التجليات الفكرية لمبادئ نهج البلاغة في ثورة الامام الحسين علیه السّلام

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 3009 لسنة 2018 م

مصدر الفهرسة :IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم تصنيف :BP39.5 .K37 2018

المؤلف الشخصي :كريم، مسلم زغير، مؤلف.

العنوان : التجليات الفكرية لمبادئ نهج البلاغة في ثورة الامام الحسين عليه السلام / بيان المسؤولية :تاليف مسلم زغير كريم ؛ تقديم السيد نبيل الحسني.

بيانات الطبع :الطبعة الاولى.

بيانات النشر :كربلاء، العراق : العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج الباغة، 2018 / 1439 للهجرة.

الوصف المادي :285 صفحة ؛ 24 سم.

سلسلة النشر :(العتبة الحسينية المقدسة ؛ 438 ).

سلسلة النشر : (مؤسسة علوم نهج البلاغة ؛ 159 ).

سلسلة النشر :(سلسلة الرسائل والأطاريح الجامعية ؛ 32 ).

تبصرة ببليوجرافية :يتضمن هوامش، لائحة المصادر الصفحات ( 253 - 280 ).

موضوع شخصي : علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة- 40 للهجرة – كلمات قصار.

موضوع شخصي : الحسين بن علي (عليه السلام)، الامام الثالث، 61 - 4 للهجرة – كلمات قصار .

مصطلح موضوعي: واقعة كربلاء، 61 للهجرة – تأثير.

مصطلح موضوعي: اهل البيت (عليهم السلام) – فضائل.

مصطلح موضوعي: الصحابة والتابعون – فضائل.

مؤلف اضافي :الحسني، نبيل قدوري، - 1965 ، مقدم.

اسم هيئة اضافي : العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة – جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ »

التجليات الفكرية لمبادئ نهج البلاغة في ثورة الامام الحسين

ص: 2

سلسلة الرسائل والأطاريح الجامعية وحدة الدراسات التاريخية (32)

التجليات الفكرية لمبادئ نهج البلاغة في ثورة الامام الحسين

المدرس المُساعد: مُسلِم زعیر کریم

اصدارمؤسسة علوم نهج البلاغة في للعتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1439 ه - 2018 م

العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر (علیه السّلام)

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع: الموقع: www.inahj.org

Email: Inahj.org@gmail.com

تنويه:

إن الأفكار والآراء الواردة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها،

ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ »

صدق الله العلي العظيم

النحل: 43 - 44 .

ص: 5

ص: 6

الإهداء

الى ...

من لبوا نداء المرجعيةالى ...

من وقفوا وقفة مشرفة للدفاع عن العراق

الى ...

من ضحوا بأنفسهم من أجل الوطن ومقدساته

الى ...

شهداء الحشد الشعبي المقدس

أهدي هذا الجهد المتواضع

ص: 7

ص: 8

مقدمة المؤسسة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم، من عموم نعم

ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن والاها، والصلاة والسلام على خير

الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:

فلم يزل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) منهلاً للعلوم من حيث التأسيس والتبيين ولم يقتصر الأمر على علوم اللغة العربية أو العلوم الإنسانية، بل وغيرها من العلوم التي تسير بها منظومة الحياة وإن تعددت المعطيات الفكرية، إلا أن التأصيل مثلما يجري في القرآن الكريم الذي ما فرط الله فيه من شيء كما جاء في قوله تعالى:« مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ »، كذا نجد يجري مجراه في قوله تعالى: «وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ »، غاية ما في الأمر أن أهل الاختصاصات في العلوم كافة حينما يوفقون للنظر في نصوص الثقلين يجدون ما تخصصوا فيه حاضراً وشاهداً فيهما، أي في القرآن الكريم وحديث العترة النبوية (عليهم السلام) فيسارعون وقد أخذهم الشوق لإرشاد العقول إلى تلك السنن والقوانين والقواعد والمفاهيم والدلالات في القرآن الكريم والعترة النبوية.

ص: 9

من هنا ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تتناول تلك الدراسات العلمية المختصة بعلوم نهج البلاغة وبسيرة أمير المؤمنين الإمام علي بن

أبي طالب (عليه السلام) وفكره ضمن سلسلة علمية وفكرية موسومة

ب(سلسلة الرسائل والأطاريح الجامعية) والتي يتم عبرها طباعة هذه

الكتب واصدارها ونشرها في داخل العراق وخارجه بغية إيصال هذه

العلوم إلى الباحثين والدارسين واعانتهم على تبين هذا العطاء الفكري

والانتهال من علوم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) والسير على هديه

وتقديم رؤى علمية جديدة تسهم في إثراء المعرفة وحقولها المتعددة.

وما هذه الدراسة الجامعية التي بين أيدينا لنيل شهادة الماجستير في

التاريخ إلا واحدة من تلك الدراسات التي وفق صاحبها للغوص في بحر

علم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقد أذن له بالدخول

إلى مدينة علم النبوة والتزود منها بغية بيان أثر تلك النصوص العلوية في

الإثراء المعرفي والتأصيل العلمي في حقل المعارف التاريخية.

فجزى الله الباحث خير الجزاء فقد بذل جهده وعلى الله أجره.

السيد نبيل الحسني الكربلائي

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 10

المقدمة

تمثل الدراسات التي ترتبط بالمفاهيم والمبادئ والمنطلقات الفكرية مصدرا

"مهماً" للوعي التاريخي، ومورداً تعبوياً متجدداً في صناعة الحياة، وهو ما يترجم

فلسفة التاريخ بمعناها المنتج الذي رسمه القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة وفكر أئمة أهل البيت (علیهم السّلام)، فالتعامل البحثي الذي ينطلق من هذا الاتجاه هو تعامل منهجي هادف يؤسس لمسألة السعي نحو التكامل في الطرح اعتمادا" على تكامل المصداق ومبدئيته، ومن ثم محاولة الوصول إلى الأهداف المتوخاة وهي أهداف اصلاحية تقويمية تتناغم مع الهدف الأساس الذي جسدته تلك المبادئ والأفكار القرآنية التي نادى بها الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأهل بيته (علیهم السّلام).

إن دراسة أي توجه وفكر لأئمة أهل البيت (علیهم السّلام) له مبررات عقلائية تعود بالنتيجة لتحقيق مفاهيم بناءة تكتسب الصفة المعنوية، بيد أنها تبني الأطر

المادية أيضا"، فالبحث فيهم (علیهم السّلام) يجمع بين الجانبين النظري والعملي أي الفكر ومصداقه، ولا يختلف اثنان أن أصح وأصدق المصاديق في البحث التاريخي هو ما يتعلق بطرح الأئمة (علیهم السّلام)، دون التقيد بالجزء الديني من شخصياتهم (علیهم السّلام) وإنما ترسيخ ما يمثلونه ويقصدونه من مثل وقيم وأفكار تبني الإنسان والمجتمع الإنساني عموما".

ص: 11

وعلى هذا الأساس فإن التماثل والتواؤم في طروحات الأئمة (علیهم السّلام) حسب هذا المنطق هو أمر مفروغ منه بسبب وحدة الهدف والنتيجة وربما باختلاف الآليات التي ترتبط بالبيئة الزمانية والمكانية إلّا أن هذه الآليات لا تتناقض أو تتعارض في الفكر والمبدأ، وهذا الهدف وهذه النتيجة هما مبتغانا في هذه الدراسة فضلا" عن الآليات المختلفة وبما فيها من أهداف.

ومن هنا جاء اختيار دراسة ذلك الاشتراك المعنوي والمادي (وما فيه من

هدف تقويمي بنائي) بين الأفكار والمبادئ التي طرحها الامام علي (علیه السّلام) منهجاً وسلوكاً في نهج البلاغة من جهة، وبين المبادئ والأفكار التي طرحت في ثورة الإمام الحسين (علیه السّلام) منهجاً وسلوكا" ايضا" والتي جسّدت المنطلقات الفكرية التي أشار إليها الإمام علي (علیه السّلام) وطبقها عمليا" بنفسه وبولده الشهيد (علیه السّلام)، وقد جاءت هذه الدراسة تحت عنوان (التجليات الفكرية لمبادئ نهج البلاغة في ثورة الامام الحسين .(علیه السّلام)

وقد وقع الإختيار على طرح الامام علي (علیه السّلام) في نهج البلاغة بالذات؛ لما يمثله هذا الطرح من شهرة وسعة وشمولية موضوعية حتى أنك لا تكاد تطرق طرقاً معيناً إلاّ ووجدت له صدى في النهج، فضلاً عمّا يميزه تخريج مادته مصدرياً وسندياً على السيد عبد الزهراء الحسيني في كتاب مصادر نهج البلاغة وأسانيده في أربع مجلدات (1) وهو ما أخرس الألسن عندما اثبت سند مادته بطرائق

سبقت الشريف الرضي جامع كتاب نهج البلاغة.

وعلى العموم أردنا من هذه الدراسة أن نحقق جملة أهداف علمية يمكن أن

نجملها بما يأتي:

ص: 12


1- ينظر: الحسيني، مصادر نهج البلاغة وأسانيده، صفحاته جميعاً.

إبراز البعد التربوي التثقيفي في فلسفة التعامل القرآني الذي جسده ائمة

أهل البيت (علیهم السّلام) مع التحديات التي تواجه المكلف على المستويات كافة وهو بعد شمولي من الناحية الزمنية، فضلاً عن أنه شمولي من حيث امتداد أفكاره،فالثورة الحسينية عكست جوانب دينية وسياسية وعسكرية وأخلاقية وغير ذلك، وهي دروس مستقبلية أيضاً.

اعتبار هذا الاشتراك هو المصداق العملي للرد على الفكرة القائلة باختلاف الأئمة (علیهم السّلام) في درجة تصديهم للتحديات وتقسيمهم إلى حسنيين وحسينيين، إذ إن هذا الطرح يثبت وحدة الفكر والمبدأ وتعدد الآليات المتأثرة بالزمن والبيئة.

بيان ذلك الصدى الواضح في شخصية الإمام الحسين (علیه السّلام) من أبيه الإمام علي (علیه السّلام) وهو صدى يجسد الدين عموماً.

إثبات إمامة أئمة أهل البيت (علیهم السّلام) بدلالة التكامل الديني بينهم والاشتراك المعنوي الفكري وربما في بعض الاحيان اللفظي ايضاً حسب ما ثبت في النصوص.

إبراز صورة القدوة للناس بما يمثله من شخصية اعتبارية مثالية جسدها

الإمام علي وابنه الحسين (علیه السّلام) فيما طرحاه عن القائد والمربي والشجاع والبطل والمؤمن وغيرها، فضلاً عن صور الشخصية الكاملة للمرأة المضحية والعاملة والمربية والقائدة والشجاعة والمؤمنة وغير ذلك.

تسليط الضوء مرة أخرى على ذلك الأسلوب البلاغي الراقي لأئمة أهل

البيت (علیهم السّلام) ولاسيما الإمام علي (علیه السّلام)، ولا يعني هذا الخوض في تفاصيل لغوية خارجة عن تخصص الدراسة إلاّ أن المحصلة النهائية للطرح توحي على سبيل الاجمال لذلك البيان وتلك البلاغة من سادة البيان والبلاغة ائمة أهل البيت (علیهم السّلام).

ص: 13

إعادة النظر في فلسفة التاريخ بمفهومها الذي طرحه الأئمة (علیهم السّلام) وليس بشكلها الشائع وهو شكل تقليدي روائي وإنما بما يؤكد على التشخيص وإيجاد العلاج فيما بعد وهو الأمر الذي تحقق ويتحقق بفضل ما طرحه الإمام علي (علیه السّلام).

في الوقت الذي هو اثبات المبدئية وشرعية المرحلية في الثورة الحسينية فهو

اثبات صدقية نهج البلاغة ونسبته للإمام علي (علیه السّلام) للرد على القائلين بعكس ذلك.

وغير ذلك من الأهداف التي ربما تتضح باستقراء أفكار الدراسة وطياتهاوالتي قسمت إلى عدة فصول سبقها تمهيد في إستحقاق الإمامة والمطالبة بالحق

وتلتها خاتمة. فكان الفصل الأول في فلسفة القيام ومقدماته وشروطه، فتضمن

المبحث الأول فلسفة القيام وأهدافه، أما الثاني مقدمات القيام وشروطه.

وكان الفصل الثاني في المعادلة التشخيصية لأنصار الحق وأنصار الباطل،

وهو لبيان صفات كل من أنصار القيام وهو ما عكسه المبحث الأول، وصفات

أنصار جبهة الباطل في المبحث الثاني.

وعنون الفصل الثالث بالمرحلية في القيام وبرزت فيه بشكل جلي شخصية

القائد سواء في تجذير ثقافة الثورة أو في إلقاء الحجة على الناس أو بالتضحية

والدفاع المقدس في خيار المواجهة والإعداد لها بفكره العسكري الكبير.

وبما ان لكل ثورة آثاراً ودروساً كان الفصل الرابع في آثار القيام ودروسه،

فقد عالج المبحث الأول آثار القيام من خلود ونفس ثوري ضد الطغاة والظلمة

إلى الإعداد المستقبلي والثواب المستحصل نتيجة التضحيات، أما المبحث الثاني فكان في دروس القيام الأخلاقية والوعظية في التعاطي مع صفة الغدر وغيرها.

وقد اعتمدت الدراسة على مجموعة من المصادر والمراجع الحديثة ولعل

أبرزها كتاب نهج البلاغة وهو العمود الفقري للبحث، كونه يحتوي على خطب

ص: 14

الإمام علي (علیه السّلام) ورسائله وحكمه التي جمعها الشريف الرضي.

وتأتي شروح النهج بالمرتبة الثانية بالنسبة للأهمية، إذ رجعت الدراسة

إلى مجموعة من الشروح القديمة أبرزها بحسب الاستعمال الأكثر والإضافة

للبحث كتاب شرح نهج البلاغة للبحراني (ت 679 ه)، وشرح نهج البلاغة

لابن أبي الحديد ( 656 ه)، ومنهاج البراعة للراوندي (ت 573 ه)، ومعارج

نهج البلاغة للبيهقي (ت 565 ه) وغيرها من الشروحات.هذا فضلاً عن الشروح الحديثة التي أغنت البحث مثل منهاج البراعة للخوئي (ت 1324 ه)، وتوضيح نهج البلاغة للحسيني الشيرازي (ت 1422 ه)، وفي ظلال نهج البلاغة لمغنية (ت 1400 ه)، ومفتاح السعادة للخرساني وغيرها من المراجع الحديثة.

ومن المصادر الأخرى كتب التاريخ العام التي استعملها الباحث بكثرة

لاسيما في توثيق القضايا الخاصة بالثورة الحسينية ومن أهمها: تاريخ الرسل

والملوك للطبري (ت 310 ه)، والكامل في التاريخ لابن الأثير (ت 630 ه)،

وأنساب الأشراف للبلاذري (ت 279 ه)، والبداية والنهاية في التاريخ لابن

كثير (ت 774 ه)، والمنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي (ت 597 ه).

وكذلك وظّفت الدراسة كثيراً من المعاجم اللغوية لخدمة البحث مثل لسان

العرب لابن منظور (ت 711 ه)، والصحاح للجوهري (ت 393 ه)، والعين

للفراهيدي (ت 175 ه)، وغيرها من المعاجم اللغوية المهمة التي استخدمت

في الدراسة.

استعملت المراجع الحديثة المتخصصة بالثورة الحسينية وبالجوانب الأخرى

والتي أثرت وأغنت البحث ومنها حياة الإمام الحسين (علیه السّلام) للقرشي، موسوعة

ص: 15

أنصار الإمام الحسين (علیه السّلام) لالبو هلالة، إبصار العين للسماوي (ت 1073 ه)، ومستدركات سفينة البحار للنمازي (ت 1405 ه).

هذا فضلاً عن كثير من المصادر والمراجع الأخرى المتنوعة التي وضعنا ثبتاً

بها في نهاية الرسالة.

ولله الكمال وحده إنه ولي التوفيق والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على

سيد المرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

ص: 16

التمهيد: استحقاق الإمامة والمطالبة بالحق

اشارة

ص: 17

ص: 18

التمهيد: استحقاق الإمامة والمطالبة بالحق

أ/ استحقاق الإمامة

الإمامة حق ثابت في أئمة أهل البيت (علیهم السّلام) دون غيرهم، وهو ما ثبت بالعقل والنقل بالأدلة التي ألفت فيها المؤلفات(1) ، ولسنا بصدد شرح تفصيلي لتلك الأدلة وإنما بقدر تعلق الأمر بموضوع دراستنا المرتبط بإمامتهم (علیهم السّلام)، التي حاول بعضهم التطفل عليها على الرغم من قول الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ):

(إني مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي

أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)(2).

وهنا أشار النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إلى إلى وجوب التمسك بأهل البيت (علیهم السّلام) لمن يريد النجاة في الدنيا والآخرة، فقد جعلهم قرائن القرآن الكريم وانهما لن يفترقا عن بعضهما

ص: 19


1- ينظر: محمد السند، الإمامة الإلهية، صفحاته جميعاً؛ زهير بيطار، الإمامة تلك الحقيقة القرآنية، صفحاته جميعاً؛ جلال الصغير، الإمامة ذلك الثابت الاسلامي المقدس، صفحاته جميعاً
2- روي حديث الثقلين بطرق عديدة وبصيغ مختلفة، يُراجع: ابن حنبل، مسند أحمد، 3/ 14 ؛ الترمذي، سنن الترمذي، 5/ 328 ؛ النسائي، فضائل الصحابة، ص 15 ؛ الكليني، الكافي، 415/2 ؛ الشريف المرتضى، الإنتصار، ص 80 ؛ الطوسي، الخلاف، ص 27 .

البعض، أي مثلما على المسلمين التمسك بالقرآن فعليهم التمسك بهم (علیه السّلام)، ثم نجد الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في مناسبة أخرى يشير وبصراحة إلى تولي الإمام علي (علیه السّلام) أمور المسلمين من بعده، وذلك بموجب حديث الغدير:

(من كنت مولاه فعلي مولاه)(1).

أي من كنت أنا وليه فعليّ كذلك من بعدي فهو (علیه السّلام) خليفة الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) على المسلمين والمنصّب من قبله، بموجب هذا الحديث الذي كان فيه الإعلان الرسمي لهذا التنصيب، ونجد الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بعد ذلك لا يقتصر على ذكر الإمام علي (علیه السّلام) وإنما يشير إلى عدد الأئمة من بعده حينما قال مخاطباً الإمام علياً (علیه السّلام):

(الأئمة من بعدي إثنا عشر أولهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح

الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض ومغاربها(2)، وهذا نص مباشر من النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أن من بعده اثني عشر إماماً من أهل البيت (علیه السّلام) أشار الإمام علي (علیه السّلام) إلى تلك الأحقية في أكثر من مناسبة، وإنه لا يقاس أحد بأئمة أهل البيت (علیه السّلام) ومن ذلك قوله:

(لا يقاس بآل محمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من هذه الأمة أحد، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم

ص: 20


1- ابن حنبل، مسند أحمد، 1/ 84 ؛ ابن ماجة، سنن ابن ماجة، 1/ 45 ؛ الترمذي، سنن الترمذي، 297/5 ؛ النسائي، فضائل الصحابة، ص 14 ؛ الكليني، الكافي، 1/ 287 .
2- ابن بابويه، الإمامة والتبصرة، ص 1؛ الصدوق، عيون أخبار الرضا، 1/ 67 ؛ وروي ما يشابه هذا الحديث في كتب الصحاح بطرق مختلفة منها قول الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): (ان هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش). وكذلك قوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ (يكون من بعدي إثنا عشر أميراً كلهم من قريش) وغيرها. ينظر: ابن حنبل، مسند أحمد، 5/ 87 ؛ البخاري، صحيح البخاري، 127/8 ؛ مسلم، صحيح مسلم، 6/ 3؛ أبو داود، سنن أبي داود، 2/ 309 ؛ الترمذي، سنن الترمذي، 3/ 240 .

عليه أبدا. هم أساس الدين، وعماد اليقين، اليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص الولاية، وفيهم الوصية والوراثة)(1).

وهنا أشار الإمام (علیه السّلام) إلى فضل آل محمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) على سائر الأمة، فإن أحداً من المسلمين لا يشبههم في فضلهم ونبلهم وسائر مكارمهم، ولعل الإتيان من هذه الأمة لأجل إنه إذا لم يقس بهم أحد من الأمة فعدم قياس غير الأمة بهم بطريق « خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ »(2)، (ولا يسوى بهم) أي لا يعادل بهم من أنعموا عليه، فإن المتفضل لا يعادل بمن تفضل عليه وإن اليد العليا خير من اليد السفلى، لذلك فإن لهم (علیهم السّلام) (خصائص حق الولاية) بمعنى الرئاسة والسلطة، أي للكامل العادل ولاية على الناقص بحكم العقل والواقع، وأهل البيت (علیهم السّلام) أفضل وأكمل خلق الله بعد رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وبهذا فيهم الوصية من الله والوراثة من النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )(3).

وهذا تأكيد على أن الإمامة حق ثابت في أئمة أهل البيت (علیهم السّلام) وهم الخلفاء الشرعيون للرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حتى وإن انقلبت الأمة على الأعقاب وحاولت إبعادهم عن حقهم في تولي أمور المسلمين فهذا لا ينفي الإمامة عنهم، وقد تجلى كلام الإمام علي (علیه السّلام) هذا في كتاب الإمام الحسين (علیه السّلام) الذي أرسله إلى أهل البصرة من

أجل طلب نصرتهم وكان مما جاء فيه:

(أما بعد: فإن الله اصطفى محمداً (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من خلقه وبلّغ ما أرسل به، وكنا أهله

ص: 21


1- نهج البلاغة، ص 32 .
2- آل عمران/ 110 .
3- ينظر: مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1/ 82 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 1/ 57 ؛الخرساني، مفتاح السعادة، 2/ 104 .

وأولياءه وأوصياءه وورثته، وأحق الناس بمقامه، فاستأثر علينا قومنا بذلك،

فرضينا، وكرهنا الفرقة، وأحببنا العافية، ونحن نعلم أنا أحق بذلك الحق المستحق علينا مما تولاه)(1).

ألقت هذه الرسالة الأضواء على الخلافة فهي حسب تصريح الإمام حق

لأهل البيت (علیهم السّلام) لأنهم أولى الناس بالرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأكثر وعياً برسالته إلا أن القوم استأثروا بها فما كان من العترة الطاهرة إلا الصبر على ذلك الحق، حفاظاً على الإسلام والرسالة المحمدية، ففي هذه الرسالة إشارة مباشرة إلى النص والوصية وكذلك الإشارة إلى انقلاب الأمة على الأعقاب.

إن كلام الإمام الحسين (علیه السّلام) في هذه الرسالة متناغم مع كلام الإمام علي (علیه السّلام) في خطبته المعروفة بالشقشقية التي أشار فيها إلى أحقيته بالإمامة دون غيره ممن لا يستحقها إذ قال:

(أَما والله لقد تقمصها فلانٌ [ابن أبي قحافة] وإنه ليعلمُ أن محلي منها محلُّ

القطب من الرحا. ينحدر عنّي السيلُ، ولا يرقى إليّ الطيرُ، فسدلتُ دونها ثوباً،

وطويتُ عنها كشحاً، وطفقتُ أرتئي بين أن أصول بيد جذاء (2) [جد]، أو أصبر على طخية [ظلمة] (3) عمياء... فرأيت أن أصبر )(4).

بيّن الإمام (علیه السّلام) في هذا النص حقه في الخلافة وأفضليته على من اغتصبها،

ص: 22


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 266 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 170 .
2- الجذاء: المقطوعة. ينظر: ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، 1/ 250 ؛ ابن منظور،لسان العرب، 3/ 479 .
3- ينظر: الفراهيدي، العين، 4/ 294 ؛ الجوهري، الصحاح، 6/ 2412
4- نهج البلاغة، ص 33 .

إذ إنه أراد بفلان أبا بكر، واستعار لفظ التقمص لتلبسّه بها، ومثّل نفسه (علیه السّلام) بالقطب من الرحى لأنها لا تستقيم بدونه، ولما كان قطب الرحى هو الذي به نظام حركتها وبه يحصل الغرض منها فكان هو (علیه السّلام) الناظم لأمور المسلمين على وفق الحكمة الإلهية والعالم بكيفية السياسة الشرعية، وأكد ذلك بالكناية عن علوه وشرفه مع فيضان العلوم عنه بوصفين من أوصاف الجبل المنيع العالي وهما كونه ينحدر منه السيل ولا يرقى إليه الطير (1).

وبعد أن أشار الإمام (علیه السّلام) إلى اغتصاب الخلافة الظاهرية ممّن لا يستحقها،نبّه إلى إعراضه عنها ويأسه منها بهذا الشكل وقال (فسدلت) أي أرخيت دونها ثوباً وضربت بيني وبينها حجاباً، فعل الزاهد فيها والراغب عنها، أي انه (علیه السّلام) صبر على حقه المغتصب لما في ذلك مصلحة للإسلام والمسلمين (2).

وهذا ما أشار اليه الإمام الحسين (علیه السّلام) فعلاً في كتابه لأهل البصرة كما أسلفنا، اذ إن محصلة القول تقوم على:

أحقية أهل البيت (علیهم السّلام) الثابتة بالإمامة دون غيرهم بموجب التنصيص عليهم من الله تعالى ورسوله الكريم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).

انقلاب أمة الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) على أعقابها بعد استشهاده وسلب أهل البيت (علیهم السّلام) حقهم في الإمامة وتولي أمور المسلمين.

صبر أهل البيت (علیهم السّلام) ولاسيما الإمام علي (علیه السّلام) على حقهم المغتصب من أجل المحافظة على الاسلام والرسالة المحمدية، لاسيما وانها كانت في بدايتها لذلك نجد أن الإمام علياً (علیهم السّلام) صبر كثيراً على حقه المسلوب من أجل الدين ولكنه

ص: 23


1- ينظر: البحراني، شرح نهج البلاغة، 1/ 254 ؛ اختيار مصباح السالكين، ص 91 .
2- ينظر: الخوئي، منهاج البراعة، 3/ 44 .

واصل تكليفه كإمام مفترض الطاعة.

ب- المطالبة بالحق

قال تعالى:«وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ »(1).

وهنا أمر الله سبحانه بعدم خلط الحق بالباطل وضرورة اظهاره (2)، ومن هذا فإن الاسلام يؤكد على المطالبة بالحق مهما كانت الآثار المترتبة على ذلك، ووجوب الوقوف بوجه الظلم والنطق بالحق، لذلك قال الرسول(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ):

(أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)(3).

وهذا الحديث يدل على أهمية إظهار الحق والمطالبة به إلى درجة إعطائه

الأفضلية في الجهاد، وهذا أيضاً من باب التحفيز للوقوف بوجه الظلم لتحقيق

العدالة الاجتماعية بين الناس، ومن هذا نجد الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول:

(قل الحق وإن كان مرّاً)(4). أي وإن كان صعباً ومؤثراً لأن الهدف لله تعالى، فالمطالبة بالحق وإظهاره من أجل مرضاة الله سبحانه أولاً والوقوف بوجه الظالم

ص: 24


1- البقرة/ 42 .
2- ينظر: التستري، تفسير التستري، ص 31 ؛ الشريف الرضي، تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص 115 ؛ الطبرسي، تفسير مجمع البيان، 1/ 188 ؛ الكاشاني، زبدة التفاسير، 1/ 138 .
3- ابن حنبل، مسند أحمد، 3/ 19 ؛ النسائي، سنن النسائي، 7/ 161 ؛ الطبراني، المعجم الكبير،282/8 ؛ القضائي، مسند الشهاب، 2/ 248 .
4- ابن حبان، صحيح ابن حبان، 2/ 79 ؛ الصدوق، معاني الأخبار، ص 335 ؛ الخصال، ص 526 ؛ البيهقي، شعب الإيمان، 4/ 243 ؛ الزيلعي، تخريج الأحاديث والآثار، 2/ 390 ؛ الهيثمي، موارد الظمآن، 1/ 195 .

ثانيا، وهذا ما أمر به الاسلام.

لذلك نجد الإمام علياً (علیه السّلام) ربط بين الصدع بالحق والجهاد عندما قال:

(إن الحق أحسن الحديث، والصادع به مجاهد)(1)، وهذا امتداد لحديث

الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في إعطاء الحق الأفضلية بالجهاد، وهو يدل على وجوب تبني الحق والنطق به وهو أمر شرعي وواجب من أجل إصلاح الأمة.

ان الذي يتبنى الحق سيجد التوفيق الإلهي في ذلك المسعى وقد أشار الإمام

علي (علیه السّلام) إلى هذا المعنى بقوله:

(من جاهد على إقامة الحق وفّق)(2)، أي أن هناك إذناً شرعياً بضرورة الجهاد من أجل الحق والمطالبة به لكي يسود العدل بين الناس وترجع الحقوق المغتصبة إلى أصحابها الشرعيين، ويقول الإمام علي (علیه السّلام):

(ان أفضل الناس عند الله من كان العمل بالحق أحب إليه-وإن نقصه

وكرثه (3)- من الباطل وإن جرّ إليه فائدة وزاده)(4)، ان في هذا الكلام جذباً إلى الحق وإن أدى إلى الغاية المذكورة وتنفيراً عن الباطل وإن استلزم الغاية المذكورة بذكر الأفضلية عند الله، فإن حبيب الله هو الذي يتبع الحق وإن خسر دنياه وتراكمت عليه المصائب والكوارث ولا يتبع الباطل وإن زاده في ماله

ص: 25


1- المفيد، الأمالي، ص 5؛ الطوسي، الأمالي، ص 626 ؛ الحلي، المحتضر، ص 63 .
2- الليثي، عيون الحكم والمواعظ، ص 440 .
3- كرثه: ساء واشتد عليه وبلغ منه المشقة. ينظر: الجوهري، الصحاح، 1/ 290 ؛ ابن فارس،معجم مقاييس اللغة، 5/ 175 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 2/ 180 .
4- نهج البلاغة، ص 267 .

وجاهه (1).

ونتيجة أهمية الحق نجد الإمام علياً (علیه السّلام) يجعله ضمن مسؤولية الإمام الحسن (علیه السّلام) حينما أوصاه قائلاً:

(وخض الغمرات للحق حيث كان )(2)، أي ادخل الشدائد وتحمل المصائب من أجل الحق (3)، ولذلك نجد مصداق هذه الوصية في قيام الإمام الحسين (علیه السّلام) الذي جعل أحد أهداف قيامه إحقاق الحق.

فبعدما رأى الإمام الحسين (علیه السّلام) الإنحراف عن الدين الإسلامي والسنةّ المحمدية على أشده واغتصاب حق أهل البيت (علیهم السّلام) في الإمامة، جعل من ضمن قيامه إحياء معالم الحق والمطالبة بالحقوق الشرعية، والوقوف بوجه الظالم، وأكد ذلك في كتابه لأهل البصرة عندما قال:

(فإني أدعوكم إلى إحياء معالم الحق وإماتة البدع)(4).

وذكر في خطبة له أمام أصحابه وأهل بيته:

(ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا يُتناهى عنه ليرغب المؤمن في

لقاء الله محقاً)(5)، أي تجميد الحق وعدم العمل به من أغلب المسلمين وابعاد أهل البيت (علیهم السّلام) وهم الحق عن حقهم الشرعي في الخلافة، ومن هذا المنطلق كان

ص: 26


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3/ 129 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2/ 236 .
2- نهج البلاغة، ص 593 .
3- ينظر: الخوئي، منهاج البراعة، 20 / 6؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 4/ 45 .
4- الدينوري، الأخبار الطوال، ص 231 .
5- الطبري، التاريخ، 4/ 305 . ينظر: الحراني، تحف العقول، ص 245 ؛ الحلواني، نزهة الناظر، ص 88 ؛ الأربلي، كشف الغمة، 2/ 242 ؛ الزرندي، نظم درر السمطين، ص 216 .

من ضمن أهداف القيام هو المطالبة بالحق في الإمامة وتولي أمور المسلمين وهو حق شرعي للحسين (علیه السّلام)، لأنه أراد اصلاح شأن الأمة عن هذا الطريق بعد أن تغير حالها وابتعدت كثيراً عن الشرع الإسلامي، فرأى الإمام (علیه السّلام) أن من واجبه أن يتصدى لتلك الانحرافات، وهذه مسؤوليته الشرعية والأخلاقية، فهو خليفة الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وإمام مفترض الطاعة، فنهض (علیه السّلام) بقيامه المقدس وقدم في سبيل ذلك من التضحيات كل ما يستطيع تقديمه.

ص: 27

ص: 28

الفصل الأول: فلسفةالقيام ومقدماته وشروطه

اشارة

ص: 29

ص: 30

المبحث الأول: فلسفة القيام وأهدافه

أولاً- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

يعد الأمر بالمعروف(1) والنهي عن المنكر(2) احد أهم المبادئ التي وجدت في الاسلام وهو فرع من فروع الدين، إذ إن العمل به يترتب عليه كثير من الآثار وإن تركه أيضاً يترتب عليه كثير من الآثار، وقيل عن المعروف هو اسم لكل فعل يعرف بالعقل أو الشرع حسنه، والمنكر ما ينكر بهما(3) ، أي كل فعل تحكم العقول الصحيحة بقبحه أو تتوقف في استقباحه واستحسانه فتحكم بقبحه الشريعة(4) . لذلك صرح القرآن الكريم في كثير من الآيات القرآنية

ص: 31


1- المعروف: ما يستحسن من الأفعال وكل ما تعرفه النفس من خير وتطمئن إليه، (ابن منظور،لسان العرب، 9/ 239 ).
2- المنكر: هو ضد المعروف، وكل ما قبحه الشرع وحرمه وكرهه فهو منكر، ينظر (ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، 5/ 115 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 5/ 233 ؛ الزبيدي، تاج العروس، 7/ 558 ).
3- الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ص 331 .
4- ينظر الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ص 505 .

بخصوص هذا المبدأ المهم.

ومنها قوله تعالى:«وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ »(1).

وأيضاً قوله تعالى:«وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ »(2). ، وهذه الآيات واضحة الدلالة في توضيح الأثر المترتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (3).

دعت السنة النبوية الشريفة أيضاً إلى هذا المبدأ ومنها قول الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ):

(ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر(4) .

وقد جسد الإمام علي (علیه السّلام) هذا المبدأ بمعانيه وأشكاله كلها وأعطاه المعنى الحقيقي من ناحية التطبيق والممارسة، فضلاً عن أنه (علیه السّلام) أخذ يثقف الرعية بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان من أجل ولا ينقصان من رزق وذلك بقوله (علیه السّلام):

ص: 32


1- آل عمران/ 104 .
2- التوبة/ 71 .
3- ينظر العياشي، تفسير العياشي، 1/ 195 ؛ الطبرسي، تفسير مجمع البيان، 5/ 87 .
4- ابن نصر الكسي، منتخب مسند عبد بن حميد، ص 202 . ينظر: الترمذي، سنن الترمذي،216/3 ؛ ابن حبان، صحيح ابن حبان، 2/ 203 .

(وإن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر لخلقان من خلق الله سبحانه،

وإنهما لا يقربان من أجل، ولا ينقصان من رزق)(1)، وهنا بيّن الإمام (علیه السّلام) ان الله سبحانه لم يرسل الرسل ولم ينزل الكتب إلا لأجل هذين الأمرين، ولا يعتقد أحد أنه إن أمر ظالماً بالمعروف، أو نهى ظالماً عن منكر أن يكون ذلك سبباً لقتل ذلك الظالم المأمور أو المنهي إياه، أو يكون سبباً لقطع رزقه من جهته فإن الله قدّر الأجل، وقضى الرزق ولا سبيل لأحد أن يقطع على أحد عمره أو رزقه (2).

وقد أشار الإمام (علیه السّلام) في هذا النص إلى عدة أمور مهمة منها:

وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكل الأحوال والظروف ومهما

كانت الصعاب.

إن الآجال بيد الله سبحانه فعلى الإنسان أن يقوم بهذا الواجب دون خوف

أو وجل ليزرع الثقة في قلوب الرعية ويحررهم من الخوف لكي يمارسوا هذا

المبدأ المهم.

إن الإمام (علیه السّلام) أراد الحيلولة دون أن يؤدي عنصر الخشية من الجوع أو نقص الأرزاق بفعل آثار التصدي للعمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى

الامتناع عن الأخير وهو ما يطرأ في ذهن المتصدي أو من يرغب في ذلك.

ومن ثم أخذ الإمام (علیه السّلام) بالتدرج أكثر بهذا المبدأ مبيناً مراتبه العليا من أجل حث الرعية على القيام به دون تردد أو خوف، فقد جعله (علیه السّلام) أهم مقومات الجهاد حينما قال:

ص: 33


1- نهج البلاغة، ص 320 .
2- ينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 19 / 306 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، .404/2

(والجهاد منها على أربع شعب: على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..

فمن أمر بالمعروف شد ظهور المؤمنين، ومن نهى عن المنكر رغم أنوف الكافرين

[المنافقين](1).

وهنا جعل الإمام (علیه السّلام) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحد أنواع الجهاد لأنه إلقاء النفس في التعب، والجهاد من الجهد لأنه التعب من الأمر، وفي القيام بهذا الواجب تقوية للمؤمنين، وفيه إذلال للمنافقين الكافرين (2).

وقد بيّن الإمام (علیه السّلام) آثاراً مهمة مترتبة على القيام بهذا المبدأ منها:

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقدمة من مقدمات التصدي المادي

للعدو فهو يترك الأثر الذي يمثل حلقة من حلقات الإعداد للجهاد بمعناه

الشرعي.

إن منعة وقوة المؤمنين وتماسكهم مقرونة بالقيام بهذا الواجب، فهو أداة

لتأمين جوانب معنوية كثيرة قد تهدد بخطرها سير المؤمنين واتجاههم نحو

الكمال.

القيام بهذا التكليف فيه إذلال وخسران للمنافقين والكافرين لأنه يمثل

جبهة مباشرة في إحباط المخططات والتصدي لها.

وهذه كلها أمور في السياق نفسه الذي ذكرناه وهو تشجيع الناس على

القيام بهذا التكليف لما فيه من آثار مهمة في الحفاظ على بيضة الإسلام ووجوده واستمراره نتيجة إدراكه لما سوف تكون عليه الأمور والأوضاع فيما بعد، لذلك استمر الإمام في الحث على هذا التكليف وأخذ الإمام (علیه السّلام) يشخص ويحدد العلاج

ص: 34


1- نهج البلاغة، ص 723 .
2- المجلسي، مرآة العقول، 7/ 321 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 4/ 272 .

في الوقت نفسه وبشكل متوازن، أي انه حدد صنف وشكل الأمر بالمعروف

والنهي عن المنكر تبعاً للنوع والبيئة وتبعاً للمتصدي نفسه.

ومن هنا أخذ الإمام (علیه السّلام) يقسم طرائق وأشكال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى ما يبدو حسب إيمان الشخص المكلف بهذا الأمر، وحسب طبيعة المرحلة الزمنية، فلذلك يقول (علیه السّلام):

(أيها المؤمنون، انه من رأى عدواناً يعمل به ومنكراً يدعى إليه، فأنكره بقلبه

فقد سلم وبرئ، ومن أنكره بلسانه فقد أجر، وهو أفضل من أصحابه، ومن

أنكره بالسيف فتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الظالمين هي السفلى، فذلك

الذي أصاب سبيل الهدى، وأقام على الطريق، ونور في قلبه اليقين)(1).

ويمكن القول ان كلام الإمام علي (علیه السّلام) هذا هو ترجمة وتفسير متناغم مع حديث الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) المشهور:

(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع

فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)(2)، أو هو بيان للمقامات التي كان الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

يقصدها في حديثه.

وهذه الصور والأشكال التي بينها وترجمها الإمام (علیه السّلام) تلقي الحجة وترفع العذر الذي قد يظهر هنا وهناك من الخوف والخشية والتردد وما إلى ذلك،

ونستطيع القول وبثقة ان هذه الصور والطرائق والأشكال والمبادئ التي

حددها الإمام (علیه السّلام) للقيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد تمثلت

ص: 35


1- نهج البلاغة، ص 816 .
2- ابن حنبل، مسند أحمد، 3/ 49 ؛ مسلم، صحيح مسلم، 1/ 50 ؛ البيهقي، السنن الكبرى، 95/6 ؛ النووي، رياض الصالحين، ص 149 .

بكل أشكالها وصورها في قيام الإمام الحسين(علیه السّلام)، إذ أصبح هذا المبدأ أحد أهم دوافع الثورة الحسينية وأهدافها، وكيف لا يكون ذلك والحسين (علیه السّلام) هو القائل عند قبر جده (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ):

(اللهم وإني أحب المعروف، وأكره المنكر)(1).

وهذا الحب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يتعلق بالجانب العاطفي وإنما بالجانب الشرعي، ومثّل بأنه حب للتشابه مع العشق الإلهي الذي يقود إلى

العبادة الحقة، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو عبادة أيضاً، لذلك كان

أهم أهداف القيام في فكر الإمام الحسين (علیه السّلام) وهذا ما يؤكده (علیه السّلام) حينما يرد على المتقولين:

(إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب

الإصلاح في أمة جدي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب )(علیه السّلام) (2).

أي ان الإمام الحسين (علیه السّلام) بعد أن شخص الإنحراف عن السيرة المحمدية ووجد عدم أهلية المتولين لأمور المسلمين، رأى أنّ من واجبه وتكليفه الخروج والقيام، لاسيما وإنّ هناك وصية مباشرة من الإمام علي له ولأخيه الحسن ،(علیه السّلام) وذلك لما حضرته الوفاة إذ كان من ضمن وصاياه لهما (علیه السّلام) :

(لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى عليكم شراركم ثم

ص: 36


1- ابن أعثم، الفتوح، 5/ 19 . ينظر: المجلسي، البحار، 44 / 328 ؛ البحراني، العوالم، ص 177 .
2- المجلسي، البحار، 44 / 329 . ينظر: ابن اعثم، الفتوح، 5/ 21 ؛ ابن شهر آشوب، المناقب،241/3 ، البحراني، العوالم، ص 179 .

تدعون فلا يُستجاب لكم)(1).

وهنا يبين الإمام (علیه السّلام) آثاراً مهمة مترتبة على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من تولي الأشرار على الرعية، وعدم استجابة دعاء الداعين منهم.

هذه الوصية المباشرة حددت الآثار لترك هذا المبدأ، وقد وعى الإمام الحسين (علیه السّلام) ذلك المبدأ وتلك الآثار إذ كانت في ذهنه عند الخروج، ويمكن أن

نحدد هذه الآثار بما يأتي:

تولي شرار القوم أمور المسلمين، وهي النتيجة التي شخصها الإمام الحسين (علیه السّلام) بسبب تواني الناس عن التصدي للإنحراف.

البعد عن الله تعالى وقطع العلاقة الروحية والبعد المعنوي في العبادة فلا

تترتب الآثار المبتغاة عليها، حتى يصبح الدعاء خالياً من الروح لعدم وجود

مقدماته الصحيحة وأهمها أداء الفرائض ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن

المنكر.

ومن هنا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمثل أبرز أهداف قيام الامام

الحسين (علیه السّلام)، ولكن طبيعة المرحلة اقتضت أن يقوم (علیه السّلام) بأحد أعلى مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي حددها الإمام علي (علیه السّلام) وهي القيام بالسيف وذلك بعد استيفاء المرحلة السابقة دون أن يرتدع المنحرفون، ولأن الإمام الحسين (علیه السّلام) أراد أن يستكمل خصال الخير جميعاً عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي أن يقوم بها بقلبه ولسانه ويده، وقد أشار الإمام علي (علیه السّلام) إلى هذا المعنى بقوله:

(فمنهم المنكر للمنكر بيده ولسانه وقلبه، فذلك المستكمل لخصال

ص: 37


1- نهج البلاغة، ص 642 .

الخير)(1)، أي أدى ما عليه كاملًا وافياً وقام بالواجبات الثلاث، ولم يترك واحداً منها، فقد أنكر بكل قواه، وأتم أسباب الخير التي يطمح إليها (2).

وقد تجلى هذا في موقف الإمام الحسين (علیه السّلام) بعدما لم يجد آذاناً صاغية فرأى ان الموقف يحتاج إلى هزة للضمير ودم مثل دمائه (علیه السّلام) وآل بيته الأطهار، لذا كانت البيئة تتواءم مع ذلك النوع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو القيام والثورة.

وقد أكد الإمام الحسين (علیه السّلام) ذلك الاختيار بتشخيصه لموارد الخلل وآثار عدم معالجتها مبيناً الطريقة التي يجب أن تتبع مستشهداً بكلام الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وهو العامل المشترك لإلقاء الحجة على الناس حينما قال:

(أيها الناس إن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله)(3).

يلاحظ على النص أعلاه انه لم يشر إلى الإنكار بالقلب فقط وإنما بالقول

وبالفعل، لأنه تحصيل حاصل أولاً، ولأن القيام بالمرحلة التي تطابق الواقع

تشمل من باب أولى المرحلة السابقة ثانياً، وذلك نتيجة خطورة هذا السلطان على الإسلام والمسلمين، ومن هذا المنطلق اختار الإمام الحسين (علیه السّلام) هذا المبدأ وجعله

ص: 38


1- نهج البلاغة، ص 816 .
2- ينظر الراوندي، منهاج البراعة، 3/ 419 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 4/ 436 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 4/ 443 .
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 304 . ينظر: ابن الأثير، الكامل في التاريخ في التاريخ، 48/4 ؛ النويري، نهاية الإرب، 20 / 419 .

الهدف الأساس في القيام، إذ إن الإمام (علیه السّلام) باستشهاده بحديث الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، كان يريد الإشارة إلى تحقيق شروط الخروج التي أشار إليها النبي محمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وهي:

جور السلطان على الناس، أي بالحكم بغير ما أراد الله تعالى.

استحلال هذا السلطان لحرم الله تعالى، من قتل وانحرافات وغير ذلك.

نكث عهد الله تعالى على المستوى العام مع الناس والخاص مع الإمام الحق،

سواء باتفاق الهدنة مع الإمام الحسن (علیه السّلام) بخصوص الخلافة أو بخصوص أتباع أهل البيت .(علیهم السّلام)

مخالفة سنة الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بجوانبها كلها والإدعاء بنسبه كل الأفعال لتلك السنة، ومن هنا فقد شخّص الإمام (علیه السّلام) هذه الأمور ومن ثم أراد أن يبرر ويحشد للخروج عليها.

وكانت الصورة التي رسمها الإمام علي (علیه السّلام) للأمر بالمعروف والنهي عنالمنكر تؤطر لذلك، ومنها وصيته للإمام الحسن :(علیه السّلام)

(وأمر بالمعروف تكن من أهله، وأنكر المنكر بيدك ولسانك، وباين من فعله

بجهدك)(1)، وهنا أشار الإمام (علیه السّلام) للإمام الحسن (علیه السّلام) بأن يأمر بالمعروف وأن يبتعد عمّن يفعل المنكر بكل ما يقدر عليه من جهد وأن يكون من أهل المعروف لأنهم الابرار الصالحون (2).

في النص أعلاه أيضاً جاءت الإشارة إلى اليد واللسان دون القلب، وكما قلنا

فهو تحصيل حاصل، لأن أعلى مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشمل

ص: 39


1- نهج البلاغة، ص 592 .
2- ينظر ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 65 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، .45/4

المراتب الأدنى، وإذا ما أردنا ذكر ذلك الانعكاس بخصوص هذا المبدأ الذي

ذكره الإمام علي (علیه السّلام) في نهج البلاغة وتجلياته في قيام الإمام الحسين (علیه السّلام) أمكن تحديده بما يأتي:

جعل الإمام الحسين (علیه السّلام) أحد أهم أهداف قيامه هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك لإصلاح شأن الأمة من ناحية، ولأن الإمام علياً (علیه السّلام) جعل أحد أنواع الجهاد هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ قام ذلك على أساس توفر الشروط الموجبة للخروج كما مرّ.

اختيار الإمام الحسين (علیه السّلام) أعلى مرتبة من مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي حددها الإمام علي (علیه السّلام)، وذلك من أجل تصحيح الإنحراف الذي حدث في تطبيق السنة المحمدية أولاً، ومن أجل أن ينال القائم بالسيف في هذا المبدأ الأجر العظيم من عند الله سبحانه ثانياً.

إن استعمال الإمام الحسين (علیه السّلام) هذا المبدأ في قيامه لعلمه بالآثار المترتبة علىتركه والتي بيّنها الإمام علي (علیه السّلام) في النهج، ولمعرفته ان العمل بهذا المبدأ لا يقرب أو يؤخر من أجل، وهذا ما أشار اليه الإمام علي (علیه السّلام) أيضاً.

ثانياً-إحقاق الحق وطلب الإصلاح

أ- إحقاق الحق

الحق هو نقيض الباطل، وجمعه حقوق، وحقاق أيضاً وليس له بناء أدنى

ص: 40

عدداً (1)، وهو المطابقة والموافقة أيضاً ويأتي على وجوه متعددة يستعمل استعمال الواجب واللازم والجدير، وأما حق الله فهو بمعنى الواجب واللازم، وأما حق العباد فهو بمعنى الجدير من حيث ان الإحسان إلى من لم يتخذ رباً سواه مطابقاً للحكمة (2).

وقد ورد الحق في العديد من الآيات القرآنية ولعل منها قوله تعالى:

«وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ »(3)، وهذه

الآية واضحة الدلالة في عدم خلط الحق بالباطل وذلك لما له من تأثير في العمل

بهذا الواجب(4).

والحق هو منهج واتجاه وليس مفهوماً مجرداً، لذا مثل هذا المنهج الدين كله

عندما قال الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بحق الإمام علي (علیه السّلام):

(علي مع الحق والحق مع علي)(5)، فهو منهج يتجسد في مبدأ وصورة، فقد مثّل هذا المبدأ الإمام علي (علیه السّلام) كما يفهم من الحديث السابق، وهو بمعنى أثر يمثل الإيمان، فلو طابقنا بين هذا الحديث وحديث آخر عن الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بحق

ص: 41


1- الفراهيدي، العين، 3/ 6؛ الجوهري، الصحاح، 4/ 1460 ؛ ابن منظور، لسان العرب،.49/10.
2- الطريحي، مجمع البحرين، 5/ 148 .
3- البقرة، 42 .
4- ينظر الشريف الرضي، تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص 115 ؛ الطبرسي، تفسير مجمع البيان، 1/ 188 .
5- ابن مردويه، مناقب علي بن أبي طالب j، ص 113 ؛ الشريف المرتضى، الشافي في الإمامة، 202/1 ؛ الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 14 / 322 ؛ ابن جبر، نهج الإيمان، ص 187 .

الإمام علي (علیه السّلام) أمكننا فهم هذا المعنى، وهو قوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حينما برز الإمام علي (علیه السّلام) يوم الخندق لعمرو بن عبد ود العامري (1)، (برز الإيمان كله إلى الشرك كله)(2)، وهنا يتضح المطابقة بين الإيمان والحق، وهذا المفهوم الموحد تجسّد في الإمام علي (علیه السّلام)، لذا لا نستغرب أن يترجم ذلك في نهج البلاغة بشكل يبين حرص

الإمام (علیه السّلام) عليه، فقد قال عبد الله بن عباس: دخلت على أمير المؤمنين علي (علیه السّلام) وهو يخصف نعله (3) فقال لي: ما قيمة هذا النعل؟ فقلت: لا قيمة لها! قال:

(والله لهي أحب الي من إمرتكم، إلا أنْ أقيم حقاً أو أدفع باطلاً)(4).

وقد بيّن الإمام (علیه السّلام) في هذا القول عدة أمور منها:

ضرورة العمل باتجاه الحق ممّن يتولى أمور المسلمين في الأحوال والظروف

كلها.

درس في الزهد بالحكم والمنصب ما لم تتحقق الفلسفة المبتغاة منه، وهي

فلسفة قائمة على الإصلاح وإقامة الحق ودحض الباطل.

التأكيد على الإطار المعنوي في التعامل مع الآخرين حتى لا يكون المقياس

هو البناء المادي المختل بل ان ذلك درس في العدالة والمساواة التي دعا إليها

الإسلام.

ص: 42


1- ينظر اليعقوبي، التاريخ، 2/ 50 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2/ 239 ؛ البلخي، البدءوالتاريخ، 4/ 218 ؛ الذهبي، العبر في خبر من غبر، 1/ 7.
2- الكراجكي، كنز الفوائد، ص 137 ؛ الديلمي، ارشاد القلوب، 2/ 244 ؛ المجلسي، البحار، 215/20 .
3- يخصف نعله: أي كان يخرزها، وظاهر بعضها على بعض وخرزها، ينظر: ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، 2/ 38 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 9/ 71 .
4- نهج البلاغة، ص 83 .

كان الإمام (علیه السّلام) حريصاً أشد الحرص على إتباع هذا الطريق وهو القائل

(ولعمري ما علي من قتال من خالف الحق، وخابط (1) الغي (2)، من إدهانٍ (3) ولا إيهانٍ (4))(5). إذ أشار (علیه السّلام) في هذا القول إلى أنه لا يصانع أو ينافق على حساب دينه من يخالف الحق على غير طريق الدين كائناً من كان، فإنه (علیه السّلام) لا يحابي على ذلك وهو الشديد الايمان (6).

يبدو في كلام الإمام (علیه السّلام) اشارة إلى وجوب صلابة العامل بمنهج الحق، لما سوف يلاقيه من صعوبات وشدائد، ومن هنا كان قول الإمام (علیه السّلام) الشهير (لا تستوحشوا من طريق الحق لقلة سالكيه)(7)، في إشارة إلى تلك المصاعب فالمعلوم ان القلة هي التي تعمل بالحق لقوله تعالى:

«أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ »(8)، بغض النظر عن نوعه سواء كان المنهج أو

ص: 43


1- خابط: الخبط، كل سير على غير هدى أو غير اتساق. ينظر: الطريحي، مجمع البحرين، 4/ 244 ؛ الزبيدي، تاج العروس، 10 / 230 .
2- الغي: الضلال والفساد. ينظر: ابن منظور، لسان العرب، 15 / 140 ؛ الزبيدي، تاج العروس، 32/20 .
3- الإدهان: اللين والمصانعة، والمداهنة إظهار خلاف ما يبطن أي لا يخلو من النفاق والغش. ينظر: الفراهيدي، العين، 4/ 27 ؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 2/ 308 .
4- الإيهان: من الوهن، وهو مصدر أوهنته أي أضعفته. ينظر: البدري، نزهة النظر، ص 282 .
5- نهج البلاغة، ص 64 .
6- ينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1/ 331 ؛ البحراني، اختيار مصباح السالكين، ص 124 ؛ الخرساني، مفتاح السعادة، 5/ 112 .
7- الرضوي، مع رجال الفكر، 2/ 169 .
8- الزخرف، 87 .

الموت أو ما إلى ذلك (1).

بدأ الإمام (علیه السّلام) يبين أفضلية ومكانة الشخص العامل بالحق وذلك بقوله (علیه السّلام):

(إن أفضل الناس عند الله من كان العمل بالحق أحب إليه-وإن نقصه

وكرثهُ- من الباطل وإن جر إليه فائدة وزادهُ)(2)، وهنا أشار الإمام (علیه السّلام) إلى أفضلية الذي آثر العمل بالحق عند الله حتى وإن يوجب ذلك نقصانه ويوقعه في الشدة ويبلغ منه المشقة لكنه يعمل بهذا الواجب على حساب الباطل الذي قد تكون فيه منفعة ذاتية له (3).

ومن هنا أوضح الإمام (علیه السّلام) في هذا القول بعضاً من الأمور التي تترتب على القيام بهذا الواجب وهي دروس مجانية تتحدد بما يأتي:

ان العامل بالحق له فضل كبير عند الله سبحانه، وهو مبدأ تشجيعي للناس

من أجل القيام بهذا الفرض.

إنه درس في الصبر والتحمل للمصاعب والآثار الناجمة عن اتباع الحق وهي قد ينظر إليها بعضهم على إنها صورة منقصة إلا أنها ضريبة لها نتائج وآثار دنيوية وأخروية.

إنه درس في ترك الآثار الايجابية من حيث الشكل التي تنجم عن إتباع الباطل وهي آثار مؤقتة ويغلب عليها الجانب المادي وهي تتعارض مع الآثار المعنوية التي تمتاز بالدوام.

ص: 44


1- ينظر: السمعاني، تفسير السمعاني، 5/ 117 ؛ البغوي، تفسير البغوي، 4/ 146 .
2- نهج البلاغة، ص 267 .
3- ينظر ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 8/ 106 ؛ الطريحي، مجمع البحرين، 2/ 262 ؛ الخوئي، منهاج البراعة، 8/ 180 .

وقد رسم الإمام (علیه السّلام) في ذلك صورة مهمة للشخص العامل بالحق ومستقبله نتيجة قيامه بهذا الواجب ومخالفته أهواء أكثر الناس ممن انحرفوا عن الحق، وهو الأمر الذي شخصه الإمام (علیه السّلام) في المجتمع الذي عاشه، لذلك استمر الإمام (علیه السّلام) بالحث على العمل بالحق حتى قال:

(رحم الله رجلاً رأى حقاً فأعان عليه، أو رأى جوراً فرده، وكان عوناً بالحق

على صاحبه)(1)، وهنا تشجيع وفتح باب الوقوف بوجه الظلم والجور عن طريق الحق، بل وضرورة إعانة الحق وصاحبه مهما كان توجهه، وهذا الأسلوب التدريجي الذي أوجده الإمام (علیه السّلام) في طرح قضية الحق والعمل به والصورة التي رسمها لصاحب الحق تبين التثقيف الكبير لهذا الواجب.

يمكن أن نقول بأن تلك الصور التي رسمها الإمام علي (علیه السّلام) قد تجلت

وانعكست في شخص الإمام الحسين (علیه السّلام) في هذا الجانب –الحق- فليس بالغريب أن نرى أن الإمام الحسين (علیه السّلام) قد جعل أحد أهم أهداف قيامه هو إحقاق الحق، وهو الأمر الذي ظهر في الصور التي رسمها الإمام علي (علیه السّلام) بالتثقيف للقيام بهذا الفرض فقد تجلت وظهرت في قيام الإمام الحسين (علیه السّلام)، ولكن بأسلوبه الخاص الذي اقتضته طبيعة المرحلة الزمنية، لاسيما وأنه قد شرع له من الإمام علي (علیه السّلام)

وذلك بوصيته للإمام الحسن :(علیه السّلام)

(وخض الغمرات للحق حيث كان)(2).

يبدو في قول الإمام علي (علیه السّلام) أعلاه تكليف بضرورة أن يخوض الإمام في ميدان الحق مهما كانت الشدائد والنتائج المترتبة على القيام بهذه الوظيفة، وقد استعمل

ص: 45


1- نهج البلاغة، ص 485 .
2- نهج البلاغة، ص 593 .

لفظ الخوض وهو مستعار لمعاناة الشدائد والدخول فيها لطلب الحق، حيث

خاض ذلك الإمام الحسين (علیه السّلام) مع قلة الناصر ورغم الشدائد التي اعترضت طريقه (1).

لذلك كان الحق شعاراً للحسين (علیه السّلام) وفي وصيته لأخيه محمد ابن الحنفية، إذْ يظهر ذلك حين قال له:

(فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي

الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين)(2)، لقد حدد الإمام (علیه السّلام) خروجه بأنّه من أجل الحق وإماتة الباطل ودعا الأمة باسم الحق إلى الالتفاف حوله لتحمي حقوقها وتصون كرامتها وعزتها التي انهارت على أيدي الأمويين، إذ جعل (علیه السّلام) قبول الناس له ليس لأجل العلاقات الشخصية أو مصلحة أو عصبية أو غير ذلك وإنما انطلاقاً من الحق وانسجاماً معه (3).

نجده (علیه السّلام) في مناسبة أخرى في كتابه لأهل البصرة يقول:

(فإني أدعوكم إلى إحياء معالم الحق وإماتة البدع، فإن تجيبوا تهتدوا سبل

الرشاد)(4)، ويبدو في قول الإمام (علیه السّلام) ان الحق طمست معالمه أبان الحكم الأموي، ولذلك كان شعار وهدف الإمام الحسين (علیه السّلام) هو إحقاق الحق، ولاسيما ان الإمام علياً (علیه السّلام) قد أمر وبوصية مباشرة إلى الإمامين الحسن والحسين (علیهما السّلام)

ص: 46


1- ينظر ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 65 ؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 5/ 11 .
2- المجلسي، البحار، 44 / 330 . ينظر: ابن أعثم، الفتوح، 5/ 21 ؛ ابن شهر آشوب، المناقب، 241/3 ؛ البحراني، العوالم، ص 179 .
3- ينظر: القرشي، حياة الإمام الحسين 265/2 ،(علیه السّلام) ؛ العاملي، مختصر مفيد، 1/ 70 .
4- الدينوري، الأخبار الطوال، ص 231 .

بضرورة العمل والقول بالحق وذلك حينما أوصاهما قائلاً:

(قولا بالحق، واعملا للأجر [للآخرة] وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً)(1).

يظهر في قول الإمام علي (علیه السّلام) توصية ألاّ يقولا (علیهما السّلام) إلا الحق، وهو ما ينبغي قوله من أوامر الله ونواهيه وأن يعملا لأجر الآخرة أي تكون أقوالهما وأعمالهما ملازمة قول الحق والعمل به بدون خوف أو خشية من أحد (2) ، إلا أن الإمام (علیه السّلام) قد ترك الباب مفتوحاً للأئمة (علیهم السّلام) في اختيار الأسلوب الذي يناسب طبيعة المرحلة بالقيام بوظيفة الحق، لذلك وعندما وجد الإمام الحسين (علیه السّلام) انه ينبغي القيام بهذا الواجب قام به ولكن بأسلوب السيف لابتعاد الناس عنه بشكل كبير، بل وقد حورب من ينطق بالحق وهو أمر أشار إليه الإمام الحسين (علیه السّلام) بخطبته يوم عاشوراء أمام أصحابه وأهل بيته قائلاً:

(ألا ترون أن الحق لا يُعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في

لقاء الله محقاً)(3).

كان هذا الخطاب لأصحابه (علیه السّلام) لا ليستدر عواطفهم، ولا ليستجلب

نصرهم، فماذا يغنون عنه بعدما أحاط به الأعداء، وإنما قال ذلك ليشاركوه

المسؤولية في إقامة الحق، الذي آمن به واختاره قاعدة صلبة لنهضته الخالدة،

ص: 47


1- نهج البلاغة، ص 641 .
2- ينظر البحراني، شرح نهج البلاغة، 5/ 121 ؛ الخوئي، منهاج البراعة، 20 / 130 .
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 305 . ينظر: القاضي النعمان، شرح الأخبار، 3/ 150 ؛الغزالي، إحياء علوم الدين، 15 / 157 ؛ الذهبي، تاريخ الاسلام، 15 / 12 ؛ الزرندي، نظم درر السمطين، ص 216 ؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، 9/ 192 .

وقد بيّن (علیه السّلام) في هذا الخطاب شرعية هذا الواجب ووقته المناسب الذي قام به بعدما جمد الحق وابتعد الناس عنه (1).

وبذلك مثّل الإمام الحسين (علیه السّلام) صورة الشخصية الحقيقية التي رسمها الإمام علي (علیه السّلام) للقائم بالحق، وقد جسد كل المبادئ التي ذكرها الإمام علي (علیه السّلام) للحق ولصاحب الحق ولمبررات القيام والنطق به.

ب- طلب الاصلاح:

لا يخفى عن المتتبع للتاريخ الإسلامي كيف أصبح حال المسلمين وما هي

الانحرافات التي وجدت بعد استشهاد الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وقد أشار (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بقوله:

(..كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً)(2)، وهذا الحديث يكفي لبيان الإنحراف الذي حدث خاصة وهو ما أخبر به الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾ (3).

وعندما نقلب صفحات التاريخ لا نجد أحداً قد تصدى للإنحراف عن السنة المحمدية والإصلاح في الإسلام غير أئمة أهل البيت (علیهم السّلام)، وكان المتصدي الأول لذلك هو الإمام علي (علیه السّلام)، إذ كرس كثيراً من جهده (علیه السّلام) من أجل إصلاح حال الإسلام والمسلمين، وقد أشار إلى ذلك في عدة مواضع من نهج البلاغة منها قوله:

(اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس

ص: 48


1- ينظر: المهتدي البحراني، من أخلاق الإمام الحسين (علیه السّلام)، ص 196 .
2- الكليني، الكافي، 5/ 59 . ينظر: الطبراني، المعجم الأوسط، 9/ 129 ؛ المتقي الهندي، كنز العمال، 688/3 .
3- النجم/ 3.

شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك،

فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطلة من حدودك)(1).

أشار الإمام (علیه السّلام) في قوله أعلاه إلى أنه لم يكن قصده من توليه الخلافة الظاهرية من أجل زخارف الدنيا وزينتها، فعندما نتتبع النص بعناية تظهر لنا جملة أمورمن أبرزها:

إن الإمام علياً (علیه السّلام) وكما هو واضح لم يكن طالباً لخلافة دنيوية وإنما كان همه الإصلاح سواء تولى الخلافة الظاهرية أم لم يتولهّا.

يظهر النص مدى الانحراف الذي وصل اليه المسلمون بابتعادهم عن معالم

الدين الصحيح والسنة المحمدية الشريفة.

كان هم الإمام علي (علیه السّلام) هو إعادة حدود الله سبحانه المعطلة نتيجة لما أصبح عليه حال الخلافة بعد استشهاد الرسول .(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

فيه إشارة إلى كثرة المظلومين في الأمة الإسلامية، وهذا نتيجة تولي الخلافة

من لم يستحقها.

لذلك رأى الإمام علي (علیه السّلام) ومن موقع المسؤولية أن يقوم بوظيفة الإصلاح لأنه واجب مكلف به وقد أشار إلى ذلك في أكثر من مناسبة، إذ قال :(علیه السّلام)

(وما أردتُ إلا الإصلاح ما استطعتُ وما توفيقي إلا بالله عليه توكلتُ وإليه

أنيبُ (2) )(3). أي أردت الإصلاح بقدر استطاعتي وما ذلك إلا بتوفيق من

ص: 49


1- نهج البلاغة، ص 276 .
2- هود/ 88 .
3- نهج البلاغة، ص 586 .

الله سبحانه في أموري (1).

وهنا أيضاً تأكيد بأن الإمام (علیه السّلام) لم تكن غايته من الخلافة من أجل إمارة المسلمين أو الخلافة الدنيوية وإنما الإصلاح الديني، وإعادة السنة المحمدية الصحيحة إلى ما كانت عليه في زمن الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بعد ابتعاد المسلمين بشكل كبير عنها.

إن هذه الصورة تجلت عند الإمام الحسين (علیه السّلام) في قيامه عندما رأى أن الانحراف على أشده عن السنة المحمدية والابتعاد عن معالم الدين الإسلامي نهض بالواجب المكلف به، وجعل أحد أهداف قيامه هو طلب الإصلاح، وقد أشار إلى ذلك بقوله :(علیه السّلام)

(إني لم أخرج أشراً، ولا بطرا ولا مفسداً، ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب

الإصلاح في أمة جدي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب (علیه السّلام) (2).

ونجد ان الإمام الحسين (علیه السّلام) قد أشار إلى عدة أمور في هذا النص ومنها: وجود الانحراف عن الإسلام والسنة المحمدية، ومن ثَمَّ فإن الأمر الذي

تولى الإمام علي (علیه السّلام) الخلافة من أجله وهو الإصلاح، خرج من أجله الإمام الحسين (علیه السّلام) بالسيف.

فيه إشارة إلى الامتداد في الرسالة الإلهية وان سيرة كل إمام هي استمرار

وتكملة لما قبله وذلك بقوله (علیه السّلام): وأسير بسيرة جدي وأبي.

ص: 50


1- الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 4/ 33 .
2- المجلسي، البحار، 44 / 329 . ينظر: ابن أعثم، الفتوح، 5/ 21 ؛ ابن شهر آشوب، المناقب، 241/3 ؛ البحراني، العوالم، ص 179 .

فيه إشارة أيضاً إلى أن الإمام الحسين (علیه السّلام) لم يكن طالباً خلافةً دنيوية وإنما هدفه الإصلاح، وهذا تأكيد على منهج ومبدأ الإمام علي (علیه السّلام) في الخلافة والذي انعكس في قيام الإمام الحسين .(علیه السّلام)

وما يؤكد هذا النفس الإصلاحي ما ورد في كتابه (علیه السّلام) لأهل البصرة:

(إن السنة قد أميتت وإنّ البدعة قد أحييت ونعشت)(1)، إذ يذكر القرشي:

بأن الحسين قام ليقضي على البدع الجاهلية التي تبناها الأمويون ويحيي سنة جده التي أماتوها، فكان قيامه الخالد من أجل اماتة الجاهلية ونشر راية الإسلام (2).

أراد الإمام الحسين (علیه السّلام) القضاء على تلك البدع التي كان الإمام علي (علیه السّلام) قدأماتها عندما تولى الخلافة، وعندما وجد الإمام الحسين (علیه السّلام) إعادة إحيائها قرر القيام بالإصلاح وهو الدافع الذي يقع ضمن تكليف الأئمة عليهم السلام.

أشار الإمام الحسين (علیه السّلام) أيضاً في مناسبة أخرى إلى كثرة المظلومين في ظل الحكم الأموي وتعطيلهم لحدود الله وإظهارهم الفساد وذلك عندما قال:

(إن هؤلاء قد ألزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد

وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله، وأنا أحق

من غيري)(3).

ص: 51


1- البلاذري،، أنساب الأشراف، 2/ 78 . ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 266 ؛ ابن نما، مثير الأحزان، ص 17 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 170 .
2- حياة الإمام الحسين 2/ 289 .
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 314 . ينظر: البلاذري،، أنساب الأشراف، 3/ 171 ؛ ابن أعثم، الفتوح، 5/ 81 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ في التاريخ، 4/ 48 ؛ النويري، نهاية الإرب، 20 / 419 .

ان النصوص الواردة في نهج البلاغة تظهر لنا كثيراً من الصور والتجليات التي تؤكد على مصداق منهج إمام بالنسبة إلى إمام آخر من أئمة أهل البيت (علیهم السّلام) وهو رد على من يشكك في ذلك.

ص: 52

المبحث الثاني: مقدمات القيام وشروطه

أولاً- مقدمات القيام:

تولي معاوية الخلافة

إنّ منصب الخلافة هو منصب مقدس، لأن الذي يتولاه هو خليفة الرسول محمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والإمام من بعده، على وفق شروط وضوابط لا يتسنى لأي شخص أن يدعي وجودها إلا في أناس مخصوصين من الله تعالى، لذا كان تولي الأمويين للحكم يمثل أهم الانحرافات التي كانت السقيفة المؤسس الفعلي والمجذر لها،فكان وصول الأمويين للحكم نكبة ما بعدها نكبة، فهم الشجرة الملعونة في القرآن، وذلك لقوله تعالى:« وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ »(1) ، فإن بعض التفاسير تشير إلى أن الشجرة الملعونة هم بنو أمية (2).

ولهذا نجد ان الإمام علياً (علیه السّلام) يذكر بني أمية في كثير من المناسبات سواء بما

ص: 53


1- الاسراء/ 60
2- القمي، تفسير القمي، 1/ 20 ؛ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، 6/ 494 .

يخص نسبهم أو صفاتهم أو إسلامهم وغير ذلك، بل عدَ تولي الأمويين لمنصب

الخلافة فتنة مظلمة للناس إذ أشار إلى ذلك بقوله :(علیه السّلام)

(ألا وإن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية، فإنها فتنة عمياء مظلمة

[وظلمة]: عمّت خطتها، وخصت بليتها، وأصاب البلاء من أبصر فيها، وأخطأ

البلاء من عمي عنها، وأيم الله لتجدن بني أمية لكم أرباب سوء بعدي، كالناب

الضروس(1) تعذم بفيها، وتخبط بيدها، وتزبن برجلها، وتمنع درها، لا يزالون بكم حتى لا يتركوا [لا يكون] منكم إلا نافعاً لهم، أو غير ضائر بهم)(2).

يشير الإمام علي (علیه السّلام) هنا إلى شدّة البلاء في هذه الدولة الطاغية على أهل العلم والاخلاص إذ يصيبهم من عدوانها السهم الأوفر لصدقهم ومعارضتهم، ولا أحد يسلم من جور الأمويين إلا من يبارك أباطيلهم عن جهل وعمى أو عن قصد وطمع، ولا يسلم من شرهم إلا من يعمل لصالحهم نتيجة طمع دنيوي، فإن كل واحد منهم مثل الناب الضروس(3).

إذا أمعنا النظر في كلام الإمام علي (علیه السّلام) نجده أشار إلى جملة من الآثار المترتبة على تولي الأمويين الحكم أبرزها:

عدَّ تولي الأمويين للحكم فتنة للناس، بل هي أشد الفتن عليهم، كما

وصفها (علیه السّلام).

ص: 54


1- الناب الضروس: وهي المسنة من النوق السيئة الخلق التي تعض حالبها. ينظر: الجوهري، الصحاح، 1/ 230 و 3/ 942 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 1/ 776 و 6/ 118 .
2- نهج البلاغة، ص 195 .
3- ينظر الراوندي، منهاج البراعة، 1/ 426 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2/ 58 ؛ البدري، نزهة النظر في غريب النهج والأثر، ص 500 .

الهمجية والعنجهية في تعامل بني أمية مع الناس وتوزيع الظلم عليهم.

شبّه الأمويين بالناقة المسنة السيئة الخلق التي تتعدى على الآخرين بالضرب

لتمنع الحليب عنهم، وهذا فيه إشارة إلى الجانب الاقتصادي وذلك أن الأمويين

سوف يستأثرون بالأموال لهم فقط دون غيرهم وهذا على حساب مصالح

الرعية.

وفيه إشارة إلى أن الأمويين سيقتلون ويضطهدون المعارضين لحكمهم إلا

المؤيدين لهم والذين وجدوا مصالحهم معهم.

ان الذي يطلع على التاريخ الأموي سيجد مصاديق كلام الإمام (علیه السّلام) وتحقق ما أشار إليه من آثار نتيجة توليهم الحكم، إذ إنه (علیه السّلام) أشار وبشكل مباشر في كتابه إلى معاوية حينما قال له:

(متى كنتم يا معاوية ساسة الرعية وولاة أمر الأمة؟ بغير قدم سابق ولا

شرف باسق، ونعوذ بالله من لزوم سوابق الشقاء)(1).

أي أنّ الإمام (علیه السّلام) يذكر لمعاوية بأنه لا سابقة لكم في الإسلام حتى تستحقوا تولي شؤون الرعية، ولا شرفاً عالياً رفيعاً يسمح لكم بذلك، وهنا نفي عن كونهم سادة في الإسلام، فأبو سفيان كان زعيم الشرك والجاهلية والجهلاء ورئيس البغي والعدوان قاد الجيوش ضد الإسلام ولما قهرهم الإسلام استسلم وابنه مضطرين، ولما قامت دولة الأمويين باسم الإسلام وسنحت الفرصة لهم عادوا إلى طبيعتهم وجاهليتهم الأولى، وبناء على هذا يكون مراد الإمام (علیه السّلام)من السيادة ونفيها عن أمية، السيادة الحقة العادلة، لا سيادة البغي والعدوان ويومئ إلى ذلك بقوله: (ونعوذ بالله من لزوم سوابق الشقاء) أي سوابق أهل

ص: 55


1- نهج البلاغة، ص 557 .

السوء كزعامة أمية التي هي شر وبلاء (1).

وهذا يدل على عدم أهلية الأمويين لتولي الخلافة وذلك لعدم انطباق الشروط عليهم، وفي مناسبة أخرى نجد الإمام (علیه السّلام) يشير إلى الفرق بين بني هاشم وبني أمية، وكذلك إلى النسب الأموي حينما قال في رده على معاوية:

(أما قولك: إنا بنو عبد مناف فكذلك نحن، ولكن ليس أمية كهاشم، ولا

حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق (2)، ولا الصريح (3) كاللصيق (4)، ولا المحق كالمبطل ولا المؤمن كالمدغل 5(5) )(6).

وهنا بيّن الإمام (علیه السّلام) الفرق الشاسع والكبير بين آبائه وأجداده وبين آباء وأجداد معاوية، إذ ان كل واحد من آباء الإمام (علیه السّلام) هو أشرف ممن هو من آباء معاوية، وعلى الرغم من أن معاوية منتسب إلى عبد مناف حسب الظاهر لكن نيات أموره ورذيلات صفاته أخرجته من بيت الشرف حقيقة، وهذا الفرق

ص: 56


1- ينظر ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 81 ، مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3/ 405 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 3/ 445 .
2- الطليق: والجمع الطلقاء، وهم الذين خلى عنهم الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يوم فتح مكة وكان فيهم معاوية وأبو سفيان، ينظر: الفراهيدي، العين، 5/ 102 ، الطريحي، مجمع البحرين، 5/ 208 .
3- الصريح: الرجل الخالص النسب، ينظر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 3/ 347 ؛ الزبيدي، تاج العروس، 4/ 118 .
4- اللصيق: الدعي المنسوب لغير أبيه أي ملصق به. ينظر: الزمخشري، أساس البلاغة، ص 855 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 14 / 261 ؛ الزبيدي، تاج العروس، 13 / 428 .
5- المدغل: صاحب مفسدة، أي الذي يخدع الناس ويظهر خلاف ما يبطن. ينظر: ابن منظور، لسان العرب، .244/11
6- نهج البلاغة، ص 565 .

الشاسع بيّنه الإمام (علیه السّلام) إذ كما ان هنالك فرقاً ظاهراً ومسافة كبيرة بين صفات الإمام ومعاوية كذلك الحال بين الآباء (1).

ان كلام الإمام (علیه السّلام) السابق يبرز جملة أمور منها:

أشار (علیه السّلام) إلى الفرق الكبير والشاسع بين آبائه وأجداده (علیه السّلام) وبين آباء وأجداد معاوية، ورفع مستوى الهاشميين فوق الأمويين.

التشكيك في الإسلام الأموي، وذلك لأنهم الطلقاء الذين لم يعتنقوا الإسلام

عن قناعة وإنما استسلاماً.

فيه إشارة إلى النسب الأموي، إذ إنهم اللصقاء المشكوك في نسبهم وليسوا

صرحاء ذوي نسب معروف مثلما هو حال بني هاشم.

وهذه الصورة التي رسمها الإمام علي (علیه السّلام) عن الأمويين والصفات التي ذكرها عنهم، تجعل منهم غير مؤهلين لتولي منصب الخلافة، ونجد هذا الأمر قد تجلى في كلام وأفعال وتصرفات الإمام الحسين (علیه السّلام) إزاءهم، إذ ان الإمام (علیه السّلام) أشار وبشكل مباشر إلى ان الخلافة محرمة على الأمويين نتيجة لصفاتهم وعدم أهليتهم لهذا المنصب، وذلك حينما قال في كلامه مع مروان بن الحكم:

(.. وقد سمعت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يقول: الخلافة محرمة على آل أبي سفيان، وعلى الطلقاء وأبناء الطلقاء، وقال: إذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه)(2).

بيّن الإمام الحسين (علیه السّلام) حرمة الخلافة على الأمويين بل أشار إلى وجوب قتل معاوية إذا رئي على منبر الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )؛ لأنه الطليق ذو النسب الوضيع المغتصب،

ص: 57


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4/ 393 ؛ الخوئي، منهاج البراعة، 8/ 258 .
2- ابن أعثم، الفتوح، 5/ 17 . ينظر: ابن نما، مثير الأحزان، ص 15 ؛ ينظر حديث الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في المجلسي، البحار، 33 / 217 .

الذي أشار اليه الإمام (علیه السّلام) في مناسبة أخرى قائلاً:

(كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك)(1).

وهذا تكرار للصورة التي رسمها الإمام علي (علیه السّلام) عن الأمويين بأنهم ليسوا ذوي انساب صريحة، لذلك استعمل الإمام الحسين (علیه السّلام) المنطق والكلام نفسه مع معاوية، فالإمام (علیه السّلام) يقول له بأنكم لستم من أهل قريش، وهذا على المستوى المادي وهناك مستوى آخر نفهم منه انه حكم بعدم إسلام معاوية وأن الأمة المقصودة هي المسلمة، ومن ثم فإن المصداق النسبي أو الديني يحرم توليهم الخلافة وذلك لقول الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ):

(الأئمة من بعدي اثنا عشر كلهم من قريش)(2)، وبذلك قطع الإمام الحسين (علیه السّلام) الطريق على الأمويين في ادعائهم الخلافة، وأعلنها صراحة بوجه معاوية عندما عدّ خلافته فتنة ورأى من واجبه أن لا يعترف بتلك الخلافة، فقد خاطب معاوية قائلاً:

(وإني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها، ولا أعظم نظراً لنفسي ولديني ولأمة محمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وعلينا أفضل من أن أجاهدك، فإن فعلت فإنه قرب إلى الله، وان تركته، فإني استغفر الله لديني، وأسأله توفيقه لإرشاد أمري)(3).

ص: 58


1- ابن قتيبة الدينوري، الإمامة والسياسية، 1/ 203 ؛ الطوسي، رجال الكشي، 1/ 256 ؛ الطبرسي، الاحتجاج، 2/ 21 ؛ المدني الشيرازي، الدرجات الرفيعة، ص 435 .
2- باختلاف الألفاظ ابن حنبل، مسند أحمد، 5/ 87 ، البخاري، صحيح البخاري، 8/ 127 ؛ مسلم، صحيح مسلم، 6/ 3؛ الصدوق، الأمالي، ص 387 ؛ الخزار القمي، كفاية الأثر، ص 47 .
3- الطوسي، رجال الكشي، 1/ 257 . ينظر: ابن قتيبة الدينوري، الإمامة والسياسة، 1/ 203 ؛الشامي، الدر النظيم، ص 534 ؛ المدني الشيرازي، الدرجات الرفيعة، ص 436 ؛ البحراني، العوالم، ص 92 .

وبذلك أعلن الإمام الحسين (علیه السّلام) صراحة عدم خضوعه لحكم معاوية لأنه ليس الخليفة الشرعي، وذلك بناء على الصورة والأثر المترتب على الخلافة

الأموية التي أوضحها الإمام علي (علیه السّلام) في النهج، وهنا نجد ان الإمام الحسين (علیه السّلام) أعلن رفضه القطعي لخلافة معاوية، وبهذا يعدُّ تولي معاوية لمنصب الخلافةاحد أهم مقدمات القيام، لما ترتب على توليه من آثار وتبعات جرت الويلات على العالم الإسلامي بشكل عام وعلى أئمة أهل البيت (علیهم السّلام) بشكل خاص، فكأنما جعلوا اضطهاد أئمة أهل البيت (علیهم السّلام) سنة يتوارثونها واحداً بعد آخر مثلما كان في قضية سب الإمام علي (علیه السّلام) إذ سنّها معاوية وأخذ من بعده ملوك بني أمية يتوارثونها الواحد بعد الآخر (1).

وكان معاوية يؤسس لنظام بعيد عن روح الإسلام يقوم على التوارث السلبي المادي وهو الأمر الذي رفضه الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأئمة أهل البيت (علیهم السّلام) وكان لابد من الوقوف بوجهه، وهي المهمة التي اضطلع بها الإمام المفترض الطاعة آنذاك الحسين بن علي .(علیه السّلام).

2- توريث الحكم

لم يكن في الإسلام قبل الحكم الأموي مبدأ يسمى الوراثة في الحكم، إذ إنه

على الرغم مما حدث في السقيفة من إنحراف عن الخليفة الشرعي وهو الإمام علي (علیه السّلام) إلا أنه لم تكن هناك وراثة بمعناها النسبي وإن كانت هناك وراثة من

ص: 59


1- ينظر علي رحيم أبو الهيل، الدعاية الأموية المضادة للإمام علي (دراسة في سياسة السب) صفحاتها جميعاً.

نوع آخر تقوم على المصلحة ورد الدّين من جهة والعداء للخط الرسالي من

جهة أخرى، إلا ان أول من بايع لولده هو معاوية إذ نصب وأوصى لابنه يزيد

بالخلافة من بعده (1)، وبذلك حوّل معاوية الخلافة إلى ملك دون أن يكون

يزيد مؤهلاً لهذا المنصب مثله كمثل أبيه، وقد وضعت الشريعة الإسلامية

شروطاً وضوابط لهذا المنصب ترجمها الإمام علي (علیه السّلام) بما ذكره في نهج البلاغة إذ قال:

(وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف [الجائف] للدول فيتخذ قوماً

دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف دون المقاطع، ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة)(2).

نجد هنا أن الإمام (علیه السّلام) وضع ضوابط مهمة لمن يتولى أمور المسلمين وأن يكون والياً على الفروج بوصف أمره ونهيه في الحرب يجعله الوالي على الدماء، وأشار (علیه السّلام) إلى رذائل تنافي الإمامة ومنها البخل، فشدة حرصه على ما في أيدي الناس الرعية يستلزم نفارهم عنه، والجهل، فجهله بقوانين الدين وتدبير أمور العالم يسبب ضلالهم، وأما الجافي فلأن جفاءه يستلزم النفرة والانقطاع عنه، والحائف الذي يحيف ويجور بالمال، والمرتشي فلظلمه وذهابه بالحقوق والوقوف فيها على حيف دون المقاطع الحقة، وأما المعطل للسنة فلتضييعه قوانين الشريعة

ص: 60


1- القلقشندي، مآثر الانافة، 3/ 242 . ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 224 ؛ ابن مسكويه، تجارب الأمم، 2/ 37 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3/ 503 .
2- ص 276 .

وإهماله المستلزم لفساد النظام في الدنيا والآخرة وذلك لأنه لا ينفذ أحكام

الإسلام لأن في أحكام الإسلام حياة الأمة فإذا عطلت هلكت الأمة ولا يخفى

أن الإمام (علیه السّلام) ذكر ابرز الصفات المنافية للأمير، لا كلها، والجامع أن يكون متفقهاً في أمور الدنيا والدين، عادلاً –بمعنى الملكة الباعثة على الطاعة- رجلاً طاهر المولد، إلى غيرها مما فصل فيه الفقه، وبرذيلة الجهل وحيف الدول وتعطيل السنة المحمدية خرج معاوية عن الصلاحية لها (1).

وإذا ما لاحظنا صفات من لا يجوز أن يتولى الحكم الخاص والعام نجد ان أغلب تلك الصفات تنطبق على يزيد بن معاوية ومن قبله أبوه، فلذلك جاء الرفض القطعي من الإمام الحسين (علیه السّلام) لبيعة يزيد عندما انعكست تلك المبادئ التي ذكرها الإمام علي (علیه السّلام) وهو ما يعيه الإمام الحسين (علیه السّلام) نفسه، ومن هنا رفض البيعة.

وقد أشار الإمام الحسين (علیه السّلام) إلى بعض من صفات يزيد في كلامه مع معاوية حيث قال:

(وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث، يشرب الخمر، ويلعب بالكلاب)(2)، بل وقال عنه أيضاً: (يزيد رجل فاسق، شارب الخمر، وقاتل النفس المحرمة، معلن الفسق، ومثلي لا يبايع مثله)(3).

ص: 61


1- ينظر الراوندي، منهاج البراعة، 2/ 52 ؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 3/ 149 ؛ اختيار مصباح السالكين، ص 289 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 2/ 290 .
2- المدني الشيرازي، الدرجات الرفيعة، ص 436 . ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 5/ 122 ؛ الطوسي، رجال الكشي، 1/ 258 ؛ الطبرسي، الاحتجاج، 2/ 21 .
3- ابن طاووس، اللهوف، ص 17 . ينظر: ابن أعثم، الفتوح، 5/ 14 ؛ المجلسي، البحار، 44 / 325 ؛ البحراني، العوالم، ص 174 .

إن التاريخ مجمع على فسق يزيد، وعلى شربه للخمر وارتكابه للمنكر والموبقات ولم يخرج عن هذا الإجماع إلا ثلة من الشواذ، أرادوا المكابرة، وتكذيب حقائق التاريخ، ولا ريب في ان مثل هذا الشخص لا يمكن أن يكون هو الأمين على دماء المسلمين فهل يؤمن على أعراضهم وأموالهم؟ ثم على مصيرهم ومستقبلهم ويصبح هو الحاكم المتصرف في ذلك كله وهو لا يملك –سبب معاقرته للخمر- في أوقات كثيرة حتى التوازن العقلي الذي يحمي قراره من الضعف والرعونة، ومن أن يكون قراره مدمراً للأمة، ويلاحظ على قول الإمام (علیه السّلام) انه قال: قاتل، وشارب وذلك دال على سجية يزيد ولم يقل قتل وشرب، لأن ذلك ربما يفسح المجال لادعاء التوبة والعلاج في فترات لاحقة، فضلاً عن انه (علیه السّلام) صرح بحرمة النفس المقتولة كي لا يفسح المجال أيضاً لادّعاءأنه قتلها بحق، وبذلك قد أعطى الإمام (علیه السّلام) الميزان والضابطة، والتعليل الواضح

لكونه (علیه السّلام) لا يحق له أن يبايع يزيداً (1).

وطبيعي أن تكون تلك الصفات التي ذكرها الإمام الحسين (علیه السّلام) عن يزيد متناغمة ومتطابقة مع المنع الذي حدده الإمام علي (علیه السّلام) وفق شروط شرعية وإنسانية، ولعلّ ربط تلك الصفات التي حددها الإمام الحسين (علیه السّلام) بالحاكم تبين البعد الشاسع بينهما، هذا إذا ما قلنا بأن هناك ثمة مرشحون أصلاً للخلافة لاسيما مع وجود النص الشرعي الذي نصب الخلفاء من زمن الرسول ،(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والصفات التي حددها الإمام الحسين (علیه السّلام) ليزيد كما في الأقوال السابقة تندرج بما يأتي:

انه غلام حدث، ولا يجوز شرعاً وعرفاً تنصيب من ليس أهلاً من ناحية

ص: 62


1- ينظر العاملي، عاشوراء، ص 74 ؛ مختصر مفيد، 1/ 64 ؛ المواسم والمراسم، ص 12 .

العمر، ويستثنى من ذلك التنصيب الإلهي.

انه شارب الخمور، وهي فضلًا عن حرمتها فإنها تذهب العقل فكيف يكون

إمام المسلمين بهذا الوضع!!

يزيد يلعب بالكلاب، وفضلاً عن ذلك تحريمه يكشف عن الطيش.

انه شخص قاتل للنفس ومن ثم القاتل لا يكون خليفة فهو من أهل النار.

انه بالمجمل فاسق بل معلن ومتجاهر بالفسق.

ان مقارنة يزيد بغيره باطلة فكيف إذا كان المقارن به الإمام الحسين ،(علیه السّلام) لذا قال (علیه السّلام): (مثلي لا يبايع مثله)، أي انه سوف يتصدى إلى هذا الانحراف الخطير، وهو التوريث من جميع الجهات سواء من حيث المبدأ أو من حيث فسق الشخص المختار.

ثانياً-الشروط

قيام الحجة

من المعلوم ان الدعوة والثورة تعتمد بالأساس على توفر الشروط اللازمة لقيامها إلى جانب اكتسابها البعد الشرعي بفعل قيام الحجة بضرورة الخروج نتيجة توافر الأنصار بغض النظر عن العدد بل بحسابات أخرى، والبيئة الملائمة والصالحة وهو ما يفسر لنا كون دعوة الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في بدايتها محصورة بحيز زماني ومكاني وبشكل معلن ثم تطورت لتشمل حيزاً أكبر (1).

ص: 63


1- ينظر الذهبي، تاريخ الإسلام، الجزء الأول، صفحاته جميعاً.

كذلك الإمام علي (علیه السّلام) بعد السقيفة (1) وبعد موت عثمان (2)، كان تصديه للخلافة السياسية بناء على قيام الحجة وهو القائل:

(أما والذي خلق الحبة وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنزٍ (3))(4).

اختلفت الآراء حول المراد من قول الإمام (علیه السّلام) (لولا حضور الحاضر) إذ

قيل المراد به من حضر لبيعة الإمام بالخلافة، وقيل بل المراد بحلول الوقت

الذي وقته رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لقتال الإمام من بعده، وقيل ان المراد بحضور الحاضر الوضع الحاضر، وهو الفساد الذي كان سائداً ومنتشراً آنذاك (5). وذهب البعض الآخر إلى أن المراد منه نفسه (علیه السّلام)(6)، وقيل أراد بها البيعة فإنها بعد عقدها تتعين المحاماة عنها (7).

يبدو إن حضور الحاضر قد عنى منه الإمام (علیه السّلام) هو توفر الناصر فبعد توفر الأنصار سواء الحقيقيين المؤمنين به وبخلافته، أو حتى كثير من الأنصار حسب

ص: 64


1- ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 450 ؛ المسعودي، مروج الذهب، 2/ 349 .
2- ينظر الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 450 ؛ المسعودي، مروج الذهب، 2/ 349 .
3- عفطة عنز: الماعز إذا عطست، والعفط نثير الشاة بأنوافها. ينظر: الفراهيدي، العين، 2/ 18 ؛ الجوهري، الصحاح، 3/ 1143 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 7/ 353 .
4- نهج البلاغة، ص 38 .
5- مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1/ 98 .
6- الخرساني، مفتاح السعادة، 3/ 461 .
7- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1/ 202 .

الظاهر قام الإمام (علیه السّلام) بالأمر، وقد أشار إلى هذا الرأي الراوندي ت 573 ه،وابن أبي الحديد ت 656 ه (1) في أحد الآراء التي ذكرها حول هذا الموضوع.

وقد أراد الإمام (علیه السّلام) من قوله السابق بأن الغرض تعين عليه وتوجه اليه مع وجود من ينتصر به في الظاهر على دفع المنكر ومنع الباطل وبيّن لكل من لا علم له سبب قعوده في أول الأمر مع نهوضه في حرب الجمل وما بعدها، ان ذلك لفقد الأنصار أولا وهذا لحضورهم ثانياً، وبذلك ومع توفر الأنصار فإنه لا

حجة ولا عذر عند الله لمن يسكت عن الفساد والضلال إذا وجد من يناصره،

فأصبح من واجب الإمام (علیه السّلام) أن يقبل الأمر وينهض ويردع المفسدين ويرعى مصالح المسلمين، ولاسيما ان الله سبحانه أخذ على العلماء عهداً أن يكونوا للمظلوم عوناً، وعلى الظالم حرباً، وقد أشار (علیه السّلام) إلى طغيان الظالم وتماديه (بكظة الظالم) أي تخمته، على العكس من المظلوم الذي أشار إليه (بسغب المظلوم) أي جوعه وبؤسه ولهذا ونتيجة ما أوجب الله سبحانه على الإمام (علیه السّلام) من إنكار المنكر بعدما أوكلوا إليه أمر الخلافة لكان موقفه منها كما كان من قبل (2).

وبذلك فإن الإمام (علیه السّلام) قد أكد جملة امور من أبرزها إن وجود الأنصار

الصادقين المؤمنين بإمامهم هو المحفز الرئيس لتصديه إلى الأمر.

أشار إلى أن العلماء يجب أن يقفوا بوجه الظالم فكيف إذا كان المتصدي إماماً،

فإن من واجبه العمل بذلك.

أوضح (علیه السّلام) زهده بالخلافة، وهي أزهد عنده من عفطة عنز، وبهذا فإنه لم

ص: 65


1- منهاج البلاغة، 1/ 130 ؛ شرح نهج البلاغة، 1/ 202 .
2- ينظر الراوندي، منهاج البراعة، 1/ 130 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1/ 202 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1/ 98 ؛ الخرساني، مفتاح السعادة، 3/ 461 .

يكن طالب سلطة دنيوية.

إن مبدأ توافر الناصر الذي كان له الأثر الأكبر في تولي الإمام علي (علیه السّلام) الخلافة كان أحد أهم العوامل المساعدة على قيام الإمام الحسين (علیه السّلام) بعد أن وجد الأنصار الصادقين المؤمنين بالقيام، فأعلن ثورته، وإن التاريخ زاخر بالمواقف المشرفة والبطولية التي لا مثيل لها في تاريخ الانسانية لأنصار الحسين ،(علیه السّلام)(1)، ولو نذكر فقط ما قاله الإمام (علیه السّلام) في حقهم لاتضحت الصورة من ان العدد ليس هو المقياس في القيام بل صدق وإيمان الأنصار، وذلك عندما خاطبهم في ليلة العاشر من محرم إذ قال لهم :(علیه السّلام)

(فإني لا أعلم أصحاباً أصلح منكم ولا أهل بيت أبر ولا أفضل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعاً عني خيراً)(2).

إن هذا القول يعني في جملة ما يعنيه انهم أفضل من أنصار الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والإمام علي (علیه السّلام) لاسيما وإن المعصوم لا يستهويه هوى وإنما نطقه وحي يُوحى من الله تعالى وإن قول الإمام الحسين (علیه السّلام) هو الواقع الموجود، وذلك لامتياز أنصاره كمجموعة بصفات لم يتصف بها أنصار الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والإمام علي (علیه السّلام) كمجاميع، فلذا استحقوا هذه الأفضلية (3).

ان توافر مثل هؤلاء الأنصار أسهم بشكل كبير في القيام خاصة وإن الإمام

ص: 66


1- ينظر: البو هلالة، موسوعة أنصار الحسين (علیه السّلام) صفحاته جميعاً.
2- ابن طاووس، اللهوف، 55 . ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 317 ؛ الفتال النيسابوري، روضة الواعظين، ص 183 ؛ الطبرسي، أعلام الورى، 1/ 455 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ في التاريخ، 4/ 57 .
3- ينظر البو هلالة، موسوعة أنصار الحسين (علیه السّلام) الفصل الأول، المبحث الخامس، صفحاته جميعاً.

الحسين (علیه السّلام) كان أمام مسؤولية للخروج على الأمويين نتيجة ظلمهم ومخالفتهم كل تعاليم السماء، وقد أشار الإمام علي (علیه السّلام) إلى ذلك وهو يتحدث عن ظلم بني أمية إذ قال:

(والله لا يزالون حتى لا يدعوا لله محرماً إلا استحلوه، ولا عقداً إلا حلّوه،حتى لا يبقى بيت مدر (1) ولا بر (2) إلا دخله ظلمهم ونبا به سوء رعيهم [رعيتهم] وحتى يقوم الباكيان يبكيان: باك يبكي لدينه وباك يبكي [يشتكي] لدنياه)(3).

ان المقصود من كلام الإمام (علیه السّلام) السابق الإشارة إلى طغيان بني أمية وما يصيب المسلمين منهم من الجور والظلم والأذية، إذ لا يجهل أحد مبلغ ما نزل بالناس من ظلم بني أمية وانتهاكهم للحرمات واستهتارهم بالفضيلة، وإنهم لم يدعوا لله محرما إلا استحلوه أي أعدوه حلالا واستعملوه استعمال المحللات ولا يبالون به، ويشهد بذلك ما صدر منهم من القتل وإتلاف النفوس التي لا تحصى، فإذا كان حالهم في أعظم الكبائر ذلك، فكيف بغيرها، وإنهم نقضوا كل العهود والعقود بينهم وبين الناس وأول ما وقع من ذلك ما كان من معاوية فقد نقض الهدنة بينه وبين الإمام الحسن (علیه السّلام)، وأما العهود المأخوذة عليهم من الله تعالى في أحكام الدين وقوانين الشرع، فيكون حلها عبارة عن مخالفتها وعدم العمل بها، وذلك أوجب سوء رعيهم الجفاء والرحيل عنهم نتيجة سوء امارتهم

ص: 67


1- بيت مدر: وهو الذي يبنى من الطين ويكون في المدن أو الحضر وفي القرى والأمصار. ينظر: ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، 4/ 309 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 5/ 162 .
2- بيت وبر: وهي الخيام التي تبنى في البوادي والمدن والقرى وهي من وبر الأبل. ينظر: ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، 5/ 145 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 5/ 164 و 271 .
3- نهج البلاغة، ص 204 .

حتى يقوم الباكيان؛ باك لدينه حيث أن بني أمية يحاربون الدين، وباك لدنياه

حيث يستبدون بالسيطرة على الدنيا فلا يجعلون لآخر منها نصيباً وهذا يدل على مدى الظلم الأموي الذي لا يسلم منه صاحب دين أو دنيا (1).

وهذا الظلم والجور الذي ذكره الإمام علي (علیه السّلام) ازداد بازدياد انحراف

الأمويين، فقد رأى الإمام الحسين (علیه السّلام) ان من المسؤولية الدينية أن يخرج على يزيد المنحرف، وقد أراد الحفاظ على الاسلام بذلك القيام، وهو ما أوضحه في كلامه مع مروان ابن الحكم الذي طلب منه أن يبايع يزيداً حيث قال له الإمام علي (علیه السّلام):

(على الاسلام السلام، إذ قد بليت الأمة براعٍ مثل يزيد) ثم قال (علیه السّلام): (ويحك أتأمرني ببيعة يزيد وهو رجل فاسق)(2).

وهنا أشار الإمام (علیه السّلام) إلى الخطر المترتب على الاسلام إذا ما تولى يزيد الحكم، لاسيما وأن الإمام الحسين (علیه السّلام) وجد الشرعية في هذا الخروج نتيجة لما ذكر سابقاً من صفات الأمويين فضلاً عن أن الإمام علياً (علیه السّلام) أكد تلك الصفات حينما أشار في كلامه عن ظلم الأمويين قائلاً: (فيومئذ لا يبقى لهم في السماء عذر)(3) أي لا يبقى لهم ناصر أو أثر عندما يبعث الله عليهم من ينتقم منهم (4).

ص: 68


1- ينظر الخوئي، منهاج البراعة، 7/ 135 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 2/ 118 ؛ شمس الدين، دراسات في نهج البلاغة، ص 181 ؛ البدري، نزهة النظر، 809 .
2- ابن أعثم، الفتوح، 5/ 17 . ينظر: ابن نما، مثير الأحزان، ص 15 ؛ ابن طاووس، اللهوف، ص 18 ، البحراني، العوالم، ص 175 .
3- نهج البلاغة، ص 326 .
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9/ 218 ؛ الخوئي، منهاج البراعة، 9/ 337 ؛ الحسيني، مصادر نهج البلاغة وأسانيده، 2/ 361 .

إن هذا الغضب من الله عليهم نتيجة ظلمهم وجورهم على العباد، وقدأشار الإمام الحسين (علیه السّلام) إلى ذلك بقوله:

(ان هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحق

من غيري)(1).

وهذه جملة أمور وانحرافات ذكرها الإمام الحسين (علیه السّلام) عنهم كانت سبباً في قيام الحجة بالخروج ويمكن إجمالها بما يأتي:

إن بني أمية أطاعوا الشيطان ولم يطيعوا الله رب العالمين وما يترتب على

ذلك من آثار تدميرية.

إنهم أظهروا الفساد وتجاهروا بالفسق وأشاعوا الفاحشة.

إبطالهم لحدود الله تعالى، لأنها إن طبقت سيكونون أول من يستحق أن

تطبق عليه.

سرقة أموال الفقراء والمساكين والسيطرة على بيت المال والاستئثار به

لصالح الأقارب والمرتبطين معهم.

تكليف الإمام (علیه السّلام) وقيام الحجة دفعه إلى أن يقف بوجه هذه الانحرافات ويتصدى لها، لاسيما مع وجود باب الجهاد لإعلاء كلمة الله تعالى.

ومن ثم أصبح هناك سبب وحجة شرعية للقيام ضد الأمويين حتى وإن كانوا أهل قبلة، لأن الإمام علياً (علیه السّلام) قد بيّن شرعية ذلك بعدما وجد أن

ص: 69


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 304 . ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 171 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ في التاريخ، 4/ 48 ؛ النويري، نهاية الارب، 20 / 419 ؛ المجلسي، البحار، 44 / 382 .

الانحراف قد أصبح على أشده ولا يقوّم ذلك إلا السيف فقد قال:

(وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة )(1)، وهنا إعلام لأصحابه (علیه السّلام) بحكم البغاة من أهل القبلة على سبيل الإجمال، وأحال التفصيل على أوامرهحال الحرب، وقد كان الناس قبل حرب الجمل لا يعرفون كيفية قتال أهل القبلة وكيف السنة فيهم إلى أن علموا ذلك منه (علیه السّلام) ونقل عن الشافعي قوله:

(لولا علي (علیه السّلام) ما عرفت شيئاً من أحكام أهل البغي )(2).

إن في قول الإمام علي (علیه السّلام) أعلاه إذن شرعي ومباشر لقيام الإمام الحسين (علیه السّلام) ضد بني أمية، وذلك بعد أنّ وجد الإمام الحسين (علیه السّلام) أنّ السبب الذي جعل الإمام علياً (علیه السّلام) يأذن من أجله في قتال أهل القبلة قد وجد في زمانه، بل وزاد الأمويين عن ذلك نتيجة لما ارتكبوه من موبقات وانحرافات عن الملة الإسلامية، ولهذا وبعد أن تجسدت الصورة التي رسمها الإمام علي (علیه السّلام) في نهج البلاغة بأطرها نفسها عند الإمام الحسين (علیه السّلام) كان القيام، وقد اتخذ هذا عدة أشكال منها:

توفر الناصر، إذ انه وبعد أن توفر الناصر للإمام علي (علیه السّلام) قرر أن يتولى الخلافة بعد وفاة عثمان بن عفان، وفي المنهج والاتجاه نفسه فبعد أن توفر الناصر للإمام الحسين (علیه السّلام) قرر القيام.

أصبح الإمام الحسين (علیه السّلام) أمام مسؤولية دينية وشرعية للقيام بعد أن بيّن الإمام علي (علیه السّلام) في النهج انحرافات الأمويين، وما حدث في زمن الإمام الحسين (علیه السّلام) من تلك الانحرافات وضعت الإمام (علیه السّلام) أمام مسؤولية دينية وشرعية للقيام

ص: 70


1- نهج البلاغة، ص 368 .
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9/ 339 ؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 3/ 342 ؛ اختيار مصباح الساكنين، ص 358 .

ضدهم.

اكتسب الإمام الحسين (علیه السّلام) شرعية للقيام، لأن الدين الإسلامي أجاز ذلك سواء بمحاربة الخارجين عن ملة الإسلام أو بفتح الباب أمام محاربة أهل القبلة المنحرفين.

اتجه الإمام الحسين (علیه السّلام) للقيام بالسيف بعد أن رأى ان هذا هو الطريق الصحيح لإعادة الإسلام أو السنة المحمدية الأصيلة إلى ما كانت عليه زمن الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وقد أشار الإمام علي (علیه السّلام) إلى هذا المبدأ عندما أراد قتال أهل الشام حيث قال:

(لقد ضربت أنف هذا الأمر وعينه، وقلبت ظهره وبطنه فلم أرَّ لي فيه إلا القتال أو أكفر بما جاء به محمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )(1)، وبذلك أصبح الطريق سالكاً أمام الإمام الحسين (علیه السّلام) للقيام بالسيف ضد الأمويين بعد قيام الحجة بذلك.

هناك عهد الهي ووعد من رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ان للحسين (علیه السّلام) درجة عالية في الجنة لن ينالها إلا بالشهادة (2).

2- عنصر الزمن

يعد عنصر الزمن ذا أهمية كبرى في أية حركة أو في القيام بأي فعل وذلك لأنه يتحكم بعوامل النجاح والفشل بحسب طبيعة المتوافر من الظروف، لذلك فإن الإمام علياً (علیه السّلام) أخذ ذلك في الحساب وبشكل كبير لعلمه ومعرفته بنوعية التأثير الزمني على القيام، ومن هنا عندما خاطبه العباس بن عبد المطلب وأبو

ص: 71


1- نهج البلاغة، ص 96 .
2- ينظر: ابن أعثم، الفتوح، 5/ 19 ؛ الصدوق، الأمالي، ص 217 ؛ البحراني، مدينة المعاجز،484/3 ؛ المجلسي، البحار، 44 / 328 ؛ البحراني، العوالم، ص 177 .

سفيان في أن يبايعاه بالخلافة أيام السقيفة رفض ذلك وقال:

(مجتني الثمرة لغير وقت إيناعها، كالزارع بغير أرضه)(1).

هنا شبه (علیه السّلام) القيام الذي دعوه اليه بالقول السابق لأن الشجر لا يصح لصاحبها اجتناء ثمرتها قبل الوقت أي قبل نضجها، فإن فعل ذلك فإنه دليل

على عدم عقله أو قصوره، ثم شبه (علیه السّلام) من كان كذلك بمن زرع في غير أرضه ووجه الشبه فيها عدم الانتفاع من كليهما، أي ان الوقت الذي دعوه اليه للقياملم يكن مناسباً أما لعدم الناصر أو لغير ذلك (2).

إن الإمام (علیه السّلام) يهدف في كلامه لجملة أمور منها:

إن الوقت غير مناسب لتولي الخلافة وذلك لعدم توفر الناصر الذي أشرنا

اليه سابقاً.

إن توليه لمنصب الخلافة في هذا الوقت ربما سيسبب فتنة يختارها المناوئون له وسوف يحدث ضرراً على الإسلام أكثر مما لو صبر لاستحصال النتائج بحسب

الظرف الزمني الملائم.

ربما لمعرفته بعدم جدية العباس بن عبد المطلب وأبي سفيان بمبايعته بالخلافة

بقدر ما كان همهما –لاسيما أبو سفيان (3)- ايقاع الفتنة بين المسلمين.

لذلك رفض الإمام (علیه السّلام) القيام بالأمر ورأى ان الوقت غير مناسب، لأنه كان يعلم مدى تأثير الزمن في أي فعل وقد أشار إلى ذلك في مناسبة أخرى وهو

ص: 72


1- نهج البلاغة، ص 42 .
2- ينظر البحراني، شرح نهج البلاغة، 1/ 278 ؛ الخوئي، منهاج البراعة، 3/ 139 ؛ الخرساني، مفتاح السعادة، 4/ 25 .
3- ينظر البحراني، اختيار مصباح السالكين، ص 100 .

يوجه النصح لأصحابه، إذ قال:

(إلزموا الأرض، واصبروا على البلاء، ولا تحركوا بأيديكم وسيوفكم في هوى ألسنتكم، ولا تستعجلوا بما لم يعجله الله لكم)(1).

وهنا أمر أصحابه (علیه السّلام) بالصبر في مواطنهم وأن يكونوا ساكنين غير محاربين فيما إذا لم تتوفر فيهم شروط المحاربة مع أهل الباطل، وأن يصبروا على البلاء الذي ينزل بهم، فإن الصبر مفتاح الفرج، وليس خطابه (علیه السّلام) هو تثبيط لهم عن حرب أهل الشام كيف وهو ما يزال يقرعهم ويوبخهم عن التقاعس والإبطاء في ذلك، وإنما أراد انتظار الوقت المناسب لذلك (2).

ان هذه الصورة التي رسمها الإمام علي (علیه السّلام) في تأثير الوقت أو الزمن بأي حركة أو فعل نجدها قد تجلت في قيام الإمام الحسين (علیه السّلام)، فإنه (علیه السّلام) مع عدم رضاه على الحكم الأموي إلا أنه لم يقم بأي حركة إزاء معاوية تتجاوز المراتب الأولى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لاسيما بعد توقيع الهدنة بين الإمام الحسن (علیه السّلام) وبين معاوية، وبعد استشهاد الإمام الحسن (علیه السّلام) أيضاً لم يعلن قيامه ضد معاوية

لأنه لم ير مناسبة الزمان، على الرغم من ان كثيراً من الأنصار قد طلبوا منه ذلك، وقد جاءته كتب أهل العراق ومنها رسالة من جعدة بن هبيرة (3)، يطلب منه القدوم إلى الكوفة إلا أنه (علیه السّلام) أجابهم بقوله:

ص: 73


1- نهج البلاغة، ص 421 .
2- ينظر ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 13 / 113 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3/ 97 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 3/ 165 ؛ البدري، نزهة النظر، ص 756 .
3- جعدة بن هبيرة: بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي، أمه أم هانئ بنت أبي طالب، ولي خراسان زمن الإمام علي (علیه السّلام). ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب،240/1

(فليس رأيي اليوم ذلك، فالصقوا رحمكم الله بالأرض، واكمنوا في البيوت

واحترسوا من الظنة ما دام معاوية حيا، فإن يحدث الله به حدثاً وأنا حي كتبت

إليكم برأيي والسلام)(1).

يتضح من هذا النص ان الإمام الحسين (علیه السّلام) أشار إلى عدة مبادئ ودروس مهمة منها:

التزام العهود والمواثيق وذلك بعد أن وقع الإمام الحسن (علیه السّلام) الهدنة مع معاوية فإن الإمام الحسين (علیه السّلام) التزم تلك الهدنة.

رأى ان الوقت غير مناسب للقيام نتيجة لما بيناه في النقطة الأولى، وربما

لعدم توفر الأنصار الحقيقيين الذين يؤمنون بالقيام بعد، فضلاً عن معرفته (علیه السّلام) بشدة تسلط معاوية على الناس وخداعه لهم بالكثير من الأساليب الدعائية ومنثمّ فإن قيامه لن يترك أثراً مثلما لو أجل فيما بعد وهو الذي حدث عندما كان زمن يزيد بن معاوية.

ان الإمام الحسين (علیه السّلام) يعطي درساً مهماً في كيفية إطاعة الإمام، وذلك أنه على الرغم من ان بعضهم اعترض على الهدنة واعتبر الإمام الحسن (علیه السّلام) مذلاً للمؤمنين(2)، إلا أن الإمام الحسين قد أعطى درساً مهما في كيفية إطاعة إمام الزمان، وحتى بعد استشهاد الإمام الحسن (علیه السّلام) لم يخرق الإمام الحسين (علیه السّلام) تلك الهدنة على الرغم من انه كان إماماً مفترض الطاعة إلا أنه بقي محافظاً على ما رآه إمام زمانه في وقته، حتى نقضها الطرف الآخر معاوية بتولية ابنه الفاسق يزيد.

ص: 74


1- الدينوري، الأخبار الطوال، ص 222 . ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 152 .
2- ينظر: المفيد، الاختصاص، ص 82 ؛ ابن طاووس، اليقين، ص 26 .

الفصل الثاني: المعادلة التشخيصية لأنصار الحق وأنصار الباطل

اشارة

ص: 75

من المهم جداً معرفة صورة وصفات كل من أنصار جبهة الحق وأنصار جبهة الباطل، وبيان الصفات التي ميزت كلاً منهما، والتي جعلتهم ينالون الخلود كلاهما ولكن بشكل متعاكس، فبينما نال أنصار الحق الخلود الأبدي في

جنات الخلد مع الشهداء السعداء، بما امتازوا به من صفات جعلتهم ينالون

تلك الدرجة الرفيعة التي لا ينالها إلا المتقون والشهداء العارفون، نجد أنصار

جبهة الباطل أيضاً نالوا الخلود ولكن في نار جهنم مع الكافرين والخارجين

عن دين الله، وذلك لما اتسموا به من صفات جعلتهم مبعدين عن الرحمة الإلهية

ومجردين من معنى الإنسانية فارتكبوا ما ارتكبوه من جرائم بشعة بحق أهل البيت (علیهم السّلام) وعلى رأسها قتلهم لابن بنت رسول الله .(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

ص: 76

المبحث الأول: تشخيص صفات أنصار القيام

أولاً: نكران الذات:

ان من مقومات نجاح أي ثورة وجود الأنصار المؤمنين بها حقاً أشد الإيمان وعلى يقين تام بأنهم أصحاب حق، فإذا ما توفر مثل هؤلاء فمن المؤكد الحكم بالنجاح لتلك الحركة أو الثورة مادياً أو معنوياً، إلا أنه عندما نقلب صفحات التاريخ لم نجد أنصاراً على درجة عالية من اليقين والإيمان بقائدهم وثورتهم مثلما وجدنا أنصار الإمام الحسين (علیه السّلام)، فعلى الرغم من الصعوبة المترتبة على قيام

الإمام (علیه السّلام) والفشل المحتمل من الناحية المادية والحسابات العسكرية وحسب الظاهر، إلا أن هؤلاء الأنصار قد آمنوا بقائدهم وثورتهم واتبعوه، بنكران ذات يحتذى به(1).

لذلك نجد كثيراً من الصور المعبرة التي أوضحها وأوجدها الإمام علي (علیه السّلام) في النهج عمن يمتلك نكران الذات ومواصفات الأنصار المؤمنين بقضيتهم،

ص: 77


1- ينظر البوهلالة، موسوعة أنصار الإمام الحسين (علیه السّلام) صفحاته جميعاً.

وقد تجلت تلك الصور إلى حد بعيد على أنصار القيام، ومن ذلك قول الإمام (علیه السّلام) :

(ان أمرنا صعب مستصعب، لا يحمله إلا عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان،

ولا يعي حديثنا إلا صدور أمينة)(1).

ان الإمام (علیه السّلام) يشير إلى صعوبة أمر أهل البيت (علیهم السّلام) أي انه صعب بذاته، ويستصعبه الناس في قبالة الصعاب التي لا يستصعبها الإنسان، لما يرى لها من النتائج فإن النفس مجبولة على استسهال ما يرى الإنسان نتائجه الرابحة وإن كان صعباً بذاته، لا يحمله أي ذلك الأمر إلا عبد امتحن الله قلبه للإيمان، بمعنىأن الإيمان بالغ من قلبه مركز فيه، لأن الإيمان اذا صار ملكة الإنسان يتحمل الصعاب في سبيله (2).

أوضح الإمام (علیه السّلام) صعوبة أمر أهل البيت (علیهم السّلام) في حد ذاته، فكيف إذا كان الأمر فيه قيام ومواجهة عسكرية؟ وكل المعطيات تشير وكما بيّن ذلك الإمام الحسين (علیه السّلام) ان تلك المواجهة سوف تكون غير متكافئة عسكرياً وهو ما بدا ظاهراً للعيان، على الرغم من ذلك نجد ان أنصار القيام قد اتبعوا قائدهم وبذلوا أرواحهم دونه فالإيمان قد خالط أرواحهم وأبدانهم وصفاتهم فوصلوا إلى أكمل درجات الإيمان (3).

من هذا الباب استسهلوا الصعاب ونالوا وسام شرف الشهادة مع إمامهم،

ووصلوا إلى أعلى الدرجات الرفيعة في سلم الايمان بقيامهم فكان قول الإمام

ص: 78


1- نهج البلاغة، ص 417 .
2- الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 3/ 156 .
3- ينظر البوهلالة، موسوعة أنصار الإمام الحسين (علیه السّلام)، الفصل الخامس (المبحث الرابع) صفحاته جميعاً.

الحسين (علیه السّلام):

(لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي)(1)، ولهذا القول دلالات كبيرة لاسيما وإنه صادر من إمام معصوم، إذ انه يعني في جملة ما يعنيه إنهم أفضل الأنصار والأصحاب على مر تاريخ البشرية جمعاء.

ان قول الإمام الحسين (علیه السّلام) في حق أصحابه ما هو إلا تجسيد لما ذكره الإمام علي (علیه السّلام) عن أنصار القيام وذلك عندما مر الإمام (علیه السّلام) بأرض الطف وسأل عن اسم الأرض قيل له كربلاء، قال :(علیه السّلام)

(يقتل ها هنا قوم أفضل شهداء على وجه الأرض)(2).

هناك كثير من الشواهد (3) التي تشير إلى المكانة التي حصل عليها أنصارالقيام، ولم يحصلوا على تلك المكانة والدرجات الرفيعة لولا انهم قد أنكروا ذواتهم وتغلبوا على أهوائهم وباعوا الدنيا بالآخرة واتبعوا إمام زمانهم ،(علیه السّلام) وكل ذلك كان عن قناعة ورضا تامين، وإيمان بما سيقومون به، بل إنهم وصلوا إلى درجة اليقين بقيامهم وما سينالونه مع إمامهم.

تجلت وانطبقت عليهم صفات المتقين التي ذكرها الإمام علي (علیه السّلام) في النهج،

ص: 79


1- المفيد، الإرشاد، 2/ 91 . ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 317 ؛ الطبرسي، أعلام الورى، 1/ 455 ؛ ابن نما، مثير الأحزان، ص 38 .
2- ابن سعد، ترجمة الإمام الحسين (علیه السّلام)، ص 49 . ينظر: ابن عساكر، تاريخ دمشق، 14 / 221 ؛ ترجمة الإمام الحسين (علیه السّلام)، ص 341 .
3- أيضاً قال الإمام علي (علیه السّلام) في أرض كربلاء: (وآها لك من تربة ليقتلن بك قوم يدخلون الجنة بغير حساب). ينظر: ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين (علیه السّلام)، ص 343 ؛ ابن العديم، بغية الطلب، 2619/6 ؛ المزي، تهذيب الكمال، 6/ 411 ؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب، 2/ 301 .

إذ يصف الإمام (علیه السّلام) المتقين بقوله:

(نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء ولولا الأجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب

وخوفاً من العقاب، عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم، فهم

والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون)(1).

هنا بيّن الإمام (علیه السّلام) صفات المتقين وما ينتظرهم من أجر عظيم، فأشار (علیه السّلام) إلى أنهم في البلاء كالرجل الذي نزلت نفسه في الرخاء، أي نزلت أنفسهم في البلاء اختياراً وطوعاً دون إكراه، ويطيبون فيه قلباً مثل طيب قلب الذي نزلت نفسه في الرخاء، أي رجاؤهم لثواب الجنة لاستقراره وثباته بدرجة ثواب من دخل الجنة ورآها وتنعم فيها (2).

نجد ان هذه الصفات التي ذكرها الإمام (علیه السّلام) للمتقين قد انطبقت في أنصار القيام، وقد اتخذت عدة أشكال وصور من أبرزها:

لم يسجل لنا التاريخ ولا أية إشارة أو موقف يشير إلى أنّ الإمام الحسين (علیه السّلام) قد أخذ أحداً بالقوة لنصرته، وإنما جميع الأنصار الذين اتبعوه (علیه السّلام) كانوا عن عقيدة وإيمان منهم بالقيام لذلك، فإن أنفسهم نزلت في البلاء عن رضا ويقين دون إكراه أي اختياراً.

إنهم كانوا ونتيجة إيمانهم بالقيام وبقائدهم (علیه السّلام) مطمئنين أشد الاطمئنان وكأنما هم ذاهبون لغير الموت بل كأنهم كانوا في حال الرخاء ومن هذا نجد وفي

ص: 80


1- نهج البلاغة، ص 454 .
2- الراوندي، منهاج البراعة، 2/ 275 .

ليلة العاشر من محرم الحرام بريراً (1) يمازح عبد الرحمن (2) رغم ما ينتظرهم في

الصباح (3)، فأي اطمئنان هذا وأي يقين كانوا عليه؟!

كانوا يتلهفون إلى الموت ويسارعون اليه ويودون سرعة استشهادهم، ودليل

ذلك قول برير لعبد الرحمن وهو يتكلم عن الأعداء:

(ولوددت أنهم قد مالوا علينا بأسيافهم)(4)، أي انهم كانوا في شوق إلى الموت من أجل نيل الدرجات الرفيعة التي وعد بها المتقون، ولأن الخالق قد عظم في أعينهم فصغر ما دونه أمامهم.

ص: 81


1- برير بن خضير الهمداني المشرقي (بنو شرق بطن من همدان) كان برير شيخاً تابعاً ناسكاً قارئاً للقرآن من شيوخ القراء، وهو من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السّلام)، وكان من أشراف الكوفة من الهمدانيين، له كتاب القضايا والأحكام يرويه عن أمير المؤمنين (علیه السّلام) والإمام الحسن (علیه السّلام)، وله في يوم الطف قضايا ومواعظ تدل على قوة إيمانه وكماله منها قوله للإمام الحسين (علیه السّلام): والله يا ابن رسول الله لقد منَّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك فتقطع فيك أعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة، لذلك تقدم بين يدي الإمام الحسين (علیه السّلام) ونال شرف الشهادة معه. ينظر: ابن طاووس، اللهوف، ص 48 ؛ السماوي، ابصار العين، ص 121 ؛ النمازي، مستدركات، 2/ 20 .
2- عبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري الخزري وهو صحابي من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السّلام) من مخلصيهم، علمه مولانا أمير المؤمنين (علیه السّلام) ورباه وهو أحد الذين شهد له (علیه السّلام) في حديث غديرخم بعد أن أنكره المسلمون، وهو أحد رواة الحديث، التحق مع الإمام الحسين (علیه السّلام) ونال شرف الشهادة بين يديه. ينظر: ابن حجر، الإصابة، 4/ 276 ؛ السماوي، ابصار العين، ص 157 ؛ النمازي، مستدركات، 4/ 404 .
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 321 . ينظر: ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 60 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 193 .
4- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 321 . ينظر: ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 60 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 193 .

كانوا في شوق وحنين إلى الثواب من الله سبحانه وتعالى وتجسد هذا في كلام برير أيضاً مع عبد الرحمن في قوله:

(والله إني لمستبشر بما نحن لاقون، والله إن بيننا وبين حور العين إلا أن يميل

هؤلاء علينا بأسيافهم، ولوددت أنهم قد مالوا علينا بأسيافهم)(1).

أما الجنة التي أشار اليها الإمام علي (علیه السّلام) وكأن المتقين قد رأوها، فإن أنصار القيام قد رأوا الجنة بالفعل وذلك قبل أن ينالوا شرف الشهادة، وعلى هذا الأساس ومن الممكن أن نقول بأنهم من أفضل المتقين؛ لأن المتقين الذين أشار إليهم الإمام علي (علیه السّلام) بالقول كأنهم رأوا الجنة أي أنهم لم يروها بالفعل، بينما أنصار القيام قد رأوها بأم أعينهم بعد أن أراهم إياها الإمام الحسين (علیه السّلام)، والدليل على ذلك أن الإمام (علیه السّلام) وبعد أن امتحن أنصاره الامتحانات والاختبارات المتتالية قال لهم: ارفعوا رؤوسكم وانظروا فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجنة، وهو يقول لهم: هذا منزلك يا فلان وهذا قصرك يا فلان وهذه درجتك يا فلان، فكان الرجل يستقبل الرماح والسيوف بصدره ووجهه ليصل إلى منزله من الجنة (2).

هناك كثير من الأدلة والشواهد التاريخية وأقوال مأثورة عن أئمة أهل البيت (علیهم السّلام) (3) تشير إلى أن أنصار القيام قد رأوا منازلهم في الجنة قبل استشهادهم،

ص: 82


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 321 . ينظر: ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 60 ؛ ابنكثير، البداية والنهاية، 8/ 193 .
2- الراوندي، الخرائج والجرائح، 2/ 848 . ينظر: المجلسي، البحار، 44 / 298 .
3- إذ سئل الإمام الصادق (علیه السّلام) عن أنصار الإمام الحسين (علیه السّلام) وإقدامهم على الموت فقال: (إنهم كشف لهم الغطاء حتى رأوا منازلهم من الجنة، فكان الرجل منهم يقدم على القتل ليبادر إلى حوراء يعانقها وإلى مكانه من الجنة). ينظر: الصدوق، علل الشرائع، 1/ 229 .

وهذه المكانة لم ينالوها لولا أنهم تحملوا الصعاب وآمنوا بالقيام وأهدافه ومبادئه، لأنهم صفوة الأصحاب والإمام الحسين (علیه السّلام) قد اختبرهم في أكثر من

موضع لمعرفة مدى إيمانهم وعقيدتهم بالقيام.

وكان الإمام الحسين (علیه السّلام) يريد أن يحمل معه الأنصار المؤمنين بالقيام دون سواهم، وهذا الأمر متناغم تماماً مع كلام الإمام علي (علیه السّلام) في هذا المجال، إذ أرسل الإمام (علیه السّلام) في أحد الأيام كتاباً إلى أحد القادة يقول فيه:

(واستغن بمن انقاد معك عمن تقاعس عنك، فإن المتكاره مغيبه خيرٌ من

مشهده [شهوده] وقعوده أغنى من نهوضه)(1).

هنا يبين (علیه السّلام) الفلسفة وراء عدم الاستعانة بالكاره للقتال وهي ضرر وليس نفعاً لهم، إذ أشار (علیه السّلام) إلى أن المتكاره عدم حضوره خير من حضوره لأنه لا يقاتل عن جد واهتمام، وربما انهزم وولى الدبر في أثناء الحرب، وقتها عمله هذا يوجب التخاذل والوهن والضعف في العسكر، وإن حضوره يوجب المفسدة العظيمة التي هي تخاذل العسكر ووهنهم، وذلك أن الجهاد الحق لا يكون ولن يكون إلا بالإيمان والعقيدة، فقوة الإيمان وحدها تسوق الإنسان إلى الجهاد والاستشهاد، أما مع المشكك والمتثاقل فإنه يفرق الآراء ويصدع الصفوف والنتيجة الفشل والخسران، فعدم حضور الكاره خير من وجوده وغيابه خير من حضوره (2).

تجسد هذا في موقف الإمام الحسين (علیه السّلام) مع أنصاره إذ إنه (علیه السّلام) أجرى العديد من الاختبارات لأنصاره والذين اتبعوه، لأنه لم يكن يريد العدد وإنما النوع، أي

ص: 83


1- نهج البلاغة، ص 551 .
2- ينظر: الخوئي، منهاج البلاعة، 7/ 171 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3/ 387 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 3/ 434 .

انه (علیه السّلام) يريد أن يحمل معه فقط المؤمن بالقيام عن عقيدة ثابتة وإيمان راسخ لا من أجل مصلحة ذاتية دنيوية، فيسجل لنا التاريخ كثيراً من الخطب الاختبارية التي ألقاها (علیه السّلام) على من اتبعه من الأنصار، فمنذ أن خرج الإمام (علیه السّلام) من مكة المكرمة وبعد أن اتبعه كثير من الأنصار والمؤيدين حسب الظاهر قام الإمام (علیه السّلام) خطيباً إذ قال: (خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات (1) بين النواويس(2) وكربلاء فيملآن مني أكراشاً جوفاً)(3).

وكلام الإمام الحسين (علیه السّلام) عن الموت متوائم مع كلام الإمام علي (علیه السّلام) إذ قال:

(وأنتم طرداء الموت إن أقمتم له أخذكم، وإن فررتم منه أدرككم، وهو ألزم لكم من ظلكم، الموت معقود بنواصيكم)(4).

ص: 84


1- عسلان الفلوات: الذئاب، وعسلان كما يعسل الذئب إذ مشى مسرعاً وهز رأسه. ينظر: الفراهيدي، العين، 1/ 333 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 7/ 93 .
2- النواويس: جمع ناووس أي مقبرة النصارى. ينظر: ابن منظور، لسان العرب، 6/ 245 ؛ الزبيدي، تاج العروس، 9/ 26 . ويبدو ان كل مقبرة من مقابرهم تسمى بذلك ومنها المقبرة التي أشار إليها الإمام الحسين (علیه السّلام) والتي لم تحددها المصادر الجغرافية القديمة غير ان بعض المراجع حاولت تحديدها بالمنطقة الواقعة في أراضي ناحية الحسينية قرب نينوى. ينظر: الموسوي، مرقد الإمام الحسين (علیه السّلام)، ص 26 .
3- الحلواني، نزهة الناظر، ص 86 . ينظر: ابن نما، مثير الأحزان، ص 29 ؛ ذوب النضار، ص 30 ؛ ابن طاووس، اللهوف، ص 38 ؛ الأربلي، كشف الغمة، 2/ 239 ؛ الزرندي، معارج الوصول، ص 94 .
4- نهج البلاغة، ص 578 .

إن كلام الإمام الحسين (علیه السّلام) عن الموت متناغم مع كلام الإمام علي (علیه السّلام) عنه من أجل تركيز المطلب الذي يريده من الأنصار وهو الإيمان بالقيام –كما أشير سابقاً- وأهدافه ومبادئه، وقد استمر (علیه السّلام) في اختباراته، فإنه وبعد أن وصله خبر استشهاد ابن عمه مسلم بن عقيل (علیه السّلام) في منزل زبالة (1) قال لمن اتبعه:

(خذلنا شيعتنا فمن أحب الانصراف فلينصرف ليس عليه منا ذمام)(2)، فتفرقوا يميناً وشمالاً حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من مكة (3).

وهذا ما أراده الإمام (علیه السّلام) من خطابه وإخباره للذين اتبعوه عما جرى لمسلم ابن عقيل، فإن الذين تفرقوا عنه في الاختبار الثاني هم أنفسهم سمعوا الاختبار الأول ولكن لم يأخذوا الاختبار بالجدية، إلا انه في هذا الاختبار صار له واقع بتضحية مسلم بن عقيل وشهادته، وخابت ظنونهم وهذا مما لا يرغبه أهل الدنيا إذ قد يئسوا من المنصب والوجاهة الدنيوية فتفرقوا يميناً وشمالاً(4).

ومن هذا كانت تلك الخطب الاختبارية المستمرة للإمام الحسين (علیه السّلام) التي

ص: 85


1- زبالة: بضم أوله، وهو منزل معروف في طريق مكة من الكوفة وهي قرية عامرة فيها أسواق بين واقصة والثعلبية، فيها حصن جامع لبني غافرة من بني أسد، وسميت زبالة بزبلها الماء أي بضبطها له وأخذها منه. ينظر: البكري، معجم ما استعجم، 2/ 693 ؛ ياقوت الحموي، معجم البلدان، 3/ 123 .
2- ذمام: الحرمة أو كل حرمة تلزمك، أي ان الإمام (علیه السّلام) يعني بأنه ليس عليه حرمة إذا ما انصرف وتركنا. ينظر: الفراهيدي، العين، 8/ 179 ؛ الجوهري، الصحاح، 5/ 1926 ؛ ابن منظور، لسان، العرب، 12 / 221 .
3- ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 43 . ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 300 ؛ الفتال النيسابوري، روضة الواعظين، ص 179 ؛ النويري، نهاية الأرب، 20 / 415 .
4- ينظر البوهلالة، موسوعة أنصار الإمام الحسين (علیه السّلام)، ص 418 .

ألقاها على أصحابه من أجل حمل الصفوة المؤمنة من الأصحاب، كما بيّن الإمام علي (علیه السّلام) لأحد قادته، إذ ان كلام الإمام علي (علیه السّلام) كان واضحاً ومتجلياً في كثير من مراحل القيام ومبادئه، إذ نجد في بعض الأحيان أن التجلي مباشر كما في بعض خطب الإمام الحسين (علیه السّلام) وهذا ما حدث في الخطبة التي ألقاها الإمام (علیه السّلام) على أصحابه في كربلاء بعد أن رأى اختلال الميزان العسكري ورجحانه للعدو، إذ قام (علیه السّلام) بين أصحابه خطيباً:

(قد نزل ما ترون من الأمر وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها

واستمرت وولت حتى لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء)(1).

وهذه إشارة من الإمام (علیه السّلام) إلى تغير حال الدنيا وكيف أصبح حالها وهو كلام مباشر وهو معنى كلام الإمام علي (علیه السّلام) نفسه الذي وصف فيه الدنيا قائلاً:

(ألا وان الدنيا قد ولت حذاء [جذا] فلم يبقَ منها إلا صبابةُ كصبابة الإناء اصطبها صابها)(2)، يبين الإمام (علیه السّلام) هنا تغير حال الدنيا ولم يبق منها الا الصبابة أي بقية الماء في الإناء (3).

هنا إشارة إلى قلة الأولياء والأخيار الذين تقوم الدنيا بهم إلا نفر قليل وذلك لأنهم كانوا بمنزلة الماء في الإناء فكما أن قيمة الظرف بقيمة المظروف فكذلك الدنيا بقيمة ما فيها من أخيار (4).

ص: 86


1- القاضي النعمان، شرح الأخبار، 3/ 150 . ينظر: الطبراني، المعجم الكبير، 3/ 114 ؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين (علیه السّلام)314 ، ؛ الإربلي، كشف الغمة، 2/ 242 ؛ الطبري، ذخائر العقبى، ص 149 ؛ الذهبي، تاريخ الاسلام، 5/ 12 ؛ سير أعلام النبلاء، 3/ 310 .
2- نهج البلاغة، ص 95 .
3- ينظر ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2/ 368 .
4- الخرساني، مفتاح السعادة، 6/ 361 .

كان هذا المعنى واضحاً في كلام الإمام الحسين (علیه السّلام) مع أنصاره، إذ ان الإمام (علیه السّلام) أشار إلى تغير حال الدنيا ولم يبق فيها إلا القليل من الأخيار وفي جملة ما يعنيه هم أصحابه الذين كانوا معه، إذ انه (علیه السّلام) وبعد أن قام باختبارهم في أكثرمن موضع ومكان أطلق هذا الكلام بحقهم لأنهم يمثلون صفوة الأصحاب وأفضلهم، وقد نجحوا في جميع الاختبارات التي اختبرها إياهم إمامهم وعندما نجحوا بها كان هذا كلام الإمام (علیه السّلام) بحقهم.

استحقوا ذلك كيف لا وهم الذين انعكست وانطبقت عليهم كثير من الصفات التي ذكرها الإمام علي (علیه السّلام) عن أتباع أهل البيت (علیهم السّلام) وصفات المتقين الذين ذكرهم الإمام (علیه السّلام) لذلك نالوا أعلى الدرجات الرفيعة عند الله تعالى، ومكانة لا يضاهيها مكانة عند أهل البيت (علیهم السّلام) وإن هذا لم يأت من فراغ وانما نتيجة التضحيات الكبرى التي قدموها وتغلبهم على أهوائهم ونكران ذواتهم في سبيل إمامهم، لذلك نالوا هذا الشرف العظيم، ويكفيهم شرفاً نيلهم الشهادة مع الإمام الحسين (علیه السّلام) وهم يأنسون بالموت بين يديه.

ثانياً-الأنس بالموت

إن الموت هو سر الحياة وهو الذي يعطيها معناها ومغزاها وقيمتها وهو غاية المؤمن، الذي يكون في استعداد دائم لهذه اللحظة، لأنه وطّن نفسه على

ذلك، ولأنه قد عمّر لآخرته أكثر من دنياه، فهو في استعداد دائم لها، ويعد

خروجه من الدنيا إلى الآخرة هو السعادة الأبدية والاطمئنان وذلك امتثالاً

ص: 87

لقوله تعالى:«يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً »(1).

والسعادة تتحقق عند المؤمن بالموت ولقاء الله سبحانه لذلك نجد أمير المؤمنين (علیه السّلام) عندما ضربه ابن ملجم (2) قال:

(فزت وربِّ الكعبة)(3)، أي أن الإمام يعني في جملة ما يعنيه هو أن خروجه من هذه الدنيا ولقاءه الله تعالى هو الفوز العظيم والسعادة الأبدية التي كان الإمام (علیه السّلام) في استعداد دائم لها، لهذا نجده (علیه السّلام) لا يهاب الموت إذ قال لابنه الإمام الحسن (علیه السّلام):

(يا بني لا يبالي أبوك على الموت سقط، أم عليه سقط الموت)(4).

ص: 88


1- الفجر/ 27 - 28 .
2- ابن ملجم: عبد الرحمن بن ملجم المرادي الحميري، ادرك الجاهلية وهاجر في خلافة عمر بن الخطاب ثم صار من كبار الخوارج وهو أشقى هذه الأمة بالنص الثابت عن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بقتل الإمام علي (علیه السّلام) وكان في البدء من شيعة الإمام (علیه السّلام) وشهد معه صفين، ثم خرج عليه، فاتفق مع البرك بن عبد الله وعمرو بن بكير في مكة المكرمة على قتل الإمام علي (علیه السّلام) ومعاوية وعمر بن العاص، وقد تكفل هو بقتل الإمام (علیه السّلام)، وفعلاً قام بذلك في التاسع عشر من شهر رمضان سنة 40 ه. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 33 ؛ ابن حجر الإصابة، 5/ 85 ؛ الزركلي، الأعلام، 3/ 339 .
3- القاضي النعمان، شرح الأخبار، 2/ 442 ؛ الشريف الرضي، خصائص الأئمة، ص 63 ؛ ابن طاووس، الطرائف، ص 519 .
4- الطبرسي، تفسير جوامع الجامع، 1/ 130 . ينظر: الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، 1/ 297 ؛ الزيلعي، تخريج الأحاديث والآثار، 1/ 74 ؛ المدني الشيرازي، رياض السالكين، 5/ 352 .

إن الإمام (علیه السّلام) كان يأنس بالموت وقد أشار إلى ذلك في النهج حينما قال:

(والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه)(1)، وهنا شبه

الإمام (علیه السّلام) حبه وأنسه بالموت بأنه أحب إليه من أنس الطفل بثدي أمه، فكما ان الطفل لا يصل إلى لذته إلا بثدي أمه فكذلك الإمام (علیه السّلام) أشار إلى انه لا يصل إلى السعادة إلا بالموت، فكيف لا يأنس بالموت وهو سيد العارفين ورئيس أولياء الله بعد رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وان حب الموت والأنس به متمكن من نفوس أولياء الله تعالى لكونه وسيلة لهم إلى لقاء أعظم محبوب والوصول إلى أكمل مطلوب، وإذا كان آنس بالموت من الطفل بثدي أمه لأن محبة الطفل للثدي وأنسه به وميله إليه غريزةٌ حيوانيةٌ في معرض الزوال، فميله (علیه السّلام) إلى لقاء ربه والوسيلة اليه عقلي باق

فأين أحدهم من الآخر (2).

امتد هذا الأمر في كلام الإمام الحسين (علیه السّلام) وهو يصف أصحابه وثباتهم، وذلك بعدما سألته السيدة زينب (علیها السّلام) عن ثباتهم وعزيمتهم على الموت إذ قالت: (هل استعلمت من أصحابك نياتهم فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة (3)،

ص: 89


1- ص 42 .
2- ينظر: البيهقي، معارج نهج البلاغة، ص 87 ؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 1/ 279 ؛ اختيار مصباح السالكين، ص 101 .
3- يبدو ان السيدة زينب (علیها السّلام)، وبما أنها أحد أهم أركان القيام، قد تجلى لديها ما ذكره الإمام علي (علیه السّلام) عن غدر أهل الكوفة وذلك إذا ما حميت الحرب بقوله (علیه السّلام): )يا أهل الكوفة.. لا أحرار صدق عند اللقاء، ولا أخوان ثقة عند البلاء.. والله لكأني بكم فيما أخال أن لو حمس الوغى وحمي الضراب قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها(، نهج البلاغة، ص 203 ؛ وهنا أشار الإمام (علیه السّلام) إلى شدة انفراجهم عنه ورغبتهم في التفرق، فإن المرأة في حال المخاض أحب اليها من الطلق الانفراج فإذا طلقت استراحت ورجعت إليها نفسها، وهذا ما شبه به الإمام (علیه السّلام)أهل الكوفة، وهو ما وعته السيدة زينب (علیها السّلام) لذلك خشيت منه، فكلمت الإمام الحسين (علیه السّلام) عن أصحابه وثباتهم. ينظر: الخوئي، منهاج البراعة، 7/ 121

فقال لها: والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس(1) الأقعس(2) يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل إلى محالب أمه)(3).

تلاءم ما ذكره الإمام علي (علیه السّلام) عن أنسه وحبه للموت مع كلام الإمام

الحسين (علیه السّلام)، وقد أراد (علیه السّلام) من هذا الوصف لأصحابه على ما يبدو عدة أمور وغايات منها:

عدم رهبة أنصار القيام من الموت لما كانوا يحملونه من عقيدة وايمان راسخ،

ولأنهم كانوا واثقين من دخول الجنة، فهم في اشتياق اليها لذلك كانوا مسرورين بما سوف يلاقون، ودليل ذلك هو أن حبيب بن مظاهر (4) مزح فقيل له ليست هذه بساعة ضحك، قال: فأي موضع أحق من هذا بالسرور، والله ما هو إلا أن

ص: 90


1- الأشوس: الجريء على القتال الشديد. ينظر: ابن سيدة، المخصص، 1/ 59 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 6/ 116 .
2- الأقعس: الرجل المنيع والثابت من العز. ينظر: الجوهري، الصحاح، 3/ 964 ؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 5/ 109 ؛ الفيروز آبادي، القاموس المحيط، ص 241 .
3- المقرم، موسوعة مقتل الإمام الحسين (علیه السّلام)، ص 240 .
4- حبيب بن مظاهر: بن رئاب بن الأشتر بن جحوان الأسدي الكندي، تابعي من القادة الشجعان نزل الكوفة وصحب أمير المؤمنين (علیه السّلام) وشهد معه حروبه كلها، وكان من خاصته وحملة علومه، ثم كان من أصحاب الإمام الحسن (علیه السّلام)، وبعد هلاك معاوية كتب إلى الإمام الحسين (علیه السّلام) وأعلن رفضه البيعة ليزيد،، ولما ورد مسلم بن عقيل الكوفة استقبله حبيب، وثم التحق بالإمام الحسين (علیه السّلام) ونال شرف الشهادة بين يديه، وزاده شرفاً إلى شرفه هو سلام الإمام المنتظر(عجّل الله تعالی فرجه الشریف) في زيارة الناحية المقدسة. ينظر: ابن طاووس، اقبال الأعمال، 3/ 78 ؛ الزركلي، الأعلام، 2/ 166 ؛ الكوراني، قبيلة بني أسد، 5/ 37 .

تميل علينا هذه الطغام بسيوفهم، فنعانق الحور العين (1).

ليس من أخلاقهم الغدر بإمامهم لكونهم الصفوة من الأصحاب، ولأنه (علیه السّلام) كان واثقاً بهم كما أسلفنا.

عبر الإمام (علیه السّلام) عن حب أصحابه للموت بما عبر به الإمام علي (علیه السّلام) عن نفسه، وليس هم مثل الإمام علي (علیه السّلام) وإنما دليل حبهم للتضحية واستئناسهم بالموت وهم يضحون بأنفسهم دون إمامهم.

وبما ان كلام الإمام الحسين (علیه السّلام) متجلٍّ من كلام الإمام علي (علیه السّلام) عن حبه للموت، فإن حب الأصحاب للموت حب عقلي ومعرفي باق وليس حباً غريزياًكما أسلفنا في حب واستئناس الإمام علي (علیه السّلام) بالموت.

هناك كثير من المواقف لأهل بيت الإمام الحسين (علیه السّلام) وأنصاره تعبر عن حبهم للموت والسعادة بالشهادة، فعندما خاطب الإمام الحسين (علیه السّلام) القاسم ابن الحسن (علیه السّلام) قائلاً له: يا ابن أخي كيف الموت عندك؟ قال يا عم أحلى من العسل (2)، وهنا تعبير غاية في الروعة فكيف يكون الأنس بالموت إذا كان عند القاسم (علیه السّلام) أحلى من العسل؟!

اتبع هؤلاء الأنصار الإمام الحسين (علیه السّلام) على الرغم من الصعوبات والمخاطر التي كانت تعتري طريق قيامه (علیه السّلام)، طلباً للعاقبة ودار الآخرة فقد خفت عليهم جميع الصعاب، إذ أشار الإمام علي (علیه السّلام) إلى هذا المعنى بقوله:

(والحق كله ثقيل وقد يخففه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا أنفسهم

ص: 91


1- الطوسي، رجال الكشي، 1/ 293 . ينظر: الطبرسي، تفسير جوامع الجامع، 1/ 130 ؛ الأردبيلي، جامع الرواة، 1/ 178 ؛ المجلسي، البحار، 45 / 93 .
2- الخصيبي، الهداية الكبرى، 204 . ينظر: البحراني، مدينة المعاجز، 4/ 215 .

ووثقوا بصدق موعد الله لهم)(1).

أشار الإمام (علیه السّلام) إلى ان الله تعالى يجعل الحق خفيفاً على أقوام يطلبون العاقبة المحمودة في الآخرة، ويصبّون أنفسهم على اقتراف الآثام، وإنهم صدقوا بما وعدهم الله سبحانه من الجنان والثواب (2)، ولهذا فإن أنصار القيام كانت كل تصرفاتهم بهذا الاتجاه، وقد صبّوا أنفسهم وتحملوا الصعاب من أجل الوصول إلى السعادة الأبدية وجنات الخلد، وإنهم عدّوا كل ما نزل بهم من بلاء خيراً من عند الله، وقد أشار إلى ذلك برير عندما سئل كيف ترى صنع الله بك؟ فقال: (صنع الله والله بي خيرا) (3)، ولذلك كانوا يأنسون بالموت أنس الطفل بمحالب أمه.

ثالثاً-موقعهم من قلب الإمام (علیه السّلام)

اشارة

عندما يقدم انسان لإنسان آخر بشكل عام أية تضحية حتى وإن لم تكن كبيرة، فإن هذا الأمر يترك انطباعاً خاصاً لدى الإنسان الآخر، فكيف إذا كانت التضحية كبيرة وفيها نكران ذات وتقديم أغلى ما يملك الإنسان وهي النفس، وهذا حال أنصار القيام، فإنه من المؤكد أن هذا الأمر يترك أثراً كبيراً في قلب الإمام الحسين (علیه السّلام)؛ لأنهم قدموا أغلى ما يملكون في سبيله (علیه السّلام)، فلابد أن يكون

ص: 92


1- نهج البلاغة، ص 671 .
2- الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 4/ 182 .
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 328 . ينظر: ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 66 .

رده (علیه السّلام) مضاعفاً لما قدموه وهو الجواد الكريم.

حظي هؤلاء الأنصار بمكانة كبيرة في قلب إمامهم وقائدهم (علیه السّلام)، فكيف لا وهم الذين تميزوا بصفات جعلت مكانتهم تزداد لديه (علیه السّلام)، فهم المتقون الذين تجلت وانطبقت فيهم كثير من الصفات التي ذكرها الإمام علي (علیه السّلام)في النهج عن المتقين كما أسلفنا حينما قال:

(نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء، ولولا الأجل الذي

كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين، شوقاً إلى الثواب

وخوفاً من العقاب، فهم والجنة كمن قد رآها، فهم فيها منعّمون)(1).

أشار هنا الإمام (علیه السّلام) إلى بعض صفات المتقين الذين هم في البلاء كالرجل الذي نزلت نفسه في الرخاء، أي نزلت أنفسهم في البلاء اختياراً وطوعاً دون اكراه، ويطيبون به قلباً مثل طيب قلب الذي نزلت نفسه في الرخاء أي رجاؤهم لثواب الجنة واستقراره وثباته بدرجة ثواب من دخل الجنة ورآها وتنعم

فيها (2).

أنصار تلك صفاتهم كيف لا يأخذون مكانة من قلب قائدهم، وهو القائل بحقهم كما أسلفنا (لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي)(3)، ولهذا نجد أنّ الإمام علياً (علیه السّلام) يشير إلى صفات قوم يود اللحاق بهم، وقد انعكست تلك الصفات في أنصار القيام عندما قال الإمام (علیه السّلام) وهو مخاطب أصحابه:

ص: 93


1- ص 454 .
2- الراوندي، منهاج البراعة، 2/ 275 .
3- المفيد، الارشاد، 2/ 91 . ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 317 ؛ الطبرسي، أعلام الورى، 1/ 455 ؛ ابن نما، مثير الأحزان، ص 38 .

(ولوددت أن الله فرق بيني وبينكم، وألحقني بمن هو أحق بي منكم قوم والله

ميامين الرأي مراجيح الحلم، مقاويل بالحق، متاريك للبغي مضوا قدماً، على

الطريقة وأوجفوا على المحجة، فظفروا بالعقبة الدائمة والكرامة الباردة)(1)، على الرغم من ان الإمام (علیه السّلام) وحسب ما يشير النص يخاطب أقواماً قد مضوا، أي انه يخاطب الماضي إلا إننا نجد تناغم تلك الصفات وتجلياتها تنعكس كثيراً على أصحاب الإمام الحسين (علیه السّلام) لأن أغلب تلك الصفات تتوفر فيهم، ومما يؤيد ذلك هو أن الإمام علياً (علیه السّلام) قد أشار إلى هذا المعنى وكيف شهد فعله في وقته الحاضر به أقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء لم يأتوا إلى الدنيا بعد، وذلك حينما ظفر (علیه السّلام) بأصحاب الجمل وقد قال له بعض أصحابه: وددت أن أخي كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على أعدائك، فقال (علیه السّلام):

(أهوى أخيك معنا؟ قال: نعم. قال: فقد شهدنا، ولقد شهدنا في عسكرنا

هذا أقوامٌ (قوم) في أصلاب الرجال وأرحام النساء، سيرعف بهم الزمان،

ويقوى بهم الإيمان)(2).

أراد الإمام (علیه السّلام)ان محبته قائمة مقام حضوره والشهود من كان بعد في الإمكان أن يشهد نصرته إذ هو بمنزلة الحاضر، أي من كانت محبته ونيته (3)

معه، كانت غيبته تنوب عن حضوره، وانه (علیه السّلام) أكد حضور أخ القائل بالإشارة إلى من سيوجد من أنصار الحق الذابين عنه وعباد الله الصالحين الشاهدين

ص: 94


1- نهج البلاغة، ص 253 .
2- نهج البلاغة، ص 47 .
3- وهذا يتناغم مع قول الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): (إنما الأعمال بالنيات). ينظر: البخاري، صحيح البخاري، 2/1 ؛ ابن ماجة، سنن ابن ماجة، 2/ 14 ؛ أبي داود، سنن أبي داود، 1/ 4؛ البيهقي، السنن الكبرى، 1/ 41 .

معه (علیه السّلام) أيضاً، واستعار لفظ الرعاف وهو الدم الخارج من أنف الانسان ونسبه إلى الزمان لكونه من أسباب وجودهم، أي سيجود الزمان كما يجود الأنف

بالرعاف، وإنه سوف يأتي بهم على غير انتظار (1).

ان الإمام (علیه السّلام) تمنى أن يبدله الله بأحسن من أصحابه وذلك حينما دعا الله سبحانه قائلاً: (فأبدلني بهم خيراً منهم) (2)، ويجوز أن يكون ذلك في الدنيا، بأن يهيء الله قوماً صلحاء يجتمعون اليه(3)، وهنا تمنى الإمام (علیه السّلام) بأن يبدله الله سبحانه أفضل من أصحابه، وقد أشار (علیه السّلام) بنفسه إلى أفضلية أنصار القيام في

قوله (علیه السّلام) سالف الذكر عندما مر في كربلاء (يقتل ها هنا قوم أفضل شهداء على وجه الأرض)(4). وهذا تصريح مباشر من الإمام (علیه السّلام) يصف فيه أنصار القيام بأنهم أفضل الشهداء فكيف لا يود (علیه السّلام) أن يكون معهم وربما كوجود معنوي، لأن فكرة انصار القيام مترسخة حتى لدى أصحاب الإمام علي (علیه السّلام) ومنهم مثلاً سلمان المحمدي (رضی الله عنه) إذ قال عن كربلاء: (هذه مصارع أخواني، هذا موضع رحالهم، هذا مناخ ركابهم وهذا مهراق دمائهم)(5).

يدل وصف سلمان (رضی الله عنه) لهم بالأخوة على مكانتهم العظيمة ولاسيما ان

ص: 95


1- البيهقي، معارج نهج البلاغة، ص 93 ؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 1/ 288 ؛ اختيار مصباح السالكين، ص 105 ؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1/ 44
2- نهج البلاغة، ص 66 .
3- الراوندي، منهاج البراعة، 1/ 202 .
4- ابن سعد، ترجمة الإمام الحسين (علیه السّلام)، ص 49 . ينظر: ابن عساكر، تاريخ دمشق، 14 / 221 ؛ ترجمةالإمام الحسين (علیه السّلام)، ص 341 .
5- الطوسي، رجال الكشي، 1/ 74 ؛ المجلسي، البحار، 22 / 386 .

سلمان الذي قال في حقه الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): (سلمان منّا أهل البيت)(1)، لذلك فإن هؤلاء الأنصار يكون من النادر وجودهم، وإنه من الطبيعي أن تكون لهم مكانة

كبيرة في قلب قائدهم، ومن هذا الباب نجد أن الإمام علياً (علیه السّلام)عندما فقد ثلة من أصحابه الخلص يتأوّه عليهم ويسميهم بأسمائهم بعدما لم يجد توفر أمثالهم وصفاتهم لدى كثير من أتباعه ولهذا قال:

(أين اخواني الذين ركبوا الطريق، ومضوا على الحق؟ أين عمار (2)؟ وأين ابن التيهان (3)؟ وأين ذو الشهادتين (4)؟... أوه على أخواني الذين تلوا القرآن

ص: 96


1- الثقفي، الغارات، 2/ 823 ؛ المفيد، الاختصاص، ص 341 .
2- عمار: ابن ياسر بن كناية بن قيس، وأمه سمية بنت خياط، كان عمار وأمه ممن عذب في الله، ثم أعطاهم عمار ما أرادوه بلسانه وأطمأن قلبه بالإيمان، لذلك قال الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بحقه (حشى ما بين أخمص قدميه إلى شحمه أُذنه إيمانا)، وهو من المهاجرين الأولين وصلى القبلتين ثم شهد المشاهد كلها مع رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وتواترت الآثار عن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قوله: (تقتل عمار الفئة الباغية) وقد صحب أمير المؤمنين (علیه السّلام) حتى استشهد معه في صفين سنة 37 ه، ودفنه الإمام في ثيابه ولم يغسله. ينظر: ابن خياط، طبقات خليفة، ص 55 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 3/ 1135 ؛ ابن الأثير، أسد الغابة، 4/ 43 .
3- ابن التيهان: مالك بن التيهان بن مالك بن عبيد بن عمرو بن عبد الأعلم أبو الهيثم البلوي، وهو مشهور بكنيته، بايع الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وشهد معه المشاهد كلها، ومن ثم صحب أمير المؤمنين (علیه السّلام) وانكر تقدم أبي بكر عليه وشهد للإمام (علیه السّلام) بحديث غدير خم، وهناك خلاف في وفاته ببعض المصادر فبعضهم يذكر انه توفى سنة 20 ه أو 21 ه أو انه استشهد مع الإمام (علیه السّلام) في صفين سنة 37 ه، وهو الراجح والصحيح، وإلا لما ذكره الإمام (علیه السّلام) مع من استشهد في صفين، أما المشككون في شهادته فإنهم فعلوا ذلك لأنه صحابي جليل فأرادوا أن يبعدوه عن من استشهد مع الإمام في صفين. ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 3/ 1348 ؛ ابن الاثير، أسد الغابة، 5/ 318 ؛ المدني الشيرازي، الدرجات الرفيعة، ص 321 .
4- ذو الشهادتين: هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه، وأم خزيمة كبيشة بنت آوس، كان من أصحابالفصل الثاني المعادلة التشخيصية لأنصار الحق وأنصار الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وهو الذي أجاز النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) شهادته بشهادة رجلين في قصة معروفة، وذلك بعد أن شهد للرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في صدقه بحادثة دين مع يهودي دون أن يكون حاضراً تلك الحادثة، فقال له الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) كيف تشهد ذلك ولم تحضره وتعلمه، قال يا رسول الله، نحن نصدقك على الوحي من السماء فكيف لا نصدقك على إنك قضيته، لذلك أنفذ شهادته وسماه بذلك، وشهد المشاهد مع الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وصحب الإمام علياً j إلى أن استشهد معه في صفين. ينظر: ابن سعد، الطبقات، 4/ 378 ؛ البخاري، التاريخ الكبير، 3/ 206 ؛ الزمخشري، ربيع الأبرار، 2/ 460 .

فأحكموه، وتدبروا الفرض فأقاموه، أحيوا السنة وأماتوا البدعة، ودعوا للجهاد

فأجابوا، ووثقوا بالقائد فاتبعوه)(1).

استفهم الإمام (علیه السّلام) عن السلف الصالحين من أصحابه الذين ركبوا جادة الشريعة ومضوا على الحق، أي المعرفة والولاية ثم يستفهم الإمام (علیه السّلام) عن بعضهم بعينه وسماه بخصوصية لكونه من أعيان الصحابة، وأكابرهم مثل عمار وذي الشهادتين وابن التيهان، ومن ثم يتأوه عليهم لأنهم مضوا وهذا يدل على مكانتهم في قلبه، ويتوجع على تلك الصفوة من الصحابة الأخيار الذين عملوا بالكتاب واستسنوا بسنة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، واستشهدوا في صفين ووثقوا بالقائد، يعني نفسه الشريفة، فاتبعوه وافتدوه بأرواحهم مغتبطين مسرورين (2).

وإذا ما أمعنا النظر في كلام الإمام علي (علیه السّلام)، نجد ان هذا الأمر قد تجلى إلى حد كبير في موقف وكلام الإمام الحسين (علیه السّلام) وهو ينادي أصحابه بعد الاستشهاد، وذلك بعد أن استغاث وعندما لم يجد التأثير في قلوب الأعداء لذا فإن الإمام (علیه السّلام) توجه إلى الأجساد الطاهرة لأصحابه قائلاً: يا حبيب بن مظاهر،

ص: 97


1- نهج البلاغة، ص 393 .
2- الخوئي، منهاج البراعة، 10 / 362 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3/ 37 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 3/ 103 .

يا زهير بن القين (1)، ويا مسلم بن عوسجة (2)، وسمى كثيراً من أصحابه، ثمقال: يا أبطال الصفاء، ويا فرسان الهيجاء، مالي أناديكم فلا تسمعون؟ وأدعوكم فلا تجيبون؟ وأنتم نيام أرجوكم تنتبهون، فهذه نساء آل الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فقد علاهن بعدكم النحول فقوموا عن نومتكم أيها الكرام وادفعوا عن آل الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الطغاة

اللئام (3).

ص: 98


1- زهير بن القين: بن قيس الأنماري البجلي، كان رجلاً شريفاً في قومه نازلًا بالكوفة، شجاعاً له في المغازي مواقف مشهورة ومواطن مشهودة، انظم إلى الإمام الحسين (علیه السّلام) في الطريق إلى كربلاء، واستشهد معه في يوم العاشر من محرم بعد صلاة الخوف، وزاده شرفاً إلى شرفه هو تخصيصه من الإمام المنتظر (عجّل الله تعالی فرجه الشریف) بالسلام في زيارة الناحية إذ قال: (السلام على زهير بن القين البجلي القائل للحسين (علیه السّلام) وقد أذن لهم في الإنصراف: لا والله لا يكون ذلك أبداً، أترك ابن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أسيراً في يد الأعداء وأنجو لا أراني الله ذلك اليوم). ينظر عن أخباره: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 198 ؛ ابن طاووس، إقبال الأعمال، 3/ 77 ؛ السماوي، ابصار العين، ص 161 .
2- مسلم بن عوسجة: بن سعد بن ثعلبة، كان رجلاً شريفاً عابداً، وكان صحابياً ممن رأى رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وكان فارساً شجاعاً وهو من أبطال العرب في صدر الإسلام، وهو ممن كتب للإمام الحسين (علیه السّلام) من أهل الكوفة ووفى معه إذ التحق به مع أهله في كربلاء، وهو أول شهيد من الأنصار، وزاد شرفاً إلى شرفه تخصيصه بالسلام من الإمام المنتظر (عجّل الله تعالی فرجه الشریف) في زيارة الناحية إذ قال له: السلام على مسلم بن عوسجة الأسدي القائل للحسين (علیه السّلام) وقد أذن له بالإنصراف: (أنحن نخلي عنك وبم نعتذر عند الله من أداء حقك لا والله حتى أكسر في صدورهم رمحي هذا واضربهم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي ولو لم يكن معي سلاح اقاتل به لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك حتى أموت معك،... لعن الله المشتركين في قتلك). ينظر: ابن طاووس، اقبال الأعمال، 3/ 76 ؛ السماوي، ابصار العين، ص 107 ؛ الزركلي، الأعلام، 7/ 222 .
3- منفرد، قصة كربلاء، ص 369 . ينظر: أبو مخنف، مقتل الحسين (علیه السّلام)، ط 1، ص 93 .

يتبين من كلام الإمام الحسين (علیه السّلام) انه وبعد خذلان الناصر قد دعا أصحابه وناداهم بأسمائهم لذلك فإن التجلي قد اتخذ محورين في هذا الاتجاه:

المحور الأول- التجلي في شخص وموقف الإمام الحسين (علیه السّلام):

اتخذ التجلي في هذا المحور عدة صور وأشكال في موقف الإمام الحسين (علیه السّلام) وهو ينادي أصحابه ومنها:

إن الإمام علياً (علیه السّلام) أخذ يستفهم عن أخوانه وأصحابه بعد أن رأى خذلان القوم وقلة الأصحاب الحقيقيين، لأنه في مناسبة أخرى وهو يدعوهم للجهاد قال لهم:

(أيُها الناس المجتمعة أبدانهم المختلفة أهواؤهم)(1)، وذلك بعد أن رأى (علیه السّلام) تخاذل أنصاره عن مساندة الحق فيما يناصر الآخرين الباطل بالسلاح والأرواح، تألم وشكى ووبخ وأنّب وكان كلامه هذا بحق أصحابه (2)، أي انه كان يشكو من قلة الناصر ومن هذا الباب أخذ يستفهم عن أصحابه الخلص الحقيقيين، ونجد في الاتجاه نفسه أن الإمام الحسين (علیه السّلام) وبعد قلة الناصر وحين استشهد

أصحابه أخذ ينادي عليهم، إذ ان الموقف متشابه، ولكن حسب الظاهر ان

هنالك أنصاراً متواجدين مع الإمام علي (علیه السّلام)، أما مع الإمام الحسين (علیه السّلام) فكانوا مستشهدين، لكن الموقف نفسه لأن أنصار الإمام علي (علیه السّلام) الذين كانوا معه كانت أهواؤهم مختلفة وكان وجودهم من عدمه لا يغني شيئاً، أي حضور جسدي فقط، لذلك كان الإمام علي (علیه السّلام) يشكو من قلة الناصر أيضاً.

إن الإمام علياً (علیه السّلام) قد سمى أسماء بعينها من أصحابه، كذلك نجد الإمام

ص: 99


1- نهج البلاغة، ص 75 .
2- جورج جرداق، روائع نهج البلاغة، ص 16 .

الحسين (علیه السّلام) قد سمى أسماء محددة من أصحابه، وهذا لا يعني ان الآخرين الذين لم يسمهم ليس لديهم مكانة مهمة عند الإمام (علیه السّلام) وإنما نادى الإمام (علیه السّلام) بعضاً من أصحابه كأنموذج عن بقية الأصحاب.

ان استفهام الإمام علي (علیه السّلام) عن الثلة من أصحابه يدل على عظمة الذين مضوا ومكانتهم في قلب الإمام (علیه السّلام) مثلما نجد هذا التناغم أيضاً في موقف الإمام الحسين (علیه السّلام) وهو ينادي أصحابه، بما يدل على مكانتهم في قلبه (علیه السّلام)ومدى حبه لهم لذلك أخذ يناديهم حتى بعد استشهادهم.

إن استفهام الإمام علي (علیه السّلام) عن أصحابه وتأوهه عليهم يعطي درساً مهماً في وفاء القائد لأنصاره وعدم نسيانهم مهما كان الموقف، وهو ما نجده في موقف الإمام الحسين (علیه السّلام) مع أنصاره، إذ إنه في آخر اللحظات من حياته، وكيف يكون حال الإنسان في تلك اللحظات، فإنه (علیه السّلام) لم ينس أنصاره وأخذ يناديهم بأسمائهم وهذا قمة الوفاء لهم من قبل قائدهم، وإبراز لمدى مكانتهم وتضحيتهم لإمامهم.

المحور الثاني- التجلي في أنصار القيام:

إذا ما تتبعنا نص الإمام علي (علیه السّلام) رأينا بعض الإشارات التي أشار فيها (علیه السّلام) إلى أصحابه الذين مضوا، ولربما كانت السبب الرئيس في تأوه الإمام (علیه السّلام) عليهم، ولم يجد توفرها في أغلب الأصحاب الذين كانوا معه في الواقع، فعندما نتابع تلك الصفات لأصحاب الإمام علي (علیه السّلام) نجد في كثير منها ملامح أنصار القيام، ولربما هي التي دعت الإمام الحسين (علیه السّلام) لمناداتهم بعد استشهادهم ومنها:

إن الإمام علياً (علیه السّلام) يتأوه على أصحابه الذين تلو القرآن وأحكموه، وأنصار القيام كانوا من القراء وهم مواظبون على قراءة القرآن الكريم والعمل به (1) ،

ص: 100


1- ينظر: البوهلالة، موسوعة أنصار الإمام الحسين (علیه السّلام)، الفصل الخامس، المبحث الأول، صفحاته جميعهاً.

وكيف كان حالهم في ليلة العاشر من محرم، إذ إنهم قضوا الليل كله مع إمامهم، يصلون ويسجدون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون واستمروا في ذلك حتى الصباح (1).

يشير الإمام علي (علیه السّلام) إلى أن أصحابه تدبروا الفرض فأقاموه أي تفكروا في علل الواجبات وأسرار العبادات فواظبوا عليها وقاموا بها، تحصيلاً للغرض الأقصى منها، وهو الزلفى إلى الله سبحانه والقربى إلى رضوان الله تعالى وهو أشرف اللذات وأعلى الدرجات (2)، فإن هذه الصورة تجلت أيضاً في أنصار القيام وكيف إنهم مواظبون على فروضهم ولو فقط موقفهم في تلبية واجب الجهاد لكفى، إلا إنهم كانوا مواظبين في جميع اتجاهات العبادة، فمثلاً الصلاة التي استشهدوا من أجلها، فقد صلّوا يوم العاشر مع إمامهم في ساحة الحرب وذلك بعدما قال أبو ثمامة الصائدي (3) للإمام الحسين (علیه السّلام) أحب أن ألقى الله

وقد صليت فقال له الإمام (علیه السّلام):

ص: 101


1- ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 186 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 319 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 59 ؛ النويري، نهاية الأرب، 20 / 437 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 192 .
2- الخوئي، منهاج البراعة، 10 / 363 .
3- أبو ثمامة الصائدي: عمرو بن عبد الله بن كعب الصائدي، كان تابعياً من فرسان العرب، ووجوه الشيعة وأصحاب أمير المؤمنين (علیه السّلام) الذين شهدوا معه المشاهد كلها، ثم صحب الإمام الحسين (علیه السّلام)، وخرج اليه بعد مقتل مسلم بن عقيل ولقيه في الطريق وأتى معه إلى كربلاء واستشهد بين يديه، وزاد شرفاً إلى شرفه تخصيصه بالسلام من الإمام المنتظر عجل الله فرجه في زيارة الناحية المقدسة. ينظر: ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، ص 395 ؛ ابن طاووس، اقبال الأعمال، 3/ 79 ؛ القمي، الكنى والألقاب، 1/ 33 ؛ السماوي، إبصار العين، ص 119 .

(ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين نعم هذا أول وقتها)(1)،

وقد تقدم أمام الإمام الحسين (علیه السّلام) سعيد بن عبد الله الحنفي (2)، فأخذوا يرمونه بالسهام وكان يصدها عن الإمام الحسين (علیه السّلام) وهو يصلي فلما فرغ الإمام من صلاته سقط سعيد إلى الأرض شهيداً (3)، ألم يكن هذا إحياء لأهم فرض من فروض الإسلام؟ بل هو أوجبها، لذلك عندما يزار الإمام الحسين (علیه السّلام) يقال له: (أشهد أنك قد أقمت الصلاة )(4).

أشار الإمام علي (علیه السّلام) إلى أصحابه الذين استفهم عنهم بأنهم أحيوا السنةوأماتوا البدعة، فإن هذا تجلى أيضاً في أنصار القيام وذلك لأن –كما بينا سابقاً- احد أهم أهداف القيام هو إحياء السنة وإماتة البدعة، فكان الأنصار ضمن

هذا المشروع الإصلاحي.

يشير الإمام علي (علیه السّلام) إلى أن أصحابه الذين مضوا دعوا للجهاد فأجابوه أي

ص: 102


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 334 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 70 .
2- سعيد بن عبد الله الحنفي: كان من وجوه الشيعة في الكوفة وذوي الشجاعة والعبادة، فبعد أن جاء مسلم بن عقيل (علیه السّلام) إلى الكوفة ونزل دار المختار كان سعيد ممن خطب بالناس فحلف انه وطن نفسه على نصرة الإمام الحسين (علیه السّلام)، ثم بعثه مسلم بكتاب إلى الحسين (علیه السّلام) فبقي معه حتى استشهد في العاشر من محرم، وقد زاده شرفاً إلى شرفه تخصيصه بالسلام من الإمام المنتظر (عجّل الله تعالی فرجه الشریف) في زيارة الناحية المقدسة. ينظر: ابن طاووس، اقبال الأعمال، 3/ 77 ؛ السماوي، إبصار العين، ص 216 .
3- ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 334 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 70 ؛ ابن طاووس، اللهوف، ص 66 .
4- الكليني، الكافي، 4/ 574 ؛ ابن قولويه، كامل الزيارات، ص 378 ؛ الطوسي، مصباح المتهجد، ص 720 ؛ ابن البراج، المهذب، 1/ 285 .

أجابوا دعوة الجهاد ومنهم عمار بن ياسر الذي قال وهو خارج إلى صفين:

(اللهم وإني أعلم مما أعلمتني أني لا أعلم اليوم عملاً هو أرضى لك من جهاد

هؤلاء الفاسقين ولو أعلم اليوم أرضى لك منه لفعلته)(1).

أي انه كان واثقاً من أنه على الحق مع إمامه، أيضاً فإن أنصار القيام قد أجابوا

دعوة الجهاد والتحقوا بإمامهم وقال سعيد بن عبد الله للإمام الحسين :(علیه السّلام) (والله لا نخليك حتى يعلم الله إنا قد حفظنا غيبة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فيك)(2)، أي أنه أيضاً كان عارفاً، كما هم جميع الصحابة، إن الإمام على الحق لهذا رفض أن يتركه ونال جميع الصحابة شرف الشهادة بين يدي الإمام الحسين (علیه السّلام).

ذكر الإمام علي (علیه السّلام) ان الصحابة وثقوا بالقائد فاتبعوه، أي اتبعوا الإمام (علیه السّلام)فهذا الأمر أيضاً قد تجسد في أنصار القيام فقد اتبعوا قائدهم الإمام الحسين (علیه السّلام) رغم انه (علیه السّلام) قد أجرى عليهم الاختبار تلو الاختبار وقد نجحوا في تلك الاختبارات ووطنوّا أنفسهم على الشهادة لنيل الدرجات الرفيعة في جنة الخلد.

إن أنصاراً تلك صفاتهم كيف لا يناديهم إمامهم وقائدهم بعد استشهادهم؟!،

ولهذا جعل الإمام الحسين (علیه السّلام) قتلهم بمستوى قتل النبيين وأولادهم وذلك عندما كان يضع بعضهم إلى جنب بعض، ثم يقول: (قتلانا قتلى النبيين وآل

ص: 103


1- المنقري، وقعة صفين، ص 320 . ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 26 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3/ 308 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 5/ 253 ؛ الأربلي، كشف الغمة، 1/ 261 .
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 318 ؛ ابن الجوزي، المنتظم، 5/ 338 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 191 ؛ الدمشقي، جواهر المطالب، 2/ 283 .

النبيين)(1)، فكانوا خيرة الأنصار ولهم مكانة كبيرة في قلب الإمام (علیه السّلام)، فهم مسنده وهم العشيرة التي اتكل عليها بعد الله سبحانه، مع أهل بيته الأطهار (علیهم السّلام) الذين لم يستغنِ عنهم ولا يستغنون عنه لأن الشخص لا يستغني عن عشيرته مهما كان الظرف، أشار الإمام علي (علیه السّلام) إلى أهمية العشيرة بقوله:

(أيها الناس انه لا يستغني الرجل –وإن كان ذا مال- عن عترته [عشيرته]،

ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم، وهم أعظم الناس حيطة من ورائه وألمهم

لشعثه، واعطفهم عليه عند نازلة إذا نزلت به)(2).

أوضح الإمام علي (علیه السّلام) في هذا النص اهمية العشيرة وكيف هم سند الرجل في جميع الظروف والأحوال، إذ هم أعظم الناس حفظاً له وهم أعظم الناس في جمع أمره، فضلاً عن أنهم أعطف الناس له عند نازلة أي حادثة إذا نزلت به، فإنهم سوف يكونون السند الداعم له (3).

نجد ان تواؤم هذه الصورة التي أوضحها الإمام علي (علیه السّلام) عن اهمية العشيرة ودورها في حفظ كيان الرجل ووقوفها معه في أي شدة واضح في تصرفاتوتضحيات أهل بيت الإمام الحسين (علیه السّلام) وأنصاره في كربلاء، فهم كانوا من خيرة المساندين لقائدهم وضحّوا بأنفسهم دونه من أجل حفظ كيانه.

هناك كثير من المواقف التي تعبر عن مدى إخلاصهم لإمامهم (علیه السّلام) وإنهم خير من سانده في موقفه هذا، فعندما نأتي لأهل بيت الحسين (علیه السّلام) ولو نأخذ مثلاً

ص: 104


1- المجلسي، البحار، 45 / 80 ؛ البحراني، العوالم، ص 346 .
2- نهج البلاغة، ص 63 .
3- ينظر: المجلسي، مرآة العقول، 8/ 377 ؛ الخوئي، منهاج البراعة، 3/ 339 ؛ الخرساني، مفتاح السعادة، 5/ 42 .

فقط موقف أبي الفضل العباس (علیه السّلام) وإخوته، وذلك عندما رفضوا أن يتخلوا عن الإمام الحسين (علیه السّلام) عندما جاءهم شمر بن ذي الجوشن (1)وآمنهم إذا ما تخلوا عن الإمام (علیه السّلام) إلا ان أبا الفضل العباس (علیه السّلام) قال له: تبت يداك وبئس ما جئتنا به من أمانك يا عدو الله! أتأمرنا أن نترك أخانا وسيدنا الحسين ابن فاطمة (علیه السّلام)

وندخل في طاعة اللعناء وأولاد اللعناء؟ فرجع الشمر إلى معسكره مغضباً لما

سمعه من كلام أبي الفضل (علیه السّلام) ورفضه لأمانه (2) فأي سند هذا وأي تضحية؟ فالعباس (علیه السّلام) وأخوته رفضوا الأمان الذي كان من الممكن أن يكتب لهم الحياة في واقعة الطف من أجل الوقوف مع الإمام الحسين (علیه السّلام) في أصعب الظروف.

وفي موقف الأنصار وأهل البيت (علیهم السّلام) نجد الإمام الحسين (علیه السّلام) قد جمعهم في ليلة العاشر ثم أقبل عليهم فقال: (أما بعد فإني لا أعلم أصحاباً أصلح منكم

ص: 105


1- شمر بن ذي الجوشن: اسم أبيه شرحبيل ابن قرط الضبابي الكلابي، وهو من كبار قتلة الإمام الحسين (علیه السّلام)، كان أول أمره من ذوي الرياسة في هوازن، وكان في يوم صفين في جيش أمير المؤمنين (علیه السّلام)، إلا انه انقلب فيما بعد لأنه ابن زنا وذلك لأن امرأة ذي الجوشن خرجت من جبانة السبيع إلى جبانة كندة، فعطشت في الطريق فلقيت راعياً يرعى الغنم فطلبت منه الماء فأبى أن يعطيها إلا بالإصابة منها فمكنته فواقعها الراعي فحملت بشمر، وقد أشار إلىذلك الإمام الحسين (علیه السّلام) وهو يخاطب الشمر في يوم العاشر إذ قال له: (يا ابن راعية المعزى)، وكان الشمر أبرصاً أخذه المختار الثقفي واغلى له دهناً في قدر وقذفه فيها فتفسخ، وهناك من يقول قتله أبو عمرة أحد رجال المختار في خوزستان ورمى جثته إلى الكلاب. ينظر: الجاحظ، البرصان والعرجان، ص 129 ؛ الطبرسي، أعلام الورى، 1/ 458 ؛ ابن الأثير، اللباب في تهذيب الأنساب، 2/ 259 ؛ النمازي، مستدركات، 4/ 220 ؛ الزركلي، الاعلام، .175/3
2- باختلاف الألفاظ البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 183 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 315/4 ؛ ابن أعثم، الفتوح، 5/ 94 ؛ المفيد، الارشاد، 2/ 89 ؛ ابن الجوزي، المنتظم، 5/ 317 .

ولا أهل بيت أبر ولا أفضل من أهل بيتي فجزاكم الله جميعاً عني خيراً، وهذا

الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي

وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم فإنهم لا يريدون غيري)(1).

وعلى الرغم من ذلك فإنهم رفضوا جميعاً أن يتركوا الإمام الحسين ،(علیه السّلام)(2)

مع وجود الموت المحقق وربما قد يعتقد أنهم يلقون أنفسهم في التهلكة (3)، إلا أنهم رفضوا أن يتركوا إمامهم وقائدهم (علیه السّلام)، فأي سند هذا وأي عشيرة تصل إلى هذا الحد من التضحية وقد قال لهم الإمام الحسين (علیه السّلام) إنكم تقتلون غداً جميعاً فقالوا بأجمعهم الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك وشرفنا بالقتل معك، أولا ترضى

ص: 106


1- ابن طاووس، اللهوف، ص 55 . ينظر: المفيد، الارشاد، 2/ 91 ؛ الفتال النيسابوري، روضة الواعظين، ص 183 ؛ الطبرسي، اعلام الورى، 1/ 455 ؛ ابن شهر آشوب، المناقب، 3/ 284 ؛ ابن نما، مثير الأحزان، ص 38 ؛ أبو الفداء، المختصر في أخبار البشر، 1/ 191 .
2- ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 318 ؛ ابن مسكويه، تجارب الأمم، 2/ 75 ؛ ابن الجوزي، المنتظم، 5/ 338 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 58 ؛ النويري، نهاية الأرب، 434/20 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية؛ 8/ 191 .
3- لم يترك أنصار الحسين (علیه السّلام)وأهل بيته (علیهم السّلام) إمامهم على الرغم من أنهم قد يلقون أنفسهم في التهلكة وحرمة إلقاء النفس في التهلكة، فكان على الأقل الهرب عن مثل هذا السبب، فلا شك انهم عملوا مع الإمام الحسين (علیه السّلام) حتى لو أذن لهم بالتفرق، فإنه لم يكن يأذن لهم إلزاماً،وإنما أذن لهم جوازاً وإذا عرفوا منه وهو أميرهم وإمامهم ومصدر شريعتهم جواز البقاء والتعرض للقتل، إذن فقد سقط تكليفهم بذلك أمام الله سبحانه، فلم يبق أمامهم إلا البقاء وتحصيل المقامات التي ينالونها بالشهادة، وإن أذن الإمام (علیه السّلام) لهم كان من باب الامتحان لمعرفة درجة همتهم في نصرته، واستعدادهم للفداء من دونه. ينظر: الصدر، أضواء على ثورة الحسين (علیه السّلام)، ص 232 .

أن نكون معك في درجتك (1)؟

ولهذا كانوا خير من انطبق عليهم كلام الإمام علي (علیه السّلام) في النهج عن دور العشيرة ومساندتها للرجل، بذلك استحقوا ما نالوه من مكانة كبيرة في قلب الإمام الحسين (علیه السّلام) لما امتازوا به من صفات جعلتهم يستحقون تلك المكانة.

ص: 107


1- الخصيبي، الهداية الكبرى، ص 204 . ينظر: البحراني، مدينة المعاجز، 4/ 215 .

ص: 108

المبحث الثاني: تشخيص صفات أنصار جبهة الباطل

أولاً- التبعية للشيطان:

ان الشيطان من أشد أعداء الإنسان وهو السبب الرئيس في انحرافه، والذي

تكبر على الإنسان، وعلى الرغم من ذلك هناك كثير من البشر يتبعون خطوات

الشيطان رغم أن الله تعالى قد نهى عن ذلك في كثير من الآيات القرآنية ومنها

قوله عز وجل:

«وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ »(1).

وكذلك قوله تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ » (2).

وهنا نجد ان أحد الأسباب التي نُهي من أجلها الانسان عن اتباع خطوات

ص: 109


1- البقرة/ 168 .
2- النور/ 21 .

الشيطان أنه يأمر بالفحشاء والمنكر يعني القبائح والمنكر من الأفعال (1).

إن اتباع الشيطان يعني الانحراف بكل صوره، لذا نجد التوصيف الدقيق من الإمام علي (علیه السّلام) لأتباع الشيطان في قوله :(علیه السّلام)

(اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكا، واتخذهم له أشراكاً، فباض وفرّخ في صدورهم ودب ودرج في حجورهم، فنظر بأعينهم ونطق بألسنتهم، فركب بهم الزلل وزين لهم الخطل، فعل من قد شركه الشيطان في سلطانه، ونطق بالباطل على لسانه)(2).

أوضح الإمام (علیه السّلام) في هذا النص حال اتباع الشيطان إذ يشير (علیه السّلام) إلى أن هؤلاء اتخذوا الشيطان في جميع أمورهم مالكاً لها يأمرهم بها ويأتمرون، واتخذهم اشراكاً أي شركاء وجعلوا وسواسه قواماً لأمورهم فوضع البيض في صدورهم، هذا كناية عن استيطان الشيطان في قلوبهم، فإن الطير إذا باض وفرخ في مكان اتخذه وطناً لنفسه ومأوى يأوي إليه، وفرّخ في صدورهم أي دعاهم إلى الذنوب فأجابوه وتمكن ورسخ وسواسه في قلوبهم ومشى مشياً رويداً ثم كثيراً فيما بينهم، ولشدة اتحاده بهم وامتزاجه صار كمن ينظر بأعينهم وينطق بألسنتهم، أي صار الإثنان كالواحد، ولأن جميع أحواله معروفة في الفواحش، لذلك فهم لا ينظرون إلا إلى المحرمات ولا ينطقون إلا بالباطل فلسانهم يتكلم ولكن بإيحاء من الشيطان وإلقاء منه إليهم (3).

ص: 110


1- ينظر: الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، 7/ 420 ؛ الطبرسي، تفسير مجمع البيان، 7/ 234 ؛ الكاشاني، زبدة التفاسير، 4/ 488 .
2- نهج البلاغة، ص 44 .
3- ينظر: الراوندي، منهاج البراعة، 1/ 152 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1/ 228 ؛الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 1/ 87 .

هذه بعض من صفات اتباع الشيطان التي ذكرها الإمام علي (علیه السّلام) في النهج، إذ نجد في كثير من تلك الصفات تجلياً وانطباقاً على أنصار جبهة الباطل، وذلك لأنهم انحرفوا عن الدين الاسلامي الصحيح وعمّ يريده الله تعالى في تصرفاتهم كلها وقاموا بقتل الإمام الحسين (علیه السّلام)، وان أغلب تصرفاتهم وكلامهم كان من عمل الشيطان بهم، فلذلك أشار الإمام الحسين (علیه السّلام) إلى استحواذ الشيطان عليهم عندما خاطبهم (علیه السّلام) قائلاً:

(لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم، فتباً لكم ولما

تريدون، وإنا لله وإنا إليه راجعون، هؤلاء قوم كفروا بعد ايمانهم فبعداً للقوم

الظالمين)(1).

أشار الإمام (علیه السّلام) إلى استحواذ الشيطان عليهم مما أدى إلى كفرهم، وهذا متناغم مع تلك الصفات التي ذكرها الإمام علي (علیه السّلام) عن أتباع الشيطان الذين أصبح للشيطان الحاكمية عليهم في جميع تصرفاتهم وأفعالهم، ولهذا فإن أنصار جبهة الباطل هم أيضاً في المنهج والاتجاه نفسه من حيث التبعية للشيطان لأنهم اتبعوه فاستزلهم عن الدين الصحيح وهم بذلك حزب الشيطان، وكلام الإمام الحسين (علیه السّلام) مصداق لقوله تعالى:«اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ »(2).

إن أنصار جبهة الباطل هم حزب الشيطان الذين جمّل الشيطان لهم أفعالهم

ص: 111


1- ابن شهر آشوب، المناقب، 3/ 249 ؛ المجلسي، البحار، 45 / 6؛ البحراني، العوالم، ص 250 .
2- المجادلة/ 13

وحسنها لهم، فلو نأخذ موقف قائدهم العسكري في المعركة وهو عمر بن

سعد (1)، فهو خير دليل على ذلك، فعندما نهض لمحاربة الإمام الحسين (علیه السّلام) أخذ ينادي يا خيل الله اركبي وأبشري!! فركب الناس وزحفوا نحو الحسين ، (علیه السّلام)(2) ، ألم يزين الشيطان فعل عمر بن سعد هذا؟ فعلى أي شيء تركب خيل الله؟! هل

على ابن بنت نبيه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )؟! أم يجب أن تركب على من يرتد عن الدين الاسلامي ويخرج عن الأمة المحمدية؟! لكن إنما نطق بذلك لأن الشيطان قد زين له فعله وسوّغ له عمله.

ان هذا الموقف وهذا الكلام لم يأت من فراغ أو محل صدفة وإنما فكرته وتشخيصه ورد في كلام الإمام علي (علیه السّلام) في النهج وهو يحذر من الشيطان، فقد أشار (علیه السّلام) إلى ذلك قائلاً:

(واتخذوا التواضع مسلحة بينكم وبين عدوكم ابليس وجنوده، فإن له من

كل أمة جنوداً وأعواناً، ورجلاً وفرساناً )(3).

أشار الإمام (علیه السّلام) في كلامه هذا إلى أن للشيطان من كل امة جنوداً وأعواناً يتخذهم لمحاربة المؤمنين وهم رجال وفرسان أي جنود راكبون وجنود راجلون

ص: 112


1- عمر بن سعد: بن أبي وقاص بن أهيب بن عبد مناف، وأمه مارية بنت قيس، أمره عبيد الله بن زياد بقتال الحسين (علیه السّلام) بعد أن أطمعه بملك الري، أطاع بالخروج على الإمام الحسين (علیه السّلام) وكان قائد الجيش أي أحد القتلة الرئيسين الذين شاركوا في قتل الإمام الحسين (علیه السّلام) ولما غلب المختار بن أبي عبيدة على الكوفة قتل عمر بن سعد وبعث برأسه إلى الإمام السجاد (علیه السّلام) الذي فرح كثيراً بقتله وخر لله ساجداً. ينظر: ابن سعد، الطبقات، 5/ 168 ؛ الراوندي، الدعوات، ص 162 .
2- البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 184 . ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 315 ؛ المفيد، الارشاد، 2/ 89 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 190
3- ص 432 .

اتصفوا بصفته واستشعروا شعاره (1).

وبفعل حاكمية الشيطان عليهم قال عمر بن سعد يا خيل الله اركبي، فإنه من حيث يعلم أو لا يعلم هو من جنود الشيطان وأتباعه، وهم رجاله الآدميون

الذين جندهم لمحاربة المؤمنين المتقين وأي مؤمنين ومتقين قد قاتلوهم هم

الإمام الحسين (علیه السّلام) وأنصاره الذين يمثلون صفوة المتقين وأنصار الدين الإسلامي الحنيف.

إن أنصار جبهة الباطل وبعدما تبين لنا بأنهم أتباع الشيطان فقد اتصفوا بالكثير من الصفات التي لا تمت للإسلام بصلة، وقد أشار الإمام الحسين (علیه السّلام) إلى بعض تلك الصفات عندما خاطبهم (علیه السّلام) قائلاً:

(فقبحاً لكم، فإنما أنتم من طواغيت الأمة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب،

ونفثة الشيطان، وعصبة الآثام، ومحرفي الكتاب، ومطفئي السنن، وقتلة أولاد

الأنبياء)(2). إذ شخص الإمام الحسين (علیه السّلام) في كلامه عن أنصار جبهة الباطل

بعض صفاتهم، ومنها: انهم من طواغيت الأمة وشذاذ الأحزاب، ومن المعلوم ان شذاذ الأحزاب هم بقايا الذين كانوا على غير دين الإسلام وقد تحزبوا على رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

ص: 113


1- ينظر: البحراني، شرح نهج البلاغة، 4/ 257 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 186/3 .
2- المجلسي، البحار، 45 / 8. ينظر: ابن اعثم، الفتوح، 5/ 116 ؛ الطبرسي، الاحتجاج، 2/ 24 ؛ ابن حمدون، التذكرة، 5/ 211 ؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين، 318 ؛ تاريخ دمشق، 219/14 ؛ ابن العديم، بغية الطلب، 6/ 2588 ؛ ابن طاووس، اللهوف، ص 58 ؛ الأربلي، كشف الغمة، 2/ 229 .

وحاربوه (1)، أي انهم بعيدون كل البعد عن الإسلام ولذلك فإن من السهولة السيطرة عليهم من الشيطان والتحكم بأفعالهم وتصرفاتهم وفي كل ما قاموا به ضد الإمام الحسين .(علیه السّلام)

بما انهم بعيدون عن الإسلام فمن المؤكد نبذهم للكتاب يعني القرآن الكريم

بفعل سيطرة الشيطان عليهم ولأنه يتقاطع مع مصالحهم الدنيوية الضيقة ولهذا

كان هذا التشخيص من الإمام (علیه السّلام) لهذه الصفة عندهم.

ومن أهم صفاتهم هي تحريف القرآن عن معانيه وتحويلها عن مقاصدها الأصيلة بضروب من التأويلات الباطلة والوجوه الفاسدة (2)، وقد أشار إلى هذا المعنى الإمام الباقر (علیه السّلام) بقوله:

(وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده فهم يروونه ولا

يرعونه)(3).

ومن صفاتهم إنهم مطفئو السنن أي السنن المحمدية التي جاء بها الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والتي –كما بيّنا سابقا- كان من ضمن أهداف القيام هو إحياؤها بعد أن أماتها هؤلاء، لأنهم ابتعدوا أصلاً عن الدين الإسلامي، ولأنهم انطبقت عليهم صفات أتباع الشيطان التي أشار إليها الإمام علي (علیه السّلام) في النهج، وبما ان الشيطان عدو الدين فإن أتباعه يكونون ضمن هذا الاتجاه العدائي للدين والرسالة المحمدية الأصيلة.

ص: 114


1- ينظر: العاملي، مختصر مفيد، 8/ 122 .
2- العاملي، حقائق هامة حول القرآن الكريم، ص 55 .
3- الكليني، الكافي، 8/ 53 ؛ الكاشاني، المحجة البيضاء، 2/ 264 ؛ المجلسي، مرآة العقول، .115/25

بينت صفات أنصار جبهة الباطل أنهم بعيدون كل البعد عن القيم الإنسانية

والأخلاقية، لذلك فإن هؤلاء كانوا عبيداً للشيطان ولم يكونوا أحراراً وقد أكد

الإمام الحسين (علیه السّلام) هذا المعنى عندما خاطبهم قائلاً:

(يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا

أحراراً في دنياكم)(1).

وهذه الصفات التي اتصف بها أنصار جبهة الباطل تندرج كلها ضمن صفات أتباع الشيطان التي بيّنها الإمام علي (علیه السّلام) في النهج، والتي انطبقت

بوضوح على أنصار يزيد بن معاوية، مثلما انطبقت على سيدهم معاوية، إذ

وصفه الإمام علي (علیه السّلام) قائلاً:

(فإنما هو الشيطان يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن

شماله)(2).

أليس هذا هو الشيطان بعينه؟! وقد عبر الشيطان عن نفسه بهذا الكلام

عندما خاطب رب العالمين أن يبقيه إلى يوم القيامة مبيناً سبب ذلك بقوله:

« لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ »(3).

أي إفساد أمر دينهم بتزيين الضلال وتحسينه الشبهة ومن ثم تهوين أمر

ص: 115


1- ابن عنبة، عمدة الطالب، ص 7. ينظر: ابن سعد، ترجمة الإمام الحسين (علیه السّلام)، ص 74 ؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 202 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 344 ؛ ابن اعثم، الفتوح، 117/5 ؛ أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص 79 ؛ ابن مسكويه، تجارب الأمم، 2/ 79 .
2- نهج البلاغة، ص 629 .
3- الأعراف/ 17 .

الآخرة وتغليب الشهوات على القلوب (1).

إذا ما قارنا كلام الشيطان عن نفسه مع أوصاف معاوية التي ذكرها الإمام علي (علیه السّلام) لا نجد فرقاً بين الطرفين –معاوية والشيطان- ومن هذا كان أنصار

جبهة الباطل بحق أتباع الشيطان وأعوانه، الذين اجتمعوا على باطلهم وأرادوا

من ذلك الدنيا يقابله ضياع الآخرة، وذلك عن طريق قتل ابن بنت نبيهم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) للحصول على ما وعدوا الحصول عليه من جوائز، وبذلك لم يتعظوا بواعظ ولم ترأف قلوبهم لآل النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وكانت قلوبهم كالحجارة فاجتماع الباطل يولد إماتة القلب.

أشار الإمام علي (علیه السّلام) إلى أحد أسباب موت القلوب وهو الاجتماع على الباطل عندما وصله خبر غزو مدينة الأنبار (2) بجيش معاوية، فقد قام خطيباً (علیه السّلام):

(والله يميت القلب ويجلب الهم من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم)(3) ، وهنا بيّن الإمام علي (علیه السّلام) باطل معاوية وأتباعه، وان اجتماعهم هذا على الباطل وادعاءهم ما ليس لهم مثل الخلافة والاستقلال في الإمارة وسائر أعمالهم قد

ص: 116


1- ينظر الطبري، جامع البيان، 8/ 179 ؛ النحاس، معاني القرآن، 3/ 17 ؛ الجصاص، أحكام القرآن، 3/ 39 ؛ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، 4/ 365 ؛ ابن شهر آشوب، متشابه القرآن ومختلفة، 1/ 19 .
2- الأنبار: مدينة على الفرات غربي بغداد بينهما عشرة فراسخ، كان أول من عمرها سابور ذو الأكتاف ثم جددها أبو العباس السفاح أول الخلفاء العباسيين، وكان يقال لها الأهراء ولما دخلتها العرب عربتها فقالت الأنبار، وقد فتحت عام 12 ه في خلافة أبي بكر. ينظر: البكري، معجم ما استعجم، 1/ 197 ؛ ياقوت الحموي، معجم البلدان، 1/ 257 .
3- نهج البلاغة، ص 71 .

أمات قلوبهم (1).

نجد هذا الامر قد ظهر على أتباع الشيطان ممن وقفوا ضد الإمام الحسين (علیه السّلام) فقد اجتمعوا على باطلهم وهو قتال الحسين (علیه السّلام) مع انه (علیه السّلام) يمثل الحق والشرعية في كل شيء، ولكن قلوبهم قد قست إذ أخذوا لا يفقهون شيئاً ولا يتعظون بواعظ، وهذا أحد الآثار المترتبة نتيجة الاجتماع على الباطل كما بيّنها الإمام علي (علیه السّلام) في النهج، ونجد هذا الأمر في أنصار جبهة الباطل ضد الإمام الحسين (علیه السّلام) فقد كان يخاطبهم ويقولون ما ندري ما تقول (2).

فلم يكونوا يفقهون ما يقولُ الإمام (علیه السّلام) نتيجة موت قلوبهم، ومن صفاتهم في هذا المجال:

طبع على قلوبهم نتيجة اجتماعهم على الباطل واتباعهم الشيطان الذي أعمى

بصرهم وبصيرتهم وهذا متلائم مع صفات أنصار واتباع الشيطان التي بينها الإمام علي (علیه السّلام) في النهج، ويؤكد ذلك كلام حبيب بن مظاهر الأسدي (رضوان الله عليه) مع شمر بن ذي الجوشن عندما كلم الإمام الحسين (علیه السّلام) القوم، قال له شمر: وهو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول، فقال له حبيب بن مظاهر: والله اني لأراك تعبد الله على سبعين حرفاً وأنا أشهد انك صادق ما تدري ما يقول قد طبع على قلبك (3).

ص: 117


1- الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 1/ 153 .
2- اليعقوبي، التاريخ، 2/ 244 .
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 323 . ينظر: المفيد، الإرشاد، 2/ 98 ؛ الطبرسي، أعلام الورى، 1/ 459 ؛ الخوارزمي، مقتل الحسين 358/1 ،(علیه السّلام) ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، .62/4 .

أكلهم الحرام وهذا كان له أثر وضعي في عدم تقبلهم للوعظ من الإمام

الحسين (علیه السّلام) لذلك خاطبهم قائلاً:

(فقد ملئت بطونكم من الحرام وطبع على قلوبكم)(1)، إذ انه على الرغم من الخطب الكثيرة التي ألقاها (علیه السّلام) في يوم العاشر إلا أنها لم تؤثر فيهم كثيراً.

مثّل هؤلاء الامتداد الطبيعي لأتباع الشيطان الذين أشار إليهم الإمام علي (علیه السّلام) في النهج، وكذلك أصحاب القلوب الميتة الذين اجتمعوا على الباطل،

لتطابق صفات أولئك مع أنصار جبهة الباطل.

ثانياً- عصيان الله تعالى

إن الله سبحانه وتعالى قد أنعم على الانسان بشتى أنواع النعم التي جعلته

مميزا عن سائر المخلوقات الأخرى، من أهم تلك النعم هي نعمة العقل التي

وهبها الله تعالى إلى الانسان مما جعله يميز بين مختلف الأشياء، وهناك كثير من الناس كالأنعام خرجوا من عز عبادة الله سبحانه إلى ذل عبادة المخلوق فهم كالأنعام كما أشار الله عز وجل إلى ذلك في قوله جلت قدرته:«أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا »(2).

إن مثل هؤلاء قد عصوا الله بعبادتهم التي عمت بصيرتهم وبصرهم وباعوا آخرتهم بدنياهم، ونجد توصيفاً دقيقاً لحال هؤلاء ولدنياهم من الإمام علي ،(علیه السّلام)

إذ يقول: (أقبلوا على جيفة قد افتضحوا بأكلها، واصطلحوا على حبها، ومن عشق

ص: 118


1- المجلسي، البحار، 45 / 8؛ البحراني، العوالم، ص 252 .
2- الفرقان/ 44 .

شيئاً أعشى [أعمى] بصره، وأمرض قلبه، فهو ينظر بعين غير صحيحة، ويسمع

بأذن غير سمعية، قد خرقت الشهوات عقله، وأماتت الدنيا قلبه، وولت عليها

نفسه، فهو عبد لها، ولمن في يديه شيء منها، حيثما زالت زال اليها، وحيثما أقبلت أقبل عليها، لا ينزجر من الله بزاجر، ولا يتعظ منه بواعظ)(1).

هنا وصف دقيق للدنيا ولمن يتبعها على حساب آخرته، إذ يظهر من كلام الإمام (علیه السّلام) كثير من صور ومعاني الدنيا وأتباعها الذين عصوا الله منها:

وضاعة الدنيا وخساستها وإلا كيف تكون لها قيمة وقد وصفها الإمام (علیه السّلام) بالجيفة، في بيان حالها (2).

أوضح الإمام (علیه السّلام) ان الذي يحب الدنيا ويعشقها سوف تترتب عليه كثير من الآثار والسلبيات التي تؤدي إلى الخروج عن طاعة الله ومعصيته.

إنّ أهل الدنيا لكثرة حبهم لها وفرط رغبتهم فيها قصرت أبصارهم عن النظر إلى أخراهم، ومرضت قلوبهم عن التوجه إلى عقباهم، ونتيجة حبهم لها فهم ينظرون بعين غير صحيحة ويسمعون بأذن غير سمعية لغفلتهم عمن

سواها (3).

بيّن الإمام (علیه السّلام) إنّ هؤلاء عبيد الدنيا عصاة لله تعالى قد خرقت الشهوات عقولهم، وبيّن ان الثوب زينة الانسان وهو الذي يحميه من الحر والبرد فكذلك العقل يحميه من حر الجحيم إلا إنّ هؤلاء قد خرقت عقولهم، وأماتت الدنيا قلوبهم (4).

ص: 119


1- نهج البلاغة، ص 231 .
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7/ 207 ؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 3/ 62 .
3- الخوئي، منهاج البراعة، 7/ 231 .
4- ينظر: الخوئي، منهاج البراعة، 7/ 232 .

أشار الإمام (علیه السّلام) أيضاً إلى أنّ هؤلاء قد ولهوا بالدنيا وفتنوا بها فهم عبيد لها ولمن في يديه شيء منها، لذلك فهؤلاء يزيلون مع الدنيا حيث زالت، ومن هذاالباب فهم لا يتعظون بواعظ لأن عقولهم ممزقة وقلوبهم ميتة وأهواءهم مع الدنيا حيث ما كانت يكونون.

إن هذه الصورة التي بينها الإمام علي (علیه السّلام) عن الدنيا وأتباعها وما حالهم وكيف انهم يخرجون من طاعة الله وعبادته إلى طاعة الدنيا وعبادتها على حساب دينهم وبيع آخرتهم بدنياهم، نجدها قد انطبقت على أنصار جبهة الباطل ممن قتلوا الحسين (علیه السّلام)، فقد أطاعوا أهواءهم وعبدوا الدنيا على حساب عبادة الله تعالى، وهذا الانطباق في عدة أشكال وصور منها:

انهم عبيد الدنيا وأتباعها ولعل الإمام الحسين (علیه السّلام) أشار إلى هذا المعنى بقوله (علیه السّلام):

(الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درت معائشهم،

فإذا محصّوا بالبلاء، قلّ الديانون)(1)، وهذا ينسجم مع قول الإمام علي (علیه السّلام) في ذم أصحابه إذ قال: (وصار دين أحدكم لعقة على لسانه)(2)، أي يصبح الدين عندكم مجرد شعارات وانه في اللسان لا في القلب، وقد استعار (علیه السّلام) لفظ اللعقة وهي الشيء القليل الذي يأخذ بالملعقة من الإناء ليصف فيها دينهم بالنزرة والقلة كتلك اللعقة (3)، وهذا ما وجده الإمام الحسين (علیه السّلام) عند أنصار جبهة

ص: 120


1- الحراني، تحفة العقول، ص 245 . ينظر: الحسين، التحفة العسجدية، ص 7؛ ابن العديم، بغية الطلب، 6/ 613 ؛ المجلسي، البحار، 44 / 383 .
2- نهج البلاغة، ص 245 .
3- ينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7/ 249 ؛ الطريحي، مجمع البحرين، 5/ 233 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2/ 183 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 2/ 213 .

الباطل فضلاً عن عبادتهم الدنيا التي أشار إليها الإمام (علیه السّلام).

إن هؤلاء قد أقبلوا على الدنيا التي عبر عنها الإمام علي (علیه السّلام) بالجيفة، وباعوا آخرتهم واتبعوا أهواءهم من أجل طاعة الدنيا على حساب طاعة الله تعالى، ويوضح موقف قائدهم العسكري عمر بن سعد من قتل الحسين (علیه السّلام) ذلك،فعندما كلف بمهمة قتله أخذ يخير نفسه بين الجنة والنار أي بين معصية الله سبحانه بقتل الإمام (علیه السّلام) أو إطاعة الدنيا والحصول على الجائزة التي وعد بها، وجسّد ذلك بقوله (1): (2)

فوا الله ما ادري وإني لواقف*** أفكر في أمري على خطرين

أأترك ملك الري والري منيتي*** أم أرجع مأثوماً بقتل حسين

ففي مثله النار التي ليس دونها*** حجاب وملك الري قرة عيني

وعلى الرغم من معرفته بمصير من يقتل الإمام (علیه السّلام) عصى الله عز وجل وقام بقتله (علیه السّلام) من أجل ملك الري.

ان الصورة التي بينها الإمام علي (علیه السّلام) عن ان هؤلاء عصاة الله سبحانه قد

ص: 121


1- الري: مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام المدن وهي محط الحاج على طريق السابلة، وقصبة بلاد الجبل، بناها فيروز بن يزدجر وسماها رام فيروز، ثم ذكرت باسم الري، وليس بعد بغداد في المشرق أعمر منها، وهي قريبة إلى خراسان ولها مدن كبرى كل واحدة أكبر من مدينة. ينظر: البكري، معجم ما استعجم، 2/ 690 ؛ ياقوت الحموي، معجم البلدان، 3/ 116 .
2- ابن شهر آشوب، المناقب، 3/ 248 . ينظر: ابن أعثم، الفتوح، 5/ 96 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 53 ؛ الشافعي، مطالب السؤول، ص 401 ؛ الحلي، منهاج الكرامة، ص 35 ؛ اليافعي، مرآة الجنان، 1/ 107 .

خرقت عقولهم نتيجة حبهم للدنيا نجدها انطبقت على أنصار الباطل، فأي

عقول لهم وهم يقتلون مثل الإمام الحسين (علیه السّلام)؟! والأشد من ذلك كانوا يرون أنفسهم أصحاب حق والإمام (علیه السّلام) –حاشاه- هو صاحب الباطل فأي عقول تلك التي لديهم، وهناك مواقف تدل على خفة عقولهم منها انه في ليلة العاشر من محرم أقبل شمر بن ذي الجوشن في منتصف الليل ومعه جماعة من أصحابه، حتى تقارب من عسكر الإمام الحسين (علیه السّلام) والإمام (علیه السّلام) قد رفع صوته وهو يتلو هذه الآية:«وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ*مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ....»(1) إلى آخر الآية فصاح أحد أصحاب

الشمر نحن ورب الكعبة الطيبون وأنتم الخبيثون! وقد ميزنا منكم، لذلك رد

عليه برير رداً جميلاً بقوله:

(ما أنت إلا بهيمة لا تعقل فأبشر بالنار يوم القيامة والعذاب الأليم)(2).

أشار الإمام علي (علیه السّلام) إلى ان عصاة الله عبيد الدنيا لا يتعظون بواعظ فإذا ما أخذنا ظاهر كلام الإمام (علیه السّلام) نجد انه ينطبق على قتلة الحسين (علیه السّلام)، لأن الإمام الحسين (علیه السّلام) كثيراً ما وعظ هؤلاء إلا إنهم لم يتعظوا من الله بواعظ، على الرغم من انه (علیه السّلام) قد ألقى العديد من الخطب الواعظة يوم العاشر من أجل إلقاء الحجة عليهم، ومنها قوله (علیه السّلام):

ص: 122


1- آل عمران/ 178 - 179 .
2- ابن أعثم، الفتوح، 5/ 99 . ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 320 ؛ المفيد، الإرشاد، 95/2 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 192 .

(يا أهل العراق –وجلّهم يسمعون- أيها الناس إسمعوا قولي ولا تعجلوا

حتى أعظكم بما يحق لكم علي، وحتى أعذر إليكم)(1).

ثالثا- الانتساب السلبي:

إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وبيّن له الحق من الباطل وأرسل النبيين

مبشرين ومنذرين من أجل هداية الناس إلى الطريق الحق وعبادته عز وجل،

ومن ثمَّ الوصول إلى مرضاته جلت قدرته لكي ينالوا الدرجات الرفيعة عند الله

تعالى، إلا انه على الرغم من ذلك نجد الكثيرين ممن يبتعدون عن الطريق الحق في الأمة الإسلامية، فبعد أن استشهد النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بيّن لنا التاريخ كيف انقلبت امته على الأعقاب وخالفوا وصيته بسلب الخلافة من الخليفة الشرعي الإمام علي (علیه السّلام)(2) الذي صبر من أجل الحفاظ على الاسلام والكيان الديني ومن أجل الحفاظ على الرسالة المحمدية، فالوضع لم يكن سانحاً للقيام بأي عمل أو حركة ضد المنقلبين على الأعقاب (3).

بعد أن تسلم الإمام (علیه السّلام) الخلافة كان هناك كثير من المتمردين ضده، وقد شهد عهده (علیه السّلام) ثلاث حروب وهي الجمل وصفين والنهروان، فأصحاب تلك الحروب ضربت مصالحهم لأن منهج الإمام (علیه السّلام) لا يتوافق معهم، فتمردوا عليه (علیه السّلام) وكان معاوية محركاً لذلك وقد جمع حوله المنافقين وغيرهم من شتى

ص: 123


1- المفيد، الإرشاد، 2/ 97 . ينظر: الطبرسي، أعلام الورى، 1/ 458 ؛ الشامي، الدر النظيم، ص 552 ؛ المجلسي، البحار، 45 / 6.
2- ينظر: القاضي النعمان، شرح الأخبار، 1/ 363 ؛ المفيد، الاختصاص، ص 185 ؛ المازندراني، شرح اصول الكافي، 12 / 32 .
3- ينظر: الصدوق، كمال الدين، ص 125 ؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 1/ 253 ؛ الخوئي، منهاج البراعة، 3/ 45 .

الأماكن من أجل محاربة الإمام .(علیه السّلام)

نجد الإمام علياً (علیه السّلام) يصف أنصار معاوية بقوله :(علیه السّلام)

(جفاتٌ طغامٌ، وعبيد أقزام، جمعوا من كل أوب، وتلقطوا من كل شوب، ممن ينبغي أن يفقه ويؤدب، ويعلم ويدرب، ويولى عليه، ويؤخذ على يديه.

ليسوا من المهاجرين والأنصار، ولا من الذين تبوؤوا الدار والايمان)(1).

يبيّن الإمام (علیه السّلام) أي اناس خرجت عليه وحاربته، والمقصود بالذم جيش معاوية، فقد كانوا أوباشاً رعاعاً تجمعوا خليطاً من هنا وهناك، وهم غلاظ

الطبع قساة القلب أفظاظ، أوغاد الناس وأرذلهم وأدانيهم وهم عبيد أي عبيد

الدينار والدنيا، وعبيد الهوى، والإمام (علیه السّلام) شبههم بالعبيد لعدم استقلالهم فيالإرادة وتفهم الأشياء، وإنما هم أتباع يتمثلون أمر معاوية، جمعوا من كل ناحية وهذه عادة الأشرار دائما، فإن ذوي البيوتات والشرف لا يتبعهم فيضطرون إلى جمع الأشرار والتقوية بهم، وهم جهال العلم والدين وينبغي أن يعلموا ويؤدبوا، فإذا كانت تلك صفاتهم لا يستحقون أن يولوا أمر المسلمين، بل ينبغي أن يحجر عليهم كما يحجر على الصبي والسفيه لعدم رشده، وان هؤلاء ليسوا من المهاجرين والأنصار ولا هم من الذين سكنوا المدينة المنورة، فقد جمعهم معاوية بالمال والقوة (2).

جمعتهم المصالح الدنيوية الضيقة لدى قائدهم معاوية لذلك انتسبوا اليه

ص: 124


1- نهج البلاغة، ص 540 .
2- ينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 13 / 310 ؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 4/ 329 ؛ الخوئي، منهاج البراعة، 16 / 2؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3/ 361 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 3/ 415 .

من أجل الخروج على الخليفة الشرعي وهو الإمام علي (علیه السّلام) نجد كثيراً من تلك الصفات التي ذكرها الإمام (علیه السّلام) في النهج عن أنصار معاوية قد برزت على أنصار جبهة الباطل، إذ إن انتساب أنصار معاوية إليه نتيجة مصلحة دنيوية ذاتية وجدوها عنده، كذلك كان انتساب أنصار يزيد لأجل المصلحة نفسها.

ومنذ الوهلة الأولى لتعيين يزيد ولياً للعهد من أبيه معاوية نجد ان الإمام الحسين (علیه السّلام) قد وصف يزيد وأنصاره وأين يجدهم، في كلامه مع معاوية إذ قال (علیه السّلام):

(وقد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه

الكلاب المهارشة (1) عند التهارش والحمام السبق لأترابهن، والقيان ذوات المعازف، وضروب الملاهي تجده باحرا)(2).

ان هذه الصفات التي ذكرها الإمام الحسين (علیه السّلام) عن أنصار يزيد إذا ما قورنت مع أنصار معاوية نجدها في الاتجاه نفسه ودون اختلاف فيما بينهم، ومن صور ذلك التشابه والتجلي ما يلي:

إن أنصار جبهة الباطل كانوا من مناطق شتى واتصفوا بالكثير من الصفات الإنحرافية اللاأخلاقية، ولعل كلام الإمام الحسين (علیه السّلام) وهو يخاطبهم يبين بعض تلك الصفات عندما قال :(علیه السّلام)

(فقبحاً لكم، فإنما أنتم من طواغيت الأمة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب،

ص: 125


1- الكلاب المهارشة: وهو تحريش بعضها على بعض. ينظر: الجوهري، الصحاح، 3/ 1027 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 6/ 363 ؛ الرازي، مختار الصحاح، ص 355 .
2- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1/ 209 .

ونفثة الشيطان، وعصبة الآثام، ومحرفي الكتاب)(1).

ان أنصار جبهة الباطل كانوا فظاظ القلب، وعبيد الدنيا فقد باعوا آخرتهم بدنياهم وهذا تلاؤم بين صفات أنصار معاوية التي ذكرها الإمام علي (علیه السّلام) في

النهج، مع صفات أنصار يزيد، ومن أجل الحصول على بعض المناصب قاموا

بفعلهم الشنيع مثل حال قائدهم عمر بن سعد، فنتيجة وعده بالحصول على

ملك الري فقد قام بفعلته التي يندى لها ضمير الانسانية جمعاء، إذ انه عندما

نصح بأن لا يقوم بقتل الإمام الحسين (علیه السّلام) قال: إنما قتله عندي وأهل بيته كأكلة أكل أو كشربة ماء، وإذا قتلته خرجت إلى ملك الري (2)، أفلم يكن هذا عبداً

للدنيا والدينار؟! وإلا على أي شيء قام بقتل الحسين (علیه السّلام) لولا هذا الملك الذي وعد بالحصول عليه.

أشار الإمام علي (علیه السّلام) إلى أن أنصار معاوية لم يكونوا من أهل المدينة المنورة، فإن هذا الأمر يبرز في أنصار يزيد، فلم يسجل لنا التاريخ أن هناك جيشاً خرج من المدينة ضمن أنصار جبهة الباطل لمحاربة الإمام الحسين (علیه السّلام).

من الصفات التي ذكرها الإمام (علیه السّلام) عن أنصار معاوية أنهم لا دين حقيقياً لهم، وهذا ينطبق على أنصار الباطل، وقد أشار الإمام الحسين (علیه السّلام) إلى ذلك عندما خاطبهم بعدما حملوا على الخيام فصاح بهم (علیه السّلام) قائلاً:

(ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنت لا تخافون المعاد

ص: 126


1- المجلسي، البحار، 45 / 8. ينظر: ابن أعثم، الفتوح، 5/ 116 ؛ الطبرسي، الاحتجاج، 2/ 24 ؛ ابن حمدون، التذكرة، 5/ 211 ؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين (علیه السّلام)، ص 318 ؛ تاريخ دمشق، 219/14 ؛ ابن العديم؛ بغية الطلب، 6/ 2588 .
2- البحراني، مدينة المعاجز، 4/ 63 ؛ المجلسي، البحار، 44 / 306 .

فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وأرجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً)(1).

فقد نفى الإمام (علیه السّلام) بهذا الكلام أن يكون لهم دين يعتقدون بأحكامه أو يكونوا مسلمين يخافون المعاد الذي يخافه كل مسلم، فيمتنع من ارتكاب الأصغر من تلك الجرائم النكراء البشعة التي ارتكبوها بحق الحسين (علیه السّلام) وأهل بيته (2)، فضلاً عن أنه (علیه السّلام) بهذه الكلمات جردهم من الإطار الإسلامي وأضافهم إلى آل أبي سفيان ذلك العدو الأول للإسلام، الذي تزعم من بعده أبناؤه القوى الباغية عليه وما كارثة كربلاء الا امتداد لأحقادهم وأضغانهم على نبي الإسلام (3).

وما ذكرناه يفسر لنا اقدامهم على ما قاموا به، لأن الانسان إذا ما انحرف عن الطريق الحق والصراط المستقيم يسلب منه التوفيق الرباني، ويصبح ينظر

إلى الأمور وأي شيء من منطلق مصلحة ذاتية حتى وإن كان فيها غضب لله

تعالى، فإن المهم في الأمر هو تحقيق غايته حتى وإن كانت على حساب الشرع والدين وإن كانت عند أبغض الخلق إلى الله سبحانه نتيجة انحرافه فإنه يسعى إليه من أجل مصلحته ولعل أحد أولئك مروان بن الحكم، الذي نجده وقف

موقفاً سلبياً من القيام وانتسب إلى جبهة الباطل بعدما وجد مصلحته الذاتية

الدنيوية معهم.

ان مروان بن الحكم من شيمته الغدر والخيانة فقد عفى الإمام علي (علیه السّلام) عنه

ص: 127


1- ابن طاووس، اللهوف، ص 71 . ينظر: ابن سعد، ترجمة الإمام الحسين (علیه السّلام)، ص 74 ؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 202 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 344 ؛ ابن أعثم، الفتوح، 117/5 ؛ أبو الفرج، مقاتل الطالبيين، ص 179 ؛ ابن مسكويه، تجارب الأمم، 2/ 79 .
2- ينظر: الجلالي، الإمام الحسين (علیه السّلام) سماته وسيرته، ص 179 .
3- المهتدي البحراني، من أخلاق الإمام الحسين (علیه السّلام)، ص 246 .

في معركة الجمل لكنه غدر، إلا أن الإمام علياً (علیه السّلام) أشار إلى خيانته لما أسر في البصرة واستشفع له الإمامان الحسن والحسين (علیه السّلام) وقالا للإمام (علیه السّلام) إنه يبايعك فقال (علیه السّلام):

(أولم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة لي في بيعته! إنها كف يهودية لو بايعني

بكفه لغدر بسبته (1) )(2).

وهنا وصف الإمام (علیه السّلام) كف مروان باليهودية، لأن اليهود من طبيعتهم الغدر والخيانة أو لأن أصله يهودي فعلاً وإنه (علیه السّلام) عنى في جملة ما يعنيه انه منافق (3).

ان رجلاً هذه صفته فإنه من المؤكد انتسابه انتساباً سلبياً من حيث الموقف

من القيام وقائده (علیه السّلام)، وعلى الرغم من معرفته ان يزيدَ رجل فاسق شارب الخمر منحرف عن الدين الاسلامي إلا انه كان يطلب من الإمام الحسين (علیه السّلام) أن يبايعه، وكان جوابه (علیه السّلام) بقوله:

(ويحك يا مروان! أتأمرني ببيعة يزيد، وهو رجل فاسق لقد قلت شططاً من القول، لا ألومك على قولك لأنك اللعين الذين لعنك رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأنت في صلب أبيك الحكم بن العاص)(4).

ص: 128


1- سبته: الإست، والسب جمع السبة وهي الدبر. ينظر: الجوهري، الصحاح، 1/ 144 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 1/ 457 .
2- نهج البلاغة، ص 125 .
3- ينظر: الراوندي، منهاج البراعة، 1/ 305 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 147 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 1/ 286 .
4- ابن أعثم، الفتوح، 5/ 17 .

إن شخصاً ملعوناً فضلاً عن انه وزغ بن وزغ (1)، فأي شيء يرتجى منه، لذلك فإن ما أشار إليه الإمام علي (علیه السّلام) من خيانة مروان قد ظهر بالفعل أيضاً في موقفه من القيام.

رابعا- الغدر:

إن الغدر أحد الصفات المذمومة التي نهى عنها الشرع الإسلامي لما فيها من

أثر سلبي على أي مجتمع كان، ولأنها تعبر عن الشخصية الانهزامية لأي شخص يتخلق بهذه الأخلاقية السيئة، ومن ثمَّ فإنها تندرج في إطار النفاق لأنه يظهر خلاف ما يبطن ومن هذا الباب نهى الله تعالى عن الغدر بأشكاله كافة والنكث ومخالفة العهود لأنها ضمن الغدر ولهذا قال الله سبحانه:« فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا »(2).

نهى الرسول الكريم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عن الغدر بأشكاله كلها وصورة ذلك بقوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ):

(الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن)(3)، ويبدو ان التركيز على نبذ هذه الظاهرة وحرمتها والنهي عن التخلق بها لأنها مستساغة من كثير من الناس ولأنها تحقق أهدافاً سريعة والمصلحة الشخصية ولكن بطريقة غير شرعية،

ص: 129


1- وهي صفة أطلقت على مروان بن الحكم، والذي وصفه رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بذلك، عن الإمام جعفر الصادق (علیه السّلام) قال: لما ولد مروان وعرضوا به لرسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أن يدعو له فأرسلوا به إلى عائشة، فلما قربته من الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قال: أخرجوا عني الوزغ بن الوزغ، الملعون بن الملعون. ينظر: الكليني، الكافي، 8/ 238 ؛ الدميري، حياة الحيوان، 1/ 59 ؛ الحلبي، السيرة، 2/ 509
2- الفتح/ 10 .
3- ابن حنبل، مسند، 1/ 166 ؛ أبو داود، السنن، 1/ 631 ؛ الطبراني، المعجم الكبير، 19 / 319 .

ولهذا أصبحت محببة للكثير ممن يخالفون قوانين الله تعالى وشرائعه وأصبحت منتشرة بشكل كبير بينهم لذلك نجد الإمام علياً (علیه السّلام) في النهج يشير إلى هذه الظاهرة وكثرة انتشارها عندما قال :(علیه السّلام)

(ولقد أصبحنا في زمان قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا ونسبهم أهل الجهل

فيه إلى حسن الحيلة ما لهم! قاتلهم الله)(1).

أشار الإمام (علیه السّلام) في هذا النص إلى انتشار الغدر عند الناس وهو علامة نفاقهم فالمؤمن لا يغدر، وجهل أهل الزمان بالغدر وثمرته لعدم تميزهم بين الغدر والكيس، أي الفطنة والذكاء، ولما كان الغدر كثيراً ما يستلزم الذكاء

والفطنة لوجه الحيلة وإيقاعها بالمغدور به، إلا أن هناك فرقاً كبيراً بين تفطن

الغادر وتفطن الكيس، لأن تفطن الغادر يستعمله في استنباط الحيلة وإن

خالفت الشرعية وخانت المصالح الكلية في جنب مصلحة جزئية تخصه،

وتفطن الكيّس انما استعمله في ايقاع رأي أو حيلة تنتظم مصلحة العالم وتوافق

القوانين الشرعية، ولدقة الفرق بينهما استعمل الغادرون غدرهم في موضوع

الكيس ونسبهم الجاهلون في غدرهم إلى حسن حيلتهم ويتعجب الإمام (علیه السّلام) من هؤلاء فيدعو عليهم (2).

لسهولة الوصول إلى الأهداف الشخصية عن هذا الطريق أصبح الغدر محبباً

للكثيرين الذين أدّوا دوراً كبيراً في التاريخ الاسلامي بالاتجاه السلبي نتيجة

انحرافهم عن جادة الدين الصحيح، ومن أبرز هؤلاء معاوية بن أبي سفيان، إذ

ص: 130


1- ص 94 .
2- ينظر: البحراني، شرح نهج البلاغة، 2/ 105 ؛ اختيار مصباح السالكين، ص 15 ؛ الخرساني، مفتاح السعادة، 6/ 320 .

تعد هذه واحدة من أهم أخلاقياته، وهنا قال الإمام علي (علیه السّلام):

(والله ما معاوية بأدهى مني، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهية الغدر لكنت

من أدهى الناس)(1).

بيّن الإمام (علیه السّلام) بهذا الكلام تخلّق معاوية بهذه الظاهرة الإنحرافية اللاإسلامية وكان معاوية مواظباً عليها لأنه رأى فيها تحقيق مصالحه بأقصر الطرق وهو طريق الغدر، وهو ما أكده الإمام الحسين (علیه السّلام) في نظرته لمعاوية عندما أرسل معاوية للإمام كتاباً فردَّ عليه الإمام (علیه السّلام) جواباً، بيّن فيه تخلق معاوية بهذه الصفة عندما أشار (علیه السّلام) إلى من غدرهم معاوية من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السّلام) بعدما أعطاهم الأمان والعهود والمواثيق فقد كان من ضمن كلامه (علیه السّلام):

(... ألست قاتل حجر بن عدي (2) أخي كندة وأصحابه الصالحين المطيعين العابدين، كانوا ينكرون الظلم... فقتلتهم ظلماً وعدواناً، من بعد ما كنت أعطيتهم الأيمان المغلظة والمواثيق المؤكدة، لا تأخذهم بحدث كان بينك

ص: 131


1- نهج البلاغة، ص 479 .
2- حجر بن عدي: بن جبلة بن عدي بن ربيعة، وهو حجر الخير من أصحاب رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ثم صحب أمير المؤمنين (علیه السّلام) وشارك في صفين والنهروان، ولما ولى معاوية زياد بن أبيه العراق ظهر حجر خلعه، لذلك قبض عليه زياد وكتب به إلى معاوية فأمر الأخير أن يبعث به اليه فبعثه مع اثني عشر رجلاً، فقام معاوية بقتله في مرج عذراء في غوطة دمشق وهي التي فتحها حجر، وقد أشار الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إلى مقتل حجر فيها وذلك بقوله: (سيُقتل بعذراء أناسٌ يغضب الله لهم وأهل السماء( وقال الإمام علي (علیه السّلام): )يا أهل العراق سيقتل سبعة نفر بعذراء مثلهم كمثل أصحاب الأخدود) فقتل حجر وأصحابه في هذه المنطقة. ينظر: ابن سعد، الطبقات، 6/ 217 و 219 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 329 ؛ الطبرسي، أعلام الورى، 1/ 93 ؛ المناوي، فيض القدير، 116/4 .

وبينهم ولا بأحنة تجدها في صدرك عليهم، أولست قاتل عمر بن الحمق 1(1)

صاحب رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) العبد الصالح الذي أبلته العبادة فصفرت لونه، ونحلت جسمه، بعدما آمنته وأعطيته من عهود الله عز وجل وميثاقه)(2).

هذا النص وضح فيه الإمام (علیه السّلام) ان الغدر متأصل في نفس معاوية وإلا كيف يغدر بمثل هؤلاء المؤمنين من أصحاب الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأمير المؤمنين (علیه السّلام) ولهذا فإن معاوية يُعدُّ من أشد الناس مخالفة للعهود والمواثيق وعدم الإلتزام بها، وقد بين ذلك الإمام الحسين (علیه السّلام) عندما كلمه قائلاً:

(ولعمري ما وفيت بشرط، ولقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والإيمان والعهود والمواثيق فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا)(3).

ص: 132


1- عمرو بن الحمق الخزاعي: بن الكاهن بن حبيب بن عمرو، من أصحاب الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ثم صحب أمير المؤمنين (علیه السّلام). نزل الكوفة وشهد مع الإمام (علیه السّلام) مشاهده، وقد دعا رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) له بأن يمتعه الله بشبابه حينما قال (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): )اللهم متعه بشبابه( فمر عليه ثمانون سنة لم ير شعره بيضاء فيه، وقد أشار بأن الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أخبره أنه يشترك في قتله الأنس والجن، إذ بعد أن طلبه معاوية هرب منه نحو الجزيرة نهشته حية، ثم أدركته خيل أصحاب معاوية فنزل رجل منهم فقطع رأسه، وكان أول رأس حمل في الاسلام بعثه زياد بن ابيه إلى معاوية. ينظر: ابن سعد، الطبقات، 6/ 35 ؛ البخاري، التاريخ الصغير، 16 / 131 ؛ المتقي الهندي، كنز العمال، 13 / 496 .
2- الطبرسي، الاحتجاج، 2/ 20 . ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 5/ 121 ؛ الطوسي، رجال الكشي، 1/ 252 ؛ الشامي، الدر النظيم، ص 533 ؛ الأردبيلي، جامع الرواة، 1/ 620 ؛ المدني الشيرازي، الدرجات الرفيعة، ص 345 .
3- الطوسي، رجال الكشي، 1/ 257 ؛ المجلسي، البحار، 44 / 214 ؛ المدني الشيرازي، الدرجات الرفيعة، ص 436 ؛ البحراني، العوالم، ص 91 .

يبدو ان ثقافة الغدر التي كان معاوية الرائد فيها والمؤسس الحقيقي لها أصبحت منتشرة بين كثير من الناس، وهذا يدل على الانحراف عن الدين الإسلامي الصحيح الذي جاء به الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وعدم الالتزام الأخلاقي بالعهود والمواثيق، ونجد أهل الكوفة قد غدروا بالإمام الحسين (علیه السّلام) على الرغم من مكاتبتهم له إلا أنهم وبعد أن جاءهم خالفوا مواثيقهم وغدروا به.

ان هذا الأمر ليس غريباً على أهل الكوفة فقد غدروا بالإمام علي (علیه السّلام)، وقد أشار الإمام (علیه السّلام) إلى تخلقهم بهذه الأخلاقية المنحرفة عندما خاطبهم (علیه السّلام) قائلا:

(يا أهل الكوفة، منيت منكم بثلاث واثنين: صم ذوو أسماع، وبكم ذوو كلام، وعمي ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء، ولا اخوان ثقة عند البلاء!.. والله لكأني بكم فيما أخالكم: أن لو حمس الوغى، وحمي الضراب، قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج المرأة عن قبلها)(1).

بيّن الإمام (علیه السّلام) هنا مدى خذلان أهل الكوفة وحبهم للإنفراج عنه (علیه السّلام) إذاأشار إلى انه بلي من جانبهم بخمس خصال سيئة وإنما فصلها لأن ثلاثاً منهم صفات مثبتة وخصلتين منها منتفيتان، وإنهم لا أحرار صدق أي ليس أحدهم حراً صادقاً، وإنما حريتهم مكذوبة فعملهم عمل العبد عند الحرب، والعبد يفر لأنه لا يهمه من كان سيده، سيده الأول أو خصمه، أما الحر فإنه يعلم انه إذا غلب يكون عبداً لخصمه، ولذا يصمد أمام الأعداء، ثم شبه (علیه السّلام) انكشافهم بانكشاف المرأة عن فرجها وذلك بحال الولادة عندما يأخذها المخاض ووجع الولادة، أو وقت الطعان وملاقاة السلاح، وهذا الكلام منه على طريق العرب فإنهم يوردون هذه الكلمة للتقريع فأوردها (علیه السّلام) على سبيل اللوم والتقريع لهم

ص: 133


1- نهج البلاغة، ص 203 .

لكونه منضجراً منهم (1).

فإلى أي مدى وصل خذلان أهل الكوفة حتى انه (علیه السّلام) شبههم بهذا الأمر؟!

لذلك فإن هذه الصورة التي أشار اليها الإمام (علیه السّلام) عن غدر أهل الكوفة وخذلانهم قد برزت في موقفهم من القيام، وأشار الإمام الحسين (علیه السّلام) إلى خذلانهم له وإن ذلك من خصالهم عندما خاطبهم (علیه السّلام) قائلا:

(... وأنتم ابن حرب (2) وأشياعه تعتمدون، وإيّانا تخاذلون، أجل والله الخذل فيكم معروف وشجت عليه عروقكم، وتوارثته أصولكم وفروعكم، وثبتت عليه قلوبكم، وغشيت صدوركم، فكنتم أخبث شيء سنخاً للناصب وأكله للغاصب، ألا لعنة الله على الناكثين الذين ينقضون الإيمان بعد توكيدها )(3).

إن كلام الإمام الحسين (علیه السّلام) عن أهل الكوفة قد شخص أموراً منها:

إن هؤلاء لم يكونوا شيعة لأبيه، ولا له، بل هم من أتباع بني أمية... وبذلك

يتضح أن الذين قتلوا الإمام الحسين (علیه السّلام) هم شيعة آل أبي سفيان لا شيعة الإمام علي (علیه السّلام)(4).

ص: 134


1- ينظر: الراوندي، منهاج البراعة، 1/ 432 ؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 2/ 407 ؛ الخوئي،منهاج البراعة، 7/ 122 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 2/ 114 .
2- ابن حرب: حرب هو جد الأمويين، لأن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب. ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 3/ 1416 .
3- المجلسي، البحار، 45 / 8. ينظر: الحراني، تحف العقول، ص 241 ؛ ابن حمدون، التذكرة، 212/5 ؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين (علیه السّلام)، ص 319 ؛ تاريخ دمشق، 14 / 219 ؛ ابن العديم، بغية الطلب، 6/ 2589 .
4- ينظر: العاملي، مختصر مفيد، 8/ 121 و 13 / 127 .

أشار الإمام (علیه السّلام) إلى أن هؤلاء –أهل الكوفة- يتبعون ابن حرب جد معاوية وقد بيّنا أخلاقية معاوية في الغدر مثلما ذكرها الإمام علي (علیه السّلام) في النهج فكيف تكون أخلاقيات أتباع ابنه؟ فإن من المؤكد أن تكون صفة الغدر ونقض العهود من أهم أخلاقياتهم.

ذكر الإمام الحسين (علیه السّلام) في خطابه مع القوم )وإيانا تخاذلون( أي انكم تخذلون وتغدرون بأهل البيت (علیهم السّلام) بالخصوص، وهذا يتلاءم مع كلام الإمام علي (علیه السّلام) عندما قال لأهل الكوفة: (لو حمس الوغى وحمي الضراب قد انفرجتم عن ابن أبي طالب) أي انهم مثلما خذلوا الإمام (علیه السّلام) وغدروا به أيضاً قد خانوا وخذلوا الإمام الحسين (علیه السّلام) بعدما كاتبوه وقد أشار إلى ذلك الإمام في كلامه معهم عندما قال:

(ألم تكتبوا الي أن قد أينعت الثمار وأخضرّ الجناب وإنما تقدم على جند لك مجنّدة) فأجابوه لم نفعل، فقال الإمام (علیه السّلام): (سبحان الله) (بلى والله لقد فعلتم)(1)، فلم يستحوا أن يكذبوا على الإمام، أليس هذا الانفراج بعينه الذي أشار اليه الإمام علي (علیه السّلام) إذ انهم كاتبوا الإمام الحسين (علیه السّلام) وحينما جاءهم خانوه وخذلوه.

أوضح الإمام (علیه السّلام) بكلامه معهم بأن الخذل فيهم معروف، وشجت عليه

عروقهم وتوارثته أصولهم، وهذا امتداد لكلام الإمام علي (علیه السّلام) عن غدر أهل الكوفة وتخلقهم به، كأنّ الإمام الحسين (علیه السّلام) يقول ان الغدر فيكم وراثة لاتستطيعون التخلص منه، وقد أشارت السيدة زينب (علیها السّلام) إلى غدر أهل الكوفة عندما خاطبتهم في الكوفة قائلة:

ص: 135


1- ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 185 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 323 ؛ الطبرسي، اعلام الورى، 1/ 459 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 62 ؛ النويري، نهاية الأرب، 20 / 441 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 194 ؛ الدمشقي، جواهر المطالب، 2/ 286 .

(يا أهل الكوفة يا أهل الختل (1) والغدر)(2)، وهذا استمرارية لذكر هذه الصفة عند أهل الكوفة مثلما ذكرها الإمام علي (علیه السّلام) وبيّنها الإمام الحسين (علیه السّلام) وأكدتها السيدة زينب (علیها السّلام).

ان مضمون كلام الإمام (علیه السّلام) يبيّن صفة العبودية وعدم الحرية في عمل أهل الكوفة التي أشار إليها الإمام علي (علیه السّلام) عندما وصف أفعالهم من عمل العبيد لا الأحرار عند الحرب، لأن أهل الكوفة، ومثلما أشار الإمام الحسين (علیه السّلام)، اعتمدوا ابن حرب وخذلوا أهل البيت (علیهم السّلام) بعد أن كانوا معهم وهذا مصداق وتحقق لقول الإمام علي (علیه السّلام) حينما قال بأنهم (لا أحرار صدق عند اللقاء)، أي ليس أحدهم

حراً صادقاً وإنما حريتهم مكذوبة لأن عملهم عمل العبيد عند الحرب.

إن الصورة التي بينها الإمام علي (علیه السّلام) في النهج عن غدر أهل الكوفة وخذلانهم انطبقت بكل معانيها وصورها على أنصار يزيد الذين غدروا وخذلوا الإمام الحسين (علیه السّلام)، فكان الحال نتيجة ذلك ان استشهد الإمام (علیه السّلام) وأهل بيته وسبي من بقي منهم، ولكن كان مصير الغدرة إلى جهنم يوم القيامة ولهم ألوية يعرفون بها كما أشار إلى ذلك الإمام علي (علیه السّلام) حينما قال:

(كل غدرة فجرة، وكل فجرة كفرة، ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة)(3).

ص: 136


1- الختل: الخدع أو تخادع عن غفلة. ينظر: الفراهيدي، العين، 4/ 238 ؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 2/ 245 .
2- باختلاف الألفاظ ابن أعثم، الفتوح، 5/ 121 ؛ ابن طيفور، بلاغات النساء، ص 24 ؛ الطوسي، الأمالي، ص 92 ، الطبرسي، الاحتجاج، 2/ 29 ؛ ابن حمدون، التذكرة، 6/ 265 ؛ ابن شهر آشوب، المناقب، 3/ 261 ؛ ابن نما، مثير الأحزان، ص 66 ؛ ابن طاووس، اللهوف، ص 78 .
3- نهج البلاغة، ص 480 .

فهم ليسوا غدرة فقط وإنما فجرة ومن ثَمَّ فهم كفرة ولهم لواء كفر يعرفون به يوم القيامة، وأكبر تلك الألوية هو لواء المؤسس الحقيقي لهذه الأخلاقية السيئة معاوية بن أبي سفيان كبير الغدرة وقائدهم إلى جهنم ومن ثم أتباع ابنه يزيد وأنصاره أنصار جبهة الباطل جميعاً.

ص: 137

ص: 138

الفصل الثالث: المرحلية في القيام

اشارة

ص: 139

ص: 140

المبحث الأول: تجذير ثقافة الثورة

إن أية ثورة لا تأتي من فراغ وإنما عن طريق كثير من المقدمات والممهدات لها من أجل إنجاحها، فلابد أن يكون هناك تجذير وثقافة لهذه الثورة حتى يكتب لها النجاح على المستوى المادي والمعنوي، ومن أجل الحصول على قاعدة جماهيرية اجتماعية مهمة تساند تلك الثورة سواء قبل أو في أثناء أو بعد قيامها، فذلك يؤدي إلى نشر ثقافة الثورة بين مختلف طبقات المجتمع ومن ثَمَّ الحصول على أنصار عقيدة وإيمان.

ان سبب الثورات عادة هو انتشار الظلم والجور وانعدام العدالة داخل المجتمع، نتيجة تولي الحكام الظلمة لأمور الناس إلا أنه وعلى العكس من ذلك نجد ان الخليفة والمتولي لأمور المسلمين الوحيد الذي ظُلِمَ من رعيته هو الإمام

علي (علیه السّلام)، وقد أشار إلى ذلك بقوله (علیه السّلام):

(لقد أصبحت الأمم تخاف ظلم رعاتها، وأصبحت أخاف ظلم رعيتي)(1)،

ص: 141


1- نهج البلاغة، ص 201 .

لذلك فإنه (علیه السّلام) وجه شكواه إلى الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من ظلم الأمة فقال:

(ملكتني عيني وأنا جالس فسنح لي رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيت من أمتك من الأودِ (1) واللدد (2) فقال ((أدعُ عليهم)) فقلت: أبدلني الله بهم خيراً منهم وأبدلهم بي شراً مني)(3).

أشار الإمام (علیه السّلام) في شكواه للرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إلى ما لاقاه من الإعوجاج والخصام من أمة الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وكان في غاية الكرب من تقصيرهم في إجابة ندائه ودعوته إلى الجهاد، لذلك دعا الله أن يبدله بهم خيراً ويبدلهم شراً لهم منه، وأنه (علیه السّلام) ليس فيه شر قال تعالى:«قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ »(4)

، لا يدل على ان في النار خيراً، وإنما كان كلامه (علیه السّلام) على مذاق اعتقاداتهم فإنهم رأوا حثه إياهم على الجهاد شراً لهم، ومنعهم الفحشاء والمنكر شراً وحبسهم على طاعة الله ودعوتهم إلى منع الشهوات عند كل حرام منه شر، فأورد الكلام على ما عندهم من المعتقد الفاسد (5). استجاب الله تعالى دعاءه وأبدله خيراً له من هذه الأمة وهي

ص: 142


1- الأود: العوج. ينظر: الفراهيدي، العين، 8/ 96 ؛ ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، 1/ 79 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 3/ 75 .
2- اللدد: السيء الخلق، الشديد الخصومة. ينظر: الجوهري، الصحاح، 2/ 535 ؛ ابن فارس، معجم مقاييس، اللغة، 5/ 203 ؛ الثعالبي، فقه اللغة وسر العربية، ص 52 ؛ الأستراباذي، شرح شافية ابن حاجب، 2/ 335 .
3- نهج البلاغة، ص 120 .
4- الفرقان/ 15 .
5- ينظر: الراوندي، منهاج البراعة، 1/ 300 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 112 ؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 2/ 192 .

جنان الخلد، وأبدل هذه الأمة بدله بحكام ظلمة أمثال بني أمية الذين عاثوا في

الأرض فساداً وعانت الأمة في زمانهم الظلم والجور وسفك الدماء، وكان هذا

من أيدي الأمة التي لم ترض بنعمة الله عليها وهو الإمام علي (علیه السّلام) في تولي أمورها فكان هذا مصيرها.

هذه الشكوى وسببها تكررت مع الإمام الحسين (علیه السّلام) وشكواه إلى رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أيضاً من ظلم الحكام الأمويين وتخاذل الرعية، إذ إنهم على الرغم مما يرونه من ظلم لكنهم لم يحركوا ساكناً، لذلك التجأ الإمام (علیه السّلام) إلى قبر جده (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وهو يشكو إليه بعد أن رآه في المنام إذ قال (علیه السّلام) مخاطباً جده :(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

(يا جداه لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا أبداً فخذني إليك، واجعلني معك

إلى منزلك)(1).

وهنا بيّن الإمام (علیه السّلام) ما يعانيه من ظلم وخذلان الناصر لدرجة انه لا يحب الرجوع إلى الدنيا، فأشار (علیه السّلام) إلى هذا الظلم وهو يدعو عند قبر الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حينما قال (علیه السّلام):

(اللهم ان هذا قبر نبيك محمد، وأنا ابن بنت محمد، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم وإني أحب المعروف وأكره المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والاكرام بحق هذا القبر ومن فيه ما اخترت من أمري هذا ما هو لك رضى)(2).

وهنا تشابه الموقف من حيث الشكوى للرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) مع موقف الإمام علي (علیه السّلام) في عدة اتجاهات ومنها:

ص: 143


1- ابن أعثم، الفتوح، 5/ 19 . ينظر: البحراني، مدينة المعاجز، 3/ 484 .
2- ابن أعثم، الفتوح، 5/ 19 . ينظر: البحراني، مدينة المعاجز، 3/ 483 ؛ المجلسي، البحار، 328/44 ؛ البحراني، العوالم، ص 177 .

التجاء الإمام علي (علیه السّلام) إلى الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في شكواه من ظلم الرعية وخذلانهم في نصرته واشتداد الصعاب عليه، وهذا ما كان في موقف الإمام الحسين (علیه السّلام) إذ انه وبعد أن رأى الظلم والجور الأموي وخذلان الناصر التجأ إلى الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

في شكواه وهو المعلم الأول لهم (علیهم السّلام).

ان هذا الموقف والشكوى إلى الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) تُنبئ عن ابتعاد الأمة عن سنته (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في كلا الموقفين، واشتداد هذا الأمر وصعوبته على أهل البيت (علیهم السّلام) لما رأوا ذلك

الابتعاد عن هذه السنة الشريفة والدين الحنيف.

إن هذا الموقف يوحي بمدى خذلان الناصر الحقيقي في كلتا الحالتين –

الإمام علي والإمام الحسين (علیه السّلام)- من أجل الوقوف بوجه الظلم والإنحراف الذي حدث في الأمة الاسلامية عن الدين والسنة الشريفة.

كان فيه تجذير لثقافة الثورة ورفض الظلم مهما كان الظرف واشتداده والصعوبة المترتبة عليه، إذ نجد الإمام علياً (علیه السّلام) نتيجة قلة الناصر التجأ للدعاء

لله تعالى أن يبدله بخير من هذه الأمة المتهاونة الضعيفة التي لا تقف بوجه

الظلم وتظلم من يأمرها بالعدالة وطاعة الله بكل ما يريد، وكان هذا في موقف

الإمام الحسين (علیه السّلام) الذي طلب من الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أن يضمه إليه ولا يرجع إلى هذه الأمة ودنياها لما فيها من ظلم وخذلان، فالنفس تأبى ذلك وهذا يعبر عن عدم الخضوع والركون إلى الظلم والجور والاستسلام له في كلا الموقفين.

ان الإمام الحسين (علیه السّلام) وبعد أن طلب منه الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الرجوع إلى هذه الدنيا (1)، اختار القيام ضد الظلم لذلك بدأ منذ وقت مبكر التجذير والتثقيف لهذا القيام والثورة والذي أخذ عدة أطوار ومراحل، والقيام لم يكن محل صدفة

ص: 144


1- ينظر: البحراني، مدينة المعاجز، 3/ 483 ؛ المجلسي، البحار، 44 / 328 .

وإنما نتيجة ممهدات كثيرة أدت بالنهاية إليه، وذلك بعد أن رأى الإمام (علیه السّلام) إن إصلاح الأمة لا يتم إلا عن هذا الطريق.

أشار (علیه السّلام) إلى تغير حال الدنيا وهو يخطب أمام أصحابه من أجل زرع ثقافة الثورة في نفوسهم، فقال (علیه السّلام):

(قد نزل ما ترون من الأمر وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت حتى لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وإلا خسيس عيش كالمرعى الوبيل (1) ) (2).

أوضح (علیه السّلام) في خطبته ان الدنيا تغيرت عما هو المرجو من جريانها، وأنكرت وأدبر معروفها، بحيث صار المنكر معروفاً والمعروف منكراً، ولابد من إصلاح

ما فسد وتقويم ما أعوج، وإن أدى ذلك إلى الشهادة، وهو ما عبر عنه (علیه السّلام) بقوله: ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً (3)، وهذا الوصف للدنيا وتغير حالها تجلٍّ مباشر لكلام الإمام علي (علیه السّلام) عنها، إذ قال(علیه السّلام):

(ألا وان الدنيا قد ولت حذاء [جذا]؛ فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء اصطبها صابها)(4).

ص: 145


1- المرعى الوبيل: وهو الوخيم من المراعي الذي لا يستمرئ. ينظر: الفراهيدي، العين، 8/ 338 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 11 / 720 .
2- القاضي النعمان، شرح الأخبار، 3/ 150 . ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 305 ؛ الغزالي، إحياء علوم الدين، 15 / 157 ؛ ابن عساكر؛ ترجمة الإمام الحسين (علیه السّلام)، ص 314 ؛ تاريخ دمشق، 14 / 217 ؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، 5/ 12 ؛ سير أعلام النبلاء، 3/ 310 .
3- ينظر: الحسين، ليلة عاشوراء، ص 106 .
4- نهج البلاغة، ص 95 .

أشار الإمام (علیه السّلام) هنا إلى ان الدنيا سريعة وأنها لم يبق منها إلا صبابة أي بقيةالماء أو اللبن في الإناء وهي استعارة وتشبيه لحالها بما تبقى في الإناء من بقية نزرة جداً، بمعنى انه لم يبق من الأخيار والأولياء في الدنيا إلا نفر قليل (1).

من هذا المنطلق استعمل الإمام الحسين (علیه السّلام) كلام الإمام علي (علیه السّلام) وهو يخاطب أصحابه من أجل تأصيل ثقافة الثورة في نفوسهم، فهذا الخطاب لأصحابه لا ليستدر عواطفهم، وإنما ليقول لهم ان مثل هذه الدنيا المتغير حالها التي لم يبق من أخيارها سوى نفر قليل لا تستحق العيش من أجلها، بعدما أصبحت بيد الظالمين وهو بذلك يزيد تزهيدهم بها من أجل تحفيزهم على الثورة، للوصول إلى ما هو خير منها.

إن هذا التواءم في الوصف لحال الدنيا وتغيرها بين الإمام علي (علیه السّلام) والإمام الحسين (علیه السّلام) فيه:

تزهيد بالدنيا لكي ينبذها الناس من أجل تحريرهم من التبعية لها فيثوروا

ضد الظلم والجور.

توصيف هذا المغري –الدنيا- للرعية وصفاً حقيقياً بتغير حاله وعدم دوامه لأحد مهما طال العمر به، وبذلك زرع ثقافة التضحية فيهم من أجل الآخرة ومرضاة الله تعالى.

ان البدء بالدنيا وتوصيفها بهذا التوصيف السلبي هو تجذير وتثقيف للثورة بحد ذاته، وذلك لأن أحد أهم معوقات التضحية ضد الظلم والجور هو الدنيا

ص: 146


1- ينظر: البحراني، شرح نهج البلاغة، 2/ 108 ؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1/ 93 ؛ البدري، نزهة النظر، ص 467 ؛ شمس الدين، دراسات في نهج البلاغة، ص 238 ؛ الخرساني، مفتاح السعادة، 361/6 .

ومغرياتها وحب الحياة فيها، فعندما يكون هذا الوصف لها فإنها لا تستحق

العيش وبذلك يكون التأسيس للثورة ضد الظلم والجور.

إن الإمام الحسين (علیه السّلام) أخذ يؤصّل لحياة العز بعيدة عن الذل والهوان وعدم العيش في دنيا فيها ذلك، أو السكوت عن الحق لأن هذا يمثل الذل بعينه وهو نظير الموت ونجد هذا المعنى في خطاب الإمام علي (علیه السّلام) وهو يذم العاصين من أصحابه حينما قال لهم:

(ما تنتظرون بنصركم والجهاد على حقكم؟ الموت أو الذل لكم؟)(1).

بيّن الإمام (علیه السّلام) هنا لأصحابه بأنه لا شيء يليق بكم إلا واحداً من اثنين الذل أو الهوان، ما دمتم على هذا الحال فكأنه (علیه السّلام) شرع داعياً عليهم بالفناء الكلي (2).

الإمام (علیه السّلام) ينظر إلى حياة الذل والموت في المستوى نفسه وإن كان يفضل الموت على مثل تلك الحياة -الذل-، ونجد هذا الأمر متلائماً مع موقف الإمام الحسين (علیه السّلام) الذي وقف ضد الحكم الأموي منذ بدء قيامه وعدم التسليم وإطاعة الظالم فيما يريد، فكان هذا الموقف الرافض لأشكال الحكم الأموي كلها.

على هذا الأساس كان كلام الإمام الحسين (علیه السّلام) يوم الطف عندما خاطب عسكر جبهة الباطل قائلاً:

(ألا وان الدعي (3) ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة (4) والذلة،

ص: 147


1- نهج البلاغة، ص 384 .
2- ينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 10 / 69 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3/ 16 .
3- الدعي: المدعي، المتهم في نسبه، وهو الدعي أو المنسوب، إلى غير أبيه. ينظر: الفراهيدي، العين، 221/2 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 14 / 261 .
4- السلة: استلال السيوف. ينظر: الجوهري، الصحاح، 5/ 1730 ؛ ابن سيدة، المخصص، 2/ 27 .

وهيهات منا الذلة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت،

ونفوس أبية، وأنوف حمية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام)(1).

ان عدم الخشوع والخضوع لحياة الذل التي حذّر منها الإمام الحسين (علیه السّلام) يعد في حد ذاته تأسيساً لثقافة القيام والتحرر من حياة كهذه، فكان هذا الموقف امتداداً لما كان عليه كلام الإمام علي (علیه السّلام) مع أصحابه بضرورة رفض الذل والهوان فضلاً عن وجود كثير من المبررات التي دعت الإمام الحسين (علیه السّلام) إلى رفض التسليم والهوان، ومنها:

ان الدعي ابن الدعي يزيد بن معاوية وضيع النسب يحاول أن يذل أهل البيت (علیهم السّلام) المتمثلين بشخص الإمام الحسين (علیه السّلام)، فإن الإمام (علیه السّلام) تأبى نفسه أن يركن لوضيع كهذا أو أن يسلّم له.

بيّن الإمام (علیه السّلام) وبشكل قطعي استحالة الذلة لأحد من أهل البيت (علیهم السّلام) حتى وإن كانت هناك هزيمة على المستوى العسكري والمادي فإن العز والإباء هو الانتصار في هذا القيام إلى يوم القيامة لأنه (علیه السّلام) رأى موته في عز حياة، وحياته في ذل ممات وبذلك جاء الرفض للخضوع والمهادنة ليزيد.

أشار (علیه السّلام) إلى أن أهل البيت (علیهم السّلام) يأبى الله تعالى لهم الذلة والرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والمؤمنون، وهذا تحفيز للمؤمنين من أجل نصرة أهل البيت (علیهم السّلام) في قيامهم ضد الظلم، أو انه (علیه السّلام) نظر إلى ما وراء واقعة الطف إلى ان الله تعالى سوف يخلق مؤمنين

من أتباع أهل البيت (علیهم السّلام) يجعلون شعار الحسين (علیه السّلام) في رفض الذل والهوان مصدر الهام لهم في جميع ثوراتهم ضد الظلمة والطغاة وحتى غير أتباع أهل البيت (علیهم السّلام)

ص: 148


1- ابن طاووس، اللهوف، ص 59 . ينظر: الطبرسي، الإحتجاج، 2/ 24 ؛ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين، ص 319 ؛ ابن نما، مثير الأحزان، ص 40 .

لأن الحسين (علیه السّلام) أساس متين للتحرر والثورة ضد الظلمة.

إن طهارة نسب أهل البيت (علیهم السّلام) في قوله (علیه السّلام): (حجور طابت وطهرت) يدعوهم إلى عدم طاعة اللئام المشكوك في نسبهم وهم الأمويون وأمثالهم.

كان الرفض القطعي من الإمام الحسين (علیه السّلام) في إطاعة يزيد وأنصاره، وفضل الموت على العيش في حياة الذل لما تأباه نفسه، لهذا فإن هذا الموقف ينطبق عليه ما قاله أحد الشعراء (1):

وموت الفتى في العز مثل حياته*** وعيشته في الذل مثل مماته (2)

إن الإمام الحسين (علیه السّلام) خير من جسّد موت العز على حياة الذل، وان موقفه هذا متشابه لموقف أبيه الإمام علي (علیه السّلام)عندما خطب بالناس يستنفرهم إلى أهل الشام، فكان من ضمن كلامه :(علیه السّلام)

(والله إن أمرءاً يمكّن عدوه من نفسه يعرق لحمه، ويهشم عظمه، ويفري جلده، لعظيم عجزه، ضعيف ما ضمت عليه جوانح صدره. أنت فكن ذاك ان شئت، فأما أنا فوالله دون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفية (3) تطير منه فراش الهام، وتطيح السواعد والأقدام، ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء)(4).

أشار هنا (علیه السّلام) إلى الإنسان العاجز الذي يمكّن العدو من نفسه ولا يأخذ له

ص: 149


1- أبو الحسن علي بن محمد التهامي، ينظر: الباخرزي، دمية القصر، 1/ 135 .
2- الثعالبي، يتيمة الدهر، 5/ 53 .
3- المشرفية: سيوف تنسب إلى مشارف الشام وهي قراها، وقيل قرى من أرض اليمن، وقيل من أرض العرب تدنو من الريف، والسيوف المشرفية منسوبة اليها، ينظر: الميداني، مجمع الأمثال، 108/2 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 9/ 174 ؛ الفيروز آبادي، القاموس المحيط، 3/ 158 .
4- نهج البلاغة، ص 86 .

عدته، بل يسهل في الأمر حتى يسيطر العدو عليه بسبب تركه الحزم وعدم إتيانه اللازم للحرب حتى يأكل العدو لحمه ويهشم عظمه ويقطع جلده، وهذه كناية عن شدة تسلط العدو حتى انه يفعل ما يشاء إذ يدل ذلك على أنه عاجز كمال العجز، وإلا لم يسمح للعدو أن يفعل به ذلك، ثم قال :(علیه السّلام)

(أنت) فكن ذلك، الخطاب فيه أنت لمطلق الشخص الذي يضعف أمام عدوه ويستسلم له، والمعنى أنت وما تختار لنفسك أيها الجبان من الإذلال والهوان، فأما أنا فوالله دون أن أعطي ذلك أي أمكن العدو من نفسي حتى أعطيه

ما يريد ضرباً بالمشرفية، تطير منه الرأس والعظام الرقيقة المفروشة عليه وتسقط السواعد والأقدام (1).

إنَّ عدم خنوع الإمام علي (علیه السّلام) وخضوعه للظالم كان قد امتد إلى موقف الإمام الحسين (علیه السّلام) في عدم الخضوع والإذلال للظالم وأنصاره وفي ذلك:

رفض حياة الذل وعدم رهبة الظالم مهما كان الموقف، لأن الخضوع للظالم أوالعدو يكون له كثير من الآثار والإذلال للشخص المتهاون أو المستسلم، وهذا

ما رفضه الإمام علي (علیه السّلام) وتابعه على ذلك الإمام الحسين (علیه السّلام) وذلك بعدم الخضوع والخنوع للظلمة وأنصارهم.

بيان ان الشخص المتخاذل والخانع يصبح من السهولة السيطرة عليه من

العدو أو الظالم وانه يفعل به ما يشاء وكيف يحب، على العكس تماماً من الشخص الذي يقف موقفاً صلباً ضده، وهذا ما جسده الإمام علي (علیه السّلام)، وامتد في موقف الإمام الحسين (علیه السّلام) الذي تجسد أمامه ما ذكره الإمام علي (علیه السّلام) عن حال الشخص

ص: 150


1- ينظر: الراوندي، منهاج البراعة، 1/ 240 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1/ 229 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 1/ 182 .

المتخاذل فضلاً عن قراءته للموقف وما تؤول اليه الأمور إن أعلن خضوعه للظالم، لهذا وقف موقفاً صلباً ضده وعدّ هذا الموقف مصدر إلهام لأنصاره وأصحابه من أجل نصرته وهذا ما يعد أحد أساسيات القيام وانطلاقته.

تجسيد دور القائد الذي يرفض الذل والخضوع في كلا الموقفين وبذلك يكون مصدر قوة وصلابة لأنصاره، وهذا في حد ذاته ثورة أو أساس انطلاقتها لأن واحداً من نتائجه رفع الروح المعنوية للأنصار والأتباع.

رفض الإمام الحسين (علیه السّلام) العيش في الذل والهوان مع الظالمين فقال:

(لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً (1))(2) ، وهذا القول هو صورة لقول الإمام علي (علیه السّلام) لأصحابه عندما قال:

(فالموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين)(3).

هذا من لطائف كلام الإمام علي (علیه السّلام) ومحاسنه وهو جذب إلى القتال بأبلغ ما يكون من البلاغة فجذبهم إليه بتصويره لهم أن الإنسان المقهور ميت، وإن كان في الظاهر حياً، وإن ما يطلق عليه الميت، لأنه لا يظهر منه آثار الحياة التي هيالوقار والشهامة والشجاعة، وإن الغاية التي عساهم يفرون من القتال خوفاً منها وهي الموت موجودة في الغاية التي ربما يطلبونها من ترك القتال وهي الحياة

ص: 151


1- برماً: ضجراً وسئما. ينظر: الجوهري، الصحاح، 5/ 1869 ؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، .231/1
2- الحلواني، نزهة الناظر، ص 88 . ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 305 ؛ القاضي النعمان، شرح الأخبار، 3/ 150 ؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق، 14 / 218 ؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 3/ 310 ؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، 9/ 192 .
3- نهج البلاغة، ص 103 .

البدنية حال كونهم مقهورين، فإن المذلة وسقوط المنزلة والهضم والاستنقاص

عند ذي اللب موتات متعاقبة، وأراد الإمام (علیه السّلام) أيضاً القول لهم ان الغاية التي تفرون إليها بترك القتال وهي الحياة موجودة في الغاية التي تفرون منها وهي الموت البدني حال كونهم قاهرين (1).

هذا ما تكرر في موقف الإمام الحسين (علیه السّلام) الذي أراد منه بثَّ روح الثورة في نفوس أصحابه وأنصاره ومن أجل زرع الثقة في نفوسهم لما سوف يصبح عليه مصيرهم، وبما انه قائدهم لذلك كان قوله (علیه السّلام) للظالمين:

(لا والله لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد)(2)، فأسس الإمام الحسين (علیه السّلام) مدرسته الكبرى لمن يريد الدفاع عن كرامة الإنسان ويحب الاستشهاد في سبيل الله، مدرسة لا تندرس تعاليمها وإرشاداتها ولا تمحى آثارها (3)، وذلك فيما أبداه من صلابة وشموخ في وجه الظلمة ورفضه القطعي لكل تسليم أو مهادنة للعدو مهما كان موقف أصحابه الذين كانوا معه، فنفسه تأبى الذل والمهادنة، ورأى (علیه السّلام) ان من العار أن يكون هناك تسليم إلى أنصار جبهة الباطل وجسد ذلك في قوله (علیه السّلام): (موت في عز خير من حياة في ذل) وأنشأ (علیه السّلام) في يوم شهادته يقول:

الموت خير من ركوب العار ***والعار أولى من دخول النار

والله ما هذا وهذا جاري (4)

ص: 152


1- ينظر: البحراني، شرح نهج البلاغة، 2/ 136 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 1/ 224 .
2- المفيد، الإرشاد، 2/ 98 . ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 188 ؛ الطبرسي، أعلام الورى، 459/1 ؛ ابن شهر آشوب، المناقب، 3/ 224 ؛ الشامي، الدر النظيم، ص 553 .
3- ينظر: الصافي، لمحات، ص 277 .
4- الزرندي، معارج الوصول، ص 96 . ينظر: الجاحظ، البيان والتبيين، ص 518 ؛ الحلواني، نزهة الناظر، ص 88 ؛ الإربلي، كشف الغمة، 2/ 242 ؛

القيام هنا من أجل دين الله وسنة رسوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وهذا الأمر لا يخرج عما قاله الإمام علي (علیه السّلام) (المنية ولا الدنية)(1)، أي ينبغي تحمل الموت والمنية قبل أن تنتهي الحالة إلى الدنية وأن تحتمل الموت ولا تتحمل ما يعيبك (2).

من هذا المنطلق فإن الإمام الحسين (علیه السّلام) تناغم موقفه مع كلام الإمام علي (علیه السّلام) حول تحمل حتى الموت من أجل العز والإباء وإن هذا الموقف معروف عند الحسين (علیه السّلام) وانه لا تسليم ولا مهادنة، وبما انه من أهل بيت يأبى الله لهم الذلة كان الأعداء يعرفون بذلك، وأراد (علیه السّلام) من موقفه وكلامه تحرير الخوف والخنوع من نفوس الناس، وتأسيس قاعدة انطلاق للقيام بوجه الظلم والجور.

إن الانطباق الفكري في الأقوال والمواقف كان واضحاً بين الإمام علي (علیه السّلام) وامتداده للإمام الحسين (علیه السّلام) في جميع مراحل التأسيس والتثقيف التي عملها الإمام الحسين (علیه السّلام) للقيام ضد الظلمة ورفضه لحياة الذل والخضوع لهم وذلك بما استلهمه من مواقف الإمام علي (علیه السّلام) في هذا المجال، ولما كانت عليه نفسه من العز والإباء فهو من المدرسة المحمدية نفسها.

ص: 153


1- نهج البلاغة، ص 821 .
2- الراوندي، منهاج البراعة، 3/ 420 ؛ المجلسي، مرآة العقول، 25 / 45 .

ص: 154

المبحث الثاني: القاء الحجة بمراسلة الناس

من الطبيعي أن تحكم المرحلية أسلوب وطريقة تعامل الإمام المفترض الطاعة مع الناس، فلا يمكن أن يكون الحكم ارتجالياً أو مفاجئاً ما لم تسبقه مراحل تؤدي إليه، لذلك فإن الإمام الحسين (علیه السّلام) تعامل مع الناس على وفق هذا الأساس قبل القيام، فقد قام بمراسلتهم وإعلامهم بقيامه من أجل أن لا يبقى هناك عذر ما، وانه (علیه السّلام)، وحسب طبيعة الظرف واستقرائه للواقع، يعلم بأن كثيراً من الناس الذين راسلهم لا يلبون دعوته لكنه فعل ذلك من باب إلقاء الحجة وإيصال الرسالة إليهم، وليعلمهم بمشروعية قيامه، وأوضح إليهم أحقية أهل البيت (علیهم السّلام) بالخلافة(1) ، وهذه مقدمة للدعوة، فأساس الوصية في أحقية أهل البيت (علیهم السّلام) في الخلافة مثلما قال الإمام علي (علیه السّلام):

(لا يقاس بآل محمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من هذه الأمة أحدٌ، ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً. هم أساس الدين وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي.

ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة)(2).

ص: 155


1- ينظر: أبو مخنف، مقتل الحسين (علیه السّلام)، ص 25 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 266 .
2- نهج البلاغة، ص 32 .

هذا بيان لمنزلتهم (علیهم السّلام) ولإسقاط غيرهم عن بلوغ درجتهم واستحقاق منزلتهم وعدم مناسبتهم لهم في الفضل، فهم طهرهم الله من الذنوب بنص آية التطهير في قوله تعالى:«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا »(1)، وإنهم لا يقاس بهم أحد من هذه الأمة وغيرها بالأولوية لأن هذه الأمة:« خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ »(2)، ولا يساوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا كيف وآل محمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أساس الدين وأصله وعماد اليقين، وإليهم يرجع كل من غلا وتجاوز عن الحد، ولهم خصائص حق الولاية، وفيه إشارة إلى أن ولاية

أمور المسلمين وخلافة الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لها خصائص موجودة فيهم، وبها يتأهل الشخص لها ويستحقها، وفيهم الوصية من الله والوراثة من النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )(3).

أوضح الإمام علي (علیه السّلام) أحقية أهل البيت في الخلافة والوصية ووراثة

الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وهذا عين ما ظهر في مراسلة الإمام الحسين (علیه السّلام) لأهل البصرة إذ أشار (علیه السّلام) إلى الحق نفسه، وتلك الحجة بالغة عليهم لأنه (علیه السّلام) الخليفة الشرعي وليس يزيد بن معاوية، من أجل أن لا يبقى عذر أمام أحد من الناس لكي يقول بأن الحسين (علیه السّلام) خرج على إمام زمانه أو خليفته الشرعي.

مما جاء في كتابه (علیه السّلام) إلى أهل البصرة:

ص: 156


1- الأحزاب/ 33 .
2- آل عمران/ 110 .
3- ينظر: الراوندي، منهاج البراعة، 1/ 116 ؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 1/ 247 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1/ 81 ؛ الخرساني، مفتاح السعادة، 2/ 103 ؛ الميلاني، أهل البيت (علیهم السّلام) في نهج البلاغة، ص 9.

(أما بعد: ان الله اصطفى محمداً (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) على خلقه... وبلغ ما أرسل به (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وكنا أهله وأولياءهُ وأوصياءهُ وورثته، وأحق الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك، فرضينا وكرهنا الفرقة، وأحببنا العافية، ونحن نعلم إنا أحق بذلك الحق المستحق علينا مما تولاه! ...وقد بعثت رسولي إليكم بهذا الكتاب وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) (1).

ان هذا الكتاب يوضّح لنا أموراً يمكن إدراجها بما يلي:

ألقى الضوء على الخلافة الإسلامية، فهي –حسب تصريح الإمام (علیه السّلام)- حق لأهل البيت (علیهم السّلام) لأنهم ألصق الناس برسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأكثرهم وعياً لأهدافه إلا ان القوم استأثروا بها (2) )، أراد الإمام الحسين (علیه السّلام) أن تكون الحجة بالغة على الناس في ضرورة نصرته بوصفه الخليفة الشرعي –وعلى الرغم من انه لم يكن طالب سلطة- إلا انه حتى وإن طالب بذلك فهو حق شرعي من حقوق أهل البيت (علیهم السّلام)

وبذلك يضع الناس أمام مسؤولياتهم الدينية والشرعية في وجوب نصرته (علیه السّلام) .

بيّن الإمام (علیه السّلام) بأنه على الرغم من سلب حق أهل البيت (علیهم السّلام) في الخلافة ووراثة الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الشرعية، إلا أنهم رضوا بذلك من أجل المحافظة على الإسلام والرسالة المحمدية، ولم يقوموا بأية حركة ضد من انقلبوا على الأعقاب، وهذه حجة أخرى حتى يبين (علیه السّلام) أسباب خروجه بعد أن أصبح الإنحراف على أشده، وبهذا قطع الطريق أمام من يشكك بثورته (علیه السّلام).

خصص الإمام (علیه السّلام) في كتابه لأهل البصرة دعوتهم إلى كتاب الله وسنة نبيه،

ص: 157


1- أبو مخنف، مقتل الحسين، ص 25 . ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 266 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 170 .
2- ينظر: القرشي، حياة الإمام الحسين (علیه السّلام)322/2 .

أي انه أراد من ذلك القول ان الذي يرى بأن القيام هو المنافسة على السلطة أو

المنصب فليعرضه على كتاب الله وسنة نبيه، أي يطبق أهداف القيام ومبادئه على كتاب الله وسنة نبيه فإن كانت مطابقة لها وجب عليه تلبية دعوة إمامه ونصرته، وإن لم تطابق فإنه لا تجب عليه تلبية الدعوة، وبذلك وضعهم الإمام (علیه السّلام) أمام مسؤولياتهم لنصرته.

ان منصب الخلافة له شروط وضوابط معينة، وقد أشار الإمام علي (علیه السّلام) إلى بعضها وهو يتكلم عن الجدير بالخلافة، إذ قال :(علیه السّلام)

(أيها الناس، ان أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم [أعملهم]

بأمر الله فيه)(1).

بيّن الإمام (علیه السّلام) هنا ان أحق الناس بالخلافة أقواهم عليه في إدارة الشؤون الاسلامية، والظاهر ان المراد بالقوة القدرة على الولاية المفوضة اليه بشؤونها المختلفة فتشمل كمال العقل والتدبير والشجاعة وحسن السياسة والإدارة، وأن يكون أسدى الناس رأياً وأحسنهم للأمور تدبيراً فيما لا يخالف الشرع فضلاً عن علمه بأصول الدين وفروعه ليضع الأعمال مواضعها وكذلك أن يكون أعلم الناس بأوامر الله ونواهيه في هذا الأمر وهو إدارة شؤون المسلمين (2).

طرح هذا الفهم في كتاب الإمام الحسين (علیه السّلام) الذي أرسله إلى أهل الكوفة مع مسلم بن عقيل والذي أراد منه إلقاء الحجة عليهم فجاء فيه:

(فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب الآخذ بالقسط والدائن بالحق

ص: 158


1- نهج البلاغة، ص 367 .
2- ينظر: البحراني، مصباح السالكين، ص 357 ؛ البحراني، منار الهدى، ص 125 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 3/ 45 ؛ المنتظري، نظام الحكم في الإسلام، ص 113 .

والحابس نفسه على ذات الله)(1).

إن في كتاب الإمام (علیه السّلام) إلى أهل الكوفة بياناً لصورة الخليفة الشرعي الذي يتولى شؤون المسلمين، فالإمام هو تعبير عن رئاسة البشرية المنصبة من الله تعالى. والإمام الحسين (علیه السّلام) بهذا الكتاب أصّل محاور النظام الاجتماعي والسياسي للمسلمين وللبشرية، حيث يقوم هذا النظام على كتاب الله وسنة نبيه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والعدل والقسط، وهو متمسك بهذه المبادئ في صراعه مع بني أمية (2)، وكأنه (علیه السّلام) يقول لأهل الكوفة طبقوا هذه الصفات التي ذكرتها لكم عن صورة الخليفة الشرعي للمسلمين على يزيد فهل تنطبق عليه؟، فمن المؤكد عدم وجود الانطباق وبذلك تكون الحجة في نصرته أكثر تأثيراً وأثراً على أهل الكوفة بوجوب الخروج على يزيد.

إن الإمام (علیه السّلام) استعمل المنطق والأسلوب نفسه في كتابه لأهل الكوفة – ونقصد الذي استعمله مع أهل البصرة- إذ أشار في كتابه لأهل البصرة بأحقية أهل البيت (علیهم السّلام) بالخلافة وهم ورثة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الشرعيون، وفي كتابه إلى أهل الكوفة أشار إلى أن الخليفة أو الإمام هو العامل بالكتاب والآخذ بالقسط والدائن بالحق، وبما ان أئمة أهل البيت (علیهم السّلام) هم الخلفاء الشرعيون وورثة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، فمن المؤكد انطباق تلك الصفات عليهم والتي أرادها الإمام الحسين (علیه السّلام) للخليفة، ومن هذا المنطلق يكون الخليفة الشرعي هو الذي يجب نصرته ضد الغاصب للخلافة الخارج عن الدين والسنة المحمدية.

ص: 159


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 262 . ينظر: ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 21 ؛ ابن نما،مثير الأحزان، ص 16 ؛ ابن خلدون، التاريخ، 3/ 22 .
2- ينظر: السند، الحداثة، ص 161 .

وبتأمل أحد شروط الإمام (علیه السّلام) للخليفة وهو العامل بالكتاب أي القرآن

الكريم، نجد أن أئمة أهل البيت (علیه السّلام) هم قرائن القرآن بموجب قول الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ):

(إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله

وعترتي أهل بيتي)(1).

كانت مراسلة الإمام الحسين (علیه السّلام) انعكاساً واضحاً لكلام الإمام علي (علیه السّلام) سواء عن أحقية أهل البيت بالخلافة، أو عن الجدير بها، وقد استعمل الإمام الحسين (علیه السّلام) هذا المنطق حتى يظهر استحقاق أهل البيت (علیهم السّلام) بالخلافة، ولكي لا يترك أي عذر أمام المتقولين بعدم الخروج على إمام الزمان –يزيد- لأنه فاقد لهذه الصفة وعدم انطباق أي من الشروط الشرعية الإسلامية عليه، التي من الممكن أن تجعله في هذا المركز.

ص: 160


1- الكليني، الكافي، 2/ 415 ؛ باختلاف الألفاظ. ينظر: ابن حنبل، مسند، 3/ 14 ؛ الترمذي، سنن الترمذي، 5/ 328 ؛ الصدوق، الأمالي، ص 500 .

المبحث الثالث: التضحية والدفاع المقدس

أ- خيار المواجهة:

إن الإسلام دين الإنسانية والرحمة وليس دين قتل وسفك الدماء، فإن رسالته الأولى هو نشر السلام والمودة بين الناس جميعاً وتجنب القتل والدمار، وهذا ما جاء به نبي الرحمة محمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من أجل نشر العدل والمساواة بين جميع البشر بالسلم لا بالقتل ولهذا فمن أهم ألقابه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) نبي الرحمة.

ان التعاليم الإسلامية تؤكد في حال الاضطرار لاستعمال القوة عندها يجب

تقديم لغة السلم قبل لغة الحرب وتقديم النصح للقوم لعلهم يرجعون إلى

عقولهم وينتهون عما يريدون القيام به ومن هنا فإن الله تعالى خاطب نبيه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قائلا:

«وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا»(1) ، أي إذا جنح القوم إلى الصلح ومالوا إلى السلم فافعل ذلك(2) .

ص: 161


1- الأنفال/ 61 .
2- ينظر: الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، 2/ 43 ؛ الطبرسي، تفسير جوامع الجامع، 2/ 34 ؛الكاشاني، زبدة التفاسير، 3/ 58 .

قدم الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) النصح في مشاهد كثيرة قبل القتال مثلما حدث في غزوة بدر، إذ انه ارسل عمر بن الخطاب إلى المشركين لما نزلوا بدراً قائلاً لهم:

(ارجعوا فإنه يلي هذا الأمر مني غيركم أحب إلى من تلوه مني وأليِه من

غيركم أحب الي من أن أليِه منكم)(1).

هنا طلب الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من المشركين الرجوع عن القتال لأنه لا يحبذ ذلك، أي بدأ بالوسائل السلمية قبل خيار المواجهة معهم، وهذا الأمر تجسد في مواقف الإمام علي (علیه السّلام) في الحروب التي خاضها ضد أعدائه والخارجين عليه، حتى أخذ يؤدب عسكره على ذلك، فنجد في إحدى وصاياه لعسكره يقول:

(ولا يحملنكم شنآنهم [سبابهم] على قتالهم، قبل دعائهم والاعذار إليهم)(2).

إن هذه الوصية تندرج ضمن المنهج الإسلامي الذي جاء به الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فالإمام علي (علیه السّلام) يوصي عسكره بتقديم لغة النصح والسلم قبل المواجهة مع الأعداء وذلك بقوله (علیه السّلام) لا يحملنكم بغضكم لهم على أن تبدؤوهم بالقتال قبل أن تدعوهم إلى الطاعة وتقديم ما تعذرون به في قتالهم لأن الاسلام دين السلم لا دين الحرب والعدوان، ودين الاخوة والمساواة، فاللازم الاعذار والدعاء ثم القتال (3).

ص: 162


1- الواقدي، المغازي، 1/ 61 . ينظر: المقريزي، امتاع الاسماع، 1/ 110 ؛ الصالحي، سبل الهدى والرشاد، 4/ 33 ؛ الحلبي، السيرة، 2/ 399 .
2- نهج البلاغة، ص 561 .
3- ينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 95 ؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 3/ 14 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3/ 314 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 3/ 451 .

ويسجل لنا التاريخ العديد من خطب الإمام الحسين (علیه السّلام) يوم العاشر وهي التي تقع في الإطار نفسه منها عندما خاطب أهل العراق:

(يا أهل العراق –وجلهم يسمعون- أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم علي، وحتى أعذر إليكم، فإن أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد وإن لم تعطوني النصفَ من أنفسِكم فاجمعوا رأيكم...)(1).

هذا الكلام ينطوي على عدة أمور منها:

طلب (علیه السّلام) من القوم عدم العجلة في القتال وذلك تماشياً مع المنهج الإسلامي الذي فضّل السلم على الحرب، ولأنه (علیه السّلام) أراد استنفاد جميع الوسائل السلمية قبل أن يضطر إلى خيار المواجهة مع الأعداء.

أشار (علیه السّلام) إلى أنه صاحب رسالة وأنه الإمام المفترض الطاعة وعليه تكليف إزاءهم ومن الواجب أن يؤديه وذلك عندما قال:

(حتى أعظكم بما يحق لكم عَلَيَّ) أي من حقكم أن أعظكم قبل أن أبدأ القتال

معكم ولكي لا يبقى هناك أي عذر إذا ما حصلت المواجهة معهم لأنه (علیه السّلام) قد أوعظهم لكنهم لم يتعظوا.

أوضح الإمام (علیه السّلام) بأنه صاحب عذر إذا ما قاتلهم وذلك بقوله (حتى أعذر إليكم) وهو متطابق مع وصية الإمام علي (علیه السّلام) لعسكره في تقديم النصح للقوم والإعذار لهم قبل قتالهم وهذا ما فعله الإمام الحسين (علیه السّلام) في سلك السبل السلمية معهم قبل خيار المواجهة لعلهم يرجعون إلى عقولهم.

ص: 163


1- المفيد، الإرشاد، 2/ 97 . ينظر: الطبرسي، أعلام الورى، 1/ 458 ؛ الشامي، الدر النظيم، ص 552 ؛ النويري، نهاية الإرب، 20 / 349 ؛ المجلسي، البحار، 45 / 6.

إن الإمام الحسين (علیه السّلام) صاحب رسالة يؤديها نجده لم يكتف بخطبة واحدة في يوم العاشر، فقد أراد أن تكون حجته أبلغ في نصح القوم، لذلك نجده

يخاطبهم بلغة أخرى ومنطق آخر لعلهم يرجعون إلى رشدهم، عندما ذكرهم

بنسبه وجده (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأبيه (علیه السّلام)، إذ قال (علیه السّلام):

(أما بعد فانسبوني فانظروا من أنا، ثم راجعوا أنفسكم وعاتبوها فانظروا هل يصح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن نبيكم، وابن وصيّه وابن عمّه؟

وأول مؤمن مصدق لرسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بما جاء به من عند ربه؟ أوليس حمزة سيد الشهداء عمي؟ أوليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمّي؟)(1).

هذا التركيز في الخطاب من الإمام (علیه السّلام) وتعريف نفسه للقوم يندرج ضمن انتهاجه (علیه السّلام) للسبل السلمية مع القوم قبل أن يضطر إلى خيار المواجهة العسكرية معهم، فإن فعل ذلك فإنه قد أعذر عليه لأنه استنفد كل السبل التي من الممكن أن تحد من هذه المواجهة لأنهم لم يتعظوا منه وهذا ما أراده (علیه السّلام) في استمراريته في الخطب المتتالية يوم العاشر من محرم من أجل نصحهم وعدم البدء في القتال معهم لأن الاسلام لا يحبذ بدء القتال مع الأعداء وهذا ما وجدناه في منهجالامام علي (علیه السّلام) في جميع حروبه التي فرضت عليه فإنه لم يبدأ حتى يبدأ الطرف الآخر بالقتال، ومن ذلك وصيته لعسكره قبل لقاء العدو بصفين كانت ضمن هذا الاتجاه إذ قال (علیه السّلام):

ص: 164


1- المجلسي، البحار، 45 / 6. ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 322 ؛ الطبرسي، اعلام الورى، 1/ 458 ؛ ابن الجوزي، المنتظم، 5/ 339 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 61 ؛ ابن نما، مثير الأحزان، ص 37 ؛ الإربلي، كشف الغمة، 2/ 222 ؛ الدمشقي، جواهر المطالب، 285/2 .

(لا تقاتلوهم حتى يبدؤوكم، فإنكم بحمد الله على حجة، وترككم إياهم

حتى يبدؤوكم حجة أخرى لكم عليهم)(1).

نهى (علیه السّلام) أصحابه عن السبق والإبتداء بالحرب فقد كان يوصي أصحابه في كل موطن يلقون به العدو بهذه الوصية، وهذا هو الإسلام لا عدوان إلا على

من اعتدى، وأشار (علیه السّلام) إلى أن ذلك يكون حجة عليهم وبيان هذه الحجة من وجهين أحدهما: انهم إذا بدأوا بالحرب فقد تحقق دخولهم في حرب الله ورسوله لقوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ):

(حربك يا علي حربي)(2)، والثاني البادئ بالحرب معتدٍ ابتداءً (3).

نتيجة لوحدة المنهج عند أئمة أهل البيت (علیهم السّلام)، نجد التشابه مع هذا التوجه في قيام الإمام الحسين (علیه السّلام) في أكثر من موقف، إذ انه (علیه السّلام) لم يبدأ الطرف المقابل بالحرب قبل استنفاد كل السبل السلمية ومن ثم اللجوء إلى خيار المواجهة معه.

أول تلك المواقف هو في الطريق إلى كربلاء وذلك بعد أن لقي جيش الحر

ابن يزيد الرياحي (4)، إذ قال الحر: ان الأمير كتب إلَّي أن أحلك على غير ماء

ص: 165


1- نهج البلاغة، ص 562 .
2- ينظر: المفيد، الاختصاص، ص 128 ؛ الشريف المرتضى، الانتصار، ص 479 ؛ الطوسي، الخلاف، 5/ 335 ؛ ابن المغازي، مناقب علي بن أبي طالب، ص 158 ؛ ابن البطريق، عمدة عيون صحاح الأخبار، ص 214 .
3- ينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 104 ؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 4/ 383 ؛ المجلسي، مرآة العقول، 18 / 370 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3/ 412 .
4- الحر بن يزيد الرياحي: بن ناجية بن قعنب بن عتاب الردف، قائد من أشراف تميم، اعترض طريق الإمام الحسين (علیه السّلام) في ألف فارس من أجل أن يمنعه في قصده إلى الكوفة فالتقى به وكان وقته في حر الظهيرة، فقال الحسين (علیه السّلام) اسقوا القوم وأروهم ورشفوا الخيل ترشيفاً ففعلوا، وقد ضيق على الحسين (علیه السّلام) وغير طريقه إلى كربلاء، وكان ممن خرج لقتاله (علیه السّلام) يوم العاشر إلا أنه تاب واستشهد بين يدي الإمام (علیه السّلام) ونال شرف سلام الإمام المنتظر (عجّل الله تعالی فرجه الشریف) عليه في زيارة الناحية المقدسة. ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 169 ؛ ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، ص 227 ؛ ابن طاووس، إقبال الأعمال، 3/ 78 ؛ الزركلي، الأعلام، 2/ 172 .

ولابد من الانتهاء إلى أمره، فقال زهير بن القين للحسين (علیه السّلام): بأبي وأمي يا ابن رسول الله والله لو لم يأتنا غير هؤلاء لكان لنا فيهم كفاية، فكيف بمن سيأتينا من غيرهم؟ فهلم بنا نناجز هؤلاء، فإن قتال هؤلاء أيسر علينا من قتال من يأتينا من غيرهم، فقال الإمام الحسين (علیه السّلام):

(فإني أكره أن ابدأهم بقتال حتى يبدأوا)(1).

على الرغم من أن الفرصة مؤاتية للمواجهة وإن الوضع بالنسبة للإمام (علیه السّلام) وأصحابه أفضل ومن الممكن الانتصار على هؤلاء لكن الإمام (علیه السّلام) طبق تعاليم الإسلام في عدم بدئهم بالقتال لأنهم لم يكونوا قد بدأوا بذلك.

ليس هذا الموقف فقط وإنما هناك موقف آخر تجسد في منعه (علیه السّلام) لمسلم بن عوسجة أن يرمي شمر بن ذي الجوشن بسهم، على الرغم من تجاوزه على الإمام (علیه السّلام) وذلك عندما قال مسلم: دعني أرميه فإن الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبارين، وقد أمكن الله منه، فقال (علیه السّلام):

(لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم بقتال)(2).

ص: 166


1- الدنيوري، الأخبار الطوال، ص 252 . ينظر: ابن مسكويه، تجارب الأمم 2/ 68 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 52 ؛ ابن العديم، بغية الطلب، 6/ 2625 ؛ النويري، نهاية الإرب، .424/20.
2- البحراني، العوالم، ص 249 . ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 187 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 322 ؛ الطبرسي، اعلام الورى، 1/ 458 ؛ الدمشقي، جواهر المطالب، 2/ 285 .

فالإمام (علیه السّلام) لم يخالف الشرع الإسلامي والسنة التي جاء بها الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وطبقها في جميع حروبه ولأنه (علیه السّلام) يريد أن يستنفد كل الوسائل السلمية قبل أن يلجأ إلى خيار المواجهة معهم، لذلك فإن قراءة موقف الإمام الحسين (علیه السّلام) في عدم

بدء القوم بالقتال يتضح منه أمور:

إن موقف الإمام (علیه السّلام) هو امتداد لما كان يفعله الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في حروبه، وتطابق واضح مع موقف الإمام علي (علیه السّلام) من أعدائه في حروبه التي خاضها معهم، لذلك فإنه (علیه السّلام) استمر في الاتجاه نفسه.

إن أحد أهداف قيام الإمام الحسين (علیه السّلام) هو الإصلاح في أمة جده رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فإنه ليس من المعقول أن يخالف سنة الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في أي جزئية من جزئياتها، وذلك بأن يبدأ القوم بقتال على خلاف ما كان يفعل جده (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأبوه (علیه السّلام)، بل إن اصلاحهم من دون قتال كان في مقدمة الأهداف.

إن الإمام (علیه السّلام) جعل هذا الأمر –عدم بدء القوم بقتال- أحد دروس القيام الشرعية وذلك بأنه مهما كان الموقف وما فيه من مردود إيجابي بالنسبة للإمام (علیه السّلام) فإنه فضل عدم البدء بالقتال أي انه فضل إعلاء وإحياء سنة الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، من هذا الباب على حساب مصلحته الذاتية لأن من أهم أهداف قيامه إحياء السنة.

جعل الإمام (علیه السّلام) من هذا الأمر أحد دروس القيام الأخلاقية التي فيها

تفضيل جانب السلم على الحرب، وتجنب الغدر بالأعداء مهما كانت الفائدة

كبيرة، وجعل الطرف الآخر هو المعتدي أي الظالم، والإمام (علیه السّلام) وأنصاره المعتدى عليهم أي المظلومون.

ب- الإعداد للمواجهة:

إن الإعداد لأية مواجهة عسكرية يتطلب كثيراً من الجهد والمتابعة من أجل

ص: 167

الوصول إلى الجاهزية التامة لمواجهة العدو، ولاسيما إذا ما كانت هناك مواجهة

حاسمة تمثل حداً فاصلاً على المستوى المادي والمعنوي، والمعطيات العسكرية المادية كلها تميل إلى الطرف الآخر من المواجهة، فإن هذا الأمر يستلزم إعداداً معنوياً كبيراً، وهذا ما فعله الإمام الحسين (علیه السّلام) في إعداد أنصاره لمواجهة جبهة الباطل.

نجد أن الإمام (علیه السّلام) أخذ يعد لتلك المواجهة وفي جميع مراحل القيام سواء كان مادياً أو معنوياً، من أجل أن تخرج بالشيء الذي خرجت به، ثم أصبح هناك انتصار معنوي كبير على الرغم من الهزيمة العسكرية حسب الظاهر، نتيجة الإعداد المستمر من الإمام (علیه السّلام) لتلك المواجهة لأن الإعداد والاستعداد للمعارك أمر مهم وقد أمر الله تعالى بذلك حسب ظاهر قوله عز وجل:«وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ »(1).

يعد الإعداد المعنوي للمقاتلين من أهم أنواع الإعداد وله دور كبير في تغيير

موازين المعارك، لأنه يترك أثراً على نفسية المقاتلين ومن ثمَّ يولد دافعاً كبيراً

عندهم في التضحية والفداء من أجل الهدف الذي يقاتلون من أجله، ونجد ان

الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قد عمل على هذا الجانب في كثير من غزواته، ففي غزوة بدر أخذ يرغّب المسلمين في الجنة حينما خاطبهم قائلاً:

(قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض)(2)، فبما أن من أهم غايات المسلم هو الجنة فإنه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يتكلم مع المسلمين المجاهدين بمنطق غاياتهم ويصور

ص: 168


1- الأنفال/ 60 .
2- الذهبي، تاريخ الاسلام، 2/ 90 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 3/ 338 .

المعركة بأنها حصاد الآخرة وأنها الطريق إلى الجنة مما يزيد من اندفاعهم إلى

القتال (1).

إن هذا الأمر قد عمل به الإمام علي (علیه السّلام) في حروبه من أجل رفع الروح المعنوية للمقاتلين، إذ نجده (علیه السّلام) في خطبته عن الجهاد يتكلم بهذا المنطق من أجل ترغيب أصحابه به حينما قال (علیه السّلام):

(أما بعد، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجنته الوثيقة)(2).

شبه الإمام (علیه السّلام) ذلك بالقول ان باب الدار منفذ اليها كذلك الجهاد منفذ إلى الجنة، لأنه لا مجاهد إلا من انقطعت علاقته من الدنيا وسلم نفسه إلى الله تعالى، فتحه الله للمحب والموالي وانه لا يوفق اليه إلا خواص الله الصالحون، وقيل لما كان الجهاد دافعاً للمضار عن الدين وحافظاً للايمان الذي به قوام التقوى للمؤمنين فإن هذا يشبه اللباس في الوقاية من مضرة البرد والحر عن الإنسان، كذلك نجد ذكر درع الله الحصينة فهنا شبّه (علیه السّلام) الجهاد بالدرع بعد تشبيهه باللباس للدلالة على أن الجهاد في دين الله بمنزلة الدرع للبدن، فهو يحفظ من الآفات وغيرها فكذلك الجهاد يحفظ الدين (3).

ان الإمام (علیه السّلام) قد رغب الجهاد لأصحابه من باب ربطه بالجنة وهو بابها، تحفيزاً لأصحابه، وقد عمل على رفع الروح المعنوية عندهم، فكان أحد العوامل

ص: 169


1- ينظر: حميد سراج جابر، الدبلوماسية وقواعد المواجهة في فكر الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، ص 67 .
2- نهج البلاغة، ص 69 .
3- ينظر: البيهقي، معارج نهج البلاغة، ص 116 ؛ المجلسي، مرآة العقول، 18 / 324 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 1/ 148 ؛ الخرساني، مفتاح السعادة، 5/ 229 .

التي اتبعها الإمام الحسين (علیه السّلام) مع اصحابه في هذا الجانب هو الترغيب في الجنة ووصفها بأنها قريبة منهم وأن الذي يفصل بينهم وبينها هو فقط الشهادة، وتذكر الروايات انه (علیه السّلام) وبعد أن فرغ من صلاة الخوف قال لبقية أصحابه:

(يا كرام، هذه الجنة قد فتحت أبوابها واتصلت أنهارها وأينعت ثمارها، وهذا رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله يتوقعون قدومكم، ويتباشرون بكم، فحاموا عن دين الله ودين نبيه)(1).

نلاحظ استمرار ما أراده الإمام علي (علیه السّلام) من ذكره للجهاد وذلك فيما يأتي: الإمام الحسين (علیه السّلام) جعل ذكره للموت منسجماً مع ما أراده الإمام علي (علیه السّلام) من ذكره للجهاد وتشبيهه بأنه الباب إلى الجنة، والإمام الحسين (علیه السّلام) جعل الجهاد والموت معه قنطرة للعبور إلى الجنة، وهذا يسهم في رفع الروح المعنوية ويجعل المجاهد في حالة شوق ولهفة للموت من أجل الوصول إلى جنات الخلد.

ذكر الإمام (علیه السّلام) لأصحابه استبشار الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والشهداء بأصحابه وانهم يتوقعون قدومهم، وبما ان رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من أخص أولياء الله وكذلك الشهداء من أوليائه عز وجل فإن الإمام الحسين (علیه السّلام) جعل أصحابه من ضمنهم وهذا استمرار لما ذكره الإمام علي (علیه السّلام) بأن الجهاد فتحه الله لخاصة أوليائه، وهذا أيضاً

من باب التحفيز من أجل الإندفاع في القتال بأعلى المعنويات الممكنة.

إن الإمام علياً (علیه السّلام) ذكر كثيراً عن مزايا الجهاد ومنها حفظ الدين وهذا امتد في موقف وكلام الإمام الحسين (علیه السّلام) مع أصحابه، إذ انه (علیه السّلام) وبعد أن قدم كثيراً ممّا يحفزهم على القتال والاستشهاد طلب منهم أن يحاموا عن دين الله ودين نبيه

ص: 170


1- المقرم، موسوعة مقتل الإمام الحسين (علیه السّلام)، ص 273 ؛ ينظر: البهبهاني، الدمعة الساكبة، 4/ 302 ؛ القندوزي، ينابيع المودة، 3/ 72 .

وهذا أحد أهم أهداف الجهاد بشكل عام والقيام بشكل خاص.

كان الإمام الحسين (علیه السّلام) دائم العمل على رفع الروح المعنوية عند أصحابه وحثهم على النصر أو الشهادة من أجل اعدادهم للمواجهة، ولهذا نجده (علیه السّلام) بعد ذلك أخذ يخفف عنهم هذا الأمر من أجل رفع معنوياتهم، وذلك عندما أخبرهم بأنهم لا يحسون بألم مس الحديد حينما قال (علیه السّلام) لهم قبل أن يستشهد:

(إن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قال لي: يا بُني إنك ستساق إلى العراق، وهي أرض قد التقى بها النبيون وأوصياء النبيين. وإنك تستشهد بها، ويستشهد معك جماعة من أصحابك، لا يجدون ألم مس الحديد، وتلا قوله تعالى: «قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ »(1)، تكون الحرب برداً وسلاماً عليك وعليهم فأبشروا فوالله لئن قتلونا فإنا نَرِدُ على نبينا )(2).

هنا إخبار من الإمام (علیه السّلام) لأصحابه بالقتل والموت وضرب الحديد، مع عدم إحساسهم بألم ذلك وهذا جانب مهم وتحفيز ورفع معنوي غاية في الأهمية، وإن عدم ألم مس الحديد الذي ذكره الإمام (علیه السّلام) لأصحابه يبدو انه ترجمة لما ذكره الإمام علي (علیه السّلام) عن ان الجهاد في دين الله بمنزلة الدرع للبدن، قد خاطبهم الإمام الحسين (علیه السّلام) بهذا المنطق الذي ترك أثراً كبيراً في اندفاعهم نحو القتال وحقق كثيراً من النتائج الايجابية التي تركت أثراً واضحاً على سير الأحداث في المواجهة العسكرية، ومنها:

كانوا في غاية الشوق لملاقاة عدوهم وهم مسارعون إلى ذلك وهذا ما نجده

ص: 171


1- الأنبياء/ 69 .
2- المجلسي، البحار، 45 / 80 . ينظر: الراوندي، الخرائج والجرائح، 2/ 848 ؛ ابن نما، ذوب النضار، ص 13 ؛ الحلي، مختصر بصائر الدرجات، ص 37 ؛ البحراني، مدينة المعاجز، 3/ 504 .

في كلام حبيب بن مظاهر في ليلة العاشر من محرم إذ قال:

(لولا انتظار أمره-أي الإمام (علیه السّلام)- لعاجلتهم بسيفي هذه الليلة )(1)، إن في

هذا الكلام اندفاعاً كبيراً ومسارعة من أجل المواجهة وهذا بفعل التأثير المعنوي

الذي ولّده الإمام الحسين (علیه السّلام) في نفسية المقاتلين من أجل إعدادهم للمواجهة.

بفعل الإعداد المعنوي الذي أوجده الإمام (علیه السّلام) عند أصحابه نجد ان بعضهم مثل عابس بن أبي شبيب (2) قد خرج عن المألوف في القتال والمواجهة العسكرية وذلك عندما ألقى درعه ومخفره وهو يطلب من الأعداء مواجهته (3)، وهذا انعكاس لما ذكره الإمام علي (علیه السّلام) عن تأثير الجهاد في البدن، واستمراره في قول الإمام الحسين (علیه السّلام) لأصحابه بأنهم لا يجدون ألم مس الحديد، لذلك نجد عابساً ألقى درعه ومخفره، وهذا لا يعني قلة وضعف العقيدة والاعتماد على عدم التألم وإنما يظهر الذوبان في العقيدة والإمام .(علیه السّلام) .

هذه نتائج مهمة تركت أثراً في المواجهة العسكرية ونتيجتها وكان لها آثار

ص: 172


1- المقرم، موسوعة مقتل الإمام الحسين (علیه السّلام)، ص 240 .
2- عابس بن أبي شبيب: بن ربيعة بن مالك بن صعب الهمداني الشاكري، وبنو شاكر بطن من همدان، كان عابس من رجال الشيعة رئيساً شجاعاً وبنو شاكر من المخلصين بولائهم لأمير المؤمنين (علیه السّلام)، عده الشيخ الطوسي في رجاله وهو من أعظم أنصار الإمام الحسين (علیه السّلام)، أرسله مسلم ابن عقيل (علیه السّلام) إلى الحسين (علیه السّلام) بالرسالة التي أخبره فيها ببيعة أهل الكوفة، انضم إلى الإمام (علیه السّلام) واستشهد بين يديه وزاده شرفاً إلى شرفه هو سلام الإمام المنتظر f عليه في زيارة الناحية المقدسة. ينظر: الطوسي، رجال الطوسي، ص 103 ؛ ابن طاووس، إقبال الأعمال، 3/ 79 ؛ السماوي، إبصار العين، ص 126 ؛ شمس الدين، أنصار الحسين، ص 94 .
3- ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 339 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 73 ؛ النويري، نهاية الإرب، 20 / 454 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 200 .

واضحة في نتيجة القيام بشكل عام، لأن أنصار الإمام (علیه السّلام) كانوا أحد أهم الأسباب المساعدة والمكملة في نجاح القيام وأهدافه، وهذا كله نتيجة العمل المستمر الذي قام به قائد القيام (علیه السّلام) في إعداد مقاتليه من جميع النواحي للمواجهة الحاسمة مع الأعداء.

كان من ضمن برنامج الإعداد للمواجهة والذي ربما يرتبط بالجانب المعنوي إلى حد ما هو التأكيد على الصبر في المواجهة ضد العدو، إذ ان الصبرفي المعارك له أثر كبير في عملية إنهائها للطرف الذي يكون أكثر ثباتاً فيها، وهذا ما كان يحفز عليه الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) المسلمين في غزواتهم، ففي غزوة أحد قال لهم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ):

(افتتحوا أعمالكم بالصبر على الجهاد والتمسوا بذلك ما وعدكم الله)(1).

هذا ما كان الإمام علي (علیه السّلام) يحث أصحابه وقادته عليه من أجل الوصول إلى النصر عن طريق الصبر في المواجهة، اذ كان في إحدى وصاياه العسكرية قوله (علیه السّلام):

(فخذوا للحرب أهبتها وأعدوا لها عدتها، فقد شب لظاها وعلا سناها،

واستشعروا الصبر، فإنه أدعى إلى النصر)(2)، وهنا (علیه السّلام) جعل من الإعداد للحرب وأسباب النصر فيها هو الصبر وقد طلب من أصحابه التأهب للحرب وإعداد عدتها فإن أهبة الحرب عدتها، وتهيئة أسباب الجهاد ضد العدو، ثم أمرهم بأن يتخذوا الصبر شعارا لهم، والشعار ما يلي الجسد من الثياب وهو ألزم الثياب للجسد، فهو (علیه السّلام) يقول لازموا الصبر كما يلزم الإنسان ثوبه الذي يلي

ص: 173


1- الواقدي، المغازي، 1/ 222 ؛ المقريزي، امتاع الاسماع، 1/ 138 ؛ الصالحي، سبل الهدى والرشاد، 4/ 189 .
2- نهج البلاغة، ص 68 .

جلده وقد يستغني عن غيره من الثياب لأن الصبر من أقوى أسباب النصر(1).

أعطى الإمام الحسين (علیه السّلام) دروساً وعبراً في الصبر بشكل عام لم يعرف لها التاريخ مثيلاً، إذ إنه (علیه السّلام) وبعد أن رأى اختلال موازين القوى بين معسكري الحق والباطل على الصعيد العسكري، جعل الحث على الصبر من ضمن برنامج الإعداد المعنوي وهذا انعكاس لما ذكره الإمام علي (علیه السّلام) عن تأثير الصبر في المعركة وعلى نتيجتها، ومن هذا المنطلق أدخل الإمام الحسين (علیه السّلام) هذا الأمر في الإعداد النفسي لأصحابه وجعله عنصراً مكملاً ومتمماً للعامل المعنوي، لذلك نجده يعطي درساً مهماً في عملية الحث على الصبر من جهة ورفع الروح المعنويةلمقاتليه من جهة أخرى في آن واحد، لأنه علم بعدم التمكن من تحقيق نصر مادي، ولأنه انعكس لديه تأثير الصبر في المعارك من كلام الإمام علي (علیه السّلام) مع أصحابه، فأراد بذلك تحقيق نصر معنوي كبير، وقد خاطب (علیه السّلام) أصحابه قائلاً:

(صبراً بني الكرام، فما الموت إلا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضر إلى الجنان الواسعة والنعم الدائمة، أيكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر، وهؤلاء

أعداؤكم كمن ينتقل من قصر إلى سجن وعذاب أليم)(2).

وأبرز الصور في هذا الخطاب تندرج بما يأتي:

أشار الإمام (علیه السّلام) إلى الصبر وحث أصحابه عليه لمعرفته (علیه السّلام) بأنه مدعاة إلى النصر ولأن الإنسان الصابر لا يفر من الميدان مهما كلف الأمر من تضحيات.

ص: 174


1- ينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2/ 61 ؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 2/ 28 ؛ الخوئي، منهاج البراعة، 3/ 375 ؛ البدري، نزهة النظر، ص 44 .
2- الصدوق، الاعتقادات في دين الإمامية، ص 52 . ينظر: معاني الأخبار، ص 289 ؛ الكاشاني، المحجة البيضاء، 8/ 255 .

جعل (علیه السّلام) الموت أسهل ما يمكن لأصحابه وهذا ضمن رفع الروح المعنوية لهم وذلك عندما صوره لهم بأنه قنطرة تعبر بهم إلى الجنان الواسعة وهذا ضمن عملية الدمج –التي أشرنا إليها سابقاً- في الحث على الصبر ورفع الروح المعنوية في آن واحد.

صوّر الإمام (علیه السّلام) لأصحابه الدنيا بأنها سجن وهي حياة البؤس والضر وإن ما ينتظرهم هو الحياة التي تستحق التضحية والفداء، وهو أيضاً جزء من رفع

الروح المعنوية لأصحابه التي ربطها بالصبر، وان تلك الجنان لا يمكن الوصول

اليها الا بالصبر والثبات، وهذه ترجمة لما ذكره الإمام علي (علیه السّلام) في ان الصبر أدعى للنصر، وقد ترجم ذلك الإمام الحسين (علیه السّلام) بأن حقق نصراً معنوياً كبيراً فضلاً عن الوصول إلى جنان الخلد بعد الصبر والاستشهاد في القتال ضد الأعداء.

كان الإمام الحسين (علیه السّلام) وفي أكثر من مناسبة يحث أهله وأصحابه على الصبرلمعرفته بالنتائج المستحصلة عن هذا الطريق، لهذا نجده (علیه السّلام) يحث أهله وبني عمومته على ذلك عندما قال:

(صبراً يا بني عمومتي، صبراً يا أهل بيتي لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً)(1).

خصّ الإمام (علیه السّلام) أهله وبني عمومته بهذا الخطاب إلا أنه في مناسبة أخرى حث أصحابه على ذلك عندما صلى بهم الغداة فالتفت اليهم وقال:

(ان الله قد أذن في قتلكم فعليكم بالصبر)(2)، أي قدّر قتلكم في علمه تعالى (3).

ص: 175


1- ابن طاووس، اللهوف، ص 68 . ينظر: ابن أعثم، الفتوح، 5/ 112 .
2- ابن قولويه، كامل الزيارات، ص 152 ؛ المجلسي، البحار، 45 / 86 ؛ البحراني، العوالم، ص 319 .
3- ينظر: المجلسي، البحار، 45 / 86 .

هذا كله ضمن الإعداد الذي كان يعمل عليه الإمام الحسين (علیه السّلام) للمواجهة الحاسمة مع جبهة الباطل، لكي لا يترك أية ثغرة أمام عدوهم من الممكن أن يتسلل من خلالها إلى أنصار جبهة الحق، ولهذا فإن الإمام (علیه السّلام) كان في حذر دائم ومطوعاً كل عامل -ولو معنوياً- له أثر مهم في عملية تغيير الموازين في المواجهة المرتقبة.

إن الإمام الحسين (علیه السّلام) عندما نزل في أرض كربلاء خرج إلى أصحابه فأمرهم أن يقرب بعضهم بيوتهم من بعض وأن يدخلوا الأطناب (1) بعضها ببعض(2)، وهذا تجلٍّ واضح من كلام الإمام علي (علیه السّلام) وهو يوصي عسكره، إذ قال:

(إياكم والتفرق، فإذا نزلتم فانزلوا جميعا)(3)، نهاهم (علیه السّلام) عن التفرق وأمرهم أن ينزلوا جميعاً لأن هذا الأمر يبعث الهيبة والرعب في نفس العدو، ويجنب العسكر الكثير من المخاطر، أما التفرق والتشتت فإنه موجب لضعف قواهم (4).

كان هذا متجلياً بفعل الإمام الحسين (علیه السّلام) عندما طلب من أصحابه أن يقربوا البيوت من بعضها وفيه تأثيران معنويان هما:

ص: 176


1- الأطناب: جمع طنب، ما يشد به البيت من الحبال بين الأرض والطرائق. ينظر: ابن منظور، لسان العرب، 1/ 561 ؛ الطريحي، مجمع البحرين، 2/ 110 .
2- ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 186 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 319 ؛ الطبرسي، أعلام الورى، 1/ 457 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 59 ؛ النويري، نهاية الإرب، 20 / 437 .
3- نهج البلاغة، ص 559 .
4- ينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 90 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3/ 410 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 3/ 449 .

التأثير الأول: تأثير معنوي على العدو وذلك لزرع الخوف والرهبة في نفسه

من عسكر الإمام الحسين (علیه السّلام) عندما يراهم في هذا التلاحم والإرتباط فيما بينهم وهذا ما كان متجانساً مع ما أراده الإمام علي (علیه السّلام) من عسكره في أن ينزلوا جميعاً لا مشتتين.

التأثير الثاني: تأثير معنوي نفسي بالنسبة لأصحاب وأهل بيت الإمام (علیه السّلام) لأن هذا التقارب في البيوت يجعل هناك ارتباطاً نفسياً أكثر فيما بينهم ويزيد العلاقة وينهي أي فارق طبقي فيما بينهم إن وجد، وهذا ما جنيت ثماره في عملية الترابط والتلاحم الذي ظهر عليه معسكر الحق سواء بين الأنصار أنفسهم أو بينهم وبين القائد .(علیه السّلام).

هذه أمور لها أهمية كبيرة في عملية الإعداد للمواجهة، إلا أن الإمام الحسين (علیه السّلام) لم يقف عند الجانب المعنوي فقط في عملية الإعداد أو الأمور النفسية، وإنما نجده يوظف كثيراً من الأمور في هذه العملية حتى عامل الطبيعة، فالطبيعة لها تأثير في المعارك حسب الأرض التي تدور فيها المواجهة فإن لكل أرضطبيعتها في القتال سواء كانت جبلية أو صحراوية وغيرها، وعلى هذا الأساس نجد الإمام علياً (علیه السّلام) يوصي جيشاً بعثه للعدو بأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار إذ قال (علیه السّلام):

(فإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبل الأشراف أو سفاح

الجبال، أو أثناء الانهار، كيما يكون لكم ردءاً ودونكم مرداً. ولتكن مقاتلتكم

من وجه واحد أو اثنين)(1).

أشار الإمام (علیه السّلام) إلى تكتيك عسكري مهم في عملية المواجهة العسكرية ذي

ص: 177


1- نهج البلاغة، ص 559 .

فائدة كبيرة في كلتا الحالتين الدفاعية والهجومية، عندما أمر عسكره أن ينزلوا في مكان حصين مثل الاشراف وهي المكان العالي لئلا يأخذهم العدو من خلفهم وليأمنوا فيه مباغتتهم، وإذا كان ذلك غير ممكن فإنهم ينزلون في مكان منخفض كسفح الجبل وهو أصله أي اسفله وأثناء الأنهار أي منعطفاتها وهو منعطف الوادي ونحوه، بحيث لا يراهم العدو ولا تصل سهامه اليهم وضرباته عن بعد وبذلك تكون هذه الأماكن حافظة لهم معينة لهم في القتال، ثم أمر بأن تكون

مقاتلتهم من وجه واحد فإن لم يكن ممكناً فمن وجهين حيث يحفظ بعضهم ظهر

بعض لأن القتال من عدة جهات يوجب الضعف والتفرقة (1).

نلاحظ أن الإمام (علیه السّلام) يريد استثمار العناصر الطبيعية من جبال أو أنهار

كعامل مساعد لتحقيق النصر على العدو، وهذا الفكر العسكري ينطبق على

بقية الأئمة (علیهم السّلام) مثل الإمام الحسين (علیه السّلام) في قيامه وذلك عندما لاقى جيش الحر بن يزيد الرياحي في الطريق إلى كربلاء فقد قال (علیه السّلام) لزهير بن القين: أما ها هنا مكان يلجأ اليه، أو شرف نجعله خلف ظهورنا، ونستقبل القوم من وجه واحد؟ قال له زهير بن القين: بلى، هذا جبل ذو حسم (جشم)(2)، إلى جنبك تميل اليه إلى يسارك فمل بنا اليه، فإن سبقت اليه فهو كما تحب، فسار (علیه السّلام) حتى سبق اليه،

ص: 178


1- ينظر: الراوندي، منهاج البراعة، 3/ 31 ؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 4/ 478 ؛ مصباح السالكين، ص 482 ؛ الميرجهاني، مصباح البلاغة، 4/ 324 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، .409/3 .
2- ذو حسم: موضع منيع في البادية نزله الإمام الحسين (علیه السّلام) في طريقه إلى الكوفة ولقيه الحر بن يزيد فيه. ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك 4/ 302 ؛ البكري، معجم ما استعجم، 2/ 446 ؛ ياقوت الحموي، معجم البلدان، 2/ 258 .

وجعل ذلك الجبل وراء ظهورهم (1).

ان هذا التواؤم الفكري بين الإمام علي (علیه السّلام) والإمام الحسين (علیه السّلام) في هذه الناحية العسكرية حقق فوائد كبيرة بالنسبة للإمام الحسين (علیه السّلام) في عملية المواجهة والإعداد لها ومن أهم تلك الفوائد:

تطويع عنصر الطبيعة في عملية المواجهة العسكرية وجعله عاملاً مساعداً في

عملية الإعداد للمواجهة وهذا ما كان فعله الإمام علي (علیه السّلام) في وصيته لعسكره.

ان عمل وإجراء الإمام الحسين (علیه السّلام) حصر المواجهة العسكرية وجعلها من وجه واحد ومن ثمَّ توحيد الجهود العسكرية في مواجهة الأعداء وحرمانهم من عملية الالتفاف حول جيش الإمام (علیه السّلام) وهذه الفائدة استمرار لما أراده الإمام علي (علیه السّلام) من عملية حصر المواجهة وجعلها من وجه واحد أو اثنين.

الإمام الحسين (علیه السّلام) عمل ضمن الإمكانيات المتاحة لأن الالتجاء إلى الجبل وفر له كثيراً من العناصر الأمنية لمعسكره، وربما هذا أحد العلل التي جعلت الإمام علياً (علیه السّلام) يطلب من عسكره أن يلتجئوا إلى موضع مرتفع فقد ترجمت في اجراء الإمام الحسين (علیه السّلام) هذا، وبذلك طوع (علیه السّلام) الطبيعة وجعلها عاملاً مساعداً في المواجهة والإعداد لها.

من الأمور الأخرى التي تتعلق بالإعداد للمواجهة هو تجنبها ليلاً وهو الأمر الذي ظهر في وصايا الإمام علي (علیه السّلام) وذلك عندما أوصى أحد قادة جيشه قائلاً له:

ص: 179


1- ينظر: الدينوري، الأخبار الطوال، ص 248 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 302 ؛ ابن مسكويه، تجارب الأمم، 2/ 61 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 46 ؛ النويري، نهاية الإرب، 416/20 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 168 .

(ولا تسر أول الليل، فإن الله جعله سكناً، وقدره [جعله] مقاماً لا ضعناً،

فأرح فيه بدنك وروح ظهرك، فإذا وقفت حين ينبطح [ينبلج] السحر، أو حين

ينفجر [يتفجر] الفجر، فسر على بركة الله)(1).

أعطى الإمام (علیه السّلام) خصوصية الليل لذلك فإنه يطلب من قائده أن لا يسير أول الليل لأنه وقت منام الناس وان الله جعله سكناً (2)، فقد منَّ الله تعالى على عباده أن جعل لهم الليل ليسكنوا فيه، وكره أن يخالفوا ذلك، ولكن لقائل أن يقول: فكيف لم يكره (علیه السّلام) السير أو الحركة في آخره، وهو من جملة الليل أيضاً؟!

ويمكن أن يكون فهم من رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ان الليل الذي جعل سكناً للبشر انما هو من أوله إلى وقت السحر، لأن الله جعله مقاماً أي للإقامة وراحة البدن وكذلك الدواب، ثم طلب (علیه السّلام) من قائده إذا كان الفجر وهو الصبح أن يسير على بركة الله بأن يجعل الله تعالى سيره مباركاً (3).

بيّن الإمام (علیه السّلام) تأثير الليل في الإعداد العسكري للمقاتلين وجعله عاملاً مساعداً على ذلك لأنه يريح المقاتلين من أتعاب النهار فضلاً عن دوابهم

وما للجوانب العبادية من أهمية خلال الليل وهذا ما يفسر لنا رفض الإمام

الحسين (علیه السّلام) مقاتلة الأعداء عشية يوم الخميس في يوم التاسع من محرم، فقد نهض عمر بن سعد في ذلك اليوم لمقاتلة الإمام (علیه السّلام) ونادى في عسكره بالزحف نحوه وعندما رأى (علیه السّلام) ذلك طلب من أبي الفضل (علیه السّلام) أن يلقاهم ويسألهم عما

ص: 180


1- نهج البلاغة، ص 560 .
2- جعل الله الليل سكناً حسب ظاهر قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾، يونس/ 67 .
3- ينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 5/ 93 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة،450/3 .

جاءهم وما الذي يريدونه؟ وحينما جاءهم أبو الفضل (علیه السّلام) قالوا جاء أمر الأمير أن نفرض عليكم النزول على حكمه أو ننازلكم الحرب، فانصرف العباس (علیه السّلام) يخبر الإمام (علیه السّلام) بذلك، فقال ارجع إليهم واستمهلهم هذه العشية إلى غد، لعلنا نصلي إلى ربنا الليلة وندعوه ونستغفره، وفعلاً بعد أن طلب منهم العباس ذلك تم التأجيل إلى الصباح (1).

إن الإمام (علیه السّلام) قد رفض المواجهة العسكرية في الليل وهو استمرار لما أراده الإمام علي (علیه السّلام) من قائده لاستحصال النتائج المطلوبة التي جعلت الإمام علياً (علیه السّلام) يرفض القتال بالليل فضلاً عن ان للإمام الحسين (علیه السّلام) كثيراً من الأهداف والغايات من هذا التأجيل ومنها:

الهدف الأول: التزود الروحي بالعبادة والاستغفار في هذه الليلة خاصة انها ليلة الجمعة ذات الأهمية الكبرى في العبادة والتي لها خصوصية كبيرة بالنسبة لأهل البيت (علیهم السّلام)(2)، والإمام (علیه السّلام) وأصحابه قد قضوا الليلة كلها بالعبادة وهم يصلون ويستغفرون ويدعون(3)

ص: 181


1- ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 184 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 315 ؛ المفيد،الإرشاد، 2/ 90 ؛ ابن مسكويه، تجارب الأمم، 2/ 74 ؛ الطبرسي، أعلام الورى، 1/ 454 .
2- إذ روي عن الإمام أبي عبد الله (علیه السّلام) قال:ان لنا في كل ليلة جمعة سرور، قلت زادك الله وما ذاك؟ قال: إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) العرش ووافى الأئمة (علیهم السّلام) معه ووافينا معهم، فلا تردوا ارواحنا إلى أبداننا إلا بعلم مستفاد، ولولا ذلك لأنفذنا. ينظر: الكليني، الكافي، 1/ 254 .
3- ومن الأدعية المروية عن الإمام الحسين في تلك الليلة قوله (علیه السّلام): )اللهم اني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة، وعلمتنا القرآن، وفقهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة، ربنا فاجعلنا من الشاكرين. ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 317 ؛ الفتال النيسابوري، روضة الواعظين، ص 183 ؛ الطبرسي، اعلام الورى، 1/ 455 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 57 .

ويتضرعون إلى الله تعالى (1).

الهدف الثاني: توديع العيال والأهل وإخبارهم بما ستؤول إليه الأحداث من أجل إعدادهم لذلك، وهو من الأمور المعدّة للمواجهة، إذ إنه (علیه السّلام) قد أوصى

السيدة زينب (علیها السّلام) الممثل الرئيسي لجميع أفراد العائلة بعد استشهاده (علیه السّلام) بعدة وصايا، وعزاها بنفسه وهوّن عليها ذلك حينما قال لها:

(يا أختاه تعزي بعزاء الله وأرضي بقضاء الله فإن سكان السماوات يفنون وأهل الأرض يموتون وجميع البرية لا يبقون وكل شيء هالك إلا وجهه، له الحكم وإليه ترجعون، وإن لي ولك ولكل مؤمن ومؤمنة أسوة بمحمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) (2).

الهدف الثالث: إن الإمام (علیه السّلام) بعد أن رأى حتمية المواجهة أراد اختبار أصحابه اختباراً نهائياً في تلك الليلة وهو من أصعب الاختبارات على الأصحاب لمعرفة مدى حبهم للتضحية والفداء، لذلك جمعهم في الليل وطلب منهم أن يتركوه لأن القوم لا يطلبون أحداً غيره حينما قال (علیه السّلام):

(هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من

أهل بيتي وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم فإنهم لا يريدون

ص: 182


1- ينظر: البلاذري، انساب الأشراف، 3/ 186 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 319 ، النويري، نهاية الإرب، 20 / 437 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 192 ؛ الدمشقي، جواهر المطالب، 2/ 284 .
2- ابن أعثم، الفتوح، 5/ 84 . ينظر: المفيد، الارشاد، 2/ 94 ؛ الطبرسي، اعلام الورى، 1/ 457 ؛ ابن الجوزي، المنتظم، 5/ 338 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 59 ؛ النويري، نهاية الإرب، 437/20 ؛ الصالحي، سبل الهدى والرشاد، 11 / 77 .

غيري)(1).

الهدف الرابع: أراد الإمام (علیه السّلام) تهيئة المقاتلين وتعبئتهم بشكل أكبر وإعدادهم للمواجهة والاستعداد لها، فنجده (علیه السّلام) بعد صلاة الغداة عبّأ أصحابه فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه وحبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه، وأعطى رايته لأبي الفضل العباس(2)، وهذه التعبئة التي كانت بعد صلاة الغداة كانتمع مقصد كلام الإمام علي (علیه السّلام) لقائده الذي طلب منه إذا كان الفجر أن يسير على بركة الله.

الهدف الخامس: ان الإمام (علیه السّلام) قرأ الموقف وما ستؤول اليه الأمور إذا ما كانت المواجهة في الليل، فربما يكون هناك إخفاء لكثير من الحقائق عن هذه

المواجهة، وقد تكون هذه النظرة منه (علیه السّلام) إلى ما وراء واقعة الطف، ثم فقدان كثير من المزايا التي حدثت عندما كانت الواقعة في النهار وإحداها الجانب الإعلامي للواقعة، وان العدو اذا ما حسم المواجهة في الليل سوف يقوم بإخفاء الحقائق عنها ومن ثم يصور الأمور وفق ما يراها مناسبة له- فالمواجهة كانت في النهار وما زالت كثير من الحقائق تخفى عنا، فكيف إذا كانت في الليل؟- لهذا جاء التأجيل وكان هذا الهدف أحد الأسباب المهمة التي دفعت الإمام (علیه السّلام) إلى ذلك.

إن الإمام (علیه السّلام) لم يترك شيئاً متاحاً إلا وأعده لهذه المواجهة على وفق الإمكانيات

ص: 183


1- ابن طاووس، اللهوف، ص 55 . ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 317 ؛ الصدوق، الأمالي، ص 220 ؛ ابن مسكويه، تجارب الأمم، 2/ 75 ؛ الراوندي، الخرائج والجرائح، 847/2 ؛ ابن شهر آشوب، المناقب، 3/ 248 ؛ ابن الجوزي، المنتظم، 5/ 337 .
2- ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 187 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 320 ؛ المفيد، الارشاد، 2/ 95 ؛ الفتال النيسابوري، روضة الواعظين، ص 184 ؛ الطبرسي، اعلام الورى، 457/1 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 59 .

المتوفرة عنده، فنجده (علیه السّلام) استعمل الدعاء في هذه المواجهة، فالدعاء له تأثير كبير إذا ما كانت الاستجابة سريعة من الله تعالى، مع تأثيره على المدى البعيد إذا ما تعطلت الإجابة لحكمة يريدها الله عز وجل.

هذا الجانب الخاص بالدعاء رأيناه واضحاً في تعامل الإمام علي (علیه السّلام) مع أهل الكوفة، لذلك نجد ان دعاء الإمام الحسين (علیه السّلام) هو استمرار وانعكاس لدعاء الامام علي (علیه السّلام) على أصحابه، عندما دعا (علیه السّلام) بخصوصهم قائلاً:

(اللهم إني قد مللتهم وملوني، وسئمتهم وسئموني فأبدلني بهم خيراً منهم،

وأبدلهم بي شراً مني)(1).

شكى (علیه السّلام) إلى الله تعالى مخالفتهم وعصيانهم له بقوله اللهم اني قد مللتهم لكثرة ما تكرر مني الأمر لهم بالجهاد والذب عن دين الله ودعاهم إلى الله سبحانه وإلى تحصيل مرضاته ليلاً نهاراً فلم يزدهم ذلك الا فراراً، ثم أردف

تلك الشكاية بالتضرع إلى الله في الخلاص منهم، ولعله (علیه السّلام) دعى عليهم لعلمه انه لا يرجى صلاحهم فيما خلقوا لأجله لذلك دعا أن يبدله الله بهم خيراً أي باعتقادهم لا في الأمر نفسه فإنه ليس فيهم خير وإن طلبه بدلاً عنهم يجوز ذلك في الدنيا أو في الآخرة –كما بينا سابقاً- وابدالهم بشرٍ منه أي في اعتقادهم أيضاً وإلا لم يكن فيه (علیه السّلام) شر وإنما مورد الكلام على ما هو عند القوم، بمعنى: اخذلهم يا رب كما خذلوني بحيث لو كان بعدي والٍ ظالم خلِّ بينه وبينهم وهذا نتيجة بطرهم عليه (علیه السّلام)(2).

ص: 184


1- نهج البلاغة، ص 66 .
2- ينظر: الراوندي، منهاج البراعة، 1/ 201 ؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 2/ 22 ؛ الخوئي، منهاج البراعة، 3/ 357 ؛ الخرساني، مفتاح السعادة، 5/ 139 ؛ الميلاني، نفحات الأزهار، 8/ 178 .

وقد ولد بعد دعاء الإمام علي (علیه السّلام) الحجاج بن يوسف الثقفي وصحبته

مع أهل الكوفة وغيرهم في الأهلاك معروفة (1)، وهو أحد أشد الولاة ظلمًا

وخاصة لأهل العراق إذ تنبأ الإمام علي (علیه السّلام) بتوليه العراق وأشار إلى ظلمه للناس حينما قال :(علیه السّلام)

(أما والله ليسلطن عليكم غلام ثقيف الذيال الميال، يأكل خضرتكم، ويذيب شحمتكم)(2)، ان غلام ثقيف المشار إليه هو الحجاج بن يوسف(3) الظالم بكل معنى الكلمة.

ومما عناه الإمام (علیه السّلام) هو عدم رضا الولاة عنهم وسخطهم وقهرهم لهم نتيجةما كانوا يفعلونه مع الإمام علي (علیه السّلام) رغم عدله وإحسانه إليهم، وقد تطابق دعاء الإمام الحسين (علیه السّلام) مع دعاء الإمام علي (علیه السّلام) على الفئة نفسها ولا نقصد الأفراد بل المنهج والعمل، إذ كان دعاء الإمام الحسين (علیه السّلام) على القوم هو قوله:

(اللهم فإن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقا واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترضِ

عنهم الولاة أبداً فإنهم دعونا لينصرونا فعدوا علينا فقتلونا)(4)، ومن أبرز عناصر التطابق مع كلام الإمام علي (علیه السّلام) هو في طلب ابدالهم بشر منه، بينما طلب

ص: 185


1- ينظر: الراوندي، منهاج البراعة، 1/ 202 ؛ البحراني، مصباح السالكين، ص 128 .
2- نهج البلاغة، ص 254 .
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7/ 278 ؛ البحراني، شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين ،(علیه السّلام) ص 242 ؛ بيضون، تصنيف نهج البلاغة، ص 272 ؛ شمس الدين، دراسات في نهج البلاغة، ص 182 ؛ الحسيني، مصادر نهج البلاغة وأسانيده، ص 254 .
4- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 345 . ينظر: ابن أعثم، الفتوح، 5/ 114 ؛ المفيد، الارشاد، 110/2 ؛ ابن نما، مثير الأحزان، ص 56 ؛ ابن العديم، بغية الطلب، 6/ 2618 ؛ الشامي، الدر النظيم، ص 558 ؛ النويري، نهاية الإرب، 20 / 459 .

الإمام الحسين (علیه السّلام) من الله عدم رضا الولاة عنهم، وكلاهما له الدلالة نفسها.

لا تعني هذه الشمولية للحسن والسيء بل إعطاء كل ذي حق حقه، وهذا كله

بسبب ظلمهم للإمام علي (علیه السّلام) وتمردهم عليه رغم إحسانه إليهم وهو خليفتهم، وكرروا ذلك مع الإمام الحسين (علیه السّلام) في ظلمهم وخيانتهم وعدم نصرته.

وظّفَ الإمام الحسين (علیه السّلام) كل شيء ممكن وشرعي في عملية الاعداد للمواجهة ضد الأعداء، وكان في أكثر مواضع الإعداد انعكاساً واستمراراً لما كان يفعله الإمام علي (علیه السّلام) في مثل تلك الحالات، وهذا ينم عن الفكر العسكري الكبير عند الإمام علي (علیه السّلام) واستمراريته عند الإمام الحسين .(علیه السّلام).

ج- الفكر العسكري:

إن أي مواجهة عسكرية يكون الدور الرئيس والفعال فيها للقائد أوأمير الجيش، فهو المحور الذي تدور حوله رحى الحرب وهو الموجه والآمر الناهي في جميع تفاصيل المواجهة، والنصر أو الهزيمة مرتبطان به وبطبيعة فكره العسكري، هل يستطيع قيادة عسكره إلى النصر؟ وهل يستطيع التغلب على الهزيمة العسكرية إذا ما كانت هناك هزيمة وتحويلها إلى نصر معنوي؟ ويحكم

الإجابة عن هذه الأسئلة الفكر العسكري الذي يتميز به القائد وقدرته على

إدارة المواجهة ضد الأعداء.

كانت الحروب فيما سبق ترتبط فضلاً عن القائد باللواء في المعركة، إذ إن

اللواء –الراية- هو الذي يمثل مركز ثبات الجيش ولهذا كانوا يتدافعون في

الذب عنه حتى لا يسقط على الأرض بسقوط حامله وسقوطه معناه نكسة

معنوية كبيرة تصيب المحاربين (1)، لذلك كانوا يختارون أشجع أفراد الجيش

ص: 186


1- ينظر: جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام، 7/ 59 .

لحمل الراية في المعارك وقد عبر الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عن هذا المعنى بقوله في غزوة خيبر عن الإمام علي (علیه السّلام):

(لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كراراً غير

فرار)(1).

نجد استمرارية هذا الامر عند الإمام علي (علیه السّلام) وتجسد ذلك في وصيته لعسكره حينما قال (علیه السّلام):

(ورايتكم فلا تميلوها ولا تخلوها، ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم، والمانعين الذمار منكم، فإن الصابرين على نزول الحقائق هم الذين يحفون براياتهم، ويكتنفونها: حفافيها، ووراءها، وأمامها، لا يتأخرون عنها فيسلموها، ولا يتقدمون عليها فيفردوها)(2).

حرص الإمام (علیه السّلام) أن لا تميل الراية بيد حاملها لأن ميلها موجب للريبة

فيظن انها مشرفة على السقوط، ولأنها إذا أميلت عن عيون الجيش تؤدي إلى

اهتزاز في المعنويات لذلك أشار عليهم (علیه السّلام) بضرورة وضعها بأيدي الشجعانوالمانعين الذمار، ولأنها أصل نظام العسكر وعليها تدور رحى المعركة وبها تقوى قلوب المقاتلين ما دامت قائمة، والذمار ما وراء الرجل مما يحق عليه أن يحميه من عرض أو مال أو ما شابه، أي الأشخاص الذين لهم نفسية منع الذمار عن الأعداء فإنهم أكثر إيثاراً للنفس في سلب التحفظ على كيانهم فلا يتخلون

ص: 187


1- الكليني، الكافي، 8/ 351 . ينظر: البخاري، صحيح البخاري، 4/ 20 ؛ ابن حبان، صحيح ابن حبان، 5/ 377 ؛ الطبري، المسترشد، ص 299 ؛ الباقلاني، تمهيد الأوائل، ص 544 ؛ ابن جبير، نهج الايمان، ص 316 ؛ الحلبي، السيرة، 2/ 373 .
2- نهج البلاغة، ص 263 .

عن اللواء بمجرد خوف أو تعب، والمراد بنزول الحقائق نزولها به أو نزوله بها

وما يعرض للانسان في الحرب هي حالة يحق أن يحامي عنها فالصابرون إذا

نزلت بهم نازلة هم الذين يحفون براياتهم أي يكتنفونها لئلا تسقط (1).

يدل هذا على أهمية الراية في المعارك وتأثيرها الكبير في سير أحداث النزال،

وقد لوحظ وضع الإمام علي (علیه السّلام) عدة شروط وأوصاف لحامل الراية من

أصحابه، لذلك فقد حرص الإمام الحسين (علیه السّلام) على توفر تلك الشروط في حامل رايته وهو يعطيها لأخيه أبي الفضل العباس (علیه السّلام)(2).

وقد لاحظ الإمام (علیه السّلام) كثيراً من المميزات التي تميز أبا الفضل العباس عن غيره؛ لهذا أعطاه الراية على الرغم من وجود اخوته، فضلاً عن أن في الصحابة من هو أسن منه لكنه لم يعطها لهم ومن تلك المميزات:

الشجاعة النادرة التي ليس لها مثيل عند غيره من الأنصار وهذا يتفق مع

أحد أهم شروط حامل الراية التي أشار إليها الإمام علي (علیه السّلام)، وعبر أبو الفضل عن تلك الشجاعة في أرجوزته عندما حمل على القوم قائلاً:

لا أرهب الموت إذ الموت رقى*** حتى أواري في المصاليت لقا

نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا*** إني أنا العباس أغدو بالسقا

ص: 188


1- ينظر الراوندي، منهاج البراعة؛ 2/ 34 ؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 3/ 124 ؛ المجلسي، مرآة العقول، 18 / 372 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 2/ 231 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 2/ 255 .
2- ينظر: المفيد، الارشاد، 2/ 95 ؛ الطبرسي، اعلام الورى، 1/ 457 ؛ ابن شهر آشوب، المناقب، 250/3 .

ولا أخاف الشر يوم الملتقى (1)

المكانة الكبيرة والمميزة التي كانت لأبي الفضل (علیه السّلام) عند أخيه الإمام

الحسين (علیه السّلام) وما يدل على ذلك عندما أراد عمر بن سعد أن يحمل على عسكر الإمام (علیه السّلام) عشية يوم الخميس قال (علیه السّلام) لأبي الفضل:

(اركب بنفسي أنت)(2)، فقد فداه بنفسه، وهذا ينم عن عظيم مكانة العباس (علیه السّلام) عند الإمام الحسين (علیه السّلام) وذلك لمعرفته (علیه السّلام) ان أبا الفضل أحد الأعمدة الرئيسة في القيام، وهذه المكانة تحسب كميزة للعباس دون غيره من الأنصار تستوجب منحه الثقة الكاملة في إعطائه الراية في المواجهة، وكان الإمام الحسين (علیه السّلام) على معرفة تامة بأن العباس يضحي في سبيل أن لا تسقط الراية وكان هذا استمراراً لما أراده الإمام علي (علیه السّلام) من شروط لحامل الراية.

الوجود المعنوي الكبير لأبي الفضل (علیه السّلام) بين أنصار جبهة الحق، وما يمثل هذا الوجود من عامل خوف في نفوس الأعداء، وقد كان الإمام الحسين (علیه السّلام) على علم بما يمثله وجود العباس (علیه السّلام) في عسكره، ولهذا عندما لم يبق أحد من أنصار الإمام (علیه السّلام) وأراد أبو الفضل البراز قال له الإمام:

(يا أخي انت صاحب لوائي وإذا مضيت تفرق عسكري)(3)، فقد كان هذا الكلام بعد استشهاد أنصار الحق، فلماذا قال الإمام (علیه السّلام) إذا مضيت تفرّق

ص: 189


1- ابن شهر آشوب، المناقب، 3/ 256 . ينظر: أبو مخنف، مقتل الحسين (علیه السّلام)، ص 179 ؛ المجلسي، البحار، 45 / 40 ؛ البحراني، العوالم، ص 283 .
2- البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 184 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 315 ؛ ابن مسكويه، تجارب الأمم، 2/ 74 ؛ الطبرسي، اعلام الورى، 1/ 454 .
3- المجلسي، البحار، 45 / 41 ؛ البحراني، العوالم، ص 284 .

عسكري؟ (1) هذا يدل على الوجود المعنوي الكبير لأبي الفضل في جبهة الحق.

إن الإمام (علیه السّلام) نظر إلى شيء مميز آخر في العباس (علیه السّلام) وهو صلابة الإيمان، وقد أشار الإمام الصادق (علیه السّلام) إلى ذلك بقوله:

(كان عمنا العباس نافذ البصيرة صلب الايمان)(2)، أي أن الإمام (علیه السّلام) أضاف عنصر الايمان إلى الشجاعة في اختيار الشخص لحمل الراية ولأن الانسان المؤمن يمتاز بالصبر والثبات في الأحوال والظروف كلها، وهذا يدل

على الفكر العسكري المتميز عند الإمام الحسين (علیه السّلام) المتلائم مع ما أراده الإمام علي (علیه السّلام) من شروط في حامل اللواء ومنها الصبر.

الوفاء الكبير الذي عهده الإمام الحسين (علیه السّلام) من أبي الفضل العباس، فإن مثل هذا لا يمكن أن يتخلى عن الراية مهما كان الموقف، ومن أروع صور الوفاء التي لم يعرف لها التاريخ مثيلاً عندما اقترب العباس (علیه السّلام) من الماء وغرف غرفة منه إلا انه لم يشرب على الرغم من شدة عطشه وفاءً للحسين (علیه السّلام) وأهل بيته الذين كانوا في عطش شديد لذلك رمى الماء ولم يشرب (3).

هذه المميزات وغيرها دفعت الإمام الحسين (علیه السّلام) لإعطاء الراية لأبي

ص: 190


1- العسكر ليس دائما بمعنى الجيش، بل يأتي بمعنى الكثير من كل شيء والمال والنعم وان العباس (علیه السّلام) صاحب لواء الحسين (علیه السّلام) كان آخر من برز إلى القوم فببقائه ما انكسر ظهر الإمام، أما بعد استشهاده فقد قال الحسين: )الآن انكسر ظهري( فصاحب اللواء يمثل عسكرا. ينظر: ابن منظور، لسان العرب، 4/ 568 ؛ المجلسي، البحار، 45 / 42 ؛ الزبيدي، تاج العروس، 7/ 220 .
2- أبو نصر البخاري، سر السلسلة العلوية، ص 89 . ينظر: ابن عنبة، عمدة الطالب، ص 356 .
3- ينظر: أبو مخنف، مقتل الحسين (علیه السّلام)، ص 179 ؛ المجلسي، البحار، 45 / 41 .

الفضل (علیه السّلام)، الذي كان عند حسن ظن قائده وحملها حتى قطعت يداه، إذ يقول الإمام علي بن الحسين السجاد (علیه السّلام):

(رحم الله العباس، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه)(1)،

فقد نجح في المهمة التي أوكلت اليه وهذا يدل على الفكر العسكري المميز عند الإمام الحسين (علیه السّلام) في حسن اختيار حامل الراية.

من ملامح الفكر العسكري الأخرى هو توسط القوات أو الجيش وهو الأمر الذي جسده الإمام علي (علیه السّلام) مع أحد القادة حينما أوصاه قائلاً:

(فإذا لقيت العدو فقف من أصحابك وسطاً، ولا تدن من القوم دنو من يريد أن ينشب الحرب. ولا تباعد عنهم تباعد من يهاب البأس)(2).

أشار الإمام (علیه السّلام) إلى نقاط أساسية بالنسبة للقائد العسكري، التي فيها دروس عسكرية تعبر عن الفكر العسكري الكبير عند الإمام علي (علیه السّلام) فقد أمر قائده أن يقف عند لقاء العدو في وسط الجيش وبيّن فلسفة ذلك بأن أمير الجيش إذا كان وسط الجيش يكون استواؤه إلى الطرفين في وصول أوامره إليهما، فالواجب أن يكون الرئيس في قلب الجيش، لأنه إذا كان في أحد الطرفين بعد الطرف الآخر عنه، فربما يختل نظامه ويضطرب، ثم نهاه أن لا يدنو من القوم في دعائهم إلى الحق دنو من يريد أن يوقع الفتنة ويقيم الحرب، لأن أولياء الله ما أمروا بسفك الدماء وقتل النفوس إلا بعد أن أبى الناس إلا نفوراً وطغيانا، ونهاه أن لا يبتعد عنهم تباعد من يهاب الحرب ويشعر بخوفه ورهبته من عدوه لئلا يطمع فيه

ص: 191


1- الصدوق، الأمالي، ص 548 ؛ الخصال، ص 68
2- نهج البلاغة، ص 561 .

العدو بل عليه أن يكون على حال متوسطة بين هذين (1).

إن فكر الإمام علي (علیه السّلام) يوضّح لنا اتخاذ الإمام الحسين (علیه السّلام) القلب في موقفه العسكري أثناء الملحمة، فالإمام الحسين (علیه السّلام) بعد أن عبأ عسكره وجعل زهير بن القين في الميمنة وحبيب بن مظاهر في الميسرة، ثبت هو وأهل بيته في القلب من العسكر (2).

ان إجراء الإمام الحسين (علیه السّلام) هذا استمرار لما كان يفعله الإمام علي (علیه السّلام) فهو يعبر عن فكر عسكري مميز يُبرز سمات منها:

يكون القائد على اطلاع تام بجميع أوضاع العسكر ومعرفة ما يدور في كل

زاوية من زوايا المواجهة العسكرية.

ان هذا الموقع يوفر الحماية للقائد نفسه، وذلك نتيجة إحاطته بأصحابه من

أغلب الجهات، لأن القائد بمنزلة القطب فيهم وهو الذي يمثل العسكر كله

وبوجوده يكون العسكر في أحسن حالاته أما إذا قتل فسوف تحدث الهزيمة

العسكرية نتيجة ارتباطهم به، وهذا لا يعني خوف الإمام (علیه السّلام) ولكنه درس للقادة مستقبلاً.

وقوف القائد في قلب العسكر يمثل دافعاً معنوياً كبيراً للجند لأن الجميع يراه، الأمر الذي يبعث الطمأنينة في نفوسهم والثقة في مواجهة الأعداء.

هذه دروس عسكرية مهمة قام بها الإمام الحسين (علیه السّلام) في واقعة الطف فضلاً عمّا في قضية القرب والبعد عن العدو نجده (علیه السّلام) انسجم في طرحه مع ما ذكره

ص: 192


1- ينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 94 ؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 4/ 381 ؛ مصباح السالكين، ص 482 ؛ الخوئي، منهاج البراعة، 18 / 109 .
2- ينظر: الخوارزمي، مقتل الحسين (علیه السّلام)،6/2 .

الإمام علي (علیه السّلام) في وصيته لقائده بهذا الأمر، فالإمام الحسين (علیه السّلام) في خطاباته لم يكن يتقرب كثيراً من العدو ولم يكن يبتعد عنهم كثيراً أي انه يتوسط الميدان، ففيإحدى خطبه ناداهم يا أهل العراق وجلهم يسمعون صوته (1)، لم يسمع الكل ذلك وهذا معناه أنه لم يكن قريباً منهم جداً ولم يكن بعيداً عنهم، وهذا الأمر فيه فلسفة من الناحية الأمنية وسلامة القائد، وربما هذه إحدى العلل التي أرادها الإمام علي (علیه السّلام) في منع قائده أن يقترب من القوم واستمرت في فعل الحسين ،(علیه السّلام) وإذا ما ابتعد أكثر قد يوحي لهم بالخوف والجبن لذلك كانت هنالك وسطية من الإمام الحسين (علیه السّلام) في عملية مخاطبة ونصح القوم.

من ملامح هذا الفكر ما يتعلق بأخذ الاحتياطات العسكرية للمواجهة بالاستفادة من الطبيعة كما ورد في وصية الإمام علي (علیه السّلام) السالفة باتخاذ الجبال أو الأنهار لتقليص الوجوه في القتال (2)، وهو أمر يدخل في الفكر العسكري المميز للإمام علي (علیه السّلام) والذي انعكس في فكر الإمام الحسين (علیه السّلام) إلا أن الإمام لم يتوفر عنده ما ذكره الإمام علي (علیه السّلام) من جبال أو أنهار لكنه من مدرسة الإمام علي (علیه السّلام) العسكرية، فنجده يبتكر أسلوباً جديد من أجل حصر المواجهة من وجه واحد أو اثنين، حينما أمر أصحابه أن يضموا مضاربهم بعضهم إلى بعض، ويكونوا أمام البيوت، وأن يحفروا وراء البيوت اخدوداً، وأن يضرموا فيه حطباً وقصباً كثيراً، لئلا يأتوهم من أدبار البيوت، فيدخلوها (3).

ص: 193


1- ينظر: المفيد، الارشاد، 2/ 97 ؛ المجلسي، البحار، 45 / 6؛ البحراني، العوالم، ص 250 .
2- ينظر: نهج البلاغة، ص 559 .
3- الدينوري، الأخبار الطوال، ص 256 ؛ ابن العديم، بغية الطلب، 6/ 2627 .

هذا تدبير عسكري مميز متشابه مع ما أراد الإمام علي (علیه السّلام) استحصاله من نتائج في عملية حصر المواجهة من وجه واحد أو اثنين، فضلاً عن ذلك إن فعل الإمام الحسين (علیه السّلام) قد أطال مدة المواجهة لأن العدو اضطر أن يأتي إلى عسكرالإمام (علیه السّلام) من الواجهة ومن ثمَّ فإن الشجاعة التي يتميز بها الإمام (علیه السّلام) وأنصاره كبدت العدو كثيراً من الخسائر.

هذا بفعل الفكر العسكري لقائد المواجهة الإمام الحسين (علیه السّلام) والذي نجده في تفاصيل المواجهة كلها، مثلما مر في تأجيل المواجهة إلى الصباح وكيف وظف الليل للاستعداد المعنوي والمادي (1)، فمن الناحية الاستراتيجية العسكرية أراد الإمام (علیه السّلام) من التأجيل إجراء الاحترازات الآتية:

أمر الإمام (علیه السّلام) في ساعة متأخرة من تلك الليلة بحفر خندق من وراء الخيام، لمواجهة الأعداء من وجه واحد، فضلاً عن العديد من السمات التي ذكرناها سابقاً، وقد أمر بوضع الحطب فيه وأن يحرق بالنار عند بدء المواجهة (2).

خرج الإمام (علیه السّلام) في تلك الليلة وحده ليختبر التلال والروابي والأكمات

المشرفة على الخيام مخافة أن تكون مكمناً للأعداء لهجوم خيلهم على مخيم

الإمام (علیه السّلام)(3).

وفي تلك الليلة أيضاً اختبر الإمام (علیه السّلام) أصحابه الاختبار النهائي لمعرفة مدى

ص: 194


1- ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 184 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 315 ؛ ابن مسكويه، تجارب الأمم، 2/ 74 .
2- ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 187 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 320 ؛ المفيد، الإرشاد، 2/ 95 .
3- المقرم، موسوعة مقتل الحسين (علیه السّلام)، ص 240 .

همتهم على الشهادة (1)، فقد أراد معرفة مدى إخلاص مقاتليه الذين معه وحبهم للتضحية، وبذلك حقق نصراً معنوياً كبير على أنصار الباطل، رغم

الهزيمة المادية، بما امتلكه من أفكار جعلته (علیه السّلام) يحقق ذلك النصر العظيم.

ص: 195


1- ينظر: الفتال النيسابوري، روضة الواعظين، ص 183 ؛ ابن نما، مثير الأحزان، ص 38 .

ص: 196

الفصل الرابع: آثار القيام ودروسه

اشارة

ص: 197

ص: 198

المبحث الأول: آثار القيام

1- الخلود:

عندما يكون العمل خالصاً لله تعالى لابد أن يكون لهذا العمل آثار مهمة في

الدنيا والآخرة، فكيف إذا ما كانت هناك تضحية في النفس والعائلة في سبيل

الله، فمن المؤكد أن تكون العاقبة من جنس العمل وأفضل لأن الله سبحانه

كريم، وهذا ما تجسد في قيام الإمام الحسين (علیه السّلام) الذي قدم لله عز وجل كل ما يملك فكان رده جل جلاله أن أعطاه كل ما يستحق وزاد في ذلك العطاء.

ومن هذه العطايا هو الخلود الأبدي إلى يوم القيامة كما هو مع جميع أئمة أهل

البيت (علیهم السّلام) فهم عترة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الخالدة وهم الخالدون إلى يوم يبعثون، فوجودهم وآثارهم باقية مهما حاول الأعداء طمسها، وقد أشار الإمام علي (علیه السّلام) في النهج إلى هذا المعنى بقوله (علیه السّلام):

(أيها الناس، خذوها عن خاتم النبيين (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): انه يموت من مات منّا وليس بميت، ويبلى من بلي منا وليس ببال)(1).

ص: 199


1- ص 160 .

بيّن الإمام (علیه السّلام) انه يموت الميت من أهل البيت (علیهم السّلام) وهو في الحقيقة غير ميت لبقائه وجهاً ساطعاً ينير في عالم الظهور، وقد أشار إلى قوله تعالى:«وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ »(1). ، أي أن ذكرهم يبقى وتعظيمهم يثبت مدى الدهر إلى يوم القيامة، لما اتفقت عليه كلمة العلماء ونطقت به البراهين ان أولياء الله لا يموتون ولا يبلون وإن بليت أجسادهم، لذلك فإن أهل البيت (علیهم السّلام) أحياء بحياة آثارهم، إذ تدين الملايين بمبادئهم وتعاليمهم، وقيل ان أبدان الأولياء لا تبلى أبداً، بل هي في جوف الأرض غضة طرية كما كانت على وجهها، وقال آخرون ترفع بأعيانها إلى ملكوت السماء وذهب آخرون إلى ان أرواحهم تنتقل إلى أبدان مثالية، ما يهمنا هو أن أولياء الله «لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ »(2)، أي انهم الباقون الأحياء عند ربهم إلى يوم القيامة (3).

انعكس هذا الفهم في موقف السيدة زينب (علیها السّلام) وكلامها وهي ترد على يزيد في مجلسه، فكان من كلامها:

(فكد كيدك واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت

وحينا ولا تدرك أمدنا ولا ترحض عنك عارها)(4).

ص: 200


1- آل عمران/ 169 .
2- البقرة/ 62 .
3- ينظر: البيهقي، معارج نهج البلاغة، ص 167 ؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 2/ 302 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1/ 439 ؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 1/ 154 .
4- باختلاف الألفاظ ابن طيفور، بلاغات النساء، ص 23 ؛ ابن حمدون، التذكرة، 6/ 264 ؛ ابن طاووس، اللهوف، ص 107 ؛ المجلسي، البحار، 45 / 135 .

هذا الكلام البليغ من السيدة زينب (علیها السّلام) يجسد معنى الخلود الحقيقي لأهل البيت (علیهم السّلام) وللإمام الحسين (علیه السّلام) ونهضته، ويوحي كلامها إلى جملة أفكار:أشارت (علیها السّلام) إلى انك مهما تحاول وبكل وسائلك الظالمة أن تمحو ذكرنا أو تطمس آثارنا لن تستطيع ذلك، لأن الله سبحانه وتعالى قد كتب الخلود لأهل البيت (علیهم السّلام) نتيجة ما قدموه في سبيله ومن أجل نيل مرضاته.

أشارت السيدة زينب (علیها السّلام) إلى أن الوحي لا يموت وهذا فيه إشارة إلى صلة قربهم بالرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من أجل تعريف الناس من هم الذين قتلهم يزيد وسبى عيالهم، وكذلك فيه رد على يزيد الذي أنكر وجود الوحي ونظر إلى الرسالة المحمدية على انها ملك عندما قال:

لعبت هاشم بالملك فلا*** خبر جاء ولا وحي نزل (1)

إن هذا القول بيّن كفر وإشراك يزيد بالله لكنه يرتدي الزي الاسلامي للمحافظة على ملكه.

بينت السيدة زينب (علیها السّلام) مقام أهل البيت (علیهم السّلام) الذي لا يدركه حاكم أو خليفة أو متسلط.

إن أمر الخلود كتبه الله عز وجل لأهل البيت (علیهم السّلام) وليس بيد أي من الظلمة أن يمحو آثارهم أو يطمسها وإن الأرض لا تخلو منهم وقد أشار الإمام علي (علیه السّلام) إلى هذا المعنى بقوله:

ص: 201


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 8/ 188 . ينظر: الفتال النيسابوري، روضة الواعظين، ص 191 ؛ الطبرسي، الاحتجاج، 2/ 34 ؛ الإربلي، كشف الغمة، 2/ 230 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 246 ؛ ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب، 1/ 69 .

(ألا إن مثل آل محمد، (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، كمثل نجوم السماء: إذا خوى نجم طلع نجمٌ)(1).

شبههم (علیه السّلام) بالنجوم ووجه الشبه أمران: أحدهما يستضاء بأنوار هداهم في سبيل الله مثلما يستضيء المسافر بالنجوم في سفره ويهتدي بها، وإنهم كلما مضى منهم إمام قام مقامه آخر أي قيام إمام بموت آخر، كطلوع نجم إذا خوى نجم –مال للمغيب-، والرفعة المختصة بهم (علیهم السّلام) التي اختارها الله تعالى لهم،لا يشاركهم غيرهم فيها وسرور الناظر إلى نجوم الولاية كما يسره إذا نظر إلى نجوم السماء (2).

قالت السيدة زينب (علیها السّلام) ليزيد فإنك لا تمحو ذكرنا أي أن أهل البيت باقون، فكيف بمن قدم روحه الطاهرة لله تعالى وهو الإمام الحسين (علیه السّلام) فمن المؤكد ينال تلك الدرجة فضلاً عن خلوده في قلوب المؤمنين وله حرارة لا تنطفئ أبداً، فقد أشار إلى ذلك الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بقوله:

(إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً)(3).

هذا ما جاء في معنى كلام السيدة زينب (علیها السّلام) مع الإمام السجاد (علیه السّلام) عندما رأته وهو يجود بنفسه لما رأى أباه وأهله مضرجين على رمضاء كربلاء فقالت (علیها السّلام):

(لا يجزعنك ما ترى فوالله ان ذلك لعهد من رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إلى جدك وأبيك وعمك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض وهم معروفون في أهل السماوات انهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها،

ص: 202


1- نهج البلاغة، ص 208 .
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 3/ 9؛ الخوئي، منهاج البراعة، 7/ 161 ؛ الغروي، الأمثال والأحكام، ص 450 .
3- البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، 12 / 556 .

وهذه الجسوم المضرجة، وينصبون لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء لا

يدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمة الكفر

وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهوراً وأمره إلا علواً)(1).

وهذا هو الخلود الذي ناله سيد الشهداء (علیه السّلام)، فعلى المستوى المادي حاول كثير من أئمة الكفر طمس معالم القبر فلم يستطيعوا ذلك، من هؤلاء المتوكل العباسي ( 232 - 247 ه) الذي حاول أن يمحو أثر قبر الحسين (علیه السّلام) وذلك بأن يغرقه بالماء ولكن الماء لم يبلغ القبر الشريف وبقي حائراً لذلك سمي الحائر الحسيني وحرث موضع القبر وزرع ما حوله (2).

لا ينال هذه المرتبة الرفيعة إلاّ مَن أخلص لله فاستخلصه فهو المتقي الذي انطبق عليه وصف الإمام علي (علیه السّلام) حينما قال واصفاً المتقي:

(قد أخلص لله فاستخلصه، فهو من معادن دينه، وأوتاد أرضه. قد ألزم نفسه العدل، فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه، يصف الحق ويعمل به، لا

يدع للخير غاية إلا أمّها، ولا مظنة إلا قصدها، قد أمكن الكتّاب من زمامه،

فهو قائده وإمامه، يحل حيث حل ثقله، وينزل حيث كان منزله )(3).

بيّن الإمام (علیه السّلام) حال المتقي العارف الذي يخلص لله في جميع أعماله فلا يعمل إلا له عز وجل، لذلك جعله الله تعالى خالصاً لنفسه بأن أولاه عنايته ولطفه وجعله من خاصته فهو من معادن دينه، استعار لفظ معدن، ووجه المشابهة اشتراكهما في كون كل منهما أصلاً تنتزع منه الجواهر، فمن المعادن أنواع الجواهر

ص: 203


1- المجلسي، البحار، 45 / 179 ؛ البحراني، العوالم، ص 362 .
2- ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 7/ 365 ؛ الشهيد الأول، ذكر الشيعة، 4/ 291 .
3- نهج البلاغة، ص 158 .

المحسوسة ومن نفس العارف جواهر العلوم والأخلاق وسائر ما اشتمل عليه

دين الله، كونه من أوتاد أرضه، فبالوتد يحفظ الموتود وبالعارف يحفظ نظام

الأرض واستقامة أمور هذا العالم، فإن الأرض تكون موضع رحمة بوساطة

هؤلاء الأخيار ولولاهم لصرف الله سبحانه لطفه عن أهل الأرض، فهم

كالوتد الحافظ لألواح الخشب بعضها مع بعض(1).

ان هذا المتقي ألزم نفسه العدل أي يعدل في جميع الأمور، والعدالة ملكة

تصدر بها عن النفس الأفعال الفاضلة خلقاً لا تخلّقاً، وأقسام العدالة ثلاثة هي

الشجاعة، فالشجاع في الحرب جواد بنفسه، والثانية الفقه، والثالثة الحكمة، ولم تحصل العدالة الكاملة لأحد من البشر بعد رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إلا لهذا الرجل الذي وصفه الإمام (علیه السّلام) وأول عدله نفي الهوى عن نفسه، ويصف الحق ويعمل به، أي يتبع قول الحق بعمله، لا يدع للخير غاية إلا أمّها، أي انه طالب لكل غاية خيرية، ولا مظنة إلا قصدها قد أمكن القرآن من زمامه أي قد أطاع الأوامرالإلهية، فالقرآن الكريم قائده وإمامه (2).

هذه الصفات غاية في المثالية للإنسان المتكامل من جميع الجهات التي يرضى

بها الله تعالى فهو يكون من الخلصاء له عز وجل ويجعله من أوليائه، ولهذا نجد

ان ابن أبي الحديد ت ( 656 ه) يقول: (ان هذه الصفات التي ذكرها الإمام

علي (علیه السّلام) والنعوت في شرح حال العارف المتقي، إنما يعني بها نفسه (علیه السّلام)، وهو الكلام الذي له ظاهر وباطن، فظاهره أن يشرح حال العارف المطلق وباطنه أن

ص: 204


1- البحراني، شرح نهج البلاغة، 2/ 295 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 2/ 16 .
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 370 و 372 ؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 2/ 296 .

يشرح حال عارف معين وهو نفسه (علیه السّلام)(1).

قال ابن أبي الحديد ذلك بعدما لم يجد انطباقاً في تلك الصفات على غير الإمام

علي (علیه السّلام) ولكنها صفات أئمة أهل البيت (علیهم السّلام) من حيث الإيمان الشديد والتقوى والمنهج، فتلك الصفات تنعكس وتنطبق على الإمام الحسين (علیه السّلام) ذلك المصلح الثائر، ومن صور الانطباق:

ذكر الإمام علي (علیه السّلام) ان من صفات المتقي هي انه قد أخلص لله فاستخلصه، فكان فعل الإمام الحسين (علیه السّلام) في قيامه خالصاً لله سبحانه وفي جميع مراحل القيام حتى أشدها ألماً وأكثرها دلالة في القيام ومنها استشهاد ابنه الرضيع، فقد قال بعد مقتله:

(هوَّن علي ما نزل بي أنه بعين الله)(2)، فالحسين (علیه السّلام) يسير بالألم والمصاب ما دام لله فيه رضى، فالحكمة والصلاح والخير هو ما يختاره الله، وان كان فيه ذهاب النفس والأهل والمال، فإن حصل شيء من هذا في سبيل الله، أو حصلت مجتمعة لم تضطرب النفس ويتزعزع الإيمان لأنها المطلب والهدف، فمن الطبيعي أن يستخلصه الله ويجعله من أوليائه الخالدين إلى يوم القيامة لما قدمه في سبيله جل شأنه (3).

وضّح الإمام علي (علیه السّلام) في ذكر صفات المتقي العارف بأنه ألزم نفسه العدل، وإن من أقسام العدالة الشجاعة والفقه والحكمة، وهذا الأمر فيه تجلٍّ وانطباق مباشر على الإمام الحسين (علیه السّلام)، فأما الفقه والحكمة فهو من سلالة الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

ص: 205


1- ينظر: شرح نهج البلاغة، 6/ 367 .
2- ابن طاووس، اللهوف، ص 69 ؛ المجلسي، البحار، 45 / 46 ؛ البحراني، العوالم، ص 289 .
3- ينظر: مغنية، نظرات في التصوف والكرامات، ص 65 .

وابن باب علم مدينته، وسيد شباب أهل الجنة فإن هذا الأمر لا يحتاج إلى

توضيح، وأمّا الشجاعة فهو ابن أمير المؤمنين علي (علیه السّلام)، وهذا يكفي ولكن نشير إلى بعض ما ذكره الرواة لبيان شجاعته (علیه السّلام)، إذ قالوا عن بروز الإمام (علیه السّلام) بأنه ما رأوا مكثوراً قط قد قتل ولده وأهل بيته وصحبه أربط جأشاً منه، وإن كانت الرجال لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى اذا شد فيها الذئب (1).

إن العمل بالحق الذي أشار اليه الإمام علي (علیه السّلام) كان من أهم أهداف الإمام الحسين (علیه السّلام) في قيامه (2)، بعدما طمست معالمه فهو بذلك يصف الحق ويعمل به.

ان عمل الخير الذي أشار اليه الإمام (علیه السّلام) وهو من صفات المتقي فإنه متجسد في الإمام الحسين (علیه السّلام)، فخروجه من أجل جلب الخير لأمة جده (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والرجوع بها إلى المسار الاسلامي الذي انحرفت عنه وهو بذلك طالبٌ الخير لها، لكنها طلبت الشر وقتلته (علیه السّلام).

بيّن الإمام علي (علیه السّلام) ان من صفات المتقي انه أمكن الكتاب من زمامه أي القرآن الكريم، والحسين (علیه السّلام) هو القرآن الناطق، وهو الذي أطاع الأوامر الإلهيةفالقرآن قائده وإمامه، لأن القرآن أمر بالعدل والاحسان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورفض الظلم، وهذه كلها من أهم أهداف قيام الإمام

ص: 206


1- المجلسي، البحار، 45 / 50 . ينظر: ابن سعد، ترجمة الإمام الحسين (علیه السّلام)، ص 75 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 345 ؛ ابن مسكويه، تجارب الأمم، 2/ 80 ؛ الفتال النيسابوري، روضة الواعظين، ص 189 .
2- ينظر: الدينوري، الأخبار الطوال، ص 231 .

الحسين (علیه السّلام).

هذه الصفات وغيرها كلها انطبقت على الإمام الحسين (علیه السّلام) فلذلك ليس غريباً أن ينال الخلود الأبدي من الباري عز وجل وأن يجعله من أخص أوليائه، فضلاً عن هذا تقديم النفس من أجل دين الله وسنة نبيه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) التي انطمست تعاليمها لولا تلك الدماء الطاهرة، فأصبح الحسين (علیه السّلام) منهجاً وعبرة ودرساً يتجدد كل يوم إلى يوم القيامة ونفساً ثورياً ضد الطغاة والظلمة.

2- النفس الثوري ضد الطغاة والظلمة وفضحهم:

من الآثار المهمة للقيام هي تركه نفساً ثورياً متجدداً في نفوس الأحرار في العالم، لما جسده هذا القيام لأروع صرخة في وجه الظلم والطغيان مع قلة

الناصر والفارق الكبير في الامكانيات في العدة والعدد، ورغم ذلك نجد الإمام

الحسين (علیه السّلام) قاد أعظم ثورة في التاريخ من أجل الاصلاح في أمة جده (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بعد أن شهدت إنحرافاً كبيراً خاصة في الزمن الأموي.

لهذا فالإمام (علیه السّلام) زرع نفساً ثورياً في نفوس جميع المظلومين والأحرار، إذ إن واعيته (علیه السّلام) كانت محفزة على الثورة والتحرر من العبودية، وهي صورة التصدي للانحراف لأن الواعية هنا خرجت عن اطارها الزمني الخاص لتشمل الأزمان كلها، وقد عبر الإمام علي (علیه السّلام) عن هذا المفهوم بلغة خاصة حينما قال وهو يستنهض أصحابه لجهاد أهل الشام:

(اللهم أيما عبد من عبادك سمع مقالتنا العادلة غير الجائرة، والمصلحة غير

المفسدة، في الدين والدنيا، فأبى بعد سمعه لها إلا النكوص عن نصرتك، والإبطاء عن إعزاز دينك، فإنا نستشهدك عليه يا أكبر الشاهدين شهادة، ونستشهد عليه جميع ما أسكنته أرضك وسماواتك، ثم أنت بعد المغني عن نصره، والآخذ له

ص: 207

بذنبه)(1).

كان الإمام علي (علیه السّلام) في هذه الخطبة يستنهض أصحابه إلى جهاد أهل الشام وقالها بعد تقاعس أكثرهم عن نصرته، واستشهد الله تعالى وملائكته وعباده على من سمع مقالتهم العادلة التي هي طريق الله لقيادة الناس إلى الرشاد في دينهم ودنياهم المصلحة غير المفسدة لهم، وهي دعوته إياهم إلى جهاد أعداء الدين والبغاة عليه، وقد وصف الله بأكبر الشاهدين على ذلك لقوله تعالى:«قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ »(2) ، فضلًا عن ذلك يقول (علیه السّلام) نستشهد عبادك من البشر في أرضك وعبادك من الملائكة في سماواتك، ثم أنت بعد ذلك المغني لنا عن نصرته ونهضته (3).

يدعو الإمام علي (علیه السّلام) الله تعالى على من يستنصروه ولم ينصرهم ويجعله عز وجل شاهداً والبشر والملائكة، وهو بيان مهم لمن يسمع استنصار أهل البيت (علیهم السّلام) ولم يلبِّ دعوتهم، ونجد صدى ذلك في ثورة الإمام الحسين (علیه السّلام) الذي أشار في كلامه مع عبيد الله بن الحر الجعفي (4))، الذي طلب الإمام نصرته لكنه رفض فقال له الإمام (علیه السّلام):

ص: 208


1- نهج البلاغة، ص 495 .
2- الأنعام/ 19 .
3- ينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 11 / 60 ؛ البحراني، شرح نهج البلاغة، 4/ 27 .
4- عبيد الله بن الحر الجعفي: من بني سعد العشيرة قائد من الشجعان الأبطال، من أصحاب عثمانابن عفان، فلما قتل انحاز إلى معاوية وشهد معه صفين، بعد استشهاد الإمام علي (علیه السّلام) رحل إلى لكوفة فلما كان قيام الإمام الحسين (علیه السّلام) حاول أن يتغيب ولا ينصره. وبعد أن لقيه الإمام (علیه السّلام) في الطريق إلى كربلاء رفض نصرته، ويقال انه ندم بعد استشهاد الإمام (علیه السّلام) على عدم نصرته وله شعر يدل على ذلك منه:فيالك حسرة ما دمت حياً*** ترد بين صدري والتراقي حسين يطلب بذل نصري*** على أهل الضلالة والنفاق فقد فاز الأُلى نصروا حسيناً*** وخاب الآخرون ذوو النفاق لذلك انظم إلى المختار لطلب ثأر الإمام (علیه السّلام) لكنه انقلب ومضى إلى مصعب بن الزبير وقاتل المختار ثم حبسه مصعب وأطلق سراحه فثار على مصعب إلا أنه تفرق عنه عسكره فألقى نفسه في الفرات فمات غرقاً عام 68 ه. ينظر: ابن نما، ذوب النضار، ص 72 ؛ البراقي، تاريخ الكوفة، ص 457 ؛ الزركلي، الأعلام، 4/ 192 .

(فإلا تنصرنا فاتق الله أن تكون ممن يقاتلنا فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا

ينصرنا إلا هلك)(1).

ان هذه الواعية تُعدّ تأصيلاً للنفس الثوري عند من يطلب نصرته الإمام (علیه السّلام) لأنه يعلم من ينصره ومن لم ينصره، فضلاً عن أنها تجاوزت الإطار الزماني والمكاني، وأصبحت محفزة للثورة ضد الطغاة والظلمة عبر الأجيال، فكان أول ثمارها ما حدث في واقعة الحرة عندما ثار أهل المدينة المنورة ضد يزيد وأنصاره (2)، وامتدت في ثورة المختار الثقفي التي كان شعار (يالثارات الحسين) العنوان الرئيس لها (3)، وغيرها من الثورات للأحرار في العالم إلى يومنا هذا، ونحن نشاهد في ايامنا هذه تحقيق الانتصارات الكبيرة في العراق بشعار لبيك يا حسين على أصحاب الامتداد الفكري نفسه لأنصار جبهة الباطل.

ص: 209


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 307 . ينظر: ابن سعد، ترجمة الإمام الحسين (علیه السّلام)، ص 93 ؛ المفيد، الارشاد، 2/ 82 ؛ ابن نما، مثير الأحزان، ص 35 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 51 .
2- ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 370 - 381 .
3- ينظر: الأمين، مستدركات أعيان الشيعة، 4/ 175 - 189 .

إن الثورة الحسينية أصبحت مصدر إلهام لكل ثائر ومتحرر فإنها الشعلة التي أنارت طريق الثائرين في وسط ظلمة الجور والظلم، إذ إنها على الرغم من

عدم تحقيقها النصر المادي العسكري إلا انها فضحت الظالمين لاسيما الأمويين

فكشفت حقيقتهم ودلت افعالهم بعد استشهاد الإمام الحسين (علیه السّلام) على ذلك ولاسيما ما فعلوه مع النساء، فبعد استشهاد الإمام (علیه السّلام) توجه الجيش الأموي نحو الخيام المقدسة، بيوت آل العصمة، وتسابقوا في سلبها ونهب جميع ما رأوه من الثياب والحلي حتى جعلوا ينتزعون ملحفة المرأة عن ظهرها وخرجن بنات الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يتساعدن على البكاء ويندبن لفراق الحماة والأحباء (1)، وهذا ليس بغريب على هؤلاء فإن الإمام الحسين (علیه السّلام) ما يزال على قيد الحياة وحمل شمر بن ذي الجوشن حتى طعن فسطاط الإمام (علیه السّلام) برمحه ونادى عليَّ بالنار حتى أحرق هذا البيت على أهله، فصاح النساء وخرجن من الفسطاط فصاح به الحسين (علیه السّلام) يا ابن ذي الجوشن أنت تدعو بالنار لتحرق بيتي على أهلي

حرقك الله بالنار (2).

إن الأمويين بهذه الأفعال قد افتضحوا ولم يراعوا أي حدود للاسلام في التعامل حتى مع النساء ولو كأسرى حرب، وهذا ما زاد من النفس الثوري ضدهم سواء على المستوى البعيد أو القريب، فكان على المستوى البعيد قيام العديد من الثورات -كما أسلفنا- بعدما أسقطت الثورة الحسينية القناع

ص: 210


1- ابن طاووس، اللهوف، ص 77 ؛ البحراني، مدينة المعاجز، 4/ 79 .
2- ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 194 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 334 ؛ ابن الجوزي، المنتظم، 5/ 340 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 69 ؛ النويري، نهاية الأرب، .450/20

الإسلامي الزائف عنهم وجردتهم من ادعائهم بالإسلام وتولي شؤون المسلمين وقد دلت أفعالهم على بعدهم كل البعد عن الإسلام، وأما المستوى القريب فكان في استمرارية الثورة والوقوف بوجههم في معقلهم بلاد الشام، وهو ما جسدته السيدة زينب (علیها السّلام) وهي تقف بوجه الظالم يزيد عندما قالت له:

(أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول

الله سبايا قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن تحدو بهن الأعداء من بلد إلى

بلد)(1).

ذكرت السيدة زينب (علیها السّلام) في هذا الخطاب الذي في صورة هجمات متلاحقة لا هوادة فيها ضد شخص الطاغوت، يزيد بذنبه العظيم الذي لا يمكنه الفرار منه وهو سوق بنات رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) سبايا، وقرعته بأنه ابن الطلقاء وان رسول الله قد عفا عن آبائه بعد فتح مكة فكيف يسوق بنات الرسول الكريم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) مثل هذا

عبر عشرات المنازل هاتكاً ستورهن سبايا؟ (2)

استعملت السيدة زينب (علیها السّلام) لفظ الطلقاء مع يزيد وهذا انعكاس من كلام أبيها (علیه السّلام) وهو يرد في كتاب له جواباً لمعاوية، إذ قال:

(وما للطلقاء وأبناء الطلقاء، والتمييز بين المهاجرين الأولين وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم)(3). والطلقاء هم الذين عفا عنهم الرسول يوم فتح مكة ومعاوية وأباه من الطلقاء الذين لم يسلموا وإنما استسلموا عند فتح

ص: 211


1- الطبرسي، الاحتجاج، 2/ 35 . ينظر: ابن طيفور، بلاغات النساء، ص 21 ؛ ابن حمدون، التذكرة، 263/6 ؛ ابن طاووس، اللهوف، ص 106 .
2- ينظر: المدرسي، الصديقة زينب (علیها السّلام)، ص 78 .
3- نهج البلاغة، ص 581 .

مكة، ولم يكن لهم في الاسلام نصيب حتى يتمكنوا من التمييز بين المهاجرين

الأولين وترتيب درجاتهم وأيهم الأفضل وفي أي طبقة من الفضل (1).

وقد انقلب السحر على الساحر في هذا المجلس فكانت كلمات السيدةزينب (علیها السّلام) من جنس كلمات أبيها الإمام علي (علیه السّلام) في الثورية وفضح المغتصب والظالم، فتمحور كلامها (علیها السّلام) في محورين:

المحور الأول: بيان القوة الثورية والتصدي عند أهل البيت (علیهم السّلام) لكل مظاهر الظلم والانحراف دون خوف أو وجل وبكل فئاتهم، وهو درس في الشجاعة وفيه مجابهة الباطل، وهو عين ما ورد عند الإمام علي (علیه السّلام) كما سبق.

المحور الثاني: فضح يزيد ومن يقف خلفه أمام الملأ وأمام التاريخ وإظهاره

دون حجة أولا،ً وبيان انتمائه غير الإسلامي ثانياً، وهذا الأمر هو إكمال لما بدأ

به الإمام الحسين (علیه السّلام) في ثورته، وما انتهى اليه دمه الطاهر، لأن النتيجة في الثورة الحسينية لم تتحقق بمرحلة واحدة وإنما بمراحل متعددة تمتد إلى عصرنا الحاضر، مع كل نفس ثوري، متصدٍ للطغيان وفاضح للانحراف والقائمين عليه.

في هذا المجلس طلب الإمام علي بن الحسين السجاد (علیه السّلام) أن يلقي خطاباً لكن يزيد رفض وأبى؛ لأنه يعلم أن الإمام من آل الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وما يمتلكون من حجة ومنطق وبلاغة لا يقاومها أحد، وقد أشار الإمام علي (علیه السّلام) في النهج إلى ذلك بقوله:

(وإنا لأمراء الكلام، وفينا تنشبت عروقه، وعلينا تهدلت غصونه)(2).

ص: 212


1- الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 4/ 35 ؛ البدري، نزهة النظر، ص 518 ؛ ينظر: فاطمة عبد سعيد شلال، الطلقاء دراسة في المعنى وإشكالية القراءة التاريخية، صفحاتها جميعاً.
2- ص 536 .

استعار الإمام (علیه السّلام) لفظ الأمراء لنفسه وأهل بيته ملاحظة لكونهم مالكين لأزمّة الكلام يتصرفون فيه تصرف الأمراء في ممالكهم، كيف وأصول الكلام فيهم تعلقت وفروعه عليهم تدلت، فهم منبت الكلام ومنشؤه وغيرهم يتناول غصونه التي عليهم تدلت، وان الفصحاء جميعهم بمنزلة عيال الإمام علي ،(علیه السّلام)لذلك فإن كلام أهل البيت (علیهم السّلام) دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق وهو في حد ذاته حجة قاطعة وشاهد صادق على انهم أمراء الكلام (1).

هذا أمر أدركه يزيد بن معاوية عندما رفض خطبة الإمام السجاد (علیه السّلام) في مجلسه نتيجة معرفته بما ستؤول إليه الأمور من فضيحة للبيت الأموي أمام

الرأي العام، ولكن الإمام زين العابدين (علیه السّلام) قال له:

(يا يزيد إئذن لي حتى أصعد هذه الأعواد فأتكلم بكلمات لله فيهن رضا، ولهؤلاء الجلساء أجر وثواب( فأبى يزيد عليه ذلك وبعد أن ألح عليه الناس قال: (انه إن صعد لم ينزل إلّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان، فقيل له وما قدر ما يحسن هذا فقال انه من أهل بيت قد زقوا العلم زقاً، ثم لم يزالوا به حتى أذن له)(2).

وهنا تطابق هذا الكلام مع وصف الإمام علي (علیه السّلام) لأهل البيت (علیهم السّلام) كما بيّنا، فألقى الإمام السجاد (علیه السّلام) خطبة في مجلس الطاغية كانت متممة لنهضة والده أبي الشهداء (علیه السّلام) وإنها أبانت فشل يزيد أمام التاريخ والأجيال اللاحقة، وكان مما جاء فيها تعريف لنفسه ولأهل البيت (علیهم السّلام) فقال:

(وفضّلنا بأن منا النبي المختار محمداً (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، ومنا الصديق ومنا الطيار، ومنا

ص: 213


1- ينظر: البحراني، شرح نهج البلاغة، 4/ 113 ؛ الخوئي، منهاج البراعة، 15 / 38 .
2- المجلسي، البحار، 45 / 137 ؛ البحراني، العوالم، ص 438 .

أسد الله وأسد رسوله، ومنا سبطا هذه الأمة.. )(1).

أخذ الإمام (علیه السّلام) يعرف نفسه ثم ما زال يقول أنا أنا حتى ضج الناس بالبكاء فخشى يزيد الفتنة فأمر المؤذن أن يؤذن من أجل قطع الخطبة (2)، وهذا يدل على استمرار النفس الثوري ضد الظلمة وأدى هذا الكلام إلى أن تتبخر كل الدعايات المضللة التي روجتها السياسة الأموية، التي تركزت على ان الأسرى هم من الخوارج! فبدَّل نشوة الانتصار إلى حشرجة الموتى في حلوق المحتفلين (3).

كان كلام الإمام السجاد (علیه السّلام) متطابقاً مع كلام الإمام علي (علیه السّلام) في كتاب له جواباً على معاوية جاء فيه:

(وأنى يكون ذلك ومنّا النبي ومنكم المكذب، ومنّا أسد الله ومنكم أسد

الأحلاف، ومنّا سيدا شباب أهل الجنة ومنكم صبية النار، ومنّا خيرة نساء

العالمين، ومنكم حمالة الحطب في كثير مما لنا وعليكم)(4).

نجد السيدة زينب (علیها السّلام) في موقف آخر في مجلس يزيد شككت في اسلامه وفضحته بما يتناغم مع كلام الإمام علي (علیه السّلام) في كتاب أرسله إلى معاوية كان ممّا جاء فيه:

(وإني لعلى المنهاج الذي تركتموه طائعين، ودخلتم فيه مكرهين)(5).

ص: 214


1- المجلسي، البحار، 45 / 138 ؛ البحراني، العوالم، ص 438 .
2- ابن أعثم، الفتوح، 5/ 133 .
3- ينظر: الجلالي، جهاد الإمام السجاد (علیه السّلام)، ص 54 .
4- نهج البلاغة، ص 583 .
5- نهج البلاغة، ص 558 .

أشار الإمام علي (علیه السّلام) بأنه على الطريق الحق الذي لم يدخل فيه أبو سفيان ومعاوية طوعاً ورغبة وإنما استسلموا خوف القتل لما اقترفوا من الآثام

والإجرام مع الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قبل فتح مكة، واضطر أبو سفيان عند الفتح لقول لا اله إلا الله وأظهر التردد في شهادة محمد رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لكنه اضطر في الآخر أن يعلنها خوف القتل ولتحقيق المصلحة الذاتية (1).

إنهم لم يؤمنوا بالإسلام وهو الأمر الذي أشارت إليه السيدة زينب (علیها السّلام) عندما قال لها يزيد: خرج من الدين أبوك وأخوك، فكان جوابها (علیها السّلام) ذا أثر كبير، إذ قالت:

(بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وأبوك وجدك إن كنت مسلماً)(2)، وفي هذا الكلام أشارت (علیها السّلام) إلى أمرين مهمين:

الافتراض ان يزيد من المسلمين فإن هذا الدين الذي يدين به قام على أكتاف

أمير المؤمنين (علیه السّلام) وبسيفه (ذو الفقار)، والحسين (علیه السّلام) خرج من أجل إصلاح هذا الدين الذي انحرف عنه الناس أمثال يزيد وأعوانه.

انها (علیها السّلام) طعنت أساساً في الإسلام الأموي بقولها ليزيد إن كنت مسلماً، وما يؤيد ذلك أفعاله البعيدة كل البعد عن الاسلام ومبادئه وشرائعه، فتجاوزه على الحرم وقتله للحسين (علیه السّلام) يكفي لخروجه عن الاسلام والرسالة المحمدية.

إن القيام أطر لنفس ثوري متجدد وبانعكاس مباشر أو غير مباشر لكلام

ص: 215


1- ينظر: مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3/ 406 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة،447/3 .
2- المفيد، الارشاد، 2/ 121 . ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 353 ؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق، 69 / 177 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 212 .

الإمام علي (علیه السّلام) وأفعاله في هذا الاتجاه، فالحسين (علیه السّلام) أعطى درساً بأن النصر مفهوم لا ينحصر بالقضاء على الخصم عند المواجهة وإنما مفهوم أوسع من ذلك، فإن بقاء القيم التي ضحى صاحبها من أجلها لهو أكبر دليل على النصر، وان بقاء قيمه (علیه السّلام) التي ضحى من أجلها جعلتها مثالاً يحتذى بها لكل متحرر وثائر ضد الطغاة والظلمة.

3- الثواب:

الثواب هو جزاء لعمل ما، ولكن هذا الثواب يتناسب وطبيعة العمل أو طبيعة التصدي للمشكلة أو للاختبار، فيقول الإمام علي (علیه السّلام):

(كلما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل)(1)، فالمتحكم بنوعية الثواب هو درجة البلاء، فكلما كان الاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء على الإيمان والطاعة موافقة لتلك البلوى، بمعنى أن الإمام (علیه السّلام)قال: ان الله تعالى أراد أن تكون هذه الأمور خالصة له لا يشوبها شائبة، وذلك الاخلاص وإن كانت فيه مشقة وكانت البلوى فيه عظيمة فإن الأجر على قدر المشقة (2)، وعن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ):

(ان عظيم البلاء يكافأ به عظيم الجزاء)(3).

كان أساس قيام الإمام الحسين (علیه السّلام) هو من أجل دين الله تعالى ومن أجل إصلاح أمة نبيه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بعد انحرافها، وإحياء شرائع الله مثل الأمر بالمعروف

ص: 216


1- نهج البلاغة، ص 438 .
2- البحراني، شرح نهج البلاغة، 4/ 278 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3/ 127 .
3- ينظر: حديث الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )؛ الكليني، الكافي، 2/ 253 ؛ الصدوق، الخصال، ص 18 ؛ الكاشاني، الوافي، 5/ 766 .

والنهي عن المنكر وقد أشار الإمام (علیه السّلام) إلى ذلك بقوله:

(وإني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب

الإصلاح في أمة جدي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب)(1).

ان الإمام الحسين (علیه السّلام) قدم الكثير من التضحيات من أهله وأصحابه في سبيل دين الله وإحياء سنة رسوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بإيمان مطلق وتسليم خالص لله، وتظهر مواقفه ذلك ومنها ما أسلفنا ذكره من قوله بعد استشهاد الرضيع :(علیه السّلام)

(هوّن علي ما نزل بي أنه بعين الله)(2)، هذا مبلغ أهل البيت من الدين واليقين بالله وهذه منزلتهم من العلم به سبحانه والتوجه اليه بالفعل قبل القول، وهذا هو التجرد عن الدنيا وغاياتها، والفناء في حب الله عز وجل والانجذاب اليه (3)، فأي درجة ثواب من الممكن الحصول عليها من تكون تلك سماته وتضحياته في سبيل الله؟ وهذا ما جسده الإمام الحسين (علیه السّلام) في تضحياته التي أراد منها القربى إلى الله، فنجده وبعد أن أصيب بسهم يقول:

(اللهم هذا فيك قليل)(4)، فكيف يمكن أن يكون رد الله تعالى وهو الكريمعلى ذلك؟ فإن من المؤكد أن يكون رده عز وجل في أعلى درجات الثواب التي من الممكن أن يستحصلها انسان خالص بعمله لله.

فلسفة هذه المواقف من الإمام الحسين (علیه السّلام) تقوم على انه كان يعلم بأن كل

ص: 217


1- ابن شهر آشوب، المناقب، 3/ 241 .
2- ابن طاووس، اللهوف، ص 69 ؛ المجلسي، البحار، 45 / 46 .
3- ينظر: مغنية، نظرات في التصوف والكرامات، ص 65 .
4- الشامي، الدر النظيم، ص 551 .

شيء فانٍ إلا وجه الله فلماذا لا يقدم كل شيء لله، فأين الأممُ السابقةُ كلهم

ماتوا وهلكوا وبقي فقط الملك لله وحده وقد أشار إلى هذا المعنى الإمام علي (علیه السّلام) بقوله:

(أين العمالقة وأبناء العمالقة! أين الفراعنة وأبناء الفراعنة! أين أصحاب مدائن الرس الذين قتلوا النبيين، وأطفؤوا سنن [سير] المرسلين، وأحيوا سنن الجبارين! أين الذين ساروا بالجيوش، وهزموا بالألوف، وعسكروا العساكر،

ومدنوا المدائن)(1).

إن هؤلاء جميعاً قد مضوا فأين العمالقة؟ وهم الرجال الأقوياء الذين كانوا يملكون اليمن والحجاز وما تاخم ذلك من الأقاليم وقد عاثوا في الأرض فساداً، وأين أبناؤهم فإنهم قد ماتوا ودولتهم أبيدت فلا أثر لهم والفراعنة وأبناؤهم ملوك مصر أيضاً قد هلكوا، وأصحاب مدائن الرس الذين كانوا يعبدون الشجر وهي قرية بفلج اليمامة، وقيل بئر عظيمة انخسف بهم بعد أن أتاهم نبي ينهاهم عن الشرك بالله قتلوه فأهلكهم الله بعذاب شنيع وقد أطفؤوا هؤلاء سنن المرسلين الذين هم مصابيح تنير دروب الحياة، ليرى الإنسان المنهاج المسعد له في دنياه، وأحيوا هؤلاء سنن الجبارين الذين مسلكهم جبر الناس على الباطل، وأين الذين ساروا إلى أعدائهم بالجيوش وهزموا بالألوف من جيش الأعداء لقوتهم وغيرهم فقد ماتوا كلهم وينبغي للعاقل أن يتعظ منذلك ولا يغتر بالدنيا ولا يعمل بها ما يوجب عقابه واتكاله الأبدي (2).

ص: 218


1- نهج البلاغة، ص 392 .
2- ينظر: الراوندي، منهاج البراعة، 2/ 191 ؛ البحراني، مصباح السالكين، ص 375 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 3/ 98 .

نجد ذلك في كلام الإمام الحسين (علیه السّلام) وهو يوصي به أخته السيدة زينب (علیها السّلام) إذ قال (علیه السّلام):

(يا أختاه تعزي بعزاء الله وأرضي بقضاء الله فإن سكان السماوات يفنون وأهل الأرض يموتون، وجميع البرية لا يبقون)(1).

أراد الإمام :(علیه السّلام)

- أن يصبر السيدة زينب (علیها السّلام) عن قتله بقوله إن سكان السماوات لا يبقون وإن أهل الأرض يموتون ويخفف عنها ألم فراقه.

- أراد (علیه السّلام) الإشارة إلى أن هذه الدنيا لا تستحق الاغترار بها وإنه يرجو

الثواب من الله تعالى، لما بعد استشهاده وما يقدمه في سبيل هذا القيام، فكل

شيء هالك إلا وجهه الكريم سبحانه وتعالى.

- أراد الإمام (علیه السّلام) اعداد السيدة زينب (علیها السّلام) لما بعد الاستشهاد لإتمام رسالة القيام وأهدافه (2).

ص: 219


1- ابن أعثم، الفتوح، 5/ 84 . ينظر: اليعقوبي، التاريخ، 2/ 244 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 319/4 ؛ المفيد، الارشاد، 2/ 94 ؛ ابن نما، مثير الأحزان، ص 35 ؛ ابن طاووس، اللهوف، ص 50 .
2- إن نتيجة إعداد الإمام الحسين (علیه السّلام) للسيدة زينب (علیها السّلام) لما بعد الاستشهاد لإكمال رسالة القيام نجدها قد تركت أثراً كبيراً عليها (علیها السّلام) في جميع المراحل التي مرت بها بعد الاستشهاد، إذ إنها (علیها السّلام) كانت تتكلم بلغة المنتصر في المعركة ولم يظهر عليها أي أثر لانهزام عسكري أو مادي كبير، ودليل ذلك هو ما أحدثته وقامت به في معاقل الأعداء سواء في الكوفة أو بلاد الشام بما ألقته من خطب ومواجهة الطغاة الظلمة هزت الأعداء في معاقلهم كأنها هي المنتصر بالمقاييس كلها والعدو هو المنهزم عسكرياً ومعنوياً، فقد واجهت أهل الكوفة بخطاب أنبتهم به مع قائدهم ابن زياد، ومنثم في بلاد الشام، نجدها قد واجهت الظالم يزيد بلغة لم يتجرأ عليها أي أحد عندما قالت: (ولئن جرّت علي الدواهي مخاطبتك، إني لأستصغر قدرك وأستعظم تقريعك، وأستكبر توبيخك)، وهذا بفعل الاعداد الكبير من الامام الحسين (علیه السّلام) لها (علیه السّلام). ينظر: ابن طاووس، اللهوف، ص 107 ؛ المجلسي، البحار، 4/ 134 .

الذي يتتبع مراحل القيام الحسيني يجد الحرص على تحقيق أعلى درجات

الانضباط والصبر على البلاء وفي أحلك الظروف ولاسيما بعد الاستشهاد

لأنهم كانوا ينظرون إلى أبعد من الجزاء المادي الدنيوي أو ما شابه، ومن ذلك

ما يتعلق برفض أخذ الصدقات حتى لسد الرمق لأنها محرمة على أهل البيت (علیهم السّلام) على الرغم من ان نوعية الظرف والاستثناء فيه ربما تؤخذ بنظر الاعتبار عند الناس الآخرين إلا ان مسار أهل البيت (علیهم السّلام) يندرج في طلب الثواب المعنوي، وقد أشار الإمام علي (علیه السّلام) إلى تلك القاعدة حينما استاء ممن يحاول أن يلغيها لمجرد مصالح مادية فقال (علیه السّلام):

(وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها، ومعجونة شنئتها (1) كأنما عجنت بريق حية أو قيئها، فقلت: أصلةٌ أم زكاةٌ أم صدقةٌ؟ فذلك محرّم علينا أهل البيت!)(2).

يتعجب الإمام (علیه السّلام) من طارق طرقهم ليلاً في وعاء مغطى فيه حلوى ملفوفة كرها وبيّن شدة كراهيته لها والنفير منها بوصفها كالسم الناقع في جوف الأفعى الموجب لغاية البخل والنفرة، فقلت صلة أم زكاة أم صدقة؟ كل منها محرم علينا أهل البيت (علیهم السّلام)، ولم يذكر الهدية لأنه لم يكن في وهم عاقل قبول الإمام (علیه السّلام)

ص: 220


1- شنئتها: أبغضتها أو كرهتها. ينظر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 3/ 217 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 1/ 101 .
2- نهج البلاغة، ص 524 .

لها خصوصاً زمان خلافته (1).

وهذا موجود في موقف عائلة الإمام الحسين (علیه السّلام) بعد استشهاده وذلك برفضهم الصدقة (2)، على الرغم من اختلاف الظرف في كلا الموقفين –الإمام علي (علیه السّلام) وعائلة الإمام الحسين (علیه السّلام)- إلا انهم لم يخرجوا عن الإطار الشرعي لأهل البيت رغم حراجة الموقف واشتداده عليهم لأنهم أرادوا الثواب من الله تعالى عما فعلوه فهو المعطي والمجزي لهم عما قدموه من تضحيات وإيثار في سبيله عز وجل.

إن الإمام الحسين (علیه السّلام) نال أعلى درجات الثواب والرضا عند الله تعالى، فشهادته (علیه السّلام) تشابه شهادة يحيى بن زكريا (علیه السّلام) وهو القائل:

(من هوان الدنيا على الله ان رأس يحيى بن زكريا (علیه السّلام) أهدي إلى بغي من بغايا بني اسرائيل)(3)، لكن الله عز وجل كرمه في القرآن بتكريم منقطع النظير حينما قال:

«وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا » (4)، فأي درجة

يمكن أن يتصورها أحد قد وصل اليها الإمام الحسين (علیه السّلام) من الثواب والرفعة عند الله تعالى بما قدمه من تضحيات في سبيله سبحانه وتعالى.

ص: 221


1- ينظر: البحراني، شرح نهج البلاغة، 4/ 86 ؛ الخوئي، منهاج البراعة، 14 / 295 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 3/ 318 .
2- ينظر: المجلسي، البحار، 45 / 114 ؛ البحراني، العوالم، ص 373 .
3- المفيد، الارشاد، 2/ 132 ؛ الطبرسي، اعلام الورى، 1/ 429 ؛ ابن نما، مثير الأحزان، ص 29 ؛ الاحسائي، عوالي اللئالي، 4/ 81 .
4- مريم/ 15 .

4- الإعداد المستقبلي:

لكي يكتب لأي ثورة النجاح سواء قبل أو أثناء أو بعد قيامها لابد أن يكون هناك أشخاص معدين ومهيئين لها، ولاسيما إذا ما كان قائدها له تصوركامل عما سوف يجري من أحداث ومن أمور، لذلك نجد أن الإمام الحسين (علیه السّلام)

أخذ يعد أشخاصاً لإكمال رسالة القيام وأهدافه مثل السيدة زينب (علیها السّلام) وكيف أصبحت تمثل الجانب الاعلامي المعرف للناس بالقيام وأهدافه ومبادئه وايصال رسالته لهم.

والإمام السجاد (علیه السّلام) كان أحد الأشخاص الذين أعدهم الإمام الحسين (علیه السّلام) لما بعد القيام بشكل وبدور يختلف عن دور السيدة زينب (علیها السّلام) لأنه إمام مفترض الطاعة وله رسالة يجب أن يوصلها إلى الناس بأمر ومدة معينة، لهذا لم يشارك في واقعة الطف في القتال، وهو الأمر الذي حدث زمن الإمام علي (علیه السّلام) مع ولده الإمام الحسن (علیه السّلام) وذلك في بعض أيام صفين وقد رأى الإمام الحسن (علیه السّلام) يندفع في الحرب فقال (علیه السّلام):

(أملكوا عني هذا الغلام لا يهدني، فإنني أنفس بهذين –يعني الحسن والحسين (علیهما السّلام)- على الموت لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )(1).

شاهد الإمام علي (علیه السّلام) ابنه الإمام الحسن (علیه السّلام) ومسارعته إلى الحرب وكان بنفسه غير متمكن من حفظه وممانعته فأمر أصحابه وقال املكوه من التسرع وامنعوه، واحفظوه منع المالك لملكه وحفظه إياه، لأنه لو كان ممكنا لي لكنت أملكه وأراقبه غاية المراقبة، فحيث انه لا يمكن لي ذلك فكونوا مالكين له مراقبين عليه بدلاً مني وراقبوه مثل مراقبتي غير متوانين ولا مقصرين وعلل

ص: 222


1- نهج البلاغة، ص 486 .

ذلك (علیه السّلام) لئلا يكسرني لأن التسرع إلى الحرب مظنة القتل والهلاك وموت الولد الصالح وخصوصا مثل الإمام الحسن (علیه السّلام)، ثم قال فإني أبخل على الموت بهذين -يعني الإمامين الحسن والحسين (علیهما السّلام)- لكي لا ينقطع بسبب موتهما نسل رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )(1).

لماذا هذا الإهتمام والخوف من الموت على الإمام الحسن (علیه السّلام) مع وجود الإمام الحسين (علیه السّلام)؟ أي من الممكن إذا ما استشهد الإمام الحسن (علیه السّلام) أن يكمل الإمام الحسين (علیه السّلام) المسير والإمامة، وكما هو حاصل فإن الأئمة (علیهم السّلام) من نسل الإمام

الحسين .(علیه السّلام).

ان الأمر ليس بهذه الصورة وإنما هو أبعد من ذلك، إذ ان الإمام علياً (علیه السّلام) بهذا التصرف كأنما يشير إلى الإمامة، أي ان كل إمام له رسالة محددة ووقت معلوم يبلغ فيه رسالته وليس لإمام آخر أن يتجاوز على وقت الإمام الذي قبله وهذا الذي حصل مع الإمام الحسن (علیه السّلام) ونجده تجلى في موقف الإمام الحسين (علیه السّلام) في منعه للإمام السجاد (علیه السّلام) من القتال يوم كربلاء فلما خرج الإمام زين العابدين (علیه السّلام) من الخيمة وكان مريضا لا يقدر أن يقل سيفه وعمته تنادي خلفه يا بني ارجع، فقال يا عمتاه ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله، فقال الحسين: (خذيه لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )(2)، إذ إن هذا الموقف يوحي بعدة

صور أهمها:

جسد الإمام علي بن الحسين (علیه السّلام) موقفاً مهماً في كيفية إطاعة إمام الزمان وذلك عندما خرج وقال: يا عمتاه ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله، أي

ص: 223


1- الخوئي، منهاج البراعة، 13 / 98 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 3/ 30 ؛
2- ينظر: المجلسي، البحار، 45 / 46 ؛ البحراني، العوالم، ص 289 .

انه (علیه السّلام) في هذا الوضع ومع وجود الإمام الحسين (علیه السّلام) لم تبدأ رسالته وعليه أن يلبي ويطيع إمامه وهو أباهُ (علیه السّلام) لذلك خرج ليقاتل بين يديه، وفي الوقت نفسه رجع بأمره لأنه أراد إعداده لما بعد الاستشهاد لإتمام رسالة القيام.

والأمر نفسه ينطبق على وجود الإمام الباقر (علیه السّلام) يوم كربلاء ومع ذلك تمت الإشارة للسجاد (علیه السّلام) فالكثير من الروايات تشير إلى وجود الباقر (علیه السّلام) في واقعةالطف(1)، فلماذا قال الإمام الحسين خذيه لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وهذا ما يشابه موقف الإمام علي (علیه السّلام) مع الإمام الحسن (علیه السّلام) بوجود الإمام الحسين (علیه السّلام)، أي ان الإمام السجاد (علیه السّلام) سوف تبدأ امامته بمجرد استشهاد الإمام الحسين (علیه السّلام)، وهو الذي أعد لما بعد استشهاد أبيه لتولي أمور المسلمين وللتصدي لجميع التحديات التي تواجه الأمة الاسلامية بعد أبيه (علیه السّلام) وإكمال ما خرج من أجله الإمام الحسين (علیه السّلام) وإصلاح ما يمكن إصلاحه من أمة الرسول .(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).

حمل الإمام السجاد (علیه السّلام) المسؤولية وتصدى للتحديات التي واجهت الأمة الاسلامية الداخلية والخارجية واتخذ من الدعاء (2) خير وسيلة للتربية

ص: 224


1- ينظر: اليعقوبي، التاريخ، 2/ 320 ؛ الكليني، الكافي، 4/ 223 ؛ المجلسي، البحار، 31 / 33 .
2- إذ نجد حتى في قضية الدعاء ان الإمام الحسين (علیه السّلام) قد أعد الإمام السجاد (علیه السّلام) لها مبكراً وذلك حينما علمه وهو في يوم العاشر من محرم دعاءً مهماً، فقد روي عن الإمام السجاد (علیه السّلام) قوله: ضمني والدي (علیه السّلام) إلى صدره يوم قتل والدماء تغلي وهو يقول: يا بني احفظ عني دعاء علمتنيه فاطمة (علیها السّلام) وعلمها رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وعلمه جبرئيل (علیه السّلام) في الحاجة والهم والغم والنازلة والأمر العظيم الفادح، قال: ادع بحق يس والقرآن الحكيم وبحق طه والقرآن العظيم، يا من يقدر على حوائج السائلين، يا من يعلم ما في الضمير، يا منفساً عن المكروبين، يا مفرجاً عن المغمومين، يا راحم الشيخ الكبير ويا رازق الطفل الصغير، يا من لا يحتاج إلى التفسير، صل على محمد وآل محمد، وافعل بي كذا وكذا. ينظر: الراوندي، الدعوات، ص 546 ؛ المجلسي، البحار، 92 / 196

الروحية، ومنذ الوهلة الأولى تصدى (علیه السّلام) لأحد أبرز الانحرافات عن الدين وهو قول الجبرية، الذين يقولون بأن الله يجبر عباده على فعل المعاصي وارتكاب الذنوب (1).

إن الإمام علياً (علیه السّلام) تصدى منذ وقت مبكر لهذا القول وذلك في كلامه للسائل الشامي لما سأله: أكان مسيرنا إلى الشام بقضاء من الله وقدر؟ فقال الإمام (علیه السّلام):

(ويحك! لعلك ظننت قضاءً لازماً، وقدراً حتماً! لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب، وسقط الوعد والوعيد. ان الله سبحانه أمر عباده تخيراً،ونهاهم تحذيراً، وكلّف يسيراً، ولم يكلّف عسيراً وأعطى على القليل كثيراً، ولم يعصَ مغلوباً ولم يطع مكرهاً)(2).

بيّن الإمام (علیه السّلام) هنا لو كان الإنسان مسيّراً كما يقول الجبريون لبطل الثواب والعقاب حيث يكون الإنسان والحال هذا تماماً كريشة في مهب الريح وفعله كثمرة على شجرة وبذلك بطل مذهب الجبرية لأن الثواب نفع مقارن للتعظيم والمحمدة، والعقاب ضرر مقارن للإهانة واللوم، وكذلك لسقط الوعد على الطاعة والوعيد على المعصية لأن الوعد والوعيد فرع عن وجود الثواب

والعقاب، ولم تأت لائمة من الله سبحانه لمذنب ولا محمدة لمحسن ولم يكن

المحسن أولى بالمدح من المسيء ولا المسيء أولى بالذم من المحسن تلك مقالة عباد الأوثان وجنود الشيطان وشهود الزور وأهل العمى عن الصواب (3).

ص: 225


1- ينظر: الحسين، التحفة العسجدية، ص 2.
2- نهج البلاغة، ص 734 .
3- ينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 228 ؛ المجلسي، مرآة العقول، 2/ 175 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 4/ 261 .

نجد امتداد هذا في موقف الإمام السجاد (علیه السّلام) في مجلس ابن زياد في الكوفة عندما أراد الأخير أن يجسد قول الجبرية بقوله ان الله عز وجل هو الذي قتل الحسين (علیه السّلام) وولده وأصحابه، وذلك عندما التفت إلى الإمام (علیه السّلام) وقال: من هذا؟

فقيل علي بن الحسين (علیه السّلام) فقال: أليس قد قتل الله علي بن الحسين؟ فقال له الإمام:

(كان لي أخ يسمى علياً قتله الناس) فقال ابن زياد: بل الله قتله. فقال

الإمام (1): «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا»(2).

جسد موقف الإمام (علیه السّلام) هذا أمرين مهمين:

انه ونتيجة لإعداد الإمام الحسين (علیه السّلام) للإمام السجاد (علیه السّلام) لما بعد الاستشهاد فضلاً عما يتمتع به الإمام (علیه السّلام) من شجاعة كبيرة، نجده لم يرهب ابن زياد ووقففي وجهه في مركز قوته ومجلسه في الكوفة، هذا فضلا عن الانسجام والتناغم الفكري مع طرح الإمام علي (علیه السّلام) في النهج كما أسلفنا.

نجد أن الإمام (علیه السّلام) قد تصدى منذ وقت مبكر لقول الجبرية ورأى ان من

مسؤوليته الشرعية أن يقوم بذلك التصدي، ومن ثمَّ فإنه لم يدع قول ابن زياد

يمر مرور الكرام عندما قال أليس الله قد قتل عليا، أي نسب القتل إلى الله

سبحانه وتعالى، فكان رد الإمام عليه (علیه السّلام) بأن الناس قد قتلوه.

ص: 226


1- الشامي، الدر النظيم، ص 561 . ينظر: ابن سعد، ترجمة الإمام الحسين (علیه السّلام)، ص 79 ؛ الطبري، المنتخب من ذيل المذيل، ص 119 ؛ القاضي النعمان، شرح الأخبار، 3/ 251 ؛ ابن عبد البر، التمهيد، 9/ 157 ؛ الطبرسي، اعلام الورى، 1/ 472 ؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق، 41 / 367 ؛ ابن الجوزي، المنتظم، 5/ 345 ؛ ابن طاووس، اللهوف، ص 94 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، .211/8 .
2- الزمر/ 42 .

وموقف آخر تصدى فيه الإمام السجاد (علیه السّلام) إلى هذا القول، لأن الجبرية قد انتشرت وخاصة بين الأمويين وأتباعهم بسبب ان معاوية بن أبي سفيان قد أخذ يثقف لهذه الظاهرة بشكل كبير (1)، ولهذا نجد الإمام يتصدى لقول يزيد بالجبرية وفي مجلسه، وذلك عندما دخل الإمام السجاد (علیه السّلام) عليه في جملة من حمل إلى الشام سبايا من أولاد الإمام الحسين (علیه السّلام) وأهله قال يزيد: (يا علي الحمد لله الذي قتل أباك! فقال الإمام (علیه السّلام) قتل أبي الناس، قال يزيد: الحمد لله الذي قتله فكفانيه! قال الإمام: على من قتل أبي لعنة الله، أفتراني لعنت الله عز وجل؟)(2)

جسد الإمام السجاد (علیه السّلام) في هذه المواقف البطولة والشجاعة المكملة لرسالة القيام وأهدافه، لاسيما وأنه وقف بوجه الظالمين في معقل ديارهم، ولأن واحداً من أهداف القيام هو الإصلاح في أمة الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، فضلاً عن ذلك فإن الإمام (علیه السّلام) بدأ بحمل هذه المسؤولية الشرعية والإمامة في التصدي لتلك الانحرافات عنالدين الإسلامي، وكان أحد أهم العوامل المساعدة على تلك المواقف البطولية للإمام (علیه السّلام) هو الإعداد المبكر من الإمام الحسين (علیه السّلام) فضلاً عن التواؤم مع مواقف الإمام علي (علیه السّلام) في هذا المجال التي تركت أثراً واضحاً على الإمام السجاد (علیه السّلام) وعلى المشروع بشكل عام.

ص: 227


1- ثقف معاوية للجبري بشكل كبير من أجل ترسيخ لقب خليفة الله فيه وله كثير من الخطب تدل على ذلك منها قوله: (لو لم يرني الله أهلاً لهذا الأمر ما تركني وإياه، ولو كره ما نحن فيه لغيّه!)، وكان يقول أيضاً (أنا عامل من عمال الله أعطي من أعطاه الله وأمنع من منعه الله، ولو كره الله أمراً لغيره)، ولم يزل ذلك في بني أمية حتى قال الحجاج وقد قتل رجلاً لأجل إظهاره حب الإمام علي (علیه السّلام): (اللهم أنت قتلته، ولو شئت منعتني منه). هذا هو الذي شدد قبضة الأمويين على العباد والبلاد ومكنهم من قتل الإمام الحسين (علیه السّلام) بكل جرأة. ينظر: الحسين، التحفة العسجدية، ص 2.
2- الطبرسي، الاحتجاج، 2/ 38 ؛ المجلسي، البحار، 45 / 161 ؛ البحراني، العوالم، ص 407 .

ص: 228

المبحث الثاني: دروس القيام الأخلاقية والوعظية

1- التعاطي مع صفة الغدر:

الغدر أحد الصفات المذمومة في المجتمع والمحرمة في التشريع الإسلامي

لما لها من آثار سلبية ونتائج مؤدية إلى انعدام الثقة داخل المجتمع وبين أفراده،

وقد تفاعل مع هذه الصفة كثير من الناس لأنها تحقق نتائج سريعة وبطرائق غير

شرعية من أجل تحقيق مصلحة ذاتية شخصية على حساب المصلحة العامة،

ونجد كثيراً من الأحاديث النبوية تنهى عن هذه الظاهرة السيئة ومنها قول

الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ):

(ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة، فيقال: هذه غدرة فلان)(1)، وكذلك الإمام علي (علیه السّلام) قال:

(إياك والغدر فإنه أقبح الخيانة وإن الغدور لمهان عند الله بغدره)(2)، لذلك فإن لهذه الصفة تأثيراً في المجتمع وحساباً عظيماً يوم القيامة، مثلما أشار الإمام

ص: 229


1- ابن ماجة، سنن ابن ماجة، 2/ 959 ؛ ابن حبان، صحيح ابن حبان، 16 / 336 .
2- الليثي، عيون الحكم، ص 96 .

علي (علیه السّلام) إلى أن صاحبها مهان عند الله من أجل ان يمتنع الناس عن التخلق بها.

من هذا المنطلق فإن الإمام علياً (علیه السّلام) يضع ضابطة مهمة للحذر من الغدر بقوله (علیه السّلام):

(أيها الناس! ان الوفاء توأم الصدق، ولا أعلم جنة أوقى منه وما يغدر من علم كيف المرجع)(1).

يبدأ الإمام (علیه السّلام) كلامه بالوفاء والصدق قبل أن يتكلم عن الغدر ويعطي ميزة للوفاء من أجل أن يبتعد الناس عن الغدر، إذ إن الوفاء ملكة نفسانية ينشأ من لزوم العهد مثلما ينبغي البقاء عليه، والصدق ملكة تحصل من لزوم الأقوال

والمطابقة وهما فضيلتان داخلتان تحت فضيلة العفة، متلازمتان ولا يفترق الصدق عن الوفاء ولا الوفاء عن الصدق وجوداً ومنزلة، ان من لا وفاء له لا

دين له، فإنه وقاية تامة للمرء والوفي محفوظ من الله، مشكور بين الناس، ومن

علم الآخرة وطوى عليها عقيدته منعه ذلك من أن يغدر، فالغدر يحبط الايمان،

أي لا يغدر من كان له علم بعواقبه في الدارين العذاب الأليم في الآخرة والعار

في الدنيا (2).

ان هذا المنطق انعكس في موقف مسلم بن عقيل من صفة الغدر فإنه بالتأكيد

يعلم كيف المرجع إلى الله تعالى، فهو من سلالة الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وابن أخ سيد الوصيين الإمام علي (علیه السّلام) وكان على علم ودراية تامة بماهية الغدر وما هو تأثيره وحرمته عند الله سبحانه فامتنع (علیه السّلام) من التخلق بهذه الأخلاقية على الرغم من ان

ص: 230


1- نهج البلاغة، ص 94 .
2- ينظر: البحراني، شرح نهج البلاغة، 2/ 104 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1/ 257 ؛ الخرساني،مفتاح السعادة، 6/ 320 ؛ الغروي، الأمثال والحكم، ص 310 .

الفرصة كانت مؤاتية له وكان من الممكن تحقيق نتائج غاية في الأهمية لو مارس الغدر مع عبيد الله بن زياد، يمكن تصفية الأمور في الكوفة لمصلحته، عندما أراد شريك بن الأعور (1) من مسلم بن عقيل أن يقتل عبيد الله بن زياد إلا ان مسلم لم ينفذ ذلك بالغدر فقال له شريك: ما منعك من قتله؟ قال مسلم منعني منه خلتان احدهما كراهية هانئ (2) لقتله في منزله، والأخرى قول الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ):

ص: 231


1- شريك بن الأعور: كان من شيعة الإمام علي (علیه السّلام)، شهد معه الجمل وصفين، له مواقف بطولية ضد الأمويين ولعل منها موقفه مع معاوية إذ دخل عليه يوماً وكان شريك دميماً فقال له معاوية: إنك لدميم والجميل خير من الدميم وانك لشريك وما لله شريك وأن أباك لأعور والصحيح خير من الأعور فكيف سدت قومك، فقال: وانك معاوية وما معاوية إلا كلبة عوت فاستعوت وإنك لابن حرب والسلم خير من الحرب وإنك لابن صخر والسهل خير من الصخر وإنك لابن أمية وما أمية إلا أمة صغرت فكيف صرت أمير المؤمنين وخرج يقول: أيشتمني معاوية ابن حرب*** وسيفي صارم ومعي لساني وهو الذي حرض مسلم بن عقيل على قتل ابن زياد حين أتى لعيادته في دار هانئ، وقد مات في الكوفة سنة 60 ه. ينظر: ابن سعد، ترجمة الإمام الحسين (علیه السّلام)، ص 65 ؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 79/2 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 271 ؛ الزمخشري، ربيع الأبرار، 2/ 72 .
2- هانئ: بن عروة، بن الفضفاض، الغطيفي المرادي، أحد سادات الكوفة، وأشرافها ومن أعيان الشيعة، أدرك النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وتشرف بصحبته، لأنه يوم استشهد كان عمره تسعة وثمانين سنة، وقد شهد الجمل مع الإمام علي (علیه السّلام)، نزل مسلم داره، وخاف هانئ على نفسه من ابن زياد فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض، إلا أن ابن زياد أرسل في طلبه وبعد قدومه طلب منه أن يسلمه مسلم فرفض هانئ وانتهى الكلام بضربه من ابن زياد ثم بعد قتل مسلم قتله ابن زياد بالسوق. ينظر: المسعودي، مروج الذهب، 3/ 59 ؛ الطبرسي، أعلام الورى، 1/ 440 ؛ ابن شهر آشوب، المناقب، 2/ 345 ؛ النمازي، مستدركات، 8/ 138 ؛ ابن حجر، الإصابة، 6/ 445 .

(إن الإيمان قيد الفتك (1)، لا يفتك مؤمن)(2)، فقال شريك: أما والله لو قتلته لقتلت فاسقاً فاجراً كافراً غادراً (3).

إن مسلماً لم يقدم على اغتيال عدوه الماكر لأن الإيمان قيد الفتك، وهذه كلمة

كبيرة المغزى، بعيدة المدى، فإن آل علي (علیهم السّلام) من قوة تمسكهم بالحق والصدق نبذوا الغدر والمكر حتى لدى الضرورة، واختاروا النصر الآجل بقوة الحق على النصر العاجل بالخديعة وهذه صفة معروفة فيهم عن أسلافهم، وموروثة في أخلاقهم، فهم مخلوقون لإقامة حكم العدل والفضيلة في قلوب العرفاء الأصفياء، وقد حفظ لهم التاريخ الكراسي في القلوب (4).

جسد مسلم بن عقيل العديد من الصور والدروس الأخلاقية الجميلة

ومنها:

إنه لم يرغب في الإساءة إلى الشخص الذي آواه في داره وهو هانئ لأنه كان

كارهاً لقتل ابن زياد في داره، وبذلك أراد أن يجنبه الأذى في حال قتله لذلك لم

ص: 232


1- الفتك: الغدر، والفتك في القتل يأتي الرجل الرجل وهو غار مطمئن لا يعلم بمكان الذي يريد قتله حتى يفتك به فيقتله أو يكمن له في شجرة أو على جبل حتى يقتله غافلا. ينظر: ابن سلام، غريب الحديث، 3/ 301 ؛ ابن الأنباري، الزاهر في معاني كلمات الناس، ص 405 ؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 4/ 471 .
2- ينظر حديث الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): ابن حنبل، مسند احمد، 1/ 166 ؛ البخاري، التاريخ الكبير، 1/ 403 ؛ الطبراني، المعجم الكبير، 19 / 319 .
3- ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 271 ؛ أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص 65 ؛ ابن مسكويه، تجارب الأمم، 2/ 45 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 27 ؛ النويري، نهاية الإرب، 20 / 392 .
4- ينظر: البراقي، تاريخ الكوفة، ص 328 .

ينفذ القتل.

بما انه (علیه السّلام) من أهل البيت (علیهم السّلام) فقد ابتعد عن أي صفة فيها خلة أو عار لهذا البيت الطاهر، ولم يخرج عن السنة المحمدية التي كان من ضمن أهدافالقيام إحياؤها ومسلم هو أحد أنصار القيام فليس من المعقول أن يخالف سنة الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، فضلاً عن إيمانه الذي يجعله يعلم بكيفية المرجع إلى الله تعالى فيمنعه ذلك من الغدر وهذا يتطابق مع قول الإمام علي (علیه السّلام) وفكره في هذا المجال.

جسد (علیه السّلام) في هذا الموقف المبادئ والقيم التي كان من أجلها القيام ومنها الإصلاح، وإن موقف مسلم كان امتداداً لموقف الإمام الحسين (علیه السّلام) في عدم الخروج من أجل السلطة، لأنه لو خرج من أجلها لقام مسلم بقتل ابن زياد والسيطرة على مقاليد الأمور في الكوفة لصالحه.

أعطى مسلم بن عقيل درساً مهماً في عدم مخالفة قائده وإمامه (علیه السّلام) حتى عند الضرورة، لأن الإمام الحسين (علیه السّلام) لم يرسله للقتل وإنما أرسله من أجل استعلام أمر الكوفة إذ قال له:

(يا ابن العم، قد رأيت أن تسير إلى الكوفة، فتنظر ما اجتمع عليه رأي أهلها،

فإن كان على ما أتتني به كتبهم، فعجّل عَليَّ بكتابك لأسرع القدوم عليك، وإن

تكن الأخرى فعجل لأنصرف)(1)، فرغم استحصال الفرصة في قتل ابن زياد إلا أن مسلماً لم يخالف ما أراده منه الإمام الحسين (علیه السّلام) أو الخروج عن إطار المهمة المكلف بها.

انه (علیه السّلام) نظر إلى أبعد من هذا الموقف وهو موقف الإمام الحسين (علیه السّلام) أمام الأعداء، إذ لو كان مسلم قد غدر بابن زياد سوف يكون هذا الأمر أحد الأسلحة

ص: 233


1- الدينوري، الأخبار الطوال، ص 230 .

والحجج التي تستعمل ضد الحسين (علیه السّلام)، لأن ابن عمه قد غدر بأميرهم، وبذلك فوت الفرصة عليهم في إيجاد حجة كان من الممكن أن تستعمل ضد الإمام (علیه السّلام) في كربلاء، أو تضعف موقفه في محاججتهم.

2- التضحية والإيثار:

الثورة الحقيقية هي الثورة التي يرافقها تضحية وإيثار من أجل المبادئوالأهداف التي قامت من أجلها، لكن تلك التضحية تختلف من ثورة إلى أخرى وحسب أهداف ومبادئ كل منها، والقضية التي قامت من أجلها ومدى النتائج التي من المتوقع الحصول عليها إذا ما كان هناك تضحية وإيثار، واذا ما قمنا بتقليب صفحات التاريخ لن نجد ثورة فيها من التضحيات مثلما كان في الثورة الحسينية.

قدَّم الإمام الحسين (علیه السّلام) في قيامه كل أنواع التضحية والإيثار وفي جميع مراحل القيام عن عقيدة وإيمان راسخ وتسليم مطلق لله تعالى، لهذا فإن أنصار القيام قد حذوا حذوَ قائدهم في التضحية في سبيل الله، إيماناً منهم بأحقية قيامهم وحبهم لقائدهم الإمام الحسين (علیه السّلام) الذي قدم نفسه وعائلته في سبيل قيامه قربة لله سبحانه، وقبول تام بكل ما كتبه الله عز وجل، وقد أشار الإمام علي (علیه السّلام) إلى هذا المعنى بقوله:

(رضينا من الله قضاءه، وسلمنا لله أمره)(1).

ويشير الإمام (علیه السّلام) إلى أن القبول بقضاء الله والتسليم له درجة ليس باستطاعة أيِّ أحدٍ الوصول إليها، لأن الرضا بقضاء الله والتسليم لأمره باب من أبواب الجنة يفتحه الله لخواص أوليائه، فكل من أخلص لله موحداً وأذعن له قولا

ص: 234


1- نهج البلاغة، ص 91 .

وعملاً يبقى على ثقته به في الضراء مثلما هو في السراء ولا يظن بالله ظن السوء، وإن أصيب بنفسه وولده وماله، فيقول (علیه السّلام): ان الذي حكم بأن نكون نحن سادة وأحراراً وجعلنا بمنزلة نكون محلاً لهجوم الأعداء، يداً ولساناً فلم نرد أمره فينا والتسليم له. وهذه عبارة تنمّ عن عدم معارضة الإنسان قلباً ولساناً لما قدر الله من الأمور (1).

يعبر هذا عن الإيمان العميق والشديد عند أهل البيت (علیهم السّلام) الذي لا يمتلكه غيرهم لأنه أعجز من أن يكون بهذه الدرجة من الإيمان بالله، لذلك نجد أنكلام الإمام علي (علیه السّلام) له صدى في موقف السيدة زينب (علیها السّلام) بعد استشهاد الإمام الحسين (علیه السّلام) الذي يعد من المواقف الايمانية الكبيرة لما فيه من تضحية وإيثار وإيمان مطلق بالله سبحانه، عندما وقفت (علیها السّلام) عند جسد الإمام الحسين (علیه السّلام)، فكان

من البديهي أن تظهر الجزع والحزن وهو حق مشروع لها، على مقتل أخيها

وإمامها (علیه السّلام)، لكنها وقفت ونطقت بكلمات تعبر عن مدى الايمان الشديد بالله تعالى والتسليم له، إذ قالت:

(اللهم تقبّل منّا هذا القربان)(2).

فأي ايمان وعقيدة وتسليم لله عز وجل في هذا الموقف، وهذا يتناغم مع كلام

الإمام علي (علیه السّلام) في أن التسليم والرضا بقضاء الله له درجة خاصة من العرفان، وقد بلغت السيدة زينب (علیها السّلام) تلك الدرجة فنطقت بتلك الكلمات الايمانية المتممة للقيام وتضحياته، لأن القيام في الأساس كان لله ومن أجل دينه عز وجل فكان

ص: 235


1- ينظر: البحراني، شرح نهج البلاغة، 2/ 86 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1/ 142 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 1/ 193 .
2- الجعفري، زينب الكبرى، ص 128 . ينظر: الشاكري، العقيلة والفواطم، ص 61 .

يستلزم تلك التضحيات العظيمة من أهل البيت (علیهم السّلام) لأنهم المكملون للرسالة المحمدية.

شملت التضحية والايثار كل مرحلة من مراحل قيام الإمام الحسين (علیه السّلام) وأنصاره، ومن ذلك موقف علي الأكبر (علیه السّلام) مع أبيه الحسين (علیه السّلام) في الطريق إلى كربلاء وكيف يظهر عدم رهبته من الموت بشكل يماثل مع ما قاله الإمام علي (علیه السّلام) عن نفسه حينما استبطأ أصحابه إذنه لهم في القتال في صفين، فقال:

(أما قولكم: أكل ذلك كراهية الموت؟ فوالله ما أبالي؛ دخلت [أدخلت] إلى موت أو خرج إلي )(1).

يبين هذا النص أن الإمام علياً (علیه السّلام) بلغ الغاية في الكمالات النفسانية والخصالالقدسية لذلك أقسم أنه لا يبالي أتعرض هو للموت حتى يموت أم جاءه الموت ابتداءً من غير أن يتعرض له فإنه بمعزل عن تقية الموت (2)، أو الرهبة منه ومستعد له أينما كان ومتى يكون، وهنا يرد في موقف علي الأكبر (علیه السّلام) مع الإمام الحسين (علیه السّلام) في الطريق إلى كربلاء بعدما سمع الحسين (علیه السّلام) هاتفاً يقول:

(القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم، فأخذ الإمام (علیه السّلام) يسترجع فقال له علي الأكبر: يا أبت لا أراك الله سوءاً ألسنا على الحق؟ قال بلى والذي يرجع اليه العباد فقال: لا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا)، يعني ما دمنا على الحق (3).

ص: 236


1- نهج البلاغة، ص 107 .
2- ينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 4/ 12 ؛ الخوئي، منهاج البراعة، 4/ 328 .
3- الصدر، أضواء على ثورة الحسين (علیه السّلام)، ص 113 . ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 308 ؛ ابن أعثم، الفتوح، 5/ 71 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 51 .

وهذا الموقف فيه كثير من الدلالات المهمة التي تعبر في بعض منها عن التضحية والايثار ومنها:

التسليم المطلق لله تعالى بكل ما كتبه والقبول التام بذلك وإنه (علیه السّلام) مستعد للموت أينما ومتى يكون.

التضحية الكبيرة التي قدمها علي الأكبر (علیه السّلام) في هذا الموقف وفيما بعد ترجمها في أرض الطف من أجل القيام وأهدافه ومبادئه.

ان هذا الموقف يدل على الكمال النفساني والإيمان الشديد لعلي الأكبر (علیه السّلام) بالله تعالى، فاستعداده للموت في أي زمان ومكان يدل على ذلك لأنه على حق في قيامه فلا يبالي بالموت، لذلك جسد معنى التضحية في هذا الموقف، وهو ما يعكس شجاعة أجداده الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والإمام علي .(علیه السّلام).

إن هذا الاطمئنان الذي ظهر في موقف علي الأكبر (علیه السّلام) للموت وسرعة كلامه مع أبيه (علیه السّلام) عندما رآه يسترجع يشير إلى شدة ملاصقته لأبيه واتباعه إياه، وهذا ينبئ عن مدى الارتباط العاطفي الكبير بينهما (علیه السّلام)، وعلى الرغم من ذلك قدمه الإمام الحسين (علیه السّلام) إلى الموت في سبيل الله.

لم يكن استرجاع الإمام الحسين (علیه السّلام) عن ضعف وإنما عن إيمان وشجاعة كما كان الإمام علي (علیه السّلام) في القول السابق بعدم مبالاته بالموت، غير أن الإمام الحسين (علیه السّلام) كان ينظر إلى ذلك الانحراف الكبير في المجتمع إلى درجة قتل الأولياء وأبنائهم، فضلاً عن أنه أراد ذلك الجواب من أبنائه وأصحابه لتقر عينه.

سجل لنا القيام من التضحيات الجسام ما لم نشاهده في جميع الثورات فكان

لقائده النصيب الأوفر من تلك التضحيات، إذ قدم حتى ابنه الرضيع بعد أن طلب له الماء فقام الأعداء برميه بسهم فقتل فأخذ الإمام الدم من نحره فرمى

ص: 237

به إلى السماء فما رجع منه شيء، ثم قال متوجهاً إلى الله سبحانه:

(لا يكون اهون عليك من فصيل ناقة صالح)(1)، وهذا الكلام دعاء على القوم ممّن رضي وسكت.

سبق أن استعمل الإمام علي (علیه السّلام) هذه الحادثة التاريخية والمعنى العقائدي في الاطار الإصلاحي نفسه إذ أشار إلى العذاب الذي لحق بثمود نتيجة عقرهم ناقة صالح، وقبول القوم بذلك وعدم نكرانهم هذا الفعل، فقال (علیه السّلام):

(أيها الناس، إنما يجمع الناس الرضى والسخط. وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمهم الله بالعذاب لما عموه بالرضى، فقال سبحانه: «فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ »(2)، فما كان إلا أن خارت أرضهم بالخسفة خوار السكة المحماة في الأرض الخوارة)(3).

أشار الإمام (علیه السّلام) إلى شمولية العذاب على من لا ينكر المنكر ويقبل به، إذليست العقوبة لمن اجترم الجرم بعينه فقط، بل لمن اجترمه ولمن رضيَ به وإن لم يباشر بنفسه فإن الراضي بالمنكر كفاعله ومن لم ينه عنه فهو راضٍ، ومصداق العذاب للرضا بالمنكر قصة قوم صالح (علیه السّلام) في عموم العذاب لهم بفعل عاقر الناقة فإن العقوبة عمّتهم لعموم الرضا لهم بفعله، وخارت أرضهم بالخسفة وقد شبه (علیه السّلام) ذلك بصوت السكة المحماة في الأرض الخوارة، وهي السهلة

ص: 238


1- أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص 60 ؛ ابن شهر آشوب، المناقب، 3/ 257 .
2- الشعراء/ 157 .
3- نهج البلاغة، ص 480 .

اللينة (1)، لتكون أبلغ في ذهابها بالأرض(2).

تجلى هذا الأمر في كلام الإمام الحسين (علیه السّلام) عندما قال: لا يكون أهون عليك من فصيل ناقة صالح، أي انه قد دعا على القوم الذين رمى أحدهم عبد الله الرضيع (علیه السّلام) بسهم، أما البقية فقد رضوا بفعله ولم ينكروه، فكان هذا الكلام من الإمام (علیه السّلام) والذي فيه التضحية والايثار في سبيل الله والتسليم المطلق له عز وجل، فلم يكن بمعرض الاعتراض وإنما الشكوى على هؤلاء القوم.

ويقع في المجال نفسه الدال على التضحية قول الإمام الحسين (علیه السّلام) بعد استشهاد الرضيع:

(هَوَّن عَليَّ ما نزل بي أنه بعين الله)(3)، وهو من باب التسليم لله تعالى، إذ كان ابنه الرضيع مذبوحاً بين يديه وهو ينطق بهذا الكلام الإيماني، فأي تضحية وإيثار أفضل من هذه التضحية؟! وهو القائل (علیه السّلام) لما أصيب بسهم:

(اللهم هذا فيك قليل)(4).

ليس هذا غريباً على الإمام (علیه السّلام) إذ إنه المضحي في سبيل الله في كل مراحل القيام منذ بداية انطلاقه من الكعبة المقدسة، وحتى خروجه (علیه السّلام) من مكة المكرمةفيه تضحية وإيثار في سبيل الله للمحافظة على قدسيتها، ولما لها من قدسية عند

ص: 239


1- ينظر: الطريحي، مجمع البحرين، 3/ 293 ؛ الزبيدي، تاج العروس، 6/ 375 .
2- ينظر: الراوندي، منهاج البراعة، 2/ 317 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 10 / 261 ؛ البحراني، مصباح السالكين، ص 392 ؛ محمد عبده، نهج البلاغة، 2/ 181 ؛ البدري، نزهة النظر، ص 252 .
3- ابن طاووس، اللهوف، ص 69 ؛ المجلسي، البحار، 45 / 46 .
4- الشامي، الدر النظيم، ص 551 .

الله وقد أشار الإمام علي (علیه السّلام) إلى ذلك بقوله:

(ألا ترون ان الله سبحانه، اختبر الأولين من لدن آدم صلوات الله عليه، إلى الآخرين من هذا العالم، بأحجار لا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، فجعلها

"بيته الحرام الذي جعله للناس قياما")(1).

إن الله سبحانه امتحن الأولين من لدن النبي آدم (علیه السّلام) إلى الآخرين من هذا العالم أي أهل الأرض بأحجار وهي الكعبة المعظمة التي بنيت من الأحجار وأمر الناس –حتى آدم (علیه السّلام)- بالحج إليها والطواف حولها، وهي لا تضر ولا تنفع بذاتها ولا تبصر ولا تسمع حسب الظاهر، وهذا لا ينافي ضررها ونفعها حسب أمر الله سبحانه، وبصرها وسمعها حسب الواقع، حيث ورد ان الحجر الأسود ملك يسمع ولذا نقول له (أمانتي أديتها)(2)، فجعل الله تلك الأحجار بيته المحرم، قبلة للأنام وللناس قياماً، وهذا فيه إشارة لقوله تعالى:«جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ »(3) ، أي هذا موجب لقيام أمورهم الاجتماعية والاقتصادية وغيرها من الأمور التي تخصهم (4).

انعكس هذا في خروج الإمام الحسين (علیه السّلام) من الكعبة المقدسة للمحافظة على تلك القدسية التي يتمتع بها بيت الله الحرام، وعندما طلب منه أن يبقى فيه قال (علیه السّلام):

ص: 240


1- نهج البلاغة، ص 438 .
2- ينظر: ابن بابويه، فقه الرضا، ص 218 ؛ الصدوق، الهداية، ص 225 ؛ المفيد، المقنعة، ص 401 ؛ الطوسي، المبسوط، 1/ 356 .
3- المائدة/ 97 .
4- المجلسي، مرآة العقول، 17 / 25 ؛ الحسيني الشيرازي، توضيح نهج البلاغة، 3/ 198 .

(لا نستحلها، ولا تستحل بنا، ولأن أقتل على تل أعفر (1) أحب الي من أن أقتل بها)(2).

هذه تضحية منه (علیه السّلام) للمحافظة على قدسية بيت الله الحرام، وقد أشار (علیه السّلام) في موقف آخر إلى الكعبة الشريفة وعدم رغبته في أن يقتل داخلها بالقول:

(والله لأن أقتل خارجاً منها بشبر أحب إليَّ من أن أقتل فيها، ولأن أقتل خارجاً منها بشبرين أحب إليَّ من أن أقتل خارجاً منها بشبر)(3).

جسد الإمام (علیه السّلام) في هذا الموقف الكثير من صور التضحية والإيثار وأهدافاً بعيدة المدى، منها:

إنه (علیه السّلام) ترك بيت الله الحرام من أجل المحافظة على قدسية هذا البيت لأنه يعلم جيدا ان بني أمية ينتهكون الحرمات ويريقون الدماء في بيت الله الحرام.

انه (علیه السّلام) جعل هذا الأمر من أهداف القيام وهو طلب الإصلاح في أمة جده (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فقد أوصل رسالة للناس بأنه يجب المحافظة على حرمة هذا البيت المقدس مهما كان الموقف ومتطلباته حتى وإن استلزم ذلك التضحية بالنفس.

ص: 241


1- الأعفر: الرمل الأحمر، والأعفر الأبيض وليس بالشديد بالبياض، وقال ياقوت الحموي: تل اعفر اسم قلعة وربض بين سنجار والموصل في وسط وادٍ فيها نهر جارٍ وفيها نخل كثيف يجلب رطبه إلى الموصل، وهي على جبل منفرد حصينة محكمة، وتل أعفر أيضاً بليدة قرب حصن مسلمة بن عبد الملك بين حصن مسلمة والرقة من نواحي الجزيرة. ينظر: معجم البلدان، 2/ 39 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 4/ 587 ؛ الرازي، مختار الصحاح، ص 232 .
2- ابن قولويه، كامل الزيارات، ص 151 ؛ المجلسي، البحار، 45 / 86 .
3- النويري، نهاية الإرب، 20 / 407 . ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 164 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 289 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 38 ؛ ابن الصباغ، الفصولالمهمة، 2/ 798 .

إن قتل الحسين (علیه السّلام) داخل بيت الله الحرام ربما لا يأخذ ذلك الصدى الذي حصل بعد استشهاده وأسرته وأصحابه في كربلاء، لاسيما وأن بني أمية

ضربوا الكعبة (1)، وتعدوا على الحرمات في مدينة الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )(2) ولم يتحرك المسلمون، بل ولم تظهر الصرخة التي ظهرت بعد استشهاد الحسين (علیه السّلام) إلى يومنا

هذا.

هذه الصور وغيرها من التضحية والإيثار التي قدمها الإمام الحسين (علیه السّلام) وأنصاره والمتماثلة مع ما ذكره الإمام علي (علیه السّلام) في هذا المجال، جعلت القيام يحقق كثيراً من أهدافه ومبادئه التي غيرت من حال الأمة الإسلامية، وعدلت العديد من الانحرافات داخلها، فضلاً عن تحرير الناس من الخوف والعبودية للبشر وتحريك مبدأ الثورة في نفوسهم ضد الطغاة والظلمة، بعد السبات والنوم العميق الذي كانت تعيشه الأمة الإسلامية، فكان الحسين بقيامه قبس النور في ظلماء سمائهم.

3- حسن العاقبة:

غاية الانسان أن يرزق حسن العاقبة من أجل الوصول إلى جنات الخلد التي أعدها الله سبحانه لعباده المؤمنين، وهذا لا ينال إلا بتوفيق الله عز وجل وعمل دؤوب من الانسان للوصول إلى ذلك، وحتى الكافرون يطمعون برحمته سبحانه، وقد قال بحقهم:

ص: 242


1- ينظر: المسعودي، مروج الذهب، 3/ 71 ؛ ابن الجوزي، المنتظم، 6/ 22 .
2- ينظر: اليعقوبي، التاريخ، 2/ 250 ؛ ابن مسكويه، تجارب الأمم، 2/ 88 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 111 .

«قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ »(1).

وهنا أمر الله تعالى نبيه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أن يقول للكافرين أن ينتهوا عن كفرهم ليغفر لهم ما قد سلف من ذنوبهم إذا ما تابوا توبة خالصة وهذه حسن العاقبة (2).

وقد قال الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ):

(خير الأمور خيرها عاقبة)(3)، وقال الإمام علي(علیه السّلام):

(ان حقيقة السعادة أن يختم للمرء عمله بالسعادة، وإن حقيقة الشقاء أن

يختم للمرء عمله بالشقاء)(4)، فعلى الإنسان أن يعمل من أجل تلك السعادة ونيل مرضاة الله تعالى وأن يتقي الله ويتعظ من الأعمال التي تؤدي إلى دخول النار ويعلن توبته منها.

على وفق هذا الفهم أشار الإمام علي (علیه السّلام) إلى ذلك المعنى بقوله:

(فاتقوا الله تقية من سمع فخشع، واقترف فاعترف، ووجل فعمل، وحاذر فبادر، وأيقن فأحسن، وعبّر فاعتبر، وحُذِر فحذر، وزُجِر فازدجر، وأجاب فأناب، وراجع [رجع] فتاب، واقتدى فاحتذى، ورأى فرأى، فأسرع طالباً، ونجا هارباً، فأفاد ذخيرة، وأطاب سريرة، وعمر معاداً واستظهر زاداً ليوم رحيله)(5).

ليصل الانسان إلى مرضاة الله عز وجل عليه أن يتقي الله تقوى من استجمع

ص: 243


1- الأنفال/ 38 .
2- ينظر: الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، 5/ 120 ؛ مغنية، التفسير الكاشف، 3/ 477 .
3- الصدوق، الأمالي، ص 576 ؛ المجلسي، البحار، 68 / 363 .
4- الصدوق، معاني الأخبار، ص 345 . ينظر: الخصال، ص 5.
5- نهج البلاغة، ص 139 .

جميع هذه الأوصاف، ومنها: تقية من استعد قلبه لسماع الموعظة فخشع عنها لله تعالى، وتقية من اقترف فاعترف أي اكتسب اثماً فندم عليه وتاب إلى الله، وتقية من خاف ربه فالتجأ إلى الأعمال الصالحة لينجو بها، وتقية من حاذر عقاب ربه فبادر إلى طاعته، وتقية من أيقن بالموت ولقاء ربه وتقية من عبر أي رمى بالعبر وذكر بها فاعتبر، وحذر من سخط الله وعقابه فازدجر أي فرجع عن معصيته وتقية من أجاب أي أجاب داعي الله، فأناب أي رجع اليه بسره وامتثل أمره فأقبل وتاب واقتدى، وتقية من راجع عقله وفكر فتاب أي فاستعان به على

شياطينه وقهر نفسه الآمرة بالسوء، وتقية من رأى أي أرى الخلق فأظهرت

بعين بصيرته طريق الله وسبيله وأسرع طالباً لما يسلك له وينتهي اليه ونجا فيها

هاربا من ظلمات جهله وثمراته وتزود بالعمل الصالح ليوم الفزع الأكبر (1).

إذا عمل الإنسان ما ذكره الإمام علي (علیه السّلام) سينال حسن العاقبة جزاء من الله تعالى لعمله الحسن، وهو الأمر الذي تجلى بأبهى صورة في موقف الحر بن يزيد الرياحي من قيام الإمام الحسين (علیه السّلام)، إذ إنه وبعد أن لقي الإمام (علیه السّلام) في الطريق إلى الكوفة وضيق عليه حتى أتى به كربلاء، تغير حاله يوم العاشر من محرم وأعلن توبته وانضم إلى معسكر الإمام الحسين (علیه السّلام)(2)، وقد اتخذ هذا التجلي والانطباق عدة صور وأشكال، من أبرزها:

انطباق ما ذكره الإمام علي (علیه السّلام) بقوله:

ص: 244


1- ينظر: البحراني، شرح نهج البلاغة، 2/ 447 ؛ مغنية، في ظلال نهج البلاغة، 1/ 392 .
2- ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 169 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 325 ؛ ابن مسكويه، تجارب الأمم، 2/ 77 ؛ ابن الجوزي، المنتظم، 5/ 335 ؛ ابن طاووس، اللهوف، ص 62 .

(اتقوا الله تقية من سمع فخشع) أي تقية من استعد قلبه للموعظة، على

موقف الحر، إذ نجده قد سمع الموعظة من الإمام الحسين (علیه السّلام) يوم العاشر، فقد أخذت تلك الموعظة طريقها إلى قلب الحر فخشع ورجع إلى طريق الحق وهو الإمام الحسين (علیه السّلام) وأنصاره لهذا انضم اليهم في معسكر جبهة الحق.

انطباق ما ذكره الإمام علي (علیه السّلام) بقوله، اتقوا الله تقية من اكتسب الذنوب فاعترف بها وتاب إلى الله عنها على موقف الحر فنجده قد أعلن توبته بعدأن اقترف ذنباً كبيراً عندما جعجع (1) بالإمام الحسين (علیه السّلام) إلى كربلاء لذلك ذهب إلى الإمام (علیه السّلام) واعترف بذنبه وقال له: جعلت فداك يا بن رسول الله، انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في هذا المكان، وإني تائب إلى الله مما صنعت، فترى لي من ذلك توبة؟ فقال له الإمام الحسين (علیه السّلام): (نعم يتوب الله عليك)(2).

معنى قول الإمام علي (علیه السّلام) اتقوا الله تقية من أجاب داعي الله وتقية من راجع عقله وفكر فتاب، أيضاً يتناغم معه موقف الحر، فإنه قد أجاب دعوة

الحسين (علیه السّلام) أي راجع عقله وفكر فتاب فقال له أحدهم يوم العاشر بعد ما رأى أمره مضطرباً، إن أمرك لمريب والله ما رأيت منك موقفاً قط مثل هذا ولو قيل

ص: 245


1- جعجع: وهو التضييق على الغريم وإزعاجه، وإلزامه في موضع سوء في أرض صلبة غليظة لا أحد فيها، وهذا ما فعله الحر بن يزيد مع الإمام الحسين (علیه السّلام) عندما أنزله في موضع لا يرعى ولا فيه ماء يعني أزعج الإمام (علیه السّلام) وضيق عليه المكان في أرض جدبة. ينظر: الجوهري، الصحاح، 1196/3 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 8/ 50 ؛ الزبيدي، تاج العروس، 11 / 67 .
2- ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 325 ؛ المفيد، الإرشاد، 2/ 100 ؛ ابن شهر آشوب، المناقب، 3/ 249 ؛ ابن نما، مثير الأحزان، ص 44 ؛ الشامي، الدر النظيم، ص 554 ؛ النويري، نهاية الإرب، 20 / 445 .

لي من أشجع الكوفة ما عدوتك، فقال له الحر: إني والله أخيّر نفسي بين الجنة

والنار فوالله لا أختار على الجنة شيئاً ولو قطعت وحرقت، ثم ضرب فرسه

فلحق بالإمام الحسين (علیه السّلام)(1).

نال حسن العاقبة باستشهاده بين يدي ابن بنت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وبعد استشهاده وقف الإمام الحسين (علیه السّلام) عنده وهو يمسح التراب عن وجهه، ويقول:

(أنت الحر كما سمتك أمك في الدنيا والآخرة)(2)، فأي عاقبة أفضل من تلك التي نالها الحر؟ وهي الشهادة والسعادة في الدنيا والآخرة.

هذا نتيجة سماعه داعي الله وهو الإمام الحسين (علیه السّلام) والاتعاظ بكلامه ومن ثم تهيأ قلبه لتلك الموعظة والاعتبار بسنن الماضين فكانت النتيجة إعلان التوبة والشهادة بين يدي الحسين (علیه السّلام) فأصبح من أصحاب جبهة الحق الذين نالوا من الرفعة عند الله ما لم ينلها غيرهم من الشهداء السعداء، مع قائدهم سيد الشهداء (علیه السّلام).

ص: 246


1- ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 325 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 4/ 64 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 8/ 195 .
2- ابن طاووس، اللهوف، ص 62 . ينظر: ابن أعثم، الفتوح، 5/ 102 ؛ المجلسي، البحار، 45 / 14 .

الخاتمة

بعد الانتهاء من الرسالة هنا جملة نتائج هي:

إن للإمامة آثاراً ومصاديق يمكن الاستدلال عليها بما ظهر من ذلك التوافق

الفكري والعقائدي في طروحات الأئمة .(علیهم السّلام)

الاستدلال الفكري على خطأ التقسيم التقليدي لمناهج الأئمة (علیهم السّلام) في التصدي للتحديات وإثبات وحدتها مع اختلاف الآلية حسب الظروف.

إن ما طرحه الإمام علي (علیه السّلام) (بشكل متناغم مع الثورة الحسينية) يدل على صدقية ونسبة نهج البلاغة وأفكاره لنَفَس ومنهج الإمام (علیه السّلام) وهو دليل آخر في الرد على المشككين فيه.

كان الإعداد النبوي وتربية الإمام علي (علیه السّلام) قد تركا الأثر الممنهج في شخصية الإمام الحسين (علیه السّلام).

أكد هذا التوافق على القصدية والفلسفة في طرح أمور كهذه وهي تمثل أهدافاً

تثقيفية وإعدادية للمجتمعات في بناء نفسها.

دلت الجوانب الفنية واللغوية فيما طرحه الأئمة (علیهم السّلام) على انهم يمثلون أمراء اللغة العربية وساداتها وهم أساس العلوم

ص: 247

ص: 248

قائمة المصادر والمراجع

اشارة

ص: 249

ص: 250

أولاً: المصادر

القرآن الكريم.

ابن الأثير، عز الدين أبو الحسن بن أبي الكرم محمد بن محمد، ت 630 ه- 1232 م.

1. أسد الغابة في معرفة الصحابة، دار الكتب العلمية، (بيروت، د. ت).

2. الكامل في التاريخ، دار صادر، (بيروت، 1966 ).

3. اللباب في تهذيب الأنساب، تح/ د. إحسان عباس، دار صادر، (بيروت، د. ت).

ابن الأثير، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري، ت 606 ه- 1208 م.

4. النهاية في غريب الحديث والأثر، تح/ طاهر الزاوي وآخرين، ط 4، مؤسسة

اسماعيليان، (قم، 1364 ).

الاحسائي، محمد بن علي بن إبراهيم، ت نحو 880 ه- 1477 م.

5. عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، تح/ الحاج آقا مجتبى العراقي، ط 1، سيد الشهداء، (قم، 1403 ه- 1983 م).الإربلي، أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح، ت 693 ه- 1293 م.

6. كشف الغمة في معرفة الأئمة، ط 2، دار الأضواء، (بيروت، 1405 ه- 1985 م).

الأردبيلي، محمد بن علي، ت 1101 ه- 1692 م.

7. جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والإسناد، مكتبة المحمدي، قم، (د. ت).

ص: 251

الاستراباذي، رضي الدين محمد بن الحسن، ت 686 ه.

8 . شرح شافية ابن الحاجب، تح/ محمد نور الحسن وآخرين، دار الكتب العلمية،

(بيروت، 1315 ه).

ابن أعثم الكوفي، أبو محمد أحمد، ت 314 ه- 924 م.

9 . الفتوح، تح/ علي شيري، ط 1، دار الأضواء، (بيروت، 1411 ه).

ابن الأنباري، أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار، ت 328 ه- 940 م.

10. الزاهر في معاني كلمات الناس، تح/ د. يحيى مراد، دار الكتب العلمية، (بيروت، 1424 ه- 2004 م).

ابن بابويه، أبو الحسن علي بن الحسين، ت 329 ه- 941 م.

11.الإمامة والتبصرة من الحيرة، تح ونشر/ مدرسة الإمام المهدي (علیه السّلام)، ط 1، (قم، 1404 ه).

12. فقه الرضا –الفقه المنسوب إلى الإمام الرضا (علیه السّلام)-، تح/ مؤسسة آل البيت (علیهم السّلام) لإحياء التراث، ط 1، المؤتمر العلمي للإمام الرضا (علیه السّلام)، (مشهد المقدسة، 1406 ه).

الباخرزي، علي بن الحسين بن علي بن أبي الطيب، ت 467 ه.

13. دمية القصر وعصرة أهل العصر، تح/ د. محمد التونجي، دار الفكر، (بيروت،

1391 ه- 1971 م).

الباقلاني، أبو بكر محمد بن الطيب، ت 403 ه.

14. تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، تح/ عماد الدين أحمد حيدر، ط 3، مؤسسة

الكتب الثقافية، (بيروت، 1414 ه- 1993 م).

البحراني، الشيخ عبد الله بن نور الله، ت 1130 ه.

15. العوالم، الإمام الحسين (علیه السّلام)، تح ونشر/ مدرسة الإمام المهدي (علیه السّلام)، ط 1، (قم، 1407 ه).

البحراني، ميثم بن علي بن ميثم، ت 679 ه.

ص: 252

16. شرح نهج البلاغة، ط 1، مكتب الإعلام الإسلامي، (قم، 1362 ش).

17. اختيار مصباح السالكين (شرح نهج البلاغة الوسيط)، تح/ محمد هادي الأميني، ط 1، مجموعة البحوث الإسلامية، (مشهد، 1408 ه).

18. شرح مئة كلمة لأمير المؤمنين (علیه السّلام)، تح/ مير جلال الدين الحسيني، مؤسسة النشر الاسلامي، (قم، د. ت).

البحراني، السيد هاشم، ت 1107 ه.

19.مدينة معاجز الأئمة الاثني عشر ودلائل الحجج على البشر، تح/ عز الله المولائي الهمداني، ط 1، مؤسسة المعارف الإسلامية، (قم، 1413 ه).

البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة، ت 256 ه- 870 م.

20. صحيح البخاري، دار الفكر، (بيروت، 1401 ه- 1981 م).

21. التاريخ الكبير، المكتبة الإسلامية، (ديار بكر، د. ت).

22. التاريخ الصغير، تح/ محمود إبراهيم زايد، ط 1، دار الفكر، (بيروت، 1406 ه).

ابن البراج، عبد العزيز الطرابلسي، ت 481 ه- 1088 م.

23.المهذب، تح/ مؤسسة سيد الشهداء العلمية، مؤسسة النشر الإسلامي، (قم، 1406 ه).

ابن البطريق، يحيى بن الحسن الأسدي الحلي، ت 600 ه- 1204 م.

24.عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار، مؤسسة النشر الإسلامي، (قم، 1407 ه).

البغوي، أبو محمد الحسين بن مسعود، ت 510 ه- 1116 م.

25.معالم التنزيل في تفسير القرآن، (تفسير البغوي)، تح/ خالد عبد الرحمن العك، دار المعرفة، (بيروت، د. ت)

البكري، عبد الله بن عبد العزى الأندلسي، 487 ه- 1094 م.

ص: 253

26.معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، تح/ مصطفى السقا، ط 3، المكتبة الحيدرية، (النجف الأشرف، 1385 ه- 1965 م).

البلاذري، احمد بن يحيى، ت 279 ه- 892 م.

27.أنساب الأشراف، تح/ محمد حميد الله، دار المعارف، (مصر، 1959 م).

البلخي، أحمد بن سهل، ت 507 ه.

28.البدء والتاريخ، مكتبة المثنى، (بغداد، 1899 م).

البيهقي، أحمد بن الحسين، ت 458 ه- 1066 م.

29.شعب الإيمان، تح/ أبي هاجر محمد السعيد وبسيوني زغلول، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت، 1410 ه- 1990 م).

30.السنن الكبرى، دار الفكر، (بيروت، د. ت).

البيهقي، علي بن زيد، ت 565 ه.

31. معارج نهج البلاغة، تح/ محمد تقي، ط 1، مكتبة المرعشي، (قم، 1409 ه).

الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة، ت 279 ه- 892 م.

32. سنن الترمذي، تح/ عبد الواهب عبد اللطيف، ط 2، دار الفكر، (بيروت،

1403 ه- 1983 م).

التستري، سهل بن عبد الله، ت 283 ه.

33. تفسير التستري، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت، 1423 ه).

الثعالبي، أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل، ت 429 ه- 1038 م.

34.يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، تح/ د. مفيد محمد قميحة، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت، 1403 ه- 1983 م)

35.فقه اللغة وسر العربية، تح/ د. فائز محمد، ط 2، دار الكتب العربي، (بيروت،

1416 ه- 1996 م).

ص: 254

الثقفي، ابراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال الكوفي، ت 283 ه- 896 م.

36. الغارات، تح/ السيد جلال الدين، (د. م، د. ت).

الجاحظ، أبو عثمان بن عمرو بن بحر، ت 255 ه.

37.البرصان والعرجان والعميان والحولان، تح/ عبد السلام محمد هارون، ط 1، دار

الجبل، (بيروت، 1410 ه- 1990 م).

38. البيان والتبيين، تح/ فوزي مطوري، ط 1، المكتبة التجارية الكبرى، (مصر،

1345 ه- 1926 م).

ابن جبير، زين الدين بن علي بن يوسف، ت ق 7 ه-ق 13 م.

39. نهج الايمان، تح/ السيد أحمد الحسيني، ط 1، مجمع الإمام الهادي (علیه السّلام)، (مشهد، 1408 ه).

الجصاص، أحمد بن علي الرازي، ت 370 ه.

40.أحكام القرآن، تح/ عبد السلام محمد شاهين، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت، 1415 ه- 1995 م).

ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد، ت 597 ه- 1201 م.

41. المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تح/ محمد عبد القادر وآخرين، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت، 1412 ه- 1992 م).

الجوهري، إسماعيل بن حماد، ت 393 ه- 1003 م.

42. الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تح/ أحمد عبد الغفور عطار، ط 1، دار العلمللملايين، (بيروت، 1407 - 1987 م).

ابن حبان، علاء الدين علي بن بلبان الفارسي، ت 354 ه- 965 م.

43. صحيح بن حبان بترتيب ابن بلبان، تح/ شعيب الأرنؤوط، ط 2، مؤسسة

الرسالة، (بيروت، 1414 ه- 1993 م).

ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، ت 852 ه- 1449 م.

ص: 255

44. الإصابة في تمييز الصحابة، تح/ عادل أحمد عبد الموجود وآخرون، ط 1، دار

الكتب العلمية، (بيروت، 1425 ه).

45. تهذيب التهذيب، ط 1، دار الفكر، (بيروت، 1404 ه- 1984 م).

ابن أبي الحديد، عز الدين عبد الحميد بن هبة الله المعتزلي، ت 656 ه- 1257 م.

46.شرح نهج البلاغة، تح/ محمد أبي الفضل إبراهيم، ط 1، دار إحياء الكتب العربية، (د.م، 1378 ه- 1959 م).

الحراني، الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة، ت ق 4ه-ق 10 م.

47. تحف العقول عن آل الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، تح/ علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، (قم، 1404 ه).

ابن حزم، علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي، ت 456 ه- 1064 م.

48.جمهرة أنساب العرب، تح/ لجنة من العلماء، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت، 1403 ه- 1983 م).

الحسين، الإمام يحيى، ت 298 ه.

49. التحفة العسجدية فيما دار من اختلاف بين العدلية والجبرية، أبو أيمن للطباعة، (صنعاء، 1347 ه).

الحلبي، برهان الدين علي بن إبراهيم بن أحمد، ت 1044 ه- 1635 م.

50. السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون، دار المعارف، (بيروت، د. ت).

الحلواني، الحسين بن محمد بن الحسن، ت ق 5ه.

51.نزهة الناظر وتنبيه الخاطر تح ونشر/ مدرسة الإمام المهدي (علیه السّلام)، ط 1، (قم، .1408 ).

الحلي، الحسن بن يوسف المطهر، ت 726 ه.

52. منهاج الكرامة في معرفة الإمامة، تح/ عبد الرحيم مبارك، ط 1، انتشارات

تاسوعاء، (مشهد، 1379 ش).

ص: 256

الحلي، عز الدين أبو محمد الحسن بن سليمان بن محمد، ت ق 9ه-ق 15 م.

53.المحتضر، تح/ سيد علي أشرف، المكتبة الحيدرية، (النجف الأشرف، 1424 ه).

54.مختصر بصائر الدرجات، ط 1، المطبعة الحيدرية، (النجف الأشرف، 1370 ه-

1950 م).

ابن حمدون، محمد بن الحسن بن محمد بن علي، ت 562 ه.

55.التذكرة الحمدونية، تح/ إحسان عباس وآخرين، ط 1، دار صادر، (بيروت،

1996 م).

ابن حنبل، أبو عبد الله، أحمد بن محمد، ت 241 ه- 855 م.

56.مسند أحمد، دار صادر، (بيروت، د. ت).

الخزار القمي، أبو القاسم علي بن محمد بن علي، ت 400 ه.

57.كفاية الاثر في النص على الأئمة الاثني عشر، تح/ السيد عبد اللطيف الحسيني، انتشارات بيدار، (ايران، 1401 ه).

الخصيبي، أبو عبد الله الحسين بن حمدان، ت 334 ه- 944 م.

58.الهداية الكبرى، ط 1، مؤسسة البلاغة، (بيروت، 1411 ه- 1991 م).

الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي، ت 463 ه- 1071 م.

59.تاريخ بغداد، تح/ مصطفى عبد القادر عطا، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت،

1417 ه- 1997 م).

ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، ت 808 ه- 1406 م

60.تاريخ ابن خلدون المسمى كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر، ط 4، دار إحياء

التراث العربي، (بيروت، د. ت).

الخوارزمي، أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي، ت 568 ه.

61. مقتل الحسين (علیه السّلام)، تح/ الشيخ محمد السماوي، ط 1، أنوار الهدى، (قم، 1418 ه).

ص: 257

ابن خياط، أبو عمرو خليفة بن خياط بن أبي هبيرة العصفري، ت 240 ه- 854 م.

62.طبقات خليفة، تح/ سهيل زكار، دار الفكر، (بيروت، 1414 ه- 1993 م).

أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، ت 275 ه.

63.سنن أبي داود، تح/ سعيد محمد اللحام، ط 1، دار الفكر، (بيروت، 1410 ه-

1990 م)

الدمشقي، شمس الدين أبو البركات، محمد بن أحمد، ت 871 ه.

64. جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب (علیه السّلام)، تح/ محمد باقر المحمودي، ط 1، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، (قم، 1415 ه).

الدميري، كمال الدين محمد بن موسى بن عيسى، ت 808 ه- 1405 م.

65. حياة الحيوان الكبرى، ط 2، دار الكتب العلمية، (بيروت، 1424 ه).

الديلمي، أبو محمد الحسن بن محمد، ت ق 8 ه- ق 14 م.

66. إرشاد القلوب، ط 2، انتشارات الشريف الرضي، (قم، 1415 ه).

الدينوري، أبو حنيفة أحمد بن داود، ت 276 ه- 889 م.

67. الأخبار الطوال، تح/ عبد المنعم عامر، ط 1، دار إحياء الكتب العربي، (القاهرة، 1960 ).

الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان، ت 748 ه- 1347 م.

68. سير أعلام النبلاء، تح/ حسين الأسد، ط 9، مؤسسة الرسالة، (بيروت،

1413 ه- 1993 م).

69.تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تح/ عمر عبد السلام تدميري،ط 1، دار الكتب العربي، (بيروت، 1407 ه- 1987 م).

70. العبر في خبر من غبر، تح/ فؤاد السيد، دائرة المطبوعات والنشر، (الكويت،

1961 م)

ص: 258

الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، ت 721 ه.

71. مختار الصحاح، تح/ أحمد شمس الدين، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت،

1415 ه- 1994 م).

الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد، ت 425 ه.

72. المفردات في غريب القرآن، ط 2، دفتر نشر الكتاب، (ايران، 1404 ه).

الراوندي، أبو الحسن سعيد بن هبة الله، ت 573 ه- 1167 م

73.منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تح/ السيد عبد اللطيف آلكوهكمري، مكتبة المرعشي، (قم، 1406 ه).

74. الخرائج والجرائح، تح ونشر: مؤسسة الإمام المهدي (علیه السّلام)، ط 1، (قم، 1409 ه).

75. الدعوات (سلوة الحزين)، تح ونشر: مؤسسة الإمام المهدي (علیه السّلام)، ط 1، (قم، 1409 ه).

الزرندي، جمال الدين محمد بن يوسف بن محمد، ت 750 ه- 1350 م

76. نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين، ط 1، (د. م، 1377 ه- 1958 م).

77. معارج الوصول إلى معرفة آل الرسول، تح/ ماجد بن أحمد العطية، (د. م، د.

ت).

الزمخشري، أبو القاسم محمد بن عمر، ت 538 ه- 1144 م

78. ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، تح/ عبد الأمير مهنا، ط 1، مؤسسة الأعلمي،

(بيروت، 1412 ه- 1992 م).

79. أساس البلاغة، دار ومطابع الشعب، (القاهرة، 1960 م)

80. الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، شركة مكتبة

ومطبعة مصطفى البابلي وآخرون، (مصر، 1385 ه- 1966 م).

الزيلعي، جمال الدين، عبد الله بن يوسف بن محمد بن أيوب بن موسى الحنفي، ت

ص: 259

762 ه- 1360 م

81. تخريج الأحاديث والآثار، تح/ عبد الله بن عبد الرحمن السعد، ط 1، دار ابن

خزيمة، (الرياض، 1414 ه).

ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع الزهري، ت 230 ه- 845 م

82.ترجمة الإمام الحسين (علیه السّلام) ومقتله (من طبقات ابن سعد)، تح/ السيد عبد العزيز الطباطبائي، ط 1، مؤسسة آل البيت (علیهم السّلام) لإحياء التراث، (قم، 1415 ه).

83. الطبقات الكبرى، دار صادر، (بيروت، د. ت).

ابن سلام، أبو عبد القاسم الهروي، ت 224 ه- 839 م

84.غريب الحديث، تح/ محمد عبد المعيد خان، ط 1، دار الكتب العربية، (بيروت،

1384 ه).

السمعاني، أبو المظفر منصور بن محمد، ت 489 ه.

85. تفسير السمعاني، تح/ ياسر بن إبراهيم وآخرون، ط 1، دار الوطن، (الرياض،

1418 ه- 1997 م).

ابن سيدة، أبو الحسن علي بن إسماعيل، ت 458 ه.

86.المخصص، تح/ لجنة إحياء التراث العربي، دار إحياء التراث العربي، (بيروت، د.

ت).

الشافعي، كمال الدين محمد بن طلحة، ت 652 ه.

87. مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، تح/ ماجد أحمد العطية، (د. م.، د. ت).

الشامي، جمال الدين يوسف بن حاتم بن فوز بن مهند، ت 664 ه- 1266 م.88 88. الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم، مؤسسة النشر الإسلامي، (قم، د. ت).

الشريف الرضي، أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى الموسوي، ت 406 ه- 1015 م.

ص: 260

89.تلخيص البيان في مجازات القرآن، تح/ محمد عبد الغني حسن، ط 1، دار إحياء الكتب العربية، (القاهرة، 1374 ه- 1955 م).

90. خصائص الأئمة، تح/ محمد هادي الأميني، مجمع البحوث الإسلامية-

الأستانة الرضوية المقدسة، (مشهد، 1406 ه).

الشريف المرتضى، علي بن الحسين الموسوي، ت 436 ه- 1044 م.

91.الشافي في الإمامة، ط 2، مؤسسة اسماعيليان، (قم، 1410 ه).

92. الانتصار، تح/ مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، مؤسسة البعثة، (قم،

1417 ه).

ابن شهر آشوب، أبو عبد الله محمد بن علي، ت 588 ه- 1192 م

93.مناقب آل أبي طالب، المكتبة الحيدرية، (النجف الأشرف، 1376 ه- 1956 م).

94.متشابه القرآن ومختلفه، شركة سهامي، (د. م، 1328 ه).

الشهيد الأول، محمد بن جمال الدين مكي العاملي الجزيني، ت 786 ه- 1384 م

95.ذكر الشيعة في أحكام الشريعة، تح ونشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السّلام) لإحياء التراث، ط 1، (قم، 1419 ه).

الصالحي، محمد بن يوسف، ت 942 ه.

96. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، تح/ عادل أحمد عبد الموجود وآخرين، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت، 1414 ه- 1993 م).

ابن الصباغ، علي بن محمد بن أحمد المالكي المكي ت 855 ه- 1451 م

97.الفصول المهمة لمعرفة الأئمة، تح/ سامي الغريري، ط 1، دار الحديث، (قم،

1422 ه).

الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بأبويه القمي، ت 381 ه- 991 م

98. الأمالي، نشر: مؤسسة البعثة، ط 1، (قم، 1417 ه).

ص: 261

99.معاني الأخبار، تح/ علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، (قم،

1379 ه).

100. الخصال، تح/ علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، (قم، 1403 ه).

101. علل الشرائع، تح/ السيد محمد صادق بحر العلوم، المكتبة الحيدرية، (النجف الأشرف، 1385 ه- 1966 م).

102. الاعتقاد في دين الإمامية، تح/ عصام عبد السيد، ط 2، دار المفيد، (بيروت، 1414 ه- 1993 م).

103. كمال الدين وتمام النعمة، تح/ علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، (قم، 1405 ).

104. عيون أخبار الرضا، تح/ حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي، (بيروت،

1404 ه- 1984 م).

105. الهداية في الفصول والفروع، تح ونشر: مؤسسة الإمام الهادي (علیه السّلام)، ط 1، (قم، 1418 ه).

ابن طاووس، علي بن موسى بن جعفر بن محمد، ت 664 ه- 1266 م

106. اللهوف في قتلى الطفوف، ط 1، أنوار الهدى، (قم، 1417 ه).

107.إقبال الأعمال، تح/ جواد القيومي الأصفهاني، ط 1، مكتب الإعلام

الإسلامي، (قم، 1414 ه).

108. الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ط 1، الخيام، (قم، 1399 ه).

109.اليقين باختصاص مولانا علي (علیه السّلام) بأمرة المؤمنين، تح/ الأنصاري، ط 1، دار الكتاب، (قم، 1413 ه).

الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي، ت 360 ه- 971 م

110. المعجم الكبير، تح/ عميد عبد المجيد السلفي، دار إحياء التراث العربي،

(بيروت، د. ت).

ص: 262

111. المعجم الأوسط، تح/ قسم التحقيق دار الحرمين، دار الحرمين، (د. م،

1415 ه- 1995 م).

الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن، ت 548 ه- 1135 م

112. تفسير جوامع الجامع، تح ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، (قم،

1418 ه).

113. تفسير مجمع البيان، تح/ لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، ط 1، مؤسسة الأعلمي، (بيروت، 1415 ه- 1995 م).

114.اعلام الورى بأعلام الهدى، تح ونشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السّلام) لإحياء التراث، ط 1، (قم، 1417 ه).

115.الاحتجاج، تح/ السيد محمد باقر الخرسان، دار النعمان، (النجف الأشرف،

د. ت).

الطبري، محب الدين أحمد بن عبد الله، ت 694 ه- 1295 م.

116. ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، مكتبة القدسي، (القاهرة، 1356 ه).

الطبري، محمد بن جرير، ت 310 ه- 923 م

117. تاريخ الرسل والملوك، ط 4، مؤسسة الأعلمي، (بيروت، 1403 ه-

1983 م).

118. المنتخب من كتاب ذيل المذيل من تاريخ الصحابة والتابعين، مؤسسة الأعلمي، (بيروت، د. ت).

119.جامع البيان عن تأويل القرآن، تح/ خليل الميس، دار الفكر، (بيروت،

1415 ه- 1995 م).

الطبري، محمد بن جرير بن رستم الامامي، ت ق 4 ه- ق 10 م

120. المسترشد، تح/ احمد المحمودي، ط 1، مؤسسة الثقافة الإسلامية، (قم،

1415 ه).

ص: 263

الطريحي، فخر الدين، ت 1085 ه- 1676 م

121. مجمع البحرين، تح/ السيد أحمد الحسيني، ط 1، مرتضوي، (طهران،

1362 ش).

الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن، ت 460 ه- 1067 م

122.التبيان في تفسير القرآن، تح/ أحمد حبيب قصير العاملي، ط 1، مكتبة الإعلام الإسلامي، (د. م، 1409 ه).

123. الخلاف، مؤسسة النشر الإسلامي، (قم، 1407 م).

124.الأمالي، تح/ مؤسسة البعثة، ط 1، دار الثقافة، (قم، 1414 م).

125.رجال الطوسي، تح/ جواد القيومي الأصفهاني، ط 1، مؤسسة النشر

الإسلامي، (قم، 1415 ه).

126. اختيار معرفة الرجال، (رجال الكشي)، تح/ مير داماد الاسترابادي وآخرين،

مؤسسة آل البيت (علیهم السّلام) لاحياء التراث، (قم، 1404 ه).

127. مصباح المتهجد، ط 1، مؤسسة فقه الشيعة، (بيروت، 1411 ه- 1991 م).

128. المبسوط في فقه الإمامية، تح، محمد تقي الكشفي، المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية، (طهران، 1387 ه).

ابن طيفور، أبو الفضل بن أبي طاهر، ت 380 ه.

129.بلاغات النساء، مكتبة بصيرتي، (قم، د. ت).

ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله بن محمد، ت 463 ه- 1071 م

130.التمهيد، تح/ مصطفى بن أحمد العلوي وآخرين، وزارة الأوقاف والشؤون

الإسلامية، (المغرب، 1387 ه).

131.الاستيعاب، في معرفة الأصحاب، تح/ علي محمد البجاوي، ط 1، دار الجيل،

(بيروت، 1412 ه- 1992 م).

ابن العديم، كمال الدين عمرو بن أحمد بن جرادة، ت 660 ه- 1262 م

ص: 264

132.بغية الطلب في تاريخ حلب، تح/ سهيل زكار، مؤسسة البلاغ، (بيروت،

1408 ه- 1988 م).

ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله، ت 571 ه- 1175 م

133.ترجمة الإمام الحسين (علیه السّلام) من تاريخ مدينة دمشق، تح/ محمد باقر المحمودي، ط 2، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، (قم، 1414 ه).

134. تاريخ مدينة دمشق، تح/ علي شيري، دار الفكر، (بيروت، 1415 ه).

135. علي (علیه السّلام)، الإمام، ت 40 ه- 660 م

136. نهج البلاغة، ضبط/ صبح الصالح، ط 3، دار الحديث، (ايران، 1426 ه).

ابن العماد الحنبلي، عبد الحي بن أحمد بن محمد، 1089 ه- 1679 م

137. شذرات الذهب في أخبار من ذهب، دار احياء التراث العربي، (بيروت، د.

ت).

ابن عنبة، جمال الدين أحمد بن علي الحسيني، ت 828 ه.

138. عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، تح/ محمد حسن آل الطالقاني، ط 2، المطبعة الحيدرية، (النجف الأشرف، 1380 ه- 1961 م).

العياشي، أبو النظر محمد بن مسعود، 320 ه.

139.تفسير العياشي، تح/ السيد هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلامية، (طهران، د. ت).

الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد بن محمد، ت 505 ه.

140.احياء علوم الدين، دار الكتب العلمية، (بيروت، د. ت).

ابن فارس، أبو الحسن احمد بن فارس بن زكريا، ت 395 ه- 1004 م14 141 معجم مقاييس اللغة، تح/ عبد السلام محمد هارون، مكتبة الإعلام

الإسلامية، (قم، 1404 ه).

ص: 265

الفتال النيسابوري، محمد بن الحسن، ت 508 ه

142.روضة الواعظين، تح/ السيد محمد مهدي وآخرين، منشورات الشريف

الرضي، (قم، د. ت).

أبو الفداء، عماد الدين بن علي بن محمود إسماعيل، ت 732 ه- 1331 م

143. المختصر في أخبار البشر، دار المعرفة، (بيروت، د. ت).

الفراهيدي، الخليل بن أحمد، ت 175 ه- 791 م

144.العين، تح/ د. مهدي المخزومي وآخرين، ط 2، دار الهجرة، (قم، 1409 ه).

أبو الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين، ت 356 ه- 967 م

145. مقاتل الطالبيين، تح/ كاظم المظفر، ط 2، المكتبة الحيدرية، (النجف الأشرف، 1385 ه- 1965 م).

الفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي، ت 817 ه- 1414 م

14 146 القاموس المحيط، (د. م، د. ت).

القاضي النعمان، أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي، ت 363 ه- 974 م

147. شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، تح/ السيد محمد الحسيني الجلالي، مؤسسة النشر الإسلامي، (قم، د. ت).

ابن قتيبة الدينوري، أبي محمد عبد الله بن مسلم، 276 ه- 889 م

148.الإمامة والسياسة، تح/ علي شيري، ط 1، الشريف الرضي، (قم، 1413 ه).

القضاعي، محمد بن سلامة، 454 ه.

149. مسند الشهاب، تح/ حمدي عبد المجيد السلفي، ط 1، مؤسسة الرسالة، (بيروت، 1405 ه- 1985 م).

القلقشندي، احمد بن عبد الله، ت 821 ه- 1418 م

150. مآثر الإنافة في معالم الخلافة، تح/ عبد الستار احمد فرج، وزارة الإرشاد

ص: 266

والبناء، (الكويت، 1964 م).

القمي، علي بن إبراهيم، ت نحو 329 ه.

151.تفسير القمي، تح/ السيد طالب الموسوي الجزائري، ط 3، دار الكتاب، (قم، 1404 ه).

ابن قولويه، جعفر بن محمد، ت 367 ه- 978 م

152.كامل الزيارات، تح/ جواد القيومي، ط 1، مؤسسة نشر الثقافة، (د. م،

1417 ه).

الكاشاني، فتح الله بن شكر الله، ت 988 ه.

153. زبدة التفاسير، تح ونشر: مؤسسة المعارف الإسلامية، ط 1، (قم، 1423 ه).

الكاشاني، محمد حسن، ت 1091 ه.

154. الوافي، تح/ ضياء الدين الحسيني، ط 1، مكتبة الإمام أمير المؤمنين (علیه السّلام) العامة، (أصفهان، 1406 ه).

155.المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، تح/ علي أكبر الغفاري، مهر، (قم، د.

ت).

ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمرو، ت 774 ه- 1373 م

156.البداية والنهاية في التاريخ، تح/ علي شيري، ط 1، دار احياء التراث العربي،

(بيروت، 1408 ه- 1988 م).

الكراجكي، محمد بن علي، ت 449 ه.

157. كنز الفوائد، ط 2، مكتبة المصطفوي، (قم، 1369 ش)

الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق، ت 329 ه- 939 م

158. الكافي، تح/ علي أكبر الغفاري، ط 5، دار الكتب الإسلامية، (طهران، 1363

ش).

ص: 267

الليثي، كافي الدين أبو الحسن علي بن محمد، ت ق 6 ه–ق 12 م

159.عيون الحكم والمواعظ، تح/ الحسيني البيرجندي، ط 1، دار الحديث، (قم،

1376 ش).

ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، ت 273 ه.

160.سنن ابن ماجة، تح/ محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر( بيروت، د. ت).

المازندراني، محمد صالح، ت 1081 ه.

161. شرح أصول الكافي، تح/ الميرزا أبي الحسن الشعراني، ط 1، دار احياء التراث العربي، (بيروت، 1421 ه- 2000 م)

المتقي الهندي، علاء الدين علي، ت 975 ه- 1567 م

162.كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تح/ الشيخ بكري حياني وآخرين،

مؤسسة الرسالة (بيروت، 1409 ه- 1989 م).

المجلسي، محمد باقر، ت 1111 ه- 1699 م

163. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ط 2، مؤسسة الوفاء

(بيروت، 1403 ه- 1983 م).

164. مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، تح/ السيد مرتضى العسكري

وآخرين، ط 2، دار الكتب الإسلامية، (طهران، 1404 ه).

أبو مخنف، لوط بن يحيى الازدي، ت 157 ه.

165. مقتل الحسين (علیه السّلام)، تح/ حسين الغفاري، المطبعة العلمية، (قم، د. ت).

166.مقتل الحسين (علیه السّلام)، ط 1، دار الزهراء، (ايران، 1428 ه).

المدني الشيرازي، صدر الدين السيد علي خان، ت 1120 ه- 1708 م

167.الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، تح/ السيد محمد صادق بحر العلوم،

منشورات مكتبة بصيرتي، (قم، 1397 ش).

ص: 268

168.رياض السالكين، في شرح صحيفة سيد الساجدين (علیه السّلام)، ط 4، مؤسسة النشر الإسلامي، (قم، 1415 ه).

ابن مردويه، احمد بن موسى، ت 410 ه.

169.مناقب علي بن أبي طالب (علیه السّلام)، تح/ عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين، ط 2، دار الحديث، (قم، 1424 ه).

المزي، جمال الدين أبو الحجاج يوسف، ت 742 ه- 1341 م

170. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تح/ بشار عواد معروف، ط 4، مؤسسة

الرسالة، (بيروت، 1406 ه- 1985 م).

المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي، ت 346 ه- 957 م

171. مروج الذهب ومعادن الجوهر، ط 2، دار الهجرة، (قم، 1404 ه- 1984 م).

ابن مسكويه، احمد بن محمد بن يعقوب الرازي، ت 421 ه- 1029 م

172. تجارب الأمم، تح/ أبي القاسم إمامي، ط 2، دار سروش، (طهران، 1422 ه).

مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج، ت 261 ه.

173.صحيح مسلم، دار الفكر، (بيروت، د. ت).

ابن المغازي، أبي الحسن علي بن محمد بن محمد الواسطي، ت 483 ه

174. مناقب علي بن أبي طالب (علیه السّلام)، ط 1، انتشارات سبط النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، (د. م، 1426 ه).

المفيد، محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي ت 413 ه- 1022 م

175.الأمالي، تح/ حسين الاستاد ولي وآخرين، ط 2، دار المفيد، (بيروت،

1414 ه- 1993 م).

176. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، تح/ مؤسسة آل البيت (علیهم السّلام) لتحقيق التراث، ط 2، دار المفيد، (بيروت، 1414 ه- 1993 م).

177.الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين (علیه السّلام)، تح/ مؤسسة البعثة، ط 2، دار المفيد،

ص: 269

(بيروت، 1414 ه- 1993 م).

178.الاختصاص، تح/ علي أكبر الغفاري وآخرين، ط 2، دار المفيد، (بيروت،

1414 ه- 1993 م).

179.لمقنعة، تح ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، ط 2، (قم، 1410 ه).

المقريزي، أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد، ت 845 ه- 1441 م

180.إمتاع الأسماع بما للنبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، تح/ محمد عبد الحميد النميسي، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت، 1420 ه- 1999 م).

المناوي، محمد عبد الرؤوف، 1031 ه- 1621 م

181. فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير، تح/ احمد عبد

السلام، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت، 1415 ه- 1994 م).

ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، ت 711 ه- 1311 م

182.لسان العرب المحيط، أدب الحوزة، (قم، 1405 ه).

المنقري، نصر بن مزاحم، ت 212 ه- 827 م.

183.وقعة صفين، تح/ عبد السلام محمد هارون، ط 2، المؤسسة العربية، (القاهرة، 1382 ه).

الميداني، أبو الفضل أحمد بن محمد النيسابوري، ت 518 ه- 1124 م

184. مجمع الأمثال، المعاونية الثقافية للأستانة الرضوية المقدسة، (إيران، 1366 ش).

النحاس، أبو جعفر احمد بن محمد بن إسماعيل، ت 338 ه.

185. معاني القرآن الكريم، تح/ محمد علي الصابوني، ط 1، جامعة أم القرى،

(المملكة العربية السعودية، 1419 م).

النسائي، أبو عبد الرحمن احمد بن شعيب، ت 303 ه- 915 م

ص: 270

186. سنن النسائي، ط 1، دار الفكر، (بيروت، 1348 ه- 1930 م).

187. فضائل الصحابة، دار الكتب العربية، (بيروت، د. ت).

أبو نصر البخاري، سهل بن عبد الله بن داود بن سليمان بن أيان بن عبد الله، ت ق 4ه.

188. سر السلسلة العلوية، تح/ السيد محمد صادق بحر العلوم، ط 1، انتشارات الشريف الرضي، (د. م، 1413 م).

أبو نصر الكسي، عبد بن حميد، ت 249 ه.

189. منتخب مسند عبد بن حميد، تح/ صبحي البدري السامرائي وآخرين، ط 1، مكتبة النهضة العربية، (بيروت، 1408 ه- 1988 م).

ابن نما الحلي، نجم الدين محمد بن جعفر بن أبي البقاء هبة الله، ت 645 ه.

190.مثير الأحزان، المطبعة الحيدرية، (النجف الأشرف، 1369 ه- 1950 م).

191. ذوب النضار في شرح الثار، تح/ فارس حسون كريم، ط 1، مؤسسة النشر

الإسلامي، (قم، 1416 ه).

النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف، ت 676 ه.

192. رياض الصالحين من حديث سيد المرسلين، ط 2، دار الفكر المعاصر، (بيروت، 1411 ه- 1991 م).

النويري، شهاب الدين احمد بن عبد الوهاب، ت 733 ه- 1333 م

193. نهاية الإرب في فنون الأدب، وزارة الثقافة والإرشاد، (القاهرة، د. ت).

الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان، ت 807 ه- 1405 م

194.موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، تح/ حسين سليم اسد الداراني، ط 1، دار الثقافة العربية، (دمشق، 1411 ه- 1990 م).

195.مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، دار الكتب العلمية، (بيروت، 1408 ه-

1988 م).

ص: 271

الواقدي، محمد بن عمر، ت 207 ه- 823 م

196.المغازي، تح/ د. مارسدن جونس/ نشر دانت إسلامي، (د. ت، 1405 ه).

اليافعي، عبد الله بن اسعد بن علي بن سليمان، ت 768 ه- 1367 م

197. مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، تح/ خليل المنصور، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت، 1417 ه- 1997 م).

ياقوت الحموي، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله، 626 ه- 1229 م

198.معجم البلدان، دار إحياء التراث العربي، (بيروت، 1399 ه- 1979 م).

اليعقوبي، احمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح، ت 292 ه- 904 م

199. تاريخ اليعقوبي، دار صادر، (بيروت، د. ت).

ثانياً: المراجع

الأمين، حسن، ت 1399 ه.

1 . مستدركات أعيان الشيعة، دار التعاون للمطبوعات، (بيروت، 1408 ه-

1987 م).

البحراني، علي، ت 1340 ه.

2 . منار الهدى في النص على إمامة الاثني عشر (علیهم السّلام)، تح/ السيد عبد الزهراء الخطيب، ط 1، دار المنتظر، (بيروت، 1405 ه- 1985 م).

البدري، عادل عبد الرحمن

3 . نزهة النظر في غريب النهج والأثر، ط 1، مؤسسة المعارف الإسلامية، (قم،

1421 ه).

البراقي، حسين بن السيد احمد، ت 1332 ه.

4 . تاريخ الكوفة، تح/ ماجد احمد العطية، ط 1، المكتبة الحيدرية، (النجف الأشرف، 1424 ه).

ص: 272

البروجردي، آقا حسين الطباطبائي، ت 1383 ه

5 . جامع أحاديث الشيعة، المطبعة العلمية، (قم، 1399 ه).

البهبهاني، محمد باقر بن عبد الكريم، ت 1285 ه.

6 . الدمعة الساكبة في أحوال النبي والعترة الطاهرة، مؤسسة الأعلمي، (بيروت، د.ت).

بيضون، لبيب

7 . تصنيف نهج البلاغة، ط 2، مكتب الإعلام الإسلامي، (طهران، 1408 ه).

بيطار، زهير

8 . الإمامة تلك الحقيقة القرآنية، ط 1، دار السيرة، (بيروت، 1422 ه- 2001 م).

جابر، د. حميد سراج

9 . الدبلوماسية وقواعد المواجهة في فكر الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ (، ط 1، تموز، )دمشق، 2012 م).

جرداق، جورج

10. روائع نهج البلاغة، تح/ جورج جرداق، ط 2، مركز الغدير للدراسات

الإسلامية، )د. م، 1407 ه- 1997 م(.

الجعفري، عبد السلام

1111 زينب الكبرى (علیها السّلام) ودورها في النهضة الحسينية، ط 1، دار الغدير، (قم المقدسة، 1432 ه).

الجلالي، محمد رضا الحسيني

12. جهاد الإمام السجاد (علیه السّلام)، ط 1، دار الحديث، (د. م، 1418 م).

الحسن، عبد الله

13. ليلة عاشور في الحديث والأدب، ط 1، (د. م، 1418 م).

الحسيني الشيرازي، محمد، ت 1422 ه.

14.توضيح نهج البلاغة، دار التراث الشيعية، (طهران، د ت).

الحسيني، عبد الزهراء

ص: 273

15. مصادر نهج البلاغة وأسانيده، ط 1، دار الزهراء، (بيروت، 1409 ه-

1988 م).

الخرساني، محمد تقي النقوي القايني

16. مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة، مكتبة المصطفوي، (طهران، د. ت).

الخوئي، مرزا حبيب الله الهاشمي، ت 1324 ه.

17. منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تح/ سيد ابراهيم الميانجي، ط 4، دار

الهجرة، (قم، د. ت).

الرضوي، السيد مرتضى

18. مع رجال الفكر، ط 4، (بيروت، 1418 ه- 1998 م).

الزبيدي، محب الدين أبو فيض السيد محمد مرتضى الحسيني الواسطي، ت 1205 ه- 1891 م

19.تاج العروس من جواهر القاموس، تح/ علي شيري، دار الفكر، (بيروت،

1414 ه- 1994 م).

الزركلي، خير الدين، ت 1410 ه.

20. الأعلام، ط 5، دار العلم للملايين، (بيروت، 1980 م).

السماوي، محمد بن طاهر، ت 1370 ه.

21.إبصار العين في أنصار الحسين (علیه السّلام) تح/ محمد جعفر الطبسي، ط 1، حرس الثورة الإسلامية، (إيران، 1419 ه).

السند، محمد

22.الإمامة الإلهية، ط 1، منشورات الاجتهاد، (قم، 1427 ه- 2006 م).

23.الحداثة العولمة الإرهاب في ميزان الثورة الحسينية، تح/ علي الأسدي، ط 1، باقيات، (قم، 1427 ه- 2006 ).

الشاكري، حسين

24. العقيلة والفواطم، ستارة، (قم، ب. ت).

ص: 274

شمس الدين، محمد مهدي

25. أنصار الحسين (علیه السّلام)، ط 2، الدار الإسلامية، (د. م، 1401 ه- 1981 م).

26.دراسات في نهج البلاغة، ط 2، دار الزهراء، (بيروت، 1392 ه- 1972 م).

الصافي، لطف الله الكبابكاني

27.لمحات في الكتاب والحديث والمذهب، قسم الدراسات الإسلامية، (طهران،

د. ت).

الصدر، السيد محمد

28. أضواء على ثورة الحسين، تح/ الشيخ كاظم العبادي الناصري، (النجف

الأشرف، 1430 ه- 2009 م).

الصغير، جلال الدين.

29.الإمامة ذلك الثابت الإسلامي المقدس، ط 1، دار الأعراف للدراسات،

(بيروت، 1420 ه- 1999 ).

العاملي، جعفر مرتضى

30. مختصر مفيد، أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة، ط 1، المركز الإسلامي

للدراسات، (بيروت، 1423 ه- 2002 م).

31. حقائق هامة حول القرآن الكريم، ط 1، مؤسسة النشر الإسلامي، (قم،

1410 ه).

32.المواسم والمراسم، (قم، 1427 ه).

33.عاشوراء بين الصلح الحسني والكيد السفياني، ط 1، المركز الإسلامي

للدراسات، (بيروت، 1424 ه- 2003 م).

عبده، محمد

34. نهج البلاغة، ط 1، دار الذخائر، (قم، 1412 ه).

علي، جواد

35.المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط 4، دار الساقي، (د. م، 1422 ه-

1988 م).

ص: 275

الغروي، محمد

36. الأمثال والأحكام المستخرجة من نهج البلاغة، ط 2، مؤسسة النشر الإسلامي، (قم، 1415 ه).

القرشي، باقر شريف

37. حياة الإمام الحسين (علیه السّلام)، ط 1، مطبعة الآداب، (النجف الأشرف، 1394 ه- 1974 م).

القمي، الشيخ عباس، ت 1359 ه.

38. الكنى والألقاب، مكتبة الصدر، (طهران، د. ت).

القندوزي، سليمان بن ابراهيم، ت 1294 ه.

39.ينابيع المودة لذوي القربى، تح/ سيد علي جمال أشرف الحسيني، ط 1، دار

الاسوة، (د. م، 1416 ه).

الكوراني، علي

40.قبيلة بني أسد بن خزيمة، تح/ عبد الهادي الربيعي، ط 1، (د. م، 1431 ه-

2010 م)

المدرسي، محمد تقي

41.الصديقة زينب (علیها السّلام) شقيقة الإمام الحسين (علیه السّلام)، ط 1، منشورات البقيع، (طهران، 1416 ه).

مغنية، محمد جواد، 1400 ه.

42. في ظلال نهج البلاغة، ط 1، مطبعة ستار، (د. م، 1427 ه).

43.التفسير الكاشف، ط 3، دار العلم للملايين، (بيروت، 1981 م).

44. نظرات في التصوف والكرامات، المكتبة الأهلية، (بيروت، د. ت).

المقرم، عبد الرزاق الموسوي، ت 1391 ه.

45. موسوعة مقتل الإمام الحسين (علیه السّلام)، ط 1، دار المرتضى، (بيروت، 1429 ه).

المنتظري، الشيخ

ص: 276

46. نظام الحكم في الاسلام، تح/ لجنة من الأبحاث الاسلامية، ط 1، هاشميون، (ايران، 1380 ش)(.

منفرد، علي نظري

47. قصة كربلاء، ط 1، نصايح، (ايران، 1426 ).

المهتدي البحراني، عبد العظيم

من أخلاق الإمام الحسين (علیه السّلام)، ط 1، انتشارات الشريف الرضي، (قم، 1421 ه- 2000 م).

الموسوي، السيد تحسين آل شبيب

48.مرقد الإمام الحسين (علیه السّلام) عبر التاريخ، ط 1، دار الفقه، (قم، 1421 ه).

الميرجهاني، حسن، ت 1388 ه.

49.مصباح البلاغة في مشكاة البلاغة (مستدركات نهج البلاغة)، (د. م،

1388 ه).

الميلاني، علي الحسيني

50.أهل البيت في نهج البلاغة، ط 1، مركز الحقائق الإسلامية، (قم، 1430 ه).

51.نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار، ط 1، مهر، (د. م، 1414 ه).

النمازي، الشيخ علي، ت 1405 ه.

52.مستدركات سفينة البحار، تح/ حسن بن علي النمازي، مؤسسة النشر

الإسلامي، (قم، 1419 ه).

البوهلالة، حسين نعمة إبراهيم

53.موسوعة أنصار الإمام الحسين (علیه السّلام) أنصار الإمام غير الهاشميين، ط 1، انتشارات محبين، (د. م، 1431 ه- 2010 م).

ص: 277

ثالثاً: الرسائل الجامعية:

شلال، فاطمة عبد سعيد

1 . الطلقاء، دراسة في المعنى وإشكالية القراءة التاريخية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة البصرة، كلية التربية للعلوم الإنسانية، 1434 ه- 2014 م.

أبو الهيل، علي رحيم

2 . السياسة الأموية المضادة للإمام علي (علیه السّلام) (دراسة في سياسة السب)، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة البصرة، كلية التربية، 2009 م.

ص: 278

المحتويات

الاهداء ...7

مقدمة المؤسسة ...9

المقدمة...11

التمهيد/ استحقاق الإمامة والمطالبة بالحق ....17

استحقاق الإمامة ....19

المطالبة بالحق ...24

الفصل الأول/ فلسفة القيام ومقدماته وشروطه .....29

المبحث الأول / فلسفة القيام وأهدافه ......31

31أولاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...31

ثانياً: احقاق الحق وطلب الإصلاح ...40

احقاق الحق ...40

طلب الإصلاح ....48

المبحث الثاني / مقدمات القيام وشروطه ...53

أولاً: مقدمات القيام ....53

تولي معاوية الخلافة ...53

توريث الحكم ...59

ثانياً: الشروط ....63

قيام الحجة ......63

عنصر الزمن .....71

الفصل الثاني/ المعادلة التشخيصية لأنصار الحق وأنصار الباطل ....75

المبحث الأول/ تشخيص صفات أنصار جبهة الحق ....77

أولا:ً نكران الذات ....77

ص: 279

ثانياً: الأنس بالموت .. 87

ثالثاً: موقعهم من قلب الإمام (علیه السّلام)...92

المبحث الثاني/ تشخيص صفات أنصار جبهة الباطل .... 109

أولاً: التبعية للشيطان ..... 109

ثانياً: عصيان الله تعالى ..... 118

ثالثاً: الانتساب السلبي ..... 123

رابعاً: الغدر ..... 129

الفصل الثالث/ المرحلية في القيام ... 139

المبحث الأول/ تجذير ثقافة الثورة .... 141

المبحث الثاني/ القاء الحجة بمراسلة الناس ..... 155

المبحث الثالث/ التضحية والدفاع المقدس ... 161

خيار المواجهة ... 161

الإعداد للمواجهة .... 167

الفكر العسكري ..... 186

الفصل الرابع / آثار القيام ودروسه ... 197

المبحث الأول / آثار القيام... 199

الخلود ... 199

النفس الثوري ضد الطغاة والظلمة وفضحهم .... 207

الثواب... 216

الإعداد المستقبلي ... 222

المبحث الثاني/ دروس القيام الأخلاقية والوعظية ... 229

التعاطي مع صفة الغدر ... 229

التضحية والإيثار ... 234

حسن العاقبة ... 242

الخاتمة ... 247

المصادر والمراجع .. 249

ص: 280

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.