بنو أمية في نهج البلاغة

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 3006 لسنة 2018 م مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف : LC BP38.09.A43 M8 2018 المؤلف الشخصي: الموسوي، علي حسين عودة - مؤلف.

العنوان: بنو أمية في نهج البلاغة / بيان المسؤولية: تأليف علي حسين عودة الموسوي.

بيانات الطبع: الطبعة الاولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة.

الوصف المادي: 544 صفحة؛ 24 سم.

سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 527).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة؛ 156).

سلسلة النشر: (سلسلة الرسائل والأطاريح الجامعية؛ 30) تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 509 - 539).

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - أحاديث.

مصطلح موضوعي: بنو أمية (قبلية) - انساب - تاريخ.

مصطلح موضوعي: الامويون - تاريخ.

مصطلح موضوعي: التاريخ الاسلامي - العصر الاموي، 661 - 750.

مصطلح موضوعي: البلاد الاسلامية - العصر الاموي، 661 - 750.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة - جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

بنو أمیة فی نهج البلاغة

ص: 2

سلسلة الرسائل والأطاريح الجامعية

وحدة الدراسات التاريخية (30)

بنو أمیة فی نهج البلاغة

المدرس المساعد

علی حسین الموسوی

اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة

فی العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1439 ه - 2018 م

العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع: www.inahj.org

Email: Inahj.org@gmail.com

تنويه:

إن الأفكار والآراء الواردة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها

ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة

ص: 4

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

«وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا»

صدق الله العلي العظيم

(الإسراء: 60)

ص: 5

ص: 6

الإهداء

الى...

من حاول أعداؤه إخفاء فضائله، إلى سيد البلغاء أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام

الى... روح والدي رحمه الله تعالى

الى... والدتي العزيزة التي لم تنقطع عن الدعاء لي

وإلى أخوتي الأعزاء وعائلتي الكريمة وأولادي أهدي جهدي وعملي المتواضع

الباحث

ص: 7

ص: 8

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن والاها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:

فلم يزل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) منهلاً للعلوم من حيث التأسيس والتبيين ولم يتقصر الأمر على علوم اللغة العربية أو العلوم الإنسانية، بل وغيرها من العلوم التي تسير بها منظومة الحياة وإن تعددت المعطيات الفكرية، إلا أن التأصيل مثلما يجري في القرآن الكريم الذي ما فرط الله فيه من شيء كما جاء في قوله تعالى: «مَا فَرَّطْناَ فِی الكْتِاَبِ مِنْ شَیْءٍ» (الأنعام: 38)، كذا نجد يجري مجراه في قوله تعالى: «وَكُلَّ شَیْءٍ أحْصَيْناَهُ فِی إِمَامٍ مُبيِنٍ» (يس: 12)، غاية ما في الأمر أن أهل الاختصاصات في العلوم كافة حينما يوفقون للنظر في نصوص الثقلين يجدون ما تخصصوا فيه حاضراً وشاهداً فيهما، أي في القرآن الكريم وحديث العترة النبوية (عليهم السلام) فيسارعون وقد أخذهم الشوق لإرشاد العقول إلى تلك السنن والقوانين والقواعد والمفاهيم والدلالات في القرآن الكريم والعترة النبوية.

ص: 9

من هنا ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تتناول تلك الدراسات الجامعية المختصة بعلوم نهج البلاغة وبسيرة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفكره ضمن سلسلة علمية وفكرية موسومة ب(سلسلة الرسائل والأطاريح الجامعية) التي يتم عبرها طباعة هذه الرسائل وإصدارها ونشرها في داخل العراق وخارجه، بغية إيصال هذه العلوم الأكاديمية الى الباحثين والدارسين وإعانتهم على تبين هذا العطاء الفكري والانتهال من علوم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والسير على هديه وتقديم رؤى علمية جديدة تسهم في إثراء المعرفة وحقولها المتعددة.

وما هذه الدراسة الجامعية التي بين أيدينا لنيل شهادة الماجستير في التاريخ الإسلامي إلا واحدة من تلك الدراسات التي وفق صاحبها للغوص في بحر علم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقد أذن له بالدخول إلى مدينة علم النبوة والتزود منها بغية بيان أثر تلك النصوص العلوية في الإثراء المعرفي والتأصيل العلمي في حقل المعارف التاريخية.

فجزى الله الباحث خير الجزاء فقد بذل جهده وعلى الله أجره.

السيد نبيل الحسني الكربلائي

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 10

المقدمة

اشارة

الحمد الله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين إمام المرسلين وخاتم النبيين سيدنا أبي القاسم محمد و آله الطيبين الطاهرين وعلى صحبه المنتجبين، وبعد...

يُعد نهج البلاغة المتضمن خطب، ومراسلات، وحكم، ومواعظ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، الذي جمعه الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن الحسين ابن موسى الموسوي نقيب الطالبيين المولود في بغداد سنة (359 ه / 969 م)، والمتوفى فيها سنة (406 ه / 1015 م)، أحد أهم المصادر التي تناولت العديد من العلوم المختلفة؛ السياسية والإقتصادية والإجتماعية والتاريخية وكذلك احتوائه على العديد من العلوم الأخرى التي تناولت شؤون الحياة المختلفة، ويأتي نهج البلاغة بعد القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلی الله علیه و آله وسلم من حيث الأهمية، مما جعله محط أنظار وعناية الكثير من العلماء والباحثين، ولا يُعد نهج البلاغة الذي جمعه الشريف الرضي، الكتاب الوحيد الذي ذكرت فيه خطب ومواعظ أمير المؤمنين علیه السلام، إذ أورد كل من خليفة بن خياط (ت 240 ه / 854 م) في كتابه (تاريخ خليفة بن خياط)، واليعقوبي (ت 292 ه / 904 م)، في كتابه (تاريخ

ص: 11

اليعقوبي)، والطبري (ت 310 ه / 922 م)، في كتابه (تاريخ الرسل والملوك) والمسعودي (ت 346 ه / 957 م)، في كتابه (مروج الذهب ومعادن الجوهر)، خطباً ومراسلات لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، وغيرها من المصادر الأخرى التي ضمت بين دفتيها العديد من كلام أمير المؤمنين علیه السلام، إلا أن أهم ما ميّز نهج البلاغة إنه قد انفرد عن ما سبقه من المصادر التي أشارت الى بعض من كلام أمير المؤمنين علیه السلام بأنه خصص لأن يكون سِفْرا حول بلاغة الإمام علي علیه السلام في مجالات عدة ولايتعدى الى غيره، وقد أشاد ابن أبي الحديد (ت 656 ه / 1258 م)، الذي تصدى لشرح نهج البلاغة ببراعة تلك الكلمات الخالدة من خطب أمير المؤمنين بقوله: (إن كلام أمير المؤمنين علیه السلام دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين ومنه تعلم الناس الخطابة والكتابة)(1).

ومن بين المواضيع التي تضمنها نهج البلاغة هو ذكر بني أمية الذين اشار اليهم الإمام علیه السلام في العديد من الخطب والرسائل والذين جاء ذكرهم في مواضع متعددة مركزا على علاقتهم مع بني هاشم قبل الإسلام وبعده، ومكانتهم ودورهم في محاربة الإسلام وكذلك أساليبهم في الوصول إلى السلطة وكيفية إدارتهم للدولة الإسلامية، ورؤية أمير المؤمنين علیه السلام لمستقبل الأمة في ظل إدارتهم، وان اختيار الموضوع كان لأسباب عدة لعل في مقدمتها ان بني أمية قد شغلوا مدة زمنية مثلت أصعب المراحل التي عاشتها الأمة الإسلامية، وما قاموا به من أفعال انعكس سلباً على مجمل الحياة، منافية بذلك تعاليم الدين الإسلامي، وما قاموا به مشابه إلى حد كبير أفعالهم في الجاهلية الأولى التي قضى عليها نبي الرحمة محمد صلی الله علیه و آله وسلم.

ص: 12


1- شرح نهج البلاغة، 1 / 149

والشيء الآخر ان الرؤية الفكرية والعقدية لبني أمية عند المذاهب الإسلامية قد انحرفت كثيراً عن الصورة التاريخية لتلك العائلة إذ وجد وفي كثير من الأحيان تلميح وتصنع في المحاباة وعدم التعرض بواقعية لشخصياتهم مما نتج تقييماً مشوباً بكثير من المغالطات، هذا التقييم عندما اطلعنا عليه وجدنا فيه مناقضة عجيبة غريبة في آن واحد، فهو يتناقض في كثير من مفاصله مع الرؤيا التي صورها لنا الإمام علي علیه السلام لتلك العائلة، هذا الأمر جعل الباحث لا يتردد في أن تكون دراسته تتخذ ذلك الرصد والتدقيق لحقيقة الأمر، لذلك تولدت لدينا الرغبة في دراسة الموضوع بعد عرض الموضوع عليّ من قبل الأستاذ المشرف وبناءً على ذلك جاءت الرسالة بعنوانها الموسوم (بنو أمية في نهج البلاغة)، وتأتي أهمية هذه الدراسة لتسلط الضوء عليهم بصورة عامة من خلال نهج البلاغة.

وقسمت هذه الدراسة على خمسة فصول سبقتها مقدمة وأعقبتها خاتمة وثبت للمصادر والمراجع.

تناول الفصل الأول نسب بني أمية وعلاقتهم مع بني هاشم في نهج البلاغة، وقسم على ثلاثة مباحث، جاء المبحث الأول بعنوان نسب بني أمية وصورتهم في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وتناول بعض الروايات التي تشير إلى نسبهم الذي ترجعه إلى نسب يهودي، فضلا عن الصورة التي رسمتها لنا بعض الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية التي جاءت لتلعنهم في اكثر من موضع، وقد حاولت في المبحث الثاني إعطاء صورة مقارنة بين أبرز بيتين في مكة قبل الإسلام وبعده، أما المبحث الثالث فقد تطرق إلى نهج البلاغة وجامعه الشريف الرضي، إذ بينّ مميزات الكتاب واقوال العلماء والمؤرخين

ص: 13

الأوائل والمحدثين فيه وكذلك في جامعه الشريف الرضي ومكانته العلمية، ودوره في جمع كلام أمير المؤمنين علیه السلام، والشكوك التي أثيرت حول نسبة النهج وهل هو من تأليف الشريف الرضي أم من جمع أخيه الشريف المرتضى، فضلاً عن ذكر بعض مصادر وأسانيد نهج البلاغة وبعض شروحاته.

أما الفصل الثاني الذي حمل عنوان مكانة بني أمية وموقفهم من الخلافة بعد وفاة النبي صلی الله علیه و آله وسلم وأساليب وصولهم للسلطة، وقد قسمنا هذا الفصل على ثلاثة مباحث، إذ خصص المبحث الأول الذي جاء تحت عنوان مكانة بني أمية في نهج البلاغة، لمعرفة مكانتهم مقارنة بمكانة أهل البيت علیهم السلام، وكذلك مسألة اسلام بني أمية التي لم تكن عن رغبة صادقة للدخول في الدين وإنما عن رهبة ورغبة بالعطايا والأموال، وجاء المبحث الثاني ليسلط الضوء على موقف بني أمية من الخلافة ودورهم في إبعاد أمير المؤمنين علیه السلام عن حقه الشرعي فيها، وخصص المبحث الثالث لدراسة أساليب بني أمية المختلفة للوصول إلى السلطة ومنها اسلوب تأويل القرآن وخداع الناس والترغيب والترهيب.

في حين تكفل الفصل الثالث بتسليط الضوء على إدارة الأمويين لدولتهم وموقف الإمام منها في نهج البلاغة، وجاء الفصل على مبحثين، ركز المبحث الأول على الإدارة الأموية في نهج البلاغة، تم التطرق فيه إلى الخطب التي أشار فيها امير المؤمنين علیه السلام إلى إدارتهم للبلاد وإستئثارهم بالأموال ونتائج الإدارة الأموية، بينما تناول المبحث الثاني الذي جاء تحت عنوان موقف أمير المؤمنين علیه السلام من الإدارة الأموية، والذي تحدث عن موقف الإمام علیه السلام من الولاة الأمويين وقيامه باسترداد الأموال الخاصة بالمسلمين.

وقد خصص الفصل الرابع الذي جاء بعنوان اتهام معاوية للإمام علي علیه السلام

ص: 14

بقتل عثمان ونصائح الإمام لمعاوية، واحتوى الفصل على مبحثين، إذ تناول المبحث الأول إتهام معاوية لأمير المؤمنين علیه السلام بقتل عثمان وردُّ الإمام عليه، أما المبحث الثاني ركز على نصائح الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام لبني أمية وضرورة الإبتعاد عن الشيطان واللجوء الى الطريق الصحيح.

وجاء الفصل الخامس بعنوان الرؤية المستقبلية للإمام علي علیه السلام لبني امية في نهج البلاغة وقسم على مبحثين، تكفل المبحث الأول بدراسة إخبار الإمام علیه السلام بظلم بني أمية وتسلط بعض الشخصيات الأموية على السلطة، اما المبحث الثاني فتحدث عن إخبار الإمام علي علیه السلام عن نهاية دولة بني أمية على يد العباسيين وزوالها.

وختمت الرسالة بخاتمة تم من خلالها عرض أهم النتائج التي توصّلت إليها الدراسة في ضوء معطيات ما وقع بين أيدينا من روايات ونصوص ذكرتها المصادر التي اعتمدنا عليها لإتمام دراستنا، فقد كان استشهادنا ببعض الآيات القرآنية الكريمة وتفسيرها والتي لايتطرق إليها الشك، والأحاديث النبوية الشريفة التي جاءت لتبين لنا الصورة الحقيقية لبني امية، فضلاً عن ما ورد من خطب ورسائل أمير المؤمنين علیه السلام التي جاءت لتؤكد ما ورد في الكتاب والاحاديث الشريفة عن بني أمية.

أما عن نهج البلاغة قد طبع وحقق مراراً فكانت النسخ متعددة وقد تم اختيار النسخة التي قام بشرحها الشيخ محمد عبده لاحتوائها على النص الكامل بعد مقارنتها مع النسخ الأخرى، ومما أعان الباحث في فهم معاني الكلمات التي وردت في خطب ورسائل أمير المؤمنين علیه السلام هو اللجوء الى شروحات نهج البلاغة، التي كانت محل اعتماد كبير في هذه الدراسة يتقدمها

ص: 15

(شرح نهج البلاغة)، لابن ابي الحديد المعتزلي (ت 656 ه / 1258 م)، اذ كان الاعتماد عليه بصورة كبيرة في فصول الدراسة أجمعها كما هو مبين، وكذلك (شرح ابن ميثم البحراني) (ت 679 ه / 1280 م)، إذ يعد مؤلفه من فلاسفة الإمامية ومتكلميهم في القرن السابع الهجري / الثالث عشر الميلادي، إذ نجد أن شرحه مشحون بموضوعات كلامية أعتمد في عدة مواضع على شرح ابن أبي الحديد المعتزلي، فنراه متوافقا معه في جوانب ومختلفا في جوانب أخرى تبعا لطبيعة الموضوعات المطروحة، فضلاً عن (شرح الراوندي لأبي الحسين قطب الدين سعيد بن هبة الله) (ت 573 ه / 1177 م) الذي امتاز شرحه بالإختصار ولكنه مع ذلك قد احتوى على العديد من المطالب الأدبية والمسائل الكلامية والقضايا التاريخية الهامة.

كذلك اعتمد الباحث على شرح (صبحي الصالح)، الذي يعد من الشروحات الهامة لتوضيح خطب الإمام علي علیه السلام، والذي اكتفى بإيراد شرح بعض المفردات اللغوية مما ساعد الباحث على فهم مضامين كلام أمير المؤمنين علیه السلام، وكان من الشروح المهمة التي كان لها أثر كبير في الدراسة كتاب (في ظلال نهج البلاغة) ل (محمد جواد مغنية)، الذي حاول ربط الماضي بالحاضر، ولعله أراد من شرحه مطابقة كلام أمير المؤمنين علیه السلام على واقعنا المعاصر.

وبما ان الدراسة احتوت على جوانب عديدة منها ما هو سياسي وإجتماعي وإداري فقد تنوعت المصادر التي اعتمد عليها الباحث في ذلك، وسنأتي على بيان تلك المصادر المختلفة.

أولاً: كتب التفسير والحديث:

تعد كتب التفسير ذات قيمة كبيرة، إذ أفاد الباحث منها كثيراً لاسيما فيما يتعلق

ص: 16

بتفسير عدد من الآيات القرآنية وتوثيق الأحاديث النبوية، التي وردت في نهج البلاغة ومن أهمها (تفسير القرآن الكريم)، للثمالي، أبي حمزة ثابت بن دينار (ت 148 ه / 765 م)، و (تفسير الصنعاني) لعبد الرزاق بن همام (ت 211 ه / 826 م)، و (جامع البيان في تأويل آي القرآن) للطبري (ت 310 ه / 922 م)، وتفسير (التبيان في تفسير القرآن) لمحمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه / 1067 م)، و (تفسير البغوي) لأبي محمد البغوي (ت 516 ه / 1122 م)، و (الجامع لأحكام القرآن)، للقرطبي (ت 671 ه / 1272 م)، و (تفسير أنوار التنزيل وأسرار التأويل) للبيضاوي (ت 691 ه / 1291 م)، وتفسير (الدر المنثور في التفسير بالمأثور) لجلال الدين السيوطي (ت 911 ه / 1505 م)، وتفاسير أخرى.

أما بالنسبة لكتب الحديث، فقد استفاد منها الباحث في تخريج الأحاديث النبوية، فضلاً عن الإشارة الى الأحاديث التي رواها أمير المؤمنين علیه السلام وما جاء عنه ومن أهمها (مسند أحمد بن حنبل) لأحمد بن حنبل (ت 241 ه / 855 م)، و (صحيح البخاري) لمحمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 ه / 869 م)، و (صحيح مسلم) لأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 261 ه / 874 م)، و (سنن الترمذي) لمحمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 279 ه / 892 م)، و (الكافي) للكليني (ت 329 ه / 940 م)، و (المستدرك على الصحيحين) للحاكم النيسابوري (ت 405 ه / 1014 م)، وكتاب (الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد) للمفيد ((ت 413 ه / 1022 م)، وغيرها من كتب الحديث.

ثانياً: كتب السير والمغازي:

اهتمت كتب السيرة، بذكر بعض الاحداث التاريخية التي كان لها صلة

ص: 17

بمعارك أمير المؤمنين وإسلامه وهجرته ومؤاخاته للرسول الكريم صلی الله علیه و آله وسلم مثل كتاب (المغازي) للواقدي (ت 207 ه / 822 م)، وكتاب (السيرة النبوية) لابن هشام (ت 213 ه / 828 م)، وكتاب (عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير) لابن سيد الناس محمد بن عبد الله بن يحيى (734 ه / 1333 م).

ثالثاً: كتب الطبقات:

احتوت كتب الطبقات نصوصاً كثيرة من كلام أمير المؤمنين علیه السلام، وهي من المصادر التي ساعدت الباحث في الكتابة، وكان لها دور كبير في بيان الكثير من الشخصيات الأموية والصحابة والولاة وغيرهم، ولاسيما أنها ترجمت لكثير منهم، وعرفت بجوانب مهمة من حياتهم، ومن هذه المصادر كتاب (الطبقات الكبرى) لابن سعد (ت 230 ه / 844 م)، الذي تبرز أهميته خاصة بين كتب الطبقات فقد كان ذا قيمة علمية كبيرة في تغطية تراجم الأئمة علیهم السلام والخلفاء والصحابة والولاة، وكذلك اعتمدنا على كتاب (طبقات خليفة بن خياط)، لخليفة بن خياط العٌصفري (ت 240 ه / 854 م).

رابعاً: كتب التراجم:

وتعد من المصادر المهمة التي اعتمد عليها الباحث في الترجمة للأعلام والشخصيات في هذه الدراسة مثل كتاب (الاستيعاب في معرفة الأصحاب) لابن عبد البر (ت 462 ه / 1069 م)، وكتاب (أسد الغابة في معرفة الصحابة) لابن الأثير الجزري (ت 630 ه / 1232 م)، وكتاب (وفيات الأعيان وأنباء ابناء الزمان) لابن خلكان (681 ه / 1282 م)، وكذلك اعتمدنا على طائفة من كتب شمس الدين الذهبي (ت 748 ه / 1347 م) ومنها كتاب (سير اعلام النبلاء)، الذي يضم بين دفتيه عدداً كبيراً من التراجم والمعلومات

ص: 18

المفيدة، واعتمد البحث عليه لإستخلاص الكثير من المعلومات وكتاب (ميزان الاعتدال في نقد الرجال)، فضلا عن اعتمادنا على مؤلفات ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه / 1448 م) مثل كتاب (لسان الميزان)، و (الإصابة في تمييز الصحابة).

خامساً: كتب التاريخ العام:

وتأتي في مقدمة هذه الكتب كتاب (الإمامة والسياسة) المنسوب لابن قتيبة عبد الله بن مسلم (ت 276 ه / 889 م)، وكتاب (الأخبار الطوال) لأبي حنيفة أحمد بن داود (282 ه / 895 م) اللذان يعدان من الكتب المهمة في الدراسة، لما احتوياه من معلومات وروايات مهمة عن الإمام علیه السلام وبني أمية، ومن الكتب الأخرى كتاب (تاريخ اليعقوبي) لليعقوبي (ت 292 ه / 904 م)، وكتاب (تاريخ الرسل والملوك) لمحمد بن جرير الطبري (ت 310 ه / 922 م)، وكتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر) للمسعودي (346 ه / 957 م)، وكتاب (الكامل في التاريخ) لابن الأثير (ت 630 ه / 1232 م) وغيرها من كتب التاريخ العام، التي اغنت الدراسة في معلوماتها التي لا يمكن الاستغناء عنها.

سادساً: كتب التواريخ المحلية:

إعتمدنا على مجموعة من هذه الكتب، التي تعد من المصادر الرئيسة والأساسية في هذا المجال اذ كان لها أثرها في رفد البحث بالمادة العلمية الخاصة بالموضوع فكان ابرز ما اعتمد عليه الباحث كتاب (تاريخ مدينة بغداد أو مدينة السلام) للخطيب البغدادي (ت 463 ه / 1070 م)، الذي يعد من أكبر الموسوعات في هذا النوع من التواريخ، وكتاب (تاريخ مدينة دمشق)، لابن عساكر (ت 571 ه / 1175 م) الذي يستعرض فيه سير الرجال وبعض

ص: 19

الشخصيات التي يتعذر العثور عليها في كتب التراجم الأخرى، فضلاً عن إحتوائها على الكثير من الروايات التي أفادت البحث بوصفها شواهد تأريخية.

سابعاً: كتب البلدانيات:

أفادت الدراسة من كتب البلدانيات على سبيل المثال، ككتاب ياقوت الحموي الموسوم (معجم البلدان)، (ت 626 ه / 1228 م)، الذي يُعد أحد المصادر التي لا غنى عنه لكل من يكتب في التاريخ الإسلامي على وجه الخصوص؛ لأنه يضم أغلب الأماكن والمواضع كبيرها وصغيرها بشكل مفصل، وكذلك كتاب (البلدان) لابن الفقيه الهمذاني من أعلام القرن الثالث الهجري / التاسع الميلادي.

ثامناً: كتب الأنساب:

لقد أدت كتب الأنساب دوراً مهماً في هذه الدراسة لبيان نسب بعض القبائل والشخصيات، التي وردت ضمن الدراسة فشكلت مصدرا مهما ومنها كتاب (نسب قريش) لأبي عبد الله مصعب الزبيري (236 ه / 850 م)، وكتاب (أنساب الأشراف) للبلاذري (ت 279 ه / 892 م)، وكتاب (جمهرة أنساب العرب) لابن حزم الأندلسي، أبو محمد علي بن أحمد (ت 456 ه / 1063 م) وكتاب (الأنساب) للسمعاني (ت 562 ه / 1166 م) وغيرها من المصادر المهمة.

تاسعاً: كتب اللغة والمعاجم اللغوية والأدب:

تعد كتب اللغة مصدرا مهما للدراسة، وذلك لأنها بينت الكثير من المعاني اللغوية للكلمات، إذ بدونها لا يمكن فهم الكثير من المصطلحات التي وردت في خطب أمير المؤمنين علیه السلام، فغدت مصادر توثيقية تاريخية منها كتاب (العين) للفراهيدي

ص: 20

(ت 170 786 م)، وكتاب (الصحاح) للجوهري (ت 393 ه / 1002 م)، وكتاب (معجم مقاييس اللغة) لابن فارس (ت 395 ه / 1004 م) وكتاب (لسان العرب) لابن منظور (ت 711 ه / 1311 م)، وغيرها من كتب اللغة.

ومن كتب اللغة التي اهتمت بغريب الحديث النبوي الشريف، وأشارت الى بعض الكلمات الغريبة التي وردت في الأحاديث النبوية التي خصت بني أمية كتاب (غريب الحديث) لابن سلام (ت 244 ه / 838 م).

ولكتب الأدب نصيب في إثراء الدراسة ومنها كتاب (الكامل في اللغة والأدب) للمبرِّد أبي العباس محمد بن يزيد (ت 286 ه / 899 م)، وكتاب (العقد الفريد) لابن عبد ربه الأندلسي (ت 328 ه / 939 م)، وكتاب (ديوان الشريف المرتضى) علي بن الحسين الموسوي (ت 436 ه / 1044 م)، فضلاً عن الدواوين الأخرى.

عاشراً: المراجع الحديثة والأطروحات والرسائل والدوريات:

ولا بد أن نشير الى بعض المراجع الحديثة ذات العلاقة بدراسات نهج البلاغة والتي أفدنا منها بعض الآراء منها كتاب (دراسات حول نهج البلاغة) وكتاب (حركة التاريخ عند الإمام علي) لمحمد مهدي شمس الدين، وكتاب (مصادر نهج البلاغة وأسانيده)، لعبد الزهراء الخطيب، وكتاب (بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة) للتستري، وكتاب (التغير في السياسة المالية للدولة الإسلامية في خلافة الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام)، للدكتور حسين علي الشرهاني.

وهناك دراسات سابقة قد خُصصت لدراسة نهج البلاغة لعل من أبرزها كتاب (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد رؤية اعتزالية عند الإمام علي علیه السلام) للدكتور جواد كاظم النصر الله، وكتاب (الفكر الاختباري في نهج البلاغة)،

ص: 21

للدكتور حميد سراج جابر، وكتاب (أهل البيت في نهج البلاغة قراءة تأويلية)، للدكتور حاكم حبيب الكريطي، وأطروحة الدكتوراه الموسومة ب(الأثر الدلالي للقران الكريم نهج البلاغة) لهادي شندوخ حميد، جامعة البصرة كلية الآداب 2008 م، وأطروحة الدكتوراه الموسومة ب (أساليب البديع في نهج البلاغة) لخالد كاظم حميدي، جامعة الكوفة كلية الآداب 2011 م، ورسالة الماجستير الموسومة ب (الحذف صوره ودلالاته في كتاب نهج البلاغة)، لهادي شندوخ حميد، جامعة البصرة كلية الآداب 2004 م، ورسالة الماجستير الموسومة ب (التوحيد في نهج البلاغة)، لرزاق حسين فرهود، جامعة الكوفة كلية الفقه 2007 م، واطروحة الدكتوراه الموسومة ب (الأسرة الأموية من خلال شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد) لرحيم فرحان صدام، جامعة بغداد كلية التربية - ابن رشد الإنسانية 2014 م، والتي تضمنت سرداً لما موجود في كتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد دون التطرق إلى الكثير من خطب الإمام علیه السلام وشرحها وكذلك عدم التعليق عليها من قبل الباحث أو إبداء الآراء حول النصوص التاريخية الواردة فيها، ورسالة الماجستير الموسومة ب (الفكر الاقتصادي في نهج البلاغة)، لذكرى عواد ياسر، جامعة البصرة كلية الآداب، 2009 م، ورسالة الماجستير الموسومة ب (التوثيق التاريخي في نهج البلاغة) لأروى عبد الواحد رحيم، جامعة البصرة، كلية التربية، 2014 م، ورسالة الماجستير الموسومة ب (أهل البيت علیهم السلام مكانتهم وفضلهم وموقف الأمة منهم في كتاب نهج البلاغة)، لبسام كامل الزيدي، جامعة ذي قاركلية الآداب، 2016، فضلاً عن البحوث المنشورة في هذا المجال لعل من أبرزها بحث بعنوان (فلسفة النبوة وأبعاد حياة الأنبياء الإجتماعية في نهج البلاغة) للدكتور حميد سراج جابر المنشور في مجلة مركز دراسات الكوفة عام 2011 م، والبحث الموسوم

ص: 22

ب (سياسة الإمام علي علیه السلام المالية في نهج البلاغة)، لعلي محمود البعاج الذي نشره المركز الدولي الأول (جامعة الكوفة) سنة 2011 م.

وقد أفاد الباحث من رسائل وأطاريح جامعية أغنت الرسالة في بعض الجوانب منها أطروحة الدكتوراه الموسومة ب (النظم الإدارية والمالية في عهد الإمام علي علیه السلام) لعلاء كامل العيساوي، جامعة البصرة، كلية الآداب، 2005 م، ورسالة الماجستير الموسومة ب (السياسة الأموية المضادة للإمام علي علیه السلام) لعلي رحيم أبو الهيل الجابري، جامعة البصرة، كلية التربية، لسنة 2008 م، وغيرها من الرسائل والأطاريح التي أمدتنا بالمعلومات المناسبة للدراسة.

لقد حاول الباحث في هذه الدراسة أن يقدم صورة واضحة لبني أمية في نهج البلاغة مع ما بذله من جهود في سبيل الإرتقاء بها إلى مصاف الدراسات الأكاديمية المتكاملة وإظهارها بهذه الصورة التي تليق بقدرها، فإن وفقت فمن الله سبحانه وتعالى، وان كانت الثانية فمن نفسي، وما هو إلا جهد نضعه بتواضع أمام أيدي أساتذتنا الأجلاء أعضاء لجنة المناقشة لتصحيح الهفوات التي وقعنا فيها ودعم الدراسة بتوجيهاتهم وآرائهم السديدة التي ستكون إضافة علمية كبيرة لهذا الجهد المتواضع، والله ولي التوفيق والحمد لله رب العالمين.

ص: 23

ص: 24

الفصل الأول

اشارة

المبحث الأول: نسب بني أمية وصورتهم في القرآن والأحاديث النبوية الشريفة

المبحث الثاني: العلاقة بين بني هاشم وبني أمية

المبحث الثالث: نهج البلاغة وجامعه الشريف الرضي

ص: 25

ص: 26

المبحث الأول نسب بني أمية وصورتهم في القرآن والأحاديث النبوية الشريفة

نسب بني أمية تعد أسرة بني أمية من الأسر التي أخذت حيزاً في التاريخ العربي قبل الإسلام، والتاريخ الإسلامي فيما بعد، وذلك لإشتراك أفراد هذه الأسرة في النشاطات الإجتماعية والسياسية والدينية قبل الإسلام، وبعده، إذ تمتع الامويون بنفوذ واسع قبل الإسلام في مكة، وكان لهم دور واضح في مناهضة الدعوة الإسلامية التي جاء بها نبي الرحمة محمد صلی الله علیه و آله وسلم، إذ حاولوا بشتى الوسائل وئد هذه الدعوة في مهدها الأول، ولكن إستطاعوا بعد مدة وجيزة من الإنخراط في النشاطات السياسية لا سيما بعد وفاة النبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم، فكان لهم ما أرادوا إذ وصلوا إلى مبتغاهم في إستلام مقاليد السلطة السياسية في الدولة الإسلامية.

والأمويون قيل أنهم ينتسبون إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي(1)

ص: 27


1- الكلبي، جمهرة النسب، 38؛ الزبيري، نسب قريش، 99؛ ابن قتيبة، المعارف، 73؛ البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 5 / 8؛ ابن حزم الأندلسي، جمهرة انساب العرب، 78؛ السمعاني، الأنساب، 1 / 209

وهم صنفان: الأعياص(1) والعنابس(2) فالأعياص هم: العاص وأبو العاص، والعيص وأبو العيص، والعويص، وأبو عمرو، وكما قال فيهم الشاعر، فضالة بن شريك:

من الأعياص أو من آلِ حرب *** أغرٍّ كغُرِة الفرَس الجوادِ(3) أما العنابس هم: حرب وأبو حرب، وسفيان وأبو سفيان، وعمرو وأبو عمرو، فبنو مروان وعثمان من الأعياص، ومعاوية وابنه من العنابس(4)، واختلف في عدد أبنائهم(5).

وذهبت العديد من الروايات إلى أن بني أمية ليسوا من قريش، وإنما نسبوا

ص: 28


1- الأعياص، لقبوا بهذا الأسم لتشابه أسمائهم، لأنها أسماء أصول، وقيل لجودهم وكرمهم كما في قول الشاعر أعلاه، ينظر، الكلبي، جمهرة النسب، 38؛ الزبيري، نسب قريش، 99؛ أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني. 1 / 14
2- العنابس، العنبس، الأسد ومنه سمي الرجل، وهو فنعل من العبوس، ينظر، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 4 / 366؛ وسمي العنابس بهذا الأسم، لأنهم ثبتوا مع أخيهم حرب بن أمية في حرب الفجار وعقلوا أنفسهم، وقاتلوا قتالاً شديداً فشبهوا بالأسد، ينظر، الكلبي، جمهرة النسب، 38؛ الزبيري، نسب قريش، 100؛ ابن قتيبة، المعارف، 73؛ أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني. 1 / 14؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 203
3- الكلبي، جمهرة النسب، 38؛ أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني. 1 / 14؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 203
4- الكلبي، جمهرة النسب، 38؛ الزبيري، نسب قريش، 99؛ ابن قتيبة، المعارف، 73؛ البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 5 / 8؛ ابن حزم الأندلسي، جمهرة انساب العرب، 78؛ السمعاني، الأنساب، 1 / 209
5- للمزيد من التفاصيل، ينظر، العلي، كفاية طارش، الأسر الأموية التي لم تتولى الخلافة، 3

وألصقوا بهم، وسنأتي على هذه الروايات التي تبين نسبهم، إذ روي (أن أمية بن عبد شمس خرج إلى الشام فأقام بها عشر سنين، فوقع على إمرأة يهودية من أهل صفورية(1) يقال لها ترنا، وكان لها زوج يهودي فولدت له ذكوان فادعاه أمية واستلحقه وكناه أبا عمرو، ثم قدم به مكة، فلذلك قال النبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم لعقبة بن أبي معيط(2)، يوم أمر بقتله: إنما أنت يهودي من أهل صفورية)3(3).

ولعل ما ذكره ابن أبي الحديد من أبيات قالها أبو طالب عندما تظاهرت قريش عليه وعلى النبي محمد صلی الله علیه آله وسلم فيها إشارة واضحة إلى نسبهم جاء فيها:

قديماً أبوهم كان عبداً لجدنا *** بني أمة شهلاء جاش بها البحر(4) وجاء في بعض المصادر إنه، عندما أمر الرسول محمد صلی الله علیه و آله وسلم أمير المؤمنين علیه السلام بعد غزوة بدر بقتل عقبة بن أبي معيط، قال له: (يا محمد ألم تقل لا تصبر قريش أي لا يقتلون صبراً، قال: أفأنت من قريش؟ إنما أنت علج من أهل صفورية، لأنت في الميلاد أكبر من أبيك الذي تدعي له، لست منها)(5)، أي أن عقبة بن أبي معيط كان من رجل آخر، وذلك الرجل الآخر من أهل صفورية، ونسب إلى

ص: 29


1- صفورية، وهي كورة وبلدة من نواحي الأردن بالشام، وتقع بالقرب من طبرية، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 2 / 414
2- عقبة بن أبي معيط، إبان بن أبي عمرو بن أمية،، وأم عقبة، آمنة بنت كليب بن ربيعة، وعقبة هو عدو رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وحاول خنقه وهو يصلي، وأسر يوم بدر، وأمر بقتله، فقتله الإمام علي علیه السلام، وقيل النضر بن الحارث، ينظر، الصفدي، الوافي بالوفيات، 20 / 59
3- ابن قتيبة، المعارف، 319؛ المقريزي، إمتاع الأسماع، 10 / 6
4- شرح نهج البلاغة، 15 / 176
5- القمي، تفسير القمي، 1 / 720؛ الطبرسي، مجمع البيان، 4 / 460؛ المقريزي، النزاع والتخاصم، 41

أبي معيط زوراً وكذباً(1)، في حين جاء قول الإمام الحسن علیه السلام للوليد بن عقبة ابن أبي معيط(2)، في مناظرة بينهما، ليدلل على المعنى ذاته، وما أنت وقريش؟ إنما أنت علج من أهل صفورية، وأقسم بالله لأنت أكبر في الميلاد، وأسن ممن تدعى إليه(3).

ونستدل من شهادة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وسبطه الإمام الحسن علیه السلام على عدم صحة نسبه إلى قريش.

وروي (أن أمية عاهرٌ ضعيف النفس، وذلك أنه تعرض لامرأة من بني زهرة، فضربه رجل منهم بالسيف، فأراد بنو أمية ومن تبعهم، إخراج بني زهرة من مكة، فقام دونهم قيس بن عدي السهمي(4) وكانوا أخواله، وكان منيع الجانب، شديد العارضة، حمي الأنفس، فقام دونهم وصاح: (أصبح ليل)

ص: 30


1- العاملي، الصحيح من السيرة، 5 / 105
2- الوليد بن عقبة بن أبي معيط، واسم أبي معيط إبان بن أبي عمرو، وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن عبد شمس، أم عثمان بن عفان، فالوليد بن عقبة أخو عثمان لأمه، أسلم يوم الفتح، ولاه عثمان الكوفة، وكان يشرب الخمر وصلى بالناس صلاة الصبح أربع ركعات في مسجد الكوفة، وجلد لشربه الخمر، توفي بالرقة ’ ينظر. ابن عبد البر، الاستيعاب، 751؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 63 / 218
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 229
4- قيس بن عدي ابن سعد السهمي، وأمه هند بنت عبد الدار بن قصي، وهو ممن أسلم يوم فتح مكة، وشهد مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حنيناً، وأعطاه من غنائم حنين مائة من الأبل، وبيّن ابن سعد أن هناك خطأ في اسمه من الرواة ولعلهم أرادوا أحد ولده، لأن قيس بن عدي لم يدرك الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وأدركه ابنه الحارث بن قيس، وكان من المستهزئين به، ينظر، ابن سعد الطبقات الكبرى، 6 / 107

فذهب مثلاً، ونادى: الآن الضاعن مقيم، وفي هذه القصة يقول وهب بن عبد مناف بن زهرة(1) جد الرسول محمد صلی الله علیه و آله وسلم:

مهلاً أميّ فإنّ البغي مهلكة *** لا يكسبنك يوم شره ذكر تبدو كواكبه والشمس طالعة *** يصيب في الكأس منه الصبر والمقر(2) وفي رواية للكلبي(3)، جاء فيها ان قريش فيها جماعة ممن أشتهروا بالزنا، ومنهم أمية بن عبد شمس، وأبو سفيان بن حرب(4)، وعبد الرحمن بن الحكم بن العاص(5)، أخو مروان بن الحكم وولده بالشام.

ص: 31


1- وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، من قريش، وسيد بني زهرة قبيل الإسلام، وهو ابو آمنة بنت وهب أم الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وكانت كنيته أبا كبشة، فلما ظهر النبي وناوأته قريش كانوا ينسبون إليه صلی الله علیه و آله وسلم، ينظر، الزبيري، نسب قريش، 261
2- ابن حبيب، المنمق، 41؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 156؛ المقريزي، النزاع والتخاصم، 40
3- مثالب العرب، 18
4- ابو سفيان بن حرب صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، أسلم يوم الفتح، وقد كان على رأس المشركين في أحد وهو على رأس الأحزاب (يوم الخندق) وكان من الطلقاء يوم الفتح، ومن المؤلفة قلوبهم، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6 / 5؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 813
5- عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، أبو مطرف، ويقال أبو حرب، سكن دمشق، وكان شاعراً محسناً أدرك عائشة وكان رجلا يوم الدار، والمقصود به يوم قتل عثمان بن عفان، وكان يتهم بنساء اخوته، وهوالذي انشد شعراً لمعاوية لما استلحق زياد بن أبيه، فغضب معاوية وطلب منه ان يعتذر لزياد، ينظر، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 34 / 311

وذكر المرزباني(1) في معجم الشعراء، أن القلاخ العنبري الشاعر المعمر، إلتقى معاوية بن أبي سفيان وكان له معه خبر يذكر فيه إنه ولد قبل مولد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وأنه رأى أمية بن عبد شمس بعدما ذهب بصره، يقوده عبد أفيحج(2) من أهل صفورية، يقال له ذكوان، فقال له معاوية: مه، ذاك ابنه ذكوان، فتراجعا في ذلك، فقال القلاخ:

يُسائلني معاويةُ بن هندٍ *** لقيت أبا شلالة، عبد شمس؟ فقلت له: رأيت أباك شيخاً *** كبيراً لسن مضروباً بطمس(3) يقود به أفيحج عبدُ سوءٍ *** فقال بل ابنه ليزيل لبسي ونستدل مما تقدم أن نسب بني أمية هو ليس من نسب قريش، ولا يمت بأي صلة لهم، وأنهم ألصقوا بهم وهذا ما ورد في تلك الروايات.

وصنع أمية في الجاهلية شيئاً لم يصنعه أحدٌ من العرب، إذ زوج عبده أبا عمرو بن أمية، امرأته في حياته، والمقتيون في الإسلام، هم الذين أولدوا نساء آبائهم واستنكحوهن من بعد موتهم، وأما أن يتزوجها في حياته، ويبني عليها وهو براء، فإن هذا لم يكن قط، وأمية قد جاوز هذا المعنى، ولم يرضَ بهذا المقدار حتى نزل عنها له وزوجها منه(4)، لما في ذلك إشارة واضحة إلى أنه يعلم أنه ليس من صلبه.

ص: 32


1- معجم الشعراء، 272؛ ينظر، ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 5 / 398
2- أفيحج، هو تصغير الأفحج، الذي في رجله إعوجاج، ينظر، ابن منظور، لسان العرب، 2 / 239
3- بطمس، أي ذهاب الشيء عن صورته، ينظر، ابن منظور، لسان العرب، 6 / 127
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 156؛ المقريزي، النزاع والتخاصم، 40 - 41

أما فيما يخص أبا سفيان صخر بن حرب فقد ذكر ابن عبد البر(1) انه ينسب إلى الزندقة(2)، وتزوج هند بنت عتبة بن ربيعة(3)، والتي اتهمت مع رجل آخر من قبل زوجها الأول الفاكِهَ بن المغيرة المخزومي(4) الذي كان له بيت ضيافة يغشاه الناس، فيدخلونه من غير إذن، فخلا ذلك البيت يوماً، فاضطجع الفاكِهَ وهند، ثم قام الفاكِهَ وترك البيت لأمر عرض له، ثم عاد للبيت فإذا رجل قد خرج من البيت فاتهمها الفاكه مع الرجل، وأمرها باللحاق بأهلها، وخاض الناس بأمرها وعند سؤال أبيها عن الأمر، وقال لها، إن كان الرجل صادقاً دسست عليه من يقتله فيقطع عنك العار، وإن كان كاذبا حاكمته إلى بعض كهان اليمن، فحلفت إنها لاتعرف شيئاً، فأرسل أبوها إلى الفاكه وطلب منه محاكمته إلى أحد الكهنة، فذهبوا إلى الكاهن وتم تبرئتها من التهمة المنسوبة إليها(5).

ص: 33


1- إلإستيعاب، 813
2- الزنديق، هو كل شخص يّحادّ الله تعالى ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم، وهم الملحدون الذين عدلوا عن التوحيد إلى الإلحاد، ينظر، ابن شعبة الحراني، تحف العقول، 298
3- هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، أم معاوية، أسلمت عام الفتح بعد إسلام زوجها أبي سفيان بن حرب، شهدت أحداً وهي كافرة، ومثلت بحمزة رضي الله عنه عم النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وشقت بطنه واستخرجت كبده ولاكته، وتوفيت سنة ( 13 ه)، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 223؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 943؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 8 / 346
4- الفاكه بن المغيرة المخزومي، وأمه ريطة بنت سعيد بن سهم بن عمرو، وهو أحد فتيان قريش، وكان قد تزوج هند بنت عتبة بن ربيعة، وطلقها بعد أن اتهمها مع رجل آخر، ينظر، ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، 7 / 92؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 70 / 169
5- ابن حبيب، المنمق، 118، وللمزيد من التفاصيل ينظر، ابن عبد ربه،العقد الفريد، 7 / 92 - 93؛ أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، 9 / 53 - 54؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 70 / 169؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 306؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 11 / 393 - 394؛ الحلبي، السيرة الحلبية، 3 / 44

وأدلى ابن أبي الحديد برأيه بشأن هذه الرواية التي قال عنها أن فيها نوعاً من المبالغة والكذب حيث وضعت لتبرئة هند بنت عتبة على ما كانت عليه من الفسق(1).

ومما يؤكد عدم صحة الرواية، أنهم لم يذكروا إسم الكاهن الذي تنافروا عنده، وكذلك قول عتبة لابنته هند إن كان لكِ ذنب، دسست إلى الفاكِهَ من يقتله، وهذا دليل على انهم قد رضوا بالعار من خلال قيامهم بالتستر على أمرِها من خلال محاولة قتلهم زوجها الفاكِهَ، ليمنعوا بذلك إنتشار خبرها في مكة، فضلاً عما طرح من روايات بشأن هند بنت عتبة، إذ أنها كانت من المغتلمات حسب مارواه الكلبي (وكان أحب الرجال لها السوّد، فكانت إذا ولدت أسود قتلته)(2).

أما فيما يخص نسب معاوية بن أبي سفيان، فقد ذكرت بعض المصادر التاريخية أن نسبه مدخول أيضاً شأنه شأن آبائه، ويبدو أن البعض من أسرة آل أمية كانت تشتهر بالفجور والبغي في الجاهلية، مما انعكس ذلك عليهم، وعلى سلوكهم إزاء الإسلام، فأفعالهم المشهورة للجميع والواضحة للعيان تدلل على بغيهم وفجورهم، وروي أن معاوية بن أبي سفيان ينسب إلى أربعة وهم: مسافر ابن أبي عمرو(3) وكان يهوى هند بنت عتبة بعد فراقها من الفاكِهَ بن المغيرة،

ص: 34


1- شرح نهج البلاغة، 1 / 306
2- مثالب العرب، 36
3- مسافر بن أبي عمرو بن أمية، ويكنى أبا أمية، وكان أحد شعراء قريش، وامه آمنة بنت كليب بن ربيعة، وهي أم أبي معيط أبان بن عمرو بن أمية، وأبو معيط ومسافر اخوان لأب وأم، وكان سيداً جوادا، وأحد أزواد الركب، وسموا بذلك،لأنهم كانوا لا يدعون غريباً ولا ماراً إلا أنزلوه وتكفلوا به حتى يظعن، ينظر، أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، 9 / 50

وإلى عمارة بن الوليد(1)، وإلى العباس بن عبد المطلب(2)، وإلى الصباح وهو مغنٍ لعمارة بن الوليد(3).

وروي أن أبا سفيان كان دميماً، قصيراً، وكان الصباح شاباً وسيماً، فدعته هند بنت عتبة إلى نفسها(4)، وكذلك قيل أن عتبة بن أبي سفيان(5)، من الصباح أيضاً وأنها كرهت أن تضعه في منزلها، فخرجت إلى أجياد(6)، فوضعته هناك

ص: 35


1- عمارة بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وهو اخو خالد بن الوليد، وهو الذي ارسلته قريش إلى النجاشي في الحبشة، وقد جرت له قصة وأصيب بعقله ومات هناك، وكان ممن دعا عليهم الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، ينظر، أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، 9 / 55؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 5 / 216
2- العباس بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف، وأم العباس، نُتيلة بنت جَناب بن كليب، ويكنى أبو الفضل، وهوعم النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وأسن منه بثلاث سنين، وكان معه في العقبة عند بيعة الأنصار، وأسر يوم بدر وفدى نفسه، وأسلم بفتح مكة وتوفي سنة (34 ه)، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4 / 5، خليفة بن خياط، طبقات خليفة بن خياط، 29؛ ابن حجر العسقلاني، الأصابة، 3 / 511
3- الزمخشري، ربيع الأبرار، 4 / 276؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 306
4- الزمخشري، ربيع الأبرار، 4 / 276؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 306
5- عتبة بن أبي سفيان بن حرب، أخو معاوية، ولد على عهد الرسول محمد الزمخشري، ربيع الأبرار، 4 / 276؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 306 ولاه عمر بن الخطاب الطائف وصدقاتها، ثم ولاه معاوية مصر وبقي فيها سنة، وكان فصيحاً خطيباً، وتوفي سنة (43 ه)، ينظر، ابن عبد البر، الاستيعاب، 568؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 5 / 47
6- أجياد، هو موضع يقع في مكة، يلي الصفا، واختلف في تسميته، قال: أبو سعيد السيرافي في كتاب جزيرة العرب، هو موضع خروج دابة الأرض، وقيل سميت أجياد بسبب خروج الخيل الجياد منه، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 1 / 105

(1)، وعلى ما يبدو أن خروج هند إلى تلك المنطقة خوفاً من الفضيحة، وجاء في رواية أخرى أنها خرجت لتضعه هناك كعادتها في وضع من تحمل من السودان فلما وضعته رأت البياض غلب عليه، وأدركتها حنّة فأبقته ولم تنبذه(2)، وفي هذا المعنى يقول حسان بن ثابت(3) أيام المهاجاة بين المسلمين والمشركين في حياة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم قبل عام الفتح(4):

لمن الصبي بجانب البطحاء *** في الترب ملقى غير ذي مهد نجلت به بيضاء آنسة *** من عبد شمس صلتة الخد غلبت على شبه الغلام و قدبدا *** فيه السواد الحالك جعد(5) وعلق سبط بن الجوزي على كلام الإمام الحسن علیه السلام عندما قال لمعاوية: (وقد علمت المسلمين الذي ولدت عليه)، ومعنى قوله هذا أن معاوية ينسب إلى أربعة، وكل منهم يتهم بهند(6).

ص: 36


1- الزمخشري، ربيع الأبرار، 4 / 276؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 306
2- القاضي النعمان، المناقب والمثالب، 242
3- حسان بن ثابت بن بن المنذر بن حرام بن عمرو، شاعر الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، ويقال أبو الحسام الأنصاري، حدث عنه ابنه عبد الرحمن، والبراء بن عازب، وعاش ستين سنة في الجاهلية، وستين سنة في الإسلام، ينظر، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 12 / 378؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 2 / 514
4- المجلسي، بحار الأنوار، 33 / 201
5- ديوان حسان بن ثابت، 97
6- تذكرة الخواص، 202

نستشف من ذلك أن هند بنت عتبة كانت على مستوى من الفجور، جعل من الشاعر حسان بن ثابت ينشد تلك الأبيات التي جاءت لتدلل على فجورها، مما إنعكس ذلك على مكانة وسمعة أبنائها الذين نسبوا إليها، إذ أورد الصنعاني رواية مفادها، أن رجلاً ذكر في مجلسه معاوية بن أبي سفيان، فقال له: (لا تقذر مجلسنا بذكر ولد أبي سفيان)(1).

وجاء في الصدد ذاته ما نقله الطبري(2)، أنه عندما أخذت هند بنت عتبة ترتجز من الشعر بما فعلت في معركة أحد من التمثيل بحمزة(3) عم النبي صلی الله علیه و آله وسلم، فطلب عمر بن الخطاب أن يُرد عليها فأنشد عمر بعض ما قالته هند، فقال حسان: أنا أكفيكموها، وأخذ يهجو هنداً، ومن هذه الأبيات:

ونسيت فاحشة أتيت بها *** ياهند ويحك سُبة الدهرِ فرجعت صاغرة بلا ترةٍ *** مما ظفرت به ولا وترِ رغم الولائد إنها ولدت *** ولداً صغيراً كان من عهرِ(4) ومما لا شك فيه أن ما عرفت به هند من فجور وبغي، إنعكس على سلوكها وشخصيتها، التي امتلأت حقداً وبغضاً بلإسلام الذي حرم تلك الأشياء،

ص: 37


1- تفسير القرآن، 1 / 20؛ ينظر الذهبي، سير اعلام النبلاء، 9 / 570؛ ميزان الإعتدال، 2 / 610
2- تاريخ الرسل والملوك، 2 / 525
3- حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وأمه هالة بنت أهيب بن عبد مناف، ويكنى أبا عمارة، أسد الله وأسد رسوله، وأسلم في السنة السادسة للبعثة وقيل قبل ذلك، وكان أول لواء عقد له من قبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وقتل في معركة أحد سنة (3 ه)، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3 / 7؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 135؛ ابن الأثير أسد الغابة، 2 / 67
4- ديوان حسان بن ثابت، 139

وحباً للدماء، وهذا مما توضح لنا من خلال قيامها بالتمثيل بالحمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه.

وروي: (ان عقيل بن أبي طالب(1) ذهب إلى معاوية بن أبي سفيان، وأمر له بمائة درهم، وسأله عن العسكرين، فأخبره عقيل عن عسكر أمير المؤمنين علیه السلام ان ليلهم ونهارهم، كليل ونهار رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلا أنه ليس معهم، وأخبره بمن أستقبله من المنافقين بعسكره ممن نفر برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يوم العقبة، وبين له أنساب جلسائه، وألح عليه معاوية أن يبين له نسبه، فقال له عقيل: أتعرف حمامة؟ فقال: ومن حمامة؟ فقال له عقيل أخبرتك وخرج من عنده، فأرسل معاوية إلى النسابة وطلب منه بيان ذلك، فقال له: حمامة جدتك، وكانت بغية في الجاهلية، لها راية تؤتى)(2)، وهي جدة أبي سفيان السابعة(3)، نستشف من الرواية بأن لبني أمية جذوراً بعيدة في البغي وممارسة الفجور، وانتقال هذا الأمر إلى أبنائهم، وخصوصاً إذا علمنا بأن عقيل بن أبي طالب كان عالماً بأنساب العرب، ومما يؤكد ذلك قول الإمام جعفر بن محمد الصادق علیه السلام(4).

ص: 38


1- عقيل بن أبي طالب بن عبد الطلب، وكنيته أبو يزيد، وكان من نسابة قريش وعلمائها، وكان سريع الجواب، وأسر يوم بدر ففداه عمه العباس، وأسلم بعد بدر وقيل في السنة الثامنة للهجرة، توفي أيام معاوية بن أبي سفيان سنة (52 ه) ينظر، البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 2 / 327؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 41 / 4؛ المزي، تهذيب الكمال، 20 / 235
2- الثقفي، الغارات، 65؛ الطوسي، الأمالي، 725 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2 / 101
3- الكلبي، مثالب العرب، 26؛ البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 2 / 330؛ الثقفي، الغارات، 937
4- جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي علیهم السلام، وهو خامس الأئمة المعصومين من ولد أمير المؤمنين علیه السلام، ويكنى أبا عبد الله، الإمام العالم، وأمه فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، وقال أبو حنيفة عنه: ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد، وله مناقب كثيرة، ولقب بالصادق لصدقه، توفي سنة (148 ه) ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7 / 534؛ المزي، تهذيب الكمال، 5 / 75؛ الصفدي، الوافي بالوفيات، 11 / 98

(كان عقيل من أنسب الناس)(1)، ومن المؤكد ان عقيل لايصرح بذلك ما لم يكن متأكداً من أنسابهم.

وجاءت شهادة أمير المؤمنين علیه السلام لتدلل على صحة ما مر بنا من روايات حول نسب بني أمية، فشهادته لا تقبل الشك، حيث شهد أن بني أمية لصاق وأنهم ليسوا صحيحي النسب إلى بني عبد مناف، ولم يستطع معاوية إنكار ذلك(2)، إذ ورد ما يؤكد على ذلك في أحد كتب الإمام علیه السلام رداً على كتاب كتبه معاوية يدعي فيه مساواتهم في الحرب والرجال مع بني هاشم، جاء فيه وأما قولك:

(إنا بنو عبد مناف، كذلك نحن، ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللصيق)(3)، إذ بين ابن أبي الحديد في شرحه، أن مراد الإمام بقوله: ولا الصريح كاللصيق، أنه لا يقصد في نسب معاوية شبهة، وإنما أراد بذلك الصريح بالإسلام، واللصيق بالإسلام، فالصريح فيه، هو من أسلم إعتقاداً وإخلاصاً، واللصيق فيه من أسلم تحت السيف، أو رغبة في الدنيا، وقد صرح الإمام علیه السلام بذلك فقال: (كنتم ممن دخل في هذا الدين أما رغبة أو رهبة)(4).

ويبدو أن ابن أبي الحديد قد فسر قول أمير المؤمنين علیه السلام من الناحية الدينية،

ص: 39


1- الثقفي، الغارات، 937
2- المجلسي، بحار الأنوار، 31 / 544
3- محمدعبده، شرح نهج البلاغة، 3 / 403
4- شرح نهج البلاغة، 15 / 90

أي دخوله إلى الإسلام(1)، ولكننا لا نوافقه بهذا الرأي، ونذهب إلى ما ذهب إليه أحد الباحثين، أن الإمام علیه السلام لو أراد من كلمة اللصيق من أسلم تحت السيف، لاكتفى بذكر قول (ولا المهاجر كالطليق)، التي تشير إلى أن معاوية من الطلقاء، لأن كل من دخل عليه الرسول صلی الله علیه و آله وسلم مكة عنوة أو بالسيف فملكه ثم مَنَّ عليه عن إسلام أو غير إسلام، فهو طليق، ولكن هناك سبباً دفع أمير المؤمنين علیه السلام إلى قول ذلك(2).

بينما رأى البحراني، أن المقصود باللصيق صراحة النسب وخسّة خصمه من جهة كونه دعياً(3)، واللصيق بغير أبيه(4)، ومما يرجح رأي البحراني، ما ذكرناه من الروايات التي تبين نسب بني أمية، ومعاوية بشكل خاص، بينما نجد أمير المؤمنين علیهم السلام صريح النسب، فهو ينتسب إلى بيت النبوة، وفي رواية ابن سعد التي وردت عن هشام بن السائب الكلبي عن أبيه قال: (كتبت للنبي صلی الله علیه و آله وسلم خمسمائة أم، فما وجدت فيهن سفاحاً، ولا شيئاً من أمر الجاهلية)(5).

إذاً فشهادة أمير المؤمنين علیه السلام قطعية لا شك فيها بشأن نسب معاوية، وخصوصاً ما مر بنا أن بني أمية هم ليس لأمية وإنما من عبده الرومي ذكوان الذي أدعى أمية أنه ابنه أبا عمرو، فأمير المؤمنين علیه السلام لو لم يكن متأكداً من نسب

ص: 40


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 90
2- عجيمي، أحمد فاضل، العرب قبل الإسلام، 241
3- شرح نهج البلاغة، 4 / 345؛ ينظر، محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 403؛ الصالح، صبحي، نهج البلاغة، 375
4- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 426
5- الطبقات الكبرى، 1 / 42؛ ينظر، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 3 / 403؛ ابن الجوزي، المنتظم، 2/ 238

معاوية، لما صرح وشهد بذلك، وان معاوية لم يستطع الرد عليه(1)، ثم أن أميرالمؤمنين علیه السلام من أهل بيت أبعد الله تعالى عنهم الرجس بنص آية التطهير:

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(2).

فلا يجد معاوية مثلبة على أمير المؤمنين علیه السلام ليرد عليه، لأنه يعلم أنه على حق، وهو على باطل.

ص: 41


1- الكوراني، جواهر التاريخ، 2 / 82
2- سورة الأحزاب، آية، 33

ص: 42

صورة بني أمية في القرآن الكريم يعد القرآن الكريم أوثق مصدر في تاريخ البشرية، لأنه كلام الخالق ولا يستطيع أحدٌ التلاعب به، كما جاء في قوله تعالى:

«لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ»(1)، وقوله تعالى:

«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»(2)، إذ وردت الكثير من الآيات القرآنية الكريمة التي تبين وتؤكد على فسق وفجور بني أمية، وأخرى تصفهم بالشجرة الملعونة، وإن ماجاء في القرآن فيهم، لهو خير دليل على ذلك، وقد ب ي الكثير من المفسرين والمحدثين أن آيات نزلت بشأن بني أمية عامة، وأخرى نزلت في أشخاص معينين منهم، وسنأتي لعرض بعض ما جاء في كتاب الله تعالى فيما يخصهم.

أورد المفسرون عندما تطرقوا إلى تفسير الآية القرآنية الكريمة:

ص: 43


1- سورة فصلت، آية، 42
2- سورة الحجر، آية، 9

«وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا»(1)، إلى أنها نزلت في بني أمية، إذ أوردوا سبب نزولها وهو أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم رأى رؤيا، أن بني أمية على منبره فساءه ذلك، فأوحى الله تعالى، ان هي إلا دنيا أعطوها، فقرت عينه، وفي لفظ آخر رأى بني أمية ينزون على منبره، نزو القردة، فساءه ذلك، فما استجمع ضاحكاً حتى مات(2).

وذكر القمي في تفسيره للآية القرآنية الكريمة:

«وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ»(3)، عن أبي الجارود(4) عن أبي جعفر علیه السلام(5)، قال:

ص: 44


1- سورة الإسراء، آية، 60
2- القمي، تفسير القمي، 2 / 22؛ أبو الليث السمرقندي، تفسير السمرقندي، 2 / 318؛ الثعلبي، تفسير الثعلبي، 6 / 111؛ البيضاوي، أنوار التنزيل، 3 / 260؛ السيوطي، الدرالمنثور، 4 / 191
3- سورة إبراهيم، آية، 26
4- زياد بن المنذر الهمداني الخارقي الاعمى، كان من أصحاب أبي جعفر علیه السلام، وروى عن أبي عبد الله الصادق علیه السلام، وله كتاب تفسير القرآن رواه عن أبي جعفر علیه السلام، وهو زيدي المذهب، وإليه تنسب الزيدية الجارودية، ينظر، النجاشي، رجال النجاشي، 170؛ الطوسي، الفهرست، 131
5- أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام، وأمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي ابن أبي طالب، ولد سنة (56 ه)، وهو أحد الأئمة الإثني عشر، واشتهر أبو جعفر بالباقر، لبقره العلم، أي شقه وعرف أصله، وكان إماماً مجتهداً، ومن ألقابه أيضاً الشاكر والهادي، عرف بكثرة مناقبه، ومن أقواله، عن جابر الجعفي، قال محمد بن علي علیه السلام: (شيعتنا من أطاع الله)، وتوفي سنة (114 ه)، ينظر، ابن سعد الطبقات الكبرى، 7 / 315؛ الكليني، الكافي، 1 / 472؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 4 / 401

(كذلك الكافرون لا تصعد اعمالهم إلى السماء، وبنو أمية لا يذكرون الله في مجلس ولا في مسجد ولا تصعد أعمالهم إلى السماء إلا قليل منهم)(1).

وأورد المفسرون بأسانيدهم، أقوالهم: في تفسير قوله تعالى:

«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ، جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ»(2)، وذهبوا إلى معنى ألم تر إلى الذين بدلوا... المراد منه الأفجران من قريش، بنو المغيرة، وبنو أمية، فأما بنو المغيرة، فقد كفيتموهم(3) يوم بدر(4)، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين(5).

وذكر العديد من المفسرين، أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم رأى بني أمية يخطبون على منبره رجلا رجلا فساءه ذلك، فنزلت الآية الكريمة:

«إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ»(6)،.........................................

ص: 45


1- تفسير القمي، 1 / 369
2- سورة إبراهيم، آية 28 - 29
3- أي قطع الله دابرهم وهلكوا يوم بدر، ينظر، الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 2 / 352؛ المقريزي، النزاع والتخاصم، 59
4- بدر، موضع ماء بين مكة والمدينة، أسفل وادي الصفراء، ويقال انه ينسب إلى بدر بن يخلد بن النضر بن كنانة الذي سكن هذا الموضع فنسب إليه، وحدثت به الموقعة المباركة (معركة بدر) التي أظهر الله تعالى بها الإسلام، وفرّق بين الحق والباطل في سنة (2 ه(، وقتل فيها الكثير من صناديد قريش، ينظر، اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 1/ 363؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 421
5- العياشي، تفسير العياشي، 2 / 229؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 9 / 364؛ البيضاوي، أنوار التنزيل، 3 / 199؛ السيوطي، الدر المنثور، 4 / 84
6- سورة الكوثر، آية، 1

نهرفي الجنة(1)، وهناك من يرى إنها نزلت على النبي صلی الله علیه و آله وسلم بعد أن قال له العاص بن وائل(2)، أنه الأبتر، والمقصود بالكوثر. فاطمة علیها السلام(3)، لأن سياق الآية يتوافق مع هذا الرأي، «إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ»(4).

في حين ذكر مفسرون ومحدثون آخرون ان المقصود في ألف شهر من الآية القرآنية الكريمة:

«إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ»(5)، هم بنو أمية(6)، إذ ذكر المسعودي أن جميع ملك بني أمية إلى يوم بويع أبو العباس السفاح ألف شهر كاملة لا تزيد ولا تنقص، لأنهم ملكوا تسعين سنة وأحد عشر شهراً، وثلاثة عشر يوماً(7).

ص: 46


1- الصنعاني، تفسير الصنعاني، 3 / 401؛ الطبري، جامع البيان، 30 / 330؛ السمعاني، تفسير السمعاني، 6 / 290
2- العاص بن وائل السهمي، والد عمرو بن العاص، وكان من المستهزئين برسول الله، وهو القائل لما مات عبد الله ابن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أن محمداً أبتر لا يعيش له ولد ذكر، فأنزل الله تعالى قوله: «إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ» سورة الكوثر. آية، 3، ومات أثر لدغة في رجله في احد شعاب مكة بعد هجرة النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وهو ابن خمس وثمانين سنة، ينظر، البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 1 / 138
3- الطبرسي، مجمع البيان، 10 / 460؛ السيوطي، الدر المنثور، 6 / 404
4- ىسورة الكوثر، آية، 3
5- سورة القدر، آية، 1 - 3
6- الترمذي، سنن الترمذي، 5 / 445؛ الطبري، جامع البيان، 3 / 327؛ الثعلبي، تفسير الثعلبي، 1 / 257؛ البيهقي، دلائل النبوة، 6 / 510؛ ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 4 / 566
7- مروج الذهب، 2 / 218

وذكر السهيلي، أن أم جميل(1) زوجة أبا لهبٍ(2)، من بين كفار قريش الذين نزلت بحقهم بعض آيات القرآن الكريم التي تبين كفرهم(3)، وأجمع المفسرون والمحدثون، وأصحاب السير والتراجم، أن سورة المسد نزلت في حق أم جميل زوجة أبي لهب في قوله تعالى:

«تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ، سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ، وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ»(4).

إذ بين المفسرون خسران أم جميل وزوجها أبي لهب، وهي أخت أبي سفيان التي كانت تحمل الشوك وتلقيه في طريق النبي صلی الله علیه و آله وسلم ليؤذيه، ثم أخبر الله تعالى نبيه المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم بما يصنع بها في الآخرة، فقال تعالى: «فِی جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ»، أي سلسلة من حديد، ولما علمت أم جميل أن سورة المسد نزلت بحق زوجها، وقيل لها ان الرسول قد هجاك وهجا زوجك وولدك، غضبت لذلك وأرادت

ص: 47


1- أم جميل، وأسمها أروى بنت حرب، وقيل إسمها العوراء، وهي أخت أبي سفيان بن حرب، وهي امرأة أبا لهب، وكانت تمشي بالنميمة، بين الناس، وأنزل الله سورة المسد بحقها وحق زوجها، ينظر، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 67 / 165
2- أبو لهب، هو عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم،عم النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وكنيته أبوعقبة، وسمي أبا لهب لجماله، وكان أشد الناس حسداً وعداوة للرسول صلی الله علیه و آله وسلم و المسلمين، إلى ان مات عقب يوم بدر، لما بلغه ما كان في ذلك اليوم، من المشركين و خسارتهم صلی الله علیه و آله وسلم، وهوالذي نزلت بحقه سورة المسد الخاصة بلعنه، ينظر، ابن قتيبة، المعارف، 125؛ ابن حبان، الثقات، 1/ 34؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 67 / 161
3- الروض الأنف، 3 / 285
4- سورة المسد، آية، 1 - 5

إيذاء الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، ولكن الله كفاه شرها، وردها ببغيها(1).

وأشار بعض المفسرين أن الآية الكريمة:

«أفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ»(2)، نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، والوليد بن عقبة، وكان سبب نزولها أن الوليد بن عقبة قد تشاجرمعه وقال:

(أنا والله أبسط منك لساناً، وأحد منك سناناً، وأمثل منك جثواً في الكتيبة، فقال الإمام علیه السلام: اسكت فإنما أنت فاسق)(3).

وأورد العديد من المفسرين ان سبب نزول قوله تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ»(4)، هو أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق(5)، ليقبض صدقة أموالهم، وكان الوليد بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، فخافهم ورجع إلى الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وأخبره بأنهم امتنعوا عن دفع الصدقات، وقاموا بطرده، وكفروا بعد إسلامهم، وعلى أثر ذلك استعد

ص: 48


1- مقاتل أبن سليمان، تفسير مقاتل بن سليمان، 3 / 523؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 10 / 269؛ البيضاوي، أنوار التنزيل، 5 / 345
2- سورة السجدة، آية، 18
3- الثمالي، تفسير القرآن الكريم، 262؛ الثعلبي، تفسير الثعلبي، 7 / 33
4- سورة الحجرات، آية، 6
5- بني المصطلق، وهم المصطلق بن سعد، بطن من بطون خزاعة من القحطانية، واسمه جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة، وغزاهم النبي صلی الله علیه و آله وسلم، واشتهرت بغزوة بني المصطلق، وذلك سنة (5 ه) وفي رواية سنة (6 ه)، ينظر، القلقشندي، نهاية الأرب، 72

المسلمون لقتالهم، وهم الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، أن يغزوهم، فلما علم بنو المصطلق بذلك، وفدوا عليه وأخبروه، بأنه أرسل إليهم من يقبض صدقاتهم، ولكنه رجع عنهم في بعض الطريق، وأخبروه بالأمر، فأنزل الله تعالى في الوليد ثلاث آيات متواليات وكذبه كما مبين في الآية الكريمة أعلاه(1).

أما قوله تعالى:

«وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا»(2)، فقد أورد المفسرون أن الآية، نزلت في عقبة بن أبي معيط، وأمية بن خلف(3)، وبينت الآية ندامة عقبة بن أبي معيط، وذلك أنه كان يكثر مجالسة النبي صلی الله علیه و آله وسلم، فقال له خليله وهو أمية بن خلف الجمحي، ما أراك إلا صبأت إلى حديث هذا الرجل، يعني النبي محمداً صلی الله علیه و آله وسلم، فقال له: لم أفعل، فقال له أمية بن خلف وجهي من وجهك حرام إن لم تتفل في وجهه وتتبرأ منه، حتى يعلم قومك وعشيرتك إنك غير مفارق لهم، ففعل ذلك عقبة، فأنزل الله عز وجل في عقبة بن أبي معيط ويوم يعظ الظالم على يديه، من الندامة، ويقول ياليتني لم أتخذ فلاناً خليلا(4).

ص: 49


1- مقاتل بن سليمان، تفسير مقاتل بن سليمان، 3 / 259؛ الطبري، جامع البيان، 26 / 159؛ الثعلبي، تفسير الثعلبي، 9 / 77؛ الطوسي، التبيان، 9 / 342
2- سورة الفرقان، آية 27 - 28
3- أمية بن خلف بن وهب، من بني جمح، وكان يعرف بالغطريف، كان أحد جبابرة قريش في الجاهلية ومن ساداتهم ، وكان إذا رأى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم همزه ولمزه، فأنزل الله تعالى بحقه «وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لَمُزَة» (سورة الهمزة، آية، 1) وهو الذي عذب بلال الحبشي في بداية ظهور الإسلام، وقتل يوم بدر (2 ه)، ينظر، ابن هشام، السيرة النبوية، 1 / 238
4- مقاتل بن سليمان، تفسير مقاتل بن سليمان، 2 / 435؛ الطبري، جامع البيان، 19 / 11؛ ابو الليث السمرقندي، تفسير السمرقندي، 2 / 536؛ السمعاني، تفسير السمعاني، 4 / 17

وبيّن المفسرون والمحدثون أن سبب نزول الآية القرآنية الكريمة:

«هذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِی رَبِّهِمْ»(1)، هو الخلاف بين آل بيت النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وبني أمية، إذ روي عن الإمام الصادق علیه السلام عن آبائه إذ قال:

(أن هذه الآية معناها، نحن وبنو أمية، قلنا: صدق الله ورسوله، وقال بنو أمية: كذب الله ورسوله، فالذين كفروا يعني بني أمية)(2).

وأورد آخرون(3)، أن تفسيرها يراد منه أمر آخر، لكنه لا يخرج عن إطار قول الإمام الصادق علیه السلام، إذ بينوا أن المقصود بالخصمين، هم أولئك القوم الذين تبارزوا في بدر، ومثل الفئة المؤمنة فيهم حمزة وعلي علیه السلام وعبيدة بن الحارث(4) من جهة، وشيبة بن ربيعة(5)..............................................

ص: 50


1- سورة الحج، آية 19
2- القمي، تفسير القمي، 2 / 80؛ القاضي النعمان، شرح الأخبار، 1 / 263
3- الطبري، جامع البيان، 17 / 172؛ الثعلبي، تفسير الثعلبي، 7 / 13؛ الداني، البيان، 189؛ السيوطي، الدر المنثور، 4 / 348
4- عبيدة بن الحارث ابن المطلب بن عبد مناف، وأمه سُخيلة بنت خزاعي بن الحويرث، وكان عبيدة أسن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعشر سنين، ويكنى أبا الحارث، وهو من المسلمين الأوائل، وكان أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن قدم المدينة إلى حمزة بن عبد المطلب ثم لعبيدة، وقتل يوم بدر سنة (2 ه) ودفن بالصفراء، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3 / 48؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 466
5- شيبة بن ربيعة بن عبد شمس من زعماء قريش في الجاهلية، ويكنى أبا هاشم، وهو أسن من عتبة بثلاث سنين، أدرك الإسلام، وهو عم هند زوجة أبي سفيان وقتل على الوثنية، وهو من المكذبين للنبي صلی الله علیه و آله وسلم مع قريش، قتله الإمام علي علیه السلام في يوم بدر سنة (2 ه)، ينظر البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 1 / 152

وعتبة بن ربيعة(1) والوليد بن عتبة(2)، وهؤلاء هم سادات بني أمية أب وأخ وعم هند زوجة أبو سفيان وأم معاوية.

ومن خلال ما تقدم نستشف ان العديد من الآيات القرآنية الكريمة، كان سبب نزولها تبيان حقيقة بني أمية المعادية للدين الإسلامي، ذلك الدين الذي مثّل تهديداً مباشراً لمصالحهم الدينية والإجتماعية والإقتصادية، وكان منذراً بزوال عقيدتهم المبنية على الشرك والكفر والنفاق، وللأسباب أعلاه نراهم آذوا الرسول محمداً صلی الله علیه و آله وسلم وحاربوه بشتى الوسائل من أجل وأد الرسالة التي جاء بها في مهدها الأول.

ومن نافلة القول أن عداءهم لم يقتصر على الدين والشريعة الجديدة ورسولها الكريم محمد صلی الله علیه و آله وسلم، بل امتد ذلك ليشمل آل بيت النبي صلی الله علیه و آله وسلم، لا سيما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام الذي كان له قصب السبق في القضاء على رؤوس الكفر من بني أمية في معركة بدر سنة 2 ه.

ص: 51


1- عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، أبو الوليد، كبير قريش وأحد ساداتها في الجاهلية، وهو أبو هند زوجة أبي سفيان، كان خطيباً في الجاهلية، ناقد القول، نشأ يتيماً في حجر حرب بن أمية، وتوسط في الصلح في حرب الفجار بين هوازن وكنانة، أدرك الإسلام وطغى، وشهد بدراً مع المشركين وقتل. ينظر ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 38 / 238
2- الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وهو أخو هند بنت عتبة زوجة أبو سفيان وأم معاوية، وكان شجاعاً جريئاً فاتكاً تهابه الرجال، قتله أمير المؤمنين علیه السلام يوم بدر، وكان أول من قتل في المعركة مبارزة، ينظر، البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 1 / 152

ص: 52

بنو أمية في الأحاديث النبوية الشريفة أوردت العديد من كتب الحديث والسير أحاديث عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم، تبين من خلالها موقفه الواضح من بني أمية، إذ أشارت تلك الأحاديث الشريفة إلى ما قام به بنو أمية من أفعال وأقوال أرادوا من خلالها الإساءة إلى الإسلام ونبيه وأهل بيته علیهم السلام.

وورد في هذا الصدد أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال في هذا الخصوص مبيناً موقفه من بني أمية:

(شر قبائل العرب، بنو أمية، وبنو حنيفة، وبنو ثقيف)(1).

وجاء في حديث آخر عنه صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال:

(ويل لبني أمية، ويل لبني أمية، ويل لبني أمية)(2).

ص: 53


1- أبو يعلى الموصلي، مسند أبي يعلي، 12 / 198؛ ابن طاووس، الملاحم والفتن، 246؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، 10 / 72؛ سبط ابن العجمي، الكشف الحثيث، 223؛ المتقي الهندي، كنز العمال، 14 / 199
2- الضحاك، الآحاد والمثاني، 3 / 300؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 2 / 104؛ المتقي الهندي، كنز العمال، 11 / 265؛ الحلبي، السيرة الحلبية، 1 / 510

وفي الحديثين أعلاه إشارة واضحة من النبي صلی الله علیه و آله وسلم إلى مكانة بني أمية عنده، تارة يصفهم شر الناس، وتارة أخرى يوبخهم بأشدّ عبارات التوبيخ، ويدعو عليهم بالويل الذي ورد ذكره في القرآن الكريم بقوله تعالى:

«ويْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ...»(1). إذ بيّن كثير من المفسرين ان المراد بالويل هو وادٍ في جهنم(2).

وأخرج البيهقي بسنده عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم، قال:

(إذا بلغ بنو أبي العاص أربعين رجلا، اتخذوا دين الله دغلا، وعباد الله خولا، ومال الله دولا)، وفي لفظ آخر (إذا بلغ بنو أمية ثلاثين رجلا، اتخذوا دين الله دغلا، وعباد الله خولا، ومال الله دولا)(3).

وعن أبي سعيد الخدري(4)، قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:

(إن أهل بيتي سيلقون من أمتي بعدي قتلا شديداً، وإن أشد قومنا لنا بغضاً، بنو أمية، وبنو المغيرة من بني المخزوم)(5)، والنبي صلی الله علیه و آله وسلم هنا يوضح موقف الأمة

ص: 54


1- سورة الهمزة، آية، 1 - 9
2- مقاتل بن سليمان، تفسير مقاتل، 3 / 460؛ الطبري، جامع البيان، 1 / 535؛ الثعلبي، تفسير الثعلبي، 1 / 244؛ القرطبي، تفسير القرطبي، 20 / 181
3- دلائل النبوة، 6 / 507، ينظر، الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 4 / 480؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 57 / 253؛ الحلبي، السيرة الحلبية، 1 / 264
4- أبو سعيد الخدري، إسمه سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة، وامه أنيسة بنت أبي حارثة من بني عدي بن النجار، وكان من الحفاظ المكثرين العلماء الفضلاء العقلاء، خرج مع النبي صلی الله علیه و آله وسلم في غزوة بني المصطلق وهو ابن خمس عشرة، وتوفي سنة أربع وسبعين للهجرة، ينظر، ابن عبدالبر، الاستيعاب، 815؛ ابن الأثير، أسد الغابة، 6 / 138
5- الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 4 / 487؛ ابن طاووس، الملاحم والفتن، 83؛ المقريزي، إمتاع الأسماع، 12 / 301

من أهل بيته، ومن ثم يشير صلی الله علیه و آله وسلم إلى موقف بني أمية ودينهم، وهو الخروج من الموقف العام إلى الموقف الخاص، وكلاهما موقف سيء من أهل البيت علیهم السلام.

ومن جانب آخر ورد لعن أفراد من بني أمية على لسان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، إذ جاء في هذا الصدد أنه قال بعد أن رأى أبا سفيان مقبلا ومعه معاوية ابنه:

(اللهم إلعن التابع والمتبوع، اللهم عليك بالأقيعس(1) والمقصود معاوية)(2).

وفي الحقيقة أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم دعا باللعنة على أكثر من واحد من بني أمية في حديث واحد، إذ جاء في الحديث المروي عن سالم بن عبد الله(3) عن أبيه قال:

قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يوم أحد(4):

ص: 55


1- الأقيعس، الرجل الذي أخرج صدره، كناية عن التكبر، ينظر، ابن منظور، لسان العرب، 6 / 177
2- المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، 218؛ الطبراني، المعجم الكبير، 3 / 72؛ القاضي النعمان، شرح الأخبار، 2 / 146؛ الصدوق، معاني الأخبار، 345؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 4 / 61
3- سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أبو عمر ويقال أبو عبد الله المدني الفقيه، أمه أم سالم، روى عن رافع بن خديج، وكان أحد فقهاء المدينة السبعة، ومن سادات التابعين وعلمائهم وثقاتهم، ينظر، ابن سعد ، الطبقات الكبرى، 7 / 194؛ المزي، تهذيب الكمال، 10 / 145
4- أحد، أسم جبل أحمر بينه وبين المدينة قرابة ميل من الجهة الشمالية، وعنده كانت الوقعة الفظيعة بين المسلمين والمشركين سنة (3 ه) وفيها استشهد الحمزة بن عبد المطلب، وكسرت رباعية النبي صلی الله علیه و آله وسلم وشج وجهه، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 1 / 109

(اللهم إلعن أبا سفيان، اللهم إلعن الحارث بن هشام(1)، اللهم إلعن صفوان بن أمية(2))(3).

وفي الحديث المرفوع عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم، إذ قال:

(أن معاوية في تابوت من نار في أسفل درك منها ينادي ياحنان يامنان، وقد عصيت من قبل وكنت من المفسدين)(4).

وروي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:

(إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)(5)، وهي إشارة صريحة لقتل معاوية.

وفي الحديث المروي عن جابر بن عبد الله الأنصاري(6)، أنه قال: قال

ص: 56


1- الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي، أسلم يوم الفتح وخرج إلى الشام مجاهداً، وحبس نفسه في الجهاد، ولم يزل بالشام حتى قتل في اليرموك، ويقال مات في طاعون عمواس، ينظر، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 11 / 416
2- صفوان بن أمية بن خلف الجمحي، يكنى أبا وهب وقيل أبو أمية، قتل أبوه يوم بدر كافراً، وهرب صفوان يوم فتح مكة، ثم رجع إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وشهد حنيناً والطائف وهو كافر وإمرأته مسلمة، ثم أسلم بعد ذلك، ينظر، ابن عبد البر، الاستيعاب، 342
3- الترمذي، سنن الترمذي، 4 / 295؛ الذهبي، تنقيح التحقيق، 1 / 225؛ الزيلعي، نصب الراية، 2 / 145
4- المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، 217؛ القاضي النعمان، شرح الأخبار، 2 / 536؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 133
5- الكوفي، مناقب الإمام أمير المؤمنين 2 / 300؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 59 / 15؛ الذهبي، ميزان الإعتدال، 1 / 572
6- جابر بن عبد الله بن حرام بن كعب بن غنم الأنصاري، يكنى أبا عبد الله، شهد العقبة الثانية معأبيه وهو صبي، وقيل شهد بدراً وهو صبي وقيل لم يشهدها وكذلك أحد وشهد مع الرسول صلی الله علیه و آله وسلم سبع عشرة غزوة، وشهد صفين مع الإمام علي علیه السلام، وأدرك الإمام الباقر علیه السلام وتوفي (74 ه) وقيل (77 ه) في المدينة، ينظر، الطوسي، إختيار معرفة الرجال، 1 / 222؛ ابن الأثير، أسد الغابة، 1 / 492

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:

(يموت معاوية على غير ملتي)(1).

وورد عن عبد الله بن عمر(2) أنه قال: سمعت النبي صلی الله علیه و آله وسلم يقول:

(يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت وهو على غير سنتي، فشق عليّ ذلك، وتركت أبي يلبس ثيابه ويجيء، فطلع معاوية)(3).

وروي عن ابن عباس قال: سمع النبي صلی الله علیه و آله وسلم صوت رجلين يتغنيان ويقولان:

لا يزال حواري تلوح عظامه *** زوى الحرب عنه أن تجن ويقبرا فسأل عنهما فقيل له معاوية وعمرو بن العاص، فقال:

(اللهم أركسهما في الفتنة ركساً، ودعّهما إلى النار دعّاً)(4).

ص: 57


1- المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، 217؛ القاضي النعمان، شرح الأخبار، 2 / 153؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 133؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، 1 / 112
2- عبد الله بن عمرو بن العاص، يكنى أبا محمد، أمه ريطة بنت منبه بن الحجاج، أسلم قبل أبيه، وكان عالماً، قرأ الكتاب واستأذن النبي صلی الله علیه و آله وسلم في أن يكتب حديثه فأذن له، واشترك في صفين مع معاوية، واختلف في وفاته، قيل سنة (63 ه) وقيل (67 ه)، وقيل غير ذلك، ينظر، ابن عبد البر، الاستيعاب، 422؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 3 / 79
3- المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، 220؛ القاضي النعمان، شرح الأخبار، 2 / 147؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 133
4- ابن أبي شيبة، المصنف، 8 / 695؛ ابن حنبل، مسند أحمد، 4 / 241؛ الطبراني، المعجم الكبير، 11 / 32؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، 8 / 121

وروي عن ابن عباس، أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أمر أن يدعوا له معاوية ليكتب له إلى بني خزيمة، حين أصابهم خالد بن الوليد(1)، فقال:

(فجئت فقلت هو يأكل، فقال لي: اذهب وادع لي معاوية، فجئت فقلت: هو يأكل، فقال صلی الله علیه و آله وسلم: لا أشبع الله بطنه)(2).

وهنا يمكن ان نتسائل عن سبب رفض معاوية دعوة النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وهل هذه هي أخلاق يتخلق بها مسلم، مع أن المسلمين ملزمون بطاعة النبي صلی الله علیه و آله وسلم بنص القرآن الكريم بقوله تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ»(3)، أي لا تخالفوا أمره وأنتم تسمعون لقوله وتزعمون أنكم مؤمنون(4)، وكذلك نسأل لماذا يدعو النبي صلی الله علیه و آله وسلم عليه؟ مع إننا نعلم أنه يدعو للمسلمين عامة، ويمكن الإجابة على ذلك بأن معاوية لو لم يكن من المنافقين لما دعا عليه الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بهذا الدعاء، وكما جاء في الحديث الشريف:

ص: 58


1- خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، ويكنى أبا سليمان، وهو أحد أشراف قريش في الجاهلية، واختلف في وقت إسلامه وهجرته، فقيل هاجر بعد الحديبية، وقيل إسلامه سنة خمسٍ للهجرة وقيل سنة ثمانية، وشهد مع الرسول فتح مكة، وشارك في معركة مؤتة، وبعثه الرسول صلی الله علیه و آله وسلم في عدة سرايا، ينظر، ابن سعد الطبقات الكبرى، 5 / 26؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 198
2- الطيالسي، مسند أبي داود الطيالسي، 359؛ مسلم النيسابوري، صحيح مسلم، 8 / 27؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 670؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 4 / 42
3- سورة، الأنفال، آية 20
4- الطبري، جامع البيان، 9 / 278؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 7 / 378

(لا يؤمن أحدكم حتى أكون عنده أحب إليه من نفسه)(1) ومعاوية منافق، فهو من الطلقاء الذين لم يسلموا إعتقاداً بالدين وإنما أسلموا كرهاً تحت السيف، خوفاً على حياتهم.

وورد أنه جرى كلام بين الإمام الحسن علیه السلام ومعاوية، فقال له الإمام علیه السلام إنك ذات يوم تسوق بأبيك بعدما عمي وهو على الجمل، فلعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم الجمل وراكبه وسائقه وقائده، فكان أبوك الراكب، وأخوك القائد، وأنت السائق(2).

ومن الجدير بالذكر، أن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم أخبر بحال الأمة وما تلاقيه من ظلم من قبل ولاة بني أمية الذين كانوا أداة طيعة لهم، إذ روي في هذا الصدد عن أبي هريرة(3) قال: ولد لأخي أم سلمة(4) غلام فسموه الوليد، فذكر ذلك للرسول صلی الله علیه و آله وسلم فقال:

(سميتموه بأسامي فراعنتكم، ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد، هو

ص: 59


1- ابن حنبل، مسند أحمد 4 / 233؛ الطبراني، المعجم الكبير، 7 / 75؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، 1 / 88
2- الطبرسي، الإحتجاج، 1 / 324؛ الرازي، المحصول، 4 / 341
3- أبو هريرة، واسمه عبد شمس فسمي في الإسلام عبد الله، وقد اختلف في اسمه فقيل اسمه نُهم، ويقال عبد غنم، ويقال سُكين، وقيل اسمه عُمير بن عامر بن عبد ذي الشرى، وكان يعمل أجيراً، وصحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث سنين، وروى عنه، وتوفي سنة (59 ه)، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5 / 230؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 2 / 578
4- أم سلمة زوجة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، هي هند بنت أبي أمية المعروف بزاد الراكب ابن المغيرة، كانت اول ضعينة دخلت المدينة مهاجرة، وشهدت غزوة خيبر، وكانت من أكمل النساء عقلاً وخلقاً، وهي قديمة الإسلام، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 85؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 953

شرعلى هذه الأمة من فرعون على قومه)(1).

ومن نافلة القول، أن لعنَ أَفرادٍ من بني أمية على لسان النبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم لم يقتصر على آل أبي سفيان بن حرب، بل ابتعد ذلك ليشمل قوماً آخرين منهم، إذ روي عن عمرو بن مرة الجهني(2)، أن الحكم بن أبي العاص(3) استأذن على النبي صلی الله علیه و آله وسلم فعرف صوته وكلامه فقال:

(ائذنوا له عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه، إلا المؤمن منهم، وقليل ماهم يشرفون في الدنيا ويضعون في الآخرة، ذوو مكر وخديعة يعطون في الدنيا، وما لهم في الآخرة من خلاق)(4).

ولعل النص المتقدم يبين لنا جملة من الأوصاف، وصف بها النبي صلی الله علیه و آله وسلم هذا البطن من بني أمية، إذ بيّن أنهم ذوو مكر وخديعة، واستشهد عليهم بذلك بآية قرآنية كريمة، كما في قوله تعالى:

ص: 60


1- الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 4 / 494؛ ابن حجر، القول المسدد، 23؛ المتقي الهندي، كنز العمال، 11 / 257
2- عمرو بن مرة بن عبس بن مالك الجهني، كنيته أبو طلحة وقيل أبو مريم، صاحب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وروى عنه، وشهد معه المشاهد كلها، وسكن الشام، وكان يجالس معاذ بن جبل يتعلم منه القرآن وسنن الإسلام، ينظر، ابن الأثير، أسد الغابة، 4 / 258
3- الحكم بن أبي العاص بن امية بن عبد شمس، عم عثمان بن عفان، وأبو مروان بن الحكم، أسلم يوم الفتح، وأخرجه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من المدينة وطرده منها، فنزل الطائف، وخرج معه ابنه مروان، ورده عثمان إلى المدينة في خلافته، وتوفي سنة (31 ه)، ينظر، ابن عبد البر الاستيعاب، 155؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 2 / 107
4- الحاكم النيسابوري، المستدرك، 4 / 481؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 57 / 268؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، 5 / 242

«فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ»(1)، إذ بيّن المفسرون أن بعض الناس يطلب من الله الدنيا، ويجعل حظه مقصوراً عليها، أما الآخرة فليس له نصيب منها، لأن همه مقصور على الدنيا فقط(2).

وورد لعن مروان بن الحكم وذريته على لسان النبي صلی الله علیه و آله وسلم، إذ روي عنه في هذا الصدد، إذ قال:

(ابن الزرقاء هلاك عامة أمتي على يديه ويدي ورثته)(3).

وفي الإطار ذاته ورد أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال في مروان:

(لعن الله هذا وما في صلبه، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم)(4).

وجاء أنه دخل مروان بن الحكم على معاوية بن أبي سفيان، فكلمه في حوائج له، وطلب منه ان يقضيها له، فلما ذهب مروان، وابن عباس(5) جالس مع

ص: 61


1- سورة البقرة، آية، 200
2- مقاتل بن سليمان، تفسير مقاتل بن سليمان، 1 / 106؛ الطبري جامع البيان، 2 / 408؛ البغوي، تفسير البغوي، 1 / 177؛ البيضاوي، أنوار التنزيل، 1 / 132
3- البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 6 / 256؛ القاضي النعمان، شرح الأخبار، 2 / 531؛ ابن طاووس، الملاحم والفتن، 82
4- البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 6 / 256؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 57 / 272؛ المتقي الهندي، كنز العمال، 11 / 167
5- عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، ويكنى ابا العباس، وأمه أم الفضل وهي لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن، ولد قبل الهجرة إلى المدينة بثلاث سنين في مكة، ودعا له النبي صلی الله علیه و آله وسلم بأن يفقهه في الدين ويعلمه التأويل، وروى عنه الأحاديث، وشهد مع الإمام علي علیه السلام الجمل سنة (36 ه) وصفين (37 ه)، وكف بصره في آخر عمره، فسكن الطائف وتوفي فيها سنة (68 ه)، ينظر، ابن سعد الطبقات الكبرى 6 / 320؛ ابن الأثير، أسد الغابة، 3 / 291

معاوية على سريره، فقال له معاوية: (أنشدك الله يا ابن عباس، أما تعلم أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، قال: إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين رجلا اتخذوا آيات الله بينهم دولا، وعباد الله خولا، وكتابه دغلا، فإذا بلغوا تسعة وتسعين وأربعمائة، كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة، قال ابن عباس: اللهم نعم)(1).

ولعل أحاديث الرسول صلی الله علیه و آله وسلم لم تقتصر على ماهية شخصيات بني أمية بشكل منفرد بل إنه صلی الله علیه و آله وسلم من خلال أحاديثه الشريفة، بيّن أن من اتبع بني أمية فهو شريك لهم في الظلم والبغي والعدوان، فهم بطبيعة الحال رأس البغي، وبطبيعة الحال فإن من معهم فهو منهم، وقد ورد عنه صلی الله علیه و آله وسلم، أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: لأبيه: (ياأبت ما سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول لعمار(2): تقتلك الفئة الباغية، قال: فقال عمرو لمعاوية ألا تسمع ما يقول هذا، فقال معاوية: لا تزال تأتينا بهنة، أنحن قتلناه، إنما قتله الذين جاءوا به)(3)

ص: 62


1- الطبراني، المعجم الكبير، 12 / 183؛ ابن عساكر / تاريخ مدينة دمشق، 37 / 126؛ المتقي الهندي، كنز العمال/ 11 / 165، الحلبي، السيرة الحلبية، 1 / 264
2- عمار بن ياسر بن مالك بن كنانة، يكنى أبا اليقظان، وكان مولى لبني مخزوم، وهو من المهاجرين الأولين هاجر إلى الحبشة، وصلى القبلتين، وشهد بدراً وأحداً والمشاهد كلها وأبلى بلاء حسناً، وكان من كبار الصحابة، استشهد بواقعة صفين سنة (37 ه)، ينظر، ابن سعد الطبقات الكبرى، 3 / 227؛ ابن الأثير، أسد الغابة، 4 / 122
3- ابن حنبل، مسند أحمد، 2 / 161؛ مسلم النيسابوري، صحيح مسلم، 8 / 186؛ النسائي، السنن الكبرى، 5 / 75؛ الطبراني، المعجم الكبير، 1 / 320؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 2 / 148

المبحث الثاني العلاقة بين بني هاشم وبني أمية

العلاقة بين بني هاشم وبني أمية قبل الإسلام ذكرت العديد من المصادر التاريخية الأحداث التي جرت بين البيتين الهاشمي والأموي، وأوضحت لنا طبيعة تلك العلاقة بين الأسرتين وماهيتها، إذ أشارت إلى أن هذه العلاقة تمتد إلى عصر الجاهلية، وإلى عهد هاشم وعبد شمس ولدي عبد مناف، وقد حاولت بعض الروايات وضع مكانة لبني أمية تقف بجانب مكانة بني هاشم، إلا أنها تعتمد على الخرافة التي كانت سائدة في تلك الحقبة الزمنية المعاصرة لهم، وهي أن هاشماً وعبد شمس ولدي عبد مناف كانا توأمين، وأن أحدهما ولد قبل صاحبه، وأصبع له ملتصق بجبهة صاحبه، فنحيت عنه فسال من ذلك دم فتطير، فقيل تكون بينهما دماء(1).

ونحن نذهب إلى ما ذهب إليه أحد الباحثين بخصوص هذه الرواية من انها

ص: 63


1- الزبيري، نسب قريش، 141؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 1 / 293؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 252؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 1 / 544

حاولت أن تلقي اللوم على الطرفين، ولم تتبين نوعية العداء، فضلاً عن تبرير جرائم بني أمية التي ارتكبت تحت ظل هذا العداء(1).

وكان لهاشم وهو عم أمية مكانة مرموقة وشأن كبير عند العرب، من حيث سجاياه وكرمه المشهور، وكلمته المسموعة بين قومه، في حين ذكر أن عبد شمس كان مقلاً، وكان هاشم موسراً(2)، بل كان أيسر قريش(3)، ومن الأسباب التي أدت إلى العداء بين أمية وهاشم هي المنافرة(4)، التي كان سببها أن هاشمًا كانت إليه الرفادة(5)، التي سنها جده قصي بن كلاب بن مرة مع السقاية، وذلك أن عبد شمس كان يسافر وقلما يقيم في مكة، وكان رجلا مقلاً(6) وله الكثير من الأولاد، فأصطلحت قريش على أن يتولى هاشم الرفادة والسقاية، وكان إذا حضر موسم الحج قام في قريش فقال: (يا معشر قريش إنكم جيران

ص: 64


1- الجابري، علي رحيم، السياسة الأموية المضادة للإمام علي عليه السلام، 2
2- ابن هشام، السيرة النبوية، 1 / 88؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 1 / 350
3- البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 1 / 60
4- المنافرة، هي التحكيم عند من يقع عليه الاختيار من عِلية القوم، ليحكم بميزة أحد المتنافرين وتفضيله على الآخر، من حيث الملكات والقابليات والوجاهة، ينظر، ابن منظور، لسان العرب، 5 / 227
5- الرفادة، وهي إحدى وظائف الكعبة، وهي الشيء الذي ترفده قريش في الجاهلية، فيخرج كل إنسان منهم بقدر طاقته فيجمعون من ذلك مالاً عظيماً أيام الموسم، فيشترون به الجزور والطعام والزبيب، وكان أول من قام بذلك وسنّه هاشم بن عبد مناف، ينظر، ابن هشام، السيرة النبوية، 1 / 84؛ ابن سلام، غريب الحديث، 1 / 289
6- مقلًا، من الإقلال وصار مقلا، أي فقيراً بعد الإكثار، ينظر، ابن منظور، لسان العرب، 11 / 564؛ الزبيدي، تاج العروس، 15 / 628

الله وأهل بيته، وإنكم يأتيكم في هذا الموسم زوار الله يعظمون حرم بيته، وهم ضيف الله، وأحق الضيف بالكرامة ضيفه، وقد خصكم الله بذلك وأكرمكم به حفظ منكم أفضل ما حفظه جار من جاره فأكرموا ضيفه وزواره... وكان هاشم يخرج من كل سنة مالاً كثيراً وكان قوم من قريش يترافدون، ويأمر هاشم بحياض من أدم في موضع زمزم، ثم يسقى فيها من الآبار التي بمكة، فيشرب الحاج، وكان هاشم يثرد لهم الخبز واللحم والسمن والسويق)(1).

وبهذا يكون هاشم قد نشر فضل قريش على جميع العرب التي تفد إلى زيارة البيت الحرام، وهي بحاجة إلى مايسد رمقها من الطعام والشراب، فيكون بذلك قد حقق هدفين، الأول أثبت أن قريشاً أهل لإدارة أمور الكعبة وتنظيمها فحظيت باحترام العرب وتقديرهم، والثاني حماية العرب لقوافل القرشيين التجارية التي تمر بأراضيهم(2).

وكان هاشم يسمى عمرو العلى، وإنما قيل له هاشم لهشمه الثريد وهو من أطعم بمكة(3)، وروي أنه كان (أمية بن عبد شمس ذا مال فتكفل أن يفعل كما فعل هاشم من إطعام قريش فعجز عن ذلك، فشمتت به قريش وعابوه، فغضب ونافر هاشماً على خمسين ناقة سود الحدق(4)، تنحر بمكة وجلاء عشر سنين وجعلا بينهما حكماً هو الكاهن الخزاعي جد عمرو بن الحمق الخزاعي

ص: 65


1- ابن سعد الطبقات الكبرى، 1 / 59؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 1 / 293؛ المقريزي، النزاع والتخاصم، 38 - 39
2- الشرهاني، والحصونة، أثر هاشم وعبد المطلب في استقرار أوضاع قريش، 136
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 158
4- تسمى الناقة سوداء الحدق إذا استدار السواد وسط عينيها، ينظر، ابن منظور، لسان العرب، 10 / 38

(1)، فوقعت المنافرة على أمية بن عبد شمس، وأخذ هاشم الأبل ونحرها وأطعم لحمها من حضر وخرج أمية إلى الشام فأقام بها عشر سنين فكان هذا أول عداء وقع بين بني هاشم وبني أمية)(2).

ونستشف من الرواية المتقدمة أن هناك العديد من الأسباب التي أدت إلى ذلك العداء، لعل في مقدمتها الحسد والغرور اللذين كان لهما تأثيرٌ واضحٌ في نفسية أمية بن عبد شمس، الأمر الذي قاد الأخير إلى منافرة هاشم بن عبد مناف، فضلا عن العامل الآخر وهو لايقل عن السببين المتقدمين والمتمثل بالشماتة التي لحقت بأمية من قبل سكان قريش، التي دفعته إلى منافرة هاشم لغرض الحصول على المكانة المرموقة التي تميز بها هاشم في الوسط القرشي والمكي، وهذا انعكس سلباً على العلاقة بين الأسرتين الهاشمية والأموية، ويبدو أن هاشماً كان مكرهاً لتلك المنافرة لسنّه وقدره، ولم تدعه قريش وأحفظوه، لذلك قال: (لأمية أنافرك على خمسين ناقة والجلاء عن مكة عشر سنين) كما في رواية الطبري(3).

ولم يكن أمية صاحب شأن، وإنما رفعه أبوه وبنوه، وكان مضعوفاً، وكان

ص: 66


1- عمرو بن الحمق بن كاهن بن حبيب بن عمرو الخزاعي، بايع الرسول صلی الله علیه و آله وسلم في حجة الوداع وصحبه بعد ذلك، وكان أحد الأشخاص الذين ساروا إلى عثمان، وكان من أصحاب الإمام علیه السلام وشهد حروبه، وقتل بالجزيرة ثم حمل رأسه إلى معاوية من قبل ابن أم الحكم، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6 / 283
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1 / 58؛ ابن حبيب، المنمق، 105؛ البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 1 / 61؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 253؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 1، 544
3- تاريخ الرسل والملوك، 2 / 253

صاحب عهار يدل على ذلك نفيل بن عبد العزى(1)، حين تنافر إليه حرب ابن أمية(2) وعبد المطلب بن هاشم فنفر عبد المطلب وتعجب من إقدامه عليه وقال:

أبوك معاهرٌ وأبوه عفٌ *** وذاد الفيلُ عن بلدٍ حرام(3) وعلى ما يبدو أن عامل الحسد لم ينقطع عن بني أمية، مما كان له الدور الكبير في إثارتهم المشاكل والخلافات مع بني هاشم، إذ جاء أن رجلا من اليهود من أهل نجران يقال له أذينة كان بجوار(4) عبد المطلب، وكان يتسوق في أسواق تهامة(5) بماله، وأن حرب بن أمية غاظه ذلك فألب عليه فتياناً من قريش، وقال لهم: (هذا العلج الذي يقطع الأرض إليكم ويخوض بلادكم بماله من غير جوار ولا أمان والله لو قتلتموه ما خفتم أحداً يطلب بدمه، قال: فشد عامر ابن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، وصخر بن عامر بن كعب بن تيم بن

ص: 67


1- نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عدي بن كعب القرشي، جد عمر بن الخطاب، وكان من حكام العرب في الجاهلية، وكانت قريش تتحاكم إليه في الجاهلية، توفي سنة خمسين قبل الهجرة، ينظر، ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، 150؛ السمعاني، الأنساب، 5 / 516
2- حرب بن أمية بن عبد شمس، من قريش، كنيته أبو عمرو، كان من سادات قومه، وأصبحت رئاسة مكة له بعد وفاة عبد المطلب، وهو جد معاوية بن أبي سفيان، شهد حرب الفجار، ومات بالشام، ينظر، ابن قتيبة، المعارف، 73
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 156؛ المقريزي، النزاع والتخاصم، 40
4- الجوار، الحليف أو الشريك في التجارة، وقد انسحب ذلك على مجمل الحماية والمنعة في الإسلام، ينظر، ابن منظور، لسان العرب، 4 / 154
5- تهامة، وهي المنطقة الممتدة من اليمن وهو ما أصحر منها إلى حد في باديتها، ومكة من تهامة، وسميت تهامة لشدة حرها وركود ريحها، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 2 / 63

مرة فقتلاه...)(1)، وعلى الرغم من أن عبد المطلب لم يعرف قاتله إلا بعد مدة من الزمن، فأتى حرب بن أمية وأنبه لصنيعه، وطلب بدم جاره، فأبى حرب ذلك وانتهى التماحك واللجاج إلى المنافرة فجعلوا النجاشي(2) ملك الحبشة فأبى ذلك، فجعلا بينهما نفيل بن عبد العزى بن رباح، فأتياه، فقال لحرب بن أمية: (أتنافر رجلاً أطول منك قامة، وأوسم منك وسامة، وأعظم منك هامة، وأكثر منك ولداً، وأجزل منك صلة، وأطول منك مذوداً؟ وأني لأقول هذا، وأنك لبعيد الغضب، رفيع الصيت في العرب، جلد النذيرة، تحبك العشيرة، ولكنك نافرت منافراً)، فنفر عبد المطلب، فغضب حرب وأغلظ لنفيل وقال:

(من انتكاس الزمان أن جعلناك حكما)(3)، وترك عبد المطلب منادمة حرب ابن أمية، وصار نديماً لعبد الله بن جدعان(4) محله(5)، ومن نتيجة التحكيم أن

ص: 68


1- ابن حبيب، المنمق، 94؛ البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 1 / 73
2- النجاشي، أصحمة بن أبجر، والنجاشي لقب له وهو أحد ملوك الحبشة، إستقبل الصحابة من المسلمين المهاجرين إليه، وأسلم وحسن إسلامه، ويعد من التابعين وتوفي في حياة النبي صلی الله علیه و آله وسلم فصلى عليه صلاة الغائب لما علم بوفاته سنة 632 م، ينظر، الذهبي، سير أعلام النبلاء، 1 / 428؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 1 / 135
3- ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1 / 68؛ ابن حبيب، المنمق، 90؛ البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 1 / 73؛ الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد، 1 / 264
4- عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب التيمي القرشي، يقال كان أحد الأجواد المشهورين في الجاهلية، له جفنة يأكل منها القائم والراكب، أدرك النبي صلی الله علیه و آله وسلم قبل النبوة، وقد شهد مأدبة في داره، وكان في داره حلف الفضول، ينظر، الزبيري، نسب قريش، 291؛ ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، 136؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 4 / 33
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1 / 68

أخذ عبد المطلب مئة ناقة من حرب ودفع دية اليهودي، وارتجع ماله إلا شيئاً كان شعث منه فغرمه من ماله(1).

وبيّن أحد الباحثين رأيه في هذه الرواية وقضية تحكيم نفيل بن عبد العزى لعبد المطلب وحرب بن أمية، وبيان رفض تحكيم النجاشي بينهما، وأوضح أن خشية النجاشي غير واردة، لما عرف من مواقفه أيام هجرة المسلمين للحبشة، أو أن الرواية وضعت في محاولة للتلميح بتساوي كفتي الرهان، تساوي عبد المطلب مع حرب، فضلا عن أن الرواية وضعت نفيل بن عبد العزى حكماً، بينما لم نجد اليعقوبي يذكره مع قائمة الحكام قبل الاسلام، والشيء الآخر أن حرب بن أمية لم يرضه تحكيمه حتى قال: (إن من انتكاس الزمان أن جعلناك حكماً)، وهذا يعني عدم أهلية نفيل بن عبد العزى للقضاء، وأنه غير راضٍ عن تحكيمه، وعلى أن رواية تحكيم نفيل إنما يراد منها بأن التحكيم لم يكن تحكيماً عادلاً، وإنما دخلت فيه إعتبارات شخصية جعلت كفة عبد المطلب هي الكفة الراجحة(2) وحتى لو لم يكن نفيل بن عبد العزى من الحكام المعروفين، فهو قد حكم لعبد المطلب، لما كان يتمتع به من صفات تجعله لا يقف في مصاف الرجال العاديين في قريش، ويتهم حرباً في قضية قتل جاره اليهودي، إذ ورد أنه (كانت تسميه قريش الفيض لسماحته وفضله)(3).

أما بخصوص منادمة عبد المطلب لعبد الله بن جدعان ففيها نوع من المبالغة

ص: 69


1- البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 1 / 74
2- الجابري، علي رحيم، السياسة الآموية المضادة للإمام علي علیه السلام، 7
3- ابن هشام، السيرة النبوية، 1 / 89، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1 / 62

فلا يليق بعبد المطلب ان ينادم نخاساً(1) كما ورد في رواية ابن قتيبة(2)، فضلًا عما أورده ابن سعد، أن حرب بن أمية هو من كان ينادم عبد الله بن جدعان(3)، فكيف ينادم عبد المطلب وهو سيد قريش، عبد الله بن جدعان الذي عرف عنه أنه يشرب الخمر، ففي رواية عن ابن أبي الزناد(4) عن أبيه قال: ما مات أحد من قريش في الجاهلية حتى ترك الخمر، إستحياء مما فيها، من بينهم، عبد الله بن جدعان، وحرب بن أمية ولقد قال: عبد الله بن جدعان قبل أن يموت:

شربت الخمر حتى قال قومي *** ألست من السفاه بمستفيق وحتى ما أوسَّدَ في منام *** أبيت به سوى التُرْب السحيقِ وحتى أغلق الحانوت مالي *** وآنست الهوان من الصديق(5) ومن خلال الرواية المتقدمة، فضلاً عن الأبيات الشعرية التي جاءت على لسان عبد الله بن جدعان، يمكن القطع أن الأخير كان من المشهورين بشرب الخمر، وطبقاً لذلك فإن منادمة عبد المطلب له أمر مستبعد، في الوقت الذي نذهب فيه إلى أنه كان نديماً لحرب بن أمية، الذي اشتهر عنه بأنه شارب للخمر كذلك.

ص: 70


1- النخاس، هو بائع الدواب، وقد يسمى بائع الرقيق نخاساً، ينظر، ابن منظور، لسان العرب، 6 / 228
2- ابن قتيبة، المعارف، 576
3- الطبقات الكبرى، 1 / 68
4- عبد الرحمن واسم أبي الزناد عبد الله بن ذكوان، ويكنى أبا محمد وولد سنة مائة في خلافة عمر بن عبد العزيز، وولي خراج المدينة، وكان نبيلا، كثير الحديث عالماً، وتوفي في بغداد سنة (174 ه)، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7 / 594؛ المزي، تهذيب الكمال، 17 / 95
5- الزبيري، نسب قريش، 292؛ ابن أبي الدنيا، ذم المسكر، 40

موقف بني أمية من بني هاشم بعد ظهور الإسلام يعد ظهور الدين الإسلامي نقطة تحول في العلاقة بين بني هاشم و بني أمية، إذ اختار الله تعالى نبيه المصطفى ليكون من بني هاشم دون غيرهم من قريش، لذلك نظرت قريش ومنهم بنو أمية نظرة حسد وبغض لهم بسبب ذلك الأمر، وخصوصاً بما جاء به الدين الجديد من تعاليم تقضي بعبادة الله تعالى، ونبذ عبادة الأصنام، وتحريم الربا والزنا، والعدل والمساواة بين الناس، وغيرها من مبادئ الدين الإسلامي الجديد، وهذا مما لا ترتضيه قريشٌ وبني أمية، لأنه يتعارض مع مصالحهم الدينية والإجتماعية والإقتصادية، ومن ثم إنعكس ذلك سلباً على مجمل العلاقة بين بني هاشم وقريش، وكان بنو أمية من أكثر بيوتات قريش عداءً لبني هاشم، إذ اتخذوا من موقفهم من الدين الجديد ذريعة لزيادة الحقد القديم على بني هاشم وكل ذلك بسبب تصدرهم الرئاسة والسيادة على مكة قبل الإسلام وبعده.

لذلك عملوا على التصدي له بوسائل عديدة منها عن طريق السعي إلى عمه أبي طالب(1)، لأن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم لا يرضيهم من شيء أنكروه عليه من

ص: 71


1- عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم من قريش، والد أمير المؤمنين علي علیه السلام، وعم النبي صلی الله علیه و آله وسلم وكافله ومربيه وناصره، وكان من أبطال بني هاشم ورؤسائهم ومن الخطباء والعقلاء، له تجارة كسائر قريش، سافر معه النبي صلی الله علیه و آله وسلم إلى الشام في صباه، توفي أبو طالب في السنة العاشرة للبعثة، ينظر، ابن سعد الطبقات الكبرى، 1 / 98؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 7 / 197

فراقهم لدينهم وعيب آلهتهم(1)، ورأوا ان أبا طالب قد حدب(2)، وقام دونه ولم يسلمه إليهم، لذلك مشى إليه رجال من أشراف قريش منهم، عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو سفيان، وأبو جهل(3)، وغيرهم من رجال قريش، فقالوا له: (يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلّ آباءنا، فأما أن تكفه عنا وأما أن تخلي بيننا وبينه... فقال أبو طالب قولاً رفيقاً وردَّ رداً جميلاً، فانصرفوا عنه ومضى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم على ما هو عليه من دعوته)(4).

ومن جانب آخر كان لبني أمية الدور الأكبر في دعوة أبي طالب لأخذ عمارة ابن الوليد، ليكون ولداً له، وأن يدفع لهم النبي صلی الله علیه و آله وسلم ليقتلوه(5)، وقد جاء رد أبي طالب حاسماً على هذا العرض غير المنصف إذ قال لهم: (ما أنصفتموني تعطوني

ص: 72


1- ابن أسحاق، السيرة النبوية، 2 / 129؛ ابن هشام، السيرة النبوية، 1 / 170؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 323
2- حدب، أي عطف عليه ونصره من الظلم ومنعه، الفراهيدي، العين، 3 / 186؛ ابن منظور، لسان العرب، 1 / 55
3- أبو جهل، عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي، كان أشد الناس عداوة للنبي صلی الله علیه و آله وسلم في صدر الإسلام، وأحد سادات قريش وأبطالها ودهاتها في الجاهلية، وكان يثير الناس على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه والعمل على إيذائه، وقتل في معركة بدر سنة (2 ه)، ينظر، البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 1 / 125
4- ابن إسحاق، السيرة النبوية، 2 / 129؛ ابن هشام، السيرة النبوية، 1 / 170؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 323؛ الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد، 2 / 326
5- ابن إسحاق، السيرة النبوية، 2 / 133؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1 / 171؛ ابن كرامة، تنبيه الغافلين، 71

ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابن أخي تقتلونه، ما هذا بالنصف تسومونني سوم العرير(1) الذليل)(2)، ونستشف من الرواية كيفية معاملة بني أمية لأبي طالب من خلال مطالبته بالتخلي عن الرسول محمد صلی الله علیه و آله وسلم كأنه غريب ألصق به، وإعطاءه عمارة بن الوليد مكانه، وأنهم جوبهوا بالرفض القاطع من قبل أبي طالب، وهذا يدلل على مدى الحماية المقدمة للنبي صلی الله علیه و آله وسلم من قبل عمه أبي طالب.

وبعد رفض أبي طالب العرض الذي قدمته قريش له بإعطائه عمارة بن الوليد بدلاً من الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، تحالفت قريش هذه المرة على قتاله، فذهبوا إلى أبي طالب وقالوا له: (يا أبا طالب أن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا، وإنا والله لا نصبر على هذا، من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك في ذلك حتى يهلك أحد الفريقين)(3).

ويبدو أن قريشاً وبنو أمية تحولوا من إسلوب الترغيب والمكر والخداع إلى إسلوب التهديد والقتل، حتى طلبوا من أبي طالب منازلته في النبي صلی الله علیه و آله وسلم، ظناً منهم إنه سينصاع إلى أوامرهم فيسلمهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

وبعد ذلك عملت قريش يتقدمها بنو أمية ومن معها من القبائل على مقاطعة بني هاشم والمطلب، فقد تعاهدت قريش على (أن لا ينكحوا إلى بني هاشم

ص: 73


1- العرير، أي الغريب، ينظر، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 4 / 35
2- ابن سعد الطبقات الكبرى، 1 / 171؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 1 / 345؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 327؛ العاملي، الدر النظيم، 207
3- ابن هشام، السيرة النبوية، 1 / 171؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 323؛ ابن سيد الناس، عيون الأثر، 1 / 132

وبني المطلب ولا يناكحوهم، ولا يبايعوهم شيئاً، ولا يبتاعون منهم)(1)، إن إستخدام قريش ومن معها لأسلوب المقاطعة مع بني هاشم، ما هو إلا وسيلة للضغط على أبي طالب من أجل تسليمهم النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وبما أن بني أمية أحد بطون قريش في مكة، فقد كان لهم الدور الأكبر في هذه المقاطعة، ومما يدل على ذلك أسماء الأشخاص الذين ذهبوا إلى أبي طالب يعترضون على النبي صلی الله علیه و آله وسلم، لأنه سب آلهتهم وعاب دينهم.

عداء بني أمية للنبي صلی الله علیه و آله وسلم ومحاولة قتله إزدادت العداوة بين البيت الهاشمي والبيت الأموي حتى قام رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم سيد بني هاشم بدعوة قريش إلى توحيد دين الله(2)، ومن الذين نصبوا العداء لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم هو أبو أحيحة سعيد بن العاص(3)، الذي مات مشركاً، إذ كان من أشد الناس عداوة وبغضاً للرسول صلی الله علیه و آله وسلم، ومنهم عقبة بن أبي معيط، الذي كان فاجراً فاحشاً خبيثاً، حيث وجد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ساجداً فوطأ عنقه الشريف،

ص: 74


1- ابن اسحاق، السيرة النبوية، 2 / 137؛ ابن هشام، السيرة النبوية، 1 / 234؛ ابن سيد الناس، عيون الأثر، 1 / 165
2- المقريزي، النزاع والتخاصم، 42
3- سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس، من سادات بني امية في الجاهلية، يقال له ذو العصابة كناية عن السيادة، ذهب إلى الشام للتجارة، وحبسه جفنة بن عمرو الغساني، وافتداه بنو أمية بمال كثير، عاش إلى ما بعد ظهور الإسلام، ومات على دين الجاهلية، ينظر، ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 3 / 235

ووجده مرة أخرى فوضع عليه سلا جزور أو شاة(1)، وقد أسر ببدر فأمر النبي صلی الله علیه و آله وسلم بقتله، فقال للنبي صلی الله علیه و آله وسلم: (يا محمد من للصبية، فقال: النار)(2).

وكان من أذى عقبة بن أبي معيط على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، أنه أخذ مكتل(3) فجعل فيه عذرة ثم ألقاه على باب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم(4)، وقد شتمه وألقى عمامته وجره في المسجد فأخذوه من يده(5)، وكان عقبة من بين أصحاب قريش الذين رموا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بتهم عدة منها قول عقبة أنه كاهن(6)، ومرة أخرى خنقه خنقاً شديداً فقام أبو بكر فدفعه عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم(7)، وإن صحت هذه الرواية يحق لنا ان نتساءل، وهل الرسول صلی الله علیه و آله وسلم عاجز عن الدفاع عن نفسه؟ حتى يقوم عقبة بن أبي معيط بجره في المسجد، خصوصاً مع وجود أبي طالب الذي كان يحميه من أذى المشركين، ولا سيما ان الرسول صلی الله علیه و آله وسلم كان يتمتع بقوة لا تضاهيها قوة بشهادة أمير المؤمنين علیه السلام إذ ورد قوله:

ص: 75


1- السلا، المراد منها المشيمة، وهي الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد من المواشي، إن نزعت عن وجه الفصيل ساعة يولد، وإلا قتلته، ينظر، الجوهري، الصحاح، 6 / 2381
2- البخاري، صحيح البخاري، 4 / 71؛ مسلم النيسابوري، صحيح مسلم، 5 / 180؛ الطبرسي، إعلام الورى، 1 / 121
3- المكتل، بكسر الميم، هو الزبيل الكبير، الذي يسع خمسة عشر صاعاً، كأن فيه كتلا من تمر، ينظر، ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، 4 / 150؛ ابن منظور، لسان العرب، 11 / 583
4- البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 1 / 147
5- ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، 1 / 52؛ المجلسي، بحار الأنوار، 18 / 204
6- ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، 1 / 45
7- ابن هشام، السيرة النبوية، 1 / 188؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 333؛ ابن الأثير، أسد الغابة، 3 / 318؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، 1 / 216

(كنا إذا اشتد البأس اتقينا برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فكان أقربنا للعدو)(1).

هذه أفعال عقبة بن أبي معيط وأعماله الدنيئة وتجرؤه على رسول صلی الله علیه و آله وسلم، وعلى الدين جعلت عاقبته القتل جزاءً بما فعل.

اما أم جميل أروى بنت حرب الأموية هي الأخرى فقد ذكرت في القرآن كما بيّنا، إذ كانت من أشد أعداء الإسلام والرسول صلی الله علیه و آله وسلم، فقد عملت بكل طاقتها على إيذاء الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، فمن بين أفعالها ما ذكرته الروايات، إنها كانت تمشي بالنميمة، والعداوة، والشحناء، كما كانت تحتطب الشوك فتلقيه على طريق رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ليلاً(2)، وكانت أم جميل عوناً لزوجها أبي لهب على كفره وعناده، كما في قوله تعالى:

«وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ»(3)، فلهذا تکون یوم القيامة عوناً في عذابه في نار جهنم(4).

أما الحكم بن العاص طريد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، الذي أسلم يوم الفتح، وكان سبب طرده، أنه كان يفشي سره، فلم يزل طريداً في حياة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وخلافة أبي بكر وعمر، ثم أدخله عثمان وأعطاه مائة ألف درهم(5)، فضلًا عن عتبة

ص: 76


1- الجاحظ، العثمانية، 328؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 1 / 174
2- الطبري، جامع البيان، 30 / 442؛ ابن الجوزي، زاد المسير، 8 / 327؛ السهيلي، الروض الانف، 3 / 285
3- سورة المسد، آية، 4 - 5
4- ابن كثير، تفسير القرآن، 4 / 603
5- ابن قتيبة، المعارف، 353؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 2 / 91؛ المقريزي، النزاع والتخاصم، 42

بن ربيعة الذي كان من أعداء النبي صلی الله علیه و آله وسلم(1).

نستشف من الروايات الواردة، أن بني أمية قد بذلوا جهوداً كبيرة في إيذاء نبي الرحمة صلی الله علیه و آله وسلم، من أجل الضغط عليه للتراجع عما جاء به، واستخدموا شتى الوسائل لثنيه عن موقفه في نشر الدعوة وهو مصداق قوله تعالى:

«يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ»(2).

ومن أفعال بني أمية وعداوتهم للرسول صلی الله علیه و آله وسلم، ومنهم شيبة وعتبة ابنا ربيعة؛ وأبو سفيان، إنهم اتفقوا مع باقي القبائل على قتل الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، على أن يأخذوا من كل قبيلة رجلاً ويقتلونه، وبذلك يضيع دمه بين القبائل فلا يقدر بنو هاشم على حربهم جميعاً(3).

عداء أبي سفيان للنبي صلی الله علیه و آله وسلم يعد أبو سفيان من أشد الناس عداوة للنبي صلی الله علیه و آله وسلم، وهو رأسٌ من رؤوس الأحزاب لقتال النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وكهفٌ للمنافقين(4)، ومن أشد الحاقدين على الإسلام وعلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وسعى في كيفية التخلص منه، ووصل الأمر

ص: 77


1- المقريزي، النزاع والتخاصم، 45
2- سورة التوبة، آية، 32
3- ابن هشام، السيرة النبوية، 1 / 333؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 372؛ ابن الثير، الكامل في التاريخ، 2 / 3؛ ابن سيد الناس، عيون الأثر، 1 / 235
4- أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، 6 / 343

أن دبر لاغتياله، فقال لنفر من قريش: (ألا أحد يغتال محمداً، فإنه يمشي في الأسواق؟ فأتاه رجلٌ من الأعراب فقال له: قد وجدت أجمع الرجال قلباً، وأشدهم بطشاً، وأسرعهم شداً، فإن أنت قويتني خرجت إليه حتى أغتاله، فقال له: أنت صاحبنا)، فأعطاه بعيراً ونفقة، وأمره بكتمان أمره، وتوجه إلى المدينة بعد ستة أيام من خروجه، وأخذ يسأل عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فدل عليه وهو في مسجد بني الأشهل(1)، فلما رآه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عرف ما يدور في خاطره وما يحمله من غدر، فجذبه أسيد بن حضير(2)، وبعد أن أخذ أماناً من الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، اعترف بأن الأمر دبر من قبل أبي سفيان، فأخلي سبيله وأسلم بعد ذلك(3).

يتضح لنا من خلال الرواية المتقدمة مدى الحقد الدفين من قبل أبي سفيان إزاء الدين الإسلامي ومحاولته قتل الرسول محمد صلی الله علیه و آله وسلم، فجاءت محاولته هذه لتفضحه أكثر وتبين موقفه من الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، ومن الدعوة الإسلامية، وبعث

ص: 78


1- بني الأشهل، وهم بطن من النبيت من الأوس، من الأزد، من القحطانية، وهم: بنو الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن النبيت، ومنهم سعد بن معاذ سيد الأوس، ومنهم جماعة كثيرة من الصحابة ممن شهد بدراً وغيرها، ينظر، القلقشندي، نهاية الأرب، 335
2- اسيد بن حضير بن سماك بن عتيك الأشهلي، يكنى أبا يحيى، وله صحبة وهو من المدينة، وأسلم على يد مصعب بن عمير، وهو احد النقباء، واختلف في شهوده بدراً، وشهد أحداً وغيرها من المشاهد، وشهد مع عمر بن الخطاب فتح بيت المقدس، وتوفي سنة سنة (20 ه) ودفن بالبقيع، ينظر، ابن الأثير، أسد الغابة، 1 / 240
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2 / 90؛ ابن سيد الناس، عيون الأثر، 2 / 111

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم على أثر ذلك كل من عمرو بن أمية(1)، وسلمة بن أسلم(2) إلى أبي سفيان وأمرهم بقتله إن ظفروا به(3).

وبرز الدور الأكبر لبني أمية في عدائهم إزاء بني هاشم من خلال معركة بدر، إذ كان لهم النصيب الأكبر في هذه الحرب، إذ ورد في الروايات ما يشير إلى هذا الجانب، فقد قام كل من حنظلة بن أبي سفيان(4)، وعمرو بن أبي سفيان(5)، بتحريض الناس على الخروج، وكان عتبة بن ربيعة على رأس المناهضين للنبي صلی الله علیه و آله وسلم يومئذ(6)، وقد قتل قادة بني أمية في المعركة مثل شيبة بن ربيعة على يد

ص: 79


1- عمرو بن أمية بن خويلد بن عبد الله الضمري، يكنى أبا أمية، بعثه الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وحده عيناً إلى قريش، وأرسله إلى النجاشي وكيلاً فعقد له على أم حبيبة بنت أبي سفيان، وأسلم قديماً وهو من مهاجرة الحبشة، وكان من أنجاد العرب، وتوفي أيام معاوية قبل الستين، ينظر، ابن عبد البر، الاستيعاب، 491؛ ابن الأثير، أسد الغابة، 4 / 181
2- سلمة بن أسلم بن حريش بن عدي الأنصاري الحارثي، شهد بدراً والمشاهد كلها، ويكنى أبا سعید وقتل في العراق يوم الجسر سنة (14 ه) في أول خلافة عمر بن الخطاب، وهو ابن ثلاث وستين سنة، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 411؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 303
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2 / 90؛ ابن عساكر، تاريخ، مدينة دمشق، 45 / 425؛ ابن سيد الناس، عيون الأثر، 2 / 111
4- حنظلة بن أبي سفيان بن حرب بن أمية، وهو من شجعان الجاهلية الأشداء، أدرك الإسلام وكان شديد الأذى على الرسول محمد صلی الله علیه و آله وسلم، وقتل في معركة بدر سنة (2ه)، ينظر، ابن قتيبة، المعارف، 345
5- عمرو بن أبي سفيان بن حرب، اشترك في معركة بدر، وأسره أمير المؤمنين علیه السلام، ولم يفده أبو سفيان، وأطلق الرسول صلی الله علیه و آله وسلم سراحه مقابل إطلاق سراح أحد المسلمين، ينظر، ابن هشام، السيرة النبوية، 2 / 476؛ ابن قتيبة، المعارف، 344
6- ابن مردويه، مناقب علي بن أبي طالب صلی الله علیه و آله وسلم، 150؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 2 / 21؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 14 / 96

عبيدة بن الحارث، وقتل عتبة على يد الحمزة، وقتل الوليد بن عتبة على يد الإمام علي علیه السلام، وقتل حنظلة بن أبي سفيان على يد الإمام علي علیه السلام أيضاً(1)، وعقبة بن أبي معيط قتله الإمام علي علیه السلام بأمر من الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، لما كان يفعله برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في مكة(2)، وهناك بعض الروايات تشير إلى أن الإمام عليّاً علیه السلام اشترك في قتل الثلاثة(3).

وكانت خسارة المشركين من قريش في معركة بدر، لها وقع كبير في نفوسهم من الناحية الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، ومن جانب آخر إزدادت العداوة والبغضاء بين بني أمية، وبين الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وبني هاشم والمطلب، لذلك أخذ أبو سفيان يعد العدة ليأخذ ثأره من المسلمين، لاسيما بعد مقتل صناديدهم، فجمعوا الأموال لحرب الرسول صلی الله علیه و آله وسلم(4).

وفي معركة أحد برز حقد بني أمية بشكل كبير، إذ أوردت الكثير من المصادر التاريخية ما فعلته هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان بالتمثيل بالحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وبقية الجثث بعد انتهاء المعركة(5)، وفي الوقت نفسه

ص: 80


1- الواقدي، المغازي، 1 / 69؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 426
2- ابن هشام، السيرة النبوية، 2 / 525؛ ابن قتيبة، المعارف، 345؛ الصنعاني، المصنف، 5 / 206؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 2 / 27؛ ابن سيد الناس، عيون الأثر، 1 / 347
3- ينظر، ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب، 2 / 311؛ المجلسي، بحار الأنوار، 19 / 315
4- ابن هشام، السيرة النبوية، 3 / 581؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 500؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 5 / 339
5- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 1 / 366؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 524؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 943؛ الصفدي، الوافي بالوفيات، 27 / 230

ذكرت رواية أخرى بأن معاوية بن المغيرة(1)، هو الذي قام بالتمثيل بالجثث وجدع أنف حمزة بن عبد المطلب(2)، ليصرف النظر عما فعلته هند بنت عتبة لعنة الله عليها بالتمثيل بالجثث.

يتبين ان كل هذه الأمور التي فعلتها قريش ومن معها، وخاصة بنو أمية، هي انتقام لما فقدوه من قادتهم في بدر، ومن ثم أدت تلك الأفعال إلى زيادة العداء بين البيتين الهاشمي والأموي.

وبعد معركة الخندق(3)، وخسارة المشركين من قريش ومن معها من بني أمية، أصبحت زمام الأمور بيد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وازدادت قوته، بينما فقد الطرف الآخر قوتهم ولم يقدروا فيما بعد على التحرش أو الإعتداء على الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، واستمر الأمر على ذلك حتى فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة، نتيجة قيام قريش بنقض أحد بنود صلح الحديبية(4)، إذ ناصرت حليفتها بنو بكر حينما

ص: 81


1- معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية، وهو جد عبد الملك بن مروان، أبو أمه عائشة بنت معاوية، وكان قد انهزم في أحد، واستأمن له عثمان بن عفان فأمنه على إن وجد بعد ثلاثة أيام قتل، فأقام بعد ثلاث وتوارى، وأرسل له زيد بن حارثة وعمار بن ياسر فقتلاه، وقيل قتله الإمام علي علیه السلام، ينظر، ابن هشام السيرة النبوية، 3 / 617؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 6 / 127
2- ابن عبد البر، الاستيعاب، 943؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 2 / 58؛ الصفدي، الوافي بالوفيات، 27 / 230؛ المقريزي، النزاع والتخاصم، 49
3- معركة الخندق، وهي المعركة التي حدثت بين المسلمين بقيادة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وقريش ومن معها من القبائل مثل بني غطفان، وبني سليم، وبني أسد، وبتحريض من اليهود، وكانوا عشرة آلاف مقاتل، وكان النصر فيها للمسلمين سنة (5 ه)، ينظر، الواقدي، المغازي، 2 / 440؛ ابن هشام، السيرة النبوية، 3 / 700؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 1 / 368
4- وهو الصلح الذي عقد بين قريش والرسول صلی الله علیه و آله وسلم سنة (6 ه)، وكان من بين شروطه، دخول القبائل في عهدة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وقريش، فدخلت قبيلة خزاعة مع الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وقبيلة بكر مع قريش، ولما حدث نزاع بين بكر وخزاعة ناصرت قريش حليفتها بكر، فأنتفض النبي صلی الله علیه و آله وسلم لحليفته خزاعة، ينظر، ابن هشام، السيرة النبوية، 4 / 852؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2 / 91؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 43

قتلوا رجلاً من خزاعة حليفة المسلمين، فعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ذلك نقضاً لبنود الصلح والمعاهدة التي بينهم وبين قريش، لذلك قرر المسير إلى مكة ودخولها في السنة الثامنة للهجرة(1).

وبعد فتح مكة دخل الكثير من قريش في الإسلام عنوة ومكرهاً له خوفاً من القتل، ودخل أبو سفيان الإسلام على يد العباس بن عبد المطلب، وكان من أشد الأعداء للنبي صلی الله علیه و آله وسلم، وجاء رديفاً على بغلة العباس إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم وسأله أن يشرفه ويكرمه(2)، وبعد دخوله على الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، سأله أن يشهد بشهادة التوحيد، فشهد بذلك، ولكنه رفض ان يشهد للنبي صلی الله علیه و آله وسلم بأنه رسول الله قائلاً:

(أما هذه ففي النفس منها شيء، فقال له العباس ويلك تشهد بشهادة الحق، قبل ان تضرب عنقك)(3).

ص: 82


1- ابن هشام، السيرة النبوية، 3 / 851؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 1 / 376؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 43؛ ابن الجوزي، المنتظم، 3 / 343
2- ابن هشام، السيرة النبوية، 4 / 861؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 53؛ الطبرسي، إعلام الورى، 1 / 215؛ ابن سيد الناس، عيون الأثر، 2 / 193
3- ابن هشام، السيرة النبوية، 4 / 863؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 53 - 54؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 813؛ الطبرسي إعلام الورى، 1 / 220؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 23 /؛ 449

وعلق أحد الباحثين على أن رفض أبي سفيان الإعتراف برسالة النبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم هو بسبب الشك فيها، ولكنه أسلم خوفاً من أن يضرب عنقه، وكان الرسول صلی الله علیه و آله وسلم في منتهى الحلم معه، فالرجل اعلن استسلامه وليس إسلامه(1).

ومما يدلل على عدم إيمان أبي سفيان قوله للعباس: (يا أبا الفضل ما رأيت ملكاً هكذا قط إلا ملك كسرى، ولا ملك بني الأصفر، ودخل على الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وقال له: يامحمد استنصرت إلهي واستنصرت إلهك، فلا والله ما لقيتك من مرة إلا ظفرت عليّ، فلو كان إلهي محقاً، لغلبتك، فشهد أبو سفيان أن محمداً رسول الله)(2)، ومما يدلل على عدم إيمان أبي سفيان أيضاً تصريحه بشكل علني بقوله:

(أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كاره)(3).

وجاء في الرواية ان العباس قال للرسول صلی الله علیه و آله وسلم، أن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئاً، قال: نعم (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن)(4)، ويحق لنا ان نسأل، ما الذي يحمل الرسول صلی الله علیه و آله وسلم على أن يعطي أبا سفيان هذه الميزة وهو ضعيف في تلك الحال، وليس له أدنى تأثير على قومه أو أهله، ويبدو أن الرواية وضعت من قبل الرواة في العهد الأموي، وأضافوا اسم أبي سفيان لتكون له منقبة، وهذا الأمر مستبعد، وحتى لو تنازلنا عن ذلك فإن أبا سفيان لم يعطِ أي ميزة، بل أن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم أمن كل الموجودين في مكة، خصوصاً مع ذكر المصادر

ص: 83


1- الحمداني، السيرة النبوية في مرويات الإمام الصادق علیه السلام، 383
2- الواقدي، المغازي، 2 / 816؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 54
3- ابن حنبل، مسند أحمد، 1 / 263؛ البخاري، صحيح البخاري، 4 / 5؛ البيهقي، معرفة السنن والآثار، 9 / 178
4- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 1 / 377؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 54؛ ابن حبان، الثقات، 2 / 47؛ الطبرسي، إعلام الورى، 1 / 222؛ ابن سيد الناس، عيون الأثر، 2 / 188

إن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم قال:

(من دخل داره فهو آمن)(1)، وهذا يعني أن دار أبي سفيان مساوية للدور البقية.

عداء الأمويين لبني هاشم بعد وفاة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بعد وفاة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم اتخذ أبو سفيان موقفاً حاول من خلاله إثارة الفتنة، وذلك من خلال تحريض الإمام علي علیه السلام للنهوض بالأمر، بعد انقسام المسلمين فيما بينهم، فيمن يخلف الرسول صلی الله علیه و آله وسلم فحدث الخلاف بين المهاجرين والأنصار، فبعض الأنصار يريدون تولية سعد بن عبادة(2)، وقسم من المهاجرين يريدون ترشح أبي بكر للخلافة(3).

أما الدور الذي قام بنو أمية من خلال أبي سفيان الذي ذهب إلى أمير

ص: 84


1- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 1 / 378؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 54؛ المسعودي، التنبيه والاشراف، 332؛ البيهقي، معرفة السنن والآثار، 7 / 26؛ المقريزي، إمتاع الأسماع، 1 / 387
2- سعد بن عبادة بن دليم من الخزرج، يكنى أبا ثابت وقيل أبو قيس وكان نقيباً، شهد العقبة وبدراً، وكان سيداً جواداً، ومقدماً في قومه وجيهاً، له رياسة وسيادة على قومه، وشارك يوم الفتح، وامتنع عن بيعة أبي بكر إلى أن مات بحوران من أرض الشام، واختلفوا في سنة وفاته، فقيل سنة (14 ه) وقيل سنة (15 ه)، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3 / 566؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 280
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2 / 235؛ الجاحظ، العثمانية، 199؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 205

المؤمنين علیه السلام وقال له: (إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا الدم، يا آل عبد مناف فيم أبو بكر من أموركم، أين المستضعفان؟ أين الأذلان، علي وعباس، ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش؟، ثم قال لعلي: أبسط يدك أبايعك، فوالله لئن شئت لأملأنها عليه خيلا ورجالاً)، فأبى الإمام علي علیه السلام، وتمثل بقول:

ولئن يقيم على خسف يراد به *** إلا الأذلان غير الحي والوتد هذا على الخسف مربوط برمته *** وذا يشج فلا يبكي له أحد(1) وقد بيّن أحد الباحثين موقف أبي سفيان للتعريض بالقيادة الجديدة للإسلام، وتحريض الناس لمعارضة تلك القيادة، ومن ثم قد أظهر أبو سفيان الرغبة الكامنة في نفسه، وهي محاولة خرق الإسلام من الداخل عن طريق إفتعال الأزمات والحرب بين المسلمين وشق وحدتهم، ليفسح المجال لنفوذ النفعيين والمنافقين وحصولهم على مكاسب عند الأطراف الإسلامية المتصارعة(2)، ومع ذلك فقد حصل البعض على الإمتيازات مع وجود القيادات الجديدة للدولة، لا سيما عمر بن الخطاب.

وقد عبر أمير المؤمنين علیه السلام في إحدى خطبه عن هذا الموقف بقوله:

(أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرجوا عن طريق المنافرة، وضعوا تيجان المفاخرة، أفلح من نهض بجناح، أو استسلم فأراح)(3).

وفي بيان شرح الخطبة في قوله علیه السلام: أيها الناس شقوا أمواج الفتن، هنا

ص: 85


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 209؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 2 / 189؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 210
2- الجابري، السياسة الأموية المضادة للإمام علي علیه السلام، 38
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 41

حذر الإمام علیه السلام من الفتن التي تضاعفت وترادفت، التي شبهها بأمواج البحر المضطربة(1)، وأراد الإمام علیه السلام بسفن النجاة، هم أهل البيت علیهم السلام(2)، لقول النبي صلی الله علیه و آله وسلم: (مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق)(3)، بينما ذهب ابن أبي الحديد، أن مراد الإمام علیه السلام هنا ليس أهل البيت، وإنما أمر بالتقية(4)، وأنه يرى أن الخلافة حقه لا يجوز ان تصرف عنه إلى غيره، وفي الوقت نفسه يرى مصلحة الإسلام أهم وفوق كل شيء(5).

أما قوله علیه السلام: عرجوا عن طريق المنافرة، أي الإبتعاد عن التفاخر بالفضائل والمآثر القديمة(6) وروي أن أبا سفيان حاول إثارة الفتنة بين المسلمين من خلال قيامه بالتحريض على ذلك حيث وقف على باب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأمير المؤمنين علیه السلام والعباس ينظرون في أمره، فنادى: (بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم، ولا سيما تيم بن مرة وعدي فما الأمر إلا منكم وإليكم، وليس لها إلا أبو الحسن علي...، ثم نادى بأعلى صوته: يا بني هاشم يابني عبد مناف أرضيتم أن يلي عليكم أبو فصيل المرذل بن المرذل، أما والله لئن شئتم لأملأنها خيلاً ورجلاً، فناداه أمير المؤمنين علیه السلام:

(إرجع يا أبا سفيان فوالله ما تريد ما تقول وما زلت تكيد للإسلام وأهله فما

ص: 86


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 206
2- الراوندي، منهاج البراعة، 1 / 144
3- الطبراني، المعجم الكبير، 3 / 46؛ القاضي النعمان، دعائم الإسلام، 1 / 28؛ الصدوق، الأمالي، 343؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 2 / 343
4- شرح نهج البلاغة، 1 / 208
5- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1 / 204
6- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 204؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 1 / 339

أضر ذلك شيئا)(1) إن المتتبع لكلام أبي سفيان يجده يحمل الكثير من معاني التحريض على القتال والفرقة بين المسلمين من خلال ما عرضه على أمير المؤمنين علیه السلام، ولكنه يعرفه حق المعرفة، وما هو قصده من هذا التصريح، لذلك رد عليه بقوله مازلت تكيد للإسلام وأهله، وعبر أحد الباحثين عن ذلك، بأن الإمام عليّاً علیه السلام كان يعرف ابا سفيان الذي قاد المعارضة ضد الإسلام أكثر من عشرين عاماً هو وابنه معاوية، ولم يدخل الإسلام إلا في فتح مكة، بعد أن يئس من القضاء عليه، لا يمكن ان يكون بهذا الحرص على الإسلام والمسلمين(2).

وقوله علیه السلام وضعوا تيجان المفاخرة، أي ارفعوها عن رؤوسكم، فتاج المفاخرة كان لبس إبليس، كما ورد في قوله تعالى:

«أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»(3)، أما قوله:

(أفلح من نهض بجناح أو استسلم فأراح)، فقد بينَ فيه ابن أبي الحديد ان مراد الإمام علیه السلام من ذلك، أنه يريد أفلح من نهض في طلب الرئاسة بناصر ينصره، وأعوان يجاهدون بين يديه، وأراد بلفظ الجناح هنا الأعوان والأنصار بهم القوة على النهوض بالحرب والطيران في ميدانها(4)، وفي هذا الكلام تنبيه على قلة

ص: 87


1- الصنعاني، المصنف، 5 / 451؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 10؛ المفيد، الإرشاد، 1 / 190؛ المقريزي، النزاع والتخاصم، 48؛ الأميني، الغدير، 3 / 254
2- الشرهاني، حسين علي، التغير في السياسة المالية، 21
3- سورة الأعراف، آية 12
4- شرح نهج البلاغة، 1 / 205

ناصره في هذا الأمر(1)، ومن أقوال الإمام في ذلك: (من الخرق المعاجلة قبل الإمكان، والإناة بعد الفرصة)(2).

العلاقة بين بني هاشم وبني أمية بعد خلافة عثمان تولى عثمان الخلافة سنة 23 ه / 643 م بعد وفاة عمر بن الخطاب، وجاءت توليته بعد آلية أوجدها عمر أطلق عليها ب (الشورى) وكانت أحد أساليب تداول السلطة السياسية بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وبمجيء عثمان إلى الخلافة واستلامه السلطة، تمكن بنو أمية من الأخذ بزمام الأمور في الدولة الإسلامية، وقد توضح ذلك جليا عندما صرح أبو سفيان قائلاً عند دخوله على عثمان بعدما بويع للخلافة: (قد صارت إليك بعد تيم وعدي، فأدرها كالكرة واجعل أوتادها بني أمية، فإنما هو الملك ولا أدري ما جنة ولا نار)(3)، لذلك قام عثمان بن عفان بتولية العديد من رجالاتهم على معظم الأمصار الإسلامية، وعلى الرغم من عدم أهلية هؤلاء لقيادة الأمصار الإسلامية إلا أنهم أخذوا يتحكمون بمقدرات الدولة والمجتمع الإسلامي كيفما أرادوا، وفي مقدمة هؤلاء معاوية بن أبي سفيان والي الشام الذي ولي عليها بعد وفاة أخيه يزيد من قبل عمر بن

ص: 88


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 1، 340
2- محمد عبدة، نهج البلاغة، 4 / 577
3- المغربي، شرح الأخبار، 2، 528؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 814

الخطاب(1)، وقد بقي في ولايته بعد استلام عثمان السلطة، وعيَّن الوليد بن عقبة بن أبي معيط على الكوفة، وبعده سعيد بن العاص، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح(2) على مصر(3)، ووهب خمس أفريقية لمروان بن الحكم(4).

لقد كان ظهور بني أمية في عهد عثمان استكمالاً لتحول الأمة إلى طريق الجاهلية بعد وفاة النبي صلی الله علیه و آله وسلم، إذ ارتد من ارتد وأنكر من أنكر، وبداية ظهور إسلام آخر مناقض لإسلام أهل البيت علیهم السلام ومعادٍ له، ولم يكن بنو أمية مجرد أسرة حكمت، بل عملت على إظهار إسلام جديد يختلف عما كان في عهد الخلفاء الذين سبقوهم، بالقدر الذي يسمح لهم بتحقيق مآربهم وأطماعهم والعودة إلى ما قبل الإسلام، لذلك استغل بنو أمية فرصة وصول عثمان إلى دفة السلطة، وأخذوا بالإحاطة به، موحدين موقفهم للوقوف بشدة بوجه بني هاشم متمثلين بالإمام علي علیه السلام(5).

ص: 89


1- ابن أعثم الكوفي، الفتوح، 2 / 393؛ المسعودي، مروج الذهب، 1 / 625
2- عبد الله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث بن حبيب، وقد أسلم قديمًا، ثم ارتد وخرج من المدينة إلى مكة، فأهدر الرسول صلی الله علیه و آله وسلم دمه يوم الفتح، فجاء عثمان إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم فاستأمن له فأمن، وكان أخاه من الرضاعة، وولاه عثمان بعد عمرو بن العاص على مصر، فلم يزل والياً حتى قتل عثمان وتوفي سنة (59 ه)، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6 / 129؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 3 / 33
3- البلاذري، فتوح البلدان، 313؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 58؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 252؛ المسعودي، مروج الذهب، 1 / 625
4- ابن قتيبة، المعارف، 195
5- الورداني، صالح، السيف والسياسة، 94

ومصداق ذلك عندما أمر عثمان أبا ذر الغفاري بأن يسير إلى الربذة(1)، وبأن يتجافاه الناس حتى يسير إلى الربذة، ولما خرج من المدينة ومروان يسيّره عنها، خرج كل من الإمام علي علیه السلام وابنيه الإمامين الحسن والحسين علیهما السلام، وعمار بن ياسر وعقيل وعبد الله بن جعفر(2)، فاعترض مروان أمير المؤمنين علیه السلام ومن معه، وأخبرهم بأوامر عثمان بعدم تشييع أباذر، لكن الإمام علیه السلام لم يلتفت إليه وضرب بين أذني راحلته، ونهره(3)، فشكا مروان ذلك إلى عثمان بأن الإمام عليّاً علیه السلام قد عصى أمرك، فأرسل عثمان في طلب الإمام علیه السلام، وقال له: (ألم يبلغك أني قد نهيت الناس عن أبي ذر، وعن تشييعه، وضربت مروان بين أذني راحلته وشتمته، فهو شاتمك وضارب بين أذني راحلتك، قال الإمام علیه السلام: أما راحلتي فهي تلك، فإن أراد أن يضربها كما ضربت راحلته فليفعل، وأما أنا فوالله لئن شتمني، لأشتمنك أنت بمثلها بما لا أكذب فيه، ولا أقول إلا حقاً، فقال عثمان:

ولم لا يشتمك إذا شتمته، فوالله ما أنت بأفضل منه، فغضب أمير المؤمنين علیه السلام وقال: إليّ تقول هذا، وبمروان تعدلني، فأنا أفضل منك، وأبي أفضل من أبيك، وأمي أفضل من أمك، وهذه نبلي قد نثلتها، فغضب عثمان، واحمر وجهه، فقام

ص: 90


1- الربذة، وهي قرية من قرى المدينة تبعد ثلاثة أيام عن المدينة، على طريق الحجاز، وفيها قبر الصحابي أبي ذر الغفاري، وكان قد خرج مغاضباً لعثمان، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 3 / 24
2- عبد الله بن جعفر بن أبي طالب القرشي الهاشمي، يكنى أبا جعفر، ولدته أمه في الحبشة، وأمه أسماء بنت عميس ،وقدم مع أبيه المدينة، وكان كريماً جواداً ظريفاً، وكان من أجود أهل المدينة، وكان يحفظ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومات في المدينة سنة (80 ه)، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6 / 461؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 387
3- الجوهري، السقيفة وفدك، 7؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 69

ودخل داره وانصرف أمير المؤمنين علیه السلام، ثم أصطلح الطرفان بعد ذلك)(1).

يفهم من النص المتقدم أن عثمان وبني أمية أخذوا يتحكمون بأمور الدولة والمسلمين على وفق أَهوائهم وآرائهم، حتى مع أمير المؤمنين علي علیه السلام وعلاقته بالمجتمع، وذلك عندما خرج ليودع أبا ذر صاحب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، عندما أعلن موقفه بالوقوف ضد سياسة عثمان، ووصل الأمر إلى أن يعدل أمير المؤمنين علیه السلام بمروان طريد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وكذلك وصل الحال بطلب عثمان من الإمام علیه السلام أن يسبه مروان، إذ ورد في الرواية أن مروان هو الغالب على رأي عثمان(2).

ونلاحظ أن مروان لم يتجرأ على سب الإمام ولكن الوليد بن عقبة سبق أنسب الإمام علیه السلام عندما أقام عليه الحد في قضية شرب الخمر ودفاع عثمان عنه، ولم يتجرأ أحد بإقامة الحد عليه إلا الإمام علي علیه السلام، فلذلك قال له الوليد عندما أراد جلده: (يا صاحب مكس(3)، فرد عليه عقيل بن أبي طالب وكان ممن حضر، إنك لتتكلم يا ابن أبي معيط كأنك لا تدري من أنت، وأنت علج من أهل صفورية)(4).

نستشف من ذلك أن بسبب تهاون عثمان مع أقاربه من بني أمية، وعدم تطبيق حدود الله عليهم، جعلهم يتمادون في طغيانهم، بل وتجرأهم على أمير المؤمنين علیه السلام، مما انعكس ذلك سلباً على العلاقة بين الأسرتين، ومما لاشك فيه أن

ص: 91


1- المسعودي، مروج الذهب، 1 / 632؛ المجلسي، بحار الأنوار، 31 / 182
2- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 70
3- صاحب مكس، المكس، الظلم وقيل انتقاص الثمن وهو ما يأخذه العشار من دراهم، وفي الحديث (لا يدخل صاحب مكس الجنة)، ينظر، الزبيدي، تاج العروس، 8 / 477
4- المسعودي، مروج الذهب، 1، 627

هذه الأمور قد زادت من حقد الأمويين على بني هاشم.

العلاقة بين بني هاشم وبني أمية بعد مقتل عثمان بعد مقتل عثمان من الذين ثاروا عليه، بويع لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام بالخلافة من قبل المهاجرين والأنصار، إلا ثلاثة نفر من بني أمية، وأولهم مروان بن الحكم، وسعيد بن العاص، والوليد بن عقبة، وكان لسان القوم، وخاطب أمير المؤمنين علیه السلام، بما فعل بهم في بدر وشتمه لمروان بن الحكم، وعيبه لعثمان حين ضمه إليه، واتفقوا فيما بينهم واشترطوا عليه عدة شروط لقاء بيعته، منها أن يترك ما في أيديهم من أموال، وقتل قتلة عثمان، فغضب أمير المؤمنين علیه السلام لكلامهم وقال: (أما ما ذكرت من وتري إياكم، فالحق وتركم، وأما وضعي عنكم ما أصبتم، فليس لي أن أضع حقاً من حقوق الله تعالى، وأما إعفائي عما في أيديكم فما كان لله وللمسلمين فالعدل يسعكم، وأما قتلي قتلة عثمان، فلو لزمني قتلهم اليوم لزمني قتالهم غداً، ولكن أحملكم على كتاب الله وسنة نبيه، فمن ضاق عليه الحق، فالباطل عليه أضيق)(1).

نستنتج من الرواية عدة أمور منها، أنهم لا يزالون يحملون في صدورهم البغض لأمير المؤمنين علیه السلام والحقد عليه لقتله آبائهم في معركة بدر، فضلاً عن مطالبتهم بإعفائهم عما في أيديهم من الأموال التي أخذوها في حياة عثمان، وفي

ص: 92


1- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 76؛ المسعودي، مروج الذهب، 1 / 642؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 31

حال قيام الإمام علیه السلام بذلك سيعطل حقاً من حقوق الله، وحاشاه أن يفعل ذلك كما أخبرهم، والشيء الآخر أنهم وجدوا حجة جديدة، وذلك لجعلها سبباً رئيساً لتحقيق أهدافهم السياسية والمادية لدى الإمام ومساومته على ذلك، ألا وهي المطالبة بدم عثمان، والأخذ بثأره، لكن الإمام علیه السلام رفض إعطاءهم ما يتمنون وهو ما أدى إلى زيادة الحقد عليه من قبلهم.

وبيّن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام موقفه حيال مطالبهم المتمثلة بإبقاء أموالهم بحوزتهم، ولا سيما قطائع عثمان، إذ ذكر في هذا الصدد قوله: (والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الإماء لرددته فإن في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق)(1)، إذ بيّن الشراح في شرح هذه الخطبة، وهو أن القطائع هي ما يمنحه الإمام لبعض الرعية من أرض بيت المال ذات الخراج، وتسقط عن خراجه ويجعل عليها ضريبة يسيرة عن الخراج(2)، وكان عثمان قد أقطع كثيراً من بني أمية وغيرهم من أوليائه من أرض الخراج على هذه الصورة أي بدون مقابل ولكن نجد على العكس من عثمان، أن عمر قد أقطع القطائع لأرباب الحرب والآثار المشهورة في الجهاد، وفعل ذلك ثمناً لما بذلوه(3)، وبين الإمام علیه السلام، ان كل قطيعة أقطعها عثمان وكل مال أعطاه من مال الله والمسلمين فهو مردود إلى بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شيء

ص: 93


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 47
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 250؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 47؛ الصالح، صبحي، نهج البلاغة، 57
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 250؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 1 / 361؛ الصالح، صبحي، نهج البلاغة، 57

ولو وجدته قد تزوج به النساء، وفرق في البلدان لرددته في حاله(1)، وروي أن أمير المؤمنين علیه السلام يقوم بتقسيم المال الموجود في بيت المال ويصلي فيه ركعتين رجاء أن يشهد له يوم القيامة أنه لم يحبس أموال المسلمين(2).

وجاء أن طائفة من أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام أشاروا عليه بإعطاء الأموال لأشراف العرب من قريش وتفضيلهم على الموالي والعجم، لغرض إستمالتهم إلى جانبه، لما كان معاوية يفعل ذلك، فرد عليهم الإمام علیه السلام قائلاً:

(أتأمروني أن اطلب النصر بالجور لا والله ما أفعل ما طلعت شمس وما لاح في السماء نجم، والله لو كان المال لي لسويت بينهم)(3).

ومن المؤكد أن فعل أمير المؤمنين علیه السلام في استرجاع الأموال المأخوذة من أموال المسلمين قد أثار حفيظة المنتفعين من بني أمية وبطانتهم، ومن ثم أدى ذلك إلى زيادة كرههم وحقدهم على أمير المؤمنين علیه السلام، وعلى سياسته التي لم يرضوا بها لأنها تجردهم من كل شيء.

أما بشأن معاوية وعلاقته بالإمام علیه السلام فهي واضحة، وذلك من خلال ما قام به في محاربة الإمام علیه السلام، وعدم الإعتراف ببيعته واستئثاره ببلاد الشام، وكان مبغضاً لأمير المؤمنين علیه السلام شديد الإنحراف عنه، وكيف لا يبغضه، وقد قتل أخاه حنظلة يوم بدر، وخاله الوليد بن عتبة، وشرك حمزة في جده وهو عتبة أو في

ص: 94


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 250
2- ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 42 / 478؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، 3 / 643؛ المتقي الهندي، كنز العمال، 13 / 183
3- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 174؛ الثقفي، الغارات، 76؛ ابن شعبة الحراني، تحف العقول، 130

عمه، وهو شيبة وقتل من بني عمه عبد شمس نفراً كثيراً من أعيانهم، وجاء مقتل عثمان، الذي تمنى معاوية مقتله ليصفو له الجو، على الرغم من تمكنه من نصرته، ولكنه لم يفعل، ونسب مقتله إلى الإمام علیه السلام، وإيوائه لكثير من قتلته، فتأكدت البغضة وثارت الأحقاد بينهم(1).

ومن الشواهد على بغض معاوية للإمام علي علیه السلام، انه روي عن سعد بن أبي وقاص(2) أنه دخل على معاوية في بعض حاجاته، فذكروا الإمام عليّا علیه السلام، فنال معاوية منه فغضب سعد لذلك وقال: (تقول هذا لرجل سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول فيه: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، وسمعته يقول: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وسمعته يقول: لأعطين الراية لرجل يحب الله ورسوله)(3).

وذكر أحد الباحثين ان معاوية حاول بكل ما أوتي من قوة أن يربي جيلاً ومجتمعاً كاملاً على سب الإمام علیه السلام ولعنه، وأقام سنة وظاهرة إجتماعية تمارسها جماهير المسلمين تعد سب عليٍّ علیه السلام أمراً مشروعاً في نظر الإسلام، بل ومحبباً ومرغباً فيه، وحضَّ المسلمين على عده ديناً يلتزم به المرء المسلم في

ص: 95


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 308
2- سعد بن أبي وقاص، واسم أبي وقاص مالك بن وهب بن عبد مناف، ويكنى أبا أسحاق، وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية، وهو من المسلمين الأوائل، وأحد القادة في المعارك والغزوات، وشهد المشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أحد ستة الشورى، ولي الكوفة أيامعثمان، وتوفي سنة (55 ه)، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3 / 127؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء
3- ابن أبي شيبة، المصنف، 7 / 496؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2 / 525

التقرب إلى الله(1).

وعلى الرغم من عظم قدر أمير المؤمنين علیه السلام في النفوس، واعتراف العرب بشجاعته، وانه البطل الذي لا يقام له، كان معاوية يتهدده و عثمان بعد حي، بالحرب والمنابذة ويراسله برسائل خشنة(2)، وروي أن معاوية قدم المدينة أواخر أيام عثمان، فجلس عثمان معتذرا عن أمور قام بها، وقال إن رسول الله قد قبل توبة الكافر، وإني رددت عمي الحكم بن العاص لأنه تاب، فقبلت توبته، فقطع عليه كلامه معاوية وقال للمسلمين الحاضرين عنده: (أيها المهاجرون، قد علمتم أنه ليس منكم رجل إلا قد كان قبل الإسلام مغموراً في قومه تقطع الأمور دونه حتى بعث الله رسوله فسبقتم إليه، وأبطأ عنه أهل الشرف والرئاسة... وسيدوم لكم هذا الأمر ما استقمتم، فإن تركتم شيخنا هذا يموت على فراشه وإلا خرج منكم، ولا ينفعكم سبقكم وهجرتكم فقال له علي علیه السلام: ما أنت وهذا يا ابن اللخناء، فقال معاوية: مهلاً يا أبا حسن عن ذكر أمي فما كانت أخس نسائكم، فنهض الإمام علیه السلام وخرج من المسجد... وفي اليوم التالي دخل معاوية إلى المسجد واتفق الحاضرون وفيهم الزبير ألا يوسعوا له، فجاء وجلس بين أيديهم وقال لهم: أتدرون لماذا جئت؟ قالوا لا، فقال: أني أقسم بالله إن لم تتركوا شيخكم يموت على فراشه لا أعطيكم إلا هذا السيف)(3).

إن هذه الرواية تعطي التبريرات لمعاوية نفسه في الأخذ بثأر عثمان، وكأن القوم من المهاجرين هم من نقم على عثمان في حين أن جل الثوار كانوا من

ص: 96


1- الحيدري، كمال، معالم الإسلام الأموي، 153
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 308
3- ابن شبة النميري، تاريخ المدينة، 3 / 1093؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 309

الأمصار وهم من أشعل نار الثورة على عثمان وأدى ذلك إلى قتله، في الوقت الذي كان بإستطاعة معاوية نصرته إلا أنه لم يقم بذلك كما بينا في الصفحات السابقة.

واتفقت مصالح الأمويين فيما بينهم، إذ أعلن رؤوس بني أمية الذين لم يبايعوا الإمام علیه السلام وعلى رأسهم سعيد بن العاص والوليد بن عقبة(1)، بالإتفاق مع معاوية عزمهم على حرب الإمام علیه السلام، فضلاً عن محاولة معاوية الإستئثار بالشام والخروج على السلطة، إذ طالب بتوليته على الشام مقابل بيعته، ولكنه جوبه بالرفض المطلق من قبل الإمام علیه السلام بعد تبادل الطرفين العديد من الكتب والرسائل بهذا الشأن(2).

ومن عداء معاوية لأمير المؤمنين علي علیه السلام هو تأسيسه لمبدأ سياسة السب التي أصبحت فرضاً يتبعه آل أمية وأشياعهم قد ساروا عليه طوال مدة حكمهم، ومن الشواهد على ذلك، ما ذكره ابن أبي الحديد، أن معاوية كتب نسخة واحدة إلى عماله، (أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته، فقام الخطباء في كل كورة، وعلى كل منبر يلعنون علياً ويبرأون منه ويقعون فيه وفي أهل بيته)(3).

ومن جملة ما كتب معاوية إلى عماله بلعن الإمام علیه السلام وسبه، هوما كتبه إلى عامله على الكوفة المغيرة بن شعبة(4)، إذ جاء فيه: (وقد أردت إيصائك بأشياء

ص: 97


1- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 76
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 93
3- شرح نهج البلاغة، 11 / 36
4- المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي، يكنى أبا عبد الله، أحد دهاة العرب وقادتهم وولاتهم، يقال له (مغيرة الرأي)، أسلم سنة (5 ه)، شهد الحديبية واليرموك والقادسية، ولاه عمر البصرة، ثم الكوفة، وتولاها في عهد معاوية، ينظر، الذهبي، سير أعلام النبلاء، 3 / 21؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 6 / 156

كثيرة، فأنا تاركها على بصرك بما يرضيني ويسعد سلطاني ويصلح به رعيتي، ولست تاركاً إيصائك بخصلة: لا تتحتم عن شتم علي وذمه، والترحم على عثمان والاستغفار له، والعيب على أصحاب علي والإقصاء لهم، وترك الإستماع منهم...)(1).

نلاحظ من خلال توصية معاوية للمغيرة بأن لا يدع سب الإمام علي علیه السلام ولعنه والنيل منه ومن أصحابه الذين يتكلمون بفضائله حتى يحقق مآربه في القضاء على مكانة خصمه بين الناس. ومن الشواهد التي أدت إلى قيام معاوية بقتل من يحب أمير المؤمنين علیه السلام ورفضه التخلي عنه هو ما قام به عامله المغيرة ابن شعبة بإخباره بشأن الصحابي الجليل حجر بن عدي(2)، الذي كان يعلو صوته في قول الحق أمام المغيرة بن شعبة مما أدى إلى مقتله بعد أن طلبوا منه هو وبعض أصحابه التخلي عن موالاة أمير المؤمنين علیه السلام ولعنه، ولكنه رفض وقال:

(لا أقول ما يغضب الرب)(3).

ص: 98


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 253؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 326
2- حجر بن عدي بن ربيعة بن معاوية الكندي، وهو معروف بحجر الخير، كان من فضلاء الصحابة، وشهد القادسية، والجمل والنهروان سنة (38 ه) وكان على كندة بصفين، وهو من أعيان الصحابة، قتله معاوية بعد أن بعث به زياد بن أبيه وذلك سنة (51 ه)، وقبره في قرية عذراء بدمشق، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1 / 337؛ ابن عبد البر، الاسيعاب، 173؛ ابن الأثير، أسد الغابة، 1 / 697
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 276؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 8 / 26؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 336

ومن الجدير بالملاحظة أن حقد معاوية وبغضه لأمير المؤمنين علیه السلام استمر حتى بعد إستشهاد الإمام علیه السلام، بل وحتى بعد وفاة معاوية نفسه لكونه المؤسس لذلك، ويتضح ذلك من خلال ملاحقة من يروي فضيلة من فضائل أمير المؤمنين علیه السلام أو أهل بيته علیهم السلام، وكل ذلك محاولة من الأمويين وعلى رأسهم معاوية ابن أبي سفيان في القضاء على آثار أهل البيت علیهم السلام بين المسلمين، فضلاً عن آثار الموالين لهم الذين لم يتخلوا عن تبعيتهم لإمامهم علیه السلام.

ومن أساليب معاوية، أنه كتب إلى عماله (أن الحديث كثر في عثمان وفشا في كل مصر، وناحية، فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتون بمناقض له في الصحابة فإن هذا أحب إليَّ وأقرّ لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته وأشد إليهم من مناقب عثمان وفضله. وذلك عن طريق إرسال الصلات والأموال)(1).

وقد أراد معاوية من خلال ذلك محو آثار أمير المؤمنين علیه السلام وشيعته ومواليه، لذلك لم يتوان في وضع الأحاديث المكذوبة على النبي صلی الله علیه و آله وسلم، من أجل النيل من مكانة الإمام علیه السلام وأهل بيته، وقد استخدم في ذلك موارد بيت مال المسلمين في سبيل تلك الغاية.

ومن جانب آخر أمر معاوية اصحاب الدواوين في الأمصار ان ينظروا من قامت عليه البينة انه يحب علياً علیه السلام وأهل بيته، فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه وأن ينكلوا به ويهدموا داره، وكانت نتيجة ذلك أن ظهرت

ص: 99


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 11 / 37

الكثير من الأحاديث الموضوعة من قبل المحدثين ليحظوا عند ولاتهم بالجاه والأموال(1)، وكل ذلك فعله معاوية بسبب عدائه لأمير المؤمنين علیه السلام، وكذلك اعتقاده بأنه أولى الناس بالأمر من جهة ولكونه الحجة على الناس بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم، ولأنهم يحبون علياً علیه السلام، ولا ذنب لهم سوى ذلك.

وعلى الرغم من ورود الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة في حب الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام، منها ما روي عن أنس بن مالك(2) أنه قال: قام فينا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال: (أيها الناس إني أحدثكم حديثاً فأعرفوا، وعرفوا به الناس بعدي، أنه لا يحب علياً إلا من أحبني، ولا يبغضه إلا من أبغضني، فمن حدثكم أنه يحبني ويبغض علياً فهو كاذب، وإنه لشيء كتبه الله عز وجل عليه لا يملك غيره)(3)، وفي حديث آخر عن عبد الله بن مسعود(4)، قال: (سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول من زعم أنه آمن بي وما أنزل عليَّ وهو يبغض علياً فهو كاذب ليس بمؤمن)(5).

ص: 100


1- المصدر نفسه، 11 / 37
2- أنس بن مالك بن النضير بن ضمضم بن زيد بن حزام، الإمام المفتي المقريء المحدث، خادم الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وآخر اصحابه موتاً، روى عنه علوم كثيرة، وتوفي سنة (93 ه)، ينظر، ابن عبد البر، الاستيعاب، 53؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 1 / 275
3- المغربي، شرح الأخبار، 1 / 153؛ الطوسي، الأمالي، 547
4- عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن فأر بن مخزوم، وهو من المسلمين الأوائل، وأحد أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، شهد بدراً والحديبية والهجرتين أي الى الحبشة والمدينة، وتوفي سنة (32 ه) ودفن في البقيع، ينظر، ابن عبد البر، الاستيعاب، 407؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 1، 461
5- المغربي، شرح الأخبار، 1 / 153، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 42 / 280

ولعل الحديثين السابقين غيض من فيض من أحاديث المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، إذ ورد له صلی الله علیه و آله وسلم العديد من الأحاديث بهذا الخصوص، وما ذلك إلا تأكيدٌ على تقديم علي علیه السلام على غيره من المسلمين فيأمورهم الدينية والدنيوية.

وعلى الرغم من ذلك كله نجد أن معاوية يتخذ المواقف من أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب علیه السلام، ولعل ذلك متأتٍ من كون إسلام معاوية والعديد من أهل بيته كان إسلاماً نفعياً، إسلام رهبة ومصلحة، ولم يكن إسلام رغبة واعتقاد ويقين، لذلك جاهر في عدائه لأمير المؤمنين علیه السلام والمصلحين من المسلمين.

ص: 101

ص: 102

المبحث الثالث نهج البلاغة وجامعه الشريف الرضي (ت 406 ه / 1015 م)

نهج البلاغة ومميزاته نهج البلاغة هو عبارة عن مجموعة من منتخبات خطب وأدعية ووصايا ورسائل وكلمات قصار للإمام علي بن أبي طالب علیه السلام جمعها الشريف الرضي، و من المعروف ان هذه الكلمات التي جمعت من قبل الشريف الرضي ليست الوحيدة التي نقلت عن الإمام علیه السلام، بل أن هناك المئات من الخطب التي وردت عنه علیه السلام، التي قال عنها المسعودي: (والذي حفظ الناس عنه من خطبه في سائر مقاماته أربعمائة خطبة ونيف وثمانون خطبة يوردها على البديهية، وتداول ذلك عنه قولاً وعملاً)(1).

وتميزت كتابات الإمام علي علیه السلام في كتبه ورسائله بأسلوب فني ألا وهو

ص: 103


1- مروج الذهب، 1 / 705؛ ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 7؛ ينظر، اليعقوبي، مشاكلة الناس لزمانهم، 198؛ الشيرازي، نفحات الولاية، 1 / 33، الحائري، أيوب، قبسات من نهج البلاغة، 17؛ جابر، حميد سراج، الفكر الإختباري، 41

المخاطبة بالأسم، وهو ما كان متبعاً منذ عصر الرسول المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم، وقد تبين ذلك جلياً من خلال ما بعثه من الرسائل والكتب إلى ملوك الدول، لغرض نشر الدعوة الإسلامية، فأصبح ذلك الأسلوب الفني متبعاً فيما بعد، وقد سار عليه أمير المؤمنين علیه السلام بعد ذلك، واتبعه في كتبه ورسائله التي كان يبعث بها إلى ولاته وعماله وأعدائه، ومثال ذلك كتابه الذي بعثه إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرة جاء فيه:

(من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى أهل الكوفة جبهة الأنصار وسنام العرب)(1)، واستخدم الإمام علیه السلام ألفاظاً واستعارات أراد بها الرفعة والعلو للمقابل، وفي الوقت نفسه تحمل في طياتها معاني أخرى، مثل كلمة الجبهة والسنام(2)، ومن سماتها أيضاً قوة الإيحاء، إذ تتضمن معنيين، الأول حقيقي، والثاني مجازي(3).

واشتمل نهج البلاغة على الأمور البلاغية، والفصاحة وعلوم اللغة العربية، ومعاني الكلمات الدينية والدنيوية ما لا يوجد مجتمعاً في أي كتاب آخر، فأمير المؤمنين علیه السلام هو الذي شرع الفصاحة والبلاغة، وأظهر بواطنها، ومنه تعلم الناس قوانين البلاغة والفصاحة، وأصبح المنبع الوحيد الذي يستقي منه الخطباء والوعاظ جواهر الكلام، ومع ذلك بقي كلامه علیه السلام في الصدارة ولم يتقدم عليه أحد منهم، لأن كلامه الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي(4)، وفيه

ص: 104


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 391
2- الفحام، عباس علي، بلاغة النهج، 151
3- المصدر، نفسه، 152
4- أي أن خطبه تحوي الكثير من أسرارالتوحيد والنبوات والقضاء والقدر وأحوال المعاد مالم يأت في كلام أحد من أكابر العلماء، وأساطين الحكمة، ينظر، البحراني، شرح المئة كلمة لأمير المؤمنين، 217

عبقة من الكلام النبوي(1)، والمتمعن في نهج البلاغة يجده يحتوي على أبواب عديدة من العلوم المختلفة التي لا يستغني عنها طالب العلم، فضلاً عن العالم المتعلم، وكذلك بما يتضمنه من كلام عن التوحيد والعدل وتنزيه الله تعالى عن تشبيهه بالخلق، وإزالة كل الشبهات عن ذلك(2).

ويمتاز نهج البلاغة بميزة الفصاحة والجمال التي لا تحتاج إلى توضيح لمن كان له خبرة ومعرفة بفنون الكلام، وعلى الرغم من مرور أربعة عشر قرناً تقريباً على نهج البلاغة نجده على ما كان عليه من الحلاوة واللطف(3)، لذلك نجد بعض أصحاب الإمام علیه السلام ممن كان له خبرة في هذا الفن، من المعجبين بكلام الإمام كابن عباس، الذي قال عنه الجاحظ بأنه من الخطباء الأقوياء، كان يسعى دائماً لسماع الإمام علیه السلام، حتى أن الإمام علیه السلام عندما قطع عليه رجل خطبته المعروفة بالشقشقية، سأله ابن عباس قائلاً: (يا أمير المؤمنين لو أطردت خطبتك من حيث أفضيت، فقال علیه السلام:

(هيهات إنها شقشقة هدرت ثم قرت، ولم يطرد في كلامه، فكان ابن عباس يقول: والله ما ندمت على شيء كما ندمت على قطعه هذا الكلام)(4).

وجاء عن ابن عباس في كتاب بعثه إليه أمير المؤمنين علیه السلام بقوله:

ص: 105


1- الشريف الرضي، نهج البلاغة، 18
2- المصدر نفسه، 23
3- المطهري، في رحاب نهج البلاغة، 19
4- البيان والتبيين، 1 / 230

(ما انتفعت بعد كلام رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كانتفاعي بهذا الكلام)(1)، وفي الموضوع ذاته، نجد حتى أعداءه علیه السلام قد شهدوا له بالفصاحة والبيان وجمال الأسلوب، إذ روي أن محقن بن أبي محقن(2)، الذي أدبر عن الإمام علي علیه السلام وجاء إلى معاوية متملقاً وقال له: جئتك من أعيا الناس، فقال له معاوية: (ويحك كيف يكون أعيا الناس، فوالله ما سنَّ الفصاحة لقريش غيره)(3).

وهذه شهادة من أعدائه الذين لا يستطيعون إنكار ما له من الفصاحة والبلاغة والعلم الذي ورثه من علم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وبيّن ابن أبي الحديد بالقول:

أن أمير المؤمنين علیه السلام هو إمام الفصحاء، كما قال في كلامه أنه: (دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين، وكان على قوله مسحة من العلم الإلهي، وفيه عبقة من الكلام النبوي، ومنه تعلم الناس الخطابة والكتابة)(4).

أقوال العلماء والمفكرين والأدباء في نهج البلاغة أورد الكثير من العلماء والمفكرين والأدباء أراءهم وأقوالهم حول نهج البلاغة، وعلى الرغم من اختلافها، لكنها جاءت ضمن إطار واحد، ألا وهو

ص: 106


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 108
2- محقن بن أبي محقن الديلي، روى عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم وروى عنه ابنه بسر، وهو الذي مر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد إنصرافه من صلاة الفجر، وكان مع سرية زيد بن حارثة في سرية حسمي التي كانت في جمادي الآخرة سنة (6 ه)، ينظر، ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، 10 / 49
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 49؛ الحلي، كشف اليقين، 475
4- شرح نهج البلاغة، 1 / 149

المدح والثناء على هذا الكتاب، لما تضمنه من خطب ورسائل وحكم ومواعظ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، وقد اكتفينا بأراء مجموعة من العلماء القدامى والباحثين المحدثين الذين بينوا موقفهم من نهج البلاغة، وجاء هذا الإختصار من أجل عدم الإطالة، فضلا عن إيراد آراء أخرى من قبل باحثين آخرين تناولوا هذا الموضوع(1).

وسنورد بعض آراء العلماء القدماء بهذا الشأن، إذ قال عبد الحميد بن يحيى الكاتب(2): (حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع، ففاضت ثم فاضت)(3)، وقال ابن نباتة(4): (حفظت من الخطابة كنزاً لا يزيده إلا سعة وكثرة، حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب)(5).

ونرى الجاحظ يمدح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، حيث أورد قوله:

ص: 107


1- المطهري، في رحاب نهج البلاغة، 21 - 23؛ الحائري، قبسات من نهج البلاغة، 23 - 28؛ الزيدي، أهل البيت علیهم السلام مكانتهم وفضلهم وموقف الأمة منهم في نهج البلاغة، 20 - 25
2- عبد الحميد بن يحيى بن سعد مولى بني عامر، الكاتب البليغ، وبه يضرب المثل في البلاغة حتى قيل: فتحت الرسائل بعبد الحميد وختمت بابن العميد، وكان في الكتابة وفي كل فن من العلم والأدب إماماً، وهو من أهل الشام ، وتوفي سنة (132 ه)، ينظر، ابن خلكان، وفيات الأعيان، 3 / 228
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 49
4- ابن نباتة، أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد بن اسماعيل، صاحب الخطب المشهورة، كان إماماً في علوم الأدب، وأجمع على ان خطبه ما عمل مثلها، وهو من اهل ميافارقين، وكان خطيب حلب، وبها اجتمع مع أبي الطيب المتنبي في خدمة سيف الدولة بن حمدان، وتوفي سنة (347 ه)، ينظر ابن خلكان، وفيات الأعيان، 3 / 156
5- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 49

(قيمة كل أمرئٍ ما يحسن)(1)، إذ بيّن رأيه في قوله هذا: (لو لم نقف من هذا الكتاب إلا على هذه الكلمة لوجدناها كافية شافية، لما تضمنتها من معاني كثيرة على الرغم من قصرها، ولكن فيها ما يغني عن الكلام الكثير، وأثنى عليه واصفاً إياه بأن الله تعالى قد ألبسه من ثوب الجلالة، وأغشاه من نور حكمته...

بقدر ما يحمله الإمام علیه السلام من نية صادقة في تقواه، مما انعكست تلك الحكمة على قوله الشريف)(2).

أما قطب الدين الكيذري، فقد بيّن موقفه بقوله: (ان هذا هو نهج البلاغة نطفة من بحار علومه الغزيرة، ودرة من جواهر أصدافه الجمة الغفيرة، وقطرة من قطرات غيثه المدرار، وكوكب من كواكب فلكه الدوار، ولعمري أنه الكتاب الذي لا يدانيه في كمال الفضل كتاب، وطالب مثله كالعنزي لا يرجى له إياب، وهو محجر عيون العلوم، وفي خلال الكتب كالبدر بين النجوم، ألفاظه عِلوية عَلوية، ومعانيه قدسية نبوية، وهو عديم المثل والنظير... وهذا الكتاب الغاية في بلاغة البلغاء والنهاية في فصاحة الفصحاء)(3).

بينما نجد الراوندي (ت 573 ه) قد بيّن مكانة كلام أمير المؤمنين علیه السلام الذي يأتي من حيث أهميته بعد كتاب الله تعالى وقول رسوله المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم، لأنه يحمل في طياته تفاصيل عن كل ما يحتاج إليه الفرد من أموره الدنيوية والدينية، لأن الإمام علیه السلام أخذ واستنبط علومه من مدرسة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، الذي علمه من علومه

ص: 108


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 4 / 517
2- البيان والتبيين، 1 / 83؛ الآملي، حسن زادة، دراسة مصادر نهج البلاغة، 15
3- حدائق الحقائق، 1 / 68 - 69

قبل وفاته ألف باب من العلوم، ينفتح له من كل باب ألف باب من العلم(1).

وقال سبط بن الجوزي (ت 654 ه): (ان كلام أمير المؤمنين علیه السلام محفوف بالعصمة والعناية الإلهية، ويتضمن موازين الحكمة، فكل من يسمعه يحس أن الله تعالى ألقى عليه المهابة، وهو مزيج بين الحلاوة والفصاحة والبهجة والقبول، بحيث أعجز الناطقين، وحير أصحاب العقول، لأن ألفاظه يشرف عليها نور النبوة)(2).

وذهب ابن أبي الحديد المعتزلي (ت 656 ه) بقوله: (ان كلامه علیه السلام دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين، ومنه تعلم الناس الخطابة والكتابة)(3)، فضلًا عن ما تضمنه نهج البلاغة من الكثير من التفاصيل الدقيقة الخاصة بعلم التوحيد والعدل، بالإضافة إلى ما يتضمنه من المواعظ الخاصة بالزهد، والتحذيرات الدينية، والمواضيع الخاصة بالأخلاق، واحتوى على العديد من المسائل الفقهية التي يسير عليها الناس، ومواضيعه تدخل ضمن إطار المعجزات المحمدية لأنها تحوي الكثير من المسائل الغيبية، التي هي خارج نطاق القدرة البشرية، ومنها ما لا يفهمه إلا العارفون والراسخون في العلم(4).

أما فيما يخص الأراء التي طرحها العلماء المحدثون بخصوص نهج البلاغة وموقفهم منه، فقد وصف أغا بزرك الطهراني نهج البلاغة بأنه كالشمس الطالعة التي جعلت رؤيتها لجميع الناس، لما لها من علو الشأن والقدر وارتفاع

ص: 109


1- منهاج البراعة، 1 / 7
2- تذكرة الخواص، 119
3- شرح نهج البلاغة، 1 / 49
4- أبن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 32

المحل، والتي أخذ من نورها جميع الكائنات، فكتاب النهج الذي أخذ يقتبس من نور علمه جميع الناس، لأنه صدر من معدن الوحي الإلهي، وانه يأتي بعد القرآن الكريم من حيث التبليغ والتعليم، وفيه من القوانين ما توصل الفرد إلى سعادة الدنيا والنعيم في الآخرة، وقد قيل فيه:

نهج البلاغة نهج العلم والعمل *** فاسلكه يا صاح تبلغ غاية الأمل(1) أما محمد عبده فقد بيّن موقفه من نهج البلاغة، إذ قال في هذا الصدد: (لقد أوفي لي حكم القدر الإطلاع على نهج البلاغة مصادفة بلا تعمّل... فتصفحت صفحاته، وتأملت جملا من عباراته، من مواضع مختلفات، وموضوعات متفرقات، فكان يخيل إليَّ في كل مقام، أن حروباً شبت وغارات شنت، وان للبلاغة دولة، وللفصاحة صولة، بل كلما انتقلت من موضع إلى آخر أحس بتغير المشاهد، وتحول المعاهد، فتارة كنت أجدني في عالم يغمره من المعاني أرواح عالية في حلل العبارات الزاهية تطوف على النفوس الزاكية، وتدنو من القلوب الصافية... وأحياناً كنت أشهد أن عقلا نورانياً، لا يشبه خلقاً جسدياً فصل عن الموكب الإلهي، واتصل بالروح الإنساني، فخلعه من غاشيات الطبيعة وسما به إلى الملكوت الأعلى، ونما به إلى المشهد الأجلي... وأنات كأني أسمع خطيب الحكمة ينادي بأعلياء الكلمة، وأولياء أمر الأمة يعرفهم مواضع الصواب، ويبصرهم مواضع الإرتياب، ويحذرهم مزالق الإضطراب... ويرتفع بهم إلى منصات الرئاسة)(2).

وفي الصدد ذاته ذكر محمد جواد مغنية رأيه بخصوص نهج البلاغة قائلاً

ص: 110


1- الذريعة في تصانيف الشيعة، 14 / 111
2- نهج البلاغة، 1 / 5 - 6

(شرحت أول خطبة تضمنت هذا الموضوع، شرحت وفسرت بما تهيأ لي من صياغة وتركيب، وجاءت الثانية، وفيها نفس الموضوع بأسلوب آخر فشرحتها بأسلوب آخر، ثم الثالثة والرابعة...إلى عشرات، فوقفت حائراً، هل أكرر ما سبق كما فعل غيري من الشارحين، أو أحيل على ما تقدم، أو أشرح باسلوب عاشر أو حادي عشر، ومن أين؟ فأفنيت علاتي فماذا أقول، وقد أكرر مع التلخيص أو أحيل أو أكرر وأتعسف)(1).

نلاحظ أن كلام محمد جواد مغنية حول نهج البلاغة يتكلم فيه عن دقة أمير المؤمنين علیه السلام ومدى براعته في صياغة الخطب، حيث يجعل لكل خطبة اسلوبها وصياغتها الخاصة بها بمعزل عن الخطب الأخرى، وهذا مما حير عقول العلماء.

والمتتبع لخطب وكلام الإمام علیه السلام يجده يتضمن الكثير من المعاني التي لا يمكن فهمها بسهولة إلا بعد الإستعانة بمفردات اللغة العربية عن طريق المعاجم اللغوية.

وفي الحديث ذاته بيّن حسن آل عصفور رأيه بشأن نهج البلاغة، إذ قال: (إن نهج البلاغة هو القرآن الناطق، والثقل الآخر بأتفاق الموافق والمخالف، وهو البحر الذي لا يدرك قراره، ولا يسبر أغواره، فهو أحسن مثال حي للإنسان الكامل في كتاب الله الحق في حكمته وعلمه وهديه وإعجازه وفصاحته)(2).

أما الكاتب جورج جرداق فقد صور لنا نهج البلاغة بصورة فنية تتجسد فيها العاطفة والخيال، فقال في كلام الإمام علیه السلام: (هذا الذكاء الخارق، وهذا الخيال الخصب في أدب الإمام يتحدان إتحاد الطبيعة بالطبيعة مع العاطفة

ص: 111


1- في ظلال نهج البلاغة، 3 / 46
2- إتمام نهج البلاغة، 5

الهادرة التي تمدها بوهج الحياة، فإذا الفكرة تتحرك وتجري في عروقها الدماء سخية حارة، وإذا بها تخاطب فيك الشعور بمقدار ما تخاطب العقل لانطلاقها من عقل تمده العاطفة بالدفئ، وقد يعجب المرء بأثر من آثار الفكر أو الخيال في ميادين الأدب وسائر الفنون، إن لم تكن للعاطفة مشاركة فاعلة في إنتاج هذا الأثر)(1).

جامع نهج البلاغة الشريف الرضي أولاً: نسب الشريف الرضي الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي ابن أبي طالب علیهم السلام، المعروف بالموسوي ولد ببغداد سنة (359 ه / 970 م)(2).

جاء عند الثعالبي أن الشريف الرضي: (ابتدأ يقول الشعر بعد أن جاوز عشر سنين بقليل، وهو اليوم أبدع أهل الزمان إنشاء، وأعجب سادة العراق الحذاق، يتحلى مع محتده الشريف، ومفخره المنيف بأدب ظاهر، وفضل باهر، وحفظ من جميع المحاسن وافر، ثم أنه أشعر الطالبيين على كثرة شعرائهم المفلقين(3)، ولو

ص: 112


1- روائع نهج البلاغة، 14
2- الخطيب البغدادي، تاريخ مدينة بغداد، 3 / 41؛ ابن خلكان، وفيات الأعيان، 4 / 415؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 17 / 285؛ الصفدي، وفيات الأعيان، 2 / 276
3- المفلق، يقال: أفلق فلان وهو يفلق إذا جاء بعجب وشاعر مفلق يجيء بالعجائب في شعره، ينظر،ابن منظور، لسان العرب، 10 / 311

قلت إنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق)(1).

ولي الشريف الرضي نقابة الطالبين(2) ولقب بذي الحسبين، ويكنى أبا الحسن، نقيب النقباء، وهو ذو الفضائل الشائعة والمكارم الذائعة وولي نقابة الطالبين مراراً(3)، ومن الجدير بالذكر أن والد السيد الرضي (الحسين بن موسى) ولي نقابة الطالبين قبل ذلك خمس مرات(4)، و كان يحكم فيهم وولي كذلك النظر في المظالم، وإمارة الحج وبعد ذلك ردت هذه الأعمال إلى ولده الرضي سنة (388 ه / 988 م)، وأبوه على قيد الحياة(5).

وجاء أن الشريف الرضي عالي الهمة شريف النفس، لم يقبل صلة ولا جائزة حتى أنه رد صلات أبيه، وأما ملوك بني بويه فإنهم اجتهدوا على قبوله صلاتهم فلم يقبل، وكان يرضى بالإكرام وصيانة الجانب وإعزاز الأتباع

ص: 113


1- يتيمة الدهر، 3 / 155
2- نقابة الطالبين النقابة هي الرئاسة، والنقابة مثل الولاية، وهي وظيفة شرفية عرفت في البلاد الإسلامية منذ العهد العباسي، وكان يقيم على السادة الأشراف نقيبا لهم إجلالا لهم واعترافا برفعة منزلهم وعظيم مقامهم، ويعينه في كل مدينة يكثر فيها عددهم يمثلهم ويترأس عليهم، ويختار لها أجلهم بيتا وأكثرهم فضلا وأجزلهم رأيا لتجتمع فيه شروط الرياسة والسياسة فيسرعوا إلى طاعته برياسته وتستقيم أمورهم بسياسته، ثم ينصب أحدهم بوظيفة نقيب النقباء وهو بمثابة المشرف على سائر النقباء في الديار الإسلامية، ينظر، الماوردي، الاحكام السلطانية، 126
3- الخطيب البغدادي، تاريخ مدينة بغداد، 32، 40؛ ابن خلكان، وفيات الأعيان، 4 / 415؛ الصفدي، الوافي بالوفيات، 2 / 276
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1، 55
5- ابن خلكان، وفيات الأعيان، 4 / 415

والأصحاب(1)، حتى ان بهاء الدولة(2)، كان يلقبه بالطاهر الأوحد(3).

وأورد ابن الجوزي ان الشريف الرضي قرأ عند الشيخ أبي اسحق إبراهيم بن أحمد الطبري(4)، وكان الشريف حينذاك شابًا حديث السن، فقال له الشيخ:

(أيها الشريف أين مقامك؟ قال: في دار أبي بباب محول(5)، فقال مثلك لا يقيم بدار أبيه، قد نحلتك داري التي بالكرخ المعروفة بالبركة فامتنع الرضي، وقال:

لم أقبل من غير أبي قط شيئاً، فقال له: حقي عليك أعظم لأني حفظتك كتاب الله فقبلها)(6).

وذكر ابن أبي الحديد(7)، أن الشريف الرضي كان مترسلًا ذا كتابة قوية وكان عفيفاً شريف النفس، عالي الهمة ملتزماً بالدين وقوانينه، وكان يتمتع

ص: 114


1- المدني، الدرجات الرفيعة، 468
2- بهاء الدولة، فيروز أبو نصر الملقب بهاء الدولة بن عضد الدولة الديلمي، صاحب بغداد، وهو الذي قبض على العباسي الطائع وولى القادر، كان يحب المصادرات، فجمع اموالاً ما لم يجمعه احد من قبله من بني بويه، وتوفي سنة (403 ه)، ينظر، الذهبي، سير أعلام النبلاء، 17 / 185؛ الصفدي، الوافي بالوفيات، 7 / 19
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 55
4- إبراهيم بن أحمد بن محمد أبو اسحق الطبري، قرأ القرآن وسمع الكثير من الحديث كان فقيها على مذهب مالك، وكان شيخ الشهود ومقدمهم، وكان كريماً مفضلاً على أهل العلم، خرج له الدارقطني خمسمائة جزء، ينظر، ابن الجوزي، المنتظم، 15 / 38
5- باب محول، هي محلة كبيرة في بغداد، كانت متصلة بالكرخ، ذات جامع وسوق، وتقع في غربي بغداد مشرفة على السراة، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 1 / 312
6- ابن الجوزي، المنتظم، 15 / 38
7- شرح نهج البلاغة، 1 / 57

بشرف وشدة ظلف(1)، وتوفي الشريف الرضي يوم الأحد السادس من محرم سنة (406 ه / 1015 م)، ودفن في داره في مسجد الأنباريين(2)، وحضر وفاته الوزير فخر الملك(3)، وحضر جميع الأعيان والأشراف والقضاة جنازته والصلاة عليه، ثم نقل إلى مشهد الإمام الحسين بن علي علیه السلام بكربلاء فدفن عند أبيه(4).

ثانياً - أقوال المؤرخين والعلماء بحق الشريف الرضي حظي الشريف الرضي بمكانة متميزة بين العلماء والمؤرخين المعاصرين له، والمتأخرين عنه، وذلك لما له من علم واسع جعله يحظى بتلك المكانة بين العلماء، بالاضافة إلى تقريب السلطة له، والمناصب الإدارية التي كلف بها، والألقاب التي حصل عليها من قبل الأمراء في البلاد، وقد ذكره الكثير من العلماء والمؤرخين.

و في هذا الصدد ذكر النجاشي، ان الشريف الرضي نقيب العلويين ببغداد، أخو المرتضى كان شاعراً مبرزاً له كتب عديدة(5)، وذكر ابن تغري بردي: (أن

ص: 115


1- الظلف، هو منع النفس من الشيء، ينظر، الجوهري، الصحاح، 4 / 1399
2- الخطيب البغدادي، تاريخ مدينة بغداد، 3 / 41؛ ابن خلكان، وفيات الأعيان، 4 / 419
3- فخر الملك، الوزير الكبير، أبو غالب محمد بن علي بن خلف الصيرفي، وباسمه صنف كتاب الفخري في الآداب السلطانية، ولي بعض الأعمال، وولي بعد ذلك ديوان واسط ثم استوزر، وكان نائب السلطان بهاء الدولة بفارس، ثم ولي العراق بعد عميد الجيوش، قتل سنة (407 ه)، ينظر، ابن خلكان، وفيات الأعيان، 5 / 124؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 17 / 282
4- ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 8 / 91؛ ابن عنبة، عمدة الطالب، 210؛ المدني، الدرجات الرفيعة، 478؛ الأميني، الغدير، 4 / 211
5- رجال النجاشي، 389

الشريف الرضي كان عارفاً باللغة والفرائض، والفقه، والنحو، وكان شاعراً فصيحاً عالي الهمة متديناً)(1)، بينما ذهب الخطيب البغدادي بقوله: (أنه من أهل العلم والأدب، وله تصانيف كثيرة، وحفظ القرآن في مدة قصيرة، وألف كتاباً في (معاني القرآن)، وكان من أبرز شعراء قريش في عصره، وله أشعار كثيرة)(2).

وترجم الذهبي له وقال: (محمد بن الحسين الشريف الرضي، صاحب الديوان، له نظم في الذروة حتى قيل: هو أشعرالطالبيين، وديوانه من أربع مجلدات، وله كتاب معاني القرآن، مما يدل عل سعة علمه)(3).

أما ابن حجر العسقلاني فجاء في ترجمته للشريف الرضي قوله: (الشريف الرضي أبو الحسن، شاعر بغداد رافضي جلد)(4).

يفهم من شهادة هؤلاء العلماء والمؤرخين بحق الشريف الرضي، بأنها دليل على مكانته العلمية بين علماء عصره، وكذلك ما خلفه من أثر علمي كان له صدى واسع بين العلماء و المؤرخين، تناقلته مصادر التاريخ المختلفة.

ثالثاً: المكانة العلمية للشريف الرضي 1- علم الشريف الرضي:

نشأ الشريف الرضي في دار أبيه الحسين بن موسى، وكان يتصف بصفات

ص: 116


1- النجوم الزاهرة، 4 / 240
2- تاريخ مدينة بغداد، 4 / 40 - 41
3- سير أعلام النبلاء، 1 / 57
4- لسان الميزان، 5 / 141

الذكاء والورع منذ صباه على حد تعبير العلماء، وتم إعتقال أبيه من قبل عضد الدولة(1)، وكان عمرة آنذاك عشر سنوات، فتولت أمه فاطمة بنت الناصر(2)، مهمة تربيته وتعليمه، والرواية معروفة في ذلك، وهي: (أن الشيخ المفيد(3) رأى في المنام كأن فاطمة بنت الرسول صلی الله علیه و آله وسلم دخلت عليه وهو في مسجده في الكرخ ومعها ولداها الحسن والحسين علیهما السلام صغيرين، فسلمتهما إليه وقالت له:

علمهما الفقه، فانتبه متعجباً من ذلك، فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت إليه المسجد فاطمة بنت الناصر، ومعها ولداها الرضي والمرتضى(4) صغيرين، فقالت له: أيها الشيخ هذان ولداي أحضرتهما لتعلمهما

ص: 117


1- عضد الدولة، السلطان، أبو شجاع فناخسرو، صاحب العراق وفارس، ابن السلطان ركن الدولة حسن بن بويه الديلمي، تملك فارس بعد عمه عماد الدولة، ثم كثرت بلاده واتسعت ممالكه، كان بطلاً شجاعاً مهيباً نحوياً، أديباً عالماً، جباراً عسوفاً، ينظر، الذهبي، سير أعلام النبلاء، 16 / 249
2- فاطمة بنت الناصر الصغير بن الحسن أحمد بن محمد الناصر الكبير الطروش بن علي بن الحسين ابن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السلام، ينظر، الشريف الرضي، الناصريات، 8؛ ابن عنبة، عمدة الطالب، 310
3- المفيد، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المعروف بابن المعلم وشيخ الإمامية على مذهبهم، كان صاحب فنون وبحوث وكلام واعتزال وأدب، وكان واحداً من الذين جمعوا فنون العلم الأصليين، الفقه والأخبارومعرفة الرجال والتفسير والنحو، كان يناظر أهل كل عقيدة، توفي، سنة (413 ه)، ينظر، الخطيب البغدادي، تاريخ مدينة بغداد، 4 / 374؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 17 / 344؛ الصفدي، الوافي بالوفيات، 1 / 108
4- الشريف المرتضى، علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السلام، ولد سنة (355 ه) يلقب بالمرتضى ذي المجدين، كانت له نقابة الطالبين، كان إماماً في علم الكلام والأدب والشعر، له تصانيف عديدة على مذهب الشيعة، وله ديوان شعر كبير، توفي سنة (436 ه)، ينظر، ابن خلكان، وفيات الأعيان، 3 / 313؛ الذهبي، سير اعلام النبلاء، 17 / 588

الفقه، فبكى الشيخ المفيد وقص عليها الرؤيا، وتولى تعليمهما الفقه)(1)، نستشف من الرواية أن الشريف الرضي إبتدأ حياته العلمية على يد كبار العلماء في عصره أنذاك، مما ينم على الإدراك الكبير والمستوى العقلي عنده، مما انعكس ذلك إيجابياً على مسيرته العلمية.

وبدأ الشريف الرضي بتلقي العلوم في حداثة سنه، ودرس مع أخيه المرتضى مختلف العلوم والفنون واللغة، ودرس على يد الأديب ابن نباتة السعدي، وقرأ كلاهما الفقه على الشيخ الجليل محمد بن محمد الملقب بالشيخ المفيد، وتتلمذ في الشعر والأدب على أبي عبد الله المرزباني(2)، وأخذ الحديث والأصول وغيرهما من أساتذة آخرين(3)، إذ روي أن الشريف الرضي أحضر إلى ابن السيرافي النحوي(4)، وهو طفل لم يبلغ عشر سنين فلقنه النحو، وجلس معه يوماً في

ص: 118


1- المفيد، المزار، 7؛ الخبري، ديوان الشريف الرضي، 1 / 63؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 63
2- المرزباني، أبو عبد الله محمد بن عمران بن موسى ابن عبيد البغدادي، الكاتب، صاحب التصانيف، وكان راوية مكثراً، صنف أخبار الشعراء، وصنف كتاباً في ذلك، وكان معتزلياً، وصنف كتاباً في أخبار المعتزلة، توفي سنة (384 ه)، ينظر، الخطيب البغدادي، تاريخ مدينة بغداد، 4 / 227؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 16 / 448
3- الشريف المرتضى، الإنتصار، 24
4- السيرافي، أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان السيرافي النحوي، سكن بغداد وولي القضاء بها وكان ابوه مجوسياً اسمه بهزاد فسماه أبوه سعيد بن عبد الله، كان يدرس القرآن والقراءات وعلوم القرآن والنحو واللغة العربية عالماً بالأدب والفرائض والشعر، توفي، سنة (368 ه)، ينظر، ابن خلكان، وفيات الأعيان، 2 / 78؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 16 / 247

الحلقة الدراسية فذاكره بشيء من الإعراب على عادة التعليم فقال له: (إذا رأيت عمر، فما علامة النصب في عمر؟ فقال له الرضي: بغض علي، فعجب السيرافي والحاضرون من حدة خاطره)(1).

وذكر الثعالبي ان الشريف الرضي ابتدأ يقول الشعر بعد ان جاوز عشر سنين بقليل، (وشعره عالي المديح الممتنع في وصفه عن القدح الذي يرجع إلى السلاسة متانة وإلى السهولة رصانة، ويشمل على معادن يقرب جناها ويبعد مداها)(2)، وجاء أن الأدباء يطلقون عليه النائحة الثكلى لرقة شعره(3)، وله أشعار في الغزل والفخر والحماسة، وفي الهجاء ولكن بألفاظ نقية وتورع عن تصريح باسم المهجو، وله شعر في المديح والرثاء، وقد جمعت أشعاره في ديوان كبير يدخل ضمن أربع مجلدات(4).

وإن دل على شيء فإنه يدل على حدة ذكائه وشدته، لأنه متاثرٌ بحياة عصره الثقافية، وكذلك ابتدأ تعليمه على يد العلماء الكبار أنذاك مثل الشيخ المفيد والسيرافي كما مر بنا.

ومن غرر شعره ما كتبه إلى القادر بالله(5)

ص: 119


1- الخطيب البغدادي، تاريخ مدينة بغداد، 3 / 40؛ ابن خلكان، وفيات الأعيان، 4 / 416
2- يتيمة الدهر، 3 / 155
3- الثعالبي، يتيمة الدهر، 3 / 156
4- ابن خلكان، وفيات الأعيان، 4 / 416
5- القادر بالله أبو العباس بن اسحق بن المقتدر، ولد (سنة 336 ه / 947 م)، واسم أمه تمني وقيل دمنة، بويع بالخلافة بعد خلع اخيه الطائع، كان يلبس زي العامة ويقصد الأماكن المباركة، ومدة خلافته إحدى واربعون سنة وثلاثة أشهر، توفي سنة (422 ه)، ينظر، الذهبي، سير أعلام النبلاء، 15 / 127

عطفاً أمیر المؤمنین فإننا *** في دوحة العلياء لا نتفرقُ ما بيننا يوم الفخار تفاوت *** ابدا كلانا في المعالي معرقُ إلا الخلافة ميزتك فإنني *** أنا عاطل منها وأنت مطوقُ(1) ومن خلال النظر والتمعن في الأبيات الشعرية، نجد تطلع الشريف الرضي، إلى منصب الخلافة، لما كان يمتاز به من مؤهلات وصفات تؤهله لهذا المنصب، لكن يبدو أن بعض الظروف كان تقف دون تحقيق رغبته في ذلك، وهذا ما أشار إليه ابن أبي الحديد بأن الشريف الرضي كان يمتاز بعلو الهمة، ويطمح إلى أشياء عظيمة، يعبر عنها في شعره بسبب عدم توفر أسباب تحقيقها(2).

وروي أن بعض الأدباء مرعلى بقايا من دار الشريف، وما فعل بها الزمان، فأنشد شعراً للشريف الرضي جاء فيه:

ولقد وقفت على ديارهم *** وطلولها بيد البلى نهب فوقفت على ربوعهم من لغب *** نضوي ولج بعذلي الركب وتلفتت عيني فمذخفيت *** عنها الطلول تلفت القلب(3) فمر شخص وسمعه ينشد هذه الأبيات، فأخبره انها للشريف الرضي، فتعجب من حسن الإتفاق(4).

ص: 120


1- الخبري، ديوان الشريف الرضي، 2؛ الثعالبي، يتيمة الدهر، 3 / 163؛ حلاوي، محمود مصطفى، ديوان الشريف الرضي، 2 / 38
2- شرح نهج البلاغة، 1 / 58
3- الخبري، ديوان الشريف الرضي، 3؛ حلاوي، ديوان الشريف الرضي، 1 / 249
4- ابن خلكان، وفيات الأعيان، 4 / 416؛ الصفدي، الوافي بالوفيات، 2 / 277

2- مؤلفات الشريف الرضي لم تقتصر مؤلفات الشريف الرضي ومصنفاته على علم معين، بل انها شملت العديد من العلوم والفنون، إذ شملت هذه المؤلفات التفسير، والحديث النبوي، وخصائص الأئمة، فضلا عن الأدب الذي كان الشريف الرضي قد أكثر من التأليف فيه، والفقه والبيان، ولعل أبرز هذه المؤلفات:

1- جمعه خطب الإمام علي علیه السلام في كتابه المعروف بنهج البلاغة، وهو كتاب عظيم الشأن يدور فيه كلام أمير المؤمنين علیه السلام، ويدور كلامه على أقطاب ثلاثة هي الخطب والأوامر، والكتب والرسائل، والحكم والمواعظ، فجمعه الشريف الرضي باختيار محاسن الخطب، ثم محاسن الكتب، ثم محاسن الحكم والأدب، وأفرد لكل صنف من ذلك باباً وفصل فيه أوراقاً(1).

ومواضيع النهج متنوعة تماماً كمواضيع القرآن، فقد تكلم أمير المؤمنين علیه السلام عن صفات الله، وعن النبوة واليوم الآخر، وعم جميع الكائنات من الذرة إلى أعظم المجرات، وما لها من أوضاع محكمة وأبعاد محددة تؤدي إلى غايات معقولة(2).

2- كتب التفسير، إذ كان له عدد من المؤلفات في هذا المجال منها ما هو موجود، والبعض الآخر مفقود أشارت إليه المؤلفات الاخرى، ومن الكتب الموجودة، كتاب حقائق التأويل في متشابه التنزيل(3)، وكتاب تلخيص البيان

ص: 121


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 70
2- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1 / 9
3- الشريف الرضي، حقائق التاويل

عن مجاز القرآن(1)، ومن الكتب المفقودة كتاب معاني القرآن(2).

3- كتب الحديث والفقه وخصائص الأئمة، ومن أبرز مؤلفات الشريف الرضي في مجال الحديث مجازات الآثار النبوية(3) وله في الفقه كتاب تعليق خلاف الفقهاء(4)، وكتاب خصائص الأئمة(5).

4- كتب الأدب، وكان للشريف الرضي دور كبير في الجانب الأدبي، إذ له العديد من المؤلفات في هذا المجال، ومن أبرز مؤلفاته هو، ديوان شعره المتكون من أربعة مجلدات(6)، وانتخاب شعر ابن الحجاج(7)، وتعليقة الإيضاح لأبي علي(8)، وسيرة والده الطاهرالذي ألفه سنة 379 ه(9)، ومختار شعر أبي اسحاق الصابي(10)، والزيادات في شعر أبي تمام(11)، وله كتاب، ما دار بينه وبين أبي إسحاق من الرسائل شعراً(12).

ص: 122


1- الشريف الرضي، تلخيص البيان
2- أشار إليه أبن خلكان، وفيات الأعيان، 4 / 416؛ الصفدي، الوافي بالوفيات، 2 / 277
3- الشريف الرضي، مجازات الآثار النبوية
4- أشار إليه النجاشي، رجال النجاشي، 398
5- الشريف الرضي، خصائص الأئمة
6- الخبري، ديوان الشريف الرضي
7- أشار إليه ابن عنبة، عمدة الطالب، 208
8- أشار إليه النجاشي، رجال النجاشي، 398؛ المدني، الدرجات الرفيعة، 467
9- أشار إليه الشريف الرضي، حقائق التأويل، 91؛ الصفدي، الوافي بالوفيات، 2 / 277
10- أشار إليه الصفدي، الوافي بالوفيات، 2 / 277
11- أشار إليه النجاشي، رجال النجاشي، 398
12- أشار إليه الشريف الرضي، حقائق التأويل، 91

رابعاً: الشكوك حول نهج البلاغة يحتوي نهج البلاغة على العديد من المباحث والمطالب الفلسفية مما لم يكن معروفاً في جزيرة العرب في ذلك الوقت، ومن جانب آخر فقد حوى نهج البلاغة الكثير من الأخبار الغيبية التي يستحيل أن تصدر إلا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام وارث علم النبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم.

وبناءً على ما تقدم كيف تصمد التشكيكات التي حصلت إلى حد إتهام الشريف الرضي بوضعه لهذا الكتاب، فهو لم يكن يعلم الغيب، لما عرف عنه من الجدارة العالية في الأدب والبلاغة والفصاحة(1)، وأن الشريف الرضي لم يكن الأول الذي جمع خطب أميرالمؤمنين علیه السلام، بل سبقه إلى ذلك كثيرون. إن أول من جمع خطب أمير المؤمنين علیه السلام هو زيد بن وهب الجهني(2)، الذي شهد صفين وجمع خطب أمير المؤمنين علیه السلام على المنابر والأعياد(3)، ومن الذين كتبوا قبل الشريف الرضي خطب أمير المؤمنين علیه السلام أبي الحسن علي بن محمد المدائني الإخباري(4)، ............................................................

ص: 123


1- سبيتي، نهج البلاغة في دائرة التشكيك، 14
2- زيد بن وهب أبو سليمان الجهني، أدرك الجاهلية وأسلم في حياة النبي صلی الله علیه و آله وسلم من كبار الصحابة، سكن الكوفة وصحب الإمام عليّاً علیه السلام وسمع منه القرآن على ابن مسعود، وشهد معه المشاهد كلها، وتوفي بعد وقعة الجماجم في حدود سنة (83 ه)، ينظر، ابن عبد البر، الاستيعاب، 252؛ الصفدي، الوافي بالوفيات، 1 / 26
3- ابن البراج، جواهر الفقه، 11
4- المدائني، ابو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن سيف المدائني، ولد سنة (132 ه)، ونشأ في بغداد وصنف التصانيف وكان عجباً في السير والمغازي والأنساب، وأيام العرب مصدقاً لما ينقله، حدث عنه خليفة بن خياط وله من المؤلفات خطب النبي صلی الله علیه و آله وسلم وخطب أمير المؤمنين علیه السلام وولده وأخبار أهل البيت علیهم السلام، ينظر، الذهبي، سير أعلام النبلاء، 10 / 400

وسماه ابن النديم خطب علي علیه السلام(1).

وممن كتب خطب أميرالمؤمنين علي علیه السلام مسعدة بن صدقة(2)، وهو من أصحاب الإمامين الصادق والباقر علهما السلام، نقلت عنه خطب أميرالمؤمنين المروية عن الإمام الصادق علیهما السلام(3).

وحاول البعض نسبة الكتاب إلى الشريف الرضي كما ذكرنا وأنه ليس من كلام الإمام، وإنما الذي جمعه هو الذي وضعه، وقد رد عليهم الكثيرون ومن بينهم ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة الذي بيّن موقف المشككين بنسبة نهج البلاغة، وأن السبب بذلك هو لتعصبهم وابتعادهم عن الطريق الصحيح، وأكد بقوله: (إنه إذا كان نهج البلاغة مصنوعاً أو منحولاً كله أو بعضه، والأول باطل بالضرورة لأنا نعلم بالتواتر صحة إسناد بعضه إلى أمير المؤمنين علیه السلام، وقد نقل المحدثون كلهم أو جلهم والمؤرخون كثيراً منه، وليسوا من الشيعة لينسبوا إلى غرض في ذلك، والثاني يدل على ما قلناه، لأن من أنس الكلام والخطابة، وشدا طرفاً من علم البيان، وصار له ذوق في هذا الباب، لا بد أن يفرق بين الكلام الركيك والفصيح، وبين الفصيح والأفصح، وبين الأصيل والمولد...

وإذا تأملت في نهج البلاغة وجدته كله ماءً واحداً، ونفساً واحداً وأسلوباً واحداً، كالجسم البسيط الذي ليس بعض من أبعاضه مخالفاً لباقي الأبعاض

ص: 124


1- ابن النديم، الفهرست، 3 / 114
2- ابن صدقة العبدي، مسعدة بن صدقة، يكنى أبا محمد وقيل كنيته أبو بشير، روى عن أبي عبد الله الصادق وعن أبي الحسن الرضا علیهما السلام، له كتب منها خطب أمير المؤمنين علیه السلام، حدث عن احمد بن محمد بن يحيى، وحدث عنه هارون بن سليم، ينظر، النجاشي، رجال النجاشي، 415
3- الصدوق، الأمالي، 170؛ المفيد، الإرشاد، 1 / 290

في الماهية، وكالقرآن العزيز أوله كأوسطه، وأوسطه كآخره، وكل آية مماثلة في المأخذ والمذهب والفن والطريق والنظم لباقي الآيات والسور، ولو كان نهج البلاغة منحولاً وبعضه صحيحاً، لم يكن كذلك)، ومن خلال ذلك يتبين ضلال من زعم أنه منحول أو بعضه إلى أمير المؤمنين علیه السلام(1).

ونسبه البعض إلى الشريف الرضي والبعض الآخر إلى الشريف المرتضى، وأن الرضي لم يهتم بذكر أسانيد ومصادر الخطب والرسائل إلا في بعض المواطن المحدودة، إلا ان هناك الكثير ممن تصدى لتلك الأوهام والشكوك حول نسبة نهج البلاغة، وأول تلك الشكوك والأوهام أطلقها المؤرخ المعروف بابن خلكان (ت 681 ه)، الذي يعد من أوائل الذين اثاروا الشكوك حول نهج البلاغة بقوله: (وقد اختلف الناس في نهج البلاغة المجموع من كلام الإمام علي علیه السلام هل من جمع الشريف المرتضى أم جمع اخيه الرضي؟ وقد قيل: أنه ليس من كلام علي علیه السلام، وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه)(2).

واتفق العسقلاني(3) والذهبي في رأيهما عند ترجمة الشريف الرضي بقولهما:

(وهو المتهم بوضع نهج البلاغة، ومن طالع نهج البلاغة جزم أنه مكذوب على أمير المؤمنين علیه السلام، ففيه السب الصراح والحط على السيدين: أبي بكر وعمر، وفيه التناقض والأشياء الركيكة التي من له معرفة بنفس القرشيين الصحابة وبنفس غيرهم ممن بعدهم من المتأخرين جزم بأن الكتاب باطل)(4)، وممن شكك في

ص: 125


1- شرح نهج البلاغة، 10 / 102؛ ينظر، الشريفي، تهذيب نهج البلاغة، 1 / 23؛ العاملي، شروح نهج البلاغة، 23 - 24
2- وفيات الأعيان، 3 / 313
3- لسان الميزان، 4 / 233
4- ميزان الإعتدال، 3 / 124

نهج البلاغة أيضاً اليافعي الذي ذهب إلى ما ذهب إليه ابن خلكان حول نسبة نهج البلاغة(1).

ونأتي هنا للإطلاع على آراء بعض المؤرخين المضطربة حول نهج البلاغة، فنجد أن رأي الذهبي مثلا يختلف من كتاب إلى آخر بشأن نهج البلاغة، فعند ترجمته للشريف الرضي في كتابه سير أعلام النبلاء(2)، وكتابه العبر في خبر من غبر(3)، لم يتعرض له بشيء وأثنى عليه، بينما نجده يقول في كتاب الميزان موضحاً: (إن علة الجزم يكون في الكتاب مكذوباً على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، ففيه السب الصراح على السيدين أبي بكر وعمر...)(4)، وفي سير أعلام النبلاء: (المنسوبة ألفاظه إلى الإمام علي علیه السلام، ولا أسانيد لذلك وبعضها باطل، وفيه حق، ولكن فيه موضوعات حاشا للإمام من النطق بها)(5)، وقد علق أحد الباحثين على هذه الإضطرابات في التشكيك بأن غايتها هي تضعيف الكتاب بكل وسيلة، وان الفرق بين العبارتين في الكتابين حول نهج البلاغة ما هو إلا دليل آخر على هذا الإضطراب(6)، وكذلك إنزعاجهم من الخطبة

ص: 126


1- مرآة الجنان، 3 / 43
2- الذهبي، سيرأعلام النبلاء، 17 / 285
3- الذهبي، العبر، 2 / 213
4- الذهبي، ميزان الإعتدال، 3 / 124
5- الذهبي، سير أعلام النبلاء 17 / 285
6- الميلاني، علي الحسيني، تشييد المراجعات، 79؛ ينظر، الشريفي، عبد الهادي، تهذيب شرح نهج البلاغة، 1 / 19؛ الجلالي، محمد حسين، مسند نهج البلاغة، 1 / 73؛ الموسوي، محسن باقر، المدخل إلى علوم نهج البلاغة، 218

الشقشقية التي وردت في نهج البلاغة(1).

فضلاً عما ذكره العاملي، بشأن مسألة عدم إيراد الشريف الرضي بعض أسانيد الخطب التي جمعها، فقد علق على هذه الشبهة، بأن الشريف الرضي وهو من العلماء الثقات، وجب قبول قوله، لأن ما جمعه من كتب العلماء، أضف إلى ذلك أنه لم يقصد أن تؤخذ منه الأحكام الشرعية، ومسائل الحلال والحرام حتى يذكر أسانيده(2).

ونجد ان الشريف الرضي قد بيّن احتياطه في الرواية وأمانته في نقل كلام أمير المؤمنين علیه السلام، فهو على الرغم من اختياره المواضيع الطويلة حسب موضوع كتابه، ولكنه يتحرج من نقل الكلام الوارد بروايات مختلفة، لذلك نراه يذكر اختلاف الروايات، ويكرر كلمة ((وفي رواية))، ولا يعرف هذا الإحتياط إلا من كانت له دراسة في نهج البلاغة(3)، فتراه معلقاً على بعض الخطب بقوله: (وقد مضى هذا الكلام فيما تقدم إلا إننا كررناه ههنا لما في الروايتين من إختلاف)(4)، أو إنه يقول: (وقد مضى هذا الكلام فيما تقدم من الخطب، إلا ان فيه ههنا زيادة أوجبت تكريره)(5).

أما ابن أبي الحديد فقد بيّن في شرحه لأحد الخطب التي ذكرها نصر بن

ص: 127


1- الميلاني، تشييد المراجعات، 79؛ الجلالي، مسند نهج البلاغة، 57؛ نعمة، عبدالله، مصادر نهج البلاغة، 22
2- حسين جمعة، شروح نهج البلاغة، 25
3- الخطيب، عبد الزهراء الحسيني، مصادر نهج البلاغة وأسانيده، 1 / 344
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 178
5- المصدر نفسه، 407، 3

مزاحم في كتاب وقعة صفين، وهي الخطبة نفسها التي ذكرها الرضي، ولكنه ضم إليها بعض الفقرات من خطبة أخرى، وهذه هي عادة الشريف الرضي يختار الفصيح والبليغ من كلام أمير المؤمنين علیه السلام(1).

خامساً: مصادر نهج البلاغة وأسانيده:

تطرقنا إلى بعض الشكوك التي أطلقها بعض المشككين حول نهج البلاغة ونسبته للشريف الرضي بسبب عدم بيان الرضي لأسانيد بعض الخطب والكتب والرسائل، مما حمل هؤلاء المشككين على الطعن به، ولكن عمل بعض الباحثين بجهود كبيرة على استخراج مصادر نهج البلاغة التي دونت قبل عصر الشريف الرضي، ومن أبرز هذه الكتب هو كتاب مصادر نهج البلاغة وأسانيده للسيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب، ويتكون من أربعة مجلدات، ومن الكتب الأخرى التي سلطت الضوء على هذا الجانب كتاب نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة لمحمد باقر المحمودي(2)، وقد جمع المحمودي في كتابه هذا جميع ما للإمام علیه السلام من كلام أعم من الخطب والأوامر والكتب والرسائل والوصايا والكلمات الحكيمة القصار، فهو يشمل على نهج البلاغة، وأقسام أخرى لم تقع فيما اختاره الشريف الرضي أو لم تكن تحت اختياره، وغيرها من الكتب التي أثبتت أن نهج البلاغة هو للإمام علي علیه السلام، وإنما الشريف الرضي هو الذي جمعه، بالإضافة إلى ما أورده بعض الباحثين من أسماء الذين عاصروا أمير المؤمنين علیه السلام

ص: 128


1- شرح نهج البلاغة، 15 / 65
2- المحمودي، محمد باقر، نهج السعادة

أوالمتأخرين عنه والذين نقلوا الكثير من خطبه ودونوها وحفظوها لنا(1)، والتي أسهمت في إثبات ان نهج البلاغة هو كلام الإمام وليس للشريف الرضي.

وسنورد بعض الروايات التي أخذ منها الشريف الرضي، المروية بسند وكذلك الأسانيد التي سبقت وعاصرت عصر الشريف الرضي، التي هي جزء يسير مما ذكرته الكتب التي أثبتت ان نهج البلاغة هو ما جمعه الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علیه السلام.

المصادر والأسانيد التي سبقت وعاصرت عصر الشريف الرضي أولاً - الخطب التي نقلتها المصادر المروية بسند:

تناولت العديد من الدراسات موضوع أسانيد نهج البلاغة الذي جمعه الشريف الرضي، وقد اختلفت هذه الأسانيد فمنها ما روي عن الإمام علي علیه السلام بسند عن طريق رجال الحديث وبعض الأشخاص الذين عاصروا الإمام علیه السلام، والبعض الآخر نقل من المصادر التي سبقت وعاصرت عصر الشريف الرضي، والتي تطرق إليها العديد من الباحثين من أجل إبعاد الشكوك والأوهام التي تطرق إليها بعض المغرضين للنيل من نهج البلاغة(2).

ص: 129


1- الطباطبائي، عبد العزيز، المتبقي من مخطوطات نهج البلاغة حتى نهاية القرن الثامن الهجري، 27 - 28
2- الجلالي، مسند نهج البلاغة، 1 / 243 - 247؛ الشريفي، تهذيب نهج البلاغة، 1 / 15 - 17؛ الزيدي، أهل البيت علیهم السلام مكانتهم وفضلهم وموقف الأمة منهم في كتاب نهج البلاغة، 38 - 42

سوف نتكلم عن بعض المصادر المروية عن طريق رجال الحديث النبوي في النقل ومنهم:

1- أبو جحيفة السوائي، وهب بن عبد الله بن مسلم(1)، روي عنه قول الإمام علیه السلام:

(ان أول ما تغلبون عليه من الجهاد، الجهاد بأيديكم ثم بألسنتكم...)(2).

2- كميل بن زياد النخعي(3)، روى عنه الشريف الرضي كلاماً خاطب فيه الإمام علي علیه السلام كميلاً:

(ان هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها، فاحفظ عني ما أقول)(4).

3- رواية نوف البكالي(5)، روى عن الشريف الرضي حديثًا حدث به

ص: 130


1- أبو جحيفة السوائي، وهب بن عبد الله بن مسلم، وقيل وهب بن جابر، وهومن أهل الكوفة، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو لم يبلغ الحلم، كان على شرطة الإمام علي علیه السلام، واستعمله على خمس المتاع الذي كان في حربه، توفي سنة (75 ه)، ينظر، ابن الأثير، أسد الغابة، 5 / 428
2- ابن أبي شيبة، المصنف، 1، 677؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 4 / 581
3- كميل بن زياد بن نهيك بن هيثم بن سعدمن مذحج، روى عن عثمان والإمام علي علیه السلام، وشهد صفين مع الإمام علي علیه السلام، وكان شريفاً مطاعاً في قومه، وقتله الحجاج بن يوسف عندما قدم إلى الكوفة سنة (82 ه)، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8 / 299؛ الصفدي، الوافي بالوفيات، 24 / 278
4- الإسكافي، المعيار والموازنة، 80؛ ابن شعبة الحراني، تحف العقول، 117؛ محمد عبده، نهج البلاغة ، 4 / 533
5- نوف البكالي أبو زيد نوف بن فضالة وقيل نسبة إلى بكال، من الطبقة الأولى من الشاميين، ومن رجال الحديث، وإمام أهل الشام، توفي سنة (90 ه)، ينظر، ابن سعد الطبقات الكبرى، 9 / 455؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 62 / 307

الإمام علیه السلام أوله:

(أراقد أنت أم رامق، فقلت بل رامق يا أمير المؤمنين...)(1).

4- رواية ذعلب اليماني(2)، روى عنه الشريف الرضي قول الإمام علیه السلام:

(لا تراه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان...)(3).

5- رواية ضرار بن ضمرة الضبابي(4)، عند دخوله على معاوية بن أبي سفيان وسأله عن أمير المؤمنين علیه السلام، روى الشريف الرضي قول الإمام علیه السلام:

(يا دنيا إليك عني أبِ تعرضتِ أم إليَّ تشوقتِ، لا حان حينك...)(5).

6- رواية الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر علیهما السلام المتوفى (114 ه)، روى

ص: 131


1- الصدوق، الخصال، 337؛ الشريف الرضي، خصائص الأئمة، 97؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 4 / 522
2- ذعلب اليماني بكسر اوله وسكون ثانيه، وهو من أصحاب الإمام علي علیه السلام ذرب اللسان بليغ في الخطاب، شجاع القلب، سأل أمير المؤمنين علیه السلام: هل رأيت ربك؟ فقال له: ويلك يا ذعلب لم أكن أعبد رباً أراه، وهو من أهل القرن الأول، ينظر، الكليني، الكافي، 1 / 138؛ الصدوق، الامالي، 423
3- الكليني، الكافي، 1 / 98؛ الصدوق، التوحيد، 109؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 285
4- ضرار بن ضمرة وقيل ضرار بن حمزة القباني، إذ اختلف في اسم أبيه، من أهل القرن الأول، وكان ضرار مولى أم هانئ بنت أبي طالب أخت أمير المؤمنين علي علیه السلام، وهو من خواص الإمام علیه السلام، ينظر، ابن سعد الطبقات الكبرى، 8 / 457
5- المسعودي، مروج الذهب، 1 / 707؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 4 / 516

عن جده وروى الشريف الرضي عنه قول الإمام علي علیه السلام:

(كان في الأرض أمانان من عذاب الله، وقد رفع أحداهما فدونكم الآخر، فتمسكوا به، فأما الأمان الذي رفع فهو رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم...)(1).

7- رواية ثعلب الشيباني(2)، روى عن ابن الأعرابي(3)، عن المأمون العباسي (ت 223 ه) قول الإمام علي علیه السلام: (أخبر تقلهٍ)، وقال الرضي: ومن الناس من يروي هذا لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ومما يقوى أنه من كلام أمير المؤمنين علیه السلام ما حكاه ثعلب قال: حدثنا ابن الأعرابي قال: قال المأمون: (لولا إن علياً علیه السلام قال:

أخبر تقلهٍ، لقلت أنا: أقلِه تخْبرُ)(4).

ثانياً: الخطب التي نقلها من المصادر المدونة:

هناك الكثير من المصادر التي أخذ منها الشريف الرضي في جمعه لخطب ومواعظ أمير المؤمنين علیه السلام التي أطلق عليها فيما بعد نهج البلاغة، ومن هذه المصادر التي سبقت عصره، وأخذ منها روايات الخطب، ونقل منها كلام أمير

ص: 132


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 192
2- ثعلب الشيباني، ابو العباس أحمد بن يحيي بن زيد بن سيار النحوي، كان إمام الكوفيين في النحو واللغة، وكان ثقة حجة مشهوراً بالحفظ وصدق اللهجة، وتوفي سنة (سنة 291 ه) ببغداد ودفن بمقبرة باب الشام، ينظر، ابن خلكان، وفيات الأعيان، 1 / 102؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 14 / 5
3- ابن الأعرابي، أبو عبد لله محمد بن زياد الكوفي صاحب اللغة، وهو من موالي بني هاشم، كان عالماً باللغة، ورأساً في كلام العرب، وله تصانيف عديدة، وتوفي سنة (231 ه)، ينظر، ابن خلكان وفيات الأعيان، 4 / 309؛ الذهبي، سيرأعلام النبلاء، 10 / 687
4- ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، 20 / 70؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 4 / 591

المؤمنين علیه السلام، سنذكر عددًا منها كدليل على أن الشريف الرضي قد جمع نهج البلاغة من هذه المصادر:

كتاب (وقعة صفين) لنصر بن مزاحم المنقري (ت 202 ه)، وذكر قول الإمام علیه السلام عند مسيره إلى الشام:

(الحمد لله كلما وقب ليل غسق والحمد لله كلما لاح نجم وخفق)(1).

كتاب (المعيار والموازنة في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام للإسكافي (ت 220 ه)، إذ ذكر قول الإمام علیه السلام:

(سلوني قبل أن تفقدوني، ولن تسألوا بعدي مثلي)(2).

كتاب (البيان والتبيين) للجاحظ (ت 255 ه)، وذكر فيه خطبة للإمام علي علیه السلام يحث فيها أصحابه على الجهاد (أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه...)(3).

كتاب (المحاسن) لأبي جعفر أحمد البرقي (ت 274 ه)، وذكر قول الإمام علیه السلام وبين فيه متى تكون الفتن:

(إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع، يخالف فيها كتاب الله ويتولى عليها الرجال...)(4).

كتاب (عيون الأخبار) لابن قتيبة الدينوري (ت 267 ه)، إذ ذكر كلام الإمام علیه السلام إلى الزبير يستفيئه للدخول في طاعته:

ص: 133


1- المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، 134؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 89
2- الإسكافي، المعيار والموازنة، 82؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 307
3- الجاحظ، البيان والتبيين، 2 / 53؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 64
4- البرقي، المحاسن، 1 / 208؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 91

(لا تلقين طلحة(1)، فإنك إن تلقه تجده كالثور عاقصاً قرنه...)(2)، وذكر في كتابه (الإمامة والسياسة) كلام الإمام علیه السلام عندما أشار عليه أصحابه بالإستعداد لحرب أهل الشام:

(ان إستعدادي لحرب أهل الشام وجرير عندهم إغلاق للشام وصرف لأهله عن خير إن أرادوه...)(3).

كتاب (جمل من أنساب الأشراف) للبلاذري (ت 279 ه)، إذ ذكر قول الإمام علیه السلام بشأن الخوارج لمّا سمع قولهم لا حكم إلا لله قال:

(كلمة حق يراد بها باطل، نعم لا حكم إلا لله، ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلا لله...)(4).

كتاب (الأخبار الطوال) للدينوري (ت 282 ه)، إذ ذكر كلام أمير المؤمنين علي علیه السلام في أهل البصرة:

(أرضكم قريبة من الماء بعيدة من السماء. خفت عقولكم أوسفهت حلومكم...)(5).

ص: 134


1- طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب، ويكنى أبا محمد وهو من المسلمين الأوائل، ولم يشهد وقعة بدر وشهد معركة أحد واصيبت كفه، وشهد المشاهد كلها مع الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وكان ممن خرج على أمير المؤمنين علي علیه السلام يوم الجمل، وقتل من قبل مروان بن الحكم عندما رماه بسهم، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3 / 196
2- ابن قتيبة، عيون الأخبار، 1 / 195؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 72
3- الإمامة والسياسة، 1 / 115؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 86
4- البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 3 / 126؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 84
5- الدينوري، الاخبار الطوال، 152؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 46

كتاب (الغارات) للثقفي الكوفي (283 ه)، وذكر كتاب الإمام علیه السلام إلى أهل البصرة:

(وقد كان من انتشار حبلكم وشقاقكم ما لم تغبوا عنه...)(1).

كتاب (تاريخ اليعقوبي) لليعقوبي (ت 292 ه)، إذ ذكر قول الإمام علیه السلام: إلى مصقلة بن هبيرة الشيباني(2)، عامله على أردشير خرة(3) (بلغني عنك أمر إن كنت فعلته، فقد أسخطت إلهك، وأغضبت إمامك...)(4).

10- كتاب (الكامل في اللغة والأدب) لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد (ت 285 ه)، ذكر خطبة الإمام علي في حث أصحابه على الجهاد:

(أما بعد، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه)(5).

11- كتاب (تاريخ الرسل والملوك) للطبري (ت 310 ه)، وأورد خطبة الإمام علي علیه السلام بعد التحكيم:

(وإن أتى الدهر الفادح بالخطب الجليل...)(6)، وذكر رواية عبد الرحمن

ص: 135


1- الثقفي، الغارات، 404؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 419
2- مصقلة بن هبيرة بن شبل بن يثربي بن امرئ القيس، كان من اصحاب الإمام علیه السلام وولي أردشير خرة من قبل ابن عباس، وعتب عليه الإمام علیه السلام في إعطاء مال الخراج لمن يقصده من بني عمه، وقيل انه فدى نصارى بني ناجية بخمس مائة ألف فلم يردها كلها، ينظر، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 58 / 269
3- أردشير خرة، وهي اسم كورة، مركب معناه بها أردشير، وأردشير ملك من ملوك الفرس، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 1 / 146
4- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 105؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 445
5- المبرد، الكامل في اللغة والأدب، 1/ 20؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 64
6- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 77؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 78

ابن أبي ليلى الفقيه(1)، عن أمير المؤمنين علیه السلام فيما يحض الناس على الجهاد:

(أيها المؤمنون، أنه من رأى عدواناً يعمل به ومنكراً يدعى إليه، فأنكره بقلبه فقد سلم وبرئ...)(2) 12- كتاب (المسترشد في إمامة امير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام للطبري الشيعي (ت القرن الرابع الهجري)، ذكر كلام الإمام في وصف بيعته بالخلافة:

(وبسطتم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضتها، ثم تداككتم عليّ تداك الأبل الهيم...)(3).

13- كتاب (تحف العقول) لابن شعبة الحراني (ت القرن الرابع الهجري)، إذ ذكر عهد الإمام علیه السلام إلى مالك الأشتر النخعي(4)، لما ولاه على مصر وأعمالها:

(هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الأشتر في عهده إليه حين ولاه على مصر...)(5).

14- كتاب (العقد الفريد)، لابن عبد ربه الأندلسي (ت 328 ه)، إذ ذكر

ص: 136


1- عبد الرحمن بن أبي ليلى واسمه يسار بن بلاب بن بلبل بن أحيحة بن الجلاح ويكنى عبد الرحمن، روى عن عمر بن الخطاب واميرالمؤمنين علي علیه السلام، وخرج على الحجاج وقتل بدجيل، ينظر ابن الأثير، أسد الغابة، 8 / 299
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 6 / 357؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 4 / 580
3- الطبري الشيعي، المسترشد، 1 / 418؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 379
4- مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن ربيعة بن الحارث بن جذيمة بن مذحج، كان من أصحاب الإمام علیه السلام، شهد معه الجمل وصفين، ولاه الإمام علیه السلام مصر، فلما كان في العريش شرب شربة من عسل فمات مسموماً سنة (37 ه)، ينظر ابن سعد الطبقات الكبرى، 8 / 323؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء 4 / 34
5- ابن شعبة الحراني، تحف العقول، 90؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 457

كلام الإمام علیه السلام في ذم أهل البصرة:

(كنتم جند المرأة وأتباع البهيمة، رغا فأجبتم وعقر فهربتم)(1).

15- كتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر) للمسعودي (ت 346 ه)، إذ ذكر خطبة الإمام علیه السلام في التزهيد في الدنيا:

(أما بعد، فإن الدنيا قد أدبرت وآذنت بوداع، وإن الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع...)(2).

16- كتاب (دعائم الإسلام) لأبي حنيفة النعمان بن محمد المغربي (363 ه)، وذكر كلام الإمام علیه السلام عند عزمه للمسير إلى الشام:

(اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب...)(3).

17- كتاب (تهذيب اللغة) للأزهري (ت 370 ه)، أورد كلام الإمام علیه السلام:

(لنا حق فإن اعطيناه وإلا ركبنا أعجاز الأبل وإن طال السرى)(4).

18- كتاب (الامالي) للصدوق (ت 381 ه)، ذكر كلام الإمام علیه السلام بشأن صرفه عن حقه في الخلافة:

(فقمت بالأمر حین فشلوا، وتطلعت حن تقبعوا، ونطقت حین تعتعتوا...)(5).

ص: 137


1- ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، 4 / 170؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 235؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 45
2- المسعودي مروج الذهب، 1 / 714؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 67
3- القاضي النعمان، دعائم الإسلام، 1 / 347؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 88
4- الأزهري، تهذيب اللغة، 1 / 341؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 4 / 506
5- الصدوق، الأمالي، 313؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 81

ثالثاً: المصادر التي عاصر مؤلفوها عصر الشريف الرضي هنالك العديد من المصادر المدونة التي عاصر مؤلفوها الشريف الرضي، والتي حوت على العديد من خطب ومواعظ أمير المؤمنين علیه السلام، والتي استقى منها الشريف الرضي مادته لجمع ذلك الكتاب، وسنحاول ان نسلط الضوء على عدد من تلك المصادر:

كتاب (الفرج بعد الشدة) للتنوخي (ت 384 ه)، إذ ذكر قول الإمام علیه السلام:

(عند تناهي الشدة تكون الفرجة، وعند تضايق حلق الباء يكون الرخاء...)(1).

كتاب (معجم مقاييس اللغة) لابن فارس (ت 395 ه) وذكر قول الإمام علیه السلام:

(كنا إذا أحمر البأس إتقينا برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فلم يكن أحدنا اقرب إلى العدو منه)(2).

كتاب (الجمل) للمفيد (ت 413 ه)، وأخذ عنه الشريف الرضي خطبة الإمام علیه السلام:

(ويزعم أنه قد بايع بيده، ولم يبايع بقلبه...)(3)، وذكر في كتاب الإرشاد خطبة الإمام علیه السلام عند خروجه لقتال أهل البصرة:

(إن الله بعث محمدًا صلی الله علیه و آله وسلم وليس أحد من العرب يقرأ كتاباً ولا يدعي نبوة...)(4).

ص: 138


1- التنوخي، الفرج بعد الشدة، 1 / 44؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 4 / 575
2- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 2 / 101؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 4 / 557
3- المفيد، الجمل، 175؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 217
4- المفيد، الإرشاد، 1 / 248؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 75

كتاب (حلية الأولياء في طبقات الأصفياء) لأبي نعيم الأصفهاني (ت 430 ه)، إذ ذكر كلام الإمام علیه السلام:

(ألا وأن الدنيا قد تصرمت، وآذنت بوداع، وتنكر معروفها...)(1).

كتاب (دستور معالم الحكم ومأثور مكارم الشيم) للقضاعي (ت 454 ه)، إذ ذكر قول الإمام علیه السلام:

(من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب)(2).

كتاب (السنن الكبرى) للبيهقي (ت 458 ه)، وذكر قول الإمام علیه السلام:

(إذا بلغ النساء نصف الحقاق فالعصبة أولى)(3).

كتاب (الأمالي) للطوسي (ت 460 ه)، وذكر قول الإمام علیه السلام:

(ألا وان من البلاء الفاقة، وأشد من الفاقة مرض البدن...)(4) هذه بعض المصادر والأسانيد التي تدلل على أن الشريف الرضي هو من جمع نهج البلاغة المتضمن كلام أمير المؤمنين علیه السلام، لما عرف عنه من مكانة علمية كبيرة بين علماء عصره، وللرد على المغرضين الذين حاولوا النيل من المكانة الكبيرة التي حظي بها نهج البلاغة بين الأوساط العلمية على مدى القرون، وقد أوردنا بعض المصادر التي اعتمدها الشريف الرضي في جمعه لنهج البلاغة، وان هدف الشريف الرضي من جمعه الكتاب، لا ليجعل منه مصدراَ من مصادر الفقه أو مدركاً من مدارك الأحكام، بل ليخرج جانباً من كلام امير المؤمنين علیه السلام

ص: 139


1- أبو نعيم الأصفهاني، حلية الأولياء، 1 / 77؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 92
2- القضاعي، دستور معالم الحكم، 25؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 4 / 506
3- البيهقي، السنن الكبرى، 7 / 121؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 4 / 554
4- الطوسي، الأمالي، 146؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 4 / 584

الذي يتضمن: (جانباً من البلاغة والفصاحة وجواهر الكلام...)(1).

سادساً: شروح نهج البلاغة نظراً للأهمية التي يتمتع بها نهج البلاغة الذي حوى كلام أمير المؤمنين علیه السلام، والذي يتضمن مختلف العلوم، فقد عكف عليه العلماء والمؤرخون والأدباء، وعلقوا عليه وشرحوه بمختلف الشروح، وتفاوتت تلك الشروح من ناحية حجمها، ومنها ما شرح النهج كله، أو تضمن شرح بعض الخطب، أو اقتصر على جانب معين منه، ولكنها تصب في جانب واحد ألا وهو إظهار ما يحتويه نهج البلاغة من علوم مختلفة كما ذكرنا، وقد تجاوزت تلك الشروح العشرات على اختلافها، إذ ذكر الشيخ آغا بزرك الطهراني (50) شرحاً من شروحات نهج البلاغة(2)، وذكر الأميني (81) شرحاً(3)، بينما ذكر العاملي (210) شرحاً مختلفاً لنهج البلاغة(4)، فضلًا عما ذكرته بعض الدراسات بخصوص هذا الموضوع(5)، وسنكتفي بالإشارة إلى أسماء مؤلفيها وعناوين تلك الشروح، وسنذكر عددًا منها خشية الإطالة:

ص: 140


1- الخطيب، عبد الزهراء الحسيني، مصادر نهج البلاغة وأسانيده، 1 / 26؛ سبيتي، نهج البلاغة في دائرة التشكيك، 7
2- الذريعة في تصانيف الشيعة، 14 / 113 - 161
3- الغدير، 4 / 131 - 191
4- شروح نهج البلاغة، 35 - 113
5- الجلالي، مسند نهج البلاغة، 202 - 207؛ الشيرازي، نفحات الولاية، 34 - 36 ؛ الزيدي،، أهل البيت علیهم السلام مكانتهم وفضلهم وموقف الأمة منهم في كتاب نهج البلاغة، 60 - 63

كتاب (أعلام نهج البلاغة) للمحقق علي بن ناصر السرخسي، ويتألف من جزئين، وذكر الخطب المختارة من كلام أمير المؤمنين علیه السلام(1).

كتاب (حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة) لقطب الدين الكيذري البيهقي (من أعلام القرن السادس الهجري)، ويتكون من مجلدين، ويقوم الشارح بشرح الخطب بشكل مختصر(2).

كتاب (معارج نهج البلاغة) لعلي بن زيد البيهقي الأنصاري (ت 565 ه)، ويتكون من جزئين ويقوم بشرح بعض الكلمات الصعبة(3).

كتاب (منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة) للراوندي (ت 573 ه)، ويتكون من ثلاثة أجزاء، وأسلوبه بالشرح يتضمن بيان بعض الكلمات لغوياً ثم يقوم بشرح الخطبة بشكل مختصر، بالإضافة إلى عدد من الشروح التي ذكرها الراوندي في شرحه(4).

كتاب (شرح نهج البلاغة) لابن أبي الحديدالمعتزلي (ت 656 ه)، ويتألف الكتاب من عشرين جزءاً، وطبع عدة طبعات، ويضم بين دفتيه معلومات تاريخية وأدبية، وهو شرح مطول لنهج البلاغة.

كتاب (شرح نهج البلاغة) للبحراني (679 ه)، ويتكون الكتاب من خمسة أجزاء، والبحراني من فلاسفة الإمامية، ورفد شرحه بالشواهد التاريخية.

كتاب (شرح النهج) للعلامة جمال الدين بن الحسن بن سديد الدين يوسف

ص: 141


1- السرخسي، أعلام نهج البلاغة
2- كيذري البيهقي، حدائق الحقائق
3- البيهقي، معارج نهج البلاغة
4- الراوندي، منهاج البراعة، 1 / 37 - 48

ابن المطهر (ت 726 ه)، وهو شرح مختصر لشرح كمال الدين بن ميثم(1).

كتاب (شرح نهج البلاغة)، لشارح محقق (من أعلام القرن الثامن الهجري)، ويتلخص منهجه بذكر الخطبة، ثم بيان اللغة لبعض الكلمات، ثم الإعراب وبعد ذلك يأتي على بيان معنى الخطبة(2).

كتاب (نهج البلاغة) لمحمد عبده (ت 1323 ه)، من علماء الأزهر، ويتكون من أربعة أجزاء، ذكر فيها الخطب، مع بيان بعض المفردات.

كتاب (منهاج البراعة) لحبيب الله الخوئي (ت 1324 ه)، ويتكون من واحد وعشرين جزءاً، يتلخص منهجه ببيان اللغة، ثم الخطبة(3).

كتاب (في ظلال نهج البلاغة) لمحمد جواد مغنية (ت 1400 ه)، ويتكون شرحه من أربعة أجزاء، يقوم الشارح ببيان المعنى اللغوي للفقرة ثم إعراب الكلمات ثم بيان معنى الخطبة.

كتاب (شرح نهج البلاغة) لعلي انصاريان (1408 ه)، وقسّم الشارح كتابه إلى فصول، وجعل لكل فصل عنوانًا مستقلاً مع الشرح(4).

كتاب (بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة) لمحمد تقي التستري (ت 1415 ه)، ويتألف من أربعة عشر جزءاً، شرح الخطب بدون تسلسل، وبدأ شرحه لغوياً ثم ينطلق منه إلى وقائع تاريخية وأدبية معززة بأنواع الشواهد

ص: 142


1- أغا بزرك الطهراني، الذريعة في تصانيف الشيعة، 14 / 124
2- شارح محقق (من أعلام القرن الثامن)، شرح نهج البلاغة
3- الخوئي، منهاج البراعة
4- انصاريان، علي، نهج البلاغة

شعراً ونثراً(1).

كتاب (نهج البلاغة) لصبحي الصالح، وشرحه مشابه لشرح محمد عبده، وهو جزء واحد.

كتاب (شرح نهج البلاغة) لمحمد مهدي الحسيني الشيرازي، ومنهجه في الشرح هو توضيح الكلمات على شكل هوامش، ويتكون من اربعة أجزاء في مجلد واحد(2).

كتاب (نفحات الولاية في شرح نهج البلاغة) لناصر مكارم الشيرازي، ويقوم الشارح بإعطاء نبذة مختصرة عن مناسبة الخطبة ووقتها، ثم يقوم بتقسيم الخطبة إلى فقرات(3).

ص: 143


1- التستري، بهج الصباغة
2- الشيرازي، محمد الحسيني، نهج البلاغة
3- الشيرازي، مكارم، نفحات الولاية

ص: 144

الفصل الثاني

اشارة

المبحث الأول: مكانة بني أمية في نهج البلاغة

المبحث الثاني: موقف بني أمية من الخلافة بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم

المبحث الثالث: أساليب بني أمية للوصول إلى السلطة ي نهج البلاغة فی نهج البلاغة

ص: 145

ص: 146

المبحث الأول مكانة بني أمية في نهج البلاغة

المفاخرة بنسب الإمام ومكانة بني أمية اتضحت مكانة بني أمية وصورتهم الحقيقية من خلال ما تم عرضه لبعض آيات القرآن الكريم ووصفهم بالشجرة الملعونة، إذ نزلت بعض الآيات التي بينت الصورة الحقيقية لمكانتهم وقيمتهم الدينية والإجتماعية، في حين جاءت الأحاديث المروية عن النبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم لتؤكد ذلك وتستشرف ما ستلقى الأمة منهم.

ولم تكن نظرة الإمام علي علیه السلام في نهج البلاغة تختلف عما نطق به القرآن الكريم والرسول محمد صلی الله علیه و آله وسلم، إذ بينت رسائل وكتب الإمام علیه السلام المتبادلة بينه وبين معاوية تلك المكانة التي عليها بنو أمية، مقارنة بمكانة أهل البيت علیهم السلام، عند الله تعالى، ونبيه المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم وكذلك المكانة النسبية والإجتماعية له علیه اسلام ولآبائه(1)،

ص: 147


1- للمزيد من التفاصيل، ينظر، الزيدي، أهل البيت علیه السلام مكانتهم وفضلهم وموقف الأمة منهم من خلال كتاب نهج البلاغة، 126

وسنشير إلى تلك المكانة من خلال ما بينه أمير المؤمنين علیه السلام في نهج البلاغة.

إذ ورد قول الإمام علي علیه السلام: في هذا الصدد مخاطباً معاوية بقوله:

(وأما قولك إنا بنوعبد مناف، فكذلك نحن، ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب)(1)، وبيّن ابن أبي الحديد في شرحه ان الترتيب يقتضي أن يجعل هاشماً بإزاء عبد شمس لأنهما متقاربان من ناحية الآباء من الجد الأكبر وكلاهما ولد عبد مناف(2) لصلبه، وأن يكون أمية بإزاء عبد المطلب، وأن يكون حرب بإزاء أبي طالب، وأن يكون أبو سفيان بإزاء أمير المؤمنين علیه السلام، لأن كل واحد من هؤلاء مقابل صاحبه، إلا أن أمير المؤمنين علیه السلام لما كان في صفين اضطر إلى أن يجعل هاشماً بإزاء أمية بن عبد شمس(3)، بينما ذكر البحراني ان معاوية اراد ان يخبر الإمام علیه السلام عن مساواته بالشرف والفضيلة بإعتبارهم من بيت واحد، وكل قوم كانوا من بيت واحد فلا فضل لبعضهم على بعض ولا فخر، فأجابه الإمام علیه السلام من عدة وجوه، منها شرفه من جهة الآباء المتفرعين عن عبد مناف، وذلك ان سلك آبائه علیه السلام أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أو سلك آباء معاوية أبو سفيان بن حرب بن امية بن عبد شمس بن عبد مناف، والظاهر أن كل واحد من أولئك الثلاثة أشرف ممن هو

ص: 148


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 403
2- عبد مناف، وهو بطن من بطون قريش وهم بنو عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب ابن لؤي بن غالب، ومنهم بنو عبد شمس وهاشم والمطلب ونوفل، وكان بنو هاشم وبنو عبد شمس متقاسمين رياسة بني عبد مناف، والبقية أحلاف لهم، ينظر، القلقشندي، نهاية الأرب، 342
3- شرح نهج البلاغة، 15 / 90

في درجته من آباء معاوية(1).

وبينت الروايات التاريخية مدى مكانة آباء أمير المؤمنين علیه السلام مقارنة بمكانة آباء معاوية واجداده، إذ روي أن هاشمًا واسمه عمر وكان صاحب إيلاف قريش، وأصابت قريش سنوات ذهبن بالأموال، فخرج هاشم إلى الشام فأمر بخبز فخبز له، فحمله في الغرائر على الإبل حتى وافى مكة فهشم ذلك الخبز يعني كسره وثرده، ونحر الإبل ثم أمر الطهاة فطبخوا، ثم كفأ القدور على الجفان، فأشبع أهل مكة، فكان هاشم أول من انقذهم من الجوع الذي أصابهم، فسمي لذلك هاشماً، فحسده أمية بن عبد شمس على ذلك وحدثت المنافرة بينهما التي تم ذكرها(2)، وقال عبد الله بن الزبعرى(3) في ذلك:

عمرو العلاهشم الثريد لقومه *** ورجال مكة مستنون عجاف(4) وتدلل الرواية المتقدمة على مدى مكانة بني هاشم بالنسبة لمكانة بني أمية بين قريش وبين القبائل العربية.

أما مكانة أبي طالب فروي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق علیه السلام انه قال:

(لما توفي أبو طالب رضوان الله تعالى عليه، نزل جبريل علیه السلام على النبي صلی الله علیه و آله وسلم

ص: 149


1- شرح نهج البلاغة، 4 / 344؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 425
2- ينظر، الفصل الأول، الصفحة، 31
3- عبد الله بن الزبعري بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم القرشي، الشاعر. كان من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أصحابه بنفسه ولسانه، وكان من أشعر قريش في الجاهلية، أسلم يوم الفتح، ينظر، ابن عبد البر، الاستيعاب، 403؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 4 / 76
4- ديوان عبد الله بن الزبعرى، 53

وأخبره بالخروج عن مكة فليس لك فيها ناصر، وثارت قريش بالنبي صلی الله علیه و آله وسلم فخرج هارباً حتى جاء إلى جبل يسمى الحجون(1)، فصار إليه)(2)، وتبين هذه الرواية على مدى المكانة والشأن الذي كان يتمتع به أبو طالب، حتى أن قريشاً لم تكن تتجرأ على إيذاء النبي صلی الله علیه و آله وسلم فلما مات أخذ المشركون من قريش يؤذونه، وكما جاء في الرواية بقوله صلی الله علیه و آله وسلم:

(ما نالت مني قريش حتى مات أبو طالب)(3).

أما فيما يخص الرواية التي بينت لنا مكانة معاوية بين قومه إذ جاء أنه: (لما كتب معاوية إلى زياد بن أبيه(4) عندما كان على فارس بعد أميرالمؤمنين علیه السلام وهدده وعيره، أجابه زياد قائلاً: أما تعييرك لي بسمية، فأنت ابن جماعة)(5)، وعلى ما يبدو ان رد زياد على معاوية بقوله ابن جماعة لما كان شائعاً بأن معاوية كان

ص: 150


1- الحجون، وهو جبل بمكة عند مدافن أهلها، وقيل هو الجبل المشرف الذي بحذاء مسجد البيعة على شعب الجزارين، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 2 / 225
2- الكليني، الكافي، 1 / 449؛ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، 174؛ المجلسي، بحار الأنوار، 35 / 137
3- ابن هشام، السيرة النبوية، 2 / 283؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 66 / 339؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 1 / 606؛ ابن سيد الناس، عيون الأثر، 1 / 172
4- زياد ابن أبيه ويقال ابن أمه، وزياد ابن سمية جارية الحارث بن كلدة، واختلف في وقت مولده، فقيل ولد في عام الهجرة، وقيل ولد يوم بدر، ويكنى ابا المغيرة، ليست له صحبة ولا رواية، كان داهية خطيباً، استعمله عمر بن الخطاب على صدقات البصرة، واستعمله الإمام علي علیه السلام على بعض أعماله، ينظر، ابن عبد البر، الاستيعاب، 254؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 3 / 494
5- الثقفي، الغارات، 928؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 142؛ الأمين، محسن، أعيان الشيعة، 1 / 572

ينسب إلى أربعة كما جاء في الرواية(1).

وفي سياق آخر من سياقات التفاضل الذي يتعدى المآثر الشخصية والنسبية إلى المآثر المعنوية لا سيما تلك التي ترتبط بالأفضلية الدينية والنسبية، يؤكد أميرالمؤمنين علیه السلام على هذا المعنى مخاطباً معاوية بن أبي سفيان بقوله: (ولا المهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللصيق)(2)، وذهب محمد عبده إلى ان المراد من قول أمير المؤمنين علیه السلام هذا: (هو ان المهاجر الذي آمن من المخافة وهاجر تخلصاً منها)(3)، في حين ذكر ابن أبي الحديد: (ان معاوية من الطلقاء، لأن كل من دخل عليه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عنوة بالسيف فملكه ثم منَّ عليه عن إسلام أو غير إسلام فهو من الطلقاء، وممن لم يسلموا كصفوان بن أمية، وممن أسلم كمعاوية ابن أبي سفيان، وكذلك كل من أسر في حرب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ثم امتن عليه بفداء أو غير فداء فهو طليق، وممن امتن عليه بفداء كسهيل بن عمرو)(4)، ويرى البحراني (أن شرف أمير المؤمنين علیه السلام جاء من خلال هجرته مع الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، أما معاوية فكونه من الطلقاء، وكذلك أفضلية الإمام علي علیه السلام من حيث حسن إسلامه والنية الصادقة على العكس من معاوية وكيف كان إسلامه)(5)، وربما

ص: 151


1- الزمخشري، ربيع الأبرار، 4 / 276؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 106
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 403
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 403؛ الصالح، صبحي، نهج البلاغة، 375
4- سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر، يكنى ابا يزيد، كان أحد الأشراف من قريش وساداتهم في الجاهلية، أسر يوم بدر كافرا وكان خطيب قريش وتم فداؤه، وهو الذي جاء في الصلح يوم الحديبية، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6 / 119؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 315
5- شرح نهج البلاغة، 4 / 345

المقصود بالهجرة كذلك الهجرة إلى الله وهو في مكة لأنه علیه السلام شرى نفسه إبتغاء مرضاة الله تعالى كما جاء ذلك في القرآن الكريم بقوله تعالى:

«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ»(1)، إذ بيّن بعض المفسرين إنها نزلت في حق الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام(2)، ولذلك أراد الإمام ان يبين لمعاوية المكانة التي عليها بعض المهاجرين الذين هاجروا مع النبي صلی الله علیه و آله وسلم لأنهم اعتقدوا بالإسلام إعتقادا صادقاً لا إسلام بدون إعتقاد بمبادئه، وإنك أسلمت خوفاً على حياتك.

وروي ان عمرو بن العاص سأل معاوية حاجة فتباطأ معاوية في قضائها له، فغضب عمرو بن العاص فقال لمعاوية: (إعرف حقنا ولا تنكر فضلنا، فرد عليه عمرو: فكرت في أصغر بذلي عندك فوجدته يعلو الأيادي التي ذكرتها، فقال معاوية كيف ذلك؟ قال: لأني طمست لك الشمس بالطين نهاراً، والقمر بالعهن المنفوش ليلاً، وأبطلت حقاً وحققت باطلاً حتى سحرت أعين الناظرين، وآذان السامعين في إخفاء أودك وإطفاء نور غيرك، فهل رأيت حقاً أحق من علي الهمام الهزبر الضرغام الليث المقدام، السيد الإمام، والبدر التمام، قرابة وشجاعة ونسباً وحسباً وفضلا وصلاة، وآثاراً حسنةً فِی الاسلام، وهل رأيت باطلاً أبطل منك أولا وآخراً، اللعين ابن اللعين، والطليق ابن الطليق، وثن ابن وثن، متردداً في الطلقاء ومن أبناء الطلقاء، جميع الآثار القبيحة لك ولأبيك ولسلفك في الإسلام)(3).

ص: 152


1- سورة البقرة، آية، 207
2- العياشي، تفسير العياشي، 1 / 101؛ الثعلبي، تفسير الثعلبي، 2 / 125 الطوسي،التبيان، 2 / 183
3- القمي، العقد النضيد، 124

وفي السياق ذاته صرح أمير المؤمنين علیه السلام بشأن مسألة النسب بقوله:

(ولا الصريح كاللصيق) وجاء في صدد ذلك قول ابن أبي الحديد قوله: أن الإمام علیه السلام أراد بذلك الصريح بالإسلام واللصيق بالإسلام، فالصريح هو من أسلم إعتقاداً وإخلاصاً، واللصيق من أسلم تحت السيف او رغبة في الدنيا، وقد صرح بذلك وقال علیه السلام:

(كنتم ممن دخل في هذا الدين رغبة أو رهبة)(1)، ويبدو ان ابن أبي الحديد قد اعتمد في شرحه على قول الإمام علیه السلام هذا، بينما يرى البحراني غير ذلك، إذ أشار ألى ذلك بتعليقه أن الإمام علیه السلام أراد بذلك صراحة النسب وخسة خصمه من جهة كونه دعياً(2)، واللصيق بغيرأبيه(3).

ونحن نذهب إلى ما ذهب إليه البحراني وبعض الشراح(4) في بيان المراد من كلام أمير المؤمنين علیه السلام، (ولا الصريح كاللصيق) في ذلك، ولعل مما يحملنا على ذلك ويعزز ما نذهب إليه هو ما أوردناه من روايات بشأن نسب معاوية بصورة خاصة وبني أمية بصورة عامة(5)، وإذا رجعنا إلى كلمة اللصيق التي خاطب بها الإمام علیه السلام معاوية نجدها عند علماء اللغة تعني، الرجل المقيم في الحي وليس

ص: 153


1- شرح نهج البلاغة، 15 / 90
2- شرح نهج البلاغة، 4 / 345؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 403؛ الصالح، صبحي، نهج البلاغة، 375
3- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 4 / 426
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 403؛ الصالح، صبحي، نهج البلاغة، 375؛ التستري، بهج الصباغة، 10 / 255
5- ينظر، الفصل الاول، 10 - 18

منهم، كما في قول حاطب(1): (اني كنت أمرأ ملصقاً بقريش)(2)، وقد أشار أحد الباحثين كما بينا سابقاً إلى ذلك الأمر للرد على ابن أبي الحديد بشأن مسألة النسب بقوله: لو أن الإمام علیه السلام أراد من كلمة اللصيق من أسلم تحت السيف لاكتفى بالعبارة السابقة من النص نفسه (ولا المهاجر كالطليق)، والمعروف ان الطلقاء هم ممن أسلموا بعد الفتح بالسيف وليس اعتقاداً خالصاً(3)، وعليه ان ما ذكرناه من روايات تناقض رأي ابن أبي الحديد الذي طرحه بشأن نسبهم.

ومما جاء في هذا الصدد ما أورده أبن أبي الحديد لبعض الأبيات الشعرية التي أنشدها أبو طالب والتي تعني باستعباد عبد المطلب لأمية بن عبد شمس عندما تظاهرت قريش عليه وعلى النبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم، جاء فيها:

توالى علينا موليانا كلاهما *** إذ سئلا قالا إلى غيرنا الأمر أخص خصوصاً عبد شمس ونوفلا *** هما نبذانا مثل ما تنبذ الخمر هما أغمضا للقوم في أخويها *** فقد أصبحت أيديهما وهما صفر(4) وكذلك روي ان عثمان بن عفان قال أريد رجلا أدرك الملوك، فذكر له رجل من اليمن، فسأله: هل رأيت عبد المطلب بن هاشم؟ فأجابه: (نعم رأيت رجلا

ص: 154


1- حاطب بن أبي بلتعة، ويكنى أبا محمد من لخم حلفاء الزبير بن العوام، وهو أحد بني راشدة ابن أزب الذين كان اسمهم خالفة ولما وفدوا على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم سماهم راشدة، وشهد حاطب مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بدراً وأحداً والمشاهد كلها، وبعثه الى المقوقس حاكم الإسكندرية، وتوفي سنة (30 ه) في المدينة، ينظر، أبن سعد، الطبقات الكبرى، 3 / 106
2- ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، 4 / 249؛ ابن منظور، لسان العرب، 10 / 330
3- عجيمي، أحمد فاضل، العرب قبل الإسلام، 242
4- شرح نهج البلاغة، 15 / 176

قعداً أبيض طويلاً مقرون الحاجبين، بين عينيه غرة يقال إن فيها بركة، وإن فيه بركة، قال: أفرأيت أمية بن عبد شمس؟ قال: نعم رأيت رجلا آدم دميماً قصيراً أعمى يقال أنه نكد، وإن فيه نكداً، فقال عثمان: يكفيك من شر سماعه، وأمر بإخراج الرجل)(1)، فعثمان لم يشأ أن يسمع من الرجل أكثر من الذي سمعه عن أمية لأن كلمة النكد تعني اللؤم والشؤم، وكل شيء جر على صاحبه شراً(2).

أما قوله علیه السلام:

(ولا المحق كالمبطل)(3)، أي أن أمير المؤمنين علیه السلام محقٌ فيما يقوله ويعتقده، ورذيلة خصمه من كونه مبطلاً، وهذان الإعتباران أقرب لكونهما من الكمالات والرذائل الذاتية(4)، وروي أن سودة بنت عمارة(5) قدمت على معاوية تشتكي إليه من سوء أحوال عامله بسر بن أرطأة(6)، الذي قتل الرجال ونهب

ص: 155


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 176
2- الفراهيدي، العين، 5 / 331
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 403
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 345
5- سودة بنت عمارة بنت الأشتر الهمدانية، شاعرة من شواعر العرب ذات فصاحة وبيان، وهيالقائلة لأخيها: وانصر علياً والحسين ورهطه *** واقصد لهند وابنها بهوان ينظر، ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، 1 / 344
6- بسر بن أبي أرطأة، واسمه عمير بن عويمر بن عمران بن الحليس، ولد قبل وفاة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ولم يسمع شيئاً منه و نزل في الشام وأصبح أحد قادة معاوية المخلصين، أرسله إلى المدينة ومكة واليمن، وقتل كل من كان على طاعة الإمام علي علیه السلام، ومضى إلى اليمن وقتل ابني عبيد الله بن العباس الذي كان والياً على اليمن وهما عبد الرحمن و قثم وسبى النساء، وتوفي سنة (86 ه)، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6 / 539؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 88

الأموال، وطلبت منه عزله، وفي حالة رفضه فإنهم يكفرونه، فغضب معاوية لقولها وأراد حملها إلى بسر ليقتلها، فأنشدت قائلة:

صلى الإله على روح تضمنها قبر *** فأصبح فيه العدل مدفونا قد حالف الحق لا يبغي بهِ بدلا *** فصار بالحق والإيمان مقرونا فسألها من هذا فقالت له أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، فشكوت إليه رجلا كان قد ولاه صدقاتنا فجار علينا، فقال:

(اللهم أنت الشاهد عليّ وعليهم إني لم آمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقك وكتب كتاباً جاء فيه: بسم الله الرحمن الرحيم...

«قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ»)(1)، فأخذت سودة بنت عمارة الكتاب وسلمته إياه وانصرف معزولا(2).

يتضح من الرواية ان أميرالمؤمنين علیه السلام محقٌ، وكيف لا والرسول صلی الله علیه و آله وسلم يقول فيه:

(علي مع الحق والحق مع علي)(3)، بينما نجد معاوية يأمرهم بقتل الناس وسلبهم أموالهم وهذا يعبر عن منتهى الإنحراف والباطل، فكيف يساوي معاوية نفسه مع أمير المؤمنين علیه السلام.

أما قوله علیه السلام:

ص: 156


1- سورة الأعراف، آية، 85
2- ابن أعثم الكوفي، الفتوح. 3 / 60؛ الأربلي، كشف الغمة، 1 / 172
3- الإسكافي، المعيار والموازنة، 35؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 42 / 449

(ولا المؤمن كالمدغل)(1)، فقد ذهب البحراني في شرحه إلى أنه علیه السلام مؤمن، والمؤمن الحق مستكمل للكمالات الدينية والنفسانية، وإلى خسة خصمه من جهة كونه مدغلا أي خبيث الباطن مشتملا على النفاق والرذائل الموبقة، وبدأ بذكر الكمالات والرذائل الخارجية، لأنها مسلمة عند الخصم وأظهر له وللخلق من الأمورالداخلية(2)، وهو مصداق قوله تعالى:

«أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ»(3)، إذ قال عدد من المفسرين أن المؤمن الحق هوعلي بن أبي طالب(4).

وفي موضع آخر من خطب أمير المؤمنين علیه السلام أشار إلى قضية الشك في الدين بقوله:

(وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكاً في دينه ولا مرتاباً بيقينه)(5)، أراد الإمام علیه السلام ان يبين لمعاوية أن من استكمل دينه وتيقن منه وأبعد نفسه عن الريبة والشك في ذلك لا ضير في ان يكون مظلوماً طالما استكمل كل الفضائل التي تخص ذلك، وقد اجتمع معاوية وأعوانه على ظلم الإمام علیه السلام(6).

ص: 157


1- محمد عبده، شرح نهج البلاغة، 3 / 404
2- شرح نهج البلاغة، 4 / 345
3- سورة السجدة، آية 18
4- الطبري، جامع البيان، 21 / 129؛ القمي، تفسير القمي، 2 / 170؛ القرطبي، تفسير القرطبي، 14 / 105
5- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 417
6- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 391

وجاء رجل إلى أمير المؤمنين علیه السلام فسأله عن القوم الذين يقاتلونهم ماذا نسميهم وهم ونحن على دين واحد فأجابه قائلا: بما سماهم الله تعالى في كتابه:

«وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ»(1) فأجابه الإمام علیه السلام عندما وقع الإختلاف بيننا فنحن أولى بكتاب الله تعالى وبنبيه صلی الله علیه و آله وسلم وبالحق، فنحن آمنا وهم كفروا، وعلى هذا شاء الله تعالى قتالهم(2).

وفي موضع آخر جاء عنه علیه السلام أنه قال:

(ولبئس الخلف خلف يتبع سلفاً هوى في نار جهنم)(3)، إذ طرح ابن أبي الحديد تساؤلا وأجاب عليه، هل أن على المسلم ان يعاب لأن سلفه كفار، نعم إذا اتبع آثار سلفه واحتذى حذوهم، وأمير المؤمنين علیه السلام ما عاب معاوية بأن سلفه كفار فقط، بل لكونه متبعاً لهم(4)، وأراد الإمام علیه السلام ان يبين لمعاوية إنك تفتخر بآبائك وأجدادك وهو وقود النار(5).

وفي هذا المعنى جاء بيان ذلك من خلال كلام موجه إلى معاوية من قبل الإمام الحسن علیه السلام، إذ جاء فيه لما بويع معاوية خطب فذكر علياً علیه السلام فنال منه، ونال من الإمام الحسن علیه السلام، فرد عليه بقوله:

(أيها الذاكر علياً، أنا الحسن وأبي علي، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأمي

ص: 158


1- سورة البقرة، آية 253
2- المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، 322
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 404
4- شرح نهج البلاغة، 15 / 91؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 346
5- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 426

فاطمة وأمك هند، وجدي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وجدك حرب، وجدتي خديجة، وجدتك قتيلة، فلعن الله أخملنا ذكراَ، وألأمنا حسباً وشرنا قدماً، وأقدمنا كفراً ونفاقاً، فقال طوائف من أهل المسجد آمين)(1)، يتبين من الرواية ان الإمام الحسن علیه السلام قد أوضح لمعاوية مكانة آبائه وفضلهم على الناس مقارنة بآبائه الذين عرفوا بالكفر، وهذا من باب تذكير لمعاوية وهو يتجرأ على أمير المؤمنين علیه السلام وينال منه، وخصوصاً ان معاوية قد أسس لسياسة سب الإمام علي علیه السلام على منابر المسلمين(2).

وأشار الإمام علي علیه السلام إلى ما جعله الله لهم من فضل النبوة والمكانة التي خصهم بها الله تعالى قياساً بالآخرين بقوله علیه السلام:

(وفي أيدينا بعدُ فضل النبوة التي أذللنا بها العزيز، ونعشنا بها الذليل، ولما أدخل الله العرب في دينه أفواجاً، وأسلمت له هذه الأمة طوعاً وكرهاً، كنتم ممن دخل في الدين إما رغبة، وإما رهبة، على حين فاز أهل السبق بسبقهم، وذهب المهاجرون الأولون بفضلهم، فلا تجعلن للشيطان فيك نصيباً، ولا على نفسك سبيلاً)(3)، إذ بيّن ابن أبي الحديد في شرحه أن مراد الإمام علیه السلام بقوله لمعاوية في حال تساوي أسلافنا في المآثر، فنحن في أيدينا الفضل عليكم بالنبوة التي أنعشنا بها الخامل، وأخملنا بها النبيه(4) بينما ذكر البحراني ان هذا الفضل الذي حصل في

ص: 159


1- المفيد، الإرشاد، 2 / 15؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، 3 / 198؛ الأربلي، كشف الغمة، 2 / 164
2- الجابري، السياسة الأموية المضادة للإمام علي علیه السلام، 67
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 404
4- شرح نهج البلاغة، 15 / 91

هذا البطن من هاشم هو سبب إذلالهم الأعزاء، وإنعاشهم وتقويتهم الأذلاء، وإسترقاقهم الأحرار، وذلك فضل عريت عنه بنو أمية(1)، وعلى الرغم مما ذهب إليه البحراني في إبراز تلك المكانة غير إننا نعتقد أن أهل البيت علیهم السلام بعيدون كل البعد عن مسألة الإِذلال والإِسترقاق، وإنما توجههم منصب نحو إصلاح الناس ورفع الفقراء والمستضعفين وأخذ حقهم من الأقوياء والطغاة.

ومن ثم بين أمير المؤمنين علیه السلام مكانة الداخلين في الإسلام عن طريق الرغبة أو الرهبة، مسلطاً الضوء على كيفية إسلام معاوية الذي أكره هو وأبوه وأمه وإخوته على ذلك، وعلى الرغم من ذلك فإن الشيطان قد استحوذ عليه بعد أن منّ عليهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فجعلهم من الطلقاء، إذ خاطب الإمام علیه السلام معاوية موضحاً له ان الله تعالى أدخل الناس في دينه أفواجاً، كما في قوله تعالى:

«إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا»(2)، ودخول بني أمية للإسلام لم يكن لله بل إما رغبة أو رهبة(3) وكنتم يامعاوية ألد أعداء النبي صلی الله علیه و آله وسلم أطلقتم حوله الشائعات والدعايات وجمعتم لحربه الجيوش، لا لشيء إلا لكونه مع الضعيف ضد القوي، ومع الفقير ضد الغني، ولما أنتشر الإسلام في الجزيرة العربية، وخاب منكم الأمل، إستسلمتم للقوة وقلتم عسى أن يكون الإسلام تجارة رابحة في الدنيا(4).

ان أهم ما يثبت كلام الإمام علیه السلام هو الكيفية التي تقبل من خلالها الأمويون

ص: 160


1- شرح نهج البلاغة، 4 / 346
2- سورة النصر، آية 1 - 2
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 346
4- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 427

الإسلام، فهي لا تعدو ان تكون إلا إسلام غير المقتنع، فالروايات تصور لنا ذلك جلياً، إذ أن طبيعة إسلام أبي سفيان حددتها الرواية التي تقول أنه قد أدخل على النبي صلی الله علیه و آله وسلم فأقر بأن لا إله إلا الله ثم توقف عن الإعتراف بالنبوة للرسول الكريم صلی الله علیه و آله وسلم قائلا:

(أما هذه ففي النفس فيها شيء، ولم يعترف بها إلا بعد أن هدد بالقتل)(1)، الأمر الذي يقودنا إلى الإستدلال على طبيعة دخول بني أمية بصورة عامة، وأبي سفيان بصورة خاصة بالإسلام، وروي ان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عندما دخل إلى مكة قال لقريش:

(ما تقولون، قالوا نقول: ابن أخ وابن عم رحيم كريم، قال: فإني أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، فخرجوا فبايعوه على الإسلام)(2)، وهي طبيعة أكد عليها القرآن الكريم كما في قوله تعالى:

«وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»(3).

ومن نافلة القول أن أمير المؤمنين علیه السلام وضح في خطبة له موقف بني أمية من الدين الإسلامي ومخالفة تعاليمه لغرض إشباع رغباتهم إذ جاء في هذا الصدد قوله علیه السلام:

ص: 161


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6 / 9؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 1 / 377؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 54
2- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 1 / 379؛ النسائي، السنن الكبرى، 6 / 383؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 16 / 231؛ الزيلعي، تخريج الأحاديث و الآثار، 2 / 178
3- سورة الأنبياء، آية 107

(فإن منهم الذي قد شرب الحرام وجلد حداً في الإسلام)(1)، إذ أشار الراوندي ان أميرالمؤمنين علیه السلام عني بالمغيرة بن شعبة(2)، لما شرب الخمر في عهد عمر وكان والياً من قبله، فصلى بالناس وهو سكران وزاد في عدد الركعات وقاء الخمر فشهدوا عليه وجلد حداً(3)، وأيده البحراني وأضاف شخصاً آخر هو عتبة بن أبي سفيان جلد حداً لشربه الخمر(4)، بينما يرى ابن أبي الحديد أن الإمام علیه السلام عني بشارب الخمر هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وكان أشد الناس وأبلغهم تحريضاً لمعاوية وأهل الشام على حرب أمير المؤمنين علیه السلام(5).

وأبدى ابن ابي الحديد رأيه عن ان المغيرة بن شعبة إتهم بالزنا، وهذا ما تؤكده بعض المصادر التي ذكرت قصة قيام المغيرة بن شعبة بالزنا(6)، ولم يجر له ذكر في شرب الخمر، وأيضاً ان المغيرة لم يشهد صفين مع معاوية ولا مع

ص: 162


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 485
2- المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب الثقفي، يكنى أبا عبد الله وقيل أبا عيسى، أسلم عام الخندق، وقدم مهاجراً وهو من دهاة العرب وهو أعور أصيب بيوم اليرموك، تولى ولاية الكوفة وعزله عمر وولاه البصرة، وأقره عثمان فيها، واعتزل صفين فلما كان الحكمان لحق بمعاوية، وتوفي بالكوفة سنة (50 ه)، ينظر، ابن عبد البر، الاستيعاب، 665؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 6 / 156
3- منهاج البراعة، 3 / 226
4- شرح نهج البلاغة، 5 / 191
5- شرح نهج البلاغة، 17 / 172
6- الطبرري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 69؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 60 / 38؛ ابن خلكان، وفيات الأعيان، 6 / 365؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 10 / 49

الإمام علي علیه السلام(1)، ونحن نرجح رأي ابن أبي الحديد، ولا ندري ما السبب الذي حمل بعض الشراح على الإشتباه فيمن عنى الإمام علیه السلام، وسنثبت أن المراد هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط الذي جلد حداً، ولا ننسى أن المغيرة ليس من بني أمية، والخطاب موجه إلى بني أمية، وكان الوليد بن عقبة وهو أخو عثمان لأمه قد ولاه الكوفة، وكان سكيراً شرب الخمر، وصلى بالناس جماعة صلاة الصبح أربع ركعات وهو سكران(2).

ومن الجدير بالذكر ان الوليد بن عقبة بن أبي معيط قد نزلت فيه آية قرآنية بينت فسقه، إذ جاء في ذلك قوله تعالى:

«أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ»(3)، والمقصود كما بينه بعض المفسرين هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط(4)، وورد أن الإمام عليّاً علیه السلام مر على جماعة من أهل صفين فيهم الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهم يشتمونه، فأخبروه بذلك، فوقف في ناس من أصحابه وقال:

(إنهدوا إليهم وعليكم السكينة والوقار وسيماء الصالحين، ووقار الإسلام، والله لأقرب قوم من الجهل بالله عز وجل قائدهم ومؤدبهم معاوية وابن النابغة

ص: 163


1- شرح نهج البلاغة، 17 / 172
2- النسائي، السنن الكبرى، 3 / 248؛ القاضي النعمان، شرح الأخبار، 2 / 119؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 752
3- سورة السجدة، آية 18
4- القمي، تفسير القمي، 2 / 170؛ الثعلبي، تفسير الثعلبي، 7 / 333؛ السمعاني، تفسير السمعاني، 4 / 251

يعني عمرو بن العاص، وأبو الأعور السلمي(1)، وابن أبي معيط شارب الخمر والمجلود حداً في الإسلام، وها هم يقصبوني ويشتموني، وقبل اليوم ما قاتلوني وما شتموني...)(2).

ويسوق أمير المؤمنين علیه السلام سبباً آخر كان مدعاة لدخول بني أمية للإسلام، وهو سبب الطمع وحب المال إذ عُدَّ من الأسباب الرئيسية في دخولهم له، وعبَّر عن ذلك بقوله علیه السلام:

(وان منهم من لم يسلم حتى رضخت له على الإسلام الرضائخ)(3)، وفيهذا الصدد وضح ابن أبي الحديد ما أراد أمير المؤمنين علیه السلام بكلامه أعلاه، إذ أشار إلى ان الذين رضخت له على الإسلام الرضائخ(4)، هو معاوية وذلك لأنه من المؤلفة قلوبهم الذين رغبوا في الإسلام والطاعة مقابل جِالٍ دفعت إليهم وهم قوم معروفون كمعاوية وأخوه يزيد بن أبي سفيان(5)، وأبيهما أبي سفيان

ص: 164


1- أبو الأعور السلمي، هو عمرو بن سفيان بن عبد شمس بن سعد، واختلف في صحبته، وقد أدرك الجاهلية، وحديثه مع النبي صلی الله علیه و آله وسلم: (إنما أخاف على أمتي شحاً مطاعاً وهوى متبعاً وإماماً ضالاً)، وكان من أصحاب معاوية وعليه مدار الحرب بصفين، ينظر، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 46 / 51
2- المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، 391؛ الإسكافي، المعيار والموازنة، 152؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 45
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 485
4- الرضيخة، هي شيء قليل يعطاه الإنسان يصانع به شيئاً آخر يطلب منه كالأجر، ينظر، الجوهري،الصحاح 1 / 421
5- يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس، أسلم يوم فتح مكة، وشهد مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حنيناً واعطاه من غنائم حنين مائة ناقة من الإبل واربعين أوقية، وشارك في فتوح الشام في زمن أبي بكر، وولاه عمر بن الخطاب على ولاية الشام، ومات في طاعون عمواس سنة (18 ه)، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 9 / 409؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 1 / 328

وغيرهم، وكان إسلام هؤلاء للطمع والأغراض الدنيوية، ولم يكن عن أصل ولا عن يقين وعلم وكلهم أسلموا بعد الفتح(1).

وأعطى الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بعد غزوة حنين(2) التي ورد ذكرها في القرآن بقوله تعالى:

«وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ»(3)، إلى المؤلفة قلوبهم، وكانوا أشرافاً من أشراف الناس يتألف به قلوبهم، فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير، وأعطى معاوية مائة بعير وأعطى حكيم بن حزام(4)، مائة بعير وأعطى دون المائة رجالا من قريش(5).

ص: 165


1- شرح نهج البلاغة، 17 / 172؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 4 / 152
2- حنين، هو وادٍ يقع بين مدينة الطائف ومكة بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا، وعنده وقعت الغزوة بين المسلمين وبين قبيلتي هوازن وثقيف بقيادة مالك بن عوف النصري من قبيلة هوازن، في السنة الثامنة للهجرة، ينظر، الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 70؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 2 / 135
3- سورة التوبة، آية 25
4- حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي، وهو ابن أخي خديجة بنت خويلد، وابن عم الزبير بن العوام، وهو من مسلمة يوم الفتح وكان من أشراف قريش ووجوهها في الجاهلية والإسلام، و من المؤلفة قلوبهم، وولد قبل عام الفيل بثلاث عشرة سنة على اختلاف ذلك، عاش مائة وعشرين سنة، وتوفي سنة (54 ه)، وقيل (58 ه)، ينظر، ابن الأثير، أسد الغابة، 2 / 58؛ الذهبي، سيرأعلام النبلاء، 3 / 44
5- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 1 / 383؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 90

ومما لا شك أن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم أراد بذلك إستمالة قلوب هؤلاء القوم من خلال إعطائه الرضائخ والعطايا، وان الهدف من ذلك هو لاستمالتهم وتحبيب الإسلام إلى نفوسهم لما للمال من أثر في كسب ود النفوس، وهذا الأمر بالمجمل يؤكد لنا أن إسلام العديد من أفراد البيت الأموي كانت وراءه أسباب مادية، ولم يكن إعتقاداً حقيقياً برسالة السماء.

محاولة معاوية وبني أمية خلق نظراء للإمام علي علیه السلام في المكانة الدينية، إذ حاول معاوية بن أبي سفيان إيجاد وخلق نظراء للإمام علي علیه السلام من خلال قيامه بإخبار الإمام علیه السلام بأشياء لا تعنيه بشيء سنذكرها في كتابه لأمير المؤمنين علیه السلام، لأن مكانته التي هو عليها لا تؤهله للتحدث معه، وأخذ يحاوره بتلك الأشياء وكأن الإمام علیه السلام لا يعلم منها شيئاً، ويمكن إيجاز ذلك الكتاب بعدة نقاط جاء فيها:

قوله للإمام علي علیه السلام بأن الله تعالى قد اختار النبي محمداً صلی الله علیه و آله وسلم لتبليغ رسالته للناس.

إدعاؤه بقيام بعض المسلمين بمؤازرة النبي صلی الله علیه و آله وسلم مثل أبي بكر، وعمر بن الخطاب الذي فتح الفتوح ومصر الأمصار وأذل رقاب المشركين، ثم عثمان الذي نشر الملة.

إتهامه للإمام علیه السلام بالتحريض على عثمان، وعدم نصرته بعد ان طلب منه ذلك.

قوله للإمام بأنك حسدت أبي بكر وتخليت عن بيعته، وكرهت خلافة عمر وحسدته وفرحت بقتله، وحسدت ابن عمك عثمان ونشرت مقابحه، وطعنت في دينه وأغريت فيه السفهاء.

مطالبته للإمام علیه السلام بتسليم قتلة عثمان، وإعادة أمر الخلافة شورى للمسلمين.

ص: 166

تهديده للإمام علیه السلام بالسيف، والمطالبة بدم عثمان(1).

وردَّ عليه الإمام علیه السلام بقوله:

(أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه إصطفاء الله محمداً صلی الله علیه و آله وسلم لدينه، وتأييده إياه بمن أيده من أصحابه فلقد خبأ لنا الدهر منك عجباً)(2)، وعلق بن أبي الحديد على ذلك بقوله: وموضع التعجب هنا أن معاوية يخبر الإمام عليّاً علیه السلام باصطفاء الله تعالى محمداً صلی الله علیه و آله وسلم وتشريفه وتأييده، (وهذا ظريف لأنه يجري كإخبار زيد عمرا عن حال عمرو)، أي يسأل الإمام عن نفسه، إذ كان النبي صلی الله علیه و آله وسلم والإمام علي علیه السلام كالشيء الواحد(3)، وهذا الموقف يثير التعجب والإستغراب من تصرف معاوية بن أبي سفيان بشأن اخباره عن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، ألا يعلم مكانة أمير المؤمنين علیه السلام عنده؟ وقد صرح القرآن بذلك بقوله تعالى:

«وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ»(4)، وجاء في الحديث الرسول الشريف قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:

(علي مني وأنا منه)(5)، حتى يخبره بشأن إصطفاء الله تعالى لنبيه محمد صلی الله علیه و آله وسلم.

وفي موضع آخر بين الإمام علیه السلام لمعاوية بقوله:

(إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله عندنا، ونعمته علينا في نبينا، فكنت في ذلك

ص: 167


1- شرح نهج البلاغة، 15 / 140 - 141
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 414
3- ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 142
4- سورة آل عمران، 61
5- الكوفي، مناقب أمير المؤمنين، 320؛ القاضي النعمان، دعائم الإسلام، 1 / 19

كناقل التمر إلى هجر، أو داعي مسدده إلى النضال)(1)، وما أورده أمير المؤمنين علیه السلام في مقالته هذه هو مثل قديم، إذ ان هجر(2) اسم مدينة، وأصل هذا المثل (كمستبضع تمراً إلى هجر)، وأصل المثل ان رجلاَ قدم إلى البصرة بمال يشتري شيئا للربح فلم يجد أكسد من التمر، فاشترى بماله تمراً وحمله إلى هجر وادخره في البيوت ينتظر به السعر، فلم يزد إلا رخصاً حتى فسد جميعه فتلف ماله فضرب مثلاً لمن يحمل الشيء إلى معدنه الذي هو أولى منه كحامل التمر إلى معدنه(3).

وهذا المعنى ينطبق تماماً على معاوية إذ يحاول اخبار الإمام علیه السلام بنعمة الله تعالى عليهم، إذ اختار النبي صلی الله علیه و آله وسلم منهم ومن هذا البيت بالذات خلاف بقية البيوت والقبائل الموجودة في ذلك الوقت، ومعنى (داعي مسدده إلى النضال)، أي معلمه الرمي(4) إشارة إلى قول الشاعر:

أعلمه الرماية كل يوم *** فلما اشتد ساعده رماني(5) وهنا تشبيه إلى من هو أولى به منه كما يدعو الإنسان مسدده وأستاذه في الرماية إلى المراماة، ومسدده أولى بأن يدعوه إلى ذلك(6)، والأجدر بمعاوية ان

ص: 168


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 414
2- هجر، وهي إحدى مدن البحرين وهي كثيرة النخيل، وبينها وبين مدينة البصرة مسيرة خمسة عشر يوما على الإبل، وفتحت أيام النبي صلی الله علیه و آله وسلم، ينظر، ابن الفقيه الهمداني، البلدان، 89؛ ياقوت الحموي، معجم البلدان، 5 / 393
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 384؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 466
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 142
5- المزني، ديوان معن بن آوس، 72
6- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 384

يتعلم من أمير المؤمنين علیه السلام لا أن يخبره بهذه الأمور التي هو أعرف وأعلم بها منه لقربه منها، وابتعاد معاوية عن الحقيقة.

ثم أخذ معاوية يحاول إيجاد مكانة له بين الإمام علیه السلام وبين من سبقوه في الخلافة من الصحابة بقول الإمام علیه السلام:

(وزعمت أن أفضل الناس فلان وفلان، فذكرت أمرًا إن تم اعتزلك كله، وإن نقص لم ينقصك ثلمته (ثلمه)، وما أنت والفاضل والمفضول والسائس والمسوس)(1)، والسؤال المطروح هنا لماذا يركز معاوية على إيراد أسماء أبي بكر وعمر وفضلهم؟ وما هو المبتغى الحقيقي والهدف من ذلك؟ هل هو محاولة لكسب جمهور المسلمين الذي يعتقد بصحة خلافة هؤلاء، أم هو فعلا قناعة حقيقية من معاوية بن أبي سفيان بذلك الأمر؟ وعلى ما يبدو أن معاوية حاول ان يحصل على أكبر تأييد لقضيته، ويحاول أن يعطيها صفة شرعية من خلال الاعتراف بخلافة المتقدمين على الإمام علیه السلام.

وبين ابن أبي الحديد إن الإمام علیه السلام خاطب معاوية إنك زعمت ان أفضل الناس في الإسلام، والمراد بفلان وفلان أبو بكر وعمر(2)، وبيان معاوية حال أصحابه وذكر الأفضل ثم الأفضل منهم معرضاً بأفضليتهم على الإمام علیه السلام مع عدم مشاركتهم له في الفضل(3)، والثناء على الشيخين ليطعن الإمام علیه السلام بهما فيبلغ منه معاوية ما أراد(4)، وإن غرض معاوية من ذلك إستفزاز الإمام علیه السلام

ص: 169


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 414
2- شرح نهج البلاغة، 15 / 143
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 384
4- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 466

بخصوص الكلام على الشيخين لتكون حجة على الإمام علیه السلام يضيفها إلى حجج أخرى مثل اتهامه بقتل عثمان والتحريض عليه لتدعيم موقفه.

ومن ثم تطرق الإمام علیه السلام لمسألة التفضيل والترتيب مخاطباً معاوية، إما ان يتم فإن تم فهو بمعزل عنك، إذ ليس لك نصيب ولا شرك في درجاتهم ومراتبهم في الإسلام، فيكون إذن خوضك فيما لا يعنيك، وإن نقص فليس عليك من نقصانه عار وليلحقك منه وهن، فخوضك فيه أيضاً فضول(1)، أي لأنك لست منهم في شيء، لا بالقرابة في الإسلام ولا بالقرابة الخصيصة.

وقد روي أن الإمام علیه السلام خطب خطبة قال فيها ما يناسب هذا الشأن:

(الحمد لله الذي لا يبرم ما نقص، ولا نقص ما أبرم، ولو شاء ما اختلف إثنان من هذه الأمة، ولا من خلقه، ولاتنازعت الأمة في شيء من أمره، ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله، وقد ساقتنا وهؤلاء القوم الأقدار حتى لقت بيننا في هذا المكان فنحن من ربنا بمرأى ومسمع، فلو شاء لعجل النقمة، وكان منه التغيير حتى يكذب الله الظالم ويعلم الحق أين مصيره)(2).

وفي خطبة أخرى لأمير المؤمنين علیه السلام سلط الضوء على مكانة معاوية بن أبي سفيان، وأوضح ان ليس من حق معاوية حشر نفسه بين المهاجرين الأولين والأنصار، إذ جاء في ذلك قوله علیه السلام:

(وما للطلقاء وأبناء الطلقاء، والتمييز بين المهاجرين الأولين، وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم)(3)، وهنا استفهام على سبيل الإستحقار عليه ان

ص: 170


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 384
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 13؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 10 / 515
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 415

يخوض على صغر شأنه وحقارته في هذه الأمور الكبار، وأن أبا سفيان كان من الطلقاء، وكذلك معاوية فهو طليق ابن طليق(1)، وإنّ المغزى من التذكير بمنِّ الرسول صلی الله علیه و آله وسلم على بني أمية في فتح مكة من خلال السؤال المطروح، هو لماذا يؤكد الإمام علیه السلام على مسالة الطلقاء خصوصاً وأنها وردت في أكثر من موضع واكثر من وقت؟ والذي يبدو ان التركيز على ذلك نابع من عدة أمور منها:

1- التذكير بمن هم طلقاء وعدم ترسخ الإسلام في نفوسهم، وأنهم إنما استسلموا له ولم يسلموا به.

2- التذكير بمكانتهم في الإسلام والإشارة إلى أنهم أناس لم يكن لهم أي دور في تثبيت دعائمه، وإنما دخلوه دون ان يبذلوا أي جهد للدفاع عن الإسلام.

3- ان تركيز الإمام علیه السلام على ذكر الطلقاء وأبنائهم ما هو إلا شعار وتحذير من هذه الفئة خصوصاً وان الرسول صلی الله علیه و آله وسلم قد صرح بحديث حول خلافة معاوية وهو من الطلقاء بقوله:

(إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)(2)، ومن الطبيعي ان المراد بحديث النبي صلی الله علیه و آله وسلم المذكور هو تسلط معاوية على رقاب الأمة، إذ أوعز صلی الله علیه و آله وسلم إلى الأمة بمعالجة هذا الامر من خلال القضاء على معاوية دون أن يتزعمها، لما لذلك من مفاسد على الإسلام والأمة على حد سواء.

وأراد الإمام علیه السلام بقوله:

(والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم) هو إنكاره على معاوية تعرضه بالمفاضلة بين المهاجرين، ولم يذكر معاوية

ص: 171


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 384؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 415
2- الكوفي، مناقب أمير المؤمنين، 2 / 300؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة، دمشق، 59 / 156

إلا المفاضلة بينه علیه السلام وبين أبي بكر وعمر، فشهادة أمير المؤمنين علیه السلام بأنهما من المهاجرين الأولين، وإن قدر معاوية أصغر من أن يدخل نفسه في مثل ذلك(1)، هل النتيجة التي توصل إليها ابن أبي الحديد من كلام الإمام علیه السلام في أنها شهادة لهما بالهجرة الأولية في الإسلام هي نتيجة متلائمة مع كلام الإمام علیه السلام ونعتقد ان ابن أبي الحديد حاول من خلال كلام الإمام ان يستثمر كل ما من شأنه إبراز فضائل الخلفاء السابقين.

وضرب أمير المؤمنين علیه السلام لمعاوية مثلا في حكمه إذ قال: (هيهات لقد حن قدح ليس منها)(2)، وجاء ان هذا مثل يضرب لمن يدخل نفسه بين قوم ليس له أن يدخل بينهم(3)، وروى الطبرسي، أن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم عندما أراد ان يقتل عقبة بن أبي معيط قال له: (يامحمد ألم تقل لا تصبر قريش؟ أي لا يقتلون صبراً، فقال صلی الله علیه و آله وسلم وأنت من قريش؟ إنما أنت علج من أهل صفورية، والله لأنت في الميلاد أكبر من أبيك الذي تدعي له، فقال: من للصبية؟ قال: النار، ثم قال: حن قدح ليس منها)(4)، وفي بعض المصادر أنه عندما أمر الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بقتل عقبة بن أبي معيط، قال: أقتل من دون قريش، فقال عمر بن الخطاب، حن قدح ليس منها(5).

ومن نافلة القول ان عقبة بن أبي معيط من بني أمية، فكلاهما اي معاوية وعقبة بن أبي معيط من شجرة واحدة، الأمر الذي يقودنا ان ما صرح به

ص: 172


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 144
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 415
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 144؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 538
4- تفسير مجمع البيان، 4 / 460
5- ابن قتيبة، غريب الحديث، 1 / 287؛ الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد، 4 / 64

النبي صلی الله علیه و آله وسلم بخصوص عقبة بن أبي معيط هو ذاته الذي صرح به أميرالمؤمنين علیه السلام بحق معاوية بن أبي سفيان.

عدم أهلية معاوية في النظر في أمور الأمة لم يكن معاوية بن أبي سفيان بأي حال من الأحوال مؤهلا لقيادة الأمة التي تحمّل الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وأصحابه الأوائل المشاق في سبيل تثبيت أركان الإسلام فيها ومحاولة الإرتقاء بها، فهو أي معاوية من مسلمة الفتح، ومن الطلقاء كما أشرنا، فضلا عن ذلك كانت مواقفه ومواقف أبيه وأهل بيته كلها مواقف عداء ضد الإسلام وأهله، ولم يدخلوا الدين إلا بعد أن أصبح واقع حال في مكة والحجاز بصورة عامة.

لذلك كله بيّن أمير المؤمنين علیه السلام الدرجة والمكانة التي عليها معاوية وأهل بيته بالنسبة للنظر في شؤون الأمة، إذ جاء ذلك في قوله علیه السلام:

(طفق يحكم فيها من عليه الحكم لها)(1)، وأشار ابن أبي الحديد في تفسير هذا القول أن أمير المؤمنين علیه السلام أراد بذلك أن الحكم في هذه القضية أي قضية المهاجرين الأولين من يجب ان يكون الحكم في القضية على معاوية ولا له فيها، ويجوز أن يكون الضمير راجع إلى الطبقات(2)، ومراد الإمام من ذلك ان معاوية ليس من القوم الذين حكم بتفضيل بعضهم على بعض في شيء، وليس

ص: 173


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 415
2- شرح نهج البلاغة، 15 / 145

أهلاً للحكم فيها(1).

وخاطبه الإمام علیه السلام موبخاً له بقوله:

(ألا تربع أيها الانسان على ضلعك، وتعرف قصور ذرعك، وتتأخر حيث أخرك القدر)(2)، إن قصد الإمام علیه السلام من توجيه الكلام لمعاوية هو ان يرفق بنفسه ويكف عنها ولا يحمل عليها ما لا تطيقه وأن يقف عند حده(3)، أما قوله: قصور ذرعك، وهنا أصل الذراع بسط اليد، يقال: ضقت ذرعاً أي ضاق ذرعي(4)، أما المراد من كلام الإمام علیه السلام (وتتأخر حيث وضعك القدر)، أي ضع نفسك حيث وضعك الله تعالى، ويقال ذلك لمن فوق إستحقاقه(5)، أي يا معاوية اعرف مكانتك ولا تحاول الوصول إلى مرتبة هي ليست لك وأنت عنها بعيد(6)، وجاء في الرواية أنه لما جاء معاوية إلى المدينة لقيه أبو قتادة الأنصاري(7)، فعاتبه معاوية على عدم استقباله ومن معه من الأنصار، فقال له:

(لم يكن لنا دواب، فقال معاوية: أين النواضح؟ قال أبو قتادة، عقرناها في

ص: 174


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 385
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 415
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 145؛ الصالح، صبحي، نهج البلاغة، 386
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 145
5- المصدر، نفسه، 15 / 145
6- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 385
7- أبو قتادة، واسمه الحارث بن ربعي بن بلدمة بن خناس بن سنان، وقد اختلف في اسمه، شهد أحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وبعثه في سرية إلى نجد سنة (8 ه) وقد دعى له اللهم بارك له في شعره وبشره، وتوفي سنة (54 ه)، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4 / 378؛ الذهبي، سير، أعلام النبلاء، 2 / 499

طلبك وطلب أبيك ببدر)(1).

ومن خلال النص المتقدم يتضح ان معاوية وأباه لم يكن لهم أي مكانة بين المهاجرين والأنصار لأنهم كانوا أشد أعدائهم والمحاربين لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم والدين الإسلامي فمكانتهم المتدنية واضحة ولا تصل إلى مرتبة الأنصار ودورهم الجهادي الذي بذلوه مع الرسول صلی الله علیه و آله وسلم فضلا عن وصولها إلى مكانة الإمام علي علیه السلام، والرد المتقدم يشير إلى المكانة المتدنية التي كانت عليها مكانة معاوية.

ومن جانب آخر وضح أمير المؤمنين علیه السلام لمعاوية حقيقة أمره ومكانته بين المسلمين الأوائل بصورة عامة، إذ قال له:

(فما عليك غلبة المغلوب، ولا لك ظفر الظافر)(2)، أي ما الذي أدخلك بيني وبين أبي بكر وعمر وأنت من بني أمية ولا تيمياً ولا عدوياً هذا مما يرجع إلى أنسابنا، ولست مهاجراً ولا ذا قدم في الإسلام، فتقوم بمزاحمة المهاجرين وأرباب السوابق بأعمالك واجتهادك، فإذن لا يضرك غلبة الغالب منا ولا يسرك ظفر الظافر(3).

وفي موضع آخر من خطبته علیه السلام قال مخاطباً معاوية بن أبي سفيان:

(وإنك لذهّاب في التيه، روّاغ عن القصد)(4)، إذ أن قول ابن أبي الحديد

ص: 175


1- الصنعاني، المصنف، 11 / 60؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 34 / 296؛ الزيلعي، تخريج الأحاديث والآثار، 2 / 141
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 415
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 145؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 466
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 415

يحتمل معنيين، أحدهما بمعنى الكبر والآخر التيه من قولك: تاه فلان في البيداء، ومنه قوله تعالى:

«قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ»(1)، والمعنى الثاني أصوب، يقول إنك شديد الإيغال(2)، وفي معنى آخر أن معاوية كثير الذهاب والتوغل في الضلال عن معرفة الحق، وكثير العدول عن الصراط المستقيم في حق الإمام علیه السلام(3)، وأراد بقوله (روّاغ عن القصد) أي تترك الحديث عن الصحابة، وما جرى بعد موت النبي صلی الله علیه و آله وسلم ونحن في حاجة إلى كلام غير هذا الكلام وهو الكلام في البيعة وحقن الدماء والدخول في طاعة الإمام(4).

ويشير النص إلى أن معاوية أبتعد عن الحق كثيراً إذ شبهه الإمام كالتائه في الصحراء لا يعرف طريقه، وهو بفعله هذا قد أنكر وأبتعد عن حقيقة معرفة فضل الإمام علیه السلام وأهل بيته ومعرفة مكانتهم قياساً بمكانة بني أمية، وكان يجب عليه ان يترك الحديث عن الصحابة وإن غرضه من ذلك الحديث بشأن البيعة هو لاختلاق الفتنة بين المسلمين لكي يتمكنوا من ضرب الإسلام لتحقيق غاياتهم.

وفي موضع آخر خاطب أمير المؤمنين علیه السلام معاوية قائلا:

(ألا ترى غير مخبر لك، ولكن بنعمة الله أحدث)(5)، وبين ابن أبي الحديد

ص: 176


1- سورة المائدة، آية، 26
2- شرح نهج البلاغة، 15 / 145
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 386
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 145؛ الصالح، صبحي، نهج البلاغة، 386
5- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 415

أن أميرالمؤمنين علیه السلام أراد بذلك إنك يا معاوية لست أهلا لأخبرك بذلك أيضاً، فإنك تعلمه ومن يعلم الشيء لا يجوز ان يخبر به، ولكن أذكر ذلك لأنه تحدث بنعمة الله تعالى علينا، وقد أمرنا ان نتحدث بنعمته سبحانه(1)، وهو مصداق قوله تعالى:

«وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»(2)، والذي يبدو من كلام الإمام علیه السلام لمعاوية إننا نتحدث بفضل الله تعالى علينا ونلتزم بتعاليم القرآن حيث أمر الله سبحانه بذلك.

الأفضلية الجهادية لبني هاشم في الإسلام سنَّ بنو هاشم نهجهم في الذود عن الإسلام ونبيه صلی الله علیه و آله وسلم، إذ وقع على كاهلهم العبء الأكبر في مساندة النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وإظهار دعوة الحق، وقدموا على أثر ذلك تضحياتهم الجسام التي كان من بينها أن لقي العديد منهم الشهادة فداء للدين والعقيدة، وفي هذا الصدد برّز أمير المؤمنين علیه السلام هذا الأثر، إذ أشار إلى فضل شهدائهم، وجاء ذلك في قوله علیه السلام:

(إن قوماً استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين والأنصار ولكل فضل حتى إذا استشهد شهيدنا قيل سيد الشهداء وخصّه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بسبعين تكبيرة عند

ص: 177


1- شرح نهج البلاغة، 15 / 145
2- سورة الضحى، آية، 11

صلاته عليه)(1)، ومن الجدير بالذكر أنه أراد بذلك سيد الشهداء حمزة ابن عبد المطلب رضی الله عنه، وينبغي ان يحمل قوله صلی الله علیه و آله وسلم فيه ان سيد الشهداء على أنه سيد الشهداء في حياة النبي صلی الله علیه و آله وسلم، لأن علياً علیه السلام مات شهيداً ولا يجوز ان يقال حمزة سيده، بل هو علیه السلام سيد الشهداء كلهم(2)، يفهم من قول الإمام علي علیه السلام انه لقب اطلق على أهل البيت علیهم السلام بأجمعهم.

أما قوله:

(لكل فضل) أي أن لكل واحد فضل من هؤلاء لا يجحد(3)، أي شهداء بني هاشم لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون(4)، وروي ان حمزة بن عبد المطلب أول من جيء به إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم بعد انصراف قريش من معركة أحد، أو كان من أولهم فصلى عليه الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وكان اول من كبر عليه خمساً، ثم جمع إليه الشهداء فكان كلما أتي بشهيد وضع إلى جنب حمزة فصلى عليه وعلى الشهيد، حتى صلى عليه سبعين مرة، لأن الشهداء سبعون(5).

وفي قوله علیه السلام:

(أولا ترى أن قوماً قطعت أيديهم في سبيل الله ولكل فضل حتى إذا فعل

ص: 178


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 415
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 146
3- المصدر نفسه، 15 / 146
4- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 466
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2 / 41؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 30؛ المقريزي، إمتاع الإسماع، 1 / 173

بواحدنا ما فعل بواحدهم قيل الطيار في الجنة وذو الجناحين)(1)، ذهب ابن أبي الحديد إلى أنه علیه السلام أشار في ذلك إلى جعفر بن أبي طالب رضی الله عنه(2)، ونبه على وجه الفرق بينهم وبين من عاداهم بذكر أفضلية أهل بيته التي انفردوا بها دونهم في الحياة وبعد الممات بعد ان قرر لكل من الصحابة فضلا لتثبيت الأفضلية لبيته بالقياس إليهم(3).

فمن ذلك أفضليتهم بالشهادة وشهيدهم الذي أشار إليه عمه حمزة بن عبد المطلب رضی الله عنه وأشار إلى وجه أفضليته بالنسبة لسائر الشهداء من وجهين، أحدهما قوله وهو تسمية الرسول صلی الله علیه و آله وسلم له سيد الشهداء، والثاني هو ان الرسول صلی الله علیه و آله وسلم خصه بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه أربع عشرة صلاة، وذلك أنه كان كلما كبر عليه خمساً حضرت جماعة أخرى من الملائكة فصلى بهم عليه أيضاً، وذلك من خصائص حمزة رضی الله عنه وشرف بني هاشم في حياتهم وموتهم(4)، ومنه أفضليتهم لما حدث لجعفر بن أبي طالب علیه السلام في اثناء المعركة من قطع يديه فسماه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بذلك الإعتبار ذا الجناحين والطيار في الجنة(5).

ص: 179


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 415
2- جعفر بن أبي طالب واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم، يكنى أبا عبد الله، وهو أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهو أكبر من الإمام علي علیه السلام، وهو من المهاجرين الأوائل وهاجر إلى أرض الحبشة، وقدم منها على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حين فتح خيبر فتلقاه واعتنقه وقال: (ما أدري بأيهما أنا أشد فرحاً بقدوم جعفر ام بفتح خيبر) واستشهد بمعركة مؤتة سنة (8 ه)، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4 / 31؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 109
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 386
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 386؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 466
5- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 386؛ ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4 / 35؛ ابن قتيبة، تأويل مختلف الحديث، 143

وجاء ان أمير المؤمنين علیه السلام قال يوم افتتح البصرة وركب بغلة النبي صلی الله علیه و آله وسلم أيها الناس ألا أخبركم بخير الخلق يوم يجمعكم الله، فقام إليه أبو أيوب الأنصاري(1)، قال بلى يا أميرالمؤمنين حدثنا، فإنك كنت تشهد ونغيب، فقال علیه السلام:

(إن خير خلق الله يوم يجمعهم الرسل، وإن أفضل الرسل محمد صلی الله علیه و آله وسلم، وإن أفضل كل أمة بعد نبيها وصي نبيها حتى يدركه نبي ألا إن أفضل الأوصياء وصي محمد صلی الله علیه و آله وسلم، ألا وإن أفضل الخلق بعد الأوصياء الشهداء، ألا وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب، وجعفربن أبي طالب له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة، لم ينحل لأحد من هذه الأمة جناحان غيره كرم الله به محمدًا صلی الله علیه و آله وسلم وشرفه، والسبطان الحسن والحسين علیهما السلام يجعلهم الله مع أهل البيت علیهم السلام، ثم تلا الآية:

«وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا»(2))(3).

وهنا أراد الإمام علیه السلام من خلال النص المتقدم بيان أفضليتهم على سائر الأمة ومكانتهم في الدنيا والآخرة، وكذلك توضيح ان منهم خير الشهداء الذين

ص: 180


1- أبو أيوب، واسمه خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة، شهد العقبة وبدراً وأحداً والخندق وسائر المشاهد كلها مع الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وكان من أكابر الصحابة وأقدمهم إسلاما، وشهد النهروان مع الإمام علي علیه السلام ولم يشهد معه صفين، توفي بالقسطنطينية من ارض الروم سنة (51 ه) زمن معاوية، ينظر، ابن عبد البر، الاستيعاب، 772؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء 2 / 404
2- سورة النساء، آية، 69
3- الكليني، الكافي، 1 / 450؛ المجلسي، بحار الأنوار، 22 / 283

ضحوا بأنفسهم من أجل الإسلام، بخلاف من حارب الإسلام بشتى الطرق والوسائل.

المكانة الإخلاقية لبني هاشم رد أمير المؤمنين علیه السلام على تصريح معاوية الذي إدعى فيه مساواتهم في الشرف والفضيلة، وأنهم كانوا على الألفة والجماعة قبل الإسلام، من خلال بيان حالهم وحال بني أمية بعد الإسلام مشيراً بذلك إلى أفضليتهم عليهم بقوله:

(أما بعد فإنا كنا وكنتم على ما ذكرت على الألفة والجماعة، ففرق بيننا وبينكم أمس، إنا كنا آمنا وكفرتم، واليوم استقمنا وفتنتم)(1).

إذ ان الإمام علیه السلام اسلم وجملة من أهل بيته، ومعاوية وأهل بيته حينئذ كفار(2)، وكان هناك تباين بين بني هاشم وأمية في الطبائع والأخلاق، وتنافس على الزعامة والصدارة في الجاهلية، ونافر أمية هاشمً عند الكاهن الخزاعي على خمسين ناقة، والجلاء عن مكة عشر سنوات فحكم الكاهن لهاشم على أمية وانتهت الخصومة عند هذا الحد بلا حرب وضرب(3)، إذا كيف كانوا بيتاً واحداً وكانت هناك ألفة بينهم وجماعة بين البيتين على حد قول معاوية؟! وأما قوله علیه السلام:

(وما أسلم مسلمكم إلا كرهاً، وبعد أن أنف الإسلام كله لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم)(4) وان من اسلم من أهل بيته طوعاً، بينما أسلم أهل معاوية بعد أن اشتد الإسلام

ص: 181


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 486
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 195
3- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 4 / 160
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 486

وصار لرسول الله aصلی الله علیه و آله وسلم حزب قوي من أشراف العرب واستعار لفظ أنف العرب لهم بإعتبار كونهم أعزاء أهله(1)، الذين دخلوا قبل الفتح(2)، وكان أبو سفيان أسلم كرهاً وذلك لما انتهى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى مكة في غزوة الفتح أتى ليلا فنزل البطحاء وما حولها، فخرج العباس بن عبد المطلب على بغلة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يدور حول الكعبة في طلب من يبعثه إلى قريش ليخرجوا إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ويعتذروا إليه فلقي أبا سفيان فقال له:

(كن رديفي لتمضي إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ونأخذ الأمان لك، فلما دخل على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عرض عليه الإسلام فأبى، وكان العباس يحامي عنه للقرابة، فقال يارسول الله إنه يسلم غداً، فلما جاء الغد دخل به على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فعرض عليه الإسلام، فأبى فقال له العباس في السر، يا أبا سفيان إشهد أن لا إله إلا الله، واشهد ان محمدًا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وإن لم يكن ذلك في قلبك، فإنه يأمر بقتلك إن لم تقل، فشهد الشهادتين على كره لخوف القتل وقد رأى أكثر من عشرة الآف حول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قد خرجوا معه واجتمعوا إليه)(3).

ومن خلال النص المتقدم نرى أن الإمام علیه السلام قد عمل على تذكير معاوية بحاله وحال آبائه وموقفهم من الإسلام وكيفية إسلامهم وبين كذلك أفضلية أهل بيته بدخولهم للإسلام رغبة لا كرهاً كما فعل آباء معاوية، وما أوردته بعض المصادر من تعاطف الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وكرمه معه بأن جعل لأبي سفيان مكانة

ص: 182


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 195
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 486
3- اليعقوبي، تاريخ اليعوبي، 1 / 377؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 53

خاصة، وهي أن كل من دخل دار أبي سفيان فهو آمن(1)، وقد تم مناقشة مسألة إعطاء الرسول صلی الله علیه و آله وسلم مكانة خاصة لأبي سفيان فيما سبق(2).

وفي كلام للإمام علیه السلام بيّن مكانة بني أمية قبل الإسلام مخاطباً معاوية بقوله:

(ومتى كنتم يامعاوية ساسة الرعية، وولاة أمر الأمة بغير قدم سابق ولا شرف باسق)(3)، إذ بيّن ابن أبي الحديد ان الإمام علیه السلام قال لمعاوية متى كنتم سادة الأمة وولاة في الإسلام، وإلا ففي الجاهلية لا ينكر رياسة بني أمية على بعض البطون وان بني عبد شمس كانوا يوم بدر قادة الجيش، كان رئيسهم عتبة ابن ربيعة ويوم أحد والخندق قادة الجيش كان رئيسهم أبو سفيان، وأيضا في لفظ أميرالمؤمنين علیه السلام ما يشعر بما قلناه (وولاة أمر الأمة) فإن الأمة من العرب هم المسلمون، أمة محمد صلی الله علیه و آله وسلم(4).

ولما قامت دولة الأمويين بإسم الإسلام وسنحت الفرصة عادوا إلى طبيعتهم وجاهليتهم الأولى، وبناءً على هذا يكون مراد الإمام علیه السلام من السيادة ونفيها عن أمية السيادة الحقة العادلة لا سيادة البغي والعدوان(5).

أما قوله علیه السلام:

(والقدم السابق) أي سابقة حسنة، ولا شرف باسق، أي عالٍ(6)، وهنا

ص: 183


1- ابن هشام، السيرة النبوية، 4 / 864؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 1 / 377
2- ينظر، الفصل الاول، 41
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 398
4- شرح نهج البلاغة، 15 / 61؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 405
5- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 405
6- ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 62

كناية عن التقدم في الأمور والأهلية لذلك، ونبه علیه السلام بقوله بغير قدم سابق على ان سابقة الشرف والتقدم في الأمور شرط لتلك الأهلية في المتعارف، والظاهر أنهم لم يكن فيهم من أهل الشرف أهل لذلك(1)، يفهم من ذلك ان مع كون بني أمية لهم السلطة على بعض البطون من قريش لكن ذلك لا يؤهلهم لقيادة الأمة حتى ينافسوا أميرالمؤمنين علیه السلام محاولين إظهار أنهم اهل لذلك وأن لديهم الشرف والمكانة التي تؤهلهم لذلك، وجاء أنه عند إجتماع الناس لبيعة معاوية حضر قيس بن سعد بن عبادة(2) فقال له معاوية بايع فأجابه إني كنت أكره مثل هذا اليوم وخطب الناس وقال:

(... يامعشر الناس لقد اعتضتم الشر من الخير، واستبدلتم الذل من العز، والكفر من الإيمان، فأصبحتم بعد ولاية أمير المؤمنين وسيد المرسلين وابن عم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وقد وليكم الطليق ابن الطليق يسومكم الخسف، ويسير فيكم بالعسف، فكيف تجهل ذلك أنفسكم أم طبع الله على قلوبكم، وأنتم لا تعقلون)(3).

وروي أيضاً، (ان معاوية جمع كل قرشي بالشام وقال لهم لا أحد منكم في هذه الحرب يطول لسانه ما عدا عمرًا فأين الحمية، فرد عليه الوليد بن عقبة

ص: 184


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 328
2- قيس بن سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الأنصاري الخزرجي، يكنى أبا الفضل، كان من كرام اصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأسخيائهم ودهاتهم، وكان شريف قومه هو وأبوه وجده، وصحب الإمام عليّاً علیه السلام بعد ذلك، وشهد معه الجمل وصفين والنهروان هو وقومه، وولاه مصر وعزله بعد ذلك، توفي سنة (60 ه)، وقيل (59 ه) في المدينة، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5 / 369؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 608
3- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2/ 123 - 124

وقال أي فعال تريد، والله ما نعرف في أكفائنا من قريش العراق: من يغني غناءنا باللسان ولا باليد، فقال معاوية، بلى إن أولئك وقوا علياً علیه السلام بأنفسهم، قال الوليد: كلا بل وقاهم علي بنفسه، قال ويحكم، أما فيكم من يقوم لقرنه منهم بالمبارزة ومفاخرة، فقال مروان: أما البراز فإن علياً علیه السلام لا يأذن للحسن والحسين علیهما السلام ولا لمحمد بنيه ولا لابنه عباس وإخوته، ويصلى بالحرب دونهم، فلأيهم نبارز، وأما، المفاخرة، فبماذا نفاخرهم، بالإسلام أم الجاهلية، فإن كان بالإسلام فالفخر لهم بالنبوة وإن كان بالجاهلية فالملك فيه لليمن فإن قلنا قريش قالوا عبد المطلب)(1).

ويمكن الرد على قول مروان بن الحكم في مسألة عدم السماح للإمام الحسن والحسين علیهما السلام ومحمد بن الحنفية بالمشاركة في الحروب من قبل أمير المؤمنين علیه السلام، بالقول: وهل مروان بن الحكم أكفأ منهم في الحروب؟ ألم يشترك هؤلاء الثلاثة في الحروب في الجمل(2) وصفين(3)، وجاء كلام لأمير المؤمنين علیه السلام ليدلل على هذه الحقيقة إذ يحث فيه ولده محمد بن الحنفية على القتال عندما اعطاه الراية يوم الجمل بقوله:

(تزول الجبال ولا تزل. عض على ناجذك، أعر الله جمجمتك. تدِ في الأرض قدمك. ارم ببصرك أقصى القوم، وَغض بصرك، وأعلم أن النصر من عند الله سبحانه)(4)، وهذا خير دليل على اشتراك أبناء أمير المؤمنين علیه السلام المذكورين في

ص: 185


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 8 / 78؛ المدني، الدرجات الرفيعة، 413
2- ينظر، الثقفي، الغارات، 924؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 500
3- ينظر، المنقري، وقعة صفين، 249
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 44

المعارك معه.

ويشيرالإمام علیه السلام إلى حقيقة هذه الأفضلية كونها أتت من الله تعالى، إذ خصهم بذلك الإصطفاء، لذ نجد الإمام علیه السلام يقول:

(فإنا صنائع ربنا، والناس بعد صنائع لنا)(1)، إذ بين ابن أبي الحديد أن هذا الكلام عظيم، عالٍ على الكلام ومعناه عالٍ على المعاني، وصنيعة الملك من يصطنعه الملك ويرفع قدره، يقول:

(ليس لأحد من البشر علينا نعمة بل الله تعالى هو الذي أنعم علينا، فليس بيننا وبينه واسطة، والناس بأسرهم صنائعنا، فنحن الواسطة بينهم وبين الله تعالى)(2)،. فظاهر كلام الإمام علیه السلام تبدو عليه ظاهرة الجلالة والعظمة وفي الوقت نفسه حمل في طياته معاني أخرى ألا وهي أنهم علیهم السلام عبيد لله تعالى، وسائر الناس عبيد لهم(3).

وهنا الإشارة إلى نعمة الرسالة وما يستلزمه الشرف والفضل وكان الناس عيالاً لهم فيها ووصلت هذه النعمة إلى الناس بواسطتهم(4)، وعلق محمد عبده بقوله:

(وأصل الصنيع ما تصنعه لنفسك بالإحسان حتى خصصته بك كأنه عمل يدك، وآل النبي صلی الله علیه و آله وسلم أسراء إحسان الله عليهم والناس أسراء فضلهم بعد

ص: 186


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 415
2- شرح نهج البلاغة، 15 / 146
3- المصدر نفسه، 15 / 146
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 378؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 470

ذلك)(1).

وروي ان الرسول صلی الله علیه و آله وسلم زوج إبنته فاطمة عليها السلام من أمير المؤمنين علیه السلام بعد قدومه من مكة بشهرين، وقد كان جماعة من المهاجرين خطبوها من الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، فلما زوجها علياً علیه السلام، قالوا في ذلك، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ما أنا زوجته ولكن الله تعالى زوجه(2)، أشار الإمام علیه السلام في هذا النص أن الله تعالى فضلنا وشرفنا على الخلق كلهم، وهم حجج الله تعالى على خلقه وهم الواسطة بين الناس جميعاً والله سبحانه وتعالى قد منَّ عليهم بالنبوة والرسالة فهم في هذه المكانة العالية التي خصهم بها الله تعالى قد جعلهم الواسطة بينه وبين خلقه، لأنهم عباد أكرمهم الله وجعل لهم من المنزلة عنده ان يستجيب دعاء من دعاه بواسطتهم، وكما بيّن القرآن الكريم ذلك بقول الله تعالى:

«وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا»(3).

وفي نص آخر من خطب أمير المؤمنين علیه السلام يبين لنا المكانة التي عليها أهل البيت علیهم السلام بالقياس إلى غيرهم من الأمة إذ جاء قوله في هذا الصدد:

(لا يقاس بآل محمد صلی الله علیه و آله وسلم من هذه الأمة أحد، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً)(4). وذهب البحراني في شرحه ان مراد من ذلك هو اشارته الى تفضيل آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم على الأمة بصورة عامة فضلاً عن الإشارة إلى معاوية

ص: 187


1- نهج البلاغة، 3 / 415؛ الصالح، صبحي، نهج البلاغة، 386
2- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 1 / 260؛ الحلي، المحتضر، 241
3- سورة النساء، آية 64
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 33

وتفضيل نفسه علیه السلام عليه بشكل خاص، وقيام معاوية بترشيح نفسه للخلافة، وتفضيل الإمام عليه، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه وأراد من ذلك هو نعمة الدين والإرشاد إليه(1)، فمن الطبيعي لا يمكن ان يتساوى الشخص المنعم عليه بالشيء مع الشخص الذي أنعم عليه، ونعمة أهل البيت علیهم السلام بقيادة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم واضحة للأمة والذي أخرج الله تعالى به الناس من الظلمات إلى النور من خلال الدين الإسلامي وتعاليمه، ومن ثم تكون طاعتهم واجبة على المسلمين إذ ان فيها تنظيماً لشريعتهم وأماناً لهم(2).

وصرح الإمام علیه السلام بشأن مسألة اختلاط بني هاشم مع بني أمية على الرغم من وجود الكثير من الفوارق بين البيتين، إذ ورد قوله علیه السلام بهذا الشأن:

(لم يمنعنا قديم عزنا، ولا عادي طولنا على قومك، ان خلطناكم بأنفسنا فنكحنا وأنكحنا فعل الأكفاء ولستم هناك)(3)، حيث صرح ابن أبي الحديد بقوله: (ان الإمام علیه السلام أراد إخبار معاوية إننا تزوجنا منكم وتزوجتم فينا على الرغم من إنكم لستم أكفاءنا، وأراد بقوله: (قديم وعادي) هو تعبير مجازي لا حقيقة لأن بني هاشم وبني أمية متساوون في الشرف إلى ان ظهر هاشم بن عبد مناف الذي عرف بمكارمه وأفعاله، وكذلك ظهر أخوه عبد شمس وعرف بمثل ذلك، وأخذ التنافس بين الطرفين في الفعال، وان المدة بين هاشم وظهور النبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم لم تكن إلا مدة قصيرة نحو تسعين سنة، ومن ثم لا يؤخذ القصد

ص: 188


1- شرح نهج البلاغة، 1 / 306
2- الحصونة، رائد حمود، أهل البيت علیهم السلام مكانتهم وفضلهم وموقف الأمة منهم من خلال كتاب نهج البلاغة، 12
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 416

من عادي طولنا هنا طول المدة، بل المراد منها تعبير عن الأفعال الجميلة مثل قولهم لفلان قدم صدق، وقديم أثر أي سابقة حسنة)(1).

بينما يرى البحراني أن الإمام أراد الإمتنان والإفتخار على معاوية، وان قصده من لفظة عادي منسوب إلى عاد قوم هود، وهو تعبير عن القدم ووجه المقارنة بذلك أنهم أي بني هاشم على الرغم من فضلهم على بني أمية لم يمتنعوا من مخالطتهم ومناكحتهم وهم ليسوا أهلا لتلك المكانة والمرتبة(2)، ونحن نرجح رأي البحراني في هذا الصدد، وان الإمام علیه السلام خاطب معاوية بشأن مسألة المخالطة موضحاً له، نحن أجل وأعلى منكم ولكن ذلك لا يمنع من معاملتكم معاملة الأكفاء بالزواج، وان الإمام علیه السلام بعيد عن التفاخر على الناس، ولكن موقف معاوية اضطره إلى ذلك، ووضع الشيء في محله ليس من باب الفخر بل إظهار مكانة بني أمية التي يتبجح بها معاوية بن أبي سفيان، وكما قال الإمام جعفربن محمد الصادق علیه سلام: يجوز للإنسان ان يزكي نفسه عند الضرورة كما فعل يوسف علیه السلام، حين قال لملك مصر:

«قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ»(3).

وهنا أراد معاوية ان يساوي نفسه وبني أمية بالإمام علیه السلام وبني هاشم بأنهم قد تزوجوا منهم وزوجوهم، محاولا بذلك أن يجعل لهم مكانة إزاء الإمام علي علیه السلام، وان الزواج من الآخر لا يعني تساوي المكانة، فالنبي صلی الله علیه و آله وسلم تزوج من نساء شتى هل هذا يعني أن آبائهن أكفاء للرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وما ينطبق على رسول الله a بلا شك

ص: 189


1- شرح نهج البلاغة، 15 / 147
2- شرح نهج البلاغة، 4 / 470
3- سورة يوسف، آية، 55

ينطبق على أمير المؤمنين عله السلام لأنه نفسه بنص القرآن الكريم بقوله تعالى:

«وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ»(1).

ومن جانب آخر أراد معاوية أن يجعل لبني أمية مكانة وشرفاً مثل بني هاشم كما بينا، ولكن الإمام علیه السلام رد عليه وبيّن له من باب التذكير ان ذلك غير ممكن من عدة وجوه بقوله:

(وأنى يكون ذلك كذلك ومنا النبي، ومنكم المكذب، ومنا أسد الله، ومنكم أسد الأحلاف، ومنا سيد شباب أهل الجنة، ومنكم صبية النار، ومنا خير نساء العالمين، ومنكم حمالة الحطب في كثير مما لنا وعليكم)(2)، بيّن ابن أبي الحديد في شرحه ان مراد الإمام علیه السلام من قوله:

(أنى يكون كذلك) أي كيف يكون شرفنا كشرفكم(3)، وأشار الإمام علیه السلام إلى بيان ما ادعاه من نفي كونهم أهلا لمخالطتهم بالمقابلة بين حال بني هاشم وحال بني أمية ليبرز من تلك المقابلة رذيلة كل واحد من بني أمية بإزاء فضيلة كل واحد ممن ذكر من بني هاشم، وبظهور فضائل الأفراد ورذائلهم يتبين نسبة البيتين في الشرف والخسة(4).

وقوله علیه السلام:

(منا النبي ومنكم المكذب)، فقد اختلف الشراح من هو المكذب، وبيّن ابن أبي الحديد ان المكذب هو أبو سفيان بن حرب عدو رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم والمكذب له

ص: 190


1- سورة آل عمران، آية 61
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 416
3- شرح نهج البلاغة، 15 / 148
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 388

والمجلب عليه، وهؤلاء الثلاثة بإزاء أبي سفيان، رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ومعاوية بازاء الإمام علي علیه السلام، ويزيد بن معاوية بإزاء الحسين علیه السلام(1)، بينما يرى البحراني ان المكذب من بني أمية هو أبو جهل بن هشام، وإليه الإشارة في الآية الكريمة:

«وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ»(2)، وذكر النبي صلی الله علیه و آله وسلم بفضيلته وذكر أبا جهل برذيلة تكذيبه(3).

ويرى الباحث ترجيح رأي ابن أبي الحديد ومحمد جواد مغنية بأن المكذب هو أبو سفيان بن حرب، لأن أبا جهلٍ من بني مخزوم، وكذلك لما كان خطاب الإمام علي علیه السلام موجهًا إلى معاوية فالمقصود هنا بنو أمية لا غيرهم من القبائل لأنهم كذبوا بدعوة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وكيف كان إسلامهم كما بينا سابقاً.

وروي ان عثمان لما بويع بالخلافةِ دخل عليه بنو أمية حتى امتلأت بهم الدار فقال أبو سفيان بن حرب: (يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فو الذي يحلف به ابو سفيان ما من عذاب ولاحساب، ولا جنة ولا نار، ولا بعث ولا قيامة، فانتهره عثمان، وساءه ذلك بما قال، فأمر بإخراجه)(4).

من خلال ما ورد نلاحظ الكفر الواضح لبني أمية وعدم الإعتراف بوجود الجنة والنار وهذا بعينه هو النفاق الذي هم عليه، وقد كذبوا بدعوة النبي صلی الله علیه و آله وسلم

ص: 191


1- شرح نهج البلاغة، 15 / 148؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 470
2- سورة المزمل، آية 11
3- شرح نهج البلاغة، 4 / 388
4- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 10 / 58؛ الجوهري، السقيفة وفدك، 87، المسعودي، مروج الذهب، / 632؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 42؛ ابن الصباغ، الفصول المهمة في معرفة الأئمة، 1 / 354

وان إسلامهم لم يكن سوى ستار يلوذون تحته خوفًا على حياتهم وهذا تصريح من الإمام علیه السلام ينم عن منتهى القرب والمكانة عند الله تعالى ان جعل منا النبي ومنكم المكذب.

أما قوله علیه السلام:

(ومنا أسد الله، ومنكم أسد الأحلاف)، يعني بذلك حمزة بن عبد المطلب عم الرسول صلی الله علیه و آله وسلم سماه بذلك لشجاعته وذبه عن دين الله(1)، وأسد الأحلاف يعني عتبة بن ربيعة(2)، بينما يرى البحراني أن المقصود بأسد الأحلاف هو أسد ابن عبد العزى(3)، والأحلاف هم بنو عبد مناف وبنو زهرة(4) وبنو أسد(5) وبنو تيم(6) ...................................................

ص: 192


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 148؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 388
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 148
3- أسد بن عبد العزى بن قصي، من أجداد العرب في الجاهلية، بنوه حي كبير من قريش منهم حكيم بن حزام الصحابي، وخديجة بنت خويلد (أم المؤمنين) وورقة بن نوفل، وكانت تلبية بني أسد في الجاهلية إذا حجوا (لبيك اللهم لبيك، يارب أقبلت بنو أسد، اهل الوفاء والجلد إليك)، ينظر، الزبيري، نسب قريش، 228
4- بنو زهرة وهم بطن من مرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب من العدنانية، ومنهم سعد بن أبي وقاص من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ومنهم آمنة بنت وهب ام الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، ومنهم جماعة في صعيد مصر، ينظر، القلقشندي، نهاية الأرب، 275؛ كحالة، معجم قبائل العرب، 2 / 482
5- بنو أسد، وهم حي من قريش وهم بنو أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب من العدنانية، ومنهم الزبير بن العوام، ومنهم خديجة بنت خويلد (أم المؤمنين)، ينظر، القلقشندي، نهاية الأرب، 38
6- بنو تيم، بطن من قريش من بني مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، ومنهم أبو بكر وطلحة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من منازلهم حفرالرباب وهي ماء بالدهناء، ينظر، القلقشندي، نهاية الأرب، 190

وبنو الحرث بن فهر(1) وسموا الأحلاف لأن بني قصي(2) أرادوا أن ينتزعوا بعض ما كان بأيدي بني عبد الدار(3) من اللواء والندوة والحجابة والرفادة، وهي كل شيء كان فرضه قصي على قريش لطعام الحجاج في كل سنة، ولم يكن لهم إلا السقاية فتحالفوا على حربهم وأعدوا للقتال، ثم رجعوا عن ذلك ناكصين وأقروا ما كان بأيديهم(4)، بينما ذكر محمد عبده بأن أسد الأحلاف هو أبو سفيان بن حرب لأنه حزَّب الأحزاب وحالفهم على قتال النبي صلی الله علیه و آله وسلم في غزوة الخندق(5).

ويبدو ان رأي ابن أبي الحديد هو الأقرب للصواب بأن أسد الأحلاف هو

ص: 193


1- بنو الحرث، بطن من قريش من العدنانية، وهم بنو الحارث بن فهر بن مالك بن النضر، وكان للحارث هذا من الولد، ضبة، والخلج، ومنهم أبو عبيدة بن الجراح أحد اصحاب رسول لله صلی الله علیه و آله وسلم، ينظر، القلقشندي، نهاية الأرب، 48
2- بنو قصي، هم بني قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، من قريش العدنانية، واسم قصي زيد وقيل يزيد، لأن أمه فاطمة بنت سعد لما تأيمت من كلاب بن مرة، وقصي في حجرها، تزوجها ربيعة بن حزام وسار بها إلى الشام فنشأ قصي مع اخواله بني كلب في باديتهم وبعد وتقصى، فسمي قصياً، ثم عاد إلى مكة وجمع قبائل قريش، وكان سيدهم ورئيسهم، ينظر، القلقشندي، نهاية الأرب، 399
3- بنو عبد الدار، وهم بطن من قصي بن كلاب من العدنانية، وكان لعبد الدار من الولد عثمان، وعبد مناف، والسباق. ومنهم عثمان بن طلحة بن أبي طلحة وهو الذي أخذ منه النبي صلی الله علیه و آله وسلم مفاتيح الكعبة يوم الفتح وفي بني شيبة حجابة الكعبة وفي النسبة الى عبد الدار ثلاثة مذاهب، عبدى، وعبادى، وعبدرى، ينظر، القلقشندي، نهاية الأرب، 336
4- شرح نهج البلاغة، 4 / 388
5- محمد عبده، شرح نهج البلاغة، 3 / 416

عتبة بن ربيعة معززاً رأيه بأن بني عبد مناف كانوا في ذلك الحلف(1).

وفي بدر ذكر أنه لما جاء عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة، فقدموا من الصف فطلبوا من الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ليقدم لهم أكفاءهم من قريش، فقام حمزة وعلي علیه السلام وعبيدة بن الحارث، فتقدموا إليهم فقال حمزة:

(أنا أسد الله وأسد رسوله، قال: شيبة: كفؤ كريم)، فاختلف هو وشيبة فقُتل شيبة(2).

وفي قوله علیه السلام:

(ومنا سيد شباب أهل الجنة، ومنكم صبية النار)(3)، يعني علیه السلام الحسن والحسين علیهما السلام، ومنكم صبية النار هي الكلمة التي قالها النبي صلی الله علیه و آله وسلم لعقبة بن أبي معيط حين قتله صبراً يوم بدر، وقد قال:

(كالمستعطف له علیه السلام من للصبية يا محمد قال: النار)(4)، وروي ان الرسول صلی الله علیه و آله وسلم حين أمر بقتل عقبة بن أبي معيط قال له: (فمن للصبية يا محمد:

قال: النار)(5)، ومن خلال الحديث فإن المقصود من صبية النار هم أولاد عقبة بن أبي معيط، وقيل صبية النار هم ولد مروان بن الحكم الذين صاروا أهل النار

ص: 194


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 148
2- الكوفي، مناقب أميرالمؤمنين، 1 / 323؛ المفيد، الإرشاد، 1 / 74
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 416
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 148؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 388
5- الصنعاني، المصنف، 5 / 206؛ الطبراني، المعجم الكبير، 11 / 322؛ البيهقي، السنن الكبرى، 9 / 64؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، 6 / 89

عن البلوغ، وكانوا صبية حين أخبر بذلك علیه السلام(1).

ووردت أحاديث كثيرة عن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بشأن الحسن والحسين علیهما السلام تبين مدى مكانتهم الدنيوية والأخروية، وإخبارالإمام علیه السلام بذلك ينم عن منتهى المكانة للحسنين علیهما السلام عند الله تعالى وعند الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بالقياس إلى مكانة خصمه معاوية وأسرته، هذا وقد ورد عن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم قوله:

(الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)(2).

ثم أخبر علیه السلام بقوله:

(ومنا خير نساء العالمين ومنكم حمالة الحطب)(3)، يعني هنا فاطمة الزهراء بنص رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم(4)، وروي ان الرسول صلی الله علیه و آله وسلم قال لفاطمة:

(ابشري فإن الله تعالى اصطفاك على نساء العالمين، وعلى نساء الإسلام وهو خير دين)(5)، أما حمالة الحطب فهي أم جميل بنت حرب بن أمية، امرأة أبي لهب التي ورد فيها نص قرآني(6)، وهي التي تحمل الشوك فتنشره بالليل في طريق رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ليعقره، وكانت تمشي بالنميمة بين الناس فتلقي العداوة وتهيج نارها كما توقد النار الحطب، فاستعير علیه السلام لفظ الحطب لتلك النميمة للمشابهة

ص: 195


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 388؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 416
2- الحميري القمي، قرب الإسناد، 112؛ النسائي،السنن الكبرى، 5 / 50؛ القاضي النعمان، دعائم الإسلام، 1 / 37
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 416
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 149؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 388
5- ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، 3 / 104؛ المجلسي، بحار الأنوار، 43 / 36
6- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 149

المذكورة(1)، وقد أنزل الله تعالى قوله:

«تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ، سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ، وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ»(2). ويفهم من النص المتقدم ان الإمام علیه السلام قد ذكر ما هم عليه من الفضل عند الله تعالى وما وعدهم ربهم بأن جعل منهم خير نساء العالمين، وجعل الله تعالى منهم شر نساء أهل النار بنص القرآن الكريم وهذه مرتبة المنافقين ومكانتهم بسبب عدائهم للرسول صلی الله علیه و آله وسلم وأهل بيته.

بعد ذلك اخذ الإمام علیه السلام بذكر فضيلة إسلامهم وما كانوا عليه قبل الإسلام بالقياس لبني أمية بقوله:

(فإسلامنا قد سمع، وجاهليتنا لا تدفع)(3)، والمقصود بالجاهلية هنا المدة الزمنية قبل الإسلام، وليس لجهلهم، فهم موحدون، أي ان شرف بني هاشم في الجاهلية لا ينكره أحد(4)، وبيّن ابن أبي الحديد، ان هذا الكلام قد تعلق به بعض من يتعصب للأمويين وقال: (لو كانت جاهلية بني هاشم في الشرف كإسلامهم لعُدَّ من جاهليتهم حسب ما عدَّ من فضيلتهم في الإسلام)(5)، وأشار الإمام علیه السلام إلى ان شرف بيته على غيره لا يختص به في الإسلام فقط، فإن شرف بني هاشم في الجاهلية أيضاً مشهور ومكارم أخلاقهم لا يدفعها

ص: 196


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 388
2- سورة المسد
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 416
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 416؛ الصالح، صبحي، نهج البلاغة، 387
5- شرح نهج البلاغة، 15 / 149

دافع(1)، فمآثر بني هاشم وأخلاقهم معروفة كما نقلته المصادر، إذ روي ان جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه لما أسلم قال له النبي صلی الله علیه و آله وسلم ان الله تعالى شكر لك ثلاث خصال في الجاهلية فما هي؟ قال: (يا رسول الله ما زنيت قط لأني قلت في نفسي: إن ما لا يرضاه العاقل لنفسه لا ينبغي ان يرضاه لغيره تكرمًا، ولا كذبت كذبة قط تأثماً، ولا شربت الخمر قط تذمًا لأنه يذهب العقول)(2).

يتضح من خلال الحديث أن مكانة وشرف بني هاشم، ومكانة وشرف بني أمية لم تتضح فقط بظهور الإسلام، وإنما نال بنو هاشم من الشرف والمكانة ما لا ينكره أحد فقد اشتهر بنو هاشم بالمآثر والكرم والكرامات، ونذكر منهم عبد المطلب على سبيل المثال فقد رد الله تعالى أصحاب الفيل عن مكة بدعائه(3)، وكذلك تفجر عيون الماء من تحت قدم بعير عبد المطلب(4)، والكثير من المكارم والكرامات لبني هاشم في الجاهلية وفي الإسلام جعلتهم ذوي مرتبة ومكانة عالية دفعت البعض ليحسدهم عليها.

ص: 197


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 389؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 471
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 389
3- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 1 / 305
4- ابن حبيب، المنمق، 99

ص: 198

المبحث الثاني موقف بني أمية من الخلافة بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم في نهج البلاغة

من خلال ما تم عرضه من علاقة بني هاشم وبني أمية قبل البعثة وبعدها والتي اتسمت بطابع العداء والنزاع بينهم، وهذا من شأنه أن ينعكس على موقف بني أمية وهم أحد بطون قريش، الذين وقفوا موقفاً سلبيا إزاء الدعوة الإسلامية التي جاء بها نبي الرحمة محمد صلی الله علیه و آله وسلم، وان نجاحه سيفقدهم ما كانوا يتمتعون به من امتيازات سياسية واقتصادية واجتماعية في مكة، خصوصاً وان ذكريات المنافرة بين هاشم وأمية وفوز هاشم على أمية والجلاء عن مكة لا زالت عالقة في أذهانهم(1).

لذلك توضح موقفهم من الدعوة من خلال عدة مواقف بدءاً من إيذائهم للنبي صلی الله علیه و آله وسلم(2)، وبطرق مختلفة ومحاولة قتله من قبل أبي سفيان(3)، وكذلك إتباع طرق عديدة للنيل من الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ليتراجع عن دعوته وصولا إلى المقاطعة وعزل

ص: 199


1- ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1 / 57؛ المقريزي، النزاع والتخاصم، 39
2- ينظر، البلاذري، جمل من انساب الأشراف، 1 / 147؛ ابن شهر اشوب، مناقب آل أبي طالب، 1 / 52
3- ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2 / 90؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 45 / 425

الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وبني هاشم والمطلب في شعب أبي طالب(1)، في محاولة يائسة من قبل قريش، ومن معها من بني أمية بصورة خاصة لمحاولة ثني الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ليتراجع عن موقفه والإستسلام لهم(2).

محاولة بني أمية إثارة الفتنة بعد وفاة الرسول محمد صلی الله علیه و آله وسلم وانقسام المهاجرين والأنصار فيمن يولونه خليفة للرسول صلی الله علیه و آله وسلم واجتماعهم في سقيفة بني ساعدة واختيار أبي بكر من قبل بعض المهاجرين والأنصار خليفة للمسلمين(3)، حاول بنو أمية متمثلين بأبي سفيان إثارة الفتنة بين المسلمين لزيادة الخلاف بينهم، إذ أقبل أبو سفيان وهو يقول: (والله إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم، ياآل عبد مناف فيم أبو بكر من أموركم، أين المستضعفان، أين الأذلان علي والعباس)، ثم طلب من أمير المؤمنين علیه السلام أن يمد يده ليبايعه فرفض ذلك وقال له:

(وإنك والله ما أردت بهذا إلا الفتنة، وإنك لطالما بغيت الإسلام شراً، لا

ص: 200


1- شعب أبي طالب، وهو الشعب الذي آوى إليه الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وبنو هاشم لما تحالفت قريش على بني هاشم وكتبوا الصحيفة، وكان لعبد المطلب فقسمه بين بنيه لما ضعف بصره، وكان النبي قد أخذ حظ أبيه وكان منزل بني هاشم ومساكنهم، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 3 / 347
2- ينظر، ابن هشام السيرة، النبوية، 1 / 234؛ ابن سيد الناس، عيون الأثر، 1 / 165
3- ابن هشام، السيرة النبوية، 4 / 1071؛ ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 22

حاجة لنا في نصيحتك)(1)، وقد أشار أمير المؤمنين علیه السلام إلى هذا الموقف في إحدى خطبه الشريفة بقوله:

(أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة)(2)، إذ بين الراوندي(3) في شرحه ان مراد أمير المؤمنين علیه السلام بسفن النجاة هم أهل البيت علیهم السلام مستندا إلى قول النبي صلی الله علیه و آله وسلم:

(مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق)(4)، بينما ذهب البحراني بالقول أن المقصود بهذه الخطبة التي ألقاها أمير المؤمنين علیه السلام بعد اجتماع السقيفة وبيعة أبي بكر، هو محاولة أبي سفيان إثارة الفتنة، وأن يوقع الحرب بين المسلمين ليقتل بعضهم البعض فيكون ذلك دماراً للدين(5).

وروي ان أبا سفيان جاء إلى باب النبي صلی الله علیه و آله وسلم وأمير المؤمنين علیه السلام والعباس منشغلون بأمر النبي صلی الله علیه و آله وسلم فنادى:

بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم *** ولا سيماتيم بن مرة أو عدي فما الأمر إلا فيكم وإليكم *** وليس لها إلا أبو حسن علي أبا حسن أشدد بها كف حازم *** فإنك بالأمر الذي يرتجى ملي ثم نادى بأعلى صوته يا بني هاشم يا بني عبد مناف أرضيتم أن يلي عليكم أبو فصيل الرذل بن الرذل، أما والله لئن شئتم لأملأنها خيلا ورجالاً؛ فناداه

ص: 201


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 209؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 2 / 189
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 41
3- منهاج البراعة، 1 / 146
4- الكوفي، مناقب أمير المؤمنين، 2 / 146؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، 9 / 168
5- شرح نهج البلاغة، 1 / 39

أمير المؤمنين علیه السلام: ارجع يا أبا سفيان: (فوالله ماتريد ما تقول وما زلت تكيد للإسلام وأهله....)(1).

نستشف مما تقدم عدة امور منها محاولة أبي سفيان إثارة الفتنة بين القبائل، ونتائجها حالة الضعف والفوضى التي تنتج عنها، وكذلك ان أبا سفيان كان من مسلمة الفتح الذين أسلموا كرها فهو لا يزال يضمر أحقاد الجاهلية والنزعة القبلية على الإسلام، فضلاً عن كونه من رؤوس النفاق ومن أشد المحرضين على النبي صلی الله علیه و آله وسلم وعلى الدين الإسلامي، فضلا عن معرفة أمير المؤمنين علیه السلام عما يدور في خاطره.

وعلق أحد الباحثين على ذلك بقوله بأن الإمام علیه السلام قد خيب ظن وآمال الكثيرين ممن كان إسلامه مشكوكاً فيه وبعض الذين ينظرون إلى مسألة الحكم نظرة قبلية وعائلية بسبب عدم وعيهم ونضجهم، وحاول بعضهم حمل الإمام علیه السلام على تغيير رأيه وموقفهِ المبدئي الرسالي، ولكن الإمام رفض ذلك لأنه ينظر إلى المسألة مسألة فتنة(2).

وان خطبة أمير المؤمنين علیه السلام بشأن الفتنة التي حاول إثارتها أبو سفيان تمثل وصية لهذه الأمة في كيفية التعامل مع الفتن الضالة والمضلة، وذلك عن طريق الالتحاق والتمسك بأئمة الهدى علیهم السلام، وهذه الوصية التي أوصى بها الإمام علیه السلام ليست خاصة بعصره وإنما تمتد لكل العصور والأجيال(3).

ص: 202


1- المفيد، الإرشاد، 1 / 190
2- شمس الدين، محمد مهدي، حركة التاريخ، عند الإمام علي، 173
3- الشكري، حيدر فاضل، أهل البيت في نهج البلاغة، 86

وفي الأمر عينه جاء قوله علیه السلام:

(وعرجوا عن طريق المنافرة وضعوا تيجان المفاخرة)(1)، هنا أراد امير المؤمنين علیه السلام الميل والابتعاد عن طريق المنافرة(2)، وعلق التستري انه يراد بكلام الإمام علیه السلام إرتقوا عن ذاك الطريق ولا تسلكوه لأنه ينزل بكم إلى حضيض الهلكة(3)، وأراد بقوله: (وضعوا تيجان المفاخرة)، أي ارفعوا عن رؤوسكم تيجان المفاخرة فتاج المفاخرة كان لبس إبليس(4)، وهو مصداق قوله تعالى:

«خَلَقْتَنِی مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ»(5)، وكلام الإمام علیه السلام موجه إلى أصحاب السقيفة وقيام قريش والأنصار بالمنافرة والمفاخرة(6).

ومن سياق الكلام يتضح لنا أن أمير المؤمنين علیه السلام نهى عن المنافرة والتفاخر فيما بين المهاجرين والأنصار بشأن مسألة خلافة النبي صلی الله علیه و آله وسلم وفيمن يخلفه، وما تؤول إليه الأمور من صراع يؤدي بالمغرضين إلى تحقيق أهدافهم في شق وحدة المسلمين.

إبعاد الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام عن الخلافة بعد وفاة الرسول الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم، اتفق بعض المهاجرين والأنصار على تنصيب أبي بكرللخلافة بعده لإدارة شؤون الأمة، على الرغم من علمهم بأحقية أمير المؤمنين علیه السلام بهذا الأمر بعد

ص: 203


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 41
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 1 / 339
3- بهج الصباغة، 4 / 413
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 204
5- سورة الأعراف، آية 12
6- التستري، بهج الصباغة، 4 / 413

الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، الذي أكد عليه في مواضع كثيرة، ومن أحاديثه صلی الله علیه و آله وسلم في هذا الشأن، إنه روي عن ابن عباس سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول وهو آخذ بيد علي بن أبي طالب علیه السلام:

(هذا أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة، وهو الصديق الأكبر، وهو بابي الذي آتي به، وهو خليفتي من بعدي)(1)، وجاء في حديث آخر قوله صلی الله علیه و آله وسلم:

(أنت ولي كل مؤمن بعدي)(2)، حيث جاءت هذه الأحاديث لتدلل على أحقيته بالخلافة بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وبعدها عهد أبو بكر إلى عمر بن الخطاب للخلافة من بعده، والذي عمل بدوره على جعلها شورى في ستة اختارهم ليكون منهم، وكان الهدف منها هو إبعاد الإمام علیه السلام عن حقه في الخلافة.

وصرح أميرالمؤمنين علیه السلام في إحدى خطبه عن ظلامته تلك بقوله:

(حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم إني أحدهم فيالله وللشورى، متى اعترض الريب فيَّ مع الأول حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر)(3)، وذكر المفيد قضية الشورى بقوله: (لما جعلها عمر شورى في ستة وقال إن بايع إثنان لواحد وإثنان لواحد، فكونوا مع الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن، فخرج الإمام علیه السلام من الدار وهو معتمد

ص: 204


1- ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 42 / 42؛ الذهبي، ميزان الإعتدال، 2 / 3
2- الطيالسي، مسند أبي داود، 360؛ النسائي، خصائص أمير المؤمنين؛ 64؛ الطبراني، المعجم الكبير، 12 / 78؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 3 / 134
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 37

على يد ابن عباس، وقال يا ابن عباس: ان القوم عادوكم بعد نبيكم كمعاداتهم لنبيكم في حياته، والله لا ينيب بهم الحق إلا السيف، فقال له ابن عباس: وكيف ذاك قال: أما سمعت قول عمر، قال: بلى أولم تعلم ان عبد الرحمن ابن عم سعد، وان عثمان صهر عبد الرحمن، قال: بلى. قال: فإن عمر قد علم ان سعداً وعبد الرحمن و عثمان لا يختلفون في الرأي، وأنه من بويع منهم كان إثنان معه، وأمر بقتل من خالفهم ولم يبال ان يقتل طلحة إذ قتلني وقتل الزبير، أم والله لئن عاش عمر لأعرفنّه سوء رأيه فينا قديماً وحديثاً ولئن مات يجمعني وإياه يوم يكن فيه فصل الخطاب)(1).

إذ بيّن ابن أبي الحديد في شرحه ان مراد الإمام علیه السلام من ذلك، أنه لما طعن عمر جعل الخلافة في ستة كان أمير المؤمنين علیه السلام أحدهم، وتعجب علیه السلام من ذلك الموقف الذي جاء فيه عمر في قضية الشورى، إذ قال (متى اعترض الشك فيّ مع أبي بكر حتى أقرن بسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف(2)، وأمثالهما لكني طلبت الأمر وهو موسوم بالأصاغر منهم كما طلبته وهو موسوم بأكابرهم، أي هو حقي فلا أستنكف من طلبه إذ كان المنافس فيه جليل القدر أو صغير المنزلة)(3).

نستنتج من ذلك ان قضية الشورى ما هي إلا وسيلة لإقناع رأي الأمة بأن

ص: 205


1- الإرشاد، 1 / 285
2- عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن الحارث بن زهرة، يكنى أبا محمد، كان اسمه عبد عمرو وقيل عبد الكعبة فسماه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عبد الرحمن، وهم من المسلمين الأوائل وشهد بدراً وأحدا والمشاهد كلها، توفي، سنة (31 ه)، ينظر، ابن عبد البر، الاستيعاب، 442؛ ابن الأثير، أسد الغابة، 3 / 475
3- شرح نهج البلاغة، 1 / 181

الأمور جرت على وفق الإنتخاب من قبل أعضاء الشورى، ولكن يكمن في داخلها هدف هو حرمان الإمام علیه السلام من حقه في الخلافة، خصوصا وان الإمام علیه السلام يعلم بأن الأمر قد زوي عنه أثناء مخاطبته للعباس بقوله: (أما إني أعلم أنهم سيولون عثمان، وليحدثن البدع والأحداث، وإن بقي لأذكرنك، وإن قتل أو مات ليتداولنها بنو أمية بينهم، وإن كنت حياً لتجدني حيث يكرهون)(1).

وفي موضع آخر من خطب أمير المؤمنين علیه السلام جاء قوله:

(لكنني أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا)(2)، أي ان المنافسة بين أصحاب الشورى كانت على الألقاب والمناصب والفرص بين الطرفين غير متكافئة، والظروف غير مهيئة للإمام علیه السلام لكي يردع المخالفين عن الباطل، ويأخذ بهم إلى طريق الحق، فآثر السكوت لمصلحته ولصالح المسلمين، وفي الوقت نفسه كان شديد المراقبة لهم وكثير المحاسبة، حيث كان يرشدهم في الكثير من المواقف للتي هي أصلح لهم وللمسلمين، وكان أبو بكر وعمر يسمعان من الإمام علیه السلام ويسمعان منه ويرجعان إليه في كثير من الأمور(3)، وكما قال عمر: (لولا علي لهلك عمر)(4)، ولكن عثمان كان دائم المعارضة للإمام علیه السلام بسبب ما يحيط به من حاشية على رأسهم مروان بن الحكم الذي كان يتحكم في أمره(5)، وعلى ما يبدو أن الخلفاء الذين سبقوا عثمان كان الإمام علیه السلام شديد المراقبة على كثير من

ص: 206


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 187
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 37
3- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1 / 92
4- الكليني، الكافي، 7 / 424؛ الشريف الرضي، خصائص الأئمة، 85
5- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1 / 92؛ ينظر، اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 70

أعمالهم، وكانوا يستشيرونه في كثير من الأمور، ولولا الإمام علیه السلام لما استطاعوا قيادة الأمة، بإعتراف عمر بذلك، ولكن عثمان رفض الأخذ بنصائح الإمام علیه السلام.

وأراد بقوله علیه السلام:

()فصغى رجل منهم لضغنه، ومال الآخر لصهره)(1)، اختلف بعض الشراح فيمن قصد الإمام علیه السلام بضغنه، إذ بين بعضهم أن مراد الإمام علي علیه السلام بذلك سعد بن أبي وقاص لأن أمير المؤمنين علیه السلام قتل أباه يوم بدر(2)، بينما ذهب ابن أبي الحديد بالقول ان المقصود بذلك هو طلحة وليس سعد بن أبي وقاص لأن أباه مات في الجاهلية حتف أنفه(3)، فيما عنى الإمام علیه السلام بقوله:

(مال الآخر لصهره) يعني عبد الرحمن بن عوف مال إلى عثمان لأنه زوج لأخت(4).

وعلى هذا الأساس فإن الشورى هدفها إبعاد الإمام علیه السلام عن تسلم الخلافة وجعلها في بني أمية وممثلهم عثمان بن عفان وهذا ما ورد في الرواية، إذ قال الإمام علیه السلام لعمه العباس بن عبد المطلب:

(عدلت عنا فقال وما علمك؟ قال: قرن بي عثمان وقال: كونوا مع الأكثر فإن رضي رجلان فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف، فسعد لا يخالف ابن عمه عبد الرحمن وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفون فيوليها عبد الرحمن

ص: 207


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 37
2- الراوندي، منهاج البراعة، 1 / 127؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 1 / 322؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 37؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1 / 92
3- شرح نهج البلاغة، 1 / 185
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 185؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1 / 92

عثمان أو يوليها عثمان عبد الرحمن فلو كان الآخران معي لم ينفعاني)(1).

وأراد أمير المؤمنين علیه السلام بقوله:

(مع هن وهن)(2)، أي الإشارة إلى امور يكنى بها ولا يصرح بذكرها وأكثر ما يستعمل ذلك في الشر(3)، ويعني ذلك الأدنياء من الناس، إذ تقول العرب فلان هني وهو تصغير هن، أي دون الناس ويريدون بذلك تصغيره(4)، بينما علق التستري على ان قول الإمام علیه السلام: (هن وهن) لم يقتصر على ما ذكر عن إصغاء الأول مع الثاني لكونه ابن عمه، وميل الثاني إلى عثمان لكونه صهره، بل عبر بني أمية عن إرادتهم تلك واتفاق الباقين معه(5)، ولعل مصداق ذلك ما جاء على لسان عبد الله بن أبي سرح عندما قال مخاطباً أهل الشورى:

(أيها الملأ إن أردتم ان لا تختلف قريش فبايعوا عثمان)(6).

ومن خلال ما تقدم يتضح أن الأمرَ مدبرٌ مسبقاً لعزل أميرالمؤمنين علیه السلام من قبل بني أمية ومن وقف وراءهم لغرض إيصالهم للسلطة، وفي هذا الصدد صرح أمير المؤمنين علیه السلام قائلا: صدق رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أي في غدرهم أولا وأخيراً في قوله:

ص: 208


1- ابن شبة النميري، تاريخ المدينة المنورة، 3 / 925؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 230؛ الشريف المرتضى، الشافي في الإمامة، 4 / 207؛ أبن الأثير، الكامل في التاريخ، 2 / 461
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 37
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 185
4- الصدوق. علل الشرائع، 1 / 152
5- بهج الصباغة، 5 / 185
6- الجوهري، السقيفة وفدك، 86

(أن الأمة ستغدر بك بعدي)(1).

وفي موضع آخر من نهج البلاغة أكد أمير المؤمنين علیه السلام على أحقيته بالخلافة بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم مبيناً أنه وارث علمه وخليفته، ولكن القوم تحالفوا على إبعاده عن حقه، وقال علیه السلام في هذا المضمون:

(ومن ذا أحق به مني حياً أو ميتاً)(2)، إذ صرح البحراني بقوله أن الإمام علیه السلام أراد من ذلك أنه الأحق بالمنزلة والأقرب منه، ففي حياته بالأخوة والوزارة، وبعد موته بالوصية والخلافة، فهو أحق بالمنزلة وولاية أمره من بعده(3).

ومن خلال القول ان القرآن الكريم نصَّ على ولاية امير المؤمنين علیه السلام كما جاء في قوله تعالى:

«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(4)، إذ ذكر العديد من المفسرين أنها نزلت في حق أميرالمؤمنين علیه السلام حينما مر به سائل وهو راكع في المسجد، فأعطاه خاتمه(5).

وفي احدى خطبه الشريفة في نهج البلاغة يبين لنا أميرالمؤمنين علیه السلام المكانة التي حظي بها من قبل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وقربه منه، والتي قال فيها:

ص: 209


1- القاضي النعمان، شرح الأخبار، 1 / 436؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 3 / 142؛ الطوسي، الأمالي، 476؛ المتقي الهندي، كنز العمال، 11 / 297
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 338
3- شرح نهج البحراني، 3 / 413
4- سورة المائدة، آية، 55
5- الطبري، جامع البيان، 6 / 389؛ القرطبي، تفسير القرطبي، 6 / 221؛ البيضاوي، أنوار التنزبل، 2 / 132

(وفاضت بين نحري وصدري نفسك)(1).

أما بصدد قوله علیه السلام:

(ومن ذا احق به مني حياً او ميتاً)، روي عن أم سلمة ان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم سأل عن امير المؤمنين علیه السلام مراراً، ولما جاء دخل عليه فأخذ يناجيه بكلام، ثم قبض النبي صلی الله علیه و آله وسلم في يومه، فكان أمير المؤمنين علیه السلام آخر الناس به عهداً(2).

وأشار أمير المؤمنين علیه السلام إلى قضية إغتصاب حقه في الخلافة في موضع آخر من نهج البلاغة بقوله علیه السلام:

(فوالله ما زلت مدفوعاً عن حقي، مستأثراً عليّ منذ قبض الله نبيه صلی الله علیه و آله وسلم حتى يوم الناس هذا)(3)، وأشار ابن أبي الحديد، ان الإستئثار على الإمام علیه السلام والتغلب على أمر الخلافة لم يتحدد الآن(4) ولكنه منذ قبض الرسول صلی الله علیه و آله وسلم(5)، وعلق محمد جواد مغنية بقوله: (أن حق الإمام علیه السلام في الخلافة هو حق الإنسان بالذات لأنه الحارس والضامن ومن أجل هذا وحده حاربوه ودافعوه عن الخلافة، ولما توافرت له الأسباب ثار عليه الناكثون والقاسطون والمارقون، وخلقوا المشاكل والمصاعب للإسلام، والمجتمع الإسلامي بكامله من التفرقة في الدين، وسفك

ص: 210


1- محمد عبده، نهج لبلاغة، 2 / 346
2- ابن أبي شيبة، المصنف، 7 / 495؛ ابن حنبل، مسند احمد، 6 / 300؛ النسائي، السنن الكبرى، 4 / 261
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 42
4- أي الوقت الذي ألقى الإمام علیه السلام خطبته هذه عندما أشير عليه أن لا يخرج لقتال طلحة والزبير عندما خرجا لقتاله، ينظر، الشريف الرضي، نهج البلاغة، 45
5- شرح نهج البلاغة، 1 / 214

الدماء وإنتهاك الحرمات فتظلم الإمام علیه السلام للحق والناس جميعاً)(1)، وجاء في هذا الصدد، ان الإمام عليّاً علیه السلام خطب وقال:

(قد أبيتم إلا أن أقولها ورب السماء والأرض، ان من عهد النبي الأمي صلی الله علیه و آله وسلم إليّ ان الأمة ستغدر بك بعدي)(2).

وروى الصدوق بإسناده عن الإمام علي علیه السلام قال، قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم:

(إذا متُّ ظهرت لك ضغائن في صدور قوم يتمالئون ويمنعونك حقك)(3)، يتضح لنا من خلال ذلك بيان الإمام علیه السلام مظلوميته في حقه وكذلك إخبار النبي صلی الله علیه و آله وسلم له بما يجري عليه من اغتصاب حقه ومحاربة الناس له.

وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين علیه السلام في الخطبة الشقشقية أي مسألة إغتصاب حقه والتي جاء فيها:

(أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وأنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل، ولا يرقى إليَّ الطير. فسدلت دونها ثوباً، وطويت عنها كشحاً، وطفقت أرتئي بين ان أصول بيد جذاء، او أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير. ويشيب فيه الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيت ان الصبر على هاتها أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا أرى تراثي نهبا، حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطاب بعده...)(4).

ص: 211


1- في ظلال نهج البلاغة، 1 / 112
2- القاضي النعمان، شرح الأخبار، 1 / 436؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 3 / 143؛ الطوسي، الأمالي، 476
3- عيون أخبار الرضا، 1 / 72
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 154

وفي السياق ذاته أشار أمير المؤمنين علیه السلام، إلى منازعة معاوية له على الخلافة بقوله:

(هلم الخطب في ابن أبي سفيان)(1)، هنا تعجب الإمام علیه السلام من الأحوال والظروف التي أدت إلى أن يصير معاوية منازعه في الرياسة، ويحظى عند الناس بمقامٍ صالحٍ وأن يقع بمقابلته وأن يكون نداً له(2)، وجاء ان الإمام الحسن علیه السلام كتب إلى معاوية يذكره بما فعلت قريش من توثبها على أمرالخلافة محتجة بقربها من العرب إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم وإبعاد أهل بيته عن الأمر، وامسكوا عن حقهم مخافة على الدين، وتعجب الإمام الحسن علیه السلام من معاوية على إقدامه على أمرٍ ليس من أهله، لا بفضل يذكر في الإسلام:

(وأنت ابن اعدى الناس للإسلام ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم، وسوف تلقى ربك ويخزيك بما قدمت يداك)(3).

ونستشف من كلام الإمام الحسن علیه السلام أنهم امسكوا عن حقهم ولم يطالبوا به في ذلك الوقت خوفاً على الدين الإسلامي من الذين يتربصون به الدوائر، للقضاء عليه فكان إمساكهم أولى حفاظا عليه.

وأراد أمير المؤمنين علیه السلام بقوله:

(فلقد اضحكني الدهر بعد إبكائه)(4)، الإشارة إلى ما كان عنده من الكآبة لتقدم من سلف عليه فلم يقنع الدهر بذلك حتى جعل معاوية نظيراً

ص: 212


1- محمد، عبده، نهج البلاغة، 2 / 257
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 189؛ محمد، عبده، نهج البلاغة، 2 / 257
3- أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، 35؛ المجلسي، بحار الأنوار، 44 / 39
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 257

له فضحك علیه السلام مما تحكم به الأوقات ويقتضيه تصرف الدهر وتقلبه(1)، وعلق محمد جواد مغنية على الأمر بقوله: (المراد من ضحك الإمام علیه السلام هو حين احتجت قريش على الأنصار بشجرة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وقال: (احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة، وبكى حين فوجئ بأن قادة الحروب على الإسلام هو وابوه يطمح إلى خلافة نبي الإسلام ومنصبه)(2) وأن من لعنه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أصبح ينافس الإمام علیه السلام على منصب الخلافة، وروي أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال:

(ان معاوية في تابوت في الدرك الأسفل من النار ولولا كلمة فرعون أنا ربكم الأعلى، ما كان احدٌ أسفل مِن معاوية)(3).

فمنذ ان قبض رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عمل القوم على إبعاد الإمام علیه السلام عن الخلافة بغضاً له وحباً في الملك والرئاسة وغيرها من الأسباب، لأنه لو وليها يحملهم على الحق، وهذا ما لا يرغبون به، وقد عبرعن ذلك بقوله علیه السلام:

(حاول القوم إطفاء نور الله من مصباحه، وسد فواره من ينبوعه)(4)، إذ عملت قريش ومن معها مثل طلحة والزبير ومن آزرهما على إبعاد الإمام علیه السلام وبتشجيع من معاوية وعمرو بن العاص ومن والاهم على ذلك الأمر(5)، وأتخذوا من قميص عثمان وسيلة لتحقيق غايتهم في إبعاد الإمام علیه السلام(6)، وهم

ص: 213


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 190؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 276
2- في ظلال نهج البلاغة، 2 / 447
3- المنقري، نصربن مزاحم، وقعة صفين، 217؛ القاضي النعمان، شرح الأخبار، 2 / 536
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 257
5- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 190
6- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2 / 448

بذلك يعملون على القضاء على مسألة وراثة أهل البيت علیهم السلام للنبي صلی الله علیه و آله وسلم واستئصالها من جذورها وجعلها في أيدي غيرهم، وهذا ما عبر عنه أمير المؤمنين علیه السلام بقوله ذلك(1).

وجاء انه لما قبض رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إرتجت مكة في نعيه، فسأل أبوقحافة عن الأمر، فقالوا له بنبأ وفاة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وتولي أبي بكر الخلافة بعده، فقال: (وهل رضيت بنو عبد شمس والمغيرة، قالوا: نعم، قال: لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع الله، ما أعجب هذا الأمر، تنازعون النبوة وتسلمون الخلافة، أن هذا لشيء يراد)(2).

وفي صفين جعل معاوية مكافئة مالية لكل من يقتل العباس بن ربيعة الهاشمي(3)، فقال أمير المؤمنين علیه السلام:

(لو ودَّ معاوية إنه ما بقي من بني هاشم نافخ ضرمه إلا طعن في بطنه، إطفاء لنور الله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره)(4)، من خلال الرواية يتضح ان معاوية يسعى للقضاء على أي فرد من بني هاشم، فكيف هو الحال مع أهل البيت وسيدهم أمير المؤمنين علیهم السلام يومئذ، ومما لا شك فيه انه يسعى للقضاء عليهم لأنهم أعداؤه التقليديون الذين يقفون حائلاً دون تحقيق غاياته.

ص: 214


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 276
2- المفيد، الأمالي، 91؛ الخطيب التبريزي، الإكمال في أسماء الرجال، 135
3- العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، وكان ذا قدر ومنزلة أقطعه عثمان داره في البصرة، ومائة ألف درهم، وهو من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، شهد معه صفين وكان على القلب من جنده وكان من شجعان قريش وأبطالها، و قد قتل غرار أحد قادة معاوية، ينظر، ابن قتيبة، المعارف، 128
4- ابن أعثم الكوفي، الفتوح، 3 / 144؛ المجلسي، بحار الأنوار، 32 / 592

إحجام الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام عن المطالبة بحقه في الخلافة إحتج أمير المؤمنين علیه السلام بشأن مسألة اغتصاب حقه في الخلافة على أهل السقيفة وعلى أبي بكر وعمر، وما جاء في خطبته الشقشقية خير دليل على ذلك، ثم تكرر احتجاجه على أهل الشورى بشأن حقه في الخلافة، وجاء قوله علیه السلام في هذا الصدد:

(لقد علمتم إني أحق الناس بها من غيري)(1) هنا خاطب أمير المؤمنين علیه السلام أهل الشورى بأنكم على علم بحقي في الخلافة دون غيري وأنتم تعدلون عني، وكلام الإمام علیه السلام واضح لا غموض فيه فهو ينظر إلى الخلافة كأداة لتحقيق العدل والمساواة فإذا تحقق هذا المطلب استطاع ان يخفف من حدة الضغوط التي مورست ضده لإقصائه عن حقه(2)، وأورد ابن أبي الحديد العديد من الروايات التي ناشدهم بها والتي تبين حقه في الخلافة دون غيره، وكذلك الخصائص والفضائل التي يتميز بها أمير المؤمنين علیه السلام عن غيره من الصحابة والتي احتج بها الإمام علیه السلام على أهل الشورى بعد ان بايع عبد الرحمن والحاضرون لعثمان، وامتنع هو علیه السلام عن البيعة وقال لهم:

(إن لنا حقاً إن نعطه نأخذه وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل وإن طال

ص: 215


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 114
2- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1 / 361

السرى)(1)، ومن هذه المناشدات التي ناشدهم بها، قوله لهم في هذا المعنى:

(أنشدكم الله أفيكم أحد آخى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بينه وبين نفسه، حيث آخى بين بعض المسلمين وبعض غيري؟ فقالوا: لا، فقال: أفيكم أحد قال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، (من كنت مولاه فهذا مولاه) غيري؟ فقالوا: لا، فقال: أفيكم أحد قال له رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) غيري؟ فقالوا: لا(2)، وذكر الكثير من فضائله في هذا الجانب حتى قطع عليه عبد الرحمن بن عوف كلامه وأبلغه بأن الناس لا ترضى إلا ب عثمان، فلا تجعل على نفسك سبيلاً، ثم قال عبد الرحمن: (يا أباطلحة ما الذي أمرك به عمر؟ قال:

أن أقتل من شق عصا الجماعة، فقال عبد الرحمن لعلي، بايع إذن، وإلا كنت متبعاً غير سبيل المؤمنين، وأنفذنا فيك ما أمرنا به)(3).

وعند التأمل في النص المذكور نلاحظ إبتعاد أصحاب الشورى وخاصة عثمان ومن يؤازره عن الحق وعن المكانة التي رسمها النبي صلی الله علیه و آله وسلم لأمير المؤمنين علیه السلام وأوضحها لهم، وهم يعلمون بأنه أحق منهم لتولي الخلافة لا لحاجة لها وإنما من أجل الدين وقوامه وإصلاح الناس، وخاصة ان عمر بن الخطاب قد أشار إلى ذلك عندما حدد أصحاب الشورى وما يمتازون به من صفات ووصف أمير المؤمنين علیه السلام بقوله لأصحاب الشورى:

(والله إني لأعلم مكان الرجل لو وليتموه أمركم ليحملنكم على المحجة

ص: 216


1- أبن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 134
2- شرح نهج البلاغة، 6 / 134
3- المصدر نفسه، 6 / 134

البيضاء، قالوا: فلم لا توليه؟ قال: ليس إلى ذلك سبيل)(1)، وهذا دليل واضح على ان الأمر مدبرله مسبقاً بإبعاد الإمام علیه السلام وحرمانه عن حقه في الخلافة، وهناك رواية اخرى تدلل على ذلك الأمر، ومفادها ان سعيد بن العاص الأموي طلب من عمربن الخطاب ان يستزيده في داره، فأخبره بأمر وأمره بكتمانه وقال له أنه سيلي الأمرمن بعدي من يصل رحمك ويقضي حاجتك(2).

وفي موضع آخر من خطب أمير المؤمنين علیه السلام جاء قوله:

(ووالله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين)(3)، حيث أشار البحراني بقوله:

ان أمير المؤمنين علیه السلام أقسم على ترك المنافسة في أمر الخلافة وعدم الخوض في صراع مع المنافسين له، وهو إشارة إلى ان غرضه من ترك المنافسة هو لصلاح حال المسلمين واستقامة أمورهم وسلامتهم من الفتن التي قد تعصف بهم في حال منازعته للأمر وهذا يؤدي بدوره إلى شق عصا الإسلام(4).

وفي السياق ذاته صرح أمير المؤمنين علیه السلام بالجور الذي لحق به من جراء الشورى بقوله:

(ولم يكن فيها جور إلا عليَّ خاصة)(5)، حيث علق أبن أبي الحديد على قول الإمام علیه السلام ذلك، بأن الجور الذي وقع في خلافة عثمان لم يقع إلا عليه فقط،

ص: 217


1- البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 6 / 120؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 478
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7 / 35؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 21 / 119؛ المتقي الهندي، كنز العمال، 12 / 580
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 114
4- شرح نهج البلاغة، 2 / 208
5- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 114

ولم يتضمن ذلك الجور على المسلمين والإسلام(1)، وكيف ذلك، وكل ما آل إليه المصير هو من تداعيات خلافة عثمان لتوريثه أهل بيته وتوزيعه الثروات والتفاوت في سياسة العطاء، وتولية الصبيان وإلى ذلك من الأمور، وعلق التستري على قول ابن أبي الحديد بتصريحه ذلك بأنه مضحك، وكيف لم يكن جوراً على الإسلام(2)، ومما يدلل على ذلك أن أبا سفيان في أيام عثمان مر على قبر الحمزة بن عبد المطلب فضربه برجله وقال له: يا أبا عمارة قم فانظر إن الدين الذي كنت تضربنا عليه بالسيف في يد شبابنا يلعبون فيه(3)، والباحث يتفق مع التستري بشأن مسألة الجور على المسلمين والإسلام، إذ سنبين فيما بعد كيف أدار بنو أمية الدولة في ظل خلافة عثمان بن عفان وما لاقت الأمة من أعمالهم من الظلم والجور واغتصاب حقوق الناس وهذا ما اشارت إليه المصادر التاريخية كما سنوضح ذلك(4).

ص: 218


1- شرح نهج البلاغة، 6 / 134
2- بهج الصباغة، 4 / 510
3- المقريزي، النزاع والتخاصم، 7؛ المجلسي، بحار الأنوار، 33، 89
4- ينظر الفصل الثالث من الدراسة، 182 - 185

موقف الشخصيات الأموية من بيعة الإمام علي علیه السلام عرف الأمويون بعدائهم للدعوة الإسلامية منذ بداية ظهورها في مكة على يد الرسول الأكرم محمد صلی الله علیه و آله وسلم، إذ برز دورهم بشكل كبير في محاربة تلك الدعوة على يد زعيمهم أبي سفيان الذي ناصب العداء للإسلام والمسلمين، وبعدها جاء من يكمل هذا الدور العدائي من بعده متمثلا بالشخصيات الأموية التي برزت فيما بعد وخاصة عندما تسلم أمير المؤمنين علیه السلام خلافة المسلمين، إذ توحدت مواقفهم الرافضة لخلافة أمير المؤمنين علیه السلام لأنهم لم يجدوا فيها ما يحقق رغباتهم، وفيما يلي نعرض بعضًا من تلك المواقف:

أولا: نقض مروان بن الحكم بيعة الإمام علیه السلام يعد مروان بن الحكم من الشخصيات التي وقفت موقفاً سلبياً إزاء خلافة أمير المؤمنين علیه السلام إذ كان من بين الذين بايعوه بعد مقتل عثمان، ولكن سرعان مانقض بيعته وغدر بعد أن ثار على الإمام علیه السلام مع أصحاب الجمل، إذ جاء كلام الإمام علیه السلام في هذا الصدد:

(أولم يبايعني بعد قتل عثمان، لاحاجة لي في بيعته إنها كف يهودية، لو بايعني بكفه لغدر بِسبْتِهِ)(1)، إذ صرح ابن أبي الحديد بقوله ان هذا الخبر روي من طرق كثيرة ورويت فيه زيادة لم يذكرها صاحب (نهج البلاغة) وهي قوله علیه السلام في مروان:

ص: 219


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 112

(يحمل راية ضلالة بعدما يشيب صدغاه وإن له أمرة كلعقة الكلب أنفه وهو أبو الأكبش الأربعة، وستلقى الأمة من ولده يوماً أحمر)(1)، وقوله علیه السلام أولم يبايعني بعد قتل عثمان أي وقد غدر، وهكذا لو بايعني الآن(2).

ورويت أحاديث كثيرة بشأن مروان بن الحكم، إذ روى الكليني، مسنداً عن الإمام الصادق علیه السلام ان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال عن مروان بن الحكم:

(الوزغ ابن الوزغ، الملعون ابن الملعون)(3).

وكان مروان مجاهراً بالإلحاد هو وأبوه وهما الطريدان اللعينان، وكان أبوه عدو النبي صلی الله علیه و آله وسلم يحكيه في مشيته ويغمز عليه ويدلع لسانه، وتم طرده إلى الطائف(4).

وأراد بقوله علیه السلام:

(لاحاجة لي في بيعته إنها كف يهودية، لو بايعني بكفه لغدر بِسبْتِهِ)، ومعنى كف يهودية اي غادرة، واليهود تنسب إلى الغدر والخبث(5)، ويفهم من ذلك تشبيهه باليهود لغدرهم كما بيّن الله تعالى في كتابه الحكيم:

«لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ»(6)، ومعنى ذلك بأن الله وصف اليهود والمشركين بأنهم أشد الناس عداوة للمؤمنين، لأن اليهود

ص: 220


1- شرح نهج البلاغة، 6 / 117
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 117
3- الكافي، 8 / 238؛ ينظر، الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 4 / 480
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 119
5- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 207
6- سورة المائدة، آية، 82

ظاهروا المشركين على المؤمنين مع ان المؤمنين يؤمنون بنبوة موسى علیه السلام والتوراة التي أتى بها، فكان ينبغي أن يكونوا إلى من وافقهم في الإيمان بنبيهم وكتابهم أقرب، وظاهروا المشركين حسداً للنبي صلی الله علیه و آله وسلم(1)، أما قوله علیه السلام:

(لو بايعني بيده لغدر بِسبْتِهِ) ومعنى السبة(2)، إهانة له لأن الغدر من أقبح الرذائل فنسبته إلى السبة أولى النسب، أما المعنى الآخر انه يريد الكلام حقيقة لا مجازاً، وذلك لأن الغادر من العرب كان إذا عزم على الغدر بعد عهد عاهده أو عقد، إستهزاء بما كان اظهره من اليمين والعهد(3)، وربما المراد من ذلك ان مروان لو بايعه بكفه لغدر باصبعه وهو السبابة وهي أحد أصابع اليد وهو يتلائم مع سياق كلام أمير المؤمنين علیه السلام لما كان متعارفًا بين العرب بأن البيعة تتم باليد.

وروي أن أميرالمؤمنين علیه السلام أخذ كفه عندما بسط يده ليبايعه مروان بن الحكم فنترها وقال: لا حاجة لي فيها إنها كف يهودية لو بايعني بيده عشرين مرة لنكث بأسته(4)، نستنتج من ذلك ان مروان بن الحكم بما يتصف به من صفات وأخلاق جعلت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقوم بطرده مع أبيه فكيف لا يغدر بأمير المؤمنين علیه السلام وينكث بيعته، إذ كان يقال لمروان بن الحكم خيط الباطل(5).

ص: 221


1- الطوسي، التبيان، 3 / 614
2- السبة، هو كل شيء يلزم به سبة او عيب، ينظر، ابن منظور، لسان العرب، 4/ 625
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 118؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 207؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 112
4- المفيد، الجمل، 222؛ القطب الراوندي، الخرائج والجرائح، 1 / 197
5- البلاذري، جمل من انساب الأشراف، 6 / 256؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 681

ثانياً: كتاب الإمام علي علیه السلام إلى معاوية بشأن بيعته تبودلت الكتب والرسائل بين أمير المؤمنين علیه السلام ومعاوية بن أبي سفيان بشأن بيعة معاوية للإمام، ولكن معاوية كان يتهرب كل مرة من أمر البيعة لذلك عمل الإمام علیه السلام إلى إرسال جرير بن عبد الله البجلي(1)، إلى معاوية محملا إياه رسالة إليه لكي يحمله على البيعة او الحرب، وجاء فيها:

(أما بعد فقد أتاك كتابي فاحمل معاوية على الفصل وخذه بالأمر الجزم)(2)، إذ ذكر ابن أبي الحديد ان الإمام علیه السلام أراد من جرير بأن لا يترك معاوية متلكأ مترددً يطمعك تارة ويؤيسك تارة أخرى، بل احمله على أمر فصل، أما البيعة أو ان يأذن بالحرب، وخذه بالأمر الجزم أي الأمر المقطوع، ولا تكن ممن يقدم رجلاً ويؤخر أخرى(3)، لأن معاوية كان يتلون أيام المهلة ليستعد له فلا يجيبه بجواب فاصل(4).

وروي: (ان أمير المؤمنين علیه السلام حينما أراد ان يبعث رسولا إلى معاوية، قال له جرير إبعثني إلى معاوية فأدعوه على ان يسلم لك الأمر ويجتمع معك على حق على ان يكون أميراً من أمرائك وعاملاً من عمالك، فقال له أمير المؤمنين علیه السلام، خذ الكتاب واعلم أني لا أرضى به أميراً وأن العامة لا ترضى به خليفة، فانطلق حتى

ص: 222


1- جرير بن عبد الله بن جابر وهو السليل بن مالك بن نصر بن ثعلبة البجلي، يكنى أبا عمرو من ساكني الكوفة، ووكان إسلامه بالعام الذي توفي فيه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهو سيد قبيلة بجيلة، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذي الكلاع وذي ظليم باليمن، وتوفي سنة، (54 ه)، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8: 145؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 120
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 396
3- شرح نهج البلاغة، 14 / 38
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 321

أتى الشام وقال لمعاوية: قد اجتمع لابن عمك أهل المصرين وأهل الحجاز وأهل اليمن وأهل مصر ولم يبقَ إلا هذه الحصون التي أنت فيها، وبعد ذلك خطب معاوية بأنه خليفة عمر و عثمان وأنه وليه في الدم، وقد قتل مظلوماً وأحب أن يستطلع آراء الناس في قتل عثمان فقام أهل الشام بأجمعهم، وأجابوا إلى الطلب بدم عثمان وبايعوه على ذلك)(1)، ومما لا شك فيه ان معاوية على علم بأن الإمام علیه السلام لن يبقيه في ولاية الشام، لذلك أخذ يختلق الأعذار والأسباب عسى ان تفيده في شيء مما يرغب في تحقيقه.

وفي المعنى ذاته قول أمير المؤمنين علیه السلام:

(ثم خيّره بين حرب مجلية، أو سلم مخزية، فإن اختار الحرب فانبذ إليه، وان اختار السلم فخذ بيعته، والسلام)(2)، هنا المراد بحرب مجلية تجلي المقهورين فيها عن ديارهم أي تخرجهم(3)، وسلم مخزية أي فاضحة، وإنما جعلها مخزية لأن معاوية امتنع أولا عن بيعة الإمام علیه السلام فإذا دخل في السلم فإنما يدخل في البيعة، وإذا بايع بعد الإمتناع فقد دخل تحت الهضم ورضي بالضيم وذلك هو الخزي(4).

هنا وضع الإمام علیه السلام معاوية بين خيارين، الأول عند رفضه البيعة سوف يلاقي جزاء رفضه حرباً من الإمام علیه السلام وأتباعه تبعده عن الديار التي هو فيها

ص: 223


1- المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، 27 - 28؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 10 / 492
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 396
3- أبن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 14 / 38؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 321
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، شرح نهج البلاغة، 14 / 38، مغنية في ظلال نهج البلاغة، 3 / 395

والتي عمل على توطيد ملكه فيها منذ توليته على الشام، أما الخيار الثاني هو ما يستشعر به معاوية من الذل والمهانة التي سوف تلحق به لأنه خضع للإمام علیه السلام بعد عناده الطويل وامتناعه عن البيعة، لأنه ينظر إلى البيعة على أساس عصبي لا يمت للدين بصلة.

وقوله علیه السلام:

(فانبذ إليه) من قوله تعالى:

«فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ»(1)، إذ علق ابن أبي الحديد على ذلك بقوله:

(وأصله العهد والهدنة وعقد الحلف يكون بين الرجلين أو بين القبيلتين ثم يبدو لهما في ذلك فينتقلان إلى الحرب، فينبذ أحدهما إلى الآخر عهده كأنه كتاب مكتوب بينهما قد نبذه أحدهما يوم الحرب وأبطله فأستعير ذلك للمجاهرة بالعداوة والمكاشفة، ونسخ شريعة السلام السابقة للحرب المعاقبة لها)(2)، وقد ذكر أمير المؤمنين علیه السلام خطبة في هذا الشأن جاء فيها:

(ان إستعدادي لحرب أهل الشام وجرير عندهم إغلاق للشام وصرف لأهله عن خير أرادوه، ولكن قد وقتّ لجرير وقتاً لا يقيم بعده إلا مخدوعاً أو عاصياً. والرأي عندي الإناة، فأروِدوا ولا أكره لكم الإعداد)(3)، يتضح من ذلك ان الإمام علیه السلام أراد إعطاء معاوية بعض الوقت عسى أن يرجع إلى رشده ويبايع الإمام علیه السلام.

ص: 224


1- سورة الأنفال، آية، 58
2- شرح نهج البلاغة، 14 / 38
3- الشريف المرتضى، نهج البلاغة، 91

إحتجاج الإمام علي علیه السلام على معاوية بالمهاجرين والأنصار بعد مقتل عثمان إلتجأ المهاجرون والأنصار إلى أمير المؤمنين علیه السلام لغرض بيعته وتمت البيعة من قبلهم، ولكن معاوية وأهل الشام رفضوا بيعته، وقد احتج الإمام علیه السلام على معاوية بقوله:

(إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه)(1)، أي ان الإمام علیه السلام احتج على معاوية ببيعته بأهل الحل والعقد بالإجماع كما بايعوا الخلفاء من قبله حسب ما يعتقده معاوية وأهل الشام، ولو احتج عليهم بالنص لم يوافقوا بإعتقادهم انه لم يكن منصوصاً عليه ولم يسلم له(2)، وكان علیه السلام رفض البيعة إلا بعد إلحاح الجماعة والصحابة وفي مقدمتهم طلحة والزبير، وكان الهدف من كتابة الإمام علیه السلام لمعاوية بشأن بيعته إلا تجنبًا للفتنة(3)، وما إن تمت البيعة للإمام علیه السلام حتى كتب إلى معاوية بشأن بيعته وأرسل له رسالة بذلك بيد جرير بن عبد الله البجلي، وروي ان أمير المؤمنين علیه السلام امتنع وقال لهم:

(أنا لكم وزيرٌ خير مني امير)(4)، أي أنه علیه السلام رفض الخلافة وعرض عليهم

ص: 225


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 395
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 14 / 32؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 320
3- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 391
4- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 427؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 81

أن يكون لهم سنداً فيمن يختارونه، فكان أمير المؤمنين علیه السلام وزيراً لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

ونحن نذهب إلى ما ذهب إليه ابن أبي الحديد بهذا الخصوص بأن الإمام علیه السلام جعل احتجاجه على معاوية بشأن بيعته بأصحاب الحل والعقد بنظر معاوية وهم المهاجرون والأنصار من المسلمين الاوائل، لأنهم يمثلون الرأي الأول والأخير، ولو احتج عليه بالنص والأحاديث التي قالها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بشأن أمير المؤمنين علیه السلام لرفض معاوية ذلك رفضاً قاطعاً، وهو مع ذلك رفض بيعة الإمام وطلب شروطًا منها توليته على الشام(1).

وفي موضع آخر من نهج البلاغة جاء قوله علیه السلام:

(فلم يكن للشاهد ان يختار ولا للغائب أن يرد)(2)، أي ان البيعة تمت من قبل أكثرية الصحابة وحضرها غيرهم فقد لزمته وليس له أن يرفض أو يعترض، ولا للغائب أن يرد بيعة الإمام علیه السلام الذي بايعه الصحابة، وهذه الحجة تدفع معاوية وأصحاب الجمل، وأنهم يعترفون بخلافة الثلاثة لأنها بيعة المهاجرين والأنصار(3)، وكذلك بيعة الإمام علیه السلام فكيف نقضوا هنا ما أبرموه هناك، وذكرت المصادر التاريخية أن بيعة أبي بكر لم يجمع عليها الصحابة، فسعد ابن عبادة(4) لم يبايع ولا أحدٌ من أهله، وكذلك بنو هاشم وانصارهم، وما

ص: 226


1- ينظر، ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 138؛ القاضي النعمان، شرح الأخبار، 1 / 405
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 395
3- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 391
4- سعد بن عبادة ابن دليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن الخزرج، يكنى أبا ثابت، وكان يكتب بالعربية في زمن الجاهلية، شهد سعد العقبة مع السبعين من الأنصار، وهو أحد النقبا الإثني عشر، وكان سيداً جوادا وكان يحض الأنصار على الخروج لقتال المشركين في بدر، ولم يشترك فيها، وشهد احداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وتوفي سنة (15 ه)، ينظر، ابن سعد الطبقات الكبرى، 3 / 566؛ ابن الأثير، أسد الغابة، 2 / 441

توقف معاوية وأضرابه عن تصحيح بيعة أبي بكر لامتناع من امتنع منها(1).

وقد كتب الإمام علیه السلام إلى معاوية يأمره بالمبايعة له وان يدخل فيما دخل فيه الناس، وأن لا يشق عصا المسلمين ولا يسفك دماءهم، فأجابه معاوية، محتجاً عليه بقتل عثمان وإتهام الإمام علیه السلام بذلك وأن يسلم قتلة عثمان، وأحتج عليه بأن حجتك على أهل البصرة وقد أطاعوك، ولم يطعك أهل الشام، وان طلحة والزبير كانا بايعاك ولم أبايعك أنا، وأما فضلك في الإسلام وقرابتك من النبي صلی الله علیه و آله وسلم فلعمري ما أدفعه ولا أنكره(2).

بعد ذلك بيّن أمير المؤمنين علیه السلام لمعاوية أن الأمر الفصل والأول والأخير بشأن بيعته لأصحاب الشورى وهم المهاجرون والأنصار وقد عبر عن ذلك بقوله:

(وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه)(3) ان ذلك يعني رغبة عن الإمام الذي وقع عليه الإختيار(4)، والضمير في أمرهم يعود للصحابة الذين بايعوا الإمام علیه السلام ومن قبله، والخارج بطعن هو معاوية، والخارج ببدعة أصحاب الجمل الناكثون(5)، وقوله علیه السلام:

ص: 227


1- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 391
2- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 121؛ ابن الدمشقي، جواهر المطالب، 3 / 395
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 395
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 14 / 31
5- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 392

(فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى)(1) وذكر في مورد آخر ان المروي بعد قوله ولاه الله ما تولى (وأصلاه جهنم وساءت مصيرا)، وأن طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي، فكان نقضهما كردتهما، فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون، إلا ان تتعرض للبلاء فإن تعرضت له قاتلتك، واستعنت بالله عليك، وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل الناس فيه، ثم حاكم إلي القوم أحملك وإياهم على كتاب الله، فأما تلك التي تريد فخدعة الصبي عن اللبن(2).

أراد الإمام علیه السلام هنا تذكير معاوية بشأن أصحاب الجمل أي أنهم نقضوا بيعة الإمام علیه السلام وأعلنوا الحرب عليه وهو بمثابة الخروج على الدين، لأن الإمام علیه السلام الممثل الرئيسي لهذا الدين، وقد نالا جزاءهما بما فعلا وعليك ترك الخدع والأباطيل التي لا تجدي نفعاً.

وفي موضع آخر بيّن الإمام علیه السلام موقفه من معاوية بشأن البيعة، إذ كتب إليه يخبره بأن البيعة واحدة ليس فيها خيارات وليس فيها نظر بقوله:

(لأنها بيعة واحدة لا يثني فيها نظر ولا يستأنف فيها الخيار، الخارج منها طاعن والمروي فيها مداهن)(3)، أي أن بيعة الإمام علیه السلام لا يعاود النظر فيها ولا يراجع ثانية، ولا يوجد فيها خيارات أخرى لمن قام ببيعته أو لم يبايع فهي بالنهاية تلزم الذين عقدوا البيعة ومن تخلف عنها(4) ولا تتجزأ بطبيعتها إلى

ص: 228


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 395
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 14 / 31؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 392
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 396
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 14 / 37

رضا الصحابة بها او رفض من عداها لهم(1)، وأما قوله علیه السلام:

(الخارج منها طاعن)، أي طاعن على الأمة لأنهم أجمعوا على ان الإختيار طريق الإمامة(2)، ويجب مجاهدته لمخالفة سبيل المؤمنين(3)، وقصد من قوله علیه السلام:

(المروي فيها مداهن) أي الذي يرتئي ويبطئ عن الطاعة ويفكر وأصله من الروية والمداهن المنافق(4).

أراد الإمام علیه السلام إفهام معاوية بأن بيعته شأن بيعة الولاة الذين سبقوه، واقترنت ببيعة الصحابة ممن حضر البيعة وأنه لا تكون هناك بيعة أخرى، وأن الذين يخرجون عن البيعة هم المنافقون المصانعون الذين تستوجب مجاهدتهم لخروجهم عن ذلك الأمر.

إعراض الإمام علیه السلام عن بني أمية لقد أعرض أميرالمؤمنين علیه السلام عن الكثير من حقوقه والتجاوزات التي حصلت عليه وخاصة من بني أمية ومنها اتهامه بقتل عثمان بن عفان والتحريض عليه، وقد دعاهم إلى بيعته والدخول في طاعته لأجل مصلحة المسلمين ووحدتهم،

ص: 229


1- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 394
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 14 / 37
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 320
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 14 / 37؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 320

وقد عبَّر أمير المؤمنين علیه السلام عن ذلك بكتاب أرسله إلى معاوية جاء فيه:

(من عبد الله أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فقد علمت إعذاري فيكم، وإعراضي عنكم، حتى كان ما لا بد منه ولا دفع له)(1)، خاطب أمير المؤمنين علیه السلام معاوية وبني أمية بكونه ذا عذر إلى الله تعالى من خلال قيامه بالنصح لعثمان(2)، وإعراضه علیه السلام عنهم بسبب إسائتهم إليه وعفوه عنهم حتى قتل عثمان وما جرى في المدينة من أحداث(3)، وروي ان أهل المدينة كتبوا إلى عثمان يدعونه إلى التوبة ويقسمون له إنهم لا يمسكون عنه أبداً حتى يقتلوه أو يعطيهم ما يلزمهم من حق الله، فلما خاف القتل شاور نصاحه وأهل بيته، فأشاروا عليه أن يرسل إلى الإمام علي علیه السلام ليردهم عنه حتى يأتيه إمداد، فقال لهم عثمان انهم لم يقبلوا التعليل وقد كان مني في قدمتهم الأولى ما كان، فأرسل الى أمير المؤمنين علیه السلام وطلب منه أن يتدخل في الأمر وأن يؤجله ثلاثة أيام، ومرت الأيام ولم يفي بوعده، فثار عليه القوم وقتلوه(4).

وفي الغرض نفسه جاء قوله علیه السلام:

(والحديث طويل، والكلام كثير وقد أدبر ما أدبر وأقبل ما أقبل فبايع من قبلك، وأقبل إليَّ في وفد من أصحابك)(5)، إذ قام الإمام علیه السلام بإخبار معاوية بأن الكلام في أمر عثمان كثير وطويل وأصبح من الماضي، قد أقبل زمان فبايع وأقدم

ص: 230


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 497
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 217
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 53
4- ينظر، ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 62؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 369
5- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 498

أنت ومن معك، لكن معاوية رفض ذلك الأمر بسبب رغبته إلى الملك والرئاسة التي يطمح لها منذ توليته من قبل عمر بن الخطاب على الشام(1)، فضلًا عن قيام من يحرضه على الخروج على أميرالمؤمنين علیه السلام مثل الوليد بن عقبة الذي كان من أشد المحرضين على الإمام علیه السلام الذي كان ينشد معاوية بهذه الأبيات:

فو الله ما هند بأمك إن مضى *** نهار ولم يثأر بعثان ثائر أيقتل عبد القوم سيد أهله *** ولم تقتلوه، ليت أمك عاقر ومن عجب أن بتَّ بالشام وادعاً *** قريراً وقد دارت عليه الدوائر(2) بينما يرى البحراني بقوله ان الإمام علیه السلام إخبر معاوية بأن بعض الناس قد نكث بيعته كطلحة والزبير ومن تابعهما، وبعضهم أقبل وبايعني(3)، يتبين من ذلك ان الإمام علیه السلام أخبر معاوية بشأن إسائتهم إليه وقد كان عثمان واعده بأن يفي بوعوده للثوار بعزل العمال الفاسدين وتغيير سياسته ولكنه لم يفِ بوعده الذي قطعه للإمام علیه السلام وهذه تعتبر إساءة بحقه، وكذلك إتهامهم المستمر له بقتل عثمان وهو مع ذلك صفح عنهم ودعاهم للبيعة والدخول في طاعته لكنهم أبوا ذلك.

وفي كتاب أرسله أمير المؤمنين علیه السلام لمعاوية يدعوه فيه للدخول في بيعته في بداية حرب صفين بقوله علیه السلام:

(من أمير المؤمنين إلى معاوية بن صخر أما بعد، فإن بيعتي لزمتك وأنا بالمدينة وأنت بالشام، وذلك إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان

ص: 231


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 53
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 53
3- شرح نهج البلاغة، 5 / 218

فليس للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد، وأما عثمان فقد كان أمره مشكلاً على الناس، المخبر عنه كالأعمى والسامع كالأصم، وقد عابه قوم فلم يقبلوه وأحبه قوم فلم ينصروه، وكذبوا الشاهد واتهموا الغائب، وقد بايعني الناس بيعة عامة، من رغب عنها مرق ومن تأخر عنها محق، فأقبل بالعافية وأعمل على حسب ما كتب)(1).

وفي موضع آخر من نهج البلاغة دعا الإمام علیه السلام معاوية للدخول في بيعته وأن يترك الإكثار من المطالبة بدم عثمان كسبب من أسباب امتناعه عن البيعة، ودعاه إلى ذلك بقوله علیه السلام:

(وقد أكثرت في قتلة عثمان فادخل فيما دخل فيه الناس، ثم حاكم القوم إليّ أحملك وإياهم على كتاب الله تعالى)(2) أي أن معاوية أراد من الإمام علیه السلام تسليم قتلة عثمان له، ولكن الإمام علیه السلام أجابه بأن يدخل في بيعته ثم يقوم بمحاكمة الناس إلى كتاب الله بصفته الحاكم الشرعي الوحيد الذي يحق له محاكمتهم، وبما ان قتلة عثمان كان من بينهم من المهاجرين والأنصار فليس من حق معاوية الطلب من الإمام علیه السلام تسليمهم إياه حتى يقوم بقتلهم بغير محاكمة عادلة(3)، وان الإمام بصفته الحاكم الحق يجب ان يتحاكم إليه الطرفان فإذا حكم بالحق استمرت حكومته وإلا بطلت إقامته(4).

نستشف من ذلك أن معاوية قد طلب من الإمام علیه السلام ان يسلمه قتلة عثمان

ص: 232


1- ابن اعثم الكوفي، الفتوح، 2 / 494
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 488
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 198
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 15

كشرط لبيعته، ولكن الإمام علیه السلام رفض ذلك ودعاه إلى حكم كتاب الله فيهم، وقد روي، (أنه عند بيعة أميرالمؤمنين علیه السلام بايعه طلحة والزبير والمهاجرون والأنصار وباقي الناس إلا ثلاثة نفر من قريش وهم مروان بن الحكم، وسعيد ابن العاص، والوليد بن عقبة، وطلبوا شرط بيعتهم اموراً منها قتل قتلة عثمان، فغضب الإمام علیه السلام لذلك وقال لهم: أما قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قتلهم اليوم لزمني قتالهم غداً، ولكن أحملكم على كتاب الله وسنة نبيه...)(1).

وأشار الإمام علیه السلام إلى مدى تعجبه من تلون أساليب معاوية للإبتعاد عن بيعته والبدع التي يبتدعها من اجل تحقيق غايته وعبر عن ذلك علیه السلام بقوله:

(فسبحان الله ما أشد لزومك للأهواء المبتدعة، والحيرة المتبعة، مع تضييع الحقائق، واطراح الوثائق التي هي لله طلبة، وعلى عباده حجة)(2)، وبين الراوندي ان الإمام علیه السلام تعجب من شدة لزوم معاوية للأهواء التي هو مبتدعها والتحير بها عن قصد الحق، وذلك إنه في كل وقت يوقع شبهة ويبتدع رأيا يقوي به أصحابه ويقرر في أذهانهم بذلك ان علياً علیه السلام لا يصلح للإمامة(3)، فتارة يقول أنه قتل عثمان، وتارة أخرى يزعم أنه خذله، وتارة يقول أنه قتل الصحابة وفرق كلمة الجماعة وتارة تصرفه بالعطاء وتفريق مال المسلمين على غير الوجه الشرعي(4)، ومرة يعترف بكونه صالحاً للإمامة ويطلب إليه الإقرار على الشام،

ص: 233


1- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 76؛ ابن أعثم الكوفي، الفتوح، 2 / 443
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 439
3- منهاج البراعة، 3 / 127
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 77؛ الصالح، صبحي، نهج البلاغة، 410

إلى غير ذلك مما يبتدعه في الدين من الأباطيل(1)، ويتبع الحيرة فيها مع تضيعه لحقائق الأمور التي ينبغي أن يعتقدها مع كونه علیه السلام الأحق بهذا الأمر وإطراحه لمواثيق الله وعهوده المطلوبة المرضية له وهي على عباده حجة يوم القيامة(2).

ويبدو ان معاوية قد استخدم هذه البدع والأساليب لغرض الحصول على فرصة من الإمام علیه السلام لتثبيته على ولاية الشام لكنه فشل في كل محاولاته في الحصول على مبتغاه، لذلك كان يستخدم في كل مرة اسلوباً جديداً محاولا القفز على الحقيقة وهي إطاعة الإمام الحق لهذه الأمة وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك بقوله تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(3)، وجاء عند العياشي، قال أبو جعفر علیه السلام في هذه الآية أنها نزلت بالولاية للأئمة علیهم السلام(4).

ص: 234


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 77
2- المصدر نفسه، 5 / 78
3- سورة النساء، آية 59
4- تفسير العياشي، 1 / 328

المبحث الثالث أساليب بني أمية للوصول إلى السلطة في نهج البلاغة

بعد بزوغ فجر النبوة وظهور الدين الإسلامي انزعجت قريش ومنهم على وجه الخصوص بنو أمية لأنه قضى على السيادة في مكة التي كان بنو أمية جزءًا منها وأصبحت القيادة وخاصة بعد الفتح بيد الرسول محمد صلی الله علیه و آله وسلم ولم يتح لهم هذا الدين التعامل على أساس الطبقية وسيادة بعضهم على بعض، لذلك أخذوا ينظرون إلى الدين ورئاسة الأمة من قبل النبي صلی الله علیه و آله وسلم على أنه ملك يتوارثه بنو هاشم وهذا ما بينه أبو سفيان للعباس بن عبد المطلب عندما جاء به إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم وقال: (لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً فقال له، ويحك إنه ليس بملك ولكنها النبوة)(1).

وبعدما بیّن النبي صلی الله علیه و آله وسلم في الكثير من الأحاديث التي نصت على وصيته للولاية ي لأمير المؤمنين علیه السلام من بعده ومنها، قوله صلی الله علیه و آله وسلم:

ص: 235


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2 / 126؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 254؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 23 / 450

(من كنت مولاه فعلي مولاه)(1)، لذلك ازداد حسد بني أمية وخوفهم من انتقال الملك بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم إلى أميرالمؤمنين علیه السلام ومن بعده أولاده فيخسرون مكانتهم التي كانوا عليها في قريش إلى الأبد، لذلك عملوا على إيجاد وسيلة توصلهم إلى مبتغاهم واستعادة نفوذهم الذي خسروه، وبعد وصول عثمان إلى السلطة عن طريق الشورى التي لا تخلو من إتفاق مسبق على وصول الأمويين إلى الحكم، وذلك عندما قال الإمام علیه السلام لعبد الرحمن بن عوف عندما رفض ان يبايع عثمان:

(ليس هذا اول يوم تظاهرتم علينا فيه، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون، والله ما وليت عثمان إلا ليرد الأمر إليك)(2).

ومن جانب آخر لا يمكن تغافل الدور الذي أداه عمر بن الخطاب في تهيئة الأرضية المناسبة لهم للوصول إلى السلطة، فقد عمل على تولية معاوية بن أبي سفيان على بلاد الشام بعد موت أخيه يزيد سنة 18 ه ليقف حجر عثرة دون انتقال السلطة إلى آل البيت علیهم السلام(3)، وكذلك توضح لنا قضية سعيد بن العاص الأموي الذي طلب من عمر بن الخطاب أن يستزيده في أرض داره ووعده بأنه سيلي الأمر من بعده من يصل رحمه(4)، ويتضح أن الأمر مهيئ مسبقا لتولي السلطة من قبل بني أمية وهنا سؤال يطرح، ألم يعلم عمر بن الخطاب أن معاوية

ص: 236


1- الإسكافي، المعيار والموازنة، 72؛ ابن حنبل، مسند أحمد، 1 / 84؛ الترمذي، سنن الترمذي، 5 / 297؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 2 / 110
2- ابن شبة النميري، تاريخ المدينة، 3 / 930؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 233؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 2 / 464
3- الورداني، السيف والسياسة، 80
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7 / 35؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 21 / 119

وبني أمية قد نزلت فيهم الكثير من الآيات القرآنية التي تذمهم وتلعنهم في اكثر من موضع في القرآن الكريم(1)، ألم يسمع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قد لعنهم في أكثر من موضع(2)، وهو مع ذلك يقربهم ويوليهم ويكون بذلك قد هيّأ لهم الأسباب المناسبة للإستيلاء على الأمور بأساليب وطرق عديدة ساعدتهم في الوصول للسلطة.

وبعد تولي عثمان الخلافة تهيئت الأمور لبني أمية لبسط نفوذهم واللعب بمقدرات الدولة، وسنأتي على ذكر بعض الأساليب التي اعتمدها بنو أمية في الوصول إلى السلطة والتي أشارت إليها خطب الإمام علیه السلام في نهج البلاغة ولعل أبرز تلك الأساليب ما يأتي:

أولاً: تأويل القرآن بعد وصول عثمان بن عفان إلى السلطة سنة 23 ه / 644 م الذي خص بني امية بالإمارة والإمتيازات، سلم جميع الأمور إلى مروان بن الحكم الذي كان الغالب عليه، ومن نافلة القول ان مروان بن الحكم وأباه منعا من دخول المدينة من قبلِ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وكذلك رفض أبو بكر وعمر دخولهما إليها بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، إلا انه لما آلت الأمور إلى عثمان أدخل مروان إلى المدينة وأعطاه مائة ألف درهم(3)، وروي ان أموالا أتت عثمان من العراق فقسمها كلها في

ص: 237


1- القمي، تفسير القمي، 2 / 22؛ الثعلبي، تفسير الثعلبي، 6 / 11؛ البيضاوي، أنوار التنزيل، 3 / 260
2- الضحاك، الآحاد والمثاني، 3 / 300؛ الحلبي، السيرة الحلبية، 1 / 510
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 193

بني أمية، والكثير من الأمور التي أدت إلى نقمة المسلمين عليه ومن ثم مقتله من قبل أهل المدينة مع القوم الذين قدموا من مصر(1).

وكان مقتل عثمان بن عفان الحجة التي اتخذها معاوية لرفض بيعة أمير المؤمنين علیه السلام، وإعلان تمرده على الشرعي وعدم الدخول في طاعته، فضلا عن كون ذلك الأمر (قتل عثمان) كان من الأمور التي مهدت السبيل لمعاوية للوصول إلى السلطة عن طريق اتخاذ إسلوب تأويل القرآن لصالحه وإدعائه بأنه ولي دمه، وقد عبر الإمام علیه السلام عن ذلك بقوله:

(فعدوت على طلب الدنيا بتأويل القرآن)(2)، ان مراد الإمام علیه السلام من ذلك هو تعدي معاوية وظلمه، أي كنت مثابراً على طلب الدنيا أو مصراً عليها، وتأويل القرآن هو ما كان معاوية يموه به على أهل الشام فيقول لهم أنا ولي عثمان(3)، وقد قال الله تعالى:

«مَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا»(4)، وعلى اثر ذلك طلب معاوية السلطان تحت راية قميص عثمان واتخذ من كتاب الله تعالى ذريعة لغرضه وقال أنا ولي دم عثمان، وإذن فأنا السلطان، على الرغم من وجود أبناء عثمان وإخوته وبُعد معاوية عن إرتباطه نسبياً بعثمان، ولكن لما حكم معاوية وسيطر لم يأخذ واحدا من قتلة عثمان بجريرته، بل كان يقرب بعضهم ويجيزهم

ص: 238


1- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 73؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 365
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 479
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 104
4- سورة الإسراء، آية 33

بالمال(1).

إذن فمن الواضح ان معاوية قد اتخذ من مقتل عثمان ذريعة تمكنه من حشد الطاقات لمقاتلة الإمام علیه السلام لغرض تحقيق غايته في الوصول للسلطة، وقد ذكر ان عمار بن ياسر قام بصفين وخطب بالناس وقال:

(أن الناس يطلبون ما يزعمون بدم الظالم لنفسه الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله، إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان الآمرون بالإحسان، فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم لو درس هذا الدين: لم قتلتموه؟ فقلنا لإحداثه، فقالوا: ما أحدث شيئاً وذلك لأنه مكنهم من الدنيا... فخدعوا أتباعهم بأن قالوا قتل إمامنا مظلوماً ليكونوا بذلك جبابرة وملوكاً وتلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون ولولا هي ما بايعهم من الناس رجلان)(2).

وفي مكان آخر جاء قول الإمام علیه السلام:

(وطلبتني بما لم تجنِ يدي ولا لساني، وعصبته أنت وأهل الشام بي، وألَّب عالمكم جاهلكم، وقائمكم قاعدكم)(3)، إذ ذكر البحراني في شرحه ان معاوية أخذ يتهم الإمام علیه السلام بمقتل عثمان وألبسه التهمة وألزمها له هو وأهل الشام على الرغم من علمهم ببراءة الإمام من ذلك حيث قام معاوية بتفسير الآية المذكورة آنفاً تفسيراً عاما ليجد له منفذا ليقحم نفسه فيها ويطلب بدم عثمان على الرغم من بعده عنه(4)، وأراد بقوله علیه السلام:

ص: 239


1- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 4 / 129
2- المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، 319؛ الطبري، تارخ الرسل والملوك، 5 / 39
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 479
4- شرح نهج البلاغة، 5 / 180؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 479

(وألَّب عالمكم جاهلكم، وقائمكم قاعدكم)، ان قصد الإمام علیه السلام من ذلك هو قيام عالمكم بحالي وما أنا عليه من الحق بتحريض من جهل به، وكذلك أخذ القائمون على حربي بتحريض كل من قعد عنه(1)، وعلق محمد جواد مغنية على ذلك ان مراد الإمام علیه السلام من ذلك ان العلماء والخطباء الذين باعوا دينهم لمعاوية قد قاموا بتهيئة الدين والقرآن وفقاً لشهواته ورغباته(2)، وقيل ان المقصود بعالمهم أبوهريرة وقائمهم عمرو بن العاص(3)، ومن الواضح ان بعض أهل الشام كانوا غير راغبين في قتال الإمام علیه السلام والخروج عليه لكن معاوية وجد ما يحقق هدفه ألا وهو اتهام الإمام علیه السلام بقتل المظلوم ليكون لذلك وسيلة له لاستنهاض الناس وتأليبهم عليه.

ثانياً: خداع الناس ومن الأساليب التي سلكها معاوية أسلوب خداع الناس وإيهامهم بأن الإمام عليّاً علیه السلام هو الذي قتل عثمان وعمل على ترسيخ هذه الفكرة في نفوسهم وأذهانهم حتى باتت من المسلمات لديهم بأن الذي قتل عثمان هو الإمام علي علیه السلام، وقد نوّه أمير المؤمنين علیه السلام عن ذلك مخاطباً معاوية بقوله:

(وأرديت جيلا من الناس كثيراً خدعتهم بغيك)(4) أي أهلكت صنفاً من

ص: 240


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 180
2- في ظلال نهج البلاغة، 4 / 129
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 479؛ الصالح، صبحي، نهج البلاغة، 446
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 435

الناس بضلالك(1)، واخبره بذلك الأمر من باب التوبيخ له بسبب ضلاله عن الدين(2)، وروي ان الإمام علیه السلام قد أرسل جرير بن عبد الله البجلي إلى معاوية لأخذ البيعة منه، وأن يدخل فيما دخل فيه الناس فطلب منه معاوية الإنتظار ليأخذ رأي الناس وخطب بالناس وبيَّن لهم أنه خليفة امير المؤمنين عمر بن الخطاب وخليفة عثمان ووليه وابن عمه وقد علمتم أنه قتل مظلوما، وطلب منهم بيان رأيهم في مسألة الأخذ بثأره، فأجابوا الى ذلك(3)، نستنتج من ذلك ان معاوية بسبب ابتعاده عن الدين أخذ يلبس الحق بالباطل ويشوه الحقائق في أذهان الناس من اجل تهيئة الأجواء المناسبة له للوصول للسلطة عن طريق حشد اكبر قدر من الناس عن طريق هذا الأسلوب.

وفي السياق ذاته ورد عن أمير المؤمنين علیه السلام أنه قال:

(وألقيتهم في موج بحرك تغشاهم الظلمات وتتلاطم بهم الشبهات)(4)، إذ أشار أميرالمؤمنين علیه السلام في كلامه مع معاوية إلى مسألة طلب الدنيا من خلال قيامه بإقناع الناس بآرائه المنحرفة عن طريق الله تعالى والتي أغرقهم بها من خلال التلاعب بأذهانهم وعقولهم مما جعلها مضطربة بعيدة عن الصواب والخطأ وهو ما شبههُ الإمام علیه السلام بأمواج البحر من شدتها(5) وجاء أنه لما استوثق الأمر لأبي العباس السفاح، وفد عليه عشرة من أمراء الشام، فحلفوا له بالله وبطلاق

ص: 241


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 102
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 67
3- ابن عساكر، تاريخ مدينة دمششق، 59 / 130، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 3 / 60
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 435
5- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 67

نسائهم وبأيمان البيعة بأنهم لا يعلمون إلى ان قتل مروان بن محمد ان لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أهلا ولا قرابة إلا بني أمية(1).

ولكن هذا الأمر ليس مطلقاً على أهل الشام فمنهم من كان من الذين عاشوا في المدينة ورأوا وسمعوا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم واستقروا فيما بعد في بلاد الشام كأبي أيوب الأنصاري وبلال وعبد الرحمن بن القاسم بن أبي بكر وعبد الله بن جعفر وغيرهم الكثير، وهل هؤلاء لا يعرفون نسبًا للنبي صلی الله علیه و آله وسلم سوى بني أمية.

وفي جانب آخر من خطب أمير المؤمنين علیه السلام ذكر قوله:

(فجازوا عن وجهتهم، ونكصوا على أعقابهم، وتولوا على أدبارهم، وعولوا على أحسابهم)(2)، أي انهم كانوا يقصدون حقاً فمالوا إلى الباطل(3)، وأنهم عدلوا عن الحق ومالوا بسبب ما ألقاه إليهم من الشبهة واعتمدوا على قتالهم على احسابهم حمية الجاهلية في الذب عن اصولهم ومفاخرهم دون مراعاة الدين والذب عنه(4).

من خلال ما تقدم يمكن ملاحظة ان معاوية بسبب تطلعه وحبه للجاهلية القديمة التي استغلها بين أهل الشام بوصفها سلاحاً يحقق من خلالهِ هدفه وهو المطالبة بدم عثمان ليثير بين نفوسهم هذا العامل للنهوض معه ضد الإمام علیه السلام، وفي صفين استنهض هاشم بن عتبة5(5) الناس ودعاهم إلى قتال عدوهم وأقبل

ص: 242


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 125؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 6 / 79
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 435
3- المصدر نفسه، 3 / 435
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 125
5- هاشم بن عتبة بن أبي وقاص القرشي الزهري، يكنى أبا عمرو، اسلم يوم الفتح ويعرف بالمرقال، وكان من الفضلاء الأخيار الأبطال، فقئت عينه يوم اليرموك، وشهد القادسية وشهد مع الإمام علي علیه السلام الجمل وصفين وكان على الرجالة وقتل فيها، ينظر، ابن عبد البر، الاستيعاب، 747؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 6 / 404

إليه عدد منهم، والتقى بأهل الشام، وقال لأصحابه:

(لا يهولنكم ما ترون من صبرهم فوالله ماترون منهم إلا حمية العرب وصبرها تحت راياتها وعند مراكزها، وانهم لعلى ضلال وإنكم على الحق)(1).

وفي موضع آخر من نهج البلاغة ذكر الإمام علیه السلام أسلوبًا آخر من أساليب معاوية ألا وهو ارسال الدعاة إلى بقية المناطق يدعون إلى طاعته في السر ويثبطون المسلمين عن نصرة أمير المؤمنين علیه السلام ويوقعون في أنفسهم أنه إما قاتل عثمان أو خاذل له، وان الخلافة لا تصلح فيمن قتل أو خذل، وينشرون عندهم محاسن معاوية وأخلاقه وسيرته بزعمهم(2)، وهذا ما عبر عنه أميرالمؤمنين علیه السلام بقوله:

(أما بعد فإن عيني بالمغرب كتب إليّ يعلمني إنه وجّهَ على الموسم أناسًا من أهل الشام، العمي القلوب، الصم الأسماع، الكمه الأبصار، الذين يلتمسون [يلبسون] الحق بالباطل، ويطيعون المخلوق في معصية الخالق، ويحتلبون الدنيا درهَا بالدين)(3)، إذ عنى الإمام علیه السلام بذلك اخباره عن معاوية، وان الشام سمي مغرباً لأنه من الأقاليم المغربية، وأراد بالموسم أيام الحج، وقد كان للإمام علیه السلام عيون يخبرونه بما يتجدد من الأمور عن معاوية، وكذلك لمعاوية، كما جرت عادة الحكام بمثله(4)،..................................................

ص: 243


1- المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، 354؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 42
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 107؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 69
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 435
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 69

وقد بعث معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي(1)، سنة 39 ه / 660 م ليقيم للناس الحج فنازعه قثم بن العباس(2)، فدخل بينهما أبو سعيد الخدري وغيره فأصطلحوا على أن يقيم الحج شيبة بن عثمان(3)، ويصلي بالناس(4).

وعلى ما يبدو ان معاوية استغل موسم الحج لإرسال دعاته إلى هناك بسبب كثرة من يتوافد من الناس لأداء فريضة الحج، لذلك وجدها فرصة سانحة لخداع الناس وتضليلهم بالدعايات والأوهام التي يطلقها.

ووظف معاوية أهل الشام وغيرهم وطاعتهم له لتحقيق مصالحه وممن وجد فيهم صفات قد استغلها منذ وصوله إلى الحكم على الشام، وقد عبر أمير المؤمنين علیه السلام عن تلك الصفات في اكثر من موضع من نهج البلاغة إذ قال علیه السلام:

ص: 244


1- يزيد بن شجرة الرهاوي وهو من قبيلة الأشعريين، وهو أحد أمراء معاوية، وبعثه في ثلاثة الآف فارس إلى مكة فدخلها وخطب فيها وأراد ان يقيم الحج فنازعه قثم بن العباس وهو عامل أمير المؤمنين علیه السلام على مكة فاصطلحا بعد ذلك، وكان يغزو الثغور وقتل في إحدى غزواته سنة (58 ه)، ينظر، ابن عبد البر، الاستيعاب، 761؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 65 / 220
2- قثم بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي، أمير ادرك صدر الإسلام في طفولته، ومر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يلعب فحمله، وولاه ابن عمه الإمام علي علیه السلام على مكة واستمر فيها إلى أن قتل الإمام علیه السلام، وخرج في أيام معاوية إلى سمرقند وقتل فيها، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6 / 349 / الذهبي، سير أعلام النبلاء، 3 / 440
3- شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، عبد الله بن عبد العزى القرشي العبدري، وكان مشاركاً لابن عمه عثمان الحجبي في سدانة بيت الله الحرام، ويكنى أبا عثمان، وكان قد أسلم بعد عام الفتح وكانت وفاته سنة (59 ه)، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6 / 63؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 3 / 13
4- ابن عبد البر، الاستيعاب، 761؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 3 / 605

(ألا وإن معاوية قاد لمّة من الغواة وعمس عليهم الخبر، حتى جعلوا نحورهم أغراض المنية)(1)، إذ صرح البحراني ان معاوية قد قاد جماعة قليلة ووصفهم الإمام علیه السلام برذيلتين هما، ان معاوية كونه قائد غواة وكونه لبس عليهم الحق وأراهم الباطل في صورة الحق(2)، أما قوله عمس(3) عليهم خبر مقتل عثمان إذ كان ينشر قميص عثمان ويتظلم للحق والعدل كذباً ونفاقاً وصدق أهل الشام حتى جعلوا نحورهم أغراض المنية، وقتلوا انفسهم لأجل معاوية وبدعه(4)، وقد روي أن لما غلب أهل الشام على نهر الفرات فرحوا بالغلبة، فقال لهم معاوية: (يا أهل الشام هذا والله أول الظفر لا سقاني الله من حوض الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ان شربوا منه حتى يغلبوني عليه)(5).

وفي قوله علیه السلام الذي وصفهم به بأوصاف ابتعدوا فيها عن الله تعالى إذ قال:

(العمي القلوب، الصم الأسماع، الكمه الأبصار)(6)، إذ بيّن البحراني في شرحه أن الإمام علیه السلام وصف معسكر الشام بأوصاف تستلزم البعد عن الله تعالى لغرض التنفير عنهم ومن هذه الصفات (شمول الغفلة بهم من كل وجه عما خلقوا لأجله واستعار لقلوبهم وجه العمى باعتبار عدم عقليتهم للحق وإدراكهم لما ينبغي من طريق الآخرة وعدم انتفاعهم من جهة الأسماع بالمواعظ

ص: 245


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 92
2- شرح نهج البلاغة، 2 / 138
3- عمس، اي مظلم لا يدري من أين يؤتى إليه، او تأتي الأخفاء والظلمة، ينظر، الجوهري، الصحاح، 3 / 952؛ الزبيدي، تاج العروس، 8 / 373
4- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1 / 287
5- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 125؛ المنقري نصر بن مزاحم، وقعة صفين، 163
6- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 436

والتذاكير ومن جهة الأبصار بتحصيل العبرة بها من آثار الله سبحانه وتعالى كما لا ينتفع بذلك فاقد هاتين الآليتين)(1)، ومن يتصف بهذه الصفات جديرٌ بأن يطيع معاوية في كل شيء وفي الوقت نفسه وجد معاوية من يستجيب لأمره ويصدقه في كل شيء، وهو مصداق قوله تعالى:

«لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ»(2)، أی ان هؤلاء عندما يؤمرون بشيء لا يفقهونه بقلوبهم ولم يسمعوا بآذانهم ولا يرونه بعيونهم اطلقوا عليهم بكماً عمياً صماً، وعندما لا ينتفعون بتلك الجوارح سموا بأسمائهم(3).

ثم بين أميرالمؤمنين علیه السلام على ما هم عليه من الصفات المذكورة إذ يقومون بتحريف الحقيقة والإبتعاد عنها، وقد عبر أميرالمؤمنين علیه السلام عن ذلك بقوله:

(الذين يلتمسون [يلبسون] الحق بالباطل، ويطيعون المخلوق في معصية الخالق ويحتلبون الدنيا درها بالدين)(4)، والمراد من ذلك انهم يخلطونه ويعمونه فيه وأنهم يعلمون انه على حق ومعاوية على باطل ثم يكتمون ذلك ويقومون بتغطية ذلك بشبهة قتل عثمان والطلب بدمه إلى غير ذلك من أباطيلهم(5)، ويطيعون معاوية في مقابل معصية خالقهم أي يتبعونه إلتماسا وطلبا للحق ولا

ص: 246


1- شرح نهج البلاغة، 5 / 69
2- سورة الاعراف، آية 179
3- الطبري،جامع البيان، 9 / 175؛ الطوسي، التبيان، 5 / 69
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 436
5- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 108؛ البحراني شرح نهج البلاغة، 5 / 69

يعلمون انه على باطل(1)، أما قوله يحتلبون الدنيا درها أي كانوا دعاة يظهرون سمة الدين وناموس العبادة(2) وتمسكهم بظواهر الدين لتحصيل الدنيا وأخذهم ما لا يستحقونه منها وأن محاربتهم للإمام علیه السلام إنما كانت كما زعموا لأخذ الثأر لعثمان وانكار المنكر على قاتليه وخاذليه لذلك تمكنوا من تأليف قلوب العرب وأكثر جهال المسلمين على حربه علیه السلام وأخذ البلاد(3).

يتضح من ذلك أنهم يطيعون معاوية وهم يعلمون أنه على باطل بسبب سعيهم للدنيا، وهم بذلك يعصون خالقهم بسبب إطاعتهم معاوية، وجاء ان أمير المؤمنين علیه السلام لما أراد أن يسير إلى الشام خطب في أنصاره فتكلم هاشم بن عتبة وأخبره بأن أصحاب معاوية أعداء له ويطلبون الدنيا ويتحججون بالطلب بدم عثمان لمقاتلتك وهم يكذبون بما يزعمون، فانهض بنا إليهم فإن أجابوا فذلك هو الحق وإن أبوا ذلك فذلك ظني بهم(4).

ثالثاً: أسلوب الغدر والمكر من الأساليب التي اتبعها معاوية بن أبي سفيان لغرض الوصول للسلطة وتثبيتها بعد أن وصل إليها هو اسلوب الغدر وعدم الوفاء بالإلتزامات التي عليه أو التي يعطيها من أجل تحقيق غايته وهي الوصول للسلطة ومن ثم إبقائها في أهل بيته من بعده، ولم تكن إشارات أميرالمؤمنين علیه السلام بعيدة عن فضح هذا

ص: 247


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 108، البحراني شرح نهج البلاغة، 5 / 70
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 107
3- البحراني شرح نهج البلاغة، 5 / 70
4- المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، 92

الاسلوب الذي انتهجه معاوية لذلك الغرض، فمما ورد في هذا الشأن قوله علیه السلام:

(والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر)(1)، وذكر البحراني في شرحه، ان الدهاء هو استعمال العقل والرأي الجيد فيما يراد فعله مما لا ينبغي مع إظهار ارادة غيره، ويسمى صاحبه داهية(2).

وأكد أمير المؤمنين علیه السلام ان معاوية ليس بأقدر منه علیه السلام على فعل الدهاء وأكد ذلك بالقسم البار(3)، وأن هدف معاوية هو المجد والسلطان وأن كل الوسائل حق عنده ما دامت تؤدي إلى تحقيق غايته(4)، نستنتج من ذلك أن معاوية لا يتوانى عن فعل أي شيء حتى لو كان على حساب مصلحة الدين والمهم عنده تحقيق غاياته وطموحاته، وفي رواية أوردها الطبري ان عمر بن الخطاب قال:

(تذكرون كسرى وقيصر ودهاءهما وعندكم معاوية)(5).

أما قوله علیه السلام:

(ولكنه يغدر ويفجر)، إذ بيّن ابن أبي الحديد في شرحه ان الغدر معناه ترك الوفاء(6)، وهنا إشارة إلى لوازم الدهاء التي لأجلها تركه وهو يغدر وبواسطته الفجور فإن الوفاء لما كان نوعاً تحت العفة كان الغدر هو رذيلة نوعاً تحت ما

ص: 248


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 345
2- شرح نهج البلاغة، 3 / 438
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 438
4- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3، 212
5- تاريخ الرسل والملوك، 5 / 330
6- شرح نهج البلاغة، 10 / 165

يقابل العفة وهو الفجور(1)، وصفة الغدر والفجور من صفات معاوية التي أوصلته للسلطة وقد عبر عنها بنفسه، ففي رواية الأصفهاني، ان معاوية قال:

(ألا ان كل شيء أعطيته للحسن بن علي تحت قدميَّ هاتين لا أفي به)(2)، وفي رواية اخرى أنه لما استتمت الهدنة بين معاوية والإمام الحسن علیه السلام سار معاوية حتى نزل النخيلة(3)، وصلى بالناس وخطب فيهم وقال:

(إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك، ولكنني قاتلتكم لأتأمر عليكم)(4).

ثم عبّر الإمام علیه السلام عن كراهية الغدر بقوله:

(ولولا كراهية الغدر لكنت أدهى الناس)(5)، إذ نهى أمير المؤمنين علیه السلام عن الدهاء والغدر عن نفسه، وبيّن كراهيته لما له من علاقة مباشرة بالفجور، وبما ان صفة الغدر من صفات معاوية فهو فاجر(6)، إذن هنا ربط أمير المؤمنين علیه السلام دهاء معاوية بالغدر، إذ جعلهما حقيقتين متلازمتين في شخصية معاوية الذي استخدم دهاءه وحيله في غدر الآخرين للوصول إلى مآربه الشخصية، وأمير المؤمنين علیه السلام بعيد كل البعد عن الغدر والمكر، لما عرف عنه من التقوى والإيمان،

ص: 249


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 439
2- مقاتل الطالبيين، 77
3- النخيلة، تصغير نخلة، وهو موضع قرب الكوفة على سمت الشام وهو الموضع الذي خرج إليه الإمام علي علیه السلام لما بلغه ما فعل بالأنبار من قتل عامله عليها، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 5 / 278
4- المفيد، الإرشاد، 2 / 15؛ الأربلي، كشف الغمة، 2 / 164؛ إبن كثير، البداية والنهاية، 11 م 429
5- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 345
6- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 439

وعبر عن ذلك في كلام له:

(لولا التقى لكنت أدهى العرب)(1)، فالدهاء في قول الإمام علیه السلام يخالف التقى لأنه جعله شرطًا في عدم تحقيق التقى، ولا غاية للإمام علیه السلام إلا الدين وإحقاق الحق وفي سبيله تجب التضحية بكل عزيز وثمين(2)، وهناك الكثير من الروايات التي تؤكد على أن الإمام علیه السلام أعقل الناس، منها ما جاء في قول عمر بن الخطاب: (أقضانا علي)(3)، وقوله أيضاً: (لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبوالحسن)(4)، ووردت أحاديث كثيرة عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم وعن الصحابة بحق امير المؤمنين علیه السلام التي تبين هذا الجانب.

بينما نجد الكثير من الشواهد على دهاء معاوية وتضليله للناس من أجل الوصول إلى مصلحته، فروي أنه لما دس السم إلى مالك الأشتر أقبل على أهل الشام وقال لهم: إن علياً وجه الأشتر إلى مصر فأدعوا الله ان يكفيكموه، فكان أهل الشام يدعون عليه في كل صلاة، ولما أخبر بموته أنبأ أهل الشام بأن موته نتج عن دعائهم لأنهم حزب الله(5)، وهكذا استطاع معاوية ان يخدع أهل الشام بمثل بأخبار كهذه ليحصل على تأييدهم، وكيف لا يصدقونه وقد وصفهم أمير المؤمنين علیه السلام بأوصاف تجعلهم يصدقون به مثل (العمي القلوب، الصم الأسماع،

ص: 250


1- الكليني، الكافي، 8 / 24؛ القاضي النعمان، شرح الاخبار، 2 / 106
2- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 212
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2 / 293؛ ابن شبة النميري، تاريخ المدينة، 2 / 706
4- ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، 1 / 311؛ ابن الأثير، أسد الغابة، 4 / 96؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 4 / 467
5- الثقفي، الغارات، 264؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 96

الكمه الأبصار)(1).

ومن أساليبه في هذا الشأن انه راسل قيس بن سعد بن عبادة يستميله بسلطان العراقين (البصرة والكوفة) وسلطان الحجاز لمن أحب من أهل بيته إن صار معه، فرد عليه قيس بأعنف قول، فأظهر معاوية لأهل الشام أنه قد بايع، وأمرهم بالدعاء له، واختلق كتاباً نسبه إليه وقد قرأه عليهم وهذا نصه:

(أما بعد، إن قتل عثمان كان حدثاً في الإسلام عظيماً، وقد نظرت لنفسي وديني فلم أرَ بوسعي مظاهرة قوم قتلوا إمامهم مسلماً محرماً براً تقياً، فنستغفرالله لذنوبنا، ألا وإني قد ألقيت لكم السلام وأحببت قتال قتلة إمام الهدى المظلوم، فاطلب مني ما أحببت من الأموال والرجال أعجله عليك)(2).

وقيام معاوية بإصدار مثل هذا الكتاب ونسبته إلى قيس بن سعد بن عبادة ما هو إلا لخداع الناس وتضليلهم بأن قيس بن سعد ترك أمير المؤمنين عليّاً علیه السلام والتحق بركب معاوية، وبناءً على ما تقدم نستشف ان معاوية اتخذ وسيلة الخداع والمكر والحيلة أساليب لإلتفاف الرأي العام الشامي حوله، وقد نتج عن ذلك السيطرة المطلقة على الشام التي امتدت إلى عقود من الزمن.

ص: 251


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 436
2- الثقفي، الغارات، 217؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 550؛ ابن أبي الحديد، شرح نهجالبلاغة، 6 / 51

رابعاً: أساليب الترغيب والمال السياسي الترغيب لغة: الرغبة مصدر قولهم رغب، يقال من الرغبة، رغب يرغب رغباً ورغباً ورغبة ورغباً(1).

أما الرغبة إصطلاحاً، هو العطاء الكثير والجمع رغائب، قال الشاعر:

وإلى الذي يعطي الرغائب فارغب(2).

واتبع بنو أمية وخاصة معاوية أساليب عديدة من اجل الوصول للسلطة ومن هذه الأساليب أسلوب بذل الأموال من أجل كسب الانصار والمؤيدين لهم، ومنها شراء الذمم كما هي الحال مع عمرو بن العاص، أو بأساليب أخرى تندرج ضمن أساليبه غير الشرعية من أجل طموحاته غير المتناهية، وأفرزت سياسة معاوية تلك آثاراً على المدى البعيد، مما انعكس على الكثير من القبائل والأشخاص وعلى ولائهم وطاعتهم لأميرالمؤمنين علیه السلام، وجاء كلامه في هذا الشأن بقوله علیه السلام:

(أوليس عجباً إن معاوية يدعو الجفاة الطغام فيتبعونه على غير معونة ولا عطاء، وأنا أدعوكم وأنتم تريكة الإسلام وبقية الناس إلى المعونة وطائفة من العطاء فتفرقون عني وتختلفون عليَّ)(3)، ذهب ابن أبي الحديد بالقول: كيف قال الإمام علیه السلام ان معاوية لم يكن يعطي جنده، وأنه علیه السلام كان يعطيهم، والمشهور

ص: 252


1- الجوهري، الصحاح، 1 / 137؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 2 / 415
2- الجوهري، الصحاح، 1 / 137؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 2 / 416؛ ابن منظور، لسان العرب، 1 / 422
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 286

ان معاوية كان يمد أصحابه بالأموال والرغائب، ويعني ذلك ان معاوية لم يكن يعطي أصحابه على وجه المعونة والعطاء، إنما كان يعطي رؤوساء القبائل من اليمن وساكني الشام الأموال الجليلة يستعبدهم بها ويدعو أولئك الرؤوساء أتباعهم من العرب فيعطونهم، فمنهم من يطيعهم حمية الجاهلية ومنهم من يطيعهم لأياد وعوارف من أولئك الرؤوساء عندهم(1)، ومنهم من يطيعهم دَيناً زعموا للطلب بدم عثمان، ولم يكن يصل إلى هؤلاء الأتباع من أموال معاوية قليل ولا كثير(2).

والمعونة هنا تعطى إلى الجند وهي شيء يسير من المال لغرض ترميم أسلحتهم وإصلاح دوابهم ويكون ذلك خارجاً عن العطاء المفروض شهراً فشهراً يكون شيئاً له مقدار يصرف في أثمان الأقوات ومؤنة العيال وقضاء الديون(3)، إذن الترغيب كان من خلال هذا الوجه وهو التمييز في العطاء عند الإمام علیه السلام، وعدم التمييز عند معاوية الذي كان مدعاة لاستحواذ معاوية على رؤوس القوم المؤثرين في أتباعهم وهنا برز دور الترغيب الذي استخدمه معاوية.

وكان أمير المؤمنين علیه السلام يقسم بين الرؤساء والأتباع على وجه الخصوص العطاء والرزق، ولا يرى شريفًا على مشروف فضلا، فكان من يقعد عنه بهذا الطريق أكثر ممن ينصره ويقوم بأمره، وذلك لأن الرؤساء من أصحابه كانوا يجدون أنفسهم متساوين مع أتباعهم فيخذلونه باطناً وإن أظهروا له

ص: 253


1- شرح نهج البلاغة، 10 / 56
2- ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، 10 / 56؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 351
3- ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، 10 / 57

النصر(1)، وروي ان أشراف الكوفة كانوا غاشين لأمير المؤمنين علیه السلام وكان هواهم مع معاوية، وذلك لأن أمير المؤمنين علیه السلام كان لا يعطي أحداً من الفيء أكثر من حقه، بينما كان معاوية قد جعل الشرف في العطاء في ألفي درهم(2).

وذكر نصر بن مزاحم انه لما اشترطت قبائل عك والأشعريين على معاوية ما اشترطوا من العطاء والفريضة، فأعطاهم لم يبق من أهل العراق أحد في قلبه مرض إلا طمع في معاوية وشخص بصره إليه، حتى فشا ذلك بين الناس وبلغ ذلك أمير المؤمنين علیه السلام فساءه ذلك(3)، فمن خلال الرواية نفهم أن عك والأشعريين قد اشترطوا شرطاً على معاوية مقابل الإنضمام إليه، لأنه لم يكن يعطي بشكل شهري كما كان يفعل أمير المؤمنين علیه السلام، لذلك وافق معاوية على شروطهم لغرض كسب أكثر عدد من المؤيدين لسياسته.

وقد علق أحد الباحثين بقوله: (ان سياسة معاوية اتضحت فيما بعد في أهل العراق الذين هم مجتمع قبلي يدين لرؤسائه بالطاعة المطلقة، وهؤلاء الرؤساء يطمحون إلى مزيد من القوة والسلطان والغنى والمنزلة الإجتماعية ولا يجدون شيئاً منها عند الإمام علیه السلام بينما هم يجدونها عند معاوية كما يشتهون(4)، ونحن لا نتفق مع الباحث بهذا الرأي، لأن العراق لم يكن مجتمعاً قبلياً، على العكس من ذلك، فالقبلية جاءت بعد عملية الفتوحات واستقرار القبائل والأعراب فيها، وهل كان العراقيون وحدهم الذين يدينون لرؤسائهم، وأهل الحجاز والشام

ص: 254


1- ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، 10 / 57
2- الثقفي، الغارات، 451؛ المجلسي، بحار الأنوار، 34 / 51
3- وقعة صفين، 435
4- شمس الدين، دراسات في نهج البلاغة، 215

وفارس وغيرها من المناطق، ألم تكن طاعة الشاميين مطلقة لمعاوية.

ثم ان هؤلاء الرؤساء يقولون ان حكومة معاوية خير من حكومة أميرالمؤمنين علیه السلام وهي خير لهم بلا إشكال، وتسمع القبيلة كلها مقالة زعيمها فتدين بها، غير واعية أن حكومة معاوية خيرٌ لرؤسائها، فحكومة أمير المؤمنين علیه السلام خير لها، وذلك لأنها تستن المساواة سياسة لها بينما تستن تلك سياسة الأثرة، وهم لا يعون هذا، وعلى هذا الأساس كانت سياسة معاوية تؤثر في العراق(1).

إلا ان أصحاب أميرالمؤمنين علیه السلام طلبوا منه أن يعطي الأموال، ويفضل هؤلاء الأشراف من العرب وقريش على الموالي والعجم ومن يخاف عليه من الناس فراره إلى معاوية(2)، لكن أميرالمؤمنين علیه السلام أجابهم بقوله:

(أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه، والله ما أطور به ما سمر سمير، وما أمَّ نجم في السماء نجماً)(3)، إذ رد أمير المؤمنين علیه السلام على الذين أشاروا عليه كيف تأمروني ان أطلب النصر من الله بأن أجور على قوم وليت عليهم الذين لا سوابق لهم ولا شرف وكان عمر ينقصهم في العطاء عن غيرهم(4)، بينما ذهب البحراني بالقول ان هؤلاء القوم الذين أشاروا على أمير المؤمنين علیه السلام إن فضلت هؤلاء القوم لكانوا معك بقلوبهم ونصروك(5)، وذكر محمد عبده ان المراد من قول الإمام علیه السلام:

ص: 255


1- شمس الدين، دراسات في نهج البلاغة، 215
2- الثقفي، الغارات، 75؛ المفيد الأمالي، 175؛ الطوسي، الأمالي، 194
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 211
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 8 / 98
5- شرح نهج البلاغة، 3 / 123

(ما أطور به ما سمر سمير)، أي ما أمر به ولا أقاربه مبالغة في الإبتعاد عن العمل بما يقولون، وما سمر سمير أي مدى الدهر(1).

ويبدو ان معاوية وظف الرأي العام حوله بأسلوب الترغيب مما جعل الناس تطمع فيه وبالأموال التي يبذلها وخاصة لرؤساء القبائل مما أدى ذلك بأصحاب الإمام علیه السلام إلى طلب منه ذلك الإمر منه أيضاً.

وفي الصدد ذاته تطرق أمير المؤمنين علیه السلام إلى مسألة المساواة في العطاء بين الناس، وصرح بذلك بقوله:

(لو كان المال لي لسويت بينهم، فكيف وإنما المال مال الله)(2)، أي ان أمير المؤمنين علیه السلام حريص على المساواة بين الناس في توزيع المال الذي من خلاله يسود العدل وتجتمع النفوس على مقاتلة العدو في حالة كون المال ماله الخاص، فكيف به وهو مال الله تعالى الذي فرضه لهم بالتساوي، وهذا ما عبر عنه الإمام علیه السلام بالإعتذار عن التفضيل في العطاء(3).

نستنتج من ذلك ان أميرالمؤمنين علیه السلام رفض إعطاء هؤلاء الأشراف لأنه مؤتمن على أموال الرعية، وإذا فعل فإنه يخالف ما جاء به دين الله، وأمير المؤمنين علیه السلام أبعد من أن يفعل ذلك، وأنه لو امتلك المال لنفسه لقام بقسمته بالتساوي على قومه فكيف يقوم بالتصرف بما لا يملك، وجاء أن أمير المؤمنين علیه السلام عند إنتهائه من معركة الجمل أعطى الناس بالسوية ولم يفضل أحداً على أحد، وأعطى

ص: 256


1- نهج البلاغة، 2 / 211
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 211
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 124

الموالي كما اعطى الصليبة(1)، وقال علیه السلام:

(قرأت ما بين الدفتين فلم أجد لولد اسماعيل على ولد اسحق فضل وأخذ عودًا من الأرض فوضعه بين اصبعيه)(2).

وفي موضع آخر من خطب أمير المؤمنين علیه السلام جاء قوله:

(ألا وان إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف، وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة، ويكرمه في الناس ويهينه عند الله)(3)، إذ بين ابن أبي الحديد إن إعطاء المال في غيرحقه تبذير وإسراف، وقد نهى الله تعالى عنه وانه يرفع صاحبه عند الناس، ويضعه عند الله(4)، وكلام الإمام علیه السلام واضح بأن الذين يعطون الأموال يحظون في الدنيا بمنزلة رفيعة من قبل أتباعهم، ولكن الله تعالى يحاسبهم في الدار الآخرة بما عملوا من تبذير تلك الأموال في غير مواضعها.

أما بخصوص معاوية فكانت سياسته مغايرة كلياً لسياسة أمير المؤمنين علیه السلام في هذا الموضوع، فقد اتبع سياسة الترغيب من خلال بذل الأموال في غير حقها، وقد أخذت هذه السياسة بالنتائج التي كانت مبتغى معاوية، إذ تأثر الكثير من أصحاب النفوس الضعيفة لا سيما زعماء القبائل وأشراف الناس بهذه السياسة التي تنافي الدين والشرع، وعبر شمس الدين عن ذلك بقوله: (وقد صارت الشام ملاذًا لمن يغضب عليه الإمام لخيانة خانها في عمله، او جريرة جرها على

ص: 257


1- الصليبة، وهو العربي الذي يعرف له نسب صحيح إلى قبيلة من قبائل العرب في الشمال أو الجنوب، ينظر، الأمين، مستدركات اعيان الشيعة، 2 / 20
2- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 82
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 211
4- شرح نهج البلاغة، 8 / 90

نفسه، ومطمحاً لمن يريد المنزلة، فيجد عند معاوية الإكرام، والرفعة، والعطاء، والمنزلة الإجتماعية)(1).

ويمكن الرد على قول شمس الدين ذلك بالقول: ألم يوجد إكرام عند أمير المؤمنين علیه السلام؟ ألا توجد منزلة إجتماعية للصحابة الخلص؟ ألا توجد رفعة لأولئك الذين ثبتوا على المبادئ؟ ونعتقد ان الاشكالية في النفوس القلقة التي كانت تسيرها الأهواء والمصالح والمنافع الشخصية، فعبيد الله بن العباس كان ذا مكانة عند أمير المؤمنين علیه السلام وفي المجتمع ولكنه باع دينه ودنياه بمائتي ألف درهم لمعاوية قاتل ولديه.

وقد كتب أمير المؤمنين علیه السلام إلى سهل بن حنيف الأنصاري(2)، عن ذلك بقوله:

(أما بعد، فقد بلغني ان رجالا ممن قبلك يتسللون إلى معاوية فلا تأسف على ما يفوتك من عددهم، ويذهب عنك من مددهم، فكفى لهم غياً ولك منهم شافياً)(3)، أي ان مراد الإمام علیه السلام بقوله يتسللون أي يخرجون إلى معاوية هاربين خفية واستتارًا، فلا تأسف ولا تحزن عليهم(4)، وعلق محمد عبده

ص: 258


1- دراسات في نهج البلاغة، 216
2- سهل بن حنيف بن واهب بن الحكيم بن ثعلبة بن الحارث، ويكنى أبا سعيد وشهد بدراً وأحداً وثبت مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد، وشهد الخندق والمشاهد كلها، وشارك في صفين مع امير المؤمنين علیه السلام وولاه على فارس وأخرجوه منها، وولى مكانه زياد بن أبيه، وعند موت سهل كبرعليه امير المؤمنين خمس تكبيرات وذلك سنة (38 ه) في الكوفة، ينظر، ابن سعد الطبقات الكبرى، 3 / 436
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 494
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 39؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 4 / 186

على ذلك بأن فرار تلك الجماعات دليل على ضلالهم، والضلالة مرض يصيب بنية الجماعة وكيانها وربما يؤدي إلى فسادها، فهروبهم كان وسيلة لشفائهم من مرض الضلالة(1).

وفي السياق ذاته جاء قوله علیه السلام:

(فرارهم من الهدى، والحق، وإيضاعهم إلى العمى والجهل)(2)، أي ان الفرار من الحق إلى الباطل من أقوى أسباب العذاب(3)، إنهم تركوا إمام الهدى والحق، والتحقوا بإمام الضلالة وهو معاوية، وقد عبر أميرالمؤمنين علیه السلام عن ذلك بقوله:

(إنما هم أهل دنيا، مقبلون عليها، ومهطعون إليها، عرفوا العدل، ورأوه، وسمعوه، ووعوه، وعلموا ان الناس عنده في الحق أسوة، فهربوا إلى الأثرة)(4)، والمراد هنا انهم مسرعون إلى الأثرة، والأثرة هي اختصاص النفس بالفائدة وتفضيلها على غيرها(5) والمقصود بقول أمير المؤمنين ذلك انه علیه السلام لا يقسم إلا بالسوية، ولا ينفل قوماً على قوم، ولا يعطي على الأحساب والأنساب كما يفعل غيره، فتركوه وهربوا إلى من يستأثر ويؤثر(6).

ومن خلال ما تقدم نستشف أن البعض ترك جانب الإمام علیه السلام وهم على

ص: 259


1- نهج البلاغة، 3 / 495
2- المصدر نفسه، 3 / 495
3- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 4 / 187
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 495
5- المصدر نفسه، 3 / 495؛ الصالح، صبحي، نهج البلاغة، 461
6- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 40

علم بعدله، ولكنهم باعوا دينهم بدنيا معاوية لأنه يفضل في العطاء شخصًا على شخص آخر وهذا مما لا يوجد عند الإمام علیه السلام لذلك تركه من كان في نفسه مرض من هذا النوع.

وروي ان أمير المؤمنين علیه السلام بعد انصرافه من النهروان أمر أصحابه بالإستعداد لمحاربة معاوية، فتثاقلوا وأخذوا يتصنعون الأعذار وتوجهوا إلى الكوفة(1)، وهكذا فعلت سياسة معاوية فعلها في مجتمع الإمام علیه السلام فمالَ رؤساء أصحابه إلى الخيانة، وتخاذلوا عن نصره فلا يجيبونه حين يدعوهم، ولا ينصرونه حين يستنصرهم(2).

2- المال السياسي استخدم الأمويون الأموال بوصفها وسيلة للحصول على تأييد شرائح المجتمع المختلفة بدءًا من زعماء القبائل وكذلك بعض الشخصيات والشعراء والمحدثين لوضع الأحاديث الكاذبة لغرض تمجيد بني أمية، وبالفعل فقد استطاعوا فرض سيطرتهم بهذه الوسيلة على زمام الأمور عن طريق هذه الأموال للحصول على اكبر قدر من التأييد لدعم سلطانهم.

عمل معاوية بكل طاقته من أجل تدعيم موقفه للوصول للسلطة، ومن أبرز تلك الوسائل التي جاء ذكرها في نهج البلاغة هو اعتماد معاوية على بعض الشخصيات التي تمتعت بدهاء سياسي ومنهم عمرو بن العاص الذي بايعه

ص: 260


1- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 173؛ الثقفي، الغارات، 496؛ المفيد، الأمالي، 149
2- شمس الدين، دراسات في نهج البلاغة، 217

بشرط أن يوليه مصر، وإشراكه في أمره فلا يخرج عنه(1).

وكان معاوية قد استشار أخاه عتبة بن أبي سفيان فقال له إستعن بعمرو ابن العاص، فإنه من قد علمت في دهائه ورأيه وقد اعتزل عثمان في حياته، وهو لأمرك أشد إعتزالا إلا أن ترضيه(2)، وصرح أمير المؤمنين علیه السلام عن ذلك بقوله:

(لم يبايع حتى شَرَطَ ان يؤتيه على البيعة ثمنا)(3)، إذ بين البحراني ان هذا الكلام يبين حال عمرو بن العاص مع معاوية فذكر أنه لم يبايع حتى شرط أن يؤتيه على البيعة ثمناً(4)، وروي ان معاوية استدعى عمرو بن العاص وطلب مساعدته في مقاتلة أمير المؤمنين علیه السلام الذي وصفه معاوية لعمرو بن العاص بأنه الرجل الذي عصى الله وشق عصا المؤمنين وقتل وأظهر الفتنة، وفرق الجماعة وقطع الرحم، فقال عمرو: من هو؟ فقال معاوية: علي بن أبي طالب علیه السلام فقال:

(والله يامعاوية ما أنت وعلي حملي بعير، أي ليس لك هجرته وسابقته، ولا صحبته ولا جهاده ولا علمه، ووالله إن له مع ذلك لحظاً في الحرب)، وطلب من معاوية مقابل قتال أمير المؤمنين علیه السلام ان يعطيه مصر طعمة، لكن معاوية أخذ يتباطئ ويتلكأ عن طلبه حتى وافق على ذلك(5)، فعاهده على ذلك وبايع

ص: 261


1- القاضي النعمان، شرح الأخبار، 1 / 115
2- ابن قتيبة الإمامة والسياسة، 1 / 115؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 59 / 130
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 64
4- شرح نهج البلاغة، 2 / 28
5- المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، 37

معاوية(1). وعلى هذا الأساس فإن عمرو بن العاص كان له الدور الأكبر في تشجيع معاوية في الخروج على الإمام علیه السلام وحربه(2).

وفي الغرض نفسه أشار أمير المؤمنين علیه السلام بقوله:

(فلا ظفرت يد البائع وخزيت أمانة المبتاع)(3)، هنا اختلف بعض الشراح في بيان مراد الإمام علیه السلام من ذلك، فقال ابن أبي الحديد ان البائع يعني معاوية والمبتاع عمرو بن العاص(4)، بينما يرى البحراني ان البائع هو عمرو بن العاص والثمن هو مصر(5)، ويرى الباحث ان رأي البحراني هو الأرجح والأقرب للصواب، إذ أن البائع هو عمرو بن العاص لأنه باع دينه بدنيا معاوية وهي مصر، وهو مصداق قوله تعالى:

«أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ»(6).

ومن نافلة القول ان المفسرين بينّوا أن الله تعالى أخبر عن الذين باعوا حظهم من نعيم الآخرة بتركهم طاعته، وإيثارهم الكفر به والخسيس من الدنيا عليه، ولا حظ لهم في نعيم الآخرة، ولا يخفف عنهم العذاب في الآخرة ولا أحد

ص: 262


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 28
2- رحيم فرحان، الأسرة الأموية في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، 113
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 64
4- شرح نهج البلاغة، 2 / 50
5- شرح نهج البلاغة، 2 / 28
6- سورة البقرة، آية 86

ينصرهم من عذاب الله تعالى بسبب إقبالهم على الدنيا وتركهم آخرتهم(1).

وهذا ينطبق تماماً على معاوية وعمرو بن العاص لتآمرهم واجتماعهم على حرب أمير المؤمنين علیه السلام، وأعقب أمير المؤمنين علیه السلام ذلك بالتوبيخ لهم والخزي بعد بيان موقفهم والذم للمبتاع بذكر هوان أمانته عليه وهي بلاد المسلمين وأموالهم التي أفاء الله عليهم(2).

وفي موضع آخر من نهج البلاغة، بعث أمير المؤمنين علیه السلام بكتاب إلى عمرو ابن العاص يوبخه على بيعه ذمته ودينه لمعاوية مقابل دنيا فانية زائلة، إذ عبر عن ذلك بقوله:

(فإنك جعلت دينك تبعاً لدنيا امرئٍ ظاهر غيّه، مهتوك ستره)(3)، ومعنى هذا الكتاب كما هو واضح هو لوم وتوبيخ الإمام علیه السلام لعمرو بن العاص على متابعته لمعاوية في باطله وتنفيره عما هو عليه(4)، وضمان تكفل معاوية بإيصاله إلى ولاية مصر مؤجلة، وقطعة وافرة من المال معجلة، ولولديه وغلمانه ما ملأ أعينهم(5).

والمراد من قول الإمام علیه السلام مهتوك ستره، أي ان معاوية كان كثير الخلاعة والهزل صاحب جلساء وسمار ومن المشهور انه هاتكٌ لستر دين الله، وصاحب

ص: 263


1- الطبري، جامع البيان، 1 / 567؛ البيضاوي، أنوار التنزيل، 1 / 92؛ الثعالبي، تفسير الثعالبي، 1 / 276
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 92
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 441
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 82
5- ابن أبي الحديد،شرح نهج البلاغة، 16 / 124؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 82

لهو وشرب وسماع، وقد كان يتستر في زمان عمر بن الخطاب خوفاً منه، إلا انه كان يلبس الحرير والديباج ويشرب الخمر في آنية الذهب والفضة ويركب البغلات ذوات السروج المحلاة بها في الشام(1) وإنما قارب الوقار حيث خرج على أمير المؤمنين علیه السلام لحاجته إلى استغواء الناس بظاهر الدين(2).

فمعاوية لا يتورع عن الإستخفاف بالدين والإبتعاد عن الحق والكفر بما جاء به رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم والعمل على محاربته ومحاولته سلب الحق من أهله، وقد روي ان أروى بنت الحارث بن عبد المطلب(3)، دخلت على معاوية في الموسم وهي عجوز كبيرة فلما رآها معاوية، قال: (مرحباً ياعمة، كيف أنت بعدي، قالت: كيف أنت يا ابن أخي؟ لقد كفرت النعمة وأسأت لابن عمك الصحبة، وتسميت بغير اسمك، وأخذت غير حقك بلا بلاء كان منك ولامن آبائك في ديننا، ولا سابقة كانت لكم مع نبينا محمد صلی الله علیه و آله وسلم، بل كفرتم بما جاء به... فكان علي بن أبي طالب علیه السلام بعد نبينا صلی الله علیه و آله وسلم بمنزلة هارون من موسى، فغايتنا الجنة وغايتكم النار، فقال لها عمرو بن العاص: كفى أيتها العجوز الضالة، وأقصري عن قولك من ذهاب عقلك، إذ لا تجوز شهادتك وحدك، فقالت له: وأنت يا ابن النابغة تتكلم وأمك كانت أشهر امرأة تبغي بمكة وآخذهن الأجرة، إدعاك خمسة نفر من قريش، فسُئلت عنهم، فقالت كلهم أتاني فانظروا أشبههم به

ص: 264


1- ابن أبي الحديد،شرح نهج البلاغة 16 / 124
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 82؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 554
3- أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشية، صحابية اشتهرت بالفصاحة، عاشت إلى زمن معاوية بن أبي سفيان، و كانت تقيم في المدينة، وقال عنها معاوية ان نساء بني هاشم أفصح من غيرهم، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 50؛ ابن طيفور، بلاغات النساء، 27

فألحقوه فغلب عليك شبه أبوك فلحق به)(1).

ومن جانب آخر تناول أمير المؤمنين علیه السلام الصفات التي عليها معاوية بقوله علیه السلام:

(يشين الكريم بمجلسه، ويسفه الحليم بخلطته)(2)، إذ ان معاوية لم يتهاون في مجلسه عن شتم بني هاشم وقذفهم والتعرض بذكر الإسلام، والطعن عليه، وإن أظهر الإنتماء إليه(3)، وذاك الكريم هو الذي يضبط نفسه وينزهها عما يشين العرض من الرذائل، وقد كان مجلس معاوية مشحوناً ببني أمية ورذائلهم، ومجالسة الكريم لهم تستلزم نسبته إليهم ولحاقه بهم، وذلك مشين لعرضه ومقبح لذكره(4)، ومن ذلك سب أمير المؤمنين علیه السلام وجعله سنة ينشأ عليها الصغير ويشيب عليها الكبير(5)، إن شهادة أمير المؤمنين علیه السلام على معاوية وأخلاقه المتدنية تكشف لنا الصورة الحقيقية لصفاته، فهو شخص ملعون من قبل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، لا يتورع عن النيل والإنتقاص من أي شخص حتى الذي في مجلسه وحضرته(6).

ثم تابع كلامه بتوبيخه لعمرو بن العاص ووصفه بصفات يستخف منه ومن موقفه ضده، إذ أشار بقوله علیه السلام:

(فاتبعت أثره، وطلبت فضله اتباع الكلب للضرغام، يلوذ بمخالبه،

ص: 265


1- ابن طيفور، بلاغات النساء، 27
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 441
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 124
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 82
5- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 544
6- ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، 4 / 112 - 114

وينتظر ما يلقى إليه من فضل فريسته، فأذهبت دنياك بآخرتك)(1)، ان إشارة أمير المؤمنين علیه السلام إلى طلب عمرو بن العاص واتباعه أثره إتباع الكلب للأسد فظاهر ولم يقل الثعلب غضاً من قدر عمرو، وتشبيهاً له بما هو أبلغ من الإهانة والإستخفاف(2)، فأذهبت بسبب إتباعك لمعاوية دنياك وآخرتك، إن قصد أمير المؤمنين علیه السلام بدنياه ما كان يعيش به من الرزق والعطاء الحلال على وجه يلتذ به في طيب نفس وفي مأمن من الحروب التي لقيها بصفين والأهوال التي باشرها في مواقفه مع معاوية وتلك هي الدنيا الحقة، وأما ذهاب آخرته فظاهر(3).

وجاء انه لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة قال لإبنه: (لو ودَّ أبوك مات في غزاة ذات السلاسل، إني دخلت في أمور لا أدري ما حجتي عند الله، ثم نظر إلى ماله، فرأى كثرته، فقال ليته كان بعراً، ياليتني مت قبل هذا بثلاثين سنة، أصلحت لمعاوية دنياه، وأفسدت ديني، آثرت دنياي وتركت آخرتي، عمي عليّ رشدي حتى حضرني أجلي كأني بمعاوية قد حوى مالي وأساء فيكم خلافتي)(4)، وبالفعل فقد صادر معاوية أمواله بعد موته ونقض العهد الذي بينه وبين عمرو بشأن مصر له ولولده من بعده فقد عزل ابنه وولى أخاه عتبة بن أبي سفيان(5).

وصرح أمير المؤمنين (مخاطباً عمرو بن العاص بصيغة اللوم عليه بقوله:

ص: 266


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 441
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 125؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 82
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 82؛. مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 544
4- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 130
5- المصدر نفسه، 2 / 130

(ولو بالحق أخذت، أدركت ما طلبت)(1)، أي لو قعدت عن نصرة معاوية ولم تشخص إليه ممالئاً على الحق، لوصل إليك من بيت المال قدر كفايتك، ووصلت إلى دنيا كاملة(2)، لكنك آثرت دنياك على دينك فخسرت دنيا الحلال والنجاة في الآخرة(3).

3- إستلحاق زياد بن أبيه عندما تسلم معاوية بن أبي سفيان الخلافة أخذ بالإعتماد على بعض الشخصيات التي عرفت بالدهاء والمكر مثل عمرو بن العاص الذي أعطاه مصر طعمة مقابل ولائه(4)، وكذلك المغيرة بن شعبة الذي جعله على الكوفة(5)، واستعمل زياد بن أبيه على البصرة والكوفة، (وكان زياد أول من شد أمر السلطان وأكد الملك لمعاوية، وألزم الناس الطاعة، وكان يعاقب الناس، وجرد السيف، وأخذ الناس بالظنة، وعاقبهم على الشبهة، حتى خافه الناس خوفاً شديداً)(6)، حتى أمن بعضهم من بعض فكان ربما سقط الشيء من الرجل فلا يتعرض إليه(7)، وكان زياد قد اختير من قبل ابن عباس بتوجيه

ص: 267


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 441
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 125
3- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 554
4- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 118؛ الثقفي، الغارات، 748؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 129
5- الدينوري، الأخبار الطوال، 218
6- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 222؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 307
7- ابن أعثم الكوفي، الفتوح، 4 / 301

من أمير المؤمنين علیه السلام ليكون والياً على اصطخر(1) وفارس(2)، واختيار زياد بن أبيه من قبل معاوية كان لاعتبارات عرفت فيه، فقد عرف بالشدة والدهاء وهذا مما توضح بعد ذلك في تثبيت الملك له.

وأشار أمير المؤمنين علیه السلام إلى قضية استلحاق زياد ومحاولة معاوية استمالته إلى جانبه حينما كاتبه على ترك أمير المؤمنين علیه السلام، إذ حذر أمير المؤمنين علیه السلام زياد من هذه القضية وأرسل إليه كتاباً جاء فيه:

(وقد عرفت ان معاوية كتب إليك يستنزل لبك، ويستفل غربك، فاحذره فإنما هو الشيطان يأتي المؤمن من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله ليقتحم غفلته، ويستلب غرته)(3)، هنا حذر أمير المؤمنين علیه السلام زيادًا من قيام معاوية ومكره وعمله بالبحث عن زلته وأخطائه لغرض الوصول إلى عقله(4)، والغرب تأتي هنا بمعنى الحدة(5)، أي يحاول ان يثنيه من حدته وعزمه عما هو عليه من الرأي الصحيح في نصرته وولائه للإمام علیه السلام، وهو أشبه بالشيطان الذي يأتي المرء من هذه الجهات المذكورة، أي أنه يأتي الإنسان من كل جهة كما يأتي الشيطان(6)، وهو مصداق قوله تعالى:

ص: 268


1- اصطخر وهي بلدة بفارس، وهي من أعيان حصون فارس ومدنها وكورها، وقيل أول من أنشأها اصطخر بن طهمورث ملك الفرس، وبها مسجد يعرف بمسجد سليمان علیه السلام ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان 1 / 11
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 137؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 249
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 446
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 137؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 92
5- الفراهيدي، العين، 4 / 409
6- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 92

«ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ»(1)، ومعنى ذلك ان الشيطان يطمعهم في العفو ويغريهم بالعصيان، ويحسن لهم جمع المال، ويحبب إليهم الرئاسة واللهو واللذات(2).

وفي الصدد ذاته جاء قول أمير المؤمنين علیه السلام:

(ليقتحم غفلته، ويستلب غرته)(3)، إشارة إلى فساد حيل معاوية، وذلك إنما أراد معاوية استغفاله بإستلحاقه إياه أخاً(4)، وأراد علیه السلام بالغرة، خلو العقل عن مضارب الحيل، والمراد منها العقل الغر، أي يسلب العقل الساذج(5).

ثم نبه أمير المؤمنين علیه السلام زياد بن أبيه على مسألة الإستلحاق وعدم صحتها وحذره من أساليب معاوية بقوله:

(وقد كان من أبي سفيان في زمن عمر، فلتة من حديث النفس، ونزغة من نزغات الشيطان، لا يثبت بها نسب، ولا يستحق بها إرث)(6)، وسوف نبين ما قاله أبو سفيان بشأن زياد قبل الخوض في تفاصيل كتاب أمير المؤمنين علیه السلام، إذ روي ان زيادًا تكلم وهو غلام حدث بحضرة عمر بن الخطاب كلامًا أعجب الحاضرين، فقال عمرو بن العاص، لله أبوه، لو كان قرشياً لساق العرب بعصاه،

ص: 269


1- سورة الأعراف، آية، 17
2- ينظر، الطبري، جامع البيان، 8 / 179؛ الطوسي، التبيان، 4 / 362
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 446
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 93
5- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 446؛ الصالح، صبحي، نهج البلاغة، 416
6- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 446

فقال أبو سفيان: أما والله إنه لقرشي، ولو عرفته انه لخير من أهلك، فقال: ومن أبوه؟ قال: أنا والله وضعته في رحم أمه، فقال: فهلا تستلحقه؟ قال: أخاف هذا العير الجالس أن يخرق عليَّ إهابي(1)، أي أن خوف أبي سفيان بن حرب من عمر بن الخطاب أن يمزق جلده(2).

إذ أراد أميرالمؤمنين علیه السلام تنبيه زياد بشأن قضية الإستلحاق، إنما يتم بصحة استلحاق أبي سفيان له ابناً ولم تصح تلك الدعوة، وإنما قوله فلتة من حديث النفس، وضع منه بغير ثبت ولا روية وإقرار بالزنا بقوله: أنا وضعته في رحم أمه، وذلك نزغة من نزغات الشيطان ألقاها على لسانه، فلا يثبت بها نسب ولا يستحق بها إرث(3)، لقول الرسول صلی الله علیه و آله وسلم:

(الولد للفراش وللعاهر الحجر)(4).

وقد تناولت أحدى الباحثات قضية استلحاق زياد بن أبيه من قبل معاوية وطرحت عدة روايات تشير إلى هذه القضية التي أدت إلى هذا الإستلحاق، أما بخصوص عدم تصريح أبي سفيان باستلحاق زياد حسب الرواية المذكورة فقد أشارت ان سبب ذلك هو أنه لو كان متأكداً من بنوة زياد لما تردد في الاعتراف به ولاستطاع أن يقنع الجميع بمن فيهم الصحابة بذلك الأمر فإنه لم يؤاخذ على عمل ارتكب قبل الإسلام(5)، ويمكن الرد على رأي الباحثة وذلك لأن

ص: 270


1- الثقفي، الغارات، 926؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 140
2- الطريحي، مجمع البحرين، 2 / 308؛ الأمين، أعيان الشيعة، 1 / 571
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 139؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 93
4- البخاري، صحيح البخاري، 3 / 5؛ الكليني، الكافي، 5 / 491؛ الصدوق، الخصال، 214
5- العلي، الأسر الأموية التي لم تتول الخلافة، 21

حديث الرسول صلی الله علیه و آله وسلم واضح في هذا الخصوص:

(الولد للفراش وللعاهر الحجر) فإنه لم يقتصر على حقبة قبل الإسلام أم بعده، لذلك كان أبو سفيان سيواجه معارضة شديدة مستندة إلى هذا الحديث.

وكذلك بينت الباحثة سبباً آخر من عدم تأكد أبي سفيان من بنوة زياد، هو لماذا لم يقربه أيام عثمان ذي السياسة الهينة اللينة، إلا ان يكون هذا الإقرار لا يباح له، وأن عثمان لا يمكن ان يجيزه(1)، فضلا عما ذكر ان شهادة أمير المؤمنين علیه السلام على عدم صحة ذلك الإدعاء من قبل أبي سفيان تبطل ادعاء أبي سفيان أنه منه.

ثم تطرق الإمام علیه السلام إلى مسألة تعلق زياد بهذه الفلتة بقوله علیه السلام:

(والمتعلق بها كالواغل المدفع، والنوط المذبذب)(2)، وشبهه الإمام علیه السلام بالنوط المذبذب(3)، واضطراب أمره وعدم لحوقه بنسب معين(4)، وكذلك بالواغل المدفع أي الفقير الذليل الذي يدخل في قوم على طعام أو شراب بغير دعوة(5).

ويذكر أن زياد بن أبيه لما ألقى القبض على عروة بن أدية وهو أول من سل سيفه من الخوارج، أخذ يسأله عن الخلفاء، وبدأ يستعرض رأيه فيهم إلى ان وصل إلى معاوية، فسبه سباً قبيحاً، ثم سأله عن نفسه فقال: أولك لزنية،

ص: 271


1- العلي، الأسر الأموية التي لم تتول الخلافة، 21
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 446
3- النوط، كل ما علق من شيء فهو نوط، ينظر، الفراهيدي، العين، 7 / 455
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 93
5- ابن منظور، لسان العرب، 8 / 88

وآخرك لدعوة، وأنت فيما بينهما عبد عاص ربك فأمر زياد بقتله(1).

خامساً: وضع الأحاديث والنيل من الإمام علیه السلام عد وضع الأحاديث الكاذبة من الأساليب التي اعتمدها الأمويون لتدعيم سلطانهم، وذلك من خلال إغراء بعض المحدثين لإفتعال الأحاديث المكذوبة التي تمجد بني أمية ولم يتوانَ هؤلاء المحدثون عن إيراد العديد من الأحاديث في هذا الأمر على الرغم من سماعهم ومعرفتهم بالحديث المروي عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:

(من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)(2)، إلا أنهم أوردوا عدداً من الأحاديث المكذوبة التي حاولت تبيان أحقية بني أمية في الخلافة وبأنهم هم الأحق في قيادة الأمة، فضلاً عن أحاديث أخرى حاولت تشويه صورة مناوئيهم ومخالفيهم ولعل أبرز تلك الأحاديث هي التي أرادوا بها التقليل من شأن أمير المؤمنين علیه السلام، وبالنظر لتمتع المحدثين والرواة بمكانة متميزة بين العامة فإن تأثيرهم سيكون أكبر بين الناس.

وحرص معاوية على بذل الكثير من الأموال إلى هؤلاء المحدثين لغرض رواية أحاديث مكذوبة فيه، إذ ذكر ابن أبي الحديد ان معاوية بن أبي سفيان بعد بيعة الإمام الحسن علیه السلام وعودته إلى الشام، اجتمع بالناس وخطب وقال:

(أيها الناس، ان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال لي: إنك ستلي الخلافة من بعدي، فاختر

ص: 272


1- الشهرستاني، الملل والنحل، 1 / 137
2- ابن حنبل، مسند أحمد، 1 / 78؛ البخاري، صحيح البخاري، 1 / 35؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 1 / 77

الأرض المقدسة، فإن فيها الأبدال)، وقد اخترتكم فألعنوا أبا تراب، فلعنوه(1).

فهو بحديثه الكاذب هذا قد أوهم أهل الشام به والذي يبين لهم فيه على أنه خليفة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وكذلك لعنه لأمير المؤمنين علیه السلام سوف يكسبه الصفة الشرعية بذلك بوصفه خليفة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم على حد زعمه.

وفي احدى خطب نهج البلاغة أخبر أمير المؤمنين علیه السلام بذلك الأمر بأنه سيلي الخلافة من بعده من يأمر الناس بسبه والبراءة منه، وقد عبر علیه السلام عن ذلك بقوله:

(أما أنه سيظهر عليكم بعدي، رجل رحب البلعوم مندحق البطن، يأكل ما يجد ويطلب ما لا يجد، ألا وإنه سيأمركم بسبي والبراءة مني...)(2)، إذ ان مراد الإمام من ذلك هو معاوية(3)، وأراد بقوله علیه السلام سيأمركم بسبي والبراءة مني، ان معاوية أمرالناس بالعراق والشام بسب الإمام علي علیه السلام والبراءة منه، وخطب بذلك على منابر الإسلام وصار سنةّ في أيام بني أمية إلى ان قام عمربن عبد العزيز فأزاله(4) وقد تناول أحد الباحثين سياسة السب بالتفصيل التي اسسها معاوية والتي سار عليها البيت الأموي لسنوات طويلة في النيل من أمير المؤمنين(5).

وقد كتب معاوية إلى جميع عماله بعد أن آلت الأمور إليه في السلطة: (ان برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كل كورة

ص: 273


1- شرح نهج البلاغة، 4 / 55
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 96
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 4 / 42
4- المصدر نفسه، 4 / 42
5- الجابري، السياسة الأموية المضادة للإمام علي، 52 وما بعدها

يلعنون علياً ويبرؤون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته)(1). وبيّن أحد الباحثين ان وضع الأحاديث من قبل معاوية هو بيان لسياسته القمعية تجاه أهل البيت(2).

وقد برز بذل معاوية بخصوص وضع الأحاديث من أجل النيل من أمير المؤمنين علیه السلام ومن فضائله ومحاولة إزالتها والتنفير عنها، وقد توضح ذلك جليا بما بذله من أموال لهذا الغرض عندما بذل لسمرة بن جندب(3)، أربعمائة ألف درهم على ان يروي ان هذه الآية:

«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ»(4)، قد نزلت في علي بن أبي طالب علیه السلام، وان الآية الثانية نزلت في ابن ملجم وهي قوله تعالى:

«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ»(5)، فروى ذلك(6).

ص: 274


1- الطبرسي، الإحتجاج، 2 / 348؛؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 11 / 36
2- رحيم فرحان، الأسرة الأموية من خلال شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد، 134
3- سمرة بن جندب بن هلال بن حريج بن مرة بن حزن، وقد رده رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في أحد لصغر سنه، ثم أجازه فشهدها مع المسلمين، وكان، عظيم الأمانة، يحب الإسلام وأهله، حتى أحدث ما أحدث، وكان زياد بن أبيه يستعمله على الكوفة إذا خرج إلى البصرة، توفي سنة (58 ه) في خلافة معاوية، ينظر، ابن، سعد، الطبقات الكبرى، 4 / 364
4- سورة البقرة، آية، 204 - 205
5- سورة البقرة، آية، 207
6- الثقفي، الغارات، 840؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 4 / 55

سادساً: اسلوب الترهيب الترهيب لغة: الرهبة مصدر قولهم رهب، يقال: رهب الشيء أرهبه رهباً ورهبة، اي أخفته، وأرهبت فلاناً(1)، وتقول أرهبه واسترهبه، إذا أخافه(2).

أما الترهيب اصطلاحاً: فهو مخافة من تحرز واضطراب، ومنه الترهب للتعبد لاستعمال الرهبة فيه(3)، كما في قوله تعالى:

«لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً»(4).

وكان أسلوب الترهيب من الأساليب التي استخدمها معاوية للوصول إلى السلطة، والذي من خلاله استطاع ان ينشر الرعب بين الناس والوصول إلى غاياته المنشودة، ومن الأساليب الترهيبية التي اتبعها معاوية بن أبي سفيان لإخافة الناس هو أسلوب الغارات وسوف نتطرق إلى بعض من تلك الغارات التي أشار إليها أمير المؤمنين علیه السلام في نهج البلاغة.

ص: 275


1- الفراهيدي، العين، 4، 41؛ الجوهري، الصحاح، 1 / 140
2- الجوهري، الصحاح، 1 / 140
3- الراغب الأصفهاني، مفردات غريب القرآن، 366
4- سورة الحشر، آية، 13

الغارات تعد الغارات التي شنها أتباع معاوية على مناطق عديدة من الدولة الإسلامية التي كانت تحت سيطرة أمير المؤمنين علیه السلام، من أساليب معاوية الترهيبية التي يستخدمها لقتل العديد من الناس والصحابة على يد ولاته الذين استخدمهم لتثبيت ملكه، واعتمد عليهم في ترويع الأهالي في المناطق التي يشن عليها تلك الغارات، حتى يعمها الخوف والذعر، وسنشير إلى بعض تلك الغارات التي أمر بها معاوية، وكان الهدف منها تضعيف موقف الإمام علیه السلام من خلالها وخلق حالة من الفوضى والاضطراب في المناطق التابعة للإمام علیه السلام ليتسنى له بعد ذلك السيطرة عليها، ومن أهم تلك الغارات:

1- غارة الضحاك بن قيس تعد غارة الضحاك بن قيس الفهري(1) من الغارات التي بعثها معاوية للإغارة على اطراف العراق من ناحية الكوفة، إذ أرسل معاوية للضحاك وقال له: (سر حتى تمر بناحية الكوفة وترفع عنها ما استطعت فمن وجدته من

ص: 276


1- الضحاك بن قيس الفهري بن خالد الأكبر بن وهب بن ثعلبة، كان قد دعا لعبد الله بن الزبير سراً بعد موت يزيد بن معاوية ثم تخلى عن بيعة ابن الزبير ودعا إلى نفسه بعد ذلك ثلاثة أيام بتحريض من عبيد الله بن زياد، واختلف هو ومروان بن الحكم في أمر الخلافة واقتتلوا في معركة مرج راهط لمدة عشرين يوماً قتل على اثرها الضحاك بن قيس وذلك سنة (64 ه)، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6 / 543

الأعراب في طاعة علي فأغر عليه وإن وجدت مسلحة أو خيلا فأغر عليها، وإذا أصبحت في بلدة فأمس في أخرى، ولا تقيمن لخيل بلغك إنها قد سرحت إليك لتلقاها فتقتلها)(1)، وسيّر معه ثلاثة إلى أربعة الآف فارس وتوجه الضحاك يأخذ الأموال و يقوم بقتل كل من يلقاه من الأعراب، ومر على الثعلبية(2)، وأخذ أمتعة الحاج، ثم لقي عمرو بن عميس الذهلي(3)، فقتله هو وأصحابه في طريق الحاج(4)، وعلى ما يبدو ان معاوية قد أسس دولته على القتل والسلب والنهب فحتى حجاج بيت الله الحرام لم يسلموا منه.

وبعد سماع أمير المؤمنين علیه السلام بأمر غارة الضحاك، خرج وانتدب الناس للخروج لملاقاة عدوهم وصعد على المنبر وهو يقول:

(يا أهل الكوفة اخرجوا إلى العبد الصالح عمرو بن عميس، وإلى جيوش لكم قد اصيب منها طرف، أخرجوا فقاتلوا عدوكم وامنعوا حريمكم إن كنتم

ص: 277


1- الثقفي، الغارات، 421؛ ابن أعثم الكوفي، الفتوح، 4 / 220؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 10 / 677
2- الثعلبية، وهي من منازل طريق مكة من الكوفة بعد منطقة الشقوق وقبل الخزيمية، وهي ثلثا الطريق، وأسفل منها ماء يقال لها الضويجيعة على بعد ميل منها، وسميت بالثعلبية، نسبة إلى ثعلبة بن عمر بن عامر، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 2 / 78
3- عمرو بن عميس بن مسعود بن غافل بن حبيب، ابن أخ عبد الله بن مسعود، وكان عاملا للإمام علي علیه السلام فقتله الضحاك بن قيس بالقطقطانة لما أرسله معاوية للإغارة على عمال الإمام علیه السلام وقتل كثيراً ممن معه، ينظر، ابن الأثير، اللباب في تهذيب الأنساب، 3 / 179؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 4 / 551
4- الثقفي، الغارات، 421؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 135

فاعلين)(1).

وروي أن أصحابه علیه السلام ردوا عليه رداً ضعيفاً، ورأى منهم فشلا وعجزاً فقال علیه السلام:

(وددت والله أن لي بكم بكل مائة منكم رجلاً منهم، ويحكم اخرجوا معي ثم فروا عني إن بدا لكم، فوالله ما أكره لقاء ربي على نيتي وبصيرتي وفي ذلك روح لي عظيم وفرج من مناجاتكم، ومقاساتكم، ومداراتكم مثل ما تداوي البكار العمدة(2)، والثياب المتهترة، كلما خيطت من جانب تهتك على صاحبها من جانب آخر)(3).

ومن خلال النص المتقدم يظهر لنا نصح الإمام علیه السلام لأصحابه وحثهم على القتال ومواجهة عدوهم، لكنهم يظهرون التردد والتخاذل في الدفاع عن أرضهم، على الرغم مما يبديه لهم أمير المؤمنين علیه السلام من المداراة والمساواة فيما بينهم.

وأرسل أمير المؤمنين علیه السلام بعد ذلك حجر بن عدي الكندي فعقد له راية على أربعة الآف رجل ووصل أرض السماوة(4)، وهي أرض قبيلة كلب فكانوا أدلاءه في الطريق وعلى المياه، فلحق بالضحاك واقتتلوا فقتل من أصحاب

ص: 278


1- الثقفي، الغارات، 422؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 135
2- البكار العمدة، البكار جمع بكر، وهو الفتي من الإبل، والعمدة، وهو الموضع الذي ينتفع من سنام البعير وغاربه، ابن منظور، لسان العرب، 3 / 305
3- الثقفي، الغارات، 423؛ المفيد، الإرشاد، 272
4- السماوة، بفتح أوله، وهي الأرض المستوية لا حجر فيها، وهي بين الكوفة والشام قفرى، وهي أرض لقيبلة كلب، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 3 / 245

الضحاك تسعة عشر رجلاً، وقتل من أصحاب حجر رجلان وهرب الضحاك بأصحابه(1).

وقد بين أمير المؤمنين علیه السلام مدى تخاذل أصحابه في خطبة له وردت بهذا الشأن في نهج البلاغة أوضح فيها موقف أصحابه من تلك الغارات التي شنها أصحاب معاوية، إذ ورد قوله علیه السلام:

(يا أيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء تقولون في المجالس كيت وكيت فإذا جاء القتال قلتم حيدي حياد)(2)، ان مراد أميرالمؤمنين علیه السلام من ذلك هو تنبيههم على موقفهم هذا بسبب ما فعلوه بالدين وذلك لأنهم مجتمعون في أبدانهم ولكنهم مختلفون ومتفرقون في كلامهم من أجل نصرة الدين(3)، وإن كلامهم من شدته يحسبه السامع شجاعة ولكنه في المظاهر والأقوال وعندما ترجع إلى الحقيقة نجد ضعفًا في الأقوال والأفعال(4).

وشبه أمير المؤمنين علیه السلام موقفهم هذا بأن قلوبهم صم وهي تنطبق على أوصاف الحجارة التي لا تستجيب للكلام(5)، وهو مصداق قوله تعالى:

«فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً»(6).

ص: 279


1- الثقفي، الغارات، 426؛، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 135
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 69
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 51
4- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1 / 201
5- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 51
6- سورة البقرة، آية، 74

وأما أفعالهم التي تعقب هذه الأقوال فعند حضور الحرب والقتال تبدو عليهم علامات التخاذل وعدم الإستجابة للأمر والحياد عنه والفرار من مقاتلة العدو(1)، وشبههم الإمام علیه السلام بقوله حيدي حياد(2) وهي كلمة تقال للهارب الفار(3).

ثم أشار بكلامه إلى مدى استجابتهم لدعوته بقوله علیه السلام:

(ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم أعاليل بأضاليل)(4)، أي أنكم لا تجيبون دعوة من دعاكم، ولا يستريح من قاساكم ودائماً تتعللون بالأمور الباطلة والأماني الكاذبة حتى لا تستجيبوا إلى الأمر(5)، وعلق محمد جواد مغنية قائلا: لماذا يترك الإمام علیه السلام أمر الجهاد والحرب لهم ولقناعتهم، ولا يجبرهم بالقهر والقوة، بدل ان يقف فيهم منذراً وموبخاً من غير جدوى تماماً كوعاظ المساجد؟ أليست السلطة بيده والأمر له وحده؟ والجواب على ذلك أنه علیه السلام لو قسا عليهم وأخذهم بالشدة من أجل الجهاد لشقوا عصا الطاعة، وكانوا عوناً للعدو عليه(6).

من خلال كلام أمير المؤمنين علیه السلام لهم يتأكد أنهم تثاقلوا عن مواجهة أعدائهم الذين يتربصون بهم للإنقضاض عليهم وقد عبروا عن موقفهم هذا في أحد

ص: 280


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 51
2- حيدي حياد، وهي كقولهم فيحي فياح، حايد محايدة، اي جانبه، ينظر، الجوهري، الصحاح، 2 / 467
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2 / 90
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 70
5- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2 / 91
6- في ظلال نهج البلاغة، 1 / 202

المواقف مع الإمام علیه السلام بقولهم: (كلت سيوفنا، ونفدت نبالنا، ونصلت أسنة رماحنا...)(1)، فهذه حجج واهية يريدون التخلي بها عن مساندتهم للإمام علیه السلام في مواجهة الأعداء.

وفي السياق ذاته جاء قوله علیه السلام:

(سألتموني التطويل دفاع ذي الدَين المطول)(2)، إذ طلب اصحاب الإمام علیه السلام منه تأخير الحرب، وهم يشبهون بموقفهم هذا كمن له دَين يماطل في دفعه لصاحبه(3).

ان موقفهم هذا يعبر عن مدى تخاذلهم وتهاونهم في إطاعة إمامهم والعزوف عنه لأنه يمثل جبهة الحق، لذلك أخذوا يتحججون بأعذار لا تغني عنهم وعن موقفهم، وقد خطب الإمام علیه السلام في أهل الكوفة خطبة عبرت عن تخاذلهم وتقاعسهم عن القتال، إذ قال:

(يا أهل الكوفة منيت بثلاث واثنتين صم ذوو أسماع، وبكم ذوو ألسن، وعمي ذوو أبصار، لا إخوان صدق عند اللقاء، ولا إخوان ثقة عند البلاء...

كلما أمرتكم بجهاد عدوكم إثاقلتم إلى الأرض، وسألتموني التأخير دفاع ذي الدين المطول، ان قلت لكم في القيظ، سيروا، قلتم: الحر شديد، وإن قلت لكم في البرد سيروا، قلتم القر شديد، كل ذلك فراراً عن الجنة. إذا كنتم عن الحر والبرد تعجزون، فأنتم عن حرارة السيف أعجز وأعجز)(4).

ص: 281


1- الثقفي، الغارات، 314؛ المفيد، الإختصاص، 153
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 70
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2 / 91
4- المفيد، الإرشاد، 1 / 282؛ الطبرسي، الإحتجاج، 1 / 209

وفي موضع آخر من نهج البلاغة نبههم إلى الذل الذي سيواجهونه إذا ما رجعوا إلى رشدهم وبقوا على هذه الحالة وقد عبر علیه السلام عن ذلك بقوله:

(لا يمنع الضيم الذليل، ولا يدرك الحق إلا بالمجد)(1)، أي لا تستطيعون دفع الضيم الذي تواجهونه إلا بالجد والإجتهاد وعدم التردد والإنكماش لمواجهة ذلك الضيم وأخذ الحق(2).

وفي الصدد ذاته من خطبته الشريفة عبر علیه السلام عن موقفهم المتخاذل بقوله:

(أي دار بعد داركم تمنعون، ومع أي إمام بعدي تقاتلون)(3)، وهنا استنكر أمير المؤمنين علیه السلام عليهم بسبب تخاذلهم عن الدفاع عن دارهم وأرضهم وهي أرض الإسلام التي ما فيها من العز والكرامة إذا ما قيست بغيرها، والتي يجب الدفاع عنها، لأنها موطنهم ومحل دولتهم(4)، وعن أي إمام بعدي تقاتلون وهو تنبيههم على مكانته علیه السلام ومدى إخلاصه لله تعالى في جميع حركاته، وكان يرى ان في بعض أصحابه ميلاً إلى معاوية رغبة في الدنيا(5)، ويبدو أن سياسة معاوية التي اتبعها في الهبات والأموال والعطايا لرؤساء القبائل والشخصيات هي التي أثرت في الكثير منهم وأشغلتهم عن أرضهم ودينهم، وسببّت تخليهم عن الإمام علیه السلام وتخاذلهم، وقد روي ان عدي بن أرطأة(6)، كتب إلى عمر بن عبد

ص: 282


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 70
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2 / 91؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 51
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 70
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 52
5- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 52
6- عدي بن أرطأة بن جدابة بن لوزان الفزاري الدمشقي، أمير البصرة لعمر بن عبد العزيز، وكان قبلها على شرطة يزيد بن أبي كبشة لما ولي للوليد بن عبد الملك، حدث عن عمرو بن عنبسة، وأبي امامة وكانت داره بدمشق بنواحي كنيسة مريم، وكان من أهل الطبقة الثانية من أهل الشامات، قتله معاوية بن يزيد بن المهلب سنة (102 ه)، ينظر، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 40 / 57

العزيز يخبره بسوء طاعة أهل الكوفة، فكتب إليه عمر كتابًا أخبره فيه لا تطلب طاعة من خذل علياً علیه السلام وكان إماماً مرضياً)(1).

ان النص المتقدم يشير إلى تخاذل جميع أهل الكوفة، والأمر خلاف ذلك، فكان جيش الإمام علیه السلام غالبيته من سكان الكوفة، فلا يمكن ان يكونوا كلهم قد خذلوا أمير المؤمنين علیه السلام، وله علیه السلام كلام مدح فيه أهل الكوفة ويصفهم بأنهم أكرم المسلمين وأجودهم في العرب أصلاً، وما بذلوه من أنفسهم له عند خلع طلحة والزبير طاعتهما له(2).

2- غارة النعمان بن بشير تعد غارة النعمان بن بشير(3) من الغارات التي بعثها معاوية للإغارة على أطراف العراق على منطقة عين التمر(4)، أذ أوصاه ان يتجنب المدن والجماعات

ص: 283


1- ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، 4 / 291
2- المفيد، الإرشاد، 1 / 249
3- النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الأنصاري، ولد قبل وفاة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بثمان سنين وقيل بست سنين، والأول أصح لأنه قيل انه ولد وعبد الله بن الزبير في السنة الثانية للهجرة، ويكنى أبا عبد الله، وكان النعمان أميرا على الكوفة لمعاوية سبعة أشهر ثم ليزيد وبعدها انحاز إلى آل الزبير فأخرجه أهل حمص منها وقتلوه بعد وقعة مرج راهط، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5 / 363؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 723
4- عين التمر، وهي بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة بقربها موضع يقال له شفاثا، منهما يجلب العسب والتمر الى سائر البلاد وهو بها كثير، وتقع على طرف البرية وهي قرية قديمة افتتحها المسلمون بقيادة خالد بن الوليد أيام أبي بكر سنة (12 ه) وقد فتحها عنوة، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 4 / 176

وأن لا يغير إلا على مسلحة، وأن يعجل بالرجوع، فتوجه النعمان بن بشير وكان عليها مالك بن كعب الأرحبي(1) وبصحبته اناس كثيرون فتفرقوا عنه ولم يبق معه إلا نحو مائة رجل، وقد أذن للجميع بالرجوع إلى الكوفة، فكتب إلى أميرالمؤمنين علیه السلام يخبره بشأن غارة النعمان، فاستعان مالك بن كعب بمخنف بن سليم(2)، وهو أحد عمال أمير المؤمنين علیه السلام على الصدقة على أرض الفرات، وبرفقته خمسون رجلا، فانضموا إلى أصحاب مالك وقاتلوا أصحاب النعمان إلى ان حجز الليل بينهم فانصرف النعمان وأصحابه، وقتل رجل وجرح آخر من أصحاب مالك بن كعب(3).

وعند سماع أمير المؤمنين علیه السلام بنبأ غارة النعمان بن بشير على تلك المنطقة حث

ص: 284


1- مالك بن كعب الهمداني الأرحبي، وجهه أمير المؤمنين علیه السلام إلى دومة الجندل لقتال مسلم بن عقبة حين بعثه معاوية إلى اهلها عند توقفهم عن البيعة لأمير المؤمنين علیه السلام فوصل إليها وهزم مسلم بن عقبة ودعاهم إلى بيعة الإمام، وكان مالك قائد مسلحة الإمام في عين التمر، ينظر، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 56 / 493
2- مخنف بن سليم بن الحارث بن عوف بن ثعلبة بن عامر الأزدي الغامدي، له صحبة، روى عنه أبو رملة، واسمه عامر، ويعد مخنف من الكوفيين وكان نقيب الأزد بالكوفة وعلى رأسهم بصفين، وقيل من البصريين، ولاه أمير المؤمنين على أصبهان، ومن ولد مخنف بن سليم، ابو مخنف لوط بن يحيى بن سعيد صاحب الأخبار، ينظر، ابن عبد البر، الاستيعاب، 708؛ ابن الأثير، أسد الغابة، 5 / 122
3- الثقفي، الغارات، 450؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 96؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 134؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 244

اصحابه على الخروج لملاقاة العدو، لكنهم أبطأوا ولم يخرجوا(1)، وأصبحت صفة التخاذل من سمات البعض من أهل الكوفة وتململهم من الخروج لملاقاة العدو مع أمير المؤمنين علیه السلام على الرغم من الخطب والنصائح التي يحدثهم بها، وخطب فيهم في هذا الشأن بقوله:

(يا أهل الكوفة المنسر من مناسر(2) أهل الشام إذا أطل عليكم أغلقتم أبوابكم وانجحرتم في بيوتكم إنجحار الضبة في جحرها، والضبع في وجارها، الذليل من نصرتموه، ومن رمى بكم رمى بأفوق ناصل، أف لكم لقد لقيت منكم ترحاً ويحكم أناجيكم ويوماً أناديكم، فلا أجاب عند النداء، ولا إخوان صدق عند اللقاء، أنا والله منيت بكم، صم لا تسمعون، بكم لا تنطقون، عمي لا تبصرون، فالحمد لله رب العالمين! ويحكم اخرجوا إلى أخيكم مالك بن كعب فإن النعمان بن بشير قد نزل به جمع من أهل الشام ليس بكثير فانهضوا إلى إخوانكم لعل الله يقطع بكم من الظالمين)(3) يفهم من كلام امير المؤمنين علیه السلام توبيخه لأصحابه بسبب هذا التخاذل، وامتعاضه منهم بسبب تخوفهم حتى من هذه الغارات الصغيرة، ودخولهم بيوتهم وعدم نصرة أمير المؤمنين علیه السلام وإطاعته.

ص: 285


1- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 96
2- المنسر، بفتح الميم وكسر السين، القطعة من الجيش تمر أمام الجيش الكبير، ينظر، ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، 5 / 47
3- الثقفي، الغارات، 451، اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 97؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 244

من جانب آخر طلب بعض أصحاب الأمام علیه السلام وهو عدي بن حاتم(1)، من الإمام علیه السلام الخروج للحاق بالعدو لكن الإمام رفض وأمره بالتوجه إلى النخيلة، إلى ان فرض لكل واحد سبعمائة فاجتمع إليه ألف فارس عدا اصحاب عدي بن حاتم فسار بهم إلى أعالي الفرات فأغار على أدنى الشام ثم رجع(2).

وكان أمير المؤمنين علیه السلام يعرف كيف يجعلهم إلى جانبه لو أراد ذلك، فيفضلهم ويعطيهم الأموال، ويحملهم على رقاب الناس، ويرضي غرورهم القبلي، ولكن ذلك يجعله ينقلب إلى جبار يدعم ملكه بالسيف، بدل ان يكون أباً للرعية تدعم سلطانه القلوب(3).

وبين علیه السلام في كلام له في هذا الشأن بقوله:

(وإني لعالم بما يصلحكم ويقيم أودكم، ولكني لا أرى إصلاحكم بإفساد نفسي)(4)، أراد أمير المؤمنين علیه السلام بقوله هذا إنما يصلحكم في السياسة السيف، وصدق فإن كثيراً لا يصلح إلا عليه(5)، كما فعل الحجاج بالجيش الذي تقاعس عن نصرة المهلب(6)، إذ روي انه نادى في الكوفة من تخلف عن المهلب بعد

ص: 286


1- عدي بن حاتم بن عبد الله الطائي أحد بني ثُعل، ويكنى أبا ظريف، قدم على النبي صلی الله علیه و آله وسلم سنة سبع وقيل عشر، ثم نزل على الكوفة وابتنى داراً وسكنها، شهد مع أمير المؤمنين علیه السلام معركة الجمل وفقئت عينه، وشهد صفين والنهروان، ومات بالكوفة في أيام المختار سنة (68 ه) وقيل (69 ه)، ينظر، ابن سعد الطبقات الكبرى، 6 / 214؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 577
2- الثقفي، الغارات، 456؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 97
3- ينظر، شمس الدين، دراسات في نهج البلاغة، 218
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 107
5- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 82
6- المهلب بن أبي صفرة واسم أبي صفرة ظالم بن سراق، ويكنى المهلب أبا سعيد، ادرك عمر بن الخطاب ولم يرو عنه شيئاً، وقد روى عن سمرة بن جندب وغيره، وهو من وجوه اهل البصرة وفرسانهم وأجوادهم، غزا في خلافة عمر، وتولى حرب الأزارقة، وولي خراسان ومات بمرو سنة (83 ه)، في خلافة عبد الملك بن مروان واستخلف ابنه يزيد بن المهلب، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 9 / 129؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة، دمشق، 61 / 280

ثلاث فقد أحل دمه، فقتل جماعة فخرج الناس إلى المهلب يهرعون(1).

ثم بين أمير المؤمنين علیه السلام انه لا يمكن إصلاحهم وإفساد نفسه وذلك ان من طرق إصلاحهم هو القتل وأسلوب الشدة، وفي هذا خلاف للدين ومن ثم خروجه علیه السلام عن خط الإصلاح الذي ينادي به ويعتقده، وقد عبر عن ذلك بقوله:

(ولكني لا أرى اصلاحكم بفساد نفسي، أي بإفساد ديني عند الله(2)، ويحق لنا أن نسأل؛ أليست نصرة الإمام واجبة عليهم؟ أجاب بعض الشراح، إنه ليس كل اخلال بواجب يكون عقوبته القتل، كمن أخل بالحج، وايضاً فإنه كان يعلم ان عاقبة القتل فسادهم عليه واضطرابهم، فلو أسرع في قتلهم لشغبوا عليه شغباً يفضي إلى قتله ويقتلوا أولاده، أو يسلموه إلى معاوية، فلو ساسهم بالقتل والحال هذه، لكان آثماً عند الله، ومواقعاً للقبيح وفي ذلك إفساد دينه(3).

وعلى ما يبدو ان الحالة التي كان يعيشها مجتمع الإمام علیه السلام من الخمول والإنقياد وراء الأموال قد أثرت فيهم كثيراً وخاصة في مسألة الجهاد التي كان يأمرهم بها أمير المؤمنين علیه السلام، لا لغرض خاص به، وإنما هو للدفاع عن أرضهم من اعتداءات معاوية وأصحابه.

ص: 287


1- ابن اعثم الكوفي، الفتوح، 7 / 12؛ المسعودي، مروج الذهب، 2 / 116
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 82
3- المصدر نفسه، شرح نهج البلاغة، 6 / 82؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 193

3- غارة سفيان بن عوف الغامدي وجه معاوية بن أبي سفيان في سنة 39 ه / 660 م غارة بقيادة سفيان بن عوف الغامدي(1)، في ستة الآف رجل للإغارة على هيت(2)، وأمره بالتوجه إلى الأنبار(3) والمدائن(4) ليوقع بأهلها، وتوجه سفيان بن عوف ووصل إلى هيت ولم يجد بها أحدًا، وتوجه بعد ذلك إلى الأنبار، ووجد بها مسلحة لأمير المؤمنين علیه السلام مكونة من مائة رجل فأغار عليها ولكنها صمدت بوجهه، وبعد أن حملت عليهم الخيل والرجالة قتل منهم ثلاثين رجلاً، ونهبوا الأموال ورجعوا

ص: 288


1- سفيان بن عوف بن المغفل بن عوف بن عمير بن كليب الغامدي، وكان برفقة أبي عبيدة بن الجراح حين فتحت الشام، واستعمله معاوية على الصوائف وتوفي سنة، (52 ه) وقيل (54 ه)، ينظر، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 21 / 348؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 3 / 106
2- هيت، وهي بلدة على الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار، ذات نخل كثير وخيرات واسعة وهي مجاورة للبرية، أنفذ إليها سعد بن أبي وقاص جيشاً سنة (16 ه) لمقاتلة أهل قرقيسيا، وروي انها سميت هيت بإسم بانيها وهو هيت السبندي بن مالك، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 5 / 421
3- الأنبار، هي مدينة على الفرات في غربي بغداد بينهما عشرة فراسخ، وكانت الفرس تسميها فيروز سابور، وكان اول من عمرها سابور بن هرمز ذو الأكتاف، ثم جددها أبو العباس السفاح أول الخلفاء العباسيين، وأقام بها إلى أن مات، واختلف في سبب تسميتها، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 1 / 257
4- المدائن، بالفتح جمع مدينة وهي التي بناها ملك الفرس أنو شروان بن قباذ وأقام بها هو ومن كان بعده من ملوك بني ساسان إلى ان فتحت أيام عمر بن الخطاب سنة (16 ه) على يد سعد بن أبي وقاص، وهي تقع بين أرض الفرات ودجلة، واسمها بالفارسية توسفون وعربت إلى طيسفون وسمتها العرب لأنها سبعة مدائن، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 5 / 74

إلى معاوية(1)، وعند سماع أمير المؤمنين علیه السلام بنبأ الغارة أرسل في طلبهم حتى جازوا مدينة هيت فلم يلحقوا بهم(2).

وقد أشار أمير المؤمنين علیه السلام إلى غارة سفيان بن عوف في احدى خطبه وعبر عن تخاذل بعض أصحابه في قعودهم وعدم الدفاع عن أرضهم وإيثارهم القعود والخمول وعدم الخروج لصد تلك الغارات، وقد حدثهم عن الجهاد وما هي منزلة المجاهدين عند الله تعالى، ودعاهم علیه السلام إليه بقوله:

(ألا وأني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً، وسراً وإعلاناً وقلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم)(3)، إذ بين البحراني ان الإمام علیه السلام حث أصحابه ودعاهم إلى الجهاد ووبخهم على تركه، وكان قد دعاهم مرات عديدة على قتال معاوية، وذكرهم بما أمرهم به من غزو عدوهم قبل ان يغزوهم في دارهم(4)، ودعوة الإمام علیه السلام لقومه في جميع الاوقات لغرض الجهاد هي مصداق قوله تعالى:

«قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا»(5)، ومعنى ذلك أن الإمام علیه السلام كان دائم الحث لهم على ضرورة التحرك للنيل من عدوهم قبل ان يسير إليهم

ص: 289


1- الثقفي، الغارات، 86؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 134؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 245
2- الثقفي، الغارات، 86؛ الطبری، تاریخ الرسل والملوك، 5 / 134؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 10 / 676
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 65
4- شرح نهج البلاغة، 2 / 36
5- سورة نوح، آية، 5

ويسيطر على أرضهم، وقد صرح في الكثير من خطبه يحثهم على الجهاد(1).

ثم بين أمير المؤمنين علیه السلام حالة الذل والهوان التي تصيب القوم إذا ما غزاهم عدوهم في عقر ديارهم بقوله:

(فوالله ما غُزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا، فتواكلتم وتخاذلتم حتى شُنّت عليكم الغارات، ومُلكت عليكم الأوطان)(2)، هنا أقسم أميرالمؤمنين علیه السلام في بيان أمرهم ومدى الذل الذي يلقونه من غزو عدوهم لهم في دارهم وهذا نابع من توهمهم بالشجاعة، واعتقادهم فيهم الضعف ومن ثم تحملهم تلك الأوهام على القعود عن المقاومة، وتواكلهم واتكالهم بعضهم على بعض وعجزهم عن كل ما أمروا به(3) وهذا التواكل أدى بهم إلى ان تشن الغارات على أوطانهم وحدودهم(4)، ومنها مصر(5)، إن إستهانة اصحاب الإمام علیه السلام بقوة معاوية أدى بهم إلى ان يتجرأ عليهم عدوهم ويغزوهم في ديارهم، وهذا بدوره يعبرعن مدى الضعف والتهاون بين صفوف أصحاب الإمام علیه السلام.

وفي الأمر عينه جاء قول أميرالمؤمنين علیه السلام:

(هذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار وقد قتل حسان بن حسان

ص: 290


1- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 170
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 65
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 36
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2 / 64
5- التستري، بهج الصباغة، 10 / 503

البكري(1)، وأزال خيلكم عن مسالحها)(2)، وسمّى الإمام علیه السلام لهم غارة عدوهم وذكر لهم شخصاً معيّنًا وهو سفيان بن عوف، ليكون تنبيهًا لهم وليكونوا على بيّنةٍ من صدق الإمام علیه السلام وظهور العدو وإقباله عليهم، وذكرهم بما فعلت خيله بديارهم وقتلهم عامل أمير المؤمنين حسان بن حسان، وإزالة خيلهم عن مسالحهم(3)، وهم مع ذلك لا يتحركون لدرء الخطر عن أرضهم على الرغم من تسمية الإمام علیه السلام لهم باسم عدوهم وما فعل بأرضهم.

وتطرق إلى مدى الظلم والعدوان الذي لحق بتلك الحدود والمسالح بقوله علیه السلام:

(ولقد بلغني ان الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة، فينزع حجلها، وقلْبها، وقلائدها ورعاثها، ما تمتنع منه إلا بالإسترجاع والإسترحام)(4)، إذ أخبرهم أمير المؤمنين علیه السلام عن عظم الإنتهاكات التي حصلت على النساء المسلمات والذميات اللاتي دخلن في ذمة الإسلام وما فعل بهن العدو من سلب ونهب حليهن من الخلاخيل والمراد بالقُلب يعني السوار(5)، والرعاث

ص: 291


1- حسان بن حسان، وقيل أشرس بن حسان البكري، وهو عامل أمير المؤمنين علیه السلام على مدينة الأنبار والذي قتله سفيان بن عوف الغامدي صاحب معاوية في غارته على الأنبار، وقتل معه ثلاثين شخصاً وانتهبوا ما كان في المدينة من اموال ورجعوا إلى معاوية، ينظر، الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 134
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 65
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 36
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 65
5- الجوهري، الصحاح، 1 / 205

أي القرط(1)، وما تمتنع منه المرأة إلا بالإسترجاع أي قول:

«إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»(2)، وتناشده الرحم(3).

وفي السياق ذاته جاء قول أمير المؤمنين علیه السلام:

(ثم انصرفوا وافرين ما نال رجلاً منهم كلم، ولا أريق لهم دم)(4)، والمراد بذلك انهم رجعوا إلى ديارهم وأخذوا ما أرادوا من دياركم، تامّي العدد ولم يصبهم أي جرح منكم(5).

من خلال ما تقدم نلاحظ ان كلام أمير المؤمنين علیه السلام فيه نوع من التوبيخ والذم لبعض أصحابه بسبب تقاعسهم هذا حتى مع انتهاك حرمهم ونهبهم أموالهم وترهيبهم الناس من قبل أصحاب معاوية، وعلى الرغم من ذلك كله لا يحركون ساكناً لمواجهة خصمهم.

4- غارة بسر بن ابي أرطأة تعد غارة بسر بن أبي أرطاة من أشد الغارات التي وجهها معاوية للإغارة على المدينة(6)، إذ وجهه معاوية في ثلاثة الآف رجل وقال له: (سر حتى تمر

ص: 292


1- ابن سلام، غريب الحديث، 1 / 111
2- سورة البقرة، آية، 156
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2 / 64؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 65
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 65
5- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2 / 64
6- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 99؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 139؛ المسعودي، مروج الذهب، 2 / 19

بالمدينة فاطرد أهلها، وأخف من مررت به وانهب مال كل من أصبت له مالا ممن لم يكن دخل في طاعتنا، وأوهم أهل المدينة إنك تريد انفسهم وأنه لا براءة لهم عندك ولا عذر، وسر حتى تدخل مكة ولا تعرض فيها لأحد، وأرهب الناس فيما بين مكة والمدينة، واجعلهم شرادات، ثم امض حتى تأتي صنعاء(1)، فإن لنا فيها شيعة، وقد جاءني كتابهم)(2).

ونلاحظ مما جاء في وصية معاوية لبسر بن أبي أرطأة أنه أوصاه بعدم التعرض لمدينة مكة، ويبدو ان للعصبية والحقد دورهما في ذلك فمكة هي موطن معاوية الأصلي وموطن أهله من بني أمية وكانوا من قبل من زعمائها وساداتها؟ ولهم فيها مكانة قبل الإسلام، أما المدينة فهي تضم الأنصار أعداء الأمويين الذين انتصر الإسلام بسيوفهم وقضى على الشرك الذي كان معقله مكة بنصرتهم لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

وأخذ بسر بتنفيذ وصايا معاوية في فعل كل ما أوصاه به في المناطق التي مر بها حتى وصل إلى المدينة ودخل وصعد المنبر وخطب بالناس وعاب عليهم فعلهم بسبب عدم بيعة معاوية وقال لهم: (ياأهل المدينة مثل السوء لكم، قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف، بما كانوا يصنعون، إلا إن الله قد أوقع بكم هذا المثل)(3).

ص: 293


1- صنعاء، وهو موضع باليمن، وسميت صنعاء لأنها مبنية من الحجارة الحصينة وبينها وبين عدن ثمانية وستون ميلاً، وهي قصبة اليمن وأحسن بلادها، تشبه دمشق لكثرة فواكهها وتدفق مياهها، ينظر، ابن الفقيه الهمذاني، البلدان، 91؛ ياقوت الحموي، معجم البلدان، 3 / 425
2- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 99؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 139؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 250
3- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 99؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 139؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 10 / 628

بعد ذلك بايع الناس لمعاوية، وأحرق بسر عددًا من الدور وأقام عدة أيام وخلف عليهم أبا هريرة(1)، ثم توجه إلى مكة وقتل في طريقه رجالًا وأخذ أموالاً ودخلها بدون قتال وطاف بالبيت وصلى ركعتين(2)، وبعد ذلك توجه إلى اليمن وكان عليها عبيد الله بن العباس(3)، عامل أمير المؤمنين علیه السلام وعند بلوغ الخبر إلى أمير المؤمنين علیه السلام بتوجه بسر بن أبي أرطأة إليها قام خطيباً فقال:

(أيها الناس أن أول نقصكم ذهاب أولي النهي والرأي منكم، الذين يحدثون فيصدقون ويقولون فيفعلون، وإني قد دعوتكم عوداً وبدءًا، وسراً وجهراً، وليلاً ونهاراً فما يزيدكم دعائي إلا فراراً، ما ينفعكم الموعظة ولا الدعاء إلى الهدى والحكمة، أما والله إني لعالم ما يصلحكم، ولكن في ذلك فسادي، أمهلوني قليلاً، فوالله لقد جاءكم من يحزنكم ويعذبكم ويعذبه الله بكم، إن من ذل الإسلام وهلاك الدين أن ابن أبي سفيان يدعو الأراذل الأشرار فيجيبون، وأدعوكم وأنتم لا تصلحون فتراعون! هذا بسر قد صار إلى اليمن وقبلها مكة والمدينة)(4).

ص: 294


1- الثقفي، الغارات، 606؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 100
2- الثقفي، الغارات، 606؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 100، الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 139
3- عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي، يكنى أبا محمد، رأى النبي صلی الله علیه و آله وسلم وسمع منه، وحفظ عنه، وكان أصغر سناً من أخيه عبد الله بن عباس، كان عامل أمير المؤمنين علیه السلام على اليمن، وأمره على الموسم، واختلف هو ويزيد بن شجرة الرهاوي الذي بعثه معاوية للحج فاصطلحا على ان يقيم الموسم شيبة بن عثمان، وكان عبيد الله أحد الأجواد، ومات سنة (58 ه)، ينظر، ابن عبد البر، الاستيعاب، 460
4- الثقفي، الغارات، 624؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 100؛ المفيد، الإرشاد، 1 / 272

نستشف من النص المتقدم ان الإمام علیه السلام قد لام أصحابه، وأن دعوته إليهم وتذكيرهم لم تزدهم إلا بعداً عنه، وأنه على معرفة بما يدور في داخلهم من طمع الدنيا وقارن بينهم وبين أصحاب معاوية الأراذل، وأصحاب الباطل فهم يستجيبون لدعوته، بينما نجد أصحاب الإمام علیه السلام لا يستجيبون له حتى مع سير الأعداء إلى أرضهم.

وطلب جارية بن قدامة السعدي(1) من الإمام علیه السلام التوجه لمواجهة بسر بن أبي أرطأة ومعه وهب بن مسعود الخثعمي(2)، وخرجا في أربعة الآف رجل وتوجها إلى مكة، في الوقت الذي كان فيه بسر بن أبي أرطاة قد دخل اليمن وقتل ولدي عبيد الله بن عباس وهما عبد الرحمن وقثم(3)، فسار إليه اصحاب الإمام علیه السلام وقتلوا عدداً من أصحابه ولكن بسرًا هرب، وبعدها دخل جارية بن قدامة ومن معه إلى مكة والمدينة وأخذ البيعة للإمام الحسن علیه السلام لأن أمير

ص: 295


1- جارية بن قدامة التيمي السعدي، وقيل جارية بن قدامة بن مالك بن زهير، واختلف في اسمه، يكنى أبا أيوب، وقيل أبا زيد، يعد من البصريين، روى عنه أهل المدينة وأهل البصرة، وكان من أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام في حروبه، وهو الذي حاصر عبد الله بن الحضرمي في دار سنبل وأحرقه عليه، سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان يقول له قولا ينتفع به فقال له: (لا تغضب)، ينظر، ابن عبد البر الاستيعاب، 126
2- وهب بن مسعود الخثعمي، وهو من خثعم الكوفة، وكان شجاعاً في الجاهلية، لم يبارز رجلًا قط إلا قتله، وكان من اتباع الإمام علیه السلام وخيارهم، وكان من دعاء الإمام له بارك الله فيك، وندب من الكوفة في ألفي رجل للذب عنه وعن اوليائه، ينظر، البلاذري، جمل من انساب الأشراف، 3 / 211
3- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 101؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 140

المؤمنين علیه السلام قد استشهد في تلك السنة(1).

وقد أشار أمير المؤمنين علیه السلام إلى غارة بسر بن أبي أرطاة في احدى خطبه إذ ورد قوله:

(أنبئت بسراً قد اطلع اليمن، وإني والله لأظن أن هؤلاء القوم سيدالون منكم بإجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم)(2).

أراد أمير المؤمنين علیه السلام في خطبته هذه استنفارهم للجهاد وأخبرهم بما فعل بسر بن أبي أرطأة وخروج اليمن من أيديهم، وبعد ذلك خوفهم بما حكم ظن الإمام الصادق علیه السلام ان القوم سيدالون منهم(3)، وقد صدق أمير المؤمنين علیه السلام فقد تسلط عليهم معاوية من بعده على العراق وأذل أهله بالسيف، وأذاقهم الله وبال أمرهم(4)، وان الدولة ستكون لهم بسبب اجتماعهم على صاحبهم وتفرقهم عن الإمام وأنه يشير علیه السلام أنه متى وجد هذا السبب وجدت القوة والعزة، ومتى ذهب ذهبت القوة والعزة(5).

نستدل من ذلك على ان اصحاب الإمام علیه السلام متفرقون عنه وهو على حق، أما أصحاب معاوية فهم مجتمعون عليه على باطلهم، وروي انه لما قتل عثمان جاء رجل إلى معاوية يخبره بشأن مقتله، وأخبره أيضاً بأنه يستطيع الإنتصار على أمير المؤمنين علیه السلام لأن: (من معك لا يقولون إذا قلت، ولا يسألون إذا أمرت،

ص: 296


1- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 102؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 141
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 62
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 20
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 20
5- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 62

وأصحابه يقولون إذا قال ويسألون إذا أمر، وأعلم أن عليّاً علیه السلام لا يرضيه إلا الرضا، وأنه لا يرضى بالعراق دون الشام، ورضاؤك بالشام دون العراق)(1).

وفي السياق ذاته عبّر أمير المؤمنين علیه السلام عن ذلك بقوله:

(وبمعصيتكم إمامكم في الحق وطاعتهم إمامهم في الباطل)(2)، إذ صرح ابن أبي الحديد أن سبب عصيان أهل العراق وطاعة أهل الشام بقوله: ان أهل العراق ذوي فطنة ونظر وعليه يكون التنقيب والبحث والطعن وإظهار عيوب الأمراء، وأهل الشام ذوي بلادة وتقليد وجمود على رأس واحد لا يسألون عن شيء(3).

ان رأي ابن أبي الحديد فيه نوع من التشويه قدر تعلق الأمر بالأمراء، فأي عيوب عند أمير المؤمنين علیه السلام، ومما لا شك فيه أن العيوب في الناس وليس في من نزهه الله سبحانه وتعالى بكتابه العزيز وطهره من الرجس، فهو علیه السلام مع الحق أينما مال كما قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:

(علي مع الحق والحق مع علي)(4)، أما بخصوص مقارنة أهل الشام بأهل العراق فإن هذا الأمر لا يخلو من الصواب، وهذا ما يستدل به من خلال الكثير من الأحداث التاريخية الأخرى التي شهدتها كل من الشام والعراق.

وفي موضع آخر من نهج البلاغة تحدث أمير المؤمنين علیه السلام عن مسألة الأمانة وأدائها إذ قال في هذا الشأن:

ص: 297


1- المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، 78؛ الدينوري، الأخبار الطوال، 155
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 62
3- شرح نهج البلاغة، 1 / 312
4- الإسكافي، المعيار والموازنة، 36؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، 7 / 235

(وبأدائهم الأمانة إلى صاحبهم وخيانتكم، وبصلاحهم في بلادهم وخيانتكم)(1)، وذهب البحراني إلى أن مراد الإمام علیه السلام من ذلك انهم أي اهل الشام ملتزمون بالعهد والوفاء لمعاوية، وأنتم عكس ذلك وما تحملون من صفات الغدر والخيانة في العهد، وذلك بترككم مؤازرة الإمام في القتال وعصيانكم لأمره حتى صارت الكوفة مثلاً لأهل الغدر(2)، نلاحظ ان بعض الشراح يحملون أهل الكوفة أكثر مما يطيقون ويلقون باللوم عليهم وحدهم، أوليست الأمة كلها نقضت عهودها مع الإمام علیه السلام فلماذا يسلط الضوء على أهل الكوفة والعراق؟ ألم تتخاذل المدينة ومصر والشام واليمن وفارس وغيرها؟ نعم الكوفة مركز حكم الإمام علیه السلام وهي جزء من العراق ولكن يبدو لنا ان توبيخ الإمام وذمه كان عاماً لكل من لم يقف مع الحق بغض النظر عن منطقة سكناه او تواجده لا سيما المناطق التي تحت حكم أمير المؤمنين علیه السلام.

وذكر الطبري في اجتماع الحكمين أنه أرسل كل من أميرالمؤمنين علیه السلام ومعاوية رجالاً لكل منهم لغرض التحكيم، فإذا كتب معاوية إلى عمرو جاء الرسول وذهب لا يدري بما جاء به ولا يسأله أهل الشام عن شيء، وإذا جاء رسول أمير المؤمنين علیه السلام إلى ابن عباس الذي كان من ضمن الوفد المفاوض، جاءَ أصحابه وسألوه، ماذا كتب إليك، فإن كتم ظنوا به الظنون، فأجابهم ابن عباس: (أما ترون رسول معاوية يجيء لا يعلم بما جاء به ويرجع ولا يسمعون لهم صوت وأنتم تظنون بي الظنون)(3).

ص: 298


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 62
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 21؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1 / 178
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 67؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 205

نستشف من الغارات التي شنها أتباع معاوية على المناطق التي كانت تابعة لأمير المؤمنين علیه السلام في أطراف العراق الغربية واليمن والمدينة وغيرها، وأنه كان يهدف من خلالها إلى عدة أمور منها:

1- محاولة معاوية نشر الرعب والخوف في المناطق التي يشن عليها تلك الغارات وخلق حالة من الإضطراب بين الناس، لحمل الإمام علیه السلام على توليته الشام.

2- لم يتورع معاوية بتوصياته بقتل الناس ونهب أموالهم، وهذا ما تبين في تلك الغارات وحتى حجاج بيت الله الحرام لم يسلموا من تلك الغارات، وهذا مما ينعكس على زعزعة الأمن في تلك المناطق.

3- نتج عن تلك الغارات بعض المواقف السلبية المتخاذلة من قبل بعض أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام وتباطؤهم في الخروج للعدو الذي اعتدى على أراضيهم وأموالهم على الرغم من تحذيرهم من ذلك من قبله علیه السلام.

ص: 299

ص: 300

الفصل الثالث

اشارة

المبحث الأول: الإدارة الأموية في نهج البلاغة في عهد عثمان

المبحث الثاني: موقف الإمام علي علیه السلام من الإدارة الأموية في نهج البلاغة

ص: 301

ص: 302

المبحث الأول لإدارة الأموية في نهج البلاغة في عهد عثمان

حمل الرسول الأعظم محمد صلی الله علیه و آله وسلم مهمة تبليغ ونشر الدين الإسلامي لإنقاذ البشرية جمعاء من الظلم والطغيان وإزالة الفوارق الطبقية بين الناس، وأخذ يمهد ويعمل على إرساء الأسس الصحيحة التي يسير عليها الناس من بعده من جميع الجوانب ومنها الادارية والمالية، ولكن بعد وفاته صلی الله علیه و آله وسلم، أُنشأ نظام الخلافة من أجل حكم الدولة الاسلامية واختير أبو بكر خليفة للمسلمين(1)، واستمرت خلافة أبي بكر لسنتين وثلاثة أشهر تقريبا (11 - 13 ه)(2)، ثم أوصى أن يكون من بعده عمر بن الخطاب(3)، .............................

ص: 303


1- للتفاصيل ينظر، ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 26 - 27؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 7؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 222
2- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 35؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 25؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 430
3- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 37؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 428

الذي بقي في الخلافة مدة عشر سنوات(1)، وتعرض لمحاولة اغتيال من قبل احد الموالي انتهت بوفاته(2)، وقبل وفاته اختار ستة من الصحابة من قريش وهم الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام وعثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، لإختيار أحدهم خليفة من بعده في نظام أطلق عليه بالشورى في التاريخ الإسلامي، وتمخضت الشورى عن اختيار عثمان بن عفان ليكون خليفة للمسلمين بعد عمر بن الخطاب(3)، وبدأ عهد جديد في حياة المسلمين، ألا وهو عهد بني أمية وممثلهم عثمان بن عفان، الذي لم يستطع كبح جماح بني أمية، الذين استأثروا بإدارة البلاد والاموال على حساب الجميع، وأخذ بنو أمية ينظرون الى أمر الخلافة بأنه ملك يتوارثونه فيما بينهم، وقد توضح ذلك جلياً بقول أبي سفيان عندما تسلم عثمان الخلافة: (أعندكم أحد من غيركم، قالوا: لا، قال: يا بني امية تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان، ما من عذاب ولا حساب، ولا جنة ولا نار، ولا بعث ولاقيامة فانتهره عثمان، وساءه بما قال، وأمر باخراجه)(4)، ومن خلال الرواية فهم بنو أمية ان الأمر أصبح ملكاً خاصا لهم يتصرفون به كيفما شاءوا.

وفي الخطب والرسائل التي وردت عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام في نهج البلاغة الكثير من الاشارات التي أشار فيها إلى ادارة بني أمية للدولة

ص: 304


1- ابن شبة النميري، تاريخ المدينة، 3 / 944؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 52
2- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 52، المسعودي، مروج الذهب، 1 / 612
3- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 44؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 328
4- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 10 / 58؛ الجوهري، السقيفة وفدك، 87، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 42؛ وردت الرواية عند المسعودي بلفظ آخر، ينظر، مروج الذهب، 1 / 633

الإسلامية وهي كما يأتي:

1- الانفراد بإدارة الدولة الإسلامية:

وردَ في المصادر التاريخية المختلفة الكثير من المعلومات التي تؤكد على قيام الأمويين بالسيطرة المفردة على إدارة البلاد، وان عثمان لم يتهاون في إعطاء المناصب القيادية المهمة في ادارة الاقاليم والأمصار الى اقاربه وذويه من بني أمية، حتى الشخص الذي لم يكن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم راضيا عنه أو أهدر دمه من المنافقين، وكان هؤلاء أكثرهم من الطلقاء، إذ عيّن عثمان أخاه لأمه عبد الله بن أبي سرح المنافق واليا على مصر بدلا من عمرو بن العاص(1).

ومن الجدير بالذكر أن عبد الله المذكور نزل فيه قوله تعالى:

«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ»(2)، إذ بیَّن عدد من المفسرون ان سبب النزول هو قيام عبد الله بن سعد بتحريف القرآن الكريم(3)، فقام الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بطرده وأهدر دمه ولو تعلق بأستار الكعبة(4) فضلا عن قيام عثمان بتقريب

ص: 305


1- ابن شبة النميري، تاريخ المدينة، 4 / 1157؛ الدينوري، الاخبار الطوال، 139؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 58
2- سورة الأنعام، آية، 93
3- الطبري، جامع البيان، 7 / 754؛ الطوسي، التبيان، 4 / 202؛ السمعاني، تفسير السمعاني، 2 / 126؛ السيوطي، الدر المنثور، 3 / 30
4- الأزدي، الإيضاح، 111؛ الحميري القمي، قرب الاسناد، 130؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3 / 46

شخص آخر من بني أمية هو عبد الله بن عامر بن كريز(1)، إذ ولاه على البصرة بدلا من أبي موسى الأشعري(2)، وكذلك عزل سعد بن أبي وقاص عن ولاية الكوفة، وولى بدله الوليد بن عقبة بن أبي معيط(3)، الذي ظهر منه شرب الخمر والفساد وفيه نزل قوله تعالى:

«أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ»(4)، كما بينه بعض المفسرين(5)، وجمع الشام كلها لمعاوية بن أبي سفيان(6)، وكان عمر قد أوصى بأن يقر عماله من ولِی الأمر بعده(7)، وهؤلاء الذين لم تكن سيرتهم حسنة عند المسلمين، وأثاروا الكثير من المشاكل للخليفة، وألبوا الناس عليه لأنهم كانوا واجهة الخلافة أمام المسلمين في الولايات الاسلامية، لذلك نصحه الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام ان يغير سياسته، ولا يجعل هؤلاء سبباً في الثورة عليه،

ص: 306


1- عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، وهو ابن خال عثمان بن عفان ولد في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وولاه عثمان على البصرة سنة (29 ه)، شارك في فتح خراسان وكرمان، وهو الذي شق نهر البصرة، ولم يزل واليا على البصرة حتى مقتل عثمان، ينظر، ابن عبد البر، الاستيعاب، 427
2- خليفة بن خياط، تاريخ خليفة، 153؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 60؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 264
3- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 59؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 251
4- سورة السجدة، آية، 18
5- ينظر، الثمالي، تفسير القرآن الكريم، 262؛ الثعلبي، تفسير الثعلبي، 7 / 33
6- خليفة ابن خياط، تاريخ خليفة، 112؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 32 / 10؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 13
7- البلاذري، جمل من أنساب الاشراف، 6 / 38

وإستباحة دمه(1).

لذلك أخذ عثمان بالبحث عن الاعذار لتولية هؤلاء بقوله للإمام بأن عمر بن الخطاب هو الذي ولى معاوية، كذلك ابن عامر ومروان والوليد هم أقاربك، وليسوا أقاربي فقط، فردَّ عليه الإمام علي علیه السلام: (إن عمر بن الخطاب كان كل من ولى، فإنما يطأ على صماخه، إن بلغه عن حرف جلبه، ثم بلغ به اقصى الغاية، وأنت لا تفعل ضعفت ورفقت على اقربائك، وقال له الإمام علیه السلام أيضاً:

هل تعلم ان معاوية كان أخوف من عمر من يرفأ غلام عمر منه، قال: نعم، قال علي علیه السلام: فإن معاوية يقتطع الامور دونك، وأنت تعلمها فيقول للناس: هذا أمر عثمان فيبلغك ولا تغير على معاوية)(2)، ويمكن القول ان هناك جملة من الأمور أراد الإمام علیه السلام أن يوصلها لعثمان أهمها:

1- التذكير بالخرق الذي أحدثه عثمان، فهو يتعدى من كونه سيجلب عليه المآخذ إلى أن يعرفه إلى حساب الله وعقوبته، وهو في ذلك كله يحاول أن يذكر جانب الوازع الديني والعقيدة الدينية عند عثمان لتكون رادعاً له.

2- اعطى الإمام علیه السلام تصريحاً واضحاً لعثمان في أن عدم التزامه سيؤدي به إلى القتل، وسيكون مصداقًا لكلام الرسول صلی الله علیه و آله وسلم في أنه يقيم على الأمة التقاتل فيما بينها، وهو أمر مدعاة إلى تفرقتها وتشتتها.

3- التذكير بمآخذ عمال عثمان ومدى إنجرارهم وراء أهوائهم.

وبعد تسلم عثمان الخلافة بمدة وجيزة بدأت تظهر مساوئ ولاته وعماله على

ص: 307


1- الشرهاني، حسين علي، التغير في السياسة المالية، 26
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 337؛ المفيد، الجمل، 100؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 44

الناس، فتذمر منها الكثير بسبب سوء ادارة هؤلاء الولاة والعمال، وهذا ناتج من سوء إدارته بالطبع، وهذا ما حذره منه عمر بن الخطاب قبل وفاته عندما رشحه مع أصحاب الشورى الستة، اذ قال له: (كأني بك قد قلدتْكَ قريش هذا الأمر لحبها إياك، فحملت بني أمية وبني أبي معيط على رقاب الناس، وآثرتهم بالفيئ، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب، فذبحوك على فراشك ذبحا.

والله لئن فعلوا لتفعلنّ، ولئن فعلت ليفعلنّ، ثم أخذ بناصيته، فقال: فإذا كان ذلك فاذكر قولي فإنه كائن)(1)، فأوجدت هذه المساوئ حاجزا نفسيا عند المسلمين، الذين كانوا يسكنون في هذه الامصار مع هؤلاء الولاة، وعزز هذا الأمر سوء تصرف هؤلاء معهم(2).

ومن جانب آخر أخذ أهل الكوفة بالشكوى من سياسة وأفعال الوليد بن عقبة بن أبي معيط الذي كان سيئ الصيت بينهم، والذي كان يصلي بالناس سكران، فعزله عثمان عن ولاية الكوفة بعد ان ثبتت أفعاله(3)، وولى مكانه واليًا أمويًا أخر هو سعيد بن العاص الذي كان يقول: (ان السواد بستان لقريش تأخذ منه ما شاءت)، فمنعوه من دخول الكوفة، وتكلموا فيه وفي عثمان، ورد عليه مالك الأشتر قائلا: (أتزعم ان السواد الذي أفاءه الله علينا بأسيافنا، بستان لك ولقومك، والله ما يزيد أوفاكم فيه نصيبا، إلا أن يكون كأحدنا)(4)، وكذلك تظلم أهل مصر من عبدالله بن أبي سرح وصرفه عنهم محمد بن ابي بكر، وكاتبه عثمان أن يستمر في ولايته، ويقال أنه كاتبه بقتل محمد

ص: 308


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 183
2- الشرهاني، التغير في السياسة المالية، 30
3- البلاذري، جمل من أنساب الاشراف، 6 / 149؛ المسعودي، مروج الذهب، 1 / 625
4- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 323

بن أبي بكر وغيره ممن يرد عليه(1) وقد أنكر أمير المؤمنين علیه السلام وطلحة والزبير على عثمان بقولهم: (ألم يوصِك عمر ألا تحمل آل أبي معيط على رقاب الناس، فلم يجبهم بشيء)(2).

وهذه الافعال من قبل عثمان وولاته في إدارة البلاد، أدت بالناس إلى الثورة عليه من قبل سكان الولايات، وقد قال السيد قطب: (وهذا التصور لحقيقة الحكم تغير شيئا من دون شك على عهد عثمان، وان بقي في سياج الاسلام، لقد أدركت الخلافة عثمان وهو شيخ كبير، ومن ورائه مروان بن الحكم يصرف الأمر بكثير من الإنحراف عن الإسلام، كما أن طبيعة عثمان الرخية، وحدبه الشديد على أهله، قد ساهم كلاهما في صدور تصرفات أنكرها الكثيرون من الصحابة حوله، وكانت لها معاقبات كثيرة، وآثار في الفتنة التي عانى منها الإسلام كثيرا)(3).

وصرح أمير المؤمنين علیه السلام في نهج البلاغة عن إستئثار عثمان في إدارة البلاد، مما أدى ذلك الى مقتله بسبب ذلك الأمر، إذ جاء قوله:

(وأنا جامع لكم أمره، استأثر فأساء الأثَرة وَجَزِعْتم فأسأْتم الجزَع)(4)، إذ بين ابن أبي الحديد في شرحه،ان مراد الإمام علیه السلام من ذلك مخاطبًا الذين ثاروا على عثمان وقتلوه بأنه فعل أمورًا لا يجوز فعلها ألا وهي قيامه بالإستئثار بالأمور والإستبداد بها دون غيره فأساء في ذلك للمسلمين، أما أنتم فقمتم بقتله جزاءً بما

ص: 309


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 12
2- البلاذري، جمل من انساب الاشراف، 6 / 138
3- العدالة الإجتماعية في الإسلام، 159
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 71

فعل لجزعكم منه وكان الأجدر بكم أن لا تجعلوا عقابه القتل على ما فعل، وإنما الحبس أو الخلع، وبذلك قد خالفتم وتجاوزتم حد القصاص الذي شرع حقناً للدماء، ومن ثم قد فتحتم بابًا للإقتتال بين المسلمين بسبب قتلكم لعثمان(1)، ولكننا نجد أن عثمان رفض أن يخلع نفسه خاصة بعد أن طلب منه الثوار ذلك، بسبب إرساله غُلامه على جمله وكتابه الى عامله على مصر، يأمره بقتل محمد ابن أبي بكر ومن معه، وكان الثوار قد بعثوا الى عثمان يشكون إليه ظلم عامله، وقتله الناس بغير حق، فأنكر عثمان ذلك الأمر، فقالوا له: (إن كنت كاذباً فقد استحققت الخلع لعملك هذا، وإن كنت صادقا استحققت الخلع لعجزك عن أمر الخلافة، حيث يكتب غيرك على لسانك، وأنت لا تعلم، فاخلع نفسك، فأبى عليهم ذلك حتى قتلوه)(2).

وجاء في رواية الطبري: ان عثمان خص أقاربه بإدارة البلاد في ولايته، حتى عزل عمرو بن العاص عن ولاية مصر، وحرض الناس عليه، ولما سمع بخبر قتله قال: (أنا ابو عبد الله إذا حككت قرحة نكأتها، إذ كنت أحرض عليه حتى لأحرض عليه الراعي في غنمه في رأس الجبل)(3)، فضلا عن ذلك ماذكر من تولية أقاربه على الولايات والامصار. والتي أدت بالنهاية الى مقتله بسبب سياستهم الخاطئة التي انتهجوها مع المسلمين، الأمر الذي دفع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام إلى تغيير عمال عثمان حال تسلمه الخلافة.

أما معاوية فحال إستلامه لأمر الخلافة، قد استعمل ولاة ممن يتصفون

ص: 310


1- شرح نهج البلاغة، 2 / 104
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 356
3- تاريخ الرسل والملوك، 4 / 357؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 140

بالدهاء والمكر والحيلة أمثال عمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وزياد بن أبيه، الذي كان له دور كبير في بسط السيطرة على الكوفة والبصرة، فقد أخذ الناس بالشبهة، وعاقب بالظنة وبسط الأمر لمعاوية(1)، وكان زياد قبل ذلك من الشخصيات البارزة التي ولاها عبد الله بن عباس بتوجيه من أمير المؤمنين علي علیه السلام على ولاية فارس وكرمان والبصرة، والذي استطاع السيطرة على تلك المناطق التي كانت تحت إدارته، حتى ضبطها ضبطاً صالحاً، وجبى الخراج وحماها، وقد حاول معاوية إستمالته إلى جانبه بسبب ما عرف عنه من حسن الإدارة وبسط السيطرة على المناطق التي كانت تحت سيطرته، وحذر أمير المؤمنين في أحد كتبه التي بعثها إلى زياد بن أبيه من محاولة معاوية استمالته إلى جانبه، والذي أشرنا إليه فيما سبق(2).

وبعد استشهاد أمير المؤمنين علي علیه السلام خاف معاوية جانب زياد بن أبيه الذي بقي في عمله، ومن الممكن أن يميل إلى جانب الإمام الحسن علیه السلام والتحاقه به، لذلك كتب إليه يستدعيه مستخدماً خدعة استلحاقه بنسبه(3)، وكان زياد ابن أبيه يحب الشرف والذكر وصعود المنابر(4)، وتبين أن للمغيرة بن شعبة دور كبير في هذا الاستلحاق حيث أخذ يمنيّ زياد بن أبيه بذلك حتى تم الأمر لمعاوية واستلحقه بنسبه بعد شهادة الشهود بذلك(5)، ومما لاشك فيه أن

ص: 311


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 222؛ ابن أعثم الكوفي، الفتوح، 4 / 301؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 307
2- ينظر، الفصل الثاني، ص، 147
3- الثقفي، الغارات، 927؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 140
4- الثقفي، الغارات، 929؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 142
5- ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، 7 / 144؛ المسعودي، مروج الذهب، 2 / 6؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 142

معاوية بعمله هذا قد خالف قول الرسول صلی الله علیه و آله وسلم:

(الولد للفراش وللعاهر الحجر)(1)، وقد أدلى أحد الباحثين برأيه في مسألة استلحاق زياد بن أبيه من قبل معاوية بأن هذا الاستلحاق كان لأغراض سياسية، وقد جوبه بالرفض من قبل العديد من الشخصيات(2).

فكان زياد بن أبيه من أدوات معاوية التي حاول بها فرض سيطرته وهيمنته على العراق، إذ كان يتمتع بصفات البطش والقسوة، وتمكن أن يضبط له العراق ويقضي على جميع من يعارض حكم معاوية، فهذا حجر بن عدي الكندي الذي كان من أشد المعارضين لحكومة معاوية، تم التخلص منه من خلال دهاء زياد، إذ سيره إلى معاوية(3)، وكذلك قام زياد بقتل العديد من المعارضين أمثال رشيد الهجري(4)، الذي كان من خواص الإمام علیه السلام، حيث عرض عليه البراءة منه، لكنه رفض ذلك فقتله وقطع رجليه ويديه ولسانه وصلبه(5).

ص: 312


1- ابن حنبل، 2 / 280؛ البخاري، صحيح البخاري، 3 / 5؛ مسلم، صحيح مسلم، 4 / 171
2- للمزيد من المعلومات، ينظر، العيساوي، علاء كامل، النظم الإدارية والمالية في عهد الإمام علي علیه السلام، 85
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 263
4- رشيد الهجري، ويسمى رشيد الفارسي، وهو من موالي معاوية بن مالك، وقيل هو مولى جابر ابن عتيك الأنصاري وهو من موالي بني هاشم، شهد أحد مع الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، فضرب رجلا من المشركين فقال: خذها وانا الغلام الفارسي، فقال له: هلا قلت خذها وانا الغلام الأنصاري، ينظر، ابن سعد الطبقات الكبرى، 6 / 283؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 236؛ المزي، تهذيب الكمال، 34 / 95
5- الثقفي، الغارات، 799؛ المفيد، الإرشاد، 1 / 325؛ الطبرسي، أعلام الورى، 1 / 343

وذكر المسعودي أن معاوية أضاف إلى زياد ولاية المدينة فيما بعد بسبب قيامه بضبط العراق له، فعلم أهل المدينة بذلك الخبر مما ولد عندهم حالة من الرعب والهلع، فاجتمع الصغير والكبير بمسجد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وضجوا إلى الله ولاذوا بقبر النبي صلی الله علیه و آله وسلم ثلاثة أيام، لعلمهم بما هو عليه من الظلم والعسف(1).

وقد عبر أحد الباحثين عن سبب قيام معاوية بتولية زياد بن أبيه بقوله:

(ان زياد خلال مدة وجوده مع علي بن أبي طالب علیه السلام تعرف على المخلص منهم والمنافق، وكان معاوية بحاجة إلى رجل يعرف أصحاب علي علیه السلام معرفة دقيقة، حتى يتمكن منهم معاوية ويبيدهم عن بكرة أبيهم ويقضي على أي ناصر لعلي علیه السلام في الأرض،... لذلك كاتبه وتودد إليه ووعده بولاية العراق)(2).

ولم يكن هذا هو السبب الوحيد فأصحاب الإمام علیه السلام الخلص معروفون لمعاوية ولا حاجة له بزياد لمعرفتهم، وإنما ولاه لكفاءته وحسن ادارته ودهائه، فضلا عما عرف عنه من شجاعته، وخير دليل على ذلك توليته من قبل أمير المؤمنين علیه السلام.

2- الاستئثار بأموال المسلمين:

من الأمور التي أكد عليها الدين الإسلامي مبدأ العدل والمساواة بين جميع المسلمين، إذ لافرق بينهم، وإن الكل متساوون في الحقوق والواجبات، وان الفرق بينهم يكمن في عامل التقوى، والإيمان بالله تعالى، وقد نهى الله تعالى في الكثير من آيات القرآن الكريم عن أكل المال الحرام واغتصاب حقوق الآخرين

ص: 313


1- مروج الذهب، 2 / 24
2- يعقوب، أحمد حسين، كربلاء الثورة والمأساة، 80

إذ قال الله تعالى:

«وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(1)، وجاء الرسول الكريم صلی الله علیه و آله وسلم ليضع قواعد العدالة الإجتماعية للناس ليسيروا عليها، ولكن بعد وفاته إنحرفت الأمة عن المسار الصحيح الذي رسمه لهم، وخاصة في الجانب المالي فقد تصرف فيه المنحرفون على أساس المصلحة المادية لإشباع رغباتهم، ورغبات من يواليهم، وحرم اُناس آخرين من حقوقهم، فقد سار عمر بن الخطاب بتوزيع العطاء بين الناس على أساس القرابة من النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وعلى أساس القدم في الإسلام، وغيرها من الأمور التي اتخذها كأساس لتوزيع العطاء بين المسلمين(2)، وهذه السياسة التي قام بها عمر بن الخطاب قد خلقت فوارق طبقية بين المسلمين، مما أدى ذلك الى وجود طبقتين، طبقة مترفة ومنعمة بالأموال والإمتيازات، وطبقة أخرى محرومة لا ترقى الى الطبقة الاولى من حيث تلك الإمتيازات.

وعند وصول الثالث عثمان بن عفان الى الخلافة، بدأت مرحلة جديدة في حياة المسلمين، ألا وهي بداية السيطرة على مقدرات الدولة من قبل بني أمية إذ أصبح بيت مال المسلمين كأنه ملك لهم، يهبون منه لمن ارادوا من اقربائهم وبعض الصحابة المقربين منهم، وعلى هذا الأساس تنامت تلك الطبقة التي وجدت في عهد عمر بن الخطاب، والتي أوجدها بسبب تفضيله العطاء على أسس وضعها هو في توزيع الأموال على المسلمين، مما خلق تفاوتاً كبيراً بين المسلمين ونشوء طبقات فقيرة بينهم، وكان عثمان بن عفان يمتلك الكثير من

ص: 314


1- سورة البقرة، آية، 188
2- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 44؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 614

الاموال والعقارات، ويلبس الملابس الثمينة(1)، وخلّف يوم قتل عند خازنه ثلاثين ألف ألف درهم وخمسمائة درهم، وخمسين ومائة ألف دينار فانتهبت وذهبت، وترك ألف بعير وصدقات في وادي القرى وخيبر ما قيمته مائتي ألف دينار(2)، ومن الشواهد على بذل عثمان الأموال لأقاربه وبعض الصحابة ما ذكره المسعودي، ان الزبير بن العوام بلغت ثروته أيام عثمان خمسين ألف دينار، وألف فرس، وألف عبد وأمَة(3) أما عبد الرحمن بن عوف، فقد كان في مربطه مائة فرس، وألف شاة من الغنم، وبلغ بعد وفاته ربع ماله أربع وثمانين ألفاً(4).

من جانب آخر رد عثمان بن عفان الحكم بن العاص الذي طرده الرسول صلی الله علیه و آله وسلم معززا مكرما وأعطاه مائة الف درهم من بيت مال المسلمين(5)، بعد ان رفض أبو بكر وعمر بن الخطاب طلب عثمان برده الى المدينة(6) وفي رواية أخرى تصور لنا الحال التي كان عليها الحكم بن العاص عند قدومه الى المدينة بعدما استدعاه عثمان، (إذ كان عليه ملابس رثة وهو يسوق تيساُ، حتى دخل دار عثمان، والناس ينظرون الى سوء حاله، فخرج وعليه جبة خز وطيلسان)(7)، وهو بذلك قد خالف أمر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم برده الحكم بن العاص الى المدينة،

ص: 315


1- البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 6 / 133؛ المسعودي، مروج الذهب، 1 / 624
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3 / 72
3- مروج الذهب، 1 / 625
4- المصدر نفسه، 1 / 624
5- ابن قتيبة، المعارف، 194؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، 3 / 366
6- ابن قتيبة، المعارف، 194؛ ابن الأثير، أسد الغابة؛ 2 / 49؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 3 / 24
7- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 58

وإعطائه هذا المبلغ الذي هو ليس من حقه.

وأشار أمير المؤمنين علیه السلام إلى قيام عثمان بالتصرف في بيت مال المسلمين هو وأقاربه من بني أمية في خطبة له أوردها بهذا الشأن، بقوله:

(إلى أن قام ثالث القوم نافِجا حِضْنيهِ، بين نِثيلهِ وَمُعتلفِه، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خَضمة الإبل نبتة الربيع)(1)، إذ نابن أبي الحديد في شرحه ان الإمام علیه السلام شبه ذلك لمن امتلأت بطنه طعاماً(2)، بينما يرى البحراني في شرحه ان المقصود بثالث القوم هو عثمان، ونافجاً حضنيه، كناية عن استعداده للتوسع في بيت مال المسلمين(3)، والنثيل، معناه الروث، والمعتلف، موضع العلف، ومراده علیه السلام أن همه الأكل الرجيع(4) وهنا إشارة الى بني أمية(5) ومعنى الخضم(6) الأكل بكل الفم، وضده القضم(7) ومعناه الأكل بأطراف الأسنان، أو المراد به أكل الشيء الرطب، والقضم أكل الشيء اليابس، أي أن بني أمية على قدم عظيمة من النهم وشدة الأكل، وامتلاء الأفواه، وقد علق البحراني أيضاً على ذلك بقوله: (ووجه التشبيه ان الإبل لما كانت تستلذ بنبتة الربيع بشهوة صادقة، وطول مدة الشتاء، مع ذلك طيبه ونظارته، كان ما أكله أقارب عثمان من بيت مال المسلمين مشبها لذلك من جهة كثرته وطيبه

ص: 316


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 37
2- شرح نهج البلاغة، 1 / 191
3- شرح نهج البلاغة، 1 / 323
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 191
5- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1 / 234
6- الخضم، ومعناه، الأكل بأقصى الاضراس، ينظر، الفراهيدي، العين، 4 / 179
7- القضم، ومعناه، الأكل بمقدمة الأسنان، ينظر، ابن منظور، لسان العرب، 12 / 183

لهم، عقيب ضرهم وفقرهم، وكل ذلك من باب الذم والتوبيخ لهم)(1)، وهنا الكلام يدلل على حقيقة الإستئثار والنهم الذي أصاب بني أمية بعد تولي عثمان بن عفان الخلافة.

وفي السياق ذاته ورد عن أبي ذر رضوان الله تعالى عليه قوله في بني أمية:

(يخضمون ونقضم والموعد لله)(2)، أي ان بني أمية يستأثرون بالأموال أما بقية المسلمين لا سيما الصحابة الخلص منهم يعيشون على الكفاف.

وفي الحقيقة ان هبات عثمان وعطاياه لأهله وأقاربه مشهورة وكثيرة، إذ روي انه أعطى مروان بن الحكم مائة ألف دينار، ويروى خمس أفريقيا(3)، وكذلك أعطى عبد الله بن سعد بن أبي سرح جميع ما أفاء الله من فتح أفريقية بالمغرب من طرابلس الغرب(4)، الى طنجة(5)، من غير....................

ص: 317


1- شرح نهج البلاغة، 1 / 324
2- الراوندي، منهاج البراعة، 1 / 129؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 191؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1 / 234
3- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 50؛ البلاذري، جمل من انساب الاشراف، 6 / 133؛ اليعقوبي تاريخ اليعقوبي، 2 / 64
4- طرابلس الغرب، بفتح اوله، وهي مدينة تقع على ساحل البحر المتوسط، وعليها سور ضخم، وفیها أسواق ومسجد يعرف بمسجد الشعاب وفيها رباطات كثيرة يدرس فيها، وهي ذات خيرات كثيرة وغزاها عمرو بن العاص سنة (23 ه) واستولى عليها عنوة وملكها، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 4 / 25
5- طنجة، وهي مدينة تقع على ساحل البحر المتوسط مقابل الجزيرة الخضراء وهي تبعد ميلًا واحدًا عن البحر، وهي عامرة وأرضها خصبة وبينها وبين مدينة سبته مسيرة يوم واحد، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 4 / 43

ان يشركه به أحد من المسلمين(1) وأعطى أقاربه المال وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها(2) واتخذ الأموال واستلف من بيت المال، وروي أنه بعث الى الأرقم بن عبد الله(3) خازن بيت المال فقال له: (اسلفني مائة ألف درهم، فقال له الارقم: اكتب عليك صكاً للمسلمين، قال: وما أنت وذاك، لا أم لك، إنما أنت خازن لنا، فخرج الأرقم حال سماعه كلام عثمان الى الناس، وقال: أيها الناس عليكم بمالكم، فإني ظننت إني خازن لكم، ولم أعلم إني خازن عثمان بن عفان حتى اليوم)(4)، وأعطى أبا سفيان بن حرب مائة ألف من بيت المال(5)، وزوج ابنته من الحارث بن الحكم(6)، وأعطاه مائة ألف درهم من بيت مال المسلمين(7)، وأقطعه أيضا مهزور وهو موضع سوق المدينة الذي تصدق به

ص: 318


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 192
2- البلاذري، جمل من انساب الاشراف، 6 / 133
3- الأرقم بن عبد الله الكندي، من بني الأرقم، وهو تابعي من أهل الكوفة، وكان مع حجر بن عدي ممن قدموا إلى مرج عذراء، وشفع فيه وائل بن حجر إلى معاوية فأطلقه، ينظر، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 8 / 21
4- المفيد، الأمالي، 71؛ الشريف المرتضى، الشافي في الإمامة، 4 / 274
5- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 193
6- الحارث بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس الاموي، وهو اخو مروان، سمع أبا هريرة، وأدرك يوم الدار (يوم مقتل عثمان) وشهدها، وأعطاه عثمان مالاً كثيرا، وكان واليا على المدائن من قبل عثمان، فظلم أهلها فشكوه الى عثمان فعزله وعين مكانه حذيفة بن اليمان، ينظر، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 11 / 412
7- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 193

رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم على المسلمين(1)، و نتيجة لهذه الأعمال التي قام بها عثمان، قد حرم المسلمين من الصدقة التي خلفها لهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.

وكذلك أقطع مروان بن الحكم أرض فدك وهي أرض لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهبها لابنته فاطمة الزهراء علیه السلام(2)، واستقرض الوليد بن عقبة بن أبي معيط من بيت مال المسلمين في الكوفة مبلغا من المال ولم يرجعه، فألح عليه عبد الله بن مسعود خازن بيت المال، من أجل إرجاع هذا المبلغ، فامتنع وكتب الى عثمان بالأمر، فأرسل كتابًا الى عبد الله بن مسعود يقول فيه: (إنما انت خازن لنا فلا تعرض للوليد فيما أخذ من المال)، فترك عبد الله بن مسعود عمله وقال:

(كنت أظن إني خازن بيت مال المسلمين، فأما إذا كنت خازنا لكم فلا حاجة لي في ذلك)(3)، والشواهد كثيرة على هبات عثمان بن عفان الى بني أمية والى الصحابة المقربين منه(4).

ومن جانب آخر وفي الصدد ذاته جاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام أنه قال في إستئثار عثمان بن عفان وسوء تصرفه في الأموال: (إلى أن انتكث فتله، وأجهز عليه عمله، وكَبَتْ به بِطنته)(5)، وذهب البحراني في شرحه إلى ان امير المؤمنين علیه السلام أراد بذلك أنه لما كان يبرمه من الرأي ويستبد به من دون

ص: 319


1- ابن قتيبة، المعارف، 195؛ ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، 5 / 36
2- ابن قتيبة، المعارف، 195؛ ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، 5 / 36؛ وللمزيد من المعلومات، ينظر، الزيدي، سامي جودة، فدك حتى نهاية العصر العباسي، 176
3- البلاذري، جمل من أنساب الاشراف، 6 / 140
4- ينظر، البلاذري، جمل من أنساب الاشراف، 6 / 140؛ ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، 5 / 36 - 37
5- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 37

الصحابة أدى به ذلك العمل الى الانتقاض ورجوعه عليه بالهلاك والفساد(1)، وهذه الاعمال أدت به الى القتل بسبب الإسراف والتبذير في الشبع(2).

وعبر أمير المؤمنين علیه السلام في موضع آخر من نهج البلاغة في كتاب أرسله الى مالك الأشتر حين ولاه إمارة مصر عن الإشارة إلى تولي أمر هذه الأمة من قبل الفجار بقوله:

(ولكنني آسى أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفُجَّارُها، فيتخذوا مال الله دولا، وعباده خولا والصالحين حرباً)(3)، إذ بيّن الإمام مدى حزنه من تولي أمر هذه الأمة فجارها وسفهاؤها، وعنى بالسفهاء بني أمية وأشياعهم(4)، وروي أن الإمام علیه السلام أخذ يدعو أصحابه الى الجهاد، فحمد الله وأثنى عليه وقال:

(نحن سائرون الى من سفه وتناول ما ليس له، وما لا يدركه معاوية وجنده، الفئة الباغية الطاغية، يقودهم إبليس ويبرق لهم ببارق سيوفه، ويدليهم بغروره، وأنتم أعلم الناس بحلاله وحرامه، فاستغنوا بما علمتم، واحذروا ما حذركم الله من الشيطان، وارغبوا بما أتاكم من الأجر والكرامة)(5)، ولعل خطاب أمير المؤمنين علیه السلام المتقدم يحذر الناس من عودة الإستئثار الذي كان عليه الوضع القائم في الدولة الإسلامية إبان خلافة عثمان بن عفان من جهة، والحيلولة دون تكرار تلك المآسي بعد ان يتولى بنو أمية مقاليد الحكم والسلطة من جهة ثانية.

ص: 320


1- شرح نهج البلاغة، 1 / 324
2- ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 191
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 485
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 190
5- المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، 113؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 3 / 144

إذ ان سياستهم التي اعتمدوها في عهد عثمان بن عفان سوف تتكرر في حال استئثارهم بالسلطة وتوليتهم رقاب المسلمين.

وأما قوله علیه السلام فيتخذوا مال الله دولا، أي ان يتحكم بهم الأشرار، وعنى بالدول، جمع دولة، أي شيئًا يتداولونه بينهم ويتصرفون به بغير حق الله(1).

وقصد الإمام علیه السلام بقوله:

(وعباده خولاً والصالحين حرباً)، أي يتخذونهم عبيدًا ويحاربونهم(2)، وجاء في رواية اليعقوبي انه لما بلغ عثمان وفاة أبي ذر قال: (رحم الله أبا ذر، قال عمار: نعم رحم الله أبا ذر من كل أنفسنا، فغلظ ذلك على عثمان، وبلغ عثمان عن عمار كلام فأراد ان يسيره أيضاً، فاجتمعت بنو مخزوم الى علي بن أبي طالب علیه السلام وسألوه إعانتهم فقال علي علیه السلام: لا ندع عثمان ورأيه)(3).

أراد الإمام علیه السلام ان يحذر الناس من بني أمية ومن شرارهم الذين انتزوا على الأمة اموالهم، أخذوا يتداولونها بينهم بغير وجه حق، وكذلك تعاملهم مع الناس على أنهم عبيد لهم، وهذه الافعال التي أوجدها عثمان من التفرقة في العطاء، وتنامي الاموال في يد صغار بني أمية الذين لم يكن لهم أي دور في الاسلام، لا في تأسيسه ولا في الدفاع عنه، وإنما اعتدوا على حرمة الإسلام بأفعالهم هذه، وعلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الذي وضع قواعد العدالة الإجتماعية بين الناس، ونتيجة لهذه الأفعال والهبات التي منحها عثمان لأهل بيته، عاتبه بعض الصحابة وفي مقدمتهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام فأجاب عثمان: (ان أبا

ص: 321


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 485
2- الصالح، صبحي، نهج البلاغة، 452
3- تاريخ اليعقوبي، 2 / 70

بكر وعمر يحتسبان في منع قرابتهما، وأنا أحتسب في إعطاء قرابتي، فقاموا عنه غاضبين يقولون: فهديهما والله أحب إلينا من هديك)(1)، وكان عثمان قد جمع بعض الصحابة ومنهم عمار بن ياسر، واعترض عليهم وأخبرهم: (بأنه يتمنى لو ان بيده مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية حتى يدخلونها من عند آخرهم)(2)، وهذا يدلل على مدى تمسك عثمان بأقاربه وإيثاره إياهم على غيرهم، وكل ذلك على حساب الحق والعدالة التي أكد عليها الإسلام الحنيف ونبيه الكريم صلی الله علیه و آله وسلم.

وبسبب الإستمرار بسياسة التفريق بالعطاء بين المسلمين من قبل عثمان وعماله، تولدت موجة غضب عند الكثير من الصحابة والناس، وفي مقدمتهم أبوذر الغفاري، وهو من كبار الصحابة الذين نادوا بالإصلاح وتخفيف الفروق بين المسلمين، وكان أبو ذر يجلس في المسجد ويتحدث عن عثمان، ويقول ان عثمان قد بدل وغيّر سنة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وكان ينادي بشر الكانزين بعذاب أليمويتلو قوله تعالى:

«وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ»(3)، فأخبر مروان بن الحكم عثمان بذلك، فأرسل إليه نائلًا مولاه ينهاه عما ينادي به، فقال له أبا ذر: (أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله، وعَيْب من ترك أمر الله، فوالله لأن أرضي الله بسخط عثمان أحب إليَّ وخير من أن

ص: 322


1- الشريف المرتضى، الشافي في الإمامة، 4 / 273
2- أحمد بن حنبل، مسند أحمد، 1 / 62؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، 7 / 227؛ المتقي الهندي، كنز العمال، 13 / 527
3- سورة التوبة، آية 34

اسخط الله برضاه، فأغضب عثمان ذلك)(1)، فأمر بتسييره الى الشام(2).

ولم يتوقف أبو ذر عن موقف المعارض بل استمر في ثورته ومعارضته الظلم والاستئثار بأموال المسلمين فكان دائم المعارضة لمعاوية هناك في الشام وكان يقف على باب دمشق وينادي: (جاءت القطار تحمل النار، لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له، ولعن الله الناهين عن المنكر والآتين له)(3)، وحاول معاوية ان يشتري ذمة أبي ذر عسى ان يرجع عن موقفه هذا فبعث إليه بثلاثمائة دينار فقال: (إن كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها وإن كانت صلة فلا حاجة لي فيها)(4)، وبعد تأكد معاوية من جدية موقفه كتب الى عثمان يخبره بأنك قد أفسدت الشام على نفسك بأبي ذر، فكتب إليه عثمان أن يحمل أبا ذر إليه في المدينة(5).

وعنه وصوله الى المدينة حاول عثمان ان يستميل أبا ذر وقال له: (لو اعتزلت لكنت قريبا، لكن أبا ذر رفض وأستمر في معارضته لعثمان وقال: لا أدع قولي، ولوا أمّروا عليّ عبداً حبشيا لأطعت)(6)، وكذلك عاتبه عثمان على موقفه من بني أمية، إذ بلغه أنه يقول إنه سمع من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، يقول: (إذا كمل بني أمية

ص: 323


1- البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 6 / 166؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 3 / 43
2- البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 6 / 166؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 68؛ المسعودي، مروج الذهب، 1 / 630
3- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 68
4- البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 6 / 167؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 8 / 196
5- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 68؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 284؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 10
6- ابن أبي شيبة، المصنف، 7 / 261؛ ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، 5 / 56

ثلاثين رجلا، اتخذوا بلاد الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دغلاً)، فأرسل عثمان الى الإمام علي علیه السلام، وذكر له قول أبي ذر فأيده الإمام في قوله، فسأله عثمان إن كان قد سمع هذا الحديث من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقال له الإمام علیه السلام إنه لم يسمعه لكنه متأكد من صدق أبي ذر، قال وكيف تشهد؟ قال: (لقول رسول الله: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء، ذا لهجة أصدق من أبي ذر)(1)، وكيف لم يسمع أمير المؤمنين علیه السلام حديثًا عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهو الذي زقه العلم زقاً، ولعل الإمام أراد بذلك تبيان فضيلة أبي ذر التي تجسدت من خلال حديث رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عنه، مما دفع عثمان الى نفيه الى الربذة(2) فقال أبو ذر: صدق رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أخبرني بكل ما أنا لاقٍ، وأني أمنع عن مكة والمدينة، وأموت بالربذة(3)، ويبدو من النصوص المذكورة، أن عثمان في المدينة وعامله معاوية في الشام، قد خافوا من المعارضة القوية التي شنها أبو ذر عليهم وعلى سياستهم في حرمان الناس من حقوقهم، والتي من شأنها أن تؤلب عليهم الرأي العام إذا ما استمرت، والتي لو كتب لها النجاح سوف تفقدهم الامتيازات التي يتمتعون بها، لذلك عمدَ عثمان إلى نفيه إلى الربذ.

وصرح أمير المؤمنين علیه السلام بذلك الأمر في كلام له مخاطباً به أبا ذر بقوله:

(يا أبا ذر إنك غضبت لِلَّه فارجُ من غضبت له، إن القوم خافوك على دنياهم،

ص: 324


1- ابن أعثم الكوفي، الفتوح، 2 / 375؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3 / 344
2- الربذة، وهي قرية من قرى المدينة، تبعد عنها ثلاثة أيام، قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز، إذا رحلت من فيد تريد مكة، وفيها قبر الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه وكان قد أخرج إليها مغضباً لعثمان وبقي فيها الى أن توفي سنة (32 ه)، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 3 / 24
3- المسعودي، مروج الذهب، 1 / 631

وخفتهم على دينك، فاترك في أيديهم ما خافوك عليه، واهربْ منهم بما خفتهم عليه، فما أحوجهم إلى ما منعتهم وما أغناك عما منعوك، وستعْلم من الرابح غداً، والأكثر حسداً، ولو أن السموات والأرضين كانتا على عبد رتقاً، ثم اتقى الله، لجعل له منهما مخرجا، لا يؤنسك إلا الحق، ولا يوحشنكَ إلا الباطل، فلو قبلت دنياهم لأحبوك. ولو قرضت منها لأمِنوُك)(1)، بيّن ابن ابي الحديد في شرحه ان واقعة أبي ذر وإخراجه الى الربذة أحد الأحداث التي نقمت على عثمان(2)، وعندما أخرج أبو ذر الى الربذة نُودي أن لا يكلمه أحد، وأمر مروان بن الحكم ان لا يشيعه أحد، وتحاماه الناس إلا علي بن أبي طالب علیه السلام وأخوه عقيل وابناه الحسن والحسين علیهما السلام وآخرون من أصحابهم فإنهم خرجوا يشيعونه، فاعترضهم مروان بن الحكم وأراد أن يمنعهم، ولكنهم لم يمتنعوا من أمره، فرجع مروان الى عثمان فتلظى على علي علیه السلام، ووقف أبو ذر وودعه القوم(3).

وأراد الإمام علیه السلام من كلامه مع أبي ذر إنه شهد له بأن إنكاره ما كان إلا لله تعالى، وان القوم خافوك على دنياهم أي على أمر الخلافة بالتنفيرعنهم، وخفتهم على دينك باجتناب موافقتهم واجتناب عطائهم على غير السنّة(4).

وروي أن أبا ذر لما ودع جمعاً كانوا اتبعوه لما أُخرج من الشام، قال لهم: (إجمعوا مع صلاتكم وصومكم غضباً لله تعالى إذ عصي في الأرض، ولا ترضوا أئمتكم بسخط الله، وإذا أحدثوا ما لاتعرفون فجانبوهم، وأزروا عليهم، وإن عذبتم

ص: 325


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 217
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 8 / 193
3- المصدر نفسه، 8 / 193، وللمزيد من المعلومات حول حادثة أبي ذر، ينظر، اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 69؛ الجوهري، السقيفة وفدك، 78؛ المسعودي، مروج الذهب، 1 / 631
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 137

وحرمتم وسيرتم حتى يرضى الله تعالى، فإن الله تعالى أعلى وأجل ولا ينبغي ان يسخط برضا المخلوقين، غفر الله لي ولكم)(1) وفي الصدد ذاته جاء قول امير المؤمنين علیه السلام:

(فاترك في أيديهم ما خافوك عليه، واهرب منهم بما خفتهم عليه، فما احوجهم إلى ما منعتهم وما أغناك عما منعوك)، أشار الإمام علیه السلام على أبي ذر أن يترك لهم دنياهم، وينجو هو بدينه، فهم بحاجة الى دينه، وهو غني عن دينهم(2)، ويذكر ان الإمام الصادق علیه السلام قال لأحد أصحابه:

(أما تغشى سلطان هؤلاء؟ قال: لا. قال: ولِم؟ قال: فراراً بديني. قال:

وعزمت على ذلك؟ قال: نعم. قال: الآن سلم لك دينك)(3).

ومن جانب آخر فالإمام علیه السلام يذكّر أبا ذر (رضوان الله تعالى عليه) بيوم القيامة من خلال قوله علیه السلام ان تارك الدنيا رابح من المقبل إليها، فضلاً عن ان الإمام علیه السلام بشره بخلاصه من ضيق الحال التي هو عليها بسبب إخراجه من المدينة، إشارة إلى قوله تعالى:

«وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا»(4) وأمره بالإستئناس بالحق وحده، والإستيحاش من الباطل وحده، وأشار الى السبب الذي جعلهم يبغضونه ويخافونه هو لعدم مشاركتهم في دنياهم والإنفراد

ص: 326


1- المفيد، الأمالي، 163
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 137
3- الكليني، الكافي، 5 / 108
4- سورة الطلاق، آية، 2 - 3

بالقول عليهم(1).

نستخلص من النص المتقدم، أن أبا ذر كان من أشد المعارضين لسياستهم وظلمهم الذي مارسوه على الناس، لا لحاجة منه الى المال، ولكن يريد أن يحذرهم مما وقعوا فيه من ظلم الناس واغتصاب حقهم، ولو أراد المال لنفسه لعملوا على إعطائه الكثير، حتى يأمنوا ثورته ضدهم ولكنه كان يرفض هباتهم بوصفه واحداً من بين الكثيرين ممن غصب حقهم، ولا يريد أن يفضل نفسه عليهم، وجاء في الرواية أن عثمان بعث الى أبي ذر مائتي دينار فردها، وأخبر من حملها له، هل أعُطي أحد من المسلمين مثل ما أعطاني، فأجابه رسول : لا. فقال له: (إنما أنا رجل من المسلمين يسعني ما يسعهم)(2).

وحاول طه حسين أن يبرئ عثمان بقوله: (ان الشيء المحقق هو أن عثمان لم يداهن في دينه، والشيء الوحيد المحقق هو أن عثمان لم يرَ في سياسته تلك مخالفة خطيرة أو غير خطيرة لسيرة الشيخين، فهو لم يتعمد الجور، ولا المحاباة وإنما وسع على الناس من أموالهم، رأى في بيت المال غنى فآثر الناس به، ولم يغل في الإدخار وأي حرج في أن يصل أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بشيء من هذا المال قليل أم كثير، وهم أئمة الإسلام وبناة الدولة وأصحاب البلاء الحسن أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد احتملوا من الشدة والحرمان شيئا كثيراً)(3).

ويمكن الرد على رأي طه حسين هذا، إن ما منحه عثمان لأهله وأقاربه من بني أمية الذين لم يكن لهم أي دور في الاسلام، فأغلبهم من الطلقاء وممن لعنهم

ص: 327


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 138
2- الطوسي، رجال الطوسي، 1 / 119
3- الفتنة الكبرى، 1 / 77

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل الوليد بن عقبة وعبد الله بن سعد بن أبي سرح وأبي سفيان ومعاوية وغيرهم، وحتى الذين كان لهم دورفي الاسلام مثل الزبير وغيره من المقربين من بني امية، ما كان له أن يفضلهم على غيرهم، وهو بعمله هذا قد خالف سياسة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في العطاء، ولو كان عادلا في توزيع العطاء ما ثار عليه سكان الولايات وتم قتله من قبلهم، وأشار احد الباحثين بقوله: ان من أسباب الثورة على عثمان هو استمراره في سياسة التفريق بالعطاء وخاصة مع ازدياد تدفق الأموال بصورة كبيرة من الولايات(1).

3- حرمان الإمام علي علیه السلام من حقه المالي:

استأثر بنو أمية بالأموال و الإقطاعات دون الناس، وعلاوة على ماذكرنا في بعض الشواهد على ماحصل عليه أفراد معينون من بني أمية ومن آزرهم من بعض الصحابة من تلك الأموال، فقد أورد أحد الباحثين قائمة بهؤلاء المستأثرين بتلك الأموال، والتي تضمنت أسماءهم وأسماء بعض الصحابة المقربين منهم، وحوت على عدد المبالغ التي حصلوا عليها ووصلت الى مائة وستة وعشرون مليونًا وسبعة وسبعون ألف درهم(2)، وهي كالآتي:

حصل مروان بن الحكم على 500،000 دينار، وعبد الله بن أبي سرح 100،000 دينار، وطلحة بن عبيد الله 200،000 دينار، وعبد الرحمن بن عوف 2،560،000 دينار، ويعلىَ بن أمية(3) 500،000 دينار، وزيد بن

ص: 328


1- الشرهاني، التغير في السياسة المالية، 37
2- الأميني، الغدير، 8 / 286
3- يعلَى بن امية بن أبي عبيدة بن همام بن الحارث، أسلم هو وأبوه وأخوه سلمة، وشهد الطائف وحنين مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وروى عنه أحاديث كثيرة، وكان عاملاً لعثمان على منطقة الجَنَد في اليمن، وكان ممن أنفق مالا كثيرا للتحريض على قتال امير المؤمنين علیه السلام في معركة الجمل، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6 / 47؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 765

ثابت 100،000 دينار، عثمان 350،000 دينار، المجموع 4،310،000 أربعة ملايين وثلاثمائة وعشرة آلاف دينار، أما المبالغ التي حصل عليها البعض بالدرهم فهي كالآتي:

حصل الحكم بن أبي الحكم على 300،000 درهم، وآل الحكم 2،020،000 درهم، والحارث بن الحكم 300،000 درهم، وسعيد بن العاص 100،000 درهم، والوليد بن عقبة 100،000 درهم، وعبدالله بن خالد بن أسيد(1) 300،000 درهم، وعبد الله بن سعد 600،000 درهم، وأبو سفيان 200،000 درهم، ومروان بن الحكم 100،000 درهم، وطلحة ابن عبيد الله 32،200،000 درهم، الزبير بن العوام 59،800،000 درهم، وسعد بن أبي وقاص 250،000 درهم، وعثمان 30،500،000 درهم، المجموع 126،77،000 درهم.

وأخذت هذه الأموال تنحصر بيد فئة معينة وحرمان فئة أخرى منها، وكل من عارضهم ينال النفي كما حصل مع أبي ذر الغفاري(2)، أو الضرب لكل من يطالب بحقه من المال مثل عمار بن ياسر(3)، وحتى آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم منعوا

ص: 329


1- عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس، وهو من المقربين من عثمان، استخلفه زياد بن أبيه على البصرة حينما ولاه معاوية بلاد فارس، وبعد وفاة زياد أقره على البصرة، ينظر، ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 4 / 63
2- المسعودي، مروج الذهب، 1 / 631
3- البلاذري، جمل من أنساب الاشراف، 6 / 161

عنهم حقوقهم، فقد أعطى عثمان بن عفان أرض فدك لمروان ابن الحكم(1)، وهي أرض لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهبها إلى ابنته فاطمة الزهراء عليها السلام(2)، لأن عثمان تأول بأن الذي يختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يكون للخليفة بعده، فاستغنى عثمان عنها بأمواله فمنحها لمروان بن الحكم(3)، وعبر أحد الباحثين عن ذلك الأمر:

(أنه من غير المعقول ان لم يجد غير فدك النحلة والإرث الذي طالبت به الزهراء عليها السلام ان يعطيها اقاربه ويصل بها رحمه، وكان الأولى به ان يصل رحم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو خير من مروان وبني العاص وعموم المسلمين(4)، وكان قد منعها أبو بكر وعمر في أثناء خلافتهما عنها(5)،. وكذلك أعطى مروان بن الحكم خمس أفريقيا كما ذكرنا سابقاً(6).

إن حق آل البيت من الأموال قد فرضها الله تعالى في القرآن الكريم في عدد من الآيات القرآنية التي نزلت لتبين حقهم، منها على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى:

«وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ»(7)، إذ بين عدد من المفسرين أن خمس

ص: 330


1- ابن قتيبة، المعارف، 195؛ ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، 5 / 36
2- البلاذري، فتوح البلدان، 1 / 43
3- ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، 6 / 141
4- الزيدي، سامي جودة، فدك حتى نهاية العصر العباسي، 176
5- ابن شبة النميري، تاريخ المدينة، 1 / 196؛ البلاذري، فتوح البلدان، 1 / 44
6- ينظر، الفصل الثالث، الصفحة، 174
7- سورة الأنفال، آية، 41

الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له ولأهل بيته وبني هاشم تصرف عليهم، لأن الصدقة محرمة عليهم(1)، وكما جاء في الحديث النبوي الشريف:

(ألا إن الصدقة لا تنبغي لمحمد وآل محمد إنما هي أوساخ الناس)(2).

وعلى هذا الأساس لايجوز التعدي على حق الإمام علیه السلام وأهل بيته وحرمانهم من تلك الأموال، ومع ذلك تم التعدي على حق الإمام علیه السلام من بيت المال، وقد صرح أمير المؤمنين في كلام له معترضا على حرمانه من حقه من بيت المال بقوله:

(إن بني أمية ليفوقونني تراث محمد صلى الله عليه وآله وسلم تفويقاً، واللهِ، لئِنْ بقيت لهم، لأَنفضنهم نفض اللحام الوذام الترِبَة)(3)، وكان سبب كلام الإمام هذا، أن سعيد بن العاص وهو والي الكوفة يومئذ من قبل عثمان بعث بهدايا إلى المدينة، وبعث بهدية إلى أمير المؤمنين علي علیه السلام، وكتب إليه (إني لم أبعث إلى أحدٍ إكثر مما بعثت به إليك إلا الى أمير المؤمنين)، فلما قرأ الكتاب قال: (لشد ما يحظر عليّ بنو أمية تراث محمد صلى الله عليه وآله وسلم(4)، أي مراد الإمام علیه السلام من ذلك ان بني أمية يعطونه القليل من المال كفواق الناقة، وهو الحلبة الواحدة(5)، وبيّن البحراني في شرحه (ان لفظ التفويق إستعارة لعطيتهم له من الأموال قليلا ووجه المشابهة، هو قلة ما يعطونه منه مع كونه في دفعات، كما يعطى الفصيل ضرع أمه لتدر، ثم يدفع

ص: 331


1- الطبري، جامع البيان، 10 / 8؛ الطبرسي، مجمع البيان، 4 / 467؛ البيضاوي، أنوار التنزيل، 3 / 60
2- أحمد بن حنبل، مسند أحمد، 4 / 166؛ البيهقي، معرفة السنن والآثار، 2 / 149
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 115
4- ابو الفرج الأصفهاني، الأغاني، 12 / 144؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 139
5- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 139

عنها لتحلب، ثم يعاد إليها لتدر)(1)، وذهب أحد الباحثين إلى أن بني أمية كانوا ينعمون بالأموال ويجعلونها دولة بينهم، وهي الفيء الذي انعم الله به على المسلمين، ولكنهم وفي مقدمتهم عثمان كان يمنع حق الإمام علیه السلام إلا القليل(2).

وروي عن جبير بن المطعم(3)، ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قسم سهم ذوي القربى من خيبر بين بني هاشم وعبد المطلب جئت أنا و عثمان إليه فقلت: (يارسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله به منهم أرأيت اخواننا بني عبد المطلب أعطيتهم، وتركتنا وإنما نحن وهم بمنزلة واحدة، فقال له: إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا في إسلام، إنما بنو هاشم وبني المطلب شيء واحد، ثم شبك يديه واحدة في الأخرى)(4)، أي ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد وضع الاساس الذي تسير عليه الأمة بعده في التعامل مع أهل بيته وعشيرته، ولكن بعد وفاته حدث عكس ذلك.

أما بصدد قوله علیه السلام:

(والله لئن بقيت لهم، لأنفضنهم نفض اللحام الوذام التربة)، فإنه علیه السلام أقسم لئن تولى الخلافة وبقي ليحرمنهم التقدم في الامور، واستعار ذلك وشبهه

ص: 332


1- شرح نهج البلاغة، 2 / 216
2- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1 / 368
3- جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، كان أبوه المطعم من أشراف قريش، ولم يؤذِ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا أحدًا من المسلمين وكان ممن نقض الصحيفة التي كتبت في قريش في بني هاشم، وكان جبير يكنى ابا محمد، وأسلم يوم الفتح، ونزل المدينة ومات بها في خلافة معاوية بن أبي سفيان، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5 / 13
4- البيهقي، معرفة السنن والآثار، 5 / 149

بنفض القصاب القطعة من الكبد أو الكرش من التراب إذا أصابه(1) ويرد الأموال التي اغتصبها بنو أمية الى بيت المال ولا يبقي شيئا(2)، ومن نافلة القول ان ما أكد عليه أمير المؤمنين علیه السلام في استرداد الأموال لم يكن لغاية شخصية بينه وبين بني أمية، بل هي السياسة التي سار عليها علیه السلام في هذا الإتجاه والتي غايتها الرئيسَة إحقاق الحق وإعادة الأمور إلى نصابها وإلى ما كانت عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

4- نتائج إدارة عثمان وولاته:

أدت السياسة الخاطئة التي إنتهجها عثمان وولاته إلى نتائج سلبية على المسلمين، إذ نتج عنها نشوء فوارق طبقية بينهم، مما أدى إلى نقمة سكان الولايات عليه، وانتهت الحال به إلى مقتله، وكانت الثورة عليه بسبب أمور عدة قد بينّا قسمًا منها، بشأن إدارة البلاد وتفردهم بها من خلال عزل الولاة من الصحابة وتولية أقاربه من بني أمية، والتصرف بالأموال، والإبتعاد عن كتاب الله وسنة نبيه، ولكن يبدو أن السبب الرئيس هو الجانب المالي، حيث قام بحصر الأموال بيد فئة معينة من أوليائه والمقربين منه، مما ولد موجة غضب من قبل الكثير من الصحابة، وأدى ذلك إلى اجتماع بعض الصحابة، وذكروا أفعال عثمان وقيامه بالإستئثار بالأموال وبناءه الدور وتطاوله فيها، وكذلك تولية أقاربه وكذلك تعطيله الحدود، وتركه المهاجرين والأنصار، لا يستعملهم على شيء، وما كان من أرض الحمى حول المدينة، وإدارة القطائع والأعطيات من قبل قوم ليس

ص: 333


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 216؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1 / 368
2- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1 / 368

لهم صحبة، فكتبوا بذلك كتابًا وأخذه عمار بن ياسر ودفعه إلى عثمان، فلما قرأه سأله عن الذي كتب الكتاب، فرفض عمار إخباره، فقال مروان بن الحكم وكان حاضرا: (ان هذا العبد الأسود يعني عمار قد جرأ الناس عليك)، فأمر بضربه، فضربوه وضربه عثمان معهم، ففتقوا بطنه وغشي عليه(1)، مع ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:

(من عادى عماراً عاداه الله، ومن أبغض عماراً أبغضه الله)(2).

وذكر ان المسلمين الذين يسكنون الأمصار الإسلامية إستلموا كتابا من الصحابة يدعونهم فيه للثورة على عثمان جاء فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم، من المهاجرين الأولين وبقية الشورى، إلى من بمصر من الصحابة والتابعين، أما بعد، ان تعالوا وتداركوا خلافة رسول الله قبل ان يسلبها اهلها، فإن كتاب الله قد بدل، وسنة رسوله قد غيرت، وأحكام الخليفتين قد بدلت فننشد الله من قرأ كتابنا من بقية أصحاب رسول الله والتابعين بإحسان، إلا أقبل إلينا، وأخذ الحق لنا وأعطاناه، فأقبلوا إلينا إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر...)(3)، علمًا أن ابن قتيبة لم يذكر من هم أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبقية الشورى، مع أن بقية الشورى هم المستفيدون عدا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام.

وهذه دعوة صريحة للقيام على، بسبب خروجه عن الدين والسنة، حتى الذين كانوا إلى جانبه من الصحابة مثل عبد الرحمن بن عوف، أخذ يحرض عليه ويدعو إلى قتله، إذ جاء في الرواية أنه تذاكر أمير المؤمنين علیه السلام وعبد الرحمن بن

ص: 334


1- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 51
2- ابن عبد البر، الاستيعاب، 483؛ الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 1 / 490؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 43 / 399
3- أبن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 53

عوف موت أبي ذر بالربذة، فقال له الإمام علي علیه السلام:

(هذا عملك، فقال له: إذا شئتَ فخذ سيفك وآخذ سيفي، إنه قد خالف ما أعطاني)(1)، وهنا نتساءَلُ عن السبب الذي جعل عبد الرحمن بن عوف من المحرضين على قتل عثمان، بعد أن كان من أشد المؤيدين له لتولي الخلافة؟ ويبدو ان سبب نقمة عبد الرحمن ابن عوف على عثمان، هو حسب ما رواه اليعقوبي من أن عثمان إعْتلَ علة فكتب عهدا لعبد الرحمن ابن عوف، وأرسله إلى أم حبيبة بنت أبي سفيان بالسّر، وعندما سمع عبد الرحمن ابن عوف الخبر غضب وقال: (أستعمله علانية ويستعملني سراً)(2).

استمر عثمان في نهجه، مما أدى إلى ثورة سكان الولايات، وتوجههم نحو المدينة، من كل الأمصار لغرض الحد من تصرفات وولاته وكان العدد الأكبر من مصر، فنزلوا في مكان يسمى (ذو خشب)(3). وبعد ذلك اجتمع عدد من المهاجرين إلى أمير المؤمنين علي علیه السلام للتدخل بشأن مسألة عثمان والثوار، ويكلمه عسى أن يجدوا مخرجا لذلك الأمر(4).

وورد لأمير المؤمنين علیه السلام كلام بهذا الشأن جاء فيه:

(إن الناس ورائي وقد استسفروني بينك وبينهم، ووالله ما أدري ما أقول لك؟ ما أعرف شيئاً تجهلهُ، ولا أدُلك على أمرٍلا تعرفه، إنك لتعلم ما نعلم، ما

ص: 335


1- البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 6 / 172؛ ابن عبد ربه، العقد الفريد، 5 / 55
2- تاريخ اليعقوبي، 2 / 65
3- ذو خشب، وهي منطقة قريبة من المدينة على طريق الشام من ناحية مصر، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 2 / 273
4- البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 6 / 175؛ المسعودي، مروج الذهب، 1 / 634

سبقناك إلى شيءٍ تجهله فنخبرك عنه، ولا خلونا بشيءٍ فنبلّغكهُ، وقد رأيت كما رأينا، وسمعت كما سمعنا، وصحبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما صحبنا)(1)، أي أن الإمام علیه السلام أصبح سفيرا ووسيطاً بين الثوار وعثمان(2)، وأقسم أنه لم يكن يعلم شيئاً من هذه الأحداث التي حصلت ما يجهله عثمان بن عفان، وهذه الحقيقة التی لم تغب حتى عن الصبيان فضلا عن العقلاء المميزين يعلمون وجهي الصواب والخطأ فيها(3)، أي ان الكل يعرف الأحداث التي حصلت وأولهم عثمان فكان عالما بما يجري من حوله، لذلك جاء قسم الإمام علیه السلام لعثمان ليؤكد له أنه لم يخبئ عنه شيئاً ليخبره به.

أما محمد جواد مغنية فقد صرح قائلا: (كانت خلافة عثمان إنقلاباً جزئياً على ما عرفه المسلمون من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسيرة الشيخين، فالأموال والأمصار كلها لأمية ومن شايعها وتابعها، ولأبي ذر وأمثاله الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر، الجوع والتشريد، ومنهم الصحابي عبد الله بن مسعود خازن بيت المال، الذي طرده عثمان وشتمه، وضربه حتى كسرضلعاً من أضلاعه، ومنهم عمار بن ياسر ضربه عثمان حتى غشي عليه، ومع هذا يقول عثمان: الخلافة قميص الله ألبسنيه، وكان الإمام ينصحه وينهاه)(4)، فكان عثمان يتصرف في بيت مال المسلمين، وبذل الأخماس التي هي حقوق أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأقاربه من بني أمية أعداء الدين، منها أنه زوج ابنته من عبد الله بن خالد بن أسيد، وأمر له بستمائة ألف درهم وكتب إلى عبد الله بن عامر أن يدفعها إليه من بيت

ص: 336


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 260
2- المصدر نفسه، 2 / 260؛ الصالح، صبحي، نهج البلاغة، 234
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 201
4- في ظلال نهج البلاغة، 2 / 462

مال البصرة(1).

ويتبين رفض عثمان بن عفان تدخل أمير المؤمنين علیه السلام الذي كان يسعى دائما لتخليصه من قبضة بعض المنتفعين من الأمويين الذين كانوا السبب الرئيس الذي جعل الناس تقوم بالثورة ضده، وخاصة مروان بن الحكم(2)، فكان الإمام علي علیه السلام كلما اشتكى الناس إليه من عثمان، أرسل ابنه الإمام الحسن علیه السلام إلى عثمان، فلما أكثر عليه قال له: (ان أباك يرى أن أحداً لا يعلم، ونحن أعلم بما نفعل، فكف عنا، فلم يبعث الإمام علیه السلام ابنه في شيء بعد ذلك)(3)، وأخذ الإمام علیه السلام باستعتابه بالقول اللين، وبيّن له منزلته من العلم، أي بأحكام الشريعة والسنن المتداولة بينهم في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والإطلاع على كل ما ظهر من مرئي ومسموع، وإن له من الصحبة المماثلة لصحبته(4).

وفي الأمر عينه جاء قول أمير المؤمنين علیه السلام:

(وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطاب أولى بعمل الحق منك، وأنت أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وشيجة رحم منهما)(5)، بين الإمام علیه السلام لعثمان أن أبا بكر وعمر ليسا خيرا منك في عمل الحق، إذ روى الطبري في هذا الصدد، أن محمد بن أبي بكر(6) لما قعد على صدر عثمان، وأخذ لحيته، قال له عثمان: (ماكان أبوك

ص: 337


1- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 58؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 491
2- المسعودي، مروج الذهب، 1 / 633
3- ابن عبد ربه، العقد الفريد، 5 / 58
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 283
5- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 260
6- محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة، أمه اسماء بنت عميس، ولد عام حجة الوداع، وتربى في حجر الإمام علي علیه السلام إذ تزوج الإمام علیه السلام أمه اسماء بنت عميس، وكان يثني عليه ويفضله لان له عبادة واجتهاد، وكان على الرجالة يوم الجمل، وشهد صفين مع الإمام علي علیه السلام، ثم ولاه مصر، وقتل بها من قبل معاوية بن حديج، ينظر، ابن عبد البر، الاستيعاب، 647

ليقبض على ما قبضت عليه، فقال له محمد بن أبي بكر: لو رآك أبي تعمل هذه الأعمال لأنكرها عليك)(1)، علمًا ان محمد بن ابي بكر لم يكن ينوي قتله بل أخذ باستعتابه على ما فعل، وبين له الإمام علیه السلام بخصوصية القرب من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دونهما ويقصد بذلك النسب(2) والوشيجة(3) لكونه من بني عبد المناف(4).

وبعد تدخل الإمام علیه السلام وإنصراف المصريين، طلب عثمان ان يتكلم ويشهدون عليه بنزوعه عن الأمر وإنابته، فخرج وخطب وأعترف بالأشياء التي فعلها أمام الناس قائلا:

(والله ما عاب منكم شيئاً أجهله، وما جئت شيئاً إلا وأنا أعرفه، ولكني منتني نفسي وكذبتني، وضل عني رشدي، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:

(من زل فليتب ولا يتمادى في الهلكة، إن من تمادى في الجور، كان أبعد من الطريق، فانا أول من أتعظ، أستغفر الله مما فعلت وأتوب إليه)(5).

ويبدو أن عثمان قد اعترف بما فعل من أفعال وطلب التوبة من الله تعالى، أمام الناس وتعهد لهم بذلك، ولكن الأمر يختلف بعد ذلك، فحال رجوع الثوار عنه بعد تدخل أمير المؤمنين علیه السلام بذلك الأمر، ترى عثمان يرجع عن توبته، ووراء

ص: 338


1- تاريخ الرسل والملوك، 4 / 393، ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 67
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 201
3- الوشيجة، ويقصد بها عرق الشجرة، ينظر، الجوهري، الصحاح، 1 / 374
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 283؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 260
5- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 361؛ المفيد، الجمل، 102

رجوع عثمان عن توبته وعمّا وعد الثوار به مروان بن الحكم، الذي كان يأتي إلى ويخبره بأن الإمام علياً علیه السلام يؤلب الناس عليك، ويعصب أهل مصر على كل شيء، وأنه يأمر أهل مصر بالتأهب بالعدة، وأنه سوف يكتب إلى أهل العراق بأن يأتونه بجيش لغرض إبطال هذه السيرة الجائرة، ويريح من مروان وذويه، فقال عثمان: (اللهم ان عليا أبى إلا حب الإمارة فلا تبارك له فيها)(1)، إذ كان عثمان بن عفان أداة طيعة بيد مروان بن الحكم ومستسلماً لإرادته التي تحمله على تكذيب ما يقوله أمير المؤمنين علیه السلام، فكان الغالب على أمره في كل شيء(2).

ومن الطبيعي أن يقوم مروان بن الحكم بهذه الآمور، من خلال التحريض على ذلك، لأن إيفاء عثمان بوعوده للثوار وللإمام علیه السلام يعني فقدان مروان بن الحكم الإمتيازات التي يتمتع بها، سواء كانت المالية أو السيطرة على عثمان.

وفي كلام للإمام علیه السلام تحدث فيه عن استعداده لحرب أهل الشام، أشار فيه إلى السبب الذي جعل معاوية يطلب بدم عثمان، إذ أن عثمان قد احدث احداثاً أدت إلى مقتله، بقوله علیه السلام: (إنه قد كان على الناس والٍ أحدث أحداثاً، وأوجد للناس مقالاً، فقالوا ثم نقموا فغيروا)(3)، إذ أشار البحراني في شرحه أن مراد الإمام بالوالي هو عثمان، وقام معاوية بالطلب بدم عثمان، وأصبح هذا الطلب من أهم الأسباب التي اتخذها معاوية كسبب في عصيانه، والأحداث التي أحدثها، والأشياء التي نسبت إليه من الأمور التي أنكرها الناس عليه، والتي

ص: 339


1- البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 6 / 177
2- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 70
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 86

أدت إلى مصرعه(1)، ومن هذه الأحداث تأمير عبد الله بن عامر على البصرة للقرابة بينهم، وكذلك استخفافه بالإمام علي علیه السلام حين أنكر عليه تكذيب أبي ذر(2) وغيرها من الأمور التي مر ذكرها، وعلى أثر هذه الأفعال، فتح عثمان باب القول فيه وأنكروا عليه ما فعل فغيروه وأزالوه(3)، وأدت تلك الأمور إلى مقتله من قبل الذين ثاروا عليه بسبب عدم إيفائه بالوعود التي قطعها إليهم(4).

ص: 340


1- شرح نهج البلاغة، 2 / 114
2- أبو الصلاح الحلبي، تقريب المعارف، 23؛ المجلسي، بحار الأنوار، 31 / 262
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 115
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3 / 70؛ خليفة بن خياط، تاريخ خليفة، 131

المبحث الثاني موقف الإمام علي علیه السلام من الإدارة الإموية في نهج البلاغة

الجانب الإداري والمالي:

استلم الإمام علي علیه السلام الخلافة والدولة مثقلة بالمشاكل، وكان عليه مواجهتها ووضع الحلول المناسبة لها في ظل تلك الظروف، إذ بدأ الإمام علیه السلام بتطبيق الشريعة الإسلامية لإصلاح ما تم وضعه من أنظمة من قبل ولاة بني أمية الذين حكموا ولايات الدولة الإسلامية، في ظل خلافة عثمان بن عفان، الذي أطلق أيديهم بالتصرف بشؤون ولاياتهم، وكذلك التصرف في بيت مال المسلمين، فهؤلاء قد استأثروا بولاياتهم، وكونوا ثروات ضخمة من تلك الأموال، ومن الصعب قبول الوضع الجديد بعد مقتل عثمان، وخاصة بعد إعلان الإمام علیه السلام عن أهدافه منذ تسلمه الخلافة، إذ ورد في خطبته التي بين فيها سياسته الاصلاحية التي يسير عليها:

(أما بعد فإنه لما قبض رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم استخلف الناس أبا بكر ثم استخلف أبو بكر عمر، فعمل بطريقة ثم جعلها شورى في ستة فأفضى الأمر إلى عثمان،

ص: 341

فعمل ما أنكرتم وعرفتم ثم حصر وقتل، ثم جئتموني طائعين فطلبتم إلي، وإنما أنا رجل منكم، لي ما لكم وعليّ ما عليكم، وقد فتح الله الباب بينكم وبين أهل القبلة، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، ولا يحمل هذا الأمر إلا أهل الصبر والبصر من العلم بمواقع الأمر، وأني حاملكم على نهج نبيكم صلی الله علیه و آله وسلم ومنفذ فيكم ما أمرت به... ثم التفت يمينا وشمالا، فقال: ألا لا يقولن رجال منكم غدا قد غمرتهم الدنيا... إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه، وأمرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون، فينقمون ذلك ويستنكرون، ويقولون حرمنا ابن أبي طالب من حقوقنا، ألا وأيما رجل من المهاجرين والمسلمين من أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يرى الفضل له على من سواه لصحبته، فإن الفضل النير غدا عند الله،...)(1).

نستنتج من خطبة الإمام علي علیه السلام عدة أمور أكد عليها عند تسلمه الخلافة، إذ بين أنه بعد مقتل عثمان تمت بيعته من قبل المسلمين أي باختيارهم وهو رافض لها، وأنه أراد اخبارهم أن بيعته تختلف عن الذين سبقوه، وكذلك أنه واحدٌ منهم لا يزيد عليهم بشيء من حطام الدنيا، وأوضح لهم أيضا أنه سيحملهم على نهج رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الذي سار عليه، وألغى بخطبته هذه الفوارق الطبقية التي وجدت منذ زمن عمر، الذي لم يساوِ بين الناس في العطاء، لذلك نشأت طبقات برجوازية بين بعض الصحابة الذين أثروا على حساب بقية الناس بسبب سياسة عمر في العطاء التي اعتمد فيها على أساس السابقة في الإسلام والقرابة من النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وغيرها من القواعد التي وضعها للعطاء(2)، والتي

ص: 342


1- الطوسي، الأمالي، 729؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 30؛ المجلسي، بحار الأنوار، 32 / 17
2- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 44؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 614

زاد عليها عثمان بعده، مما أدى إلى تنامي تلك الثروات في أيدي هؤلاء، ممن لم يعجبهم البرنامج الإصلاحي الجديد للإمام الذي سوف يجردهم من تلك الأموال التي في أيديهم، ومن أجل قيام الإمام علیه السلام بإصلاحاته، أخذ على عاتقه جملة من الإجراءات منها:

1- إستبدال الولاة أكد الإمام علیه السلام على ضرورة إختيار الولاة ممن تتوفر فيهم صفات الوالي الكفوء، الذي يعتمد عليه لإدارة شؤون الولاية، ويكون أميناً على أموال المسلمين، وغيرها من الصفات الأخرى التي تم دراستها قبل ذلك من قبل أحد الباحثين(1).

لذلك عمل الإمام على استبدال الولاة الذين تم توليتهم من قبل عثمان ممن عرفوا بسيرتهم غير الحسنة بين المسلمين، كعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعبد الله بن عامر، ومروان بن الحكم، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهم ممن ولي شؤون المسلمين، وكان عزل هؤلاء الولاة والعمال مطلبًا من مطالب الثوار والصحابة(2)، ومتماشياً مع سياسته الإصلاحية للإمام علیه السلام، ولابد له علیه السلام من عزلهم واستبدالهم بولاة يتصفون بالصفات والمعايير التي بينها، مما يتماشى مع برنامجه الإصلاحي، وقد صرح أمير المؤمنين علیه السلام عنهم كما مر بنا

ص: 343


1- للمزيد من المعلومات، ينظر، العيساوي، النظم الادارية والمالية في عهد الإمام علي علیه السلام، 81 - 89
2- البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 6 / 134؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 70؛ ابن أعثم الكوفي، الفتوح، 2 / 411؛ ابن عبد ربه، العقد الفريد، 5 / 55

سابقاً في كلام له في هذا الشأن بقوله:

(ولكنني آسى أن يلي أمر هذه الآمة سفهاؤها وفجارها، فيتخذوا مال الله دولاً، وعباده خولاً، والصالحين حرباً، فإن منهم الذي شرب فيكم الحرام، وجلد حداً في الإسلام، وإن منهم من لم يسلم حتى رضخت له على الإسلام الرضائخ)(1).

فهؤلاء الذين ذكروا ينطبق عليهم كلام الإمام علیه السلام، لذلك أخذ حال تسلمه الخلافة بعد مقتل عثمان، بتولية من عرف بورعه وتقواه من صلحائه مثل عثمان بن حنيف(2) على البصرة بدلا من عبد الله بن عامر(3)، وعلى مصر قيس بن سعد بن عبادة(4) وعلى الشام سهل بن حنيف بدلا من معاوية(5)، وفي هذا الشأن عبر أمير المؤمنين في خطبة له جاء فيها: (فليست تصلح الرعية

ص: 344


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 484
2- عثمان بن حنيف بن واهب بن عكيم بن الحارث بن مجدعة، استعمله عمر بن الخطاب على خراج السواد، وولاه الإمام علي علیه السلام على البصرة، وبقي بها حتى قدم عليه الزبير وطلحة وقاما بنتف لحيته وحاجبيه وبقي اسيرا عندهم حتى مقدم الامام علیه السلام وما كان من أمر الجمل، ينظر، ابن سعد،الطبقات الكبرى، 4 / 304
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4 / 306؛ الدينوري، الأخبار الطوال، 141؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي / 2 / 77. الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 442
4- البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 3 / 161، الدينوري، الأخبار الطوال، 141؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 442؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 92
5- الدينوري، الأخبار الطوال، 141، الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 442؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 92

إلا بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلا باستقامة الرعية)(1)، أي أن أوضاع الدولة أو الولاية لا تصلح إلا إذا كان الوالي كفوءًا، لكي ينهض بأعباء ولايته ويكون مخلصاً ويكون متساوياً مع جميع رعيته(2)، وأما قوله علیه السلام:

(ولا تصلح الولاة إلا بإستقامة الرعية)، ومعنى ذلك أن صلاح حال الولاة منوط بصلاح حال الرعية واستقامتهم، بمدى طاعتهم للوالي، وفساد أحوالهم ومخالفتهم له، فإن أدى كل من الوالي والرعية الحق إلى صاحبه، عزالحق وزالت الخلافات بينهم(3).

يتبين من ذلك أن عمل كل من الوالي والرعية مرتبط بعضه ببعض، فعلى الوالي السير بما يرضي الله وإعطاء الرعية حقوقها، روي أن عدي بن أرطأة كتب إلى عمر بن عبد العزيز وكان عامله على البصرة يخبره بأن القوم لا يؤدون الخراج إلا أن يمسهم نصب من العذاب، فكتب إليه عمر بن عبد العزيز: (أما بعد، فالعجب لك كل العجب! تكتب إليَّ تستأذنني في عذاب البشر، كأن إذني لك جُنة من عذاب الله، أو كأن رضاي ينجيك من سخط الله! فمن أعطاك ما عليه عفواً فخذ منه، ومن أبى فاستحلفه، وكِلْه إلى الله، فلأن يلقوا الله بجرائمهم أحب إليّ من أن ألقاه بعذابه)(4).

ص: 345


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 360
2- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 269
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 39
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 11 / 76

2- رفض الإمام علي علیه السلام تولية معاوية على بلاد الشام تولى معاوية بن أبي سفيان ولاية الاردن في الشام بعد موت أخيه يزيد بن أبي سفيان من قبل عمر بن الخطاب(1) وجمع له بلاد الشام كلها ودخل معه الى بيت المقدس بالقصة المعروفة لكونه والي الشام، وأقره عثمان بن عفان على عمله(2)، وبقي والياً على الشام طوال مدة خلافة عثمان، وهو بذلك استطاع أن يسيطر على الشام كلها، ويعمل على تدعيم سلطانه، وعندما تسلم الإمام علي علیه السلام الخلافة بعد مقتل عثمان بادر بإتخاذ الإجراءات الإصلاحية التي رسمها ضمن سياسته الإصلاحية لنشر العدل والمساواة، ومن ضمن تلك الإصلاحات إستبدال الولاة وعزلهم كما أسلفنا، وكان معاوية من بينهم، وعندما أرسل الإمام علیه السلام عامله سهل بن حنيف على الشام قام الشاميون بمنعه من الدخول إليها عندما علموا بأنه مرسل من أمير المؤمنين علیه السلام(3).

وفي الحقيقة إن تمسك معاوية بالإمرة على بلاد الشام كان وحسب وجهة نظره لأنها أصبحت ملكاً خاصاً له ولبني أمية، اما بخصوص تأكيد أمير المؤمنين علیه السلام على عزله وإرادته من ذلك فلكون معاوية من الولاة المفسدين غير الخليقين بالإمارة فضلا عن ذلك انه من الطلقاء الذين أسلموا بعد عام الفتح، وكذلك من الذين لعنهم الله تعالى في كتابه كما جاء في الآية الكريمة:

ص: 346


1- خليفة بن خياط، تاريخ خليفة، 98؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 102
2- خليفة بن خياط، تاريخ خليفة، 112؛ ابن عساكر، تاريخ، مدينة دمشق، 32 / 10؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 13
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 442؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 92

«وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ»(1).

وكذلك ورد ذمه في الحديث النبوي الشريف إذ جاء ذلك في قوله صلی الله علیه و آله وسلم:

(إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)(2)، أي ان هذا تصريح واضح من قبل الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بقتل معاوية لما يعلمه من فسقه وفجوره، فضلاً عن ماذكرنا عنه من قيامه بقتل الناس وسجنهم، وبناءاً على كل ما تقدم فمن الطبيعي عدم جوازِ ابقائهِ في منصبه في ولاية الشام، إذ ان وجوده يشكل خطراً على المسلمين.

وكذلك ورد قول لعمر بن الخطاب عندما أراد أن يستخلف قبل موته بقوله:

(هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد، ثم في أهل أحد ما بقي منهم أحد، وفي كذا وكذا، وليس فيها لطليق ولا لولد طليق، ولا لُسْلِمي الفتح شيءٌ)(3)، وهذا اجتهاد من قبل عمر بن الخطاب واجتهاده ليس حجة فربما من مسلمة الفتح من كان أفضل من عمر نفسه، نعم معاوية وبني أمية مثلوا الجانب الأسوء لمسلمة الفتح لكن ليس كل مسلمة الفتح من الناكثين والقاسطين والمارقين.

وبما أن معاوية من الطلقاء، ومن الذين أسلموا يوم الفتح، ومن عرف عنه انه لم يكن خليقاً بالأمر من الناحية الدينية والسابقة والقدم في الإسلام فلا يجوز إبقاؤه في ولاية الشام، لاسيما أنه يعمل بكل ما عنده من إمكانيات للوصول

ص: 347


1- سورة الإسراء، آية، 60
2- ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 59 / 156؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 133؛ الذهبي، ميزان الإعتدال، 1 / 572
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3 / 317؛ ابن عساكر تاريخ مدينة دمشق، 59 / 145؛ ابن حجر العسقلاني، فتح الباري، 13 / 178

للخلافة، وقد تبين ذلك جلياً من خلال تصريحه بعد صلحه للإمام الحسن علیه السلام:

بقوله:

(إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك، وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون)(1).

لذلك نجد أن معاوية لم يتقبل فكرة عزله من قبل الإمام علیه السلام، و بدأ بالبحث عن أمور يتحجج بها من أجل بقائه في ولاية الشام أو للوصول للخلافة بعد مقتل عثمان، ومن بين تلك الحجج هي شبهة قتل عثمان، والمطالبة بدمه، إذ عمل معاوية على خداع وإيهام أهل الشام على أن الإمام عليًّا علیه السلام هو الذي قتل عثمان أو اشترك بقتله، واستخدمها معاوية كوسيلة من وسائله للوصول للسلطة كما مر بنا سابقاً، واستخدم قميص عثمان ونصبه على المنبر، لإثارة أهل الشام ضد الإمام علیه السلام للأخذ بثأر عثمان(2).

وجاء في نهج البلاغة ما يبين طلب معاوية من الإمام علیه السلام إقراره على الشام، إذ ورد كلام الإمام بهذ الشأن:

(فأما طلبك إليَّ الشام، فإني لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس)(3)، أي أن معاوية طلب من الإمام علیه السلام توليته على الشام(4)، وروي أن معاوية سأل الإمام علیه السلام حين بويع بالخلافة إقراره على إمرة الشام، وأشار عليه ابن

ص: 348


1- ابو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، 45؛ القاضي النعمان، شرح الأخبار، 2 / 533
2- الدينوري، الأخبار الطوال، 142؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 252
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 403
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 405؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 403

عباس بتولية معاوية مدة معينة وبعدها يقوم بعزله، أي يكتب إليه بالولاية على الشام، فإذا دعا له وأخذ بيعته من أهل الشام عزله، ولكن الإمام علیه السلام رفض ذلك الأمر، وقال:

(إن هذا لهو الرأي العاجل، فأما فيما بيني وبين الله عز وجل فما أجد لنفسي في ذلك عذراً «ومَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا»(1))(2)، وجاء في رواية البلاذري، أن المغيرة بن شعبة قد أشار على الإمام علیه السلام، بتولية معاوية على الشام ليستقيم الأمر له، وبخلاف ذلك فإن معاوية سوف يعلن الحرب عليه، لإن الإمام علیه السلام متهم من قبله بقتل ابن عمه عثمان(3)، ولكننا نجد أن الإمام علیه السلام رفض هذا الرأي وقد علق محمد جواد مغنية على طلب معاوية الإمرة على الشام بقوله:

(ولا عجب أن يطلب معاوية الشام طعمة، ولا يحتاج طلبه إلى سند وإثبات لأنه بطبعه يحمل الدليل على صحته، فإن الذي يعطي مصر طعمة وجباية لابن العاص، يطلب الشام وأكثر لنفسه طعمة وجباية، وأيضاً لا عجب أن يرفض الإمام علیه السلام هذا الطلب، لأن من حرم على نفسه أموال المسلمين، من الأحرى أن يحرمها على غيره)(4)، وقد أكد أمير المؤمنين علیه السلام على هذا المعنى مراراً وجاء ذلك على سبيل المثال لا الحصر في قوله علیه السلام:

(أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه... لوكان المال لي

ص: 349


1- سورة الكهف، آية، 51
2- القاضي النعمان، شرح الأخبار، 1 / 405
3- جمل من أنساب الأشراف، 3 / 11؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 10 / 180
4- في ظلال نهج البلاغة، 3 / 425

لسويت بينهم، فكيف وإنما المال مال الله...)(1) ونستشف من ذلك أن الإمام علیه السلام في حالة قبوله تولية معاوية على الشام يعد ذلك إدهانًا في الدين، وخلافًا لما جاء في كتاب الله تعالى، وكذلك يخالف فيه قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في معاوية، ومما لا شك فيه انه في حال تولية معاوية على الشام يعد ذلك تشجيعا له على دعم وتقوية مركزه هناك، وكان الإمام علي علیه السلام أعرف بحال معاوية، فكان خياره العسكري لمواجهة معاوية هو المسلم به(2).

بعد ذلك أخذ معاوية بالبحث عن ذريعة أخرى تمكنه من الحصول على ولاية الشام، إذ تحجج هذه المرة عن طريق بيانه للإمام علیه السلام أن الحرب قد قضت على الفريقين من خلال كتاب بعثه إلى امير المؤمنين علیه السلام جاء فيه:

(... وقد كنت سألتك الشام على أن لا يلزمني منك طاعة ولا بيعة وأبيت ذلك عليّ فأعطاني الله ما منعت، وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس فإنك لا ترجو من البقاء كما أرجو ولا أخاف من القتل إلا ما تخاف، وقد والله رقت الأجناد وذهبت الرجال وأكلت الحرب العرب إلا حشاشات أنفس بقيت، وإنا في الحرب والرجال سواء ونحن بنو عبد مناف وليس لبعضنا على بعض فضل إلا فضل لا يستذل به عزيز ولا يسترق به حر والسلام)(3).

وفي الموضوع ذاته ورد كتاب لأمير المؤمنين علیه السلام ليرد على معاوية بهذه الحجة بقوله:

ص: 350


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 211
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 10 / 181
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 342

(وأما قولك أن الحرب قد أكلت العرب، إلا حُشاشات أنفسٍ بقيتْ)(1)، أراد معاوية التقرب من الإمام علیه السلام عن طريق استلطافه واستدراجه عن طريق قوله ان الحرب قد أكلت العرب إلا حُشاشات(2) أنفس، وهي محاولة منه للتبقية عليه والياً على الشام، متحججاً بسؤاله لحفظ ما بقي من الرجال والتبقية على الأجناد، لحفظ إلإسلام وتقويمه أمر واجب(3)، وجاء في بعض المصادر أن عدد قتلى صفين من الطرفين بلغ سبعين ألفا، إذ كان عدد قتلى أهل العراق خمسة وعشرين ألفاً، وقتلى أهل الشام بلغ خمسة وأربعين ألفاً(4)، ثم بيّن له الإمام علیه السلام مصير الذين قتلوا في الحرب بقوله:

(ألا ومن أكلهُ الحق فإلى الجنة، ومنْ أكله الباطل فإلى النارِ)(5)، وجاء في شرح هذا الكلام لأمير المؤمنين علیه السلام عند ابن أبي الحديد ما نصه:

(ألا ومن أكله الحق فإلى النار، وهذه الرواية أليق من الرواية المذكورة في أكثر الكتب، لأن الحق يأكل أهل الباطل، ومن روى تلك الرواية أضمر مضافاً تقديره أعداء الحق، ومضافاً آخر تقديره أعداء الباطل، ومعنى ذلك أن من أفضى به الحق ونصرته والقيام دونه إلى القتل، فمصيره إلى الجنة، وكذلك القول

ص: 351


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 403
2- الحشاشة، هي بقية النفس في الجسد، ينظر، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 2 / 12؛ الزبيدي، تاج العروس، 9 / 93
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 343
4- البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 3 / 98؛ المسعودي، مروج الذهب، 1 / 641؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 10 / 653
5- محمد عبده،. نهج البلاغة، 3 / 403

في الجانب الآخر)(1)، أي أن الذين قتلناهم من أهل الشام إنما قتلهم الحق لبغیهم، ومن ثم فهم على باطل ويكون مصيرهم إلى النار(2).

وفي السياق ذاته جاء قوله علیه السلام:

(وأما استواؤنا في الحرب والرجال، فلست بأمضى على الشك مني على اليقين)(3)، أراد معاوية إخبار الإمام علیه السلام أنهم متساوون في الحرب والرجال، وهو يخاطبه من مكان القوة لا من مكان الضعف ويساومه على الشام، لكن الإمام علیه السلام أجابه بأنك تمتلك الرجال، ولكن الفرق بيننا إنك في شك من قضيتك، وأنا على يقين من أمري(4).

نستشف من ذلك أن معاوية أراد استخدام لغة التخويف والتهديد مع الإمام علیه السلام لحمله على الموافقة على طلبه بتوليته الشام، ولكن يبدو أنه تفاجأ برد من قبل الإمام بأنه على يقين من قضيته لأنه على حق، وأن معاوية على باطل، ومن ثم يكون التساوي بين الطرفين غير ممكن، وقد روي في صفين أن معاوية طلب مثاقفة(5) أصحاب الإمام علي علیه السلام، فتكلم عتبة بن أبي سفيان مع جعدة بن هبيرة(6) وقال له:

ص: 352


1- شرح نهج البلاغة، 15 / 90
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 344
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 403
4- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 425
5- المثاقفة، أي مثاقف وهو حسن الثقافة بالسيف، ينظر، الزبيدي، تاج العروس، 12 / 104
6- جعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ المخزومي، وأمه أم هانئ بنت أبي طالب أخت الإمام علي علیه السلام، ولد على عهد النبي صلی الله علیه و آله وسلم كان على ولاية خراسان في خلافة أمير المؤمنين، روى عنه مجاهد ويزيد، وعبد الرحمن، وسكن الكوفة، واختلف في صحبته، ينظر، ابن الأثير، أسد الغابة، 1 / 539

(ياجعدة إني علمت إنه ما أخرجك علينا إلا حب علي بن أبي طالب علیه السلام، فاسأل خالك أن يعفو عن الشام لمعاوية، فأجابه جعدة، أما حبي لخالي لو كان لك خال مثله لنسيت أباك، وأن علياً علیه السلام مضى به يقينه وقصر معاوية شكه، وقصد أهل الحق خير من جهد أهل الباطل، وأما قولكم أن عليا أطوع لنا من معاوية لكم، فوالله ما نسأله إن سكت، ولا نرد عليه إن قال، لأنه ليس في عسكرنا أحد إلا وعلي علیه السلام أفضل منه، وفي عسكركم من هو أفضل من معاوية وأما قتل العرب لأن الله تعالى قد كتب القتل والقتال، فمن قتله الحق فإلى الله والجنة، ومن قتله الباطل فإلى النار)(1).

ويبدو أن معاوية أستمر في إرسال الكتب والرسائل إلى الإمام علیه السلام، بمحاولة منه لتغيير رأيه من أجل إبقائه على ولاية الشام، إذ عبر أمير المؤمنين عن ذلك بقوله:

(وقد أتاني كتابٌ ذو أفانينَ من القول، ضعفت قواها عن السلم، وأساطيرَ لم يَحُكْهَا مِنْك علم ولا حلم، أصبحت منها كالخائض في الدَّهاس، والخابط في الدّيْماس)(2) أشار الإمام علیه السلام إلى كتاب معاوية بالذم لأنه أشتمل على ألوان من الأساليب المختلفة والملفقة التي لا تتناسب بعضها مع البعض الآخر(3) أي أن تلك الأساليب لاتصدر عن مسلم، وكان معاوية قد كتب إلى الإمام علیه السلام يطلب منه إقراره على الشام وأن يوليه العهد بعده، بدون أن يكلف نفسه الحضور عند

ص: 353


1- المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، 464؛ ابن أعثم الكوفي، الفتوح، 3 / 107 - 108
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 489
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 201

الإمام علیه السلام(1).

وأراد بقوله علیه السلام الأساطير أي الأباطيل، وحُوك الكلام، أي صنعته ونظمته، أي بمعنى أن هذا الكلام والهجر لم يصدر عن فاسد ولا عاقل(2) وأنك أصبحت كالخائضِ في الدهاس(3) والخابط في الديماس(4) وقصد من ذلك إنك في كتابك هذا أصبحت كخائضٍ في الأرض الرخوة، تقوم وتقع ولا تتخلص، وكالخابط في الليل المظلم ينهض ويعثر لا يهتدي إلى طريق(5).

ومن جانب آخر أخذ معاوية يطلب أمورًا بعيدة المنال من قبله وهي الحصول على إمرة الشام، أو العهد بالخلافة بعد أمير المؤمنين علیه السلام، وهذه الأمور لاتصلح لمعاوية لأنه من الطلقاء، ومن الذين حاربوا الدين فكيف يطمح للحصول عليها، وعبر الإمام عن تلك المطامح بقوله علیه السلام:

(وترقيتَ إلى مرْقبةٍ بعيدة المرامِ، نازحةِ الأعلامِ، تقصرُ دونها الأَنُوقُ، ويحاذي بها العيوقُ)(6)، إذ بيّن ابن أبي الحديد في شرحه (أن معاوية سعى إلى الخلافة بكل همته وهي بعيدة عنه كالمرقبة(7) التي تبعد على من يطلبها، ولا يوجد فيها أعلام يهتدي بها إلى سلوك طريقها، أي الطرق إليها غامضة كالجبل

ص: 354


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 19
2- المصدر نفسه، 18 / 19؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 4 / 167
3- الدهاس، المكان السهل الذي لا يبلغ أن يكون رملا، وهو ليس بتراب ولا طين، ينظر، إن منظور، لسان العرب، 6 / 89
4- الديماس، السرب المظلم تحت الأرض، ينظر، ابن منظور، لسان العرب، 6 / 88
5- ابن أبي الحديد، شرح نهج لبلاغة، 18 / 19
6- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 490
7- المرقبة، الموضع العالي، ينظر، الجوهري، الصحاح، 1 / 133

الأملس الذي ليس فيه درج ومراقٍ يسلك منها إلى ذروته)(1)، وأراد بقوله تقصر دونها الأنوق(2) ويحاذي به العيوق(3) وهو مثل ضربه أمير المؤمنين علیه السلام في بعد معاوية عن الخلافة، وشبهه ببعده عن الخلافة بمكان النجم في السماء والطير في الفضاء(4).

نستنتج من ذلك أن معاوية حاول بكل الطرق والوسائل أن يحصل من أمير المؤمنين علیه السلام على إمرة الشام أو الخلافة بعده، وتشبيهه بالأمور المذكورة من قبل الإمام علیه السلام ما هو إلا دليل على مدى صغر مكانته التي يسعى من خلالها للحصول على الخلافة، أو الولاية على الشام، وفي الوقت نفسه رد الإمام علیه السلام على طلب معاوية بقوله:

(وحاشَ للهِ أن تليَ للمسلمين بعدي صدراً، أو ورداً، أو أجري لك على أحد منهم عقداً أو عهداً)(5)، أي معاذ الله أن أجعل لك سبيلًا على أحد من المسلمين(6)، وهنا نجد الإمام علیه السلام قد أغلق الأبواب بوجه معاوية في أمله في الحصول على ولاية الشام التي سعى إليها بمختلف الطرق والوسائل ولكنه فشل في ذلك، وروي أن معاوية أتى إلى جرير بن عبد الله البجلي في منزله لما

ص: 355


1- شرح نهج البلاغة، 18 / 19
2- الأنوق، على وزن فعول، وهو طائر الرخمة، وفي المثل أعز من بيض الأنوق، ولا يكاد يظفر به لأن أوكارها في رؤوس الجبال والأماكن الصعبة البعيدة ينظر، الجوهري، الصحاح، 4 / 1447
3- العيوق، هو كوكب بحيال الثريا، إذا طلع علم أن الثريا قد طلعت، ينظر، الفراهيدي، العين، 2 / 180
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 19؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 201
5- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 490
6- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 4 / 168

بعثه أمير المؤمنين علیه السلام لأخذ البيعة منه وأخبره أن يكتب إلى أمير المؤمنين علیه السلام بأن يجعل له الشام ومصر جباية، وفي حال وفاته، لا يجعل لأحد بعده بيعة في عنقه، على أن يسلم له هذا الأمر ويعترف له بالخلافة، فرد عليه الإمام علیه السلام بأن المغيرة بن شعبة قد أشار عليّ أن استعملك على الشام مذ كنت في المدينة لكني رفضت، (ولم يكن ليراني الله أتخذ المضلين عضداً)(1) 3- إسترداد الأموال بعد أن تسلم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام الخلافة أعلن عن برنامجه الإداري والمالي، وتكلمنا عن الجانب الاداري فيما مضى من البحث(2)، وسوف نبين بعض ما جاء عن أمير المؤمنين في نهج البلاغة بهذا الخصوص، وما هو موقفه من الأموال التي كانت مستغلة من قبل بني أمية وبعض المنتفعين منهم من الصحابة، إذ بيّن الإمام علیه السلام عند بيعته من قبل المهاجرين والأنصار عن موقفه من بيت مال المسلمين، واشترط عليهم أن يكون مفتاح بيت المال معه، وأن لا يكون أمره دونهم، فوافقوا على ذلك وتمت بيعته(3)، وكان الإمام علیه السلام حريصًا كل الحرص على أموال المسلمين، وهدفه الأساس نشر العدل والمساواة بين المسلمين، فكان يعمل على قسمة الأموال التي ترد من واردات الدولة على مستحقيها بالتساوي، إذ ورد في الرواية أنه كان لايدع في بيت المال مالا يبيت إلى الصبح، حتى يقسمه وكان يقول:

ص: 356


1- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 115
2- ينظر، الفصل الثالث، الصفحة 190
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 428؛ الخوارزمي، المناقب، 178

(يادنيا لا تغريني، غري غيري)(1).

وبدأ بتطبيق سياسة المساواة في العطاء منذ وصوله للحكم، إذ روي أنه أمر أن لا يتخلف أحدٌ من عربي ولا أعجمي كان من أهل العطاء إلا حضر(2)، وأشار علیه السلام في خطبة له في هذا الأمر:

(فأما هذا الفيء فليس لأحد على أحد فيه إثرة، وقد فرغ الله من قسمته. فهو مال الله، وأنتم عباد الله المسلمون، وهذا كتاب الله به أقررنا وله أسلمنا، وعهد نبينا بين أظهرنا، فسلموا رحمكم الله، فمن لم يرضَ به فليتول كيف شاء)(3)، ومما لا شك فيه أن الإمام علیه السلام أراد من خطبته هذه أن يذكّر الناس بالعودة إلى كتاب الله، وسنة نبيه المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم التي ابتعدت عنها هذه الأمة، فكان شعاره الإصلاح بسبب انتشار الظلم والطبقية والفقر بين الناس، وعبر عن ذلك في إحدى خطبه بقوله علیه السلام:

(وأيم والله لأنصفنَّ المظلوم من ظالمه، ولأقودن الظالم بِخِزامتهِ(4)، حتى أورده منهل الحق وإن كان كارهاً)(5)، أقسم الإمام علیه السلام لينصفن المظلوم ويقود

ص: 357


1- الصدوق، الأمالي، 357؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 534؛ سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص، 110
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 30
3- الإسكافي، المعيار والموازنة، 112؛ ابن شعبة الحراني، تحف العقول، 129؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 33
4- الخزامة، حلقة من شعر تجعل في وترة انف البعير يشد بها الزمام، ويقال لكل مثقوب مخزوم، والطير كلها مخزومة لأن وترات أنوفها مخزومة، ينظر، الجوهري، الصحاح، 5 / 1911
5- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 221

الظالم من خزامته حتى يذعن إلى الحق(1).

وفي خطبة أخرى أورد أمير المؤمنين علیه السلام كلاماً في غاية الأهمية في التنبيه والإبتعاد عن الظلم جاء فيها:

(والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهداً، وأجر في الأغلال مصفداً، أحب إليَّ من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، وغاصِبا لشيء من الحطام، وكيف أظلمُ أحداً لنفسٍ يسرع إلى البلِى قفولها، ويطول في الثرى حلولها)(2)2، هنا بيان قسَم الإمام علیه السلام على اختياره العذاب والتقلب على الشوك وهو مغلول بالسلاسل، أحب إليه من عذاب الله بسبب ظلمه للعباد من حطام الدنيا، وإخباره بذلك الأمر ما كان إلا على بصيرة من أمره في معرفة مدى الفرق بين العذابين، عذاب الدنيا وعذاب الآخرة(3) وكيف يظلم الناس لأجل نفس تموت سريعاً ويطول بقاؤها في التراب)(4).

نستشف من كلام الإمام علیه السلام أنه لو خيّر بين المبيت والتقلب على نبات الشوك وبين عذاب الآخرة، لاختار الاول باعتباره أهون من الثاني الذي هو أبدي بينما العذاب الأول مؤقت، وهي رسالة واضحة لكل من ظلم الناس وأكل حقوقهم بغير وجه حق، وضرب لنا مثلا في أقرب الناس إليه أخوه عقيل بن أبي طالب عندما طلب منه اعطية، وقد عبر عن ذلك بقوله علیه السلام:

(ولقد رأيت عقيلاً قد أملق حتى استماحني من بِرّكمْ صاعاً، ورأيت صبيانه

ص: 358


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 155
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 374
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 76؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 315
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 76

شعثَ الشعور، غبر الألوان من فقرِهِم، كأنما سُوِّدت وُجوهمم بالعظلمِ، وعاودني مؤكداً، وكرر عليَّ القول مردداً، فأصغيت إليه سمعي، فظن أني أبيعه ديني، وأتبع قيادهُ مفارقاً طريقتي، فأحميت له حديدة، ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضج ضجيج ذي دنفٍ من ألمِها، وكاد أن يحترق من ميسمها، فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل! أتئنُ من حديدة أحماها إنسانها للعبهِ، وتجرُني إلى نارٍ سجرها جبارها لغضبهِ؟ أتئنُّ من الأذى ولا أئن من لظى؟)(1)، وهذا تنبيه على ضرورة المحافظة على أموال المسلمين، حتى أن الإمام علیه السلام رفض إعطاء أخيه على الرغم من علمه بحاجته إليه، لأن إعطاءه منه سيكون على غير وجه حق شرعي، وبدلا من أن يعطيه ما طلب، قام وحمى له حديدة ليذكره بعذاب الله تعالى، وبين له ان سبب أنينه يجب أن يكون من نار الآخرة وليس من نار الدنيا، وهذا بحد ذاته تذكير لمن يظلم الناس ويبخس حقوقهم(2).

ومن خلال المقارنة بين موقف أمير المؤمنين علیه السلام من أخيه عقيل ورفضه إعطاءه من بيت المال نجده يتجسد فيه الحرص الكامل من قبله علیه السلام على أموال المسلمين وعدم تفضيل أحد على الآخر من جهة، ومن جهة اخرى نجد عثمان على العكس من ذلك، فإنه حريصٌ على أن يثري أهل بيته وهم من الطلقاء على حساب الآخرين، وقد تجسد ذلك من خلال موقف عثمان للأرقم بن عبد الله عندما حاول عثمان أن يأخذ من بيت المال ليعطيه إلى أقاربه فرفض الأرقم ذلك فقال له إنما انت خازن لنا(3)، أي أنهم كانوا ينظرون إلى بيت مال المسلمين

ص: 359


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 375
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 76
3- ينظر، الصفحة، 175

وكأنه حكر على بني أمية يهبون منه لمن يريدون.

وأشار أحد الباحثين إلى ذلك الأمر بأن الإمام علیه السلام يوضح المنهاج الذي سار عليه في مساواة العطاء وعدم ظلم الرعية، طبقه على نفسه وأهل بيته وقرابته أولاً ثم على الناس ثانياً، فلابد من الوقوف هنا على موقف الإمام علیه السلام من أهل بيته علیهم السلام وحقوقهم في بيت المال فإن الإمام علیه السلام لم يرَ لهم حقاً أكثر من حقوق الآخرين ويتحدد نصيبهم بالعطاء(1).

وفي موضع آخر من نهج البلاغة، حدد الإمام علیه السلام أسباب الانحراف الذي تعاني منه الأمة ألا وهو انحراف الحكام والولاة عن خط الدين الإسلامي والسنة النبوية، فعمل الولاة يجب أن يكون قائمًا على أساس العدل والإصلاح والمساواة بين الناس في جميع الأمور، وخاصة الجانب المالي، وجاء قوله علیه السلام في هذا الصدد:

(وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج، والدماء، والمغانم، والأحكام، وإمامة المسلمين، البخيل، فتكون في أموالهم نهمته)(2)، إذ حدد الإمام علیه السلام الصفات التي يجب ان تتوفر في الوالي، التي يمكن من خلالها أن يدير شؤون المسلمين، وهي أن لا يكون الوالي بخيلا وحريصاً على الأموال التي فيها حق لرعيته، وأن لا يكون من خلال تلك الأموال إفراطه وشهوته في الطعام والأمور الدنيوية(3) وكما جاء في الحديث الشريف:

ص: 360


1- العيساوي، النظم الإدارية والمالية في عهد الإمام علي، 250
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 217
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 8 / 203

(لا يجتمع الشح والإيمان في جوف رجل مسلم)(1)، وأكدت إحدى الباحثات على وجوب أن لا تحكم هذه الموارد التي ذكرها أمير المؤمنين علیه السلام من بخيل لأن الوالي البخيل يكون حرصه وجشعه على أموال رعيته دافعاً له لحرمانهم من هذه الحقوق التي تعدت الجانب المادي فأدت إلى نفورالناس وابتعادهم عن حاكمهم(2).

وأما قوله: علیه السلام:

(ولا الحائف للدول، فيتخذ قوماً دون قوم)(3)، ومراده هنا الظالم لها والجائر عليها، والدُول، جمع دولة، وهو المال المتداول به، أي يجب أن يكون الوالي عادلا بالقسمة بين الناس، لا أن يفضل واحداً على الآخر، أو قوماً دون قوم(4)، فكان عثمان قد أعطى مروان بن الحكم مائة ألف دينار، ويروى خمس أفريقيا(5)، وأعطى أبا سفيان بن حرب مائة ألف من بيوت المال(6)، والشواهد كثيرة على قيام الولاة بالتصرف في بيوت أموال المسلمين، ومن بينهم الولاة الامويين الذين ولاهم عثمان على الولايات الإسلامية.

وبدأ الإمام علیه السلام بتطبيق سياسته التي رسمها للإصلاح بعزلهم واسترداد جميع الأموال التي نهبت من بيت المال، وقد عبر عن ذلك بقوله:

ص: 361


1- أحمد بن حنبل، مسند أحمد، 2 / 441؛ ابن أبي شيبة، المصنف، 4 / 588
2- العامري، ذكرى عواد، الفكرالاقتصادي في نهج البلاغة، 50
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 217
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 8 / 203؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2 / 271
5- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 50؛ البلاذري، جمل من انساب الاشراف، 6 / 133
6- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 193

(والله لو وجدتهُ قد تُزُوّجَ بهِ النساء ومُلك به الإماءُ لرددته فإن في العدل سعَة، ومن ضاقَ عليه العدلُ فالجور عليه أضيقُ)(1)، روي أن الإمام عليًّا علیه السلام بدأ بإسترجاع القطائع التي أقطعها عثمان لبني أمية وغيرهم من أوليائه صلة لرحمه وميلاً إلى أصحابه من غير عناء ولا حرب، والتي أعفاها من الخراج وجعل عليها ضريبة بسيطة تؤدى عنها عوضاً عن الخراج(2)، وذكر ابن أبي الحديد في شرحه: (وهذه الخطبة رويت عن ابن عباس عن أمير المؤمنين علیه السلام وخطب بها في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة فقال: ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شيء، ولو وجدته قد تُزوج به النساء، وفرق في البلدان، لرددته إلى حاله، فإن في العدل سعة، ومن ضاق عنه الحق فالجور عليه أضيق)(3)، أي أن الإمام علیه السلام أراد بيان الأمر لمن يعجز عن تدبير أمره في العدل، فبالتأكيد سيكون تدبير الأمر بالجور أصعب وأشد(4)، ولا شك ان هدف الإمام علیه السلام الرئيسي هو فرض المساواة بين المسلمين بعد ما لحق بهم الجور والظلم الذي عاشوا فيه من جراء حكم الولاة الذين سبقوه.

وروي أن الإمام علیه السلام بعد بيعته، أمر بكل ما كان في دار عثمان من مال وسلاح، وكل ما كان من أموال المسلمين، فقبضه وترك ما كان ميراثاً لعثمان لورثته(5)، وأمر بقبض سيفه ودرعه، وأمر بأن لا يعرض لسلاح لم يقاتل به

ص: 362


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 47
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 250؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 1 / 360
3- شرح نهج البلاغة، 1 / 250؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 47
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 1 / 360؛ محمدعبده، نهج البلاغة، 1 / 47
5- القاضي النعمان، دعائم الإسلام، 1 / 396

المسلمون(1)، حتى كتب عمرو بن العاص إلى معاوية قائلًا له: (ما كنت صانعًا فاصنع، إذ قشرك ابن أبي طالب من كل مال تملكه، كما تقشر العصا لحاها)(2).

وعلى الرغم من قيام الإمام علیه السلام بهذه الإصلاحات التي حظيت بتأييد الكثير من المسلمين الذين عانوا من الظلم من ولاة عثمان، نجد فئات أخرى عارضت هذه الإصلاحات، لأنها تجردهم مما حصلوا عليه من امتيازات وخاصة من بني أمية، إذ ورد أنه بعد بيعة الإمام علیه السلام بالخلافة بعد مقتل عثمان، بايع الناس كلهم إلا ثلاثة نفر هم مروان بن الحكم، وسعيد بن العاص، والوليد بن عقبة ابن أبي معيط، الذين اشترطوا على الإمام علیه السلام أن يترك ما في أيديهم من أموال، لكنه رفض ذلك وقال لهم:

(أما وضعي عنكم ما أصبتم، فليس لي أن أضع حق من حقوق الله)(3).

وبذلك أخذ أميرالمؤمنين علیه السلام بتطبيق سياسته التي وضعها في استرداد الأموال المنهوبة من قبل بني أمية وأعوانهم، والتي حرم منها الكثير من المسلمين من جراء سياسة بني أمية غير العادلة في توزيع الأموال، وهو علیه السلام من خلال قيامه بذلك قد أعاد مبدأ المساواة في العطاء الذي كان سارياً في عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم والذي ألغي في زمن الخلفاء الثلاثة من بعده واستمر إلى ان تسلم أمير المؤمننين علیه السلام أمر الخلافة.

ص: 363


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 251
2- المسعودي، مروج الذهب، 1 / 643؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 251
3- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 75

ص: 364

الفصل الرابع

اشارة

المبحث الأول: إتهام معاوية للإمام علیه السلام بقتل عثمان ورد الإمام عليه في نهج البلاغة

المبحث الثاني: نصائح أمير المؤمنين علیه السلام لبني أمية في نهج البلاغة

ص: 365

ص: 366

المبحث الأول إتهام معاوية للإمام علیه السلام بقتل عثمان ورد الإمام عليه في نهج البلاغة

1- دفاع الإمام علي علیه السلام عن عثمان كان موقف الإمام علي علیه السلام واضحاً من عثمان وفي دفاعه عنه، إذ نصحه مرات عديدة في الرجوع عن سياسته التي أدت إلى الثورة عليه من قبل سكان الولايات، وكان الإمام علیه السلام يتدخل بين الثوار و عثمان في كل مرة، عندما يطلب منه ذلك، لغرض تحقيق مطالبهم، ومنها عزل الولاة الذين تذمر الناس منهم، والتسوية في العطاء بين الناس، وتعهد عثمان بذلك وكتب كتاباً وأشهد عليه الصحابة، ولكن لا يفي بوعوده في كل مرة، والسبب في ذلل هو وقوف حاشيته، وعلى رأسهم مروان بن الحكم الذي كان يقف حائلا دون التزام عثمان بوعوده(1)، وفي كل مرة كان الإمام علي علیه السلام يرسل ولده الحسن الى عثمان، لغرض النظر في مطالب الثوار، ولكنه يتذمر، حتى أنه طلب من الإمام

ص: 367


1- البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 6 / 180

الحسن علیه السلام أن يخبر أباه بالكف عنه، فلم يرسل إليه الحسن علیه السلام مرة أخرى(1).

ويبدو أن عثمان ظن بالإمام علي علیه السلام أن له اليد في تأليب الناس عليه، لغرض قتله والحصول على الخلافة من بعده، وذلك بسبب تأثير الحاشية عليه وفي مقدمتهم مروان بن الحكم، وما يدعم رأينا هو الرواية التي أوردها البلاذري حول قيام مروان بن الحكم بإخبار عثمان بأن الإمام عليًّا علیه السلام كما أشرنا هو الذي يحرض المصريين عليه، مما جعل عثمان يقول: (اللهم إن علياً أبى إلا حب الإمارة فلا تبارك له فيها)(2).

وازداد حصار الثوار لعثمان بن عفان، وعلى أثر تلك الاحداث، بعث عثمان إلى الإمام علیه السلام وهو محصور في داره من قبل الثوار، رسالة بيد عبد الله بن عباس، يطلب منه الحضور،، وكان قبل ذلك طلب منه عثمان الخروج إلى ماله في ينبع(3) لأن الناس هتفوا بإسمه بالخلافة، وفي كلام للإمام علیه السلام بهذا الشأن مخاطباً ابن عباس عن ذلك بقوله: (يا بن عباس، ما يريد عثمان إلا أن يجعلني جملا ناضحاً بالغرْبِ)(4)، وسبب الرسالة هو أن القوم الذين حصروا عثمان، كانوا يكثرون من الصياح به وتوبيخه على أحداثه من تفريق بيت المال على غير مستحقيه، وأحداث أخرى قام بفعلها(5)، والمراد بقوله علیه السلام يجعلني جملا ناضحا

ص: 368


1- ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، 5 / 59
2- جمل من أنساب الأشراف، 6 / 177
3- ينبع، وهو موضع فيه ماء ونخيل ووقوف للإمام علي علیه السلام، ويقع بين مكة والمدينة، وتقع على طريق الحاج الشامي، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 5 / 450
4- محمد عبده، نهج اللاغة، 2 / 388
5- البحراني، شرخ نهج البلاغة، 4 / 297

بالغرْب(1)، أي البعير يسقى عليه، وهو تشبيه لقوله علیه السلام أقبل وأدبر(2).

وفي السياق ذاته جاء قوله علیه السلام:

(أقبل وأدبر، بعث إليَّ أن أخرج، ثم بعث إليَّ أن أقدم، ثم هو الآن يبعث إليَّ أن أخرج)(3)، إذ بين البحراني في شرحه أن قصد عثمان من إرسال الرسالة إلى الإمام علیه السلام لأحد الأمرين:

(أولهما، إعتقاده أنه كان أشرف الجماعة، والناس له أطوع، وأن قلوب الجماعة معه حينئذ، والأمر الثاني، أن له شركة مع الناس في فعلهم به، وكانت بينهما هناة، فكان بعثه له من بين الجماعة متعيناً، لأنهم إن رجعوا بواسطته فهو الغرض، وإن لم يرجعوا حصلت بعض المقاصد أيضاً، وهو تأكد ما نسبه إليه من المشاركة في أمره، وبالتالي بقاء ذلك حجة عليه لمن بعده ممن يطلب بدمه، حتى كان لسبب هذا الغرض الثاني ما كان من الوقائع بالبصرة وصفين)(4).

ويمكن الرد على رأي البحراني بالقول، وهل كان عثمان يفكر في ذلك في ساعاته الأخيرة، ألم يكن ينشد الخلاص من الثوار فكيف والحال هذه يخطط لقتل نفسه ليمهد السبيل لمن يأتي بعده.

وروي أن عثمان بعث إلى ابن عباس عندما حوصر من قبل الثوار، وطلب منه ان يخبر ابن عمه علي بن أبي طالب علیه السلام بالخروج إلى ماله في ينبع، حتى لا يتهمه بشيء، فخرج الإمام علیه السلام إلى هناك، وعندما اشتد على عثمان أمر الثوار،

ص: 369


1- الغرْب، الدلو العظيمة، ينظر، ابن منظور، لسان العرب، 1 / 642
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 297
3- محمد عبده، نهج اللاغة، 2 / 388
4- شرح نهج البلاغة 4 / 298

طلب من الإمام العودة وكتب إليه:

(أما بعد، فقد بلغ السيل الزبى، وجاوز الحزام الكتفين، وارتفع أمر الناس في أمري فوق قدره، وطمع فيّ من لم يدفع عن نفسه)(1)، ونستشف من النص المتقدم ان الإمام علیه السلام وقع بين أمرين، تارة يطلب منه عثمان أن يخرج من المدينة، بسبب خوفه من إنتقال الخلافة إليه، لأن الثوار كانوا يهتفون باسمه للخلافة والأمر الثاني هو طلبه من الإمام علیه السلام الحضور للدفاع عنه، وكذلك يبدو ان عثمان كان ينوي إتهام الإمام في التحريض عليه، وإنه لم يكن يتوقع أن يصل أمر الثوار بالمطالبة في قتله.

وفي الصدد ذاته أقسم أمير المؤمنين علیه السلام مبيناً دفاعه عن عثمان وعبر عن ذلك بقوله:

(والله لقد دفعت عن عثمان حتى خشيت أن اكون آثماً)(2)، إذ بين بعض الشراح ان مراد الإمام علیه السلام من ذلك يحتمل عدة وجوه منها:

انه علیه السلام بالغ في الدفاع عن عثمان حتى خشي أن يأثم من كثرة الدفاع عنه، وأنه لا يستحق الدفاع عنه لجرائمه وأحداثه.

ان الإمام علیه السلام دافع عنه حتى كاد أن يلقي نفسه بالتهلكة، وأن يقتله الناس الذين ثاروا عليه فخاف من تغريره بنفسه وتوريطها في تلك الورطة العظيمة.

من المحتمل أنه يريد خشيته علیه السلام من الوقوع بالإثم والإفراط في حق الثوار

ص: 370


1- ابن شبة النميري، تاريخ المدينة، 4 / 1201؛ ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 53؛ ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، 5 / 59
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 388

كأن يضرب أحدهم بسوطه، أو يغلظ لأحدهم في القول(1) ولعل تخوف الإمام علیه السلام من الوقوع بالإثم بسبب دفاعه عن عثمان الذي يواعده في كل مرة بالرجوع إلى مشورته علیه السلام ولكنه ينقض ما وعد به بسبب الدور السلبي الذي تمارسه حاشيته عليه، وهذا ما حدث بالفعل عندما نقض عثمان ما وعد به أمير المؤمنين علیه السلام، إذ روي انه لما خرج ابن عديس(2)، من مصر في خمسمائة إلى عثمان، ونزلوا ذا خشب(3)، طلب عثمان بن عفان من أمير المؤمنين علیه السلام ان يخرج لهم ويردهم عنه، فقال له علام أردهم فواعده عثمان بأن يأخذ بمشورته ورأيه ولن يخرج من يده، فقال له أمير المؤمنين علیه السلام:

(أني قد كنت كلمتك مرة بعد مرة فكل ذلك تخرج وتقول ذلك كله فعل مروان وسعيد بن العاص وابن عامر أطعتهم وعصيتني، فقال له عثمان أعصيهم وأطيعك)، فخرج أميرالمؤمنين علیه السلام لأهل مصر وكلمهم فرجعوا عن عثمان(4).

2- موقف الإمام علي علیه السلام من اتهامه بقتل عثمان:

ص: 371


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 13 / 220؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 298؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 368
2- عبد الرحمن بن عديس بن عمرو بن عبيد البلوي، له صحبة وشهد بيعة الرضوان، وبايع فيها، وكان أمير الجيش القادم من مصر لحصار عثمان بن عفان، وروى عنه جماعة من التابعين في مصر، وكان من الأسرى الذين أسرهم معاوية في فلسطين، وهرب من الحبس، وتم قتله وذلك سنة (36 ه)، ينظر، ابن الأثير،أسد الغابة، 3 / 469
3- ذا خشب، وهو وادي بالقرب من المدينة ويبعد عنها مسيرة ليلة واحدة، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 2 / 372
4- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3 / 358

اتهم معاوية بن أبي سفيان الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام في المشاركة في قتل عثمان بن عفان، ومن الواضح ان هذا الإتهام ما هو إلا إتهامٌ يحمل أبعاداً سياسية بالدرجة الأساس ولم يكن الغرض منه أخذ ثأر عثمان بن عفان كما زعم معاوية كونه من بني أمية، ولعل من دلالة ما نذهب إليه ان عثمان بن عفان استنصر معاوية بن أبي سفيان مما حدا بالأخير إلى تجهيز جيش يزيد بن أسد القسري(1)، إلا أنه أمر قائد الجيش بعدم التحرك والدخول إلى المدينة بأي حال لذا جاء ان معاوية أوصاه بما يلي: (إذا أتيت ذا خشب فأقم بها، ولا تتجاوزها، ولا تقل الشاهد يرى ما لايرى الغائب، فإنني أنا الشاهد وأنت الغائب)(2)، وبعد ان قتل عثمان لم يتدخل الجيش وقائده لنصرته وعاد إلى الشام الأمر الذي يبين ان معاوية كان راضياً عن كل ذلك وهو ان يتخذ مقتل عثمان حجة للمطالبة بالخلافة من خلال مطالبته بالثأر(3).

وأخذ معاوية يدعو إلى الطلب بثأر عثمان ويتهم الإمام علیه السلام بقتله، وما أوردناه من حجج وأساليب معاوية في هذا الشأن ما هو إلا دليل على أنه لم يكن يريد الأخذ بدم عثمان وإنما الحصول على ولاية الشام أو الخلافة بعد

ص: 372


1- يزيد بن أسد بن كرز بن عامر بن عبد الله القسري، روى عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وعن عمر بن الخطاب، وهو من أهل دمشق، وكان على مقدمة الجيش الذي أرسله معاوية إلى عثمان مع حبيب بن مسلمة، وشهد صفين مع معاوية، وكان أميراً يومئذ على بجيلة، وولي الصائفة ليزيد بن معاوية، ينظر، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 65 / 100
2- ابن شبة النميري، تاريخ المدينة، 4 / 1289؛ البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 6 / 188؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 120
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 120

الإمام علیه السلام(1).

وأشار أمير المؤمنين علیه السلام في أكثر من موضع في نهج البلاغة إلى براءته من قتل عثمان، وصرح في إحدى خطبه عن ذلك بقوله:

(لو أمرتُ به لكنت قاتِلاً، أو نهيت عنه لكنت ناصراً)(2)، أي أن الإمام علیه السلام لم يأمر بقتله، ولاكان قاتلا له، ولا ذاباً عنه بسيفه، بل نهى عن قتله(3)، بينما ذهب البحراني بالقول: إن سبب قعود الإمام علیه السلام عن نصرة عثمان لا لإرادته قتله، وإنما لأسباب أخرى وهي بسبب إحداثه أموراً نقمها الصحابة وجمهور المسلمين، إستحق عليها التنبيه في نظر أمير المؤمنين علیه السلام وليس القتل(4)، لكن الإمام علیه السلام لم يقعد عن نصرته ابتداءً بل دافع عنه وولداه علیهما السلام، ولو أمر لكان من قاتليه وليس في قتله مصلحة للإسلام والمسلمين، ولو ذب عنه بالسيف لعمت الفتنة وكثر القتلى، لذلك نهى الإمام علیه السلام عن قتله(5)، وروي عن عمار بن ياسر أنه رأى الإمام علیه السلام على منبر النبي صلی الله علیه و آله وسلم حين قتل عثمان وهو يقول:

(ما أحببت قتله، ولا كرهته، ولا أمرت به، ولا نهيت عنه)(6)، وعلى ما يبدو ان الإمام علیه السلام قد اعتزل عثمان بعد ما رفض الأخير الأخذ بنصائح الإمام لإنقاذه من المأزق الذي وقع بينه وبين الثوار.

ص: 373


1- ينظر، الصفحة، 128 - 165
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 71
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 102
4- شرح نهج البلاغة، 2 / 55
5- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1 / 205
6- الشريف المرتضى، الشافي في الإمامة، 4 / 308

وذكر أنه لما أخبر عمرو بن العاص وهو بفلسطين، أن عثمان قد قتل، وأن الناس بايعوا علياً علیه السلام قال: (ما فعل علي في قتلة عثمان؟ قيل له: دخل عليه الوليد بن عقبة، فسأله عن قتله، فقال: ما أمرت ولا نهيت، ولا سرني، ولا ساءني، قال: ما فعل بقتلته؟ فقيل له: آواهم)(1)، لكن الإمام علیه السلام دافع عن عثمان ولم يقف موقف المتفرج من الأحداث التي جرت وهذا ما سنبينه فيما بعد.

وفي الموضوع ذاته جاء قول أمير المؤمنين علیه السلام:

(غير أن من نصره، لايستطيع أن يقول خذله من أنا خير منه، ومن خذله لا يستطيع أن يقول نصره من هو خير مني)(2)، أي أن خاذليه خير من ناصريه الذين خذلوه، لأن الذين نصروه كان أكثرهم فساقاً كمروان بن الحكم، وأمثاله من المهاجرين والأنصار(3)، وهؤلاء الذين خذلوا عثمان، ولم ينصروه عن عمد، بل كانوا أكثرهم يحرض عليه سراً وعلناً، ولو أن الصحابة ناصروه ووقفوا معه لما تجرأ أحد على قتله(4)، ويتبين أن الذين خذلوا عثمان ولم ينصروه، كا بينهم من خيار الصحابة الذين اشتركوا في الثورة على عثمان، ويكفي منهم الصحابي عمار بن ياسر الذي قال فيه النبي صلی الله علیه و آله وسلم:

(عمار تقتله الفئة الباغية)(5)، ومن هذا المبدأ لا يستطيع من نصر عثمان أن

ص: 374


1- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 67
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 71
3- أبن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2 / 104
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 58؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1 / 205
5- ابن حنبل، مسند أحمد، 3 / 91؛ البخاري، صحيح البخاري، 3 / 207؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك، 2 / 149

يقول أنا خير ممن خذله، فمروان بن الحكم مثلا لا يستطيع أن يقول أنا خير من عمار الذي خذل عثمان، وعلى هذا فإن ناصريه لم يكن فيهم خيرٌ في شيء يفضلون به على خاذليه(1). لكن عمار بن ياسر لم يخذل عثمان فموقفه واضح، ومن نتيجة معارضته لسياسة عثمان إذ أمر بضربه وشقت له بطنه من أثر تلك المعارضة.

فالأفضلية هنا ليست من باب النصرة وعدم النصرة، بل ان النصرة من عدمها جاءت على أساس المواقف السابقة فضلاً عن ذلك فإن من خذل عثمان بالدرجة الأساس من أساء التصرف وتكلم باسمه وهيج العامة والأمصار عليه وفي مقدمتهم مروان بن الحكم وبنو أبيه من بني أمية.

ويبدو أنه بسبب قيام عثمان بأعمال أدت إلى ثورة بعض سكان الولايات عليه، ومن بينها الإستئثار بإدارة الولايات من قبل أقاربه من بني أمية، وكذلك التصرف بالأموال، وحرمان بقية المسلمين منها، مما أدى إلى تذمر الناس عليه، وأدت الثورة إلى مقتله، وهذا ماعبر عنه أمير المؤمنين بقوله:

(وأنا جامع لكم أمره، إستأثر فأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع)(2)، ولم يكن أمير المؤمنين علیه السلام راضياً عن تلك التصرفات التي أدت إلى مقتل عثمان، وإنما كان جزاؤه الخلع أو الحبس، وأن لا يتجاوز حد القصاص الذي شرع لحقن الدماء(3).

وفي موضع آخر أشار أمير المؤمنين علیه السلام إلى اتهام بني أمية له بقتل عثمان، على

ص: 375


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 71
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 71
3- أبن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2 / 104؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 63

الرغم من علمهم بمكانته الدينية، التي تأتي بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، بقوله:

(أولم ينهَ بني أمية عِلمُها بي عن قرْفِی؟ أو ما وزع الجهال سابقتي عن تهمتي)(1)، إن مراد الإمام علیه السلام بقوله هذا، أن بني أمية أعلم من غيرهم بحالي، حتى يتهموني بقتل عثمان، بسبب ما أنا عليه من المنزلة في الدين، التي لا توجد منزلة أعلى منها بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وخير دليل على ذلك ما نطق به الكتاب الصادق من طهارته وطهارة زوجته وبنيه، في قوله تعالى:

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(2)، وكذلك قول النبي صلی الله علیه و آله وسلم:

(أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)(3)، وهذه الأمور تقتضي عصمته بلاشك(4)، وذهب محمد عبده إلى القول ان مراد الإمام علیه السلام من ذلك هو ان بني امية أعلم بحالي وموقفي من عثمان، إذ كنت أحسن الناس فيه قولا، وكنت له لا عليه، أي كان دائم النصح له، حتى يتهموني بالإشتراك بدمه، ألم يكفوا عن تلك التهمة وهي اتهامه بقتل عثمان(5).

نستشف مما تقدم إن اتهام بني أمية وخاصة معاوية لأمير المؤمنين علیه السلام بدم عثمان، هو اتهام باطل، وما هو إلا لغرض سياسي، ومما لا شك فيه أن الإمام علیه السلام

ص: 376


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 114
2- سورة الأحزاب، آية، 33
3- ابن حنبل، مسند أحمد، 1 / 184؛ الترمذي، سنن الترمذي، 5 / 305؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 2 / 338
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 136؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 210
5- نهج البلاغة، 1 / 114

كان غير راضٍ عن مقتل عثمان، وبراءته مما نسب إليه في التحريض على مقتل عثمان، لأنه سعى دائماً إلى إحقاق الحق بين الجميع، وقد صرح الرسول الكريم صلی الله علیه و آله وسلم بذلك بقوله:

(علي مع الحق والحق مع علي)(1)، إذ روى في هذا الصدد) أن رجلًا من همدان يدعى بُرد، قدم على معاوية، فسمع عمراً يقع على الإمام علیه السلام، فقال له:

ياعمرو، إن أشياخنا سمعوا النبي صلی الله علیه و آله وسلم يقول:

(من كنت مولاه فعلي مولاه)، فحق ذلك أم باطل، فقال عمرو: حق وأنا أزيدك أنه ليس أحد من الصحابة له مناقب مثل مناقب علي، ولكنه أفسدها بأمره في عثمان، فقال برد: هل أمر أو قتل؟ قال: لا، ولكنه آوى ومنع، قال:

فهل بايعه الناس عليها، قال: نعم، قال: فما أخرجك من بيعته، قال اتهامي إياه في عثمان، قال له: وأنت أيضاً قد اتهمت، قال: صدقت، وفيها خرجت إلى فلسطين، فرجع الفتى إلى قومه فقال: إنا أتينا قوماً أخذنا الحجة عليهم من أفواههم، علي على الحق فاتبعوه)(2)، أي ان أمير المؤمنين علیه السلام بريء مما نسب إليه بشأن إتهامه بقتل عثمان ومواقف الإمام علیه السلام التي أشرنا لها سابقاً تؤكد أنه لم يكن من المحرضين على قتل عثمان(3).

وفي موضع آخر من نهج البلاغة جاء قوله علیه السلام:

ص: 377


1- الإسكافي، المعيار والموازنة، 36؛ القاضي النعمان، شرح الأخبار، 2 / 60؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 42 / 449
2- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 129؛ الأميني،الغدير، 9 / 138
3- ينظر الصفحة، 203 - 205

(ولما وعظهم الله به أبلغ من لسِانِی)(1)، أراد الإمام علیه السلام بقوله، أن الذي وعظهم الله تعالى به في القرآن الكريم من تحريم الغيبة والقذف، وتشبيه ذلك بأكل الميت، أبلغ من وعظي لهم، والسبب في ذلك، لأنه لاتوجد عِظة أبلغ من القرآن(2)، وكما في قوله تعالى:

«إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ»(3)، ومعنى ذلك أن ظن المؤمن بالمؤمن الشر لا الخير إثم، لأن الله تعالى قد نهاه عنه، ففعل ما نهى الله عنه إثم(4).

وعلى الرغم من ذكر القرآن الكريم وتأكيده على تحريم الغيبة والقذف، والنيل من الآخرين، نجد أن بني أمية ومعاوية، يتهمون الإمام علیه السلام بدم عثمان، إذ روي، أنه خرج أبو إمامة الباهلي(5)، وأبو الدرداء(6) فدخلا على معاوية، وأرادوا معرفة سبب قتال معاوية له، مع علمه بأنه أقدم إسلاماً وقرباً من النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وأحق بهذا الأمر منه، فأجابهم: أقاتله على دم عثمان، وأنه آوى قتلته، وطلب منهم إخبار الإمام علیه السلام تسليم قتلته، فيكون أول من يبايعه من أهل الشام،

ص: 378


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 114
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 136؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 210
3- سورة الحجرات، آية، 12
4- الطبري، جامع البيان، 26 / 174
5- صدي بن عجلان بن عمرو أبو امامة الباهلي، صحب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وآخر من بقي من أصحابه، وروى عنه، وعن عمر وأبي الدرداء، وكان من المكثرين في الرواية، وسكن حمص، وقدم دمشق، توفي سنة (86 ه)، ينظر، أبن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 24 / 50
6- أبو الدرداء، واسمه عويمر ابن زيد بن قيس بن عائشة بن أمية، وهو من أصحاب النبي صلی الله علیه و آله وسلم، شهد أحدًا وقيل لم يشهدها، لأن اسلامه متأخر، وشهد الخندق ومشاهد أخرى، وتحدث عنه، وخرج إلى الشام وتقلد القضاء فيها،، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7 / 395

فانطلقا إلى الإمام علي علیه السلام فأخبراه بما يقول معاوية، فقال لهم: (هم الذين ترون، فخرج عشرون ألفاً، وأكثرهم مسربلون في الحديد لا يرى إلا الحدق، فقالوا:

كلنا قتلة عثمان، فإن شاؤوا فليروموا ذلك منا)(1)، وان صحّت الرواية فإن هذا العدد مبالغ فيه، ويبدو ان المراد من ذلك هو موقفهم الرافض لسياسة معاوية إزاء اتهامه الإمام علیه السلام بقتل عثمان.

وفي السياق ذاته صرح أمير المؤمنين علیه السلام بقوله:

(أنا حجيج المارقين، وخصيم الناكثين المرتابين)(2)، أي أن الإمام علیه السلام يحاجج الذين يمرقون عن الدين بالحجج والبراهين الدامغة(3)، وذكر إنه قال علیه السلام:

(أنا أول من يجثو للحكومة بين يدي الله تعالى)(4)، وجاء عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم في تفسير قوله تعالى:

«هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِی رَبِّهِمْ»(5)، فقال:

(علي وحمزة وعبيدة، وعتبة وشيبة والوليد)، وكانت حادثتهم أول حادثة وقعت فيها مبارزة أهل الإيمان لأهل الشرك، وكان المقتول الأول بالمبارزة الوليد بن عتبة، قتله الإمام علي علیه السلام، وكان يكثر من قول:

ص: 379


1- المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، 190؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 10 / 508
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 114
3- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1 / 364
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 137
5- سورة الحج، آية، 19

(أنا حجيج المارقين) أي الخوارج، ويشير إلى هذا المعنى(1).

وذهب البحراني بقوله:

(إن مراد الإمام علیه السلام انا حجيج المارقين، أي الخوارج أو كل من خرج عن دين الله، وخصيم المرتابين، أي الشاكين في نسبة هذا الأمر إلي، وقيل المنافقين الشاكين في صحة هذا الدين)(2)، إذ جاء في الحديث الشريف أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال:

(ياعلي أخصمك بالنبوة، ولا نبي بعدي، وتخصم الناس في سبع لا يحاجك فيهن أحد من قريش، أنت أولهم إيماناً، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمرالله، وأقسمهم بالسوية، وأعدلهم في الرعية، وأبصرهم بالقضية، وأعظمهم عند الله مزية)(3).

وفي إشارة الإمام علیه السلام في عرض الأعمال على كتاب الله تعالى، جاء في هذا الصدد قوله:

(وعلى كتاب الله تعرض الأمثالُ)(4)، إذ بيّن محمد عبده في شرحه ان مراد الإمام علیه السلام بالأمثال أي متشابهات الأعمال والحوادث تعرض على القرآن فما وافقه فهو الحق المشروع، وما خالفه فهو الباطل الممنوع، وان أمير المؤمنين علیه السلام قد سار على حكم الكتاب في جميع أعماله ولا يحق لأحد ان يطعن فيه ما دام

ص: 380


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 137
2- شرح نهج البلاغة، 2 / 210
3- الكوفي، مناقب أمير المؤمنين، 1 / 265؛ المفيد، الإرشاد، 1 / 38؛ الذهبي، ميزان الإعتدال، 1 / 313؛ ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان، 2 / 19
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 114

ملتزما بأحكام الكتاب(1)، وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال:

(إن على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه)(2)، نستنتج من كلام الإمام علیه السلام أن ما نسب إليه من دم عثمان يجب أن يعرض على كتاب الله تعالى، فهو القول الفصل فيما نسب إليه من هذه التهمة.

وأراد بقوله:

(وما في الصدور تجازى العباد)(3)، أي أن مراد الإمام علیه السلام من ذلك أنه في حال قتله عثمان أو حرض عليه، فإن الله سيجازيني بذلك، وإلا فسوف يجازى بالعقوبة من اتهمني به ونسبه إلي(4)، وورد أن عمار بن ياسر قال لعبيد الله بن عمر(5) معاتباً له بسبب وقوفه مع معاوية ومطالبته بدم عثمان: (صرعك الله! أبعت دينك من عدو الإسلام وابن عدوه، قال: لا، ولكن اطلب بدم عثمان بن عفان، قال له: أشهد على علمي فيك انك لا تطلب بشيء من فعلك وجه الله عز وجل...)(6)، ومما لا شك فيه ان هذه التهمة التي ألصقها بنو أمية للإمام علیه السلام

ص: 381


1- نهج البلاغة، 1 / 114
2- الكليني، الكافي، 1 / 69؛ الصدوق، الأمالي، 450
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 114
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 137؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 211
5- عبيد الله بن عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى، وهو الذي قتل الهرمزان وجفينة النصراني وكذلك قتل ابنة أبي لؤلؤة، فأنكر عليه المهاجرون الأولون ذلك، وكان عثمان بن عفان قد عفى عنه، وعند تولي الإمام علي علیه السلام الخلافة أراد قتله ولكنه هرب إلى معاوية، وقتل بعد ذلك في معركة صفين، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7 / 17
6- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 39 - 40

بدم عثمان، ما هي إلا أداة أرادوا من خلالها الوصول إلى السلطة، وخلق حالة من الرأي العام المناهض له، وقد عبر أحد الباحثين عن هذه التهمة بقوله: (لقد أرادوا باتهام أمير المؤمنين أموراً منها، إخراجه من دائرة التطهير التي ستظهرها رواية الحديث في عهده، وهم يريدون إخراجه من هذه الدائرة ليسهل عليهم مواجهته، وتعبئة العامة من حولهم، على اعتبار انهم أولياء عثمان والأحق به، أي يجردونه من الرداء الذي وضعه عليه الله و رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، بينما يكون على أبدان بني أمية رداء تأويل قوله تعالى:

«وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ»(1)، فيكونوا هم في دائرة الدين، ويكون أمير المؤمنين علیه السلام واحداً من الناس حرص على الحكم، ليجعله في أعقابه)(2).

وفي الصدد ذاته بعث أمير المؤمنين علیه السلام بكتاب إلى معاوية بيّن من خلاله موقفه من دم عثمان، واتهام معاوية له بذلك، جاء فيه:

(ولعمري يا معاوية! لئن نظرت بعقلك دون هواك، لتجنّي أبرأ الناس من دم عثمان، ولتعلمن أني كنت في عزلةٍ عنه إلا أن تتجنى، فتجنَّ ما بدا لك والسلام)(3)، ان الإمام علیه السلام نهى أهل مصر وغيرهم عن قتل عثمان مرات عديدة قبل قتله، لكن ذلك لم ينفع معهم شيئا(4) وكان معاوية أقدر من الإمام علیه السلام بالدفاع عن عثمان لأنه كان والياً على الشام، ويمتلك قدرات عسكرية كبيرة،

ص: 382


1- سورة الإسراء، آية، 33
2- سعيد أيوب، معالم الفتن، 1 / 499
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 395
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 14 / 31؛ مغنية، شرح نهج البلاغة، 3 / 392

وكان بالإمكان إرسال مساعدة لتخليص عثمان من الثوار، بينما كان موقف الإمام علیه السلام أصعب، بسبب أمرين هما: ان الثوار يحسبونه المسؤول الأول عن السعي للإصلاح، و عثمان يحسبه هو المسؤول عن كف الثوار عنه، وبالتالي وقع بهذه المعضلة التي كلما حاول التخلص منها لم يستطع(1).

ولكن هناك من يرى ان الإصلاح يتم بدون القتل، ومن جانب عثمان فهو الذي رفض في إحدى المرات (الأخيرة) مساعدة أمير المؤمنين علیه السلام ورفض كذلك الآراء التي طرحت عليه بخصوص أخذ مشورة الإمام علیه السلام وعدم الأخذ بمشورة مروان بن الحكم وغيره وعثمان أعلم الناس بأن أمير المؤمنين علیه السلام لم يكن باستطاعته كف الأيدي عنه في الساعات الأخيرة والسبب وراء ذلك مروان و عثمان نفسه وبني أمية.

وفي رسالة بعث بها معاوية إلى الإمام علیه السلام، يتهمه بالتحريض على عثمان، وعدم نصرته، لا بقول ولا فعل لغرض دفع التهمة عنه، إذ ورد كتاب معاوية الذي جاء فيه: (... وألبت الناس عليه، وبطنت وظهرت، حتى ضربت إليه آباط الإبل، وقيدت إليه الخيل العراب،، وحمل عليه السلاح في حرم رسول الله فقتل معك في المحلة وأنت تسمع في داره الهائعة، لا تردع الظن والتهمة عن نفسك فيه بقول ولا فعل...، فرد عليه الإمام علیه السلام بشأن هذا الإتهام قائلا:

وقد علمت أني كنت في عزلة عنه إلا أن تتجنى، فتجنَّ ما بدا لك)(2)، والمراد بقوله: (إلا أن تتجنى، فتجنَّ ما بدا لك) أن معاوية يعلم ببراءة الإمام علیه السلام من دم عثمان، ودفاعه عنه، ولكنه يفتري عليه لمآرب شيطانية بداخله، ولو أن معاوية

ص: 383


1- المصدر نفسه، 3 / 392
2- المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، 91؛ ابن أعثم الكوفي، الفتوح، 2 / 558

من المتقين، لمنعته نفسه من أساليب المكر والخداع التي يقوم بها، وأجابه أيضاً: إفعل ما يحلو لك، فإن الله بالمرصاد(1).

وذكر أنه اجتمع عند معاوية، عمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، والوليد بن عقبة، وطلبوا من معاوية ان يستدعي الحسن بن علي علیهما السلام لغرض النيل منه، وإخباره أن أباه قتل عثمان، فقال لهم معاوية: (... أما إني إن بعثت إليه لآمرنه أن يتكلم بلسانه كله، قالوا: مره بذلك. أما إذا عصيتموني، وبعثتم إليه وأبيتم إلا ذلك فلا تعرضوا له في القول، وأعلموا أنهم أهل بيت لا يعيبهم العائب، ولا يلصق بهم العار، ولكن إقذفوه بحجره، تقولون له أن أباك قتل عثمان، وكره خلافة الخلفاء قبله...)(2).

ويتضح من ذلك ان معاوية ومن آزره على يقين من براءة الإمام علیه السلام من التهمة الموجهة ضده، ولكنهم لجأوا إلى أسلوب الإتهام لكي يحصلوا على مايريدون من تأليب الناس على الإمام علیه السلام بحجة الأخذ بثأر عثمان، وقد شهد عبد الملك بن مروان ببراءة الإمام علیه السلام كما جاء في الرواية التي أوردت قوله علیه السلام، عند اتهام بني أمية له بدم عثمان: (ما بدأت في أمر عثمان شيئاً، ولئن شاءت بنو أمية لأباهلنهم عند الكعبة خمسين يميناً، ما بدأت في حق عثمان شيئاً)، فبلغ هذا الحديث عبد الملك بن مروان، فقال: إني لأحسبه صادقاً(3).

3- رفض الإمام علي علیه السلام طلب معاوية تسليم قتلة عثمان من الأمور التي تعلق بها معاوية واتخذها حجة وسبباً في معارضتهِ لأمير

ص: 384


1- مغنية، شرح نهج البلاغة، 3 / 392
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 244
3- ينظر، ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، 5 / 52

المؤمنين علیه السلام، وعدم الدخول في طاعته ومبايعته، مسألة تسليم قتلة عثمان، إذ أن معاوية ألح في طلب قتلة عثمان من أمير المؤمنين علیه السلام ليقتص منهم، ولكنه جوبه برفض الإمام علیه السلام وموقفه من هذا الطلب، وعدم تحقيق رغبته، وأشار الإمام علیه السلام إلى ذلك في نهج البلاغة بقوله: (وأما ما سألت من دفع قتلة عثمان إليك، فإني نظرت في هذا الأمر، فلم أره يسعني دفعهم إليك، ولا إلى غيرك)(1)، إذ ان هنالك أسباباً عديدة منعت أمير المؤمنين علیه السلام من تسليم قتلة عثمان إلى معاوية منها:

1- إن معاوية لم يكن ولي دم عثمان(2)، أي أن معاوية لم يكن هو المسؤول عن عثمان حتى يطالب بدمه إذ ان هناك أولاد عثمان وإخوته فهم المسؤولون عن المطالبة بدمه من قاتليه.

2- وكذلك انه لم يعين قتلته ليحاكمهم إلى الإمام الحق(3).

3- فضلا عن ذلك ان معاوية لا يعترف بولاية أمير المؤمنين علیه السلام على المسلمين، وهو مع ذلك يطلب منه أن يلتزم بواجبات الوالي، والقصاص من الظالمين(4)، فكيف يمكن ان يستجيب الإمام علیه السلام إلى من هو خارج عليه ولا يعترف بخلافته مثل معاوية.

4- وبيّن التستري ان هذا الكلام يدل على كون عثمان مهدور الدم عند أمير

ص: 385


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 397
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 323
3- المصدر نفسه، 4 / 323 - 324
4- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 402

المؤمنين علیه السلام وسقوط القصاص عن قاتليه(1)، لكننا لا نتفق مع هذا الرأي، إذ ان أمير المؤمنين علیه السلام لم يكن راضياً عن قتل عثمان، ومما يدلل على صحة ذلك ما جاء في كلام أمير المؤمنين علیه السلام عندما خاطب الثوار بقوله: (استأثر فأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع)(2)، وعلى أساس هذه الإعتبارات لم يسلم لمعاوية قتلة عثمان(3).

وروي ان أبا مسلم الخولاني(4)، أتى أمير المؤمنين يحمل معه كتاب معاوية يطلب فيه تسليم قتلة عثمان الذي قتل مظلوماً على حد تعبير معاوية مقابل الإعتراف بإمرته ومساعدته على ذلك الأمر، فأمهله الإمام علیه السلام ليعرف جواب كتابه، فنهض إليه جمع كبير من أصحاب الإمام وأخذوا ينادون كلنا قتلة عثمان، وأجابه الإمام علیه السلام:

(والله ما أردت ان أدفعهم إليك طرفة عين، لقد ضربت هذا الأمر أنفه وعينه، فما رأيته أن ينبغي لي أن أدفعهم إليك)(5).

نستشف من ذلك ان معاوية جعل شرط الدخول في طاعة الإمام علیه السلام هو تسلیم قتلة عثمان، مع أنه لا یعترف بخلافة الإمام علیه السلام، فکیف یسأله ذلك؟ وعلى ما يبدو إنها وسيلة من وسائل معاوية الخبيثة للإبتعاد عن بيعة الإمام علیه السلام،

ص: 386


1- بهج الصباغة، 9 / 400
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 71
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 14 / 42
4- أبو مسلم الخولاني، واسمه عبد الله بن ثوب، قدم من اليمن وأسلم أيام النبي صلی الله علیه و آله وسلم، ودخل المدينة في خلافة أبي بكر، وحدث عن عمر وأبي ذر، ومعاذ بن جبل، وتوفي أيام يزيد بن معاوية، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 9 / 451؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 4 / 8
5- المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، 85؛ الدينوري، الأخبار الطوال، 163

وسعيه في الحصول على الخلافة.

وبيّن أميرالمؤمنين علیه السلام في احدى خطبه الشريفة مراد معاوية بن أبي سفيان من الإمام وهو تسليم قتلة عثمان وعبرعن ذلك بقوله علیه السلام:

(وأما تلك التي تريد فإنها خدعة الصبي عن اللبن في أول الفصال والسلام لأهله)(1)، أي أن معاوية يريد التعلق بشبهة قتل عثمان(2)، وقيل ان مراد الإمام علیه السلام من ذلك هو ما كان معاوية يكرر طلبه منه، ألا وهو أن يقره على إمرة الشام، وشبه الإمام طلب معاوية ذلك بمخادعة الصبي في أول فطامه وترغيبه بأشياء أخرى تعوضه عن اللبن(3)، يتضح لنا ان معاوية حاول التمسك بشبهة مقتل عثمان عسى ان يحمل الإمام على الإبقاء عليه على إمرة الشام، ولكن الإمام علیه السلام لا تنطلي عليه خدعة معاوية هذه.

وفي موضع آخر من نهج البلاغة جاء قوله علیه السلام:

(ولعمري لئن لم تنزع عن غيك وشقاقك، لتعرفنهم عن قليل يطلبونك، لا يكلفونك طلبهم في بر، ولا بحر، ولا جبل، ولا سهل، إلا أنه طلب يسوءك وجدانه، وزور لا يسرك لقيانه، والسلام لأهله)(4)، أقسم الإمام علیه السلام لمعاوية في حال بقائه على غيه وشقاقه ولم ينتهِ من ذلك الخلاف والتعلق بشبهة قتل عثمان وطلبه من الإمام تسليم قتلته، وإن عامة المسلمين هم الذين قتلوا عثمان لاحداث نقموها عليه، بعد أن استعتبوه وأصر على عمله، ومن جانب آخر

ص: 387


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 488
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 15؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 488
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 15
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 397

هل يقدر أحد ان يحاكم الجماهير ويقتص منهم، مع علم معاوية بأن ذلك الأمر مستحيل، فسيجد الذين يطلب منهم القصاص يطلبونه، ويدور الأمر عليه إن لم يرجع عن غيه وضلاله(1)، وأن هذا الأمر ما لا يرضي معاوية، ثم ختم كلامه علیه السلام بكلمة السلام لأهله، لأنه لا يصح القول لمعاوية (السلام عليك) لأنه فاسق لا يجوز إكرامه، فقال علیه السلام: السلام لأهله أي على أهله، ومعاوية ليس من أهله(2)، لأنه خارج عن إطار الإسلام، ويسعى إلى الفساد بين المسلمين مع علمنا كيف كان إسلامه.

4- ردود الإمام علي علیه السلام لمعاوية بخصوص قتلة عثمان إستعمل معاوية أساليب عديدة لغرض الوصول إلى أهدافه المنشودة وتحقيقها، وكما بينا سابقاً ان هدفه الاول والأساس هو الوصول للسلطة، وما كانت تلك الأساليب إلا أعذارًا واهية يتمسك بها، ومن بين تلك الأمور مسألة مقتل عثمان، إذ أخذ معاوية يطالب بدمه متهماً الإمام علیه السلام وأصحابه بقتله، مدعياً بأنه ولي دمه، ويسعى للأخذ بثأره، إذ وقف أمير المؤمنين علیه السلام موقفاً حازماً من هذا الإتهام، وعبر في نهج البلاغة عن ذلك الإتهام وبيان من قتل عثمان مخاطباً معاوية بن أبي سفيان بقوله: (وزعمت إنك جئت ثائراً بدم عثمان، ولقد علمت حيث وقع دم عثمان، فاطلبه من هناك إن كنت طالباً)(3)، إذ بين ابن أبي الحديد ان أمير المؤمنين علیه السلام أخبر معاوية في حال كونه أراد الأخذ بثأر عثمان والقصاص

ص: 388


1- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 402
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 14 / 42
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 399

من قاتليه، فعليه طلبه من طلحة والزبير(1)، واطلب ثأرك من بني تيم بن مرة وبني أسد بن عبد العزى، وإذا كنت تريد تطلبه ممن خذل فاطلبه من نفسك، لأنك خذلته وقعدت عنه مع أنك كنت قادراً على أن تمده بالرجال ولكنك لم تفعل بعد أن استنجد بك(2)، وما حمل معاوية قميص عثمان، وطالب بدمه إلا في غاية كانت في نفسه، ولكنه جعل قميص عثمان سبباً لتحقيق غايته، ولو كان حقاً يطلب بدم عثمان، لطلبه من أصحاب الجمل(3).

وروي أن عثمان لما حوصر في داره، أرسل إلى معاوية يطلب منه القدوم إليه، فتوجه معاوية إليه باثني عشر ألفاً، ولكنه أمرهم بالبقاء على اطراف الشام، حتى ينظر في الأمر ويبدو أنه ينتظر مقتل عثمان، وعند حضوره عند عثمان أبلغه بأمر الجيش، لكن عثمان أحس بنوايا معاوية تجاهه، لذلك قال له عثمان: (أردت ان أقتل فتقول أنا ولي الثأر، إرجع فجئني بالناس، فلم يرجع إليه حتى قتل)(4)، وجاء أن عائشة لما سمعت بمقتل عثمان وإجتماع الناس على أمير المؤمنين علیه السلام، أمرت بإرجاعها إلى مكة، وأخذت تنادي: (قتل والله عثمان مظلوماً، والله لأطلبن بدمه)، فقال لها ابن أم كلاب(5)، إن أول من أمال

ص: 389


1- شرح نهج البلاغة، 15 / 63؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 329؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 399
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 63
3- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 406
4- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 72
5- عبيد بن أم كلاب، وهو عبيد بن سلمى الليثي، وقد سمع من عمر بن الخطاب، وهو الذي خرج من المدينة عند مقتل عثمان، واستقبل عائشة بسرف فأخبرها بمقتل عثمان، وبيعة الناس لأمير المؤمنين علي علیه السلام، فرجعت إلى مكة، ينظر، ابن سعد الطبقات الكبرى، 7 / 90؛ ابن حجر العسقلاني، الإصابة، 5 / 90

وحرَّف لأنت، وكنت تقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر، فأجابته، انهم استتابوه ثم أمروا بقتله، فأنشد ابن أم كلاب قائلا:

فمنك البداء ومنك الغير *** ومنك الرياح ومنك المطر وأنت أمرت بقتل الإمام *** وقلت لنا إنه قد كفر فهبنا أطعناك في قتله *** وقاتله عندنا من أمر(1) يتضح لنا من خلال الروايتين فضلا عن الأبيات الشعرية أن معاوية وعائشة كانا من أهم أسباب قتل عثمان من خلال تخاذل معاوية عن نصرته وتحريض أم المؤمنين عائشة على قتل عثمان وسعيها لذلك، وما كان طلب معاوية بدم عثمان إلا للتغطية على تخاذله، وكذلك محاولته الحصول على الشام من خلال مطالبته الإمام علیه السلام وتحججه بقضية مقتل عثمان والأخذ بثأره.

وفي موضع آخر من نهج البلاغة أشار الإمام علیه السلام إلى قضية اتهامه بمقتل عثمان من قبل معاوية وبيان من خذله وقعد عن نصرته من خلال كتاب أرسله إلى معاوية جاء فيه:

(ثم ذكرت ما كان من أمري وأمر عثمان، فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه)(2)، إذ أجاب الإمام علیه السلام معاوية على ما إدعاه عليه بشأن قضية عثمان واتهامه إياه بخذلانه، ويمكن لمعاوية ان يجيب على ذلك لصلة القرابة بينه وبين عثمان، فضلاً عن تنبيهه على عدم الخوض في أمور لا تعنيه لكونه من بني

ص: 390


1- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 72؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 459؛ ابن أعثم الكوفي، الفتوح، 2 / 438
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 417

أمية(1)، وإلا فإنه أحقر من أن يتوجه إليه بقول(2).

أما قوله علیه السلام:

(فأينا كان أعدى له وأهدى إلى مقاتلته؟ أمن بذل له نصرته فاستقعده واستكفه)(3)، وأراد الإمام علیه السلام بقوله أينا أعدى له أي أشد عدواناً له(4)، ومراد الإمام علیه السلام من ذلك بأن معاوية كان من أعدائه وخاذليه، بينما نجد الإمام علیه السلام سعى من أجل نصرة عثمان، وهو بذلك رد ادعاء معاوية عليه في مسألة اتهامه بقضية عثمان(5)، وأراد بقوله علیه السلام:

(أمن بذل نصرته فاستقعده واستكفه)، أي أن الإمام علیه السلام يبين موقفه من عثمان الذي كان يتهمه بالتحريض عليه، حيث سعى إلى نصرته عندما اشتد الحصار عليه، لكن عثمان رفض نصرة الإمام علیه السلام له وطلب منه القعود عنه، وما كان ذكر الإمام لنفسه بصفة بذل النصرة إلا ليظهر براءته مما نسب إليه من دم عثمان(6).

ومما لا شك فيه ان معاوية قد خذل عثمان، وأراد مقتله ليطلب بدمه، وكذلك اتخاذه غرضاً لتحقيق مآربه الشيطانية للخروج على الإمام علیه السلام ومساومته على

ص: 391


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 391
2- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 4 / 473
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 417
4- الراوندي، منهاج البراعة، 3/ 81؛ الصالح، صبحي، نهج البلاغة، 388
5- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4/ 391
6- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 391؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 417

طلب الشام، وذكر ابن عساكر(1) أن معاوية قال لعامر بن واثلة الكناني(2)، كان على الناس نصرة عثمان، فقال له عامر: (ما منعك من نصرته يا أمير المؤمنين وكان معك أهل الشام، فأجابه معاوية بأن طلبي بدمه نصرة له، فضحك أبو الطفيل ثم قال: أنت وعثمان كما قال الشاعر وأنشد:

لا ألفينك بعد الموت تندبني *** وفي حياتي ما زودتني زادي)(3) وفي إحدى خطب أمير المؤمنين علیه السلام الشريفة جاء قوله: (أمن استنصره فتراخى عنه وبث المنون إليه، حتى أتى عليه قدره)(4)، ان مراد الإمام علیه السلام من ذلك هو اشتراك معاوية بدم عثمان الذي استنصره وطلب مساعدته عندما حوصر من قبل الثوار، ولكن معاوية تراخى عنه ولم يسعَ إلى إنقاذه، وأخذ يتباطأ إلى أن يقتل عثمان وذلك لطمعه في الخلافة من بعده(5)، وكأن بنو أمية بثوا المنون(6) إليه ليتخلصوا منه(7).

وروي أن عمرو بن العاص ومعاوية تذاكروا دور أمير المؤمنين علیه السلام في الحرب وليس لأحد في قريش مثله، فقال معاوية نقاتله على ما في أيدينا ونلزمه

ص: 392


1- ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 26 / 116
2- عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمير بن جابر، أبو الطفيل، كان من أصحاب محمد بن الحنفية، ولد عام أحد، وكان ممن رأى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وأدرك ثمان سنين من حياته، وكان ثقة في الحديث، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6 / 550
3- عبيد بن الأبرص، ديوان عبيد، 56
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 417
5- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 392
6- المنون، أي المنية، ينظر، الجوهري، الصحاح، 6 / 2207
7- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 417؛ الصالح، صبحي، نهج البلاغة، 388

دم عثمان، فأجابه عمرو، أما أنت فخذلته ومعك أهل الشام، وأما أنا فتركته وهربت إلى فلسطين(1).

وأخذ معاوية يكثر في اتهام أميرالمؤمنين علیه السلام في قضية مقتل عثمان، ويعمل على ابتداع الآراء في هذه المسالة، فتارة يقول انه قتله وتارة أخرى خذله، وأشار أمير المؤمنين علیه السلام إلى ذلك الأمر بقوله:

(فأما إكثارك الحجاج في عثمان وقتلته، فإنك إنما نصرت عثمان حيث كان النصر لك، وخذلته حيث كان النصر له)(2)، إذ أجاب الإمام علیه السلام معاوية بشأن خذلانه لعثمان وتباكيه عليه(3)، وبعد ان قتل عثمان تجاهل معاوية الأمر، وأخذ يستقبل قتلته ويقربهم إليه، وقد واجه الإمام علیه السلام معاوية بهذه الحقيقة(4)، وأن معاوية لما استنجد به تثاقل عن نصرته عندما حوصر، وهو بذلك تخاذل عن نصرته، ولكنه في الحقيقة قعد عنه ليقتل، فيدعو إلى نفسه، فكان النصر في حقيقة الأمر إلى معاوية(5).

ومن جانب آخر ما كان معاوية ليدافع عن عثمان، بل كان يسعى إلى قتله ليتسنى له ترشيح نفسه للخلافة بعده، والمطالبة بدمه من الإمام علیه السلام، ولذلك تخاذل عن نصرته، ويروى ان معاوية بعث إلى محمد بن مسلمة الأنصاري(6)،

ص: 393


1- ينظر، ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 118؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 85
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 439
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 78
4- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 549
5- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 78
6- محمد بن مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة من الخزرج، أسلم محمد على يد مصعب بن عمير قبل إسلام أسيد بن حضير وسعد بن معاذ، وشهد بدرًا وأحدًا والمشاهد كلها مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ولم يشهد مقتل عثمان، وتوفي سنة (46 ه) في المدينة، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3 / 408

وكان فارس الأنصار يطلب منه أن ينهى عن قتال المسلمين فيما بينهم، وأخبره بخذلان الأنصار لعثمان يوم الدار، فأجابه محمد: (بأنك ما طلبت إلا الدنيا، ولا اتبعت إلا الهوى، ولئن كنت نصرت عثمان ميتاً، لقد خذلته حياً، ونحن ومن قبلنا من المهاجرين أولى بالصواب)(1).

ص: 394


1- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 121؛ ابن أعثم، الفتوح، 2 / 530

المبحث الثاني نصائح أمير المؤمنين علیه السلام لبني أمية في نهج البلاغة

وردت كلمة النصح في العديد من الآيات القرآنية الكريمة التي جاءت في كتاب الله تعالى على لسان بعض أنبيائه والتي يبين فيها دور النصح، إذ ورد في هذا الصدد على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى:

«أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ»(1)، فی حین جاءت العديد من الأحاديث النبوية الشريفة لتؤكد على هذا المعنى ومنها قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:

(الدين النصيحة، قالوا لمن يارسول الله، قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)(2).

فيما تبين موقف أمير المؤمنين علیه السلام بشكل كبير في هذا الجانب من خلال ما

ص: 395


1- سورة الأعراف، آية، 68
2- النسائي، سنن النسائي، 7 / 105؛ الطبراني، المعجم الكبير، 2 / 52؛ البيهقي، معرفة السنن والآثار، 8 / 163

بذله من جهود مضنية في نصح وإرشاد بني أمية الذين أخذوا حال تسلمهم الخلافة من قبل ممثلهم عثمان بن عفان الذي عمل على إطلاق يد بني أمية وعمالهم في كل الأمور، وآخذين ذلك على انه ملك خاص بهم، مما أدى ذلك إلى تراكمات أدت فيما بعد إلى الثورة عليهم والقيام بقتل عثمان بن عفان من قبل هؤلاء الثوار، وسوف نعرض فيما جاء من نصائح أمير المؤمنين علیه السلام لبني أمية وإرشادهم إلى الطريق الصحيح.

1- نصائح أمير المؤمنين علیه السلام لعثمان بن عفان.

لم يستثنِ أمير المؤمنين علیه السلام عثمان بن عفان من تقديم النصح والارشاد له في الكثير من المواقف عمن سبقه من الخلفاء، إذ كان الإمام خير ناصح لأبي بكر وعمر اللذين كانا يأخذان آراءه ونصائحه في تسيير أمورهم في قيادة الدولة، بشهادة عمر بن الخطاب بذلك، إذ ورد قوله في هذا الشأن: (لولا علي لهلك عمر)(1)، لكننا نجد عثمان لم يلتزم بما كان يقدمه له أمير المؤمنين علیه السلام من نصح وإرشاد، والسبب في ذلك هو نتيجة لتأثير بني أمية عليه أمثال مروان بن الحكم والوليد بن عقبة وغيرهم، إذ حاول الإمام علیه السلام ان يحرره من قيود بني أمية وأهوائهم وسيطرتهم عليه، ولكن جهود الإمام علیه السلام ذهبت هباء منثورا أمام إصرار عثمان وتعنته.

وورد في نهج البلاغة العديد من الإشارات في هذا الصدد إذ جاء قول أمير المؤمنين علیه السلام:

(فالله الله في نفسك، فإنك ما تبصر من عمى، ولا تعلم من جهل، وإن

ص: 396


1- ابن عبدالبر، الاستيعاب، 529

الطرق لواضحة، وان أعلام الدين لقائمة)(1)، إذ أخذ أمير المؤمنين علیه السلام يحذر عثمان بن عفان مما وقع فيه وهذا كلام صريح إليه يحذره فيه جانب الله تعالى، وينبهه ويرشده على أن الطريق واضحة، لا تحتاج إلى دلالة، وإن أعلام الهدى قائمة(2).

ان سياسة عثمان التي اتبعها في إدارة البلاد من قبله ومن قبل ولاته التي لم ترضِ المسلمين ولّدت موجة غضب عارمة قادها سكان الولايات ضد سياسته وسياسة ولاتهِ الجائرة، وكان أمير المؤمنين علیه السلام قد نصحه مرات عديدة بترك الاعتماد على هؤلاء الولاة، والإلتزام بنصائحه، وان لا يكون هؤلاء سبب مقتله، ولكنه لم يأخذ بكلام الإمام وجاء قوله علیه السلام بهذا الخصوص:

(وإني أنشدك الله أن لا تكون إمام هذه الأمة المقتول، فإنه كان يقال: يقتل في هذه الأمة إمام يفتح عليها القتل والقتال الى يوم القيامة)(3)، إذ تخوف الإمام علیه السلام أن يكون عثمان الإمام المقتول الذي يفتح الفتن بقتله(4).

ومما لا شك فيه انه تنبيه وتحذير واضح من قبل الإمام علیه السلام لعثمان بأن يراجع نفسه ويعمل على تغيير سياسته التي قد تكون سبباً يؤدي إلى مقتله، ومن ثم يكون سبباً في الإقتتال بين المسلمين، وهذا ما جاء عن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، إذ روي عن ثوبان مولى النبي (قال: سمعته يقول:

(وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، ولا يسلط عليهم عدوا من

ص: 397


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 260
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 201؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 283
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 261
4- ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 202؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 283

سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين، وإذا وضع السيف في أمتي، لم يرفع عنها الى يوم القيامة)(1)، وكان هدف الإمام علیه السلام هو تقديم النصح والإرشاد لعثمان، ولكن كان يتحجج بحجج وأعذار لم تكن تدفع ما يفعله ولاته الذين هم من اقاربه، وجاء في ذلك كلام آخر لأميرالمؤمنين علیه السلام بقوله:

(أحذرك الله سطوته ونقماته فإن عذابه شديد أليم، وأحذرك ان تكون إمام هذه الأمة المقتول، فإنه يقال يقتل في هذه الأمة إمام، يفتح عليها القتل والقتال الى يوم القيامة، وتلبس أمورها عليها، ويتركهم شيعا فلا ينصرون الحق لعلو الباطل، يموجون فيها موجا ويمرجون فيها مرجا)(2).

وفي الأمر عينه حذر أمير المؤمنين علیه السلام عثمان بن عفان من أن ينساق وراء بعض الشخصيات الأموية امثال مروان بن الحكم، إذ جاء قوله علیه السلام في ذلك:

(فلا تكونَنَّ لمروان سَيقةً، يسوقكَ حيث شاء، بعد جلالِ السن وتقَضّی العمرِ)(3)، إذ أراد الإمام علیه السلام أن ينهى عثمان من أن يكون سيقة(4) لمروان بن الحكم، أي يصرفه حسب مقاصده، بعد ان بلغ من العمر ما بلغ وانقضت أيامه في هذه الدنيا، إذ كان مروان من أقوى الأسباب الباعثة على قتل عثمان، وكان يحاول تفنيد الآراء الموضوعية التي يشار بها على عثمان من قبل الإمام علي علیه السلام

ص: 398


1- الترمذي، سنن الترمذي، 3 / 319؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك، 4 / 449
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 337؛ المفيد، الجمل، 100؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 44
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 260
4- السيقة، هي ما استاقه العدو من الدواب، ينظر، ابن منظور، لسان العرب، 10 / 167

والتي تصب في طبيعة الحال في مصلحة عثمان بصورة خاصة والأمة الإسلامية بصورة عامة(1).

من الواضح ان مروان بن الحكم هو المحرك الأساس لسياسة عثمان، وما تنبيه الإمام علیه السلام له على ذلك إلا لمصلحة عثمان وخوفه عليه من الوقوع بالأخطاء من جراء اتباعه لخطوات مروان بن الحكم.

وجاء في الرواية أن عثمان عندما خطب في الناس، وأخذ على نفسه التوبة ووعدهم بالإصلاح، دخل داره فوجد مروان وسعيد بن العاص وآخرين لم يشهدوا الخطبة، كلمه مروان بكلام حرضه فيه على عدم الاهتمام بهؤلاء الناس، فطلب منه عثمان أن يخرج إلى الناس ويكلمهم، فخرج مروان إلى الباب وكلمهم وقال: (أما والله لئن رمتمونا ليمرّنَ عليكم منا أمر لا يسركم، ولا تحمدوا عليه غبّ رأيكم، إرجعوا إلى منازلكم، فإنا والله لسنا بمغلوبين على ما في أيدينا)(2)، فرجع الناس وذهب بعضهم إلى الإمام علي علیه السلام، وأخبروه الخبر، فجاء مغضباً حتى دخل على عثمان وقال له:

(أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلا بإفساد دينك، وخديعتك عن عقلك مثل جمل الضغينة يقاد حيث يسار به، والله ما مروان بذي رأي في دينه، ولا في نفسه، وأيم الله إني أراه سيوردك ثم لا يصدرك، وما أنا عائد إليك بعد مقامي هذا لمعاتبتك)(3)، ولما سمعت زوجته كلام الإمام علي علیه السلام قالت له: (سمعت

ص: 399


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 283
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 362؛ المفيد، الجمل، 103
3- البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 6 / 180؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 362؛ المفيد، الجمل، 104

قول علي لك، وليس يعاودك، وقد أطعت مروان يقودك حيث شاء)(1)، نستشف من ذلك أن مروان بفعله هذا يعد من أشد المحرضين عليه، لأنه بهذا الخطاب أظهر للناس خلاف ما وعدهم به عثمان، ومن ثم سوف يؤدي ذلك إلى الثورة عليه وقتله.

2- نصيحة الإمام علي علیه السلام لمعاوية بالابتعاد عن الأمور الدنيوية على الرغم من محاربة معاوية للإمام علي علیه السلام بكل ما أوتي من قوة، والتمسك ببغيه وخروجه عليه، والعمل على إثارة الفتن والفوضى ليتسنى له الوصول للسلطة من خلال تأجيج الرأي العام المعارض للإمام علیه السلام، وكذلك انغماسه في الملذات والأمور الدنيوية والإبتعاد كل البعد عن الدين الإسلامي، واستماعه إلى حفنة من الغواة الذين عملوا على خروجه على الحاكم الشرعي وهو أمير المؤمنين علیه السلام، أمثال عمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومروان بن الحكم، لكننا نجد أن الإمام علیه السلام دائم النصح والإرشاد له وتذكيره بعواقب الأمور التي يفعلها، ولقد عبر أمير المؤمنين علیه السلام عن ذلك الأمر في نهج البلاغة، إذ جاء كلام له في هذا الشأن قال فيه:

(وكيف أنت صانع إذا تكشفت عنك جلابيب ما أنت فيه، من دنيا قد تبهجت بزينتها، وخدعت بلذتها، دعتك فأجبتها، وقادتك فاتبعتها، وأمرتك فأطعتها، وإنه يوشك أن يوقفك واقف على ما لا ينجيك منه مجنٌ)(2).

وقد بدأ الإمام علیه السلام بتحذير معاوية في حال موته ومفارقة روحه لبدنه،

ص: 400


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 / 362؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2 / 119
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 398

وشبهها بالجلباب(1) لما ورائها من أحوال الآخرة وعقوباتها(2)، وبسبب ما آلت إليه الأمور من بهجة وزينة لمعاوية انعكس ذلك سلباً على عمله في الدنيا الذي سوف يؤدي به إلى المهالك فيما بعد(3)، وأراد بقوله لا يوقفك واقف أي الموت،(4)، والمجن معناه الترس(5)، أي أن الله سيوقعك بهلاك ليس هناك شيء ينجيك منه(6)، و كتب الإمام علیه السلام إلى معاوية يأمره بالعمل قبل أن يحل أجله، ولكن الإمام علیه السلام يعلم علم اليقين ان معاوية لا يردعه أي رادع ولا نصيحة ولكن هدفه الرئيس لإلقاء الحجة عليه وتذكيره(7).

وفي موضع آخر من خطبه الشريفة أراد أمير المؤمنين علیه السلام بقوله:

(فاقعس(8) عن هذا الأمر، وخذ أهبة الإستعداد، وشمّر لما قد نزل بك، ولا تمكّن الغواة من سمعك)(9)، هنا أمر الإمام علیه السلام معاوية بالتأخر عن الأمر والإستعداد له(10)، ويبدو أن الإمام علیه السلام قد نصح معاوية بالإبتعاد عن مغريات الدنيا التي تجره إلى الهلاك، وكذلك أمره بالإستعداد لما بعدها من الحساب، لأن

ص: 401


1- الجلباب، هي في الأصل الملحفة، أو القميص ينظر، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 1 / 470
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 326
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 61
4- المصدر نفسه، 15 / 61
5- ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، 1 / 308
6- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 398؛ الصالح، صبحي، نهج البلاغة، 370
7- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 405
8- أقعس الرجل، أي تأخر، ينظر، الجوهري، الصحاح، 3 / 964
9- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 398
10- ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 61

عمله سيكون عليه شاهدٌ فيما بعد، وهو مصداق قوله تعالى:

«اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا»(1)، ومعنى ذلك إقرأ كتاب عملك الذي عملته في الدنيا، الذي كان كاتبانا يكتبانه ونحصيه عليك، كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا، أي حسبك اليوم نفسك عليك حاسباً يحسب أعمالك فيحصيها عليك، لا نحتاج عليك شاهداً غيرها، ولا نطلب عليك من يحصي أعمالك غيرها(2).

وأراد الإمام علیه السلام بالغواة هم قرناء السوء الضالين الذين يزينون أعمال معاوية له ويشيرون عليه بالبقاء عليها، أمثال عمرو بن العاص ومروان بن الحكم وغيرهما(3)، روي عن الحسن البصري(4) أن المغيرة بن شعبة قد أشار على معاوية بالبيعة لولده يزيد، ففعل معاوية ذلك بعد أن أخذ بمشورته، فقال المغيرة: (وضعت رجل معاوية في غرز غي لا يزال فيه إلى يوم القيامة)(5).

ويحق لنا ان نتساءل هل يحتاج معاوية إلى هذه المشورة، وهل يعقل أن هذه القضية لم تكن في بال معاوية منذ البداية، وأن المغيرة هو الذي أشار عليه بذلك؟ وأن معاوية بذل كل شيء في سبيل الحكم والملك هل ينتظر المشورة من المغيرة

ص: 402


1- سورة الإسراء، آية، 14
2- الطبري، جامع البيان، 15 / 69؛ القرطبي، تفسير القرطبي، 17 / 10
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4/ 327؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 398
4- الحسن بن أبي الحسن البصري، واسم أبي الحسن يسار، يقال انه من سبي ميسان وقع الى المدينة واشترته الربيع بنت النضر عمة أنس بن مالك فأعتقته، وولد قبل وفاة عمر بسنتين، ونشأ بوادي القرى وكان فصيحاً عالما وفقيهاً وروى عن عثمان، وابن عباس، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 9 / 157
5- الذهبي، تاريخ الإسلام، 5 / 272؛ سير أعلام النبلاء، 4 / 39

ليجعلها في نسله (ابنه)، فهؤلاء هم صنائع معاوية وهو من اشترى ذممهم، فهو ليس بحاجة إلى أن يزين له أحدٌ أعماله أو يشيرون عليه بالبقاء عليها.

وفي الصدد ذاته جاء قول أميرالمؤمنين علیه السلام:

(وإلا تفعل أعلمك ما أغفلت من نفسك فإنك مترف)(1)، إذ قال أميرالمؤمنين علیه السلام لمعاوية في حال عدم فعل ما أمرتك ووعظتك به من الإبتعاد عن الأمور الدنيوية التي أغفلتها وتناسيتها فإني على إستعداد بتذكيرك إياها(2)، ونبهه على قوة الصدمة التي قد يتعرض لها في حال تعريفه بنفسه، فيعرف الحق ويترك الباطل(3)، وكلما أترف الأنسان في الملذات ازداد طغياناً وإبتعاداً عن الأمور الروحية، وأصبح فريسة سهلة لأهوائه وشهواته(4)، وهو مصداق قوله تعالى:

«وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا»(5)، إذ بيّن المفسرون ان الله تعالى بيّن حال المترفين في القرآن إذا أراد هلاك قوم أعطاهم من النعم ما أبطرهم وأفضى بهم إلى الفسوق والفجور، وخصص المترفين لأن غيرهم يتبعهم لأنهم أقدر على الحماقة والفجور، فحقت كلمة الله عليهم بسبب ظهور معاصيهم(6).

ص: 403


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 398
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 61
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 398
4- مغنية، في ظلال نهج البلاغة.، 3 / 405
5- سورة الإسراء، آية، 16
6- الطبري، جامع البيان، 15 / 74 ؛ الطوسي، التبيان، 6 / 460؛ البيضاوي، أنوار التنزيل، 3 / 251

ثم تطرق أميرالمؤمنين علیه السلام إلى مدى تغلغل الشيطان بداخل معاوية والتحكم به، وقد عبر عن ذلك بقوله علیه السلام:

(قد أخذ الشيطان منك مأخذه، وبلغ فيك أمله، وجرى منك مجرى الروح والدم)(1)، أي أن الشيطان قد تمكن من معاوية بحيث أصبح جزءًا من عقله وبدنه، وكما في قوله تعالى:

«إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ»(2)، وبيان الآية الكريمة هو النهي عن اتباع الشيطان الذي يدعونا إلى اتباع المعاصي التي تميل إليها النفوس(3).

وجاء أن معاوية اشترى أواني من ذهب وفضة ليشرب فيها، فأنكرعليه أبو الدرداء ذلك وقال له: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ينهى عن ذلك، فأجابه معاوية: (أما أنا فلا أرى بأساً في ذلك، فقال أبو الدرداء من عذيري من معاوية أخبره عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهو يخبرني عن رأيه، والله لا أساكنك بأرض أبداً)(4).

نستشف من الرواية ان معاوية قد أخذ الشيطان منه مأخذه، وأصبح جزءًا منه، وهو أمر طبيعي بالنسبة إلى معاوية، لأنه غير مؤمن، فكيف يأخذ بحديث الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وكما جاء في الحديث النبوي الشريف:

ص: 404


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 398
2- سورة الأعراف، آية، 27
3- الطوسي، التبيان، 4 / 379؛ البيضاوي، أنوار التنزيل، 3 / 10
4- الأزدي، الإيضاح، 520؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 5 / 106

(إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)(1)، ومن ثم لا يقبل بنصائح أمير المؤمنين علیه السلام ويتخذ الطريق الصحيح الذي ينجيه مما هو فيه من الضلال.

وفي أكثر من موضع من نهج البلاغة قد حذر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام معاوية من الإنجرار والانقياد وراء الشيطان الذي يوغله في المهالك، ويبعده عن الآخرة، إذ قال علیه السلام له محذراً:

(وجاذب الشيطان قيادك، فإن الدنيا منقطعة عنك، والآخرة قريبة منك)(2)، إذ خاطب أمير المؤمنين علیه السلام معاوية بضرورة تقوى الله تعالى، وأن يجاذب الشيطان في قياده، والمجاذبة تعني الممانعة عن اتباع الشيطان(3)، من خلال تكذيب النفس الأمارة بالسوء فيما يوسوس لها من الآراء السيئة(4)، والمراد بالشيطان هنا الهوى، والإمام علیه السلام يأمره بأن يتحرر من الهوى الذي سيطر على عقله ودينه(5)، وأراد علیه السلام بقوله لمعاوية:

(إن الدنيا منقطعة عنك، والآخرة قريبة منك)، هنا دعوة الإمام علیه السلام في وجوب قطع كل الآمال المتعلقة بالدنيا، وأن لا يجعل الشيطان يقوده إلى تلك الأمور الدنيوية المنقطعة والزائلة(6)، وعليه التفكير بأمر الآخرة التي فيها

ص: 405


1- ابن حنبل، مسند أحمد، 3 / 156؛ البخاري، صحيح البخاري، 8 / 114؛ الطبراني، المعجم الكبير، 24 / 72
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 435
3- المصدر نفسه، 3 / 435
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 68
5- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 534
6- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 68

حسابه وعقابه(1).

ومن جانب آخر نصح أمير المؤمنين علیه السلام معاوية بضرورة التفكير بالآخرة وهذا ما جاء بقوله علیه السلام:

(واصرف إلى الآخرة وجهك، فهي طريقنا وطريقك)(2)، أي أن الإمام علیه السلام قد حذر معاوية مما هوعليه من الضلالة، وضرورة التفكر والتدبر في أمر الآخرة وما فيها من جزاء وإحسان أعدَّ لكل فرد، وكلما كان طريق الإنسان الذي يسلكه سواء في الخير او الشر فإن مصيره إلى الآخرة التي لا بد منها، وهناك سيجازى الإنسان على أفعاله(3)، وهي إشارة واضحة من الإمام علیه السلام إلى معاوية وتنبيهه من الغفلة التي هو فيها وضرورة الإلتفات إلى طريق الآخرة التي هي مستقره الأخير والتي يجازي فيها الناس كلاًّ حسب أعماله.

وروي ان معاوية لما جاء أجله دخل الحمام فنظر إلى نحول جسمه وضعفه فبكى وتمثل قائلا:

فياليتني لم أغن في الملك ساعة *** ولم أك في اللذات أعشى النواظر وكنت كذي طمرين عاش ببلغة *** من الدهر حتى زار أهل المقابر(4) ويمكن ان نسأل من خلال مضمون الرواية هل ان معاوية نادم على مافعل، ألم يكن امير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام قد نصحه مراراً بضرورة الحذر والإبتعاد عن الدنيا وملذاتها والإنجرار ورائها، لكنه لم يكن ليستمع إلى كلامه

ص: 406


1- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 534
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 479
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 181
4- ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، 3 / 188؛ المسعودي، مروج الذهب، 2 / 45

وأصر على بغيه والخروج عن الطريق الصحيح متبعاً شهواته التي قادته إلى طريق الهلاك.

3- النصيحة بإطاعة الله تعالى والإمام الحق من النصائح والمواعظ التي أشار فيها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام على معاوية، وضرورة الإلتزام بها هي إطاعة الله تعالى في جميع أوامره ونواهيه، وكذلك إطاعة الإمام الحق الذي نص عليه القرآن الكريم بقوله تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا»(1)، إذ بيّن الرازي أن الله أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، والذين أمر الله بطاعتهم على سبيل الجزم والقطع، لا بد أن يكونوا معصومين من الخطأ، وهم أهل الحل والعقد من الأمة(2)، والإشارة هنا إلى أن ولي الأمر الشرعي هو أمير المؤمنين علیه السلام، لأنه بويع البيعة العامة في مسجد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في الحاضرة الإسلامية وبايعه المهاجرون والأنصار وغيرهم، ومن ثم فمن الواجب على الآخرين مبايعته حتى وإن كان هذا الأمر يعتمد على السياقات السابقة للحكام الذين سبقوه كأبي بكر وعمر وعثمان الذين بويعوا من قبل أكثر المسلمين ومن ثم أصبحت بيعتهم لزاماً على الآخرين.

وأمير المؤمنين علیه السلام من المعصومين الذين طهرهم القرآن بنص آية التطهير:

ص: 407


1- سورة النساء، آية، 59
2- التفسير الكبير، 10 / 148

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرً»(1)، فضلا عن ذلك فإن الإمام علیه السلام اجتمع الناس في بيعته وبايعته مدينة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ومن فيها من الصحابة، ولذلك كان لزاماً على الآخرين مبايعته بما فيهم معاوية أسوة بمن سبقوه من الحكام، لذلك وجب على معاوية أن يطيع أمير المؤمنين علیه السلام، وهو ما أشار إليه في نهج البلاغة بقوله علیه السلام: (فاتق الله فيما لديك، وانظر في حقه عليك، وارجع إلى معرفة ما لا تعذر بجهالتهِ، فإن للطاعة اعلاماً واضحةً، وسبلاً نيرةً، ومحجةً نهجة)(2).

إذ اشار الإمام علیه السلام على معاوية بضرورة تقوى الله تعالى فيما لديه من أموال المسلمين وفيئهم التي هي من حقوقهم التي أفاء الله تعالى بها عليهم، والتي كان معاوية يتصرف بها كيفما يشاء، وفي الوقت نفسه ذكّره في آثار نعمة الله عليه، إذ عليه أن يقابلها بالشكر والطاعة، لا بالكفر والعصيان، والرجوع إلى معرفة ما لا عذرله فيه وهي طاعة الله تعالى ورسوله الكريم صلی الله علیه و آله وسلم، والإمام الحق(3)، وإن طريق الوصول إلى الله تعالى لا يتم إلّا عن طريق اتباع الكتاب والسنة القولية والفعلية، ومن جملتها أئمة الحق والهدى فإنهم أصل تلك الأعلام وحاملوها(4)، والمراد بالسبل النيرة والمحجة النهجة، أي الطريق الواضحة المستقيمة(5)، والتي استدل عليها بالأعلام المذكورة آنفاً للوصول إلى طاعة

ص: 408


1- سورة الأحزاب، آية 33
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 420
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4/ 396؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3 / 480
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 396
5- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 420؛ الصالح، صبحي، نهج البلاغة، 390

الله تعالى(1).

وفي المعنى ذاته جاء قوله علیه السلام:

(وغاية مطلوبة يردُها الأكياس، ويخالفها الأنكاس، من نكب عنها جار عن الحق، وخبط في التيه، وغيَّر الله نعمته، وأحلَّ به نقمته، فنفسك نفسك)(2)، وغاية الإمام علیه السلام من كلامه في الوصول إلى الطريق الواضحة، غاية لا يطلبها إلا الأكياس أي العقلاء، الذين يطلبون تلك المحجة ويقصدون الذهاب إلى أعلامها(3)، أما الذين يحيدون عن طريق الحق والهداية، ويخبطون في التيه والضلالة هم الأنكاس، أي الأدنياء من الناس المقصرون عن ذلك الطريق، والذين اختاروا طريقًا غيره(4)، وبعد أن بيّن أمير المؤمنين علیه السلام لمعاوية الطريق الواضحة لسلوكها، لأجل الخلاص من عذاب الله تعالى، حذره من نقمته عليه في حال ترك تلك الطريق الواضحة التي بينهّا له أمير المؤمنين علیه السلام(5)، وهو مصداق قوله تعالى:

«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ»(6)، والتي رأى المفسرون بأنها نزلت في بني المغيرة الذين أهلكوا في يوم بدر وبني

ص: 409


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 396
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 420
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 397
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 7؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 397
5- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 397
6- سورة إبراهيم، آية، 28

أمية الذين متعوا إلى حين(1).

وأراد بقوله علیه السلام:

(فقد بيَّن الله لك سبيلك، وحيث تناهت بك أمورك، فقد أجريت إلى غاية خسرٍ، ومحلة كفرٍ، وإن نفسك قد أولجتك شراً وأقحمتك غياً، وأوردتك المهالك، وأوعرت عليك المسالك)(2)، وعلى الرغم من إخبار الإمام علیه السلام لمعاوية بأن الله تعالى قد بين له سبيل طاعته والطريق إليها، لكنه حرص كل الحرص على الدنيا التي أبعدته عن الله، وخاصة بعد أن بيّن له الحلال والحرام، وأرشده إلى الطريق الصحيح(3)، مما أدى به إلى غاية خسر، وهي منزلة الكفر والمعصية التي أقحمته في طريق وعر لا يستطيع من خلاله السير إلى طريق الخير، بسبب نفسه الأمارة بالسوء(4).

نستنتج من ذلك الأمر ان الإمام علیه السلام سعى جاهداً لحمل معاوية على العدول عما هو عليه إلى الطريق الصحيح، ولكن الأخير أبى ذلك، وما زاده ذلك الأمر إلا طغياناً، وقد بين محمد جواد مغنية رأيه في هذا الموضوع بالقول (إن إصرار الإمام علیه السلام على موعظة معاوية لا يخلو من أمرين، أما إلقاء الحجة عليه أو للتشهير به وإعلان حقيقته لكل جيل من الأجيال، على الرغم من علمه أن

ص: 410


1- القمي، تفسير القمي، 1 / 371؛ الطبري، جامع البيان، 1 / 160؛ البيضاوي، أنوارالتنزيل، 3 / 199
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 420
3- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 480
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 7؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 4 / 397

نصائحه لمعاوية لا تزيده إلا إستكباراً وكفراً)(1).

4- تحذير الإمام علیه السلام لمعاوية بالإبتعاد عن البغي والزور من الأمورالتي نبه لها أمير المؤمنين علیه السلام معاوية هي مسألة البغي والزور التي يتبعها لتحقيق أهدافه المنشودة، وما لهذه الصفات من تبعات تلحق بصاحبها من التشهير والحط من قيمته، وغيرها من الأمور الأخرى، وأشار الإمام علي علیه السلام إلى ذلك الأمر في كتاب أرسله لمعاوية ينبهه على ذلك، جاء فيه:

(وإن البغي والزور يذيعان بالمرء في دينهِ ودُنياه، ويُبدِيان خلله عند من يعيبه)(2)، إذ بين الإمام علیه السلام إن صفة الظلم والكذب من الصفات التي يجب الإبتعاد عنها، لأنهما سبب في فضح الإنسان والتشهير به أمام الله تعالى وأمام الناس(3) وما يفرزان من نتائج سلبية على من يتبعهما من الناحية الدينية والدنيوية، أما من الناحية الدينية فهما رذيلتان مضادتان للعدل والعفة، وكذلك كونهما ضد الإيمان والدين، وأما من الناحية الدنيوية، فهما ضد من يتحلى بمكارم الأخلاق التي هي من مطالب الإنسان العاقل(4)، ومعاوية يبحث عن الحكم والسطلة كيفما يشاء، بخلاف ما يريد الله تعالى والناس، وإنه متى استتب له الأمر أخذ الناس بالأموال والعطايا، وهذا يزيد في عتوه وطغيانه، علیه السلام

ص: 411


1- في ظلال نهج البلاغة، 3 / 480
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 453
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 118؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 4 / 31
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 118

ومن ثم يزداد مؤيدوه والهاتفون له(1)، وقد عبر أمير المؤمنين عن هذا المعنى في كلام له علیه السلام:

(همج رعاع أتباع كل ناعق)(2).

وفي موضع آخر في نهج البلاغة عبر أمير المؤمنين علیه السلام عن قوله:

(وقد علمت أنك غير مدرك ما قضي فواته)(3)، ان مراد الإمام علي علیه السلام من قوله هذا هو أن ما جعله معاوية سبباً في محاربته له وهو الطلب بدم عثمان، قد انتهى بموته، وهو يعلم أنه لا يمكنه أن يأخذ بثأره(4)، وعلى ما يبدو أن أمير المؤمنين علیه السلام قد حذر ونصح معاوية بترك تعلقه بشبهة قتل عثمان التي نسبها لأمير المؤمنين علیه السلام لأنه استخدم البغي والزور والبهتان للطلب بدمه، وكان الإمام قد دعاه قبل ذلك للدخول في طاعته والرجوع إلى رشده، ومحاكمة قتلة عثمان فيما بعد بالرجوع إلى كتاب الله ولكنه رفض ذلك، وعلى معاوية العمل من أجل آخرته.

ثم خاطب الإمام علیه السلام معاوية محذراً إياه بحال الذين سبقوه وهم أهل الجمل الذين طلبوا منه بدم عثمان، متحججين بالقرآن الكريم لتحقيق غاياتهم، ولكن الله تعالى كان لهم بالمرصاد، فردّهم ببغيهم وبيّن كذبهم، وقد عبر عن ذلك علیه السلام بقوله:

ص: 412


1- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 4 / 31
2- ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 277
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 454
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 118؛ الصالح، صبحي، نهج البلاغة، 423

(وقد رام أقوام أمراً بغيرالحق، فتأولوا على الله فأكذبهم)(1)، إذ بين ابن أبي الحديد في شرحه إن الإمام علیه السلام قصد بالأقوام أصحاب الجمل الذين حرفوا القرآن عن مواضعه وتعلقوا بالشبهة في تأويل القرآن انتصاراً لمذهبهم وآرائهم، فأكذبهم الله بأن أظهر حقيقتهم وتحريفهم للقرآن(2)، وكان خروجهم لطلب الخلافة محتجين بالطلب بدم عثمان وحجج أخرى، فأخزاهم الله تعالى وأكذب ادعاءهم وأباطيلهم بأن نصر أمير المؤمنين علیه السلام عليهم(3).

وفي السياق ذاته جاء قوله علیه السلام:

(فاحذر يوماً يغتبط فيه من أحمَدَ عاقبة عمله، ويندم من أمكن الشيطان من قياده فلم يجاذبه)(4)، إذ حذر أمير المؤمنين علیه السلام معاوية من يوم القيامة، منبهاً على ما فيه من سرور الذين حمدوا عاقبة أعمالهم في الدنيا التي أوجبت لهم ذلك السرور(5)، وبما حصلوا عليه من السعادة الباقية، وتمني غيرهم بالوصول إلى مراتبهم التي وصلوا إليها(6)، ثم بين علیه السلام له إنه إذا لم يجاذب الشيطان من قياده وتمكينه من نفسه، فإنه سوف يندم على ذلك التمكين، وأما إذا جاذبه وتحرر من النفس الأمارة بالسوء فسوف يتخلص منه وقام بما عليه(7)، وهو مصداق قوله تعالى:

ص: 413


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 454
2- شرح نهج البلاغة، 17 / 13
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 118؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 4 / 31
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 454
5- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 119
6- البحراني، المصدر نفسه، 5 / 119؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 454
7- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17 / 13

«وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(1)، أي أخفوا الندامة بينهم لما رأوا العذاب نزل بهم، وأخذ بعضهم يلوم بعضًا، وجعلوا الأغلال في أعناقهم على قدر أعمالهم التي عملوها(2)، نستدل من قول أمير المؤمنين علیه السلام ذلك أمرين، ان نهاية كل إمرئ إما أن تكون حسنة ويثيب عليها بسبب أعماله أو تكون عكس ذلك بسبب اتباعه الشيطان الذي يحبب له المعاصي والنفس الأمارة بالسوء، وبعدها يندم على أفعاله، والأمر ينطبق على معاوية الذي أفنى عمره في محاربة الدين بسبب انقياده للشيطان والخروج على الإمام الحق والممثل الشرعي للدين الإسلامي وللمسلمين، وقد اتضح ذلك عندما قرب أجل معاوية وأبدى ندمه على كل أفعاله التي قام بها(3).

5- إرشاد الإمام علیه السلام لمعاوية بشأن بيعته سى معاوية بكل طاقته وإمكانياته للحصول على ولاية الشام من أمير المؤمنين علیه السلام، أو الحصول على الخلافة من بعده مقابل بيعته، واستخدم في ذلك حيلاً كثيرة كما بينّا ذلك سابقاً، فتارة يتهمه بقتل عثمان، ومرة يتهمه بالتحريض عليه، وكذلك قوله بتخاذل الإمام علیه السلام عن نصرة عثمان، لكنه جوبه برفض قاطع من قبل الإمام علیه السلام، لأنه يدعي بما ليس له حق فيه وهو الخلافة،

ص: 414


1- سورة سبأ، آية، 33
2- الطوسي، التبيان، 8 / 399؛ الطبرسي، مجمع البيان، 8 / 218؛ البيضاوي، أنوار التنزيل، 4 / 248
3- ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، 3 / 188؛ المسعودي، مروج الذهب، 2 / 45

وكان أمير المؤمنين علیه السلام قد نصحه مراراً للدخول في طاعته، وترك التحايل عليه والخروج عن الدين وبيعة الإمام علیه السلام مع علمه بمدى استحقاقه لأمر الخلافة من دونه، وكذلك تيقنه من براءة الإمام علیه السلام من التهم التي وجهها إليه، وجاء كلام أميرالمؤمنين علیه السلام بهذا الشأن ينبه فيه معاوية: (أما بعد، فقد آن لك ان تنتفع باللمح الباصر من عيان الأمور)(1)، إذ نبه أمير المؤمنين علیه السلام معاوية على تغافله وعدم انتفاعه من الأمور التي حصلت ويتحقق منها بقلبه وبصيرته كما يرى صاحب البصر الأشياء بعينه، وأراد ببيان الأمور هنا إستحقاق أميرالمؤمنين علیه السلام للخلافة، وبراءته من التهم التي نسبها إليه(2).

وذكر ابن أبي الحديد ان هذا الكتاب هو جواب لكتاب وصل من معاوية بعد قتال أمير المؤمنين علیه السلام للخوارج، وفيه إشارة إلى ما قاله امير المؤمنين علیه السلام من قبل بأن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قد وعده بقتال طائفة أخرى غير أصحاب الجمل وصفين، وأنه سماهم بالمارقين، وبعدما تم قتلهم من قبل أميرالمؤمنين علیه السلام في يوم واحد وهم عشرة آلاف فارس بالنهروان، وكان هدف الإمام علیه السلام تذكير معاوية بما كان يقول لأصحابه من قبل، ويعدهم به، عسى أن ينتفع من صدق الإمام علیه السلام بما كان يقوله ويستهزئها به، ويرجع إلى رشده(3)، إذ روي في هذا الصدد ان النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال لأم سلمة: (هذا علي بن أبي طالب لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، يا أم سلمة

ص: 415


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 489
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 17؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 200
3- شرح نهج البلاغة، 18 / 20

إشهدي أنه يقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين)(1)، اي أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كان يعي المرحلة التي سيمر بها امير المؤمنين علیه السلام.

وانتهج معاوية منهج آبائه وأجداده في إدعائهم الأباطيل، والسير في طريق الكفر والضلال، وأشار الإمام علیه السلام إلى ذلك بقوله: (فقد سلكت مدارج أسلافك بادعائك الأباطيل، واقتحامك غرور المين والأكاذيب، وبانتحالك ما قد علا عنك)(2)، إذ بين لنا الإمام علیه السلام أن معاوية قد اتبع أساليب أبيه أبي سفيان وجده عتبة وأمثالهما من أهل النفاق والكفر(3)، وذلك بادعائه الأمور الباطلة التي ليس له حق في المطالبة بها، كمطالبته بدم عثمان، وطلحة والزبير، وكذلك التزامه جانب الكذب و الغرور متناسياً النتائج السلبية التي تفرزها هذه الأمور الباطلة، وطلبه للخلافة وهي أمرٌ بعيدٌ عنه(4)، وهو مصداق قوله تعالى:

«لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»(5)، وبيّن المفسرون عن أبي عبدالله الصادق علیه السلام قوله: لا ينال عهدي الظالمين أي لا يكون إماماً ظالماً(6)، تتبين محاولة معاوية الحصول على مراده من خلال ادعائه بأنه المسؤول عن دم عثمان وطلحة والزبير

ص: 416


1- الكوفي، مناقب أمير المؤمنين، 1 / 396؛ الصدوق علل الشرائع، 1 / 66؛ ابن طاووس، التحصين، 566
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 489
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 17؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 4 / 166
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 200
5- سورة البقرة، آية، 124
6- الطبري، جامع البيان، 1 / 732؛ العياشي، تفسير العياشي، 1 / 58؛ القمي، تفسير القمي، 1 / 59

من أجل الخلافة التي هي ليست من استحقاقه، فنصحه الإمام علیه السلام بالإبتعاد عن هذه الإدعاءات والأباطيل.

وفي موضع آخر من نهج البلاغة جاء قول امير المؤمنين علیه السلام:

(وقريب ما أشبهت من أعمام وأخوال حملتهم الشقاوة، وتمني الباطل على الجحود بمحمد صلى الله عليه واله، فصرعوا مصارعهم حيث علمت، لم يدفعوا عظيماً، ولم يمنعوا حريماً بوقع سيوف ما خلا منها الوغى، ولم تُاشِها الهوينى)(1).

اي ان مراد الإمام علیه السلام من ذلك ان معاوية يشبه أعمامه وأخواله الذين هم من بني أمية الذين خرجوا على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، والذين قتلوا في الحروب التي جرت بينهم(2)، أمثال عقبة بن أبي معيط الذي قتله الإمام علي علیه السلام(3)، وهؤلاء حملتهم الشقاوة المكتوبة عليهم في الدنيا والآخرة بسبب جحودهم للنبي صلی الله علیه و آله وسلم وما حملوا من الباطل وما قاموا به من بذل الاموال والأنفس في سبيل إطفاء نور النبوة وإقامة أمر الشرك والباطل(4)، وذكّر الإمام علیه السلام معاوية بالسيوف التي قتلت أعمامه وأخواله في بدر وغيرها من المواقع والتي لم ترافقها المساهلة معهم بأنها باقية(5).

من خلال النص المتقدم أراد الإمام علیه السلام تحذير معاوية وتذكيره بمصير أعمامه

ص: 417


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 488
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 15
3- ابن هشام، السيرة النبوية، 2 / 525
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 198
5- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 488

وأخواله الذين ناصبوا العداء للدعوة الإسلامية ولرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وما بذلوه من أموال وأنفس في سبيل القضاء على تلك الدعوة، عسى ان يرجع ويدخل في طاعة الإمام علیه السلام.

وفي الموضوع ذاته جاء قوله علیه السلام:

(وابتزازك لما اختزن دونك، فراراً من الحق، وجحوداً لما هو ألزم لك من لحمك ودمك، مما قد وعاه سمعك، وملئ به صدرك)(1) إذ أراد أميرالمؤمنين علیه السلام بيان محاولة معاوية سلب حق من حقوق الإمام علیه السلام ألا وهو التسمي بأمير المؤمنين، وكذلك محاولة منه للتهرب والالتفاف على الدين الذي أوجب إطاعة الإمام علیه السلام وذلك ناتج من حبه للكفر والنفاق وتطلعه للتغلب على الأمر(2) وجرأته في أخذ البيعة لنفسه من أهل الشام، مع علمه بأن المسلمين والصحابة بايعوا أمير المؤمنين علیه السلام طائعين لا مكرهين، بالإضافة إلى أن قيامه بأخذ البيعة من أهل الشام سيؤدي إلى تفرقة المسلمين واقتتالهم فيما بينهم(3)، وذهب البحراني بالقول، أن مراد الإمام علیه السلام من ذلك هو قيام معاوية بابتزاز أموال المسلمين وبلادهم باعتقاده ان ذلك استحقاق من الله تعالى(4)، ونحن نذهب إلى الرأي الاول الذي يشير إلى رغبة معاوية بالخلافة والتسمي بها، إذ جاء عن الحسن البصري في هذا الصدد بأنه قال: (في معاوية أربع خصال، لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة، أنتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء، حتى ابتزها

ص: 418


1- المصدر نفسه، 3 / 489
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18، 17؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 489
3- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 4 / 166
4- شرح نهج البلاغة، 5 / 200

أمرها بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة وذوي الفضيلة، واستخلافه ابنه سكيراً خميراً يلبس الحرير، ويضرب بالطنابير، وإدعاؤه زياد، وقد قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:a (الولد للفراش وللعاهر الحجر) وقتله حجرًا، ويلٌ له من حجر وأصحابه مرتين)(1).

وأراد بقوله:

(وجحوداً لما هو ألزم لك من دمك ولحمك، مما قد وعاه سمعك، وملئ به صدرك)، أي أن طاعة أمير المؤمنين علیه السلام واجبة على معاوية، لأنه يعرف ذلك بدون شك من خلال النص عليه من قبل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، إذ كان معاوية حاضراً في يوم الغدير لأنه حج معهم حجة الوداع، وكذلك كان حاضراً يوم تبوك حين قال له النبي صلی الله علیه و آله وسلم، أمام الناس كافة:

(أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)(2)، فضلًا عن أنه قد سمع بأمر بيعته علیه السلام فلا يخفى خبرها عليه، إذ انتشرت بين المسلمين، بحيث علم بها، كما يُعرف ان هناك بلدِا إسمه مصر(3)، ووجوب طاعة الإمام علیه السلام من قبل معاوية لأنها ألزم له من دمه ولحمه لأنها واجبة عليه ولا يجوز الرجوع عنها(4).

ص: 419


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 279؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 337
2- ابن حنبل، مسند أحمد، 1 / 184؛ الترمذي، سنن الترمذي، 5 / 305؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 2 / 338
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 17
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 200؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 489

وكان على معاوية أن يقف ويتأمل قليلًا في مسألة خلافة أمير المؤمنين علیه السلام، وأن لا يعلن معارضته ومنافسته على هذا الأمر، ألم يعلم معاوية وغيره من الصحابة أن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم قال فيه أحاديث كثيرة جاءت لتدلل على أحقيته بالأمر، منها قوله:

(اللهم عادِ من عاداه، ووالِ من والاه)(1)، وقوله:

(حربك حربي، وسلمك سلمي)(2)، وقوله: (أنت مع الحق، والحق معك)(3)، والكثير من الأحاديث التي تدلل على المعنى ذاته(4).

وفي السياق ذاته ورد قوله علیه السلام:

(فماذا بعد الحق إلا الضلال المبين، وبعد البيان إلا اللبس)(5)، قال أبن أبي الحديد: (هذه كلمة من الكلام الإلهي المقدس)(6)، أي أن أمير المؤمنين علیه السلام بين

ص: 420


1- ابن حنبل، مسند أحمد، 1 / 118؛ الطبراني، المعجم الكبير، 4 / 17؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، 9 / 104
2- الكوفي، مناقب أمير المؤمنين، 1 / 250؛ الصدوق، الأمالي، 156؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 17
3- ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 20 / 361؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 17
4- ابن إبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 18
5- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 489
6- شرح نهج البلاغة، 18 / 18

لمعاوية مصير كل من يتجاوز على حقه الذي يعلمه، سيكون الضلال والهلاك بسبب التفريط واللبس بهذا الحق(1)، ولا شك ان معاوية كان متيقنًا بحق الإمام علیه السلام، وعلى استحقاقه لأمر الخلافة دون غيره، ولكنه بسبب طمعه وضلاله وكفره الذي نشأ عليه أخذ ينافس الإمام علیه السلام بهذا الحق، ثم حذره الإمام علیه السلام من اشتباه الأمر عليه مما يؤدي إلى إثارة الفتن بين المسلمين والقتل فيما بينهم بسبب ذلك، وأشار إلى ذلك بقوله: (فاحذر الشبهة واشتمالها على لبستها، فإن الفتنة طالما أغدفت جلابيبها، وأعشت الأبصار ظلمتها)(2).

ان مراد الإمام علیه السلام من كلامه هذا، هو تحذيرمعاوية من الدخول في الشبهة وتلبسه بها لما فيها من الإبهام والغموض(3)، والمقصود بالشبهة هي دم عثمان، وربما الشبهة هي تولي الحكم، وتحذيره علیه السلام من الدخول بها، وضرورة الإبتعاد عنها(4)، وأغدفت(5) الفتنة جلابيبها، أي شبه الإمام علیه السلام الفتنة المغطية لبصائر أهلها عن الحق وابتعادهم عنه(6)، ولبس ثوب الرياء، والظهور بغير حقيقته، وأراد بالفتنة هنا قميص عثمان الذي تستر به معاوية، وكان هدفه زرع الفتنة بين المسلمين وسفك الدماء، وتفرقهم من أجل الوصول إلى هدفه من

ص: 421


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 201
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 489
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 18
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 201؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 4 / 167
5- أغدفت، أي أغدفت المرأة قناعها أرسلته على وجهها، ومنها أغدف الليل سدوله، إذا أظلم، ينظر، ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، 3 / 345
6- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 201

خلال تلك الفتنة وهو الحكم(1)، وأراد بقوله: وأعشت الابصار ظلمتها، أي جعلت الفتنة وما تحتويه من ظلام غشاءًا يعمي به الأبصار(2)، وعدم الهداية إلى الحق(3)، ومعاوية قد عمي بصره عن الحق بسبب التمسك بتلك الفتنة التي طالما انتظر حدوثها لغرض الوصول للحكم والسلطة عن طريقها، والتي من خلالها إستطاع تحشيد الطاقات من الشاميين وأعمى بصرهم بتلك الفتنة التي هي قميص عثمان والمطالبة بدمه.

ويذكر أنه بعد انتهاء أميرالمؤمنين علیه السلام من وقعة الجمل بايع له القوم جميعاً، فكتب إلى معاوية يدعوه للدخول في طاعته، فأرسل له معاوية رجلاً من عبس، وكتب له كتابا فيه عبارة بسم الله الرحمن الرحيم فقط، فعرف الإمام علیه السلام ان معاوية يريد الحرب، فقام رسول معاوية وخطب بالناس، واقسم أنه خلف بالشام خمسين ألف شيخ يبكون على عثمان ويطلبون بدمه، وهدد أميرالمؤمنين علیه السلام بالقتل قائلا:

(ليأتينك من خضرالخيل إثنا عشر ألفاً)، فقال له الإمام علیه السلام:

(تربت يداك، وكذب فوك، أما والله لو أن رسولاً قتل لقتلتك)(4).

ويبدو ان معاوية حاول استخدام لغة التهديد التي يمكن من خلالها حمل الإمام علیه السلام على توليته الشام، وبالمقابل تنازل معاوية عن المطالبة بدم عثمان، ومما لا شك فيه ان معاوية ابتعد كثيرا عن الحقيقة، فليس أمير المؤمنين علیه السلام من تخيفه

ص: 422


1- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 4 / 167
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 18
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 201
4- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1 / 103؛ ابن أعثم الكوفي، الفتوح، 2 / 459

كثرة الأعداء ولا يأبه لها، وما عرف عن شجاعته وبطولاته في المعارك التي خاضها ضد المشركين خير دليل على ذلك، وقد عبر عن موقفه في هذا الصدد في إحدى خطبه الشريفة بقوله علیه السلام:

(إني والله لو لقيتهم واحداً وهم طلاع الأرض كلها، ما باليت ولا استوحشت، وإني من ضلالهم الذي هم فيه، والهدى الذي أنا عليه، لعلى بصيرة من نفسي ويقين من ربي، وإني إلى لقاء الله وحسن ثوابه لمنتظر راج...)(1).

ص: 423


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 485

ص: 424

الفصل الخامس

اشارة

المبحث الأول: إخبار الإمام علي علیه السلام بظلم بني أمية

المبحث الثاني: إخبار الإمام علي علیه السلام بنهاية دولة بني أمية وزوالها

ص: 425

ص: 426

المبحث الأول إخبار الإمام علي علیه السلام بظلم بني أمية

ارتبط علم أمير المؤمنين علیه السلام بالعلوم الغيبية إرتباطاً كلياً بالقرآن الكريم والنبي الأكرم محمد صلی الله علیه و آله وسلم، ومن المعروف بأن علم الغيب خاص بالله تعالى وحده، ولكن الله تعالى أطلع أنبياءه، ومنهم نبيه المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم على بعض علومه الغيبية وذلك بنص القرآن الكريم، إذ جاء قوله تعالى في هذا الشأن:

«عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا»(1)، وبما ان الإمام علیه السلام هو نفس الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بنص القرآن الكريم، كما ورد في قوله تعالى:

«وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ»(2)، إذ بیّن العديد من المفسرين أن المراد بأنفسنا هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام(3)، وبما يتمتع به بدرجة عالية من

ص: 427


1- سورة الجن، آية 26 - 27
2- سورة آل عمران، آية 61
3- الطوسي، التبيان، 2 / 485؛ السمعاني، تفسيرالسمعاني، 1 / 327؛ البغوي، تفسير البغوي، 1 / 310؛ البيضاوي، أنوار التنزيل، 2 / 20

الصفاء الروحي والديني، فجاء علمه للعلوم الغيبية عن طريق تعلمه من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، الذي غذاه بهذا العلم، وأطلعه على بعض الأمور التي جعلته عارفاً من خلالها بالقضايا المستقبلية.

ووردت العديد من الأحاديث الشريفة التي تبين المكانة العلمية لأمير المؤمنين علیه السلام، منها قول الرسول صلی الله علیه و آله وسلم:

(أنا مدينة الحكمة وعلي بابها)(1)، وقول أمير المؤمنين علیه السلام:

(علمني رسول الله ألف باب فتح لي كل باب ألف باب)(2)، وقوله علیه السلام:

(لو ثنيت لي الوسادة لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم، وبين أهل القرآن بقرآنهم)(3).

ويمكن تعريف علم الغيب لغة: هو ما غاب عن العيون، وسواء كان محصلاً في القلوب او غير محصل، تقول غاب عنه غيباً وغيابا وغيبوبة وغيبة(4)، وعبرالقرآن الكريم عن هذا الأمر بقوله تعالى:

«جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا»(5)،

ص: 428


1- القاضي النعمان، شرح الأخبار، 1 / 89؛ الصدوق، الأمالي، 619
2- الشريف المرتضى، الفصول المختارة، 107؛ الطبرسي، أعلام الورى، 1 / 267؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، 1 / 315
3- الطوسي، الأمالي، 523؛ ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، 1 / 317؛ الحلي، كشف اليقين، 56
4- ابن منظور، لسان العرب، 1 / 654
5- سورة مريم، آية 61

والكثيرمن الأمور التي أخبر بها أمير المؤمنين علیه السلام، والتي بيّن قسم منها الشريف الرضي في نهج البلاغة، أو الروايات التي ذكر منها ابن أبي الحديد في شرحه، التي جاءت لتدلل على علم الإمام بالأمور الغيبية(1).

ويضم نهج البلاغة الذي جمعه الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علیه السلام على بعض العلوم الإلهية(2)، والكثير من الكلام الذي يدل على الرؤية المستقبلية التي هي خارج نطاق قدرة البشر(3)، وجاءت الكثيرمن الخطب التي تدلل على اطلاعه وإخباره علیه السلام عن الكثير من الأحداث التي تحصل بعده، ومنها ما أخبر أصحابه بخروج صاحب الزنج والأتراك، فقال له أحد أصحابه: (لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب؟ فأجاب علیه السلام: (ليس بعلم الغيب وإنما تعلم من ذي علم) وإنما علم الغيب علم الساعة، كما في قوله تعالى:

«إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ»(4)، فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، وما عدا ذلك (علم علمه الله لنبيه فعلمنيه، ودعا لي بأن يعيه صدري، وتضطم إليه جوانحي)(5).

وقد أشار أمير المؤمنين علیه السلام بشأن علمه وإخباره بالغيب في أكثر من موضع في نهج البلاغة وإن علومه مستقاة من علم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، إذ ورد قوله:

ص: 429


1- شِرح نهج البلاغة، 2 / 226 - 233
2- الشريف الرضي، نهج البلاغة، 19
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1 / 32
4- سورة لقمان، آية 34
5- الشريف الرضي، نهج البلاغة، 244 - 245

(ما كذبتُ ولا كُذبت، ولا ضللت ولا ضُل بي)(1)، أي لم يخبره رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم خبراً إلا كان صادقًا، ولم يضلله مضلل عن الحق والصدق، لأنه كان يستند في أخباره عن الأمور الغيبية الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، ومن ثم فهو منزه عن إضلاله وإضلال الآخرين(2)، ومما لا شك فيه ان علومه علیه السلام مستقاة من علم الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، وكما قال عنه:

(أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه)(3).

وفي موضع آخر صرح أمير المؤمنين علیه السلام بقوله:

(والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت، ولكن أخاف ان تكفروا فيَّ برسول الله صلى الله عليه وآله، ألا وإني مفضيه إلى الخاصة ممن يؤمن في ذلك منه، والذي بعثه بالحق واصطفاه على الخلق، ما أنطق إلا صادقاً، وقد عهد إلي بذلك كله، وبمهلك من يهلك، ومنجى من ينجو، ومآل هذا الأمر، وما أبقى شيئاَ يمر على رأسي إلا أفرغه في أذني وأفضى به إليَّ)(4).

وأراد أمير المؤمنين علیه السلام من ظاهر كلامه أنه يدل على علم بالعلوم الغيبية، وأنه لا يفصح بها خوفاً على المسلمين ان يغلوا فيه ويدعوا فيه الإلهية ويؤدي ذلك إلى كفرهم، وكما هو معلوم ان مصدر علمه الأول هو الرسول محمد صلی الله علیه و آله وسلم

ص: 430


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 4 / 540
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 295
3- الطبراني، المعجم الكبير، 11 / 55؛ المفيد، الإرشاد، 1 / 33؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 3 / 126
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 277

الذي عهد بهذا العلم له، وهذا ينسجم مع ما ذكرناه في الآية الكريمة التي تقول:

ح«عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ»(1)، وان الله تعالى أخبر بعض انبيائه ومنهم الرسول محمد صلی الله علیه و آله وسلم والذي أخبرالإمام به، وهو بدوره علیه السلام لم يخبر به أحدًا إلا الخاصة من أوليائه الذين لا يشكون في علمه ومعرفته بالأمر وإن علومه استقاها من الرسول صلی الله علیه و آله وسلم لمعرفتهم وعلمهم ان ذلك من أعلام نبوته، وما أمير المؤمنين علیه السلام إلا شخص وصل إلى مرتبة جليلة أوصلته إلى تلك المنزلة عند الله وعند نبيه(2).

أما فيما يخص موضوع البحث المتعلق برؤية أمير المؤمنين علیه السلام لبني أمية، ومدى ظلمهم للناس، فقد تبين ذلك من خلال العديد من النصوص التي وردت بخصوص ظلمهم للناس، وكذلك أخبر الإمام علیه السلام بخلافة بعض الشخصيات الأموية مثل معاوية، ومروان بن الحكم، وعبد الملك وولده، و ما تلقى الامة منهم من الويلات والظلم والقتل والتشريد، وسوف نسلط الضوء على ما جاء في هذا الخصوص في نهج البلاغة.

أولا: إستقراء الإمام علي علیه السلام لظلم بني أمية تعد فتنة بني أمية التي أشار إليها أميرالمؤمنين علیه السلام في نهج البلاغة من أشد وأخطر الفتن التي ستصيب المسلمين بشكل عام، وأهل البيت علیه السلام بشكل

ص: 431


1- سورة الجن، آية، 26 - 27
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 10 / 12؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 323؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2 / 522

خاص، بسبب توسع دولتهم وما سيلحق بالمسلمين من ظلمهم، وذلك بسبب سوء إدارة الولايات من قبل الحكام الأمويين الذين استخدموا أساليب عديدة في إيذاء المسلمين، مما دفع أمير المؤمنين علیه السلام بالتصريح بخوفه على المسلمين من فتنتهم وظلمهم، وعبر عن ذلك الأمر في إحدى خطبه بقوله:

(ألا إن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية، فإنها فتنة عمياء مظلمة عمتْ خطتها، وخصت بليتها)(1)، أي ان مراد الإمام علیه السلام من قوله هذا، ان فتنة بني أمية وظلمهم ستشمل عامة الناس لأنهم سوف يتسلطون عليهم كافة، وبالمقابل كان نصيب أهل البيت علیهم السلام وشيعتهم من ذلك الظلم النصيب الأوفر(2)، إذ كثر بلاء المسلمين فيها، وهتكت حرمة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وقتل الحسين بن علي علیه السلام، ومن ثم هتكت حرمة الإسلام بهدم الكعبة وحرقها، وقيامهم بسب أمير المؤمنين علیه السلام ثمانين سنة، ناهيك عن البلاء الذي انتشر في أرجاء البلاد الإسلامية(3)، وورد ان أهل حران(4)، حينما أزيل لعن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام سنة (99 ه / 101 ه) من على المنابر أيام الجمع، إمتنعوا عن إزالته، وقالوا لا صلاة إلا بلعن أبي تراب، وأقاموا على ذلك

ص: 432


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 160
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 42؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 160
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 408، ينظر، اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 155، 165؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 400، 485، 498
4- حران، وهي مدينة عظيمة مشهورة من جزيرة أقور، وهي قصبة ديار مضر بينها وبين الرقة يومان، وهي تقع على طريق الموصل والشام والروم بين نهري دجلة والفرات، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 2 / 235

سنة حتى ظهرت دولة بني العباس سنة 132 ه(1).

وروي ان معاوية كتب إلى عماله في جميع الأمصار، بأن لا يجيزوا لأحد من شيعة أمير المؤمنين علیه السلام ولا لأهل بيته شهادة، وأمرهم بتقريب مجالس، شيعة عثمان ومحبيه وأهل بيته وإكرامهم، والذين يروون فضله ومناقبه(2)، يتضح لنا من خلال ذلك محاولة بني أمية خلق حالة من الرأي العام المعارض لأهل البيت علیه السلام والتنفير عنهم، وذلك من خلال إزالة ومحو آثار أهل البيت علیهم السلام، وفضلهم على الأمة، عن طريق قيامهم بمنع الناس عن التحدث بفضائلهم وأحاديثهم.

وفي موضع آخر من نهج البلاغة جاء قوله علیه السلام:

(وأصاب البلاء من أبصر بها فيها، وأخطأ البلاء من عمي عنها. وأيم الله لتجدن بني أمية لكم أرباب سوءٍ من بعدي كالناب الضروس(3)، تعذم بفيها، وتخبط بيدها، وتزبن برجلها، وتمنع درها)(4)، أي ان الشخص العالم بظلمهم ولم ينكر عليهم ذلك فهو مأثوم، وأما الذي ينكرعليهم ذلك فإن نصيبه من العذاب والقتل يكون النصيب الأكبر، وبالمقابل نجد الشخص الذي لم يهتدِ كونها فتنة ويجهل ذلك وينقاد إلى دعواتهم الباطلة، ويسير بسيرتهم سيكون بعيداً عن أذاهم وظلمهم(5)، ثم أقسم الإمام علیه السلام لأصحابه بأنهم سيجدون بني

ص: 433


1- المسعودي، مروج الذهب، 2 / 228؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 97
2- الطبرسي، الإحتجاج، 2 / 348؛ ابن أبي الحديد، 11 / 36
3- الناب الضروس، هي الناقة المسنة السيئة الخلق، ينظر، ابن منظور، لسان العرب، 13 / 194
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 160
5- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 209؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2 / 58

أمية من بعده أرباب سوء، بما فعلوا بهم من القتل والنفي والحبس، وشبههم علیه السلام بالناب الضروس السيئة الخلق التي تعض حالبها، وتعذم بفيها، أي تأكل بجفاء، وتزبن برجلها، أي تضرب برجلها، وتمنع درها عند الحلب(1)، وشبه علیه السلام هذه الحركات بأفعال بني أمية، وهي إشارة إلى سوء معاملتهم مع الناس، وقيامهم بالقتل، ومنعهم من بيت المال وحرمانهم من حقوقهم(2).

من خلال ما تقدم يمكننا ان نستشف ان أمير المؤمنين علیه السلام وبناءً على رؤيته المستقبلية لمصير الأمة الإسلامية والمجتمع الإسلامي صنف الناس في عهد بني أمية إلى صنفين:

الصنف الأول هم الذين يتماشون مع الأمويين على الرغم من معرفتهم وإدراكهم بما يقوم به بنو أمية من ظلم للناس وسلب حقوقهم وهؤلاء قد باعوا آخرتهم بدنياهم مقابل سكوتهم وعدم إنكارهم ما يحدث من حولهم، ومن ثم يسلمون من أذاهم.

أما الصنف الثاني فهم الذين أنكروا ظلمهم وسياستهم القائمة على خلاف الدين، وهؤلاء نالهم العذاب والقتل وخير دليل على ذلك ما فعلوا بحجر بن عدي الكندي وأصحابه الذين انكروا على معاوية الكثيرمن الأمور التي ادت إلى مقتلهم(3).

وفي السياق ذاته بين الإمام علیه السلام حال الناس في ظل دولة بن أمية وما يعانون

ص: 434


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 43
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 209؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2 / 58
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 276؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 8 / 26؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3 / 336

منه فيما بعد، بقوله:

(لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلا نافعاً لهم، أو غير ضائر بهم، ولا يزال بلاؤهم حتى لا يكون انتصار أحدكم منهم إلا كانتصار العبد من ربهِ، والصاحب من مستصحبهِ)(1)، أي أن بني أمية سيستمرون في قتل الناس وإبادتهم، بحيث لا يبقى إلا من ينفعهم ويتماشى مع سياستهم، أو غير ضار بهم ولا يتعارض معهم بشيء، حتى يصبح حال الناس في ظل دولتهم، كانتصار العبد من مولاه، ومعنى ذلك ان الناس لا تستطيع التغلب عليهم مثلما لا يستطيع العبد التغلب على مولاه، وجاء كلام للإمام علیه السلام في المعنى ذاته:

(إذا حضر أطاعه، وإن غاب اغتابه)(2)، وأراد بقوله: علیه السلام والصاحب من مستصحبه، أي أنهم يتلونون مع الأمويين كالخدم والعبيد يطيعونهم في الظاهر ويحقدون عليهم في باطنهم بسبب ظلمهم لهم(3).

نستشف من ذلك ان أمير المؤمنين علیه السلام أراد أن يكشف عن الوجه الحقيقي للأمويين وسياستهم القائمة على القتل والعنف لكي يفرضوا سيطرتهم على الناس، وجعلوهم كالعبيد تحت أيديهم، وهم يحملون الحقد تجاههم بسبب سياستهم القاسية معهم، وروي أنه عند قيام مسلم بن عقبة(4)، بالسيطرة على المدينة ونهبها، وقتله للعديد من الناس ممن عارضهم، قد قام بأخذ البيعة على

ص: 435


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 160
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 143
3- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2 / 59
4- مسلم بن عقبة بن رياح بن أسعد المري المعروف بمسرف، أدرك النبي صلی الله علیه و آله وسلم، شهد صفين مع معاوية وكان على الرجالة، وهو صاحب وقعة الحرة، وولي خراج فلسطين من قبل معاوية، ينظر، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 58 / 102

أنهم عبيد وقن ليزيد(1).

وفي الصدد ذاته جاء كلام أمير المؤمنين علیه السلام:

(ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشية، وقطعاً جاهلية، ليس فيها منار هدى، ولا علم يرى، نحن أهل البيت منها بمنجاة، ولسنا فيها بدعاة)(2)، إذ وصف الإمام علیه السلام فتنة بني أمية شوهاء مخشية، وذلك لقبحها، وما تتصف به من صفات الرعب والتخويف(3)، والفتنة هنا قيادتهم للأمة والتحكم بمصيرها، وجاءت مظلمة على الناس ومتراكمة وشبيهة بقطع الغيوم لكثرتها، ووصفها بصفات الجاهلية لأن أفعالهم كانت تتصف بصفات أهل الجاهلية الذين لا يردعهم رادع ديني في أفعالهم(4)، وأراد الإمام علیه السلام بقوله: ليس فيها منار هدى، ولا علم يرى، أي ليس فيها إمام أو قائد ليهتدي به الناس ولا فيها شيء من قوانين الحق ليقتدى بها(5)، جاء ان الوليد بن عبد الملك عندما تولى الخلافة خطب بالناس وقال لهم:

(من أبدى لنا ذات نفسه، ضربنا الذي فيه عيناه، ومن سكت مات بدائه)(6)، أي ان بني أمية قد جعلوا القتل والإرهاب الذي اتخذوه بوصفه شعاراً وأساساً لتعاملهم مع الناس، ولكل من يعارضهم، فكان ذلك أحد أساليبهم كما مر بنا.

ص: 436


1- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 165؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 493
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 161
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 44؛ الصالح، صبحي، شرح نهج البلاغة، 138
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 44
5- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 410
6- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 6 / 423؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4 / 240

أما قول الإمام علیه السلام:

(نحن أهل البيت منها بمنجاة، ولسنا فيها بدعاة)، إذ بين البحراني ان مراد الإمام علیه السلام بقوله هذا بأننا أهل البيت ناجون من آثامها والدخول فيها، والدعوة إلى مثلها، وليس المراد انهم سالمون من أذاهم، وغير داعين فيها إلى الحق، وذلك بشهادة الحسين علیه السلام إلى نفسه و قيامهم بقتله وقتل أولاده وهتك ذريته، أو المراد من ذلك إننا ناجون من آثامها، ولسنا فيها بدعاة مطلقاً، والحسين علیه السلام لم يكن قد دعا إلى نفسه، وإنما كان مدعواً للقيام من قبل أهل الكوفة ومجيباً لدعوتهم(1)، روي عن الزهري(2) قوله:

(ان عبد الملك بن مروان حدثني عندما طلب علي بن الحسين علیه السلام فجاءه من المدينة الى الشام، فقال له إما أنا أو أنت، فطلب منه عبدالملك البقاء عنده، فرفض الإمام علیه السلام ذلك، ثم خرج من عنده، فقال عبدالملك: فوالله لقد امتلا ثوبي منه خيفة، فقال له الزهري: ليس علي بن الحسين حيث تظن، انه مشغول بنفسه، فقال: حبذا شغل شغله، فنعم ما شغله)(3)، يتبين لنا من خلال الرواية ان أهل البيت علیهم السلام بعيدون عن المغريات الدنيوية وهم مع ذلك قد أصابهم ما أصابهم من فتنة بني أمية من القتل والتشريد.

ص: 437


1- شرح نهج البلاغة، 2 / 410
2- محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله الزهري، من بني زهرة بن كلاب من قريش، ويكنى أبا بكر تابعي من أهل المدينة وهو حافظ فقيه، ثم نزل بالشام، وكان برفقة عبد الملك وولده الوليد الخلفاء من بعده، واستعمله يزيد بن عبد الملك على القضاء، وتوفي سنة (124 ه) في مدينة شغب بالحد بين فلسطين والحجاز، ينظر، ابن سعد ، الطبقات الكبرى، 7 / 429
3- الأصفهاني، حلية الأولياء، 3 / 135؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 41 / 373؛ الأربلي، كشف الغمة، 2 / 288

وعلقت إحدى الباحثات على ذلك الأمر بأن أهل البيت علیهم السلام لا تؤثر عليهم مؤثرات بني أمية وأشارت بأنه ليس المقصود المؤثر المادي بل المؤثر المعنوي والفكري من تغير أفكار وما إلى ذلك، لذلك قدمهم الإمام علیه السلام كمصدر علاج لذلك الوضع(1).

ان المتتبع لفتنة بني أمية وما صرح به أمير المؤمنين علیه السلام عنها وعن الأسباب التي أدت إلى حدوثها، وانها لم تأت من فراغ وإنما توفرت لها عدة ظروف استطاع من خلالها بنو أمية الاستيلاء على السلطة، والتي شخصها لنا الإمام في إحدى خطبه الشريفة والتي جاء فيها:

(أما والذي نفسي بيده ليظهرن هؤلاء القوم عليكم، ليس لأنهم أولى بالحق منكم، ولكن لإسراعهم إلى باطل صاحبهم وإبطائكم عن حقي. ولقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رُعاتها، وأصبحت أخاف ظُلم رعيتي)(2)، إذ أقسم أميرالمؤمنين علیه السلام لأصحابه بتغلب معاوية وأهل الشام عليهم، وبين علة ذلك الإنتصار الذي سوف يحققه معاوية، لا لأن معاوية وأصحابه على الحق وأصحابه على باطل وإنما يكمن السبب الرئيس في ذلك الإنتصار، في أن أصحاب معاوية أطوع للأمر في كل شيء، وان اسباب النصر تعتمد على مدى انتظام الجيش وطاعته لقادته، لا كما يعتقدونه بأنهم على حق وخصمهم على باطل، وان إعتقاد الجيش بأنهم على حق بدون إطاعة قائدهم لا يعني ذلك شيئاً، ولا يحقق لهم الإنتصار(3).

ص: 438


1- اللامي، أروى عبد الواحد، التوثيق التاريخي في نهج البلاغة، 213
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 164
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 55؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 422؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2 / 74

وان الشيء المتعارف بين الناس بأنهم يخافون ظلم ولاتهم، وأنه علیه السلام على العكس من ذلك قد أصبح يخاف ظلم رعيته له على الرغم من مداراته ومقاربته لهم، فإنهم اظهروا عكس ذلك له(1)، يتضح لنا مما تقدم ان الباعث الرئيس لانتصار معاوية فيما بعد هو بسبب تخاذل بعض جيشه ورعية أمير المؤمنين علیه السلام وعدم إطاعته في كل شيء.

وعلق أحد الباحثين على ذلك بأن رؤية الإمام علیه السلام لواقع الأمر وتحليله لم تكن من قدر غيبي، وإنما نشأت من توفر الأسباب والعوامل الموضوعية على أرض الواقع السياسي والإجتماعي الذي يعيشه والذي كانت عوامله تتفاعل في المجتمع السياسي المواجه للفتنة، وتخلي المجتمع عن روح الكفاح والجهاد في مواجهة ظروف الفتنة، وابتعد عن قيادته، ومن ثم وقع في المشاكل السلبية مفضلا الحياة السهلة الخالية من الالتزام بقيم الرسالة ومن روح الجهاد الحقيقي(2).

ثانياً: إخبار الإمام علي علیه السلام بتولي بعض الشخصيات الأموية الحكم لقد أخبر أمير المؤمنين علیه السلام من خلال الخطب التي وردت في نهج البلاغة بتولي بعض الشخصيات الأموية الحكم، وأنها ستمارس أقسى أنواع الظلم والإضطهاد بحق المسلمين، ويصبح الناس يعيشون في ظل حكمهم بحالة من الرعب والخوف والقتل والتهجير، وذكرنا بعض الشواهد التي وردت سابقاً

ص: 439


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 55؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 422
2- شمس الدين، حركة التاريخ عند الإمام علي، 192 - 193

بخصوص سياستهم وأساليبهم بالتعامل مع المسلمين(1)، وسوف نعرض ما جاء في نهج البلاغة بخصوص ذكر بعض هذه الشخصيات:

1- تغلب معاوية على الخلافة ذكرت العديد من الروايات ان النبي صلی الله علیه و آله وسلم أشار في عدد من أحاديثه إلى تسلط بني أمية على رقاب الناس، ومنها الحديث المروي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم:

(إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)(2)، وهي إشارة واضحة إلى تسلط معاوية على الحكم، بينما جاءت خطب أمير المؤمنين علیه السلام لتؤكد على هذا الأمر، إذ ورد في إحدى خطب الإمام علیه السلام بخصوص إخباره عن حكم معاوية بن أبي سفيان وتسلمه لزمام الدولة من بعده، وتسلطه على رقاب الناس وما يفعله من أعمال فيما بعد من أجل تثبيت سلطته والسيطرة على المناطق التي كانت خارجة عن حكمه، إذ ورد قوله علیه السلام في إحدى خطبه الشريفة:

(وما كنت متحرياً صلاحكم بإفساد نفسي، ولكن سيسلط عليكم بعدي سلطان صعب، لا يوقر كبيركم ولا يرحم صغيركم، ولا يكرم عالمكم ولا يقسم الفيء بالسوية بينكم، وليضربنكم وليذلنكم ويجهزنكم في المغازي وليقطعن سبيلكم، وليحجبنكم على بابه حتى يأكل قويكم ضعيفكم، ثم لا يبعد الله إلا من ظلم منكم، ولقلما أدبر شيء ثم أقبل، وإني لأظنكم في فترة وما علي إلا النصح لكم)(3).

ص: 440


1- ينظر، الفصل الثاني، 128 - 165
2- ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 59 / 156؛ الذهبي، ميزان الإعتدال، 1 / 572
3- المفيد، الإرشاد، 1 / 281؛ الطبرسي، الإحتجاج، 1 / 208

وفي نهج البلاغة أفصح علیه السلام عن رؤيته بظهور معاوية بقوله:

(أما إنه سيظهر عليكم رجل رحب البلعوم، مندحق البطن، يأكل ما يجد ويطلب ما لا يجد فاقتلوه ولن تقتلوه)(1)، بين ابن أبي الحديد في شرحه ان الناس اختلفوا بمن عنى الامام علیه السلام بهذا الرجل، فذهب البعض انه زياد ابن أبيه، وكثير منهم يقول الحجاج، وقال بعضهم المغيرة بن شعبة، لكنه علیه السلام أراد بالرجل معاوية لأنه موصوف بالنهم وكثرة الأكل، وكان بطيناً يقعد بطنه إذا جلس على فخذيه، وكان معاوية جواداً بالمال وبخيلاً على الطعام وهذه الصفات جاءت لتنطبق عليه من خلال تصريح الإمام علیه السلام بذلك(2)، ونحن نذهب إلى ما ذهب إليه ابن أبي الحديد في ان الإمام علیه السلام أراد بالرجل معاوية لماعرف عنه من بغض الإمام وتأسيسه لسياسة السب التي اوصى جميع عماله بأن لا يتورعوا عن سب الإمام علیه السلام والنيل منه.

وروي ان رسول الله علیه السلام دعا على معاوية لما بعث إليه يستدعيه فوجده يأكل ثم بعث فوجده يأكل فقال:

(اللهم لا تشبع بطنه)(3)، وقوله مندحق البطن، أي بارزها والدحوق من النوق التي يخرج رحمها عند الولادة(4)، وقوله اقتلوه ولن تقتلوه، أي ان الإمام علیه السلام أمرهم بقتله لما هو عليه من الفساد في الأرض، ولن تقتلوه، وهو

ص: 441


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 96
2- شرح نهج البلاغة، 4 / 42
3- الطبرسي، الإحتجاج، 1 / 323
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 4 / 42؛ ابن منظور، لسان العرب، 10 / 95

إخباره علیه السلام بعدم فعلهم لذلك الأمر، وهو أمر قتله(1)، ويتضح من النص ان المراد من ذلك هو معاوية وليس زياد بن أبيه او المغيرة بن شعبة أو الحجاج.

وبين أحد الباحثين رأيه بذلك ان إطلاق الإمام علیه السلام الحكم بهدر دم معاوية هو بسبب الفساد الذي أشاعه بين المسلمين وسلبه لأمن البلاد الإسلامية وإثارته الفتن التي شقت وحدة الصف الإسلامي(2).

وفي الموضوع ذاته أخبر أمير المؤمنين علیه السلام بقيام معاوية حال استيلائه على الحكم بأمرالمسلمين بسب الإمام علیه السلام والتبري منه، إذ ورد في هذا الشأن قول الإمام علیه السلام:

(ألا وإنه سيأمركم بسبي والبراءة مني، فأما السب فسبوني، فإنه لي زكاة ولكم نجاة)(3)، إذ ان معاوية أمر الناس في الدولة الإسلامية بسب أمير المؤمنين علیه السلام والبراءة منه، وخطب بذلك على منابر الإسلام وصار سنة في أيام بني أمية إلى ان قام عمر بن عبد العزيز فأزاله(4)، فمن خلال النص يتضح ان أمير المؤمنين علیه السلام استقرأ بأن معاوية سوف يقوم بسبه ولعنه على منابر الإسلام، لذلك أخبر علیه السلام الناس بما يجري عليه من ظلم بعد تسلط معاوية على الحكم وكيفية التعامل مع الأمر في حال أكرهوا على سبه والنيل منه، ومن جانب آخر ان قيام معاوية بسب الإمام علیه السلام يكشف لنا عن حقده وضغينته لأمير المؤمنين

ص: 442


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 150
2- المرزوك، الغيبيات في نهج البلاغة، 155
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 96
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 4 / 44

وتجاهله لما يملكه من علم وفضائل حدث بها نبي الرحمة صلی الله علیه و آله وسلم(1).

وأراد بقوله علیه السلام:

(فأما السب فسبوني، فإنه لي زكاة ولكم نجاة)، فقد صرح البحراني في شرحه قائلا: (إن أمير المؤمنين علیه السلام فرَّق بين سبه والبراءة منه، بأن رخص في سبه عند الإكراه عليه، ولم يرخص التبري منه وفي الفرق بينهما لطف، وذلك أن السب من صفات القول اللساني وهو أمر يمكن إيقاعه من غير اعتقاده مع احتمالية التعريض ومع ما يشمل عليه من حقن دماء المأمورين ونجاتهم بامتثال الأمر به)(2).

ويبدو أن أمير المؤمنين علیه السلام أجاز لمن يكره على سبه والنيل منه كأنه مأخوذ من قوله تعالى:

«إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ»(3) ومعنى ذلك إستثناء ممن كفر بلسانه ووافق المشركين بلفظه مكرهًا لما ناله من ضرب وأذى وقلبه يأبى ما يقول وهو مطمئن بالإيمان بالله ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم(4).

وقد اعترض ابن عباس على معاوية ونهاه بالكف عن سب أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب علیه السلام فأجابه معاوية قائلاً:

(ما كنت لأفعل حتى يربو عليه الصبي ويهرم فيه الكبير)(5).

ص: 443


1- المرزوك، الغيبيات في نهج البلاغة، 155
2- شرح نهج البلاغة، 2 / 151
3- سورة النحل، آية، 106
4- ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 4 / 605
5- الجاحظ، العثمانية، 285

ويبدو من خلال النص ان معاوية يسعى إلى تأسيس سياسة سب أمير المؤمنين علیه السلام للنيل منه بين أوساط المسلمين، وهذا ما بينه احد الباحثين في قيام معاوية عند توليه الحكم بتوصية جميع عماله بسب الإمام علیه السلام على المنابر والتي سار عليها خلفاء بني أمية من بعده(1).

ومن جانب آخر اعترضت أم سلمة على معاوية بسبب سبه أمير المؤمنين علیه السلام وقالت:

(إنكم تلعنون الله ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم على منابركم، وذلك إنكم تلعنون علي ابن أبي طالب علیه السلام ومن أحبه، وأنا أشهد أن الله أحبه ورسوله، فلم يلتفت إلى كلامها)(2).

ان الذي لا يجعل حرمة لله ولرسوله صلی الله علیه و آله وسلم كيف يأخذ بكلام أم سلمة زوجته، خصوصا ونحن نعرف ان معاوية منافق، وهو من الطلقاء وإسلامه مدخول، وهو يعلم أن أمير المؤمنين علیه السلام هو نفس الرسول صلی الله علیه و آله وسلم في آية المباهلة:

«وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ»(3)، إذ أشار العديد من المفسرين ان المراد بذلك هو أمير المؤمنين علي علیه السلام(4)، فضلا عن ورود أحاديث تبين ربط سب الإمام علیه السلام بسب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقد ذكر المحدثون قول الرسول صلی الله علیه و آله وسلم:

ص: 444


1- الجابري، السياسة الأموية المضادة للإمام علي علیه السلام، 71 - 72
2- ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، 5 / 115
3- سورة آل عمران، آية، 61
4- الطوسي، التبيان، 2 / 485؛ السمعاني، تفسيرالسمعاني، 1 / 327؛ البغوي، تفسير البغوي، 1 / 310؛ البيضاوي، أنوار التنزيل، 2 / 20

(من سب علياً فقد سب الله)(1)، وقوله صلی الله علیه و آله وسلم:

(من سب علياً فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله)(2)، ولكنه مع ذلك لا يكترث بأحاديث الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وهمه الوحيد تحقيق مطامحه في النيل من آل الرسول صلی الله علیه و آله وسلم.

وفي المعنى ذاته في نهج البلاغة أفصح الإمام علیه السلام عن رؤيته المستقبلية بشأن ما سيجري على المسلمين، إذ اخبرهم بما يقوم به معاوية بطلبه منهم بالتبري منه، إذ نهى أمير المؤمنين علیه السلام عن البراءة منه وعبر عن ذلك بقوله:

(وأما البراءة فلا تتبرأوا مني)(3)، ذكر البحراني(4) في شرحه ان مراد الإمام علیه السلام من ذلك انه فرق بين سبه والبراءة منه بأن رخص سبه عند الإكراه كما ذكرنا، أما التبرء فإنه يعود إلى المجانبة القلبية والمعاداة والبغض وهو المنهي عليه ها هنا، فهو أمر باطن يمكن تركه ولا يلحقهم ضرر، كأنه لحظ قوله تعالى:

«إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ»(5).

وجاءت الكثير من الروايات التي تبين أن أمير المؤمنين علیه السلام أجاز البراءة منه حال الإكراه، ومن هذه الروايات ما أورده الحميري القمي، أنه قيل للإمام جعفر بن محمد الصادق علیه السلام، ان الناس يروون ان علياً علیه السلام قال على منبر الكوفة:

ص: 445


1- الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 3 / 121؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 14 / 132؛ المتقي الهندي، كنز العمال، 11 / 573
2- ابن حنبل، مسند أحمد، 6 / 323؛ النسائي، السنن الكبرى، 5 / 133
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 97
4- شرح نهج البلاغة، 2 / 151
5- سورة النحل، آية، 106

(أيها الناس ستدعون إلى سبي فسبوني، ثم ستدعون إلى البراءة مني فلا تتبرأوا مني) فقال: علیه السلام ما أكثر من يكذب من الناس على علي علیه السلام، إنما قال:

(إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني، ثم ستدعون إلى البراءة مني وإني لعلى دين محمد، ولم يقل لا تتبرأوا مني)، وقال له السائل أرأيت ان اختار القتل دون البراءة فقال علیه السلام: والله ما ذلك عليه، وماله إلا ما مضى عليه عمار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكة وقلبه مطمئن للإيمان، فأنزل الله تعالى:

«إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ»(1)، فقال له النبي صلی الله علیه و آله وسلم عندها ياعمار ان عادوا فعد فقد انزل الله تعالى عذرك(2)، ونحن نرجح قول الإمام على هذه الرواية فكلامه واضح في هذا المضمون.

فضلا عن ما ذكره العياشي(3) في تفسيره ان أحد اصحاب الإمام الصادق علیه السلام سأله: (مد الرقاب أحب إليك أم البراءة من علي علیه السلام؟ فقال: الرخصة أحب إلي، أما سمعت قول الله عز وجل في عمار)، وبهذا الترخيص أراد الإمام علیه السلام الحفاظ على أرواحهم فيما لو أكرهوا على ذلك لأنه لا يتأثر بذلك، ومحاولة بني أمية عن طريق أساليبهم هذه طمس فضائله والنيل منه لكنهم فشلوا في تحقيق ذلك.

ومن خلال ما ذكر فيما يخص أمر معاوية بسب ولعن أمير المؤمنين علیه السلام وطلبه من الناس بالتبري منه على منابر المسلمين والنيل منه، جاء لينطبق مع رؤية أمير المؤمنين علیه السلام وإخباره بتسلط معاوية على الحكم وقيامه بالأعمال المذكورة.

ص: 446


1- سورة النحل، آية، 106
2- قرب الإسناد، 12؛ الكليني، الكافي، 2 / 219
3- تفسيرالعياشي، 2 / 272

2- خلافة مروان بن الحكم:

عندما بايع المسلمون من المهاجرين والأنصار أمير المؤمنين علیه السلام للخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان، كان مروان بن الحكم ممن بايع له، ولكنه نقض بيعته باشتراكه في يوم الجمل، وبعد ان أُسر جيء به إلى أمير المؤمنين علیه السلام ليبايعه فرفض ذلك، لما عرف عنه من غدر وخيانة، وقد أخبر أمير المؤمنين علیه السلام عن مدة حكمه وما تلقى الأمة منه ومن ولده من الظلم والجور، وجاء في هذا الشأن في نهج البلاغة قوله: (أما إن له إمرة كلعقة الكلب أنفه، وهو أبو الأكبش الأربعة، وستلقى الأمة منه ومن ولده يوماً أحمر)(1)، إذ أخبر الإمام علیه السلام عن قصر مدة خلافته وبقائه في السلطة، وعبر عنها بلعقة الكلب أنفه، كناية عن قصرها، إذ اشارت بعض الروايات ان مدة خلافة مروان بن الحكم بلغت أربعة أشهر(2)، فيما أشار آخرون، إلى أنها تسعة أشهر(3)، ونحن نرجح الرواية الثانية لأنها أقرب للصواب، وهو ينطبق تماماً على ما أخبر به أمير المؤمنين علیه السلام بقصر مدة خلافته.

وأراد بقوله علیه السلام وهو أبو الأكبش الأربعة، والمراد هنا أولاد عبد الملك بن مروان، وهم الوليد، وسليمان، ويزيد، وهشام، لأنهم أربعة أخوة تولوا الخلافة، و لم يلِ أمر الخلافة لا من بني أمية ولا من غيرهم أربعة أخوة إلا هؤلاء(4)،

ص: 447


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 112
2- المسعودي، مروج الذهب، 2 / 732
3- تاريخ اليعقوبي، 2 / 174؛ ابن أعثم الكوفي، الفتوح، 5 / 173؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 683؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 57 / 279
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 118؛ محمد عبده، شرح نهج البلاغة، 1 / 112؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1 / 358

ويمكن ان يراد بالأكبش الأربعة هم ولد مروان بن الحكم من صلبه، وهم عبد الملك الذي تولى الخلافة بعد أبيه، وعبد العزيز الذي أصبح والياً على مصر(1)، وبشر الذي ولي العراق(2)، ومحمد(3) الذي كان والياً على بلاد الجزيرة، ولكل من هؤلاء مواقف وأعمال معروفة(4)، ونحن نرجح ان مراد الإمام علیه السلام من الاكبش الأربعة هم أولاد عبد الملك الأربعة، بوصفهم خلفاء وحكامًا حكموا الدولة العربية الإسلامية ومارسوا فيها أبشع الجرائم من قتل وحرمان، بينما نجد الآخرين من اولاد مروان بن الحكم ولاة وقادة جيوش، وكما صرح بذلك أمير المؤمنين علیه السلام بقوله:

(ولكني آسى أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجاروها، فيتخذون مال الله

ص: 448


1- عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن امية بن عبد شمس، ويكنى عبد العزيز أبا الأصبغ، وكان مروان قد عقد الولاية له بعد عبد الملك، وولاه على مصر، وأقره عليها عبد الملك وأراد خلعه عبد الملك ويبايع لابنيه الوليد وسليمان بالخلافة، لكن قبيصة بن ذؤيب منعه من ذلك وكان على خاتمه، ولكن عبد العزيز توفي سنة (85 ه)، فبايع لسليمان بعد الوليد، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7 / 232
2- بشر بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن امية بن عبد شمس، ويكنى أبا مروان، ولاه أخوه عبد الملك المصرين البصرة والكوفة وكانت داره في دمشق، وإليه ينسب دير بشر عند حجرا في الشام، وتوفي في البصرة سنة (75 ه)، ينظر ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 10 / 253
3- محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن امية بن عبد شمس، وهو والد مروان آخر الخلفاء الأمويين الذي قتله العباسيون، وقد روى عنه الزهري، وقد ولي عددًا من الولايات مثل الموصل والجزيرة وارمينيا واذربيجان، واشترك في غزو ارض الروم، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7 / 233؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 55 / 237
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 118؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 207

دولاً، وعباده خولاً، والصالحين حربًا، والفاسقين حزبًا)(1).

وفيما أشار إلى قوله:

(وستلقى الأمة من ولده يوماً أحمر)، أي ما يصدر عنهم ومن ذريتهم من فساد في الأرض، وما يعانيه الناس من سياسة القتل، وإنتهاك الحرمات، والتهجير والحرمان، ووصف سياستهم بالموت الأحمر، تشبيها لها بالحمرة، لما يعانيه المسلمون منهم(2)، إذ روي ان أمير المؤمنين علیه السلام نظر يومًا إلى مروان بن الحكم فقال له:

(ويل لك وويل لأمة محمد منك ومن بنيك إذا شابت ذراعاك)(3).

وذكر أن أمير المؤمنين علیه السلام قد أخبر بشأن هشام بن عبد الملك بقوله:

(والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة و إن من ورائكم الأعور الأدبر جهنم الدنيا، لا تبقي ولا تذر، ومن بعده النهاس الفراس، الجموح المنوع، ثم ليتوارثنكم من بني أمية عدة)(4)، وكان هشام كما قال الإمام علیه السلام حريصاً على الدنيا وجمع الأموال من الناس، وكان يأخذ ضياعهم وعقاراتهم وأموالهم(5).

3- خلافة عبد الملك بن مروان من الشخصيات الأموية التي أخبر أمير المؤمنين علیه السلام بحكمها وتسلطها على

ص: 449


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 3 / 485
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 207
3- ابن عبد البر، الاستيعاب، 681؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 57 / 265
4- المفيد، الإرشاد، 1 / 279؛ الطبرسي، الإحتجاج، 1 / 207
5- البلاذري، جمل من انساب الأشراف، 8 / 367

رقاب المسلمين هو عبد الملك بن مروان بن الحكم، الذي تولى الخلافة بعد أبيه سنة 65 ه / 684 م(1) واستمرت خلافته إحدى وعشرين سنة حتى وفاته سنة 86 ه / 705 م(2)، إذ ذكره الإمام علیه السلام في أكثر من موضع في نهج البلاغة، فقد أشار إلى الظلم الذي يعاني منه المسلمون في ظل حكمه، وإلى الفتن التي ستعصف بهم من جراء سياسته المبنية على القتل والتي وصفها لنا الإمام علیه السلام يأوصاف مختلفة من خلال خطبه.

إذ جاء في هذا الشأن قوله علیه السلام:

(ولكأني أنظر إلى ضليل قد نعق بالشام، وفحص براياته في ضواحي كوفان)(3)، أراد الإمام علیه السلام بالضليل أي الكثير الضلال(4)، وإن هذه الصفات جاءت لتنطبق على عبدالملك أكثر من غيره والذي نعق(5) وقام بالشام ودعا إلى نفسه بالخلافة، وهو معنى نعيقه(6)، وقيل أنه أراد معاوية وما حدث في عهده من فتن، وما حدث بعده من فتنة يزيد وعبيد الله بن زياد، وواقعة طف كربلاء وقتل الحسين علیه السلام(7)، ولكن أكثر الإشارات جاءت لتدلل على أن المعني بكلام

ص: 450


1- البلاذري، جمل من انساب الإشراف، 7 / 193؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 187
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7 / 232؛ خليفة بن خياط، تاريخ خليفة، 226؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 6 / 418
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 170
4- ابن منظور، لسان العرب، 11 / 394
5- النعيق، هو صوت الراعي في غنمه، ينظر، الجوهري، الصحاح، 4 / 1559
6- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 77؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 11؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2 / 94
7- ينظر، الدينوري، الأخبار الطوال، 251؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 155؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 400؛ الزيدي، مروان عطية، ثورة الإمام الحسين وأثرها على حركات المعارضة حتى عام 132 ه، 87 - 93

الإمام علیه السلام هو عبد الملك، لأن معاوية ظهر في أيام أمير المؤمنين علیه السلام ودعاهم إلى نفسه، والكلام يشير إلى شخص يخرج فيما بعد(1).

وروي أن عبد الملك عندما سار إلى العراق يريد مصعب بن الزبير(2)، خرج عليه عمرو بن سعيد الأشدق(3)، مطالبا بما وعده مروان بن الحكم بالخلافة من بعده، فرجع عبد الملك إلى دمشق وقام بقتله بعد أن أخذ منه أماناً(4)، وهذا يدل على بدء عبد الملك خلافته بالقتل، الذي لم يسلم منه حتى أقاربه، وأخذ يدعو إلى نفسه بالشام والمناطق الأخرى؛ وفي المعنى ذاته، روي أن ابن عباس قد بلغه خبر قيام عبد الملك بقتل عمرو بن سعيد الأشدق، فقال:

(ياأيها الناس إن عبد الملك قتل ابن عمه وابن عمته بعد أن آمنه فلا تأمنوه

ص: 451


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 78
2- مصعب بن الزبير بن العوام بن خويلد، ويكنى أبا عبد الله، تولى إدارة العراق من قبل اخيه عبد الله بن الزبير وقام بالقضاء على حركة المختار بن عبيد الثقفي، وقام بتفريق عماله في أرض السواد، وقتل مصعب في معركة دير الجاثليق التي دارت بينه وبين عبد الملك بن مروان سنة 72 ه، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7 / 181
3- عمرو بن سعيد بن العاص بن سعيد أبي أحيحة بن العاص بن أمية، ويكنى أبا أمية وأمه أم البنين بنت الحكم بن أبي العاص، وهو من رجال قريش، وولاه يزيد على المدينة، وكان من احب الناس الى اهل الشام، فخافه عبد الملك فقام بقتله، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7 / 234؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 490
4- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 6 / 67؛ المسعودي، مروج الذهب، 2 / 91؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4 / 86

ولا تصدقوه)(1).

وأراد علیه السلام بقوله:

(وفحص براياته في ضواحي كوفان)، أي المناطق القريبة من الكوفة(2)، وورد ان عبد الملك سار بنفسه إلى العراق وقتل مصعب بن الزبير، وقام باستخلاف الأمراء على الكوفة مثل أخيه بشر بن مروان وغيره(3)، وروي أن عبد الملك عندما سار إلى العراق، بلغ ذلك مصعب بن الزبير، فخرج لمحاربته، وجرت الحرب بن الطرفين، وقتل على اثرها مصعب بن الزبير وعدد من أصحابه، وحملت رؤوسهم إلى الشام وطيف بها، ثم توجه عبد الملك إلى الكوفة ودخلها بعد أن أعطى أهلها الأمان(4).

وفي السياق ذاته صرح أميرالمؤمنين علیه السلام بقوله:

(فإذا فغرت فاغرته، واشتدت شكيمته، واشتدت في الأرض وطأته، عضت الفتنة أبناءها بأنيابها، وماجت الحرب بأمواجها، وبدا من الأيام كلوحها، ومن الليالي كدوحها)(5)، ان المراد بفاغرته، أي واسع الفم(6)، وتشبيه الإمام علیه السلام له بهذا الوصف هو لبيان مدى شدته في اقتحام الناس وعلى الظلم الذي سيلحق

ص: 452


1- البلاذري، جمل من أنساب الأشراف، 6 / 65
2- البكري، معجم ما استعجم، 3 / 883
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 6 / 159؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4 / 104
4- ابن أعثم الكوفي، الفتوح، 6 / 336؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 6 / 151؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4 / 71
5- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 170
6- الفراهيدي، العين، 4 / 406

بهم من قبل عبد الملك، وشبهه كالأسد عند الإفتراس(1).

واشتداد شكيمته(2) إشارة إلى وقت اشتداد الفتن في زمن عبد الملك بن مروان، حيث كثرة الخوارج، وثورة عبد الرحمن بن الأشعث(3)، وما جرى فيها من أحداث(4)، فيما أراد الإمام علیه السلام بقوله:

(واشتدت في الأرض وطأته)، أي ضجت من العنف والجبروت الذي سيمارسه عبد الملك على الناس(5)، وقوله:

(وعضت الفتنة أبناءها بأنيابها)، وهذا تعبير من قبل الإمام علیه السلام عن مدى الألم الذي سيتعرض له الناس من تلك الفتنة التي أصابتهم في ذلك الوقت والتي شبهها بالأنياب التي تستخدم كما هو معروف للعض(6).

ان ما بيّنه بعض الشراح من ان مراد أمير المؤمنين علیه السلام من كثرة الثورات في عهد عبد الملك بن مروان يمكن ان ينطبق على شخصية أخرى غيره، مثل يزيد بن معاوية الذي حدثت في عهده الكثير من الفتن والأحداث واستشهاد الإمام

ص: 453


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 78؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 11
2- الشكيمة، هي الحديدة المعترضة في فم الدابة في اللجام، وتعني شديد المراس والنفس، ينظر، الزبيدي، تاج العروس، 14 / 338
3- عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، أمير سجستان، وكان قد خلع عبد الملك بن مروان ودعا إلى نفسه، وبايعه العديد من القراء من اهل البصرة على حرب عبد الملك والحجاج، ودارت معركة بينه وبين الحجاج في دير الجماجم ظفر به الحجاج بن يوسف وقتله، وطيف برأسه سنة (84 ه)، ينظر، الصفدي، الوافي بالوفيات، 18 / 134
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 77
5- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2 / 49
6- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 11

الحسين علیه السلام واستباحة المدينة المنورة، وضرب بيت الله الحرام بالمنجنيق، ولعل المقصود من ذلك مروان بن الحكم، ومما لا شك فيه ان إخبار الإمام علیه السلام بذلك جاء ليدلل على سوء السياسة الأموية السلبية المتبعة مع الناس، والتي شبهها الإمام علیه السلام بأوصاف تنم عن الشدة والعنف الذي استخدم لقمع تلك الثورات التي ثارت بوجههم نتيجة لتلك السياسات الجائرة.

وتطرق إلى مدى اتساع دائرة الحرب التي سيتعرض لها الناس في ظل خلافته وهذا ما أشار إليه بقوله علیه السلام:

(وماجت الحرب بأمواجها)، فأغرقت البلاد بالدماء التي نتجت عن القتل الذي لم يستثنِ الصغير والكبير من ذلك الأمر(1)، وأراد بقوله علیه السلام:

(ومن الأيام كلوحها، ومن الليالي كدوحها)، والكلوح، العبوس، وهي إشارة إلى ما يلقى الناس منها من الشر، والكدوح، هو ما ينتج من أثر ذلك الشر والمصائب التي تجري عليهم(2)، ويذكر ان الرجل إذا ترك مكانه في الثغر في زمن الخلفاء عمر وعثمان والإمام علي علیه السلام، يتم نزع عمامته، ويشهر أمره، فلما ولي مصعب أضاف إليها حلق اللحى والرؤوس، فعندما تسلم بشر بن مروان، قام برفع الرجل عن الارض ويسمر يديه بالحائط، فهذا يؤدي إلى موته أو يخرق المسمار يده فيسلم من الموت، وعند مجيء الحجاج لم يعجبه هذا الامر، فأمر بقطع رأس كل من يتخلف عن مكانه في الثغر(3).

وفي خطبة أخرى من خطبه الشريفة جاء قوله علیه السلام:

ص: 454


1- البحراني، شرح نهج البلاة، 3 / 11؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2 / 94
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 12
3- ابن الأثير. الكامل في التاريخ، 4 / 142

(فإذا أينع زرعه، وقام على ينعه، وهدرت شقاشقه، وبرقت بوارقه، عقدت رايات الفتن المعضلة، وأقبلن كالليل المظلم، والبحر الملتطم)(1)، إذ ان هذه الصفات جاءت لتبين شدة أفعال عبد الملك التي وصفها الإمام علیه السلام بالزرع إذا أينع، والمراد بهدرت شقاشقه(2) وبرقت بوارقه، وهو ما يعبر عن حركاته الهائلة وأقواله المخوفة، والتي تشبه حركة السحاب ذي الشقاشق والبروق(3)، وأراد بقوله علیه السلام عقدت رايات الفتن المعضلة، أي تفاقمت الفتن المعضلة والحروب التي حدثت في زمنه، وحربهم مع زيد بن علي علیه السلام(4)، والفتن التي حدثت أيام عمالهم الذين مارسوا في ولاياتهم أبشع الجرائم، أمثال الوالي يوسف بن عمر(5)، وخالد القسري(6)، وغيرهم من ولاة بني أمية، وما لحق ذلك من علیه السلام

ص: 455


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 170
2- الشقشقة، وهو صوت يخرجه البعير من الرئة عند الهياج، ينظر، الفراهيدي، العين، 5 / 7؛ الجوهري، الصحاح، 4 / 1053
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 12
4- زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السلام، كان عابدا ورعا تقياً شجاعاً، ظهر بالسيف يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في زمن هشام بن عبد الملك، وعامله يوسف بن عمرالثقفي، ويطالب بثارات الحسين علیه السلام واعلن الثورة ضد يوسف بن عمر، ولكنها فشلت بعد أن تخلى عنه اكثر الناس وأدى ذلك إلى قتله وصلبه، وذلك سنة (120 ه) وقيل (122 ه)، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7 / 319؛ المفيد الإرشاد، 2 / 171
5- يوسف بن عمر بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي، أمير العراق وخراسان لهشام بن عبد الملك وكان واليا على اليمن قبل ذلك، وكان جبارا عسوفاً أحمق وكان يضرب المثل بحمقه وقتل في السجن سنة (127 ه)، ينظر، الذهبي، سير اعلام النبلاء، 5 / 442
6- خالد القسري بن عبد الله بن يزيد بن اسد بن كرز بن عامر البجلي القسري، كان امير مكة للوليد ابن عبد الملك واخيه سليمان، واصبح بعدذلك اميرًا على العراق، وأمه نصرانية، وكان جده يزيد ممن رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان من أشد المبغضين للإمام علي علیه السلام، ينظر، المزي، تهذيب الكمال، 8 / 108؛ الذهبي سير أعلام النبلاء، 5 / 425

ذهاب الأموال والنفوس وظلمهم للناس(1)، بحيث أصبحت هذه الفتن كالليل المظلم من شدتها وما ينتج عنها من سوء الحالة في البلاد، ولا يهتدي بها إلى وجه حق، وأخذ القوم ينقلبون بعضهم على بعض من شدة تلك الفتن، وما يصدر عنها من قتل، وهي تشبه البحر الهائج الذي تتلاطم أمواجه بعضها البعض لما ينتج عنها من هلاك الكثير من الناس(2) وهنا إشارة واضحة إلى حالة الفوضى الناتجة من سوء سياسة الدولة الأموية التي ادت إلى قتل العديد من الناس بسبب الثورات التي قامت ضدهم.

وفي إشارة أخرى في نهج البلاغة جاء قوله علیه السلام:

(هذا وكم يخرق الكوفة من قاصف، ويمر عليها من عاصف، وعن قليل تلتف القرون بالقرون، ويحصد القائم ويحطم المحصود)(3)، وأراد بالريح القاصف، أي الريح القوية الشديدة التي تحطم وتكسر كل ما تمر به(4)، وهذا تعبيرٌ عن الفتن المزعجة التي تمر بها الكوفة(5)، وصرح محمد جواد مغنية: (ان الحاكم الجائر متى استتب له النفوذ والسلطان، أطلق العنان لأهوائه وتمادى في البغي والضلال، وحول جميع طاقاته إلى الفتك والبطش)(6)، وهذا ماحصل

ص: 456


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 78
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 12
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 170
4- أبن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 78
5- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 170
6- في ظلال نهج البلاغة، 2 / 95

لأهل الكوفة إذ توالى عليها الحكام الظلمة مثل زياد بن أبيه، الذي تتبعهم بالقتل والتشريد، وكذلك في ولاية الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي أشار إليه الإمام علیه السلام في إحدى خطبه، والذي سوف نشير إليه فيما بعد(1).

وفي موضع آخر من نهج البلاغة أشار الإمام علیه السلام إلى الظلم الذي سيلحق بهم من سياسة عبد الملك بن مروان وعماله، وذلك بقوله:

(والله ليشردنكم في الأرض حتى لا يبقى منكم إلا قليل كالكحل في العين)(2)، إذ أقسم الإمام علیه السلام على قيام عبد الملك ومن يلي الأمر من بعده قيامهم بتشريد من بقي من الصحابة، و طردهم من بلادهم، بحيث لم يبقِ منهم إلا القلة القليلة التي أشار إليها الإمام علیه السلام وشبهها بالكحل في العين(3)، كناية عن قلة العدد، وذكر ان الوليد بن عبد الملك الذي حكم من سنة (86 ه / 705 م - 96 ه / 714 م) كتب إلى عامله على الحجاز خالد بن عبدالله القسري، يأمره بإخراج من في المدينة من أهل العراقين (البصرة والكوفة)، وإرسالهم إلى الحجاج بن يوسف الثقفي، وتم إخراجهم جميعاً من الحجاز، ولم يستثنِ منهم تاجراً أو غير تاجر، ونادى المنادي: (ان برئت الذمة ممن آوى عراقياً)، بحيث كان يتم إخراج أي شخص وجد في دار أي أحدٍ من سكان المدينة(4).

وفي المضمون ذاته عبر أمير المؤمنين علیه السلام عن قوله:

ص: 457


1- ينظر، الفصل الخامس، الصفحة، 259
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 224
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 163؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2 / 300
4- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 213؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 6 / 485

(فلا تزالون كذلك حتى تؤوب العرب إلى عوازب أحلامها)(1)، أي ان مراد الإمام علیه السلام هو بقاء حال المسلمين على ما هم عليه من الظلم والإضطهاد الذي عانوه مع عبد الملك، ومن يأتي بعده، حتى تعود إلى العرب عوازب أحلامهم(2)، ولم ترجع تلك الأحلام بموت عبد الملك بل استمر بمجيء أولاده من بعده، وبقي الملك عند بني مروان حتى تحقق للعرب رجوع احلامهم، والمراد بالعرب هنا هم بنو العباس ومن اتبعهم من العرب أيام ظهور الدولة، مثل قحطبة بن شبيب الطائي(3)، وابنيه حميد(4)، وحسن(5)، وبني زريق الذين منهم طاهر بن الحسين(6)، وغيرهم من العرب من شيعة

ص: 458


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 224
2- عوازب، أي أحلامهم البعيدة، ينظر، ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، 3 / 427
3- قحطبة بن شبيب بن خالد بن معدان بن شمس، واسم قحطبة زياد، وقحطبة لقب له، ويكنى أبا عبد الحميد الطائي المروزي، وهو أحد دعاة بني العباس وقوادهم، وهو من قرية شير نخشير أحدى قرى مرو، وفد على محمد بن علي بن عبد الله بن العباس في الحميمة وقد اختاره محمد بن علي ليكون احد النقباء الإثني عشر لقيادة الدعوة العباسية، ينظر، أبن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 49 / 297
4- حميد بن قحطبة واسمه زياد بن شبيب بن خالد بن معدان، وهو أحد قواد بني العباس وشهد حصار مدينة دمشق، وكان نازلا على باب توما، وولي الجزيرة للمنصور، ثم خراسان، وأقره المهدي عليها حتى مات واستخلف ابنه عبد الله بن حميد، وكانت سنة وفاة حميد بن قحطبة في (159 ه)، ينظر ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 15 / 290
5- حسن بن قحطبة بن شبيب بن خالد ويكنى أبا الحسين، وهو أخو حميد بن قحطبة الذي ينسب إليه ربض حميد ببغداد، وهو أحد قواد الدولة العباسية، وكان من الرجال البارزين بين الناس، وتوفي سنة (181 ه)،ينظر، الخطيب البغدادي، تاريخ مدينة بغداد، 8 / 415
6- طاهر بن الحسين بن مصعب بن زريق بن ماهان، ابو الطيب، الملقب بذي اليمينين، وكان ناصرا للمأمون على أخيه الأمين إذ ندبه لحرب أخيه الأمين فسار بجيش الى بغداد وقتله وجاء برأسه، وكان شهما داهية جواداً، وتوفي سنة (207 ه)، ينظر، ابن خلكان، وفيات الأعيان، 2 / 517؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 10 / 108

بني العباس وآبائهم الذين كانوا مستضعفين ومقهورين في ظل دولة بن أمية الذين لم ينهضوا ويثوروا ضد ظلمهم، على ان أفاء الله تعالى إلى هؤلاء ما كان قد ذهب عن أحلام آبائهم وعن حميتهم، فغاروا للدين وللمسلمين من جور بني أمية وظلمهم، ونهضوا بالأمر وأزالوا دولتهم(1).

وروي ان شيعة بني العباس توافدت على محمد بن علي بن عبد الله بن العباس(2) وكان ذلك في سنة 101 ه / 720 م في مستقره في الشام بمكان يسمى الحميمة(3)، وأرادوا بيعته وقالوا له: (أبسط يدك لنبايعك على طلب هذا السلطان، لعل الله يحيي بك العدل، ويميت بك الجور، فإن هذا وقت ذلك وأوانه، والذي وجدناه مأثورًا عند علمائكم)، وأمرهم بأن يدعوا الناس بالسر لإظهار أمرهم(4).

ثم حذرهم الإمام علیه السلام من الإنجرار وراء الشيطان وضرورة التمسك بالقرآن

ص: 459


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 38؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 163
2- محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، أبو عبد الله الهاشمي، ولد بالحميمة من أرض الشراة وقدم دمشق، روى عن أبيه وعمر بن عبد العزيز، روى عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قوله: (احبوا الله لما يغذوكم به من نعمة واحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي)، وتوفي سنة (124 ه)، ينظر، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 54 / 362
3- الحميمة، وهي بلد من ارض الشراة من أعمال عمان في أطراف الشام وكانت منزل بني العباس، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 2 / 307
4- الدينوري، الأخبار الطوال، 332

الكريم والسنة، وصرح بذلك بقوله:

(فالزموا السنن القائمة، والآثارالبينة، والعهد القريب الذي عليه باقي النبوة، واعلموا أن الشيطان إنما يسني لكم طُرقه لتتبعوا عقبه)(1)، إذ أمرهم أمير المؤمنين علیه السلام بأن يلزموا الكتاب والسنة بعد زوال دولة بني امية، وكذلك الرجوع إلى العهد القريب منهم، وأراد بذلك عهده علیه السلام(2)، وورد في الأحاديث الشريفة ان الإمام عليًّا علیه السلام هو نفس الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بنص القرآن الكريم:

«وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ»(3)، ففي الحديث:

(يا علي أنت مني وأنا منك)(4)، أي أنه امتداد للنبي صلی الله علیه و آله وسلم، فقال له:

(أنت مني بمنزلة هارون من موسى)(5)، وكأنه علیه السلام خاف عليهم بعد إخبارهم بانتهاء دولة بني أمية بأن يكون ذلك كالأمر لهم في اتباع ولاة الدولة الجديدة، لذلك أوصاهم باتباع الكتاب والسنة، وعهده الذي فارقهم عليه(6).

ومما لا شك فيه ان كلام أمير المؤمنين علیه السلام في وصيته لهم بالتمسك بالكتاب والسنة وعهده الذي فارقهم عليه، هو تحذير لهم من الدولة الجديدة التي ستحل محل دولة بني أمية.

وجاء قوله:

ص: 460


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 224
2- ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 38؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 164
3- سورة آل عمران، آية، 61
4- الصدوق، الأمالي، 442؛ المفيد، الأمالي، 213
5- البخاري، صحيح البخاري، 4 / 208؛ مسلم النيسابوري، صحيح مسلم، 7 / 120
6- ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 38

(يسني لكم طُرقه)، أي يسهل عليكم الطريق لاتباع المعاصي، وتسهيل النفوس الأمارة بالسوء لاتباعها فتضل بذلك عن سبيل الله، فيقودها الشيطان إلى الضلال في الآخرة(1)، كما جاء في كتاب الله تعالى:

«وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ»(2)، ومعنى ذلك ان من وافق خطوات الشيطان فيما يدعو إليه فقد اتبعه، والاتباع إقتفاء أثر الداعي إلى الجهة التي يريدها، وبذلك من يتبع الشيطان فإنه يأمره بالفحشاء والقبائح المنكرة التي يزجرها العقل(3).

وفي إشارة أخرى للإمام علیه السلام إلى عبد الملك في نهج البلاغة جاء قوله علیه السلام:

(كأني أنظر إلى فاسقهم وقد صحب المنكر فألفه، وبسىء به ووافقه، حتى شابت عليه مفارقه، وصبغت عليه خلائقه)(4)، إذ بين ابن أبي الحديد في شرحه أن الإمام علیه السلام أراد بقوله كأني أنظر إلى فاسقهم إشارة إلى قوم سيأتون بعده، كما أشار في بعض الخطب في حق الأتراك (كأني أنظر إليهم قومًا كأن وجوههم المجآن)، وكذلك أشار إلى ظهور عبد الملك في خطبته (كأني به قد نعق بالشام)، وعلى هذا الأساس فالإمام علیه السلام يريد قومًا ممن اشتهروا بالسمعة السيئة مثل المغيرة بن شعبة، وعمرو بن العاص، ومروان بن الحكم، ومعاوية وجماعة أخرى أحبوا الدنيا ومالوا إليها بعد ان أغواهم الشيطان وأزلهم(5)، بينما يرى

ص: 461


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 164
2- سورة النور، آية، 21
3- الطوسي، التبيان، 7 / 420
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 228
5- شرح نهج البلاغة، 9 / 71

البحراني أن كلام الإمام يمكن أن ينطبق على بني أمية أو فاسقٍ معينٍ مثل عبد الملك لما كان يحمله من صفات المنكر والفسق(1)، مع انهم كلهم فساق حتى نهاية أعمارهم، وبسئ به، أي ألفه وصارت تلك الصفات موافقه لجميع طبائعه وصفاته وأخلاقه إلى نهايه عمره، حتى اعتاد عليها وأصبحت جزءا منه بحيث عبر الإمام علیه السلام عن استمرار تلك الصفات معه على الرغم من كبر سنه وظهور الشيب في مفارقه(2)، ولا يقتصر الأمر على عبد الملك فما الفرق بينه وبين يزيد بن معاوية وكذلك بينه وبين الوليد وسليمان وغيرهم من حكام بني أمية.

إن ما أشار إليه الشارحون في هذا المضمون من كلام أمير المؤمنين علیه السلام يمكن أن ينطبق على كلا الرأيين، فإن الذين ذكروا قد ماتوا على فسقهم وضلالهم وابتعادهم عن طريق الحق الذي يمثله أمير المؤمنين علیه السلام.

وجاء ان عبد الملك منع أهل الشام من الحج، بسبب أن ابن الزبير كان يأخذهم عند موسم الحج لمبايعته، فلما سمع عبد الملك بذلك، قام بمنعهم من الذهاب إلى مكة، فضج الناس بسبب ذلك الأمر، وتكلموا مع عبد الملك بشأن منعهم من أداء فريضة من فرائض الله تعالى، لذلك عمل على توظيف وعاظ السلاطين من رجال البلاط بحيث نسبوا الحديث المكذوب على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال لهم أنه قال:

(لا تشد الرحال إلا لثلاث مساجد، المسجد الحرام ومسجدي، ومسجد بيت المقدس وهو يقوم لكم مقام المسجد الحرام، وهذه الصخرة التي يروى ان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وضع قدمه عليها لما صعد إلى السماء تقوم لكم مقام الكعبة)، فأمر

ص: 462


1- شرح نهج البلاغة، 3 / 178؛ التستري، بهج الصباغة، 6 / 7
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 178

ببناء على الصخرة ووضع عليها الستور والديباج، وأقام لها سدنة وأخذ الناس يطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة(1).

وهنا نرى ان عبد الملك قد قام بالتعدي على فرض من فروض الطاعة لله تعالى من خلال قيامه بمنع الناس من الحج وأمرهم بالتوجه إلى بيت المقدس بدلا من الحج إلى مكة، وهو بذلك يعبر عن مدى حبه للمنكر والسعي لتغيير دين الله تعالى بسبب تعارضه مع مصالحه الدنيوية.

وفي موضع آخر صرح أمير المؤمنين علیه السلام بقوله:

(ثم أقبل مزبدا كالتيار لا يبالي ما غرق، أو كوقع النار في الهشيم لا يحفل ما حرق)(2)، إذ كشف لنا الإمام علیه السلام عن الوجه الحقيقي لعبد الملك وإلى مدى قوة تشبثه بالمنكر للوصول إلى غايته، ولا يأبه بما يفعله بالناس من ظلم واضطهاد، وشبهه بحركة أمواج البحار وما ينتج عنها من غرق الكثير من جراء أمواجها العاتية، وكذلك بما تفعله النار في الحطب(3)، ويذكر إنه لما تمت البيعة لعبد الملك بن مروان، أراد أن يخرج إلى مصعب بن الزبير فجعل يستنفر أهل الشام فيبطئون عليه فطلب منه الحجاج فأذن له بذلك، فكان يحرق بيت كل رجل من أهل الشام تأخر في المسير للحرب، فلما رأوا ذلك خرجوا لحرب مصعب بن الزبير(4)، نستشف من ذلك قيام عبد الملك باستخدام أساليب القتل والترويع لحمل الناس على الحرب إلى جانبه بدون الإلتفات إلى ما يصيبهم من جراء تلك

ص: 463


1- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 177 - 178
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 228
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 178؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2 / 325
4- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 2 / 35

السياسة التي يستخدمها معهم.

ولم يقتصر اخبار الإمام علیه السلام عن بعض الشخصيات الأموية، بل تعدى ذلك إلى الإخبار عن بعض ولاتهم الذين استخدموهم في فرض سلطانهم وسيطرتهم على الأمة، ومن بين هؤلاء هو الحجاج بن يوسف الثقفي(1)، إذ جاء كلام الإمام علیه السلام بهذا الصدد:

(أما والله ليسلطن عليكم غلام ثقيف الذيال الميال، يأكل خضرتكم ويذيب شحمتكم)(2)، إذ بين البحراني في شرحه (أن الإمام عليًّا علیه السلام بيّن للناس بعض ما سيلحقهم من الفتن العظيمة وهي فتنة الحجاج بن يوسف الثقفي إذ كان ضعيف العين، دقيق الصوت، ذيالاً: طويل الذيل، يصحبه تبختر، ميالاً أي يكثر التمايل تكبراً، وبين علیه السلام أنه يأكل خضرتهم، وتكنى بها عما بهم من الأبهة وسلامة النفوس والأموال وحسن الأحوال وبأكله لها عن إزالة تلك وتغيير إلى أضدادها، واستعار بالشحمة لثرائهم وقوتهم، ووصف الإذابة لإفناء ذلك بالقتل والإهانة ومصداق ذلك المشهور من فعله بأهل العراق)(3)، وعلق أحد الباحثين على ذلك بقوله أن من الطبيعي أن يولي بنو أمية على العراق رجلاً بتلك المواصفات التي أشار إليها الإمام علي علیه السلام لكي يتسنى لهم أن يقبضوا على العراق بقبضة من حديد، فهو الإقليم الذي ينكر خلافة وتسلط البيت

ص: 464


1- الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود الثقفي، ويكنى أبا محمد، وولي الحجاز من قبل عبد الملك بن مروان وقام برمي الكعبة بالمنجنيق وقتل ابن الزبير، وبعد ذلك تم عزله عنها وتوليته على العراق، وقد عرف بولائه لبني امية وبغضه لأعدائهم، وتوفي سنة 95 ه، ينظر، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 12 / 113
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 198
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 102

الأموي(1).

ومما لا شك فيه ان سياسة الحجاج التي تسلط بها على رقاب الناس قد استمدها من السلطة الأموية، وهي عبارة عن نموذج مصغر للسلطة الأموية الجائرة وأفعال الحجاج الإجرامية خير دليل على ذلك(2).

ثالثاً: إنتشار ظلم بني أمية لا يخفى على أحد ما فعله الخلفاء الأمويون من التمادي في ظلمهم للناس، واتباعهم لسياسة القتل وانتهاك الحرمات، والخروج عن إطار الدين الإسلامي، والسنة النبوية الشريفة في التعامل مع الناس، وأصبح تعاملهم مبنيًا على المصالح الخاصة، وكان القتل والتهجير مصير كل من يعارضهم، بحيث انتشر ظلمهم في كل مكان، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين علیه السلام في أكثر من موضع من نهج

ص: 465


1- الزيدي، أهل البيت علیهم السلام مكانتهم وفضلهم على الأمة، 185
2- ان ما قام به الحجاج الكثير من الأعمال الإجرامية، إذ ورد ان عدد الذين قتلهم صبرا مائة ألف وعشرون ألفاً، وكذلك وجدوا في سجون الحجاج ثمانين ألف سجين منهم ثلاثون ألف امرأة، وكان قد حبسهم في سجن الديماس بدون سقف يحميهم من حرارة الشمس وبرد الشتاء ويسقيهم الماء مشوباً بالرماد، وكان طعامهم خبز الشعير مخلوطاً بالملح والرماد، كما قام الحجاج بتقليل عطاء اهل العراق، وقام الحجاج بالختم على رقاب بعض أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وكانت الخواتيم من رصاص، أمثال سهل بن سعد الساعدي، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وغيرهم لغرض إذلالهم، ينظر، اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 191؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك 6 / 211؛ المسعودي، الإشراف والتنبيه، 275؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 12 / 185؛ ابن الجوزي، المنتظم، 6 / 342؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، 6 / 323؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 12 / 544

البلاغة بقوله:

(والله لا يزالون حتى لا يدعوا لله محرماً إلا استحلوه، ولا عقداً إلا حلوه)(1)، وهنا إشار الإمام علیه السلام إلى استمرار بني أمية في استحلال المحرمات والكبائر التي حرمها الله تعالى من خلال قيامهم بانتهاكها والتجاوز على حرمتها(2)، ومنها الظلم والقتل(3).

فكان حالهم معروفًا ومشهورًا في عدم التورع والتعدي على المحرمات، وما تناقلته الروايات العديدة بشأنهم خير دليل على ذلك، إذ ورد أن معاوية أعجب بغناء أحد المغنين كان يغني عند ابنه يزيد، فأمره ان يكافأه على ذلك(4)، وفي أيام يزيد بن معاوية كثرالغناء وظهر في مكة والمدينة، واستعملت الملاهي، وأظهر

ص: 466


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 166
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 61؛ البحراني، شرح نهج البلاغة 2 / 427
3- البحراني، شرح نهج البلاغة 2 / 427؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2 / 82. ولعل من أبرز المحرمات التي قام بها بنو امية هي وقعة الحرة في المدينة والتي استبيحت من خلالها المدينة ثلاثة أيام، وكذلك قذفهم الكعبة بالمنجنيق، واستحلالهم المحرمات فكان يزيد يشرب الخمر ويعمل بالمحرمات فكان ينكح الأمهات والأخوات على الرغم من تحريم ذلك كما في قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ»، سورة النساء، آية 23، ويترك الصلاة، وكذلك تعدى الأمر إلى الدين مما جعل بعض الناس يبكي على دينه مثلما فعل أنس بن مالك عندما سأله الزهري عن سبب بكائه فقال له بسبب الصلاة وضياعها، ينظر، ابن سعد الطبقات الكبرى، 7 / 70؛ البخاري، صحيح البخاري، 1 / 134؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5 / 493؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 9 / 336
4- البلاذري، جمل من انساب الأشراف، 5 / 33

شراب الناس للخمر، وكان ما يفعله يزيد من الفسق والفجور عياناً أمام الملأ، فكان له قرد يكنى بأبي قيس يحضره إلى مجلسه وينادمه ويطرح له متكئاً خاصاً، وكان قرداً خبيثاً، ويحمله على إتان وحشية قد ريضت، ويسابق به الخيل يوم الحلبة(1)، وقد قاموا بحل عقود الإسلام وضوابطه من قوانين شرعية وغيرها نظم بها أمر العالم، بحيث قاموا بخرق وكسر تلك العقود وخالفوها، وابتعدوا عن جميع القيم الإسلامية(2).

وفي الأمر عينه أراد بقوله علیه السلام:

(وحتى لا يبقى بيت مدر، ولا وبر، إلا دخله ظلمهم، ونبا به سوء رعيهم، وحتى يقوم الباكيان يبكيان، باك يبكي لدينه، وباك يبكي لدنياه)(3)، إذ أشار الإمام علیه السلام ان ظلم بني أمية سينتشر في جميع المناطق، بحيث لم يستثنِ من ذلك بيوت المدر التي هي بيوت القرى والمدن، وكذلك بيوت الوبر التي هي في المناطق البعيدة(4)، وبين أحد الباحثين ان البواعث التي كانت وراء ذلك الظلم هو بسبب تجاوز الحاكم الشرعي وهم الأئمة علیهم السلام في ذلك الوقت والإنقياد وراء المصالح الشخصية والقبلية، وعدم تحمل مسؤولية الصراع ضد الباطل وأهله(5).

وقوله علیه السلام: ونبا(6) بهم سوء رعيهم، أي بسبب سوء سياستهم الجائرة التي

ص: 467


1- المسعودي، مروج الذهب، 2 / 61
2- البحراني، شرح نهج البلاغة 2 / 427
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 166
4- الراوندي، منهاج البراعة، 2 / 433؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 61
5- شمس الدين، حركة التاريخ عند الإمام علي، 201
6- نبا، اختلف وشذ وابتعد، ينظر، الجوهري، الصحاح، 6 / 2500

انتهجوها مع الناس(1)، وبسبب تلك السياسة التي جعلت الناس ينقسمون إلى قسمين، قسم يبكي على ما أصاب الدين من تحريف وانكسار، والقسم الآخر يبكي على ما أصاب دنياه(2)، وورد ان عمال الحجاج كتبوا إليه إن الخراج قد انكسر، وإن أهل الذمة قد أسلموا ولحقوا بالأمصار، فأمر عماله في البصرة وغيرها بأن يخرج جميع من لديهم أرض في القرى، فخرج الناس وعسكروا وأخذوا يبكون وينادون: (يامحمداه يا محمداه)، ولا يعرفون اين يذهبون(3)، نفهم من خلال الرواية ان سياسة الأمويين الجائرة التي انتهجوها هم وعمالهم والتي أجبر من خلالها اهل الذمة على السكن في القرى من أجل فرض الضرائب عليهم.

وروي أنه عند هزيمة عبد الرحمن بن الأشعث بمسكن(4)، أخذ الحجاج يقتل كل من وجد منهم حتى قتل أربعة الآف، وجيء بعدد من رؤوسهم إليه، فأمر بوضعها على ترس وتقديمها إلى مسمع بن مالك(5)، فأخذ يبكي، فسأله

ص: 468


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 61
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 427
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 6 / 381؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4 / 200
4- مسكن، وهي اسم قرية قريبة من بلدة أوانا التي تقع على نهر الدجيل عند دير الجاثليق، وبه كانت الوقعة بين عبد الملك ومصعب بن الزبير سنة (72 ه) وقبره هناك، وقيل مسكن قرية تقع بدجيل الأهواز وكانت فيها الوقعة بين عبد الرحمن بن الأشعث، و الحجاج بن يوسف، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 5 / 128
5- مسمع بن مالك بن مسمع بن شيبان بن شهاب، وفد على عبد الملك وكان سيد بكر بن وائل بالبصرة، وكان سيدا شريفاً، وأقطعه عبد الملك قطيعة، وكان من المقربين لديه، وشهد مسمع بن مالك المشاهد كلها مع الحجاج مثل يوم ابن الأشعث والزاوية، ويوم دير الجماجم، ينظر، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 58 / 155

الحجاج لماذا تبكي؟ أحزناً عليهم؟ قال: (بل جزعًا عليهم من النار)(1).

وفي السياق ذاته جاء قول أمير المؤمنين علیه السلام:

(وحتى تكون نصرة أحدكم من أحدهم كنصرة العبد من سيده، إذا شهد أطاعه، وإذا غاب اغتابه)(2)، بين ابن أبي الحديد في شرحه أن مراد الإمام علیه السلام من ذلك ان نصرة أحدكم من أحدهم، أي انتصاره منه وانتقامه(3)، إذا شهد أطاعه، وإذا غاب اغتابه، إذ سيكون حالكم في الإنتقام من ولاة بني أمية كحال العبد في انتقامه من سيده الذي يسيء التعامل معه(4).

ويتبين لنا من كلام الإمام علیه السلام بشأن حال الناس في ظل حكومة بني أمية، وما ستؤول الأمور إليه من الجور والظلم والإذلال في ظل فتنة بني أمية، وتمنى الناس الإنتقام من حكامهم، ولكنهم لايستطيعون، وشبه حالهم بالعبد الذي يريد الإنتقام من سيده، فهو في حضوره يطيعه، وإذا ذهب عنه اغتابه وتكلم عليه، وجاء ان الحجاج أراد ان يحج فاستخلف ابنه محمدًا على أهل العراق وخطب فيهم وقال إني أوصيته فيكم بخلاف ما أوصى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في الأنصار، بأن يقبل من محسنهم ويعفو عن مسيئهم، وأنا أوصيته، بأن يقبل من محسنكم وأن لا يتجاوز عن مسيئكم، ثم قال: (ألا إنكم قائلون بعدي مقالة لا يمنعكم من إظهارها إلا خوفي، لا أحسن الله له الصحابة، وأنا أعجل لكم

ص: 469


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 6 / 383
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 166
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 62
4- الراوندي، منهاج البراعة، 1 / 434؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 62

الجواب: فلا أحسن الله عليكم الخلافة)(1).

وفي موضع آخر من نهج البلاغة أمر الإمام علیه السلام الناس بأن يحسنوا الظن بالله تعالى، والتزام الصبرعلى ظلم بني أمية، وصرح بذلك قائلاً:

(وحتى يكون أعظمكم فيها غناءً أحسنكم بالله ظنًا، فإن أتاكم الله بعافية فاقبلوا، وإن ابتليتم فاصبروا، فإن العاقبة للمتقين)(2)، إذ أن قصد الإمام علیه السلام من ذلك أن من كان توكله بالله وظنه به حسناً به سيكون بعيدا عنهم، فيكونون عليه أشد تكالباً وأكثر طلباً له لغرض إلحاق الأذى به، ثم أوصاهم بأن يقبلوا بالعافية إذا أتتهم ويشكروا الله تعالى عليها وأراد بالعافية هو ابتلاء بعض الناس بشرور بني أمية وظلمهم أو بمن يدعو للخلاص منهم ومن تسلطهم(3).

ومما لا شك فيه ان الإمام علیه السلام من خلال قراءته لأوضاع الناس وما يعانونه من ظلم بني امية، أوصاهم بالصبرعلى ذلك وأن يستغلوا أقرب فرصة متاحة لهم للتخفيف من وطأة وظلم بني أمية لهم، وروي أن أهل العراق لما بايعوا ابن الأشعث وخلعوا عبد الملك لاستعمال الحجاج عليهم، أرسل إليهم عبد الملك بأنه سيعزل الحجاج، ويساوي بينهم وبين أهل الشام في الأعطيات، فاجتمع ابن الأشعث بأصحابه وطلب منهم أن يقبلوا بعرض عبد الملك، وأن يغتنموا هذه الفرصة التي تبقى بها هيبتم أمام القوم، ولكنهم رفضوا ذلك وأعلنوا خلع عبد الملك ثانية(4).

ص: 470


1- ابن عبد ربه، العقد الفريد، 5 / 305؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 12 / 171
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 167
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 428
4- ابن أعثم الكوفي، الفتوح، 7 / 91؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 6 / 348؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4 / 204

وفي الغرض نفسه أشار الإمام علیه السلام على من ابتلى منهم بفتنة بني أمية عليه بالإلتزام الصبر، ووعدهم على ذلك بحسن العاقبة فيما بعد، وان الصبر من صفات المتقين(1)، كما جاء في الحديث الشريف:

(أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الذين يلونهم فالأمثل)(2).

وفي خطبة أخرى من خطبه الشريفة في نهج البلاغة، بيّن أميرالمؤمنين علیه السلام ما يحصل للأمة من عذاب وقتل وتشريد على يد بني أمية وانتشار ظلمهم في جميع المناطق القريبة والبعيدة والتي عبر عنها ببيوت المدر والوبر، وأدخلوا الحزن والمأساة فيها، وهو ما عبر عنه في قوله علیه السلام:

(إلا وأدخله الظلمة ترحة وأولجوا فيه نقمة، فيومئذ لا يبقى لكم في السماء عاذر، ولا في الأرض ناصر)(3)، وهو ما أشار إليه عن حال بني أمية وما يدخلونه عليهم من حزن وعذاب، وهو بذلك أخبر عن ملك بني أمية وأفعالهم(4)، وأنه بفعل أعمال بني أمية وطغيانهم وفسادهم في الأرض، فإن الله تعالى سيزيل دولتهم بعد ان لا يبقى لهم عاذر في السماء بسبب طغيانهم، ولا ناصر في الأرض(5)، وقد اخبرالله تعالى نبيه المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم بفتنة بني أمية(6)،

ص: 471


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 428
2- النسائي، السنن الكبرى، 4 / 352؛ الكليني، الكافي، 2 / 253؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 930
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 249
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 168
5- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 257
6- الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، 252

وتعزيزا لما ذهب إليه الصدوق فقد ذهب إليه بعض المفسرين(1)، بشأن فتنة بني أمية، كما ورد في قول الله تعالى:

«وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا»(2).

وذكر ان سفيان بن الليل(3) جاء إلى الإمام الحسن علیه السلام بعد ان سلم أمر الخلافة لمعاوية فقال له: السلام عليك يامذل المؤمنين وعاتبه على قيامه بهذا الأمر، فقال له الإمام الحسن علیه السلام:

(يا سفيان إنا أهل بيت إذا علمنا تمسكنا به، وأني سمعت عليا علیه السلام قال ان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول: لا تذهب الليالي والأيام حتى يجتمع أمر هذه الأمة إلى رجل واسع السرم، ضخم البلعوم، يأكل ولا يشبع، لا ينظر الله إليه، ولا يموت حتى لا يكون له في السماء عاذر، ولا في الأرض ناصر وإنه لمعاوية، وإني عرفت ان الله بالغ أمره)(4).

وقد شخص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام مواطن الخلل التي أصابت المسلمين، وإبتلاءهم ببلاء بني أمية وظلمهم، وصرح عن ذلك بقوله:

ص: 472


1- القمي، تفسير القمي، 2 / 22؛ أبو الليث السمرقندي، تفسير السمرقندي، 2 / 318؛ الثعلبي، تفسير الثعلبي، 6 / 111؛ البيضاوي، أنوار التنزيل، 3 / 260؛ السيوطي، الدرالمنثور، 4 / 191
2- سورة الإسراء، آية، 60
3- سفيان بن الليل وقيل سفيان بن أبي ليلى الكوفي، يكنى أبا عامر وكان من شيعة الإمام علي وابنه الإمام الحسن عليهما السلام، وروى عنهم، وحدث عن الإمام الحسن قول الرسول صلی الله علیه و آله وسلم قوله: (من أحبنا بقلبه وأعاننا بيده ولسانه كنت انا وهو في عليين)، ينظر، ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان، 3 / 53
4- الكوفي، مناقب أمير المؤمنين، 2 / 128؛ أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، 75؛ المجلسي، بحار الأنوار، 44 / 60

(أصفيتم بالأمر غير أهله وأوردتموه غير مورده)(1)، إذ خاطب الإمام علیه السلام أولياء هؤلاء الظلمة الذين آثروا ملك بني أمية، وأن قيامهم بذلك الإختيار جاء في غير موضعه وغير استحقاقه(2)، والمراد بغيرأهله الذين هم أهل البيت الذين طهرهم الله تعالى وأذهب عنهم الرجس(3).

ومما لا شك فيه ان ما يصيب المسلمين من ابتلاء وظلم من قبل بني أمية وأعوانهم هو نتيجة تفضيلهم بني أمية على أهل البيت في ولاية الأمر، وتركهم سبيل نجاتهم الذي حدده لهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في قوله:

(اني تارك فيكم الثقلين ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لم يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما)(4).

وجاء ان أمير المؤمنين علیه السلام خطب في المدينة خطبة بيّن في مضمونها ما قامت به الأمة من خداع نفسها باتباع طريق الباطل والحياد عن طريق الحق الذي يمثله الإمام علیه السلام وأهل بيته، وواعدهم بأنهم سينالون جزاء ما قاموا به من عدم اتباعهم له علیه السلام، على الرغم من معرفتهم أنه صاحب الأمر جاء فيها:

(أيها الأمة التي خدعت فانخدعت وعرفت خديعة من خدعها فأصرت على ما عرفت واتبعت أهواءها وضربت في عشواء غوايتها وقد استبان لها الحق فصدت عنه والطريق الواضح فتنكبته، أما والذي فلق الحبة لو اقتبستم العلم

ص: 473


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 249
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 168؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 257
3- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2 / 421
4- ابن حنبل، مسند أحمد، 3 / 14؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 3 / 109؛ المفيد، الإرشاد، 1 / 233؛ البيهقي، السنن الكبرى، 7 / 31

من معدنه وشربتم الماء بعذوبته، وادخرتم الخير من موضعه، وأخذتم الطريق من واضحه، وسلكتم من الحق نهجه لنهجت بكم السبل، وبدت لكم الأعلام وأضاء لكم الإسلام... لقد علمتم أني صاحبكم والذي به أمرتم وأني عالمكم وبعلمي نجاتكم ووصي نبيكم وخيرة ربكم ولسان نوركم والعالم بما يصلحكم، فعن قليل سينزل بكم ما وعدتم وما نزل بالأمم قبلكم...)(1).

ومما لا شك فيه ان ما نزل من ظلم وعذاب بني أمية في الأمة كان بسبب عدم إطاعتهم لأمير المؤمنين علیه السلام وأهل بيته من بعده، الذي بينوا لهم سبيل الحق والنجاة، لكنهم انقادوا وراء أهوائهم ورغباتهم الدنيوية فجرّتهم إلى ما نالهم من ظلم بني أمية، ومن الأسباب الرئيسة أيضاً هو ما بينه أحد الباحثين، وهو عدم إحقاق الحق وإنصاف أهل البيت علیهم السلام وصرفهم عن موقعهم الطبيعي في الأمة وإيكال الأمر إلى من ليس لهم من الإسلام شيء سوى الاسم، واتخاذه وسيلة للوصول إلى مآربهم الدنيئة في التسلط على رقاب المسلمين(2).

ص: 474


1- الكليني، الكافي، 8 / 32؛ المجلسي، بحار الأنوار، 28 / 240
2- الحصونة، رائد حمود، أهل البيت علیهم السلام مكانتهم وفضلهم وموقف الأمة منهم من خلال كتاب نهج البلاغة، 22

المبحث الثاني إخبار الإمام علي علیه السلام بنهاية دولة بني أمية

وزوالها أولا: إعتقاد الناس باستمرار ظلم بني أمية تحدث أميرالمؤمنين علیه السلام كثيراً عن نهاية دولة بني أمية وزوالها، وأن الأمر سيصير إلى أعدائهم، إذ كان الأمويون ينظرون إلى الأمر كأنه ملك لهم يتوارثونه ويتصرفون به كيفما يشاؤون، فكانت علاقتهم مع الناس مبنية على أساس السيادة والإمرة عليهم، وقد توضح ذلك جلياً في قول معاوية عندما دخل إلى الكوفة:

(إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا إنكم لتفعلون ذلك وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وانتم كارهون)(1).

وفي الوقت الذي ظن الناس فيه استمرار دولة بني أمية، وعدم زوال ظلمهم، جاء كلام أمير المؤمنين علیه السلام ليبين للناس بأن دولتهم ستزول، وستحل

ص: 475


1- أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، 45؛ القاضي النعمان، شرح الأخبار، 2 / 157

محلها دولة أخرى، إذ ورد في ذلك قوله علیه السلام:

(حتى يظن الظان أن الدنيا معقولة على بني أمية، تمنحهم درها، وتوردهم صفوها ولا يرفع عن هذه الأمة سوطها ولا سيفها)(1)، إذ ذكر البحراني في شرحه: (أراد الإمام علیه السلام أن يبين حال بني أمية، وطول مدتهم وبلاء الناس بهم، وأراد بقوله: يظن الظان غاية من غايات طول الناس معهم، واستعار للدنيا أوصافًا مثل الناقة كونها محبوسة في أيديهم، كما تحبس الناقة بالعقال، وكونها ذات در تمنحهم إياه وشبه ذلك بالناقة لما بها من فوائد، وخيرها تمنحه لهم ولا يرفع عن هذه الأمة سوطها، ولا سيفها)(2)، وإن ظن بعض الناس بأن جور الأمويين وخوضهم في دماء الناس سيدوم إلى الأبد(3)، وقد جاء إخبار الإمام ورؤيته المستقبلية لنهاية دولتهم لتكذيب الذين يظنون ببقاء دولتهم وعدم زوالها.

وفي موضع آخر من نهج البلاغة جاء قوله علیه السلام:

(وكذب الظان لذلك، بل هي مجة من لذيذ العيش، يتطعمونها برهة، ثم يلفظونها جملة)(4)، وجاء قول الإمام علیه السلام هذا ليؤكد كذب وتوهم بعض الذين ظنوا بأن ملكهم سيدوم إلى النهاية، لكن الله مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء(5)، وفي الحقيقة ان تصريح أمير المؤمنين علیه السلام بزوال دولة

ص: 476


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 137
2- شرح نهج البلاغة، 2 / 315
3- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1 / 441
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 137
5- التستري، بهج الصباغة، 6 / 101

بني امية جاء ليرفع الفكرة التي طغت على عقول بعض الناس وأفكارهم بأن دولة بني أمية باقية لا تزول، وان هذه الأفكار التي خيمت على عقول الناس هي نتيجة حتمية تولدت بفعل الظلم الذي كان سائداً في ظل دولتهم.

روي أن سالم بن أبي حفصة(1)، كان مختفياً في الكوفة من بني أمية، وعند بيعة أبي العباس السفاح، خرج من الكوفة محرماً، وأخذ يلبي قائلا: (لبيك اللهم لبيك قاصم بني أمية لبيك)، حتى وصل إلى مكة(2)، نستنتج مما تقدم ان ظن بعض الناس استمرار حكم وظلم بني أمية يبدو أنه جاء من شدة ما عانوه خلال مدة حكمهم من إرهاب وقتل، وكذلك تسلطهم على رقاب الناس بالشكل الذي جعل الكثير منهم يعتقد بقاء واستمرار حكمهم، ولكن الله تعالى أهلكهم وسلب سلطانهم.

وأشارت إحدى الباحثات بأن معرفة وإدراك أمير المؤمنين علیه السلام لما يدور في أذهان الناس بدوام ملك بني أمية هو توثيق لهذه الأفكار التي تدور في أذهانهم ومستقبلها(3).

وبعد ذلك جاء كلام أمير المؤمنين علیه السلام ليصف لنا مدة بقائهم في السلطة بقوله:

(بل هي مجة من لذيذ العيش، يتطعمونها برهة، ثم يلفظونها جملة)(4)،

ص: 477


1- سالم بن أبي حفصة، وأبو حفصة اسمه زياد، ويكنى ابا الحسين، وهو من أهل الكوفة و مولى بني عجل وروى عن الإمام علي بن الحسين وأبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق علیه السلام، وتوفي سنة (137 ه)، ينظر، النجاشي، رجال النجاشي، 188
2- الطوسي، رجال الطوسي، 2 / 502
3- اللامي، التوثيق التاريخي في نهج البلاغة، 209
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 137

المجة، هي مجاجة الشيء وعصارته(1)، وهو تشبيه لبني أمية لمدة تلذذهم بالشيء الذي حصلوا عليه في خلافتهم(2)، أي أنهم استلذوا بالعيش في مدة خلافتهم وإمرتهم على الناس بما استولوا عليه من أموال المسلمين وإدارة الولايات التي ذهبت عنهم فيما بعد، وورد أن عبد الملك بن مروان عمل لإبنته فاطمة ثوباً منسوجاً بالذهب، ومرّصعًا بالدر والياقوت، بحيث أنفق عليه مائة ألف دينار(3).

وأراد علیه السلام بقوله: يتطعمونها برهة، ويقذفونها جملة، أن بني أمية سوف يستلذون في مدة خلافتهم مدة قصيرة، وبعد ذلك سيزول ما في أيديهم دفعة واحدة لا يبقى لهم من الأمر شيء(4)، روي ان سليمان بن عبد الملك كان يشرب بالقرب من رصافة أبيه في أيام يزيد بن الوليد ويغنيه الحكم الوادي(5)، فغلبهم النوم ففزع سليمان بعد ذلك وهو يقول: (رأيت كأني في مسجد دمشق وكأن رجلا في يده خنجر وعليه تاج، أرى بصيص ما فيه من جوهر وهو رافع صوته بهذه الأبيات:

أبني أمية قد دنى تشتيتكم *** وذهاب ملككم وأن لا يرجع

ص: 478


1- الزبيدي، تاج العروس، 481
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 316
3- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 2 / 132
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6 / 296؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 316
5- الحكم بن ميمون ويقال بن يحيى بن ميمون، ابو يحيى الفارسي الملقب بحكم الوادي، مولى عبد الملك ويقال مولى الوليد بن عبد الملك، وهو من أهل وادي القرى، وكان جمالا ينقل الزيت من المدينة إلى بلاد الشام، وكان قد اشتهر بالغناء، وتوفي في خلافة هارون الرشيد، ينظر، أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، 6 / 280؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 15 / 60

وينال صفوته عدو ظالم *** للمحسنين إليه ثم يفجع بعد الممات بكل ذكر صالح *** يا ويله من قبح ما قد يصنع(1).

جاءت الرواية فضلا عن الأبيات الشعرية لتبين قصر مدتهم وزوال ملكهم فيما بعد، بعدما تمتعوا في حياتهم وأذاقوا الناس آلام العذاب والحرمان الذي كان يصيبهم من جراء جورهم.

وفي موضع أخر من نهج البلاغة أخبر أمير المؤمنين علیه السلام الناس بأن الله تعالى سيفرج عنهم هذه الفتنة وذلك بقوله علیه السلام:

(ثم يفرجها الله عنكم كتفريج الأديم)(2)، أي بعد ما عانوا من ظلم وجور في ظل دولة بني أمية فأن الله تعالى سيفرج عنهم ذلك الهم والحزن كما يكشف الجلد عن اللحم(3)، إن اخبار الإمام علیه السلام بزوال ظلم دولة بني امية جاء ليدلّل على رؤية مستقبلية لواقع الأمة وما سيجري على الأمويين من زوال دولتهم وملكهم فيما بعد بسبب ظلمهم للناس.

ثانياً: نهاية دولة بني أمية وزوال دولتهم وردت الكثير من الروايات التي أخبر بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام عن نهاية دولة بني أمية وزوال ملكهم، بعدما حكموا المسلمين أكثرمن تسعين سنة، مارسوا فيها كل أنواع الظلم والعذاب والجور والتعسف بحق كل من يعارضهم ولا يتماشى مع سياستهم، ومما جاء في هذا الشأن قول الإمام علیه السلام:

ص: 479


1- المسعودي، مروج الذهب، 2 / 209؛ ابن أبي الحديد، 7 / 108
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 161
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 44

(لا يزال بلاء بني أمية شديدًا، حتى يبعث الله العصب(1) مثل قزع(2) الخريف، يأتون من كل وجه لا يستأمرون أميراً، ولا مأموراً، فإذا كان ذلك أذهب الله ملك بني أمية)(3).

وفي أكثر من موضع في نهج البلاغة أشار أمير المؤمنين علیه السلام إلى ما سيحل بدولة بني أمية وما يلحق بهم من قبل أعدائهم، وسيؤدي ذلك إلى زوال ملكهم وذهاب دولتهم، إذ ورد قوله في هذا الصدد:

(وسينتقم الله ممن ظلم مأكلاً بمأكل ومشرباً بمشرب، من مطاعم العلقم ومشارب الصبر والمقر، ولباس شعار الخوف ودثار السيف)(4)، إذ أن الإمام علیه السلام أراد بيان ما سيحل في بني أمية فيما بعد، بأن الله تعالى سينتقم منهم ويستبدل مآكلهم اللذيذة وما كانوا يتطعمون به بمآكل علقمية غير سائغة في أفواههم(5)، وأراد بالمقر أي المر(6)، وقصد الإمام علیه السلام من ذلك بيان ما يلاقيه بنو أمية من مرارة تجرعهم الصبر والمر، وما يعانونه من شدة القتل والتعذيب على يد أعدائهم، ومدى تأثرهم بذلك العذاب عندما تزول دولتهم ويذهب ما كان في أيديهم من سلطان(7)، وجعل شعارهم أي لباسهم الخوف مما سيحل

ص: 480


1- العصب، هي جمع عصبة كالعصابة، ينظر، ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، 3 / 244
2- قزع، هي قطع السحاب، الواحدة هي رقيقة الظل تمرتحت السحاب الكثير، ينظر، الفراهيدي، العين، 1 / 132
3- المروزي، الفتن، 113؛ المتقي الهندي، كنز العمال، 11 / 365
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 249
5- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 168
6- ابن منظور، لسان العرب، 5 / 182
7- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 257

بهم لأنه في باطن قلوبهم، ودثارهم السيف، أي ماكان ظاهرًا في البدن، كما ان الشعار ما كان إلى الجسد، والدثار ما كان فوقه(1).

وروي أن أبا العباس السفاح لما جلبوا إليه رأس مروان بن محمد، سجد سجدة طويلة ثم رفع رأسه وقال: (الحمد لله الذي لم يبقِ ثأري قبلك وقبل رهطك، والحمد لله الذي ظفرني بك، وأظفرني عليك، ثم قال: ما أبالي متى طرقني الموت قد قتلت بالحسين وبني أبيه من بني أمية مائتين وأحرقت شلو هشام بابن عمي زيد بن علي)(2).

ان النص الوارد يبين لنا حال بني أمية في ظل دولة بني العباس الذين سلطهم الله تعالى عليهم يقتصون منهم ويقتلونهم، وفي الوقت نفسه استخدم العباسيون ذلك بوصفه دعاية سياسية للوصول إلى السلطة وجعل الناس من الموالين لآل علي علیه السلام إلى جانبهم في بداية عهد الدولة، وإلا فإنهم أشد وطأة من الأمويين على آل البيت علیهم السلام، إذ قاموا بقتل أكثر من إمام بالسم، وقاموا بجرف قبر الحسين علیه السلام وتغييبه إلا أنهم فشلوا في ذلك، وهكذا بالنسبة إلى كل من عارضهم من آل علي علیه السلام إذ قتلوهم تحت كل مدر وملأوا بهم السجون(3).

ثم بين لنا أمير المؤمنين علیه السلام ما سيجري على بني أمية بسبب أفعالهم التي قاموا بها، فجاء قوله:

ص: 481


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 168؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 249
2- المسعودي، مروج الذهب، 2 / 239؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 104
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 9 / 185؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 14 / 346؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، 17 / 18

(وإنما هم مطايا الخطيئات وزوامل الآثام)(1)، إذ وصفهم الإمام علیه السلام بهذه الصفات التي كانوا يتصفون بها، فهم مطايا(2) الخطيئات وزوامل(3) الآثام، أي بما كانوا يحملونه من الذنوب والخطايا التي أدت بهم إلى هلاكهم وانتهاء دولتهم(4).

روي أن أبا جعفر المنصور طلب من عبد الله بن مروان بن محمد(5)، أن يروي له قصته مع ملك النوبة(6) عندما هرب إليها، فقال له: (سألني عن سبب شربنا الخمر التي هي محرمة في ديننا فقلت له ان عبيدنا وأتباعنا فعلوا ذلك وهم يجهلون، وسألني عن لبسنا للحرير والذهب وهي محرمة، فأجبته بأن العجم دخلوا ديننا فلبسوا ذلك على كره منا، فأخذ يقول عبيدنا وأتباعنا وأعاجم دخلوا علينا، ثم قال ليس ما ذكرت بل أنتم قوم استحللتم ما حرم

ص: 482


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 249
2- مطايا، التمطي مأخوذ من المطو أي المد، يقال: إمتطيتها اي اتخذتها مطية، ينظر، الجوهري، الصحاح، 6 / 2494
3- زوامل الآثام، وهي جمع زاملة وهي البعير يستظهر الإنسان يحمل متاعه عليه، ينظر، ابن منظور، لسان العرب، 11 / 310
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 168
5- عبد الله بن مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبي العاص، يكنى أبا الحكم الأموي، كان أبوه عقد له الخلافة من بعده، وبعد مقتل مروان بن محمد هرب عبد الله إلى بلاد النوبة وتم القبض عليه من قبل العباسيين ومات في السجن، ينظر، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 33 / 35
6- النوبة، وهي بلاد واسعة عريضة في جنوب مصر، وأهلها من النصارى وهم أهل شدة في العيش وكان عثمان بن عفان صالحهم على أربعمائة رأس في السنة، ينظر، ياقوت الحموي، معجم البلدان، 5 / 309

الله، وركبتم ما عنه نهيتم، وظلمتم في ما ملكتم فسلبكم الله، وألبسكم الذل بذنوبكم ولله فيكم نقمة لم تبلغ غايتها فيكم وأنا خائف أن يحل بكم العذاب وأنتم في بلدي فينالني معكم، فتزود ما احتجت إليه وارحل عن أرضي)(1).

نستشف من الرواية المذكورة عدة أمور منها:

1- ان بني أمية قد قاموا بممارسة المحرمات التي تم النهي عنها في الكتاب والسنة.

2- كذلك ظلمهم وتسلطهم على الناس وسلبهم حقوقهم والتعدي عليها، فكل ذلك أدى بهم إلى ان بَدَّلَ الله تعالى ما في أيديهم من ملك.

ثم أخبر الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام بنهاية دولة بني أمية وكيفية انتزاع الملك من أيديهم، بقوله:

(فأقسم ثم أقسم، لتنخمنها أمية من بعدي كما تلفظ النخامة، ثم لا تذوقها ولا تتطعم بها أبدأ ما كر الجديدان)(2)، ان مراد الإمام علیه السلام من قوله لتنخمنها(3) أمية أي معناه زوال الخلافة عنهم فيما بعد، وقذفوها كما تقذف النخامة من الصدر، وعدم رجوعها إليهم مرة اخرى(4)، وأراد بالجديدين هنا الليل والنهار، وهو تشبيه عن المدة التي أخبر بها الإمام علیه السلام لحدوث ذلك الامر(5).

ص: 483


1- ابن قتيبة، تأويل مختلف الحديث، 234؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 38 / 119؛ أبن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 128؛ ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، 1 / 207
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 250
3- النخامة، بالضم النخاعة، يقال: تنخم الرجل إذا نخع، ينظر، الجوهري، الصحاح، 5 / 2040
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 258
5- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 169

وروي أن مروان بن محمد وقف يوم الزاب(1)، وقام بإخراج الأموال للناس يحثهم على القتال، وهو يأمرهم بالصبر والقتال مقابل إعطائهم الأموال، فانشغل الناس بالأموال وتركوا القتال، فقام بمنعهم من ذلك عن طريق إرسال ابنه عبد الله وأمره بأن يقتل كل من أخذ من ذلك المال، فصاح الناس الهزيمة الهزيمة، فأنهزموا وأصبحت الغلبة لأصحاب عبد الله بن علي وانتصروا عليهم(2).

وكان من نتيجة ذلك خروج الملك من بني أمية وعدم عودته إليهم على الرغم من قيام مروان بن محمد بتوزيع الأموال التي حاول بها ترغيب الناس وتشجيعهم على قتال عدوهم، أملاً منه باستعادة السيطرة على الأمر والحفاظ عليه من الضياع، ولكن ذلك الأمر لم ينفع معهم، روي أن أمير المؤمنين عليًّا علیه السلام قال كلامًا يصف فيه حال بني أمية:

(لا يزال هؤلاء القوم آخذين بثبج(3)، هذا الأمر ما لم يختلفوا فيما بينهم، فإذا اختلفوا فيما بينهم خرجت منهم، فلم تعدْ إليهم إلى يوم القيامة)(4)، أي

ص: 484


1- يوم الزاب، وهو اليوم الذي هُزم به الأمويين بقيادة مروان بن محمد الملقب بالحمار آخر خليفة اموي، علي يد العباسيين بقيادة عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس، وهرب مروان بن محمد إلى مصر وأُسِرَ في منطقة بوصير في صعيد مصر وقتل هناك، وذلك سنة (132 ه)، للمزيد من التفاصيل، ينظر، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 122. 279؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 7 / 438؛ ابن أعثم الكوفي، الفتوح، 8 / 335
2- ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 5 / 71؛ ابن أبي الحديد، 7 / 121
3- ثبج، أعلى الظهر من كل شيء، ينظر، الفراهيدي، العين، 6 / 99؛ ابن منظور، لسان العرب، 2 / 219
4- المروزي، الفتن، 110؛ ابن طاووس، الملاحم والفتن، 84؛ المتقي الهندي، كنز العمال، 11 / 364

عدم عودة الملك إلى بني أمية.

وفي موضع آخر من نهج البلاغة شخص الإمام علیه السلام أحد الاسباب التي تؤدي إلى زوال دولة بني أمية، ألا وهو الاختلاف فيما بينهم وتنازعهم على السلطان، وكان ذلك من أهم العوامل التي عجلت بزوال دولتهم وانتهاء طغيانهم، إذ ورد قول الإمام علیه السلام في هذا الشأن:

(إن لبني أمية مروداً يجرون فيه، ولو قد اختلفوا فيما بينهم ثم كادتهم الضباع لغلبتهم)(1)، إن المرود هو مفعل من الإرواد وهو الإمهال(2)، إذ أراد الإمام علیه السلام ان يشبه المهلة التي فيها بنو امية بالمضمار الذي يجرون فيه، وإن دولتهم لم تزل على الاستقامة حتى تم الاختلاف فيما بينهم(3)، واستمرت دولتهم على الاستقامة حتى وفاة هشام بن عبد الملك، إذ بدأ الصراع فيما بينهم على السلطة، وأقتتلوا فيما بينهم، ونهبت أموالهم فيما بينهم، فكان الغالب منهم يستولي حتى على أثاث البيت، ويقوم بسجن وتشريد أولاد خصمه(4).

وحين تولى الوليد بن يزيد بن عبد الملك (125 ه - 126 ه / 743 م - / 744 م) الخلافة، ثار عليه كل من يزيد بن الوليد بن عبد الملك (126 ه - 126 ه / 744 م - 744 م)، و إبراهيم بن الوليد (126 ه - 127 ه / 744 م - 745 م)، وفي الوقت نفسه خرج دعاة بني العباس في خراسان، وأقبل مروان بن محمد من الجزيرة لطلب الخلافة، فقام بخلع إبراهيم بن الوليد، وقتل عددًا من بني أمية وأدى

ص: 485


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 4 / 596
2- ابن منظور، لسان العرب، 3 / 190
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 431؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 4 / 596
4- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 4 / 479

ذلك إلى اضطراب الأوضاع في الدولة، وهذا ما أدى إلى زوال دولتهم على يد أبي مسلم الخراساني، الذي كان في بدء أمره أضعف الخلق وأشدهم فقراً، وجاء ذلك ليصدق قول الإمام علیه السلام ثم كادتهم الضباع لغلبتهم(1)، والمراد بقوله كادتهم الضباع، أي غلبتهم وقهرتهم الضباع دون الأسود(2).

نستشف من ذلك وطبقاً لما أورده أمير المؤمنين علیه السلام وبينه الشراح أن نهاية دولة بني أمية بدأت منذ بدأت الصراعات فيما بينهم على السلطة، بعد وفاة هشام بن عبد الملك إذ اراد كل واحد منهم أن يحصل على مبتغاه، وهذا ما أدى إلى تزعزع الأوضاع والانقسام في داخل البيت الأموي، وانهيار دولتهم فيما بعد على يد العباسيين، ولكن يمكن ان تكون الصراعات التي حدثت في نهاية خلافة سليمان بن عبد الملك (96 ه - 99 ه / 715 م - 717 م) على السلطة وتنصيب عمر بن عبد العزيز (99 ه - 101 ه / 717 م - 719 م) بعهد منه، بدلا من أخيه يزيد بن عبد الملك (101 ه - 105 ه / 719 م - 723 م)، ورفض الأخير بيعة عمر بن العزيز إلا تحت التهديد(3)، ومحاولة عبد العزيز بن الوليد(4) أخذ البيعة لنفسه عندما سمع بموت سليمان بن عبد الملك، هي بداية الضعف الذي عصف بالدولة الأموية والانغماس بالملذات بعيدا عن ترتيب امور الدولة وكثرة الثورات الداخلية وخاصة في عهد يزيد بن عبد الملك.

ص: 486


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 431
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 4 / 596
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 6 / 551 - 552؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4 / 314
4- عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم، أراد أبوه الوليد خلع أخيه سليمان وإعطاءه ولاية العهد، وقيل اراد ان يجعل العهد له بعد أخيه سليمان، وولاه موسم الحج وولاية دمشق في ايام حياته، ينظر، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 36 / 368

ثالثاً: ظهور دولة بني العباس لم يقتصر إخبار الإمام علي علیه السلام للمسلمين على ما سيصيبهم من الظلم والجور من قبل الأمويين، وتفنيد ظن الناس بأن ظلمهم لن يزول، ولكنه أخبرهم أيضاً بأن الله تعالى سيفرج عنهم هذه المحنة، وجاء ذلك من خلال ما أخبر به في نهج البلاغة، إذ ورد قوله في احدى خطبه:

(ثم يفرجها الله عنكم كتفريج الأديم، بمن يسومهم خسفًا، ويسوقهم عنفاً، ويسقيهم بكأس مصبرة، لا يعطيهم إلا السيف، ولا يحلسهم إلا الخوف)(1)، أي ان الإمام علیه السلام قد واعدهم بعد ما عانوا من ظلم من بني أمية أن الله تعالى سيفرج عنهم ذلك الغم والحزن، كما يكشف الجلد عن اللحم(2)، وهي إشارة واضحة من الإمام علیه السلام إلى زوال دولة بني أمية، وظهور دولة بني العباس، وتتبعهم وإستئصالهم أينما حلوا، وخلاص المؤمنين منهم، وقد اذاقهم بنوالعباس الذل والهوان، وعذبوهم أنواع العذاب، وهو ما عبر عنه الإمام علیه السلام بكأس مصبرة(3)، وقوله علیه السلام لا يحلسهم إلا الخوف، أي جعل لباسهم الخوف والرعب من شدة ما لاقوه من العذاب من قبل العباسيين(4).

وفي جانب آخر يصور لنا أمير المؤمنين علیه السلام في كلام له رغبة الأمويين في حكمه بدلا من بني العباس بسبب ما لحق بهم من العذاب من قبل العباسيين،

ص: 487


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 161
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 44
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 410
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 44

إذ ورد قوله: علیه السلام في هذا الشأن:

(فعند ذلك تود قريش لو يرونني مقاماً واحداً ولو قدر جزر جزور، لأقبل منهم ما أطلب اليوم بعضه فلا يعطونيه)(1)، هنا يصور الإمام علیه السلام الحالة التي عليها بنو العباس وتغلبهم على الأمر، تقابلها حالة الضعف والتردي التي يعيشها الأمويون وعدم القدرة على محاربة بني العباس، وتمنيهم رؤية أميرالمؤمنين علیه السلام مكانهم ولو لمدة قصيرة، كمدة ذبح البعير أو الشاة، على الرغم من شدة بغضهم وكراهيتهم له(2)، وهذا ما صرح به مروان بن محمد آخر خليفة أموي في يوم الزاب حينما رأى عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس(3) على جند خراسان وتمنيه رؤية الإمام علي بن أبي طالب تحت هذه الرايات، بدلًا من عبد الله بن علي(4).

وقد علق محمد جواد مغنية على ذلك بأن الإمام علیه السلام رضي بالسكوت لا له ولا عليه فأبوا وحاربوه بكل سلاح، ولما انتقل إلى ربه تمنوا لو حكمهم دون غيره، لأنه صاحب دين، لا طالب دنيا باعتراف الأمويين أنفسهم(5)، ومما

ص: 488


1- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 161
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 44؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 2 / 410
3- عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، عم السفاح والمنصور، وهو الذي افتتح دمشق وهدم سورها، وتولى قتال مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين، وكان ابو العباس السفاح قد جعله ولي عهده، وعند موت السفاح دعا عبد الله بن علي الى نفسه، فوجه إليه ابو جعفر المنصور أبا مسلم الخراساني فهزمه، ينظر، ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 31 / 54
4- أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، 116؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 44؛ المجلسي، بحار الأنوار، 34 / 124
5- في ظلال نهج البلاغة، 2 / 60

لا شك فيه ان الأمويين قد ذاقوا وبال أمرهم بسبب ما فعلوه بالمسلمين عامة، وبأهل البيت خاصة، وهي ومن ثم نتيجة طبيعية لما زرعوا من ويلات في نفوس المسلمين، فانتقم الله تعالى منهم وسلط عليهم أعداءهم ممن يسومهم سوء العذاب ويقوم بقتلهم أينما كانوا.

وروي ان سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس(1)، قتل جماعة من الأمويين عليهم الثياب الموشية بالزينة، وأمر بجرهم من أرجلهم وألقوا بهم في الطريق فأكلتهم الكلاب، فلما رأى بنو أمية ذلك العمل اشتد خوفهم، وتشتت شملهم واختفى الكثير منهم ممن استطاع ذلك(2).

وفي موضع آخر من نهج البلاغة أقسم الإمام علیه السلام بشأن زوال دولة بني أمية من قبل اعدائهم، إذ ورد قوله في هذا الصدد:

(فأقسم بالله يابني أمية عما قليل لتعرفنها في أيدي غيركم وفي دار عدوكم)(3)، وجاء قسم الإمام علیه السلام هنا، مخاطباً بني أمية ليؤكد لهم زوال دولتهم وانتزاع ملكهم على يد أشد أعدائهم وهم بنو العباس، فبعد بقاء ملكهم قرابة تسعين عاماً عاد مرة أخرى إلى أصحابه وهم البيت الهاشمي، وانتقم الله تعالى منهم شر انتقام(4)، ويمكن الرد على ابن أبي الحديد في مسألة

ص: 489


1- سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب، يكنى أبا أيوب ويقال أبا محمد الهاشمي، أحد أعمام السفاح، حدث عن ابيه وعكرمة، وتولى موسم الحج في خلافة العباس، وولي البصرة في خلافته وخلافة المنصور، وتوفي سنة (141 ه) وقيل سنة (142 ه)، ينظر، الصفدي، الوافي بالوفيات، 15 / 248
2- ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 5 / 78
3- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 175
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 96

عودة الأمر إلى أصحابه، فلم يكن بنو العباس هم أصحاب الأمر الحقيقيون فأصحابه الحقيقيون هم أبناء الإمام علي علیه السلام، نعم كلاهما من البيت الهاشمي ولكن هناك فرقاً واسعاً بين البيتين من كافة النواحي.

وروي ان عبد الله بن علي قام بهدم قصر مروان بن محمد الذي أنفق عليه عشرة الآف درهم، فضلاً عن احتوائه على خزائن مروان وأمواله(1). ويبدو ان العباسيين قد عملوا على استئصال وإزالة حتى الآثار المادية للأمويين فضلاً عن ما قاموا به من قتل العديد منهم، وهو ما أشار إليه أمير المؤمنين علیه السلام في دار عدوكم التي يقصد بها الكوفة التي اعتمدها العباسيون مركزاً لحكمهم في بداية الأمر والتي اطلقوا عليها بهاشمية الكوفة.

ومن بين ما ذكر أمير المؤمنين علي علیه السلام هو مسألة تفرق أصحابه وشيعته عنه ثم اجتماعهم على قتال بني أمية، إذ ورد في هذا الشأن قوله:

(افترقوا بعد ألفتهم، وتشتتوا عن أصلهم، فمنهم آخذ بغصن أينما مال مال معه)(2)، إذ تناول الإمام علیه السلام أمر أصحابه وشيعته وتفرقهم وابتعادهم بعد الفتهم واجتماعهم، والمراد بالأصل مفارقتهم له(3)، بحيث انقسموا إلى فرق عديدة وأحزاب، ومن هذه الأحزاب هم الخوارج وغيرهم، ولم يتمسك بكتاب الله تعالى وعترة نبيه المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم إلا قليل منهم، كما أوصى بذلك(4)، وجاء ان شيعة ولد العباس بن عبد المطلب في خراسان وغيرهم، يرون أن الإمامة

ص: 490


1- المسعودي، مروج الذهب، 2 / 228
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 267
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 217
4- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2 / 482

من بعد الرسول محمد صلی الله علیه و آله وسلم تكون إلى العباس بن عبد المطلب لأنه عمه ووارثه، ويستندون في ذلك إلى قول الله تعالى:

«وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ»(1)، إذ بيّن بعض المفسرين ان المراد من ذلك أن المؤمنين أولى بعضهم ببعض ميراثاً في حكم الله، وقد كانوا يتوارثون بالهجرة، فنسخ الله تعالى ذلك إلى التوارث بالقرابة(2)، وهم يرون جواز بيعة الإمام علي علیه السلام وذلك لقول العباس بن عبد المطلب لأمير المؤمنين علیه السلام: (يا ابن أخي هلم إلي ان أبايعك فلا يختلف عليك اثنان)(3)، وعلى هذا الأساس اتخذ العباسيون من الآية القرآنية الكريمة بوصفها حجة التزموا بها للمطالبة بالخلافة بوصفهم حسب رأيهم ورثة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لأنهم أقاربه.

وأراد بقوله علیه السلام:

(فمنهم آخذ بغصن أينما مال مال معه) أي اختلفوا فيما بينهم، فبعضهم تمسك بما أوصى الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بأهل بيته وعترته، يسلكون معهم السبل أينما سلكوا، أما البعض الآخر فكان بخلاف ما ذكر(4).

وفي السياق ذاته جاء قوله علیه السلام:

(على أن الله سيجمعهم لشر يوم لبني أمية، كما يجتمع قزع الخريف)(5)، أي

ص: 491


1- سورة الأنفال، آية 75
2- الطوسي، التبيان، 5 / 165؛ السمعاني، تفسير السمعاني، 4 / 260؛ القرطبي، تفسير القرطبي، 14 / 123؛ البيضاوي، أنوار التنزيل، 3 / 69
3- المسعودي، مروج الذهب، 2 / 220
4- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2 / 482
5- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 267

مراد الإمام علیه السلام ان الله تعالى سيجمعهم لشر يوم وهو لقتال بني أمية سواء من ثبت على عقيدته وولائه لعلي بن أبي طالب علیه السلام أم لم يثبت، وهذا ما قام به الشيعة الهاشمية، حيث اجتمعوا على قتال وإزالة ملك بني أمية، وكان ذلك أواخر أيام مروان بن محمد، عندما ظهرت الدعوة العباسية(1)، مع ان الدعوة العباسية ظهرت منذ بداية القرن الثاني الهجري أي قبل ايام مروان بن محمد بمدة طويلة، ونستشف من ذلك ان سقوط الدولة الأموية ما كان ليتم لولا إجتماع كلمة معارضيهم من ولد العباس بن عبد المطلب(2)، وبسبب ما كان يعانيه البيت الأموي من فرقة وشتات فيما بينهم.

وروي أنه قيل لبعض بني أمية، ما سبب زوال دولتكم وملككم؟ فأجابوا بسبب اختلاف فيما بيننا، واجتماع المختلفين عليهم(3)، ..................

ص: 492


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 217؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 294
2- حيث اعتمد الدعاة العباسيون في جمع اتباعهم على الصحيفة الصفراء التي يدعون إنها أتتهم من جهة محمد بن الحنفية من أمير المؤمنين علیه السلام والتي يتوضح فيها علم الرايات السود القادمة من خراسان ومتى يكون أمرها ومن هم أتباعها، ووجه العباسيون دعاتهم إلى الآفاق وذلك سنة مائة لنشر دعوتهم فوصلت الكتب والرسائل إلى محمد بن علي القائم بأمر الدعوة العباسية ليتعرف عليهم، وكانت دعوتهم إلى الرضا من آل محمد وإذا سألوا عن اسمه، قالوا: أمرنا بكتمان اسمه، وبعدها اخذت دعوتهم بالإنتظام أكثر وذلك على يد أبي مسلم الخراساني، فأصبح لهم أتباع كثيرون، وكان اسلوب الدعاة بنشر الدعوة بزي التجار، حتى لا تعلم بهم السلطة الأموية، وهذه كانت البدايات الأولى لبدء الدعوة العباسية التي سارت بدون أي عنف يذكر إذ كان هدفها جمع أكبر عدد ممكن من الناس في مواسم الحج والتجارة، ينظر، الدينوري، الأخبار الطوال، 343؛ مؤلف مجهول، اخبار الدولة العباسية، 184 - 180، 194؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4 / 322؛ حسن إبراهيم، تاريخ الإسلام السياسي، / 16
3- ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، 5 / 218

وجاء أن أبا مسلم(1)، أوصى قواده بأن لا يكلموا الناس إلا بالإشارة، ولا ينظروا إليهم إلا نظرة غضب، لكي تمتلئ صدورهم هيبة منهم(2)، وأراد بقوله علیه السلام: كما تجتمع قزع الخريف، ومراده علیه السلام في ذلك هو اجتماع كلمة المسلمين فيما بينهم بعد تفرقهم على قتال بني أمية، كما تجتمع الغيوم فيما بينها(3).

وفي المعنى ذاته ورد قول أمير المؤمنين علیه السلام مخاطباً أصحابه وفيه إشارة من قبل الإمام إلى نهاية دولة بني أمية وذلك بقوله:

(فمكنتم الظلمة من منزلتكم، وألقيتم إليهم أزمتكم وأسلمتم أمور الله في أيديهم، يعملون في الشبهات، ويسيرون في الشهوات، وأيم الله، لوفرقوكم تحت كل كوكب لجمعكم الله لشر يوم لهم)(4)، إذ ان المراد من قول الإمام علیه السلام هو بسبب تخاذل أصحابه عن مجاهدة عدوهم وتمكن الظلمة منهم، والمقصود بالظَلمة هنا هو معاوية بن أبي سفيان الذي سلمت له امور بلاد الإسلام ليتحكم فيها، وكان عملهم مبنياً على وفق آرائهم الفاسدة والباطلة التي يتحججون بها، وانغماسهم في الشهوات(5)، ثم أقسم علیه السلام ان أهل الشام لو فرقوكم تحت كل

ص: 493


1- أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم وقيل عثمان الخراساني القائم بالدعوة العباسية، ويعد من قادة الدعوة العباسية ومؤسس دولتها وكان يدعو إلى رجل من بني هاشم هو إبراهيم الإمام، فارسله إلى خراسان ليدعو له، وعمل الى جنب العباسيين وازالوا الدولة الأموية، وقتله المنصور سنة (137 ه) وقيل (136 ه)، ينظر، ابن خلكان، وفيات الأعيان، 3 / 145
2- ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، 5 / 224
3- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 294؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2 / 482
4- محمد عبده، نهج البلاغة، 1 / 178
5- البحراني، شرح نهج البلاغة، 5 / 35

كوكب سوف يجمعكم الله لشر يوم لهم، وهو إشارة إلى ظهور المسودة(1) من العراق وخراسان للإنتقام من بني أمية وأهل الشام(2).

من خلال ما تقدم يتضح لنا بأن أصحاب معاوية يعملون بالشبهات ويسيرون عليها بدون حق يذكر، والمبدأ الذي يسيرون عليه مبني على مخالفة الحق والسير على طريق الباطل وكل ما يحقق غاياتهم، وبسبب ظلمهم سوف ينتقم الله منهم وذلك من خلال اجتماع من ظلموهم من الناس عليهم وهو مصداق قوله تعالى:

«وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ، وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ، وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ»(3).

وفي الصدد ذاته ورد قوله علیه السلام:

(يؤلف الله بينهم، ثم يجعلهم ركاماً كركام السحاب، ثم يفتح لهم أبواباً من مستثارهم كسيل الجنتين، حيث لم تسلم عليه قارة(4)، ولم تثبت عليه أكمة، ولم يرد سننه رصد طود، ولا حداب أرض)(5)، إذ ان مراد الإمام علیه السلام هو اجتماع

ص: 494


1- المسودة، هو الأسم الذي عرف به العباسيون لأنهم اتخذوا السواد شعارًا لهم، وكانت رايتهم سوداء، ينظر، ابن قتيبة، الإمامة والسياسة،، 2 / 158؛ المروزي، الفتن، 115؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2 / 282؛ المزي، تهذيب الكمال، 19 / 21
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 139؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 36
3- سورة إبراهيم، آية، 13 - 15
4- القارة، هي الجبل الصغير، ينظر، ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، 1 / 368
5- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 268

المسلمين كركام السحاب على قتال بني أمية، بعد اجتماع آرائهم التي تكون من أسباب غلبتهم، وإعانة بعضهم البعض في الأنفس والأموال وغير ذلك من الأمور التي من شأنها أن تساعدهم للتغلب على أعدائهم(1)، حيث انطلقوا من مكان ثورتهم، وشبه ذلك بالسيل الجارف الذي أصاب جنتي مأرب(2) وهما جنتا سبأ(3)، الوارد ذكرهما في القرآن الكريم بقوله تعالى:

«فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ»(4)، وشبه أمير المؤمنين علیه السلام تلك الثورة التي يقوم بها الناس بالسيل الذي لا يسلم منه قارة، ولا تثبت معه أكمة، أي التلعة من الأرض5، وأراد بقوله: لم يرد سننه رص طود، ومعناه الجبل الشديد إلتصاق الأجزاء بعضها البعض(5)، ولا حداب أرض(6)، وهو مصداق قوله تعالى:

ص: 495


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 294
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 218
3- وهما بستانان كانا لسبأ في اليمن ويقعان بين جبلين، فكانت المرأة تخرج وعلى رأسها مكتل فتمشي بين الجبلين فيمتلئ مكتلها من دون ان تمس شيئاً بيدها، ولما طغوا بعث الله تعالى عليهم دابة يقال لها جرذ فنقبت عليهم فأغرقتهم فما بقي لهم إلا الأثل وشيء من السدر، ينظر، الطبري، جامع البيان، 22 / 94؛ الطوسي، التبيان، 8 / 385
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 218
5- المصدر نفسه، 9 / 218
6- حداب أرض، جمع حدبة وهو ما غلظ من الأرض وارتفع، ينظر، ابن منظور، لسان العرب، 1/ 301

«وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلوُن»(1).

ويتضح من كلام الإمام علیه السلام بأنه أشار إلى قوة الصدمة التي سيتعرض لها بنو أمية على يد العباسيين، وما يفعلونه بهم، وشبه ثورتهم بذلك السيل الجارف الذي يدمر كل شي يعترض طريقه.

وفي موضع آخر من خطبه الشريفة جاء قوله علیه السلام:

(يزعزعهم الله في بطون أوديته، ثم يسلكهم ينابيع الأرض)(2)، ومراد الإمام علیه السلام بأن الله تعالى سيفرقهم في بطون الارض وأوديتها والأماكن الخفية البعيدة عن أعين الأمويين، ثم يخرجهم إلى غايتهم كما يخرج الله تعالى الماء من أعماق الأودية العميقة بعد أن أنزله من السماء إلى تلك الأودية(3)، وروي ان محمد بن علي بن عبد الله بن العباس وجه الدعاة إلى المناطق المختلفة لنشر الدعوة العباسية، وكان يقيم في الحميمة من أرض الشراة، وسار أبو هاشم بن محمد بن الحنفية(4) إلى سليمان بن عبد الملك (96 ه - 99 ه / 714 م - 717 م)، فأعجب بعلمه وفصاحته، فقام بسمه، فلما قرب أجله نزل على محمد بن علي وأخبره بأن أمرهم صائر إلى ولده، فلما مات بايعت الشيعة علي بن محمد، وقام

ص: 496


1- سورة الأنبياء، آية، 96
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 268
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 218؛ محمد عبده، شرح نهج البلاغة، 2 / 268
4- ابو هاشم، عبد الله بن محمد ابن الحنفية ابن الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام وكان صاحب علم ورواية ثقة جليل وكان الشيعة يلتقون به و وكان بالشام وحضرته الوفاة وأوصى إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وأعطاه كتبه ورواياته ومات في الحميمة في خلافة سليمان بن عبد الملك، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7 / 321؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 4 / 129

بإرسال الدعاة إلى العراق وخراسان(1).

وبعد ان قام الدعاة العباسيون بنشر دعوتهم، وتم لهم الأمر بعد القضاء على أعدائهم الأمويين أخذوا بالعمل على إرجاع ما اغتصبهُ الأمويون من الناس، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين علیه السلام بقوله:

(يأخذ بهم من قوم حقوق قوم، ويمكن لقوم في ديار قوم)(2)، أي ان الله أظهر بني العباس بعد الاختفاء فأخذ بهم حقوق ما فعله بنو أمية من دماء الناس التي سفكوها بغير وجه حق وأموالهم التي نهبوها وأخذوا يتصرفون بها من دون الناس(3)، وورد أن المنصور جلس في بغداد مجلسًا عاماً، فدخل عليه شاب من ولد عمرو بن حزم(4)، فأعلمه نسبه وروى ما فعله به بنو أمية وما فعله الوليد بن عبد الملك الذي أمر بأخذ أمواله، فأمر له المنصور بعشرة آلاف درهم، وكتب إلى عماله بأن ترد ضياع آل حزم عليهم، وأن يعطوا غلاتها في كل سنة من ضياع وأراضي بني أمية(5)، والمراد بقوله علیه السلام ويمكن لقوم في ديار قوم، أي يهلك الله تعالى الأمويين ويستخلف مكانهم العباسيين فيحلون في ديارهم التي كانت لهم(6)، وجاء أن المهدي العباسي دخل على مسجد رسول

ص: 497


1- ابن عبد ربه الأندلسي، العقد الفريد، 5 / 218؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4 / 322
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 268
3- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2 / 483
4- عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو من بني النجار، ويكنى أبا الضحاك، استعمله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على نجران واليمن وهو ابن سبعة عشر سنة، وبقي عمرو حتى أدرك بيعة معاوية لولده يزيد وتوفي بعد ذلك، ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5 / 317
5- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 8 / 85
6- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2 / 483

الله صلی الله علیه و آله وسلم فرأى اسم الوليد بن عبد الملك منقوشًا على الكتاب الذي في المسجد، فدعا بكرسي وجلس عليه وقال:

(ما أنا ببارح حتى يمحى اسم الوليد ويكتب اسمي مكانه)، فأزيل اسم الوليد وكتب اسمه مكانه(1).

إن الله تعالى قد سلط على بني أمية من يسلبهم سلطانهم وأموالهم كما فعلوا بالناس من اعتداء على حقوقهم وسلبهم أموالهم وأنفسهم، ومن ثم تكون هذه نتيجة أعمالهم وأفعالهم التي مارسوها طوال مدة حكمهم.

وفي موضع آخر من نهج البلاغة أخبر أمير المؤمنين علیه السلام عن نهاية دولة بني أمية وقيام الدولة العباسية إذ جاء قوله علیه السلام في هذا الصدد:

(وأيم الله ليذوبن ما في أيديهم، بعد العلو والتمكين، كما تذوب الألية في النار)(2)، إذ أقسم الإمام علیه السلام ليذوبن ما في أيدي بني أمية، بعد علوهم واستكبارهم وتمكينهم من الأمر كما تذوب الألية في النار(3)، وقد شبه الإمام علیه السلام حالة الفناء والاضمحلال والانحلال التي سيصبح عليها بنو أمية، ومصداق ذلك الأمر هو ما اجتمعت عليه الشيعة العباسية على إزالة ملك بني أمية(4).

ومما لا شك فيه أن ذهاب ملك بني أمية جاء لأسباب كثيرة منها قيامهم بقتل الناس والانغماس في الملذات، والابتعاد عن دين الله تعالى، وسلب الناس

ص: 498


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 8 / 179؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 5 / 262
2- محمد عبده، نهج البلاغة، 2 / 268
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9 / 218
4- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3 / 295

حقوقهم، وغيرها من الأسباب التي ستعجل بنهايتهم وتغلب أعدائهم عليهم.

وروي ان المنصور اجتمع مع عدد من رؤوساء الأسرة العباسية وتذاكروا خلفاء بني أمية، وما كانوا عليه من العز، وأسباب زوال ملكهم، فكانوا أول أمرهم قد ضبطوا شؤون دولتهم، حتى أفضى الأمر إلى ابنائهم المترفين الذين ركبوا الملذات، والوقوع بالمعاصي، وعدم خوفهم من الله تعالى وعقابه، واستخفافهم بحقوق الله، فسلبهم ما كانوا عليه، وألبسهم الذل والخوف، وأزال عنهم نعمته(1)، مع ان المنصور لا يختلف هو وأبناؤه عن الأمويين فيما فعلوه فيما بعد.

ص: 499


1- المسعودي، مروج الذهب، 2 / 269؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7 / 128

ص: 500

الخاتمة

ص: 501

ص: 502

الخاتمة

توصل الباحث إلى جملة من النتائج أبرزها:

يعد الشريف الرضي من اكابر العلماء، والذي قام بجمع نهج البلاغة المتضمن على جزء من خطب ومراسلات ومواعظ وحكم أمير المؤمنين علیه السلام، التي أخذها من مصادر متعددة سبقت عصره، وهذا مما يبعد الشكوك التي أثيرت حول نسبة نهج البلاغة للشريف الرضي، وأنه من كلام أمير المؤمنين علیه السلام.

إن مسألة استقرار نسب بني أمية وأصالته في قريش هو أمر عليه جملة من علامات الشك التي تؤيدها الروايات التاريخية والأحاديث النبوية الشريفة التي تربط ذلك النسب وترجعه إلى اليهود، وتأتي كل تلك الأمور مشفوعة بكلام أمير المؤمنين علیه السلام الذي قال فيه:

(ولا الصريح كاللصيق).

ان الوصف الذي جاء به الإمام علي علیه السلام لبني أمية في نهج البلاغة ما هو إلا امتداد للصورة التي بينها القرآن الكريم لهم، إذ لعنوا في الكثيرمن الآيات في القرآن الكريم، وكذلك أبرز موقفهم المعادي للإسلام في السور المباركة والذي

ص: 503

اتسم بالسلبية الواضحة من الدعوة وقائدها النبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم.

ان العلاقة الأموية الهاشمية كانت تعاني من اضطراب واضح وملموس يمتد إلى عصر ما قبل البعثة مروراً بالإسلام الذي نظر الأمويون من خلاله إلى أنه محاولة لبني هاشم للحصول على الزعامة الدينية والسياسية المطلقة وقد بان ذلك واضحاً في كل تصرفاتهم وأفعالهم إزاء الدعوة الإسلامية، لذا نجد ان لبني أمية الدور الأكبر في محاربة الإسلام خوفاً من فقدان تلك الزعامة.

كان لمدة حكم عثمان الدور الأكبر في تزايد نفوذ بني أمية في التغلغل في مفاصل النظام الإداري والسياسي والهيمنة على الجانب الإقتصادي للدولة الإسلامية تبجحاً واضحاً وملموساً إزاء أهل البيت وخصوصاً الإمام علي علیه السلام حتى وصل الأمر في الشروع بسبه على منابر المسلمين في عهد معاوية بن أبي سفيان.

لم يكن حال بني أمية خافياً على الإمام علیه السلام لذلك أعطى وعرّف من خلال الخطب التي وردت في نهج البلاغة بالمكانة الحقيقية للأمويين واوضح طبيعة موقفهم من الإسلام، غير أنه ركز وبشكل ملحوظ على بيان حقيقة معاوية بن أبي سفيان لما حاوله الأخير من استغلال الظرف الطارئ على الأمة الإسلامية لإيجاد مكانة لنفسه في الإسلام وتسويق ذاته على انها مساوية لغيره من الصحابة الأوائل.

على الرغم من التشخيص الدقيق للإمام علیه السلام لأحوال بني أمية إلا أنه لم ينأ بنفسه عن بذل النصح لهم وتعريفهم بضرورة السير بالطريق الصحيح الذي يتماشى مع ما رسمه الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم صلی الله علیه و آله وسلم إلا أن ذلك لم يسبب أي تغيير منهم لما بلغوه من النفاق والخداع والرغبة في الهيمنة السياسية على المسلمين.

ص: 504

لم يكتف الإمام علي علیه السلام بالتعريف بالحالة المعاصرة لبني أمية بل نجد في ثنايا نهج البلاغة رؤية مستقبلية لطبيعة حكم بني أمية وأثرها السلبي على الإسلام وعلى المسلمين مما يعطي دلالة على أن الإمام علیه السلام أعطى اشعاراً للمسلمين بأن طبيعة التركيبة الأموية المستقبلية لا تختلف عن ما هو معاصر لذا نجده يحذر أشد التحذير من الاشتراك في فتنتهم أو التقرب منهم.

لقد جاء الاخبار العلوي في نهاية دولة بني أمية وقصر مدتهم وظهور دولة بني العباس بما يختلف عن حالة الخنوع التي سادت في أوساط المسلمين والتي روج من خلالها إلى استحالة نهاية الحكم الأموي، بل ان الإمام علیه السلام أخبر اخباراً دقيقاً عن نهايتهم واسترجاع الحقوق منهم وحصول التقاتل فيما بينهم.

ومن الله التوفيق.

ص: 505

ص: 506

المصادر و المراجع

ص: 507

ص: 508

المصادر والمراجع

اشارة

القرآن الكريم

المصادر الأولية

- ابن الأثير، عز الدين أبو الحسن علي بن الحسين (ت 630 ه / 1232 م).

1- أسد الغابة في معرفة الصحابة، تحقيق: علي محمد العوض، (دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت).

2- الكامل في التاريخ، تحقيق: أبي الفدا عبد الله القاضي، (، دار الكتب العلمية، بيروت 1987 م).

3- اللباب في تهذيب الأنساب، (دار صادر، بيروت، د. ت).

- ابن الأثير، المبارك بن محمد بن عبد الكريم (ت 606 ه / 1209 م).

4- النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: محمود محمد الطناحي، (ط 4، مؤسسة اسماعيليان، قم، 1944 م).

- الأربلي، أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح (693 ه / 1293 م).

5- كشف الغمة في معرفة الائمة، (ط 2، دار الاضواء، بيروت 1985 م).

ص: 509

- الأزدي، الفضل بن شاذان (ت 260 ه / 873 م).

6- الإيضاح، تحقيق: جلال الدين الحسيني، (مؤسسة انتشارات، طهران، 1943 م).

- الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد الهروي (ت 370 ه / 980 م).

7- تهذيب اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (ط 1، الدار المصرية، د. م، 1964 م).

- ابن اسحاق، محمد بن اسحاق بن يسار (ت 151 ه / 768 م).

8- السير والمغازي المسمى بسيرة (ابن اسحاق)، تحقيق: محمد حميد الله، (معهد الدراسات والأبحاث للتعريف، د. ت) - الإسكافي، ابو جعفر محمد بن عبد الله المعتزلي (ت 220 ه / 835 م).

9- المعيار والموازنة في فضائل الامام امير المؤمنين علي (ع)، تحقيق: محمد باقر المحمودي، (ط 1، د. م، 1981 م).

- ابن أعثم الكوفي، ابو محمد أحمد بن أعثم (ت 314 ه / 926 م).

10- الفتوح، تحقيق: علي شيري، (ط 1، دار الاضواء، بيروت، 1991 م).

- البحراني، كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم (679 ه / 1280 م).

11- شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين، تحقيق: مير جلال الحسيني، (منشورات جماعة المدرسين، قم، د. ت).

12- شرح نهج البلاغة، (ط 1، دار الثقلين، بيروت، 1999 م).

- البخاري، محمد بن اسماعيل بن ابراهيم (ت 256 ه / 869 م).

13- صحيح البخاري، (دار الفكر، بيروت، 1981).

- ابن البراج، عبد العزيز بن البراج الطرابلسي (481 ه / 1088 م).

14- المهذب، تحقيق: جعفر السبحاني، (مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1985 م).

ص: 510

- البرقي، أحمد بن محمد (ت 274 ه / 887 م).

15- المحاسن والآداب، تحقيق: جلال الدين الحسيني، (ط 1، دار الكتب الإسلامية، طهران ، 1911 م).

- البغدادي، ابو جعفر محمد بن حبيب (ت 245 ه / 859 م).

16- المنمق في أخبار قريش، تصحيح: خورشيد أحمد فاروق، (ط 1، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، 1964 م).

- البغوي، ابو محمد الحسين بن مسعود (ت 516 ه / 1122 م).

17- تفسير البغوي (معالم التنزيل)، تحقيق: محمد عبدالله النمر وأخرين، (دار طيبة، الرياض، 1990 م).

- البكري، عبد الله بن عبد العزيز الأندلسي ( 487 ه / 1094 م).

18- معجم ما استعجم في اسماء البلاد والمواضع، تحقيق، مصطفى السقا، (عالم الكتب، بيروت، 1983 م).

- البلاذري، احمد بن يحيى بن جابر (279 ه / 892 م).

19- جمل من أنساب الاشراف، تحقيق: سهيل زكار ورياض زركلي، (دار الفكر، بيروت 1996 م).

20- فتوح البلدان، تحقيق: عبدالله انيس الطباع، (مؤسسة المعارف، بيروت 1987 م).

- البيضاوي، ناصر الدين ابو الخير عبدالله بن عمر (691 ه 1291 م).

21- انوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي)، تحقيق: محمد عبد الرحمن المرعشي، (دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت).

- البيهقي، ابو بكر أحمد بن الحسين بن علي (458 ه / 1065 م).

22- السنن الكبرى، تحقيق: سيد كسروي حسن، (دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت).

ص: 511

23- دلائل النبوة ومعرفة احوال صاحب الشريعة، تحقيق: عبد المنعم معطي، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1988 م).

- البيهقي، علي بن زيد الأنصاري (ت 565 ه / 1169 م).

24- معارج نهج البلاغة، تحقيق: أسعد الطيب، (دار إحياء التراث الإسلامي، قم، 1960 م).

- البيهقي، أبو محمد بن الحسين قطب الدين الكيذري (من أعلام القرن السادس الهجري).

25- حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة، تحقيق: عزيز الله العطاردي، (ط 1، قم، 1955 م).

- الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة (ت 279 ه / 892 م).

26- سنن الترمذي، تحقيق: عبد الرحمن عثمان، (ط 2، دار الفكر، بيروت، 1983 م).

- ابن تغري بردي، جمال الدين أبو المحاسن يوسف الاتابكي (ت 874 ه / 1469 م).

27- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، تحقيق: محمد حسين شمس الدين، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت 1992 م).

- التنوخي، ابو علي الحسن بن علي بن ابي القاسم (ت 384 ه / 994 م).

28- الفرج بعد الشدة، تحقيق: عبود الشالجي، (ط 2، مطبعة أمير، قم، 1944 م).

- الثعالبي، ابو منصور عبد الملك النيسابوري (ت 429 ه / 1037 م).

29- يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، تحقيق: مفيد محمد قميحة، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت 1983 م).

- الثعلبي، ابو إسحاق محمد (ت 427 ه / 1035 م).

30- الكشف والبيان (تفسير الثعلبي)، تحقيق: ابو محمد بن عاشور، (ط 1، دار

ص: 512

احياء التراث العربي، بيروت، 2002 م).

- الثقفي، ابراهيم بن محمد (ت 283 ه / 896 م).

31- الغارات، تحقيق: جلال الدين المحدث، (مطابع بهمن، طهران، د. ت).

- الثمالي، أبو حمزة ثابت بن دينار (148 ه / 765 م).

32- تفسير القرآن الكريم، تحقيق: محمد هادي معرفة، (ط 1، مطبعة الهادي، قم، 1999 م).

- الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر (255 ه / 868 م).

33- البيان والتبيين، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (ط 7، القاهرة، 1988 م).

34- العثمانية، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (دار الكتاب العربي، مصر، 1955 م).

- ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد (597 ه / 1200 م).

35- زاد المسير في علم التفسير، تحقيق: محمد عبد الرحمن عبد الله، (ط 1، دار الفكر، بيروت، 1987 م).

36- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تحقيق: محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1992 م).

- الجوهري، إسماعيل بن حماد (392 ه / 999 م).

37- تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، (دار العلم للملايين، القاهرة، 1987 م).

- الجوهري، أبو بكر أحمد بن عبد العزيز البصري (ت 323 ه / 934 م).

38- السقيفة وفدك، تحقيق: محمد هادي الأميني، (ط 2، بيروت، 1993).

- الحاكم النيسابوري، أبو عبد الله (ت 405 ه / 1014 م).

39- المستدرك على الصحيحين، تحقيق: يوسف عبد الرحمن، (دار المعرفة،

ص: 513

بيروت، د. ت).

- ابن حبان، محمد بن حبان بن احمد البستي (354 ه / 965 م).

40- الثقات، (ط 1، دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، 1973 م).

- ابن حجر العسقلاني، ابو الفضل احمد بن علي (ت 852 ه / 1448 م).

41- الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1994 م).

42- تهذيب التهذيب، (ط 1، دار الفكر، بيروت، 1984 م).

43- فتح الباري شرح الامام ابي عبدالله محمد بن اسماعيل البخاري، (ط 2، دار المعرفة، بيروت، د. ت).

44- القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد، (ط 1، عالم الكتب، د. م، 1984 م).

45- لسان الميزان، (ط 2، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1971 م).

- ابن أبي الحديد، عز الدين بن عبد الحميد المعتزلي (656 ه / 1258 م).

46- شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد ابو الفضل ابراهيم،(ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت، 2007 م).

- ابن حزم الأندلسي، ابو محمد على بن احمد (ت 456 ه / 1063 م).

47- جمهرة انساب العرب، تحقيق: عبد المنعم خليل إبراهيم، (دار الكتب العلمية، بيروت، 2007 م).

- حسان بن ثابت، حسان بن ثابت بن عمرو (50 ه / 670 م).

48- ديوان حسان بن ثابت، شرح: عبد مهنا، (ط 2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1994 م).

- الحلبي، علي بن برهان الدين (ت 1044 ه / 1635 م).

ص: 514

49- السيرة الحلبية المسماة أنساب العيون في سيرة الأمين والمأمون، (دار المعرفة، بيروت، 1979 م).

- الحلي، عزالدين الحسن بن سليمان (من أعلام القرن الثامن الهجري).

50- المحتضر، تحقيق: سيد على كسروي، (انتشارات الكتب العلمية، قم،2003 م).

- الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهر (726 ه / 1325 م).

51- كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين، تحقيق: حسن الدركاهي، (ط 1، طهران، 1991 م).

- الحميري القمي، أبو العباس عبد الله بن جعفر (300 ه / 912 م).

52- قرب الإسناد، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (دار الكتاب العربي، مصر، 1955 م).

- ابن حنبل، ابو عبد الله احمد بن محمد (ت 241 ه / 855 م).

53- مسند الامام احمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنوؤط، (دار صادر، بيروت، د. ت) - الخبري، أبو الحكيم (467 ه / 1083 م).

54- ديوان الشريف الرضي، تحقيق: عبد الفتاح محمد، (القاهرة، 1976 م).

1982 م).

- الخطيب البغدادي، أبو بكر احمد بن علي (ت 463 ه / 1072 م).

55- تاريخ مدينة بغداد (تاريخ مدينة السلام واخبار محدثيها وذكر قطانها العلماء من غير أهلها ووارديها، (دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت).

- الخطيب التبريزي، ولي الدين محمد بن عبد الله (741 ه / 1340 م).

56- الإكمال في أسماء الرجال، تحقيق: أبي أسد الله الحافظ محمد، (مؤسسة أهل البيت، قم، د. ت).

ص: 515

- ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد الحضرمي (ت 808 ه / 1405 م).

57- تاريخ ابن خلدون المسمى بكتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في ايام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، تحقيق: سهيل زكار، (دار صادر، بيروت د. ت).

- ابن خلكان، ابو العباس شمس الدين احمد بن محمد بن ابي بكر (ت 681 ه / 1282 م).

58- وفيات الأعيان وأنباء ابناء الزمان، تحقيق: احسان عباس، (دار صادر، بيروت، د. ت).

- خليفة ابن خياط، ابو عمر خليفة العصفري (ت 240 ه / 854 م).

59- تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق: سهيل زكار، ()دار الفكر، بيروت، 1993 م).

60- الطبقات، تحقيق: سهيل زكار، (دار الفكر، بيروت، 1993 م).

- الخوارزمي، الموفق بن أحمد بن محمد (568 ه / 1172 م).

61- المناقب، تحقيق: مالك المحمودي، (ط 2، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1993 م).

- الداني، عثمان بن سعيد (444 ه / 1052 م).

62- البيان في عد آي القرآن، تحقيق: غانم قدوري الحمد، (ط 1، مركز المخطوطات والتراث، الكويت، 1994 م).

- ابن الدمشقي، شمس الدين أبو البركات محمد (ت 871 ه / 1466 م).

63- جواهرالمطالب في مناقب علي بن أبي طالب، تحقيق: محمد باقر المحمودي، (ط 1، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، قم، 1994 م).

- ابن أبي الدنيا، عبد الله بن محمد بن عبيد القرشي (ت 281 ه / 894 م).

64- ذم المسكر، تحقيق: نجم عبد الرحمن خلف، (دار الراية، الرياض، د. ت).

- الدينوري، ابو حنيفة احمد بن داود (282 ه / 895 م).

ص: 516

65- الأخبار الطوال، تحقيق: عبد المنعم عامر، (دار احياء التراث العربي، القاهرة، 1960 م).

- الذهبي، شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان (748 ه / 1347 م).

66- تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والاعلام، تحقيق: عمرعبد السلام تدمري، (ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1989 م).

67- تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق، تحقيق: مصطفى أبو الغيط عبد الحي، (دار الوطن ، الرياض، 2000 م).

68- سير أعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وحسين الأسد، (ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت 1982 م).

69- العبر في خبر من غبر، تحقيق: أبي هاجر محمد السعيد، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1985 م).

70- ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق: علي محمد البجاوي، (ط 1، دار المعرفة، بيروت، 1963 م).

- الرازي، فخرالدين بن محمد بن عمر (606 ه / 1209 م).

71- تفسير الفخر الرازي (التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب)، (ط 1، دار الفكر، د. م، 1981 م).

72- المحصول في علم اصول الفقه،، تحقيق: طه جابر فياض العلواني، (ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1991 م).

- الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد (ت 502 ه / 1108 م).

73- مفردات غريب القرآن، (ط 2، د. م، 1983 م).

- الراوندي، قطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله (573 ه / 1177 م).

74- الخرائج والجرائح، تحقيق: مؤسسة الإمام المهدي، (ط 1، مؤسسة الإمام المهدي، قم، 1988 م).

ص: 517

75- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تحقيق: السيد عبد اللطيف الكوهكمري، (، قم، 1985 م).

- الزبعرى، عبد الله بن قيس بن عدي (ت 15 ه / 636 م).

76- ديوان عبد الله الزبعرى، تحقيق: يحيى الجبوري، (ط 2، مؤسس الرسالة، بيروت، - الزبيدي، محب الدين محمد مرتضى (ت 1205 ه / 1790 م).

77- تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: علي شيري، (دار الفكر، بيروت، د. ت) 1981 م).

- الزبيري، أبو عبد الله مصعب (236 ه / 850 م).

78- نسب قريش، تحقيق: ليفي بروفنسال، (ط 3، دار المعارف، القاهرة، د. ت).

- زكريا، أبو الحسين احمد بن فارس (ت 395 ه / 1004 م).

79- معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (مكتبة الأعلام، قم، 1983 م).

- الزمخشري، ابو القاسم محمود بن عمر (ت 538 ه / 1143 م).

80- ربيع الأبرارفي نصوص الأخبار، تحقيق: عبد الأمير مهنا، (ط 1، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1992 م).

- الزيلعي، أبو محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف (762 ه / 1360 م).

81- تخريج الأحاديث والآثار، تحقيق: عبد الله بن عبد الرحمن، (ط 1، دار خزيمة، الرياض، 1993).

82- نصب الراية، تحقيق: أيمن صالح شعبان، (ط 1، دار الحديث، القاهرة، 1995 م).

- سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي بن عبد الله البغدادي (ت 654 ه / 1256 م).

83- تذكرة الخواص في خصائص الأئمة (ع)، تحقيق: محمد صادق بحر العلوم،

ص: 518

(مكتبة نينوى الحديثة، طهران، د. ت).

- سبط ابن العجمي، برهان الدين الحلبي (841 ه / 1437 م).

84- الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث، تحقيق: صبحي السامرائي، (ط 1، عالم الكتب، بيروت، 1987 م).

- السرخسي، على بن ناصر، (من اعلام القرن السادس الهجري).

85- أعلام نهج البلاغة، تحقيق: عزيز الله العطاردي، (ط 1، طهران، 1994 م).

- ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع الزهري (ت 230 ه / 844 م).

86- الطبقات الكبرى، تحقيق: علي محمد عمر، (ط 1، مكتبة الخانجي، القاهرة، 2001 م).

- ابن سلام، ابو عبيد القاسم الهروي (224 ه / 838 م).

87- غريب الحديث، تحقيق: محمد عبد المعيد خان، (دار الكتاب العربي، بيروت 1964 م).

- السمرقندي، نصر بن محمد (383 ه / 993 م).

88- تفسير السمرقندي، تحقيق: محمود مطرجي، (دار الفكر، بيروت، د. ت).

- السمعاني، ابو سعيد عبد الكريم بن محمد بن منصور (562 ه / 1166 م).

89- الأنساب، تحقيق: عبدالله عمر البارودي، (ط 1، دار الجنان، د. م، 1988 م).

- السمعاني، أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار (489 ه / 1096 م).

90- تفسير السمعاني، تحقيق: ياسر إبراهيم، (ط 1، دار الوطن، الرياض، 1997 م).

- السهيلي، أبو عبد القاسم عبد الرحمن بن عبد الله (581 ه / 1185 م).

91- الروض الآنف، تحقيق: عبد الرحمن الوكيل، (دار النصر، القاهرة، 1969 م).

- ابن سيد الناس، محمد بن عبد الله بن يحيى (734 ه / 1333 م).

ص: 519

92- عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، (مؤسسة عز الدين، بيروت، 1986 م).

- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (911 ه / 1505 م).

93- الدر المنثور في التفسير المأثور، (دار المعرفة، بيروت، د. ت).

- ابن شبة النميري، ابو زيد عمر (ت 262 ه / 875 م).

94- تاريخ المدينة المنورة، تحقيق: فهيم محمد شلوت، (دار الفكر، بيروت، 1989 م).

- الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسى (ت 406 ه / 1015 م).

95- تلخيص البيان عن مجاز القرآن، (دار الأضواء، بيروت، د. ت).

96- حقائق التأويل في متشابه التنزيل، تحقيق: محمد رضا كاشف الغطاء، (دار المهاجر، بيروت، د. ت).

97- خصائص الأئمة، تحقيق: محمد هادي الأميني، (مؤسسة الاستانة الرضوية، مشهد 1985 م).

98- مجازات الآثار النبوية، تحقيق: طه الزيني، (منشورات بصيرتي، قم، د. ت).

99- نهج البلاغة المختار من كلام أمير المؤمنين (ع)، تحقيق: فارس الحسون، (ط 1، قم، 1998 م).

- الشريف المرتضى، علي بن الحسين الموسوي (ت 436 ه / 1044 م).

100- الإنتصار، تحقيق: مؤسسة النشرالإسلامي، (قم، 1994 م).

101- الشافي في الإمامة، تحقيق: عبد الزهراء الحسيني، (ط 2، مؤسسة الصادق، طهران، 1987 م).

102- الفصول المختارة، تحقيق: نور الدين جعفريان و آخرين، (ط 2، دار المفيد، بيروت، 1993 م).

103- الناصريات، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، (مؤسسة الهدى، طهران،

ص: 520

1997 م).

- ابن شعبة الحراني، ابو محمد الحسن بن علي بن الحسين (من اعلام القرن الرابع الهجري.

104- تحف العقول عن آل الرسول (ص)، تحقيق: حسين الاعلمي، (ط 1، بيروت، 1969 م).

- ابن شهر آشوب، بشير الدين ابو عبدالله محمد بن علي المازندراني (ت 588 ه / 1192 م).

105- مناقب آل أبي طالب، (المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1956 م).

- الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن ابي بكر (548 ه / 1153 م).

106- الملل والنحل، تحقيق: أمير علي مهنا وعلي حسن، (ط 3، دار المعرفة، بيروت 1993 م).

- ابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد الكوفي (235 ه / 849 م).

107- مصنف أبي شيبة في الأحاديث والأخبار، تحقيق: سعيد اللحام، (دار الفكر، بيروت، 1989 م).

- الصالحي الشامي، محمد بن يوسف (942 ه / 1535 م).

108- سبل الهدى والرشاد، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1993 م).

- ابن الصباغ علي بن محمد بن أحمد (ت 855 ه / 1451 م) 109- الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة، تحقيق: سامي الغريري، (ط 2، دار الحديث، قم، 2001 م).

- الصدوق، أبو محمد بن علي بن بابويه القمي (381 ه / 911 م).

110- الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، (ط 1، مؤسسة البعثة، قم، 1996 م).

ص: 521

111- التوحيد، تحقيق: هاشم الحسيني، (قم، د. ت).

112- الخصال، تحقيق: علي اكبر الغفاري، (منشورات جماعة المدرسين، قم، 1982 م).

113- علل الشرائع، تحقيق: محمد صادق بحر العلوم، (ط 1، النجف الأشرف، 1966 م) 114- عيون أخبار الرضا، تحقيق: حسين الأعلمي، (ط 1، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1984 م).

115- كمال الدين وتمام النعمة، تحقيق: علي أكبر الغفاري، (مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1984 م).

116- معاني الأخبار، تحقيق: مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين، (قم، 1959).

117- من لا يحضره الفقيه، تحقيق: علي أكبر الغفاري، (ط 2، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1972 م).

- الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك (764 ه / 1362 م).

118- الوافي بالوفيات، تحقيق: احمد الأرنوؤط، )(ط 1، دار احياء التراث العربي، بيروت 2000 م).

- أبو الصلاح الحلبي، تقي الدين نجم (ت 447 ه / 1055 م).

119- تقريب المعارف، تحقيق: فارس تبريزيان، (د. م، 1996 م).

- الصنعاني، عبد الرزاق بن همام (ت 211 ه / 826 م).

120- تفسير القرآن، تحقيق: مصطفى مسلم حمد، (ط 1، مكتبة الرشيد، الرياض، 1989 م).

121- المصنف، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، (منشورات المجلس العلمي، د. م، 1972 م).

ص: 522

- الضحاك، ابن أبي عاصم (287 ه / 900 م).

122- الآحاد والمثاني، تحقيق: فيصل أحمد الجوابرة، )(ط 1، دار الراية، الرياض، 1991 م).

- ابن طاووس، ابو القاسم رضي الدين علي بن موسى بن جعفر (ت 664 ه / 1246 م).

123- التحصين لأسرار ما زاد من أخبار كتاب اليقين، (ط 1، دار الكتاب الجزائري، قم، 1992 م).

124- الملاحم والفتن، (ط 1، مؤسسة صاحب الأمر، أصفهان، 1995 م).

- الطبراني، ابو القاسم سليمان بن أحمد (ت 360 ه / 970 م).

125- المعجم الكبير، تحقيق: حمدي عبد المجيد السليطي، (ط 2، دار احياء التراث العربي، بيروت، د. ت).

126- المعجم الأوسط، تحقيق: طارق أبو عوض، (دار الحرمين، مكة المكرمة، 1995).

- الطبرسي، احمد بن علي (560 ه / 1164 م).

127- الاحتجاج، (مكتبة دار المجتبى، النجف، 2009 م).

- الطبرسي، ابو الفضل بن الحسن (548 ه / 1153 م).

128- إعلام الورى بأعلام الهدى، تحقيق: مؤسسة آل البيت، (ط 1، مطبعة ستارة، قم، 1996 م).

129- مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق: مجموعة من العلماء، (ط 2، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1995 م).

- الطبري الشيعي، أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم (ت القرن الرابع الهجري).

130- المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع)، تحقيق: احمد المحمودي، (ط 1، مؤسسة الثقافة الإسلامية، قم، 1994 م).

ص: 523

- الطبري، محمد بن جرير (310 ه / 922 م).

131- تاريخ الرسل والملوك، تحقيق: محمد ابو الفضل ابراهيم، (دار المعارف، مصر، د. ت).

132- جامع البيان في تأويل آي القرآن، تحقيق: خليل الميس، (دار الفكر، بيروت، 1995 م).

- الطريحي، فخر الدين (ت 1085 ه / 1674 م).

133- مجمع البحرين ومطلع النيريين، تحقيق: أحمد الحسيني، (مكتبة النشر للثقافة الإسلامية، النجف، 1987 م).

- الطوسي، ابو جعفر محمد بن الحسين بن علي (460 ه / 1067 م).

134- الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، (ط 1، دار الثقافة والنشر، قم، د. م() 135- التبيان في تفسير القرآن، تحقيق: احمد حبيب، (ط 1، مكتب الأعلام الإسلامي، قم 1988 م).

136- رجال الطوسي، تحقيق: مهدي الرجائي، (مؤسسة أهل البيت لإحياء التراث، قم، 1983 م).

137- الفهرست، تحقيق: جواد القيومي، (ط 1، مؤسسة النشر الإسلامي، د.

م، 1996 م).

- الطيالسي، سليمان بن داود (204 ه / 819 م).

138- مسند أبي داود، (دار المعرفة، بيروت، 1903 م).

- ابن طيفور، ابو الفضل أحمد بن أبي طاهر بن طيفور (380 ه / 990 م).

139- بلاغات النساء، (منشورات مكتبة بصيرتي، قم، 1942 م).

- العاملي، جمال الدين يوسف (664 ه / 1246 م).

140- الدرالنظيم، (مؤسسة النشر الإسلامي، إيران، د. ت).

ص: 524

- ابن عبد البر، ابو يوسف بن عبد الله القرطبي (463 ه / 1070 م).

141- الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: عادل مرشد، (ط 1، دار الأعلام، عمان 2002 م).

- ابن عبد ربه الأندلسي، احمد بن محمد (ت 328 ه / 935 م).

142- العقد الفريد، تحقيق: عبد المجيد الترحيبي، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1983 م).

- عبيد بن الأبرص بن جشم (ت 554 م).

143- ديوان عبيد، شرح: أشرف أحمد عدرة، (ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1994 م).

- ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسين بن هبة الله الشافعي (571 ه / 1175 م).

144- تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من حلها من الأماثل أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها، تحقيق: علي شيري، (ط 1، دار الفكر، بيروت 1994 م).

- العقيلي، أبو جعفرمحمد بن عمرو (322 ه / 933 م).

145- ضعفاء العقيلي، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، (ط 2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997 م).

- ابن عنبة، جمال الدين محمد بن علي الحسيني (828 ه / 1424 م).

146- عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، تحقيق: محمد حسن آل الطالقاني، (ط 2 المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1961 م).

- العياشي، ابو النضر محمد بن مسعود بن عباس السلمي (320 ه / 932 م).

147- تفسير العياشي، تحقيق: سيد هاشم الرسولي، (المكتبة العلمية، طهران، 1960 م).

- ابن فارس، ابو الحسن احمد بن فارس بن زكريا (ت 395 ه / 1004 م).

148- معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (مكتبة الاعلام

ص: 525

الإسلامي، 1983 م).

- الفراهيدي، الخليل بن أحمد (170 ه 786 م).

149- العين، تحقيق: مهدي المخزومي، (ط 2، مؤسسة دار الهجرة، د. م، 1989 م).

- ابو الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين الآموي (ت 356 ه / 966 م).

150- الأغاني، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1936 م).

151- مقاتل الطالبيين، تحقيق: كاظم المظفر، (ط 2، المكتبة الحيدرية، النجف، 1965 م).

- ابن الفقيه الهمذاني، أبو عبد الله أحمد بن محمد (من اعلام القرن الثالث الهجري).

152- البلدان، تحقيق: يوسف هادي، (ط 1، عالم الكتب، بيروت، 1996 م).

- القاضي النعمان، ابو حنيفة بن محمد (363 ه / 973 م).

153- دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام وقضايا الأحكام عند أهل البيت، تحقيق: الحافظين العراقي وابن حجر، (دار المعارف القاهرة، 1963 م).

154- شرح الاخبار في فضائل الأئمة الأطهار، تحقيق: محمد الحسيني الجلالي، (ط 2، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، 1993 م).

155- المناقب والمثالب، تحقيق: ماجد احمد العطية، (ط 1، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 2002 م).

- ابن قتيبة، عبدالله بن مسلم الدينوري (ت 276 ه / 889 م).

156- الإمامة والسياسة، تحقيق: علي شيري، ط 1، إنتشارات الشريف الرضي، قم، 1992 م).

157- تأويل مختلف الحديث، تحقيق: إسماعيل الأسعردي، (دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت).

ص: 526

158- عيون الأخبار، (ط 2، دارالكتب المصرية، القاهرة، 1996 م).

159- غريب الحديث، تحقيق: عبد الله الجبوري، (ط 1، دارالكتب العلمية، قم، 1988 م).

160- المعارف، تحقيق، ثروت عكاشة، (ط 4، دار المعارف، القاهرة، د. ت).

- القرطبي، ابو عبدالله محمد بن احمد الأنصاري (ت 671 ه / 1272 م).

161- الجامع لأحكام القرآن، (دار احياء التراث العربي، لبنان، 1985 م).

- القضاعي، ابو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر المصري (454 ه / 1062 م).

162- دستور معالم الحكم ومأثور مكارم الشيم، (مطبعة السعادة، مصر، 1914 م).

- القلقشندي، ابو العباس احمد (821 ه / 1418 م).

163- نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، تحقيق: ابراهيم الأبياري، (ط 2، دار الكتب اللبنانية، بيروت، 1980 م).

- القمي، علي بن ابراهيم بن حاتم (329 ه / 940 م).

164- تفسير القمي، تحقيق: طيب الموسوي، (النجف، 1967 م).

- القمي، محمد بن الحسن (من أعلام القرن السابع الهجري).

165- العقد النضيد والدر الفريد، تحقيق: علي أوسط الناطقي، (ط 1، دار الحديث، قم، 2012 م).

- ابن كثير، عماد الدين ابو الفداء إسماعيل (774 ه / 1372 م).

166- البداية والنهاية، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن، (ط 1، دار هجر الجيزة 1998 م).

167- تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامي بن حمد السلامة، (ط 2، دار طيبة، الرياض، 1997 م).

ص: 527

- ابن كرامة، شرف الإسلام بن سعيد المحسن (494 ه / 1100 م).

168- تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين، تحقيق: تحسين آل شبيب الموسوي، (ط 1، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، 2000 م).

- ابن الكلبي، ابو المنذر هاشم بن محمد السائب (ت 204 ه / 819 م).

169- جمهرة النسب، تحقيق: ناجي حسن، (ط 1، عالم الكتب بيروت، 1986 م).

170- مثالب العرب، تحقيق: نجاح الطائي، (ط 1، دار الهدى، بيروت، 1998 م).

- الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب (ت 329 ه / 940 م).

171- الكافي، تحقيق: علي أكبر الغفاري، (ط 3، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1968 م*.

- الكوفي، محمد بن سلمان (ت 300 ه / 912 م).

172- مناقب الامام أمير المؤمنين (ع).، تحقيق: محمد باقر المحمودي، (ط 1، مجمع احياء التراث الإسلامي، قم، 1991 م).

- الماوردي، ابو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري (450 ه / 1058 م).

173- الأحكام السلطانية والولايات الدينية، تحقيق: أحمد مبارك البغدادي، (ط 1، دار الأرقم، الكويت، 1989 م).

- المبرد، أبو العباس محمد بن يزيد (ت 286 ه / 899 م).

174- الكامل في اللغة والأدب، تحقيق: محمد ابو الفضل ابراهيم، (ط 3، دار الفكر، القاهرة، 1997).

- المتقي الهندي علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي (ت 975 ه / 1567 م).

175- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تحقيق: صفوة السقا، (مؤسسة

ص: 528

الرسالة، بيروت، 1989 م).

- المجلسي، محمد باقر (ت 1111 ه / 1699 م).

176- بحار الأنوار الجامعة لدرر اخبار الأئمة الأطهار، (دار الرضا، بيروت، 1983 م).

- محقق من اعلام القرن الثامن.

177- شرح نهج البلاغة، تحقيق: عزيزالله العطاردي، (ط 1، دار البصائر، قم 1955 م).

- المدني، صدر الدين علي خان (1120 ه / 1708 م).

178- الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، تحقيق: محمد صادق بحرالعلوم، (ط 2، منشورات، مكتبة بصيرتي، قم، 1976 م).

- ابن مردويه، احمد بن موسى (410 ه / 1019 م).

179- مناقب علي ابن أبي طالب وما نزل من القرآن في علي، تحقيق: عبد الرزاق حسين، (ط 2، دار الحديث، قم، 2003 م).

- المرزباني، أبو عبد الله بن عمران (ت 384 ه / 994 م)، 180- معجم الشعراء، تحقيق: فاروق سليم، ط 1، دار صادر، بيروت، 2005 م).

- المروزي أبو عبد الله نعيم بن حماد، (ت 288 ه / 900 م).

181- الفتن، تحقيق: سهيل زكار، (دار الفكر، القاهرة، 1993 م).

- المزي، جمال الدين أبو الحجاج يوسف (742 ه / 1341 م).

182- تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: بشار عواد معروف، (ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1992 م).

- المزني، معن بن آوس (64 ه / 683 م).

ص: 529

183- ديوان معن بن آوس، تحقيق: نوري حمودي، (دار الجاحظ، بغداد، 1977 م).

- المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي (346 ه / 957 م).

184- التنبيه والأشراف، (دار صعب، بيروت، د. ت).

185- مروج الذهب ومعادن الجوهر (ط 2، الشركة العالمية للكتب، بيروت، 1989 م).

- مسلم، ابو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 261 ه / 874 م).

186- صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، )ط 1، دار الحديث، بيروت، 1992 م) - المفيد، أبو عبدالله محمد بن محمد النعمان البغدادي (ت 413 ه / 1022 م).

187- الإختصاص، تحقيق: علي أكبر الغفاري، (ط 2، دارالمفيد، بيروت، 1993 م).

188- الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، تحقيق: مؤسسة ال البيت (ع)، (ط 2، دار المفيد، بيروت، 1993 م).

189- الأمالي، تحقيق: أستاد ولي، (ط 2، دار المفيد، بيروت، 1993 م).

190- الجمل، (مكتبة الداودي، قم، د. ت).

191- المزار، تحقيق: محمد باقر الأبطحي، (ط 2، دار المفيد، بيروت، 1993 م).

- مقاتل بن سليمان، أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير (150 ه / 767 م).

192- تفسير مقاتل بن سليمان، تحقيق: أحمد فريد، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2003 م).

- المقريزي، تقي الدين أحمد بن علي (ت 845 ه / 1441 م).

193- إمتاع الأسماع بما للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، تحقيق: محمد عبد الحميد، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1999 م).

ص: 530

194- النزاع والتخاصم بين أمية وهاشم، تحقيق: صالح الورداني، (الهدف للإعلام، القاهرة، 1923 م).

- ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (ت 711 ه / 1311 م).

195- لسان العرب، (أدب الحوزة العلمية، قم، 1984 م).

- المنقري، نصر بن مزاحم (212 ه / 827 م).

196- وقعة صفين، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (ط 1، دار الجيل، بيروت 1990 م).

- مؤلف مجهول (من أعلام القرن الثالث الهجري)، 197- أخبارالدولة العباسية، تحقيق: عبد العزيزالدوري، (دار صادر، بيروت، د. ت).

- النجاشي، ابو العباس أحمد بن علي بن أحمد الكوفي (450 ه / 1058 م).

198- رجال النجاشي، (ط 5، مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين، قم، 1995).

- ابن النديم، ابو الفرج محمد بن ابي يعقوب (ت 380 ه / 987 م).

199- الفهرست، تحقيق: محمد رضا تجدد، (د. م، د. ت).

- النسائي، ابو عبد الرحمن أحمد بن شعيب (303 ه / 915 م).

200- خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، تحقيق محمد هادي الأميني، (مكتبة نينوى، طهران، د. ت).

201- السنن الكبرى، تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداري، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1991 م).

- أبو نعيم الأصبهاني، أحمد بن عبد الله (430 ه / 1038 م).

202- حلية الأولياء في طبقات الأصفياء (ط 1، دارالكتب العلمية، بيروت،

ص: 531

1988 م).

- ابن هشام، ابو محمد عبد الملك (ت 213 ه / 828 م).

203- السيرة النبوية، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، (مطبعة المدني، القاهرة، 1963 م).

- الهيثمي، نور الدين علي بن ابي بكر (ت 807 ه / 1404 م).

204- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، (دار الكتب العلمية، بيروت، 1988).

- الواقدي، ابو عبد الله محمد بن عمر (ت 207 ه / 822 م).

205- المغازي، (ط 3، عالم الكتب، د. م، 1984 م).

- اليافعي، ابو محمد عبد الله بن اسعد (ت 768 ه / 1366 م).

206- مرآة الزمان وعبرة اليقظان في ما يعتبر في حوادث الزمان، تحقيق: خليل المنصور، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997 م).

- ياقوت الحموي، شهاب الدين أبو عبدالله (ت 626 ه / 1228 م).

207- معجم البلدان، (دار احياء التراث العربي، بيروت، 1977 م).

- اليعقوبي، احمد بن اسحاق بن جعفر بن وهب (ت 292 ه / 904 م).

208- تاريخ اليعقوبي، تحقيق: عبد الأمير مهنا، (ط 1، الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 2010 م).

209- مشاكلة الناس لزمانهم ومايغلب عليهم في كل عصر، تحقيق: مضيوف الفرا، (مركز الدراسات الإنسانية، قطر، 1988 م) أبو يعلى، أحمد بن المثنى (ت 307 ه / 919 م).

210- مسند ابي يعلى، تحقيق: حسين سليم أسد، (ط 1، دار المأمون، دمشق، 1988 م).

ص: 532

المراجع الثانوية

- الأمين، حسن 211- مستدركات أعيان الشيعة، (ط 2، دار التعارف، بيروت، 1997 م).

- الأميني، عبد الحسن أحمد 212- الغدير، (ط 4، دار الكتاب العربي، بيروت، 1976 م).

- انصاريان، علي 213- نهج البلاغة، (ط 2، دمشق، 2008 م) - أيوب، سعيد 214- معالم الفتن، (ط 1، مجمع احياء الثقافة الإسلامية، قم، 1995 م).

- التستري، محمد تقي 215- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، (ط 1، طهران، 1997 م).

- جابر، حميد سراج 216- الفكر الاختباري في نهج البلاغة، (ط 1، دار ومكتبة البصائر، بيروت، 2012 م).

- جرداق، جورج 217- روائع نهج البلاغة، (ط 2، بيروت، 2002 م).

- الجلالي، محمد حسين 218- مسند نهج البلاغة، تحقيق: محمد جواد الحسيني، (ط 1، مطبعة عمران، قم، 2009 م).

ص: 533

- الحائري، أيوب 219- قبسات من نهج البلاغة، (دمشق، 2004 م).

- حسن، ابراهيم حسن 220- تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والإجتماعي، (ط 14، دارالجيل، بيروت، 1996 م).

- حسين، طه 221- الفتنة الكبرى، (دار المعارف، مصر، د. ت).

- الحسيني، عبد الزهراء الخطيب 222- مصادر نهج البلاغة وأسانيده، (ط 3، دار الأضواء، بيروت، 1985 م).

حلاوي، محمود مصطفى 223- ديوان الشريف الرضي، (ط 1، دار الأرقم، بيروت، 1999 م).

- الحيدري، كمال 224- معالم الإسلام الأموي، (دار المرتضى، بيروت، 2010 م).

- الخوئي، حبيب الله الهاشمي 225- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تحقيق: علي عاشور، (ط 1، دار احياء التراث العربي، بيروت، 2003 م).

- سبيتي، يوسف علي 226- نهج البلاغة في دائرة التشكيك، (ط 1، بيروت، 2006 م).

- سيد قطب، ابراهيم حسين 227- العدالة الإجتماعية في الإسلام، (دار الشروق، القاهرة، 1995 م).

- الشرهاني، حسين علي 228- التغير في السياسة المالية للدولة الإسلامية في خلافة الامام علي بن ابي

ص: 534

طالب (عليه السلام)، (ط 1، دمشق، 2013 م).

- الشريفي، عبد الهادي 229- تهذيب شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد المعتزلي، (ط 1، دار الحديث، بيروت، 2005 م).

- الشكري، حيدر فاضل 230- أهل البيت في نهج البلاغة، (النجف، 2014 م).

- شمس الدين، محمد مهدي 231- حركة التاريخ عن الإمام علي، (المؤسسة الدولية للدراسات والنشر، د. م، د. ت).

232- دراسات في نهج البلاغة، (ط 2، دار الزهراء، بيروت، 1972 م).

- الشيرازي، محمد الحسيني 233- نهج البلاغة، (دار العلوم، بيروت، 2008 م).

- الشيرازي، ناصر مكارم 234- نفحات الولاية، اعداد: عبد الرحيم الهمداني، (ط 1، قم، 2005 م).

- الصالح، صبحي 235- نهج البلاغة، (ط 4، دار الكتاب المصري، القاهرة، 2004 م).

- الطهراني، أغا بزرك 236- الذريعة في تصانيف الشيعة، (ط 2، دار الأضواء، بيروت، 1969 م).

- العاملي، جعفر مرتضى 237- الصحيح من سيرة النبي الأعظم، (ط 4، دار الهدى، بيروت، 1995 م).

- العاملي، حسين جمعة 238- شروح نهج البلاغة، (ط 1، بيروت، 1983 م).

ص: 535

- العاملي، محسن الأمين 239- أعيان الشيعة، تحقيق: حسن الأمين، (دار المعارف، بيروت، د. م).

- عبده، محمد 240- نهج البلاغة، خرج مصادره: فاتن محمد خليل، (ط 1، دار احياء التراث العربي بيروت، د. ت).

- عجيمي، أحمد فاضل 241- العرب قبل الإسلام في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، (ط 1، دمشق، 2014 م).

- الفحام، عباس علي 242- بلاغة النهج في نهج البلاغة، (ط 1، دار الرضوان، عمان، 2014 م).

- كحالة، عمر رضا 243- معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، (ط 2، دار العلم، بيروت، 1968 م).

- الكوراني، علي 244- جواهر التاريخ (السيرة النبوية)، (ط 1، دار الهدى، د. م، 2005 م).

- المحمودي، محمد باقر 245- نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، تصحيح: عزيز آل طالب، (ط 1، طهران، 1997 م).

- المرزوك، غزوان عبد الكاظم 246- الغيبيات في نهج البلاغة، (ط 1، مؤسسة علوم نهج البلاغة، كربلاء، 2016 م).

- المطهري، مرتضى

ص: 536

247- في رحاب نهج البلاغة، (ط 1، الدار الإسلامية، بيروت، 1992 م).

- مغنية، محمد جواد 248- في ظلال نهج البلاغة، (ط 1، بيروت، 2006 م).

- الموسوي، محسن باقر 249- المدخل إلى علوم نهج البلاغة، (ط 1، دار العلوم، بيروت، 2002 م).

- الميلاني، علي 250- تشييد المراجعات وتفنيد المكابرات، (ط 1، د. م، 1996 م).

- نعمة، عبد الله 251- مصادر نهج البلاغة، (مكتبة الروضة الحيدرية، النجف، 1972 م).

- الورداني، صالح 252- السيف والسياسة في الإسلام، (ط 1، دار الجسام، القاهرة، 1996 م).

- يعقوب، احمد حسين 253- كربلاء الثورة والمأساة، (ط 1، الغدير، بيروت، 1997 م).

الرسائل والأطاريح الجامعية

- الجابري، علي رحيم ابو الهيل

254- السياسة الأموية المضادة للإمام علي (عليه السلام)، (دراسة في سياسة السب)، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة البصرة، كلية التربية، 2008 م.

- الحمداني، جمعة ثجيل عكلة 255- السيرة النبوية في مرويات الإمام الصادق (عليه السلام)، اطروحة

ص: 537

دكتواره غير منشورة، جامعة البصرة، كلية الآداب، 2016 م.

- رحيم فرحان صدام 256- الأسرة الأموية في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، اطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة بغداد، كلية التربية - ابن رشد، 2014 م.

- الزيدي، بسام كامل زاجي 257- أهل البيت (عليهم السلام) مكانتهم وفضلهم وموقف الأمة منهم في كتاب نهج البلاغة، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة ذي قار، كلية الآداب، 2016.

- الزيدي، سامي جودة بعيد 258- فدك حتى نهاية العصر العباسي، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة بغداد، كلية التربية، 2006 م.

الزيدي، مروان عطية مايع 259- ثورة الإمام الحسين وأثرها على حركات المعارضة حتى عام 132 ه، رسالة ماجستير غير منشورة، الجامعة المستنصرية، كلية التربية، 2007 م.

- العامري، ذكرى عواد ياسر 260- الفكر الإقتصادي في نهج البلاغة، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة البصرة، كلية التربية، 2009 م - العلي، كفاية طارش 261- الأسر الأموية التي لم تتولَ الخلافة دراسة في أحوالها الاجتماعية والإدارية والسياسية والفكرية (41 - 656 ه / 661 - 1358 م)، اطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة البصرة، كلية الآداب، 2004 م - العيساوي، علاء كامل صالح 262- النظم الإدارية والمالية في عهد الإمام علي (عليه السلام) (35 -

ص: 538

40 ه / 656 - 660 م)، أطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة البصرة، كلية الآداب، 2005 م.

- اللامي، أروى عبد الواحد رحيم 263- التوثيق التاريخي في نهج البلاغة، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة البصرة، كلية التربية، 2014 م.

الدوريات

- الآملي، حسن زادة 264- دراسة مصادر نهج البلاغة، بحث منشور، مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث الإسلامي، العدد 5، 1985 م.

- الحصونة، رائد حمود عبدالحسين 265- أهل البيت (عليهم السلام) مكانتهم وفضلهم وموقف الأمة منهم من خلال كتاب نهج البلاغة، بحث منشور، مجلة أبحاث البصرة للعلوم الإنسانية، كلية التربية، جامعة البصرة، مجلد 37، العدد 1، 2012 م.

- الشرهاني، حسين علي والحصونة، رائد حمود عبد الحسين 266- أثر هاشم وعبد المطلب في إستقرار أوضاع قريش، بحث منشور، مجلة، جامعة ذي قار، كلية التربية للعلوم الإنسانية، مجلد 2، العدد 1، 2006 م.

- الطباطبائي، عبد العزيز 267- المتبقي من مخطوطات نهج البلاغة حتى نهاية القرن الثامن الهجري، بحث منشور، مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث الإسلامي، العدد 5، 1985 م.

ص: 539

درباره مركز

بسمه تعالی
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
با اموال و جان های خود، در راه خدا جهاد نمایید، این برای شما بهتر است اگر بدانید.
(توبه : 41)
چند سالی است كه مركز تحقيقات رايانه‌ای قائمیه موفق به توليد نرم‌افزارهای تلفن همراه، كتاب‌خانه‌های ديجيتالی و عرضه آن به صورت رایگان شده است. اين مركز كاملا مردمی بوده و با هدايا و نذورات و موقوفات و تخصيص سهم مبارك امام عليه السلام پشتيباني مي‌شود. براي خدمت رسانی بيشتر شما هم می توانيد در هر كجا كه هستيد به جمع افراد خیرانديش مركز بپيونديد.
آیا می‌دانید هر پولی لایق خرج شدن در راه اهلبیت علیهم السلام نیست؟
و هر شخصی این توفیق را نخواهد داشت؟
به شما تبریک میگوییم.
شماره کارت :
6104-3388-0008-7732
شماره حساب بانک ملت :
9586839652
شماره حساب شبا :
IR390120020000009586839652
به نام : ( موسسه تحقیقات رایانه ای قائمیه)
مبالغ هدیه خود را واریز نمایید.
آدرس دفتر مرکزی:
اصفهان -خیابان عبدالرزاق - بازارچه حاج محمد جعفر آباده ای - کوچه شهید محمد حسن توکلی -پلاک 129/34- طبقه اول
وب سایت: www.ghbook.ir
ایمیل: Info@ghbook.ir
تلفن دفتر مرکزی: 03134490125
دفتر تهران: 88318722 ـ 021
بازرگانی و فروش: 09132000109
امور کاربران: 09132000109