: فقرأت عنده الحرز اليماني وصححته، وأجازني والحمد لله .(2)
528- ومنها : ما نقله العالم العامل الحاج میرزا حسين النوري (رحمه الله) في جنّة المأوى، عن کتاب کنوز النجاح للشيخ الجليل أُمّين الإسلام فضل بن الحسن الطبرسي، قال : دعاء علمه صاحب الزمان علیه سلام الله الملك المنّان، أبا الحسن محمّد بن أحمد بن أبي الليث رحمه الله تعالى ، في بلدة بغداد، في مقابر قريش، وكان أبو الحسن قد هرب إلى مقابر قريش، والتجأ إليه علیه السلام من خوف القتل فنجي منه ببركة هذا الدعاء،
قال أبو الحسن المذكور : إنّه صلوات الله عليه علمني أن أقول:
اَلٰلّهمَّ عَظُمَ الْبَلاءُ، وَبَرِحَ الْخَفاءُ، وَانْقَطَعَ الرَّجاءُ، وَانْکَشَفَ الْغِطاءُ، وَضاقَتِ الْأَرْضُ، وَمُنِعَتِ السَّماءُ،وَ إِلَیْکَ یا ربّ الْمُشْتَکیٰ، وَعَلَیْکَ الْمُعَوَّلُ فِی الشِّدَّةِ وَالرَّخاءِ اللّٰهُمَّ فصَلِّ عَلیٰ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أُولِی الْأَمْرِ الَّذِینَ فَرَضْتَ
ص: 307
عَلَیْنا طاعَتَهُمْ،فعَرَّفْتَنا بِذَلِکَ مَنْزِلَتَهُمْ، فَفَرِّجْ عَنّا بِحَقِّهِمْ فَرَجاً عاجِلاًکَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ یَا مُحَمَّدُ یَا عَلِیُّ، یَا عَلِیُّ یَا مُحَمَّدُ اکْفِیانِی فَإِنَّکُما کافِیانِ، وَانْصُرانِی فَإِنَّکُما ناصِرانِ یَا مَوْلانا یَا صاحِبَ الزَّمانِ، الْغَوْثَ الْغَوْثَ الْغَوْثَ، أَدْرِکْنِی أَدْرِکْنِی أَدْرِکْنِی، السَّاعَةَ السَّاعَةَ السّاعَةَ، الْعَجَلَ الْعَجَلَ الْعَجَلَ، یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِینَ. قال الراوي :
إنّه علیه السلام عند قوله: يا صاحب الزمان، كان يشير إلى صدره الشريف . (1)
أقول: إذا أردت أن تطلع على نبذ من ذلك فعليك بمطالعة كتاب النجم الثاقب، جزى الله تعالی مؤلّفه أحسن الجزاء.
من المهمات الدعاء لنشر لوائه ، فبذلك تفرح القلوب وتكشف الكروب
529-ففي كمال الدين : عن أمیرالمؤمنین علیه السلام أنه قال على المنبر : يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان، أبيض اللون، مشربّ بالحمرة، مبدح البطن عريض الفخذين، عظیم مشاش المنكبين، بظهره شامتان، شامّة على لون جلده، وشامّة على شبه شامّة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، له إسمان : إسم يخفى، وإسم يعلن
فأما الّذي يخفی : فأحمد، وأما الّذي يعلن : فمحمّد، إذا هز رأيته أضاء لها . ما بين المشرق والمغربّ، ووضع يده على رؤوس العباد، فلا يبقى مؤمن إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد، وأعطاه الله تعالى قوة أربعين رجلا، ولا يبقى ميت من المؤمنين إلآ دخلت عليه تلك الفرحة في قلبه وهو في قبره، وهم يتزاورون في قبورهم، ويتباشرون بقيام القائم علیه السلام . (2)
أقول: المراد بالقبور منازل أرواحهم في عالم البرزخ،
ص: 308
ويشهد لذلك بعض الروايات كما حكي عن بعض الأساطين.
530- وفي الإكمال أيضاً : روي أنه يكون في راية المهدي علیه السلام « البيعة(1) لله عزّ وجلّ».(2)
531- وفيه : عن أمیرالمؤمنین علیه السلام : إن لنا أهل البيت راية ، من تقدمها مرق، ومن تأخر عنها زهق، ومن تبعها لحقّ . (3)
532- وعن الصادق علیه السلام قال : كأنّي أنظر إلى القائم علیه السلام على ظهر النجف
فإذا استوى على ظهر النجف ركب فرساً أدهم أبلق ما بين عينيه شمراخ(4) ثمّ ينتفض به فرسه ، فلا يبقى أهل بلدة إلا وهم يظنون أنه معهم في بلادهم،
فإذا نشر راية رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم انحط إليه ثلاثة عشر ألف ملك وثلاثة عشر ملكة، كلهم ينظرون إلى القائم علیه السلام (5)الخبر .(6)
533- وعن أبي حمزة قال : قال أبو جعفر علیه السلام:
كأني أنظر إلى القائم علیه السلام قد ظهر على ظهر النجف بالكوفة(7)، فإذا ظهر على النجف نشر راية رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عمودها من عمد (8)عرش الله تعالی وسائرها من نصر الله جلّ جلاله، ولا يهوي بها إلى أحد إلا أهلکه الله تعالى قال : قلت : تكون معه أو يؤتى بها؟ قال : بل يؤتى بها، يأتيه بها جبرئیل علیه السلام . (9)
534- وفيه أيضاً: عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم - في حديث طويل - قال :
له علم إذا حان وقت خروجه، انتشر ذلك العلم من نفسه، وأنطقه الله تبارك وتعالى، فناداه العلم: أخرج یا ولي الله، فاقتل أعداء الله، وله رایتان
ص: 309
وعلامتان، وله سيف مغمد، فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده، وأنطقه الله عزّ وجلّ فناداه السيف: أخرج یا ولي الله، فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء الله، الخبر . (1)
535-وفي البحار : عن أبي بصير ، قال : قال أبو عبدالله علیه السلام:
لما التقى أمیرالمؤمنین علیه السلام وأهل البصرة، نشر الراية راية رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فتزلزلت أقدامهم، فما اصفرت الشمس حتّی قالوا: أمتنا (2) یابن أبي طالب ، فعند ذلك قال علیه السلام : لا تقتلوا الأسراء، ولا تجهزوا على جريح، ولا تتبعوا مولياً، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ولما كان يوم صفين سألوه نشر الراية، فأبی عليهم، فتحملوا عليه بالحسن والحسين وعمّار بن یاسر،
فقال علیه السلام للحسن: يا بني إن للقوم مدة يبلغونها، وإن هذه الراية لا ينشرها بعدي إلا القائم علیه السلام .(3)
536-وفي حديث آخر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله علیه السلام - في وصف رايته - قال : يا أبا محمّد ما هي والله من قطن، ولا كتان ولا قز ولا حرير،
فقلت : من أي شيء هي؟
قال : من ورق الجنّة نشرها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يوم بدر ، ثمّ لفها ودفعها إلى عليّ علیه السلام فلم تزل عند عليّ علیه السلام حتّی كان يوم البصرة، فنشرها أمیرالمؤمنین علیه السلام ففتح الله عليه ، ثمّ لفها، وهي عندنا هناك، لا ينشرها أحد حتّی يقوم القائم علیه السلام فإذا قام نشرها، فلم يبق في المشرق والمغربّ أحد إلا لعنها (4)، ويسير الرعب
ص: 310
قدامها شهراً، وعن يمينها شهراً وعن يسارها شهراً.
ثمّ قال علیه السلام : يا أبا محمّد إنّه يخرج موتوراً غضبان أسفاً لغضب الله على هذا الخلق، عليه قميص رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الّذي كان عليه يوم أحد وعمامته السحاب، ودرع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم السابغة، وسيف رسول الله ذو الفقار، يجرد السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يقتل هرجا ... إلخ .(1)
أقول : هذه الأحاديث تدل على تعدد راياته، ويدل عليه أخبار أخر تركنا ذكرها في هذا المختصر .
أما معنى المرابطة وفضلها فسنذكرهما في الباب الثامن إن شاء الله تعالى(2)
وأما فضل الدعاء للمرابطين وحسن ذلك فيدل عليه العقل والنقل.
أما الأوّل : فلأنهم حماة الدين، وعيون المسلمين، والعقل يقضي بحسن الدعاء لمن هو كذلك.
وأما الثاني : فيكفينا دعاء مولانا سید العابدین علیه السلام لهم في الصحيفة المباركة السجادية، وهو الدعاء السابع والعشرون (3)، وأما ما يدل على كون مولانا الحجّة علیه السلام مرابطاً في سبيل الله عزّ وجلّ فعدة روایات :
537۔ منها: التوقيع الخارج إلى الشيخ المفيد أبي عبدالله محمّد بن محمّد ابن النعمان (رحمه الله) نسخته : من عبدالله المرابط في سبيله، إلى ملهم الحقّ ودليله .(4)
538- ومنها : ما روي في كتاب الغيبة للشيخ النعماني (رحمه الله) : بإسناده عن أبي جعفر محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين علیه السلام، أن ابن عباس بعث إليه
ص: 311
من يسأله عن هذه الآية : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا »ا (1)
فغضب عليّ بن الحسين علیهما السلام ؛ وقال للسائل: وددت أن الّذي أمرك بهذا واجهني به، ثمّ قال : نزلت في أبي، وفينا، ولم يكن الربّاط الّذي أمرنا به بعد وسيكون ذلك ذرية من نسلنا المرابط، (الخبر) .(2)
539- وفي البرهان عن العياشي: مرسلا عن أبي جعفر علیه السلام في هذه الآية
قال علیه السلام: نزلت فينا، ولم يكن الربّاط الّذي أمرنا به بعد، وسيكون ذلك من نسلنا المرابط و من نسل ابن ناثل (3) المرابط . (4)
أقول: لا يخفى أن المقصود بالمرابط المذكور هو مولانا صاحب الزمان علیه السلام بدلالة التوقيع المذكور، ومرّ في حرف اللام ما يشهد لذلك، ومن هنا يظهر أن ذلك من عباداته المختصة به علیه السلام من بين الأئمة الكرام، كما أن منها أيضاً حج بیت الله الحرام في جميع المواسم والأعوام، كما بيناه في حرف الحاء المهملة
ومنها أيضاً طول صبره بحيث لم يتفق لأحد من آبائه صلوات الله عليهم
ومنها أيضاً المواظبة في الندبة لمولانا الشهيد أبي عبدالله علیه السلام کلّ صباح ومساء، بناء على صدور الزيارة المعروفة بالناحية عنه صلوات الله عليه ،
كما نقله الفاضل المجلسي (رحمه الله) عن كتاب المزار الكبير فإن فيها ما لفظه :
فلئن أخرتني الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربّك محاربة ولمن نصب لك العداوة مناصبة، فلأندبتك صباحا ومساء (إلخ). (5)
ص: 312
وهي تدل على شدة اهتمامه في ترویج دین الله وهداية عباد الله،
والدعاء لمن كان كذلك راجح ممدوح عقلاً ونقلاً،
ولذلك تدعو الملائكة لطالبي العلم مضافاً إلى أن هداية العباد من أعظم أقسام النفع لهم، والإحسان إليهم، فيجب الدعاء في حقّ من يهديهم إلى الحقّ، وغير ذلك من الوجوه التي تظهر بالتدبر .
540- وأما معجزاته علیه السلام فقد روى المحدث الحر العاملي (رحمه الله) في كتاب إثبات الهداة عن كتاب فضل بن شاذان : بإسناده عن عبدالله بن أبي يعفور، قال : قال أبو عبدالله جعفر بن محمّد صلوات الله وسلامه عليهما وعلى آبائهما وأبنائهما : ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء إلا ويظهر الله تبارك وتعالى مثلها في يد قائمنا لإتمام الحجّة على الأعداء، إنتهی .(1)
أمّا تفصيل ما ظهر منه من المعجزات فليطلب من الكتب المطولة، كالبحار وغيره.
541- روي في كتاب غيبة النعماني: بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
إن قائمنا إذا قام استقبل من جهلة الناس أشد ممّا استقبله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم من جهّال الجاهليّة، قال فضيل: فقلت: وكيف ذلك؟
قال : إن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان، والخشب المنحوتة، وإن قائمنا إذا قام أتي الناس وكلهم يتأول عليه كتاب الله، يحتج عليه به ... الخبر .(2)
وفي هذا المعنی روایات أخر تركنا ذكرها في هذا المختصر، وهذا بيان
ص: 313
محنته في زمان ظهوره.
أما محنته في زمان غيبته، فلا يكاد يخفى على أحد من شيعته .
وهي كثيرة، فإنّه قد أصيب بمصيبة جده وآبائه خصوصاً سیّدنا الشهيد أبي عبدالله الحسين علیه السلام فإنّه ولي دمه، كما ورد في التفسير (1)والدعاء للمصاب مستحب كما دلت عليه الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار .
من أعظم الأسباب الموجبة الباعثة للمؤمن على الدعاء له، ومسألة التعجيل في فرجه من الله تعالى شأنه .
أما محبّته للمؤمنين فيدل عليه طوائف من الأخبار :
منها : ما دل على كون الإمام بمنزلة الوالد الشفيق، والأب الرحيم للمؤمنين بل هو أرأف من الوالد بهم.
ومنها: ما دل على كون الشيعة بمنزلة الأوراق لشجرة الإمامة .
ومنها : ما دل على أن الإمام يحزن لحزن المؤمنين، ويتفجع لمصابهم، ويألم لمرضهم.
ومنها : ما دل على دعائه لهم، وفي حقهم.
ومنها : ما دل على إباحته الأنفال ونحوها لشيعته في زمان غيبته . ومنها :
ما دل على إغاثته لمحبيه في موارد كثيرة قد ذكرنا بعضها في هذا الكتاب .
ومنها: ما دل على حضور الإمام في تشييع جنازة المؤمن .
ومنها : ما ورد من بكائهم عند ابتلاء أحبائهم، وحين وفاتهم،
وغير ذلك ممّا لا يخفى على المتتبع إن شاء الله تعالی .
ص: 314
وأمّا محبة المؤمن له: فهي من الواجبات التي يتوقف عليها حصول حقيقة الإسلام، وقبول الأعمال. بل لمحبته بالخصوص تأثیر خاص اقتضى أمرا خاصّاً به كما سنذكره في الباب الثامن إن شاء الله تعالى، فيا أيها المحبون المشتاقون ، أدعوا لحبيبكم، واسألوا الله تعالى أن يجعل لقاءه من نصيبكم.
إعلم أن منافع وجوده المبارك على أقسام :
(القسم الأول): منافع وجوده غائباً كان أو حاضراً، وهو على قسمين: قسم يشترك في الإنتفاع به جميع الخلائق، مثل الحياة، والرزق، والسكون في العالم ونحوها ، فإن جميعها من برکات وجوده، كما أثبتنا في الباب الثاني والثالث،
542- ولهذا قال علیه السلام في التوقيع الشريف : وأما وجه الإنتفاع بي في غيبتي فكالإنتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء .. إلخ.(1)
وقد ورد بمضمون هذا التوقيع الشريف روايات أخر عن الأئمة علیهم السلام
وسنعقد في خاتمة هذا الكتاب فصلا لبيان مبانيها، وتحقيق إشاراتها ومعانيها إن شاء الله تعالی.
وقسم يختص بالمؤمنين من العنايات الربّانية، والإفاضات العلميّة، كإيضاح وقت الصلوات اليومية، ونحوها:
543- روي في الوسائل: بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام قال : ما من يوم سحاب يخفى فيه على الناس وقت الزوال، إلا كان من الإمام علیه السلام للشمس زجرة حتّی تبدو، فيحتج على أهل کلّ قرية من اهتم بصلاته ومن ضيعها.(2)
ص: 315
والقسم الثاني : منافع زمان غيبته ، وهي على قسمين :
أحدهما: ما يختصّ بالمؤمنين وهي كثيرة
منها : ما يترتّب على انتظار زمان ظهوره من المثوبات الجليلة التي يأتي ذكرها في الباب الثامن إن شاء الله تعالی.
ومنها : ما يترتّب على صبرهم في زمان غيبته، ونذكرها ثمّة أيضاً.
ومنها : تضاعف ثواب أعمالهم الحسنّة في مثل هذا الزمان .
544- ففي أصول الكافي وغيره: عن عمّار الساباطي قال : قلت لأبي عبدالله علیه السلام: أيما أفضل : العبادة في السر مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل، أو العبادة في ظهور الحقّ ودولته، مع الإمام منكم الظاهر؟
فقال : يا عمّار، الصدقة في السر والله أفضل من الصدقة في العلانية وكذلك والله عبادتكم في السر مع إمامكم المستتر في دولة الباطل، وتخوفكم من عدوكم في دولة الباطل وحال الهدنة أفضل ممن يعبد الله جلّ ذكره في ظهور الحقّ مع إمام الحقّ الظاهر في دولة الحقّ، وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحقّ.
واعلموا أن من صلى منكم اليوم صلاة فريضة في جماعة، مستتراً بها من عدوه في وقتها فأتمها، كتب الله عزّ وجلّ له خمسين صلاة فريضة في جماعة
ومن صلى منكم صلاة فريضة وحده مستتراً بها من عدوه في وقتها فأتمها ، كتب الله عزّ وجلّ له بها خمساً وعشرين صلاة فريضة وحداتية ،
ومن صلى منكم صلاة نافلة لوقتها فأتمها، كتب الله له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنّة ، كتب الله له بها عشرين حسنّة، ويضاعف الله عزّ وجلّ حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله، ودان بالتقنية على دينه وإمامه ونفسه، وأمسك من لسانه أضعافا مضاعفة، إن الله عزّ وجلّ كريم ، الخبر . (1)
ص: 316
ومنها : المثوبات الجليلة الكثيرة المترتبة على الأعمال المخصوصة بزمان غيبة الإمام صلوات الله عليه ، فإنّها عظيمة جدا
وسنذكرها في الباب الثامن إن شاء الله تعالی.
وثانيهما: ما يختصّ بالكافرين والمنافقين، وهو إمهالهم وتأخیر عذابهم
545- ففي تفسير عليّ بن إبراهيم القمي (رحمه الله) في قوله تعالی :
«فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا » (1) لوقت بعث القائم، فينتقم لي من الجبارين والطواغيت من قريش وبني أُمّية وسائر الناس . (2)
القسم الثالث: منافع زمان ظهوره، وهي على قسمين :
الأول : ما يعم جميع الخلائق، مثل انتشار نوره، وظهور عدله، وأمنية الطرق والبلاد، وظهور برکات الأرض، واصطلاح السباع والبهائم، وعدم إيذاء ذي حمة أحداً، وغيرها من بركاته الوافرة، ومنافعه المتكاثرة.
546- ففي البحار : عن أمیرالمؤمنین علیه السلام - في وصف ظهور القائم علیه السلام - قال : وتعطي السماء قطرها، والشجر ثمرها، والأرض نباتها، وتتزين لأهلها وتأمن الوحوش حتّی ترتعي في طرق الأرض كأنعامهم ... الخبر . (3)
والثاني: ما يختص بالمؤمنين، وهو على قسمين :
أحدهما: الأحيائهم، وهو الإنتفاع بشرف حضوره، والاستضاءة بنوره والأخذ من علومه، وارتفاع العاهات والأمراض والبليات عن أبدانهم،
547- كما عن الصادق علیه السلام في البحار وغيره، قال :
إذا قام القائم أذهب الله عن کلّ مؤمن العاهة، ورد إليه قوته . (4)
ص: 317
و ازدیاد قوتهم، كما مرّ في حرف القاف ، وطول أعمّارهم، ومشاهدتهم كيف ينتقم القائم علیه السلام من أعدائهم، وغير ذلك من المنافع الكثيرة .
وثانيهما: لأمواتهم، فمن ذلك دخول الفرج بظهوره في قبورهم،
548- ففي المحجّة : عن الصادق علیه السلام في قوله تعالى شأنه :
«ُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُون بنصر» (1)قال :
في قبورهم بقيام القائم (2)ومرّ في حرف اللام ما يدل على ذلك،
ومن منافع زمان ظهوره لأموات المؤمنين حياتهم بعد موتهم،
549- ففي البحار : عن الصادق علیه السلام قال :
وإذا آن قيامه مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب مطراً لم تر الخلائق مثله، فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، وكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة، ينفضون شعورهم من التراب . (3)
وقد مرّ ما يدل على المقصود في حرف الكاف فراجع. (4)
ويأتي في الباب الخامس ما يدل على أن الداعي لفرجه صلوات الله عليه يحيى في زمان ظهوره ليتشرف بحضوره إن شاء الله تعالى . (5)
من أعظم ما يبعث على الدعاء له، ويدل على ذلك العقل، وتقريره:
أنك إذا كنت في ليل مظلم في طريق مبهم، وكان فيه زحالیف (6)مزلة واعترضتك كلاب موذية لا يمكنك الخلاص منها إلا بسراج تستضيء به في الطريق وتتخلص ببركته من الشدة والضيق، فأتاك آت بسراج أضاء به سبيلك
ص: 318
ونجوت به عمّا يغيلك (1) بعثك عقلك بل حملك طبعك على الدعاء له، من دون تأمل في أنه رجل أو امرأة، وأنه عالم أو جاهل، وحر أو عبد،
الأن نفس هذا الأمر صار سبب لدعائك، وخلاصك من شدتك وابتلائك،
وإذا عرفت ذلك، فاعلم: أن تحقيق الكلام في هذا المقام يستدعي فصولا :
الأول : في معنى النور .
الثاني : في كون النورانية علامة الشرف، وكمالها دلیل كماله .
الثالث : في كون وجوده عجلّ الله تعالی فرجه نوراً.
الرابع : في إشراقات نوره في غيبته وحضوره.
الفصل الأول : في معنى النور
إعلم أن النور إسم لکلّ ما هو ظاهر، مظهر نغيره، سواء كان ظهوره بنفسه أم بغيره، وإلى هذا المعنى يرجع ما قيل في تعريفه أن النور: ما به تظهر الأشياء، لأن ظهور الغير به فرع ظهوره في نفسه، فإن فاقد الشيء لا يكون معطيه، وأما ما قيل في تعريفه من أنه الظاهر بنفسه المظهر لغيره، فهو حقّ إن أريد به ما ذكرناه ، وإن أريد به أن النور ما يكون ظهوره غیر مستند إلى غيره ويكون ظهور غيره مستندة إليه كما هو مقتضی باء السبية ففيه منع.
إذ يلزم منه أن لا يصح إطلاقه على غير الله تعالى حقيقة، فلا ينعكس التعريف، وبالجملة، فالنور على کلّ من هذه التعاريف كلي مشكك، يتفاوت أفراده، فأعلاه الذات المقدس الظاهر بنفسه، المظهر لغيره، الخارج عن حدود الممکنات، الخالق لجميع الأنوار، وهو الله تعالی شبانه، ونعم ما قيل :
يا من هو اختفى لفرط نوره***الظاهر الباطن في ظهوره
وهذا النور ليس بجوهر ولا عرض، بل هو المظهر لکلّ جوهر و عرض وعلى هذا التقدير، فإطلاق النور عليه تعالى في قوله عز إسمه :
ص: 319
(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)(1) لايحتاج إلى تجوز وتكلف أصلا.
550- و كذا الدعاء المروي عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم في المهج وغيره : بسم الله النور بسم الله نور النور، بسم الله نور على نور (إلخ).(2)
ولشرح هذا الكلام مقام آخر: وقسم من النور يكون داخلا في الجواهر وأعلاه وجود نبينا وحبيبنا محمّد صلی الله علیه وآله وسلم الّذي جعله مثل نوره، ومن هذا القسم وجود الإمام علیه السلام ولهذا أطلق عليه النور، كما يأتي إن شاء الله تعالى . ومنه العالم
إلى غير ذلك من الأقسام، التي بعضها فوق بعض، وقسم من النور يكون داخلا في الأعراض، كضوء البرق والسراج وغيرهما، وإطلاق النور على كلها حقيقة، وبهذا البيان ينكشف لك عدم الإختلاف في التفاسير المروية لآية النور، فإن كلا منها بیان لبعض مصاديق النور، ولولا خوف الإطناب لادیت حق التحقيق والتفصيل في هذا الباب ، والله تعالى هو الهادي إلى نهج الصواب .
الفصل الثاني : وإذ قد عرفت أن للنور أقساماً كثيرة بعضها فوق بعض، فلا ريب في كون النورانية علامة لشرف صاحبها، وكمالها دلیل کمال شرفه، وهذا أمر واضح لاسترة فيه ،
ويدل عليه مضافاً إلى دلالة العقل، الآيات والأخبار الكثيرة،
منها : آية النور، فإنّه تعالى قد وصف نفسه بهذه الصفة المتعالية، وهو حسبنا في إثبات المطلوب.
ومنها : الآيات الواردة في مقام الإمتنان بخلق الشمس والقمر،
قال الله عزّ وجلّ:«وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا » (3) .
ومنها : الواردة في مقام الحلف كقوله تعالی :
«وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا *وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا » (4) وغيرهما.
ص: 320
وأما الأخبار فكثيرة جدّاً:
551۔ منها: ما ورد في وصف نور النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم كما روي في البحار في المجلد السادس عن الصادق علیه السلام قال : إن محمّداً وعليّاً صلوات الله عليهما كانا نوراً بين يدي الله جلّ جلاله قبل خلق الخلق بألفي عام، وإن الملائكة لما رأت ذلك النور، رأت له أصلا وقد انشعب منه شعاع لامع، فقالت : إلهنا وسیّدنا، ما هذا النور؟ فأوحى الله عزّ وجلّ إليهم: هذا نور من نوري، أصله نبوة، وفرعه إمامة، فأما النبوة فلمحمّد صلی الله علیه وآله وسلم عبدي ورسولي، وأما الإمامة فلعليّ حجتي وولي، ولولاهما ما خلقت خلقي ... الخبر .(1)
552- وفيه : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : إن الله خلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق آدم علیه السلام حين لا سماء مبنية ولا أرض مدحية، ولاظلمة ولا نور، ولا شمس ولا قمرّ، ولا جنّة، ولا نار،
فقال العباس : فكيف كان بدء خلقكم يا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم
فقال : يا عم، لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نوراً ، ثمّ تكلم بكلمة أخرى فخلق منها روحاً، ثمّ مزج النور بالروح فخلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين، فكنا نسبحه حين لا تسبيح ونقدسه حين لا تقديس
فلمّا أراد الله تعالى أن ينشئ خلقه، فتق نوري فخلق منه العرش، فالعرش من نوري، ونوري من نور الله، ونوري أفضل من العرش.
ثمّ فتق نور أخي علي، فخلق منه الملائكة ، فالملائكة من نور علي، ونور عليّ من نور الله، وعليّ أفضل من الملائكة.
ثمّ فتق نور ابنتي، فخلق منه السماوات والأرض، فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة، ونور ابنتي فاطمة من نور الله ، وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض.
ص: 321
ثمّ فتق نور ولدي الحسن، فخلق منه الشمس والقمر، فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن علیه السلام ونور الحسن علیه السلام من نور الله، والحسن أفضل من الشمس والقمر.
ثمّ فتق نور ولدي الحسين صلوات الله وسلامه عليه، فخلق منه الجنّة والحور العين، فالجنّة والحور العين من نور ولدي الحسين، ونور ولدي الحسين من نور الله، وولدي الحسين أفضل من الجنّة والحور العين . (1)
ومنها: ما دلّ على إضاءة نور سیّدتنا فاطمة الزهراء ++ في السماء للملائكة بعد أن سخر الله تعالى عليهم الظلمة، وفي الدنيا في أوقات الصلوات .
والحدیثان مذکوران في عاشر البحار(2)، تركناهما روما للإختصار .
ومنها: ما دلّ على تفاوت درجات نور المؤمنين يوم القيامة، بحسب تفاوت درجات إيمانهم
553- ففي ثالث البحار : عن أبي ذر الغفاري، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : يرد عليّ الحوض راية أمیرالمؤمنین، وإمام الغر المحجلين، فأقوم، فأخذ بيده فيبيض وجهه، ووجوه أصحابه ، فأقول: ما خلفتموني في الثقلين بعدي؟
فيقولون: اتبعنا الأكبر وصدقناه، ووازرنا الأصغر ونصرناه، وقتلنا معه
فأقول: روُّوا رواء مروييّن، فيشربّون شربة لا يظماون بعدها، وجه إمامهم كالشمس الطالعة، ووجوههم كالقمر ليلة البدر، وكأضوء نجم في السماء . (3)
الفصل الثالث: في بيان كون وجوده نوراً صلوات الله تعالى عليه ،
وهنا مطلبان : الأول : في بيان أن الإمام نور.
والثاني : في بيان أن وجوده بخصوصه نور.
ص: 322
أما الأول : فلأن معنى النور كما عرفت هو الظاهر في نفسه، المظهر لغيره
ولا ريب أن الإمام بحسب كمالاته ودلالاته، أظهر المخلوقات وأعرفها ولذلك قال مولانا أبو جعفر الباقر علیه السلام لمحمّد بن مسلم (رحمه الله) - في الحديث الّذي رويناه في الباب الأول : من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عزّ وجلّ ظاهر عادل أصبح ضالا تائها، الخبر(1)،
فإن ظهور الإمام علیه السلام بحسب دلالاته وكمالاته
وأما شخصه فقد يغيب عن قوم، وقد يظهر لهم، وهو في حال غيبته في غاية الظهور، كما قال سیّدنا الصادق لمفضل بن عمر - حین بکی لاجل استماعه منه علیه السلام شدة الشبهة، وارتفاع الرايات المشتبهة في زمان الغيبة - : ترى هذه الشمس؟ قال: قلت: نعم، فقال علیه السلام: والله لأمرنا أبين من هذه الشمس. (2)
وسيأتي الخبر بطوله في الباب الثامن إن شاء الله تعالى في فضل البكاء في زمان غيبة الحجّة صلوات الله عليه لغيبته .(3)
554- وروي في كمال الدين : عن أمیرالمؤمنین علیه السلام في خطبة له على منبر الكوفة : اللهمّ إنّه لابد لارضك من حجّة لك على خلقك تهديهم إلى دينك تعلمهم علمك ، لئلا تبطل حجتك، ولا يضل أتباع أوليائك بعد إذ هديتهم به ، إما ظاهر ليس بالمطاع، أو مکتتم مترقب، إن غاب عن الناس شخصه في حال هدايتهم (4)(لم يغب عنهم) (5) علمه، وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة، فهم لها عاملون .(6)
وأما ظهور الممکنات بوجود الإمام علیه السلام فيدل عليه ما قدمناه هنا، وفي
ص: 323
الباب الثالث (1) فلا نعيد،
هذا مضافاً إلى أن انکشاف جميع العلوم لم يكن إلا بوجودهم علیهم السلام ، كما دل عليه بعض من ذكرناه في حرف الكاف من هذا الباب .
ويدلّ بالصراحة على المقصود في هذا المقام عدة روايات عن الأئمة الكرام عليهم الصلاة والسلام :
555۔ منها: ما وراه ثقة الإسلام الكليني (رحمه الله) في أصول الكاف(2)، عن أبي خالد الكابلي ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ:
«فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا » (3)
فقال علیه السلام : يا أبا خالد، النور والله نور الأئمة من آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم إلى يوم القيامة، وهم والله نور الله الّذي أنزل، وهم والله نور الله
في السماوات والأرض ... الخبر .(4)
556- ومنها: ما رواه أيضاً عن أبي عبدالله علیه السلام في قول الله تعالی :« وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157)»(5)
قال علیه السلام: النور في هذا الموضع أمیرالمؤمنین والأئمة علیهم السلام . (6)
557- ومنها : ما رواه أيضاً عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالی :
«وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ » (7) يعني إماما تأتمون به . (8)
558-ومنها: ما رواه أيضاً عن الصادق علیه السلام في قوله تعالی :
« وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا » (9): إماما من ولد فاطمة علیهاالسلام.(10)
ص: 324
إلى غير ذلك من الأخبار المروية في مظانها.
المطلب الثاني : في بيان أن وجوده نور بخصوصه صلوات الله عليه
ويدل على ذلك - مضافاً إلى ماسنذكره في الفصل الرابع - عدّة روایات :
559۔ منها: ما ورد في وصفه في بعض الزيارات الجامعة: نور الأنوار الّذي تشرق به الأرض عما قليل.
560- وفي زیارة أخرى : ونوره في سمائه وأرضه . (1)
561- وفي زيارة يوم الجمعة :
السلام عليك يا نور الله الّذي يهتدي به المهتدون .(2)
562- وفي دعاء ليلة نصف شعبان في وصف صاحب الزمان :
نورك المتألق، وضياؤك المشرق ... إلخ .(3)
والمتألق : إما بمعنى اللامع بظهور نوره وإشراقه في زمان ظهوره بنحو مخصوص، أو المتزين لتزينه بزينة مخصوصة وألطاف منصوصة، أو المتشمر للخصومة، لاختصاصه بمطالبة الثار من قتلة الأخيار، كما نطقت به الأخبار :
563- ومنها : ما رواه السیّد بن طاووس في فلاح السائل، والمجلس في البحار : عن عباد بن محمّد المدائني، قال : دخلت على أبي عبدالله علیه السلام بالمدينة حين فرغ من مكتوبة الظهر، وقد رفع يديه إلى السماء وهو يقول :
أي سامع کلّ صوت - إلى آخر الدعاء الّذي نذكره في الباب السادس إن شاء الله تعالى - قال : أليس قد دعوت لنفسك جعلت فداك؟
قال : قد دعوت لنور آل محمّد و سابقهم، والمنتقم بأمر الله من أعدائهم قلت : متى يكون خروجه، جعلني الله فداك ؟ قال : إذاشاء من له الخلق والأمر .
قلت : فله علامة قبل ذلك ؟ قال : نعم، علامات شتى،
قلت : مثل ماذا؟ قال : خروج راية من المشرق، وراية من المغربّ، وفتنة
ص: 325
تظلّ أهل الزوراء، وخروج رجل من ولد عمي زيد باليمن، وانتهاب ستارة البيت، ويفعل الله ما يشاء .(1)
564- ومنها: ما روي في تفسير البرهان وغيره: عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال : دخلت إلى مسجد الكوفة وأمیر المؤمنین صلوات الله وسلامه عليه يكتب بإصبعه ويتبسم، فقلت له: يا أمیرالمؤمنین ، ما الّذي يضحكك؟
فقال : عجبت لمن يقرأ هذه الآية ولم يعرفها حقّ معرفتها،
فقلت له : أي آية يا أمیرالمؤمنین؟
فقال : قوله تعالى : (فِيهَا مِصْبَاحٌ) [أنا] (الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ) الزجاجة : الحسن والحسين علیهماالسلام (كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) وهو عليّ بن الحسین علیه السلام (يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ) محمّد بن عليّ (زَيْتُونَةٍ) : جعفر بن محمّد،
(لَا شَرْقِيَّةٍ) : موسی بن جعفر، (وَلَا غَرْبِيَّةٍ) و عليّ بن موسی (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ) : محمّد بن علي، (وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ) : عليّ بن محمّد
(نُورٌ عَلَى نُورٍ) : الحسن بن علي، (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) : القائم المهدي، (وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) .(2)
هذا، وكما أن وجوده علیه السلام نور، وهو من النور، ويهدي إلى النور، وأتباعه في نور، كذلك تاریخ ولادته نور، فإنّه علیه السلام - كما قدمنا - قد ولد منتصف شعبان المعظم سنة ستّ وخمسين وماتین،
وهذا يطابق كلمة (نور) جعلنا الله تعالى من أنصاره وشیعته .
الفصل الرابع: في بيان إشراقات نوره، في بدو ظهوره، وزمان غيبته وحضوره،
ص: 326
فنقول: قد ظهر إشراق نوره في عالم الملكوت :
لإبراهيم علیه السلام حين انكشف له ملكوت السماوات ،
وسيأتي حديثه في الباب الثامن إن شاء الله تعالى، في ضمن أدلة جواز التسمية(1)،
وللملائكة حين قتل الحسين علیه السلام،
وقد مرت أحاديث ذلك في حرف الثاء المثلثة(2).
ولخاتم الأنبياء صلی الله علیه وآله وسلم ليلة المعراج:
566- روي في غاية المرام من طريق العامة في حديث طويل عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم في وصف معراجه وذكر أوصيائه : يا محمّد، تحب أن تراهم؟
قلت : نعم ياربّ؟ قال : فالتفت عن يمين العرش، فالتفت، فإذا بعلي وفاطمة، والحسن والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وموسی بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن علي، وعليّ بن محمّد، والحسن بن علي، والمهدي] في ضحضاح من نور، قیام يصلون، وهو في وسطهم - يعني المهدي - كأنه كوكب دري ... الخبر .(3)
وفيه : من طريق الخاصة في وصف ليلة المعراج أيضاً، قال :
یا محمّد، أتحب أن تراهم؟ قلت: نعم، فقال : قم أمامك، فتقدمت أمامي، فإذا عليّ بن أبي طالب، والحسن بن علي، والحسين بن علي، وعلي ابن الحسين، ومحمّد ابن علي، وجعفر بن محمّد، وموسی بن جعفر، وعلي ابن موسى، ومحمّد بن علي، وعليّ بن محمّد، والحسن بن علي، والحجّة
ص: 327
القائم (صلوات الله عليهم أجمعين)، كأنه الكوكب الدري في وسطهم، الخبر .(1)
ويأتي تمامه في الأمر الثالث من الباب الثامن إن شاء الله تعالى . (2)
أقول : قد خصّ نور مولانا الحجّة بمقتضى هذين الحديثين بأمرين :
أحدهما : إشراقه في الأنوار کالكوكب الدري، والوجه في ذلك ظهور نوره أتم وأكمل من سائرهم علیهم السلام في عالم الإمكان، وبه ظهور الدين، وشوكة أهل الإيمان، كما تتبين لك إن شاء الله تعالى،
وثانيهما: وقوعه في وسط الأنوار،
وقد سنح لنا في حكمة ذلك وسره وجوه خمسة :
الأول: أن ذلك دليل الشرف وعلامة الرفعة، كما هو المشاهد من طريقة الأكابر والاشراف، بل هي الطريقة المستقرة، والسيرة المستمرة في جميع الأصناف، ألا ترى أن صائغة لو أراد أن يصنع شيئا مكللا بجواهر عديدة نصب أعلاها وأغلاها في وسط سائر الجواهر، وهذا دأب کلّ صانع ماهر .
وحكي في مجمع البيان عن صاحب كتاب العين ، أنه قال :
الوسط من کلّ شيء أعدله وأفضله، إنتهى .(3)
وقد ورد في أوصاف نبيّنا صلی الله علیه وآله وسلم أنه كان يجلس في وسط أصحابه
565- وفي مكارم الأخلاق : عن أبي ذر، قال : كان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يجلس بين ظهراني أصحابه ، فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو ، حتّی يسأل، الخبر .(4)
ويؤيد ذلك أن الله تعالى جعل البيت المعمور وهو أشرف الأماكن السماوية في وسط السماوات، وجعل الكعبة المشرفة في وسط الأرض، وجعل قلب الإنسان وهو أشرف أعضائه في وسطه، وجعل إنسان العين في وسطها،
ص: 328
وجعل الشمس وهي أعظم السيارات وأنورها وأشرفها في وسطها، وجعل الفردوس في وسط الجنّة.
روي في رياض السالکین، تأليف العالم الربّاني السیّد عليّ خان المدني :
أنّ في الجنّة مائة درجة، بين کلّ درجتين منها مثل ما بين السماء والأرض وأعلى درجاتها منها الفردوس، وعليها يكون العرش، وهي أوسط شيء في الجنّة، ومنها تفجر أنهار الجنّة، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، إنتهی .
566- وفي البحار : عن أمیرالمؤمنین علیه السلام قال : وأما منزل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم من الجنّة في جنّة عدن(1) وهي وسط الجنان، وأقربها من عرش الرحمان جلّ جلاله والّذين يسكنون معه في الجنّة هؤلاء الأئمة الاثنا عشر علیهم السلام .(2)
ويؤيد هذا الوجه أيضاً : أن الله جلّ شأنه أمر عباده بالمحافظة على الصلاة الوسطى، خصوصا بعد الأمر بالمحافظة على الصلوات عموما،
ويؤيده أيضاً قوله تعالى : «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا» (3)
وقد شرف الله تعالى وسط کلّ شهر، ولهذا ورد الترغيب بصوم الأيام البيض من کلّ شهر.
567- وقد ورد في النبوي المشهور: خير الأمور أوسطها (4)، إلى غير ذلك من الشواهد الكثيرة، وما ذكرناه كاف لأهل البصيرة .
الوجه الثاني: أن يكون إشارة إلى كمال ظهوره، وانتشار نوره، كما أن الشمس إذابلغت وسط السماء ظهرت في جميع الأمصار لجميع الأبصار، وصار نورها في غاية الإنتشار، وهذا واضح لأهل الإعتبار .
الوجه الثالث: أن الشيء إذا وقع وسط توجه إليه الأنظار من أولي الأبصار
ص: 329
ولمّا كان توجه أنظار الأئمة الأطهار إلى مولانا الغائب عن الأبصار في جميع الأزمنة والأعصار، لأن الله تعالی وعدهم الفرج بظهوره، وضمن لهم الانتقام من أعدائهم بحضوره، جعل الله تعالی نوره المبارك في وسط أنوارهم دلالة إلى هذا الأمر العظيم، والشأن الكريم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الوجه الرابع : أن يكون إشارة إلى انتهاء كمالات الأئمة المعصومين والأنبياء السابقين سلام الله تعالى عليهم أجمعين، وعلومهم إليه ، صلوات الله عليه ، كما بيناه في حرف الكاف (1)، كما أن الخطوط المستوية الخارجة من أطراف الدائرة تنتهي إلى نقطة الوسط، التي يسمونها أهل علم الهيئة بالمركز .
الوجه الخامس: أن يكون إشارة إلى وقوع مولانا صاحب الزمان في وسطهم بحسب الزمان، لأن رجعتهم بعد ظهوره ضرورية عند أهل الإيمان وثابتة بالسنّة والقرآن، فيصير زمانه وسط زمانهم بالضرورة والوجدان .
وأما إشراق نوره في عالم الدنيا فعلى أقسام :
الأول : إشراقه حين ولادته.
الثاني : إشراقه في زمان حضوره وغيبته .
الثالث : إشراقه في زمان غیبته بالخصوص .
الرابع: إشراقه في زمان ظهوره بالخصوص .
أمّا الأوّل : فقد كان في الإنارة والضياء بحيث بلغت عنان السماء،
568- كما ورد في رواية كمال الدين : عن محمّد بن عثمان العمري قدس . الله روحه، قال : لما ولد الخلف المهدي، صلوات الله عليه ، سطع نور من فوق رأسه إلى عنان السماء، ثمّ سقط لوجهه ساجدة لربّه تعالى ذكره، ثمّ رفع رأسه وهو يقول : «شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ» إلى آخر الآية (2)،
ص: 330
وكان مولده علیه السلام يوم الجمعة(1).(2)
569- وفي رواية أخرى: عن جارية أبي محمّد علیه السلام:
أنه لما ولد السیّد علیه السلام، رأت له نورا ساطعاً قد ظهر منه وبلغ أفق السماء ورأت طيوراً بيضاء تهبط من السماء، وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده، ثمّ تطير فأخبرنا أبا محمّد علیه السلام بذلك، فضحك،
ثمّ قال : تلك الملائكة نزلت للتبرك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج . (3)
570- وفي رواية ثالثة : عن حكيمة، قالت:
وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشی بصري ... إلى آخر الرواية، وهي طويلة مذكورة في كمال الدين والبحار وغيرهما . (4)
وأما القسم الثاني، وهو إشراقه في زماني الحضور والغيبة، كليهما، فعلی نحوين:
أحدهما : إشراقه بلا واسطة، وقد تشرف برؤية هذا الإشراق جمع من أهل الوفاق : منهم: أبوهارون، المذكور في رواية كمال الدين : عن محمّد بن الحسن الكرخي، قال : سمعت أبا هارون رجلا من أصحابنا يقول:
رأيت صاحب الزمان علیه السلام ووجهه يضيء كأنه القمر ليلة البدر، الخبر . (5)
571- وروى المحدث الجليل محمّد بن الحسن الحر العاملي في كتاب إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، عن كتاب إثبات الرجعة للشيخ الأجل فضل بن شاذان، قال : حدثنا إبراهيم بن محمّد بن فارس النيسابوري، قال :
ص: 331
لمّا همّ الوالي عمرو بن عوف بقتلي، غلب على خوف عظيم، فودعت أهلي وتوجهت إلى دار أبي محمّد علیه السلام لأودعه، وكنت أردت الهرب،
فلمّا دخلت عليه رأيت غلاما جالساً في جنبه، وكان وجهه مضيئاً كالقمر ليلة البدر فتحيرت من نوره وضيائه، وكاد ينسيني ما كنت فيه ، فقال علیه السلام :
يا إبراهيم، لا تهرب، فإن الله سيكفيك شره، فازداد تحيري، فقلت لابي محمّد: يا سيّدي يا ابن رسول الله، من هذا؟ وقد أخبرني بما كان في ضميري !
قال علیه السلام: هو ابني وخليفتي من بعدي ... الحديث.(1)
ومنهم: أحمد بن إسحاق القمي، وقد ذكرنا حديثه في حرف الغين المعجمة من الباب الرابع فاغتنمه وراجع(2) .
وسيأتي في القسم الثالث ما يدل عليه إن شاء الله تعالی.
وثانيهما: إشراقه بواسطة، إعلم أن إشراق جميع الأنوار بالليل والنهار من الشمس والقمر وغيرهما من إشراقات نوره، وفيوضاته في غيبته وحضوره .
وتقرير ذلك من وجوه :
الأول : أن الشمس والقمر وغيرهما إنما خلقت من نوره صلوات الله عليه كما دلت عليه الروايات، وهذا لا ينافي ما مرّ أن الشمس والقمر خلقا من نور الحسن علیه السلام لان نورهم وأرواحهم وطينتهم واحدة،
كما دلت عليه الروايات أيضاً. (3)
يعني أن نورهم وأرواحهم وطينتهم خلقت من أصل واحد فيصح أن يقال : إن القمر خلق من نور رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم كما يصحّ أن يقال :
إنّه خلق من نور أمیرالمؤمنین، أو القائم أو سائرهم علیهم السلام
ص: 332
572۔ ونظير ذلك ما ذكره العالم الربّاني الشيخ جعفر التستري (رحمه الله) في خصائص الحسين علیه السلام، في بيان كون نوره أول ما خلق الله تعالى، لكونه من نور النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقد قال صلی الله علیه وآله وسلم : أول ما خلق الله نوري.
الوجه الثاني : ما دل من الروايات على أن جميع المخلوقات إنما خلقت مقدمة لخلق وجوده وآبائه الطاهرين، فهم العلة الغائية في خلق جميع ما سواهم، فصدر ما صدر بسببهم، فوجود الشمس ونورها وإضاءتها بواسطة الحجّة وآبائه علیهم السلام .
الوجه الثالث : ما دلّ من الأخبار على أنك قد عرفت في الباب الثالث أن بقاء ما في العالم من الشمس والقمر وغيرهما إنما هو بسبب وجود القائم،
فلا جرم يكون إضاءتهما وإشراق نورهما من آثار نوره في غيبته وحضوره .
وأما القسم الثالث: وهو إشراق نوره في زمان غیبته بالخصوص،
فهو أيضاً قسمان : إشراق باطني، وإشراق ظاهري.
أما الأول : فإشراقه في قلوب المؤمنين، فإنّهم يرون إمامهم علیهم السلام بحقاًئق الإيمان كما يشاهدونه بالعيان وهو نصب أعينهم، في کلّ زمان ومكان،
وقد قلت في هذا المعنى تضمينا:
بنيت بقلبي منزلا لجنابكم ***أقمت بها مذ كنت في غاية الحب
أما والّذي لو شاء ما خلق النوى*** لئن غبت عن عيني فما غبت عن قلبي
يوهمنيك الشوق حتّی كأنما*** أناجيك من قرب وإن لم تكن قربي
وقال آخر:
أحبابنا إن غبتم عن ناظري*** فعن الفؤاد وخاطري ماغبتم
ويدل على ما ذكرناه روایات كثيرة، منها ما تقدم ذكره في الفصل الثالث . (1)
573-ومنها: ما رواه ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) في أصول
ص: 333
الكافي : عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر علیه السلام قال :
والله يا أبا خالد، لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم والله ينورون قلوب المؤمنين، ويحجب الله عزّ وجلّ نورهم عمن يشاء، فتظلم قلوبهم، والله يا أبا خالد، لا يحبنا عبد ولا يتولانا حتّی يطهر الله قلبه ، ولا يطهر الله قلب عبد حتّی يسلم لنا ويكون سلما لنا، فإذا كان سلما لنا سلمه الله من شديد الحساب، وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر . (1)
574- ومنها : ما رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كمال الدين :
عن جابر الأنصاري في حديث نص رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم على الأئمة الاثني عشر، إلى أن قال صلی الله علیه وآله وسلم : ثمّ سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه، وبقيته في عباده ابن الحسن بن عليّ ذاك الّذي يفتح الله - تعالى ذكره - على يديه مشارق الأرض ومغاربّها، ذاك الّذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان .
قال جابر : فقلت له : يا رسول الله، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟
فقال صلی الله علیه وآله وسلم : إي والّذي بعثني بالنبوة، إنّهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب ، یا جابر ، هذا من مكنون سر الله، ومخزون علم الله، فاكتمه إلآ عن أهله ... الخبر .(2)
وأما الثاني : فإشراق نوره لبعض الأخيار، بحيث يرى بمشاهدة الأبصار ، وهذا مخصوص ببعض الخواص والمهذبين من أهل الإخلاص،
ولنکتف هنا بذكر ثلاث حکایات شريفة أنيقة، فيها تذكار لأهل الحقّيقة :
575 - الأولى : ما في البحار، عن السیّد عليّ بن عبدالحمید، في كتاب السلطان المفرج عن أهل الإيمان، عند ذكر من رأى القائم علیه السلام قال :
ص: 334
فمن ذلك ما اشتهر وذاع، وملأ البقاع وشهد بالعيان أبناء الزمان، وهو:
قصّة أبي راجح الحمّامي بالحلّة :
وقد حكى ذلك جماعة من الأعيان الأماثل، وأهل الصدق الأفاضل :
منهم: الشيخ الزاهد العابد المحقق شمس الدين محمّد بن قارون سلمه الله تعالى قال : كان الحاكم بالحلّة شخصاً يدعی : مرجان الصغير، فرفع إليه أن أبا راجح هذا يسب الصحابة ، فأحضره وأمر بضربّه، فضربّ ضرباً شديداً مهلكاً على جميع بدنه ، حتّی أنه ضربّ على وجهه، فسقطت ثناياه، وأخرج لسانه فجعل فيه مسلة من الحديد وخرق أنفه ووضع فيه شركة من الشعر، وش فيها حبلاً، وسلمه إلى جماعة من أصحابه، وأمرهم أن يدوروا به أزقة الحلّة والضرب يأخذ من جميع جوانبه حتّی سقط إلى الأرض، وعاين الهلاك.
فأخبر الحاكم بذلك، فأمر بقتله، فقال الحاضرون : إنّه شيخ كبير، وقد حصل له ما يكفيه، وهو ميت لما به ، فاتر که وهو يموت حتف أنفه ، ولا تتقلد بدمه، وبالغوا في ذلك حتّی أمر بتخليته، وقد انتفخ وجهه ولسانه، فنقله أهله في الموت، ولم يشك أحد أنه يموت من ليلته.
فلمّا كان من الغد غدا عليه الناس، فإذا هو قائم يصلي على أتم حاله، وقد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت، واندملت جراحاته، ولم يبق لها أثر والشجة قد زالت من وجهه، فعجب الناس من حاله، وسألوه عن أمره ، فقال :
إني لما عاينت الموت، ولم يبق لي لسان أسأل الله تعالى به،
فكنت أسأله بقلبي، واستغثت إلى سيّدي ومولاي صاحب الزمان علیه السلام
فلمّا جن عليّ الليل، فإذا بالدار قد امتلأت نوراً، وإذا بمولاي صاحب الزمان قد أمر يده الشريفة على وجهي، وقال لي: أخرج، وكد على عيالك ، فقد عافاك الله تعالى، فأصبحت كما ترون.
وحكى الشيخ شمس الدین محمّد بن قارون المذكور قال : وأقسم بالله
ص: 335
تعالی إن هذا أبو راجح كان ضعيفاً جدّاً، ضعيف التركيب، أصفر اللون، شین الوجه، مقرض اللحية، وكنت دائماً أدخل الحمام الّذي هو فيه، وكنت دائماً أراه على هذه الحالة، وهذا الشكل، فلمّا أصبحت كنت ممن دخل عليه، فرأيته وقد اشتدت قوته، وانتصبت قامته، وطالت لحيته، واحمرّ وجهه، وعاد كأنه ابن عشرين سنّة، ولم يزل على ذلك حتّی أدركته الوفاة ... إلى آخر ما قال . (1)
576 -الثانية : في البحار أيضاً من الكتاب المذكور: قال:
ومن ذلك ما أخبرني من أثق به، وهو خبر مشهور عند أكثر أهل المشهد الشريف الغروي - سلم الله تعالى على مشرفه - ما صورته :
أنّ الدار الّتي هي الآن سنة سبعمائة وتسع وثمانين أنا ساكنها، كانت لرجل من أهل الخير والصلاح یدعی : حسين المدلل وبه يعرف ساباط المدلل ملاصقة جدران الحضرة الشريفة، وهو مشهور بالمشهد الشريف الغرويّ.
وكان الرجل له عيال وأطفال، فأصابه فالج، فمكث مدة لا يقدر على القيام وإنما يرفعه عياله عند حاجته وضروراته، ومكث على ذلك مدة مديدة، فدخل على عياله وأهله بذلك شدة شديدة، واحتاجوا إلى الناس، واشتد عليهم الناس
فلمّا كان سنة عشرين وسبعمائة هجرية، في ليلة من لياليها بعد ربع الليل أنبه عياله، فانتبهوا في الدار، فإذا الدار والسطح قد امتلأ نوراً يأخذ بالأبصار فقالوا: ما الخبر؟ فقال : إن الإمام علیه السلام جاءني ، وقال لي : قم يا حسين ، فقلت :
يا سيّدي، أتراني أقدر على القيام؟
فأخذ بيدي وأقامني ، فذهب ما بي، وها أنا صحیح على أتم ما ينبغي، وقال لي : هذا الساباط دربّي إلى زيارة جدي علیه السلام، فأغلقه في کلّ ليلة، فقلت: سمعاً وطاعة لله ولك يا مولاي، فقام الرجل وخرج إلى الحضرة الشريفة الغروية ، وزار الإمام علیه السلام وحمد الله تعالى على ما حصل له من الإنعام، وصار هذا
ص: 336
الساباط المذكور إلى الآن ينذر له عند الضرورات، فلا يكاد يخيب ناذره من المراد ببركة الإمام القائم علیه السلام. (1)
577 - الثالثة : قال العالم الربّاني الحاج میرزا حسين النوري (رحمه الله) في كتاب جنّة المأوى : حدثني جماعة من الأتقياء الأبرار، منهم :
السیّد السند، والحبر المعتمد، العالم العامل، والفقيه النبيه الكامل، المؤيد المسدد، السیّد محمّد بن العالم الأوحد السیّد أحمد بن العالم الجليل، والحبر المتوحد النبيل، السیّد حيدر الكاظمي أيده الله تعالى، وهو من أجلاء تلامذة المحقق، الأستاذ الأعظم الأنصاري «طاب ثراه» وأحد أعيان أتقياء بلد الكاظمين علیهماالسلام وملاذ الطلاب والزوار والمجاورین،
وهو وإخوته وآباؤه أهل بيت جليل، معروفون في العراق بالصلاح والسداد والعلم والفضل والتقوى، يعرفون ببيت السیّد حيدر، جدّه سلمه الله تعالى .
قال : فيما كتبه إليَّ وحدّثني به شفاهاً أيضاً، قال محمّد بن أحمد بن حیدر الحسني الحسيني : لما كنت مجاوراً في النجف الأشرف لأجلّ تحصيل العلوم الدينية وذلك في حدود السنّة الخامسة والسبعين بعد المائتين والألف من الهجرة النبوية كنت أسمع جماعة أهل العلم، وغيرهم من أهل الديانة ، يصفون رجلا يبيع البقل وشبهه ، أنه رأی مولانا الإمام المنتظر سلام الله عليه فطلبت معرفة شخصه حتّی عرفته فوجدته رجلا صالحاً متديّناً،
وكنت أحبّ الإجتماع معه في مكان خال، لأستفهم منه كيفية رؤيته مولانا الحجّة علیه السلام روحي فداه .
فصرت كثيراً ما أسلّم عليه ، وأشتري منه، ممّا يتعاطى ببيعه حتّی صار بيني وبينه نوع مودة، کلّ ذلك مقدمة لتعرف خبره المرغوب في سماعه عندي ، حتّی اتفق لي أني توجهت إلى مسجد السهلة للاستجارة فيه، والصلاة والدعاء في
ص: 337
مقاماته الشريفة ليلة الأربعاء، فلمّا وصلت إلى باب المسجد، رأيت الرجل المذكور على الباب، فاغتنمت الفرصة، وكلفته المقام معي تلك الليلة
فأقام معي حتّی فرغنا من العمل الموظف في مسجد السهلة، وتوجهنا إلى المسجد الأعظم مسجد الكوفة على القاعدة المتعارفة في ذلك الزمان، حيث لم يكن في مسجد السهلة معظم الإضافات الجديدة من الخدام والمساكن.
فلمّا وصلنا إلى المسجد الشريف، واستقر بنا المقام، وعملنا بعض الأعمال الموظفة فيه، سألته عن خبره والتمست منه أن يحدثني بالقصة تفصيلا
فقال ما معناه : إني كنت كثيراً ما أسمع من أهل المعرفة والديانة أن من لازم عمل الإستجارة في مسجد السهلة أربعين ليلة أربعاء متوالية بنية رؤية الإمام المنتظر علیه السلام وفق لرؤيته، وأن ذلك جرب مراراً ، فاشتاقت نفسي إلى ذلك ونویت ملازمة عمل الاستجارة في کلّ ليلة أربعاء، ولم يمنعني من ذلك شدة حر ولا برد ولا مطر، ولا غير ذلك، حتّی مضى لي ما يقرب من مدة سنة وأنا ملازم العمل الإستجارة، وأبات في مسجد الكوفة على القاعدة المتعارفة .
ثمّ إني خرجت عشية يوم الثلاثاء ماشياً على عادتي، وكان الزمان شتاء وكانت تلك العشية مظلمة جدا لتراكم الغيوم مع قليل المطر، فتوجهت إلى المسجد وأنا مطمئن بمجيء الناس على العادة المستمرة، حتّی وصلت إلى المسجد، وقد غربّت الشمس، واشتد الظلام، وكثر الرعد والبرق، فاشتد بي الخوف، وأخذني الرعب من الوحدة، لأتي لم أصادف في المسجد الشريف أحدة أصلا، حتّی أن الخادم المقرر للمجيء ليلة الأربعاء لم يجئ تلك الليلة فاستوحشت لذلك للغاية ، ثمّ قلت في نفسي : ينبغي أن أصلي المغربّ، وأعمل عمل الإستجارة عجالة، وأمضي إلى مسجد الكوفة.
فصبّرت نفسي، وقمت إلى صلاة المغربّ، فصليتها، ثمّ توجهت لعمل الإستجارة وصلاتها ودعائها، وكنت أحفظه، فبينما أنا في صلاة الإستجارة، إذ
ص: 338
حانت منّي التفاتة إلى المقام الشريف المعروف بمقام صاحب الزمان علیه السلام وهو في قبلة مکان مصلاي، فرأيت فيه ضياء كاملا، وسمعت فيه قراءة مصل فطابت نفسي، وحصل كمال الأمن والإطمئنان، وظننت أن في المقام الشريف بعض الزوار وأنا لم أطلع عليهم وقت قدومي إلى المسجد، فأكملت عمل الاستجارة وأنا مطمئنّ القلب.
ثمّ توجهت نحو المقام الشريف، ودخلته ، فرأيت فيه ضياءً عظيماً، لكني لم أر بعيني سراجاً، ولكتي في غفلة عن التفكر في ذلك، ورأيت فيه سیّداً جليلا مهابا بصورة أهل العلم، وهو قائم يصلي، فارتاحت نفسي إليه، وأنا أظن أنه من الزوار الغربّاء، لأتي تأملته في الجملة فعلمت أنه من سكنة النجف الأشرف.
فشرعت في زيارة مولانا الحجّة سلام الله عليه عملا بوظيفة المقام، وصليت صلاة الزيارة، فلمّا فرغت أردت [أن] أكلمه في المضي إلى مسجد الكوفة فهبته وأكبرته، وأنا أنظر إلى خارج المقام فأرى شدة الظلام وأسمع صوت الرعد والمطر، فالتفت إلي بوجهه الكريم برأفة وابتسام، وقال لي : تحب أن تمضي إلى مسجد الكوفة، فقلت: نعم يا سیّدنا، عادتنا أهل النجف إذا تشرفنا بعمل هذا المسجد نمضي إلى مسجد الكوفة ونبيت فيه، لأن فيه سكّاناً وخدّاماً وماءً .
فقام وقال : قم بنا نمضي إلى مسجد الكوفة، فخرجت معه وأنا مسرور به وبحسن صحبته، فمشينا في ضياء وحسن هواء وأرض يابسة، لا تعلق بالرجل وأنا غافل عن حال المطر والظلام الّذي كنت أراه حتّی وصلنا إلى باب المسجد وهو «روحي فداه» معي وأنا في غاية السرور والأمن بصحبته، ولم أر ظلاماً ولا مطراً.
فطرقت باب الخارجة عن المسجد وكانت مغلقة، فأجابني الخادم: من الطارق؟ فقلت: افتح الباب ، فقال : من أين أقبلت في هذه الظلمة والمطر الشديد؟ فقلت : من مسجد السهلة، فلمّا فتح الخادم الباب، التفت إلى ذلك
ص: 339
السیّد الجليل فلم أره، وإذا بالدنيا مظلماً للغاية ، وأصابني المطر،
فجعلت أنادي: یا سیّدنا، یامولانا، تفضل فقد فتحت الباب، ورجعت إلى ورائي أتفحص عنه وأنادي فلم أر أحدا أصلا، وأضر بي الهواء والمطر والبرد في ذلك الزمان القليل، فدخلت المسجد، وانتبهت من غفلتي، وكأني كنت نائماً فاستيقظت، وجعلت ألوم نفسي على عدم التنبه لما كنت أرى من الآيات الباهرة وأتذكر ما شاهدته وأنا غافل من كراماته ، من الضياء العظيم في المقام الشريف مع أني لم أر سراجاً، ولو كان في ذلك المقام عشرون سراجا لما وفي بذلك الضياء، وذكرت أن ذلك السیّد الجليل سماني باسمي، مع أني لم أعرفه، ولم أره قبل ذلك، وتذكرت أنّي لما كنت في المقام كنت أنظر إلى فضاء المسجد فأرى الظلام الشديد، وأسمع صوت المطر والرعد، وأتي لما خرجت من المقام مصاحبا له سلام الله عليه كنت أمشي في ضياء، بحيث أری موضع قدمي، والأرض يابسة، والهواء عذب، حتّی وصلنا إلى باب المسجد، ومنذ فارقني شاهدت الظلمة والمطر وصعوبة الهواء إلى غير ذلك من الأمور العجيبة التي أفادتني اليقين بأنه الحجّة صاحب الزمان علیه السلام الّذي كنت أتمنى من فضل الله [تعالی] التشرف برؤيته ، وتحملت مشاق عمل الإستجارة عند قوة الحر والبرد لمطالعة حضرته سلام الله عليه ، فشكرت الله تعالى شأنه والحمد لله .
إنتهى كلامه ، رفع مقامه .(1)
وأما القسم الرابع : وهو إشراق نوره في زمان ظهوره، فعلی نحوين أيضاً :
باطنی و ظاهري، ويدل على الأول ما مرّ في القسم الثالث.
578- وعلى الثاني ، ما رواه الشيخ الجليل عليّ بن إبراهيم القمي (رحمه الله) في تفسيره: مسنداً عن المفضل بن عمر (رحمه الله)، أنه سمع أبا عبدالله علیه السلام يقول في قول الله تعالى : «وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا » (2)
ص: 340
قال : ربّ الأرض يعني إمام الأرض ، قلت : فإذا خرج يكون ماذا؟ قال علیه السلام :
إذا يستغني الناس عن ضوء الشمس، ونور القمر، ويجتزون بنور الإمام .(1)
579- وما رواه السیّد الأجلّ السیّد هاشم البحرانيّ في كتاب المحجّة :
مسنداً عن المفضل أيضاً، قال : سمعت أبا عبدالله لا يقول:
إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها، واستغنى العباد عن ضوء الشمس، وصار الليل والنهار واحداً، وعاش الرجل في زمانه ألف سنة، يولد له في کلّ سنّة غلام، لا يولد له جارية، يكسوه الثوب فيطول عليه كلما طال ويكون (2) عليه أي لون شاء.(3)
580- وما رواه العالم الكامل المجلسي (رحمه الله) في البحار : عن المفضل أيضاً قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول : إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها واستغنى العباد عن ضوء الشمس، وذهبت الظلمة، الخبر . (4)
581- وفيه : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لأطال الله ذلك اليوم، حتّی يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عیسی بن مریم علیه السلام فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربّها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغربّ . (5)
582- وأما إشراق نوره في الآخرة، فيدل عليه ما رواه ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني في أصول الكافي : عن أبي عبدالله علیه السلام في قوله تعالی :
« يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ» (6)أئمة المؤمنين يوم القيامة، تسعى بين يدي المؤمنين وبأيمانهم حتّی ينزلوهم منازل أهل الجنّة . (7)
ص: 341
583- وما رواه السیّد البحرانيّ في البرهان : عن الصادق علیه السلام أيضأ، قال : «نُورُهُم يسعى بين أيديهِم وبأيمانِهِم »(1) قال :
نور أئمة المؤمنين يوم القيامة يسعى بين أيدي المؤمنين وبأيمانهم، حتّی ينزلوا بهم منازلهم في الجنّة .(2)
قد تبيّن لك في الباب الثالث من هذا الكتاب أن جميع ما يتقلب فيه الخلق من النعم الظاهرة والباطنة إنما هو ببركة الحجّة صلوات الله وسلامه عليه
وهذا من أعظم مایوجب الدعاء له، عجلّ الله تعالی فرجه
وسيأتي زيادة بيان لهذا المرام في الباب الخامس إن شاء الله تعالى . (3)
584- ويدل على ذلك - مضافة إلى ما أشرنا إليه - ما في البرهان : في تفسير قول الله عزّ وجلّ «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ » (4)عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
تسأل هذه الأمة عما أنعم الله عليها برسوله(5)، ثمّ بأهل بيته . (6)
585. وعنه أيضاً قال : في قوله عزّ وجلّ :«ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ » قال : نحن النعيم (7) ونحوه عن أمیرالمؤمنین علیه السلام. (8)
586- وعن أبي خالد الكابلي قال: دخلت على محمّد بن عليّ علیه السلام فقدم (لي) طعاما لم آکلّ أطيب منه، فقال لي : يا أبا خالد، كيف رأيت طعامنا؟
قلت : جعلت فداك ، ما أطيبه غير أتي ذكرت آية في كتاب الله، فغضب (9)
فقال علیه السلام: وما هي؟ قلت :«ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ»
ص: 342
فقال : والله لا تسأل عن هذا الطعام أبداً، ثمّ ضحك حتّی افتر ضاحكتاه وبدت أضراسه ، وقال : أتدري ما النعيم؟ قلت: لا، قال : نحن النعيم.(1)
والأخبار في هذا الباب كثيرة مذكورة في البرهان و غیره .
فإن قلت : قد ورد في بعض الروايات تفسير النعيم بالأمن والصحة والرطب والماء البارد فكيف التوفيق؟
قلت: لا تنافي بين هذه الروايات، لانّهم علیهم السلام قد ذكروا في کلّ حدیث بعض مصاديق النعيم، وذلك لا يدل على حصر النعيم فيما ذكر بخصوصه
وهذا كاف في إثبات المطلوب، ويشهد لما ذكرنا ما روي في البرهان :
587۔ عن الصادق علیه السلام - في حديث - قال : نحن [من ] النعيم.(2)
نعم، أعظم النعم الإلهية وجود الإمام علیه السلام لانّه الأصل لسائر النعم الظاهرة والباطنة، ومن هنا قد ورد في الروايات : أن جميع الناس يسألون عنه يوم القيامة
وأما الغذاء الطيب، والماء البارد، ونحوهما، فالله تعالى لا يسأل عنها عبده المؤمن ، كما في عدة روایات،
والحاصل أن کلّ أحد يسأل يوم القيامة عن هذه النعمة العظيمة، أعني النبي والأئمة وولايتهم علیهم السلام فإن كان من الشاكرين الموالين لهم كان من الفائزين، ولم يسأل عمّا عدا هذه النعمة، وإن كان من الكافرين المعاندين سئل عن جميع ما أنعم عليه من النعم، وحوسب على دقیقها وجليلها، وهذا معنى المناقشة في الحساب، وقد يعبّر عنه بسوء الحساب .
وبهذا الّذي ذكرنا يجمع بين الروايات المتعارضية بظواهرها حيث أن بعضها يدل على أن الله تعالى أجلّ من أن يسأل عبده عما ينعم عليه من مطعمه ومشربّه
ص: 343
ونحوهما، وبعضها يدل على أن في حلالها حساب .
وتوضيحه : أنّ وقوع الحساب يوم القيامة حقّ دل عليه القرآن، ولكن الناس في ذلك على أصناف:
منهم : من يعفى عنه، ولا يحاسب أصلا، وهذا لا ينافي الآيات الدالة على وقوع الحساب، لأنها قضايا مطلقة قابلة للتقييد والتخصيص،
588-ففي تفسير القمي: عن الصادق علیه السلام قال : کلّ أمة يحاسبها إمام زمانها، ويعرف الأئمة أولياءهم وأعداءهم بسيماهم، وهو قوله: «وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ»(1) وهم الأئمة، يعرفون کلا بسيماهم، فيعطون أولياءهم كتبهم بأيمانهم، فيمرون إلى الجنّة بلاحساب، ويعطون أعداءهم كتبهم بشمالهم فيمرون إلى النار بلا حساب .(2)
589- وفيه : عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالی :
«لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ» (3) فأما الحسنی فالجنّة، وأما الزيادة فالدنيا، ما أعطاهم الله في الدنيا لم يحاسبهم به في الآخرة. (4)
وروي مثله في البحار عن أمیرالمؤمنین علیه السلام (5)
وهذا الصنف هم المؤمنون الّذين لم يصرفوا ما أعطاهم الله تعالى من النعم في سخطه تعالى، ويشهد لذلك قوله عزّ وجلّ: «أَحْسَنُوا» فتدبر .
وهذا الصنف هم الّذين أدوا شكر نعمة وجود الإمام، وولايته حقّ أدائها .
وصنف آخر : هم الّذين يحاسبون، لكن يعفو الله ويصفح عنهم، ويتجاوز عن سيآتهم، ويحاسبهم بنحو لا يطلع عليه أحد من الخلق ، أو يحاسبهم إمامهم كذلك وهم المؤمنون الّذين عرفوا تلك النعمة العظيمة، لكن صرفوا سائر ما أنعم الله عليهم أو بعضها في سخط الله تعالى، فيحاسبهم الله عزّ وجلّ لكن لا
ص: 344
يطالبهم بقيمة نعمه عليهم بل يعفو عنهم.
590- ويشهد لذلك ما في ثالث البحار، عن أمالي الصدوق : بإسناده عن الصادق علیه السلام قال : إذا كان يوم القيامة وقف عبدان مؤمنان للحساب، كلاهما من أهل الجنّة : فقير في الدنيا، وغنيّ في الدنيا،
فيقول الفقير : یا ربّ على ما أوقف؟ فوعزتك إنك لتعلم أنك لم تولني ولاية فأعدل فيها أو أجور، ولم ترزقني مالا فأؤدي منه حقاً أو أمنع، ولا كان رزقي يأتيني منها إلا كفافاً على ما علمت وقدرت لي.
فيقول الله جلّ جلاله : صدق عبدي خلوا عنه يدخل الجنّة، ويبقى الآخر حتّی يسيل منه العرق ما لو شربّه أربعون بعيراً لكفاها، ثمّ يدخل الجنّة،
فيقول له الفقير : ما حبسك؟ فيقول: طول الحساب، ما زال الشيء يجيئني بعد الشيء يغفر لي، ثمّ أسأل عن شيء آخر حتّی تغمدني الله عزّ وجلّ منه برحمة وألحقني بالتائبين، فمن أنت؟
فيقول: أنا الفقير الّذي كنت معك آنفا، فيقول: لقد غيرك النعيم بعدي !(1)
591- وفيه، عن أمالي الشيخ الطوسي : عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالى :« فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا» (2)قال : يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة ، حتّی يقام بموقف الحساب، فيكون الله تعالى هو الّذي يتولى حسابه ، لا يطلع على حسابه أحدا من الناس، فيعرفه ذنوبه حتّی إذا أقر بسيئاته قال الله عزّ وجلّ للكتبة (3): بدلوها حسنات، وأظهروها للناس.
فيقول الناس حينئذ : ما كان لهذا العبد سيئة واحدة، ثمّ يأمر الله به إلى الجنّة
فهذا تأويل الآية، وهي في المذنبين من شيعتنا خاصة . (4)
ص: 345
592- وفيه، عن العيون : بإسناده عن إبراهيم بن العباس الصولي، قال :
كنّا يوما بين يدي عليّ بن موسى الرضا علیه السلام فقال : ليس في الدنيا نعيم حقيقي، فقال له بعض الفقهاء ممن حضره: فيقول الله عزّ وجلّ: «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ» أما هذا النعيم في الدنيا، وهو الماء البارد؟!
فقال له الرضا علیه السلام وعلا صوته: كذا فسرتموه أنتم، وجعلتموه على ضروب ، فقالت طائفة : هو الماء البارد، وقال غيرهم : هو الطعام الطيب، وقال آخرون : هو طيب النوم، ولقد حدثني أبي، عن أبيه أبي عبدالله علیه السلام: أن أقوالكم هذه ذكرت عنده في قول الله عزّ وجلّ: «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ»(1)
فغضب علیه السلام ؛ وقال : إن الله عزّ وجلّ لا يسأل عباده عما تفضل عليهم به ، ولايمن بذلك عليهم والإمتنان بالإنعام مستقبح من المخلوقين، فكيف يضاف إلى الخالق عزّ وجلّ ما لا يرضى للمخلوقين به، ولكن النعيم: حبنا أهل البيت، وموالاتنا، يسأل الله عنه بعد التوحيد والنبوة، لأن العبد إذا وفي بذلك أداه إلى نعيم الجنّة التي لا تزول،
ولقد حدثني بذلك أبي، عن أبيه، عن محمّد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه عليّ علیه السلام أنه
قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : يا علي، إن أول ما يسأل عنه العبد بعد موته شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمّدا رسول الله، وأنك ولي المؤمنين، بما جعله الله وجعلته لك، فمن أقر بذلك ، وكان يعتقده صار إلى النعيم الّذي لا زوال له . (2)
593- وفي تفسير البرهان : عن الصادق علیه السلام، قال : إن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يحاسب المؤمن أعطاه كتابه بيمينه، وحاسبه فيما بينه وبينه، فيقول :
عبدي فعلت كذا وكذا، وعملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم، يا ربّ، قد فعلت ذلك، فيقول : قد غفرتها لك، وأبدلتها حسنات ، الخبر .(3)
ص: 346
والصنف الثالث من الناس: هم الّذين يسئلون عن جميع ما أنعم عليهم قليلا كان أو كثيراً، دقيقا كان أو جليلا، حتّی الرطب، والماء البارد وغيرهما كما ورد في الرواية عن أمیرالمؤمنین علیه السلام .(1)
ولا يغفر لهم، ولا يصفح عنهم، وهم الّذين لم يستجيبوا لله تعالى في أداء شکر تلك النعمة العظيمة، التي هي ولاية الإمام ووجوده علیه السلام،
قال الله عزّ وجلّ في سورة الرعد: «للّذين استجابوا لربّهم الحسنی * والّذين لَم« يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ »(2)
594- وفي البحار عن العياشي: بإسناده عن الصادق، في قوله : « وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ» (3) قال : الإستقصاء والمداقة ، وقال :
يُحسب عليهم السيئات ولاتحسب لهم الحسنات .(4)
أقول: وذلك لكفرهم بنعمة الله العظيمة (5)التي هي السبب في قبول الحسنات
595- والصنف الرابع : هم الّذين قال في حقهم سید الساجدين عليه الصلاة والسلام في خطبة يوم الجمعة : إعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين، ولا تنشر لهم الدواوين، وإنما يحشرون إلى جهنم زمراً (إلخ).(6)
ومن تتّبع في الأخبار حقّ التتبع، وتدبر فيها حقّ التدبر، أذعن بهذا التحقيق، والله تبارك وتعالى ولي التوفيق، وقد بسطت الكلام في هذا المقام، مع کونه خارجا عما نحن بصدده أداء لشکر بعض نعمه .
ثمّ إن لنعمه صلوات الله عليه خصوصية في زمان ظهوره، وانتشار نوره ، كما وردت به الأخبار :
ص: 347
596- فمنها : ما في البحار : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال :
تتنعم أمتّي في زمن المهدي نعمة لم يتنعموا قبلها قط، يرسل السماء عليهم مدراراً، ولاتدع الأرض شيئا من نباتها إلا أخرجته .(1)
597- ومنها: مافيه في حديث المفضل، عن الصادق علیه السلام قال :
ثمّ يعود المهدي إلى الكوفة، وتمطر السماء بها جراداً من ذهب، كما أمطره الله في بني إسرائيل على أيوب، ويقسم على أصحابه کنوز الأرض، من تبرها ولجينها وجوهرها ... الحديث .(2)
کلّ منها يقتضي الدعاء لفاعله بحكم العقل والشرع، فإن الأمرين بالمعروف والناهين عن المنکر حماة الدين، وحصون المسلمين، والآيات والروايات في الحث على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر كثيرة :
598- ففي الكافي: عن أبي جعفر علیه السلام - في حديث طويل -: قال :
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر، سبيل الأنبياء، ومنهاج الصلحاء فريضة عظيمة، بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحل المکاسب، وترد المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر.
فأنكروا بقلوبكم، والفظوا بألسنتكم، وصكوا بها جباههم، ولاتخافوا في الله لومة لائم ... الخبر .(3)
599- وفي اللئالي: عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : لايزال الناس بخیر ما أمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، وتعاونوا على البر [والتقوى]،
فإذا لم يفعلوا ذلك، نزعت عنهم البركات، وسلط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء . (4)
ص: 348
600- وعنه صلی الله علیه وآله وسلم قال : وإذا لم يأمروا بمعروف، ولم ينهوا عن منكر ولم يتبعوا الأخبار من أهل بيتي سلط الله عليهم شرارهم، فيدعو عند ذلك خيارهم فلا يستجاب لهم. (1)
والأخبار في هذا الباب كثيرة جداً، وقد عرفت في باب شباهة مولانا الحجّة بجده الشهيد أبي عبدالله الحسین علیه السلام (2) أن سعيه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر ممّا لا يماثله فيه أحد من البشر، لأنه علیه السلام مأمور من الله تعالي برفع جميع المنكرات عن جميع أقطار الأرض، بحيث لا يشذ عنها شاذّ، ولا يبقى الفاعل منكر ملاذ ولا معاذ، كما ذكرنا غير مرة في هذا الكتاب .
601- وفي كتاب المحجّة : عن الباقر علیه السلام في تفسير قوله تعالی :
«الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ » (3)
قال علیه السلام: هذه لآل محمّد، المهدي علیه السلام وأصحابه ، يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربّها، ويظهر الدين، ويميت الله عزّ وجلّ به وبأصحابه البدع والباطل، كما أمات السفهة الحقّ، حتّی لا يرى أثر من الظلم، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولله عاقبة الأمور .(4)
إذا عرفت ما ذكرنا فنقول: يمكن أن يقرر رجحان الدعاء للأمر بالمعروف والناهي عن المنكر، بل لزوم ذلك على کلّ مسلم ومسلمة، بوجهين :
أحدهما : أن العقل والشرع قاضيان بحسن الدعاء والإعانة للأمر بالمعروف والناهي عن المنكر، لأنهما الناصر ان لدين الله تعالى، والحافظان لحدود الله ولان نفس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إحسان إلى المسلمين، ورعاية
ص: 349
للدين، وهذا واضح لا سترة فيه.
والثاني: أن أول درجات النهي عن المنكر هو الإنكار القلبي، وهذا وإن كان أمرا خفياً باطنياً لكن له آثار جلية، يظهر من الأعضاء والجوارح.
602- ويدل عليه ما روي في الكافي : بسند موثق کالصحیح، عن أبي عبدالله علیه السلام قال : قال أمیر المؤمنین علیه السلام :
أمرنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن نلقى أهل المعاصي بوجوه مكفهرّة (1). (2)
603- وفيه : بسند مرسل عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إن الله عزّ وجلّ بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها ، فلمّا انتهيا إلى المدينة وجدا رجلا يدعو الله ويتضرع، فقال أحد الملكين لصاحبه : أما ترى هذا الداعي؟
فقال : قد رأيته، ولكن أمضي لما أمر به ربّي، فقال : لا ، ولكن لا أحدث شيئا حتّی أراجع ربّي، فعاد إلى الله تبارك وتعالى، فقال : يا ربّ إني انتهيت إلى المدينة، فوجدت عبدك فلاناً يدعوك ويتضرع إليك، فقال : امض لما أمرتك به، فإن ذا رجل لم يتمعر(3) وجهه غيظاً لي قط.(4) إلى غير ذلك من الأخبار .
والغرض : أنّ المؤمن إذا رأى منكراً لايستطيع أن يدفعه وينهى عنه، أنكره بقلبه وسأل الله تعالى أن يبعث من يقدر على دفع المنكر، ودعا لمن ينهى عن المنكر ويدفعه، وهذه حالة جبلية كامنة في جميع المؤمنين والمؤمنات،
ولما علمنا أن الدافع لكافة المنكرات وحاسم(5) مادتها هو القائم المهدي عجلّ الله تعالی فرجه ، لزمنا أن نسأل الله عزّ وجلّ ليعجلّ فرجه، ويؤيده وينصره دفعاً لما نشاهده ونسمعه من أصناف المنكرات، وأنواع المنهيات .
ص: 350
مستنصراً من الأنام من أعظم مايبعث على الدعاء له عقلا و شرعا.
604- أما نداؤه : فهو قوله علیه السلام في التوقيع الشريف المروي في الاحتجاج وغيره : مخاطباً لعامة شيعته والمنتظرين لفرجه:
وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم.(1)
وسيأتي بيان ذلك في الباب الخامس إن شاء الله تعالی.
وأما كون ندائه صلوات الله وسلامه عليه باعثاً موجباً للدعاء بحكم العقل فلا يحتاج إلى البيان لان کلّ عاقل منصف إذا التفت إلى حال شخص له عليه حقوق كثيرة واجبة، وله إلى ذلك الشخص حوائج جمة، وبعد فهو من أشراف الناس وعظمائهم، ثمّ غصب حقه وبغي عليه، فناداه بنداء وخاطبه بخطاب يدعوه إلى إعانته ونصرته، أفلا يدعوه عقله إلى إجابة هذا النداء، والمسارعة إلى متابعة صاحب هذا الدعاء؟ قل: بلى، وربّي خالق الأرض والسماء، وخصوصا إذا كان من أهل المحبة والولاء، وأنت إذا رجعت إلى ما ذكرناه في الباب الثالث من هذا الكتاب نفعك في هذا الباب (2).
وأما دلالة الشرع القويم إلى ذلك الصراط المستقيم، فمتكررة في الروايات وواضحة لأهل الدرایات :
605 - فمنها : ما في أصول الكافي : عن الصادق علیه السلام أن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال :
من أصبح لايهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ومن سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم.(3)
أقول: فهل تسمع نداء مولاك، ومن تحتاج إليه في أولاك وأخريك؟ وهل تجيب دعوته؟ وهل تقضي حاجته؟ فإن لسان حاله و مقاله ناطق بالاستنصار
ص: 351
فأعينوه يا أولي الأسماع والأبصار . وحيث انجر الكلام إلى هذا المقام، فلا بأس بذكر جملة من نداءاته علیه السلام قبل ظهوره أو بعده، ونذكر النداءات الصادرة عنه علیه السلام، ونداءات غيره جميعا، لأن كلتيهما متعلقان به علیه السلام.
606- في البحار، عن النعماني : بإسناده عن أبي بصير، عن الصادق علیه السلام قال : لا يخرج القائم علیه السلام حتّی ينادي باسمه من جوف السماء، في ليلة ثلاث وعشرين ليلة جمعة، قلت: بم ينادی؟ قال : باسمه واسم أبيه «ألا إن فلان بن فلان قائم آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم فاسمعوا له وأطيعوه» فلا يبقى شيء خلق الله فيه الروح إلا سمع الصيحة، فتوقظ النائم، ويخرج إلى صحن داره، وتخرج العذراء من خدرها ، ويخرج القائم ممّا يسمع، وهي صيحة جبرئیل علیه السلام. (1)
607 - وفي كمال الدين : عن أبي جعفر علیه السلام قال : ينادي مناد من السماء
«إن فلان بن فلان هو الإمام» باسمه، وينادي إبليس لعنه الله من الأرض كما نادى برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ليلة العقبة .(2)
608- وفيه : عن الثمالي قال : قلت لأبي عبدالله علیه السلام إن أبا جعفر علیه السلام كان يقول : إن خروج السفياني من الأمر المحتوم؟ قال : نعم.
(فقلت: ومن المحتوم؟ قال لي: نعم) (3)واختلاف بني العباس من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وخروج القائم علیه السلام من المحتوم
فقلت له : فكيف يكون ذلك النداء؟ قال : ينادي مناد من السماء أول النهار : «ألا إن الحقّ في عليّ وشیعته» ثمّ ينادي إبليس لعنه الله في آخر النهار : «ألا إن الحقّ في السفياني وشيعته» فيرتاب عند ذلك المبطلون.(4)
ص: 352
609- في البحار، عن العياشي: عن عجلان أبي صالح قال :
سمعت أباعبدالله علیه السلام يقول : لا تمضي الايام والليالي حتّی ينادي مناد من السماء : يا أهل الحقّ اعتزلوا، يا أهل الباطل اعتزلوا، فيعزل هؤلاء من هؤلاء، ويعزل هؤلاء من هؤلاء، قال : قلت : أصلحك الله، يخالط هؤلاء وهؤلاء بعد ذلك النداء؟ قال : كلا إنّه يقول في الكتاب:
«مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ»(1)(2)
610- وفيه : عن أبي جعفر علیه السلام - في حديث طويل -: فيقوم القائم بين الركن والمقام، فيصلي وينصرف ومعه وزيره، فيقول : يا أيها الناس، إنا نستنصر الله على من ظلمنا، وسلب حقنا، من يحاجّنا في الله فإنا أولى بالله، ومن يحاجّنا في آدم فإنا أولى الناس بآدم، ومن حاجّنا في نوح فإنا أولى الناس بنوح، ومن حاجّنا في إبراهيم فإنا أولى الناس بإبراهيم، ومن حاجّنا بمحمّد صلی الله علیه وآله وسلم فإنّا أولى الناس بمحمّد صلی الله علیه وآله وسلم ، ومن حاجّنا في النبيين فنحن أولى الناس بالنبيين، ومن حاجّنا في كتاب الله فنحن أولى الناس بكتاب الله.
إنا نشهد وکلّ مسلم اليوم: أنا قد ظلما و طردنا، وبغي علينا، وأخرجنا من دیارنا وأموالنا، وأهالينا، وقهرنا، ألا إنا نستنصر الله اليوم وکلّ مسلم.
ويجيء والله ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، فيهم خمسون امرأة، يجتمعون بمكة على غير ميعاد، قزعة كقزع الخريف، يتبع بعضهم بعضا، وهي الآية التي قال الله :«أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (3)
فيقول رجل من آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم : وهي القرية الظالمة أهلها.
ثمّ يخرج من مكة هو ومن معه، الثلاثمائة وبضعة عشر، يبايعونه بين الركن والمقام، معه عهد نبیّ الله صلی الله علیه وآله وسلم ورايته وسلاحه، ووزيره معه، فينادي المنادي .
ص: 353
بمكّة باسمه وأمره من السماء حتّی يسمعه أهل الأرض كلهم، الخبر .(1)
611- وفي النعماني: عن أبي جعفر علیه السلام أنه قال :
إذا رأيتم نارا من المشرق شبه الهردي (2) العظيم تطلع ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمّد علیه السلام إن شاء الله عزّ وجلّ، إن الله عزيز حكيم.
ثمّ قال علیه السلام : الصيحة لا تكون إلا في شهر رمضان شهر الله، هي صيحة جبرئيل إلى هذا الخلق، ثمّ قال : ينادي مناد من السماء باسم القائم علیه السلام فيسمع من بالمشرق ومن بالمغربّ، لا يبقى راقد إلا استيقظ، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه، فزعاً من ذلك الصوت فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت، فأجاب، فإن الصوت الأول صوت جبرئيل الروح الامین،
ثمّ قال علیه السلام: يكون الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة ليلة ثلاث وعشرين ، فلا تشكوا في ذلك واسمعوا وأطيعوا، وفي آخر النهار صوت الملعون إبليس ينادي «ألا إن فلانا قتل مظلوماً» ليشكك الناس، ويفتنهم ... الخبر .(3)
612- وفيه : عن عبدالله بن سنان ، قال : كنت عند أبي عبدالله علیه السلام فسمعت رجلا من همدان يقول له : إن هؤلاء العامة يعيرونا، ويقولون لنا:
إنكم تزعمون أن مناديا ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر،
وكان علیه السلام متّكئاً فغضب وجلس، ثمّ قال : لا ترووه عني، وارووه عن أبي ولا حرج عليكم في ذلك، أشهد أني قد سمعت أبي علیه السلام يقول:
والله إن ذلك في كتاب الله عزّ وجلّ لبين حيث يقول : «إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ » (4)
ص: 354
فلا يبقى في الأرض يومئذ أحد إلا خضع وذلت رقبته لها، فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء: «ألا إن الحقّ في عليّ بن أبي طالب وشیعته» فإذا كان من الغد صعد إبليس في الهواء، حتّی يتوارى عن أهل الأرض، ثمّ ينادي : «ألا إن الحقّ في عثمان بن عفان و شیعته ، فإنّه قتل مظلوماً » فاطلبوا بدمه .
قال علیه السلام: فيثبت الله الّذين آمنوا بالقول الثابت على الحقّ، وهو النداء الأول، ویرتاب يومئذ الّذين في قلوبهم مرض، والمرض والله عداوتنا، فعند ذلك يتبرأون منّا، ويتناولونا فيقولون: إن المنادي الأول سحر من سحر أهل هذا البيت، ثمّ تلا أبو عبدالله علیه السلام قول الله عزّ وجلّ: «وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ» (1) (2)
613- وفيه : عن زرارة قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول: ينادي مناد من السماء : «إنّ فلانا هو الأمیر» وينادي مناد : «إن عليا و شیعته هم الفائزون» . (3)
614- وفيه : عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
ينادي باسم القائم : «يا فلان بن فلان قم» .(4)
نداؤه بنفسه ، وقد مرّ في باب شباهاته بجده أبي عبدالله الحسين علیه السلام وفي مواضع أخرى:
615- في النعماني : في رواية حذيفة بن منصور، عن أبي عبدالله علیه السلام أنّه قال : إن لله مائدة - وفي غير هذه الرواية مأدبة -(5) بقرقيسيا يطلع مطلع من السماء
ص: 355
فينادي : يا طير السماء ويا سباع الأرض هلمّوا إلى الشبع من لحوم الجبارين .(1)
616- وفيه : في حديث طويل عن أبي جعفر علیه السلام قال :
وينزل أمیر جيش السفياني البيداء، فينادي مناد من السماء :
یا بیداء أبيدي القوم، فيخسف بهم، فلا يفلت منهم إلا ثلاثة نفر، يحول الله وجوههم إلى أقفيتهم وهم من كلب ... الخبر .(2)
617-في البحار : في حديث طويل عن أمیرالمؤمنین علیه السلام
وينادي مناد في شهر رمضان من ناحية المشرق عند الفجر:
«يا أهل الهدی اجتمعوا» وينادي مناد من قبل المغربّ بعد ما يغيب الشفق :
«يا أهل الباطل اجتمعوا» ... الخبر . (3)
618- وفي كمال الدين : عن أبي عبدالله علیه السلام قال : أول من يبايع القائم علیه السلام جبرئيل علیه السلام ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه، ثمّ يضع رجلا على بيت الله الحرام، ورجلا على بيت المقدس، ثمّ ينادي بصوت طلق تسمعه الخلائق :
«وأتى أمرُ الله فلا تَستَعجِلوهُ». (4) (5)
619-وفي البحار : عن أبي جعفر علیه السلام : كأني بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت، قائماً بين الركن والمقام، بين يديه جبرئیل بنادیه :
البيعة لله فيملاها عدلا كما ملئت ظلما وجوراً . (6)
620- في النعماني: عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبدالله علیه السلام، أنه قال :
ص: 356
ينادي باسم القائم علیه السلام فيؤتي، وهو خلف المقام، فيقال له:
قد نودي باسمك فما تنتظر؟ ثمّ يؤخذ بيده فيبايع، قال : قال لي زرارة :
الحمد لله، قد كنا نسمع أن القائم علیه السلام يبايع مستكرهاً (1) ، فلم نكن نعلم وجه استکراهه، فعلمنا أنه استکراه لا إثمّ فيه .(2)
621- وفيه : عن عبدالله بن سنان قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول: يشمل الناس موت وقتل حتّی يلجأ الناس عند ذلك إلى الحرم .
فينادي مناد صادق من شدة القتال : فيم القتل والقتال؟ صاحبكم فلان.(3)
622- في البحار : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيها مناد ينادي : «هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه». (4)
623- وفي حديث آخر: على رأسه غمامة بيضاء، تظله من الشمس، ينادي بلسان فصيح، يسمعه الثقلين والخافقين :
«هو المهدي من آل محمّد، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا» . (5)
624- في غيبة النعماني: في حديث الحسن بن محبوب، عن الرضا علیه السلام كأنّي به آیس ما كانوا قد نودوا نداء يسمعه من بالبعد كما يسمعه من بالقرب يكون رحمة على المؤمنين، وعذابا على الكافرين، فقلت:
بأبي وأُمّي أنت، وما ذلك النداء؟ قال ع: ثلاثة أصوات في رجب .
أولها: «ألا لعنة الله على الظالمين».
والثاني: «أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين».
ص: 357
والثالث : یری بدناً بارزاً مع قرن الشمس ينادي : «ألا إن الله قد بعث فلاناعلى هلاك الظالمين» فعند ذلك يأتي المؤمنين الفرج، ويشفي الله صدورهم، ويذهب غيظ قلوبهم.(1)
625- نداء سيفه وعلمه : ففي حديث طويل روي في كمال الدين : عن الإمام التاسع، عن آبائه، عن رسول الله صلى الله عليه وعليهم أجمعين - إلى أن قال : له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه، وأنطقه الله تبارك وتعالى فناداه العلم: أخرج يا ولي الله فاقتل أعداء الله،
وله رایتان و علامتان وله سيف مغمد، فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله عزّ وجلّ فناداه السيف: أخرج یا ولي الله، فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء الله فيخرج ويقتل أعداء الله ... الخبر .(2)
626- في البحار : في حديث مرفوع إلى عليّ بن الحسين علیه السلام- في ذكر القائم علیه السلام في خبر طویل - قال : فيجلس تحت شجرة سمرة فيجيئه جبرئيل في صورة رجل من كلب ، فيقول : يا عبدالله، ما يجلسك هاهنا؟
فيقول : يا عبدالله، إني أنتظر أن يأتيني العشاء، فأخرج في دبره إلى مكّة ، وأكره أن أخرج في هذا الحر، قال : فيضحك، فإذا ضحك عرفه أنه جبرئیل .
قال : فيأخذ بيده ويصافحه ويسلم عليه، ويقول له : قم ويجيئه بفرس يقال له : البراق، فيركبه، ثمّ يأتي إلى جبل رضوى، فيأتي محمّد وعليّ فيكتبان له عهداً منشوراً، يقرأه على الناس، ثمّ يخرج إلى مكة والناس يجتمعون بها.
قال علیه السلام: فيقوم رجل منه فينادي : أيها الناس، هذا طلبتكم قد جاءكم يدعوكم إلى ما دعاكم إليه رسول الله صل الله علیه وآله وسلم، قال : فيقومون؟
قال: فيقوم هو بنفسه، فيقول: أيها الناس، أنا فلان بن فلان، أنا ابن نبي
ص: 358
الله، أدعوكم إلى ما دعاكم إليه نبیّ الله . فيقومون إليه ليقتلوه،
فيقوم ثلاثمائة وينيف على الثلاثمائة فيمنعونه منه خمسون من أهل الكوفة وسائرهم من أفناء الناس، لا يعرف بعضهم بعضا، اجتمعوا على غير ميعاد . (1)
نداء منادیه : ألا لا يحملن أحد طعاماً، وقد مرّ في شباهاته بموسى علیه السلام.
627- في البحار : عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إذا قام القائم لايبقى أرض إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمّدا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم . (2)
628- في الغيبة للشيخ النعماني (رحمه الله): عن أبان بن تغلب قال :
كنت مع جعفر بن محمّد علیهماالسلام في مسجد مكة (3)، وهو آخذ بيدي، فقال :
یا أبان، سيأتي الله بثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا في مسجدكم هذا، يعلم أهل مكة أنه لم يخلق آباؤهم ولا أجدادهم بعد، عليهم السيوف، مكتوب على كل سیف اسم الرجل واسم أبيه وحليته ونسبه ، ثمّ يأمر منادياً فينادي:
«هذا المهدي يقضي بقضاء داود وسليمان، لا يسأل على ذلك بينة» . (4)
629- وفيه : عنه علیه السلام: ويبعث الله الريح من کلّ واد تقول:
«هذا المهدي يحكم بحكم داود، ولايريد بينة».
وروى الصدوق في كمال الدين نحوا منه . (5)
630- وفيه : عن الصادق علیه السلام في حديث مرّ جملة منه في لوائه عن البحار - إلى أن قال : فأول ما يبدأ ببني شيبة ، فيقطع أيديهم ويعلقها في الكعبة ،
ص: 359
وينادي منادیه هؤلاء سراق الله . (1)
631- في البحار : عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
أول ما يظهر القائم من العدل أن ينادي منادیه :
أن يسلم صاحب النافلة لصاحب الفريضة الحجر الأسود والطواف .(2)
632- في حديث المفضل : ويقف بين الركن والمقام فيصرخ صرخة فيقول :
یا معاشر نقبائي، وأهل خاصتي، ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض، إئتوني طائعين، فترد صيحته علیه السلام عليهم، وهم على محاريبهم وعلى فرشهم، في شرق الأرض وغربها، فيسمعونه في صيحة واحدة، في أذن کلّ رجل فيجيئون نحوها، ولا يمضي لهم إلا كلمحة بصر ، حتّی يكون كلهم بين يديه علیه السلام بين الركن والمقام، فيأمر الله عزّ وجلّ النور فيصير عمودا من الأرض إلى السماء، فيستضيء به کلّ مؤمن على وجه الأرض ويدخل عليه نور من جوف بيته ، فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور، وهم لا يعلمون بظهور قائمنا أهل البيت عليه وعليهم السلام ثمّ يصبحون وقوفاً بين يديه وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا بعدة أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يوم بدر ، الخبر .(3)
633- وفيه : وينادي منادي المهدي ع: «کلّ من أحب صاحبي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وضجيعيه فلينفرد جانبا» فتتجزا الخلق جزءين، أحدهما موال والآخر متبرى منهما، فيعرض المهدي و على أوليائهما البراءة منهما فيقولون :
یا مهدي آل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نحن لم نتبرأ منهما ولسنا نعلم أن لهما عند الله وعندك هذه المنزلة، وهذا الّذي بدا لنا من فضلهما، أنتبرأ الساعة منهما وقد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت ، من نضارتهما وغضاضتهما وحياة الشجرة بهما ؟ بل والله نتبرأ منك وممن آمن بك، ومن لا يؤمن بهما، ومن صلبهما
ص: 360
وأخرجهما، وفعل بهما ما فعل، فيأمر المهدي علیه السلام ريحاً سوداء فتهب عليهم فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية ... الخبر .(1)
634- وفيه : قال الصادق علیه السلام : أول ما يبتدئ المهدي علیه السلام أن ينادي في جميع العالم: ألا من له عند أحد من شيعتنا دین فليذكره، حتّی يرد الثومة والخردلة، فضلا عن القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والأملاك،
فيوقيه إياه ... الخبر .(2)
635- في البحار : في حديث نبوي من طريق العامة - إلى أن قال صلی الله علیه وآله وسلم :
حتّی يأمر علیه السلام منادياً ينادي يقول : من له في المال حاجة؟ فما يقوم من الناس إلا رجل واحد، فيقول : أنا، فيقول : ائت السدان، يعني الخازن. فقل له:
إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالا، فيقول له : أحث، حتّی إذا جعله في حجره وأبرزه ندم، فيقول: كنت أجشع أمة محمّد صلی الله علیه وآله وسلم نفساً، أعجز عما وسعهم، فيرده ولا يقبل منه فيقال له: إنا لا نأخذ شيئا أعطيناه . (3)
كلها من العناوين الموجبة للدعاء له بمقتضى العقل والشرع،
ويدل على المقصود جميع ما ورد في اجتهاده في إحياء دين الله، وإعلاء كلمة الله، وقتل اعداء الله، وتأُمّين البلاد، والهداية إلى نهج السداد،
مضافاً إلى ما ورد في زيارته : السلام عليك أيها الولي الناصح،
ومثله في الدعاء عقيب الزيارة المروية عنه علیه السلام .(4)
ص: 361
636- وفي إحدى توقيعاته الشريفة المروية في الاحتجاج وغيره :
فاتقوا الله وسلموا لنا، وردوا الأمر إلينا، فعلينا الإصدار كما كان منا الإيراد، ولاتحاولوا كشف ما غطي عنكم، ولا تميلوا عن اليمين، وتعدلوا إلى اليسار، واجعلوا قصدكم إلينا بالمودة على السنّة الواضحة،
فقد نصحت لكم، والله شاهد عليّ وعليكم (إلخ).(1)
وفي هذا الكلام حكم لطيفة، ونصائح شريفة، كافية لإصلاح حالك للدنيا والآخرة.
من الأمور العظيمة الباعثة للدعاء له عقلاً و شرعاً فهنا مقامات ثلاثة :
(المقام الأول) في ولايته لله تعالى : الولاية هنا بالفتح بمعنى المحبة، فكل من يحب الله فهو وليه، فجميع المؤمنين الصالحين أولياء الله عزّ وجلّ،
ويدل على ذلك من الآيات قوله تعالى : «أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ» (2) بناء على كون قوله عزّ وجلّ : «الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ» تفسيرا للأولياء.
637- ومن الأخبار: ما رواه ثقة الإسلام في إصول الكافي : بإسناده عن المفضل بن عمر، قال : قال أبو عبدالله علیه السلام:
إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين الصدود (3) لاوليائي؟
فيقوم قوم ليس على وجوههم لحم، فيقال : هؤلاء الّذين آذوا المؤمنین،
ص: 362
ونصبوا لهم وعاندوهم، وعفوهم في دينهم، ثمّ يؤمرّ بهم إلى جهنم.(1)
638 - وفيه أيضاً : بإسناده عن أبان بن تغلب، عن أبي جعفر علیه السلام قال :
لما أسري بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : يا ربّ ما حال المؤمن عندك؟
قال : يا محمّد ، من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي. الخبر .(2)
639- وفيه أيضاً : بسند صحيح عن الصادق علیه السلام قال : إن المؤمن ولي الله يعينه ويصنع له(3)، ولا يقول عليه إلا الحقّ، ولا يخاف غيره . (4)
640- وفيه أيضاً: بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لقد أسرى ربّي بي فأوحى إلي من وراء الحجاب ما أوحى، وشافهني - إلى أن قال لي : يا محمّد، من أذل لي وليا فقد أرصدني بالمحاربة، ومن حاربّني حاربّته،
قلت : يا ربّ، ومن وليك هذا؟ فقد علمت أن من حاربّك حاربّته ،
قال لي : ذاك من أخذت میثاقه لك ولوصيك ولذريتكما بالولاية . (5)
إذا عرفت ذلك، فنقول: لا ريب في وجوب حب أولياء الله وحسنه، كما الاريب في وجوب بغض أعداء الله، بل هو من ضروریات مذهبنا، ويدل عليه العقل والنقل،
أما الأول : فلا يكاد يحتاج إلى البيان.
وأما الثاني : فمتواتر، لكنا نذكر بعض الروايات تيمّناً :
ص: 363
641- منها: ما في الكافي : بسند صحيح عن أبي جعفر الثاني ، عن أبيه، عن جده صلوات الله عليهم ، قال : قال أمیرالمؤمنین علیه السلام :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : إن الله خلق الإسلام فجعل له عرصة، وجعل له نوراً وجعل له حصناً، وجعل له ناصراً.
فأما عرصته فالقرآن، وأما نوره فالحكمة، وأما حصنه فالمعروف، وأما أنصاره فأنا وأهل بيتي وشيعتنا، فأحبوا أهل بيتي وشيعتهم وأنصارهم،
فإنّه لما أسري بي إلى السماء الدنيا فنسبني جبرئيل علیه السلام لأهل السماء استودع الله حبّي وحبّ أهل بيتي وشيعتهم في قلوب الملائكة، فهو عندهم وديعة إلى يوم القيامة ، ثمّ هبط بي إلى أهل الأرض، فنسبني إلى أهل الأرض فاستودع الله عزّ وجلّ حبي وحب أهل بيتي وشيعتهم في قلوب مؤمني أمتّي فمؤمنو أمتّي يحفظون وديعتي إلى يوم القيامة.
ألا فلو أن الرجل من أمتّي عبد الله عزّ وجلّ عمره أيام الدنيا، ثمّ لقي الله عزّ وجلّ مبغضاً لأهل بيتي وشيعتي، ما فرج الله صدره إلا عن النفاق .(1)
642- ومنها: ما في أصول الكافي أيضاً: بإسناده عن يعقوب بن الضحاك ، عن رجل من أصحابنا سراج وكان خادماً لأبي عبدالله علیه السلام قال :
بعثني أبو عبدالله علیه السلام في حاجة . وهو بالحيرة - أنا وجماعة من مواليه ، قال :
فانطلقنا - إلى أن قال: ثمّ جرى ذكر قوم، فقلت: جعلت فداك ، إنا نبرا منهم، إنّهم لا يقولون ما نقول، قال : فقال علیه السلام: يتولونا ولا يقولون ما تقولون تبرؤون منهم؟ قال: قلت: نعم،
قال علیه السلام: فهو ذا عندنا ما ليس عندكم فينبغي لنا أن نبرأ منكم؟ قال : قلت : لا، جعلت فداك ، قال علیه السلام: وهو ذا عند الله ما ليس عندنا، أفتراه أطرحنا؟ قال : قلت : لا والله، جعلت فداك، ما نفعل؟
ص: 364
قال علیه السلام: فتولوهم ولا تبرؤوا منهم، إن من المسلمين من له سهم، ومنهم من له سهمان، الخبر، وهو طویل مذكور في باب درجات الإيمان من أصول الكافي . (1)
643- وفيه - في باب الحب في الله -: عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
من أوثق عرى الإيمان : أن يحب في الله ويبغض في الله، ويعطي في الله ويمنع في الله .(2)
644- وفي الباب المذكور عنه علیه السلام قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أي عرى الإيمان أوثق؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم وقال بعضهم: الصلاة، وقال بعضهم: الزكاة، وقال بعضهم: الصيام، وقال بعضهم: الحج والعمرة، وقال بعضهم: الجهاد، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
لکلّ ما قلتم فضل وليس به، ولكن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله وتوالي أولياء الله والتبري من أعداء الله .(3)
645- وفيه : عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
کلّ من لم يحب على الدين، ولم يبغض على الدين فلا دين له . (4)
أقول: هذه نبذة من الأخبار الدالة على وجوب ولاية أولياء الله، وإذا تمهد ما ذكرنا فنقول: لا ريب في أنه كلما كان الإيمان أكمل كان الحب لاهله آکد،
وكلّما كان المؤمن أكمل فينبغي أن يكون حبك له أشد وأكمل، لأن هذه المحبة إنما هي بسبب الرابطة الإيمانية التي تكون بين المؤمنين،
فبهذا التقرير يجب أن يكون حبك لإمام زمانك الّذي هو أصل الإيمان
ص: 365
وعروته وطود الولاية وذروته أشد من حبك لجميع المؤمنين، بل يكون هو علیه السلام أحب إليك من أبيك وبنيك، بل من ذاتك كما دل على ذلك قوله تعالی :
«قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ » (1).
646- والحديث النبوي المروي في دار السلام وغيره عن العلل.
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لا يؤمن عبد حتّی أكون أحب إليه من نفسه ، ويكون عترتي أحب إليه من عترته، ويكون أهلي أحب إليه من أهله، ويكون ذاتي أحب إليه من ذاته . (2)
ثمّ إنّه لا يخفى أن الحب أمر قلبي، وكيفية نفسانية إلا أن له آثاراً ظاهرة و آیات باهرة، بها يستدل درجات حبك للمحبوب، وشوقك إلى المطلوب .
منها : اهتمامك بالدعاء له إذا غاب، واغتمامك له إذا أصيب بمصاب
ألا ترى أنه إذا كان لك ولد صالح نقي بهي جميل نبيل يسرّك النظر إليه فسافر سفراً لا تدري مكانه ومعانه، فلا تنفك ساعة من ليلك ونهارك من فكره والدعاء له وطلب الدعاء من المؤمنين والصالحين، هل هذا إلا لمكان المحبة وكمال المودة، فيا أيها المدعي حب مولاه هل يمضي عليك يوم لا تنساه؟!
فأكثروا الدعاء في الغياب ، واغتنموا الفرصة فإنّها تمرّ مرّ السحاب .
المقام الثاني : في بيان اقتضاء ولايتنا له شدة الاهتمام في الدعاء له ،
وهذا أمر ظاهر لا يخفى على أحد، لان الطبائع مجبولة على الدعاء للمحبوب، وهذا واضح لا ينكره إلا لغوب (3)
وإنّما الغرض هنا بیان لزوم تقديم الدعاء له على کلّ دعاء، وذلك يتضح
ص: 366
بذكر مقدمة شريفة وهي: أن أسباب الحب ثلاثة : اللذة ، والنفع ، والخير، وأعظم هذه الأسباب وأكملها ثالثها(1) بل نقول : إن السببين الأولين أيضاً يرجعان إلى ذلك
والمراد منه أن يكون وجود شيء خيراً بوجه من الوجوه، فإن الإنسان إذا علم وجود شيء أو شخص ذا خير أحبه طبعاً وإن لم يصل إليه من خيره شيء فكلما ازداد خيراً ازداد الإنسان حبا له بحسب درجات معرفته بخيرات وجوده .
إذا عرفت ما ذكرناه فاعلم أن جميع الأسباب الباعثة للمحبة مجتمعة في وجود مولانا الحجّة عجلّ الله تعالی فرجه .
أما اللذة : فأي لذة للمؤمن أعلى وأحلى من زيارة جماله ، والتشرف بوصاله فإن فيه من اللذات الظاهرة والباطنة ما لا أكاد أحصيها ولذا كان أمیرالمؤمنین علیه السلام يتأوه شوقا إلى رؤيته، كما في الحديث الّذي رواه النعماني في غيبته .(2)
وأمّا النفع، فقد عرفت في الباب الثالث أن جميع المنافع إنما يصل إلى الخلق ببرکات وجوده، مضافاً إلى المنافع الخاصة المتوقفة على ظهوره وانتشار نوره.
ونعم ما قيل بالعربیّة : «لقد جمعت فيه المحاسن كلها»
وبالفارسية : «آنچه خوبان همه دارند تو تنها داري».
وأمّا خیرات وجوده، فعقولنا قاصرة، وأفكارنا فاترة عن إدراكها، فما أوتينا من العلم إلا قليلا، لكن لکلّ امرىء فهم، ولکلّ مؤمن سهم، فمن كان معرفته بخيرات وجوده أتم، كان الدعاء له في نظره أهم، لأن الاهتمام في الدعاء ناش عن كمال المحبة والولاء، وكمال المحبة ناش عن كمال المعرفة، وهذا أحد الوجوه لشدة اهتمام الأئمة علیهم السلام في الدعاء له علیه السلام وسؤال تعجیل فرجه من الملك العلام.
ص: 367
وسيأتي بعض الوجوه في صدر الباب السابع، مع زيادة شرح وبيان لهذا الوجه، فانتظر لتمام الكلام وتكميل هذا المرام.
فتحصل ممّا ذكرنا أن ولايتنا له تقتضي الإهتمام في الدعاء لفرجه، وكشف همه ، أكثر من اهتمامنا في الدعاء لنفوسنا، وجميع ما يتعلق بنا، إن شاء الله تعالی
المقام الثالث : في ولايته علينا: الولاية هنا بكسر الواو، بمعنى السلطنة والاستيلاء، والمراد بولايته علينا هوما نص عليه في قوله تعالى : «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ»(1) كما مرّ صريحة في الحديث الّذي رويناه في الباب الثالث في حقّ السیّد على العبد، فراجع .(2)
ومقتضى إذعانك بأنه أولی بك من نفسك في جميع ما يتعلق بك أن تجعله أولى منك في جميع ما تحبه لنفسك، وتجعل السعي في حاجته مقدماً على حاجتك، ويحتمل أن يراد هذا المعنى من قوله علیه السلام في الزيارة الجامعة :
ومقدمكم أمام طلبتي وحوائجي وإرادتي في کلّ أحوالي وأموري ...(3)،
فولايته علیه السلام تقتضي أن تقدمه على نفسك في جميع الأمور،
وقد مرّ في الحديث النبوي صلی الله علیه وآله وسلم ما يدل على ذلك، ومن أهم ذلك: الدعاء فإنّه مفتاح کلّ خير، وسلاح کلّ تقي، فينبغي أن تقدمه على نفسك، وکلّ من تحبه بالدعاء له بالفرج والعافية ،
وفيما ذكرنا في هذه المقامات جملة كافيه ودلالة شافية .
أهمّ حوائج المحبين، وغاية منى المشتاقين ، ومنتهی رغبة العارفين ، فمسألة التعجيل فيه من ربّ العالمين أكثر دعواتهم، وأكبر حاجاتهم، وأعظم مهمّاتهم ونعم ما قيل:
ص: 368
فؤادي وطرفي يأسفان علیکم***وعندكم روحي وذکرکم عندي
ولست ألذ العيش حتّی أراكم ***ولو كنت في الفردوس أو جنّة الخلد
ومن طرائف ماسنح بالبال في هذا المقال، وكتبته بقلم الاستعجال في الشوق إلى زمن الوصال، وتذكر مولاي في کلّ حال، هذه الأبيات :
تولی شبابي في الفراق فأسرعا***وآذن عمري بالرحيل فودعا
حبيت بشوق الوصل دهرا ولم أكن*** بشيء سوى تذكاره متمتعا
قد اشتد شوقي فيك يا غاية المنى*** ويا خير من صلى ويا خير من دعا
ويا خير مقصود ويا خير موئل*** ويا خير من لبى ويا خير من سعی
وقد طال صبري في النوى(1) إذ تركتني ***كئيباً (2)غريباً باكياً متوجعا
فيا مهجتي(3) يا روح قلبي وراحتي*** أغثني فقلبي كاد أن يتصدعا(4)
نظرت بأبواب الملوك فلم أجد*** سوى بابك العالي ملاذا (5) ومفزعا
وإذ نزل المعروف والعدل والسخا*** فما اختار إلا في فنائك موضعا
أغثني بفيض من نداك (6)فإنّه*** لقد صار منه البر والبحر مترعا
فلولاك ساخ الأرض بالخلق(7) كلهم*** وصار بطون الأرض للناس مضجعا
ولولاك اندكّ(8) الجبال جميعها*** ولولاك أركان السماء تزعزعا(9)
وما نبتت في الأرض لولاك حبة*** ولا شجر لولا وجودك أينعا(10)
ص: 369
ولا أشرقت شمس ولا نيّرٌ بدا*** ولا نبعت عين ولا البرق أمصعا (1)
وصیّرنا الأعداء لولاك طعمة ***وكان علينا الذل ثوباً ملفعا(2)
وما فاز ناج بالنجاة بغيركم*** ومن أمها (3)من غير كم كان الكعا(4)
حبيبي حبيبي طال همي وكربتي(5)***أغثني سريعا قبل أن أتضيعا (6)
تعاليت عن مدحي ومدح الخلائق*** وما قيل في علياك قد كنت أرفعا
بسبب ضعف أهل الإسلام، وارتياب قلوب الأنام، واقترافنا للآثام وإصرارنا على المعاصي على الدوام، كما يتبين من بعض توقيعاته علیه السلام (7)، ممّا يوجب الدعاء لكشف همه على الخاص والعام،
ويدل على هذا المرام مضافاً إلى أنه طريقة أهل المحبة من الأنام، ما رويناه في أول حرف الألف من هذا الباب، عن الصادق عليه الصلاة والسلام (8)، فلا نعيد الكلام في هذا المقام.
ممّا يوجب الدعاء له عند أهل الاشتياق، لانّه من لوازم البغض للأعداء
وقد قدمنا وجوبه عند ذكر ولاية الأولياء .
وأما ما يدل على أن مولانا صاحب الزمان علیه السلام يأمر بهدم أبنية أهل الكفر والطغيان، فعدة دعوات وروايات :
ص: 370
647- منها: دعاء الندبة المروي عن الصادق علیه السلام، ففيه :
أين هادم أبنية الشرك والنفاق . (1)
648- ومنها : رواية المفضل : عن الصادق علیه السلام قال :
يأتي القائم علیه السلام بعد أن يطأ شرق الأرض وغربّها الكوفة ومسجدها، ويهدم المسجد الّذي بناه یزید بن معاویه لعنه الله، لما قتل الحسين بن عليّ علیه السلام و مسجد ليس لله ملعون ملعون من بناه .(2)
649-ومنها : رواية عليّ بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي، المروية في المحجّة للسیّد هاشم البحرانيّ (رحمه الله)، عن مولانا صاحب الزمان علیه السلام:
یابن المهزیار، لولا استغفار بعضكم لبعض لهلك من عليها ، إلا خواص الشيعة، التي تشبه أقوالهم أفعالهم، ثمّ قال : يا ابن المهزیار - ومد يده - ألا أنبئك بالخبر؟ أنه إذا قعد الصبي، وتحرك المغربي، وسار العماني، وبويع السفياني، يأذن لي الله فأخرج بين الصفا والمروة، في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا سواء، فأجيء إلى الكوفة، وأهدم مسجدها وأبنيه على بنائه الأول، وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة، وأحج بالناس حجّة الإسلام، وأجيء إلى يثربّ فأهدم الحجرة، وأخرج من بها وهما طريان، فأمر بهما تجاه البقيع وآمر بخشبتين يصلبان عليهما فتورق من تحتهما، فيفتتن الناس بهما أشد من الفتنة الأولى .
فينادي مناد من السماء : يا سماء انتدي ويا أرض خذي،
فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلا مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان .
قلت : يا سيّدي، ما يكون بعد ذلك؟ .
قال : الكرة الكرة، الرجعة [الرجعة ]ثمّ تلا هذه الآية :«ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ». (2) (3) (4)
ص: 371
650- ومنها : في البحار : عن أبي بصير، عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتّی يرده إلى أساسه، وحول المقام إلى الموضع الّذي كان فيه .(1)
651- وفيه : في حديث آخر، عنه علیه السلام قال :
القائم يهدم المسجد الحرام حتّی يرده إلى أساسه، ومسجد الرسول صلی الله علیه وآله وسلم إلى أساسه، ويرد البيت إلى موضعه وأقامه على أساسه .(2)
652- وفيه : عن غيبة الشيخ : بإسناده عن أمیرالمؤمنین علیه السلام - في حديث له - حتّی انتهى إلى مسجد الكوفة، وكان مبنياً بخزف ودنان وطين، فقال علیه السلام:
ويل لمن هدمك، وويل لمن سهل(3) هدمك، وويل لبانيك بالمطبوخ المغير قبلة نوح، طوبی لمن شهد هدمك مع قائم أهل بيتي، أولئك خيار الأمة مع أبرار العترة. (4)
653 - وفيه : عنه، عن أبي بصير، في حديث له اختصره، قال :
إذا قام القائم دخل الكوفة، وأمر بهدم المساجد الأربعة، حتّی يبلغ أساسها، ويصيرها عريشاً كعريش موسى، ويكون المساجد كلها جماء لا شرف لها، كما كان على عهد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ويوسع الطريق الأعظم، فيصير ستين ذراعا، ويهدم کلّ مسجد على الطريق، ويسد کلّ كوة إلى الطريق، وکلّ جناح وكنیف و میزاب إلى الطريق، ويأمر الله الفلك في زمانه فيبطىء في دوره، حتّی يكون اليوم في أيامه كعشرة أيام، والشهر عشرة أشهر، والسنة كعشر سنين من سنيكم.
ص: 372
ثمّ لا يلبث إلا قليلا، حتّی يخرج عليه مارقة الموالي برميلة الدسكرة (1)
عشرة آلاف، شعارهم:
یا عثمان یا عثمان، فيدعو رجلا من الموالي فيقلده سيفه فيخرج إليهم فيقتلهم حتّی لا يبقى منهم أحد، ثمّ يتوجه إلى کابل شاه، وهي مدينة لم يفتحها أحد قط غيره، فيفتحها، ثمّ يتوجه إلى الكوفة فينزلها، ويكون داره، ويبهرج سبعين قبيلة من قبائل العرب ... الخبر .(2)
إلى طريق الرشاد، ونهج السداد، من أعظم الحقّوق الموجبة للدعاء،
لانّها من أعظم أنواع الإحياء، كما صرح به في الحديث المروي عن أبي جعفر علیه السلام في المجلد الأول من البحار .(3)
654- وفيه، عن عوالي اللئالي مرسلا، عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال :
من علم شخصا مسألة فقد ملك رقبته ، فقيل له : یا رسول الله، أيبيعه؟
فقال صلی الله علیه وآله وسلم : لا، ولكن يأمره وينهاه . (4)
أقول: قد عرفت ممّا ذكرنا في نوره أن اهتداء جميع أهل الإيمان إنما هو بإضاءة نور صاحب الزمان ، مضافاً إلى ما علمهم من صنوف الأحكام، المذكورة في توقيعاته علیه السلام المروية في البحار والإحتجاج، والإكمال(5)،
فالدعاء له ممّا يلزم أداء لحقه في کلّ حال.
ص: 373
أشد أنواع العذاب على الخلص من الأحباب، ولهذا وعد للصبر عليه زمن الغياب الجزيل من الثواب، وسنذكر الأخبار الواردة في هذا الباب عن الأئمة الأطياب ، في الباب الثامن من هذا الكتاب(1)، ولا ريب أن الجد في الدعاء لرفع العذاب من جبليات أولي الألباب .
655- وقد ورد في بعض الأحاديث أن قلب المؤمن يذاب ممّا يشاهد في زمان الغياب ، ونعم ما قاله بعض الأحباب ممّا يناسب هذا الباب :
قد ذاب من الفراق لحمي ودمي ***واشتد من الشوق إليكم ألمي
كم أشربّ غصتي بدمعي ودمي*** كم أصبر ياليت وجودي عدمي
وممّا وقع في روعي في بعض هذه الأسحار، وجرى على لساني مخاطبا لصاحب الدار، والمنتظر الغايب عن الأبصار، في ذکر شدة ألم الهجر، هذه الأشعار:
من هجرك يا حبيب قلبي قد ذاب***أنظر نظرة إلي يابن الأطياب
إن غبت لذنبنا فتبناتبنا*** أو خفت من العدى فما للأحباب
الجور فشا على المحبين فقم *** یا منتقما بأمر ربّ الأربّاب
ولن أذكر النعمان إلا بصالح ***فإن له عندي يديا(2)وأنعما
ص: 374
ولمّا كانت النعم قاطبة إنما تصل إلينا ببركة وجود مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه لزمنا شکر وجوده بالدعاء له وما شاكله، لأن شكر الواسطة في النعمة لازم کشکر صاحبها، كما نطقت به الروايات
وقد قدمنا ما يدل على المقصود في الباب الثالث من الكتاب، وفي حرف النون من هذا الباب . (1)
ويأتي في الباب الخامس مزید بيان إن شاء الله تعالى شأنه .
656- وممّا يناسب هذا المقام ما روي في الخرائج والبحار : عن أبي جعفر علیه السلام قال : إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد، فجمع به عقولهم، وأكمل به أخلاقهم.(2)
قال بعض العلماء رضوان الله عليه : المراد وضع جارحته الخاصة بنحو المعجزة على رؤوس جميع العباد .
أقول : يحتمل أن يكون المراد باليد القوة أو الملك فيكون المعنى: أنه إذا قام استولى على جميع العباد، وشمل ملکه کلّ البلاد، وبذلك يجمع العقول ويكمل الأخلاق، لزوال أهل الكفر والفسق والإلحاد .
يعلم ممّا قدمنا في هذا الكتاب بتوفيق الملك الوهاب، فالأولى أن نختم هذا الباب ، بذكر أبيات هي كاللآلي ممّا سنح ببالي، وجرى في مقالي في بعض تلك الليالي، وإن كان هو المتعالي عن مدحي ومدح أمثالي، لكنها هدية من الداني إلى العالي، أهديتها لاستصلاح حالي والبلوغ بآمالي، في عاجلي ومالي، بشفاعة سيّدي ومولاي، وهي هذه :
ص: 375
قد هاج حزني وقلبي صار منکمدا(1)***لهجر من حسنه للعالمين بدا
خير الورى نسباً شمس الهدی حسباً ***وأفضل الخلق أعواناً ومحتشدا(2)
قد حار ذو اللب في إدراك رتبته***والعقل في نعته أعيا (3)وانخمدا
بیمنه تجد الأجبال ثابتة ***لولا كرامته ألفيتها بددا (4)
من نوره الشمس والأقمار نيرة***من فضله قد ربّا ما كان منهمدا(5)
لم يرزق الناس لولا فيض نائله ***وما بقوا ساعة في دهرهم أبدا
شمائل المصطفی کانت شمائله***ومحكم الذكر في أوصافه وردا
تکامل العلم والأخلاق أكملها***في ذاته القدس طرّاً حين إذ ولدا
باهی به الله سكان السماء وقد***ضجوا إلى الله إذ قتل الحسين بدا
أن اسکنوا أنتقم حتما بقائمهم*** من کلّ من حاربّ المظلوم أو طردا
ص: 376
وهو المقصود الأصلي من تأليف هذا الكتاب .
وينبغي قبل الشروع في المقصود التنبيه على أمور :
الأمر الأول : إعلم أن الغرض في هذا الباب ذكر ما يترتب على مسألة تعجيل فرج مولانا علیه السلام من المكارم، والفوائد العظام سواء كانت تلك الفائدة منحصرة في هذا العمل الشريف بالخصوص، أم كانت لدخوله في عموم عمل منصوص وليس الغرض قصر جميع تلك الفوائد على خصوص هذا العمل، ولا حصر فوائد هذا الدعاء فيما نذكره في هذا الكتاب المستعجل
فلعل المتبع في كتب الحديث والروايات يقف على أمر زائد على ما ذكرته من الفضائل والعنايات، فإن ما جهلته أكثر ممّا علمته، وما لم أدره أزيد ممّا دريته، وليس المعرفة بما ذكرناه إلا ببرکات سيّدي ومولاي صاحب الزمان ، والاستضاءة بنوره عجلّ الله في فرجه وظهوره.
ص: 377
هو العلم الهادي بإشراق نوره*** وإن غاب عن عيني كوقت ظهوره
ألم تر أن الشمس ينشر ضوؤها***إذا هي تحت القزع حین عبوره
وهذان البيتان ممّا سنح لي في الخاطر، وجرى على لساني القاصر، بفضله الباهر، عند ذكر تلك المآثر، اقتباسا من قوله في التوقيع الشريف الّذي أشرنا إليه في الباب السابق في نفعه . (1)
الأمر الثاني : ربّما يتوهم أن كونه علیه السلام وسيلة لسائر البريات في نيل جميع البركات يقتضي استغناءه عن الناس، فأي حاجة إلى دعائهم.
والجواب عن هذا التوهم من وجوه :
أحدها : أن يكون دعاؤنا له من باب هدية شخص حقير فقير إلى سلطان جلیل كبير، ولا ريب أن ذلك علامة احتياج هذا الفقير إلى عطاء ذاك السلطان الكبير، وهذا دأب العبيد بالنسبة إلى الموالي ، والداني إلى العالي، ونعم ماقيل :
أهدت سليمان يوم العيد قبرة*** برجلة من جراد كان في فيها
ترنمت بلطيف القول ناطقة*** إن الهدايا على مقدار مهدیها
الثاني : أن الظاهر من الروايات : أن وقت ظهوره علیه السلام من الأمور البدائية التي يمكن التقديم والتأخير فيها، كما أشرنا إليه في حرف الغين المعجمة .(2)
فيمكن أن يكون تقديمه مشروطة باهتمام أهل الإيمان بالدعاء لتعجيل ظهور صاحب الزمان علیه السلام.
657- والدليل على ما ذكرناه: ما رواه المجلسي (رحمه الله) في البحار، عن تفسير العياشي، عن الفضل بن أبي قرة، قال :
سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول: أوحى الله إلى إبراهيم: أنه سيولد لك ، فقال لسارة: فقالت : « أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ » (3) فأوحى الله إليه أنها ستلد، ويعذب أولادها أربعمائة سنّة بردها الكلام علي.
ص: 378
قال علیه السلام : فلمّا طال على بني إسرائيل العذاب، ضجوا وبكوا إلى الله أربعين صباحا، فأوحى الله إلى موسى وهارون يخلّصهم من فرعون، فحطّ عنهم سبعين ومائة سنة.
قال : فقال أبو عبدالله علیه السلام: هكذا أنتم لو فعلتم لفرج الله عنا
فأما إذا لم تكونوا فإن الأمر ينتهي إلى منتهاه . (1)
الثالث : أنه لا ريب في وقوع ابتلاء الأئمة علیهم السلام بمقتضى البشرية بالبليات والأسقام والهموم والأحزان، ولدفع تلك الأمور أسباب يتمشى بعضها من أهل الإيمان، ومن أعظم الأسباب لصرف أنواع البلاء، الجد والاهتمام في الدعاء كما ورد به الروايات، ولا يخفى على أهل الدرايات :
658- فمنها : ما في أصول الكافي : بسند صحيح عن حماد بن عثمان قال : سمعته يقول : إن الدعاء يرد القضاء، ينقضه كما ينقض السلك وقد أبرم إبراما .(2)
659 - وفي صحيح آخر : عن زرارة، عن أبي جعفر علیه السلام قال : قال لي:
ألا أدلك على شيء لم يستثن فيه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؟ قلت : بلی،
قال : الدعاء يرد القضاء وقد أبرم إبراما، وضم أصابعه .(3)
إلى غير ذلك من الأحاديث المروية في مظانها، فالمؤمن المحبّ إذا احتمل ابتلاء مولاه الّذي هو أعز عليه من نفسه وجميع من يهواه، ببعض ما ذكر من صنوف البلاء، جد واجتهد في الدفع عنه بالدعاء، كما يجتهد في الذب عنه بما تيسر له من الأسباب .
الرابع : أنّه إذا كان لنا مطلوب وكان من دونه موانع. لا يتيسر لنا البلوغ إليه إلا برفع تلك الموانع، وجب علينا المسابقة والمجاهدة في دفعها ورفعها،
ص: 379
ولما كان تأخر ظهور مولانا علیه السلام بسبب موانع نشأت من قبلنا، فعلينا المسألة من الله تعالى شأنه لدفع تلك الموانع،
فالدعاء بتعجيل فرجه في الحقّيقة دعاء في حقنا ومفيد لنا.
660- وإلى هذا أشار صلوات الله عليه في التوقيع المروي في كمال الدين والاحتجاج والبحار، حيث قال عجلّ الله تعالی فرجه :
«وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم ...» (1)
إيماء إلى استغنائه عنّا، وفضله علیه السلام علينا، فتدبر .
الخامس: أنه ليس لفضل الله تعالى ورحمته نهاية محدودة، ولا في وجود الإمام علیه السلام نقص وقصور عن قبول الفيض منه عزّ وجلّ، فما المانع من اضية عناية مخصوصة بدعاء المؤمنين لمولاهم صلوات الله عليه؟
والقول بأن كونه وسيلة في الإفاضة إلى العباد مناف لبلوغه درجة بوسيلة العباد، ليس إلا صرف استبعاد، فإن كونهم علة غائية لخلق الممکنات والإفاضة إلى البريات، لا ينافي حصول لوازم البشرية فيهم،
فإن الله تعالى خلق الأفلاك والأرضين وما فيهن وما بينهن لأجلهم ويفيض إلى أهلها ببركتهم، لكنهم يحتاجون بمقتضى البشرية في تعيشهم وبقاء حياتهم الظاهرة إلى ما يخرج من الأرض، كاحتياج سائر الخلق إليه.
وممّا ذكرنا ظهر أن نفع الصلاة من المؤمنين على خاتم النبيين وآله الطاهرين يرجع إلى المصلي، والمصلى عليه، لا من باب الاحتياج إلى دعاء المصلي حتّی يرد علينا ما أورد، بل من جهة قابليتهم صلوات الله عليهم لإفاضات الله تعالى التي لا نهاية لها، لان دوامها واستمرارها وتجددها إنما هي من لوازم قدرته الكاملة التامة العامة الدائمة.
ص: 380
الأمر الثالث : ربّما يتوهم التنافي بين الأمر بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان و ظهوره والاخبار الناهية عن التعجيل في ظهوره،
وسنذكرها في الباب الثامن إن شاء الله تعالى،
ویندفع هذا التوهم بأن الاستعجال المنهي عنه على ثلاثة أقسام:
الأول : ما يصير سبباً لليأس عن ظهور القائم علیه السلام، بأن يكون الشخص لقلة الصبر مستعجلا فيقول: هذا الأمر لو كان لوقع إلى الآن، وهذا العنوان يجره بالآخرة إلى إنكار ظهور صاحب الزمان .
الثاني : العجلة التي تكون منافية للتسليم لأمر الله والرضا بقضاء الله
وهذا النحو من الاستعجال يفضي بالآخرة إلى إنكار حكمة الخالق المتعال .
661 - ولذلك ورد في الدعاء المروي عنه علیه السلام بتوسط الشيخ عثمان بن سعيد العمري (رحمه الله): فصبرني على ذلك حَتّی لا اُحِبَّ تَعْجیلَ ما اَخَّرْتَ، وَ لا تَاْخیرَ ما عَجَّلْتَ.، وَلا أَکْشِفَ(1) عَمّا سَتَرْتَهُ وَلا أَبْحَثَ(2) عَمّا کَتَمْتَهُ وَلا أُنازِعُکَ فِی تَدْبِیرِکَ وَلا أَقُولُ لِمَ وَکَیْفَ وَما بالُ وَلِیِّ الأَمْرِ لا یَظْهَرُ وَقَدِ امْتَلَأَتِ الأَرْضُ مِنَ الجَوْرِ ؟ إلى آخر الدعاء .(3)
وسنذكره في الباب السابع إن شاء الله تعالی(4)
فإن قلت : لا ريب أن الدعاء بتعجيل الظهور إنما ينشأ من المحبة والشوق إلى ذلك، وهذا ينافي قوله : حتّی لا أحب تعجيل ما أخرت (إلخ).
قلت : قد عرفت فيما قدمنا أن الظاهر من الأخبار کون وقت الفرج والظهور من بدائيات الأمور، فإذا جوز المحب تقریب وقت لقاء المحبوب، بالاهتمام في الدعاء لهذا المطلوب، جد واجتهد فيه بما كان له ميسوراً،
وهذا لا ينافي التسليم لما كان في علم الله مقدوراً.
ص: 381
نعم لو فرضنا العلم بالوقت المعيّن الّذي حتم الله تعالى بقضائه الّذي لا يغير و لايبدل وقوع أمر فيه، لم يكن للدعاء في تقديمه أو تأخيره مجال ووجب الانقياد والتسليم له على کلّ حال.
الثالث : الاستعجال الّذي يصير سبباً لاتباع الضالين المضلين، والشياطين المبدعين، قبل ظهور العلامات المحتومة المروية عن الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين، كما اتفق لكثير من الجاهلين، أعاذنا الله تعالی وجميع المؤمنين من همزات الشياطين،
وسيأتي تفصيل القول في تلك المواطن مع ذكر أخبارها في الباب الثامن وإنما المقصود هنا الإشارة والاختصار، ليكون الناظر على بصيرة واعتبار،
هذا، وقد سنح بالبال تقرير آخر لحل الإشكال، وهو : أن الاستعجال على قسمين : أحدهما مذموم والآخر ممدوح،
فالمذموم: طلب حصول الشيء قبل حضور وقته، وهذا قبیح عقلا ونقلا ،
والممدوح : طلب حصول الشيء في أول أوقات الإمكان، ولما كان ظهور صاحب الأمر علیه السلام من الأمور التي يمكن تقدم وقوعها بإرادة الله تعالی ومنافع ذلك كثيرة لا تحصى، أوجب إيمان المؤمن الاهتمام في الدعاء له بتقديمه في أول زمان يصلح لذلك، والصبر والتسليم إلى حضور ذلك الزمان وسيأتي مزيد توضيح إن شاء الله تعالی.
إذا تقرّر ما ذكرناه ، فلنذكر المكارم والفوائد العظام التي تترتب على الدعاء بتعجیل فرجه علیه السلام ، أولا بنحو الاختصار والإجمال،
ثمّ نذكرها مع أدلتها بحسب ما يقتضيه الحال :
1: قوله علیه السلام: وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم.
2: يوجب ازدياد النعم.
3: إظهار المحبة الباطنية .
ص: 382
4: أنّه علامة الانتظار .
5: إحياء أمر الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين .
6: سبب فزع الشيطان اللعين.
7: النجاة من فتن آخر الزمان و مهالکه .
8: أنّه أداء لبعض حقوقه في الجملة ، وأداء حقّ ذي الحقّ من أوجب الأمور
9: أنه تعظيم لله ولدين الله.
10: دعاء صاحب الزمان علیه السلام في حقه.
11: شفاعته له في يوم القيامه .
12: شفاعة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم له إن شاء الله تعالی .
13: أنه امتثال لأمر الله تعالى، وابتغاء من فضل الله تعالی .
14: يوجب إجابة الدعاء .
15: أنه أداء أجر الرسالة .
16: يوجب دفع البلاء .
17: يوجب سعة الرزق إن شاء الله تعالي .
18: غفران الذنوب .
19: التشرف بلقائه في اليقظة أو المنام ..
20: الرجعة إلى الدنيا في زمان ظهوره علیه السلام .
21: يصير من إخوان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم .
22: استباق وقوع الفرج لمولانا صاحب الزمان علیه السلام .
23: أسوة بالنبیّ والأئمة الأطهار علیهم السلام .
24: أنه وفاء بعهد الله وميثاقه .
25: ما يترتب على بر الوالدين من الفوائد والمكارم.
26: درك فضل رعاية الأمانة .
ص: 383
27: زيادة إشراق نور الإمام في القلب .
28: طول العمر إن شاء الله تعالی.
29:. التعاون على البر والتقوى .
30: الفوز بنصر الله، والغلبة على الأعداء بعون الله تعالی .
31: الاهتداء بنور القرآن المجيد.
32: صيرورته معروفة عند أصحاب الأعراف.
33: الفوز بثواب طلب العلم إن شاء الله تعالی .
34: الأمن من المخاوف والعقوبات الأخروية إن شاء الله تعالی.
35: البشارة والرفق عند الموت .
36: إجابة دعوة الله ودعوة رسوله صلی الله علیه وآله وسلم .
37: كونه مع أمیرالمؤمنین علیه السلام في درجته .
38: أن يصير أحب الخلق إلى الله تعالی .
39: أن يصير أعز الخلق وأكرمهم عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.
40: أن يصير من أهل الجنّة إن شاء الله تعالی .
41: أن يشمله دعاء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم .
42: غفران الذنوب وتبدل السيئات بحسنات .
43: أن يؤيده الله تعالى في العبادة .
44: أن يدفع به العقوبة عن أهل الأرض إن شاء الله تعالی .
45: فيه ثواب إعانة المظلوم
46: فيه ثواب إجلال الكبير والتواضع له .
47: فيه ثواب طلب ثار مولانا المظلوم الشهيد أبي عبدالله الحسين علیه السلام.
48: تحمّل أحاديث الأئمة الطاهرین علیهم السلام .
49: إضاءة نوره لغيره في مشهد القيامة .
ص: 384
50: شفاعته لسبعين ألفا من المذنبین .
51: دعاء أمیرالمؤمنین علیه السلام في حقه يوم القيامة .
52: دخول الجنّة بغير حساب .
53 : السلامة من عطش يوم القيامه .
54: الخلود في الجنّة.
55: أن يوجب خمش وجه إبليس وقرح قلبه .
56: أن يتحف يوم القيامة بتحفة مخصوصة .
57: أن الله عزّ وجلّ يخدمه من خدم الجنّة .
58 : أن يكون في ظل الله الممدود، وتنزل عليه الرحمة مادام مشتغلا بذلك الدعاء.
59: فيه ثواب نصيحة المؤمن.
60 : أن المجلس الّذي يدعى فيه للقائم عجلّ الله تعالی فرجه یکون محضرا للملائكة المكرمين .
61: أن الداعي لهذا الأمر الجليل ممن يباهي به الإله الجليل .
62 : يستغفر له الملائكة.
63: يكون من خيار الناس بعد الأئمة الطاهرين .
64: أنه إطاعة لأولي الأمر الّذين فرض الله تعالی طاعتهم.
65 : يوجب سرور الله عزّ وجلّ.
66: يوجب سرور رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم .
67: أنه أحب الأعمال إلى الله تعالى شأنه .
68: أن الداعي بهذ الأمر الشريف يكون ممن يحكمهم الله تعالى في الجنان إن شاء الله تعالی.
69: أنه يحاسب حسابا يسيراً.
ص: 385
70: الأنيس الشفيق له في البرزخ والقيامة .
71: أنه أفضل الأعمال .
72: يوجب زوال الغم.
73 : أنه أفضل من الدعاء في حقّ الإمام زمان ظهوره .
74: دعاء الملائكة في حقة.
75: يشمله دعاء سید الساجدين عليه الصلاة والسلام
وهو يشتمل على فنون من الفوائد وصنوف من العوائد .
76: أنه تمسك بالثقلين.
77: أنه اعتصام بحبل الله تعالی .
78: يوجب كمال الإيمان .
79 : درك مثل ثواب جميع العباد .
80: أنه تعظیم شعائر الله عزوجل.
81: فيه ثواب من استشهد مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم .
82: فيه ثواب من استشهد تحت راية القائم علیه السلام .
83: فيه ثواب الإحسان إلى مولانا صاحب الزمان علیه السلام.
84: فيه ثواب إكرام العالم.
85: فيه ثواب إكرام الكريم .
86: الحشر في زمرة الأئمة الطاهرین علیهم السلام .
87: ارتفاع الدرجات في روضات الجنات .
88: الأمن من سوء الحساب في يوم الحساب .
89: الفوز بأفضل درجات الشهداء يوم القيامة .
90: الفوز بالشفاعة الفاطمية علیهاالسلام.
إذا عرفت ذلك فلنشرع في تفصيل تلك المكارم ، والله المعين وهو العاصم:
ص: 386
662- قوله عليه الصلاة والسلام في التوقيع المروي في كمال الدين وكتاب الإحتجاج على أهل اللجاج: «وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجکم» .
أقول: لا ريب - بملاحظة ما ذكر قبل هذا الكلام - في أن المراد بالفرج ظهوره علیه السلام ، لا دعاء الناس بتعجیل فرج نفوسهم.
663- فانظر في كلامه قبل ذلك لشرح صدرك وإصلاح حالك،
حيث قال علیه السلام: وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عزّ وجلّ يقول : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»(1)
إنّه لم يكن لأحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي،
وأما وجه الإنتفاع بي في غيبتي فكالإنتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فأغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم، ولاتتكلفوا علم ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب، وعلى من أتبع الهدى . إنتهى كلامه صلوات الله وسلامه عليه .(2)
وأما إسحاق بن يعقوب المخاطب بهذا التوقيع الشريف، فلم يتعرض له الأصحاب بشيء، إلا أن اعتماد الكليني وسائر المشائخ على روايته يدل على حسن حاله وجلالته، وسلام مولانا عليه في التوقيع حسبه في الدلالة على الشأن الرفيع والمقام المنيع.
وأما المشار إليه بقوله ع: فإن ذلك فرجكم، فأحد الأمور :
أحدها : أن يكون المراد بذلك فرجه صلوات الله عليه ، ويكون الكلام تعليلا
ص: 387
للأمر بدعاء الفرج، يعني أن فرجكم يترتب على ظهوري و فرج أمري
ويقرب هذا الإحتمال قرب إسم الإشارة منه .
ويؤيده أيضاً جميع ما ورد في الروايات، من أن بفرجه فرج أولياء الله ،
وقد قدمنا مايدل على ذلك في حرف الفاء(1)، فراجع .
الثاني: أن يكون المراد بذلك فرجه أيضاً، ويكون الكلام تعليلا للأمر بالإكثار من الدعاء.
الثالث : أن يكون المراد بذلك نفس هذا الدعاء ، يعني أن يحصل الفرج لكم بالدعاء لتعجيل فرجي وظهوري.
الرابع : أن يكون المراد بذلك الإكثار، يعني أنه يحصل الفرج في أمركم بإكثار كم من الدعاء بتعجيل فرجي.
هذا ما اختلج بالبال من وجوه الإحتمال في هذا المقال، والله تعالى هو العالم بخفيات الأمور وحقاًئق الأحوال، ويقرب الإحتمالين الأخيرين أن «ذلك» تستعمل في الإشارة إلى البعيد غالبا، كما تبين في علم النحو، فتدبر .
ويؤيّدهما أيضاً ما سيأتي إن شاء الله تعالى في بعض الروايات : أن الملائكة يدعون للداعي لاخيه المؤمن في غيبته بما يدعو به لأخيه أضعافا مضاعفة (2)
وبعض آخر فيه أيضاً دلالة على المقصود، ونيل الفرج بالدعاء لفرجه المسعود .
فإن قلت: فما معنى حصول الفرج للداعي بهذا الدعاء؟
قلت : حصول الفرج بسبب هذا الدعاء يقع للداعي بأحد أنحاء : منها:
أن يبلغ بمأموله وما يهتم بحصوله من الأمور الدنيوية أو غيرها ببركة دعائه المولاه، فإنّه الوسيلة لکلّ خير وصلاح، والداعي لمن يدعو له بالفرج والفلاح
ومنها : أن يعطيه الله بدل ما يرجوه عندما يسأله ويدعوه، بحيث يدفع عنه الحاجة والهموم، ويكشف عنه الشدة والغموم، ببركة دعائه لفرج مولاه المظلوم
ص: 388
فإنّ إعانة المظلوم يصير سبباً لإعانة الله تعالى كما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالی
ومنها : أن يمنحه الله تعالى الصبر على النوائب والسرور في کلّ ما يصيبه من الشدائد والمصائب، ويلين له الصبر في البعد على المقصود کما ألان الحديد لداود، هذا كله إذا لم تقتض الحكمة الإلهية وقوع الفرج بالكلية بظهور صاحب الدعوة النبوية والصولة الحيدرية، والشجاعة الحسينيّة،
وأما إن وقع الفرج المأمول، فهو نهاية المسؤول.
ثمّ إن الظاهر كون هذا الأمر للإستحباب، إذ لم أقف على من أفتى بالوجوب من الأصحاب، ويشهد له التعليل المذكور بعده أيضاً، مضافاً إلى كثرة ورود الأمر في أحاديثهم للإستحباب، ومضافة إلى أنه لو كان واجبا لعرفه أكثر أهل الإيمان، بل جميعهم لعموم الابتلاء به ، كمايعرفون سائر الواجبات.
هذا، وفي ورود الأمر بلفظ الإكثار أيضاً دلالة على ما هو المختار، والله تعالى هو الهادي، وهو حسبي ونعم الوكيل.
والكلام في تحقيق هذا المرام يقع في مقامات :
الأول: في أن وجوده نعمة.
الثاني : في وجوب شكر النعمة .
الثالث : في أن شكر النعمة سبب للمزيد .
الرابع: في معني الشكر .
الخامس: في أن الدعاء من أقسام الشكر، والإشارة إلى سائر أقسامه .
أما الأوّل : فيدل عليه العقل والنقل، أما العقل: فلا ريب في أن أعظم النعم الإلهية ما يكون سبباً للفوز بمعرفة المعارف الربّانية، والعلوم النافعة، ولنیل الدرجات الرفيعة والنعم الأبدية الأخروية وغيرها ممّا لا يخفى على ذي مسكة
وهذا هو الإمام الّذي به يعرف الله ويعبد ، وبه يصل العبد إلى مايهواه من
ص: 389
المقامات العليّة والمواهب السنية كما ورد في روايات كثيرة، أوردنا بعضها في الباب الأول من هذا الكتاب، وفيه كفاية الأولي الألباب .
وأما النقل فروايات كثيرة جدّاً:
664- منها: ما في أصول الكافي : بإسناده عن أمیرالمؤمنین علیه السلام، في قول الله عزّ وجلّ:«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا»(1) قال : نحن النعمة التي أنعم الله بها على عباده، وبنا يفوز من فاز يوم القيامة .(2)
وروي في غاية المرام عن تفسيري العياشي والقمي.(3)
665 - ومثله ما في غاية المرام أيضاً : بإسناده عن أمیرالمؤمنین علیه السلام في قوله تعالى : «ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ » (4)قال : نحن النعيم . (5)
وفي حديث آخر عن الصادق علیه السلام (مثله) .(6)
666- وعن أبي الحسن موسى علیه السلام قال : نحن نعيم المؤمن وعلقم الكافر .(7)
أقول: العلقم : الحنظل، وكون وجود الإمام كذلك بزعم الكافر لانزجاره عنه بسبب كفره، أو المراد بيان حالهما يوم القيامة ، فإن المؤمن يتنعم بأنواع النعم الأبدية لأجلّ إيمانه بالأئمة علیهم السلام ، والكافر يعذب بأنواع العقوبات الدائمة بسبب كفره بهم صلوات الله عليهم.
667- وفي مجمع البيان عن العياشي: بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
نحن أهل البيت النعيم الّذي أنعم الله بنا على العباد، وبنا ائتلفوا بعد أن
ص: 390
كانوا مختلفين، وبنا الف الله بين قلوبهم وجعلهم إخوانا بعد أن كانوا أعداء وبنا هداهم الله للإسلام، وهي النعمة التي لا تنقطع، والله سائلهم عن حقّ النعيم الّذي أنعم الله به عليهم، وهو النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وعترته .(1)
668-وفي كفاية الأثر، وكمال الدين : باسنادهما عن محمّد بن زياد الأزدي قال : سألت سيّدي موسی بن جعفر عليهما [الصلاة ]والسلام عن قول الله عز وجلّ « وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً» (2)
قال علیه السلام: النعمة الظاهرة الإمام الظاهر، والباطنة الإمام الغائب، قال : فقلت له: فيكون في الأئمة من يغيب؟ قال: نعم، يغيب عن أبصار الناس شخصه، ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر منا يسهل الله تعالى له کلّ عسير . ويذلل له کلّ صعب، ويظهر له کنوز الارض ويقرب له كل بعيد، ويبير (3) به کلّ جبار عنيد، ويهلك على يده کلّ شيطان مريد، ذلك ابن سیّدة الإماء، الّذي يخفى على الناس ولادته، ولا يحل لهم تسميته حتّی يظهره الله، فيملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً. (4)
المقام الثاني : في بيان وجوب شكر النعمة.
ويدل عليه مضافاً إلى حكم العقل السليم قوله تعالى في سورة البقرة :
«فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ » (5). وقوله تعالى في سورة إبراهيم علیه السلام: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ »(6).
وقوله تعالى في سورة البقرة: «َاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ» (7).
وقوله تعالى في سورة النحل:« وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ»(8)
وفي سورة العنكبوت :«ُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (9)
ص: 391
الشريفة، وفيما ذكرناه كفاية إن شاء الله تعالی .
المقام الثالث : في بيان كون الشكر سببا للمزيد.
ويدل عليه مضافاً إلى الآية الشريفة الأخبار الكثيرة المتواترة :
669- منها ما في الكافي : بسند کالصحيح عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : ما فتح الله على عبد باب شكر فخزن عنه باب الزيادة .(1)
670-وفيه : باسناده عن أبي عبدالله علیه السلام قال : مكتوب في التوراة أشكر من أنعم عليك، وأنعم على من شكرك ، فإنّه لا زوال للنعماء إذا شكرت، ولا بقاء لها إذا كفرت، الشكر زيادة في النعم وأمان من الغير ). (2) (3).
671- وفيه : بإسناده عن معاوية بن وهب، عنه علیه السلام قال : من أعطي الشكر أعطي الزيادة، يقول الله عزّ وجلّ :«وَ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ » (4)
المقام الرابع : في معنى الشکر.
إعلم أن الشكر هو مقابلة الإحسان بالإحسان، والكفر هو مقابلة الإحسان بالإساءة، وهذا التعريف ممّا ألهمت بفضل الله تعالى وكرمه، وإليه يرجع جميع ما قيل في تعريف الشكر، ويرجع إليه کلّ ما ورد في الروايات من أقسامه ، ويرشد إليه الممارسة والتأمل التام في الآيات والأخبار المروية عن الأئمة الكرام، عليهم الصلاة والسلام، کالأخبار الواردة في أن المؤمن مكفر، وأن أشكر الخلق لله أشكرهم للناس (5)، وغيرها، فنسبة الشكر إلى الله تعالى حقيقة، كما أن نسبته إلى الخلق أيضاً حقيقة .
ص: 392
وهذا التعريف أسد وأخصر ممّا قيل في تعريف الشكر : أنه صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه فيما خلق لأجله،
لأن ما ذكرته يشمل شكر الخالق والخلق جميعاً، كما لا يخفى .
المقام الخامس : في بيان أقسام الشكر، وأن الدعاء شكر لنعمة وجود الإمام صلوات الله عليه ، إذا علمت أن الشكر مقابلة النعمة بالإحسان، فلا يخفى عليك أن له أفرادا كثيرة بالوجدان، وأصولها شكر الجنان، وشكر اللسان، وشكر الأركان أعني جوارح الإنسان، وسایر ما يتعلق به بکلّ عنوان.
أما الأول : فهو يحصل بعرفان النعمة، ومعرفة أنها من الله عز اسمه :
672 - كما روي في أصول الكافي : عن الصادق علیه السلام قال :
من أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه (1) فقد أدى شكرها.(2)
أقول: ومن آثار تلك المعرفة قصد تعظيم النعمة، وإظهار هذا القصد بما يترتب عليه من الآثار اللسانية، والأعمال البدنية، اللتين هما القسم الثاني والثالث من أقسام شكر النعمة،
فمن الآثار اللسانية : التحميد والثناء ، ومنها التحديث بالنعمة، ومنها الدعاء البقاء تلك النعمة، ومن الآثار البدنية : الإجتهاد في الطاعة والعبادة .
673- كما في الكافي: عن أبي جعفر علیه السلام قال : كان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عند عائشة ليلتها، فقالت : يا رسول الله، لم تتعب نفسك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال : يا عائشة ألا أكون عبدا شكوراً . (3)
674- وفيه : عن الصادق علیه السلام قال : شكر النعمة اجتناب المحارم، وتمام الشكر قول الرجل : الحمد لله ربّ العالمين .(4)
ص: 393
أقول: الظاهر من هذا الحديث أن أصل الشكر يحصل باجتناب المحارم والتحميد باللسان يكمله، والله العالم، ومن الآثار البدنية أيضاً: بذل المال في سبيل الله ، كما يدل عليه بعض الأخبار ، ومنها : سجدة الشكر.
ومنها : تعظيم النعمة، كأخذ كسرة الخبز من الأرض وأكلها، إلى غير ذلك ممّا لا يخفى على العارف السالك.
إذا عرفت ما ذكرناه ، فنقول : لما كان وجود مولانا الحجّة صلوات الله عليه من أعظم نعم الله علينا، كما أثبتنا وبيّنّا، ومعرفتنا به نعمة عظيمة أخرى، بل هي نعمة لا تقاس بها نعمة، لأنها الجزء الأخير للإيمان، الّذي يقال فيه إنّه العلة التامة، وقد بينا أن جميع النعم الظاهرة والباطنة إنما هي من فروع تلك النعمة السنية، أعني وجود الإمام، فوجب علينا الإهتمام في أداء شكر هذه النعمة أشد الاهتمام، حتّی نفوز بازدياد أنواع النعم الجسام،
لأنّ الله عزّ وجلّ وعد الإزدياد شكرا لشكر العباد، والله لا يخلف الميعاد .
وشكر هذه النعمة الكريمة الجسيمة على وجه يؤدي حقوقها العظيمة ممّا لا نقدر عليه بحكم العقول السليمة، ولكن القدر المقدور يحصل بعدة أمور:
منها : المعرفة القلبية بهذه النعمة البهية .
ومنها : ذكر فضائله، ونشر دلائله.
ومنها : بذل الصدقات لسلامته، لتصير من أهل كرامته .
ومنها : الإقبال إليه، بما يسره ویزلف لديه .
ومنها : طلب معرفته من الله المتعال، لتكون من أهل الشكر والإقبال .
ومنها : الإهتمام له بخالص الدعاء بتعجيل الفرج وكشف البلاء،
فإن هذا أحد الأقسام لشكر النعماء ، ويشهد لذلك أمور:
أحدها : أنه تعظيم له صلوات الله عليه ، كما نشاهد بالوجدان، ونرى بالعيان أن من قصد تعظيم بعض الأعيان، دعا له بشخصه، ونعته من بين الأقران، وقد
ص: 394
بيّنّا أن تعظيم النعمة أول أفراد الإحسان، وأن الشكر هو مقابلة الإحسان بالإحسان، فثبت ما ادعيناه بواضح البرهان .
الثاني : أنه يحصل بالدعاء له صلوات الله عليه كمال الإقبال إليه .
وقد مرّ آنفا في سابق المقال، أن أحد أقسام شكر النعمة هو الإقبال،
كما أن الإعراض عن النعمة من أقسام الكفران .
والدليل على ذلك من آي القرآن، قول الخالق المنّان في سورة سبأ بعد ذکر موت سليمان : «لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ *فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ *ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ » (1)
حيث عبر عن إعراضهم بالكفران، وجزاهم بالسخط والخذلان.
675 - الثالث : ما روي في بعض الكتب المعتبرة عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال :
من آتي إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتّی تعلموا [من أنفسكم] أنكم قد كافأتموه . (2)
676- وعن سیّد العابدين في رسالة الحقّوق، قال علیه السلام:
وأما حقّ ذي المعروف عليك، فأن تشکره، وتذكر معروفه ، وتكسبه المقالة الحسنّة، وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله عزّ وجلّ، فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا وعلانية، ثمّ إن قدرت على مكافأته يوما كافيته . (3)
الرابع : إنّا قد بيّنّا أن الشكر العملي يحصل باستعمال العبد کلّ واحدة من نعم الله تعالى فيما خلق هذه النعمة لأجله ، وإن لم يفعل فقد قابل الإحسان بالاساءة، وهو معنى الكفران بالنعمة، ولا ريب في أن الدعاء بتعجيل فرج .
ص: 395
مولانا صاحب الزمان من جملة ماخلق لأجله اللسان، فبه يحصل شكر نعمة اللسان، فقد اتضح ما قصدناه بأبلغ بیان، ومن الله التوفيق وهو ولي الإحسان .
والدليل على ما ذكرناه من كون هذا الدعاء ممّا خلق لأجله اللسان الأخبار الآمرة، والدعوات الصادرة له من معادن الوحي والتبيان،
فانظر في دعاء الافتتاح لتفوز بالفيض والفلاح، وفي دعاء يوم دحو الأرض وعرفة، ليكمل لك المعرفة، ودعاء يونس بن عبدالرحمان، ودعاء العمري المروي عن صاحب الزمان، والدعاء بعد صلاة الليل، وفي حال السجود والمروي في الكافي لکلّ وقت مسعود (1)، ودعاء يوم الجمعة عند الرواح، وبعد الظهر والعصر والصباح
وقنوت ظهر الجمعة المروي في جمال الأسبوع بكمال العمل المشروع (2)ودعاء ليلة نصف شعبان، ويوم الحادي والعشرين من شهر رمضان، ودعاء مولانا الإمام موسی بن جعفر بعد صلاة عصره ويوم الجمعة بعد صلاة جعفر، وقنوت مولانا الإمام الحسن العسكري علیه السلام، الّذي أمر بقراءته شیعته الكرام، إلى غير ذلك ممّا يوجب ذكره التطويل، والإشارة كافية لأهل التحصيل،
وإن أردت في ذلك التفصيل، فسنذكر في الباب السابع ما يشفي العليل ويروي الغليل، والله المستعان وهو حسبي ونعم الوكيل.
إعلم أن الحب وإن كان أمرا خفيّاً قلبياً وشيئا كامناً باطنياً، لكن له آثار ظاهرة، وفروع متكاثرة، فهو كشجرة [لها ظ] أغصان، ولکلّ غصن من الورد أفنان، فبعض آثاره يظهر في اللسان، وبعض في سائر جوارح الإنسان، فكما لا يمكن منع الشجر عن إبراز أزهاره لايمكن منع ذي الحب عن ظهور آثاره .
ص: 396
ولنعم ما قال بعض أهل الحال :
إذا هممت بكتمان الهوى نطقت ***مدامعي بالّذي أخفي من الألم
فإن أبح أفتضح من غیر منفعة*** وإن كتمت فدمعي غير منكتم
لكن إلى الله أشكو ما أكابده*** من طول وجد ودمع غير منصرم
فكما أنه كلما ازداد الشجر نموّاً، زداد إزهاره، كذلك كلما ازداد الحب قوة ازداد آثاره، فمن آثاره في العين إسبال الدموع وهجران الهجوع.
وقد قال بعض أهل الاشتياق، في آثار حال الفراق :
ولو أن عينا في الفراق بكت دما*** لرأيت في عيني دما لا يجمد
ومن قصيدة لابي العباس المبرد صدره يناسب هذا المقال :
بكيت حتّی بکی من رحمتي الطلل*** ومن بكائي بكت أعدائي إذ رحلوا
ومن آثار الحب في اللسان ذكر المحبوب في کلّ مكان وزمان، بکلّ بيان وبأي عنوان، وحسبك شاهداً في التبيان ، وناطقاً بالبرهان، قول الخالق المنّان في الحديث القدسي لموسی بن عمران : «ذكري حسن على کلّ حال»(1)
أقول: وهذا حال أهل الحال والإقبال، وقد قال الله عزّ وجلّ في أحسن الأقوال في التصريح بهذا المقال : «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ*الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ » (2).
أقول: وهذا من آثار كمال الشوق إلى محبوبهم، ومن الآثار اللسانية أيضاً ذکر فضائل المحبوب و محاسنه بکلّ نحو مطلوب، ولهذا ورد في فضل إنشاء الأسعار في مدح الأئمة الأطهار عدة من الأخبار، .
ونذكر هنا حدیثاً واحداً من تلك الأخبار، وفيه كفاية لأهل الاعتبار .
ص: 397
677- وهو ما روي في الوسائل والبحار ، عن ثامن الائمة الأبرار صلوات الله عليهم ما دام الليل والنهار، أنه قال :
ما قال فينا مؤمن شعراً يمدحنا به إلا بنى الله تعالی له مدينة في الجنّة أوسع من الدنيا سبع مرات، يزوره فيها کلّ ملك مقرّب، وکلّ نبیّ مرسل (1)
ومن الآثار اللسانية أيضاً الدعاء للمحبوب بکلّ شيء مطلوب.
وهذا من جبليات ذوي العقول، ولا ينكره إلا جهول.
ويدل على رجحان إظهار الحبّ باللسان، بل كونه من جملة الأركان، جعله ثاني أركان الإيمان، مع أن حقيقة الإيمان هو الإذعان، وهو أمر خفي في الجنان، كما دل عليه القرآن، قال الله عزّ وجلّ: « إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ» (2) وقال سبحانة : «قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ» (3)
فالإيمان في الحقّيقة ليس إلا حب الله، وحب رسوله وحب وليه، ومع ذلك لا يترتب آثار ما في الجنان إلا بإظهاره باللسان.
فتحصل من هذا البيان أن الدعاء لفرج مولانا صاحب الزمان صلوات الله علیه کاشف عن حقيقة الإيمان، وهذا واضح عند أهل الإيقان.
ويدل عليه أيضاً ما ذكرناه في فضل مدح الأئمة الأطهار علیهم السلام ، بإنشاء الأشعار، وكذا ما ورد في فضل ذكر فضائلهم للعباد، فإنّه إظهار للحب المكنون في الفؤاد.
ويدل عليه أيضاً ما ورد في فضيلة حب أمیر المؤمنین علیه السلام باللسان، فإنّه المراد به إظهار الحب القلبي باللسان، بکلّ بيان وبأي عنوان، ولا ريب في كون الدعاء بتعجیل فرج صاحب الزمان من المصادیق القطعية لهذا العنوان، وسيأتي لهذا المطلب مزيد شرح وبيان في أن من فوائده الفوز بثواب أهل الرضوان .
ص: 398
ولنعم ما قاله بعض أهل العرفان، فيما يناسب هذا العنوان :
عباراتنا شتی وحسنك واحد ***وکلّ إلى ذاك الجمال يشير
المراد أنه واحد الخلايق في جهات الحسن لا قصر جهات حسنه على جهة واحدة فافهم واغتنم هذه الفائدة . ويدل أيضاً على فضل إظهار الحب باللسان ما ورد في آداب معاشرة الإخوان :
678- ففي الكافي: في الصحيح عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال لهشام بن سالم: إذا أحببت رجلا فأخبره بذلك، فإنّه أثبت للمودة بينكما .(1)
679- وفيه : في حديث آخر صحیح باصطلاح القدماء، عن نصر بن قابوس الجليل رضي الله تعالى عنه ، قال : قال لي أبو عبدالله علیه السلام: إذا أحببت أحدا من إخوانك فأعلمه ذلك، فإن إبراهيم علیه السلام قال :
« رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي »(2) (3)
قال المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول في شرح الحديث :
وهذا ينطبق أشدّ انطباق على ما روي في العيون في تفسير الآية :
أن المراد بها ليطمئن قلبي على الخلة، فارجع إليه تفهم. (4)
أقول : المراد بالإعلام، كلما دل على حبك لاخيك من أهل الإسلام، لا خصوص إخبارك إياه بهذا المرام، ويشهد لذلك أن إبراهيم علیه السلام جعل إجابة دعوته علامة خلة الملك العلام، كما لا يخفى على ذوي الأفهام.
فالإهتمام في الدعاء بتعجیل فرج الإمام إظهار لحبك له على النحو التمام وهو يوجب شدة حبه لك من بين الأنام، بل يوجب حب آبائه الكرام،
فإن الدعاء له إظهار للحب بجميعهم علیهم السلام ، فيكون باعثا لثبات حبهم لك، بمقتضى الصحيح السابق المروي عن الصادق عليه الصلاة والسلام ولو لم يكن غير هذه المكرمة في هذا المقام لكفى في مراتب الفضل والإنعام.
ص: 399
أنه علامة الانتظار المأمور به في كثير من الأخبار،
وسيأتي في الباب الثامن ما يترتب عليه من الآثار إن شاء الله تعالی.
أنه إحياء أمر الأئمة الطاهرين علیهم السلام ، وهذا كاف في ترغيب أهل اليقين،
وما يدل من طريق المنقول، مضافاً إلى إتفاق ذوي العقول، على حسن هذا العمل المقبول، روایات عديدة عن آل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم :
680- منها ما في أصول الكافي : بسند صحيح عن خيثمة قال :
دخلت على أبي جعفر علیه السلام أودعه ، فقال : يا خيثمة، أبلغ من ترى من موالينا السلام وأوصهم بتقوى الله العظيم وأن يعود غنيهم على فقيرهم وقويهم على ضعيفهم، وأن يشهد حيهم جنازة ميتهم وأن يتلاقوا في بيوتهم، فإن لقيا (1) بعضهم بعضا حياة لامرنا، رحم الله عبدا أحيا أمرنا، يا خيثمة، أبلغ موالينا: أنا لا نغني عنهم من الله شيئا إلا بعمل، وأنهم لن ينالوا ولايتنا إلا بالورع، وأن أشد الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلا ثمّ خالفه إلى غيره .(2)
681- ومنها ما في عاشر البحار، عن مجالس الصدوق: عن الرضا علیه السلام قال : من جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب .(3)
682- ومنها ما في اللئالي: عن الصادق علیه السلام قال :
تلاقوا، وتحادثوا العلم فإن بالحديث تجلى القلوب الرائنة، وبالحديث إحياء أمرنا، فرحم الله من أحيا أمرنا . (4)
ص: 400
أنّه سبب فزع الشيطان اللعين، وتباعده عن الداعي بنحو اليقين، والدليل على ذلك من وجهين :
أحدهما : العقل، وتقريره : أنه لا ريب في أن هذا العمل الشريف عبادة نفيسة توجب كمال الإيمان - كما سيأتي إن شاء الله تعالى - والقرب إلى الله عزّ وجلّ وكلما كمل إيمان المؤمن وازداد قربه من الله عز اسمه ازداد الشيطان عنه بعداً ونفوراً، وليس ذلك إلا لميل کلّ شيء إلى ما هو من سنخه وجنسه، فكما أن الإنسان كلما كمل في مراتب العبادة والاجتهاد في الطاعة، وكسب الاخلاق الحسنة، قرب من عالم الملكوت وانكشف له ما لا ينكشف لغيره .
683- ولذلك ورد في الحديث : لولا أن الشياطين يحومون (1) على قلوب بني آدم، لنظروا إلى الملكوت (2). كذلك يبعد عن الهواجس الشيطانية، والوساوس النفسانية، والشهوات الحيوانية ويبعد عنه الشيطان المغوي، والهوى المردي، حتّی يبلغ الدرجة المذكورة .
684- في الحديث القدسي، المروي عن الصادق علیه السلام في أصول الكافي : ما تقرب إلي عبد بشيء أحب إلي ممّا افترضت عليه ، وإنّه ليتقرّب إلي بالنافلة حتّی أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به، وبصره الّذي يبصر به، ولسانه الّذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته ، الخبر . (3)
أقول: قد اختلج بالبال في توضيح هذا المقال وجهان :
الأول: أن يكون المراد: أن العبد إذا بلغتلك الدرجة العليا والمرتبة القصوى لم يكن همه إلا الله تعالى، وذهل عن ما سواه، وذكر السمع والبصر واللسان من باب المثال، يعني لا يريد شيئا إلا الله ، فهو سمعه وهو بصره ... إلخ
ص: 401
685- وهذا هو الّذي أشار إليه سیّد الساجدين ، وإمام العارفين، عليّ بن الحسين علیه السلام في المناجاة حيث يقول: فقد انقطعت إليك همّتي، وانصرفت نحوك رغبتي، فأنت لا غيرك مرادي، ولك لا لسواك سهري وسهادي ....(1)
والثاني: أن يكون المراد : أن العبد إذا كان بتلك المنزلة حصل ما أراد، ولم يحجب عنه شيء، فمعنی کون الله تعالی سمعه وبصره ويده أنّه يسمع کلّ ما يمكن أن يسمع، ويبصر کلّما يمكن أن يبصر، ويفعل کلّ مايريد، فهو يسمع ما لا يسمعه غيره، ويبصر ما لا يبصره غيره ويفعل ما لا يقدر عليه غيره، وهكذا ...
وهذا من الصفات الربّانيّة التي يعطيها الله عزّ وجلّ إيّاه حبّاً له، ولهذا قيل : إن العبد إذا أطاع الله تعالى أطاعه کلّ شيء.
ويؤيد هذا المعنى قوله عزّ وجلّ : إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته . 686-وفي الليالي حكي أن إبراهيم بن أدهم، قال : مررت براعي غنم فقلت : هل عندك شربة ماء أو من لبن؟ قال : نعم، أيهما أحب إليك؟
قال : قلت : الماء فضربّ بعصاه حجراً صلداً لا صدع فيه فانبجس الماء منه ، فإذا هو أبرد من الثلج وأحلى من العسل فبقيت متعجبا،
قال الراعي: لا تتعجب، فإن العبد إذا أطاع مولاه أطاعه کلّ شيء.
ثمّ إني بعدما ألهمت هذين الوجهين بفضل الله تعالى وإفاضته رجعت إلى شرح الأربعين للشيخ المحقق العارف البهائي (رحمه الله) وشرح أصول الكافي للعالم الربّاني المولی صالح المازندراني (2)، ومرآة العقول للعلامة المجلسي الثاني (رحمه الله). (3) فوجدت في كلام الأولين ما يرجع إلى أول الوجهين، وفي كلام الثالث ما يرجع إلى الوجه الثاني.
وقد ذكر العلّامة المجلسي (رحمه الله) وجوهاً غير ذلك، وهي أيضاً ترجع إلى أحد ذينك الوجهين عند التأمل التام، وإن تفاوتت المسالك والأفهام، ولا يخفى
ص: 402
أن هذا المقام من مزال الأقدام، والله العاصم وهو ولي الأنام،
وبما ذكرناه اتضح معنى قوله تعالى :
«إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ» (1) فإن الظاهر - والله العالم - أن هذا الكلام بيان لأمرين، ثانيهما أعلى من الأول.
أولهما: أن الصلاة لما كانت معراجاً للمؤمن، وسبابً لقرب العبد من الله عز وجلّ إذا أداها العبد على النحو الّذي أمر الله تعالی به کانت سبباً لتباعد الشيطان عن صاحبها، ولازم ذلك انتهاؤه عن الفحشاء والمنكر، كما لا يخفى على من استبصر ، ويدل على هذا روایات عديدة :
687- منها: ما في مجمع البيان، عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدة .(2)
أقول: يعني أنه لم يؤد الصلاة حقّ أدائها فلذلك لم يظهر أثرها، والله العالم
688- ومنها: ما في الوسائل، عن الرضا، عن آبائه علیهم السلام قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : لا يزال الشيطان ذعراً (3)من المؤمن ما حافظ على مواقيت الصلوات الخمس فإذا ضيعهن اجترأ عليه فأدخله في العظائم.(4)
أقول: وهكذا الحال في کلّ عبادة يأتي بها المؤمن على الوجه الّذي أمر الله تعالی به فإن اقتضاء العبادة لله عزّ وجلّ القرب منه، ولازمه تباعد الشيطان ،
وهذا ظاهر بالوجدان ومشاهد بالعيان.
ثمّ لا يخفى أنه كلما كانت العبادة في نظر الشارع أهم وأعظم كان ذلك الإقتضاء فيها أكمل وأتم مثل الصلاة، والولاية، والزكاة، وقراءة القرآن والدعاء بتعجیل فرج صاحب الزمان، وأمثالها،
وكذلك كلما كان أجمع لشرائط القبول كان أسرع وأكمل في حصول هذا
ص: 403
الأمر المعقول، وبهذا البيان ظهر سببية الدعاء بتعجیل فرج مولانا صاحب الزمان التباعد الشيطان بالدليل والبرهان.
الأمر الثاني : من الأمرين اللذين بينهما الله عزّ وجلّ في الآية الشريفة، وهو أعلى من الأول، بل هو غاية الغايات، وأعلى العنايات، وهو محض ذكر الله وذكر الله المحض، والإعراض والذهول عما في السماوات والأرض،
وهو يحصل بصرف العبد جميع آنات عمره في عبادة الله، صارفأ نظره عن کلّ ما سواه، بأن لا يذكره إلا لأنه ذكره، فهو مطلوبه لا غير من دون التفات إلى شيء آخر من شر أو خیر .
689- وهذا الّذي أشار إليه سیّد العابدین علیه السلام في مناجاته المتقدمة وفي غيرها من كلماته النافعة الجامعة، فإذا أتى العبد بصلاته تامة كاملة بحقيقتها التي ينبغي أن يؤتي بها تباعد الشيطان عنه بنحو لا يقرب منه أبدا.
ولقد ذاکرني بعض العلماء المعاصرين يوما في معنى الحديث الوارد، بأن للصلاة أربعة الآف حد. (1)
فقلت : إن عدد المعاصي أربعة آلاف على ما نقل عن بعض علمائنا فيمكن أن يكون المراد أن هذه حدود لا يتعدى عنها من أدى الصلاة بحقيقتها، يعني أن الدليل على أداء حقيقة الصلاة هو الاجتناب عن جميع تلك السيئات، فمن لم ينته عنها، لم يأت بحقيقة الصلاة، وتجاوز عن حدود الله. فاستحسن هذا الجواب، والله الهادي إلى نهج الصواب، ويشهد لهذا الوجه الّذي ذكرته بعون الله تعالی ما مرّ في الحديث النبوي صلی الله علیه وآله وسلم عن مجمع البيان.
690-وفيه أيضاً : عن ابن مسعود، عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : لا صلاة لمن لم يطع الصلاة، وطاعة الصلاة أن ينتهي عن الفحشاء والمنكر .(2)
ص: 404
قال الشيخ الطبرسي روح الله روحه: ومعنى ذلك : أن الصلاة إذا كانت ناهية عن المعاصي، فمن أقامها ثمّ لم ينته عن المعاصي لم تكن صلاته بالصفة التي وصفها الله بها، فإن تاب من بعد ذلك وترك المعاصي، فقد تبين أن صلاته كانت نافعة له وناهية، وإن لم ينته إلا بعد زمان .
691- وروى أنس : أن فتى من الأنصار كان يصلي الصلاة مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ويرتكب الفواحش، فوصف ذلك لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم
فقال : إن صلاته تنهاه يوما ما .(1)
692 - وعن جابر قال : قيل لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
إن فلانا يصلي بالنهار، ويسرق بالليل، فقال صلی الله علیه وآله وسلم : إن صلاته لتردعه . (2)
693- قال : وروى أصحابنا عن أبي عبدالله، قال:
من أحب أن يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل؟ فلينظر هل منعته صلاته عن الفحشاء والمنكر؟ فبقدر ما منعته قبلت منه، إنتهی . (3)
أقول: إنما نقلت تمام هذا الكلام لدفع ما ربّما يسبق إلى بعض الأوهام في مثل هذا المقام، حتّی لا يقول معترض لو كان الدعاء في هذا الأمر سبباً لتباعد الشيطان لم تصدر سيئة عن كثير من أفراد الإنسان، لدعائه بتعجیل فرج صاحب الزمان، لاتا نقول: إن هذا الأمر الشريف نظير الصلاة، فجميع ما ذكرناه ثمة جار هناك، والإشارة كافية لأهل الإدراك .
الوجه الثاني : من الدليل لاقتضاء هذا الدعاء تباعد الشيطان عن الداعي بتعجیل فرج صاحب الزمان، النقل، وهو :
694- ما روي في الأمالي للشيخ الصدوق : بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام، عن آبائه علیهم السلام أن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال لأصحابه : ألا أخبركم بشيء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم تباعد المشرق من المغربّ؟ قالوا: بلى،
ص: 405
قال : الصوم يسود وجهه والصدقة تكسر ظهره، والحب في الله والمؤازرة على العمل الصالح يقطعان دابره، والاستغفار يقطع وتينه(1)؛
ولکلّ شيء زكاة وزكاة الابدان الصيام .(2)
أقول: وجه دلالة هذا الحديث الشريف على المطلوب يتوقف على ذكر مقدمة وهي: أن للحب درجات و مراتب، ولکلّ مرتبة من تلك المراتب أثر وفائدة للمؤمن الراغب، فأول الدرجات هو الحب القلبي الّذي يعبر عنه في الفارسية ب (دوست داشتن).
وهذه المرتبة هي التي يتوقف عليها الإيمان، والفوز برحمة الرحمان والدخول في الجنان، فلو لم يقدر عبد على إظهار ما في قلبه من حب ربّه وأوليائه علیهم السلام لكفاه بنص القرآن : «إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ» (3)وينبعث من هذه المرتبة آثار شتی بحسب إستعدادات العبد، وهي أفراد المرتبة الثانية التي هي فرع المرتبة الأولى، ويعبر عنه في الفارسية ب-(دوستي کردن) وفي العربیّة بالتحابب والموادة، ونحوهما وقد يعبر عنه بالحب في الله.
وقد ورد في فضل التحابب والموادة أحاديث عديدة، ذكرها يوجب التطويل ولکلّ مرتبة من مراتبه آثار جميلة وفوائد جليلة،
ومن جملة تلك الآثار الشريفة ما ذكر في تلك الرواية اللطيفة، وهو تباعد الشيطان عن الإنسان، وهذا من أعظم أنواع الإحسان، من الخالق المنّان .
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المراد من الحب في الله، بقرينة قوله صلی الله علیه وآله وسلم إن أنتم فعلتموه، الظاهر في إرادة الأفعال البدنية الإنسانية هو التحابب والموادة، يعني إظهار المحبة القلبية إلى ذوي العقائد الدينية بما يصدر من الأفعال البدنية
ص: 406
ولا ريب أن أعظم أهل الإيمان وهو مولانا صاحب الزمان، أولى بإظهار الحب إليه من جميع أفراد الإنسان، فثمرة التحابب، وهو بعد الشيطان، تحصل بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان أسرع من حصوله بالموادة لغيره كائنا من كان، وهكذا الحال في الموادة له بغير الدعاء من أقسام الموادة والموالاة وكذا الموالاة والموادة للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم والأئمة الطاهرین و صلحاء المؤمنين درجات بعضها فوق بعض والله سميع عليم.
النجاة من فتن آخر الزمان والسلامة عن الورود في شبكة الشيطان
والدليل على ذلك - مضافاً إلى ما ستسمعه من كونه سبباً لكمال الإيمان وما مرّ في المكرمة السادسة من أنه سبب لتباعد الشيطان -:
696- ما رواه رئيس المحدثين في كتاب كمال الدين : عن عليّ بن عبدالله الوراق (رحمه الله) قال : حدثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري
قال : دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ علیهماالسلام وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال علیه السلام لي مبتدئاً :
يا أحمد بن إسحاق، إن الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم ولايخليها إلى أن تقوم الساعة من حجّة الله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض.
قال : فقلت له: يا بن رسول الله فمن الإمام والخليفة بعدك؟
فنهض علیه السلام مسرعاً فدخل البيت، ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كان وجهه القمر ليلة البدر من أبناء الثلاث سنين ، فقال : يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله عزّ وجلّ وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنّه سمي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وكنيه الّذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً.
يا أحمد بن إسحاق، مثله في هذه الأمة مثل الخضر علیه السلام ، ومثله مثل ذي
ص: 407
القرنين، والله ليغيبن غيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلا من ثبته الله عزّ وجلّ على القول بإمامته، ووققه فيها للدعاء بتعجیل فرجه، الخبر .(1)
وقد مرّ تمامه في الباب الرابع في حرف الغين المعجمة . (2)
وأداء حقّ ذوي الحقّوق من أعظم الأمور وأهمها عقلا و شرعا،
فالكلام يقع في مقامات : الأول: أن أداء حقّ ذوي الحقّوق من أهم الأمور بحكم العقل، وهذا واضح عند ذوي العقول.
الثاني : أنه من أهم الأمور وأفضلها بحكم الشرع ويدل عليه روايات عديدة :
697- منها : ما رواه ثقة الإسلام رحمه الله تعالى في أصول الكافي : بسند صحيح عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادق علیه السلام قال :
ما عبد الله بشيء أفضل من أداء حقّ المؤمن .(3)
698-وفي البحار : عن أمیرالمؤمنین علیه السلام أنه قال :
قضاء حقوق الإخوان أشرف أعمال المتقين . (4)
الثالث: أن له علیه السلام علينا حقوقاً عظيمة وقد مرّ في الباب الثالث منها شرذمة قليلة، فلانطيل الكلام لخروج إحصاء حقوقه عن طاقة الأنام.
699- ويدل على هذا المرام ما روي في البحار : بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إنّه ليس يقدر أحد على صفة الله وكنه قدرته وعظمته، فكما لا يقدر أحد علی کنه صفة الله وكنه قدرته وعظمته، ولله المثل الأعلى، فكذلك لا يقدر أحد على صفة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وفضلنا، وما أعطانا الله، وما أوجب من
ص: 408
حقوقنا، وكما لا يقدر أحد أن يصف فضلنا، وما أوجب من حقوقنا، فكذلك لا يقدر أحد أن يصف حقّ المؤمن، ويقوم به ... الخبر .(1) أقول:
لا يخفى أن جميع حقوق المؤمن إنما هي من شعب حقوقهم وفضلهم.
الرابع : إن الإهتمام بأداء الحقّوق يوجب الرفعة عند الله عزوجل، فمن كان جهده وسعيه في هذا الأمر أتم كان عند الله أعز وأكرم،
700- ويدل على ذلك ما روي في الاحتجاج:
عن الإمام الهمام أبي محمّد الحسن العسكري علیه السلام أنه قال : أعرف الناس بحقوق إخوانه وأشدهم قضاء لها أعظمهم عند الله شأنا، الخبر .(2)
الخامس: أن من جملة حقوق المؤمن على المؤمن الدعاء له،
ويدل على ذلك - مضافاً إلى ما مرّ في حديث ابن أبي يعفور الّذي رويناه في صدر الباب الرابع عن أبي عبداله علیه السلام .(3)
وإلى ما سيأتي في أن من المكارم قبول الأعمال» عن سیّد العابدین علیه السلام من حصول أداء حقّ واسطة النعمة بالدعاء له -:
701- ما رواه العلّامة المجلسي (رحمه الله) في البحار : عن فقه الرضا علیه السلام:
إعلم يرحمك الله، أن حقّ الإخوان واجب فرض - إلى أن قال -:
والإقبال على الله جلّ وعز بالدعاء لهم، إلخ. (4)
702- وما رواه ثقة الإسلام في أصول الكافي : عن المعلی بن خنیس، عن أبي عبدالله علیه السلام قال : قلت له : ماحقّ المسلم على المسلم؟
قال َعلیه السلام: له سبع حقوق واجبات، ما منهن حقّ إلا وهو عليه واجب،
إن ضيع منها شيئا خرج من ولاية الله وطاعته ، ولم يكن لله فيه من نصيب .
قلت له : جعلت فداك، وما هي؟
ص: 409
قال : يا معلی ، إلي عليك شفيق، أخاف أن تضيع ولاتحفظ، وتعلم ولا تعمل
قال : قلت : لا قوة إلا بالله . قال :
أيسر حقّ منها : أن تحب له ما تحب لنفسك، وتكره له ما تكره لنفسك .
والحقّ الثاني : أن تجتنب سخطه، وتتبع مرضاته، وتطيع أمره .
والحقّ الثالث : أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك .
والحقّ الرابع : أن تكون عينه ودليله ومراته .
والحقّ الخامس : أن لا تشبع ويجوع، ولاتروي ويظمأ، ولا تلبس ويعری .
والحقّ السادس : أن يكون لك خادم وليس لأخيك خادم، فواجب أن تبعث خادمك فيغسل ثيابه ، ويصنع طعامه ويمهد فراشه.
والحقّ السابع : أن تبر قسمه(1) وتجيب دعوته، وتعود مريضه(2) وتشهد جنازته وإذا علمت أن له حاجة تبادره إلى قضائها، ولا تلجئه أن يسألكها ولكن تبادره مبادرة، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايته، وولايته بولايتك .(3)
أقول: الظاهر أن المراد بالواجب في الحديث هو المعنى اللغوي، فيكون أعم من الواجب والمستحب الشرعيين
ويشهد لذلك روايات عديدة ذكرها يوجب التطويل :
قال العلّامة المجلسي (رحمه الله) في البحار : يمكن حمل الوجوب على الأعم من المعنى المصطلح والاستحباب المؤكد، إذ لا أظن أحدا قال بوجوب أكثر ما ذكر مع تضمنه للحرج العظيم، إنتهى . (4)
وقال رحمه الله تعالى في مرآة العقول : الظاهر أن هذه الحقّوق بالنسبة إلى المؤمنين الكاملين، أو الاخ الّذي واخاه في الله، وإلا فرعاية جميع ذلك بالنسبة
ص: 410
إلى جميع الشيعة حرج عظیم بل ممتنع، إلا أن يقال :
إن ذلك مقيد بالإمكان، بل السهولة بحيث لا يضر بحاله . إنتهى .(1)
إذا عرفت ما ذكرنا، فنقول: لا ريب في ثبوت هذه الحقّوق لمولانا صاحب الزمان علیه السلام على جميع أهل الإيمان على کلّ من تلك التقادير،
وهذا واضح عند العارف البصير، لأن إيمان الإمام أكمل من کلّ مسلم، وقد أطلق «الأخ الشقيق» عليه في خبر عبدالعزيز بن مسلم (2) والدعاء في حقه إطاعة لأمره، وإعانة له باللسان، وسنوضحه فيما سيأتي بأوضح بیان .
أما كونه تعظيماً، فقد أوضحناه في ذكر المكرمة الثانية،
وأما كونه تعظيما لله فهو ممّا لا يحتاج إلى بيان، لان تعظيم کلّ مؤمن المحض الإيمان، ليس إلا لتعظيم الخالق المنّان.
وأما حسن تعظيم دين الله، فمن البديهيات عند ذوي العقول، فلا نحتاج إلى ذكر خبر منقول، مع أنه قد شرع كثير من الواجبات والسنن لأجلّ هذا الأمر الحسن، کالأغسال المسنونة ، وصلاة التحية ، والطهارة لدخول المساجد، وقراءة القرآن، وغيرها ممّا لا يحتاج إلى البيان.
ويعجبني هنا نقل حكاية لطيفة، فيها موعظة شريفة ذكرها يناسب المقام ويكون تنبيها لأولي الأفهام، من کتاب «إعلام الناس بما جرى للبرامكة مع بني العباس» حکی محمّد بن يزيد المبرد، قال : كان أبو عثمان المازني جاء إليه يهودي وسأله أن يقرئه کتاب سيبويه وبذل له مائة دينار، فامتنع أبو عثمان من ذلك، فقلت له : سبحان الله، ترد مائة دينار مع فاقتك وحاجتك إلى درهم واحد؟ فقال : نعم، يا أبا العباس، إعلم أن كتاب سيبويه يشتمل على ثلاثمائة آية
ص: 411
من كتاب الله، ولم أرد أن أمكن منها كافراً، فسكت ولم يتكلم.
قال المبرد: فما مضت إلا أيام، حتّی جلس الواثق يوما للشربّ، وحضر [عنده] ندماؤه، فغنّت جارية في المجلس هذا الشعر :
أظلوم إن مصابكم رجلا***أهدى السلام تحية ظلم
فنصبت «رجلا»، فلحنها بعض الحاضرين من الندماء، وقال : الصواب الرفع لانّه خبر إن، فقالت الجارية ما حفظته من معلمي إلا هكذا، ثمّ وقع النزاع بين الجماعة فمن قائل: الصواب معه، ومن قائل: الصواب معها.
فقال الواثق : من بالعراق من أهل العربیّة ممن يرجع إليه؟
فقالوا : بالبصرة أبو عثمان المازني، وهو اليوم واحد عصره في هذا العلم.
فقال الواثق : اكتبوا إلى والينا بالبصرة يسيره إلينا معظما مبجاً ، فما كان إلا أيام حتّی وصل الكتاب إلى البصرة فأمر الوالي أبا عثمان بالتوجه، وسيره على بغال البريد، فلمّا وصل دخل على الواثق، فرفّع مجلسه، وزاد في إكرامه وعرض عليه البيت، فقال : الصواب مع الجارية، ولا يجوز في رجل غير النصب، لأن «مصاب» مصدر بمعنى الإصابة، ورجلا منصوب به
والمعنى : إن إصابتكم رجلا أهدى السلام تحية ظلم، فظلم خبر «إن» ولا يتم الكلام إلا به، ففهم الواثق كلام أبي عثمان، وعلم أن الحقّ ما قالته، وأعجب به، وانقطع الرجل الّذي أنكر على الجارية، ثمّ أمر الواثق لأبي عثمان المازني بألف دينار، وأتحفه بتحف وهدايا كثيرة لأهله، ووهبت له الجارية جملة أخرى، ثمّ سيره إلى بلده مكرماً، فلمّا وصل جاء المبرد، فقال له أبو عثمان : كيف رأيت يا أبا العباس ! تركت لله مائة ، فعوضني ألفا.
أقول: ترك المائة تعظيماً للقرآن، وتعظيم القرآن تعظيم الخالق المنّان، فافهم أيها الإنسان، واجهد في تعظيمه وتعظیم صاحب الزمان، فإنّه عدل القرآن وشريكه في کلّ عنوان .
ص: 412
فإن القرآن : حبل الله المتّين . والقائم علیه السلام : حبل الله المتّين .
القرآن : أعطاه الله النبیّ في قبال جميع ما أعطاه أهل الدنيا .
والقائم علیه السلام : كذلك.
القرآن : قال الله تعالى في حقه : «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (1) وكذلك القائم علیه السلام.
القرآن : فيه تبيان کلّ شيء. القائم علیه السلام : به تبیان کلّ شيء.
القرآن : أنزله الله ليخرجهم من الظلمات إلى النور.
القائم علیه السلام : يظهره الله ليخرجهم من الظلمات إلى النور ظاهرا وباطنا .
القرآن التام : غائب عن أهل العالم.
صاحب الزمان عجلّ الله تعالی فرجه : غائب عن أهل العالم.
بالقرآن الأصلي تبلى السرائر .
بظهور القائم عليه الصلاة والسلام تبلى السرائر.
القرآن : شفاء للمؤمنين . القائم علیه السلام : شفاء للمؤمنين .
القرآن : «وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا »(2)وطغيانا وكفراً. وكذلك القائم علیه السلام
القرآن : حجّة باقية . القائم : حجّة باقية .
القرآن : منع الله عنه مس الأيدي النجسة .
القائم عمنع الله عنه مس الأيادي النجسة .
القرآن : من أقر به أقر بجميع الكتب المنزلة، ومن لم يقر به لم ينفعه الإقرار بغيره من الكتب .
القائم ع: من أقر به أقر بجميع الأئمة، ومن لم يقر به لم ينفعه الإقرار بغيره من الأئمة.
القرآن : يشفع لقارئيه يوم القيامة . القائم علیه السلام : يشفع لتابعيه يوم القيامة .
ص: 413
وسيأتي ذكر ذلك في خاتمة الكتاب بأوضح بيان، والله المستعان وعليه التكلان .
دعاء مولانا صاحب الزمان في حقّ الداعي له بالفرج والنصر
703- ويدل على ذلك. مضافاً إلى أنه مقتضی شکر الإحسان، الّذي هو أولى به من کلّ إنسان - قوله صلوات الله عليه في حجابه المروي في مهج الدعوات بعد الدعاء لتعجيل فرجه ما لفظه :
وَاجْعَلْ مَنْ یَتْبَعُنی لِنُصرَهِ دِینِکَ مُؤَیَّدِینَ، وَفی سَبِیلِکَ مُجاهِدِینَ، وَعَلیٰ مَنْ أرادَنی وَأرادَهُم بِسُوءٍ مَنصُورِینَ....» إلخ.(1)
إذ لا ريب في أن الدعاء له وبتعجیل فرجه اتباع ونصرة له .
فإن من أقسام النصرة للإيمان ولمولانا صاحب الزمان النصرة باللسان والدعاء له من أقسام النصرة اللسانية، كما لا يخفى .
ويدل على المطلوب أيضاً:
704- ما ذكره عليّ بن إبراهيم القمي في تفسير قوله تعالى : «وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا»(2) قال : السلام وغيره من البر.(3) إذا لا يخفى أن الدعاء من أفضل أنواع البر، فإذا دعا المؤمن لمولاه علیه السلام بخالص الدعاء كافاه مولاه أيضاً بخالص الدعاء ، ودعاؤه مفتاح کلّ خير ومقلاع کلّ ضير .
705- ويشهد لذلك ويؤيده ما رواه القطب الراوندي (رحمه الله) في الخرائج قال : حدث جماعة من أهل اصفهان، منهم أبو العباس أحمد بن النصر، وأبو جعفر محمّد بن علوية، قالوا: كان بإصفهان رجل يقال له : عبدالرحمان، وكان شيعيا، قيل له : ما السبب الّذي أوجب عليك القول بإمامة عليّ النقي علیه السلام دون
ص: 414
غيره من أهل الزمان؟ قال : شاهدت ما أوجب ذلك علي، وهو أني كنت رجلا فقيراً، وكان لي لسان وجرأة، فأخرجني أهل إصفهان سنّة من السنين (فخرجت) مع قوم آخرين إلى باب المتوکلّ متظلمين، فبينا نحن بالباب إذ خرج الأمر بإحضار عليّ بن محمّد بن الرضا علیهماالسلام ، فقلت لبعض من حضر : من هذا الرجل الّذي قد أمر بإحضاره؟ فقيل : هو رجل علوي، تقول الرافضة بإمامته .
ثمّ قال : وقدرت (1) أن المتوکلّ يحضره للقتل، فقلت:
لا أبرح من هاهنا حتّی أنظر إلى هذا الرجل، أي رجل هو! قال :
فأقبل على فرس، وقد قام الناس يمنة الطريق ويسرتها صقين ينظرون إليه ، فلمّا رأيته وقع حبه في قلبي، فصرت أدعو له في نفسي بأن يدفع الله عنه شر المتوكل، فأقبل يسير بين الناس وهو ينظر إلى عرف دابّته(2)، ولا ينظر يمنة ولايسرة، وأنا أكرر في نفسي الدعاء له.
فلمّا صار بإزائي أقبل بوجهه علي، ثمّ قال : استجاب الله دعاءك، وطول عمرك، وكثّر مالك وولدك ، فارتعدت من هيبته ووقعت بين أصحابي فسألوني :
ما شأنك؟ فقلت : خيراً، ولم أخبر بذلك مخلوقاً، ثمّ انصرفنا بعد ذلك إلى إصفهان ففتح الله عليّ بدعائه و جوها من المال، حتّی أنا اليوم أغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم، سوی مالي خارج داري، ورزقت عشرة من الأولاد وقد مضى لي من العمر نيّفاً وسبعين سنة، وأنا أقول بإمامة ذلك الرجل، الّذي علم ما كان في نفسي(3) واستجاب الله دعاءه في أمري .(4)
أقول: فانظر أيها العاقل کیف کافی مولانا الهادي علیه السلام دعاء الرجل بسبب الإحسان، ذلك بأن دعا له بما عرفت مع كونه خارجاً حينئذ عن زمرة أهل الإيمان، أفترى من نفسك في حقّ مولانا صاحب الزمان، أن لا يذكرك بدعاء
ص: 415
الخير إذا دعوت له، مع كونك من أهل الإيمان؟!
ألا والّذي خلق الإنس والجان، بل هو يدعو لاهل الإيمان وإن كانوا غافلين عن هذا الشأن، لأنه ولي الإحسان، وحسبك للدليل والبرهان ما ذكرناه في الباب الرابع في حرف الدال(1)، وفيه كفاية لأهل الإقبال .
وممّا يؤيد ما ذكرناه في هذا المقام، ما ذكره بعض إخواني الصالحين الكرام، أنه رأى الإمام علیه السلام في المنام، فقال علیه السلام له : إني أدعو لکلّ مؤمن يدعو الي بعد ذکر مصائب سیّد الشهداء في مجالس العزاء .
نسأل الله التوفيق لذلك إنّه سميع الدعاء.
وتحقيق المرام في هذا المقام يستدعي ذكر أمور:
الأول : في معنى الشفاعة . الثاني : إثبات الشفاعة .
الثالث : الإشارة إلى الشفعاء يوم القيامه . الرابع : من يستحقّ الشفاعة .
الخامس: كون الدعاء بتعجیل فرج مولانا صاحب الزمان علیه السلام سبيا للفوز بشفاعته صلوات الله عليه ، فنقول و من الله التوفيق :
الأمر الأول : في معنى الشفاعة المقصودة .
وهو أن يطلب الشخص ممن فوقه خيرا لمن دونه ، وذلك الخير إما إسقاط عقاب ، أو زيادة ثواب، أو كلاهما، فإن كان الشفاعة لاهل الطاعة كان معناه طلب زيادة ثوابهم ورفع درجاتهم، وإن كان لأهل الإساءة كان معناه طلب العفو عن زلاتهم وسيئاتهم، وإسقاط عقابهم، أو إسقاط العذاب، والفوز بالمنافع جميعا وهذا الّذي ذكرناه هو الحقّ في تحقيق معنى الشفاعة .
ص: 416
وقد خالف في ذلك فرقتان: التفضيلية، والوعيدية، على ما حكي عنهما.
فقال الأولون: إنّها مختصة بدفع المضار، وإسقاط العقاب عن مستحقيه من مذنبیّ المؤمنين، وإليه ذهب جمع من علمائنا.
وقال آخرون : هي في زيادة المنافع للمطيعين، والتائبين دون العاصين .
وقال المحقق الطوسي رفع الله تعالی درجته :
الحقّ صدق الشفاعة فيهما أي لزيادة المنافع وإسقاط المضارّ، وثبوت الثاني له علیه السلام بقوله : ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتّي . إنتهى . (1)
أقول: الحقّ ثبوت الشفاعة له علیه السلام بكلا القسمين، وسيأتي تحقيق ذلك في الأمر الرابع إن شاء الله تعالی.
الأمر الثاني: في إثبات الشفاعة المصطلحة
لا ريب في جواز الشفاعة عقلا، وأما وقوعها فيدل عليه - مضافاً إلى أنه من ضروریات المذهب، بل الدين، كما صرح به المجلسي في حقّ اليقين -
الكتاب والسنّة والإجماع، وکلّ واحد منها كاف لاهل الاستماع .
فمن الآيات قوله تعالى في سورة البقرة «امَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ» (2)
وفي سورة مريم: «لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا » (3).
وفي سورة طه : «يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا » (4).
وفي سورة الأنبياء :« وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى» . (5).
وفي سورة سبأ: «وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ». (6).
وأما الأخبار : فهي في حد التواتر، .
ونحن نكتفي بذكر نبذة ممّا روي في ثالث البحار :
706- فعن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : لکلّ نبیّ دعوة قد دعا بها وقد سأل سؤلا وقد
ص: 417
أخبات دعوتي لشفاعتي لأمتّي يوم القيامة .(1)
707- وعنه صلی الله علیه وآله وسلم قال: ثلاثة يشفعون إلى الله عزّ وجلّ فيشفعون:
الأنبياء، ثمّ العلماء، ثمّ الشهداء .(2)
708. وعنه صلی الله علیه وآله وسلم قال : من لم يؤمن بحوضي، فلا أورده الله حوضي، ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي، ثمّ قال علیه السلام:
إنما شفاعتي لاهل الكبائر من أمّتي، فأما المحسنون فما عليهم من سبيل .(3)
أقول: المراد بالشفاعة في هذا الحديث هو طلب العفو عن المسيء، لا حصر الشفاعة فيه .
709- وعنه صلی الله علیه وآله وسلم قال : أنا الشفيع لأمّتي إلى ربّي . (4)
710- وعنه صلی الله علیه وآله وسلم : إذا قمت المقام المحمود تشفعت في أصحاب الكبائر من أمتّي، فيشفعني الله فيهم، والله لا تشفعت فيمن آذى ذريتي .(5)
711- وفي حديث آخر أنه دخل مولی لامرأة عليّ بن الحسين على أبي جعفر علیه السلام يقال له: أبو أيمن ، فقال : يا أبا جعفر، تغرون الناس وتقولون شفاعة محمّد، شفاعة محمّد صلی الله علیه وآله وسلم ! فغضب أبو جعفر علیه السلام حتّی تربّد وجهه(6) ثمّ قال : ويحك يا أبا أيمن، أغرك أن عف بطنك وفرجك، أما لو قد رأيت أفزاع القيامة لقد احتجت إلى شفاعة محمّد بويلك، فهل يشفع إلا لمن وجبت له النار .
ثمّ قال : ما أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلى شفاعة محمّد صلی الله علیه وآله وسلم يوم القيامة.
ص: 418
ثمّ قال أبو جعفر علیه السلام: إن لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم الشفاعة في أمته، ولنا شفاعة في شیعتنا، ولشيعتنا الشفاعة في أهاليهم.
ثمّ قال : وإن المؤمن ليشفع في مثل ربّيعة ومضر، وإن المؤمن ليشفع حتّی الخادمه ، ويقول : يا ربّ حقّ خدمتّي، كان يقيني الحر والبرد.(1)
الأمر الثالث : في ذكر بعض الشفعاء يوم القيامة
إعلم أن الشفاعة الكبرى من خصائص نبينا صلی الله علیه وآله وسلم :
712- روي في الخصال وغيره: عنه صلی الله علیه وآله وسلم قال : أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي : جعلت لي الأرض مسجدا وطهوراً، ونصرت بالرعب، وأحل لي المغنم، وأعطيت جوامع الكلم، وأعطيت الشفاعة . (2)
وشفاعة غيره من شعب شفاعته الكبرى لانتهائها إليه صلی الله علیه وآله وسلم
فمن الشفعاء : الأئمة الطاهرون، كما عرفت،
713- ويدل عليه أيضاً ما في البحار : عن أبي عبدالله علیه السلام في قول الله تعالى : «فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ »فما لنا من شافعين ولاصديق حميم (3)
قال : الشافعون: الأئمة، والصديق من المؤمنين . (4)
714- وفي قوله تعالى : « مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ»(5)
قال : نحن أولئك الشافعون.(6)
715- وعن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : الشفعاء خمسة:
القرآن، والرحم، والأمانة، ونبيكم، وأهل بیت نبيكم.(7)
716- وعن معاوية بن وهب قال : سألت أبا عبد الله علیه السلام عن قول الله تبارك
ص: 419
وتعالى : « لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا » (1)
قال : نحن والله المأذون لهم في ذلك اليوم والقائلون صوابا .
قلت : جعلت فداك ، وما تقولون؟
قال : نمجّد ربّنا ونصلي على نبينا صلی الله علیه وآله وسلم ونشفع لشيعتنا، فلا يردنا ربّنا .(2)
ومنهم : ذرية رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
717- ففي أمالي الصدوق والبحار : عن الصادق علیه السلام قال : إذا كان يوم القيامة ، جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فتغشاهم ظلمة شديدة فیضجون إلى ربّهم ويقولون : یا ربّ اكشف عنا هذه الظلمة، قال : فيقبل قوم يمشي النور بين أيديهم، قد أضاء أرض القيامة ، فيقول أهل الجمع : هؤلاء أنبياء الله؟ فيجيئهم النداء من عند الله : ما هؤلاء بأنبياء ، فيقول أهل الجمع : فهؤلاء ملائكة؟ فيجيئهم النداء من عند الله : ما هؤلاء بملائكة، فيقول أهل الجمع : هؤلاء شهداء؟ فيجيئهم النداء من عند الله : ما هؤلاء بشهداء.
فيقولون: من هم؟ فيجيئهم النداء : يا أهل الجمع سلوهم : من أنتم؟
فيقول أهل الجمع : من أنتم؟ فيقولون: نحن العلويون، نحن ذرّيّة محمّد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نحن أولاد عليّ ولي الله، نحن المخصوصون بكرامة الله، نحن الآمنون المطمئنون، فيجيئهم النداء من عند الله عزّ وجلّ:
اشفعوا في محبيكم وأهل مودتكم وشيعتكم، فيشفعون، فيشفعون.(3)
ومنهم : المؤمنون، وقد مرّ، ويأتي ما يدل عليه :
718- وفي البحار : عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : لا تستخفوا بفقراء شيعة علي وعترته من بعده، فإن الرجل منهم ليشفع لمثل ربّيعة و مضر .(4)
ص: 420
ومنهم : العلماء العاملون :
719- ففيه : عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إذا كان يوم القيامة بعث الله العالم والعابد فإذا وقفا بين يدي الله عزّ وجلّ، قيل للعابد : انطلق إلى الجنّة، وقيل للعالم : قف تشفع للناس بحسن تأديبك لهم.(1)
ومنهم : زوار قبر الحسين علیه السلام :
720- ففي خصائص الحسين وغيره : عن سيف التمار، عن أبي عبدالله علیه السلام قال : زائر الحسين مشفع يوم القيامة لمائة [ ألف] رجل : كلهم قد وجبت لهم النار . (2)
721- وفي مزار البحار : عن أبي عبدالله علیه السلام قال : ينادي مناد يوم القيامة : أين شيعة آل محمّد؟ فيقوم عنق من الناس لا يحصيهم إلا الله، فيقومون ناحية من الناس، ثمّ ينادي مناد : أين زوار قبر الحسين علیه السلام ؟
فيقوم أناس كثير ، فيقال لهم : خذوا بيد من أحببتم انطلقوا به إلى الجنّة فيأخذ الرجل من أحب حتّی أن الرجل من الناس يقول لرجل: يا فلان أما تعرّفني؟ أنا الّذي قمت لك يوم كذا وكذا، فيدخله الجنّة ، لا يدفع ولا يمنع .(3)
الأمر الرابع : في ذكر من يستحقّ الشفاعة
إعلم، رزقك الله تعالى وإيانا شفاعة الشافعين، أنه لا يستحقّ الشفاعة سوى أهل الإيمان كما قال الله تعالى :« وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى». (4)
722- ففي البرهان وغيره: عن الكاظم والرضا علیهماالسلام معناه :
لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى دینه .(5)
ويدل على ذلك أيضاً روايات عديدة مع أن ذلك ممّا لا خلاف فيه أجده بين الإمامية .
ص: 421
723- ففي البحار : عن أبي عبدالله علیه السلام: إن المؤمن ليشفع لحميمه إلا أن يكون ناصباً، ولو أن ناصباً شفع له کلّ نبیّ مرسل وملك مقرب ما شفعوا .(1)
724- وفي حديث آخر، عنه علیه السلام قال :
إن الجار يشفع لجاره، والحميم لحميمه، ولو أن الملائكة المقربين والأنبياء المرسلین شفعوا في ناصب ماشفعوا.(2)
725- وفي تفسير عليّ بن إبراهيم القمي: عن الصادق علیه السلام في قوله تعالی : «لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا » (3) قال : لا يشفع ولا يُشفَّع لهم، ولا يشفعون إلا من اتخذ عند الرحمان عهداه إلا من أذن له بولاية عليّ أمیرالمؤمنین، والأئمة علیهم السلام من بعده فهو العهد عند الله. الخبر .(4)
والأخبار فيه كثيرة.
ثمّ إنّه لا يخفى أن المؤمنين على صنفين : قوم مطيعون صالحون، وقوم مسرفون عاصون، فهل تشمل شفاعة الشافعين المحسنين والعاصين؟ أم تختص بالمحسنين أو بالعاصين؟ أقوال ، والحقّ هو القول الأول، وهو شمول الشفاعة لکلّ منهما،
أما بالنسبة إلى المحسنين، فهي توجب ازدياد الثواب وارتفاع الدرجات .
وأما بالنسبة إلى العاصين فتوجب الخلاص من العقاب، واندفاع المضرات، أو مع الفوز بالمنافع أيضاً، والدليل على ذلك بعد صدق الشفاعة على طلب زيادة الثواب ورفع العقاب عدّة روایات :
726- منها: ما رواه ثقة الإسلام في أصول الكافي، في كتاب فضل القرآن : عن أبي جعفر علیه السلام في حديث طويل، في ذکر شفاعة القرآن - إلى أن قال :
ص: 422
فينطلق به إلى ربّ العزة تبارك وتعالى، فيقول:
یا ربّ یا ربّ عبدك، وأنت أعلم به ، قد كان نصباً بي، مواظباً علي، يعادي بسبي، ويحب في ويبغض (فيَّ) فيقول الله عزّ وجلّ:
أدخلوا عبدي جنّتي واكسوه حلة من حلل الجنّة وتوجوه بتاج.
فإذا فعل به ذلك عرض على القرآن، فيقال له : هل رضيت بما صنع بوليك؟ فيقول : يا ربّ إني أستقل هذا له ، فزده مزيد الخير كله . فيقول عزّ وجلّ:
وعزتي وجلالي وعلوي وارتفاع مکاني، لأنحلن له اليوم خمسة أشياء، مع المزيد له ، ولمن كان بمنزلته ألا إنّهم شباب لا يهرمون، وأصحاء لا يسقمون وأغنياء لا يفتقرون، وفرحون لا يحزنون، وأحياء لا يموتون، ثمّ تلا هذه الآية :
ولا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى (1) الخبر ....(2)
وهو نص في وقوع الشفاعة بطلب رفع العقاب وزيادة الثواب .
727- ومنها : قوله علیه السلام في رواية أبي أيمن التي ذكرناها في الأمر الثاني(3): ما من أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلى شفاعة محمّد صلی الله علیه وآله وسلم يوم القيامة، لشموله بعمومه جميع المؤمنين حتّی المطيعين، بل الأنبياء السابقين وغيرهم من الصالحين، ومن المعلوم أن احتياجهم إلى شفاعته ليس لرفع العذاب، إذ لا مقتضى لتعذيبهم، بل هو لارتفاع الدرجات وازدياد العنايات .
728- ويعضد هذه الرواية ما روي في البحار : عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
ما من أحد من الأولين والآخرين إلا وهو يحتاج إلى شفاعة محمّد صلی الله علیه وآله وسلم يوم القيامة . (4)
729- ومنها : ما في البحار والبرهان، عن العياشي: عن عيص بن القاسم عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إن الجن والإنس يجلسون يوم القيامة في صعيد
ص: 423
واحد، فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشفاعة، فيقولون: إلى من؟ فيأتون نوحاً فيسألونه الشفاعة، فيقول: هيهات، قد رفعت حاجتي، فيقولون : إلى من؟
فقال : إلى إبراهيم، فيأتون إلى إبراهيم فيسألونه الشفاعة، فيقول: هيهات قد رفعت حاجتي، فيقولون: إلى من؟ فيقال : ائتوا موسى، فيأتونه ، فيسألونه الشفاعة، فيقول : هيهات، قد رفعت حاجتي، فيقولون : إلى من؟ فيقال: ائتوا عیسی ، فيأتونه، ويسألونه الشفاعة ، فيقول : هيهات قد رفعت حاجتي، فيقولون : إلى من؟ فيقال : ائتوا محمّداً.
فيأتونه، فيسألونه الشفاعة، فيقوم مدلاً حتّی يأتي باب الجنّة، فيأخذ بحلقة الباب ثمّ يقرعه، فيقال : من هذا؟ فيقول : أحمد فيرحبون ويفتحون الباب .
فإذا نظر إلى الجنّة خرّ ساجداً يمجد ربّه ويعظمه، فيأتيه ملك فيقول : ارفع رأسك وسل تعط ، واشفع تشفَّع ، فيقوم فيرفع رأسه فيدخل من باب الجنّة، فيخر ساجداً، ويمجد ربّه ويعظمه، فيأتيه ملك فيقول: ارفع رأسك، وسل تعط واشفع تشفَّع، فيقوم، فما يسأل شيئا إلا أعطاه [الله] إياه .(1)
قال المجلسي (رحمه الله): قوله : قد رفعت حاجتي : أي إلى غيري .
والحاصل : أنّي أيضاً أستشفع من غيري، فلا أستطيع شفاعتكم.
أقول: لا ريب أن احتياجهم إلى غيرهم ليس لأجلّ نجاتهم من العذاب ، لانّهم معصومون، لم يصدر عنهم ما يقتضيه، بل هو لأجلّ فوزهم بالدرجات العالية، التي لايصلون إليها إلا بسبب من هو أرفع منهم، أعني نبينا محمّداً، وآله المعصومين المكرمين صلی الله علیه وآله وسلم .
فإن قلت : إن هذا الحديث وما بمعناه من الأحاديث ينافي ما مرّ سابقاً من كونهم من شفعاء يوم القيامة . قلت : لا تنافي بين هذين الحديثين، إذ لا مانع من وصولهم إلى درجات و منافع ببركة من فوقهم، ووصول من دونهم في المرتبة
ص: 424
إلى درجات و منافع ببركتهم، وسقوط العقاب عنهم بشفاعتهم، كما مرّ في شفاعة الأئمة للمؤمنين، وشفاعة المؤمنين لمن دونهم من أهاليهم.
وسيأتي في كيفية شفاعة الصديقة الطاهرة علیهاالسلام لمحبيها و شیعتها، وشفاعتهم لمحبيهم، وذوي حقوقهم، ما يرفع هذا الاستبعاد، والله الهادي إلى نهج السداد
730- ومنها: ما روي في اللئالي عن أبي جعفر علیه السلام قال : إن المؤمنین المتواخيين في الله ليكون أحدهما في الجنّة فوق الآخر بدرجة، فيقول : يا ربّ إنّه أخي وصاحبي، قد كان يأمرني بطاعتك، ويثبطني عن معصيتك، ويرغّبني فيما عندك، فاجمع بيني وبينه في هذه الدرجة، فيجمع الله بينهما ... الخبر . (1)
731- ومنها: ما روي في دار السلام، عن الكافي : عن أمیرالمؤمنین علیه السلام في خبر شریف، وفيه : فأما الخليلان المؤمنان فتخالاّ حياتهما في طاعة الله تبارك وتعالى، وتبادلا عليها، وتوادّا عليها، فمات أحدهما قبل صاحبه، فأراه الله تعالى منزله في الجنّة يشفع لصاحبه فيقول : يا ربّ خليلي فلان، كان يأمرني بطاعتك ويعينني عليها، وينهاني عن معصيتك، فثبّته على ما تثبّتني عليه من الهدی حتی تریه ما أريتني، فيستجيب الله له حتّی يلتقيا عند الله عزّ وجلّ فيقول کلّ واحد لصاحبه : جزاك الله من خليل خيراً، كنت تأمرني بطاعة الله، وتنهاني عن معصيته ، الخبر .(2)
فهذه الروايات تدل على وقوع شفاعة الشافعين للصالحين من المؤمنین، طلباً لهم زيادة الثواب، كما تقع للعاصين، مضافاً إلى أن القائلين بتخصيص الشفاعة بطلب إسقاط العقاب يلزمهم القول بكونها طلبا للثواب في حق المستوجبين للعقاب أيضاً،
وبيان ذلك : أن کلّ من قال بحصول نجاة العاصين من النار بشفاعة
ص: 425
الشافعين قال بدخولهم الجنّة بسبب تلك الشفاعة، فلو كانت الشفاعة طلب إسقاط العقاب فقط لزم القول بأن من يشفع له شافع لا يدخل الجنّة ولا النار، أما عدم دخوله الجنّة فلعدم المقتضي له، وأما عدم دخوله النار فلشفاعة الشافعين.
ويمكن المناقشة بأن السبب في دخول الجنّة هو الإيمان، فإذا سقط العقاب بالشفاعة صار السبب بلا مانع، فيتحقق مقتضاه .
ويمكن الجواب عن هذه المناقشة بوجهين :
أحدهما: أن بعض الروايات صريح في أن دخول الجنّة أيضاً بالشفاعة ،
732- ففي الأمالي والبحار : عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، قال :
فأيما امرأة صلت في اليوم والليلة خمس صلوات، وصامت شهر رمضان و حجت بيت الله الحرام وزكت مالها، وأطاعت زوجها، ووالت عليّاً بعدي دخلت الجنّة بشفاعة ابنتي فاطمة، الخبر .(1)
733- وفي البحار - في حديث شفاعة فاطمة علیهاالسلام ومحبيها - فيقول الله :
يا أحبائي، ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة، أنظروا من أطعمكم الحب فاطمة، أنظروا من كساكم لحب فاطمة، أنظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة ، أنظروا من رد عنكم غيبة في حب فاطمة،
فخذوا بيده وأدخلوه الجنّة الخبر .(2)
734- وفي حديث آخر : عن أبي جعفر علیه السلام قال : إن المؤمن ليشفع لجاره وماله حسنّة، فيقول : يا ربّ جاري، كان يكف عتي الأذى، فيشفع فيه،
فيقول الله تبارك وتعالى: أنا ربّك، وأنا أحقّ من کافی عنك، فيدخله الجنّة وماله من حسنة، وإن أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنساناً .
ص: 426
فعند ذلك يقول أهل النار : «فَما لَنا مِن شافعینَ * وَلا صَديقٍ حَميم ».(1) (2)
735- وفي البحار والبرهان، عنه صلی الله علیه وآله وسلم : إذا حشر الناس يوم القيامة ناداني مناد : یا رسول الله، إن الله جلّ اسمه قد أمكنك من مجازاة محبيك، ومحبي أهل بيتك الموالين لهم فيك، والمعادين لهم فيك، فکافهم بما شئت،
فأقول : يا ربّ الجنّة، فأبوئهم منها حيث شئت،
فذلك المقام المحمود الّذي وعدت به . (3)
وثانيهما:
أن الأخبار دلت على كون الإيمان سبباً لدخول الجنّة، وكون الثواب على الإيمان، وأما كونه سبباً بلا واسطة فلا، فيمكن أن يكون المقصود منها أنه لا يدخل الجنّة من لايكون مؤمناً، وأما نفي الحاجة إلى الشفاعة فلا دليل عليه .
فتلخص من جميع ما ذكرناه تحقق الشفاعة وثبوتها بكلا القسمين وارتفع الإشكال من البين.
وقد وفقني الله تعالى لتحقيق هذا المرام، وتنقيح هذا المقام، ببركة أهل الذكر علیهم السلام ، مع خلو كلام من وقفت على كلامه من الاعلام عن التنقيح التام.
وأما من خص الشفاعة بطلب زيادة الثواب لأهل الإطاعة، فقد استدل بظواهر بعض الآيات، منها:
قوله تعالى : «و مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ» (4)والعاصي ظالم.
ومنها : قوله تعالى : « وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ».(5)
ومنها : قوله تعالى : «فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ » . (6)
والجواب عن الجميع : أن المراد بالظالمين في هذه الآيات وما شابهها
ص: 427
الكفّار والنواصب، والّذين أخروا الأئمة علیهم السلام عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها وقدموا عليهم غيرهم، والّذين ماتوا جاهلين بإمام زمانهم، وأمثال هؤلاء من الّذين يرجع أمرهم بالآخرة إلى عدم الإيمان .
والدليل على ما ذكرنا - مضافاً إلى ما مرّ وما سيجيء - أخبار كثيرة، بل متواترة، ليس هنا مقام ذکرها، مع أن ذلك مقتضى الجمع بين الأدلة أيضاً كما لايخفی.
وأما من خص الشفاعة بطلب إسقاط العقاب عن مستحقيه من مذنبي المؤمنين فقد استند إلى أمرين :
الأول : أن الشفاعة لو كانت في زيادة المنافع لا غير لكنّا شافعين في النبي حيث نطلب له من الله على الدرجات، والتالي باطل قطعاً، لأن الشافع أعلى من المشفوع فيه، فالمقدم مثله ، وهذا الوجه في الحقّيقة إبطال للقول السابق وهو تخصيص الشفاعة بطلب زيادة الثواب فقط.
ويمكن الجواب عنه بمنع الملازمة، لأنا قد ذكرنا أن معنى الشفاعة أن يطلب الشخص ممن فوقه خيرا لمن دونه، وهذا المورد قد جعل الشفاعة بمعنی مطلق طلب زيادة المنافع، وهذه مغالطة واضحة.
والحاصل أن ما نحن فيه نظير الطلب الّذي له أفراد ، منها: الأمر، ومنها السؤال، ومنها: الإلتماس، فإذا صدر الطلب عن العالي سمي أمراً، وإذا صدر عن الداني سمي سؤالا ، وإذا صدر عن المساوي سمي التماساً ، مع أنه ليس مفاد کلّ منها سوى الطلب، والتفاوت إنما هو في مراتب الطالب، فكذلك فيما نحن فيه، إذا صدر طلب المنفعة والثواب من شخص لمن دونه کان شفاعة كطلب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم زيادة المثوبات ورفع الدرجات لأمته، وإذا صدر ذلك من شخص لمن فوقه كان دعاء، كصلاة الأمة على النبیّ ودعائهم لهم.
الثاني : الأحاديث التي ادعي دلالتها على تخصيص الشفاعة بالمذنبین :
ص: 428
منها : قول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتّي.
ومنها : قوله صلی الله علیه وآله وسلم إما شفاعتي لاهل الكبائر من أمتّي، فأما المحسنون فما عليهم من سبيل. ومنها : قوله علیه السلام:
وأما شفاعتي ففي أصحاب الكبائر ، ما خلا أهل الشرك والظلم .
والجواب عن الجميع: أن الغرض في هذه الروایات بیان أظهر الفردین وأكمل الأمرين، لا حصر الشفاعة في واحد من القسمين،
ويشهد لذلك ما قدمناه من الدليل، والله يهدي من يشاء إلى سواء السبيل .
وهاهنا فوائد ينبغي التنبيه عليها :
الأولى : أن الشفاعة التي لا تشمل الكفار هي الشفاعة في الخروج من النار وأما الشفاعة في تخفيف العذاب ، فنالتفاهر من بعد الأخبار شمولها لهم :
736- ففي البحار : عن حان ، قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول :
لا تسألوهم فتكلفونا قضاء حوائجهم يوم القيامة . (1)
737- وفيه : بسند آخر، عنه علیه السلام قال : لا تسألوهم الحوائج فتكونوا لهم الوسيلة إلى رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في القيامة .(2)
أقول: ولهذا المطلب شواهد عديدة في الأخبار، مثل ما ورد من أن حب الأئمة الأطهار ينفع کلّ أحد حتّی الكفار، ونحو ذلك.
فإن قلت : إن ذلك ينافي ما نطق به بعض الآيات ، كقوله تعالی :
« لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ »(3) ونحوه.
قلت : يمكن الجمع بينهما بأحد وجهين :
أحدهما : أن يكون المراد بالتخفيف الممنوع عنهم التخفيف الزماني، بأن يرفع العذاب عنهم في بعض الأحيان. بدليل قوله تعالى في سورة المؤمن :
ص: 429
«قَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ (1) وهذا لا ينافي التخفيف عن بعضهم من حيث الكيفية .
وثانيهما : أن يخصص عدم التخفيف بمن ليس له شافع يشفع له في ذلك والله تعالى هو العالم.
738- الثانية : قد دل قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «أُعطيت خمساً لم يعطها أحد من الأنبياء» (2)
على أن الشفاعة من خصائصه، وهذا مناف بظاهره لما دل على كثرة الشفعاء يوم القيامة، ويمكن الجمع بينهما بوجوه :
الأول: أن يكون المراد بإعطاء الشفاعة إياه بخصوصه الوعد والإذن من الله عز اسمه في ذلك لنبينا صلی الله علیه وآله وسلم في دار الدنيا، دون سائر الأنبياء والشفعاء.
739- ويشهد لهذا الوجه ما في تفسير القمي في قوله تعالی :
(وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) قال : لا يشفع أحد من أنبياء الله ورسله يوم القيامة حتّی يأذن الله له إلا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فإن الله قد أذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة، والشفاعة له وللأئمة من ولده، ثمّ بعد ذلك للأنبياء علیهم السلام .(3)
الثاني: أن يكون المراد الشفاعة العامة، التي ما من أحد من الأولين والآخرين إلآ ويحتاج إلى شفاعة محمّد صلی الله علیه وآله وسلم ، كما مرّ في الحديث. (4)
وأما غيره فشفاعته لقومه وعشيرته أو طائفة مخصوصة، فشفاعته أعم الشفاعات وأتمها لاحتياج کلّ أحد من الخلق إليه، وعدم احتياجه إلى أحد سوى الخالق المتعال عز اسمه.
الثالث : أن الشفاعة لا تجوز إلا بعد صدور الإذن عن الله تعالى،
كما قال عزّ وجلّ: « مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ» (5)
ص: 430
وقال عزّ وجلّ: « مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ »(1)
وقال تعالى :« إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ» (2)، وقال تعالى :«وَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى» (3)، وقال تعالى : «لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِه »(4)، إلخ.
فيمكن أن يكون الإذن منه عزّ وجلّ لنبينا في الشفاعة بمقتضى ما مرّ في خبر عيص (5)، ويعضده أخبار عديدة، ويكون شفاعة ساير الشفعاء بإذن النبي، فجميع الشفاعات ترجع إلى شفاعته، ويكون من شعب هذه الشفاعة العظمی.
وهذا معنی اختصاصه بالشفاعة، والشفاعة الكلية والشفاعة الكبرى والغرض من إرجاع الخلائق أوّلاً إلى غيره من الأنبياء كما مرّ في خبر عيص وورد في غيره من الأخبار إظهار شأن خاتم الأنبياء صلی الله علیه وآله وسلم لجميع أهل المحشر في يوم الجزاء.
الثالثة : قد مرّ في حرف الشين المعجمة في الباب الرابع حديث نبوي صلی الله علیه وآله وسلم من طريق العامة في ذكر مناصب الأئمة، إلى أن قال صلی الله علیه وآله وسلم :
والمهديّ شفيعهم يوم القيامة، حيث لا يأذن الله إلا لمن يشاء ويرضي. (6)
وقد ذكرنا هنالك أن السر في تخصيص الشفاعة بمولانا الحجّة صلوات الله عليه أن أحدا من الشفعاء لا يشفع في منکر صاحب الأمر علیه السلام، وإن أقر بمن قبله فكأن الشفاعة شفاعته والأمر أمره .
الأمر الخامس: في كون الدعاء لمولانا صاحب الزمان وبتعجیل فرجه سبباً للفوز بشفاعته
وبيان ذلك: أنه لابد في الفوز بشفاعة الشافعين في يوم الدين من تحقق رابطة بين الشافع والمشفوع له في دار الدنيا، كخدمة له وإعانة، أو قضاء حاجة أو دعاء، أو إظهار محبة خالصة، أو إعزاز له، أو دفع أذى عنه، ونحوها .
ص: 431
كما عرفت في حديث شفاعة المؤمنين لمن يدعو لهم في أول الباب الرابع وفي حديث شفاعة المؤمن، الّذي ذكرناه في الأمر الثاني آنفا
وكذا في حديث شفاعة زائر الحسين علیه السلام. الّذي رويناه في الأمر الثالث .
ويدل على ذلك مضافاً إلى ما ذكرناه روایات كثيرة.
740- منها : ما في البحار، عن تفسير الإمام : عن أمیرالمؤمنین علیه السلام،
قال : الله رحيم بعباده، ومن رحمته أنه خلق مائة رحمة، جعل منها رحمة واحدة في الخلق كلهم، فبها يتراحم الناس، وترحم الوالدة ولدها، وتحنّن الأمهات من الحيوانات على أولادها، فإذا كان يوم القيامة أضاف هذه الرحمة الواحدة إلى تسع وتسعين رحمة، فيرحم بها أمة محمّد صلی الله علیه وآله وسلم ثمّ يشفعهم فيمن يحبون له الشفاعة من أهل الملة، حتّی أن الواحد ليجيء إلى مؤمن الشيعة فيقول : اشفع لي، فيقول : وأي حقّ لك على، فيقول : سقيتك يوما ماءاً فيذكر ذلك، فيشفع له، فيشفع فيه، ويجيئه آخر فيقول : إن لي عليك حقاً فاشفع لي فيقول : وما حقك علي، فيقول : استظللت بظل جداري ساعة في يوم حار فيشفع له، فيشفع فيه، ولا يزال يشفع حتّی يشفع في جيرانه، وخلطائه و معارفه ، فإن المؤمن أكرم على الله ممّا تظنون .(1)
741- وفي البحار أيضاً : عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إن المؤمن منكم يوم القيامة ليمرّ به الرجل له المعرفة به في الدنيا وقد أمر به إلى النار، والملك ينطلق به قال : فيقول له: يا فلان، أغثني، فقد كنت أصنع إليك المعروف في الدنيا وأسعفك في الحاجة تطلبها متى، فهل عندك اليوم مكافاة؟
فيقول المؤمن للملك الموکّل به : خلّ سبيله. قال : فيسمع الله قول المؤمن، فيأمر الملك أن يجيز قول المؤمن، فيخلي سبيله .(2)
ص: 432
أقول: إذا كان هذا حال المؤمن في الشفاعة لمن كان بينه وبينه رابطة جزئية، فلا ريب في أن مولانا صاحب الزمان علیه السلام يشفع لمن يداوم على الدعاء له، ولا يتركه معذباً يوم القيامة، لأن الدعاء من الروابط العظيمة، والحبال المتينة، فهو قضاء لحاجته، ودلیل محبته، وموجب لمسرّته، وهو مع ذلك من أقسام نصرته وأنواع خدمته، إلى غير ذلك من العناوين الصادقة عليه ممّا هو وسيلة إليه . (1)
الفوز بشفاعة خير البشر وصاحب الشفاعة الكبرى في المحشر
ويدل على ذلك - مضافاً إلى جميع ما مرّ، بأن التوسل إلى الإمام الثاني عشر توسل إلى النبیّ المطهر -:
742- ما رواه رئيس المحدثين في الخصال : بإسناده عن مولانا الرضا علیه السلام قال : حدثني أبي، عن آبائه، عن عليّ علیه السلام، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
أربعة أنا الشفيع لهم يوم القيامة ولو آتوني بذنوب أهل الأرض :
معين أهل بيتي، والقاضي لهم حوائجهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه، والدافع عنهم بيده . (2)
743- وروى العلّامة الحلي (رحمه الله) عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم مرسلا أنه قال :
أنا شافع يوم القيامة لأربعة أصناف، ولو جاءوا بذنوب [أهل] الدنيا : رجل یعزّ ذرّيّتي، ورجل بذل ماله لذرّيّتي عند الضيق، ورجل أحب ذرّيّتي باللسان والقلب ، ورجل سعي في حوائج ذرّيّتي إذا طردوا وشُرّدوا .(3)
ص: 433
744- وفي ثالث البحار : بإسناده عن الرضا، عن آبائه ، عن أمیرالمؤمنین علیهم السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة :
المكرم لذرّيّتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عند ما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه عندما اضطروا).(1)
أقول: لا يخفى صدق ثلاثة من هذه العناوين على الدعاء بتعجيل فرج مولانا صاحب الامر(عج)، لأنه نوع من النصر، ومحبة لسانية، وقضاء الحاجة ،
كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالی.
745- وممّا يدل على المقصود: ما عن العلّامة(رحمه الله) في وصاياه لولده ، قال :
قال الصادق علیه السلام: إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أيها الخلائق أنصتوا، فإن محمّدا صلی الله علیه وآله وسلم يكلمكم، فينصت الخلائق، فيقوم النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فيقول : يا معشر الخلائق من كانت له عندي يد أو منّة أو معروف فليقم حتّی أكافيه فيقولون : بآبائنا وأمهاتنا أي يد أو أي منّة! وأي معروف لنا! بل اليد والمنة والمعروف لله ولرسوله صلی الله علیه وآله وسلم على جميع الخلائق، فيقول صلی الله علیه وآله وسلم : بلی من آوى أحداً من أهل بيتي، أو برهم، أو كساهم من عرى، أو شبع جائعهم، فليقم حتّی أكافيه.
فيقوم أناس قد فعلوا ذلك ، فيأتي النداء من عند الله : يا محمّد ، یا حبيبي، قد جعلت مكافاتهم إليك، فأسكنهم من الجنّة حيث شئت، قال : فأسكنهم في الوسيلة حيث لا يحجبون عن محمّد وأهل بيته صلوات الله عليهم [أجمعين].(2)
أقول: لا ريب في أن الدعاء بالخير من أقسام البر، فيستحقّ الداعي بذلك شفاعة سیّد البشر في يوم المحشر، واعلم أن هذا الحديث أيضاً ممّا يدل على ثبوت الشفاعة في زيادة الثواب ، كماثبتت في رفع العقاب، فتعقل.
746- ويدلّ على المقصود أيضاً ما رواه الصدوق (رحمه الله) في أماليه : بإسناده عن الباقر علیه السلام عن آبائه، عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال :
ص: 434
من أراد التوسل إلي، وأن يكون له عندي يد، اشفع له بها يوم القيامة فليصل أهل بيتي، ويدخل السرور عليهم .(1)
أقول: لا ريب في سرور أهل البيت علیهم السلام جميعا بالدعاء في تعجيل فرج صاحب الزمان علیه السلام و ظهوره، بل يمكن أن يكون من أفراد الصلة لهم صلوات الله عليهم أيضاً، فتدبر .
وقد أمر الله تعالی بابتغاء الوسيلة إليه في قوله:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » (2)
وجعل الفلاح والنجاة موقوفا على هذه الأمور الثلاثة، وهي مجتمعة في الدعاء لمولانا صاحب الزمان عجلّ الله تعالی فرجه، لأن أول مراتب التقوى هو الإيمان، ولا ريب أن الدعاء له وبتعجيل فرجه علامة للإيمان، وسبب لكمال الإيمان، كما مرّ ويأتي إن شاء الله تعالى(3)، وهو من أقسام المجاهدة باللسان ووسيلة إلى الخالق المنّان، وتقريره من وجهين : أحدهما: أن معنى الوسيلة كما في مجمع البيان : الوصلة والقربة(4) ولا شبهة في كون هذا الدعاء وصلة إلى الله تعالى، وقربة إليه، كسائر العبادات التي يتقرب بها إليه، غير أن هذا من أعظم الوسائل قربة، وأقربها وسيلة، وأرفعها شأنا، وأجلها مقداراً، كما يتبين في هذا الكتاب بعون الملك الوهاب، وهو الهادي إلى نهج الصواب .
الوجه الثاني : أن المراد بالوسيلة في خصوص الآية الشريفة هو الإمام، لما ذكره عليّ بن إبراهيم القمي (رحمه الله) في تفسيره في قوله تعالى :
(وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) ، قال : فقال : تقربوا إليه بالإمام .(5)
ص: 435
والظاهر استناده إلى الرواية عن الإمام في تعيين هذا المرام .
747- وفي البرهان : عن أمیرالمؤمنین علیه السلام أنه قال في قوله تعالی :
(وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) أنا وسيلته . (1)
748- وفي مرآة الأنوار، عن كتاب الواحدة : عن طارق بن شهاب، قال :
قال عليّ علیه السلام في حديث له : إن الأئمة من آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم الوسيلة إلى الله والوصلة إلى عفوه، الخبر .(2)
749- وفيه أيضاً، من کتاب ریاض الجنان : عن جابر ، عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال - في حديث له، ذكر فيه فضله وفضل الائمة - : نحن الوسيلة إلى الله .(3) .
750- وفي بعض الزيارات : وجعلتهم الوسيلة إلى رضوانك . (4)
751- وفي دعاء الندبة : وجعلتهم الذرائع(5) إليك والوسيلة إلى رضوانك .(6)
752- وفي دعاء سیّد العابدين علیه السلام في يوم عرفة :
وجعلتهم الوسيلة إليك، والمسلك إلى جنّتك ....(7)
فتحصل من جميع ذلك أن المراد بالوسيلة هو الإمام، فابتغاء الوسيلة إلى الله هو تحصيل ما يكون سببا لرضاه، وقربة إلى جنابه ، وحيث أن الله عز اسمه جعل لکلّ قوم هادياً ولکلّ أمة إماماً، كما قال عز اسمه : (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)فجعله هادیاً، ووسيلة لهم إليه، فاللازم على کلّ قوم أن يعرفوا هاديهم، ووسيلتهم، ويبتغوا إليه الوسيلة بما يرضيه عنهم، ويطلب منهم، إذ لا يجدي التقرب بأحد منهم مع الجهل بولي الأمر والإمام في کلّ عصر .
753- ولذلك قال في الحديث المعروف، المتلقی بالقبول بين الفريقين : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية (8)
ص: 436
فحال الجاهل بإمام زمانه حال الجاهل بجميع الأئمة .
ويدل على ما ذكرناه الأخبار المتواترة :
754۔ منها : ما في مرآة الأنوار وغيره : بالإسناد عن الصادق علیه السلام قال : خرج الحسين علیه السلام على أصحابه ، فقال : أيها الناس، إن الله عزّ وجلّ ما خلق العباد إلا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه (1)استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه .
فقال له رجل: يا بن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بأبي أنت وأُمّي، فما معرفة الله؟
قال علیه السلام: معرفة أهل کلّ زمان (2) إمامهم الّذي يجب عليهم طاعته .(3)
ثمّ حکی صاحب الكتاب عن شيخه العلّامة المجلسي، أنه قال في البحار : إنما فسر معرفة الله بمعرفة الإمام، لبيان أن معرفة الله لا تحصل إلا من جهة الإمام، أو لاشتراط الانتفاع بمعرفته تعالى بمعرفته علیه السلام، إنتهی .
إذا تقرر ما ذكرنا، فنقول: لا ريب أن الدعاء بتعجيل الفرج لمولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه من أعظم الوسائل التي جعلها الله تعالى وسيلة إليه ، لانه ليس وسيلة إليه فقط، بل هو وسيلة إلى جميع الأئمة بل جميع الأنبياء والأوصياء، الّذين هم الوسائل الربّانية، وذو الأبوة الروحانية، وهو سبب السرورهم ورضاهم، وطلب لما هو مقصدهم ومناهم، ومع ذلك كله، إطاعة الأولي الأمر، الّذين أمر الله تعالى بإطاعتهم في قوله : «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »(4)، لما مرّ من أمره علیه السلام بالإكثار من الدعاء بتعجیل فرجه إلى غير ذلك من الوجوه الكثيرة، الدالة على كون هذا الدعاء من أعظم الوسائل، وأهم المسائل .
ص: 437
755- ويشهد لما ذكرناه ويؤيده ما روي في البرهان وغيره: عن مولانا أبي جعفر الباقر علیه السلام ، في قوله تعالى في سورة الجمعة :
«فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ » (1)
قال : يعني بالصلاة بيعة أمیرالمؤمنین علیه السلام، وبالأرض : الأوصياء، أمر الله بطاعتهم وولايتهم كما أمر بطاعة الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وطاعة أمیرالمؤمنین علیه السلام، کنّی الله في ذلك عن أسمائهم فسماهم بالأرض، وفي قوله : (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) قال : هكذا نزلت: وابتغوا فضل الله على الأوصياء الخبر . (2)
أقول: إنما شبهوا بالأرض لوجوه:
منها : أن الله تعالى شأنه قد جعل الأرض سكنا وقرارا للخلائق، فبذلك يعيشون، ويسكنون، ويدرجون، ويستريحون، وقد تقدم في الباب الثالث والرابع أن سكون الأرض وقرارها بوجود الإمام (3)، فسكون جميع ما في الأرض واستراحته ليس إلا بسبب وجوده صلوات الله عليه .
ومنها : أن الأرض واسطة في وصول البركات السماوية إلى أهل العالم .
قال عزّ وجلّ:« وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ » (4)
والإمام أيضاً واسطة في وصول البركة الإلهية إلى أهل العالم كما مر.(5)
ومنها : أن الله تعالى قد أخرج من الأرض أنواعاً من النعم، والفواكه والثمرات والعشب، والكلأ، وغيرها، بحسب حاجة الخلق لكي ينتفع كل واحد منهم من بني آدم وغيرهم من الحيوانات والحشرات بما يصلحه ويناسبه قال تعالى : «ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا*فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا*وَعِنَبًا وَقَضْبًا *وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا *وَحَدَائِقَ غُلْبًا*وَفَاكِهَةً وَأَبًّا *مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ». (6)
ص: 438
وقد أخرج من وجود الإمام أنواعاً من العلوم والأحكام بحسب حوائج الخلق ومصالحهم، كي لا يحتاجوا إلى غيره، إلى غير ذلك من الوجوه التي تظهر بالتدبر إن شاء الله تعالی،
وقد اختلجت هذه الوجوه عجالة بالبال، والله الموفق في کلّ حال .
توضیح: قال الشيخ الطبرسي (رحمه الله) في مجمع البيان :
القضب: هو القتّ الرطب، يقضب مرة بعد أخرى، يكون علفا للدواب عن ابن عباس والحسن. والأب: المرعى من الحشيش وسائر النبات، الّذي ترعاه الأنعام والدواب (إنتهى).(1)
وفي القاموس : القضب: کلّ شجرة طالت وبسطت أغصانها .
والأب: الكلا أو المرعي، أو ما أنبتت الأرض والخضر. إنتهی .
يعني أن الداعي إذا جعل دعاءه لنفسه مقرونا بالدعاء لمولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه يصير دعاؤه لمولاه سبباً وواسطة في استجابة ما يدعو به لنفسه .
ويدل على ذلك وجوه عقلية ونقلية :
الأول: أنه لا شك ولا شبهة في تحقق إجابة دعاء العبد لمولانا صاحب الزمان لوجود المقتضي وعدم المانع، وكلاهما واضحان، والتأخير في الإجابة لا يدل على نفي الإجابة، كما لا يخفى، فإذا جعل الشخص أول دعائه وآخره الصاحب الأمر علیه السلام بتعجيل فرجه، وتسهيل مخرجه، كان مقتضی کرم أكرم الأكرمين أن يستجيب ما بينهما أيضاً، وقد قرر سبحانه ذلك بين عباده،
فإن من اشترى أمتعة مختلفة بصفقة واحدة، وكان بعضها معيباً، يجب عليه إما أن يقبل الجميع أو يرد الجميع، ولا يجوز أن يرد المعيب فقط
ص: 439
الوجه الثاني: أن جملة من الذنوب والسيئات ما نعة عن إجابة الدعوات فإذا قرن الإنسان دعاءه بالدعاء لمولانا صاحب الزمان غفرت له تلك الذنوب الموانع، فيصير دعاؤه بلا مانع، فيستجيب له المنّان الواسع، وسيأتي في المكرمة الثامنة عشرة (1)اقتضاء الدعاء له علیه السلام غفران الذنوب إن شاء الله تعالی.
الوجه الثالث: قد ذكرنا سابقا أن من فوائد الدعاء له علیه السلام دعاءه في حق الداعي، ولا ريب أن دعاءه بكفاية مهم الداعي يقتضي استجابة ما يسأله من الله جلّ شأنه، كما لايخفی.
756- الوجه الرابع : ما روي في أصول الكافي - في فضل الصلاة على محمّد وآله - مرسلا عن الصادق علیه السلام قال : من كانت له إلى الله حاجة فليبدأ بالصلاة على محمّد وآله، ثمّ يسأل حاجته، ثمّ يختم بالصلاة على محمّد وآل محمّد، فإن الله عزّ وجلّ أكرم من أن يقبل الطرفين، ويدع الوسط،
إذ كانت الصلوات على محمّد وآل محمّد لا تحجب عنه .(2)
أقول: وجه دلالته على المطلوب، أن عموم التعليل يقتضي استجابة كل دعاء يقع بين دعائين مستجابين، لاته تعالى أكرم من أن يستجيب الطرفین ویرد ما وقع في البين.
وقد ذكرنا في الوجه الأول :
أن دعاء المؤمن في فرج مولاه علیه السلام و طلب نصرته، مستجاب لا محالة ، فهذا الدليل النقلي شاهد لما ذكرناه من الوجه العقلي.
الوجه الخامس: ما سيأتي من دعاء الملائكة للداعي في حقّ مؤمن غائب بأضعاف ماسال له، ولا ريب في إستجابة دعاء الملائكة لخلوه عن الموانع فيقتضي دعاؤهم استجابة دعائه في حقّ نفسه .
ص: 440
757- الوجه السادس: ما روي في أصول الكافي : بسند معتبر عن أبي عبدالله علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
إذا دعا أحدكم فليعم (1)، فإنّه أوجب للدعاء .(2)
أقول: قوله صلی الله علیه وآله وسلم : فإنّه أوجب للدعاء ، يعني أن الدعاء للعموم أثبت وألزم الدعاء الداعي في حقه، من أن يدعو لنفسه فقط خالياً عن الدعاء للمؤمنين فحاصله سببية ذلك الدعاء العام لإجابة الدعاء، ونيل المرام.
ووجه دلالة هذا الكلام على ما هو المقصود في هذا المقام : أن العموم في الدعاء يتصور على وجهين: أحدهما: أن يشرك الداعي جميع المؤمنين والمؤمنات في دعائه ، بأن يدخل نفسه فيهم، فيدعو له ولهم جميعا، كأن يقول :
اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، واقض حوائج المؤمنين والمؤمنات ،
أو يقول: اللهمّ اغفر لنا، واقض حاجاتنا، مریدا بذلك نفسه و سایر المؤمنين والمؤمنات .
وثانيهما : أن يكون دعاؤه دعاء يشمل نفعه جميع المؤمنين والمؤمنات، وإن لم يصرح بهم، كالدعاء بطلب الأمنية، ونزول البركات السماوية، وخروج البركات الأرضية، ودفع البلاء، ونحوها ممّا يعم نفعه جميعهم، وهذا أيضاً تعميم في الدعاء، والدعاء الفرج مولانا صاحب الزمان علیه السلام من هذا القبيل، فيكون من مصادیق هذا الدليل، وتترتب عليه الفائدة المذكورة، وهي على العارفين غير مستورة، وإن تجمد أحد لقصوره، وأنكر ما ذكرناه مع ظهوره، وأنکر کون هذا القسم تعميما في الدعاء، قلنا (ممّاشاة ومسالمة للخصماء):
إذا قصد الداعي، أو صرح بأن غرضه من هذا الدعاء انتفاع جميع المؤمنين والسعداء، فلا ريب في كونه دعاء للعموم، وبذلك يفحم(3) المتعنت الخصوم
ص: 441
وأما كون الدعاء لظهور مولانا صاحب الزمان علیه صلوات الملك المنّان ممّا ينتفع به جميع أهل الإيمان، فلا يحتاج إلى مزيد بيان، بعد ما ذكرناه في الباب الرابع بأحسن تبیان، إذ بظهوره فرج کلّ مؤمن، وفرح کلّ موقن، وظهور کلّ عدل، وخمود کل جهل، وانكشاف العلوم، واندفاع الغموم، وارتفاع العاهات، وانتشار البركات، وغلبة المؤمنین، وهلاك الظالمين، وأمن البلاد وسلامة العباد، واجتماع الاحباب، وغيرها ممّا بيناه في مطاوي هذا الكتاب والله تعالى هو الهادي إلى نهج الصواب.
وأما قوله صلی الله علیه وآله وسلم : إذا دعا أحدكم فليعم، فهو يحتمل أموراً:
أحدها : أن يكون المقصود أن المؤمن إذا دعا فليجعل دعاءه هذا عامّاً للمؤمنين، وليدخل نفسه في جملتهم، فإذا فعل ذلك، بأن دعا دعاء شاملا عامّاً لجميعهم، كان ذلك أوجب، أي أثبت، يعني يكون هذا الدعاء أسرع إجابة وأشد نفوذاً من دعائه لنفسه فقط، فهذا الوجه يقتضي کون التعميم سبباً لسرعة إجابة هذا الدعاء .
وحاصله أنك لو قلت : اللهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات كان أوجب لمغفرتك من قولك : اللهمّ اغفر لي، وإذا قلت : اللهمّ عجلّ فرج مولانا صاحب الزمان، كان أوجب لفرجك من أن تقول: اللهمّ اجعل لي من أمري فرجا .
لان الدعاء لفرجه علیه السلام دعاء للفرج لجميع المؤمنين والمؤمنات، فتدبر .
الأمر الثاني: أن يكون من باب المشارفة، ويكون المقصود أنك إذا أردت الدعاء لنفسك في أمر من الأمور فابدأ بالدعاء للعموم، فإنّه أوجب لدعائك يعني أن دعاءك للعموم يصير سببا لاستجابة دعائك، وثبوت مرادك ، وحصول مرامك فيكون هذا الكلام من قبيل قوله تعالى : (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)(1) وقوله : (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) (2)ونحوهما.
ص: 442
وحاصل هذا الوجه أن معنى قوله صلی الله علیه وآله وسلم : «إذا دعا أحدكم فليعم» أنه إذا أراد أحدكم الدعاء لنفسه فليبدأ بدعاء عام للمؤمنين ، ثمّ يدعو لنفسه فإن ذلك أوجب الدعائه لنفسه وأثبت له، لأن في تقديم الدعاء لاهل الإيمان تأثير تاما في إستجابة دعاء الإنسان :
758- كما ورد في عدة روایات : عن الصادق علیه السلام قال : من قدم أربعين رجلا من إخوانه فدعا لهم، ثمّ دعا لنفسه، أستجيب له فيهم وفي نفسه .(1)
الأمر الثالث: أن يكون المراد مطلق المقارنة العرفية، يعني أنك إذا دعوت في کلّ زمان لنفسك، فادع بدعاء عام لإخوانك، سواء كان قبل دعائك لنفسك أم بعده، أو دعاء عامّاً له ولهم، وهذا النوع من الاستعمال كثير في اللغة العربيّة والمحاورات العرفيّة، كما لا يخفى على العارف البصير، ولا ينبئك مثل خبير .
759- الوجه السابع : ما رواه ثقة الإسلام الكليني (رحمه الله) أيضاً، في أصول الكافي : عن محمّد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي ابن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمرّ، عن جابر بن یزید الجعفي، عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تبارك وتعالى :
«وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ »(2) قال علیه السلام:
هو المؤمن، يدعو لاخيه بظهر الغيب ، فيقول له الملك : آمين، ويقول الله العزيز الجبار : ولك مثلا ماسألت، وقد أعطيت ما سألت بحبك إياه . (3)
أقول: السند صحيح عندنا، وحكم العلّامة المجلسي في مرآة العقول بضعفه، والظاهر أنه لمكان عمرو بن شمرّ، لانه قد صرح بتوثيق جميع رواة هذا الخبر في وجيزته إلا عمرو بن شمرّ ، فقال : ضعيف . (4)
ص: 443
والأقرب عندي تبعا للعالم المحقق النوريّ (رحمه الله) في مستدرك الوسائل کونه ثقة، لرواية جماعة من الأجلاء عنه(1) ولإمارات أخر، ذكرها لا يناسب وضع هذا المختصر، ولعدم ثبوت ما رمي به من الغلو، فراجع وتدبر .
وكيف كان، فدلالته على المطلوب واضحة لقوله: ولك مثل ما سألت، فإنّه ظاهر في إجابة ماسال لاخيه في حقّ الداعي مع الزيادة .
وقوله : وقد أعطيت ما سألت بحبك إياه، يدل على إجابة ما سأل لنفسه ببركة دعائه في حقّ أخيه الغائب،
ويحتمل بعيداً أن تكون لفظة: «أعطيت» بصيغة المتكلم المبني للفاعل، يعني أعطيت ما سألت لأخيك الغائب، والله العالم.
فيا أيها الطالب، الراغب في نيل المطالب، هل تعرف مؤمنا أكمل إيمانا وأتم يقينا، وأشد اجتهاداً، وأقرب إلى الله حبّاً، وأعظم عند الله شأناً، وأرفع جاها من مولاك صاحب الزمان علیه السلام،
فأكثر الدعاء لمولاك حتّی يستجيب الله ببركته دعاك .
الوجه الثامن: أنه قد تقدم ويأتي أن من فوائد الدعاء لظهوره وتعجیل فرجه كمال الإيمان وقوة اليقين، والنجاة من وساوس المشككين والمضلين، وذلك من الأسباب المقتضية لإجابة الدعاء، كما أن ضعف اليقين والشك في أصول الدين مانع عن الإجابة ، فإذا كان العبد مواظباً في الدعاء لمولاه علیه السلام قوي يقينه وكمل إيمانه، وإذا قوي يقينه، وكمل إيمانه رزقه الله تعالى الإجابة .
760- ويدل على ذلك ما رواه ثقة الإسلام الكليني (رحمه الله) في الموثّق كالصحيح: عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما علیهماالسلام (2) قال :
قلت : إنا لنرى الرجل له عبادة واجتهاد وخشوع، ولا يقول بالحقّ، فهل ينفعه ذلك شيئا؟
ص: 444
فقال علیه السلام: يا محمّد إنما(1) مثل أهل البيت مثل أهل بيت كانوا في بني إسرائيل، كان لا يجتهد أحد منهم أربعين ليلة إلا دعا فأجيب، وإن رجلا منهم اجتهد أربعين ليلة، ثمّ دعا فلم يستجب له، فأتی عیسی بن مریم «على نبينا وآله وعليه السلام» يشكو إليه ما هو فيه ويسأله الدعاء.
قال علیه السلام: فتطهر عيسى علیه السلام وصلى، ثمّ دعا الله عزّ وجلّ فأوحى الله عزوجل إليه : يا عيسى، إن عبدي أتاني من غير الباب الّذي أوتي منه، إنّه دعاني وفي قلبه شك منك، فلو دعاني حتّی ينقطع عنقه، وتنتثر(2) أنامله ما استجبت له
قال : فالتفت إليه عيسى علیه السلام فقال : تدعو ربّك وأنت في شك من نبيه؟
فقال : يا روح الله وكلمته ، قد كان والله ماقلت، فادع الله أن يذهب به عنّي
قال : فدعا له عیسی علیه السلام فتاب الله عليه ، و قبل منه ، وصار في حد أهل بيته . (3)
الوجه التاسع : ما ذكره المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول في سر حجب الدعاء بدون الصلاة على محمّد وآله، قال: إن المقصود من إيجاد الثقلين وسائر الموجودات، والقابل من فيوض الفائضة، من بدو الإيجاد إلى ما لا يتناهی من الأزمنة والأوقات، هو رسول الله وأهل بيته عليهم أفضل الصلوات،
فلهم الشفاعة الكبرى في هذه النشأة، والنشأة الأخرى، وبواسطتهم تفيض الرحمات على جميع الورى، إذ لا بخل في المبدأ، وإنما النقص من القابل، وهم القابلون لجميع الفيوض القدسية والرحمات الإلهية، فإذا أفيض عليهم فبتفضلهم يفيض على سائر الموجودات.
فإذا أراد الداعي استجلاب رحمة من الله سبحانه يصلي عليهم، ولايرد هذا الدعاء لان المبدأ فياض، والمحل قابل، وببركتهم يفيض على الداعي، بل على جميع الخلق، كما إذا جاء أعرابي، أو كردي غير مستأهل لشيء من الإكرام إلى باب سلطان، نافذ حكمه في الأنام، فأمر له ببسط الموائد، واختصه بأنواع
ص: 445
العوائد نسبه العقلاء إلى قلة العقل، وسخافة الرأي، بخلاف ما إذا أمر بذلك الاحد من مقربي حضرته، وأمراء جنده ، أو لرسول أحد من سلاطین عصره فحضر هذا الاعرابي أو الكردي تلك المائدة فأکلّ منها، يكون مستحسنّاً، بل لو منع منها يكون مستقبحاً بظاهر النظر، إنتهى كلامه رفع مقامه .(1)
أقول: لا يخفى أن هذا الوجه يجري في الدعاء لمولانا صاحب الزمان عجلّ الله تعالی فرجه حرفأ بحرف، وهذا واضح بأدنی نظر لمن تبصّر واعتبر .
الوجه العاشر : ما ذكره هذا الفاضل العلام في ذاك المقام أيضاً، فقال :
إنّهم صلوات الله عليهم وسائط بيننا وبين ربّنا تقدس وتعالى في إيصال الحكم والأحكام منه إلينا، لعدم ارتباطنا بساحة جبروته ، وبعدنا عن حريم ملكوته فلابد أن يكون بيننا وبين ربّنا سفراء وحجب، ذوو جهات قدسية، وحالات بشرية، يكون لهم بالجهات الأول ارتباط بالجناب الأعلى، يأخذون عنه ويكون لهم بالجهات الثانية مناسبة للخلق، يلقون إليهم ما أخذوا من ربّهم.
ولذا جعل الله سفراء وأنبياءه ظاهراً من نوع البشر، وباطناً مباينين عنهم في أطوارهم، وأخلاقهم، ونفوسهم، وقابلياتهم، فهم مقدسون روحانیون قائلون : « إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ»(2) لئلا ينفر عنهم أمتهم، وليقبلوا منهم، ويأنسوا بهم فكذلك في إفاضته یائر الفيوض والكمالات، هم وسائط بين ربّهم وبين سائر الموجودات، فکلّ فيض وجود يبتدئ بهم. ثمّ ينقسم على سائر الخلق فالصلوات عليهم استجلاب للرحمة من معدنها، وللفيوض إلى مقسمها لتنقسم على سائر البرايا، بحسب استعداداتها و قابلیتها، إنتهى كلامه قدس سره .
أقول: وهذا الوجه أيضاً يجري في المقام، كما لا يخفى على ذوي الأفهام فهذه الوجوه عشرة كاملة، يقتضي كون الإجابة للداعي شاملة بسبب دعائه المولاه القائم عليه الصلاة والسلام الدائم، والله الموفق وهو العاصم.
ص: 446
ويدل على ذلك قول الله عزّ وجلّ في سورة حمعسق :
« قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى » (1)
وإثبات هذا المرام يتوقف على ذكر مقدمات مرتبطة بالمقام :
الأولى : أن طلب النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم شيئا أمر، ولو كان بلفظ السؤال .
الثانية : أن طلبه يقتضي الوجوب بإطلاقه، إلا أن يدل دليل على خلافه .
الثالثة : أن للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حقّ النبوة على الأمة، فيجب عليهم أداء حقه بقدر استطاعتهم.
الرابعة : أن الله تعالى جعل أجر نبوّته الراجع إلى العباد المودّة في القربی بحكم الآيات والروايات عن أهل بيت العصمة .
الخامسة : في بيان معنى القربى وأنه ذرية النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم غيرهم، ورد أقوال العامة.
السادسة : في بيان معنى المودة وأقسامها.
أما المقدمة الأولى : فاعلم أن الأمر على ما هو الحقّ عند أهل التحقيق هو طلب العالي من الداني إيجاد فعل، سواء كان بلفظ «أمرت» أم صيغة «إفعل» أم غيرها، كأن يكون بلفظه السؤال لبعض المصالح، والحكم بمقتضى الحال، أم كان بغير لفظ كالإشارة، والكتابة، ونحوهما،
والدليل على ما ذكرناه هو التبادر، ألا ترى أنه لو صدر طلب من شخص جليل بأي لفظ، قيل : أمر فلان بكذا، ولو قال شخص داني : إنّي آمر بكذا نسبه العقلاء إلى السفاهة والخرافة وذلك لاختصاص الأمر وضعا بالعالي کاختصاص الدعاء والسؤال وضعاً بالداني، واختصاص الإلتماس بالمتساوي، وتتبع موارد
ص: 447
الاستعمال يشهد لذلك في جميع الأحوال.
وأما قوله تعالى حكاية عن فرعون إذ قال لقومه : «فَمَاذَا تَأْمُرُونَ» (1) حيث نسب إليهم الأمر مع كونه عالياً بالنسبة إليهم، ففيه وجهان على سبيل منع الخلو: أحدهما: أن يكون المفعول محذوفاً أي : فماذا تأمرون العساكر وثانيهما: تنزيلهم - أي المخاطبين بهذا الخطاب - منزلة العالين مجازا لبعض المناسبات، والله العالم.
فظهر بهذه المقدمة أن الطلب الصادر من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أمر بأي لفظ صدر ولو بلفظ السؤال كما في تلك الآية الشريفة، بأن يكون التعبير عن الأمر بلفظ السؤال إما تواضعاً وهضماً لنفسه الشريفة، التي هي مصدر الكلمات الظاهرية والباطنية :
761- كما قال صلی الله علیه وآله وسلم في النبوي المعروف : بعثت لأتمم مکارم الأخلاق . (2)
وإما تنزيلا للمخاطبين منزلة العالين رفقاً بهم وتلطفاً، ليضيئوا إلى أمره صلوات الله عليه ، هذا إذا قلنا باستفادة وجوب المودة عن قوله تعالی :
(لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)
فإن معناه أن مطلوبي الراجع إلى منکم منحصر في ذلك .
ويمكن استفادة الوجوب من خصوص خطاب الله عزّوجلّ لنبيه صلی الله علیه وآله وسلم بقوله : «قُل لا اَسالُكُم» (إلخ) الظاهر في وجوب مطالبته هذا الحقّ منهم عليه صلی الله علیه وآله وسلم ولو لم يكن أداء هذا الحقّ واجبا عليهم لما أوجب مطالبته منهم عليه كما لا يخفى .
المقدّمة الثانية : قد حققنا في علم أصول الفقه، أن الأمر ظاهر بإطلاقه في الطلب الحتمي، بمعنى أن نفس الأمر حقيقة في الطلب، وبعبارة أخرى ليس مفاد الأمر إلا الطلب، والطلب المطلق الخالي عن القرائن الحالية أو المقالية الداخلية أو الخارجية، منصرف في العرف إلى الطلب الحتمي، ظاهر فيه .
وآية ذلك أنا نرى في الأوامرّ الصادرة من الموالي إلى العبيد ومن يحذو
ص: 448
حذوهم، أن المخاطبين بها لا يتأملون في حتمية تلك الأوامرّ عليهم ، بل ينبعثون وينهضون بجبلتهم إلى إيجاد ما أمروا به من دون تأمل في أن ذلك الطلب هل هو حتمي أم لا؟
ونرى أيضاً بالعيان أنهم لولم يفعلوا ذلك أو تأملوا فيه وقعوا في معرض الذم واللوم والعتاب، وليس ذلك إلا لما ذكرناه من ظهور الطلب المطلق عند أهل العرف في الطلب الحتمي وانصرافة إلى ذلك، من دون حاجة إلى نصب قرينة وجعل علامة، بل إرادة خلاف ذلك يحتاج إلى قرينة حالية أو مقالية، أو دلالة دلیل خارج على ذلك، ولهذا الوجه تحمل الأوامر الواردة في الشرع على الإيجاب إذا لم تكن قرينة على الاستحباب من دون تأمل وارتياب .
نعم إذا ورد أمر بشيء، كان علينا الفحص والتفتيش عن القرائن في سائر الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار، إذ كثيرا ما يكون فيها قرائن و شواهد لبعضها الأخر، فإن بعضها يكشف عن بعض، وليس ذلك للتأمل في ظهور الطلب المطلق في الإيجاب بل هو لتكثر القرائن والشواهد لخبر وارد في باب في سائر الأبواب، كما أن الأصوليين حكموا بوجوب الفحص عن المخصص قبل العمل بالعام لكثرة ورود المخصصات في کلّ مقام، لا للتأمل في ظهور العام، كما لا يخفى على أولي الأفهام، فإن وجدنا شاهدا لكون هذا الأمر أمرا ندبية كان هو الباعث على صرف اللفظ عما هو ظاهر فيه، وإن لم نجد ذلك، لم يكن لنا محيص عن الإلتزام بالإيجاب ، والله الهادي إلى نهج الصواب .
وبهذه المقدمة ظهر أن الطلب الصادر عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم في هذا الباب بأمر الخالق الوهاب طلب حتمي بغير ارتياب، كما لا يخفى على أولي الألباب،
وتشهد له الأحاديث المروية عن الأئمة الأطياب ،
حيث أنهم استشهدوا بتلك الآية في إثبات الإيجاب :
762- ففي تفسير البرهان وغاية المرام : عن الحسن بن عليّ المجتبی علیه السلام
ص: 449
في خطبة له قال : وأنا من أهل بيت افترض الله مودتهم على کلّ مسلم، حيث يقول :«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» . (1)
763- وفي الكتابين أيضاً: بإسناده عن الصادق، عن آبائه علیهم السلام : لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : أيها الناس، إن الله تبارك وتعالى قد فرض لي عليكم فرضا فهل أنتم مؤدوه؟ قال : فلم يجبه أحد منهم، فانصرف.
فلمّا كان من الغد، قام فيهم، فقال مثل ذلك، ثمّ قام عنهم، ثمّ قال ذلك في اليوم الثالث، فلم يتكلم أحد، فقال : أيها الناس، إنّه ليس من ذهب ولا فضة، ولا مطعم ولامشربّ، قالوا: فألقه إذا، قال : إن الله تبارك وتعالى أنزل علي: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى» قالوا: أما هذه فنعم.
فقال أبو عبدالله علیه السلام: فوالله ما وفي بها إلا سبعة نفر: سلمان، وأبو ذر وعمّار، والمقداد بن الأسود الكندي، وجابر بن عبدالله الأنصاري، ومولی الرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يقال له الثبيت (2) وزيد بن أرقم . (3)
هذا ويأتي في المقدمات الآتية مايدل على المقصود إن شاء الله تعالی.
المقدمة الثالثة: أن للنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم حقّ النبوة على الأمة، فيجب عليهم أداء حقه بقدر استطاعتهم، فمن لم يؤد فقد ظلم،
وهذا المطلب غني عن البيان، لانه من الوضوح بأرفع مكان، ضرورة اتفاق ذوي العقول على وجوب أداء حقّ ذي الحقّ بفطرة عقولهم، ولا ريب أيضاً في أن أعظم الناس حقاً هو الرسول صلی الله علیه وآله وسلم ، الباعث على فكاك رقابهم من النار ، كما
ص: 450
لايخفى على أهل الاعتبار، فيجب أن يكون اهتمامهم في أداء حقه آكد من غيره
ونكتفي في هذا المقام بذكر خبر شریف مروي في غاية المرام من طریق العامة : .
864- أن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال لعليّ علیه السلام: أخرج فناد: ألا من ظلم أجيرا أجرته فعليه لعنة الله، ألا من تولی غیر مواليه فعليه لعنة الله، ألا من سب أبويه فعليه لعنة الله، فنادى بذلك.
فدخل عمر وجماعة على النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وقالوا: هل من تفسير لما نادی؟
قال: نعم، إن الله يقول : (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) فمن ظلمنا فعليه لعنة الله، ويقول: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ومن کنت مولاه فعليّ مولاه، فمن والى غيره وغير ذريته، فعليه لعنة الله، ووأنا اشهد الله أشهدكم أنا وعليّ أبوا المؤمنين فمن سب أحدنا فعليه لعنة الله.
فلمّا خرجوا، قال عمر: يا أصحاب محمّد صلی الله علیه وآله وسلم ما أكد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لعلي بغدیر خم ولا غيره أشد من تأكيده في يومنا هذا، قال خباب بن الأرت:
كان ذلك قبل وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بتسعة عشر يوما. (1)
المقدمة الرابعة : أن الله تعالى جعل أجر نبوته الراجع إلى العباد المودة في القربی، بمقتضى الآية والروايات،
765- فمنها: ما في أمالي الصدوق - وسنده صحيح -:
بإسناده عن الرضا علیه السلام في حديث طويل، ذكر فيه آیات الاصطفاء، وأنها اثنتا عشرة، إلى أن قال : السادسة :
قول الله جلّ جلاله : (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(2)
وهذه خصوصية للنبیّ يوم القيامة، وخصوصية للآل دون غيرهم، وذلك أن الله حكى في ذكر نوح علیه السلام في كتابه : (يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا
ص: 451
عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ)(1)
وحكى عزّ وجلّ عن هود علیه السلام أنه قال: «يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ»(2) وقال عزّ وجلّ لنبية صلی الله علیه وآله وسلم : (قُلْ - یا محمّد - لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) ولم يفرض الله مودتهم إلا وقد علم أنهم لا يرتدون عن الدين أبدا، ولا يرجعون إلى ضلال أبدا.
وأخرى : أن يكون الرجل وادّاً للرجل، فيكون بعض أهل بيته عدوّاً له، فلا يسلم قلب الرجل له، فأحب الله عزّ وجلّ أن لا يكون في قلب رسول الله على المؤمنين شيء، ففرض عليهم مودة ذوي القربی ، فمن أخذ بها وأحب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأحب أهل بيته لم يستطع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن يبغضه، ومن تركها ولم يأخذ بها وأبغض أهل بيته فعلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أن يبغضه، لأنه قد ترك فريضة من فرائض الله، فأي فضيلة وأي شرف يتقدم هذا أو يدانيه؟
فأنزل الله هذه الآية على نبيه صلی الله علیه وآله وسلم :(قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) فقام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في أصحابه ، فحمد الله وأثنى عليه، وقال :
أيها الناس إن الله قد فرض عليكم فرضا فهل أنتم مؤدوه؟ فلم يجبه أحد.
فقال : أيها الناس، إنّه ليس بذهب ولا فضة، ولا مأكول ولا مشروب،
فقالوا: هات إذا، فتلا عليهم هذه الآية ، فقالوا: أما هذا فنعم، فما وفي بها أكثرهم، وما بعث الله عزّ وجلّ نبيا إلا أوحى إليه: أن لا يسأل قومه أجرة، لان الله عزّ وجلّ يوقي أجر الأنبياء، ومحمّد صلی الله علیه وآله وسلم فرض الله عزّ وجلّ مودة قرابته على أمته، وأمره أن يجعل أمره فيهم لیوادوه في قرابته بمعرفة فضلهم الّذي أوجب الله عزّ وجلّ لهم، فإن المودة إنما تكون على قدر معرفة الفضل.
فلمّا أوجب الله ذلك ، ثقل لثقل وجوب الطاعة، فتمسك بها قوم أخذ الله میثاقهم على الوفاء، وعاند أهل الشقاق والنفاق، والحدوا في ذلك، فصرفوه
ص: 452
عن حده الّذي حده الله، فقالوا: القرابة هم العرب كلها وأهل دعوته،
فعلى أي الحالتين كان، فقد علمنا أن المودة هي للقرابة، فأقربهم من النبي أولاهم بالمودة كلما قربت القرابة كانت المودة على قدرها.
وما أنصفوا نبیّ الله في حيطته (1)ورأفته، وما من الله به على أمته ممّا يعجز الألسن عن وصف الشكر عليه، أن لا يودوه في قرابته وذريته وأهل بيته، وأن لا يجعلوهم منهم كمنزلة العين من الرأس، حفظا لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وحبّاً لبنيه ،
فكيف! والقرآن ينطق به، ويدعو إليه، والأخبار ثابتة بأنهم أهل المودة، والّذين فرض الله مودتهم، ووعد الجزاء عليها، أنه ما وفي أحد بهذه المودة مؤمناً مخلصاً إلا استوجب الجنّة لقول الله عزّ وجلّ في هذه الآية :
( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ* ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) مفسر ومبينا ، الخبر .(2)
وبهذا الخبر الشريف ينفتح من العلم أبواب ، فتأمل فيه كي تهتدي إلى الصواب، وبهذه المقدمة تبين أن المودة في القربى أجر النبوة،
فيجب أداء ذلك الأجر على جميع الأمة.
المقدمة الخامسة : في بيان المراد من القربی، المخصوصين بتلك الخصيصة العظمى، ونكتفي في هذا المقام بذکر جملة ممّا روي في غاية المرام، من طرق العامة ليكون آكد في الحجّة، وأبلغ في الإعذار :
766- فعن فضائل أحمد بن حنبل: بإسناده عن ابن عباس، قال :
لمّا نزل: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)
قالوا: يا رسول الله، من قرابتك الّذين وجبت علينا مودتهم؟
ص: 453
قال صلی الله علیه وآله وسلم : عليّ وفاطمة وابناهما .(1)وعن تفسير الثعلبي، مثله .
767- وعن صحيح البخاري، عن سعيد بن جبير : قربی آل محمّد.
ومثله عن صحیح مسلم، وكذا الجمع بين الصحاح الستة . (2)
768- وعن الحمويني: بإسناده عن ابن عباس قال : لما نزلت :
(قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال : يا رسول الله من هؤلاء الّذين يأمرنا الله بمودتهم؟ قال : عليّ وفاطمة وولدهما .(3)
ومثله عن أبي نعيم إلا أن فيه قال : عليّ وفاطمة وأولادهما . (4)
وقد تحصل من هذه المقدمة أن القربی هم ذرية النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم
وقد ورد في بعض روایاتنا ذلك أيضاً. (5)
وفي بعضها أن المراد بالقربي : الأئمة علیهم السلام . (6)
ويمكن الجمع بينهما بوجهين : أحدهما: أن ذكر الأئمة من باب ذکر المصداق الكامل كما ورد نظيره في كثير من التفاسير .
والثاني : أن يكون المراد من المودة الواجبة للأئمة علیهم السلام هو المعرفة بهم وتولاهم، بمعنی جعلهم أولياء له دون غيرهم، كما يظهر ذلك من الحديث المروي عن مولانا الرضا علیه السلام في المقدمة الرابعة.
وكيفما كان، فلا ريب في أن أقرب ذوي القربى وأكملهم في زماننا ليس سوی مولانا صاحب الزمان عجلّ الله تعالی فرجه، فيجب على کلّ أحد موذّته صلوات الله عليه ، ويجب أن تكون مودته أشد وأكثر من غيره من ذوي القربى لما تقدّم
ص: 454
ذكره في كلام مولانا الرضا عليه الآف التحية والثناء .
المقدمة السادسة : في بيان معنى المودة وأقسامها
فنقول: المراد من المودة والمحبة القلبية، بما لها من الآثار الظاهرية التي هي الكواشف عن المحبة الكامنة في القلب.
ولهذا فسر المودة في تفسير القمي بتلك الآثار التي هي لوازمها حقيقة قال : أجر النبوة أن لا تؤذوهم، ولاتقطعوهم ولاتغصبوهم، وتصلوهم، ولا تنقضوا العهد فيهم إلى آخر ما قال. (1)
ولا ريب أن من آثار المودة القلبية المودة اللسانية، ولها أقسام ، فمنها :
الدعاء للمحبوب بکلّ أمر مطلوب، فإنّه من معظم الآثار الظاهرة كما نرى بالعيان في سلوك الآباء بالنسبة إلى أولادهم، فإن محبتهم القلبية تجبلهم على الدعاء بالخير ، وهذا مشاهد بالعيان، فلا يحتاج إلى إقامة دليل وبرهان .
والحاصل من هذه المقدمات: أن المودة في القربى أجر الرسالة، وأعظم ذوي القربى وأقربهم هو مولانا الحجّة، والدعاء له من جمله أقسام المودة،
فبه يؤدى أجر النبوة في الجملة، وحيث أن أداء أجر النبوة واجب على جميع الأمة كما قدمنا فيجب عليهم المودة لمولانا الحجّة بما تيسر عليهم من الآثار . وما ذكرناه كاف لأولي الأبصار .
ويدل عليهما روايات كثيرة:
769۔ منها: ما في الكافي : بسند صحيح عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
دعاء المرء لأخيه بظهر الغيب بدر الرزق، ويدفع المكروه . (2)
ص: 455
770- ومنها : ما في الوسائل : مسنداً عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر علیه السلام في حديث، قال : عليك بالدعاء لإخوانك بظهر الغيب، فإنّه يهيل(1)الرزق.
يقولها ثلاثا. (2)
771- وفيه أيضاً: مسنداً عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إن دعاء الأخ المؤمن لاخيه بظهر الغيب مستجاب ، ويدر الرزق، ويدفع المكروه .(3)
772- وفيه : بإسناده عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
الدعاء لاخيك بظهر الغيب يسوق إلى الداعي الرزق، ويصرف عنه البلاء، ويقول الملك : ولك مثل ذلك .(4)
أقول: هذه الأحاديث تدل على حصول هاتين الفائدتين بالدعاء لکلّ مؤمن. غائب، أفتعرف - أيها العاقل - مؤمنا أكمل إيمانا من مولاك صاحب الزمان الّذي معرفته علة تامة لحصول الإيمان؟ فبادر بالدعاء له في کلّ آن.
773- ويدل على ذلك - مضافاً إلى أنه مقتضی شفاعة خاتم النبيين وخاتم الوصيين - ما في تفسير الإمام علیه السلام: عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال :
والّذي بعثني بالحقّ نبيا إن رجلا من شيعتنا يكون له ذنوب وخطايا أعظم من جبال أحد ومن الأرض والسماء كلها بأضعاف كثيرة، فما هو إلا أن يتوب ويجدد على نفسه ولايتنا أهل البيت إلا كان قد ضربّ بذنوبه الأرض أشد من ضربّة عمّار هذه الصخرة بالأرض، الخبر .(5)
أقول: الظاهر أن تجديد الولاية هو إظهار ما يدل على التزام الإنسان بولاية
ص: 456
الأئمة الطاهرين علیهم السلام وانقياده لهم، ورکونه إليهم، ولا ريب أن ذلك يحصل بالدعاء لفرج مولانا صاحب الزمان، وطلب ظهوره من الخالق المنّان،
لانّه کاشف عن الإنتظار لفرجهم، وعلامة للإلتزام بولايتهم،
وإلا فأصل الاعتقاد القلبي غني عن التجديد، وإن كان قابلا للمزيد .
وما ذكرناه واضح لمن ألقى السمع وهو شهيد.
وقد وردت هذه المكرمة بالخصوص في حديث منصوص، لدعاء مخصوص رواه المجلسي في صلاة البحار، نقلا عن كتاب الاختيار للسیّد علي ابن حسین بن عبدالباقي : عن الصادق علیه السلام أنه قال : من قرأ بعد کلّ فريضة هذا الدعاء فإنّه يرى الإمام م ح م د بن الحسن عليه وعلى آبائه السلام في اليقظة أو في المنام : «بسم الله الرحمن الرحيم، اللهمّ بلغ - إلى آخر الدعاء (1)وسنذكره في الباب الآتي إن شاء الله تعالى، وهو مشتمل على الدعاء لفرجه علیه السلام.
774- وفيه ، عن جنّة الأمان : عن الصادق علیه السلام أيضاً أنه قال :
من قال بعد صلاة الفجر وبعد صلاة الظهر : «اللهمّ صل على محمّد وآل محمّد وعجلّ فرجهم» لم يمت حتّی يدرك القائم من آل محمّد علیهم السلام . (2)
775- وروى الشيخ الجليل الحسن بن الفضل الطبرسي، رحمه الله تعالی في مكارم الأخلاق مرسلا : أن من دعا بهذا الدعاء عقيب کلّ فريضه وواظب على ذلك عاش حتّی يمل الحياة، ويتشرف بلقاء صاخب الامرّ عجلّ الله فرجه وهو« اللهمّ صل على محمّد وآل محمّد، اللهمّ إن رسولك الصادق المصدق
ص: 457
...» إلى آخر الدعاء (1) وهو أيضاً دعاء في فرج مولانا الحجّة صلوات الله عليه
وسنذكره بعدة طرق وروایات، عن معادن العلوم والعنايات في الباب الآتي، في ذكر مايتأكد فيه الدعاء له من الأوقات إن شاء الله تعالی.
تنبيه فيه تشويق : إعلم أني كنت أواظب على هذا الدعاء منذ أول زمان التكليف، وقد وقع لي الفوز في المنام بلقائه الشريف، ثلاث مرات إلى الآن بحيث حصل الجزم بأنه مولاي صاحب الزمان علیه السلام:
فمنها : أني رأيت ليلة في المنام أنه دخل داري التي أنا فيها ساكن الآن ومعه نبیّ من أنبياء بني إسرائيل، فدخل في حجرتي التي تكون تجاه القبلة وأمرني بذکر مصائب مولانا الشهيد أبي عبدالله الحسین علیه السلام ، فأطعت أمره المطاع، وهو جالس مواجها لي بحال الإستماع، فلمّا فرغت، قرأت زيارة مولانا أبي عبدالله الحسين علیه السلام متوجها إلى سمت کربّلاء، ثمّ زيارة مولانا أبي الحسن الرضا علیه السلام متوجها سمت طوس على النحو المأنوس، ثمّ زيارة مولانا الحجّة عجلّ الله تعالی فرجه متوجهاً إليه صلوات الله عليه ،
فلمّا فرغت وأراد الإنصراف، أعطاني هذا النبیّ الّذي كان معه وجها لا أدري مبلغه عن قبله، وغابا عتي صلوات الله عليهما.
ثمّ لما كان اليوم الثاني من تلك الليلة التي كانت أحسن من وقت الصباح، وأضوأ من ضحى الوضاح، لقيت بعض العلماء الراشدين كثر الله تعالى أمثالهم فأعطاني وجها طيبا كأنه كان غيثاً صيباً، فقلت : « هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا» (2)وأظهر لي صحة رؤياي لازداد شوقا.
هذا وقد أفيض إلي من البركات الباطنة والعلوم الكاملة الكامنة والمعارف الإيمانية والألطاف الربّانية بعد هذا المنام ما يتعسر بيانه بلسان الأقلام.
ص: 458
وقد قدّمنا في ذكر سبب تأليف هذا الكتاب ما يكون عبرة لأولي الألباب(1)
وذكرنا في مقام آخر ما يكون تبصرة لمن استبصر .
ما يكون غاية أمل المؤمنين المشتاقين، وهو الرجوع إلى الدنيا في زمان ظهوره وانتشار نوره، إن تأخر هذا الأمر العظيم عن هذه الأزمان ولم نفز في زمان حياتنا بمشاهدة ظهور صاحب الزمان عجلّ الله تعالی فرجه .
776- ويدل على ذلك : ما رواه العالم العامل، والفقيه الكامل، المولى أحمد الأردبيلي (رحمه الله) في كتاب حديقة الشيعة عن مولانا الصادق عليه الصلاة والسلام ومضمونه : أنه ما من مؤمن يتمنى خدمته، ويدعو لتعجيل فرجه، إلا أتاه آت على قبره، وناداه باسمه: يا فلان، قد ظهر مولاك صاحب الزمان،
فإن شئت فقم واذهب إلى حضرة الإمام، وإن شئت فنم إلى يوم القيام .
قال : فيرجع إلى الدنيا خلق كثيرون ويولد لهم من نسلهم بنون.(2)
أقول: قد كان هذا الحديث في كتاب الحديقة مترجماً بالفارسية فنقلت عباراته إلى اللغة العربیّة، وقد ورد هذا الفضل بالخصوص (3)في حديث منصوص لدعاء العهد بالخصوص.
777- ففي البحار، والأنوار، والمقباس، وزاد المعاد، وغيرها من مؤلفات العلماء الأمجاد: روي عن الصادق علیه السلام بحذف الإسناد، وعبارة الأنوار النعمانية هكذا: أنه قال : من دعا بهذا الدعاء أربعين صباحا كان من أنصار القائم علیه السلام، وإن مات قبل ظهوره علیه السلام أحياه الله تعالى حتّی يجاهد معه، ويكتب له بعدد کلّ كلمة منه ألف حسنّة، ويمحى عنه ألفت سيئة، وهو هذا: «بسم الله الرحمن الرحيم، اللهمّ ربّ النور العظيم ، والكرسي الرفيع » إلى آخر الدعاء .
ص: 459
وسنذكره في الباب الآتي إن شاء الله تعالى، وهو دعاء شريف، مشتمل على الدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه .
وفي هذه الجملة كفاية لما دللنا إليه .
أن الداعي لذلك الأمر العليّ يصير من إخوان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم
778- ويدل على ذلك، ما في بصائر الدرجات : بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ذات يوم، وعنده جماعة من أصحابه :
«اللهمّ لقني إخواني» مرتين .
فقال من حوله من أصحابه : أما نحن إخوانك يا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ؟
فقال : لا إنكم أصحابي، وإخواني قوم في آخر الزمان، آمنوا بي ولم يروني، قد عرّفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم، وأرحام أمهاتهم، لأحدهم أشد بقية على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء، أو كالقابض على جمرّ الغضا، أولئك مصابيح الدجی، پنجيهم الله من کلّ فتنة غبراء مظلمة.
وروى المجلسي في ثالث عشر البحار مثله . (1)
779- وفيه: - في حديث آخر - عن عوف بن مالك قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ذات يوم : يا ليتني قد لقيت إخواني، فقال له أبو بكر وعمر: أولسنا إخوانك، آمنا بك، وهاجرنا معك؟ قال صلی الله علیه وآله وسلم : قد آمنتم وهاجرتم، ويا ليتني قد لقيت إخواني، فأعادا القول، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أنتم أصحابي، ولكن إخواني الّذين يأتون من بعدكم يؤمنون بي، ويحبوني وينصروني، ويصدقوني وما رأوني، فياليتني قد لقيت إخواني .(2)
ص: 460
واعلم أن الكلام هنا في أمرين:
الأول: في وجه دلالة الحديثين على المطلوب، وبيان ذلك بنحو مرغوب فنقول: إنّه صلی الله علیه وآله وسلم قد فرع إخاءهم في الحديث الأول على كمال الإيمان، كما هو واضح لا يحتاج إلى بيان، وقد ذكرنا: أن الدعاء لمولانا صاحب الزمان علامة كمال الإيمان، وسبب كماله في الإنسان زيادة على ما قد كان،
فيصير الداعي من مصادیق ذاك العنوان، فثبت ما أردناه بواضح البرهان .
وأما الحديث الثاني، فقد وصف فيه الإخوان بصفات قد امتازوا بها عن سائر أهل الإيمان، وهي المحبة والنصرة والإيمان، من دون أن يروه بالعيان، ولا ريب في أن جميعها مجتمعة في الدعاء الفرج صاحب الزمان،
فإنّه نصرة للنبي، ومحبة إليه ، وإيمان به، وتصديق لما دل عليه ، وهذا كله من الواضحات عند ذوي العقول، وله شواهد كثيرة من طريق المنقول.
الأمر الثاني: في بيان معنى الأخوة المذكورة بحسب ما استفدناه من الروايات المأثورة، فنقول: إنّه يحتمل أموراً:
أحدها : أن يكون المراد الصداقة الواقعية، التي لا زمها حب الصديق الصديقه، والنصرة له في کلّ أموره، في غيبته وحضوره،
فيكون الاخ بمعنى الصديق، وهو أحد معانيه، كما ذكر في القاموس، وهذا الإستعمال في العرف واللغة شائع مأنوس
780- ويشهد له في هذ المقام ما روي في البحار، عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (رحمه الله): بإسناده عن معاوية بن وهب، عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه ، يتولى وليه، ويتبرأ من عدوه، ويتولى الأئمة الهادية من قبله، أولئك رفقائي، وذوو ودي و مودتي، وأكرم أمتّي علي.(1)
ص: 461
الثاني : أن يكون المراد منه الأخوة الإيمانية الثابتة بين أهل الإيمان، فإن الإخاء لا يحصل إلا باشتراك الأخوين في جهة جامعة، ونسبة واقعة، تكون لكل منهما بالنسبة إلى الآخر، ولا ريب أن ذلك لا يحصل إلا بالإيمان الثابت الواقعي الحقيقي، فإذا ثبت الإيمان بهذا النحو، ثبت الإخاء بينه وبين النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لانّهما مشتركان في ذلك، قال الله عزّ وجلّ: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ».(1)
781- ولهذا ورد في خبر عبدالعزيز بن مسلم عن مولانا الرضا علیه السلام أنه قال : الإمام الأخ الشقيق ...(2)
ولا ريب أن هذا المقام لا يحصل بصرف صحابة النبیّ أو الإمام عليهما الصلاة والسلام، بل لا بد من الإيمان الثابت القطعي التام،
فإذا ثبت ذلك، لم يكن فرق بين أن يلاقي أحد الأخوين أخاه أم لم يلاق إياه ، كما أن رابطة الأخوة بين الأخوين النسبيين لا تنفصم بانفصالهما في الزمان والمكان، ولو لم يحصل هذا الشأن لم ينفع مصاحبة النبیّ أو الإمام والاجتماع معهما في زمان أو مكان، ولم يجز نسبة الأخوة إليهما بحسب الإيمان .
ولمّا كان أكثر أصحاب خاتم النبيين صلی الله علیه وآله وسلم من المؤمنين المعارين، الّذين لم يكن لهم حظ من الإيمان سوى الإقرار باللسان، نفى عنهم مرتبة الإخوان،
وممّا يشهد لهذا البيان ، كون السائلين في الحديث الثاني هما الأولان، اللذان لم يكن لهما نصيب من الإيمان .
ومن جميع ما ذكرنا ظهر ضعف ما تمسك به العامة لإثبات فضيلة الغاصب الأول، حيث تشبثوا في ذلك بقول الله عزّ وجلّ :« ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا » (3) مستدلين لفضله بمصاحبة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم .
ص: 462
ويعجبني هنا نقل كلام الشيخ المفيد أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان طاب ثراه، قال الشيخ الجليل أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب الإحتجاج:
حدّث الشيخ أبو عليّ الحسن بن محمّد الرقي بالرملة، في شوال سنّة ثلاث وعشرين وأربعمائة ، عن الشيخ المفيد أبي عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان (رضی الله عنه) أنه قال : رأيت في المنام سنّة من السنين كأني قد اجتزت في بعض الطرق فرأيت حلقة دائرة فيها ناس كثير ، فقلت : ما هذا؟ قالوا : هذه حلقة فيها رجل يقص، فقلت : من هو؟ قالوا: عمر بن الخطاب، ففرقت الناس، ودخلت الحلقة، فإذا أنا برجل يتكلم على الناس بشيء لم أحصله، فقطعت عليه الكلام، وقلت : أيها الشيخ، أخبرني ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكر عتیق بن أبي قحافة من قول الله تعالى :(ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ) ؟
فقال : وجه الدلالة على فضل أبي بكر من هذه الآية في ستة مواضع :
الأول: أن الله تعالى ذكر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وذكر أبا بكر فجعله ثانيه :
فقال : (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ).
والثاني : أنه وضعهما بالاجتماع في مكان واحد، لتأليفه بينهما،
فقال : (إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ) .
والثالث : أنه أضاف إليه بذكر الصحبة، ليجمعه بينهما بما يقتضي الرتبة
فقال : «إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ».
والرابع : أنه أخبر عن شفقة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ورفقه به لموضعه عنده ،
فقال : «لَا تَحْزَن» .
والخامس : أنه أخبر أن الله معهما على حد سواء ناصراً لهما، ودافعاً عنهما
فقال : «إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» .
والسادس : أنّه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر، لأن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لم تفارقه السكينة قط، فقال : «فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ» فهذه ستة مواضع تدل
ص: 463
على فضل أبي بكر من آية الغار، لا يمكنك، ولا لغيرك الطعن فيها.
فقلت له : حبرت بكلامك في الاحتجاج لصاحبك عنه، وإني بعون الله سأجعل جميع ما أتيت به « كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ». (1)
أما قولك : إن الله تعالى ذكر النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وجعل أبا بكر ثانیه، فهو إخبار عن العدد، لعمري لقد كانا اثنين، فما في ذلك من الفضل؟! ونحن نعلم ضرورة أن مؤمناً ومؤمناً، أو مؤمنا وكافراً، اثنان، فما أرى لك في ذكر العدد طائلا تعتمده .
وأما قولك: إنّه وصفهما بالاجتماع في المكان فإنّه کالأول، لأن المكان يجمع المؤمن والكافر ، كما يجمع العدد المؤمنين والكفار، وأيضاً فإن مسجد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أشرف من الغار، وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار، وفي ذلك قول عزّ وجلّ: «فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ *عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ » (2) وأيضاً فإن سفينة نوح قد جمعت النبیّ والشيطان والبهيمة والكلب، والمكان لا يدل على ما أوجبت من الفضيلة، فبطل فضلان.
وأما قولك : إنّه أضافه إليه بذكر الصحبة ، فإنّه أضعف من الفضلين الأولين لان اسم الصحبة يجمع المؤمن والكافر، والدليل على ذلك قوله تعالى : «قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا » (3) وأيضاً فإن اسم الصحبة تطلق بين العاقل وبين البهيمة، والدليل على ذلك من کلام العرب، الّذي نزل القرآن بلسانهم، فقال الله عزّ وجلّ: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ » (4)، أنهم قد سموا الحمار صاحباً فقالوا :
إن الحمار مع الحمار مطية ***فإذا خلوت به فبئس الصاحب
وأيضاً قد سموا الجماد مع الحي صاحباً، قالوا ذلك في السيف شعراً:
زرت هندا وذاك غير اختيان ***ومعي صاحب كتوم اللسان (5)
ص: 464
فإذا كان إسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر ، وبين العاقل والبهيمة، وبين الحيوان والجماد فأي حجّة لصاحبك فيه؟!
وأما قولك: إنّه قال : «لَا تَحْزَن» فإنّه وبال عليه، ومنقصة له ودليل على خطأه لأن قوله: «لَا تَحْزَن» نهي، وصورة النهي قول القائل : لا تفعل، لا يخلو أن يكون الحزن وقع من أبي بكر طاعة أو معصية، فإن كان طاعة فإن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم لا ينهى عن الطاعات بل يأمر بها، ويدعو إليها، وإن كان معصية،
فقد نهاه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم عنها، وقد شهدت الآية بعصيانه بدليل أنه نهاه .
وأما قولك : إنّه قال : «إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» فإن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أخبر أن الله معه، وعبر عن نفسه بلفظ الجمع، كقوله: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ » (1).
و [قد] قيل أيضاً في هذا أن أبا بكر قال : يا رسول الله، حزني على أخيك عليّ بن أبي طالب ما كان منه، فقال له النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم : «لَا تَحْزَن إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا» أي معي ومع أخي عليّ بن أبي طالب علیه السلام .
وأما قولك : إن السكينة نزلت على أبي بكر فإنّه ترك للظاهر، لأن الّذي نزلت عليه السكينة هو الّذي أيده [الله عز اسمه] بالجنود، كذا يشهد ظاهر القرآن في قوله عزّ وجلّ:« فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا »(2)
فإن كان أبو بكر هو صاحب السكينة فهو صاحب الجنود. -
وفي هذا إخراج للنبیّ (3) صلی الله علیه وآله وسلم من النبوة، على أن هذا الموضع لو كتمته عن صاحبك كان خيراً، لأن الله تعالى أنزل السكينة على النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم في موضعين كان معه قوم مؤمنون، فشركهم فيها، فقال في أحد الموضعين: «فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى» (4)
وقال في الموضع الآخر: «ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ». (5)
ص: 465
ولما كان في هذا الموضع خصه وحده بالسكينة ، قال : «فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىهِ» فلو كان معه مؤمن لشرکه معه في السكينة، كما شرك من ذكرنا قبل هذا من المؤمنين ، فدل إخراجه من السكينة على خروجه من الإيمان فلم يحر جواباً ، وتفرق الناس، واستيقظت من نومي .(1)
الثالث : أن يكون المراد بالأخوة، الأخوة في الخلقة الأصلية، والطينة الأولية يعني أن هؤلاء المؤمنين المتصفین بالصفات المذكورة، خلقوا من فاضل طية النبیّ والأئمة علیهم السلام ، فهم إخوة بحسب الطينة الأصلية :
782- كما يدل على ذلك ما نقله المجلسي رحمه الله تعالى، في مرآة العقول عن معاني الأخبار للشيخ الصدوق : بإسناده إلى أبي بصير ، قال :
دخلت على أبي عبدالله علیه السلام ومعي رجل من أصحابنا، فقلت له : جعلت فداك يابن رسول الله، إني لاغتم وأحزن من غير أن أعرف لذلك سببا !
فقال علیه السلام: إن ذلك الحزن والفرح يصل إليكم منّا ، لانّا إذا دخل علينا حزن أو سرور کان ذلك داخلا عليكم، لأنا وإياكم من نور الله تعالى، فجعلنا وطينتنا وطينتكم واحدة، ولو ترکت طينتكم كما أخذت لكنا وأنتم سواء، ولكن مزجت طینتکم بطينة أعدائكم، فلو لا ذلك ما أذنبتم ذنبا ابدا.
قال : قلت : جعلت فداك، فتعود طينتنا ونورنا كما بدأ ؟
فقال علیه السلام: إي والله يا عبد الله، أخبرني عن هذا الشعاع الزاخر من القرص إذا طلع أهو متصل به أم بائن منه؟
فقلت له: جعلت فداك ، بل هو بائن منه، فقال: أفليس إذا غابت الشمس وسقط القرص عاد إليه فاتصل به كما بدأ منه، فقلت له : نعم .
فقال علیه السلام: كذلك والله شيعتنا، من نور الله خلقوا وإليه يعودون، والله إنكم لملحقون بنا يوم القيامة، وإنا لنشفع ونشفع، والله إنكم لتشفعون
ص: 466
فتشفَّعون، وما من رجل منكم إلّا وسترفع له نار عن شماله، وجنّة عن يمينه فيدخل أحباءه الجنّة، وأعداءه النار.
قال المجلسي (رحمه الله) : فتأمل وتدبر في هذا الحديث، فإن فيه أسراراً غريبة إنتهی كلامه، رفع مقامه . (1)
إن الإهتمام والمداومة في طلب فرج مولانا صاحب الزمان علیه السلام من الخالق القادر المنّان بشرائطه المقررة بقدر الإمكان يصير سببا لقرب وقوعه، وسرعة طلوعه.
783- ويدل على ذلك ما في البحار وغيره، عن العياشي: عن الفضل بن أبي قرة، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول : أوحى الله إلى إبراهيم : أنه سيولد لك، فقال لسارة، فقالت : « أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ » (2) فأوحى الله إليه :
إنّها ستلد، ويعذب أولادها أربعمائة سنّة ، بردها الكلام علي.
قال علیه السلام: فلمّا طال على بني إسرائيل العذاب، ضجوا وبكوا إلى الله أربعين صباحا، فأوحى الله إلى موسى وهارون أن يخلصهم من فرعون، فحط عنهم سبعين ومائة سنّة . قال : وقال أبو عبدالله علیه السلام: هكذا أنتم لو فعلتم لفرج الله عنا فأما إذا لم تكونوا فإن الأمر ينتهي إلى منتهاه . (3)
تنبيه : إعلم: أنه يستفاد من هذا الحديث الشريف أمور: أحدها: أن جزاء الأعمال الصادرة من الشخص طاعة كانت أم معصية قد يصل إلى أولاده وأعقابه
784- كما ورد عن الصادق علیه السلام في تفسير قوله تعالى : «وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا » (4) أنه كان بينهما وبين ذلك الأب الصالح سبعة آباء .
ص: 467
وذلك لحكم جليلة ومصالح عظيمة قد خفيت علينا أكثرها، وبين لنا بعضها في الروايات الصادرة عن العترة الطاهرة.
فإن قلت: لا ريب في أن إيصال الخيرات والنعم إلى أولاد الشخص، إيصال إليه وتفضل عليه في الحقيقة، لما نرى بينهما من كمال المودة والرأفة بل ربّما يكون إيصال الخير إلى الأولاد ألذ للإنسان بل للحيوان من تنعم نفسه بهذا الإحسان، حيّاً كان أو ميتّاً :
785- كما ورد أن أرواح المؤمنين الّذين يأتون لزيارة أولادهم إذا رأوهم بخیر فرحوا، وإذا رأوهم في شدة وضيق حزنوا. إلى غير ذلك ممّا يدل عليه .
وأما تعذيب الأولاد بسبب ما صدر عن الآباء والأمهات، فهو ممّا لا يساعد عليه العقل، ولا الكتاب العزيز .
أما العقل: فلأنه ظلم في نظره، ولاريب في قبحه على الله عز اسمه.
وأما كتاب الله عزّ وجلّ فقد قال الله تعالى : «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» (1)
قلنا: إن ابتلاء الناس بالبليات والآفات قد یکون لتكفير خطيئاتهم وسيئاتهم، وقد يكون لرفع درجاتهم وزيادة مثوباتهم، فيمكن أن يعذب الله تعالی بعض عباده ببعض المصائب والمحن والآفات ويجعل ذلك كفارة لذنوب الآباء والأمهات بسبب تألمهم لابتلاء أولادهم بتلك المصيبات، ثمّ يخص هذا العبد المصاب بأنواع من النعم والثواب لإبتلائه في دار الدنيا بتلك الهموم والبليات، وهذه عناية حسنة، ومبادلة مستحسنة، وليس في ذلك شيء من خلاف العدل والإحسان، بل هو نوع إحسان إلى الإنسان من الخالق المنان .
786- ويدل على ما ذكرناه في هذا المقام قول مولانا الصادق علیه السلام في جواب مفضل بن عمر الّذي هو من خواص صحبه الكرام، فإنّه علیه السلام بعد ما بين له منافع حواس الإنسان ومضار فقدها بأحسن بیان، (1)
ص: 468
قال المفضّل : فقلت : فلم صار بعض الناس يفقد شيئا من هذه الجوارح فيناله في ذلك مثل ما وصفته یامولاي؟ قال علیه السلام: ذلك للتأديب والموعظة، لمن يحل ذلك به ولغيره بسببه ، كما قد يؤدب الملوك الناس بالتنكيل والموعظة فلا ينكر ذلك عليهم، بل يحمد من رأيهم، ويصوب من تدبيرهم، ثمّ للذين تنزل بهم هذه البلايا من الثواب بعد الموت، إن شکروا وأنابوا، ما يستصغرون معه ماينالهم منها، حتّی أنهم لو خيروا بعد الموت لاختاروا أن يردوا إلى البلايا ليزدادوا من الثواب ، الخبر .(1)
ويمكن أن يقرر الجواب بوجه آخر، فيقال : إن الله عزّ وجلّ قد قدر بمقتضى حكمته ابتلاء هؤلاء الأولاد بمصائب و بلیات، لكن قد جعل اندفاع تلك البلايا عنهم موقوفاً على صدور بعض الأفعال عن آبائهم وأمهاتهم، أو صدور بعض الأفعال عنهم، فلمّا لم يقع الشرط جرى التقدير الإلهي، فابتلاؤهم في الحقيقة لم يكن مجازاة بأعمال آبائهم وأمهاتهم حتّی يتوجه الإشكال المذكور، بل بحسب المصالح الواقعية الثابتة في کلّ أمر مقدور، وهذا ممّا استفدناه من بعض خصيصي الأصحاب، فتح الله له الخير في کلّ باب .
الأمر الثاني : ممّا يستفاد من ذاك الحديث الشريف هو وقوع البداء في بعض المقدرات، ويدل عليه أيضاً كثير من الروايات، بل هو من جملة الضروريات عند الإمامية ، بل هو ممّا يعرفون بالإعتقاد به عند مخالفيهم، وذكر هذه المسألة تفصيلا خارج عما نحن بصدده ،
فلنذكر خلاصة ما استفدناه من الأخبار وكلام العلماء الأخيار :
فنقول: إن المراد بالبداء هو أن يقدر الله عزّ وجلّ شيئا، ثمّ يقدر خلافه وهذا أمر ممكن عقلا وواقع نقلاً، لعموم قدرته تعالی ودوام قدرته، ولدلالة الآيات القرانية والاخبار المتواترة، وإنما أنكره المخالفون زعما منهم أن ذلك
ص: 469
يستلزم أن يكون الله عزّ وجلّ جاهلا بالأمر الثاني غافلا عن مصلحته، تعالى الله عن ذلك علوا كبيراً،
787- ولهذا ورد في رد زعمهم هذا، في الصحيح عن أبي عبدالله علیه السلام قال : ما بدا لله في شيء إلا كان في علمه قبل أن يبدو له(1) وفي معناه أخبار عديدة مروية في أصول الكافي، وتوحيد الصدوق، والبحار وغيرها . (2)
وتحقيق الكلام في ذلك بحيث يرتفع غواشي الأوهام عن وجوه الأفهام أن يقال : إن الأمور كما ورد في الأخبار على قسمين : محتومة، وموقوفة.
والمراد بالمحتومة: ما لا يكون تحققها وجوداً أو عدماً موقوفا على شيء بل قضاها الله تعالى وأمضاها و حتمها، وبالموقوفة : مایکون وجودها أو عدمها موقوفة في علم الله تعالى على حصول شيء أو انتفاء شيء.
وهذا القسم أيضاً على قسمين :
أحدهما: ما بين الله تعالى لأنبيائه أو ملائكته أو أوليائه علیهم السلام كونه موقوفاً.
والثاني: ما لم يبين لهم ذلك، بل هو محتوم في نظرهم وعلمهم، ولكنه موقوف في علم الله عزّ وجلّ، والبداء الّذي نقول به ودلت عليه الروايات المروية عن أئمتنا علیهم السلام إنما هو في هذين القسمين، دون القسم الأول، وهذا كما ترى لا يستلزم جهلا لله سبحانه، ومثال ذلك: أن يقدر الله سبحانه أن يعيش زید عشرين سنة إن لم يصل رحمه، ويعيش ثلاثين سنة إن وصل رحمه ، فإنّه تعالی قدر العشرين، فإذا عمل زید بالشرط الموقوف علیه زید في عمره عشر سنين، فزيادة العشرة بداء في تقدير العشرين، والله تعالى كان عالما بذلك من أزل الآزال، لكن في ذلك التوقيف حكم جليلة لتقدير الخالق المتعال، فظهور ما قدره الله تعالی مشروطاً عند تحقق شرطه وقد خفي علينا يسمى بداء، فتدبر .
ص: 470
وبهذا البيان اتضح وجه الجمع بين طوائف من الأخبار :
788- منها : ما دلّ على أن البداء لا يقع فيما يصل علمه إلى الأنبياء، مثل ما روي في أصول الكافي : عن الفضيل بن يسار، قال :
سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : العلم علمان، فعلم عند الله مخزون لم يطلع عليه أحد من خلقه، وعلم علمه ملائكته ورسله، فما علمه ملائكته ورسله فإنّه سیکون، لا يكذب نفسه، ولا ملائكته ولا رسله، وعلم عنده مخزون، يقدم منه مایشاء ويؤخر منه مايشاء ويثبت ما يشاء .(1)
ومنها : ما دل على وقوع البداء فيما يصل علمه إلى الملائكة والأنبياء أيضاً مثل : إخبار عیسی بموت المرأة التي كانت تزف إلى زوجها، ثمّ لم تمت وظهر خلافه (2) وإخبار ملك الموت داود بموت شاب جالس عنده بعد سبعة أيام
ثمّ لم يمت، وزاد الله في أجله ثلاثين سنّة لرحمة داود لهذا الشابّ (3)
وإخبار الله تعالی نوحا بهلاك قومه مرات ثمّ أخر ذلك (4)
وإخباره عزّ وجلّ نبيه يونس بهلاك قومه في اليوم المعين، ثمّ تاب الله عليهم (5) إلى غير ذلك.
ووجه الجمع بين الطائفتين أن يكون المراد بما ذكره مولانا الصادق علیه السلام في الرواية السابقة أن يخبر الله عزّ وجلّ نبيه بوقوع أمر ويخبره بأنه من المحتوم الّذي لا يغير، مثل الأخبار الواردة في خروج السفياني الملعون قبل قيام القائم عجلّ الله تعالی فرجه . (6)
ويكون المراد بالطائفة الثانية أن يخبر الله تعالى نبيه مثلا بأمر ولم يبين له كون ذلك محتوماً أو موقوفاً في علم الله تعالى على شيء،
ص: 471
فهذا الأمر ظاهره يكون محتوماً، إذ لم يبين له كونه موقوفاً، فيمكن أن يقع فيه البداء، لكونه موقوفاً عند الله عزّ وجلّ على أمر لم يظهره للنبي، بل هو مخزون عنده، ولا يستلزم وقوع خلافه كذباً ولا تكذيباً.
وبهذا الوجه جمع الشيخ (رحمه الله) بين تلك الأخبار واستقر به المجلسي (رحمه الله) في كتابيه المرأة والبحار . (1)
أقول: ويشهد للجمع المذكور عدة روایات :
789- منها: ما عن الإحتجاج: عن أمیرالمؤمنین علیه السلام أنه قال : لولا آية في كتاب الله لاخبرتكم بما كان، وما يكون، وما هو كائن إلى يوم القيامة ،
وهي هذه الآية : «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ » (2) .(3)
790- وفي رواية أخرى : عن الرضا علیه السلام قال :
قال أبو عبدالله، وأبو جعفر وعليّ بن الحسين، والحسين بن علي، والحسن بن علي، وعليّ بن أبي طالب : والله لولا آية في كتاب الله حدثناکم بما يكون إلى أن تقوم الساعة : «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ» .... (4)
واتضح بالبيان المذكور وجه الجمع بين طائفتين أخريين من الأخبار أيضاً : إحداهما تدل على أن البداء لا يقع في المحتوم كما ذكرنا :
791- مثل ما في البحار، عن العياشي: عن الفضيل قال :
سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : من الأمور أمور محتومة كائنة لا محالة ،
ومن الأمور أمور موقوفة عند الله، يقدم فيها ما يشاء، ويمحو ما يشاء ويثبت منها مايشاء لم يطلع على ذلك أحداً، يعني الموقوفة،
فأما ما جاءت به الرسل فهي كائنة، لا يكذب نفسه ولانبيه ولا ملائكته . (5)
ص: 472
792- والأخرى تدلّ على وقوع البداء في المحتوم أيضاً مثل في ما في غيبة الشيخ النعماني : بإسناده عن أبي هاشم داود بن قاسم الجعفري، قال :
کنّا عند أبي جعفر محمّد بن عليّ الرضا علیه السلام فجری ذكر السفياني، وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر علیه السلام : هل يبدو لله في المحتوم؟ قال : نعم، قلنا له : فنخاف أن يبدو لله في القائم
فقال : إن القائم من الميعاد، والله لا يخلف الميعاد .(1)
ووجه الجمع، أن تكون الطائفة الأولى ناظرة إلى ما أخبر الله تعالی بحتميته فتغييره تکذیب لنفسه ولملائكته وأنبيائه ، والثانية ناظرة إلى ما لم يخبر الله تعالي بكونه محتوماً، ولا بكونه موقوفاً، فله المشية في ذلك إلا أن الإخبار بشيء من دون بيان كونه موقوفا لما كان ظاهراً في الحتمية سمي محتوماً.
وفي هذا الحديث أيضاً إشعار بهذا المطلب، فإنّه علیه السلام علل عدم وقوع البداء في أمر القائم علیه السلام بكونه من الميعاد، والله سبحانه صرح بأنه لا يخلف الميعاد .
والحاصل : أن المراد بالمحتوم في هذا الخبر هو ما كان محتوماً بحسب ظاهر الأخبار لعدم بيان كونه موقوفا على شيء فتغييره ممّا لاضير فيه.
والمراد بالمحتوم الّذي لا يقع فيه البداء هو ما صرح بحتميته، وأنه لا يتغير ولا يتبدل، فتبديله تکذیب لنفسه ولانبيائه وملائكته، وهذا ممّا ألهمني الله سبحانه ببركة مولاي صاحب الزمان علیه السلام ولم أعثر على من سبقني إليه.
ثمّ إن بعض المحدثين قد جمع بين هذا الخبر والأخبار الدالة على أنه لا يقع البداء في المحتوم بنحو آخر لا يخلو عندي عن النظر،
والأولى أن ننقل كلامه بتمامه ثمّ نذكر ما يتوجه عليه بحسب النظر القاصر :
قال أعلى الله مقامه في أواخر الباب الحادي عشر من كتابه المسمى بالنجم الثاقب، ما لفظه: «غير ظهور وخروج حضرت حجّة بن الحسن بن علي
ص: 473
المهدي، صلوات الله علیه - که حال از عمر شريفش هزار و چهل سال و چیزی میگذرد - که خواهد شد، وتبديل وخلفی در او نخواهد شد ما بقی آنچه رسیده از آیات وعلامات پیش از ظهور ومقارن آن، همه قابل تغییر و تبديل، وتقديم وتأخير وتأویل بچیز دیگر که از اهل بیت عصمت علیهم السلام رسیده باشد هست، حتّی آنها که در شمار محتوم ذکر شده، چه ظاهراً مراد از محتوم در آن اخبار نه آنستکه هیچ قابل تغییر نباشد، وظاهر هما نیرا که فرمودند بهمان نحو بیاید، بلکه مراد «والله يعلم» : مرتبه ایست از تاکید در آن، که منافاتی با تغییر در مرحله ای از انحاء وجود آن نداشته باشد، و مؤید این مقال است آنچه شیخ نعمانی در غیبت خود از أبي هاشم داود بن قاسم جعفری روایت کرده»
ثمّ ذكر ترجمة الرواية التي ذكرناها رقم 792.
أقول: إن هذا الكلام قابل للمناقشة من وجوه:
الأول : أن الجزم بكون جميع العلائم قابلة للتغيير ينافي الروايات الكثيرة بل المتواترة المصرحة بكون بعضها من المحتوم الّذي لا يتغير ولا يتبدل :
793- منها: ما رواه النعماني في كتابه : عن عبدالملك بن أعين قال : كنت عند أبي جعفر علیه السلام فجری ذكر القائم، فقلت له: أرجو أن يكون عاجلاً، ولا يكون سفياني، فقال علیه السلام: لا والله، إنّه لمن المحتوم الّذي لا بد منه .(1)
764- ومنها: ما رواه النعماني (رحمه الله) أيضاً : بإسناده عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالى : « ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ» (2)
فقال : إنّهما أجلان : أجلّ محتوم، وأجلّ موقوف، فقال له حمران:
ما المحتوم؟ قال علیه السلام: الّذي لا يكون غيره، قال : وما الموقوف؟
قال علیه السلام: الّذي لله فيه المشية، قال حمران : إني لأرجو أن يكون أجل السفياني من الموقوف، فقال أبو جعفر علیه السلام: لا والله، إنّه لمن المحتوم. (3)
ص: 474
795- ومنها: ما رواه أيضاً عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر علیه السلام قال :
إن من الأمور أمورا موقوفة، وأموراً محتومة، وإن السفياني من المحتوم الّذي لا بد منه . (1)
796- ومنها: ما رواه بإسناده عن خلاد الصائغ، عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال : السفياني لابد منه . (2)
797- ومنها: ما رواه الصدوق في كمال الدين : بإسناده عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام: إن أبا جعفر علیه السلام كان يقول:
إنّ خروج السفياني من الأمر المحتوم، قال : نعم [فقلت : من المحتوم؟ قال لي : نعم] واختلاف بني العباس من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وخروج القائم علیه السلام من المحتوم ...، الخبر . (3)
798- ومنها: ما في البحار، عن قرب الإسناد: بإسناده عن عليّ بن أسباط ، قال : قلت لأبي الحسن علیه السلام: جعلت فداك، إن ثعلبة بن میمون حدثني عن عليّ بن المغيرة، عن زيد القمي، عن عليّ بن الحسين علیه السلام قال :
يقوم قائمنا لموافاة الناس سنّة، قال علیه السلام : يقوم القائم بلا سفياني؟! إن أمر القائم علیه السلام حتم من الله، وأمر السفياني حتم من الله، ولا يكون قائم إلا بسفياني، قلت : جعلت فداك ، فيكون في هذه السنّة؟ قال : ما شاء الله،
قلت : يكون في التي يليها؟ قال علیه السلام: يفعل الله ما يشاء . (4)
799- ومنها : ما في البحار أيضاً عن غيبة الشيخ: بإسناده عن محمّد بن مسلم، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول: إن السفياني: يملك بعد ظهوره على
ص: 475
الكور الخمس حمل امرأة ، ثمّ قال علیه السلام: استغفر الله حمل جمل، وهو من الأمر المحتوم، الّذي لا بد منه .(1)
إلى غير ذلك من الأخبار المصرحة بكون السفياني وبعض آخر من العلامات من المحتومات، التي لا تتغير ولا تتبدل .
فالحكم بكون جميع العلامات المروية قابلة للتغيير، وتأويل تلك الروايات بما سمعت في كلامه اجتهاد في قبال النص.
الثاني: أن تغيير جميع العلائم يستلزم نقض الغرض، وهو محال على الله عز اسمه، لأن الغرض من جعل العلائم ونصب الدلائل أن يعرف الناس بذلك إمامهم الغائب صلوات الله عليه و عجلّ الله فرجه ، ولا يتبعوا کلّ من يدعي ذلك كذبة ، فإذا تبدّل جميع العلامات، ولم يظهر لهم شيء منها لزم نقض الغرض وهو محال . والدليل على كون نصب العلائم لمعرفة الإمام القائم - مضافا إلى أن ذلك هو الغرض العقلائي من نصب العلّامة ، وإلا فنصب العلّامة أمر لغو حينئذ - الأخبار الكثيرة:
800- منها : قول الصادق علیه السلام: أسكنوا ما سكنت السماء والأرض . (2)
801- وقول الرضا علیه السلام: إنما عنى أبو عبدالله علیه السلام بقوله : ما سكنت السماء من النداء باسم صاحبك، وما سكنت الأرض من الخسف بالجيش.
إلى غير ذلك ممّا يوجب ذكره التطويل، والروايات مذكورة في النعماني وكمال الدين والبحار وغيرها من كتب الأخبار .
الثالث : أن تغيير العلامات المصرحة بحتميتها يوجب إضلال الناس وإغراءهم بالجهل، كما لا يخفى، لاتها كما عرفت إنما جعلت علامات لمعرفة القائم.
ص: 476
فإن قلت : يمكن الجواب عن هذه المناقشة بأن الإضلال إنما يلزم لو كان طريق معرفته منحصراً في ظهور العلائم الآفاقية وليس كذلك، بل يمكن معرفته بمشاهدة العلائم النفسية الشخصية، وإظهاره المعجزات الباهرة، والدلالات الظاهرة التي لا تصدر إلآ عن الإمام علیه السلام؛
802- ويؤيد ذلك ما رواه ثقة الإسلام الكليني في أصول الكافي : بإسناده عن مفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول: لصاحب هذا الأمر غيبتان،
إحداهما يرجع منها إلى أهله، والأخرى يقال : هلك، في أي واد سلك،
قلت : كيف نصنع إذا كان كذلك؟
قال : إذا ادعاها مدع فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله .(1)
803- ورواه الشيخ النعماني هكذا: إن ادعاها مدع فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله .(2)
قلنا: إن المعرفة بنحو ما ذكر لا تتيسر لجميع أهل العالم، مثل أكثر النساء والّذين يكونون في البلاد البعيدة، مع أن الظاهر من الروايات الكثيرة أن أمر ظهور مولانا القائم علیه السلام من الأمور التي وعد الله إظهاره وإعلانه على جميع أهل العالم، بحيث لا يشذ منهم شاذ، واذا لم يكن بعض العلّامة العامة الظاهرة على جميع أهل الدنيا لخفي الأمر على كثير من الناس، إلا بعد زمان طويل،
وما ذكرناه واضح لأهل التتبع والتحصيل .
الرابع : أن تغيير العلامات التي صرح بكونها محتومة أو نفيها يستلزم أن يكذب الله عزّ وجلّ نفسه، وملائكته، وأنبياءه وأولياءه ، كما مضى في الحديث، ولاريب عند أحد في قبح ذلك.
الخامس : أن ما ذكرنا من لزوم نقض الغرض في تغيير العلامات المحتومة
ص: 477
وتبديلها، يلزم في تأويلها أيضاً، إذ لاريب في أن المقصود وهو معرفة العباد بالإمام، إنما يحصل بنصب علامات ظاهرة يطلع عليها کلّ أحد، وظهور تلك العلامات على طبق ما أخبروا به «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ» (1) فبيان العلّامة بنحو يفهم منه أهل اللسان شيئا ثمّ إرادة غير ما هو الظاهر ليس إلا إغراء بالجهل، وإضلالا للناس، بل هو ممّا يحكم بقبحه العقل كما الاخفاء فيه.
نعم، يمكن أن يريد المتكلم غير ما هو ظاهر اللفظ، بشرط أن يبين للمخاطبين مراده ، أو ينصب لهم قرينة واضحة، لا يتأملون في فهم مراده من تلك القرينة، والدلالة الواضحة، لكن بين هذا وبين حمل تمام تلك العلامات المروية، حتّی ما صرح بحتميتها مع عدم دلالة واضحة وقرينة ظاهرة على قابليتها للتأويل، كما بين السماء والأرض!! بل لو انفتح هذا الباب، لكان لأهل الضلال والإضلال أقوى سناد و أوسع مجال، فيأولون ما ورد عن الأئمة علیهم السلام في ذكر العلامات على ما تشتهيه أنفسهم من التأويلات، عصمنا الله تعالی وجميع المؤمنين عن جميع الزلات والخطيئات والتسويلات.
السادس : أن حمل المحتوم على ما فيه نوع تأكيد، وصرفه عن معناه الحقيقي السديد، كما وقع في كلام هذا العالم الرشيد، ممّا لا شاهد له ولا تأييد، والله على ما نقول شهید، کیف، ولو وجد له شاهدا لذكره في هذا المقام، فإنّه من مزال الأقدام، والله تعالى هو العاصم، وهو ولي الإنعام
وإنما ذكرت هذه الجملة لئلا يقع من يطلع على كتابنا في تلك الشبهة .
الأمر الثالث : ممّا يستفاد من الخبر المذكور، أن ظهور مولانا صاحب الزمان من الأمور القابلة للتقدم والتأخر، بسبب بعض الأسباب، وإن من جملة الأسباب المقتضية لتقدمه اهتمام المؤمنين في الدعاء له، وطلب تعجیل فرجه
ص: 478
من الخالق القادر المتعال، وقد قدمنا بعض مايدل على ذلك في حرف الغين المعجمة من الباب الرابع، فمن قصده فليراجع(1).
وربّما يستبعد بعض من لا تحصيل له استباق وقوع الفرج والظهور بسبب الإهتمام في هذا العمل المشکور، نظراً إلى عدم وقوع ظهوره إلى الآن مع كثرة دعاء أهل الإيمان في کلّ مكان وزمان .
وهذا استبعاد ردي، وكلام شخص غبي(2)، إذ لا بعد في أن يكون لظهوره وقتان في علم الله سبحانه، أحدهما أقرب، والآخر أبعد، ويكون ظهوره في الزمان الأقرب مشروطاً باهتمام المؤمنين وإكثارهم من الدعاء بتعجيل فرجه وتقريب ظهوره .
وهذا معنی کون ظهوره من الأمور البدائية التي تقبل التقديم والتأخير ودلالة الروايات المروية عن الأئمة علیهم السلام على هذا المرام غير خفية على من كان له تتبع تام ، وهذا الوقت الأقرب لما يجيء إلى الآن، فإنکار تأثير الدعاء ممّا يذوده البرهان، لانّه قد دل على تأثيره صریح القرآن، في کلّ ما يكون تحققه في بقعة الإمكان وإمكان، تقدم ظهور صاحب الزمان وقربه بدعاء أهل الإيمان ممّا دلت عليه الأحاديث المروية عن أهل الذكر والتبيان.
أن الدعاء بتعجیل فرج مولانا الغائب عن الأبصار أسوة بالنبیّ المختار والأئمة الأطهار صلوات الله عليهم ما أظلم الليل وأضاء النهار، كما يظهر لك إن شاء الله تعالى ممّا نذكره في الباب السادس والسابع من الأخبار.
ونكتفي هنا بذکر حدیث واحد لاهل الاعتبار :
804- روى الشيخ النعماني في كتاب الغيبة : بإسناده عن يونس بن ظبيان عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إذا كان ليلة الجمعة، أهبط الربّ تعالى ملكاً إلى
ص: 479
السماء الدنيا فإذا طلع الفجر، جلس ذلك الملك على العرش، فوق البيت : المعمور ونصب لمحمّد وعليّ والحسن والحسين علیهم السلام منابر من نور، فيصعدون عليها وتجمع لهم الملائكة والنبيون والمؤمنون، وتفتح أبواب السماء،
فإذا زالت الشمس قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : يا ربّ ميعادك الّذي وعدت به في كتابك، وهو هذه الآية : «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا »(1)
ثمّ يقول الملائكة والنبيون مثل ذلك، ثمّ يخر محمّد وعليّ والحسن والحسين سجداً، ثمّ يقولون: یا ربّ اغضب، فإنّه قد هتك حريمك، وقتل أصفياؤك، وأذل عبادك الصالحون، فيفعل الله مايشاء وذلك يوم معلوم.(2)
تنبيه :
ذهب جمع من علماء الرجال إلى أن يونس بن ظبيان ضعیف کذاب غال وتوقف فيه بعض آخر، والأقوى تبعا للعالم المحقق النوري، أنه ثقة جليل، بل من أصحاب الأسرار، كما يظهر من عدة من الأخبار .
وإن شئت تفصيل القول في ذلك، فارجع إلى ما ذكره المحقق المذكور في المجلد الثالث من كتابه مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل (3) ففيه ما يشفي العليل ويروي الغليل، جزاه الله تعالى عن الإسلام وأهله الجزاء الجميل، وهدانا إلى أوضح سبيل.
وهاهنا اشکال ربّما يسبق إلى بعض الأوهام، وهو أنه: لا ريب في أن شروط الإجابة موجودة في دعاء النبیّ والأئمة والملائكة والأنبياء العظام،
ص: 480
فإذا كانوا في کلّ جمعة داعين بتعجيل ظهور المنتقم من أعدائهم، فما السبب في تأخير ذلك؟!وأي فائدة لدعائهم!
والجواب عنه من وجوه :
الأول : ما ذكرناه في المكرمة السابقة، من أنه لا يستبعد أن يكون لظهوره صلوات الله عليه وقتان عند الله عزّ وجلّ، أحدهما أقرب من الآخر، ويكون وقوعه في الوقت الأقرب موقوفا على اهتمامهم في الدعاء له،
فترك الدعاء يوجب التأخير عنه كما أن الاهتمام في ذلك يوجب وقوعه فيه.
الثاني : أن يقال : إن الله عزّ وجلّ قد استجاب دعاءهم، لكن لا ريب في أن وقوع ذلك موقوف بحسب الحكم الإلهية على تحقق أمور وانتفاء أمور أخرى وهذه الأمور تجري وتتحقق تدريجا
فتأخير الظهور إلى زماننا هذا وما بعده لا يدل على عدم استجابة الدعاء .
الثالث : أنه يمكن أن يقدر بسبب دعائهم علیهم السلام وقوع الفرج في زمان قریب ثمّ يمنع مانع بسبب أعمال العباد يوجب تأخيره، وهذا معنی کونه من الأمور البدائية، ونظيره في الأحاديث غير عزيز لا يخفى على المتتبع:
804- مثل ما ورد : أن العبد يدعو، فيقدر استجابة دعائه في وقت، ثم يعصي، فيقول تعالى للملائكة ما معناه : أخروا قضاء حاجته، لانّه تعرض لسخطي واستوجب الحرمان مني . (1)
805- وفي عدة من الكتب کالنعماني والطوسي والبحار : بأسانيدهم عن أبي حمزة الثمالي قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : إن عليّاً علیه السلام كان يقول: إلى السبعين بلاء، وكان يقول : بعد البلاء رخاء، وقد مضت السبعون ولم نر رخاء!
فقال أبو جعفر علیه السلام: يا ثابت، إن الله تعالى كان وقت هذا الأمر في السبعين فلمّا قتل الحسين علیه السلام اشتد غضب الله على أهل الأرض، فأخره إلى أربعين
ص: 481
ومائة سنة، فحدثناكم فأذعتم الحديث، وكشفتم قناع الستر، فأخره الله، ولم يجعل له بعد ذلك وقتا عندنا
«يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» (1)
أنه يحصل بالدعاء لفرج مولانا صاحب الزمان الوفاء بعهد الله، المأخوذ على أهل الإيمان، وتحقيق الكلام في هذا المقام يقع في أمور:
الأول: أنه لا ريب بمقتضى الكتاب الكريم، وحكم العقل السليم في وجوب الوفاء بعهد الله تعالى وكفي في ذلك قوله عزّ وجلّ: « وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ »(2)، وقوله تعالى : « وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا »(3)
وقوله تعالى : « أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ *الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ »(4)
وقوله تعالى : «وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ». (5)
الثاني : أنه قد ورد في عدة من الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار علیهم السلام تفسير العهد بولاية الأئمة علیهم السلام :
806-ففي الكافي : عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
ونحن ذمة الله، ونحن عهد الله، فمن وفي بعهدنا فقد وفي بعهد الله ، ومن خفرها فقد خفر ذمة الله وعهده .(6)
807-وفي مرآة الأنوار : عن الصادق علیه السلام في قوله تعالی :
ص: 482
«إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا»(1) أي : إلا من دان الله بولاية عليّ علیه السلام والأئمة من بعده، فهو العهد عند الله . (2)
808- وفيه ، عن كنز الفوائد : عنه علیه السلام في قوله تعالى : « وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا» (3) قال : العهد ما أخذه النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم على الناس في مودتنا وطاعة أمیرالمؤمنین علیه السلام، الخبر (4). إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة.
والظاهر أن ذكر ذلك بالخصوص لبيان أهم الأفراد وأعظمها لا تخصیص أدلة الوفاء بهذا العهد المخصوص، والله العالم.
الثالث : أن الوفاء بالعهد المذكور يحصل بستة أمور:
أحدها : اليقين القلبي بإمامتهم وولايتهم، والتسليم لهم في کلّ ما ورد عنهم
وثانيها : المودة القلبية لهم.
وثالثها: بغض أعدائهم ومن تقدم عليهم.
ورابعها: إطاعتهم واتباعهم في جميع ما أمروا به، ونهوا عنه .
وخامسها: إظهار الاعتقاد القلبي المذكور باللسان، والأركان بقدر الإمكان
وسادسها: نصرهم في جميع الأحوال على حسب ما يقتضيه الحال،
وهذه العناوين الستة تتحقق في الدعاء لمولانا صاحب الزمان، ومسألة تعجیل فرجه وظهوره من القادر المنّان، وهذا واضح لا يحتاج إلى البيان .
ما يترتّب على بر الوالدين من الفوائد والمكارم الدنيوية والأخروية،
لما نبهنا عليه في الباب الثالث من أن الإمام هو الوالد الحقيقي لجميع الأنام، فمن ظلمه فقد عق والده الحقيقي، ومن بره فاز بجميع ما يترتب على البر بالوالد الظاهري، ولا ريب في أن الوالد الحقيقي أعظم وأرفع شأنا، وأولى
ص: 483
بالإحسان من الوالد الظاهري النسبي للإنسان.
809- ويدل على ذلك - مضافة إلى دلالة العقل السليم عن شوائب الأوهام - ما ورد في حديث طويل مروي عن تفسير الإمام، فإنّه قال : ولحقنا أعظم علیکم من حقّ أبوي ولادتكم، فإنا منقذوكم إن أطعتمونا من النار إلى دار القرار ...(1)
كما أنه لا ريب في كون الدعاء للوالد خصوصا مع أمره بذلك من أوضح أنواع البر وأعظمها وأنفعها.
وأما ذكر ما يترتب على البر بالوالدين من أنواع الخير والثواب فهو خارج عما وضع له هذا الكتاب، فمن أراده فليرجع إلى كتب الأصحاب، مثل الكافي والبحار وغيرهما من كتب الأخبار .(2)
810- إن الإمام الأمانة الإلهية، كما ورد في زيارة الجامعة : أنتم السبيل الأعظم، والصراط الأقوم، وشهداء دار الفناء، وشفعاء دار البقاء، والرحمة الموصولة، والآية المخزونة، والأمانة المحفوظة ...، إلخ.(3)
قال الشيخ أبو الحسن الشريف (رحمه الله) في كتاب مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار :
وأما الأمانة، فقد ورد تأويلها بهم علیهم السلام وبولايتهم وإمامتهم، فلکلّ موضع ما يناسبه (4). ففي بعض الأخبار :
811- أن الأئمة الأمانة المستودعة، وأن الله استودعهم أولياءه المؤمنين في أرضه .
ص: 484
812- وفي بعض الزيارات : أشهد ... أنكم الأمانة المحفوظة .(1)
قال : والظاهر أن المراد وجوب مراعاتهم وموالاتهم وإطاعتهم، وترك مالايرضيهم، كما ورد في حديث الثقلين المشهور بين العامة والخاصة .(2)
813- وفي بعض الزيارات : أنتم أمانات النبوة، أي : أمانة من النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم .(3)
814- وفي تفسير فرات: عن الباقر علیه السلام قال : نحن الأمانة التي عرضت على السماوات والأرض والجبال .(4)إنتهى ما أردت نقله .
815- أقول: وفي رواية أخرى عن الصادق علیه السلام قال - مامعناه -:
إن الله عزّ وجلّ عرض أرواح الأئمة على السماوات والأرض والجبال فغشيها نورهم، وقال في فضلهم ما قال ... الخبر . (5)
ومجمل الكلام أن يقال : لا ريب في أن رعاية الأمانات واجبة بحكم العقل والآيات والروايات، كما أنه لاريب في اختلاف أنواع الرعايات بالنسبة إلى أصناف الأمانات، فرعاية کلّ أمانة بحسبها، ورعاية هذه الأمانة الإلهية تتحقق بإظهار المحبة والإجتهاد في النصرة والإطاعة،
وحيث أن هذه العناوين تتحقق بالمداومة والإجتهاد في الدعاء بتعجیل فرجه صلوات الله عليه فلا جرم يحصل به الرعاية لهذه الأمانة، وهو المطلوب.
وإن شئت تفصيل الكلام في تنقيح هذا المرام، فنقول معتصماً بالملك العلام ومتوسط بالائمة الكرام عليهم الصلاة والسلام :
إن الكلام في هذا المقام يقع في أمور:
الأول : في معنى الأمانة المحفوظة.
والثاني : في بيان وجوب حفظ الأمانة ورعايتها وأدائها إلى أهلها، عقلا ونقلا
والثالث : في بيان كيفية الرعاية لتلك الأمانة الإلهية .
ص: 485
والرابع: في بيان كون الدعاء لمولانا صاحب الزمان وتعجیل فرجه من مصادیق الرعاية للأمانة الإلهية .
الأمر الأول : في بيان معنى الأمانة المحفوظة، والمراد من حفظها .
إعلم أن هذه العبارة تحتمل إثني عشر وجها، يرجع كلها سوى الحادي عشر إلى أن الأئمة عليهم الصلاة والسلام هم الوديعة والأمانة الإلهية التي جعلها الله تعالی في حفظه ورعايته بجميع أنحاء الحفظ والرعاية، التي اقتضتها الحكمة الإلهية .
الأول : المحفوظة في جميع العوالم حتّی ظهرت في آخر الزمان، يعني أن هذه هي الأمانة التي حفظها الله تعالى في عالم الأنوار، والأرواح، والأظلة والأشباح، وفي عالم الدنيا، من حين خلق آدم إلى ظهور الخاتم، مع كثرة المعاندين والمبغضين لهذه الأمانة ولحامليها في کلّ زمان، بحيث عزموا غير مرة على إعدامها حسدا منهم، من بعد ما تبين لهم الحقّ، وأبي الله تعالى «إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» (1)
وحاصل الكلام أهم الأمانة الإلهية التي أنزلها الله تعالى من غيب قدسه إلى عباده نوراً يستضيئون به، المحفوظة بالحفظ الإلهي المنيع، الّذي لا يطاول ولا يحاول في کلّ من مقاماتهم وحالاتهم وانتقالاتهم، بحيث لم يتمكن أحد من معانديهم من إطفاء نورهم وإعدامهم حتّی أظهرهم في آخر الزمان.
الثاني : المحفوظة، يعني حفظها الله عزّ وجلّ من أقذار الجاهلية وأنجاسها، وأدناس الضلالة وأرجاسها، بأن لم يودعها إلا الأصلاب الطاهرة والأرحام المطهرة، فإن اعتقادنا كما عليه الإجماع بل الضرورة أن آباءهم الّذين استودعوا تلك الأمانة الإلهية، من الخاتم إلى آدم، كانوا بأجمعهم مؤمنین طاهرين، لم يشركوا بالله تعالی طرفة عين،
وكذلك أمهاتهم اللاتي استودعن تلك الأمانة كما في الزيارة «لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها».(2)
ص: 486
816- وعن الصادق علیه السلام: قال : إن الله كان إذ لا كان، فخلق الكان والمكان وخلق الأنوار، وخلق نور الأنوار الّذي نورت منه الأنوار، وأجرى فيه من نوره الّذي نورت منه الأنوار، وهو النور الّذي خلق منه محمّداً وعلياً، فلم يزالا نورين أولين إذ لا شيء كن قبلهما، فلم يزالا يجریان طاهرین مطهرين في الأصلاب الطاهرة حتّی افترقا في أطهر طاهرین، في عبدالله و أبي طالب . (1)
817- وفي الإحتجاج عن الصادق علیه السلام في جواب مسائل الزنديق ، قال علیه السلام : وأخرج من آدم نسلا طاهراً طيباً، أخرج منه الأنبياء والرسل، هم صفوة الله وخلص الجوهر، طهروا في الأصلاب، وحفظوا في الأرحام، لم يصبهم سفاح الجاهلية ولا شاب أنسابهم، لان الله عزّ وجلّ جعلهم في موضع لا يكون أعلى درجة وشرفا منه، فمن كان خازن علم الله، وأُمّين غيبه، ومستودع سره، وحجته على خلقه، وترجمانه ولسانه، لا يكون إلا بهذه الصفة، فالحجّة لا يكون إلا من نسلهم، يقوم مقام النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم في الخلق ...، الخبر .(2)
ولو أردنا ذكر ما ورد في هذا الباب لطال الكتاب .
قال الشيخ الصدوق رحمه الله في اعتقاداته ، باب الاعتقاد في آباء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم :
إعتقادنا فيهم أنهم مسلمون من آدم إلى أبيه عبدالله، وأن أبا طالب كان مسلمة، وأمه آمنة بنت وهب كانت مسلمة . (3)
818- وقال النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم :
خرجت من نكاح، ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم علیه السلام . (4)
819- وقد روي أن عبدالمطلب كان حجّة، وأبا طالب كان وصيه . إنتهی كلامه رفع مقامه .(5) .
الثالث : المحفوظة عن المعاصي والرذائل : فإنّهم المعصومون الّذين
ص: 487
حفظهم الله تعالى في جميع عمرهم عن جميع المعاصي والسيئات،
وهذا عند الإمامية من الضروريات .
الرابع : المحفوظة عن الإتهام، ونسبة الخطأ والنقصان، بحيث لم يقدر أحد من أعدائهم على أن ينسب إليهم نقيصة، أو ينكر لهم فضيلة،
بل اعترفوا بجلالتهم وفضيلتهم مع كثرة حسدهم وعداوتهم للأئمة علیهم السلام .
الخامس: المحفوظة التي لا ينالها أحد من الخلق، كما في قوله تعالی : «فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ»(1) والمراد على هذا المعنى عدم وقوف أحد من الخلائق على کنه معرفتهم، وحقيقة ذاتهم وصفاتهم، وذلك لقصور من دونهم عن مرتبتهم ولا يمكن للناقص أن يحيط بحقيقة الكامل، ألا ترى أن الطفل الرضيع لا يقدر على الإحاطة بحقيقة أبيه وصفاته وخصوصياته ، بسبب قصوره ونقصانه ، فكذلك سائر الخلق، لا يقدرون على الإحاطة بحقيقة الأئمة علیهم السلام وصفاتهم وخصائصهم، فيكون مطابقة لما في الزيارة الجامعة : «موالي، لا أحصي ثناء کم ولا أبلغ من المدح کنهكم، ومن الوصف قدر کم» (إلخ).(2)
820- وفي الحديث النبوي: يا علي، ما عرف الله إلا أنا وأنت، وما عرّفني إلا الله وأنت، وما عرفك إلا الله وأنا .(3)
821- وفي أصول الكافي في حديث : عن أبي جعفر علیه السلام قال : إنّه لا يقدر على صفة الله ، فكما لا يقدر على صفة الله، كذلك لا يقدر على صفتنا الخبر. (4)
822- وفيه : بسند صحيح عن زرارة، عن أبي جعفر علیه السلام قال : سمعته يقول: إن الله عزّ وجلّ لايوصف، وكيف يوصف وقال في كتابه :
«مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» (5) فلا يوصف بقدر إلا كان أعظم من ذلك.
ص: 488
وإن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم يوصف، وكيف يوصف عبد احتجب الله عزّ وجلّ بسبع ! وجعل طاعته في الأرض کطاعته ، فقال : « وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » (1) ومن أطاع هذا فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني، وفوض إليه ، وإنا لا نوصف، وكيف يوصف قوم رفع الله عنهم الرجس !! وهو الشك والمؤمن لا يوصف، وإن المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه، فلا يزال الله ينظر إليهما والذنوب تتحات عن وجوههما كما يتحات الورق عن الشجر .(2)
أقول: هذا الحديث من الأحاديث المشكلة، والّذي ظهر لي بعد التأمل فيه أن المراد بیان استحالة إحاطة الخلائق بصفات الله، واستحالة إحاطة غير النبي بصفاته ومقاماته وحقيقته، واستحالة إحاطة غير الأئمة بصفاتهم وحقيقتهم وشؤونهم، واستحالة إحاطة غير المؤمن بصفة المؤمن وشأنه .
وذلك أن الناقص لا يمكنه الإحاطة بكنه الكامل لقصوره عن إدراك مقامه .
823- ولهذا ورد في الحديث : لوعلم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله(3)،
وفي حديث آخر : لكفره .(4)
وبيان هذا المطلب بالنسبة إلى معرفة الذات البارئ عز اسمه واضح.
وأما بالنسبة إلى النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم فقال علیه السلام: كيف يوصف عبد احتجب الله عزوجل بسبع، إلخ، فيمكن أن يكون المراد بالإحتجاب بسبع: احتجاب النبي بالحجابات السبعة الإيمانية، الواردة في الروايات المروية في أصول الكافي(5) يعني : لما كان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم كاملا في درجات الإيمان بالله تعالى ، بحيث لم يكن أحد أعلى منه في الإيمان، لم يمكن لغيره و صفه، والإحاطة بكنهه وشأنه القصوره عن مقامه.
ويمكن أن يكون المراد بالسبع : السماوات السبع، يعني : كيف يوصف یا
ص: 489
عبد كان من رفعة شأنه وعلو مقامه أن رفعه الله إلى مقام لم يرفع إليه أحدا من خلقه! وعلى التقديرين فالمفعول به محذوف، يعني: كيف يوصف عبد احتجب الله إياه. ولفظة عبد قرينة على المحذوف، وحذف المفعول به كثير جدّاً،
ومنه قوله عزّ وجلّ: «اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ »(1).
هذا وقد قيل في معنى احتجب الله بسبع وجوه بعيدة ، من أراد الأطلاع عليها فليرجع إلى المجلد الثاني من مرآة العقول .(2) ، ثمّ قال ع:
وإنا لا نوصف، وكيف يوصف قوم رفع الله عنهم الرجس ! وهو الشك.
أقول: هذا بيان لرفعة شأنهم، وقصور غيرهم عن الإحاطة بكنه معرفتهم
وذلك لان کلّ مؤمن موقن غير الإمام لا يصل إلى مرتبة علم اليقين، إلا بعد طي ما دون تلك المرتبة من المراتب، وتلك المراتب تلازم الشك، نعني ما يقابل هذه المرتبة العالية، بخلاف الإمام، فإن معرفته في مرتبة عين اليقين، من حين خلقه الله تعالی شانه ، فمن هذه صفته لايحيط القاصر عن درجته بمقامه.
وأيضاً أن الأئمة علیهم السلام هم مظاهر صفات الله عزّ وجلّ، فمن هذه صفته لا يشوب وجوده شائبة شك أو وسوسة، أو خطرات قلب، في حال من الأحوال بخلاف من دونه، فلا يمكن لمن دونه الوصول إلى كنه معرفته، وحقيقة ذاته وصفته . وأما المؤمن فهكذا حاله بالنسبة إلى غيره، يعني أن غير المؤمن لم يبلغ درجة الإيمان حتّی يعرف مقام المؤمن، وكذا المؤمنون، من كان مقامه دون مقام غيره من المؤمنين، كأبي ذر بالنسبة إلى سلمان مثلا، ومن كان في الدرجة الأولى من الإيمان، بالنسبة إلى من هو في الدرجة الثانية، لا يقدر على الإحاطة بمعرفة إيمان من فوقه وإدراك مقامه. وأما قوله علیه السلام: «وإن المؤمن ليلقى أخاه) إلخ، فهو إشارة إلى علو مقام المؤم، وارتفاع شأنه، لا علة لسبب قصور غيره عن درك مقامه ، كما لا يخفى، فتأمل .
ص: 490
السادس: أن يكون المراد بالمحفوظة، التي حفظها المستودعون المستحفظون لهذه الأمانة الجليلة الإلهية في کلّ زمان،
ونعني بهم أجداد النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم إلى أبينا آدم علیه السلام، لأنهم عرفوا الواجب من حقها، فلم يؤدوها إلا إلى أهلها، أي الأرحام الطاهرة المطهرة النقية عن أدناس الشرك، وأرجاس الكفر رغما لآناف المعاندين كما لا يخفى على من لاحظ تواريخ أحوال آبائه، من أبيه عبدالله إلى أبي البشر صلوات الله عليهم أجمعين .
السابع : أن يكون المراد بالمحفوظة، التي حفظها المؤمنون، حيث جعلوها في قلوبهم، وحفظوا معرفتهم وشؤونهم في أفئدتهم، وحفظوا تلك الأمانة عن أذى المعاندين بصون أسرارهم، وحسن التقیّة في محافل أغيارهم فبذلك حفظوهم عن سوء مقاصد أعدائهم، وحفظوها عن الإندراس والإنطماس بذکر جمیل ثنائهم عند شيعتهم وأحبائهم، وبذلوا أنفسهم ومهجهم وأموالهم وذراريهم لحفظهم، وحفظ ما يتعلق بهم. وهؤلاء هم الّذين وصفهم الصادق علیه السلام
824- بقوله: «الراوية لحديثنا يشد به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد». (1)
وسنذكر جملة كافية من أخبار هذا الباب، في الباب الثامن من هذا الكتاب إن شاء الله تعالی .
الثامن: أن يكون المراد بالمحفوظة، التي جعلها الله عزّوجلّ في حفظه
ص: 491
ورعايته، فلا يقدر أحد من الخلق أن يخفض قدرهم، أو ينزلهم عن مراتبهم الخاصة، التي رتبهم الله تعالى فيها، والشؤون والمقامات التي خصهم الله تعالى بها، فقد جهدت الجبابرة في إطفاء نورهم، وإخماد ذكرهم، وأبى الله إلا أن يتم نوره.
والفرق بين هذا المعنى والمعنى الأول والرابع، أن المراد بالاول: حفظها عن الانتفاء والانعدام، حين كانت مستودعة عند الأمهات الطاهرات، والآباء العظام، إذ قد عزم الأعداء والكهنة غير مرة على قتلهم، لأجلّ إعدام تلك الأمانة الإلهية، وبالرابع : حفظها عن السنّة المعاندين والغاصبين، لأن أئمتنا صلوات الله عليهم أجمعين، مع كثرة أعدائهم وغلبتهم في أطراف الأرض، لم يقدر أعداؤهم على أن ينسبوا إليهم سوءة، أو يجعلوا بأكاذيبهم لهم نقيصة.
نعم، قد كان جماعة من الناصبين لعنة الله عليهم أجمعين يسبونهم، ويشتمونهم ويلعنونهم من غير أن ينسبوهم إلى أمر شنيع،
وهذا لا ينافي ما ذكرناه ، كما لا يخفى، بل كان أعداؤهم يعترفون بفضلهم وجلالتهم، ويذعنون بعلو قدرهم ونبالتهم، كما اعترف الأول والثاني كراراً . بفضل أمیرالمؤمنین علیه السلام وكذا معاوية ، وكذا سائر الغاصبين، بل كتب علماؤهم مملوءة من فضائل الأئمة الطاهرين، صلوات الله عليهم أجمعين .
والمراد بهذا المعنى الثامن حفظهم علیهم السلام عمن أراد حطهم عن مقامهم، كزید ابن الحسن، وعبدالله الأفطح، ومحمّد بن عبدالله، الّذي ادعى المهدوية وجعفر الكذاب، الّذي قصد الجلوس في مقر الإمامة، وأضرابهم الّذين ادعوا المقام الّذي جعله الله لأئمتنا، تمنوا منزلتهم التي خصهم الله بها، فقد أظهر الله تعالی کذب من نازعهم في هذا المقام، وأظهر معجزاتهم وعلومهم وعلو شأنهم على الأنام حتّی رجع وأرغم أنوف المفترين عند الخاص والعام.
التاسع : أن يكون المحفوظة بمعنى المخصوصة، قال في القاموس :
ص: 492
احتفظه لنفسه : خصها به، انتهى .(1)
فالمعنى: أن الله عزّ وجلّ اصطنعهم لنفسه، وخصهم بكرامته ، وجعلهم في دار الدنيا أمانة عند خلقه.
825- ويؤيد هذا الوجه ما روي عن أمیرالمؤمنین علیه السلام : نحن صنائع ربّنا والخلق بعد صنائع لنا. وفي التوقيع الشريف المروي في الإحتجاج: صنائعنا، بدون اللام، وقد مرّ معناه في الباب الثالث . (2)
826- ويؤيده أيضاً الحديث القدسي المروي في بعض الكتب المعتبرة :
قال الله عزّ وجلّ مخاطبا لنبيه صلی الله علیه وآله وسلم : عبدي خلقت الأشياء لاجلك وخلقتك لأجلي .(3)
أقول : الّذي يختلج بالبال في معنى هذا الحديث وجوه :
أحدها : أن الغرض الأولي الأصلي کان وجود محمّد صلی الله علیه وآله وسلم فهو المقصود بالاصالة دون سائر المخلوقات ، فلو لم يخلقه الله تعالى لم يخلق غيره.
والثاني: أن الله عزّ وجلّ خلق محمّداً وآله علیهم السلام لظهور قدرته، وكمال علمه لأن كمال المصنوع يدل على كمال صانعه، فظهور قدرة الله وعلمه بنحو الكمال تحقق بخلقه محمّداً والآل، ثمّ خلق سائر المخلوقات لظهور شؤونهم وكمالاتهم وقدرهم صلوات الله عليم أجمعين في جميع العوالم.
والثالث : أن الله تعالى خلق محمّداً، وآله صلوات الله عليهم أجمعين وجعلهم واسطة في جميع الفيوضات والإفاضات،
كما يدل على ذلك عبارات الزيارة الجامعة مضافاً إلى سائر الأخبار المتظافرة، بحيث لا يصل فيض إلى شيء إلا ببركتهم ووساطتهم، وحيث أن أعلى أنواع الفيض هو الوجود فقد أوجد الله عزّ وجلّ جميع من سواهم ببركتهم، ولولا ذلك لما أوجد الله تعالى أحداً.
ص: 493
827- ويحتمل أن يكون هذا أيضاً معنى قول الصادق علیه السلام- في الحديث المعروف المروي في أصول الكافي -: «خلق الله المشية بنفسها، ثمّ خلق الأشياء بالمشية». (1)
بأن يكون المراد بالمشية الحقّيقة المحمّدية صلی الله علیه وآله وسلم فإن وجوده صلی الله علیه وآله وسلم مطلوب بنفسه وبالإصالة، وخلق الله سائر المخلوقات ببركته ووساطته.
واعلم أن هذه المعاني التسعة التي ذكرناها بناء على كون المراد بالأمانة : الأمانة الإلهية، يعني أن الله تعالى جعلهم أمانة عند خلقه، وتعدد المعاني إنما نشأ من تعدد أصناف الحفظ والمحفوظية، وهذا ليس من قبيل استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى واحد، لأن الحفظ أمر كلي، يندرج فيه أصناف كثيرة فمرجع جميع تلك المعاني أنّهم علیهم السلام أمانة إلهية، حفظهم الله تعالى عزّ وجلّ بأنواع حفظه.
العاشر : أن يكون المراد بالأمانة الأمانة النبوية، يعني أن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم جعلهم أمانة عند أمته إلى يوم القيامة، وحفظها، وأمر بحفظها، وأوجب عليهم حفظها ورعايتها بما يتمكنون منه أبدا.
828- ويشهد لذلك الحديث المتفق عليه بين الفريقين :
إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، إلخ.
وهذه الوجوه العشرة ممّا ألهمني الله تعالی ببركة العترة الطاهرة، جعلني الله معهم في الدنيا والآخرة.
الحادي عشر : ما ذكره بعض العلماء وهو أن يكون المراد بالأمانة :
الولاية الكلية ، والمرتبة الرفيعة التي جعلها الله تعالى لهم، وخصهم بها كما ورد في عدة من الروايات، وهم حملتها، فيكون التعبير عنهم بالأمانة مجازاً بقرينة الحال والمحل.
ص: 494
الثاني عشر : ما احتمله بعض أصحابنا، وهو أن يكونوا هم المراد بالامانة ويكون معنى المحفوظة : المحفوظة عن التغير والفناء،
يعني أن الله عزّ وجلّ اختص أرواحهم من بين الأرواح بالحفظ عن التغير والفناء الّذي جعله لجميع الأشياء.
أقول : ويؤيد هذا الاحتمال قول الخالق المتعال : (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ *وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) (1) بضميمة الأخبار المصرحة بأنهم وجه الله :
829- منها : ما في البرهان، عن الكافي : بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام - في حدیث - قال : ونحن وجه الله نتقلب في الأرض بين أظهركم.(2)
830- وفيه، منه: عن الصادق علیه السلام مسنداً قال :
إن الله خلقنا فأحسن خلقنا، وصورنا فأحسن صورنا، وجعلنا عينه في عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ووجهه الّذي يؤتي منه ، وبابه الّذي يدل عليه، وخزانه في سمائه وأرضه،
بنا أثمرت الأشجار، وأينعت الثمار، وجرت الأنهار، وبنا ينزل غيث السماء وينبت عشب الأرض، بعبادتنا عبد الله، ولولا نحن ما عبد الله .(3)
أقول: قوله علیه السلام: بعبادتنا عبد الله (إلخ) يحتمل معنيين :
أحدهما : أن أحداً من الخلق لم يعبد الله عزّ وجلّ كما ينبغي مثل عبادتهم الان معرفتهم بالله تعالى أكمل من معرفة من سواهم، فكذا عبادتهم، لأن كمال العبادة فرع كمال المعرفة، فلولاهم ما عبد الله، وحاصل هذا المعنى حصر العبادة الكاملة لله تعالى في عبادتهم صلوات الله عليهم.
الثاني : أنهم علیهم السلام علموا العباد في جميع العوالم طريق الطاعة، وكيفية العبادة حتّی أن الملائكة تعلموا منهم التسبيح والتهليل،
ص: 495
كما مرّ في حديث نبوي ، في الباب الثالث (1)
فكان عبادتهم سببا لعبادة غيرهم، فبعبادتهم عبد الله ، وبدلالتهم عرف الله .
831- ويؤيد هذا المعنى ما رواه الصدوق رحمة الله عليه في كتاب التوحيد : عن الصادق علیه السلام أنه قال لابن أبي يعفور : يا بن أبي يعفور، نحن حجّة الله في عباده وشهداؤه على خلقه، وأمناؤه على وحيه، وخزانه على علمه، ووجهه الّذي يؤتي منه، وعينه في بريته، ولسانه الناطق، وقلبه الواعي، وبابه الّذي يدل عليه نحن العاملون بأمره، والداعون إلى سبيله ، بنا عرف الله، وبنا عبدالله ، نحن الأدلاء على الله، ولولانا ما عبد الله . (2)
تذنيب : ظاهر قوله تعالى : «كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ»(3) بضميمة الأخبار المصرحة بأن محمّداً، وآله المعصومين علیهم السلام المراد بوجه الله، وبعض آخر من الأخبار يدل على فناء جميع الأشياء عند نفخ الصور، حتّی الأرواح إلا أرواح محمّد و آله المعصومین، صلوات الله عليهم أجمعين .
وقد ذهب إلى هذا القول بعض علمائنا (رحمه الله) . ونسب العلّامة المجلسي (رحمه الله) في البحار القول بفناء جميع المخلوقات عند انقضاء العالم إلى جماعة من المتكلمين .(4) وذهب جماعة إلى بقاء الأرواح مطلقاً، والأحوط إيكال علم ذلك إلى الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين، لأنه من المسائل الأصولية، وليس في المقام دلیل قطعي يوجب الجزم بأحد من الطرفين.
832- وممّا يدل على الأول، ما في الاحتجاج: عن الصادق علیه السلام في جواب مسائل الزنديق حيث سأله: أفتتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟
قال علیه السلام: بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنی، فلا حس ولا محسوس، ثمّ أعيدت الأشياء كما بدأها مدبرها،
ص: 496
وذلك أربعمائة سنة يسبت فيها الخلق، وذلك بين النفختين، الخبر .(1)
833- وفي نهج البلاغة: في بعض خطب أمیرالمؤمنین علیه السلام قال :
وإن الله سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده لا شيء معه، كما كان قبل ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها، بلا وقت، ولا مكان، ولا حين، ولا زمان عدمت عند ذلك الآجال والأوقات، وزالت السنون والساعات،
فلا شيء إلا الله الواحد القهار ... إلخ).(2)
الأمر الثاني : في بيان وجوب حفظ الأمانة ورعايتها، وأدائها إلى أهلها، عقلا ونقاً، أما العقل : فلأن ترك حفظ الأمانة، والمسامحة في رعايتها ظلم في نظر العقل، وقبح الظلم من البديهيات عند العقلاء، كما لا يخفى .
وأما الكتاب الكريم : فقوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (3) وقوله تعالى : «وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ » (4)
وقوله تعالى : (لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكم) الآية (5) .
وأمّا الأخبار فكثيرة مذكورة في مظانها .
الأمر الثالث: في بيان كيفية الرعاية لتلك الأمانة الإلهية
فنقول: إن ذلك يحصل بأمور:
منها: المحبّة لهم علیهم السلام في القلب، والاعتقاد بولايتهم، ووجوب إطاعتهم، وهذه الرعاية القلبية التي لا عذر لأحد في تركها في حال من الأحوال
ومنها: التمسك بملازمتهم ومتابعتهم، صلوات الله عليهم، في کلّ ما أمروا به أو نهوا عنه، والتأسي بهم، وهذا هو الغرض من نصب الإمام علیه السلام.
ومنها : بذل الوسع فيما يحصل به دفع الأذى عنهم، ويكون مقدمة حفظهم أو حفظ أعراضهم وأسرارهم، وأهلهم ومالهم وأولادهم، وشيعتهم، وکلّ ما
ص: 497
يتعلق بهم، وينتسب إليهم،
وهذا هو الّذي شرع له التقنية، مع ما ورد فيها من الأوامرّ الأكيدة .
ومنها : بذل الوسع في إيصال المنافع إليهم، بما أوجب الله عليه أو ندب إليه
ومنها : بیان حقیقتهم وإمامتهم وفضائلهم، وضلالة مخالفيهم لمن له أهلية ذلك، وكتمانه عمن يجب الكتمان عنه.
ومنها: إظهار المحبة القلبية بما يصدر من الجوارح البدنية لسانا ويداً وغيرهما، إلى غير ذلك من أقسام الرعاية ، والنصرة الداخلة في عموم ما ذكرناه
الأمر الرابع : في بيان كون الدعاء لمولانا صاحب الزمان، ومسألة تعجيل فرجه وظهوره من القادر المنّان من مصادیق ذاك العنوان،
وهو واضح لا يكاد يحتاج إلى البيان، إذ لا يخفی کون هذا الدعاء أسوة بالحجج الأصفياء، ونصرة باللسان وتمسكاً بطريقة الأولياء ،
وفيما ذكرناه ذكرى لمن ألقى السمع وهو شهيد .
زيادة إشراق نور الإمام في قلب الداعي له بتعجيل الفرج، ودفع الشدة والحرج، وهذا المرام يتضح بذكر أمور ثلاثة :
الأول : أنه لا ريب في تنقل حالات القلب وتغيرها بسبب ما يرد عليها من الأعمال الصادرة عن الإنسان، وهذا أمر واضح بالوجدان، مضافاً إلى ما يدل عليه من آيات القرآن، والأحاديث المروية عن أهل الذكر والتبيان، قال الله عزّ وجلّ في وصف أهل الإيمان : «الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ» (1)وفي وصف أهل الكفر والطغيان (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ) (2)
والآيات الدالة على المقصود كثيرة .
ص: 498
834- وعن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : تلاقوا وتذاكروا وتحدثوا، فإن الحديث جلاء للقلوب، إن القلوب ترین (1) كما يرين السيف .(2)
والأخبار في هذا الباب لا تحصى والغرض الإشارة .
الأمر الثاني : كلما كان العمل الصالح عند الله تعالى أجلّ وأعظم كان أثره في إضاءة القلب أشد وأتم، ولهذا ترى أنه لا شيء بعد معرفة الله تعالى ومعرفة النبیّ أعظم أثرا في ذلك من محبة أمیرالمؤمنین وأولاده الطاهرین صلوات الله عليهم أجمعين، وولايتهم.
835- ولهذا قال مولانا أبو جعفر علیهم السلام لابي خالد الكابلي في الحديث المروي في أصول الكافي : والله يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم والله ينورون قلوب المؤمنين، ويحجب الله عزّ وجلّ نورهم عمن يشاء، فتظلم قلوبهم.
والله يا أبا خالد، لا يحبنا عبد ويتولانا حتّی يطهر الله قلبه، ولا يطهر الله قلب عبد حتّی يسلم لنا، ويكون سلماً، فإذا كان سلما لنا سلمه الله من شدید الحساب، وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر . (3)
836- وممّا يشهد لما ذكرناه ما في الخرائج: عن أبي بصير قال : دخلت المسجد مع أبي جعفر علیه السلام والناس يدخلون ويخرجون، فقال لي : سل الناس هل يروني؟ فکلّ من لقيته قلت له: أرأيت أبا جعفر علیه السلام؟ فيقول: لا، وهو واقف، حتّی دخل أبو هارون المكفوف، قال : سل هذا، فقلت:
هل رأيت أبا جعفر علیه السلام؟ فقال : أليس هو بقائم (4) ؟ قلت : وما علمك؟
قال : وكيف لا أعلم وهو نور ساطع.(5)
الأمر الثالث : قد ظهر من جميع ما ذكرناه ونذكره في هذا الكتاب عظمة
ص: 499
شأن هذا العمل الشريف، أعني الإهتمام والمداومة في الدعاء لمولانا الغائب عن الأبصار عند الخالق الجبار، بحسب ما استفدناه من الآيات والأخبار، وما يترتب عليه من الفوائد والآثار، فلا ريب بعد ذلك عند أحد، فيكون سببا لزيادة إشراق نور الإمام في قلب الداعي، بسبب كمال إيمانه، بهذه العبادة الجليلة و وإحسانه إلى مولاه بحسب وسعه في الحقّيقة، فهو يوجب توجه الإمام إليه وإشراق نوره في قلبه إن شاء الله تعالی.
أن الإهتمام والمدوامة في الدعاء له وبتعجيل فرجه وظهوره يوجب طول العمر، وسائر ما يترتب على صلة الأرحام من الآثار والفوائد العظام إن شاء الله تعالی.
837- ويدل على ذلك بالخصوص ما ورد في فضل دعاء منصوص، ففي مکارم الاخلاق: روي أن من دعا بهذا الدعاء عقيب کلّ فريضة، وواظب على ذلك عاش حتّی يمل الحياة، ويتشرف بلقاء صاحب الامرّ عجلّ الله تعالی فرجه
وهو: «اللّٰهُمَّ صَلِّ عَلیٰ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ.اللّٰهُمَّ إنَّ رَسولَکَ الصّادِقَ المُصَدَّقَ صَلَواتُکَ عَلَیهِ وَآلِهِ قالَ: إنك قلت: مَا تَرَدَّدْتُ فِی شَیْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ مِثْلَ تَرَدُّدِی فِی قَبْضِ نَفْسِ اَلْمُؤْمِنِ یَکْرَهُ اَلْمَوْتَ وَ أَکْرَهُ مَسَاءَتَهُ
اللّٰهُمَّ فَصَلِّ عَلیٰ مُحَمَّدٍ وَآلِ محمّدٍ، وَعَجِّلْ لِولیّکَ الفَرَجَ وَالنَّصرَ وَالعافِیَهَ، وَلا تَسُؤْنی فی نَفسی، وَلا فی - فلان»، قال : وتذكر من شئت . (1)
فإن قلت : ما وجه الدلالة على كون هذا الدعاء دعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه ؟
قلت : وجه الدلالة على ذلك ما ذكرناه في الباب الرابع، في حرف الفاء من
ص: 500
أنّ بفرجه وظهوره يكون فرج جميع أولياء الله وعافيتهم ونصرتهم
مضافاً إلى أنه ورد في بعض الروايات هكذا: وعجلّ لوليك الفرج (إلخ).
إذ لا ريب عند المتتبع في الروايات المروية عن الأئمة علیهم السلام ، والأدعية المأثورة عنهم، أن المقصود من الولي عند الإطلاق، في مثل هذا المقام، هو : خصوص مولانا صاحب الزمان علیه السلام، وإن شئت فارجع إلى دعاء مولانا أبي الحسن الرضاع علیه السلام له صلوات الله عليهما ، والدعاء المروي بعد صلاة الليل، وزيارة يوم الجمعة، وغيرها من الدعوات والزيارات كي يتضح لك صحة ما ادعيناه .
فإن قلت : يحتمل أن يكون المراد بالولي هنا المؤمن، لأن إطلاق الولي عليه أيضاً كثير شائع في الروايات؟
قلت : هذا احتمال بعيد، وتوجيه غير سديد، لأن ما ذكرناه مؤيد بوجوه،
منها: ما ورد في فضل هذا الدعاء، من كونه موجباً للتشرف بلقاء صاحب الأمر علیه السلام إذ لا يخفى على العارف بأساليب الدعوات وخصوصياتها أن ترتب هذا الأثر إنما هو لكونه دعاء في حقّ صاحب الامرّ صلوات الله عليه.
ومنها : ما يستفاد من بعض الأدعية كدعاء يوم عرفة من الصحيفة المباركة السجادية، وبعض الروايات المأثورة، أن من آداب الدعاء تقديم الدعاء في حق صاحب الأمر، بعد الثناء على الله تعالى، والصلاة على رسوله وآله علیهم السلام على الدعاء لنفسك، وهذا الدعاء الشريف قد وقع بهذا الترتيب.
ومنها : أن المعهود من الدعاء بالفرج والنصر والعافية في الدعوات المأثورة قد وقع غالبا لمولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه ، فمن ملاحظة جميع ما ذكرناه يطمئن المستأنس بكلماتهم علیهم السلام بل يقطع بأن المراد بالولي في هذا الدعاء هو خصوص مولانا الغائب عن الأبصار، عجلّ الله تعالی فرجه ،
مضافاً إلى أن اهتمامهم بالدعاء للحجّة عجلّ الله تعالی فرجه عقيب صلواتهم يؤيد كونه المراد بالولي في هذا الدعاء أيضاً، هذا كله على رواية
ص: 501
«الولي» وأما على رواية «الأولياء» فهو أيضاً دعاء بتعجیل فرجه وظهوره، إذ به يتحقق الفرج الحقيقي الكلي لجميع أولياء الله تعالى، كما قدمنا فتدبر هذا.
وأما قوله : «ما ترددت في شيء أنا فاعله» إلخ، فسنذكر شرحه وتوجيهه في الباب الآتي إن شاء الله تعالى، مع ذکر سند الدعاء المذكور على النحو المأثور .
ويدل على المقصود أيضاً بالعموم، ما ورد في فضل صلة الأرحام والإحسان إلى القرابات من كونه موجبا لطول العمر، وبضميمة ما ورد في الروايات من أفضلية صلة قربى النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأمیرالمؤمنین علیه السلام من صلة القرابة النسبية، فإذا كان الإحسان إلى القرابات النسبية موجباً لطول العمر، فالإحسان إلى قربي النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم يوجبه بطريق أولى، وليس في قربى النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وأمیرالمؤمنین علیه السلام أفضل من مولانا صاحب الزمان، فهو من أعظم مصادیق ذاك العنوان .
فهاهنا مواضع من الكلام:
أحدها : في بيان إيجاب صلة الرحم لطول العمر .
والثاني : في كون صلة رحم النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم آكد وأفضل في هذا الباب .
والثالث: في بيان كون الدعاء صلة وإحسانا .
838- أما الأول : فيدل عليه ما في أصول الكافي : بسند صحيح، عن محمّد بن عبيد الله قال : قال أبو الحسن الرضا علیه السلام:
يكون الرجل يصل رحمه فيكون قد بقي من عمره ثلاث سنين، فيصيرها الله ثلاثين سنّة، ويفعل الله ما يشاء . (1)
839- وفيه : بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام قال : صلة الأرحام تزكي الأعمال وتنمي الأموال، وتدفع البلوى، وتيستر الحساب، وتنسئ في الأجلّ . (2)
840- وفيه : بسند آخر، عنه علیه السلام قال : صلة الأرحام تحسن الخلق وتسمح
ص: 502
الكفّ، وتطيّب النفس، وتزيد في الرزق، وتنسئ في الأجلّ .(1)
841- وبسند آخر، عنه علیه السلام قال : صلة الأرحام تزكي الأعمال، وتدفع البلوى، وتنمي الأموال، وتنسئ له في عمره، وتوسع له في رزقه، وتحبب في أهل بيته، الخبر . (2)
842- وفيه : بسنده عن الصادق علیه السلام قال :
صلة الرحم وحسن الجوار عمران الديار، ويزيدان في الأعمّار .(3)
843- وبسند آخر، عنه علیه السلام قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
من سره النساء (4)في الأجل، والزيادة في الرزق، فليصل رحمه . (5)
844- وبسند آخر، عنه أيضاً، قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
إن القوم ليكونون فجرة ولا يكونون بررة، فيصلون أرحامهم، فتنمی أموالهم، وتطول أعمّارهم، فكيف إذا كانوا أبرار بررة .(6)
إلى غير ذلك من الأخبار التي يطول الكتاب بذكرها، والغرض الإشارة .
وأما الكلام في الموضع الثاني، وهو ترتب تلك الآثار على صلة أقارب النبي وأمیرالمؤمنین علیهماالسلام بنحو أكمل وطريق أولى فيدل عليه:
845- ما في الكافي أيضاً : بسند صحيح عن عمر بن یزید، قال :
قلت لأبي عبدالله علیه السلام : «الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ » (7)
قال : نزلت في رحم آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم وقد تكون في قرابتك ، ثمّ قال :
فلا تكوننّ ممّن يقول للشيء إنّه في شيء واحد.(8)
ص: 503
846- وفيه : عن الرضا علیه السلام قال :
إن رحم آل محمّد، الأئمة علیهم السلام المعلقة بالعرش، تقول: اللهمّ صل من وصلني، واقطع من قطعني، ثمّ هي جارية بعدها في أرحام المؤمنین،
ثمّ تلا هذه الآية : «وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ» (1).(2)
847- وفي تفسير الإمام مولانا أبي محمّد الحسن العسكري علیه السلام قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : من راعی حقّ قرابات أبويها أعطي في الجنّة ألف درجة بعد ما بين کلّ درجتين حضر (3) الفرس الجواد المضمر(4) مائة ألف سنة،
إحدى الدرجات من فضة، والأخرى من ذهب، والأخرى من لؤلؤ والأخرى من زمرد، والأخرى من زبرجد، والأخرى من مسك ، والأخرى من عنبر، والأخرى من کافور، فتلك الدرجات من هذه الأصناف،
ومن راعی حقّ قربی محمّد وعليّ أوتي من فضائل الدرجات وزيادة المثوبات، على قدر فضل محمّد وعليّ على أبوي نفسه .
وقالت فاطمة علیهاالسلام لبعض النساء : إرضي أبوي دين محمّداً وعليا بسخط أبوي نسبك، ولا ترضي أبوي نسبك بسخط أبوي دينك،
فإن أبوي نسبك إن سخطا أرضاهما محمّد وعليّ بثواب جزء من ألف ألف جزء من ساعة من طاعاتهما، وإن أبوي دينك إن سخطا لم يقدر أبوا نسبك أن پر ضیاهما، لأن ثواب طاعات أهل الدنيا كلهم لا يفي بسخطهما .
وقال الحسن بن عليّ علیه السلام : عليك بالإحسان إلى قرابات أبوي دينك محمّد وعلي، وإن أضعت قرابات أبوي نسبك، وإياك وإضاعة قرابات أبوي دينك بتلافي قرابات أبوي نسبك، فإن شکر هؤلاء إلى أبوي دين محمّد وعليّ أثمر لك من شکر هؤلاء إلى أبوي نسبك،
ص: 504
إن قرابات أبوي دينك إذا شکروك عندهما بأقل قليل، فنظرهما لك يحط عنك ذنوبك، ولو كانت ملء ما بين الثرى إلى العرش، وإن قرابات أبوي نسبك إن شکروك عندهما وقد ضيعت قرابات أبوي دينك لم يغنيا عنك فتيلاً .(1)
وقال عليّ بن الحسين علیه السلام: إن حقّ قرابات أبوي ديننا محمّد وعليّ صلوات الله عليهما وأوليائهما أحقّ من قرابات أبوي نسبنا، إن أبوي ديننا يرضیان عنّا أبوي نسبنا، وأبوي نسبنا لا يقدران أن يرضيا عنا أبوي ديننا محمّد وعليّ علیه السلام.
وقال محمّد بن عليّ علیه السلام: من كان أبوا دينه محمّد وعلى آثر لديه ، وقراباتهما أكرم عليه من أبوي نسبه (2) وقراباتهما،
قال الله تعالى : فضلت الأفضل، لأجعلنك الأفضل، وآثرت الأولى بالإيثار، لأجعلك بدار قراري ومنادمة أوليائي أولى .
وقال جعفر بن محمّد علیه السلام: من ضاق عن قضاء [حق] قرابة أبوي دينه وأبوي نسبه، وقدح کلّ واحد منهما في الآخر، فقدم قرابة أبوي دينه على قرابة أبوي نسبه قال الله عزّ وجلّ يوم القيامة : كما قدم قرابة أبوي دينه فقدموه إلى جناني، فيزداد فوق ما كان أعد له من الدرجات ألف ألف ضعفها.
وقال موسی بن جعفر علیه السلام [و] قد قيل له: إن فلاناً كان له ألف درهم عرضت عليه بضاعتان يشتريهما لا تتسع بضاعته لهما، فقال :
أيهما أربّح لي؟ فقيل له : هذا يفضل ربّحه على هذا بألف ضعف .
قال علیه السلام : أليس يلزم في عقله أن يؤثر الأفضل؟ قالوا: بلى،
قال علیه السلام: فهكذا إيثار قرابة أبوي دين محمّد وعليّ علیهماالسلام أفضل ثواباً بأكثر من ذلك ، لأن فضله على قدر فضل محمّد وعليّ علیهماالسلام أبوي نسبه .
وقيل للرضا علیه السلام : ألا نخبرك بالخاسر المتخلف ؟ قال : من هو؟ قالوا: فلان باع دنانيره بدراهم أخذها، فرد ماله من عشرة آلاف دينار إلى عشرة آلاف
ص: 505
درهم عنده، قال علیه السلام: بدرة باعها بألف درهم [زيف] ألم يكن أعظم تخلفا وحسرة؟ قالوا: بلى، قال : ألا أنبئكم بأعظم من هذا تخلفاً و حسرة؟
قالوا: بلى، قال : أرأيتم لو كان له ألف جبل من ذهب باعها بألف حبة من زيف، ألم يكن أعظم تخلفاً وأعظم من هذا حسرة؟ ! قالوا: بلى،
قال : أفلا أنبئكم بمن هو أشد من هذا تخلفاً وأعظم حسرة؟ قالوا: بلى،
قال : من آثر في البر والمعروف [ قرابة أبوي نسبه] على قرابة أبوي دينه محمّد وعليّ [ علیهماالسلام ] لأن فضل قرابات محمّد وعليّ أبوي دينه على قرابات [أبوي] نسبه أفضل من فضل جبل ذهب على ألف حبة زائف .
وقال محمّد بن عليّ الرضا علیه السلام:
من اختار قرابات أبوي دينه محمّد وعليّ علیهماالسلام على قرابات أبوي نسبه اختاره الله تعالى على رؤوس الأشهاد يوم التناد و شهره بخلع کراماته، وشرفه بها على العباد، إلا من ساواه في فضائله وأفضاله . (1)
وقال عليّ بن محمّد علیه السلام: إن من إعظام جلال الله إيثار قرابة أبوي دينك محمّد وعليّ على قرابة أبوي نسبك، وإن من التهاون بجلال الله إيثار قرابة أبوي نسبك على قرابة أبوي دين محمّد وعليّ علیهماالسلام .
وقال الحسن بن عليّ علیه السلام : إن رجلا جاع عياله، فخرج يبغي لهم مايأكلون فکسب درهما، فاشتری به خبزاً وإداماً، فمرّ برجل وامرأة من قرابات محمّد وعليّ علیهماالسلام فوجدهما جائعين، فقال : هؤلاء أحقّ من قراباتي، فأعطاهما إياهما ولم يدر بماذا يحتج في منزله.
فجعل يمشي رويداً يتفكر فيما يعتل به عندهم، ويقول لهم ما فعل بالدرهم إذ لم يجئهم بشيء، فبينا هو متحير في طريقه إذا بفيج يطلبه، فدل عليه، فأوصل إليه كتابا من مصر، وخمسمائة دينار في صرة، وقال : هذه بقية حملته إليك من
ص: 506
مال ابن عمك مات بمصر، وخلف مائة ألف دينار على تجار مكة والمدينة وعقارا كثيراً، ومالا بمصر بأضعاف ذلك، فأخذ الخمسمائة دينار، ووسع على عياله، ونام ليلته، فرأى رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعليا علیه السلام فقالا له:
كيف ترى إغناءنا لك بما آثرت قرابتنا على قرابتك .
ثمّ لم يبق بالمدينة ولا بمكة ممن عليه شيء من المائة ألف دينار إلا أتاه محمّد وعليّ علیهماالسلام في منامه، وقالا له: إما بگرت بالغداة على فلان بحقه من میراث ابن عمه، وإلا بکّرنا عليك بهلاكك واصطلامك، وإزالة نعمك، وإبانتك من حشمك فأصبحوا كلهم وحملوا إلى الرجل ما عليهم، حتّی حصل عنده مائة ألف دينار، وما ترك أحد بمصر ممن له عنده مال، إلآ وأتاه محمّد وعليّ علیهماالسلام في منامه، وأمراه أمر تهدد بتعجيل مال الرجل، أسرع ممّا يقدر عليه،
وأتى محمّد وعليّ علیهماالسلام هذا المؤثر لقرابة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في منامه، فقالا له : كيف رأيت صنع الله بك؟ قد أمرنا من في مصر أن يعجّل إليك مالك، وأمرنا حاكمها أن يبيع عقارك وأملاكك ويستفيج إليك بأثمانها (1)لتشتري بدلها من المدينة ، قال : بلی.
فأتی محمّد وعليّ علیهماالسلام حاكم مصر في منامه، فأمراه ببيع عقاره والسفتجة بثمنه إليه ، من تلك الأثمان ثلاثمائة ألف دينار، فصار أغنى من بالمدينة ،
ثمّ أتاه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال : يا عبد الله، هذا جزاؤك في الدنيا على إيثار قرابتي على قرابتك، ولأعطينّك في الآخرة بدل کلّ حبة من هذا المال في الجنّة ألف قصر، أصغرها أكبر من الدنيا، مغرز إبرة منها خير من الدنيا وما فيها .(2)
الموضع الثالث: في بيان كون الدعاء صلة وإحسانا
وتقريره : أن الإحسان والصلة يحصل بأمرين:
ص: 507
أحدهما: إيصال المنفعة إلى الغير .
الآخر : دفع المضرة عنه، وهذان الأمران يحصلان بالدعاء .
أما الأول : فلان من جملة المنافع العظيمة الجليلة : الإحترام، ولا شك في أن الدعاء نوع منه، وأيضاً فقد تقدم أن الدعاء بتعجيل ظهوره صلوات الله عليه بالشروط المقررة يكون سببا لتقدمه واستباقه، وبه يظهر کلّ خير، ويرفع كل ضير، وأيضاً فإن من آثار الدعاء مسيرة المدعو له، والسرور من المنافع الجليلة .
وأما الثاني: فلأنك قد عرفت تأثير الدعاء في تقدم زمان ظهوره صلوات الله عليه وبه يندفع عنه وعن شيعته الكربّ والهم والغم والضيق، بل لنفس الدعاء تأثیر في اندفاع الهم والغم إلى غير ذلك ممّا لا يخفى على العارف السالك.
848- وممّا يدل على أن الإعانة والإحترام باللسان يكون من مصاديق الصلة والإحسان ما روي في المجلد الحادي عشر من البحار : مسنداً عن جابر ، عن أبي جعفر علیه السلام قال : دخلت عليه فشكوت إليه الحاجة ، قال : فقال : يا جابر ، ما عندنا درهم فلم ألبث أن دخل عليه الكميت، فقال له : جعلت فداك، إن رأيت أن تأذن لي حتّی أنشدك قصيدة، قال : فقال : أنشد، فأنشده قصیدة،
فقال علیه السلام : يا غلام، أخرج من ذاك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت .
قال : فقال له: جعلت فداك، إن رأيت أن تأذن لي أنشدك قصيدة أخرى قال: أنشد فأنشده أخرى، فقال علیه السلام: يا غلام، أخرج من ذلك البيت بدرة فادفعها إلى الكميت، قال : فأخرج بدرة، فدفعها إليه . قال : فقال له : جعلت فداك، إن رأيت أن تأذن لي أنشدك ثالثة، قال له : أنشد، فأنشده فقال : يا غلام أخرج من ذلك البيت بدرة، فادفعها إليه، قال : فأخرج بدرة، فدفعها إليه .
فقال الكميت : جعلت فداك، والله ما أحبكم لغرض الدنيا، وما أردت بذلك إلا صلة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وما أوجب الله على من الحقّ، قال :
فدعا له أبو جعفر علیه السلام ثمّ قال : يا غلام، ردها مكانها، قال : فوجدت في
ص: 508
نفسي، وقلت : قال لي: ليس عندي درهم وأمر للكميت بثلاثين ألف درهم.
قال : فقام الكميت وخرج، قلت له: جعلت فداك ، قلت: ليس عندي درهم، وأمرت للكميت بثلاثين ألف درهم ! فقال لي: يا جابر، قم وادخل البيت، قال : فقمت، ودخلت البيت، فلم أجد منه شيئا.
قال : فخرجت إليه ، فقال لي: يا جابر، ما سترنا عنكم أكثر ممّا أظهرنا الكم، فقام فأخذ بيدي، وأدخلني البيت، ثمّ قال : وضرب برجله الأرض، فإذا شبيه بعنق البعير، قد خرجت من ذهب، ثمّ قال لي: يا جابر، أنظر إلى هذا ولاتخبر به أحداً إلآ من تثق به من إخوانك، إن الله أقدرنا على ما نريد، ولو شئنا أن نسوق الأرض بأزمتها لسقناها، إنتهى الحديث الشريف . (1)
وجه الدلالة : أنه قد جعل المدح باللسان صلة لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وقرره الإمام على ذلك، وهكذا الدعاء للإمام علیه السلام، لأنّه أيضاً إحسان واحترام،
وسيأتي فيما يأتي ما يدل على المرام، والله العاصم وهو ولي الإنعام .
أن الدعاء بتعجيل فرجه وظهوره تعاون على البر والتقوى، وقد أمر الله عزّوجلّ به في قوله تعالى : « وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى »(2).
أنه يوجب نصر الله تعالى للداعي، والغلبة على الأعداء ،
ويدل على ذلك قوله تعالى :« وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ » (3)
وقوله تعالى : « إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ »(4).
وتقريب الاستدلال : أنه لا ريب في عدم حاجة الربّ تبارك وتعالى شأنه إلى
ص: 509
نصرة أحد من المخلوقين، فالمراد بالنصر الّذي أمرهم به أن ينصروا أولياءه علیهم السلام و حيث كان الدعاء بتعجيل ظهور صاحب الزمان علیه السلام من أقسام النصرة باللسان صار من مصادیق ذاك العنوان، والأخبار الشاهدة لكون النصر باللسان من أقسام النصر المأمور به المندوب إليه كثيرة:
849-منها: ما في فوائد المشاهد : عن مولانا المظلوم أبي عبدالله الحسين عليه الصلاة والسلام، أنه قال في ليلة عاشوراء:
فقد أخبرني جدي أن ولدي الحسين علیه السلام يقتل بطف كربلاء غريباً وحيداً عطشاناً، فمن نصره فقد نصرني، ونصر ولده القائم علیه السلام ، ومن نصرنا بلسانه فإنّه في حزبنا في يوم القيامة.
850- ومنها : قول مولانا الرضا عليه الصلاة والسلام لدعبل :
مرحبا بناصرنا بيده ولسانه . (1)
851- ومنها : ما في وصية مولانا الصادق جعفر بن محمّد علیه السلام لعبدالله بن جندب: يا بن جندب إن لله تبارك وتعالى سوراً من نور، محفوفاً بالزبرجد والحرير منجداً بالسندس والديباج، يضربّ هذا السور بين أوليائنا وبين أعدائنا، فإذا غلى الدماغ، وبلغت القلوب الحناجر، ونضجت الأكباد من طول الموقف، أدخل في هذا السور أولياء الله، فكانوا في أمن الله وحرزه، لهم « وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ » (2). وأعداء الله قد ألجمهم العرق، وقطعهم الفرق، وهم ينظرون إلى ما أعد الله لهم، فيقولون: « مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ»(3) فينظر إليهم أولياء الله يضحكون منهم، فذلك قوله عزّ وجلّ : (أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ)(4) وقوله : (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ)(5) فلا يبقى أحد ممن أعان مؤمنا من أوليائنا
ص: 510
بكلمة إلا أدخله الله الجنّة بغير حساب (1)والشاهد آخر الحديث، إلى غير ذلك .
الإهتداء بنور کتاب الله المبين، لإن الدعاء له كما ذكرنا يوجب ازدیاد إشراق الأنوار الإلهية في القلب، وإذا أشرقت أرض القلب بنور ربّها اهتدى الإنسان بنور کلام الله المجيد، بنحو لا يعتدي به غيره، وفهم منه ما لا يفهمه غيره، وجعل القرآن على داء قلبه فيكون له شفاء ورحمة .
وأيضاً لا ريب في أنه كلما كان الإيمان أكمل وأتم، کان انتفاع الإنسان بفوائد القرآن أكثر وأعظم، كما أن الشخص إذا كان مزاجه صحيحاً ينتفع ويلتذّ بالأغذية الطيبة اللذيذة، وإذا فسد مزاجه لم يكن لها تأثير في بدنه، بل يكون ضاراً مؤذياً له، حتّی يعالج مزاجه، ويصلحته بإزالة مواد الأمراض، فكلما ضعف سوء المزاج، حصل آثار الأغذية الطيبة اللذيذة في البدن شيئا فشيئا، حتّی إذا ارتفعت أسباب المرض بالكلية ، ظهر جميع آثار الأغذية الطيبة ومنافعها في البدن، وكذلك القلب، إذا ارتفع عنه الطبع والرين والشك بنور الإيمان، ظهر آثار هداية القرآن ، وكلما كمل الإيمان ازداد صاحبه بصيرة وعلما وانتفاعاً واهتداء بالقرآن، قد قال الله عزّ وجلّ في بيان ذلك : «./».(2) وحيث بينا فيما سبق أن الاهتمام في الدعاء لمولانا صاحب الزمان ممّا يوجب كمال الإيمان، فيترتب عليه الاهتداء الكامل بالقرآن، والله الموفق وهو ولي الإحسان، ويشهد لما ذكرناه أيضاً قوله عزّ وجلّ: «ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ» (3):
852- فقد روي في كمال الدين : عن الصادق علیه السلام في قول الله عزّ وجلّ: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) (4)
ص: 511
قال:من آمن (1)بقيام القائم أنه حق. (2)
853- وفيه : في رواية أخرى عنه علیه السلام، قال : والغيب فهو الحجّة الغائب، وشاهد ذلك قول الله عزّ وجلّ: («وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ * فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) (3). (4)
ووجه الاستشهاد: كون الداعي مصداقا لمن آمن بقيام القائم أنه حق والدليل على ذلك دعاؤه كما لا يخفى .
هذا، وقد ذكرنا في كتاب أبواب الجنات في هذا المقام مايزيل الأسقام.
أنّه يصير معروفاً عند أصحاب الأعراف، بنصرتهم، فيشفعون له فيدخل الجنّة بشفاعتهم، قال الله عزّ وجلّ: (وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ) الآية (5): والكلام هنا في ثلاثة أمور:
854- أحدها: معنى الأعراف : روى عليّ بن إبراهيم القمي (رحمه الله) في تفسيره : بسند صحيح عن أبي عبدالله علیه السلام قال : الأعراف : كثبان بين الجنّة والنار، والرجال : الأئمة صلوات الله عليهم، الخبر .(6)
الثاني : في بيان المراد من هؤلاء الرجال الواقفين على الأعراف، قد عرفت في رواية عليّ بن إبراهيم أنهم الأئمة صلوات الله عليهم .
855- ويدل عليه أيضاً ما روي في مجمع البيان : عن أبي جعفر الباقر علیه السلام قال : هم آل محمّد علیهم السلام لا يدخل الجنّة إلا من عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه .(7)
ص: 512
856-وما في تفسير البرهان : عنه علیه السلام قال : نحن أولئك الرجال ، الأئمة منا يعرفون من يدخل النار ومن يدخل الجنّة ، كما تعرفون في قبائلكم الرجل منکم فيعرف من فيها من صالح أو طالح .(1)
857- وفيه أيضاً: مسنداً عن الباقر والصادق علیهماالسلام جلّ في قول الله عزّ وجلّ : «وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم »که قال : هم الأئمة علیهم السلام . (2)
858- وفيه : بإسناد صحيح عن برید بن معاوية العجلي (رحمه الله) قال :
سألت أبا جعفر علیه السلام عن قول الله عزوجل: «وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ» قال علیه السلام: نزلت في هذه الأمّة، والرجال : هم الأئمة من آل محمّد قلت: فما الأعراف؟ قال : صراط بين الجنّة والنار، فمن شفع له الإمام (3)منا۔ من المؤمنين المذنبین - نجا، ومن لم يشفع له هوى (4).
والروايات في ذلك كثيرة، ولا تنافي بين هذا الخبر وخبر عليّ بن إبراهيم القمي في معنى الأعراف، كما لا يخفى .
الثالث: في بيان كون الدعاء لمولانا صاحب الزمان علیه السلام موجباً لشفاعة أصحاب الأعراف :
859- روي في مجمع البيان : مرفوعاً إلى الأصبغ بن نباتة، قال : كنت جالساً عند عليّ علیه السلام، فأتاه ابن الكوا، فسأله عن هذه الآية، فقال علیه السلام :
ويحك يا بن الكوّا، نحن نقف يوم القيامة بين الجنّة والنار، فمن نصرنا عرّفناه بسيماه فأدخلناه الجنّة، ومن أبغضنا عرّفناه بسيماه فأدخلناه النار . (5)
ص: 513
وجه الدلالة: أنك قد عرفت سابقاً أن الدعاء لمولانا صاحب الزمان من أقسام النصرة باللسان، وحيث جعل النصرة في هذه الرواية وسيلة لنيل الشفاعة والمعرفة، فيكون الداعي مشمولا لها، كما لا يخفى .
ما يترتب على طلب العلم من المثوبات الجليلة إذا قصد بطلب تعجيل ظهوره انکشاف العلوم الحقّة الحقيقية، التي لا تنكشف إلا بظهوره، كما أشرنا في حرف الكاف من الباب الرابع إليه.
الأمن من العقوبات الأخروية، وأهوال يوم القيامة ،
ويشهد لذلك آيات عديدة : منها : قوله عزّ وجلّ :
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»(1)
بناء على أن يكون المراد باليوم الآخر : زمان دولة القائم علیه السلام :
860- كما روي في أصول الكافي : عن الصادق علیه السلام في قوله تعالى :
«مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ»(2)، قال : معرفة أمیرالمؤمنین والأئمة علیهم السلام
«نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ» قال : نزيده منها قال : يستوفي نصيبه من دولتهم
(وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ)
قال علیه السلام: ليس له في دولة الحقّ مع القائم علیه السلام نصيب، انتهى . (3)
أو يكون المراد بالعمل الصالح المعرفة بالأئمة علیهماالسلام :
861- كما عن تفسير العياشي: عن الصادق علیه السلام في قوله تعالی :
ص: 514
«فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا» (1)يعني بالعمل الصالح المعرفة بالأئمة علیهم السلام . (2)
862- وعن الباقر علیه السلام في قوله تعالى : «الّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصالِحاتِ» (3)
قال : أي الّذين آمنوا بالله وبرسوله وبالأئمة علیهم السلام أولي الأمر، وأطاعوا بما أمروهم، فذلك هو الإيمان، والعمل الصالح ... الخبر. (4)
ووجه الاستشهاد : كون الداعي بتعجيل ظهور صاحب الزمان علیه السلام داخلا في کلا هذين العنوانین، كما لا يخفى على من ارتفع عن وجه قلبه حجاب الطبع والرین.
ومنها : قوله تعالى في سورة البقرة : «بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»(5)
بناء على أن يكون المراد بالمحسن : من تولى عليا علیه السلام.
863- كما روي في مشكاة الأسرار، عن تفسير العياشي وغيره: عن الباقر في قوله تعالى : «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى » (6)
قال : العدل : هو محمّد صلی الله علیه وآله وسلم فمن أطاعه فقد عدل، والإحسان: عليّ علیه السلام فمن تولاه فقد أحسن، والمحسن في الجنّة،
(وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) [فمن] قرابتنا أمر الله العباد بمودتنا وإيتائنا ... الخبر . (7)
ووجه الاستشهاد : أن الدعاء لمولانا القائم علیه السلام منبعث عن التولي القلبي الأمیرالمؤمنین علیه السلام بل هو من أوضح أقسام التولي اللساني له،
فمن دعا له فقد تولى أمیرالمؤمنین ومن تولاه فهو محسن، فيدخل في المقصودين بالآية الشريفة إن شاء الله تعالی.
ص: 515
ومنها : قوله تعالى : «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ*فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (1).
لما سيأتي من دخول الداعي للإمام القائم في الشهداء مع النبیّ وأمیرالمؤمنین علیه السلام فيفوز بجميع ما فازوا به، ومنه ما ذكره الله في تلك الآية الشريفة .
864- ومنها: قوله تعالى: «أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ » (2) بضميمة ما روي في كمال الدين : عن الصادق علیه السلام قال :
طوبى لشيعة قائمنا، المنتظرين لظهوره في غيبته، والمطيعين له في ظهوره أولئك أولياء الله الّذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، إنتهى . (3)
ووجه الاستدلال : كون الدعاء من علامات الإنتظار، كما لا يخفى على أهل الاعتبار.
ومنها: قوله تعالى في سورة الأحقاف : «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ » (4)
865- لما روي في أصول الكافي: عن محمّد بن مسلم، قال : سألت أبا عبدالله علیه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) (5)
فقال أبو عبدالله علیه السلام: استقاموا على الأئمة واحدة بعد واحد (إلخ). (6)
إذ لا ريب في دلالة الدعاء بتعجيل ظهور مولانا الغائب عن الأبصار على استقامة الداعي عليه وعلى آبائه الأئمة الأطهار . هذا ويمكن استفادة تلك المكرمة الشريفة من آيات أخر أيضاً، تركنا ذكرها خوفا من إطالة هذا المختصر
ص: 516
ويستفاد ما ذكرناه من روايات عديدة أيضاً:
866- منها: ما رواه الشيخ الثقة الجليل عليّ بن إبراهيم القمي (رحمه الله) في تفسيره : بسند صحيح عن أبي عبدالله علیه السلام في قوله تعالی :
«وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ »(1) قال : الأعراف : كثبان بين الجنّة والنار، والرجال : الأئمة صلوات الله عليهم ، يقفون على الأعراف مع شيعتهم وقد سبق (2)المؤمنون إلى الجنّة بلا حساب .
ويقول الأئمة لشيعتهم من أصحاب الذنوب:
أنظروا إلى إخوانكم في الجنّة، قد سبقوا إليها بلا حساب ، وهو قوله تبارك وتعالی : « سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ »(3)
ثمّ يقال لهم : أنظروا إلى أعدائكم في النار، وهو قوله تعالى :
«وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ - في النار - أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ - في الدنيا - وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ» (4)
ثمّ يقولون لمن في النار من أعدائهم : هؤلاء شيعتي وإخواني، الّذين كنتم أنتم تحلفون في الدنيا أن لا ينالهم الله برحمة، ثمّ يقول الائمة لشيعتهم :
أدخلوا الجنّة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون .(5)
أقول: قد دل الحديث الّذي رويناه عن أمیرالمؤمنین علیه السلام في المكرمة الثانية والثلاثين(6) على شفاعة الأئمة لمن نصرهم، وذكرنا أيضاً أن الداعي لمولانا صاحب الزمان علیه السلام داخل في ذاك العنوان، فيدخل بشفاعتهم في الّذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ص: 517
البشارة والرفق عند الموت ويشهد لذلك الروايات .
867- منها: الحديث الشريف المروي في تفسير الإمام علیه السلام قال :
إن المؤمن الموالي لمحمّد وآله الطيبين، المتخذ لعليّ بعد محمّد إمامه الّذي يحتذي مثاله وسیّده الّذي يصدق أقواله، ويصوب أفعاله، ويطيعه بطاعة من يندبه من أطائب ذريته لأمور الدين وسياسته ، إذا حضره من أمر الله ما لا يرد ونزل به من قضائه ما لا يصد، وحضره ملك الموت وأعوانه، وجد عند رأسه محمّدا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، ومن جانب آخر عليا سیّد الوصيين، وعند رجليه من جانب الحسن سبط سیّد النبيين، ومن جانب آخر الحسين سیّد الشهداء أجمعين، وحواليه بعدهم خیار خواصهم ومحبيهم، الّذين هم سادة هذه الأمة بعد ساداتهم من آل محمّد، فينظر العليل المؤمن إليهم، فيخاطبهم بحيث يحجب الله صوته عن آذان حاضريه، كما يحجب رؤيتنا أهل البيت، ورؤية خواصنا من أعينهم (1) ليكون إيمانهم بذلك أعظم ثوابا لشدة المحنة عليهم فيه .
فيقول المؤمن : بأبي أنت وأُمّي يا رسول ربّ العزة، بأبي أنت وأُمّي يا وصي رسول الرحمة، بأبي أنتما وأُمّي ياشبلي محمّد صلی الله علیه وآله وسلم وضرغامیه(2)، ويا ولديه وسبطیه، يا سيّدي شباب أهل الجنّة المقربين من الرحمة والرضوان
مرحبا بكم معاشر خيار أصحاب محمّد صلی الله علیه وآله وسلم وعليّ وولديه ، ما كان أعظم شوقي إليكم، وما أشد سروري الآن بلقائكم. یا رسول الله، هذا ملك الموت قد حضرني، ولا أشك في جلالتي في صدره، لمكانك و مكان أخيك (منّي).
فيقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : كذلك هو، فيقبل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم على ملك الموت، فيقول : يا ملك الموت، استوص بوصية الله في الإحسان إلى مولانا وخادمنا ومحبنا ومؤثرنا، فيقول له ملك الموت : یا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، مره أن
ص: 518
ينظر إلى ما أعد الله له في الجنان، فيقول له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : أنظر إلى العلو فينظر إلى ما لا تحيط به الألباب، ولا يأتي عليه العدد والحساب .
فيقول ملك الموت: كيف لا أرفق بمن ذلك ثوابه، وهذا محمّد وعترته(1)زواره؟ یا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لولا أن الله جعل الموت عقبة، لا يصل إلى تلك الجنان إلاّ من قطعها لما تناولت روحه، ولكن لخادمك ومحبك هذا أسوة بك وبسائر أنبياء الله ورسله، وأوليائه الّذين أذيقوا الموت بحكم الله تعالی.
ثمّ يقول محمّد صلی الله علیه وآله وسلم : يا ملك الموت، هاك أخانا قد سلمناه إليك، فاستوص به خيراً، ثمّ يرتفع هو ومن معه إلى روض (2)الجنان، وقد كشف عن الغطاء والحجاب لعين ذلك المؤمن العليل فيراهم المؤمن هناك بعدما كانوا حول فراشه
فيقول: يا ملك الموت الوحا الوحا (3)، تناول روحي ولا تلبثني هاهنا، فلا صبر لي عن محمّد وعترته، وألحقني بهم، فعند ذلك يتناول ملك الموت روحه فیسلّها كما يسل الشعرة من الدقيق وإن کنتم ترون أنه في شدة، فليس هو في شدة ، بل هو في رخاء ولذة ، فإذا أدخل قبره وجد جماعتنا هناك.
وإذا جاءه منكر ونكير ، قال أحدهما للآخر:
هذا محمّد وعليّ والحسن والحسين وخيار صحابتهم بحضرة صاحبنا فلنتضع(4) لهما، فيأتيان فيسلمان على محمّد صلی الله علیه وآله وسلم سلاماً مفرداً (5) ثمّ يسلمان على عليّ علیه السلام سلاماً مفرداً، ثمّ يسلمان على الحسنين علیهماالسلام سلاماً يجمعانهما فيه، ثم يسلمان على سائر من معنا من أصحابنا .
ثمّ يقولان : قد علمنا یا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم زیارتك في بخاصتك لخادمك ومولاك، ولولا أن الله يريد إظهار فضله لمن بهذه الحضرة من الملائكة ومن يسمعنا من ملائكته بعدهم، لما سألناه، ولكن أمر الله لا بد من امتثاله .
ص: 519
ثمّ يسألانه فيقولان: من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ومن إمامك؟ وما قبلتك؟ ومن إخوانك؟ فيقول: الله ربّي، ومحمّد نبيي، وعليّ وصي محمّد صلی الله علیه وآله وسلم إمامي، والكعبة قبلتي، والمؤمنون الموالون لمحمّد وعليّ وآلهما وأوليائهما والمعادون لأعدائهم إخواني.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله، وأن أخاه عليا ولي الله، وأن من نصبهم للإمامة من أطائب عترته وخيار ذريته خلفاء الأمة(1)، وولاة الحقّ، والقوامون بالعدل .
فيقولان: على هذا حييت، وعلى هذا مت ، وعلى هذا تبعث إن شاء الله وتكون مع من تتولاه في دار كرامة الله، ومستقر رحمته ... الخبر .(2)
أقول: وجه الإستشهاد بهذه الرواية الشريفة، المشتملة على مطالب لطيفة أن المؤمن يفوز بتلك الكرامات العظيمة، والمنن الجسيمة، بسبب أمور أربعة :
موالاته للنبیّ والأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين، والخدمة لهم والمحبة إليهم، وإيثارهم على من سواهم، كما يرشد إلى ذلك قوله: «في الإحسان إلى مولانا وخادمنا ومحبنا ومؤثرنا ...» إلخ.
ولاريب في اجتماع هذه الصفات الأربعة في الداعي لمولانا صاحب الزمان، لان الدعاء له نوع من الموالاة والخدمة لهم، والمحبة إليهم،
وفيه إيثارهم بالدعاء على من سواهم.
ويدل على المقصود أيضاً، جميع ما ورد من البشارات للمؤمن في الأخبار الكثيرة المروية في فروع الكافي في باب ما يعاين المؤمن والكافر عند موته» (3)
وفي البحار في المجلد الثالث منه (4) وفي غيرهما، ولنكتف بذکر حدیث واحد من الكافي، ففيه غنية للعارف السالك، ومن أراد الزيادة فليطلبها هنالك .
ص: 520
868- وهو ما رواه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن سنان(1)، عن عمّار بن مروان، قال : حدثني من سمع أبا عبدالله علیه السلام يقول:
منكم والله يقبل، ولكم والله يغفر، إنّه ليس بين أحدكم وبين أن يغتبط ويرى السرور وقرة العين إلا أن تبلغ نفسه هاهنا - وأومأ بيده إلى حلقه - .
ثمّ قال علیه السلام: إنّه إذا كان ذلك واحتضر حضره رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعليّ علیه السلام وجبرئيل وملك الموت علیه السلام فيدنو منه عليّ علیه السلام فيقول : يا رسول الله، إن هذا كان يحبنا أهل البيت، فأحبه، ويقول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : يا جبرئيل، إن هذا كان يحب الله ورسوله، وأهل بیت رسوله، فأحبه، ويقول جبرئیل لملك الموت : إن هذا كان يحب الله ورسوله، وأهل بیت رسوله، فأحبه وارفق به، فيدنو منه ملك الموت، فيقول : يا عبدالله، أخذت فكاك رقبتك؟ أخذت أمان براءتك؟ تمسكت بالعصمة الكبرى في الحياة الدنيا؟ قال : فيوفقه الله عزّ وجلّ فيقول : نعم، فيقول: وماذاك؟ فيقول: ولاية عليّ بن أبي طالب . فيقول : صدقت،
أما الّذي كنت تحذره فقد آمنك الله منه، وأما الّذي كنت ترجوه فقد أدركته، أبشر بالسلف الصالح: مرافقة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وعلي، وفاطمة علیهاالسلام.
ثمّ يسل نفسه سلا رفيقاً، ثمّ ينزل بكفنه من الجنّة، وحنوطه من الجنّة بمسك أذفر، فيكفن بذلك الكفن، ويحنّط بذلك الحنوط، ثمّ يکسي حلة صفراء من حلل الجنّة، فإذا وضع في قبره فتح الله له باباً من أبواب الجنّة يدخل عليه من روحها وريحانها.
ثمّ يفسح له عن أمامه مسيرة شهر ، وعن يمينه، وعن يساره، ثمّ يقال له: نم
ص: 521
نومة العروس على فراشها، أبشر بروح وريحان، وجنّة نعيم، وربّ غير غضبان
ثمّ يزور آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم في جنان رضوی، فيأکلّ معهم من طعامهم ، ويشربّ معهم من شرابهم، ويتحدث معهم في مجالسهم، حتّی يقوم قائمنا أهل البيت
فإذا قام قائمنا، بعثهم الله تعالى، فأقبلوا معه يلبون زمراً زمراً،
فعند ذلك يرتاب المبطلون، ويضمحل المحلون - وقليل ما يكونون - هلكت المحاضير ، ونجا المقربون، من أجلّ ذلك قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لعلي:
أنت أخي، وميعاد ما بيني وبينك وادي السلام، الخبر .(1)
ووجه الاستشهاد به للمطلوب، ما أشرنا إليه، ويأتي أن الدعاء للقائم علیه السلام وتعجیل فرجه يوجب كمال الإيمان، وثبوته إلى ذلك الآن، فيكون سببا بالواسطة للفوز بهذا الشأن مضافاً إلى أن نفس هذا الدعاء تمسك بالعصمة الكبرى، التي هي ولاية عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام،
فيكون سببا لنيل هذا المرام، والله الموفق، وهو ولي الإنعام.
869- وممّا يدل على المطلوب أيضاً، ما روي في أصول الكافي : بإسناد صحيح عن ابن أبي عمير ، عن الحكم بن مسکین، عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
من أدخل على مؤمن سروراً خلق الله عزّ وجلّ من ذلك السرور خلقا فيلقاه عند موته فيقول له: أبشر يا ولي الله بكرامة من الله ورضوان، ثمّ لا يزال معه حتّی يدخله قبره، فيقول له مثل ذلك، فإذا بعث يلقاه فيقول له مثل ذلك،
ثمّ لا يزال معه عند کلّ هول يبشره، ويقول له مثل ذلك، فيقول له: من أنت رحمك الله؟ فيقول : أنا السرور الّذي أدخلته على فلان .(2)
أقول: وجه الدلالة، أنه لا ريب في سرور مولانا صاحب الزمان وآبائه علیهم السلام بسبب دعاء أهل الإيمان بتعجیل فرجه وظهوره، صلوات الله عليه ، فيترتب عليه هذا الثواب بنحو أتم، ووجه أقوم، فتدبر .
ص: 522
إجابة دعوة الله تعالی ودعوة رسوله صلی الله علیه وآله وسلم ، قال الله عزّ وجلّ:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ » (1) الآية .
ولا ريب أن المراد بالحياة فيها : الحياة الأبدية، والعيشة المرضية، التي تحصل باتباع الرسول صلی الله علیه وآله وسلم وحيث عرفت فيما قدمنا أن جميع ما أمر به الأوصياء المعصومون، وفعلوه هو الّذي أمر الله تعالى ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم به، وعرفت وستعرف أمرهم واهتمامهم بالدعاء لمولانا صاحب الزمان، وتعجیل فرجه، وظهور أمره، لا يبقى لك تأمل في أن اهتمام العبد في ذاك الأمر الجليل استجابة لدعوة الله ورسوله صلی الله علیه وآله وسلم ، هذا مضافاً إلى أن الله عزاسمه قد أمر بهذا الأمر العظيم في مواضع من كتابه الكريم، بعناوین مختلفة في مواضع متعددة .
منها : قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » (2)، ومنها : الآيات الآمرة بفعل الخير، والاستباق إليه، والأسوة بالنبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وإظهار المودة إليه.
کون الداعي لهذا الأمر الجليل مع أمیرالمؤمنین علیه السلام في درجته يوم القيامة .
870- ويدل على ذلك ما في كمال الدين: عنه علیه السلام قال : للقائم منا غيبة أمدها طويل، كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته ، يطلبون المرعی فلايجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه، ولم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة، ثمّ قال : إن القائم منا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه . (3)
ص: 523
وتقريب الاستدلال من وجهين :
أحدهما: أن الدعاء بتعجيل ظهور مولانا صاحب الزمان علامة ثبوت الإيمان وناش عن ثبات الداعي على دينه، وإذا كان شاكاً في صدق هذا الأمر (العياذ بالله) لم يكن داعياً متضرعا لتحققه ، فيدخل في زمرة الثابتين ، الموعودين بذلك الثواب، بقوله علیه السلام: فمن ثبت منهم ....
وثانيهما : أن هذا الدعاء يصير سبباً لكمال الإيمان وثبوته للإنسان، بنجاته من فتن آخر الزمان، كما قال مولانا أبو محمّد العسكري لأحمد بن إسحاق القمي (رحمه الله) : والله، ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبته الله عزّ وجلّ على القول بإمامته ، ووفقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه ... الخبر .
وقد مرّ بطوله في الباب الرابع (1) فيكون الدعاء له سببا لكون الداعي في درجة أمیرالمؤمنین علیه السلام بواسطة كونه سبباً لثبوت الإيمان في زمن غيبة صاحب الزمان علیه السلام. هذا وممّا يؤيد كون هذا الدعاء سبباً لكمال الإيمان، أنه من أفراد النصيحة لأهل بيت النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ، وهو ممّا يوجب استكمال الإيمان :
871- كما رواه الصدوق (رحمه الله) في مجالسه : عن مولانا الكاظم علیه السلام عن آبائه، عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال : من أسبغ وضوءه وأحسن صلاته وأدى زكاة ماله، وخزن لسانه وكف غضبه ، واستغفر لذنبه وأدى النصيحة لاهل بیت رسوله صلی الله علیه وآله وسلم فقد استكمل حقاًئق الإيمان، وأبواب الجنّة مفتحة له .(2)
أن الداعي لمولانا صاحب الزمان، وبتعجیل فرجه وظهوره، أحب الخلق إلى الله تعالى، لانّه نفع عامة المؤمنين، وبه يدخل السرور على الأئمة الطاهرين وأهل بيت خاتم النبيين،
ص: 524
872- وقد روى الشيخ الأقدم ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) في أصول الكافي : بإسناده الموثق عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : الخلق عيال الله، فأحب الخلق إلى الله من نفع عیال الله، وأدخل على أهل بیت سرورا .(1)
873- وفيه : بإسناد مرسل عن أبي عبدالله علیه السلام يقول : سئل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
من أحب الناس إلى الله؟ قال صلی الله علیه وآله وسلم : أنفع الناس للناس . (2)
أقول: أما سرور النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم والأئمة علیهم السلام بالدعاء للخلف المنتظر فممّا لا خفاء فيه وأما كون هذا الدعاء نفعا لجميع المؤمنين بل جميع أهل العالم فمن وجهين
أحدهما: ما مرّ في حرف النون من الباب الرابع من انتفاع جميع أهل العالم بظهوره، صلوات الله عليه (3) فالدعاء لتعجيل ذلك نفع لهم.
والثاني : ما سيأتي في المكرمة الرابعة والأربعين، أن الله تعالى يدفع العقوبة عن أهل الأرض ببركة الداعين لفرجه وظهوره، إن شاء الله تعالى .(4)
کون الداعي له أكرم خلق الله عند النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم
ويدل على ذلك ما مرّ في المكرمة الحادية والعشرين(5)، أنه من إخوان النبي صلی الله علیه وآله وسلم لوضوح كون إخوانه أكرم الخلق عليه .
874- ويؤيده أيضاً: ما في البحار، بإسناده عن رفاعة بن موسى، ومعاوية ابن وهب، عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه يتولى وليه، ويتبرأ من عدوه، ويتولى الأئمة الهادية من قبله، أولئك رفقائي وذوو ودي ومودتي، وأكرم أمتّي على
ص: 525
قال رفاعة : وأكرم خلق الله علي، إنتهى .(1)
ووجه التأييد أن الدعاء لفرجه وظهوره وإتمام أمره، من جملة أصناف الإقتداء به .
875- كما ورد في حديث ولادته : أنه علیه السلام دعا لذلك حينئذ، فقال علیه السلام:
اللهمّ أنجز لي وعدي ، وأتمم لي أمري، وثبت وطأتي، واملأ الأرض بي عدلا وقسطا. (2)
876- وفي كمال الدين : عن عبدالله بن جعفر الحميري (رحمه الله) قال: سألت محمّد بن عثمان العمري، فقلت له: أرأيت صاحب هذا الأمر؟ فقال : نعم وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام، وهو يقول: اللهمّ أنجز لي ما وعدتني . (3)
877- وفيه أيضاً: عنه، قال : سمعت محمّد بن عثمان العمري (رحمه الله) يقول : رأيته صلوات الله عليه متعلقاً بأستار الكعبة في المستجار، وهو يقول :
اللهمّ انتقم لي من أعدائي . (4)
878- ويدل على ذلك - مضافاً إلى ما مرّ في استيجابه الشفاعة - :
ما رواه الصدوق (رحمه الله) في الخصال، مسنداً عنه صلی الله علیه وآله وسلم قال :
من يضمن لي خمساً أضمن له الجنّة .
قيل : وما هي يا رسول الله؟
ص: 526
قال صلی الله علیه وآله وسلم : النصيحة لله عزّ وجلّ (1)، والنصيحة لرسوله صلی الله علیه وآله وسلم والنصيحة لكتاب الله، والنصيحة لدين الله، والنصيحة لجماعة المسلمين .(2)
أقول: النصيحة طلب الخير، ولاريب في حصوله بأصنافه الخمسة بالدعاء التعجيل فرج مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه ، لأن بظهوره ينكشف الكربّ عن أولياء الله، وبه سرور رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، وظهور أحکام کتاب الله وغلبة دين الله وفرج جماعة المسلمين وفرجهم، كما لا يخفى .
879- ففي الإحتجاج : أنّه صلی الله علیه وآله وسلم بعد ذكر الأئمة الطاهرین علیهم السلام رفع يديه إلى السماء، وقال : اللهمّ وال من والي خلفائي، وأئمة أمتّي من بعدي، وعاد من عاداهم، وانصر من نصرهم، واخذل من خذلهم، إلخ.(3)
ولا ريب في أن الدعاء لمولانا صاحب الزمان علیه السلام موالاة ونصرة له ولجميع الأئمة الكرام عليهم الصلاة والسلام، ويأتي ما يدل عليه إن شاء الله تعالی.
880 -ويدل على ذلك ما رواه الشيخ أحمد بن فهد الحلي (رحمه الله) في عدة الداعي : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : ما جلس قوم يذكرون الله عزّ وجلّ إلا ناداهم مناد من السماء : قوموا، فقد بذلت سيئاتكم حسنات، وغفرت لكم جميعا. (4)
ص: 527
وجه الدلالة : أن الدعاء لمولانا صاحب الزمان قسم من ذكر الله ،
فکلّ مجلس دعا المؤمن فيه لمولاه فقد فاز بذكر الله،
881- ويدل على ذلك ما روي في الوسائل والكافي : عن أبي عبدالله علیه السلام قال : ما اجتمع قوم في مجلس لم يذكروا الله عزّ وجلّ ولم يذكرونا إلا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامه . ثمّ قال : قال أبو جعفر علیه السلام:
إن ذكرنا من ذكر الله، وذكر عدونا من ذكر الشيطان .(1)
أن المداومة في الدعاء لمولانا علیه السلام يكون وسيلة لأن يؤيده الله تعالى في العبادة.
882- ويدل عليه ما في عدة الداعي : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : قال سبحانه :
إذا علمت أن الغالب على عبدي الاشتغال بي، نقلت شهوته في مسألتي ومناجاتي، فإذا كان عبدي كذلك فأراد أن يسهو حلت بينه وبين أن يسهو، أولئك أوليائي حقاً، أولئك الأبطال حقاً. (2)
وتقرير الدلالة: أن الدعاء كما دلت عليه الآيات والروايات من أعظم أقسام العبادات، ولا شك أن أجلّ أنواع الدعاء وأعظمها الدعاء لمن أوجب الله تعالی حقه، والدعاء له على كافة البريات، وببركة وجوده يفيض نعمه على قاطبة المخلوقات، كما أنه لا ريب في أن المراد من الاشتغال بالله هو الاشتغال بعبادة الله، فهو الّذي يكون المداومة به سبباً لأن يؤيده الله في العبادة، ويجعله من أوليائه، فينتج : أن المواظبة في الدعاء لمولانا الحجّة، ومسألة التعجيل في فرجه وظهوره، وكشف غمه وتحصیل سروره، يوجب حصول تلك الفائدة العظيمة كما لا يخفى .
ص: 528
فاللازم على كافة أهل الإيمان أن يهتموا ويواظبوا بذلك في کلّ مكان وزمان وممّا يناسب ما ذكرناه ، ويؤيده ما ذكره الأخ الأعز الإيماني الفاضل المؤيد بالتأييد السبحاني : الاغا میرزا محمّد باقر الإصفهاني(1)، أدام الله تعالی علاه وآتاه مايتمناه في هذه الأيام ، فإنّه قال : رأيت ليلة من هذه الليالي في المنام، أو بين اليقظة والمنام، الإمام الهمام، مولى الأنام والبدر التمام، وحجّة الله على ما فوق الثرى، وما تحت الثرى، مولانا الحسن المجتبى عليه الصلاة والسلام،
فقال ما معناه : قولوا على المنابر للناس وأمروهم أن يتوبوا، ويدعوا في فرج الحجّة علیه السلام وتعجيل ظهوره، ليس هذا الدعاء كصلاة الميت واجب كفائياً يسقط بقيام بعض الناس به عن سائرهم، بل هو كالصلوات اليومية التي يجب على کلّ فرد من المكلفين الإتيان بها ، إلى آخر ما قال.
والله المستعان في کلّ حال.
دفع العقوبة والعذاب عن أهل الأرض ببركة الداعين لمولانا صاحب الزمان علیه السلام وتقريره من وجهين :
أحدهما: ما في عدة الداعي - في ذيل الحديث القدسي السابق -: «أولئك الّذين إذا أردت أن أهلك الأرض عقوبة زويتها عنهم من أجلّ أولئك الأبطال» .(2)
883- والثاني : ما في كمال الدين : بإسناده عن أبي جعفر الباقر علیه السلام أنه قال : يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إن أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم البارئ جلّ جلاله فيقول: عبادي وإمائي، آمنتم بسري، وصدقتم بغيبي، فأبشروا بحسن الثواب ،
ص: 529
منّي، فأنتم عبادي وإمائي حقاً، منكم أتقبل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبکم اسقي عبادي الغيث وأدفع عنهم البلاء ولولاكم لانزلت عليهم عذابي، الخبر .(1)
ووجه الاستشهاد لتبيين هذا المراد: ما مرّ ويأتي أن الاهتمام والإكثار في الدعاء لصاحب الدار، والإمام الغائب عن الأبصار، سبب للثبوت على طريقة الأئمة الأطهار، ومنهاج المعصومين الأخيار، فيكون وسيلة لتلك المكرمة بهذا الاعتبار.
أما كونه علیه السلام مظلوماً فلاخفاء فيه .
وأما حسن نصرة المظلوم وإعانته فممّا يدل عليه العقل والنقل :
884- ففي البحار، وغيره: عن الصادق علیه السلام قال : إن الله عزّ وجلّ في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه المؤمن .(2)
885- وعنه علیه السلام قال : ما من مؤمن يعين مؤمنا مظلوماً إلا كان أفضل من صيام شهر واعتکافه في المسجد الحرام، وما من مؤمن ينصر أخاه وهو يقدر على نصرته إلا نصره الله في الدنيا والآخرة.(3)
886- وعنه علیه السلام قال : من أغاث أخاه المؤمن اللهفان عند جهده فنفس کربته، وأعانه على نجاح حاجته ، كانت له بذلك عند الله اثنتان وسبعون رحمة من الله، يعجلّ الله منها واحدة يصلح بها معيشته، ويدخر له إحدى وسبعين رحمة لأفزاع يوم القيامة وأهواله .
3 (4)
ص: 530
إلى غير ذلك ممّا يوجب ذكره الإطناب ، وفيما ذكرناه كفاية لأولي الألباب
وأما : كون الدعاء له، ومسألة تعجیل فرجه، إعانة ونصرة له،
فقد مر سابقاً أن الدعاء لصاحب الزمان من أقسام النصرة باللسان،
وبيان ذلك : أن المراد من النصرة والإعانة هو الإقدام في أمر يكون سببا، أو جزء سبب - حقيقة أو في نظر الناصر - لدفع مضرة، أو جلب منفعة، أو قضاء حاجة، لمن يريد نصرته،
وهذا العنوان ثابت في دعاء أهل الإيمان لمولانا صاحب الزمان، وذلك لان تأثير الدعاء في کلّ من الأمور المذكورة ثابت بالروايات الكثيرة المأثورة المسطورة في باب فضل الدعاء، من کتب العلماء الأخيار، کالكافي والوسائل، والبحار(1) فإذا اجتهد المؤمن في الدعاء، لكشف الغم والحزن عن قلب إمامه، والتعجيل في حصول مرامه، بشرائطه المذكورة في مقامه ، كان أثر ذلك حاصلا بمقتضى الوعدة الإلهية ، لأن الله تعالى لا يخلف الميعاد .
فظهر من ذلك أن الدعاء إعانة ونصرة للإمام فيما يريده من أقسام المرام مضافاً إلى ما ورد من أمره المطاع الأعلى في التوقيع الرفيع الأسني أنه قال :
وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم .. إلخ (2)
فإنّه علیه السلام طلب من أحبائه حاجة يقدرون على قضائها، والإقدام فيها، وهي الإكثار من الدعاء له بتعجيل فرجه، فإقدام کلّ أحد منهم في ذلك إعانة في قضاء حاجته، وإنجاح طلبته، ويشهد لما ذكرنا أيضاً من تأثير الدعاء في استباق ذلك ما رويناه في المكرمة الثانية والعشرين فارجع هنالك ليتضح لك المسالك،
وسيأتي في المكرمة التاسعة والاربعين ما يدل على ذلك بنحو التبيين . (3)
887- ففي الحديث المذكور الّذي روي في الكافي : عن عيسى بن أبي
ص: 531
قال الصادق علیه السلام - ابتداء منه لعبدالله بن أبي يعفور في باب حق المؤمن على أخيه -: يا بن أبي يعفور، قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
ست خصال من كن فيه كان بين يدي الله عزّ وجلّ، وعن يمين الله عزوجل فقال ابن أبي يعفور : وما هن، جعلت فداك؟
قال علیه السلام: يحب المرء المسلم لأخيه ما يحب لأعز أهله، ويكره المرء المسلم لأخيه ما يكره لأعز أهله، ويناصحه الولاية،
فبکی ابن أبي يعفور، وقال : كيف يناصحه الولاية؟
قال علیه السلام: يا بن أبي يعفور، إذا كان منه بتلك المنزلة بثه همه، ففرح لفرحه إن هو فرح، وحزن لحزنه إن هو حزن، وإن كان عنده ما يفرج عنه فرج عنه ، وإلا دعا الله له. الخبر . (1)
فإنّه علیه السلام: جعل الدعاء إعانة وتفريجاً لمن لا يقدر على التفريج والإعانة بغير ذلك، وسيأتي تمام الخبر مع شرح ما يحتاج منه إلى الشرح إن شاء الله تعالی.
888- ويشهد لما ذكرناه ويؤيده : ما ورد في دعاء سیّد الساجدین علیه السلام للغازين والمرابطين، حيث قال علیه السلام: اَللّهُمَّ وَ اَيُّما عبد مُسْلِمٍ خَلَفَ غازِيا، اَوْ مُرابِطا فى دَارِه، اَوْ تَعَهَّدَ خالِفيهِ فى غَيْبَتِهِ، اَوْ اَعانَهُ بِطائِفَةٍ مِنْ مالِهِ، اَوْ اَمَدَّهُ بِعَتادٍ، اَوْ شَحَذَهُ عَلى جِهادٍ، اَوْ اَتْبَعَهُ فى وَجْهِه دَعْوَة، اَوْرَعى لَهُ مِنْ وَرائِه حُرْمَة، فَاَجْرِ لَهُ مِثْلَ اَجْرِهِ وَزْنا بِوَزْنٍ، وَمِثْلاً بِمِثْلٍ،... إلخ . (2)
فإنّه عد الدعاء للمجاهدين والمرابطين من أصناف إعانتهم، وطلب للداعين مثل أجرهم، فتدبر . ثمّ إن من أقسام الإعانة بالدعاء الدعاء لهلاك أعدائه وظالمية ، إذ لا ريب في تأثیر دعاء المؤمن في هلاك الظالمين إذا كان دعاؤه مقرونة بالشروط المأثورة عن
ص: 532
الأئمة الطاهرين، صلوات الله عليهم أجمعين ، فإذا لم يقدر المؤمن على قتل أعداء إمامه وظالميه بالآلات الحربّية، كالسيف والسنان، واقتدر على ذلك بمعونة الدعاء باللسان، وجب عليه أن يدخل في أعوانه وأنصاره بهذا العنوان، والله الموفق وهو المستعان، ولذلك ورد عنهم الحث على لعن أعدائهم، والدعاء عليهم ولهلاكهم، كما سيمرّ عليك في الأدعية المأثورة له صلوات الله عليه في الباب السادس والسابع، فانتظر لها وراجع.
أنه يترتب على ذلك فوائد إجلال الكبير والتواضع له .
فالكلام يقع في مقامات : الأول : في بيان تلك الفوائد .
والثاني: في معنى التواضع.
والثالث: في بيان بعض أنواع التواضع وكيفية حصوله في هذا المقام بالدعاء لمولانا خاتم الأئمة الكرام، عليه وعلى آبائه آلاف التحية والسلام.
أما المقام الأول : فاعلم أن ما استفدناه فوائد ستة، ولعل المتتبع في الأخبار يقف على غيرها من الفوائد والآثار .
الفائدة الأولى : أنه إجلال الله :
889- ففي الكافي : ببیند مرسل كالصيحين عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : من إجلالى الله إجلال ذي الشيبة المسلم.(1)
890- وفي الوسائل : بسند صحيح عنه علیه السلام قال :
إن من إجلال الله عزّ وجلّ إجلال الشيخ الكبير .(2)
891- وفيه : عنه علیه السلام قال : من إجلال الله عزّ وجلّ إجلال المؤمن ذي الشيبة، ومن أكرم مؤمناً فبكرامة الله بدأ، ومن استخف بمؤمن ذي شيبة أرسل
ص: 533
الله إليه من يستخف به قبل موته . (1)
892- وفيه : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم بسند مرفوع، قال :
من تعظيم الله إجلال ذي الشيبة المؤمن .(2)
893- وفيه : في حديث عامي عنه علیه السلام قال :
بجلوا المشائخ، فإن من إجلال الله تبجيل المشائخ .(3)
أقول: لما كان شرف الإسلام أعلى وأجلّ من کلّ شرف، كان السابقون إليه أجدر بالتعظيم والتشريف عند الله عزّ وجلّ، ولا ريب في أن إعظام هؤلاء القوم تعظيم وإجلال له عزّ وجلّ، لأجلّ سابقتهم إلى الإسلام، وتقدمهم في عبادته وطاعته، فلذلك جعل إجلالهم إجلالا له .
الفائدة الثانية : الأمن من فزع يوم القيامة :
894- لما روي في الوسائل : بسند موئق كالصحيح عن الصادق علیه السلام قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم : من عرف فضل كبير لسنّه فوقره، آمنه الله من فزع يوم القيامه .(4)
895- وفيه : بالإسناد السابق عن مولانا الصادق علیه السلام قال :
من وقر ذا شيبة في الإسلام آمنه الله من فزع يوم القيامه . (5)
896- وفيه: بسند مرفوع عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال :
من عرف فضل شيخ كبير فوقره لسنّه آمنه الله من فزع يوم القيامة . (6)
ص: 534
الفائدة الثالثة : التقرب إلى الله عزّ وجلّ، لأنه من التواضع،
897- وفي أصول الكافي : بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
فيما أوحى الله عزّ وجلّ إلى داود : يا داود، كما أن أقرب الناس من الله المتواضعون، كذلك أبعد الناس من الله المتكبرون .(1)
الفائدة الرابعة : أنه يحصل بذلك أداء بعض حقوقه .
898- ففي دار السلام، عن الفقيه : عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : للمؤمن على المؤمن سبعة حقوق واجبة من الله عزّ وجلّ عليه : الإجلال له في غيبته ... الخبر .(2)
أقول: لعل المراد بالوجوب هنا المعنى اللغوي، يعني الثبوت،
فمفاده أن تلك الحقّوق حقوق جعلها الله تعالى للمؤمن على المؤمن، فإن مراتب الإجلال ودرجاتها في الغيبة أو الحضور كثيرة، بعضها واجبة كرد غيبته وبعضها مندوبة، كالدعاء له ومدحه في الغياب، والله الموفق للصواب.
ثمّ لا يخفى أن هذا الحقّ إذا ثبت للمؤمن فهوثابت لإمامهم بطريق أولى ونحو أوفي، لأنه في کلّ خير أتم ، وبه أحرى.
الفائدة الخامسة : أنه يحصل حبه بالدعاء له، يعني أن الداعي يصير بذلك محبوباً لمولاه، وفي ذلك جميع ما يتمناه، لانّه إحسان وإظهار للحب، وكلاهما يجلبان المحبة مضافاً إلى ما فيه من التعظيم والتكريم.
وهو أيضاً ممّا يزرع المحبة في قلب من يتواضع له ، بل نفس صفة التواضع تزرع حب صاحبها في قلوب الناس طراً، وهذا محسوس بحسب الآثار ومنصوص في جملة من الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار :
999- ففي دار السلام : عن سیّد الأوصياء الأبرار، أنه قال :
ثلاث يوجبن المحبة : حسن الخلق، وحسن الرفق، والتواضع.(3)
ص: 535
900- وفيه : عن مولانا الباقر علیه السلام أنه قال :
ثلاثة تورث المحبّة : الدين، والتواضع، والبذل .(1)
الفائدة السادسة : الرفعة والاحترام الموهوب من الملك العلام،
فإنّه من ثمرات التواضع:
901- كما في أصول الكافي : عن أبي عبدالله علیه السلام - في حديث طويل - عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال : إن الصدقة تزيد صاحبها كثرة، فتصدقوا يرحمكم الله
وإن التواضع يزيد صاحبه رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله،
وإن العفو یزید صاحبه عزاً فاعفوا يعزكم الله .(2)
902- وفيه : بسند صحيح عن الصادق علیه السلام قال : إن في السماء ملکین موکّلين بالعباد، فمن تواضع لله رفعاه، ومن تكبر وضعاه . (3)
903- وفيه : بإسناد صحيح أيضاً ، عنه علیه السلام عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال :
من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر خفضه الله . (4)
904- وفي الفقيه : في وصاياه لأمیرالمؤمنین علیه السلام:
يا علي، والله لو أن الوضيع في قعر بئر لبعث الله عزّ وجلّ إليه ريحاً ترفعه فوق الأخيار في دولة الأشرار . (5)
905- وفي أصول الكافي: في حديث مرفوع عن أبي الحسن موسی بن جعفر علیه السلام قال :
فأوحى الله عزّ وجلّ إلى الجبال : إني واضع سفينة نوح عبدي، على جبل منكن ، فتطاولت وشمخت ، وتواضع الجودي، وهو جبل عندكم، فضربت
ص: 536
السفينة بجؤجؤها (1) الجبل ... الخبر .(2)
906- وروى الشيخ الجليل أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمي (رحمه الله) في كامل الزيارات بإسناده عن صفوان الجمال، قال :
سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول : إن الله تبارك وتعالی فضل الأرضين والمياه بعضها على بعض، فمنها ما تفاخرت ومنها ما بغت،
فما من ماء ولا أرض إلا عوقبت لترك التواضع لله حتّی سلط الله على الكعبة المشركين، وأرسل إلى زمزم ماء مالحا حتّی أفسد طعمه.
وإن كربّلاء وماء الفرات أول أرض وأول ماء قدس الله تبارك وتعالى وبارك عليه ، فقال لها : تكلمي ما فضلك الله؟
فقالت: لما تفاخرت الأرضون والمياه بعضها على بعض، قلت : أنا أرض الله المقدسة المباركة، الشفاء في تربتي ومائي ولا فخر، بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك، ولافخر على من دوني، بل شكرا لله، فأكرمها وزادها بتواضعها وشكرها لله بالحسين علیه السلام وأصحابه .
ثمّ قال أبو عبدالله علیه السلام: من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر وضعه الله . (3)
907- وفي المجلد الرابع عشر من بحار الأنوار، من المكارم : قال :
لقد جاء النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم ابن خولي بإناء فيه عسل ولبن، فأبى أن يشربه ، فقال صلی الله علیه وآله وسلم : شربتان في شربة ، إناءان في إناء واحد، فأبى أن يشربه،
ثمّ قال صلی الله علیه وآله وسلم : ما أحرمه، ولكني أكره الفخر والحساب بفضول الدنيا غدا، وأحب التواضع، فإن من تواضع لله رفعه الله . (4)
908- وفيه، من كتاب الزهد: بإسناده الصحيح، عن أبي عبدالله علیه السلام
ص: 537
قال : أفطر رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عشية الخميس في مسجد قبا، فقال : هل من شراب؟ فأتاه أوس بن خولة الأنصاري بعس من لبن مخيض بعسل، فلمّا وضعه على فيه نحاه، ثمّ قال : شرابان يكتفي بأحدهما عن صاحبه، لا أشربه ولا أحرمه، ولكني أتواضع لله، فإن من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر خفضه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله، ومن بذر حرمه الله، ومن أكثر ذكر الله أحبه الله .(1)
المقام الثاني : في بيان معنى التواضع.
إعلم أن التواضع والتكبر من الكيفيات النفسانية التي تظهر من کلّ منهما آثار كثيرة: الأول: أن يكون الشخص عند نفسه حقيرة بالنسبة إلى الغير.
والثاني : أن يكون عند نفسه عظيماً بالنسبة إلى الغير، ويكون غيره في نظره حقيراً بالنسبة إلى نفسه، وبهذا القيد يفرق بينه وبين العجب، فإن المراد منه أن يكون الشخص حسنا في نظره من حيث الجمال أو الكمال أو الأعمال، أو النسب ، أو جميعها، مع قطع النظر عن الغير .
والتكبر : أن يرى ذلك بالنسبة إلى الغير، فيكون غيره حقيراً في نظره، وإنما ينشأ الكبر من جهل الشخص بمساوئ نفسه و محاسن غيره، أو الغفلة عنها.
وكما يطلق التكبر على تلك الصفة النفسانية كذلك يطلق على آثارها الناشئة عنها، والأفعال الخارجية المنبعثة منها، كالمشي مرحاً، وجر الثوب على الأرض، وترك رد السلام، ونحوها.
وكذلك التواضع قد يطلق على الصفة النفسانية التي هي ضد التكبر، وقد يطلق على آثارها الناشئة عنها، كإجلال المشايخ، والجلوس مع المساكين وإجابة دعوتهم، والابتداء بالسلام، ونحوها.
واعلم أن الكبر من الصفات الذميمة، والمهلكات العظيمة .
وقد ورد في ذمه الآيات والأخبار الكثيرة :
ص: 538
909- فمنها : ما رواه ثقة الإسلام الكليني (رحمه الله) في أصول الكافي : بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام قال : أصول الكفر ثلاثة :
الحرص، والاستكبار، والحسد ... الخبر .(1)
910- ومنها: ما رواه الكليني في أصول الكافي أيضاً: بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام قال : قال أبو جعفر علیه السلام:
العز رداء الله، والكبر إزاره، فمن تناول شيئا منه أكبه الله في جهنم . (2)
911- وفيه : بإسناده عن أبي جعفر عليه [الصلاة و] السلام، قال :
الكبر رداء الله، والمتكبر ينازع الله في ردائه . (3)
912- وفيه : بإسناده عن أبي عبد الله عليه [الصلاة و ]السلام، قال :
الكبر رداء الله، فمن نازع الله شيئا من ذلك أكبه الله في النار .(4)
913- وفيه : في الموثّق كالصحيح عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
إن في جهنم لوادياً للمتكبرين، يقال له : «سفر» شکى إلى الله عزّ وجلّ شدة حره، وسأله أن يأذن له أن يتنفس، فتنفس فأحرق جهنم . (5)
914- وفيه : بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إن المتكبرين يجعلون في صور الذر، يتوطأهم الناس حتّی يفرغ الله من الحساب .)(6)
915 - ولا ينافي هذه الأخبار ما رواه الكليني في الصحيح: عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما: [أي الباقر أو الصادق علیهماالسلام ]، قال :
ص: 539
لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من الكبر ، قال :
فاسترجعت ، فقال علیهم السلام: ما لك تسترجع ؟! قلت : لما سمعت منك ، فقال علیهم السلام :
ليس حيث تذهب، إنّما أعني الجحود، إنّما هو الجحود «إنتهی».(1)
فإنَّ هذا الحديث يخصّ بهذا العقاب، الكبر الّذي يكون سبباً للجحود
والإباء عن عبادة الله، أو إطاعة أنبيائه وأوليائه ، والإنقياد لهم، کتکبّر إبليس وأضرابه وأحزابه من الكافرين، والغاصبين لمناصب الأئمّة الطاهرين علیهم السلام .
ووجه عدم التنافي، أن الروايات السابقة دلّت على كون المتكبر من أهل
النار مطلقاً، سواء كان جاحداً أم لا، ولم يذكر فيها عدم دخوله في الجنّة ،
وهذا الحديث دلّ على كون عدم دخول الجنّة مخصوصاً بذلك الصنف من المتكبّرين، ولم يذكر الإمام علیه السلام أنّ معنى الكبر: الجحود، كما لا يخفى .
وبالجملة فاعلم أن التواضع مفتاح کلّ خير، والتكبر مفتاح کلّ شرّ، لأنّه
يمنع صاحبه عن تحصيل الفضائل، وتبعيد الرذائل،
ولتفصيل الكلام في ذلك مقام آخر، وإن وفقني الله عزّ وجلّ صنفت في
ذلك كتاباً مستقلاً إن شاء الله تعالی.
المقام الثالث : في الإشارة إلى بعض أقسام التواضع، وبیان کون الدعاء من أقسامه.
إعلم أنّ التواضع أمر إضافي، يتعدّد أقسامه بحسب ما يضاف إليه كالتواضع
الله تعالى، والتواضع لأنبيائه ولأوليائه ، والتواضع للمشايخ، والتواضع
للوالدين، وللمعلّم، وللمتعلّم، وللمؤمنين، وللشرفاء، وللعلماء، والتواضع
في المسكن، وفي المجلس، والمطعم والمشربّ، والملبس، والمنكح ، والتواضع في المشي، وفي الكلام، إلى غير ذلك من الأقسام،
ولکلّ من هذه الأقسام فوائد عظام، يوجب ذكرها الإطناب في الكلام
ص: 540
والخروج عمّا هو المقصود في هذا المقام .
وأمّا ما ادّعيناه من كون الدعاء لخاتم الأئمّة الكرام، عليه وعلى آبائه الصلاة والسلام، مندرجاً في هذه الأقسام، فلأنّ الدعوات الصادرة عن الإنسان وغيره من الداعين في حقّ غيرهم يكون على أقسام:
فمنها: دعاء الشفقة والرحمة، كدعاء الوالد لولده، والأخ لإخوته والملائكة لزوّار قبر الحسين ونحوها.
ومنها : دعاء المجازاة، كدعاء من أحسن إليه أحد، أو دفع عنه سوءً لهذا المحسن أو الدافع، ودعاء المتعلّم لمعلّمه، ونحوها.
ومنها: الدعاء في حقّ الغير رجاءً لإحسانه، والإنتفاع به، والفرق بين هذا وسابقه أنّ السابق دعاء لأجلّ أمر قد وقع، وهذا دعاء لأجل خير متوقّع.
ومنها: دعاء التعظيم والتواضع، كدعاء الناس للعظماء والأعيان والأشراف والأركان، فإنّ دعاء الناس في حقّهم غالباً إنّما يكون توقيراً، وتجليلاً وتواضعاً لهم، بل يعدّ ترك الدعاء لهم في المحافل على المنابر توهيناً بهم وهتكاً لهم.
إذا عرفت هذا، فنقول: إنّ الدعاء لمولانا صاحب الزمان، وطلب تعجيل فرجه من القادر المنّان، قد اجتمع فيه العناوين المذكورة بالضرورة والعيان، عند من نظر بنور حقيقة الإيمان، فيترتّب على کلّ منها فوائد جليلة ومكارم جميلة .
أما العنوان الأوّل : وهو الدعاء بحسب الشفقة والرحمة، فلاجتماع موجبات الرحمة به، والشفقة عليه في وجوده المبارك،
فلنشر إلى بعضها لمن أراد السلوك في تلك المسالك.
فمنها : الوالديّة الحقيقيّة للمؤمنين .
ومنها : الأخوةّ الواقعيّة مع المؤمنين .
ومنها : الغربّة وقلّة الأنصار .
ص: 541
ومنها : الغيبة والعزلة عن الأحبّة والديار .
ومنها : المظلوميّة بسبب غصب حقوقه .
ومنها: المظلوميّة لكونه موتوراً بأبيه، وأجداده ، وأرحامه ، وقراباته .
ومنها : الإيمان .
ومنها : كثرة أعدائه وضعف أحبّائه .
ومنها : كثرة كربّه وهمّه وغمّه بسبب مايرد على أحبّته وشیعته في زمان غیبته
ومنها: طول زمان ابتلائه.
ومنها : مجهوليّة قدره في الناس، وانحرافهم عن طريقته .
ومنها : تقصير المؤمنين به في متابعته وخدمته، إلى غير ذلك ممّا يظهر للمتأمل في جهات أحواله، روحي وأرواح الطيّبين له الفداء.
فيدرك المؤمن المخلص بالدعاء له الفوائد الّتي تترتّب على ما أشرنا إليه من الجهات ، بأكمل الغايات، وأعلى الدرجات، ففيه ثواب برّالوالد، ورعاية الأخ في الله، وإعانة الغريب والمظلوم، ونصرة المؤمن الواقعي، والتفريج عن
المغموم، والتنفيس عن المكروب، ورعاية المبتلى، والترحّم على العالم المجهول قدره عند الجهّال، فإنّ بکلّ منها يحصل فوائد جمّة، ومکارم مهمّة.
وأمّا العنوان الثاني : وهو الدعاء في حقّ الغير جزاء ًالإحسانه، فقد ذكرنا في الباب الثالث والرابع : أنّ جميع ما تتقلّب فيه من النعم والمنافع إنمّا هو بتوسّطه، وببركة وجوده علیه السلام(1)، مضافاً إلى أنواع إحسانه إلينا من الدعاء في حقّنا ودفع أعدائنا وحلمه عنّا، وإفاضاته العلميّة إلينا، وشفاعته لنا، وسائر أنواع الإحسان ممّا يعجز عن بيانه اللسان، ويقصر عن تحريره البنان،
وقد قال الله عزّ وجلّ في محكم القرآن، ومنزل التبيان في سورة الرحمن : «هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان»(2)
ص: 542
فيا من لا يقدر على مجازاة نعم مولاه، المحسن إليه بکلّ ما يتمناه، أفلا تقدر على جعل ساعة من ساعات ليلك أو نهارك الّذين يمضيان بغير اختيارك مخصوصة بالدعاء لصاحب الزمان، الّذي أنعم عليك بکلّ عنوان، وأحسن إليك
بصنوف الإحسان التي يعجز عن عدها ووصفها اللسان، بل عمرك الّذي تحصل کلّ ما تحصل به نعمة من النعم التي أنعم الله بها عليك بسببه،
فما أجفاك!! ثمّ ما أجفاك إن لم يضطرب قلبك لما أسمعناك! ولم يتحرّك لسانك بالدعاء في حقّ مولاك، فانتبه من رقدة اللهو وقم وانف عن عين تماديك المنايا، واعلم أن الرائد(1) لايكذب أهله،
وما علينا إلا البلاغ، « وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ» (2).
وأمّا العنوان الثالث : و هو الدعاء للغير رجاء لإحسانه، والإنتفاع به،
فقد قدّمنا في الباب الرابع: أنّ أوفر العطيّات، وأجزل النعم، وأكمل المواهب والقسم يحصل للمؤمنين بظهور خاتم الأئمّة المعصومين، فينبغي لهم الاهتمام في الدعاء بتعجيل فرجه و ظهوره لينالوا ببركاته، ويستضيئوا بشعاع نوره
وأمّا العنوان الرابع : وهو الدعاء للغير تعظيماً وتجليلاً له، فنقول : هل تعلم أحداً أجلّ قدراً، وأرفع شأناً، وأكرم نفساً، وأمجد شخصاً، وأوجه جاهاً، وأطول عمراً، وأعلى نسباً، وأسنی حسباً، وأوضح برهاناً، وأكثر إحساناً، وأفضل علماً، وأعظم حلماً، وأوفر كمالاً ، وأجلّ جلالاً، وأصبح جمالاً من مولاك صاحب الزمان عجلّ الله تعالی فرجه وظهوره.
فإن قال أحد: نعم، قلت: أنت ضالّ أحمق، وإن قال : لا، قلت : «مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا »(3) أفما سمعت قول النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم: «من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم» وغيره من الأحاديث الّتي أسمعناكها، لتكون حجّة بيننا وبين
ص: 543
الجاهلين، فإذا كان إجلال مشايخ المسلمين ومعمّريهم بتلك المثابة ، فكيف يمكن لاحد بيان فضل عمل يحصل به إجلال أفضل مشايخ المسلمين، وسیّدهم وإمامهم، وأعلمهم الّذي يعجز عن نعته قلم الإنشاء، ويظهره الله لإظهار عدله
متى شاء! «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»(1)
إذا عرفت ما ذكرناه ، فنقول : إنّ الدعاء له بتعجيل الظهور، وطلب الفرح والفرح والسرور، توقیر و تجلیل و تواضع له في الغيبة والحضور.
أمّا الأوّل : فلأنّه غائب ظاهرة عن الأبصار، ومستور عن العيون والأنظار.
وأمّا الثاني : فلأنه حاضر في قلوب الأخيار، وشاهد على الخلق في جميع الأمصار، ناظر إليهم کالمصاحب معهم في المنزل والدار،
وإن كنت في ريب من ذلك فانظر في كتب الأخبار، ليتّضح لك الحقّ كالشمس في رابعة النهار، وهو صاحب المرأى والمسمع:
916- فمن الأخبار الدالّة على أن الإمام علیه السلام يرى الخلق وأفعالهم، ويعلم ضمائرهم وأحوالهم، ما في بصائر الدرجات : بإسناده عن رميلة، قال :
وعكت وعكاً شديدة في زمان أمیرالمؤمنین علیه السلام، فوجدت من نفسي خقّة في يوم الجمعة وقلت : لا أعرف شيئا أفضل من أن أفيض على نفسي من الماء واُصلّي خلف أمیرالمؤمنین علیه السلام، ففعلت .
ثمّ جئت إلى المسجد، فلمّا صعد أمیرالمؤمنین علیه السلام و المنبر، أعاد عليَّ ذلك الوعك، فلمّا انصرف أمیرالمؤمنین علیه السلام ودخل القصر، دخلت معه،
فقال : يا رميلة، رأيتك وانت متشبّك بعضك في بعض . فقلت : نعم وقصصت عليه القصّة التي كنت فيها ، والّذي حملني على الرغبة في الصلاة خلفه
فقال علیه السلام: يا رميلة، ليس من مؤمن يمرض إلاّ مرضنا بمرضه، ولا يحزن إلاّ حزنّا بحزنه، ولا يدعو إلاّ أمّنا لدعائه ، ولا يسكت إلاّ دعونا له.
ص: 544
فقلت له: يا أمیرالمؤمنین جعلني الله فداك، هذا لمن معك في القصر أرأيت من كان في أطراف الأرض؟
قال علیه السلام: يا رميلة، ليس يغيب عنّا مؤمن في شرق الأرض ولا في غربها .(1)
917- وفيه أيضاً : بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام قال: إنّ الدنيا تمثّل للإمام علیه السلام في فلقة الجوز، فما تعرض لشيء منها، وإنّه ليتناولها من أطرافها،
كما يتناول أحدكم من فوق مائدته ما يشاء، فلا يعزب عنه منها شيء.(2)
918- وفيه أيضاً: بإسناده عن أبي عبدالله قال: إنّ الإمام يسمع الصوت في بطن أمّه، فإذا بلغ أربعة أشهر كتب على عضده الأيمن: «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ » (3) فإذا وضعته (أمّه)، سطع له نور ما بين السماء والأرض، فإذا درج رفع له عمود من نور یری به ما بين المشرق والمغرب.(4)
919- وفيه : عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن درّاج قال: روی غير واحد من أصحابنا، قال : لا تتكلّموا في الإمام،
فإن الإمام علیه السلام يسمع الكلام وهو جنين في بطن أمّه، فإذا وضعته کتب الملك بين عينيه : «وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ »
فإذا قام بالأمر رفع له في کلّ بلد منارة، ينظر به إلى أعمال العباد .(5)
920- وفي رواية اُخرى : عن أبي الحسن - يعني موسی بن جعفر علیه السلام - قال: إنما منزلة الإمام في الأرض بمنزلة القمر في السماء، وفي موضعه هو مطّلع على جميع الأشياء كلّها .(6)
ص: 545
921- وبإسناده عن المفضّل بن عمر، قال : قلت لأبي عبدالله علیه السلام، سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض، وهو في بيته مرخی عليه ستره،
فقال علیه السلام: يا مفضّل إن الله تبارك وتعالى جعل للنبیّ صلی و الله علیه و آله خمسة أرواح : روح الحياة، فبه دبّ ودرج، وروح القوةّ، فبه نهض وجاهد، وروح الشهوة، فبه أکل وشرب وأتى النساء من الحلال، وروح الإيمان، فبه أمر وعدل، وروح القدس، فبه حمل النبوّة،
فإذا قبض النبیّ صلی و الله علیه و آله إنتقل روح القدس فصار في الإمام علیه السلام، و روح القدس لا ينام ولايغفل، ولا يلهو ولا يسهو، والأربعة الأرواح تنام، وتلهو، وتغفل وتسهو، وروح القدس ثابت یری به ما في شرق الأرض وغربها، وبرّها و بحرها
قلت : جعلت فداك، يتناول الإمام ما ببغداد بیده؟
قال: نعم، وما دون العرش . (1)
922- و روى الشيخ الصدوق (رحمه الله) في كتاب فضائل شهر رمضان: بسند صحيح عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال:
من عادی شیعتنا فقد عادانا، ومن والاهم فقد والانا، لأنهم منّا، خلقوا من طینتنا، من أحبهم فهو منّا، ومن أبغضهم فليس منّا، شیعتنا ينظرون بنور الله ويتقلّبون في رحمة الله، ويفوزون بكرامة الله، ما من أحد من شيعتنا يمرض إلاّ
مرضنا لمرضه، ولا يغتمّ إلا اغتممنا لغمّه، ولا يفرح إلآ فرحنا لفرحه، ولا يغيب عنّا أحد من شيعتنا، أين [ما] كان في شرق الأرض وغربها.
ومن ترك من شيعتنا ديناً فهو علينا، ومن ترك منهم مالاً فلورثته،
شیعتنا الّذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويحجّون البيت الحرام ويصومون شهر رمضان، ويوالون أهل البيت، ويبرؤن من أعدائنا، أولئك أهل الإيمان والتقى، وأهل الورع والتقوى، من ردّ عليهم فقد رد على الله، ومن
ص: 546
طعن عليهم فقد طعن على الله، لاتهم عباد الله حقّاً، وأولياؤه صدقة، والله إن أحدهم ليشفع في مثل ربيعة ومضر فيشفَّعه الله فيهم لكرامته على الله عزّ وجلّ.
أقول: الأخبار الدالّة على ما ذكرنا كثيرة جدّاً، مذكورة في كتب الحديث وتؤیّده الأحاديث الدالّة على كونهم شهداء على الخلق، وهي مذكورة في اُصول الكافي، وغيره .(1) فإنّ معنى الشهيد الحاضر، المطّلع على الواقعة، كما لا يخفى
والحاصل: كما أنّ الدعاء للأشراف في محضرهم تعظیم وتواضع لهم كذلك الدعاء لأشرف الأشراف في زماننا ، مولانا صاحب الزمان في محضره تعظیم وتواضع له، وحيث أن جميع أقطار العالم محضر له صلوات الله عليه
فينبغي للمؤمن أن يعظّمه ويبجّله بالدعاء له، حيثما كان وأين ما كان.
تذنيب: اعلم أنّ التواضع للإمام علیه السلام قسمان: قلبيّ وبدنيّ، أمّا التواضع القلبي: فهو أن يعتقد، ويذعن المؤمن بأنّ الإمام أفضل وأشرف منه، ومن جميع ما سوى الله تعالی بعد خاتم النبييّن صلی الله علیه وآله وسلم من الملائكة والنبّيين وغيرهم وأن الله عزّ وجلّ لم يخلق خلقاً أفضل من رسول الله وأهل بيته الطاهرين،
وهذا اعتقادنا حقّاً ، عليه أحيا وعليه أموت، وعليه أبعث إن شاء الله تعالی
ويدلّ على ذلك الأخبار الكثيرة المتواترة القطعيّة، ولو أردت ذكرها لكان كتاباً مفصّلاً وإن وفّقني الله تعالى ألّفت في هذا الباب ما يكون تذكرة وتبصرة لأولي الألباب
وعن السیّد الجزائري رحمه الله تعالى أنه قال: الأخبار الدالّة على هذا المطلب كثيرة جدّاً، والّذي اطلعت عليه منها زهاء ألف حديث .(2)
وعن الصدوق (رحمه الله) في اعتقاداته قال : ويجب أنّ يعتقد أنّ الله عزّ وجلّ لم يخلق خلقاً أفضل من محمّد صلی الله علیه وآله وسلم والأئمة علیهم السلام إلى آخر ما قال. (3)
ص: 547
وعن المجلسي (رحمه الله) في اعتقاداته قال:
ثمّ لا بدّ أن تعتقدوا في النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم والأئمة علیهم السلام إلا أنهم أشرف المخلوقات جميعاً، وأنهم أفضل من جميع الأنبياء علیهم السلام، وجميع الملائكة، إنتهى .(1)
923- وممّا يدل علىّ ذلك من الأخبار الكثيرة : ما رواه ثقة الإسلام الكليني (رحمه الله) في أصول الكافي: بإسناده عن أمیرالمؤمنین صلی الله علیه وآله وسلم - في حديث - قال :
إنّ الله تبارك وتعالى لو شاء لعرّف العباد نفسه ، ولكن جعلنا أبوابه ، وصراطه وسبيله، والوجه الّذي يؤتي منه، فمن عدل عن ولايتنا، أو فضّل علينا غيرنا فإنّهم « عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ » (2) الخبر .(3)
وتدلّ عليه أيضاً الأخبار الناصّة بأنّهم مثل النبیّ في کلّ شيء، إلاّ النبوّة :
924- ففي أصول الكافي: بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام قال:
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: نحن في الأمر والفهم والحلال والحرام نجري مجری واحداً، فأمّا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم و عليّ علیه السلام و فلهما فضلهما، إنتهی .(4)
925- وتدل عليه أيضاً الروايات الدالّة على أن عندهم إثنين وسبعين حرفاّ من الإسم الأعظم، ولم يكن بهذا المقدار عند أحد من الرسل الكبار، إلى غير ذلك ممّا لا يخفى على المتتبّع في الأخبار . (5)
ص: 548
وأمّا التواضع البدنيّ للإمام علیه السلام لا فهو على قسمين، واجب ومندوب:
أمّا الواجب منه فهو ما يؤدّي تركه إلى هتك الإمام، والاستخفاف به علیه السلام کترك القيام عند ذكر اسم القائم في المجلس العامّ، بقصد الاستخفاف - نعوذ بالله - مع قيام أهل المجلس، لانّ الاستخفاف بالإمام يستلزم الاستخفاف بالله عزّوجلّ.
926- وفي الوسائل: عن الصادق علیه السلام - في حديث - قال : فمعنى الكفر کلّ معصية عصي الله بها بجهة الجحد والإنكار والاستخفاف والتهاون، في كلّ ما دقّ وجلّ، وفاعله کافر، الخبر . (1)
وأما المندوب : فهو غيره، كالدعاء له، والقيام عند ذكر اسمه، والصلاة عليه وغير ذلك ممّا يدخل في عنوان التواضع.
ممّا يحصل بالدعاء لتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان علیه السلام وظهوره :الفوز بثواب طلب ثار مولانا الحسين الإمام المظلوم، والغريب الشهيد علیه السلام وهذا أمر لا يقدر على إحصاء ثوابه أحد إلا الله العزيز الحميد جلّ شأنه، لانّ عظمة شأن الثار بقدر عظمة صاحبه ، فكما لا يقدر على الإحاطة بالشؤون
الحسينيّة به إلاّ الله عزّ وجلّ كذلك لا يقدر غيره على إحصاء ثواب طلب ثاره، فإنّه الّذي ورد في زيارته :
السلام عليك يا ثار الله وابن ثاره(2)، ولو لم يكن في الدعاء بتعجيل ظهور مولانا صاحب الزمان، عجلّ الله تعالی فرجه، سوى هذا الثواب لكفي فضلاً وشرفاً وشأنا، فكيف وفيه من الفضل ما لا يحصى، ومن الثواب ما لا يستقصی!
وأما حصول الفوز بثواب طلب ثار مولانا الشهيد علیه السلام بهذا الدعاء، فتقريره:
ص: 549
أنّ طلب ثاره علیه السلام وظيفة کلّ مؤمن ومؤمنة، لأنّه والدهم الحقيقي بمقتضی ماقدّمناه في الباب الثالث من كون الإمام : والداً حقيقياً.(1)
ويؤيّده تفسير الوالدين في قوله تعالى :«وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا»(2) بالحسنين علیهماالسلام كما في تفسير القمي وغيره (3)
ولذا يصحٌ أن ينسب المؤمن ثاره علیه السلام إلى نفسه، ويجعل کلّ أحد من المؤمنين نفسه ولّي دمه، كما في زيارة عاشوراء:
«وأن يرزقني طلب ثاري مع إمام مهديّ [ظاهر] ناطق منکم» «إلخ». (4)
ووجه آخر مضافاً إلى هذا الوجه، أنّ النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أمر اُمّته بأمر الله عزّ وجلّ بالمودة في القربي وقد تقدّم أخبار عديدة دالّة على كون المراد بالقربي الأئمة علیهم السلام ولو حملنا «القربی» على مطلق الأقارب، أو الذرّيّة، نظراّ إلى ظاهر اللّفظ فلا ريب أنّ الأئمة علیهم السلام أفضل أفرادهم وأكمل مصاديقهم، ولا ريب أيضاً في أنّ
طلب ثارهم وحقوقهم من أظهر مصاديق المودّة، وأجلّ أقسام إظهار المحبّة .
إذا تقرّر ماذكرنا، فنقول: إنّ لطلب الثار مراتب عديدة ودرجات أربعة:
الاُولى: أن يكون وليّ الدم ذاقوّة واستيلاء واستعلاء وسلطنة ، فيأمر بعض عبیده بقتل قاتل المظلوم
والثانية: أن يقتل هو قاتل المظلوم، وبهذين القسمين يطلب الله عزّوجلّ ثار مولانا الشهيد المظلوم، فإنّه تعالى وليّ دمه في الحقّيقة،
ولذا ورد في زيارات عديدة: السلام عليك يا ثار الله (إلخ).
أمّا الأوّل : فلأنّه عزّ وجلّ أمر مولانا القائم علیه السلام بطلب ثار الحسين علیه السلام كما في روايات عديدة، ذكرنا بعضها في حرف الثاء المثلّثة، من الباب الرابع .(5)
927- وفي كامل الزيارات لابن قولویه : بإسناده عن الصادق علیه السلام في قوله
ص: 550
تعالى :« وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ» (1)قال :
ذلك قائم آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم يخرج فيقتل بدم الحسين بن عليّ علیهماالسلام، فلو قتل
أهل الأرض لم يكن مسرفاً،
وقوله [تعالى]: «فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ» لم يكن ليصنع شيئاً يكون سرفاً.(2)
ثمّ قال أبو عبدالله علیه السلام : يقتل والله ذراري قتلة الحسين علیه السلام بفعال آبائها .
928- وفي نور الأنوار للفاضل البروجردي، ما لفظه: ودر خبري وارد است که چون مردم آنحضرت را به بیرحمی وقتل نفس متّهم سازند آنجناب بمنبر بالا رود ويك تای نعلین حضرت گلگون قبای دشت نینوا و یکه تاز عرصه کربّلا سید الشهداء ، عليه آلاف التحية والثناء، و روحي له الفداء را بیرون آورد، وفرماید:
اگر همه دشمنان را بکشم مقابل خون این بند نعلین نخواهد بود.
929- ودر خبر دیگر است که میفرماید: اگر همه اهل عالم رابکشم در عوض این بند نعلین نمی شود (إنتهی).
وأمّا الثاني : فلقوله تعالى :«اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا»(3) فلا تزهق روح أحد إلا بإذن الله تعالى، وكما يطلب القادر المنتقم جلّ شأنه ثاره بهذين القسمين يطلب القائم المنتظر ثاره، أي ثار جدّه بهذين القسمين أيضاً باعتبار
آخر، فإنّه يقتل قتلة أجداده علیهم السلام و یأمر والراضين بفعلهم، ويأمر شيعته وأنصاره بقتلهم أيضاً.
الثالثة : أن يكون الطالب بالثار ضعيفاً، لا يقدر على ذلك إلاّ بالتظلّم والاستعداء إلى سلطان مقتدر، يأخذ بحقّه من ظالمه،
فهذا أيضاً نوع من طلب الثار، كما هو واضح عند أولي الأبصار .
والرابعة : أن يكون بسبب ضعفه غير قادر على أخذ الثار إلا بالاستعانة إلى
ص: 551
غيره من ذوي الاقتدار، فيتعاونان على ذلك،
وبعبارة أخرى أن الإعانة في تهيّؤ أسباب أخذ الثار قسم من أقسام الطلب والانتصار، وحيث أنّا لا نقدر في زماننا هذا على طلب ثار مولانا الحسين إلا بهذين القسمين، فاللازم علينا بمقتضى وظيفتنا الثابتة المبادرة إلى المطالبة
بهذين النحوين، وهما يحصلان بمسألة تعجيل ظهور مولانا صاحب الزمان من القادر المنان، والتظّلم والتضرّع إليه في هذا الشأن فإنّه أقدر من کلّ سلطان والمنتقم من أهل البغي والعدوان، لانّا علمنا بالمتواتر من الأخبار : أنّ القادر الجبّار، ادّخر مولانا الغائب عن الأبصار، لطلب هذا الثار .
فاللازم علينا في آناء الليل والنهار، التظّلم والتضرّع إلى الله عزّوجلّ في تعجيل ظهوره علیه السلام لأخذ الثار، والانتقام من الجبابرة الكفّار، إذ ليس لنا سبیل في زمان غيبته علیه السلام إلى غير هذا القسم من طلب الثار، فيدخل الدعاء لذلك في القسم الثالث من أقسام الطلب والانتصار بهذا الاعتبار.
وأمّا دخوله في القسم الرابع فلمّا بيّنّا في المكرمة الثانية والعشرين من أنّ اهتمام أهل الإيمان في الدعاء بتعجيل ظهور صاحب الزمان يكون من أسباب استباق فرجه وظهوره، فالدعاء لذلك إعانة له علیه السلام في المبادرة إلى الانتصار
وأخذ ثار الأئمة الأطهار من القتلة اللئام الفجّار .
930 - ويرشد إلى ما ذكرناه أيضاً ما ورد في التوقيع الشريف إلى الشيخ المفيد، حيث قال : ولو أنّ أشياعنا وفقّهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتّصل بنا ممّا نكرهه ولانؤثره منهم، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل .(1)
وممّا يؤيد ما ذكرناه أيضاً رؤيا وقعت لبعض الصالحات، المعتمدات من
ص: 552
أقاربنا في هذه الأوقات الّتي اتّفقت فيها المحن والبليّات، باستيلاء الكفّار على بلاد الإسلام، وغلب الهمّ والغم على الخاصّ والعامّ.
ومحصّل ما وقع لتلك المؤمنة الصالحة في المنام ممّا يتعلّق بهذا المقام أنّها سمعت قائلاً يقول ما معناه: لو كان المؤمن مواظباً في أعقاب صلواته في الدعاء بتعجيل ظهور مولاه كما يواظب في الدعاء لنفسه إذا كان مريضاً أو مديوناً أو نحو ذلك، بحيث يكون مفارقته علیه السلام سبباً لهمه، وانکسار قلبه ، واضطرار حاله وتوزّع باله، لكان دعاؤه بتلك الحالة موجباً لاحد أمرين:
إمّا بدار مولاه إلى الظهور، وإما تبدلّ حزنه بالسرور، بارتفاع المحن والنجاة من البلايا والفتن، هذا .
ويمكن أن يقرّر اندراج الدعاء بتعجيل ظهور مولانا صاحب الزمان في أنحاء طلب ثار مولانا الغريب المظلوم أبي عبدالله الحسين علیه السلام بوجه آخر:
وهو أن يقال: إذا علم المؤمن أنّ من آثار هذا الدعاء وفوائده كما ذكرنا في المكرمة المتمّمة للعشرين(1) الرجوع إلى الدنيا في زمان ظهوره علیهم السلام فدعا لاستباق ذلك ليطلب بنفسه ثار مولانا الشهيد المظلوم من قتلته وأولادهم الراضين بفعال آبائهم، اندرج في طالبي الثار بهذا الوجه والاعتبار .
فإمّا أن يطول عمره حتّی يدرك ذلك الزمان. وإمّا أن يرجع بعد موته إلى الدنيا فينتقم من الأعداء، وهذا من آثار ذاك الدعاء،
وهذا التقرير ذكره أخي(2) وصديقي الروحاني المؤيد بالتأييد السبحاني اُثبته ليكون له لسان صدق في الآخرين.
تتميم : قد تبيّن ممّا ذكرنا في هذا المقام أنّ الداعي بتعجيل ظهور مولانا علیه السلام يدرك بذلك ثواب طلب ثار سائر الأئمّة الكرام وأتباعهم والشهداء معهم،
ص: 553
ولمحبيّهم إلى يوم القيام لأنّه علیه السلام يأخذ بثارهم، وينتقم من أعدائهم، وقد ذكرنا بعض ما يدلّ على ذلك في حرف الألف من الباب الرابع، فإن شئته فراجع .(1)
مكرمة شريفة، وعناية لطيفة محتوية على مکرمتین جلیلتین :
إحديهما : كون الدعاء بتعجيل ظهور مولانا صاحب الزمان علیه السلام وفرجه من مصادیق تحمّل الصعب المستصعب من أحاديث الأئمة الأطهار الهداة الأبرار.
والثانية : كونه سبباً لتحمل سائر أحاديثهم الصعبة المستصعبة، وأسرارهم الخشنة المستوعرة (2) وهذا مقام منيع، وشأن رفيع، يتبيّن بعض مراتبه بما سنذكره الطالبه، وتحقيق الكلام في تقريب هذا المرام موکول إلى رسم فوائد، في كلّ منها مواهب وعوائد:
الفائدة الاُولى : في ذكر بعض ما ورد في أنّ حديثهم صعب مستصعب .
931- ففي اُصول الكافي : بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام قال :
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: إنّ حديث آل محمّد صعب مستصعب، لا يؤمن به إلاّ ملك مقرّب، أو نبیّ مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، فما ورد عليكم من حدیث آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه، وما اشمأزّت منه قلوبكم وأنكرتموه فردّوه إلى الله وإلى الرسول، وإلى العالم من آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم وإنّما الهالك أن يحدّث أحدكم بشيء منه لا يحتمله فيقول:
والله ما كان هذا، والله ما كان هذا، والإنكار هو الكفر .(3)
932- وفيه: بإسناد مرفوع عن أبي عبدالله علیه السلام قال : إنّ حديثنا صعب مستصعب، لايحتمله إلا صدور منيرة، أو قلوب سليمة، أو أخلاق حسنة، إن الله أخذ من شيعتنا الميثاق، كما أخذ على بني آدم « أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ»(4) فمن وفي
ص: 554
لنا وفي الله له بالجنّة، ومن أبغضنا ولم يؤدّ إلينا حقّنا ففي النار خالداً مخلد. (1)
933- وفيه : عن الصادق، عن زين العابدین علیه السلام قال: إنّ علم العلماء صعب مستصعب، لا يحتمله إلاّ نبیّ مرسل، أو ملك مقرّب، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، الخبر(2) . ورواها الصفّار في بصائر الدرجات . (3)
934- وفي بصائر الدرجات أيضاً: بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام قال:
حديثنا صعب مستصعب لايحتمله إلاّ ملك مقرّب، أو نبیّ مرسل ، أو مؤمن ممتحن، أو مدينة حصينة، فإذا وقع أمرنا وجاء مهديّنا كان الرجل من شيعتنا أجرى من ليث، وأمضى من سنان، يطأ عدوّنا برجليه، ويضربّه بكفّيه وذلك عند
نزول رحمة الله وفرجه على العباد.(4)
935 - وبإسناد آخر: عن أبي حمزة الثماليّ، عن أبي جعفر علیه السلام قال:
سمعته يقول: إن حديثنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلاّ ثلاث: نبي مرسل، أو ملك مقرب، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان.
ثمّ قال: يا أبا حمزة: ألا ترى أنّه اختار لامرنا من الملائكة: المقربين، ومن النبيّين: المرسلين، ومن المؤمنين: الممتحنين .(5)
936- وبإسناد آخر: عنه قال علیه السلام: إن حديث آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم صعب مستصعب، ثقیل، مقنع، أجرد، ذكوان، لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، أو مدينة حصينة.
فإذا قام قائمنا نطق وصدّقه القرآن . (6)
ص: 555
937 - وبإسناد آخر : عنه علیه السلام قال: حديثنا صعب مستصعب، لا يؤمن به إلا ملك مقرّب، أو نبیّ مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، فما عرفت قلوبكم فخذوه، وما أنکرت فردّوه إلينا(1)، وبإسناد آخر عنه علیه السلام، مثله .(2)
938- وبإسناده عن المفضل، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول:
حديثنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبیّ مرسل، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان . (3)
939- وبإسناده عن إسماعيل بن عبدالعزيز، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول: حديثنا صعب مستصعب، قال: قلت: فسّر لي جعلت فداك، قال: ذكوان : ذكي أبدا، قلت: أجرد؟ قال : طريّ أبداً، قلت: مقنّع؟ قال: مستور . (4)
940- وبإسناده عن الأصبغ بن نباتة، عن أمیرالمؤمنین ؟ قال :
سمعته يقول: إن حديثنا صعب مستصعب، خشن مخشوش، فانبذوا إلى الناس نبذاً، فمن عرف فزيدوه، ومن أنكر فأمسكوا، لا يحتمله إلاّ ثلاث:
ملك مقرب، أو نبیّ مرسل، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان. (5)
941- وبإسناد آخر: عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : إن حديثنا صعب مستصعب، أجرد، ذكوان، وعر، شریف، کریم، فإذا سمعتم منه شيئاً ولانت له قلوبكم فاحتملوه، واحمدوا الله عليه، وإن لم تحتملوه ولم تطبقوه فردّوه إلى
الإمام العالم من آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم، فإنما الشقي الهالك الّذي يقول: والله ما كان هذا، ثمّ قال: يا جابر، إنّ الإنكار هو الكفر بالله العظيم.(6)
الفائدة الثانية: في بيان معنى الحديث في قولهم علیهم السلام:
حديثنا صعب مستصعب، إلخ: يحتمل أن يكون المراد کلّ ما ورد عنهم، و يوجّه كونه صعبة بسبب صعوبة تحمّله، ويكون المراد بالاحتمال بیانه و نشره في مقام يقتضيه الحال، فإنّ المؤمن الكامل يعرف مواقع البيان من مواقع
ص: 556
الكتمان، فيعمل في کلّ مقام بما يرى صلاحه بنور الإيمان.
لكن الأقرب في النظر القاصر، بل المتعيّن عند البصير الماهر:
أنّ المراد بحديثهم المذكور في هذه الأخبار ما ورد في فضائلهم من غرائب الأسرار وعجائب الآثار، ومقامات منيعة لا تدركها الأفكار، وشؤون بديعة يعجز عن بيانها أولوا الأبصار، وعلى هذا تكون الإضافة للاختصاص، بمعنى أنّ
حديثنا الخاصّ بنا الوارد في فضلنا ومقاماتنا صعب مستصعب «إلخ»
لان نسبة الحديث إليهم يتصوّر على وجهين :
أحدهما: مطلق ما أخبروا به، وعليه يتخرّج المعنى الأوّل.
والثاني: ما يختصّ بهم في ذکر شؤونهم ومقاماتهم، وعلومهم، وكراماتهم، وعلى هذا يكون إضافة الحديث إليهم دالّة على العموم، ولاحاجة إلى أن يقال: المراد بعض أحاديثهم بتقدير المضاف، أو يقال: بأنه من باب المجاز اللغويّ بذكر العامّ و إرادة الخاصّ بل المتعيّن أن يحمل على الحقيقة ويكون الإضافة للإختصاص. ويمكن أن يكون المراد بالحديث في تلك الروايات الشأن والصفة كما ورد في بعض الكلمات الصادرة عن بعض الاجلّة الثقات، أو يكون الحديث مرادفاً للذكر أو الأمر، ومرجع الکلّ واحد، ويدلّ على ما اخترناه و أيّدناه أخبار عديدة، نتبرّك بذكر بعضها إن شاء الله تعالی:
962- فمنها: الأخبار الواردة بأن أمرهم صعب مستصعب، کرواية الصفّار في البصائر : عن أبي الربّيع الشامي، عن أبي جعفر علیه السلام قال: كنت معه جالساً فرأيت أنّ أبا جعفر علیه السلام قد قام، فرفع رأسه، وهو يقول: يا أبا الربّيع، حدیث تمضغه الشيعة بألستها. لا تدري ما كنهه ، قلت : ما هو، جعلني الله فداك؟
قال : قول عليّ بن أبي طالب علیهماالسلام: إن أمرنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلا ملك مقرّب، أو نبیّ مرسل، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان .
يا أبا الربّيع، ألا ترى أنّه يكون ملك ولايكون مقرّباً، ولا يحتمله إلاّ مقرّب
ص: 557
وقد يكون نبیّ وليس بمرسل، ولا يحتمله إلا مرسل، وقد يكون مؤمن وليس بممتحن، ولا يحتمله إلا مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان .(1)
943- وفيه: بإسناده عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم، عن أبي عبدالله علیه السلام
قال: خالطوا الناس ممّا يعرفون، ودعوهم ممّا ينكرونه ، ولا تحملوا على أنفسكم وعلينا، إنّ أمرنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلّا ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.(2)
944- وبإسناده عن سدير الصيرفي قال: كنت بين يدي أبي عبدالله علیه السلام أعرض عليه مسائل قد أعطانيها أصحابنا، إذا خطرت بقلبي مسألة، فقلت: جعلت فداك، مسألة خطرت بقلبي الساعة، قال: أليست في المسائل؟ قلت:
لا، قال: وما هي؟ قلت: قول أمیرالمؤمنین علیه السلام: إن أمرنا صعب مستصعب، لا يعرفه إلا ملك مقرب، أو نبیّ مرسل، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.
فقال: نعم، إن من الملائكة مقربين وغير مقربين، ومن الأنبياء مرسلين وغير مرسلين، ومن المؤمنين ممتحنين وغير ممتحنين، وإن أمركم هذا عرض على الملائكة، فلم يقرّ به إلا المقرّبون، وعرض على الأنبياء فلم يقرّ به إلاّ المرسلون، وعرض على المؤمنين فلم يقرّ به إلاّ الممتحنون .(3)
945- وفيه : بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبدالله علیه السلام قال:
إن أمرنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلاّ من كتب الله في قلبه الإيمان.(4)
946- وفيه : بإسناده عن أمیرالمؤمنین علیه السلام قال :
إن أمرنا أهل البيت صعب مستصعب، لا يعرفه ولا يقر به إلآ ملك مقرب أو نبیّ مرسل، أو مؤمن نجيب امتحن الله قلبه للإيمان.(5)
947- وفيه : بإسناده عن زياد بن سوقة قال: كنّا عند محمّد بن عمرو بن
ص: 558
الحسن، فذکرنا ما أتى إليهم، فبكى حتّی ابتلّت لحيته من دموعه، ثمّ قال :
إنّ أمر آل محمّد أمر جسیم، مقنع، لا يستطاع ذكره، ولو قد قام قائمنا التكلّم به، وصدّقه القرآن.(1)
أقول: الظاهر أنّ الأمر في هذه الأحاديث وما ضاهاها مرادف للشأن فالمراد صعوبة الشؤون الّتي جعلها الله تعالى لهم، وخصّهم بها، سواء كان الشأن من الأمور الدنيويّة، أم الأخروية، أو المعجزات الباهرة، أم الدلائل الظاهرة، أم
العلوم الكاملة، أم المواهب الشاملة، أم الأسرار الغريبة، أم الخصایص العجيبة، أم الحقّوق الماليّة، أم الصفات الحاليّة، إلى غير ذلك ممّا لا يحصيها غير الله ، أو من علّمه الله عزّ وجلّ أعني رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم والأئمة المعصومین، ولهذا شواهد عديدة في الأخبار، لا يخفى على المتتبّع فيها بعين الاعتبار .
الفائدة الثالثة: في بيان معنى الصعب المستصعب، وسائر الألفاظ المذكورة في تلك الروايات المأثورة، أما الصعب: فهو نقيض الذلول، فالذلول ما يذلّ ویلین لکلّ أحد بخلاف الصعب.
قال في مجمع البحرين: الصعب نقيض الذلول، يقال: صَعُبَ الشيء بضمّ الثاني صعوباً: صار صعبة شاقا، إنتهى.(2)
ويؤيّده ما مرّ في الباب الرابع في شباهة مولانا صاحب الزمان بذي القرنين(3) والمراد به هنا المقام الّذي لا يلين لغيرهم، ولا يتمكّن أحد من الخلق غيرهم أن يناله ویدر که من الشؤون الّتي خصّهم الله تعالى بحيث لا تناله يد أحد من الملائكة المقرّبين، والأنبياء المرسلین.
948- ويدلّ على ما ذكرناه، ويشهد له ما رواه في بصائر الدرجات: عن المفضّل قال: قال أبو جعفر علیه السلام: إنّ حديثنا صعب مستصعب، ذكوان، أجرد
ص: 559
لا يحتمله ملك مقرّب و لانبیّ مرسل، ولا عبد امتحن الله قلبه للإيمان .
أمّا الصعب : فهو الّذي لم يركب بعد.
وأمّا المستصعب: فهو الّذي يهرب منه إذا رؤي ... الخبر.(1)
وسنذكره بتمامه، مع بيان معناه، والجمع بينه وبين الاخبار السابقة في بعض الفوائد اللاحقة إن شاء الله تعالى، ويشهد لما ذكرناه أيضاً من كون المراد بالصعب المقام الّذي خصّهم الله تعالى به، دون سائر خلقه:
949 - وما في تفسير الإمام العسكري علیه السلام في قوله تعالی:
« وَ لَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ»(2) : شجرة العلم، شجرة علم محمّد وآل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم
الّذين آثرهم الله تعالى عزّ وجلّ بها دون سائر خلقه،
فقال الله تعالى :« وَ لَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ» شجرة العلم، فإنّها لمحمّد وآله خاصّة دون غيرهم، ولا يتناول منها بأمر الله إلاّ هم.
ومنها: ما كان يتناوله النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام بعد إطعامهم المسكين واليتيم والأسير ، حتّی لم يحسّوا بعد بجوع ولا عطش، ولا تعب ولانصب.
وهي شجرة تميّزت من بين أشجار الجنّة، إن سائر أشجار الجنّة كان كل نوع منها يحمل نوعاً من الثمار والمأكول، وكانت هذه الشجرة وجنسها تحمل البرّ، والعنب، والتين، والعنّاب، وسائر أنواع الثمار، والفواكه، والأطعمة ، فلذلك اختلف الحاكون لتلك الشجرة، فقال بعضهم: هي برّة، وقال : آخرون هي عنبة، وقال آخرون: هي تينة، وقال آخرون: هي عنّابة ، قال الله تعالى:
« وَ لَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ» تلتمسان بذلك درجة محمّد وآل محمّد في فضلهم،
فإنّ الله تعالی خصّهم بهذه الدرجة دون غيرهم، وهي الشجرة الّتي من تناول منها بإذن الله عزّ وجلّ اُلهم علم الأوّلين والآخرين، من غير تعلّم، ومن
ص: 560
تناول منها بغير إذن الله، خاب عن مراده وعصى ربّه، الخبر.(1)
950- ويشهد لذلك أيضاً ما في تفسير البرهان، عن ابن بابویه (رحمه الله) : بإسناده عن الصادق علیه السلام - في حديث طويل - قال:
فلمّا أسكن الله عزّ وجلّ آدم وزوجته الجنّة، قال لهما: «كُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ» یعنی شجرة الحنطة «فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ»
فنظرا إلى منزلة محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم، فوجداها أشرف منازل الجنّة، فقالا: یا ربّنا لمن هذه المنزلة؟
فقال جلّ جلاله : ارفعا رؤوسكما إلى ساق العرش، فرفعا رؤوسهما فوجدا أسماء محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين والأئمة صلوات الله عليهم مكتوبة على ساق العرش، بنور من نور الله الجبّار جلّ جلاله.
فقالا: یا ربّنا ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك! وما أحبهم عليك! وما أشرفهم لديك! فقال الله جلّ جلاله : لولاهم ما خلقتكما، هؤلاء خزنة علمي وأمنائي على سرّي، إيّاكما أن تنظرا إليهم بعين الحسد، وتتمنّيا منزلتهم عندي
و محلّهم من كرامتّي - إلي أن قال الصادق علیه السلام:
فلمّا أراد الله عزّ وجلّ أن يتوب عليهما، جاءهما جبرئیل، فقال لهما: إنّكما ظلمتما أنفسكما بتمنّي منزلة من فضّل عليكما فجزاؤكما ما قد عوقبتما به من الهبوط من جوار الله عزّوجلّ إلى أرضه، الخبر.(2)
وأمّا المستصعب: فالمراد به ما يراه السامع ويعده صعباً، وإليه الإشارة بقوله علیه السلام في حديث البصائر: وأما المستصعب فهو الّذي يهرب منه إذا رؤي «إلخ». وأمّا الخشن: فهو ضدّ الليّن، لصعوبة احتماله على غير الممتحنین.
وأما المخشوش: فهو الجمل الّذي جعل في أنفه خشاش، وهو بالكسر:
ص: 561
عود يجعل في أنف البعير، يشدّ به الزمام ليكون أسرع لانقياده ، فكأنه علیه السلام شبّه حدیثهم بذلك، دلالة على الأمر بحفظه وصيانته عمّن لا يحتمله ، ولا يؤمن به وأنّهم علیهم السلام لم يبيّنوه إلاّ لمن يكون أهلاّ لذلك.
فيجب على المؤمن أن لايذكر أسرارهم وصفاتهم الخاصّة بهم، إلاّ لمن يطيق ذلك ويحتمله، وهذا معنی جعل الحديث مقيّداً بالخشاش.
ويدل على ذلك قوله علیه السلام في الحديث الّذي رويناه : فانبذوا إلى الناس نبذاً، فمن عرف فزيدوه، ومن أنكر فأمسكوا، إلخ.
وأمّا الوعر : فهو بسكون العين ، ضدّ السهل، فهو تأكيد للصعب المستصعب
الفائدة الرابعة: في معنى قوله: إنّ أمركم هذا عرض على الملائكة فلم يقرّ به إلاّ المقرّبون، وعرض على الأنبياء فلم يقر به إلاّ المرسلون، وعرض على المؤمنين، فلم يقرّ به إلا الممتحنون، فإنّه بظاهره ينافي الأخبار الكثيرة، الدالة على أنّ جميع الملائكة والنبييّن يتقربون إلى الله تعالى، ويدينون بولايتهم ويقرّون بالشؤون الّتي جعلها الله عزّ وجلّ لهم:
951- منها: ما في بصائر الدرجات : بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام قال:
ما جاورت ملائكة الله تبارك وتعالى في دنوّها منه إلاّ بالّذي أنتم عليه ، وإنّ الملائكة ليصفون ما تصفون، ويطلبون ما تطلبون، وإنّ من الملائكة ملائكة يقولون: إنّ قولنا في آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم مثل الّذي جعلتهم عليه .(1)
952- وفيه أيضاً: بإسناده عن حمّاد بن عیسی، قال:
سأل رجل أبا عبدالله علیه السلام فقال: الملائكة أكثر أو بنو آدم؟
فقال: والّذي نفسي بيده لملائكة الله في السماوات أكثر من عدد التراب، وما في السماء موضع قدم إلاّ وفيه ملك يقدسّ له ويسبّح، ولا في الأرض شجرة ولا مثل غرزة إلاّ وفيها ملك موکّل يأتي الله کلّ يوم بعملها، الله
ص: 562
أعلم بها، وما منهم أحد إلّا ويتقرّب إلى الله في کلّ يوم بولايتنا أهل البيت ويستغفر لمحبّينا، ويلعن أعداءنا، ويسأل الله أن يرسل عليهم من العذاب إرسالاً.(1)
953- وفيه : بإسناده عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال:
ما تكاملت النبوّة لنبیّ في الأظلّة حتّی عرضت عليه ولايتي و ولاية أهل بيتي، ومثّلوا له، فأقرّوا بطاعتهم و ولايتهم.(2)
954- وفيه: بإسناده عن الصادق علیه السلام قال: ما تنبّئ نبیّ قطّ إلاّ بمعرفة حقّنا، وبفضلنا عمّن سوانا.(3)
955- وفيه: في رواية أخرى عنه قال: ما من نبیّ نَّبئَ، ولا من رسول اُرسل إلاّ بولايتنا، وبفضلنا عمّن سوانا.(4)
956- وعن أبي جعفر علیه السلام قال :
ولايتنا ولاية الله الّتي لم يبعث الله نبيّاً قط إلاّ بها(5). إلى غير ذلك.
ويمكن الجمع بينهما بوجوه:
أحدها: أن یکون المراد في هذه الأخبار الإذعان والإقرار بولايتهم وأفضليّتهم على نحو الإجمال، وفي الاُولى الإذعان والإقرار التفصيلي الناشئ عن معرفة خصائصهم وشؤونهم تفصيلاً.
والثاني: أن يكون المراد في تلك الأخبار التصديق القلبي فقط، وفي الاُولى اللساني والقلبي جميعاً.
ص: 563
والثالث : أن يكون المراد في الحديث الأوّل: المسابقة في عالم الأرواح إلى الإقرار بما جعل الله لمحمّد وآله الأبرار،
فالسابقون إلى ذلك هم الأنبياء المرسلون، والملائكة المقرّبون والمؤمنون الممتحنون، وسائر الأنبياء والملائكة والمؤمنين قد اتّبعوا في ذلك الأوّلين :
«وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ»(1)
هذا ما سنح بالبال في هذا المقال، ويشهد لکلّ من تلك الوجوه الثلاثة بعض الأخبار، وذكرها ينافي ما أردناه من الأختصار، والله العالم وهو العاصم.
ثمّ إنّه لا يبعد أن يكون المراد بقوله علیه السلام: «إنّ أمركم هذا» ، بقرينة بعض الروايات خصوص ما يتعلّق بقيام القائم صلوات الله وسلامه عليه ، فإنّه من الأسرار الّتي لا يبقى على الإذعان بها إلا الأندر فالاندر.
ويشهد لذلك عدّة روایات:
957- منها: ما في اُصول الكافي: بإسناده عن منصور، قال:
قال لي أبو عبدالله علیه السلام: يا منصور، إنّ هذا الأمر إلاّ يأتيكم إلا بعد إياس، ولا والله حتّی تميزّوا، ولا والله حتّی تمحصّوا، ولا والله حتّی يشقى من يشقى ويسعد من يسعد.(2)
958- وفيه : عن أبي جعفر علیه السلام قال :
إنّ حديثكم هذا لتشمئزّ منه قلوب الرجال، فمن أقرّ به فزيدوه، ومن أنكره فذروه، إنّه لابدّ من أن يكون فتنة يسقط فيها کلّ بطانة و وليجة، حتّی يسقط فيها من يشقّ الشعر بشعرتين، حتّی لا يبقى إلاّ نحن وشیعتنا .(3)
959- وفي غيبة النعماني: بإسناده عن صفوان بن يحيى، قال :
قال أبو الحسن الرضا علیه السلام: والله لا يكون ماتمدّون إليه أعينكم حتّی
ص: 564
تمحصّوا وتميّزوا، وحتّی لا يبقى منكم إلاّ الأندر فالاندر.(1)
960- وفيه: عن أبي جعفر و أنه قال: لتمحصنّ يا شيعة آل محمّد تمحيص الكحل في العين، و إنّ صاحب الكحل يدري متى يقع الكحل في عينه، ولا يعلم متى يخرج منها، وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا، و يمسي
وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا، ويصبح وقد خرج منها.(2)
وفي معناها روايات عديدة.
961- ويشهد لذلك أيضاً ما في البصائر وأصول الكافي : عن أبي جعفر علیه السلام قال: إنّ الله تبارك وتعالى حيث خلق الخلق خلق ماءً عذباً، وماءً مالحاً اُجاجاً فامتزج الماءان، فأخذ طيناً من أديم الأرض، فعرکه عركاً شديداً؛
فقال لأصحاب اليمين وهم كالذرّ يدبّون (3): إلى الجنّة بسلام،
وقال لأصحاب الشمال: إلى النار ولا اُبالي، ثمّ قال :
«أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ »
ثمّ أخذ الميثاق على النبيّين ، فقال: ألست بربّکم، وأنّ هذا محمّد رسولي
و أنّ هذا عليّ أمیرالمؤمنین؟
قالوا: بلى، فثبتت لهم النبوّة، وأخذ الميثاق على اُولي العزم أنني ربّكم ومحمّد رسولي، وعليّ أمیرالمؤمنین وأوصياؤه من بعده ولاة أمري، وخزّان علمي علیهم السلام، وأن المهدي أنتصر به لديني وأظهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي،
و اُعبد به طوعاً وكرهاً، قالوا: أقررنا يا ربّ وشهدنا،
ولم يجحد آدم ولم يقرّ، فثبتت العزيمة لهؤلاء الخمسة في المهدي ولم يكن لآدم عزم على الإقرار به، وهو قوله عزّ وجلّ: «وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ
ص: 565
فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا»(1) قال : إنما هو «فَتَرَكَ»، الخبر.(2)
الفائدة الخامسة: الظاهر أنّ المراد بالمؤمن الممتحن: هو الّذي لا يزيغ قلبه بسبب تهاجم أسباب الشكّ والارتياب، والمراد بالمدينة الحصينة: من له ملكة حفظ الأسرار، والقبول والتسليم لما يلقى إليه من فضائل الهداة الأطهار، وإن
لم يكن داخلاً في الممتحنين الأبرار .
الفائدة السادسة: في بيان المراد من الاحتمال المذكور في تلك الأخبار:
962- روى الشيخ النعماني (رحمه الله) في الغيبة: بإسناده عن عبد الأعلى قال :
قال لي أبو عبدالله علیه السلام: يا عبد الأعلى، إن احتمال أمرنا ليس معرفته وقبوله، إنّ احتمال أمرنا هو صونه وستره عمّن ليس من أهله، فاقرأهم السلام ورحمة الله - يعني الشيعة - وقل : قال لكم: رحم الله عبداً استجرّ مودّة الناس
إلى نفسه وإلينا بأن يظهر لهم مايعرفون، ويكف عنهم ما ينكرون.
وفي بعض النسخ: والله ما الناصبة لنا حربّا أشدّ مؤونة من الناطق علينا بما نكرهه ... وذكر الحديث بطوله إلى آخره .(3)
963- وفيه: بإسناد آخر، عنه، عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد علیهماالسلام، أنه قال: ليس هذا الأمر معرفته و ولايته فقط حتّی تستره عمّن ليس من أهله ويحسبكم(4) أن تقولوا ما قلنا، وتصمتوا عمّا صمتنا.
فإنّكم إذا قلتم ما نقول، وسلّمتم لنا فيما سكتنا عنه، فقد آمنتم بمثل ما آمنّا به قال الله تعالى: «فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا»
قال عليّ بن الحسين علیهماالسلام: حدّثوا الناس بما يعرفون، ولاتحمّلوهم ما لا
ص: 566
يطيقون فتغرّونهم بنا.(1)
964- وفيه : بإسناد آخر، عنه، قال: قال أبو عبدالله جعفر بن محمّد علیهماالسلام:
إنّ احتمال أمرنا ليس هو التصديق به والقبول له فقط، إنّ من احتمال أمرنا ستره وصيانته عن غير أهله، فاقرأهم السلام ورحمة الله - يعني الشيعة -
وقل لهم: يقول لكم: رحم الله عبداً اجتر مودّة الناس إليَّ وإلى نفسه يحدثّهم بما يعرفون ويستر عنهم ما ينكرون، ثمّ قال لي:
والله ما الناصبة لنا حربّاً أشدّ مؤونة علينا من الناطق علينا بما نكرهه.(2)
965- وفيه: في رواية اُخرى عن الصادق علیه السلام قال: إنّه من كتم الصعب من حديثنا جعله الله نوراً بين عينيه، ورزقه العز في الناس. ومن أذاع الصعب من حديثنا لم يمت حتّی يعضّه السلاح، أو يموت متحيرة (3).(4)
966- وفي تحف العقول عن الصادق علیه السلام في وصاياه لأبي جعفر محمّد بن النعمان الأحول، المعروف بمؤمن الطاق، قال علیه السلام:
یا بن النعمان، إنّ المذيع ليس كقاتلنا بسيفه بل هو أعظم وزراً، بل هو أعظم وزراً، بل هو أعظم وزرا، یا بن النعمان ، إنّه من روى علينا حدیثاً فهو ممّن قتلنا عمداً، ولم يقتلنا خطأ - إلى أن قال: يابن النعمان،
إنّ العالم لا يقدر أن يخبرك بکلّ مایعلم، لانه سرّ الله الّذي أسرّه إلى جبرئیل ، وأسرّه جبرئيل علیه السلام إلى محمّد صلی الله علیه وآله وسلم، وأسرّه محمّد صلی الله علیه وآله وسلم إلى عليّ علیه السلام، وأسرّه عليّ علیه السلام إلى الحسن علیه السلام
وأسرّه الحسن علیه السلام إلى الحسين علیه السلام، وأسرّه الحسين علیه السلام إلى عليّ علیه السلام ، وأسرّه
عليّ علیه السلام إلى محمّد صلی الله علیه وآله وسلم، وأسره محمّد صلی الله علیه وآله وسلم هل إلى من أسرّه، فلا تعجلوا، فوالله
ص: 567
لقد قرب هذا الأمر ثلاث مرّات فأذعتموه فأخّره الله، والله مالكم سرّ إلاّ وعدوكم أعلم به منکم.
یابن النعمان، أبق على نفسك فقد عصيتني، لا تذع سرّي، فإن المغيرة بن سعید کذب على أبي، وأذاع سرّه، فأذاقه الله حرّ الحديد، وإنّ أبا الخطّاب كذب عليّ وأذاع سرّي، فأذاقه الله حرّ الحديد، ومن كتم أمرنا زينه الله به في الدنيا والآخرة، وأعطاه حظّه، ووقاه حرّ الحديد وضيق المحابس.
إنّ بني إسرائيل قحطوا حتّی هلكت المواشي والنسل، فدعا الله موسی بن عمران علیه السلام فقال: يا موسى إنّهم أظهروا الزنا والربّا، وعمّروا الكنائس وأضاعوا الزكاة، فقال: إلهي، تحنّن برحمتك عليهم فإنّهم لا يعقلون،
فأوحى الله إليه: إني مرسل قطر السماء ومختبرهم بعد أربعين يوماّ، فأذاعوا ذلك وأفشوه، فحبس عنهم القطر أربعين سنّة، وأنتم قد قرب أمركم فأذعتموه في مجالسكم - إلى أن قال : يا بن النعمان، لا يكون العبد مؤمنة حتّی تكون فيه ثلاث سنن، سنّة من الله، وستة من رسوله، وسنة من الإمام .
فأما السنّة من الله جلّ وعز، فهو أن يكون كتومة للأسرار، يقول الله جلّ ذكره «عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا»(1)
وأما التي من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فهو أن يداري الناس ويعاملهم بالأخلاق الحنيفيّة، وأما التي من الإمام، فالصبر في البأساء والضرّاء حتّی يأتيه الله بالفرج، الخبر.(2)
والحاصل من تلك الأخبار وغيرها:
أنّ الاحتمال المأمور به، المقصود في كلماتهم علیهم السلام يتقوّم بثلاثة اُمور:
الأوّل: معرفة اُمورهم وفضلهم .
والثاني: قبولها والتسليم لها.
ص: 568
والثالث: صونها عن غير أهلها، ولما كان بعض الملائكة والنبيّين بحسب مراتبهم قاصرين عن معرفة بعض خصائص الائمّة وغرائب فضائلهم،
قال علیه السلام: لا يحتمله إلاّ ملك مقرّب، إلخ.
فإنّ عدم احتمالهم إنّما هو من حيث قصورهم عن المعرفة ببعض ما خصّ الله تعالی به محمّداً وآله المعصومين لا من حيث عدم التسليم، فإنّه كفر بالله العظيم كما مرّ في الرواية (141) في آخر الفائدة الأولى من الفوائد السابقة،
بل لهم أسرار وعلوم لايحتمله ملك مقرّب ولا نبیّ مرسل.
967- روي في البصائر: بإسناده عن أبي الصامت، قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول: إن من حديثنا ما لا يحتمله ملك مقرب، ولا نبیّ مرسل، ولا عبد مؤمن، قلت: فمن يحتمله؟ قال علیه السلام: نحن نحتمله . (1)
الفائدة السابعة: في بيان كون الدعاء للقائم علیه السلام و مصداقاً لاحتمال أمرهم علیهم السلام
وتقريره: أنّ أمر القائم صلوات الله عليه بحسب ما جعله الله له من الخصائص في زمان غيبته وظهوره من الأسرار العجيبة، والاُمور الصعبة التي لم يتّفق لاحد من الأنبياء والمرسلين، والأولياء المقرّبين والأوصياء المرضيّين،
وهذا أمر لايحتاج إلى البيان، بل هو مشاهد بالوجدان، وتنطق عليه الروايات المروية عن أهل الذكر والتبیان،
كما قال مولانا أبو محمّد العسكري علیه السلام لأحمد ابن إسحاق، في الحديث الّذي ذكرناه في حرف الغين المعجمة:
يا أحمد بن إسحاق، هذا أمر من أمر الله، وسرّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين، تكن غداً في علّييّن.(2)
ولذلك كان الأئمة يسترون أمره، وينهون عن ذكر اسمه في المجالس والمحافل، بل كان أمره علیه السلام من الأمور الصعبة، التي مرّ في آخر الفائدة الرابعة
ص: 569
في الحديث عن الباقر علیه السلام، أن آدم لم يجحد ولم يقرّ (1) إلى غير ذلك ممّا يفيد
القطع بكون أمر المهدي علیه السلام من الأمور الصعبة، والأسرار العجيبة التي لا يحتملها إلاّ ملك مقرب، أو نبیّ مرسل، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان .
ولماّ كان الدعاء له علیه السلام كاشفاً عن المعرفة به، والتسليم لأمره صحّ أن يقال للدّاعي في حقّه: إنّه من مصادیق ذلك العنوان.
الفائدة الثامنة : في بيان سبيّة الدعاء بتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان علیه السلام لاقتدار المؤمن على احتمال سائر أحاديثهم، وأمورهم الصعبة المستصعبة،
وتقريره : أنه قد مرّ سابقة أنّ المداومة في الدعاء له علیه السلام تكون من أسباب كمال الإيمان، وثبوت المؤمن على درجة الإيقان، وقد تبيّن بالأحاديث السابقة أن احتمال اُمورهم وأحاديثهم الصعبة المستصعبة من آثار هذا الشأن، فثبت
المطلوب ببيّنة وبرهان.
وتقريره: أنّ الدعاء الخالص في حقّ مولانا صاحب الزمان سبب لخلوص الإيمان، وخلوص الإيمان سبب لنيل هذا الشأن، فينتج أنّ الدعاء لصاحب الزمان سبب لنيل هذا الشأن، والله الموفّق وهو ولي الإحسان .
إضاءة نوره لاهل المحشر، وفيها فوائد اُخر، وتقرير ذلك من وجهين :
أحدهما: أنّ المؤمن يضئ نوره في يوم القيامة، وقد سبق أنّ الدعاء في حقّ مولانا صاحب الزمان سبب لثبوت الإيمان، وكماله في الإيقان.
والدليل على ما ذكرنا من الآيات قوله تعالى: «يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ » (2)الآية .
ومن الروايات أخبار كثيرة :
ص: 570
968- منها: ما في البحار: عن مولانا الصادق جعفر بن محمّد صلوات الله وسلامه عليه، قال: إن الناس يقسّم بينهم النور يوم القيامة على قدر إيمانهم، ويقسّم للمنافق فيكون نوره على إبهام رجله اليسرى، فيطفأ نوره، فيقول:
مکانکم حتّی اقتبس من نور کم « قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا»(1) يعني حيث قسّم النور، قال: فيرجعون فيضربّ بينهم السور ... الخبر.(2)
969- ومنها: ما في البحار أيضاً: عن الصادق علیه السلام عن أبيه، عن جدّه علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: يا عليّ، تخرج أنت وشيعتك من قبوركم و وجوهكم كالقمر ليلة البدر، وقد فرّجت عنكم الشدائد، وذهب عنكم الأحزان تستظلّون تحت العرش، يخاف الناس ولا تخافون، ويحزن الناس ولاتحزنون، وتوضع لكم مائدة، والناس في المحاسبة . (3)
970 - الوجه الثاني: ما يستفاد من حديث مرويّ في اُصول الكافي - في باب حقّ المؤمن على أخيه -: بإسناده عن عيسى بن أبي منصور، قال:
كنت عند أبي عبدالله علیه السلام: أنا وابن أبي يعفور وعبدالله بن طلحة.
فقال ابتداءً منه: يابن أبي يعفور، قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: ستّ خصال من کنّ
فيه كان بين يدي الله عزّ وجلّ، وعن يمين الله عزّ وجلّ.
فقال ابن أبي يعفور: وما هنّ جعلت فداك ؟ قال علیه السلام: يحب المرء المسلم الأخيه مايحب لأعزّ أهله، ويكره المرء المسلم لأخيه مایكره لأعزّ أهله، ویناصحه الولاية، فبکی ابن أبي يعفور وقال: كيف يناصحه الولاية.
قال علیه السلام: يابن أبي يعفور، إذا كان منه بتلك المنزلة بثّه همّه، ففرح لفرحه إن هو فرح، وحزن لحزنه إن هو حزن، وإن كان عنده ما يفرج عنه، فرج عنه وإلاّ دعا الله له، قال: ثمّ قال أبو عبدالله علیه السلام:
ص: 571
ثلاث لكم، وثلاث لنا، أن تعرفوا فضلنا، وأن تطأوا عقبنا، وتنظروا عاقبتنا، فمن كان هكذا كان بين يدي الله عزّ وجلّ، فيستضيء بنورهم من هو أسفل منهم، وأمّا الّذين عن يمين الله فلو أنهم يراهم من دونهم لم يهنّئهم العيش ممّا يرون من فضلهم، فقال ابن أبي يعفور: ومالهم لا يرون وهم عن يمين الله؟!
فقال علیه السلام: يابن أبي يعفور، إنّهم محجوبون بنور الله، أما بلغك الحديث أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم كان يقول: إن لله خلقاً عن يمين العرش بين يدي الله، وعن يمين الله، وجوههم أبيض من الثلج، وأضوء من الشمس الضاحية،
يسأل السائل: ما هؤلاء؟ فيقال : هؤلاء الّذين تحابّوا في جلال الله.(1)
أقول: وجه الاستشهاد أنه علیه السلام قال: فمن كان هكذا، يعني كان فيه الخصال الثلاثة المتعلّقة إلى الأئمّة علیهم السلام، كان بين يدي الله عزّ وجلّ، فيستضيء بنورهم من هو أسفل منهم،
ولا يخفى أن الداعي في حقّ مولاه صاحب الزمان علیه السلام بتعجيل الفرج والظهور، وطلب النصرة والسرور، يكون مصداقا للعناوين الثلاثة، لأنّ الدعاء في حقّه علیه السلام علامة المعرفة به وبآبائه علیهم السلام، ومتابعة لهم في هذا الأمر الجليل ودليل انتظاره لعاقبتهم وظهور دولتهم، إن شاء الله تعالى، فتدبّر .
ومن غريب الأوهام ما وقع لبعض الاعلام(2) في هذا المقام، لبيان قول الإمام علیه السلام حيث قال: فمن كان هكذا، أي كانت فيه الخصال الستّ جميعا إنتهى. وأنت خبير بظهور المعنى الّذي ذكرناه، خصوصاّ بملاحظة قوله علیه السلام:
وأما الّذين عن يمين الله، وقوله قبل ذلك : ثلاث لكم وثلاث لنا،
فإنّ ذلك كلّه ممّا يوضّح كون هذا الثواب مترتّباً على الخصال الثلاثة والكون عن يمين الله علاوة لمن اتصف بالخصال الستّ جميعاً، فتدبّر.
ص: 572
ثمّ إنّ المراد بالكون بين يدي الله تعالی وعن يمينه يحتمل أن يكون نهاية القرب المعنويّ إلى الله عزّ وجلّ، كما أنّ اقرب الناس إلى السلطان يكون بين يديه و عن يمينه ، ويحتمل أن يكون المراد بكونه عن يمين الله، عن يمين عرش
الله، ويؤيّده استشهاد الإمام بقول رسول الله: إن لله خلقاً عن يمين. العرش ... (إلخ) فتأمّل جيداً.
قبول شفاعته يوم الدين في سبعين ألفا من المذنبين
971- ويدل على ذلك ما في ثالث البحار: بالإسناد عن أبي عبدالله علیه السلام، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ علیه السلام قال: إنّ اللجنّة ثمانية أبواب، باب يدخل منه النبيون والصدّيقون، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون، وخمسة أبواب يدخل منها شیعتنا ومحبّونا، فلا أزال واقفاً على الصراط، أدعو وأقول:
ربّ سلّم شيعتي، ومحبّي، وأنصاري و من تولاّني في دار الدنيا .
فإذا النداء من بطنان العرش : قد أجيبت دعوتك، وشفّعت في شيعتك ويشفّع کلّ رجل من شيعتي ومن تولاّني، ونصرني وحارب من حاربني بفعل أو قول، في سبعين ألفاً من جيرانه وأقربائه، وباب يدخل منه سائر المسلمين، ممّن
يشهد أن لا إله إلاّ الله ولم يكن في قلبه مقدار ذرةّ من بغضنا أهل البيت .(1)
أقول: وجه الدلالة أن من تولّى أمیرالمؤمنین ونصره وحاربّ من حاربّه بفعل أو قول تقبل شفاعته في سبعين ألفاً، ولا يخفى أنّ الدعاء في حقّ صاحب الزمان بتعجیل فرجه من أقسام النصرة القوليّة لأمیرالمؤمنین علیه السلام، لأن نصرة
مولانا الحجّة نصرة أبيه صلوات الله عليهما، ولأن صاحب الزمان علیه السلام هو المنتقم من أعداء أمیر المؤمنین علیه السلام و ظالميه، عليهم لعنة الله، فکلّ ما له دخل في حصول هذا الانتقام داخل في أقسام نصرته علیه السلام ومنه الدعاء بالتقريب الّذي
ص: 573
قدّمناه في كون الدعاء سبباً لاستباق فرجه وظهوره.
دعاء أمیرالمؤمنین علیه السلام في حقّه يوم القيامة
لقوله علیه السلام: وأقول ربّ سلم شيعتي ومحبي وأنصاري إلخ، لكونه من أنصاره بحسب ما أسمعناك آنفاً.
972- ويدلّ على ذلك ما روي في تحف العقول: عن الصادق علیه السلام في آخر وصاياه لعبدالله بن جندب، قال: فلا يبقى أحد ممن أعان مؤمناً من أوليائنا بكلمة إلاّ أدخله الله الجنّة بغير حساب.(1)
وجه الإستشهاد: ما تقدّم مراراً من كون الدعاء من جملة أقسام الإعانة باللّسان، فيدخل الدعاء بتعجیل فرج مولانا صاحب الزمان في أكمل أفراد هذا العنوان
لانّه ممّن يسقيه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم
973- ففي حديث الرايات الّتي تقدم عليه يوم القيامة، قال علیه السلام: ثمّ ترد عليَّ راية تلمع وجوههم نوراً، فأقول لهم: من أنتم؟ فيقولون: نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى من أمّة محمّد المصطفى صلی الله علیه وآله وسلم، ونحن بقية أهل الحقّ، حملنا کتاب ربّنا، وأحللنا حلاله وحرمنا حرامه، وأحببنا ذرية نبينا محمّد صلی الله علیه وآله وسلم،
ونصرناهم من کلّ ما نصرنا به أنفسنا، وقاتلنا معهم من ناواهم، فأقول لهم :
أبشروا فأنا نبيكم محمّد، ولقد کنتم في الدنيا كما قلتم ، ثمّ أسقيهم من
ص: 574
حوضي، فيصدرون مرويين مستبشرين، ثمّ يدخلون الجنّة خالدين فيها أبد الآبدين.(1) أقول :
وجه الدلالة: ما ذكرناه سابقا من كون الدعاء من أقسام النصرة والإعانة وقد دلّ هذا الحديث على مكرمة أخرى، وهي الخلود في الجنّة، فلا تغفل .
كما عرفت آنفاً، وبوجه آخر: أنه قد عرفت كون هذا الدعاء سببة لكمال الإيمان واستقراره للإنسان، ولا ريب في أن الإيمان سبب للخلود في الجنان فهذا الدعاء سبب لذلك بهذا البيان.
974- ويشهد لذلك ما روي في أصول الكافي - في باب الطاف المؤمن وإكرامه -: بإسناده عن إسحاق بن عمّار قال:
قال أبو عبدالله علیه السلام: أحسن يا إسحاق إلى أوليائي ما استطعت، فما أحسن مؤمن إلى مؤمن، ولا أعانه، إلا خمش وجه إبليس(2) وقرّح(3) قلبه.(4)
أقول: دلّ هذا الحديث على أن إعانة المؤمن، والإحسان إليه ، سببان الخمش وجه إبليس وقرح قلبه، وقد ذكرنا مراراً أن الدعاء بتعجیل فرج مولانا صاحب الزمان إعانة وإحسان، وهو أصل الإيمان ورئيس أهله، فتترتّب هذه الفائدة على إعانته والإحسان إليه بنحو أكمل .
ص: 575
أنّه يتحف يوم القيامة بتحفة مخصوصة
975- روي في اُصول الكافي - في الباب المذكور -: بإسناده عن المفضّل، عن أبي عبدالله علیه السلام، قال: إنّ المؤمن ليتحف أخاه التحفة، قلت: وأيّ شيء التحفة؟ قال علیه السلام: من مجلس، ومتّكئ وطعام وكسوة وسلام، فتتطاول الجنّة مكافاة له ويوحي الله عزّ وجلّ إليها: إنّي قد حرمّت طعامك على أهل الدنيا إلاّ على نبيّ، أو وصيّ نبيّ، فإذا كان يوم القيامة أوحى الله عزّ وجلّ إليها : أن کافئي أوليائي بتحفهم، فتخرج منها وصفاء ووصائف معهم أطباق مغطّاة بمناديل من لؤلؤ، فإذا نظروا إلى جهنّم وهولها، وإلى الجنّة وما فيها، طارت عقولهم، وامتنعوا أن يأكلوا.
فينادي مناد من تحت العرش: إن الله عزّ وجلّ قد حرّم جهنّم على من أكل من طعام جنّته، فيمدّ القوم أيديهم فيأكلون.(1)
أقول: وجه الدلالة أن المراد من إتحاف المؤمن أخاه من أهل الإيمان الإحسان إليه، بأي نحو كان ممّا يقدر عليه الإنسان، ولو كان باللسان، والقرينة على ذلك تمثيل الإمام علیه السلام: بصنوف من الإكرام، وخصوص ذكر السلام يدلّ على أنّ المراد مطلق الإحسان والإنعام، وليس ذكر تلك الأقسام في المقام إلا من باب المثال تقريباً إلى أفهام الخواصّ والعوامّ.
إذا تقررّ ذلك فنقول: لا ريب في أنّ الدعاء للمؤمن من أوضح أصناف الإحسان وأعلاها، فيترتّب ما ذكر في الحديث من الثواب في يوم الحساب على الدعاء بتعجيل فرج خاتم الأئمّة الأطياب في زمن الغياب بنحو أتمّ، وطريق
أقوم، كما لا يخفى على أولي الألباب،
والله تعالى هو الهادي إلى نهج الصواب
ص: 576
أن الله تبارك وتعالى يخدمه من خدم الجنّة، لأن الدعاء برّ وإحسان:
976- وقد روي في اُصول الكافي - في الباب المذكور - : بإسناده عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: ما في أمتّي عبد ألطف أخاه في الله بشيء من لطف إلآ أخدمه الله من خدم الجنّة .(1)
والمراد باللُّطف: البّر والإحسان، سواء كان باللسان أم بغيره، فيشمل الدعاء بالخير والفرج لمولانا صاحب الزمان بوجه أولى، ونحو أوفي، كما لا يخفی.
أنه يكون في ظلّ الله الممدود، وتنزّل عليه الرحمة ما دام مشتغلاً بالدعاء الصاحب الزمان.
977- ويدلّ على ذلك ما روي في اُصول الكافي - في الباب المذكور أيضاً - بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام قال:
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: من أكرم أخاه المسلم بكلمة يلطفه بها وفرّج عنه كربّته لم يزل في ظلّ الله الممدود عليه الرحمة ما كان في ذلك.(2)
أقول: قد ذكرنا سابقاً أن الدعاء لذوي الشأن والاحترام يعدّ من أصناف الإكرام، وكذلك التلطّف وإظهار المحبّة يحصل بذلك، وكذا تفريج الكرب وکلّ ذلك ممّا لا يريب فيه أحد من اُولي الألباب ، فإذا دعا المؤمن لمولاه في زمان الغياب، وعجزه عن تفريج كربّته بسائر الأسباب، فاز بما ذكر من الثواب،
وتقرير ذلك بوجهين:
أحدهما : أنّك قد عرفت ثبوت الأخوّة بين الإمام و شیعته بالعقل والنقل، وقد دلّ هذا الحديث على ثبوت ذلك بدعاء المؤمن لأخيه، لأنّ الدعاء
ص: 577
كلمة مؤثّرة في تفريج الكربّ، ودفع الشدائد والبليّات، ومظهرة لمحبّة المؤمن أخاه المؤمن في سبيل الله، وقد عرفت أيضاً تأثير الدعاء في تعجيل ظهور صاحب الزمان بمقتضى ما قدّمناه من الروايات .
والثاني من الوجهين: ثبوت ذلك الثواب بالدعاء لمولانا علیه السلام و بطریق الأولويّة القطعيّة، كما لا يخفى على من له أدنی عقل و تدبّر من البريّة .
ثواب نصيحة المؤمن
ولنذكر أوّلاً بعض ما ورد في ذلك، ثمّ نبيّن حصول ذلك بالدعاء في تعجيل فرج مولانا صاحب الزمان علیه السلام،
978- روي في اُصول الكافي: بإسناد صحيح عن أبي عبدالله علیه السلام قال :
يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له في المشهد والمغيب.(1)
979- وفيه أيضاً: بسند صحيح عن أبي جعفر علیه السلام قال:
يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة.(2)
980- وفيه : بسند موثّق عن أبي عبدالله علیه السلام قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: إنّ
أعظم الناس منزلة عند الله يوم القيامة أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه . (3)
981- وفيه: بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام قال: عليكم بالنصح لله في خلقه فلن تلقاه بعمل أفضل منه.(4)
إذا سمعت ذلك فنقول: قال بعض الشرّاح: النصيحة: فعل أو کلام، يراد بهما الخير للمنصوح (إنتهى) و كذا قال العلّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول.(5)
ثمّ قال المجلسي: والمراد بنصيحة المؤمن للمؤمن: إرشاده إلى مصالح دينه
ص: 578
و دنياه، وتعليمه إذا كان جاهلاً، وتنبيهه إذا كان غافلاً، والذبّ عنه وعن أعراضه إذا كان ضعيفاً، وتوقيره في صغره وكبره، وترك جسده وغشّه، ودفع الضرر عنه، وجلب النفع إليه، ولو لم يقبل نصيحته سلك به طريق الرفق حتّی يقبلها
ولو كانت متعلقة بأمر الدين سلك به طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنکر على الوجه المشروع، قال: ويمكن إدخال النصيحة للرسول والأئمة علیهم السلام أيضاً فيها، لأنّهم أفضل المؤمنين.
قال: في شرح قوله علیه السلام: «في المشهد والمغيب»: أي في وقت حضوره بنحو ما مرّ، وفي غيبته بالكتابة والرسالة، وحفظ عرضه، والدفع عن غيبته وبالجملة رعاية جميع المصالح له، ودفع المفاسد عنه، على أيّ وجه كان.
إنتهى كلامه رفع مقامه ، وإنّما نقلته بطوله لكونه مؤيّداً لما نذكره إن شاء الله تعالی.
وقد ظهر من جميع ذلك للعارف السالك أن الدعاء بالخير للمؤمن من المصادیق الظاهرة للنصيحة، سواء كان في المشهد، أم كان في المغيب فبالدعاء يدفع الكرب، ويجلب النفع، والدعاء توقير للمدعوّله، وإحسان إليه.
إذا عرفت ما ذكرناه ، فنقول: إنّ مسألة تعجيل الفرج والظهور لمولانا صاحب الزمان صلوات الله وسلامه عليه نصيحة لأفضل المؤمنين، ونصيحة لجميع المؤمنین .
أما الأول: فلانّ الإمام أفضل المؤمنين، والدعاء في حقه نصيحة له، لأنه كلام يراد به الخير له صلوات الله عليه .
وأما الثاني: فلمّا قدمناه من حصول الفرج والفرح والنصرة والتمكين والتأييد لعامّة المؤمنين، ودفع البليّات والأمراض، والهموم والغموم عنهم بظهوره علیه السلام، فمسألة ذلك من الله تعالى نصيحة لهم جميعاً،
وقد ذكرنا ما يدلّ على ذلك، فراجع.
ص: 579
أنّ المجلس الّذي يدعى فيه للقائم عجلّ الله تعالی فرجه يكون محضراً للملائكة، وهكذا کلّ مجالس الدعاء، وتساعد الملائكة أهل تلك المجالس في هذا الدعاء وسائر أقسامه. ويدلّ على ذلك عدّة روايات:
982- منها: ما في المجلّد الأوّل من البحار: عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال:
إذا مررتم في رياض الجنّة فارتعوا، قالوا: يا رسول الله، وما ریاض الجنّة؟
قال: حَلَقُ الذكر، فإنّ سيّارات من الملائكة يطلبون حَلَقَ الذِكر، فإذا أتوا عليهم حفّوا بهم، إنتهی.(1)
أقول: يستفاد من هذا الحديث الشريف، والكلام اللطيف اُمور:
أحدها: كون مجالس الذكر من رياض الجنّة، وهذا إمّا من باب تسمية السبب باسم المسبّب، لكون الجلوس في تلك المجالس سبباّ لدخول الجنّة.
وإمّا من باجه كون تلك المجالس جنّة حقيقة، بأن يكون المراد بالجنّة دار القرب، ومنازل الأبرار.
ويؤيده التعليل بقوله: فإن لله تعالى سيّارات من الملائكة «إلخ» .
وبعبارة أخرى : الجنّة محّل ألطاف الله، ودار كرامته، فإذا كان العبد من أهلها فهو في الجنّة في الدنيا، وفي القبر، وفي البرزخ، وفي القيامة ومابعدها .
983- ويؤيّد هذا المعنى أيضاً: ما ورد أن القبر إمّا روضة من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران(2)، إذ لا يخفى أنّ القبر الواقع في الأرض غير الجنّة الموعودة الواقعة في السماء كما ورد في الأخبار (3) ويمكن أن يكون المراد بالجنّة: الجنّة المعهودة، ويكون التعبير بها عن حلقِ الذِكر، من باب الاستعارة و وجه الشباهة ما ذكرناه من كونها دار القرب، ومحلّ الكرامة، والله العالم .
ص: 580
الأمر الثاني: ممّا يستفاد من الخبر الشريف استحباب اجتماع المؤمنين للذكر والدعاء ، ويشهد لذلك روايات:
984- منها: ما في اُصول الكافي: بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام قال:
ما اجتمع ثلاثة من المؤمنين فصاعداً إلاّ حضر من الملائكة مثلهم، فإن دعوا بخير أمنّوا (1)، وإن استعاذوا من شرَّ دعوا ليصرفه عنهم، وإن سألوا حاجة
تشفّعوا إلى الله وسألوه قضاها ... الخبر.(2)
985- وفيه: عنه ثمّ قال: ما اجتمع أربعة رهط قط على أمر واحد فدعوا الله إلا تفرّقوا عن إجابة.(3)
986- وفيه: أيضاً: عنه علیه السلام قال: كان أبي إذا حزنه أمر جمع النساء والصبيان، ثمّ دعا، وأمنوا.(4)
أقول: والرواية الاُولى من هذه الروايات الثلاثة أيضاً ممّا يدلّ على كون مجلس الدعاء محضر الملائكة ، فلا تغفل.
الأمر الثالث: ممّا يستفاد من الحديث الشريف استحباب الحضور والكون في مجلس الذكر والدعاء، وإن لم يشتغل بذلك،
987- ويشهد لهذا ما في البحار ، نقلاً عن کتاب غوالي اللئالي قال:
روى عدة من المشائخ بطريق صحيح عن الصادق علیه السلام أنه قال:
إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول لملائكته عند انصراف أهل مجالس الذكر والعلم إلى منازلهم : اكتبوا ثواب ما شاهدتموه من أعمالهم، فيكتبون لکلّ واحد ثواب عمله ، ويتركون بعض من حضر معهم فلا يكتبونه .
فيقول الله عزّ وجلّ : ما لكم لم تكتبوا فلاناً، أليس كان معهم وقد شهدهم؟
ص: 581
فيقولون : يا ربّ إنّه لم يشرك معهم بحرف، ولا تكلم معهم بكلمة!
فيقول الجلیل جلّ جلاله: أليس كان جليسهم؟ فيقولون: بلی، یاربّ فيقول: اكتبوه معهم، إنّهم قوم لا يشقى بهم جليسهم، فيكتبونه معهم،
فيقول تعالى: اكتبوا له ثواباً مثل ثواب أحدهم.(1)
بیان : قال العلّامة المجلسي (رحمه الله) قوله علیه السلام: «لايشقى بهم جليسهم» أي ببركتهم لا يخيب جليسهم عن كرامتهم فيشقي، أو أنّ صحبتهم مؤثّرة في الجليس، فاستحقّ بسبب ذلك الثواب والسعادة «إنتهی».
988- وفي البحار أيضاً عن العيون: بإسناده عن الرضا علیه السلام قال: من جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب، إنتهى.(2)
أقول: ونظير ذلك المصاحبة مع زوار قبر مولانا الشهيد أبي عبدالله الحسین علیه السلام، والكون معهم، والدخول في زمرتهم.
الأمر الرابع: ممّا يستفاد من الحديث الشريف أن الجلوس في مجالس الذكر يوجب صفاء القلب، ولذلك تأنس الملائكة بأهل تلك المجالس .
وفّقنا الله تعالى وجعلنا منهم في الدنيا والآخرة.
تبيين، المراد بحَلَقَ الذِكر المجالس التي يجتمع فيها أهل الإيمان لقراءة القرآن، أو الدعاء لصاحب الزمان علیه السلام، أو ذكر أسماء الله تعالى وصفاته، أو ذكر النبیّ والأئمة علیهم السلام، فإن ذكرهم ذكر الله، كما ورد في الحديث، أو ذکر مصائبهم، أوسائر مايتعلق بشؤونهم . ومن مجالس الذكر أيضاً سائر مجالس الدعاء، ومنها أيضاً مجالس مباحثة العلم الشرعيّ، ومدارسته على الوجه الخالص من السمعة والرياء والجدال والمراء، وذكر ما يدل على ما ذكرناه من
الأخبار ينافي ماقصدناه من الاختصار فلنكتف بهذا المقدار .
ص: 582
أنّ الداعي لهذا الأمر الجليل ممّن يباهي به الإله الجليل ملائكته.
989- ويدلّ على هذين الأمرين ما روي في أوّل البحار: مسندة عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال لداود بن سرحان: يا داود، أبلغ موالي عليّ السلام، وأنّي أقول: رحم الله عبداً اجتمع مع آخر فتذاكرا أمرنا، فإنً ثالثهما ملك يستغفر
لهما، وما اجتمع اثنان على ذكرنا إلاّ باهي الله تعالى بهما الملائكة،
فإذا اجتمعتم فاشتغلوا بالذكر، فإنّ في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياءنا ، وخير الناس من بعدنا من ذاكر بأمرنا، ودعا إلى ذكرنا.(1)
أقول: وجه الدلالة: أنّ الاشتغال بالدعاء لمولانا صاحب الزمان علیه السلام من أجلى أفراد الذكر وأحلاها، وفّقنا الله تعالی وسائر المؤمنين .
ما يستفاد من الرواية المذكورة وهو أن الداعي في هذا الأمر يكون خير الناس، لكونه ممّن يذاکره بأمرهم علیهم السلام؛ فإن المراد من المذاكرة بأمرهم: ذكرهم وذكر ما يتعلّق بهم وبشؤونهم، صونا عن انمحاء اسمهم، وانطماس آثارهم إذ لاريب أنّ بقاء الدين لا يكون إلاّ بذلك، كما لا يخفى على العارف السالك،
وقد ظهر من ذلك كون هذا العمل أفضل من سائر الأعمال المندوبة خصوصاّ في زمان الغيبة، فتدبر جيدة. ثمّ لا يخفى أنّ من أجلى أنواع الذكر لهم وأفضلها أيضاً ذكر صفات مولانا الغائب عن الأبصار، وما له من الخصائص والعلائم والآثار ليكون تبصرة لاُولى الاعتبار.
ص: 583
واعلم أنّ تلك المكارم الثلاثة إنّما تحصل للمؤمن بالدعاء في حقّ مولانا صاحب الزمان علیه السلام، إذا كان ذلك في مجامع المؤمنين، فإنّ في اجتماعهم خصوصیات لیس تحصل إلا به، ومن تلك الخصوصيّات إحياء أمرهم، وإعلاء
كلمتهم ونشر أسمائهم، والدعوة إليهم، واتّفاق المؤمنین علی نصرتهم والدعاء لهم ولتعجيل فرجهم صلوات الله عليهم أجمعين .
أنه إطاعة لأولي الأمر: وهو أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله عزو جل قال الله عزّ وجلّ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(1)الآية . فهاهنا مطالب:
أحدها: أن المراد بأولي الأمر في الآية المباركة الأئمة الأطهار علیهم السلام.
والثاني : وجوب إطاعة اُولي الأمر.
والثالث: كون ذلك أفضل ما يتقرّب به العباد إلى الله عزّ وجلّ.
والرابع : كون الدعاء بتعجيل الفرج من مصاديق الإطاعة لهم علیهم السلام.
أمّا [المطلب] الأوّل : فيدلّ عليه أخبار كثيرة من طرق الخاصّة والعامّة مذكورة في الكافي، وغيبة النعماني، وكمال الدين، وغاية المرام، وتفسير البرهان والبحار، والمناقب، وغيرها.(2)
ونكتفي في هذا المقام بذکر بعضها نقلاً عن تفسير البرهان، بحذف الإسناد:
990- فعن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال : لمّا أنزل الله عزّ وجلّ على نبيه محمّد صلی الله علیه وآله وسلم: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»
قلت: يا رسول الله، عرّفنا الله ورسوله، فمن اُولوا الأمر الّذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟
ص: 584
فقال صلی الله علیه وآله وسلم: هم خلفائي يا جابر، وأئمة المسلمين من بعدي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن علي المعروف في التوراة بالباقر، وستدر که یا جابر، فإذا لقيته فاقرءه منّي السلام، ثم الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسی بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن علي، ثمّ عليّ بن محمّد ثمّ الحسن بن علي، ثمّ سمیّي [محمّد] و کنیّي، حجّة الله في أرضه، وبقيّته في عباده، ابن الحسن بن عليّ، ذاك الّذي يفتح الله تعالی ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربّها، ذاك الّذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان .
قال جابر: فقلت له: يا رسول الله، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟
فقال صلی الله علیه وآله وسلم: إي والّذي بعثني بالنبوة، إنّهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته، كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلاها سحاب.
یاجابر، هذا من مکنون سرّ الله، ومخزون علمه، فاكتمه إلآ عن أهله.(1)
991- وفيه: عن أبي بصير ، عن أبي جعفر علیه السلام ما في قوله الله عزّ وجلّ:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» قال علیه السلام:
الأئمّة من ولد عليّ وفاطمة صلوات الله عليهما إلى أن تقوم الساعة.(2)
992- وفيه: عن أبي جعفر علیه السلام في قوله تعالى: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» قال: إيّانا عنی خاصة ... الخبر.(3)
وأمّا المطلب الثاني: وهو وجوب إطاعة ولي الأمر، فيكفي في ذلك قوله عزّوجلّ: «أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» والأخبار في ذلك كثيرة .
وأما المطلب الثالث: وهو أنّ إطاعة اُولي الأمر أفضل ما يتقرّب به العباد بعد إطاعة الله وإطاعة رسوله،
ص: 585
993- فيدّل عليه ما روي في اُصول الكافي - في باب فرض طاعة الأئمة - بإسناده عن محمّد بن الفضيل، قال: سألته عن أفضل ما يتقرّب به العباد إلى الله عزّوجلّ، قال: أفضل ما يتقرب به العباد إلى الله عزّ وجلّ طاعة الله، وطاعة رسوله وطاعة اُولي الأمر ... الخبر.(1)
وأما المطلب الرابع: وهو كون الدعاء في حقّ مولانا علیه السلام من مصادیق الإطاعة، فيدل عليه جميع ما ورد عنهم علیهم السلام من الأمر بالدعاء له، والحثّ على ذلك، وسيأتي جملة منها في الباب السادس والسابع
مضافاً إلى قوله علیه السلام في التوقيع الّذي أشرنا إليه في صدر هذا الباب :
«وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم» إلخ.
أنّ هذا الدعاء ممّا يوجب سرور الله تعالى: لأنه إذا دعا المؤمن في حقّ إمامه فقد سرّه بذلك، وسرور إمامه يوجب سرور الله وسرور رسوله.
996- ففي اصول الكافي: بإسناد صحيح عن أبي حمزة الثمالي قال:
سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول:
قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: من سرّ مؤمناً فقد سرّني ومن سرّني فقد سرّ الله.(2)
أنه يوجب سرور رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم
995- ويدّل على ذلك - مضافة إلى ما مرّ - قول الصادق في رواية مفضّل بن
عمر : لا يرى أحدكم إذا دخل على مؤمن سروراً أنه عليه أدخله فقط،
بل والله علينا، بل والله على رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.(3)
ص: 586
996- ويدُل عليه أيضاً: قوله علیه السلام في رواية أبي بصير المروية في اُصول الكافي: والله لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أسرّ بقضاء حاجة المؤمن إذا وصلت إليه من صاحب الحاجة. (1)
أقول: وجه الدلالة أنّ الحاجة ما يطلبه الشخص من الغير لجلب نفع أو دفع ضرّ، وقد سبق في أول هذا الباب أن مولانا صاحب الزمان علیه السلام و قد طلب من كافّة أهل الإيمان حاجة يقدرون عليها في کلّ زمان،
فقال علیه السلام: وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج،
ثمّ بيّن علیه السلام كمال رأفته بهم، فقال: فإن ذلك فرجکم، دلالة على أنّ طلب هذه الحاجة إنما هو لكم، ومنافعه راجعة إليكم.
والحاصل: أنّ جميع ما يترتّب على قضاء حاجة المؤمن من أصناف الثواب يترتب على إكثار الدعاء بتعجيل فرج مولانا صاحب الزمان بوجه أوفي، ونحو أولى، وسنذكرها إن شاء الله تعالی.
لأنّه يوجب سرور أفضل المؤمنين، وإمامهم.
997- وقد روي في اُصول الكافي: بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام قال :
ما عبدالله بشيء أحبّ إلى الله من إدخال السرور على المؤمن.(2)
998- وفيه: بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام و عن أبيه، عن عليّ بن الحسین قال : قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: إنّ أحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ إدخال السرور على المؤمنين.(3)
ص: 587
999- ما روي في الكتاب المذكور: بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام قال :
إنّ فيما ناجی الله عزّ وجلّ به عبده موسى علیه السلام قال: إنّ لي عبادة اُبيحهم جنّتي و اُحكّمهم فيها(1) قال: يا ربّ، ومن هؤلاء الّذين تبيحهم جنّتك وتحكّمهم فيها؟ قال: من أدخل على مؤمن سروراً ... الخبر.(2)
1000- وفيه : بإسناد صحيح عن أبي عبدالله علیه السلام قال: أوحى الله عزّوجلّ إلى داود: إنّ العبد من عبادي ليأتيني بالحسنّة فأبيحه جنّتي.
فقال داود: یا ربّ وما تلك الحسنة؟ قال: يدخل على عبدي المؤمن سروراً ولو بتمرة، قال داود: یا ربّ حقّ لمن عرفك أن لا يقطع رجاءه منك .(3)
المكرمة المكمّلة للسبعين :
الأنيس الشفيق له في البرزخ والقيامة
1001- ويدّل عليهما ما في اُصول الكافي: بإسناد صحيح عن سدير الصيرفي قال: قال أبو عبدالله علیه السلام في حديث طويل :
إذا بعث الله المؤمن من قبره خرج معه مثال يقدم(4) أمامه، كلّما رأى هولاً
من أهوال يوم القيامة قال له المثال: لا تفزع ولا تحزن، وأبشر بالسرور والكرامة من الله عزّوجّل، حتّی يقف بين يدي الله عزّ وجلّ، فيحاسبه حساباً يسيراً، ويأمر به إلى الجنّة، والمثال أمامه، فيقول له المؤمن: يرحمك الله، نعم الخارج خرجت معي من قبري، وما زلت تبشّرني بالسرور والكرامة من الله حتّی رأيت ذلك، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا السرور الّذي كنت أدخلت على
ص: 588
أخيك المؤمن في الدنيا، خلقني الله عزّ وجلّ منه لاُبشرك.(1)
أقول: تقريب الاستدلال ما مرّ مراراً من أنّه لا ريب في سرور مولانا صاحب الزمان وآبائه البررة الكرام بدعاء المؤمن في تعجيل فرجه وظهوره فيترتّب عليه ما يترتّب على إدخال السرور على المؤمنين بوجه تامّ،
وكذلك سائر ما يوجب سروره، عليه ألف تحيّة وسلام، وقد ذكرنا في الخامسة والثلاثين رواية اُخرى تدل على هذه المكرمة بوجه أوفي، فراجع.(2)
أنه أفضل الأعمال: لأنّه يوجب سرور أفضل أهل الإيمان، وإدخال السرور في قلب المؤمن أفضل الأعمال بعد الصلاة.
1002- ويدلّ على ذلك ما في عاشر البحار، من كتاب المناقب:
قال: روي عن الحسين بن عليّ علیهماالسلام أنه قال: صحّ عندي قول النبي:
أفضل الأعمال بعد الصلاة إدخال السرور في قلب المؤمنين بما لا إثمّ فيه ، فإنّي رأيت غلاماً يواکلّ كلباً ، فقلت له في ذلك.
فقال: يا بن رسول الله، إنّي مغموم، أطلب سروراً بسروره، لأنّ صاحبي يهودي اُريد اُفارقه، فأتى الحسين علیه السلام إلى صاحبه بمائتي دينار ثمناً له،
فقال اليهودي: الغلام فداء لخطاك ، وهذا البستان له ورددت عليك المال
فقال علیه السلام: وأنا قد وهبت لك المال ، قال : قبلت المال، ووهبته للغلام،
فقال الحسين علیه السلام: أعتقت الغلام، ووهبت له جميعاً،
فقالت إمرأته: قد أسلمت، ووهبت زوجي مهري،
فقال اليهودي: وأنا أيضاً أسلمت، وأعطيتها هذه الدار.(3)
ص: 589
قد استفيد من هذا الحديث مكرمة اُخرى، وهي أن إدخال السرور في قلب المؤمن يوجب زوال الغمّ عن القلب، وحصول السرور بوجوه اُخرى، فتدبّر فيه تجده بحيث لايخفى، ويشهد له تقرير الإمام، والسعي في ذلك بنحو مستوفی
وهو مع ذلك مقتضى العدل الإلهي، ومكافاة حسن صنيع المؤمن إلى أخيه على وجه أوفي.
أنه أفضل من الدعاء للإمام في زمان ظهور شوكته واستيلائه علیه السلام
1003- ويدلّ على ذلك ما في أصول الكافي وغيره: عن عمّار الساباطي قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام: أيّما أفضل، العبادة في السرّ مع الإمام منکم المستتر في دولة الباطل أو العبادة في ظهور الحقّ ودولته مع الإمام منکم الظاهر؟
فقال: يا عمّار، الصدقة في السرّ والله أفضل من الصدقة في العلانية،
وكذلك والله عبادتكم في السرّ مع إمامكم المستتر في دولة الباطل وتخوّفكم من عدوكم في دولة الباطل وحال الهدنة أفضل ممن يعبد الله جلّ ذكره في ظهور الحقّ مع إمام الحقّ الظاهر في دولة الحقّ، وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة والأمن في دولة الحقّ.
واعلموا أن من صلى منكم اليوم صلاة فريضة في جماعة، مستتراً بها من عدوهّ، في وقتها فأتمّها ، كتب الله عزّ وجلّ له خمسين صلاة فريضة في جماعة، ومن صلّى منكم صلاة فريضة وحده، مستتراً بها من عدوّه في وقتها فأتمّها كتب الله بها له خمساً وعشرين صلاة فريضة وحدانيّة.
ومن صلّی منکم صلاة نافلة لوقتها فأتمّها، كتب الله له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة، كتب الله له بها عشرين حسنّة ويضاعف الله عزّوجلّ حسنات المؤمن منكم - إذا أحسن أعماله، ودان بالتقيّة على دينه وإمامه
ص: 590
ونفسه، وأمسك من لسانه - أضعافاّ مضاعفة، إن الله عزّ وجلّ كریم.
قلت: جعلت فداك، قد والله رغّبتني في العمل، وحثتني عليه، ولكن أُحب أن أعلم كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالا من أصحاب الإمام الظاهر منكم في دولة الحقّ ونحن على دين واحد؟
فقال علیه السلام: إنكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله عزّوجلّ، وإلى الصلاة، والصوم، والحجّ، وإلى کلّ خير وفقه، وإلى عبادة الله عزّ ذکره سرّاً من عدوكم، مع إمامكم المستتر، مطيعين له، صابرين معه، منتظرين لدولة
الحقّ، خائفين على إمامكم وأنفسكم من الملوك الظلمة، تنظرون إلى حقّ إمامكم وحقوقكم في أيدي الظلمة، قد منعوكم ذلك، واضطروّكم إلى حرث الدنيا، وطلب المعاش مع الصبر على دينكم وعبادتكم، وطاعة إمامكم
والخوف مع عدوّكم، فبذلك ضاعفا الله عزّوجلّ لكم الأعمال، فهنيئاً لكم.
قلت: جعلت فداك، فما نرى إذاً أن نكون من أصحاب القائم، ويظهر الحقّ ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك، أفضل أعمالا من أصحاب دولة الحقّ والعدل
فقال علیه السلام: سبحان الله، أما تحبون أن يظهر الله تبارك وتعالى الحقّ والعدل في البلاد، ويجمع الله الكلمة، ويؤلف الله بين قلوب مختلفة، ولا يعصون الله عزّوجلّ في أرضه، وتقام حدوده في خلقه، ويردّ الله الحقّ إلى أهله، فيظهر حتّی لا يستخفي بشيء من الحقّ مخافة أحد من الخلق !
أما والله يا عمّار، لا يموت منکم ميّت على الحال الّتي أنتم عليها إلاّ كان أفضل عند الله من كثير من شهداء بدر و اُحد، فأبشروا .(1)
أقول: إنّما أوردنا الحديث بتمامه لاشتماله على فوائد جمّة، واُمور مهمّة
و وجه الدلالة: قوله علیه السلام وكذلك والله عبادتكم في السرّ «إلخ»
ص: 591
لانّ الدعاء من أفضل العبادات و أهمّها (1)، خصوصاً الدعاء في حقّ صاحب الزمان عجلّ الله تعالی فرجه وظهوره، كما يظهر لمن نظر في حذافير هذا الكتاب، والله الهادي إلى نهج الصواب.
1004- ويدّل على ذلك روایات، منها: ما في اُصول الكافي: بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام قال: أسرع الدعاء نجحا للإجابة دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب يبدأ بالدعاء لاخيه، فيقول له ملك موکلّ به: آمين، ولك مثلاه.(2)
1005- وفيه: عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه قال: رأيت عبدالله بن جندب في الموقف، فلم أر موقفا كان أحسن من موقفاً، ما زال مادا يديه إلى السماء ودموعه تسيل على خديه حتّی تصل(3) الأرض.
فلمّا صدر الناس قلت له: يا أبا محمّد، ما رأيت موقفاً قطّ أحسن من موقفك، قال: والله، ما دعوت إلاّ لإخواني، وذلك أن أبا الحسن موسی علیه السلام أخبرني أنّ من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش: ولك مائة ألف ضعف فكرهت أن أدع مائة ألف مضمونة لواحدة لا أدري تستجاب أم لا؟ (4)
1006- وفيه: بإسناد صحيح عن سیّد الساجدين عليّ بن الحسين علیهماالسلام قال:
إنّ الملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو لأخيه المؤمن بظهر الغيب أو يذكره بخير ، قالوا: نعم الأخ أنت لأخيك، تدعو له بالخير وهو غائب عنك، وتذكره
ص: 592
بخير، قد أعطاك الله عزّوجلّ مِثلَي ما سألت له، وأثنى عليك مثلي ما أثنيت عليه ... الخبر.(1)
1007- وفي الوسائل: عن محمّد بن الحسن الطوسي (رحمه الله) في أماليه : بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام قال: أربعة لا ترد لهم دعوة:
الإمام العادل في رعيّته، والأخ لأخيه بظهر الغيب، يوکلّ الله به ملكاً يقول له: ولك مثل ما دعوت لأخيك، والوالد لولده، والمظلوم.
يقول الله عزّ وجلّ : و عزّتي وجلالي لأنتقمنّ لك ولو بعد حين.(2)
أقول: هذا حال الدعاء في غياب أخيه الإيماني، فكيف حال الدعاء في غياب مولانا صاحب الزمان و الّذي معرفته من دعائم الإيمان .
نسأل الله التوفيق لذلك في کلّ حين وأوان.
دعاء مولانا سیّد الساجدين عليه الصلاة والسلام في حقّ الداعين في حقّ مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه:
وهو يشتمل على فنون من الفوائد وصنوف من العوائد.
الأوّل: الدعاء لهم بالصلاة من الله عزّوجلّ في کلّ غدّو ورواح .
والثاني: السلام عليهم من الله تعالی.
والثالث: إجتماع أمرهم على التقوى .
والرابع: إصلاح شؤونهم ومايهمهّم.
والخامس: قبول توبتهم وغفران ذنوبهم.
والسادس : سكناهم في دار السلام في جوار الأئمّة الكرام علیهم السلام.
1008- ويدّل على ذلك كلّه: قوله لا في دعاء عرفة، بعد الدعاء في حقّ
ص: 593
مولانا صاحب الزمان عجلّ الله تعالی فرجه وظهوره، والصلاة عليه وعلى آبائه الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين:
اَللَّهُمَّ وَ صَلِّ عَلَی أَوْلِیَائِهِمُ الْمُعْتَرِفِینَ بِمَقَامِهِمُ الْمُتَّبِعِینَ مَنْهَجَهُمُ الْمُقْتَفِینَ آثَارَهُمُ الْمُسْتَمْسِکِینَ بِعُرْوَتِهِمُ الْمُتَمَسِّکِینَ بِوِلاَیَتِهِمُ الْمُؤْتَمِّینَ بِإِمَامَتِهِمُ الْمُسَلِّمِینَ لِأَمْرِهِمُ الْمُجْتَهِدِینَ فِی طَاعَتِهِمُ الْمُنْتَظِرِینَ أَیَّامَهُمُ الْمَادِّینَ إِلَیْهِمْ أَعْیُنَهُمْ الصَّلَوَاتِ الْمُبَارَکَاتِ الزَّاکِیَاتِ النَّامِیَاتِ الْغَادِیَاتِ الرَّائِحَاتِ وَ سَلِّمْ عَلَیْهِمْ وَ عَلَی أَرْوَاحِهِمْ وَ اجْمَعْ عَلَی التَّقْوَی أَمْرَهُمْ وَ أَصْلِحْ لَهُمْ شَأنَهمْ(1) وَ تُبْ عَلَیْهِمْ إِنَّکَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِیمُ وَ خَیْرُ الْغَافِرِینَ وَ اجْعَلْنَا مَعَهُمْ فِی دَارِ السَّلاَمِ بِرَحْمَتِکَ یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ.(2)
أقول: وجه الدلالة على المطلوب: أنّه لا شبهة في استجابة دعائه علیه السلام وقد دعا علیه السلام بستّ دعوات أشرنا إليها للمؤمنين المتّصفین بصفات عشرة، والمؤمن إذا دعا بتعجیل فرج مولاه مع اجتماع الشرائط الّتي سنذكرها في خاتمة هذا الباب، يكون من مصاديق المذكورين في ذلك الدعاء، فيستجاب في حقه تلك الدعوات، فالمهم في هذا المقام بيان ثلاثة اُمور لتوضيح المرام :
الأول: شرح الدعوات المذكورة، فنقول: يمكن أن يكون المراد بالصلاة من الله تعالى الرحمة، كما هو أحد التفاسير الواردة .
ويمكن أن يكون المراد الثناء منه على العبد في الملأ الأعلى، كما ورد في حقّ من يباهي الله تعالى به الملائكة، والمراد بالصلوات المباركات كثرة منافعه الدنيويّة ، وبالزاكيات الخاليات من شوب السخط، وعروض الغضب، و بالناميات ازدیادها، وتضاعف آثارها الاُخرويّة .
والمراد باجتماع أمرهم على التقوى أن تكون أفعالهم جميعاً موافقة للتقوى، خالية عن شوب الهوى، بأن لايصدر منهم أمر مخالف لما أمر الله
ص: 594
تعالى به، ويحتمل أن يكون المراد ائتلافهم جميعاً على كلمة التقوى، والأوّل أظهر، وإصلاح شأنهم، أي إصلاح اُمورهم الدنيويّة.
الأمر الثاني: شرح الصفات العشرة بحسب ما يستفاد من كلمات العترة
الطاهرة، فنقول:
الأولى: الإذعان بالشؤون التي خص الله بها الأئمة الطاهرين علیهم السلام به إجمالاّ أو تفصيلاّ، وإلى ذلك أشار علیه السلام بقوله: المعترفين بمقامهم.
الثانية : أن يتّبعهم في عقائدهم، ويدين بما دانوا به، وهو المراد بقوله علیه السلام: المتبعین منهجهم.
والثالثة: الإقتداء بهم في آدابهم وأفعالهم الصادرة منهم في کلّ أمر من الأمور، وإليه أشار علیه السلام بقوله: المقتفين آثارهم.
والرابعة : أن يجعل عروته ما جعلوه له عروة، ويحصل ذلك بالعمل على طبق ما أمروا به ونهوا عنه، وهو المعبر عنه بقوله علیه السلام: المستمسکین بعروتهم.
والخامسة : التمسّك والتوسّل في المهمّات بحبل ولايتهم لا غير، وإليه أشار بقوله : المتمسّکین بولايتهم.
والسادسة : أن يجعلهم أئمّة خاصّة، ولا يدخل فيهم من ليس منهم كالزيديّة وأشياعهم مثلاً.
والسابعة: التسليم لأمرهم.
1009- روي في أصول الكافي: بإسناد صحيح عن عبدالله الكاهلي (رحمه الله) قال : قال أبو عبدالله علیه السلام: لو أنّ قوماً عبدوا الله وحده لا شريك له، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجوا البيت، وصاموا شهر رمضان، ثمّ قالوا لشيءٍ
صنعه الله أو صنعه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: ألاّ صنع خلاف الّذي صنع! أو وجدوا ذلك في قلوبهم، لكانوا بذلك مشركين، ثمّ تلا هذه الآية:
«فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ
ص: 595
حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»(1)، ثمّ قال أبو عبدالله: عليكم بالتسليم.(2)
1010- وفيه: بإسناد صحيح، عنه علیه السلام قال: إنما كلّف الناس ثلاثة:
معرفة الأئمّة، والتسليم لهم فيما ورد عليهم، والردّ إليهم فيما اختلفوا فيه. (3)
والثامنة: بذل الوسع في طاعتهم، وإلى هذا أشار بقوله علیه السلام: المجتهدين في طاعتهم.
والتاسعة: انتظار ظهور دولتهم كما قال: المنتظرين أيّامهم،
وسنذكر الروايات الواردة في هذا الباب في الباب الثامن من هذا الكتاب. (4)
والعاشرة : أن يجعل إمامه نصب عينه، ويعتقد أنّه بحضرة إمامه في جميع أحواله، وبمرأى منه ومسمع في تمام أشغاله، بحيث لا يخفى منه شيء عليه ولو كشف الغطاء عن عينه نظر إليه، وحينئذ يجتهد في رعاية الأدب بالنسبة إليه
وهذا معنى قوله : « المادّين إليهم أعينهم». ويدلّ على ما ذكرنا أخبار كثيرة :
منها: ما في الخرائج: عن أبي بصير قال: دخلت المسجد مع أبي جعفر علیه السلام والناس يدخلون ويخرجون، فقال علیه السلام لی: سل الناس هل يرونني؟ وکلّ من لقيته سألته عنه: هل رأيت أبا جعفر علیه السلام؟ فيقول: لا وهو واقف، حتّی دخل أبو هارون المكفوف، فقال علیه السلام: سل هذا.
فقلت: هل رأيت أبا جعفر علیه السلام؟ فقال: أليس هو قائماً؟
قلت: وما علمك؟ قال: وكيف لا أعلم وهو نور ساطع؟
قال: وسمعته يقول لرجل من أهل الإفريقيّة : ما حال راشد؟
قال: خلّفته حيّاً صالحاً يقرؤك السلام، قال علیه السلام: رحمه الله .
قال: مات؟ قال: نعم، قال: متى؟ قال علیه السلام: بعد خروجك بيومين،
ص: 596
قال: والله ما مرض، ولا به کانت علّة وإنمّا يموت من مرض وعلة، قلت: من الرجل؟ قال: رجل كان لنا موالياً وكان لنا محبّاً.
ثمّ قال علیه السلام: لئن تروا أنّه ليس لنا معكم أعين ناظرة، أو أسماع سامعة لبئس ما رأيتم، والله مايخفى علينا شيء من أعمالكم، فاحضرونا جميعاً، وعودّوا أنفسكم الخير، وكونوا من أهله تعرفوا به، فإنّي بهذا آمرّ ولدي وشيعتي.(1)
أقول: قد ذكرنا بعض ما يدلّ على المطلوب في المكرمة السادسة والأربعين.(2)
الأمر الثالث: بیان ترتب تلك الفوائد على الدعاء بتعجیل فرجه علیه السلام فنقول:
لا ريب في أنّ الداعي في حقّ مولانا صاحب الزمان وبتعجيل فرجه يكون مصداقا للعناوين المذكورة إذا كان ملازماً للتقوى، وناهياً نفسه عن الهوى و مهذّبها عمّا يرد بها، ومبعداً لها عمّا يغويها، وسيأتي أنّ ترتّب الفوائد التي ذکرناها أو نذكرها في هذا الكتاب على نحو الكمال مشروط بالتقوى، وتهذیب النفس، فإذا صار الداعي كذلك فاز بما ذكرناه هنالك.
فإنّ هذا الدعاء موالاة للأئمّة الهداة، واعتراف بمقامهم، واتّباع لمنهجهم واقتفاء لآثارهم، واستمساك بعروتهم، وتمسّك بولايتهم، وائتمام بهم، وتسليم الأمرهم، واجتهاد في طاعتهم ودليل على انتظار أيّامهم.
وکلّ ذلك يظهر للمحبّ الموافق بأدنی تأمّل صادق.
وقد أمر بذلك رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فيما روته الخاصّة والعامّة، والروايات
الواردة في هذا المقام مذكورة في كتاب غاية المرام:
1011۔ منها: أنّه سئل أمیرالمؤمنین علیه السلام عن معنى قول رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم :
ص: 597
إني مخلف فیکم الثقلين: كتاب الله وعترتي، من العترة؟ قال علیه السلام: أنا والحسن والحسين، والأئمّة التسعة من ولد الحسین، تاسعهم مهديّهم وقائمهم لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتّی يردوا على رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حوضه.(1)
أقول: وجه الإستشهاد: أن ّالتمسّك بالعترة يحصل باتّباعهم، ولمّا كان الدعاء بتعجیل فرج مولانا صاحب الزمان اتباعة لهم باللسان وناشئاً عن الاعتقاد بهم والثبوت على أمرهم بالجنان، صار الداعي له من مصادیق ذلك العنوان .
الّذي قال في كتابه:«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا».(2)
1012- روي في غاية المرام، عن تفسير الثعلبي:
بإسناده عن الصادق علیه السلام قال: نحن حبل الله الّذي قال الله تعالی:
«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا». (3)
لأنّه محبّة إلى أمیر المؤمنین علیه السلام باللسان، وقد ورد في روايات عديدة أنّ من أحبه باللسان فقد كمل فيه ثلث الإيمان، والأحاديث مذكورة في البرهان .
1013- ويدلّ عليه - مضافاً إلى ذلك - ماروي في تاسع البحار: عن أبي الحسن الرضا علیه السلام عن آبائه، عن عليّ علیه السلام قال: قال لي أخي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:
من أحبّ أن يلقى الله عزّ وجلّ وهو مقبل عليه، غير معرض عنه، فليتولّ عليّاً
ومن سرّه أن يلقى الله وهو عنه راض فليتولّ ابنك الحسن .
ص: 598
ومن أحبّ أن يلقى الله ولا خوف عليه فليتولّ ابنك الحسين.
ومن أحبّ أن يلقى الله وقد محّص عنه ذنوبه، فليتولّ عليّ بن الحسين السجّاد.
ومن أحبّ أن يلقى الله تعالى قرير العين، فليتولّ محمّد بن عليّ الباقر.
ومن أحبّ أن يلقى الله وكتابه بيمينه فليتولّ جعفر بن محمّد الصادق.
ومن أحبّ أن يلقى الله تعالی طاهرة مطهرة فليتولّ موسى الكاظم.
ومن أحب أن يلقى الله ضاحكة مستبشرة فليتول عليّ بن موسی الرضا.
ومن أحبّ أن يلقى الله وقد رفعت درجاته، وبدّلت سيئّاته حسنات، فليتولّ محمّداًلجواد .
ومن أحبّ أن يلقى الله ويحاسبه حساباً يسيراً فليتول عليّاً الهادي.
ومن أحبّ أن يلقى الله وهو من الفائزين فليتولّ الحسن العسكري.
ومن أحبّ أن يلقى الله وقد كمل إيمانه وحسن إسلامه فليتولّ الحجّة
صاحب الزمان المنتظر، فهؤلاء مصابيح الدجى، وأئمّة الهدى، وأعلام التقى،
من أحبّهم وتولاهم كنت ضامناً له على الله تعالى بالجنّة.(1)
أقول: وجه الدلالة : أنّ المراد بتولّي کلّ واحد منهم علیهم السلام إظهار الولاية، أي المحبّة، بالأعمال البدنية والافعال المرضيّة، لانّ الولاية القلبيّة واجبة بالنسبة إلى جميعهم علیهم السلام ولإظهار المحبّة بالنسبة إلى کلّ واحد منهم أثر مخصوص مذكور في ذاك الحديث المنصوص،
ولا ريب أنّ الدعاء في حقّ مولانا صاحب الزمان علیه السلام بالفرج والظهور إظهار للمحبّة الكامنة في الصدور، فيترتّب عليه هذا الأثر المأثور، و وجه ترتّبه على تولّي مولانا الحجّة علیه السلام بالخصوص أنّ الإيمان لا يكمل إلاّ بمعرفة جميع الأئمة علیهم السلام وحيث أنّ الجزء الأخير علّة تامة، فالإيمان لا يتمّ إلاّ بتولّي خاتم
ص: 599
الأئمّة، وكاشف الغمّة عن الاُمة، عجلّ الله تعالی فرجه .
1014- والدليل على ذلك ما روي في تفسير البرهان وغيره: مسنداً عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم أنّه قال لعليّ بن أبي طالب علیهماالسلام: إنما مثلك مثل «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ»، فإنّ من قرأها مرّة فكأنما قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرتّين فكأنما قرأ ثلثي القرآن ومن قرأها ثلاث مرات فكمن قرأ القرآن كله ، وكذلك أنت، من أحبك بقلبه كان له ثلث ثواب العباد، ومن أحبّك بقلبه ولسانه كان له ثلثا ثواب العباد، ومن أحبك بقلبه ولسانه ويده كان له ثواب جميع العباد.(1)
أقول: وجه الإستشهاد: أنّ المراد بالمحبّة اللسانيّة إظهار الحب القلبي باللسان، وبمحبّة اليد إظهار الحب القلبي باليد، بما يتمشّى بها من الأفعال،
فمن دعا في حقّ مولانا صاحب الزمان لا بالفرج والنصرة حبّاً لأمیرالمؤمنین علیه السلام رافعا يديه إلى السماء ابتهالاً إلى الله تعالى، ورغبة إليه، صدق في حقّه أنّه محبّ لأمیرالمؤمنین علیه السلام، مظهر لحبّه بلسانه ويديه ، كما أنّ من
أحبّ شخصاً، وعلم أنّ لهذا الشخص إبناً صالحاً مبتلی، محبوساً أو مريضاً، وأنّ هذا الشخص محزون غاية الحزن لابتلاء ذلك الولد، بعثه حبّه لهذا الشخص على الدعاء في حقّ ولده، حبّاً لوالده.
ثمّ إنّ لإظهار المحبّة باليد أقساماً:
منها: نصرة المحبوب، ودفع الأذى عنه، أو عمّن يحبّه بالسيف، أو غيره من آلات الحربّ.
ومنها: النصرة له، ودفع الأذى بالدعاء، ورفع اليدين إلى السماء . ومنها:
ص: 600
كتابة فضائل المحبوب وغيرها، ممّا يظهر به الحب القلبي، كما لا يخفى .
قال الله عزّ وجلّ:«وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ».(1)
قال الطبرسي (رحمه الله) في مجمع البيان: «وَ مَن يُعَظَّم شعائِر الله» أي معالم دین الله والأعلام التي نصبها لطاعته.(2)
أقول: لمّا كان وجود الإمام علیه السلام من أعظم تلك الاعلام، فلا ريب أنّ تعظيمه أفضل من جميع الأقسام،
ومن جملة أقسام التعظيم الدعاء له بما یوجب التكريم.
1015- ويدّل عليهما ما روي في مجمع البيان: عن الحارث بن المغيرة قال: كنا عند أبي جعفر علیه السلام، فقال: العارف منكم هذا الأمر، المنتظر له المحتسب فيه الخير، كمن جاهد - والله - مع قائم آل محمّد علیه السلام بسيفه،
ثمّ قال: بل، والله كمن جاهد مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بسيفه،
ثمّ قال الثالثة: بل، والله كمن استشهد مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في فسطاطه. (3)
أقول: وجه الإستشهاد: أن المؤمن الداعي بتعجیل فرج مولانا صاحب الزمان علیه السلام ممّن يصدق عليه ذلك العنوان، لانّ من الآثار المظهرة للانتظار الدعاء باللسان، وهذا غنيّ عن البرهان.
ص: 601
1016- ويدلّ على المقصود أيضاً ما روي في تفسير البرهان: عن الحسن بن أبي حمزة، عن أبيه قال: قلت لأبي عبدالله علیه السلام: جعلت فداك، قد كبر سنّي ودقّ عظمي، واقتربّ أجلي، وقد خفت أن يدركني قبل هذا الأمر الموت قال:
فقال لي: يا أبا حمزة [إنّ] من آمن بنا و صدّق حديثنا، وانتظر أمرنا، كان کمن قتل تحت راية القائم لا ، بل والله تحت راية رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.(1)
أقول: لا يخفى أنّ الداعي بصدق النيّة في حقّ مولاه بتعجيل الفرج والنصرة مصداق لتلك العناوين المذكورة، فيفوز بالفائده المزبورة .
وذلك من وجوه :
أحدها: أن الدعاء كما بيناه تعظیم و تکریم، وهو من صنوف الإحسان وهذا واضح بالوجدان.
الثاني: أن الدعاء له دخل و تأثير في استباق الفرج والظهور، كما سبق في الحديث المأثور، والاهتمام في کلّ ماله دخل و تأثير في ذلك إحسان إلى إمامنا الخائف المغمور .
الثالث : أنّه إطاعة لأمره كما سبق، والإطاعة للمولى إحسان إليه بأيّ وجه اتفق. بل نقول:
إنّ الدعاء له إحسان إلى خاتم النبيّين، والأئمة المعصومين وجميع الأنبياء والمرسلين، وقاطبة المؤمنين، لانّ بفرجه فرج جميع أولياء الله كما صرّح بذلك مولانا الصادق علیه السلام في دعائه بعد صلاة الغداة في الحادي والعشرين من شهر رمضان(2)، فطلب ذلك من أوضح أقسام الإحسان.
ص: 602
لأنّ الدعاء تجليل وإعظام وهو نوع من الإكرام.
1017- وقد روي في البحار: عن الصادق علیه السلام قال:
من أكرم فقيهاً مسلمة لقى الله تعالى يوم القيامة وهو عنه راض.(1)
1018- وفيه : عن أمیرالمؤمنین علیه السلام - في بيان حقّ العالم - قال:
وليحفظ شاهدة وغائبا، وليعرف له حقه ، فإن العالم أعظم أجرة من الصائم القائم المجاهد في سبيل الله.(2)
أقول: لا يخفى أنّ مولانا صاحب الزمان أكمل مصادیق هذا العنوان، بل هو العالم حقيقة.
1019. كما ورد عن أبي عبدالله علیه السلام في الخصال وغيره، أنّه قال:
الناس يغدون على ثلاثة: عالم ومتعلّم وغثاء، فنحن العلماء، وشيعتنا المتعلّمون، وسائر الناس غثاء. (3)
أقول: لماّ كان الدعاء حفظا لشأنه شاهداّ وغائباً، لزم على المؤمن الاهتمام بذلك، لأنه غائب عن الأبصار، وحاضر عند اُولي الاعتبار.
وقد قلت في هذا المعني بالفارسيّة:
أي غایب از نظر نظرى سوى ما فكن*** آشفته بين زغیبت روی تومرد وزن
پوشیده نیست حالت افکار ما زتو*** حاضر میان جمعي وغایب ز انجمن
وقد ذكرنا بعض ما يدلّ على ذلك سابقاً، فتدبّر.
ص: 603
لانّ الدعاء في حقّ مولاناصاحب الزمان من أقسام النصرة باللسان.
1020- وقد ورد في الحديث النبويّ، الّذي رواه سیّد الشهداء لأصحابه ليلة عاشوراء، قال: فقد أخبرني جدّي: أنّ ولدي الحسين يقتل بطّف كربلاء غريباً وحيداً عطشاناً، فمن نصره فقد نصرني، ونصر ولده القائم، ومن نصرنا بلسانه
فإنّه في حزبنا يوم القيامة.(1)
1021- ويدل على ذلك ما روي في تفسير الإمام - في حديث طويل - عن النبیّ: ثمّ إنّ أردتم أن يعظّم محمّد وعليّ عندالله تعالی منازلكم، فأحبوا شيعة محمّد وعلّي، وجدّوا في قضاء حوائج إخوانكم المؤمنين، فإنّ الله تعالى إذا
أدخلكم الجنّة معاشر شیعتنا ومحبينا نادى مناديه في تلك الجنان:
قد دخلتم يا عبادي الجنّة برحمتّي، فتقاسموها على قدر حبّكم لشيعة محمّد وعليّ علیه السلام وقضائكم لحقوق إخوانكم المؤمنین.
فأيهم كان للشيعة أشد حبّاَ، ولحقوق إخوانه المؤمنين أحسن قضاء، كانت درجاته في الجنان أعلى، حتّی أنّ فيهم من يكون أرفع من الآخر بمسيرة مائة
ألف سنّة، ترابيع وقصور وجنان.(2)
أقول: قد ذكرنا أنّ الدعاء في حقّ مولانا الحجّة صلوات الله عليه قضاء البعض حقوقه الكثيرة العظيمة، مضافاً إلى أنه قضاء لحاجته علیه السلام حيث أنّه أمر المؤمنين بذلك في التوقيع الشريف، بقوله: وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج
ص: 604
ومضافاً إلى أنّ الإكثار في ذلك الدعاء ناش عن شدّة المحبّة إليه وإلى شيعته لتوقّف تحقّق الفرج لهم على تحقّق فرجه وظهوره، كما قدّمناه مراراً، فتدبر.
لانّه صلة الرحم آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم وقد قال الله عزّ وجلّ: «وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ»(1)
1022- وروى الشيخ الكليني (رحمه الله) في اُصول الكافي: بإسناد صحيح عن صفوان الجماّل، قال:
وقع بين أبي عبدالله علیه السلام وبين عبدالله بن الحسن کلام حتّی وقعت الضوضاء(2) بينهم، واجتمع الناس، فافترقا عشّيتهما بذلك، وغدوت في حاجة ، فإذا أنا بأبي عبدالله علیه السلام على باب عبدالله بن الحسن وهو يقول: يا جارية قولي لأبي محمّد يخرج، قال: فخرج، فقال: يا أبا عبدالله ما بقربك ؟ قال:
إنّي تلوت آية من كتاب الله عزّ وجلّ البارحة فأقلقتني، قال: وما هي؟
قال علیه السلام: قول الله جلّ وعز ذكره : «وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ»،
فقال : صدقت، لكأنّي لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله قطّ، فاعتنقا وبكيا. (3)
1023- وفيه أيضاً: بإسناد صحيح عن عمر بن يزيد الثقة (رحمه الله) قال:
قلت لأبي عبدالله علیه السلام:«الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ»
قال علیه السلام: نزلت في رحم آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم وقد تكون في قرابتك،
ثمّ قال علیه السلام: فلا تكون ممن يقول للشيء: إنّه في شيء واحد. (4)
ص: 605
1024- وفي تفسير البرهان: بإسناده عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن علیه السلام قال: إن رحم آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم معلّقة بالعرش، يقول:
اللهمّ صل من وصلني، واقطع من قطعني وهي تجري في کلّ رحم، ونزلت هذه الآية في آل محمّد وما عاهدهم عليه، الخبر.(1)
1025- وفيه، عن العيّاشي: عن عمر بن مريم قال: سألت أبا عبدالله علیه السلام عن قول الله: «وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ»،
قال: من ذلك صلة الرحم، وغاية تأويلها صلتك إيّانا.(2)
أقول: قد ظهر بهذه الأخبار وغيرها ممّا يطول بذكره الكتاب أنّ صلة الإمام توجب الأمن من سوء الحساب، وبقي هنا أمران:
أحدهما: حصول الصلة بالدعاء. والثاني: بيان المراد من سوء الحساب .
أمّا الأول: فالدليل عليه أنّ المراد بالصلة مطلق الإحسان، بأي نحو كان سواء كان باللسان أم بغير ذلك العنوان، والدعاء من أفضل أقسام الإحسان باللسان.
1026- ويشهد لما ذكرناه ما روي في اُصول الكافي: بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام قال: قال أمیرالمؤمنین علیه السلام: صلوا أرحامكم ولو بالتسليم ....(3)
1027- وفيه أيضاً: بإسناد صحيح عن إسحاق بن عمّار، قال: سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول: إنّ صلة الرحم والبّر ليهوّنان الحساب ويعصمان من الذنوب، فصلوا أرحامكم، وبروا بإخوانكم، ولو بحسن السلام
وردّ الجواب. (4)
ص: 606
وأما سوء الحساب فالمراد منه الاستقصاء:
1028- لما روي في البرهان: بإسناد صحيح عن أبي عبدالله علیه السلام أنّه قال لرجل: يا فلان، ما لك ولأخيك؟
قال: جعلت فداك، كان لي عليه حقّ فاستقصيت منه حقّي.
قال أبو عبدالله علیه السلام: أخبرني عن قول الله : «وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ» أتراهم خافوا أن يجور عليهم أو يظلمهم! لا والله خافوا الإستقصاء والمداقّة.(1)
1029- وعن الكافي: بإسناد آخر مثله، وفيه: لا والله، ما خافوا إلّا الاستقصاء، فسمّاه الله عزّ وجلّ سوء الحساب، فمن استقصى فقد أساء .(2)
وأمّا معنى الاستقصاء المذكور في تفسير الآية الشريفة،
1030- ففي البرهان، عن العيّاشي: عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله علیه السلام في قوله تعالى: «َيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ»
قال : يحسب عليهم السيّئات ولايحسب لهم الحسنات وهو الاستقصاء . (3)
1031- وعن الطبرسي أيضاً: عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله علیه السلام قال: سوء الحساب، أن يحسب عليهم السيّئات ولايحسب لهم الحسنات(4)، وهو الاستقصاء.(مجمع البیان:289/6س14) أقول: يدلّ هذا الحديث وأمثاله على أنّ أثر بعض المعاصي المنع من قبول الحسنات، کالأحاديث الواردة في عقاب ترك الصلاة، ومنع الزكاة
وعقوق الوالدين، وليس هذا من الظلم في شيء أصلاً، فتدبّر.
ص: 607
1032- لما روي في منهج الرشاد: عن أبي الحسن موسی بن جعفر علیهماالسلام في حديث قال:
من أفضل الشهداء درجة يوم القيامة من نصر الله ورسوله بظهر الغيب، وردّ عن الله ورسوله.
أقول: وجه الاستشهاد: ما أسمعناك مراراً من أن الدعاء بتعجيل فرج القائم علیه السلام ونصرته نصرة لله ولرسوله صلی الله علیه وآله وسلم فتدبّر.
1033- ويدلّ على ذلك ما روي في ثالث البحار، من تفسير فرات بن إبراهيم - في حديث طويل - عن النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم قال علیه السلام: ثمّ يقول جبرئیل:
یا فاطمة ، سلي حاجتك، فتقولين: يا ربّ، شيعتي،
فيقول الله تعالى: قد غفرت لهم، فتقولين: يا ربّ، شيعة ولدي ،
فيقول الله: قد غفرت لهم، فتقولين: یا ربّ، شيعة شيعتي،
فيقول الله: انطلقي، فمن اعتصم بك فهو معك في الجنّة، فعند ذلك تودّ الخلائق أنّهم كانوا فاطميّين ... الخبر.(1)
ولا ريب أنّ الدعاء في حقّ مولانا صاحب الزمان علیه السلام من أوضح أقسام الاعتصام بسیّدة النسوان، مضافاً إلى أنه من علامات التشيّع والمحبّة،
فيكون سبباً للفوز بهذه المكرمة، إن شاء الله تعالی.
ص: 608
إعلم أنّ قضاء حاجة المؤمن من أفضل الأعمال، وأحبّها إلى الخالق المتعال
وقد ورد لها في الأخبار المأثورة عن الأئمّة الأطهار كثير من الفوائد والآثار، ولا خفاء في أنه كلما كان ذلك المؤمن أفضل، كان ثواب قضاء حاجته أعظم وأكمل، والمراد بالحاجة مايطلبه المؤمن من الاُمور المشروعة ممّا يحصل
له به دفع ضرر، أو جلب منفعة دينيّة أو دنيويّة.
ولمّا كان الدعاء بتعجيل فرج مولانا علیه السلام جملة الاُمور التي طلبها من المؤمنين في التوقيع الشريف المرويّ عنه - الّذي ذكرناه في صدر هذا الباب - بقوله علیه السلام: وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج(1) جزمنا بترتّب فوائد قضاء حاجة المؤمن على امتثال هذا الأمر الأبهج، بنحو أبلج، إذ لا فرق بين أن يقول لشخص: أعطني ماء، أو أصلح الأمر الفلانيّ، وأن يقول: ادع لي بكذا وكذا فكلاهما طلب حاجة، وهذا واضح،
لكنّا نكتفي من تلك المكارم الفاضلة بذكر اثنتي عشرة كاملة،
فتكون بضميمة المكارم السابقة مائة واثنتان تامّة:
1034- ويدلّ عليه ما روي في أصول الكافي: بإسناد صحيح عن أبي عبدالله علیه السلام قال:
من سعى في حاجة أخيه المسلم فاجتهد فيها فأجرى الله على يديه قضاءها كتب الله عزّ وجلّ له حجّة، وعمرة، واعتکاف شهرين في المسجد الحرام وصيامهما، وإن اجتهد فيها ولم يجر الله قضاءها على يديه، كتب الله عزّ وجلّ
له حجّة وعمرة .(2)
ص: 609
1035- وفيه أيضاً: عنه قال: لقضاء حاجة امرء مؤمن أحبّ إلى الله من عشرين حجّة، کلّ حجّة ينفق فيها صاحبها مائة ألف.(1)
أقول : لعلّ الاختلاف في الثواب بتفاوت درجات الحاجة أوطالبها.
الثانية: فيه ثواب العمرة .
الثالثة: فيه ثواب الاعتكاف شهرين في المسجد الحرام .
الرابعة: فيه ثواب صیام شهرين، ويدلّ على جميعها الحديث السابق وغيره
الخامسة : قبول شفاعته يوم القيامه .
1036- لما رواه ثقة الإسلام في اُصول الكافي: بإسناده عن المفضل، عن أبي عبدالله علیه السلام قال: قال لي: يا مفضل، إسمع ما أقول لك واعلم أنه الحقّ وافعله، وأخبر به عليّة إخوانك، قلت: جعلت فداك، وما علية إخواني؟
قال : الراغبون في قضاء حوائج إخوانهم.
قال: ثمّ قال: ومن قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى الله عزّ وجلّ له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أولها الجنّة، ومن ذلك أن يدخل قرابته ومعارفه وإخوانه الجنّة، بعد أن لا يكونوا نصابا ... الخبر.(2)
السادسة: قضاء مائة ألف حاجة له يوم القيامة .
ويدلّ عليه هذا الحديث المذكور .
السابعة : أنّه أفضل من عشر طوافات بالبيت الحرام.
1037- لما روي في أصول الكافي: بإسناد صحيح عن أبان بن تغلب، قال:
سمعت أبا عبدالله لا يقول: من طاف بالبيت أسبوعا كتب الله عزّ وجلّ له ستة الآف حسنّة، ومحى عنه ستة الآف سيّئة، ورفع له ستة آلاف درجة، قال: وزاد فيه إسحاق بن عمّار - وقضى له ستّة آلاف حاجة.
ص: 610
ثمّ قال علیه السلام: وقضاء حاجة المؤمن أفضل من طواف و طواف حتّی عدّ عشراً. (1)
الثامنة : فيه ثواب العتق .
1038- لما روي في الكتاب المذكور: بإسناده عن أبي عبدالله علیه السلام قال: لأن أمشي في حاجة أخ لي مسلم أحبّ إليَّ من أن أعتق ألف نسمة، وأحمل في سبيل الله على ألف فرس مسرجة ملجمة.(2)
1039- وفيه: بإسناده عن محمّد بن مروان، عن أبي عبدالله علیه السلام قال:
مشي الرجل في حاجة أخيه المؤمن يكتب له عشر حسنات، ويمحى عنه عشر سيّئات، ويرفع له عشر درجات، قال: ولا أعلمه إلاّ قال:
ويعدل عشر رقاب، وأفضل من اعتکاف شهر في المسجد الحرام. (3)
أقول: لا يخفى أنّ ترتّب هذا الثواب على المشي في حاجة المؤمن لكونه مقدّمة لقضاء حاجته، فالثواب في الحقّيقة إنمّا هو له، فيترتّب على قضاء حاجته، وإن لم يكن موقوفاً على المشي.
وأمّا اختلاف هذا الحديث مع الحديث السابق، الّذي ذكر فيه ثواب الطواف فيمكن أن يقال: إنّه محمول على تفاوت مراتب الحاجة، أو مراتب المؤمن، أو تفاوت الحسنات أو السيّئات،
أو يقال: إنّ الثواب المذكور في هذا الحديث يترتّب عليّ مقدّمات قضاء الحاجة، وإن لم تكن موصلة إلى المطلوب،
والثواب المذكور في الحديث السابق يترتّب على ذي المقدّمة، والله تعالی هو العالم.
ص: 611
التاسعة: فيه ثواب أن يحمل في سبيل الله على ألف فرس مسرجة ملجمة ،
وقد مرّ مايدل عليه آنفا (1)
1040 - العاشرة: ما روي في اُصول الكافي أيضاً: بإسناده عن أبي جعفر قال علیه السلام: من مشى في حاجة أخيه المسلم أظلّه الله بخمسة وسبعين ألف ملك، ولم يرفع قدماّ إلاّ كتب الله له حسنّة، وحطّ عنه بها سيئّة، ويرفع له بها درجة، فإذا فرغ من حاجته كتب الله عزّ وجلّ له بها أجر حاج ومعتمرّ .(2)
1041- الحادية عشرة: ما رواه الصدوق - في حديث طويل -: بإسناده عن أبي الدنيا، عن أمیر المؤمنین علیه السلام عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال: من سعى في حاجة أخيه المؤمن الله عزّ وجلّ فيها رضا، وله فيها صلاح فكأنمّا خدم الله عزّ وجلّ ألف سنّة، لم يقع في معصيته طرفة عين.(3)
1042 - الثانية عشرة: ما رواه الشيخ مهدي الفتوني في نتائج الأخبار ونوافج الأزهار، عن الشيخ الطوسي: بإسناده عن ميمون بن مهران، قال: كنت جالساً عند الحسن بن عليّ علیهماالسلام جهة فأتاه رجل، فقال: يابن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إنّ فلاناً له عليَّ مال، ويريد أن يحبسني، فقال علیه السلام: والله ما عندي مال فأقضي عنك.
قال : فكلّمه، فلبس علیه السلام نعله، فقلت:
یا بن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنسيت اعتکافك؟ فقال لي: لم أنسه، ولكنّي سمعت أبي يحدث عن جدي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال: من سعى في حاجة أخيه المؤمن المسلم فكأنما عبد الله تسعة آلاف سنّة صائماً نهاره، قائماً ليله . (4)
هذا آخر ما أردنا إيراده في هذا الباب بتوفيق الخالق الوهّاب.
ص: 612
وينبغي التنبيه على اُمور:
الأول: أنّ الفوائد المذكورة والمكارم المزبورة تحصل بذلك الدعاء بأيّ نحو كان وبأيّ لسان، لعموم ما دلّ عليها، أو إطلاقها، وعدم مخصّص يخصّها.
الثاني: أن أكثر تلك المكارم يحصل بإكثار الدعاء بتعجیل فرج مولانا القائم القوله علیه السلام: وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج.
الثالث: أنّ كمال تلك المكارم إنّما يكون بتحصیل ملكة التقوى، وتهذیب النفس عمّا يغويها، وردعها عمّا یردیها، وبسط الكلام في هذا المقام ينافي ما أردنا من الاختصار، فالأولى الاقتصار بهذا المقدار، والإشارة كافية لاُولي الأبصار وأهل النظر والإعتبار،
ونسال الله تعالی
أن يعجّل في فرج مولانا الغائب عن الأبصار
ويجعلنا بمنّه في زمرة الأنصار
إلى هنا تم الجزء الأوّل
ص: 613
وآخر دعوانا: أن الحمد لله ربّ العالمين
وصلى الله على محمّد وآله الطاهرين،
ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
ربّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت
عليَّ وعلى والدي وأن أعمل صالحاً
ترضاه. ربّنا وأتمم لنا نورنا.
«سبط المؤلف»
ص: 614
1- فهرس الآيات القرآنية.
2- الفهرس الموضوعي للكتاب
ص: 615
ص: 616
الآیة...رقم السورة..... رقم الصفحة
البقرة: 2
«ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ » ...2...511
«الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ»...3...511
«وإِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»...30...226
«وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا»...31...227
«وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ»...35...560
« وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ»...40...482
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى»...62...514
«ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ»...74...498
«الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ»...82...515
«بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ»...112...515
«وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ»...127...239
«فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا»...137...566
«وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا»...143...329،157
«أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا»...148...353،178،121
«فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ»...152...170
«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ»...155...170
ص: 617
«لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ »...162...429
« وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ »...172...391
«وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ»...193...304
«وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا»...186...253
«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ»...243...276
« مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ»...255...430،419،417
« رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ»...260...399
«وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ»...270...427
«إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ»...249...462
«آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ»...285...462
آل عمران: 3
«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا»...18و19...330،73
«وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ...»...49...291،290
«إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى»...33و34...301
« وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا...»...83...304،199،120
« لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ...»...88...429
«وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا»...103...598
«وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ...»...141...265
«وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ...»...169...516
«إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ...»...190و191...397
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا ...»...200...312
النساء : 4
« وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ...»...1...504
ص: 618
«فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا»...41...157
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ»47...271
«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا»...58...497
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ»...59...584،523،437،56
«فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ»...65...596
« لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ»...77...160
«مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ»...80...55
«وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا »...86...415
«وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ »...92...204
«يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِه»...130...305
« وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ »...157...289
المائدة : 5
«َتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى »...2...509
«إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ »...6...442
«وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ»...27...229
«يَا وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ»...35...435
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»...101...387،182
« وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي»...110...290
الأنعام:6
« ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ »...2...474
«يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا »...112...255
«وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ »...115...545،205
«لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي»...158...220،217
«وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى »...164...467
ص: 619
الأعراف: 7
«سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ»...45...517
«وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ »...46-48...512،344
« إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ »...75...236
«وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ»...108...272
«فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً »...142...264
«قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي»...144...264
«وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا»...155...65
« وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»...157...324
«أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا»...172...565،554
«وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا»...180...49
«يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ »...181...51
«يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي»...187...185
الأنفال : 8
«الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ»...2...498
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا»...24...523
«لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ »...27...497
«وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ »...33...147
« لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ »...42...478
التوبة : 9
«قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ»...24...366
«لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ »...25...103
«ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا»...26...465
« إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ »...32...486
ص: 620
«هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ»...33...200،120
«قَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً»...36...192،117
وثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله .40
«ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ»...40...465،462
«وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ»...105...41
يونس: 10
«مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ »...3...431
«وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ »...20...512
«لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ »...26...344
«أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»...62...516،362
«الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ»...63...362
«آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ »...91...222
« وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ»...101...543
هود: 11
«وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ»...8...167
«وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا»...29...452
« لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا»...51...452
«وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ»...71...245
«أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ »...72...467،378
« لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ»...80...203
«قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ »...81...245
«بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ »...86...263
«وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ»...110...268
يوسف : 12
«رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ »...33...247
ص: 621
« فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ»...58...247
« وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ»...84...247
« وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ»...87...247
«وَ أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ »...90...188
«إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ»...94...238
« هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا »...100...458،205
«حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا»...110...196
الرعد: 13
« إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ»...7...436
«لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ»...18...347
«أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى »...20،19...482
«الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ »...21...605،503،347
«وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ»...25...482
«اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ»...26...490
«يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ »...39...472،186
ابراهيم :14
«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ »...4...464
«لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ »...7...392،391
«كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ »...18...464،54
« كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ»...24...293،83
«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا »...28...390
الحجر: 10
«رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ»...2...279
«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»...9...465،413
ص: 622
«فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ *إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ»...38،37...201
«إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ»...75...133
«وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ »...87...107
النحل: 16
«أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ »...1...356
«وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»...16...49
«وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا»...38...278،277
«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى»...90...515
«وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ»...91...46
«فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ»...98...442
« إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ»...106...406،398
« وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ»...114...391
الاسراء:17
«ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ»...6...371
« وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ»...33...551،110
«وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا»...34...483،482،46
«وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا »...82...413
الكهف : 18
«قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ»...37...464
«إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ »...110...446
«إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ»...67...251
«وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ »...82...467
«فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا»...110...515
ص: 623
مریم : 19
«وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ»...48...237
«وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا»...57...232
«لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا»...483،422،417
طه : 20
« فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى»...12...63
« إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ »...109...431
«وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا»...115...566
« فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا »...124...149
الأنبياء : 21
«وَفَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»...7...85
«لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ»...27...431
«لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى »...28...421،417
«قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ»...69...241
« وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ»...84...286
الحج : 22
« وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ »...5...438
«وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ»...241
« وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ»...32...601
«أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ»...39...161
«وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ »...40...509
«الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا »...41...349
«مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ»...74...488
ص: 624
المؤمنون: 23
«وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ»...8...497
«عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ»...548
النور: 24
«اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ »...35...326،320،158
« وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا »...40...324
«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ»...55...480،227،137،28
الفرقان : 25
«فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا»...70...345
الشعراء : 26
«إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ »...4...354،175
«فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ»...21...271،137
«فَمَاذَا تَأْمُرُونَ»...35...448
«فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ*وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ»...101،100...427،419،156
«لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ»...155...236
«فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ »...189...263
النمل : 27
«وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ»...17...283
«أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ »...62...297،97
«وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ »...82...219
القصص: 28
«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا»...5...288،27
«فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ»...13...233
ص: 625
«فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ»...21...264
«فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ»...81...271
«كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ»...88...496
العنكبوت: 29
« فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ»...14...230
«وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»...17...391
« إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ»...45...403
الروم : 30
« وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ*بِنَصْرِ اللَّهِ »...4...318
لقمان : 31
« وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً »...20...391
السجدة : 32
«وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ»...21...200
الاحزاب : 33
«النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ»...6...368،84
«وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ »...36...59
«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ»...57...131
سبأ: 34
«لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ»...15-17...395
«سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ»...18...93
«وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ»...23...417
ص: 626
یس:36
«وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ...»...39...102
«قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ »...52...278
«فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»...83...241
الصافات: 37
«إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ»...10...117
«لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ»...61...46
«فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ»...101...242
« يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ»...102...245
«وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ»...171-174...28
ص:1000
«يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ»...26...279
« وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي»...35...282
«فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ»...36...283
«ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ »...42...285
«إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ »...44...285
«مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ»...62...510
«أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ»...63...510
الزمرّ : 39
«اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ...»...23...108
«اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا»...42...551
«قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ»...53...253
«وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا»...69...240
«الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ »...74...227،122
ص: 627
غافر: 40
« مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ»...18...427
« إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ»...27...299
«وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا»...49...430
«إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا»...51...28
« ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»...60...253،41
فصلت: 41
«الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا »...30...516
«هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ »...44...511
الشوری : 42
«حم *عسق»...1و2...171
«مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ»...20...514
« وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ »...22...453
« قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»...23...451،447،209،81
«وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ»...26...443
«وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ »...41...161
الزخرف :43
«وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ »...71...510
الدخان : 44
«لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى»...56...423
الأحقاف: 46
«إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا »...13...516
«وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا»...15...550
ص: 628
محمّد صلی الله علیه وآله وسلم : 47
«إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ»...7...509
«أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»...24...544
الفتح: 48
« لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا»...25...183
« فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ »...26...465
«لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ»...28...94
الحجرات: 49
«وَ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا»...14...398
الذرايات: 51
«وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ *مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ »...42،41...235
النجم : 53
«وَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى»...26...431
القمر : 54
«وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ »...2...355
الرحمن: 55
«كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ»...27...495
«يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ »...41...199
«هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ*فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»...60...542،90
الواقعة : 56
«وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ *أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ »...10...564
«لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ »...19...46
ص: 629
الحدید: 57
« يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ »...12...341
«يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ»...13...571،570
«اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا »...17...228،129
« وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ »...28...324
الحشر: 59
« وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا »...7...489
الصف: 61
«لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»...9...149،120
الجمعة : 62
«فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ»...10...438
التغابن : 64
«فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا»...8...324
التحریم: 66
«نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ »...8...342
الملك: 67
«قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ»...30...112
القلم: 68
«وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ »...4...134
الحاقة: 69
«لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ »...12...46
«فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ *قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ »...23،22...46
«كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ»...24...305
ص: 630
المعارج: 70
«سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ »...1...167
«فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ *عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ »...36و37...464
« تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ»...44...149
نوح: 71
«مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا»...13...543
«جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا»...16...320
«رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا»...26...230
الجن : 72
«عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا»...26...568
المدثر : 74
«فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ»...48...427
الإنسان : 76
«وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ »...30...116
النبأ: 78
« لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا»...38...431،420
عبس: 80
«ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا *فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا»...26-32...438
التكوير : 81
«فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ *الْجَوَارِ الْكُنَّسِ»...16،15
«وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ »...29...116
المطففين : 83
«خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ»...26...46
ص: 631
«فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ »...35،34...510
الإنشقاق : 84
«لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ»...19...183
البروج: 85
«فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ »...22...488
الطارق : 86
«فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا»...17...317،279،96
الغاشية : 88
«لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً *فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ»...12،11...46
«ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ»...26...101
الشمس: 91
«وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا *وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا »...2،1...320
الليل : 92
«وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى»...2...297
التكاثر : 102
«حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ »...8...390،346،342
النصر: 110
«إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ »...1...196
ص: 632
الباب الأول :
في وجوب معرفته وأنه لا يتحقق الإيمان بدون معرفة إمام الزمان...47
الباب الثاني:
في إثبات أنّ إمام زماننا هو المهديّ بن الزكي الحسن العسكريّ...59
الفصل الأوّل :
في نبدة من الأحاديث المتواترة الدالّة على إمامته بالخصوص...69
الفصل الثاني:
في ذكر شيءٍ يسير من معجزاته المتواترة و كراماته الباهرة ...73
الباب الثالث:
في نبذة من حقوقه علينا و مراحمه إلينا...75
ا- حقّ الوجود...75
2- حقّ البقاء في الدنيا...79
3- حقّ القرابة من رسول الله...81
4- حقّ المنعم على المتنعّم، وحقّ واسطة النعمة :...81
ص: 633
5- حقّ الوالد على الولد ...83
6- حقّ السیّد على العبد:...84
7- حقّ العالم على المتعلم ...85
8- حقّ الإمام على الرعية...85
الباب الرابع :
في الجهات المجتمعة فيه علیه السلام الموجبة للدعاء له على الأنام
حرف الألف
1- إيمانه علیه السلام بالله جلّ جلاله...87
2- أمره بالمعروف...88
3- إستجابة دعائنا ببركة وجوده...89
4- إحسانه إلينا...89
5- إباحة ما في أيدينا من حقوقه لنا...90
6- استنصاره...90
7- إغاثة الملهوفين منّا...90
م أمن السبل والبلاد بظهوره...93
9 و 10- إحياء دين الله، وإعلاء كلمة الله...93
11- إنتقامه من أعداء الله...94
12- إقامة حدود الله...96
13- اضطراره...97
حرف الباء
1- بذل المعروف...98
2- بعث الحجج...98
3- بلاؤه...98
4- برکاته...98
ص: 634
حرف التاء
1- تأليف القلوب...99
2- تلطّفه بنا...100
3- تحمّله الأذى منّا...100
4- ترك حقّه لنا في الدنيا والآخرة...100
5- تشييع أمواتنا ...101
6- تجديده الإسلام بعد اندراسه وانمحائه...103
7- تمام الأمر به...105
8- تعليمه الناس كتاب الله الكريم الّذي جمعه أمیرالمؤمنین علیه السلام...105
حرف الثاء
1- ثواب الأعمال الحسنّة وقبولها بولايته علیه السلام...110
2۔ ثائر دم الحسين والشهداء...110
حرف الجيم
1- جماله...113
2- جریان رزقنا على يده علیه السلام ...117
3- جهاده علیه السلام...117
4- جمع الكلم على التوحيد والإسلام...119
5- جمع انصار الدين من الملائكة والجنّ وسائر المؤمنين...121
6- جمع العقول...125
حرف الحاء
1- حمايته للإسلام...126
2- حربه للمخالفین...126
3- حجّه...129
4- حياة الأرض به ...129
ص: 635
5- حلمه...130
6- حياة جمع من أولياء الله بظهوره...130
7- حبّه علیه السلام...130
8- حکمه علیه السلام بالحقّ...132
9- حكمه بالباطن بمقتضی علمه...133
حرف الخاء
1- حلقه...134
2- خوفه...135
3- خلافته علی المسلمین...137
4- ختم العلوم به...138
5- خروجه علیه السلام بالسيف بعد ظهوره...140
حرف الدال
1- دعاؤه للمؤمنين...140
- دعوته إلى الحقّ...144
3- دفع البلاء عنّا بوجوده علیه السلام...145
4- دفع البلاء والعذاب بشيعته عن سائر الناس...148
حرف الذال
1- ذبّ الاعداء عن المؤمنين في غيبته وحضوره ...148
2- ذلّة الاعداء بيده بعد ظهوره...148
حرف الراء
1- رباطه في سبيل الله...149
2- راحة الخلايق بظهوره علیه السلام وفي دولته ...149
حرف الزاء
1- زحمته علیه السلام في دين الله...151
ص: 636
2- زهده علیه السلام...151
3- زیارته علیه السلام لأبي عبدالله علیه السلام...155
حرف السين
1- سیرته علیه السلام يتبيّن من زهده...153
2- سخاؤه علیه السلام...154
حرف الشین
1- شجاعته علیه السلام...156
2- شفاعته علیه السلام لنا...156
3- شهادته علیه السلام لنا...156
4- شرفه علیه السلام...157
حرف الصاد
1- صبره علیه السلام...158
حرف الضاد
1- ضيافته علیه السلام...158
حرف الطاء
1۔ طهارة الأرض به علیه السلام من الجور...159
2- طلب حقوق الأئمّة والمؤمنين ودمائهم...160
حرف الظاء
1- ظهوره الحقّ علی یده...160
2- ظفره علیه السلام على المعاندین ...160
3- ظلم الاعداء عليه...161
4- ظهور کمالات الأئمّة علیهم السلام وشؤونهم واخلاقهم بوجوده وظهوره ...164
حرف العين
1- علمه علیه السلام...165
ص: 637
138
1- عزة الأولياء بظهوره علیه السلام...167
3- عذاب الأعداء ...167
4- عدله علیه السلام...168
5- عطف الهوى على الهدی...169
6- عطاؤه علیه السلام...170
7- عزلته علیه السلام عن الناس...171
8- عبادته...172
حرف الغين
1- غيبته علیه السلام عن الابصار بحكم الخالق الجبّار...173
2- غربته...191
3- غلبة المسلمين بظهوره علیه السلام...192
4- غنى المؤمنين ببركة ظهوره ...193
حرف الفاء
1- فضله علیه السلام علينا...193
2- فصله علیه السلام بين الحقّ والباطل...193
3- فرج المؤمنين على يده...195
4- فتح مدائن الكفرة وبلادهم...197
- فتح الجفر الأحمر لطلب ثار الأئمة الغرر علیه السلام...198
6- فرح المؤمنين بظهوره وقيامه...198
حرف القاف
1- قتل الكافرين بسيفه...198
2- قتل الشيطان الرجيم...201
3- قوّة أبدان المؤمنين وقلوبهم وجوارحهم في زمان ظهوره و انتشار نوره...202
4- قضاء دين المؤمنين...203
ص: 638
5- قضاء حوائج المؤمنين...204
6- قضاؤه بالحقّ...208
7- قرابته من رسول الله...209
8- قسطه...209
9- قتل الدجّال وهو رئيس أهل الضلال...214
حرف الکاف
کمالاته...224
وفيه : شبه بالأنبياء والأئمّة علیهم السلام، نذكرها في ثلاثة فصول:
الفصل الأوّل: في شباهته بجمع من الأنبياء العظام
1۔ باب شباهته بأدم...226
2- باب شباهته بهابیل...228
3- باب شباهته بشیث...229
4- باب شباهته بنوح علیه السلام شيخ الانبياء...230
5- باب شباهته بإدريس علیه السلام...231
6- باب شباهته بهود...234
7- باب شباهته بصالح علیه السلام...235
8 باب شباهته بإبراهيم علیه السلام...237
9- باب شباهته بإسماعيل علیه السلام...242
10- باب شباهته بإسحاق...245
11۔ باب شباهته بلوط...246
12- باب شباهته بیعقوب...247
13- باب شباهته بيوسف...247
16- باب شباهته بالخضر ...249
13- باب شباهته بإلياس النبّي...255
ص: 639
14- باب شباهته بذي القرنين...260
10۔ باب شباهته بشعیب النبیّ علیه السلام...262
19۔ باب شباهته بموسی علیه السلام...263
17- باب شباهته بهارون علیه السلام...274
20۔ باب شباهته بيوشع علیه السلام...275
21۔ باب شباهته بحزقيل علیه السلام...276
22- باب شباهته بداود علیه السلام...279
23- باب شباهته بسلیمان علیه السلام...282
26- باب شباهته بآصف علیه السلام...283
27- باب شباهته بدانیال علیه السلام...284
29- باب شباهته بعزيرعلیه السلام...284
27- باب شباهته بجرجیس علیه السلام...284
28- باب شباهته بایوبّ علیه السلام...285
29- باب شباهته بيونس علیه السلام...286
30- باب شباهته بزكريّا علیه السلام...286
32- باب شباهته بیحیی علیه السلام...287
33- باب شباهته بجدهّ خاتم الأنبياء علیه السلام...294
الفصل الثاني: في شباهته بالأئمّة المعصومين عليّهم السلام ... 294
الفصل الثالث: في جملة من شباهاته بجدّه إمام الخافقين الحسين علیه السلام ...298
تتمة حرف الکاف
2- کرمه علیه السلام...302
3- کشف العلوم للمؤمنين...303
ص: 640
حرف اللام
1- لواؤه...308
حرف الميم
1- مرابطته في سبيل الله تعالى ...311
2- معجزاته علیه السلام...313
3- محنته علیه السلام...313
4- مصائبه علیه السلام...314
5- محبة علیه السلام للمؤمنین...314
حرف النون
1- نفعه علیه السلام...315
2- نوره علیه السلام...317
3- نعمه علیه السلام...342
4- نصره للإسلام، ونهيه عن المنكر، وأمره بالمعروف...348
5- نداؤه علیه السلام...351
6- نصيحته لله ولدين الله ولرسول الله وللمؤمنين...361
حرف الواو
1- ولايته لله تعالی وولايتنا له، وولايته علينا...362
2- وصله...368
حرف الهاء
1- همّه...370
2- هدم أبنية الكفر والشقاق والنفاق...370
3- هدایه العباد ...373
4- هجرانه...374
ص: 641
حرف الياء
1- یده علیه السلام علينا أي نعمته، وتطلق اليد على النعمة كثيراً...374
2- یمنه...375
الباب الخامس:
في ذكر المكارم الّتي تحصل للإنسان بالدعاء لفرج مولانا صاحب الزمان... 377
المكرمة الأولى: أنه يوجب حصول الفرج...387
المكرمة الثانية: أنه يوجب زيادة النعم...389
المكرمة الثالثة: أنه إظهار المحبّة الباطنیّة...396
المكرمة الرابعة: أنّه علامة الانتظار ...400
المكرمة الخامسة: أنه إحياء أمر الأئمّة الطاهرين علیه السلام...400
المكرمة السادسة: أنّه سبب فزع الشيطان اللعين...401
المكرمة السابعة: أنّه يوجب النجاة من فتن آخر الزمان...407
المكرمة الثامنة: أنّه أداء لبعض حقوقه العظيمة في الجملة...408
المكرمة التاسعة: أنه تعظيم لله، وتعظيم لدين الله وتعظيم لرسول الله...411
المكرمة العاشرة: أنّه سبب دعاء مولانا صاحب الزمان في حقّ الداعي له بالفرج...414
المكرمة الحادية عشرة : أنّه يوجب الفوز بشفاعته في يوم القيامة...416
المكرمة الثانية عشرة: إنّه يوجب الفوز بشفاعة خير البشر وصاحب الشفاعة الكبرى ...433
المكرمة الثالثة عشرة: أنّه وسيلة إلى الله عزّ وجلّ...435
المكرمة الرابعة عشرة: أنّه يوجب إستجابة الدعاء...439
المكرمة الخامسة عشرة: أنّه أداء أجر نبوّة النبیّ في الجملة...447
المكرمة السادسة عشرة، والسابعة عشرة : أنّه يوجب دفع البلاء ، وسعة الرزق...455
المكرمة الثامنة عشرة: أنّه يوجب غفران الذنوب...456
المكرمة التاسعة عشرة: أنّه يوجب الفوز بشرف لقائه في اليقظة أو المنام...457
ص: 642
المكرمة المتمّمة للعشرين: أنّه يوجب الرجوع إلى الدنيا في زمان ظهوره...459
المكرمة الحادية والعشرون: أنّه يصير من اخوان النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم...460
المكرمة الثانية والعشرون : أنه يصير سببا لقرب وقوعه وسرعة طلوعه...467
المكرمة الثالثة والعشرون: أنّه اُسوة بالنبیّ المختار والأئمة الأطهار...479
المكرمة الرابعة والعشرون: أنه وفاء بعهد الله...482
المكرمة الخامسة والعشرون: أنه بر بالوالدين...483
المكرمة السادسة والعشرون : إنّه رعاية للأمانة...484
المكرمة السابعة والعشرون: أنّه يوجب زيادة اشراق نور الإمام في قلب الداعي...498
المكرمة الثامنة والعشرون: أنّه يوجب طول العمر...500
المكرمة التاسعة والعشرون: أنّه تعاون على البرّ والتقوى...509
المكرمة المكملة للثلاثين: أنّه يوجب نصر الله تعالى للداعي...509
المكرمة الحادية والثلاثون: أنّه يوجب الاهتداء بنور کتاب الله...511
المكرمة الثانية والثلاثون: أنّه يصير معروفة عند أصحاب الأعراف بنصرتهم...512
المكرمة الثالثة والثلاثون: انّه يوجب ما يترتّب على طلب العلم...514
المكرمة الرابعة والثلاثون: أنّه يوجب الأمن من العقوبات الأخرويّة...514
المكرمة الخامسة والثلاثون: أنّه يوجب البشارة والرفق عند الموت...518
المكرمة السادسة والثلاثون: أنّه يوجب إجابة دعوة الله تعالی ودعوة رسوله صلی الله علیه وآله وسلم....523
المكرمة السابعة والثلاثون: أنّه يكون مع أمیرالمؤمنین علیه السلام في درجته يوم القيامة ...523
المكرمة الثامنة والثلاثون: أنّه أحبّ الخلق إلى الله تعالى...524
المكرمة التاسعة والثلاثون: أنّه أكرم خلق الله عند النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم...525
المكرمة المتممة للأربعين: أنّه يوجب دخول الجنّة بضمانة النبیّ صلی الله علیه وآله وسلم...526
المكرمة الحادية والاربعون: أنّه يكون مشمولا لدعاء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم...527
المكرمة الثانية والأربعون: أنّه يوجب غفران الذنوب، وتبديل السيئات بالحسنات...527
المكرمة الثالثة والأربعون : أنّه يكون وسيلة لان يؤيّده الله تعالى في العبادة...528
ص: 643
644
المكرمة الرابعة والاربعون: أنّه يوجب دفع العقوبة والعذاب عن أهل الأرض ...529
المكرمة الخامسة والأربعون: أنّه يوجب الفوز بثواب إعانة المظلوم ونصره ...530
المكرمة السادسة والاربعون: أنّه يترتّب عليه فوائد اجلال الكبير...533
المكرمة السابعة والاربعون: أنّه يوجب الفوز بثواب طلب ثأر الحسين علیه السلام...549
المكرمة الثامنة والاربعون: أنّه من مصادیق تحمّل الصعب المستصعب من الأحاديث ...554
المكرمة التاسعة والاربعون: أنّه يوجب اضاءة نوره لاهل المحشر ...570
المكرمة المتممة للخمسين: أنّه يوجب قبول شفاعته في سبعين ألفاً من المذنبین...573
المكرمة الحادية والخمسون: أنّه يوجب دعاء امير المؤمنين علیه السلام في حقّه...574
المكرمة الثانية والخمسون: أنّه يوجب دخول الجنّة بغير حساب...574
المكرمة الثالثة والخمسون: أنّه يوجب السلامة من عطش يوم القيامة...575
المكرمة الرابعة والخمسون: أنّه يوجب الخلود في الجنّة...575
المكرمة الخامسة والخمسون: أنّه يوجب خمش وجه إبليس وقرح قلبه...575
المكرمة السادسة والخمسون: أنّه يتحف يوم القيامة بتحفة مخصوصة...576
المكرمة السابعة والخمسون: أنّه يخدمه الله من خدم الجنّة...577
المكرمة الثامنة والخمسون: أنّه يكون في ظل الله الممدود...577
المكرمة التاسعة والخمسون: أنّه يوجب ثواب نصيحة المؤمن...578
المكرمة المكملة للستين : أنّه يكون مجلسه محضرا للملائكة ...580
المكرمة الحادية والستون : أنّه يكون ممن يباهي به الله ملائكته...583
المكرمة الثانية والستون: أنّه يكون ممن يستغفر لهم الملائكة...583
المكرمة الثالثة والستون: أنّه يكون خير الناس...583
المكرمة الرابعة والستون: أنّه اطاعة لاّولي الأمر...584
المكرمة الخامسة والستون: أنّه يوجب سرور الله تعالى...586
المكرمة السادسة والستون: أنّه يوجب سرور رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ...586
المكرمة السابعة والستون: أنّه أحب الأعمال إلى الله تعالى...587
ص: 644
المكرمة الثامنة والستون: أنّه يبيح الله له الجنّة ...588
المكرمة التاسعة والستون: أنّه يحاسب حساباّ يسيراً...588
المكرمة المكملة للسبعين: أنّه يكون الأنيس الشفيق له في البرزخ والقيامة...588
المكرمة الواحدة والسبعون: أنّه أفضل الأعمال...589
المكرمة الثانية والسبعون: أنّه يوجب زوال الغم عن القلب...590
المكرمة الثالثة والسبعون: أنّه أفضل من الدعاء للإمام في زمان ظهور علیه السلام...590
المكرمة الرابعة والسبعون : أنّه يوجب دعاء الملائكة في حقّه...592
المكرمة الخامسة والسبعون: أنه يوجب دعاء الإمام السجاد علیه السلام في حقّه ...593
المكرمة السادسة والسبعون: أنّه تمسّك بالثقلين...597
المكرمة السابعة والسبعون: أنّه اعتصام بحبل الله عزّوجلّ...597
المكرمة الثامنة والسبعون: أنّه يوجب كمال الإيمان...598
المكرمة التاسعة والسبعون: أنّه يوجب درك مثل ثواب عبادة جميع العباد...600
المكرمة المكملة للثمانين: أنّه تعظیم شعائر الله تعالى...601
المكرمة الواحدة والثمانون: أنّه يوجب ثواب من استشهد مع رسول الله ...601
المكرمة الثانية والثمانون: أنّه يوجب ثواب من استشهد تحت راية القائم...601
المكرمة الثالثة والثمانون: أنّه يوجب ثواب الإحسان إلى مولانا صاحب الزمان...601
المكرمة الرابعة والثمانون : أنّه يوجب ثواب إكرام العالم، وأداء لحقه في الجملة...601
المكرمة الخامسة والثمانون: أنّه يوجب ثواب اکرام الكريم...603
المكرمة السادسة والثمانون: أنّه يوجب الحشر في زمرة الأئمة الطاهرين يوم القيامة ...604
المكرمة السابعة والثمانون: أنّه يوجب ارتفاع الدرجات في روضات الجنات...604
المكرمة الثامنة والثمانون : أنّه يوجب الأمن من سوء الحساب في يوم الحساب...605
المكرمة التاسعة والثمانون: أنّه يوجب الفوز بأفضل درجات الشهداء يوم القيامة...608
المكرمة المكملة للتسعين: أنّه يوجب الفوز بالشفاعة الفاطمية...608
ص: 645
فصل: فيما يترتّب على قضاء حاجة المؤمن
الأولى: أنّه يوجب ثواب حج بیت الله الحرام...609
الثانية: أنّه يوجب ثواب العمرة ...610
الثالثة: أنه يوجب ثواب الإعتكاف شهرين في المسجد الحرام...610
الرابعة: فيه ثواب صيام شهرين...610
الخامسة: أنّه يوجب قبول شفاعته يوم القيامة...610
السادسة: أنّه يوجب قضاء مائة ألف حاجة يوم القيامة...610
السابعة: أنّه أفضل من عشر طوافات بالبيت الحرام...610
الثامنة: أنّه يوجب ثواب العتق...611
التاسعة: ثواب أن يحمل في سبيل الله على ألف فرس...612
العاشرة: أنّه أظله الله بخمسة وسبعين ألف ملك...612
الحادية عشرة: كأنما خدم الله عزّوجلّ ألف سنّة...612
الثانية عشرة: كأنما عبد الله تسعة آلاف سنّة صائمة نهاره قائمة ليله...612
خاتمة: في التنبيه على أمور ...613
تمّ فهرس الجزء الأول
ص: 646
يتلوه الجزء الثاني إن شاء الله تعالی
من كتاب
مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم علیه السلام
وفيه أبواب:
الباب السادس : في ذكر الأوقات والحالات الّتي يتاكّد فيها
الدعاء لمولانا الغائب عن الأبصار ومسالة
تعجیل فرجه من خالق الليل والنهار .
الباب السابع: فيه ثلاثة مقاصد:
المقصد الأول: في ذكر مطالب ينبغي التنبيه
عليها قبل الشروع في المقصود.
المقصد الثاني : في كيفية الدعاء بتعجيل فرجه
تصريحاً وتلویحاً صلوات الله وسلامه عليه .
المقصد الثالث: في ذكر بعض الدعوات
الماثورة عن الأئمة الطاهرين علیهم السلام.
الباب الثامن: في سائر ما يتقرب به إليه، ويسره، ويزلف لديه
من تكاليف العباد بالنسبة إليه علیهم السلام.
ص: 647
بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٍ لَكُمْ إنْ کُنِتَم مُؤْمِنِينَ
ص: 648
بطاقة تعريف: اصفهاني، محمدتقي، 1308 - 1262
عنوان و نام پديدآور : مکیال المکارم في فوائد الدعاآ للقائم علیه السلام المجلد 2/ تالیف محمدتقي الموسوي الإصفهاني؛ التحقیق و النشر موسسة الامام المهدي علیه السلام
مشخصات نشر : قم: موسسة الإمام المهدي (عج): حبل المتین، 1422ق. = - 1380.
ISBN : 964-93462-4-4(الفترة) ؛ 964-93462-4-4(الفترة) ؛ 964-93462-5-2(ج.1)
ملاحظة: عربي
ملاحظة: الإصدار السابق: بدر، 1374
بطاقة تعريف: الإصفهاني، محمد تقي، 1308 - 1262
عنوان و نام پديدآور : مکیال المکارم في فوائد الدعاآ للقائم علیه السلام المجلد 2/ تالیف محمدتقي الموسوي الاصفهاني «فَقيهَ أحمَدَ آبَادي»؛ التحقیق و النشر موسسة الامام المهدي علیه السلام
مشخصات نشر : قم: موسسة الامام المهدي (عج): حبل المتین، 1422ق. = - 1380.
ISBN : 964-93462-4-4(الفترة) ؛ 964-93462-4-4(الفترة) ؛ 964-93462-5-2(ج.1)
ملاحظة: عربي
ملاحظة: الإصدار السابق: بدر، 1374
ملاحظة : ج. 1422 2ق. = 40000 :1380 ریال
ملحوظة: فهرس
الموضوع: مهدويت - انتظار
صلاة
محمدبن حسن (عج)، الإمام الثاني عشر، 255ق. - .
المعرف المضاف: المدرسة الامام المهدي (عج). موسسة الامام المهدي
ترتيب الكونجرس: BP224/الف6م7 1380
تصنيف ديوي: 297/462
رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 80-24881
جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان
محرّر: محمّد علي ملك محمّد
ص: 1
مکیال المکارم في فوائد الدعاء للقائم علیه السلام
تأليف العلامة آية اللّه الحاج میرزا محمد تقي الموسوي الإصفهاني
«الفقيه الأحمدآبادي»
ص: 2
الصورة
تمثال المؤلف
الكتاب: مكیال المكارم في فوائد الدعاء للقائم علیه السلام.
المؤلف : السيد محمد تقي الموسوي الإصفهاني «الفقيه الأحمدآبادي» .
التحقيق والنشر: مؤسسة الإمام المهدي علیه السلام - قم .
الطبعة الخامسة : سنة 1422 ه تمتاز بتحقیق جدید .
المطبعة: أنصار المهدي عجل اللّه فرجه الشريف .
الكمية:2000 نسخة .
الناشر: مؤسسة الإمام المهدي .
شابك (الدورة): 4 - 4 - 93692 - 996.
شابك (ج2): 5-9-93692 - 996.
حقوق الطبع كلها محفوظة لمؤسسة الإمام المهدي علیه السلام - قم المقدسة
خيرانديش ديجيتال: مركز خدمة مدرسة اصفهان
محرّر: محمّد علي ملك محمّد
ص: 3
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ
ص: 4
بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
ص: 5
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين
وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين
ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين
ص: 6
«من كتاب مكیال المكارم»
في ذكر الأوقات والحالات التي يتاكد فيها الدعاء لمولانا الغائب عن الأبصار ومسألة تعجیل فرجه من خالق الليل والنهار، وما يشهد لذلك من الآيات والأخبار ودليل العقل والإعتبار :
فمنها : بعد كل فريضة، ويشهد لذلك ذكر الدعاء لذلك الأمر في أدعية عديدة مأثورة عن الأئمة الطاهرين: .
1042- منها: ما روي في أصول الكافي مرسلا عن أبي جعفر الثاني علیه السلام ، قال : إذا انصرفت من صلاة مكتوبة، فقل:
«رَضِیتُ بِاللَّهِ رَبّاً، وَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ نَبِیّاً، وَ بِالْإِسْلاَمِ دِیناً، وَ بِالْقُرْآنِ كِتَاباً، وَ بِ«فُلَانٍ وَفُلَانٍ»(1) أَئِمَّهً، اَللَّهُمَّ وَلِیُّكَ «فُلاَنٌ» فَاحْفَظْهُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ، وَ عَنْ یَمِینِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ وَ مِنْ فَوْقِهِ وَ مِنْ تَحْتِهِ وَ اُمْدُدْ لَهُ فِی عُمُرِهِ وَ اِجْعَلْهُ اَلْقَائِمَ بِأَمْرِكَ، وَ اَلْمُنْتَصِرَ لِدِینِكَ وَ أَرِهِ مَا یُحِبُّ وَ تَقَرُّ بِهِ عَیْنُهُ فِی نَفْسِهِ
ص: 7
وَ ذُرِّیَّتِهِ وَ فِی أَهْلِهِ وَ مَالِهِ، وَ فِی شِیعَتِهِ وَ فِی عَدُوِّهِ، وَ أَرِهِمْ مِنْهُ مَا یَحْذَرُونَ، وَ أَرِهِ فِیهِمْ مَا یُحِبُّ وَ تَقَرُّ بِهِ عَیْنُهُ، وَ اِشْفِ صُدُورَنَا، وَ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِینَ».الكافي : 2/ 548 ضمن ح6، عنه البحار : 186/86 ح48.
1043- ورواه الشيخ الصدوق في الفقيه: عنه علیه السلام مرسلا وهذا لفظه :
وقال علیه السلام : إذا انصرفت من صلاة مكتوبة فقل :
«رَضیتُ بِاللّهِ رَبّاً،وبِالإِسلامِ دیناً،وبِالقُرآنِ كِتاباً،وبِمُحَمَّدٍ صَلَّی اللّهُ عَلَیهِ وآلِهِ نَبِیّاً،وبِعَلِیٍّ وَلِیّاً ، والْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ، وَعَليِّ بْنِ مُوسَى، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، وَالحُجَّةِ بْنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، أَئِمَّةً.
اللّهُمَّ وَلِیَّكَ الحُجَّهَ فَاحْفَظْهُ مِنْ بَینِ یَدَیهِ، وَمِنْ خَلفِهِ، وَعَنْ یَمِینِهِ، وَعَنْ شِمالِهِ، وَمِنْ فَوقِهِ، وَمِنْ تَحتِهِ. وَامْدُدْ لَهُ فی عُمرِهِ، وَاجْعَلْهُ القائِمَ بِأمرِكَ، المُنتَصِرَ لِدِینِكَ. وَأرِهِ ما یُحِبُّ وَتَقِرُّ بِهِ عَینُهُ فی نَفسِهِ، وَفی ذُرِّیَّتِهِ وَأهلِهِ وَمالِهِ، وَفی شِیعَتِهِ، وَفی عَدُوِّهِ؛ وَأرِهِمْ مِنهُ ما یَحذَرُونَ، وَأرِهِ فِیهِم ما یُحِبُّ وَتَقِرُّ بِهِ عَینُهُ، وَاشْفِ بِهِ صُدورَنا وَصُدورَ قَومٍ مُؤمِنینَ».
وقوله : اللّهمّ وليّك فلان كناية عن مولانا صاحب الزمان،
وقد صرح الصدوق (رحمة اللّه علیه) بأسمائهم الشريفة في روايته، وهذا الحديث يدلّ على تأكّد الدعاء الفرج مولانا الحجّة، بعد كلّ صلاة مكتوبة .
1044- ويشهد لذلك أيضاً : ما روي في البحار، نقلاً من كتاب الإختيار للسيّد بن الباقي : عن الصادق علیه السلام أنّه قال :
من قرأ بعد كلّ فريضة هذا الدعاء فإنّه يرى الإمام «م ح م د» بن الحسن، عليه وعلى آبائه السلام، في اليقظة أو في المنام :
ص: 8
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، اَللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلانَا صَاحِبَ الزَّمَانِ أَيْنَمَا كَانَ وَحَيْثُمَا كَانَ، مِنْ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، سَهْلِهَا وَجَبَلِهَا، عَنِّي وَعَنْ وَالِدَيَّ، وَعَنْ وُلْدِي وَإِخْوَانِي التَّحِيَّةَ وَالسَّلَامَ، عَدَدَ خَلْقِ اللَّهِ وَزِنَةَ عَرْشِ اللَّهِ، وَمَا أَحْصَاهُ كِتَابُهُ، وَأَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ
اللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبِيحَةِ هَذَا الْيَوْمِ وَمَا عِشْتُ فِيهِ مِنْ أَيَّامِ حَيَاتِي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ فِي عُنُقِي، لَا أَحُولُ عَنْهَا وَلَا أَزُولُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ وَنُصَّارِهِ الذَّابِّينَ عَنْهُ، وَالْمُمْتَثِلِينَ لِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ فِي أَيَّامِهِ، وَالْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ
اللَّهُمَّ فَإِنْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ الْمَوْتُ الَّذِي جَعَلْتَهُ عَلَى عِبَادِكَ حَتْماً مَقْضِيّاً فَأَخْرِجْنِي مِنْ قَبْرِي مُؤْتَزِراً كَفَنِي، شَاهِراً سَيْفِي، مُجَرِّداً قَنَاتِي، مُلَبِّياً دَعْوَةَ الدَّاعِي فِي الْحَاضِرِ وَالْبَادِي، اللَّهُمَّ أَرِنِي الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ، وَالْغُرَّةَ الْحَمِيدَةَ، وَاكْحُلْ بَصَرِي بِنَظْرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ، وَعَجِّلْ فَرَجَهُ، وَسَهِّلْ مَخْرَجَهُ
اللَّهُمَّ اشْدُدْ أَزْرَهُ، وَقَوِّ ظَهْرَهُ، وَطَوِّلْ عُمُرَهُ، اللَّهُمَّ اعْمُرْ بِهِ بِلَادَكَ، وَأَحْيِ بِهِ عِبَادَكَ، فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) فَأَظْهِرِ اللَّهُمَّ لَنَا وَلِيَّكَ، وَابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكَ، الْمُسَمَّى بِاسْمِ رَسُولِكَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَا يَظْفَرَ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْبَاطِلِ إِلَّا مَزَّقَهُ، وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيُحَقِّقُهُ،
اللَّهُمَّ اكْشِفْ هَذِهِ الْغُمَّةَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِظُهُورِهِ، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ».(1)
أقول: سيأتي نظير هذا الدعاء في الباب الثامن إن شاء اللّه تعالی .
ص: 9
1045- وممّا يشهد لتأكّد الدعاء لفرجه علیه السلام بعد كلِّ من الفرائض اليوميّة أيضاً ما روي في مكارم الأخلاق قال :
روي أنّ من دعا بهذا الدعاء عقيب كلّ فريضة، وواظب على ذلك، عاش حتّى يملّ الحياة، ويتشرّف بلقاء صاحب الامر عجّل اللّه تعالی فرجه وهو :
«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، اَللَّهُمَّ إِنَّ رَسُولَكَ الصّادِقَ المُصَدَّقَ صَلَواتُكَ عَلَیْهِ وَ آلِهِ قالَ: إِنَّكَ قُلْتَ: «مَا تَرَدَّدْتُ فِي شَي ءٍ أَنَا فاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي فِي قَبْضِ رُوحِ عَبْدِيَ المُؤْمِنِ یَكْرَهُ المَوْتَ وَ أَنَا أَكْرَهُ مَسآئَتَهُ.
اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَ عَجِّلْ لِأَولِیَائِكَ الفَرَجَ، وَ النَّصْرَ وَ العافِیَةَ، وَ لا تَسُؤْنِی فِی نَفْسِی، وَلَا فِي ««فلان»، و تذكر من شئت»(1).
أقول: وروى العلّامة المجلسي (رحمة اللّه علیه) في صلاة البحار نقلاً عن كتاب فلاح السائل، للعالم الربّاني السيّد عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) قال :
ومن المهمّات لمن يريد طول البقاء، أن يكون من تعقيبه بعد كلّ صلاة :
1046- ما رواه أبو محمد هارون بن موسی (رحمة اللّه علیه)، عن أبي الحسن عليّ بن محمّد بن يعقوب العجليّ الكسائيّ، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن جعفر ابن محمّد بن حكیم، عن جميل بن درّاج، قال :
دخل رجل إلى أبي عبداللّه علیه السلام ، فقال له: يا سيّدي، عَلَت سنّي ومات أقاربي، وأنا خائف أن يدركني الموت وليس لي من آنس به، وأرجع إليه .
فقال علیه السلام له: إنّ من إخوانك المؤمنين من هو أقرب نسباً أو سبباً وأنسك به خير من اُنسك بقريب، ومع هذا فعليك بالدعاء، وأن تقول عقيب كلّ صلاة :
«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، اللَّهُمَّ إِنَّ الصَّادِقِ علیه السلام قَالَ: إِنَّكَ قُلْتَ:
ص: 10
«مَا تَرَدَّدْتُ فِي شَيْ ءٍ أَنَا فَاعِلُهُ كَتَرَدُّدِي فِي فَوْتِ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَ أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ»
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَعَجِّلْ لِوَليِّكَ الْفَرَجَ، وَالْعافِیَةَ وَالنَّصْرَ، وَلا تَسُؤْني في نَفْسي، وَلا في اَحَدٍ مِنْ اَحِبَّتي، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُسَمِّیَهُمْ وَاحِداً وَاحِداً فَافْعَلْ وَ إِنْ شِئْتَ مُتَفَرِّقِینَ وَ إِنْ شِئْتَ مُجْتَمِعِینَ».(1)
قال الرجل : واللّه لقد عشت حتّی سئمت الحياة .
قال أبو محمّد هارون بن موسی (رحمة اللّه علیه) : إنّ محمّد بن الحسن بن شمّون البصري كان يدعو بهذا الدعاء ، فعاش مائة وثمان وعشرين سنة في خفض، إلى أن ملّ الحياة، فتركه فمات رحمه اللّه تعالى . (2)
1047- وروى المجلسي أيضاً نقلاً عن دعوات الراونديّ والمكارم ومصباح الشيخ وجنّة الأمان والبلد الأمين، بهذا اللفظ : روي أنّه من دعا بهذا الدعاء عقيب كلّ فريضة، وواظب على ذلك عاش حتّى يملّ الحياة . (3)
أقول: قد ذكرنا في المكرمة الثامنة والعشرين من الباب السابق وجه كون هذا الدعاء سؤالاً لتعجيل فرج مولانا الحجة علیه السلام ، وبيّنّا ما سنح بالبال من الحجّة .(4)
إيضاح : قوله: ما ترددت في شيء أنا فاعله ... (إلخ).
فقد ورد مثله في روايات عديدة مروية في أصول الكافي وغيره .(5)
قال الشيخ البهائيّ (رحمة اللّه علیه) في شرح الأربعين : ما تضمّنه هذا الحديث من نسبة التردّد إليه سبحانه يحتاج إلى التأويل، وفيه وجوه:
ص: 11
الأوّل : أنّ في الكلام إضماراً، والتقدير : لو جاز علىَّ التردّد ما تردّدت في شيء كتردّدي في وفاة المؤمن.
الثاني : أنّه لمّا جرت العادة بأن يتردّد الشخص في مساءة من يحترمه ، ويوقره كالصديق الوفيّ، والخلّ الصفيّ، وأن لا يتردّد في مساءة من ليس له عنده قدر ولا حرمة، كالعدوّ، والحيّة، والعقرب، بل إذا خطر بالبال مساءته أوقعها من غير تردّد ولاتأمّل، صحّ أن يعبّر بالتردّد والتأمّل في مساءة الشخص عن توقيره واحترامه، وبعد مهما عن إذلاله واحتقاره.
قوله سبحانه: ما ترددت في شيء أنا فاعله كترددي في وفاة المؤمن المراد به . واللّه أعلم - ليس لشيء من مخلوقاتي عندي قدر وحرمة كقدر عبدي المؤمن وحرمته، فالكلام من قبيل الاستعارة التمثيليّة .
الثالث : أنّه قد ورد في الحديث من طرق الخاصّة(1) والعامّة :
أنّ اللّه سبحانه يظهر للعبد المؤمن عند الإحتضار من اللطف، والكرامة ، والبشارة بالجنّة ما يزيل عنه كراهة الموت، ويوجب رغبته في الإنتقال إلى دار القرار، فيقلّ تأذّیه به، ويصير راضياً بنزوله، راغباً في حصوله، فأشبهت هذه
المعاملة ، معاملة من يريد أن يؤلم حبيبه ألماً يتعقّبه نفع عظيم، فهو يتردّد في أنّه كيف يوصل ذلك الألم إليه على وجه يقلّ تأذّيه به، فلا يزال يظهر له ما يرغّبه فيما يتعقّبه من اللذّة الجسميّة، والراحة العظيمة، إلى أن يتلقّاه بالقبول، ويعدّه
من الغنائم المؤدّية إلى إدراك المأمول. إنتهى كلامه رفع مقامه .(2)
1048- ويدل على المقصود أيضاً ماروي في كتاب جمال الصحالين عن مولانا الصادق علیه السلام أنّه قال :
إنّ من حقوقنا على شيعتنا أن يضعوا بعد كلّ فريضة أيديهم على أذقانهم ويقولوا ثلاث مرّات:
ص: 12
«یَا رَبَّ مُحَمَّدٍ، عَجِّلْ فَرَجَ آلِ مُحَمَّدٍ، یَا رَبَّ مُحَمَّدٍ، حْفِظْ غَیْبَةَ مُحَمَّدٍ، یا رَبّ مُحَمَّدٍ، إنْتَقِمْ لإبْنَةِ مُحَمَّدٍ علیها السلام».(1)
واعلم أنّه قد ذكر فضل الدعاء المذكور بالفارسيّة وقد نقلته إلى العربيّة.
تتميم نفعه عميم: إذا عرفت ما يدلّ على المقصود من الأخبار المرويّة عن الأئمة الأطهار علیهم السلام فاعلم أنّ السرّ في ذلك أنّ حقيقة العبادة وأصلها وشرط قبولها هو معرفة الإمام، والتولّي له، فينبغي للمؤمن أن يظهر حقيقة إيمانه، وصدق ولايته لمولاه، بعد كلّ صلاة بالدعاء له، ومسألة فرجه من اللّه عزّ وجلّ حتّى تقترن صلاته بما يكون سبباً لقبوله، ويدلّ على ذلك ما رويناه في الباب الأوّل والخامس، ويأتي في الباب الثامن، مضافاً إلى الروايات الواردة في تفسير قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)(2) .
وفي قوله تعالى : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ)(3) وغيرهما ممّا يتعسّر أو يتعذّر جمعها، وضبطها من الأخبار الكثيرة،
وكذا الحال في الصوم، والحجّ، وسائر العبادات، ولذا وردت الصلاة على محمد وآله علیهم السلام ، والدعاء لفرج مولانا علیه السلام في أيّام شهر رمضان ولياليه .(4)
1049- ويعجبني هنا ذكر حدیث شریف مروي في تفسير البرهان، في تفسير قوله تعالى : ((أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ)
بإسناده عن أبي جعفر الباقر علیهم السلام ، قال : نحن جنب اللّه، ونحن صفوة اللّه، ونحن خيرة اللّه، ونحن مستودع مواريث الأنبياء، ونحن أمناء اللّه عزّ وجلّ، ونحن حجج اللّه، ونحن حبل اللّه، ونحن رحمة اللّه على خلقه، ونحن الّذين
بنا يفتح اللّه ربنا يختم، ونحن أئمّة الهدى، ونحن مصابيح الدجى، ونحن منار الهدى، ونحن العلم المعروف(5) لاهل الدنيا، ونحن السابقون، ونحن
ص: 13
الآخرون، من تمسّك بنا لحق، ومن تخلّف عنّا غرق.
ونحن قادة الغرّ المحجّلين، ونحن حرم اللّه، ونحن الطريق والصراط المستقيم إلى اللّه عزّوجلّ، ونحن من نعم اللّه على خلقه، ونحن المنهاج، ونحن معدن النبوّة، ونحن موضع الرسالة .
ونحن أصول الدين، وإلينا تختلف الملائكة، ونحن السراج لمن استضاء بنا، ونحن السبيل لمن اقتدى بنا، ونحن الهداة إلى الجنّة، ونحن عری الإسلام، ونحن الجسور، ونحن القناطر، من مضى علينا سبق، ومن تخلّف عنّا محق، ونحن السنام الأعظم، ونحن الّذين بنا تنزل الرحمة، وبنا تسقون الغيث، ونحن الّذين بنا يصرف اللّه عزّ وجلّ عنكم العذاب،
فمن أبصرنا وعرفنا، وعرف حقّنا، وأخذ بأمرنا، فهو منّا وإلينا.(1)
تكمیل :
وقد اختلج بالبال سرّ آخر، لتأكّد الدعاء في حقّه في تلك الحال وهو أنّه :
1050- قد ورد في عدّة من الروايات : أنّ لكلّ مؤمن بعد كلّ صلاة فريضة دعوة مستجابة - وهي مذكورة في الوسائل، وغيره -(2)
فينبغي للمؤمن الكامل الّذي يكون مولاه في نظره أعزّ من نفسه، ومن أعزّ أهله، أن يجعل ذلك الدعاء في حقّه.
ومن الأوقات الّتي يتأكّد فيها الدعاء بتعجیل فرج مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه ، بعد خصوص صلاة الظهر، ويدلّ على ذلك ويشهد له:
1051- ما روي في البحار، والمستدرك، وجمال الصالحين، عن الصادق علیه السلام : أنّ من قال بعد صلاة الفجر، وبعد صلاة الظهر :
اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم، لم يمت حتّى يدرك
ص: 14
القائم من آل محمد علیهم السلام وقد مرّ في الباب السابق أيضاً .(1)
ويدلّ على ذلك أيضاً ما روي في صلاة البحار، نقلاً عن كتاب فلاح السائل للسيد الأجلّ عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه)؛
قال السيد (رحمة اللّه علیه): من المهمّات عقيب صلاة الظهر الإقتداء بالصادق علیه السلام في الدعاء للمهدي علیه السلام الّذي بشّر به محمّد رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم أمّته في صحيح الروايات ووعدهم أنّه يظهر في أواخر الأوقات.
1052- كما رواه محمّد بن وهبان الدبيلي، عن أبي عليّ محمّد بن الحسن ابن محمّد بن جمهور العميّ، عن أبيه، عن أبيه محمّد بن جمهور، عن أحمد ابن الحسين السكّري، عن عباد بن محمّد المدائني ، قال :
دخلت على أبي عبداللّه علیه السلام بالمدينة حين فرغ من مكتوبة الظهر وقد رفع يديه إلى السماء وهو يقول:
«أَيْ سَامِعَ كُلِّ صَوْتٍ، أَيْ جَامِعَ كُلِّ فَوْتٍ، أَيْ بَارِئَ كُلِّ نَفْسٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَيْ بَاعِثُ، أَيْ وَارِثُ، أَيْ سَيِّدَ السَّادَاتِ، أَيْ إِلَهَ الْآلِهَةِ، أَيْ جَبَّارَ الْجَبَابِرَةِ، أَيْ مَلِكَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ، أَيْ رَبَّ الْأَرْبَابِ، أَيْ مَلِكَ الْمُلُوكِ، أَيْ بَطَّاشُ، أَيْ ذَا الْبَطْشِ الشَّدِيدِ، أَيْ فَعَّالًا لِمَا يُرِيدُ، أَيْ مُحْصِيَ عَدَدِ الْأَنْفَاسِ وَ نَقْلِ الْأَقْدَامِ، أَيْ مَنِ السِّرُّ عِنْدَهُ عَلَانِيَةٌ، أَيْ مُبْدِئُ، أَيْ مُعِيدُ
أَسْأَلُكَ بِحَقِّكَ عَلَى خِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَ بِحَقِّهِمُ الَّذِي أَوْجَبْتَهُ عَلَى نَفْسِكَ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَ أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ السَّاعَةَ بِفَكَاكِ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، وَ أَنْجِزْ - لِوَلِيِّكَ وَ ابْنِ نَبِيِّكَ، الدَّاعِي إِلَيْكَ بِإِذْنِكَ، وَ أَمِينِكَ فِي خَلْقِكَ وَ عَيْنِكَ فِي عِبَادِكَ، وَ حُجَّتِكَ عَلَى خَلْقِكَ، عَلَيْهِ صَلَوَاتُكَ وَ بَرَكَاتُكَ - وَعْدَهُ
ص: 15
اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِنَصْرِكَ، وَ انْصُرْ عَبْدَكَ، وَ قَوِّ أَصْحَابَهُ، وَ صَبِّرْهُمْ، وَ افْتَحْ لَهُمْ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً، وَ عَجِّلْ فَرَجَهُ، وَ أَمْكِنْهُ مِنْ أَعْدَائِكَ وَ أَعْدَاءِ رَسُولِكَ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ»(1)
قلت : أليس قد دعوت لنفسك جعلت فداك؟
قال : قد دعوت لنور آل محمّد، وسابقهم، والمنتقم بأمر اللّه من أعدائهم.
قلت : متى يكون خروجه، جعلني اللّه فداك؟
قال علیه السلام : إذا شاء من له الخلق والأمر.
قلت : فله علامة قبل ذلك؟
قال علیه السلام : نعم، علامات شتّى، قلت: مثل ماذا؟ قال : خروج راية من المشرق، وراية من المغرب، وفتنة تظلّ أهل الزوراء، وخروج رجل من ولد عمّي زيد باليمن، وانتهاب ستارة البيت، ويفعل اللّه ما يشاء، إنتهی .(1)
قال العلامة المجلسيّ (رحمة اللّه علیه) في البحار : نقلاً عن مصباح الشيخ، والبلد الأمين، وجنّة الأمان، والإختيار : ممّا يختصّ عقيب الظهر : يا سامع كلّ صوت، «إلى آخر الدعاء»، وفي الجميع «یا» مكان «أي» في المواضع كلّها.
إنتهى كلامه، رفع في الخلد مقامه .(2)
أقول: سند الحديث وإن كان ضعيفة بحسب الإصطلاح، لكن لا بأس به بمقتضى قاعدة التسامح، المقرّرة المثبتة في أُصول الفقه ، ولذلك عوّل عليه مشایخ علمائنا الّذين عرفت أسماءهم الشريفة ، رحمهم اللّه تعالى .
وكيف كان، فيستفاد منه ومن الدعاء المذكور أمور : الأوّل : استحباب الدعاء في حقّ الحجّة علیه السلام ، ومسألة تعجیل فرجه بعد صلاة الظهر .
ص: 16
الثاني: استحباب رفع اليدين حال الدعاء علیه السلام .
الثالث : استحباب الإستشفاع بهم، والمسألة بحقّهم، قبل طلب الحاجة .
الرابع : استحباب تقديم التحميد والثناء على اللّه عزّ وجلّ.
الخامس: استحباب تقديم الصلاة على محمّد وآله علیهم السلام على طلب الحاجة
السادس : تطهير النفس من الذنوب بالإستغفار ونحوه، ليكون نقيّاً مستعدّاً للإجابة ، يدلّ على ذلك طلبه المغفرة، وفكاك الرقبة من النار .
وأمّا توجيه طلبهم علیهم السلام ذلك، مع أنّهم مطهّرون معصومون إجماعاً، وعقلاً ونقلاً ، فقد قيل فيه وجوه ليس هنا محلّ ذكرها .(1)
السابع : أنّ المراد بالوليّ المطلق في ألسنتهم ودعواتهم هو مولانا صاحب الزمان علیه السلام ، وقد مرّ في الباب الخامس ما يدلّ عليه، ويأتي ما يدلّ عليه أيضاً.
الثامن : استحباب الدعاء في حقّ أصحابه وأنصاره.
التاسع : كون الإمام شاهداً على أعمال العباد، مبصراً لهم ولافعالهم، في كلّ حال، يدلّ عليه قوله : وعينك في عبادك ، وقد مرّ ما يدلّ عليه أيضاً.
العاشر : أن من ألقاب مولانا الحجّة علیه السلام : نور آل محمّد،
وقد ورد في الروايات ما يشهد لذلك، وقد ذكر المحقّق النوري (رحمة اللّه علیه) بعضها في كتابه المسمّى بالنجم الثاقب (2).
الحادي عشر: كونه أفضل من سائر الأئمّة علیهم السلام بعد أمير المؤمنین، والحسنین صلوات اللّه عليهم أجمعين، ويؤيّده بعض الروايات أيضاً.(3)
الثاني عشر : أنّ اللّه عزّ اسمه قد ادّخره واخّره للإنتقام من أعدائه واعداء رسوله، والروايات بذلك متواترة.
الثالث عشر: أنّ زمان ظهوره من الأمور الخفيّة الّتي اقتضت المصلحة
ص: 17
الإلهيّة إخفاءَها، وقد تواترت الروايات في ذلك أيضاً.
الرابع عشر : أنّ تلك العلامات المذكورة ليست من العلائم المحتومة، لقوله علیه السلام في آخر الكلام ويفعل اللّه ما يشاء.
ومن الأوقات المؤكّدة لذلك بالخصوص بعد صلاة العصر ويدلّ على ذلك :
1053- ما روي في فلاح السائل للسيّد الأجلّ عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) قال :
ومن المهمّات بعد صلاة العصر الإقتداء بمولانا موسی بن جعفر الكاظم علیه السلام في الدعاء لمولانا المهدي صلوات اللّه عليه كما رواه محمّد بن بشير الأزدي عن أحمد بن عمر الكاتب، عن الحسن بن محمّد بن جمهور العمّي، عن أبيه محمّد ابن جمهور، عن يحيى بن الفضل النوفلي، قال:
دخلت على أبي الحسن موسی بن جعفر علیه السلام ببغداد، حين فرغ من صلاة العصر فرفع يديه إلى السماء، وسمعته يقول:
«أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ، وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ، وَأَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، اِلَيْكَ زِيَادَةُ الْأَشْيَاءِ وَنُقْصَانُهَا، وَأَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ خَلَقْتَ الْخَلْقَ بِغَيْرِ مَعُونَةٍ مِن غَيرِكَ، وَلَاحَاجَةٍ إِلَيْهِمْ ، أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، مِنكَ الْمَشِيَّةُ، وَإِلَيْكَ الْبَدْءُ، أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ قَبْلَ الْقَبْلِ وَخَالِقُ الْقَبْلِ، أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ بَعْدَ البَعْدِ وَخَالِقُ البَعْدِ، أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ وَعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ، أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، غَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ وَوَارِثُهُ، أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، لَايَعْزُبُ عَنْكَ الدَّقيقُ وَلَاالْجَلِيلُ، أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، لَاتَخْفَى عَلَيْكَ اللُّغَاتُ، وَلَا تَتَشَابَهُ عَلَيْكَ الْأَصْواتُ، كُلُّ يَوْمٍ أَنْتَ فِي شَأْنٍ، لَا يَشْغَلُكَ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ، عَالِمُ الْغَيْبِ وَأَخْفَي، دَيَّانُ يَوْمِ الدِّينِ، مُدَبِّرُ الْأُمُورِ، بَاعِثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، مُحْيِ الْعِظَامِ وَهِيَ رَمِيمٌ
ص: 18
اَسْئَلُكَ بِاسْمِكَ الْمَكْنُونِ الْمَخْزُونِ الْحَيِّ الْقَيُّومِ، الَّذِي لَايَخِيبُ مِنْ سَأَلَكَ بِهِ: أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تُعَجِّلَ فَرَجَ الْمُنْتَقِمِ لَكَ مِنْ أَعْدَائِكَ، وَأَنْجِزْ لَهُ مَا وَعَدْتَهُ، يَاذَا الْجَلَالِ وَالْاِكْرَامِ».(1)
قال : قلت : من المدعوّ له؟ قال علیه السلام : ذاك المهديّ من آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم .
ثمّ قال علیه السلام : بأبي المنتدح البطن، المقرون الحاجبين، أحمش الساقين ، بعيد ما بين المنكبين، أسمر اللون، يعتاره مع سمرته صفرة من سهر الليل،
بأبي من ليله يرعى النجوم ساجداً وراكعاً،
بأبي من لايأخذه في اللّه لومة لائم، مصباح الدجی، بأبي القائم بأمر اللّه .
قلت : متى خروجه؟ قال : إذا رأيت العساكر بالأنبار على شاطئ الفرات والصراة، ودجلة، وهدم قنطرة الكوفة، وإحراق بعض بيوتات الكوفة، فإذا رأيت ذلك فإنّ اللّه يفعل ما يشاء، لا غالب لأمر اللّه، ولا معقّب لحكمه . (2)
ومنها : بعد صلاة الصبح ويدلّ على ذلك مضافاً إلى ما مرّ بعد صلاة الظهر :
1054- ما رواه المجلسيّ (رحمة اللّه علیه) في المقباس في تعقيب صلاة الصبح :
أن يقول مائة مرة قبل أن يتكلّم: يَارَبِّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَعَجِّلْ فَرَجَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ أَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ.6، وأخرجه في البحار : 86/ 133 ح10 (نحوه)، وذكره في تعقيبات العامّة : ج 45/86 س9.
وتقول: سبع مرّات وأنت آخذ بلحيتك بيدك اليمنى، ويدك اليسرى مبسوطة باطنها فيما يلي السماء : یا ربّ محمّد وآل محمّد صلّ على محمّد وآل محمّد، وعجّل فرج آل محمّد، وسبع مرّات مثل ذلك : یا ربّ محمّد و آل محمّد صلّ على محمّد وآل محمّد أعتق رقبتي من النار .
ومنها : بعد كل ركعتين من صلاة الليل، ويشهد لذلك وروده بالخصوص في الدعاء المأثور، الّذي ذكره علماؤنا رحمهم اللّه تعالى، في عدّةٍ من الكتب
ص: 19
المعتبرة.
1055- وقد ذكره بعض الاصحاب في الأدعية الواردة بعد الركعتين الأوليين من صلاة الليل وهو هذا: -
اَللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَ لَمْ يُسْأَلْ مِثْلُكَ، أَنْتَ مَوْضِعُ مَسْأَلَهِ اَلسَّائِلِينَ، وَ مُنْتَهَی رَغْبَهِ اَلرَّاغِبِينَ، أَدْعُوكَ وَ لَمْ يُدْعَ مِثْلُكَ، وَ أَرْغَبُ إِلَيْكَ وَ لَمْ يُرْغَبْ إِلَی مِثْلِكَ، أَنْتَ مُجِيبُ دَعْوَةِ اَلْمُضْطَرِّينَ وَ أَرْحَمُ اَلرَّاحِمِینَ
أَسْأَلُكَ بِأَفْضَلِ الْمَسَائِلِ وَ أَنْجَحِهَا وَاَعْظَمِهَا يَا اللَّهُ يَا رَحْمَانُ يَا رَحِيمُ، وَ بِأَسْمَائِكَ الْحُسْنَى، وَ أَمْثَالِكَ الْعُلْيَا، وَ نِعْمَتِكَ الَّتِي لَا تُحْصَى، وَ بِأَكْرَمِ أَسْمَائِكَ عَلَيْكَ، وَ أَحَبِّهَا إِلَيْكَ، وَ أَشْرَفِهَا عِنْدَكَ مَنْزِلَةً، وَ أَجْزَلِهَا لَدَيْكَ ثَوَاباً وَ أَسْرَعِهَا فِي الأُمُورِ إِجَابَةً
وَ بِاسْمِكَ الْمَكْنُونِ الْأَكْبَرِ ، الأثر الْأَجَلِّ الْأَعْظَمِ الْأَكْرَمِ، الَّذِي تُحِبُّهُ وَ تَهْوَاهُ وَ تَرْضَى بِهِ عَمَّنْ دَعَاكَ بِهِ، فَاسْتَجَبْتَ لَهُ دُعَاءَهُ، وَ حَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَحْرِمَ سَائِلَكَ وَ أَسْأَلُكَ، بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ فِي التَّوْرَاةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الزَّبُورِ، وَالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَبِكُلِّ اِسْمٍ دَعَاكَ بِهِ حَمَلَةُ عَرشِكَ، وَمَلَائِكَتُكَ وَاَنْبِيَاؤُكَ وَرُسُلُكَ، وَأَهْلُ طَاعَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تُعَجِّلَ فَرَجَ وَلِيِّكَ وَابْنِ وَلِيِّكَ ، وَتُعَجِّلَ خِزْيَ اَعْدَائِهِ.(1)
أقول: وجدت في كتاب جمال الصالحين زيادة في هذا الدعاء، وهي هذه وَتَجْعَلَنَا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَاَنْصَارِهِ، وَتَرْزُقَنَا بِهِ رَجَائَنَا، وَتَسْتَجِیبَ بِهِ دُعَائَنَا.(2)
ومنها: في قنوت الصلوات. ويشهد لذلك دعاؤهم علیهم السلام لهذا الأمر في جملة من القنوتات المأثورة عنهم، ونحن نذكر منها ما وصل إلينا واللّه الموفّق :
ص: 20
1056- أحدها: ما ذكره السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في مهج الدعوات في حديث تركنا ذكره في هذا الكتاب، حذراً عن الإطناب، عن مولانا زین العابدین علیه السلام :
اللَّهُمَّ إِنَّ جِبِلَّةَ الْبَشَرِیَّةِ، وَ طِبَاعَ الْإِنْسَانِیَّةِ، وَ مَا جَرَتْ عَلَیْهِ تَرْكِیبَاتُ النَّفْسِیَّةِ، وَ انْعَقَدَتْ بِهِ عُقُودُ النَّشْئِیَّةِ، تَعْجِزُ عَنْ حَمْلِ وَارِدَاتِ الْأَقْضِیَةِ، إِلَّا مَا وَفَّقْتَ لَهُ أَهْلَ الِاصْطِفَاءِ، وَ أَعَنْتَ عَلَیْهِ ذَوِی الِاجْتِبَاءِ
اَللَّهُمَّ وَاِنَّ الْقُلُوبَ فِي قَبْضَتِكَ، وَالْمَشِيَّةَ لَكَ فِي مُلْكِكَ، وَ قَدْ تَعْلَمُ اَيْ رَبِّ مَا الرَّغْبَةُ اِلَيْكَ فِي كَشْفِهِ وَاقِعَةٌ لِاَوْقَاتِهَا بِقُدْرَتِكَ، وَاقِفَةٌ بَحَدِّكَ مَنْ اِرَادَتِكَ وَاِنِّي لَأَعْلَمُ اَنَّ لَكَ دَارَ جَزَاءٍ مِنَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ، مَثُوبَةً وَعُقُوبَةً، وَأَنَّ لَكَ يَوْماً تَأْخُذُ
فِيهِ بِالْحَقِّ، وَأَنَّ اَنَاتَكَ اَشْبَهُ الْأَشْيَاءِ بِكَرَمِكَ، وَاَلْيَقُهَا بِمَا وَصَفْتَ بِهِ نَفْسَكَ فِي عَطْفِكَ وَتَرَؤُّفِكَ، وَاَنْتَ بِالْمِرصَادِ لِكُلِّ ظَالِمٍ فِي وَخِیمِ عُقبَاهُ، وَسُوءِ مَثْوَاهُ
اَللَّهُمَّ وَاِنَّكَ قَدْ أَوْسَعْتَ خَلْقَكَ رَحْمَةً وَ حِلْماً، وَقَدْ بُدِّلَتْ أَحْكَامُكَ، وَغُيِّرَتْ سُنَنُ نَبِيِّكَ صلی اللّه علیه وآله وسلم، وَتَمَرَّدَ الظَّالِمُونَ عَلَى خُلَصَائِكَ، وَاسْتَبَاحُوا حَرِیمَكَ وَرَكِبُوا مَرَاكِبَ الإِستِمْرَارِ عَلَى الْجُرْاَةِ عَلَيْكَ
اَللَّهُمَّ فَبَادِرْ هُمْ بِقَوَاصِفِ سَخَطِكَ، وَعوَاصِفِ تَنْكِيلَاتِكَ وَاجْتِثَاثِ غَضَبِكَ، وَطَهِّرِ الْبِلَادِ مِنْهُمْ، وَاعْفُ عَنْهَا آثَارَهُمْ، وَاحْطُطْ مِنْ قَاعَاتِهَا وَمَظَانِّهَا مَنَارَهُمْ، وَاصْطَلِمْهُمْ بِبَوَارِكَ حَتَّى لَاتُبْقِي مِنْهُمْ دِعَامَةً لِنَاجِمٍ، وَلَاعَلَماً لِآمٍّ، وَلَا مَنَاصاً لِقَاصِدٍ وَلَا رَائِداً لِمُرْتَادٍ
اَللَّهُمَّ امْحُ آثَارَهُمْ، وَاطْمِسْ عَلَى أَمْوالِهِمْ وَدِيَارِهِمْ ، وَامْحَقْ أَعْقَابَهُمْ وَافْكِكْ أَصْلَابِهُمْ، وَعَجِّلْ إِلَى عَذَابِكَ السَّرْمَدِ انْقِلَابِهُمْ، وَأَقِمْ لِلْحَقِّ مَنَاصِبَهُ، وَاقْدَحْ لِلرَّشَادِ زِنَادَهُ، وَاَثِرْ لِلثَّارِ مُثِيرَهُ، وَاَيِّدْ بَالْعَوْنِ مُرْتَادَهُ ، وَوَفِّر مِنَ النَّصْرِ
ص: 21
زَادَهُ، حَتَّى يَعُودَ الْحَقُّ بِحِدَّتِهِ ، وَيُنِيرَ مَعَالِمَ مَقَاصِدِهِ، وَيَسْلُكَهُ أَهْلُهُ بِالْأَمْنَةِ حَقَّ سُلُوكِهِ ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1).
أقول : غير خفّي على المتتبّع البصير العارف المستأنس بكلمات الائمّة الأطهار أنّ هذا دعاء لظهور مولانا الغائب عن الأبصار، وطلب فرجه من خالق الليل والنهار، وفيه قرائن عديدة قطعيّة يعرفها أهل الإعتبار .
فإن قلت: إنّ المراد بمن يثير الثار لعلّه المختار .
قلت : لا ريب في أنّ المراد به هو صاحب الدار، ويدلّ على ذلك عدّة من الأدعية والأخبار، وسيأتي ذكره في القنوت المرويّ عنه عجل اللّه تعالی فرجه .
1057 - الثاني : القنوت المرويّ في الحديث المذكور عن مولانا أبي جعفر الباقر علیه السلام وهو هذا:
يَا مَنْ يَعْلَمُ هَوَاجِسَ السَّرَائِرِ، وَمَكَامِنَ الضَّمَائِرِ، وَحَقَائِقَ الْخَوَاطِرِ، یَا مَنْ هُوَ لَكُلِّ غَيْبٍ حَاضِرٌ، وَلِكُلِّ مَنْسيٍّ ذَاكِرٌ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَادِرٌ، وَإِلَى الْكُلِّ نَاظِرٌ، بَعُدَ الْمَهَلُ، وَقَرُبَ الْاَجَلُ، وَضَعُفَ العَمَلُ، وَأَرْاَبَ (2) الْاَمَلُ، وَانَ الْمُنْتَقَلُ، وَأَنْتَ يَا اَللَّهُ الْآخِرُ كَمَا أَنْتَ الْأَوَّلُ، مُبِیدُ مَا أَنْشَأْتَ، وَمُصَيِّرُهُمْ إِلَى البِلَى، وَ مُقَلِّدُهُمْ أَعْمَالَهُمْ، وَمُحَمِّلُهَا ظُهُورَهُمْ إِلَى وَقْتِ نُشُورِهِمْ مِنْ بَعْثَةِ قُبُورِهِمْ، عِنْدَ نَفْخَةِ الصُّورِ وَانْشِقَاقِ السَّمَاءِ بِالنُّورِ، وَالْخُرُوجِ بِالْمَنْشَرِ إِلَى سَاحَةِ الْمَحْشَرِ، لَاتَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ أَبْصَارُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ، مُتَرَاطِمِينَ فِي غُمَّةٍ مِمَّا اَسْلَفُوا، وَمُطَالَبينَ بِمَا احْتَقَبُوا وَ مُحَاسَبِينَ هُنَاكَ عَلَى مَا ارْتَكَبُوا.
الصَّحَائِفُ فِي الْأَعْناقِ مَنْشُورَةٌ، وَالْأَوزَارُ عَلَى الظُّهُورِ مَأْزُورَةٌ، لَا انْفِكَاكَ وَلاَمَنَاصَ وَلَا مَحِيصَ عَنِ الْقِصَاصِ، قَدْ أَفْحَمَتْهُمُ الْحُجَّةُ، وَحَلُّوا فِي حَيْرَةِ
ص: 22
الْمَحَجَّةِ، وَهَمْسِ الضَّجَّةِ، مَعْدُولٌ بِهِم عَنِ الْمَحَجَّةِ إِلَّا مَنْ سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنَی، فَنَجَا مِنْ هَوْلِ الْمَشْهَدِ وَعَظِيمِ الْمَوْرِدِ، وَلَم يَكُنْ مِمَّنْ فِي الدُّنْيَا تَمَرَّدَ، وَلَا عَلَى أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَنَّدَ، وَلَهُمُ اسْتعْبَدَ، وَ عَنْهُمْ بِحُقُوقِهِمْ تَفَرَّدَ
اَللَّهُمَّ فَاِنَّ الْقُلُوبَ قَدْ بَلَغَتِ الْحَنَاجِرَ، وَالنُّفُوسَ قَدْ عَلَي التَّرَاقِيَ، وَالأَعْمَارَ قَدْ نَفَدَتْ بِالْاِنْتِظَارِ، لَا عَنْ نَقْصِ اسْتِبْصَارٍ، وَلَا عَنِ اتِّهَامِ مِقْدَارٍ، وَلَكِنْ لِمَا تُعَانِي مِنْ رُكُوبِ مَعَاصِيكَ، وَالْخِلَافِ عَلَيْكَ فِي أَوَامِرِكَ وَنَوَاهِيكَ، وَالتَّلَعُبَ بَأَوْلِيَائِكَ، وَمُظَاهَرَةِ أَعْدَائِكَ، اَللَّهُمَّ فَقَرِّبْ مَا قَدْ قَرُبَ، وَأَوْرِدْ مَا قَدْ دَنَی، وَحَقِّقْ ظُنُونَ المُوقِنِینَ، وَبَلِّغِ المُؤْمِنِينَ تَأْمِيلَهُم، مِنْ إِقَامَةِ
حَقِّكَ، وَنَصْرِ دِینِكَ، وَإِظْهَارِ حُجَّتِكَ، وَالْاِنْتِقَامِ مِنْ اَعْدَائِكَ(1).
1058 - الثالث : القنوت المرويّ في الحديث الّذي أشرنا إليه، عن مولانا أبي جعفر محمّد بن عليّ الجواد صلوات اللّه عليه وعلى آبائه وأولاده الأمجاد :
اَللَّهُمَّ مَنَائِحُكَ مُتَتَابِعَةٌ، وَأَيَادِيكَ مُتَوالِيَةٌ، وَنِعَمُكَ سَابِغَةٌ، وَشُكْرُنَا قَصِيرٌ، وَحَمْدُنَا یَسِیرُ، وَاَنْتَ بِالتَّعَطُّفِ عَلَى مَن اعْتَرَفَ جَدِیرٌ
اَللَّهُمَّ وَقَدْ غَصَّ أَهْلُ الْحَقِّ بِالرِّيقِ، وَارْتَبَكَ أَهْلُ الصِّدْقِ فِي الْمَضِيقِ، وَأَنْتَ اللَّهُمَّ بِعِبَادِكَ وَذَوِى الرَّغْبَةِ إِلَيْكَ شَفِيقٌ، وِبِإِجَابَةِ دُعَائِهِمْ وَتَعْجِيلِ الْفَرَجِ عَنْهُمْ حَقِيقٌ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَبَادِرْنَا مِنْكَ بِالْعَوْنِ الَّذِي لَا خِذْلَانَ بَعدَهُ، وَالنَّصْرِ الَّذِي لَا بَاطِلَ يَتَكَأَّدُهُ، وَأَتِحْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ مَتَاحاً فَيَّاحاً يَأْمَنُ فِيهِ وَلِيُّكَ، وَيَخِيبُ فِيهِ عَدُوُّكَ، وَتُقَامُ فِيهِ مَعَالِمُكَ، وَتَظْهَرُ فِيهِ اَوَامِرُكَ، وَتَنْكَفُّ فِيهِ عَوَادِي عِدَاتِكَ.
اَللَّهُمَّ بَادِرْنَا مِنْكَ بِدَارِ الرَّحْمَةِ، وَبَادِرْ أَعْدَاءَكَ مِنْ بَأْسِكَ بِدَارِ النَّقِمَةِ
ص: 23
اَللَّهُمَّ أَعِنَّا وَأَغِثْنَا، وَارْفَعْ نَقِمَتَكَ عَنَّا، وَأَحِلَّهَا بِالْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.(1)
أقول: إنّ الشاهد على ما ذكرناه من كون هذا الدعاء دعاء بتعجیل فرج مولانا صاحب الزمان ، صلوات اللّه عليه وآله، أنّ الأمور المذكورة لا تصير میسورة بمقتضی الأخبار الماثورة إلّا بظهوره، وتجلّي نوره، فبه ترفع التقيّة، ويأمن الأولياء، ويخيب الأعداء، وتقام معالم دين اللّه، وتظهر أوامره.
1059 - الرابع : قنوت آخر مروي عنه علیه السلام في الحديث المشار إليه، وهو مشتمل على الدعاء لمنتظري ظهور صاحب الامر عجّل اللّه تعالی فرجه وظهوره وأوليائه ، والدّاعين له علیه السلام ، وهو هذا:
اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ بِلَا أَوَّلِیَّةٍ مَعْدُودَةٍ وَ الْآخِرُ بِلَا آخِرِیَّةٍ مَحْدُودَةٍ، أَنْشَأْتَنَا لَا لِعِلَّةٍ اقْتِسَاراً، وَ اخْتَرَعْتَنَا لَا لِحَاجَةٍ اقْتِدَاراً، وَ ابْتَدَعْتَنَا بِحِكْمَتِكَ اخْتِیَاراً، وَ بَلَوْتَنَا بِأَمْرِكَ وَ نَهْیِكَ اخْتِبَاراً، وَ أَیَّدْتَنَا بِالْآلَاتِ، وَ مَنَحْتَنَا بِالْأَدَوَاتِ، وَ كَفَلْتَنَا الطَّاقَةَ، وَ جَشَمْتَنَا الطَّاعَةَ، فَأَمَرْتَ تَخْیِیراً، وَ نَهَیْتَ تَحْذِیراً، وَ خَوَّلْتَ كَثِیراً، وَ سَأَلْتَ یَسِیراً، فَعُصِيَ أَمْرُكَ فَحَلَمْتَ، وَ جُهِلَ قَدْرُكَ فَتَكَرَّمْتَ، فَأَنْتَ رَبُّ الْعِزَّةِ وَ الْبَهَاءِ، وَ الْعَظَمَةِ وَ الْكِبْرِیَاءِ، وَ الْإِحْسَانِ وَ النَّعْمَاءِ، وَ الْمَنِّ وَ الْآلَاءِ، وَ الْمِنَحِ وَ الْعَطَاءِ، وَ الْإِنْجَازِ وَ الْوَفَاءِ، لَا تُحِيطُ الْقُلُوبُ لَكَ بِكُنْهٍ، وَ لَا تُدْرِكُ الْأَوْهَامُ لَكَ صِفَةً، وَ لَا یُشْبِهُكَ شَيْ ءٌ مِنْ خَلْقِكَ، وَ لَا یُمَثَّلُ بِكَ شَيْ ءٌ مِنْ صَنْعَتِكَ، تَبَارَكْتَ أَنْ تُحَسَّ أَوْ تُمَسَّ، أَوْ تُدْرِكَكَ الْحَوَاسُّ الْخَمْسُ، وَ أَنَّی یُدْرِكُ مَخْلُوقٌ خَالِقَهُ، وَ تَعَالَیْتَ یَا إِلَهِی عَمَّا یَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوّاً كَبِیراً.
اللَّهُمَّ أَدِلْ (2) لِأَوْلِیَائِكَ مِنْ أَعْدَائِكِ الظَّالِمِینَ الْبَاغِینَ النَّاكِثِینَ الْقَاسِطِینَ
ص: 24
الْمَارِقِینَ الَّذِینَ أَضَلُّوا عِبَادَكَ وَ حَرَّفُوا كِتَابَكَ وَ بَدَّلُوا أَحْكَامَكَ وَ جَحَدُوا حَقَّكَ وَ جَلَسُوا مَجَالِسَ أَوْلِیَائِكَ جُرْأَةً مِنْهُمْ عَلَیْكَ وَ ظُلْماً مِنْهُمْ لِأَهْلِ بَیْتِ نَبِیِّكَ عَلَیْهِمْ سَلَامُكَ وَ صَلَوَاتُكَ وَ رَحْمَتُكَ وَ بَرَكَاتُكَ فَضَلُّوا وَ أَضَلُّوا خَلْقَكَ وَ هَتَكُوا حِجَابَ سِرِّكَ عَنْ عِبَادِكَ وَ اتَّخَذُوا اللَّهُمَّ مَالَكَ دُوَلًا وَ عِبَادَكَ خَوَلًا وَ تَرَكُوا اللَّهُمَّ عَالِمَ أَرْضِكَ فِی بَكْمَاءَ عَمْیَاءَ ظَلْمَاءَ مُدْلَهِمَّةً فَأَعْیُنُهُمْ مَفْتُوحَةٌ وَ قُلُوبُهُمْ عَمِیَّةٌ وَ لَمْ تَبْقَ لَهُمُ اللَّهُمَّ عَلَیْكَ مِنْ حُجَّةٍ لَقَدْ حَذَّرْتَ اللَّهُمَّ عَذَابَكَ وَ بَیَّنْتَ نَكَالَكَ وَ وَعَدْتَ الْمُطِیعِینَ إِحْسَانَكَ وَ قَدَّمْتَ إِلَیْهِمْ بِالنُّذُرِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ وَ أَیَّدْتَ اللَّهُمَّ الَّذِینَ آمَنُوا عَلَی عَدُوِّكَ وَ عَدُوِّ أَوْلِیَائِكَ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِینَ وَ إِلَی الْحَقِّ دَاعِینَ وَ لِلْإِمَامِ الْمُنْتَظَرِ الْقَائِمِ بِالْقِسْطِ تَابِعِینَ وَ جَدِّدِ اللَّهُمَّ عَلَی أَعْدَائِكَ وَ أَعْدَائِهِمْ نَارَكَ وَ عَذَابَكَ الَّذِی لَا تَدْفَعُهُ عَنِ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ قَوِّ ضَعْفَ الْمُخْلِصِینَ لَكَ بِالْمَحَبَّةِ الْمُشَایِعِینَ لَنَا بِالْمُوَالاةِ الْمُتَّبِعِینَ لَنَا بِالتَّصْدِیقِ وَ الْعَمَلِ الْمُؤَازِرِینَ لَنَا بِالْمُوَاسَاةِ فِینَا الْمُحْیِینَ ذِكْرَنَا عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمْ
وَ شَدِّدِ اللَّهُمَّ رُكْنَهُمْ وَ سَدِّدْ لَهُمُ اللَّهُمَّ دِینَهُمُ الَّذِی ارْتَضَیْتَهُ لَهُمْ وَ أَتْمِمْ عَلَیْهِمْ نِعْمَتَكَ وَ خَلِّصْهُمْ وَ اسْتَخْلِصْهُمْ وَ سُدَّ اللَّهُمَّ فَقْرَهُمْ وَ الْمُمِ اللَّهُمَّ شَعَثَ فَاقَتِهِمْ وَ اغْفِرِ اللَّهُمَّ ذُنُوبَهُمْ وَ خَطَایَاهُمْ وَ لَا تُزِغْ قُلُوبُهُمْ بَعْدَ إِذْ هَدَیْتَهُمْ وَ لَا تُخَلِّهِمْ أَیْ رَبِّ بِمَعْصِیَتِهِمْ وَ احْفَظْ لَهُمْ مَا مَنَحْتَهُمْ بِهِ مِنَ الطَّهَارَةِ بِوَلَایَةِ أَوْلِیَائِكَ وَ الْبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِكَ إِنَّكَ سَمِیعٌ مُجِیبٌ وَ صَلَّی اللَّهُ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّاهِرِینَ أَجْمَعِینَ.(1)
ص: 25
1060 - الخامس : قنوت مولانا أبي الحسن عليّ بن محمّد الهادي، المروي في الحديث المذكور وهو هذا:
یَا مَنْ تَفَرَّدَ بِالرُّبُوبِیَّةِ، وَ تَوَحَّدَ بِالْوَحْدَانِیَّةِ، یَا مَنْ أَضَاءَ بِاسْمِهِ النَّهَارُ وَ أَشْرَقَتْ بِهِ الْأَنْوَارُ، وَ أَظْلَمَ بِأَمْرِهِ حِنْدِسُ اللَّیْلِ، وَ هَطَلَ بِغَیْثِهِ وَابِلُ السَّیْلِ، یَا مَنْ دَعَاهُ الْمُضْطَرُّونَ فَأَجَابَهُمْ، وَ لَجَأَ إِلَیْهِ الْخَائِفُونَ فَآمَنَهُمْ، وَ عَبَدَهُ الطَّائِعُونَ فَشَكَرَهُمْ، وَ حَمِدَهُ الشَّاكِرُونَ فَأَثَابَهُمْ، مَا أَجَلَّ شَأْنَكَ، وَ أَعْلَی سُلْطَانَكَ، وَ أَنْفَذَ أَحْكَامَكَ، أَنْتَ الْخَالِقُ بِغَیْرِ تَكَلُّفٍ، وَ الْقَاضِی بِغَیْرِ تَحَیُّفٍ، حُجَّتُكَ الْبَالِغَةُ، وَ كَلِمَةُ الدَّامِغَةُ، بِكَ اعْتَصَمْتُ وَ تَعَوَّذْتُ مِنْ نَفَثَاتِ الْعَنَدَةِ، وَ رَصَدَاتِ
الْمُلْحِدَةِ الَّذِینَ أَلْحَدُوا فِي أَسْمَائِكَ، وَ رَصَدُوا بِالْمَكَارِهِ لِأَوْلِیَائِكَ، وَ أَعَانُوا عَلَی قَتْلِ أَنْبِیَائِكَ وَ أَصْفِیَائِكَ، وَ قَصَدُوا لِإِطْفَاءِ نُورِكَ بِإِذَاعَةِ سِرِّكَ، وَ كَذَّبُوا رُسُلَكَ، وَ صَدُّوا عَنْ آیَاتِكَ، وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِكَ وَ دُونِ رَسُولِكَ وَ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ وَلِیجَةً رَغْبَةً عَنْكَ، وَ عَبَدُوا طَوَاغِیتَهُمْ وَ جَوَابِیتَهُمْ بَدَلًا مِنْكَ، فَمَنَنْتَ عَلَی أَوْلِیَائِكَ بِعَظِیمِ نَعْمَائِكَ، وَ جُدْتَ عَلَیْهِمْ بِكَرِیمِ آلَائِكَ، وَ أَتْمَمْتَ لَهُمْ مَا أَوْلَیْتَهُمْ بِحُسْنِ جَزَائِكَ، حِفْظاً لَهُمْ مِنْ مُعَانَدَةِ الرُّسُلِ وَ ضَلَالِ السُّبُلِ، وَ صَدَقَتْ لَهُمْ بِالْعُهُودِ أَلْسِنَةُ الْإِجَابَةِ، وَ خَشَعَتْ لَكَ بِالْعُقُودِ قُلُوبُ الْإِنَابَةِ
أَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ الَّذِي خَشَعَتْ لَهُ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرْضُ وَ أَحْیَیْتَ بِهِ مَوَاتَ الْأَشْیَاءِ وَ أَمَتَّ بِهِ جَمِیعَ الْأَحْیَاءِ وَ جَمَعْتَ بِهِ كُلَّ مُتَفَرِّقٍ وَ فَرَّقْتَ بِهِ كُلَّ مُجْتَمِعٍ وَ أَتْمَمْتَ بِهِ الْكَلِمَاتِ وَ رَأَیْتَ بِهِ كُبْرَی الْآیَاتِ وَ تُبْتَ بِهِ عَلَی التَّوَّابِینَ وَ أَخْسَرْتَ بِهِ عَمَلَ الْمُفْسِدِینَ فَجَعَلْتَ عَمَلَهُمْ هَبَاءً مَنْثُوراً وَ تَبَّرْتَهُمْ تَتْبِیراً أَنْ تُصَلِّیَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَنْ تَجْعَلَ شِیعَتِي مِنَ
ص: 26
الَّذِینَ حُمِّلُوا فَصَدَّقُوا وَ اسْتُنْطِقُوا فَنَطَقُوا آمِنِينَ مَأْمُونِينَ.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ لَهُمْ تَوْفِیقَ أَهْلِ الْهُدَی، وَ أَعْمَالَ أَهْلِ الْیَقِینِ وَ مُنَاصَحَةَ أَهْلِ التَّوْبَةِ، وَ عَزْمَ أَهْلِ الصَّبْرِ، وَ تَقِیَّةَ أَهْلِ الْوَرَعِ، وَ كِتْمَانَ الصِّدِّیقِینَ حَتَّی یَخَافُوكَ -اللَّهُمَّ - مَخَافَةً تَحْجِزُهُمْ عَنْ مَعَاصِیكَ، وَ حَتَّی یَعْمَلُوا بِطَاعَتِكَ لِیَنَالُوا كَرَامَتَكَ، وَ حَتَّی یُنَاصِحُوا لَكَ وَ فِیكَ خَوْفاً مِنْكَ، وَ حَتَّی یُخْلِصُوا لَكَ النَّصِیحَةَ فِی التَّوْبَةِ حُبّاً لَكَ، فَتُوجِبَ لَهُمْ مَحَبَّتَكَ الَّتِی أَوْجَبْتَهَا لِلتَّوَّابِینَ، وَ حَتَّی یَتَوَكَّلُوا عَلَیْكَ فِی أُمُورِهِمْ كُلِّهَا حُسْنَ ظَنٍّ بِكَ، وَ حَتَّی یُفَوِّضُوا إِلَیْكَ أُمُورَهُمْ ثِقَةً بِكَ اللَّهُمَّ لَا تُنَالُ طَاعَتُكَ إِلَّا بِتَوْفِیقِكَ، وَ لَا تُنَالُ دَرَجَةٌ مِنْ دَرَجَاتِ الْخَیْرِ إِلَّا بِكَ، اللَّهُمَّ یَا مَالِكَ یَوْمِ الدِّینِ، الْعَالِمَ بِخَفَایَا صُدُورِ الْعَالَمِینَ، طَهِّرِ الْأَرْضَ مِنْ نَجَسِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَ أَخْرِسِ الْخَرَّاصِینَ عَنْ تَقَوُّلِهِمْ عَلَی رَسُولِكَ الْإِفْكَ، اللَّهُمَّ اقْصِمِ الْجَبَّارِینَ، وَ أَبِرِ الْمُفْتَرِینَ وَ أَبِدِ الْأَفَّاكِینَ، الَّذِینَ إِذَا تُتْلَی عَلَیْهِمْ آیَاتُ الرَّحْمَنِ قَالُوا أَسَاطِیرُ الْأَوَّلِینَ، وَ أَنْجِزْ لِی وَعْدَكَ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِیعادَ، وَ عَجِّلْ فَرَجَ كُلِّ طَالِبٍ مُرْتَادٍ إِنَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ لِلْعِبَادِ
وَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ لَبْسٍ مَلْبُوسٍ، وَ مِنْ كُلِّ قَلْبٍ عَنْ مَعْرِفَتِكَ مَحْبُوسٍ، وَ مِنْ نَفْسٍ تَكْفُرُ إِذَا أَصَابَهَا بُؤْسٍ، وَ مِنْ وَاصِفِ عَدْلٍ عَمَلُهُ عَنِ الْعَدْلِ مَعْكُوسٍ، وَ مِنْ طَالِبٍ لِلْحَقِّ وَ هُوَ عَنْ صِفَاتِ الْحَقِّ مَنْكُوسٍ، وَ مِنْ مُكْتَسِبِ إِثْمٍ بِإِثْمِهِ مَرْكُوسٍ، وَ مِنْ وَجْهٍ عِنْدَ تَتَابُعِ النِّعَمِ عَلَیْهِ عَبُوسٍ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَ مِنْ نَظِیرِهِ وَ أَشْكَالِهِ وَ أَمْثَالِهِ، إِنَّكَ عَلِیمٌ حَكِیمٌ(1).
ص: 27
السادس : قنوت مولانا أبي محمد الحسن العسكري علیه السلام، المرويّ في الحديث المذكور، وقد ذكره الشيخ الطوسي (رحمة اللّه علیه) فيما يستحبّ أن يزاد في قنوت الوتر، ويظهر من الرواية كونه من الدعوات المطلقة، الّتي لا تختصّ بوقت من
الأوقات، وحال من الحالات،
قال السيّد في مهج الدعوات: ودعا علیه السلام في قنوته، وأمر اهل قم بذلك لمّا شكوا من موسی بن بغا، إنتهى .(1)
وسنذكره في الباب الآتي إن شاء اللّه تعالی شانه .
1061- السابع: قنوت مولانا الحجّة، عجّل اللّه تعالی فرجه المروي في الحديث المذكور:
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَكْرِمْ أَوْلِیَاءَكَ بِإِنْجَازِ وَعْدِكَ، وَبَلِّغْهُمْ دَرْكَ مَا یَأْمُلُونَ مِنْ نَصْرِكَ، وَاكْفُفْ عَنْهُمْ بَأْسَ مَنْ نَصَبَ الْخِلَافَ عَلَیْكَ، وَتَمَرَّدَ بِمَنْعِكَ عَلَی رُكُوبِ مُخَالَفَتِكَ، وَاسْتَعَانَ بِرِفْدِكَ عَلَی فَلِّ حَدِّكَ، وَقَصَدَ لِكَیْدِكَ بِأَیْدِكَ، وَوَسِعْتَهُ حِلْماً لِتَأْخُذَهُ عَلَی جَهْرَةٍ، أَوْ تَسْتَأْصِلَهُ عَلَی غِرَّةٍ، فَإِنَّكَ اللَّهُمَّ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)
وَقُلْتَ: (فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ) وَاِنَّ الْغایَةَ عِنْدَنا قَدْ تَناهَتْ، وَاِنّا لِغَضَبِكَ غاضِبُونَ، وَاِنّا عَلَی نَصْرِ الْحَقِّ مُتَعاصِبُونَ، وَاِلی وُرُودِ اَمْرِكَ مُشْتاقُونَ، وَلِاِنْجازِ وَعْدِكَ مُرْتَقِبُونَ، وَلِحُلُولِ وَعیدِكَ بِاَعْدائِكَ مُتَوَقِّعُونَ
اَللّهُمَّ فَأْذَنْ بِذلِكَ، وَافْتَحْ طُرُقاتِه، وَسَهِّلْ خُرُوجَهُ، وَوَطِّئْ مَسالِكَهُ،
ص: 28
وَاشْرَعْ شَرایِعَهُ، وَاَیِّدْ جُنْدَهُ وَاَعْوانَهْ، وَبادِرْ بَأْسَكَ الْقَوْمَ الظّالِمینَ، وَابْسُطْ سَیْفَ نَقِمَتِكَ عَلَی اَعْدائِكَ الْمُعانِدینَ، وخُذْ بِالثّارِ اِنَّكَ جَوادٌ مَكّارٌ.(1)
1062 - الثامن: قنوت آخر مروي عنه علیه السلام في الحديث المشار إليه :
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) یا ماجِدُ یا جَوادُ، یا ذَا الْجَلالِ وَالْاِكْرامِ، یا بَطّاشُ، یاذَا الْبَطْشِ الشَّدیدِ، یا فَعّالاً لِما یُریدُ، یا ذَا الْقُوَّةِ الْمَتینِ، یارَؤُوفُ يا رَحیمُ، یا لَطیفُ، یا حَيُّ حینَ لا حَيَّ
اَللّهُمَّ اَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الْمَخْزُونِ الْمَكْنُونِ، الْحَيِّ الْقَیُّومِ، الَّذِي اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَیْبِ عِنْدَكَ، وَلَمْ یَطَّلِعْ عَلَیْهِ اَحَدٌ مِنْ خَلْقِكَ
وَاَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الَّذي تُصَوِّرُ بِه خَلْقَكَ فِي الْاَرْحامِ كَیْفَ تَشاءُ وَبِه تَسُوقُ اِلَیْهِمْ اَرْزاقَهُمْ في اَطْباقِ الظُّلُماتِ مِنْ بَیْنِ الْعُرُوقِ وَالْعِظامِ، وَاَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الَّذي اَلَّفْتَ بِه بَیْنَ قُلُوبِ اَوْلِیائِكَ، وَاَلَّفْتَ بَیْنَ الثَّلْجِ وَالنّارِ، لا هذا یُذیبُ هذا، وَلا هذا یُطْفِئُ هذا
وَاَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الَّذي كَوَّنْتَ بِه طَعْمَ الْمِیاهِ، وَاَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الَّذي اَجْرَیْتَ بِهِ الْماءَ في عُرُوقِ النَّباتِ بَیْنَ اَطْباقِ الثَّری، وَسُقْتَ الْماءَ اِلی عُرُوقِ الْاَشْجارِ بَیْنَ الصَّخْرَةِ الصَّمّاءِ وَاَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الَّذي كَوَّنْتَ بِه طَعْمَ الثِّمارِ وَاَلْوانَها
وَاَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الَّذي بِه تُبْدِئُ وَتُعیدُ، وَاَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الْفَرْدِ الْواحِدِ الْمُتَفَرِّدِ بِالْوَحْدانِیَّةِ، الْمُتَوَحِّدِ بِالصَّمَدانِیَّةِ، وَاَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الَّذي فَجَّرْتَ بِهِ الْماءَ مِنَ الصَّخْرَةِ الصَّمّاءِ، وَسُقْتَهُ مِنْ حَیْثُ شِئْتَ، وَاَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الَّذي
ص: 29
خَلَقْتَ بِه خَلْقَكَ، وَرَزَقْتَهُمْ كَیْفَ شِئْتَ، وَكَیْفَ شاؤُوا
یا مَنْ لا تُغَیِّرُهُ الْاَیّامُ وَاللَّیالی، اَدْعُوكَ بِما دَعاكَ بِه نُوحٌ حینَ ناداكَ فَاَنْجَیْتَهُ وَمَنْ مَعَهُ، وَاَهْلَكْتَ قَوْمَهُ، وَاَدْعُوكَ بِما دَعاكَ بِه اِبْراهیمُ خَلیلُكَ حینَ ناداكَ فَاَ نْجَیْتَهُ، وَجَعَلْتَ النّارَ عَلَیْهِ بَرْدا وسَلاما
وَاَدْعُوكَ بِما دَعاكَ بِه مُوسی كَلیمُكَ حینَ ناداكَ، فَفَلَقْتَ لَهُ الْبَحْرَ فَاَ نْجَیْتَهُ وَبَنی اِسْرائیلَ، وَاَغْرَقْتَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فِی الْیَمِّ
وَاَدْعُوكَ بِما دَعاكَ بِه عیسی رُوحُكَ حینَ ناداكَ، فَنَجَّیْتَهُ مِنْ اَعْدائِه، واِلَیْكَ رَفَعْتَهُ، وَاَدْعُوكَ بِما دَعاكَ بِه حَبیبُكَ وَصَفِیُّكَ وَنَبِیُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّی اللّه ُ عَلَیْهِ وَالِه، فَاسْتَجَبْتَ لَهُ، وَمِنَ الْاَحْزابِ نَجَّیْتَهُ، وَعَلَی اَعْدائِكَ نَصَرْتَهُ
وَاَسْاَ لُكَ بِاسْمِكَ الَّذی اِذا دُعیتَ بِه اَجَبْتَ ،یا مَنْ لَهُ الْخَلْقُ وَالْاَمْرُ یا مَنْ اَحاطَ بِكُلِّ شَیْءٍ عِلْما، وَاَحْصی كُلَّ شَیْءٍ عَدَدا یا مَنْ لا تُغَیِّرُهُ الْاَیّامُ وَاللَّیالی، وَلا تَتَشابَهُ عَلَیْهِ الْاَصْواتُ وَلا تَخْفی عَلَیْهِ اللُّغاتُ،وَلا یُبْرِمُهُ اِلْحاحُ الْمُلِحّینَ،
اَسْاَ لُكَ اَنْ تُصَلِّیَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَالِ مُحَمَّدٍ، خِیَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، فَصَلِّ عَلَیْهِمْ بِاَفْضَلِ صَلَواتِكَ وَصَلِّ عَلَی جَمیعِ النَّبِیّینَ وَالْمُرْسَلینَ، الَّذینَ بَلَّغُوا عَنْكَ الْهُدی وَعَقَدُوا لَكَ الْمَواثیقَ بِالطّاعَةِ، وَصَلِّ عَلَی عِبادِكَ الصّالِحینَ.
یا مَنْ لا یُخْلِفُ الْمیعادَ، اَنْجِزْ لی ما وَعَدْتَنی، وَاجْمَعْ لی اَصْحابی، وَ صَبِّرْهُمْ، وَانْصُرْنی عَلَی اَعْدائِكَ وَاَعْداءِ رَسُولِكَ، وَلا تُخَیِّبْ دَعْوَتی فَاِنّی عَبْدُكَ، اِبْنُ عَبْدِكَ، اِبْنُ اَمَتِكَ، اَسیرٌ بَیْنَ یَدَیْكَ، سَیِّدی اَ نْتَ الَّذی مَنَنْتَ عَلَیَّ بِهذَا الْمَقامِ، وَتَفَضَّلْتَ بِه عَلَیَّ دُونَ كَثیرٍ مِنْ خَلْقِكَ
اَسْاَلُكَ اَنْ تُصَلِّیَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَالِ مُحَمَّدٍ، وَاَنْ تُنْجِزَ لی ما وَعَدْتَني اِنَّكَ
ص: 30
اَنْتَ الصّادِقُ، وَلا تُخْلِفُ الْمیعادَ، وَاَ نْتَ عَلَی كُلِّ شَیْءٍ قَدیرٌ.(1)
1063 - التاسع: ما نقله صاحب المستدرك من كتاب الذكرى للشيخ الشهيد، قال :
واختار ابن أبي عقيل الدعاء بما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام في القنوت :
اللَّهُمَّ إِلَيْكَ شَخَصَتِ الْأَبْصَارُ، وَ نُقِلَتِ الْأَقْدَامُ، وَ رُفِعَتِ الْأَيْدِي، وَ مُدَّتِ الْأَعْنَاقُ، وَ أَنْتَ دُعِيتَ بِالْأَلْسُنِ، وَ إِلَيْكَ سِرُّهُمْ وَ نَجْوَاهُمْ فِي الْأَعْمَالِ،
(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ)
اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنَا، وَ غَيْبَةَ إِمَامِنَا، وَ قِلَّةَ عَدَدِنَا، وَ كَثْرَةَ عَدُوِّنَا، وَ تَظَاهُرَ الْأَعْدَاءِ عَلَيْنَا، وَ وُقُوعَ الْفِتَنِ بِنَا، فَفَرِّجْ ذَلِكَ اللَّهُمَّ بِعَدْلٍ تُظْهِرُهُ، وَ إِمَامِ حَقٍّ تُعْرِفُهُ، إِلَهَ الْحَقِّ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (2)
قال : وبلغني أن الصادق علیه السلام كان يأمر شيعته أن يقنتوا بهذا بعد كلمات الفرج .(3)
1064 - العاشر : ما نقل في الكتاب المذكور، عن الشيخ الطوسي (رحمة اللّه علیه) في المصباح، قال : ويستحب أن يقنت في الفجر بعد القراءة وقبل الركوع، فيقول :
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، وَ سَاقَ كَلِمَاتِ الْفَرَجِ إِلَى قَوْلِهِ: رَبِّ الْعَالَمِينَ .
يَا اللَّهُ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ، وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَنْ تُعَجِّلَ فَرَجَهُمْ
اللَّهُمَّ مَنْ كَانَ أَصْبَحَ وَ ثِقَتُهُ وَ رَجَاؤُهُ غَيْرُكَ، فَأَنْتَ ثِقَتِي وَ رَجَائِي فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، يَا أَجْوَدَ مَنْ سُئِلَ وَ يَا أَرْحَمَ مَنِ اسْتُرْحِمَ، ارْحَمْ ضَعْفِي وَ قِلَّةَ حِيلَتِي،
ص: 31
وَ امْنُنْ عَلَيَّ بِالْجَنَّةِ طَوْلًا مِنْكَ وَ فُكَّ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ وَ عَافِنِي فِي نَفْسِي وَ فِي جَمِيعِ أُمُورِي كُلِّهَا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ(1)
1065 - الحادي عشر : ما ذكره الصدوق في الفقيه : قال أبو جعفر علیه السلام :
القنوت في يوم الجمعة: تمجيد اللّه والصلاة على نبيّ اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وكلمات الفرج، ثمّ هذا الدعاء(2)
والقنوت في الوتر كقنوتك يوم الجمعة، ثمّ تقول قبل دعائك لنفسك :
1066- ورواه السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام ، في قنوت يوم الجمعة، تقول قبل دعائك لنفسك:
اَللَّهُمَّ تَمَّ نُورُكَ فَهَدَیْتَ، فَلَكَ اَلْحَمْدُ رَبَّنَا وَ عَظُمَ حِلْمُكَ فَعَفَوْتَ، فَلَكَ اَلْحَمْدُ، وَ بَسَطْتَ یَدَكَ فَأَعْطَیْتَ، فَلَكَ اَلْحَمْدُ رَبَّنَا، وَجْهُكَ أَكْرَمُ اَلْوُجُوهِ وَ جَاهُكَ خَیْرُ اَلْجَاهِ، وَجِهَتُكَ خَيْرَ الجِهَاتِ، وَ عَطِیَّتُكَ أَفْضَلُ اَلْعَطِیَّاتِ، تُطَاعُ رَبَّنَا فَتَشْكُرُ وَ تُعْصَی رَبَّنَا فَتَغْفِرُ لِمَنْ شِئْتَ،فَلَكَ الْحَمْدُ، تُجِیبُ اَلْمُضْطَرَّ، وَ تَكْشِفُ اَلضُّرَّ وَ تُنْجِی مِنَ اَلْكَرْبِ اَلْعَظِیمِ وَ تَقْبَلُ اَلتَّوْبَهَ وَ تَشْفِي السَّقِیمَ، وَتَعْفُو عَنِ الذَّنْبِ، لَا یَجْزِي بِالآئِكَ اَحَدٌ، وَ لاَ یَبْلُغُ مِدْحَتَكَ قَوْلُ قَائِلٍ .
اَللَّهُمَّ إِلَیْكَ رُفِعَتِ الأَصْوَاتُ، وَ نُقِلَتِ اَلْأَقْدَامُ، وَ مُدَّتِ اَلْأَعْنَاقُ، وَ رُفِعَتِ اَلْأَیْدِی، وَ دُعِیتَ بِالْأَلْسُنِ، وَتُقُرِّبَ إِلَيكَ بِالْأَعْمَالِ، رَبَّنَا اِغْفِرْ لَنَا وَ اِرْحَمْنَا،
(وَافْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ(3).
اَللَّهُمَّ اِنَّا نَشْكُو إِلَیْكَ فَقَدْ غَیْبَهَ نَبِیِّنَا، وَ شِدَّهَ اَلزَّمَانِ عَلَیْنَا، وَ وُقُوعَ
ص: 32
اَلْفِتَنِ، وَ تَظَاهُرَ اَلْأَعْدَاءِ، وَ كَثْرَهَ عَدُوِّنَا، وَ قِلَّهَ عَدَدِنَا فَافْرِجْ ذَلِكَ یَا رَبِّ بِفَتْحٍ مِنْكَ تُعَجِّلُهُ، وَ نَصْرٍ مِنْكَ تُعِزُّهُ، وَ إِمَامِ عَدْلٍ تُظْهِرُهُ، إِلَهَ اَلْحَقِّ آمِينَ.
ثمَّ تقول: أَسْتَغْفِرُ اَللَّهَ وَ أَتُوبُ إِلَیْهِ سَبْعِینَ مَرَّهً وَ تَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ اَلنَّارِ كَثِیراً(1).
أقول: قد ذكرنا الدعاء برواية السيد الأجل لكونه أتمّ واكمل.
1067- الثاني عشر : ما رواه السيّد الأجلّ في كتاب جمال الاسبوع بكمال العمل المشروع، عن مقاتل بن مقاتل(2)، قال أبو الحسن الرضا علیه السلام :
أيّ شيء تقولون في قنوت صلاة الجمعة؟ قال : قلت : ما يقول الناس، فقال علیه السلام لي : لاتقل كما يقولون، ولكن قل :
اَللّهُمَّ اَصْلِحْ عَبْدَكَ وَخَلیفَتَكَ، بِما اَصْلَحْتَ بِه اَنْبِیاءَكَ وَرُسُلَكَ، وَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ، وَاَیِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ مِنْ عِنْدِكَ، وَاسْلُكْهُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِه رَصَدا، یَحْفَظُونَهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَاَبْدِلْهُ مِنْ بَعْدِ خَوْفِه اَمْنا، یَعْبُدُكَ لایُشْرِكُ بِكَ شَیْئا، وَلا تَجْعَلْ لاِحَدٍ خَلْقِكَ عَلَی وَلِیِّكَ سُلْطانا، وَأْذَنْ لَهُ قی جِهادِ عَدُوِّكَ وَعَدُوِّه وَاجْعَلْنی مِنْ اَنْصارِه، اِنَّكَ عَلَی كُلِّ شَیْءٍ قَدیرٌ.(3).
أقول: قد ظهر من الروايات المذكورة تأكد الدعاء لمولانا صاحب الزمان علیه السلام في مطلق القنوتات، لكونها من الحالات الّتي يرجى فيها استجابة الدعوات، ولاسيّما قنوت الجمعة، والوتر، والفجر.
وفّقنا اللّه تعالی لذلك ورزقنا به عظيم الأجر.
ص: 33
ومن الحالات الّتي يتأكّد فيها ذلك أيضاً، حال السجود للخالق المعبود، لانّها أقرب الحالات إلى قاضي الحاجات، كما نطقت به الروایات، عن الأئمّة السادات، فينبغي للعبد أن يسأل فيها أهمّ المهمّات،
وينبغي الإهتمام بذلك في سجدة الشكر بالخصوص إلتفاتاً إلى ما أنعم اللّه به علينا ببركة مولانا صلوات اللّه عليه وعلى آبائه الطاهرين ، ونظراً إلى أنّ الدعاء لوليّ النعم، والواسطة فيها، من أهمّ أصناف الشكر، كما بيّنّا في الباب السابق،
ويشهد لما قلناه ورود ذلك في خصوص سجدة الشكر :
1068- فقد ذكر في تحفة الأبرار، نقلا عن المقنعة للشيخ المفيد رحمه اللّه عند ذكر ما يقال فيها(1) هذا الدعاء :
أَللّهُمَّ إِلَیْكَ تَوَجَّهْتُ، وَبِكَ اعْتَصَمْتُ، وَعَلَیْكَ تَوَكَّلْتُ؛ أَللّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِی وَرَجائِی، فَاكْفِنِی مَا أَهَمَّنِی وَمَا لاَ یُهِمُّنِی وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّی ، عَزَّ جارُكَ، وَجَلَّ ثَناؤُكَ، وَلاَإِلهَ غَیْرُكَ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَقَرِّبْ فَرَجَهُمْ(2).
هذا مضافاً إلى التّأسي به صلوات اللّه وسلامه عليه ، فقد ورد في صریح الأخبار أنّ مولانا الغائب عن الأبصار، دعا لهذا الأمر في حال السجود، حين ولادته، وهذا ممّا يدلّ على أهمّيته، وتعليم لمحبّيه وشیعته :
1069- روی رئیس المحدّثين في كتاب إكمال الدين : بإسناده عن حكيمة - في حديث طويل - إلى أن قالت :
وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشی بصري، وإذا أنا بالصبيّ علیه السلام ساجداً لوجهه ، جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبّابتيه، وهو يقول:
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ جَدِّي مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ أَبِي أَمِير الْمُؤْمِنِینَ
ص: 34
- ثمّ عدّ إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه - ثمّ قال: اَللَّهُمَّ أَنْجِزْلِي وَعْدِي، وَ اَتْمِمْ لِي اَمْرِي، وَثَبِّتْ وَطْاَتِی، وَامْلَأِ الْأَرْضَ بِي عَدْلاً وَقِسْطاً، الخبر(1).
ومنها : في سجدة الشكر، بعد الركعة الرابعة من صلاة الليل :
1070- فقد ذكر بعض علمائنا في كتاب آداب صلاة الليل : من آدابها أن يقال في السجدة بعد الركعة الرابعة : «ما شاء اللّه مائة مرّة»، ثم يقال :
يَا رَبِّ أَنْتَ اللَّهُ مَا شِئْتَ مِنْ أَمْرٍ يَكُونُ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ اجْعَلْ لِي فِيمَا تَشَاءُ أَنْ تُعَجِّلَ فَرَجَ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمْ وَ تَجْعَلَ فَرَجِي وَ فَرَجَ إِخْوَانِي مَقْرُوناً بِفَرَجِهِمْ وَ تَفْعَلَ بِي «كَذَا وَ كَذَا»(2)
ومنها : كلّ صباح ومساء، ويشهد لذلك العقل، والنقل،
أمّا الأوّل : فلا ريب عند العاقل العارف في حسن الإهتمام بذلك أداءً لبعض ما يجب مراعاته من حقوقه عليه الصلاة والسلام، ولیزیّن به صحيفة أعمال يومه وليلته الحفظة الكرام، ألا ترى العبيد والخدّام كيف يحضرون عند مواليهم وساداتهم، في كلّ صبيحة وعشيّة إظهاراً للخدمة، وشكراً للنعمة، فنحن أحقّ بذلك، لأنّا نعلم أنّ جميع ما أنعم اللّه عزّ وجلّ به علينا من أصناف النعم، وصنوف الإحسان، إنّما هو ببركة مولانا صاحب الزمان ، كما أثبتنا لك ذلك بواضح البرهان، فينبغي لك أن تحضر نفسك بجميع أركان وجودك في كلّ صباح ومساء بحضرته، وتعلم أنّك بمرأى منه ومسمع، وهو يراك، وإن لم تكن تراه، ويهتمّ بأمر من يحبّه ويهواه،
1071- كما نطق بذلك كتابه إلى الشيخ المفيد (رحمة اللّه علیه) حيث قال في جملة كلام له علیه السلام : «إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل
ص: 35
بكم اللأواء، واصطلمكم الاعداء ... إلخ(1) فافتح مسامع قلبك تهيّأً لخدمته ، وأطع أمره الذي أمرك به إجابة لدعوته، فقد أمر أولياءه بذلك، فيما قدّمناه من الباب السابق بقوله علیه السلام : «وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم ... »
إلخ، وفيما ذكرناه كفاية واللّه تعالى وليّ الهداية .
1072- وأمّا الثاني: فلورود ذلك في دعاء مخصوص بكل صباح ومساء، عن مولانا الصادق علیه السلام ، فقد روى ثقة الإسلام الكليني رحمه اللّه في أصول الكافي بإسناده عن فرات بن الأحنف، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال :
مهما تركت من شيء فلا تترك أن تقول في كلّ صباح ومساء:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ أَسْتَغْفِرُكَ فِي هَذَا الصَّبَاحِ، وَفِي هَذَا الْيَوْمِ لِأَهْلِ رَحْمَتِكَ، وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ أَهْلِ لَعْنَتِكَ
اللَّهُمَّ إِنِّي أَصْبَحْتُ أَبْرَأُ إِلَيْكَ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَفِي هَذَا الصَّبَاحِ مِمَّنْ نَحْنُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ
اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ بَرَكَةً عَلَى أَوْلِيَائِكَ وَعَذَاباً عَلَى أَعْدَائِكَ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاكَ وَعَادِ مَنْ عَادَاكَ اللَّهُمَّ اخْتِمْ لِي بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ كُلَّمَا طَلَعَتْ شَمْسٌ أَوْ غَرَبَتْ
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ،
اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ مُنْقَلَبَهُمْ وَ مَثْوَاهُمْ، اللَّهُمَّ احْفَظْ إمَامَ الْمُسْلِمِینَ بِحِفْظِ الْإیمَانِ، وَ انْصُرْهُ نَصْراً عَزِیزاً، وَ افْتَحْ لَهُ فَتْحاً یَسِیراً، وَ اجْعَلْ لَهُ وَ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِیراً
اللَّهُمَّ الْعَنْ «فُلَاناً وَ فُلَاناً» وَ الْفِرَقَ الْمُخْتَلِفَةَ عَلَی رَسُولِكَ وَ وُلَاةِ الْأمْرِ بَعْدَ
ص: 36
رَسُولِكَ وَ الْأئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ وَ شِیعَتِهِمْ وَ أسْألُكَ الزِّیَادَةَ مِنْ فَضْلِكَ وَ الْإقْرَارَ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِكَ وَ التَّسْلِیمَ لِأمْرِكَ وَ الْمُحَافَظَةَ عَلَی مَا أمَرْتَ بِهِ لَا أبْتَغِي بِهِ بَدَلًا وَ لَا أشْتَرِي بِهِ ثَمَناً قَلِیلًا، اللَّهُمَّ اهْدِنِی فِیمَنْ هَدَیْتَ وَ قِنِی شَرَّ مَا قَضَیْتَ إنَّكَ تَقْضِي وَ لَا یُقْضَي عَلَیْكَ وَ لَا یَذِلُّ مَنْ وَالَیْتَ، تَبَارَكْتَ وَ تَعَالَیْتَ، سُبْحَانَكَ رَبَّ الْبَیْتِ تَقَبَّلْ مِنِّی دُعَائِي وَ مَا تَقَرَّبْتُ بِهِ إلَیْكَ مِنْ خَیْرٍ فَضَاعِفْهُ لِي أضْعَافاً مُضَاعَفَةً كَثِیرَةً وَ آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَ أجْراً عَظِیماً
رَبِّ مَا أحْسَنَ مَا ابْتَلَیْتَنِی وَ أعْظَمَ مَا أعْطَیْتَنِي وَ أطْوَلَ مَا عَافَیْتَنِي وَ أكْثَرَ مَا سَتَرْتَ عَلَیَّ فَلَكَ الْحَمْدُ یَا إلَهِي كَثِیراً طَیِّباً مُبَارَكاً عَلَیْهِ مِلْ ءَ السَّمَاوَاتِ وَ مِلْ ءَ الْأرْضِ وَ مِلْ ءَ مَا شَاءَ رَبِّي كَمَا یُحِبُّ وَ یَرْضَی وَ كَمَا یَنْبَغِي لِوَجْهِ رَبِّي ذِي الْجَلَالِ وَ الْإكْرَام.(1)
أقول: ويشهد لما ذكرنا أيضاً دعاء العهد، الّذي يأتي إن شاء اللّه تعالى في الباب الثامن من هذا الكتاب، ويؤيّده أيضاً ما مرّ من الدعاء للفرج بعد صلاة الصبح، فتدبّر، ويؤيّده أيضاً ما ورد من عرض الأعمال كلّ صباح ومساء على
الأئمة علیه السلام ، ودعائهم لشيعتهم في هذا الحال ، فينبغي للمؤمن أيضاً الإشتغال بالدعاء في حقّ الإمام، والروايات كثيرة، مذكورة في الكافي والبصائر والبرهان، وغيرها من كتب علمائنا الاعلام.(2)
ويؤيّده أيضاً ما ورد من الحثّ على الذكر والدعاء، عند الإصباح والإمساء فإنّ ذلك الدعاء، من أفضل أصناف الدعاء،
لما نبّهنا عليه فيما مضى من هذا الكتاب واللّه الهادي إلى نهج الصواب .
ص: 37
ومنها : الساعة الأخيرة من كلّ يوم، فإنّ النهار ينقسم إلى إثنتي عشر قسمة ، وكلّ قسمة تسمّى ساعة، وكلّ ساعة منها منسوب إلى واحد من الأئمّة علیهم السلام
وفيه دعاء مختصّ بها، في التوسّل والإستشفاع بالإمام الذي تنسب تلك الساعة إليه، وقد ذكرها علماؤنا الأخبار في كتبهم الموضوعة لذكر أعمال الليل والنهار، وذكروا أنّ الساعة الاخيرة مختصّة بالإمام الغائب عن الأبصار .
1073- وذكروا لتلك الساعة هذا الدعاء:
یَا مَنْ تَوَحَّدَ بِنَفْسِهِ عَنْ خَلْقِهِ، یَا مَنْ غَنِیَ عَنْ خَلْقِهِ بِصُنْعِهِ، یَا مَنْ عَرَّفَ نَفْسَهُ خَلْقَهُ بِلُطْفِهِ، یَا مَنْ سَلَكَ بِأَهْلِ طَاعَتِهِ مَرْضَاتَهُ، یَا مَنْ أَعَانَ أَهْلَ مَحَبَّتِهِ عَلَی شُكْرِهِ، یَا مَنْ مَنَّ عَلَیْهِمْ بِدِینِهِ وَ لَطُفَ لَهُمْ بِنَائِلِهِ
أَسْأَلُكَ بِحَقِّ وَلِيِّكَ الْخَلَفِ الصَّالِحِ بَقِيَّتِكَ فِي اَرْضِكَ، الْمُنْتَقِمِ لَكَ مِنْ اَعْدَائِكَ وَاَعْدَاءِ رَسُولِكَ، وَبَقِيَّةِ آبَائِهِ الصَّالِحِينَ ، مُحَمَّدٍ بْنِ الحَسَنِ، وَاَتَضَرَّعُ إِلَيْكَ بِهِ، وَأُقَدِّمُهُ بَيْنَ يَدَيْ حَوَائِجِي وَرَغْبَتِي إِلَيْكَ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ
مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَفْعَلَ بِي «كَذَا وَكَذَا، وَأَنْ تُدَارِكَنِي بِهِ وَتُنْجِيَنِي مِمَّا أَخَافُهُ وَاَحْذَرُهُ وَاَلْبِسْنِي بِهِ عَافِيَتَكَ وَعَفْوَكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ،
وَكُنْ لَهُ وَلِيّاً وَحَافِظاً وَ نَاصِراً وَقَائِداً وَكَالِياً وَسَاتِراً، حَتَّى تُسْكِنَهُ اَرْضَكَ طَوْعاً، وَتُمتِّعَهُ فِيهَا طَوِيلاً، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، الَّذِينَ اَمَرْتَ بِطَاعَتِهِمْ، وَأُولِی الْأَرْحَامِ الَّذِينَ اَمَرْتَ بِصِلَتِهِمْ، وَذَوِي الْقُرْبَي الَّذِينَ اَمَرْتَ بِمَوَدَّتِهِمْ وَالْمَوَالِي الَّذِينَ اَمَرْتَ بِعِرْفَانِ حَقِّهِمْ، وَأَهْلِ الْبَيْتِ الَّذِينَ أَذْهَبْتَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرْتَهُمْ تَطْهِيراً،
ص: 38
اَسْاَلَكَ بِهِمْ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَفْعَلَ بِي «كذا وكذا»(1).
ومنها : يوم الخميس :
1074- ويشهد على الإهتمام فيه بالدعاء لتعجيل فرج مولانا عليه الصلاة والسلام ما رواه السيّد في جمال الأُسبوع قال : ومن وظائف يوم الخميس، أنّه يستحبّ أن يصلّي فيه الإنسان على النبيّ صلوات اللّه عليه وعلى آله ، الف مرّة،
ويستحبّ أن يقول : للّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم . قال :
1075- وفي رواية أخرى يقول : مائة مرّة وفيه فضل كثير :
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَ عَجِّلْ فَرَجَهُمْ، وَأَهْلِكْ عَدُوَّهُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْاِنْسِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ.(2)
ويشهد لما قلناه أيضاً ما ورد في الأخبار من أنّه يوم عرض الأعمال على النبيّ المختار، والأئمّة الأظهار، وفي بعضها أنّ الإمام يدعو لمواليه.
أقول: فينبغي للمؤمن أن يكافئ مولاه، ويساعده في الدعاء تأسّياً به ، وموافقة له صلوات اللّه عليه وأخبار عرض الأعمال كثيرة، مذكورة في أصول الكافي والبصائر وتفسير البرهان وغيرها، تركنا ذكرها حذراً من الإطالة .(3)
ومنها : ليلة الجمعة :
يستفاد التأكيد والإهتمام بالدعاء فيها للخلف المنتظر علیه السلام من أمور :
أحدها : اختصاص يوم الجمعة به، لوجوه نشير إليها إن شاء اللّه تعالى، فينبغي في ليلتها الدعاء له صلوات اللّه عليه .
الثاني : أنّها ليلة عرض الأعمال، بناءً على رواية رواها صاحب كتاب الطائف المعارف.
ص: 39
1076 - الثالث : ما ورد في بعض الكتب المعتبرة الإماميّة، أنّ من أعمال ليلة الجمعة أن يقال مائة مرّة:
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَ عَجِّلْ فَرَجَهُمْ، وَأَهْلِكْ عَدُوَّهُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْاِنْسِ، مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ.(1)
1077- وقال الشيخ أبوجعفر الطوسيّ رحمة اللّه عليه في كتاب مختصر المصباح، عند ذكر وظائف ليلة الجمعة : وتقول في الصلاة على النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم :
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَ عَجِّلْ فَرَجَهُمْ، وَأَهْلِكْ عَدُوَّهُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْاِنْسِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ.. إمّا مائة مرة، أو ما تمكّن منه.1(2)
الرابع : ما نقله صاحب النجم الثاقب من استحباب قراءة دعاء الندبة في ليلة الجمعة، كاستحباب قراءته في يوم الجمعة .(3)
الخامس: الأخبار الواردة بالحثّ والترغيب في الدعاء ليلة الجمعة(4) بضميمة ما يدلّ على استحباب تقديم المؤمن الدعاء في حقّ مولاه على الدعاء في حقّه.
السادس: فحوى ما ورد من الأمر بالدعاء للمؤمنين والمؤمنات في تلك الليلة، فإنّه علیه السلام أحقّ بذلك من جميع المؤمنین .
ومنها : يوم الجمعة في جميع ساعاته عموماً، وخصوصاً بعد صلاة الغداة وعند الزوال، وعند الرواح إلى المسجد، وبعد صلاة العصر، وفي قنوت صلاة الظهر منه، وفي قنوت صلاة الجمعة، وفي خطبة صلاة الجمعة، وفي آخر ساعة من يوم الجمعة،
ويشهد لما ذكرناه ورود الدعاء في حقه في تلك الأوقات عن الأئمّة الهداة :
1078- امّا بعد صلاة الغداة ، فقد روى في البحار دعاءً طويلاً قد ذكرناه في
ص: 40
كتابنا المسمّى بأبواب الجنّات في آداب الجمعات،
وهو دعاء شريف ينبغي المداومة عليه، ومحلّ الشاهد منه قوله :
اَللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِيَّكَ فِي خَلْقِكَ وَلِيّاً وَحَافِظاً وَقَائِداً وَنَاصِراً حَتَّى تُسْكِنَهُ اَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فِیهَا طَوِيلاً، وَتَجْعَلَهُ وَذُرِّيَّتَهُ فِيهَا الْأَئِمَّةَ الْوَارِثِينَ، وَاجْمَعْ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَكْمِلْ لَهُ أَمْرَهُ، وَأَصْلِحْ لَهُ رَعْيَّتَهُ، وَثَبِّتْ رُكْنَهُ، وَأَفْرِغِ الصَّبْرَ مِنْكَ عَلَيْهِ، حَتَّى يَنْتَقِمَ فَيَشْتَفِي، وَيَشْفِي حَزَازَاتِ قُلُوبٍ نَغِلَةٍ، وَحَرَارَاتِ صُدُورِ وَغْرَةٍ، وَحَسَرَاتِ اَنْفُسٍ تَرِحَةٍ مِنْ دِمَاءٍ مَسْفُوكَةٍ، وَاَرْحَامٍ مَقْطُوعَةٍ، وَطَاعَةٍ مَجْهُولَةٍ، قَدْ أَحْسَنْتَ إِلَيْهِ الْبَلَاءَ، وَوَسَّعْتَ عَلَيْهِ الْآلَاءَ، وَأَتْمَمْتَ عَلَيْهِ النَّعَمَاءَ فِي حُسْنِ الْحِفْظِ مِنْكَ لَهُ
اللَّهُمَّ اكْفِهِ هَوْلَ عَدُوِّهِ وَ أَنْسِهِمْ ذِكْرَهُ وَ أَرِدْ مَنْ أَرَادَهُ وَ كِدْ مَنْ كَادَهُ وَ امْكُرْ بِمَنْ مَكَرَ بِهِ وَ اجْعَلْ دَائِرَهَ السَّوْءِ عَلَیْهِمْ - إلى آخر الدعاء، وفي آخره: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَ عَجِّلْ فَرَجَهُمْ، تقول ذلك ألف مرة إن استطعت.(1)
أقول: قد قدّمنا بشهادة الروايات، أنّ فرجهم علیهم السلام ، بل فرج جميع أولياء اللّه إنّما يكون بفرجه وظهوره، صلوات اللّه عليه ، فيتمّ المطلوب، مضافاً إلى ماقدّمنا من استحباب أن يقال بعد صلاتي الصبح والظهر في كلّ يوم:
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَ عَجِّلْ فَرَجَهُمْ.
وأمّا عند الزوال : فيشهد له ما روينا في المكرمة الثالثة والعشرين وهو حدیث شریف، يشتمل على دعاء خاتم النبيّين والأئمّة المعصومين علیهم السلام .
وأمّا عند الرواح إلى المسجد ، فورد فيه ما يستحبّ أن يقال في العيدين عند الرواح، وهو مشتمل على الدعاء لمولانا القائم صلوات اللّه عليه ،
وسنذكره في محله إن شاء اللّه تعالى في هذا الباب .
ص: 41
1079- وأمّا بعد صلاة العصر، فقد روي في كتاب جمال الأسبوع:
بإسناده عن عبداللّه بن سنان، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : إذا كان يوم القيامة، بعث اللّه تعالى الأيّام، ويبعث الجمعة أمامها كالعروس، ذات كمال وجمال، تهدى إلى ذي دین ومال، فتقف على باب الجنّة، والايّام خلفها، فيشفع لكلّ مَن أكثر الصلاة فيها على محمّد وآل محمّد علیهم السلام ، قال ابن سنان :
فقلت : كم الكثير في هذا؟ وفي أيّ زمان أوقات الجمعة أفضل؟
قال علیهم السلام : مائة مرّة، وليكن ذلك بعد العصر .
قال : وكيف أقولها؟ قال علیهم السلام : تقول:
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَ عَجِّلْ فَرَجَهُمْ - مائة مرّة.(1)
ويدلّ على ذلك أيضاً كلام السيّد الأجل عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في جمال الأسبوع عند ذكر الدعاء المرويّ عن الشيخ الجليل - المتقدّم عثمان بن سعید(رحمة اللّه علیه)
وسنذكره إن شاء اللّه تعالى في الباب الآتي واللّه المستعان، وهو الهادي .
وأمّا في قنوت الظهر والجمعة فقد مرّ ما يدلّ عليه في تأكيد ذلك في القنوت
وأمّا في خطبة صلاة الجمعة، فتشهد لتأكّده رواية محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر المرويّة في الكافي والوافي(2)، فراجع وتدبّر .
وأمّا آخر ساعة من يوم الجمعة، فيدلّ ورود ذلك بالخصوص في بعض الدعوات المذكورة بعد دعاء السمات، وهو ممّا يرجى فيه إجابة الدعوات:
1080- ففي جمال الصالحين ذكر هذا الدعاء :
اَللّهُمَّ اِنّی اَسْأَلُكَ بِحُرْمَهِ هذَا الدُّعآءِ، وَبِمافاتَ مِنْهُ مِنَ الْاَسْمآءِ، وَبِما یَشْتَمِلُ عَلَیْهِ مِنَ التَّفْسیرِ وَالتَّدْبیرِ الَّذی لایُحیطُ بِهِ اِلاّ اَنْتَ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى
ص: 42
مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تُعَجِّلَ فَرَجَهُمْ فِي عَافيَةٍ، وَتُهْلِكَ أَعْدَاءَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَنْ تَرْزُقَنَا بِهِم خَيْرَ مَانَرْجُو، وَخَيْرَ مَا لَا نَرْجُو، وَتَصْرِفَ بِهِمْ عَنَّا شَرَّمَانَحْذَرُ، وَشَرَّ مَا لَانَحْذَرُ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنْتَ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ(1)
1081- وذكر في بعض الكتب المعتبرة دعاء آخر، يدعی به بعد دعاء السمات آخر يوم الجمعة، فيه دلالة على المطلوب، وهو هذا :
اللّهُمَّ بِحَقِّ هذَا الدُّعاءِ، وَبِحَقِّ هذِهِ الْأَسْماءِ الَّتی لا یَعْلَمُ تَفْسیرَها، وَلا یَعْلَمُ باطِنَها غَیْرُكَ، صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَافْعَلْ بی ما أَنْتَ أَهْلُهُ، وَلا تَفْعَلْ بی ما أَنَا أَهْلُهُ، وَاغْفِرْ لی مِنْ ذُ نُوبی ما تَقَدَّمَ مِنْها وَما تَأَخَّرَ، وَوَسِّعْ عَلَیَّ مِنْ حَلالِ رِزْقِكَ، وَاكْفِنی مَؤُونَهَ إِنْسانِ سَوْءٍ، وَجارِ سَوْءٍ، وَقَرینِ سَوْءٍ، وَسُلْطانِ سَوْءٍ، إِنَّكَ عَلَی ما تَشاءُ قَدیرٌ، وَبِكُلِّ شَیْ ءٍ عَلَیمٌ، آمینَ رَبَّ الْعالَمینَ (2)
ويدلّ على تأكّد الدعاء علیه السلام و في يوم الجمعة ورود دعاء الندبة فيه، وفي العيدين، ونذكره إن شاء اللّه تعالى، في الباب الآتي(3)،
ولعلّ المتتبّع في كتب الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطياب، يطّلع على شواهد أخر لهذا الباب ، واللّه الهادي إلى نهج الصواب.
تكمیل : إعلم أنّ ليوم الجمعة اختصاصاً وانتساباً إلى مولانا الحجّة علیه السلام ، من وجوه عديدة، تقتضي الإهتمام فيه بالدعاء له علیه السلام ، قد ذكرناها في كتاب أبواب الجنّات في آداب الجمعات ، ونشير إليها في هذا الكتاب، تذكرة لأولي الألباب :
الأوّل: وقوع ولادته فيه .
الثاني : فيه انتقال الإمامة إليه .
الثالث : وقوع ظهوره فيه.
ص: 43
الرابع : استيلاؤه فيه على أعدائه .
الخامس: أنّه يوم أخذ العهد والميثاق له ولآبائه الاطهار .
السادس: أنّه يوم خصه اللّه تعالی بلقب القائم علیه السلام .
السابع : أنّه من جملة القابه الشريفة،
وقد ذكرنا هناك وجوهة أخرى، من أرادها فليرجع إلى ذلك الكتاب . (1)
ومن الأوقات : الّتي يتأكّد فيها الدعاء له علیه السلام ، وطلب ظهوره وفرجه صلوات اللّه عليه يوم النيروز، ويدلّ عليه رواية المعلّی بن خنيس، المذكورة في البحار وزاد المعاد، ويستفاد تاكّد ذلك فيه من مواقع عديدة من الرواية المذكورة يعرفها المتفطّن إن شاء اللّه تعالی، فراجع وتدبّر .(2)
ومنها : يوم عرفة، ويشهد لذلك دعاء سیّد الساجدين علیه السلام ، المذكور في الصحيفة(3)، ودعاء مولانا الصادق علیه السلام ، المرويّ في الإقبال وزاد المعاد .(4)
ومنها : يوم الفطر، ويشهد لتأكّد هذا الدعاء فيه وروده في الدعاء المذكور في كتاب الإقبال عند إرادة الخروج إلى صلاة الفطر، أو الأضحى وسنذكره .(5)
1082- والدعاء الّذي يدعى به في الطريق عند الخروج إلى صلاة الفطر
قال رحمه اللّه تعالى: فصل: فيما نذكره من الدعاء في الطريق،
قال : استفتح خروجك بهذا الدعاء، إلى أن تدخل مع الإمام في الصلاة ، فإن فاتك منه شيء فاقضه بعد الصلاة :
اَللّهُمَّ اِلَیْكَ وَجَّهْتُ وَجْهي - وساق الدعاء إلى قوله - اَللّهُمَّ صَلِّ عَلَی وَلیِّكَ الْمُنْتَظِرِ اَمْرَكَ، الْمُنْتَظَرِ لِفَرَجِ اَوْلِیائِكَ، اَللّهُمَّ اشْعَبْ بِهِ الصَّدعَ، وَارْتُقْ بِهِ الْفَتْقَ، وَأَمِتْ بِهِ الْجَوْرَ وَأَظْهِرْ بِهِ الْعَدْلَ، وَزَیِّنْ بِطُولِ بَقآئِهِ الْأَرْضَ، وَأَیِّدْهُ بِالنَّصْرِكَ،
ص: 44
وَانْصُرْهُ بِالرُّعْبِ، وَقَوِّ نَاصِرَهُم، وَاخْذُلْ خَاذِلَهُمْ، وَدَمْدِمْ عَلَى مَنْ نَصَبَ لَهُمْ، وَ دَمَّرْ عَلَى مَنْ غَشَّهُمْ - إلى آخر الدعاء ۔(1)
واستحباب دعاء الندبة فيه أيضا، واشتمال الدعاء الوارد حين الخروج إلى صلاة العيد عليه.
1083- وما ورد عن الصادق علیه السلام ، أنّه ما من يوم عيد فطر ولا أضحى إلّا ويتجدّد للأئمّة علیهم السلام حزن، لأنّهم يرون حقّهم في ايدي الغاصبين .(2)
أقول: فينبغي للمؤمن أن يلحّ في طلب ظهور مولاه ونصرته لرفع حزن أئمّته
ومنها : يوم الأضحى، ويدلّ عليه تمام ما ذكرناه في عيد الفطر.
1084- وأمّا الدعاء المأثور الّذي يقال حين الخروج إلى صلاة العيد، فهو ما روي في كتاب الإقبال، بإسناده عن أبي حمزة الثماليّ، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : ادع في الجمعة والعيدين، إذا تهيّات للخروج، فقل:
اَللّهُمَّ مَنْ تَهَیَّا فی هذَا الْیَوْمِ، اَوْ تَعَبَّاَ، اَوْ اَعَدَّ وَاسْتَعَدَّ، لِوِفادَةٍ اِلی مَخْلُوقٍ رَجاءَ رِفْدِه وَجائِزَتِه وَنَوافِلِه، فَاِلَیْكَ یاسَیِّدی كانَتْ وِفادَتی وَتَهْیِئَتی، واِعْدادی، وَاسْتِعْدادی، رَجاءَ رِفْدِكَ وَجَوائِزِكَ، وَنَوافِلِكَ
اَللّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، وَخِیَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَعَلَی اَمیرِ الْمُؤْمِنینَ، وَوَصِيِّ رَسُولِكَ، وَصَلِّ یا رَبِّ عَلَی اَئِمَّةِ الْمُؤْمِنینَ: الْحَسَنِ وَالْحُسَیْنِ، وَعَلِيٍّ، وَمُحَمَّدٍ «وتسمّيهم إلى آخرهم حتّى تنتهي إلى صاحب الزمان علیه السلام»
وقل: اَللّهُمَّ افْتَحْ لَهُ فَتْحا یَسیرا، وَانْصُرْهُ نَصْرا عَزیزا، اَللّهُمَّ اَظْهِرْ بِه دینَكَ، وَسُنَّةَ رَسُولِكَ حَتّی لا یَسْتَخْفِیَ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ مَخافَةَ اَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ.
اَللّهُمَّ اِنّا نَرْغَبُ اِلَیْكَ فی دَوْلَةٍ كَریمَةٍ، تُعِزُّ بِهَا الْاِسْلامَ وَاَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِهَا النِّفاقَ وَاَهْلَهُ، وَتَجْعَلُنا فیها مِنَ الدُّعاةِ اِلی طاعَتِكَ وَالْقادَةِ اِلی سَبیلِكَ،
ص: 45
وَتَرْزُقُنا بِها كَرامَةَ الدُّنْیا وَالاْخِرَةِ، اَللّهُمَّ ما اَنْكَرْنا مِنْ حَقٍّ فَعَرِّفْناهُ، وَما قَصُرْنا عَنْهُ فَبَلِّغْناهُ، وتدعو اللّه له، وعلى عدوّه، وتسأل حاجتك، ويكون أخر كلامك:
اَللّهُمَّ اسْتَجِبْ لَنا، اَللّهُمَّ اجْعَلْنا مِمَّنْ تَذَكَّرَ فَیُذَكَّرُ.
اَللّهُمَّ مَا أَنْكَرْنَا(1) مِنْ حَقِّ فَعَرِّفْنَاهُ وَمَا قَصَرْنَا عَنْهُ فَبَلِّغْنَاهُ
وتدعو اللّه تعالی له، وعلى عدوّه، وتسأل حاجتك، ويكون آخر كلامك :
اَللّهُمَّ اسْتَجِبْ لَنا، اَللّهُمَّ اجْعَلْنا مِمَّنْ تَذَكَّرَ فَیُذَكَّرُ.(2)
ومنها : يوم دحو الأرض، وهو اليوم الخامس والعشرون من شهر ذي القعدة ويدلّ على الإهتمام بالدعاء فيه لمولانا صاحب الزمان،
ومسألة تعجیل فرجه من الخالق المنّان، الدعاء المنقول في الإقبال، وزاد المعاد .(3)
وقد اختلج بالفؤاد نكت شريفة لهذا الارتياد نذكرها تشويقاً للعباد :
منها: أنّه اليوم الّذي وعد في مثله ظهوره صلوات اللّه عليه، فإذا رأى المؤمن أنّ هذا اليوم من هذه السنة قد أتي، ولمّا يظهر إمامه علیه السلام تجدّد حزنه ، وعظم غمّه ، وبعثه عقله وإيمانه على الدعاء له، وطلب تعجیل فرجه.
ومنها : أنّ في هذا اليوم تنشر الرحمة، وتستجاب الدعوة، كما ورد في الرواية ، فالمؤمن الّذي يكون إمامه أعزّ عليه من نفسه، وأهله وولده، وعشيرته يجعل خالص دعائه لكشف الكرب عن وجه مولاه.
ومنها : أنّ هذا يوم أنعم اللّه عليه، بأن دحى الأرض لتعيّشه، وسكناه، وتلذّذه، وانتفاعه بما يهواه من صنوف مايخرج من الأرض، وما ينزل إليها،
ص: 46
ويعيش فيها(1) وإذا علم أنّ جميع ذلك إنّما هو ببركة مولاه كما نبّهنا عليه في الباب الثالث، حتم على نفسه التشكّر له بالدعاء، لأنّه الواسطة في تنعّمه بهذه النعماء، ولم يتسامح في ذلك.
ومنها : أنّه قد ورد الحثّ والترغيب في هذا اليوم على الإشتغال بذكر اللّه عزّ وجلّ، ولا ريب أنّ الاشتغال بالدعاء في حقّ مولانا صاحب الزمان من أفضل مصاديق ذلك العنوان.
ومن الأوقات التي يتأكد فيها ذلك، يوم عاشوراء :
1085- ويدلّ عليه الدعاء المروي في الإقبال، والمزار، وزاد المعاد، عن الصادق علیه السلام رواه عبداللّه بن سنان (رحمة اللّه علیه) وأوّله:
اللّهمّ عذّب الّذين حاربوا رسلك وشاقّوك ... إلخ(2)،
والسرّ في ذلك : أنّ في مثل هذا اليوم ورد ما ورد من المصائب والبلاء على مولانا سیّد الشهداء، وقد وعد اللّه عزّ وجلّ أن ينتقم من ظالميه بمولانا القائم عجّل اللّه فرجه، كما نطقت به الروايات(3).
فإذا تذكّر المؤمن في هذا اليوم لمصائب الإمام المظلوم، وعلم أنّ اللّه تعالى قد قدّر لذلك منتقماً، بعثه إيمانه ووُدّه على الدعاء، وطلب ظهور ذلك المنتقم من سلطان السماء،
ولذا ورد هذا السؤال في الدعاء المذكور بهذا المنوال .
ومن هنا قلنا في الباب السابق : أن الداعي لهذا الامر الجليل يدرك به ما لايحصي ثوابه إلّا اللّه تعالى، وهو طلب ثار مولانا المظلوم الشهيد علیه السلام .
ص: 47
ومنها : ليلة النصف من شعبان، لانها مولد صاحب الزمان علیه السلام ، فينبغي أن يشتغل بالدعاء له أهل الإيمان، وقد ورد في الروايات أنّ هذه الليلة تستجاب فيها الدعوات . قلت :
قد بيّنا سابقاً أنّ ذلك الدعاء أهم الدعوات عند ذوي العقول، فينبغي لهم أن يقدّموه في أوقات الإجابة على كلّ مأمول، ويؤيّد ما قلناه أنّ صاحب جمال الصالحين ذكر في أدعية هذه الليلة الدعاء المأثور عن مولانا الحجّة، أوله:
اللّهمّ صلّ على محمّد سيّد المرسلين، وخاتم النبيّين ... إلخ(1)، وهو دعاء شریف، سنذكره في صدر الباب السابع، ونبيّن الإهتمام به في جميع المواقع.
1086- ويشهد لما ذكرناه أيضاً الدعاء المذكور في الإقبال، وزاد المعاد أوّله : اللّهمّ بحقّ ليلتنا هذه ومولودها ... إلخ(2)،
ومن هذه العبارة تقدر على استفادة عظمة شأن تلك الليلة، فإيّاك أن يذهب عمرك فيها بالغفلة، وتترك فيها الخدمة، والدعوة للّذي حصل ببركة ولادته ذاك الشان لتلك الليلة.
1087- وينبغي لك أن تذكر قول مولانا الصادق علیه السلام في حقّه :
ولو أدركته لخدمته أيام حياتي، مضافة إلى أن ذلك من أقسام الشكر لتلك النعمة السنيّة، أعني ولادة مولانا الحجّة، ومضافاً إلى أنّها ليلة عرض الأعمال، على ما ورد في بعض الروايات، وهو ما روي في مستدرك الوسائل .(3)
ومنها : يوم النصف من شعبان، ويشهد للإهتمام فيه بذلك الدعاء جميع ما ذكرناه آنفاً، مضافاً إلى أنّ الإشتغال في هذا اليوم وتلك الليلة، أُسوة به صلوات اللّه عليه ، فإنّه قد دعا لذلك الأمر حين ولادته وهو ساجد، فقال:
ص: 48
اَللَّهُمَّ اَنْجِزْلِي وَعْدي، وَأَتْمِمْ لِي اَمْرِي، وَثَبِّتْ وَطْاَتِی، وَامْلَأِ الْأَرْضَ بِي عَدْلاً وَقِسْطاً.(1)
ومنها : جميع شهر رمضان، خصوصاً لياليه، لانّه شهر الدعاء وهذا الدعاء من أفضل الدعوات، ولذلك ورد الأمر والإهتمام. منه، عجّل اللّه تعالی فرجه بدعاء الإفتتاح، في ليالي هذا الشهر، فلا تغفل منه،
فإنّه دعاء نفیس شریف جدّاً، جامع لمطالب الدنيا والآخرة .(2)
1088- ويؤيّد ذلك أيضاً ما رواه رئيس المحدّثين شيخنا الصدوق رحمة اللّه تعالى عليه، في كتاب فضائل شهر رمضان : بإسناده عن الرضا علیه السلام - في ذكر فضائل شهر رمضان - قال : الحسنات في شهر رمضان : مقبولة، والسيّئات فيه مغفورة، من قرأ في شهر رمضان آية من كتاب اللّه عزّ وجلّ كان كمن ختم القرآن في غيره من الشهور، ومن ضحك فيه في وجه أخيه المؤمن لم يلقه يوم القيامة إلّا ضحك في وجهه وبشّره بالجنّة، ومن أعان فيه مؤمناً، أعانه اللّه تعالى على الجواز على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام ، ومن كفّ فيه غضبه كفّ اللّه عنه غضبه يوم القيامة، ومن أغاث فيه ملهوفاً، آمنه اللّه من الفزع الأكبر يوم القيامة، ومن نصر فيه مظلوماً نصره اللّه على كلّ من عاداه في الدنيا، ونصره يوم القيامة عند ، الحساب والميزان.
شهر رمضان : شهر البركة، وشهر الرحمة، وشهر المغفرة، وشهر التوبة والإنابة، ومن لم يغفر له في شهر رمضان ففي أيّ شيء يغفر له، فاسألوا اللّه أن يتقبّل منكم فيه الصيام، ولا يجعله آخر العهد منكم، وأن يوفّقكم فيه لطاعته،
ويعصمكم من معصيته، إنّه خير مسؤول .(3)
أقول: قد بيّنا في الباب الخامس: أنّ الدعاء بتعجیل فرج مولانا الحجّة
ص: 49
عجل اللّه تعالی فرجه ، من أقسام الإعانة والنصرة،
وقد حثّ على ذلك في هذا الحديث الشريف، أن يعمل به في هذا الشهر المكرّم، وإعانة الإمام علیه السلام أفضل من سائر أصنافه، وأتمّ.
1089- ويشهد لما ذكرنا من الإهتمام بذلك الدعاء في شهر الصيام أيضاً الدعاء المروي في الإقبال، وزاد المعاد، عن سيّد العابدين، وابنه أبي جعفر الباقر علیه السلام، أوّله : اَللَّهُمَّ هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ،- وفيه : اَساَلُكَ ... أَنْ تَنْصُرَ خَلِيفَةَ مُحَمَّدٍ، وَوَصِيَّ مُحَمَّدٍ، وَالْقَائِمَ بِالْقِسْطِ مِنْ أَوْصِيَاءِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، إِعْطِفْ عَلَيْهِمْ نَصْرَكَ... إلخ.(1)
1090- ويشهد لذلك أيضاً ما رواه ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني (رحمة اللّه علیه) في كتاب الصوم من فروع الكافي، عن محمّد بن عيسى بإسناده عن الصالحين علیهم السلام قال : يكرّر في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذا الدعاء ساجداً وقائماً وقاعداً، وعلى كلّ حال، وفي الشهر كلّه، وكيف أمكنك ، ومتی حضرك من دهرك، تقول بعد تحميد اللّه تبارك وتعالى والصلاة على النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم :
اَللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ «فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ» فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ، وَلِيّاً وَحَافِظاً وَنَاصِراً وَدَلِيلاً وَقَائِداً وَعَيْنَا، حَتَّى تُسْكِنَهُ اَرْضَكَ طَوْعاً، وَتُمَتِّعَهُ فِيهَا طَوِيلاً(2)
أقول: دلّ هذا الحديث الشريف على أنّ الدعاء لذاك الأمر المنيف في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان أهمّ، وآكد من سائر الأزمان، كما أنّه في شهر الصيام أهمّ، وآكد من سائر شهور العام،
ووجهه : اجتماع جهات الإجابة، والإنابة والإثابة في الليلة المزبورة ، ونزول الملائكة والروح وانفتاح ما لا يفتح في غيرها من أبواب الفتوح بل يظهر
ص: 50
من صریح بعض الروايات أنّها ليلة القدر، الّتي هي خير من ألف شهر :
1091- وهو ما رواه ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكلينيّ (رحمة اللّه علیه) في أصول الكافي، في باب النوادر - آخر أبواب كتاب فضل القرآن - بإسناده عن الصادق علیه السلام، عن النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم إنّه قال : أُنزل القرآن في ثلاث وعشرين من شهر رمضان .(1)
فهذا الحديث بضميمة قوله عزّ وجلّ: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)
يدلّ على أنّها ليلة ثلاث وعشرين، وهذا واضح لأهل التبيين .
1092- وذكر المحقق النوري رحمة اللّه تعالى عليه في كتاب النجم الثاقب الدعاء المذكور بوجه أبسط نقلاً عن كتاب المضمار، تألیف سیّد العلماء الأبرار الّذي ينبغي أن يقتدي به عامّة أولي الأبصار، السيّد عليّ بن طاووس رحمة اللّه تعالى عليه وهو هذا:
اللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِیِّكَ الْقَائِمِ بِأَمرِكَ، الحُجَّةِ بنِ الحَسَنِ المَهديِّ عَلَیْهِ وَ عَلَی آبَائِه أَفْضَلُ الصَّلَاهِ وَ السَّلَامِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَلیّاً وَوَ حَافِظاً وَ قَائِداً وَ نَاصِراً وَ دَلِیلاً وَ مُؤَیِّداً حَتَّی تُسْكِنَهُ أَرْضَكَ طَوْعاً وَ تُمَتِّعَهُ فِیهَا طُولاً وَ عَرْضاً وَ تَجْعَلَهُ وَ ذُرِّیَّتَهُ مِنَ اَلْأَئِمَّهِ اَلْوَارِثِینَ اَللَّهُمَّ اُنْصُرْهُ وَ اِنْتَصِرْ بِهِ وَ اِجْعَلِ اَلنَّصْرَ [مِنْكَ] لَهُ وَ عَلَی یَدِهِ وَ اَلْفَتْحَ عَلَی وَجْهِهِ وَ لاَ تُوَجِّهِ اَلْأَمْرَ إِلَی غَیْرِهِ اَللَّهُمَّ أَظْهِرْ بِهِ دِینَكَ وَ سُنَّهَ نَبِیِّكَ حَتَّی لاَ یَسْتَخْفِیَ بِشَیْءٍ مِنَ اَلْحَقِّ مَخَافَهَ أَحَدٍ مِنَ اَلْخَلْقِ اَللَّهُمَّ إِنِّی أَرْغَبُ إِلَیْكَ فِی دَوْلَهٍ كَرِیمَهٍ تُعِزُّ بِهَا اَلْإِسْلاَمَ وَ أَهْلَهُ وَ تُذِلُّ بِهَا اَلنِّفَاقَ وَ أَهْلَهُ وَ تَجْعَلُنَا فِیهَا مِنَ اَلدُّعَاهِ إِلَی طَاعَتِكَ وَ اَلْقَادَهِ إِلَی سَبِیلِكَ وَ آتِنا فِی اَلدُّنْیا حَسَنَهً وَ فِی اَلْآخِرَهِ حَسَنَهً وَ قِنا عَذابَ اَلنّارِ، وَ اِجْمَعْ لَنَا خَیْرَ اَلدَّارَیْنِ وَ اِقْضِ عَنَّا جَمِیعَ مَا تُحِبُّ فِیهِمَا وَ اِجْعَلْ لَنَا فِی ذَلِكَ اَلْخِیَرَهَ بِرَحْمَتِكَ وَ مَنِّكَ فِی عَافِیَهٍ آمِینَ رَبَّ اَلْعَالَمِینَ وَ زِدْنَا مِنْ فَضْلِكَ،
ص: 51
وَ یَدِكَ اَلْمَلْأَی فَإِنَّ كُلَّ مُعْطٍ یَنْقُصُ مِنْ مِلْكِهِ وَ عَطَاؤُكَ یَزِیدُ فِی مُلْكِكَ.(1)
ومنها : الليلة السادسة من شهر الصيام،
1093- ويستفاد ذلك من الدعاء المنقول في الإقبال من كتاب محمّد بن أبي قرّة :
اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ وَإِلَيْكَ الْمُشْتَكَى، اَللَّهُمَّ أَنْتَ اَلْوَاحِدُ اَلْقَدِیمُ وَ اَلْآخِرُ اَلدَّائِمُ وَ اَلرَّبُّ اَلْخَالِقُ وَ اَلدَّیَّانُ یَوْمَ اَلدِّینِ تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ بِلاَ مُغَالَبَةٍ وَ تُعْطِی مَنْ تَشَاءُ بِلاَ مَنٍّ وَ تَمْنَعُ مَا تَشَاءُ بِلاَ ظُلْمٍ وَ تُدَاوِلُ اَلْأَیَّامَ بَیْنَ اَلنَّاسِ یَرْكَبُونَ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ أَسْأَلُكَ یَا ذَا اَلْجَلاَلِ وَ اَلْإِكْرَامِ وَ اَلْعِزَّةِ اَلَّتِي لاَ تُرَامُ
وَ أَسْأَلُكَ یَا اَللَّهُ وَ أَسْأَلُكَ يَا رَحْمَانُ أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَنْ تُعَجِّلَ فَرَجَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ فَرَجَنَا بِفَرَجِهِمْ وَ تَقَبَّلَ صَوْمِي
وَ أَسْأَلُكَ خَیْرَ مَا أَرْجُو وَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَحْذَرُ إِنْ أَنْتَ خَذَلْتَ فَبَعْدَ اَلْحُجَّهِ وَ إِنْ أَنْتَ عَصَمْتَ فَبِتَمَامِ اَلنِّعْمَهِ یَا صَاحِبَ مُحَمَّدٍ یَوْمَ حُنَیْنٍ وَ صَاحِبَهُ وَ مُؤَیِّدَهُ یَوْمَ بَدْرٍ وَ خَیْبَرَ وَ اَلْمَوَاطِنِ اَلَّتِی نَصَرْتَ فِیهَا نَبِیَّكَ عَلَیْهِ وَ آلِهِ اَلسَّلاَمُ یَا مُبِیرَ اَلْجَبَّارِینَ وَ یَا عَاصِمَ اَلنَّبِیِّینَ
أَسْأَلُكَ وَ أُقْسِمُ عَلَیْكَ بِحَقِّ یس `وَ اَلْقُرْآنِ اَلْحَكِیمِ وَ بِحَقِّ طه وَ سَائِرِ اَلْقُرْآنِ اَلْعَظِیمِ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَنْ تَحْصُرَنِي عَنِ اَلذُّنُوبِ وَ اَلْخَطَایَا وَ أَنْ تَزِیدَنِي فِی هَذَا اَلشَّهْرِ اَلْعَظِیمِ تَأْیِیداً تَرْبِطُ بِهِ عَلَی جَأْشِي وَ تَسُدُّ بِهِ عَلَی خَلَّتِي اَللَّهُمَّ إِنِّي أَدْرَأُ بِكَ فِي نُحُورِ أَعْدَائِي لاَ أَجِدُ لِي غَیْرَكَ هَا أَنَا بَیْنَ یَدَیْكَ فَاصْنَعْ بِي مَا شِئْتَ - لاَ یُصِیبُنِي إِلاَّ مَا كَتَبْتَ لِي أَنْتَ حَسْبِي وَ نِعْمَ اَلْوَكِیلُ(2)
ص: 52
ومنها : اليوم الثامن من شهر الصيام
1094- ويستفاد الإهتمام بذلك من الدعاء المروي في الإقبال :
اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أَجِدُ مِنْ أَعْمَالِي عَمَلًا أَعْتَمِدُ عَلَیْهِ وَ أَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَیْكَ أَفْضَلَ مِنْ وَلَایَتِكَ وَ وَلَایَةِ رَسُولِكَ وَ آلِ رَسُولِكَ الطَّیِّبِینَ صَلَوَاتُكَ عَلَیْهِ وَ عَلَیْهِمْ أَجْمَعِینَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَیْكَ بِمُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَتَوَجَّهُ بِهِمْ إِلَیْكَ فَاجْعَلْنِي عِنْدَكَ یَا إِلَهِي بِكَ وَ بِهِمْ وَجِیهاً فِی الدُّنْیا وَ الْآخِرَهِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِینَ فَإِنِّي قَدْ رَضِیتُ بِذَلِكَ مِنْكَ تُحْفَةً وَ كَرَامَةً فَإِنَّهُ لَا تُحْفَةَ وَ لَا كَرَامَةَ أَفْضَلُ مِنْ رِضْوَانِكَ وَ التَّنَعُّمِ فِي دَارِكَ مَعَ أَوْلِیَائِكَ وَ أَهْلِ طَاعَتِكَ
اللَّهُمَّ أَكْرِمْنِي بِوَلَایَتِكَ وَ احْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ أَهْلِ وَلَایَتِكَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي فِي وَدَائِعِكَ الَّتِي لَا تَضِیعُ وَ لَا تَرُدَّنِي خَائِباً بِحَقِّكَ وَ حَقِّ مَنْ أَوْجَبْتَ حَقَّهُ عَلَیْكَ وَ أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّیَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ تُعَجِّلَ فَرَجَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ فَرَجِي مَعَهُمْ وَ فَرَجَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَهٍ بِرَحْمَتِكَ یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ.(1)
ومنها : الليلة الثانية عشرة منه
1095- ويشهد للإهتمام به الدعاء المذكور في الكتاب المزبور :
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِمَعَاقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِكَ، وَ مُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِكَ، وَ بِاسْمِكَ الْأَعْظَمِ، وَ كَلِمَاتِكَ التَّامَّةَ الَّتِي لایُجاوِزُهُنَّ بِرٌّ وَلافاجِرٌ، فَإِنَّكَ لَاتَبِيدُ وَلَاتَنْفَدُ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَتَقَبَّلْ مِنِّي وَمِنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانِ وَقِيَامَهُ، وَتَفُكَّ رِقَابَنَا مِنَ النَّارِ.
اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاجْعَلْ قَلْبِي بَارّاً، وَعَمَلِي سَارّاً وَرِزْقِي دَارّاً، وَحَوْضَ نَبِيِّكَ عَلَيْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ لِي قَرَاراً وَ مُسْتَقَرّاً، وَتُعَجِّلْ
ص: 53
فَرَجَ آلِ مُحَمَّدٍ فِي عَافِيَةٍ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.(1)
ومنها : اليوم الثالث عشر منه ، وهذا دعاؤه:
1096- اَللَّهُمَّ إِنِّي أَدِینُكَ بِطاعَتِكَ وَوِلایَتِكَ، وَوِلایَةِ مُحَمَّدٍ نَبِیِّكَ، وَوِلایَةِ أَمِیرِ المُؤْمِنِینَ حَبِیبِ نَبِیّكَ، وَوِلایَهِ الحَسَنِ وَالحُسَیْنِ سِبْطَيْ نَبِیِّكَ وَسَیِّدَيْ شَبابِ أَهْلِ جَنَّتِكَ، وَأَدِینُكَ یا رَبِّ بِوِلایَهِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَیْنِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ وَعَلِيِّ بْنِ مُوسی وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَالحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَسَیِّدِي وَمَوْلايَ صاحِبِ الزَّمانِ
أَدِینُكَ یا رَبِّ بِطاعَتِهِمْ وَوِلایَتِهِمْ وَبِالتَّسْلِیمِ بِما فَضَّلْتَهُمْ رَاضِیاً غَیْرَ مُنْكِرٍ وَلا مُسْتَكْبِرٍ عَلَی (مَعْنی) ما أَنْزَلْتَ فِي كِتابِكَ.
اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَادْفَعْ عَنْ وَلِیِّكَ وَخَلِیفَتِكَ وَلِسانِكَ، وَالقآئِمِ بِقِسْطِكَ، وَالمُعَظِّمِ لِحُرْمَتِكَ، وَالمُعَبِّرِ عَنْكَ، وَالنّاطِقِ بِحُكْمِكَ، وَعَیْنِكَ النّاظِرَةِ، وَأُذُنِكَ السّامِعَةِ، وَشاهِدِ عِبادِكَ، وَحُجَّتِكَ عَلَی خَلْقِكَ، وَالُمجاهِدِ فِي سَبِیلِكَ، وَالُمجْتَهِدِ فِي طاعَتِكَ، وَاجْعَلْنِي وَوالِدَيَّ وَما وَلَدا وَوُلْدِي مِنَ الَّذِینَ یَنْصُرُونَهُ وَیَنْتَصِرُونَ بِهِ فِي الدُّنْیا وَالآخِرَةِ، اِشْعَبْ بِهِ صَدْعَنا وَارْتُقْ بِهِ فَتْقَنا، اَللَّهُمَّ أَمِتْ بِهِ الجَوْرَ وَدَمْدِمْ بِمَنْ نَصَبَ لَهُ وَاقْصِمْ رُؤُوسَ الضَّلالَهِ حَتّی لا تَدَعَ عَلَی الأَرْضِ مِنْهُمْ دَیّاراً(2)
ومنها : اليوم الثامن عشر، والليلة التاسعة عشر منه، ويستفاد الإهتمام به من ملاحظة الدعوات الواردة المنقولة في الإقبال(3) واللّه المستعان في كلّ حال .
ص: 54
ومنها : اليوم الحادي والعشرون منه، خصوصاً بعد أداء فريضة الصبح؛
1097- ويدلّ على ذلك ما رواه السيد الأجلّ عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في الإقبال بالإسناد عن حمّاد بن عثمان، قال : دخلت على أبي عبداللّه علیه السلام ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان، فقال لي: يا حمّاد، اغتسلت؟ قلت: نعم،
جعلت فداك، فدعا بحصير ، ثمّ قال : إلى لزقي(1)، فصل، فلم يزل يصلّي، وأنا أصلّي إلى لزقه، حتّى فرغنا من جميع صلاتنا، ثمّ أخذ يدعو، وأنا أُؤمّن على دعائه ، إلى أن اعترض الفجر، فأذّن وأقام، ودعا بعض غلمانه، فقمنا خلفه ،
فتقدّم، وصلّى بنا الغداة ، فقرأ بفاتحة الكتاب، و«إنّا أنزلناه في ليلة القدر» في الأولى، وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب، و «قل هو اللّه أحد».
فلمّا فرغنا من التسبيح والتحميد والتقديس والثناء على اللّه تعالى والصلاة على رسوله صلی اللّه علیه وآله وسلم ، والدعاء لجميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمین والمسلمات، الأوّلين والآخرین، خرّ ساجداً، لا أسمع منه إلّا النفس، ساعة طويلة، ثمّ سمعته يقول:
لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ مُقَلِّبُ الْقُلُوبِ وَالْأَبْصَارِ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ خَالِقُ الْخَلْقِ بِلَا حَاجَةٍ فِيكَ إِلَيْهِمْ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ مُبْدِئُ الْخَلْقِ، لَايَنْقُصُ مِنْ مُلْكِكَ شَيْءٌ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ بَاعِثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، مُدَبِّرُ الْأُمُورِ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ دَيَّانُ الدِّينِ
وَجَبَّارُ الْجَبَابِرَةِ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ مُجْرِى الْمَاءِ فِي الصَّخْرَةِ الْصَّمَاءِ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ مُجْرِى الْمَاءِ فِي النَّبَاتِ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ مُكَوِّنُ طَعْمِ الثَّمَارِ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ مُحْصِيَ عَدَدِ الْقَطْرِ وَمَا تَحْمِلُهُ السَّحَابُ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ مُحْصِي عَدَدَ مَا تَجْرِى بِهِ الرِّيَاحُ فِي الْهَوَاءِ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ مُحْصِيَ مَا فِي الْبِحَارِ مِنْ رَطْبٍ وَیَابِسٍ، لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ مُحْصِيَ مَا يَدُبُّ فِي ظُلُمَاتِ البِحَاِر، وَفِي أَطْبَاقِ الثَّرَی.
ص: 55
اَسْاَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوِ اسْتَأثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، وَأَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ سَمَّاكَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلِقَكَ، مِنْ نَبِيٍّ أَوْ صِدِّيقٍ، أَوْ شَهِیدٍ أَوْ أَحَدٍ مِنْ مَلَائِكَتِكَ
وَأَسْاَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي إِذَا دُعِيتَ بِهِ أَجَبْتَ، وَإِذَا سُئِلَتْ بِهِ اَعْطَيْتَ، وَأَسْاَلُكَ بِحَقِّكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِمْ وَبَرَكَاتُكَ، وَبِحَقِّهِمُ الَّذِي أَوْجَبْتَهُ عَلَى نَفْسِكَ، وَاَنَلْتَهُمْ بِهِ فَضْلَكَ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، الدَّاعِي إِلَيْكَ بِاِذْنِكَ، وَسِرَاجِكَ السَّاطِعِ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي اَرْضِكَ وَسَمَائِكَ، وَجَعَلْتَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَميِنَ، وَنُوراً إِسْتَضَاءَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ، فَبَشَّرَنَا بِجَزِيلِ ثَوَابِكَ، وَاَنْذَرَنَا الْأَلِيمَ مِنْ عَذَابِكَ، أَشْهَدُ اَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ، وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ، أَشْهَدُ أَنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ ذَائِقُوا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ
أَسْاَلُكَ يَا اَللَّهُ يَا اَللَّهُ يَا اَللَّهُ ، يَا رَبَّاهُ يَا رَبَّاهُ یَا رَبَّاهُ، یَا سَیِّدِي یَا سَیِّدِي یَا سَیِّدِي، يَا مَوْلَايَ يَا مَوْلَايَ يَا مَوْلَايَ، اَسْاَلُكَ فِي هَذِهِ الْغَدَاةِ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَجْعَلَنِي مِنْ أَوْفَرِ عِبَادِكَ وَسَائِلِيكَ نَصِيبًا، وَأَن تَمُنَّ عَلَيَّ بِفِكَاكِ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ ، یَا اَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
وَأَسْاَلُكَ بِجَمِيعِ مَا سَاَلْتُكَ وَمَالَمْ اَسْاَلُكَ، مِنْ عَظِيمِ جَلَالِكَ، مَا لَوْ عَلِمْتُهُ لَسَاَلْتُكَ بِهِ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ ، وَأَنْ تَأْذَنَ لِفَرَجِ مَنْ بِفَرَجِهِ فَرَجُ أَوْلِيَائِكَ وَأَصْفِيَائِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَبِهِ تُبِيدُ الظَّالِمِينَ وَتُهْلِكُهُمْ، عَجِّلْ ذَلِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَاَعْطِنِي سُؤْلِي يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ فِي جَمِيعِ مَا سَاَلْتُكَ ، لِعَاجِلِ الدُّنْيَا وَ آجِلِ الْآخِرَةِ
يَا مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَى مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، أَقِلْنِي عَثْرَتِي، وَأَقِلْنِي بِقَضَاءِ حَوَائِجِي، يَا خَالِقِي وَیَا رَازِقِي وَیَا بَاعِثِي، وَیَا مُحْیِي عِظَامِي وَهِيَ رَمِيمٌ، صَلِّ
ص: 56
عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَاسْتَجِبْ لِي دُعَائِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
فلمّا فرغ رفع رأسه، قلت: جعلت فداك ، سمعتك وأنت تدعو بفرج من بفرجه فرج اصفياء اللّه وأوليائه، أو لست أنت هو؟
قال علیه السلام : لا، ذاك قائم آل محمّد علیهم السلام ، قلت: فهل لخروجه علامة؟ قال :نعم، كسوف الشمس عند طلوعها ثلثي ساعة من النهار، وخسوف القمر ثلاث وعشرين، وفتنة تظلّ(1) أهل مصر البلاء، وقطع النيل(2) إكتف بما بيَّنت لك، وتوقع أمر صاحبك ليلك ونهارك، فإنّ اللّه كلّ يوم في شأن، لا يشغله شأن عن شان، ذلك اللّه ربّ العالمين، وبه تحصين أوليائه وهم له خائفون.(3)
ومنها : بعد ذكر مصيبة سيّد الشهداء ، لانّه قسم من الإنتصار له علیه السلام، كما ذكرنا في الباب السابق في المكرمة السابعة والاربعين(4)،
ويؤيّد ذلك ما ذكر بعض أصدقائي الصالحين، أنّه رأی مولانا الحجّة علیه السلام في المنام، فقال ما معناه : إنّي لادعو لمؤمن يذكر مصيبة جدي الشهيد، ثمّ يدعو لي بتعجيل الفرج والتأیید.
ومنها : بعد زيارته، أي زيارة مولانا صاحب الزمان علیه السلام ،
وقد صرّح بذلك الشهيد في الدروس.
أقول: ويشهد لذلك ورود الدعاء له بالخصوص بعد الزيارات المأثورة، المنقولة في الكتب المعمولة، وسنذكرها أو بعضها في الباب الثامن، إن شاء اللّه تعالى، ويشهد لذلك العقل والعرف أيضاً، فإن المتعارف بين الناس الدعاء
للاكابر والاعاظم حين الحضور بين أيديهم، فينبغي للمؤمن العارف بما هو المتعارف أن لا يغفل عن ذلك حين يجعل نفسه حاضر بين يدي مولاه لزيارته ، خصوصا إذا علم أن ذلك موافق لميل قلبه وإرادته بمقتضى ما قدمنا رواية من التوقيع المأثور عن ناحيته حيث قال علیه السلام :
ص: 57
«وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ...» إلخ.(1)
ومنها: عند البكاء من خشية اللّه تعالى، لأنّه أقرب الحالات، ومظّنّة استجابة الدعوات، فينبغي للمؤمن أن يذكر مولاه بالدعاء له أداءٌ لبعض ما يجب عليه من حقوقه صلوات اللّه عليه .
1098- ويشهد لذلك ما روي في الوسائل، في أبواب قواطع الصلاة ، عن محمّد بن عليّ بن الحسين، يعني الصدوق (رحمة اللّه علیه)، بإسناده عن منصور بن يونس بزرج أنّه سأل الصادق علیه السلام عن الرجل يتباكي في الصلاة المفروضة حتّى يبكي،
فقال علیه السلام : قرّة عين واللّه ، وقال علیه السلام: إذا كان ذلك فاذكرني عنده .(2)
أقول: لا يخفى أنّ الأمر بذلك لكونه إمام زمانه ، و صاحب حقّ عليه، فينبغي لكلّ مؤمن ومؤمنه العمل بذلك بالنسبة إلى إمام زمانه، أداءً لحقّه بجنانه ولسانه .
ومنها : عند تجدّد كلّ نعمة وزوال كلّ محنة، لانّه واسطة كلّ نعمة، وببركته يدفع عنّا كلّ محنة، وقد ذكرنا سابقاً أن الدعاء في حقّ واسطة النعم من أقسام الشكر المرغوب إليه، ومن هنا نقول برجحان الصلاة على محمّد وآل محمّد علیهم السلام عند تجدّد كلّ نعمة أيضاً ، فإنّهم أولياء النعم، كما في الزيارة الجامعة(3) والروايات المستفيضة، بل المتواترة .
فينبغي لأوليائه التأسّيّ به في الدعاء لكشف همّه وغمّه، مضافاً إلى أنّه قد يكون همّه سبباً لهمّ أوليائه، كما في بعض الروايات، فيتأكّد لهم الدعاء له حينئذ
ويمكن التأييد لما ذكرناه علیه السلام بقوله لا في التوقيع الّذي قدّمناه : « وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ ذلك فرجكم»، بناء على احتمال رجوع إسم الإشارة إلى الدعاء ، يعني أن هذا الدعاء يكون سبباً لفرجكم، واستراحتكم عن كلّ شدّة وغمّ إن شاء اللّه تعالی.
ومنها : في الشدائد والبليّات :
فينبغي الإكثار من الدعاء بتعجیل فرجه عند ذلك لوجوه :
الأول : أنّه باعث لدعائه كما مّر.
الثاني : دعاء الملائكة، فإنّهم يدعون لمن يدعو في حقّ المؤمن الغائب ، كما مرّ، ودعاؤهم مستجاب إن شاء اللّه تعالی .
الثالث : قوله علیه السلام : وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ ذلك فرجكم، بناء على ما ذكرناه آنفا.
الرابع : أنّ الدعاء له نحو من التوسّل به صلوات اللّه عليه ، وهو وسيلة النجاة من الشدائد والبليّات.
ومنها : بعد صلاة التسبيح : يعني صلاة جعفر بن أبي طالب، خصوصاً إذا صلّيتها يوم الجمعة، ويشهد لذلك الدعاء المأثور عن مولانا الكاظم علیه السلام المرويّ في كتاب جمال الأسبوع وغيره (1).
وفّقنا اللّه وسائر المؤمنين إن شاء اللّه تعالی.
ومنها : قبل الدعاء لنفسك وأهلك، ويدّل على ذلك ما ذكرناه في المكرمة الرابعة عشرة فراجع، مضافاً إلى أنّ ذلك مقتضى حقيقة الإيمان .
ص: 59
1099- فقد ورد في الحديث النبويّ ما حاصله: أنّ المؤمن لا يكون مؤمناً حتى يكون رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم أعزّ عليه من نفسه، وأهله أعزّ عليه من أهله، وما أهمّه أهمّ عنده من مهمّه(1)، ولا ريب في أنّ الدعاء بتعجیل فرج مولانا صاحب الزمان من مهامّ الأمور. وبه يحصل شفاء الصدور، فينبغي للمؤمن أن يبتدئ به قبل الدعاء لنفسة، وأهله، رعاية لحقّ رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم وأهله.
ومنها : يوم الغدير ، لانّه اليوم الّذي خصّ اللّه فيه أمير المؤمنين والائمّة الطاهرين بالولاية على المؤمنين، وبخلافة خاتم النبيّين صلی اللّه علیه وآله وسلم،
وهي الولاية الّتي يرثها مولانا صاحب الزمان عن آبائه المعصومین علیهم السلام ،
فإذا رأى المؤمن في هذا اليوم تسلّط الغاصبين، وتغلّب الظالمين، واختفاء حافظ الدين، بعثه إيمانه ووداده على الدعاء بتعجیل فرجه، ومسألة ظهوره، وسهولة مخرجه، ولانّه يوم تجديد العهد المأخوذ، والميثاق المشهود،
والدعاء الفرج صاحب الزمان مما يصدق ذلك العنوان،
1100- ويشهد لتأكّد ذلك الدعاء في هذا اليوم لاهل الوداد، وروده بالخصوص في الدعاء المذكور في الإقبال، وزاد المعاد .
أوّله : اللّهمّ إنّي أسألك بحقّ محمّد نبيّك، وعليّ وليّك، والشأن والقدر الّذي خصصتهما به دون خلقك ... .
وآخره: اللّهمّ فرّج عن أهل بيت محمّد نبيّك، واكشف عنهم، وبهم عن المؤمنين الكربات، اللّهمّ املأ الارض بهم عدلاٌ كما ملئت ظلماً وجوراً، وأنجز لهم ما وعدتهم إنّك لا تخلف الميعاد .(2)
ويستحبّ أيضاً في هذا اليوم أن تسأل اللّه تعالى أن يجعلك من أنصاره عجّل اللّه تعالی فرجه وظهوره.
ص: 60
1101- فقد ورد ذلك في دعاء شريف طويل مذكور في كتاب الإقبال وهذه العبارة آخر الدعاء:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِالْحَقِّ الَّذِي جَعَلْتَهُ عِنْدَهُمْ، وَبِالَّذِي فَضَّلْتَهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ جَمِيعاً، أَنْ تُبَارِكَ لَنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا الَّذِي أَكْرَمْتَنَا فِيهِ بِالْوَفَاءِ لِعَهْدِكَ، الَّذِي عَهِدْتَ إِلَيْنَا وَالْمِيثَاقِ الَّذِي وَاثَقْتَنَا بِهِ مِنْ مُوَالاَةِ أَوْلِيَائِكَ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِكَ، وَتَمُنَّ عَلَيْنَا بِنِعْمَتِكَ، وَتَجْعَلَهُ عِنْدَنَا مُسْتَقَرّاً ثَابِتاً وَلاَ تَسْلُبْنَاهُ أَبَداً، وَلاَ تَجْعَلْهُ عِنْدَنَا مُسْتَوْدَعاً فَإِنَّكَ قُلْتَ: «فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ»(1) فَاجْعَلْهُ مُسْتَقَرّاً ثَابِتاً، وَارْزُقْنَا نَصْرَ دِينِكَ مَعَ وَلِيٍّ هَادٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ قَائِماً رَشِيداً هَادِياً مَهْدِيّاً مِنَ الضَّلاَلَةِ إِلَى الْهُدَى، وَاجْعَلْنَا تَحْتَ رَايَتِهِ وَفِي زُمْرَتِهِ شُهَدَاءَ صَادِقِينَ، مَقْتُولِينَ فِي سَبِيلِكَ وَعَلَى نُصْرَةِ دِينِكَ، انتهى.(2)
وقد ورد قريب من هذه العبارة في الدعاء المذكور في زاد المعاد، وفيما ذكرناه كفاية لأهل البصيرة والإرتياد.
ومنها: مطلق الأوقات الشريفة، والليالي والأيام المتبرّكة،
1102- ويدلّ على ذلك ما في مزار البحار بإسناده عن عليّ بن محمّد بن فيض بن مختار، عن أبيه عن سادس الائمّة الاطهار، عليهم صلوات الملك العفّار أنّه سئل عن زيارة أبي عبداللّه الحسین علیه السلام فقيل : هل في ذلك وقت هو أفضل من وقت؟ فقال علیه السلام : زوروه صلّى اللّه عليه في كلّ وقت، وفي كلّ حين،
فإنّ زيارته علیه السلام خير موضوع، فمن أكثر منها فقد استكثر من الخير، ومن قلّل قلّل له، وتحرّوا بزيارتكم الأوقات الشريفة، فإنّ الاعمال الصالحة فيها مضاعفة، وهي اوقات مهبط الملائكة لزيارته، الحديث.(3)
ص: 61
أقول: محل الشاهد قوله علیه السلام : فإن الأعمال الصالحة فيها مضاعفة، إذ لا ريب في أنّ الدعاء من أفضل العبادات، ولا سيّما الدعاء المذكور، أعني مسألة تعجيل الفرج والظهور لإمامنا المظلوم المستور،
وما ذكرناه واضح كالنور، على شاهق الطور.
ومنها : إذا حضرت مجالس المخالفين، وغاصبي حقوق الأئمّة الطاهرين،
1103- لما روي في كامل الزيارات - في باب زيارات الحسين علیه السلام -:
أنّ يونس بن ظبيان قال لأبي عبداللّه علیه السلام: جعلت فداك ، إنّي أحضر مجالس هؤلاء القوم - يعني ولد س اب ع(1) . فما أقول؟
قال علیه السلام: إذا حضرتهم وذكرتنا فقل :
اللّهمّ أرنا الرخاء والسرور فإنّك تأتي على كلّ ما تريد ... إلخ(2)
إذ لا يخفى أنّ هذا دعاء لحصول الفرج، وظهور الدولة الحقّة،
وهو دعاء جامع، كما نبّه عليه بقوله علیه السلام : فإنّك تأتي على كلّ ما تريد .
ثمّ لا يخفى أن الدعاء بهذه العبارة لمكان التقيّة، فلا خصوصيّة لها، بل يستفاد منها محبوبيّة الدعاء لفرجهم، والإهتمام به عند حضور مجالس المخالفين بكلّ ما تيسّر للمؤمن من كيفيّات الدعاء لحصول فرجهم، وظهور دولتهم الّتي وعدها اللّه عزّ وجلّ بمنّه وكرمه إنّه قريب مجيب.
ومنها : أن يداوم بالدعاء للفرج أربعين يوماً، فإنّ للمداومة بكلّ عبادة أربعين يوماً أثراً خاصّاً، وفوائد مخصوصة، ولذلك ورد الترغيب بذلك في الأخبار المأثورة عن الأئمّة الأطهار علیهم السلام عموماً وخصوصاً :
1104- أمّا الأوّل : فالحديث النبويّ المعروف، المروي في عدّة من الكتب المعتبرة : ما أخلص عبد للّه عزّ وجلّ أربعين صباحاً إلّا جرت ينابيع الحكمة من
ص: 62
قلبه على لسانه ، إنتهی .(1)
وورد بهذا المضمون أو قريب منه روایات عديدة .
1105- وأما الثاني : فهو ما روي في البحار عن تفسير العيّاشيّ، عن فضل ابن أبي قرة، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: أوحى اللّه إلى إبراهيم :
إنّه سيولد لك، فقال لسارة، فقالت : ألد وأنا عجوز؟! فأوحى اللّه إليه :
إنها ستلد، ويعذّب أولادها أربعمائة سنة بردّها الكلام عليَّ، قال : فلمّا طال على بني إسرائيل العذاب ضجّوا وبكوا إلى اللّه أربعين صباحاً، فأوحى اللّه إلى موسى وهارون أن يخلّصهم من فرعون، فحطّ عنهم سبعين ومائة سنة .
قال : وقال أبو عبداللّه علیه السلام : وهكذا أنتم ، لو فعلتم لفرّج اللّه عنّا ،
فأمّا إذا لم تكونوا، فإنّ الأمر ينتهي إلى منتهاه .(2)
أقول: قد مرّ ما يتعلّق بشرح هذا الحديث في الباب السابق(3)
ويدلّ على المقصود أيضاً الترغيب بقراءة دعاء العهد، المروي عن الصادق علیه السلام أربعين صباحاً، فلا تغفل .(4)
ومنها : شهر المحرّم، وكلّ يوم وقع فيه ظلم من الاعداء على الأئمّة النقباء ، فإنّ إيمان المؤمن وودّه لهم، وحزنه عليهم، يبعثه على المطالبة بذحولهم، وأوتارهم، وظلامتهم، وذلك لايتيسّر في مثل هذه الأزمان إلّا بمسألة تعجيل ظهور مولانا صاحب الزمان ، كما لا يخفى .
تتميم نفعه عميم: إعلم أنه كما يتأكّد الدعاء بتعجیل فرج مولانا الحجّة علیه السلام في أزمنة مخصوصة كذلك يتأكّد في أمكنة مخصوصة، إمّا للتأسّي به علیه السلام ، أو الرواية ذلك عن الأئمّة الكرام، أو لاعتبارات عقليّة مقبولة عند أولي الأفهام.
ص: 63
فمنها : المسجد الحرام، ويشهد لذلك . مضافاً إلى أنّه من مظانّ الإجابة فينبغي الإهتمام فيه بما علم أهمّيته عند اللّه عزّ وجلّ وعند أوليائه، وعرف أعمّيّة نفعه لاحبّائه - دعاؤه (عجل اللّه تعالی فرجه) لذلك في ذاك المقام :
1106- فقد روى الشيخ الصدوق في إكمال الدين قال : حدّثنا محمّد بن موسی بن المتوكّل قال : حدّثنا عبداللّه بن جعفر الحميري (رحمة اللّه علیه) قال: سألت محمّد بن عثمان العمري (رحمة اللّه علیه) فقلت له : أرأيت صاحب هذا الأمر؟ فقال : نعم، وآخر عهدي به عند بيت اللّه الحرام، وهو يقول: اللّهمّ انجز لي ما وعدتني.(1)
1107۔ وقال الصدوق أيضاً : حدّثنا محمّد بن موسی بن المتوكّل قال :
حدّثنا عبداللّه بن جعفر الحميري قال : سمعت محمّد بن عثمان العمري (رحمة اللّه علیه)
يقول: رأيته صلوات اللّه عليه متعلقة بأستار الكعبة في المستجار، وهو يقول:
اللّهم انتقم لي من أعدائي .(2)
ومنها : العرفات، في محلّ الوقوف :
ويدلّ على ذلك وروده في الدعاء المرويّ عن الصادق علیه السلام ، في ذلك المقام، والدعاء مذكور في زاد المعاد ، فليرجع إليه أخبار العباد .(3)
ومنها : السرداب، يعني سرداب الغيبة في سامرّاء،
ويشهد للإهتمام بالدعاء هناك ما ورد في كتب الزیارات،
ولعلّنا نذكر بعضها في الباب الثامن إن شاء اللّه تعالی
ومنها : المقامات المنسوبة إليه، ومشاهده ، ومواقفه المباركة بيمن وقوفه علیه السلام فيها، كمسجد الكوفة، ومسجد السهلة، ومسجد صعصعة، ومسجد جمكران
ص: 64
وغيرها، لأنّ عادة أهل المودّة جارية على أنّهم إذا شهدوا موقفاً من مواقف محبوبهم تذكّروا لأخلاقه، وتألّموا لفراقه، ودعوا في حقّه، بل يانسون بمواقفه، ومنزله حبّاً له، كما قيل:
أمّر على الديار دیار ليلى***أقبّل ذا الجدار وذا الجدارا
فما حبّ الدیار شغفن قلبي***ولكن حبّ من سكن الديارا
وقيل أيضاً في هذا المعنی:
ومن مذهبي حبّ الدیار لاهلها***وللناس فيما يعشقون مذاهب
فينبغي للمؤمن المخلص إذا دخل السرداب المباركة أوشهد موقفاً من مواقفه الكريمة المشرّفة، أن يتذكّر صفات مولاه، من صفات الجمال والجلال، والكمال وما هو فيه من بغي أهل العناد والضلال، ويتفجّع غاية التفجّع من تصوّر تلك الأحوال، ويسأل من القادر المتعال أن يسهّل فرج مولاه، ويعطيه ما يتمنّاه ، من دفع الأعداء ونصر الأولياء.
هذا، مضافاً إلى أنّ المقامات المذكورة مواقف عبادته ودعائه علیه السلام.
فينبغي للمؤمن المحبّ التأسّي به في ذلك، فإنّ الدعاء بتعجیل فرجه، وكشف الكرب عن وجهه، من أفضل العبادات، وأهمّ الدعوات.
ومنها : حرم مولانا الشهيد المظلوم أبي عبداللّه الحسين علیه السلام لانّ المؤمن إذاتصوّر في حرمه الشريف ما وقع عليه وعلى أهله، من أنواع الظلم والمصائب وعلم أنّ الطالب بدمه والمنتقم من أعدائه وظالمية، مولانا الصاحب، بعثه عقله وحبّه إلى الدعاء بتعجيل فرجه وظهوره، دعاء المحبّ الراغب،
1108- ويشهد لذلك ما في رواية أبي حمزة الثماليّ، المروية في كامل الزيارات، في الباب التاسع والسبعين، عن الصادق علیه السلام ، حيث قال في موضع من تلك الزيارة بعد الصلاة على الحسين صلوات اللّه عليه :
وتصلّي على الأئمّة علیهم السلام كلهم، كما صلّيت على الحسن والحسين علیهماالسلام ،
ص: 65
وتقول : اللّهمّ أتمم بهم كلماتك، وأنجز بهم وعدك ... إلخ .(1)
وفي موضع آخر منها قال علیه السلام : ثمّ ضع خدّك عليه وتقول :
اللّهمّ ربّ الحسین، اشف صدر الحسين،
اللّهمّ ربّ الحسين، أُطلب بدم الحسين علیه السلام ، إلخ.(2)
ووجه الدلالة واضح، لانّ مولانا الحجّة علیه السلام هو الّذي يطلب بدم الحسين ، ويشفي صدره بالإنتقام من أعدائه .
ومنها: حرم مولانا الرضا علیه السلام لورود ذلك في الزيارة المرويّة في كامل الزيارات:
1109- ففيها : بعد الصلاة على كلّ واحد من الأئمّة علیهم السلام :
اللّهمّ صلّ على حجّتك ووليك ، والقائم في خلقك، صلاة نامية باقية ، تعجلّ بها فرجه، وتنصره بها ... إلخ.(3)
ومنها : حرم العسكريّين علیهماالسلام بسرّ من رأى،
1110- ويشهد له ما ورد في زيارة مذكورة لهما في الكتاب المذكور : اللّهمّ عجّل فرج وليّك وابن وليّك، واجعل فرجنا مع فرجهم، يا أرحم الراحمين .
ومنها : مشهد كلّ واحد من الأئمّة علیهم السلام
لأنّه من أفضل ما يتقرّب به إليهم ويسرّهم، ويزلف لديهم، ويشهد لذلك ما ورد في كامل الزيارات(4) في باب الزيارة لجميع الأئمة علیهم السلام ، فراجع،
بل يمكن أن يقال : إنّ هذا الدعاء من أهمّ وظائف الأنام، في كلّ مكان له خصوصيّة واحترام قال اللّه تعالى شأنه : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ... ) الآية(5)، فإنّ ذلك الدعاء من أفضل الأذكار، وأحبّها عند أُولي الأبصار وأهمّها عند أهل الإعتبار، فينبغي الإهتمام به في آناء الليل وأطراف النهار .
ص: 66
«من الكتاب»
يشتمل على ثلاثة مقاصد:
المقصد الأوّل :
في ذكر مطالب ينبغي التنبيه عليها قبل الشروع في المقصود وهي أمور:
الأوّل: إعلم أنّ الفوز بجميع الفوائد والمثوبات المذكورة في الباب الخامس يتوقّف على المداومة والإكثار من الدعاء بتعجیل فرج مولانا الغائب عن الأبصار، لأنّ جملة من الفوائد المذكورة إنّما يترتّب على امتثال أمره المطاع الأعلى في التوقيع الشريف الّذي مرّ ذكره:
«وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ... » إلخ، فراجع وتدبّر .
الثاني: ينبغي ويؤكّد للداعي تهذيب النفس عمّا يمنع عن قبول العبادة من الصفات الرديّة، والملكات المُردية، والأعمال الموبقة،
كحبّ الدنيا الدنيّة، والكبر ، والحسد، والغيبة، والنميمة وغيرها، لانّ الدعاء من أفضل العبادات الشرعيّة، خصوصاً الدعاء لمولانا الحجّة بالفرج والظهور والعافية، ويجب أن تكون نيّته في الدعاء خالصة عن جميع الشوائب النفسانيّة، والأهوية الشيطانيّة ،
ص: 67
فإنّ تخليص القصد من أهمّ مايجب على الإنسان مراعاته، كما دلّت على ذلك من القرآن آیاته(1) وتواتر عليه من قول النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم روایاته(2)
وفّقنا اللّه وسائر المؤمنين إن شاء اللّه تعالی.
الثالث : يتوقّف كمال المثوبات والمكارم المذكورة على تحصيل التقوى، لقوله تعالى : (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)(3)، فكما أنّ للتقوی درجات، فللقبول ايضاً درجات، فمن كانت التقوى فيه أقوى، فالمكارم الحاصلة له من ذلك الدعاء أكمل، وأجلى، وكذا الحال في سائر العبادات الشرعيّة، من أقسامها الفرضيّة، والنفليّة،
وإنّما قلنا: يتوقّف كمال المثوبات على ذلك، لأنّ الظاهر من جملة من الآيات كقوله تعالى : (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا)(4)
وقوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)(5)
وقوله تعالى : (أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ)(6)
وقوله تعالى : (أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ)(7) ونحوها۔
ترتّب الثواب على الأعمال الصالحة، وإن كان العامل مذنباً،
فمقتضى الجمع، بشهادة الروايات الكثيرة ترتّب كمال الثواب على التقوى،
ولبسط الكلام مقام آخر.
الرابع : قد ظهر من مطاوي كلماتنا فيماسبق، ترتّب المثوبات والمكارم المذكورة على إكثار الدعاء له علیه السلام بتعجيل الفرج والظهور، سواء كان بالفارسيّة
ص: 68
أم بالعربيّة، أم غيرها من اللغات والألسنة، لإطلاق الأدلّة والروايات المأثورة المذكورة، كقوله علیه السلام : «واكثروا الدعاء بتعجيل الفرج»، وقول العسكري علیه السلام :«ووفّقه للدعاء بتعجیل فرجه(1)» وغيرها.
الخامس: أنّه لا فرق في ذلك بين النظم والنثر، وكذا لا فرق بين أن يكون عبارة الدعاء من منشآت الداعي أو غيره، لعين ما مرّ في الرابع آنفاً .
السادس: يجوز تأليف الدعاء باللغة العربية للعارف باللسان وبكيفيّة الدعاء للأصل، وللعمومات، والإطلاقات الآمرة بالدعاء، من غير تخصیص بلغة من اللغات، أو نحو من الأنحاء.
1111- ويؤيّد ذلك ما روي في البحار، نقلاً عن خطّ الشهيد (رحمة اللّه علیه) : عن أمير المؤمنين علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم : إنّ الدعاء يردّ البلاء وقد أُبرم إبراماً
قال الوشّاء : فقلت لعبد اللّه بن سنان : هل في ذلك دعاء موقّت؟
فقال : أما إنّي سالت الصادق علیه السلام ، فقال علیه السلام: نعم،
أمّا دعاء الشيعة المستضعفين ففي كلّ علّة من العلل دعاء موقّت،
وأمّا المستبصرون البالغون، فدعاؤهم لايحجب (إنتهى).(2)
1112- ويشهد لما ذكرنا أيضاً ما روي في الكافي، والتهذيب والوسائل، مسنداً عن إسماعيل بن الفضل، قال: سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن القنوت وما يقال فيه ، قال : ما قضى اللّه على لسانك، ولا أعلم فيه شيئاً موقّتاً.(3)
إذ لا فرق بين القنوت وغيره، ويشهد لذلك روايات أخر تركناها اختصارة .
1113- فإن قلت : قد روي في الكافي والفقيه، عن عبدالرحيم القصير ، قال : دخلت على أبي عبداللّه علیه السلام فقلت : جعلت فداك ، إنّي اخترعت دعاء،
ص: 69
قال علیه السلام: دعني من اختراعك، إذا نزل بك أمر فافزع إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم فصلّ ركعتين تهديهما إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ... الحديث(1).
فقد أمر الصادق علیه السلام بترك الدعاء المخترع .
قلت : إنّ هذا الأمر ليس على سبيل الحتم والإلزام، بقرينة ما تقدّم من الأدلة على جواز الدعاء بكلّ نحو من الكلام، بل المراد بيان الأفضل، وهو ما أخذ عن الأئمّة المعصومين علیه السلام ، فإنّ أفضليّة الدعوات المأثورة عنهم ممّا لاریب فيه، ولاكلام، لانّهم العارفون بصفات الخالق المتعال، وكيفيّة المسألة ، والمناجاة والتذلّل له عزّ وجلّ، وما ورد عنهم أكد تأثيراً، وأسرع إجابة البتّة ،
ومنهم تعلّمت الملائكة التسبيح والتقديس، كما ورد في الحديث.(2)
السابع : هل يكفي إخطار الدعاء بالجنان من دون إظهار باللسان؟
الظاهر عدم الكفاية، لعدم صدق العنوان عند أهل العرف واللسان .
1114- فإن قلت: قد روي في أصول الكافي بسند صحيح، عن زرارة، عن أحدهما علیهماالسلام قال : لايكتب الملك إلّا ما سمع،
وقال اللّه عزّ وجلّ: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً)(3) فلا يعلم ثواب ذلك الذكر في نفس الرجل غير اللّه عزّ وجلّ لعظمته، إنتهی .(4)
فكما أنّ الذكر بالقلب يكون ذكراً ويثاب عليه ، فكذلك الدعاء، لانّه من أقسام الذكر .
قلت : الدعاء أخصّ من الذكر، ولمّا كان الذكر مقابلاً للغفلة والذهول، صدق على الذاكر بالقلب، أنّه ذاكر للّه تعالى، والدعاء مقابل للسكوت،
فلا يصدق إلّا بإجرائه على اللسان، كما نبّهنا عليه في أوّل العنوان .
ص: 70
الثامن : قال الشيخ الكبير في كشف الغطاء:
الدعاء قائماً أفضل من الجلوس، والجلوس من الإضطجاع.
التاسع : قد تقدّم أنّ الدعاء بما روي عن الأئمّة المعصومين أفضل وأولی، لما سبق في الأمر السادس، مضافاً إلى ما ورد في الآيات والروايات من الأمر باتّباعهم، وأخذ العلم وكيفيّة الطاعة والعبادة عنهم،
كقول اللّه تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي)(1)،
وقوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ)(2) لانّ الذكر هو رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، لقوله تعالى شأنه : (إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ...)(3) إلخ.
فأهل بيته المعصومون هم أهل الذكر، كما ورد تفسيره بهم صلوات اللّه عليهم أجمعين ، في روايات عديدة، مذكورة في محلّها(4)
ومضافاً إلى الأمر بقراءة الأدعية المرويّة عنهم، والمثوبات الموعودة المترتّبة عليها المضبوطة في كتب الدعوات،
ومضافاً إلى ذكرهم، ونقلهم الأدعية الواردة عن كلّ واحد، ليعرف المؤمنون، ويعملوا عليها، وغير ذلك من الشواهد الّتي توجب القطع بأفضليّة الدعوات المأثورة عنهم على غيرها ، مضافاً إلى أنّ شرف الكلام بقدر شرف المتكلّم، ولهذا قيل : إنّ كلام الملوك ملوك الكلام.
والحاصل : أنّ تقدّم إختيار ما ورد عنهم من الأدعية على الدعاء الّذي يؤلّفه الشخص بسليقته ولسانه ممّا لاريب فيه، ولا شبهة تعتريه ،
لكن قد ورد حديثان يوهم ظاهرهما خلاف ذلك، فلا بدّ من توجيههما، رواهما المحدّث العاملي في الوسائل :
1115- أحدهما عن زرارة، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام علّمني دعاءً،
ص: 71
فقال علیه السلام : إنّ افضل الدعاء ما جرى على لسانك .(1)
1116۔ والثاني من كتاب عبداللّه بن حمّاد الأنصاري: بإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام انّه سال سائل أن يعلّمه دعاءً، فقال : (مثله).(2)
أقول: يحتمل أن يكون ذلك السائل زرارة، وهذا الراوي نقل سؤاله،
وعلى كلّ حال يحتمل كلّ منهما وجوهاً:
أحدها : أن يكون المراد بما جرى على اللسان ذكر فضائل الأئمّة، ورواية احادیثهم، ونشر أحكام الشريعة عنهم، ومجادلة أعدائهم والإحتجاج عليهم، فإنّها أفضل من الدعاء، لما فيه من إبقاء آثار الدين وإعلاء أعلام اليقين، ودعوة الناس إلى اتّباع سيّد المرسلين، ومنافع ذلك عامّة بالنسبة إلى سائر الخلق .
1117- ويشهد لذلك ما روي في أصول الكافي : بإسناده عن معاوية بن عمار، قال: قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : رجل راوية لحديثكم، يبثّ ذلك في الناس، ويشدده في قلوبهم وقلوب شيعتكم ، ولعلّ عابداً من شيعتكم ليست له هذه الرواية، أيّهما أفضل؟ قال علیه السلام :
الراوية لحديثنا، يشدّ به في قلوب شيعتنا، أفضل من ألف عابد، إنتهی .(3)
ولمّا كان زرارة أهلاً لذلك أمره به، وبيّن أنّه أفضل ممّا سأله،
والحاصل أنّ الدعاء بالمعنى اللغوي قسمان :
أحدهما : نداء اللّه تعالى للسؤال منه عزّ وجلّ .
والثاني : نداء الخلق لدعوتهم، وهدايتهم إلى اللّه عزّ وجلّ، فهما فردان للدعاء، والراوي لمّا سأله علیه السلام من القسم الأول، وكان من أهل القسم الثاني، حثّه عليه، وبيّن له أنّه أفضل بقوله علیه السلام: أفضل الدعاء ما جرى على لسانك،
وهذا وجه لطيف يظهر للمتدرّب المأنوس بكلماتهم عليهم الصلاة والسلام
ص: 72
الوجه الثاني: أن يكون المراد بالدعاء ما هو المتداول المعهود، المروي عنهم علیهم السلام ، يعني أنّ الأفضل إختيار ما جرى على لسانك من الدعوات الماثورة، لأنّ ذلك إنّما يكون بسبب أمر قلبي زمامه بيد اللّه عزّ وجلّ.
الوجه الثالث : أن يكون المراد بما جرى من الدعاء على اللسان ما يكون مقترناً بالخضوع، وحضور القلب، فإنّه أفضل من الدعاء بغير هذا الحال، وإن كان مأثوراً عنهم علیهم السلام.
فالغرض من هذا الكلام : التنبيه على أنّ المهمّ حضور القلب، والتوجّه التامّ إلى الملك العلّام، فإنّه المقصود الاصلي من الدعاء،
ولمّا كان الجريان على اللسان ناشياً عمّا في الجنان، بیّن المطلب بهذا العنوان، والحاصل أنّ النسبة بين الدعاء وحضور القلب عموم من وجه، فقد يجتمعان وقد يفترقان، والمطلوب هو الإجتماع، سواء كان في الدعاء بالمأثور أم بغير المأثور.
وهذا لا يدلّ على أفضليّة الدعاء بغير المأثور، بل يدلّ على أفضليّة الدعاء المقرون بالخضوع، وحضور القلب بأيّ لفظ كان.
الوجه الرابع : أنّه لمّا كان زرارة من خواصّهم - والعالم برموز أقوالهم وأحاديثهم ولا يجري على لسانه إلّا بمقتضی مرادهم و مفهوم كلامهم-
خصّه علیه السلام بهذه الخصوصيّة وفضّله بتلك الفضيلة .
العاشر: يجب الترتيب في الأدعية المنقولة عنهم علیهم السلام ، لأنّها توقيفيّة كسائر العبادات، فمخالفة الترتيب المأثور عنهم بقصد الورود بدعة بلا شبهة ،
لكن قراءة بعض فقراتها بقصد مطلق الدعاء لا ضير فيه،
للأصل، ولعمومات الأمر بالدعاء كما لا يخفی.
الحادي عشر : قد ظهر ممّا ذكرنا آنفاً أنّه لا يجوز الزيادة في الدعوات المرويّة بقصد الورود لانّها تشريع، وأمّا الزيادة بقصد مطلق الذكر ففيها وجهان :
ص: 73
أحدهما: الجواز، لما ورد في روايات عديدة أنّ ذكر اللّه حسن في كلّ حال وقد جوّزوا ذلك في الصلاة أيضاً نظراً إلى ذلك، فالأمر في الدعاء أسهل.
والثاني : المنع، لما روي في أصول الكافي مسنداً :
1118- بسند معتبر كالصحيح عن العلاء بن كامل قال :
سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: («وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ)(1) عند المساء، لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَيُمِيتُ وَيُحْيِي، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، قال: قلت: بيده الخير، قال علیه السلام : إن اللّه بيده الخير ولكن قل كما أقول لك عشر مرّات، «وَأُعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْشُ، وَحِينَ تَغْرُبُ» عشر مرات.(2)
فإنّ ترك الاستفصال في هذا الحديث - خصوصاً بملاحظة ورود كلمة بيده الخير في ذلك التهليل في عدّة روایات مرويّة في الكتاب المذكور - يدلّ على لزوم متابعتهم علیهم السلام في الدعوات، والأذكار المأثورة عنهم، من غير زيادة ونقصان، فإنّهم أهل الذكر ، الّذين أُمرنا بالسؤال عنهم، واقتفاء آثارهم،
وهو علیه السلام لم يستفصل بين أن يقوله بقصد الورود أو بقصد مطلق الذكر .
1119- ويدلّ على ذلك أيضاً ما روي في إكمال الدين : عن عبداللّه بن سنان، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : ستصيبكم شبهة، فتبقون بلا علم يُری ولا إمام هدى، ولا ينجو منها إلّا من دعا بدعاء الغريق،
قلت : كيف دعاء الغريق؟ قال : يقول:
یَا اَللَّهُ يَا رَحْمنُ يَا رَحِيمُ، يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، فقلت : يا اللّه يا رحمان، يا رحيم، يا مقلّب القلوب والأبصار ثبّت قلبي على دينك»، قال : إنّ اللّه عزّ وجلّ مقلّب القلوب والأبصار ولكن قل كما أقول لك :
ص: 74
یَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ،(1)
1120- وفي الوسائل، عن الخصال : بإسناده عن إسماعيل بن الفضل، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ:
(وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا)(2)
فقال علیه السلام : فريضة على كلّ مسلم أن يقول قبل طلوع الشمس عشر مرّات ، وقبل غروبها عشر مرّات : لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، قال: فقلت : لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَيُمِيتُ وَيُحْيِي، فقال علیه السلام : يا هذا، لا شكّ في أن اللّه يحيي ويميت، ویمیت ويحيى، ولكن قل كما أقول.(3)
أقول: يمكن الجمع بين الوجهين بأن يقال : إنّ لكلّ دعاء وذكر أثراً خاصّاً كالأدوية والعقاقير، لكن لا يحصل الأثر المقصود منها إلّا بالترتيب والتركيب المأخوذ عن الطبيب الحاذق، وإن كان لها أثر أيضاً بغير ذلك الترتيب،
فكذلك الدعوات والأذكار، لا يحصل الأثر الخاصّ منها إلّا بمراعاة الكيفيّة الخاصّة، المأثورة عن الأئمّة الطاهرين، الّذين هم أطبّاء النفوس،
ولذلك قال علیه السلام: إنّ اللّه مقلّب القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول لك
وعلى هذا يكون الأمر إرشادياً، فلا ينافي أدلّة الجواز فتدبّر، أو يحمل على الأفضل، كما هو المقرّر في أدلّة المندوبات لو قلنا بكون الأمر مولويّاً.
الثاني عشر : يجوز التكلّم في أثناء الدعوات المأثورة للأصل، وهل ينافي ذلك الأثر المطلوب أم لا؟ الظاهر أنّه إذا كان بمقدار لا ينافي صدق الإشتغال عرفاً لم يضرّ بالمقصود، وإلّا فالوجه الاستئناف، لأنّ الأوامر الواردة بالدعوات
ص: 75
المنقولة غير مقيّدة بالسكوت، وعدم التكلّم في أثنائها، فتحمل على ما هو المتعارف، لكن لا ريب في منافاته للكمال،
فينبغي مراعاة ما يقتضيه في كلّ حال، ومن هنا ظهر أنّه لو نذر ترك التكلّم في أثناء الدعاء انعقد نذره لرجحان ذلك، كما لايخفی.
الثالث عشر: يجوز قطع الدعاء للأصل.
وإن قلت: إنّ قوله تعالى : (لَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)(1) يدلّ على عدم الجواز ،
قلنا : يحتمل أن يكون المراد النهي عن إبطال العمل التامّ، بأن يأتي العامل بعد إتمام فعله بما یوجب فساده ، كالعجب، والإيذاء، والشرك، وسائر ما يحبط أثر العبادة، ومن هذا القبيل قوله تعالى : (لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى)(2)
(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ)(3).
ويحتمل : أن يكون المراد النهي عن إيجاد العمل على وجه باطل، من قبيل : ضيِّق فم الركيّة ، يعني أوجده ضيّقاً، وأجلسته أي جعلته جالساً، وأوسعت الدار أي بنيتها واسعة، ويحتمل أن يكون المراد : لا تقطعوا أعمالكم،
والظاهر كما ذكره بعض الأساطين هو الإحتمال الأوّل، وإن أبيت عن ذلك، وقلت بتساوي الإحتمالات سقط الإستدلال أيضاً، وبقي الأصل سليماً، فتدبّر .
الرابع عشر : يستحبّ رفع الصوت بالدعاء لتعجيل فرج خاتم الاوصياء علیه السلام ولا سيّما في المجالس المعدّة للدعاء، لانّ ذلك من تعظيم شعائر اللّه، وشعائر اللّه معالمه، وعلامات دينه، (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)(4).
1121- ولقول الإمام علیه السلام في دعاء الندبة : إلى متى أجأر فيك يا مولاي، وإلى متى، في القاموس : جأر - كمنع - جأراً وجؤراً: رفع صوته بالدعاء، وتضرّع واستغاث.
ص: 76
وفي المجمع: قوله تعالى في (فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ)(1): أي ترفعون أصواتكم بالدعاء يقال : جأر القوم إلى اللّه جؤراً : إذا دعوا إليه، وعجّوا برفع أصواتهم.(2)
1122- ومنه الحديث : كأنّي أنظر إلى موسی علیه السلام له جؤار إلى ربّه بالتلبية (3) يريد الاستغاثة ورفع الصوت .
1123 - الخامس عشر : يستحبّ الإجتماع في الدعاء، لما روي في أصول الكافي بإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام، قال : ما من رهط أربعين رجلاً، اجتمعوا فدعوا اللّه عزّ وجلّ في الأمر إلّا استجاب اللّه لهم، فإن لم يكونوا أربعين فأربعة يدعون اللّه عزّ وجلّ عشر مرّات إلّا استجاب اللّه لهم، فإن لم يكونوا أربعة فواحد يدعو اللّه أربعين مرّة، فيستجيب اللّه العزيز الجبّار له .(4)
1124- وفيه : عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : كان أبي إذا أحزنه أمر جمع النساء والصبيان ثمّ دعا و أمّنوا .(5)
السادس عشر : يجوز بل يستحبّ إهداء ثواب الدعاء له علیه السلام إلى الأموات لعموم ما ورد في الإهداء إليهم، كما أنّه يجوز، بل يستحبّ النيابة عنهم في ذلك، كسائر الأعمال المندوبة، بأن يدعو المؤمن في حق مولاه صاحب الزمان علیه السلام ، ويسأل من اللّه عزّ اسمه تعجیل فرجه وظهوره، بقصد النيابة عن والديه ، أو سائر أمواته، بل أموات المؤمنين والمؤمنات .
ويدلّ على المقصود عموماً وخصوصاً عدّة روايات :
1125۔ منها ما في الوسائل عن حمّاد بن عثمان، في كتابه قال :
قال أبو عبداللّه علیه السلام: من عمل من المؤمنين عن ميّت عملاً أضعف اللّه له أجره، وينعم به الميّت.(6)
ص: 77
1126- وعن عمر بن يزيد قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : من عمل من المؤمنين عن ميّت عملاً صالحاً أضعف اللّه أجره، وينعم به الميّت.(1)
1127- وعن حمّاد بن عثمان، عن الصادق علیه السلام ، قال :
إنّ الصلاة والصوم والصدقة، والحجّ والعمرة، وكلّ عمل صالح ينفع الميّت، حتّى أنّ الميت ليكون في ضيق فيوسّع عليه، ويقال : هذا بعمل ابنك فلان، وبعمل أخيك فلان، أخوك في الدين .(2)
1128- وعن هشام بن سالم في أصله - وهو من رجال الصادق والكاظم علیهماالسلام - قال : قلت له : يصل إلى الميّت الدعاء والصدقة والصوم ونحوها؟
قال: نعم، قلت : ويعلم من يصنع ذلك به؟ قال: نعم، ثمّ قال : یكون مسخوطاً عليه فرضي عنه .(3)
1129- وعن العلاء بن رزين، عن الصادق علیه السلام قال :
يقضي عن الميّت الحجّ والصوم والعتق، وفعال الخير .(4)
1130- وعن البزنطي، عن الرضا علیه السلام قال :
يقضي عن الميّت الصوم، والحجّ، والعتق، وفعله الحسن.(5)
1131- وعن صاحب الفاخرة، قال : ممّا أُجمع عليه، وصحّ من قول الأئمّة علیهم السلام يقضى عن الميّت أعماله الحسنة كلّها (6).
إلى غير ذلك من الأخبار الّتي تركنا ذكرها للإختصار .
1132- ويشهد لذلك أيضا ما ورد في الدعاء :
«اللّهمّ بلغ مولاي صاحب الزمان علیه السلام عن جميع المؤمنين والمؤمنات، في مشارق الأرض ومغاربها» إلى آخره .(7)
ص: 78
السابع عشر : يجوز بل يستحب النيابة في ذلك العمل المبارك عن الأحياء أيضاً، خصوصاً الوالدين، وذوي القرابة ،
ويدلّ على ذلك تصريحاً أو تلویحاً روایات :
1133- منها ما في الوسائل: عن عليّ بن أبي حمزة، قال : قلت لابي إبراهيم علیه السلام: أحجّ، وأُصلّي، وأتصدّق عن الأحياء والأموات من قرابتي وأصحابي؟ قال: نعم، تصدّق عنه وصلّ عنه، ولك أجر بصلتك إيّاه،
قال ابن طاووس (رحمة اللّه علیه) فيما حكي عنه بعد نقل الحديث -:
يحمل في الحيّ على ما يصحّ فيه النيابة، إنتهى .(1)
1134- وعن محمّد بن مروان، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام :
ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين وميّتين؟ يصلّي عنهما، ويتصدّق عنهما، ويحجّ عنهما، ويصوم عنهما، فيكون الّذي صنع لهما، وله مثل ذلك ، فيزيده اللّه عزّ وجلّ ببرّه وصلته خيراً كثيراً، قال في الوسائل :
الصلاة عن الحيّ مخصوص بصلاة الطواف والزيارة لما يأتي .(2)
1135- أقول : الظاهر أنّ غرضه ممّا يأتي خبر عبداللّه بن جندب ، قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام أسأله عن الرجل يريد أن يجعل أعماله من البرّ والصلاة والخير أثلاثاً، ثلثاً له، وثلثين لأبويه، أويفردهما من أعماله بشيء ممّا يتطوّع به، وإن كان أحدهما حيّاً والآخر ميّتاً، فكتب إليَّ:
أمّا الميّت فحسن جائز، وأمّا الحيّ فلا، إلّا البرّ والصلة، إنتهى .(3)
وليس غرضنا الآن بیان جواز النيابة عن الأحياء في الصلوات المندوبة وعدمه، فإنّ لتحقيقه محلاً آخر، بل غرضنا الآن بيان رجحان النيابة عن أحياء
ص: 79
المؤمنين وأمواتهم في الدعاء في حقّ مولاناصاحب الزمان، وبتعجیل فرجه وظهوره، والحديث المذكور دالّ على ذلك، لانّ الدعاء في حقّ مولانا علیه السلام من افضل أفراد البرّ بلا كلام، وقد دلّ الخبر على حُسن النيابة ولو عن الحيّ في البرّ والصّلة، وكذا خبر محمّد بن مروان دلّ عل حسن برّ الوالدين حيّين أو ميّتين.
والظاهر أنّ ذكر الصلاة والتصدّق والحجّ من باب المثال،
فمن ملاحظة جميع ماذكرناه - بضميمة قوله في دعاء العهد:
«اللّهمّ بلّغ مولاي صاحب الزمان علیه السلام عن جميع المؤمنين والمؤمنات، في مشارق الأرض ومغاربها، وبرّها وبحرها، وسهلها وجبلها حيّهم وميّتهم، وعن والديّ، وولدي، وعنّي من الصلوات، والتحيّات» إلى آخره، بضميمة ما ورد
من النيابة عن الأحياء في الزيارات، ودعواتها، والحجّ، والطواف، ونحوها۔
تحصّل حسن النيابة في الدعاء لمولانا صاحب الزمان علیه السلام وقراءة الدعوات الماثورة في حقّه، بل سائر أصناف الدعوات عن أحياء المؤمنين والمؤمنات ، ولا سيّما ذوي الحقوق والقرابات، كما ثبت رجحان النيابة في ذلك كلّه عن الأموات، وبذلك يدرك الحيّ والميّت والنائب، والمنوب عنه أزواجاً من الفوائد والمثوبات.
فإن قلت: إنّ حديث عبداللّه بن جندب ليس صريحاً في النيابة، بل يحتمل أن يكون المراد فيه إهداء ثواب البرّ، والصلة، والصلاة.
قلت : الظاهر أنّ صدر السؤال كان سؤالاً عن الإهداء ، وقوله : أو يفردهما «إلخ» كان سؤالاً عن النيابة، وهذا واضح بأدنی تأمّل إن شاء اللّه تعالی.
الثامن عشر : قد تبيّن ممّا ذكرنا في الامرين السابقين :
أنّ الدعاء في حقّ مولانا صاحب الزمان، ومسألة تعجیل فرجه وظهوره نيابةً عن أهل الإيمان، يوجب فوائد زائدة على ما قدّمناه(1) من صنوف الفائدة ،
ص: 80
منها : تضاعف المكارم والفوائد المذكورة بمقتضى ما سمعت من الروايات المأثورة.
ومنها : أنّه إحسان إليهم، ووسيلة لرفع العذاب عن موتاهم، أو زيادة الثواب لهم، كما عرفت.
ومنها : أنّه آكد في استباق زمان فرجه وظهوره صلوات اللّه عليه ،
لانّه بمنزلة اتّفاقهم في الدعاء لذلك، وقد تبيّن لك ممّا أسلفناه أنّ الإتفاق في ذلك الدعاء ممّا يوجب استباق الفرج والظهور إن شاء اللّه تعالی.
التاسع عشر : يستحبّ الدعاء لأوليائه وأنصاره، لعموم ما ورد في الحثّ والترغيب إلى الدعاء للمؤمنين والمؤمنات، ولانّه إعانة على البرّ والتقوى، ولورود ذلك في الدعوات المأثورة عنهم علیهم السلام كما مرّ،
وسنذكر شطراً منها في المقصد الثالث إن شاء اللّه تعالى .(1)
المتمّم للعشرين : الدعاء لهلاك أعدائه، وطلب خذلانهم، كما ورد في الأدعية المرويّة، واللعن عليهم لانّه مقتضى التبرّي منهم، وللتأسّي باللّه تعالى، وبرسوله، وبالائمّة، ولما ورد في الروايات من الحثّ والترغيب إلى ذلك :
1136۔ منها : ما في البحار: نقلاً عن تفسير الإمام العسكري علیه السلام : عن الصادق علیه السلام - في حديث - أنّه قال حدّثني أبي، عن جدّي، عن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم قال : من ضعف عن نصرتنا أهل البيت، ولعن في خلواته أعداءنا، بلّغ اللّه صوته إلى جميع الأملاك من الثرى إلى العرش، فكلّما لعن هذا الرجل أعداءنا لعناً ساعدوه، ولعنوا من يلعنه ثمّ ثنوّا فقالوا: اللّهمّ صلّ على عبدك هذا ، الّذي قد بذل ما في وسعه، ولو قدر على أكثر منه لفعل، فإذا النداء من قبل اللّه عزّوجلّ: قد أجبت دعاء كم هذا وسمعت نداءكم، وصلّيت على روحه في الأرواح، وجعلته عندي من المصطفين الأخيار .(2)
ص: 81
إعلم أنّ هذا المقصد الأسني والمطلب الأعلى يحصل بأنحاء نشير إليها ليكون الناظر فيها على بصيرة ، ويقدر على استخراج أمثالها بلطيف النظر، وحسن السريرة:
الأوّل : أن يسأل اللّه تعالى ذلك مصرّحاً بالفارسيّة ، أو العربيّة ، أو غيرهما، مثل أن يقول : اللّهمّ عجّل فرج مولانا صاحب الزمان علیه السلام ، وعجّل اللّه تعالی فرجه وظهوره.
الثاني : أن يسأل من اللّه عزّ اسمه تعجیل فرج آل محمّد علیهم السلام لأنّ فرجه فرجهم، كما ورد في الدعوات والروايات .(1)
الثالث : أن يسأل تعجيل الفرج لجميع المؤمنين والمؤمنات أو لأولياء اللّه تعالى، فإنّ بفرجه فرج أولياء اللّه ، كما في الرواية .(2)
الرابع : أن يؤمّن على دعاء من دعا لذلك، لأنّ «آمین» بمعنی استجب، وهو دعاء أيضاً، ولأنّ الداعي والمؤمّن شريكان في الدعاء ، كما ورد في الرواية .(3)
الخامس: أن يسأل من اللّه عزّ وجلّ استجابة دعاء من يدعو بتعجیل فرج مولانا علیه السلام والفرق بين هذا وسابقه، أنّ التأمين لا يكون إلّا بمحضر من يدعو وهذا ليس من شرطه الحضور .
السادس : أن يسأل تهيئة أسباب توجب تعجیل فرجه.
السابع : أن يسأل رفع ما يمنع من ظهوره علیه السلام .
الثامن : أن يسأل مغفرة الذنوب الباعثة لتأخير فرجه، الصادرة من الداعي
ص: 82
وغيره من أهل الإيمان .
التاسع : أن يسأل اللّه تعالى العصمة والحفظ من أمثال تلك الذنوب فيما يأتي من الزمان.
العاشر : أن يطلب هلاك أعدائه الّذين يمنع وجودهم عن التعجيل في فرج أوليائه .
الحادي عشر : أن يسأل من اللّه رفع الظالمين عن جميع المؤمنين،
فإنّ ذلك يحصل ببركة ظهور إمامهم المنتظر .
الثاني عشر : أن يسأل بسط العدل في مشارق الأرض ومغاربها، فإنّه لا يحصل إلّا بظهوره علیه السلام ، على حسب وعد اللّه عزّ وجلّ وأنبيائه وأوليائه علیهم السلام .
الثالث عشر: أن يقول: اللّهمّ أرنا الرخاء والسرور ناوياً حصوله بذاك الظهور ، فإنّ الرخاء والسرور الكامل التامّ لا يحصل للمؤمن إلّا بظهور الإمام الغائب عن أبصار الأنام، وقد مرّ ما يدلّ على ورود الدعاء بهذا اللفظ بالخصوص في الباب السادس في أواخره، فراجع ولا تغفل .(1)
الرابع عشر : أن يسأل من اللّه عزّ وجلّ أن يجعل أجر عباداته وأعماله التعجيل في أمر فرج مولاه وظهوره علیه السلام على نحو يرضاه .
الخامس عشر : أن يطلب توفيق هذا الدعاء أي الدعاء لمولانا علیه السلام ، ومسألة التعجيل في أمر فرجه لجميع المؤمنين والمؤمنات، لأنّا قد بيّنّا سابقاً أنّ في إتّفاق المؤمنين في ذلك تأثيراً خاصّاً، كما ورد في الرواية(2) فإذا سأل المؤمن تسهیل مقدّمات مطلوبه فقد سعى في تحصيل المطلوب بنحو مرغوب.
السادس عشر : أن يسأل من اللّه عزّ وجلّ أن يظهر دين الحقّ وأهل الإيمان على جميع الملل والأديان، فإنّ ذلك لا يحصل بحسب وعده إلّا بظهور مولانا صاحب الزمان، كما وردت به الروايات في كتاب البرهان(3).
ص: 83
السابع عشر : أن يسأل اللّه عزّ اسمه الإنتقام من أعداء الدين وظالمي أهل بيت سيّد المرسلين، لما ورد في الأخبار أنّه يحصل بظهور الإمام الغائب عن الأبصار وخاتم الأئمّة الأطهار .
الثامن عشر : أن يصلّي عليه، ويريد بذلك طلب رحمة خاصّة إلهيّة يتيسّر بها استباق فرجه وظهوره.
ويستفاد هذا من العبارة المرويّة في الصلوات عليه وعلى آبائه علیهم السلام المذكورة في كامل الزيارات وغيره في باب زيارة مولانا الرضا علیه السلام.
1137- ففيها بعد الصلاة على كلّ واحد منهم :
اللّهمّ صلّ على حجّتك، ووليّك، والقائم في خلقك، صلاة نامية باقية تعجّل بها فرجه، وتنصره بها ... إلخ.(1)
التاسع عشر : أن يسأل التعجيل في كشف الكرب عن وجهه، وتفريج الهمّ والغم عن قلبه علیه السلام، لأنّ هذا من لوازم إستيلائه وهلاك أعدائه .
المكمّل للعشرين: أن يسأل اللّه تعالى التعجيل في طلب ثار مولانا الشهيد المظلوم أبي عبداللّه الحسين علیه السلام، فإنّ هذا في الحقيقة دعاء بتعجيل ظهور ولده الحجّة، لانّه الطالب بثاره، والمنتقم من قتلته .
المقصد الثالث : في ذكر بعض الدعوات المرويّة عن الأئمّة الطاهرين علیهم السلام في هذا الباب غير ما تقدّم في الباب السادس من هذا الكتاب .
1138- فمنها : دعاء الصلوات المرويّ في كتاب الغيبة للشيخ الأجل أبي جعفر الطوسي (رحمة اللّه علیه) عن صاحب الامر علیه السلام
وله حكاية طويلة تركنا ذكرها روماً للإختصار :
ص: 84
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ سَیِّدِ المُرْسَلِینَ وَخاتَمِ النَّبِیِّینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ، المُنْتَجَبِ فِي المِیثاقِ، المُصَطَفی فِي الظِّلالِ، المُطَهَّرِ مِنْ كُلِّ آفَةٍ، البَرِی ءِ مِنْ كُلِّ عَیْبٍ، المُؤَمَّلِ لِلنَّجاةِ، المُرْتَجی لِلشَّفاعَةِ، المُفَوَّضِ إِلَیْهِ دِینُ اللَّهِ. اَللَّهُمَّ شَرِّفْ بُنْیانَهُ وَعَظِّمْ بُرْهانَهُ وَأَفْلِجْ حُجَّتَهُ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ وَأَضِئْ نُورَهُ وَبَیِّضْ وَجْهَهُ وَاعْطِهِ الفَضْلَ وَالفَضِیلَةَ وَالدَّرَجةَ الرَّفِیعَةَ وَابْعَثْهُ مَقاماً مَحْمُوداً یَغْبِطُهُ بِهِ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ.
وَصَلِّ عَلَی أَمِیرِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَقآئِدِ الغُرِّ الُمحَجَّلِینَ وَسَیِّدِ الوَصِیِّینَ وَحُجِّةِ رَبِّ العالَمِینَ.
وَصَلِّ عَلَی الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ، وَصَلِّ عَلَی الحُسَیْنِ بْنِ عَلِيٍّ إِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ.
وَصَلِّ عَلَی عَلِيِّ بْنِ الحُسَیْنِ وَإِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ، وَصَلِّ عَلَی مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ إِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ.
وَصَلِّ عَلَی جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ إِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ، وَصَلِّ عَلَی مُوسَی بْنِ جَعْفَرٍ إِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ.
وَصَلِّ عَلَی عَلِيِّ بْنِ مُوسی إِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ، وَصَلِّ عَلَی مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ إِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ.
ص: 85
وَصَلِّ عَلَی عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ إِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ،
وَصَلِّ عَلَی الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ.
وَصَلِّ عَلَی الخَلَفِ الصّالِحِ الهادِی المَهْدِيِّ إِمامِ المُؤْمِنِینَ وَوارِثِ المُرْسَلِینَ وَحُجَّةِ رَبِّ العالَمِینَ
اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَیْتِهِ الأَئِمَّةِ الهادِینَ المَهْدِیِّینَ، العُلَمآءِ الصّادِقِینَ، الأَبْرارِ المُتَّقِینَ، دَعآئِمِ دِینِكَ وَأَرْكانِ تَوْحِیدِكَ (وَتَراجِمَةِ وَحْیِكَ)، وَحُجَجِكَ عَلَی خَلْقِكَ وَخُلَفآئِكَ فِي أَرْضِكَ ،
الَّذِینَ اخْتَرْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَاصْطَفَیْتَهُمْ عَلَی عِبادِكَ، وَارْتَضَیْتَهُمْ لِدِینِكَ، وَخَصَصْتَهُمْ بِمَعْرِفَتِكَ، وَجَلَّلْتَهُمْ بِكَرامَتِكَ، وَغَشَّیْتَهُمْ بِرَحْمَتِكَ، وَرَبَّیْتَهُمْ بِنِعْمَتِكَ، وَغَذَّیْتَهُمْ بِحِكْمَتِكَ، وَأَلْبَسْتَهُمْ نُورَكَ، وَرَفَعْتَهُمْ فِی مَلَكُوتِكَ، وَحَفَفْتَهُمْ بِمَلآئِكَتِكَ، وَشَرَّفْتَهُمْ بِنَبِیِّكَ صَلَواتُكَ عَلَیهِ وَآلِهِ.
اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَیهِ وَعَلَیْهِمْ صَلوةً كَثِیرَةً دآئِمَةً طَیِّبَةً لا یُحِیطُ بِها إِلّا أَنْتَ وَلا یَسَعُها إِلّا عِلْمُكَ وَلا یُحْصِیها أَحَدٌ غَیْرُكَ.
اَللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَی وَلِیِّكَ الُمحْیِی سُنَّتَكَ القآئِمِ بِأَمْرِكَ الدّاعِیِ إِلَیْكَ الدَّلِیلِ عَلَیْكَ وَحُجَّتِكَ عَلَی خَلْقِكَ وَخَلِیفَتكَ فِي أَرْضِكَ وَشاهِدِكَ عَلَی عِبادِكَ
اَللَّهُمَّ أَعِزَّ نَصْرَهُ وَمُدَّ فِی عُمُرِهِ وَزَیِّنِ الأَرْضَ بِطُولِ بَقآئِهِ،
اَللَّهُمَّ اكْفِهِ بَغْيَ الحاسِدِینَ وَأَعِذْهُ مِنْ شَرِّ الكآئِدِینَ وَازْجُرْ عَنْهُ إِرادَةَ الظّالِمِینَ وَخَلِّصْهُ مِنْ أَیْدِی الجَبّارِینَ.
ص: 86
اَللَّهُمَّ أَعْطِهِ فِي نَفْسِهِ وَذُرِّیَّتِهِ وَشِیعَتِهِ وَرَعِیَّتِهِ وَخآصَّتِهِ وَعآمَّتِهِ وَعَدُوِّهِ وَجَمِیعِ أَهْلِ الدُّنْیا ما تَقِرُّ بِهِ عَیْنُهُ وَتَسُرُّ بِهِ نَفسُهُ وَبَلِّغْهُ أَفْضَلَ مَا أَمَّلتَهُ فِي الدُّنْیا وَالآخِرَةِ إِنَّكَ عَلَی كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِیرٌ.
اَللَّهُمَّ جَدِّدْ بِهِ مَا امْتَحی مِنْ دِینِكَ وَأَحْيِ بِهِ ما بُدِّلَ مِنْ كِتابِكَ وَأَظْهِرْ بِهِ ما غُیِّرَ مِنْ حُكْمِكَ حَتّی یَعُودَ دِینُكَ بِهِ وَعَلَی یَدَیْهِ غَضّاً جَدِیداً خالِصاً مُخْلَصاً لا شَكَّ فِیهِ وَلا شُبْهَةَ مَعَهُ وَلا باطِلَ عِنْدَهُ وَلا بِدْعَةَ لَدَیْهِ.
اَللَّهُمَّ نَوِّرْ بِنُورِهِ كُلَّ ظُلْمَةٍ وَهُدَّ بِرُكْنِهِ كُلَّ بِدْعَةٍ وَاهْدِمْ بِعِزَّتِهِ كُلَّ ضَلالةٍ وَاقْصِمْ بِهِ كُلَّ جَبّارٍ وَأَخْمِدْ بِسَیْفِهِ كُلَّ نارٍ وَأَهْلِكْ بِعَدْلِهِ كُلَّ جَائِرٍ وَأَجْرِ حُكْمَهُ عَلَی كُلِّ حُكْمٍ وَأَذِلَّ بِسُلْطانِهِ كُلَّ سُلْطانٍ.
اَللَّهُمَّ أَذِلَّ كُلَّ مَنْ ناواهُ وَأَهْلِكْ كُلَّ مَنْ عاداهُ وَامْكُرْ بِمَنْ كادَهُ وَاسْتَأْصِلْ مَنْ حَجَدَ حَقَّهُ وَاسْتَهانَ بِأَمْرِهِ وَسَعی فِی إِطْفآءِ نُورِهِ وَأَرادَ إِخْمادَ ذِكْرِهِ
اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ المُصْطَفی وَعَلِیٍّ المُرْتَضی وَفاطِمَةَ الزَّهْرآءِ وَالحَسَنِ الرِّضا وَالحُسَیْنِ المُصَفّی وَجَمِیعِ الأَوْصِیآءِ مَصابِیحِ الدُّجی وَأَعْلامِ الهُدی وَمَنارِ التُّقی وَالعُرْوَةِ الوُثْقی وَالحَبْلِ المَتِینِ وَالصِّراطِ المُسْتَقِیمِ، وَصَلِّ عَلَی وَلِیِّكَ وَوُلاةِ عَهْدِهِ وَالأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ وَمُدَّ فِی أَعْمارِهِمْ وَزِدْ فِی آجالِهِمْ وَبَلِّغْهُمْ أَقْصی آمالِهِمْ دِیناً وَدُنْیاً وَآخِرَةً، إِنَّكَ عَلَی كُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ.(1)
ص: 87
أقول: هذا الدعاء الشريف من الدعوات الجليلة التي ينبغي أن يداوم بها، ويواظب عليها في كلّ وقت من الأوقات وكلّ حين من الأحيان، خصوصاً الأوقات الّتي لها مزید اختصاص بمولانا صاحب الزمان عليه صلوات اللّه الملك المنّان كليلة النصف من شعبان ويومه، وليلة الجمعة ويومها،
ولعلّه لهذا ذكره صاحب جمال الصالحين في أعمال تلك الليلة، مع أنّ الظاهر من الرواية الّتي نبهنا عليها عدم اختصاصه بوقت من الأوقات، بل وروده المطلق الأوقات،
وذكره السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في كتاب جمال الأُسبوع، في أعمال يوم الجمعة عند ذكر ما يدعی به بعد صلاة العصر من ذلك اليوم
فقال (رحمة اللّه علیه) : ذكر صلوات على النبيّ وآله صلوات اللّه عليه وعليهم، مرويّة عن مولانا المهدي صلوات اللّه عليه، وهي ما إذا تركت تعقیب عصر يوم الجمعة لعذر فلا تتركها أبداً، لامر أطلعنا اللّه جلّ جلاله عليه،
ثمّ ذكر إسناده بطوله مع ذكر الحكاية التي تركنا ذكرها حذراً عن الإطالة ،
ويستفاد من قوله (رحمة اللّه علیه) : فلا تتركها أبداً لامر أطلعنا اللّه جلّ جلاله عليه : صدور أمر إليه من مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه في ذلك،
فهو دليل لصحّة الرواية، واللّه وليّ النعمة. والهداية .(1)
1139- ومن الدعوات المرويّة في هذا الباب ما رواه جمع من الأصحاب منهم : السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس في ذلك الكتاب قال (رحمة اللّه علیه):
ذكر الدعاء لصاحب الأمر علیه السلام المرويّ عن الرضا علیه السلام : حدّثني الجماعة «الّذين قدّمت ذكرهم في عدّة مواضع من هذا الكتاب» بإسنادهم إلى جدّي أبي جعفر الطوسىّ تلقّاه اللّهّ جلّ جلاله بالامان والرضوان يوم الحساب ، قال : أخبرنا ابن أبي
ص: 88
الجيد، عن محمّد بن الحسن بن سعيد بن عبداللّه، والحميري، وعليّ بن إبراهيم، ومحمّد بن الحسن الصفّار، كلّهم، عن إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل بن مولد، وصالح بن السندي، عن يونس بن عبدالرحمان .
قال السيّد (رحمة اللّه علیه): ورواه جدي أبو جعفر الطوسي فيما يرويه عن يونس بن عبدالرحمان بعدّة طرق، تركت ذكرها كراهية للاطالة في هذا المكان، يروي عن یونس بن عبدالرحمان، أنّ الرضا علیه السلام كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر علیه السلام بهذا :
اَللّهُمَّ ادْفَعْ عَنْ وَلِيِّكَ وَخَلِيفَتِكَ وَحُجَّتِكَ عَلَى خَلْقِكَ، وَ لِسانِكَ الْمُعَبِّرِ عَنْكَ، النَّاطِقِ بِحِكْمَتِكَ، وَعَيْنِكَ النَّاظِرَةِ بِإِذْنِكَ، وَشاهِدِكَ عَلَى عِبادِكَ، الْجَحْجاحِ الْمُجاهِدِ الْعائِذِ بِكَ الْعابِدِ عِنْدَكَ، وَأَعِذْهُ مِنْ شَرِّ جَمِيعِ مَا خَلَقْتَ وَبَرَأْتَ وَأَنْشَأْتَ وَصَوَّرْتَ
وَاحْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمالِهِ، وَمِنْ فَوْقِهِ، وَمِنْ تَحْتِهِ بِحِفْظِكَ الَّذِي لَايَضِيعُ مَنْ حَفِظْتَهُ بِهِ، وَاحْفَظْ فِيهِ رَسُولَكَ وَآباءَهُ أَئِمَّتَكَ وَدَعائِمَ دِينِكَ، وَاجْعَلْهُ فِي وَدِيعَتِكَ الَّتِي لَا تَضِيعُ، وَفِي جِوارِكَ الَّذِي لَايُخْفَرُ، وَفِي مَنْعِكَ وَعِزِّكَ الَّذِي لَايُقْهَرُ
وَآمِنْهُ بِأَمانِكَ الْوَثِيقِ الَّذِي لَايُخْذَلُ مَنْ آمَنْتَهُ بِهِ، وَاجْعَلْهُ فِي كَنَفِكَ الَّذِي لاَ ٰ يُرامُ مَنْ كانَ فِيهِ، وَانْصُرْهُ بِنَصْرِكَ، وَأَيِّدْهُ بِجُنْدِكَ الْغالِبِ، وَقَوِّهِ بِقُوَّتِكَ، وَأَرْدِفْهُ بِمَلائِكَتِكَ، وَوالِ مَنْ والاهُ، وَعادِ مَنْ عاداهُ، وَأَلْبِسْهُ دِرْعَكَ الْحَصِينَةَ، وَحُفَّهُ بِالْمَلائِكَةِ حَفّاً،
اَللَّهُمَّ وَبَلِّغْهُ أَفْضَلَ مَا بَلَّغْتَ الْقَائِمِينَ بِقِسْطِكَ مِنْ أَتْبَاعِ النَّبِيِّينَ،
اللّهُمَّ اشْعَبْ بِهِ الصَّدْعَ، وَارْتُقْ بِهِ الْفَتْقَ، وَأَمِتْ بِهِ الْجَوْرَ، وَأَظْهِرْ بِهِ الْعَدْلَ، وَزَيِّنْ بِطُولِ بَقائِهِ الْأَرْضَ، وَأَيِّدْهُ بِالنَّصْرِ، وَانْصُرْهُ بِالرُّعْبِ، وَقَوِّ ناصِرِيهِ،
ص: 89
وَاخْذُلْ خاذِلِيهِ، وَدَمْدِمْ مَنْ نَصَبَ لَهُ، وَدَمِّرْ مَنْ غَشَّهُ، وَاقْتُلْ بِهِ جَبابِرَةَ الْكُفْرِ وَعُمُدَهَ وَدَعائِمَهُ، وَاقْصِمْ بِهِ رُؤُوسَ الضَّلالَةِ، وَشارِعَةَ الْبِدَعِ، وَمُمِيتَةَ السُّنَّةِ، وَمُقَوِّيَةَ الْباطِلِ، وَذَلِّلْ بِهِ الْجَبَّارِينَ، وَأبِرْ بِهِ الْكافِرِينَ وَجَمِيعَ الْمُلْحِدِينَ فِي مَشارِقِ الْأَرْضِ وَمَغارِبِها، وَبَرِّها وَبَحْرِها، وَسَهْلِها وَجَبَلِها، حَتَّى لَاتَدَعَ مِنْهُمْ دَيَّاراً، وَلَا تُبْقِيَ لَهُمْ آثاراً.
اللّهُمَّ طَهِّرْ مِنْهُمْ بِلادَكَ، وَاشْفِ مِنْهُمْ عِبادَكَ، وَأَعِزَّ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَحْيِ بِهِ سُنَنَ الْمُرْسَلِينَ، وَدارِسَ حُكْمِ النَّبِيِّينَ، وَجَدِّدْ بِهِ مَا امْتَحَى مِنْ دِينِكَ، وَبُدِّلَ مِنْ حُكْمِكَ، حَتَّى تُعِيدَ دِينَكَ بِهِ وَعَلَى يَدَيْهِ جَدِيداً غَضّاً مَحْضاً صَحِيحاً لَاعِوَجَ فِيهِ وَلَا بِدْعَةَ مَعَهُ، وَحَتَّى تُنِيرَ بِعَدْلِهِ ظُلَمَ الْجَوْرِ؛ وَتُطْفِئَ بِهِ نِيرانَ الْكُفْرِ، وَتُوضِحَ بِهِ مَعاقِدَ الْحَقِّ وَمَجْهُولَ الْعَدْلِ، فَإِنَّهُ عَبْدُكَ الَّذِي اسْتَخْلَصْتَهُ لِنَفْسِكَ،وَاصْطَفَيْتَهُ مِنْ خَلْقِكَ، وَاصْطَفَيْتَهُ عَلَى غَيْبِكَ، وَعَصَمْتَهُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَبَرَّأْتَهُ مِنَ الْعُيُوبِ، وَطَهَّرْتَهُ مِنَ الرِّجْسِ، وَسَلَّمْتَهُ مِنَ الدَّنَسِ
اللّهُمَّ فَإِنَّا نَشْهَدُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَوْمَ حُلُولِ الطَّامَّةِ أَنَّهُ لَمْ يُذْنِبْ ذَنْباً، وَلَا أَتَى حُوباً، وَلَمْ يَرْتَكِبْ مَعْصِيَةً، وَلَمْ يُضَيِّعْ لَكَ طاعَةً، وَلَمْ يَهْتِكْ لَكَ حُرْمَةً، وَلَمْ يُبَدِّلْ لَكَ فَرِيضَةً، وَلَمْ يُغَيِّرْ لَكَ شَرِيعَةً، وَأَنَّهُ الْهادِي الْمُهْتَدِي الطَّاهِرُ التَّقِيُّ النَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ
اللّهُمَّ أَعْطِهِ فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأُمَّتِهِ وَجَمِيعِ رَعِيَّتِهِ مَا تُقِرُّ بِهِ عَيْنَهُ، وَتَسُرُّ بِهِ نَفْسَهُ، وَتَجْمَعُ لَهُ مُلْكَ الْمُمْلَكاتِ كُلِّها، قَرِيبِها وَبَعِيدِها، وَعَزِيزِها وَذَلِيلِها، حَتَّى تُجْرِيَ حُكْمَهُ عَلَى كُلِّ حُكْمٍ، وَتَغْلِبَ بِحَقِّهِ كُلَّ باطِلٍ
ص: 90
اللّهُمَّ اسْلُكْ بِنا عَلَى يَدَيْهِ مِنْهاجَ الْهُدَى، وَالْمَحَجَّةَ الْعُظْمَى، وَالطَّرِيقَةَ الْوُسْطَى الَّتِي يَرْجِعُ إِلَيْهَا الْغالِي، وَيَلْحَقُ بِها التَّالِي، وَقَوِّنا عَلَى طاعَتِهِ، وَثَبِّتْنا عَلَى مُشايَعَتِهِ، وَامْنُنْ عَلَيْنا بِمُتابَعَتِهِ، وَاجْعَلْنا فِي حِزْبِهِ الْقَوَّامِينَ بِأَمْرِهِ، الصَّابِرِينَ مَعَهُ، الطَّالِبِينَ رِضاكَ بِمُناصَحَتِهِ، حَتَّى تَحْشُرَنا يَوْمَ الْقِيامَةِ فِي أَنْصارِهِ وَأَعْوانِهِ وَمُقَوِّيَةِ سُلْطانِهِ
اللّهُمَّ وَاجْعَلْ ذلِكَ لَنا خالِصاً مِنْ كُلِّ شَكٍّ وَشُبْهَةٍ وَرِياءٍ وَسُمْعَةٍ، حَتَّى لَا نَعْتَمِدَ بِهِ غَيْرَكَ، وَلَا نَطْلُبَ بِهِ إِلّا وَجْهَكَ وَحَتَّى تُحِلَّنا مَحَلَّهُ، وَتَجْعَلَنا فِي الْجَنَّةِ مَعَهُ؛ وَأَعِذْنا مِنَ السَّأْمَةِ وَالْكَسَلِ وَالْفَتْرَةِ، وَاجْعَلْنا مِمَّنْ تَنْتَصِرُ بِهِ لِدِينِكَ، وَتُعِزُّ بِهِ نَصْرَ وَلِيِّكَ، وَلَا تَسْتَبْدِلْ بِنا غَيْرَنا، فَإِنَّ اسْتِبْدالَكَ بِنا غَيْرَنا عَلَيْكَ يَسِيرٌ، وَهُوَ عَلَيْنا عَسِيرٌ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى وُلاةِ عَهْدِهِ، وَالأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِهِ، وَبَلِّغْهُمْ آمالَهُمْ، وَزِدْ فِي آجالِهِمْ، وَأعِزَّ نَصْرَهُمْ، وَتَمِّمْ لَهُمْ مَا أَسْنَدْتَ إِلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِكَ لَهُمْ، وَثَبِّتْ دَعائِمَهُمْ، وَاجْعَلْنا لَهُمْ أَعْواناً، وَعَلَى دِينِكَ أَنْصاراً، فَإِنَّهُمْ مَعادِنُ كَلِماتِكَ، وَخُزَّانُ عِلْمِكَ، وَأَرْكانُ تَوْحِيدِكَ، وَدَعَائِمُ دِينِكَ، وَوُلاةُ أَمْرِكَ، وَخالِصَتُكَ مِنْ عِبادِكَ، وَصَفْوَتُكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَأَوْلِياؤُكَ وَسَلائِلُ أَوْلِيائِكَ، وَصَفْوَةُ أَوْلادِ نَبِيِّكَ، وَالسَّلامُ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ.(1)
ثم قال السيّد رضي اللّه تعالی عنه : قد تضمّن هذا الدعاء قوله علیه السلام : «اللّهمّ صلّ على ولاة عهده والأئمّة من بعده» ولعلّ المراد بذلك : أنّ الصلاة على الأئمّة الّذين يرتّبهم في أيّامه للصلاة بالعباد في البلاد، والأئمّة في الأحكام في تلك
ص: 91
الأيّام، وأنّ الصلاة عليهم تكون بعد ذكر الصلاة عليه «صلوات اللّه عليه» بدليل قوله : ولاة عهده، لأنّ ولاة العهود يكونون في الحياة،
فكأنّ المراد : اللّهمّ صلّ - بعد الصلاة عليه - على ولاة عهده والأئمّة من بعده وقد تقدم في الرواية عن مولانا الرضا علیه السلام «والأئمّة من ولده»
ولعلّ هذه قد كانت : صلّ على ولاة عهده والأئمّة من ولده ، فقد وجدت ذلك كما ذكرناه في نسخة غير ما رويناه، وقد روي أنّهم من أبرار العباد في حياته ووجدت رواية متّصلة الإسناد بأنّ للمهدي صلوات اللّه عليه أولاد جماعةٍ ولاة في أطراف بلاد البحار، على غاية عظيمة من صفات الابرار،
وروي تأويل غير ذلك مذكور في الأخبار .
1140- ثمّ قال السيّد (رحمة اللّه علیه): ووجدت هذا الدعاء برواية تغني عن هذا التأويل وما ذكرها، لأنّها أتمّ في التفصيل، وهي ما حدّث به الشريف الجليل، أبو الحسین زید بن جعفر العلويّ المحمّديّ، قال : حدّثنا أبو الحسين إسحاق بن الحسن العفراني، قال: حدّثنا محمّد بن همام بن سهيل الكاتب، ومحمّد بن شعیب بن أحمد المالكي جميعاً - عمّ شعيب بن أحمد المالكي - عن يونس بن عبدالرحمان، عن مولانا أبي الحسن علي بن موسى الرضا علیهماالسلام ، أنّه كان يأمر
بالدعاء للحجّة صاحب الزمان علیه السلام . فكان من دعائه له صلوات اللّه عليهما :
أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَادْفَعْ عَنْ وَلِيِّكَ وَخَليفَتِكَ، وَحُجَّتِكَ عَلَي خَلْقِكَ، وَلِسانِكَ المُعَبِّرِ عَنكَ بِإذنِكَ، النَّاطِقِ بِحِكْمَتِكَ، وَعَيْنِكَ النَّاظِرَةِ في بَرِيَّتِكَ، وَشاهِداً عَلَی عِبادِكَ، الجَحجاحِ المُجاهِدِ المُجتَهِدِ، عَبدِكَ العائِذِ بِكَ.اللّهُمَّ وَأعِذْهُ مِنْ شَرِّ ما خَلَقْتَ وَذَرَأْتَ وَبَرَأْتَ وَأَنشَأْتَ وَصَوَّرْتَ، وَاحْفَظْهُ مِنْ بَینِ یَدَیهِ وَمِنْ خَلفِهِ، وَعَنْ یَمِینِهِ وَعَنْ شِمالِهِ، وَمِنْ فَوقِهِ وَمِنْ تَحتِهِ، بِحِفْظِكَ الَّذِي لَا یَضِیعُ مَنْ حَفِظْتَهُ بِهِ، وَاحْفَظْ فِیهِ رَسُولَكَ وَوَصِيَّ
ص: 92
رَسُولِكَ، وَآباءَ أئِمَّتَكَ وَدَعائِمَ دِینِكَ، صَلَواتُكَ عَلَیهِم أجمَعِینَ.
وَاجْعَلْهُ فِي وَدِیعَتِكَ الَّتي لا تَضِیعُ، وَفِي جِوارِكَ الَّذِي لا یُخْفَرُ ، وَفِي مَنْعِكَ وَعِزِّكَ الَّذي لَا یُقهَرُ
اللّهُمَّ وَآمِنْهُ بِأمانِكَ الوَثِیقِ الَّذي لا یُخذَلُ مَنْ آمَنْتَهُ بِهِ، وَاجْعَلْهُ في كَنَفِكَ الَّذي لا یُضامُ مَنْ كانَ فِیهِ، وَانْصُرْهُ بِنَصْرِكَ العَزِیزِ، وَأیِّدْهُ بِجُندِكَ الغالِبِ، وَقَوِّهِ بِقُوَّتِكَ، وَأرْدِفْهُ بِمَلآئِكَتِكَ. اللّهُمَّ والِ مَنْ والاهُ، وَعادِ مَنْ عاداهُ، وَألبِسْهُ دِرعَكَ الحَصِینَهَ، وحُفَّهُ بِمَلآئِكَتِكَ حَفّاً
اللّهُمَّ وَبَلِّغْهُ أفضَلَ ما بَلَّغْتَ القائِمِینَ بِقِسْطِكَ مِنْ أتباعِ النَّبِیِّینَ. اللّهُمَّ اشْعَبْ بِهِ الصَّدْعَ، وَارْتُقْ بِهِ الفَتْقَ، وَأمِتْ بِهِ الجَورَ، وَأظهِرْ بِهِ العَدْلَ، وَزَیِّنْ بِطُولِ بَقائِهِ الأرضَ، وَأیِّدْهُ بِالنَّصرِ، وَانْصُرْهُ بِالرُّعبِ، وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً یَسِیراً، وَاجْعَلْ لَهُ مِنْ لَدُنْكَ عَلَی عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِ سُلْطاناً نَصِیراً
اللّهُمَّ اجْعَلْهُ القائِمَ المُنتَظَرَ، وَالإمامَ الَّذي بِهِ تَنتَصِرُ، وَأیِّدْهُ بِنَصْرٍ عَزِیزٍ، وَفَتْحٍ قَرِیبٍ، وَوَرِّثْهُ مَشارِقَ الأرضِ وَمَغارِبَها اللّاتي بارَكْتَ فِیها، وَأحْيِ بِهِ سُنَّةَ نَبِیِّكَ صَلَواتُكَ عَلَیهِ وَآلِهِ، حَتّی لا یَستَخْفِيَ بِشَیْءٍ مِنَ الحَقِّ مَخافَةَ أحَدٍ مِنَ الخَلْقِ، وَقَوِّ ناصِرَهُ، وَاخْذُلْ خاذِلَهُ، وَدَمْدِمْ عَلَی مَنْ نَصَبَ لَهُ، وَدَمِّرْ عَلَی مَنْ غَشَّهُ
اللّهُمَّ وَاقْتُلْ بِهِ جَبابِرَةَ الكُفْرِ، وَعُمُدَهُ وَدَعائِمَهُ، وَالقُوّامَ بِهِ، وَاقْصِمْ بِهِ رُؤوسَ الضَّلالَةِ، وَشارِعَةَ البِدْعَةِ، وَمُمِیتَةَ السُّنَّةِ، وَمُقَوِّیَةَ الباطِلِ، وَأذْلِلْ بِهِ الجَبّارِینَ، وَأبِرْ بِهِ الكافِرِینَ وَالمُنافِقِینَ وَجَمِیعَ المُلحِدِینَ، حَیثُ كانوا وَأینَ كانوا، مِنْ مَشارِقِ الأرضِ وَمَغارِبِها، وَبَرِّها وَبَحرِها، وَسَهلِها وَجَبَلِها، حَتّی لا تَدَعَ مِنْهُمْ دَیّاراً، وَلا تُبقِيَ لَهُم آثاراً
ص: 93
اللّهُمَّ وَطَهِّرْ مِنْهُمْ بِلَادَكَ، وَاشْفِ مِنْهُمْ عِبادَكَ، وَأعِزَّ بِهِ المُؤمنین، وَأحْيِ بِهِ سُنَنَ المُرسَلِینَ، وَدارِسَ حُكمِ النَّبِیِّینَ، وَجَدِّدْ بِهِ ما مُحِيَ مِنْ دِینِكَ، وَبُدِّلَ مِنْ حُكمِكَ، حَتّی تُعِیدَ دِینَكَ بِهِ وَعَلَی یَدَیهِ غَضّاً جَدیداً صَحِیحاً مَحضاً، لا عِوَجَ فِیهِ وَلا بِدْعَةَ مَعَهُ، حَتّی تُنِیرَ بِعَدْلِهِ ظُلَمَ الجَورِ، وَتُطْفِئَ بِهِ نِیرانَ الكُفرِ، وَتُظْهِرَ بِهِ مَعاقِدَ الحَقِّ وَمَجهولَ العَدلِ، وَتُوضِحَ بِهِ مُشكِلاتِ الحُكمِ
اللّهُمَّ فَإنَّهُ عَبدُكَ الَّذي اسْتَخْلَصْتَهُ لِنَفْسِكَ، وَاصْطَفَیْتَهُ مِنْ خَلقِكَ،وَاصْطَفَیْتَهُ عَلَی عِبادِكَ، وَائْتَمَنْتَهُ عَلَی غَیبِكَ، وَعَصَمْتَهُ مِنَ الذُّنوبِ. وَبَرَّأتَهُ مِنَ العُیوبِ، وَطَهَّرْتَهُ ، وَصَرَفْتَهُ عَنِ الدَّنَسِ، وَسَلَّمْتَهُ مِنَ الرَّیبِ. اللّهُمَّ فَإنّا نَشهَدُ لَهُ یَومَ القِیامَةِ وَیَومَ حُلولِ الطّامَّةِ أنَّهُ لَمْ یُذنِبْ، وَلَمْ یَأتِ حُوباً، وَلَمْ یَرتَكِبْ (لَكَ) مَعصِیَةً، وَلَمْ یُضَیِّعْ لَكَ طاعَةً، وَلَمْ یَهتِكْ لَكَ حُرمَةً، وَلَمْ یُبَدِّلْ لَكَ فَرِیضَةً، وَلَمْ یُغَیِّرْ لَكَ شَرِیعَةً، وَأنَّهُ الإمامُ التَّقِيُّ الهادي المهديّ، الطّاهِرُ النَّقِیُّ، الوَفِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِیُّ
اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلَیهِ وَعَلَی آبائِهِ، وَأعْطِهِ فِي نَفسِهِ وَوَلدِهِ وَأهلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأُمَّتِهِ وَجَمِیعِ رَعِيَّتِهِ مَا تُقِرُّ بِهِ عَینَهُ، وَتَسُرُّ بِهِ نَفسَهُ، وَتَجمَعُ لَهُ مُلكَ المُمَلَّكاتِ كُلِّها، قَریبِها وَبَعیدِها، وَعَزیزِها وَذَلیلِها، حَتّی یَجرِيَ حُكمُهُ عَلَی كُلِّ حُكمٍ، وَیَغلِبَ بِحَقِّهِ عَلَی كُلِّ باطِلٍ
اللّهُمَّ وَاسْلُكْ بِنا عَلَی یَدَیْهِ مِنهاجَ الهُدی، وَالمَحَجَّةَ العُظمی، وَالطَّرِیقَةَ الوُسْطَی، الَّتي یَرجِعُ إلَیهَا الغَالِی، وَیَلحَقُ بِهَا التَّالِی
اللّهُمَّ وَقَوِّنا عَلَی طاعَتِهِ، وَثَبِّتْنا عَلَی مُشایَعَتِهِ، وَامْنُنْ عَلَینا بِمُتابَعَتِهِ، وَاجْعَلْنا في حِزْبِهِ، القَوّامِینَ بِأمرِهِ، الصّابِرِینَ مَعَهُ، الطّالِبِینَ رِضاكَ
ص: 94
بِمُناصَحَتِهِ، حَتّی تَحشُرَنا یَومَ القِیامَهِ في أنصارِهِ وَأعوانِهِ،وَمُقَوِّیَةِ سُلطانِهِ. اللّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاجْعَلْ ذلِكَ كُلَّهُ مِنّا لَكَ خالِصاً مِنْ كُلِّ شَكٍّ وَشُبهَهٍ، وَرِیاءٍ وَسُمعَةٍ، حَتّی لا نَعتَمِدَ بِهِ غَیرَكَ، وَلا نَطلُبَ بِهِ إلّاوَجهَكَ، وَحَتّی تُحِلَّنا مَحِلَّهُ، وَتَجعَلَنا في الجَنَّةِ مَعَهُ، وَلا تَبتَلِنا في أمْرِهِ بِالسّأمَةِ وَالكَسَلِ، وَالفَترَةِ وَالفَشَلِ. وَاجْعَلْنا مِمَّنْ تَنتَصِرُ بِهِ لِدِینِكَ، وَتُعِزُّ بِهِ نَصْرَ وَلِیِّكَ، وَلا تَستَبْدِلْ بِنا غَیرَنا؛ فَإنَّ اسْتِبْدالَكَ بِنا غَیرَنا عَلَیكَ یَسِیرٌ، وَهُوَ عَلَینا كَبِیرٌ، إنَّكَ عَلَی كُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ.
اللّهُمَّ وَصَلِّ عَلَی وُلاة عُهودِهِ، وَبَلِّغْهُم آمالَهُم، وَزِدْ في آجالِهِم، وَانْصُرْهُم، وَتَمِّمْ لَهُم ما أسنَدْتَ إلَیهِم مِنْ أمْرِ دِینِكَ، وَاجْعَلْنا لَهُم أعواناً، وَعَلَی دِینِكَ أنصاراً، وَصَلِّ عَلَی آبائِهِ الطّاهِرِینَ، الأئِمَّة الرّاشِدِینَ.
اللّهُمَّ فَإنَّهُم مَعادِنُ كَلِماتِكَ، وَخُزّانُ عِلْمِكَ، وَوُلاةُ أمرِكَ، وَخالِصَتُكَ مِنْ عِبادِكَ،وَخِیرَتُكَ مِنْ خَلقِكَ، وَأولِیاؤكَ وَسَلائِلُ أولِیائِكَ، وَصَفوَتُكَ وَأولادُ أصفِیائِكَ، صَلَواتُكَ وَرَحمَتُكَ وَبَرَكاتُكَ عَلَیهِم أجمَعِینَ.
اللّهُمَّ وَشُرَكاؤهُ في أمْرِهِ، وَمُعاوِنُوهُ عَلَی طاعَتِكَ، الَّذِینَ جَعَلْتَهُم حِصْنَهُ وَسِلاحَهُ وَمَفْزَعَهُ وَأُنسَهُ، الَّذِینَ سَلَوا عَنِ الأهلِ وَالأولادِ، وَتَجافَوا الوَطَنَ، وَعَطَّلُوا الوَثِیرَ مِنَ المِهادِ، قَد رَفَضُوا تِجاراتِهِم، وَأضَرُّوا بِمَعایِشِهِم، وَفُقِدوا في أندِیَتِهِم بِغَیرِ غَیبَةٍ عَنْ مِصرِهِم، وَحالَفوا البَعِیدَ مِمَّنْ عاضَدَهُم عَلَی أمْرِهِم، وَخالَفُوا القَرِیبَ مِمَّنْ صَدَّ عَنْ وُجْهَتِهِم، وَائْتَلَفُوا بَعدَ التَّدابُرِ وَالتَّقاطُعِ في دَهرِهِم، وَقَطَعُوا الأسبابَ المُتَّصِلَةَ بِعاجِلِ حُطامٍ مِنَ الدُّنیا
فَاجْعَلْهُمُ اللّهُمَّ في حِرزِكَ، وَفي ظِلِّ كَنَفِكَ، وَرُدَّ عَنْهُم بَأسَ مَنْ قَصَدَ
ص: 95
إلَیهِم بِالعَداوَهِ مِنْ خَلقِكَ، وَأجْزِلْ لَهُمْ مِنْ دَعوَتِكَ مِنْ كِفایَتِكَ وَمَعُونَتِكَ لَهُم، وَتَأیِیدِكَ وَنَصرِكَ إیّاهُم، ما تُعینُهُم بِهِ عَلَی طاعَتِكَ، وَأزهِقْ بِحَقِّهِم باطِلَ مَنْ أرادَ إطفاءَ نُورِكَ
وَصَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِهِ؛ وَامْلَأْ بِهِمْ كُلَّ أُفُقٍ مِنَ الآفاقِ، وَقُطْرٍ مِنَ الأقطارِ، قِسْطاً وَعَدْلاً وَرَحمَةً وَفَضلاً، وَاشْكُرْ لَهُم عَلَی حَسَبِ كَرَمِكَ وَجُودِكَ، وَما مَنَنْتَ بِهِ عَلَی القائمینَ بِالقِسْطِ مِنْ عِبادِكَ، وَاذْخَرْ لَهُم مِنْ ثَوابِكَ ما تَرفَعُ لَهُم بِهِ الدَّرَجاتِ،
إنَّكَ تَفعَلُ ما تَشاءُ وَتَحكُمُ ما تُرِیدُ، آمِینَ رَبَّ العالَمِینَ.(1)
1141- ومنها : ما رواه الشيخ الصدوق في كتاب كمال الدين وتمام النعمة عن أبي محمّد الحسين بن أحمد المكتّب قال : حدّثنا أبو عليّ بن همام بهذا الدعاء، وذكر أنّ الشيخ العمري قدّس اللّه روحه أملاه عليه، وأمره أن يدعو به ، وهو الدعاء في غيبة القائم علیه السلام.
ورواه السيّد الاجلّ عليّ بن طاووس في جمال الأُسبوع بإسناده، عن الشيخ الطوسي (رحمة اللّه علیه)، عن جماعة، عن أبي هارون بن موسى التلعكبري (رحمة اللّه علیه).
أنّ أبا عليّ محمّد بن همام (رحمة اللّه علیه) أخبره بهذا الدعاء، وذكر أنّ الشيخ أبا عمرو العمريّ قدّس اللّه روحه أملاه عليه، وأمره أن يدعو به
وهو الدعاء في غيبة القائم من آل محمّد عليه وعلیهم السلام :
اللّهُمَّ عَرِّفْني نَفْسَك فَاِنَّك انْ لَمْ تُعَرِّفْني نَفْسَك لَمْ اعْرِفْ نَبِيَّك،
اللّهُمَّ عَرِّفِني نَبِيَّك فَاِنَّك إنْ لَم تُعَرِّفني رَسُولَك لَمْ اعْرِفْ حُجَّتَك،
اللّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَك فَاِنَّك انْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَك ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي
ص: 96
اَللّهُمَّ لا تُمِتْنِي مِيتَةً جاهِلِيَّةً، وَلا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي
اَللّهُمَّ فَكَما هَدَيْتَنِي لِوِلايَةِ مَنْ فَرَضْتَ طاعَتَهُ عَلَيَّ مِنْ وُلاةِ أَمْرِكَ بَعْدَ رَسُولِكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، حَتّى والَيْتُ وُلاةَ أَمْرِكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَعَلِيّاً وَمُحَمَّداً وَجَعْفَراً وَمُوسى وَعَلِيّاً وَمُحَمَّداً وَعَلِيّاً وَالْحَسَنَ وَالْحُجَّةَ الْقآئِمَ الْمَهْدِيَّ صَلَواتُكَ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ
اللَّهُمَّ فَثَبِّتْنِي عَلَى دِينِكَ وَ اسْتَعْمِلْنِي بِطَاعَتِكَ وَ لَيِّنْ قَلْبِي لِوَلِيِّ أَمْرِكَ وَ عَافِنِي مِمَّا امْتَحَنْتَ بِهِ خَلْقَكَ وَ ثَبِّتْنِي عَلَى طَاعَةِ وَلِيِّ أَمْرِكَ الَّذِي سَتَرْتَهُ عَنْ خَلْقِكَ فَبِإِذْنِكَ غَابَ عَنْ بَرِيَّتِكَ وَ أَمْرَكَ يَنْتَظِرُ وَ أَنْتَ الْعَالِمُ غَيْرُ مُعَلَّمٍ بِالْوَقْتِ الَّذِي فِيهِ صَلَاحُ أَمْرِ وَلِيِّكَ فِي الْإِذْنِ لَهُ بِإِظْهَارِ أَمْرِهِ وَ كَشْفِ سِتْرِهِ وَ صَبِّرْنِي عَلَى ذَلِكَ حَتَّى لَا أُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ وَ لَا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ وَ لَا أَكْشِفَ عَمَّا سَتَرْتَهُ وَ لَا أَبْحَثَ عَمَّا كَتَمْتَهُ وَ لَا أُنَازِعَكَ فِي تَدْبِيرِكَ وَ لَا أَقُولَ لِمَ وَ كَيْفَ وَ مَا بَالُ وَلِيِّ أَمْرِ اللَّهِ لَا يَظْهَرُ وَ قَدِ امْتَلَأَتِ الْأَرْضُ مِنَ الْجَوْرِ وَ أُفَوِّضُ أُمُورِي كُلَّهَا إِلَيْكَ
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُرِيَنِي وَلِيَّ أَمْرِكَ ظَاهِراً نَافِذاً لِأَمْرِكَ مَعَ عِلْمِي بِأَنَّ لَكَ السُّلْطَانَ وَ الْقُدْرَةَ وَ الْبُرْهَانَ وَ الْحُجَّةَ وَ الْمَشِيَّةَ وَ الْإِرَادَةَ وَ الْحَوْلَ وَ الْقُوَّةَ فَافْعَلْ ذَلِكَ بِي وَ بِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى وَلِيِّكَ ظَاهِرَ الْمَقَالَةِ وَاضِحَ الدَّلَالَةِ هَادِياً مِنَ الضَّلَالَةِ شَافِياً مِنَ الْجَهَالَةِ
أَبْرِزْ يَا رَبِّ مَشَاهِدَهُ وَ ثَبِّتْ قَوَاعِدَهُ وَ اجْعَلْنَا مِمَّنْ تَقَرُّ عَيْنُنَا بِرُؤْيَتِهِ وَ أَقِمْنَا بِخِدْمَتِهِ وَ تَوَفَّنَا عَلَى مِلَّتِهِ وَ احْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ.
اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ شَرِّ جَمِيعِ مَا خَلَقْتَ وَ بَرَأْتَ وَ ذَرَأْتَ وَ أَنْشَأْتَ وَ صَوَّرْتَ،
ص: 97
وَ احْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ وَ عَنْ يَمِينِهِ وَ عَنْ شِمَالِهِ وَ مِنْ فَوْقِهِ وَ مِنْ تَحْتِهِ بِحِفْظِكَ الَّذِي لَا يَضِيعُ مَنْ حَفِظْتَهُ بِهِ وَ احْفَظْ فِيهِ رَسُولَكَ وَ وَصِيَّ رَسُولِكَ علیهماالسلام
اللَّهُمَّ وَ مُدَّ فِي عُمُرِهِ وَ زِدْ فِي أَجَلِهِ وَ أَعِنْهُ عَلَى مَا أَوْلَيْتَهُ وَ اسْتَرْعَيْتَهُ وَ زِدْ فِي كَرَامَتِكَ لَهُ فَإِنَّهُ الْهَادِي الْمَهْدِيُّ الْقَائِمُ الْمُهْتَدِي الطَّاهِرُ التَّقِيُّ النَّقِيُّ الزَّكِيُّ الرَّضِيُّ الْمَرْضِيُّ الصَّابِرُ الشَّكُورُ الْمُجْتَهِدُ.
اللَّهُمَّ وَ لَا تَسْلُبْنَا الْيَقِينَ لِطُولِ الْأَمَدِ فِي غَيْبَتِهِ وَ انْقِطَاعِ خَبَرِهِ عَنَّا وَ لَا تُنْسِنَا ذِكْرَهُ وَ انْتِظَارَهُ وَ الْإِيمَانَ بِهِ وَ قُوَّةَ الْيَقِينِ فِي ظُهُورِهِ وَ الدُّعَاءَ لَهُ وَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يُقَنِّطَنَا طُولُ غَيْبَتِهِ مِنْ ظُهُورِهِ وَ قِيَامِهِ وَ يَكُونَ يَقِينُنَا فِي ذَلِكَ كَيَقِينِنَا فِي قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللّه عليه وآله وَ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ وَحْيِكَ وَ تَنْزِيلِكَ
وَقَوِّ قُلُوبَنَا عَلَى الْإِيمَانِ بِهِ حَتَّى تَسْلُكَ بِنَا عَلَى يَدِهِ مِنْهَاجَ الْهُدَى وَ الْمَحَجَّةَ الْعُظْمَى وَ الطَّرِيقَةَ الْوُسْطَى وَ قَوِّنَا عَلَى طَاعَتِهِ وَ ثَبِّتْنَا عَلَى مُشَايَعَتِهِ وَ اجْعَلْنَا فِي حِزْبِهِ وَ أَعْوَانِهِ وَ أَنْصَارِهِ وَ الرَّاضِينَ بِفِعْلِهِ.
وَ لَا تَسْلُبْنَا ذَلِكَ فِي حَيَاتِنَا وَ لَا عِنْدَ وَفَاتِنَا حَتَّى تَوَفَّانَا وَ نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ شَاكِّينَ وَ لَا نَاكِثِينَ وَ لَا مُرْتَابِينَ وَ لَا مُكَذِّبِينَ.
اللَّهُمَّ عَجِّلْ فَرَجَهُ وَ أَيِّدْهُ بِالنَّصْرِ وَ انْصُرْ نَاصِرِيهِ وَ اخْذُلْ خَاذِلِيهِ وَ دَمْدِمْ عَلَى مَنْ نَصَبَ لَهُ وَ كَذَّبَ بِهِ وَ أَظْهِرْ بِهِ الْحَقَّ وَ أَمِتْ بِهِ الْجَوْرَ وَ اسْتَنْقِذْ بِهِ عِبَادَكَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الذُّلِّ وَ أَنْعِشْ بِهِ الْبِلَادَ وَ اقْتُلْ بِهِ الْجَبَابِرَةَ الْكَفَرَةَ وَ اقْصِمْ بِهِ رُءُوسَ الضَّلَالَةِ وَ ذَلِّلْ بِهِ الْجَبَّارِينَ وَ الْكَافِرِينَ وَ أَبِرْ بِهِ الْمُنَافِقِينَ وَ النَّاكِثِينَ وَ جَمِيعَ الْمُخَالِفِينَ وَ الْمُلْحِدِينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبِهَا وَ بَحْرِهَا وَ بَرِّهَا وَ سَهْلِهَا وَ جَبَلِهَا حَتَّى لَا تَدَعَ مِنْهُمْ دَيَّاراً وَ لَا تُبْقِيَ لَهُمْ آثَاراً،
ص: 98
وَ طَهِّرَ مِنْهُمْ بِلَادَكَ وَ اشْفِ مِنْهُمْ صُدُورَ عِبَادِكَ.
وَ جَدِّدْ بِهِ مَا امْتَحَى مِنْ دِينِكَ وَ أَصْلِحْ بِهِ مَا بُدِّلَ مِنْ حُكْمِكَ وَ غُيِّرَ مِنْ سُنَّتِكَ حَتَّى يَعُودَ دِينُكَ بِهِ وَ عَلَى يَدِهِ غَضّاً جَدِيداً صَحِيحاً لَا عِوَجَ فِيهِ وَ لَا بِدْعَةَ مَعَهُ حَتَّى تُطْفِئَ بِعَدْلِهِ نِيرَانَ الْكَافِرِينَ فَإِنَّهُ عَبْدُكَ الَّذِي اسْتَخْلَصْتَهُ لِنَفْسِكَ وَ ارْتَضَيْتَهُ لِنُصْرَةِ دِينِكَ وَ اصْطَفَيْتَهُ بِعِلْمِكَ وَ عَصَمْتَهُ مِنَ الذُّنُوبِ وَ بَرَّأْتَهُ مِنَ الْعُيُوبِ وَ أَطْلَعْتَهُ عَلَى الْغُيُوبِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ وَ طَهَّرْتَهُ مِنَ الرِّجْسِ وَ نَقَّيْتَهُ مِنَ الدَّنَسِ.
اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَيْهِ وَ عَلَى آبَائِهِ الْأَئِمَّةِ الطَّاهِرِينَ وَ عَلَى شِيعَتِهِمُ الْمُنْتَجَبِينَ وَ بَلِّغْهُمْ مِنْ آمَالِهِمْ أَفْضَلَ مَا يَأْمُلُونَ وَ اجْعَلْ ذَلِكَ مِنَّا خَالِصاً مِنْ كُلِّ شَكٍّ وَ شُبْهَةٍ وَ رِيَاءٍ وَ سُمْعَةٍ حَتَّى لَا نُرِيدَ بِهِ غَيْرَكَ وَ لَا نَطْلُبَ بِهِ إِلَّا وَجْهَكَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنَا وَ غَيْبَةَ وَلِيِّنَا وَ شِدَّةَ الزَّمَانِ عَلَيْنَا وَ وُقُوعَ الْفِتَنِ بِنَا وَ تَظَاهُرَ الْأَعْدَاءِ وَ كَثْرَةَ عَدُوِّنَا وَ قِلَّةَ عَدَدِنَا اللَّهُمَّ فَافْرُجْ ذَلِكَ بِفَتْحٍ مِنْكَ تُعَجِّلُهُ وَ بِصَبْرٍ مِنْكَ تُيَسِّرُهُ وَ إِمَامِ عَدْلٍ تُظْهِرُهُ إِلَهَ الْحَقِّ رَبَّ الْعَالَمِينَ
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَأْذَنَ لِوَلِيِّكَ فِي إِظْهَارِ عَدْلِكَ فِي عِبَادِكَ وَ قَتْلِ أَعْدَائِكَ فِي بِلَادِكَ حَتَّى لَا تَدَعَ لِلْجَوْرِ دِعَامَةً إِلَّا قَصَمْتَهَا وَ لَا بِنْيَةً إِلَّا أَفْنَيْتَهَا وَ لَا قُوَّةً إِلَّا أَوْهَنْتَهَا وَ لَا رُكْناً إِلَّا هَدَدْتَهُ وَ لَا حَدّاً إِلَّا فَلَلْتَهُ وَ لَا سِلَاحاً إِلَّا كَلَلْتَهُ وَ لَا رَايَةً إِلَّا نَكَّسْتَهَا وَ لَا شُجَاعاً إِلَّا قَتَلْتَهُ وَ لَا حُبّاً إِلَّا خَذَلْتَهُ
وارْمِهِمْ يَا رَبِّ بِحَجَرِكَ الدَّامِغِ وَ اضْرِبْهُمْ بِسَيْفِكَ الْقَاطِعِ وَ بِبَأْسِكَ الَّذِي لَا يُرَدُّ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ وَ عَذِّبْ أَعْدَاءَكَ وَ أَعْدَاءَ دِينِكَ وَ أَعْدَاءَ رَسُولِكَ بِيَدِ وَلِيِّكَ وَ أَيْدِي عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ.
اللَّهُمَّ اكْفِ وَلِيَّكَ وَ حُجَّتَكَ فِي أَرْضِكَ هَوْلَ عَدُوِّهِ وَ كِدْ مَنْ كَادَهُ وَ امْكُرْ
ص: 99
بِمَنْ مَكَرَ بِهِ وَ اجْعَلْ دَائِرَةَ السَّوْءِ عَلَى مَنْ أَرَادَ بِهِ سُوءاً وَ اقْطَعْ عَنْهُ مَادَّتَهُمْ وَ أَرْعِبْ بِهِ قُلُوبَهُمْ وَ زَلْزِلْ لَهُ أَقْدَامَهُمْ وَ خُذْهُمْ جَهْرَةً وَ بَغْتَةً شَدِّدْ عَلَيْهِمْ عِقَابَكَ وَ أَخْزِهِمْ فِي عِبَادِكَ وَ الْعَنْهُمْ فِي بِلَادِكَ وَ أَسْكِنْهُمْ أَسْفَلَ نَارِكَ وَ أَحِطْ بِهِمْ أَشَدَّ عَذَابِكَ وَ أَصْلِهِمْ نَاراً وَ احْشُ قُبُورَ مَوْتَاهُمْ نَاراً وَ أَصْلِهِمْ حَرَّ نَارِكَ فَإِنَّهُمْ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ وَ أَضَلُّوا عِبَادَكَ
اللَّهُمَّ وَ أَحْيِ بِوَلِيِّكَ الْقُرْآنَ وَ أَرِنَا نُورَهُ سَرْمَداً لَا ظُلْمَةَ فِيهِ وَ أَحْيِ بِهِ الْقُلُوبَ الْمَيِّتَةَ وَ اشْفِ بِهِ الصُّدُورَ الْوَغِرَةَ وَ اجْمَعْ بِهِ الْأَهْوَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ عَلَى الْحَقِّ وَ أَقِمْ بِهِ الْحُدُودَالْمُعَطَّلَةَ وَ الْأَحْكَامَ الْمُهْمَلَةَ حَتَّى لَا يَبْقَى حَقٌّ إِلَّا ظَهَرَ وَ لَا عَدْلٌ إِلَّا زَهَرَ وَ اجْعَلْنَا يَا رَبِّ مِنْ أَعْوَانِهِ وَ مِمَّنْ يَقْوَى بِسُلْطَانِهِ وَ الْمُؤْتَمِرِينَ لِأَمْرِهِ وَ الرَّاضِينَ بِفِعْلِهِ وَ الْمُسَلِّمِينَ لِأَحْكَامِهِ وَ مِمَّنْ لَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى التَّقِيَّةِ مِنْ خَلْقِكَ.
أَنْتَ يَا رَبِّ الَّذِي تَكْشِفُ السُّوءَ وَ تُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاكَ وَ تُنَجِّي مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ فَاكْشِفِ الضُّرَّ عَنْ وَلِيِّكَ وَ اجْعَلْهُ خَلِيفَةً فِي أَرْضِكَ كَمَا ضَمِنْتَ لَهُ.
اللَّهُمَّ وَ لَا تَجْعَلْنَا مِنْ خُصَمَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ وَ لَا تَجْعَلْنَا مِنْ أَعْدَاءِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ وَ لَا تَجْعَلْنِي مِنْ أَهْلِ الْحَنَقِ وَ الْغَيْظِ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ فَإِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ ذَلِكَ فَأَعِذْنِي وَ أَسْتَجِيرُ بِكَ فَأَجِرْنِي
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ اجْعَلْنِي بِهِمْ فَائِزاً عِنْدَكَ فِي الدُّنْيَا وَ الآْخِرَةِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، آمِينَ رَبَّ العَالَمِينَ.(1)
ص: 100
تنبيه : قال السيّد الأجل عليّ بن طاووس في كتاب جمال الأسبوع عند ذكر الدعاء المذكور، وبيان الحضّ والترغيب عليه في يوم الجمعة بعد صلاة العصر ما هذا لفظه: «وهو ممّا ينبغي إذا كان لك عذر عن جميع ما ذكرناه من تعقيب العصر يوم الجمعة، فإيّاك أن تهمل الدعاء به، فإنّنا عرفنا ذلك من فضل اللّه جلّ جلاله الّذي خصّنا به فاعتمد عليه».
ثمّ ذكر الدعاء المذكور، بالإسناد الّذي قدّمنا ذكره،
وهذا الكلام يدل على صدور أمر في ذلك عن مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه إليه، وهذا غير بعيد من مقامات السيّد وكراماته أفاض اللّه عليه من سنيّ بركاته
ومن الدعوات الماثورة في طلب الفرج لمولانا القائم المهديّ عجّل اللّه تعالی فرجه وظهوره دعاء القنوت المرويّ عن مولانا الزكيّ الرضيّ، الحسن بن عليّ العسكريّ عليهما الصلاة والسلام، الّذي ذكره الشيخ الطوسيّ (رحمة اللّه علیه) في المصباح و مختصر المصباح، في باب ادعيه قنوت صلاة الوتر، وذكره السيّد بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في مهج الدعوات، في باب قنوتات الأئمّة الأطهار علیهم السلام ،
لكنّ الظاهر من بعض الروايات عدم اختصاصه بوقت من الأوقات، وإن كان الأفضل أن يدعى به في افضل الأوقات والحالات.
ويظهر من رواية السيّد وغيره، أنّ لهذا الدعاء تأثيراً تامّاً في دفع الظالم، والانتصار منه للمظلوم، بل يمكن أن يستفاد من ذلك أنّ من جملة فوائد الدعاء في فرج صاحب الزمان علیه السلام وطلب ظهوره ونصرته دفع الظالم، والخلاص من بأسه وسطوته، قال السيّد عند ذكر الدعاء المشار إليه :
ودعا علیه السلام يعني الإمام الزكيّ الحسن بن عليّ العسكريّ في قنوته ، وأمر أهل قم بذلك، لمّا شكوا من موسی بن بغا، إنتهى كلامه رفع مقامه.
1142- وحكی صاحب كتاب منح البركات، وهو شرح لمهج الدعوات، عن كتاب إعلام الوری في تسمية القرى، تأليف أبي سعيد إسماعيل بن عليّ
ص: 101
السمعاني الحنفيّ: أنّ موسی بن بغا بن كلیب بن شمر بن مروان بن عمرو بن غطّه كان من أصحاب المتوكّل العبّاسي «لع» وأمرائه ، وكان عاملاً له على بلدة قم، وهو الخبيث الّذي كان يحرّض المتوكّل على تخریب قبر مولانا المظلوم أبي عبداللّه الحسين عليه الصلاة والسلام، وحرثه، وكان ظالماً سفّاكاً هتّاكاً، وكان عاملاً على قم، حاكماً على أهله أكثر من عشر سنين، وكان أهل قم خائفين منه، لأنّه كان شديد العناد للأئمّة الأمجاد، وكان يلقي الفساد بينهم، ويهدّدهم بالقتل، وعزم عليهم، فشكوا ذلك إلى مولانا الحسن بن عليّ العسكري علیه السلام ،
فأمرهم بأن يصلّوا صلاة المظلوم، ويدعوا عليه بهذا الدعاء ، فلمّا فعلوا ذلك أخذه اللّه في الحال أخذ عزيز مقتدر ولم يمهله طرفة عين .
أقول: هذا كلام صاحب كتاب منح البركات، قد نقلته بالمعنی، لانّه كان باللغة الفارسيّة، ولم يذكر صفة صلاة المظلوم، ونحن نذكر ما وجدناه في كتاب مكارم الأخلاق عند ذكر جملة من الصلوات :
1143- ففي موضع منه: عن الصادق علیه السلام في حديث قال : إذا ظلمت فاغتسل، وصلّ ركعتين في موضع لا يحجبك عن السماء، ثمّ قل:
اللَّهُمَّ إنَّ «فلانَ بنَ فلانٍ» قَد ظَلَمَنِي وَ لَیْسَ لي أحَدٌ أصُولُ بِهِ غَیْرَكَ فاسْتَوْفِ لِي ظُلَامتي السَّاعَهَ بالإسمِ الَّذِی سَأَلَكَ بِهِ المُضْطَرُّ فَكَشَفْتَ ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَ مكَّنْتَ لَهُ في الأرْضِ وَ جَعَلْتَهُ خَلِیفتَكَ عَلَی خَلْقِكَ فَأسئَلُكَ أنْ تُصَلِّيَ عَلَی مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أنْ تَسْتَوْفِيَ لي ظُلامتي السَّاعَةَ السَّاعَةَ.
قال علیه السلام : فإنّك لا تلبث حتّى ترى ما تحبّ.(1)
1144- وقال في المكارم في موضع آخر: صلاة المظلوم: تصلّي ركعتين بما شئت من القرآن، وتصلّي على محمّد وآله ما قدرت عليه، ثمّ تقول :
ص: 102
اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ يَوْماً تَنْتَقِمُ فِيهِ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ لكِنْ هَلَعِي وَ جَزَعِي لَا يُبْلِغَانِ بِيَ الصَّبْرَ عَلَى أَنَاتِكَ وَ حِلْمِكَ وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ «فُلَاناً» ظَلَمَنِي وَ اعْتَدَى عَلَيَّ بِقُوَّتِهِ عَلَى ضَعْفِي فَأَسْأَلُكَ يَا رَبَّ الْعِزَّةِ وَ قَاصِمَ الْجَبَّارِينَ وَ نَاصِرَ الْمَظْلُومِينَ أَنْ تُرِيَهُ قُدْرَتَكَ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ يَا رَبَّ الْعِزَّةِ السَّاعَةَ السَّاعَةَ(1)
صلاة أخرى :
1145- محمد بن الحسن الصفّار - يرفعه - قال : قلت له :
إن «فلاناً» ظالم لي، فقال : أسبغ الوضوء، وصلّ ركعتين، وأثن على اللّه تعالى، وصلّ على محمّد وآله، ثمّ قل:
اللّهمّ إنّ «فلاناً» ظلمني، وبغى عليَّ فأبله بفقر لا تجبره، وبسوء لاتستره.
قال : ففعلت، فأصابه الوضح .(2)
1146- وفي رواية أخرى، قال :
ما من مؤمن ظلم، فتوضّأ وصلّى ركعتين، ثمّ قال :
«اللّهمّ إنّي مظلوم فانتصر» وسكت . إلّا عجّل اللّه تعالى له النصر، إنتهی .(3)
1147- وفي موضع آخر منه : عن يونس بن عمّار، قال : شكوت إلى أبي عبداللّه علیه السلام رجلاً كان يؤذيني فقال علیه السلام : أُدع عليه، قلت : دعوت عليه، قال : ليس هكذا ولكن أقلع عن الذنوب، وصم، وصلّ، وتصدّق، فإذا كان آخر الليل
فأسبغ الوضوء، ثمّ قم فصلّ ركعتين، ثمّ قل: وأنت ساجد:
اَللَّهُمَّ إِنَّ «فُلانَ بْنَ فُلَانٍ» قَدْ آذَانِي، اَللَّهُمَّ اسْقُمْ بَدَنَهُ، وَاقْطَعْ أَثَرَهُ، وَانْقُصْ أَجَلَهُ، وَ عَجِّلْ لَهُ ذَلِكَ فِي عَامِهِ هَذَا.(4)
قال : ففعلت، فما لبث أن هلك .(5)
ص: 103
1148- وفي موضع آخر قال : اغتسل وصلّ ركعتين، واكشف عن ركبتيك، واجعلهما ممّا يلي المصلّي، وقل مائة مرّة :
يَا حَيُّ يَا قَيُومُ، يَا حَيُّ لَا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ، فَصَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاَغِثْنِي السَّاعَةَ السَّاعَةَ، فإذا فرغت من ذلك فقل:
أَسْاَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَلْطُفَ لِي، وَأَنْ تَغْلِبَ لِي، وَأَنْ تَمْكُرَ لِي، وَأَنْ تَخْدَعَ لِي، وَأَنْ تَكِیدَلِي، وَأَنْ تَكْفِيَنِي مَؤُونَةَ «فلان بن فلان»(1)
قال : فإنّ هذا كان دعاء النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم يوم أحد.(2)
1149- أمّا الدعاء المشار إليه(3) فهو هذا:
الْحَمْدُ لِلَّهِ شُكْراً لِنَعْمَائِهِ وَ اسْتِدْعَاءً لِمَزِيدِهِ وَ اسْتِجَلاباً لِرِزْقِهِ وَ اسْتِخْلاَصاً لَهُ وَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَ عِيَاذاً بِهِ مِنْ كُفْرَانِهِ وَ الْإِلْحَادِ فِي عَظَمَتِهِ وَ كِبْرِيَائِهِ حَمْدَ مَنْ عَلِمَ أَنَّ مَا بِهِ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ عِنْدِ رَبِّهِ وَ مَا مَسَّهُ مِنْ عُقُوبَةٍ فَبِسُوءِ جِنَايَةِ يَدِهِ،
وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَ رَسُولِهِ وَ خِيَرَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ وَ ذَرِيعَةِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى رَحْمَتِهِ وَ عَلَى آلِهِ الطَّاهِرِينَ، وُلَاةِ أَمْرِهِ.
اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَدْ نَدَبْتَ إِلَى فَضْلِكَ وَ أَمَرْتَ بِدُعَائِكَ وَ ضَمِنْتَ الْإِجَابَةَ لِعِبَادِكَ وَ لَمْ تُخَيِّبْ مَنْ فَزِعَ إِلَيْكَ بِرَغْبَتِهِ وَ قَصَدَ إِلَيْكَ بِحَاجَتِهِ وَ لَمْ تَرْجِعْ يَدُ طَالِبِهِ صِفْراً مِنْ عَطَائِكَ وَ لاَ خَائِبَةً مِنْ نِحَلِ هِبَاتِكَ.
وَ أَيُّ رَاحِلٍ رَحَلَ إِلَيْكَ فَلَمْ يَجِدْكَ قَرِيباً؟ أَوْ أَيُّ وَافِدٍ وَفَدَ عَلَيْكَ فَاقْتَطَعَتْهُ عَوَائِقُ الرَّدِّ دُونَكَ؟ بَلْ أَيُّ مُحْتَفِرٍ مِنْ فَضْلِكَ لَمْ يُمْهِهِ فَيْضُ
ص: 104
جُودِكَ؟ وَ أَيُّ مُسْتَنْبِطٍ لِمَزِيدِكَ أَكْدَى دُونَ اسْتِمَاحَةِ سِجَالِ عَطِيَّتِكَ؟
وَ قَدْ قَصَدْتُ إِلَيْكَ بِرَغْبَتِي، وَ قَرَعَتْ بَابَ فَضْلِكَ يَدُ مَسْأَلَتِي وَ نَاجَاكَ بِخُشُوعِ الاِسْتِكَانَةِ قَلْبِي وَ وَجَدْتُكَ خَيْرَ شَفِيعٍ لِي إِلَيْكَ وَ قَدْ عَلِمْتُ يَا إِلَهِي مَا يَحْدُثُ مِنْ طَلِبَتِي قَبْلَ أَنْ يَخْطُرَ بِفِكْرِي أَوْ يَقَعَ فِي خَلَدِي فَصِلِ اللَّهُمَّ دُعَائِي إِيَّاكَ بِإِجَابَتِي وَ اشْفَعْ مَسْأَلَتِي بِنُجْحِ طَلِبَتِي
اللَّهُمَّ وَ قَدْ شَمِلَنَا زَيْغُ الْفِتَنِ وَ اسْتَوْلَتْ عَلَيْنَا عَشْوَةُ الْحِيرَةِ وَ قَارَعَنَا الذُّلُّ وَ الصَّغَارُ وَ حُكِّمَ عَلَيْنَا غَيْرُ الْمَأْمُونِينَ فِي دِينِكَ وَ ابْتَزَّ أُمُورَنَا مَعَادِنُ الْأُبَنِ مِمَّنْ عَطَّلَ حُكْمَكَ وَ سَعَى فِي إِتْلاَفِ عِبَادِكَ وَ إِفْسَادِ بِلاَدِكَ
اللَّهُمَّ وَ قَدْ عَادَ فَيْئُنَا دَوْلَةً بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَ إِمَارَتُنَا غَلَبَةً بَعْدَ الْمَشُورَةِ وَ عُدْنَا مِيرَاثاً بَعْدَ الاِخْتِيَارِ لِلْأَمَةِ وَ اشْتُرِيَتِ الْمَلاَهِي وَ الْمَعَازِفُ بِسَهْمِ الْيَتِيمِ وَ الْأَرْمَلَةِ وَ رَعَى فِي مَالِ اللَّهِ مَنْ لاَ يَرْعَى لَهُ حُرْمَةً وَ حَكَمَ فِي أَبْشَارِ الْمُؤْمِنِينَ أَهْلُ الذِّمَّةِ وَ وُلِّيَ الْقِيَامَ بِأُمُورِهِمْ فَاسِقُ كُلِّ قَبِيلَةٍ،
فَلاَ ذَائِدٌ يَذُودُهُمْ عَنْ هَلَكَةٍ وَ لاَ رَاعٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ وَ لاَ ذُو شَفَقَةٍ يُشْبِعُ الْكَبِدَ الْحَرَّى مِنْ مَسْغَبَةٍ فَهُمْ أُولُو ضَرْعٍ بِدَارِ مَضْيَعَةٍ وَ أُسَرَاءُ مَسْكَنَةٍ، وَ خُلَفَاءُ كَآبَةٍ وَ ذِلَّةٍ
اللَّهُمَّ وَ قَدِ اسْتُحْصِدَ زَرْعُ الْبَاطِلِ وَ بَلَغَ نِهَايَتَهُ وَ اسْتُحْكِمَ عَمُودُهُ وَ اسْتُجْمِعَ طَرِيدُهُ وَ خَذْرَفَ وَلِيدُهُ وَ بَسَقَ بِطُولِهِ وَ ضَرَبَ بِجِرَانِهِ،
اللَّهُمَّ فَأَتِحْ لَهُ مِنَ الْحَقِّ يَداً حَاصِدَةً تَصْرَعُ قَائِمَهُ وَ تَهْشِمُ سُوقَهُ وَ تَجُذُّ سَنَامَهُ وَ تَجْدَعُ مَرَاغِمَهُ لِيَسْتَخْفِيَ الْبَاطِلُ بِقُبْحِ حِلْيَتِهِ.
ص: 105
اللَّهُمَّ وَلاَ تَدَعْ لِلْجَوْرِ دِعَامَةً إِلاَّ قَصَمْتَهَا وَ لاَ جُنَّةً إِلاَّ أَهْلَكْتَهَا وَ لاَ كَلِمَةً مُجْتَمِعَةً إِلاَّ فَرَّقْتَهَا وَ لاَ سَرِيَّةَ ثِقْلٍ إِلاَّ خَفَّفْتَهَا وَلَا قَائِمَةَ عُلُوٌّ اِلَّا حَطَطْتَهَا وَلَا رَافِعَةَ عَلَم اِلَّا نَكَّسْتَهَا وَ لاَ خَضْرَاءَ إِلاَّ أَبَدْتَهَا.
اَللَّهُمَّ فَكَوِّرْ شَمْسَهُ وَ حُطَّ نُورَهُ وَاَطْمِسْ ذِكْرَهُ وَارْمِ بِالحَقِّ رَأسَهُ أُمَّ بِالْحَقِّ رَأْسَهُ وَ فُضَّ جُيُوشَهُ وَ أَوْغِرْ قُلُوبَ أَهْلِهِ.
اَللَّهُمَّ وَلَا تَدَعْ مِنْهُ بَقِيَّةً إِلاَّ أَفْنَيْتَ وَ لاَ بَنِيَّةً إِلاَّ سَوَّيْتَ وَ لاَ حَلْقَةً إِلاَّ فَصَمْتَ وَ لاَ سِلاَحاً إِلاَّ أَفْلَلْتَ وَلاَ وَ لاَ كُرَاعاً إِلاَّ اجْتَحْتَ وَ لاَ حَامِلَةَ عَلَمٍ إِلاَّ نَكَّسْتَ.
اللّهُمَّ وَأَرِنَا أَنصَارَهُ عَبَادِیدَ بَعدَ الأُلفَهِ ، وَشَتَّی بَعدَ اجتِمَاعِ الكَلِمَهِ ، وَمُقنِعِی الرُّؤُوسِ بَعدَ الظُّهُورِ عَلَی الأُمَّهِ ، وَأَسفِر لَنَا عَن نَهَارِ العَدلِ ، وَأَرِنَاهُ سَرمَداً لا ظُلمَهَ فِیهِ ، وَنُوراً لا شَوبَ مَعَهُ ، وَأَهطِل عَلَینَا نَاشِئَتَهُ ، وَأَنزِل عَلَینَا بَرَكَتَهُ ، وَأَدِل لَهُ مِمَّن نَاوَاهُ وَانصُرهُ عَلَی مَن عَادَاهُ.
اللّهُمَّ وَأَظهِر بِهِ الحَقَّ ، وَأَصبِح بِهِ فِی غَسَقِ الظُّلَمِ وَبُهَمِ الحَیرَهِ . اللّهُمَّ وَأَحیِ بِهِ القُلُوبَ المَیِّتَهَ ، وَاجمَع بِهِ الأَهوَاءَ المُتَفَرِّقَهَ وَالآرَاءَ المُختَلِفَهَ ، وَأَقِم بِهِ الحُدُودَ المُعَطَّلَهَ وَالأَحكَامَ المُهمَلَهَ ، وَأَشبِع بِهِ الخِمَاصَ السَّاغِبَهَ ، وَأَرِح بِهِ الأَبدَانَ اللّاغِبَهَ المُتعَبَهَ ، كَمَا أَلهَجتَنَا بِذِكرِهِ ، وَأَخطَرتَ بِبَالِنَا دُعَاءَكَ لَهُ ، وَوَفَّقتَنَا لِلدُّعَاءِ إِلَیهِ وَحِیَاشَهِ أَهلِ الغَفلَهِ عنه ، وَأَسكَنتَ فِی قُلُوبِنَا مَحَبَّتَهُ وَالطَّمَعَ فِیهِ وَحُسنَ الظَّنِّ بِكَ لإِقَامَهِ مَرَاسِمِهِ.
اللّهُمَّ فَأتِ لَنَا مِنهُ عَلَی أَحسَنِ یَقِینٍ ، یَا مُحَقِّقَ الظَّنُونِ الحَسَنَهِ ، وَیَا مُصَدِّقَ الآمَالِ المُبطِئَهِ،
اللّهُمَّ وَأَكذِب بِهِ المُتَأَلِّینَ عَلَیكَ فِیهِ ، وَأَخلِف بِهِ ظُنُونَ القَانِطِینَ مِن
ص: 106
رَحمَتِكَ وَالآیِسِینَ مِنهُ
اللّهُمَّ اجعَلنَا سَبَباً مِن أَسبَابِهِ ، وَعَلَماً مِن أَعلامِهِ ، وَمَعقِلاً مِن مَعَاقِلِهِ ، وَنَضِّر وُجُوهَنَا بِتَحلِیَتِهِ ، وَأَكرِمنَا بِنُصرَتِهِ ، وَاجعَل فِینَا خَیراً تُظهِرُنَا لَهُ وَبِهِ ، وَلا تُشمِت بِنَا حَاسِدِی النِّعَمِ وَالمُتَرَبِّصِینَ بِنَا حُلُولَ النَّدَمِ وَنُزُولَ المُثَلِ.
فَقَد تَرَی یَا رَبِّ بَرَاءَهَ سَاحَتِنَا وَخُلُوَّ ذَرعِنَا مِنَ الإِضمَارِ لَهُم عَلَی إِحنَةٍ ، وَالتَّمَنِّی لَهُم وُقُوعَ جَائِحَةٍ وَمَا تَنَازَلَ مِن تَحصِینِهِم بِالعَافِیَةِ وَمَا أَضبَؤُوا لَنَا مِنِ انتِهَازِ الفُرصَهِ وَطَلَبِ الوُثُوبِ بِنَا عِندَ الغَفلَةِ.
اللّهُمَّ وَقَد عَرَّفتَنَا مِن أَنفُسِنَا وَبَصَّرتَنَا مِن عُیُوبِنَا خِلالاً نَخشَی أَن تَقعُدَ بِنَا عَنِ استِیهَالِ إِجَابَتِكَ،
وَأَنتَ المُتَفَضِّلُ عَلَی غَیرِ المُستَحِقِّینَ ، وَالمُبتَدِئُ بِالإِحسَانِ غَیرَ السَّائِلِینَ ، فَآتِ لَنَا مِن أَمرِنَا عَلَی حَسَبِ كَرَمِكَ وَجُودِكَ وَفَضلِكَ وَامتِنَانِكَ ، إِنَّكَ تَفعَلُ مَا تَشَاءُ ، وَتَحكُمُ مَا تُرِیدُ ، إِنَّا إِلَیكَ رَاغِبُونَ وَمِن جَمِیعِ ذُنُوبِنَا تَائِبُونَ.
اللّهُمَّ وَالدَّاعِي إِلَیكَ وَالقَائِمُ بِالقِسطِ مِن عِبَادِكَ ، الفَقِیرُ إِلَی رَحمَتِكَ ، المُحتَاجُ إِلَی مَعُونَتِكَ عَلَی طَاعَتِكَ إِذِ ابتَدَأتَهُ بِنِعمَتِكَ وَأَلبَستَهُ أَثوَابَ كَرَامَتِكَ ، وَأَلقَیتَ عَلَیهِ مَحَبَّهَ طَاعَتِكَ وَثَبَّتَّ وَطأَتَهُ فِي القُلُوبِ مِن مَحَبَّتِكَ ، وَوَفَّقتَهُ لِلقِیَامِ بِمَا أَغمَضَ فِیهِ أَهلُ زَمَانِهِ مِن أَمرِكَ ، وَجَعَلتَهُ مَفزَعاً لِمَظلُومِ عِبَادِكَ وَنَاصِراً لِمَن لا یَجِدُ لَهُ نَاصِراً غَیرَكَ ، وَمُجَدِّداً لِمَا عُطِّلَ مِن أَحكَامِ كِتَابِكَ ، وَمُشَیِّداً لِمَا وَرَدَ مِن أَعلامِ سُنَنِ نَبِیِّكَ عَلَیهِ وَآلِهِ سَلامُكَ وَصَلَوَاتُكَ وَرَحمَتُكَ وَبَرَكَاتُكَ.
ص: 107
فَاجعَلهُ اللّهُمَّ فِی حَصَانَهٍ مِن بَأسِ المُعتَدِینَ ، وَأَشرِق بِهِ القُلُوبَ المُختَلِفَهَ مِن بُغَاهِ الدِّینِ ، وَبَلِّغ بِهِ أَفضَلَ مَا بَلَّغتَ بِهِ القَائِمِینَ بِقِسطِكَ مِن أَتبَاعِ النَّبِیِّینَ .
اللّهُمَّ وَأَذلِل بِهِ مَن لَم تُسهِم لَهُ فِی الرُّجُوعِ إِلَی مَحَبَّتِكَ وَمَن نَصَبَ لَهُ العَدَاوَهَ ، وَارمِ بِحَجَرِكَ الدَّامِغِ مَن أَرَادَ التَّألِیبَ عَلی دِینِكَ بِإِذلالِهِ وَتَشتِیتِ أمرِه وَاغضَب لِمَن لا تِرَهَ لَهُ وَلا طَائِلَهَ ، وَعَادَی الأَقرَبِینَ وَالأَبعَدِینَ فِیكَ ، مَنّاً مِنكَ عَلَیهِ لا مَنّاً مِنهُ عَلَیكَ
اللّهُمَّ فَكَمَا نَصَبَ نَفسَهُ غَرَضاً فِیكَ لِلأَبعَدِینَ ، وَجَادَ بِبَذلِ مُهجَتِهِ لَكَ فِی الذَّبِّ عَن حَرِیمِ المُؤمِنِینَ ، وَرَدَّ شَرَّ بُغَاهِ المُرتَدِّینَ المُرِیبِینَ ، حَتَّی أُخفِیَ مَا كَانَ جُهِرَ بِهِ مِنَ المَعَاصِی ، وَابدَی مَا كَانَ نَبَذَهُ العُلَمَاءُ وَرَاءَ ظُهُورِهِم مِمَّا أَخَذتَ مِیثَاقَهُم عَلی أَن یُبَیِّنُوهُ لِلنَّاسِ وَلا یَكتُمُوهُ ، وَدَعَا إِلَی إِفرَادِكَ بِالطَّاعَهِ ، وَأَلاّ یَجعَلَ لَكَ شَرِیكاً مِن خَلقِكَ یَعلُو أَمرُهُ عَلی أَمرِكَ مَعَ مَا یَتَجَرَّعُهُ فِیكَ مِن مَرَارَاتِ الغَیظِ الجَارِحَهِ بِحَوَاسِّ القُلُوبِ وَمَا یَعتَوِرُهُ مِنَ الغُمُومِ ، وَیَفرُغُ عَلَیهِ مِن أَحدَاثِ الخُطُوبِ ، وَیَشرَقُ بِهِ مِنَ الغُصَصِ الَّتِی لا تَبتَلِعُهَا الحُلُوقُ وَلا تَحنُو عَلَیهَا الضُّلُوعُ مِن نَظرَهٍ إِلَی أَمرٍ مِن أَمرِكَ ، وَلا تَنَالُهُ یَدُهُ بِتَغیِیرِهِ وَرَدِّهِ إِلَی مَحَبَّتِكَ.
فَاشدُدِ اللّهُمَّ أَزرَهُ بِنَصرِكَ وَأَطِل بَاعَهُ فِیمَا قَصُرَ عَنهُ مِن إِطرَادِ الرَّاتِعِینَ في حِمَاكَ ، وَزِدهُ فِي قُوَّتِهِ بَسطَهً مِن تَأیِیدِكَ ، وَلا تُوحِشنَا مِن أُنسِهِ ، وَلا تَختَرِمهُ دُونَ أَمَلِهِ مِنَ الصَّلاحِ الفَاشِی فِي أَهلِ مِلَّتِهِ وَالعَدلِ الظَّاهِرِ فِي أُمَّتِهِ.
اللّهُمَّ وَشَرِّف - بِمَا استَقبَلَ بِهِ مِنَ القِیَامِ بِأَمرِكَ لَدَي مَوقِفِ الحِسَابِ مُقَامَهُ ، وَسُرَّ نَبِیَّكَ مُحَمَّداً صَلَوَاتُكَ عَلَیهِ وَآلِهِ بِرُؤیَتِهِ وَمَن تَبِعَهُ عَلَی
ص: 108
دَعوَتِهِ ، وَأَجزِل لَهُ عَلَی مَا رَأَیتَهُ قَائِماً بِهِ مِن أَمرِكَ ثَوَابَهُ ، وَابنِ قُربَ دُنُوِّهِ مِنكَ فِی حَیَاتِهِ
وَارحَمِ استِكَانَتَنَا مِن بَعدِهِ وَاستِخذَاءَنَا لِمَن كُنَّا نَقمَعُهُ بِهِ ، إِذ أَفقَدتَنَا وَجهَهُ وَبَسَطتَ أَیدِیَ مَن كُنَّا نَبسُطُ أَیدِیَنَا عَلَیهِ لِنَرُدَّهُ عَن مَعصِیَتِهِ ، وَافتَراقَنا بَعدَ الأُلفَهِ وَالاجتِمَاعِ تَحتَ ظِلِّ كَنَفِهِ ، وَتَلَهَّفنَا عِندَ الفَوتِ عَلَی مَا أَقعَدتَنَا عَنهُ مِن نُصرَتِهِ وَطَلَبنَا مِنَ القِیَامِ بِحَقِّ مَا لا سَبِیلَ لَنَا إِلَی رَجعَتِهِ.
وَاجعَلهُ اللّهُمَّ فِي أَمنٍ مِمَّا یُشفَقُ عَلَیهِ مِنهُ ، وَرُدَّ عَنهُ مِن سِهَامِ المَكَائِدِ مَا یُوَجِّهُهُ أَهلُ الشَّنَآنِ إِلَیهِ وَإِلَی شُرَكَائِهِ فِي أَمرِهِ وَمُعَاوِنِیهِ عَلَی طَاعَهِ رَبِّهِ ، الَّذِینَ جَعَلتَهُم سِلاحَهُ وَحِصنَهُ وَمَفزَعَهُ وَأُنسَهُ ، الَّذِینَ سَلَوا عَنِ الأَهلِ وَالأَولادِ ، وَجَفَوُا الوَطَنَ،
وَعَطَّلُوا الوَثِیرَ مِنَ المِهَادِ ، وَرَفَضُوا تِجَارَاتِهِم ، وَأَضَرُّوا بِمَعَایِشِهِم ، وَفُقِدُوا فِي أَندِیَتِهِم بِغَیرِ غَیبَهٍ عَن مِصرِهِم ، وَحَالَلُوا البَعِیدَ مِمَّن عَاضَدَهُم عَلَی أَمرِهِم ، وَقَلَوُا القَرِیبَ مِمَّن صَدَّ عَنهُم وَعَن جِهَتِهِم ، فَائتَلَفُوا بَعدَ التَّدَابُرِ وَالتَّقَاطُعِ فِي دَهرِهِم ، وَقَلَعُوا الأَسبَابَ المُتَّصِلَهَ بِعَاجِلِ حُطَامِ الدُّنیَا.
واجعَلهُمُ اللّهُمَّ فِی أَمنِ حِرزِكَ وَظِلِّ كَنَفِكَ ، وَرُدَّ عَنهُم بَأسَ مَن قَصَدَ إِلَیهِم بِالعَدَاوَهِ مِن عِبَادِكَ ، وَأَجزِل لَهُم عَلی دَعوَتِهِم مِن كِفَایَتِكَ وَمَعُونَتِكَ ، وَأَیِّدهُم بِتَأیِیدِكَ وَنَصرِكَ ، وَأَزهِق بِحَقِّهِم بَاطِلَ مَن أَرَادَ إِطفَاءَ نُورِكَ
اللّهُمَّ وَاملأ بِهِم كُلَّ أُفُقٍ مِنَ الآفَاقِ وَقُطرٍ مِنَ الأَقطَارِ ، قِسطاً وَعَدلاً وَمَرحَمَهً وَفَضلاً ، وَاشكُرهُم عَلی حَسَبِ كَرَمِكَ وَجُودِكَ ، مَا مَنَنتَ بِهِ عَلَی القَائِمِینَ بِالقِسطِ مِن عِبَادِكَ ، وَادَّخَرتَ لَهُم مِن ثَوَابِكَ مَا تَرفَعُ لَهُم بِهِ
ص: 109
الدَّرَجَاتِ ، إِنَّكَ تَفعَلُ مَا تَشَاءُ وَتَحكُمُ مَا تُرِیدُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى خِيَرَتِهِ مِن خَلقِهِ مُحَمِّدٍ وَآلِهِ الأَطهَارِ.
اللَّهُمَّ إِنِّي أَجِدُ هَذِهِ النُّدْبَةَ امْتَحَتْ دَلاَلَتُهَا وَ دَرَسَتْ أَعْلاَمُهَا وَ عَفَتْ إِلاَّ ذِكْرَهَا وَ تِلاَوَةَ الْحُجَّةِ بِهَا
اللَّهُمَّ إِنِّي أَجِدُ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ مُشْتَبِهَاتٍ تَقْطَعُنِي دُونَكَ وَ مُثَبَّطَاتٍ تُقْعِدُنِي عَنْ إِجَابَتِكَ وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدَكَ لاَ يَرْحَلُ إِلَيْكَ إِلاَّ بِزَادٍ وَ أَنَّكَ لاَ تُحْجَبُ عَنْ خَلْقِكَ إِلاَّ أَنْ تَحْجُبَهُمُ الْأَعْمَالُ دُونَكَ وَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ زَادَ الرَّاحِلِ إِلَيْكَ عَزْمُ إِرَادَةٍ يَخْتَارُكَ بِهَا وَ يَصِيرُ بِهَا إِلَى مَا يُؤَدِّي إِلَيْكَ،
اللَّهُمَّ وَ قَدْ نَادَاكَ بِعَزْمِ الْإِرَادَةِ قَلْبِي وَ اسْتَبْقَى نِعْمَتَكَ بِفَهْمِ حُجَّتِكَ لِسَانِي وَ مَا تَيَسَّرَ لِي مِنْ إِرَادَتِكَ
اللَّهُمَّ فَلاَ أُخْتَزَلَنَّ عَنْكَ وَ أَنَا أَؤُمُّكَ وَ لاَ أُخْتَلَجَنَّ عَنْكَ وَ أَنَا أَتَحَرَّاكَ
اللَّهُمَّ وَ أَيِّدْنَا بِمَا تُسْتَخْرَجُ بِهِ فَاقَةُ الدُّنْيَا مِنْ قُلُوبِنَا وَ تُنْعِشُنَا مِنْ مَصَارِعِ هَوَانِهَا وَ تَهْدِمُ بِهَا عَنَّا مَا شُيِّدَ مِنْ بُنْيَانِهَا وَ تَسْقِينَا بِكَأْسِ السَّلْوَةِ عَنْهَا حَتَّى تُخَلِّصَنَا بِعِبَادَتِك وَ تُورِثَنَا مِيرَاثَ أَوْلِيَائِكَ الَّذِينَ ضَرَبْتَ لَهُمُ الْمَنَازِلَ إِلَى قَصْدِكَ وَ آنَسْتَ وَحْشَتَهُمْ حَتَّى وَصَلُوا إِلَيْكَ
اللَّهُمَّ وَ إِنْ كَانَ هَوًى مِنْ هَوَى الدُّنْيَا أَوْ فِتْنَةٌ مِنْ فِتْنَتِهَا عَلِقَ بِقُلُوبِنَا حَتَّى قَطَعَنَا عَنْكَ أَوْ حَجَبَنَا عَنْ رِضْوَانِكَ وَ قَعَدَ بِنَا عَنْ إِجَابَتِكَ،
فَاقْطَعِ اللَّهُمَّ كُلَّ حَبْلٍ مِنْ حِبَالِهَا جَذَبَنَا عَنْ طَاعَتِكَ وَ أَعْرَضَ بِقُلُوبِنَا عَنْ أَدَاءِ فَرَائِضِكَ وَ اسْقِنَا عَنْ ذَلِكَ سَلْوَةً وَ صَبْراً يُورِدُنا عَلَى عَفْوِكَ وَ يُقْدِمُنَا عَلَى مَرْضَاتِكَ إِنَّكَ وَلِيُّ ذَلِكَ
ص: 110
اللَّهُمَّ وَ اجْعَلْنَا قَائِمِينَ عَلَى أَنْفُسِنَا بِأَحْكَامِكَ حَتَّى تُسْقِطَ عَنَّا مُؤَنَ الْمَعَاصِي، وَ اقْمَعِ الْأَهْوَاءَ أَنْ تَكُونَ مُشَاوَرَةً وَ هَبْ لَنَا وَطْءَ آثَارِ مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمْ وَ اللُّحُوقَ بِهِمْ حَتَّى يَرْفَعَ الدِّينُ أَعْلاَمَهُ ابْتِغَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي عِنْدَكَ
اللَّهُمَّ فَمُنَّ عَلَيْنَا بِوَطْءِ آثَارِ سَلَفِنَا وَ اجْعَلْنَا خَيْرَ فَرَطٍ لِمَنِ ائْتَمَّ بِنَا فَإِنَّكَ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرٌ وَ ذَلِكَ عَلَيْكَ سَهْلٌ يَسِيرٌ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَ آلِهِ الْأَبْرَارِ، وَسَلَّمَ.(1)
ومن الأدعية الشريفة المرويّة في هذا الباب دعاء الندبة ، المرويّ في زاد المعاد بحذف الإسناد عن سادس الائمّة الأمجاد المؤكّد في أربعة أعياد، أعني الجمعة، والفطر، والأضحى، والغدير :
1150- ورواه في مزار البحار نقلاً عن السيّد بن طاووس، عن بعض أصحابنا قال : قال محمّد بن عليّ بن أبي قرّة:
نقلت من كتاب محمّد بن الحسين بن سفيان البزوفري رضي اللّه تعالی عنه دعاء الندبة، وذكر أنّه الدعاء لصاحب الزمان، صلوات اللّه عليه ويستحبّ أن يدعى به في الأعياد الأربعة،
ورواه العالم الاجلّ النوري (رحمة اللّه علیه) في تحيّة الزائر من مصباح الزائر للسيّد بن طاووس، ومزار محمّد بن المشهدي، عن محمّد بن عليّ بن أبي قرّة، نقلاً عن كتاب البزوفري (رحمة اللّه علیه)، ورواه النوري (رحمة اللّه علیه) أيضاً عن كتاب المزار القديم،
وزاد استحبابه في ليلة الجمعة كاستحبابه في الأعياد الأربعة :
ص: 111
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَ آلِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً، اللّهم لك الحمد على ما جرى به اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا جَرَى بِهِ قَضَاؤُكَ فِي أَوْلِيَائِكَ الَّذِينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَ دِينِكَ إِذِ اخْتَرْتَ لَهُمْ جَزِيلَ مَا عِنْدَكَ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ الَّذِي لا زَوَالَ لَهُ وَ لا اضْمِحْلالَ بَعْدَ أَنْ شَرَطْتَ عَلَيْهِمُ الزُّهْدَ فِي دَرَجَاتِ هَذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ وَ زُخْرُفِهَا وَ زِبْرِجِهَا فَشَرَطُوا لَكَ ذَلِكَ وَ عَلِمْتَ مِنْهُمُ الْوَفَاءَ بِهِ فَقَبِلْتَهُمْ وَ قَرَّبْتَهُمْ وَ قَدَّمْتَ لَهُمُ الذِّكْرَ الْعَلِيَّ وَ الثَّنَاءَ الْجَلِيَّ، وَ أَهْبَطْتَ عَلَيْهِمْ مَلائِكَتَكَ وَ كَرَّمْتَهُمْ بِوَحْيِكَ وَ رَفَدْتَهُمْ بِعِلْمِكَ وَ جَعَلْتَهُمُ الذَّرِيعَةَ إِلَيْكَ وَ الْوَسِيلَةَ إِلَي رِضْوَانِكَ
فَبَعْضٌ أَسْكَنْتَهُ جَنَّتَكَ إِلَي أَنْ أَخْرَجْتَهُ مِنْهَا وَ بَعْضٌ حَمَلْتَهُ فِي فُلْكِكَ وَ نَجَّيْتَهُ وَ مَنْ آمَنَ مَعَهُ مِنَ الْهَلَكَةِ بِرَحْمَتِكَ وَ بَعْضٌ اتَّخَذْتَهُ لِنَفْسِكَ خَلِيلا وَ سَأَلَكَ لِسَانَ صِدْق فِي الاْخِرِينَ فَأَجَبْتَهُ وَ جَعَلْتَ ذَلِكَ عَلِيّا وَ بَعْضٌ كَلَّمْتَهُ مِنْ شَجَرَة تَكْلِيما وَ جَعَلْتَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ رِدْءا وَ وَزِيرا وَ بَعْضٌ أَوْلَدْتَهُ مِنْ غَيْرِ أَب وَ آتَيْتَهُ الْبَيِّنَاتِ وَ أَيَّدْتَهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ
وَ كُلٌّ شَرَعْتَ لَهُ شَرِيعَةً وَ نَهَجْتَ لَهُ مِنْهَاجا وَ تَخَيَّرْتَ لَهُ أَوْصِيَاءَ مُسْتَحْفِظا بَعْدَ مُسْتَحْفِظ مُسْتَحْفَظا بَعْدَ مُسْتَحْفَظ مِنْ مُدَّة إِلَي مُدَّة إِقَامَةً لِدِينِكَ وَ حُجَّةً عَلَي عِبَادِكَ وَ لِئَلا يَزُولَ الْحَقُّ عَنْ مَقَرِّهِ وَ يَغْلِبَ الْبَاطِلُ عَلَي أَهْلِهِ وَ لا لِئَلا يَقُولَ أَحَدٌ لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا مُنْذِرا وَ أَقَمْتَ لَنَا عَلَما هَادِيا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزَي إِلَي أَنِ انْتَهَيْتَ بِالْاَمْرِ إِلَي حَبِيبِكَ وَ نَجِيبِكَ مُحَمَّد صَلَّي اللّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَكَانَ كَمَا انْتَجَبْتَهُ سَيِّدَ مَنْ خَلَقْتَهُ وَ صَفْوَةَ مَنِ اصْطَفَيْتَهُ وَ أَفْضَلَ مَنِ
ص: 112
اجْتَبَيْتَهُ وَ أَكْرَمَ مَنِ اعْتَمَدْتَهُ قَدَّمْتَهُ عَلَي أَنْبِيَائِكَ وَ بَعَثْتَهُ إِلَي الثَّقَلَيْنِ مِنْ عِبَادِكَ وَ أَوْطَأْتَهُ مَشَارِقَكَ وَ مَغَارِبَكَ
وَ سَخَّرْتَ لَهُ الْبُرَاقَ وَ عَرَجْتَ بِرُوحِهِ بِهِ إِلَي سَمَائِكَ وَ أَوْدَعْتَهُ عِلْمَ مَا كَانَ وَ مَا يَكُونُ إِلَي انْقِضَاءِ خَلْقِكَ ثُمَّ نَصَرْتَهُ بِالرُّعْبِ وَ حَفَفْتَهُ بِجَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ وَ الْمُسَوِّمِينَ مِنْ مَلائِكَتِكَ وَ وَعَدْتَهُ أَنْ تُظْهِرَ دِينَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ وَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَوَّأْتَهُ مُبَوَّأَ صِدْق مِنْ أَهْلِهِ وَ جَعَلْتَ لَهُ وَ لَهُمْ (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ، فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا)(1) وَقَلْتَ: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)(2)
جَعَلْتَ أَجْرَ مُحَمَّد صَلَّی اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ مَوَدَّتَهُمْ فِي كِتَابِكَ، وَقُلْتَ: (قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)(3) وَقُلْتَ: (مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ)(4) وَقُلْتَ: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا)(5) فَكَانُوا هُمُ السَّبِيلَ إِلَيْكَ، وَالمَسْلَكَ إِلَى رِضْوَانِكَ
فَلَمَّا انْقَضَتْ أَيَّامُهُ أَقَامَ وَلِيَّهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِب صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِمَا وَ آلِهِمَا هَادِيا إِذْ كَانَ هُوَ الْمُنْذِرَ وَ لِكُلِّ قَوْم هَاد فَقَالَ وَ الْمَلَأُ أَمَامَهُ مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ وَ قَالَ مَنْ كُنْتُ أَنَا نَبِيَّهُ فَعَلِيٌّ أَمِيرُهُ وَ قَالَ أَنَا وَ عَلِيٌّ مِنْ شَجَرَة وَاحِدَة وَ سَائِرُ النَّاسِ مِنْ شَجَر شَتَّي وَ أَحَلَّهُ مَحَلَّ هَارُونَ مِنْ مُوسَي فَقَالَ:
ص: 113
أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَي إِلا أَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي وَ زَوَّجَهُ ابْنَتَهُ سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَ أَحَلَّ لَهُ مِنْ مَسْجِدِهِ مَا حَلَّ لَهُ وَ سَدَّ الْاَبْوَابَ إِلا بَابَهُ
ثُمَّ أَوْدَعَهُ عِلْمَهُ وَ حِكْمَتَهُ فَقَالَ أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَ عَلِيٌّ بَابُهَا فَمَنْ أَرَادَ الْمَدِينَةَ وَ الْحِكْمَةَ فَلْيَأْتِهَا مِنْ بَابِهَا ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَنْتَ أَخِي وَ وَصِيِّي وَ وَارِثِي لَحْمُكَ مِنْ لَحْمِي وَ دَمُكَ مِنْ دَمِي وَ سِلْمُكَ سِلْمِي وَ حَرْبُكَ حَرْبِي وَ الاِْيمَانُ مُخَالِطٌ لَحْمَكَ وَ دَمَكَ كَمَا خَالَطَ لَحْمِي وَ دَمِي وَ أَنْتَ غَدا عَلَي الْحَوْضِ خَلِيفَتِي وَ أَنْتَ تَقْضِي دَيْنِي وَ تُنْجِزُ عِدَاتِي وَ شِيعَتُكَ عَلَي مَنَابِرَ مِنْ نُور مُبْيَضَّةً وُجُوهُهُمْ حَوْلِي فِي الْجَنَّةِ وَ هُمْ جِيرَانِي
وَ لَوْ لا أَنْتَ يَا عَلِيٌّ لَمْ يُعْرَفِ الْمُؤْمِنُونَ بَعْدِي وَ كَانَ بَعْدَهُ هُدًي مِنَ الضَّلالِ وَ نُورا مِنَ الْعَمَي وَ حَبْلَ اللّهِ الْمَتِينَ وَ صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ لا يُسْبَقُ بِقَرَابَة فِي رَحِم وَ لا بِسَابِقَة فِي دِين وَ لا يُلْحَقُ فِي مَنْقَبَة مِنْ مَنَاقِبِهِ يَحْذُو حَذْوَ الرَّسُولِ صَلَّي اللّهُ عَلَيْهِمَا وَ آلِهِمَا وَ يُقَاتِلُ عَلَي التَّأْوِيلِ وَ لا تَأْخُذُهُ فِي اللّهِ لَوْمَةُ لائِم قَدْ وَتَرَ فِيهِ صَنَادِيدَ الْعَرَبِ وَ قَتَلَ أَبْطَالَهُمْ وَ نَاوَشَ ذُؤْبَانَهُمْ فَأَوْدَعَ قُلُوبَهُمْ أَحْقَادا بَدْرِيَّةً وَ خَيْبَرِيَّةً وَ حُنَيْنِيَّةً وَ غَيْرَهُنَّ فَأَضَبَّتْ عَلَي عَدَاوَتِهِ وَ أَكَبَّتْ عَلَي مُنَابَذَتِهِ حَتَّي قَتَلَ النَّاكِثِينَ وَ الْقَاسِطِينَ وَ الْمَارِقِينَ
وَ لَمَّا قَضَي نَحْبَهُ وَ قَتَلَهُ أَشْقَي الاْخِرِينَ يَتْبَعُ أَشْقَي الْاَوَّلِينَ لَمْ يُمْتَثَلْ أَمْرُ رَسُولِ اللّهِ صَلَّي اللّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي الْهَادِينَ بَعْدَ الْهَادِينَ وَ الْاُمَّةُ مُصِرَّةٌ عَلَي مَقْتِهِ مُجْتَمِعَةٌ عَلَي قَطِيعَةِ رَحِمِهِ وَ إِقْصَاءِ وَلَدِهِ إِلا الْقَلِيلَ مِمَّنْ وَفَي لِرِعَايَةِ الْحَقِّ فِيهِمْ
فَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ وَ سُبِيَ مَنْ سُبِيَ وَ أُقْصِيَ مَنْ أُقْصِيَ وَ جَرَي الْقَضَاءُ لَهُمْ بِمَا
ص: 114
يُرْجَي لَهُ حُسْنُ الْمَثُوبَةِ إِذْ كَانَتِ الْاَرْضُ للَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَ الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (وَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً)(1) وَ لَنْ يُخْلِفَ اللّهُ وَعْدَهُ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
فَعَلَي الْاَطَائِبِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّد وَ عَلِيٍّ صَلَّي اللّهُ عَلَيْهِمَا وَ آلِهِمَا فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَ وَ إِيَّاهُمْ فَلْيَنْدُبِ النَّادِبُونَ وَ لِمِثْلِهِمْ فَلْتُذْرَفِ الدُّمُوعُ وَ لْيَصْرُخِ الصَّارِخُونَ وَ يَضِجُّ الضَّاجُّونَ وَ يَعِجَّ الْعَاجُّونَ
أَيْنَ الْحَسَنُ أَيْنَ الْحُسَيْنُ أَيْنَ أَبْنَاءُ الْحُسَيْنِ صَالِحٌ بَعْدَ صَالِح وَ صَادِقٌ بَعْدَ صَادِق أَيْنَ السَّبِيلُ بَعْدَ السَّبِيلِ أَيْنَ الْخِيَرَةُ بَعْدَ الْخِيَرَةِ أَيْنَ الشُّمُوسُ الطَّالِعَةُ أَيْنَ الْاَقْمَارُ الْمُنِيرَةُ أَيْنَ الْاَنْجُمُ الزَّاهِرَةُ أَيْنَ أَعْلامُ الدِّينِ وَ قَوَاعِدُ الْعِلْمِ أَيْنَ بَقِيَّةُ اللّهِ الَّتِي لا تَخْلُو مِنَ الْعِتْرَةِ الْهَادِيَةِ أَيْنَ الْمُعَدُّ لِقَطْعِ دَابِرِ الظَّلَمَةِ أَيْنَ الْمُنْتَظَرُ لِاِقَامَةِ الْاَمْتِ وَ الْعِوَجِ أَيْنَ الْمُرْتَجَي لِاِزَالَةِ الْجَوْرِ وَ الْعُدْوَانِ أَيْنَ الْمُدَّخَرُ لِتَجْدِيدِ الْفَرَائِضِ وَ السُّنَنِ؟
أَيْنَ الْمُتَخَيَّرُ لِاِعَادَةِ الْمِلَّةِ وَ الشَّرِيعَةِ أَيْنَ الْمُؤَمَّلُ لِاِحْيَاءِ الْكِتَابِ وَ حُدُودِهِ أَيْنَ مُحْيِي مَعَالِمِ الدِّينِ وَ أَهْلِهِ أَيْنَ قَاصِمُ شَوْكَةِ الْمُعْتَدِينَ أَيْنَ هَادِمُ أَبْنِيَةِ الشِّرْكِ وَ النِّفَاقِ أَيْنَ مُبِيدُ أَهْلِ الْفُسُوقِ وَ الْعِصْيَانِ وَ الطُّغْيَانِ أَيْنَ حَاصِدُ فُرُوعِ الْغَيِّ وَ الشِّقَاقِ؟
أَيْنَ طَامِسُ آثَارِ الزَّيْغِ وَ الْاَهْوَاءِ أَيْنَ قَاطِعُ حَبَائِلِ الْكِذْبِ وَ الافْتِرَاءِ أَيْنَ مُبِيدُ الْعُتَاةِ وَ الْمَرَدَةِ أَيْنَ مُسْتَأْصِلُ أَهْلِ الْعِنَادِ وَ التَّضْلِيلِ وَ الْاِلْحَادِ أَيْنَ مُعِزُّ الْاَوْلِيَاءِ وَ مُذِلُّ الْاَعْدَاءِ أَيْنَ جَامِعُ الْكَلِمَةِ عَلَي التَّقْوَي أَيْنَ بَابُ اللّهِ الَّذِي مِنْهُ يُؤْتَي أَيْنَ وَجْهُ اللّهِ الَّذِي إِلَيْهِ يَتَوَجَّهُ الْاَوْلِيَاءُ؟
ص: 115
أَيْنَ السَّبَبُ الْمُتَّصِلُ بَيْنَ الْاَرْضِ وَ السَّمَاءِ أَيْنَ صَاحِبُ يَوْمِ الْفَتْحِ وَ نَاشِرُ رَايَةِ الْهُدَي أَيْنَ مُؤَلِّفُ شَمْلِ الصَّلاحِ وَ الرِّضَا؟
أَيْنَ الطَّالِبُ بِذُحُولِ الْاَنْبِيَاءِ وَ أَبْنَاءِ الْاَنْبِيَاءِ؟ أَيْنَ الطَّالِبُ بِدَمِ الْمَقْتُولِ بِكَرْبَلاءَ؟ أَيْنَ الْمَنْصُورُ عَلَي مَنِ اعْتَدَي عَلَيْهِ وَ افْتَرَي؟ أَيْنَ الْمُضْطَرُّ الَّذِي يُجَابُ إِذَا دَعَا؟ أَيْنَ صَدْرُ الْخَلائِقِ ذُو الْبِرِّ وَ التَّقْوَي؟ أَيْنَ ابْنُ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَي وَ ابْنُ عَلِيٍّ الْمُرْتَضَي وَ ابْنُ خَدِيجَةَ الْغَرَّاءِ وَ ابْنُ فَاطِمَةَ الْكُبْرَی؟
بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي وَ نَفْسِي لَكَ الْوِقَاءُ وَ الْحِمَي يَا ابْنَ السَّادَةِ الْمُقَرَّبِينَ يَا ابْنَ النُّجَبَاءِ الْاَكْرَمِينَ يَا ابْنَ الْهُدَاةِ الْمَهْدِيِّينَ يَا ابْنَ الْخِيَرَةِ الْمُهَذَّبِينَ يَا ابْنَ الْغَطَارِفَةِ الْاَنْجَبِينَ يَا ابْنَ الْاَطَائبِ الْمُطَهَّرِينَ يَا ابْنَ الْخَضَارِمَةِ الْمُنْتَجَبِينَ يَا ابْنَ الْقَمَاقِمَةِ الْاَكْرَمِينَ يَا ابْنَ الْبُدُورِ الْمُنِيرَةِ يَا ابْنَ السُّرُجِ الْمُضِيئَةِ يَا ابْنَ الشُّهُبِ الثَّاقِبَةِ يَا ابْنَ الْاَنْجُمِ الزَّاهِرَةِ يَا ابْنَ السُّبُلِ الْوَاضِحَةِ يَا ابْنَ الْاَعْلامِ اللائِحَةِ يَا ابْنَ الْعُلُومِ الْكَامِلَةِ يَا ابْنَ السُّنَنِ الْمَشْهُورَةِ يَا ابْنَ الْمَعَالِمِ الْمَأْثُورَةِ يَا ابْنَ الْمُعْجِزَاتِ الْمَوْجُودَةِ يَا ابْنَ الدَّلائِلِ الْمَشْهُودَةِ يَا ابْنَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ يَا ابْنَ النَّبَإِ الْعَظِيمِ يَا ابْنَ مَنْ هُوَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَي اللّهِ عَلِيٌّ حَكِيمٌ
يَا ابْنَ الْايَاتِ وَ الْبَيِّنَاتِ يَا ابْنَ الدَّلائِلِ الظَّاهِرَاتِ يَا ابْنَ الْبَرَاهِينِ الْوَاضِحَاتِ الْبَاهِرَاتِ يَا ابْنَ الْحُجَجِ الْبَالِغَاتِ يَا ابْنَ النِّعَمِ السَّابِغَاتِ يَا ابْنَ طه وَ الْمُحْكَمَاتِ يَا ابْنَ يس وَ الذَّارِيَاتِ يَا ابْنَ الطُّورِ وَ الْعَادِيَاتِ يَا ابْنَ مَنْ دَنَا فَتَدَلَّي فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي دُنُوّا وَ اقْتِرَابا مِنَ الْعَلِيِّ الْاَعْلَي
لَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ اسْتَقَرَّتْ بِكَ النَّوَي؟ بَلْ أَيُّ أَرْض تُقِلُّكَ أَوْ ثَرَي؟ أَ بِرَضْوَي أَوْ غَيْرِهَا أَمْ ذِي طُوًي؟ عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَرَي الْخَلْقَ وَ لا تُرَي وَ لا أَسْمَعَ
ص: 116
لَكَ حَسِيساً وَ لا نَجْوَی عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ تُحِيطَ بِكَ دُونِي الْبَلْوَي وَ لا يَنَالَكَ مِنِّي ضَجِيجٌ وَ لا شَكْوَی
بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ مُغَيَّب لَمْ يَخْلُ مِنَّا بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ نَازِح مَا نَزَحَ يَنْزَحُ عَنَّا بِنَفْسِي أَنْتَ أُمْنِيَّةُ شَائِق يَتَمَنَّي مِنْ مُؤْمِن وَ مُؤْمِنَة ذَكَرا فَحَنَّا بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ عَقِيدِ عِزّ لا يُسَامَی بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ أَثِيلِ مَجْد لا يُجَارَي يُحَاذَی بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ تِلادِ نِعَم لا تُضَاهَی بِنَفْسِي أَنْتَ مِنْ نَصِيفِ شَرَف لا يُسَاوَی.
إِلَي مَتَی أَحَارُ فِيكَ يَا مَوْلايَ؟ وَ إِلَي مَتَی وَ أَيَّ خِطَاب أَصِفُ فِيكَ وَ أَيَّ نَجْوَی؟ عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أُجَابَ دُونَكَ وَ أُنَاغَی، عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَبْكِيَكَ وَ يَخْذُلَكَ الْوَرَی، عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْكَ دُونَهُمْ مَا جَرَی
هَلْ مِنْ مُعِين فَأُطِيلَ مَعَهُ الْعَوِيلَ وَ الْبُكَاءَ هَلْ مِنْ جَزُوع فَأُسَاعِدَ جَزَعَهُ إِذَا خَلا هَلْ قَذِيَتْ عَيْنٌ فَسَاعَدَتْهَا عَيْنِي عَلَي الْقَذَي هَلْ إِلَيْكَ يَا ابْنَ أَحْمَدَ سَبِيلٌ فَتُلْقَي هَلْ يَتَّصِلُ يَوْمُنَا مِنْكَ بِغَدِهِ فَنَحْظَي؟
مَتَي نَرِدُ مَنَاهِلَكَ الرَّوِيَّةَ فَنَرْوَي؟ مَتَي نَنْتَقِعُ مِنْ عَذْبِ مَائِكَ فَقَدْ طَالَ الصَّدَي؟ مَتَي نُغَادِيكَ وَ نُرَاوِحُكَ فَنَقِرَّ عَيْنا؟ مَتَي تَرَانَا وَ نَرَاكَ وَ قَدْ نَشَرْتَ لِوَاءَ النَّصْرِ تُرَي؟ أَ تَرَانَا نَحُفُّ بِكَ وَ أَنْتَ تَؤُمُّ الْمَلَاَ، وَ قَدْ مَلَاْتَ الْاَرْضَ عَدْلاً، وَ أَذَقْتَ أَعْدَاءَكَ هَوَاناً وَ عِقَاباً، وَ أَبَرْتَ الْعُتَاةَ وَ جَحَدَةَ الْحَقِّ، وَ قَطَعْتَ دَابِرَ الْمُتَكَبِّرِينَ، وَ اجْتَثَثْتَ أُصُولَ الظَّالِمِينَ، وَ نَحْنُ نَقُولُ الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ أَنْتَ كَشَّافُ الْكُرَبِ وَ الْبَلْوَی وَ إِلَيْكَ أَسْتَعْدِي فَعِنْدَكَ الْعَدْوَی وَ أَنْتَ رَبُّ الاْخِرَةِ وَ الْاُولَی فَأَغِثْ يَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ عُبَيْدَكَ الْمُبْتَلَی وَ أَرِهِ سَيِّدَهُ يَا شَدِيدَ الْقُوَي وَ أَزِلْ عَنْهُ بِهِ الْاَسَی وَ الْجَوَی وَ بَرِّدْ غَلِيلَهُ يَا مَنْ
ص: 117
عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي وَ مَنْ إِلَيْهِ الرُّجْعَي وَ الْمُنْتَهَي
اللَّهُمَّ وَ نَحْنُ عَبِيدُكَ التَّائِقُونَ إِلَي وَلِيِّكَ الْمُذَكِّرِ بِكَ وَ بِنَبِيِّكَ خَلَقْتَهُ لَنَا عِصْمَةً وَ مَلاذا وَ أَقَمْتَهُ لَنَا قِوَاما وَ مَعَاذا، وَ جَعَلْتَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَّا إِمَاما فَبَلِّغْهُ مِنَّا تَحِيَّةً وَ سَلاما وَ زِدْنَا بِذَلِكَ يَا رَبِّ إِكْرَاما وَ اجْعَلْ مُسْتَقَرَّهُ لَنَا مُسْتَقَرّا وَ مُقَاما وَ أَتْمِمْ نِعْمَتَكَ بِتَقْدِيمِكَ إِيَّاهُ أَمَامَنَا حَتَّي تُورِدَنَا جِنَانَكَ وَ مُرَافَقَةَ الشُّهَدَاءِ مِنْ خُلَصَائِكَ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي مُحَمَّد وَ آلِ مُحَمَّد وَ صَلِّ عَلَي مُحَمَّد جَدِّهِ رَسُولِكَ السَّيِّدِ الْاَكْبَرِ وَ عَلَي أَبِيهِ السَّيِّدِ الْاَصْغَرِ وَ جَدَّتِهِ الصِّدِّيقَةِ الْكُبْرَي فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّد وَ عَلَي مَنِ اصْطَفَيْتَ مِنْ آبَائِهِ الْبَرَرَةِ وَ عَلَيْهِ أَفْضَلَ وَ أَكْمَلَ وَ أَتَمَّ وَ أَدْوَمَ وَ أَكْثَرَ وَ أَوْفَرَ مَا صَلَّيْتَ عَلَي أَحَد مِنْ أَصْفِيَائِكَ وَ خِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَ صَلِّ عَلَيْهِ صَلاةً لا غَايَةَ لِعَدَدِهَا وَ لا نِهَايَةَ لِمَدَدِهَا وَ لا نَفَادَ لاَِمَدِهَا اللَّهُمَّ وَ أَقِمْ بِهِ الْحَقَّ وَ أَدْحِضْ بِهِ الْبَاطِلَ وَ أَدِلْ بِهِ أَوْلِيَاءَكَ وَ أَذْلِلْ بِهِ أَعْدَاءَكَ وَ صِلِ اللَّهُمَّ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ وُصْلَةً تُؤَدِّي إِلَي مُرَافَقَةِ سَلَفِهِ وَ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَأْخُذُ بِحُجْزَتِهِمْ وَ يَمْكُثُ فِي ظِلِّهِمْ وَ أَعِنَّا عَلَي تَأْدِيَةِ حُقُوقِهِ إِلَيْهِ وَ الاجْتِهَادِ فِي طَاعَتِهِ وَ اجْتِنَابِ مَعْصِيَتِهِ وَ امْنُنْ عَلَيْنَا بِرِضَاهُ وَ هَبْ لَنَا رَأْفَتَهُ وَ رَحْمَتَهُ وَ دُعَاءَهُ وَ خَيْرَهُ مَا نَنَالُ بِهِ سَعَةً مِنْ رَحْمَتِكَ وَ فَوْزا عِنْدَكَ وَ اجْعَلْ صَلاتَنَا بِهِ مَقْبُولَةً وَ ذُنُوبَنَا بِهِ مَغْفُورَةً وَ دُعَاءَنَا بِهِ مُسْتَجَابا وَ اجْعَلْ أَرْزَاقَنَا بِهِ مَبْسُوطَةً وَ هُمُومَنَا بِهِ مَكْفِيَّةً وَ حَوَائِجَنَا بِهِ مَقْضِيَّةً وَ أَقْبِلْ إِلَيْنَا بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ وَ اقْبَلْ تَقَرُّبَنَا إِلَيْكَ وَ انْظُرْ إِلَيْنَا نَظْرَةً رَحِيمَةً نَسْتَكْمِلْ بِهَا الْكَرَامَةَ عِنْدَكَ
ص: 118
وَاجْعَلْ صَلاتَنا بِهِ مَقبُولَةً، وَذُنُوبَنا بِهِ مَغْفُورَةً، وَدُعاءَنا بِهِ مُسْتَجاباً،
وَاجْعَلْ أَرْزاقَنا بِهِ مَبْسُوطَةً، وَهُمُومَنا بِهِ مَكْفِيَّةً، وَحَوَائِجَنا بِهِ مَقْضِيَّةً،
وَأَقْبِلْ إِلَيْنا بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ، وَاقْبَلْ تَقَرُّبَنا إِلَيْكَ،
وَانْظُرْ إِلَيْنا نَظْرَةً رَحِيمَةً نَسْتَكْمِلُ بِهَا الْكَرامَةَ عِنْدَكَ ثُمَّ لَاتَصْرِفْها عَنَّا بِجُودِكَ،
وَاسْقِنا مِنْ حَوْضِ جَدِّهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِكَأْسِهِ وَبِيَدِهِ رَيّاً رَوِيّاً هَنِيئاً سائِغاً لَاظَمَأَ بَعْدَهُ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.(1)
توضیح مقال لدفع إشكال : إعلم أنّ قوله : وعرجت به إليك، موافق للنسخة الّتي نقلها العالم الرّباني الحاج میرزا حسین النوري (رحمة اللّه علیه) في كتاب تحيّة الزائر عن كتاب المزار القديم، ومزار الشيخ محمّد بن المشهدي (رحمة اللّه علیه)، ومصباح الزائر للسيّد بن طاووس (رحمة اللّه علیه)، ومأخذ الكلّ كتاب محمّد بن عليّ بن أبي قرّة، لكن قد وقعت في زاد المعاد : وعرجت بروحه إليك ، والظاهر أنه تصحيف وقع في المصباح الّذي نقل منه المجلسي (رحمة اللّه علیه) ثمّ اشتهر وصار سبباً لشبهة بعض القاصرين والمعاندین، مع أنّ المعراج الجسماني من ضروريّات المذهب بل الدين، وتواترت به الروايات عن الأئمّة الطاهرين، ونطق به القرآن المبين .
تنبیه نبیه : قد ألهمت عند تأمّلي في تلك العبارة أنّ هذا الدعاء بنفسه يشهد ويدلّ على أنّ الأصل الصحيح هو ما نقلناه وذكرناه ، وأنّ في عبارة زاد المعاد تصحيفاً، لعلّه وقع من بعض أهل العناد، وجه الدلالة والاستشهاد أنّ اقتران كلمة « وسخّرت له البراق» بقوله : وعرجت به إليك، يظهر منه بالتأمّل التامّ لأولي الأفهام، صحّة ماقلنا لانّ عروج الروح لا حاجة به إلى البراق، ولا يخفى
ص: 119
ذلك على من سلم قلبه من الشرك والنفاق.
وإن قيل : إن المقام مقام تعداد فضائل سیّد المرسلين، والعطف بالواو لا يقتضي كون العروج إلى السماء بتوسّط البراق.
قلنا: فالعبارة على فرض كونها «بروحه» لا تدلّ على نفي المعراج الجسمانيّ لانّه فضيلة لا ينافي ثبوتها ثبوت فضيلة أخرى لسيّد الوری .
ويمكن أن يقال بعدم منافاة هذه العبارة لمادلّ على كون العروج ببدنه الشريف لوجه آخر، وهو أنّ إطلاق الروح على البدن وارد في لغات العرب والعجم.
أمّا الأول: فكما ورد في الزيارة : وعلى الأرواح الّتي حلّت بفنائك(1) إذ الظاهر أن أبدان الشهداء حلت بفنائه وسكنت في جواره.
وأمّا الثاني : فكقول أملح الشعراء وأفصحهم العارف السعدي .
جانا هزاران آفرین بر جانت از سر تا قدم***صانع خدائی كاین وجود آورد بیرون از عدم
1151- ومن الدعوات الّتي تصلح لزمان الغيبة ما ذكره السيّد بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في مهج الدعوات قال : رأيت أنا في المنام من يعلّمني دعاء يصلح لأيّام الغيبة
وهذه ألفاظه :
يَامَنْ فَضَّلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ إِسْرَائِيلَ عَلَى الْعَالَمِينَ بِاخْتِيَارِهِ وَأَظْهَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عِزَّةَ اقْتِدَارِهِ، وَأَوْدَعَ مُحَمَّداً صلی اللّه علیه وآله وسلم وَأَهْلَ بَيْتِهِ غَرَائِبَ اَسْرَارِهِ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَعْوَانِ حُجَّتِكَ عَلَى عِبَادِكَ وَاَنْصَارِهِ(2)
وقال السيّد(رحمة اللّه علیه) : حدّثني صديقنا الملك مسعود ختم اللّه جلّ جلاله له بإنجاز الوعود : أنّه رأى في منامه شخصاً يكلّمه من وراء حائط، ولم ير وجهه، ويقول :
یَا صَاحِبَ الْقَدْرِ وَالْاَقْدارِ، وَالْهِمَمِ والْمَهامِّ، عَجِّلْ فَرَجَ عَبْدِكَ وَوَلِیِّكَ
ص: 120
وَالْحُجَّةِ الْقَائِمِ بِأَمْرِكَ فِي خَلْقِكَ، وَاجْعَلْ لَنَا فِي ذَلِكَ الْخِيَرَةَ.(1)
1152- ومن الدعوات الماثورة ما رواه السيّد في الكتاب المذكور، في حدیث ذكر فيه غيبة المهدي علیه السلام قلت : كيف تصنع شيعتك؟ قال: علیكم بالدعاء، وانتظار الفرج - إلى أن قال : قلت : فما ندعو به، قال : تقول:
أَللَّهُمَّ أَنْتَ عَرَّفْتَني نَفْسَكَ، وَعَرَّفْتَني رَسُولَكَ، وَعَرَّفْتَني مَلائِكَتَكَ وَعَرَّفْتَني نَبِيَّكَ، وَعَرَّفْتَني وُلاةَ أَمْرِكَ. أَللَّهُمَّ لا آخِذَإِلّا ما أَعْطَيْتَ، وَلا واقِيَ إِلّا ما وَقَيْتَ. أَللَّهُمَّ لاتُغَيِّبْني عَنْ مَنازِلِ أَوْلِيائِكَ، وَلاتُزِغْ قَلْبي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَني. أَللَّهُمَّ اهْدِني لِوِلايَةِ مَنِ افْتَرَضْتَ طاعَتَهُ.(2)
1153- ومن الدعوات الّتي ينبغي المواظبة عليها ما ذكره المحقّق المحدّث النوري (رحمة اللّه علیه) في تحيّة الزائر، نقلاً عن كتاب مصباح الزائر للسيّد الأجلّ عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) و هو هذا:
اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَصَلِّ عَلَى وَلِيِّ الْحَسَنِ، وَوَصِیِّهِ وَوَارِثِهِ، الْقَائِمِ بِأَمْرِكَ ، الْغَائِبِ فِي خَلْقِكَ، وَالْمُنْتَظَرِ لِاِذْنِكَ
اللّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، وَقَرِّبْ بُعْدَهُ، وَأَنْجِزْ وَعْدَهُ، وَأَوْفِ عَهْدَهُ، وَاكْشِفْ عَنْ بَأْسِهِ حِجابَ الْغَيْبَةِ، وَأَظْهِرْ بِظُهُورِهِ صَحائِفَ الْمِحْنَةِ، وَقَدِّمْ أَمامَهُ الرُّعْبَ، وَثَبِّتْ بِهِ الْقَلْبَ، وَأَقِمْ بِهِ الْحَرْبَ، وَأَيِّدْهُ بِجُنْدٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ، وَسَلِّطْهُ عَلَى أَعْداءِ دِينِكَ أَجْمَعِينَ، وَأَلْهِمْهُ أَنْ لَايَدَعَ مِنْهُمْ رُكْناً إِلّا هَدَّهُ، وَلَا هاماً إِلّا قَدَّهُ ، وَلَا كَيْداً إِلّا رَدَّهُ، وَلَا فاسِقاً إِلّا حَدَّهُ؛ وَلَا فِرْعَوْن إِلّا أَهْلَكَهُ، وَلَا سِتْراً إِلّا هَتَكَهُ، وَلَا عَلَماً إِلّا نَكَّسَهُ، وَلَا سُلْطاناً إِلّا كَسَبَهُ، وَلَا رُمْحاً إِلّا قَصَفَهُ، وَلَا مِطْرَداً إِلّا خَرَقَهُ، وَلَا جُنْداً إِلّا فَرَّقَهُ، وَلَا مِنْبَراً إِلّا أَحْرَقَهُ، وَلَا سَيْفاً إِلّا كَسَرَهُ، وَلَا صَنَماً إِلّا رَضَّهُ، وَلَا دَماً إِلّا أَراقَهُ، وَلَا جَوْراً إِلّا
ص: 121
أَبادَهُ، وَلَا حِصْناً إِلّا هَدَمَهُ، وَلَا باباً إِلّا رَدَمَهُ، وَلَا قَصْراً إِلّا خَرَّبَهُ ، وَلَا مَسْكَناً إِلّا فَتَّشَهُ، وَلَا سَهْلاً إِلّا أَوْطَأَهُ، وَلَا جَبَلاً إِلّا صَعِدَهُ، وَلَا كَنْزاً إِلّا أَخْرَجَهُ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ(1)
1154. ومن الأدعية المهمّة المرويّة لقضاء الحاجة، المشتملة على الدعاء التعجيل فرج خاتم الأئمة علیهم السلام ، والتوسّل به لدفع كلّ ملمّة، ما في كتاب جنّة المأوی نقلاً عن كتاب كنوز النجاح للشيخ الطبرسي الفضل ابن الحسن صاحب
التفسير ، قال : دعاء علمه صاحب الزمان علیه السلام الملك المنّان، أبا الحسن محمّد بن أحمد ابن أبي اللّيث - رحمه اللّه تعالى - في بلدة بغداد، في مقابر قريش، وكان أبو الحسن قد هرب إلى مقابر قريش، والتجأ إليه من خوف القتل، فنجّي منه ببركة هذا الدعاء.
قال أبو الحسن المذكور: إنّه علّمني أنّ أقول :
اللّهُمَّ عَظُمَ الْبَلاءُ، وَبَرِحَ الْخَفاءُ، وَانْكَشَفَ الْغِطاءُ، وَضاقَتِ الْأَرْضُ، وَمَنَعَتِ السَّماءُ، وَ إِلَيْكَ يَا رَبِّ الْمُشْتَكى، وَعَلَيْكَ الْمُعَوَّلُ فِي الشِّدَّةِ وَالرَّخاءِ،
اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الَّذِينَ فَرَضْتَ عَلَيْنا طاعَتَهُمْ، فَعَرَّفْتَنا بِذلِكَ مَنْزِلَتَهُمْ، فَرِّجْ عَنَّا بِحَقِّهِمْ فَرَجاً عاجِلاً كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْ ذلِكَ، يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ، يَا عَلِيُّ يَا مُحَمَّدُ، انْصُرانِي فَإِنَّكُما ناصِرايَ، وَاكْفِيانِي فَإِنَّكُما كافِيايَ، يَا مَوْلايَ يَا صاحِبَ الزَّمانِ، الْغَوْثَ الْغَوْثَ الْغَوْثَ، أَدْرِكْنِي أَدْرِكْنِي أَدْرِكْنِي
قال الراوي :
إنّه علیه السلام - عند قوله : يا صاحب الزمان - كان يشير إلى صدره الشريف .(2)
ص: 122
الأوّل :
تحصیل معرفة صفاته، وآدابه، وخصائص جنابه، والمحتومات من علائم ظهوره، وهذا لازم بالعقل والنقل:
أمّا الأوّل : فلأنّه إمام يفترض طاعته، وكلّ من يفترض طاعته يجب معرفة صفاته لئلا يشتبه بغيره ممن يدعي مقامه كذباً وبغياً، فمولانا الحجّة علیه السلام يجب معرفة صفاته ، وليعلم أنّ اللازم من تحصيل المعرفة بصفاته الخاصة ما يمتاز به عن غيره، بحيث يفرّق به بين المحق والمبطل في دعواه ، كما لا يخفى، وسيجيء لهذا الدليل مزید توضیح و تبيين في طي الكلام إن شاء اللّه تعالی .
1155- وأمّا الثاني : فلما رواه الصدوق عن أبي الحسن موسى علیه السلام ، قال : من شكّ في أربعة فقد كفر بجميع ما أنزل اللّه تبارك وتعالى، أحدها: معرفة الإمام في كلّ زمان وأوان بشخصه ونعته .(1)
ص: 123
1156- ويؤيّده ما رواه أيضاً في كمال الدين : بإسناده عن الصادق، عن آبائه، عن عليّ علیه السلام ، قال في خطبة له على منبر الكوفة :
اللّهمّ إنّه لابد لارضك من حجّة لك على خلقك، يهديهم إلى دينك يعلّمهم علمك، لئلّا تبطل حجّتك ولا يضلّ أتباع أوليائك بعد إذ هديتهم به، إمّا ظاهر ليس بالمطاع، أو مكتتم مترقّب، إن غاب عن الناس شخصه في حال هدايتهم فإنّ علمه وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة ، فهم بها عاملون.(1)
أقول: الآداب : جمع أدب، وهو كما في القاموس : الشأن والعادة ، فالمعنى إمّا أن يكون ثبوت عاداته وأوصافه الرضيّة في قلوبهم سبباً لعملهم بما يرضيه، بناء على كون اللام تعليليّة، أو أنّ آدابه مثبتة في قلوبهم، وهم يعملون أعمالاً تماثل آدابه وأعماله الشريفة، فيكون «اللام» بمعنى الباء ، كما في بعض الروايات، وأنّهم يعملون الأعمال الصالحة في زمان غیبته لكي يتأدّبوا بآدابه ، ويتّصفوا بصفاته، فيكون اللام للغاية، وأيّاً ما كان فيثبت المطلوب، وهو كون ثبوت آدابه وأخلاقه في القلب من صفات المؤمنين، ولوازم الإيمان .
ويشهد لما ذكرنا أيضاً شدّة اهتمام النبيّ والأئمة علیهم السلام في كلّ زمان ببيان صفاته وخصائصه المميّزة له عن غيره من الأئمّة، فضلاً عن سائر الناس، كما لا يخفى على المتتبّع، وليس ذلك إلّا للزوم معرفة صفاته، وخصائصه صلوات اللّه عليه على جميع الناس، والوجه فيه ظاهر، وهو توفّر دواعي طالبي الرئاسة على ادّعاء منصبه كذباً ، وأدّل شيء على ذلك وقوعه،
فوجب على كلّ مؤمن أن يعرف إمام زمانه بصفاته الخاصّة وآدابه المخصوصة حتّى لا يختلج في قلبه شبهة بدعوی ملحد ما ليس أهلاً له، هذا.
وقد ذكرنا في هذا الكتاب ما فيه كفاية لأولي الألباب، في هذا الباب ، فعليك بالنظر فيه باباً بعد باب، واللّه الهادي إلى نهج الصواب .
ص: 124
تنبيه : قد عقدنا في صدر هذا الكتاب باباً في وجوب معرفته، والغرض ثمّة وجوب معرفة شخصه باسمه ونسبه، وأنّ الأعمال لا تتمّ إلّا بمعرفة الإمام علیه السلام ، والغرض هنا إثبات وجوب معرفة صفاته وآدابه الخاصّة في الجملة فلا تغفل هذا
ويدلّ على وجوب معرفة مولانا صلوات اللّه عليه بكلا الوجهين، مضافاً إلى ما مرّ أخبار كثيرة، منها:
1157- ما روي في أصول الكافي : بسند صحيح عن زرارة، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :
اعرف إمامك، فإنّك إذا عرفت لم يضرّك تقدّم هذا الأمر أو تأخّر .(1)
1158- وفيه : بإسناده عن فضيل بن يسار قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قول اللّه تبارك وتعالى : (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ)(2)، فقال :
یا فضیل اعرف إمامك ، فإنّك إذا عرفت إمامك لم يضرّك تقدّم هذا الأمر أو تأخّر، ومن عرف إمامه ثمّ مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر كان بمنزلة من كان قاعداً في عسكره، لا، بل بمنزلة من قعد تحت لوائه ، قال :
وقال بعض أصحابه : بمنزلة من استشهد مع رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم .(3)
1159- وفيه : بسند صحيح عن فضيل بن يسار قال :
سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية ،
ومن مات وهو عارف لإمامه لم يضرّه تقدم هذا الأمر أو تأخّر،
ومن مات وهو عارف لإمامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه .(4)
1160- وفيه : في الصحيح، عن عمر بن أبان، قال :
سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: اعرف العلامة، فإذا عرفته لم يضرّك تقدّم
ص: 125
هذا الأمر أو تأخر، إن اللّه عز وجل يقول : (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ)
فمن عرف إمامه كان كمن كان في فسطاط المنتظر علیه السلام .(1)
أقول: قوله : اعرف العلامة، كلمة جامعة في معرفة الإمام، وكلام الملوك ملوك الكلام، بيان ذلك : أنّ المراد بالعلامة ما يمتاز به صاحبها عن غيره، بحيث لا يشتبه على من عرف علامته، وعلامة الإمام إمّا راجعة إلى نسبه، أو إلى بدنه، أو إلى علمه وأخلاقه، أو إلى خصائصه في حال ظهوره، والعلامات المحتومة الّتي أخبر بها الأئمّة الأطهار، ومن علامات الإمام أيضاً ظهور المعجزة على يده، والشخص الطالب السالك في طريق المعرفة إذا عرف علامة الإمام لم
يشتبه عليه إمامه، وإن كثر من يدّعي ذاك المقام، ولهذا قالوا:
1161- إنّ أمرنا أبين من هذه الشمس(2)، وإنّه كالصبح ليس به خفاء(3).
فقد اتّضح بحمد اللّه وجوب معرفة صفاته و علائمه، وأخلاقه ودلائله، لأنّ معرفته تحصل بذلك، إذا عرفت هذا ، فنقول:
لا ريب أنّ المقصود من المعرفة الّتي أمرنا أئمّتنا صلوات اللّه وسلامه عليم أجمعين بتحصيلها بالنسبة إلى إمام زماننا هو أن نعرفه على ما هو عليه،
بحيث يكون سبباً لسلامتنا من شبهات الملحدين، ونجاة لنا من إضلال المفترين المضلّين وذلك لا يحصل إلّا بأمرين :
أحدهما: معرفة شخص الإمام باسمه ونسبه .
والثاني : معرفة صفاته وخصائصه، وتحصيل هاتين المعرفتين من أهمّ الواجبات،
أمّا الأولى : فواضح، ويدلّ على وجوب تحصيلها ،
مضافاً إلى ما مرّ في الباب الأوّل :
ص: 126
1162- ما رواه الشيخ الأجلّ محمّد بن إبراهيم النعماني: بإسناده عن عبداللّه ابن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : رجل يتولّاكم ويبرأ من عدوّكم، ويحلّ حلالكم ويحرّم حرامكم، ويزعم أنّ الأمر فيكم لم يخرج منكم إلى غيركم، إلّا أنّه يقول : إنّهم قد اختلفوا فيما بينهم، وهم الأئمّة القادة ، فإذا اجتمعوا على رجل، فقالوا: هذا، قلنا: هذا،
فقال علیه السلام : إن مات على هذا فقد مات ميتة جاهليّة .(1)
وروي من طريق آخر، عن سماعة بن مهران، عن الصادق علیه السلام (2)
ومن طريق آخر، عن حمران بن أعين، عن الصادق علیه السلام مثل هذا الكلام (3)،
فانظر كيف أوجب معرفة شخص الإمام باسمه ونسبه ولم يكتف بما دون ذلك، وما ذكرنا كاف للمرتاد السالك.
وأمّا الثانية : فلأنّنا لاجل عدم تشرّفنا بلقاء مولانا وإمام زماننا، حرمنا عن معرفته بصورته، فلو ادّعي مدّع في هذا الزمان : إنّني صاحب الزمان، لم يعرف صدقه وكذبه إلا بأمرين: أحدهما ظهور المعجزة على يده، والثاني ظهور العلامات الّتي بيّنها الأئمّة الطاهرون للإمام المنتظر القائم فيه،
فإذا عرف المؤمن تلك العلائم وفهم تلك المكارم لم يصغ إلى كلّ ناعق، وميّز بين الكاذب والصادق، ولهذا قال مولانا الصادق علیه السلام لعمر بن أبان - وهو من أجلّاء صحبه الكرام - : اعرف العلامة ... إلخ.
لأنّه إذا عرف العلامة لم يضلّ بعد الهداية ولم يجنح إلى أهل الغواية .
والعجب : من بعض شرّاح الكافي حيث قال في معنى الحديث:
المراد بالعلامة «الإمام»، لانّه علامة يعرف به أحوال المبدأ والمعاد، والقوانين الشرعيّة، وليت شعري أيّ شيء دعاه إلى هذا التوجيه، وصرف اللفظ
ص: 127
عمّا هو حقيقة فيه .
ولمّا كان أمر القائم علیه السلام من أعظم الأمور واعجبها، ومقامه من أرفع المقامات وأمنعها، بحيث افتخر النبيّ وأوصياؤه علیهم السلام في كثير من الروايات بقولهم: « منّا مهديّ هذه الأُمّة»، وجب أن تكون خصائصه وعلائم ظهوره من أفضل الصفات وأبين العلامات، بحيث لا تخفى على أحد من الرجال والنساء وأهل البوادي والأمصار، وأن تكون تلك العلائم والصفات خارقة لما جرت عليه العادات، مائزة بذلك بين الصادقة والكاذبة من الدعويات، مبيّنة في كلام الأئمّة السادة الهداة، وهذه الجملة الّتي بيّناها واضحة بحكم العقل والنقل، غير خفيّة على أُولي النهى والفضل.
وحسبك شاهداً لما ادّعيناه، وموضّحاً لما دريناه، ما ورد عنهم علیهم السلام . في ذكر تلك العلائم، وبيان صفات القائم، من إشراق نوره في زمان ظهوره، والنداءات العامّة البيّنة، والصيحة الموحشة المعلنة، والغمامة المظلّة على رأسه، المعلنة بأنّ هذا المهديّ خليفة اللّه فاتّبعوه، وإجابة الشمس والقمر لدعوته، وكشف الآلام والأمراض عن المؤمنين ببركته، وظهور حجر موسی وعصاه على يده ، وغيرها ممّا ذكرنا جلاً منه في الباب الرابع من هذا الكتاب ، ورواه الأصحاب في كتبهم جزاهم اللّه عن الإسلام وأهله أفضل الجزاء .(1)
1163- وإلى ما ذكرنا نبّه مولانا أبو جعفر الباقر علیه السلام في الحديث المرويّ في البحار، عن النعمانيّ أنّه قال : اسكنوا ما سكنت السماوات والأرض - أي لا تخرجوا على أحد . فإنّ أمركم ليس به خفاء، الا إنّها آية من اللّه عزّ وجلّ، ليست من الناس، إلا إنّها أضوء من الشمس لا تخفى على برّ ولا فاجر، أتعرفون الصبح؟ فإنّه كالصبح ليس به خفاء(2) إلى غير ذلك من الأخبار المرويّة عن الأئمة الأخيار، وممّا يدلّ صريحة على وجوب تحصيل هاتين المعرفتین :
ص: 128
1164- ما روي في البرهان عن معاوية بن وهب، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : إنّ أفضل الفرائض وأوجبها على الإنسان معرفة الربّ، والإقرار له بالعبوديّة، وحدّ المعرفة أن يعرف أنّه لا إله غيره، ولا شبه له ولا نظير ، وأن يعرف أنّه قدیم مثبت موجود غیر فقید، موصوف من غير شبيه له ولا نظير له، ولا مبطل، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير .
وبعده معرفة الرسول، والشهادة له بالنبوّة، وأدنى معرفة الرسول الإقرار بنبوّته وأنّ ما أتی به من كتاب أو أمر أو نهي فذلك عن اللّه عز وجل، وبعده معرفة الإمام الّذي به يأتمّ، بنعته وصفته واسمه في حال العسر واليسر.
وأدني معرفة الإمام أنّه عدل النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم إلّا درجة النبوّة، ووارثه، وأنّ طاعته طاعة اللّه وطاعة رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم، والتسليم له في كلّ أمر، والردّ إليه، والأخذ بقوله، ويعلم أنّ الإمام بعد رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم عليّ بن أبي طالب، وبعده الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ جعفر بن محمّد، ثمّ موسی بن جعفر بعده، ثمّ عليّ بن موسی بعده، ثمّ محمّد بن عليّ، وبعده عليّ ابن محمّد ابنه، وبعد عليّ الحسن ابنه، والحجّة من ولد الحسن،
ثمّ قال علیه السلام : يا معاوية جعلت لك في هذا أصلاً فاعمل عليه، الخبر(1)
الأمر الثاني:
رعاية الأدب بالنسبة إلى ذكره، بأن لايذكره المؤمن إلّا بألقابه الشريفة المباركة، مثل الحجّة، والقائم، والمهديّ، وصاحب الامر، وصاحب الزمان ، وغيرها، وترك التصريح باسمه الشريف الأصلي، وهو اسم رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم
واختلف أصحابنا رحمهم اللّه تعالى في حكم تسمية مولانا المهديّ علیه السلام باسمه الاصلي:
ص: 129
فمنهم من جوّزه مطلقاً إلّا في حال التقيّة، كالمحدّث العاملي في الوسائل(1)
ومنهم من منعه مطلقاً، وهو ظاهر المحكي عن الشيخين الأقدمين : المفيد والطبرسي (رحمة اللّه علیه).(2)
ومنهم من قال بالحرمة مطلقاً إلّا في الأدعية الواردة عن المعصومين علیهم السلام وهو إسماعيل بن أحمد العلوي العقيلي الطبرسي (رحمة اللّه علیه) في كفاية الموحّدین .(3)
ومنهم من جوّزه على كراهة ، كالشيخ المحقّق الانصاري (رحمة اللّه علیه)
ومنهم من خصّ الحرمة بذكره في المحافل والمجامع دون غيرها، كالسيّد المحقّق الداماد، والعالم المدقّق النوري (رحمة اللّه علیه) .(4)
ومنهم من خصّ الحرمة بزمان الغيبة الصغرى دون غيره، ولا أعرف القائل بهذا القول، إلّا أنّ الظاهر من كلام الفاضل المجلسي (رحمة اللّه علیه) في البحار(5) وجود قائل له، واللّه العالم.
ويمكن إرجاع هذا القول إلى القول الأوّل لأجل شدّة التقيّة في زمان الغيبة الصغرى كما لايخفی.
وكيف كان فتحقيق القول في هذا المقام :
أنّ ذكر اسمه الشريف المعهود علیه السلام يتصوّر على أقسام :
أحدها : ذكره في الكتب، ولا ريب في جوازه للأصل، ولعدم شمول أدلّة المنع لذلك، ولما نشاهده من استقرار سيرة سلفنا الصالحين، وعلمائنا الراشدین رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين ، من زمن الكليني (رحمة اللّه علیه) إلى زماننا هذا على ذكر اسمه علیه السلام في كتبهم من غير نكیر.
ثانيها : ذكره بالإشارة والكناية، كأن يقال : اسمه اسم رسول اللّه، وكنيته كنیته، وهذا جائز لما مرّ في القسم الأوّل.
ص: 130
1165- مضافاً إلى روايات عديدة من طرق الخاصّة والعامّة : عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم قد صرّح بأنّ المهديّ من ولدي، إسمه اسمي، وكنيته كنيتي.
وليعلم أنّ الجواز في هذا القسم والقسم الأوّل مخصوص بغير حال الخوف فإنّه من العناوين الطارية، الّتي توجب حرمة كلّ جائز، كما لا يخفی.
ثالثها : ذكره في الدعاء والمناجاة، بنحو لايصدق عليه التسمية في المحافل والمجامع، والظاهر هنا الجواز أيضاً، لجريان ما تسمعه من الأدلّة للجواز في القسم السابع في هذا القسم،
مضافاً إلى ورود ذلك في بعض الأدعيّة والتعقيبات، لكنّ الأحوط الترك، إلّا أن يكون في رواية صحيحة، فتأمّل جيّداً.
رابعها: ذكره في المجامع أو غيرها في نفسه سرّاً، والحقّ فيه الجواز أيضاً، لانصراف أدلّة المنع عن هذا القسم، فيبقى الأصل وأدلّة الجواز سليمة عن المعارض ، مضافاً إلى :
1166- ما روي في المستدرك مسنداً عن حذيفة بن اليمان، عن رسول اللّه في خبر في صفة المهديّ علیه السلام ، قال : وهو الّذي لا يسمّيه باسمه ظاهراً قبل قيامه إلّا كافر به(1) ، ويؤيّده أيضاً تخصيص الحرمة في عقد الإجماع الّذي نقله المحقّق الداماد (رحمة اللّه علیه) بقوله معلناً مجاهراً، وسيأتي كلامه.
خامسها: ذكر هذا الإسم الشريف في مواضع الخوف، كمحافل أعداء الدين ومجامعهم، الّذين يجب التقيّة عنهم، ولا خلاف في حرمة ذلك من أحد المتقدّمين والمتأخّرين،
ويدلّ عليه أيضاً جميع أدلّة التقيّة، وأحاديث المنع عن التسمية إتفاقاً .
سادسها : ذكره في سائر المحافل والمجامع الّتي لا خوف فيها ولا تقيّة ، وهذا القسم قد صار معركة للآراء،
ص: 131
والمختار عندي هو القول بالحرمة، وفاقاً للشيخ الصدوق، والمفيد، والطبرسي، والمحقّق الداماد، والعلّامة المجلسي، والعالم المحقّق النوري، بل حكي الإجماع في ذلك في كلام المحقّق الداماد، والشهرة في كلام بعض آخر للأخبار الصحيحة والمعتبرة المستفيضة، بل المتواترة معنیً:
1167- منها ما رواه الشيخ الصدوق بسند صحيح: عن أبي هاشم الجعفري (رحمة اللّه علیه)، قال : سمعت أبا الحسن صاحب العسكر علیه السلام يقول:
الخلف من بعدي ابني الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف قلت: ولِمَ، جعلني اللّه فداك؟ قال : لأنّكم لا ترون شخصه، ولايحلّ لكم ذكره باسمه، قلت : فكيف نذكره؟ قال علیه السلام : قولوا: الحجّة من آل محمّد علیه السلام .(1)
ورواه ثقة الإسلام الكلينيّ (رحمة اللّه علیه) في الكافي مرسلاً .(2)
1168- ومنها: ما رواه الصدوق بسند صحيح عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : صاحب هذا الأمر رجل لايسمّيه باسمه إلّا رجل كافر .(3)
1169- ورواه الشيخ الكليني بسند صحيح أيضاً هكذا:
صاحب هذا الامر لايسمّيه باسمه إلّا كافر .(4)
1170- ومنها: ما في الكافي وكمال الدين : بسند معتبر عن الرّيان بن الصلت، قال : سمعت أبا الحسن الرضا علیه السلام يقول: وسُئل عن القائم علیه السلام ،فقال : لا يُرى جسمه، ولايسمّى باسمه.(5)
ص: 132
1171- ورواه في المستدرك : مسنداً عن الريّان بن الصلت، قال : سمعت الرضا عليّ بن موسى علیه السلام يقول:
القائم المهديّ علیه السلام ابن ابني الحسن، لا يرى جسمه، ولا يسمّى باسمه بعد غيبته أحد حتّى يراه ويعلن باسمه، فليسمّيه كلّ خلق، الخبر .(1)
1172- ومنها: ما في المستدرك مسنداً عن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم في خبر في صفة المهديّ علیه السلام ، قال : وهو الّذي لايسمّيه بإسمه ظاهراً قبل قيامه إلّا كافر به .(2)
1173- ومنها: ما فيه أيضاً، عن الحسين بن علوان، عن الصادق علیه السلام ، في عدد الائمّة، قال: هم إثنا عشر من آل محمّد علیهم السلام : عليّ، والحسن والحسين، وعليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ ، ومن شاء اللّه، قلت: جعلت فداك ، إنّما اسألك لتفتيني بالحقّ، قال علیه السلام : أنا وإبني هذا - وأومأ إلى إبنه موسی ۔، والخامس من ولده، يَغيب شخصه ولايَحلّ ذكره بإسمه .(3)
1174- ومنها : التوقيع الشريف: ملعون ملعون من سمّاني في محفل من الناس.(4)
1175- ومنها : توقيع آخر: من سمّاني في مجمع من الناس بإسمي فعليه لعنة اللّه، رواهما الصدوق في كمال الدين . (5)
1176- ومنها: ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام قال :
سأل عمر أمير المؤمنين علیه السلام عن المهديّ، فقال : يا بن أبي طالب ، أخبرني عن المهديّ، ما اسمه؟
قال علیه السلام: أمّا إسمه فلا، إنّ حبيبي وخليلي عهد إليَّ أن لا أُحدّث باسمه
ص: 133
حتّى يبعثه اللّه عزّ وجلّ، وهو ممّا استودع اللّه عزّ وجلّ رسوله في علمه .(1)
1177- ومنها : حديث الخضر، الّذي رويناه في الباب الثاني، بسند صحيح وفيه : وأشهد على رجل من ولد الحسين لایكنّى ولايسمّى حتّى يظهر أمره، ... الخبر .(2)
1178- ومنها: ما رواه الصدوق بسند صحيح عن الصادق علیه السلام قال :
الخامس من ولد السابع، يَغيب عنكم شخصه، ولا يحلّ لكم تَسميته .(3)
1179- ومنها: ما رواه بسند صحيح عن أبي جعفر الثاني علیه السلام قال في وصفه : هو الّذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، الخبر .(4)
وقد مرّ بطوله في الباب الرابع في حرف الغين، في إخبار الإمام الجواد علیه السلام بغيبته .(5)
1180- ومنها : ما رواه الصدوق عن عبدالعظیم الحسني في حديث عرض دينه على أبي الحسن عليّ بن محمّد العسكريّ علیه السلام ، فعدّ الائمّة إلى أبي الحسن علیه السلام
فقال علیه السلام : ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخَلف من بعده ! قال : فقلت : وكيف ذاك يامولاي ؟! قال علیه السلام : لأنّه لا يرى شخصه، ولا يحل ذكره باسمه ، حتّى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ... الخبر .(6)
1181- ومنها ما رواه أيضاً في الصحيح، عن محمّد بن زياد الأزدي ، قال : سألتُ سيّدي موسى بن جعفر علیهماالسلام عن قول اللّه عزّ وجلّ :
ص: 134
(وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)(1)
فقال علیه السلام : النعمة الظاهرة : الإمام الظاهر، والباطنة : الإمام الغائب
فقلت له : ويكون في الأئمّة من يغيب؟
قال علیه السلام : نعم، يغيب عن أبصار الناس شخصه، ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر منّا، يسهّل اللّه له كلّ عسير، ويذلّل له كلّ صعب، ويظهر له كنوز الارض، ويقرّب له كلّ بعيد، ويبير به كلّ جبّارٍ عنيد ، ويهلك على يده كلّ شيطان مريد، ذلك ابن سيّدة الإماء، الّذي تخفى على الناس ولادته، ولا يحلّ لهم تسميته، حتّى يظهره اللّه عزّ وجلّ فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً .(2)
1182- ومنها: ما رواه الشيخ الجليل عليّ بن محمّد الخزّاز الرّازي أو القمّيّ في كتاب كفاية الأثر في النصوص على الأئمّة الإثني عشر علیهم السلام بإسناده عن جابر بن عبداللّه الأنصاري، قال : دخل جندل بن جنادة اليهودي من خيبر على رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، فقال : يا محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم
أخبرني عمّا ليس للّه، وعمّا ليس عند اللّه، وعمّا لا يعلمه اللّه.
فقال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم: أمّا ما ليس للّه، فليس للّه شريك، وأمّا ما ليس عند اللّه فليس عند اللّه ظلم للعباد، وأمّا ما لا يعلمه اللّه، فذلك قولكم يا مَعشر اليهود: عزير ابن اللّه، واللّه لا يعلم أنّ له ولداً،
فقال جندل : أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأنّك رسول اللّه حقّاً.
ثمّ قال : يا رسول اللّه، إنّي رأيت البارحة في النوم موسی بن عمران علیه السلام ، فقال لي: يا جندل، أسلم على يد محمّد، واستمسك بالأوصياء من بعده، فقد أسلمت ورزقني اللّه ذلك، فأخبرني بالأوصياء بعدك لأتمسّك بهم.
فقال : ياجندل، أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل،
ص: 135
فقال : يا رسول اللّه، إنّهم كانوا إثني عشر، هكذا وجدناهم في التوراة ،
قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : نعم، الائمّة بعدي إثنا عشر،
فقال : يا رسول اللّه، كلّهم في زمن واحد؟
قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : لا، ولكنّهم خَلف بعد خَلف، فإنّك لن تدرك منهم إلّا ثلاثة .
قال : فسمّهم لي يا رسول اللّه، قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : نعم، إنّك تدرك سيّد الأوصياء ووارث الأنبياء، وأبا الأئمّة عليّ بن أبي طالب علیه السلام بعدي، ثمّ ابنه الحسن، ثمّ الحسين، فاستمسك بهم من بعدي، ولايغرّنّك جهل الجاهلين، فإذا كانت وقت ولادة ابنه عليّ بن الحسین، سیّد العابدین ، يقضي اللّه عليك ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن.
فقال : يا رسول اللّه ، هكذا وجدت في التوراة : «أليا يقطو شبّراً وشبيراً»
فلم أعرف أساميهم، فكم بعد الحسين من الأوصياء؟ وما اساميهم؟
فقال صلی اللّه علیه وآله وسلم : تسعة من صلب الحسين علیه السلام والمهديّ منهم،
فإذا انقضت مدّة الحسين قام بالأمر بعده عليّ ابنه ويلقّب بزین العابدین،
فإذا انقضت مدّة عليّ، قام بالامر بعده محمّد ابنه يدعى بالباقر علیه السلام
فإذا انقضت مدّة محمّد، قام بالأمر بعده ابنه جعفر يدعى بالصادق علیه السلام ،
فإذا انقضت مدّة جعفر، قام بالامر بعده ابنه موسی ويدعى بالكاظم علیه السلام
ثمّ إذا انتهت مدّة موسى علیه السلام قام بالأمر بعده ابنه عليّ، ويُدعى بالرضا علیه السلام
فإذا انقضت مدّة عليّ علیه السلام قام بالامر بعده ابنه محمّد علیه السلام يُدعى بالزكيّ،
فإذا انقضت مدّة محمّد علیه السلام ، قام بالأمر بعده عليّ ابنه، ويدعى النقي،
فإذا انقضت مدّة عليّ، قام بالامر بعده الحسن ابنه، يدعى بالأمین،
ثمّ يغيب عنهم إمامهم، قال : يا رسول اللّه، هو الحسن يغيب عنهم،
قال : لا ، ولكن ابنه الحجّة ، قال : يا رسول اللّه، فما اسمه؟
قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : لا يسمّى حتّى يظهره اللّه، قال جندل : یا رسول اللّه، قد وجدنا
ص: 136
ذكرهم في التوراة، وقد بشّرنا موسی بن عمران بك، وبالاوصياء بعدك من ذرّيّتك ثمّ تلا رسول اللّه : («وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ...)(1)
فقال جندل : یا رسول اللّه، فما خوفهم؟
قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : يا جندل، في زمن كلّ واحد منهم مَن (2) يعتريه ويؤذيه ، فإذا عجّل اللّه خروج قائمنا يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً،
ثمّ قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محجّتهم، أولئك وصفهم اللّه في كتابه ، وقال : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)(3)
وقال : (أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(4).
قال ابن الأسقع : ثمّ عاش جندل بن جنادة إلى أيّام الحسين بن عليّ علیهماالسلام ، ثمّ خرج إلى الطائف، فحدّثني نعيم بن أبي قيس، قال : دخلت عليه بالطائف وهو عليل، ثمّ إنّه دعا بشربة من لبن فشربه ، وقال :
هكذا عهد إليَّ رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم : أنّه يكون آخر زادي من الدنيا شربة من لبن ثمّ مات رحمه اللّه تعالی ودفن بالطائف في الموضع المعروف بالكوراء .(5)
1183- ومنها: ما رواه الفاضل المتبحّر النوري في مستدرك الوسائل عن كتاب الغيبة للشيخ الثقة الجليل فضل بن شاذان، عن محمّد بن عبدالجبّار قال : قلت لسيّدي الحسن بن عليّ علیهماالسلام : يا بن رسول اللّه جعلت فداك، أحبّ أن أعلم مَن الإمام وحجّة اللّه على عباده من بعدك؟
قال علیه السلام : إنّ الإمام والحجّة بعدي إبني ، سمّي رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم و كنیّه ، الّذي هو خاتم حجج اللّه وخلفائه - إلى أن قال علیه السلام: فلا يحلّ لأحد أن يُسمّيه أو
ص: 137
يكنّيه باسمه وكنيته قبل خروجه صلوات اللّه عليه .(1)
1184- ومنها ما في المستدرك عن الكتاب المذكور، قال : حدّثنا إبراهيم ابن محمّد بن فارس النيسابوري، قال : لمّا همّ الوالي عمرو بن عوف بقتلي، وهو رجل شديد، وكان مولعاً بقتل الشيعة، فأخبرت بذلك، وغلب عليَّ خوف عظیم، فودّعت أهلي وأحبّائي، وتوجّهت إلى دار أبي محمّد علیه السلام لأودّعه ، وكنت أردت الهرب، فلّما دخلت عليه رأیت غلاماً جالساً في جنبه، كان وجهه مضيئاً كالقمر ليلة البدر، فتحيّرت من نوره وضيائه ، وكاد أن أنسى ما كنت فيه من الخوف والهرب ، فقال : يا إبراهيم، لا تهرب، فإنّ اللّه تبارك وتعالی سيَكفيك شرّه فازداد تحيّري، فقلت لابي محمّد علیه السلام : يا سيّدي - جعلني اللّه فداك - من هو؟ وقد أخبرني بما كان في ضميري!
فقال : هو ابني وخليفتي من بعدي، وهو الّذي يغيب غيبة طويلة، ويظهر بعد امتلاء الأرض جوراً وظلماً، فيملأها قسطاً وعدلاً.
فسألته عن إسمه؟ فقال علیه السلام : هو سميّ رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم وكنيّه، ولا يحلّ لأحد أن يسمّيه أو يكنّيه بكنيته إلى أن يظهر اللّه دولته وسلطنته، فاكتم يا إبراهيم ما رأيت وسمعت منّا اليوم إلّا عن أهله ، فصلّيت عليهما وآبائهما وخرجت مستظهراً (2)بفضل اللّه تعالى، واثقاً بما سمعت من الصاحب علیه السلام ، الخبر .(3)
أقول : هذه جملة من الأخبار الدالّة على حرمة ذكر اسمه الشريف، وقد تركنا جملة منها حذراً عن الإطناب، وهذه الأخبار كما سمعت طائفتان :
فطائفة منها تدلّ على حرمة ذكر الاسم المعهود في المجامع وغيرها، سواء كان في حال التقيّة والخوف أم غير ذلك، وسواء كان في زمان الغيبة الصغرى أم الكبرى، والطائفة الأُخرى خصّت الحرمة بالمجامع، وذكر اسمه الشريف
ص: 138
المعهود ظاهراً مجاهراً، وهذه الطائفة مبيّنة للمراد من الطائفة السابقة، مقيّدة لإطلاقاتها،
ويشهد لذلك القرائن الآتية الّتي منها انعقاد الإجماع المنقول في كلام المحقّق الداماد (رحمة اللّه علیه) على التحريم، في خصوص المجامع ظاهراً مجاهراً، فتدبّر .
فإن قلت: يمكن أن تكون هذه الأخبار ناظرة إلى حال التقيّة والخوف بقرينة بعض الأخبار الأخر، فلا يجوز التعدّي إلى غيرها،
1185- مثل ما روي في أصول الكافي : عن عليّ بن محمّد، عن أبي عبداللّه الصالحي، قال : سألني أصحابنا بعد مضيّ أبي محمّد علیه السلام ، أن أسأل عن الإسم والمكان، فخرج الجواب: إن دللتهم على الإسم أذاعوه، وإن عرفوا المكان دلّوا عليه .(1)
1186. وفي كمال الدين(2) عن عبداللّه بن جعفر الحميري، عن محمّد بن عثمان العمري - في حديث - أنّه قال له : أنت رأيت الخلف من أبي محمّد علیه السلام؟
قال : إي واللّه - إلى أن قال : قلت : فالإسم؟ قال : محرّم عليكم أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي، وليس لي أن أُحلّل وأحرّم، ولكن عنه علیه السلام فإنّ الأمر عند السلطان أنّ أبا محمّد علیه السلام مضى ولم يخلف ولداً، إلى أن قال :
وإذا وقع الإسم وقع الطلب ، فاتّقوا اللّه وأمسكوا عن ذلك .(3)
قلت : إنّ ما ذكر في هذين الخبرين ونحوهما وجه التشريع الحكم وحكمة للنهي عن التسمية، كما أنّ غسل الجمعة شرّع لئلّا يتأذّى الناس بأرياح آباط الأنصار، كما روي في الفقيه وغيره(4)
فكما لا يرتفع حكم غسل الجمعة بسبب انتفاء تلك الحكمة، كذلك
ص: 139
لايرتفع حكم التسمية بسبب انتفاء الحكمة المذكورة .
فإن قلت: الظاهر من التعليل في الرواية الثانية، كون الخوف علّة للتحريم فإذا ارتفع الخوف، ارتفع الحكم.
قلت : لا يجوز حمل ذلك على العلة الحقيقيّة، لوجوه :
الأوّل: أنّ نظير هذه العبارة وقع في مواضع متعدّدة، وحملها الأصحاب على حكمة التشريع، فلا ظهور لها في المدّعي.
نعم، لو ورد النصّ بانحصار علّة تحريم شيء في امر مخصوص، جاز رفع اليد عن عموم التحريم، وهذا في المقام غير معلوم، لعدم الصراحة وعدم العلم بانحصار العلّة في ملاحظة الخوف، والتقيّة، لما ستعرف إن شاء اللّه تعالی.
الثاني : أنّ ذلك لو كان علّة، لما أبي النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم عن ذكر اسمه لجندل الخيبري، ولما نهى الصادق علیه السلام اصحابه عن ذكر اسمه الشريف، إذ لم يكن تقيّة في هذا الأمر في زمانهم، لعدم ولاية المهديّ عجل اللّه تعالی فرجه .
وما قد يتخيّل من أنّ ما ورد عنهم في النهي عنه، والحكم بحرمته، وعدم حلّيته، إخبار عن حال الموجودين في زمان الحجّة علیه السلام - بأنّه يحرم عليهم تسميته للتقيّة والخوف - فبعيد في الغاية، وضعيف في النهاية ،
لأنّ الظاهر كونهم في مقام بيان الحكم، مضافاً إلى امتناع هذا التخيّل في بعض النصوص المذكورة، كقوله علیه السلام : لا يسمّيه باسمه إلّا كافر.
الثالث: أنّه لو كانت التقيّة علّة لهذا الحكم، لما جاز إظهار اسمه الشريف لهم أصلاً، مع أنّ الأخبار المتكثّرة من طرق الفريقين دلّت على تنصيص النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم بأنّ اسمه اسمي، وكنیته كنيتي، فقد عرفوا بذلك اسمه الشریف.
الرابع : أنّه لو كانت علّة النهي عن الإسم التقيّه والخوف لاغير، لوجب أن لا يذكر باسم ولالقب أصلاً، إذ يجب اطّراد العلّة، ولئلّا يعرفه الأعداء،
مع أنّه علیه السلام كان معروفاً بألقابه أكثر من اسمه، خصوصاً لقبه المهدي علیه السلام ،
ص: 140
والعامّة كانوا يعرفونه بلقبه ونسبه، ولم ينقل خبر في النهي عن ذكر ما سوى هذا الإسم الشريف من ألقابه بل خصّ المنع في التوقيع الآتي، وغيره بذكر اسمه بخصوصه، فهذا دليل على أنّ العلّة في التحريم أمر خفيّ علينا، وإلى ذلك أشار أمير المؤمنين علیه السلام في الخبر المروي عن كتاب كمال الدين .(1)
الخامس: أنّه لو كانت الحرمة دائرة مدار الخوف والتقيّة، لما صحّ جعل ظهوره غاية لذلك، لانّ التقيّة قد تكون، وقد لا تكون.
السادس : ما عرفت من ترك الخضر علیه السلام ذكر اسمه الشريف، مع أنّه لم يكن في ذلك المجلس خوف اصلاً.
السابع : ما ذكره المحقّق النوري، من أنّ في جملة من أخبار المنع، ومالم يذكر فيه اسمه، تصریحاً بأنّه سمّي النبيّ، فالسامع الراوي عرف اسمه، فإن كانت التقيّة منه فقد عرفه، وإن كان من غيره، فلا وجه لعدم ذكره في هذا المجلس، بل اللازم تنبيه الراوي بأن لا يسمّيه في مجلس آخر.(2)
الثامن : أنّ المسمّى باسم محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم يكن منحصراً في القائم علیه السلام حتّى يكون ذكره به منهيّاً عنه لكي لا يعرفه الأعداء، بل لو كان العلّة الخوف، لوجب النهي عن ذكره بالحجّة، وصاحب الغيبة، ونحوهما، فإنّها ممّا لم يعهد تسمية غیره به، بل كان اللازم أن لا يعبّر عنه بابن العسكريّ أيضاً، لكونه صريحاً في حياته وبقائه علیه السلام ، فيطلبه الأعداء، ومن هنا ظهر ضعف القول باختصاص التحريم بزمان الغيبة الصغرى، إذ لو كان الخوف، والتقيّة هي العلّة، لزم النهي عن ذكر ألقابه المخصوصة أيضاً.
والحاصل : أنّ حرمة ذكر هذا الإسم الشريف ليست دائرة مدار الخوف وعدمه ، بخلاف سائر أسمائه وألقابه، فإنّ جواز ذكرها وعدمه دائر مدار الخوف والتقيّة، فيحرم عند التقيّة، ويجوز عند عدمها،
ص: 141
وكذا الحال في ذكر سائر الأئمّة علیهم السلام، فهم في هذا الحكم سواء، كما دلّت عليه الراويات، وهذا الوجه ممّا اختلج بالبال في هذا المقال، وسيجيء له زيادة تبیین و توضيح إن شاء اللّه تعالى، فانتظر لتمام الكلام.
والوجوه السابقة قد ذكر بعضها المحقّق النوري (رحمة اللّه علیه) فمن ملاحظة ذلك كلّه يحصل الجزم للفقيه الماهر، بكون الخوف المشار إليه في الخبرين المرقومين حكمة في جعل هذا الحكم لا علّة له.
مضافاً إلى أنّ حمل الكلام على التقيّة خلاف الأصل، لأنّ الظاهر من طريقة العقلاء وأهل اللسان، كونهم في محاورتهم في بيان مقام الحكم الواقعي، فصرف الكلام إلى غيره يحتاج إلى دليل صريح، يوجب رفع اليد عن العمومات الكثيرة، وهو مفقود في المقام.
وأيضاً القول بالتحريم مطلقاً هو مقتضى ظهور العام كما عرفت فتخصیص الحرمة ببعض الأفراد إخراج للعامّ عن ظاهره من غير دليل، فتدبّر .
وأيضاً تخصيص الحرمة بحال الخوف والتقيّه يوجب إخراج الأكثر عن تحت العموم، وهو غير جائز كما لا يخفى على من تدبّر .
إذا عرفت ذلك ، فنقول: إنّ ما اخترناه من القول بحرمة ذكر اسمه الشريف المعهود في المحافل والمجامع مؤيّد بأمور :
أحدها : أنّه لم ينقل في أحاديث المعراج خبر واحد صرّح فيه الربّ جلّ جلاله باسم المهديّ روحي فداه، كما لا يخفى على المتتبّع.
الثاني : أنّه لم ينقل في الأحاديث النبويّة مع كثرتها وتضافرها حديث صرّح النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم باسمه الشريف، بل كان يذكره بألقابه ، أو يقول صلی اللّه علیه وآله وسلم : إسمه إسمي، وكنيته كنیتي، وهذان الوجهان ذكرهما المحدّث النوري (رحمة اللّه علیه)، وفي كليهما نظر.
الثالث : الإجماع المنقول في كلام السيّد المحقّق الداماد، ولا بأس بنقل كلامه على ما حكاه بعض الأوتاد، للتأييد والاستشهاد، قال رحمه اللّه تعالى في
ص: 142
كتابه «شرعة التسمية في زمان الغيبة»:
إنّ شرعة الدين، وسبيل المذهب، أنّه لا يحلّ لأحد من الناس في زمننا هذا - وأعني به زمان الغيبة - إلى أن يحين حين الفرج، ويأذن اللّه سبحانه لوليّه وحجّته على خلقه، القائم بأمره، والراصد لحكمه، بسطوع الظهور، وشروق المخرج، أن يسمّيه ويكنّيه صلوات اللّه عليه ، وفي محفل مجمع، مجاهراً باسمه الكريم، معلناً بكنيته الكريمة، وإنّما الشريعة المشروعة المتلقّاة عن ساداتنا الشارعين صلوات اللّه عليهم أجمعين، في ذكرنا إيّاه ما دامت غيبته، الكناية عن ذاته القدسيّة بألقابه المقدّسة : كالخلف الصالح، والإمام القائم، والمهدي المنتظر، والحجّة من آل محمّد علیهم السلام وغاية ما يجوز من ذكر الاسم والكنية أن يقال : سمّي رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم وكنّيه .
وعلى ذلك إطباق أصحابنا السالفين وأشياخنا السابقين، الّذين سبقونا بضبط مآثر الشرع، وحفظ شعائر الدين، رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين والروايات الناصّة متضافرة بذلك عن أئمّتنا المعصومين صلواته عليهم أجمعين، وليس يستنكره إلّا ضعفاء التبصّر بالاحكام والأخبار، وأطِفّاء(1) الإطّلاع على الدقائق والاسرار، وإلّا القاصرون الّذين درجتهم في الفقه و مبلغهم من العلم أن لا يكون لهم قسط من الخبرة بخفیّات مراسم الشريعة ومعالم السنّة، ولا نصيب من البصيرة في حقائق القرآن الحكيم، ولاحظّ من تعرّف الاسرار الخفيّة، الّتي مستودعها أحاديث مهابط الوحي، ومعادن الحكمة، ومواطن النور، وحفظة الدين، وحملة السرّ، وعيبة علم اللّه العزيز، إنتهى كلامه رفع مقامه .(2)
الرابع : استقرار سيرة قاطبة أهل الإيمان في جميع الأمصار والبلدان، في كلّ زمان من الأزمان، على ترك التصريح باسم مولانا صاحب الزمان علیه السلام ، بحيث لم يعهد من أحد منهم، ولم يسمع التصريح باسمه الشريف في محفل من
ص: 143
المحافل، ومجمع من المجامع، وهذه الأمور بعد ضمّها إلى النصوص المذكورة الصحيحة توجب الإطمئنان بحرمة التصريح باسمه الشريف في مجمع من مجامع الناس، واللّه العالم وهو العاصم.
سابعها : ذكر اسمه الشريف في غير المجامع للخواصّ، أعني الشيعة رضوان اللّه عليهم ، والأقرب هنا الجو از، لورود اخبار عديدة متعاضدة بذكر هذا الإسم الشريف فعلاً وتقريراً عن الأئمّة الأطهار علیهم السلام :
منها : حديث اللوح، المرويّ بسند معتبر في أُصول الكافي وكمال الدين وغيرهما من الكتب المعتبرة:
1187- ونحن نذكر ما رواه ثقة الإسلام في أُصول الكافي : بإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قال أبي علیه السلام لجابر بن عبداللّه الأنصاري:
إنّ لي إليك حاجة فمتى يخفّ عليك أن أخلو بك، فأسالك عنها؟
فقال له جابر : أيّ الأوقات أحببته، فخلا به في بعض الأيّام،
فقال له: يا جابر، أخبرني عن اللوح الّذي رأيته في يد أُمّي فاطمة علیها السلام بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وما أخبرتك به أمّي أنّه في ذلك اللوح مكتوب.
فقال جابر : اشهد باللّه التي دخلت على أمّك فاطمة علیها السلام . في حياة رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم أُهنّئها بولادة الحسين علیه السلام ، فرأيت في يديها لوحاً اخضر، ظننت أنّه من زمرّد، ورايت فيه كتاباً أبيض شبه لون الشمس، فقلت لها:
بأبي وأمّي يا بنت رسول اللّه ، ما هذا اللوح؟
فقالت: هذا لوح أهداه اللّه إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني، واسم الأوصياء من ولدي، وأعطانيه أبي ليبشّرني بذلك،
قال جابر: فاعطتنيه أمّك فاطمة علیها السلام، فقرأته واستنسخته .
فقال له ابي علیه السلام : فهل لك يا جابر أن تعرضه عليَّ ؟
قال : نعم، فمشى معه ابي إلى منزل جابر فاخرج صحيفة من رقّ(1)
ص: 144
فقال : يا جابر، أُنظر في كتابك لاقرأ عليك، فنظر جابر في نسخته ، فقرأه أبي فما خالف حرف حرفاً، فقال جابر :
فاشهد باللّه أنّي هكذا رايته في اللوح مكتوباً :
«بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا كتاب من اللّه العزيز الحكيم لمحمّد نبيّه ، ونوره وسفيره، وحجابه ودليله، ونزل به الروح الأمين من عند ربّ العالمین :
عظّم یا محمّد اسمائي، واشكر نعمائي، ولا تجحد آلائي، أنا اللّه لا إله إلّا أنا قاصم الجبّارين، ومديل المظلومين، وديّان الدين، إنّي أنا اللّه لا إله إلّا أنا، فمن رجا غير فضلي، أو خاف غير عدلي، عذّبته عذاباً لا أعذّبه أحداً من العالمين، فإيّاي فاعبد، وعليَّ فتوكل.
إنّي لم أبعث نبيّاً، فأكملت أيّامه، وانقضت مدّته ، إلّا جعلت له وصيّاً، وإنّي فضّلتك على الأنبياء، وفضّلت وصيّك على الأوصياء، وأكرمتك بشبليك وسبطيك (حسن وحسین» ، فجعلت حسناً معدن علمي بعد انقضاء مدّة أبيه ، وجعلت حسيناً خازن وحيي، وأكرمته بالشهادة وختمت له بالسعادة،
فهو أفضل من استشهد، وارفع الشهداء درجة، جعلت كلمتي التامّة معه ، وحجّتي البالغة عنده ، بعترته أُثيب وأُعاقب ، أوّلهم:
عليّ سيّد العابدين وزين أوليائي الماضين، وابنه شبه جدّه المحمود محمّد ، الباقر لعلمي (1) والمعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر، الرادّ عليه كالرادّ عليَّ، حقّ القول منّي: لأُكرمنّ مثوی جعفر، ولأُسرّنّه فِي أشياعه وأنصاره وأوليائه، انتجبت بعده موسی فتنة عمياء حندس لأنّ خيط فرضي لاينقطع، وحجّتي لا تُخفى، وأنّ أوليائي يسقون بالكاس الأوفي، من جحد واحداً منهم فقد جحد نعمتي، ومن غيّر آية من كتابي فقد افترى عليَّ.
ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدّة موسی عبدي وحبيبي وخبرتي في
ص: 145
عليّ، وليّي وناصري ومن أضع عليه أعباء النبوّة، وأمتحنه بالاضطلاع بها، يقتله عفریت مستكبر، يدفن في المدينة الّتي بناها العبد الصالح، إلى جنب شرّ خلقي، حقّ القول منّي: لأُسرّنّه بمحمّد ابنه وخليفته من بعده ووارث علمه، فهو معدن علمي و موضع سرّي، وحجّتي على خلقي، لا يؤمن عبد به إلّا جعلت الجنّة مثواه، وشفّعته في سبعين من أهل بيته، كلّهم قد استوجبوا النار .
وأختم بالسعادة لابنه عليّ وليّي وناصري، والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي، أُخرج منه الداعي إلى سبيلي والخازن لعلمي، الحسن،
وأكمل ذلك بابنه «م ح م د» رحمة للعالمين .
عليه كمال موسى، وبهاء عیسی، وصبر أيّوب، فيذّل أوليائي في زمانه ، وتتهادى رؤوسهم، كما تتهادى رؤوس الترك والديلم، فيُقتلون ويحرقون، ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم، ويفشوا الويل والرنّة في نسائهم، أولئك أوليائي حقّاً، بهم أدفع كلّ فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل، وأدفع الآصار والأغلال، أولئك عليهم صلوات من ربّهم ورحمة ، وأولئك هم المهتدون،
قال عبدالرحمان بن سالم : قال أبو بصير :
لو لم تسمع في دهرك إلّا هذا الحديث لكفاك ، فَصُنه إلّا عن أهله .(1)
1188- ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق في كمال الدين : عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رحمة اللّه علیه) قال : حدّثنا الحسن بن إسماعيل قال : حدّثنا أبو عمرو سعيد بن محمّد بن نصر القطّان قال : حدّثنا عبداللّه بن محمّد السلمي قال : حدّثنا محمّد بن عبدالرحمان قال : حدّثنا محمّد بن سعيد قال : حدّثنا
ص: 146
العبّاس بن أبي عمرو، عن صدقة بن أبي موسى، عن أبي نضرة، قال :
لمّا احتضر أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر علیهماالسلام عند الوفاة دعا بابنه الصادق علیه السلام فعهد إليه عهداً، فقال له أخوه زید بن عليّ بن الحسین: لو امتثلت فيَّ تمثال الحسن والحسين علیهماالسلام ، لرجوت أن لا تكون أتيت منكراً،
فقال : يا أبا الحسن، إنّ الأمانات ليست بالتمثال، ولا العهود بالرسوم، وإنّما هي أُمور سابقة عن حجج اللّه تبارك وتعالی.
ثمّ دعا بجابر بن عبداللّه، فقال له: يا جابر، حدّثنا بما عاينت في الصحيفة، فقال له جابر : نعم يا أبا جعفر، دخلت على مولاتي فاطمة علیها السلام لأهنّئها بمولود الحسن علیه السلام ، فإذا هي بصحيفة بيدها من درّة بيضاء،
فقلت : يا سيّدة النسوان، ما هذه الصحيفة الّتي أراها معك؟ قالت :
فيها أسماء الأئمّة من ولدي، فقلت لها: ناوليني لأنظر فيها، قالت :
يا جابر، لولا النهي لكنت أفعل، لكنّه نهي أن يمسّها إلّا نبيّ أو وصي، أو أهل بیت نبیّ، ولكنّه مأذون لك أن تنظر إلى باطنها من ظاهرها.
قال جابر : فقرأت، فإذا فيها : أبو القاسم محمّد بن عبداللّه المصطفى، أُمّه آمنة بنت وهب، أبو الحسن عليّ بن أبي طالب المرتضى، أُمّه فاطمة بنت أسد ابن هاشم بن عبد مناف، أبو محمّد الحسن بن عليّ البرّ، أبو عبداللّه الحسين بن عليّ التقيّ، أُمّهما فاطمة بنت محمّدصلی اللّه علیه وآله وسلم ، أبو محمّد عليّ بن الحسين العدل ، أُمّه شهربانويه بنت يزدجرد بن شاهنشاه، أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر، أمّه أمّ عبداللّه بنت الحسن بن عليّ بن أبي طالب،
أبو عبداللّه جعفر بن محمّد الصادق، أُمّه أُمّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر، أبو إبراهيم موسی بن جعفر الثقة، أُمّه جارية، إسمها حميدة، أبو الحسن عليّ بن موسی الرضا، أُمّه جارية، إسمها نجمة ، أبو جعفر محمّد بن عليّ الزكي، أُمّه جارية ، إسمها خيزران، أبو الحسن عليّ بن محمّد الأمين، أُمّه
ص: 147
جارية ، إسمها سوسن، أبو محمّد الحسن بن عليّ الرفيق، أُمّه جارية، إسمها سمانة، وتكنّى بأُمّ الحسن، أبو القاسم محمّد بن الحسن، هو حجّة اللّه تعالی على خلقه، القائم، أُمّه جارية اسمها نرجس، صلوات اللّه عليهم أجمعين .(1)
قال الشيخ الصدوق (رحمة اللّه علیه): جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم علیه السلام ،
والّذي أذهب إليه ما روي في النهي من تسميته .
1189- ومنها : ما في تاسع البحار، عن كتاب الروضة، وكتاب الفضائل بإسناده يرفعه إلى عبداللّه بن أبي أوفي، عن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، أنّه قال :
لمّا خلق اللّه إبراهيم الخليل علیه السلام كشف اللّه عن بصره، فنظر إلى جانب العرش، فرأى نوراً، فقال : إلهي وسيّدي، ما هذا النور؟
قال : يا إبراهيم، هذا محمّد صفيّي، فقال : إلهي وسيّدي، أری جانبه نوراً آخر! فقال : يا إبراهيم، هذا عليّ ناصر دیني، فقال : إلهي وسيّدي، أرى إلى جانبهما نوراً ثالثاً ! قال : يا إبراهيم هذه فاطمة، تلي أبيها وبعلها، فطمت محبّيها من النار .
قال : إلهي وسيّدي، أرى نورين يليان الثلاثة الأنوار !
قال : يا إبراهيم، هذا الحسن والحسين يليان أباهما وجدّهما وأمّهما .
فقال : إلهي وسيّدي، أرى تسعة أنوار أحدقوا بالخمسة الأنوار! قال : يا إبراهيم هؤلاء الأئمّة من ولدهم، فقال : إلهي وسيّدي، فبمن يعرَّفون؟ قال : يا إبراهيم، أوّلهم عليّ بن الحسين، ومحمّد ولد عليّ، وجعفر ولد محمّد، و موسی ولد جعفر، وعليّ ولد موسى، ومحمّد ولد عليّ، وعليّ ولد محمّد، والحسن ولد عليّ، ومحمّد ولد الحسن، القائم المهدي.
قال : إلهي وسيّدي، أرى عدّة أنوار حولهم، لا يحصي عدتهم إلّا أنت! قال : يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم، ومحبّوهم ، قال : إلهي، وبما يعرفون شيعتهم
ص: 148
ومحبّوهم؟ قال: بصلاة الإحدي والخمسين، والجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم، والقنوت قبل الركوع، وسجدة الشكر، والتختمّ باليمين،
قال إبراهيم: اللّهمّ اجعلني من شيعتهم ومحبّيهم، قال : قد جعلتك، فأنزل اللّه فيه : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ «إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)(1). (2)
1190- ومنها: ما في تاسع البحار أيضاً ، عن غيبة الشيخ الطوسي (رحمة اللّه علیه) عن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم مسنداً، في حديث الوصيّة الّتي كتبها أمير المؤمنین علیه السلام بإملاء رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وأمر بأن يسلّمها كلّ إمام إلى الإمام الّذي يكون بعده - إلى أن قال :
فإذا حضرتك الوفاة فسلّمها إلى ابني الحسن، البرّ الوصول (3)،
فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابني الحسين، الشهيد الزكيّ المقتول،
فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه سيّد العابدین ذي الثفنات عليّ،
فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد باقر العلم،
فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه جعفر الصادق،
فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه موسى الكاظم،
فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه عليّ الرضا،
فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد الثقة التقي .
فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه عليّ الناصح،
فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه الحسن الفاضل،
فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلى ابنه محمّد المستحفظ من آل محمّد، الخبر(4)
1191- ومنها: ما في كفاية الأثر في النصوص على الائمّة الإثني عشر بإسناده عن أبي هريرة قال: قلت لرسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم:
إنّ لكلّ نبيّ وصيّاً وسبطين، فمن وصيّك وسبطاك؟ فسكت، ولم يردّ عليَّ
ص: 149
الجواب، فانصرفت حزيناً، فلمّا حان الظهر قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : أدن یا أبا هريرة، فجعلت أدنو ، وأقول: أعوذ باللّه من غضب اللّه وغضب رسوله صلی اللّه علیه وآله وسلم.
ثمّ قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : إنّ اللّه بعث أربعة الآف نبيّ، وكان لهم أربعة الآف وصيّ، وثمانية الآف سبط، فوالّذي نفسي بيده لأنا خير النبيّين، ووصيّي خير الوصيّين، وأنّ سبطيّ خير الأسباط .
ثم قال علیه السلام : سبطاي خير الأسباط، الحسن والحسين سبطا هذه الأُمّة، وإنّ الأسباط كانوا من ولد یعقوب علیه السلام ، وكانوا اثني عشر رجلاً، وإنّ الأئمّة بعدي اثنا عشر رجلاً من أهل بيتي، عليّ علیه السلام أوّلهم، وأوسطهم محمّد، وآخرهم محمّد، ومهديُّ هذه الأمّة، الّذي يصلّي عیسی خلفه، ألا إنّ من تمسّك بهم بعدي فقد تمسّك بحبل اللّه، ومن تخلّى منهم فقد تخلّى من حبل اللّه .(1)
1192- ومنها : ما في كفاية الأثر أيضاً: بإسناده عن مفضّل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين علیهماالسلام عن أبيه، عن أمير المؤمنين علیه السلام ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم :
لمّا أسري بي إلى السماء أوحي إليَّ ربّي جلّ جلاله ، فقال :
یا محمّد، إنّي اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك منها، وجعلتك نبيّاً وشققت لك من اسمي إسماً، فأنا المحمود، وأنت محمّد، ثمّ اطّلعت ثانية فاخترت منها عليّاً، وجعلته وصيّك وخليفتك، وزوج ابنتك، وشققت له إسماً من أسمائي، فأنا العليّ الأعلى وهو عليّ، وجعلت فاطمة والحسن والحسين من نوركما، ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة، فمن قبلها كان عندي من المقرّبين .
یا محمّد، لو أنّ عبداً عبدني حتّى ينقطع كالشنّ البالي، ثمّ أتاني جاحداً لولايتهم، ما أسكنته جنّتي، ولا أظللته تحت عرشي .
یامحمّد، أتحبّ أن تراهم؟ قلت : نعم يا ربّي، فقال عزّ وجلّ: ارفع رأسك
ص: 150
فرفعت رأسي، فإذا بأنوار عليّ وفاطمة، والحسن، والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسی بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن علي، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ، و«م ح م د» بن الحسن، القائم في وسطهم كأنّه كوكب درّيّ يوقد.
فقلت : يا ربّ، من هؤلاء؟ قال : هؤلاء الأئمّة، وهذا القائم الّذي يحلّ حلالي، ويحرّم حرامي، وبه أنتقم من أعدائي، وهو راحة لأوليائي، وهو الّذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين والجاحدين والكافرين .(1)
1193- ومنها : ما رواه الصدوق (رحمة اللّه علیه) في كمال الدين بسند معتبر، بل صحيح : أنّ أبا محمّد علیه السلام بعث إلى بعض من سمّاه لي بشاة مذبوحة، وقال : هذه من عقيقة ابني محمّد.(2)
1194- ومنها: ما رواه المحدّث العاملي (رحمة اللّه علیه) في الوسائل : بإسناده عن الصدوق، عن محمّد بن محمّد بن عصام، عن محمّد بن يعقوب الكليني (رحمة اللّه علیه) عن علّان الرازي، عن بعض أصحابنا، أنّه لمّا حملت جارية أبي محمّد علیه السلام قال : ستحملين ولداً واسمه محمّد، وهو القائم من بعدي .(3)
1195- ومنها: ما رواه أيضاً في الوسائل : بإسناده عن ابن بابویه، عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رحمة اللّه علیه)، عن أبي عليّ محمّد بن همام، عن محمّد بن عثمان العمري، عن أبيه، عن أبي محمّد الحسن بن عليّ علیه السلام
- في الخبر الّذي روى عن آبائه - أنّ الأرض لا تخلو من حجّة اللّه على خلقه ، وأنّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة .
فقال : إنّ هذا حقّ كما أنّ النهار حقّ،
ص: 151
فقيل : يا بن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم فمن الحجّة والإمام بعدك؟ فقال : ابني محمّد هو الإمام والحجّة بعدي، فمن مات ولم يعرفه مات ميتة جاهليّة .(1)
1196- ومنها : ما رواه المجلسي في باب ولادته عجّل اللّه تعالی فرجه ، عن كشف الغمّة، قال : قال ابن الخشّاب : حدّثني أبو القاسم طاهر بن هارون بن موسى العلوي، عن أبيه، عن جدّه ، قال :
قال سيّدي جعفر بن محمّد: الخلف الصالح من ولدي، وهو المهدي، اسمه «م ح م د» وكنيته أبو القاسم يخرج في آخر الزمان، الخبر .(2)
إذا عرفت ما ذكرنا، فنقول: إنّ مقتضى الجمع بين الدليلين أعني أخبار الحرمة والاخبار المجوّزة، هو ما اخترناه من التفصيل بين مجامع الناس وغيرها فيقال : بالحرمة في المجامع، وبالجواز في غيرها، لانّ أخبار الجواز كما ترى إمّا نقل فعل أو تقرير، وليس لها عموم، أو إطلاق يوجب رفع اليد عن الاخبار الناهية، فوجب الأخذ بالقدر المتيقّن، وتخصيص أدلّة الحرمة بهذا المقدار، وهو غير المجامع من الناس ويبقى ذكر اسمه الشريف في المجامع تحت عموم أدلة الحرمة.
1197- ويؤيّد ما ذكرنا ويؤكّده، التوقيعان المرويّان في كمال الدين،
أحدهما : ملعون ملعون من سمّاني في محفل من الناس .(3)
1198- والثاني : حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رحمه اللّه قال : سمعت أبا عليّ محمّد بن همام، يقول: سمعت محمّد بن عثمان العمري قدس اللّه روحه يقول : خرج توقيع بخطّ أعرفه:
من سمّاني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة اللّه .(4)
ص: 152
ويؤيّد ما ذكرنا أيضاً ما سمعته في كلام السيّد المحقّق الداماد رحمه اللّه، من إطباق العلماء السابقين على حرمة التصريح باسمه المبارك في مجمع من الناس.
ويؤيّده أيضاً، الإعتبار العقليّ والعرفي لأنّ في التعبير عن شخص جليل بألقابه في المجامع والمحافل وترك التصريح باسمه نوعاً من التعظيم والإحترام لا يخفى على أحد من العوامّ، فضلاً عن الخواصّ والاعلام، واللّه العالم بحقائق الأحكام.
ويؤيّده أيضا ما عرفت في حديث اللوح، أنّ أبا جعفر علیه السلام طلب من جابر أن يلقاه في الخلوة فكان ذكر اسمه منهما في غير مجمع من الناس
ويؤيّده أيضا لزوم تخصيص الاكثر لو قلنا بخروج غیر مورد الخوف والتقيّة مطلقاً عن العمومات المذكورة، فتدبّر.
ويؤيّده أيضاً حديث حذيفة بن اليمان الّذي ذكرناه في القسم الرابع من ذلك العنوان.
فإن قلت : يمكن أن يقال بخروج غير موضع الخوف والتقيّة عن العمومات المذكورة السابقة مطلقاً، سواء كان في المجامع أم غيرها،
1199- لما رواه الشيخ الصدوق (رحمة اللّه علیه) في كمال الدين عن أبي جعفر علیه السلام ، عن آبائه ، قال : قال أمير المؤمنين علیه السلام على المنبر : يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان وذكر صفة القائم - إلى أن قال : له إسمان : إسم يخفی واسم يعلن، فأمّا الّذي يخفي فأحمد، وأمّا الّذي يعلن فمحمّد، الحديث .(1)
فإنّ هذا الحديث يدلّ على جواز التصريح بهذا الإسم الشريف، في مجامع الناس فعلاً وقولاً، لتصريح أمير المؤمنين علیه السلام به على المنبر،
وقوله : وأمّا الّذي يعلن فمحمّد ، ومن هنا يمكن أن يقال بأنّ اسمه الذي
ص: 153
لا يجوز التصريح به هو أحمد.
قلت: لا يجوز تخصیص عمومات الحرمة بمجرّد هذا الحديث لوجوه:
الأوّل: أنّه ضعيف السند لا شتماله على إسماعيل بن مالك المجهول، وأبي الجارود رئيس الزيديّة الجاروديّة، الّذي نقل عن ابن طاووس أنّه قال في حقه: زیاد بن المنذر أبوالجارود الاعمى السرحوب، مذموم لا شبهة في ذمّه، سمّي سرحوباً باسم شيطان أعمى يسكن البحر.(1)
وفي نقد الرجال ومنتهى المقال عن الكشّي (رحمة اللّه علیه) في أبي الجارود الأعمى السرحوب : نسب إليه السرحوبيّة من الزيديّة، وسمّاه بذلك الباقر علیه السلام .
وذكر أنّ سرحوباً إسم شیطان أعمى يسكن البحر، وكان أبو الجارود مكفوفاً أعمى، أعمى القلب، ثمّ ذكر روایات متعدّدة في ذمّه ولعنه وكذبه .(2)
وقال السيّد التفرشي (رحمة اللّه علیه) في النقد: ثمّ فيه رواية تدلّ على كذبه وكفره إنتهى .(3)
الثاني : أنّ تصريح أمير المؤمنين علیه السلام باسمه على المنبر لا يكون دليلاً على الجواز لغيره، لإمكان اختصاص هذا الحكم به علیه السلام ، ونظير ذلك كثير ، لا يخفی على الخبير ، مثل جواز دخوله في مسجد النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم جنبة ، واختصاص لقب أمير المؤمنين به، وجواز الإيثار مع كون أهل بيته في حال الإضطرار، وغيرها ممّا لا يخفى على المتتبّع في أخبار الأئمّة الأطهار .
الثالث : أن قوله علیه السلام وأمّا الّذي يعلن فمحمّد، يحتمل أمرين:
أحدهما : أن يكون المراد أن له إسمين يعرف الناس واحداً منهما وهو محمّد ولا يعرفون الآخر وهو أحمد، وهذا أمر نشاهده بالعيان.
ص: 154
وثانيهما: أن يكون المراد الإعلان بهذا الإسم المبارك في حين ظهوره، فقد وردت أخبار بأنّه ينادي باسمه واسم أبيه في ذلك الزمان، وقد مرّ ما يدلّ على ذلك في الباب الرابع في حرف النون و غیره .(1)
وأمّا احتمال كون المراد بالإسم الّذي لا يجوز التصريح به هو إسمه «أحمد» فلم يقل به أحد، بل لم يحتمله أحد من علمائنا، رضوان اللّه عليهم من الصدر الأوّل إلى زماننا ، ولا حملة الأحاديث ورواتها، الّذين منهم وصلت إلينا، كما لا يخفى على المتتبّع . فإن قلت : يمكن أن يكون المراد بالناس في التوقيعين المذكورين خصوص العامّة فتكون قرينة على كون الحرمة مخصوصة بمورد الخوف والتقيّة، كما ذكره صاحب الوسائل مستشهداً بإطلاق الناس على خصوص العامّة في الروايات كثيراً .(2)
قلت : قد أطلق الناس عليهم في الأخبار مع القرينة، وهي في المقام مفقودة، فلا يجوز رفع اليد عن الأخبار الصحيحة الصريحة بمجرّد الإحتمال.
فإن قلت : قد روي في المستدرك عن حسين بن حمدان في كتابه رواية رضويّة، مصرّحة بجواز ذكر اسمه الشريف المعهود وغيره عند الأمن من الخوف، وأنّ العلّة في النهي ليست إلّا الخوف والتقيّة،
1200- وهي ما رواه عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن الريّان بن الصلت، قال : سمعت الرضا عليّ بن موسى علیه السلام يقول: القائم المهدي علیه السلام ابن ابني الحسن لا يرى جسمه ولا يسمّي باسمه بعد غيبته أحد، حتّى يراه ويعلن باسمه ، فليسمّيه كلّ الخلق، فقلنا له: يا سيّدنا فإن قلنا: صاحب الغيبة، وصاحب الزمان، والمهدي، قال : هو كلّه جائز مطلقاً ، وإنّما نهيتكم عن التصريح باسمه الخفي عن أعدائنا فلا يعرفوه.(3)
ص: 155
قلت: لا يجوز التعويل على ذلك لوجوه :
إحدها : أنّ حسین بن حمدان ضعيف، كما في الوجيزة، وفي نقد الرجال عن النجاشي : حسین بن حمدان الحضيني الجنبلاني أبو عبداللّه، كان فاسد المذهب، له كتب، وكذا في منتهى المقال .(1)
وفيه عن الخلاصة : الحسين بن حمدان الجنبلاني - بالجيم المضمومة ، والنون الساكنة والموحّدة - الحضيني بالمهملة المضمومة والمعجمة، والنون بعد الياء - أبو عبداللّه، كان فاسد المذهب، كذّاب، صاحب مقالة، ملعون، لا يلتفت إليه (2)، ومثله عن رجال ابن داود (رحمة اللّه علیه) لكن ضبط الخصيبي بالمعجمة والمهملة والمثنّاة تحت والمفردة .(3)
وممّا يدلّ على عدم صحّة الإعتماد عليه، أنّ المحقّق العالم النوري (رحمة اللّه علیه) لم يعتمد عليه في هذا المقام، مع أنّه رواه في باب القاب الحجّة عجل اللّه تعالى فرجه وهذا العالم الجليل من أجلّاء العارفين بأحوال الرواة، كما لا يخفى على من نظر في كتبه جزاه اللّه تعالى عن الإسلام وأهله خير الجزاء، فكيف يجوز التمسّك بمثل هذا الحديث في صرف عمومات ادلّة التحريم عن ظواهرها.
والوجه الثاني: أنّ هذا الحديث على فرض صدوره ليس صريحاً في المدّعى فراجع، وتدّبر .
الثالث : أنّه على فرض دلالته لا يدلّ على انحصار علّة التحريم في ذلك كي يقتصر على مورد وجود العلّة، بل لا يمكن أن يكون ذلك علّة حقيقيّة لأنّ الضمير في قوله : «فلا يعرفوه» إن كان راجعاً إلى الإسم، يعني لا يجوز ذكر هذا الإسم لئلّا يعرفه الأعداء كان هذا خُلفاً، لأنّهم عرفوه بالأخبار الكثيرة المرويّة عن النبيّ والأئمّة المصرّحة بأنّ اسمه إسم رسول اللّه فقد عرفوا أنّ اسمه محمّد،
ص: 156
وإن كان الضمير راجعاً إلى القائم، يعني لا يجوز ذكر هذا الإسم لئلّا يعرفوا المقصود بهذا الإسم، فهذا غير سديد أيضاً لوجهين :
الأول: أن المسمّين بمحمد كثيرون في كلّ زمان، فلو قال شيعيّ لشيعيّ آخر في مجلس الأعداء مثلاً : قال محمّد، أو رأيت محمّداً، وأراد به إمامه لم يعرف الأعداء من المراد عن الإسم، ولم يكن خوف ولا تقيّة كما لا يخفى.
الوجه الثاني: أنّ هذا لو كان هو السبب الحقيقي للتحريم لوجب النهي عن ذكره علیه السلام بالقابه المخصوصة به، كصاحب الغيبة، وصاحب الزمان، والحجّة من آل محمد، إذ لو قال شيعيّ لمثله في محفل الاعداء : رأيت صاحب الغيبة، أو الحجّة من آل محمّد لعرف الأعداء أنّ مراده الشخص الخاصّ، إذ لم يعهد تسمية أحد بهذه الاسماء حتّى يكون الذاكر لها في فسحة ومجال لأن يقول: أردت به احداً من الناس، بل لنهض العدوّ للفحص والتفتيش عن المسمّى بالإسم الخاصّ ، فيجب حمل الخبر على الحكمة أو حمله على نحو من التأويل.
فإن قلت: يمكن الجمع بين أدلّة الطرفين بوجه آخر، وهو حمل أخبار الحرمة على الكراهة، كما صنعه بعض المشايخ، وهذا الجمع كثير النظير في أبواب الفقه . قلت : إن هذا الجمع ليس مرضيا في هذا المقام، لوجوه:
الأوّل: أنّ أدلّة الحرمة كما عرفت آبية عن الحمل على الكراهة، وهذا واضح.
والثاني: أنّ الأمر دائر بين التخصيص والمجاز،
وقد تقرّر في محلّه أنّ التخصيص أولى منه .
والثالث: أنّ أدلّة الجواز لم يثبت بها إلّا الجواز في غير المجامع كما أوضحناه ، فكيف تقدّم على أدلّة الحرمة مطلقاً.
والرابع : أنّه مخالف للإجماع المنقول والشهرة المتقدّمة .
والخامس : أنّ حمل مثل هذه الأخبار على الكراهة إنّما يكون إذا كان دلیل
ص: 157
معتبر بخلافها، فلا بدّ من تقديمه على ظواهر أدلّة المنع، وأمّا ما نحن فيه فلا سبيل لصرف أدلّة المنع عن ظواهرها، إذ لاحجّة في قبالها، كما لا يخفى على من راعي الإنصاف وجانب الاعتساف، فقد اتّضح - بعون اللّه تعالى وبركة أوليائه سلام اللّه عليهم أجمعين - تماميّة ما ادّعيناه، والحمد للّه أوّلاً وآخراً.
تنبيهات:
الأوّل : قد ظهر من مطاوي ما ذكرنا الوجه في سائر الأقوال، والجواب عنها فلا نطيل الكتاب بالإعادة.
الثاني : لا ريب في أنّ الأولى والأحوط في غير المجامع أيضاً ذكره علیه السلام ، بألقابه الشريفة وترك التصريح باسمه المبارك المعهود خروجاً عن شبهة الخلاف ولما فيه من التعظيم والإحترام للإمام علیه السلام بل هو المعهود المتعارف في كلام الأئمّة وأتباعهم علیهم السلام .
الثالث : قد ظهر من بعض الروايات السابقة أنّ من جملة أسمائه الشريفة ،«أحمد»، فهل يحرم ذكره بهذا الإسم الشريف في المجامع أيضاً أم يختصّ المنع باسمه المعروف وهو محمّد؟ صرّح صاحب كفاية الموحّدين بعدم الفرق بينهما في الحرمة، ونسبه إلى المشهور، وفيه تأمّل، لانصراف الإسم إلى ما هو الشائع المعروف أعني محمداً، وكلام القائلين بالحرمة ليس نصّاً، ولا ظاهراً في حرمة تسميته بغير «م ح م د» من الاسماء ، بل لم أعرف أحداً منهم ذكر القول بمنع ذكر هذا الإسم أعني أحمداً ولو احتمالاً، لكن الإحتياط خير سبيل، واللّه تعالی خیر دليل.
الرابع : هل يلحق بالإسم الشريف كنيته المباركة الّتي هو كنية جدّه رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم موضوعاً، أو حكماً؟ الأحوط : نعم، والأقوى : العدم، لانصراف التسمية إلى غير اللقب والكنية، كما هو الظاهر من ملاحظة العرف العامّ الّذي هو مبنی موضوعات الأحكام.
ص: 158
وما في حديث الخضر أنّه قال: «لا يسمّى ولايكنّي» لا يكتفي بمجرّده في إثبات التكليف، لتطرّق الاحتمالات فيه، فأصل البراءة سالم عمّا ينافيه ،
وكذا الحال في الإجماع المنقول، فإنّه لا يكفي وحده عند الفحول، كما تبيّن في علم الأصول، ولذا خصّ مولانا المحقّق النوري قدّس اللّه تعالى نفسه، وطيّب رمسه، المنع بخصوص ذكر اسمه المبارك المعهود،
ومع ذلك كلّه فليس بناكب عن الصراط، من سلك سبيل الاحتياط ، والخروج عن شبهة الخلاف مطلوب في كلّ حال، واللّه الهادي إلى أصوب الأقوال.
الأمر الثالث:
من الأمور المتعلّقة به صلوات اللّه عليه من تكاليف العباد بالنسبة إليه ، محبّته بالخصوص، ولازم ذلك شدّة الإهتمام فيما هو مقتضى الحبّ بالنسبة إليه
إعلم أنّه لا ريب في وجوب محبّة جميع الأئمّة الطاهرين، سلام اللّه عليهم أجمعين، وأنّ حبّهم جزء الإيمان، وشرط قبول الأعمال، والأخبار في ذلك متواترة وقد مرّ بعض منها في الباب الأوّل من هذا الكتاب، وبعضها في الأمر الثاني من هذا الباب(1)، لكنّ في الإهتمام بمحبّة مولانا الحجّة علیه السلام خصوصيّة اقتضت الأمر به بالخصوص من وجهين :
الأوّل : العقل، بیانه : إنّ الطبائع مجبولة بحبّ من يحسن إليها، ومن يكون واسطة في الإحسان إليها .
1201- ولذلك ورد في الحديث عن تفسير الإمام : إنّ اللّه تعالى أوحي إلى موسى: حبّبني إلى خلقي، وحبّب خلقي إليَّ، قال : يا ربّ، كيف أفعل؟ قال : ذكّرهم آلائي ونعمائي ليحبّوني .(2)
ص: 159
1202- وفي حديث آخر في دار السلام، عن قصص الانبياء : بإسناده عن النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم قال : قال اللّه عزّ وجلّ لداود علیه السلام: أحببني، وحبّبني إلى خلقي، قال :
یا ربّ أنا أُحبّك، فكيف أُحبّبك إلى خلقك؟
قال : أُذكر أيادي عندهم، فإنّك إذا ذكرت ذلك لهم أحبّوني .(1)
1203- وفي مجالس الصدوق (رحمة اللّه علیه) : بإسناده عن ابن عبّاس قال :
قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم : أحبّوا اللّه لمايغذوكم به من نعمه، وأحبّوني لحبّ اللّه عزّ وجلّ، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي .(2)
وإذ قد عرفت ممّا قدّمنا في أبواب هذا الكتاب نبذاً من إحسان مولانا الحجّة علیه السلام إلينا، وحقوقه علينا، وأنّ جميع ما نتقلّب فيه من نعم اللّه المتكاثرة، وآلائه المتواترة، إنّما هو ببركة مولانا علیه السلام وبواسطته ،
فالعقل يحكم بحبّه، بل طبائعنا مجبولة على ذلك.
1204- الوجه الثاني : النقل، فقد روى السيّد المحدّث البحرانيّ (رحمة اللّه علیه) في غاية المرام عن النعماني : بإسناده عن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم قال : إنّ اللّه أوحى إلي ليلة أُسري بي : يا محمّد ، من خلّفت في الأرض على أمّتك؟ وهو أعلم بذلك، قلت : يا ربّ، أخي، قال : يا محمّد، عليّ بن أبي طالب؟ قلت: نعم يا ربّ، قال : يا محمّد، إنّي اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك منها، فلا أُذكر حتّى تذكر معي، أنا المحمود وأنت محمّد، ثمّ إنّي اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة أُخرى
فاخترت منها عليّ بن أبي طالب، فجعلته وصيّك، فأنت سيّد الأنبياء و عليّ سيّد الأوصياء، ثمّ شققت له إسماً من أسمائي، فأنا الأعلى وهو علىّ.
یا محمّد، إنّي خلقت عليّاً وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من نور واحد، ثمّ عرضت ولايتكم على الملائكة، فمن قبلها كان من المؤمنين، ومن
ص: 160
جحدها كان من الكافرين.
یا محمّد، لو أنّ عبداً من عبادي عبدني حتّى ينقطع، ثمّ يلقاني جاحداً لولايتكم أدخلته النار، ثمّ قال: يا محمّد أتحبّ أن تراهم؟ قلت: نعم، فقال : قم أمامك، فتقدّمت أمامي، فإذا عليّ بن أبي طالب، والحسن بن عليّ، والحسين بن عليّ، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، و موسی بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ، والحجّة القائم، كأنّه الكوكب الدرّي في وسطهم.
فقلت : يا ربّ، ومن هؤلاء؟
قال : هؤلاء الأئمّة، وهذا القائم يحلّ حلالي ويحرّم حرامي، وينتقم من أعدائي، يا محمّد أحبّه، فإنّي أحبّه، وأحبّ من يحبّه .(1)
أقول: إنّ هذا الحديث يدلّ على أنّ في حبّه علیه السلام خصوصيّة اقتضت الأمر به بالخصوص من اللّه تعالى مع أنّ حبّ جميع الأئمّة علیه السلام واجب،
والسرّ في ذلك أمور :
منها : أنّ حبّه ومعرفته لا تنفكّان عن حبّ سائر الأئمّة ومعرفتهم، ولا عكس فإذا عرفه وأحبّه الإنسان كمل فيه حقيقة الإيمان .
1205- ويشهد لهذا ما في تاسع البحار، عن الفضائل:
بالإسناد عن الرضا علیه السلام عن آبائه، عن عليّ علیه السلام عن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم - في حدیث ذكر فيه أسماء الأئمّة علیهم السلام إلى أن قال علیه السلام : ومَن أحبّ أن يلقى اللّه وقد كمل إيمانه، وحسن إسلامه، فليتولّ الحجّة ، صاحب الزمان، المنتظر، فهؤلاء مصابيح الدجى، وأئمّة الهدى، وأعلام التقى، من احبّهم وتولّاهم كنت ضامناً له على اللّه بالجنّة.(2)
ص: 161
ومنها : إنّ ظهور الدين وغلبة المسلمين على الكافرين يجري على يده ويتكمّل بظهوره كما مرّ في الباب الرابع،
وهذا أمر يوجب حبه بخصوصه عقلاً و شرعاً كما لا يخفى .
ومنها: ما ورد في بعض الروايات أنّه أفضل من سائر الأئمّة علیهم السلام، بعد أمير المؤمنين والسبطين علیهماالسلام :
1206- وهو ما رواه السيّد البحراني في غاية المرام في الباب الثالث والعشرين عن النعماني باسناده عن أبي عبداللّه عن آبائه علیهم السلام قال :
قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم : إنّ اللّه اختار من الايّام يوم الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر، واختار من الناس الأنبياء، واختار من الأنبياء الرسل، واختارني من الرسل، واختار منّي عليّاً، واختار من عليّ الحسن والحسين، واختار من الحسين الأوصياء ينفون من التنزيل تأويل القائلين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، تاسعهم باطنهم ظاهرهم، وهو أفضلهم .(1)
1207- ويؤيّده ما في البحار : عن الصادق علیه السلام أنّه سئل هل ولد القائم؟
قال علیه السلام : لا، ولو أدركته لخدمته أيّام حياتي .(2)
ومرّ في حرف النون قول الصادق علیه السلام في حديث عبّاد بن محمّد المدائني : دعوت لنور آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم و سابقهم.
ويأتي في فضل البكاء في فراقه علیه السلام ما يؤيّد ذلك أيضاً .(3)
1208- فإن قلت: ينافي ذلك ما روي في تاسع البحار، عن النعماني : بإسناده عن زيد الشحّام، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : أيّما أفضل، الحسن أم الحسين ؟ قال : إنّ فضل أوّلنا يلحق فضل آخرنا، وفضل آخرنا يلحق فضل أوّلنا،
ص: 162
فكلّ له فضل، قال : فقلت له :
جعلت فداك، وسّع عليَّ في الجواب، واللّه ما أسألك إلّا مرتاداً؟
فقال علیه السلام : نحن من شجرة برأنا اللّه من طينة واحدة، فضلنا من اللّه، وعلمنا من عند اللّه، ونحن أُمناء اللّه على خلقه، والدعاة إلى دينه، والحجّاب فيما بينه وبين خلقه، أزيدك یا زید؟ قلت: نعم، فقال علیه السلام :
خلقنا واحد، وعلمنا واحد، وفضلنا واحد، وكلّنا واحد عند اللّه عزّوجلّ.
فقلت : أخبرني بعدّتكم؟ فقال : نحن إثنا عشر، هكذا حول عرش ربّنا جلّ وعزّ في مبتدأ خلقنا، أوّلنا محمّد، وأوسطنا محمّد، وآخرنا محمّد .(1)
قلت: لا تنافي بين هذا الحديث وبين ما سبق، لانّ هذا في بيان اتّحاد طینتهم وكونهم مخلوقين من نور واحد، وأنّهم في العلم والفضل سواء، كما وردت به أخبار أُخر أيضاً، وهذا لا ينافي كون بعضهم أفضل من بعض، بملاحظة بعض الخصوصيّات، كما وردت روايات في أفضليّة مولانا أمير المؤمنين من سائر الأئمّة المعصومين علیهم السلام ومع ذلك كلّه فعلم هذا وأمثاله موكول إليهم، وليس علينا البحث عنه، واللّه تعالى العالم، وهو العاصم.
الأمر الرابع : تحبيبه إلى الناس
ويدلّ عليه جميع ما ذكرنا في الأمر الثالث، لدلالة العقل على أنّ من يحبّ ويحسن حبّه يرجّح تحبيبه، ويدلّ عليه أيضاً فحوى قوله تعالى في حديث موسی: حبّبني إلى خلقي، إلخ.
1209- ويدلّ عليه صریحاً ما روي في روضة الكافي : بإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : رحم اللّه عبداً حبّبنا إلى الناس، ولم يبغّضنا إليهم، أما واللّه
ص: 163
لو يروون محاسن كلامنا لكانوا به أعزّ، وما استطاع أحد أن يتعلّق عليهم بشيء ولكن أحدهم يسمع الكلمة فيحطّ إليها عشراً.(1)
1210- وفي مجالس الصدوق (رحمة اللّه علیه) : بإسناده عن الصادق علیه السلام قال: رحم اللّه عبداً اجترّ مودّة الناس إلينا، فحدّثهم بما يعرفون، وترك ما ينكرون .(2)
الأمر الخامس: إنتظار فرجه وظهوره صلوات اللّه عليه ،
والكلام فيه في مقامات :
أحدها: فضل ذلك، وثواب المنتظر، وانتظار الانبياء والائمّة لذلك ويكفي في ذلك صلوات سیّد الساجدين في دعاء عرفة على المنتظرين، ودعاؤه لهم بعد الدعاء لمولاهم صلوات اللّه عليه(3)،
ويدلّ على المقصود مضافاً إلى ذلك الروايات المتضافرة:
1211- ففي إكمال الدين : عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : من مات منكم على هذا الأمر منتظراً له كان كمن كان في فسطاط القائم علیه السلام .(4)
1212- وعن أبي الحسن الرضا علیه السلام قال : ما أحسن الصبر وانتظار الفرج!
أما سمعت قول اللّه عزّوجلّ (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ)(5)
(فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(6) فعليكم بالصبر، فإنّه إنما يجيء الفرج على اليأس، فقد كان الّذين من قبلكم أصبر منكم .(7)
ص: 164
1213- وفي بصائر الدرجات : بإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال :
خرج أمير المؤمنین علیه السلام بالناس يريد صفّين حتّى عبر الفرات، فكان قريباً من الجبل بصفيّن إذ حضرت صلاة المغرب، فأمعن بعيداً ثمّ توضّأ، وأذّن، فلمّا فرغ من الأذان، انفلق الجبل عن هامّة بيضاء بلحية بيضاء، ووجه أبيض، فقال :
السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته، مرحباً بوصيّ خاتم النبيّين، وقائد الغرّ المحجّلين، والاعزّ الماثور، والفاضل والفائق بثواب الصدّيقين، وسيّد الوصيّين، قال له:
وعليك السلام يا أخي شمعون بن حمون وصيّ عیسی بن مریم روح القدس، كيف حالك؟
قال : بخير، يرحمك اللّه، أنا منتظر روح اللّه ينزل فلا أعلم أحداً أعظم في اللّه بلاء ولا أحسن غداً ثواباً ولا أرفع مكاناً منك ، الخبر .(1)
أقول: وجه الإستشهاد بهذا الحديث، أنّه يدلّ على كون شمعون منتظراً لهذا الظهور المبارك الميمون، والتشبّه بأولياء اللّه والإقتداء بهم أمر محبوب عند اللّه عزّ وجلّ ، مضافاً إلى سائر ما ورد في فضيلة الإنتظار .
1214- وفي كمال الدين : عن أبي عبداللّه، عن آبائه علیهم السلام عن أمير المؤمنين علیه السلام قال : المنتظر لامرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه .(2)
1215- وعن الصادق أيضاً قال :
طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته، والمطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء اللّه الّذين لاخوف عليهم ولا هم لا يحزنون .(3)
ص: 165
1216- وعن سيّد العابدین علیه السلام قال : إنتظار الفرج من أعظم الفرج .(1)
1217- وعن أبي خالد الكابليّ قال : دخلت على سيّدي عليّ بن الحسين زین العابدین علیه السلام فقلت له: يا بن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم، أخبرني بالّذين فرض اللّه عزّ وجلّ طاعتهم ومودّتهم، وأوجب على عباده الإقتداء بهم بعد رسول اللّه .
فقال لي : یا كنكر، إنّ أُولي الأمر الّذين جعلهم اللّه عزّ وجلّ أئمّة للناس، وأوجب عليهم طاعتهم، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، إبنا عليّ بن أبي طالب، ثمّ انتهى الأمر إلينا، ثمّ سكت .
فقلت : يا سيّدي روي لنا عن أمير المؤمنين علیه السلام : أنّ الأرض لا تخلو من حجّة للّه جلّ وعزّ على عباده ، فمن الحجّة والإمام بعدك؟ فقال علیه السلام:
إبني محمّد، واسمه في التوراة «باقر»، يبقر العلم بقراً، هو الحجّة والإمام بعدي، ومن بعد محمّد ابنه جعفر، واسمه عند أهل السماء «الصادق».
فقلت له : يا سيّدي، فكيف صار اسمه «الصادق» وكلّكم صادقون؟
فقال : حدّثني أبي ، عن أبيه علیه السلام ، أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم قال : إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام فسمّوه «الصادق»، فإنّ للخامس من ولده ولداً اسمه جعفر، يدّعي الإمامة اجتراءً على اللّه عزّ وجلّ وكذباً عليه، فهو عند اللّه جعفر الكذّاب، المفتري على اللّه عزّ وجلّ، والمدّعي لما ليس له بأهل، المخالف على أبيه ، والحاسد لاخيه،
ذلك الّذي يروم كشف ستر اللّه عند غيبة وليّ اللّه عزّوجلّ.
ثمّ بكى عليّ بن الحسين علیهماالسلام بكاءً شديداً، ثمّ قال : كأنّي بجعفر الكذّاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر وليّ اللّه، والمغيّب في حفظ اللّه ، والتوكيل بحرم أبيه جهلاً منه بولادته، وحرصاً منه على قتله إن ظفر به، طمعاً في ميراثه حتّى يأخذه بغير حقّه.
ص: 166
قال أبو خالد: فقلت له: يا بن رسول اللّه، وإنّ ذلك لكائن،
فقال : إي وربّي، إنّ ذلك لمكتوب عندنا في الصحيفة الّتي فيها ذكر المحن الّتي تجري علينا بعد رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم.
قال أبو خالد : فقلت : يا بن رسول اللّه، ثمّ يكون ماذا؟
قال علیه السلام : ثمّ تمتدّ الغيبة بوليّ اللّه عزّ وجلّ، الثاني عشر من أوصياء رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، والأئمّة بعده.
يا أبا خالد، إنّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان، لأنّ اللّه تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والافهام والمعرفة ماصارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم بالسيف، أولئك المخلصون حقّاً وشيعتنا صدقاً ، والدعاة إلى دين اللّه عزّ وجلّ سرّاً وجهراً .(1)
1218- وفي كتاب الغيبة للشيخ الطوسي (رحمة اللّه علیه) عن كتاب الغيبة لفضل بن شاذان (رحمة اللّه علیه): بإسناده عن المفضّل بن عمر قال :
ذكرنا القائم علیه السلام ، ومن مات من أصحابنا ينتظره، فقال لنا أبو عبداللّه :
إذا قام أتي المؤمن في قبره، فيقال له: يا هذا إنّه قد ظهر صاحبك، فإن تشأ أن تلحق به فالحق، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربّك فأقم.(2)
1219- وفي كمال الدين بإسناده عن الصقر بن أبي دلف، قال :
سمعت أباجعفر محمّد بن عليّ الرضا علیه السلام يقول : إنّ الإمام بعدي إبني عليّ، أمره أمري وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه ، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه ، ثمّ سكت.
فقلت له : يا بن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم فمن الإمام بعد الحسن، فبكى علیه السلام بكاءً شديداً
ص: 167
ثمّ قال : إنّ من بعد الحسن إبنه القائم بالحقّ المنتظر .
فقلت له : يا بن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ولم سمّي القائم؟
قال : لانّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته .
فقلت له : ولم سمّي المنتظر؟ قال : لأنّ له غيبة تكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذّب فيه الوقّاتون، ويهلك فيه المستعجلون، وينجو فيه المسلّمون .(1)
1220- وعن عليّ بن مهزیار، قال :
كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر علیه السلام أسأله عن الفرج،
فكتب إليَّ: إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين فتوقَّعوا الفرج .(2)
1221- وفي أُصول الكافي : عن أبي بصير، قال:
قلت لأبي عبداللّه علیه السلام جعلت فداك، متى الفرج؟ فقال : يا أبا بصير، وأنت ممّن يريد الدنيا، من عرف هذا الأمر فقد فرّج عنه لانتظاره .(3)
أقول: الظاهر أنّه لمّا كان المقصود من الفرج النصرة للإمام، والجهاد بين يديه، بيّن علیه السلام أنّ هذا المقصد حاصل للشيعة بانتظارهم للفرج، ونبّه على أنّ الحقیق عليهم أن يكون غرضهم من الإنتظار هذا المقصد الاسنی، لا الأصول من الشهوات النفسانيّة، واللذّات الجسمانيّة، كما هو دأب الأكثرين.
وسياتي ما يؤيّد ذلك في المقام الرابع.
1222- وفي البحار: عن أمير المؤمنين علیه السلام قال : إنتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح اللّه، فإنّ أحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ وجلّ انتظار الفرج .(4)
ص: 168
1223- وعنه علیه السلام قال : الآخذ بأمرنا معنا غداً في حظيرة القدس،
والمنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه .(1)
1224. و عن الفيض بن المختار، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :
من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن هو مع القائم في فسطاطه،
قال : ثمّ مكث هنيئة ، ثمّ قال : لا بل كمن قارع معه بسيفه ،
ثمّ قال علیه السلام: لا واللّه كمن استشهد مع رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم .(2)
1225- وعن أبي عبداللّه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين علیه السلام ، قال :
أفضل عبادة المؤمن إنتظار فرج اللّه .(3)
1226- وفي الكافي: بسند صحيح عن عبداللّه بن المغيرة، قال :
قال محمّد بن عبداللّه للرضا علیه السلام وأنا أسمع : حدّثني أبي، عن أهل بيته ، عن آبائه علیهم السلام، أنّه قيل لبعضهم : إنّ في بلادنا موضع رباط يقال له : قزوین، وعدوّاً يقال له : الديلم، فهل من جهاد أو هل من رباط؟
فقال علیه السلام: عليكم بهذا البيت فحجّوه . فأعاد عليه الحديث،
فقال علیه السلام : عليكم بهذا البيت فحجّوه، أما يرضى أحدكم أن يكون في بيته ، ينفق على عياله من طوله ينتظر أمرنا، فإن أدركه كان كمن شهد مع رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم بدراً، وإن مات منتظراً لأمرنا كان كمن كان مع قائمنا علیه السلام هكذا في فسطاطه - وجمع بين السبّابتين - ولا أقول هكذا - وجمع بين السبّابة والوسطى - فإنّ هذه أطول من هذه، فقال أبو الحسن علیه السلام: صدق .(4)
أقول: لا تنافي هذه الرواية ما ورد في الأخبار من استحباب المرابطة حتّى في زمان الغيبة، فإنّ الظاهر أنّ غرض السائل الفوز بثواب الرباط والجهاد،
ص: 169
فدلّه علیه السلام على الحجّ والإنتظار، فيحصل له ثواب الجهاد والرباط والحجّ، جميعاً، وأمّا الرباط فلا يدرك به ثواب الحجّ.
ويؤيّد ما ذكرناه أنّه علیه السلام قال : عليكم بهذا البيت، إلخ، ولم يقل :
لا ترابطوا، أو لا يجوز، أو لا يحلّ، ونحوها، واللّه العالم(1).
1227- وفي تفسير النعمانيّ (رحمة اللّه علیه): عن أمير المؤمنين علیه السلام قال :
قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم : يا أبا الحسن، حقيق على اللّه أن يدخل أهل الضلال الجنّة، وإنّما عنى بهذا المؤمنين الّذين قاموا في زمن الفتنة على الائتمام بالإمام، الخفيّ المكان، المستور عن الأعيان، فهم بإمامته مقرّون، وبعروته مستمسكون، ولخروجه منتظرون، موقنون، غیر شاكّین، صابرون مسلّمون، وإنّما ضلّوا عن مكان إمامهم وعن معرفة شخصه.
يدلّ على ذلك أن اللّه تعالى إذا حجب عن عباده عين الشمس الّتي جعلها دليلاً على أوقات الصلاة، فموسّع عليهم تأخير الموقّت، ليتبيّن لهم الوقت بظهورها، ويستيقنوا أنّها قد زالت، فكذلك المنتظر لخروج الإمام، المتمسّك بإمامته موسّع عليه جميع فرائض اللّه الواجبة عليه، مقبولة منه بحدودها، غير خارج عن معنی ما فرض عليه ، فهو صاير محتسب، لا تضرّه غيبة إمامه .(2)
1228- وفي كمال الدين : عن محمّد بن النعمان، قال :
قال لي أبو عبداللّه علیه السلام : أقرب ما يكون العبد إلى اللّه عزّ وجلّ، وأرضى ما يكون عنه ، إذا افتقدوا حجّة اللّه، فلم يظهر لهم، وحجب عنهم فلم يعلموا بمكانه، وهم في ذلك يعلمون أنّه لا تبطل حجج اللّه ولا بيّناته،
فعندها فليتوقّعوا الفرج صباحاً ومساءً، فإنّ أشدّ ما يكون غضباً على أعدائه إذا أفقدهم حجّته فلم يظهر لهم، وقد علم أنّ أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنّهم يرتابون ما أفقدهم حجّته طرفة عين .(3)
ص: 170
1229- و عنه علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)(1) ، فقال : المتّقون شيعة عليّ علیه السلام ، والغيب هو الحجّة الغائب، وشاهد ذلك قول اللّه عزّ وجلّ : (وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(2).(3)
1230- وفي أصول الكافي: بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام قال : ما ضرّ من مات منتظراً لأمرنا أن لا يموت في وسط فسطاط المهديّ وعسكره .(4)
1231- وفي رواية عمّار الساباطيّ الآتية إن شاء اللّه تعالى ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : أما واللّه يا عمّار لا يموت منكم ميّت على الحال الّتي أنتم عليها إلّا كان أفضل عند اللّه من كثير من شهداء بدر وأُحد، فابشروا .(5)
1232- وفيه : عن أبي جعفر علیه السلام - في حديث - قال :
واعلموا أنّ المنتظر لهذا الأمر له مثل أجر الصائم القائم، ومن أدرك قائمنا فخرج معه ، فقتل عدوّنا كان له مثل أجر عشرين شهيداً، ومن قتل مع قائمنا كان له مثل أجر خمسة وعشرين شهيداً .(6)
1233- وفي مجمع البيان : عن الحارث بن المغيرة، قال :
كنّا عند أبي جعفر علیه السلام ، فقال : العارف منكم هذا الأمر، المنتظر له، المحتسب فيه الخير ، كمن جاهد واللّه مع قائم آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم بسيفه،
ثمّ قال : بل واللّه كمن جاهد مع رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم بسيفه،
ثمّ قال الثالثة : بل واللّه كمن استشهد مع رسول اللّه في فسطاطه .(7)
ص: 171
1234- وفي تفسير البرهان : عن الحسن بن أبي حمزة، عن أبيه قال: قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : جعلت فداك ، قد كبر سنّي، ودقّ عظمي، واقترب أجلي، وقد خفت أن يدركني قبل هذا الأمر الموت؟ قال : فقال لي:
يا أبا حمزة، من آمن بنا، وصدّق حديثنا، وانتظر أمرنا، كان كمن قتل تحت راية القائم، بل واللّه تحت راية رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم.(1)
1235- وفي كمال الدين : عن المفضّل بن عمر قال :
سمعت الصادق علیه السلام يقول: من مات منتظراً لهذا الأمر كان كمن كان مع القائم في فسطاطه، لا بل كان كالضارب بين يدي رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم بالسيف.(2)
1236- وفي البرهان : بإسناده عن مسعدة قال :
كنت عند الصادق علیه السلام إذ أتاه شيخ كبير قد انحنی، متّكئاً على عصاه، فسلّم فردّ عليه أبو عبداللّه علیه السلام الجواب .
ثمّ قال : يا بن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ناولني يدك لأُقبّلها، فأعطاه، فقبّلها ثمّ بكی، ثمّ قال أبو عبداللّه : ما يبكيك يا شيخ؟ فقال : جعلت فداك أقمت على قائمكم منذ مائة سنة، أقول: هذا الشهر، وهذه السنة، وقد كبر سنّي، ورقّ جلدي، ودقّ عظمي، واقترب أجلي، ولا أرى فيكم ما أحبّ، أراكم مقتولین مشرّدين، وأری أعداءكم يطيرون بالاجنحة، وكيف لا أبكي؟!
فدمعت عينا أبي عبداللّه علیه السلام ، ثمّ قال: يا شيخ إن أبقاك اللّه حتّى تری قائمنا، كنت في السنام الأعلى، وإن حلّت بك المنّية جئت يوم القيامة مع ثقل محمد صلی اللّه علیه وآله وسلم، ونحن ثقله،
فقال صلی اللّه علیه وآله وسلم : إنّي مخلف فيكم الثقلين، فتمسّكوا بهما لن تضلّوا: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، فقال الشيخ: لا أُبالي بعدما سمعت هذا الخبر .
ص: 172
ثمّ قال علیه السلام : يا شيخ! إعلم أنّ قائمنا يخرج من صلب الحسن العسكري، والحسن يخرج من صلب عليّ، وعليّ يخرج من صلب محمّد، ومحمّد يخرج من صلب عليّ، وعليّ يخرج من صلب موسى إبني هذا - وأشار إلى ابنه موسی - وهذا خرج من صلبي، نحن إثنا عشر كلّنا معصومون مطهّرون، الخبر .(1)
1237- وفي روضة الكافي : بإسناده عن إسحاق بن عمّار قال : حدّثني رجل من أصحابنا، عن الحكم بن عتيبة ، قال : بينا أنا مع أبي جعفر علیه السلام والبيت غاصّ بأهله إذ أقبل شيخ يتوكّا على عنزة (2) له، حتّى وقف على باب البيت،
فقال : السلام عليك يا بن رسول اللّه ورحمة وبركاته، ثمّ سكت،
فقال أبو جعفر علیه السلام : وعليك السلام ورحمة اللّه وبركاته،
ثمّ أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت، وقال : السلام علیكم، ثمّ سكت حتّى أجابه القوم جميعاً، وردّوا علیه السلام.
ثمّ أقبل بوجهه على أبي جعفر علیه السلام ، ثمّ قال : يا بن رسول اللّه، أُدنني منك جعلني اللّه فداك ، فواللّه إنّي لأُحبّكم وأحبّ من يحبّكم، فواللّه ما أحبّكم وأحبّ من يحبّكم لطمع في دنيا، وإنّي لأبغض عدوّكم وأبرأ منه، وواللّه ما أبغضه وابرأ منه لوتر كان بيني وبينه، واللّه إني لأُحلّ حلالكم، وأُحرّم حرامكم، وأنتظر أمركم، فهل ترجو لي جعلني اللّه فداك .
فقال أبو جعفر علیه السلام : إليَّ، إليَّ، حتّى أقعده إلى جنبه، ثمّ قال : أيّها الشيخ، إنّ أبي عليّ بن الحسين علیهماالسلام أتاه رجل فسأله عن مثل الّذي سألتني عنه،
فقال له أبي علیه السلام : إن تمت ترد على رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وعلى عليّ، والحسن والحسين، وعليّ بن الحسين، ويثلج قلبك، ويبرد فؤادك، وتقرّ عينك ، وتستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين، لو قد بلغت نفسك هاهنا - وأهوى. بیده إلى حلقه - وإن تعش ترى ما يقرّ اللّه به عينك، وتكون معنا في السنام الأعلى .
ص: 173
قال الشيخ: كيف قلت يا أبا جعفر؟ فأعاد عليه الكلام،
فقال الشيخ: اللّه أكبر يا أباجعفر، إن أنا متّ أرد على رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وعلى عليّ، والحسن، والحسين وعليّ بن الحسين، وتقرّ عيني، ويثلج قلبي، ویبرد فؤادي، وأُستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسي إلى هاهنا، وإن أعشّ أرى ما يقرّ اللّه به عيني، فأكون معكم في السنام الأعلى .
ثمّ أقبل الشيخ ينتحب، وينشج ها ها ها، حتّى لصق بالأرض، وأقبل أهل البيت ينتحبون وینشجون لما يرون من حال الشيخ،
وأقبل أبو جعفر علیه السلام يمسح بإصبعه الدموع من حماليق عينيه (1) وينفضها .
ثمّ رفع الشيخ رأسه فقال لأبي جعفر علیه السلام : يا بن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ناولني يدك جعلني اللّه فداك، فناوله يده فقّبلها، ووضعها على عينيه وخدّه ، ثمّ حسر عن بطنه وصدره، فوضع يده على بطنه وصدره.
ثمّ قام فقال : السلام عليكم، وأقبل أبو جعفر علیه السلام ينظر في قفاه وهو مدبر ثمّ أقبل بوجهه على القوم، فقال : من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا، فقال الحكم بن عتيبة : لم أر مأتماً قطّ يشبه ذلك المجلس .(2)
المقام الثاني : في وجوب انتظار القائم علیه السلام على كلّ أحد:
1238- ويدلّ على ذلك، مضافاً إلى بعض ما مرّ، ما رواه ثقة الإسلام الكليني (رحمة اللّه علیه) في أصول الكافي : بإسناده عن إسماعيل الجعفي، قال :
دخل رجل على أبي جعفر علیه السلام ومعه صحيفة، فقال له أبو جعفر علیه السلام :
هذه صحيفة مخاصم سأل عن الدين الذي يقبل فيه العمل، فقال : رحمك اللّه، هذا الّذي أُريد، فقال أبو جعفر علیه السلام : شهادة أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وتقرّ بما جاء من عند اللّه، والولاية لنا أهل
ص: 174
البيت، والبراءة من عدّونا، والتسليم لأمرنا، والورع، والتواضع وانتظار قائمنا، فإنّ لنا دولة، إذا شاء اللّه جاء بها .(1)
1239- وفيه : عن أبي الجارود، قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : يا بن رسول اللّه هل تعرف مودّتي لكم، وانقطاعي إليكم، وموالاتي إيّاكم؟ قال : فقال : نعم، قال: فقلت: فانّي أسألك مسألة تجيبني فيها، فإنّي مكفوف البصر، قليل المشي، ولا أستطيع زيارتكم كلّ حين، قال : هات حاجتك ، قلت : أخبرني بدينك الذي تدين اللّه عزّ وجلّ به أنت وأهل بيتك لادين اللّه عزّ وجلّ به .
قال علیه السلام : إن كنت أقصرت الخطبة فقد أعظمت المسألة ، واللّه لأعطينّك دینی ودين آبائي الّذي ندين اللّه عزّ وجلّ به : شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمّداً رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، والإقرار بما جاء به من عند اللّه، والولاية لوليّنا، والبراءة من عدوّنا، والتسليم لأمرنا، وانتظار قائمنا، والإجتهاد والورع.(2)
1240- وفي النعماني : بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، أنّه قال ذات يوم : ألا أخبركم بما لا يقبل اللّه عزّ وجلّ من العباد عملاً إلّا به؟
فقلت: بلى، فقال : شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمّداً عبده، والإقرار بما أمر اللّه، والولاية لنا، والبراءة من أعدائنا - يعني الائمّة خاصّة - والتسليم لهم، والورع، والإجتهاد، والطمأنينة، والإنتظار للقائم علیه السلام .
ثمّ قال علیه السلام: إنّ لنا دولة يجيء اللّه بها إذا شاء، ثمّ قال :
من سرّه أن يكون من أصحاب القائم، فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدّوا وانتظروا هنيئاً لكم أيّتها العصابة المرحومة .(3)
ص: 175
أقول: قوله: «يعني الائمّة خاصّة» يحتمل أن يكون من كلام الإمام علیه السلام ويحتمل أن يكون من أبي بصير، ولمّا كان المراد بالولاية جعل الإمام وليّاً له في أُموره، مفروضاً عليه اتّباعه، في وروده و صدوره، بيّن أنّ من تجب ولايته هو الّذي خصّه اللّه عزّ وجلّ بالعصمة والإمامة، لا كلّ من ينتمي برسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم وينتسب إليه، وتجب المعاداة لمعاند الإمام سواء كان المعاند من ذرّيّة النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم أم غيرهم.
1241- وممّا يدلّ على وجوب الإنتظار، ما رواه الشيخ الصدوق (رحمة اللّه علیه) في كمال الدين : بإسناده عن عبدالعظیم الحسني ، قال :
دخلت على سيّدي محمّد بن عليّ بن موسی بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام ، وأنا أُريد أن أسأله عن القائم، هو المهديّ أو غيره، فابتدأني فقال لي: يا أبا القاسم، إنّ القائم منّا هو المهديّ الّذي يجب أن ينتظر في غيبته ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي .(1)
1442- وفيه : بسندين صحيحين عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال :
أقرب ما يكون العباد من اللّه عزّ وجلّ، وأرضي ما يكون عنهم إذا فقدوا حجّة اللّه ، فلم يظهر لهم ولم يعلموا بمكانه، وهم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حجج اللّه عزّ وجلّ ولا بيّناته ، فعندها فتوقّعوا الفرج صباحاً ومساءً،
وإنّ أشدّ مایكون غضب اللّه على أعدائه إذا افتقدوا حجّته ، فلم يظهر لهم، وقد علم أنّ أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنّهم يرتابون ما غيّب عنهم حجّته طرفة عين، ولا يكون ذلك إلّا على رأس شرار الناس .(2)
المقام الثالث : في معنى الإنتظار المأمور به في تلك الأخبار :
وهو كيفيّة نفسانيّة، ينبعث منها التهيّؤ لما تنتظره، وضدّه اليأس، فكلّما كان
ص: 176
الإنتظار أشدّ كان التهيّؤ آكد، ألا ترى أنّه إذا كان لك مسافر تتوقّع قدومه إزداد تهيؤك لقدومه كلّما قرب حينه، بل ربّما تبدّل رقادك بالسهاد لشدّة الإنتظار، وكما تتفاوت مراتب الإنتظار من هذه الجهة، كذلك تتفاوت مراتبه من حيث حبّك لمن تنتظره، فكلّما اشتدّ الحبّ ازداد التهيّؤ للحبيب، وأوجع فراقه، بحيث يغفل المنتظر عن جميع ما يتعلّق بحفظ نفسه، ولا يشعر بما يصيبه من الآلام الموجعة والشدائد المفظعة.
فالمؤمن المنتظر لقدوم مولاه كلّما اشتدّ انتظاره ازداد جهده في التهيّؤ لذلك بالورع والإجتهاد، وتهذیب نفسه عن الأخلاق الرذيلة، واقتناء الأخلاق الحميدة حتّى يفوز بزيارة مولاه ومشاهدة جماله في زمن غيبته، كما اتّفق ذلك لجمع كثیر من الصالحين الأخبار، ولذلك أمر الأئمّة الطاهرون علیهم السلام فيما سمعت من الروايات وغيرها بتهذيب الصفات، وملازمة الطاعات.
بل رواية أبي بصير السابقة مشعرة أو دالّة على توقّف الفوز بذلك الأجر على العمل بالورع ومحاسن الأخلاق، حيث قال علیه السلام: من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل من أدركه، إلخ. ولا ريب أنّه كلّما اشتد الإنتظار ازداد صاحبه مقاماً وثواباً عند اللّه عزّ وجلّ، جعلنا اللّه تعالی من المخلصين المنتظرين لمولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه .
المقام الرابع : هل يعتبر في الإنتظار قصد القرية أم لا؟
وتوضيح الحال في المقال موقوف على مقدّمتين:
الأولى: في بيان ما يعتبر فيه النيّة
فنقول: إنّ الأوامر الصادرة من الشارع على ثلاثة أقسام: أحدها :
ما علم انحصار المصلحة فيها في الإتيان بها على وجه التعبّد كالصلاة .
وثانيها : ما علم عدم انحصار المصلحة فيها في الإتيان بها على وجه التعبّد، بل المقصود حصول المأمور به على أيّ وجه اتّفق،
ص: 177
1243- كقوله علیه السلام : اغسل ثوبك من أبوال ما لايؤكل لحمه(1)
إذ نعلم أنّ الغرض انغسال الثوب فقط من دون نظر إلى قصد الغاسل .
وثالثها : ما لم يعلم انحصار المصلحة فيها في الإتيان بها على وجه التعبّد، كزيارة المؤمن، ونحوها.
ولاريب في اعتبار النيّة في القسم الأوّل، لو أخلّ بها لم يسقط عنه التكليف كما أنّه لا ريب في عدم اعتبارها في القسم الثاني،
وأمّا القسم الثالث فإن أتي المكلّف بها بقصد التعبّد استحقّ الثواب، وإن أتى بها من دون قصد التعبّد لم يستوجب الثواب، ولم يستوجب العقاب،
والفرق بين هذا وبين المباحات الّتي يترتب عليها الثواب إذا صدر من المكلّف بقصد الطاعة، أنّ هذا تعلّق به الأمر رأساً، والمباحات الّتي يترتّب عليها الثواب لا يتعلّق بها الأمر رأساً، لأنّ المفروض كونها مباحة، بل يتعلّق بها الأمر لكونها وصلة إلى أمر راجح في الشرع.
المقدّمة الثانية : في بيان المراد من قصد القرية المعتبر في العبادات
فنقول: المراد منها الإتيان بالمأمور به بقصد الإطاعة للّه جلّ شأنه، وامتثال أمره عزّ اسمه ، سواء كان الداعي له إلى قصد الإطاعة أنّه وجده أهلاً لذلك، أم كان الداعي حبّه للّه ، أو الشكر له، أو التقرّب إليه ، أو رجاء الثواب، أو خوف العقاب درجات بعضها فوق بعض، و(كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)(2) ، والدليل على اعتبار النيّة على النحو المذكور في العبادات مذكور في كتب الفقه من الإجماع ، والآيات كقوله تعالى : (لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(3) وغيرها.
1244- والأحاديث منها الصحيح المروي في أصول الكافي : عن سيّد العابدین علیه السلام قال : لأعمل إلّا بنيّة .(4)
ص: 178
1245- ومنها : ماروي في الوسائل: بإسناده عن موسی بن جعفر ، عن آبائه علیهم السلام عن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم في حديث قال : إنّما الأعمال بالنّيات، ولكلّ امرئٍ ما نوى، فمن غزی ابتغاء ما عند اللّه فقد وقع أجره على اللّه عزّوجلّ، ومن غزی يرید عرض الدنيا أو نوی عقالاً، لم يكن له إلّا ما نوى .(1)
1246- وفيه: عن الصادق علیه السلام : قال اللّه عزّ وجلّ: أنا خير شريك، من أشرك معي غيري في عمل لم أقبله، إلّا ما كان لي خالصاً،
إلى غير ذلك من الأحاديث المدوّنة في كتب علمائنا رحمهم اللّه .(2)
إذا عرفت ما ذكرنا، فاعلم أنّ الأقرب كون الإنتظار المأمور به في الأخبار من القسم الثالث، فحينئذ يتصوّر فيه أقسام :
الأوّل: أن يكون غرض المنتظر إطاعة أمر اللّه، سواء كان الباعث له على الإطاعة رجاء الثواب الموعود أم لا.
الثاني : أن يكون الباعث له على الإنتظار إطاعة الأمر، والفوز بالثواب الدنيوي، أو الأخروي، ويكون قصد الثواب تبعاً، وقصد الإطاعة مستقلاً،
وهذان القسمان يوجبان الفوز بجميع ما ورد في الروايات من المثوبات والعطيّات، وينبغي للمؤمن أن يختار القسم الأوّل،
بل يختار أعلى أصنافه الّتي أشرنا إليها.
والقسم الثالث : أن يكون الإنتظار بقصد الفوز بالمثوبات، والمواهب الأخرويّة أو الدنيويّة، لعلمه باجتماع لوازم التعيّش، وطول العمر، وسعة الرزق وازدياد النعم وانكشاف الهمّ والغمّ والالم، في زمان ظهور مولانا صلوات اللّه عليه بحيث لايريد بانتظاره سوى ذلك،
ولا يكون له نظر إلّا الإطاعة لأمر اللّه.
ص: 179
القسم الرابع: عكس القسم الثاني، والظاهر أنّه لا يستحقّ الثواب الموعود في الروايات - في هذين القسمين - لأنّ استحقاق الثواب بالعبادة موقوف على قصد الإطاعة، كما سمعت في صريح الرواية .
والمفروض أنّه لم يأت بالمأمور به تعبّداً، فليس انتظاره عبادة، وكما لا يستحقّ الثواب ، كذلك لا يستحقّ العقاب أيضاً، لأنّا لم نعلم إنحصار المصلحة فيه في الإتيان به بقصد التعبّد فقط، بل الظاهر من الممارسة في أخبار المقام أنّ الغرض أن لا ييأس المؤمن من ظهور الإمام عليه الصلاة والسلام.
ولذلك قال أمير المؤمنین علیه السلام في الحديث الّذي قدّمناه في المقام الأوّل :
انتظروا الفرج، ولاتيأسوا من روح اللّه ... إلخ،
فإنّ الظاهر أنّ قوله : لا تيأسوا، بیان لأوّل درجات الإنتظار،
ويومئ إلى ذلك أيضاً كلام مولانا الصادق علیه السلام في رواية أبي بصير السابقة : يا أبا بصير، وأنت ممّن يريد الدنيا ... إلخ (1)، معترضاً عليه بهذا القول، يعني إنّ الحقيقة على مثلك أن يكون منصرفاً عن إرادة النيل باللذات الدنيويّة بانتظار الفرج، وهذا البيان يدلّ على ما ذكرنا من عدم استحقاق العقاب لو كان همّه مقصوراً على نيل الثواب ، ونظير ذلك كثير في الأعمال، كزيارة المؤمن، وعيادة المريض، وتشييع الجنائز، وقضاء حوائج الإخوان وغيرها، إذ لم يقل أحد بأنّ المؤمن إذا قضى حاجة لاخيه المؤمن لم يقصد بذلك التعبّد يستوجب عقاباً بهذا العمل، نعم، استحقاق الثواب في هذا ونحوه موقوف على قصد التعبّد، كما نبّهنا عليه ، فتدبّر .
فإن قلت : يمكن القول بوجوب قصد التقرّب في الإنتظار وحرمة خلافه ،
1247- نظراً إلى الحديث المرويّ في تحف العقول عن المفضّل بن عمر (رحمة اللّه علیه) عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : إفترق الناس فينا على ثلاث فرق:
ص: 180
فرقة احبّونا انتظار قائمنا ليصيبوا من دنيانا، فقالوا، وحفظوا كلامنا، وقصّروا عن فعلنا فسيحشرهم اللّه إلى النار، الخبر . (1)
قلت : هذه صفة المنافقين، الّذين أظهروا حبّ أهل البيت بألسنتهم، وتأبی قلوبهم، وما ذكرناه ظاهر من قوله علیه السلام : فقالوا إلى آخره، فالمقصود واللّه العالم، أنّ هؤلاء المنافقين أظهروا حبّنا بألسنتهم، ليصيبوا أغراضهم الدنيّة الدنيويّة إذا ظهر القائم بالسيف من أهل البيت، وفعلهم مخالف لقولهم، وهذا دلیل نفاقهم، ومصيرهم إلى النار.
1248- وهم الّذين ورد في بعض الروايات، أنّ القائم عجّل اللّه تعالی فرجه يأمر بضرب أعناقهم حال كونهم واقفين عنده، واللّه العالم.
المقام الخامس: في بيان حكم ضدّ الإنتظار وهو اليأس،
فنقول: إنّه يتصوّر على أقسام :
الأوّل: اليأس من أصل ظهور القائم بالكليّة، ولا شبهة في حرمة ذلك اتّفاقاً، لأنّ ظهور القائم وقيامه من ضروریّات مذهب الإماميّة بأجمعهم، بل يحتمل أن يكون أصل ظهور القائم من ضروریّات دین الإسلام،
لأنّ الأحاديث فيه متواترة عن خير الأنام من طرق الخاصّ والعامّ، بل اعتراف علمائهم بهذا المرام، وإنّما الخلاف في تعيين شخصه ووجوده فعلاً، في قبال العامّة القائلين بأنّه سيوجد، فإنكاره بالكليّة تكذيب للنبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم
ويشهد لما ذكرنا ما حكاه المجلسيّ (رحمة اللّه علیه) عن ابن أبي الحديد الّذي هو من أعيان علماء العامّة، أنّه قال : قد وقع اتّفاق الفرق من المسلمين على أنّ الدنيا والتكليف لا ينقضي إلّا على المهديّ، إنتهی .(2)
القسم الثاني: اليأس من ظهور القائم علیه السلام في مدّة معيّنة بحسب الحدسیّات
ص: 181
والوهميّات، بأن يقال مثلاً: إنّ القائم صلوات اللّه عليه لايظهر إلى خمسين سنة، ولازم ذلك عدم الانتظار في تلك المدّة، والظاهر من ملاحظة الأحاديث الآمرة بالإنتظار في كلّ صباح ومساء حرمة هذا القسم من اليأس،
لظهور الأمر في الوجوب، وترك الواحب محرّم قطعاً.
وأمّا الأحاديث الدالّة على المطلوب فقد مرّ جملة منها.
ومنها : رواية حمّاد بن عثمان المرويّة في الإقبال، عن الصادق علیه السلام قال :
وتوقّع أمر صاحبك ليلك ونهارك، فإنّ اللّه كلّ يوم في شأن، لا يشغله شأن عن شان، الخبر (1) وقد مرّ في الباب السادس(2).
1249- ومنها أيضاً : ما في البحار في حديث عن المفضّل، عن الصادق علیه السلام قال : أقرب ما يكون العباد إلى اللّه عزّ وجلّ، وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجّة اللّه فلم يظهر لهم، ولم يعلموا بمكانه، وهم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حجّة اللّه ، فعندها فتوقّعوا الفرج كلّ صباح ومساء، الخبر .(3)
1250- ومنها : ماروي فيه أيضاً عن القمّيّ - في حديث - رواه عن أبيه، عن محمّد بن الفضيل، عن أبيه، عن أبي جعفر علیه السلام، إلى أن قال :
قلت : جعلت فداك، فمتى يكون ذلك؟
قال : أما إنّه لم يوقّت لنا فيه وقت، ولكن إذا حدّثناكم بشيء فكان كما نقول فقولوا: صدق اللّه ورسوله، وإن كان بخلاف ذلك، فقولوا: صدق اللّه ورسوله تؤجروا مرّتين، ولكن إذا اشتدّت الحاجة والفاقة، وأنكر الناس بعضهم بعضاً، فعند ذلك توقّعوا هذا الأمر صباحاً ومساءً.
قلت : جُعلت فداك، والحاجة والفاقة قد عرفناها، فما إنكار الناس بعضهم بعضاً؟ قال: يأتي الرجل أخاه في حاجة فيلقاه بغير الوجه الّذي كان يلقاه فيه ،
ص: 182
ويكلّمه بغير الكلام الّذي كان يكلّمه .(1)
أقول: المقصود من توقّع الفرج صباحاً ومساءً، هو الإنتظار للفرج الموعود في كلّ وقت يمكن فيه وقوع هذا الأمر المسعود، ولا ريب في إمكان وقوع ذلك في جميع الشهور والأعوام، بمقتضى أمر المدبّر العلّام، فيجب الإنتظار له على الخاصّ والعامّ، ومنها الأحاديث المستفيضة الناهية عن التوقيت للظهور ، وسنذكرها في طيّ تلك الأمور، لأنّ مقتضى نفي الظهور في مدّة معيّنة من الأعوام والشهور هو التوقيت بمضيّ هذا المقدار من الدهور،
وهو محرّم بنصّ الأخبار الواردة عن الأئمّة الصدور، ويشهد لما ذكرناه ويؤيّده، طوائف من الأخبار المرويّة عن الصادقين الأطهار .
منها: ما دلّ على كون وقت ظهوره من الأمور البدائيّة القابلة للتقديم والتأخير بمقتضى حكمة العالم الخبير، كما أشار إليه مولانا الصادق علیه السلام في رواية حمّاد بن عثمان السابقة
وقد مرّ ما يدل على ذلك من الأحاديث اللائقة .
ومنها : الأحاديث الآمرة بإعداد السلاح، والمرابطة الدائمة، بحسب الحكمة اللازمة ، إذ الأمر بذلك مع اليأس عن الظهور في مدّة معيّنة لغو، لانّ ذلك ونحوه من آثار الإنتظار المأمور به في الأخبار .
1251- ومنها ما في أصول الكافي بإسناده في حديث أنّه قال يقطين لابنه عليّ بن يقطين : ما بالنا قيل لنا فكان، وقيل لكم فلم يكن؟! قال :
فقال له عليّ : إنّ الّذي قيل لنا ولكم كان من مخرج واحد، غير أنّ أمركم حضر فأُعطيتم محضه فكان كما قيل لكم، وإنّ أمرنا لم يحضر، فعلّلنا بالأماني، فلو قيل لنا: إنّ هذا الأمر لا يكون إلى مائتي سنة، أو ثلاثمائة سنة لقست القلوب، ولرجع عامّة الناس عن الإسلام، ولكن قالوا ما أسرعه، وما
ص: 183
أقربه! تألّفاً لقلوب الناس، وتقريباً للفرج.
وروي في البحار عن غيبتي النعماني والطوسي مثله .(1)
1252- وعن العلل بإسناده - يرفعه - إلى عليّ بن يقطين، قال: قلت لابي الحسن موسى علیه السلام : ما بال ماروي فيكم من الملاحم ليس كما روي، وما روي في أعادیكم قد صحّ؟ فقال علیه السلام : إنّ الّذي خرج في أعدائنا كان من الحقّ، فكان كما قيل، وأنتم علّلتم بالأمانيّ، فخرج إليكم كما خرج .(2)
1253- ومنها ما في غيبة النعماني (رحمة اللّه علیه) مسنداً عن أبي المرهف، عن الصادق علیه السلام قال : هلكت المحاضر ، قال: قلت: وما المحاضير؟
قال علیه السلام : المستعجلون، ونجا المقرّبون، الخبر .(3)
1254- وفيه أيضاً : مسنداً عن أبي جعفر الباقر علیه السلام
قال علیه السلام : هلك أصحاب المحاضير ، ونجا المقرّبون، إلخ.
لانّ الظاهر كون «المقرّبون»- بكسر الراء - يعني المؤمنون المنتظرين، الّذين يرون ظهوره علیه السلام قريباً وينتظرونه دائماً . (4)
1255- ويؤيّده ما رود في دعاء العهد المرويّ عن الصادق علیه السلام :
«إنّهم يرونه بعيداً ونراه قريباً» .(5)
ومنها : أنّ من جملة حكم إخفاء وقت ظهوره علیه السلام أن يكون المؤمنون منتظرين له في عامّة أوقاتهم، وجميع سنواتهم، كما أُشير إليه في حديث ابن يقطين، فتدبّر .
ص: 184
ومنها: ما دلّ على كون ظهوره صلوات اللّه عليه هو الساعة الّتي يختصّ العلم بوقتها باللّه جلّ جلاله، كما مرّ.
1256- ومنها: ما دلّ على كون ظهوره علیه السلام بغتة، كقوله علیه السلام في التوقيع المرويّ في الإحتجاج: فإنّ أمرنا يبعثه فجأة حين لا تنفعه توبة، إلخ.(1)
1257- والنبويّ : المهديّ منّا أهل البيت يصلح اللّه له أمره في ليلة .(2)
1258- والنبويّ الآخر: إنّه يقبل كالشهاب الثاقب.(3)
1259- والنبويّ الآخر المرويّ - في حديث عن الرضا علیه السلام في كمال الدين :
أنّ النبيّ علیه السلام قيل له : يا رسول اللّه، متى يخرج القائم من ذرّيّتك؟
فقال علیه السلام : مثله مثل الساعة الّتي (لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً)(4).(5)
1260- وفي أصول الكافي : عن أبي الحسن الثالث علیه السلام قال :
إذا رفع علمكم من بين أظهركم، فتوقعّوا الفرج من تحت أقدامكم.(6)
أقول: الظاهر أنّ قوله علیه السلام: فتوقّعوا الفرج من تحت أقدامكم، كناية عن ظهوره بغتة، فيجب انتظاره زمان غیبته في كلّ حال يحتمل ظهوره بالنصر والإقبال، فإن قلت: إن ظهوره علیه السلام بغتة ينافي ما ورد في الأحاديث المستفيضة ، بل المتواترة (معنی) من أنّ له علامات محتومة لجميع الناس معلومة كالسفيانيّ والصيحة السماويّة وقتل النفس الزكيّة . قلت : أوّلاً : إنّ إنتظار لوازم ظهوره إنتظار له في الحقيقة، فإذا علمت صدقاً أنّ ظهوره يقع بعد ظهور علاماته ، لاجرم تكون منتظراً لظهور تلك العلائم لكونها آية ظهور القائم.
ص: 185
والحاصل، أنّ الإنتظار المأمور به في الأخبار هو انتظار مولاك بما يكون له من العلائم والآثار، وهذا واضح على أهل الإعتبار،
ونضرب لك مثلاً في هذا المقام حتّى يتضح المرام، فنقول: إذا وعدك سلطان مقتدر بنزول منزلك في يوم من الأُسبوع، ألست تتوقّع نزوله بإعداد تشریف مجموع، وتزیین مطبوع و فرش مرفوع وأثاث موضوع من ابتداء ذلك الأُسبوع، بحيث لو نزل بك في كلّ من تلك الأيّام كنت عاملاً بموجبات الإحترام، غير معدود في أهل الآثام؟! مع أنّك تعلم قطعاً بأنّ لنزوله امارات معلنة وعلامات مبيّنة، لكن لمّا كان ظهور تلك العلامات غیر منفكّ عن نزوله ، كنت منتظراً له بجميع ما يتقدّمه من اللوازم على حصوله.
وثانياً : أنّ الظاهر من عدّة من الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهار علیهم السلام وقوع تلك الآثار بأجمعها في سنة واحدة، فيجب أن يكون المؤمن المنتظر مستعدّاً لظهور مولاه في كلّ سنة، لاحتمال وقوع هذا الأمر في تلك السنة، بل الظاهر من روايات عديدة كون ظهوره ووقوع تلك العلائم متقاربة.
1261- أمّا السفيانيّ، ففي البحار : عن سيّد العابدين عليّ بن الحسين علیهماالسلام أنّه قال في بيان علامات ظهور القائم : يكون قبل خروجه خروج رجل يقال له : «عوف السلميّ»، بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تكریت، وقتله بمسجد دمشق، ثمّ يكون خروج شعيب بن صالح من سمرقند.
ثمّ يخرج السفيانيّ الملعون من الوادي اليابس، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان ، فإذا ظهر السفيانيّ اختفى المهديّ علیه السلام ثمّ يخرج بعد ذلك .(1)
أقول: يستفاد من هذا الحديث كون ظهور القائم علیه السلام مقارناً لخروج السفيانيّ أو قريباً منه، وذلك لا ينافي ما ورد في روايات عديدة من كون مدّة ملك السفيانيّ ثمانية أشهر، وكون خروج السفياني قبل قيام القائم علیه السلام لأنّ
ص: 186
المراد بقيام القائم علیه السلام فيها خروجه جهاراً علناً في بيت اللّه الحرام، وظهوره للخاصّ والعامّ، إذ قد وردت روایات دالّة بأنّ له ظهورات متعدّدة قبل هذا الظهور التامّ، الكاشف للظلام، المنكشف لجميع الأنام، كما أشرنا إليه سابقاً في غير هذا المقام.
1262- وأمّا قتل النفس الزكيّة، ففي كمال الدين عن الصادق علیه السلام أنّه قال : ليس بين قائم آل محمّد وبين قتل النفس الزكيّة إلّا خمسة عشر ليلة .(1)
وأمّا الصيحة السماويّة فهي من العلائم المقارنات، كما يظهر من ملاحظة الروايات(2) وما ذكرنا كافٍ لأهل الدرايات.
القسم الثالث : اليأس من قرب زمان فرجه وظهوره عليه الصلاة والسلام بمعنی نفي احتمال قرب ذلك كما هو حال بعض أهل زماننا، أولئك الّذين يبنون عقائدهم على الحدس والتخمين، والظاهر من الأدلّة حرمة هذا أيضاً، لِعين ما سمعت من الأدلّة الّتي ذكرناها في القسم الثاني،
فإنّ المستفاد من الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهار علیهم السلام ، أنّه إنّما أُخفي عن المؤمنين وقت الظهور ليكونوا منتظرين له في جميع الأزمنة والدهور، وإن كان لذلك حكم آخر أيضاً، واللّه هو العالم بحقائق الأمور.
الأمر السادس : إظهار الشوق إلى لقائه
وهو من علائم أحبّائه وأهل ولائه، ولا ريب في رجحانه واستحبابه، لورود ذلك في الأدعية المرويّة لجنابه، ونعم ما قيل:
قلبي إليك من الأشواق محترق *** ودمع عيني من الآماق مندفق
الشوق يحرقني والدمع يغرقني *** فهل رأيت غريقاً وهو محترق
ص: 187
ويدلّ على المقصود أنّ مولانا أمير المؤمنين علیه السلام كان يظهر الشوق إلى رؤيته كما عرفت في الحديث المرويّ عنه في وصف المهديّ علیه السلام في حرف العين المهملة ، حيث قال - بعد أن بيّن جملة من صفاته وعلاماته، وأمر ببيعته وإجابة دعوته -: «هاه» وأومی بيده إلى صدره - شوقاً إلى رؤيته -
وقد مرّ الخبر بطوله في علمه صلوات اللّه عليه .(1)
1263- ويدلّ على ما ذكرنا أيضاً ما روي في البحار، عن كتاب المزار الكبير، بإسناده عن أحمد بن إبراهيم، قال : شكوت إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان شوقي إلى رؤية مولانا علیه السلام ، فقال لي: مع الشوق تشتهي أن تراه؟ فقلت له: نعم، فقال لي : شكر اللّه لك شوقك، وأراك وجهه في يسر وعافية، لا تلتمس يا أبا عبد اللّه أن تراه ، فإنّ أيّام الغيبة تشتاق إليه، ولا تسال الإجتماع معه ، إنّها عزائم اللّه، والتسليم لها أولی، ولكن توجّه إليه بالزيارة، الخبر .(2)
أقول : حسن الشوق إليه أمر واضح لا سترة فيه، لأن ذلك من لوازم المحبّة الّتي لا تنفكّ عن الأحبّة، وقوله : شكر اللّه لك شوقك، فيه إيماء إلى ما يترتّب على ذلك من الثواب الجميل، كما يدلّ عليه قول الصادق علیه السلام في الحديث الآتي مع ما فيه من التبجيل والتجليل.
وأمّا قوله : لاتلتمس يا أبا عبداللّه أن تراه ، إلخ، فالمراد رؤيته بنحو الأئمّة السابقين صلوات اللّه عليهم أجمعين، يعني رؤيته في كلّ وقت يراد لنيل هذا المراد،
وأمّا طلب رؤيته مطلقاً فهو أمر غير ممنوع، بل هو من وطائف أهل العمل المشروع، وفوزهم بذلك ليس بنادر الوقوع.
ويشهد لما دللنا عليه قوله : فإنّ أیّام الغيبة تشتاق إليه، ولا تسأل الإجتماع معه ، إنّه عزائم اللّه، إلخ، إذ لو كانت رؤيته والإجتماع معه ولو في بعض الأحيان من عزائم اللّه في صاحب الزمان لم يتّفق ذلك لاحد من أهل الإيمان وهذا
ص: 188
مخالف للعيان، لأنّ الروايات والحكايات في الفائزين بهذا المرام من المؤمنين يوجب اليقين لأهل اليقين . ثمّ لا يخفى أنّ قوله: تشتاق إليه ، جملة خبريّة في مقام الإنشاء، مفادها الأمر بالشوق إليه صلوات اللّه وسلامه عليه .
1264- ويدلّ على فضل الشوق إليه لأهل الإخلاص ما روي في البحار، عن الإختصاص: بإسناده عن محمّد بن مسلم قال :
خرجت إلى المدينة وأنا وجع، ثقيل، فقيل له : محمّد بن مسلم وجع فأرسل إلىَّ أبو جعفر بشراب مع الغلام مغطّى بمنديل، فناولنيه الغلام، وقال لي: اشربه، فإنّه قد أمرني أن لا أرجع حتّى تشربه ، فتناولت فإذا رائحة المسك منه وإذا شراب طيّب الطعم بارد، فلمّا شربته قال لي الغلام: يقول لك إذا شربت فتعال، ففكّرت فيما قال لي، ولا أقدر على النهوض قبل ذلك على رجلي فلمّا استقرّ الشراب في جوفي فكأنّما أُنشطت من عقال، فأتيت بابه ، فاستأذنت عليه فصوّت بي: صحيح الجسم أُدخل، فدخلت، وأنا باك ، فسلّمت وقبّلت يده ورأسه ، فقال لي: وما يبكيك يا محمّد، فقلت: جعلت فداك أبكي على اغترابي وبعد الشقّة وقلّة المقدرة على المقام عندك، والنظر إليك.
فقال علیه السلام لي: أمّا قلّة المقدرة فكذلك جعل اللّه أولياءنا واهل مودّتنا، وجعل البلاء إليهم سريعاً، وأمّا ماذكرت من الغربة فلك بأبي عبداللّه أُسوة بأرض ناء عنّا بالفرات، وأمّا ما ذكرت من بعد الشقّة فإنّ المؤمن في هذه الدنيا غریب، وفي هذا الخلق منكوس، حتّى يخرج من هذه الدار إلى رحمة اللّه،
وأمّا ما ذكرت من حبّك قربنا والنظر إلينا وأنّك لاتقدر على ذلك، فاللّه يعلم ما في قلبك وجزاؤك عليه .(1)
أقول: رواه في المزار عن كامل الزيارة، مع زيادات فيه متعلّقة بفضل التربة المباركة الحسينيّة صلوات اللّه وسلامه عليه .(2)
ص: 189
الأمر السابع: ذكر فضائله ومناقبه
ويدلّ على استحباب ذلك جميع الأخبار الواردة في الحثّ على ذكر فضائل الأئمّة الطاهرين علیهم السلام .
1265- فمنها ما روي في أُصول الكافي : عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :
إنّ من الملائكة الّذين في السماء ليطّلعون إلى الواحد والاثنين والثلاثة ، وهم يذكرون فضل آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم ، قال : فتقول: أما ترون إلى هؤلاء في قلّتهم وكثرة عدوّهم يصفون فضل آل محمّد؟ قال : فتقول الطائفة الأُخرى من الملائكة : (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(1).(2)
1266- وفيه : بإسناده عن ميسر، عن أبي جعفر علیه السلام قال : قال لي:
أتخلون وتتحدّثون وتقولون ماشئتم؟
فقلت : إي واللّه، إنّا لنخلو ونتحدّث ونقول ماشئنا، فقال علیه السلام: أما واللّه لوددت أنّي معكم في بعض تلك المواطن، أما واللّه إنّي لأُحبّ ریحكم وأرواحكم، وإنّكم على دين اللّه ودين ملائكته، فأعينوا بورع واجتهاد.(3)
1267- وفيه : عن أبي الحسن - يعني موسى علیه السلام - يقول : ليس شيء أنكی(4) لإبليس وجنوده من زيارة الإخوان في اللّه بعضهم لبعض.
قال : وإنّ المؤمنين يلتقيان فيذكران اللّه، ثمّ يذكران فضلنا أهل البيت، فلا يبقى على وجه إبليس مضغة لحم إلّا تخدّد (5) حتّى أن روحه تستغيث من شدّة ما يجد من الألم، فتحسّ ملائكة السماء وخزّان الجنان فيلعنونه، حتّى لا يبقى ملك مقرّب إلّا لعنه ، فيقع خاسئاً حسيراً مدحوراً .(6)
ص: 190
1268- ويدلّ على المقصود أيضاً ما ورد في مكافأة من أحسن إليك بالذكر الجميل، كقول مولانا سیّد العابدين في رسالة الحقوق المرويّة في المكارم وتحف العقول وغيرهما، قال :
وأمّا حقّ ذي المعروف عليك فأن تشكره وتذكر معروفه، وتنشر له المقالة الحسنة، وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين اللّه سبحانه، فإنّك إذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرّاً وعلانية، ثمّ إن أمكن مكافأته بالفعل كافأته، وإلّا كنت مرصداً له، موطناً نفسك عليها .(1)
هذا وقد أسمعناك نبذة من حقوقه علينا ومراحمه إلينا، في الباب الثالث والرابع من هذا الكتاب المبارك، فإن أردتها فاطلبها هنالك، لشرح صدرك وإصلاح حالك،
ويدلّ على المقصود أيضاً ماذكرناه في شواهد الحثّ على التحبيب،
وما يأتي إن شاء اللّه في فضل دعوة الناس إلى هذا الحبيب .
ويشهد لذلك أيضاً ما يأتي من الروايات الآمرة بإظهار العالم علمه عند ظهور البدع، ويشهد له أيضاً جميع ما ورد في الترغيب والحثّ على ذكر اللّه تعالى، فإنّ ذكرهم من ذكر اللّه، كما ورد في الرواية،
وسيأتي في الأمر التاسع إن شاء اللّه .(2)
الأمر الثامن : أن يكون المؤمن محزوناً مهموماً لفراقه
وهذا من علائم حبه واشتياقه، وفي الديوان المنسوب إلى سيّدنا ومولانا أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام في بيان دلائل المحبّة الصادقة :
ومن الدلائل أن يرى من شوقه *** مثل السقيم وفي الفؤاد غلائل
ص: 191
ومن الدلائل أن يرى من أُنسه *** مستوحشاً من كلّ ما هو شاغل
ومن الدلائل ضحكه بين الورى *** والقلب محزون كقلب الثاكل
والدليل على أنّ ذلك من علامات أهل الإيمان، وكونه في أعلى مراتب الحسن والرجحان، كثير من الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهار :
فمنها: ما ورد أنّ من علامات الشيعة أن يكون محزوناً في حزن الأئمّة علیهم السلام
ولا ريب في أنّ غيبة مولانا الحجّة، وما يرد عليه وعلى شيعته من أسباب الحزن والمحنة، من أعظم ما يكون سبباً لحزن الأئمّة كما يتبيّن لك بالحديث الآتي في فضل البكاء لفرقته وطول غيبته إن شاء اللّه تعالى .(1)
1269- ومنها : ما في كمال الدين : بإسناده عن مولانا أبي الحسن الرضا علیه السلام قال : كم من حرّى(2) مؤمنة، وكم من مؤمن متأسّف حيران حزين، عند فقدان الماء المعين، الخبر .(3)
1270- ومنها ما روي في الكافي : عن أبي عبداللّه علیه السلام أنّه قال :
نَفَسُ المهموم لنا، المغتمّ لظلمنا تسبیح، وهمّه لأمرنا عبادة، وكتمانه لسرّنا جهاد في سبيل اللّه، قال لي محمّد بن سعيد «أحد رواة الحديث»:
اكتب هذا بالذهب، فما كتبت شيئاً أحسن منه .(4)
ومنها : ما مرّ في صدر الباب الرابع في حديث ابن أبي يعفور (5) الظاهر منه أنّ أحد حقوق المؤمن على المؤمن أن يحزن لحزنه، إذ لا ريب في ثبوت هذا الحقّ لمولانا صاحب الزمان على جميع أهل الإيمان بالاولويّة القطعيّة.
1271- ومنها ما في ثالث البحار : عن مسمع بن كردین ، عن أبي عبداللّه علیه السلام
ص: 192
قال : وإنّ الموجع قلبه لنا، ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لاتزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض، وإنّ الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه حتّى أنّه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه .
یا مسمع، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، ولم يستق بعدها أبداً، وهو في برد الكافور، وريح المسك، وطعم زنجبیل، أحلى من العسل، والين من الزبد ، وأصفى من الدمع، وأزكى من العنبر، يخرج من تسنيم ويمرّ بأنهار الجنان تجري على رضراض (1) الدرّ والياقوت، فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء يوجد ريحه من مسيرة ألف عام، قدحانه من الذهب والفضّة ، والوان الجوهر، يفوح في وجه الشارب منه كلّ فائحة حتّى يقول الشارب منه : ليتني تركت هاهنا، لا أبغي بهذا بدلاً ولا عنه تحويلاً،
أما إنّك يابن كردین ممّن تروی منه.
وما من عين بكت لنا إلّا نعمت بالنظر إلى الكوثر، وسقيت منه من أحبّنا، وأنّ الشارب منه ليعطى من اللذّة والطعم والشهوة له أكثر ممّا يعطاه من هو دونه في حبّنا، إلى آخر الخبر .(2)
الأمر التاسع : الحضور والجلوس في المجالس الّتي تذكر فيها فضائله ومناقبه وما يتعلّق به
ويدلّ على ذلك - مضافاً إلى أنّه من لوازم المحبّة وعلائمها، وأنّه من الخيرات الّتي أمرنا بالإستباق إليها، قال اللّه : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) (3) -
1272- قول مولانا الرضا علیه السلام في الحديث المرويّ في عاشر البحار :
من جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب .(4)
ص: 193
1273- ويدلّ عليه أيضاً قول الصادق علیه السلام لفضيل - في الحديث المرويّ في البحار وغيره -: أتجلسون وتحدّثون؟ قال فضيل : نعم جعلت فداك،
قال علیه السلام : إنّ تلك المجالس أُحبّها، فأحيوا أمرنا یا فضیل، فرحم اللّه من أحيی أمرنا .(1)
1274- ويشهد لما ذكرنا أيضاً جميع ما ورد في الحثّ والترغيب على الحضور في مجالس الذكر ، كقول النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم : إرتعوا في رياض الجنّة ، قالوا: يا رسول اللّه، وما ریاض الجنّة؟ قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : مجالس الذكر، الخبر .(2)
1275۔ وقوله في حديث آخر : إنّ اللّه يغفر لمن يجلس في مجلس الذاكرین ويؤمنه ممّا يخافه، فتقول الملائكة : إنّ فيهم فلاناً وإنّه لم يذكرك، فيقول اللّه : قد غفرت له بمجالسته لهم، فإنّ الذاكرين من لا يشقى بهم جليسهم.(3)
ووجه الإستشهاد، أنّ ذكره وذكر آبائه علیهم السلام ذكر اللّه عزّ وجلّ:
1276- لما رواه الشيخ محمّد بن یعقوب (رحمة اللّه علیه) في الكافي : عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : ما اجتمع في مجلس قوم لم يذكروا اللّه عزّوجلّ ولم يذكرونا إلّا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة ، ثمّ قال أبو جعفر علیه السلام :
إنّ ذكرنا من ذكر اللّه، وذكر عدوّنا من ذكر الشيطان .(4)
1277 - ويدلّ على المقصود أيضاً ما روي في الوسائل وغيره: عن عبّاد بن كثير ، قال : قلت لأبي عبداللّه : إنّي مررت بقاصّ يقصّ وهو يقول:
هذا المجلس لا يشقى به جلیس، قال : فقال أبو عبداللّه علیه السلام :
هيهات هيهات، أخطأت أُستاهم الحفرة (5) إنّ للّه ملائكة سيّاحين، سوی الكرام الكاتبين، فإذا مرّوا بقوم يذكرون محمّد وآل محمّد، قالوا:
ص: 194
قفوا فيجلسون فيتفقّهون معهم، فإذا قاموا عادوا مرضاهم وشهدوا جنائزهم وتعاهدوا غائبهم، فذلك المجلس الّذي لا يشقی به جلیس، إنتهى .(1)
هذا مضافاً إلى أنّ الجلوس في تلك المجالس تكثير لسواد المحبّين والأنصار، وهو محبوب عند الخالق الجبّار والأئمّة الأبرار،
كما أنّ تكثير سواد المعاندين والأشرار، مبغوض عندهم .
1278- يدلّ عليه ما في البحار من المناقب : سأل عبداللّه بن رباح القاضي الأعمى عن عمائه؟ فقال : كنت حضرت كربلاء وما قاتلت، فنمت، فرأيت شخصاً هائلاً قال لي : أجب رسول اللّه، فقلت : لا أُطيق،
فجرّني إلى رسول اللّه فوجدته حزيناً، وفي يده حربة، وبسط قدّامه نطع، وملك قبله قائم في يده سيف من النار، يضرب أعناق القوم وتقع النار فيهم فتحرقهم، ثمّ يحيون ويقتلهم أيضاً هكذا، فقلت : السلام عليك يا رسول اللّه ، واللّه ما ضربت بسيف، ولا طعنت برمح، ولارمیت سهماً.
فقال النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم : ألست كثّرت السواد؟ فسلّمني وأخذ من طست فيه دم فكحّلني من ذلك الدم فاحترقت عيناي ، فلمّا انتبهت كنت أعمى .(2)
الأمر العاشر : إقامة المجالس الّتي يذكر فيها مولانا صاحب الزمان علیه السلام
وينشر فيها مناقبه وفضائله، ويدعى له فيها وتبذل النفس والمال في ذلك ، لانّه ترویج لدين اللّه، وإعلاء كلمة اللّه وإعانة على البرّ والتقوى، وتعظیم شعائر اللّه ونصرة وليّ اللّه .
1279- ويدلّ على ذلك مضافاً إلى اجتماع العناوين المذكورة وغيرها فيه، قول الصادق علیه السلام في حديث مرويّ في الوسائل و غیره :
ص: 195
تزاوروا، فإنّ في زيارتكم إحياء لقلوبكم وذكراً لاحاديثنا، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض، فإن أخذتم بها رشدتهم ونجوتم، وإن تركتموها ضللتم ، وهلكتم، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم .(1)
وجه الدلالة : تعليله الأمر بالتزاور بكونه سبباً ووسيلة لإحياء أمرهم، وذكر أحاديثهم، فإقامة مجالس التزاور التي يذكر فيها الإمام علیه السلام ومناقبه، وما يتعلّق بأمره ممّا لا ريب في رجحانها واستحبابها عندهم .
1280- ويدلّ على المقصود أيضاً : قول أمير المؤمنين علیه السلام في حديث الأربعمائة : إنّ اللّه تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا، واختار لنا شيعة ينصروننا، ويفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا أولئك منّا وإلينا، الخبر .(2)
مسألة فقهيّة :
الظاهر من الأدلّة : جواز صرف الزكاة الواجبة في هذه الجهة الراجحة، فإنّها من سبيل اللّه الّذي جعله اللّه تعالى أحد مصارف الزكاة في آية (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ ...)(3) إلخ، وبسط الكلام موكول إلى الفقه.
إيقاظ وتنبيه :
يمكن القول بوجوب إقامة تلك المجالس في بعض الأحيان، كأن يكون الناس في معرض الإنحراف والضلال وتكون إقامة تلك المجالس سبباً لردعهم عن الردى و إرشاداً لهم إلى سبيل الهدی، نظراً إلى أدلّة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر وإرشاد الضالّ، وردع أهل البدعة والضلال واللّه تعالى هو العاصم في كلّ حال .
ص: 196
الأمر الحادي عشر والثاني عشر : إنشاء الشعر، وإنشاده في فضائله ومناقبه عليه الصلاة والسلام
لانّهما من أقسام النصرة للإمام.
1281- ويدلّ على ذلك ما في الوسائل، في آخر كتاب المزار: مسنداً عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : من قال فينا بيت شعر بنى اللّه له بيتاً في الجنّة .(1)
1282- وعنه علیه السلام : ما قال فينا قائل بيت شعر حتّى يؤيّد بروح القدس .(2)
1283- وعن الرضا علیه السلام . قال : ما قال فينا مؤمن شعراً يمدحنا به إلّا بنى اللّه له [مدينة] في الجنّة ، أوسع من الدنيا سبع مرّات، يزوره فيها كلّ ملك مقرّب، وكلّ نبيّ مرسل .(3)
أقول: لعلّ الإختلاف في الثواب من جهة اختلاف مراتبهم في المعرفة والإيمان .
1284- وعن زرارة قال : دخل الكميت بن زيد على أبي جعفر علیه السلام وأنا عنده ، فأنشده : من لقلب متّيم مستهام. فلمّا فرغ منها قال علیه السلام للكميت :
لا تزال مؤيّداً بروح القدس ما دمت تقول فينا .(4)
1285- وفي روضة الكافي : بإسناده عن الكميت بن زيد الأسدي، قال :
دخلت على أبي جعفر علیه السلام، فقال : واللّه یاكمیت، لو كان عندنا مالاً لاعطيناك منه، ولكن لك ما قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم لحسّان بن ثابت :
لن يزال معك روح القدس ما ذببت عنّا، الخبر.(5)
ويدلّ على المقصود أيضاً جميع ما ورد من إنشاء الشعراء في مدائحهم علیهم السلام وإنشادهم بمحضرهم، وإعطائهم العطايا الجزيلة، والمواهب الجسيمة، وهذه الوقائع كثيرة مذكورة في أبواب أخلاقهم وأحوالهم، صلوات اللّه عليهم أجمعين وفيما أشرنا إليه كفاية للمؤمنين.
ص: 197
الأمر الثالث عشر: القيام عند ذكر اسمه أو ألقابه الشريفة
واستقرّ على ذلك سيرة الإماميّة الإثني عشريّة، ويشهد لذلك مضافاً إلى مافيه من التعظيم والإحترام المطلوب في كلّ مقام، ما رواه بعض الأعلام في النجم الثاقب، عن السيّد عبداللّه سبط السيّد نعمة اللّه الجزائري (رحمة اللّه علیه) أنّه وجد في بعض الروايات أنّه ذكر الصاحب علیه السلام يوماً في مجلس الصادق علیه السلام فقام علیه السلام تعظيماً واحتراماً لإسمه الشريف .(1)
أقول: أمّا الإستحباب، فيكفي في إثباته هذا المقدار، نظراً إلى قاعدة التسامح المقررّة عند العلماء الأخيار، ويمكن القول بالوجوب في بعض الأوقات، بملاحظة بعض الجهات، مثل أن يذكر اسمه الشريف أو بعض ألقابه المباركة في مجلس فيه جماعة فيقوم الجميع إحتراماً له، ففي تلك الحالة، إن لم يقم بعض أهل المجلس من غير عذر كان عدم قيامه توهيناً وهتكاً لاحترامه علیه السلام ولاشكّ في حرمته، لأنّه توهين للّه عزّ شأنه، كما لا يخفى.
الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر : البكاء والإبكاء والتباكي على فراقه
وما ورد عليه من المصائب والمحن والأحزان، ويدلّ على ذلك بالعموم والخصوص عدّة من النصوص :
1286- منها: في عاشر البحار وغيره، عن الرضا علیه السلام قال :
من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منّا، كان معنا في درجتنا يوم القيامة ،
ص: 198
ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكي، لم تبك عينه يوم تبكي العيون.(1)
1287- وفيه : عن الصادق علیه السلام، قال : من ذكرنا، أو ذكرنا عنده، فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة، غفر اللّه له ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر .(2)
ومرّ في حديث مسمع عنه علیه السلام أنّه قال : ما من عين بكت لنا إلّا نعمت بالنظر إلى الكوثر، وسقي منه من أحبّنا، إلخ.(3)
1288- وفي حديث مسمع أيضاً أنّ الصادق علیه السلام ، قال :
وما بكى أحد رحمة لنا، ولما لقينا، إلّا رحمه اللّه قبل أن تخرج الدمعة من عينه، فإذا سالت دموعه على خدّه، فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنّم لأطفأت حرّها، حتّى لا يوجد لها حرّ.(4)
1289- وفي البحار عنه علیه السلام قال :
من دمعت عينه فينا دمعة لدم سفك لنا أو حقّ لنا أنقصناه، أو عرض انتهك لنا، أو لأحد من شيعتنا، بوّأه اللّه تعالى بها في الجنّة حقباً .(5)
1290- وفيه، عن كتابي الأمالي للشيخ الطوسيّ وابنه : بالإسناد عن مولانا الحسين بن عليّ علیهماالسلام قال : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة، أو دمعت عيناه فينا دمعة إلّا بوّأه اللّه تعالى بها في الجنّة حقباً.
قال أحمد بن يحيى الأودي: فرأيت الحسين بن عليّ علیه السلام في المنام،
فقلت : حدّثني مخول بن إبراهيم، عن الربيع بن المنذر، عن أبيه، عنك ، أنّك قلت : ما من عبد قطرت عيناه قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلّا بوّأه اللّه تعالى بها في الجنّة حقباً، قال علیه السلام : نعم، قلت : سقط الإسناد بيني وبينك .(6)
ص: 199
1291- وفي كامل الزيارات والبحار : عن عليّ بن الحسین زین العابدین علیهماالسلام قال : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليّ علیه السلام دمعة، حتّى تسيل على خدّه، بوّأه اللّه بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً،
وأيّما مؤمن دمعت عيناه [دمعاً] حتّى تسيل على خدّه لاذىّ مسّنا من عدوّنا في الدنيا، بوّأه اللّه مبوَّأ صدق في الجنّة، وأيّما مؤمن مسّه أذىً فينا، فدمعت عيناه حتّى يسيل دمعه على خدّه من مضاضة ما أُوذي فينا، صرف اللّه عن وجهه الأذى، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار .(1)
1292- وفي البحار : عن الصادق علیه السلام أنّه قال لفضيل:
یا فضيل، من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر اللّه له ذنوبه ، ولو كانت أكثر من زبد البحر .(2)
1293- وفي حديث آخر، عنه علیه السلام قال :
من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرّم اللّه وجهه على النار .(3)
1294- وقال السيّد ابن طاووس (رحمة اللّه علیه) في اللّهوف:
روي عن آل رسول اللّه و أنّهم قالوا: من بكى وأبكي فينا مائة فله الجنّة ،
ومن بكى وأبكی خمسين فله الجنّة، ومن بكى وأبكى ثلاثين فله الجنّة ، ومن بكى وأبكی عشرین فله الجنّة، ومن بكى وأبكی عشرة فله الجنّة ،
ومن بكی وأبكی واحداً فله الجنّة، ومن تباكی فله الجنّة .(4)
1295- وفي كتاب الروضة من الكافي : بإسناده عن عبدالحميد الوابشي، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : قلت له : إنّ لنا جاراً ينتهك المحارم كلّها، حتّى أنّه
ص: 200
ليترك الصلاة فضلاً عن غيرها، فقال : سبحان اللّه، وأعظم ذلك، الا أُخبركم بمن هو شرّ منه؟ قلت: بلى، قال علیه السلام : الناصب لنا شرّ منه،
أما إنّه ليس من عبد يذكر عنده أهل البيت فيرقّ لذكرنا إلّا مسحت الملائكة ظهره، وغفر له ذنوبه كلّها، إلّا أن يجيء بذنب يخرجه من الإيمان، وإنّ الشفاعة لمقبولة، وما تقبّل في ناصب، وإنّ المؤمن ليشفع لجاره وماله حسنة ، فيقول : يا ربّ، جاري كان يكفّ عنّي الأذى، فيشفع فيه،
فيقول اللّه تبارك وتعالى: أنا ربّك، وأنا أحقّ من كافی عنك، فيدخله الجنّة وماله من حسنة، وإنّ أدنى المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنساناً،
فعند ذلك يقول أهل النار : (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)(1).(2)
1296- وفي كامل الزيارات و غيره، في حديث معاوية بن وهب، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، أنّه دعا في سجوده - إلى أن قال علیه السلام- :
وارحم تلك الأعين الّتي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب الّتي جزعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة الّتي كانت لنا .(3)
وأمّا ما يدلّ على فضل البكاء في فراقه، وما يجري عليه من المحن بالخصوص، فمنه ما روي في الكافي والنعماني وكمال الدين عن المفضّل، عن أبي عبداللّه علیه السلام :
1297- ففي الكافي: بإسناده عن المفضّل بن عمر، قال :
سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول:
إيّاكم والتنويه (4) أما واللّه ليغيبنّ إمامكم سنيناً من دهركم، ولتمحّصنّ حتّى
ص: 201
يقال : مات، هلك، بأيّ واد سلك؟ ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر ؛ فلا ينجو إلّا من أخذ اللّه میثاقه وكتب في قلبه الإيمان، وأيّده بروح منه ، وليرفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدري أيّ من أيّ
قال : فبكيت، ثمّ قلت : فكيف نصنع؟ فنظر إلى شمس داخلة في الصفّة ، فقال : يا أبا عبداللّه، ترى هذه الشمس؟ قلت: نعم،
فقال علیه السلام : واللّه لأمرنا أبين من هذه الشمس .(1)
1298- وفي النعماني : عن المفضّل، قال :
سمعت الشيخ - يعني أبا عبداللّه علیه السلام - يقول : إيّاكم والتنويه، أما واللّه، ليغيبنّ سبتاً(2) من دهركم، وليخملن(3) حتّى يقال : مات، هلك، بأيّ وادٍ سلك؟
ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، الخبر .(4)
1299- وفي كمال الدين : بإسناده عن المفضّل، عن أبي عبداللّه علیه السلام، قال : سمعته يقول: إيّاكم والتنويه، أما واللّه ليغيبنّ إمامكم سنیناً من دهركم، وليمحّصنّ حتّى يقال : مات أوهلك بأيّ وادٍ سلك، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين ولتكفأنّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، ولا ينجو إلّا من أخذ میثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيّده بروح منه، الخبر . (5)
1300- وروى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة : بإسناده عن المفضّل، قال :
سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : إيّاكم والتنويه، أما واللّه ليغيبنّ إمامكم سنین من دهركم، وليمحّصنّ حتّى يقال : مات، قتل، ( هلك) بأيّ وادٍ سلك؟ ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنّ كما تكفأ السفن بأمواج البحر، فلا ينجو إلّا من أخذ اللّه میثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيّده بروح منه ، الخبر .(6)
ص: 202
أقول : أنظر وتأمّل كيف جعل علیه السلام البكاء عليه علامة الإيمان، أو دلّ على أمر لا ينكره الوجدان، بل يشهد له بالعيان، فإنّ البكاء عليه دليل المعرفة ، والمحبّة الثابتة في الجنان، وهما جزء الإيمان، بل حقيقة لاهل الإيقان، فيبعثان صاحبه على البكاء في فراق مولانا صاحب الزمان، وما يرد عليه من المحن والأحزان. ولنعم ماقيل بالعربيّة :
قلبي إليك من الاشواق محترق *** ودمع عيني من الأماق مندفق
الشوق يحرقني والدمع يغرقني *** فهل رأيت غريقاً وهو محترق
وبالفارسيّة : (گواه عاشق صادق در آستین باشد) ولهذا ترى المحبّ الصادق كلّما كانت معرفته وحبّه لمحبوبه أكثر وأعظم، كان بكاؤه أوفر وأدوم.
1301- وقد روی رئیس المحدّثين (رحمة اللّه علیه) في كتاب كمال الدين : بإسناده عن سدير الصيرفي، قال : دخلت أنا والمفضّل بن عمر، وأبو بصير، وأبان بن تغلب، على مولانا أبي عبداللّه الصادق علیه السلام ، فرأيناه جالساً على التراب، وعليه مِسح (1) خيبري مطوّق بلا جيب، مقصرّ الكمّين، وهو يبكي بكاء الواله الثكلى ذات الكبد الحرّي، قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغيير في عارضيه، وأبلی الدموع محجريه (2) وهو يقول : سيّدي غيبتك نفت رُقادي(3) وضيّقت عليَّ مهادي، وابتزّت (4) منّي راحة فؤادي، سيّدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد، يفنى الجمع والعدد، فما أحسّ بدمعة ترقي(5) من عینی، وأنين يفتر(6) من صدري عن دوارج الرزايا، وسوالف البلايا إلّا مثّل بعيني، عن غوابر أعظمها، وأفظعها، وبواقي (7) أشدّها وأنكرها ونوائب مخلوطة بغضبك،
ص: 203
ونوازل معجونة بسخطك .
قال سدير : فاستطارت عقولنا ولهاً، وتصدّعت قلوبنا جزعاً من ذلك الخطب الهائل، والحادث الغائل(1) وظنّنا أنّه سمت(2) لمكروهة قارعة، أو حلّت به من الدهر بائقة، فقلنا : لا أبكي اللّه يا بن خير الورى عينيك، من أيّة حادثة تستنزف (3) دمعتك، وتستمطر عبرتك، وأيّة حالة حتمت عليك هذا المأتم؟
قال : فزفر الصادق علیه السلام زفرة انتفخ منها جوفه ، واشتدّ عنها خوفه ، وقال :
ویلكم نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم، وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا ، وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، الّذي خصّ اللّه به محمّداً والأئمّة من بعده علیه السلام ، وتأمّلت مولد قائمنا وغيبته، وإبطاءه و طول عمره، وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان، وتولّد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته، وارتداد أكثرهم عن دينهم، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم الّتي قال اللّه جلّ ذكره: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ)(4) يعني الولاية،
فأخذتني الرقّة، واستولت عليَّ الأحزان.
فقلنا: يا بن رسول اللّه ، كرّمنا وفضّلنا بإشراكك إيّانا في بعض ما أنت تعلمه من علم ذلك، قال علیه السلام : إنّ اللّه تبارك وتعالى أدار للقائم منّا ثلاثة أدارها لثلاثة(5) من الرسل : قدّر مولده تقدیر مولد موسى علیه السلام ، وقدّر غيبته تقدير غيبة عیسی علیه السلام ، وقدّر إبطاءه تقدير إبطاء نوح علیه السلام وجعل من بعد ذلك عمر العبد الصالح - أعني الخضر علیه السلام - دليلاً على عمره.
فقلنا له : اكشف لنا يا بن رسول اللّه عن وجوه هذه المعاني.
قال علیه السلام: أمّا مولد موسى فإنّ فرعون لمّا وقف على أنّ زوال ملكه على يده أمر بإحضار الكهنة، فدلّوه على نسبه، وأنّه يكون من بني إسرائيل، فلم يزل يأمر
ص: 204
أصحابه بشقّ بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل، حتّى قتل في طلبه نیّفاً وعشرين ألف مولود، وتعذّر عليه الوصول إلى قتل موسى علیه السلام بحفظ اللّه تبارك وتعالى إيّاه وكذلك بنو أُميّة وبنو العبّاس لمّا وقفوا على أنّ زوال ملكهم وملك الأمراء والجبابرة منهم على يد القائم منّا ناصبونا العداوة، ووضعوا سيوفهم في قتل آل الرسول صلی اللّه علیه وآله وسلم وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول إلى قتل القائم، ويأبى اللّه عزّ وجلّ أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلّا أن يتمّ نوره ولو كره المشركون.
وأما غيبة عيسى علیه السلام فإنّ اليهود والنصارى اتّفقت على أنّه قتل فكذّبهم اللّه جلّ ذكره بقوله: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)(1)
كذلك غيبة القائم، فإنّ الأَمّة ستنكرها لطولها، فمن قائل يقول:
إنّه (2) لم يولد، وقائل يقول (3) : إنّه ولد ومات، وقائل يكفر بقوله : إنّ حادي عشرنا كان عقيماً، وقائل يمرق بقوله: إنّه يتعدّى إلى ثالث عشر فصاعداً ، وقائل يعصي اللّه عزّ وجلّ بقوله: إنّ روح القائم ينطق في هيكل غيره .
وأمّا إبطاء نوح علیه السلام : فإنّه لمّا استنزل العقوبة على قومه من السماء بعث اللّه تبارك وتعالى الروح الأمين(4) معه سبع نوايات، فقال : يانبيّ اللّه، إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول لك: إنّ هؤلاء خلائقي وعبادي لست أُبيدهم بصاعقة من صواعقي إلّا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجّة، فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فإنّي مثيبك عليه، وأغرس هذا النوى، فإنّ لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص، فبشّر بذلك من اتّبعك من المؤمنين.
فلمّا نبتت الأشجار وتأزّرت وتسوّقت وأغصنت(5) و زها الثمر عليها بعد زمان طویل استنجز من اللّه العِدة، فأمره اللّه تبارك وتعالى أن يغرس من نوى تلك الأشجار، ويعاود الصبر والإجتهاد ، ويؤكّد الحجّة على قومه،
ص: 205
فأخبر بذلك الطوائف الّتي آمنت به، فارتدّ منهم ثلاثمائة رجل، وقالوا : لو كان ما يدعيه نوح حقّاً لما وقع في وعد ربّه خلف .
ثمّ إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يزل يأمره عند كلّ مرّة بأن يغرسها مرّة بعد أُخرى إلى أن غرسها سبع مرّات، فما زالت تلك الطوائف من المؤمنین ترتدّ منه طائفة بعد طائفة إلى أن عاد إلى نيّف وسبعين رجلاً، فأوحى اللّه تبارك وتعالی عند ذلك إليه وقال : يا نوح الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرّح الحق عن محضه وصفي [الامر و] الإيمان من الكدر، بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة،
فلو أنّي أهلكت الكفّار وأبقيت من قد ارتدّ من الطوائف الّتي كانت آمنت بك، لما كنت صدّقت وعدي السابق للمؤمنين، الّذين أخلصوا التوحيد من قومك، واعتصموا بحبل نبوّتك بأن أستخلفهم في الأرض وأُمكّن لهم دينهم، وأُبدّل خوفهم بالأمن لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشكّ من قلوبهم.
وكيف يكون الاستخلاف والتمكين وبدل الخوف بالأمن منّي لهم مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الّذين ارتدّوا وخبث طيتنهم، وسوء سرائرهم الّتي كانت نتائج النفاق، وسنوح الضلالة(1)، فلو أنّهم تنسّموا منّي(2) الملك الّذي أوتي المؤمنين وقت الإستخلاف إذا أهلكت أعداءهم لنشقوا روائح صفاته ، ولاستحكمت سرائر نفاقهم، وتأبّد خبال ضلالة قلوبهم، ولكاشفوا إخوانهم بالعداوة ، وحاربوهم على طلب الرئاسة، والتفرّد بالأمر والنهي.
وكيف يكون التمكين في الدين وانتشار الأمر في المؤمنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب، كلّا (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا)(3)
قال الصادق علیه السلام : وكذلك القائم علیه السلام ، فإنّه تمتدّ أيّام غيبته ليصرّح الحقّ عن محضه، ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كلّ من كانت طينته خبيثة من
ص: 206
الشيعة الّذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسّوا بالإستخلاف، والتمكين، والأمر المنتشر في عهد القائم علیه السلام .
قال المفضّل : فقلت: يا بن رسول اللّه، إنّ [هذه] النواصب تزعم أنّ هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر، وعثمان، وعليّ فقال علیه السلام : لاهدى اللّه قلوب الناصبة، متى كان الدين الّذي ارتضاه اللّه ورسوله صلی اللّه علیه وآله وسلم متمكّناً بانتشار الأمن في الأُمّة، وذهاب الخوف من قلوبها ، وارتفاع الشكّ من صدورها في عهد أحد من هؤلاء! وفي عهد عليّ علیه السلام مع ارتداد المسلمين، والفتن الّتي كانت تثور في أيّامهم والحروب الّتي كانت تنشب بين الكفّار وبينهم، ثمّ تلا الصادق علیه السلام :
(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا)(1).
وأمّا العبد الصالح الخضر علیه السلام ، فإنّ اللّه تبارك وتعالى ما طوّل عمره لنبوّة قدّرها له، ولا لكتاب ينزله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء علیهم السلام ، ولا لإمامة يلزم عباده الإقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له، بلى إنّ اللّه تعالى لمّا كان في سابق علمه أن يقدّر من عمر القائم في أيّام غيبته ما يقدّره(2) وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول طوّل عمر العبد الصالح من غير سبب يوجب ذلك إلّا لعلّة الإستدلال به على عمر القائم، وليقطع بذلك حجّة المعاندين لئلّا يكون للناس على اللّه الحجّة(3) . إنتهى الحديث الشريف . وقد أوردناه بطوله لاشتماله على فوائد جمّة وأمور مهمّة، فتدبّر فيه .
الأمر السابع عشر: طلب معرفته من اللّه عزّ وجلّ
فإنّه ليس العلم بكثرة التعليم والتعلّم، بل هو نور يقذفه اللّه في قلب من
ص: 207
يريد أن يهديه(1) (وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) (2).
1302- وفي الكافي : عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام
في قول اللّه عزّ وجلّ: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)(3)
فقال : طاعة اللّه ومعرفة الإمام .(4)
1303- وفيه : عن أبي بصير ، قال : قال لي أبو جعفر علیه السلام : هل عرفت إمامك؟
قال: قلت: إي واللّه، قبل أن أخرج من الكوفة، فقال علیه السلام : حسبك إذاً .(5)
1304- وفيه : في الصحيح عن أبي جعفر علیه السلام قال :
ذروة الأمر وسنامه و مفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالى : الطاعة للإمام بعد معرفته .(6)
1305- وفيه: عن أبي خالد الكابليّ، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا)(7) فقال :
يا أبا خالد النور واللّه الأئمّة من آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم إلى يوم القيامة، وهم واللّه نور اللّه الّذي أنزل، وهم واللّه نور اللّه في السماوات وفي الأرض،
واللّه يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم واللّه ينوّرون قلوب المؤمنين، ويحجب اللّه عزّ وجلّ نورهم عمّن يشاء، فتظلم قلوبهم، واللّه يا أبا خالد، لا يحبّنا عبد ويتولّانا حتّى يطهّر اللبه قلبه، ولا يطهّر اللّه قلب عبد حتّى يسلّم لنا، ويكون سلماً لنا، فإذا كان سلماً لناسلّمه اللّه من شديد الحساب، وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر .(8)
تبیین و توضیح : قد عرفت فيما سبق أنّ أهمّ الأمور وأوجبها بعد معرفة اللّه
ص: 208
ورسوله، معرفة وليّ الأمر، وصاحب الزمان، لانّه ركن من أركان الإيمان، ومن مات ولا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة، ومعرفته مفتاح جميع أبواب الخير والسعادة والرحمة، وقد أمر اللّه عباده بتحصیل معرفته، والدعاء من الأبواب الّتي أمر اللّه تعالى أن يؤتي منها،
فقال : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(1)، (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ)(2)،
وقال تعالى أيضاً : (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)(3) .
1306- وفي الكافي : بإسناده عن محمّد بن حكيم، قال :
قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : المعرفة من صنع من هي؟
قال : من صنع اللّه، ليس للعباد فيها صنع.(4)
والآيات والروايات الدالّة على هذا المطلب كثيرة، فاللازم على العبد أن يسأل اللّه تعالى أن يرزقه ويكمل له معرفة إمام زمانه ، ويؤيّد ما ذكرنا، ويدلّ عليه أيضاً ورود الدعاء لذلك بالخصوص،
كما سيأتي في الأمر الآتي إن شاء اللّه .
وهذا لا ينافي كون العبد مختاراً ومأموراً بالطلب والنظر في وسائل المعرفة، لانّه نظير الرزق الّذي أمر العباد بطلبه، والدعاء له أيضاً، واللّه هو الرازق جلّ شأنه، فإنّ المجاهدة والسعي وظيفة العبد، والإيصال وظيفة الخالق المتعال، قال تبارك وتعالى : (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)(5) الآية ،
كما أنّ الزرع والسقي ونحوهما وظيفة العباد لكونها تحت قدرتهم، والإنبات، والإنماء، والحفظ عن الآفات، إلى حصول النتيجة وبلوغ المراد، وظيفة اللّه لخروجها عن قدرة العباد، لكن عليهم الدعاء والمسألة لحصول النتيجة المقصودة .
ص: 209
وكذلك معرفة الإمام لها وسائل وأسباب، رتّبها اللّه تعالى لعباده، وهي مقدورة لهم، مثل النظر في معجزاته، وأخلاقه، وإخبار الأئمّة السابقين به وبخصائصه، وبطول غيبته، وما يرد على المؤمنين في زمان غيبته ، وبالشؤون الّتي خصّه اللّه تعالى بها، والدلائل الّتي دلّ عليها، وغير ذلك ، فعليهم السعي في تحصيل معرفته بالاسباب المذكوة ونحوها،
ولكن لمّا كانت المعرفة من صنع اللّه عزّ وجلّ، وجب عليهم وتأكّد لهم بحكم العقل والنقل الدعاء، وطلب معرفته من اللّه تعالى، فإنّ :
(مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ)(1).
الأمر الثامن عشر :
1307- المداومة بالدعاء الذي رواه ثقة الإسلام الكليني والشيخ النعمانيّ والطوسي (رحمة اللّه علیه) بأسانيدهم عن زرارة، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : إن للغلام غيبة قبل أن يقوم، قال : قلت : ولِمَ؟ قال : يخاف - و أومأ بيده إلى بطنه - ثمّ قال : يا زرارة وهو المنتظر، وهو الّذي يشكّ في ولادته ، منهم من يقول : مات أبوه بلاخلف، ومنهم من يقول : حمل(2) ، ومنهم من يقول : إنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظر غير أنّ اللّه عزّ وجلّ يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون، یا زرارة، إذا أدركت ذلك الزمان فادع بهذا الدعاء :
«اَللَّهُمَّ عَرِّفْنِی نَفسَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِی نَفسَكَ لَمْ اَعْرِفْ نَبِيَّكَ، اَللَّهُمَّ عَرِّفْنِی رَسُولَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ اَعْرِفْ حُجَّتَكَ، اَللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِینِي»(3)
ص: 210
1308- ورواه رئيس المحدّثين في كتاب كمال الدين : بإسناده عن زرارة قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم، قلت له : ولِمَ؟
قال علیه السلام : يخاف . وأومأ بيده إلى بطنه - ثمّ قال : يا زرارة، وهو المنتظر، وهو الّذي يشكّ الناس في ولادته، منهم من يقول : هو حمل، ومنهم من يقول : هو غائب ، ومنهم من يقول : ما ولد، ومنهم من يقول: ولد قبل وفاة أبيه بسنتين غير أن اللّه تبارك وتعالى يحبّ أن يمتحن الشيعة ، فعند ذلك يرتاب المبطلون.
قال زرارة : فقلت: جعلت فداك ، فإن أدركت ذلك الزمان، فأيّ شيء أعمل؟ قال علیه السلام : يا زرارة، إن أدركت ذلك الزمان، فأدِمْ هذا الدعاء:
اللّهمّ عرّفني نفسك ... إلخ.(1)
الأمر التاسع عشر :
1309- الدعاء الّذي رواه الشيخ الصدوق : بإسناده عن عبداللّه بن سنان، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : ستصيبكم شبهة، فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى، ولا ينجو منها إلّا من دعا دعاء الغريق، قلت : كيف دعاء الغريق؟
قال علیه السلام : يقول : يَا اَللَّهُ يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيمُ، يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ، ثَبِّت قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، فقلت : يا اللّه يا رحمان یا رحیم، یا مقلّب القلوب والأبصار، ثبّت قلبي على دينك.
قال علیه السلام : إنّ اللّه مقلّب القلوب والابصار، ولكن قل كما أقول لك : يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك .(2)
1310- وروى الشيخ النعمانيّ (رحمة اللّه علیه) في الغيبة : بإسناده عن حمّاد بن عیسی، عن عبداللّه بن سنان قال : دخلت أنا و أبي على أبي عبداللّه علیه السلام ، فقال علیه السلام:
كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى، ولاعلماً یری، فلا
ص: 211
ينجو من تلك الحيرة إلا من دعا بدعاء الغريق ؟(1)
فقال أبي : هذا واللّه البلاء فكيف نصنع جعلت فداك حينئذ ؟ قال علیه السلام : إذا كان ذلك - ولن تدركه - فتمسّكوا بما في أيديكم حتّى يتّضح لكم الامر.(2)
الأمر المتمّم للعشرين:
1311- الدعاء الّذي ذكره السيّد ابن طاووس (رحمة اللّه علیه) في مهج الدعوات في حديث ذكر فيه غيبة المهدي عجل اللّه تعالی فرجه ، قال الراوي : قلت : كيف تصنع شيعتك؟
قال: عليكم بالدعاء وانتظار الفرج، إلى أن قال: قلت: فما ندعو به؟
قال علیه السلام : تقول:
اللَّهُمَّ أَنْتَ عَرَّفْتَنِي نَفْسَكَ وَ عَرَّفْتَنِي رَسُولَكَ وَ عَرَّفْتَنِي مَلَائِكَتَكَ، عَرَّفْتَنِي نَبِيَّكَ وَ عَرَّفْتَنِي وُلَاةَ أَمْرِكَ اللَّهُمَّ لَا آخُذُ إِلَّا مَا أَعْطَيْتَ وَ لَا وَاقِي إِلَّا مَا وَقَيْتَ، اللَّهُمَّ لَا تُغَيِّبْنِي عَنْ مَنَازِلِ أَوْلِيَائِكَ وَ لَا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِوَلَايَةِ مَنِ افْتَرَضْتَ طَاعَتَهُ.(3)
الأمر الواحد والعشرون : معرفة علامات ظهوره علیه السلام
ولا سيّما العلامات المحتومة الّتي أخبر بها الأئمّة الطاهرون علیه السلام ، والدليل على ذلك العقل والنقل:
أمّا الأوّل : فلأنّك قد عرفت وجوب معرفته سلام اللّه عليه بشخصه ومعرفة العلائم المحتومة الّتي تقع مقارنة لظهوره، أو قريباً منه مقدّمة لمعرفته .
وإن قلت : يمكن معرفته بغير تلك العلامات أيضاً، فلا يكون طريق المعرفة منحصراً في ذلك . قلنا : قد ورد في الروايات الأمر بالسعي إليه حين ظهوره.
ص: 212
1312- كما في رواية النعمانيّ : بإسناده عن الباقر علیه السلام بعد ذكر النداء والخسف بالبيداء : فاسعوا إليه ولو حبواً، واللّه كأنّي أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس ! ... إلخ .(1)
ولا ريب أنّ السعي إليه حين ظهوره من البلاد لا يمكن إلّا بعد العلم بظهوره بسبب ظهور العلامات المحتومة الموعودة،
وأمّا معرفته بالمعجزات الصادرة منه فإنّه يحصل للمشاهدين، كما لا يخفی
1313- وأمّا النقل: فقول الصادق علیه السلام في خبر عمر بن أبان المرويّ في الكافي في الصحيح: «أعرف العلامة، فإذا عرفته لم يضرّك تقدّم هذا الأمر أو تأخّر» الخبر .(2)
مضافاً إلى أنّ الأئمّة الطاهرين قد بيّنوا العلامات الّتي جعلها اللّه تعالی لظهور القائم علیه السلام ليتميّز المحقّ من المبطل،
وقد ذكروا في جملة من الروايات وقوع بعض ما يفتتن به أهل الضلال، وأنّ الّذين رووا أحاديث الأئمّة والّذين استمعوا وعرفوا الوقائع الّتي أخبر الأئمّة علیهم السلام بوقوعها لا يفتتنون، ولا يضلّون، وذلك لأنّهم عرفوا المحقّ من المبطل بسبب معرفة العلامات على حسب الروايات المأثورة عن أئمّتهم علیهم السلام .
ألا ترى أنّ كثيرا من الّذين ارتدّوا عن الدين واتّبعوا المضلّين الملحدين في زماننا وما قبله إنّما ارتدوا وضلّوا ، بسبب جهلهم بعلامات ظهور صاحب الامر وخصائصه علیه السلام فضلّوا وأضلّوا. فلو أنّهم سعوا في طلب العلم وتحصيل المعرفة بما يجب عليهم من صفات صاحب الامر، وعلائمه ودلائله وعلامات ظهوره، كانوا من الناجين، ولم يرتدّوا عن الدين، نسأل اللّه عزّوجلّ أن يرزقنا العلم والعمل، ويعصمنا من الخطاء والزلل، إنّه سميع مجيب،
ص: 213
ويأتي في الأمر الآتي مزید توضیح و تبيين لذلك إن شاء اللّه تعالی.
ويدل على المقصود أيضا أن إطاعة أوامره واجبة لقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(1)وحينئذ يجب على المؤمن معرفة علامات ظهوره، ليطيع أوامره إذا ظهر، وليتميّز الحقّ من الباطل، ونحن نذكر هنا بعض ما رواه الشيخ الأجلّ محمّد بن إبراهيم النعمانيّ (رحمة اللّه علیه) في كتاب الغيبة :
1314- فمنها : بإسناده عن عمر بن حنظلة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام أنّه قال :
للقائم علیه السلام خمس علامات : السفيانيّ ، واليمانيّ، والصيحة من السماء ، وقتل النفس الزكية ، والخسف بالبيداء .(2)
1315- وفي خبر آخر عنه علیه السلام أنّه قال : العام الّذي فيه الصيحة قبله الآية في رجب ، قلت : وما هي؟ قال : وجه يطلع في القمر، ويد بارزة .(3)
1316- وعن عبداللّه بن سنان، عنه علیه السلام أنّه قال : النداء من المحتوم، والسفياني من المحتوم، واليماني من المحتوم، وقتل النفس الزكيّة من المحتوم، وكفّ يطلع من السماء من المحتوم، قال : وفزعة في شهر رمضان توقظ النائم، وتفزع اليقظان، وتخرج الفتاة من خدرها .(4)
1317- وعن البزنطي (رحمة اللّه علیه)، عن الرضا علیه السلام أنّه قال : قبل هذا الأمر السفيانيّ، واليمانيّ، والمروانيّ، وشعيب بن صالح، فكيف يقول هذا وهذا .(5)
1318- وعن أبي بصير ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ علیه السلام أنّه قال :
إذا رأيتم ناراً من (قبل) المشرق شبه الهردي (6) العظيم، تطلع ثلاثة أيّام أو سبعة، فتوقّعوا فرج آل محمّد علیهم السلام إن شاء اللّه عزّ وجلّ، إنّ اللّه عزيز حكيم.
ص: 214
ثمّ قال علیه السلام : الصيحة لا تكون إلّا في شهر رمضان،لانّ شهر رمضان شهر اللّه والصيحة فيه هي صيحة جبرئیل علیه السلام إلى هذا الخلق.
ثمّ قال: ينادي مناد من السماء باسم القائم علیه السلام فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلّا استيقظ، ولا قائم إلّا قعد، ولا قاعد إلّا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت، فرحم اللّه من اعتبر بذلك الصوت فأجاب ، فإنّ الصوت الأوّل هو صوت جبرئيل الروح الأمين . ثمّ قال علیه السلام :
يكون الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة، ليلة ثلاث وعشرین، فلا تشكوا في ذلك، واسمعوا وأطيعوا، وفي آخر النهار صوت الملعون إبليس ينادي : ألا إنّ فلاناً قتل مظلوماً، ليشكّك الناس ويفتنهم، فكم في ذلك اليوم من شاكّ متحيّر قد هوى في النار، فإذا سمعتم الصوت في شهر رمضان فلا تشكّوا فيه، إنّه صوت جبرئيل، وعلامة ذلك أنّه ينادي باسم القائم، واسم أبيه علیهماالسلام حتّى تسمعه العذراء في خدرها، فتحرّض أباها وأخاها على الخروج.
وقال علیه السلام : لا بدّ من هذين الصوتين قبل خروج القائم : صوت من السماء، وهو صوت جبرئیل باسم صاحب هذا الأمر واسم أبيه، والصوت الثاني من الأرض هو صوت إبليس اللعين، ينادي باسم فلان أنّه قتل مظلوماً، يريد بذلك الفتنة فاتّبعوا الصوت الأوّل، وإيّاكم والأخير أن تفتنوا به .(1)
1319- وعن غير واحد من أصحابه ، عن أبي عبداللّه علیه السلام أنّه قال :
قلنا له علیه السلام : السفياني من المحتوم؟ فقال علیه السلام : نعم، وقتل النفس الزكيّة من المحتوم ، والقائم من المحتوم، وخسف البيداء من المحتوم، وكفّ تطلع من السماء من المحتوم، والنداء [من السماء من المحتوم]
فقلت : وأيّ شيء النداء؟ فقال علیه السلام : مناد ينادي باسم القائم واسم أبيه .(2)
ص: 215
1320- وعن ابن أبي يعفور، قال : قال لي أبو عبداللّه علیه السلام : أمسك بيدك هلاك الفلاني، وخروج السفيانيّ، وقتل النفس، وجيش الخسف، والصوت،
قلت : وما الصوت، أهو المنادي؟
فقال علیه السلام : نعم، وبه يعرف صاحب هذا الامر.(1)
1321- وعن زرارة قال: قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : النداء حقّ؟
قال علیه السلام : إي واللّه، حتّى يسمعه كلّ قوم بلسانهم.(2)
1322- وعن عبداللّه بن سنان : قال : كنت عند أبي عبد اللّه علیه السلام فسمعت رجلاً من همدان يقول له: إنّ هؤلاء العامّة يعيّرونا ويقولون لنا: إنّكم تزعمون أن مناديا ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر،
وكان علیه السلام متّكئاً فغضب وجلس، ثمّ قال علیه السلام : لا ترووه عنّي وارووه عن أبي، ولا حرج عليكم في ذلك، أشهد أنّي قد سمعت أبي علیه السلام يقول: واللّه، إنّ ذلك في كتاب اللّه عزّ وجلّ لبيّن حيث يقول : (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)(3) فلا يبقى في الأرض يومئذ أحد إلّا خضع ، وذلّت رقبته لها، فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء:
ألا إنّ الحقّ في عليّ بن أبي طالب علیه السلام و شیعته، قال : فإذا كان من الغد، صعد إبليس في الهواء حتّى يتوارى عن أهل الأرض، ثمّ ينادي : الا إنّ الحقّ في عثمان بن عفّان و شیعته، فإنّه قتل مظلوماً، فاطلبوا بدمه .
قال علیه السلام : ف (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ)(4) على الحقّ، وهو النداء الأوّل، ویرتاب يومئذ الّذين في قلوبهم مرض، والمرض واللّه عداوتنا،
فعند ذلك يتبرّؤون منّا ويتناولونا، فيقولون :
ص: 216
إنّ المنادي الأوّل سحر من سحر أهل هذا البيت، ثمّ تلا أبو عبداللّه علیه السلام قول اللّه عزّ وجلّ: (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)(1) .(2)
1323- وعن محمّد بن الصامت : قلت للصادق علیه السلام : ما من علامة بين يدي هذا الأمر؟ فقال علیه السلام : بلی، قلت: وما هي؟ قال : هلاك العبّاسيّ، وخروج السفيانيّ، وقتل النفس الزكيّة، والخسف بالبيداء، والصوت من السماء،
فقلت : جعلت فداك، أخاف أن يطول هذا الأمر،
فقال علیه السلام : لا، إنّما هو كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً.(3)
1324- وعن حمران بن أعين، عن الصادق علیه السلام أنّه قال :
من المحتوم الّذي لا بدّ أن يكون من قبل قيام القائم علیه السلام خروج السفياني ، وخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكيّة، والمنادي من السماء .(4)
1325- وعن زرارة بن أعين قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول : ينادي مناد من السماء : إنّ فلاناً هو الامير، وينادي مناد : إنّ عليّاً و شیعته هم الفائزون ،
قلت : فمن يقاتل المهديّ علیه السلام بعد هذا؟
فقال علیه السلام : إنّ الشيطان ينادي : إنّ فلاناً و شیعته هم الفائزون، يعني رجلاً من بني أُميّة، قلت: فمن يعرف الصادق من الكاذب؟
قال علیه السلام : يعرفه الّذين كانوا يروون حديثنا، ويقولون : إنّه يكون قبل أن يكون، ويعلمون أنّهم هم المحقّون الصادقون. (5)
1326- وفي حديث آخر عن زرارة، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : عجبت اصلحك اللّه، وانّي لأعجب من القائم علیه السلام كيف يقاتل مع ما يرون من العجائب من خسف البيداء بالجيش، ومن النداء الّذي يكون من السماء، فقال علیه السلام :
ص: 217
إنّ الشيطان لا يدعهم حتّى ينادي كما نادى برسول اللّه علیه السلام يوم العقبة .(1)
1327- وعن هشام بن سالم، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول :
هما صيحتان : صيحة في أوّل الليل، وصيحة في آخر الليلة الثانية، قال :
فقلت : كيف ذلك؟ قال : فقال : واحدة من السماء، وواحدة من إبليس،
فقلت : وكيف تعرف هذه من هذه؟
فقال : يعرفها من كان سمع بها قبل أن تكون .(2)
1328- وعن عبدالرحمان بن مسلمة قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام :
إنّ الناس يوبّخونا، ويقولون : من أين يعرف المحقّ من المبطل إذا كانتا؟
فقال علیه السلام : ما تردّون عليهم؟ قلت : فما نردّ عليهم شيئاً، قال :
فقال علیه السلام : قولوا لهم يصدّق بها إذا كانت من كان مؤمناً يؤمن بها قبل أن تكون، قال اللّه عزّ وجلّ : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(3). (4)
1329- وعن عبداللّه بن سنان قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول:
لا يكون هذا الأمر الّذي تمدّون إليه أعناقكم حتّي ينادي مناد من السماء : ألا إنّ فلاناً صاحب الأمر، فعلی مَ القتال ؟ !(5)
1330- وعن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال :
السفيانيّ، والقائم علیه السلام في سنة واحدة .(6)
1331- وعن بدر بن الخليل الأسديّ، قال :
كنت عند أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر علیه السلام فذكر آيتين تكونان قبل قيام
ص: 218
القائم، لم تكونا منذ أهبط اللّه آدم علیه السلام أبداً، وذلك أنّ الشمس تنكسف في النصف من شهر رمضان، والقمر في آخره، فقال رجل: يا بن رسول اللّه،
لا، بل الشمس في آخر الشهر والقمر في النصف، فقال له أبو جعفر علیه السلام :
إنّي لأعلم بالّذي أقول، إنّهما آیتان لم تكونا منذ هبط آدم.(1)
1332- وعن ورد أخي الكميت، عن أبي جعفر علیه السلام أنه قال :
إنّ بين يدي هذا الأمر انكساف القمر لخمس تبقى والشمس لخمس عشرة، وذلك في شهر رمضان وعنده يسقط حساب المنجّمين .(2)
أقول: من هذا الحديث ظهر أنّ المراد بالآخر في الحديث السابق هو الآخر العرفي لا الحقيقي، فلا اختلاف بينهما، والحمد للّه.
1333- وعن عبدالملك بن أعين، قال : كنت عند أبي جعفر، فجری ذكر القائم، فقلت له : أرجو أن يكون عاجلاً ، ولا يكون سفيانيّ،
فقال : لا واللّه، إنّه لمن المحتوم الّذي لا بدّ منه .(3)
1334- وعن حمران بن أعين، عن أبي جعفر ، في قوله تعالى : (ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ)(4) ، فقال : إنّهما أجلان : أجل محتوم، وأجل موقوف.
فقال له حمران : ما المحتوم؟ قال : الّذي لا يكون غيره،
قال : وما الموقوف؟ قال : الّذي للّه فيه المشيّة .
قال حمران : إنّي لأرجو أن يكون أجل السفياني من الموقوف،
فقال أبو جعفر علیه السلام : لا واللّه إنّه لمن المحتوم.(5)
1335- و عن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر علیه السلام، قال : إنّ من الأُمور أُموراً موقوفة، وأُموراً محتومة، وإنّ السفيانيّ من المحتوم الّذي لا بدّ منه .(6)
ص: 219
1336- وعن خلّاد الصائغ ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، أنّه قال :
السفيانيّ لا بدّ منه، ولا يخرج إلّا في رجب، فقال له رجل:
یا ابا عبداللّه، إذا خرج فما حالنا؟ قال : إذا كان ذلك فإلينا(1).(2)
1337- وعن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر علیه السلام قال : السفياني أحمر، أشقر، أزرق، لم يعبد اللّه قطّ ، ولم ير مكّة ولا المدينة قطّ، يقول:
یا ربّ ثاري والنار، یا ربّ ثاري والنار .(3)
1338- وعن الصادق عليه الصلاة والسلام، قال: إذا قام القائم علیه السلام بعث في أقاليم الأرض، في كلّ إقليم رجلاً يقول: عهدك في كفّك .
فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه، ولا تعرف القضاء فيه، فانظر إلى كفّك واعمل بما فيها، قال علیه السلام : ويبعث جنداً إلى القسطنطينيّة ، فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئا، ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا:
هؤلاء أصحابه يمشون على الماء، فكيف هو؟ فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة ، فيدخلونها فيحكمون فيها ما يريدون .(4)
أقول: وجيش السفيانيّ الذين يخسف بهم الأرض في البيداء ما بين مكّة والمدينة قد ورد في حديث مفضّل أنّهم ثلاثمائة ألف، والحديث طویل مذكور في الأنوار النعمانية وبحار الانوار .(5)
1339- وقد ورد في بعض الروايات :
أنّهم إذا نزلوا بالبيداء نزل جبرئیل علیه السلام فصاح یا بیداء أبيدي القوم .(6)
ص: 220
ونكتفي هنا بهذا المقدار، وفيه كفاية وغنى لأهل الإعتبار .
وروى الصدوق (رحمة اللّه علیه) و غیره رحمهم اللّه كثيراً من تلك الأخبار .
1340- وروى الصدوق : بإسناده عن عبداللّه بن عجلان، قال : ذكرنا خروج القائم علیه السلام عند أبي عبداللّه علیه السلام فقلت له : كيف لنا أن نعلم ذلك ؟
فقال : يصبح أحدكم وتحت رأسه صحيفة عليها مكتوب: «طاعة معروفة».(1)
تصديق فيه تشویق:
1341- قد روي في كتاب نور العيون في جملة علائم الظهور :
أنّ الناس في آخر الزمان يتركون العمامة، ويبّدلونها بالقلنسوة .(2)
1342- وروي أيضاً فيها : أنّ الناس يفرحون بفقد الأولاد، ويتبشّر، ويتشكّر من لا ولد له.
أقول: قد ظهر صدق هاتين في هذه السنة وهي سنة ستّ وأربعين وثلاثمائة بعد ألف من الهجرة النبويّة، فقد رأيت جمعاً من الناس تركوا العمامة، وبدّلوها بالقلنسوة، تشبّهاً بأهل الباطل، وتقرّباً إليهم، ورأيت الناس بفرحون بفقد الأولاد، ويتبشّر ويتشكّر من لا ولد له بسبب النظام الإجباري، وإلى اللّه تعالی نشكو غيبة وليّه، ونسأله أن يعجّل في فرجه ويجعلنا من أنصاره .
الأمر الثاني والعشرون : التسليم، وترك الإستعجال
والكلام هنا في مقامين:
الأوّل : في ذكر جملة من الروايات الواردة عن الأئمّة علیهم السلام :
1343- في الكافي : بإسناده عن عبدالرحمان بن كثير، قال :
كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام إذ دخل عليه مهزم، فقال له:
ص: 221
جعلت فداك، أخبرني عن هذا الأمر الّذي نتظره متى هو؟ فقال علیه السلام :
یا مهزم، كذب الوقّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلِّمون .(1)
1344- وعن إبراهيم بن مهزم، عن أبيه، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال :
ذكرنا عنده ملوك آل فلان، فقال علیه السلام : إنّما هلك الناس من استعجالهم لهذا الأمر، إنّ اللّه لا يعجل لعجلة العباد، إنّ لهذا الأمر غاية ينتهي إليها، فلو قد بلغوها لم يستقدموا ساعة ولم يستأخروا .(2)
1345- وعن منصور، قال : قال لي أبو عبداللّه علیه السلام :
یا منصور، إنّ هذا الأمر لا يأتيكم إلّا بعد إياس، ولا واللّه حتّى تميّزوا ، ولا واللّه حتى تمحّصوا، ولا واللّه حتّى يشقى من يشقى، ويسعد من يسعد.(3)
1346 - وعن محمّد بن منصور الصيقل، عن أبيه ، قال : كنت أنا والحارث ابن المغيرة وجماعة من أصحابنا جلوساً ، وأبو عبداللّه علیه السلام يسمع كلامنا،
فقال لنا: في أيّ شيء أنتم؟ هيهات هيهات، لا واللّه لا يكون ماتمدّون إليه أعينكم حتّى تغربلوا، لا واللّه لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتّى تمحّصوا، لا واللّه لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتّى تميّزوا، لا واللّه ما يكون ما تمدّون إليه أعينكم إلّا بعد إياس، لا واللّه لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتّى يشقی من يشقى، ويسعد من يسعد.(4)
1347- وفي حديث آخر، عن أبي جعفر علیه السلام قال :
إنّ حديثكم هذا لتشمئزّ منه قلوب الرجال، فمن أقرّ به فزيدوه، ومن أنكره فذروه، إنّه لا بدّ من أن تكون فتنة يسقط فيها كلّ بطانة ووليجة، حتّى يسقط فيها من يشقّ الشعرة بشعرتين، حتّى لا يبقى إلّا نحن وشیعتنا.(5)
ص: 222
1348- وفي الوافي، عن الكافي : بإسناده عن أبي المرهف، عن أبي جعفر علیه السلام قال : الغبرة على من أثارها، هلك المحاضير،
قلت : جعلت فداك ، وما المحاضير ؟ قال علیه السلام : المستعجلون، الحديث .(1)
قال في الوافي : المحاضير، إمّا بالمهملات من الحصر، بمعنى ضيق الصدر، وإمّا بالمعجمة بين المهملتين من الحضر بمعنى العَدو.
وقال المجلسي (رحمة اللّه علیه) في البحار : المحاضير جمع المحضير : وهو الفرس الكثير العَدو.
1349- وفي غيبة النعمانيّ : بإسناده عن أبي المرهف، قال :
قال أبو عبداللّه علیه السلام: هلكت المحاضير ، قال : قلت : وما المحاضير؟
قال : المستعجلون، ونجا المقرّبون، وثبت الحصن على أوتادها، الخبر .(2)
1350- وبإسناده عن عبدالرحمان بن كثير، قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام يوماً وعنده مهزم الأسدي، فقال :
جعلني اللّه فداك، متى هذا الأمر، فقد طال علينا؟ فقال :
كذب المتمنّون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلّمون، وإلينا يصيرون .(3)
1351- و بإسناده عن أبي جعفر الباقر علیه السلام أنّه قال :
هلك أصحاب المحاضير، ونجا المقرّبون، وثبت الحصن على أوتادها، إنّ بعد الغمّ فتحاً عجيباً.(4)
1352- وبإسناده عن إبراهيم بن هليل، قال : قلت لأبي الحسن علیه السلام :
جعلت فداك ، مات أبي على هذا الأمر، وقد بلغت من السنين ما قد تری،
ص: 223
أموت ولا تخبرني بشيء؟ فقال : يا أبا إسحاق، أنت تعجل؟ فقلت:
إي واللّه أعجل، وما لي لا أعجل، وقد بلغت أنا من السنّ ما قد ترى؟!
فقال علیه السلام : أما واللّه يا أبا إسحاق، ما يكون ذلك حتّى تميّزوا وتمحّصوا، وحتّى لا يبقى منكم إلّا الأقلّ.(1)
1353- و بإسناده عن عبدالرحمان بن كثير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، في قول اللّه عزّ وجلّ: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ)(2)
قال علیه السلام : هو أمرنا أمر اللّه عزّ وجلّ ألّا يستعجل به، حتّى يؤيّده بثلاثة أجناد: الملائكة، والمؤمنون، والرعب، وخروجه علیه السلام كخروج رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم وذلك قوله تعالى: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ)(3).(4)
1354- وروي في البرهان والمحجّة(5) عن غيبة المفيد بإسناده (مثله).(6)
1355- وفيهما أيضاً عن مسند فاطمة، للشيخ أبي جعفر محمد بن جریر الطبري: بإسناده عن أبان، عن أبي عبداللّه علیه السلام، قال :
إذا أراد اللّه قيام القائم علیه السلام بعث جبرئيل في صورة طائر أبيض، فيضع إحدى رجليه على الكعبة، والأُخرى على بيت المقدس .
ثمّ ينادي بأعلى صوته : (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ)
قال : فيحضر القائم فيصلّي عند مقام إبراهيم ركعتین .
ثمّ ينصرف وحواليه أصحابه وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، إنّ فيهم لمن يسرى عن فراشه ليلاً، فيخرج ومعه الحجر، فيلقيه فتعشب الأرض .(7)
ص: 224
1356- وروی رئیس المحدّثين في كتاب كمال الدين: بإسناد صحيح عن الصادق علیه السلام ، قال : أوّل من يبايع القائم علیه السلام جبرئيل علیه السلام، ينزل في صورة طير أبيض، فيبايعه، ثمّ يضع رجلاً على بيت اللّه الحرام، ورجلاً على بيت المقدس ثمّ ينادي بصوت طلق، تسمعه الخلائق : «أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ» .(1)
أقول: هذان الحديثان يدلّان على أنّ المراد بأمر اللّه في الآية ظهور القائم عجل اللّه تعالی فرجه وقراءة جبرئيل في تلك الحالة للدلالة على ذلك ، وتعيير للمنكرین والمستعجلين، واللّه العالم.
1357- وفي البرهان ، عن العيّاشيّ: عن هشام بن سالم، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : سألته عن قول اللّه تعالى : (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) ، قال علیه السلام : إذا أخبر اللّه النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم بشيءٍ إلى الوقت فهو قوله : (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) حتّى يأتي ذلك الوقت،
وقال : إنّ اللّه إذا أخبر أنّ شيئاً كائن فكأنّه قد كان.(2)
1358- وفي كتاب حسین بن حمدان : بإسناده عن المفضّل ، عن الصادق علیه السلام في قوله تعالى في سورة حمعسق :
(وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ)(3).
إنّ المراد بالساعة وقت ظهور القائم، قلت: يا مولاي، ما معنى يمارون؟
قال : يقولون متى ولد؟! ومَن رآه ؟! وأين هو؟! وأين يكون؟! ومتى يظهر ؟! كلّ ذلك استعجالاً لأمر اللّه، وشكّاً في قضائه ، «أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وإِنَّ لِلْكَافِرِينَ لَشَرّ مَآب».(4)
ص: 225
1359- وفي حديث الأربعمائة عن أمير المؤمنين علیه السلام ، قال :
مزاولة قلع الجبال أيسر من مزاولة ملك مؤجّل، واستعينوا باللّه واصبروا، ف (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(1) لا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا، ولا يطولنّ عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم.(2)
1360- وفي اكمال الدين واتمام النعمة لابن بابویه: بإسناده إلى الصقر بن أبي دلف، قال : سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الرضا علیهماالسلام و يقول : إنّ الإمام بعدي ابني عليّ، أمره أمري وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثمّ سكت ، فقلت : یابن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكي علیه السلام بكاءً شديداً .
ثمّ قال : إنّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقّ المنتظر،
فقلت له: يا بن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ولم سمّي القائم؟
قال : لأنّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته ،
فقلت له : ولم سمّى المنتظر؟
قال : لأنّ له غيبة يكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون.(3)
1361- و بإسناده عن سيّد العابدین علیه السلام قال : فينا أُنزلت هذه الآية (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)(4) وفينا أُنزلت هذه الآية : (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ)(5) والإمامة في عقب الحسين علیه السلام إلى يوم القيامة،
وإنّ للقائم منّا غيبتين إحداهما أطول من الأُخرى، أمّا الأُولى: فستّة أيام، أو ستّة أشهر، أو ستّ سنين، وأمّا الأخرى : فيطول أمدها حتّى يرجع عن هذا
ص: 226
الأمر أكثر من يقول به، فلا يثبت عليه إلّا من قوي يقينه، وصحّت معرفته، ولم يجد في نفسه حرجاً ممّا قضينا، وسلّم لنا أهل البيت .(1)
1362- وعنه علیه السلام قال : إنّ دين اللّه عزّ وجلّ لا يصاب بالعقول الناقصة ، والآراء الباطلة، والمقائیس الفاسدة، ولا يصاب إلّا بالتسليم،
فمن سلّم لنا سلم، ومن اقتدى بنا هدي، ومن كان يعمل بالقياس والرأي هلك، ومن وجد في نفسه شيئاً ممّا نقوله أو نقضي به حرجاً كفر بالّذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم، وهو لا يعلم.(2)
1363- وفي كفاية الأثر للشيخ الاقدم عليّ بن محمّد بن عليّ الخزّاز الرازي، ويقال القمّيّ (رحمة اللّه علیه) بإسناده عن مولانا الحسن المجتبى علیه السلام ، قال :
خطب رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم يوماً، فقال بعد ما حمد اللّه وأثنى عليه :
معاشر الناس، كأنّي أُدعى فأُجيب، وإنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا، فتعلّموا منهم، ولاتعلّموهم، فإنّهم أعلم منكم، لا تخلوا الأرض منهم، ولو خلت إذاً لساخت بأهلها.
ثمّ قال علیه السلام : اللّهمّ إنّي أعلم أنّ العلم لا يبيد ولا ينقطع، وأنّك لا تُخلي أرضك من حجّة لك على خلقك، ظاهر ليس بالمطاع، أو خائف مغمور لكيلا تبطل حجّتك، ولا يضلّ أولياؤك بعد إذ هديتهم، أُولئك الأقلّون عدداً، الأعظمون قدراً عند اللّه، فلمّا نزل عن منبره،
قلت : يا رسول اللّه، أما أنت الحجّة على الخلق كلّهم ؟ قال : يا حسن، إنّ اللّه يقول : (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)(3) ، فأنا المنذر وعليّ الهادي .
قلت : يا رسول اللّه، فقولك: إنّ الأرض لا تخلو من حجّة؟
قال : نعم ، هو الإمام والحجّة بعدي، وأنت الحجّة والإمام بعده ،
ص: 227
والحسين الإمام والحجّة بعدك، ولقد نبّأني اللطيف الخبير أنّه يخرج من صلب الحسين ولد يقال له : عليّ، سمّي جدّه عليّ، فإذا مضى الحسين قام بالأمر عليّ ابنه، وهو الحجّة والإمام، ويخرج اللّه من صلب عليّ ولداً سمييّ و أشبه الناس بي، علمه علمي و حكمه حكمي، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالی من صلبه مولوداً يقال له: جعفر، أصدق الناس قولاً وعملاً، وهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب جعفر مولوداً سمّي موسی بن عمران، أشدّ الناس تعبّداً، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه من صلب موسى ولداً، يقال له : عليّ، معدن علم اللّه وموضع حكمه فهو الإمام والحجّة بعد أبيه .
ويخرج اللّه من صلب علىّ مولوداً، يقال له : محمّد، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه من صلب محمّد مولوداً يقال له : عليّ، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه تعالى من صلب عليّ مولوداً يقال له : الحسن، فهو الإمام والحجّة بعد أبيه، ويخرج اللّه من صلب الحسن الحجّة القائم، إمام زمانه، ومنقذ أوليائه ، يغيب حتّى لايرى، يرجع عن أمره قوم، ويثبت عليه آخرون: (وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(1)
ولو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل اللّه عزّ وجلّ ذلك اليوم حتّى يخرج قائمنا، فيملأها قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً،
فلا تخلو الارض منكم، أعطاكم اللّه علمي و فهمي، ولقد دعوت اللّه أن يجعل العلم والفقه في عقبي وعقب عقبي، ومن زرعي وزرع زرعي .(2)
المقام الثاني : في بيان أقسام العجلة المذمومة، وما يترتّب عليها من الفساد، وسببيّتها للكفر والإلحاد.
الأوّل: أنّه قد توجب العجله في ذلك الأمر وعدم التحمّل والصبر، إتّباعَ
ص: 228
المضلّين، والملحدين، الّذين ادّعوا الظهور، وأضلّوا العارين الغافلين عن أخبار الأئمّة الصدور، فقد موّهوا بتسويلاتهم ودعوا العوام إلى خرافاتهم وضلالاتهم فبعثتهم العجلة في هذا الأمر إلى متابعتهم بلا بيّنة ولا برهان،
مع أن أئمّتنا علیه السلام ذكروا وبيّنوا لنا علامات صاحب الزمان، والعلائم الحتميّة الّتي تقع وتظهر عند ظهوره بأوضح بيان، وأمرونا بالتمسّك بالأمر الأوّل والثبات عليه، وترك النهوض إلى إجابة من يدّعي النيابة، أو الظهور قبل ظهور تلك العلامات، نسأل اللّه العصمة من تسويلات الشيطان .
الثاني: أنّه قد توجب العجلة في ذلك اليأس عن وقوعه، فيكون ثمرة تلك العجلة تكذيب النبيّ والأئمّة علیهم السلام فيما ورد عنهم من الاخبار المتواترة والآثار المتكاثرة من الوعد بوقوعه، والأمر بانتظاره،
وقد مرّ شطر ممّا يدلّ على ذلك فتدبّر .
الثالث : أنّه قد تكون العجلة في ذلك باعثة لإنكار صاحب الامر علیه السلام ، وهذا أشدّ من سابقه، إذ يمكن أن يكون الشخص معتقداً بإمامة الثاني عشر ، وبقائه ، ويكون آیساً من ظهوره بسبب طول الغيبة، وكونه مستعجلاً، فيكون من الهالكين، وهذا القسم الثاني من أقسام العجلة الّتي توجب الهلاك والخسران،
والقسم الثالث أنّ العجلة تجرّه وتفضيه إلى إنكاره من أصله، فيقول بزعمه الفاسد: لو كان لظهر إلى الآن.
والرابع : أنّ العجلة توقعه في الشكّ والإرتياب، وهذا كسابقه يوجب الخروج عن الإيمان، والدخول في زمرة أولياء الشيطان .
1364- وقد قال أئمّتنا في جملة من الروايات : إنّ اللّه تعالی لو علم أنّ اولياءه پرتابون ما غيّب عنهم حجّته طرفة عين، والروايات مذكورة في كمال الدين، وغيبة النعمانيّ وغيرهما من كتب الأخبار .(1)
ص: 229
والخامس: ما يوجب الإعتراض على اللّه تعالى في قضائه وقدره، والإعتراض على الإمام في تأخيره للظهور، فيقول : لِمَ لا يظهر؟ ونحو ذلك، فيكون المستعجل فيه بسبب اعتراضه تابعاً للشيطان، حيث اعترض على أمر اللّه له بالسجود لآدم، فقال : (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا)(1)
وقد قال اللّه : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ ...)(2) الآية
1365- وروى الكليني: بإسناد صحيح عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : لو أنّ قوماً عبدوا اللّه وحده لا شريك له، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجّوا البيت، وصاموا شهر رمضان، ثمّ قالوا لشيء صنعه اللّه أو صنعه النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم : ألّا صنع خلاف الّذي صنع؟، أو وجدوا ذلك في قلوبهم، لكانوا بذلك مشركین،
ثمّ تلا علیه السلام هذه الآية: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)(3)
ثمّ قال أبو عبداللّه علیه السلام : عليكم بالتسليم .(4)
والسادس: قد توجب العجلة نفي الحكمة عن الغيبة ، وهذا في الحقيقة إنكار لعدل اللّه تعالى، ونسبة للقبيح إليه، تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً
وقد مرّ بعض حكم الغيبة وطولها في حرف الغين من الباب الرابع فراجع (5) وبعض أسرارها يظهر بظهوره صلوات اللّه عليه .
السابع : أنّه قد توجب العجلة وترك التسليم الإستخفاف بأحاديث الأئمّة الأبرار، الآمرة بالإنتظار، لظهور الإمام الغائب عن الأبصار،
فالعجول بسبب استعجاله يستخفّ بما ورد من الأخبار، فيدخل باستخفافه في زمرة الكفّار، لأنّ الإستخفاف بكلام الأئمّة استخفاف بهم، والإستخفاف
ص: 230
بهم استخفاف باللّه عزّ وجلّ، والإستخفاف باللّه عزّ وجلّ كفر باللّه تعالى،
نعوذ باللّه تعالى من الغواية بعد الهداية .
1366- روي في كتاب تحف العقول عن الصادق علیه السلام في بيان الكفر والإيمان ، قال : وقد يخرج من الإيمان بخمس جهات من الفعل، كلّها متشابهات معروفات : الكفر، والشرك، والضلال، والفسق، وركوب الكبائر، فمعنی الكفر : كلّ معصية عصي اللّه بها بجهة الجحد، والإنكار، والإستخفاف ، والتهاون في كلّ ما دقّ وجلّ، وفاعله كافر، ومعناه معنی كفر. الحديث .(1)
الثامن : قد توجب العجلة ردّ الأخبار المشتملة على أمر الفرج، وظهور مولانا علیه السلام فإنّ العجول بسبب ضيق صدره وقلّة صبره لمّا طال عليه الأمد تسلّط عليه الشيطان ، فقال : لعلّ هذه الأخبار لم تكن صادرة عن الأئمّة الأطهار ، ولعلّ المنتحلين لهذا المذهب، أو بعض رواتها وضعوها لبعض المصالح الراجعة إليهم، فيقوي في باله هذا الخيال حتّى يؤول أمره إلى ردّ الأخبار، ویرد دار البوار، جهنّم يصلونها وبئس القرار،
مع أنّ ردّ ما يرويه ثقاتهم عنهم علیهم السلام ردّ عليهم وكفر بحقّهم.
1367- كما في رواية عمر بن یزید المرويّة في الوسائل وغيره، قال :
قلت لأبي عبداللّه : أرأيت من لم يقرّ بما يأتيكم في ليلة القدر كما ذكرت، ولم يجحده قال علیه السلام :
أمّا إذا قامت عليه الحجّة ممّن يثق به في علمنا، فلم يثق به، فهو كافر .(2)
التاسع : قد تكون العجلة في بعض الأشخاص سبباً لتأويل الأخبار الواردة عن الأئمّة علیهم السلام إلى ما يشتهيه ، ممّا هو خلاف صريح الأخبار، أو ظاهرها،
فيقع بذلك في وادي الضلال، لأنّه يؤدّي إلى نسبة الإضلال إلى حجج
ص: 231
الخالق المتعال، ألا ترى أنّ كثيراً من الضالّين المضلين من الأوّلين والآخرين قد ضلّوا وأضلّوا بسبب فتح باب التأويل في كلام الإله الجليل، ورسوله وخلفائه علیهم السلام ولم يدروا أنّ التكلّم بكلام له ظاهر، وإرادة غيره من غير نصب دلالة ظاهرة وقرينة واضحة، إضلال للناس وقبيح عند العقلاء! وقد قال اللّه تعالى في خصوص متشابهات القرآن : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(1).
وهؤلاء الحمقاء يؤوّلون ظواهر الأخبار ونصوصها إلى ما تهواه أنفسهم، بآرائهم الفاسدة، وتخيّلاتهم الكاسدة، من غير دليل يقتضيه ، ولاشاهد يرتضيه ، وذلك لضيق صدرهم، وقلّة صبرهم في طول الغيبة وشدّة المحنة.
اللّهمّ إنّا نعوذ بك من الضلالة بعد الهداية، فأعذنا يا ربّ بحقّ أوليائك المقرّبين آمين ربّ العالمين.
العاشر: قد يوجب قلّة الصبر والعجلة في الأمر العزم القلبي بأنّه لو لم يقع إلى الوقت الفلانيّ لانكره وكفر به وهذا يدخله في زمرة الشاكّين الهالكين، فإنّ هذا ناشئ من أحد أمرين : إمّا الشكّ في صدق أقوال الأئمّة علیهم السلام، نعوذ باللّه تعالى، وإمّا الشكّ في صدق الرواة الثقات، الّذين أمرنا الأئمّة علیهم السلام بتصديقهم فيما أدّوا عن الأئمّة علیهم السلام .
1368- وقد ورد في التوقيع الشريف الوارد عن القاسم بن العلا المرويّ في جملة من الكتب المعتبرة، كالوسائل وغيره ما هذا لفظه:
لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنّا ثقاتنا، قد عرفوا بأنّا نفاوضهم سرّنا، ونحمّلهم إيّاه إليهم، الحديث، وفي معناه روایات كثيرة .(2)
الحادي عشر: قد يوجب ذلك الشكّ في صدق سائر الأخبار المرويّة عن الأئمّة علیه السلام أو ردّها، زعماً، من العجول الّذي لم يبن اعتقاده على اساس قویم،
ص: 232
وأصل ثابت، وأنّ الاخبار الصادرة في الوعد بالفرج والظهور غير صادقة ، من حيث الشكّ في الراوي أو المروي عنه، ومقایسة لسائر الأخبار المرويّة عنهم في سائر الأُمور من الثواب والعقاب، والوعد والوعيد، وغيرها على تلك الأخبار، فيدخل بذلك في زمرة الضالّين والكفّار، نعوذ باللّه تعالی.
الثاني عشر : قد يستهزئ الشخص العجول بسبب عدم اعتقاده أوشكّه، المسبّب عن قلّة صبره، وضيق صدره بالمؤمنين الموقنين المنتظرين للفرج والظهور، فيكون بذلك مستهزئاً باللّه عزّ وجلّ، وبأوليائه علیهم السلام .
ولا ريب في كفر هذا المستعجل، وعناده للّه تعالی شانه ، (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)(1)
وسبيله سبیل قوم نوحٍ الكافرين الّذين قال اللّه تعالى فيهم: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ)(2).
الثالث عشر: قد يوجب الإستعجال السخط على الخالق المتعال وعدم الرضا بقضائه، وهذه الصفة من الصفات الموبقة، والاخلاق المردية .
1369- ولهذا ورد في الدعاء المروي عن العمريّ رضي اللّه تعالى عنه، وهو مأخوذ عن صاحب الامر عجّل اللّه تعالی فرجه: «وأنت العالم غير معلّم بالوقت الّذي فيه صلاح أمر وليّك، في الإذن له بإظهار أمره، وكشف ستره، فصبّرني على ذلك حتّى لا أُحبّ تعجيل ما أخّرت، ولا تأخير ما عجّلت، ولا أكشف عمّا سترته، ولا أبحث عمّا كتمته، ولا أُنازعك في تدبيرك ... إلخ.(3)
الرابع عشر : قد يوجب التعجيل وعدم الصبر في بعض الاشخاص ترك الدعاء بتعجیل فرج صاحب الزمان سلام اللّه عليه فيحرم من المكارم والفوائد
ص: 233
المرتّبة عليه: أي على الدعاء بتعجیل فرجه ، وذلك بسبب أنّه يدعو لذلك الأمر مدّة من زمانه، وبرهة من أوانه، ويرى أهل الدعاء والولاء أيضاً مشتغلين بهذا الدعاء ، ثمّ يرى تأخّر الفرج والظهور، وعدم نيله بالفرح والسرور، فيزعم بسبب عدم صبره واستعجاله في أمره أنّ تلك الدعوات غير مؤثّرة في حصول مطلوبه فيصير هذا سبباً لتركه الدعاء بتعجيل الفرج، غافلاً عن كون الدعاء - كسائر الدعوات - مشروطاً بشروط وصفات، لا يظهر أثره إلّا بعد حصولها فيه.
وهذا لا ينافي الأمر به وترتّب الفوائد عليه ، كما أنّ الصلاة مثلاً مأمور بها، وتترتّب عليها آثار جليلة ومثوبات جزيلة، لكن إذا أتى شخص بصورة الصلاة من دون اجتماع الشرائط فيها لم يكن ممتثلاً لأمر مولاه، ولا يحصل له ما يتمنّاه من فوائد الصلاة، وآثارها، بل يكون معاقباً أيضاً، فاللازم على الداعي أن يجتهد في تحصيل شروط الدعاء حتّى يفوز بما يلتمسه ويتمنّاه .
فإن قلت : قد ورد في الروايات أنّ النبيّ والأئمّة علیهم السلام يدعون بتعجيل ظهور صاحب الأمر علیه السلام ، ولا ريب في أنّ دعاءهم جامع لجميع شرائط الصحّة والكمال، ومع ذلك لم يقع الظهور إلى الآن، مع أنّ استجابة دعواتهم ممّا لا ريب فيه عند أهل الإيمان . قلنا: الجواب عن ذلك من وجهين :
أحدهما : أنّ الأخبار ناطقة بأنّ ظهور صاحب الأمر علیه السلام من الأُمور البدائيّة الّتي تقبل التقديم والتأخير، وإن كان أصل وقوعه من الأُمور المحتومة الّتي وعد اللّه تعالی بوقوعها ألبتّة، وهو لا يخلف الميعاد،
فيمكن أن يقع في وقت أسرع بسبب دعائهم علیهم السلام ، وهذا الوقت لم يأن إلى الآن، ولولا دعاؤهم لتأخّر عنه أيضاً.
والثاني: أنّ الأخبار ناطقة أيضاً بأنّ لتعجيل ظهوره موانع عديدة، سوى ترك الدعاء، وترك الدعاء أيضاً أحد الموانع، فإذا اهتمّ المؤمنون به إرتفع ذلك وتقدّم وقت الفرج بسبب الدعاء، فيجب الإهتمام أيضاً في رفع سائر الموانع،
ص: 234
وقد تقدّم ذكر تلك الموانع في حرف الغين المعجمة من الباب الرابع،
فاغتنم وراجع، ولو ترك الدعاء لكان التأخير أكثر .
وممّا ذكرنا ظهر أنّه لا منافاة بين الأمر بالدعاء في تعجيل الفرج والظهور والأخبار الناهية عن الاستعجال، وأنّ العجلة المذمومة ما كانت من قبيل الأقسام المذكورة التي فصلناها لك.
وأمّا الدعاء بتعجيل الفرج مع كون الداعي من أهل التسليم والرضا بما حتمه اللّه عزّ وجلّ في قضائه وقدره فهو ممّا أمر اللّه تعالى وأولياؤه به، وحثّوا عليه .
فالداعي يفوز بإحدى الحسنيين : إمّا ظهور مولاه في زمانه ، مع نيله بسائر فوائد الدعاء إن لم يكن التأخّر عن ذلك الزمان من المحتومات، الّتي لا أثر للوسائل في تبديلها، كما ورد في الدعاء عن سيّد الساجدين علیه السلام :
1370- «ويا من لا تبدّل حكمته الوسائل»(1) فيكون ذلك نظير طول العمر الموقوف على صلة الأرحام مثلاً إذا لم يكن غيره محتوماً، وإمّا فوزه بسائر الفوائد، ودخوله في زمرة الداعين والمنتظرين، فالدعاء بتعجيل الفرج على كلّ حال مأمور به، و مرغوب فيه، ولا تنافي بينه وبين النهي عن العجلة.
والحاصل : إنّ العجلة المذمومة ضدّ الصبر والتسليم، وجميع الأقسام الّتي فصّلناها يدخل تحت هذا العنوان، ولا ريب أنّ الدعاء ومسألة تعجیل فرج صاحب الزمان علیه السلام من الخالق المنّان خارج عن ذلك العنوان، بل هو إظهار يقين وإيمان بأنّ ظهوره وتهيئة أسباب فرجه خارج عن قدرة كلّ أحد إلّا اللّه تعالى، وامتثال لأمره بالدعاء، فلذلك يسأله العبد من اللّه تعالی.
وبتقرير آخر نقول : إنّ التعجيل من العبد إظهار للإختيار، وترك للتسليم ومعاجلة للأمر قبل بلوغه، وهو يوجب الندامة ،
كما سبق في كلام أمير المؤمنين علیه السلام ومسألة التعجيل من الملك الجليل
ص: 235
تعالی شأنه ، إعتراف بالعبوديّة، وإذعان للّه عزّ وجلّ بالقدرة والمشيّة، والحول والقوّة، ولنفسه بالعجز، وبأن لا حول ولا قوّة ولا حيلة .
فحقيقة الدعاء الإنقطاع بكلّيّة وجوده إلى اللّه تعالى، واستجابة لأمره عزّ وجلّ، واعتراف من العبد لنفسه بالعجز والإنكسار، وأن لا حول ولا قوّة له، ولا اختيار، ولهذا ورد أنّ الدعاء مخّ العبادة(1)، وفّقنا اللّه تعالی وسائر المؤمنين للإهتمام بالدعاء، مع الرضا والتسليم، إنّه مجیب كریم .
الأمر الثالث والعشرون : التصدّق عنه نيابة وهذا من علامات مودّته، وولايته
ويدلّ على حسنه ورجحانه ما ورد في مدح التصدّق عن سائر المؤمنين ، والصلاة عنهم، كما مرّ، فإنّ مولاهم أفضلهم، والصدقة عنه أفضل من الصدقة عنهم، مضافاً إلى فحوى ما ورد في الحجّ، بنيابة الإمام، والطواف، والزيارة ، وغيرها، فمن تتّبع ذلك ونحوه يعرف رجحان الإتيان بكلّ عمل صالح بنيابة عنه صلوات اللّه وسلامه عليه.
وقد أوصى السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس رضي اللّه تعالى عنه وأمر ولده في كتاب كشف المحجّة، في كيفيّة آدابه ووظائفه بالنسبة إلى مولانا صاحب الزمان علیه السلام بأُمور - إلى أن قال : فكن في موالاته، والوفاء له وتعلّق الخاطر به على قدر مراد اللّه ومراد رسوله صلی اللّه علیه وآله وسلم ، ومراد آبائه ومراده علیه السلام منك، وقدم حوائجه على حوائجك، عند صلوات الحاجات، والصدقة عنه قبل الصدقة عنك وعمّن يعزّ عليك، والدعاء له قبل الدعاء لك، وقدّمه في كلّ خير يكون وفاء له، فإنّه يكون مقتضياً لإقباله عليك ، وإحسانه إليك إلى آخر ما قال « أعلى اللّه تعالی شانه و مقامه ، وزاد إكرامه» هذا مضافاً إلى أنّ ذلك من أقسام الصلة للإمام علیه السلام ،
ويأتي فضل الصلة إن شاء اللّه تعالی .
ص: 236
1371- ويدلّ على المقصود وعلى كون التصدّق ونحوه صلة، خبر عليّ ابن أبي حمزة، المرويّ في الوسائل، والبحار وغيرهما، قال :
قلت لابي إبراهيم علیه السلام : أحجّ وأُصلّي، وأتصدّق عن الأحياء والأموات من قرابتي وأصحابي؟
قال علیه السلام: نعم، تصدّق عنه، وصلّ عنه، ولك أجر بصلتك إيّاه، إنتهى .(1)
أقول: لفظ السؤال وإن كان خصوص القرابة والأصحاب، لكن لا ريب في أنّ ذكرهما بالخصوص من جهة أنّ الغالب من حال الإنسان أنّه لا يحجّ ولا يتصدّق ولا يصلّي ولا يزور ولا يفعل فعلاً حسناً إلّا عمّن كان له خصوصيّة وارتباط بينه وبين هذا النائب، الّذي يفعل ذلك الفعل الحسن كما نرى بالعيان، من حال أفراد الإنسان، ولهذا ذكرهما في السؤال فتبيّن أنّ ذكرهما من باب المثال
والمراد هو السؤال عن جواز النيابة في الطاعات، والخيرات عن الأحياء والأموات، من المؤمنين والمؤمنات، فأجاب الإمام علیه السلام عن سؤاله بنحو أبلغ وأتمّ، حيث أنّه علیه السلام بيّن للسائل جواز ذلك، بقوله: نعم، ثمّ أراد بيان حسنه واستحبابه، فأمر بذلك بعد أن بيّن له جوازه بقوله تصدّق عنه، وصلّ عنه، ثمّ أراد حضّه وترغيبه إلى هذا العمل، بيان فضله وثوابه، فقال علیه السلام:
ولك أجر آخر، ثمّ أراد بيان وجه إستحقاقه الأجر والثواب فنبّه عليه بقوله : بصلتك إيّاه ، فجمع له في هذا الكلام الحكم بالجواز بالمعنى الأعمّ والإستحباب والترغيب إليه بذكر الأجر والثواب، وأنّه بسبب كونه صلة للقرابة والأصحاب.
فانظر وتدبّر أيّها العاقل المتفطّن، أنّه إذا كان الشخص يستحقّ الأجر لصلته أحداً من إخوانه المؤمنين بالتصدّق عنه، فكيف لا يستحقّ أعظم من ذلك بصلته صاحب الامر علیه السلام بالتصدّق عنه، بلى يستحقّ ويفوز بأفضل ثواب المتصدّقين لصدور هذه العبادة نيابة عنه عن افضل العالمين.
ص: 237
ولا ريب أنّه كلّما كان الإرتباط والخصوصيّة بينه وبين إمامه سلام اللّه عليه أكمل وأتمّ، كان ثوابه في التصدّق عنه أوفي وأتمّ، نسأل اللّه تعالى أن يمنّ علينا وعلى سائر المؤمنين بكمال مودّته وخدمته، إنّه قريب مجيب.
ويشهد له ما ذكرنا من كون التصدّق عن الإمام علیه السلام أفضل من الصدقة عن غيره، مضافاً إلى حكم العقل بذلك، ومضافاً إلى كونه من أقسام الصلة للإمام،
وسيأتي ما يدلّ على فضله ما في تفسير العسكري علیه السلام
وسنذكره هناك إن شاء اللّه تعالى، فانتظر .(1)
تنبيه وإرشاد للسالك المرتاد: إعلم أنّه يستفاد من خبر عليّ بن أبي حمزة المذكور(2) جواز النيابة في الأعمال البرّيّة من الصلوات والصدقات وغيرها عن أحياء المؤمنين والمؤمنات .
وجه الدلالة أنّ الظاهر من سؤال الراوي وجواب الإمام علیه السلام كون ذكر الحجّ والصلاة والصدقة من باب المثال، لا لخصوصيّة في المذكورات، والمراد السؤال عن جواز النيابة في جميع المندوبات والطاعات، وذلك من وجهين :
أحدهما: أنّ الإمام اقتصر في الجواب على ذكر الصدقة والصلاة وترك الحجّ، مع كون النيابة في الحجّ معروفاً ثابتاً بحسب الروايات والآثار، ولم ينقل الإشكال فيه عن العلماء الأخيار،
فيظهر من ذلك أنّ الإمام علیه السلام فهم المثاليّة أيضاً من ذكر الصدقة والصلاة والحجّ في سؤاله، وهذا لم تكن حاجة إلى ذكر جميع ما سئل عنه.
والثاني: تعليله علیه السلام الجواز بل الإستحباب بقوله: ولك أجر آخر بصلتك إيّاه ، دلّ على كون النيابة في الطاعات والعبادات عن المؤمنين والمؤمنات صلةً لهم وإحساناً إليهم، ولهذا استحقّ النائب أجراً آخر مضافاً إلى أجر أصل العبادة بسبب صلته لهم، وإحسانه إليهم.
ص: 238
أمّا العبادات الواجبة فقد ثبت بالدليل شرطيّة المباشرة فيها وعدم جواز النيابة عن الأحياء، إلّا الحجّ، وبيان ذلك موكول إلى محلّه.
والخبر المذكور وإن كان ضعيفاً بعليّ بن أبي حمزة الواقفي،
لكن قد ثبت في موضعه الإكتفاء في المستحبّات بالخبر الضعيف أيضاً.
1372- والدليل على ذلك عدّة روایات مستفيضة مذكورة في الكافي والوافي وغيرهما من كتب الأخبار والفقه والأُصول، دالّة على أن من بلغه ثواب على شيء من الخير فعمله رجاء ذلك الثواب أوتيه، وإن لم يكن الحديث على ما بلغه .(1)
فهاهنا أمران ثابتان : أحدهما كون مطلق العبادات خيراً،
والثاني كون النيابة فيها إلّا ما خرج عن الأحياء والأموات أمراً مرغوباً إليه، بمقتضى الخبر المذكور ولا مانع فيه سوى تخیّل كونه تشریعاً، يدفعه الإتيان بها رجاء، نظراً إلى الخبر المذكور، وأخبار من بلغه ثواب على عمل.
ويمكن الإستدلال للمطلوب بوجه آخر، وهو أن يقال : قد ثبت بالخبر المذكور جواز النيابة، بل استحبابها عن الأحياء في الصلوات المندوبة ، فيسري الحكم المذكور في سائر الطاعات والعبادات المرغوبة بعدم القول بالفصل، لأنّ من قال بالجواز في الصلاة قال في غيرها، ومن لم يقل فيها لم يقل في غيرها،
فالقول بالصلاة دون غيرها إحداث قول ثالث، وهو خرق للإجماع المركّب وهذا الوجه ذكره الشيخ المحقّق الأنصاري (رحمة اللّه علیه) في بعض رسائله، وفيه نظر للتأمّل في حجّيّة الإجماع المنقول كماتقرّر في محلّه لكنّه يصلح للتأييد .
ويمكن الإستدلال للمطلوب أيضا بالإستقراء، لأنّ عمدة العبادات المندوبة الصلاة والحجّ والصدقات والطواف والرباط والزيارات والأضحية،
وقد ثبت بالروايات جواز النيابة بل استحبابها فيها، فيتعدّى إلى غيرها .
ص: 239
ويمكن الخدشة في ذلك أيضاً، لأنّه استقراء ظنّي وليس حجّة عندنا، ولكن يمكن أن يستظهر من التعليلات الواردة في أخبار النيابة في الحجّ والطواف وغيرهما بكونها صلة للّذي يفعلها نيابة عنه،
ولذلك يضاعف للنائب الأجر إن فعل العبادات المستحبّة نيابة عن المؤمنين مطلقاً، صلة لهم، وإحساناً إليهم، ورجحان الصلة والإحسان إلى أهل الإيمان غير خفيّ على مستقيمي الأذهان، فتدبّر .
1373- وقد يستدلّ لصحّة النيابة في الصلاة عن الحي بخبر محمّد بن مروان المرويّ في أُصول الكافي قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام:
ما يمنع الرجل منكم أن يبرّ والديه حيّين وميّتين؟! أن يصلّي عنهما، ويتصدّق عنهما، ويحجّ عنهما، ويصوم عنهما فيكون الّذي صنع لهما، وله مثل ذلك، فيزيده اللّه عزّ وجلّ ببرّه وصلته خيراً كثيراً، إنتهى .(1)
وجه الإستدلال ظهور قوله علیه السلام يصلّي عنهما إلى آخره، في بيان كيفيّة برّ الوالدين في حياتهما ومماتهما فقد فهم ذلك جمع من فقهائنا رحمهم اللّه، وادّعوا ظهور هذا الكلام في ذلك المرام، لكن العلّامة المجلسي الثاني في مرآة العقول جعله بياناً لكيفيّة البرّ حال مماتهما(2)، فتأمّل.
ويمكن الاستدلال للمقصود بقوله عزّ وجلّ: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)(3)، فإنّ التعاون قد يستعمل في التظاهر على أمر يريده المتعاونون، وقد يستعمل في تحمّل شخص عن آخر أمراً فيه صلاحه وانتفاعه، والنيابة عن المؤمن في الطاعات من هذا القبيل، كما لا يخفى على من سلك سواء السبيل
والحاصل أنّ المستفاد من جميع ما ذكرنا - دليلاً وتاییداً - إستحباب النيابة في الطاعات المندوبة عن الميّت والحيّ من المؤمنين والمؤمنات .
ص: 240
وممّن يظهر منه الميل إلى ذلك الشيخ المحقّق الأنصاري (رحمة اللّه علیه) في رسالة القضاء عن الميّت، حيث أنّه بعد نقل خبر عليّ بن أبي حمزة(1)
قال : وظاهر الصلاة عن الغير النيابة عنه لا فعلها وإهداء الثواب إليه .
فيدل على جواز النيابة عن الحيّ في الصلاة، وإطلاق الصلة والبرّ على ذلك يشعر بعموم رجحان النيابة عن الحيّ في كلّ فعل حسن.
ثمّ إذا جاز الصلاة عنه جاز غيرها، لعدم القول بالفصل - ظاهراً - بينها وبين غيرها، بل قد روي جواز الاستنابة في الصوم الواجب بالنذر عن الحيّ، فقد روي في الفقيه عن عبداللّه بن جبلة، عن إسحاق بن عمّار(2) بل يمكن استفادة عموم النيابة في كلّ الأعمال الواجبة عدا ما دلّ الإجماع على عدمه، من الأخبار الدالّة على مشروعيّة قضاء دين اللّه عمّن هو عليه تبرّعاً، ثمّ إثبات مشروعيّة النيابة في المستحبّات بعدم القول بالفصل، فتأمّل إنتهى كلامه، رفع مقامه.
وممّن يظهر منه القول بذلك الشيخ المحقّق صاحب الجواهر في كتاب الوكالة، أنه رضي اللّه تعالی عنه بعد التصريح بجواز النيابة في صلاة الطواف والزيارة
قال : وأمّا غيرهما من النوافل، ومطلق الصوم المندوب، ففي المسالك في جواز التوكيل فيه نظر، وإطلاق جماعة من الأصحاب المنع من الإستنابة في العبادات يشملها وإن تقيّد الإطلاق في غيرها.
قلت : يستفاد من النصوص مشروعيّة إهداء الثواب في جميع المندوبات للحيّ والميّت، بل قد يستفاد منها فعلها عنه على وجه يترتّب الثواب له، كما أشرنا إليه سابقاً في العبادات ، نعم، لا دليل على شرعيّة النيابة فيه على وجه يسقط خطاب الندب عن المكلّف، بل هو باق على ندبيّته له وإن ترتّب ثواب له على فعل الغير بنيّة النيابة عنه ، فلاحظ وتأمّل .
ص: 241
ومن ذلك يعلم الحال في إطلاق عدم جواز النيابة في العبادات حتّى جعله في المسالك أصلاً وإن خرج منه ماخرج بالأدلّة الخاصّة، وفيه أنّه ليس في العبادات . إلّا الفعل بقصد القربة، وأنّ الشارع جعل ذلك سبباً لترتّب الثواب عليه، وهو غير مناف للنيابة فيه، فيندرج في عمومها، الّذي مقتضاه مشروعيّة جعل فعل الغير فعل الإنسان نفسه ، بالإذن والتوكيل من الطرفين، وهذا أمر شامل للعبادة وغيرها، فتأمّل، فإنّه دقیق نافع، وإنّه من ثمرات الأصل الّذي ذكرناه ، وخصوصاً بعد التأمّل، فما جاز من النيابة فيه حال الحياة، وبعد الموت وخصوصاً الماليّة منها، فتأمّل جيّداً، واللّه العالم . إنتهى كلامه رفع مقامه.
أقول: مراده بالأصل الّذي أشار إليه أصالة جواز النيابة والوكالة في جميع الأشياء إلّا ماعلم خروجه عن هذا الأصل بالدليل، وقد جعل (رحمة اللّه علیه) هذا الأصل مرجعاً في كلّ ما شكّ في كونه قابلاً للنيابة وعدمه، لكنّ في ثبوت هذا الأصل نظر، وما ذكره مستنداً لا ينهض دليلاً، وتفصيل القول في ذلك موكول إلى محلّه
وممّن يظهر منه جواز النيابة في الصلوات المندوبة عن الأحياء المحقّق (رحمة اللّه علیه) في الشرائع، فإنّه خصّ المنع من النيابة في حال الحياة بالصلوات الواجبة ، حيث قال : أمّا ما لا تدخله النيابة فضابطه ما تعلّق قصد الشارع بإيقاعه من المكلّف مباشرة كالطهارة مع القدرة، وإن جازت النيابة في غسل الأعضاء عند الضرورة، والصلاة الواجبة ما دام حيّاً، إلى آخر كلامه زيد في علوّ مقامه.
1374- وربّما يتوهّم التعارض بين خبر عليّ بن أبي حمزة السابق، وما روي عن عبداللّه بن جندب ، قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام أسأله عن الرجل یرید أن يجعل أعماله من البرّ والصلاة والخير أثلاثاً: ثلثاً له وثلثين لابويه، أو يفردهما من أعماله بشيءٍ ممّا يتطوّع به وإن كان أحدهما حيّاً والآخر ميّتاً، فكتب إلىَّ: أمّا الميّت فحسن جائز، وأمّا الحيّ فلا ، إلّا البرّ والصلة، إنتهى .(1)
ص: 242
أقول: لامعارضة بينهما، لأنّ الظاهر من هذه المكاتبة السؤال عن الإهداء ، لا النيابة، فيقع التعارض بينها وبين الأخبار الدالّة على جواز إهداء الأعمال وثوابها ، المذكورة في محلّها، ولو سلّم كون المراد منها النيابة، فالجمع بينها وبين الخبر السابق المويّد بماعرفت : ماحكي عن السيّد بن طاووس رضي اللّه عنه من حمل الصلاة في المكاتبة على الصلاة الواجبة .(1)
قال بعد نقل المكاتبة : لا يراد بهذه الصلاة المندوبة، لأنّ الظاهر جوازها عن الأحياء في الزيارات والحجّ وغيرهما، إنتهى كلامه رفع مقامه.
الأمر الرابع والعشرون : التصدق بقصد سلامته
ولا ريب في رجحان ذلك واستحبابه، نظراً إلى أنّه من أقسام المودّة في القربي الّتي أمر اللّه بها عباده في كتابه ، ألا ترى أنّك إذا أحببت ولدك أو أحداً يعزّ عليك، وتحذر عليه، تتصدّق بقصد سلامته، فمولاك أحقّ من كلّ أحدٍ بذلك، مضافاً إلى أنّه من أقسام الصلة للإمام، وهذا واضح لأولي الأفهام، كما أنّ الفرق بين هذا و سابقه واضح بأدنی تأمّل إن شاء اللّه.
1375- وممّا يشهد لما ذكرناه من الإهتمام في التصدّق بنیابته أو بقصد سلامته ما رواه الصدوق (رحمة اللّه علیه) في مجالسه بإسناده عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم ، قال :
لا يؤمن عبد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه، وأهلي أحبّ إليه من أهله، وعترتي أحبّ إليه من عترته، وذاتي أحبّ إليه من ذاته .(2)
وقد مرّ هذا الخبر بطريق آخر ومقتضاه محبوبيّة إظهار المحبّة بالنسبة إليهم سلام اللّه عليهم بنحو ما يعمل المؤمن لنفسه، وأهله، وأولاده ، وعترته،
وهذا باب واسع، يستفاد منه فوائد كثيرة، كما لا يخفى على أهل البصيرة، وسنشير إلى أصناف صلة الإمام علیه السلام إن شاء اللّه تعالی.
ص: 243
الأمر الخامس والعشرون، والسادس والعشرون : الحجّ نيابة عنه صلوات اللّه عليه، وبعث النائب ليحجّ عنه
وهذا كان أمراً متداولاً ومعتاداً في الشيعة في قديم الأزمان ويدلّ على حسنه ورجحانه، مضافاً إلى أنّه صلّة وبرّ ومودّة من المؤمن إلى إمام زمانه علیه السلام عدّة روایات مرويّة في كتب أصحابنا رضي اللّه تعالى عنهم،
منها : ما ورد في استحباب الحجّ نيابة عن المؤمنين مطلقاً وفضل ذلك .(1)
1376- كرواية ابن مسكان المرويّة في الكافي عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال :
قلت له علیه السلام : الرجل يحجّ عن آخر، ماله من الأجر والثواب؟
قال علیه السلام : للّذي يحجّ عن رجل أجر وثواب عشر حجج .(2)
1377- وروى الصدوق في الفقيه، عن الصادق علیه السلام : سئل عن الرجل يحجّ عن آخر أله من الأجر والثواب شيء؟ فقال علیه السلام : للّذي يحجّ عن الرجل أجر وثواب عشر حجج، ويغفر له، ولابيه، ولأُمّه، ولابنه، ولابنته، ولاخيه، ولأُخته، ولعمّه، ولعمّته، ولخاله، ولخالته ، إنّ اللّه تعالى واسع كریم .(3)
1378- وفي الكافي: بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال :
من حجّ فجعل حجّته عن ذي قرابته يصله بها، كانت حجّته كاملة، وكان للّذي حجّ عنه مثل أجره، إنّ اللّه عزّ وجلّ واسع لذلك .(4)
أقول: دلّ هذان الحديثان وغيرهما ممّا لم نذكره طلباً للإختصار على استحباب النيابة في الحجّ عن المؤمنين والمؤمنات، الاحياء منهم والاموات خصوصاً إذا كان من ذوي القرابات، فالنيابة فيه عن مولانا صاحب الزمان ، أعظم قدراً، وأفضل أجراً، لانّه أعظم أهل الإيمان قدراً، وأفضلهم شأناً وأجراً
ص: 244
خصوصاً بملاحظة ما قدّمناه من الروايات المصرّحة بأنّ رعاية قرابة الرسول صلی اللّه علیه وآله وسلم أهمّ وأفضل، وأعظم.
1379- ومنها : الروايات الدالّة على فضل تشريك المؤمنين مطلقاً في الحجّ المندوب، فإنّها تدلّ بفحاويها على استحباب الحجّ التامّ عن كلّ مؤمن، بطریق أولي، فيظهر منها استحباب الحجّ عن إمام المؤمنین، بنحو أولى فأولی،
كرواية محمّد بن الحسن المرويّة في الكافي وغيره : عن أبي الحسن علیه السلام ،
قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : لو اشركت ألفاً في حجّتك، لكان لكلّ واحد حجّة، من غير أن تنقص حجّتك شيئاً.(1)
1380- وفيه: بإسناده عن محمّد بن إسماعيل قال :
سألت أبا الحسن علیه السلام كم أُشرك في حجّتي؟ قال : كم شئت .(2)
1381- وفيه : عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قلت له علیه السلام : أُشرك أبويّ في حجّتي؟ قال: نعم، قلت: أشرك إخوتي في حجّتي؟ قال: نعم، إنّ اللّه عزّ وجلّ جاعل لك حجّاً ولهم حجّاً، ولك أجر بصلتك إيّاهم،
قلت : فأطوف عن الرجل والمرأة وهم بالكوفة؟ فقال علیه السلام : نعم،
تقول حين تفتتح الطواف : «اللّهمّ تقبّل من فلان» الّذي تطوف عنه .(3)
أقول: ذيل الحديث مصرّح بأنّ المراد التشريك في الفعل من أوّل الأمر، لا التشريك في الثواب بعد فعله لنفسه ، فتدبّر .
ومنها: ما دلّ على بعثهم علیهم السلام النائب إلى مكّة ليحجّ عنهم، وإعطائهم الأُجرة، فيظهر من ذلك حسن النيابة فيه عن الإمام الحيّ سلام اللّه عليه ، للجزم بعدم الخصوصيّة في بعضهم علیهم السلام في هذا الحكم، وعدم خصوصيّته في كون النيابة بأُجرة، بل المتبرّع بذلك أفضل قدراً وأعظم أجراً، كما لا يخفی :
ص: 245
1382- روي في الوسائل : عن تهذيب الشيخ بإسناده عن محمّد بن عیسی اليقطيني، قال: بعث إليَّ أبو الحسن الرضا علیه السلام رزم ثياب، وغلماناً، وحجّة لي، وحجّة لاخي موسى بن عبيد، وحجّة ليونس بن عبدالرحمان، وأمرنا أنّ نحجّ عنه، فكانت بيننا مائة دينار أثلاثاً فيما بيننا، الحديث .(1)
1383- ومنها ما في الكافي: بإسناده عن موسى بن القاسم البجلي، قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : يا سيّدي إنّي أرجو أن أصوم في المدينة شهر رمضان، فقال : تصوم بها إن شاء اللّه، قلت: وأرجو أن يكون خروجنا في عشر من شوّال، وقد عوّد اللّه زيارة رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم وأهل بيته ، وزيارتك، فربّما حججت عن أبيك، وربما حججت عن أبي، وربّما حججت عن الرجل من إخواني، وربّما حججت عن نفسي، فكيف أصنع؟ فقال علیه السلام : تمتّع،
فقلت : إنّي مقيم بمكّة منذ عشر سنين؟ فقال علیه السلام : تمتع .(2)
أقول: محلّ الإستشهاد للمطلوب بهذا الحديث في موضعين:
أحدهما : قول الراوي : ربّما حججت عن أبيك، وتقرير الإمام له على ذلك بضميمة الإطلاقات الدالّة على عدم الفرق في النيابة عن الحيّ والميّت،
فإذا تحقّق رجحان النيابة في الحجّ عن الإمام الماضي، ثبت الرجحان للنيابة عن الإمام الحيّ صلوات اللّه عليه .
والثاني: تقرير الإمام لقول الراوي: ربّما حججت عن الرجل من إخواني، فإنّه يدلّ على رجحان هذا العمل إذا كان عن إمام زمانه بنحو أوفي، وطريق أولى
1384- ومنها: ما ذكره القطب الراوندي رحمه اللّه في الخرائج والجرائح قال :
إنّ أبا محمّد الدعلجي كان له ولدان، وكان من خيار أصحابنا وكان قد سمع الأحاديث، وكان أحد ولديه على الطريقة المستقيمة، وهو أبو الحسن وكان
ص: 246
يغسّل الأموات، وولد آخر يسلك مسالك الأحداث في فعل الحرام، وكان قد دفع إلى أبي محمّد حجّة يحجّ بها عن صاحب الزمان علیه السلام، وكان ذلك عادة الشيعة يومئذ، فدفع إلى ولده المذكور بالفساد شيئاً منها وخرج إلى الحجّ، فلمّا
عاد حكى أنّه كان واقفاً بالموقف فرأى إلى جانبه شابّاً حسن الوجه أسمر اللون بذؤابتين، مقبلاً على شأنه في الإبتهال، والدعاء، والتضرّع وحسن العمل.
فلمّا قرب نفر الناس التفت إليَّ، وقال : يا شيخ أما تستحيي؟!
فقلت : من أيّ شيء يا سيّدي؟ قال: يدفع إليك حجّة عمّن تعلم، فتدفع منها إلى فاسق يشرب الخمر، يوشك أن تذهب عينك هذه، وأومأ إلى عيني، وأنا من ذلك اليوم إلى الآن على وجل ومخافة ، وسمع منه أبو عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان ذلك ، قال : فما مضى عليه أربعون يوماً بعد مورده حتّى خرج في عينه الّتي أومأ إليها قرحة، فذهبت .(1)
أقول: ينبغي التدبّر في هذا الحديث من أوّله إلى آخره ففيه فوائد جمّة ومطالب مهمّة، منها: إخباره علیه السلام بالغيب .
ومنها : الإهتمام في الوجوه الراجعة إلى الإمام، بأن لا يعطيها إلّا الصالحين من الأنام، فإنّ الظاهر من الحديث المذكور من بدئه إلى الختام، أنّ أبا محمّد أعطى من وجه الحجّة المذكورة شيئاً إلى ولده المقارف للآثام، لا أنّه أعطاه الحجّة، كما زعمه بعض الأعلام، فتدبّر فيه حتّى يتّضح لك المرام.
ومنها: سرعة عقوبة المؤمن على فعله ما لا ينبغي من الأعمال، وإنّ هذا لطف إليه من الخالق المتعال.
ومنها : تقريره عليه الصلاة والسلام نيابة عنه علیه السلام، وكذا بعث النائب ليحجّ عنه عليه الصلاة والسلام كما لا يخفى . وممّا يستأنس منه استحباب النيابة في الحجّ عن الإمام علیه السلام ، وبعث النائب ليحجّ عنه الروايات الدالّة على استحباب الطواف عنهم علیهم السلام فاستمع لمايتلى عليك، أحسن اللّه تعالى إلينا وإليك .
ص: 247
الأمر السابع والعشرون، والثامن والعشرون: طواف بیت اللّه الحرام نيابة عن الإمام علیه السلام وبعث النائب ليطوف عنه
بعد ما أثبتنا استحباب الطواف نيابة عنه ، فاستحباب بعث النائب ليطوف عنه واضح، لانّه مودّة وإحسان، مضافاً إلى أنّه مقدّمة للطواف بنیابته علیه السلام فيحكم العقل بحسنه، ورجحانه للأنام، ويدلّ عليه أيضاً فحوى ما دلّ على استحباب بعث النائب ليحجّ عنه صلوات اللّه عليه ، بل يمكن أن يقال : لمّا ثبتت رجحان أصل العمل، فشرطيّة المباشرة منفيّة بالأصل وإن كان لو باشره المؤمن بنفسه أدرك مرتبة عالية من الفضل.
1385- وأمّا ما يدلّ على استحباب الطواف عن الإمام الحيّ خصوصاً، فما رواه ثقة الإسلام الكليني في الكافي : بإسناده عن موسى بن القاسم، قال : قلت لأبي جعفر الثاني علیه السلام : قد أردت أن أطوف عنك، وعن أبيك، فقيل لي:
إنّ الأوصياء لا يطاف عنهم، فقال علیه السلام لي: بل طف ما أمكنك فإنّه جائز.
ثمّ قلت له بعد ذلك بثلاث سنين : إنّي كنت استاذنتك في الطواف عنك وعن أبيك فأذنت لي في ذلك، فطفت عنكما ما شاء اللّه، ثمّ وقع في قلبي شيء، فعملت به ، قال : وما هو؟ قلت: طفت يوماً عن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ،
فقال علیه السلام : ثلاث مرّات: صلّى اللّه على رسول اللّه.
ثمّ اليوم الثاني عن أمير المؤمنين علیه السلام ، ثمّ طفت اليوم الثالث عن الحسن، والرابع عن الحسين، والخامس عن عليّ بن الحسين، والسادس عن أبي جعفر محمّد بن عليّ، واليوم السابع عن جعفر بن محمّد، واليوم الثامن عن أبيك موسی، واليوم التاسع عن أبيك عليّ، واليوم العاشر عنك يا سيّدي، وهؤلاء الّذين أدين اللّه بولايتهم، فقال : إذاً واللّه تدين اللّه بالدين الّذي لا يقبل من العباد غيره . قلت : وربّما طفت عن أُمّك فاطمة، وربّما لم أطف، فقال علیه السلام :
إستكثر من هذا، فإنّه أفضل ما أنت عامله إن شاء اللّه .(1)
ص: 248
1386- وأمّا ما يدلّ على استحباب الطواف عن عموم المؤمنین :
فمنه ما روي في الكافي : بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال :
من وصل أباه أو ذا قرابة له، فطاف عنه، كان له أجره كاملاً، وللّذي طاف عنه مثل أجره، ويفضل هو بصلته إيّاه بطواف آخر .(1)
الأمر التاسع والعشرون : زيارة مشاهد رسول اللّه والأئمّة المعصومين علیهم السلام نيابة عن مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه
ويمكن الإستناد في ذلك - مضافاً إلى أنّه من أقسام صلة الإمام وسيأتي ما يدلّ على أنّه من مهمّات أعمال الأنام - بما سبق في استحباب التصدّق عنه وبفحاوي ما دلّ على استحباب الحجّ، وطواف البيت الحرام نيابة عن الإمام علیه السلام وبما ورد في زيارة المشاهد نيابة عن عامّة أهل الإيمان .
1387 - كما روي في الكافي : عن علي بن إبراهيم الحضرمي، عن أبيه ، عن أبي الحسن موسی علیه السلام - في حديث إلى أن قال علیه السلام -: فإذا أتيت قبر النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم فقضيت ما يجب عليك، فصلّ ركعتين، ثمّ قف عند رأس النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم ، ثمّ قل:
السلام عليك يا نبيّ اللّه من أبي وأُمّي وزوجتي وولدي، وجميع حامّتي، ومن جميع أهل بلدي، حرّهم وعبدهم، وأبيضهم وأسودهم، فلا تشاء أن تقول للرجل : إنّي أقرأت رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم عنك السلام إلّا كنت صادقاً، إنتهى .(2)
وبأنّ من الأُمور المتداولة المتعارفة في خواصّ الشيعة وعوامّهم في الأزمنة السالفة إلى زماننا هذا، النيابة في زيارة المشاهد الشريفة،
وقد ذكر أصحابنا رضي اللّه تعالى عنهم عنوانها وكيفيّتها في كتبهم المعدّة للزيارات وغيرها، والفرق في ذلك بين الإمام وسائر المؤمنين ممّا لا يرتضيه قلوب أهل
ص: 249
الدين، وأهل البصيرة واليقين .
وبأنا لما علمنا رجحان النيابة عنه علیه السلام في الحجّ والطواف، بسبب ما مرّ و نظرنا إلى ما ورد في أفضليّة زيارة مشاهدهم من الحجّ والعمرة والطواف ، وإلى سرورهم بنيابة شيعتهم عنهم في الحجّ والطواف، جزمنا بأته أعظم سروراً إذا زار المؤمن مشاهد آبائه بنیابته، وهذا الوجه، وإن كان لا يتمّ على قواعد علم الأصول لكنّه قطعيّ عند أرباب العقول.
1388 - وبما حكاه العلامة المجلسي (رحمة اللّه علیه) في مزار البحار عن مؤلّف المزار الكبير ، وهذه عبارته المحكيّة عنه ، قال : وقد أنفذ أبو الحسن العسكري علیه السلام زائراً عنه إلى مشهد أبي عبداللّه علیه السلام، فقال : إنّ للّه مواطن يحبّ أن يدعى فيها فيجيب ، وإنّ حائر الحسين علیه السلام من تلك المواطن، إنتهى .(1)
أقول : إذا ثبت استحباب النيابة عنه في زيارة بعض مشاهدهم فلا شبهة في عدم الفرق بينه وبين سائر مشاهدهم صلوات اللّه عليهم أجمعين .
تنبيه : إعلم أنّه ممّن قد صرّح باستحباب زیارة مشاهد النبيّ والأئمّة المعصومين علیهم السلام نيابة عن المعصومين علیهم السلام وعن المؤمنين العالم المحدّث العاملي (رحمة اللّه علیه) في كتاب الوسائل حيث قال :
باب استحباب الزيارة عن المؤمنين وعن المعصومين علیهم السلام .
1389- ثمّ ذكر رواية داود الصرميّ عن أبي الحسن العسكري علیه السلام ، قال : قلت له : إنّي زرت أباك وجعلت ذلك لك؛
فقال علیه السلام : لك بذلك من اللّه ثواب و أجر عظيم، ومنّا المحمدة .(2)
أقول: لا دلالة في هذا الحديث على المطلوب، لأنّ الظاهر منه إهداء الزيارة لا النيابة، وإن أبيت عن ذلك فلا أقلّ من الإحتمال وبه يسقط الإستدلال
ص: 250
الأمر المتمم للثلاثين : بعث النائب لیزور عنه علیه السلام
ورجحان ذلك ظاهر بعد ثبوت استحباب النيابة لانّه إعانة على البرّ والتقوى، ومودّة لذوي القربى، وصلةً للإمام،
بل يمكن الإستناد في رجحان ذلك بجميع ما مرّ في الحجّ والطواف، وبعث النائب ليحجّ وليطوف عنه، فتدبّر .
الأمر الواحد والثلاثون : السعي في خدمته
بما تيسّر لك في أيّام حياتك الّتي تبيّن بمقتضى الروايات أنّها ببركته تأسّياً بملائكة اللّه المأمورين بخدمته، والروايات - في أنّ الملائكة خدّامهم وأنّهم مؤتمرون بأوامرهم، وأنّهم لا يجلسون في محضرهم إلّا بإذنهم - كثيرة لا نطوّل الكتاب بذكرها، وهي مذكورة في مظانّها، وحسبك شاهداً على ما دللنا عليه ، وداعياً إلى ما دعونا إليه، قول الصادق علیه السلام في الحديث الّذي تقدّم في ذكر شرفه(1)، حيث قال : ولو أدركته لخدمته أيّام حياتي .(2)
أقول: تدبّر أيّها المحبّ اللّبيب في هذا الكلام أتزعم فيه إغراقاً أو خلاف واقع؟ حاشا، وكلّا، بل هو عين الحقيقة، ودلالة إلى نكات دقيقة، منها : بیان فضل القائم علیه السلام وشرفه .
ومنها : الإشارة إلى أنّ خدمته أفضل العبادات، وأقرب الطاعات، لأنّ الإمام الصادق الّذي لم يصرف عمره الشريف إلّا في صنوف طاعة اللّه وعبادته في يومه وليلته بيّن أنّه لو أدرك القائم لصرف أيّام حياته في خدمته.
فظهر من هذا الكلام أنّ السعي في خدمة القائم علیه السلام أفضل الطاعات، وأشرف القربات، لترجيحه واختياره، خدمته على سائر أصناف الطاعة، وأقسام
ص: 251
العبادة، ومنها : الإيماء إلى أن أتباعه أفضل الأتباع، ورعيّته أفضل من غيرهم، وأصحابه أشرف الأصحاب، كما أنّ أُمّة خاتم النبيّين صلی اللّه علیه وآله وسلم افضل الأُمم، وأشرفهم، لأنّ مرتبة أهل كلّ شخص واتباعه تتفاوت بحسب شرافة هذا الشخص وعلوّ قدره، فإذا تبيّن علوّ مقام مولانا صاحب الزمان ظهر علوّ مرتبة رعيّته، وأتباعه والمؤمنين الثابتين على ولايته، جعلنا اللّه تعالى منهم،
وهذا ظاهر لا سترة عليه، وله شواهد كثيرة من الروايات :
1390 - أحدها: التعبير عنهم في النبوي، بإخوان النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم ففيه أنّه قال ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه : اللّهمّ لقّني إخواني- مرّتين - فقال من حوله من أصحابه : أما نحن [من] إخوانك يا رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ؟
فقال: لا، إنّكم أصحابي، وإخواني قوم في آخر الزمان، آمنوا ولم يروني ، لقد عرّفنيهم اللّه بأسمائهم وأسماء آبائهم، من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أُمّهاتهم، لأحدهم أشدّ بقيّة على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء، أو كالقابض على جمر الغضا (1)، أُولئك مصابيح الدجى، ينجّيهم اللّه من كلّ فتنة غبراء مظلمة .(2)
1391 - الثاني: أنّهم أفضل أهل كلّ زمان، ففي حديث أبي خالد، عن سيّد العابدين، قال : يا أبا خالد، إنّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته المنتظرین لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان، لأنّ اللّه تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ماصارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم بالسيف، أُولئك المخلصون حقّاً، وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين اللّه سرّاً أو جهراً .(3)
ص: 252
1392 - الثالث : تضاعف ثواب عبادتهم، كما في رواية عمّار، عن الصادق علیه السلام ، قال : يا عمّار، الصدقة في السرّ واللّه أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك عبادتكم في السرّ مع إمامك المستتر في دولة الباطل أفضل، لخوفكم من عدوّكم في دولة الباطل وحال الهدنة، ممّن يعبد اللّه في ظهور الحق مع الإمام الظاهر في دولة الحقّ، وليس العبادة مع الخوف وفي دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحقّ،
إعلموا أنّ من صلّی منكم صلاة فريضة وحداناً مستتراً بها من عدوّه في وقتها فأتمّها كتب اللّه عزّوجلّ له بها خمساً وعشرين صلاة فريضة وحدانيّة ، ومن صلّى منكم صلاة نافلة في وقتها فأتمّها كتب اللّه عزّ وجلّ له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة كتب اللّه له بها عشرین حسنة، ويضاعف اللّه تعالی حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله، ودان اللّه بالتقيّة على دينه وعلى إمامه وعلى نفسه، وأمسك من لسانه ، أضعافاً مضاعفة كثيرة، إنّ اللّه عزّ وجلّ كريم، إلى آخر الحديث، وهو مذكور في الكافي وكمال الدين
والبحار، وغيرها من كتب الأخبار.(1)
1393 - الرابع : أنّهم أعظم يقيناً وأعجب إيماناً، ففي كمال الدين : بإسناده عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم أنّه قال - في حديث طويل في وصيّته لأمير المؤمنين علیه السلام - : يا عليّ، و اعلم أنّ أعجب الناس إيماناً وأعظمهم يقيناً قوم يكونون في آخر الزمان، لم يلحقوا النبيّ وحجبتهم(2) الحجّة ، فآمنوا بسواد على بياض .(3)
1394- الخامس: أنّهم رفقاء النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم وأكرم أُمّته يوم القيامة، ففي كمال الدين: بإسناده عن النبي صلی اللّه علیه وآله وسلم قال : طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو يأتمّ به
ص: 253
في غيبته قبل قيامه، ويتولّى أولياءه، ويعادي أعداءه، ذلك من رفقائي وذوي مودّتي، وأكرم أُمّتي عليَّ يوم القيامة .(1)
1395- السادس : ما في غيبة الشيخ الطوسي، نقلاً من كتاب الفضل بن شاذان : بإسناد صحيح عال عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم :
سيأتي قوم من بعدكم الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم،
قالوا: يا رسول اللّه، نحن كنّا معك ببدر وأُحد وحنين، ونزل فينا القرآن ، فقال صلی اللّه علیه وآله وسلم : إنّكم لو تحمّلون لما حُمّلوا لم تصبروا صبرهم .(2)
1396- السابع : ما في غيبة الشيخ الطوسي وغيره من علمائنا، بأسانيدهم عن الصادق علیه السلام قال : أقرب ما يكون العباد من اللّه، وأرضى ما يكون عنهم، إذا افتقدوا حجّة اللّه ، فلم يظهر لهم، ولم يعلموا بمكانه ، وهم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حجّة اللّه ولا ميثاقه، فعندها توقّعوا الفرج صباحاً ومساء،
فإنّ أشدّ ما يكون غضب اللّه على أعدائه إذا افتقدوا حجّته فلم يظهر لهم، وقد علم أنّ أولياءه لا يرتابون، ولوعلم أنّهم يرتابون ما غيّب عنهم حجّته طرفة عين، ولا يكون ذلك إلّا على رأس أشرار الناس .(3)
1397- الثامن: أنّ بهم يدفع البلاء، وينزل المطر من السماء،
ففي البحار وغيره، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إنّ أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري عزّ وجلّ:
عبادي آمنتم بسرّي، وصدّقتم بغيبي، فأبشروا بحسن الثواب منّي، فأنتم عبادي وإمائي حقّاً، منكم أتقبّل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبكم أُسفي عبادي الغيث، وأدفع عنهم البلاء، ولولاكم لانزلت عليهم عذابي الخبر .(4)
ص: 254
أقول: يا إخواني، إذا عرفتم بما ذكرت لكم بعض ما فضّل اللّه به أتباع مولانا، والساعين في خدماته، فعليكم بالسعي والإجتهاد في طاعته، وخدمته، واشكروا تلك النعمة العظمى، والموهبة الكبرى، واستدیموها بجدّكم واجتهادكم، ولا تنسوا ذكره بطول الأمد، واعملوا لتحصيل السعادة، وتكمیل الراحة إلى الأبد، ولا تركنوا إلى الدنيا وأهلها، واصبروا على المحن في المدّة القليلة لتفوزوا براحة طويلة، جعلنا اللّه تعالى وإيّاكم من أهل ذلك بفضله وكرمه إنّه قريب مجيب.
وهاهنا أُمور ينبغي التنبيه عليها والإشارة إليها: الأوّل : أنّه قد تجمّعت وتكمّلت في سيّدنا ومولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه أُمور ، كلّ واحد منها سبب مستقل يقتضي السعي في خدمته، والإجتهاد في طاعته.
منها : ولايته المطلقة، وخلافته لله ولرسوله صلی اللّه علیه وآله وسلم .
ومنها : حقّ العالم، فقد دلّ العقل والنقل على أنّه ينبغي خدمة العالم :
1398- ففي الكافي : بإسناده عن محمّد بن سنان، رفعه ، قال : قال عيسی ابن مريم علیه السلام : يا معشر الحواريّين لي إليكم حاجة، أقضوها لي، قالوا: قضيت حاجتك يا روح اللّه، فقام، فقبّل(1) أقدامهم فقالوا: كنّا نحن أحقّ بهذا يا روح اللّه، فقال : إنّ أحقّ الناس بالخدمة العالم، إنّما تواضعت هكذا لكيما تتواضعوا بعدي في الناس كتواضعي لكم، ثمّ قال عيسى علیه السلام : بالتواضع تعمر الحكمة لا بالتكبّر وكذلك في السهل ينبت الزرع لا في الجبل .(2)
ومنها : حقّ الأُبوّة، فإنّه الوالد الشفيق، كما في الرواية (3)، ومرّ في الباب الثالث ما فيه غنية وكفاية إن شاء اللّه تعالى.(4)
1399- ومنها: حقّ الإيمان والإسلام، ففي أُصول الكافي في حديث
ص: 255
مرفوع عن أبي المعتمر، قال : سمعت أمير المؤمنين علیه السلام يقول:
قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم : أيّما مسلم خدم قوماً من المسلمين إلّا أعطاه اللّه تعالی مثل عددهم خدّاماً في الجنّة .(1)
أقول: لا ريب في أنّه لو وزن إيمان جميع المسلمين مع إيمان مولانا صلوات اللّه عليه لرجح إيمانه على إيمانهم،
وعلى هذا فقس فضل خدمته على خدمتهم، مضافاً إلى ما لا أقدر على وصفه من فضائله، فإنّ إحصاء ذلك خارج عن الطاقة البشريّة .
ومنها : أنّ منزلتنا بالنسبة إليه منزلة العبد بالنسبة إلى مولاه، فإنّ الناس عبيد الأئمّة في الطاعة، كما دلّت عليه الرواية(2) وشهدت به الدراية .
ومنها : قرابته من رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم وقد نبّهنا على ما ينفعك هنا في الباب الخامس عند ذكر المكرمة الثانية عشرة (3) ، وإن شئت أن أذكر جميع الأُمور المقتضية للسعي في خدمته علیه السلام خرج عن طاقتي، ولم تسعه كتابتي، لأنّها أكثر من أن تحصى، وأوسع من أن تستقصي، ولما سبق ذكره من أنّ جميع ما نتقلّب فيه من نعم اللّه الظاهرة والباطنة ليس إلّا ببركة وجوده علیه السلام ، ففي كلّ نعمة أحسن اللّه بها إلينا حقّ ثابت له علينا، فيحقّ علينا أداء شكره، كما يحقّ علينا شكر باریه تعالی شأنه، وعظمت آلاؤه،
فثبت أنّ الأُمور المقتضية للسعي في خدمته أكثر من أن تحصى قوله تعالی : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)(4).
الأمر الثاني : إعلم أنّ الخدمة أخصّ من النصرة من جهتين :
إحداهما : أنّ الخدمة تحصل بالمباشرة، أعني مباشرة الخادم لما يفعله ، والنصرة تحصل بغير المباشرة أيضاً.
ص: 256
وثانيهما: أنّ الخدمة تشتمل على التواضع والتذلّل للمخدوم، بخلاف النصرة فكلّ خدمة نصرة، ولا عكس، كما لا يخفى.
الأمر الثالث : أنّ خدمة مولاناصاحب الزمان صلوات اللّه عليه تحصل بمباشرة فعل أمر به علیه السلام أو فعل فيه توقیر وتجليل، أو نصرة له أو إحسان إليه سلام اللّه عليه ، وإن لم يأمر به بالخصوص، وقد تجتمع هذه العناوين في بعض الأعمال الحسنة، كالدعاء بتعجیل فرجه، وإقامة المجالس المعدّة لذكره، وتأليف الكتب
الراجعة إليه، ونشرها، ومدارستها، والصلاة والتسليم عليه، والإحسان إلى مواليه وشیعته إذا صدر بقصد خدمته، فإنّ الروايات تدلّ على أنّ الإحسان إلى شیعتهم ومواليهم، إحسان إليهم، وصلتهم بمنزلة صلتهم، والاستخفاف بهم، استخفاف بهم، والعقل أيضاً قاضٍ بذلك.
1400- فمن الأخبار الدالّة على ما ذكرنا ما في كامل الزيارة : بإسناده عن أبي الحسن الأوّل علیه السلام ، قال : من لم يقدر أن يزورنا فلیزر صالحي موالينا، يكتب له ثواب زیارتنا، ومن لم يقدر على صلتنا فليصل على صالحي موالينا، يكتب له ثواب صلتنا .(1)
1401- ومنها : ما في روضة الكافي : بإسناده عن أبي هارون، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : قال علیه السلام لنفر عنده، وأنا حاضر : مالكم تستخفّون بنا؟ !
قال : فقام إليه رجل من خراسان ، فقال : معاذ لوجه اللّه أن نستخفّ بك، أو بشيءٍ من أمرك ، فقال علیه السلام: بلى، إنّك أحد من استخفّ بي،
فقال : معاذ لوجه اللّه أن أستخفّ بك، فقال علیه السلام له: ويحك أو لم تسمع فلاناً ونحن بقرب الجحفة، وهو يقول لك: احملني قدر میل، فقد واللّه أعييت، واللّه ما رفعت به رأساً، ولقد استخففت به، ومن استخفّ بمؤمن فبنا استخفّ، وضيّع حرمة اللّه عزّ وجلّ .(2)
ص: 257
الأمر الثاني والثلاثون : الإهتمام في نصرته
فإنّ من نصره فقد نصر اللّه عزّ وجلّ،
قال اللّه تعالى : (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)(1)
وقال عزّ وجلّ: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)(2)،
والكلام في هذا المقام يقع في ثلاثة مطالب :
أحدها : أنّه لا ريب في عدم حاجة القادر المتعال إلى نصرة أحد، فإنّه تعالی بوجوب وجوده غنيّ بالذات، والخلق محتاجون إليه، كما قال تعالى شأنه : (وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ)(3)، فالمراد بنصرته كما ذكره المفسّرون، ودلّت عليه الأخبار : هو نصرة دينه، ونصرة النبيّ، والأئمّة الأطهار، والأولياء الأبرار ،
وبعبارة أُخرى : كلّ من يكون في نصرته أرضى اللّه تعالى، فنصرته نصرة اللّه، وهذا المطلب من غاية الوضوح بمكان لا يحتاج إلى شاهد و برهان .
المطلب الثاني: إعلم أنّ المراد بنصرته هو الإقدام والمساعدة في كلّ أمر علم تعلّق غرضه بوقوعه، ولهذا تتفاوت كيفيّة النصرة بحسب تفاوت الأزمان والأحوال والأمكنة، فالنصرة في زمان حضوره تحصل بوجه، وفي زمان غيبته بوجه آخر، فقد تكون النصرة بالتقيّة، وقد تكون بالدعوة إليه، وقد تكون بالجهاد بين يديه ، وقد تكون بالدعاء في تعجیل فرجه، وقد تكون بذكر فضائله ، وصفاته ، ودلائله، وعلاماته، وقد تكون بنصرة أوليائه وأحبّائه، وقد تكون بتأليف الكتب ونشرها،
إلى غير ذلك من أصناف النصرة، وهي كثيرة لا يخفى على أهل البصيرة .
المطلب الثالث: في كيفيّة النصرة الإلهيّة، الّتي جعلها جزاء لنصرة العبد أولياء اللّه تعالی ودینه ورسله بحسب ما استفدناه من الروايات.
ص: 258
فنقول : يمكن أن يكون المراد بهذه النصرة أن ينصر اللّه تعالى عبده في اليسر والعسر والسرّاء والضرّاء بأن يحفظه ممّا يبعده عن رحمته من الأشر، والبطر والطغيان، ونحوها من المهلكات والموبقات، الّتي تعرض للعبد في حال الرخاء، ومن الجزع والهلع والكسل والفشل، ونحوها ممّا يعرض للعبد في حال البلاء.
وأمّا النصرة على الأعداء في دار الفناء فهي تابعة للمصالح، والحِكَمِ الإلهيّة فإنّها تتفاوت بحسب المقتضيات والأزمنة، فقد يكون أولياؤه في الدنيا غالبين، وقد يكونون مغلوبين، وذلك لحكمٍ و عللٍ، قد ذكر بعضها في الأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهار، وذكرها ينافي الإختصار .
وأمّا قوله تعالى: (وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) فيمكن أن يكون في الآخرة على الصراط، كما هو الظاهر من قضيّة ظهور العطف بالحروف في تغابر المعطوف عليه والمعطوف، ويحتمل بعيداً أن يكون عطف تفسير للأوّل،
فيكون المعنى تثبيت الأقدام في الدنيا وحفظها في مزالّ الأقدام، ممّا يكون سبباً لزللها من الموبقات والآثام.
تنبيه : إعلم أنّه قد اجتمع فيه صلوات اللّه عليه أُمور، كلّ واحد منها يقتضي الإهتمام في نصرته، فإن نصرته نصرة المظلوم، ونصرة الغريب، ونصرة العالم، ونصرة ذوي القربى، ونصرة وليّ النعمة، ونصرة واسطة النعم، ونصرة من ينصر اللّه، ونصرة الكريم، ونصرة الشريف، ونصرة الطريد، ونصرة الموتور، ونصرة المهجور، إلى غير ذلك من الأُمور الّتي تتّضح للمتدبّر الأنيس بمولاه،
جعلنا اللّه تعالى من كلّ سوء وقاه . والعقل أدلّ شاهد على ما نبّهنا عليه .
ولو أردنا ذكر الشواهد النقليّة لصار كتاباً مستقلّاً، ولمّا بلغ الكلام إلى هذا المقام، عزمت على أن أستخير اللّه تعالى شأنه في ذكر بعض ما ورد في الأخبار المرويّة عن أئمّة الأنام علیهم السلام ، من شواهد هذا المرام،
ص: 259
ففتحت المصحف الكريم، فرأيت هذه الآية الشريفة :
(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)(1).
الأمر الثالث والثلاثون: العزم القلبيّ الجزمي على نصرته في زمان حضوره وظهور نوره
ويدلّ على ذلك مضافاً إلى أنّه من لوازم الإيمان وعلائم الإيقان، ما ورد في فضل نيّة الخير والعزم على العمل الصالح، وأنّ لكلّ إمرئ ما نوى(2) وغير ذلك ممّا لا يخفى على المحبة السالك.
1402- ويدلّ على المرام كلام مولى الأنام أمير المؤمنين علي علیه السلام المرويّ في نهج البلاغة: إلزموا الأرض، واصبروا على البلاء، ولاتحرّكوا بأيديكم وسيوفكم في هوى ألسنتكم، ولا تستعجلوا بما لم يعجّله اللّه لكم،
فإنّه من مات منكم على فراشه، وهو على معرفة حقّ ربّه وحقّ رسوله صلی اللّه علیه وآله وسلم واهل بيته، مات شهيداً، ووقع أجره على اللّه، واستوجب ثواب مانوی من صالح عمله، وقامت النيّة مقام إصلاته بسيفه، وإنّ لكلّ شيءٍ مدّة وأجلاً .(3)
1403- ويدلّ عليه أيضاً ما رواه ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكلينيّ (رحمة اللّه علیه) في روضة الكافي: بإسناده عن عبدالحميد الواسطي، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال :
قلت له : أصلحك اللّه لقد تركنا أسواقنا انتظاراً لهذا الأمر، حتّى ليوشك الرجل منّا أن يسأل في يده.
فقال علیه السلام : يا عبدالحميد، أترى من حبس نفسه على اللّه لا يجعل اللّه له مخرجاً؟ بلى واللّه، ليجعلنّ اللّه له مخرجاً، رحم اللّه عبداً أحيا أمرنا.
قلت : أصلحك اللّه، إنّ هؤلاء المرجئة يقولون: ما علينا أن نكون على الّذي نحن عليه، حتّى إذا جاء ماتقولون كنّا نحن وأنتم سواء،
ص: 260
فقال : يا عبدالحمید، صدقوا، من تاب تاب اللّه عليه، ومن أسرّ نفاقاً فلا يرغم اللّه إلّا بأنفه، ومن أظهر أمرنا أهرق اللّه دمه، يذبحهم اللّه على الإسلام، كما يذبح القصّاب شاته . قال : قلت : فنحن يومئذ والناس فيه سواء؟
قال علیه السلام: لا، أنتم يومئذٍ سنام الأرض وحكّامها، لا يسعنا في ديننا إلّا ذلك، قلت: فإن متّ قبل أن أدرك القائم علیه السلام؟
قال علیه السلام : إنّ القائل منكم إذا قال : إن أدركت قائم آل محمّد علیه السلام نصرته كالمقارع معه بسيفه، والشهادة معه شهادتان(1) .(2)
1404- ويدلّ على المقصود أيضاً ما رواه السيّد نعمة اللّه الجزائري (رحمة اللّه علیه) في شرح الصحيفة المباركة السجّاديّة مرسلاً، وهذه عبارته : قال :
قال الصادق علیه السلام : إنّي لا أُخرج نفسي من شهداء الطفوف، ولا أعدّ ثوابي أقلّ منهم، لأنّ من نیّتي النصرة لو شهدت ذلك اليوم، وكذلك شيعتنا هم الشهداء، وإن ماتوا على فرشهم.
وكان علیه السلام ينهى الشيعة على إلحاحهم (3) بظهور صاحب الزمان واستكشاف أحواله، وكان يقول: إنّ لكم ثواب من استشهد معه بنيّاتكم وإن متمّ على فرشكم، إنتهى كلامه ، رفع في الخلد مقامه.
ص: 261
1405- وممّا يشهد لما ذكرناه ، ويؤكّده ما رواه ثقة الإسلام الكليني (رحمة اللّه علیه) في أُصول الكافي : بسند صحيح عن الصادق علیه السلام ، قال :
إنّ العبد المؤمن الفقير ليقول : يا ربّ ارزقني حتّى أفعل كذا وكذا من البرّ ووجوه الخير ، فإذا علم اللّه عزّ وجلّ ذلك منه بصدق نيّة، كتب اللّه له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمله، إنّ اللّه واسع كریم .(1)
يقول مصنّف هذا الكتاب محمّد تقي الموسويّ الإصفهانيّ جعله اللّه تعالی شأنه بفضله ومنّه من أنصار صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه :
لا ريب أنّ المؤمن المخلص إذا سأل اللّه تعالى أن يعجّل فرج مولاه ليجاهد الكفّار بين يديه، وكان عازماً على ذلك، بصدق نیّته، أعطاه اللّه تعالی ثواب الجهاد بين يديه بمدلول تلك الروايات، وجعله من أهل العنایات ،
وهذا واضح عند أهل الدرايات . وأمّا فضل الجهاد بين يديه :
1406- ففي أُصول الكافي : عن أبي جعفر علیه السلام ، قال :
ومن أدرك قائمنا فخرج معه، فقتل عدوّنا كان له مثل أجر عشرين شهيداً،
ومن قتل مع قائمنا كان له مثل أجر خمسة وعشرين شهيداً .(2)
أقول: إذا كان من عزم المؤمن ونيّته ذلك، فاز بهذا الثواب الجزيل في زمن غيبة إمامه صلوات اللّه عليه ، على حسب ما تقدّم من الروايات عن الأئمّة الأطهار علیهم السلام .
الأمر الرابع والثلاثون : تجديد البيعة له
بعد كلّ فريضة من الفرائض الخمس اليوميّة، أو في كلّ يوم، أو في كلّ جمعة، والكلام هنا تارة في معنى البيعة، وأُخرى في حكمها
فهاهنا بحثان ، الأوّل : في معنى البيعة لغة وشرعاً،
ص: 262
فنقول: قد يطلق البيعة والمبايعة على المعاهدة والمعاقدة،
قال في مجمع البحرين : المبايعة : المعاقدة والمعاهدة، كأنّ كلاً منهما باع ما عنده من صاحبه، وأعطاه خالصة نفسه، ودخيلة أمره .(1)
وقال الشيخ أبو الحسن الشريف تلميذ المجلسيّ الثاني صاحب البحار في كتاب مرآة الانوار ومشكاة الأسرار : البيعة عبارة عن المعاقدة والمعاهدة، كأنّ كلّ واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه، إنتهى .(2)
أقول: الحاصل من معنى المبايعة هو التزام المبايع، وعهده المؤكّد، ومیثاقه المسدّد، بأن ينصر من يبايعه بنفسه وماله، ولا يبخل عنه بشيء من ذات يده، وما يتعلّق به في نصرته، ويجعل نفسه وماله فداء ووقاء له.
والبيعة بهذا المعنى مذكورة في دعاء العهد المروي لكلّ يوم، وفي دعاء العهد المروي لأربعين صباحاً، وسنذكرهما إن شاء اللّه تعالى .(3)
وقد أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم جميع الأُمّة بمبايعة الأئمّة علیهم السلام بهذه البيعة، الشاهد منهم والغائب، في خطبة الغدير المرويّة في الإحتجاج (4) ولا شكّ أنّ المبايعة بهذا المعنى من لوازم الإيمان و علائمه بل لا يتحقّق الإيمان بدونه، فالمبایع هو المؤمن والمشتري هو اللّه عزّو جلّ، ولذلك قال عزّ من قائل:
(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) إلى آخر الآية .(5)
وقد بعث اللّه تعالى أنبياءه ورسله لتجديد تلك المبايعة وتأكيدها، فمن بایعهم فقد بايع اللّه، ومن تولّى عنهم فقد تولّى عن اللّه، ولهذا قال جلّ شأنه:
(إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)(6).
ص: 263
وفي هذه الآية الشريفة أيضاً دلالة على كون المراد بالبيعة والمبايعة هو العهد المؤكّد، والميثاق المسدّد مع اللّه ورسوله، ووعد الموفين بتلك المعاهدة الأجر العظيم ، وهذه البيعة إنّما تتمّ بأمرين:
أحدهما: العزم القلبيّ الثابت الراسخ على إطاعة أمر الإمام ونصرته ببذل النفس والمال، كما نبّه عليه في الآية الشريفة بقوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ) الآية (1)، فإنّ الواجب على البائع تسليم مايبيعه إلى المشتري إذا طلب منه من دون تأمّل وتأخير، وتصديق ما عقد عليه الضمير .
والثاني : إظهار ما قصده وعزم عليه قلباً بلسانه مقترناً لهما عند إرادة البيعة فإذاً تمّت البيعة، كما أنّ عقد البيع لا يتحقّق في سائر الأُمور إلّا بشيئين :
أحدهما: قصد إنشاء البيع بمقتضى ما بني عليه المتبايعان، والآخر: التلفّظ باللسان بما عقدا عليه ضميرهما، وبهما يتمّ البيع، وقد تطلق البيعة والمبايعة على المصافقة باليد، كما كان متداولاً بين العرب في بعض الأحيان، عند تماميّة البيع أو المبايعة، ويستفاد هذا الإطلاق من قوله تعالى : («إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) الآية(2)، لدلالة لفظة يد على ذلك،
مضافاً إلى ما ورد من أنّهم كانوا يبايعون رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم بأيديهم، فراجع .(3)
1407- وفي الإحتجاج في قضيّة إكراه مولانا أمير المؤمنین علیه السلام على مبايعة الغاصب اللّعين الأوّل، قال : ثمّ مدّوا يده وهو يقبضها حتّى وضعوها فوق يد أبي بكر وقالوا : بايع بایع، وصيح في المسجد بايع أبو الحسن، الخبر .
1408- وفي الإحتجاج أيضاً: في الرواية عن مولانا الباقر علیه السلام أنّ أُسامة حين ورد المدينة لمّا رأى اجتماع الخلق على أبي بكر انطلق إلى عليّ بن أبي طالب علیه السلام ، فقال : ما هذا؟
قال له عليّ علیه السلام : هذا ما ترى، قال له أُسامة : فهل بايعته؟ فقال : نعم ، یا
ص: 264
أُسامة ، فقال : طائعاً أو كارهاً، فقال علیه السلام : لا ، بل كارهاً، الخبر .(1)
فظهر ممّا ذكرنا وغيره أنّ إطلاق المبايعة والبيعة على المصافقة والصفقة كان متداولاً معروفاً، وكذا تطلق الصفقة على البيعة أيضاً، كما ذكره أهل اللغة ، يقال : صفقة رابحة أو خاسرة أي : بيعة.
1409- وفي الحديث : بارك اللّه في صفقة يمينك(2) وقال الشاعر:
الدهر ساومني عمري فقلت له *** مابعت عمري بالدنيا وما فيها
ثم اشتراه بتدریج بلا ثمن *** تبت يدا صفقة قد خاب شاريها
1410- وفي الكافي: عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : من فارق جماعة المسلمين ونكث صفقة الإمام جاء إلى اللّه عزّ وجلّ أجذماً ، إنتهی .(3)
هذا، ولكن لا يخفى عليك أنّ نفس المصافقة ليست بيعة حقيقة، بل هي علامة لوقوع البيعة و تماميّتها، والظاهر أنّ إطلاق المبايعة والبيعة على المصافقة من باب تسمية المسبّب باسم السبب، وأصل البيعة وحافّها كما حقّقنا: هو العهد، والميثاق المؤكّد، وبه يدخل الإنسان حقيقةً في زمرة أهل الإيمان، المشترين للجنان، وإن لم يبايع الرسول أو الإمام بالمصافقة باليد، كما هو الحال في أكثر المؤمنين الحاضرين في زمن الأئمّة علیهم السلام ، وسننبّهك على ما يشهد لهذا المرام، بعون الملك العلّام، فانتظر لتمام الكلام، فإنّ هنا من مزالّ الأقدام، نسأل اللّه تعالى العصمة ببركة أهل بيت العصمة عليهم الصلاة والسلام.
البحث الثاني: في حكم البيعة، فنقول : إنّ البيعة بالمعنى الأوّل واجبة على كلّ أحد من ذكر وأنثى، وحرّ ومملوك، بل لا يتحقّق الإيمان بدونه لأنّ حاقّ الإيمان هو الإلتزام قلباً ولساناً بإطاعة أمر النبيّ والإمام، والتسليم لهما،
ص: 265
والنصرة لهما ببذل النفس والمال، قال اللّه عزّوجلّ: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(1) الآية، وقال تعالى : (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)(2) فالتسليم لأمر النبيّ والإمام فيما يتعلّق بالنفس والأهل والمال علامة تحقّق الإيمان .
وممّا يدلّ على وجوب المبايعة لجميع الأئمّة علیهم السلام ما روي في الإحتجاج في خطبة يوم الغدير من أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم أمر معاشر الناس بمبايعة أمير المؤمنين والحسن والحسين والأَئمّة من ولد الحسين علیهم السلام ولقّنهم العهد والميثاق بإطاعتهم، مع أنّهم علیهم السلام لم يكونوا معاصرین لاهل ذلك الزمان، وما هذا إلّا لوجوب التزام الناس قلباً ولساناً وتعهّدهم بالعهد المؤكّد والميثاق المسدّد بموالاتهم ونصرهم وبذل أنفسهم وأموالهم دونهم ولإطاعة أمرهم علیهم السلام .
وإلى جميع ما نبّهنا عليه يرشد قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)(3)
وهذا لكمال وضوحه لا يكاد يحتاج إلى إقامة دليل وبرهان.
1411- ويدلّ عليه من طرق العامّة ما عن صحیح مسلم، والبخاري، وربيع الأبرار للزمخشري، عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم أنّه قال :
من مات وليس في عنقه لإمام المسلمين بيعة، فميتته ميتة جاهليّةً.(4)
فصل : إذا عرفت ما ذكرناه فنقول:
يستحبّ تجديد تلك البيعة في كلّ يوم، بما ذكره السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس في كتاب مصباح الزائر، وذكره غيره أيضاً من علمائنا في كتبهم، حيث
ص: 266
أنّهم ذكروا فيما يستحبّ قراءته كلّ يوم بعد صلاة الفجر أن يقال :
1412- اللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلَايَ صَاحِبَ الزَّمَانِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، عَنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ، فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبِهَا وَ بَرِّهَا وَ بَحْرِهَا وَ سَهْلِهَا وَ جَبَلِهَا، حَيِّهِمْ وَ مَيِّتِهِمْ، وَ عَنْ وَالِدَيَّ وَ وُلْدِي وَ عَنِّي مِنَ الصَّلَوَاتِ وَ التَّحِيَّاتِ، زِنَةَ عَرْشِ اللَّهِ وَ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ وَ مُنْتَهَى رِضَاهُ، وَ عَدَدَ مَا أَحْصَاهُ كِتَابُهُ، وَ أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ
اللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَهْدًا وَ عَقْدًا وَ بَيْعَةً لَهُ فِي رَقَبَتِي، اللَّهُمَّ كَمَا شَرَّفْتَنِي بِهَذَا التَّشْرِيفِ وَ فَضَّلْتَنِي بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ وَ خَصَصْتَنِي بِهَذِهِ النِّعْمَةِ، فَصَلِّ عَلَى مَوْلَايَ وَ سَيِّدِي صَاحِبِ الزَّمَانِ، وَ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ وَ أَشْيَاعِهِ وَ الذَّابِّينَ عَنْهُ، وَ اجْعَلْنِي مِنَ الْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ، طَائِعًا غَيْرَ مُكْرَهٍ فِي الصَّفِّ الَّذِي نَعَتَّ أَهْلَهُ فِي كِتَابِكَ، فَقُلْتَ (صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) عَلَى طَاعَتِكَ وَ طَاعَةِ رَسُولِكَ وَ آلِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
اللَّهُمَّ هَذِهِ بَيْعَةٌ لَهُ فِي عُنُقِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.(1)
قال المولى المجلسيّ (رحمة اللّه علیه) في مزار البحار بعد ذكر هذا العهد :
وجدت في بعض الكتب القديمة بعد ذلك (ويصفق بيده اليمنى على اليسرى) إنتهى كلامه ورفع مقامه.
فصل: ويستحبّ أيضاً تجدید هذه البيعة بعد كلّ فريضة بما روي عن الصادق علیه السلام والرواية منقولة في صلاة البحار عن كتاب الإختيار للسيّد ابن الباقيّ (رحمة اللّه علیه) وقد ذكرنا الرواية والدعاء في أوّل الباب السادس من هذا الكتاب .(2)
ص: 267
فصل:
1413- ومن الأدعية المأثورة المشتملة على تجديد البيعة لصاحب الامر علیه السلام ما رواه السيّد وغيره بأسانيدهم إلى مولانا الصادق علیه السلام أنّه قال :
من دعا بهذا الدعاء أربعين صباحاً كان من أنصار القائم علیه السلام ، وإن مات قبل ظهوره أحياه اللّه تعالى، حتّى يجاهد معه، ويكتب له بعدد كلّ كلمة منه ألف حسنة، ويمحى عنه الف سيّئة، وهو هذا :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
اللَّهُمَّ رَبَّ النُّورِ الْعَظيمِ، وَرَبَّ الْكُرْسِيِّ الرَّفِيعِ، وَرَبَّ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ، وَمُنْزِلَ التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ، وَرَبَّ الظِّلِّ وَالْحَرُورِ، وَمُنْزِلَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَرَبَّ الْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالْأَنْبِياءِ وَالْمُرْسَلينَ، اللَّهُمَّ إِنّي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْكَرِيمِ، وِبِنُورِ وَجْهِكَ الْمُنِيرِ وَمُلْكِكَ الْقَدِيمِ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ،
أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي اشْرَقَتْ بِهِ السَّماواتُ وَالأَرَضُونَ، وَبِاسْمِكَ الَّذِي يَصْلُحُ بِهِ الأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، يا حَيّاً قَبْلَ كُلِّ حَيٍّ، وَيا حَيّاً بَعْدَ كُلِّ حَيٍّ، وَيا حَيّاً حِينَ لا حَيَّ، يا مُحْيِيَ الْمَوْتي وَمُمِيتَ الْأَحْياءِ، يا حَيُّ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ، اللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلانَاالْإِمامَ الْهادِيَ الْمَهْدِيَّ الْقائِمَ بِأَمْرِكَ، صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلي آبائِهِ الطّاهِرينَ، عَنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ فِي مَشارِقِ الأَرْضِ وَمَغارِبِها، سَهْلِها وَجَبَلِها وَبَرِّها وَبَحْرِها، وَعَنِّي وَعَنْ والِدَيَّ مِنَ الصَّلَواتِ زِنَةَ عَرْشِ اللَّهِ وَمِدادَ كَلِماتِهِ وَما أَحاطَ بِهِ أَحْصاهُ عِلْمُهُ وَأَحْصاهُ كِتابُهُ.
اللَّهُمَّ إِنّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِي هذا وَما عِشْتُ مِنْ أَيَّامِي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ فِي عُنُقِي، لا أَحُولُ عَنْها وَلا أَزُولُ أَبَداً، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصارِهِ وَأَعْوانِهِ، وَالذّابِّينَ عَنْهُ، وَالْمُسارِعِينَ إِلَيْهِ فِي قَضاءِ حَوائِجِهِ،
ص: 268
وَالْمُمْتَثِلِينَ لِأَوامِرِهِ، وَالْمُحامِينَ عَنْهُ، والسَّابِقِينَ إِلي إِرادَتِهِ، وَالْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ
اللَّهُمَّ فَإِنْ حالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ الْمَوْتُ الَّذِي جَعَلْتَهُ عَلي عِبادِكَ حَتْماً مَقْضِيّاً، فَأَخْرِجْنِي مِنْ قَبْرِي، مُؤْتَزِراً كَفَنِي، شاهِراً سَيْفِي، مُجَرِّداً قَناتِي، مُلَبِّياً دَعْوَةَ الدّاعِي فِي الْحاضِرِ وَالْبادِي
اللَّهُمَّ أَرِنِي الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ، والْغُرَّةَ الْحَمِيدَةَ، وَاكْحَلْ ناظِرِي بِنَظْرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ، وَعَجِّلْ فَرَجَهُ وَسَهِّلْ مَخْرَجَهُ، وَأَوْسِعْ مَنْهَجَهُ وَاسْلُكْ بِي مَحَجَّتَهُ، وَانْفِذْ أَمْرَهُ وَاشْدُدْ أَزْرَهُ، وَاعْمُرِ اللَّهُمَّ بِهِ بِلادَكَ، وَأَحْيِ بِهِ عِبادَكَ، فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ: (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ)، فَأَظْهِرِ اللَّهُمَّ لَنا وَلِيَّكَ وَابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكَ الْمُسَمّي بِاسْمِ رَسُولِكَ حَتّي لا يَظْفَرَ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْباطِلِ إِلَّا مَزَّقَهُ، ويُحِقَّ الْحَقَّ وَيُحَقِّقَهُ
وَاجْعَلْهُ اللَّهُمَّ مَفْزَعاً لِمَظْلُومِ عِبادِكَ، وَناصِراً لِمَنْ لا يَجِدُ لَهُ ناصِراً غَيْرَكَ، وَمُجَدِّداً لِما عُطِّلَ مِنْ أَحْكامِ كِتابِكَ، وَمُشَيِّداً لِما وَرَدَ مِنْ أَعْلامِ دِينِكَ وَسُنَنِ نَبِيِّكَ صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَاجْعَلْهُ اللَّهُمَّ مِمَّن حَصَّنْتَهُ مِنْ بَأْسِ الْمُعْتَدِينَ
اللَّهُمَّ وَسُرَّ نَبِيَّكَ مُحَمَّداً صَلَّي اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِرُؤْيَتِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ عَلي دَعْوَتِهِ، وَارْحَمِ اسْتِكانَتَنا بَعْدَهُ، اللَّهُمَّ اكْشِفْ هذِهِ الْغُمَّةَ عَنْ هذِهِ الْأُمَّةِ بِحُضُورِهِ، وَعَجِّلْ لَنا ظُهُورَهُ، إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ ، ثمّ تضرب على فخذك الأيمن بيدك ثلاث مرات وتقول: الْعَجَلَ الْعَجَلَ الْعَجَلَ يا مَوْلايَ يا صاحِبَ الزَّمانِ.(1)
ص: 269
فصل: ويستحبّ تجديد العهد والبيعة له في كلّ جمعة،
نظراً إلى ما قدّمنا من الرواية، أنّ الملائكة يجتمعون في كلّ جمعة في البيت المعمور، ويجدّدون عهد ولاية الأئمة علیهم السلام ، مضافاً إلى الدعاء المروي عن سيّد الساجدين علیه السلام المشتمل على ذلك الذي ذكرناه في كتاب «أبواب الجنات في آداب الجمعات»، ومضافاً إلى أنّ يوم الجمعة يوم أخذ اللّه العهد والميثاق بولايتهم علیهم السلام من العالمين، كما ذكرنا الرواية في ذلك الكتاب المذكور(1)
ومضافاً إلى مزيد اختصاص ذلك اليوم به صلوات اللّه وسلامه عليه من وجوه قدّمنا ذكرها في الباب السادس من هذا الكتاب .(2)
وينبغي مزيد الإهتمام بذلك في الجمعة أيضاً بسبب ما ورد من الروايات من تضاعف الحسنات في ذلك اليوم، ولاريب في أنّ هذه المبايعة من أفضل الحسنات وأهمّها، وأكمل العبادات وأتمّها كما لا يخفى على السالك في مسالك الإيمان، وأهل الرشد والإيقان.
فصل: وأمّا حكم البيعة بالمعنى الثاني، أعني المصافقة باليد،
فالكلام فيه تارة في حكم زمان حضور المعصوم، وأُخرى في زمان غيبته .
أمّا في زمان حضوره، فلا ريب في وجوب البيعة بالمعنى المذكور، عند استدعاء الإمام وطلبه ذلك على من طلبه منه ، ودعاه إليه، لأنّ أمره علیه السلام يقتضي الوجوب، فإن أمر أحداً بمبايعته بنفسه أو مبايعة غيره النائب عنه بخصوصه وجب إجابته في ذلك، ولهذا لمّا دعا النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم المسلمين إلى بيعته بالمعنی المذكور في يوم الغدير ، وغيره،
كانوا يتسابقون ويتبادرون إلى إجابته صلوات اللّه عليه وهذا ممّا لا شبهة فيه .
وأمّا لو دعا في زمن حضور المعصوم غير المعصوم إلى بيعته فهل يجوز إجابته إلى ذلك أم لا؟ فنقول: إن كان ذلك الداعي منصوباً بخصوصه من قبل
ص: 270
الإمام، وأمر الإمام بمبايعته، فيجب إجابته ومبايعته، لأنّ مبايعته مبايعة الإمام، وأمره علیه السلام يقتضي الوجوب، وإن لم يكن منصوباً بخصوصه، ولم يأمر الإمام بمبايعته فمبايعته غير جائزة، سواء دعا الناس إلى بيعة نفسه لنفسه أم دعاهم إلى بيعته نفسه بعنوان النيابة عن الإمام، وأنّ مبايعته مبايعة الإمام.
والدليل على عدم الجواز مضافاً إلى أنّ أُمور الشرع توقيفيّة، يجب تلقّيها من الشارع، وأنّه لم يعهد في زمانهم مبايعة المؤمنين غير الأئمّة، نيابة عنهم، والنهي عن اتّباع غيرهم ممّن كان يدعو الناس إلى البيعة أنّ تلك البيعة قد كانت من لوازم الرئاسة العامّة، وآثار السلطنة الكلّيّة، إذ قد عرفت أنّ حاقّ معناها التعهّد والإلتزام برئاسته، ولزوم مبايعته، ومحكوميّة المبايع ومرؤوسيّته ، والإنقياد لأوامر الرئيس، وبذل المال والنفس في نصرته، ولا شبهة عندنا في أنّ الرئاسة العامّة والولاية المطلقة، والسلطنة الكلّيّة، مخصوصة من اللّه عزّ وجلّ
بمحمّد رسوله صلی اللّه علیه وآله وسلم والأئمّة الإثني عشر خلفائه صلوات اللّه عليهم أجمعين .
قال اللّه عزّ وجلّ: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(1) وقال تعالى : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(2)،
وقال عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(3) والروايات الدالّة على هذا المدّعى أكثر من أن تحصى، بعضها مذكور في أصول الكافي وبصائر الدرجات .(4)
1414- وفي دعاء سیّد الساجدين علیه السلام ليوم الجمعة والعیدین :
اللّهمّ إنّ هذا المقام لخلفائك وأصفيائك، ومواضع أُمنائك، في الدرجة الرفيعة، الّتي اختصصتهم بها، قد ابتزّوها، إلخ.(5)
ص: 271
وعلى ما بيّنّا ظهر أنّه لا يجوز مبايعة غير النبيّ والإمام، إذ لو بایع غيره جعل له شريكاً في المنصب الّذي اختصّه اللّه تعالى به، ونازع اللّه في خيرته وسلطانه، قال اللّه عزّ وجلّ : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)(1).
1415- وقد ورد في تفسير قوله تعالى : (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(2) روايات بأنّ المراد: لئن أشركت في الولاية غير عليّ معه، والروايات مذكورة في البرهان وغيره .(3)
فصل: وقد تبيّن ممّا ذكرنا عدم جواز مبايعة احد من الناس، من العلماء وغيرهم، لا بالإستقلال، ولا بعنوان نیابتهم عن الإمام علیه السلام في زمان غيبته، لما قدّمناه آنفا من أنّ ذلك من خصائصه ولوازم رئاسته العامّة وولايته المطلقة وسلطنته الكلّيّة، فإنّ بيعته بيعة اللّه:
1416- كما ورد في خطبة الغدير ، وغيرها:(4)
فمن بایعه فقد بايع اللّه تعالى، ومن تولّى عنه فقد تولّى عن اللّه .
1417- ويدلّ على عدم جوازه - مضافاً إلى ما عرفت من كونه من خصائص الإمام، وكون أُمور الشرع توقيفيّة - ما روي في البحار، ومرآة الأنوار :
عن المفضّل بن عمر، عن الصادق علیه السلام، أنّه قال :
یا مفضّل، كلّ بيعة قبل ظهور القائم علیه السلام فبيعة كفر ونفاق وخديعة، لعن اللّه المبايع بها(5) والمبايع له، الحديث .(6)
وهذا كما ترى صريح في عدم جواز مبايعة غير الإمام، من غير فرق بين كون المبايع له فقيهاً أو غير فقيه، ومن غير فرق بين أن تكون البيعة لنفسه أو
ص: 272
بعنوان النيابة عن الإمام علیه السلام.
ويؤيّد ما ذكرنا من كون المباعة بالمعنى المذكور من خصائص الإمام، ولوازم رئاسته العامّة وولايته المطلقة وعدم جوازه لغيره أُمور:
منها : أنّه لم يعهد ولم ينقل في زمان أحد من الأئمّة علیهم السلام تداول المبايعة بين أصحابهم، وكذا سائر المؤمنين الموجودين في زمانهم.
ومنها : أنّه لم يرد منهم علیهم السلام إذن في مبايعة غيرهم من أصحابهم بنيابتهم.
ومنها: عدم معهوديّة ذلك في ألسنة العلماء، ولا في كتبهم، ولم ينقل في آدابهم، وأحوالهم، وأفعالهم، بل لم يكن معهوداً في سائر المؤمنين من زمن الأئمة علیهم السلام إلى زماننا أن يبايعوا أحداً بعنوان أنّ بيعته بيعة الإمام علیه السلام .
ومنها : أنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم لمّا أراد أن يأخذ البيعة لأمير المؤمنين علیه السلام ورأى أنّه يعسر على جميع المؤمنين أن يصافقوه بیده امرهم بإظهار العهد والبيعة بألسنتهم ولم يأمرهم بأن يصافقوا غيره من صالحي أصحابه وخواصّهم نيابة عنه، مع أنّه كان ذلك ممكناً، والحديث مذكور في كتاب الإحتجاج للشيخ الطبرسي (رحمة اللّه علیه) من أراده فليطلبه هناك .(1)
ومنها : أنّه لمّا فتح رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم في مكّة، وبايع الرجال جاءته المؤمنات لمبايعته، فقال : إنّي لا أُصافح النساء، فدعا بقدحٍ من ماء، فأدخل يده، ثمّ أخرجها، فقال : أدخلن أيديكنّ في هذا الماء، فهي البيعة، وهذا الحديث وغيره بمضمونه مذكور في الكافي، والبرهان، وغيرهما(2)
ووجه التأييد والإستشهاد أنّه صلی اللّه علیه وآله وسلم لم يأذن لهنّ في مصافقة امرأة من المؤمنات الصالحات، ولا في مصافقة محارمهنّ من المؤمنين بعنوان أنّ مصافقة امرأة مصافقة رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم نيابة عنه.
ص: 273
ومنها : ما تقدّم من المجلسيّ (رحمة اللّه علیه) في البحار، بعد ذكر دعاء تجديد العهد والبيعة في زمان الغيبة : أنّه قال : وجدت في بعض الكتب القديمة بعد ذلك (ويصفق بيده اليمنى على اليسرى)، إنتهی .(1)
فانظر كيف جوّزوا أن يصفق بيده على يده ولم يجوّزوا مصافقة الغير .
1418- ومنها : ما في الاحتجاج عن مولانا الباقر علیه السلام بعد ذكر وقعة الغدير ، وخطبة البشير النذير ، وأخذ البيعة للأمير علیه السلام ، قال : وواصلوا البيعة والمصافقة ثلاثاً ورسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم يقول كلّما بایع قوم: الحمد لله الّذي فضّلنا على جميع العالمين ، قال علیه السلام : وصارت المصافقة سنّةً ورسماً، وربّما يستعملها من ليس له حقّ فيه، إنتهی .(2)
أقول: فمن جميع ما ذكرنا وغيره يحصل الجزم بأنّ المبايعة من خصائص النبيّ والإمام، ولا يجوز لأحد التصدّي لذلك، إلّا من جعله النبيّ أو الإمام نائباً له في ذلك، فيكون وكيلاً في هذا الأمر، مثل الوكالة في سائر الأُمور .
فإن قلت : بناء على القول بثبوت الولاية العامّة للفقيه، يمكن أن يقال بأنّ الفقهاء خلفاء الإمام علیه السلام ونوّابه ، فيجوز لهم أخذ البيعة من الناس نيابة عن الإمام ويجوز للناس مبايعتهم.
قلت : أمّا أوّلاً : فالولاية العامّة غير ثابتة للفقيه .
وأمّا ثانياً : فعلى فرض ثبوت الولاية العامّة إنّما هي فيما لم يكن مختصّاً بالنبيّ والإمام، وقد ظهر من الروايات دليلاً تأييداً كما ذكرنا اختصاص المبايعة بهما، فليس للنائب العامّ نيابة في هذا المقام، وهذا نظير الجهاد، حيث أنّه لا يجوز إلا في زمان حضور الإمام وبإذنه، ونظير وجوب إقامة صلاة العيدين على الإمام، ونظیر كون سلوكهم في أكلهم، وشربهم، ومعاشهم، ولباسهم، عند بسط أيديهم، وظهور رئاستهم، بسيرة أمير المؤمنين علیه السلام ، كما في عدّة روایات
ص: 274
يوجب ذكرها التطويل، ونظير جواز الإيثار مع كون الأهل والأولاد في حال الإحتياج، والإضطرار، ونظير عدم كراهة الأكل باليسار ونحوها ممّا يختصّ بالنبيّ والإمام علیهماالسلام .
وأمّا ثالثاً : فعلى فرض عدم ثبوت الإختصاص نقول :
إنّما يجوز تصدّي الفقيه لما ثبت شرعيّته، وشرعيّة مبايعة غير المعصوم، أو نائبه الخاصّ المأمور بأخذ البيعة من الناس للمعصوم غير ثابتة .
فإن قلت : يمكن إثبات شرعيّة ذلك بالآيات الدالّة على رجحان المتابعة والتأسّي بالنبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم كقوله تعالى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي)(1)
وقوله تعالى : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ)(2) ونحوها،
وجه الإستدلال أنّ الآيات دلّت على حسن اتّباع النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم في أفعاله، ومن أفعاله الّتي صدرت منه بشهادة الآيات والروايات مبايعة المؤمنين والمؤمنات ، فيستحبّ لهم التأسّي به في المبايعة والمصافقة.
قلت : أوّلاً إنّ دلالة الآيات المذكورة على وجوب التأسّي والإتّباع في تمام الأفعال الصادرة عنه، أو استحبابه، غير ظاهرة ، كما حقّقناه في محلّه، بل هي ظاهرة في وجوب الإيمان به، وامتثال أمره ونهيه،
وتفصيل الكلام في هذا المقام يوجب الخروج عمّا هو المقصود والمرام .
وثانياً : لو فرض ثبوت دلالتها على رجحان المتابعة مطلقاً، قلنا: إنّها إنّما تدلّ على رجحان الإتيان بالفعل الصادر عنه على النحو الّذي صدر عنه،
وذلك ممتنع فيما نحن فيه، لأنّ البيعة الصادرة في زمانه كانت مقيّدة بمصافقة يده الشريفة، أو كانت بأمره، كما أنّ مبايعة مسلم بن عقیل كانت بأمر مولانا الحسين علیه السلام .
ص: 275
أمّا في مثل زماننا هذا فجواز المبايعة على وجه المصافقة ممّا لا دليل له، فهي من البدع المحرّمة الّتي توجب اللّعنة والندامة،
وبهذا يتبيّن لك وجه قول مولانا الصادق علیه السلام في حديث مفضّل السابق :
كل بيعة قبل ظهور القائم ... إلخ .(1)
وممّا ذكرنا لك يظهر فساد ما زعمه بعض العلماء الزنجانيّين في كتابه المعمول لصيغ العقود، حيث أنّه جزم باستحباب مبايعة الفقهاء، واخترع صيغة العقد المبايعة وتكلّم في أنّه من العقود الجائزة، أو اللّازمة،
وممّا يدلّ على فساد زعمه ما اعترف به في أوّل كلامه من أنّ عقد البيعة وصيغته ليس مذكوراً في كتب أحدٍ من العلماء من المتقدّمين والمتأخّرين.
أقول: أُنظر أيّها الفطن العاقل، هل يتصوّر عادة أن يغفل جميع العلماء من زمن الأئمّة المعصومين إلى زماننا هذا عن أمر شائع اسمه في القرآن المجيد، والأخبار العديدة، ويكون هذا الأمر ممّا یكلّف به الناس عموماً وجوباً أو استحباباً ولا يتعرّض أحد منهم لذكره، ولا يسمع منهم في محاوراتهم و مكالماتهم، ولا يعنون في محافلهم ومجالسهم؟!
أليس ذلك إلّا لوضوح عدم مشروعيّة المصافقة بعنوان المبايعة إلّا مع المعصوم أو نائبه الخاصّ، وتوافقهم على ذلك بحيث لم يذكر ذلك أحد منهم على سبيل الإحتمال كما هو دأبهم في كثير من المسائل الفقهيّة،
نسأل اللّه تعالى العصمة من الخطاء والخطل في القول والعمل.
ولمّا كان كتاب هذا الشخص فارسيّاً رأينا أن نذكر حاصل كلامه هنا بالعربيّة فنقول: إنّه قد استدلّ لاستحباب البيعة في هذا الزمان و نحوه بقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)
ص: 276
فقال : معلوم أنّ ما وعد اللّه عليه أجراً عظيماً ويكون بمنزلة الوفاء بعهد اللّه فهو مستحبّ مؤكّد إن لم يكن واجباً.
ثمّ قال: إنّ الأصل في كلّ فعل وترك يكون مقدّمة لإطاعة النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم في رسالته الرجحان، ثمّ قال بعد كلام له : إذا ثبت الرجحان، فيكون راجحاً للإمام ونوّابه بدليل أصالة الإشتراك، هذا محصّل كلامه في إثبات مرامه ، وانت خبير بأنّ مثل هذا الكلام لا ينبغي أن يصدر من العلماء الاعلام، لأنّ الآية الشريفة إنّما دلّت على وجوب الوفاء بالمبايعة الّتي صدرت ممّن بايع رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وإنّ من وفي فله أجر عظيم، ومن نكث فقد أضرّ بنفسه، وحاق به سوء علمه ، وفساد ضميره، وخبث سريرته، ولادلالة لها على رجحان مبايعة غير النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم ، فإثبات مقصود هذا المستدلّ بهذه الآية دونه خرط القتاد .
وأمّا الأصل الّذي ذكره ففيه أوّلاً :
أنّ رجحان ما يتوقّف عليه إطاعة النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم أمر عقلي، لا يوصف بالإستحباب الشرعي الّذي له أجر وثواب زائد على أصل العمل الّذي أمر به النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم فهو من قبيل طلب الماء لتحصيل الطهارة، فإثبات الإستحباب الشرعي بذلك ممّا يأباه أصاغر الطلبة فضلاً عن أكابر العلماء. وثانياً:
أنّه لا تتوقّف إطاعة النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم في رسالته وأحكامه على المبايعة بالمعنی المذكور أصلاً، بل هي كسائر الأفعال ، ممّا يجب أخذ حكمها عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم ، ففي كلّ مقام ثبت أمره ونهيه وجب امتثاله وإطاعته فعلاً أو تركاً، وفي كلّ مقام لم يثبت عنه أمر ولا نهي، فإن كان من الأُمور العاديّة كالأكل والشرب وغيرهما من الأفعال والعاديّات، فإن أتي به المكلّف بغیر عنوان التشريع، كان قد فعل مباحاً، وإن أتی به بعنوان أنّه من الشرع وجوباً أو استحباباً فهو بدعة محرّمة، وما نحن فيه من هذا القبيل، لأنّ مبايعة غير النبيّ والإمام على نحو المصافقة ممّا لم يرد فيه عنهم علیهم السلام أمر أصلاً، بل ورد عنهم النهي، كما عرفت، فهي بدعة محرّمة
ص: 277
فإن قلت : يمكن أن يأتي بهذا الفعل رجاء كي يتخلّص من حرمة التشريع.
قلت : أوّلاً : بعد ما أثبتنا كون ذلك من خصائص النبيّ والإمام، وبيّنّا ورود النهي عن هذا الفعل عنهم علیهم السلام فلا مجال لرجاء المطلوبيّة واحتمال المحبوبيّة .
وثانياً : لو أغمضنا عن ذلك كلّه، وفرضنا عدم الاختصاص، وعدم ورود النهي قلنا: إنّ موضوع أخبار من بلغه ثواب على عمل فعمله رجاء ذلك الثواب هو أن يرد في فعل من الأفعال حديث عنهم في فضله وثوابه بحسب الطرق المتعارفة، ويأتي به المؤمن رجاء ذلك الثواب ، نظراً إلى بلوغ الخبر عنهم، فإن كان في الواقع غير صادر عنهم، وأتي به المؤمن رجاءً، آتاه اللّه تعالى ذلك الثواب فضلاً وإحساناً .
فنقول لهذا القائل : أيّ خبر ضعیف دلّ على رجحان مبايعة غير الإمام علیه السلام ؟ أم أيّ فقيه أفتى باستحبابه؟ أم أيّ عالم احتمل رجحان ذلك رجاء ثوابه مع أنّ هذا القائل اعترف في أوّل كلامه ، كما عرفت، بأنّه لم يقف على أحد من العلماء المتقدّمين منهم والمتأخّرين ذكر ذلك،
نسأل اللّه تعالى العصمة من الزلّة بمنّه وكرمه .
وأمّا مسألة إصالة الإشتراك في التكليف فنقول بعون اللّه تعالى وتأييده :
إنّ مقتضى الأدلّة ، بل هو من الضروريّات الّتي يعرفها أهل الملّة المحمّدية صلی اللّه علیه وآله وسلم أنّ شريعته باقية إلى يوم القيامة، وجميع الناس من زمن بعثته إلى يوم القيامة مكلّفون باتّباع شریعته، وموافقة أوامره ونواهيه وأحكامه ،
وهذا مقتضی خاتميّته، وصریح كتاب اللّه العزيز في آيات عديدة، لكن لا ريب ولاخفاء في أنّ الأحكام تتفاوت موضوعاتها وشروطها، وفي كلّ واقعة حكم من اللّه عزّ وجلّ.
وملخّص القول في ذلك :
أنّ الأحكام والأفعال الصادرة عنه صلی اللّه علیه وآله وسلم على أربعة أقسام:
ص: 278
الأول : ما دلّ الدليل على اختصاصه بنفسه الشريفة كوجوب صلاة الوتر وما ذكره الفقهاء في كتاب النكاح من خصائصه صلی اللّه علیه وآله وسلم .
الثاني : ما دلّ الدليل على اشتراك الحاضرين والغائبين والموجودين في زمانه، والّذين يأتون بعده فيه، كوجوب الصلوات المفروضات، واستحباب الصلوات المسنونات، ووجوب الزكاة، والحجّ، وغيرها من الواجبات والسنن، وحرمة المحرّمات، وكثير من الأحكام الّتي دلّ الدليل على اشتراك الجميع فيها
الثالث : ما دلّ الدليل على اختصاصه بالحاضرين في زمانهم كوجوب الجهاد ، ووجوب صلاة العيدين، ووجوب صلاة الجمعة عيناً، وغيرها.
الرابع : ما أُمر به في واقعة، أو مورد يحتمل اختصاص ذلك الحكم بخصوص ذلك المورد، وتعلّق التكليف بخصوص الحاضرين في ذاك الزمان، لعدم قيام دليل على شموله للغائبين، وتعدية الحكم إلى غير ذاك المورد، كما في جملة من الأحكام الّتي وردت للرجل مثلاً، فتعديتها إلى غيره ممّا لا دليل له، وكما في مسألة البيعة الّتي أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم بها الحاضرين، لو فرضنا عدم الدليل على اختصاصها بالحاضرين، وأغمضنا عمّا ذكرنا من الدليل على الإختصاص، والمرجع في هذه المسألة وأمثالها أصل البراءة، لا أصل الإشتراك في التكليف، لأنّ التكليف المشكوك منفيّ بالاصل عقلاً و شرعاً.
فالتمسّك بأصالة الإشتراك في التكليف - كما صدر من هذا القائل - لا حجّة له، كما لا يخفى على أهل التحقيق، بل يمكن أن يقال : لو سلّمنا أصالة الإشتراك حتّى في مثل هذا المقام لم يكن ناهضاً لإثبات استحباب البيعة بنحو المصافقة في زمان الغيبة، لأنّ جميع ماله دخل في توجّه الخطاب يجب أن يكون موجوداً في غير الحاضر وقت الخطاب حتّى يثبت توجّهه إليه أيضاً بإصالة الإشتراك، على مذاق هذا القائل، وهذا غير ممكن فيما نحن فيه، لأنّ المفروض وجوب مبايعة الحاضرين مع النبيّ والوصي علیهماالسلام .
ص: 279
وذلك في حقّ الغائبين مثل أهل الزمان مثلاً - سالبة بانتفاء الموضوع - فلا يمكن تكليفهم بذلك، وأيضاً لايثبت تكليفهم بذلك لوجه آخر، وهو أنّ النبيّ قد أمر الحاضرين في زمانه بالمصافقة في وقائع خاصّة، وزمان مخصوص، فلا يثبت تكليف الحاضرين بذلك الأمر بعد خروج ذاك الوقت، ومضيّ تلك الواقعة، فضلاً عن المعدومين في زمانه .
وذلك لأنّا قد أثبتنا في محلّه أنّ القضاء بامر جديد، وأنّ الأمر بشيء في وقت معيّن لا يقتضي وجوبه بعد انقضاء ذلك الوقت، إلّا أن يقوم دليل آخر عليه، والمفروض هنا العدم.
ويرد على هذا القائل نقض آخر على مذهبه، وهو أنّ مقتضى ما أقام من الدليل على مختاره لو تمّ لزوم القول بوجوب المبايعة بالمصافقة على جميع الناس في جميع الأزمنة، لأنّ أمر النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم كان على وجه الإيجاب على الحاضرين، فمقتضى أصالة الإشتراك في التكليف بزعمه يوجب القول بالوجوب على الغائبين والمعدومين في زمانه صلی اللّه علیه وآله وسلم
وهذا القائل غير ملتزم به كما عرفت كلامه.
تبصرة : قد اتّضح بما ذكرناه فساد ما تداول في ألسنة بعض الصوفيّة، وتعارف بينهم من وجوب البيعة مع الشيخ، ومصافقة يده، وزعموا أنّ مبايعة الشيخ واجبة، وأنّها جزء الإيمان، والإيمان لا يتحقّق بدونه، وسمّوا هذه البيعة بالبيعة الولويّة، وبالبيعة الخاصّة الإيمانيّة، وجعلوا الأخذ بالبيعة من خصائص مشايخ الصوفيّة ومناصبهم، وقالوا : إنّ الأخذ بالبيعة لا يجوز إلّا لمن كان له إجازة ذلك من مشايخهم بطرقهم المقرّرة المثبتة عندهم، وهذا من أُصولهم الّتي اتّخذوها أساساً للرئاسة، وشبكةً لاصطياد العوامّ، الّذين هم كالأنعام،
وقد تكرّر ذكر هذه البيعة، ووجوبها وعدم تحقّق الإيمان بدونها في كلام بعض رؤسائهم في تفسيره المسمّى ببيان السعادة ،
ص: 280
ولابأس بنقل بعض كلماته ، ثمّ التكلّم عليه بما سنح لنا بتأييد اللّه عزّوجلّ، ليكون الناظر على بصيرة من أمرهم:
قال في تفسير سورة يونس في عدم جواز أخذ البيعة من غير إجازة من المشايخ، قال : كما اجترأ المتشبّهة المبطلة بالصوفيّة ، فدخلوا في ذلك من غير إذنٍ من مشايخ المعصومين - إلى أن قال : وكذا الصوفيّة المحقّة، لا يدخلون في الأمر والنهي، وبيان الاحكام والإستغفار للخلق واخذ البيعة منهم، إلّا إذا أُجيزوا، وسلاسل إجازاتهم مضبوطة عندهم.
وقال في تفسير سورة التوبة بعد كلام له في وجوب البيعة في كلّ زمان من الأزمنة، ولزوم التعلّق بيد الشيخ : إنّ تلك البيعة كانت سنّة قائمة من لدن آدم إلى زمان ظهور دولة الخاتم صلی اللّه علیه وآله وسلم، بحيث كان أهل كلّ دين لا يعدّون من أهل الدين أحداً إلّا بالبيعة مع صاحب ذلك الدين، أو مع من نصبه لأخذ البيعة من الناس، ولتلك كانت شرائط وآداب مقرّرة، مكتومة عندهم، ولشرافة تلك البيعة ، والضنّة بابتذالها عند من ليس لها بأهل، كانت تختفي في كلّ دين بعد قوّته ، ورحلة صاحبه ، إنتهی ما اردت نقله.
أقول: إنّ ما ذكر ادّعاء بلا دليل، ولا شاهد له من عقلٍ ولا نقل، ولو كان له وجه ضعيف لذكره لحرصه على إثبات لزوم البيعة مع الشيخ، لأنّ ذلك مدار رئاستهم، كما أشرنا إلى ذلك، ويرد عليه مضافاً إلى ما ذكرنا سابقاً، أوّلاً :
أنّه لو كانت المبايعة بنحو المصافقة واجبة في الإسلام، أو الإيمان، لوجب على النبيّ والإمام وعلى أصحابهما بل على كلّ مؤمن، أن يأمروا من يدخل في الإسلام أو التشيّع بتلك البيعة، بل كان اللازم عليهم الأمر بذلك قبل الامر بالصلاة وسائر الفرائض، لأنّها جزء الإيمان بزعم هذا القائل، وللزومها في كلّ حين، وعدم توقيتها بوقت من الأوقات.
ونحن مع ما تيسّر لنا من التصفّح والتتبّع في الأخبار والروايات، لم نظفر
ص: 281
بذلك، بل من الواضح أن هذا المدعي أيضاً لم يظفر به، ولو ظفر به لذكره في طيّ كلامه حرصاً على إثبات مرامه .
وثانياً : أنّه يلزم على طريقة هذا المدّعي أن يكون جميع المؤمنين من زمن المعصومين علیهم السلام إلى زماننا، علماؤهم وعوامّهم، خارجين عن زمرة أهل الإيمان، لعدم تداول تلك البيعة بينهم في زمن من الأزمان.
وثالثاً : أنّه قد ورد في عدّة من الأخبار، أنّ جمعاً من الأبرار من أصحاب الأئمة الأطهار علیهم السلام عرضوا إيمانهم، وما يجب عليهم في حقيقة إيمانهم على الأئمّة، وقرّرهم الأئمّة على ذلك، وقالوا بتماميّة إيمانهم، ولم يكن في كلام السائل ولا الإمام ذكر للبيعة أصلاً، ولو كان للبيعة دخل في تحقّق الإيمان أو كماله لنبّهوا عليه، كما لا يخفى،
وبعض تلك الروايات مذكور في أُصول الكافي .(1)
ورابعاً : أنّه قد وردت أخبار كثيرة عن أئمّتنا علیهم السلام في بيان صفات المؤمنین وآدابهم، وأخلاقهم، وبيان علامات الإيمان، وذكر علامات تحقّقه وكماله ، ولم يذكر في واحدٍ منها اسم البيعة تصريحاً ولا تلويحاً.
وخامساً: أنّ قوله «لشرافة تلك البيعة»، الخ، نعترض عليه فنقول:
أيّ مفسدة كانت تترتّب على إظهار المؤمنين بعضهم لبعض مصافقة رئيسهم للبيعة معه؟ وأيّ مفسدة كانت تترتّب على تلك المبايعة؟
ولا شكّ أنّ التعلّق باليد أهون وأسهل على الطباع البشريّة من بذل المال ، وإنّا نرى بالعيان عدم مضايقة صالحي أهل الإيمان من بذل سهم الإمام روحي فداه في زمان غيبته للعلماء والأعلام، فكيف يتضايقون من مصافقة أيديهم لو علموا من شرعهم وجوب البيعة بهذه الكيفيّة أو استحبابها؟! وليس هذا إلّا مثل المصافحة الشائعة المتداولة بينهم، ولا فرق إلا في القصد والعنوان.
ص: 282
وسادساً : أنّ إظهار خلافة أمير المؤمنين علیه السلام كان أعظم خطباً، وأشدّ خوفاً وخطراً، كما يظهر من الآية والروايات والتواريخ، ومع ذلك أمر رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم بالإظهار، لكونه جزءاً للإيمان، ولو كان بيعة غيره جزءاً كما زعمه هذا المدّعي لبيّنه النبيّ وخلفاؤه علیهم السلام.
وسابعاً : كيف خفي هذا العمل الواجب العظيم الّذي يدّعي أن أحداً لا يكون من أهل الدين إلّا به، على جميع المؤمنين و قاطبة أهل هذا الدين، إلّا على طائفة الصوفيّة، إن هذا إلّا إفك مبين، نسألهم فنقول:
هذا التقصير كان من النبيّ وخلفائه ! العياذ باللّه، حيث حرّموا جميع الخلق من بيان هذا الحكم، أو كان من جميع المؤمنين حيث ستروا حكم اللّه من الظالمين ! مع كمال اهتمامهم بنشر الأحكام وبيانها ، نعوذ باللّه تعالی من مضلّات الفتن، والإبتلاء بالبلايا والمحن.
وثامناً : لو كان هذا الأمر واجباً، وكان له دخل في تحقّق الإيمان، لوجب أن ينقل، ويذكر في كتب العلماء، ويعنون بينهم، فكيف يدّعي ذلك مع عدم ذكر له في شيء من الأخبار والآثار، ولو قال هذا المدّعي بوجوده في كتاب من كتب أهل العلم فعليه البيان.
وتاسعاً: أنتم تدّعون أنّ هذا الأمر من الأسرار الخفيّة الّتي كان الإهتمام بإخفائها، فكيف تخالفون السابقين بزعمكم، وتفشون هذا السرّ المكتوم، وتعمدون بإظهاره في كتبكم وألسنتكم،
وإن قلتم بزعمكم أنّكم أصحاب الأسرار، والأسرار لا تكتم عن أهلها .
قلنا: أما كان في جميع المؤمنين وأصحاب النبيّ والأئمّة الراشدين صاحب سرّ ليبيّن له هذا السرّ مع وجود الخواصّ فيهم؟ بحيث كان لكلّ واحد منهم جمع من أهل السرّ والستر، ولم يذكر في حالاتهم وأقوالهم وأفعالهم هذا الأمر، فبأيّ وسيلة ، ومن أيّ طريق وصل هذا الأمر إلى الصوفيّة، واختصّوا
ص: 283
بهذا الحكم من بين جميع الأُمّة؟!
وعاشراً: مع غمض العين عن جميع ما ذكرنا نقول:
إنّ ما تدّعونه من وجوب كون البيعة بيد الشيخ، وتخصّون شخصاً معيّناً لأخذ البيعة، هذا التعيّن، هل هو من باب النيابة الخاصّة أو العامّة؟
فإن قلتم: إنّه بسبب النيابة الخاصّة، قلنا: لا خلاف بين الإماميّة في انقطاع النيابة الخاصّة في زمن الغيبة الكبرى، مع أنّه دعوی بلا دلیل كسائر مقالته،
وإن قلتم: بالنيابة العامّة، فالتخصيص بشخص خاصّ لماذا؟
وإن قلت: إن تعين الشخص الخاص بتعيين الشيخ وإجازته له.
قلنا: يرد كلامنا على الشيخ فنقول:
أوّلاً : تعيّن الشيخ لماذا؟ وثانياً : تعيينه الشخص الخاصّ لماذا؟
لأنّه لا حجّيّة في قول غير المعصوم إلّا أن ينتهي إلى المعصوم،
ومقایسة الإجازة المتداولة بينهم بالإجازة المتداولة بين الفقهاء، وحملة الاخبار فاسدة، لأنّ الإجازة المتداولة بين الفقهاء إنّما هي لاتّصال سند الحديث إلى المعصوم، واحتفاظه من الارسال، وهذه لا تثبت منصباً خاصّاً لأحد، ولهذا لا اختصاص لتلك الإجازة بخصوص المجتهدين.
وأمّا تصديق الإجتهاد، فهو أمر لا ملازمة بينه وبين إجازة الرواية، وفائدته جواز رجوع غير المجتهد إليه في مسائله، وهذا بخلاف الإجازة المتداولة بين الصوفيّة كما عرفت في كلامه.
ثمّ إنّه يرد على قوله : وكذا الصوفيّة المحقّة لا يدخلون في الأمر والنهي وبيان الأحكام، والإستغفار للخلق، وأخذ البيعة منهم إلّا إذا أُجيزوا، إلخ، إنّ ذلك خلاف مقتضى الآيات والروايات المرويّة عن الأئمّة السادات علیهم السلام ، لأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان الأحكام، وظيفة كلّ مسلم عارف بالحكم والأمر والنهي مع الأمن من المفسدة، ولا اختصاص لها بشخص دون
ص: 284
آخر، وكذا الإستغفار فإنّه من أقسام الدعاء.
وقد ورد الترغيب والأمر بالدعاء لعموم المؤمنين والمؤمنات، والدعاء للإخوان بظهر الغيب، والإستغفار للمؤمنين والمؤمنات، والدعاء والاستغفار لأهل الإيمان من وظائف جميع المؤمنين والمؤمنات،
وما ذكرنا واضح للمتتبّع في الآيات والروايات، ولو ذكرناها لطال الكتاب
وأمّا أخذ البيعة فهو من خصائص النبيّ، والإمام، أو المنصوب من قبلهما بنصب خاصّ، ولا يجوز لغيرهما، وفيما ذكرناه كفاية وغنى لأهل الخلاص.
الأمر الخامس والثلاثون : صلته بالمال
بأن يجعل المؤمن بعض ماله هديّة الإمام زمانه سلام اللّه عليه ، وأن يداوم بذلك العمل في كلّ سنة، ويستوي في هذا العمل الشريف الغنيّ والفقير، والوضيع والشريف والرجل والمرأة، إلّا أنّ الغنيّ يكلّف بحسب استطاعته ، والفقير بحسب استطاعته، قال اللّه عزّ وجلّ: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)(1)، وقال تعالى شأنه : (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا)(2) ولم يبيّن في الروايات مقدار خاصّ لصرف المال في تلك الجهة الشريفة، لأنّ الظاهر كون ذلك من المستحبّات المؤكّدة، الّتي يعبّر عنها في لسانهم بالفريضة.
1419- ويدلّ على ما ذكرناه ما رواه الشيخ الكليني رضي اللّه تعالى عنه في الكافي : بإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام، قال : ما من شيء أحبّ إلى اللّه من إخراج الدراهم إلى الإمام، وإنّ اللّه ليجعل له الدرهم في الجنّة مثل جبل أُحد،
ثمّ قال : إنّ اللّه تعالى يقول في كتابه: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً)(3)، قال : هو واللّه في صلة الإمام خاصّة .(4)
ص: 285
1420- وعنه في حديث آخر، قال : إنّ اللّه لم يسأل خلقه ما في أيديهم قرضاً من حاجة به إلى ذلك، وما كان للّه من حقّ فإنّما هو لوليّه .(1)
1421- وفيه : في الصحيح عن إسحاق بن عمّار، عن أبي إبراهيم علیه السلام ، قال : سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ)(2)، قال علیه السلام : نزلت في صلة الإمام .(3)
1422- وبإسناده عن الحسن بن ميّاح، عن أبيه قال : قال لي أبوعبداللّه علیه السلام :
یا میّاح، درهم يوصل به الإمام أعظم وزناً من أُحد.(4)
1423- وفيه : في المرسل كالصحيح، عن أبي عبداللّه علیه السلام، قال : درهم يوصل به الإمام أفضل من ألفي ألف درهم فيما سواه من وجوه البرّ.(5)
1424- وفي الصحيح، عن أبي عبداللّه علیه السلام في قوله تعالى:
(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)(6)، قال :
نزلت في رحم آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وقد يكون في قرابتك،
ثمّ قال علیه السلام : فلا تكوننّ ممّن يقول للشيء إنّه في شيءٍ واحد.(7)
1425- وفي الموثّق عنه علیه السلام قال : إنّي لآخذ من أحدكم الدرهم وإنّي لمن أكثر أهل المدينة مالا ما أُريد بذلك إلّا أن تطهّروا .(8)
1426- وفيه : في حديث مرفوع قال :
قال أبو عبداللّه علیه السلام : من زعم أنّ الإمام يحتاج إلى ما في أيدي الناس فهو كافر، إنّما الناس يحتاجون أن يقبل منهم الإمام،
ص: 286
قال اللّه عزّ وجلّ: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)(1).(2)
1427- وفي الفقيه في باب صلة الإمام علیه السلام : سئل الصادق علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجل : («مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) قال علیه السلام : نزلت في صلة الإمام،
وقال علیه السلام: درهم يوصل به الإمام أفضل من ألف ألف درهم في غيره في سبيل اللّه .(3)
1428- وفيه في باب فضائل الحجّ، روي أنّ درهماً في الحجّ خير من ألف ألف درهم في غيره، ودرهم يصل إلى الإمام مثل ألف ألف درهم في حجّ.(4)
1429- وقال : روي أنّ درهماً في الحجّ أفضل من ألفي ألف درهم فيما سواه في سبيل اللّه عزّ وجلّ .(5)
1430- وفي المجلّد العشرين من البحار، عن ثواب الأعمال : بإسناده عن إسحاق بن عمّار، قال : قلت للصادق علیه السلام : ما معنى قوله تبارك وتعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) ، قال علیه السلام : صلة الإمام .(6)
1431- وفيه، عن بشارة المصطفی : بإسناده عن الصادق علیه السلام، قال : لا تدَعوا صلة آل محمّد صلوات اللّه عليهم أجمعين من أموالكم، من كان غنيّاً فعلى قدر غناه، ومن كان فقيراً فعلى قدر فقره، ومن أراد أن يقضي اللّه أهمّ الحوائج إليه فليصل آل محمّد صلوات اللّه عليهم أجمعين وشيعتهم بأحوج ما يكون إليه من ماله . (7)
1432- وفي البحار والبرهان، عن تفسير العيّاشي: بإسناده عن مفضّل بن عمر، قال : دخلت على أبي عبداللّه علیه السلام يوماً، ومعي شيء فوضعته بين يديه ،
فقال : ما هذا؟ فقلت : هذه صلة مواليك وعبيدك ، قال :
ص: 287
فقال علیه السلام لي : يا مفضّل، إنّي لا أقبل(1) ذلك، وما أقبل من حاجة بي إليه، وما أقبله إلّا ليزكّوا به ، ثمّ قال علیه السلام : سمعت أبي يقول: من مضت له سنة لم يصلنا من ماله، قلّ أو كثر، لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة إلّا أن يعفو اللّه عنه . ثمّ قال :
یا مفضّل ، إنّها فريضة فرضها اللّه تعالى على شيعتنا في كتابه : إذ يقول: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ )(2) فنحن البرّ والتقوى، وسبيل الهدی، وباب التقوى، لا يحجب دعاؤنا عن اللّه، اقتصروا على حلالكم وحرامكم فاسألوا عنه ، وإيّاكم أن تسألوا أحداً من الفقهاء عمّا لا يعنيكم وعمّا ستر اللّه عنكم.(3)
1433- وعنه أيضاً عن الحسن بن موسى، قال :
روى أصحابنا : أنّه سئل أبو عبداللّه علیه السلام عن قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)(4)، قال علیه السلام : هو صلة الإمام في كلّ سنة ممّا قلّ أو كثر،
ثمّ قال أبو عبداللّه علیه السلام : وما أُريد بذلك إلا تزكیتكم .(5)
1434- وعن أمالي الشيخ الصدوق : بإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام ، عن آبائه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم : من وصل أحداً من أهل بيتي في دار هذه الدنيا بقيراط كافيته يوم القيامة بقنطار .(6)
توضیح: قال في المجمع: القيراط نصف دانق،
وعن بعض أهل الحساب : القيراط في لغة اليونان حبّة خرنون، وأصله قرّاط بالتشديد، لأنّ جمعه قراريط فأُبدل(7).
وفي القاموس: القيراط والقرّاط بكسرهما يختلف وزنه بحسب البلاد
ص: 288
فبمكّة ربع سدس دینار، وبالعراق نصف عشره .
وعن النهاية: القيراط جزء من أجزاء الدينار، وهو نصف عُشره في أكثر البلاد، وأهل الشام يجعلونه جزءاً من أربعةٍ وعشرين .(1)
وفي القاموس : القنطار : وزن أربعين أُوقيّة من ذهب، أو ألف ومائتا دینار، أو ألف ومائتا أُوقيّة، أو سبعون ألف دينار، أو ثمانون ألف درهم، أو مائة رطلٍ من ذهبٍ أو فضّة، أو ألف دينار، أو ملاء مسك ثورٍ ذهباً أو فضّة.
وفي المجمع: قيل في تفسيره: هو ألف ومائتا أُوقيّة، وقيل : مائة وعشرون رطلاً ، وقيل : هو ملء مسك الثور، وقيل: ليس له وزن عند العرب.
وعن تغلب : المعمول عليه عند العرب الأكثر أنّه أربعة الاف دينار، فإذا قالوا: قناطير مقنطرة، فهي إثنا عشر ألف دينار، وقيل: ثمانون ألفاً، والمقنطرة المكمّلة ، كما تقول : بدرة مبدّرة، وألف مؤلّف أي تامّ.
وعن الفرّاء : المقنطرة : المضعّفة، ككون القناطير ثلاثة، والمقنطرة تسعة .
وفي الحديث : القنطار : خمسة (عشر)(2) ألف مثقال من الذهب،
والمثقال : أربعة وعشرون قيراطاً، أصغرها مثل جبل أُحد، وأكبرها ما بين السماء والأرض .(3)
وفي معاني الأخبار : فسّر القنطار من الحسنات بألفٍ ومائتي أُوقيّة، والأُوقيّة أعظم من جبل أُحد، إنتهى .(4)
1435- وفي الإحتجاج للشيخ الطبرسي (رحمة اللّه علیه) : عن محمّد بن يعقوب ، والظاهر أنّه نقل من كتاب الرسائل لمحمّد بن يعقوب الكليني (رحمة اللّه علیه)، عن إسحاق ابن يعقوب ، قال : سألت محمّد بن عثمان العمري (رحمة اللّه علیه) أن يوصل لي كتاباً، قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان - إلى أن قال - : وأمّا أموالكم فما نقبلها إلّا لتطهّروا، فمن شاء فليصل، ومن شاء
ص: 289
فليقطع، فما آتانا اللّه خير ممّا آتاكم ... إلخ(1)، وفيما رويناه كفاية إن شاء اللّه.
وينبغي التنبيه على أمرين: أحدهما : أنّ صلة الإمام علیه السلام في مثل هذا الزمان أفضل من الصلة في زمان ظهور الدولة الحقّة وبسط يده .
1436- ويشهد لذلك ما روي في الكافي وغيره : بالإسناد عن عمّار الساباطيّ، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : أيّما أفضل: العبادة في السرّ مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل، أو العبادة في ظهور الحقّ ودولته مع الإمام منكم الظاهر؟ فقال : يا عمّار، الصدقة في السرّ أفضل من الصدقة في العلانيّة، وكذلك واللّه عبادتكم في السرّ مع إمامكم المستتر في دولة الباطل، وتخوُّفكم من عدوّكم في دولة الباطل وحال الهدنة، أفضل ممّن يعبد اللّه عزّوجلّ ذكره في ظهور الحقّ مع إمام الحقّ الظاهر في دولة الحقّ، وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة والأمن في دولة الحقّ.
واعلموا أنّ من صلّى منكم اليوم صلاة فريضة في جماعةٍ مستتراً بها من عدوّه في وقتها فأتمّها، كتب اللّه عزّوجلّ له خمسين صلاة فريضة في جماعة،
ومن صلّى منكم صلاة فريضة وحده، مستتراً بها من عدوّه في وقتها فأتمّها، كتب اللّه عزّ وجلّ بها له خمساً وعشرين صلاه فريضة وحدانيّة،
ومن صلّى منكم صلاة نافلة لوقتها فأتمّها، كتب اللّه له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة ، كتب اللّه له بها عشرين حسنة، ويضاعف اللّه عزّ وجلّ حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله، ودان بالتقيّة على دينه وإمامه ونفسه ، وأمسك من لسانه أضعافاً مضاعفة، إنّ اللّه عزّ وجلّ كريم، الحديث.
ومن المؤيّدات لما ذكرنا: أنّي رأيت في المنام في بعض تلك الأعوام شخصاً جليلاً من الكرام، فقال : إنّ المؤمن إذا بذل شيئاً من ماله لإمامه في زمان غيبته كان ثوابه كواحد وألف مثله، يبذله له في زمان حضوره.
ص: 290
أقول: يشهد لصدق تلك الرؤيا وحقّيّة هذه المقالة قوله علیه السلام في خبر عمّار : ويضاعف اللّه حسنات المؤمن منكم - إلى قوله -: أضعافاً مضاعفةً،
ثمّ دفع الإستبعاد في ذلك بقوله علیه السلام : إنّ اللّه عزّ وجلّ كریم.
الأمر الثاني: أنّ صلة الإمام علیه السلام في زمان الغيبة تحصل بصرف المال في المصارف الّتي يعلم رضاه بها، وحبّه لها، وبقصد صلته، مثل طبع الكتب المتعلّقة به، وإقامة مجالس ذكره، والدعوة إليه، وصلة شيعته ومحبّيه ، خصوصاً الذرّيّة العلويّة، والعلماء المروّجين، ورواة أحاديث الأئمّة الطاهرين، ونحوها ممّا لا يخفى على أهله، وأسأل اللّه تعالى التوفيق لي ولسائر المؤمنين .
الأمر السادس والثلاثون : صلة الصالحين من شيعتهم ومواليهم بالمال
وإنّما أفردنا هذا العمل بالخصوص لوروده والترغيب إليه في بعض النصوص :
1437- ففي الفقيه: قال الصادق علیه السلام :
من لم يقدر على صلتنا فلیصل صالحي شيعتنا(1) يكتب له ثواب صلتنا، ومن لم يقدر على زيارتنا فلیزر صالحي موالينا يكتب له ثواب زیارتنا .(2)
1438 - وفي كامل الزيارات : بإسناده عن أبي الحسن الأول علیه السلام قال :
من لم يقدر أن يزورنا فلیزر صالحي موالينا، يكتب له ثواب زیارتنا، ومن لم يقدر على صلتنا فلیصل صالحي موالينا، يكتب له ثواب صلتنا .(3)
1439 - وفي التهذيب:بإسناده عنه علیه السلام ، قال :
من لم يقدر على زيارتنا فلیزر صالح (4) إخوانه، يكتب له ثواب زیارتنا، ومن لم يقدر أن يصلنا فليصل صالح إخوانه ، يكتب له ثواب صلتنا .(5)
ص: 291
الأمر السابع والثلاثون : إدخال السرور على أهل الإيمان
فإنّه يوجب سرور مولانا صاحب الزمان، وإدخال السرور قد يكون بالإعانة بالمال، وقد يكون بإعانتهم بالأبدان، وقد يكون بقضاء حوائجهم، وتنفيس كربتهم، وقد يكون بالشفاعة، وقد يكون بالدعاء في حقّهم، وقد يكون بتبجيلهم والإحترام لهم، وقد يكون بإعانة أهلهم وذراريهم، وقد يكون بإقراضهم، أو التأخير في مطالبة ديونهم، وقد يكون بغير ذلك ممّا لا يخفى على السالك في تلك المسالك، فإذا قصد المؤمن المحبّ بهذه الأُمور إدخال السرور على صاحب الامر علیه السلام فاز بثواب ذلك،
مضافاً إلى سائر المثوبات الجليلة المعدّة لإدخال السرور على المؤمنین .
1440- ويدلّ على ما نبّهنا عليه ما روي في الكافي: عن الصادق علیه السلام ، قال : لا يرى أحدكم إذا أدخل على مؤمن سروراً أنّه عليه أدخله فقط، بل واللّه علينا ، بل واللّه على رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم .(1)
1441- وفيه : بإسناده عن الصادق علیه السلام قال : من أدخل السرور على مؤمن فقد أدخله على رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، ومن أدخله على رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم فقد وصل ذلك إلى اللّه، وكذلك من أدخل عليه كرباً .(2)
1442- وفيه : في الصحيح عنه علیه السلام قال : أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى داود علیه السلام :
أنّ العبد من عبادي ليأتيني بالحسنة فأُبيحه جنّتي، فقال داود:
یا ربّ، وما تلك الحسنة؟ قال : يدخل على عبدي المؤمن سروراً ولو بتمرة، قال داود: یا ربّ، حقّ لمن عرفك أن لا يقطع رجاءه منك(3).
والروايات في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية لأهل البصيرة .
ص: 292
الأمر الثامن والثلاثون : النصيحة له علیه السلام
1443- ففي الكافي: بسند صحيح عن أبي جعفر علیه السلام ، قال :
قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم : ما نظر اللّه عزّ وجلّ إلى وليّ له يجهد نفسه بالطاعة لإمامه والنصيحة، إلّا كان معنا في الرفيق الأعلى .(1)
1444- وفيه : بإسناده الصحيح او الموثّق كالصحيح، عن أبي عبداللّه علیه السلام أن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم خطب الناس في مسجد الخيف، فقال :
نضّر اللّه عبداً سمع مقالتي فوعاها، وحفظها وبلّغها من لم يسمعها،
فربّ حامل فقه غير فقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه،
ثلاث لا يغلّ عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمّة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم،
المسلمون إخوة، تتكافی دماؤهم ويسعى بذمّتهم أدناهم.(2)
1445- وفيه : في حديث مرسل عن رجلٍ من قريش، قال : قال سفيان الثوري : اذهب بنا إلى جعفر بن محمّد علیهماالسلام ، قال : فذهبت معه إليه، فوجدناه قد ركب دابّته، فقال له سفيان :
یا ابا عبداللّه ، حدّثنا بحديث خطبة رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم في مسجد الخيف،
قال علیه السلام : دعني حتّى أذهب في حاجتي، فإنّي قد ركبت، فإذا جئت حدّثتك، فقال : أسالك بقرابتك من رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم لمّا حدّثتني، قال : فنزل، فقال له سفيان : مر لي بدواة وقرطاس حتى أُثبته فدعا به.
ثمّ قال : أكتب: «بسم اللّه الرحمن الرحیم» خطبة رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم في مسجد الخيف: نضّر اللّه عبداً سمع مقالتي فوعاها، وبلّغها من لم تبلغه ،
ص: 293
يا أيّها الناس ليبلّغ الشاهد الغائب، فربّ حامل فقه ليس بفقيه، وربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرئ مسلم:
إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمّة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم، المؤمنون إخوة، تتكافی دماؤهم، وهم يد على من سواهم، يسعى بذمّتهم أدناهم.
فكتبه سفيان، ثمّ عرضه عليه ، وركب أبو عبداللّه علیه السلام ، وجئت أنا وسفيان فلما كنا في بعض الطريق قال لي : كما أنت، حتّى أنظر في هذا الحديث،
فقلت له : قد واللّه ألزم أبو عبداللّه رقبتك شيئاً لا يذهب من رقبتك أبداً، فقال : أيّ شيء ذلك؟ فقلت له : ثلاث لايغلّ عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، قد عرفناه، والنصيحة لائمّة المسلمين، مَن هؤلاء الأئمّة الّذين يجب علينا نصيحتهم؟ معاوية بن أبي سفيان، ویزید بن معاوية، ومروان بن الحكم؟ وكلّ من لا يجوز شهادته عندنا، ولا يجوز الصلاة خلفهم.
وقوله : واللزوم لجماعتهم، فأيّ الجماعة؟ مرجئ يقول: من لم يصلّ ولم يصم ولم يغتسل من جنابة، وهدم الكعبة، ونكح أُمّه، فهو على إيمان جبرئیل و میكائیل، أو قدري، يقول: لا يكون ما شاء اللّه عزّ وجلّ، ويكون ما شاء إبليس؟! أو حروريّ يتبرّأ من علي بن أبي طالب علیه السلام ، وشهد عليه بالكفر ؟! أو جهمي يقول : إنّما هي معرفة اللّه وحده، ليس الإيمان شيء غيرها؟!
قال : ويحك، وأيّ شيء يقولون؟ فقلت : يقولون: إنّ عليّ بن أبي طالب واللّه الإمام الّذي يجب علينا نصيحته، ولزوم جماعتهم، أهل بيته ، قال :
فأخذ الكتاب، فخرقه، ثمّ قال : لا تخبر بها أحداً .(1)
تذكرة : قد مرّ في المكرمة المكمّلة للأربعين، وفي المكرمة التاسعة
ص: 294
توضيح وتبيين : قوله علیه السلام : «ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرئ مسلم» إلخ،
يحتمل أن يكون يغلّ بفتح الياء من الغلول بمعنى الخيانة، وهو الظاهر، كما في قوله تعالى : (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)(1).
ويحتمل أن يكون من الغلّ بمعنى الحقد والشحناء، كما في قوله تعالی :
(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ)(2) وعلى التقديرين يمكن أن يكون إخباراً ، ويمكن أن يكون إنشاءً . ويحتمل أن يقرأ يغلّ بضمّ الياء من الغلّ، كما في قوله تعالى : (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ)(3) فيكون ضد الإنشراح، وموافقاً لقوله تعالى : (وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ)(4)
وعلى التقادير يمكن أن يكون «على» في عليهنّ للإستعلاء المعنويّ، ويمكن أن يكون بمعنى «في» كقوله تعالى : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا)(5) ويمكن أن يكون بمعنی «مع» كقوله تعالى: (وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ)(6) أي مع حبّه ، وأن يكون للسببيّة ، كقوله تعالى : (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ)(7).
والمسلم : يحتمل أن يراد به الأعمّ من المؤمن، وأن يراد به الأخصّ، أي المؤمن الكامل.
والنصيحة : من النصح، وهو في الأصل الخلوص، وإنّما سمّيت النصيحة نصيحة للخلوص من شوائب الاغراض النفسانيّة، ثمّ إنّ النصيحة قد تستعمل في إرادة الخير للمنصوح له، وقد يستعمل في كلّ فعل أو قول يراد به الخير للمنصوح له،
واللزوم لجماعتهم: الظاهر أنّ المراد جماعة الأئمّة علیهم السلام ، بمعنى أنّ المؤمن من يعتقد ويقرّ بتمامهم، وأنّ من أنكر واحداً منهم كمن أنكر الجميع.
فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم: الظاهر أنّ الضمير الأوّل راجع إلى الأئمّة
ص: 295
والثاني راجع إلى المسلمين.
والدعوة : يحتمل أن تكون بمعنى الدعاء، ويحتمل أن يكون المراد دعوة الخلق إلى الإيمان، والمعرفة بدلائلهم الظاهرة، وآثارهم الباهرة، فإنّهم الدعاة للخلق إلى اللّه، والأدلّاء على اللّه بألسنتهم، وأفعالهم، وأخلاقهم، وصفاتهم، ومعجزاتهم وكراماتهم.
والحاصل من الاحتمالات المذكورة في معنى الحديث وجوه :
أحدها : أنّ هذه الأُمور الثلاثة أُمور يجب أن لا يكون قلب مسلم خائناً فيها وهذا الوجه مبنيّ على كون الجملة إنشائيّة، وتكون «علی» بمعنى في، وأن تكون النصيحة بمعنى إرادة الخير للمنصوح.
وعلى هذا تكون الأمور الثلاثة أُموراً قلبيّة، ويترتّب عليها وينبعث منها الأعمال القالبيّة، ويكون الحديث الشريف بصدد بيان التكاليف القلبيّة المتعلّقة بالمكلّف الراجعة إلى اللّه تعالى وإلى أوليائه علیهم السلام ،
فالإخلاص في العمل راجع إلى اللّه عزّ وجلّ، وإرادة الخير لأوليائه ، واللزوم لجميعهم، راجعان إلى رسوله وخلفائه ، وهما يحصلان بأن يكون قلب المؤمن مهتمّاً بإرادة الخير لهم، والملازمة لهم بأجمعهم، ولا يقصد التوجّه والتشبّث بغيرهم، ممّن يدّعي مقامهم، وذلك تكليف إسلامي، متوجّه إلى الخلق كافّة، من غير فرق بين المسلم و الكافر، لأنّ الكفار أيضاً مكلّفون بذلك وبغيره من التكاليف الشرعية الإلهيّة .
وتخصيص المسلم بالذكر في هذا المقام وفي غيره من الأحكام، تشریف له بتوجيه الحكم والخطاب إليه بسبب توجّهه إلى الحقّ، وأخذ معالم الدين، وخذلان للكافر، وإعراض عنه بسب إعراضه عن الحقّ، قال اللّه عزّ وجلّ :(نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)(1)، وقال تعالى : (وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ)(2)، وقال عزّ اسمه :
ص: 296
(فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا)(1).
الوجه الثاني: أنّ الأُمور المذكورة أي الإخلاص، والنصيحة للأئمّة، والملازمة لهم، وسيلة وأسباب لحفظ القلب من الخيانة،
وهذا الوجه مبنيّ على كون الجملة خبريّة، ويكون «علی» بمعني مع، أو للسببيّة والنصيحة على هذا الوجه يمكن أن يراد بها النصيحة القلبيّة، وهي إرادة الخير للمنصوح في جميع ما يتعلّق به، أو النصيحة في الأعمال البدنيّة، والمصارف الماليّة، وهي كلّ فعل أو قول يراد به الخير للمنصوح، فتدبّر .
الوجه الثالث : أن تكون الجملة خبريّة، ويكون الحديث بصدد بیان علائم المؤمن وهو المسلم الواقعي المنعوت في القرآن المجيد بقوله عزّ وجلّ:
(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)(2)
فإنّ حقيقة الإيمان معرفة اللّه عزّ وجلّ، وإخلاص العمل له، ومعرفة ولاة الأمر: رسول اللّه والائمّة الطاهرين علیهم السلام وملازمتهم، والنصيحة لهم،
وهذه أُمور لا يغلّ عليهنّ قلب المسلم الواقعي، وهذا الوجه يلائم كون يغلّ من الغلول بمعنى الخيانة، وكونه من الغلّ ضدّ الإنشراح كما لايخفی.
الوجه الرابع : أن تكون الجملة خبريّة، ويقرأ «يغلّ» بضمّ الياء مبنيّاً للمفعول ویكون «علی» بمعنی مع، أو للسببيّة، ويكون المسلم بمعناه المعروف، وهو أعمّ من المؤمن، ويراد بأئمّة المسلمين أمير المؤمنين والائمّة
المعصومين من ولده علیهم السلام .
وحاصل المعنى: أنّ كلّ مسلم اجتمع فيه تلك الأُمور، وهي إخلاص العمل لله، والنصيحة لائمّة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، انشرح قلبه وسلم من طبع القلب، وكان ممّن شرح اللّه صدره للإسلام، فهو على نور من ربّه، وإذا لم تجتمع فيه تلك الأُمور طبع اللّه على قلبه ، وكان مصداقاً لقوله تعالى: (وَقَوْلِهِمْ
ص: 297
قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ ... )(1) إلخ،
فإنّ للكفر مراتب ودرجات بعضها فوق بعض، ولكلّ مرتبة آثار خاصّة، نعوذ باللّه تعالى، كما أنّ للإيمان أيضاً مراتب ودرجات بعضها فوق بعض، ولكلّ مرتبة آثار خاصّة، نسأل اللّه تعالى أن يوفّقنا لتكمیل مراتب الإيمان،
والنصيحة لمولانا صاحب الزمان علیه السلام .
تتميم فيه تنبيه : إعلم أنّ الناصح الإمام زمانه علیه السلام على ما ذكرنا وبيّنّا في هذا المقام: من يراقب حاله، ويواظب أعماله، بحيث تكون أفعاله ونيّاته الراجعة إلى إمامه خالصة عمّا يسوء إمامه، ويهتك احترامه، ويلاحظ في كلّ مقام ما هو الخير لمولاه علیه السلام وذلك المقصود لا يحصل للسالك إلّا بمراقبة تامّة، ومواظبة مستدامة، وبصيرة في دين، ومجالسة لأهل التقوى واليقين، ومجانبة عن المرتابين والفاسقين، وإن لم يجد من يجالسه ممّن وصفناه اختفى في البيوت ولازَم السكوت، وإن لم يجد بدّاً من مجالسة من لا ينبغي مجالسته اكتفى بقدر الضرورة، وسنذكر ما يدل على هذه الجملة إن شاء اللّه.
الأمر التاسع والثلاثون: زیارته بالتوجّه إليه، والتسليم عليه
في كلّ مكان، وفي كلّ زمان عموماً وفي بعض الأمكنة والأزمنة خصوصاً وسنذكر فضل ذلك، وكيفيّته في خاتمة الكتاب إن شاء اللّه تعالى شأنه .
الأمر المتمّم للأربعين : زيارة المؤمنين الصالحين، والتسليم عليهم بقصد الفوز بفضل زيارته والتسليم عليه صلوات اللّه وسلامه عليه
وقد مرّ ما يدلّ على ذلك في الأمر السادس والثلاثين(2)، وفيه بشارة وقرّة عين لأهل الإخلاص واليقين.
ص: 298
وقد مرّ ما يدلّ على ذلك في الأمر السادس والثلاثين222، وفيه بشارة وقرّة عين لأهل الإخلاص واليقين.
الأمر الواحد والأربعون : الصلاة عليه
والّذي يدلّ على فضل ذلك وتأكيده أُمور :
منها : أنّه من أقسام الدعاء، فيشمله جميع ما ورد في فضل الدعاء له، فإنّ الصلاة منّا طلب الرحمة من اللّه عزّوجلّ، وبرحمته يصلح أُمور الدنيا والآخرة ، فإذا صلّينا على إمام زماننا علیه السلام بقولنا : اللّهمّ صلّ علی مولانا وسيّدنا صاحب الزمان و نحو ذلك كان ذلك طلب الرحمة له علیه السلام في جميع ما يتعلّق به في الدارین، فسؤالنا هذا من اللّه عزّ اسمه يندرج فيه طلب حفظه وحفظ أنصاره وأوليائه، من جميع ما يسوؤه، وطلب كشف كلّ همّ وغمّ عن قلبه وقلوب أوليائه ، ومسألة تعجیل فرجه وظهوره وموجبات سروره، من الغلبة على أعداء الدين، وإقامة المعروف، وبسط العدل في الأرضين، وفوز أتباعه والمؤمنین به بجنّات النعيم، إلى غير ذلك من أقسام الرحمة الواسعة الإلهيّة الّتي خصّ بها أوليائه، الّتي لايحصيها غيره،
نسأل اللّه تعالى أن يجعلنا من أنصار مولانا صاحب الزمان علیه السلام وأوليائه المخصوصین بكرامته في الدنيا والآخرة، إنّه قريب مجيب.
ومنها : جميع ما ورد في فضل الصلاة على أهل بيت النبوّة علیهم السلام،
وما ورد من عدم تماميّة الصلاة على النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم إلّا بالصلاة عليهم، وهو كثير مذكور في كتب الروايات . ومنها: ورود الصلاة عليه بالخصوص في كثير من الدعوات المأثورة عنهم علیهم السلام ، وذلك غير خفيّ على من حام حول هذا المقام.
ومنها : ورود طلب التوفيق للصلاة عليه بخصوصه في الدعاء المرويّ عن ناحيته الشريفة، بتوسّط الشيخ الأجلّ أبي عمرو العمري قدّس اللّه سرّه،
ص: 299
ومحلّ الشاهد منه هذه العبارة : ولا تنسنا ذكره، وانتظاره، والإيمان به، وقوّة اليقين في ظهوره، والدعاء له، والصلاة عليه، إلى آخر الدعاء.
ومنها : الأمر بالصلاة عليه بخصوصه في عدّةٍ من الأخبار، ومن جملتها ما رواه السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في كتاب جمال الأُسبوع.(1)
1446- ورواه غيره أيضاً مسنداً إلى مولانا الحسن بن عليّ العسكريّ علیهماالسلام من ذكر الصلاة على كلّ واحد من الأئمّة علیهم السلام بالخصوص،
وفيها : الصلاة على وليّ الأمر المنتظر، الحجّة بن الحسن علیه السلام :
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلي وَلِيِّكَ وَابْنِ أَوْلِيائِكَ، الَّذِينَ فَرَضْتَ طاعَتَهُمْ، وَأَوْجَبْتَ حَقَّهُمْ، وَأَذْهَبْتَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ، وَطَهَّرْتَهُمْ تَطْهِيراً. اللَّهُمَّ انْصُرْهُ وَانْتَصِرْ بِهِ لِدِينِكَ، وَانْصُرْ بِهِ أَوْلِياءَكَ وَأَوْلِياءَهُ وَشِيعَتَهُ وَأَنْصارَهُ، وَاجْعَلْنا مِنْهُمْ
اللَّهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ شَرِّ كُلِّ باغٍ وَطاغٍ، وَمِنْ شَرِّ جَميعِ خَلْقِكَ، وَاحْفَظْهُ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمينِهِ وَعَنْ شِمالِهِ، وَاحْرُسْهُ وَامْنَعْهُ مِنْ أَنْ يُوصَلَ إِلَيْهِ بِسُوءٍ، وَاحْفَظْ فيهِ رَسُولَكَ وَآلَ رَسُولِكَ، وَأَظْهِرْ بِهِ الْعَدْلَ، وَأَيِّدْهُ بِالنَّصْرِ، وَانْصُرْ ناصِريهِ، وَاخْذُلْ خاذِليهِ، وَاقْصِمْ قاصِميهِ، وَاقْصِمْ بِهِ جَبابِرَةَ الْكُفْرِ، وَاقْتُلْ بِهِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقينَ وَجَمِيعَ الْمُلْحِدينَ حَيْثُ كانُوا مِنْ مَشارِقِ الأَرْضِ وَمَغارِبِها، بَرِّها وَبَحْرِها، وَامْلَأْ بِهِ الْأَرْضَ عَدْلًا، وَأَظْهِرْ بِهِ دينَ نَبِيِّكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ السَّلَامُ
وَاجْعَلْنِي اللَّهُمَّ مِنْ أَنْصارِهِ وَأَعْوانِهِ وَأَتْباعِهِ وَشيعَتِهِ
وَأَرِنِي في آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلامُ ما يَأْمُلُونَ وَفي عَدُوِّهِمْ ما يَحْذَرُونَ، إِلهَ الْحَقِّ رَبَّ الْعَالَمِينَ آمِينَ(2).
ص: 300
يأملون وفي عدوّهم ما يحذرون إله الحقّ ربّ العالمين آمين .(1)
تذكرة : قد ذكرنا في آخر الباب السابع صلاة مشتملة على الدعاء له، مرويّة عن مصباح الزائر، فاغتنم وراجع.(1)
الثاني والأربعون : إهداء ثواب الصلاة إليه سلام اللّه عليه
1447- والدليل على ذلك : ما رواه السيّد ابن طاووس في جمال الأُسبوع قال (رحمة اللّه علیه): حدّث أبو محمّد الصيمريّ، قال: حدّثنا أبو عبداللّه أحمد بن عبداللّه البجلي بإسناد رفعه إليهم صلوات اللّه عليهم، قال:
من جعل ثواب صلاته لرسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم وأمير المؤمنين والاوصياء من بعده صلوات اللّه عليهم أجمعين وسلّم اضعف اللّه له ثواب صلاته أضعافاً مضاعفة حتّى ينقطع النفس، ويقال له قبل أن تخرج روحه من جسده : يا فلان، هديّتك إلينا، وألطافك لنا، فهذا يوم مجازاتك ومكافاتك فطب نفساً، وقرّ عيناً، بما أعدّ اللّه لك، وهنيئاً لك بما صرت إليه . قال : قلت : كيف يهدي صلاته ويقول؟
قال : ينوي ثواب صلاته لرسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم إلخ.(2)
يقول مصنّف هذا الكتاب محمّد تقيّ الموسويّ عفا اللّه تعالی عنه : مقتضى هذا الحديث الشريف استحباب إهداء ثواب الصلوات مطلقاً، واجبة كانت أم مندوبة، إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، أو صاحب الدار(3)، أو سائر الأئمّة الأطهار علیهم السلام ويشهد لذلك ما بعد هذا الكلام المذكور في الحديث المسطون .
الأمر الثالث والأربعون :
ص: 301
1448- والدليل على ما ذكرنا ما رواه في الحديث المزبور(1) بعد الكلام المذكور سابقاً قال : ولو أمكنه أن يزيد على صلاة الخمسين شيئاً، ولو ركعتین في كلّ يوم ويهديها إلى واحد منهم، يفتتح الصلاة في الركعة الأُولى مثل افتتاح صلاة الفريضة بسبع تكبيرات أو ثلاث مرّات أو مرّة في كلّ ركعة،
ويقول بعد تسبيح الركوع والسجود ثلاث مرّات : صلّى اللّه على محمّد وآله الطّيبين الطاهرين في كلّ ركعة، فإذا شهد وسلّم قال :
اَللّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ يا ذَا الْجَلالِ وَالاْءِكْرامِ صَلِّ عَلی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الطَّيِّبِينَ الطّاهِرينَ الاْءَخْيارِ، وَاَبلِغْهُمْ مِنّي أَفْضَلَ التَّحِيَّهِ وَالسَّلامِ،
اَللّهُمَّ إِنَّ هَذِهِ الرَّكَعاتِ هَدِیَّهٌ مِنِّي إِلی عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللّه ِ خاتَمِ النَّبِيّينَ وَسَيِّدِ الْمُرسَلِينَ، اَللّهُمَّ فَتَقَبَّلْها مِنّي وَاَبْلِغْهُ إِیّاها عَنِّي، وَأَثِبْنِي عَلَيْها أَفْضَلَ أَمَلِي وَرَجائِي فِيكَ وَفِي نَبِیِّكَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَوَصِيِّ نَبِيِّكَ، وَفاطِمَهَ الزَّهْراءِ اِبْنَهِ نَبِيِّكَ، وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْن سِبْطَی نَبِيِّكَ وَاَوْلِيائِكَ مِنْ وُلْدِ الحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ يَا وَلِيَّ المُؤمِنِينَ ، يَا وَلِيَّ المُؤمِنِينَ ، يَا وَلِيَّ المُؤمِنِينَ.
ما يهديه إلى أمير المؤمنين عليّ علیه السلام يدعى بالدعاء إلى قولك:
اللَّهُمَّ إِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَي عَبْدِكَ وَ وَلِيِّكَ وَ ابْنِ عَمِّ نَبِيِّكَ وَ وَصِيِّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ، اللَّهُمَّ فَتَقَبَّلْهَا مِنِّي وَ أَبْلِغْهُ إِيَّاهُمَا عَنِّي وَ أَثِبْنِي عَلَيْهِمَا أَفْضَلَ أَمَلِي وَ رَجَائِي فِيكَ وَ فِي نَبِيِّكَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَ وَصِيِّ نَبِيِّكَ وَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ ابْنَةِ نَبِيِّكَ وَ اَلْحَسَنِ وَ اَلْحُسَيْنِ سِبْطَيْ نَبِيِّكَ وَ أَوْلِيَائِكَ مِنْ وُلْدِ اَلْحُسَيْنِ عَلَیْهِمُ السَّلامُ يَا وَلِيَّ المُؤمِنِينَ ، يَا وَلِيَّ المُؤمِنِينَ ، يَا وَلِيَّ المُؤمِنِينَ.
ما يهديه إلى فاطمة علیها السلام يقول:
اللَّهُمَّ إِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَي الطَّاهِرَةِ الْمُطَهَّرَةِ الطَّيِّبَةِ الزَّكِيَّةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ نَبِيِّكَ اللَّهُمَّ فَتَقَبَّلْهَا مِنِّي وَ أَبْلِغْهَا إِيَّاهُمَا عَنِّي وَ أَثِبْنِي عَلَيْهِمَا أَفْضَلَ
ص: 302
أَمَلِي وَ رَجَائِي فِيكَ وَ فِي نَبِيِّكَ صَلَّی اللَّهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ وَصِيِّ نَبِيِّكَ وَ الطَّيِّبَةِ الطَّاهِرَةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ نَبِيِّكَ وَ اَلْحَسَنِ وَ اَلْحُسَيْنِ سِبْطَيْ نَبِيِّكَ يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ .
ما يهديه إلى الحسن علیه السلام :
اللَّهُمَّ إِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَي عَبْدِكَ وَ ابْنِ عَبْدِكَ وَ وَلِيِّكَ وَ ابْنِ وَلِيِّكَ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ [الرِّضَا]عَلَيْهِمَا السَّلامُ، اللَّهُمَّ فَتَقَبَّلْهُمَا مِنِّي وَ أَبْلِغْهُ إِيَّاهُمَا وَ أَثِبْنِي عَلَيْهِمَا أَفْضَلَ أَمَلِي وَ رَجَائِي فِيكَ وَ فِي نَبِيِّكَ صَلَّی اللَّهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ وَلِيِّكَ وَ ابْنِ وَلِيِّكَ يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ .
ما يهديه إلى الحسين علیه السلام :
اللَّهُمَّ إِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَي عَبْدِكَ وَ ابْنِ عَبْدِكَ وَ وَلِيِّكَ وَ ابْنِ وَلِيِّكَ سِبْطِ نَبِيِّكَ الطَّيِّبِ الطَّاهِرِ الزَّكِيِّ الرَّضِيِّ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْمُجْتَبَي عَلَيْهِمَا السَّلامُ،- وَ يَأْتِي بِالدُّعَاءِ إِلَي آخِرِهِ - يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ،- ثلاثا - ما يهديه إلى عليّ بن الحسین علیهماالسلام :
اللَّهُمَّ إِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَي عَبْدِكَ وَ ابْنِ عَبْدِكَ وَ وَلِيِّكَ وَ ابْنِ وَلِيِّكَ سِبْطِ نَبِيِّكَ زَيْنِ الْعَابِدِينَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلامُ - وَ يَأْتِي بِالدُّعَاءِ إِلَي آخِرِهِ - يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ -ثَلاَثاً-.
ما يهديه إلى محمّد بن عليّ علیهماالسلام:
اللَّهُمَّ إِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَي عَبْدِكَ وَ ابْنِ عَبْدِكَ وَ وَلِيِّكَ وَ ابْنِ وَلِيِّكَ سِبْطِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ عِلْمَكَ، - وَ يَأْتِي بِالدُّعَاءِ إِلَي آخِرِهِ - يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ، - ثَلاَثاً -.
ما يهديه إلى جعفر بن محمّد علیهماالسلام :
اللَّهُمَّ إِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَي عَبْدِكَ وَ ابْنِ عَبْدِكَ وَ وَلِيِّكَ وَ ابْنِ
ص: 303
وَلِيِّكَ سِبْطِ نَبِيِّكَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ عَلَيْهِمَا السَّلامُ،- ويأتي بالدعاء إلى آخره - يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ، -ثلاثا-.
ما يهديه إلى موسی بن جعفر علیهماالسلام :
اللَّهُمَّ إِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَي عَبْدِكَ وَ ابْنِ عَبْدِكَ وَ وَلِيِّكَ وَ ابْنِ وَلِيِّكَ سِبْطِ نَبِيِّكَ مُوسَي بْنِ جَعْفَرٍ عَلَيْهِمَا السَّلامُ ، وَارِثِ عِلْمِ النَّبِيِّينَ - ويأتي بالدعاء إلى آخره - يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ، - ثلاثاً -
ما يهديه إلى الرضا عليّ بن موسی علیهماالسلام :
اللَّهُمَّ إِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَي عَبْدِكَ وَ ابْنِ عَبْدِكَ وَ وَلِيِّكَ وَ ابْنِ وَلِيِّكَ سِبْطِ نَبِيِّكَ عَلِيِّ بْنِ مُوسَي الرِّضَا ابْنِ الْمَرْضِيِّينَ عَلَيْهِمَا السَّلامُ ، - ویأتی بالدعاء إلى آخره - يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ، - ثلاثا -.
مایهديه إلى محمد بن عليّ وعليّ بن محمد و حسن بن عليّ علیهم السلام مثل ذلك حتّى يصل إلى صاحب الزمان علیه السلام ، فادع بالدعاء إلى قولك:
اللَّهُمَّ إِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هَدِيَّةٌ مِنِّي إِلَي عَبْدِكَ وَ ابْنِ عَبْدِكَ وَ وَلِيِّكَ وَ ابْنِ وَلِيِّكَ سِبْطِ نَبِيِّكَ فِي أَرْضِكَ وَ حُجَّتِكَ عَلَي خَلْقِكَ يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ - ثَلاَثاً
قال السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس في جمال الأسبوع:
لعلّك لا تنشط لهذه الهدايا إمّا أنّك تقول : إنّ الهداة مستغنون عنها، أو لعلّك تستكثرها لتكرارها في كلّ يوم، فيميل طبعك إلى التفرّغ منها،
واعلم أنّ القوم صلوات اللّه عليهم مستغنون عن هديّتك، ولكن أنت غير مستغن عن الهديّة إليهم، وقرب مقولتك لديهم، كما أنّ اللّه جلّ جلاله مستغن عن هذه الأحوال، فيكن في نيّتك وسريرتك عند ابتدائه الهديّة لهذه الأعمال، أنّ المنّة للّه جلّ جلاله، ولهم صلوات اللّه عليهم، كيف هداك اللّه جلّ جلاله، وهدوك به
ص: 304
جلّ جلاله إلى السعادة، والأمان، والخلود في كمال إحسان، دیار الرضوان :
(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ)(1). وأنت كما قال بعض أهل البيان :
أُهدى لمجلسه الكريم وإنّما *** أُهدى له ما حزت من نعمائه
كالبحر يمطره السحاب وماله *** منّ عليه لأنّه من مائه
وأمّا استكثارك لهديّتك، أو ميلك إلى تفرّغك من الصلاة التحصيل سعادتك فاعلم أنّ هذه الهداية إلى الهديّة إنّما حصلت لك بطریق عناية اللّه جلّ جلاله، بأُولئك الصفوة المرضيّة، وإخلاصهم في معاملة الجلالة الإلهيّة، وخاصّة، فإنّك تقول: لولا حجج اللّه جلّ جلاله على العباد ما خلق اللّه جلّ جلاله أرضاً، ولا سماء، ولا أحداً في البلاد، ولا ناراً ولاجنّة للمعاد، ولا شيئاً من النعيم والإرفاد، فهل ترى أعمالك جميعها إلّا في ميزان مآبهم، ودیار رضوان ثوابهم، لأنّ إخلاصهم في العبادة كان بفضل اللّه جلّ جلاله عليهم سبب ما يبلغ إليه من السعادة ، فإذا كان في الحساب ولو دار على مال، ولا كنت تبلغه لولا عموم الكرم والإفضال، ولو كنت عارفاً بمقدار حقّ اللّه تعالی جلّ جلاله بهم، وحقّهم عليك باللّه جلّ جلاله، ومايضيع من حقوقهم بالليل والنهار، كنت قد رأيت ما تهديه يحتاج إلى اعتذار، وكنت قلت كقول بعض أهل الإعتبار :
فَإن يقبلوا منّي هَديّةَ قاصرٍ *** عدّدتُ لكم ذاك القَبولَ مِنَ الفضلِ
وكانَ قبولٌ عِندكم فَضلَ رَحمةٍ *** يَعزّ بِها قلبُ الوليّ مِنَ الذلّ
ويُوجِبُ شُكراً عِندَه لِمقامِكُم *** وفَرضَ حُقوقٍ لا يقومُ لها مِثلي
وقال لي بعض أصحابنا : إنّي أستصغر نفسي وعملي، أن أُهدي إليهم،
فقلت له : إذا كنت لا تستصغر نفسك عن خدمة اللّه جلّ جلاله ، بحمده وشكره وسائر خدمته وهو أعظم من كلّ عظيم، فلا معنى لاستصغار نفسك عن
ص: 305
خدمة نوّابه، لا سيّما وقد رضوا هم خدمتك لهم، إنتهى كلامه رفع مقامه .(1)
الأمر الرابع والأربعون : صلاة الهديّة إليه بنحو خاصّ في وقت خاصّ
1449- وقد روي ذلك في كتاب جمال الأُسبوع أنّه قد يصلّي العبد في يوم الجمعة ثماني ركعات، أربعاً يهدي إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وأربعاً يهدي إلى فاطمة علیها السلام ، ويوم السبت أربع ركعات يهدي إلى أمير المؤمنين علیه السلام ،
ثمّ كذلك كلّ يوم إلى واحد من الائمّه علیهم السلام ، إلى يوم الخميس، أربع ركعات يهدي إلى جعفر بن محمّد الصادق علیهماالسلام ،
ثمّ الجمعة أيضاً ثماني ركعات، أربعاً يهدي إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وأربع ركعات يهدي إلى فاطمة علیها السلام ، ثمّ يوم السبت أربع ركعات يهدي إلى موسی بن جعفر علیه السلام كذلك إلى يوم الخميس، أربع ركعات يهدي إلى صاحب الزمان علیه السلام
الدعاء بين كلّ ركعتين منها:
1450- اَللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ وَإِلَيْكَ يَعُودُ السَّلَامُ، حَيِّنا رَبَّنَا مِنْكَ بِالسَّلامِ اَللَّهُمَّ إِنَّ هَذِهِ الرَّكعات هَدِيَّةٌ مِنَّا إِلَى «فلان بن فلان» فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ بَلِّغْهُ اِيَاهَا وَ أَعْطِنِي أَفْضَلَ أَمَلِي وَ رَجائِي فِيكَ وَ فِي رَسُولِكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَ آلِهِ، وتدعو بما أحببت إن شاء اللّه.(2)
الأمر الخامس والأربعون : إهداء قراءة القرآن إليه علیه السلام
1451- ويدلّ على فضل ذلك واستحبابه ما رواه ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكلينيّ (رحمة اللّه علیه) في الكافي : عن عليّ بن المغيرة، عن أبي الحسن علیه السلام ، قال :
ص: 306
قلت له : إنّ أبي سأل جدّك عن ختم القرآن في كلّ ليلة، فقال له جدّك : في كلّ ليلة؟ فقال له : في شهر رمضان، فقال له جدّك : في شهر رمضان؟ فقال له أبي : نعم، ما استطعت . فكان أبي يختمه أربعين ختمة في شهر رمضان .
ثمّ ختمته بعد أبي، فربّما زدت، وربّما نقصت على قدر فراغي و شغلي، ونشاطي وكسلي ، فإذا كان في يوم الفطر جعلت لرسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ختمةً، ولعليّ علیه السلام أُخرى، ولفاطمة علیها السلام أُخرى، ثمّ للأئمّة علیهم السلام ، حتّى انتهيت إليك، فصيّرت لك واحدة منذ صرت في هذا الحال، فأيّ شيء لي بذلك ،
قال علیه السلام : لك بذلك أن تكون معهم يوم القيامة، قلت : اللّه أكبر، فلي بذلك؟! قال : نعم، ثلاث مرّات، إنتهى .(1)
أقول: وجه الإستدلال : أنّ الظاهر من كلام الإمام ترتّب الثواب على ذلك العمل لكونه إهداء إلى النبيّ والإمام وتقرّباً إليهم علیهم السلام ولا خصوصيّة للمذكورين منهم، بل الظاهر من كلام الراوي أنّه جعل ختمة لأبي الحسن علیه السلام لكونه إمام زمانه، ولهذا قال : منذ صرت في هذا الحال، وقرّره الإمام على فعله واستحسنه
والحاصل من ملاحظة الحديث، والتأمّل فيه، إستحباب إهداء قراءة القرآن مطلقاً إلى النبيّ، والصدّيقة، وكلّ واحد من الأئمّة سلام اللّه عليهم أجمعين .
ويؤيّده إهداء الصلاة إليهم كما سبق آنفاً، وله شواهد أُخرى تظهر للمتتبّع في رواياتهم، نسأل اللّه عزّ وجلّ أن يوفّقنا وجميع المؤمنين لذلك، إن شاء اللّه بمحمّد وآله الطاهرين.
الأمر السادس والأربعون : التوسّل والإستشفاع به إلى اللّه عزّ وجلّ
فإنّه باب اللّه المأتيّ منه، والسبيل والمسلك إلى رضوانه ،
وهو الشفيع إلى اللّه تعالى، وهو اسم اللّه الّذي أمر عباده بالتوسّل إليه .
ص: 307
1452- كما ورد في الروايات، عنهم علیهم السلام في قوله تعالی :
(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)(1): نحن واللّه الأسماء الحسني الّتي أمر اللّه عباده أن يدعوه بها(2)
والشواهد لهذا المطلب كثيرة، وهي واضحة لأهل البصيرة،
فلنكتف بهذا المقدار، روماً للإختصار .
1453- وفي البحار، عن مولانا الرضا عليه السلام ، قال :
إذا نزلت بكم شدّة فاستعينوا بنا على اللّه عزّ وجلّ، وهو قوله عزّ وجلّ: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) .(3)
1454- وفيه : عن قبس المصباح في ذكر ادعية التوسل إلى اللّه تعالی بالائمّة علیهم السلام ذكر التوسّل بمولانا صاحب الزمان بهذا العنوان :
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ وَلِيِّكَ وَ حُجَّتِكَ صَاحِبِ الزَّمَانِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلاَّ أَعَنْتَنِي بِهِ عَلَى جَمِيعِ أُمُورِي وَ كَفَيْتَنِي بِهِ مَئُونَةَ كُلِّ مُوذٍ وَ طَاغٍ وَ بَاغٍ وَ أَعَنْتَنِي بِهِ فَقَدْ بَلَغَ مَجْهُودِي وَ كَفَيْتَنِي بِهِ كُلَّ عَدُوٍّ وَ هَمٍّ وَ غَمٍّ وَ دَيْنٍ وَ عَنِّي وَ عَنْ وَلَدِي وَ جَمِيعَ أَهْلِي وَ إِخْوَانِي وَ مَنْ يَعْنِينِي أَمْرُهُ وَ خَاصَّتِي آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِين.(4)
1655- وفي البحار، عن عدّة الداعي: عن سلمان الفارسي، قال :
سمعت محمّداً صلی اللّه علیه وآله وسلم يقول : إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: يا عبادي، أوليس من له إليكم حوائج كبار لا تجودون بها إلّا أن يتحمّل عليكم بأحبّ الخلق إليكم، تقضونها كرامة لشفيعهم؟ ألا فاعلموا أنّ أكرم الخلق عليَّ، وأفضلهم لديّ محمد صلی اللّه علیه وآله وسلم وأخوه عليّ، ومن بعده الأئمّة الّذين هم الوسائل إليّ (5)،
ص: 308
ألا فليدعني من همّته حاجة يريد نجحها، أودهته داهية يريد كشف ضررها، بمحمّد وآله الطيّبين الطاهرين،
أقضها له أحسن ما يقضيها من تستشفعون بأعزّ الخلق عليه .(1)
الأمر السابع والأربعون : الإستغاثة به، والتوجّه إليه، وعرض الحاجة عليه
فإنّه الغوث، كما في الزيارة المرويّة عنه(2) وغياث لمن استغاث به، كما في قضيّة أبي الوفاء المذكورة في البحار وغيره(3) وهو الكهف الحصين، وغياث المضطرّ المستكين، وملجأ الهاربين، ومنجي الخائفين وعصمة المعتصمين، كما ورد في حقّه وفي حقّ آبائه الطاهرين في الدعاء المرويّ عن زین العابدین، في أيّام شهر شعبان المعظّم(4)
وفي الزيارة الجامعة: «فاز من تمسّك بكم، وأمن من لجأ إليكم»(5) إلى غير ذلك من الشواهد الكثيرة للمطلوب، بل يمكن أن يقال :
إنّ وظيفة الرعيّة، كما نشاهده في أحوال الناس عامّة ، الرجوع في مهمّاتهم ودفع أعدائهم إلى رئيسهم، في كلّ زمان، كما كان ذلك عادة أهل الولاية والعرفان في جميع الأحيان، حيث كانوا يبثّون شكواهم ويرفعون حوائجهم إلى أئمّتهم علیهم السلام كما هو واضح للمتتبّع في أخبارهم والعارف بآثارهم.
بل يمكن أن يقال: إنّ من جملة فوائد وجود الإمام ووظائفه وعاداته ومناصبه على ما يظهر من الروايات إعانة الملهوفين، وإغاثة المستغيثين، بل لا ريب في أنّ أحداً من الناس إذا كان من رعيّة رئيس قادر مطاع وبُغي عليه دلّه أحبّته إلى التظلّم لدى ذلك الرئيس، ولو ترك، ذمّه العقلاء بتركه عرض حاجته عليه .
ص: 309
ومن هنا يمكن أن يقال : لو تركنا الإقبال على صاحبنا ومولانا علیه السلام في مهمّاتنا وحوائجنا، لم نأمن من الخذلان، لانّا تركنا وظيفتنا الّتي أمرنا اللّه تعالی بها كما يظهر ممّا ورد في قوله تعالى : («فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ)(1) المفسّر في حديث جابر بالأوصياء علیهم السلام (2)
فوظيفة كلّ أحد أن لا يلتجئ في أُموره إلّا إلى إمام زمانه، وإن ترك ذلك وأصابه ما أصابه كان من الملومين الخاسرين، المخاطبين بقوله تعالی :
(أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا)(3)
وأمرنا أيضاً بأن نأتي البيوت من أبوابها وجعل الإمام والحجّة في كلّ زمانه بابه الّذي يؤتي منه، وأمرنا بالتضرّع إليه بوسيلته ،
فإذا عرفت ذلك ، فنقول: لا فرق بين حضور الإمام وغيبته، فإنّه صاحب المرأى والمسمع، كما في زيارته المأثورة عنه، ولا يخفى على الإمام شيء من أحوال الأنام، كما هو المصرح به في الروايات المستفيضة، بل المتواترة معنىً، بل هو من القطعيّات عندنا، وليست الجدران والجبال والستور حائلة بينه وبين أحد من الخلق، كما ورد في الأخبار .
1456- ويشهد لذلك مضافاً إلى ما ذكرنا ما رواه السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في كشف المحجّة، نقلاً عن كتاب الرسائل للشيخ الأقدم محمّد بن يعقوب الكليني (رحمة اللّه علیه) عمّن سماّه ، قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام :
أنّ الرجل يحبّ أن يفضي إلى إمامه ما يحبّ أن يفضي إلى ربّه، قال :
فكتب علیه السلام : إن كانت لك حاجة فحرّك شفتيك، فإنّ الجواب يأتيك .(4)
يقول مصنّف هذا الكتاب محمّد تقيّ الموسويّ الإصفهانيّ ثبته اللّه تعالی بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة : قد كثرت عليَّ الديون، وضاقت بي الأحوال في بعض من السنين الماضية، فدخل شهر رمضان، فتوجهت إليه، وعرضت
ص: 310
حاجتي عليه صلوات اللّه وسلامه عليه في وقت السحر من بعض الليالي، فلمّا صلّيت الفجر في المسجد، ورجعت إلى منزلي نمت، فتشرّفت بلقائه علیه السلام في المنام، فقال لي بالفارسيّة : «قدری باید صبر كنی، تا از مال خاص دوستان خاص خود بگیریم و بتو برسانیم»
فانتبهت من رقدتي، فوجدت الهواء طيّبة، وقد زال عنّي الهمّ والكرب، فما مضت إلّا أشهر قليلة إذ جاءني بعض المتديّنين بوجوه قد أدّيت بها ديوني، وقال لي : هذا من سهم الإمام علیه السلام ، والحمد لله ربّ العالمين وليّ الأنعام .
تنبيه : إعلم أنّ الإستغاثة به وعرض الحاجة عليه ليست مقيّدة بلسان خاصّ، وكيفيّة خاصّة، ووقت مخصوص، بل المهمّ في ذلك إصلاح القلب، والتوجّه التامّ، والتوبة عن الآثام، واليقين الثابت، والإعتقاد الراسخ،
ولكن قد ورد للإستغاثة وعرض الحاجة كيفيّات ودعوات ورقعات ينبغي استعمالها، منضمّة إلى مانبّهنا عليه، ليكون أبلغ في التقرّب إليه ، وآكد في التحبّب لديه ، سنذكرها في خاتمة الكتاب إن شاء اللّه تعالی .
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ ...) وهو السبيل الأعظم
الأمر الثامن والأربعون : دعوة الناس إليه، ودلالتهم عليه
وهذا من أعظم الطاعات، وأوجب العبادات، ويدلّ على فضله تمام ما ورد في فضل الأمر بالمعروف من الآيات والروايات، وجميع ما ورد في فضل هداية العباد، وإرشادهم إلى سبيل الرشاد، مضافاً إلى أنّ أفضل الخلق بعدهم من أحبّهم، ودعا الناس إليهم، كما في الرواية .
وأنّ العالم الّذي يعلّم الناس معالم دينهم ويدعوهم إلى إمامهم ، أفضل من سبعين ألف عابد .(1)
ص: 311
1457- وروى الكليني (رحمة اللّه علیه) : بسند صحيح، عن سليمان بن خالد، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : إنّ لي أهل بيت وهم يسمعون منّي، أفأدعوهم إلى هذا الأمر، فقال علیه السلام : نعم، إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول في كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)(1) ، إنتهى .(2)
1458- وكفاك في هذا المقام ما في تفسير الإمام علیه السلام في تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى)(3) قال : وأمّا قوله عزّ وجلّ: (وَالْيَتَامَى) فإنّ رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم قال :
حثّ اللّه عزّ وجلّ على برّ اليتامى لانقطاعهم عن آبائهم، فمن صانهم صانه اللّه، ومن أكرمهم أكرمه اللّه، ومن مسح يده برأس يتيم رفقاً به، جعل اللّه له في الجنّة بكلّ شعرة مرّت تحت يده قصراً أوسع من الدنيا بما فيها، وفيها ما تشتهي الأنفس، وتلذّ الأعين، وهم فيها خالدون.
وقال الإمام : وأشدّ من يتم هذا اليتيم يتيم ينقطع عن إمامه، لا يقدر على الوصول إليه ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلي به من شرائع دينه .
ألا فمن كان من شيعتنا عالماً بعلومنا، وهدى الجاهل بشريعتنا، المنقطع عن مشاهدتنا، يتيم في حجره، ألا فمن هداه وأرشده وعلّمه شريعتنا كان معنا في الرفيق الأعلى، حدّثني بذلك أبي، عن آبائه، عن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم.
وقال علي بن أبي طالب علیه السلام : من كان من شيعتنا، عالماً بشريعتنا، وأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الّذي حبوناه به ، جاء يوم القيامة وعلى رأسه تاج من نور يضيء لاهل جميع تلك العرصات، وحلّة لايقوم لأقلّ سلك منها الدنيا بحذافيرها.
ص: 312
ثمّ ينادي مناد : يا عباد اللّه، هذا عالم من تلامذة بعض آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم ، ألا فمن أخرجه في الدنيا من حيرة جهله، فليتشبّث بنوره، ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلى نزه الجنان، فيخرج كلّ من كان علّمه في الدنيا خيراً، أو فتح عن قلبه من الجهل قفلاً، أو أوضح له عن شبهة .
قال علیه السلام: وحضرت امرأة عند الصدّيقة فاطمة الزهراء علیها السلام ، فقالت لها :
إنّ لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيءٍ، وقد بعثتني إليك أسالك فأجابتها فاطمة علیها السلام عن ذلك فثنّيت، فأجابتها، ثمّ ثلّثت فأجابتها إلى أن عشّرت، فأجابت، ثمّ خجلت من الكثرة،
فقالت: لا أشقّ عليك يا بنت رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم
قالت فاطمة علیها السلام : هاتي وسلي عمّا بدا لك، أرأيت من اكتری یوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل، وكراؤه مائة الف دينار أيثقل عليه؟ فقالت : لا.
فقالت : اكتريت أنا لكلّ مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أن لا يثقل عليَّ، سمعت أبي صلی اللّه علیه وآله وسلم يقول : إنّ علماء شیعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم، وجدّهم في إرشاد عباد اللّه، حتّى يخلع على الواحد منهم الف الف حلّة من نور.
ثمّ ينادي منادي ربّنا عزّ وجلّ: أيّها الكافلون لأیتام آل محمّد، الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الّذين هم أئمّتهم، هؤلاء تلامذتكم، والأيتام الّذين كفّلتموهم ونعشتموهم(1) فاخلعوا عليهم خلع العلوم في الدنيا ، فيخلعون على كلّ واحد من أُولئك الأيتام على قدر ما أخذوا عنهم من العلوم، حتّى أنّ فيهم - يعني في الايتام - لمن يخلع عليه مائة ألف خلعة(2)، وكذلك يخلع هؤلاء الأيتام على من تعلّم منهم.
ثمّ إنّ اللّه تعالى يقول : أعيدوا على هؤلاء العلماء، الكافلين للأيتام، حتّى
ص: 313
تتمّوا لهم خلعهم، وتضعّفوها، فيتمّ لهم ما كان لهم قبل أن يخلعوا عليهم، ويضاعف لهم، وكذلك من برتبتهم، ممّن يخلع عليه على مرتبتهم.
وقالت فاطمة علیها السلام : يا أمة اللّه، إنّ سلكاً من تلك الخلع لأفضل ممّا طلعت عليه الشمس ألف ألف مرّة، وأفضل، فإنّه مشوب بالتنغيص(1) والكدر .(2)
وقال الحسن بن عليّ علیه السلام : فضل كافل يتيم آل محمّد، المنقطع عن مواليه، الناشب في تيه الجهل، يخرجه من جهله، ويوضّح له ما اشتبه عليه، على فضل كافل يتيم يطعمه ويسقيه، كفضل الشمس على السهى .(3)
وقال الحسين بن عليّ علیه السلام : من كفل لنا يتيماً قطعته عنّا محنتنا باستتارنا فواساه من علومنا، الّتي سقطت إليه ، حتّى أرشده وهداه، إلّا قال اللّه تعالی له : يا أيّها العبد الكريم المواسي، أنا أولى بهذا الكرم، اجعلوا له يا ملائكتي في الجنان بعدد كلّ حرف علّمه ألف ألف قصر، وضمّوا إليها مايليق من سائر النعم
وقال عليّ بن الحسين علیهماالسلام : أوحى اللّه تعالى إلى موسى: حبّبني إلى خلقي، وحبّب خلقي إليَّ، قال : يا ربّ، كيف أفعل؟
قال : ذكّرهم الآئي ونعمائي ليحبّوني فلئن تردّنّ آبقاً عن بابي، أو ضالاً عن فنائي، أفضل لك من عبادة مائة (4) سنة، بصيام نهارها وقيام ليلها.
قال موسی: ومن هذا العبد الآبق منك ؟ قال : العاصي المتمرّد، قال : فمن الضالّ عن فنائك؟ قال : الجاهل بإمام زمانه يعرّفه، والغائب عنه بعد ما عرّفه ، الجاهل بشريعة دينه يعرّفه شريعته، وما يعبد به ربّه، ويتوسّل به إلى مرضاته،
قال عليّ بن الحسين عليه الصلاة والسلام : فأبشروا معاشر علماء شيعتنا بالثواب الأعظم، والجزاء الأوفر.(5)
ص: 314
وقال محمّد بن عليّ علیه السلام : العالم كمن معه شمعة تضيء للناس، فكلّ من أبصر بشمعته دعا له بخير، وكذلك العالم معه شمعة تزيل ظلمة الجهل والحيرة، فكلّ من أضاءت له، فخرج بها من حيرة، أونجا بها من جهل، فهو من عتقائه من النار، واللّه يعوّضه عن ذلك بكلّ شعرة لمن أعتقه ما هو أفضل له من الصدقة بمائة ألف قنطار على غير الوجه الّذي أمر اللّه عزّ وجلّ به، بل تلك الصدقة وبال على صاحبها ، لكن يعطيه اللّه ما هو أفضل من مائة ألف ركعة بين يدي الكعبة .(1)
وقال جعفر بن محمّد علیه السلام : علماء شیعتنا مرابطون(2) في الثغر(3) الّذي يلي إبليس وعفاريته، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا، وعن أن يسلّط عليهم إبليس وشيعته النواصب، ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممّن جاهد الروم والترك، والخزر(4) ألف ألف مرّة، لأنّه يدفع عن أديان محبّينا وذلك يدفع عن أبدانهم .(5)
وقال موسی بن جعفر علیه السلام : فقيه واحد ينقذ يتيماً من أيتامنا المنقطعين عنّا، وعن مشاهدتنا، بتعليم ما هو محتاج إليه ، أشدّ على إبليس من ألف عابد، لأنّ العابد همّه ذات نفسه فقط، وهذا همّه مع ذات نفسه ذات عباد اللّه وإمائه ، لينقذهم من يد إبليس ومردته، فذلك هو أفضل عند اللّه من ألف ألف عابد.(6)
وقال عليّ بن موسی الرضا علیهماالسلام : يقال للعابد يوم القيامة :
نعم الرجل كنت همّتك ذات نفسك وكفيت الناس مؤونتك، فادخل الجنّة .
ص: 315
ألا إنّ الفقيه من أفاض على الناس خيره، وأنقذهم من أعدائهم، ووفّر عليهم نعم جنان اللّه، وحصّل لهم رضوان اللّه تعالی.
ويقال للفقيه : يا أيّها الكافل لايتام آل محمّد، الهادي لضعفاء محبّيه ومواليه ، قف حتّى تشفع لكلّ من أخذ عنك، أو تعلّم منك، فيقف فيدخل الجنّة، ومعه فئام وفئام(1) حتّى قال عشراً، وهم الّذين أخذوا عنه علومه، وأخذوا عمّن أخذ عنه إلى يوم القيامة ، فانظروا كم فرق ما بين المنزلتين .(2)
وقال محمّد بن علي علیهماالسلام: إنّ من تكفّل بأيتام آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم ، المنقطعين عن إمامهم المتحيّرين في جهلهم، الأُسراء في أيدي شياطينهم، وفي أيدي النواصب من أعدائنا، فاستنقذهم منهم، وأخرجهم من حيرتهم، وقهر الشياطين بردّ وساوسهم، وقهر الناصبين بحجج ربّهم، ودليل أئمّتهم، ليفضّلون عند اللّه على العباد بأفضل المواقع، بأكثر من فضل السماء على الأرض، والعرش والكرسي والحجب (على السماء) و فضلهم على هذا العابد كفضل القمر ليلة البدر على أخفی كوكب في السماء .(3)
وقال عليّ بن محمد علیهماالسلام : لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم (4) من العلماء الداعين إليه، والدالّين عليه، والذابّين عن دينه بحجج اللّه، والمنقذين لضعفاء عباد اللّه من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ(5)النواصب، لما بقي أحد إلّا ارتدّ عن دين اللّه، ولكنّهم الّذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة، كما يمسك صاحب السفينة سكّانها ، أُولئك هم الأفضلون عند اللّه عزّ وجلّ.(6)
ص: 316
وقال الحسن بن عليّ علیه السلام : يأتي علماء شیعتنا القوّامون بضعفاء محبّينا وأهل ولايتنا يوم القيامة والأنوار تسطع من تيجانهم، على رأس كلّ واحد منهم تاج بهاء قد انبثّت(1)تلك الأنوار في عرصات القيامة ودورها مسيرة ثلاثمائة الف سنة، فشعاع تيجانهم ينبثّ فيها كلّها،
فلا يبقى هناك يتيم قد كفّلوه، ومن ظلمة الجهل أنقذوه، ومن حيرة التيه أخرجوه، إلّا تعلّق بشعبة من أنوارهم، فرفعتهم إلى العلوّ، حتّی تحاذي بهم فوق الجنان، ثمّ تنزلهم على منازلهم المعدّة في جوار أساتیذهم ومعلّميهم، وبحضرة أئمّتهم، الّذين كانوا يدعون إليهم، ولايبقى ناصب من النواصب يصيبه
من شعاع تلك التيجان إلّا عميت عينه، واصمّت أُذناه، وأُخرس لسانه، وتحوّل عليه أشدّ من لهب النيران، فيحملهم حتّى يدفعهم إلى الزبانية ، فيدعوهم إلى سواء الجحيم، إنتهى الحديث الشريف بطوله.(2)
ويدلّ على المقصود قول اللّه عزّ وجلّ في سورة النحل : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الآية(3).
والكلام في الإستشهاد بالآية الشريفة مبنيّ على ثلاثة أُمور:
الأوّل: أنّ ظاهر الخطاب وإن كان متوجّهاً إلى رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ولكن مفاده تكلیف عامّ لسائر أهل المعرفة والديانة، بشهادة الآيات والروايات الدالّة على لزوم الدعوة والدلالة كقوله تعالى: («إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)(4)
وقوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ... )(5)
وقد ورد أنّ القرآن نزل بإيّاك أعني واسمعي يا جارة، مضافاً إلى دلالة
ص: 317
العقل، من حيث أنّ الغرض من بعث الأنبياء ونصب الأوصياء وجعل العلماء، وحثّهم على بثّ العلم ورواية الأحاديث، وترغيب الناس إليهم وأمرهم بسؤال أهل الذكر، إنّما هو لمعرفة سبيل اللّه، والوصول إلى طريق النجاة والسعادة ،
فظهر أنّ الدعوة إلى سبيل الربّ وظيفة كلّ مسلم عارف.
الأمر الثاني : لا ريب في أنّ المراد بسبيل الربّ هو السبيل الّذي يحصل بسلوكه رضي اللّه تعالى، كما أنّه لا ريب في كون ذلك السبيل معرفة الأئمّة، وأتباعهم، فهي العلّة التامّة الّتي لا يحصل رضى اللّه تعالى عن العبد بدونها، وإن كان معتقداً بالتوحيد والنبوّة، كما أنّ معرفة مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه وأتباعه، هي العلّة التامّة لرضى اللّه تعالى عن العبد، الّتي لا يحصل رضى اللّه تعالی عنه، ونجاته بدونها، وإن كان مقرّاً معتقداً بسائر الأئمّة.
ولهذا ورد في الرواية الّتي قدّمناها في بعض مواضع هذا الكتاب عن الصادق علیه السلام : أنّ من أقرّ بسائر الأئمّة، وأنكر الثاني عشر، كمن أقرّ بسائر الأنبياء، وأنكر محمّداً صلی اللّه علیه وآله وسلم . (1)
ولذلك اختصّ منصب الشفاعة بمولانا الحجّة في الحديث الّذي قدّمناه أيضاض عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم في وصف الأئمّة وذكر مناصبهم في يوم القيامة - إلى أن قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : - والمهديّ شفيعهم، إلخ(2) مع أنّ الأئمّة والانبياء أيضاً شفعاء يوم القيامة.
وقد ورد في الزيارة الجامعة : أنتم السبيل الأعظم، والصراط الأقوم(3) وهذا لا ينافي تفسير السبيل بدين اللّه، ونحوه، لما ذكرنا من أنّ كمال الدين ليس إلّا بمعرفة الإمام علیه السلام ولهذا نزل قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...)(4)، بعد أن نصب النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم أمير المؤمنين علیه السلام للخلافة، ودلّ على معرفته ومعرفة الأئمّة من بعده علیه السلام فتحصل ممّا ذكرنا حرمة الكتمان، ووجوب الدعوة إلى معرفة مولانا صاحب الزمان علیه السلام، وإطاعته بحكم الآية الشريفة.
ص: 318
الأمر الثالث : أنّ للدعوة إليه كيفيّات ثلاث، بحسب اقتضاء الحال وتفاوت مراتب المدعوّين في النقص والكمال، فقد يجب إعمال جميع مراتب الدعوة ، وقد يحصل الفرض بإعمال بعضها، فأوّل مراتب الدعوة بحسب الشأن والرتبة : الدعوة بالحكمة، ولهذا قدّم ذكرها على الموعظة والمجادلة .
وقد فُسّرت الحكمة في بعض الروايات بطاعة اللّه ومعرفة الإمام، وفي بعضها بمعرفة الإمام واجتناب الكبائر الّتي أوجب اللّه عليها النار والعقاب ،
وفي بعضها بالمعرفة والتفقّه في الدين، وقد روي غير ذلك أيضاً.
والكلمة الجامعة لمعنى جميع ما ذكر في ذلك : العلم والعمل، وهو المناسب للمعنى اللغوي أيضاً، فإنّها مستعارة من الحكمة بفتحتين : ما أحاط بحنكي الدابّة من لجامه، يمنعها من الخروج، وكذلك العلم والعمل يمنعان صاحبهما من الخروج عن طاعة اللّه عزّ وجلّ، والدخول في طاعة الشيطان، والورود في المزلّات، والإقتحام في الهلكات ، كما قال اللّه تعالی :
(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)(1)
(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا)(2) ولذلك قال عزّ من قائل :
(وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)(3)
فمن وفّق للعلم والعمل فاز حقيقة بمعرفة الأئمّة علیهم السلام وهي الخير الكثير .
1459- ومن هنا يظهر لك معنى ما ورد من تفسير الخير الكثير بمعرفة أمير المؤمنين والأئمّة (4) معنى قول الصادق علیه السلام : نحن أصل الخير، وفروعه طاعة اللّه وعدوّنا أصل الشرّ، وفروعه معصية اللّه، الخبر(5) فتدبّر في هذا المقام، ليتّضح لك المرام وقد ظهر لك بما بيّناه، أنّ طرق الدعوة إليه أربعة :
ص: 319
الأولى: الدعوة إليه، باستعانة الحكمة العلميّة .
والثانية : الدعوة بالحكمة العمليّة .
والثالثة : الدعوة بالموعظة الحسنة .
والرابعة : الدعوة بطريق المجادلة بالّتي هي أحسن. إذا عرفت ما ذكرناه
فنقول: إنّ الدعوة بالحكمة العلميّة تحصل ببيان وجوب معرفة المدعوّ إليه وكيفيّة المعرفة، ووسائل المعرفة، وبيان صفاته وخصائصه وفضائله ودلالاته ، وبیان وظائف الناس بالنسبة إليه، وذكر ما يوجب الزلفة لديه ونحو ذلك.
والدعوة بطريق الحكمة العمليّة : تحصل بمواظبة الداعي، فيما هو وظيفته في كلّ مرتبة من المراتب المذكورة، واهتمامه فيما يبعث الناس على الرغبة في مراقبة حقوق الإمام، وتكمیل معرفته ليتأسّى العارف به في الأعمال، ويتنبّه الجاهل للسؤال، ولهذا القسم من الدعوة تأثير خاصّ في القلوب، وامتیاز تامّ لحصول المطلوب .
1460- ولذا قال الصادق علیه السلام : «كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم» الحديث .(1)
وأمّا الدعوة بالموعظة الحسنة: فهي تحصل بالنصح، والترغيب، والترهيب، وبيان ما يترتّب على معرفة الحجّة، ومراقبة حقوقه من الثواب، وما يترتّب على الجهل به، وترك اتّباعه، والمسامحة في أداء حقوقه، من النكال والعذاب، على حسب ما يقتضيه الحال، ويبعث على الإجابة والإمتتال.
1461- وأمّا المجادلة بالّتي هي أحسن فعن الصادق علیه السلام : يعني بالقرآن .(2)
1462- وعن العسكريّ علیه السلام ما حاصله:
أنّها المجادلة بالحجّة والبرهان، من غير أن تردّ حقّاً أو تدّعي باطلاً .(3)
ص: 320
أقول: ولتفصيل الكلام في كلّ من الأقسام مقام آخر،
وفيما ذكرناه كفاية لأُولي الأفهام، ويأتي في الأمر الثاني والخمسين ما ينفعك في هذا الباب، إن شاء اللّه تعالی.
الأمر التاسع والأربعون : مراقبة حقوقه سلام اللّه عليه والمواظبة على أدائها
ومراعاة الوظائف بالنسبة إليه ، فإنّ الإمام أعظم حقّاً بعد اللّه ورسوله على جميع أهل العالم، نظراً إلى المراتب الّتي خصّه اللّه تعالی بها دون سائر الخلق، وأنّه الواسطة في وصول كلّ فيض إليهم، ويرشد إلى ذلك أيضاً ما مرّ في الباب الخامس من أهميّة حقّ قرابة النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم ، من القربی النسبي.(1)
1463- وقد روي عنهم علیهم السلام : أنّ ما كان لله تعالى من حقّ فهو لنا.
1464- وقد روي أيضاً ما حاصله: إنّ قدر المؤمن عند الإمام بحسب قدر الإمام عنده ، والشواهد لما ذكرناه كثيرة، وهي غير خفيّة على أهل البصيرة، وإذ قد تبيّن أنّ رعاية حقّ اللّه تعالی تحصل برعاية حقّه علیه السلام فرعاية حقّه توجب القرب إلى اللّه والزلفي لديه، والاستخفاف بحقّه توجب البعد عن اللّه والتبغّض إليه .
1465- كما قال مولانا السجّاد علیه السلام في دعاء أبي حمزة الثمالي: «أو لعلّك رأيتني مستخفّاً بحقّك فأقصيتني» إلخ .(2)
الأمر المتمّم للخمسين : خشوع القلب لذكره
والإهتمام فيما يوجب الخشوع، بالمراقبة والحضور في مجالس أحبّائه ، وتذكّر حقوقه ومصائبة، والإجتناب عمّا يوجب القسوة والتجافي عن المجالس الموجبة للحسرة والندامة في قوله تعالی :
ص: 321
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)(1)
إنّها نزلت في القائم علیه السلام وتأويلها جار في زمان الغيبة، والأمد أمد الغيبة .
الأمر الواحد والخمسون : أن يظهر العالم علمه
1466- ففي الكافي : قال النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم : إذا ظهرت البدع في أُمّتي، فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة اللّه .(2)
1467- وفيه : بسند صحيح عن الصادق علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم :
إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي ، فأظهروا البراءة منهم، وأكثروا من سبّهم والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم كي لا يطمعوا في الفساد في الإسلام ويحذرهم الناس ولا يتعلّمون من بدعهم، يكتب اللّه لكم بذلك الحسنات ، ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة .(3)
أقول : هذا عند الأمن من الضرر، وإلّا كان التكليف التقيّة، كما يظهر لك ممّا يتلى عليك، فتدبّر .
الأمر الثاني والخمسون : التقيّة عن الأشرار : وكتمان الأسرار عن الأغيار:
1468- ففي الكافي بإسناد صحيح عن أبي عبداللّه علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ :
(أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا)(4) قال : بما صبروا على التقيّة ، (وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) ، قال : الحسنة التقيّة، والسيّئة الإذاعة .(5)
ص: 322
1469- وفيه : في الصحيح عنه علیه السلام ، قال :
التقيّة ترس المؤمن، والتقيّة حرز المؤمن، ولا إيمان لمن لا تقيّة له، إنّ العبد ليقع إليه الحديث من حديثنا فیدین اللّه عزّوجلّ به فيما بينه وبينه، فيكون له عزّاً في الدنيا ونوراً في الآخرة، وإنّ العبد ليقع إليه الحديث من حديثنا فيذيعه، فيكون له ذلاً في الدنيا وينزع اللّه عزّ وجلّ ذلك النور منه .(1)
1470- وفيه في الصحيح، عن هشام الكندي، قال :
سمعت أبا عبداللّه عليه الصلاة والسلام يقول: إيّاكم أن تعملوا عملاً يعيّرونا به، فإنّ ولد السوء يعيّر والده بعمله، كونوا لمن انقطعتم إليه زيناً، ولا تكونوا عليه شيناً صلّوا في عشائرهم، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم، ولا يسبقونكم إلى شيء من الخير ، فأنتم أولی به منهم واللّه ما عبد اللّه بشيء أحبّ إليه من الخباء، قلت : وما الخباء؟ قال : التقيّة .(2)
1471- وفيه : في حديث آخر، عنه علیه السلام قال : نفس المهموم لنا، المغتمّ لظلمنا تسبيح، وهمّه لأمرنا عبادة، وكتمانه لسرِّنا جهاد في سبيل اللّه.
قال محمّد بن سعيد أحد رواة هذا الحديث:
أكتب هذا بالذهب، فما كتبت شيئاً أحسن منه .(3)
1472- وفي الإكمال عن الصادق علیه السلام - وقد سئل عن أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان، يعني زمان غيبة الإمام -
قال علیه السلام : حفظ اللسان، ولزوم البيت .(4)
1473- وفي تفسير النيسابوري : أنّه قرئ عند ابن مسعود قوله تعالی :
ص: 323
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)(1).
فقال : إنّ هذا في آخر الزمان(2).
أقول: والروايات في هذا الباب كثيرة، تركنا ذكرها حذراً عن الإطالة ، والمهمّ في هذا المقام دفع ما ربما يسبق إلى بعض الأوهام، من وقوع الاختلاف في الأخبار المروية عن الأئمّة الأطهار علیهم السلام وهذا لمن لم يمعن النظر فيها، ولم يتدبّر حقّ التدبّر فيوهمه في بادئ النظر تطرق التهافت بين الروايات، من حيث أمرهم في بعضها بالدعوة والاظهار، وفي بعضها بالكتمان والإستتار .
وتوضيح ذلك بحسب ما استفدنا من الأخبار ببركة الأئمّة الأبرار علیهم السلام :
أنّ الناس على قسمين: إمّا عالم عارف بالحقّ، أو غير عالم،
والقسم الثاني منهم على ثمانية أصناف :
الصنف الأوّل: العوام الجاهلون الّذين لا يأبون عن قبول الحقّ إذا عرفوه.
الصنف الثاني: أهل الشبهة والحيرة، الّذين هم بصدد تحقيق الحقّ، ولكن وقعوا في الشبهة والحيرة بسبب من الأسباب.
الثالث : أهل الضلال، الّذين وقعوا في ذلك من جهة مجالسة المضلّين، أو خطائهم في طريق تحصيل العلم والمعرفة أو نحوهما، وهؤلاء الثلاثة يجب على العالم إرشادهم، وهدايتهم ودعوتهم عقلاً ونقلاً .
1474- وقد روي عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم ما حاصله:
«لأن يهدي اللّه بك أحداً خير لك ممّا طلعت عليه الشمس».(3)
الصنف الرابع: الجاحدون المعاندون للحقّ، الّذين إذا ذكر الحقّ عندهم استهزؤا به، وسخروا بالإمام، وبالداعي إلى الحقّ.
الصنف الخامس : الجاحدون المعاندون الّذين يصير إظهار الحقّ عندهم سبباً للضرر على النفس أو العرض أو المال، وهذان الصنفان يجب التقيّة عنهم، وكف اللسان عندهم عقلا ونقلا، كما لا يخفى على البصير.
ص: 324
1475- ففي الكافي : بإسناد صحيح عن عبدالأعلى، قال : سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: إنّه ليس من احتمال أمرنا التصديق له والقبول فقط، من إحتمال أمرنا ستره وصيانته من غير أهله، فاقرأهم السلام وقل لهم:
رحم اللّه عبداً اجترّ مودّة الناس إلى نفسه، حدّثوهم بما يعرفون، واستروا عنهم ما ينكرون، ثمّ قال علیه السلام : واللّه ما الناصب لنا حرباً بأشدّ علينا مؤنة من الناطق علينا بما نكره، الخبر.(1)
1476- وفيه: في حديث آخر عنه علیه السلام ، قال : المذيع لأمرنا كالجاحد له .(2)
1477- وفي آخر عنه أيضاً ، قال : إنّ تسعة أعشار الدين في التقيّة، ولا دین لمن لا تقيّة له، الخبر .(3) وفي هذا المعنی روایات كثيرة .
الصنف السادس : ضعفاء العقول والمعرفة من أهل الإيمان الّذين لا طاقة لهم بتحمّل الأسرار وقبولها أو بحفظها وسترها، وهذا الصنف أيضاً يجب كتمان الاسرار عنهم عقلاً ونقلاً، كما ذكر في الأحاديث السابقة.
1478- وفي الكافي: في الصحيح، عن أبي جعفر علیه السلام قال :
واللّه إنّ أحبّ أصحابي إليَّ أورعهم وأفقههم واكتمهم لحديثنا، وإنّ أسوأهم عندي حالاً وأمقتهم الّذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنّا فلم يقبله، اشمأزّ منه وجحده، وكفّر من دان به، وهو لا يدري لعلّ الحديث من عندنا خرج، وإلينا أُسند، فيكون بذلك خارجاً من ولايتنا .(4)
1479- وفي بصائر الدرجات : بإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : خالطوا الناس بما يعرفون، ودعوهم ممّا ينكرون، ولاتحملوا على أنفسكم وعلينا، إنّ
ص: 325
أمرنا صعب مستصعب، لايحتمله إلّا ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان .(1)
1480- وبإسناده إلى الصادق علیه السلام عن أبيه علیه السلام قال : ذكرت التقيّة يوماً عند عليّ بن الحسين علیهماالسلام ، فقال : واللّه لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لقتله ولقد آخی رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم بينهما، فما ظنّكم بسائر الخلق،
إنّ علم العالم صعب مستصعب، لا يحتمله إلّا نبيّ مرسل، أو ملك مقرّب، أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان ، قال : وإنّما صار سلمان من العلماء لأنّه امرؤ منّا أهل البيت علیهم السلام فلذلك نسبه إلينا .(2)
1481- و بإسناده عن الباقر علیه السلام قال : حديثنا صعب مستصعب، لا يحتمله إلّا ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل أو مؤمن ممتحن، أو مدينة حصينة، فإذا وقع أمرنا وجاء مهديّنا كان الرجل من شيعتنا أجري من ليث، وأمضى من سنان، يطأ عدوّنا برجليه ويضرب بكفّيه، وذلك عند نزول رحمة اللّه وفرجه على العباد .(3)
الصنف السابع : هم الّذين ختم اللّه على قلوبهم وعلى سمعهم، بسبب إعراضهم عن الحقّ، واختيارهم الباطل فلا يؤثّر فيهم الدعوة، ولا ينفعهم الموعظة وان كان ضررهم مأموناً، لكن لا رجحان في دعوتهم، وإظهار الحقّ عندهم، بل الراجح ترك دعائهم، وإظهار الحقّ لديهم لأنّه لا فائدة فيه :
(سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)(4)
ولذلك ورد الأمر في الروايات بترك دعائهم.
1482- ففي الكافي : بإسناده عن ثابت أبي سعيد ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام : یاثابت، مالكم وللناس، كفّوا عن الناس، ولا تدعوا أحداً إلى أمركم فواللّه لو
ص: 326
أنّ أهل السماء والأرض اجتمعوا على أن يضلّوا عبداً يريد اللّه هداه ما استطاعوا، كفّوا عن الناس ولا يقول أحدكم: أخي وابن عمّي وجاري، فإنّ اللّه عزّ وجلّ إذا أراد بعبد خيراً طيّب روحه، فلا يسمع بمعروف إلّا عرفه، ولا بمنكر إلّا أنكره، ثمّ يقذف اللّه في قلبه كلمة يجمع بها أمره .(1)
1483- وفي تحف العقول في وصايا الصادق علیه السلام لمؤمن الطاق مثل ذلك الكلام.(2)
1484- وفي الكافي أيضاً : في الصحيح، عن الفضيل قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : ندعو الناس إلى هذا الأمر؟ فقال : يا فضيل، إنّ اللّه إذا أراد بعبد خيراً أمر ملكاً فأخذ بعنقه حتّى أدخله في هذا الأمر طائعاً أوكارهاً .(3)
1485- وفيه : في حديث آخر، عن الصادق علیه السلام قال : لا تخاصموا بدینكم الناس فإنّ المخاصمة ممرضة للقلب، إنّ اللّه عزّ وجلّ قال لنبيّه صلی اللّه علیه وآله وسلم:
(إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)(4)
وقال : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)(5). (6)
الصنف الثامن : مجهول الحال، والمراد به من لا تَعرف أنّه من أهل الدعوة والقبول أو ليس كذلك، ووظيفة العالم بالنسبة إلى هذا الشخص :
1486- ما رواه الشيخ الأقدم محمّد بن الحسن الصفّار (رحمة اللّه علیه) في البصائر : بإسناده عن الاصبع بن نباتة ، عن أمير المؤمنين علیه السلام، قال : سمعته يقول:
إنّ حديثنا صعب مستصعب خشن مخشوش، فانبذوا إلى الناس نبذاً ،
فمن عرف فزيدوه، ومن أنكر فأمسكوا، لا يحتمله إلّا ثلاث:
ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان .(7)
ص: 327
1487- وبإسناده عن فرات بن أحمد قال : قال عليّ علیه السلام :
إنّ حديثنا تشمئزّ منه القلوب، فمن عرف فزيدوهم، ومن أنكر فذروهم.(1)
1488- وفيه في حديث مرفوع عن أبي جعفر علیه السلام قال : إنّ حديثنا هذا تشمئزّ منه قلوب الرجال، فمن أقرّ به فزيدوه، ومن أنكره فذروه، أنّه لا بدّ من أن تكون فتنة يسقط فيها كلّ بطانة ووليجة، حتّى يسقط فيها من كان يشقّ الشعر بشعرتين حتّى لا يبقى إلّا نحن وشيعتنا(2)
ورواه النعماني في كتاب الغيبة، وفيه بعد قوله : «قلوب الرجال»
فانبذوه إليهم نبذاً، من أقرّ به فزيدوه ومن أنكر فذروه .(3)
الأمر الثالث والخمسون: الصبر على الأذى والتكذيب وسائر المحن
إعلم يا أخي أنّ اللّه تبارك وتعالی شأنه قد امتحن عباده في زمان غيبة وليّه سلام اللّه عليه بأنواع المحن والبلايا ليميز الخبيث من الطيّب، فيرفع درجات الطيّبين ويجعل الخبيث بعضه على بعض فیركمه جميعاً في جهنّم وقد قال اللّه عزّ وجلّ : (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) الآية(4) .
وهذه سنّة اللّه في الماضين والتالين، كما قال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ «وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الآية(5) .
1489- وقال أمير المؤمنين علیه السلام : أيّها الناس إنّ اللّه تعالى قد أعاذكم من أن يجوز عليكم، ولم يعذكم من أن يبتليكم وقد قال جلّ من قائل:
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) (6). (7)
ص: 328
أقول: ومن جملة تلك المحن والبلايا أنّك ترى كثيراً من أهل الباطل يعيشون في سعة وثروة، وهم أصحاب شوكة وقوّة، وترى كثيراً من أهل الحقّ يعيشون في ضيقٍ ومسكنة ولا يعتني بهم، ولايقبل قولهم ويؤذيهم أهل الباطل قولاً وفعلاً ويستهزؤون بهم، ويكذّبون ما يعتقدونه في أمر إمامهم، وغيبته وظهور دولته، وفي هذا المقام يتنازع النفس والعقل،
فالنفس تأمر باتّباع أهل الباطل لتعيش في سعتهم وتلتذّ من دنياهم الفانية ، والعقل يأمر بالصبر على أذاهم، وتكذيبهم ويرغّب في اتّباع أهل الحقّ، وانتظار الدولة الحقّة للفوز بالنعم الأُخرويّة الباقية،
فالطيّب الفطن من اختار العقبی و صبر على ذلك التكذيب والأذى.
1490- أُنظر إلى ما قال أبو عبداللّه الصادق علیه السلام في صحيح طويل مرويّ في روضة الكافي لحمران لمّا سأله إلى متى هؤلاء يملكون؟ أو متى الراحة منهم؟ فقلت: أليس تعلم أنّ لكلّ شيء مدّة؟ قال : بلی،
فقلت: هل ينفعك علمك أن هذا الأمر إذا جاء كان اسرع من طرفة عين؟ إنّك لو تعلم حالهم عند اللّه عزّ وجلّ، وكيف هي كنت لهم أشدّ بغضاً، ولو جهدت وجهد أهل الأرض أن يدخلوهم في أشدّ ممّا هم فيه من الإثم لم يقدروا، فلا يستفزّنّك الشيطان، فإنّ العزّة لله ولرسوله صلی اللّه علیه وآله وسلم وللمؤمنين، ولكنّ المنافقين لا يعلمون، ألا تعلم أنّ من انتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف هو غداً في زمرتنا، الحديث .(1)
1491- وفي تحف العقول: في وصايا الصادق علیه السلام لمؤمن الطاق:
یا بن النعمان، لا يكون العبد مؤمناً حتّى تكون فيه ثلاث سنن: سنّة من اللّه وسنّة من رسوله، وسنّة من الإمام، فأمّا الّتي من اللّه جلّ وعزّ فهو أن يكون كتوماً للأسرار يقول اللّه جلّ ذكره : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ...)(2)
ص: 329
وأمّا السنّة من رسول اللّه فهو أن يداري الناس ويعاملهم بالأخلاق الحنيفيّة وأمّا الّتي من الإمام فالصبر في البأساء والضرّاء حتّى يأتيه اللّه بالفرج .(1)
1492- وفي روضة الكافي أيضاً : بإسناده عن الحسن بن شاذان الواسطي، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا أشكو جفاء أهل واسط وحملهم عليَّ، وكانت عصابة من العثمانيّة تؤذيني،
فوقع بخطّه : إنّ اللّه تبارك وتعالى ذكره أخذ ميثاق أوليائنا على الصبر في دولة الباطل، فاصبر لحكم ربّك، فلو قد قام سيّد الخلق (2) لقالوا:
(يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)(3).(4)
أقول: قوله علیه السلام: لقالوا: هذا ما وعد الرحمن «إلخ» إشارة إلى أنّه يحييهم بإذن اللّه تعالى وينتقم منهم كما في الروايات .
1493- وفي أُصول الكافي : عن الصادق علیه السلام قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم :
سيأتي على الناس زمان لا ينال الملك فيه إلّا بالقتل والتجبّر، ولا الغنى إلّا بالغصب والبخل، ولا المحبّة إلّا باستخراج الدين واتّباع الهوى،
فمن أدرك ذلك الزمان فصبر على الفقر وهو يقدر على الغنى، وصبر على البغضة وهو يقدر على المحبّة، وصبر على الذلّ وهو يقدر على العزّ آتاه اللّه ثواب خمسين صدّيقاً ممّن صدّق بي .(5)
1494- وفي الخرائج : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم :
سيأتي قوم من بعدكم الواحد منهم له أجر خمسين منكم، قالوا:
یا رسول اللّه، نحن كنّا معك ببدر وأُحد وحنين، ونزل فينا القرآن ،
قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : إنّكم لن تحملوا ما حملوا، ولن تصبروا صبرهم(6).
ص: 330
أقول: هذا إشارة إلى حال المؤمنين الصابرين في زمان غيبة الإمام المنتظر، كما يشهد له سائر الأخبار .
1495- وفي البرهان : في تفسير قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا)(1) عن الصادق علیه السلام قال : اصبروا على الأذى فينا،
قلت : فصابروا قال علیه السلام : على عدوّكم مع وليّكم،
ورابطوا؟ قال علیه السلام : المقام مع إمامكم، الخبر .(2)
وفي هذا المعنی روایات كثيرة لانطيل الكتاب بذكرها، هذا كلّه مضافاً إلى سائر ما ورد من الآيات والروايات في فضل الصبر، والأمر به، فإنّ الصبر على النوائب في زمان غيبة الإمام علیه السلام من أعظم أقسام الصبر وأوضحها كما لا يخفى .
1496- روی ثقة الإسلام الكلينيّ (رحمة اللّه علیه) في أُصول الكافي أخباراً عديدة فيها الصحاح والحسان، عن الصادق علیه السلام أنّه قال :
الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، وكذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان .(3)
1497- وفيه : في حديث آخر، عن حفص بن غیاث قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام: إنّ من صبر صبر قليلاً، وإنّ من جزع جزع قليلاً، ثمّ قال : عليك بالصبر في جميع أُمورك، فإنّ اللّه بعث محمّداً صلی اللّه علیه وآله وسلم فأمره بالصبر والرفق، فقال : (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا * وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ)(4)
وقال تبارك وتعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ - السيّئة - فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)(5)
فصبر رسول اللّه، حتّى نالوه بالعظائم، ورموه بها، فضاق صدره،
فأنزل اللّه عزّوجلّ: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ
ص: 331
بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)(1) ثمّ كذّبوه ورموه فحزن لذلك، فأنزل اللّه عزّ وجلّ : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا)(2) فألزم النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم نفسه الصبر ، فتعدّوا فذكر اللّه تبارك وتعالى وكذّبوه،
فقال صلی اللّه علیه وآله وسلم : قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكر إلهي، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ)(3) فصبر صلی اللّه علیه وآله وسلم في جميع أحواله، ثمّ بشّر في عترته بالأئمّة، ووصفوا بالصبر، فقال جلّ ثناؤه:
(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)(4)
فعند ذلك قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، فشكر اللّه عزّ وجلّ ذلك له، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ)(5)
فقال صلی اللّه علیه وآله وسلم : إنّه بشری وانتقام، فأباح اللّه عزّ وجلّ قتال المشركين، فأنزل :
(فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ)(6) (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ)(7) فقتلهم اللّه على يدي رسوله صلی اللّه علیه وآله وسلم وأحبّائه وجعل له ثواب صبره مع ما ادّخر له في الآخرة، فمن صبر واحتسب لم يخرج من الدنيا حتّى يقرّ اللّه له عينه في أعدائه مع ما يدّخر له في الآخرة .(8)الكافي : 88/2 ح 3، عنه الوافي : 67/3 ، والبحار : 62/71 ح1.(9)
1498- وفيه : في الصحيح، عن أبي الصباح الكناني قال :
كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام فدخل عليه شيخ، فقال : يا أبا عبداللّه، أشكو إليك ولدي وعقوقهم، وإخواني وجفاهم، عند كبر سنّي؛
ص: 332
فقال أبو عبداللّه علیه السلام : يا هذا، إنّ للحقّ دولة وللباطل دولة، وكلّ واحدٍ منهما في دولة صاحبه ذليل، وإنّ أدني ما يصيب المؤمن في دولة الباطل العقوق من ولده، والجفا من إخوانه،
وما من مؤمن يصيب شيئاً من الرفاهيّة في دولة الباطل إلّا ابتلي قبل موته ، إمّا في بدنه وإمّا في ولده وإمّا في ماله، حتّى يخلّصه اللّه ممّا اكتسب في دولة الباطل، ويوفّر له حظّه في دولة الحقّ، فاصبر وابشر .(1)
1499- وفيه: عن أبي جعفر علیه السلام قال : لمّا حضرت أبي علي بن الحسين الوفاة ضمّني إلى صدره، وقال : يا بنيّ أُوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، وبما ذكر أنّ أباه أوصاه به، يا بنيّ اصبر على الحقّ وإن كان مرّاً.(2)
1500- وفي اكمال الدين : بإسناده عن البزنطي قال : قال الرضا علیه السلام : ما أحسن الصبر وانتظار الفرج، أما سمعت قول اللّه عزّ وجلّ : (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ)(3) وقوله عزّ وجلّ: (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(4) فعليكم بالصبر فإنّه إنّما يجيء الفرج على اليأس وقد كان الّذين من قبلكم أصبر منكم .(5)
1501- وفيه : بإسناده عن محمّد بن مسلم قال :
سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: إنّ قدّام(6) القائم عليه الصلاة والسلام علامات تكون من اللّه عزّ وجلّ للمؤمنين، قلت: وما هي جعلني اللّه فداك؟
قال : ذلك قول اللّه عزّ وجلّ:
(«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ - يعني المؤمنين قبل خروج القائم علیه السلام - بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(7)
ص: 333
قال : يبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، والجوع بغلاء أسعارهم، ونقص من الأموال، قال : كساد التجارات، وقلّة الفضل، ونقص من الأنفس، قال : موت ذريع، ونقص من الثمرات، قال :
قلّة ريع ما يزرع، وبشّر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم علیه السلام ،
ثمّ قال علیه السلام لي: يا محمّد، هذا تأويله، إنّ اللّه تعالى يقول:
(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(1).(2)
1502- وفي تفسير النيسابوري : عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم أنّه قال :
ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر، حتّى إذا ما رأيت شحّاً مطاعاً، وهوىً متّبعاً، ودنياً مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك نفسك، ودع أمر العوامّ، وإنّ من ورائكم أيّاماً، الصبر فيهنّ كقبض الجمر، للعامل منهم مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله.
1503- وفي النعماني : بإسناده عن الصادق علیه السلام عن أبيه علیه السلام أنّه قال :
المؤمنون يبتلون، ثمّ يميّزهم اللّه عنده إنّ اللّه لم يؤمن المؤمنين من بلاء الدنيا و مرائرها، ولكن آمنهم فيها من العمى والشقاء في الآخرة، ثمّ قال :
كان عليّ بن الحسين بن علي علیهم السلام يضع قتلاه بعضهم إلى بعض، ثمّ يقول : قتلانا قتلى النبيّين .(3)
1504- وفيه : بإسناده عن زین العابدین علیه السلام ، قال :
لوددت أنّي تركت(4)في العياشي: لوددت أنّه أُذن لي.(5) فكلّمت الناس ثلاثاً، ثمّ قضى اللّه فيَّ ما أحبّ، ولكن عزمة من اللّه أن نصبر، ثمّ تلى هذه الآية : (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ)(6)
ثمّ تلا أيضاً قوله تعالى : (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ
ص: 334
الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)(1).(2)
1505- وفيه : عنه علیه السلام في حديث يأتي في المرابطة إن شاء اللّه - إلى أن قال :
ويرابط الّذين آمنوا ويصبرون ويصابرون حتّى يحكم اللّه وهو خير الحاكمين(3) إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة، المذكورة في محلّها،
وبالجملة فحال المؤمن في البليّات ما ذكر في الديوان المنسوب إلى مولانا أمير المؤمنين علیه السلام :
إذا زید شرّاً آزاد صبراً كأنّما *** هو المسك ما بين الصلابة والفهر
لإن فتّيت المسك يزداد طيبةً على *** السحق والحرّ إصطباراً على الشرّ
تنبيه : قد تبيّن ممّا ذكرنا أنّ الصبر في زمان غيبة الإمام علیه السلام على أقسام،
فمنها : الصبر على طول الغيبة بأن لا يكون من المستعجلين، الّذين يقسو قلوبهم بسبب طول الغيبة فيرتابون في أمر الإمام علیه السلام ،
وقد مرّ هذا العنوان في الأمر الثاني والعشرين فراجع.
ومنها: الصبر على ما يصيب المؤمن من أذى المخالفين واستهزائهم وتكذيبهم ونحوها.
ومنها : الصبر على أقسام البلايا والمحن الواردة الّتي ذكر بعضها في الآية الشريفة في قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) الآية .(4)
ومنها : الصبر على ما يرى من ابتلاء المؤمنين بالمعاندين وإيذاء المعاندین لهم إذا لم يتمكّن من استخلاصهم والمدافعة عنهم،
فإنّ وظيفته حينئذ الصبر والدعاء إلى غير ذلك من الأقسام الّتي يقف عليها المؤمن عند ابتلائه .
ص: 335
الأمر الرابع والخمسون : طلب الصبر من اللّه تعالی
يعني من وظائف المؤمن في زمان الغيبة أن يسأل ربّه عزّ وجلّ ليوفّقه للصبر في مواقع يكون وظيفته ذلك، وذلك لوجوه :
منها : أنه قد ورد في الأدعية المأثورة عنهم علیهم السلام :
1506- ففي دعاء العمري (رحمة اللّه علیه) : وصبّرني على ذلك ... إلخ .(1)
ومنها: ما ورد من الأمر بمسالة كلّ شيء يحتاج إليه المؤمن لاستصلاح آخرته ودنياه من اللّه عزّ وجلّ، فإنّ بيده مفاتيح كلّ شيء،
ويشهد للمرام قوله تعالى مخاطباً لنبيّه صلی اللّه علیه وآله وسلم: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ) الآية .(2) والباء للسببيّة، أو الاستعانة، وعلى كليهما يشهد للمقصود،
فالمؤمن ينبغي أن يطلب الصبر من اللّه عزّ وجلّ، ويجوز أن يكون الباء بمعنی من، وإن لم يذكره صاحب المغني، إذ لا عبرة بإنكاره شيئاً يوجد له شاهد في فصيح الكلام، كما أنّ جمعاً منهم أنكروا كون الباء للتبعيض، مع ورود النصّ به عن الأئمّة علیهم السلام ، فتدبّر .
1507- وعن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم : سلوا اللّه عزّ وجلّ ما بدالكم من حوائجكم، حتّى شسع النعل، فإنّه إن لم ييسّره لم يتيسّر .(3)
1508- وقال صلی اللّه علیه وآله وسلم : ليسأل أحدكم ربّه حاجته كلّها، حتّى يسأله شسع نعله إذا انقطع444 ، والأخبار في هذا المعنى كثيرة،
ويدلّ على المقصود أيضاً إطلاق ما ورد في الآيات القرآنيّة من الأمر بالدعاء، فينبغي للمؤمن الدعاء لإعطائه الصبر في مواقعه، فإنّه شيء يستصلح به أمر آخرته ودنياه، ويستجلب به محبّة مولاه وطاعته ورضاه .
ص: 336
ومنها : أنّه كثيراً ما يشتبه على الإنسان موارد الصبر بغيرها، فيصبر في غير مورد الصبر، ويتكلّم في موقع الصمت، ويصمت في موقع الكلام، والتوفيق لوضع كلّ شيء في موضعه إنّما هو من اللّه عزّ وجلّ، فوظيفة المؤمن الطالب لسلوك سبيل الهدى الدعاء والتضرّع إلى اللّه تعالی ليوفّقه للصبر في مواقع الصبر، والدعوة في مواقع الدعوة، والطيش في موارد الطيش، والبطش في مواقع البطش، والغضب في مواقع الغضب، وقس على ما ذكرنا غيره .
ومنها : أنّه قد ورد في الروايات الأمر بمسألة الصبر من اللّه عزّ وجلّ:
1509- فقد روي في الكافي : عن الصادق عليه الصلاة والسلام أنّه قال : إنّ اللّه عزّ وجلّ خصّ رسله بمكارم الأخلاق، فامتحنوا أنفسكم فإن كانت فيكم، فاحمدوا اللّه، واعلموا أنّ ذلك من خير، وإن لا تكن فيكم، فاسألوا اللّه، وارغبوا إليه فيها، قال : فذكر [ها] عشرة : اليقين، والقناعة، والصبر، والشكر، والحلم، وحسن الخلق، والسخاء، والغيرة، والشجاعة، والمروّة، قال :
وروى بعضهم بعد هذه الخصال العشرة، وزاد فيها الصدق وأداء الأمانة .(1)
1510- وفيه في حديث آخر، عنه علیه السلام قال : إنّا لنحبّ من كان عاقلاً، فهماً، فقيهاً، حليماً، مدارياً، صبوراً، صدوقاً، وفيّاً، إنّ اللّه عزّ وجلّ خصّ الأنبياء بمكارم الأخلاق، فمن كانت فيه فليحمد اللّه على ذلك، ومن لم تكن فيه فليتضرّع إلى اللّه عزّ وجلّ، وليسأله إيّاها، قال: قلت: جعلت فداك، وما هنّ؟ قال : هن الورع، والقناعة، والصبر، والشكر، والحلم، والحياء، والسخاء، والشجاعة، والغيرة، والبرّ، وصدق الحديث، وأداء الأمانة .(2)
الأمر الخامس والخمسون : التواصي بالصبر في زمن غيبة القائم علیه السلام
وهذا من الأُمور المهمّة الّتي بنبغي الإهتمام بها، والمواظبة عليها، ويدلّ
ص: 337
عليه وجوه : الأوّل : جميع أدلّة الأمر بالمعروف.
الثاني : التأسّي بالنبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم والأئمّة الأطهار كما يظهر لك من تتّبع الأخبار .
1511 - الثالث: خصوص ما رواه السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في كتاب الإقبال عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم في خطبة يوم الغدير أنّه قال :
وفي عليّ نزلت «والعصر»، وتفسرها: وربّ عصر القيامة إنّ الإنسان لفي خسر - أعداء آل محمّد - إلّا الّذين آمنوا بولايتهم، وعملوا الصالحات - بمواساة إخوانهم - وتواصوا بالصبر في غيبة غائبهم، إلخ.(1)
أقول : المراد بالتواصي بالصبر : أن يوصي ويأمر المؤمن أولاده وأحفاده وأهله، وعياله، وعشيرته، وإخوانه، وأحبّاءه، وسائر المؤمنين بأمر القائم علیه السلام والصبر في غيبته على طول الغيبة، وعلى مايصيبهم من الفتن، والبليّات، والمحن والاذيّات، وما يرون من الأعداء، وجفاء الأخلّاء، وغيرها، بأن يذكر لهم فضائل الصبر وتعقّبه بالظفر والفرج، حتّى لا ييأسوا بسبب طول الغيبة، ولا يرتابوا لمايرون أعداءهم في الراحة والسعة والنعمة، ويعلموا أنّ ذلك ممّا أخبر به الصادقون، فكما ظهر صدق ما قالوه من ابتلاء أهل الإيمان، وغلبة الأعداء ، كذلك يظهر صدقهم في ظهور الفرج والرخاء لهم إن شاء اللّه تعالی.
وليعلموا أنّ من صبر وانتظر فاز بالفرج والظفر، إمّا بالفرج الأعظم، أو بما دونه من أقسام الفرج، بل نفس الإنتظار من أقسام الفرج،
ألا ترى أنّه لو كان شخص مبتلى بديون كثيرة، لكن يعلم أنّه يأتيه السعة بعد مدّة من بعض النواحي، تسلّت نفسه بانتظار تلك السعة، وانقضاء تلك المدّة ، ليستريح من مشقّة تحمل دیونه، أو كان شخص مريضاً مبتلى بأمراض عديدةٍ لكنّه يعلم أنّ في بعض النواحي طبيباً حاذقاً يأتيه بعد مدّة فيعالجه، ويستريح من تلك الأمراض، كان انتظاره لا نقضاء هذا الأمد، ومجيء ذلك الطبيب المعتمد
ص: 338
تسليةً لنفسه، وتقويةً لقلبه ، وتفريجاً لهمّه، وتسكيناً لغمّه.
1512- ولذلك قال الصادق علیه السلام لأبي بصير - لمّا قال له :
جعلت فداك ، متى الفرج؟! - يا أبا بصير ، أنت ممّن يريد الدنيا، من عرف هذا الأمر فقد فرّج عنه بانتظاره . (1)
1513- وعن محمّد بن الفضيل، عن الرضا علیه السلام قال :
سألته عن شيءٍ من الفرج، فقال علیه السلام : أليس أنتظار الفرج من الفرج؟
إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(2). (3)
1514- وعن الحسن بن جهم، قال : سألت أبا الحسن عن شيءٍ من الفرج، فقال : أو لست تعلم أنّ انتظار الفرج من الفرج؟
قلت: لا أدري إلّا أن تعلّمني، فقال علیه السلام : نعم، إنتظار الفرج من الفرج .(4)
1515- وفي النعماني: عن أبي جعفر الباقر علیه السلام أنّه قال :
هلك أصحاب المحاضير، ونجا المقرّبون، وثبت الحصن على أوتادها، إنّ بعد الغمّ فتحاً عجيباً.(5)
1516- وعن عليّ بن يقطين قال : قال لي أبو الحسن علیه السلام :
إنّ الشيعة تربّي بالأمانيّ، منذ مائتي سنة، وقال يقطين لابنه عليّ: ما بالنا قيل لنا فكان، وقيل لكم فلم يكن؟ فقال عليّ : إنّ الّذي قيل لكم ولنا من مخرج واحدٍ، غير أنّ أمركم حضر وقته، فأُعطيتم محضه، وكان كما قيل لكم، وإنّ أمرناً لم يحضر ، فعلّلنا بالأمانيّ، ولو قيل لنا: إنّ هذا الأمر لا يكون إلى مائتي سنة ، أو ثلاثمائة سنة لقست القلوب، ولرجعت عامّة النان عن الإسلام، ولكن
ص: 339
قالوا ما أسرعه، وما أقربه، تألّفاً للقلوب وتقريباً للفرج.(1)
الأمر السادس والخمسون : الإحتراز والتجاني عن مجالس أهل البطالة والضلالة
الّذين يستهزؤون بذكر الإمام، أو يذكرونه بسوءٍ ، أو يعيبون عليه، أو ينكرونه، أو يعرضون عن ذكره، أويستهزؤون بالمؤمنين المنتظرين له،
قال اللّه عزّ وجلّ: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)(2).
1517- وفي تفسير عليّ بن إبراهيم القمّيّ (رحمة اللّه علیه) قال :
آیات اللّه هم الأئمة علیهم السلام .(3)
1518- وفي أُصول الكافي بسند صحيح عن شعيب العقرقوفي، قال :
سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا)) إلى آخر الآية فقال :
إنّما عنى بهذا إذا سمعتم الرجل الّذي يجحد الحقّ، ويكذّب به، ويقع في الأئمة علیهم السلام فقم من عنده، ولا تقاعده كائناً من كان .(4)
1519- وفيه: في الصحيح عنه علیه السلام ، قال : من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يجلس مجلساً ينتقص فيه إمام ، أو يعاب فيه مؤمن .(5)
1520- وفيه عنه علیه السلام قال : ثلاثة مجالس يمقتها اللّه ويرسل نقمته على أهلها فلا تقاعدوهم ولا تجالسوهم: مجلساً فيه من يصف لسانه كذباً في فتياه ،
ص: 340
ومجلساً ذكر أعدائنا فيه جديد، وذكرنا فيه رث(1) ومجلساً فيه من يصدعنا وأنت
تعلم ، قال : ثمّ تلا ابو عبداللّه علیه السلام ثلاث آيات من كتاب اللّه كأنّما كنّ في فيه ،
أو قال : في كفّه :
(وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)(2) (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)(3) (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ)(4) . (5)
1521- وفيه : عنه علیه السلام قال : إذا ابتليت باهل النصب ومجالستهم فكن كأنّك على الرضف (6)حتّى تقوم، فإنّ اللّه يمقتهم ويلعنهم ، فإذا رايتهم يخوضون في ذكر إمام من الأئمّة فقم، فإنّ سخط اللّه ينزل هناك عليهم.(7)
1522- وفيه : في الصحيح عنه علیه السلام قال :
من قعد عند سبّاب لأولياء اللّه فقد عصى اللّه .(8)
1523- وفيه : عنه علیه السلام ، قال : من قعد في مجلس يسبّ فيه إمام من الائمّة
يقدر على الإنتصاف(9) فلم يفعل، البسه اللّه الذلّ في الدنيا، وعذّبه في الآخرة، وسلبه صالح ما منّ به عليه من معرفتنا.(10)
1524- وفي البرهان، عن الكشّي: بإسناده عن محمّد بن عاصم، قال : سمعت الرضا علیه السلام يقول: يا محمّد بن عاصم، بلغني أنّك تجالس الواقفيّة(11)
ص: 341
قلت : نعم جعلت فداك، أجالسهم وأنا مخالف لهم، قال علیه السلام :
لا تجالسهم، قال اللّه عزّ وجلّ: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) يعني بالآيات : الأوصياء، والّذين كفروا: يعني الواقفيّة .(1)
أقول: ذكر الواقفيّة من باب ذكر أحد المصادیق ، كما أنّ ذكر الأوصياء من باب ذكر أحد مصادیق آيات اللّه كما لا يخفى .
تنبيه : المستفاد من الآية الشريفة بضميمة ما ورد في تفسيرها، وبضميمة سائر الروايات حرمة الجلوس في مجالس أهل الضلالة الّذين أشرنا إلى ذكر بعض أصنافهم في صدر العنوان للنهي الظاهر في التحريم، بل المستفاد من الآية الشريفة عدّه في الكبائر لقوله عزّ وجلّ: (إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ) الدالّ على كون من يجالسهم مثلهم بل عبّر عمّن يجالسهم بالمنافقين، ووعدهم نار جهنّم، فقال :
(إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) فقد ظهر عظم ذلك ، وكونه من جملة المعاصي الكبيرة، نسأل اللّه عزّ وجلّ أن يوفّقنا لمرضاته ، ويحفظنا من موجبات سخطه ونقماته،
وفي الدعاء : أو لعلّك رأيتني آلف مجالس البطّالين فبيني وبينهم خلّيتني .
أقول: وكفى بذلك حسرة ونقمة ، نعوذ باللّه من ذلك ،
وسيأتي في الأمر الثامن والخمسين مايدلّ على المقصود إن شاء اللّه تعالی .
الأمر السابع والخمسون : مصانعة أهل الجور والباطل
1525- ففي البحار، عن كشف الغمّة : من طريق العامّة عن حذيفة قال : سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم يقول: ويح هذه الأُمّة من ملوكٍ جبابرةٍ كيف يقتلون،
ص: 342
ويخيفون المطيعين إلّا من أظهر طاعتهم، فالمؤمن التقيّ يصانعهم بلسانه ، ويفرّ منهم بقلبه ، فإذا أراد اللّه عزّ وجلّ أن يعيد الإسلام عزيزاً اقصم كلّ جبار عنيد وهو القادر على ما يشاء أن يصلح أُمّة بعد فساد.
فقال صلی اللّه علیه وآله وسلم : يا حذيفة ، لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يملك رجل من أهل بيتي، يجري الملاحم على يديه ، ويظهر الإسلام، لا يخلف وعده وهو سريع الحساب .(1)
1526- وفي تحف العقول - في وصايا الصادق لمؤمن الطاق - قال علیه السلام :
يابن النعمان، إذا كانت دولة الظلم فامش واستقبل من تتّقيه بالتحيّة، فإنّ المتعرّض للدولة قاتل نفسه وموبقها، إنّ اللّه يقول:
(وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(2). (3)
1527- وفي النعماني : بإسناده عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال :
كونوا كالنحل في الطير، ليس شيء من الطير إلّا وهو يستضعفها، ولو علمت الطير ما في أجوافها من البركة لم تفعل بها ذلك، خالطوا الناس بألسنتكم وأبدانكم، وزايلوهم بقلوبكم وأعمالكم.
فوالّذي نفسي بيده ماترون ما تحبّون حتّى يتفل بعضكم في وجوه بعض، وحتّى يسمّي بعضكم بعضاً كذّابين، وحتّى لا يبقى منكم - أو قال : من شيعتي - كالكحل في العين، أو كالملح في الطعام، وسأضرب لكم مثلاً، وهو مثل رجل كان له طعام فنقّاه وطيّبه ، ثمّ أدخله بيتاً، وتركه فيه ما شاء اللّه، ثمّ عاد إليه فإذا هو أصابه السوس، فأخرجه ونقّاه وطيّبه ، ثمّ أعاده إلى البيت، فتركه ما شاء اللّه ثمّ عاد إليه، فإذا هو قد أصابته طائفة من السوس، فأخرجه ونقّاه وطيّبه ، وأعاده، ولم يزل كذلك حتّى بقيت منه رزمة كرزمة الأندر، لا يضرّه السوس
ص: 343
شيئاً، وكذلك انتم تميّزون، حتّى لا يبقى منكم إلّا عصابة لا يضرّها الفتنة شيئاً.(1)
الأمر الثامن والخمسون : الإختفاء والتجاني عن الإشتهار
فإنّ الشهرة آفة، والخمول راحة.
1528- وفي الكافي : عن الصادق علیه السلام - في حديث - قال :
إن استطعت أن لا يعرفك أحد فافعل(2)،
1529- وفي كمال الدين: بسند صحيح عن الباقر علیه السلام أنّه قال :
يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، یا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إنّ أدنی مایكون لهم من الثواب أن يناد بهم الباري جلّ جلاله فيقول:
عبادي وإمائي آمنتم بسرّي، وصدّقتم بغيبي، فابشروا بحسن الثواب منّي، أي عبيدي وإمائي، حقّاً منكم اتقبّل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث وأدفع عنهم البلاء ، لولاكم لانزلت عليهم عذابي.
قال جابر: فقلت: يابن رسول اللّه، ما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان؟
قال علیه السلام : حفظ اللسان ولزوم البيت.(3)
1530- وفي نهج البلاغة: عن أمير المؤمنين علیه السلام في بعض خطبه :
وذلك زمان لا ينجو فيه إلّا كلّ مؤمن نُوَمَة، إن شهد لم يعرف، وإن غاب لم يفتقد، أُولئك مصابيح الهدى، وأعلام السُّرى، ليسوا بالمسابيح ولا المذاييع البذر، أُولئك يفتح اللّه لهم أبواب رحمته ويكشف عنهم ضرّاء نقمته ،
أيّها الناس سيأتي عليكم زمان يكفأ فيه الإسلام، كما يكفا الإناء بما فيه .
ص: 344
قال السيّد الرضيّ : قوله علیه السلام : كلّ مؤمن نُوَمَة، فإنّما أراد الخامل الذكر القليل الشرّ، والمساييح جمع مسياح، وهو الّذي إذا سمع لغيره بفاحشة أذاعها، ونوّه بها، والبذر جمع بذور، وهو الّذي يكثر سفهه، ويلغو منطقه .(1)
1531- وفي النعماني : عن الصادق علیه السلام أنّه قال : خبر تدریه خير من عشر ترويه، إنّ لكلّ حقّ حقيقة ، ولكلّ صواب نوراً، ثمّ قال : إنّا واللّه لا نعدّ الرجل من شيعتنا فقيهاً حتّى يلحن له، فيعرف اللحن، إنّ أمير المؤمنین علیه السلام قال على منبر الكوفة: إنّ من ورائكم فتناً مظلمة عمياء منكسفة، لا ينجو منها إلّا النومة ، قيل: يا أمير المؤمنين علیه السلام وما النومة؟ قال علیه السلام : الّذي يعرف الناس ولا يعرفونه
واعلموا أنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله عزّ وجلّ، ولكنّ اللّه سيعمي خلقه عنها، بظلمهم وجورهم، وإسرافهم على أنفسهم، ولو خلت الأرض ساعة واحدة من حجّة لله لساخت بأهلها، ولكن الحجّة يعرف الناس ولا يعرفونه ، كما كان يوسف يعرف الناس وهم له منكرون.(2)
1532- وفيه أيضاً : بإسناده أنّه دخل على الصادق علیه السلام بعض أصحابه ،
فقال له : جعلت فداك ، إنّي واللّه أُحبّك وأُحبّ من يحبّك يا سيّدي، ما أكثر شيعتكم، فقال علیه السلام له: أُذكرهم، فقال : كثير ، فقال علیه السلام : تحصيهم؟
فقال : هم أكثر من ذلك،
فقال أبو عبداللّه علیه السلام : أما لو كملت العدّة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر كان الّذي يريدون، ولكن شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه، وشحناؤه بدنه(3) ولا يمدح بنا معلناً(4) ولا يخاصم بنا قالياً(5)، ولا يجالس لنا عائباً ،
ص: 345
ولا يحدّث لنا ثالباً(1) ولا يحبّ لنا مبغضاً، ولا يبغض لنا محبّاً.
فقلت : فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الّذين يقولون إنّهم يتشيّعون؟
فقال علیه السلام : فيهم التمييز، وفيهم التمحيص، وفيهم التبديل، يأتي عليهم سنون تفنيهم وسيف يقتلهم، واختلاف يبدّدهم، إنّما شیعتنا من لا يهرّ هرير(2) الكلب، ولا يطمع طمع الغراب، ولا يسأل الناس بكفّه وإن مات جوعاً.
قلت: جعلت فداك ، فأين أطلب هؤلاء الموصوفين بهذه الصفة؟
فقال علیه السلام : أطلبهم في أطراف الأرض، أُولئك الخفيض عيشهم، المنتقلة دارهم، الّذين إذا شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن مرضوا لم يعادوا وإن خطبوا لم يزوّجوا، وإن ماتوا لم يشهدوا، أُولئك الّذين في أموالهم يتواسون وفي قبورهم يتزاورون، ولا تختلف أهواؤهم وإن اختلفت بهم البلدان .
ورواه بطريق آخر، وزاد فيه: وإن رأوا مؤمناً أكرموه، وإن رأوا منافقاً هجروه ، وعند الموت لا يجزعون، وفي قبورهم يتزاورون، تمام الحديث .(3)
أقول: محلّ الشاهد قوله علیه السلام : الّذين إن شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفتقدوا. إلخ، فإنّه عليه الصلاة والسلام دلّ بهذا الكلام على حسن الإختفاء من الناس، وذمّ الإشتهار بينهم، وإنّما ذكرت الحديث بطوله لكثرة فوائده ،
وممّا يناسب ذلك الزمان هذه الأبيات :
خفيت عن العيون فأنكرتني *** فكان به ظهوري للقلوب
وأوحشني الأنيس فغبت عنه *** لتأنيسي بعلّام الغيوب
وكيف يروعني التفريد يوماً *** ومن أهوى لدي بلا رقیب
إذا ما استوحش الثقلان منّي *** آنست بخلوتي ومعي حبيبي
ص: 346
الأمر التاسع والخمسون : تهذيب النفس من الصفات الخبيثة وتحليتها بالأخلاق الحميدة
وهذا الأمر واجب في كلّ زمان، لكنّ تخصيصه بالذكر في وظائف زمن غيبة وليّ العصر عجّل اللّه تعالی فرجه لأجل أنّ درك فضيلة صحبته والكون في جملة أصحابه منوط بذلك،
1533- لما رواه النعماني (رحمة اللّه علیه): بإسناده عن الصادق علیه السلام أنّه قال : .
من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، وهو منتظر، فإن مات وقام القائم علیه السلام بعده، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدّوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيّتها العصابة المرحومة .(1)
أقول: في هذا الحديث دلالة على اشتراط الفوز بثواب الإنتظار بملازمة الورع و محاسن الأخلاق، وقد مرّ في ما مضى ما يؤيّده .
الأمر المكمّل للستّين: الإتفاق والإجتماع على نصرته
فإنّ في الإجتماع تأثيراً لا يكون في الإنفراد وإن كانت النصرة وظيفة لكلّ من الأفراد، قال اللّه عزّ وجلّ: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)(2) الآية، فإنّ الإمام هو حبل اللّه المتين بين عباده في كلّ زمان من الأزمنة ، والإعتصام به لا يحصل إلّا بموالاته ونصرته.
1534- وقال أمير المؤمنين علیه السلام في بعض خطبه : أيّها الناس، لو لم تخاذلوا عن نصر الحقّ، ولم تهنوا عن توهين الباطل، لم يطمع فيكم من ليس مثلكم، ولم يقو من قوى علیكم، لكنّكم تهتم متاه بني إسرائيل، ولعمري ليضعَّفنّ لكم التيه من بعدي أضعافاً بما خلّفتم الحقّ وراء ظهوركم، إلخ .(3)
ص: 347
1535- وفي التوقيع الرفيع الصادر إلى الشيخ المفيد رحمه اللّه تعالى من الناحية المقدّسة : ولو أنّ أشياعنا وفّقهم اللّه لطاعته، على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقّ المعرفة وصدقها منهم بنا، إلخ.(1)
الأمر الواحد والستّون : الإتّفاق على التوبة الواقعيّة، وردّ الحقوق إلى أصحابها
إذ قد تقدّم سابقاً، أنّ من أسباب طول غيبة الإمام عليه وعلى آبائه التحيّة والسلام، ما يراه من آثام الأنام، كما ورد عنه عليه الصلاة والسلام في التوقيع المشار إليه بعد العبارة المذكورة : فما يحبسنا عنهم إلّا ما يتّصل بنا ممّا نكرهه، ولا نؤثره منهم، واللّه المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الأمر الثاني والستون، والثالث والستّون : مداومة ذكره، والعمل بآدابه
بيان ذلك ، أنّه لا ريب بدلالة الاخبار الكثيرة القطعيّة المرويّة عنهم علیهم السلام في أنّ الإمام علیه السلام ناظر إلينا، وشاهد علينا، ومطّلع على حالاتنا، في حركاتنا وسكناتنا، فأنت في كلّ حال وفي كلّ مكان نصب عينيه ، فإنّه عين اللّه الناظرة، وأُذنه السامعة، فإذا علمت ذلك، وأيقنت أنّك نصب عينه، وحذاء وجهه، لا جرم جعلته نصب عينك، ونظرت إليه بعين قلبك، بل كونه نصب عينك لازم كونك نصب عينه، وغير متوقّف على جعلك،
وهذا ظاهر لا يخفى لمن لا تكون عين قلبه عمياء، (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )(2) وإذا علمت أنّه نصب عينك ، فلا جرم كان همّك في رعاية آدابه، ومراقبة الأدب، والإتيان بما هو وظيفتك بالنسبة إليه ،
ص: 348
بحسب مراتب معرفتك، وإن لم تره بعين رأسك.
مثال ذلك: أنّه لو حضر رجل أعمى في مجلس السلطان، وقام بين يديه ، لرعي جميع الآداب الّتي ينبغي رعايتها بحضرة السلطان، كما يرعاها المبصرون، الناظرون إليه، القائمون بين يديه، مع أنّ الأعمى لا يراه، ولا يمكنه النظر إليه، وليس ذلك إلّا بسبب علمه بكونه نصب عين السلطان، وكون السلطان نصب عينه وإن كان لا يبصره بعينه ، وهذا حال المؤمن في زمان غيبة الإمام علیه السلام عن أعين الأنام، لأنّه لأجل إيمانه ويقينه يعلم علماً قطعياً بأنّه في جميع أحواله نصب لعين إمامه، فإمامه نصب لعينه، وإن كان لا يراه بعينه ، فيجعل همّه في رعاية آدابه، ومراقبة وظائفه بالنسبة إلى جنابه .
1536- وتبيّن ذلك كلّه في كلام مولانا أمير المؤمنين في حديث رواه رئیس المحدّثين الشيخ الصدوق في كتاب إكمال الدين: بإسناده عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبداللّه علیه السلام عن آبائه، عن عليّ علیه السلام ، قال - في خطبة له على منبر الكوفة -: اللّهمّ إنّه لا بدّ لأرضك من حجّةٍ لك على خلقك، يهديهم إلى دينك، يعلّمهم علمك لئلّا تبطل حجّتك، ولا يضلّ أتباع أُولئك بعد إذ هديتهم، إمّا ظاهر ليس بالمطاع أو مكتتم مترقّب، إن غاب عن الناس شخصه في حال هدايتهم فإنّ علمه وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة فهم بها عاملون .(1)
أقول: هذا الحديث مشهور مرويّ عنه علیه السلام في الكافي، والنعماني، وغيرهما بتفاوت يسير (2)، وفي هذا الكلام المبارك فنون من العلم، والمعرفة، والتنبيه والتذكرة، فعليك بالتأمّل التامّ، ليتّضح لك المرام إن شاء اللّه تعالی.
تذكرة وإرشاد للطالب المرتاد:
إعلم أنّ المؤمنين في ذكر مولاهم علیه السلام بمقتضی تفاوت درجات إيمانهم
ص: 349
و مراتب معرفتهم ويقينهم على درجات متفاوتة، ومراتب مختلفة :
فمنهم من يكون حاله في ذكر مولاه كما قال الشاعر :
اللّه يعلم أنّي لست أذكركم *** فكيف أذكركم إذ لست أنساكم
أو كما قيل :
أما والّذي لو شاء لم يخلق النوى *** لئن غبت عن عيني فماغبت عن قلبي
فهو غير غافل عن مولاه، ولا ذاهل عمّا ينبغي مراعاته من آدابه في جميع أوقاته وحالاته، فهنيئاً لهؤلاء القوم، ثم هنيئاً لهم على ما أُوتوا من الحكمة ، ورزقوا من العلم والعمل والمعرفة، أسأل اللّه تعالى أن يجعلني منهم بمنّه
وجُوده وكرمه ، فإنّي كما قال الشاعر :
أُحبّ الصالحين ولست منهم *** لعلّ اللّه يرزقني صلاحاً
غير أنّي أذكر نبذاً ممّا ينبغي تذكّره، تذكرة لنفسي ولغيري من المؤمنين بحسب ما عرفته ببركة مولاي صلوات اللّه عليه،
فاعلم أنّه يجب أن تستيقن أنّك بمرأى ومسمع من مولاك علیه السلام يرى مكانك، ويعرف أحوالك، فإن كنت ممّن يواظب على مراعاة الآداب الّتي ينبغي لك مراعاتها بالنسبة إليه نلت بذلك كمال محبته لك، ونظره إليك .
وإن كنت من أهل الغفلة والإعراض عنه، فوا أسفاً عليك،
قال اللّه عز وجل: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى)(1) فأيّ ضنك وضيق أشدّ من ظلمة الغفلة والجهالة أم أيّ حسرة أعظم من العمى في يوم القيامة؟! أم أيّ فزع أفجع وأفظع من تلك الندامة ، يالها من مصيبة ما أعظمها وأفجعها، فالبدار البدار في استخلاص نفسك وفكاك رقبتك، وهذا لا يحصل لك إلّا بذكر مولاك، ليأخذ بيدك في أولاك
ص: 350
وأُخراك، فإنّ اللّه تبارك وتعالى شأنه يقول : (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ)(1)
فكن وفّقك اللّه تعالی ممّن يذكر إمامه ليذكره.
فإذا أصبحت فاعلم أنّ حياتك الّتي أعطاك اللّه ببركته فاشكره، واشكر اللّه على نعمته، وراقب نفسك لئلّا تصرف هذه النعمة في غير مرضاته، فتكون لك نكالاً وعليك وبالاً، فإن عرضت لك معصية فتذكّر أنّ مولاك يراك في هذه الحالة القبيحة والهيئة المنكرة فاتركها إجلالاً له، وإن عرضت لك حسنة فاستبق إليها، واعلم أنّها نعمة إلهيّة، أنعم اللّه تعالى عليك ببركة مولاك، فاشكر اللّه على ذلك، واجعلها هديّة إلى مولاك، وصاحب زمانك، وقل بلسان حالك، ومقالك : (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ)(2)
وكن في جميع أحوالك خاضعاً خاشعاً، كالعبد الذليل الواقف بين يدي مولاه الجليل، وسلّم عليه كلّ صباح ومساء، سلام عبدٍ شائق للقائه، متألّم بفراقه، سلام مخلص يجري دموعه على خدّيه ، موقن بأنّه واقف بين يديه.
وإذا حان وقت صلاتك فتذكّر حال مولاك حين وقوفه بين يدي اللّه جلّ جلاله وتأسّ به في إحضار قلبك، وخشوع أطرافك، وغمض العين عمّا سوى اللّه تعالى، واعلم أنّ توفيقك لها ليس إلّا ببركة مولاك، وأنّها لاتقبل منك إلّا بموالاته ومعرفته، وكلّما ازددت موالاة له، ومعرفة به وانقياداً لأمره، زادك اللّه تعالى درجة وأجراً وكرامةً وفخراً، وإذا فرغت من صلاتك فاجعله وسيلة إلى اللّه عزّ وجلّ، وشفيعاً في قبولها منك، وابدأ بالدعاء له قبل الدعاء لكلّ أحد، لعظمة حقّه عليك وكثرة إحسانه إليك.
وإذا عرضت لك حاجة، أو دهتك شديدة فأعرضها عليه، وتضرّع إليه ليشفع إلى اللّه تعالى في كشفها عنك، فإنّه الوسيلة إلى اللّه عزّ وجلّ، والباب
ص: 351
الّذي يؤتي منه، وقد قال اللّه عزّ شأنه : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا)(1).
ويشهد لذلك أخبار كثيرة، وقد ألمّ بي في بعض ما مضى من الأعوام أمرٌ مهمّ، شغل قلبي وأطال فكري، وسلبني بعض لبّي،
فرأيت في بعض الليالي في المنام جدّي من طرف أُمّي، وكان من السادات الصلحاء رضي اللّه تعالی عنه فرأيته في بستان من أحسن ما يوصف من البساتين، على ما كان يتمنّاه في زمان حياته، وهو في احسن حال وأجمل هيئة، فسلّمت عليه فأجابني، ووقع بيننا مكالمات : منها : أنّي قلت له:
أُدع اللّه عزّ وجلّ في المهمّ الفلانيّ ليكفنيه، ويكشف عنّي همّه، فقال (رحمة اللّه علیه) بالفارسيّة ما معناه بالعربيّة : إنّا لا ندعوا لشيءٍ فوق دعاء إمام الزمان، فكلّما وقع أمر عرضناه عليه فإن أذن وأمضى دعونا لإصلاح ذلك، وإلّا فلا، إلخ.
فقد تبيّن أنّه المفزع والمرجع في جميع الأُمور فوظيفتك الرجوع إليه، والاستغاثة والإستشفاع به، فاجعله شفيعاً إلى اللّه عزّ وجلّ ليدعو لك، ويجعلك في همّه، فإنّ من وظائف الإمام ومراحمه في كلّ زمان بمقتضى ما ورد من الأخبار الدعاء للمؤمنين، كما أنّ من وظائف المؤمنين في كلّ زمان الدعاء لإمامهم، كما بيّنّا لك في هذا الكتاب، بدلائل العقل والنقل.
وإذا عرضك غفلة أو نسيان عن ذكره علیه السلام في بعض الأحيان - كما هو الغالب في غالب أهل الزمان - فاعلم أنّه لمّة الشيطان، فابتهل وتضرّع إلى اللّه جلّ شأنه في صرف كيده عنك، واستغفر اللّه تعالى، وتب إليه توبةً نصوحاً، ليكفّر عنك سيّئاتك، ويوفّقك لذكر مولاك في كلّ حال، إنّه جلّ ثناؤه لما يشاء فعّال، وعليك بإمعان النظر، وإجالته فيما ذكرناه ، ونذكره من وظائفك وآدابك لمولاك، أسأل اللّه تعالى أن يوفّقنا وإيّاك للعلم والعمل، ويعصمنا من الخطأ والزلل، إنّه قريب مجيب.
ص: 352
الأمر الرابع والستّون : أنّ تسال اللّه عزّ وجلّ ليحفظك من نسيان ذكره
والدليل على ذلك مضافاً إلى ما بيّنّا لك آنفاً من أنّ اللّه عزّ وجلّ جعل لك بالنسبة إليه وظائف، وآداباً لا تتأتّي منك إلّا بدوام ذكره:
1537- ما ورد عنه علیه السلام في الدعاء المرويّ عن الشيخ العمريّ رضي اللّه تعالی عنه في حديث عال صحیح مرويّ، في اكمال الدين، وهو قوله:
ولا تنسنا ذكره (إلخ)(1) فتدبّر كيف جعل ذلك من الأدعية المهمّة، الّتي أمر بها الشيعة في تلك المكالمات الشريفة، فلا تغفل عن ذلك، وتضرّع إلى اللّه تعالی في كلّ حين، لا سيّما مواقع الإستجابة، لئلّا تبتلي بنسيان ذكره علیه السلام ولاتؤخّر الدعاء إلى حين الإبتلاء، فإنّه قد ورد في الروايات المأثورة عنهم في آداب الدعاء : أن يبادر المؤمن بالدعاء قبل نزول البلاء
وأسال اللّه عزّ وجلّ أن يعصمك ويحفظك من الذنوب، الّتي تورث الإبتلاء بنسيان ذكر إمامك فإنّ هذا من أشدّ النقم واعظمها.
1538- وقد ورد في بعض ما روي عنهم من الدعوات:
«اللّهمّ اغفر لي الذنوب الّتي تنزل النقم» ولا ريب أنّ نسيان ذكر الإمام والغفلة عنه علیه السلام نقمة شديدة، تترتّب عليها نقمات الدنيا والآخرة .(2)
الأمر الخامس والستّون : أن يكون بدنك خاشعة له
1539- والدليل على ذلك : ما رواه السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في جمال الأُسبوع بإسناده عن محمّد بن سنان، عن الصادق علیه السلام في دعاء يوم الجمعة، وقد ذكرناه في كتاب أبواب الجنات في آداب الجمعات :
ص: 353
اللّهمّ إنّي أتقرّب إليك بقلب خاضع، وإلى وليّك ببدن خاشع، وإلى الأئمّة الراشدين بفؤاد متواضع ... إلخ .(1)
فقد دلّ على حصول التقرّب إلى اللّه عزّ وجلّ بخشوع البدن لوليّه علیه السلام ، والمراد بالوليّ هنا بقرينة ذكر الأئمّة، وبقرينة التعبير بهذا اللفظ عن مولانا الحجّة علیه السلام في عدة من الدعوات والروايات الشريفة : هو الإمام المنتظر علیه السلام .
وإن قلت : يحتمل أن يكون المراد بالوليّ إمام كلّ زمان، أو المؤمن الكامل، قلنا: وإن كان هذا الإحتمال بعيداً لكن يثبت المقصود علی كلا هذين التقديرين أيضاً، لأنّ المؤمن الكامل الحقيقي منحصر فيه ، كما لا يخفى .
والمراد بخشوع البدن على ما يستفاد من التأمّل في كتب اللغة و موارد الإستعمال، ويستأنس به المتتبّع المتدبّر في الآيات والأخبار : أن تستعمل جوارحك في خدمة مولاك، وإقامة أمره وأنت مسكين متذلّل، تعرف عظمته
واستعلاءه عليك، وترى في نفسك التذلّل له، ووجوب حقّه وإطاعته عليك، على ما هو حال العبد بالنسبة إلى مولاه.
فإنّ العبد العارف بمعنى العبوديّة والمولويّة يعلم أنّ من لوازم عبدیّته استعمال جوارحه في خدمة مولاه وإطاعته وهو في ذلك لا يتصوّر أنّ له منّة أو يداً على مولاه، بل يعلم أنّه لو تهاون في خدمته أو إطاعة أوامره كان مقصّراً، ولو استطال عليه أو استنكف كان عند العقلاء مذموماً مطروداً،
فإذا كان هذا حال العبد الّذي اشتراه أحد من الناس بدراهم معدودة، وكان لذلك المولى عليه هذا المقدار من الحقّ والمولويّة، فكيف حال المولى الّذي جعل اللّه تعالى له المولويّة التامّة؟ وقد أفصح عنه في كتابه العزيز بقوله تعالی : (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(2) وجعل هذا المقام بعد النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم للإمام علیه السلام ومن كان من أهل التتبّع والتدبّر في أخبار فضلهم ومآثرهم لا يرتاب في شيء ممّا
ص: 354
ذكرناه، ولو ذكرناها لطال الكتاب، وفيما ذكرناه عبرة وكفاية لأولي الألباب .
هر كس كه زشهر آشنائی است *** داند كه متاع ما كجائی است
الأمر السادس والستون : أن تؤثر هواه علیه السلام على هواك
بأن تفكّر في كلّ أمر يرد عليك، وتريد الإقدام عليه، هل هو موافق لرضاه ، أو مخالف له ، فإن كان موافقاً لرضاه، أتيت به وأقدمت عليه، لا لهوى نفسك، بل لموافقته لرضاه، وإن كان مخالفاً لرضاه تركته وخالفت هوى نفسك، طلباً لمرضاته سلام اللّه عليه فإذا كنت كذلك كنت محبوباً له، محموداً على لسانه وعلى ألسنة آبائه الأئمّة البررة سلام اللّه عليهم أجمعين .
1540- ويشهد لما ذكرنا ما رواه الفاضل المحدّث النوري (رحمة اللّه علیه) في كتاب نفس الرحمان عن أمالي الشيخ الطوسي (رحمة اللّه علیه) : بإسناده عن منصور بزرج(1) قال :
قلت لأبي عبداللّه الصادق علیه السلام : ما أكثر ما أسمع منك ياسيّدي ذكر سلمان الفارسيّ؟ فقال علیه السلام : لاتقل سلمان الفارسيّ، ولكن قل : سلمان المحمّدي، أتدري ما كثرة ذكري له؟ قلت: لا، قال علیه السلام : لثلاث خصال(2) :
إحداها : إيثاره هوى أمير المؤمنين علیه السلام على هوى نفسه .
والثانية : حبّه للفقراء، واختياره إيّاهم على أهل الثروة والعدد .
والثالثة : حبّ العلم والعلماء ، إنّ سلمان كان عبداً صالحاً حنيفاً مسلماً ، وما كان من المشركين .(3)
أقول: تأمّل في هذه الصفات وما يترتّب عليها من الآثار الحسنة، ومن
ص: 355
جملتها محبّة الأئمة علیهم السلام لصاحبها، ومدحهم وتمجيدهم له، واعمل بهذا الحديث الشريف حتّى تفوز بسعادة الدارين، وفّقنا اللّه وإيّاكم يا إخواني المؤمنين، إنّه قريب مجيب . (يأتي ص 484 رؤيا ما يناسب لهذا الباب)
الأمر السابع والستّون : تعظيم من يتقرّب به، وينتسب إليه
بقرابة جسمانيّه أو روحانيّة، كالسادة العلويّة، والعلماء الدينيّة، والإخوة الإيمانيّة، فإنّ توقيرهم وتبجيلهم تعظیم وتوقیر له سلام اللّه عليه وهذا أمر مشاهد بالوجدان نراه من معاشرة العقلاء وآدابهم، فقد جرى ديدنهم على توقیر أبناء العظماء وإخوانهم ومن يتقرّب بهم وينتسب إليهم، تعظيماً لهؤلاء، وتفاوت مراتب تعظيمهم وتوقيرهم بحسب تفاوت مراتب المنتسبين، ويرون التعظيم والتوقير لهم تعظيماً وتوقيراً لهؤلاء العظماء، ويرون ترك التعظيم والتوقير لهم استخفافاً بشأن هؤلاء وهذا ممّا لايرتاب فيه احد من العقلاء، وقد دلّ ائمّتنا الطاهرين علیهم السلام على هذا الأمر في عدّة أحاديث مرويّة عنهم ، وقد ذكرنا بعضها في الأمر الواحد والثلاثين، والسابع والثلاثين، والثامن والأربعين وغيرها،
هذا مضافاً إلى ما ستسمع في الأمر الثامن والستّين، فإنّه يدلّ على هذا الأمر أيضاً فحوىً أو منطوقاً، فعليك بالرجوع، والتدبّر، والمراقبة على تعظيم المنسوبين إليه من السادات والعلماء والمؤمنين، وتوقيرهم وتبجيلهم على حسب شؤونهم ومراتبهم في العلم والتقوى والورع، وما يوجب الزلفي والتقرّب والتحبّب إلى مولاك صلوات اللّه عليه لكي تفوز بقربه، وتسعد بحبّه، أسال اللّه تعالی أن يوفّقني وجميع المحبّين بمنّه وكرمه.
الأمر الثامن والستّون : تعظيم مواقفه و مشاهده
كمسجد السهلة والمسجد الأعظم بالكوفة، والسرداب المبارك بسامر
ص: 356
ومسجد جمكران، وغيرها، من المواضع الّتي رآه فيها بعض الصالحين، أو ورد في الروايات وقوفه فيها كالمسجد الحرام، وتعظیم سائر ما يختصّ به وينتسب إليه، كأسمائه والقابه ، وكلماته وتوقيعاته، وملابسه، والكتب المذكورة فيها أحواله، وما يتعلّق به ، ونحو ذلك.
والكلام أوّلاً في استحباب ذلك ورجحانه،
وثانياً : في بيان كيفيّة تعظيم تلك المشاهد وما يحصل التعظیم به .
أمّا المقام الأوّل : فنقول - وباللّه التوفيق -: إنّ الّذي يدلّ عليه أو يؤيّده أمور :
منها: قوله عزّ وجلّ: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)(1)
وتقرير ذلك من وجهين :
أحدهما : أنّ المراد بشعائر اللّه تعالى بحسب ما استفدناه من التدبّر في الآيات والروايات وملاحظة معنى الشعار والاشعار، وتتبّع موارد الاستعمال : كلّ شيء له انتساب خاصّ وإضافة خاصّة إلى اللّه عزّ وجلّ، سواء كان بلا
واسطة ام بواسطة، بحيث يعدّ تعظيمه تعظيماً لله، وتوهينه وتحقيره توهیناً وتحقيراً لله عزّ وجلّ، بحسب الشرع والعرف، كأسمائه وكتبه وأنبيائه وملائكته ومساجده وأوليائه وأهل الإيمان به، والأزمنة المخصوصة الّتي أوجب احترامها والبيوت الّتي أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه، ومواقف أوليائه ومشاهدهم ومعابدهم، وأحكام اللّه تعالى من الفرائض، وغيرها، وحدوده، والحجّ ومناسكه، وأعماله، قال اللّه عزّ وجلّ: (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ)(2)
وفي هذه الآية دلالة على عدم انحصار الشعائر في البُدن - كما توهّمه بعض إلى غير ذلك من المصاديق الكثيرة الّتي يتعذّر أو يتحسّر إحصاؤها،
ولا يخفى أنّ مواقف الائمّة ومشاهدهم ومعابدهم وملابسهم وذراريهم من تلك المصادیق، فإنّها منتسبة إلى اللّه تعالی بالواسطة، أو بوسائط عديدة، ألا
ص: 357
ترى أنّ اللّه تعالى قد جعل البدن من شعائر اللّه، مع أنّها تساق إلى البيت الحرام، الّذي نسبه اللّه تعالى إليه، فأيّ فرق بينها وبين مشاهد الأئمّة علیهم السلام ومواقفهم، وذراريهم وما ينتسب إليهم،
فإنّهم حجج اللّه وبيّناته ، وهم أعزّ وأشرف من البيت الحرام.
1541- بل ورد في بعض الروايات : أنّ المؤمن أعزّ من الكعبة المشرّفة .(1)
ووجهه أنّ الإيمان باللّه تعالى أعزّ الأمور وأشرفها، ولهذا قال اللّه تعالی : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) في مقام بيان فضل تعظيم الشعائر ، تنبيهاً على أنّ تقوى القلوب أعظم الأُمور وأشرفها، وأنّها ممّا يستغني عن ذكر فضله وبيان علوّ مقامه وشرف منزلته عند اللّه عزّ وجلّ.
وبيان ذلك: أنّ اللّه تعالى بعد ما بيّن جملة من الأحكام في سورة الحجّ أمر بالتوحيد والإخلاص والتبرّي عن الشرك بقوله : (حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ)(2)
ثمّ نبّه على نتيجة الإشراك وعاقبته بقوله : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)(3).
ثمّ نبه على علامة التوحيد والإيمان بقوله:
(وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) تنبيهاً على أنّ علامة من خلص قلبه من الشرك، وتحلّى بزينة الإيمان واستنار بنور التوحيد، تعظیم شعائر اللّه ، وذلك لأنّ من أحبّ شيئاً أحبّ كلّما يختصّ به وينتسب إليه ، وهذا أمر مشاهد بالوجدان، مؤيّد بالعقل والنقل، فالمؤمن بسبب معرفته باللّه تعالى وحبّه له، يحبّ كلّ شيء يضاف وينتسب إليه تعالی، بخصوصيّة يمتاز بها عمّا سواه، ولهذا يتفاوت مراتب التعظيم والتوقير بتفاوت مراتب إيمان المؤمن وحبّه وإخلاصه لله عزّ وجلّ، وتفاوت مراتب الشيء المنتسب إلى اللّه تعالى في الخصوصيّات والأسباب الّتي أوجبت انتسابه إلى اللّه واختصاصه به .
ص: 358
فتحصّل ممّا ذكرناه أنّ كلّ ما كان له انتساب خاصّ إلى اللّه تعالى أوجب شرفاً له، وكان من جملة شعائر اللّه، وكان تعظيمه تعظیم شعائر اللّه ، سواء كان انتسابه بلا واسطة أو مع الواسطة، ومواقف الإمام و مشاهده من جملتها،
فهي نظير المساجد الّتي تنتسب إلى اللّه تعالى بسبب وضعها لعبادة اللّه عزّوجلّ لكنّ هذا لا يستلزم المشاركة مع المساجد في جميع الأحكام، لأنّ الأحكام الخاصّة التي وردت في الشرع لمكان خاصّ مخصوصة به، لا يتعدّى فيها إلى غيره إلّا بدليل خاصّ، نعم يشتركان في كلّ ما يعدّ في العرف تعظيماً وتوقيراً للمكان، وسيأتي بيان ذلك في المقام الثاني إن شاء اللّه .(1)
ثمّ إنّه لا ينافي ما ذكرناه في بيان معنى الشعائر لماذكره بعض من التفسير بدين اللّه كلّه، وبعض آخر بمعالم دين اللّه، وبعض آخر بالأعلام الّتي نصبها لطاعته ، وبعض بحرمات اللّه ، وبعض بمناسك الحجّ، وما سيأتي في قول أمير المؤمنین علیه السلام: «نحن الشعائر»،
لأنّ الظاهر من ملاحظة الأشباه والنظائر أنّ كلاً منها ذكر لبعض المصادیق أو أظهرها، والكلّ يرجع إلى ما ذكرنا وبيّنّاه بتأييد اللّه وبركة أوليائه .
1542 - الوجه الثاني : أنّه قد روي في مرآة الأنوار، عن أمير المؤمنين مرسلاً أنّه قال : «نحن الشعائر، والأصحاب»(2) ولا يخفى أنّ المراد بقوله : «نحن» إمّا رسول اللّه والأئمّة، أو الأئمّة، فإنّهم أعظم شعائر اللّه وأفضلها، ولا ريب في أنّ تعظيم ما ينتسب إليهم تعظيم لهم وهم شعائر اللّه، فتعظيم ما يختصّ بهم وينتسب إليهم تعظيم لهم وهم شعائر اللّه، وهذا واضح لاسترة فيه ،
فقد ظهر بحمد اللّه رجحان تعظیم وتوقير كلّ ما ينتسب إلى مولانا الحجّة ،وهكذا سائر الأئمّة ويضاف إليهم بإضافة خاصّة، من مواقفهم ومشاهدهم وضرائحهم، وخطوطهم وكتبهم، وملابسهم وأحاديثهم وكلماتهم وذراريهم
ص: 359
وشيعتهم، وغير ذلك، واستحباب ذلك ممّا لا مجال للتأمّل فيه.
تنبیه وتحقيق في معنى قوله علیه السلام : «نحن الشعائر والأصحاب»
إعلم أنّ هذا يحتمل وجوهاً : أحدها : أن يكون إشارة إلى ما ورد في دعاء ليلة النصف من شعبان «أنّهم أصحاب الحشر والنشر».(1)
1543- وروي عنه علیه السلام في حديث محكيّ عن البصائر : أنا الحاشر إلى اللّه ، الخبر(2)، ومرّ في شفاعته في الباب الرابع حديث يدلّ على ذلك أيضاً(3)،
ولا استبعاد فيه لأنّهم محالّ مشيّة اللّه وأنّهم مناة وأذواد، كما ورد في دعاء رجب عن الحجّة علیه السلام(4)، وقد قال اللّه تعالی لعيسى : (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي)(5)
ولا شكّ أنّهم أفضل من عیسی و من إسرافيل وصاحب الصور، وقد صدر منهم إحياء الموتى بإذن اللّه في دار الدنيا كراراً، بحيث بلغ حدّ التواتر،
ولهذا المطلب مؤيّدات لايسع المقام ذكرها، ويحتمل أن يكون المراد بكونهم أصحاب الحشر والنشر في زمان الرجعة، واللّه العالم.
الوجه الثاني : أن يكون المراد بقوله «والأصحاب» أنّهم أصحاب السرّ والنجوی،
1544- ويؤيّده ما ورد في الروايات : أنّ اللّه تعالی ناجي عليّاً يوم الطائف ويوم خيبر ويوم حنين وتبوك ، وهي مذكورة في البرهان وكتب عديدة معتبرة .(6)
1545- ويؤيّده أيضاً: ما روي عنهم في البصائر وغيره: إنّ أمرنا سرّ في سرّ، وسرّ مستسرّ، وسرّ لا يفيد إلّا سرّ، وسرّ على سرّ، وسرّ مقنّع بسرّ.(7)
1546- وفي حديث آخر: إنّ أمرنا هو الحقّ وحقّ الحقّ، وهو الظاهر،
ص: 360
وباطن الظاهر، وباطن الباطن، وهو السرّ، وسرّ السرّ، وسرّ المستسرّ، وسرّ مقنّع بالسرّ(1) وشرح هذا الكلام ممّا لا يتحمّله كثير من الأفهام،
1547- كما روي عنهم علیهم السلام في كثير من الروايات: إنّ حديثنا صعب مستصعب، لايحتمله إلّا ملك مقرّب، أونبيّ مرسل، أو مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان(2) فلهذا رأينا الإجمال أولى، وطوينا عنه كشحاً.
ويؤيّد ماذكرنا أيضاً ما ورد في أبواب علومهم أنّ منها النقر في الآذان، وفيه روايات عديدة معتبرة مذكورة في الكافي والبصائر، وغيرهما .(3)
1548- ومنه ما روي في البصائر في وصف الإمام وبعض شؤونه عن مولانا الباقر علیه السلام يسمع في بطن أُمّه، فإذا وصل إلى الأرض كان على منكبه الأيمن مكتوباً : (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(4)
ثمّ يبعث أيضاً له عموداً من نور تحت بطنان العرش إلى الأرض، يرى فيه اعمال الخلائق كلّها، ثمّ يتشعّب له عموداً آخر من عند اللّه إلى أُذن الإمام، كلّما احتاج إلى مزيد أُفرغ فيه إفراغاً.(5)
1549- الوجه الثالث : أن يكون قوله علیه السلام «والأصحاب» إشارة إلى ما روي عنهم: لنا مع اللّه حالات: هو فيها نحن، ونحن هو، وهو هو، ونحن نحن.
1550- وفي الدعاء المرويّ في الإقبال عن صاحب الامر عجّل اللّه تعالی فرجه بتوسّط الشيخ الكبير أبي جعفر محمّد بن عثمان (رحمة اللّه علیه) لكلّ يوم من شهر رجب:
لا فرق بينك وبينهم إلّا أنّهم عبادك وخلقك، فتقها ورتقها بيدك، بدؤها منك، وعودها إليك . إلخ.(6)
ص: 361
وهذه المرتبة أعلى المراتب ، وهي مرتبة لايمكن للممكن أعلى منها ، وهي مرتبة محمّد والأئمّة الطاهرين ويسمّى بعالم الهاهوت، أي هاهو، وهو عالم الوجه الأعلى من الفؤاد الّذي هو الطرف الأعلى من الحقيقة المحمّدية مع قطع النظر إلى ما تحته، وليس فوق هذا المقام مقام، إلّا عالم الأزل الأصليّ، أي عالم الذات البحت، الباري الّذي لا إسم له ولا رسم، وهو غيب الغيوب، وهو عالم الربوبيّة، وهو في العالم وليس في العالم، ليس في مكان ولا يخلو منه مكان، لا يجري عليه الزمان ، ولا يخلو منه زمان،
وإن شئت توضیح مقام الهاهوت فانظر إلى الحديدة المحماة ، كيف صارت بمصاحبة النار ناراً وليست بنار، فهي هي وليست هي، والنار نار، والحديدة المحماة حديدة ، فقوله : هو فيها نحن، ونحن هو، لظهور جميع آثار الواجب تعالى شأنه منهم وفيهم، وهو الواجب المنزّه عن شبه المخلوقين ، فهو هو، ونحن عبيد مربوبون محتاجون إليه، فنحن نحن .
1551- وممّا ذكرناه ظهر معنی ما روي عنه :
یا سلمان ، نزّلونا عن الربوبيّة وادفعوا عنّا حظوظ البشريّة ، فإنّا عنها مبعدون وعمّا يجوز عليكم منزّهون، ثمّ قولوا فينا ما شئتم (إلخ).(1)
1552۔ وقوله في زيارة أمير المؤمنين علیه السلام : السلام على نفس اللّه تعالی القائمة فيه بالسنن .(2)
1553- وفي زیارة أُخرى له : السلام على نفس اللّه العليا .
1554- وما روي في تأويل (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ)(3)
أنّ المراد بنفس اللّه أمير المؤمنين .
1555- ومنه يظهر معنى قوله علیه السلام في خطبته: «ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليَّ الطير» إلخ .(4)
ص: 362
1556- ومعنی ماروي عنهم : أنّ أحداً لا يقدر أن يصفهم، إلى غير ذلك،
ومن هنا يظهر أنّه لا استبعاد في كون أمير المؤمنین حاشراً إلى اللّه ومقلّب الأحوال كما في زيارته ، ولا تنافي بين كونه حاشراً ومحشوراً ومحشوراً إليه ، ومحاسباً و مجازياً، كما ورد في روايات عديدة في معنى قوله تعالی :
(إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ)(1) فارجع إلى الكافي والبرهان وغيرهما(2) وهذه الوجوه الثلاثة ممّا اختلج بالبال في معنى هذا الكلام الشريف .
والوجه الرابع : ما احتمله صديقنا المسمّى باسم خامس الأئمّة علیهم السلام (3)
وهو أن يكون المراد بقوله علیه السلام: «نحن الشعائر والأصحاب» هم الأئمّة علیهم السلام ويكون معنى قوله : «والأصحاب» إشارة إلى ما روي عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم :
أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتدیتم اهتديتم، يعني أنّ مراده صلی اللّه علیه وآله وسلم بالأصحاب هم الأئمّة الأطياب وشفعاء يوم الحساب، لا كلّ من صاحب النبيّ أيّاماً، واقترف في عمره آثاماً ، كما يزعمه العامّة العمياء، وقد ذكر صديقنا المذكور ورود حديث في تفسير قوله صلی اللّه علیه وآله وسلم : أصحابي كالنجوم بما ذكر، واللّه العالم.
1557- والحديث ما رواه الصدوق في معاني الأخبار : بإسناده عن إسحاق ابن عمّار، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، عن آبائه علیهم السلام ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم :
ما وجدتم في كتاب اللّه عزّ وجلّ فالعمل لكم به لا عذر لكم في تركه ، ومالم يكن في كتاب اللّه عزّ وجلّ وكانت فيه سنّة منّي فلاعذر لكم في ترك سنّتي، وماليس لكم فيه سنّة منّي، فما قال أصحابي فقولوا به، فإنّما مثل أصحابي فيكم كمثل النجوم، بأيّها أُخذ اهتدي، وبأيّ أقاويل أصحابي أخذتم اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة،
ص: 363
فقيل : یا رسول اللّه من أصحابك؟ قال علیه السلام : أهل بيتي .(1)
ولنرجع إلى أصل المطلب فنقول: وممّا يدلّ على ذلك :
1558- ما روي في رجال الكشّي، والبحار ، بإسناد صحيح عن سليمان بن جعفر، قال : قال لي عليّ بن عبیداللّه بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ ابن أبي طالب علیه السلام (2): أشتهي أن أدخل على أبي الحسن الرضا علیه السلام أُسلّم عليه،
قلت: فما يمنعك من ذلك؟ قال: الإجلال والهيبة له، واتّقي عليه،
قال : فاعتلّ أبو الحسن علیه السلام علّة خفيفة، وقد عاده الناس فلقيت عليّ بن عبيداللّه، فقلت: قد جاءك ما تريد، قد اعتلّ أبو الحسن علیه السلام علّة خفيفة، وقد عاده الناس، فإن أردت الدخول عليه فاليوم،
قال : فجاء إلى أبي الحسن علیه السلام عائداً، فلقيه أبو الحسن بكلّ ما يحبّ من التكرمة والتعظيم، ففرح بذلك عليّ بن عبیداللّه فرحاً شديداً.
ثمّ مرض عليّ بن عبیداللّه فعاده أبو الحسن علیه السلام وأنا معه، فجلس حتّى خرج من كان في البيت، فلمّا خرجنا أخبرتني مولاة لنا، أنّ أمّ سلمة إمرأة عليّ ابن عبيداللّه كانت من وراء الستر تنظر إليه، فلمّا خرج علیه السلام خرجت، وانكبّت على الموضع الّذي كان أبو الحسن علیه السلام فيه جالساً، تقبّله وتتمسّح به،
قال سليمان : ثمّ دخلت على عليّ بن عبیداللّه فأخبرني بما فعلت أُمّ سلمة ، فخبّرت به أبا الحسن علیه السلام ، قال : يا سليمان، إنّ عليّ بن عبيداللّه وامرأته وولده من أهل الجنّة، يا سليمان، إنّ ولد عليّ وفاطمة علیهماالسلام إذا عرّفهم اللّه هذا الأمر لم يكونوا كالناس.(3)
أقول: الدليل على المطلوب تقريره علیه السلام لفعلها، ثمّ التمجيد والمدح
ص: 364
لذلك بقوله : «إنّها من أهل الجنة»، وبقوله إنّ ولد عليّ وفاطمة (إلخ) يعني أنّ تقبيلها موضع جلوسه علیه السلام والتمسّح به من جهة معرفتها بحقّ الإمام وشانه بخلاف أكثر الناس.
ومنها : قوله عزّ وجلّ: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)(1) بضميمة ما ورد في تفسيره وتبيين المراد منه،
1559- ففي غاية المرام والبرهان وغيرهما من كتب الأعيان بأسانيدهم المعتبرة من طرق العامّة والخاصّة : أنّ رسول اللّه قرأ (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) الآية ، فقام إليه رجل، فقال : أيّ بيوت هذه یا رسول اللّه؟
قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : بيوت الأنبياء، فقام إليه أبو بكر، فقال : يا رسول اللّه، هذا البيت منها؟ وأشار إلى بيت عليّ وفاطمة علیهماالسلام ؟ قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : نعم، من أفضلها.(2)
1560- وعن عيسى بن داود ، عن موسی بن جعفر، عن أبيه علیهم السلام في قوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) الآية.
قال : بيوت آل محمّد، بيت عليّ وفاطمة والحسن والحسين وحمزة وجعفر صلوات اللّه عليهم أجمعين (إلخ).(3)
وفي هذا المعنی روایات عديدة تركناها اختصاراً.
وتقريب الإستدلال أنّ الأذن في هذا المقام، إمّا بمعنى الأمر كقوله تعالی : (وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ)(4) أو بمعنى الإرادة كقوله تعالى : (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي)(5)
وعلى كلا التقديرين ينتج أنّ بيوت آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم بيوت يحبّ اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، ولو فرض كون الإذن بمعنى الإرادة التشريعيّة بقرينة قوله تعالی :
ص: 365
(وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) ولا يجوز أن يكون الإذن هنا بمعنى الرخصة،
إذ لا ريب في رجحان ذكر اللّه واستحبابه، وإذا كان الإذن بمعنى الرخصة كان منافياً لذلك فتعيّن أن يكون الإذن بمعنى الأمر، فحاصل المعنى : «في بيوتٍ أمر اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه» لا شتراك المعطوف عليه في الحكم، ومعنی الرفع التعظيم والإحترام ، لا الرفع الحسيّ كما لا يخفى،
ولافرق في صدق البيوت بين ما يسكنه الشخص في بعض الأوقات و ما يسكنه في جميع الأوقات، بحسب الصدق العرفيّ، فكلّ ما يصدق عليه أنّه من بيوت آل محمّد علیهم السلام دخل في رجحان التعظيم والإحترام، نعم كلّ ما كان وقوفهم فيه واختصاصهم به أكثر وأتمّ، كان تعظيمه واحترامه أحسن وأهمّ.
وممّا يعضد ما ذكرناه واقعة شريفة نذكرها في المقام الثاني إن شاء اللّه تعالی وإن نازع مكابر غیر منصف، وجادل فقال : لا نسلّم صدق البيت على كلّ ما كان موقفاً للشخص في بعض الأحيان.
قلنا : أوّلاً : إنّ صدق ماقلناه مشاهد بالعيان .
وثانياً : لو لم تقبل ذلك حكمنا بتساويهما في ذلك بالفحوى، لأنّ الّذي صار سبباً لاحترام البيوت الّتي سكنها آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم ، إنتساب تلك البيوت إليهم لوقوفهم فيها، وهذا موجود في كلّ مقام كان انتسابه بوقوفهم فيه كما لا يخفى .
ومنها : قوله عزّ وجلّ : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى)(1)
فإنّ التوصيف بالمقدّس مشعر برجحان التعظيم والإحترام في كلّ مكان مقدّس، وقد اشتهر أنّ التقييد بالوصف مشعر بالعليّة ، كما لا يخفى .
ومنها : ما دلّ على حسن تعظيم الإمام، ورجحان ماتيسّر له من التبجيل والإحترام، فإنّ من مصادیق تعظيمه وتكریمه تكریم ما ينتسب إليه، بسبب انتسابه إليه، وهذا أمر واضح لا غبار عليه، وهذا الوجه إنّما يدلّ على تعظیم
ص: 366
مقاماته، وما ينتسب إليه بعنوان أنّه تعظيم الإمام وتكریمه، وتعظيمها بعنوان تعظیم شعائر اللّه عنوان آخر كما لا يخفى ، فلا اتّحاد ولا تكرار في ما بيّنّاه .
1561- ومنها : ما في كتب المزار كمصباح السيّد والبحار في آداب ورود مسجد الكوفة : فإذا أتيته فقف على الباب المعروف بباب الفيل، وقل :
السلام على سيّدنا رسول اللّه محمّد بن عبداللّه وآله الطاهرين، السلام على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ورحمة اللّه وبركاته، وعلى مجالسه و مشاهده ، ومقام حكمته ، وآثار آبائه آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل، إلخ.(1)
وجه الإستشهاد: أنّ السلام على مشاهده ومواقفه يدلّ على أنّ كلّ مكان كان مشهداً و موقفاً لهعلیه السلام يحصل له بذلك شرف ومزيّة يوجب التعظيم والإحترام، ولذلك يختصّ بالتحيّة والسلام.
وإذا ثبت ذلك لمواقف مولانا أمير المؤمنين علیه السلام و مشاهده ومجالسه، ثبت لمواقف مولانا الحجّة وسائر الائمّة البررة عليهم الصلاة والسلام، لاشتراكهم في تلك الفضائل وأمثالها، الّتي اختصهم اللّه عزّ وجلّ بها من بين خلقه كما لا يخفی.
ومن هنا يمكن أن يقال برجحان السلام والتحيّة لكلّ موقف ومشهد من مواقف الأئمّة ومشاهدهم، وإن لم يرد في كلّ واحد منها نصّ خاصّ، نظراً إلى ما ثبت من رجحان تعظیم مشاهدهم و مجالسهم، ودلالة ما نقلناه من التحيّة والسلام على مواقف أمير المؤمنين علیه السلام ومجالسه، على كون ذلك من أقسام التعظيم والإحترام، كما لا يخفى على ذوي الأفهام.
ومنها: ما دلّ على استحباب إظهار المحبّة لمن يحبّه المؤمن من أهل الإيمان، وكذا مادلّ على فضيلة التوادد والتحابب فإنّه غير المحبّة، لأنّ الحبّ
ص: 367
والودّ أمر قلبيّ، وهو حقيقة الإيمان، والتوادد والتحابب إظهار الحبّ القلبي بوسيلة الأعمال، وهذا علامة الحبّ القلبيّ ومن ثمراته .
وإلى هذا ينظر ما ورد من الأمر بحبّ الأئمة علیهم السلام باليد واللسان، فإنّ معنی الحبّ باليد واللسان إظهار الحبّ القلبيّ بهما وبسائر الجوارح والاعمال والأموال وتخصيص اليد واللسان بالذكر، بملاحظة أنّ مايظهر من آثار الحبّ
كلاً اوجلاً، عملاً أو مالاً، إنّما يظهر بهما دون سائر الأعضاء، فباليد واللسان يبذل الأموال، ويوجد الأعمال، وينصر الإخوان، ويدفع عنهم أهل البغي والعدوان، وقس هكذا.
ومن جملة أقسام التوادد وإظهار المحبّة تعظيم ما ينتسب إلى المحبوب من مجالسه ومواقفه وألبسته وكتابته، وما يختصّ به وينتسب إليه، كما نرى من ملاحظة أحوال المحبّين وأعمالهم بالنسبة إلى حبيبهم كما قيل:
أمرّ على الديار دیار ليلى *** أُقبّل ذا الجدار وذا الجدارا
فما حبّ الدیار شغفن قلبي *** ولكن حبّ من سكن الديارا
ومنها قوله عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ)(1) إلخ، فإنّ ذلك تعظیم واحترام له صلی اللّه علیه وآله وسلم ولبيوته المنتسبة إليه، ومواقف الأئمّة ومشاهدهم ملحقة ببيوت النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم موضوعاً أو حكماً، وتقرير الاستدلال كما مرّ في الإستدلال بقوله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ) الآية .(2)
1562- ومنها: ما في مزار البحار وغيره عن الأزدي، قال :
خرجنا من المدينة نريد منزل أبي عبداللّه علیه السلام ، فلحقنا أبو بصير خارجاً من زقاق من أزقّة المدينة، وهو جنب، ونحن لا علم لنا حتّى دخلنا على أبي عبداللّه، فسلّمنا عليه، فرفع رأسه إلى أبي بصير، فقال : يا أبا بصير، أما تعلم أنّه لا ينبغي للجنب أن يدخل بيوت الأنبياء ، فرجع أبو بصير، ودخلنا .(3)
ص: 368
أقول: وقد ورد في هذا المعنی روایات أخر أيضاً، وتخصيص المنع بصورة حضور الإمام في ذاك المكان ممنوع، لأنّ المورد لا يكون مخصّصاً، بل هو من افراد العامّ، مضافاً إلى أنّ عموم العامّ افراديّ، وصورة حضور الإمام حال من الأحوال، فلا يجوز تنزيل العامّ على تلك الحال فقط، ودعوی انصراف العامّ إلى حال حضور الإمام لو ادّعاه مدّع ممنوعة بالدليل، فتدبّر .
1563- ومنها : ما في البحار وغيره: عن عدّة من أصحابنا قال :
لمّا قبض أبو جعفر علیه السلام أمر أبو عبداللّه علیه السلام بالسراج في البيت الّذي كان يسكنه، حتّى قبض أبو عبداللّه علیه السلام ، ثمّ أمر أبو الحسن علیه السلام بمثل ذلك في بيت أبي عبداللّه علیه السلام حتّى خرج به إلى العراق ثمّ لا أدري ما كان .(1)
أقول: دلّ هذا الحديث على استحباب تعظيم مواقف الائمّة ومساكنهم، وعلى أن الإسراج فيها من أقسام التعظيم والإحترام، فبهذا يمكن أن يستدلّ لاستحباب الإسراج في كلّ مكان يكون تعظيمه مصداقاً لتعظيم شعائر اللّه بلا واسطة، أو مع الواسطة، وإن لم يكن في ذلك المكان من ينتفع بالسراج، لأنّ الإحترام لمن ينتسب إليه المكان، وتعظيمه يحصل بالإسراج في المكان المنسوب إليه عرفاً، وإن لم يكن فيه من ينتفع به، أو كان فيه سُرج متعدّدة بحيث لا يحتاج إلى الإسراج، لأنّ التعظيم والإحترام في نفسه غرض صحيح مرغوب إليه، والإنتفاع غرض آخر، فإذا اجتمع الغرضان ضوعف الأجر والثواب .
ومن هنا يتّجه القول باستحباب إيقاد السرج الكثيرة في المواضع الشريفة ، كالمساجد والمنابر، ومجالس تعزية الأئمّة، والمشاهد والمعابد، ومقابر العلماء والصالحين وأولاد الأئمّة الراشدين، وفي الأزمنة المنتسبة إليهم، كلیالي ولادتهم، وهذا أصل شريف يتفرّع عليه فروع كثيرة، وقد خفي على جمع ممّن يدّعي العلم والبصيرة.
ص: 369
ومنها : فحوى ما دلّ على فضيلة الأرض الّتي دفن فيها الإمام وتجليلها، إذ لا ريب في أنّ تلك الفضيلة إنّما هي بواسطة كون الأرض موقفاً ومقرّاً لجسده الشريف بعد موته، وهذا السبب جار في كلّ مكان كان موقفاً، له في زمان حياته كما لايخفی.
ومنه فحوى ما دلّ على فضل ليلة ولادته عجّل اللّه تعالی فرجه، وما ورد في تعظيمها وتشريفها، لوضوح أنّ ذلك بسبب انتسابها إليه، لوقوع ولادته فيها، وهذا السبب أعني الإنتساب إليه موجود في مواقفه و مشاهده وسائر ما ينتسب إليه
وممّا يؤيّد جميع ما ذكرناه ويؤكّده أنّه لا ريب في تساوي جميع الامكنة والأراضي بحسب الخلقة الأصليّة، ولا فضل لبعضها على بعض، إلّا بسبب عروض شيء أوجب شرفه وفضله على غيره ، ولا شبهة في أنّ من أعظم الأسباب الموجبة لذلك أن يكون موقفاً لأحد من الأئمّة أو مدفناً له، ولا ريب أيضاً في أن لأبدانهم الشريفة آثاراً في كلّ ما له قابلية لظهور الآثار فيه.
ولهذا لم تؤثر النار في منديل مسح رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم يده به إجلالاً له صلی اللّه علیه وآله وسلم ولا خفاء أيضاً في أنّ من تبرّك بذلك المنديل لانتسابه إليه صلی اللّه علیه وآله وسلم عدّ فعله في انظار المؤمنين تعظيماً لرسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وإن استشفى بالتمسّح به من بعض الأوجاع كان شفاءً له ألبتّة، كما أنّ من أساء الأدب إليه عدّ مسيئاً لرسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم
وهذا جار في كلّ شيء ينتسب إليه، أو إلى أحد من الأئمّة الطاهرين.
ومن المؤيّدات والمقرّبات للمطلب أيضاً، ما ظهر في بعض الأراضي من تأثير أيديهم علیهم السلام بحيث صار ذهباً أو فضّة، وفي بعض المياه بحيث انقلب یاقوتاً وزبرجداً، وأمثال ذلك كثيرة مذكورة في حالاتهم ومعجزاتهم،
وقد ورد اهتزاز الأرض بسبب أقدام الرمكة(1) الّتي ركبها جبرئيل علیه السلام يوم غرق فرعون، ولذلك قال السامري :
ص: 370
(بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا) الآية .(1)
وفيما ذكرناه كفاية لاهل الدراية، واللّه تعالى وليّ التوفيق والهداية .
المقام الثاني : في بيان كيفيّة تعظيم تلك المواقف، والمشاهد، والإشارة إلى ما يحصل التعظيم به ، فنقول: الضابطة في ذلك، أنّ ما صدق عليه تعظيم تلك المواقف والمشاهد ودخل تحت عنوان التجليل والتوقير والتكريم لصاحبها، كان راجحاً محبوباً شرعاً، بالأدلّة الّتي ذكرناها وبيّنّاها في المقام الأوّل، سواء علمنا كون ذلك الأمر مصداقاً للتعظيم بحسب الشرع أم العرف.
فالأوّل: كالصلاة والذكر والدعاء ، فإنّ الآيات والأخبار الدالّة على استحباب صلاة التحتيّة، والذكر في المساجد يفهم منها حصول تعظيم المسجد بها وبأمثالها فتدلّ على استحبابها (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)(2).
والثاني : كتزيينها وتقبيلها، والدخول فيها حافياً ونحوها، وظهر بما ذكرنا أنّه لو نذر شخص واحداً ممّا يصدق عليه تعظيم تلك المشاهد والمواقف، صحّ نذره، لثبوت رجحانه بما بيّنّاه لك، وحرم مخالفته، ووجب عليه الكفّارة إن تخلّف عنه، فلا مجال للتأمّل في انعقاد نذر الإسراج في مواقفهم، والمجالس المنتسبة إليهم وعند المنابر الّتي يذكر عليها مناقبهم ومصائبهم، ونحو ذلك ، كما صدر عن بعض الموسوسين أو القاصرين عن درجات التحصيل واللّه تعالی يقول الحقّ ، وهو يهدي السبيل ، إذا عرفت ذلك،
فلنذكر بعض أفراد التعظيم والتجليل، تذكرة لنفسي ولإخواني المؤمنين :
فمنها : عمارتها والبناء عليها، وتزيينها وتقبيلها، وبسط الفرش والإسراج فيها، وتعاهدها، والإختلاف إليها، والدخول فيها حافياً متطهّراً متطيّباً، مقدّماً للرجل اليمني بسكينة ووقار، والإشتغال بذكر اللّه تعالى وقراءة القرآن والدعاء والصلاة فيها، والسلام عليه وعلى آبائه وعلى مواقفه، والإحتراز عن تنجيسها،
ص: 371
وتطهيرها لو تنجّست، وكنسها، وأن لا يدخلها جنباً، ولا يدخل فيها نجساً ولا متنجّساً، ولا يبصق، ولا يتنخّع فيها، ولا يشتغل بأُمور الدنيا، ولا يتكلّم بها، ولا تدخلها المرأة حائضاً ولا نفساء، وأن لا يكشف فيه العورة، ولا يدخلها إذا كان في فيه رائحة بصل أو ثوم ونحوهما، ولا ينشد فيها الشعر، وأن يجتنب فيها المحرّمات والمكروهات، ويجتنب المزاح والضحك والعبث والجدال والمراء ورفع الصوت ونحوها، ممّا ينافي التعظيم والتوقير .
هذا ما حضرني من الأمور الّتي يحصل بها تعظيم تلك المواقف والمشاهد بحسب التأمّل والتدبّر في الأُمور العرفيّة، والآداب الواردة لتعظيم المساجد وغيرها، ولأنّها إنّما وردت بسبب كونها تعظيماً وتكريماً كما نبّهنا عليه، ولعلّك بالتأمّل والتتبّع تطّلع على أزيد ممّا ذكرناه وأشرنا إليه، وهاهنا فروع:
الأوّل: الظاهر نظراً إلى رواية أبي بصير السابقة كراهة الدخول والمكث في مواقفهم ومشاهدهم جنباً، وذهب بعض الفقهاء إلى الحرمة، تمسّكاً بروایات لا دلالة لها على مطلوبهم، وإلحاقاً بالمساجد، وهو قياس لا نقول به، وتعظيماً لها
وفيه تفصيل سنذكره في الفرع الآتي.
الثاني: لو فعل ماينافي التعظيم، فإن كان الفعل بمجرّده ممّا يحصل به الهتك كإدخال العذرة مثلاً فيها، كان حراماً بلا شبهة، وأمّا إن لم يكن كذلك فإن فعله بقصد التهتّك والإهانة كان حراماً أيضاً، وإلّا فلا.
الثالث : لو رأی من يفعل فيها ما ينافي التعظيم، فإن كان من القسم الأوّل أو الثاني وجب نهيه وردعه، وإن كان من القسم الثالث استحبّ نهيه.
الرابع : من سبق إلى مكان من تلك المواقف لاستيفاء المنفعة المقصودة المعدّة لها تلك المواقف والمشاهد كان أولی من غيره، وثبت له حقّ الأولويّة طول يومه أو ليلته ما لم يعرض عنه، سواء ارتحل عنه لحاجة ام لا وسواء بقي له رحل في ذلك الموضع أم لا، وسواء طال غيبته عنه أم لا.
ص: 372
1564- والدليل على ذلك صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزیع، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال :
قلت له : نكون بمكّة او بالمدينة ، أو بالحيرة، أو بالمواضع الّتي يرجى فيها الفضل، فربّما يخرج الرجل يتوضّأ ويجيء آخر فيصير مكانه،
قال علیه السلام : من سبق إلى موضع فهو أحقّ به يومه وليلته .(1)
أقول: هذا الحديث وإن كان مرسلاً لكنّه مجبور بعمل الأصحاب (رحمة اللّه علیه) واعتمادهم عليه، وتایّده بالحديثين الآتيين،
مضافاً إلى كون المرسل من الأجلّاء والتعبير عن المرسل عنه ببعض أصحابه ، إذ فيه إشعار تامّ بالوثاقة ولا كذلك التعبير برجل ونحوه.
تنبيه :
1565- إحتمل بعض الأصحاب أن يكون الواو في الحديث المذكور بمعنی أو نظراً إلى رواية طلحة بن زيد، عن الصادق علیه السلام ، قال :
قال أمير المؤمنين علیه السلام : سوق المسلمین كمسجدهم، فمن سبق إلى مكان فهو أحقّ به إلى الليل .(2)
1566- وما روي مرسلاً عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم :
إذا قام أحدكم من مجلسه في المسجد فهو أحقّ به إلى الليل .(3)
أقول: لا حاجة إلى جعل الواو بمعنى أو، بل الواو لبيان اشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم، كما هو الأصل في ذلك، وهذا ما يعبّر عنه الأُصوليّون بقولهم: الواو لمطلق الجمع، وفي هذا الحديث إن جعلنا مرجع الضمير السبق كان واضحاً، يعني من سبق إلى موضع فهو أحقّ به يوم السبق، وكذلك إن جعلنا المرجع الشخص، فالمعنى أنّ من سبق إلى موضع فهو أحقّ به
ص: 373
في اليوم الّذي سبق فيه إن كان السبق في اليوم، وفي الليلة الّتي سبق فيها إن كان ليلاً، فتدبّر حتّى يتّضح لك ما ذكرناه ،
وعلى ما ذكرناه لا تنافي بينه وبين الخبرين الآخرين، كما زعمه بعض فأوجب التكلّف للجمع بينهما ببعض الوجوه، واعلم أنّ كلمات القوم في هذه المسألة مختلفة، وأنا أُصنّف فيها تصنيفاً مفرداً إن شاء اللّه تعالی .
تذنيب:
1567- حكی العالم المحدّث النوري في جنّة المأوى، عن كتاب ریاض العلماء : أنّه رأيت في بعض المواضع نقلاً عن خطّ الشيخ زين الدين عليّ بن الحسن بن محمّد الخازن الحائري (رحمة اللّه علیه) تلميذ الشهيد (رحمة اللّه علیه) أنّه قد رأي ابن أبي جواد النعماني مولانا المهديّ علیه السلام، فقال له:
یا مولاي لك مقام بالنعمانيّة ومقام بالحلّة فأين تكون فيهما؟ فقال علیه السلام له:
أكون بالنعمانيّة ليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء ويوم الجمعة وليلة الجمعة أكون بالحلّة، ولكن أهل الحلّة ما يتأدّبون في مقامي،
وما من رجل دخل مقامي بالأدب يتأدّب ويسلّم عليَّ وعلى الأئمّة علیهم السلام وصلّى عليَّ وعليهم اثني عشر مرّة،
ثمّ صلّى ركعتين بسورتین وناجي اللّه بهما المناجاة، إلّا أعطاه اللّه تعالی ما يسأله، أحدها المغفرة.
فقلت : يا مولاي علّمني ذلك ، فقال علیه السلام : قل:
اللّهمّ قد أخذ التأديب منّي حتّى مسّني الضرّ وأنت أرحم الراحمين، وإن كان ما اقترفته من الذنوب أستحقّ به أضعاف ما أدّبتني به، وأنت حلیم، ذو أناة ، تعفو عن كثير ، حتّى يسبق عفوك ورحمتك عذابك،
وكرّرها علىَّ ثلاثاً حتّى فهمتها .(1)
ص: 374
الأمر التاسع والستون والمتمّم للسبعين : ترك التوقيت وتكذيب الموقّتين
إعلم وفّقك اللّه وإيّانا أنّ الحكمة الإلهيّة اقتضت إخفاء وقت ظهور صاحب الأمر عن عباده، قبل ظهوره، لأُمور خفيت علينا، ويستفاد من أخبار الأئمّة الأطهار علیهم السلام بعضها - وسنشير إليه إن شاء اللّه تعالى - لأنّ العلم بذلك من أسرار اللّه الّتي سترها عن خلقه، كما ورد في الدعاء المرويّ عنه على يد الشيخ العمري (رحمة اللّه علیه) : وأنت العالم غير معلّم بالوقت الّذي فيه صلاح أمر وليّك في الإذن له بإظهار أمره، وكشف ستره، فصبّرني على ذلك حتّى لا أُحبّ تعجيل ما أخّرت ولا تأخير ما عجّلت، ولا أكشف عمّا سترت ولا أبحث عمّا كتمت، ولا أُنازعك في تدبيرك ... إلى آخر الدعاء ،(1) وقد ذكرناه في الباب السابع.
1568- وفي كتاب الحسين بن حمدان : بإسناده عن المفضّل قال : سألت سيّدي أبا عبداللّه علیه السلام: هل للمأمول المنتظر المهديّ علیه السلام ، من وقت موقّت تعلّمه الناس؟ فقال علیه السلام : حاش اللّه أن يوقّت له وقتاً، [أو يوقّت له شیعتنا]
قال: قلت: يا مولاي ولم ذلك؟
قال : أنّه هو الساعة الّتي قال اللّه تعالی :
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)(2)
وقوله : (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ)(3) ولم يقل عند أحد دونه. وقوله : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ)(4)
وقوله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)(5) وقوله : (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ
ص: 375
قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ)(1)
قلت : يا مولاي! ما معنى يمارون في الساعة؟
قال : يقولون متى ولد، ومن رآه، واین هو، وأين يكون، ومتى يظهر؟ كلّ ذلك استعجالاً لأمر اللّه، وشكّاً في قضائه وقدرته، وأُولئك الّذين خسروا أنفسهم في الدنيا والآخرة، وإنّ للكافرين لشرّ مآب.
قال المفضّل: قلت: يا مولاي، فلا يوقّت له وقتاً؟
قال : يا مفضّل، لا توقّت فإنّ من وقّت لمهديّنا وقتاً فقد شارك اللّه في علمه وادّعى أنّه أظهره [اللّه تعالى] على سرّه ، إنتهى موضع الحاجة والحديث طويل .(2)
1569- وفي النعماني : بإسناده عن محمّد بن مسلم، قال :
قال أبو عبداللّه علیه السلام : يا محمّد من أخبرك عنّا توقيتاً بوقت فلاتهابنّ أن تكذّبه، فإنّا لا نوقّت لاحد وقتاً.(3)
1570- وعن أبي بكر الحضرمي قال : سمعت أبا عبد اللّه علیه السلام يقول:
إنّا لا نوقّت هذا الأمر.(4)
1571- وعن أبي بصير، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال : قلت له : جعلت فداك ، متى خروج القائم علیه السلام ؟ فقال علیه السلام:
يا أبا محمّد، إنّا أهل بيت لا نوقّت، وقد قال محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم : كذب الوقّاتون،
يا أبا محمّد، إنّ قدّام هذا الأمر خمس علامات :
أُولاهنّ النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراسانيّ، وقتل النفس الزكيّة، وخسف بالبيداء .
ثمّ قال: يا أبا محمّد، إنّه لا بدّ أن يكون قدّام ذلك الطاعونان : الطاعون
ص: 376
الأبيض، والطاعون الأحمر، قلت: جعلت فداك وأيّ شيءٍ هما؟
فقال علیه السلام : أمّا الطاعون الأبيض فالموت الجارف(1) وأمّا الطاعون الأحمر فالسيف، ولا يخرج القائم علیه السلام حتّى ينادي باسمه من جوف السماء، في ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان ليلة جمعة،
قلت: بم بنادی؟ قال : باسمه واسم أبيه، «ألا إنّ فلان بن فلان قائم آل محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم فاسمعوا له وأطيعوه»، فلا يبقى شيء من خلق اللّه فيه الروح إلّا سمع الصيحة، فتوقظ النائم ويخرج إلى صحن داره، وتخرج العذراء من خدرها، ويخرج القائم ممّا يسمع، وهي صيحة جبرئیل علیه السلام .(2)
1572- وفي الكافي، والنعماني : بإسنادهما أنّ مهزم قال للصادق علیه السلام :
جعلت فداك أخبرني عن هذا الأمر الّذي ننتظره متى هو؟
فقال : يا مهزم، كذب الوقّاتون وهلك المستعجلون، ونجا المسلّمون .(3)
1573- وبإسنادهما عن أبي بصير، قال : سالته - يعني أبا عبداللّه - عن القائم علیه السلام ، فقال : كذب الوقّاتون، إنّا أهل بيت لا نوقّت.
1574- وزاد النعماني (رحمة اللّه علیه) في آخره:
ابى اللّه إلّا أن يخلف وقت الموقّتين .(4)
1575- وعن الفضيل بن يسار ، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال :
قلت له : لهذا الأمر وقت؟ فقال : كذب الوقّانون ، كذب الوقّاتون .(5)
ص: 377
1576- وفي الكافي : عن أحمد، بإسناده قال : قال :
أبي اللّه إلّا أن يخالف وقت الموقّتين. (1)
1577- وفيه : بإسناده عن أبي بصير ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :
سألته عن القائم علیه السلام ، فقال : كذب الوقّاتون، إنّا أهل بيت لا نوقّت. (2)
1578- وفي غيبة الشيخ الطوسي: بإسناده عن الفضل بن شاذان، بإسناده عن الفضيل، قال : سألت أبا جعفر علیه السلام هل لهذا الأمر وقت؟
فقال : كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون.(2)
1579- وبإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :
كذب الموقّتون، ما وقّتنا فيما مضى، ولا نوقّت فيما يستقبل .(3)
1580- وبإسناده عن عبدالرحمان بن كثير قال :
كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام إذ دخل عليه مهزم الأسديّ، فقال : أخبرني جعلت فداك ، متى هذا الأمر الّذي تنتظرونه فقد طال؟
فقال علیه السلام : يامهزم، كذب الوقّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلّمون، وإلينا يصيرون.(4)
1581- وبإسناده الصحيح عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :
من وقّت لك من الناس شيئاً فلا تهابن أن تكذّبه ، فلسنا نوقّت لأحد وقتاً.(5)
1582- وفي الإحتجاج للشيخ الطبرسي (رحمة اللّه علیه): عن محمّد بن يعقوب الكلينيّ، عن إسحاق بن يعقوب، قال : سألت محمّد بن عثمان العمريّ (رحمة اللّه علیه) أن يوصل لي كتاباً، قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ،
فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان علیه السلام - إلى أن قال:۔
ص: 378
وأمّا ظهور الفرج، فإنّه إلى اللّه عزّ وجلّ، وكذب الوقّاتون ... إلخ.(1)
1583- ورواه الشيخ الطوسيّ (رحمة اللّه علیه): عن جماعة من مشايخه، عن جعفر بن محمّد بن قولویه، وأبي غالب الزراري، وغيرهما، عن محمّد بن يعقوب الكليني (رحمة اللّه علیه)، عن إسحاق بن يعقوب، (مثله).(2)
أقول: إسحاق بن يعقوب لم أر توثيقه فيما عندي من كتب الرجال، لكن يكفي في وثاقته وجلالته رواية الكليني عنه معتمداً عليه،
مضافاً إلى قرائن أُخر كما لا يخفى على الفطن البصير ، فتدبّر .
تبيين : قد ظهر من جميع ما تلوناه عليك أنّ من الوظائف المهمّة ترك التوقيت، وتكذيب من وقّت ظهور حجّة الزمان كائناً من كان،
وينبغي التنبيه على أُمور:
1584- أحدها: أنّه قد يتوهّم التنافي بين ما ذكر ومارواه المشايخ الثلاثة (رحمة اللّه علیه) بأسانيدهم عن أبي حمزة الثماليّ، قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام :
إنّ عليّاً علیه السلام كان يقول : إلى السبعين بلاء، وكان يقول : بعد البلاء رخاء ، وقد مضت السبعون ولم نر رخاء، فقال أبو جعفر علیه السلام :
یا ثابت، إنّ اللّه تعالی كان وقّت هذا الأمر في السبعين ، فلمّا قتل الحسين علیه السلام اشتدّ غضب اللّه على أهل الأرض فأخّره إلى أربعين ومائة سنة، فحدّثناكم فأذعتم الحديث، وكشفتم قناع السرّ فأخّره اللّه ولم يجعل له بعد ذلك وقتاً عندنا (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)(3)
قال أبو حمزة : وقلت ذلك لأبي عبداللّه علیه السلام ، فقال : قد كان ذاك .(4)
ص: 379
1585- وروى الشيخ: بإسناده عن الفضل بن شاذان، بإسناده عن أبي بصير ، قال : قلت له : ألهذا الأمر أمد يريح أبداننا، وننتهي إليه؟ قال : بلی، ولكنّكم أذعتم فزاد اللّه فيه .(1)
1586- وبإسناده عن الصادق علیه السلام قال:
كان هذا الأمر فيَّ فاخّره اللّه تعالى، ويفعل بعد في ذرّيّتي ما يشاء .(2)
1587- وروى النعماني : بإسناده عن إسحاق بن عمّار الصيرفيّ قال :
سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: قد كان لهذا الأمر وقت، وكان في سنة أربعين ومائة فحدّثتهم به، وأذعتموه، فأخّره اللّه عزّوجلّ .(3)
1588- وفيه: في حديث آخر، عنه قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام:
يا أبا إسحاق، إنّ هذا الأمر قد أُخّر مرّتين .(4)
بقول مصنّف هذا الكتاب ، المعتصم بحبل اللّه المتين ولاية الأئمّة الطاهرين محمّد تقي الموسوي الإصفهانيّ عفي عنه :
لا تنافي بين هذه الأحاديث وما سبق، إذ لا صراحة ولا ظهور في هذه الأحاديث يكون المراد بهذا الأمر ظهور الإمام الثاني عشر عجّل اللّه تعالی فرجه بل لا يمكن أن يكون المراد به ظهوره علیه السلام ، لأنّ السبعين واربعين ومائة كانتا قبل ولادته وهكذا الحديث الثالث نصّ على ما ذكرناه .
فالمراد به استيلاء الأئمّة و وظهور دولة الحقّ، وغلبة المؤمنین علی المخالفين، وهذا غير مقيّد بظهوره علیه السلام بحسب هذه الروايات،
وليست منافية لترتيب الإمامة وكون عددهم إثني عشر.
والظاهر من هذه الأحاديث : أنّ ظهور دولة الحقّ وغلبة الأئمّة وشيعتهم،
ص: 380
واستيلاءهم على أهل الباطل، وبسطهم العدل في الدنيا، كانت مقدّرة في السبعين بشرط اتّفاق الناس على نصرة الحسين علیه السلام فإنّ ذلك كان تكليفاً على عامّتهم، كما ورد في احادیث سنذكر بعضها إن شاء اللّه تعالى،
فلمّا فسقوا عن أمر ربّهم، وقعدوا عن نصرة وليّهم، اشتدّ غضب اللّه تعالی عليهم، فأخّر نجاتهم واستخلاصهم من أيدي أعدائهم، وبسط العدل فيهم، إلى أربعين ومائة سنة، وهذا يوافق زمن الصادق علیه السلام كما صرّح به في الرواية الثالثة .
فلمّا خالف الشيعة أمر الأئمّة في كتمان أسرارهم، وأذاعوا ما أُمروا بكتمانه وستره، وكان هذا كفراناً لما أنعم اللّه به عليهم، جازاهم اللّه تعالی بتأخير نجاتهم وخلاصهم كما نطق به الحديث قال اللّه عزّ وجلّ:
(ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ).(1)
وأمّا الأحاديث الّتي وعدنا ذكرها:
1589- فمنها : ما في عاشر البحار من كتاب النوادر لعليّ بن أسباط : عن ثعلبة بن میمون، عن الحسن بن زیاد العطّار، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ:(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)(2)
قال علیه السلام: نزلت في الحسن بن عليّ علیهماالسلام أمره اللّه بالكفّ، قال :
قلت: (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ)(3)، قال علیه السلام : نزلت في الحسين بن عليّ علیهماالسلام كتب اللّه عليه وعلى أهل الأرض أن يقاتلوا معه.
أقول: هؤلاء الثلاثة كلهم ثقات أُمناء إماميّون كما نصّ عليه علماء الفنّ
فالحديث في غاية الصحّة، وفي معناه روایات عديدة تركنا ذكرها اختصاراً .
وقد ظهر بما بيّنّا أنّه لا وجه لحمل الاخبار السابقة على كون النهي عن التوقيت على سبيل الحتم والصراحة، أو على تخصيص النهي بغير الائمّه، كما ارتكبه بعض العلماء، لأنّك قد عرفت عدم دلالة الأخبار الخمسة المذكورة على
ص: 381
توقيت زمان ظهور مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه أصلاً،
بل لا دلالة في الحديث الثاني والثالث على بيان وقت الفرج أيضاً، إذ لا يظهر منهما إلّا كون الأئمّة عالمين بوقته، إلّا أنّهم أعلموا غيرهم بذلك، هذا ، مضافاً إلى أنّ التوجيه الّذي ذكره ذلك البعض مخالف لصريح قولهم علیهم السلام:
إنّا أهل بيت لا نوقّت، وقولهم: ما وقّتنا فيما مضى، ولا نوقّت فيما يستقبل وقولهم: لسنا نوقّت لأحد وقتاً، وغير ذلك، فالروايات السابقة على صحّتها وصراحتها لا معارض لها حتّى نحتاج إلى توجيهها وتأويلها.
1590- فإن قلت: قد يعارضها وينافيها ما في البحار، والبرهان، من العيّاشي: عن أبي لبيد المخزومي، عن أبي جعفر علیه السلام ، قال : يا أبا لبيد، إنّ في حروف القرآن المقطّعة لعلماً جمّاً، إنّ اللّه تعالى أنزل: (الم * «ذَلِكَ الْكِتَابُ)(1)
فقام محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم حتّى ظهر نوره، وثبتت كلمته، وولد يوم ولد، وقد مضى من الألف السابع مائة سنة وثلاث سنين . ثمّ قال :
وتبيانه في كتاب اللّه في الحروف المقطّعة، إذا عددتها من غير تكرار وليس من حروف مقطّعة حرف ينقضي إلّا وقيام قائم من بني هاشم عند انقضائه ،
ثمّ قال : الألف واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون، فذلك مائة وإحدى وستّون، ثمّ كان بدو خروج الحسين بن عليّ علیهماالسلام (الم * اللّه)(2) فلمّا بلغت مدّته قام قائم ولد العبّاس عند «المص» ويقوم قائمنا عند
انقضائها ب «الر» فافهم ذلك وعه واكتمه .(3)
1591- وفي البحار، وشرح الأربعين للمجلسيّ الثاني من كتاب المحتضر للحسن بن سليمان تلميذ الشهيد (رحمة اللّه علیه) قال : روي أنّه وجد بخطّ مولانا أبي محمّد العسكريّ علیه السلام ماصورته: قد صعدنا ذرى الحقائق بأقدام النبوّة والولاية - وساقه
ص: 382
إلى أن قال :- وسيسفر لهم ينابيع الحيوان بعد لظى النيران، لتمام «الم»، «وطه»، « والطواسين» من السنين، إنتهی .(1)
قلت : إنّ هاتين الروايتين قاصرتان عن معارضة ما قدّمنا من الروايات سنداً ودلالة، لأنّ الرواية الأُولى مرسلة إلى خثيمة بن عبدالرحمان الراوي، عن أبي لبيد، وخثيمة غير مذكور في الرجال، وأبو لبيد لم يتعرّضوا له بمدح أو قدح، فالرواية ضعيفة سنداً لا يعتمد عليها .
والثانية : مضافاً إلى كونها مرسلة وجادةً، لا روايةً، وهما مع ذلك كلّه من متشابهات الأخبار، فيردّ علمها إليهم علیهم السلام هذا مضافاً إلى أنّ الثانية لم يذكر فيها ظهور القائم علیه السلام أصلاً ، واللّه العالم بالمراد من ظهور ينابيع الحيوان .
والأُولى لا صراحة فيها بأنّ المراد بقائمنا هو مولانا صاحب الزمان ، لإطلاق القائم في جملة من الروايات على من يقوم بأمر الحقّ أو يقوم لنصرتهم، كما لا يخفى على المتتبّع في رواياتهم سلام اللّه عليهم أجمعين .
1592- ومن جملة تلك الروايات ما رواه الشيخ النعمانيّ (رحمة اللّه علیه) : بإسناده عن الصادق علیه السلام : أنّ أمير المؤمنین صلوات اللّه عليه حدّث عن أشياء تكون بعده إلى قيام القائم عجّل اللّه فرجه ،
فقال الحسين علیه السلام : يا أمير المؤمنین، متى يطهّر اللّه الأرض من الظالمين؟
فقال أمير المؤمنين علیه السلام : لا يطهّر اللّه الأرض من الظالمين حتّى يسفك الدم الحرام، ثمّ ذكر أمر بني أُميّة وبني العبّاس - في حديث طويل - ثمّ قال : إذا قام القائم بخراسان وغلب على أرض كوفان(2) والملّتان، وجاز جزیرة بني كاوان، وقام منّا قائم بجيلان، وأجابته الآبر والديلم، وظهرت لولدي رايات
ص: 383
الترك(1) متفرّقات في الأقطار والجنّات(2) وكانوا بین هنات وهنات،
إذا خربت البصرة وقام أمير الأمراء بمصر، فحكي علیه السلام حكاية طويلة .
ثمّ قال : إذا جهّزت الأُلوف، وصفّت الصفوف، وقتل الكبش الخروف، هناك يقوم الآخر، ويثور الثائر، ويهلك الكافر،
ثمّ يقوم القائم المأمول، والإمام المجهول له الشرف والفضل، وهو من ولدك يا حسين لا ابن مثله يظهر بين الركنين في دريسين باليين، يظهر على الثقلين ولا يترك في الأرض الأدنين،
طوبى لمن أدرك زمانه، ولحق أوانه، وشهد أيّامه، إنتهی .(3)
الأمر الثاني : قد ظهر من جميع ما قدّمناه أنّ العلم بوقت ظهور مولانا صاحب الأمر علیه السلام من أسرار اللّه، الّتي سترها عن خلقه، ولم يظهرها لهم، وهو العالم بوجه ذلك ورسوله وحججه علیه السلام ،
لكنّ الّذي استفدناه من كلماتهم وجوه :
أحدها : أنّ العباد لا يقدرون على تحمّله والصبر على كتمانه،
وهذا الوجه يستفاد من روايتي أبي حمزة وأبي بصير السابقتين .
وبيان ذلك : أنّ المؤمنين على طبقات مختلفة :
فمنهم: من لا يقدر على تحمّل الأسرار لضعف إيمانه، فهو لا يحتمل العلم بها، بل لو ذكر له بعض الأسرار سبق إلى قلبه بعض الشكوك والشبهات، بسبب عدم طاقته ، وضعف إيمانه.
1593- كما ورد في بيان مراتب الإيمان : أنّه لو حمل على صاحب الإثنين الثلاثة، لانكسر كما تنكسر البيضة على الصفا.(4)
ص: 384
1594- وورد: لو علم ابو ذرّ ما في قلب سلمان لقتله، إلى غير ذلك .(1)
ومنهم: من يكون إيمانه قويّاً ويقينه ثابتاً، ويقدر على احتمال بعض الأسرار، ولا يدخله خلل في ذلك، لكن لا طاقة له بالصبر على طول الزمان، فلو عيّن له الوقت من أوّل الأمر، وقيل له: إنّ الحجّة علیه السلام يظهر مثلاً إلى الف
سنة، لمات حزناً على طول المدّة، أو عرضه المرض والشدّة،
فالمصلحة في إخفاء الوقت عن هذا أيضاً.
ومنهم : من يكون اقوى منه، ولكن لا صبر له على كتمانه، فإذا أُخبر بالسرّ أذاعه وأفشاه، فالمصلحة في إخفاء السرّ عنه أيضاً،
ولعلّه ينظر إلى ما ذكرناه بتأييد اللّه تعالى وبركة أوليائه علیهم السلام :
1595۔ ما روي في البصائر : باسناده عن أبي الصامت قال :
سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: إنّ من حديثنا ما لا يحتمله ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا عبد مؤمن، قلت: فمن يحتمله؟ قال علیه السلام: نحن نحتمله .(2)
1596- وفيه : في حديث آخر، عنه علیه السلام قال :
إنّ حديثنا صعب مستصعب شريف كریم ذكوان زكيّ، وعر، لا يحتمله ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا مؤمن ممتحن،
قلت: فمن يحتمله جعلت فداك؟ قال علیه السلام: من شئنا، يا أبا الصامت،
قال أبو الصامت: فظننت أنّ لله عباداً هم أفضل من هؤلاء الثلاثة .(3)
1597- وفي الكافي: عن بعض أصحابنا، قال: كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر علیه السلام : جعلت فداك، ما معنى قول الصادق علیه السلام :
« حديثنا (صعب مستصعب)، لا يحتمله ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل، ولا مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان، فجاء الجواب : إنّما معنى قول الصادق علیه السلام «أي
ص: 385
لا يحتمله ملك ولا نبيّ ولا مؤمن إنّ الملك لا يحتمله حتّى يخرجه إلى ملك غيره، والنبيّ لا يحتمله حتّى يخرجه إلى نبيّ غيره، والمؤمن لا يحتمله حتّى يخرجه إلى مؤمن غيره، فهذا معنى قول جدّي علیه السلام .(1)
الوجه الثاني : أنّ الحكمة الإلهيّة اقتضت أن يكون المؤمنون في جميع الأزمان منتظرين لظهور مولانا صاحب الزمان علیه السلام كما يرشد إليه قوله تعالی :
(فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(2).
ويدلّ عليه الأخبار الكثيرة، الّتي قدّمناها في بحث الإنتظار، فلو علموا وقت ظهوره انتقض الغرض، ويئسوا عن ظهوره قبل بلوغ الأمد وحضور الوقت المعيّن، وفي ذلك تفويت لمصالح عديدة، فستر عنهم وقت ظهوره فبل حضور وقته ، رعاية لتلك المصالح.
1598- وهذا الوجه يستفاد ممّا روي في الكافي، وغيره من كتب الأخبار، عن عليّ بن يقطين، قال : قال أبو الحسن علیه السلام : الشيعة تربّي بالأمانيّ منذ مائة سنة ، قال : وقال يقطين لابنه عليّ: ما بالنا قيل لنا فكان، وقيل لكم فلم يكن؟
قال : فقال له عليّ : إنّ الّذي قيل لنا ولكم كان من مخرج واحد، غير أنّ أمركم حضر فأُعطيتم محضه، فكان كما قيل لكم، وإنّ أمرنا لم يحضر، فعلّلنا بالأمانيّ، فلو قيل لنا: إنّ هذا الأمر لا يكون إلّا إلى مائة سنة أو ثلاثمائة سنة لقست القلوب، ولرجع عامّة الناس عن الإسلام،
ولكن قالوا ما أسرعه ، وما أقربه! تألّفاً لقلوب الناس، وتقريباً للفرج .(3)
تبيين : الّذي يقوى في نفسي لمعنى قوله علیه السلام : « إنّ الشيعة تربّي بالامانيّ منذ مائة سنة» أنّه لمّا عظم المصاب بشهادة الحسين علیه السلام واشتدّ جزع الأحباب لذلك، كان الأئمّة علیهم السلام يمنّونهم ويسلّونهم بظهور الفرج بظهور القائم عجّل اللّه
ص: 386
تعالی فرجه وكانت المدّة بين قتل مولانا المظلوم إلى إمامة القائم علیه السلام مائتي سنة،
وقيل في معناه وجوه لا تخلو عن بعد وتكلّف، واللّه تعالى هو العالم ويحتمل أن يكون ابتداء المدّة المذكورة من زمن البعثة، فتكون إلى وقت صدور هذا الحديث قريباً من مائتين .
قال بعض أصحابنا : ويمكن تأییده بأنّ المؤمنين كانوا من أوّل زمان البعثة في المحنة والشدّة، وكذا بعد وفاة النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم وفي زمان أمير المؤمنین والحسن علیهماالسلام وكلّ منهم كانوا يسلّون شيعتهم بظهور الفرج، وسلطنة القائم علیه السلام ، واللّه العالم.
الوجه الثالث : في سرّ إخفاء العلم بوقت الظهور عن الناس، أنّه لمّا كان أحد الحِكم المقتضية للغيبة تمحيص الناس وامتحانهم، اقتضت هذه الحكمة إخفاء العلم بوقت ظهور الحجّة علیه السلام عنهم، وإلّالم يتمّ التمحيص والإمتحان لكثير ممّن يظهر الإيمان حتّى يتبيّن المستعجلون عن غيرهم،
وهذا الوجه يستفاد من الأخبار الكثيرة الّتي علّل فيها غيبة القائم بذلك،
وقد ذكرنا بعضها في هذا الكتاب، ومنها:
1599۔ ما في النعمانيّ: عن عبداللّه بن أبي يعفور، عن الصادق علیه السلام قال : قلت : جعلت فداك ، كم مع القائم علیه السلام من العرب؟
قال علیه السلام : شيء يسير ، فقلت : واللّه، إن من يصف هذا الأمر منهم الكثير ،
فقال علیه السلام : لا بدّ للناس من أن يمحّصوا ويميّزوا ويغربلوا، ويخرج من الغربال خلق كثير(1).
وفي حديث آخر عن أبي بصير مثله .(2)
1600- وفيه : عن الحسن (3) بن عليّ قال :
ص: 387
لا يكون الأمر الّذي تنتظرونه حتّى يبرأ بعضكم من بعض، ويتفل بعضكم في وجوه بعض، فيشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضاً،
فقيل له : ما في ذلك الزمان من خير؟
قال علیه السلام : الخير كلّه في ذلك الزمان، يقوم قائمنا، ويدفع ذلك كلّه .(1)
1601- وفي حديث آخر ، عن أمير المؤمنين علیه السلام قال لمالك بن ضمرة : كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا - وشبّك اصابعه، وأدخل بعضها في بعض .
قال الراوي: فقلت: يا أمير المؤمنین، ما عند ذلك من خير؟
قال : الخير كلّه عند ذلك، يا مالك، عند ذلك يقوم قائمنا علیه السلام ، الخبر.(2)
1602- و عن الصادق علیه السلام قال :
واللّه لتكسّرنّ تكسّر الزجاج، وإنّ الزجاج ليعاد فيعود، واللّه لتكسّرنّ تكسّر الفخّار، وإنّ الفخّار ليتكسّر ولايعود كما كان، وواللّه لتغربلنّ، وواللّه لتميّزنّ، وواللّه لتمحّصنّ حتّى لا يبقى منكم إلّا الأقلّ، وصعّر كفّه(3). (4)
1603- و عن موسی بن جعفر علیهماالسلام : أما واللّه، يا أبا إسحاق مایكون ذلك حتّى تميّزوا وتمحّصوا، وحتّى لا يبقى منكم إلّا الأقلّ.(5)
1604- وعن الرضا علیه السلام: واللّه لايكون ماتمدّون إليه أعينكم حتّى تمحّصوا وتميّزوا، وحتّى لا يبقى منكم إلّا الأندر فالأندر .(6)
1605- و عن الباقر علیه السلام قال : هيهات هيهات لا يكون الّذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تمحّصوا، ولا يكون الّذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تميّزوا، ولا
ص: 388
يكون الّذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى تغربلوا، واللّه لا يكون الّذي تمدّون إليه أعناقكم إلّا بعد إياس، ولا يكون الّذي تمدّون إليه أعناقكم حتّى يشقی من شقي، ويسعد من سعد.(1)
وروي مثله عن محمّد بن يعقوب بإسناده(2).
وفيما ذكرناه غني وكفاية لاهل الهداية والدراية .
الوجه الرابع: أنّ ذلك تفضّل كامل وعناية خاصّة على أهل الإيمان الموجودين في زمان غيبة صاحب الزمان، وبيان ذلك:
أنّ الظاهر من الروايات كما مرّ سابقاً أنّ وقت ظهور الفرج من الأُمور البدائيّة، الّتي يمكن تقدّمها وتأخّرها بسبب بعض المصالح والحكم، وتحقّق بعض الشرائط او عدمها من الأمور الخفيّة عن العباد، فلو أخبرهم الأئمّة علیهم السلام بوقت ثمّ تأخّر لاجل بعض الأسباب والحكم ارتاب كثير من الخلق، لكون ذلك خلفاً لميعاد اللّه تعالى شأنه في أنظارهم، أو تطرّق الشكوك والشبهات في قلوبهم.
1606- وإلى هذا الوجه اشار مولانا ابو جعفر الباقر علیه السلام في الحديث المرويّ في الكافي وغيره، عن فضيل بن يسار، قال: قلت: لهذا الامر وقت؟
فقال علیه السلام: كذب الوقاتّون، كذب الوقاتّون، كذب الوقاتّون،
إنّ موسى علیه السلام لمّا خرج وافداً إلى ربّه واعدهم ثلاثين يوماً، فلمّا زاده اللّه على الثلاثين عشراً، قال قومه: قد أخلفنا موسی، فصنعوا ماصنعوا، فإذا حدّثناكم الحديث فجاء على ما حدّثناكم به، فقولوا: صدق اللّه، وإذا حدّثناكم
ص: 389
الحديث فجاء على خلاف ماحدّثناكم به فقولوا: صدق اللّه، تؤجروا مرّتين .(1)
أقول : يحتمل أن يكونوا مأجورين مرّتين، مرّة لإيمانهم، وأُخرى لصبرهم وتحمّل غير ذلك، واللّه العالم.
تنبيه : المراد بالبداء ظهور تقدیر شيء على العباد بعد خفائه عنهم، لحكم إلهيّة ومصالح ربّانيّة، وهو عالم بما يخفي وما يبدو، وقد اشتبه معنى البداء على العامّة، فأنكروه، زعماً منهم لزوم الجهل على اللّه تعالى شأنه، وقد تقدّم منّا في ذكر المكرمة الثانية والعشرين من الباب الخامس ما ينفعك، فراجع .(2)
تتميم وتبيين : إعلم أنّ الوجوه الثلاثة الأول من الوجوه الّتي استفدناها من كلمات أئمّتنا الأبرار علیهم السلام قد أوضحت سرّ إخفاء العلم بوقت ظهوره علیه السلام مطلقاً، أعني الوقت الحتميّ والبدائي ، فإنّها حكم ومصالح تقتضي ستر كلا الوقتين عن الناس، كما لا يخفى على من له خبرة واستئناس .
وأمّا الوجه الرابع فهو ناظر إلى سرّ إخفاء الوقت البدائيّ عنهم فقط،
إذ لو أُخبروا به ثمّ اقتضت الحكمة التأخير عنه إلى وقت آخر لارتاب أكثر الناس، ودخل في صدورهم الوسواس، ووقعوا في الحيرة والشبهة، كما اتّفق لبني إسرائيل.
فإن قلت : فكيف أُخبروا ببعض الأُمور البدائيّة، ثمّ وقع خلافه لبعض المصالح، كما في قضيّة الشابّ الّذي أخبر داود بموته، والمرأة الّتي أخبر عیسی بموتها ، واليهودي الّذي أخبر نبيّنا صلی اللّه علیه وآله وسلم بموته، ثمّ لم يموتوا، وأخبروا بوقوع الفرج في زمان ولم يقع في ذلك الزمان، وتأخّر لبعض الحكم والأسباب كما ذكر في رواية أبي حمزة السابقة،
وكيف لم يوجب ذلك ضلالة المؤمنين، ولم يقعوا في الحيرة والشبهة؟
ص: 390
قلت : إنّما كان ذلك بسبب حضور الحجج فيهم وتبيينهم سرّ البداء والتأخير لهم، وتيسّر السؤال عنهم ، والمؤمنون في زمان غيبة الإمام علیه السلام محجوبون عن رؤيته ، محرومون من لقائه واستكشاف المسائل عنه، فلو أُخبروا بوقوع الظهور في وقت بدائيّ، ثمّ تأخّر عنه لمصلحة إلهيّة، ولم يكن فيهم الإمام والحجّة ليردّهم عن الحيرة والشبهة، ويبيّن لهم صدق الأخبار ووجه المصلحة، وقعوا في الحيرة والشبهة، وتاهوا في وادي الضلالة، فلذلك لم يوقّتوا لهم وقتاً حتميّاً ولا بدائيّاً، أمّا الحتميّ فللوجوه السابقة، وأمّا البدائيّ فلهذا الوجه الّذي بيّنّاه
رأفة بهم وشفقة عليهم وحفظاً لهم من الزلّة والضلالة.
فإن قلت : إنّ المؤمنين إذا أيقنوا بصدق أئمّتهم، واعتقدوا وقوع البداء في المقدّرات الإلهيّة، والأخبارات الغيبيّة، لم يقعوا في الحيرة والضلالة ولم يتزلزلوا في عقائدهم الحقّة، سواء كان الإمام حاضراً فيهم أم غائباً عنهم.
قلت : هذا حال المؤمنين الكاملين، الّذين رسخ في قلوبهم الإيمان ببيّنة وبرهان، وأيّدهم اللّه تعالی بروح منه، وهم قليل بالنسبة إلى ما سواهم،
وأمّا الأكثرون فهم ضعفاء العقول والإيمان، كخامة الزرع يميل يميناً وشمالاً بهبوب الرياح، يسقط مرّة ويقوم أُخرى، فأرادوا رعايتهم ومحافظتهم حتّى تكمل قوّتهم، وتسلم عدّتهم ودفع ما يوجب السقوط والاضمحلال عنهم،
ولهذا كان الأئمّة علیهم السلام يسترون كثيراً من المطالب عن كثير من أصحابهم وشیعتهم، حفظاً لهم وشفقة عليهم، فإنّ الإمام هو الوالد الشفيق كما في حديث صفات الإمام وفضله المروي في الكافي وغيره .(1)
وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ إخبار موسی بني إسرائيل بالوقت البدائيّ لم يكن إضلالاً لهم، وتقصيراً في حقّهم، بل كان امتحاناً وتمحیصاً لهم بأمر اللّه عزّوجلّ لانّه استخلف عليم أخاه هارون حين أراد الغيبة عنهم، وجعله حجّة عليهم
ص: 391
فكانوا هم المقصّرين في إعراضهم عن الحجّة وتركهم الرجوع إليه في كشف الحيرة والشبهة، بل أرادوا قتله كما قال :
(يَا ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي)(1) وقال تبارك وتعالى :
(وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى)(2).
1607- فإن قلت : قد ورد عن الحجّة علیه السلام : وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم وانا حجّة اللّه عليهم.(3)
فجعل العلماء في زمان غيبته حجّة على العباد ومرجعاً لهم، فكما أنّ المؤمنين الموجودين في زمن حضور الائمّة تمّت عليهم الحجّة، ووضح لهم السبيل في كشف الحيرة والشبهة، ورفع مایوجب الزلّة والضلالة بالسؤال عن الأئمّة، وكذلك المؤمنون الموجودون في زمن الغيبة تمّت عليهم الحجّة ، ووضح لهم السبيل بالرجوع إلى العلماء الأبرار، الناقلين لآثار الأئمّة الأطهار، الحاملين لعلومهم في كلّ ما يرد عليهم ممّا لا يفهمون وجهه، ويختلج في صدورهم من الشبهة، فلا ضير في إخبارهم بالوقت البدائيّ للظهور المحتمل تأخيره لوجه من الحكمة والمصلحة.
قلت: أمّا أوّلاً: فإنّه قد يكون في بعض أزمنة الغيبة زمان يختفي العلم، إمّا يفقد العلماء، أو باختفائهم لغلبة الباطل وأهله، ويسمّى ذلك الزمان في الأخبار بزمان الفترة والسبطة، وحينئذٍ لا يجد المؤمن من يدفع عنه الشبهة والحيرة، ويبيّن له وجه المصلحة والحكمة .
1608- ويدلّ على ما ذكرناه مارواه الشيخ النعمانيّ قدس اللّه تعالی سرّه في كتاب الغيبة : بإسناده عن أبان بن تغلب (رحمة اللّه علیه)، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، أنّه قال :
ص: 392
يأتي على الناس زمان يصيبهم فيها سبطة بارز العلم كما تأرز الحيّة في جحرها، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم نجم،
قلت : فما السبطة؟ قال : الفترة، قلت: فكيف نصنع فيما بين ذلك؟
فقال علیه السلام : كونوا على ما أنتم عليه، حتّى يطلع اللّه لكم نجمكم.(1)
توضیح: يأرز على وزن ينضر ويضرب ويعلم بتقديم الراء المهملة على المعجمة أي يختفي.
وأمّا ثانياً : فإنّ العلماء الأبرار وإن كانوا نوّاباً عن الإمام علیه السلام في زمان الغيبة ومراجع للعباد فيما يرد عليهم من القضايا والأحكام، وحجّة عليهم في مسائل الحلال والحرام، لكنّهم ليسوا عالمين بحكم التقديرات، ومصالح التغييرات، ووجوه البداء ، وأسباب القضاء، وكثيراً ما يكون أنّه لاترفع الحيرة ولا تندفع الشبهة إلّا ببيان وجه المصحلة، وتوضيح الحكمة، كما عرفت من حديث أبي حمزة حيث أنّه لم يتخلّص من الحيرة إلّا بعد أن يبيّن له الإمام علیه السلام وجه تأخير الفرج عن الوقت الّذي أخبر به امير المؤمنين علیه السلام وهكذا في نظائره وأشباهه ، كما لا يخفى على المتتبّع في الأخبار والسير، وذكرها خارج عمّا نحن بصدده في هذا الكتاب واللّه تعالى هو الهادي إلى نهج الصواب.
والحاصل أنّ كشف المعضلات و حلّ تلك المشكلات وأمثالها من وظائف الإمام وشؤونه، وعدم الكشف في زمان الغيبة مستند إلى الخلق، لأنّهم السبب في خفائه، من اللّه تعالى علينا بتعجیل فرجه ولقائه، مع تيسير العافية لنا بمنّه وكرمه، إنّه قريب مجيب.
وأمّا ثالثاً : فإنّ اللّه تعالی شأنه لطيف بعباده، والطافه على قسمين :
قسم يجب عليه بحكم العقل والنقل، وهو ما يكون خلافه قبيحاً، واللّه لا يفعل القبيح أصلاً ، فإنّه ممتنع على اللّه عزّ شأنه وهذا هو الّذي تداول واشتهر
ص: 393
في الألسن، من أنّ اللطف واجب على اللّه تعالى، ولا تفاوت في هذا القسم بين الأزمان والأشخاص، مثل التكليف بغير المقدور، فإنّه قبيح ممتنع على اللّه تعالى والتكليف بما لا طريق للعباد إلى العلم به، ولهذا كان بعث الأنبياء واجباً بقاعدة اللطف، وإعطاؤهم المعجزة واجباً بقاعدة اللطف،
وفي هذا القسم يستوي جميع أهل العالم في جميع الأزمنة والأمكنة .
والقسم الثاني : ما لا يكون واجباً بحكم العقل، بل يكون تفضّلاً وإحساناً في حقّ من يشاء، لما يشاء، كيف يشاء، لا يُسئَل عمّا يفعل وهم يسئلون .
ومن هذا القسم، لطفه على الأُمّة المرحومة المحمّديّة صلی اللّه علیه وآله وسلم برفع التكليفات الشاقّة عنهم، كما في الآية الشريفة : ( وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا)(1) ومن هذا القسم أيضاً ستر العلم بالوقت البدائي لظهور الإمام علیه السلام عن المؤمنين المحبّين له، فإنّه عزّ وجلّ وإن أتمّ عليهم الحجّة وأوضح لهم المحجّة بالعقل والنقل فبيّن لهم صدق أئمّتهم وتماميّة حجّتهم، بحيث لا يبقى لأحد عذر في تطرّق الشبهة والتورّط في الحيرة، لكنّه منّ عليهم نظراً إلى شأن أئمّتهم ورعاية أضعفهم وقلّة عدّتهم، فزوى عنهم الأخبار بوقت علم تأخير الظهور عنه، لحكمة ومصلحة لطفاً بهم وتفضّلاً وشفقة عليهم ومرحمة وإحساناً إليهم، كي لا يقعوا في الحيرة، ولا تختلج في صدورهم شبهة .
وممّا ذكرنا - ولله الحمد وله المنّة - تبيّن السرّ في كتمان العلم بوقت ظهور الإمام علیه السلام ، عن سائر الأنام من الخاصّ والعامّ، سواء كان حتميّاً أم بدائيّاً، وعليك بإمعان النظر فيما ذكرناه، والتأمّل التامّ ، فإنّه مأخوذ من كلمات الائمّة البررة الكرام، أسكننا اللّه تعالى في جوارهم في دار السلام.
الأمر الثالث: الظاهر من العمومات المتكثّرة الواردة في الروايات المتضافرة الدالّة على أنّ الأئمّة علیهم السلام عالمون بما كان وما يكون إلى يوم القيامة،
ص: 394
وما ورد في وصف الإمام بأنّه عالم لا يجهل، وما ورد من أنّ علم كلّ شيء في القرآن لقوله تعالى فيه : (تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ)(1) وأنّ الإمام يستخرجه منه،
وقوله تعالى : (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)(2).
وقوله عزّ وجلّ: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)(3) وهم الأئمّة كما في الرواية وقوله عزّ وجلّ : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)(4) وهو أمير المؤمنين علیه السلام كما ورد عنهم بضميمة ما دلّ على أنّهم في العلم والشجاعة سواء وأنّ ما علمه أمير المؤمنين علیه السلام ، علمه من بعده من الأئمّة .
1609- وهكذا قول الصادق علیه السلام :
إنّ اللّه لا يجعل حجّة في أرضه يسأل عن شيء فيقول : لا أدري .(5)
1610- وقول أبي جعفر علیه السلام : إنّ من علم ما أُوتينا تفسير القرآن وأحكامه وعلم تغيير الزمان وحدثانه، إذا أراد اللّه بقوم خيراً أسمعهم، ولو أسمع من لم يسمع لولّي معرضاً كأن لم يسمع(6)، ثمّ أمسك هنيئة ، ثمّ قال :
ولو وجدنا أوعية أو مستراحاً لقلنا، واللّه المستعان .(7)
وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة المرويّة في البصائر والكافي وغيرهما : إنّ الإمام علیه السلام يعلم وقت ظهوره، لكنّه لم يؤذن بإظهاره، كما أنّ الأئمّة الماضين لم يؤذنوا بإظهاره، لأنّ الأئمّة علیهم السلام وإن كانوا عالمين بكلّ شيء، عدا ما استثني مثل الإسم الأعظم الّذي ادّخره اللّه عزّو جلّ لنفسه، لم يطلع عليه أحداً من خلقه،
لكنهم (عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ)(8) ولا يخبرون العباد إلّا بما أمرهم اللّه تعالى بإظهاره لهم،
ص: 395
كما ورد ذلك في روايات عديدة مذكورة في البصائر وغيره.(1)
وحاصلها أنّ اللّه تعالى أمر العباد بان يسألوا الأئمّة الأمجاد، فقال تعالى :
(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)(2) فعليهم السؤال، وليس الإمام ملزماً بالجواب، بل هو موكول إلى مشيّته، بحسب ما يراه من المصلحة، فإن شاء أجاب ، وإن شاء أمسك ، كما قال اللّه عزّ وجلّ : («هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)(3) فهو يعمل بمقتضى المصلحة من الجواب والتقيّة، والكتمان والتورية
ولو أردنا ذكر الروايات الواردة في كلّ باب من هذه الأبواب لطال الكتاب وخرج عمّا هو المقصود، وأوجب الإطناب، والعارف يكفيه الإشارة،
ولم أجد في الأخبار الماثورة ما يتوهّم منه المنافاة لما ذكرناه سوی حدیثین :
1611- أحدهما: ما روي عن أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال :
لولا آية في كتاب اللّه لأخبرتكم بما يكون إلى يوم القيامة (4)،
والآية قوله تعالى : (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)(5)
وروي نظيره عن غيره من الأئمّة علیهم السلام أيضاً.
والثاني: خبر أبي حمزة الثمالي المتقدّم في التنبيه الأوّل،
عن مولانا ابي جعفر علیه السلام حيث قال في ذيل كلامه: ولم يجعل له بعد ذلك وقتاً عندنا: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)(6) ولا دلالة فيهما عند التأمّل التامّ على نفي علم الإمام بوقت ظهوره عليه الصلاة والسلام.
أمّا الأوّل فلأنّ معناه أنّ قوله تعالى : (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ ...) مانع عن إخبار الناس بما يكون إلى يوم القيامة، لانّه علیه السلام لم يقل: لولا آية في كتاب اللّه لعلمت ما يكون، وإنّما قال لولا تلك الآية لأخبرتكم بما يكون، وكلمة لولا تدلّ على امتناع الجملة الفعليّة، بسبب وجود الجملة الاسميّة، الواقعة بعد لولا وتسمّى لولا الإمتناعيّة .
ص: 396
وتحقيق الكلام في هذا المقام: أنّ الحكمة الإلهيّة اقتضت إخفاء كثير من الأُمور عن العباد، وظهوره جملة منها لهم بعد خفائها عنهم، وجعل كثيراً من التقديرات موقوفة على وقوع أُمور أو عدم أُمور أُخرى، وفيها يكون المحو والإثبات، وهو عالم بما يمحو وما يثبت في أزل الآزال، وعنده أُمّ الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ، الّذي جرى فيه القلم بأمره عزّ وجلّ، بجميع ما يكون كما يكون، وإنّما أخبر عباده بوقوع المحو والإثبات لحكم كثيرة، ومصالح عديدة :
منها : دلالتهم على عموم قدرته، ونفوذ مشيّتة لئلّا يقولوا كما قالت اليهود والزنادقة (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ)(1).
ومنها : أن يتعبّدوا له ويتضرّعوا إليه، ويدعوه ، فيفوز بإحدى الحسنيين: أعني نیل مقاصدهم في الدار العاجلة، إن كانت من الأُمور الموقوفة، والفوز بثواب الدعاء والتعبّد والتضرّع في الدار الآخرة، إن كانت من الأُمور المحتومة .
ومنها: التمحيص لقوم والإمتحان لقوم آخرين، ليميز اللّه الخبيث من الطيّب، وهذا التمحيص والإمتحان قد يقع في أصل الإذعان للمحو والإثبات فيؤمن به قوم مؤمنون، وينكره قوم آخرون، كما زعمه قوم من الفلاسفة الزنادقة، وقد يقع في تصديق الأئمّة الطاهرين، وحجج اللّه على العالمين، فيما أخبروا بوقوع البداء فيه، لكونه من الأُمور الموقوفة، الّتي يجري فيها المحو والإثبات، فصدّقهم المؤمنون لاعتقادهم به وبصدق أئمّتهم، وإليه أشار مولانا الباقر علیه السلام في حديث فضيل بن يسار الّذي مرّ في الوجه الرابع، فاغتنمه وراجع(2)
وكذّبهم المعاندون ونسبوهم إلى الافتراء على اللّه جلّ شأنه في ذلك، وزعموا أنّ ذلك ممّا وضعه الأئمّة علیهم السلام ، ليكون مندوحة لهم فيما يخبرون به شیعتهم، ثمّ يقع على خلاف ما حدّثوهم به ، فقد دلّ جلّ وعزّ في كتابه الكريم على وقوع المحو والإثبات تصديقاً لما يحدّث به ويبيّنه حججه وبيّناته ، وينكره
ص: 397
الجاهلون به وعصاته، تعالى اللّه عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً
وقد يقع التمحيص والإمتحان في الآثار المترتّبة على الإعتقاد بوقوع المحو والإثبات، في مرحلة التوكّل والتعبّد، والتصدّق، والتضرّع، والدعاء، والإهتمام في الأُمور الباعثة للتبديل والتغيير في التقديرات الموقوفة، القابلة للمحو والإثبات، وفي التمحيص والامتحان أيضاً، حكم كثيرة ومصالح خفيّة وجليّة، يظهر لأهلها بالتتبّع والتدبّر في الآيات القرآنيّة، والروايات المأثورة عن أهل بيت العصمة علیهم السلام ، ولتحقيق القول فيها وبسطها مقام آخر.
والحاصل أنّ اللّه عزّ وجلّ قد أخبر بوقوع المحو والإثبات حفظاً لحكم كثيرة ومصالح خفيّة وجليّة قد أشرنا إلى بعضها، والمتدبّر في الآيات والروايات يطّلع على غير ما ذكرناه إن شاء اللّه تعالى فلو أخبر الإمام بما يؤول إليه أمر كلّ أحد، وبما يقع في العالم إلى الأبد لا نتقض الغرض وبطلت الحكم الكثيرة الموجبة لجعل المحو والإثبات،
ولذا قال علیه السلام : لولا تلك الآية لاخبرتكم بما يكون إلى يوم القيامة .
فتبيّن بما بيّناه أنّ آية المحو والإثبات إنّما تقتضي منعهم علیهم السلام عن الإخبار بما يكون إلى يوم القيامة لا نفي علمهم صلوات اللّه عليهم أجمعين .
تنبيه : إعلم أنّ الّذي يدلّ عليه الحديث المذكور وأمثاله أنّهم غير مأذونين في إخبار الناس بجميع ما يقع في العالم، وهو مقتضى الحكمة أيضاً،
ولكنّهم أُمروا بإظهار جملة ممّا يحدث في العالم لحكم كثيرة أيضاً :
منها : الدلالة على صدقهم في سایر ما يحدّثون به من الحوادث والقضايا والأحكام و مسائل الحلال والحرام وغيرها.
ومنها : تكميل إيمان المؤمنين، وإتمام الحجّة على الكافرين .
ومنها : تسلية قلوب أهل الإيمان وحثّهم وبعثهم على انتظار صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه وظهوره،
ص: 398
ولذلك قد أخبروا بكثير ممّا يقع في آخر الزمان قبل ظهور الحجّة علیه السلام
وقد وقع منها أُمور، ومن جملة ما وقع في زماننا هذا من العلائم الّتي ورد الإخبار بها عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم أمران:
أحدهما : تبديل العمائم بالقلانس في هذه السنة بأمر السلطان .
والثاني: سرور العباد وتشكّرهم لفقد الأولاد، والسبب في ذلك أمر السلطان «...» بأخذ الشبّان البالغين إحدى وعشرين سنة للنظام الإجباري منذ سنتين، وهذه السنة السابعة والأربعون بعد ألف وثلاثمائة من الهجرة النبويّة صلی اللّه علیه وآله وسلم
نسأل اللّه تعالى أن يعجّل في ظهور وليّه صاحب الزمان علیه السلام لهدم أساس الظلم والطغيان.
وقد روي في كتاب نور العيون المصنّف بمائة وسبعين سنة تقريباً قبل هذا الزمان وقوع هذين الأمرين في آخر الزمان قبل ظهور القائم علیه السلام عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم
وقد شاع في هذا الزمان أيضاً تشبّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، في الملابس والزينة والتجمّل وغيرها، وظهرت المنكرات وشاعت، ووضعت المعازف وآلات اللّهو والمزامير على الشوارع والطرق علانية، وشاع الأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف، وترى الفاسق مكرّماً عزيزاً، والمؤمن موهوناً ذليلاً، ويرى الناس الزكاة مغرماً، والإثم مغنماً.
وكلّ هذه ممّا أخبر به الصادق المصدّق وأوصياؤه علیهم السلام ونسأل اللّه تعالی التعجيل في ظهور وليّه، المفرّج عن المؤمنين، في خير وعافية،
وقد وقع جملة من العلامات الّتي أُخبر بها في سنوات قبل هذا الزمان، ولا ريب أنّ مشاهدة تلك الأُمور توجب قوّة يقين المؤمنين، وإتمام الحجّة على الجاحدين والمرتابين والمكذّبين،
وأمّا الحديث الثاني وهو خبر أبي حمزة الثمالي فصدره وذيله يدلّان على أنّ غرض الإمام علیه السلام إخفاء المطلب عنه، والحديث ينادي بأعلى صوته بأنّه أراد
ص: 399
الستر والكتمان، وبيّن وجهه في جواب السؤال .
وتوضيح الكلام: أنّ اللّه عزّ وجلّ خلق اللوح المحفوظ في السماء، وأثبت فيه جميع العلوم والوقائع والحوادث والقضايا والاحكام كما قال تعالى : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)(1)
وفي سورة طه: (قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ)(2)
وفي سورة النمل : (وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)(3).
وفي سورة سبأ: (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)(4)
وفي الفاطر: (وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ)(5)
وفي سورة ق : (وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ)(6)
وفي سورة الحديد : (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا)(7)
وفي الواقعة : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ)(8).
وخلق نظير اللوح المحفوظ السماوي في الأرض وهو الإمام علیه السلام فهو لوح عالم الملك، كما أنّ الأوّل لوح عالم الملكوت، وقد أثبت فيه وأودعه جميع ما أودع اللوح السماويّ وأثبت فيه، فقال تعالى:
(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)(9) وقال تعالى : (حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ)(10)
فإنّه قد ورد في روايات عديدة أنّ أمير المؤمنين هو الإمام المبين .(11)
1612- وفي الكافي : عن الكاظم علیه السلام في حديث النصراني الّذي أسلم: أنّ «حم»: رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، والكتاب المبين: عليّ أمير المؤمنين(12)، والروايات في
ص: 400
أبواب علوم الأئمّة وكيفيّاتها أكثر من أن تحصى، إذا أردت الإطّلاع على جملة منها فعليك بكتاب بصائر الدرجات(1)، جزى اللّه تعالی مصنّفه أحسن الجزاء.
وقد ورد في روايات مستفيضة أنّ جميع الأئمّة علیهم السلام في العلم سواء، وكذا في الشجاعة، وغيرهما من الصفات الحسنة،
وأنّ ما علمه أمير المؤمنین علمه الإمام بعده وهكذا،
إذا عرفت هذا فنقول: كما أنّ اللوح المحفوظ السماوي أثبت اللّه فيه علم كلّ شيء، لكن لا يظهر اللّه تعالى منه لاهل العالم، إلّا ما كان الصلاح في إظهاره، ويستر عنهم ما دون ذلك بحسب اقتضاء أحوال الأشخاص والأزمان،
كذلك اللوح المحفوظ الّذي جعله في الأرض، وأثبت فيه كلّ علم أودعه في اللوح السماويّ، لا يظهر منه لأهل العالم إلّا ما كان الصلاح في إظهاره، ويستر عنهم ما دون ذلك كما قال عزّ وجلّ: (وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ)(2)،
وقال تعالى : (مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا) (3)
فإنّ الإمام هو الشجرة الطّيبة كما في روايات كثيرة، بل متواترة، وثمرها علمه ، يفيض منه ما يشاء بإذن ربه على من يشاء كيف يشاء،
كما يظهر من الروايات الكثيرة المتواترة، المرويّة عنهم علیهم السلام .
وملخّص الكلام أنّ الإمام أراد ستر المطلب عن الراوي بذلك البيان،
ويشهد لذلك صدر الكلام من السؤال والجواب .
1613- ويشهد لما ذكرناه أيضاً قول الصادق علیه السلام لأبي جعفر محمّد بن النعمان الأحول في حديث طويل شریف، مرويّ في تحف العقول وغيره:
یا بن النعمان، إنّ العالم لا يقدر أن يخبرك بكلّ ما يعلم لأنّه سرّ اللّه الّذي أسرّه إلى جبرئيل وأسرّه جبرئيل إلى محمّد ، وأسرّه محمّد إلى عليّ علیه السلام ،
ص: 401
وأسرّه عليّ إلى الحسن علیه السلام ، وأسرّه الحسن إلى الحسين علیه السلام ، وأسرّه الحسین إلى عليّ علیه السلام ، وأسرّه عليّ إلى محمّد علیه السلام، وأسرّه محمّد علیه السلام إلى من أسرّه، فلا تعجلوا، فواللّه لقد قرب هذا الأمر ثلاث مرّات فأذعتموه فأخّره اللّه، واللّه ما لكم سرّ إلّا وعدوّكم أعلم به منكم، الحديث.(1)
فانظر إلى هذا الكلام، وتأمّل فيه، فإنّه ينادي لمن له قلب بعلمهم علیهم السلام بوقت الفرج، ولكنّهم مأمورون من اللّه تعالى بكتمانه لعدم تحمّل الشيعة.
فإن قلت : يلزم على هذا أن يكون كلام الإمام في خبر أبي حمزة كذباً لأنّه علیه السلام قال : ولم يجعل له بعد ذلك وقتاً عندنا.
1614- قلت : قد روى الشيخ الأجلّ محمّد بن الحسن الصفّار في بصائر الدرجات : بإسناده الصحيح، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :
إنّي لاتكلّم بالكلمة بها سبعون وجهاً، لي من كلّها المخرج .(2)
1615- وبإسناده عن عليّ بن أبي حمزة، قال : دخلت أنا وأبو بصير على أبي عبداللّه علیه السلام فبينا نحن قعود إذ تكلّم أبو عبداللّه علیه السلام بحرف،
فقلت أنا في نفسي: هذا ممّا أحمله إلى الشيعة، هذا واللّه حديث لم أسمع مثله قطّ، قال : فنظر علیه السلام في وجهي، ثمّ قال : إنّي لاتكلّم بالحرف الواحد لي فيه سبعون وجهاً، إن شئت أخذت كذا، وإن شئت أخذت كذا .(3)
1616- وبإسناده الصحيح عن أبي عبداللّه، قال : أنتم أفقه الناس ما عرفتم معاني كلامنا، إنّ كلامنا لينصرف على سبعين وجهاً. (4)
وفي معنى هذه الروايات روایات مستفيضة ، بل متواترة، وهي تدلّ على أنّه
ص: 402
لو صدر عنهم علیهم السلام كلام يخالف بظاهره سائر أحاديثهم أو يتوهّم من ظاهره الكذب أو نحو ذلك، فإنّهم لم يريدوا ظاهره، ولهم المخرج منه،
فيجب علينا تصديقهم و إرجاع العلم به إليهم.
فربّما ينكرون شيئاً بحسب بعض الحكم والمصالح والتقيّة من بعض الحاضرين، وفي كلامهم تورية أو وجه من الوجوه لا نعرفها وهم العالمون بها،
وأنت إن كنت من أهل التتبّع والممارسة في كلماتهم وقفت على شواهد متكثّرة لصحّة ما ذكرناه بعون اللّه تعالى وبركة أوليائه .
1617- ومن جملة تلك الشواهد، ما في الكافي وغيره : عن سدير ، قال :
كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزّاز وداود بن كثير في مجلس أبي عبداللّه علیه السلام إذ خرج إلينا وهو مغضب، فلمّا أخذ مجلسه ، قال :
یا عجباً لأقوام يزعمون أنّا نعلم الغيب، ما يعلم الغيب إلّا اللّه عزّ وجلّ، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت منّي، فما علمت في أيّ بيوت الدار هي
قال سدير : فلمّا أن قام من مجلسه وصار في منزله، دخلت أنا وأبو بصير و میسر، وقلنا له: جعلنا فداك ، سمعناك وأنت تقول: «كذا وكذا» في أمر جاريتك ونحن نعلم أنّك تعلم علماً كثيراً، ولا ننسبك إلى علم الغيب،
قال : فقال : يا سدير، ألم تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قال : فهل وجدت فيما قرأت من كتاب اللّه عزّ وجلّ : (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)(1) قال : قلت : جعلت فداك ، قد قرأته،
قال علیه السلام : فهل عرفت الرجل، وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب ؟
قال : قلت : أخبرني به ، قال علیه السلام : قدر قطرة من الماء في البحر الأخضر فما يكون ذلك من علم الكتاب؟ قال : قلت : جعلت فداك ، ما أقلّ هذا؟ !
فقال علیه السلام: يا سدير، ما أكثر هذا أن ينسبه اللّه عزّ وجلّ إلى العلم الّذي
ص: 403
أُخبرك به ، یا سدير ، فهل وجدت فيما قرأت من كتاب اللّه عزّ وجلّ أيضاً:
(قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)(1)؟
قال : قلت : قد قرأته جعلت فداك ، قال علیه السلام : أفمن عنده علم الكتاب كلّه أفهَمُ أم مَن عنده علم الكتاب بعضه؟ قلت: لا بل من عنده علم الكتاب كلّه،
قال : فأومأ بيده إلى صدره، وقال :
علم الكتاب واللّه كلّه عندنا، علم الكتاب واللّه كلّه عندنا .(2)
تنبيه وتتميم: أُنظر إلى هذا الحديث الشريف، وتدبّر فيه من صدره إلى ذيله يظهر لك صحّة ما قلناه ، من أنّ ما صدر منهم علیهم السلام ممّا يشتمل على سلب العلم عن أنفسهم ليس على ظاهره، بل صدر عنهم لنوع من المصلحة
كما أنّه علیه السلام نفی عن نفسه العلم بمكان الجارية، إمّا لاشتمال المجلس على أهل النفاق أو الغلوّ، أو لغير ذلك من الجهات الّتي هوالعالم بها،
ثمّ لمّا ارتفع المانع أوضح علیه السلام وفور علمه، وأنّه عالم بكلّ شيء، وأنّه يعلم الغيب، حيث أنّه أقسم باسم اللّه جلّ جلاله بأنّ علم الكتاب كلّه عنده،
وهذا يدلّ على أنّه عالم بالغيب، وبما كان وما يكون، لما عرفت من الآيات الدالّة على أنّ اللّه عزّ وجلّ أثبت جميع ذلك في الكتاب، وهو اللوح المحفوظ،
وهذا الحديث كغيره دلّ على علمه بجميع ما في اللوح المحفوظ، ولذلك عبّر في عدّة من الزيارات والروايات عن الإمام علیه السلام بعيبة علم اللّه، وعليك بالتتبّع والتدبّر في كلماتهم علیهم السلام لتزداد إيماناً وتكمل يقيناً، ومن اللّه التوفيق .
تذييل فيه تایید : قال الحافظ البرسي رحمه اللّه تعالى في كتاب مشارق انوار اليقين : الإمام أفضل وأعلى من اللوح المحفوظ بوجوه :
الأول: أنّ اللوح وعاء الحفظ وظرف السطور، والإمام محيط بالسطور وأسرار السطور، فهو أفضل من اللوح.
ص: 404
الثاني: أنّ اللوح المحفوظ بوزن مفعول، والإمام المبين بوزن فعيل، وهو بمعنی فاعل، فهو عالم بأسرار اللوح، واسم الفاعل أشرف من اسم المفعول.
الثالث : أنّ الوليّ المطلق ولايته شاملة للكلّ، ومحيط بالكلّ، واللوح داخل فيها، فهو دالّ على اللوح، وعال عليه، وعالم بما فيه، إنتهى كلامه (رحمة اللّه علیه) .(1)
الأمر الواحد والسبعون : تكذیب من ادّعى الوكالة والنيابة الخاصّة عنه علیه السلام في زمان الغيبة الكبرى
إعلم أنّه اتّفقت الإماميّة على انقطاع الوكالة، واختتام النيابة الخاصّة، بوفاة الشيخ الجليل عليّ بن محمّد السمريّ (رضی اللّه عنه) وهو الرابع من النوّاب الأربعة، الّذي كانوا مرجعاً للشيعة في زمان الغيبة الصغرى،
وأنّه ليس بعد وفاة السمري إلى زمان ظهور الحجّة عجّل اللّه فرجه الشريف نائب مخصوص عنه في شيعته،
وأنّ المرجع في زمان غيبته الكبرى هم العلماء العاملون، الحافظون لحدود اللّه، وأنّ من ادّعى النيابة الخاصّة فهو كاذب مردود،
بل يعدّ ذلك من ضروریّات مذهب الإماميّة الّتي يعرفون بها، ولم يخالف في ذلك أحد من علمائنا، وكفى بهذا حجّة وبرهاناً .
1618- ويدلّ على المقصود أيضاً : ما رواه الشيخ الجليل رئيس المحدّثین المعروف بالصدوق الّذي بشّر بولادته سيّدنا ومولانا الحجة علیه السلام في كتاب كمال الدين، قال : حدّثنا أبو محمّد الحسن بن أحمد المكتّب (رحمة اللّه علیه) قال : كنت بمدينة السلام في السنة الّتي توفّي فيها الشيخ عليّ بن محمّد السمريّ (رحمة اللّه علیه) فحضرته قبل
وفاته بأيّام، فاخرج إلى الناس توقيعاً نسخته:
بسم اللّه الرحمن الرحيم، يا عليّ بن محمّد السمريّ، أعظم اللّه أجر
ص: 405
إخوانك فيك، فإنّك ميّت مابينك وبين ستّة أيّام، فأجمع أمرك، ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية، فلا ظهور إلّا بعد إذن اللّه عزّ وجلّ، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب(1) مفتر، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم.
قال : فنسخنا هذا التوقيع، وخرجنا من عنده ، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه، وهو يجود بنفسه، فقيل له من وصيّك من بعدك؟
فقال (رحمة اللّه علیه) : لله أمر هو بالغه، ومضى رضي اللّه تعالی عنه .
فهذا آخر كلام سمع منه [رحمة اللّه ورضوانه عليه].(2)
أقول: الكلام هنا في مقامين : أحدهما : في سند الحديث الشريف المذكور .
والثاني: في دلالته على المقصد المزبور.
أمّا الأوّل : فاعلم أنّ هذا حديث صحيح اصطلاحاً، لأنّه مرويّ عن مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه فرجه بتوسّط ثلاثة أشخاص :
الأوّل : الشيخ الأجلّ أبو الحسن عليّ بن محمّد السمريّ، وهو لجلالته واشتهاره غنيّ عن البيان .
والثاني : الشيخ الصدوق، محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسی بن بابویه القمّيّ، وهو أيضاً لاشتهاره واشتهار كتابه وجلالة قدره لايحتاج إلى التوضيح .
والثالث : أبو محمّد الحسن بن أحمد المكتّب،
وهو كما ذكره الفاضل الألمعي المولى عناية اللّه في مجمع الرجال : أبو محمّد الحسن بن الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتّب(3) ،
ص: 406
ويروى عنه الصدوق مكرّراً مترضيّاً مترحّماً، وهذا من إمارات الصحّة والوثاقة(1)، كما نبّه على ذلك المولى المزبور في مجمعه، وذكر له شواهد عديدة ، ليس هنا موضع ذكرها، والمكتّب بكسر التاء المشدّدة من يعلّم الكتابة .
تنبيه : قد وقع هنا سهوان في كتابين من كتب علمائنا رحمهم اللّه تعالى ،
ينبغي التنبيه عليهما:
الأوّل : في كتاب الغيبة للشيخ الأجلّ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (رحمة اللّه علیه) ففيه في النسخة الّتي عندي هكذا: أخبرنا جماعة، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ ابن الحسين بن بابویه، قال :
حدّثني أبو محمّد أحمد بن الحسن(2) المكتّب، قال : كنت بمدينة السلام - وساق الحديث مثل ما نقلناه عن كمال الدين لابن بابویه (رحمة اللّه علیه)(3)
وقد عرفت أنّ الّذي روى عنه ابن بابویه حسن بن أحمد، والظاهر أنّ السهو في كتاب الشيخ الطوسي وقع من النسّاخ، ويؤيّد وقوع السهو فيه من بعض النسّاخ أنّ الحاج میرزا حسين النوري (رحمة اللّه علیه) نقل هذا الحديث في جنّة المأوى، من غيبة الشيخ : عن الحسن بن أحمد المكتّب(4) واللّه تعالى هو العالم.
والثاني: في كتاب مستدرك الوسائل للعالم المحدّث المتتبّع الحاج میرزا حسين النوري (رحمة اللّه علیه) فإنّه مع سعة باعه، وكثرة اطّلاعه، واهتمامه في استقصاء أسماء مشايخ الصدوق، غفل عن ذكر هذا الشخص الجليل، الّذي روى عنه الصدوق مكرّراً مترضيّاً مترحّماً، وأمثال هذه الأُمور ممّا يبعث العالم على الفحص
ص: 407
والتتبّع، ويوجب له الظفر بما غفل عنه من قبله،
فعليكم يا إخواني بالسعي، والإجتهاد، فإنّ اللّه لا يحبّ كلّ طالب مرتاد.(1)
وممّا يدلّ أيضاً على وقوع السهو والإشتباه في كتاب الشيخ، وعلى غفلة صاحب المستدرك عن ذكر ذلك الشيخ (رحمة اللّه علیه) أنّ المولى عناية اللّه المذكور نقل الحديث المسطور، عن كتاب ربيع الشيعة لابن طاووس، حاكياً عن «الحسن بن أحمد المكتّب» فتبيّن بحمد اللّه تعالی وعونه، أنّ الراوي عن أبي الحسن السمريّ (رحمة اللّه علیه) هو الحسن بن أحمد الّذي روى عنه ابن بابویه (رحمة اللّه علیه).
وممّا يدلّ على صحّه : هذا الحديث و صدوره عن الإمام أيضاً، أنّ الشيخ الطبرسيّ (رحمة اللّه علیه) صاحب كتاب الإحتجاج ذكره مرسلاً، من دون ذكر السند، والتزم في أوّل الكتاب وصرّح بأنّه لا يذكر فيه سند الاحاديث الّتي لم يذكر اسانیدها، إمّا بسبب موافقتها للإجماع، أو اشتهارها بين المخالف والمؤالف، أو موافقتها لحكم العقل . فظهر أنّ الحديث المذكور ايضاً كان غنيّاً عن ذكر السند ، إمّا لموافقة الإجماع أو لاشتهاره، أو لكليهما جميعاً.
وممّا يدلّ أيضاً على صحّته ، أنّ علماءنا من زمن الصدوق (رحمة اللّه علیه) إلى زماننا هذا استندوا إليه، واعتمدوا عليه، ولم يناقش ولم يتأمّل أحد منهم في اعتباره ، كما لا يخفى على من له أُنس وتتبّع في كلماتهم ومصنّفاتهم، فتبيّن من جميع ما ذكرناه أنّ الحديث المذكور من الروايات القطعيّة التي لا ريب فيها، ولا شبهة تعتريها، وهو ممّا قال فيه الإمام علیه السلام فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه.
المقام الثاني: في دلالة الحديث المذكور على المطلب المزبور،
وتقرير ذلك أنّ قوله علیه السلام : فقد وقعت الغيبة الثانية، تعليل لقوله: ولا توص إلى أحد يقوم مقامك ، فيدلّ على أنّ الغيبة الكبرى هي الّتي انقطعت الوكالة والنيابة الخاصّة فيها، ثمّ أكّد ذلك بقوله علیه السلام :
ص: 408
وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة ... إلخ، ولا شبهة بقرينة صدر الكلام في أنّ المراد بدعوى المشاهدة هي المشاهدة على نحو ما وقع للسفراء الأربعة ، المحمودين المعروفين في زمان الغيبة الأُولى، وقد صرّح بأنّ من ادّعاها في الغيبة الكبرى فهو كذّاب مفتر، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العظيم.
والحاصل أنّ المراد بالمشاهدة هي المشاهدة المقيّدة بكونها بعنوان البابيّة والنيابة الخاصّة، مثل ما كان للسفراء الأربعة، الموجودين في زمان الغيبة الصغرى، لا مطلق المشاهدة، فهو من باب ذكر المطلق وإرادة المقيّد، أو ذكر العامّ وإرادة الخاصّ، وهذا النحو من الاستعمال كثیر شائع في العرف واللغة ، كما تقول: اشتريت اللحم أو اشتر اللحم وتريد لحم الغنم بخصوصه لا مطلق اللحم والقرينة في الكلام موجودة كما ذكرنا،
ومن هذا القبيل قوله عزّ وجلّ: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ)(1) فإنّ الأسباط لفظ عامّ أُريد به الخاصّ، لأنّ جميع الأسباط لم ينزل عليهم كتاب، ولا وحي ولا حكم، وإنّما نزل على بعض منهم، وكذلك في التوقيع الشريف أُريد بالمشاهدة نحو خاصّ، كما بيّنّا لك بعون اللّه تعالی.
وبهذا الوجه يتبيّن أنّه لا تنافي بين هذا التوقيع الشريف وبين الوقائع الكثيرة المذكورة في كتب عديدة : كالبحار، والنجم الثاقب، ودار السلام للشيخ العراقي، وغيرها، الدالّة على وقوع المشاهدة في زمان الغيبة. الكبرى لكثير من المؤمنين، الّذين فازوا بشرف لقائه عجّل اللّه فرجه ورزقنا اللّه تعالى الفوز بلقائه وشفاعته، إنّه قريب مجيب.
هذا، وقد قيل في الجمع بينهما وجوه بعيدة، لا حاجة لنا في التعرّض لها ، وردّها، وأنّ ما ذكرناه واضح لأهله كالنور على شاهق الطور، واللّه الموفّق.
ص: 409
وممّا يدلّ على انقطاع البابيّة والنيابة الخاصّة في الغيبة الثانية، أنّ هذه المسألة مع عموم الإبتلاء بها لجميع أهل الإيمان، والإهتمام بشأنها، لم ينقل أحد من علمائنا من زمان الأئمّة علیهم السلام إلى هذا الزمان خبراً واحداً يدلّ تصريحاً أو تلویحاً أو إشعاراً على وقوع النيابة الخاصّة في زمان الغيبة الثانية ، مع كثرة تتبّع العلماء وحفظة الحديث، واهتمامهم بنقل الأحاديث، وتدوينها وروايتها حتّى ضبطوا الأخبار المشتملة على المطالب الجزئيّة، والآداب الّتي قلّما يتّفق ابتلاء الشخص بها مدّة عمره، والأخبار المشتملة على القصص والحكايات وغيرها، وحتّى ضبطوا الأخبار الضعيفة والمشتملة على المجاهيل، إلى غير ذلك ما لا يخفى على المتتبّع في كتب الأحاديث والآثار،
وبملاحظة ذلك كلّه يحصل الإطمئنان بعدم وقوع الوكالة والنيابة الخاصّة في زمان الغيبة الكبرى، بحيث لو لم يكن لنا دليل على هذا المدّعى، جاز لنا التعويل على هذا الوجه، وكفي.
والحاصل أنّ عدم الدليل فيما تعمّ به البلوي دليل على العدم،
وهذه قاعدة شريفة متينة، استند إليه وعوّل عليها جمع من الفحول من علماء الأُصول، وعليها بناء العقلاء في جميع أُمورهم، ممّا يتعلّق بدنياهم وعقباهم ومعايشهم ومعاشراتهم في تمام الأزمنة والأعصار، فإنّهم يحكمون في كلّ شيء يشكّون فيه بعدمه عند عدم الدليل عليه بعد الفحص والتفتيش عنه .
وبالجملة لايبقى - لذي مسكة بعد الفحص والتتبّع التامّ في أمر تعمّ به البلوى لجميع الأنام، وعدم الظفر بشيء يدلّ على المرام - تأمّل و تردید في الحكم بالعدم خصوصاً مع اهتمام الأئمّة علیهم السلام ببيان ما تحتاج إليه الأُمّة واجتهاد العلماء واهتمامهم بنقل ما وصل إليهم من أئمّتهم سلام اللّه عليهم أجمعين .
وبالتأمّل في هذا المطلب، والتدبّر في ذلك الأصل الأصيل يظهر لك فساد مايدّعيه الصوفيّة من وجوب البيعة مع الشيخ، والدخول في طاعة ذلك الشخص
ص: 410
بالخصوص، كما دلّلنا عليه سابقاً.(1)
وكذا فساد ما يدّعيه الشيخيّة من وجوب اتّباع شخص خاصّ في كلّ زمان، يسمّونه بالشيعة الخالص ويزعمون أنّه مرآة صفات الإمام، وأنّ معرفة ذلك الشخص هو الركن الرابع للإيمان، إذ لا دليل على هذه الأقاويل بل الدليل قائم على بطلانها، كما تبيّن في محلّه، نسأل اللّه تعالى أن يثبّتنا على حقيقة الإيمان ، ويحفظنا من هواجس الشيطان .
هذا، ويمكن الاستدلال والتأييد لما مرّ بروايات أخر:
1619- منها: ما رواه الشيخ الثقة الجليل محمّد بن إبراهيم النعماني (رحمة اللّه علیه) في كتاب الغيبة بسند صحيح عال عن عبداللّه بن سنان(2)، قال :
دخلت أنا وأبي على أبي عبداللّه علیه السلام، فقال : كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علماً یری؟ فلا ينجو من تلك الحيرة إلّا من دعا بدعاء الغريق(3) فقال أبي : هذا واللّه البلاء ، فكيف نصنع جعلت فداك حينئذ؟ قال علیه السلام :
إذا كان ذلك ولن تدركه فتمسّكوا بما في أيديكم حتّى يصحّ لكم الأمر .(4)
ص: 411
ورواه الشيخ الصدوق في كمال الدين وتمام النعمة أيضاً وفيه:
حتّى يتّضح لكم الأمر.(1)
أقول: تأمّل في هذا الحديث الشريف، وفي إخبار الصادق علیه السلام بغيبة الإمام وانقطاع السفير بينه وبين الأنام في الغيبة الكبرى، وأمر المؤمنين بالتمسّك بما في أيديهم إلى حين ظهور الإمام عجّل اللّه تعالی فرجه .
والمراد بما في أيديهم: هو ما أُمروا به من الأُصول، والفروع، والسنن، ومتابعة العلماء العاملين وحفظة أخبار الأئمة الطاهرين سلام اللّه عليهم أجمعين
وقد نبّه على هذا المرام الشيخ النعمانيّ (رحمة اللّه علیه) فقال بعد كلام له في ذلك المقام ، وفي حديث عبداللّه بن سنان : كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علماً یری، دلالة على ما جرى، وشهادة بما حدث من أمر السفراء الّذين كانوا بين الإمام علیه السلام وبين الشيعة من ارتفاع أعيانهم، وانقطاع نظامهم، لأنّ السفير بين الإمام في حال غيبته وبين شيعته هو العلم،
فلمّا تمّت المحنة على الخلق، ارتفعت الاعلام ولا ترى حتّى يظهر صاحب الحق علیه السلام ووقعت الحيرة الّتي ذكرت، وآذننا بها أولياء اللّه.
وصحّ أمر الغيبة الثانية الّتي يأتي شرحها وتأويلها فيما يأتي من الأحاديث بعد هذا الفصل، نسأل اللّه أن يزيدنا بصيرة وهدى ويوفّقنا لما يرضيه برحمته . إنتهى كلامه ، رفع في الخلد مقامه .(2)
1620- ومن الأحاديث الدالّة على المرام ما رواه الصدوق في كمال الدين بسند صحيح(3) عن زرارة، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :
ص: 412
يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فقلت له : ما يصنع الناس في ذلك الزمان؟ قال : يتمسّكون بالأمر الّذي هم عليه، حتّى يتبيّن لهم .(1)
أقول: الضمير المستتر في قوله علیه السلام : «حتّى يتبيّن لهم» راجع إلى الإمام، يعني أنّ تكليف الخلق في زمان الغيبة أن يكونوا على ماهم عليه، ولا يصدّقوا من يدّعي النيابة الخاصّة والوكالة عنه، حتّى يظهر إمامهم.
ومن هذا يعلم أنّ المراد بقوله في الحديث السابق : «حتّى يصحّ لكم الأمر» هو أمر ظهور الإمام، فالواجب على الناس أن لا يتّبعوا من يدّعي الإمامة أو النيابة الخاصّة عنه في زمان الغيبة الثانية إلى زمان يصحّ ويتبيّن أمر ظهوره بالدلائل والعلامات المرويّة عن آبائه علیهم السلام وبالآثار والمعجزات المشهودة منه ، مثل ما كان يظهر من آبائه الكرام .
1621- ويدلّ على ما ذكرناه أيضاً ما رواه الشيخ الصدوق (رحمة اللّه علیه):
بإسناده عن أبان بن تغلب ، قال : قال أبو عبداللّه علیه السلام :
يأتي على الناس زمان يصيبهم فيه سبطة - إلى أن قال : قلت: وما السبطة؟
قال علیه السلام : الفترة والغيبة لإمامكم، قال: قلت: فكيف نصنع فيما بين ذلك؟
فقال : كونوا على ما أنتم عليه ، حتّى يطلع اللّه لكم نجمكم.(2)
أقول: المراد بطلوع النجم ظهور الإمام علیه السلام ، والدليل على هذا المرام :
1622- ما رواه الشيخ النعماني (رحمة اللّه علیه): بإسناده عن أبان بن تغلب، عن الصادق علیه السلام ، أنّه قال : يا أبان، يصيب العالم سبطة - إلى أن قال :
فقلت: جعلت فداك، فكيف نصنع وكيف يكون ما بين ذلك؟
قال : فقال علیه السلام لي : إلى ما أنتم عليه حتّى يأتيكم اللّه بصاحبها.(3)
ص: 413
1623- وما رواه ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني (رحمة اللّه علیه): بسند صحيح عن مولانا أبي جعفر الباقر علیه السلام قال :
إنّما نحن كنجوم السماء، كلّما غاب نجم طلع نجم، حتّى إذا أشرتم بأصابعكم، وملتم بأعناقكم، غيّب اللّه عنكم نجمكم، فاستوت بنو عبد المطلّب فلم يعرف أيّ من أيّ، فإذا طلع نجمكم فاحمدوا ربّكم.(1)
1624- ورواه النعماني هكذا:
إنّما نحن كنجوم السماء، كلّما غاب نجم طلع نجم، حتّى إذا أشرتم بأصابعكم، وملتم بحواجبكم، غيّب اللّه عنكم نجمكم فاستوت بنو عبدالمطّلب فلم يعرف أيّ من أيّ، فإذا طلع نجمكم فاحمدوا ربّكم .(2)
1625- وروى النعماني أيضاً : بإسناده عن أبي عبداللّه علیه السلام ، عن آبائه علیهم السلام ، قال : قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم : مثل أهل بيتي مثل نجوم السماء، كلّما غاب نجم طلع نجم، حتّى إذا نجم منها طلع، فرمقتموه بالأعين، وأشرتم إليه بالأصابع، أتاه ملك الموت فذهب به،
ثمّ لبثتم في ذلك سبتاً من دهركم، واستوت بنو عبدالمطّلب، ولم يدر أيّ من أيّ، فعند ذلك يبدو نجمكم، فاحمدوا اللّه واقبلوه، انتهى .(3)
وقد ظهر بعون اللّه وببركة أوليائه من هذه الروايات الصحيحة المعتبرة أنّه لا يجوز لأحد تصدیق من يدّعي النيابة الخاصّة في زمان الغيبة الكبرى.
1626- ويشهد لذلك أيضاً ما رواه الشيخ الأجلّ الكليني (رحمة اللّه علیه) بسند صحيح عن الصادق علیه السلام، قال : للقائم علیه السلام غيبتان، إحداهما قصيرة، والأُخرى طويلة ، الغيبة الأُولى لايعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة شيعته،
والأُخرى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة مواليه .(4)
ص: 414
قال صاحب الوافي (رحمة اللّه علیه) بعد نقل هذا الحديث : كأنّه يريد بخاصّة الموالي، الّذين يخدمونه ، أنّ ساير الشيعة ليس له فيها إليه سبيل، وأمّا الغيبة الأُولى فكان له علیه السلام فيها سفراء تخرج إلى شيعته بأيديهم توقيعات، وكان أوّلهم أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رضي اللّه عنه ، فلمّا مات عثمان أوصى إلى ابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين بن روح، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن عليّ بن محمّد السمري رضي اللّه عنه فلمّا حضرت السمريّ رضي اللّه عنه الوفاة ، سأل أن يوصي، فقال : لله أمر هو بالغه،
فالغيبة الكبرى هي الّتي وقعت بعد مضي السمريّ رضي اللّه عنه (انتھی).(1)
1627- ويدلّ على المقصود ما رواه الصدوق : بإسناده، عن عمر بن عبدالعزيز ، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : قال :
إذا أصبحت وأمسيت لا ترى إماماً تأتمّ به، فأحبب من كنت تحبّ، وأبغض من كنت تبغض، حتّى يظهره اللّه عزّ وجلّ .(2)
1628- وروى الكليني (رحمة اللّه علیه) في أُصول الكافي : بإسناده عن منصور، عمّن ذكره، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : :
قلت : إذا أصبحت وأمسيت لا أرى إماماً أئتمّ به ما أصنع؟ قال علیه السلام : فأحبّ من كنت تحبّ، وأبغض من كنت تبغض حتّى يظهره اللّه عزّ وجلّ .(3)
1629- وروى النعمانيّ: بإسناده عن محمّد بن منصور الصيقل، عن أبيه منصور، قال : قال أبو عبداللّه : إذا أصبحت وأمسيت يوماً لاترى فيه إماماً من آل محمّد فأحبب من كنت تحبّ، وأبغض من كنت تبغيض، ووال من كنت توالي، وانتظر الفرج صباحاً ومساءً.(4)
ص: 415
أقول: هذه الروايات تأمرنا بأن لانتّبع في زمان الغيبة أحداً يدّعي الإمامة أو البابيّة، والنيابة الخاصّة، إلى أن يظهر اللّه تعالى وليّه المنتظر عجّل اللّه فرجه
فإنّ قوله علیه السلام «فأحبب من كنت تحبّ، إلى آخره » كناية عن وجوب ترك المحبّة والمتابعة لمن يدّعي لنفسه مرتبة خاصّة من الإمامة، والنيابة الخاصّة، في زمن الغيبة التامّة ، يعني إن ادّعی مدّع لنفسه مقاماً خاصاً فلا تواله ولاتجبه إلى شيء، ومعنى هذا تكذیب دعواه كما لا يخفى على ذوي الافهام العارفین بأساليب الكلام.
ومن الأحاديث الّتي فيها دلالة وإشارة إلى انقطاع السفارة في الغيبة التامّة
ما رواه النعماني (رحمة اللّه علیه): بإسناده عن المفضّل بن عمر الجعفي ، عن أبي عبداللّه الصادق علیه السلام ، قال : إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين، إحداهما تطول حتّى يقول بعضهم : مات، وبعضهم يقول : قتل، وبعضهم يقول : ذهب،
فلا يبقى على أمره من أصحابه إلّا نفر يسير لا يطّلع على موضعه أحد من وليّ ولا غيره إلّا المولى الّذي يلي أمره .(1)
قال النعماني رحمه اللّه تعالى : ولو لم يكن يروي في الغيبة إلّا هذا الحديث لكان فيه كفاية لمن تأمّله، إنتهی.
تتميم نفعه عميم : قد عرفت أنّ الأشخاص الأربعة المذكورين رضي اللّه تعالی عنهم كانوا نوّاباً بالخصوص عن الصاحب عجّل اللّه تعالی فرجه في الغيبة الأُولى ، وكانت الشيعة يرجعون إليهم في أُمورهم لما ثبت عندهم من نیابتهم بالخصوص عنه ووكالتهم، وقد ثبت ذلك بنصّ الإمام عليهم
كما وقع لعثمان بن سعيد، وابنه محمّد من نصّ العسكريّين عليهما، وبنصّ محمّد على أبي القاسم حسین بن روح بأمر الإمام علیه السلام ، ونصّ الحسين على أبي الحسن عليّ بن محمّد السمريّ بأمر الإمام، وقد ظهر المعجزات من هؤلاء
ص: 416
النوّاب رحمهم اللّه تعالى كثيراً، وهي مذكورة في كتب الغيبة(1).
1630 - وقد صرّح ابن طاووس في كتاب ربيع الشيعة على ما حكی عنه المولى عناية اللّه في مجمعه بظهور المعجزات منهم، وكذا غيره من علمائنا الأخیار رحمهم اللّه تعالی
ولا ريب أنّ الوكالة والنيابة الخاصّة لا تثبت إلّا بأحد من هذه الطرق الثلاثة : أعني نصّ الإمام، أو نائبه الخاصّ، أو ظهور المعجزة على يد من يدّعي النيابة الخاصّة، ولو لم يكن كذلك لادّعي ذلك المقام كثير من عبدة الدنيا،
كما اتّفق لجماعة ظهر كذبهم، وخرج التوقيع عن الإمام بلعنهم، والبراءة منهم، كالنصيري والنميري، وغيرهما
وأسماؤهم مذكورة في كتب الغيبة، من أرادها فليرجع إليها .
وأمّا الغيبة الكبرى فقد انسدّ فيها باب الوكالة، والنيابة الخاصّة،
ولكن ثبت النيابة العامّة بنصوص النبيّ والأئمّة علیهم السلام ، والإجماع، والسيرة المتّصلة القطعيّة للعلماء العاملين، والفقهاء الراشدين، حماة الدين، ورواة أحاديث الأئمّة الطاهرين، فيجب على كافّة المؤمنين الرجوع إليهم فيما يحتاجون إليه من أمر دينهم.
1631- وأمّا الروايات الواردة في حقّهم فهي مذكورة في كتب الفقه والحديث ، كقول النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم : اللّهمّ ارحم خلفائي - ثلاثاً - فقيل : یا رسول اللّه، ومن خلفاؤك؟ فقال صلی اللّه علیه وآله وسلم : الّذين يأتون من بعدي، ويروون حديثي وسنّتي .(2)
1632- وفي التوقيع الشريف : وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، وأنا حجّة اللّه عليهم.(3)
ص: 417
إلى غير ذلك من الأخبار المضبوطة في مظانّها.
وهاهنا أمران ينبغي التنبيه عليهما :
الأوّل : ذهب قوم من أصحابنا إلى ثبوت الولاية العامّة للفقهاء في زمان الغيبة ، بمعنى أنّ لهم ما للإمام من المناصب والتصرّفات، إلّا ما خرج بالدليل،
فالأصل عند هؤلاء ثبوت النيابة العامّة، عدا ما استثني بالأدلّة ،
ونفاه آخرون، وقالوا بثبوت النيابة لهم فيما دلّ عليه دلیل خاصّ كالإفتاء ، والحكم بين الناس في الترافع، وغيرها ممّا ذكر في محلّه،
وهو الحقّ، لضعف ما تمسّك به الأوّلون، كما بيّنّاه في الفقه .
الثاني : لو ادّعى أحد من أهل مذهبنا لنفسه أو لغيره النيابة الخاصّة عن الحجّة عجل اللّه فرجه في زمان غيبته الثانية، فإن علم بأنّ انقطاع النيابة الخاصّة في الغيبة الكبرى من ضروريّات المذهب، ومع ذلك ادّعى النيابة الخاصّة حكم بكفره وارتداده لاستلزامه تكذيب الشارع في بعض أحكامه، وهو كفر بغیر خلاف وإشكال .
وكذا إن علم بذلك بدلیل خاصّ، كالإجماع والأخبار ومع كونه عالماً به ادّعى النيابة الخاصّة في هذه الغيبة، لاستلزامه أيضاً تكذيب النبيّ، وأمّا إذا لم يعلم بكونه من ضروريّات المذهب، ولم يقطع به بسائر الأدلّة، وحصلت له شبهة، فأنكر انقطاع النيابة الخاصّة في تلك الغيبة وادّعاها لنفسه ، أو لغيره، فلا ريب في ضلالته وغوايته ، كسائر أهل الضلال، لكن في ثبوت ارتداده وخروجه بمحض ذلك عن الإسلام إشكال،
إذ لم يثبت من الأدلّة الشرعيّة كون إنكار الضروري عند أهل الإسلام سبباً مستقلاً للكفر والإرتداد فضلاً عن إنكار ضروري المذهب، بل إنكار الضروريّ يكون سبباً للكفر إن استلزم عدم تصديق النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم في بعض ما جاء به، ولذلك يحكم بإسلام أهل السنّة مع إنكارهم ما هو ضروريّ عندنا، من كون أمير
ص: 418
المؤمنين علیه السلام خليفة سيّد المرسلين بلا فصل.
وقد ذهب إلى هذا التفصيل الفقيه الكبير والمحقّق الجليل، مولانا المقدّس الأردبيلي على ما حكي عنه ، وتبعه جمع من الفقهاء، وذهب قوم إلى أنّ إنكار ضروريّ الإسلام سبب مستقلّ للكفر، مثل إنكار إحدى الشهادتين، مستندين إلى أخبار قاصرة الدلالة على مدّعاهم، وتفصيل الكلام في هذا المقام موكول إلى محلّه، واللّه تعالى هو العالم، وهو الموفّق والعاصم.
الأمر الثاني والسبعون : أن تسأل اللّه عزّ وجلّ أن يرزقك لقاء مولانا صاحب الزمان
مقترناً بالعافية والإيمان، فهاهنا مطلبان :
أحدهما : استحباب طلب الفوز بلقائه علیه السلام في زمان ظهوره من الخالق المنّان
والثاني : أن تسأله تعالى اقتران ذلك لك بالعافية والإيمان. ويدلّ على الأوّل ما ورد عنهم علیهم السلام في الأدعية الّتي علّموها الشيعة لزمن الغيبة .
1633- ففي دعاء العهد المروي عن الصادق علیه السلام : اللّهمّ أرني الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة ... الحديث . (1)
1634- وفي دعاء العمريّ المرويّ عن صاحب الامر علیه السلام :
اللّهمّ إنّي أسألك أن تريني وليّ أمرك ظاهراً نافذ الأمر ... إلخ(2)
إلى غير ذلك ممّا يوجب ذكره طول الكلام، هذا مضافاً إلى أنّه من لوازم الحبّ والإيمان، لأنّ كلّ محبّ يشتاق إلى لقاء حبيبه في كلّ أوان، ويتوسّل في ذلك المقصد بما كان له في حيّز الإمكان، ومن جملة الوسائل الدعاء والمسألة ، فإنّه مفتاح كلّ خير وبركة، والوسيلة إلى نيل كلّ مهمّ وحاجة.
ويدلّ على المقصود أيضاً جميع الأدلّة الآمرة بالدعاء لتعجيل فرجه وظهوره
ص: 419
لأنّ الدعاء بأن يرزقك اللّه الفوز بلقائه وأنت حيّ عند ظهوره يتضمّن الدعاء بتعجیل فرجه وظهوره فيشمله الأدّلة الدالّة على تأكّده ورجحانه .
1635- ويدلّ على الثاني ما رواه ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكلينيّ (رحمة اللّه علیه) بإسناده عن الصادق علیه السلام، قال : إذا تمنّى أحدكم القائم علیه السلام فليتمنّه في عافية ، فإنّ اللّه بعث محمّداً رحمة ويبعث القائم نقمة .(1)
أقول: توضيح المرام، أنّ اللّه لم يأمر نبيّه بالإنتقام من الكافرين والظالمين إذا لم يبدؤا بالقتال، وإنّما بعثه رحمة للعالمين، وقال له: (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا)(2) فأخّر الإنتقام إلى زمان ظهور القائم، وكلّما أتاه جبرئيل أمره بمداراة الناس، وأمر الإمام المنتظر بالإنتقام ليجزي قوماً بما كانوا يكسبون، فكلّ من يلقاه ليس لقاؤه له رحمة وبشارة ، بل يكون لأكثر الناس نقمة وعذاباً كما قال اللّه عزّ وجلّ : (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ)(3)
والآيات والروايات في ذلك متضافرة، ولمّا كانت المحن والبليّات في آخر الزمان كثيرة متهاجمة، والناس بمعرض لها، ومزلّة منها، أمروا شيعتهم بأن يسألوا اللّه عزّ وجلّ العافية منها، والسلامة من مزالّها، ويفوزوا بلقاء إمامهم المنتظر، معافين سالمين مسلّمين، ليكونوا من المتنعّمين، المستبشرين بظهوره ولقائه، الآمنين في ظلّ كنفه، لا المنحرفين الشاكّين، ولا المغيّرين المبدّلين ، ولا المغضوب عليهم، ولا الضالّين، الّذين ينتقم القائم علیه السلام منهم، ويخبطهم بالسيف خبطاً، ويكون مصيرهم إلى دار البوار، جهنّم يصلونها وبئس القرار .
واعلم أنّ الفوز للسائلين والطالبين في زمان ظهوره، يمكن أن يقع على أحد وجهين : أحدهما : أن يقرّب اللّه تعالی ظهوره علیه السلام فيدرك السائل لقاءه.
والثاني : أن يموت السائل فيجيبه اللّه عزّوجلّ في زمن ظهور القائم علیه السلام ليفوز بلقائه إجابة لدعائه، وإثابة لرجائه، كما ورد في دعاء العهد المرويّ عن
ص: 420
الصادق علیه السلام وقد ذكرناه في الامر الرابع والثلاثين ، فراجع .(1)
تتميم نفعه عميم : كما أنّه يستحبّ طلب الفوز بلقائه في زمان ظهوره، يستحبّ أيضاً طلب الفوز بلقائه في زمان غيبته في حال نوم السائل وفي يقظته ،
ويدلّ على ذلك وجوه:
الأوّل : جميع ما دلّ على استحباب الدعاء لكلّ أمر مشروع،
كقوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(2)
وقوله تعالى: (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ)(3)
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)(4)
والروايات في ذلك متواترة:
1636- منها عن الصادق علیه السلام : الدعاء هو العبادة الّتي قال اللّه عزّ وجلّ :
(إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)(5).
1637- وعنه علیه السلام قال : الدعاء كهف الإجابة ، كما أنّ السحاب كهف المطر .(6)
1638- وعنه 2 قال : أكثروا من أن تدعوا اللّه، فإنّ اللّه يحبّ من عباده المؤمنين أن يدعوه، وقد وعد عباده المؤمنين الإستجابة، واللّه مصيّر دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملاً يزيدهم في الجنّة ، الخير .(7)
1639- وفي حديث آخر عنه علیه السلام قال : فأكثر من الدعاء، فإنّه مفتاح كلّ رحمة ونجاح كلّ حاجة ، ولا ينال ما عند اللّه عزّوجلّ إلّا بالدعاء،
وإنّه ليس [من] باب یكثر قرعه إلّا يوشك أن يفتح لصاحبه .(8)
ص: 421
1640- و عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم قال : وما من مسلم دعا اللّه بدعوة ليست فيها قطيعة رحم، ولا استجلاب إثم إلّا أعطاه اللّه تعالى بها إحدى خصال ثلاث :
إمّا أن يعجّل له الدعوة، وإمّا أن يدّخرها في الآخرة،
وإمّا أن يرفع عنه مثلها من السوء .(1)
1641- و عنه صلی اللّه علیه وآله وسلم قال : الدعاء مخّ العبادة، وما من مؤمن يدعو اللّه إلّا استجاب فإمّا أن يعجّل له في الدنيا، أو يؤجّل له في الآخرة،
وإمّا أن يكفّر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا، ما لم يدع بمأثم .(2)
1642- و عنه صلی اللّه علیه وآله وسلم : قال :
أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام.(3)
1643- وعن أمير المؤمنين علیه السلام، قال :
ما كان اللّه ليفتح باب الدعاء ويغلق عليه باب الإجابة .(4)
1644- و عن الصادق علیه السلام عليكم بالدعاء، فإنّكم لاتقرّبون إلى اللّه بمثله .(5)
1645- و عن أمير المؤمنين علیه السلام قال : أحبّ الأعمال إلى اللّه عزّ وجلّ في الأرض الدعاء، وأفضل العبادة العفاف .(6)
1646- وعن فضيل بن عثمان، قال : قلت لأبي عبداللّه علیه السلام: أوصني،
قال علیه السلام: أُوصيك بتقوى اللّه، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الصحابة لمن صحبك، وإذا كان قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فعليك بالدعاء ، واجتهد، لا تمتنع من شيء تطلبه من ربّك، ولا تقول هذا ما لا أُعطاه ،
ص: 422
وادع فإنّ اللّه يفعل ما يشاء(1).
إلى غير ذلك من الأخبار المرويّة في كتب علمائنا الأخبار .
وحاصل الكلام أنّ التشرّف برؤية الإمام علیه السلام أمر ممكن مشروع، وكلّ أمر ممكن مشروع يستحبّ الدعاء له.
والنتيجة : استحباب الدعاء للتشرّف بلقائه سلام اللّه تعالى عليه .
أمّا الكبرى : فهي ثابتة بالكتاب والسنّة والإجماع والعقل، ويكفي من الكتاب والسنّة ماتلونا عليك، والإجماع ظاهر على من له خبرة وأُنس بكتب العلماء، وسيرة المسلمين، بل يمكن ادّعاء كون استحباب الدعاء من ضروریّات الدين، والعقل حاكم بحسن سؤال العبد مطالبه من ربّ العالمين.
وأمّا الصغرى : أعني إمكان التشرّف برؤية الإمام المنتظر، عجّل اللّه تعالى فرجه و مشروعيّة طلبه، فهو ظاهر لأهل الإيمان واليقين، وأدلّ شيء على إمكانه ، وقوعه لكثير من الصالحين، ومن أراد اللّه به خيراً في الدنيا والدين، وقد ورد سؤاله في عدّة من الزيارات والأدعية الّتي نقلها سلفنا الصالحون في كتبهم.
1647- ففي الدعاء المروي عنه بتوسّط العمري:
واجعلنا ممّن تقرّ عينه برؤيته .(2)
1648- وفي دعاء العهد: واكحل ناظري بنظرة منّى إليه .(3)
1649- وفي دعاء الندبة : وأره سیّده یا شدید القوى .(4)
1650- وفي دعاء عقيب السلام عليه في السرداب المبارك «وأرنا وجهه»(5) إلى غير ذلك ممّا هو مذكور في محلّه، وحمل ذلك كلّه على أنّ المراد طلب رؤيته في زمان ظهوره فقط ممّا لا شاهد له ولا داعي إليه.
ص: 423
1651- وقد ورد في بعض الأخبار أنّه علیه السلام يتردّد بين الناس فيرونه، ولا يعرفونه، وقد اتّفق لي ولبعض الأخيار ما هو من الأسرار .
1652- ومن الأخبار الّتي أشرت إليها ما رواه الكليني (رحمة اللّه علیه) في أُصول الكافي : بسند صحيح عال(1) عن سدير الصيرفي، قال :
سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: إنّ في صاحب هذا الأمر شبهاً من يوسف علیه السلام قال : قلت له : كأنّك تذكر حياته أو غيبته؟ قال : فقال عليه الصلاة والسلام لي:
و ماینكر من ذلك هذه الأُمّة أشباه الخنازير؟ إنّ إخوة يوسف علیه السلام كانوا أسباطاً أولاد الأنبياء تاجروا يوسف، وبايعوه و خاطبوه وهم إخوته وهو أخوهم، فلم يعرفوه حتّى قال : أنا يوسف وهذا أخي.
فما تنكر هذه الأُمّة الملعونة أن يفعل اللّه عزّ وجلّ بحجّته في وقت من الأوقات كما فعل بيوسف؟ إنّ يوسف علیه السلام كان إليه ملك مصر وكان بينه وبين والده مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد أن يعلمه القدر على ذلك، لقد سار يعقوب علیه السلام وولده عند البشارة تسعة أيّام من بدوهم إلى مصر .
فما تنكر هذه الأُمّة أن يفعل اللّه جلّ وعزّ بحجّته كما فعل بيوسف، أن يمشي في أسواقهم، ويطأ بسطهم، حتّى يأذن اللّه في ذلك له كما أذن ليوسف، قالوا: (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ)(2).(3)
1653- وروى النعمانيّ : بإسناده عن سدير الصيرفي، قال : سمعت أبا عبداللّه الصادق علیه السلام يقول : إنّ في صاحب هذا الأمر لسنّة من يوسف،
ص: 424
فقلت : فكأنّك تخبرنا بغيبة أو حيرة؟ فقال علیه السلام :
ما ينكر هذا الخلق الملعون أشباه الخنازير من ذلك؟
إنّ إخوة يوسف كانوا عقلاء ألبّاء أسباطاً أولاد أنبياء، دخلوا عليه فكلّموه وخاطبوه وتاجروه وراودوه، وكانوا إخوته وهو أخوهم، لم يعرفوه حتّى عرّفهم نفسه، وقال لهم : أنا يوسف، فعرفوه حينئذ.
فما تنكر هذه الأُمّة المتحيّرة أن يكون اللّه جلّ وعزّ يريد في وقت من الأوقات أن يستر حجّته عنهم؟ لقد كان يوسف إليه ملك مصر، وكان بينه وبين أبيه مسيرة ثمانية عشر يوماً، فلو أراد أن يعلمه بمكانه لقدر على ذلك،
واللّه لقد سار یعقوب وولده عند البشارة تسعة أيّام من بدوهم إلى مصر .
فما تنكر هذه الأُمّة أن يكون اللّه يفعل بحجّته مافعل بيوسف، وأن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقّه صاحب هذا الأمر يتردّد بينهم، ويمشي في أسواقهم، ويطأ فرشهم، ولا يعرفونه حتّى يأذن اللّه له أن يعرّفهم نفسه ، كما أذن ليوسف حين قال له إخوته : (أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ) !!(1)
أقول: تأمّل أيّها المؤمن المستيقن في هذا الحديث الشريف، وتدبّر في تعريض الإمام وإنكاره على من يزعم أنّ الإمام لا يتردّد بين الأنام، ولا يرونه، وانظر في تشبيهه من هذه الجهة بيوسف الصدّيق،
وفي هذا الحديث وما ذكرنا قبله كفاية وتصديق لاهل الإيمان والتحقيق، ولا أجد في الروايات ما يتوهّم منه المنافاة لما ذكرناه سوی حدیثین تبيّن عدم منافاتهما لما بيّنّاه لمن يأوي إلى ركن وثيق :
أحدهما: قوله في التوقيع الشريف المتقدّم:
فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب (إلخ).(2)
وقد بيّنّا في الأمر السابق عدم منافاته لما ذكرناه ، فراجع.
ص: 425
1654- والثاني ما في مزار البحار عن بعض كتب المزار : بإسناده عن أحمد ابن إبراهيم، قال : شكوت إلى أبي جعفر محمّد بن عثمان شوقي إلى رؤية مولانا علیه السلام ، فقال لي: مع الشوق تشتهي أن تراه، فقلت له: نعم،
فقال لي: شكر اللّه لك شوقك، وأراك وجهه في يسر وعافية، لاتلتمس یا أبا عبد اللّه أن تراه، فإنّ أيّام الغيبة تشتاق إليه ولا تسأل الإجتماع معه، إنّها عزائم اللّه والتسليم لها أولی، ولكن توجّه إليه بالزيارة .(1)
أقول: لا منافاة في هذا الحديث لما ذكرناه :
أمّا أوّلاً: فلأنّه دعا للسائل بقوله : أراك وجهه ، ولو كان هذا غير ممكن، أو طلبه غير مشروع لما كان يدعو له بذلك.
وأمّا ثانياً : فلأنّ هذا السؤال والجواب كان في زمان الغيبة الأُولى،
وفي ذلك الزمان قد وقع الفوز بلقائه علیه السلام لكثير من أهل الإيمان ، من السفراء وغيرهم كما يظهر من الأخبار
ولم نر في الروايات ما يدل على نفي المشاهدة مطلقاً في الغيبة الأولى.
وأمّا ثالثاً : فلأنّه يحتمل أن يكون في ذلك الوقت مانع بملاحظته ، لم يصلح التشرّف بلقائه لأحد، وقد ورد نظير ذلك في منع الوكلاء عن ذكره :
1655- ففي أُصول الكافي : عن الحسين بن الحسن العلوي، قال : كان رجل من ندماء روز حسني وآخر معه ، فقال له: هوذا يجبي الأموال، وله وكلاء، وسمّوا جميع الوكلاء في النواحي، وأنهى ذلك إلى عبيداللّه بن سليمان الوزير ، فهمّ الوزير بالقبض عليهم، فقال السلطان : أُطلبوا أين هذا الرجل، فإنّ هذا أمر غلیظ ، فقال عبيداللّه بن سليمان : نقبض على الوكلاء، فقال السلطان : لا ولكن دسّوا لهم قوماً لا يعرفون بالأموال، فمن قبض منهم شيئاً قبض عليه.
قال : فخرج بأن يتقدّم إلى جميع الوكلاء أن لا يأخذوا من أحد شيئاً، وأن
ص: 426
يمتنعوا من ذلك، ويتجاهلوا الأمر، فاندس لمحمد بن أحمد رجل لا يعرفه ، وخلا به ، فقال : معي مال أُريد أن أُوصله، فقال له محمّد: غلطت،
أنا لا أعرف من هذا شيئاً، فلم يزل يتلطّفه ومحمّد يتجاهل عليه ، وبثّوا الجواسيس، وامتنع الوكلاء كلّهم لما كان تقدّم إليهم.(1)
وأمّا رابعاً : فبأنّه لا يمكن لأحد التشرّف برؤيته إلّا بإذنه ، ويمكن أن يكون منع أبي جعفر من ذلك بسبب عدم إذن الإمام له في تشرّف هذا الشخص بلقائه ، إمّا بسبب عدم تحمّله لهذا السرّ وضعف طاقته ونشر الخبر وإذاعته، أو لغير ذلك
1656- ويؤيّد هذا الوجه ما في أُصول الكافي : عن عليّ بن محمّد، عن أبي عبداللّه الصالحي، قال: سألني أصحابنا بعد مضي أبي محمّد علیه السلام ، أن أسأل عن الإسم والمكان، فخرج الجواب :
إن دللتهم على الإسم أذاعوه، وإن عرفوا المكان دلّوا عليه .(2)
وأمّا خامساً : فلعلّ السائل أراد مصاحبته ، وملازمته على نحو أصحاب سائر الأئمّة علیهم السلام ، وذلك كان ممنوعاً في الغيبتين جميعاً، والشيخ أبو جعفر فهم منه ذلك أيضاً، ولهذا قال : لا تسأل الإجتماع معه.
1657- ويؤيّد هذا الوجه ما رواه الكليني رحمه اللّه تعالى في الصحيح عن الصادق علیه السلام قال : للقائم علیه السلام غیبتان : إحداهما قصيرة، والأُخرى طويلة،
الغيبة الأُولى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة شيعته،
والأُخرى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة مواليه .(3)
هذا، وقد مرّ في الأمر السابق ما يؤيّده أيضاً، فتدبّر .
ص: 427
الوجه الثاني: إنّ النظر إلى وجهه المنير عبادة، وطلب التوفيق للعبادة عبادة، فطلب التوفيق له عبادة، وكلّ من المقدّمتين من الوضوح بمكان لا يحتاج إلى إقامة دليل وبرهان.
1908- بل يشهد للأُولى ما روي في مجالس الصدوق : عن مولانا الرضا علیه السلام : من أنّ النظر إلى ذرّيّة النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم عبادة، إماماً كان أو غير إمام .(1)
وللثانية : الدعوات المأثورة عن الأئمّة علیهم السلام ، وأمرهم بطلب التوفيق للعبادة من اللّه عزّ وجلّ.
الوجه الثالث : قوله في دعاء العهد وغيره : اللّهمّ أرني الطلعة الرشيدة ، والغرّة الحميدة، واكحل ناظري بنظرةٍ منّي إليه ... إلخ، فإنّه يعمّ بإطلاقه زمان غيبته وحضوره ، كما لا يخفى على من استنار قلبه بنوره.
الوجه الرابع : فحوى ما ورد في فضل قراءة سورة بني إسرائيل في ليالي الجمعة :
1659- ففي تفسير البرهان عن العيّاشيّ والصدوق في كتابيهما: بإسنادهما عن الصادق علیه السلام قال : من قرأ سورة بني إسرائيل في كلّ ليلة جمعة لم يمت حتّى يدرك القائم، ويكون من أصحابه .(2)
1660- وفحوى ما ورد في فضل قراءة دعاء العهد المرويّ في البحار عن كتاب الإختيار للسيّد ابن الباقي عن الصادق علیه السلام، أنّه قال: من قرأ بعد كلّ فريضة هذا الدعاء فإنّه يرى الإمام «م ح م د» بن الحسن عليه وعلى آبائه السلام في اليقظة أو في المنام(3) وقد ذكرناه في أوّل الباب السادس .(4)
ص: 428
1661- وفحوى ما روي في مكارم الأخلاق في فضل قراءة :
اللّهمّ إنّ رسولك الصادق المصدّق - إلى آخره بعد كلّ فريضة، والمواظبة على هذا الدعاء - أنّه يتشرّف بلقاء صاحب الأمر عجّل اللّه تعالی فرجه(1)
وقد ذكرناه في الباب السادس أيضاً.(2)
وجه الإستدلال أنّ الأخبار المذكورة تدلّ بدلالة التنبيه والإيماء على أنّ طلب التشرّف بلقائه في أمر محبوب عند اللّه تعالى،
وقد ندب إليه الأئمّة علیهم السلام ، حتّى أنّ الفوز بلقائه قد جعل ثواباً لمن تعبّد ببعض العبادات الّتي أمر الشارع بها، فتدبّر .
الوجه الخامس: ما نظمه العلّامة الطباطبائي السيّد مهدي النجفيّ المشتهر ببحر العلوم في الغايات الّتي يستحبّ لها الغسل، حيث قال في درّته :
ورؤية الإمام في المنام *** لدرك مايقصد من مرام
فلو لم يكن طلب رؤية الإمام أمراً مستحبّاً مرغوباً إليه لم يكن الإغتسال له مستحبّاً راجحاً، إذ لا يخفى أنّ استحباب الغسل إنّما هو لرجحان ما يغتسل له،
وهذا ظاهر بالنظر إلى سائر موارده، فتدبّر .
الوجه السادس: إنّ طلب لقائه إنّما هو لمحبّته، والإشتياق والتحبّب إليه ، ولا ريب أنّ التودّد والتحبّب إليه من أفضل العبادات وأهمّها لأنّه من آثار الولاية وعلائمها، فكلّما كان الحبّ أشدّ وأتمّ كان الإشتياق إلى لقاء المحبوب أكثر وأعظم، وقد مرّ في هذا الباب ما يدلّ على هذا المرام ويتذكّر به أُولو الألباب .(3)
الوجه السابع : ما روي في جنّة المأوى للعالم النوري رحمه اللّه تعالی عن كتاب الإختصاص للشيخ المفيد (رحمة اللّه علیه) عن أبي المغرا(4)، عن الإمام موسی بن
ص: 429
جعفر علیهماالسلام ، قال سمعته يقول : من كانت له إلى اللّه حاجة وأراد أن يرانا، وأن يعرف موضعه من اللّه، فليغتسل ثلاث ليال يناجي بنا،
فإنّه يرانا ويغفر له بنا، ولا يخفى عليه موضعه ، الخبر .(1)
قال المحدّث النوري بعد ذكر الحديث : قوله علیه السلام :
يناجي بنا أي يناجي اللّه تعالی بنا، ويعزم عليه ويتوسّل إليه بنا أن يرينا إيّاه، ويعرف موضعه عندنا، وقيل: أي يهتمّ برؤيتنا، ويحدّث نفسه بنا ورؤيتنا ومحبّتنا، فإنّه يراهم، أويسألنا ذلك ، إنتهى كلامه .
أقول : يحتمل قويّاً أن يكون المراد من قوله علیه السلام: «یناجي بنا» أن يناجي المؤمن إمام زمانه ويذكر له حاله ، ويبثّ إليه حزنه وشكواه، ويكلّمه ويعرض عليه حوائجه ومناه، ويسأله الإهتمام بما يحتاج إليه ويتمنّاه،
كما يناجي ربّه ومولاه، فإنّ إمامه يسمع كلامه ويراه، فإنّه الّذي جعله اللّه تعالی غوثاً لمن فزع إليه وهواه، ومفزعاً لمن التجأ إليه وناداه ، ومعيناً لمن استعان به وناجاه، فيكون معنى يناجي بنا : يناجينا، ونظيره ما سيأتي في الأمر الآتي في الحديث: «أن ينادي بهم الباري » ومعناه يناديهم.
1662- وفي دعاء يوم العاشور: وجعلنا اللّه وإيّاكم من الطالبين بثاره أي من طالبي ثاره، ونظيره كثير كما لا يخفى على الخبير .
1663- ويشهد لما ذكرناه السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس في كشف المحجّة نقلاً عن كتاب الرسائل لمحمّد بن يعقوب الكليني، رحمه اللّه تعالى عمّن سمّاه ، قال : كتبت إلى أبي الحسن علیه السلام : إنّ الرجل يحبّ أن يفضي إلى إمامه مايحبّ أن يفضي به إلى ربّه(2) قال : فكتب علیه السلام :
إن كانت لك حاجة فحرّك شفتيك، فإنّ الجواب يأتيك ، إنتهی .(3)
ص: 430
وعلى ما ذكرناه فالباء في قوله علیه السلام : «یناجي بنا» زائدة تقوية وتأكيداً للكلام، أو للملابسة والإلصاق المجازيّ، فتدبّر .
الوجه الثامن : عمل الصالحين من العلماء وغيرهم، واستقرار سيرتهم على مسألة التشرّف بلقائه علیه السلام عن قديم الأيّام، بحيث كان جمع منهم يواظبون على البيتوتة، والتضرّع والعبادة أربعين ليلة جمعة في مسجد الكوفة، أو أربعين ليلة أربعاء في مسجد السهلة ، لينالوا بهذا الفوز العظيم.
وقد اتّفق الفوز بلقائه لكثير من الصالحين، ووقائعهم مذكورة في الكتب كالبحار والنجم الثاقب ودار السلام للشيخ محمود وغيرها .(1)
وقد سمعت من الثقاة وقائع غير مذكورة في تلك الكتب، لم يثبت في خاطري الآن كيفيّاتها لأُثبتها في هذا المقام، والحاصل أن التشرّف برؤيته في زمان غيبته أمر ممكن، قد وقع لكثير من الأنام من الخواصّ والعوامّ،
وبهذا يجاب عن بعض أهل الشبهة من العامّة وغيرهم الّذين يعترضون على الإماميّة بأنّه : أيّ فائدة في وجود الإمام الغائب عن الأبصار .
ويجاب عنهم أيضاً، بأنّ فوائد وجود الإمام ليست منحصرة في الفوائد الّتي تدرك بمشاهدته وظهوره بل فوائد وجوده المبارك كثيرة، تصل إلى جميع الممكنات وان كان غائباً عن أبصار البريّات،
ولذلك شبّه في عدّة من الروايات بالشمس، إذا كانت تحت السحاب .(2)
لمؤلّفه :
هو العلم الهادي بإشراق نوره *** وإن غاب عن عيني كحين ظهوره
ألم تر أنّ الشمس ينشر ضوءها *** إذا كان تحت الغيم حین عبوره
ص: 431
ونحن نذكر إن شاء اللّه تعالى شأنه في خاتمة الكتاب وجوهاً كثيرة ممّا ألهمنا اللّه تعالی ببركة أوليائه في تشبیه مولانا صاحب الزمان عجّل اللّه تعالی فرجه في زمان غیبته بالشمس إذا كانت تحت السحاب .
هذا وقد صرّح جمع من علمائنا في كتبهم بأنّه لا يمتنع في زمان الغيبة التشرّف بلقاء الحجّة علیه السلام، وبوقوع ذلك لكثير من المؤمنين :
قال السيّد المرتضی رضي اللّه تعالی عنه في كتاب الغيبة
فإن قيل : فأيّ فرق بين وجوده غائباً لا يصل إليه أحد ولا ينقطع به بشر، وبين عدمه، وإلّا جاز إعدامه إلى حين علم اللّه بتمكين الرعيّة له كما جاز أن يبيحه الإستتار حتّى يعلم التمكين له فيظهر؟ قيل له:
أوّلاً نحن نجوّز أن يصل إليه كثير من أوليائه والقائلون بإمامته فينتفعون به، ومن لا يصل إليه منهم ولا يلقاه من شيعته ، ومعتقدي إمامته فهم ينتفعون به في حال الغيبة، النفع الّذي نقول إنّه لا بدّ في التكليف منه، إلى آخر ما قال .(1)
وقال السيّد رضي الدين عليّ بن طاووس (رحمة اللّه علیه) في كشف المحجّة مخاطباً لولده (رحمة اللّه علیه): والطريق مفتوحة إلى إمامك علیه السلام لمن يريد اللّه جلّ شأنه عنايته به وتمام إحسانه إليه ، إنتهی .(2)
ومن العلماء المصرّحين بذلك العلّامة المجلسيّ، وبحر العلوم والمحقّق الكاظميّ والشيخ الطوسيّ وغيرهم من أجلّة العلماء الأبرار .(3)
فقد ظهر بما تلوناه عليك ببركة أوليائه علیهم السلام إمكان رؤيته في اليقظة والمنام
ص: 432
في زمان الغيبة الكبرى، واستحباب مسالة هذا الشان من القادر المنّان، وهو الموفّق وعليه التكلان.
الأمر الثالث والسبعون : الإقتداء والتاسّي بأخلاقه وأعماله
فيما يقدر عليه المؤمن بحسب حاله وهذا معنى التشيّع وحقيقة الائتمام، وبه يحصل كمال الإيمان وتمام موالاة الإمام معه يوم القيام ومجاورته في دار السلام :
1664- ففي كتاب أمير المؤمنين علیه السلام إلى عثمان بن حنیف عامله على البصرة
قال علیه السلام : ألا وإنّ لكلّ مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه، إلخ.(1)
1665- وفي روضة الكافي : عن زین العابدین علیه السلام ، قال : لا حسب لقرشيّ ولا لعربيّ إلّا بتواضع، ولا كرم إلّا بتقوى، ولاعمل إلّا بالنيّة، ولا عبادة إلّا بالتفقّه ، ألا وإنّ أبغض الناس إلى اللّه من يقتدي بسنّة الإمام ولا يقتدي بأعماله .(2)
توضیح:
1666- قد ورد في الروايات : أنّ اللّه تعالى قد يحب عبداً ويبغض عمله، وقد يبغض عبداً ويحبّ عمله(3)،
وهذا موافق للعقل والاعتبار، لأنّ المحبوبيّة والمبغوضيّة عند اللّه إنّما يكون بسبب أمر اللّه ونهيه، على حسب ما يريده اللّه من العبد في اعتقاده وعمله فيمكن أن يكون العبد محبوباً عند اللّه بحسب الإعتقاد لكونه مؤمناً، ومبغوضاً عنده بحسب العمل لكونه مخالفاً لأمره ونهيه ، وكذا العكس.
إذا عرفت هذا فنقول : الظاهر أنّ المراد من هذا الكلام أنّ أبغض الناس إلى اللّه من حيث العمل من يكون على طريقة الإمام أي يعتقد ويقرّ بإمامته وولايته
ص: 433
وهو مع ذلك يخالفه في الأعمال والأخلاق، والسرّ في ذلك أنّ المؤمن إذا خالف إمامه في أعماله وأخلاقه كان شيناً وعاراً على الإمام، وسبباً لطعن الأعداء وإزرائهم عليه، وهذا ذنب عظيم، وإذا اقتدى بأعماله وأخلاقه كان سبباً لعظمة وليّ اللّه في أعينهم، ورغبة المخالفين إلى طريقتهم، واهتداء الناس بأعمالهم إلى إمامهم، فيحصل بذلك الغرض الإلهي من نصب الإمام بين الأنام .
1667- ولهذا قالوا: كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً.(1)
1668- وقالوا: كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم .(2)
1669- وفي أُصول الكافي : في الصحيح العالي (3) عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال :
إنّا لا نعدّ الرجل مؤمناً حتّى يكون بجميع أمرنا متّبعاً ومريداً ،
ألا وإنّ من اتّباع أمرنا وارادته الورع، فتزيّنوا به يرحمكم اللّه، وكیدوا(4) أعداءنا به ينعشكم اللّه(5). (6)
1670- وفي روضة الكافي : بإسناده عن الصادق علیه السلام ، قال : مررت أنا وأبو جعفر علیه السلام على الشيعة وهم ما بين القبر والمنبر ، فقلت لأبي جعفر علیه السلام:
ص: 434
شيعتك ومواليك جعلني اللّه فداك ، قال : أين هم؟ قلت : أراهم ما بين القبر والمنبر ، فقال : اذهب بي إليهم فذهب فسلم عليهم، ثم قال :
واللّه إنّي لأُحبّ ریحكم وأوراحكم، فأعينوا مع هذا بورع واجتهاد، إنّه لا ينال ما عند اللّه إلّا بورع واجتهاد، وإذا ائتممتم بعبد فاقتدوا به، أما واللّه إنّكم لعلي ديني ودين آبائي إبراهيم وإسماعيل، وإن كان هؤلاء على دين أُولئك فأعينوا على هذا بورع واجتهاد .(1)
قال العلّامة المجلسيّ (رحمة اللّه علیه) في الشرح : إنّما خصّص من بين الآباء إبراهيم وإسماعيل لبيان أنّ جميع الأنبياء مشاركون لنا في الدين،
ولمّا كان هذا التخصيص يوهم إمّا الحصر أو كونهم أفضل من آبائه الأكرمين محمّد وأهل بيته صلوات اللّه وسلامه عليهم استدرك ذلك بأنّ النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم وأهل بيته هم الأصل في دين الحقّ وسائر الأنبياء علیهم السلام على دينهم ومن أتباعهم.
فقوله صلی اللّه علیه وآله وسلم: «هؤلاء» إشارة إلى إبراهيم وإسماعيل وغيرهما من الأنبياء الماضين علیهم السلام و «أُولئك» إشارة إلى آبائه الأقربين من النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم والأئمّة الطاهرين صلوات اللّه وسلامه عليهم، إنتهى كلامه .(2)
أقول: يحتمل أن يكون تخصيص إبراهيم وإسماعيل علیهماالسلام بالذكر نظراً إلى قوله تعالى : (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا)(3)
وقوله : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ)(4)
وقوله تعالى : (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)555(5) وتنبيهاً على أنّ الطريقة الحنيفيّة الحقّة الّتي أمر اللّه عزّ وجلّ نبيّه صلی اللّه علیه وآله وسلم طريقة الشيعة وإن كانوا هم الأقلّين عدداً الأخفّين عند الناس
قدراً، وهي شريعة إبراهيم وحقيقة التوحيد.
ص: 435
1671- والدليل على ما ذكرنا ما رواه ثقة الإسلام (رحمة اللّه علیه) أيضاً في روضة الكافي : عن أبي جعفر علیه السلام :
ما أحد من هذه الأُمّة يدين بدين إبراهيم علیه السلام إلّا نحن وشيعتنا، وما هدي من هدي من هذه الأُمّة إلّا بنا، ولا ضلّ من ضلّ من هذه الأُمّة إلّا بنا، إنتهى .)(1)
وهذا الكلام منه علیه السلام تسلية لقلوبهم وتشويق وتزكية لهم وتقریر وتثبيت لهم على طريقتهم، ولذلك أكّد كلامه بالقسم، وبحرف التحقيق، وبالجملة الإسميّة، ويكون قوله علیه السلام : «وإن كان هؤلاء» إشارة إلى العامّة العمياء وتعريضاً عليهم، و«أُولئك» إشارة إلى رؤسائهم أئمّة الضلال لعنهم اللّه تعالى ،
فإنّ الزمان كان زمان تقيّة والمكان مكان تقية .
والغرض من أوّل الكلام إلى آخره أن لا يحزنوا لما يرون في مخالفيهم من الكثرة والعزّة الظاهريّة، والتنعّم بالنعم الدنياويّة، والتقلّب في المشتهيات النفسانيّة من الأموال والزخارف والرئاسة، ويرون في أنفسهم أضدادها، ولا يتنافسوا في الأموال، ولا يرغبوا في الدنيا، وليفرحوا بما أنعم اللّه تعالى عليهم من دین الحقّ، الّذي أمر نبيّه صلی اللّه علیه وآله وسلم وأئمّتهم عليه ،
قال اللّه عزّ وجلّ : («لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ)(2).
ويحتمل أن يكون «أُولئك» إشارة إلى المشركين، يعني أنّ العامّة العمياء وإن كانوا مسلمين موحّدين في الظاهر لكنّهم على دين المشركين باطناً، لأنّهم أشركوا رؤساءهم وطواغيتهم في الإمامة الّتي جعلها اللّه لأهلها، كما أنّ المشركين أشركوا أصنامهم في العبادة الّتي جعلها اللّه تعالی لنفسه فقال :
(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)(3).
ص: 436
ولا ريب أنّ من جعل لوليّ اللّه تعالى شريكاً فهو مشرك في الواقع، فإنّه شارك اللّه في أمره، والتعبير عن المخالفين بالمشركين في الاخبار على حدّ التضافر والتواتر.
1672- وفي الزيارة الجامعة : ومن حاربكم مشرك .(1)
1673- وفي خطبة الغدير : من أشرك بيعة عليّ علیه السلام كان مشركاً .(2)
1674- وفي مرآة الأنوار عن معاني الاخبار - في حديث - عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم :
أيّها الناس من اختار منكم على عليّ إماماً فقد اختار عليَّ نبيّاً، ومن اختار عليَّ نبيّاً فقد اختار على اللّه عزّ وجلّ ربّاً .(3)
والأخبار في هذا المعنى كثيرة جدّاً.
والحاصل أنّ غرض الإمام تشويق المؤمنين، وبيان أنّهم على دين الإسلام والتوحيد الّذي اختاره اللّه لعباده ، فقال تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)(4)
وقال عزّ وجلّ: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(5) (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(6) .
وأنّ المخالفين لطريقة الأئمّة البررة الّذين جعلوا لأولياء اللّه تعالی شركاء على دين المشركين، الّذين اتّخذوا مع اللّه آلهة أُخرى . وأنت إذا أمعنت النظر في الكلام، وتتّبعت في الآيات الشريفة، وتفاسيرها وتأويلاتها، وشروحها المرويّة عن الأئمّة علیهم السلام أيقنت بصحّة المعنى الّذي ذكرته لكلام الإمام في هذا المقام.
وأعلم: أنّ «إن» في قوله علیه السلام «وإن كان هؤلاء» مخفّفة من المشدّدة أتى بها
ص: 437
لتأكيد الكلام نحو قوله تعالى : (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ)(1) و (إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا)(2) (وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً)(3) (وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ)(4)
إلى غير ذلك وعلى ما ذكره المجلسي رحمه اللّه تعالى تكون وصليّة ،
وهذا لا ينافي ما ذكرناه أيضاً، فتدبّر جيّداً.
ثمّ إنّ الإمام علیه السلام بعد أن شوّقهم ورغّبهم، أمرهم بالإقتداء بإمامهم،
ثمّ قال علیه السلام : فأعينوا على هذا بورع واجتهاد ،
لأنّ هذا إعانة لإمامهم من وجهين، وإعانة لأنفسهم من وجهين:
أمّا أنّه إعانة لإمامهم فلأنّ معنى الإعانة مساعدة الغير على أمر يريده ،
ولا ريب أنّ مقصد الإمام ومرامه هو ترویج دین اللّه، وحصول طاعة اللّه من كلّ أحد من خلق اللّه، فإذا اجتهد المؤمن في طاعة اللّه، وتورّع عن معصية اللّه، فقد ساعد إمامه في مرامه، فيكون معيناً له، فيعينه الإمام جزاءً له.
والوجه الثاني : أنّ اجتهاد المؤمن في الطاعة وورعه عن المعصية، يوجب رغبة الناس في اتباع طريقته، وعلمهم بحقّيّة إمامه(5)،
ص: 438
لأنّ ذلك دليل على أنّه أدّبه بذلك، فيصير سبباً لاتّباع الإمام، والإعتقاد والإقرار به، والإعراض عن أعدائه و مخالفيه، فبهذا يعين المؤمن إمامه، ويحارب به أعداءه كما قال علیه السلام في الحديث السابق : وكيدوا أعداءنا به .
وأمّا أنّه إعانة لأنفسهم، فلأنّ الإجتهاد في الطاعة والتورّع عن المعصية يكون سبباً لبقاء الإيمان وثباته ، كما أنّ الإقتحام والإصرار في السيّئات قد يكون سبباً لزوال الإيمان، قال اللّه عزّ وجلّ شأنه :
(ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ)(1).
والوجه الآخر : أنّ الإجتهاد في الطاعة والورع عن الآثام والإقتداء بالإمام، يكون سبباً لمجاورته في دار السلام، فهذا إعانة المؤمنين لأنفسهم في الفوز بجوار الإمام في دار السلام ومقام الكرام، كما أنّ مخالفته في الأعمال يوجب الحرمان عن هذا الثواب، والبعد عن جوار الأئمّة الأطياب.
1675- ويشهد لذلك ما رواه ثقة الإسلام الكلينيّ (رحمة اللّه علیه) في روضة الكافي :
عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن حمّاد اللحّام، عن أبي عبداللّه علیه السلام أنّ أباه قال : يا بنيّ إنّك إن خالفتني في العمل لم تنزل معي غداً في المنزل، ثمّ قال علیه السلام : أبي اللّه عزّ وجلّ أن يتولّى قوم قوماً يخالفونهم في أعمالهم، ينزلون معهم يوم القيامة كلّا وربّ الكعبة ، إنتهى .(2)
ولا بأس بأن نختم المقال في هذا المجال بتحقيق الحال في تعيين هؤلاء الرجال، والباعث لنا على هذا التنبيه خفاؤه على بعض الفحول،
فزعم في كتابه مرآة العقول(3) : أنّ هذا الحديث مجهول.
ص: 439
فأقول مستعيناً باللّه تعالی و مستمّداً من آل الرسول صلی اللّه علیه وآله وسلم : أنّ الحديث المذكور عندي معدود من الأحاديث الصحاح، وإن اردت الايضاح وهویت رفع الإجاح فاخفض الجناح، وأحضر قلبك لما قد ساح(1)
واعلم أنّ محمّد بن يحيى العطّار هو محمّد بن يحيى الثقة الجليل،
ونعطيك قاعدة كلّيّة أنّه كلّما وقع محمّد بن يحيى في أوّل سند الكافي فهو هذا الشخص الثقة الجليل.
وأمّا أحمد بن محمّد، الواقع في طريق هذا الحديث فهو أحمد بن محمّد ابن عيسى الأشعري، الثقة الجليل ، شیخ القمّيّين ووجههم وفقيههم.
وأمّا الحسن بن عليّ: فالّذي ظهر لنا من التتبّع في الأخبار وكتب الرجال، أنّه الحسن بن عليّ بن فضّال، وهو ثقة جليل، عابد ورع مفضال،
وقد ذكروا له مناقب جمّة، وعبادات مهمّة، ومقاماته عند الاسطوانة السابعة من مسجد الكوفة معروفة، وأيّامه بكثرة العبادة وطول السجود موصوفة،
وهو وإن كان في بعض عمره من الفطحيّة، ولكنّه رجع عن هذا الإعتقاد، وسلك سبيل الرشاد، ودان بدین الأئمّة الأمجاد «صلّى اللّه تعالى عليهم إلى يوم التناد ، وبعده أبداً لا أمد له ولا نفاد»
وأمّا حمّاد اللحّام فهو حمّاد بن واقد الكوفي اللحّام، وهو من الشيعة الكرام والثقات العارفين بأمر الأئمّة علیهم السلام وإنّي وإن لم أقف على توثيق صريح له فيما حضرني الآن من كتب الرجال، إلّا أنّ الّذي ظهر لي ويقوي في نفسي أنّه من أجلّاء الثقات وألبّاء الرواة، والّذي يشهد لذلك وجوه:
أحدها : اعتماد القمّيّين على روايته، خصوصاً أحمد بن محمّد بن عیسی المذكور مع تثبّته وجلالته ، فإنّ القمّيّين كانوا محترزین عمّن يروي عن الضعفاء، بل قيل : إنّ عيسى المذكور بعّد أحمد بن محمّد بن خالد البرقي عن قم لهذه الجهة .
ص: 440
الوجه الثاني : رواية ابن فضّال عنه، مع كمال ورعه وتثبّته وتقواه،
فإنّ رواية الأجلّاء عن أحد من إمارات الوثوق ، كما تقرّر في محلّه .
1676 - الثالث : قول الإمام أبي محمّد العسكريّ علیه السلام لمّا سئل عن كتب بني فضّال : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا .(1)
الرابع : رواية جعفر بن بشير البجليّ الثقة الجليل عنه،
وقد ذكروا في ترجمته أنّه روي عن الثقات.(2)
1677- الخامس: ما رواه الشيخ الصدوق(3) محمّد بن يقعوب الكلينيّ (رحمة اللّه علیه) في أُصول الكافي في باب التقيّة : عن محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن حمّاد بن واقد اللحّام،
قال : استقبلت أبا عبداللّه علیه السلام في طريق فأعرضت عنه بوجهي ومضيت ، فدخلت عليه بعد ذلك، فقلت : جعلت فداك ، إنّي لألقاك فأصرف وجهي كراهة أن أشقّ عليك، فقال علیه السلام لي: رحمك اللّه، ولكن رجلاً لقيني أمس في موضع كذا وكذا، فقال: عليك السلام يا أبا عبداللّه، ما أحسن ولا أجمل(4).(5)
وفي هذا الحديث الشريف دلالة على كون حمّاد من الشيعة الإماميّة، ومعرفته وبصيرته بموارد التقيّة، وكونه مهتمّاً بحفظ الإمام، وتحصيل رضاه بما يقتضيه المقام، ودعاء الإمام في حقّه بسبب رعاية هذا المرام.
وفيه أيضاً دلالة على وفور عقله وذكائه وفهمه،
وبما عيّنّاه ظهر لك حال حمّاد في دينه ووثاقته وجلالته، وخرج عمّا زعمه مولانا المجلسي(رحمة اللّه علیه) من الحكم بجهالته.
ص: 441
الأمر الرابع والسبعون : حفظ اللسان عن غير ذكر الخالق المنّان
وما يقرب من هذا العنوان، وذلك وإن كان راجحاً في كلّ زمان إلّا أنّه لمّا كان الإنسان في زمان غيبة صاحب الزمان أكثر وقوعاً في معرض الخطر والخسران، والفتن والإمتحان ، كان اهتمامه بهذا الشأن آكد وأهمّ من سائر الأزمان
1678- روى الصدوق في كمال الدين : في الصحيح، عن جابر ، عن مولانا أبي جعفر الباقر علیه السلام أنّه قال : يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم
فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان، إنّ أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري جلّ جلاله فيقول: عبادي وإمائي آمنتم بسرّي، وصدّقتم بغيبي، فأبشروا بحسن الثواب منّي، فأنتم عبادي وإمائي حقّاً، منكم أتقبّل، وعنكم أعفو، ولكم أغفر، وبكم أسقي عبادي الغيث، وأدفع عنهم البلاء، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي.
قال جابر: فقلت : يا بن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، ما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان؟
قال علیه السلام : حفظ اللسان ولزوم البيت .(1)
1679- وفي مجالس الصدوق : بإسناده عن الصادق علیه السلام ، عن آبائه ، قال :
قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم : من عرف اللّه تعالی وعظّمه منع فاه من الكلام، وبطنه من الطعام، وعنّى نفسه بالصيام والقيام، قالوا: بآبائنا وأُمّهاتنا يا رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم هؤلاء أولياء اللّه،
قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : إنّ أولياء اللّه سكتوا فكان سكوتهم فكراً، وتكلّموا فكان كلامهم ذكراً، ونظروا فكان نظرهم عبرة، ونطقوا فكان نطقهم حكمة، ومشوا فكان
ص: 442
مشيهم بين الناس بركة، لولا الآجال الّتي قد كتبت عليهم لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم خوفاً من العذاب وشوقاً إلى الثواب .(1)
توضیح: يستعمل السكوت غالباً في حفظ اللسان عن الكلام، إذا كان الإنسان في معرض التكلّم، والصمت أعمّ منه،
ويستعمل النطق غالباً في التكلّم في مقام المخاطبة والتكلّم، أعمّ منه .
1680- وفي أُصول الكافي : في الصحيح عن أبي جعفر علیه السلام قال :
إنّما شیعتنا الخُرس .(2)
1681- وفيه : عن الكاظم علیه السلام بسند موثّق حين قال له رجل: أوصني ،
فقال له : احفظ لسانك تعزّ، ولا تمكّن الناس من قيادك فتذلّ رقبتك .(3)
1682- وفيه : في الصحيح عن الرضا علیه السلام ، قال :
من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت، إنّ الصمت باب من أبواب الحكمة، إنّ الصمت يكسب المحبّة ، إنّه دليل على كلّ خير .(4)
1683- وفيه : في الصحيح عن الصادق علیه السلام ، قال :
قال رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم لرجل أتاه: ألا أدلّك على أمر يدخلك اللّه به الجنّة؟
قال : بلى يا رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، قال : أنل ممّا أنالك اللّه(5)
قال : فإن كنت أحوج ممّن أُنيله ، قال صلی اللّه علیه وآله وسلم : فانصر المظلوم، قال :
وإن كنت أضعف ممّن أنصره؟ قال : فاصنع للأخرق(6) يعني أشر عليه ،
ص: 443
قال : فإن كنت أخرق ممّن أصنع له؟ قال: فاصمت لسانك إلّا من خير،
أما يسرّك أن تكون فيك خصلة من هذه الخصال تجرّك إلى الجنة ؟ !(1)
1684- وفي الكافي : عن الصادق علیه السلام ، قال : لا يزال العبد المؤمن يكتب محسناً ما دام ساكتاً فإذا تكلّم كتب محسناً أو مسيئاً.
وروى الصدوق في الفقيه عن أمير المؤمنين علیه السلام نحوه .(2)
وهذان الحديثان والّذي قبلهما وحديث المجالس، تدلّ على أن السكوت من حيث هو عبادة مندوبة، وإن لم يشتمل على أمر راجح، كالتفكّر والتقيّة ونحوهما، ويدلّ على ذلك روايات عديدة ، سنذكرها إن شاء اللّه .
كلام المجلسي (رحمة الله علیه) حول رواية الصادق علیه السلام : «لا يزال العبد المؤمن يكتب محسناً ما دام ساكتاً ...» واشكال المؤلّف، وذكر وجوه خامسة فيه
وتأمّل المجلسي رحمه اللّه تعالى في دلالة الحديث الثاني،
حيث قال في شرح قوله : «یكتب محسناً» إمّا لإيمانه أو لسكوته، فإنّه من الأعمال الصالحة كما ذكره الناظرون في هذا الخبر ، ثمّ قال :
وأقول : الأوّل عندي أظهر، وان لم يتفطّن به الأكثر ، لقوله علیه السلام:
فإذا تكلّم كتب محسناً أو مسيئاً، لأنّه على الإحتمال الثاني يبطل الحصر، لأنّه يمكن أن يتكلّم بالمباح، فلا يكون محسناً ولا مسيئاً، إلّا أنّ يعمّ المسيء تجوّزاً بحيث يشتمل غير المحسن مطلقاً، وهو بعيد.
فإن قيل: يرد على ما اخترته أنّ في حال التكلّم بالحرام ثواب الإيمان حاصل له فيكتب محسناً و مسيئاً معاً، فلا يصحّ التردید .
قلت : يمكن أن يكون المراد بالمحسن المحسن من غير إساءة، كما هو الظاهر فتصحّ ثواب المقابلة، مع أنّ بقاء ثواب استمرار الإيمان مع فعل المعصية في محل المنع، ويؤمئ إلى عدمه قولهم علیه السلام :
ص: 444
1685- «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»(1) وأمثاله، ممّا قد مرّ بعضها ، ويمكن أن يكون هذا أحد محامل هذه الأخبار، وأحد على ما ورد: أنّ نوم العالم عبادة ، أي هو في حال النوم في حكم العبادة لاستمرار ثواب علمه وإيمانه، وعدم صدور شيءٍ منه يبطله في تلك الحالة ، إنتهى كلامه رفع مقامه .(2)
وفيه نظر وإشكال من وجوه :
الأوّل : أنّ ما جعله أظهر غير ظاهر، وتقييد الثواب بكونه لإيمانه لا دليل عليه، ولا شاهد يرشد إليه، بل الظاهر ما فهمه الناظرون في الخبر وهم الأكثر كما اعترف به. وقوله: «على الإحتمال الثاني يبطل الحصر ... إلخ» خطأ ، لأنّ المتكلم بالمباح أيضاً مسيء إلى نفسه، لأنّه ضيّع رأس ماله وفوّته من غير عوض، إذ يمكنه أن يصرف هذا المقدار من عمره الّذي يصرفه في التكلّم بالمباح في ذكر أو دعاء أو قراءة أو نحوها، ويدرك به خيراً كثيراً، أوليس في ذلك تجوّز أصلاً، إذ لا يخفى أنّ كلّ شخص إمّا محسن إلى نفسه أو مسيء، والأوّل من يجلب إلى نفسه نفعاً، والثاني : من يفوّت النفع عن نفسه،
والمسيء على ضربين : أحدهما من يجرّ إلى نفسه عقاباً وصدمة أيضاً والآخر من يسيء إلى نفسه بتفويت النفع فقطّ ، وكلّ منهما مسيء إلى نفسه،
فإنّ البطّال المضيّع للعمر المتلف له في غير منفعة دنيويّة أو أُخرويّة مسيء إلى نفسه عقلاً وعرفاً، وهذا ممّا لا يرتاب فيه أحد من العقلاء.
وبما ذكرنا يتبيّن لك وجه التعميم والحصر في قول اللّه عزّ وجلّ:
(وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ...)(3)
لظهوره في أنّ كلّ فرد من أفراد الإنسان لا يصرف عمره في الأعمال الصالحة فهو من أهل الخسران وذلك بسبب أنّه ضيّع رأس ماله ، ولو كان آناً من
ص: 445
آنات عمره ، فتدبّر فيما قلناه ، ففيه فوائد كثيرة إن شاء اللّه تعالى ونعم ما قيل :
الدهر ساومني عمري فقلت له *** مابعت عمري بالدنيا وما فيها
ثمّ اشتراه بتدریج بلا ثمن *** تبّت يدا صفقة قد خاب شاريها
الثاني : أنّ قوله - في جواب قوله : إن قيل -: «يمكن أن يكون المراد ... إلخ» لا أعرف له وجهاً، والظاهر من الرواية كون الساكت أو المتكلّم محسناً ومسيئاً بحسب عمله ، فإن كان ساكتاً كان عمله هذا إحساناً إلى نفسه، وإن تكلّم بالحسن كان عمله هذا أيضاً إحساناً إلى نفسه ، وإن تكلّم بالمباح كان عمله إساءة إلى نفسه بسبب تفويت ثواب السكوت عن نفسه، وإن تكلّم بالحرام كان عمله هذا إساءة إلى نفسه من وجهين: أحدهما تفويت نفع السكوت، والآخر استیجاب العقاب بسبب تكلّمه بالحرام .
الثالث : أنّ قوله: «مع أنّ بقاء ثواب استمرار الإيمان مع فعل المعصية في محلّ المنع» خطأ واضح، لأنّه ينافي العدل، إذ لا ريب بمقتضى الأدلّة القويمة المبيّنة في محلّها أنّ الإيمان مركّب من الإعتقاد و الإقرار .
وأمّا الأعمال : فلا دخل لها في تحقّق أصل الإيمان، وإن كان لها في كمال الإيمان، فلو فرض أنّ المؤمن الزاني مات في حال اشتغاله بالزنا، لما كان مخلّداً في النار قطعاً، وإن كان معاقباً بفعله إن لم تدركه الشفاعة،
ولا شبهة عند الإماميّة في أنّ الإيمان سبب لدخول الجنّة .
ومقتضى كلام هذا الفاضل أن يكون ذلك الشخص من المخلّدين في النار وليت شعري كيف صدر هذا الكلام من ذلك الفاضل العلّام، لكنّ الجواد قد يكبو، والصارم قد ينبو، والمعصوم من عصمه اللّه تعالی.
الرابع : أنّ قوله: «ويومئ إلى عدمه قولهم علیهم السلام : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» أيضاً كلام عليل، ودعوی بلا دلیل،
والحقّ أنّ للإيمان بحسب الكمال مراتب ودرجات متفاوتة، كما يظهر من
ص: 446
الروايات المتكاثرة، والمؤمن الكامل هو الّذي يصدّق عمله قوله، ولا شكّ أنّ العاصي في حال عصيانه عمله مخالف لاعتقاده و قوله، ومن ذلك يدخل النقص في إيمانه، لكنّ أصل الإيمان متحقّق موجود فيه، لأنّه الإعتقاد والإقرار كما
عرفت، وثوابه باق مستمرّ ما دام بقاء اعتقاده وإقراره،
وإلى ما ذكرنا يرشد كثير من الروايات والدعوات المرويّة عن الأئمّة علیهم السلام :
1686۔ منها: قوله في بعض الأدعية : اللّهمّ إن كنت عصيتك في أشياء أمرتني بها، وأشياء نهيتني عنها، فإنّي قد أطعتك في أحبّ الأشياء إليك، وهو الإيمان بك منّاً منك به عليَّ، لا منّاَ به منّي عليك (إلخ).(1)
الخامس : أنّ قوله: «ويمكن أن يكون هذا أحد محامل هذه الأخبار وأحد علل ما ورد أنّ نوم العالم عبادة (إلخ)» أيضاً تأويل من غير دلیل،
بل الأولى أن يبقى قولهم : «نوم العالم عبادة»، ونحوه على ظاهره، ولا نحتاج إلى تكلّف وتأويل، لأنّ تحصيل العلوم الشرعيّة الّتي ندب الشارع إليها له مثوبات جليلة ، وفوائد كثيرة:
منها : أنّ اللّه تعالى يعطيه بنومه ثواب العبادة، والسرّ فيه أنّ طالب العلم أتعب نفسه في طلب مرضاة اللّه، وسلب الراحة عن بدنه لهداية عباد اللّه ، فجزاه اللّه عزّ وجلّ بأن عوّضه من نومه الّذي فيه راحة نفسه وسكون بدنه ، ثواب العبادة، الّتي هي استعمال البدن في مشقّة الطاعة، فبكلّ نوم جديد يحصل له يتحقّق له ثواب جدید، جزاء لما أتعب نفسه في تحصيل العلم.
1687 - وهذا نظير ما ورد في ثواب زيارة قبر مولانا الشهيد أبي عبداللّه الحسين عليه الصلاة والسلام، فإنّ الملائكة يعبدون اللّه تعالى وهو نائم، والثواب له، ويعبدون اللّه تعالى بعد موته، والثواب له .(2)
وقد تحصّل ممّا ذكرناه أنّ السكوت عن غير كلام يحصل به رضى اللّه تعالی
ص: 447
أو يدعو إليه ضرورة ممّا يحتاج إليه المؤمن في تعيّشه في هذه الدار الفانية، وتقلّبه بين أهل النشأة العاجلة، من حيث هو عبادة مندوبة ، ولو مع قطع النظر عمّا يحصل فيه من التفكّر وغيره
ويشهد لذلك عدّة روایات مذكورة في اللئالي:
1688- منها: عن النبيّ أنّه قال : يا ربّ، ما أوّل العبادة؟
قال : الصمت والصوم. (1)
1689- وفي خبر آخر : أربعة لا يصيبهنّ إلّا مؤمن :
الصمت، وهو أوّل العبادة، الخبر .(2)
1690- وقال : يا أحمد! ليس شيء من العبادة أحبَّ إليَّ من الصمت والصوم .(3)
1691۔ وقال : علامات الفقه : العلم والحلم والصمت، إنّ الصمت باب من أبواب الحكمة فاصمت لسانك إلّا من خير يجرّك إلى الجنّة .(4)
1692- وقيل لعيسى علیه السلام : دلّنا على عمل ندخل به الجنّة !
فقال علیه السلام : لا تنطقوا أبداً .(5)
1693- وقال النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم :
الرفق والإقتصاد والصمت جزء من ستّة وعشرين جزءً من النبوّة .(6)
1694- وقال لأبي ذرّ: ألا أُعلّمك عملاً ثقيلاً في الميزان خفيفاً على اللسان ؟ قال : بلی، یا رسول اللّه، قال صلی اللّه علیه وآله وسلم :
الصمت، وحسن الخلق، وترك ما لا يعنيك .(7)
1695۔ وقال عيسى علیه السلام: العبادة عشرة أجزاء: تسعة منها في الصمت،
ص: 448
وجزء واحد في الفرار من الناس .(1)
1696- وقال النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم : من كفّ لسانه ستر اللّه عوراته .(2)
1697- وفي الرواية : إنّ شابّاً من أصحاب الرسول صلی اللّه علیه وآله وسلم في غزوة أُحد قتل في حالة شدّ حجراً على بطنه من شدّة الجوع، فجاءت أُمّه على نعشه ترفع التراب عن وجهه ، وتقول: طيّباً لك الجنّة ياولدي، فقال لها رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم :
من أين تعلمين أنّ الجنّة له طيّبة، لعلّه تكلّم بما لافائدة فيه .(3)
1698- وروي في القدسيّات: يا بن آدم، إذا وجدت قساوة في قلبك وحرماناً في رزقك، وسقماً في بدنك، فاعلم أنّك تكلّمت بما لا يعنيك.(4)
ونقل أنّ الخواجة ربيع لم يتكلّم للدنيا، ولا عبث عشرين سنة، حتّى قتل مولانا الحسين بن عليّ علیهماالسلام ، فقال جماعة: هو يتكلّم اليوم، فذهبوا إليه ، وأخبروه بقتله ، فقال : عظّم اللّه أُجورنا وأُجوركم بقتل الحسين علیه السلام ، ونظر إلى السماء وبكی، وقال : اللّهمّ فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون،
ثمّ رجع إلى معبده، ولم يتكلّم إلّا بالحقّ حتّى مات .(5)
1699- وفي تحف العقول - في وصايا الصادق علیه السلام لعبد اللّه بن جندب -:
وعليك بالصمت تعدّ حليماً، جاهلاً كنت أو عالماً،
فإنّ الصمت زين لك عند العلماء وستر لك عند الجهّال .(6)
أقول: وقد أجاد بعض الشعراء فقال :
الصمت زين والسكوت سلامة *** فإذا نطقت فلا تكن مكثاراً
ما إن ندمت على سكوتي مرّة *** ولقد ندمت على الكلام مراراً
1700- وفي تحف العقول أيضاً: عن الصادق علیه السلام - في وصيّته لأبي جعفر
ص: 449
محمّد بن النعمان - قال : إنّ من كان قبلكم كانوا يتعلّمون الصمت، وأنتم تتعلّمون الكلام، كان أحدهم إذا أراد التعبّد يتعلّم الصمت قبل ذلك بعشر سنين، فإن كان يحسنه ويصبر عليه تعبّد،
وإلّا قال : ما أنا لما أروم بأهل، إلى آخر الحديث .(1)
والأخبار المرويّة عن الأئمّة الأطهار علیهم السلام ، وكلمات الحكماء الأبرار في هذا المضمار كثيرة .
1701- ويجمعها ما رواه الكلينيّ (رحمة اللّه علیه) في أُصول الكافي : بإسناده عن الصادق علیه السلام ، قال : قال لقمان لابنه :
يا بنيّ إن كنت زعمت أنّ الكلام من فضّة، فإنّ السكوت من ذهب .(2)
أقول : هذا الحديث يدلّ على أنّ السكوت من حيث هو خير من الكلام من حيث هو، يعني إذا لوحظ السكوت لو خلّي وطبعه، مع قطع النظر عن الجهات الطارئة ولوحظ الكلام لو خلّي وطبعه، مع قطع النظر عن الجهات العارضة ، فالسكوت أفضل وأحسن، ووجهه ظاهر عند أهله،
لأنّ فيه راحة البدن والقلب، وصيانة للعمر عن صرفه فيما لا يعني.
وفيه فوائد أُخر أيضاً تظهر للمتدبّر، فالقضيّة قضيّة طبيعيّة، ولا معارضة بينها وبين ما دلّ على رجحان الكلام في مقام، ووجوبه في مقام،
كما أنّ السكوت قد يكون واجباً، وقد يكون حراماً، وقد يكون مكروهاً،
ولكن لا يكون مباحاً بالنظر إلى الأخبار الدالّة على استحبابه من حيث هو واختلاف حكم السكوت والكلام في كلّ مقام إنّما هو بسبب جهة طارئة عرضت لكلّ واحد منهما، فأوجبت تبدّل حكمه الذاتيّ الطبيعي .
والعجب من العلّامة المجلسيّ حيث قال في مرآة العقول بعد ذكر الحديث
ص: 450
المنقول : يدلّ على أنّ السكوت أفضل من الكلام، وكأنّه مبنيّ على الغالب ، وإلّا فظاهر أنّ الكلام خير من السكوت في كثير من الموارد، بل يجب الكلام ويحرم السكوت عند إظهار أُصول الدين وفروعه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويستحبّ في المواعظ والنصائح، وإرشاد الناس إلى مصالحهم، و ترویج العلوم الدينيّة، والشفاعة للمؤمنين، وقضاء حوائجهم، وأمثال ذلك ، فتلك الأخبار مخصوصة بغير تلك الموارد، أو بأحوال عامّة الخلق، فإنّ غالب كلامهم إنّما هو فيما لا يعنيهم، أو هو مقصور على المباحات، إلى آخر كلامه .(1)
أقول: وأنت بعد التأمّل فيما بيّنّاه تعرف أنّه لا حاجة إلى هذه التوجيهات ولا داعي إلى صرف الكلام عن ظاهره، ويتّضح لك ما في كلامه زيد في علوّ مقامه كأنّه لكثرة أشغاله لم يعط النظر في حديثٍ حقّه بكماله .
إيقاظ وإرشاد : قد عرفت أنّ مقتضى الأخبار المرويّة عن البررة الكرام، المؤيّدة بحكم العقل السالم عن شوائب الأوهام، رجحان السكوت من حيث هو على الكلام، ولكنّه قد يكون معروضاً لسائر الأحكام، بسبب ورود الأمر به، أو النهي عنه من الشارع، وكذا الكلام في حكم الكلام، بحسب توجّه الأمر به، أو النهي عنه في كلّ مقام، وهذا غير خفيّ على العلماء الكرام،
وإنّما الغرض هنا بیان مسألة يكثر بها ابتلاء الأنام ، ولم أر من تعرّض لها وحقّقها بما هو الحق الحقيق في هذا المقام ،
وهي أنّه هل يجب الإستماع والسكوت عند سماع قراءة القرآن أم لا؟
فنقول: إنّ في هذه المسألة مباحث ثلاثة :
الأوّل : في حكم المسألة في صلاة الجماعة .
الثاني : في حكمها حال اشتغال الإمام بخطبة صلاة الجمعة .
الثالث : في حكمها عند سماع قراءة القرآن في سائر الأوقات والحالات .
ص: 451
أمّا الأوّل : فقيل: يجب على المأموم المقتدي بالإمام المرضيّ في الصلاة الجهريّة الإستماع والإنصات لقراءته، إذا سمع قراءته ، وقيل : بالإستحباب،
والّذي جاءت به الروايات هو النهي عن القراءة في تلك الحالة.
وأمّا وجوب السكوت حتّى عن التسبيح والذكر، فلم أعثر له على دليل بل الدليل على خلافه في الأخبار موجود، وتفصيل القول حقّقناه في الفقه .
وأمّا الثاني: فقيل : بوجوب الصمت والإستماع على الحاضرين،
وقيل على المؤتمّين ، وقيل : على العدد الّذين تنعقد بهم الجمعة،
وقيل : على السامعين من المؤتمّین ، وقيل بالاستحباب.
ثمّ الموجبون اختلفوا، فقال بعضهم: يجب الإنصات والإستماع للخطبتين من حين شروع الخطيب إلى فراغه منهما، وقال بعضهم: يجب الإنصات والإستماع لأقلّ الواجب من الخطبتين، وبعضهم: يجب الإستماع والإنصات لمواعظ الخطبتين، والقول بالاستحباب، وطريق الإحتياط واضح سويّ،
وتفصيل الكلام خارج عن المرام في هذا المقام.
وأمّا الثالث : أعني وجوب الإنصات أو استحبابه عند سماع قراءة الآيات في مطلق الأوقات والحالات، وهو المقصود بالذكر في هذا المقام، لكونه غير مشروح كما هو حقّه في كتب علمائنا الاعلام، فالمحكيّ عن كثير من فقهاء العامّة القول بوجوب الإنصات، والإستماع عند سماع القرآن مطلقاً،
وذهب الإماميّة إلى نفي الوجوب وإثبات الإستحباب .
وحكي في كلام جمع منهم الإجماع على ذلك ، وهو الحقّ، وتوقّف مولانا المجلسيّ رحمه اللّه في المسألة، حيث قال في صلاة البحار بعد ذكر قوله تعالی :
(وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(1)
إنّ الآية بعمومها تدلّ على وجوب الإستماع، والسكوت عند قراءة كلّ
ص: 452
قارئ في الصلاة وغيرها، بناء على كون الأمر مطلقاً أو أوامر القرآن للوجوب
والمشهور الوجوب في قراءة الإمام، والإستحباب في غيره، مع أنّ ظاهر كثير من الأخبار المعتبرة الوجوب مطلقاً إلّا صحيحة زرارة :
1702۔ عن أبي جعفر علیه السلام قال : وإن كنت خلف إمام فلا تقرأنَّ شيئاً في الأوّلتين وأنصت لقراءته، ولاتقرأنَّ شيئاً في الأخيرتين(1)
فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقول للمؤمنين : (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ) يعني في الفريضة خلف الإمام (فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) والأُخريان تبع للأُوليين(2)
ويمكن حمله على أنّها نزلت في ذلك فلا ينافي عمومها
لكن نقلوا الإجماع على عدم وجوب الإنصات في غير قراءة الإمام .
وربّما يؤيّد ذلك بلزوم الحرج، والأمر بالقراءة خلف من لا يقتدى به ،
ويمكن دفع الحرج، بأنّه إنّما يلزم بترك الجماعة الشائعة في هذا الزمان .
وأمّا النوافل فكانوا يصلّونها في البيوت، والأمر بها خلف من لا يقتدی به للضرورة، لا يوجب عدم وجوب الإنصات في غيرها، مع أنّه قد وردت الرواية فيها أيضاً بالإنصات، وبالجملة المسألة لا تخلو من إشكال، والأحوط رعاية الإنصات مهما أمكن إنتهى كلامه، رفع في الخلد مقامه.(3)
وستقف على ما يتوجّه عليه ، بالنظر فيما نبيّنه لما ذهبنا إليه ، فنقول :
ص: 453
مستندنا لنفي الوجوب الأصل بل الأُصول، مؤيّداً بالاجماع المنقول، في كلام جمع من الفحول، والمراد بالأُصول أصل البراءة عن وجوب الصمت والإستماع، وأصالة إباحة الكلام، واستصحاب العدم السابق على حال سماع القراءة، مع ما في الحكم بالوجوب من الحرج على عامّة المكلّفين، المنفيّ في الدين بنصّ القرآن المبين .
هذا كلّه مضافاً إلى الروايات المصرّحة أو الظاهرة في الندبيّة، وعدم معلوميّة الوجوب وظهوره بين الشيعة الإماميّة، في المسألة الّتي تعمّ بها البليّة ، لكلّ عربيّة وعجميّة، في كلّ غداة وعشيّة، ويوم وليلة،
ولو كان ذلك واجباً لذكره العلماء في الرسائل العمليّة، ولانكروا على من يتكلّم حين قراءة غيره القرآن كإنكارهم على مرتكبي سائر المنكرات،
ولو كان كذلك لشاع وذاع، وقرع الأسماع وملأ الأصقاع .
ودليل الإستحباب مطلقاً الشهرة المحققة والإجماع المنقول، بل حكي عن التنقيح الإجماع على استحباب الإنصات، حتّى للمأموم في الصلاة الجهريّة خلف الإمام المرضيّ، وهذا لا ينافي ذهاب جمع من الأصحاب إلى حرمة القراءة حينئذ خلف الإمام، لأنّ القراءة أخصّ من الكلام، فعلى هذا يجوز أو يستحبّ التسبيح حينئذ دون القراءة، فالإعتراض على التنقيح بأنّ التتبّع يشهد بخلافه غير وارد، لأنّ التتبّع يشهد بوجود القائلين بحرمة القراءة.
وأمّا المصرّح بحرمة التسبيح فلم نعثر عليه، ولم يحكه المتعرّض، فتدبّر .
وتحقيق الكلام في الفقه ، وكفى بذلك دليلاً للاستحباب ، هذا مضافاً إلى كون السكوت والإستماع تعظيماً للقرآن، وتعظيمه تعظيم الخالق المنّان.
1703- وما رواه العالم النوري في مستدرك الوسائل عن كتاب العلاء عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر علیه السلام قال : قال :
يستحبّ الإنصات والإستماع في الصلاة وغيرها للقرآن .(1)
ص: 454
1704- وفي تفسير العسكريّ علیه السلام عن أمير المؤمنين علیه السلام، أنّه قال - في فضل سورة الفاتحة -: وإنّ فاتحة الكتاب أعظم وأشرف ما في كنوز العرش، وإنّ اللّه خصّ بها محمّداً صلی اللّه علیه وآله وسلم وشرّفه، ولم يشرك معه فيها أحداً من أنبيائه ، ما خلا سلیمان، فإنّه أعطاه منها بسم اللّه الرحمن الرحيم،
ألا تراه أنّه يحكي عن بلقيس حين قالت :
(إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)(1)
ألا فمن قرأها معتقداً لموالاة محمّد وآله الطّيبين، منقاداً لأمرهم، مؤمناً بظاهرهم وباطنهم، أعطاه اللّه عزّ وجلّ بكلّ حرف منها حسنة، كلّ حسنة منها أفضل له من الدنيا وما فيها، من أصناف أموالها وخيراتها(2).
ومن استمع قارئاً يقرأها كان له قدر ثلث ما للقارئ، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض(3) لكم، فإنّه غنيمة لكم لا يذهبنّ أوانه، فتبقى في قلوبكم الحسرة .(4)
أقول: يظهر من قوله علیه السلام : «فليستكثر» إستحباب القراءة والإستماع لقراءة سورة الحمد، إذ لو كان واجباً لما كان موقع للأمر بالإكثار، لوضوح أنّ الواجب لابدّ من الإتيان به في كلّ حال، ولا فرق بين هذه السورة وغيرها في ذلك الحكم قطعاً.
1705- وفي كنز العرفان للفاضل المقداد في ذيل قوله تعالى : (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(5)قال : قال الصادق علیه السلام:
المراد استحباب الإستماع في الصلاة وغيرها .(6)
1706- وفي الوافي والبرهان عن تهذيب الشيخ : في الصحيح، عن معاوية ابن وهب، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال :
ص: 455
سألته عن الرجل يؤمّ القوم وأنت لا ترضى به في صلاة يجهر فيها؟
فقال علیه السلام : إذا سمعت كتاب اللّه يتلى فأنصت له، فقلت: فإنّه يشهد عليَّ بالشرك، قال : إن عصى اللّه فاطع اللّه، فرددت عليه، فأبى أن يرخّص لي،
قال : فقلت له : أُصلّي إذاً في بيتي، ثمّ أخرج إليه فقال : أنت وذاك .
وقال : إنّ عليّاً علیه السلام كان في صلاة الصبح، فقرا ابن الكوّاء وهو خلفه :
(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(1) فأنصت عليّ علیه السلام تعظيماً للقرآن حتّى فرغ من الآية،
ثمّ عاد في قراءته ثمّ أعاد ابن الكوّاء الآية، فأنصت عليّ علیه السلام أيضاً
ثمّ قرا فأعاد ابن الكوّاء، وأنصت عليّ علیه السلام ، ثمّ قال له: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)(2) ثمّ أتمّ السورة ، ثمّ ركع .(3)
أقول: يظهر من هذا الحديث الصحيح خمسة أحكام :
أحدها: استحباب الإنصات لقراءة القرآن مطلقاً، ولو كان السامع في حال الصلاة ، ولو كان القارئ غير إمام.
الثاني: أنّ هذا المقدار من السكوت لاينافي الموالاة المعتبرة في الصلاة بين الآيات.
الثالث : جواز قراءة القرآن مطلقاً في حال الصلاة .
الرابع: جواز إعلام الغير ومخاطبته وإفهامه بقراءة القرآن .
الخامس: عدم منافاة هذا المقدار من القراءة الموالاة المعتبرة، وقد ظهر بما ذكرناه استحباب الإنصات والإستماع لقراءة القرآن في كلّ حال ومكان وزمان من غير فرق بین خطبة الجمعة وصلاة الجماعة وخطبة صلاة العيدين وغيرها.
وأمّا قوله في هذا الحديث: «فرددت عليه فأبى أن يرخّص لي القراءة الواجبة
ص: 456
في الصلاة» فإنّه كان اتّقاءً عليه، كما لا يخفى على من تتبّع في أخبار الباب، مع أنّا قد ذكرنا أنّ النهي عن القراءة لا يدلّ على حرمة التكلّم بالذكر والتسبيح، إذ لا دلالة للخاصّ على العامّ كما لا يخفى على ذوي الأفهام، وأمّا الروايات المصرّحة بوجوب الإنصات فهي إمّا محمولة على تأكّد الاستحباب - جمعاً بينها وبين الاخبار الدالّة على ذلك نظير الاخبار المصرّحة بوجوب غسل الجمعة - أو على التقيّة، لأنّ الوجوب مذهب العامّة والرشد في خلافهم.
1707- وأمّا ما وقفت عليه من الأخبار المشار إليها فهو ما حكاه المجلسي في البحار عن خطّ بعض الأفاضل، وهو عن جامع البزنطي، عن جمیل، عن زرارة، قال : سألت اباعبداللّه علیه السلام عن الرجل يقرأ القرآن، يجب على من يسمعه الإنصات له، والإستماع له؟ قال علیه السلام :
نعم إذا قرئ القرآن عندك فقد وجب عليك الإستماع والإنصات.(1)
1708- وما رواه المجلسي أيضاً، عن تفسير العيّاشيّ: عن زرارة، قال :
سمعت أبا عبداللّه علیه السلام يقول: يجب الإنصات للقرآن في الصلاة وفي غيرها وإذا قُرئ عندك القرآن وجب عليك الإنصات والإستماع .
وروي في المستدرك والبرهان (مثله).(2)
1709- وفي مجمع البيان : عن عبداللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبداللّه علیه السلام
قال : قلت له: الرجل يقرا القرآن، أيجب على من سمعه الإنصات له، والإستماع؟ قال علیه السلام : نعم إذا قرئ عندك القرآن وجب عليك الإنصات والإستماع.(3)
هذا ما وقفت عليه من الروايات الدالّة على الوجوب ، وهي محمولة على التقيّة أو تأكّد الإستحباب، وبما ذكرنا يظهر لك تطرّق المناقشة فيما ذكره مولانا
ص: 457
المجلسي (رحمة اللّه علیه) من وجوه :
الأوّل : قوله : إنّ ظاهر كثير من الأخبار المعتبرة الوجوب،
قلنا: أين هذه الأخبار الكثيرة؟ وهو لم يذكر في بحاره إلّا ما حكيناه .
الثاني: معارضتها بما عرفت، والمقام مقام الجمع والجمع العرفيّ المقبول هو الحمل على الإستحباب ولا ريب أنّ الجمع مهما أمكن أولی،
ولو غضّينا عن ذلك تعيّن الجمع بحمل الأخبار الموجبة على التقيّة، عملاً بالروايات العلاجيّة المذكورة في موقعها، وهذا يسمّى بالجمع في جهة الصدور، ولو غضضنا عن ذلك كلّه و فرضنا كون المقام مقام الترجيح،
فلا ريب أنّ الترجيح لأخبار الإستحباب، فيجب تقديمها لتأييدها واعتضادها بما عرفت، من الإجماع والشهرة وغيرهما، كما لا يخفی.
الثالث : أنّ الآية الشريفة مع قطع النظر عن الرواية الصحيحة الّتي ذكرها أيضاً لا تدلّ على وجوب السكوت عند سماع قراءة القرآن، ولو بناءً على كون الأمر للوجوب وكون الخطابات الشفاهيّة عامّة لسائر المكلّفين من حيث هي، أو بحسب أدلّة الإشتراك في التكليف،
لأنّ المراد بالإنصات في الآية الشريفة غير معلوم.
فقد حكى النيسابوري في تفسيره : عن الواحدي، أنّه قال : الإنصات هو ترك الجهر عند العرب، وإن كان يقرأ في نفسه إذا لم يسمع أحد(1)
وعلى هذا يكون الدليل مجملاً لتردّد المراد بين السكوت وترك الجهر، ولا شاهد لكون السكوت هو المعنى الحقيقيّ، كي يكون الأصل حمل اللفظ عليه،
فالمرجع حينئذ أصل البراءة عن الوجوب، ودعوی تبادر السكوت من الإنصات لو قيل دعوی بلا دلیل، ومن هنا يمكن منع وجوب السكوت على المأموم المقتدي بالإمام المرضي في الصلاة الجهريّة حال القراءة أيضاً،
ص: 458
ويؤيّده الإجماع المحكي عن التنقيح، بل يدلّ على عدم الوجوب عدّة روایات :
1710۔ منها: صحيحة أبي المغرا، قال : كنت عند أبي عبداللّه علیه السلام فسأله حفص الكلبي، فقال : أكون خلف الإمام وهو يجهر بالقراءة فأدعوا وأتعوّذ؟
قال : نعم فادع (1) والحمل على ما قبل شروع الإمام في القراءة أو على ما إذا لم يسمع المأموم قراءته غير سديد، لعدم معارض صالح يوجب حمل الصحيحة على خلاف الظاهر .
1711- ومنها : صحيحة زرارة، عن أحدهما، قال :
إذا كنت خلف إمام تأتمّ به فأنصت، وسبّح في نفسك .(2)
وهذا يدلّ على أنّ المراد بالإنصات في الآية والصحيحة المذكورة في كلام المجلسي رحمه اللّه تعالی ترك الجهر وإلّا لم يأمر بالتسبيح في نفسه،
وحمله على الذكر القلبي فقط ، مضافاً إلى بعده لا داعي إليه ولا شاهد له .
1712- ومنها : رواية أبي خديجة سالم بن مكرّم، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال : إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأوّلتين، وعلى الّذين خلفك أن يقولوا : سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر، وهم قیام، الخبر .(3)
والأخبار الناهية عن القراءة خلف الإمام لا دلالة فيها على منع الكلام مطلقاً حتّى الذكر والتسبيح والدعاء،
ومن ذلك كلّه يظهر عدم وجوب السكوت على المؤتمّین حال خطبة الإمام يوم الجمعة، لأنّ عمدة أدلّة الموجبين تنزيل الخطبتين منزلة الركعتين من الصلاة في بعض الروايات، وإذا لم يثبت الوجوب في الصلاة لم يثبت فيهما، مضافاً
ص: 459
إلى ما يرد عليهم من المناقشات الّتي ليس هنا محلّ ذكرها
فتحصّل من جميع ماذكرناه عدم وجوب السكوت عند سماع قراءة القرآن في حال من الأحوال إلّا إذا كان ترك السكوت توهيناً له، ولو صدر ذلك من أحد بقصد التوهین «العياذ باللّه» فهو يوجب الكفر نعوذ باللّه.
والغرض في المقام بيان حكم الكلام من حيث هو لو خلّي وطبعه، مع قطع النظر عن الجهات الخارجيّة الطارئة، وقد علم ممّا ذكرنا إمكان المناقشة في دلالة الاخبار الموجبة من جهة التأمّل في معنى الإنصات لولا القرينة على إرادة السكوت منه، كما أنّ القرينة في الكلام دلّت على إرادة السكوت منه في صحيحة معاوية بن وهب، السابقة الحاكية لفعل أمير المؤمنين علیه السلام .
الرابع : أنّ قوله: «يمكن دفع الحرج بأنّه إنّما يلزم بترك الجماعة» إلخ، مدفوع بأنّ قراءة القرآن ليست منحصرة في الصلاة، ولا فرق بين المساجد والبيوت في تكليف المكلّف، عند سماع قراءة القرآن، وإقامة الجماعة في الصلوات اليوميّة سنّة عند الشيعة لا فريضة، وإلزام القارئين للقرآن في النوافل وغيرها بالإخفات في القراءة مع أنّه حرجيّ لم يقل به أحد، وإيجاب السكوت عند السماع في كلّ حال یوجب الحرج بلا شبهة ولا إشكال،
وقد تبيّن بما بيّنّاه لك حقيقة الحال في هذا المجال، وأنّ الحقّ استحباب السكوت عند سماع القراءة، وأمّا الإستماع، فهو أيضاً مستحبّ مؤكّد، وتقریر الدليل فيه كسابقه أصلاً ورواية فارجع إليها، وتدبّر فيها بل يمكن أن يقال :
إنّ السكوت إنّما أمر به ليحصل الإستماع فهو يلازم السكوت دائماً أو غالباً فالحكم بوجوب الإستماع واستحباب السكوت بعيد جدّاً.
هذا ويمكن أن يقال : لو فرضنا كون الإنصات في الآية الشريفة بمعنی السكوت كان الأمر به للاستحباب، وكذلك الأمر بالإستماع، بقرينة تعليل الإمام في صحيحة زرارة المرويّة في الفقيه الّتي حكاه المجلسي رحمه اللّه تعالى
ص: 460
في كلامه السابق فإنّه بعد النهي عن القراءة خلف الإمام في الأُوليين، والأمر بالإنصات والنهي عن القراءة في الأخيرتين أيضاً، علّل ذلك بقوله تعالی : (فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا)(1) ثمّ قال علیه السلام : والأُخريان تبع للأوّلتين.(2) .
ومنه ينقدح اتّحاد الحكم من حيث القراءة في الأُوليين والأُخريين، ولمّا تبيّن جواز القراءة في الأُخريين وإن كان الأفضل اختيار التسبيح ظهر جواز القراءة في الأُوليين خلف الإمام، لظهور اتّحادهما في الحكم من ذلك الكلام،
فيكون النهي عن القراءة في الأُوليين للكراهة، فلا جرم یكون الأمر بالإنصات للاستحباب، ويؤيّده الحديث الّذي حكيناه عن كنز العرفان.
ومن هنا يمكن القول بحمل الاخبار الناهية عن القراءة خلف الإمام على الكراهة كما ذهب إليه المحقق وتبعه جماعة.
ويمكن الخدشة فيه بأنّ حمل النهي على الكراهة بقرينة الإستدلال بالآية وإن كان ممكناً ، ولكن رفع اليد عن ظواهر سائر الروايات الناهية غير جائز، إذ لا قرينة فيها، وانثلام الظهور في رواية لجهة من الجهات لا يوجب انیلام ظهور غيرها فتأمّل، وتفصيل الكلام في الفقه ، وقد أطنبنا الكلام في هذا المقام وإن كان خارجاً عن المرام ، لأنّ الكلام يجرّ الكلام ، كما قد شاع بين الخواصّ والعوام.
وهاهنا مسالة أُخرى مناسبة لأصل المقصد والعنوان، وهي أنّ الملائكة الكرام الكاتبين الّذين يكتبون أعمال المكلّفين وأقوالهم هل يكتبون جميع ما يتلفّظون به حتّى الكلام المباح؟ أويكتبون الألفاظ الّتي يترتّب عليها أثراً؟
أعني الألفاظ الواجبة والمحرّمة والمكروهة والمندوبة أصالة أو تسبيباً ولا يكتبون الألفاظ المباحة الّتي لا يترتّب عليها أثر شرعيّ، المسألة خلافيّة ؛
فذهب جمع إلى الأوّل و آخر إلى الثاني، واستند كلّ منهما إلى ما يوجب ذكره الطويل، ولا يشفي العليل، ولا يروي الغليل .
ص: 461
1713- والمعتمد عند المصنّف الذليل ما ورد عن أهل بيت الوحي والتنزيل وهو ما روي في تفسير البرهان عن كتاب الحسين بن سعيد: بإسناد صحيح عن الصادق علیه السلام أنّه قال :
ما من عبد إلّا وله ملكان يكتبان ما يلفظ ثمّ يرفعان ذلك إلى ملكين فوقهما فيثبّتان ما كان من خير وشرّ، ويلغيان ما سوى ذلك، إنتهى .(1)
ولم أعثر إلى الآن على معارض له واللّه خير دليل وهو حسبي ونعم الوكيل
الأمر الخامس والسبعون : صلاته علیه السلام
وهي مرويّة في كتب متعدّدة بطرق معتبرة :
1714۔ منها : في آخر الفصل التاسع والعشرين من جمال الأُسبوع للسيّد ابن طاووس رحمه اللّه قال : صلاة الحجّة القائم صلوات اللّه عليه ركعتان ، تقرأ في كلّ ركعة الفاتحة إلى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ثمّ تقول مائة مرّة إياك نعبد : «وإيّاك نستعين»، ثمّ تتمّ قراءة الفاتحة، وتقرأ بعدها «الإخلاص» مرّة واحدة، وتدعو عقبيها فتقول:
اَللَّهُمَّ عَظُمَ البَلَاءُ، وَبَرِحَ الخَفَاءُ، وَانْكَشَفَ الغِطَاءُ، وَضَاقَتِ الأَرْضُ وَمُنِعَتِ السَّمَاءُ، وَإِلَيكَ يَارَبِّ المُشْتَكَى، وَعَلَيْكَ المُعَوَّلُ فِي الشِّدَةِ وَالرَّخَاءِ،
اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، الَّذِينَ أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِم، وَ عَجِّلِ اللَّهُمَّ فَرَجَهُم بِقَائِمِهِم، وَأَظهِر اِعْزَازَهُ، يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ يَا عَلِيُّ يَا مُحَمَّدُ، اِكْفِيَانِي فَاِنَّكُمَا كَافِيَايَ، يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ يَاعَلِيُّ يَامُحَمَّدُ، اُنْصُرانِی فَاِنَّكُمَا نَاصِرَايَ، يَا مُحَمَّدُ يَا عَلِيُّ يَا عَلِيُّ يَا مُحَمَّدُ، إِحْفَظَانِی فَاِنَّكُمَا حَافِظَايَ
ص: 462
يَا مَولَايَ يَا صَاحِبَ الزَّمَانِ (ثلاث مرّات) اَلغَوْثَ، اَلغَوْثَ، اَلغَوْثَ اَدْرِكنِي، اَدْرِكنِي، اَدْرِكنِي، اَلأَمَانَ، اَلأَمَانَ، اَلأَمَانَ.(1)
أقول: قد مرّ نحو هذا الدعاء بتغيير يسير في أواخر الباب السابع مرويّاً عنه سلام اللّه عليه .(2)
1715- ومنها : في مكارم الأخلاق للحسن بن الفضل الطبرسي : عن أبي عبداللّه الحسين بن محمّد البزوفري، مرفوعاً،
وفي النجم الثاقب، عن كنوز النجاح للفضل بن الحسن الطبرسي والد مصنّف المكارم، عن أحمد بن الدربي، قال : من الناحية المقدّسة :
من كانت له حاجة إلى اللّه تعالی يغتسل ليلة الجمعة بعد نصف الليل، ويأتي مصلّاه ويصلّي ركعتين، يقرأ في الركعة الأولى : «الحمد» فإذا بلغ (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) يكرّرها مائة مرّة، ويتمّ في المائة إلى آخرها، ويقرأ سورة التوحيد مرّة واحدة، ثمّ يركع ويسجد ويسبّح فيها سبعة سبعة، ويصلّي الركعة الثانية على هيئته ، ويدعو بهذا الدعاء، فإذا فعل ذلك قضى اللّه حاجته البتّة ، كائنة ما كانت، إلّا أن تكون في قطعة رحم . والدعاء:
اَللَّهُمَّ إِنْ أَطَعْتُكَ فَالْمَحْمَدَةُ لَكَ، وَإِنْ عَصَيْتُكَ فَالحُجَّةُ لَكَ، مِنْكَ الرَّوحُ، وَمِنْكَ الفَرَجُ، سُبحَانَ مَنْ اَنْعَمَ وَشَكَرَ، سُبْحَانَ مَنْ قَدَرَ وَغَفَرَ، اَللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ قَدْ عَصَيْتُكَ فَإِنِّي قَدْ اَطَعْتُكَ فِي أَحَبِّ الأَشيَاءِ إِلَيكَ، وَهُوَ الْاِيمَانُ بِكَ، لَمْ اَتَّخِذ لَكَ وَلَداً، وَلَمْ أَدْعُ لَكَ شَرِيكاً، مَنّاً مِنْكَ بِهِ عَلَيَّ، لَا مَنّاً مِنِّي بِهِ عَلَيكَ،
وَقَدْ عَصَيْتُكَ يَا إِلَهِي عَلَى غَيْرِ وَجْهِ المُكَابَرَةِ، وَلَا الخُرُوجِ عَنْ عُبُودِيَّتِكَ، وَلَا الجُحُودِ لِرُبُوبِيَّتِكَ، وَلَكِنْ اَطَعتُ هَوَايَ، وَاَزلَّنِى الشَّيطَانُ
ص: 463
فَلَكَ الحُجَّةُ عَلَيَّ وَالبَيَانُ
فَإِنْ تُعَذِّبْنِي فَبِذُنُوبِي غَیْرَ ظَالِمٍ، وَإِنْ تَغْفِر لِي وَتَرْحَمنِي فَاِنَّكَ جَوَادٌ كَرِیمٌ، یَا كَرِیمُ یَا كَرِیمُ - حَتَّى ينقطع النفس، ثمّ يقول:
يَا آمِناً مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْكَ خَائِفٌ حَذِرٌ، أَسْأَلُكَ بِاَمْنِكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَخَوْفِ كُلِّ شَيْءٍ مِنْكَ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاَنْ تُعْطِينِي اَمَاناً لِنَفْسِي وَأَهْلِي وَوُلْدِي، وَسَائِرِ مَا أَنْعَمتَ بِهِ عَلَيَّ، حَتَّى لَا أَخَافَ أَحَداً، وَلَا أَحْذَرَ مِن شَيْءٍ أَبَداً، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرُ، وَحسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ
یَا كَافِيَ إِبْرَاهِیمَ نَمْرُودَ، وَيَا كَافِيَ مُوسَی فِرْعَونَ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تَكفِيَنِي «فُلَانِ بنِ فُلَانٍ» وَيَسْتَكفِي شَرَّ مَنْ يَخَافُ شَرَّهُ،
فإنّه يكفي بإذن اللّه تعالی.
ثمّ يسجد ويسأل اللّه حاجته ويتضرّع إلى اللّه تعالى .(1)
1716- قال في المكارم : فإنّه روي أنّه ما من مؤمن ولا مؤمنة صلّى هذه الصلاة ودعا بهذا الدعاء خالصاً إلّا فتحت له أبواب السماء للإجابة،
ويجاب في وقته(2) كائناً ما كان وذلك من فضل اللّه علينا وعلى الناس ، إنتهی .
وذكر في النجم الثاقب مثله عن كنوز النجاح .(3)
يقول المصنّف الضعيف محمّد تقي الموسوي الإصفهاني عفي اللّه تعالی عنه :
قد وقع لي مكرّراً مهمّات ، فصلّيت هذه الصلاة بهذه الكيفيّة، فكفاها اللّه تعالی بمنّه وكرمه وببركة مولانا صلوات اللّه عليه .
ص: 464
1717- ومنها : في النجم الثاقب حكى هذه الصلاة عن كتاب السيّد فضل اللّه الراوندي بعنوان صلاة مولانا المهديّ عجّل اللّه تعالی فرجه الشريف
وذكر بعد الفراغ الصلاة على محمّد وآل محمّد مائة مرّة،
ولم يذكر بعدها دعاء آخر ولم يذكر لها وقتاً مخصوصاً.(1)
1718- ومنها : في كتاب جنّة الماوی عن كتاب تاریخ قم، للشيخ الفاضل الحسن بن محمّد القمّيّ، عن كتاب مونس الحزين في معرفة الحقّ واليقين، للشيخ أبي جعفر محمّد بن بابویه (رحمة اللّه علیه) في باب بناء مسجد جمكران، وذكر له حكاية طويلة، وقال هناك : إنّ الإمام المهديّ عجّل اللّه تعالی فرجه أمر بهذه الصلاة بكيفيّة خاصّة، وهي أن يصلّي ركعتين، ويقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب ، فإذا وصل إلى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) كرّره مائة مرّة، ثمّ يقرأها إلى آخرها، وهكذا يصنع في الركعة الثانية، ويسبّح في الركوع والسجود سبع مرّات، فإذا أتمّ الصلاه يهلّل، ويسبّح تسبيح فاطمة الزهراء علیها السلام
فإذا فرغ من التسبيح يسجد ويصلّي على النبيّ وآله مائة مرّة . ثم قال :
ما هذه حكاية لفظه : «فمن صلّاها فكأنّما صلّي في البيت العتيق»، إنتهی .
قال العالم المحدّث النوري في الحاشية ، عند قوله: «فإذا أتمّ الصلاة يهلّل» الظاهر أن يقول : لا إله إلا اللّه وحده وحده «إنتهی».
أقول: الإحتياط في العبادة، والإهتمام في قضاء الحاجة، يقتضيان الجمع بين الكيفيّات المذكورة، بأن يغتسل بعد النصف من ليلة الجمعة، ويصلّي تلك الصلاة، ويكرّر التسبيحة الكبرى في الركوع والسجود سبع مرّات، ويهلّل بعد الفراغ بما هلّل به رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وقال : إنّه دعائي ودعاء الأنبياء قبلي:
«لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت ، وهو حيّ لا يموت بيده الخير ، وهو على كلّ شيء قدير .(2)
ص: 465
ثمّ يهلّل بما هلّل به رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم يوم فتح مكّة ، فقال : لا إله إلّا اللّه وحده وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم «غلب - خ ل» الأحزاب وحده ، فله الملك، وله الحمد، يحيي ويميت ، وهو على كلّ شيء قدير .(1)
ثمّ يسبّح تسبيحة الزهراء الواردة عقيب كلّ فريضة .
ثمّ يسبّح تسبيحها الوارد المعروف بعد صلاتها، وهو
سُبْحَانَ ذِي العِزِّ الشَّامِخِ المُنِيفِ، سُبْحَانَ ذِي الجَلَالِ البَاذِخِ العَظِيمِ، سُبْحَانَ ذِي المُلْكِ الفَاخِرِ القَدِيمِ، سُبْحَانَ مَنْ لَبِسَ البَهْجَةَ وَالجَمَالَ، سُبْحَانَ مَنْ تَرَدّی بِالنُّورِ وَالوَقَارِ، سُبْحَانَ مَنْ يَرَى أَثَرَ النَّملِ فِي الصَّفَا، سُبْحَانَ مَنْ يَرَی وَقْعَ الطَّيْرِ فِي الهَوَاءِ، سُبْحَانَ مَنْ هُوَ هكَذَا، وَلَا هكَذَا غَيْرُهُ
ثمّ يصلّي على النبيّ وآله مائة مرّة، ثمّ يدعو بالدعاء المرويّ عن المكارم، ثمّ يدعو بالدعاء الّذي ذكره ابن طاووس، فإذا عمل بما ذكرناه فقد أتى بجميع الإحتمالات وكان أسرع في إجابة الدعوات وقضاء الحاجات إن شاء اللّه.
وينبغي أن يطيل فيها القنوت، ويقرأ فيه كلمات الفرج كما أمر بذلك مولانا أمير المؤمنين بعض الصالحين، إذ رآه في المنام، وهي:لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ الحَلِيمُ الكَرِيمُ، لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ العَلِيّ العَظِيمُ، سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ السَّمَاوَاتِ السَّبعِ، وَرَبِّ الأَرَضِينَ السَّبعَ، وَمَا فِيهِنَّ وَمَا بَينَهُنَّ وَرَبِّ العَرشِ العَظِيمِ. (4)
تنبيه وتتميم نفعه عميم: قد ذكر السيد ابن طاووس (رحمة اللّه علیه) في صلوات الحوائج ليلة الجمعة صلاة تشبه تلك الصلاة ، فقال : صلاة الحاجة في ليلة الجمعة ، وليلة عيد الأضحى ركعتين، تقرأ فاتحة الكتاب إلى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وتكرّر ذلك مائة مرّة وتتمّ الحمد ثمّ تقرأ:
«قل هو اللّه أحد» مائتي مرّة في كلّ ركعة،
(2) الصحيفة الفاطميّة الجامعة : 17 د:1. (3) الصحيفة العلوية الجامعة : 267 د: 109.
ص: 466
ثمّ تسلّم وتقول: «لا حول ولا قوّة إلّا باللّه العلي العظيم» سبعين مرّة
وتسجد وتقول مائتي مرّة : «یا ربّ یا ربّ» وتسأل كلّ حاجة، إنتهی .(1)
الأمر السادس والسبعون : البكاء في مصيبة مولانا الشهيد المظلوم أبي عبداللّه الحسين علیه السلام
لأنّه ممّا يحصل به أداء حقّ الإمام، ولا ريب أنّ أداء حقّه من أعظم ما يتقرّب به إليه وأهمّه.
1719- وبيان ذلك : أنّه قد روى الشيخ الثقة الأجلّ جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي (رحمة اللّه علیه) في كتاب كامل الزيارات : بإسناده عن الصادق علیه السلام - في حديث طويل في فضل البكاء على الحسين علیه السلام - قال : وما من عين أحبّ إلى اللّه ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه، وما من باك يبكيه إلّا وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه ، ووصل رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وأدّى حقّنا.
وما من عبد يحشر إلّا وعيناه باكية إلّا الباكين على جدّي الحسين، فإنّه يحشر وعينه قريرة، والبشارة تلقاه، والسرور بيّن على وجهه، والخلق في الفزع وهم آمنون، والخلق يعرضون وهم حدّاث الحسين علیه السلام تحت العرش وفي ظلّ العرش، لا يخافون سوء يوم الحساب يقال لهم :
ادخلوا الجنة، فيأبون، ويختارون مجلسه وحديثه، وإنّ الحور لترسل إليهم: إنّا قد اشتقناكم مع الولدان المخلّدين، فما يرفعون رؤوسهم إليهم لما يرون في مجلسهم من السرور والكرامة . الحديث .(2)
والدليل على ما ذكرناه أنّ قوله علیه السلام :
«وأدّى حقّنا» يفيد أنّ البكاء على الحسين علیه السلام أداء حقّ صاحب الامر وسائر الأئمّة سلام اللّه عليهم أجمعين ، ولعلّ السرّ في ذلك أنّ تسلية المؤمنين أخلاف من
ص: 467
مضى منهم تكریم و تعظيم لهم، وتودّد إليهم، ومساعدة معهم بالشركة في مصیبتهم، وهذه الجملة من حقوق المؤمنين بعضهم على بعض، فإنّ للمؤمن إذا مضى لسبیله آداباً، أمر الشرع بمراعاتها، وهي صنفان : صنف يؤدّی به حقّ الميّت وهو تشييعه، وزيارة قبره، والإستغفار له، والتصدّق عنه، والصلاة عليه وذكره بالخير، وأمثالها، وصنف يؤدّی به حقّ الأحياء الباقين بعده، وهو زیارتهم، وتعزيتهم، والدعاء لهم، وموافقتهم في الحزن والمصيبة، وبعث الطعام إليهم، وأمثالها ممّا هو صلة لهم وإحسان إليهم،
ولا ريب في أنّ حقّ الإمام في ذلك أعظم من سائر الأنام.
فإذا بكى المؤمن في مصيبة مولانا المظلوم أبي عبداللّه الحسين علیه السلام أدّى حقّ الإمام الباقي بعده في تلك الواقعة الفاجعة، لأنّه موافقة له، ومساعدة معه ، وتقرّب إليه، وتسلية لقلبه، لا أنّه أدّی حقّ الإمام من جميع الجهات في كلّ مقام
فإنّ للإمام وكذا لسائر المؤمنین حقوقاً بحسب تفاوت مراتبهم وشؤونهم، يجب مراعاتها، والوفاء بها في كلّ مقام من المقامات، وفي كلّ حال من الحالات، وفي كلّ شيء من الأشياء، وقد نبّهوا عليها فيما روى عنهم، لو أردنا صرف العنان إليها صار كتاباً كبيراً،
وبهذا البيان ظهر معنى قوله علیه السلام : وأدّی حقّنا، وبه يظهر معنی نظائره في سائر الموارد والعبارات فكن على بصيرة وتذكّر إن شاء اللّه تعالی.
الأمر السابع والسبعون : زيارة قبر مولانا الحسين علیه السلام
لأنّها صلة صاحب الزمان وبرّ به، وبسائر الأئمّة ويدخل السرور بها في قلب الإمام، ويدعو الإمام كسائر آبائه الكرام كلّ صباح و مساء لزوّار قبر الحسين علیه السلام
1720- وروى ابن قولویه (رحمة اللّه علیه) في كامل الزيارات بإسناده عن أبان، عن الصادق علیه السلام ، قال : من أتى قبر أبي فقد وصل رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ووصلنا،
ص: 468
وحرمت غیبته وحرم لحمه على النار، الخبر .(1)
1721- وفيه : بإسناده ، عن عبداللّه بن سنان، قال :
قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : جعلت فداك، إنّ أباك كان يقول في الحجّ : يحسب له بكلّ درهم أنفقه ألف درهم، فما لمن ينفق في المسير إلى أبيك الحسين علیه السلام ؟ فقال : يا ابن سنان، يحسب له بالدرهم الف وألف حتّى عدّ عشرة، ويرفع له من الدرجات مثلها ، ورضا اللّه تعالی خير له، ودعاء محمّد صلی اللّه علیه وآله وسلم ودعاء أمير المؤمنين والائمّة علیهم السلام خير له.(2)
1722- وفيه : بإسناده عن الصادق علیه السلام ، قال : من أحبّ الأعمال إلى اللّه تعالی زیارة قبر الحسين علیه السلام وأفضل الأعمال عند اللّه إدخال السرور على المؤمن، وأقرب ما يكون العبد إلى اللّه وهو ساجد باك .(3)
1723- وبإسناده عن معاوية بن وهب أنّه سمع الصادق علیه السلام يدعو ويناجي اللّه ربّه، ويقول:
اِغْفِر لِي وَلِاِخْوَانِي وَلِزُوَّارِ قَبْرِ أَبِي الحُسَيْنِ علیه السلام الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ، وَأَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ رَغْبَةً فِي بِرِّنَا، وَرَجَاءً لِمَا عِنْدَكَ فِي صِلَتِنَا، وَسُرُوراً اَدْخَلُوهُ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيهِ وَآلِهِ، وَإِجَابَةً مِنْهُم لِأَمْرِنَا، وَغَيْظاً أَدْخَلُوهُ عَلَى عَدُوِّنَا، اَرَادُوا بِذَلِكَ رِضَاكَ، فَكَافِهِمْ عَنَّا بِالرِّضْوَانِ، وَاكْلَأْهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَاخْلُف عَلَى أَهَالِيهِمْ وَأَوْلَادِهِمُ الَّذِينَ خَلَّفُوا بِأَحْسَنِ الْخَلَفِ، وَأَصْحِبهُمْ، وَاكْفِهِمْ شَرَّ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَ كُلِّ ضَعِيفٍ مِنْ خَلقِكَ أَو شَدِیدٍ، وَشَرَّ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، وَأَعْطِهِمْ أَفْضَلَ مَا اَمَّلُوا مِنْكَ فِي غُرْبَتِهِمْ عَنْ أَوْطَانِهِمْ، وَمَا آثَرُونَا بِهِ عَلَى أَبْنَائِهِمْ وَأَهَالِيهِمْ وَقَرَابَاتِهِمْ
ص: 469
اَللَّهُمَّ اِنَّ اَعْدَاءَنَا غَابُوا عَلَيْهِم خُرُوجَهُمْ، فَلَمْ يَنْهَهُمْ ذَلِكَ عَنِ الشُّخُوصِ إِلَيْنَا، وَخِلَافاً مِنْهُم عَلَى مَنْ خَالَفَنَا، فَارْحَم تِلْكَ الوُجُوهَ الَّتِي قَدْ غَيَّرَتْهَا الشَّمْسُ، وَارْحَم تِلْكَ الْخُدُودَ الَّتِي تَقَلَّبَتْ عَلَى حُفْرَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام وَاَرْحَم تِلْكَ الْأَعْيُنَ الَّتِي جَرَتْ دُمُوعُهَا رَحْمَةً لَنَا، وَ ارْحَم تِلْكَ الْقُلُوبَ الَّتِي جَزَعَتْ وَاحْتَرَقَتْ لَنَا، وَارْحَمِ الصَّرْخَةَ الَّتِي كَانَتْ لَنَا،
اَللَّهُمَّ إِنِّي اَسْتَودِعُكَ تِلْكَ الْأَنْفُسَ وَتِلْكَ الْاَبْدَانَ حَتَّى نُوَافِيهِمْ عَلَى الْحَوْضِ يَوْمَ الْعطَشِ الْأَكْبَرِ، فما زال ساجدٌ يدعو بهذا الدعاء.
- الحديث - وهو طويل، أخذنا منه موضع الحاجة -.(1)
وهو دليل على حصول السرور لصاحب الامر، وسائر الأئمّة علیهم السلام بهذا العمل الشريف ، وأنّه صلة لهم، وإجابة لأمرهم، ومعاداة لاعدائهم.
1724- وفيه بإسناده إلى معاوية بن وهب (أيضاً) عن الصادق علیه السلام ، قال :
قال لي : يا معاوية ، لاتدع زيارة قبر الحسين علیه السلام لخوف، فإنّ من تركه رأي من الحسرة ما يتمنّى أنّ قبره كان عنده ، أما تحبّ أن يرى اللّه شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول اللّه علیه السلام ، وعليّ، وفاطمة، والأئمّة علیهم السلام .(2)
1725 - وبإسناده عن الحلبي، عن أبي عبداللّه علیه السلام - في حديث طويل -:
قلت : جعلت فداك، ما تقول فيمن ترك زيارته وهو يقدر على ذلك ؟
قال علیه السلام : أقول : إنّه قد عقّ رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم ، وعقّنا، واستخفّ بأمر هو له، ومن زاره كان اللّه له من وراء حوائجه، وكفي ما أهمّه من أمر دنياه، وإنّه ليجلب الرزق على العبد، ويخلف عليه ما أنفق، ويغفر له ذنوب خمسين سنة، ويرجع
ص: 470
إلى أهله وما عليه وزر ولا خطيئة إلّا وقد محيت من صحيفته ،
فإن هلك في سفره نزلت الملائكة فغسّلته، وفتح له باب إلى الجنّة(1) يدخل عليه روحها حتّى ينشر، وإن سلم فتح له الباب الّذي ينزل منه الرزق، ويجعل له بكلّ درهم أنفقه عشرة ألف درهم، وذخر ذلك له، فإذا حشر قيل له:
لك بكلّ درهم عشرة الآف درهم، وإنّ اللّه نظر لك وذخرها لك عنده .(2)
1726- وفي حديث عبداللّه بن حمّاد البصري، عن الصادق علیه السلام - يذكر فيه فضل زائر قبر الحسين علیه السلام إلى أن قال- :
وأمّا ما له عندنا فالترحّم عليه كلّ صباح ومساء ، الخبر .(3)
1727- وفي حديث صفوان الجمّال، عن الصادق علیه السلام : لو يعلم زائر الحسين ما يدخل على رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم وما يصل إليه من الفرح، وإلى أمير المؤمنين، وإلى فاطمة، و[إلى] الأئمّة علیهم السلام ، والشهداء منّا أهل البيت ، وماينقلب به من دعائهم له، وما له في ذلك من الثواب في العاجل والآجل، والمذخور له عند اللّه، لأحبّ أن يكون ما ثمّ داره ما بقي(4)، الخبر .(5)
الأمر الثامن والسبعون : إكثار اللعن على بني أُميّة
سرّاً وعلانية في المجالس وعلى المنابر، ما لم يكن خوف وتقيّة، ويدلّ على كون ذلك ممّا يتقرّب به إلى مولانا علیه السلام مضافاً إلى أنّه من أفضل الأعمال وأحبّها وأهمّها:
ص: 471
1728- ما رواه الشيخ الصدوق (رحمة اللّه علیه) في الخصال : عن أمير المؤمنين علیه السلام - في ذكر مناقبه السبعين . قال علیه السلام : وأمّا الرابعة والخمسون،
فإنّي سمعت رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم يقول : يا عليّ، سيلعنك بنو أُميّة، ويردّ عليهم ملك بكلّ لعنة الف لعنة، فإذا قام القائم علیه السلام لعنهم أربعين سنة ، الخبر .(1)
أقول: لا يخفى عليك أنّ المراد باللعن أربعين سنة أمره علیه السلام شیعته وأتباعه بلعن بني أُميّة في جميع البلاد والقرى والأمصار على المنابر، وفي المجامع، وشيوع ذلك بين الناس في تلك المدّة، كما فعل ذلك بنو أُميّة لعنهم اللّه تعالى في زمن استيلائهم معاندة لامير المؤمنين علیه السلام ،
ففعل القائم جزاء بما كسبوا في هذه الدنيا ولو كان المراد لعنه بني أُميّة بنفسه فقط لما كان محدوداً بالمدّة المعيّنة، وما اختصّ بزمان ظهوره علیه السلام لأنّه يلعنهم في جميع عمره.
والحاصل : أنّ هذا الحديث الشريف يدلّ على فضل كثير في الإهتمام بلعن بني أُميّة وإكثاره وأنّه ممّا يتقرّب به إلى صاحب الامر عجّل اللّه تعالی فرجه و ظهوره
فينبغي للمؤمن الإهتمام والمواظبة عليه في سائر أوقاته وحالاته، خصوصاً في صباحه ومسائه، وأعقاب صلواته، ويشهد لما ذكرناه :
1729- ما رواه الشيخ : بإسناده عن أبي جعفر الباقر علیه السلام، قال :
إذا انحرفت عن صلاة مكتوبة ، فلا تنحرف إلّا بإنصراف لعن بني أُميّة .(2)
وممّا يدلّ على أنّ اللعن عليهم وعلى سائر أعداء الأئمّة من أقسام نصرة الإمام باللسان ما في تفسير الإمام العسكريّ عليه الصلاة والسلام، أنّه قال رجل للصادق علیه السلام : يا بن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم إنّي عاجز ببدني عن نصرتكم، ولست أملك إلّا البراءة من أعدائكم واللعن عليهم، فكيف حالي؟
ص: 472
فقال له الصادق علیه السلام : حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم قال : من ضعف عن نصرتنا أهل البيت، ولعن في خلواته (1) أعداءنا، بلّغ اللّه صوته جميع الأملاك من الثرى إلى العرش، فكلّما لعن هذا الرجل أعداءنا لعناً ساعدوه، فلعنوا من يلعنه، ثمّ ثنّوه، فقالوا: «اللّهمّ صلّ على عبدك هذا، الّذي قد بذل ما في وسعه، ولو قدر على أكثر منه لفعل».
فإذا النداء من قبل اللّه تعالی : قد أجبت دعاءكم وسمعت نداءكم، وصلّيت على روحه في الأرواح، وجعلته عندي من المصطفين الأخيار، إنتهى .(2)
هذا كلّه مضافاً إلى أنّ موالاة الأئمّة لا يتمّ إلّا بالبراءة من أعدائهم، واللعن عليهم، ولا ريب أنّ بني أُميّة من أعدائهم، وقد فعلوا بالائمّة وأوليائهم ما فعلوا من الظلم والقتل، وأنواع الإيذاء ، فلعنة اللّه عليهم ما دامت الأرض والسماء.
تنبيه : مقتضى ماعرفت ممّا ذكرنا، وما لم نذكر، كقوله علیه السلام : «ولعن اللّه بني أُميّة قاطبة » عموم اللعن على جميع بني أُميّة، مع أنّ علماءنا ذكروا في أولياء أمير المؤمنين والأئمّة وخواصّهم جماعة ينتهي نسبهم إليهم، ولا ريب في حرمة اللعن على المؤمنين الموالين للأئمّة الطاهرين،
وقد قال اللّه عزّ وجلّ: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)(3)
وقال تبارك وتعالى : (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)(4)
وقد قيل في توجيه ذلك والجمع بين الدليلين وجوه غير نقيّة عن المناقشة
والاظهر عندي في هذا المقام أن يقال : إنّ المراد من بني أُميّة من يسلك مسلكهم ويحذو حذوهم في معاداة أمير المؤمنين والأئمّة الطاهرين وأوليائهم، سواء كان من هذا الحيّ، أم سائر الأحياء.
ص: 473
فإنّ من سلك مسلكهم يعدّ منهم، وطينته من طينتهم، وإن لم يكن في النسب الظاهريّ معدوداً منهم، ومن كان موالياً لأمير المؤمنين والأئمّة الطاهرين فهو منهم، من أيّ حيّ كان،
والدليل على ما ذكرناه قوله عزّ وجلّ: («وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ)(1).
1730- والنبوي صلی اللّه علیه وآله وسلم : سلمان منّا أهل البيت.(2)
1731۔ وقولهم علیهم السلام : شیعتنا منّا، وإلينا .(3)
1732- وفي البرهان وغيره: عن عمر بن يزيد الثقفي، قال :
قال أبو عبداللّه علیه السلام : يابن يزيد، أنت واللّه منّا أهل البيت،
قلت : جعلت فداك ، من آل محمّد؟ قال علیه السلام : إي واللّه،
قلت : من أنفسهم جعلت فداك ؟ قال : إي واللّه من أنفسهم، یا عمر ،
أما تقرأ كتاب اللّه عزّ وجلّ : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)(4) أما تقرأ قول اللّه عزّ اسمه :
(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ)(5)
وفي هذا المعنی روایات كثيرة وما ذكرناه كاف لأهل البصيرة .(6)
الأمر التاسع والسبعون : الإهتمام في أداء حقوق الاخوان
وممّا يتقرّب به إليه، ويسرّه، ويزلف لديه من الأُمور المنتسبة إليه، الإهتمام في أداء حقوق الإخوان، فإنّه نصرة له، وتمسّك بحبل ولايته، وإدخال السرور عليه ، وإحسان إليه، ويدلّ عليه طوائف من الأخبار :
ص: 474
منها: ما مرّ من أنّ ترك ذلك استخفاف بالإمام علیه السلام .
ومنها: ما دلّ على أنّ الإمام بمنزلة الوالد للمؤمنين، وهم بمنزلة أولاده ، ولا ريب أنّ الإحسان والتودّد إلى الأولاد أحسان وتودّد إلى والدهم، ولا سيّما إذا كان للولد مزيّة من حيث العلم، والمعرفة، والزهد، والعبادة، والنسب .(1)
1733- ومنها : ما في أُصول الكافي - في حديث مرفوع -: عن معلّى بن خنیس ، قال : سألت أبا عبداللّه علیه السلام: عن حقّ المؤمن، فقال علیه السلام :
سبعون حقّاً لا أُخبرك إلّا بسبعة، فإنّي عليك مشفق أخشى أن لاتحتمل،
فقلت : بلى، إن شاء اللّه، فقال :
لا تشبع ويجوع، ولا تكتسي ويعرى، وتكون دليله وقميصه الّذي يلبسه(2) ولسانه الّذي يتكلّم به، وتحبّ له ما تحبّ لنفسك، وإن كانت لك جارية بعثتها لتمهّد فراشه، وتسعى في حوائجه بالليل والنهار ، فإذا فعلت ذلك وصلت ولايتك بولايتنا وولايتنا بولاية اللّه عزّ وجلّ .(3)
1734- وفيه : بإسناده عن مفضّل بن عمر، عن أبي عبداللّه علیه السلام ، قال :
لا يرى أحدكم إذا أدخل على مؤمن سروراً أنّه عليه أدخله فقط، بل واللّه علينا، بل واللّه على رسول اللّه صلی اللّه علیه وآله وسلم.(4)
1735- وفيه : بإسناده عن أبي الحسن علیه السلام ، قال :
من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فإنّما هي رحمة من اللّه تعالی ساقها إليه ، فإن قبل ذلك فقد وصله بولايتنا وهو موصول بولاية اللّه، وإن ردّه عن حاجته وهو يقدر على قضائها سلّط اللّه عليه شجاعاً(5) من نار، ينهشه في قبره إلى يوم
ص: 475
القيامة ، مغفورة له أو معذّباً، فإن عذره الطالب كان أسوأ حالاً .(1)
1736- وفي البحار : عن الكاظم علیه السلام - في حديث - قال :
ومن قضى حاجة من أوليائنا، فكأنّما قضاها لجميعنا .(2)
1737- وفي كامل الزيارة عن الرضا علیه السلام قال :
من لم يقدر على زيارتنا فلیزر صالحي موالينا، يكتب له ثواب زیارتنا .(3)
1738- و عن الكاظم نحوه بزيادة : ومن يقدر على صلتنا فليصل على صالحي موالينا يكتب له ثواب صلتنا. (4)
أقول: الأحاديث الواردة في هذا الباب كثيرة جدّاً، والغرض الإشارة .
1739- لكن يعجبني هنا ذكر رواية شريفة رواها زيد النرسي (5) في أصله لاشتمالها على فوائد جمّة وأُمور مهمّة ، قال :
قلت لأبي عبداللّه علیه السلام : نخشى أن لانكون مؤمنين، قال علیه السلام : ولِمَ ذاك؟
فقلت : وذلك أنّا لانجد فينا من يكون أخوه آثر من در همه و دیناره، ونجد الدينار والدرهم آثر عنده من أخ قد جمع بيننا وبينه موالاة أمير المؤمنين علیه السلام .
قال علیه السلام : كلّا إنّكم مؤمنون، ولكن لا تكمّلون إيمانكم حتّى يخرج قائمنا، فعندها يجمع اللّه أحلامكم فتكونون مؤمنین كاملین، ولو لم يكن في الأرض
ص: 476
مؤمنون كاملون إذاً لرفعنا اللّه إليه، وأنكرتم(1) الأرض وانكرتم السماء(2) بل والّذي نفسي بيده إنّ في الأرض في أطرافها مؤمنين، ما قدر الدنيا كلّها عندهم تعدل جناح بعوضة، ولو أنّ الدنيا بجميع ما فيها وعليها ذهبة حمراء على عنق أحدهم، ثمّ سقط عن عنقه ما شعر بها أيّ شيء كان على عنقه، ولا أيّ شيء سقط منه لهوانها عليهم، فهم الخفيّ عيشهم(3) المنتقلة ديارهم من أرض إلى أرض، الخميصة بطونهم من الصيام، الذيلة شفاههم من التسبيح، العمش العيون من البكاء، الصفر الوجوه من السهر، فذلك سيماهم مثلاً ضربه اللّه في الإنجيل لهم، وفي التوراة، والفرقان والزبور، والصحف الأُولى وصفهم فقال : (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ)(4)
عني بذلك صفرة وجوههم من سهر الليل، هم البررة بالإخوان في حال اليسر والعسر ، المؤثرون على أنفسهم في حال العسر، كذلك وصفهم اللّه فقال : (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(5)، فازوا واللّه وأفلحوا؛ إن رأوا مؤمناً أكرموه، وإن رأوا منافقاً هجروه، وإذا جنّهم الليل اتّخذوا أرض اللّه فراشاً، والتراب وساداً، واستقبلوا بجباههم الأرض يتضرّعون إلى ربّهم في فكاك رقابهم من النار .
فإذا أصبحوا اختلطوا بالناس لم يشار إليهم بالأصابع، تنكّبوا الطرق(6) واتّخذوا الماء طيباً وطهوراً، أنفسهم متعوبة وأبدانهم مكدورة، والناس منهم في راحة، فهم عند الناس شرار الخلق، وعند اللّه خيار الخلق، إن حدّثوا لم
ص: 477
يصدّقوا، وإن خطبوا لم يزوّجوا، وإن شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفقدوا،
قلوبهم خائفة وجلة من اللّه، ألسنتهم مسجونة، وصدورهم وعاء لسرّ اللّه،
إن وجدوا له أهلاً نبذوه إليه نبذاً ، وإن لم يجدوا له أهلاً ألقوا على ألسنتهم أقفالاً غيّبوا مفاتيحها، وجعلوا على أفواههم أوكية، صلب صلاب أصلب من الجبال، لا ينحت منهم شيء، خزّان العلم ومعدن الحلم والحكم وتباع النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين، أكياس يحسبهم المنافق خرساء وعمياء و بلهاء، وما بالقوم من خرس ولاعمى ولا بله؛
إنّهم لأكياس فصحاء، حلماء حكماء، أتقياء بررة، صفوة اللّه، أسكنتهم (1)الخشية لله، وأعيتهم ألسنتهم خوفاً من اللّه وكتماناً لسرّه.
فواشوقاه إلى مجالستهم ومحادثتهم، یاكرباه لفقدهم، ويا كشف كرباه لمجالستهم، أُطلبوهم فإن وجدتموهم واقتبستم من نورهم اهتديتم، وفزتم بهم في الدنيا والآخرة، هم أعزّ في الناس من الكبريت الأحمر ، حليتهم طول السكوت بكتمان(2) السرّ والصلاة والزكاة، والحجّ والصوم، والمواساة للإخوان في حال اليسر والعسر فذلك حليتهم ومحبّتهم، یا طوبى لهم وحسن مآب ، هم وارثوا الفردوس خالدين فيها، ومثلهم في أهل الجنان، مثل الفردوس في الجنان وهم المطلوبون في النار المحبورون في الجنان، فذلك قول أهل الناس:
(مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ )(3) فهم أشرار الخلق عندهم، فيرفع اللّه منازلهم حتّى يرونهم، فيكون ذلك حسرة لهم في النار . فيقولون :
(يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ)(4) فنكون مثلهم، فلقد كانوا هم الأخبار، وكنّا نحن الأشرار ، فذلك حسرة لأهل النار، إنتهى الحديث الشريف بطوله .(5)
1740- وفي البحار، عن أمالي الشيخ : بإسناده عن جابر الجعفي، قال :
ص: 478
دخلنا على أبي جعفر محمّد بن عليّ علیهماالسلام ونحن جماعة بعد ما قضينا نسكنا، فودّعناه وقلنا له: أوصنا يا بن رسول اللّه ، فقال علیه السلام :
ليعن قويّكم ضعيفكم، وليعطف غنيّكم على فقيركم، ولينصح الرجل أخاه كنصحه لنفسه، واكتموا أسرارنا ولا تحملوا الناس على أعناقنا، وانظروا أمرنا وما جاء كم عنّا، فإن وجدتموه في القرآن موافقاً فخذوا به، وإن لم تجدوه موافقاً فردّوه، وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردّوه إلينا حتّى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا، فإذا كنتم كما أوصيناكم ولم تعدوا إلى غيره فمات منكم میّت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيداً، ومن أدرك قائمنا فقتل معه كان له أجر شهیدین، ومن قتل بين يديه عدوّاً لنا كان له أجر عشرين شهيداً .(1)
الأمر المتمّم للثمانين : إعداد السلاح، ومرابطة الخيل انتظاراً لظهوره
لينصره ويتشرّف بحضوره، فهاهنا مطلبان :
الأوّل : ذكر مايدلّ على فضيلة الأوّل.
والثاني : بیان ما يدلّ على الثاني، وفيه ذكر معنى المرابطة وأقسامها .
1741- أمّا الأوّل : فيدلّ عليه ما رواه النعماني : بإسناده عن الصادق علیه السلام ، قال : ليعدّن أحدكم لخروج القائم علیه السلام ولو سهماً، فإنّ اللّه تعالى إذا علم ذلك من نیّته رجوت لان ينسئ في عمره حتّى يدركه، ويكون من أعوانه وأنصاره .(2)
أقول: الّذي يختلج ببالي في معنى قوله علیه السلام : «لأن ينسئ في عمره» أنّ اللّه تعالى يطوّل عمره بسبب هذا العمل سواء طال عمره حتّى يدرك زمان ظهور القائم أم لا، والإنساء في اللغة التأخير .
وروى الكليني (رحمة اللّه علیه) في روضة الكافي : بإسناده عن أبي عبداللّه الجعفي ، قال :
ص: 479
قال لي أبو جعفر محمّد بن عليّ علیهماالسلام : كم الرباط(1) عندكم؟ قلت: أربعون
قال علیه السلام : لكن رباطنا رباط الدهر، ومن ارتبط فينا دابّة كان له وزنها و وزن وزنها ما كانت عنده، ومن ارتبط فينا سلاحاً كان له وزنه ما كان عنده، لا تجزعوا من مرّة ولا من مرّتين ولا من ثلاث ولا من أربع(2)
فإنّما مثلنا ومثلكم مثل نبيّ كان في بني إسرائيل، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه أن ادع قومك للقتال فإنّي سأنصرك، فجمعهم من رؤوس الجبال، ومن غير ذلك، ثمّ توجّه بهم فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتّى انهزموا؛
ثمّ أوحى اللّه إليه أن ادع قومك إلى القتال فإنّي سأنصرك فدعاهم، فقالوا : وعدتنا النصر فما نصرنا، فأوحى اللّه تعالى إليه: إمّا أن يختاروا القتال أو النار،
فقال : يا ربّ، القتال أحبّ إليَّ من النار .
فدعاهم فأجابه منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر عدّة أهل بدر، فتوجّه بهم، فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتّى فتح اللّه عزّ وجلّ لهم.(3)
قال المجلسي(رحمة اللّه علیه) في شرح قوله : «رباطنا رباط الدهر» أي يجب على الشيعة أن يربطوا أنفسهم على طاعة إمام الحقّ، وانتظار فرجه، ويتهيّأوا لنصرته.
وقال (رحمة اللّه علیه) في شرح قوله علیه السلام: «كان له وزنها ... إلخ» أي كان له ثواب التصدّق بضعفي وزنها ذهباً وفضّة كلّ يوم ، ويحتمل أن يكون من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس أي له من الثواب مثلي وزن الدابّة، إنتهی .
المطلب الثاني: في بيان معنى المرابطة وفضلها، قال اللّه عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(4).
ص: 480
إعلم أنّ المرابطة مأخوذة من الربط، بمعنى الشدّ، وأُريد بها في الكتاب والسنّة أمور:
أحدها: ما ذكره الفقهاء في كتاب الجهاد من الفقه، وهو أن يقيم المؤمن ويربط دابّته في ثغر من الثغور، لحفظ بلاد الإسلام من تهاجم الكفّار، فيدفعهم إذا هجموا على المسلمين، وأقلّ زمان هذه المرابطة ثلاثة أيّام، وأكثره أربعون يوماً، فإذا تجاوز الأربعين كان ثوابه ثواب المجاهدين، ولا فرق في استحباب هذه المرابطة بين زمان حضور الإمام علیه السلام وغيبته، وفيها فضل كثير؛
1742- ففي النبويّ المحكيّ في الجواهر، عن المنتهى: عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم أنّه قال : رباط الخيل ليلة في سبيل اللّه خير من صيام شهر وقيامه، فإن مات جرى عليه عمله الّذي كان يعمل، وأُجري عليه رزقه(1) وأمن الفتان .(2)
1743- وفي نبويّ آخر : كلّ ميّت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل اللّه فانه ينمو له عمله إلى يوم القيامة، ويؤمن من فتان القبر.(3)
1744- وفي نبويّ ثالث: عينان لا تمسّهما النار :
عين بكت من خشية اللّه، وعين باتت تحرس في سبيل اللّه .(4)
وينبغي التنبيه لأمرين:
أحدهما : أنّ هذا القسم من المرابطة يقبل النيابة ،
لما قدّمناه في استحباب النيابة عن الاحياء والأموات في سائر الأعمال الخيريّة والمستحبّات ولغير ذلك، ممّا هو مذكور في الفقه .
ثانيهما: أنّ استحبابها إنّما هو مع عدم الضرورة، ومعها فهي من الواجبات الكفائيّة، وتفصيل الكلام يوجب الخروج عن المرام.
ص: 481
الثاني: أن يرابط المؤمن إمام زمانه، بأن يربط نفسه بحبل ولايته ويلتزم باتّباعه وإعانته ، وهذا القسم من المرابطة واجب عينيّ على كلّ أحد، ولا يقبل النيابة ، وهو ركن من أركان الإيمان، ولا يقبل اللّه تعالی عملاً بدونه .
ويدلّ على ذلك - مضافاً إلى مامرّ في وجوب الإنتظار وفي غير ذاك المقام -
1745- ما رواه عليّ بن إبراهيم القمّي: بإسناد صحيح في تفسير تلك الآية عن الصادق علیه السلام ، قال : اصبروا على المصائب، وصابروا على الفرائض، ورابطوا على الأئمّة .(1)
1746- وفي البرهان وغيره : عن الباقر علیه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا)(2) قال :
اصبروا على أداء الفرائض وصابروا عدوّكم، ورابطوا إمامكم المنتظر .(3)
1747- و فيه : بإسناد صحيح عن الصادق علیه السلام قال :
اصبروا على الفرائض، وصابروا على المصائب، ورابطوا على الأئمّة.(4)
1748- و عن الكاظم علیه السلام قال : اصبروا على المصائب، وصابروهم على التقيّة، ورابطوا على ما تقتدون به (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .(5)
1749- و عن يعقوب السرّاج، عن أبي عبداللّه علیه السلام - في معنى الآية - قال : اصبروا على الأذى فينا، قلت: «فصابروا»؟
قال : على عدوّكم مع وليّكم، قلت: «ورابطوا»؟ قال : المقام مع إمامكم (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) قلت : تنزيل؟ قال علیه السلام : نعم.(6)
ص: 482
1750- وفي حديث آخر قال : رابطوا إمامكم فيما أمركم وفرض عليكم.(1)
أقول: وجوب المرابطة بهذا المعنى من ضروريّات المذهب، فنحن في غنى عن إقامة الدليل لهذا المطلب، مع أنّ دلالة الآيات والأخبار عليه كالشمس في رابعة النهار، فهي غير خفيّة على أُولي الأسماع والأبصار.
الثالث: أن يرتبط فرساً أو نحوه، انتظاراً لظهور صاحب الأمر عجّل اللّه فرجه ليركبه ويقاتل أعداءه، وهذا القسم من المرابطة من المندوبات المؤكّدة،
1751- ويدلّ على فضله - مضافاً إلى ما حكينا عن روضة الكافي - ما رواه في فروعه في كتاب الدواجن(2): بإسناده عن ابن طيفور المتطبّب قال :
سألني أبو الحسن علیه السلام : أيّ شيء تركب؟ قلت : حماراً،
فقال علیه السلام : بكم ابتعته ؟ قلت : بثلاث عشر دیناراً،
فقال علیه السلام : إنّ هذا هو السرف، أن تشتري حماراً بثلاثة عشر دیناراً وتدع برذوناً.
قلت : يا سيّدي إنّ مؤونة البرذون أكثر من مؤونة الحمار، قال :
فقال : إنّ الّذي يموّن الحمار يموّن البرذون،
أما علمت أنّ من ارتبط دابّة متوقّعاً به أمرنا ويغيظ به عدوّنا، وهو منسوب إلينا، أدرّ اللّه رزقه، وشرح صدره، وبلّغه أمله، وكان عوناً على حوائجه .(3)
1752- وفي البرهان وغيره ، عن العيّاشي: بسنده عن الصادق علیه السلام في معنی آية المرابطة : (اصْبِرُوا) يقول : عن المعاصي،
(وَصَابِرُوا) على الفرائض،
ص: 483
(وَاتَّقُوا اللَّهَ) يقول: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر .
ثم قال : وأي منكر انكر من ظلم الأمة لنا ، وقتلهم إيانا؟
(وَرَابِطُوا) يقول: في سبيل اللّه، ونحن السبيل فيما بين اللّه وخلقه، ونحن الرباط الأدنى، فمن جاهد عنّا فقد جاهد عن النبيّ صلی اللّه علیه وآله وسلم وماجاء به من عند اللّه، الخبر .(1)
1753. وفيه: عن أبي جعفر علیه السلام في هذه الآية قال : نزلت فينا، ولم يكن الرباط الّذي أمرنا به بعد، وسيكون ذلك من نسلنا المرابط .(2)
توضیح: المراد بالمرابط على ما ظهر لي من التأمّل في كلماتهم هو الإمام المنتظر عجّل اللّه تعالی فرجه ، ووجه تسميته بهذا واضح،
تنبيه : المقصود الأصليّ في هذا المقام ذكر القسم الثاني والثالث من المرابطة، وقد ذكرنا القسم الأوّل تكثيراً للفائدة، وتكميلاً للعائدة ؛
وقد عزمت في هذا الأوان وهو شهر جمادي الثانية من السنة الثامنة والأربعين بعد الألف وثلاثمائة من الهجرة المباركة النبويّة على السفر إلى العراق، لزيارة مشاهد الأئمّة الأطياب،
وأسأل اللّه تعالى أن يوفّقني لما أُريد على وجه الكمال، ويوفّقني بعد الإياب، لإتمام هذا الكتاب بمنّه وكرمه، إنّه عزیز وهاب .(3)
ص: 484
تمّ إلى هنا
بید مصنّفه الضعيف الجاني
محمّد تقي الموسوي الإصفهاني
عفا اللّه تعالی عنه، وجعله في كنف مولاه
الحجّة عجّل اللّه تعالی فرجه
حامداً، مستغفراً
يقول العبد محمّد الموسوي الإصفهاني:
وقد رجع والدي المصنّف رحمه اللّه تعالی من هذا السفر في أواخر شهر شعبان من تلك السنة، ومات مسموماً في ليلة الخامس والعشرين من شهر رمضان، وأسال اللّه تعالى أن يوفّقني لنشر مؤلّفاته وآثاره، كما وفّقني لنشر هذا الكتاب، والحمد لله كما هو أهله .
ص: 485
يقول العبد القاصر محمّد باقر بن السيّد مرتضى الموحّد الأبطحيّ عفى اللّه عنهما : إنّ المؤلّف الوافد إلى ربّه «في هذه الرحلة المؤسفة، الّتي حالت بينه وبين أن يأتي بما حتم على نفسه من خاتمة» قد جاد بنفسه، ولبّى دعوة ربّه، بعد رجوعه من المشاهد المشرّفة والأعتاب المقدّسة . فحقّ على الكريم أن يدخل عبده الوفيّ في رحمته الواسعة، في وجوه ناضرة، في عيشة راضية، في جنّة عالية، لها أبواب ثمانية (وفاءً بقوله) : (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ).
وحقّ أن يقول المؤلّف الوافد إلى ربّه: (يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ) «وأنت غاية رجائي في المكيال».
وأمّا هو (رحمة اللّه علیه) في قصد تأليفه هذا الكتاب يقول للقرّاء الكرام «بلسان الحال» :
هذا كتابي إليكم ولكم وصلة ، فهاؤم اقرؤا كتابيه،
ها هو كجنّة الخلد واقية، لها أبواب ثمانية، لا ترون فيها خاتمة ولا باقية ،
موسوعة كبيرة في معرفة الحجّة عجّل اللّه فرجه الشريف
أو مكیال المكارم في فوائد الدعاء للقائم من ولد فاطمة
وأقول: أمّا بعد فقد دعت الضرورة «لكثرة الراغبين ونفاد نسخ الكتاب» في هذه الظروف القاسية إلى إعادة طبعه مع تحقيقه جديداً وإخراج مصادره بشكل أفضل تتميماً للفائدة . فعزمت «بعون اللّه» في مبتدأ مشاريعنا العلميّة الموسعة على إخراج هذا السفر القيّم ابتغاء الوسيلة إليه تعالى ،
وليقوم الناس يدعون لفرج إمامهم الغائب عارفين بحقوقه.
فالحمد لله على ما أنعم علينا بطبع هذا الكتاب ، وقد خرج على أحسن ممّا كان في صورة راقية، وشكر متواصل إلى هؤلاء الأفاضل الّذين وازرونا في إخراج هذا الأثر الدينيّ المبارك ، وأخصّ بالذكر «الشيخ محمّد الظريف»
وآخر دعوانا : أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى اللّه على محمّد وآله
ص: 486
1- فهرس الآيات القرآنيّة .
٢- الفهرس الموضوعي للكتاب
٣- فهرس مصادر الكتاب .
ص: 487
ص: 488
الآية رقم السورة رقم الصفحة
الفاتحة :1
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ... 5 ... 466،465،463،462
البقرة : 2
(الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) ... 1-3 ... 137، 171، 382
(سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) ... 6 ... 326
(اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) ... 15 ... 233
(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ)... 83 ... 312
(وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ) ... 88 ... 295
(وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى) ... 132 ... 437
(قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ) ... 136 ... 409
(فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ... 137 ... 38
(وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً) ... 143 ... 438
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ) ... 155 ... 333
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ) ... 159 ... 317
(وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ) ... 177 ... 295
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) ... 186 ... 421
(وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا) ... 189 ... 352
(وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) ... 191 ... 482،332
(وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ... 195 ... 343
(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) ... 245 ... 278،286
ص: 489
(فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ) ... 246 ... 381
(لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى) ... 264 ... 76
(وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو) ... 269 ... 319،208
(وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) ... 286 ... 394،285
آل عمران : 3
(فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ) ... 7 ... 335،334،232
(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) ... 19 ...437
(اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ) ... 26 ... 29
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي) ... 31 ... 275،71
(إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) ... 68 ... 474
(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ) ... 85 ... 437
(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) ... 92 ... 288
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ) ... 96 ... 113
(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) ... 103 ... 347
(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ) ... 104 ... 317
(وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ... 130 ... 482
(وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ... 161 ... 295
(مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ) ... 179 ... 328
(فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ... 186 ...334
(إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) ... 194 ... 27
(أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ) ... 195 ... 68
(لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ) ... 196-198 ... 436
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ) ... 200 ... 482،480،331
النساء : 4
(وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) ... 32 ... 421،209
ص: 490
(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) ... 36 ... 436
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ) ... 59 ... 271،214
(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا)... 65 ... 266،230
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) ... 77 ... 381
(أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا) ... 97 ... 310
(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا) ... 140 ... 342،340
(وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ) ... 155 ... 297
(وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) ... 157 ... 205
المائدة : 5
(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) ... 2 ... 240
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ... 3 ... 318،13
(إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) ... 27 ... 68
(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) ... 55 ... 271
(يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) ... 64 ... 397،295
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا) ... 105 ... 324
(وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي) ... 110 ... 365،360
(تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) ... 116 ... 362
الأنعام: 6
(ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) ... 2 ... 219
(يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ) ... 27 ... 478
(قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ) ... 33 ... 332
(وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى) ... 68 ... 341
(فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) ... 98 ... 61
(وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ) ... 108 ... 341
(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ) ... 115 ... 361
ص: 491
(قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ) ... 161 ... 435
(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ... 164 ... 473
الأعراف: 7
(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ) ... 43 ... 295
(فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) ... 71 ... 386،339،333،164
(رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) ... 89 ... 32،31
(وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ) ... 102 ... 438
(إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) ... 128 ... 226
(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا) ... 137 ... 332
(قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي) ... 150 ... 392
(وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) ... 180 ... 308
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي) ... 187 ... 375،185
(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ) ... 201 ... 319
(وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ... 204 ... 461،455،453،452
(وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) ... 205 ... 74،70
الأنفال : 8
(كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ) ... 5 ... 224
(وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) ... 75 ... 226
التوبة : 9
(فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ) ... 5 ... 332
(قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ)... 24 ... 266
(إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ) ... 60 ... 196
(نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) ... 67 ... 296
(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) ... 103 ... 287
(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) ... 111 ... 264،263
ص: 492
(إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) ... 120 ... 68
يونس: 10
(وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا) ... 20 ... 171
(حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ) ... 24 ... 28
(أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى) ... 35 ... 218
(وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) ... 48 ... 228
(أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) ... 99 ... 327
هود : 11
(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا) ... 6 ... 400
(وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا) ... 37 ... 206
(وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ) ... 38 ... 233
(فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ) ... 45 ... 474
(وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) ... 93 ... 333،164
يوسف : 12
(يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ) ... 88 ... 486،351
(أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ) ... 90 ... 425،424
(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا) ... 110 ... 207
الرعد: 13
(إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) ... 7 ... 227
(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) ... 21 ... 288
(وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) ... 22 ... 322
(يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) ... 39 ... 396،379
(قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) ... 43 ... 404
إبراهيم: 14
(مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ... * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ) ... 24 و 25 ... 401
ص: 493
(وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ) ... 27 ... 296،216
(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) ... 34 ... 256
(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ) ... 36 ... 474
الحجر: 15
(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) ... 97 و 98 ... 331
النحل : 16
(أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) ... 1 ... 225،224
(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) ... 43 ... 71
(فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) ... 53 ... 77
(تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) ... 89 ... 395
(وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ) ... 116 ... 341
(ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) ... 123 ... 435
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ) ... 125 ... 317
(وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ) ... 127 ... 336
الإسراء : 17
(وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) ... 13 ... 204
(أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا) ... 61 ... 230
(يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) ... 71 ... 351،126،125
(وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) ... 73 ... 438
(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) ... 84 ... 486،178
(وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ) ... 97 ... 208
(سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا) ... 108 ... 115
الكهف : 18
(إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) ... 30 ... 68
ص: 494
طه : 20
(فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) ... 12 ... 366
(قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ) ... 52 ... 400
(وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ) ... 90 ... 392
(قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) ... 96 ... 371
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ ... قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي) ... 124-126 ... 350
(وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا) ... 130 ... 75
الأنبياء : 21
(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) ... 7 ... 396
(عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) ... 26 و 27 ... 395
الحجّ: 22
(وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي) ... 31 ... 358
(ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) ... 32 ... 358،357،76
(وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) ... 36 ... 357
(لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) ... 37 ... 295
(وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ) ... 40 و 41 ... 260،258
(فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) ... 46 ... 348
(مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) ... 78 ... 435
المؤمنون: 23
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) ... 30 ... 328
النور : 24 .
(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ...) ... 36 ... 386،371،366،66
(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ) ... 55 ... 137
الفرقان : 25
(إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا) ... 42 ... 438
ص: 495
(مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا)... 57 ... 113
الشعراء : 26
(إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)... 4 ... 216
(فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) ... 100 و 101 ... 201
النمل : 27
(إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ) ... 29 و 30 ... 455
(قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ) ... 40 ... 403
(وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) ... 75 ... 400،395
القصص: 28
(وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا) ... 15 ... 295
(أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا) ... 54 ... 322
(إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) ... 56 ... 327،209
العنكبوت : 29
(أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ) ... 2 و 3 ... 328
(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) ... 69 ... 209
الروم : 30
(ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا) ... 10 ... 439
(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) ... 41 ... 269،9
(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ) ... 60 ... 456
لقمان : 31
(وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) ... 20 ... 135
(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ) ... 22 ... 297
السجدة : 32
(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ) ... 21 ... 420
(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) ... 24 ... 332
ص: 496
الأحزاب: 33
(النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ... 6 ... 354،271،266،113
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ) ... 21 ... 275
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا) ... 36 ... 272،230
(وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ) ... 46 ... 365
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) ... 53 ... 368
سبأ: 34
(لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ) ... 3 ... 400
(ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) ... 17 ... 381
(مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ) ... 47 ... 113
فاطر : 35
(مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا) ... 2 ... 210
(وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ) ... 11 ... 400
(وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) ... 18 ... 473
(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) ... 32 ... 395
يس: 36
(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) ... 12 ... 400،395
(يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ) ... 52 ... 330
الصافات: 37
(وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) ... 83 و 84 ... 149
ص: 38
(هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) ... 39 ... 396
(وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ) ... 62 ... 478
(وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) ... 88 ... 334
الزمر : 39
(أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ) ... 56 ... 13
ص: 497
(وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ) ... 65 ... 456،272،76
غافر : 40
(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ... 60 ... 421،209
فصّلت : 41
(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ ... * وَمَا يُلَقَّاهَا) ... 34 و 35 ... 331
الشوری : 42
(وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) ... 17 و 18 ... 376،225
(وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ) ... 27 ... 401
(قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) ... 23 ... 113
الزخرف: 43
(وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ) ... 28 ... 226
(فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ) ... 55 ... 28
(وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) ... 85 ... 375
الدخان : 44
(حم * والكتاب المبين) ... 1 و 2 ... 400
الأحقاف: 46
(أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ) ... 16 ... 68
محمّد : 47
(إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) ... 7 ... 258،259
(فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى) ... 18 ... 375
(وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) ... 33 ... 76
(وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ) ... 38 ... 258
الفتح : 48
(إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ) ... 10 ... 276،264،263
(سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ) ... 29 ... 477
ص: 498
الحجرات: 49
(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ) ... 17 ... 305
ق: 50
(وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ) ... 4 ... 400
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى * وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا) ... 37 و 38 ... 332
الطور : 52
(كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) ... 21 ... 473
النجم : 53
(فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) ... 29 ... 297
القمر : 54
(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) ... 1 ... 375
(وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) ... 2 ... 217
الواقعة : 56
(إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) 77 و 78 و 79 ... 400
الحديد : 57
(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ) ... 11 ... 287،285
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ) ... 16 ... 322
(ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ... 21 ... 190
(مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ) ... 22 ... 400
المجادلة : 58
(أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ... 22 ... 137
الحشر : 59
(وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ) ... 9 ... 477
الصف : 61
(صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) ... 4 ... 267
ص: 499
الجمعة: 62
(فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) ... 10 ... 310
التغابن : 64
(فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا) ... 8 ... 208
الطلاق : 65
(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) ... 2 ... 319
(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا) ... 7 ... 285
التحریم: 66
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ) ... 6 ... 312
الجن: 72
(عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا...) ... 26 ... 329
المزمل: 73
(وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا * وَذَرْنِي) ... 10 و 11 ... 331
(إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ ...) ... 15 ... 71
الطارق: 86
(فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا) ... 17 ... 420
الغاشية: 88
(إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) ... 25 و 26 ... 363
القدر : 97
(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) ... 1 ... 51
البيّنة: 98
(لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ... 5 ... 178
العصر : 103
(وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا) ... 1-3 ... 445
ص: 500
الفهرس الموضوعي
الباب السادس: في ذكر الأوقات والحالات التي يتاكد فيها الدعاء لمولانا الغائب عن الأبصار ومسالة تعجیل فرجه من خالق الليل والنهار وما يشهد لذلك من الآيات، والأخبار، ودليل العقل والإعتبار
١- بعد كلّ فريضة ... 7
2- بعد خصوص صلاة الظهر ... 14
٣- بعد صلاة العصر ... 18
4- بعد صلاة الصبح ... 19
5- بعد كلّ ركعتين من صلاة الليل ... 19
6- في قنوت الصلوات ... 20
7- في حال السجود للخالق المعبود ... 34
8- في سجدة الشكر ... 35
9- في كلّ صباح و مساء ... 35
10- في الساعة الاخيرة من كلّ يوم ... 38
11- يوم الخميس ... 39
12- ليلة الجمعة ... 39
13 - يوم الجمعة في جميع الساعات والأحوال ... 40
14- يوم النيروز ... 44
ص: 501
15 - يوم عرفة ... 44
16- يوم الفطر ... 44
17- يوم الأضحی ... 45
18- یوم دحو الأرض ... 46
19 - يوم عاشوراء ... 47
20- ليلة النصف من شعبان ... 48
21- يوم النصف من شعبان ... 48
22- جميع شهر رمضان خصوصاً لياليه ... 49
23- ليلة السادسة من شهر رمضان ... 52
24 - اليوم الثامن من شهر رمضان ... 53
25- الليلة الثانية عشرة من شهر رمضان ... 53
26- اليوم الثالث عشر من شهر رمضان ... 54
27 - اليوم الثامن عشر، والليلة التاسعة عشر منه ... 54
28 - اليوم الحادي والعشرون منه ... 55
29- بعد ذكر مصيبة سيّد الشهداء علیه السلام ... 57
30- بعد زيارة مولانا صاحب الزمان علیه السلام ... 57
31- عند البكاء من خشية اللّه تعالى ... 58
32- عند تجدّد كلّ نعمة، وزوال كلّ محنة ... 58
33- عند عروض الهمّ والغمّ ... 58
34- عند الشدائد والبليّات ... 59
35- بعد صلاة التسبيح «صلاة جعفر الطيّار» ... 59
36- قبل الدعاء لنفسك وأهلك ... 59
37 - يوم الغدير ... 60
38- في مطلق الأوقات الشريفة، والليالي والأيّام المتبرّكة ... 61
ص: 502
39- في مجالس المخالفين وغاصبي حقوق الأئمّة الطاهرين ... 62
40- في أربعين يوماً مداوماً ... 62
41- في شهر المحرّم ، وكلّ يوم وقع فيه ظلم على الأئمّة علیهم السلام ... 63
الأمكنة الّتي يتأكد فيها الدعاء له علیه السلام :
١- المسجد الحرام ... 64
٢- العرفات في محلّ الوقوف ... 64
٣- السرداب : «سرداب الغيبة» ... 64
4- المقامات المنسوبة إليه علیه السلام و مشاهده ومواقفه ... 64
5- حرم مولانا الشهيد المظلوم أبي عبداللّه الحسين علیه السلام ... 65
6- حرم مولانا أبي الحسن الرضا علیه السلام ... 66
7- حرم الإمامين العسكريّين علیهماالسلام ... 66
8- مشهد كلّ واحد من الأئمّة المعصومين علیهم السلام ... 66
الباب السابع
فيه ثلاثة مقاصد:
المقصد الأوّل : في أُمور ينبغي التنبيه عليها قبل الشروع ... 67
المقصد الثاني : في كيفيّة الدعاء لتعجيل فرجه، تصريحاً وتلويحاً ... 82
المقصد الثالث : في ذكر بعض الدعوات المأثورة عنهم علیهم السلام :
١- دعاء الصلوات ... 84
2- دعاء السيّد الأجلّ عليّ بن طاووس عن الرضا علیه السلام ... 88
3- دعاء القنوت المرويّ عن العسكريّ علیه السلام وصلاة المظلوم ... 101
4- دعاء الندبة ، وتوضيح مقال لدفع إشكال فيه ... 111
5- ذكر بعض الأدعية ... 120
ص: 503
الباب الثامن: في سائر ما يتقرّب به إليه ويسرّه ويزلف لديه من تكاليف العباد بالنسبة إليه علیه السلام وهي أُمور:
١- تحصیل معرفة صفاته وآدابه وخصائصه، وعلائم ظهوره ... 123
2- رعاية الأدب بالنسبة إلى ذكره، وأن لا يسمّونه باسمه الخاصّ ... 129
٣- محبّته علیه السلام بالخصوص ... 159
4- تحبيبه علیه السلام إلى الناس ... 163
5- انتظار فرجه وظهوره علیه السلام ، وفيه مقامات :
الأوّل : في فضل الإنتظار، وثواب المنتظرين، وانتظار الأنبياء ... 164
الثاني: في وجوب انتظار القائم علیه السلام على كلّ أحد ... 174
الثالث: في معنى الإنتظار ... 176
الرابع : هل يعتبر في الإنتظار قصد القربة أم لا؟ وبيان مایعتبر فيه ... 177
الخامس: في بيان حكم ضدّ الإنتظار، وأقسام اليأس ... 181
6- إظهار الشوق إلى لقائه علیه السلام ... 187
7- ذكر فضائله ومناقبه علیه السلام ... 190
8- الحزن في فراقه ... 191
9- الحضور في مجالس ذكر فضائله علیه السلام ... 193
10- إقامة المجالس الّتي يذكر فيها صاحب الزمان علیه السلام ... 195
12-11 - إنشاء الشعر، وإنشاده في فضائله علیه السلام ... 197
13- القيام عند ذكر إسمه وألقابه علیه السلام ... 198
14- 16- البكاء والإبكاء والتباكي على فراقه علیه السلام ... 198
17- طلب معرفته علیه السلام من اللّه عزّ وجلّ ... 207
18- المداومة بالدعاء الّذي رواه الكليني (رحمة اللّه علیه) ... 210
19- ودعاء الغريق الّذي رواه الشيخ الصدوق (رحمة اللّه علیه) ... 211
ص: 504
20- والدعاء الّذي ذكره ابن طاووس (رحمة اللّه علیه) ... 212
21- معرفة علامات ظهوره «ووقوع بعضها» ... 212
22- التسليم وترك الإستعجال في ظهوره علیه السلام ، وفيه مقامان:
الأوّل : في ذكر جملة من الروايات الواردة ... 221
الثاني : في بيان أقسام العجلة المذمومة وما يترتّب عليها من الفساد ... 228
23- التصدّق عنه نيابة ودليل صحّة النيابة عن الحيّ ... 236
٢4- التصدّق بقصد سلامته علیه السلام ... 243
25 و 26 - الحجّ نيابة عنه علیه السلام ، وبعث النائب ليحجّ عنه علیه السلام ... 244
27 و 28- طواف بیت اللّه الحرام نيابة عنه علیه السلام، وبعث النائب ليطوف عنه علیه السلام ... 248
29- زيارة مشاهد رسول اللّه والأئمّة المعصومين نيابة عنه علیه السلام ... 249
30- بعث النائب لیزور عنه علیه السلام ... 251
31- السعي في خدمته بما تيسّر، وذكر ما يوجب السعي في خدمته علیه السلام ... 251
32- الإهتمام في نصرته علیه السلام ، وذكر ما يقتضي الاهتمام في نصرته علیه السلام ... 258
33- العزم القلبيّ على نصرته في زمان ظهوره ... 260
34- تجديد البيعة له بعد كلّ فريضة من الفرائض اليوميّة، وفيه بحثان :
الأوّل: في معنى البيعة لغة وشرعاً ... 262
الثاني : في حكم البيعة والالتزام والميثاق بنصرة الإمام، ويتبعها فصول:
أ: تجديد البيعة في كلّ يوم بدعاء العهد ... 266
ب: تجديد البيعة بعد كلّ فريضة بما روي عن الصادق علیه السلام ... 267
ج : الدعاء المأثور المشتمل على تجديد البيعة ... 268
د: تجديد العهد والبيعة له في كلّ جمعة ... 270
ه: حكم البيعة بمعنى المصافقة باليد في الحضور والغيبة ... 270
و: هذه البيعة من خصائص النبيّ والإمام لا لغيرهما ... 272
ز: ردّ قول بعض الصوفيّة بأنّ مبايعة الشيخ واجبة ... 280
ص: 505
35- صلته علیه السلام بالمال، وفيه أمران : ... 285
أ: أفضليّة صلة الإمام علیه السلام في مثل هذا الزمان من العلّة في زمان ظهوره ... 290
ب: حصول صلة الإمام علیه السلام في هذا الزمان بصرف المال فيما يرضاه ... 291
36- صلة الصالحين من شيعتهم ومواليهم بالمال ... 291
37- إدخال السرور على أهل الإيمان ... 292
38- النصيحة له علیه السلام ... 293
قوله صلی اللّه علیه وآله وسلم : ثلاث لا يغلّ عليهن قلب آمرء مسلم ...
وذكر وجوه أربعة في معنى الحديث .
39- زيارته علیه السلام بالتوجّه إليه والتسليم عليه في كلّ مكان وزمان ... 298
40- زيارة المؤمنين الصالحين بقصد الفوز بفضل زيارته علیه السلام ... 298
41- ذكر الصلاة عليه، والدليل على فضله وتأكيده ... 299
42- إهداء ثواب الصلاة إليه علیه السلام ... 301
43- إهداء صلاة مخصوصة إلى الإمام علیه السلام ، وذكر ما يهديه إلى عليّ وفاطمة والائمّة ... 301
44- إهداء صلاة الهديّة بنحو خاصّ في وقت خاصّ ... 306
45- إهداء قراءة القرآن إليه علیه السلام ... 306
46- التوسّل والاستشفاع به إلى اللّه عزّ وجلّ ... 307
47- الاستغاثة به والتوجّه إليه علیه السلام وعرض الحاجة عليه ... 309
48- دعوة الناس إليه علیه السلام فإنّه علیه السلام سبيل اللّه الأعظم لقوله عزّوجلّ:
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ ...) وهو السبيل الأعظم ... 311
49- مراقبة حقوقه والمواظبة على أدائها ... 321
50- خشوع القلب لذكره، والاهتمام بما يوجبه ... 321
51- إظهار العالم علمه عند ظهور البدع ... 322
52 - التقيّة عن الأشرار، وكتمان الاسرار عن الاغيار ... 322
علماً بأنّ أصناف الناس - غير العالم - ثمانية
ص: 506
53- الصبر على الاذي، والتكذيب، وسائر المحن ... 328
54- طلب الصبر من اللّه في زمان الغيبة ... 336
55- التواصي بالصبر في زمن غيبة القائم علیه السلام ... 337
56- الاحتراز والتجافي عن مجالس المستهزئين بذكر الإمام علیه السلام ... 340
57- مصانعة أهل الجور والباطل باللسان، والفرار منهم بالقلب ... 342
58۔ الاختفاء والتجافي عن الاشتهار ... 344
59- تهذيب النفس وتحليتها لمن يريد أن يكون من أصحاب القائم ... 347
60- الاتفاق والاجتماع على نصرته ... 347
61- الاتفاق على التوبة الواقعيّة، وردّ الحقوق إلى أصحابها ... 348
62 و 63 مداومة ذكره علیه السلام والعمل بآدابه وذكر درجات الذاكرین له ... 348
64- طلب من اللّه تعالی دوام ذكرك إيّاه علیه السلام وعدم نسيانه ... 353
65- خشوعك ببدنك له علیه السلام ... 353
66- ایثارك هواه علیه السلام على هواك ... 355
67 - تعظيم من يتقرّب به وينتسب إليه بقرابة جسمانيّة أو روحانيّة ... 356
68- تعظيم مواقفه و مشاهده كمسجد السهلة وسرداب الغيبة، و مسجد جمكران ... 356
وفيه مقامان :
الأوّل : فضل هذا التعظيم لأنّه تعظیم شعائر اللّه عزّ وجلّ : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ) وقول عليّ علیه السلام «نحن الشعائر والأصحاب» مع ذكر وجوه أربعة فيه ... 360
الثاني : بيان كيفيّة تعظيم تلك المواقف والمشاهد، وما به يعظّم ... 371
69 و 70- ترك التوقيت وتكذيب الموقّتين، وفيه التنبيه على أُمور : ... 375
الأوّل : أنّ نفي التوقيت لا ينافي الأخبار الموهمة ... 379
الثاني : أنّ العلم بوقت ظهوره علیه السلام من أسرار اللّه، وذكر أسباب خفائه ، الفقهاء مراجع الدين في زمان الغيبة، لا لتعيين وقت الظهور ... 384
الثالث : أنّ الإمام عالم بوقت الظهور ولكنّه غير مأذون لكشفه وإظهاره ... 394
ص: 507
71- تكذيب من ادّعى الوكالة بعد انقطاع النيابة الخاصّة عنه علیه السلام ... 405
«بحث فقهي حول الولاية للفقهاء في زمان الغيبة، واختيار المؤلّف»
72- الدعاء للفوز بلقاء صاحب الزمان علیه السلام في زمان ظهوره مقترناً بالعافية ... 419
الفوز بلقائه في النوم واليقظة في زمان غیبته بوجوه ثمانية ...
73- الإقتداء والتأسي بالإمام علیه السلام في أعماله وأخلاقه ... 433
يأتي ص 484 ذكر رؤيا مناسبة لهذا الباب لسبط المؤلّف
74- حفظ اللسان ورجحان السكوت والصمت إلّا في حقّ ... 442
كلام المجلسي (رحمة اللّه علیه) حول رواية الصادق علیه السلام : «لا يزال العبد المؤمن يكتب محسناً ما دام ساكتاً ...» واشكال المؤلّف، وذكر وجوه خامسة فيه ... 444
بحث فقهي حول الإستماع والسكوت عند سماع قراءة القرآن في صلاة الجماعة، وحال اشتغال الإمام بخطبة صلاة الجمعة وفي سائر الأوقات ... 451
مسألة أُخرى في أنّ الملائكة الكرام الكاتبين هل يكتبون جميع ما يتلفّظون به أو يكتبون الألفاظ الّتي يترتّب عليها اثر ... 461
75۔ صلاته علیه السلام وكيفيّتها المطلقة (بأقسامها)
والخاصّة بليلة الجمعة، ومسجد جمكران ... 462
76- البكاء في مصائب الحسين الشهيد علیه السلام وهو ممّا يحصل به أداء حق الإمام ... 467
77- زيارة قبر الحسين علیه السلام وأنّها صلة بالإمام علیه السلام ... 468
78- إكثار اللعن على بني أُميّة، والدليل على أنّه ممّا يتقرّب به إليه علیه السلام
ومعنى قوله علیه السلام : «لعن اللّه بني أُميّة قاطبة» ...471
79- الإهتمام في أداء حقوق الإخوان فإنّه نصرة لصاحب الزمان علیه السلام ... 474
80- إعداد السلاح، ومرابطة الخيل انتظاراً لظهوره علیه السلام ... 480
ص: 508
« القران الكريم »
اسم الكتاب المؤلف الطبع
أبواب الجنّات - میرزا محمّد تقي الموسوي - قم، 1404 ه
إثبات الهداة - محمّد بن الحسن الحر العاملي - قم
إثبات الوصية - عليّ بن الحسين بن عليّ المسعودي - قم
الإحتجاج - أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي - النجف، 1966م
الإختصاص - محمّد بن محمّد بن النعمان، المفيد - النجف 1390 ه
الإرشاد - محمّد بن محمّد بن النعمان، المفيد - النجف ، 1392 ه
إرشاد القلوب - الحسن بن محمّد الديلمي - بیروت، 1398 ه
الأُصول الستّة عشر - تحقیق حسن مصطفوي - طهران، 1371 ه
اعلام الوری - الفضل بن الحسن الطبرسي - النجف ، 1390 ه
الإقبال - عليّ بن موسی بن طاووس - قم، 1418ه
الزام الناصب - شيخ عليّ اليزدي الحائري - بیروت، 1397 ه
الأمالي - محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي ، الصدوق - طهران، 1417 ه
الأمالي - محمّد بن محمّد بن النعمان، المفيد - قم، 1403 ه
الأمالي - محمّد بن الحسن الطوسي - قم، 1414 ه
الإمامة والتبصرة - عليّ بن الحسین بابويه القمّيّ - قم، 1404 ه
الأنوار النعمانية - نعمة اللّه الموسوي الجزائري - تبريز
الايقاظ من الهجعة - محمّد بن الحسن العاملي - قم
بحار الأنوار - محمّد باقر المجلسي - طهران، 1391 ه
البرهان في تفسير القرآن - السيّد هاشم البحراني - قم، 1415 ه
بشارة المصطفى - محمّد بن عليّ الطبري - النجف، 1383 ه
بصائر الدرجات - محمّد بن الحسن الصفار - 1380 ه
ص: 509
البلد الأمين - إبراهيم بن علي بن الحسن الكفعمي- بيروت، 1418 ه
تأويل الآيات - شرف الدين علي الحسيني النجفي - قم، 1407 ه
تبصرة الولي - السيّد هاشم البحراني - قم، 1411 ه
تحف العقول - الحسن بن عليّ الحراني - طهران، 1376 ه
التفسير - المنسوب للإمام الحسن العسكري علیه السلام - قم، 1409 ه
التفسير - محمّد بن مسعود، العيّاشي - قم، 1409 ه
التفسير - فرات بن إبراهيم الكوفي - طهران، 1410 ه
التفسير - عليّ بن إبراهيم القمّيّ - بیروت، 1412 ه
تفسير النيسابوري - محمّد بن الحسن النيسابوري - طبعة حجريّة
تنبيه الخواطر - ورّام بن أبي فراس المالكي - بیروت
التوحيد - محمّد بن عليّ بن الحسين ، الصدوق -طهران، 1383 ه
ثاقب المناقب - محمّد بن عليّ الطوسي- بیروت، 1411 ه
ثواب الأعمال - محمّد بن عليّ بن الحسين
جمال الأُسبوع - عليّ بن موسی بن طاووس - طهران، 1371 ش
الجنّة الواقية - إبراهيم بن عليّ الكفعمي - بیروت، 1414 ه
الجواهر السنيّة - محمّد بن الحسن بن الحرّ العاملي - النجف ، 1384 ه
حلية الأبرار - السيّد هاشم الحسيني البحراني - قم، 1413 ه
الخرائج والجرائح - قطب الدين الراوندي - قم، 1409 ه
الخصال - محمّد بن عليّ بن الحسين، الصدوق - قم، 1403 ه
الدعوات - قطب الدين الراوندي - قم، 1407ه
دلائل الإمامة - محمّد بن جرير الطبري - قم، 1413 ها
الرجال - أحمد بن عليّ النجاشي - طهران، 1407 ه
الرجال - محمّد بن الحسن الطوسي - النجف، 1381 ه
الروضة في الفضائل - شاذان بن جبرئيل القمّيّ - مخطوط
الروضة من الكافي - محمّد بن يعقوب الكليني - طهران، 1377 ه
شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - مصر، 1378 ه
الصحيفة العلويّة الجامعة - السيّد محمّد باقر الأبطحي - قم، 1418ه
الصحيفة الفاطميّة الجامعة - السيّد محمّد باقر الأبطحي - قم، 1421 ه
ص: 510
الصحيفة السجّادية الجامعة - السيّد محمّد باقر الأبطحي - قم، 1418 ه
الصحيفة الباقريّة والصادقيّة - الجامعة السيّد محمّد باقر الأبطحي - مخطوط
الصحيفة الرضويّة الجامعة - السيّد محمّد باقر الأبطحي - قم، 1420
الصحيفة المباركة المهديّة - السيّد مرتضى المجتهدي - قم، 1419 ه
الطرائف - عليّ بن موسی بن طاووس - بیروت، 1420 ه
عدة الداعی - أحمد بن فهد الحلّي - قم، 1420 ه
العدد القويّة - علي بن يوسف بن المطهّر الحلّي - قم، 1408 ه
علل الشرائع - محمّد بن عليّ بن الحسين، الصدوق - النجف، 1385 ه
عوالم العلوم - عبداللّه البحراني الاصفهاني - قم
عوالي الليالي - ابن أبي جمهور - 1983 م
عيون أخبار الرضا علیه السلام - محمّد بن عليّ بن الحسين، الصدوق - النجف، 1390 ه
عيون المعجزات - الشيخ حسين بن عبدالوهّاب - قم
غاية المرام - السيّد هاشم البحراني - بیروت، 1422 ه
الغيبة - محمّد بن إبراهيم النعماني - طهران
الغيبة - محمّد بن الحسن الطوسي - قم، 1411 ه
الفضائل - سدیدالدين شاذان بن جبرئیل - النجف، 1381 ه
فلاح السائل - عليّ بن موسی بن طاووس - قم، 1419 ه
قبس من غياث سلطان الورى - عليّ بن محمّد بن طاووس - قم، 1408 ه
قرب الاسناد - عبداللّه بن جعفر الحميري - قم، 1413 ه
القطرة - السيد أحمد المستنبط - قم، 1421 ه
الكافي - محمد بن يعقوب الكليني - طهران، 1377 ه
كامل الزیارات - جعفر بن محمد بن قولویه - قم، 1417 ه
كشف الغمّة - عليّ بن عيسى الاربلي - تبریز، 1381 ه
كشف المحجّة - السيد علي بن موسی بن طاووس
كفاية الأثر - عليّ بن محمّد الخزاز القمّيّ - قم، 1401ه
كمال الدين - محمّد بن عليّ بن بابویه، الصدوق - طهران، 1390 ه
كنز الفوائد - محمّد بن عثمان الكراجكي - بیروت، 1405 ه
لئالي الأخبار - محمّد نبي التوسيركاني - قم
ص: 511
مائة منقبة - محمّد بن أحمد القمّيّ، ابن شاذان - قم، 1407 ه
مجمع البحرین - فخر الدين الطريحي - طهران، 1416 ه
مجمع البيان - الفضل بن الحسن الطبرسي - طهران، 1380 ه
المحاسن - احمد بن محمّد البرقي - طهران، 1370 ه
المحجّة - السيّد هاشم البحراني - بيروت، 1403 ه
مختصر بصائر الدرجات - حسن بن سليمان الحلي - النجف ، 1370 ه
مدينة المعاجز - السيّد هاسم البحراني - قم، 1413 ه
مرآة الانوار - أبو الحسن العاملي - طهران
مرآة العقول - محمّد باقر المجلسي - طهران
المزار - محمّد بن محمّد بن النعمان، المفيد - قم، 1409 ه
المزار الكبير - الشيخ محمّد بن جعفر المشهدي - قم، 1419 ه
مستدرك الوسائل - حسين النوري الطبرسي - قم، 1407 ه
مشارق أنوار اليقين - رجب البرسي - بیروت
مشكاة الأنوار - أبوالفضل عليّ الطبرسي - النجف ، 1385 ه
مصباح الزائر - السيّد عليّ بن موسی بن طاووس - قم، 1417 ه
مصباح المتهجّد - محمّد بن الحسن الطوسي، - بیروت، 1411 ه
معجم رجال الحديث - السيّد أبو القاسم الخوئي - النجف، 1370 ه
مكارم الاخلاق - الحسن بن فضل الطبرسي - قم، 1416 ه
مناقب آل أبي طالب - محمّد بن عليّ بن شهر آشوب - النجف ، 1965 م
منتخب الأنوار المضيئة - عليّ بن عبدالكريم النيلي النجفي - قم، 1420 ه
من لا يحضره الفقيه - محمّد بن عليّ بن الحسين، الصدوق - طهران، 1392 ه
مهج الدعوات - عليّ بن موسی بن طاووس - بیروت، 1414 ه
النهاية - ابن الأثير - بيروت
نهج البلاغة - صبحي الصالح - بیروت، 1967 ه
الهداية الكبرى - الحسين بن حمدان الخصيبي - بیروت، 1406 ه
الوافي - محمّد محسن الكاشاني - اصفهان، 1406 ه
وسائل الشيعة - محمّد بن الحسن الحرّ العاملي - طهران، 1386 ه
اليقين في امرة أمير المؤمنين - عليّ بن موسی بن طاووس - النجف، 1369 ه
ص: 512
الصورة
ص: 513