الإمام علي في كتاب الطبقات الكبير لابن سعد البصري

اشارة

مصدر الفهرسة : IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم تصنيف : LC BP21 .I26 T3083 2019

المؤلف الشخصي : الديراوي، هادي عبد الزهرة – مؤلف.

العنوان : الامام علي عليه السلام في كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد البصري ت 230 ه- - 844 م : دراسة تحليلية نقدية /

بيان المسؤولية : تأليف هادي عبد الزهرة الديراوي ؛ تقديم السيد نبيل الحسني الكربلائي.

بيانات الطبع : الطبعة الاولى.

بيانات النشر : كربلاء، العراق : العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2019 / 1440 للهجرة.

الوصف المادي : 535 صفحة ؛ 24 سم.

سلسلة النشر : (العتبة الحسينية المقدسة ؛ 656).

سلسلة النشر : (مؤسسة علوم نهج البلاغة ؛ 172).

سلسلة النشر : (الرسائل والاطاريح الجامعية، وحدة العلوم التاريخية ؛ 38).

تبصرة ببليوجرافية : يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 481 - 524).

موضوع شخصي : ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع، 230 - 168 للهجرة – الطبقات الكبرى.

موضوع شخصي : علي بن أبي طالب (عليه السلام) الامام الاول، 23 قبل الهجرة- 40 للهجرة – سيرة.

موضوع شخصي : علي بن أبي طالب (عليه السلام) الامام الاول، 23 قبل الهجرة- 40 للهجرة – فضائل.

مؤلف اضافي : دراسة ل- (عمل) : ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع، 168 - 230 للهجرة -- الطبقات الكبرى.

مؤلف اضافي : الحسني، نبيل، 1384 للهجرة- -- مقدم.

اسم هيئة اضافي : العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق). مؤسسة علوم نهج البلاغة. جهة مصدرة.

عنوان اضافي : الطبقات الكبرى.

________________

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

الامام علي عليه السلام

في كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد البصري

ت 230 ه- - 844 م :

دراسة تحليلية نقدية

ص: 2

سلسلة الرسائل والأطاريح الجامعية

وحدة العلوم التاريخية (38)

الامام علي عليه السلام

في كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد البصري

ت 230 ه- - 844 م :

دراسة تحليلية نقدية

تأليف : هادي عبد الزهرة الديراوي

إصدار

موسسه علوم نهج البلاغة

في العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

العتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1440 ه- - 2019 م

_____________________

العراق - كربلاء المقدسة -مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع الألكتروني: www.inahj.org

الإيميل: Info@Inahj.org

______________________

تنويه:

إن الأفكار والآراء المذكورة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعبر

بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة

تخلي العتبة العتبة الحسينية المقدسة مسؤوليتها عن أي انتهاك لحقوق الملكية الفكرية

ص: 4

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)

صَدَقَ اللَّهُ العَلِيُّ العَظِيمُ

سورة البقرة الآية: 207

ص: 5

ص: 6

الإهداء:

إلى من ملأ الوجود بفيضه

عزًا وبقاء

وأهدى حيارى الخلق سبل الارتقاء

وأينعت بظل كماله لطائف الأنام

وتكاملت علة الإيجاد بنوره الوضاء

أليك يا صاحب الزمان

إهدائي

ص: 7

قائمة الرموز والمختصرات

الصورة

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد للّه على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن والاها، والصلاة والسلام على خیر الخلق أجمعین محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:

فلم يزل كلام أمیر المؤمنین (علیه السلام) منهلًا للعلوم من حيث التأسيس والتبيین، ولم يقتصر الأمر على علوم اللغة العربية أو العلوم الإنسانية فحسب، بل وغیرها من العلوم التي تسیر بها منظومة الحياة وإن تعددت المعطيات الفكرية، إلا أن التأصيل مثلما يجري في القرآن الكريم الذي ما فرط اللّه فيه من شيء بحسب قوله تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾، كذا نجده يجري في قوله تعالى: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾، غاية ما في الأمر أن أهل الاختصاصات في العلوم كافة حينما يوفقون للنظر في نصوص الثقلین يجدون ما تخصصوا فيه حاضرًا وشاهدًا فيها، أي في القرآن الكريم وحديث العترة النبوية (علیهم السلام) فيسارعون وقد أخذهم الشوق لإرشاد العقول إلى تلك السنن، والقوانین، والقواعد، والمفاهيم، والدلالات في القرآن الكريم، والعترة النبوية.

من هنا ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تصدر تلك الدراسات الجامعية

ص: 9

المختصة بعلوم نهج البلاغة وسیرة أمیر المؤمنین الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) وفكره ضمن سلسلة علمية وفكرية موسومة ب (سلسلة الرسائل والأطاريح الجامعية) التي يتم عبرها استقطاب هذه الرسائل والأطاريح من داخل العراق وخارجه وطباعتها ونشرها داخل العراق وخارجه، بغية إيصال هذه العلوم الأكاديمية إلى الباحثین والدارسین وإعانتهم على تبین هذا العطاء الفكري

والانتهال من علوم أمیر المؤمنین علي (علیه السلام) والسیر على هديه وتقديم رؤى علمية جديدة تسهم في إثراء المعرفة وحقولها المتعددة.

وجاءت هذه الدراسة التي تناول فيها الباحث ما ذكره ابن سعد في طبقاته عن أمیر المؤمین (علیه السلام) ودوره في الحياة الإسلامية، إذ يعد كتاب الطبقات من المصادر التاريخية المهمة، وكشف الباحث عبر قراءته هذه عن الحياة الاجتماعية لأمیر المؤمنین (علیه السلام)، ومن ثم الدور العسكري له وما قام به لنصرة الدين الإسلامي، والدور السياسي الذي تمثل بعد وفاة رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وما جرى فيه،وختمها بالدور الفكري والعلمي الذي تركه أمیر المؤمنین (علیه السلام) للأمة بعده.

فجزى اللّه الباحث خير الجزاء فقد بذل جهده وعلى اللّه أجره.

والحمد للّه رب العالمين.

السيد نبيل الحسني الكربلائي

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 10

المقدمة

نطاق الدراسة وعرض أهم مصادرها

الحمد للّه الذي هدانا لهذا وماكنا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه، والحمد للّه الذي أنار لنا طريق الهدى ووفقنا للتمسك بعروة الإسلام الوثقى محمد وآله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، والصلاة والسلام على نبيه نور الأنوار وسيد الأمجاد أبي القاسم محمد (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وعلى آله الشموس الطالعة، والبدور المنیرة، الذين اختارهم اللّه هداة لعباده، أبواب العلم والهدى،لا سيما وصي رسوله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، المؤتمن الذي جعل اللّه محبته وولايته عنوان صحيفة كل مؤمن، أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب (علیه السلام) صاحب المواقف العظيمة في خدمة الإسلام والمسلمین.

أما بعد...

فإن شخصية الإمام علي (علیه السلام) تعد من الشخصيات التي حیرت العقول في معرفة كنهها،فهي الشخصية التي تستلهم منها الأجيال الدروس والعبر . كيف لا يكون كذلك وهو من تربى في كنف رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وحضي برعايته منذ اليوم الأول لولادته الشريفة، إذ لم يكن يفتح عينيه على الحياة حتى كانت الرسالة التي جاء بها رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) موجودة أمام عينيه وفي متناول يديه فأخذ يستلهم معانيها وأهدافها، إلا أن هذا الأمر لم يكن الوحيد في تكوين هذه الشخصية، فقد كان للجانب الإلهي الأثر البالغ في تهيئة شخصيته (علیه السلام)، هذا من جانب، ومن جانب آخر وهو الأهم الاستعداد الموجود في شخصية أمیر المؤمنین (علیه السلام)، فلولا

ص: 11

هذا الاستعداد لما كان لهذه الشخصية الأثر بهذا المستوى، وكان نتيجة هذه الأمر أن قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم): (أنت مني بمنزلة هارون من موسى غیر أنه لا نبي بعدي)(1) وقوله (أنت أخي في الدنيا والآخرة)(2) وهناك أحاديث كثیرة تؤكد هذه المنزلة(3).

فمن المحال على أي كاتب أو باحث عن شخصية الإمام علي (علیه السلام) مهما وصل من الدرجة العلمية والأدبية أن يحيط بجميع جوانبها ولا حتى اكمال جزء منها؛ وذلك لأن الإمام (علیه السلام) شخصية إلهية لم تكن مجرد شخصية عادية بدليل

ص: 12


1- (1) الضحاك ابن أبي عاصم،(287 ه-)، تح: محمد ناصر الدين الالباني، ط 3، المكتب الإسلامي، بیروت، 1993 م، 551 ؛ الحميدي: علي بن محمد(ت 323 ه-)، جزء الحميدي، (تح: أبو طاهر زبير ابن مجدد عليزئي، ط 1، دار الطحاوي، الرياض، (1413 ه-) ، 28 ؛ الطبراني: أبو القاسم سليمان ابن أحمد (ت 360 ه- / 970 م)؛ المعجم الصغیر، (ط 2، دار الكتب العلمية – بیروت، 1986 م)، 22/2 ؛المعجم الكبیر، تح: حمدي عبد المجيد السلفي، ط 2، دار إحياء التراث العربي – بیروت 1413 ه-. 2/ 247 و 24 / 146 - 147 ؛ المعجم الوسيط، تح: قسم التحقيق بدار الحرمین،ط 3، مطبعة دار الحرمین – مكة المكرمة، 1415 ه- / 1995 م)، 5/ 287 و 6/ 77 و 7/ 311.
2- (2) الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة (ت 279 ه-/ 892 م)، سنن الترمذي،تح: وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف، ط 2، دار الفكر، بیروت، 1983 م، 5/ 300 ؛ الحاكم النيسابوري: أبي عبد اللّه محمد بن عبد اللّه (ت 405 ه- 1014 م). المستدرك على الصحيحین، تح: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، ط 1 – بیروت 2002 م، 3/ 14 ؛ ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد اللّه النمري، (ت 463 ه-/ 1072 م)، الدرر في اختصار المغازي والسیر، تح: الدكتور شوقي ضيف، ط 1، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مصر، 1966 ، 90 .
3- (3) الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 148 ؛ الطبري: محمد بن جرير (ت 31 0 ه-/ 922 م)، تاريخ الرسل والملوك، راجعه وصححه وضبطه: نخبه من العلماء الاجلاء، د. ط، منشورات الأعلمي للمطبوعات – بیروت، 1979 م، 2/ 63 ؛ القندوزي: سليمان بن إبراهيم الحنفي (ت 1294 ه- / 1877 م)،ينابيع المودة لذوي القربى، تح: سيد علي جمال اشرف الحسيني، ط 1، دارالأسوة، 1416 ه-، 1/ 374 .

قول النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم): (يا علي ما عرفك إلا اللّه وأنا...)(1)ومن ثم تبقى العقول قاصرة والأقلام حائرة في فهم كنهها، فضلا عن ذلك أنَّه (علیه السلام) عاش في بيئة كثیرة الأحداث والتناقضات.

قد يقود التصور لمن يلاحظ عنوان الرسالة إلى أنها تتناول شخص الإمام (علیه السلام) وإنَّ مباحثها تسیر في هذا الاتجاه، لكن الأمر في حقيقته مختلف عن ذلك التصور؛ لأنَّها تبحث في رؤية ابن سعد للإمام (علیه السلام) وهي رؤية بصرية تضعنا أمام عدد من التساؤلات منها: كيف تعامل ابن سعد (ت 230 ه-/ 844 م) مع الروايات التي تتحدث عن الإمام (علیه السلام)؟ وما مدى الدقة والحرص في نقل تلك الروايات؟ وهل هناك أثر للوضع السياسي وللاتجاهات العقائدية والمذهبية في

نقل تلك الروايات أو التعامل معها؟.

إن ما كتبه التاريخ عن الإمام علي (علیه السلام) يعد كاشفًا عن توجهات المؤرخین وما يدور في خلجاتهم وما تأثیر التوجهات المذهبية والعقائدية في كتاباتهم ولا شك أنَّ تلك الكتابات كثیرة لكن قراءتها لابد أن تنطلق من نقطة الترابط الوثيق بین الإمام (علیه السلام) والعقيدة الإسلامية وفي ذلك الترابط يمكن ملاحظة دقة المؤرخ من عدمه.

إنّ الكتابة في الإمام علي (علیه السلام) لشرف كبیر أجد فيه نفسي في خدمة أهل بيت الرسالة (علیهم السلام)، وهي الأمنية التي أجد في تحقيقها جهدا سيكون إن شاء اللّه صدقة جارية وكما قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ((إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له)(2).

ص: 13


1- (1) الحلي: حسن بن سليمان (ت ق 9)، مختصر بصائر الدراجات، د. تح، ط 1، منشورات المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 13 70 ه- / 1950 م، 125 .
2- (2) الترمذي، سنن الترمذي، 2/ 418 .

ولقد تم اختيار هذا الموضوع بغية تسليط الضوء على رؤية المدرسة البصرية والراوي البصري للإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) عن طريق انتخاب أنموذج لتلك المدرسة التاريخية الا وهو المؤرخ الكبیر محمد بن سعد في كتابه الطبقات الكبرى الذي حققه علي محمد عمر، ونظرًا لأهمية الرسالة فقد أرتاينا أن ندرس حياة الإمام علي (علیه السلام) في الطبقات الكبرى تحت عنوان: (الإمام علي (علیه السلام)في كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد البصري دراسة تحليلية نقدية).

إلا أن هذا لا يعني أن هذه هي الدراسة الوحيدة التي درست في الطبقات فقد سبقتنا دراسات كثیرة في كتاب الطبقات، ولكن اختلفت في عنواناتها وتوجهاتها العلمية فهناك دراسة بعنوان: (دولة الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) واتجاهاتها السياسية والعسكرية في كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد) للطالبة فرات عبد الرضا جواد معلة، واخرى بعنوان تخريج ودراسة الأحاديث والأثار الواردة في الطبقات الكبرى للباحث عبد الرحمن بن عمر جردي المدخلي، وهي في علم الحديث.

ولكن هذه الدراسات بعيدة عن موضوع هذه الرسالة؛ لأنها تناولت رؤية ابن سعد للإمام علي (علیه السلام) وهو ما لم يدرس في هذا الكتاب من قبل لتكون هذه الدراسة مكملة للدراسات السابقة التي كان أمیر المؤمنین (علیه السلام) محورها، لتشكيل رؤية متكاملة عنه في كتب التاريخ وهذه الدراسات هي:

النظم الإدارية والمالية في عهد الإمام علي (علیه السلام) للدكتور علاء كامل صالح العيساوي.

سیرة الإمام علي (علیه السلام) عن طريق مسند أحمد بن حنبل للطالب رزاق فزع جنجر الخفاجي.

الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) دراسة في الفكر العسكري للدكتور شكري

ص: 14

ناصر عبدالحسن المياحي.

تاريخ الرسل والملوك لمحمد بن جرير الطبري مصدرا لدراسة سیرة الإمام علي (علیه السلام) للطالبة ياسمين سالم مطرود.

الإمام علي (علیه السلام) في تفسير القرطبي، للباحثة سارة أحمد عبد الرزاق.

وقد اقتضت طبيعة البحث تقسيمه على فصول أربع تسبقها مقدمة وتمهيد،أوضحنا فيها أهمية البحث والأفكار التي تناولناها وعرضًا سريعًا لأهم مصادر الدراسة ثم التمهيد الذي أوضحنا فيه طبيعة الرواية البصرية وسیرة ابن سعد عن طريق سمات العصر الذي عاش فيه، ونهجه في التعامل مع الروايات الخاصة بالإمام علي (علیه السلام) وموقف علماء الجرح والتعديل من رواياته، ثم أثر التوجهات العقائدية والسياسية في روايته.

وخصصنا الفصل الأول للحياة الاجتماعية للإمام علي (علیه السلام)، وتضمن الفترة الواقعة بن ميلاد الإمام (علیه السلام) إلى هجرته إلى المدينة، فقد تطرقنا إلى ولادته في الكعبة التي لم يشر إليها ابن سعد على الرغم من أن المؤرخین يعدونها من المسلمات، ونشأته ومشاركته في أحداث الدعوة في مكة، وتناولنا فيه الحياة الاسرية للإمام (علیه السلام) عن طريق طبيعة العلاقة بينه وبین زوجاته وأولاده (علیه السلام) .

واختص الفصل الثاني ببيان الدور العسكري للإمام علي (علیه السلام) في أيام رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عن طريق دوره في الحروب والسرايا وآدابه العسكرية.

في حین تناولنا في الفصل الثالث دوره (علیه السلام) السياسي عن طريق موقفه من نظام الحكم للذين سبقوه وخلافته (علیه السلام) وموقفه من معارضيه.

وأخیرا الفصل الرابع الذي درس الدور الفكري الإمام (علیه السلام) والذي أثبتنا

ص: 15

فيه أن شخصية الإمام علي (علیه السلام) من الشخصيات المتميزة في كل الجوانب عن طريق ما اكدته سیرته الحافلة بالعطاء والآثار الخالدة حتى أنّ أهل العلم والفضل أقروا بهذا وقد اعترف بذلك أعداؤه قبل أتباعه فشخصيته وعلمه ومكانته لا يمكن لاحد أن ينكرها أو يتجاهلها.

ثم الخاتمة التي بينا فيها ملخصًا مركزًا لأهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة عن طريق هذه الرسالة.

وفي النهاية وضعنا قائمة المصادر والمراجع التي اعتمدت عليها الدراسة وقد تنوعت مصادر الدراسة وتعددت تبعًا لتنوع مفاصل البحث ومحاوره.

ومن هذه المصادر وعلى رأسها القرآن الكريم وكتب التاريخ والطبقات، والتراجم والسیر والأنساب، وكتب التفسیر والحديث، ومعاجم اللغة وكتب الأدب والمراجع الحديثة، والبحوث والرسائل الجامعية، والخطب والندوات التلفزيونية وغيرها (اللقاءات مثلاً)، فقد تفاوتت في الأهمية بحسب المعلومات التي احتوتها وتنوعت بحسب محتوى كل مبحث أو فصل من فصول هذه الرسالة، وسنقتصر على أهم المصادر التي اعتمدت عليها دراستنا وترتيبها بحسب الأهمية

المصادر المعتمدة:

القرآن الكريم:

فقد كان للقرآن الكريم الدور الأول في أغلب الفصول؛ لأنه خیر دليل على صحة ما نؤمن به بوصفه وثيقة دينية وفقهية وعقائدية وتاريخية لا يأتيه الباطل من بین يديه ولا من خلفه تنزيل العزيز القدير.

ص: 16

كتب الطبقات والتراجم:

تعد من المصادر المهمة؛ لكونها تحتوي على تراجم الصحابة والتابعین وغيرهم، وقد ارتأينا أن نجعل تسلسلها بعد القرآن الكريم؛ لأنّ منها كتاب الطبقات الكبرى لمحمد بن سعد الزهري المتوفى سنة (230 ه- / 844 م) الذي هو عماد دراستنا إذ استقيت منه جل المعلومات وكان التمهيد للتعريف بالطبقات الكبرى ومؤلفها محمد بن سعد، وقد اعتمدت على طبعة مكتبة الخانجي بالقاهرة تحقيق علي محمد عمر؛ لأن هذه الطبعة أوسع من باقي الطبعات وفيها ترجمة الإمام الحسن والحسین (علیهماالسلام)

يحتوي هذا الكتاب على تراجم الصحابة والصحابيات،ثم التابعین بعد أن استعرض السیرة النبوية وعن أعمالهم وأثرهم في المجتمع الإسلامي، ويحتوي على توثيق حال المترجمین فضلا عن كونه كتاب تاريخ، وهو ما تنطق به مادته العلمية. ومن كتب التراجم التي زودتنا بمعلومات قيمة وكاشفة للحقيقة التاريخية كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر (ت 463 ه- / 1070 م)، وكتاب أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثیر (630 ه- / 1232 م)، وكتاب سیر أعلام النبلاء للذهبي (748 ه- / 13 74 م)، وتهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزي (742 ه- / 13 41 م)، والإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني(852 ه-) وغيرها من الكتب أيضا.

كتب التفسير والحديث:

كتب الحديث: فقد كانت فائدتها أكثر في بيان أحقية الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) بالخلافة ومدى قربه من رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم). ومن هذه الكتب: كتاب المسند لأحمد بن حنبل (241 ه-/ 855 م)، وكتاب صحيح البخاري

ص: 17

لمحمد بن اسماعيل البخاري (256 ه-/ 869 م)، وكتاب صحيح مسلم لمسلم بن الحجاج النيسابوري (261 ه-/ 874 م)، وكتاب سنن الترمذي لمحمد بن عيسى الترمذي (279 ه-/ 892 م)، وكتاب السنن الكبرى لاحمد بن شعيب النسائي (303 ه-/ 915 م)، وكتاب الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني (329 ه- / 940 م)، وكتاب المستدرك على الصحيحین لمحمد بن عبداللّه الحاكم النيسابوري( 405 ه-/ 111 4 م)،وغيرها من كتب الحديث.

أما كتب التفسیر فهي الكتب التي عنيت بتفسیر آيات القرآن الكريم التي وردت في الرسالة، لاسيما الآيات التي استعملها ابن سعد حيث يفسرها أحيانا تفسیرا مغايرا للتفسیر الصحيح في غیر مواضعها ومن هذه التفاسیر: جامع البيان في تأويل آي القرآن للطبري (31 0 ه-/ 922 م)، وكتاب تفسیر القمي لعلي بن ابراهيم القمي (329 ه-/ 940 م)، وكتاب تفسیر فرات الكوفي لفرات بن ابراهيم الكوفي

(352 ه-/ 963 م)، وكتاب معالم التنزيل في تفسیر القرآن للبغوي (510 ه-/ 111 6 م)، وكتاب التفسیر الكبیر لفخر الدين الرازي (606 ه-/ 1209 م) وغيرها من التفاسیر التي رفدت الدراسة برؤى وساعدت في تمحيص بعض القراءات.

كتب التاريخ العام:

وهي الغنية بالمعلومات التاريخية، وهي كثیرة ومتنوعة،ومن هذه الكتب: كتاب تاريخ خليفة بن خياط لخليفة بن خياط (ت 240 ه-/ 854 م)، وكتاب تاريخ اليعقوبي لأحمد بن إسحاق بن جعفر اليعقوبي(292 ه- / 895 م)، وكتاب تاريخ الرسل والملوك لمحمد بن جرير الطبري (310 ه- / 922 م)، وكتاب الكامل في التاريخ لابن الأثیر (630 ه-/ 1232 م)، وكتاب البداية والنهاية لابن كثیر (774 ه-/ 13 72 م) وغيرها من الكتب.

ص: 18

المعاجم اللغوية:

كان حضورها منصبا على استخراج معاني المصطلحات التي وردت في الرسالة، وتعد المعاجم اللغوية ذات أهمية كبیرة لايمكن الاستغناء عنها في الدراسات التاريخية؛ لأنها تقدم المعنى اللغوي لكل مفردة غامضة ترد في النصوص التاريخية ومن هذه الكتب كتاب العین للفراهيدي (175 ه-/ 791 م) وكتاب لسان العرب لابن منظور (711 ه-/ 1311م) وكتاب تاج العروس للزبيدي ( 1205 ه-/ 1790 م).

كتب الأدب:

تعد كتب الأدب من الكتب المهمة في مجال البحث التاريخي لما تتضمنه من معلومات قيمة ومهمة، ومن هذه الكتب كتاب العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي (328 ه-/ 939 م)، وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (356 ه-/ 966 م)، وكتاب شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (656 ه-/ 1258 م).

كتب البلدان:

وهي من المصادر المهمة وترفدنا بكل ما يتعلق بالمواقع والمدن الإسلامية المذكورة في المصادر التاريخية التي لايمكن لدارس التاريخ الاستغناء عنها، ومن هذه الكتب: كتاب معجم ما استعجم البكري الأندلسي (487 ه-/ 1094 م) وكتاب معجم البلدان لياقوت الحموي (626 ه-/ 1228 م) وغيرها من الكتب.

كتب الجرح والتعديل:

وهي من الكتب المهمة جدا في التاريخ الإسلامي وخاصة لمن يريد أن يدرس سلسلة السند لمعرفة تعديل وتجريح الراوي وبما أن كتاب الطبقات كتاب

ص: 19

يعنى بترجمة الصحابة والتابعین ونقل الروايات فقد تطلَب منا البحث مناقشة الروايات عن طريق كتب الجرح والتعديل، ومن هذه الكتب كتاب الضعفاء الصغیر للبخاري (256 ه-/ 869 م)، وكتاب الضعفاء والمتروكین للنسائي (303 ه-/ 915 م)،وكتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي (327 ه-/ 938 م) وكتاب المجروحین لابن حبان (354 ه-/ 965) وغيرها من الكتب.

كتب الانساب:

هي من الكتب المهمة لما تحتويه من قيمة علمية وفكرية للتعريف بكثیر من الأشخاص، ومن هذه الكتب كتاب أنساب الأشراف للبلاذري (279 ه-/ 892 م)، وكتاب الأنساب للسمعاني (562 ه-/ 11 66 م).

الكتب والمراجع الحديثة:

حضرت الدراسات والمراجع الحديثة بأنواعها من كتب ورسائل جامعية في هذا البحث، فقد اقتبست الرسالة مجموعة من آراء ووجهات نظر لتعزيز أوجه المقارنة والتحليل بین الروايات التي نقلها لنا ابن سعد الخاصة بسیرة أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب (علیه السلام) وغيرها من الموضوعات التي لها ارتباط وثيق بالإمام علي (علیه السلام). وقد تفاوتت عدد الصفحات بین فصل وآخر تبعًا لتوفر المادة التاريخية في ذلك.

وأخیرا وليس آخرا فإننا لانصف هذه الرسالة بالكمال الا إننا نقول إننا حاولنا تنقية سیرة أمیر المؤمنین (علیه السلام) التي نقلها ابن سعد في كتابه الطبقات الكبرى.

فنرجو أن نكون قد وفقنا لذلك فإن وصلنا إلى الغاية التي سعينا من أجلها فما ذلك إلا بتوفيق من اللّه جل وعلا أولًا وآخرًا، وكان لتوجيهات المشرف الاستاذ

ص: 20

الدكتور جواد كاظم النصر اللّه وإرشاداته الأثر الكبیر في توجيه البحث وتصحيح مساره.

وان لم تكن كذلك فيكفينا في ذلك نيتي وهي خدمة محمد وأهل بيته الكرام، قال تعالى: (رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)(1).

وأتمنى أن أكون قد وفقت برعاية اللّه إلى تحقيق ما كنت أصبو إليه والحمد للّه رب العالمین والصلاة والسلام على رسول الأنام محمد وآله الكرام.

ص: 21


1- (1) سورة البقرة، ايه 286 .

ص: 22

التمهيد

ابن سعد السيرة والمكانة العلمية:

- اسمه ونسبه:

هو أبو عبداللّه محمد بن سعد بن منيع الزهري الكاتب(1). وقد ذكرته المصادر التاريخية ب-(كاتب الواقدي) نسبة إلى شيخه محمد بن عمر الواقدي وكان سبب هذه التسمية هو ملازمة ابن سعد للواقدي وكتب له وأكثر الرواية عنه(2) . واختلف في نسبه فقيل هو مولى لبني هاشم(3) وقيل إنّه زهري الولاء(4) .

ص: 23


1- (1) السمعاني: أبو سعيد عبد الكريم بن محمد (ت 489 ه-)، الأنساب، تح: عبد اللّه عمر البارودي، ط1 ، دار الجنان، بیروت، 1988 ، 5/ 6.
2- (2) ابن حجر العسقلاني: أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد (ت 852 ه- / 448 م)، نزهة الألباب في الألقاب، تح: عبدالعزيز بن محمد بن صالح السديري، ط1 ، مكتبة الراشد، الرياض، 1989 م، 2/ 109.
3- (3) السمعاني، الأنساب، 5/ 6.
4- (4) ابن خلكان: أبو العباس شمس الدين بن محمد بن أبي بكر (ت 68 ه- / 282 م، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تح: احسان عباس، د. ط، مطبعة دار الثقافة – بیروت، (د.ت)، 4/ 351 ؛ الكرباسي: محمد جعفر بن محمد طاهر الخراساني،اكليل المنهج في تحقيق المطلب، تح: السيد جعفر الحسيني الاشكوري، ط ، دار الحديث، قم المقدسة، 1425 ه-، 635.

- ولادته ونشأته:

ولد محمد بن سعد سنة 168 ه- في البصرة(1) التي تعد في ذلك الوقت إحدى المراكز العلمية المهمة لما شهدته البصرة من حركة علمية وفكرية جعلتها بيئة خصبة لاستقطاب طلبة العلم بعد أن انصب اهتمام الخلافة بها خاصة بعد معركة الجمل، فقد أصبحت محلاً لإقامة عدد غیر قليل من الصحابة والتابعین والمحدّثين والمفسّرين والقرّاء أمثال أبي الأسود الدؤلي(2)، ويحيى بن يعمر البصري(3)، ونصر

ص: 24


1- (1) ابن خلكان، وفيات الأعيان، 4/ 352 ؛ الذهبي: أبو عبد اللّه شمس الدين محمد بن أحمد(ت 748 ه- / 13 48 م)، سیر أعلام النبلاء، تح: شعيب الأرنؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي، ط 9، مؤسسة الرسالة – بيروت، 1413 ه- / 1993 م، 10 / 664 .
2- (2) هو ظالم بن عمرو بن سقيان بن عمرو بن حلس، كان شاعرا متشيعا وكان ثقة في حديثه استخلفه ابن عباس على البصرة لما خرج إلى صفین. ينظر: ابن سعد: محمد بن سعد بن منيع الزهري (ت 230 ه-)، الطبقات الكبرى، تح: علي محمد عمر، ط 2، الشركة الدولية للطباعة، القاهرة، 1434 ه- / 2012 م، 9/ 98 .
3- (3) هو أحد رواة أهل البصرة في القرن الأول الهجري، كان يعد من فصحاء أهل زمانه وأكثرهم علماً بالقرآن واللغة مع الفضل والورع، سكن مرو أيام الحجاج بن يوسف الثقفي وكان قاضيا فيها توفي سنة 89 ه- / 707 م. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 9/ 372 ؛ خليفة بن خياط: أبو عمرو خليفة بن هبیرة العصفري (ت 240 ه- / 854 م)، تاريخ خليفة بن خياط، تح: سهيل بن زكار، مطبعة دار الفكر – بیروت، 1414 ه-/ 1993 ، 235 ؛ وكيع: محمد بن خلف بن حيان (ت 306 ه-)، أخبار القضاة، د.تح، ط 1، عالم الكتب، بیروت، د. س، 3/ 305 ؛ ابن حبان: أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي (ت 354 ه- / 965 م)، مشاهير علماء الأمصار، تح: مرزوق علي إبراهيم،ط 1، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع – المنصورة، 1411 ه-.، 203 ؛ ابن العماد الحنبلي: أبو الفلاح عبد الحي العكري الدمشقي (ت 1089 ه-/ 1678 م) شذرات الذهب في أخبار من ذهب، د.تح، دار احياء التراث العربي، بیروت، د.س، 3/ 176 .

ابن عامر، والحسن البصري(1)، والربيع بن حبيب البصري، وحميد الطويل(2)، وشعبة بن الحجاج العنبكي الأزدي(3)، وجويرية بن أسماء بن عتبة البصري(4)، وغيرهم من الولاة والقضاة(5).

وتمثلت بكبار العلماء من التابعین وأتباعهم في علوم الشريعة والعربية والأخبار والأنساب، لأن ولادته كانت في الفترة الواقعة بین 132 ه- إلى 233 ه- وهي سيطرة

ص: 25


1- (1) هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري، كانت أمه مولاة لأم سلمة زوج النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وكان الحسن جامعا عالما فقيها كثیر العلم وكانت له حلقة في البصرة خرج على يده الكثیر من المشاهير، توفي سنة 110 ه-. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 9/ 157 - 158 و 177 ؛ الذهبي: أبو عبد اللّه شمس الدين محمد بن أحمد (ت 748 ه- / 13 48 م)، تذكرة الحفاظ، ط 1، دار إحياء التراث العربي بیروت، د. ت، 1/ 71 - 72 .
2- (2) هو أبو عبيدة بن طرخان الطويل من رواة البصرة، اختلف في تسميتة بالطويل فقيل ليتميز من القصیر، وقيل سمي بالطويل لقصره والعرب تسمي الأشياء بالأضداد، ويذكر أنه أخذ كتب الحسن البصري ونسخها. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 9/ 251 ؛ ابن حبان، مشاهير علماء الأمصار، ص 150 ؛ الذهبي: أبو عبد اللّه شمس الدين محمد بن أحمد (ت 748 ه- / 13 48 م)، تاريخ الإسلام، تح: عمر عبد السلام تدمري، ط 2، دار الكتب العربي – بيروت، 1409 ه- / 1998 م)، 9/ 116 ؛ تذكرة الحفاظ، 1/ 152 ؛ الأحمدي الميانجي، مكاتيب الرسول، ط 1، دار الحديث، 1998 م، 1/ 454 .
3- (3) هو أبو بسطام شعبة بن الحجاج العنبكي الأزدي مولى الأشاقر من الأزد نزيل البصرة ومحدثها، قال عنه الشافعي لولا شعبة لما عرف الحديث في العراق، مات سنة 60 ه-. ينظر: خليفة بن خياط: طبقات خليفة، 382 ؛ الذهبي، تذكرة الحفاظ، 1/ 193 .
4- (4) هو أبو مخارق البصري مولى بني ضبيعة من بكر بن وائل كان ثقة كثیر العلم. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 9/ 281 ؛ ابن خياط، طبقات ابن خياط، ص 384 .
5- (5) ناجي: عبدالجبار،اسهامات مؤرخي البصرة في الكتابة التاريخية حتى القرن الرابع الهجري، ط 1، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1990 م، 45 .

الدولة العباسية على الحكم(1).

وفي هذه البيئة العلمية نشأ ابن سعد، فقد طلب العلم منذ صباه(2) ويؤيد ذلك لقاؤه مع حماد بن زيد المتوفى سنة (179 ه-/ 795 م). ووصف بأنه كثیر العلم والرواية والحديث، كثیر الكتب، وغیره من كتب الغريب والفقه(3)، والخطيب البغدادي(4) وقال عنه ابن حجر(5) بقوله: (احد الحفاظ الكبار والثقات المتحرين)؛ وبذلك يكون ابن سعد بصري الولادة والنشأة لأنه تلقى العلم على شيوخ عصره الذين أفاد منهم.

ولما كان دأب المؤرخین في ذلك الوقت هو الترحال والتجوال لطلب العلم وللوقوف على الحادثة التاريخية فقد كان ابن سعد حاله حال بقية المؤرخین في ذلك، فرحل من البصرة إلى المدن التي كانت تزخر بالعلم والمعرفة، مثل: الكوفة،والمدينة، ومكة، وبغداد التي استقر فيها إلى يوم وفاته(6).

لم يتحدث ابن سعد عن تاريخ رحلاته العلمية إلى تلك المدن ولم يتحدث عن

ص: 26


1- (1) ابن خلكان، وفيات الأعيان، 7/ 244
2- (2) الذهبي، سير أعلام النبلاء، 1/ 164 .
3- (3) الذهبي، تذكرة الحفاظ، 2/ 425 . وينظر: الخطيب البغدادي: أبو بكر أحمد بن علي (ت 463 ه-/ 1070 م)، تاريخ بغداد، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط 1، دار الكتب العلمية – بيروت، 1417 ه- / 1997 م، 2/ 369 .
4- (4) تاريخ بغداد، 2/ 369 .
5- (5) تهذيب التهذيب، 9/ 161 .
6- (6) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 2/ 369 ؛ ابن حجر العسقلاني: أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد (ت 852 ه- / 1448 م)، تقريب التهذيب، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط 2، دار الكتب العلمية – بیروت 1415 ه- / 1995 م، 2/ 79 .

لقاءاته مع علمائها إلا في ما ذكره لنا في ترجمة أبي علقمة الفروي(1) مولى آل عثمان بن عفان إذ قال: إنه لقيه سنة 189 ه- في المدينة(2)، وهذا دليل طلبه العلم خارج مدينته في وقت مبكر من حياته، فقد كان عمره آنذاك إحدى وعشرين سنة.

واذا نظرنا إلى تواريخ وفيات شيوخه من أهل المدينة يتضح لنا بقاؤه في المدينة وعمره إحدى وثلاثون سنة،لأن من شيوخه في المدينة محمد بن إسماعيل بن أبي فديك الذي مات سنة 199 ه-(3) وبذلك تبین أن بقاءه في المدينة لم يكن بالمدة القصیرة.

- عقيدة ابن سعد:

لقد عاصر ابن سعد الخلافة العباسية وعلى وجه الخصوص خلافة المأمون الذي تبنى مذهب الاعتزال وجعله مذهب الدولة الرسمي(4). ومن جملة الأمور التي واجهها ابن سعد هي مسألة خلق القرآن، التي جعل منها المأمون شرطا فيمن يتولى القضاء والشهود، والتدريس إلا من أقر بها(5).

ص: 27


1- (1) هو عبداللّه بن محمد بن عبداللّه ابن فروة المدني مولى آل عثمان بن عفان، كان ثقة قليل الحديث. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 602 ؛ خليفة خياط، طبقات خليفة بن خياط، 482 ؛ ابن أبي حاتم الرازي: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس (ت 327 ه- / 940 م)، الجرح والتعديل،(د. تح)،ط 1، مطبعة مجلس دائرة المعارف، حيدر آباد الدكن – الهند، 1371 ه-/ 1952 م، 5/ 155 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 602 .
3- (3) المصدر نفسه، 7/ 602 .
4- (4) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 7/ 116 .
5- (5) ابن كثیر: أبو الفداء عماد الدين اسماعيل بن عمر (774 ه- / 13 72 م)، البداية والنهاية، تح وتعليق وتدقيق: علي شیري، ط 1، دار احياء التراث العربي – بیروت، 1408 ه- / 1998 م، 10 / 286-284.

فقد كتب المأمون إلى واليه على بغداد إسحاق بن إبراهيم بإحضار سبعة من المحدثین من بينهم محمد بن سعد فاشخصوا إليه في الرقة لكي يمتحنهم في مسألة خلق القرآن فلما حضروا عند المأمون سألهم عن ذلك فأجابوا جميعا أنّ القرآن مخلوق، فأتى بهم إسحاق بن إبراهيم إلى داره فشهد قولهم بحضور الفقهاء والمشايخ من أهل الحديث(1).

نستنتج من هذه الحادثة أن ابن سعد كان يجاري السلطة العباسية التي كانت تعادي العلويین فنراه لم يعترض القول بخلق القرآن على الرغم من أن ذلك كان يخالف ما ذهب إليه علماء السنه من أفكار، وتكفیر من يقول بخلق القرآن(2).

- بعض شيوخ ابن سعد:

اشارة

امتاز العصر العباسي الذي عاش فيه ابن سعد باهتمام أغلب المسلمين وطلاب العلم بأخبار الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وصحابته، وكان ابن سعد من ضمن هؤلاء الذين اهتموا بسیرة رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وصحابته نساءً ورجالًا.

يبدو أن بدايات التدوين لكتابه الطبقات كانت في مدينة البصرة حيث المدينة التي نشأ فيها وترعرع، وفي أثناء رحلته العلمية كان يدون ملاحظاته عن مصنفه الذي جاوز الثمانية أجزاء في طبعاته الأولى وأحد عشر جزءًا بعد تحقيق علي محمد

ص: 28


1- (1) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 7/ 197 ؛ ابن الأثیر: أبو الحسن عز الدين علي بن محمد (ت: 630 ه- / 1232 م)، الكامل في التاريخ، (د. تح)، ط 1، دار صادر بیروت 1386 ه-/ 1966 م، 423/6.
2- (2) ابن حنبل: أبو عبد اللّه أحمد بن محمد الشيباني (ت 241 ه- / 855 م، السنة، تح: محمد بن سعيد بن سالم القحطاني، ط 1، دار الرقيم، الدمام، 1986 ، 1/ 108 - 109 .

عمر(1)، فليس من اليسیر حصر جميع شيوخه لكثرتهم إذ بلغوا المئات(2)، فقد تلقى ابن سعد العلم عن مشايخ عصره في علوم كثیرة وهنا سوف نذكر فقط المشايخ اللذين أخذ عنهم ابن سعد فيما يخص الإمام علي (علیه السلام)، ومن أبرز شيوخه نذكرهم بحسب تاريخ الوفاة.

هشيم بن بشير بن أبي حازم (ت 183 ه-/ 799 م).

هو أبو معاوية هشيم بن بشیر بن أبي حازم الأسلمي الو اسطي مولى لبني سليم، ثبت أنّه يدلس كثیرا؛ فما قال في حديثه أخبرنا فهو حجة، ومالم يقل فيه أخبرنا فليس بشيء، ولد سنة 105 ه-، وكانت وفاته في بغداد سنة 183 ه- في أيام هارون الرشيد(3).

فقد روى ابن سعد عنه ثلاث روايات(4) أكد فيها مدى قرب الإمام من رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، وأنّه هو من تولى دفن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، إلا أنّه لم يوفق في نقل ادعاء المغیرة بن شعبة من أنّه نزل قرب النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم).

إسماعيل بن إبراهيم بن سهم (193 ه-/ 808 م).

ويسمى إسماعيل بن عليه مولى بني أسد، ولد في البصرة سنة 110 ه-، ومات

ص: 29


1- (1) رياض هاشم هادي وآمنة محمد شامل دحام، ابن سعد ومنهجه في الطبقات الكبرى دراسة في السیرة النبوية، بحث منشور في مجلة كليه العلوم الإسلامية، مجلد الثامن 2014 ، العدد 1/ 15 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، مقدمة المحقق، 1/ 18 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 9/ 315 . وينظر: الصفدي: صلاح الدين خليل بن ايبك (ت 764 ه-/1347 م)، الوافي بالوفيات، تح: أحمد الارناؤوط وتركي مصطفى،ط 1، مطبعة دار إحياء التراث العربي- بيروت، 1420 ه- / 2000 م، 27 / 216 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 262 - 263 .

فيها سنة 193 ه-(1).

وقد أخرج ابن سعد عن طريقه ست روايات وكان موفقا في ذلك، وتنوعت بن قول الإمام (علیه السلام) في الحج(2)، وعن إرسال الإمام (علیه السلام) ابنه الإمام الحسن (علیه السلام) للدفاع عن عثمان بن عفان عندما حوصر(3)، وعن خلافة الإمام(4)، وعلم الإمام في القرآن(5)، وشهادة الإمام (علیه السلام)(6)، وأخیرا عن موقف بني أمية من الإمام (علیه السلام)(7) (سياسة السب).

وكيع بن الجراح بن مليح (197 ه-/ 812 م)

هو أبو سفيان وكيع بن الجراح بن مليح بن عدي بن الفرس الكوفي، حج سنة 196 ه- ومات في منطقة فيد(8) سنة 197 ه- في أيام محمد بن هارون(9).

ص: 30


1- (1) ابن قتيبة الدينوري: أبو محمد عبد اللّه بن مسلم (ت 276 ه- / 889 م).، المعارف، تح: ثروت عكاشة، ط 2، دار المعارف – مصر، 1969 م، 384 ؛ ابن حبان، مشاهير علماء الأمصار، 255 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 168 .
3- (3) المصدر نفسه، 3/ 67 .
4- (4) المصدر نفسه، 10 / 446 .
5- (5) المصدر نفسه، 2/ 292 .
6- (6) المصدر نفسه، 2/ 32 .
7- (7) المصدر نفسه، 6/ 409 - 410 .
8- (8) فيد: هي نصف طريق مكة من جهة الكوفة. ينظر، ياقوت الحموي: شهاب الدين أبو عبد اللّه بن عبد اللّه الرومي (ت 626 ه- / 1228 م)، معجم البلدان،ط 2، دار إحياء التراث العربي–بيروت، 13 99 ه- / 1979 م، 2/ 110 .
9- (9) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 517 ؛ البخاري: أبو عبد اللّه محمد بن إسماعيل الجعفي (ت 256 ه-/ 869 م)، التاريخ الكبیر، تح: السيد هاشم الندوي،ط 2، المكتبة الإسلامية ديار بكر تركيا، د. ت، 8/ 179 .

أخرج ابن سعد عن طريقه ست عشرة رواية في أمیر المؤمنین (علیه السلام) تدور حول أسبقيته في الإسلام وأنه أول من صلى(1)، أما عن علاقته بأبي طالب فلم يكن وكيع بن الجراح موفقا في ذلك فقد نقل لنا نصا خالف فيه أخلاق الإمام(علیه السلام) ومبادئه، إذ يصف الإمام أباه بالضال(2).

أما عن زواجه من السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) فقد ذكر طريقة خطبة الإمام ومقدار المهر(3)، وعن مدى قرب الإمام (علیه السلام) من رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، فقد أكد على أن الإمام هو من تولى غسل النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)(4) .

أما عن دور الإمام العسكري فقد أكد على دوره البارز يوم بدر وعن نزول آية بحقه(5)، وعن علاقته بابي بكر فلم يكن موفقا فقد صور على وجود الإمام (علیه السلام) في السقيفة، وأنه راضٍ على تولية أبي بكر الخلافة(6). أمّا عن علاقته بعمر ابن الخطاب فلم يكن أيضا موفقا في ذلك إذ أكد على أن الإمام (علیه السلام) زوج ابنته أم كلثوم من عمر بن الخطاب بل صور طريقة الزواج وكأن الإمام أعطى ابنته هبه لعمر بن الخطاب(7).

وعن شهادة الإمام (علیه السلام) أيضا لم يكن وكيع دقيقا في ذلك حيث نقل نصین

ص: 31


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 19 .
2- (2) المصدر نفسه، 1/ 102 .
3- (3) المصدر نفسه، 10 / 20 - 22 .
4- (4) المصدر نفسه، 2/ 241 و 261 .
5- (5) المصدر نفسه، 3/ 15 .
6- (6) المصدر نفسه، 3/ 167 .
7- (7) المصدر نفسه، 10 / 430 .

الأول: عن وصية الإمام (علیه السلام) إذ صور الإمام بأنه لم يوصِ لأحد من بعده(1)، أما النص الثاني فقد بین فيه صلاة الإمام الحسن (علیه السلام) على أبيه ومكان دفنه، وفترة حكم الإمام (علیه السلام)(2) .

سفيان بن عيينة (198 ه- / 813 م)

هو أبو محمد سفيان بن عيينة مولى لبني عبداللّه بن روبية من بني هلال بن عامر بن صعصعة، ولد سنة 107 ه-، أصله من الكوفة، قال عنه ابن سعد: إنه ثقة(3)، ووثّقه ابن شاهين(4) وأبو حاتم وقال الشافعي في حقه: (لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز)(5)، ولكن بالرغم من توثيق العلماء له إلا أن الذهبي(6) يقول عنه: (كان يدلس ولكن عن الثقات). توفي سنة 198 ه-، ودفن في الحجون(7).

وقد أخرج ابن سعد عن طريقه أربع روايات، تنوعت بن نصيحة الإمام (علیه السلام) للنبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من ابنة حمزة(8)، التي لم يكن دقيقا فيها، وبین مقدار مهر الزهراء (علیه السلام)(9) .

ص: 32


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 32 .
2- (2) المصدر نفسه، 3/ 36 .
3- (3) المصدر نفسه، 8/ 59 .
4- (4) عمر بن شاهين (385 ه- /)،تاريخ أسماء الثقات، تح: صبحي السامرائي،ط 1، دار السلفية – تونس، 1404 ه-، 9.
5- (5) ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل، 1/ 32 .
6- (6) تذكرة الحفاظ، 1/ 264 .
7- (7) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 60 .
8- (8) المصدر نفسه، 3/ 10 ؛ 10 / 153 .
9- (9) المصدر نفسه، 10 / 20 - 21 و 25 .
معن بن عيسى (198 ه-/ 813 م).

هو أبو يحيى معن بن عيسى بن معن بن دينار القزاز الأشجعي من أهل المدينة، كان يعالج القز(1) بالمدينة ويشتري، وله غلمان حاكة، فكان يشتري ويلقي إليهم(2)، ويعد ثقة كثیر الحديث، مات في المدينة في شوال سنة 198 ه-(3).

يزيد بن هارون (206 ه-/ 821 م).

هو أبو خالد يزيد بن هارون بن زاذي السلمي الواسطي، مولى لبني سليم، ولد في واسط سنة 118 ه-، كان ثقة كثیر الحديث مات في واسط سنة 206 ه-(4). وقد أخرج ابن سعد عن طريقه عشر روايات حول أمیر المؤمنین (علیه السلام)، تنوعت في تكفر عبد المطلب بن هاشم(5)، وعن أسبقية إسلام الإمام (علیه السلام)(6)، وعن الحياة الأسرية للإمام(7)، وعن علاقة الإمام (علیه السلام) بالخلفاء(8) من قبله والذي لم

ص: 33


1- (1) هو نوع من البريسم. ينظر: ابن منظور: أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الأفريقي المصري (711 ه- / 1311م)، لسان العرب،ط 1، نشر آداب الحوزة – قم المقدسة، 1405 ه-، 6/ 86 ؛ الفيروز آبادي: مرتضى الحسيني، القاموس المحيط، ط 1، (د. مكا – د. ت)، 2/ 187 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 615 . وينظر: السمعاني، الأنساب، 1/ 165 .
3- (3) البخاري: أبو عبد اللّه محمد بن إسماعيل الجعفي (ت 256 ه- / 869 م)، التاريخ الصغیر، تح: محمود ابراهيم زايد، ط 1، دار المعرفة، بيروت، 1406 ه-، 2/ 259 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 9/ 316 .؛ العجلي: (261 ه-/ 874 م)، معرفة الثقات، د. تح، ط 1، مكتبة الدار، المدينة المنورة، 1405 ه-، 1/ 44 ؛ ابن حبان، مشاهير علماء الأمصار، 281 .
5- (5) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/ 22 .
6- (6) المصدر نفسه، 3/ 20 .
7- (7) المصدر نفسه، 10 / 21 و 26 و 28 .
8- (8) المصدر نفسه، 3/ 124 و 343 و 438 ؛ 8/ 250 .

يكن موفقا في ذلك، وعن دور الإمام الفكري(1).

هشام الكلبي (206 ه- / 821 م).

هو أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب بن بشر بن عمر الكلبي، ولد في الكوفة وتوفي فيها سنة 206 ه-(2)، وكان عالما بالنسب وأحاديث العرب وأيامهم(3)، قال عنه الذهبي: (هو أحد المتروكین ليس بثقة فلهذا لم أدخله بین حفاظ الحديث)(4).

أما رأي علماء الجرح والتعديل فيه فقد انقسموا على قسمين،وسبب هذا الانقسام هو مذهبه الشيعي. فنرى علماء الحديث يضعفونه، فقد قال عنه البخاري(5): (صاحب سمر ونسب)، أما العقيلي(6) فقد ضعفه وقال: ما ظننت أن أحدا يحدث عنه، أما ابن حبان(7) فقد جعله في المجروحین، وقال عنه ابن

ص: 34


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 359 .
2- (2) ابن النديم: محمد بن اسحاق النديم البغدادي. (ت 438 ه- / 1037 م)، الفهرست في أخبار العلماء والمصنفین من القدماء والمحدثین وأسماء كنيهم، تح: رضا، ط 1، (د. ت)، ص 108 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 479 .
4- (4) تذكرة الحفاظ، 1/ 343 .
5- (5) التاريخ الكبیر، 8/ 200 ؛ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل، 9/ 69 ؛ ابن عدي: أبو أحمد بن عبد اللّه الجرجاني (ت 365 ه- / 967 م)، الكامل في ضعفاء الرجال، قراءة وتدقيق، يحيى مختار عزاوي، دار الفكر، ط 3 (بیروت – 1988 م)، 7/ 110 .
6- (6) أبو جعفر محمد بن عمر بن موسى (ت 322 ه-/ 933 م)، ضعفاء العقيلي، (تح: عبد المعطي أمین قلعجي، ط 1، دار المكتبة العلمية، بيروت، 1404 ه-/ 1984 م، 4/ 339 .
7- (7) أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي (ت 354 ه- / 965 م)،المجروحین من المحدثین والضعفاء والمتروكین، تح: إبراهيم زايد ط 1، دار الباز – مكة المكرمة، 3/ 91 .

سعد(1): (في روايته ضعيف جدا).

أما رأي علماء الشيعة فيه فقد قالوا عنه هو العالم المشهور بالعلم والفضل العارف بالأيام، كان مختصًا بمذهبنا(2).

محمد بن عمر الواقدي (207 ه- 822 م).

هو أبو عبداللّه محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولى عبداللّه بن بريدة الاسلمي، ولد في المدينة سنة 130 ه-، وتلقى العلم فيها، ولما كان من عادة أهل زمانه لقاء العلماء والالتقاء بهم رحل إلى بغداد سنة 180 ه-، ثم رحل عنها إلى الشام والرقّة ثم عاد إلى بغداد فولاه المأمون القضاء، فلم يزل قاضيا حتى مات في بغداد في ذي الحجة سنة 207 ه- ودفن في مقابر الخيزران عن عمرٍ ناهز الثمان وسبعين سنة(3).

وكان له من الكتب: كتاب المغازي، أخبار مكة، فتوح الشام، فتوح العراق، الجمل، صفین، الردة والدار، وفاة النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، مولد الإمام الحسن والحسین (علیهماالسلام) مقتل الإمام الحسین (علیه السلام) ضرب الدينار والدرهم، كتاب تاريخ الفقهاء كتاب غلط الحديث، وغيرها(4)4.

ولما كان ابن سعد يعد تلميذ الواقدي الأول وكاتبه فمن غیر المعقول أنه لم

ص: 35


1- (1) الطبقات الكبرى، 8/ 479 .
2- (2) العلامة الحلي: (726 ه-/ 13 25 م)،خلاصة الاقوال، تح: الشيخ جواد القيومي، ط 1، مؤسسة النشر الإسلامي، 1417 ه-، ص 289 ؛ التفرشي: مصطفى بن الحسن الحسيني (ت 1015 ه- / 1606 م)، نقد الرجال، تح ونشر مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، ط 1، مطبعة ستاره – قم المقدسة، 1418 ه-، 5/ 52 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 9/ 336 .
4- (4) ابن النديم، الفهرست،ص 111.

يستفد من هذه المؤلفات والذي يؤيد كلامنا ما نقله الخطيب البغدادي(1) عن محمد بن موسى الذي قال: (إن الذين اجتمعت عندهم كتب الواقدي أربعة أنفس محمد بن سعد الكاتب أولهم).

إلا أن الغريب أن ابن سعد لا يصرح بأسماء هذه الكتب بل كان يذكر فقط الروايات التي نقلها عن الواقدي.

والغريب أيضا أن معظم المؤرخین، مثل: الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد(2)، والمزي في تهذيب الكمال(3) والذهبي في ميزان الاعتدال(4)، وابن حجر في تهذيب التهذيب(5) وغيرهم كثیر قد اجمعوا على تضعيفه، وقالوا: استقر الاجماع على وهن الواقدي، وقال الخطيب البغدادي إن الكذابین المعروفین بالكذب على رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أربعة الواقدي في المدينة...(6). إلا أنهم لم يضعفوا ابن سعد على الرغم من أنه أخذ عن الواقدي النسبة الأكبر من الروايات.

وهو شيخ ابن سعد الأول فقد أخرج ابن سعد عن طريقه 121 رواية، وهذا الأمر ليس بغريب اذا ما نظرا إلى طول فترة ملازمة ابن سعد للواقدي.

ص: 36


1- (1) تاريخ بغداد، 2/ 369 ؛ ابن عساكر: أبو القاسم علي بن الحسن ابن هبة اللّه بن عبد اللّه الشافعي (ت 571 ه- / 1175 م)، تاريخ مدينة دمشق، دراسة وتحقيق: علي شیري، ط 1، دار الفكر – بیروت، 1415 ه- / 1995 م، 53 / 64 ؛ المزي: جمال الدين أبو الحجاج يوسف (ت 742 ه- / 1341 م)، تهذيب الكمال، تحقيق وضبط وتعليق، بشار عواد معروف، ط 4، مؤسسة الرسالة – بيروت، 1406 ه- / 1985 م)، 25 / 256 .
2- (2) 20-3/3 .
3- (3) 256/25 .
4- (4) 666/3 .
5- (5) 326/9 .
6- (6) تاريخ مدينة بغداد، 13/ 169 .

فقد كانت رواياته عن شيخه الواقدي متنوعة فعن إسلام الإمام (علیه السلام)،وصلاته،فقد أكد أن الإمام (علیه السلام) هو أول من أسلم وصى(1)، في حین أنه نقل رواية واحدة لم يكن فيها موفقا أكد فيها كفر أبي طالب(2)، أما عن دور الإمام (علیه السلام) في ليلة الهجرة وما بعدها، فقد أكد مبيته في فراش النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ، وتحمل الإمام (علیه السلام) إرجاع ودائع الناس التي كانت عند رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)(3) هذا بالنسبة للإحداث التي حدثت في مكة، أما ما حدث في المدينة فقد نقل لنا روايتن يتحدثان عن طلب الإمام (علیه السلام) بيت للسيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام)(4) ونقل عن دور الإمام العسكري مع رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عدة روايات، ففي بدر نقل قتل الإمام (علیه السلام) للعاص بن سعيد(5)، أما عن معركة أحد فقد نقل لنا أرجوزة الإمام (علیه السلام) عندما خرج للبحث عن حمزة بن عبد المطلب في أرض المعركة وثبات الإمام (علیه السلام) في المعركة ولم يكن من ضمن الفارين(6)، ونزوله في قبر حمزة (علیه السلام)(7) .

أما عن اعتماد رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على أمیر المؤمنین (علیه السلام) فقد ذكر قصة إرسال النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لأمیر المؤمنین (علیه السلام) ممثلا عنه لمعالجة أخطاء خالد بن الوليد بحق بني خزيمة(8).

ص: 37


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 19 ؛ 4/ 90 .
2- (2) المصدر نفسه، 1/ 101 - 102 .
3- (3) المصدر نفسه، 3/ 20 .
4- (4) المصدر نفسه، 10 / 23 و 159 .
5- (5) المصدر نفسه، 3/ 21 ؛ 5/ 9.
6- (6) المصدر نفسه، 3/ 21 و 472 - 473 .
7- (7) المصدر نفسه، 3/ 9.
8- (8) المصدر نفسه، 5/ 33.

أما في فتح مكة فلم يكن الواقدي موفقا في نقل ما قام به الإمام (علیه السلام) فقد صوره بأنه لا يعلم بوصايا النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، وان الإمام كان متعطشا للدماء(1).

أما عن مدى قرب الإمام (علیه السلام) من رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقد نقل الواقدي أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مات في حجر أمیر المؤمنین (علیه السلام)(2)، وأكد أن الإمام (علیه السلام) هو من غسَّل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)(3)، وقام بدفنه(4)، ودخل إلى قبره(5)، ومنع المغیرة بن شعبة من الدخول إلى قبر النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)(6)، وذكر حزن الإمام (علیه السلام) على رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)(7)، هذا من جانب ومن جانب آخر أكد قضاء الإمام (علیه السلام) لدين رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)(8)(8) المصدر نفسه، 2/ 277 .(9) .

أما فيما يخص الوصية فإن الواقدي روى رواية تشیر إلى نفي الوصية، وذهب إلى ابعد من ذلك حيث روى رواية تصور الإمام (علیه السلام) متخوفا من سؤال النبي(صلی اللّه علیه و آله و سلم) عن من يخلفه، وكأنه لا يعلم، وكذلك صور لنا العباس بن عبد المطلب وكأنه البطل، وان له الدور الأكبر في تشجيع الإمام (علیه السلام) لسؤال النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)(10) .

وعن دور الإمام (علیه السلام) أيام خلافة أبي بكر فقد ذكر الواقدي روايات عن

ص: 38


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 83 - 84 .
2- (2) المصدر نفسه، 2/ 230 - 231 .
3- (3) المصدر نفسه، 2/ 242 - 244 .
4- (4) المصدر نفسه، 2/ 230 .
5- (5) المصدر نفسه، 2/ 262 - 263 .
6- (6) المصدر نفسه، 2/ 264 ؛ 5/ 177 .
7- (7) المصدر نفسه، 2/ 271 .
8-
9-
10- (9) المصدر نفسه، 2/ 216 - 217 و 237 .

إرث النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)(1) إذ نقل لنا تفاصيل مطالبة السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) بحقها من إرث أبيها وموقف أبي بكر الرافض لذلك، وأكد رفض أبي بكر لشهادة الإمام (علیه السلام)، ونقل لنا رواية أكد فيها غضب السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) على أبي بكر(2)، أما فيما يخص الصلاة على السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) فقد نقل لنا نصین متناقضین فمرة يقول: صلى عليها الإمام علي (علیه السلام)(3)، ومرة يقول: صلى عليها أبو بكر(4).

وعن دور الإمام(علیه السلام) أيام خلافة عمر بن الخطاب فقد روى ابن سعد عن الواقدي روايات الشورى(5) التي أظهر فيها الإمام (علیه السلام) محبًا للسلطة، وأفضلية عبد الرحمن بن عوف على أمیر المؤمنین (علیه السلام)، ونقل أيضا روايات تتحدث عن مدى حاجة عمر بن الخطاب إلى استشارته(6)، كذلك نقل أخبار علاقة الإمام (علیه السلام) بعمر بن الخطاب إذ نقل لنا نصین مختلفین الأول: تمني الإمام (علیه السلام) أن تكون صحيفته مثل صحيفة عمر بن الخطاب دون أن يبین ما هذه الصحيفة(7)، والثاني: أظهر الإمام مدافعا عن خالد بن الوليد عندما أراد عمر بن الخطاب عزله(8).

ص: 39


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 273274 .
2- (2) المصدر نفسه، 2/ 273274 .
3- (3) المصدر نفسه، 10 / 29 و 30 .
4- (4) المصدر نفسه، 10 / 29 .
5- (5) المصدر نفسه، 3/ 57 - 58 و 9091 و 341 .
6- (6) المصدر نفسه، 3/ 275 و 286 .
7- (7) المصدر نفسه، 3/ 344 .
8- (8) المصدر نفسه، 5/ 42 - 43 .

أما عن علاقة الإمام (علیه السلام) بعثمان بن عفان، فقد نقل لنا حادثة الشورى(1) التي لم يكن فيها دقيقا إذ قال: إن عليا أول من بايع لعثمان، أما عن حصار عثمان بن عفان(2) فقد ذكر نصین مختلفین الأول: اتهم الإمام (علیه السلام) بقتل عثمان، والآخر هو أداء الإمام لصلاة العيد أيام حصار عثمان، وذكر لنا استشارة عثمان بن عفان للإمام (علیه السلام)(3) .

أما عن خلافة أمیر المؤمنین فقد نقل روايات متنوعة، فعن أخبار بيعة الإمام، وموقفه من معاوية إذ لم يكن دقيقا في ذلك، لأنه نقل رواية أظهر فيها دهاء ابن عباس وحنكته أكثر من الإمام (علیه السلام)؟ في معالجة الموقف مع معاوية(4)، وعن حياته الأسرية فقد تكلم عن زواج الإمام (علیه السلام) من إمامة، وأسماء بنت عميس(5). كذلك ذكر لنا بعض ولاته (علیه السلام)(6)، ونقل خبر صلاة الإمام (علیه السلام) على سهل بن حنيف(7).

وعن حروب الإمام (علیه السلام)، ذكر معركة الجمل إذ نقل مقدمات المعركة والأشخاص اللذين وقفوا ضد الإمام (علیه السلام)، إلا أنه لم يكن موفقا في نقل نصا عن علاقة الإمام علي (علیه السلام) بابنه الإمام الحسن (علیه السلام) قبل المعركة(8).

ص: 40


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 59 .
2- (2) المصدر نفسه، 5/ 107 ؛ 6/ 393 .
3- (3) المصدر نفسه، 7/ 20 .
4- (4) المصدر نفسه، 6/ 337 .
5- (5) المصدر نفسه، 10 / 221 و 270 .
6- (6) المصدر نفسه، 5/ 373375 ؛ 6/ 337 و 349 .
7- (7) المصدر نفسه، 3/ 437 – 438 .
8- (8) المصدر نفسه، 6/ 23 - 26 و 49 و 224 و 366 - 367 ؛ 7/ 38 - 39 .

أما معركة صفین فقد ذكر مكائد ابن العاص، وأحداث التحكيم، وصلاة الإمام (علیه السلام) على عمار بن ياسر، وبعض من شهد معه يوم صفین(1).

وعن معركة النهروان فقد نقل روايات تتحدث عن المحاججة مع الخوارج(2). أما عن دور الإمام (علیه السلام) الفكري فقد ذكر لنا روايات تتحدث عن علم الإمام في الفقه(3).

وأخيرا عن شهادة الإمام (علیه السلام) نقل لنا عمره (علیه السلام) عند وفاته(4).

الفضل بن دكين (219 ه-/ 833 م)

هو أبو نعيم الفضل بن دكین بن حماد بن زهیر مولى لآل طلحة بن عبيد اللّه الملائي القرشي الكوفي (5)، قال عنه العجلي: ثقة ثبت بالحديث(6)، ولد سنة 130 ه-،سمع من الاعمش وغیره من التابعین وكان حافظًا متقنا ثبتا، ذكر مشاهير اتباع التابعین ببغداد(7).

أخرج ابن سعد عن طريقه سبعًا وعشرين رواية حول أمیر المؤمنین (علیه السلام) ،

ص: 41


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 243 و 413 - 414 و 444 - 445 ؛ 5/ 75 و 79 و 299 ؛ 300301/6 و 338 - 339 ؛ 7/ 2123 و 95 .
2- (2) المصدر نفسه، 6/ 399 - 340 .
3- (3) المصدر نفسه، 2/ 289 و 293 و 302 – 303 ؛ 7/ 121 .
4- (4) المصدر نفسه، 3/ 37 .
5- (5) خليفة بن خياط، الطبقات، 293 ؛ البخاري، التاريخ الصغیر، 2/ 311: التاريخ الكبیر، 7/ 118 ؛ العجلي، معرفة الثقات، 1/ 40 ؛ ابن أبي حاتم، الجرح والتعديل، 7/ 61 .
6- (6) معرفة الثقات، 2/ 205 .
7- (7) ابن حبان، مشاهير علماء الأمصار، 275 .

وفي أغلبها تدور حول علم الإمام (علیه السلام)(1) فقد تنوعت رواياته بین الصلاة والصوم، والوضوء، والقضاء، التي لم يكن الفضل بن دكین موفقا في نقل بعضها فقد كانت تخالف منهج الإمام الفقهي، وبعضها نقلها عن أناس مجهولین،

أما بقيت الروايات فهي أحاديث رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)(2) في موضوعات متفرقة

مثل قول رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بحق السيدة فاطمة الزهراء، الذي حاول عن طريقها أن يفسر سبب بكاء السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) تفسیرا غیر دقيق محاولة منه

لإسدال الستار على ما جرى عليها بعد وفاة النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)(3)، وعن زواج الإمام(علیه السلام) من السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام)(4)، ونقل أيضا أخبارًا عن علاقة الإمام علي (علیه السلام) بعمر بن الخطاب(5)، إذ نقل نصین مختلفین في الألفاظ والسند إلا أنهما يعطيان المعنى نفسه وهو تمني الإمام (علیه السلام) أن تكون صحيفته مثل صحيفة عمر ابن الخطاب.

ورواياته عن معركة الجمل وصفین(6) والتي حاول عن طريقها إظهار الإمام (علیه السلام) يوم الجمل وهو يترحم على طلحة بن عبد اللّه بحضور ابنه ويستشهد له بقوله تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)(7) إلا أنه في رواية أخرى ينقل وصية الإمام (علیه السلام) لأصحابه (لا تجهزوا على جريح ولا

ص: 42


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 293 و 303 ، 8/ 250 و 354 و 359 و 360 و 361 .
2- (2) المصدر نفسه، 3/ 22 ، 7/ 93 .
3- (3) المصدر نفسه، 2/ 217 - 218 .
4- (4) المصدر نفسه، 10 / 20 .
5- (5) المصدر نفسه، 3/ 344 .
6- (6) المصدر نفسه، 3/ 98 و 103 و 205 و 206 و 238 ، 6/ 294 ، 7/ 94 - 95 ، 8/ 207 و 211 و 283 .
7- (7) سورة الحجر، الآية 47 .

تتبعوا مدبرا...)(1).

أما عن رواياته التي نقلها عن معركة صفین فقد كان موفقا في نقلها إلا في واحدة، التي كانت تتحدث عن مفارقة جرير لمعاوية فقد أظهر عن طريقها أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أرسل جريرًا إلى اليمن، فهل أرسل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) جرير إلى اليمن؟. كذلك نقل لنا الفضل بن دكین روايات تتحدث عن استشهاد الإمام (علیه السلام)(2).

وأخيرا نقول: إن الفضل بن دكين لم يكن دقيقا في نقل الروايات.

المدائني (224 ه-/ 838 م).

هو أبو الحسن علي بن محمد بن عبداللّه بن أبي سيف المدائني الإخباري مولى عبد الرحمن بن سمرة الفراتي، كان عالما بالفتوح والمغازي، ولد في البصرة سنة 132 ه- ونشأ فيها(3)، سكن المدائن ثم انتقل عنها إلى بغداد فلم يزل فيها إلى وفاته(4).

سمع عن قرة بن خالد وهو أكبر شيخ له، وشعبة، وجويرية بن أسماء، وعوانه بن الحكم، وابن أبي ذئب ومبارك بن فضاله.

الازرقي (ت 250 ه-/ 864 م).

هو أبو الوليد محمد بن عبد اللّه بن أحمد الازرقي الغساني المكي وهو من

ص: 43


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 94 - 95 .
2- (2) المصدر نفسه، 3/ 31- 32 و 33 و 36 .
3- (3) الذهبي، سير أعلام النبلاء، 10 / 401 .
4- (4) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 12 / 54 .

أفراد البخاري(1). سمع داود بن عبدالرحمن وابن عيينه وابراهيم بن سعد توفي سنة 245 ه-(2).

- تلامذته:

اشارة

على الرغم من السنوات الطويلة التي قضاها ابن سعد في الدرس والتجوال في الأمصار إلا أن كتب التراجم ذكرت لنا عددا قليلا من تلامذته ولا نجد تفسیرا لذلك سوى ما ذكره ابن حجر(3) من أن ابن سعد لم يكن يجلس للإقراء والتحديث كما فعل علماء ذلك الزمان.

وفيما يأتي بعض تلامذته:

أبو جعفر النحوي أحمد بن عبيد بن ناصح البغدادي المعروف بابي عصيدة

(4):

قال عنه ابن حجر(5): روى أبو داود في السنن عن أحمد بن عبيد عن محمد بن سعد كلاما فقيل هو هذا، وأورد الذهبي عنه في ترجمة الأصمعي حديثا منكرا،وقال أحمد بن عبيد ليس يعمده. ويعد النحوي من علماء الكوفة الذين أخذوا عن ابن سعد وكانت له مؤلفات، منها: المقصور والممدود، وكتاب عيون الأخبار والأشعار، وكان مؤدب المعتز والمنتصر ابني المتوكل العباسي(6).

ص: 44


1- (1) ابن حبان، الثقات، 8/ 7؛ العيني: محمد بن أحمد (ت 855 ه- / 1451 م)، عمدة القارئ،ط 1، دار إحياء التراث العربي – بیروت، د. ت، 10 / 219 .
2- (2) البخاري، التاريخ الكبير، 2/ 3.
3- (3) تهذيب التهذيب، 9/ 182 .
4- (4) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 4/ 358 .
5- (5) العسقلاني: أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد (ت 852 ه- / 1448 م)تهذيب التهذيب، ط 1، دار الفكر – بيروت، 1404 ه- / 1984 م، 1/ 52 .
6- (6) الصفدي، الوافي بالوفيات، 4/ 165 .

أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري الإخباري النسابة المعروف وكان شاعرا راويا(1)، وقد أفاد البلاذري من مؤلفات ابن سعد، فهي من مصادره في فتوح البلدان وانساب الإشراف.

أبو بكر بن أبي الدنيا عبداللّه بن محمد بن عبيد القرشي الاموي مولاهم البغدادي

(2):

كان من رواة كتاب الطبقات الكبرى وعن طريقه أفاد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (3)وعن طريقه أخذ ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق(4)، توفي سنة 281 ه-.

أبو محمد الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي

(5)

روى الطبقات الكبرى عن ابن سعد ومن طريقه استفاد الطبري في تاريخه وهو صاحب المسند المشهور باسمه، توفي سنة 282 ه-(6).

أبو علي الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن فهم بن محرز البغدادي

(7)

هو من رواة كتاب الطبقات لابن سعد، وكانت له إضافات على هذا

ص: 45


1- (1) ابن النديم، الفهرست،ص 125 .
2- (2) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 10 / 89 ؛ الذهبي سير أعلام النبلاء، 13/ 397 .
3- (3) العمري: أكرم ضياء، موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، ط 2، دار طيبة، الرياض، 1985 م،ص 389 .
4- (4) الدعجاني: طلال بن سعود،موارد ابن عساكر في تاريخ دمشق، ط 1، دار المدينة المنورة – المدينة المنورة، 1405 ه-/ 2004 م، 3/ 1639 .
5- (5) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 10 / 89 ؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، 13/ 397 .
6- (6) الذهبي، سير أعلام النبلاء، 13/ 388 - 390 .
7- (7) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 8/ 92 ؛ سير أعلام النبلاء، 13/ 427 .

الكتاب، منها: ترجمة شيخه ابن سعد(1)، توفي سنة 289 ه-، ودفن في بغداد في باب البردان(2).

أبو القاسم البغوي:

عبداللّه بن محمد بن عبد العزير بن المرزبان بن سابور بن شاهنشاه بن بنت أحمد بن منيع توفي سنة 317 ه- ودفن في مقرة باب التبن(3).

- مؤلفات ابن سعد:

الطبقات الكبرى

(4)

وتطلق عليه بعض المصادر اسم الطبقات الكبرى(5) طبع في ليدن في تسعة أجزاء مع الفهارس ثم أُعيد طبعه في بیروت بإشراف الدكتور احسان عباس، وهي

ص: 46


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 9/ 368 .
2- (2) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 8/ 93 .
3- (3) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 10 / 110 - 115 . وينظر: الذهبي، سیر أعلام النبلاء، 14 /456-440.
4- (4) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 5/ 321 ؛ النووي: أبى زكريا محي الدين بن شرف (ت 676 ه- / 1277 م)، تهذيب الأسماء واللغات، ط 1، عنيت بنشره وتصحيحه والتعليق عليه ومقابلة أصوله: شركة العلماء بمساعدة إدارة الطباعة المنيرية، القاهرة، 1999 م، 1/ 6؛ ابن خلكان، وفيات الأعيان، 4/ 351 .
5- (5) المديني: علي (234 ه-)، سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة، تح: موفق بن عبد اللّه بن عبد القادر، ط 1، مكتبة المعارف، الرياض، 1404 ه-/ 1984 م، ص 40 ؛ الدار قطني: أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي (ت 385 ه- / 995 م)،سؤلات حمزة، تح: موفق بن عبد اللّه بن عبد القادر، ط 1، مكتبة المعارف، 1404 ه-/ 1984 م، ص 69 ؛ الخطيب البغدادي: أبو بكر أحمد بن علي (ت 463 ه- / 1070 م)، الكفاية في علم الرواية، تح: أحمد عمر هاشم، ط 1، دار الكتاب العربي، بیروت، 1985 م، ص 7؛ الذهبي، تذكرة الحفاظ، 2/ 425 .

نسخة من الطبعة الأوربية، وتسمى طبعة صادر سنة 1957 م، ثم طبعة دار الكتب العلمية في بیروت سنة 1990 م،هي نسخة مستنسخة من طبعة دار صادر، وأخرى كانت بتحقيق محمد عبدالقادر عطا(1). والطبعة التي نحن بصددها طبعة الخانجي التي حققها علي محمد عمر بطلب من محمد نجيب الخانجي سنة 1976 م، وكانت بأحد عشر جزءًا وكان الأول والثاني مخصصًا للسیرة النبوية والجزء العاشر كان خاصًا بالنساء. وقد اعتمدت نسخة الخانجي دون غيرها لشمولها عددًا أكبر من التراجم مقارنة بالنسخ السابقة لاسيما ورود ترجمة الإمام الحسن والحسین (علیهماالسلام) .

الطبقات الصغير

ورد هذا الكتاب عند ابن النديم(2) وابن خلكان(3) والمزي(4) والذهبي(5)، ولم يتضح هل أن الكتاب قد ألف قبل الطبقات الكبرى ثم توسع وأضاف إليه في الطبقات الكبرى، أم أنّه ألّف الطبقات الكبرى أولا ثم اختصره، هذا وتوجد نسخة منه في متحف الآثار بإستنبول تعود إلى القرن السادس الهجري(6).

ص: 47


1- (1) ابن سعد،الطبقات الكبرى، مقدمة المحقق، 1/ 35 .
2- (2) الفهرست،ص 112 .
3- (3) وفيات الأعيان. 4/ 351 .
4- (4) تهذيب الكمال، 7/ 386 و 15 / 408 و 28 / 209 .
5- (5) سير أعلام النبلاء، 10 / 664 .
6- (6) سزكين: فؤاد،تاريخ التراث العربي، ترجمة: محمود فهمي حجازي، وسعد عبد الرحيم، ادارة الثقافة والنشر بالجامعة، 1411 ه- / 1991 م، 2/ 114 .
كتاب التاريخ

ذكره بهذا الاسم الذهبي (1)،اليافعي(2)، والكتاني(3).

كتاب الحيل ذكره ابن النديم

(4).

الزخرف القصري، ذكره الذهبي

(5).

القصيدة الحلوانية في افتخار القحطانيين على العدنانيين

تنسب إليه وعليها شرح وتوضيح. توجد في القاهرة(6).

وعلى الرغم من وجود هذه المؤلفات إلا أنه لم يشتهر إلا بكتابه الطبقات الكبرى؛ لوجود معلومات كثیرة عن الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدينية وغيرها جعلته يكتسب الشهرة والأهمية، أو ربما كون هذا الكتاب قد أثار جوانب عقدية وسیرة الإمام (علیه السلام) منها، ولذلك فإن طبيعة المجتمع الإسلامي يركز على الأبعاد العقدية ويعطيها أهمية أكبر من غيرها.

ص: 48


1- (1) الذهبي: أبو عبد اللّه شمس الدين محمد بن أحمد (ت 748 ه- / 1348 م)، العبر في خبر من غبر، تح: فؤاد سيد، التراث العربي سلسلة تصدرها دائرة المطبوعات والنشر – الكويت، 1961 م، 1/ 407 .
2- (2) عبداللّه بن اسعد اليمني المكي (768 ه-)، مرآة الجنان وعبرة اليقظان، تح: خليل منصور، ط 1، منشورات محمد علي بيضون / دار الكتب العلمية، بیروت، 1997 م، 2/ 76 .
3- (3) الإمام السيد محمد بن جعفر،الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة، تح: محمد المنتظر بن محمد الزمزمي، ط 5، دار البشائر الإسلامية، 1414 ه- / 1991 م،ص 139 .
4- (4) الفهرست،ص 112 .
5- (5) تذكرة الحفاظ، 1/ 72 ، وينظر: البغدادي: إسماعيل باشا (ت 1339 ه-)، إيضاح المكنون،تح: محمد شرف الدين يالتقايا ورفعت بيلكه الكليسي، ط 1، دار احياء التراث العربي، بیروت، 1/ 613 ؛ هدية العارفین، (د. تح)، ط 1، دار احياء التراث العربي، بیروت، 2/ 11؛ كحالة: عمر رضا،معجم المؤلفین، ط 1، دار أحياء التراث العربي، بیروت، 1957 ، 10 / 21 .
6- (6) سزكين، تاريخ التراث العربي، 2/ 113.
منهج ابن سعد في دراسة سيرة الإمام علي(علیه السلام)

من المعروف أن كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد يعد من أقدم كتب الطبقات وأهمها، ويظهر أن اطلاعه على ما كتب قبله مكّنه من جمع هذا الكم الهائل من الروايات عن أحداث القرن الأول الهجري، التي رتبها على شكل طبقات، وقد توزعت الروايات التي جمعها عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) في أجزاء كتابه، فمع أنه خصص ترجمة عن الإمام علي (علیه السلام) حاول فيها الإلمام بجوانب من سیرته من الولادة حتى الوفاة، إلا أنه لم يقتصر على هذه الترجمة، بل وجدنا الروايات الخاصة بسیرة الإمام متناثرة في أجزاء كتابه، لا سيما الجزء الأول الخاص بالسیرة النبوية، لأنه لا يمكن ان نمر بسیرة النبي الأكرم (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من دون أن يكون لعلي(علیه السلام) ذكر فيها وهو ملازمه والذي يوكد ذلك نشأته (علیه السلام) في حجر النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ، فقد تناول ما يخصه عبر مراحل الدعوة الإسلامية، سواء في مكة حيث دخوله الإسلام، وموقفه ليلة الهجرة، أم في المدينة كما في هجرته إلى المدينة، ودوره في الدعوة الإسلامية ولاسيما مشاركته الواضحة في الحروب التي خاضها النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، فضلا عن ذلك نجد جوانبًا من سیرته توزعت حین ترجم ابن سعد لزوجاته ولاسيما السيدة فاطمة (علیهاالسلام)، وأولاده خاصة ولديه الحسن والحسین (علیه السلام)، وما جاء في تراجم الكثیر من الصحابة من الروايات التي تخص سرته الشريفة.

أما ما يخص موقفه من سیرة الإمام علي (علیه السلام)، فقد يتصور القارئ لأول وهلة حيادية ابن سعد وموضوعيته في ما يذكره من روايات، لكن المتأمل في تلك الروايات سيجد أن ابن سعد لم يكن موضوعيًا في طرحه لروايات سیرة الإمام علي (علیه السلام)، فأحيانا يتجاهل بعض فضائل الإمام (علیه السلام) كولادته في الكعبة التي عدها المسعودي الشافعي من المسلمات، وعدها الحاكم النيسابوري من الروايات

ص: 49

المتواترة، وأحيانا ينسب فضائل الإمام إلى غیره، كحديث سد الأبواب، بقوله (لا يبقین في المسجد باب إلا باب أبي بكر)(1) في حین أن هناك مصادر أخرى(2) ذكرت أن اللّه أوحى إلى نبيه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن يسد جميع الأبواب إلا بابه وباب علي (علیه السلام) .

وأحيانا يقلل من شأنها، كموقفه في تبوك، فإنه ذهب بعيدا عن الواقع التاريخي؛ فكان مصرًا على استخلاف رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، لشخص غیر الإمام علي (علیه السلام) بقوله: (استخلف رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على المدينة محمد بن مسلمة وهو أثبت عندنا ممن قال استخلف غیره)(3) إلا انه لم يوضح لنا سبب تبنيه هذا الرأي.

أو تفسیره لبعض آيات القرآن الكريم تفسیرا مغايرا، كتفسیره لحديث الغدير، فانه صّور لنا أن الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لم يكن مهتما بنظام الحكم؛ إذ إنه لم يوصِ بمن يخلفه، كما أنه اغفل هذا الحدث المهم وهو غدير خم فقد خالفه جملة من المفسرين(4) في

ص: 50


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 201 .
2- (2) الترمذي، سنن الترمذي، 2/ 301 ؛ ابن المغازلي: أبي الحسن علي بن محمد بن محمد الواسطي الشافعي (ت 483 ه- /)، مناقب علي بن أبي طالب ((علیه السلام) ،ط 1، سبحانقم، 1426 ه-/ 1384 ش، ص 206 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 151 .
4- (4) القمي: أبو الحسن علي بن ابرهيم (من اعلام القرن 4ه-)، تفسیر القمي، تصحيح طيب الموسوي، منشورات مكتبة الهدى – النجف الأشرف، 1387 ه-، 1/ 171 ؛الكوفي: فرات بن إبراهيم (ت 352 ه-)، تفسیر فرات الكوفي، تح: محمد الكاظم،ط 1، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي – طهران، 1410 ه-/ 1990 م،ص 130 ؛المفيد: أبو عبد اللّه محمد بن النعمان العكبري البغدادي (ت 413 ه-/ 1022 م)،تفسیر القرآن المجيد،تح: السيد محمد علي ايازي، ط 1، مؤسسة بوستان كتاب، قم، 1424 ه-، ص 184 ؛ الثعلبي (ت: 427 ه-)، الكشف والبيان عن تفسیر القرآن، تح: الإمام أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق نظر الساعدي، ط 1، دار احياء التراث العربي، بیروت، 2002 م، ص 92 ؛ الحاكم الحسكاني: عبيد اللّه أحمد الحنفي النيسابوري (من أعلام القرن الخامس الهجري/ القرن الحادي عشر الميلادي)، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، تح: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط 1، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامية – قم المقدسة، 1411 ه-/ 1990 م، / 249 ؛الطبرسي: أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل (ت 548 ه-/1135 م)، تفسیر جوامع الجامع، تح: مؤسسة النشر الإسلامية، ط 1، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي – قم المشرفة، 1418 ه-، 1/ 517 .

قوله تعالى: (وَاللّه يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(1) فقد نقل لنا رواية عن عائشة قالت: (كان النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يحرس حتى نزلت هذه الآية واللّه يعصمك من الناس)(2).

إما ما يخص حياة الإمام (علیه السلام) الأسرية وعلاقته الزوجية فانه صورها على أنها عائلة يشوبها الخلاف، بقوله: (كان في علي على فاطمة شدة، فقالت: واللّه لأشكونّك إلى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)...)(3) وكان يصر على ذلك بدليل أنه لم ينقل لنا أي رواية أخرى تقول خلاف ذلك الأمر.

أما عن علاقة الإمام علي (علیه السلام) بأولاده ولاسيما ابنه الأكبر الإمام الحسن(علیه السلام) فقد صورها لنا بانها غیر منسجمة بل كان الإمام الحسن (علیه السلام) يعترض على أبيه، فمثلا عندما وصل الإمام إلى الربذة لما كان متوجها إلى البصرة لحرب أهل الجمل اعرض عليه الإمام الحسن (علیه السلام) بقوله: (إني كنت أشرت عليك بالمقام وأنا أشیر به عليك الآن ان للعرب جولة ولو قد رجعت إليها عوازب أحلامها قد ضربوا إليك آباط الإبل حتى يستخرجوك ولو كنت في مثل حجر الضب. فقال علي: أتراني لا أبا لك كنت منتظرا الضبع اللدم)(4)، وهناك أمثلة كثیرة تعرضنا لها في دراستنا هذه.

اما فيما يخص منهجه في نقل الروايات العسكرية الخاصة بالإمام علي (علیه السلام)

ص: 51


1- (1) سورة المائدة، اية 67 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 144 .
3- (3) المصدر نفسه، 10 / 26 .
4- (4) المصدر نفسه، 6/ 366 .

فالمتأمل لتلك الروايات سيجد أن ابن سعد لم يكن موضوعيا في طرحه فقد كان يقلل من أفعال الإمام علي (علیه السلام) العسكرية ففي بدر نقل لنا أن عدد من قتل من المشركین كان سبعين رجلا لكنه لم يذكر لنا من قتل هؤلاء السبعين(1)،

وفي أحد ففي قضية حمل الألوية أراد أن يقلل من هذه المنقبة عن طريق إشراك أسماء آخرين في ذلك بقوله (وقيل إلى مصعب بن عمیر)(2) وهنا يناقض ابن سعد نفسه ففي موضع أخر قال: (أن علي بن أبي طالب كان صاحب لواء رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يوم بدر وفي كل مشهد)(3). أما عن الذين ثبتوا في المعركة فانه أيضا أشرك أشخاصًا آخرين معه قد فروا من المعركة(4).

وفي حنین صور ابن سعد بأن تغيیر المعادلة في المعركة من الخسارة إلى النصر هو صوت العباس بن عبد المطلب(5) دون التطرق لما قام به الإمام (علیه السلام) من قتل حامل لواء ثقيف عثمان بن عبداللّه،وهناك أمثلة كثیرة تناولناها في ثنايا هذه الرسالة.

ص: 52


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 16 - 17 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 35 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 21 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 44 .
5- (5) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 80 .

الفصل الأول : الحياة الاجتماعية للإمام علي (علیه السلام)

اشارة

المبحث الأول: الإمام علي (علیه السلام) من الميلاد حتى الهجرة.

المبحث الثاني: الحياة الأسرية للإمام علي (علیه السلام

ص: 53

ص: 54

المبحث الأول : الإمام علي (علیه السلام) من الميلاد حتى الهجرة

أولا: نسب الإمام (علیه السلام) ونشأته:

اشارة

هو أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي(1) الهاشمي القرشي، يجتمع هو ورسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في جدهما عبد المطلب،فقد كان عبداللّه والد النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، وأبو طالب (علیه السلام) والد الإمام علي (علیه السلام) أخوين لأب وأم إذ كانت أمهما فاطمة بنت عمرو بن عايذ المخزومي القرشي، فأبوه هو

أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم، وأمه هي فاطمة بنت أسد بن (هاشم)(2) أي إن والدي الإمام هاشمّيان.

يعد نسب الإمام علي (علیه السلام) من أطهر الأنساب؛ فقد روي عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) انه قال:(( ان اللّه تبارك وتعالى لما احب ان يخلقني خلقتي نطفة بيضاء فأودعهما صلب آدم فلم يزل ينقلها من صلب طاهر إلى رحم طاهر إلى نوح وابراهيم (علیهم السلام) ، ثم كذلك إلى عبدالمطلب لم يصبني من دنس الجاهلية، شيء ثم

ص: 55


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 17 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 17 و 10 / 51 و 211 ؛ ابن الدمشقي: محمد بن أحمد الدمشقي الباعوني الشافعي (ت 87 ه-)، جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب(علیه السلام)، تح: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط1 ، دانش، قم، 1415 ه-.2/ 117.

افترقت النطفة شطرين إلى عبداللّه وابي طالب فولدني أبي عبداللّه وولد عمي أبو طالب عليا (علیه السلام)))(1) .

وقد ارتبط أمیر المؤمنین بسلالة طيبة وبتاريخ كبیر فقد كان لجده (علیه السلام) قصي بن كلاب تاريخ معروف وحافل بالأحداث، فكان اسمه عند ولادته زيدا، وقيل: إن أمه فاطمة هي من سَمته زيدا، ولكن أغلب الروايات التي تتحدث عن قصي بن كلاب تذكره بقصي، ولم نر رواية واحدة تذكره زيدا.

وكان سبب تسمية قصي هو انه عندما توفي كلاب بن مرة قدم ربيعة بن حرام إلى مكة وتزوج من فاطمة بنت سعد فأخذها معه إلى دياره،فحملت فاطمه قصيا لصغره، وكان في ذلك الوقت فطيما فسمي قصي لتقصيها به إلى الشام(2)، ومعنى قصي البعيد(3)

إلا أنّ أغلب المؤرخین أكدوا أن اسم قصي كان منذ البداية، فقال مصعب الزبیري: ولد كلاب بن مرة قصيا ولم يقل زيدا. كذلك أكد هذا الأمر ابن حزم،

ص: 56


1- (1) الطوسي: أبو جعفر محمد بن الحسن(ت 460 ه- / 1067 م)، الأمالي، تح: قسم الدراسات الإسلامية، ط 1، دار الثقافة – قم المقدسة، 1414 ه-. ص 499 ؛ ابن مردوية: أبو بكر أحمد بن موسى الاصفهاني (ت 410 ه-)، مناقب علي بن أبي طالب، جمع، عبد الرزاق حرز الدين، ط 2، دار الحديث، قم 1424 ه-، ص 286 ؛ الخوارزمي، المناقب، ص 145 - 146 ؛ الاربلي: أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح (ت 693 ه-/ 1292 م)، كشف الغمة في معرفة الأئمة، ط 2، دار الأضواء بیروت، 1985 م، 1/ 301 ؛ الزرندي:شمس الدين محمد بن يوسف الحنفي (ت 750 ه- / 1349 م)، معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول، تح: ماجد بن أحمد العطية،ط 1، (د.مكا)، ص 33؛ نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين، ط 1، دار التعارف – بیروت،1377 ه- / 1958 م، ص 79 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 48 .
3- (3) ابن منظور، لسان العرب، 15 / 183 .

بقوله: قصي بن كلاب، ولم يقل زيد بن كلاب(1).

أما عن نشأة قي فقال ابن سعد: (ولما شَب قصي في حجر ربيعة ناضله رجل من عذرة فنضله قصي فغضب المنضول فوقع بينهما شر حتى تقاولا وتنازعا فقال رقيع الا تلحق ببلدك وقومك؟ فإنك لست منا فرجع قصي إلى أمه فقال: من أبي؟ فقالت: ابوك ربيعة، قال: لو كنت ابنه ما نفيت! قالت: اوقد قال هذا؟ فواللّه ما أحسن الجوار، ولا حفظ الحق، انت واللّه يا بني أكرم منه نفسا ووالدا ونسبا، واشرف منزلا. ابوك كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة القرشي، وقومك بمكة عند البيت الحرام فما حوله،قال فو اللّه لا أقيم ههنا أبدا قالت: فاقم حتى يجيء إبان الحج فتخرج في حاج العرب فاني اخشى عليك ان يصيبك بعض الناس فأقام فلما حضر بعثته مع قوم قضاعة... فلما فرغ من الحج عالجه القضاعيون على الخروج معهم والرجوع إلى بلادهم فأبى وأقام بمكة)(2). إن هذه الرواية تشیر إلى أن قصيًا قد تربى ونشأ في بني عذرة أي خارج مكة وبالتحديد في الشام، وتصور الرواية ان أم قصي قد اخفت عن ولدها أباه الحقيقي فنقول لماذا؟ هل لقصور في نسبه؟ فهو ابن سيد قومه يفتخر به ومن علية القوم(3).

ثم إن الرواية غیر مسندة إذ رواها محمد بن عمر عن غیر واحد من علماء المدينة ولم يذكر لنا واحدا من هؤلاء العلماء، ثم إن الرواية قد رواها ابن سعد

ص: 57


1- (1) ابن حزم الاندلسي: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم(ت 456 ه- / 1064 م).جمهرة أنساب العرب، تح: لجنة من العلماء، ط 1، دار الكتب العلمية – بیروت (1403 ه- / 1983 م). ص 12 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 48 - 49 .
3- (3) فليح: أحمد فرج، قصي بن كلاب دراسة في سیرته الشخصية،رسالة ماجستير غیر منشورة جامعة البصرة، كلية التربية، 2012 ، ص 3132 .

عن ابن الكلبي ولم نعثر عليها في مؤلفات ابن الكلبي. فقد أريد من هذه الرواية ان يقال: إن قصيًا قد نشأ خارج مكة عند بني عذرة مثلما قيل عن الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إنه نشأ في البادية، وقد استطاع أحد الباحثین من نفي هذه الحادثة جملة وتفصيا(1). وقيل عن عبد المطلب انه تربى عند أخواله بني النجار في حین أنه تربى في مكة ولم يخرج منها.

كما إن هناك دليلًا على أن قصيًا قد تربى في مكة مع قومه عندما قال:

أنا ابن العاصمین بني لؤي***بمكة منزلي وبها ربيت(2)

هذا وقد تزوج قصي من حبي بنت حليل بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمي الخزاعية(3) وهي المرأة الوحيدة التي تزوجها قصي، وولد لقصي أولاد كثیرون هم عبد الدار، وعبد مناف، وعبد العزى، ومن البنات تخمر وبرة(4) وكان قصي بن كلاب قد أصاب ملكا أطاع له به قومه فكان شريف أهل مكة لا ينازع فيها فابتنى

ص: 58


1- (1) النصر اللّه، نشأة النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في بني سعد، بحث منشور، مجلة دراسات تاريخية، العدد 9، أيلول 2010 م، ص 128 .
2- (2) ابن هشام: أبو محمد عبد الملك بن هشام الحمري (ت 218 ه- / 833 م)، السیرة النبوية، تحقيق وضبط وتعليق: محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة المدني – القاهرة، مكتبة محمد علي صبح وأولاده مصر، 1963 م، 1/ 83 ؛ الازرقي: محمد بن عبد اللّه (ت 224 ه- / 859 م)،اخبار مكة وما جاء منها من الاثار، تح: رشدي الصالح ملحس، ط 1، مطبعة أمیر – قم المقدسة، 1411 ه- / 1369 ش، 1/ 107 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 49 ؛ ابن الكلبي: أبو المنذر هشام بن محمد السائب ت (204 ه-/ 819 م)، جمهرة النسب، تح: ناجي حسن، د. ط، عالم الكتب للطباعة والنشر، بیروت، 2004 م. 13/1 ؛ البلاذري: أحمد بن يحيى بن جابر (ت 279 ه- / 1094 م)، أنساب الأشراف، حققه وقدم له: سهيل زكار ورياض زركلي، ط 1، دار الفكر – بیروت، 1417 ه- / 1996 م. 1/ 52
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 51 .

(دار الندوة)(1)، وجعل بابها إلى البيت الحرام، ففيها كان يكون أمر قريش كله، مثل: النكاح أو الحرب أو المشورة فيما ينوبهم، حتى إذا بلغت الجارية أن تدرع(2) فما يشق درعها الا فيها ثم ينطلق بها إلى اهلها ولا يعقدون لواء حرب لهم ولا من قوم غيرهم الا في دار الندوة فكان قصي هو الذي يقوم بذلك ولا يعذر لهم غلام إلافي دار الندوة، ولا يخرج عیر من قريش فيرحلون إلا منها، ولا يقدمون الا نزلوا فيها تشريفا له وتيَمنا برأيه ومعرفة بفضله وكانت إليه الحجابة(3) والسقاية(4) والرفادة(5) واللواء(6) والندوة

ص: 59


1- (1) وهي الدار التي بناها قصي بن كلاب بجانب الكعبة وكانت له رئاستها ففيها كان يقضي أمور قريش كلها حتى وفاته فاتخذها الملأ دار المشورة يتنافسون فيها في الأمور الهامة التي تخص المجتمع المكي فلا يعقد زواج أو يختن طفل إلا فيها ولا يعقد لواء الحرب ولا تغادر قافلة تجارة إلا منها وكان لا يدخلها إلا من بلغ الأربعین من العمر باستثناء أولاد قصي فقد كان يسمح لهم بدخولها. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 52 ؛ الأزرقي، أخبار مكة، 1/ 109 .
2- (2) أي انها تجاوزت مرحلة الصبا واصبحت امرأة بالغة بعد ان عتقت من الصبا والاستعانة بها مهنة اهلها، يحكى أن جارية قالت لأبيها: اشتري لي لوطا اغطي به فرغلي قد عتقت عن الصبا وبلغت ان اتزوج.ينظر: الزبيدي: محي الدين محمد مرتضى الحسيني (ت: 1025 / 1616 م)، تاج العروس، تح: علي شیري، ط 1، دار الفكر، بیروت، 1994 م، 13/ 317 .
3- (3) وهي عمارة الكعبة والاشراف على خدمتها، وتعد من الوظائف الدينية التي توجب على من يتولاها ان يحتفظ بمفاتيح الكعبة وان يشارك الحجاج في أدائه لمختلف الشعائر والطقوس بالسماح لهم بالدخول اليها. ينظر: الازرقي، أخبار مكة، 1/ 110 ؛ نبيه عاقل، تاريخ العرب القديم وعصر الرسول، ط 3، دار الفكر، 1983 م، ص 240 .
4- (4) وهي ما كانت تقوم به قريش في موسم الحج قبل الإسلام من سقي الحجاج من الزبيب المنبوذ في الماء. ينظر: ابن منظور، لسان العرب، 14 / 392 .
5- (5) هو شي كانت قريش تترافد به قبل الإسلام فيخرج كل إنسان مالا بقدر طاقته فيجمعون من ذلك مالا عظيما أيام الموسم فيشترون للحجاج الجزور والطعام والزبيب فلا يزالون يطعمون الناس حتى تنقضي أيام موسم الحج. ينظر: ابن منظور، لسان العرب، 3/ 181 .
6- (6) وهي الراية التي تحملها قريش إذا شاركوا في حرب وتسمى العقاب فيحملها من هو أكبر سنا واعظم شرفا في بني عبد الدار ويدافع عنها لتبقى مرتفعة. ينظر: الأزرقي، أخبار مكة، 1/ 111.

وحكم مكة كله، وكان يعشر من داخل مكة سوى أهلها(1) وبقصي سميت قريش قريشًا وكان يقال لهم قبل ذلك بني النضر، وذلك لما نزل قصي الحرم وغلب عليه، فعل أفعالا جميلة؛ فقيل له القرشي فهو أول من سمي به(2).

وقسم قصي أمور الكعبة بین ولده فجعل السقاية والرئاسة لعبد مناف واستمروا على ذلك حتى بعد مجيء الإسلام، والدار يعني دار الندوة لعبد الدار والرفادة لعبد العزى، وحافتي الوادي لعبد قصي(3) وهنا يبین مدى حكمة عقل قصي ورجاحته في الأمور الادارية وكان عبد مناف جديرًا بزعامة قريش،وهذا ما أكده ابن سعد بقوله: (لما هلك قصي بن كلاب قام عبد مناف بن قصي على أمر قصي بعده وأمر قريش إليه واختط بمكة رباعا بعد الذي كان قصي قد قطع لقومه)(4).

ولما توفي قصي بن كلاب جاء من بعده ابنه عبد مناف وتزعم قريش على الرغم من انه لم يكن اكبر ولد قصي(5) وذلك لأنه كان سيدا ذا فضل محبوبا موقرا في قومه، وقد شرف في زمان ابيه وذهب كل مذهب(6) وصار عبد مناف محط انظار الاقوام والقبائل في تلك الحقبة،ما جعل هذه القبائل تطمح إلى التحالف معه، لان التحالف معه يكسبها قوة عسكرية واجتماعية، فجاءت خزاعة وبنو الحارث بن

ص: 60


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 52 .
2- (2) المصدر نفسه، 1/ 53 .
3- (3) اليعقوبي: أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر (كان حيا سنة 292 ه-/ 904 م)،تاريخ اليعقوبي،ط 1، دار صادر – بیروت، د. ت، 1/ 24 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 55 .
5- (5) المصدر نفسه، 1/ 51 .
6- (6) الازرقي، أخبار مكة، 1/ 110 .

عبد مناة بن كنانة يسألونه الحلف ليعزوا به فعقد بينهم الحلف الذي يقال له: حلف الاحابيش(1).

وبعد وفاة عبد مناف تولى ولده هاشم بن عبد مناف بن قصي، وكان اسم هاشم عمرو وهو صاحب إيلاف قريش وأول من سن الرحلتین لقريش، فكانت رحلة الشتاء إلى اليمن والحبشة، ورحلة الصيف إلى الشام فكان إذا دخل على النجاشي فيكرموه ويحبوه وإذا دخل على قيصر فانه يحبه ويكرمه أيضا، وقد قيل في سبب تسميته بهاشم: إن قريشًا أصابتها سنوات ذهبن بالأموال، فخرج هاشم إلى الشام فامر بخبز كثیر فحمله (بالغرائر)(2) على الابل وافى بها مكة فهشم ذلك الخبز ونحر تلك الابل ثم أمر الطهاة فطبخوا ثم كفأ القدور على الجفان فاشبع أهل مكة فسمي بذلك هاشما(3).

أما كنيته فكان يكنى أبا يزيد وقيل بابي اسد(4) وكانت ولادته في عام 462 م تقريبا(5) وآلت السقاية بعد وفاة عبد مناف إلى ابنه هاشم فكان اذا حضر موسم الحج أقام في قريش وكان يدعو قريش على الكرم وخدمة الحجاج، وينفق مالا كثیرا في موسم الحج(6).

ص: 61


1- (1) اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 1/ 241 .
2- (2) هي وعاء من الخيش ونحوه يوضع فيه القمح ونحوه وهو اكبر من الجوالق التي هي عبارة عن وعاء من صوف أو شعر أو غيرها وعند العامة تسمى سوال.ينظر: ابراهيم مصطفى واخرون، المعجم الوسيط، ط 5، مؤسسة الصادق(علیه السلام)، طهران، 1426 ه-، ص 648 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 57 .
4- (4) المصدر نفسه، 1/ 61 .
5- (5) الصفراوي: رياض رحيم حسین، هاشم بن عبد مناف دراسة في سیرته الشخصية،رسالة ماجستير غیر منشورة، جامعة البصرة، كلية التربية للعلوم الإنسانية، 2010 ، ص 13.
6- (6) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 59 ؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 1/ 212،214 .

وحسده امية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي وكان ذا مال فأراد أن يصنع مثلا كان هاشم يصنع فعجز عن ذلك فشمت به أناس من قريش فغضب ونال من هاشم ودعاه إلى المنافرة فكره هاشم ذلك لسنه وقدره فلم تدعه قريش واحفظوه قال فإني أنافرك على خمسین ناقة سود (الحدق)(1) تنحرها، وعلى الجلاء من مكة عشر سنين...)(2).

وبعد وفاة هاشم تولى ابنه عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وسمي (شيبة)(3) وقيل: إن أمه سمته شيبة الحمد، وذلك لشيبة كانت في رأسه(4) ويقال: لشيبات كن حول ذؤابته(5) ثم غلب عليه بعد ذلك اسم عبدالمطلب عندما أخذه عمه المطلب إلى مكة(6) وقد ظنت قريش أن المطلب اشترى عبدًا فسموه عبد المطلب. وأمه تدعى سلمى بنت عمرو من بن النجار(7).

من الأحداث البارزة في حياة عبد المطلب هو حفر بئر زمزم فعندما أراد أن يحفر ولم يكن معه أعوان يساعدونه على حفر البئر وذلك بسبب مخاصمة قريش له حيث لم يكن معه الا ابنه الحارث فكان هذا الأمر حافزا لعبد المطلب ان ينذر ان اصبح عنده عشرة من الأولاد ان يذبح احدهم ولا نعرف لماذا كان يريد ان يذبح

ص: 62


1- (1) الحدق بالتحريك جمع الحدقة وهي سواد العین يعني الاعین النقيات البياض الشديدات سواد الحدق، ينظر، ابن منظور، لسان العرب، 4/ 219 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 57 و 58 .
3- (3) المصدر نفسه، 1/ 63 .
4- (4) المصدر نفسه، 1/ 60 .
5- (5) البلاذري، أنساب الأشراف، 1/ 64 .
6- (6) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 64 ؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 1/ 65 .
7- (7) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 60 .

احدهم اذا ما علمنا ان سبب النذر هو يكثر ولده ويكونون له عونًا؟ فلما اكتملوا العشرة أراد عبد المطلب أن يفي بالنذر فقام بجمعهم وكانوا (الحارث، والزبیر، وابو طالب، وعبد اللّه، وحمزة، وابو لهب، والغيداق، والمقوم، وضرار، والعباس) واخبرهم بنذره ودعاهم إلى الوفاء بالنذر فلم يعترض عليه احد منهم فقالوا له اوف بنذرك وافعل ما شئت(1). ورغم ان هذا الأمر فيه ازهاق نفس لأحد أولاده فما اعترض احد منهم على ذلك وهذا يدل على مدى طاعتهم لأبيهم لوفائه بنذره فامر عبد المطلب أولاده بأن يكتب كل واحد منهم اسمه في قدحه ثم دخل عبد المطلب جوف الكعبة وقال لسادن الكعبة اضرب على بني هؤلاء بقداحهم هذه واخبره بنذره الذي نذره(2)، فلما ضرب السادن بالقداح فخرج قدح عبداللّه أولها وكان عبد المطلب يحبه فاخذ بيده يقوده إلى المذبح ومعه (المدية)(3) فبكت بنات عبد المطلب وكن قياما فأشارت احداهن على ابيها بأن يساوم بن عبد اللّه وبین عشر من الابل وكانت الدية يومئذ عشرا من الابل فضرب فخرج على عبداللّه فاخذ يزيد في كل عملية عشر من الابل إلى ان اصبحت مائة فضرب القداح فخرج عبى الإبل فكبَر عبد المطلب والناس معه فقام عبد المطلب بنحر الإبل بین الصفا والمروة واكل اناس كثیر حتى الطیر والسبع. ويعد عبد المطلب أول من حدد مقدار الدية مائة من الإبل(4)وعندما جاء الإسلام اقر هذه الدية.

ص: 63


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 69 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات، 1/ 69 ؛ ابن هشام، السيرة، 1/ 177 .
3- (3) هي الشفرة الكبیرة، السكين.ينظر: الفراهيدي، كتاب العین، 5/ 313و 8/ 88 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 13/ 211 ؛ أبو حبيب: سعدي، القاموس الفقهي، ط 2، دار الفكر، دمشق، 1988 م، ص 177 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات، 1/ 69 - 70 .

ومن الأحداث المهمة التي حدثت في زمن عبد المطلب هي حملة الفيل،التي قادها ابرهة الحبشي ضد الكعبة وقد اراد هدم الكعبة وبناء كنيسة لتوجيه انظار الناس إلى هذه الكنيسة بهدف نشر النصرانية، ولما اقترب جيش ابرهة من مكة اعترضته ابل عبد المطلب فقام بمصادرتها، ولما علم عبد المطلب بذلك توجه إلى ابرهة عن طريق رجل يدعى (نفيل الخثعمي)(1) كان ضمن الحملة التي جاء بها ابرهة، فكلَمه عن تلك الابل، وقد وصف نفيل عبد المطلب أمام أبرهة قائلا: (أيها الملك قد أتاك سيد العرب وافضلهم واعظمهم شرفا، يحمل على الجياد ويعطي الاموال، ويطعم ما هبت الريح،فأدخله على ابرهة فقال له حاجتك؟ قال: ترد عليَ إبي قال ما أرى ما بلغني عنك الا الغرور، وقد ظننت انك تكلمني في بيتكم هذا الذي هو شرفكم! قال عبد المطلب أردد عليَ إبلي ودونك والبيت فإن له ربا سيمنعه فأمر بردَ إبله عليه، فلما قبضها قلَدها النعال واشعرها، وجعلها هديا، وبثَها في الحرم لكي يصاب منها شيء فيغضب رب الحرم)(2)

إن التدبر في هذه الرواية يجعلها محل تساؤل، فكيف يصدر من عبد المطلب هذا الموقف السلبي وهو غیر متوقع من ابسط الناس شأنًا(3)

واذا كان عبد المطلب لم يحرك ساكنا فلماذا عظُمَ شأن عبد المطلب بعد هذه

ص: 64


1- (1) هو نفيل بن حبيب الخثعمي تصدى لأبرهة الحبشي عندما سار إلى هدم الكعبة لكنه انهزم امام جيش ابرهة واخذ اسیرا فسال ابرهة ان يستبقيه ففعل وجعله دليلا في ارض العرب. ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2/ 13 0 - 131.
2- (2) ابن سعد، الطبقات، 1/ 7172 .
3- (3) النصر اللّه:جواد كاظم، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي رؤية اعتزاليه عن الإمام علي (علیه السلام)، ط 1، ذوي القربى، قم، 2004 م، ص 62 .

الحملة، حتى سمي بإبراهيم الثاني(1) والصحيح من هذه الحملة ما نقله اليعقوبي(2) قائلا: (لما قدم أبرهة ملك الحبشة صاحب الفيل مكة ليهدم الكعبة فتهاربت قريش في رؤوس الجبال، فقال عبد المطلب لو اجتمعنا فدفعنا هذا الجيش عن بيت اللّه؛ فقالت قريش لابد لنا به فأقام عبد المطلب في الحرم، وقال: لا ابرح من حرم اللّه، ولا أعوذ بغیر اللّه، فأخذ أصحاب أبرهة إبلا لعبد المطلب...)(3)

وهناك حدث مهم وبارز في حياة عبد المطلب هو كفالته للنبي محمد (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ،

فعندما توفيت آمنة بنت وهب أم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قبضه إليه وضَمه ورقَ عليه رقة لم يرقها على ولده؛ فكان يقربه منه ويدنيه ويدخل عليه اذا خلا واذا نام، وكان يجلس على فراشه فيقول عبد المطلب: إذا رأى ذلك دعوا ابني انه ليؤنس ملكا، وكان عبد المطلب لا يأكل الطعام الا قال علي بابني فيؤتى به إليه فلما حضرت عبد المطلب الوفاة أوصى أبا طالب بحفظ رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وحياطته(4).

وخلف عبد المطلب في زعامة قريش ولده أبو طالب، وكان أبو طالب وعبداللّه والد النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أخوين من أب وأم واحدة، هذا يؤكد مدى طهارة مولده الشريف، وأبرز عمل قام به أبو طالب هو رعايته للنبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وكفالته له، فلما توفي عبد المطلب أخذ أبو طالب رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إليه على الرغم من أن أبا طالب لم يكن يملك المال الكثیر لكنه كان يحبه حبا شديدا لا يحبه ولده، واخذ لا ينام إلا إلى جنبه، وإذا خرج يخرجه معه، وإذا أكل الطعام فإنه يخصه به ويمنع ولده من أكل الطعام إلى أن ياتي رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، وكان يصفه بالمبارك،

ص: 65


1- (1) اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2/ 10
2- (2) المصدر نفسه، 1/ 221 و 222
3- (3) لمزيد من التفاصيل ينظر، النصراللّه، شرح نهج البلاغة، الصفحات 62 - 66 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 96 و 97 .

ويهتم بملبسه ونظافته، فقد كان الصبيان يصبحون رمصا شعثًا ويصبح رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) دهينا كحيلا ولا يسافر أبو طالب إلا ورسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) معه(1). وبقي أبو طالب يهتم بالنبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أكثر من ولده، وبقي على هذا الحال إلى أن توفي(رضوان اللّه تعالى عليه) في السنة العاشرة للبعثة الشريفة، فقد كانت قريش مازالوا كافین عن النبي محمد (صلی اللّه علیه و آله و سلم) حتى مات أبو طالب، وفي ذات يوم قال العباس يا رسول اللّه ما ترجو لأبي طالب؟ قال كل الخیر أرجو من ربي، هذا وعندما فقد رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) خديجة بنت خويلد وعمه أبو طالب فقد اجتمعت عليه مصيبتان(2)، وقد سمَى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ذلك العام بعام الحزن(3)

ورغم هذه المعاملة والحرص التي أولاها أبو طالب للنبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلا ان ابن سعد أورد عدة روايات تتحدث عن أن أبا طالب مات ولم يسلم، وقد استدل ابن سعد بأدلة منها.

الدليل الأول: عن سعيد بن المسيب عن ابيه ان قوله تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ

ص: 66


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 9798 .
2- (2) المصدر نفسه، 1/ 103 .
3- (3) الطبرسي: أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب (ت 560 ه- / 11 64 م)، الاحتجاج، تعليق وملاحظات: السيد باقر الخراساني، دار النعمان – النجف الأشرف، 13 86 ه- / 1966 م، 1/ 343 ؛ المقريزي: تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد المقريزي (ت: 845 ه-)، امتاع الاسماع بما للنبي صلى اللّه عليه وآله من الأموال والأحوال والحفده والمتاع، تحقيق وتعليق: محمد عبد الحميد النميسي، دار الكتب العلمية، ط 1، بیروت، 1991 م، ص 27 ؛ الحلبي: علي بن برهان الدين (ت 1044 ه-/ 1634 م)، إنسان العيون في سیرة الأمین والمأمون المعروف بالسیرة الحلبية، ط 2، مطبعة الاستقامة، القاهرة، 1382 ه-/ 1962 م)، 1/ 373 .

أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)(1) نزلت في أبي طالب لأن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) استغفر له بعد موته(2).

ويمكن تسجيل ملاحظات على الرواية:

إن الآية من سورة التوبة، وإن سورة التوبة نزلت في أواخر حياة النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) سنة تسعة للهجرة وهو في المدينة لكَن أبا طالب مات في مكة قبل الهجرة بثلاث سنين فلاذا تأخر نزول هذه الآية. ويؤيد ذلك اعترض الحسین بن فضل(3) على نزول هذه الآية في أبي طالب واستبعد ذلك بقوله وهذا بعيد لان السورة من اخر ما نزل من القرآن ومات أبو طالب في عنفوان الإسلام والنبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بمكة(4).

نزلت قبل هذه الآية آية أخرى في سورة المنافقین في غزوة بني المصطلق(5) سنة ست للهجرة، أي قبل سورة التوبة، قال تعالى: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ

ص: 67


1- (1) سورة التوبة، الآية 113.
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 100 - 101 .
3- (3) هو بن عمیر أبو علي البجلي الكوفي، عالم عصره في معاني القرآن ولد قبل سنة مائة وثمانین هجرية وحدث عنه أبو الطيب محمد بن عبداللّه بن المبارك ومحمد بن صالح بن هاني واخرون، ينظر: الذهبي،سیر أعلام النبلاء، 13 / 414 - 415
4- (4) الثعلبي، الكشف والبيان عن تفسیر القرآن، 5/ 99 ؛ القرطبي: أبو عبد اللّه محمد بن أحمد الأنصاري (ت 671 ه-/ 1272 م)،الجامع لأحكام القرآن، تصحيح: أحمد عبد العليم البردوني، ط 2، مطبعة دار إحياء التراث العربي – بيروت، 1405 ه- / 1985 م)، 8/ 273 .
5- (5) وهي الغزوة التي قادها رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ضد بني المصطلق عندما علم بانهم يتجمعون لحربه وكان قائدهم الحارث بن أبي ضرار واستطاع المسلمون الانتصار عليها وكانت سنة 6 ه-.ينظر: الواقدي: محمد بن عمر بن واقد (ت 207 ه-/ 822 م)، المغازي، تح: الدكتور مارسدن جونس،ط 1، نشر دانش اسلامي، 1405 ه-، 2/ 980 - 981 ؛ الطبري،تاريخ الرسل والملوك، 604/2.

لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ)(1) فإذا كان النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يعرف أن اللّه سبحانه وتعالى لن يغفر لهم حتى وإن استغفر هو لهم فلماذا يتعب نفسه ويستغفر لهم فهذا أمر لا يعمله شخص بسيط فكيف يفعله رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) .

أن هناك أسباب أخرى لنزول هذه الآية نذكر منها:

أ- ما ذكره الترمذي في صحيحه عندما قال: (قال علي (علیه السلام) سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت: أتستغفر لأبويك وهما مشركان؟ قال أولم يستغفر إبراهيم؟ فذكرت ذلك للنبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فنزلت الآية(2).

ب- جاء في جامع البيان للطبري في سبب نزول الآيات: إن جماعة من المسلمين كانوا يقولون للنبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ألا نستغفر لآبائنا الذين ماتوا في الجاهلية؟فنزلت هذه الآية تنذرهم بأن لا حق لأحد أن يستغفر للمشركین. ولم تنزل بحق أبي طالب(3).

ج- عن قتادة: قال: إن جماعة من أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قالوا يا نبي اللّه إن من آبائنا من كان يحسن الجوار ويصل الرحم ويفك العاني ويوفي بالذمم أفلا نستغفر لهم؟ فنزل قوله تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ ...)(4) .

د- روي عن ابن عباس انه قال: كان المسلمون يستغفرون لآبائهم حتى نزلت

ص: 68


1- (1) سورة المنافقين، آية 6.
2- (2) الترمذي، صحيح الترمذي، 11/ 249 - 252 ؛ الطبري: محمد بن جرير (ت 310 ه- / 922 م)،جامع البيان عن تاويل القرآن، قدم له خليل الميس، وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطار، ط 1، دار الفكر – بیروت، 11/ 43 .
3- (3) الطبري، جامع البيان، 4/ 165 .
4- (4) المصدر نفسه، 11/ 31.

هذه الآية فتركوا الاستغفار لآبائهم(1).

إن لغة الآية تشیر إلى صيغة الجمع في كل مفرداتها اذ استعمل ضمر المخاطب الدال على صيغة الجمع وبهذا يكون المقصود جماعة وليس فردا، وهذا سبب رئيس في بطلان نزول هذه الآية بحق أبي طالب(2).

ثم إن هذه الآية تتضمن قطع موالاة الكفار حيهم وميتهم، فإن اللّه لم يجعل المؤمنین ان يستغفروا للمشركین فطلب الغفران للمشرك ما لا يجوز فإن قيل صح فإن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)قال يوم أحد حین كسروا رباعيته وشجوا وجهه اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون فكيف يجتمع هذا مع منع اللّه سبحانه وتعالى رسوله والمؤمنین من طلب المغفرة للمشركین(3)؟!.

الدليل الثاني: قول الإمام علي (علیه السلام) عن ناجية بن كعب اتيت النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقلت: إن عمك الشيخ الضال قد مات، فقال له الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) اذهب فواره ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني فأتيته فقلت له فامرني فاغتسلت ثم دعا لي بدعوات ما يسرني ما عرض بهن من شيء(4) .

ويمكن القول:

أن هذه الرواية لا يمكنها أن تصمد مع خلق الإمام علي (علیه السلام) الذي تربى

ص: 69


1- (1) دحلان: أحمد بن الزيني دحان الشافعي المكي (ت 13 04 ه-)، اسنى المطالب في نجاة أبي طالب، اعداد وتقديم: صالح الورداني، الهدف للاعام، مطابع سجل العرب، القاهرة (د. س)، 18 و 45 .
2- (2) المحمداوي: علي صالح رسن، أبو طالب بن عبد المطلب، ط 1، مؤسسة البصرة للكتاب الثقافي، دار ومكتبة البصائر، بیروت، 1433 م، ص 139 .
3- (3) القرطبي، الجامع لاحكام القرآن، 10 / 398 - 399
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 102 .

في حجر النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) والذي قال سبحانه وتعالى بحقه (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(1)، ثم هل الإمام (علیه السلام) يخالف القرآن الكريم الذي يقول في باب بر الوالدین (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)(2)؟ كذلك.

أليس من الغريب أن يموت أبو طالب وهو الذي كان السند والعمود لدعوة النبي لعشر سنوات والنبي بعيد عنه، ثم يموت ولا أحد بجواره(3)، في حین أن ابن سعد ذكر رواية تقول: ان النبي حضر ساعة وفاة أبا طالب وطلب منه أن يتشهد الشهادتين ومات أبو طالب والرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) موجود، هنا يظهر التناقض واضحا في روايات ابن سعد حول طريقة موت أبي طالب.

طلب الرسول أن يغتسل بعد تغسيل أبي طالب وهذا أمر طبيعي لا حاجة للتذكیر به، إلا أنه يذكر رواية أخرى في مسألة الغسل ولكنه يذكر فيها أنه بعد أيام من وفاة أبي طالب أمر رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الإمام عليًا (علیه السلام) بأن يغتسل(4)، فاين كان رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عن هذا الأمر ونحن نعلم انه لا تصح أي عبادة بدون طهارة.

أما عن سند هذه الرواية فنقول: انه مطعون به، فقد رويت عن سفيان بن عيينة، ومع أنه أحد الثقات الأعلام الذين اجتمعت الأمة على الاحتجاج به وكان يدلس لكن المعهود منه انه يدلس الا عن ثقة وروي عن محمد بن عبداللّه بن عمار الموصلي عن يحيى بن سعيد القطاب قال اشهد أن سفيان بن عيينة اختلط سنة

ص: 70


1- (1) سورة القلم، الآية 4.
2- (2) الاسراء، الآية 23 .
3- (3) النصر اللّه، شرح نهج البلاغة، ص 91 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 102 .

197 ه- فمن سمع منه فيها فسماعه لاشي(1).

أبو اسحاق السبيعي: هو عمرو بن عبداللّه الهمداني يشار إلى انه كان عابدا ثقة وقد ولد أيام عثمان بن عفان ورأى الإمام علي (علیه السلام) واسامة ولكنه في عهد معاوية بن أبي سفيان كان يتقاضى منه ثلاثمائة دينار في الشهر وهذا الأمر حفظه ويقال انه أفسد حديث أهل الكوفة(2).

أما ناجية بن كعب فقد توقف ابن حبان عن توثيقه ولم يحدّث عنه سوى أبو اسحاق السبيعي(3).

الدليل الثالث: عدم إرث المسلم من الكافر: ذكر ابن سعد عن ابن شهاب أن علي بن الحسین أخبره (ان أبا طالب توفي في عهد رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فلم يرثه جعفر ولا علي وورثه طالب وعقيل وذلك بانه لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم)(4).

ولرد هذه الحجة نقول : إن الرواية تتحدث عن إرث وعن أموال تركها أبو طالب بعد وفاته فإذا كان أبو طالب عنده هذه الأموال فلماذا استعطف عليه النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) والعباس بأن يأخذ كل واحدٍ منهم أحد أولاده، ثم إذا تنزلنا وقلنا بأن أبا طالب كان ذو مال كثیر فقد انفقها في شعب أبي طالب عندما قامت قريش

ص: 71


1- (1) الذهبي: أبو عبد اللّه شمس الدين محمد بن أحمد (ت 748 ه- / 1348 م)، ميزان الاعتدال، تح: علي محمد البجاوي، ط 1، دار المعرفة، بیروت، 1963 م، 3/ 246 - 247 .
2- (2) خليفة بن خياط،طبقات خليفة بن خياط، ص 162 ؛الذهبي، ميزان الاعتدال، 3/ 370 .
3- (3) الذهبي، ميزان الاعتدال، 7/ 3.
4- (4) ابن سعد،الطبقات الكبرى، 1/ 102 .

بمحاصرة بني هاشم(1).

ان الارث لم يشرع بعد عندما مات أبو طالب والآية التي تتحدث عن الارث هي مدنية أي نزلت بعد الهجرة المباركة.

إذا أردنا ان نتحدث عن سند هذه الرواية فهو مطعون فيه فقد رويت عن ابراهيم بن سعد الزهري الذي قال عنه ابن عدي بانه ليس بمعروفًا وقال لا اعرف له الا حديث العقيق(2).

الدليل الرابع: نزول الآية (وهم ينهون عنه وينئون عنه)(3) بحق أبي طالب، الذي كان ينهى عن أذى الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وينأى عن أن يدخل في الإسلام(4).

إن من ضمن سلسلة السند حبيب بن أبي ثابت الذي قيل عنه لا يدرى من ذا أتى بخبر باطل(5) .

إن قوله تعالى (وهم) كناية عن الكفار، وهذا ما قاله المفسرون مثل الجبائي والبلخي وغيرهم، وقال قوم نزلت في أبي لهب، لأنه كان يتبعه في المواسم فينهى الناس عن اتباعه وينهي عن اتباعه ويصد عنه والأمر الأول أقرب لسياق الآية،وقال مجاهد: نزلت في قريش(6).

ص: 72


1- (1) النصر اللّه، شرح نهج البلاغة، 93 .
2- (2) الذهبي، ميزان الاعتدال، 7/ 273 .
3- (3) سورة الأنعام، الآية 26 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 101
5- (5) الذهبي، ميزان الاعتدال، 2/ 189 .
6- (6) الطوسي: أبو جعفر محمد بن الحسن(ت 460 ه- / 1067 م)، التبيان في تفسیر القرآن، تحقيق وتصحيح: أحمد حبيب قصر العاملي، ط 1، مطبعة مكتب الاعلام الإسلامي – قم المقدسة، 1409 ه-، 4/ 106 .

الدليل الخامس: رواية الضحضاح(1) ومضمون هذه الرواية أن العباس بن عبد المطلب سأل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عن أبي طالب، هل نفعت عمك بشيء؟ فإنه كان يحوطك ويغضب لك. قال: نعم، هو في ضحضاح من النار ولولا ذلك لكان في الدرك الاسفل من النار(2).

وللرد على هذه الرواية نقول:

المعروف في الإسلام أنه من مات مشركا فإنه لا تنفعه الشفاعة(3)؛ قال تعالى:

(إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)(4).

إن الشفاعة التي يأذن اللّه تعالى بها تخص الذين قالوا لا إله إلا اللّه فقط ولا تشمل غيرهم، قال تعالى: (فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)(5) أي إن الشفاعة لا تحل لمشرك؟ فلماذا حلَت لهذا المشرك بالذات دون غیره بحيث أخرجته من الدرك الاسفل إلى الضحضاح؟(6).

إما سند الرواية فأنها رويت عن عبد الملك بن عمیر اللخمي الكوفي الذي طال عمره وساء حفظه، قال أبو حاتم: ليس بحافظ تغیَر حفظه، وقال أحمد:

ص: 73


1- (1) الماء القليل الذي يكون في الغدير وغیره، وهو ما رق من الماء على وجه الأرض ما يبلغ الكعبین واستعير للنار. ينظر الفراهيدي أبو الرحمن الخليل بن أحمد (ت 175 ه- / 786 م)،كتاب العین، تح: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، ط 2، مؤسسة دار الهجرة – قم المقدسة، 1409 ه-، 13 /3 ؛ الزبيدي، تاج العروس، 2/ 187 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 102 .
3- (3) النصر اللّه، شرح نهج البلاغة، ص 93 .
4- (4) النساء، الآية 48 .
5- (5) سورة المدثر، الآية 48 .
6- (6) الحاكم، المستدرك على الصحيحين، 2/ 336 .

ضعيف يغلط، وقال أبو معین مخلط، وقال ابن خراش: كان شعبة لا يرضاه، وذكر الكوسج عن أحمد أنه ضعيف جدا(1).

هنا الشفاعة أن حدثت فسوف يخالف ابن سعد نفسه عندما روى أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أناط شفاعته لأبي طالب عند وفاته بالشهادة بقوله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ياعم قل لا

اله الا اللّه كلمة أشهد لك بها عند اللّه(2)، وبما أن ابن سعد لم يثبت أنه قالها. أي الشهادة، فكيف شفع رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) له.

إنه إذا كان (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قد نفع أبا طالب وأخرجه من الدرك الأسفل إلى الضحضاح فلماذا لم يتم معروفه مع عمه ويخرجه من الضحضاح(3).

سُئل الإمام الباقر (علیه السلام) الناس إن أبا طالب في ضحضاح من نار، فقال: لو وضع إيمان أبي طالب في كفة ميزان،وإيمان الخلق في كفة أخرى لرجح إيمانه، ثم قال ألم تعلموا أن أمیر المؤمنین عليا (علیه السلام) كان يأمر أن يحج عن عبداللّه وابنه وأبي طالب في حياته، ثم اوصى في وصيته بالحج عنهم(4).

ولادة الإمام علي (علیه السلام)

ولد الإمام علي (علیه السلام) في جوف الكعبة، إذ دخلت أمه فاطمة بنت أسد في الكعبة ووضعت عليا (علیه السلام) فيها(5)، وإن ولادته في الكعبة تعد فضيله لم يسبقه

ص: 74


1- (1) الذهبي: ميزان الاعتدال، 2/ 151 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 102 .
3- (3) العاملي: جعفر مرتضى، الصحيح من سیرة النبي الأعظم (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، دار الحديث، قم، 1426 ، 241/3 .
4- (4) الاميني، الغدير، ط 4، دار الكتاب العربي، بيروت، 1977 م، 8/ 380 .
5- (5) المسعودي: أبو الحسن علي بن الحسن بن علي (ت 346 ه- / 1993 م)، مروج الذهب ومعادن الجوهر، ط 2، منشورات دار الهجرة – قم المقدسة، 1404 ه- / 1984 م، 1/ 639 .

بها أحد، ولم تحدث لشخص بعده(1). إلا أن (ابن سعد) لم يذكر شيئا عن ولادته، ولا عن تاريخ الولادة، سوى أنه ذكر رواية واحدة تتحدث عن عمر الإمام بالنسبة لعمر السيدة الزهراء (علیهاالسلام) دون أن يحدد يوم الولادة وسنتها ولا طبيعة الولادة، إذ روى أن العباس بن عبدالمطلب قال للسيدة فاطمة الزهراء(علیهاالسلام): أنت ولدت وقريش تبني الكعبة والنبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ابن خمس وثلاثین سنة واما انت يا علي فولدت قبل ذلك بسنوات(2) أي إن ولادته (علیه السلام) كانت قبل بناء قريش للكعبة. وكانت ولادته (علیه السلام) في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب بعد عام الفيل بثلاثین سنة، ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت اللّه الحرام سواه أكراما له وتعظيما من اللّه تعالى وإجلالا لمحله في التعظيم(3).

إذ شاء اللّه وشاءت الإرادة الإلهية أن تجعل الكعبة ذلك المكان المقدس منذ القدم موضعا لولادة أمیر المؤمنین (علیه السلام)(4) .

أسماء الإمام(علیه السلام)
اشارة

ذكر ابن سعد اسمين للإمام علي (علیه السلام)

علي:

قال: هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بي عبد مناف بن قصي.

ص: 75


1- (1) العقاد: عباس محمود،عبقرية الإمام علي (علیه السلام)، ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1967 ،ص 26 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 27 .
3- (3) ابن عنبة: جمال الدين أحمد بن علي الحسيني، (ت 828 ه-)، عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، تحقيق وتصحيح: محمد حسن آل الطالقاني، ط 2، مؤسسة ال البيت (علیه السلام) بیروت، 1961 م، ص 58 ؛ الاربلي،كشف الغمة في معرفة الائمة، 1/ 60 .
4- (4) النصراللّه: جواد كاظم، فضائل أمیر المؤمنین المنسوبة لغیره الحلقة الأولى الولادة في الكعبة، ط 1، مركز الأبحاث العقائدية، قم، 1430 ه-/ 2009 م، ص 149 - 238 .

واسم أمَه فاطمة بنت أسد بن هاشم (1).

حيدرة:

وهو الاسم الذي ذكره الإمام عندما برز لمرحب في يوم خير سنة 7ه-، وهو يرتجز ويقول:

أنا الذي سمتني أمي حيدرة***كليث غابات كريه المنظرة

أكيلهم بالسيف كيل السندرة

واستطاع أن يفلق رأس مرحب(2) بالسيف، وكان الفتح على يدي الإمام (علیه السلام)(3)، وحيدرة من أسماء الأسد(4) وقيل: إن أمه سمَته عندما ولدته (أسد)، وكان أبو طالب غائبا، فلما حضر سمَاه عليا(5).

ص: 76


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 17 .
2- (2) هو مرحب بن الحارث ويسمى في بعض المصادر التاريخية الإسلامية مرحب اليهودي أحد أشهر فرسان يهود خيبر وصاحب حصن القموص المنيع أحد أقوى القلاع اليهودية في خيبر وكان قائدا من قادة اليهود في غزوة خير سنة 7 ه-. ينظر: اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2/ 56 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2/ 299 ؛ ابن الأثیر، الكامل في التاريخ، 2/ 218 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 105 و 106 .
4- (4) الأسد: من السباع معروف وجمعه أسود، وله خمسائة اسم، مثل حيدرة والسبع والضرغام والغضنفر والليث وكثرة الأسماء تدل على شرف المسمى، ومن كناه أبو الأبطال وأبو الأخياف وأبو شبل، ويعد الأسد من أشرف الحيوانات المتوحشة إذ منزلته منزلة الملك المهاب لقومه وشجاعته وقساوته وشهامته وجهامته وشراسة خلقه ولذلك يضرب به المثل في القوة والنجدة والبسالة وشدة الإقدام والجرأة والصولة. ينظر: الدمیري: كمال الدين (ت 808 ه-/ 1406 م)، حياة الحيوان الكبرى، ط 2، دار الكتب العلمية – بیروت، 1424 ه-، ص 38 .
5- (5) ابن الدمشقي: محمد بن أحمد الدمشقي الباعوني الشافعي (ت 871 ه-)، جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (علیه السلام)، تح: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط 1، دانش، قم، 1415 ه-،، 2/ 117 .
كنى الإمام علي (علیه السلام)

ذكر ابن سعد كنيتين كنى بهما الإمام (علیه السلام) .

أبو الحسن:

وكان سبب هذه الكنية نسبة إلى ابنه البكر الإمام الحسن (علیه السلام)

أبو تراب:

وهي من الكنى التي اطلقها رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عليه، فقد ذكر ابن سعد أن سبب هذه الكنية هو عندما كان رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في ذي العشرة(1) كنى عليا أبا تراب عندما رآه نائما متمرغا في البوغاء(2)، فقال اجلس أبا تراب! فجلس(3). وفي رواية أخرى(4) أن الإمام عليًا (علیه السلام) وعمار بن ياسر وجدهم النبي متمرغین بالتراب: وهنا يأتي تسأول مهم وهو لماذا أطلق رسول اللّه هذه التسمية على الإمام

ص: 77


1- (1) ذو العشرة: وهي عندما سار النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى غزوة العشرة في السنة 2ه- يعرض قافلة لقريش ذاهبة إلى الشام فبلغ ذي العشرة ببضن (ينبع) صالح بن مدلج وحلفائهم من بني ضمرة ثم رجع إلى المدينة ولم يلق الحرب. ينظر: الواقدي، المغازي، 1/ 12 ؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 66/2 ؛ المسعودي: أبو الحسن علي بن الحسن بن علي (ت 346 ه- / 1993 م)، التنبيه والأشراف، ط 1، دار صعب – بیروت، (د. ت)، ص 203 ؛ ياقوت الحموي، معجم البلدان، 4/ 127 .
2- (2) التراب عامة وقيل هي التربة الرخوة التي كأنها ذريره وأنشد ابن بري لذي الرمة. تشج بها بوغاء قف وتارة***تسن عليها ترب املة عفر يعني كثبان الرمل، وقيل التراب الهابي في الهواء، وقيل هو التراب الذي يطیر من دقته اذا مس. ينظر: العدوي المضري: غيلان بن عقبة بن مسعود،(ت 117 ه-/ 735 م)، ديوان ذي الرمة، شرحه وضبط نصوصه وقدم له: الدكتور عمر فاروق الطباع، ط 1، دار الأرقم بن أبي الأرقم، بیروت،1998 م، ص 224 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 1/ 388 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 9.
4- (4) -ابن هشام، السيرة النبوية، 2/ 193 / 194 ؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 90 .

علي ولم يطلقها على عمار بن ياسر اذا كان سبب التسمية مرتبطا بتمرغه بالتراب.

واذا كان سبب هذه التسمية هو وجود التراب على وجهه وجسمه فهذا لامعنى له اذا نظر إلى الظروف الجوية التي تتمتع بها الجزيرة العربية، التي هي ذات طابع صحراوي، الذي أغلبه عواصف ترابية.

ولكن هناك سبب مقبول حول هذه التسمية هو ما روي عن سليمان بن مهران(1) عن عباية بن ربيعة(2) قال: (قلت لعبد اللّه بن عباس لِمَ كنَّى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عليا أبا تراب؟ قال لأنه صاحب الأرض وحجة اللّه على أهلها بعده وبه بقاؤها إليه سكونها وقد سمعت رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يقول إذا كان يوم القيامة ورأى الكافر ما أعدَّ اللّه تبارك وتعالى لشيعة علي من الثواب والزلفى والكرامة يقول: (يا ليتني كنت ترابيا أي يا ليتني من شيعة علي وذلك قوله عز وجل ويقول:(الكافر يا ليتني كنت ترابا)(3).

وقد ذكر عبد الباقي العمري شعرا بهذا الخصوص قال فيه:

يا أبا الأوصياء أنت ل- طه***كليث غابات كريه المنظرة

ص: 78


1- (1) هو أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش، شيخ القرائین والمحدثین الأسدي الكاهلي مولاهم الكوفي الحافظ أصله من نواحي الري ولد في سنة أحدى وستين فقد رأى أنس بن ملك وحكى عنه كان أحفظهم للحديث قال ابن معین: ثقه، وقال النسائي: ثقة ثبت مات الأعمش سنة سبع واربعین ومائة. ينظر ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 461 ؛ ابن الأثیر، الكامل في التاريخ، 589/5 ؛ الذهبي، ميزان الاعتدال، 2/ 224 .
2- (2) هو ممن روى عن الإمام علي (علیه السلام) وعن عمر قليل الحديث، ينظر ابن سعد، الطبقات الكبرى، 248/8
3- (3) البحراني: هاشم بن سليمان الحسيني (ت 1107 ه-/ 1695 م)، غاية المرام وحجة الخصام في تعيین الإمام من طريق الخاص والعام، تح: السيد علي عاشور، 1/ 58 .

إن للّه في معانيك سرا***أكثر العالمین ما علموه

أنت ثاني الاباء في منتهى***الدور وآباؤه تعد بنوه

خلق اللّه آدما من تراب***فهو ابن له وانت أبوه(1)

وكانت هذه الكنية من احب الكنى إلى الإمام علي (علیه السلام)، وهناك رأي آخر حول سبب هذه الكنية هو إنه (علیه السلام) كان عندما يسجد يطيل سجوده حتى يعلق التراب في وجهة(2).

ألقاب الإمام علي (علیه السلام)
أمير المؤمنين (علیه السلام)

وهو من أعظم ألقاب الإمام علي (علیه السلام)، وهو لقب خاص به (علیه السلام)، قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم): أتى جبرائيل (علیه السلام) وقال: إن اللّه سمَى عليا أمیر المؤمنین لا

يحل أن يدع غیره بهذا الاسم (3). (فعن أنس بن مالك قال: بينما أنا اوضى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إذ دخل عليه علي (علیه السلام) فجعل يأخذ من وضوئه فيغسل به وجهه ثم قال: انت سيد العرب فقال: يا رسول اللّه انت رسول اللّه وسيد العرب قال: يا علي أنا رسول اللّه وسيد ولد آدم وأنت أمیر المؤمنین وسيد العرب)(4)

ص: 79


1- (1) العمري: عبدالباقي، الترياق الفاروقي أو ديوان، ط 2، النعمان، النجف الاشراف، 1964 ، ص 126 .
2- (2) ابن الجوزي: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي القرشي (ت: 597 ه- / 1200 م). المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، دراسة وتحقيق: محمد بن عبد القاهر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، راجعه وصححه: نعيم زرزور، ط 1، دار الكتب العلمية – بیروت، (1412 ه- / 1992 م). 3/ 317 .
3- (3) من قدماء المحدثين (ت ق 4)، القاب رسول اللّه وعترته، 1406 ه-، ص 27 .
4- (4) ابن عقدة الكوفي: أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي (ت 333ه-/ 943 م)، فضائل أمیرالمؤمنین (علیه السلام)، جمعه ورتبه وقدم له:عبد الرزاق محمد حسین فيض الدين، د. مكا، 1421 ه-، ص 20 .

وعن ابن عباس قال: إن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قال لأم سلمة: اسمعي واشهدي هذا

علي أمیر المؤمنین وسيد الوصيین(1).

قال: عمرو بن العاص في قصيدته اللامية المشهورة التي خاطب بها معاوية عندما بان تقاعسه عن اعطائه خراج مصر:

وكم قد سمعنا من المصطفى***وصايا مخصصة في علي

وفي يوم خم رقى منبرا***يبلغ والركب لم يرحل

وفي كفه كفه معلنا***ينادي بأمر العزيز العلي

ألست بكم منكم في النفوس***بأولى؟ فقالوا: بلى فافعل

فأنحله إمرة المؤمنین***من اللّه مستخلف المنحل

وقال: فمن كنت مولى له***فهذا له اليوم نعم الولي(2)

وقال الصاحب بن عباد:

إن المحبة للوصي فريضة ***أعني أمیر المؤمنین عليا

قد كلف اللّه البريه كلها واختاره للمؤمنین وليا(3)

وعن عبداللّه بن سعد بن زرارة عن أبيه أنه قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم): أوحي إليّ

ص: 80


1- (1) القاضي النعمان: أبو حنيفة النعمان بن محمد المغربي (ت 363 ه- / 973 م). شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، تح: محمد الحسيني الميلاني، ط 2، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي – قم المشرفة، 1414 ه-.، 1/ 425 ؛ الصدوق: أبو جعفر محمد بن علي بن الحسین بن بابويه القمي (ت 381 ه-/ 991 م). علل الشرائع، تحقيق وتقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم،ط 1، منشورات المكتبة الحيدرية – النجف الأشرف، 13 85 ه- / 1966 م، 1/ 66 .
2- (2) البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ هامش 328 . وينظر: الأميني: عبد الحسین أحمد النجفي، (ت 1392 ه-)، الغدير، ط 4، دار الكتاب العربي، بیروت، 1977 م، 1/ 341 .
3- (3) ابن شهر اشوب: أبو جعفر محمد بن علي المازندراني (ت: 588 ه- / 11 92 م). مناقب آل أبي طالب، تحقيق وفهرسة: يوسف البقاعي، ط 3، مطبعة سليمان زاده، 1429 ه-، 2/ 251 .

في علي ثلاث: أنه سيد المسلمين، وإمام المتقین، وقائد الغَر المحجّلين(1).

يظهر مما تقدم أن أول من تلقب بأمیر المؤمنین هو الإمام علي (علیه السلام)، وأنه يعد من مختصات الإمام (علیه السلام). أي لا يجوز لأحد أن يتلقب بهذا اللقب.

إلا أن ابن سعد وكعادته مع الإمام علي (علیه السلام) قد نسب هذا اللقب إلى عمر ابن الخطاب بقوله: (انه لما توفي رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) واستخلف أبو بكر كان يقال له خليفة رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ولما توفي أبو بكر وجاء عمر بن الخطاب قيل له خليفة

خليفة رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال المسلمون فمن جاء بعد عمر قيل له خليفة خليفة خليفة رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فيطول هذا ولكن اجمعوا على اسم تدعون به الخليفة يدعى به من بعده من الخلفاء فقال بعض أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) نحن المؤمنون وعمر أميرنا فدعي عمر أمیر المؤمنین فهو أول من سمي بذلك)(2).

والذي يهمنا من هذا النص هو ما ذكره ابن سعد بأن أول من تلقب بهذا اللقب عمر بن الخطاب وليس اللقب نفسه؛ لأن الكثیر من الحكّام قد تلقّب بهذا اللقب؛ من باب إضفاء الصفة الشرعية على حكمهم، وإن كان لا يجوز أن يتلقب بهذا اللقب إلا أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب (علیه السلام). والدليل على ذلك ان هذا اللقب حمله كل من تولى قيادة الدولة بعد رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب وحتى آخر خليفة في الدولة العثمانية ولكننا نجد المفكرين إذا ما ذكروا أي خليفة فأنهم يردفون هذا اللقب باسم الخليفة أما إذا اقتصروا على

ص: 81


1- (1) الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 138 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 262 .

اللقب فهذا يعني أنهم يقصدون الإمام علي (علیه السلام)(1) .

وأخیرا وبملاحظة الواقع الذي كان لا يمكن أن يطلق هذا اللقب على غیر علي بن أبي طالب (علیه السلام)؛ لكونه مشتملًا على صفات الإيمان كلها فالأمیر هو ما كان متربعا على عرش مأموريه وهذا ما شهدت به أقوال الصحابة، واستحقها بصفات لم تجتمع لأحد غیره بعد رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فجعلت منه عنوانا لكل فضيلة كيف لا يكون كذلك وقد آمن بنبي الهدى منذ صغره وصدقه برسالته وجاهد أعداءه وبات في فراشه يقيه بنفسه من عدوه وذبَّ عن حمى الإسلام بسيفه(2).

نشأة الإمام (علیه السلام) في بيت النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)

لم يذكر ابن سعد شيئا عن طفولة الإمام (علیه السلام) وعن الكيفية التي نشأ عليها على الرغم من أن الكثیر من المصادر التاريخية قد تحدثت عن نشأته برعاية النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وفي حجره، إذ كان النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يتردد على بيت عمه أبي طالب بعد زواجه من السيدة خديجة(3)، وكان عندما يأتي يقوم بحمل الإمام (علیه السلام) ويضعه على صدره ويحرك مهده(4) وذكر الإمام (علیه السلام) هذا الأمر في إحدى خطبه المسماة القاصعة(5)، إذ قال: (وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللّهِ(صلی اللّه علیه و آله و سلم) بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ،

ص: 82


1- (1) النصر اللّه، فضائل أمير المؤمنين علي (علیه السلام) المنسوبة لغيرة، ص 152 هامش 1.
2- (2) دخيل: محمد حسن،الإمام علي(علیه السلام) من الولادة إلى الشهادة، ط 1، دار المرتضى – بیروت،1421 ه- / 2001 م. الإمام علي (علیه السلام) من الولادة إلى الشهادة، ص 9.
3- (3) ابن سعد،الطبقات الكبرى، 10 / 211 .
4- (4) المجلسي: محمد باقر محمد تقي (ت 1111ه- / 1966 م).بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ط 2، مؤسسة الوفاء – بيروت، 1403 ه- / 1983 م، 3/ 43 .
5- (5) وهي الخطبة التي القاها أمیر المؤمنین (علیه السلام) أيام خلافته في الكوفة بعد ان تردت اوضاعها وانتشرت النزاعات القبلية، وكانت محاورها حول مجموعة من القضايا الاخلاقية والتربوية وذم التكبر، وسميت بالقاصعة لانها تتضمن تحقیر ابليس واتباعه وتصغيرهم من قولهم قصعت الرجل اذا امتهنته وحقرته، وغلام مقصوع أي قمئ لا يشب ولا يزداد. ينظر: ابن أبي الحديد: عز الدين أبو حامد عبد الحميد بن هبة اللّه بن محمد المدائني (ت 656 ه- / 1258 م)، شرح نهج البلاغة، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 1، دار إحياء الكتب العربية – القاهرة، 1378 ه- / 1959 م، 128/13 ؛ ابن ميثم البحراني (ت 679 ه-)، شرح نهج البلاغة، ط 1، مكتب الاعلام الإسلامي، قم، 1362 ش، 4/ 233 - 234 .

وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ: وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وليدٌ يَضُمُّنِي إِلَی صَدْرِهِ، وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ، وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ(1)، وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ)(1).

وشاءت السماء أن يتربى الإمام علي (علیه السلام) في بيت النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فبعد أن تزوّج النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من السيدة خديجة (علیهاالسلام) واستقرت حالته المادية قام بضم الإمام علي (علیه السلام) إليه؛ ليخفف عن كاهل أبيه العم أبي طالب برًا بعمه ووفاء ببعض حقه عليه، وهو الذي كفله بعد وفاة جده عبد المطلب، واسبغ عليه من رعايته وحنانه ما لم يحظ بمثله بنوه.

وقد أورد ابن هشام رواية اخرى تتحدث عن سبب انتقال الإمام (علیه السلام) إلى بيت النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إذ قال: (كان من نعمة اللّه على علي بن أبي طالب (علیه السلام) ومما صنع اللّه له وأراده به من الخیر أن قريشًا أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثیر، فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) للعباس عمه وكان من أير بني هاشم: يا عباس إن أخاك أبا طالب كثیر العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق بنا إليه، فلنخفف عنه من عياله. آخذ من بنيه رجلا وتأخذ انت رجلا فنكفلها، فقال العباس: نعم فانطلق حتى اتيا أبا طالب فقالا له انا نريد

ص: 83


1- (1) الشريف الرضي: محمد بن أبي أحمد الحسن بن موسى (ت 406 ه- / 1015 م). نهج البلاغة، ضبط نصه: صبحي الصالح، ط 1، بيروت، (1387 ه- / 1967 م).ص 300 .

ان نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه، فقال لهما أبو طالب: اذا تركتما لي عقيا فاصنعا ما شئتما، فأخذ رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عليا فضمه إليه، وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه، فلم يزل علي مع رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) حتى بعثه اللّه تبارك وتعالى نبيا فاتبعه علي (علیه السلام) وآمن به وصدّقه ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه)(1)

ويمكن أن يلاحظ أن هذا ما يقلل من تلك الخصوصية التي حظي بها الإمام (علیه السلام) من لدن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، وأنّ هناك عناية إلهية جعلته في كنف رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) منذ صغره. وهذا ما يمكن مناقشته لأسباب عدّة:

يذكر ابن سعد ان الفرق بین عمر الإمام وجعفر عشر سنوات(2)، فإذا كان عمر الإمام (علیه السلام) ست سنوات(3) إذًا فيكون عمر جعفر ستة عشرة سنة، فهنا يصح أن يأخذ الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الإمام عليًا (علیه السلام)، ولكن لا يصح بالنسبة لجعفر.

إنّ سبب دعوة النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عمه هو الأزمة الاقتصادية التي حلت بقريش، ولكن ما بال هذه الأزمة شدت رحالها صوب بيت أبي طالب إذ لم نسمع بأثر هذه الأزمة على بقية البيوت القرشية.

ما السبب في إيثار أبي طالب لولده الأوسط عقيل؟ وكان الأجدر به أن يؤثر ولده الإمام علي (علیه السلام) كونه الأصغر الذي بحاجة لرعاية والديه.

تقول الرواية إن أبا طالب كان كثیر العيال قليل المال والحال غیر ذلك فليس له من الأولاد إلا ثلاثة وبنت واحدة هي أم هانئ إذا لاحظنا أن شخصية طالب

ص: 84


1- (1) ابن هشام، السيرة النبوية، 1/ 228 - 229
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 100 .
3- (3) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1/ 15 .

لم تقو الأدلة على إثبات وجودها وإذا استثنينا جعفرًا وعقيلاً لأنهما كبیران وقت الأزمة فلا يبقى إلا أمیر المؤمنین (علیه السلام) وأم هاني والأزمة المالية لا تتوقف عند كثرة الأولاد وقلتهم.

هل يمكن القول: إن الرواية وضعت للطعن في تربية الإمام علي (علیه السلام) لدى النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بدعوى أنّها جاءت لأسباب مادية(1).

ثانيا: دور الإمام (علیه السلام) في الدعوة الإسلامية في مكة

اشارة

لقد كان للإمام علي (علیه السلام) دور بارز في الأحداث في مكة الا ان ابن سعد على الرغم من ذكره هذه الأحداث لم يوضح دور الإمام (علیه السلام) في جميع هذه الأحداث، ففي حصار قريش لبني هاشم فقد تطرق إلى الحصار لكنه لم يذكر ما قام به الإمام (علیه السلام)، الذي كان له الأثر البارز في صمود المسلمين إذا ما علمنا بأن الحصار دام أكثر من ثلاث سنوات، فقد تحمّل الإمام (علیه السلام) ما تحمل فكان يحمل الطعام إلى بني هاشم مسارقة؛ لأن قريشًا قد تعاقدت وتحالفت مع باقي العرب على أن لا يبايعوا بني هاشم ولا يأمنوا فيهم حتى يدفعوا إليهم النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ليقتلوه(2). وكان أبو طالب ينيم الإمام (علیه السلام) في فراش النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ليقيه من خطر الاغتيال(3). أما عن دور الإمام (علیه السلام) في هجرة النبي إلى الطائف فلم

ص: 85


1- (1) النصر اللّه: جواد كاظم، الإمام علي (علیه السلام) في فكر معتزلة البصرة، ط 1، دار الفيحاء، البصرة، 2013 م. ص 1920 ، هامش 1.
2- (2) أبو جعفر الاسكافي: محمد بن عبد اللّه المعتزلي (ت 202 ه- )، المعيار والموازنة في فضائل الإمام أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب (صلوات اللّه عليه)، تح: الشيخ محمد باقر المحمودي، 1402 ه-/ 1981 م، ص 88 .
3- (3) الأمین: محسن بن عبد الكريم الحسيني، (ت 1371 ه-)، أعيان الشيعة، تح: حسن الأمین، ط 1، دار التعارف، د. س، 1/ 37 .

يذكر ذلك الدور المهم، فبعد أن فقد رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أبا طالب (علیه السلام)، والسيدة خديجة (علیهاالسلام) لم يكن له في مكة أي ناصر ينصره فامره اللّه سبحانه وتعالى بالهجرة إلى الطائف فأخذ معه الإمام عليًا (علیه السلام) وزيد بن حارثة(1). والآن سوف نتكلم عن الأحداث التي ذكرها ابن سعد وكان للإمام (علیه السلام) دور فيها.

إسلام الإمام (علیه السلام) :

ما إن أوحى اللّه سبحانه وتعالى إلى نبيه الأكرم (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بالرسالة، حتى كان

الإمام (علیه السلام) في مقدمة من اعتنق رسالته (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وصدّقها، فقد أورد (ابن سعد) ثمان روايات تتحدث عن أسبقية الإمام إلى الإسلام والصلاة إلا أنه اختلف في عمره الشريف حین اسلم، فقال أسلم الإمام علي (علیه السلام) وهو ابن تسع سنين وقيل دون ذلك، ولم يعبد الاوثان قط، وقيل ابن عشر سنين وقيل ابن احدى عشرة سنة(2) وهنا نقول: ان الإمام (علیه السلام) لم يكن كافرا حتى يسلم ولم يكن يعبد الأصنام ولذلك قيل عنه: كرم اللّه وجهه أي من عبادة الأصنام إذن متى كان إسلامه (علیه السلام)؟ نقول: إن الإمام ولد قبل البعثة بعدة سنين، وإن هذه الفترة كان النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لم يقم بتبليغ الرسالة، وإنما كانت هناك مقدمات لهذه الرسالة فقد كان (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يتعبد بغار حراء وكان يسمع الهاتف من الأحجار والأشجار وكشف عن بصره فشاهد أنوارا فلم يزل على هذا الحال -أي التعبد في غار- حراء والمكاشفات حتى أوحى اللّه سبحانه وتعالى إليه، ثم إن الإمام عليًا (علیه السلام) قد تربَّى في بيت النبي(صلی اللّه علیه و آله و سلم) كما اثبتناه في موضوع النشأة. وهذا أمرٌ بديهي بأن يكون الإمام أول من أسلم.

ص: 86


1- (1) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 14 / 96 - 97 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 20 - 21 .

إلا أن ابن سعد أورد رواية قال فيها: (وما نجد إسلام علي صحيحا إلا هو ابن إحدى عشرة سنة)، ويظهر من هذه الرواية أنه لا يصح إسلام الشخص إذا كان صغیرا!

هنا نقول: إنه لا مانع من إسلام الشخص إذا كان صغیرًا إذا ما كان ذا عقل كامل، وذا تمييز حتى لو كان عمره ست سنوات، فانه تصح منه العبادة ومثل هذا الأمر يوجد عند الصبيان(1). هذا مانطق به القرآن الكريم وكان قاعدة في موضوعه كما في قضية عيسى (علیه السلام) قال تعالى: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)(2) وقوله تعالى عن زكريا (علیه السلام) :(يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(3)

وهذا ما أكده أمير المؤمنين علي (علیه السلام) عندما قال:

سبقتكم إلى الإسلام طرا***غلاما ما بلغت أوان حلمي(4)

أي إنه أسلم (علیه السلام) قبل أن يبلغ الحلم.

ثم إن هذا الشعر يطابق قوله (علیه السلام): (لقد عبدت اللّه قبل أن يعبده أحد من

ص: 87


1- (1) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1/ 15 .
2- (2) سورة مريم، الآية 30 .
3- (3) سورة مريم، الاية 12 .
4- (4) البلاذري، أنساب الأشراف، 5/ 111؛ السرخسي: (ت 483)،شرح السیر الكبیر، تح: صلاح الدين المنجد، ب.ط، مطبعة مصر، 1960 م. 1/ 203 ؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 42 / 521 ؛ ابن طلحة الشافعي: كمال الدين محمد (ت 652 ه- / 1254 م).مطالب السؤول في مناقب آل الرسول(علیهم السلام)، تح: ماجد بن أحمد العطية، ط 1،نشر مؤسسة أم القرى – بیروت، 1420 ه-، 61 ؛ الصفدي، الوافي بالوفيات، 21 / 184 ؛ ابن حجر العسقلاني: أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد (ت 852 ه- / 1448 م).الدراية في تخريج احاديث الهداية،تحقيق وتصحيح: السيد عبداللّه هاشم اليماني المدني، دار المعرفة، بیروت، 2/ 138 .

هذه الامة سبع سنين) وقوله: (كنت أسمع الصوت وأبصر الضوء سنين سبعا)(1).

هل الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يعلم أنّ تكليف الصبي الذي لم يبلغ الحلم صحيح أم لا؟

فاذا قلناإن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لا يعلم، فهنا نسب إلى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) صفة عدم المعرفة، وهذا محال؛ لأنه مدينة العلم. وإذا قلنا: إنّه يعلم أنّه لا تكليف على الصبي ولكن فعل هذا مع الإمام (علیه السلام)، فهذا يدل على افضلية الإمام على سائر المسلمين.

هذا وقد ذكر ابن سعد رواية حول اسبقية أبي بكر في الإسلام قائلا: (وأصحابنا مجمعون أن أول أهل القبلة الذي استجاب لرسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) خديجة بنت خويلد ثم اختلف عندنا في ثلاثة نفر أيهم أسلم أولا في أبي بكر وعلي وزيد بن حارثة وما نجد إسلام علي صحيحا إلا وهو ابن إحدى عشرة سنة)(2)

هنا نقول للرد على هذه الرواية:

ما أكده ابن هشام عندما ذكر رواية حول تبني النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) رعاية الإمام علي (علیه السلام) ، اذ قال: (ولم يزل علي مع رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) حتى بعثه اللّه تبارك وتعالى نبيًا فاتبعه علي وآمن به وصدقه(3).

ما ذكره البلاذري عن الإمام عليٍ (علیه السلام) أن الإمام (علیه السلام) قال على منبر البصرة أنا الصديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر وأسلمت قبل أن يسلم أبو بكر)(4)

ص: 88


1- (1) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1/ 15 و 4/ 118 ؛ العلامة الحلي: أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي (ت 726 ه- / 13 25 م)، كشف اليقین، تح: حسن الدرگاهي، ط 1، 1411 ه-/ 1991 م. 1/ 171 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات، الكبير 3/ 20 .
3- (3) ابن هشام السيرة النبوية، 1/ 228 - 229 .
4- (4) الضحاك: ابن أبي عاصم (ت 287 ه- /)،الآحاد والمثاني، تح: باسم فيصل أحمد الجوابرة، ط 1، دار الدراية للطباعة والنشر والتوزيع، 1411 ه-/ 1991 م، 1/ 151 ؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 146/2 ؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 42 / 33؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة 4/ 122 .

رواية ابن سعد عن عفيف الكندي(1): (عندما جاء إلى مكة ورأى النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) والسيدة خديجة والإمام علي: (علیهم السلام) يصلون في الكعبة وسأل العباس عنهم فقال الا تعرفهم هذا الشاب ابن اخي محمد بن عبد اللّه وهذه المرأة زوجته وهذا الغلام ابن أخي علي بن أبي طالب الذي حدثنا أن ربه رب السموات والارض أمره بهذا الدين الذي هو عليه فهو عليه لا واللّه ما علمت على ظهر الأرض كلها على هذا الدين غیر هؤلاء الثلاثة، قال: عفيف فتمنيت بعد اني كنت رابعهم)(2).

يظهر من الرواية أن الحادثة جاءت بعد يوم الانذار يوم الدار (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)(3) فلو كان أبو بكر أسلم لكان معهم يصلي، ولو كان أبوبكر أو غیره أسلم لما قال العباس: (لم أر على ظهر الأرض كلها الا هؤلاء الثلاثة).

وما يؤكد أن الإمام عليًا (علیه السلام) أسلم قبل أبي بكر هو سفر أبي بكر إلى الشام أيام بعثة النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وقضاؤه هناك مدة طويلة ورجوعه بعد البعثة.(4)

ص: 89


1- (1) هو عفيف بن قيس بن معد بن يكرب الكندي، كان سيدا في الجاهلية والإسلام روى عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وكان كثیر المصاحبة للعباس عم النبي. ينظر: ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد اللّه النمري (ت 463 ه- / 1072 م). الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: علي محمد البجاري، ط 1، دار الجيل – بیروت، 1992 م. 2/ 130 ؛ الصفدي، الوافي بالوفيات، 20 / 58 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات، 3/ 18 - 19
3- (3) سورة الشعراء، الآية 214 .
4- (4) ابن حجر الهيثمي: أحمد بن حجر المكي (ت 974 ه- / 1566 م). الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة، خرَّج أحاديثه وعلق حواشيه وقدم له: عبد الوهاب عبد اللطيف، ط 2، شركة الطباعة الفنية المتحدة – القاهرة 13 85 ه- / 1965 م، ص 368 .

رواية أم خالد(1) عندما سألت عن إسلام أبيها، فقالت كان أبي خامسا في الإسلام فسألها إبراهيم بن عقبة فمن تقدمه قالت ابن أبي طالب وابن أبي قحافة وزيد بن حارثة وسعد بن أبي وقاص(2)، فلو كان إسلام أبي بكر قبل إسلام الإمام (علیه السلام) لذكرته أولًا.

ونختم مع الأستاذ العقاد وهو يتحدث عن الإمام علي (علیه السلام) قائلاً: لقد ولد مسلما على التحقيق إذا نحن نظرنا إلى ميلاد العقيدة والروح؛ لأنه فتح عينيه على الإسلام، ولم يعرف قط عبادة الأصنام، فهو قد تربى في البيت الذي اطلقت منه الدعوة الإسلامية، وعرف العبادة من صلاة النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وزوجته الطاهرة قبل أن يعرفها من صلاة ابيه وأمه(3)

دور الإمام (علیه السلام) ليلة الهجرة:

(لما رأى المشركون أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قد حملوا الذراري والأطفال إلى يثرب حيث الأوس والخزرج، عرفوا أنها دار منعة وقوم أهل حلقة وبأس، فخافوا خروج رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فاجتمعوا في دار الندوة ولم يتخلف أحد من أهل الرأي والحجى منهم ليتشاوروا في أمره، وحضرهم إبليس في صورة شيخ كبیر من أهل نجد مشتمل الصماء في بت(4) فتذاكروا أمر رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فأشار كل

ص: 90


1- (1) وهي أم بنت خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس وأمها همينة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة بن سبيع بن جعثمة بن سعد بن مليح بن عمرو من خزاعة، ولدت أم خالد في الحبشة عندما هاجر سعيد بن العاص. ينظر ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 222 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/ 90 .
3- (3) العقاد، عبقرية الإمام علي، 43
4- (4) الكساء الغليظ. ينظر: الميداني،(ت 518 ه-)، مجمع الأمثال،(د. تح)،ط 1، المعاونية الثقافية للاستانة الرضوية المقدسة، مشهد، 13 66 ش، 1/ 502 .

رجل منهم برأي كل ذلك يرده ابليس عليهم ولا يرضاه لهم إلى أن قال أبو جهل: أرى أن نأخذ من كل قبيلة من قريش غلاما نهدا جليدا ثم نعطيه سيفًا صارمًا فيضربونه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه في القبائل فلا يدرى بنو عبد مناف بعد ذلك ما تصنع. قال: فقال النجدي: للّه در الفتى! هذا واللّه الرأي والا فلا. فتفرقوا على ذلك وأجمعوا عليه وأتى جبريل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فأخبره الخبر وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة)(1).

وإذا ما نظرنا إلى هذه الرواية بعین التحليل والنقد نقول: كيف عرفوا إبليس؟ وهل من الممكن أن يرى إبليس؟ ثم إن الذي نعرفه عن دار الندوة لا يدخلها أي شخص الا من بلغ الأربعین، فكيف دخل هذا النجدي إلى دار الندوة دون ان يتعرف عليه احد خاصة وان الرواية لم تذكر اسمه؟ ثم نرى النجدي يقول: للّه در الفتى! فهل كان أبو جهل فتى يومذاك؟.

أراد الراوي هنا ان يبعد التهمة عن قريش وعن أبي جهل بوجه خاص فقال ان القوم قد وقعوا تحت تأثر ابليس وغوايته ولاحول ولا قوة لهم لأنهم مسیرون غیر مخيرين.

وعندما أجمعوا على قتل النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، والتخلص منه أوحى اللّه إلى نبيه بما كان من كيدهم وتلا عليه جبرائيل (علیه السلام) (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا)(2) وأمره بالهجرة فدعا عليا (علیه السلام) لوقته فأخبره بما أوحى إليه فقال (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وانه امرني ان امرك بالمبيت على فراشي ليخفى بمبيتك عليهم أمري فما أنت قائل وصانع؟ فقال علي (علیه السلام): أو تسلم بمبيتي هناك يا نبي اللّه؟ قال: نعم فتبسم

ص: 91


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 193 - 194
2- (2) سورة الانفال، الآية 30 .

علي (علیه السلام) ضاحكا وأهوى إلى الأرض ساجدا شكرا لما أنباه به رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله و سلم) من سلامته وكان أول من سجد شكرا وأول من وضع وجهه على الأرض ثم رفع رأسه وقال: امض لما امرت به فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي(1).

يظهر مما تقدم ان اللّه هو من أمر الإمام بأن ينام على فراش النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) .

فأوحى اللّه سبحانه وتعالى في تلك الليلة إلى جبريل وميكائيل اني قضيت على أحدكما بالموت فإيكما يواسي صاحبه فاختار الحياة كلاهما، فأوحى اللّه اليها ها كنتما كعلي بن أبي طالب آخيت بينه وبین محمد، وجعلت عمر احدهما اكثرمن الاخر فاختار علي (علیه السلام) الموت وآثر محمدًا بالبقاء وقام في مضجعه اهبطا فاحفظاه من عدوة فهبط جبريل وميكائيل فقعد احدهما عند رأسه والاخر عند رجليه يحرسانه من عدوه، ويصرفان عنه الحجارة وجبريل يقول بخ بخ لك يابن أبي طالب من مثلك يباهي اللّه بك ملائكة سبع سماوات(2).

ونزلت بحق الإمام (علیه السلام) الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ)(3))(4).

ص: 92


1- (1) الطوسي، الأمالي، 463 . الطبرسي: أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل (ت 548 ه- / 113 5 م). مجمع البيان في تفسیر القرآن، تح: لجنة العلماء، مؤسسه الأعلمي للمطبوعات، ط 1، بیروت، (د. ت). 6/ 191 .
2- (2) اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2/ 39 .
3- (3) سورة البقرة، الآية 207 .
4- (4) الجاحظ: أبي عثمان عمرو بن بحر، (ت 255 ه-)، العثمانية، تح: عبد السلام محمد هارون، ط 1، دار الكتاب العربي، مصر، 1955 م، ص 325 ؛ العياشي: أبو النظر محمد بن مسعود السلمي (ت 302 ه- / 932 م). تفسیر العياشي، تح: الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، مطبعة المكتبة العلمية الإسلامية – طهران، 1407 ه-. 1/ 101 ؛ القاضي النعمان، شرح الاخبار، 2/ 345 ؛ المفيد: أبو عبد اللّه محمد بن النعمان العكبري البغدادي (ت 413 ه- / 1022 م). الإرشاد، تح: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام)، ط 2، دار المفيد – بیروت، 1993 م. 1/ 53 ؛ الكراجكي: أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان (ت 449 / 1057 م)، كنز الفوائد، (د. تح)، ط 2، الغدير، قم، 1369 ش. ص 207 ؛ الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل لقواعد التفصيل، ص 123 ؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 42 / 67 ؛ ابن إدريس الحلي، أبو جعفر محمد بن منصور بن أحمد (ت 598 ه- 1200 م)، المنتخب من تفسیر القرآن والنكت المستخرجة من كتاب التبيان، تحقيق وتقديم: محمد مهدي حسن الموسوي، ط 1، مكتبة الروضة الحيدرية – النجف، 1429 ه- / 2008 م، ص 63 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 13/ 262 .

واجتمع أولئك النفر من قريش يتطلعون من صیر(1) الباب وفي رواية اليعقوبي كانوا يضربونه بالحجارة(2)، ويرصدونه يريدون ثيابه ويأتمرون ايهم يحمل على المضطجع صاحب الفراش، فخرج رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عليهم وهم جلوس على الباب فأخذ حفنة من البطحاء فجعل يذرها على رؤوسهم ويتلو: (يس(1)وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ)(3) حتى بلغ (وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)(4))(5).

ثم يكمل ابن سعد روايته ويقول (ومضى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال قائل لهم: ما تنتظرون؟ قالوا: محمدًا قال خبتم وخسرتم قد واللّه مر بكم وذر على رؤوسكم التراب قالوا واللّه ما بصرناه! وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم وهم أبو جهل والحكم بن أبي العاص وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث وامية بن خلف

ص: 93


1- (1) أي شق الباب، وقيل في الحديث من نضر من صیر باب فقد دمر أي دخل بغیر إذن. ينظر: النيسابوري: عبد الملك الثعالبي، (ت 429). فقه اللغة وسر العربية، تح: فائز محمد، مراجعة: اميل يعقوب، ط 2، دار الكتاب العربي، بیروت، 1996 م. ص 213 .
2- (2) اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2/ 39 .
3- (3) سورة يس، الآيتان 1- 2.
4- (4) سورة يس، الآية 10 .
5- (5) ابن سعد، الطبقات، 1/ 194 .

وابن الغيطلة وزمعة بن الأسود وطعيمة بن عدي وأبو لهب وأبي بن خلف ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، فلما أصبحوا قام علي عن فراشه فسألوه عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال لا علم لي به)(1).

هنا نضع ملاحظات عدّة على ما أورده ابن سعد ونقول:

إن ابن سعد لم يفصح عن اسم هذا القائل ثم لماذا هذا القائل لم يخبر قريشًا أنه رأى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) اذا ما علمنا ان قريشًا كانت قد دعت إلى نفیر عام (ومنعت التجوال كما نسميه في وقتنا الحاضر).

ثم يقول (فلما اصبحوا قام علي عن فراشه فسألوه عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وهذا خاف ما قاله المؤرخون بأن القوم هجموا على الإمام ظنا منهم بأنه رسول اللّه ولما كشفوا عنه الغطاء علموا بانه الإمام علي (علیه السلام) .

ان ابن سعد عن طريق هذه الرواية أراد أن يخفي فضيلة للإمام (علیه السلام) وأن لا أهمية في الأمر وبإمكان أي شخص لو كان مكان الإمام أن يفعلها لأنه صور الأمر بأنه نوم طبيعي.

أما قوله لا علم لي به هذا صحيح، ولم يكذب الإمام (علیه السلام) في مقولته هذه أي لا علم لي بمكانه ولا بحاله. وفي نص اخر انه قال: ((قلتم له أخرج عنا فخرج عنكم))(2)

وبعد أن فشلت قريش في قتل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بفضل المشيئة الالهية وتضحية

ص: 94


1- (1) ابن سعد، الطبقات، 1/ 195 .
2- (2) اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2/ 39 ؛ الراوندي: أبو الحسن قطب الدين سعيد بن هبة اللّه (ت 573 ه-/ 1177 م)، قصص الانبياء، تح: المیرزا غلام رضا عرفانيان اليزدي الخراساني، ط 1، مؤسسة الهاديقم، 1418 ه-/ 1376 ش، ص 334 .

الإمام (علیه السلام)، ولما خرج رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى المدينة أمر الإمام (علیه السلام) بأن يبقى في مكة، وفعلا بقي الإمام ثلاثة أيام وكان ظاهرا لم يتغيب يوما واحدًا وأنجز ما كلّفه الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من أعمال حيث أرجع الودائع التي كانت قريش تودعها عند النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لان قريشًا كانت تسمي الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بالصادق الأمین(1). وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم، فاطمة بنت النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، فاطمة أم الإمام علي(علیه السلام)وفاطمة بنت الزبیر بن عبد المطلب ويهاجر إلى يثرب، هذا وخرج معه ايمن بن أم ايمن مولى النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وجماعة من ضعفاء المؤمنین ومعهم أم أيمن فاتوا النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وهو نازل بقبا(2) على بني عمرو بن عوف لم يدخل المدينة بعد(3).

على الرغم من الظروف الشديدة التي يكتنفها الاضطراب بحيث لا يتجه التفكر الا إلى انجاح خطة هجرته(صلی اللّه علیه و آله و سلم)، إلا إن الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ماكان لينسى أو ينشغل عن رد الأمانات إلى أهلها، حتى ولو كان في أصعب الظروف التي تنسي الإنسان نفسه فضلاً عن غیره فقد أبى أن يخون من ائتمنه ولو كان عدوا يحرص عليه ويؤذيه، لأن خيانة الأمانة من صفات المنافقین ويتنزه عنها المؤمنون(4).

ص: 95


1- (1) ابن هشام، السيرة، 2/ 106 .
2- (2) وهي قرية على بعد ميلین من المدينة على يسار القاصد إلى مكة وفيها مسجد التقوى الذي بنوه الأنصار وأهل قباء، يقولون هو المسجد الذي اسس على التقوى، ويوجد فيها مسجد ضرار. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 4/ 302 .
3- (3) ابن الصباغ: علي بن محمد بن أحمد المالكي المكي (ت 855 ه- / 1451 م). الفصول المهمة في معرفة الأئمة، تح: سامي الغريري، ط 1، مطبعة ستارة – قم المقدسة، 1422 ه-. ص 303 .
4- (4) الجمل: أحمد عبد الغني النجولي، هجرة الرسول وصحابته في القرآن والسنة، ط 1، دار الوفاء، المنصورة، 1989 م، ص 189 .

ص: 96

المبحث الثاني : الحياة الأسرية للإمام علي (علیه السلام)

اشارة

يعد الزواج الركيزة الأساسية التي يقوم عليها بناء الأسرة التي تشكل نواة الحياة الاجتماعية، ومن أهم الروابط الاجتماعية، وذلك لما يفرضه هذا الزواج من عيش مشترك.

ونظرا لأهمية الزواج في المجتمع، فقد عني الإسلام في بناء الأسرة عن طريق تجسيد ذلك كلّه في آيات القرآن الكريم، وأحاديث رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ومواقفه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً...)(1) ، وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(2)

أولا: فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)

اشارة

(3)

بعد أن بلغت السيدة الزهراء مبلغ النساء، تقدم لخطبتها عِليةُ القوم مِن قريش، فقد أورد ابن سعد رواية قال فيها: (إن أبا بكر خطب فاطمة إلى النبي

ص: 97


1- (1) سورة النساء، الآية .
2- (2) سورة الروم الآية 1 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 17.

(صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال: يا أبا بكر انتظر بها القضاء فذكر ذلك أبو بكر لعمر فقال له عمر ردك يا أبا بكر، ثم ان أبا بكر قال لعمر: اخطب فاطمة إلى النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فخطبها، فقال له مثل ما قال لابي بكر انتظر بها القضاء، فجاء عمر إلى أبي بكر فاخبره فقال له ردك يا عمر)(1).

ثم أكمل ابن سعد روايته بقوله: (ثم إن أهل علي قالوا لعلي اخطب فاطمة إلى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال بعد أبي بكر وعمر؟).

هنا نسأل سؤالًا: ماذا يقصد بقوله (أهل علي)؟ إذا ما علمنا أن الإمام(علیه السلام) لم يكن معه عندما هاجر إلى يثرب سوى أمّه فاطمة بنت أسد أذ كان جعفر ما يزال في الحبشة، أما عقيل فكان في مكة فاذا كان يقصد بالأهل أمّه فهذا الأمر غیر مستبعد(2).

ثم ماذا يقصد بقوله (بعد أبي بكر وعمر)؟ فهل يقصد بأنهم أفضل منه ولم يقبل الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن يزوجهم فاطمة (علیهاالسلام). فهذا خلاف ما ذكره النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بأفضلية الإمام علي (علیه السلام) على غیره، وخیر دليل ما ذكره ابن سعد عن حديث الدار أنت أخي ووزيري فكيف يختار الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) شخصًا يكون وزيرًا له إذا ما كان أفضل شخصية موجودة؟!.

ثم يقول في تتمة الرواية: (فذكروا له قرابته من النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فخطبها فزوجه النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم))، أي ان تزويجه لقرابته وليس لمكانته!.

ربما كان الغرض من تشجيع الإمام على طلب الزواج بالسيدة فاطمة الزهراء

ص: 98


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 20 .
2- (2) العواد: انتصار عدنان عبدالواحد.السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) دراسة تاريخية، ط 1، البديل، بیروت، 2009 م. ص 150 .

(علیهاالسلام) من الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) هو أن يقع الإمام (علیه السلام) مثلا وقع قبله أبو بكر وعمر ابن الخطاب، وقد خاب ظنهم بذلك.

وذكر ابن سعد رواية أخرى خلاف هذه الرواية قال: خطب أبو بكر وعمر فاطمة إلى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، فقال النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم): هي لك يا علي، لست بدجال يعني لست بكذاب، وذلك أنّه قد كان وعد عليا بها قبل أن يخطب إليه أبو بكر وعمر(1).

هنا الرواية لم توضح ماذا كان رد النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على أبي بكر وعمر، فقال مباشرة: (هي لك يا علي) وكأنّهما كانا موجودين جميعا في مجلس واحد، ثم يظهر من الرواية أنه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أعطى السيدة فاطمة الزهراء(علیهاالسلام) للإمام (علیه السلام) من دون ان يأخذ رأيها أو يستشیرها في أمر الزواج، ثم إن هذه الرواية خلاف للرواية التي سبقتها إذ قال النبي لأبي بكر وعمر: إني أنتظر بها القضاء، أي أمر السماء في ذلك، فهذه الرواية أرادت ان تصور أن زواج الإمام (علیه السلام) من السيدة فاطمة الزهراء(علیهاالسلام) كان زواجا عاديا من دون تدخل السماء في ذلك.

وذكر ابن سعد رواية أخرى عن الطريقة التي خطب بها الإمام (صلی اللّه علیه و آله و سلم) السيدة

الزهراء خلاف ما ذكره سابقا، فيقول: ((خطب علي فاطمة فقال لها رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ان عليا يذكرك فسكتت فزوجها))(2) فهذه الرواية هي الواقع.

ثم إن ابن سعد أورد رواية أخرى قال فيها: ((قال نفرٌ من الأنصار لعلي عندك فاطمة فأتى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فسلّم عليه فقال ما حاجة ابن أبي طالب؟ قال ذكرت فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قال مرحبا وأهلا لم يزده عليهما فخرج

ص: 99


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 20
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 20 .

علي على أولئك الرهط(1) من الأنصار ينتظرونه قالوا ما وراك؟ قال ما أدري غیر أنه قال لي: مرحبا وأهلا. قالوا يكفيك من رسول اللّه إحداهما أعطاك الأهل وأعطاك المرحب))(2).

هذه الرواية تريد أن تعطي للأنصار فضيلة بأنهم هم من شجعوا الإمام (علیه السلام) على الزواج من السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) كذلك تصور الرواية بأن الإمام (علیه السلام) شخص لا علم له بالألفاظ ومعاني الكلمات وهذا خلاف ما ذكره رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بحق الإمام (علیه السلام) ((أنا مدينة العلم وعلي بابها))(3). ثم أن الرواية تصور بأن الناس كانوا مجتمعین قرب باب النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فهذا خلاف عادات العرب وتقاليدهم فضلاً عن المسلمين ونحن نعلم بأن الخطبة لا تكون بهذه الطريقة.

كان زواج الإمام علي (علیه السلام) ببضعة رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) زواجًا مباركًا ميمونًا، وهو من الكرامات التي أكرم اللّه عز وجل بها الإمام عليًا علیه السلام وفضله بها على غیره.

مهر السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) :

كان الإمام علي (علیه السلام) لا يملك مهرها، فكان صداق فاطمة بنت رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) درعًا باعها الإمام علي (علیه السلام)، ودفع ثمنها صداقًا لبنت رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، فعن أنس ابن مالك أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قال له: ((يا أنس تدري ما جاءني به جبرائيل من صاحب العرش؟ قلت: اللّه ورسوله أعلم بأبي وأمي ما

ص: 100


1- (1) هم عشرة الرجل وأهله وقيل الرهط من الرجال ما دون العشرة وقيل إلى الأربعین ولا يكون فيهم امرأة. ينظر: ابن منظور، لسان العرب، 7/ 306 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 21 - 22 .
3- (3) الاميني، الغدير، 11/ 319

جاء به جبرائيل، قال إن اللّه أمرني أن أزوج فاطمة عليًا: انطلق فادع لي المهاجرين والأنصار، قال فدعوتهم فلما أخذوا مقاعدهم قال النبي محمد (صلی اللّه علیه و آله و سلم): الحمد للّه المحمود بنعمته المعبود بقدرته المطاع بسلطانه المرغوب إليه فيما عنده، المرهوب عذابه،...، ثم إن اللّه تعالى جعل المصاهرة نسبًا وصهرًا، فأمر اللّه يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدرة، فلكل قدر أجل ولكل أجل كتاب (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)(1)، ثم إن اللّه أمرني أن أزوج فاطمة لعلي، فأشهدكم أني قد زوجته على أربعمائة مثقال فضة إن رضى بذلك علي))(2).

وهنا أورد ابن سعد روايات عدّة لكنها تختلف من رواية إلى اخرى في تحديد نوع هذا المهر أو الصداق وجنسه فقد ذكر درع الإمام (علیه السلام)، إذ روى عن عكرمة(3) أن عليا لما تزوج فاطمة فأراد أن يبنى بها قال له النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم): قدم شيئا

ص: 101


1- (1) سورة الرعد، آية 39 .
2- (2) ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 52 / 445 .
3- (3) عكرمة بن أبي جهل (ت 13ه-)، هو أبو عثمان عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام القرشي، كان أبوه يُكنّى بالجاهلية أبو الحكم فكناه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أبا جهل، وكان عكرمة وأبوه من أشد الناس عداوة للإسلام، فقتل أبوه يوم بدر كافرًا، أما عكرمة فقد أسلم بعد الفتح بقليل، ولما كان يوم فتح مكة أمن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الناس إلا أربعة كان عكرمة أحدهم، فقال الرسول(صلی اللّه علیه و آله و سلم) اقتلوهم وان وجدتموهم متعلقین بأستار الكعبة، فاضطر إلى الهروب عن طريق البحر. وتعرضت السفينة التي يستقلها إلى عاصفة، فقال أصحاب السفينة للركاب اخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئًا، حينها قرر عكرمة الدخول في الإِسلام والاعتذار من النبي محمد (صلی اللّه علیه و آله و سلم) حال نجاته من المأزق الذي حاق به، ولكن ذلك لم يتم إلا بعد أن وصل اليمن ولحقت به زوجته بعد أن حصلت على الأمان له من النبي محمد (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وجاءت به وأسلم وحسن اسلامه واستعمله النبي محمد (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على صدقات هوازن عام حجة الوداع، وشارك في المعارك ضد أهل الردة أيام أبي بكر وقتل في اجنادين عام (13ه-)، ينظر: النووي، تهذيب الأسماء واللغات، 1/ 338 ، المزي، تهذيب الكمال، 20 / 247 ؛ الزركلي: خیر الدين (1410 ه-).الاعلام، ط 5، دار العلم للملايین، بيروت، 1980 . الاعلام، 4 / 244 .

قال ما أجد شيئا قال: فأين (درعك الحطمية)(1))(2) وروى أيضا عن عكرمة قيمة هذا الدرع الحطمية هي أربعة دراهم، وفي رواية أخرى عن عكرمة أيضا (قال أمهر عليٌ فاطمة بدنا (أي درعا) قيمته أربعة دراهم) وعن عكرمة أيضا (قال استحل علي فاطمة ببدن من حديد)(3) (أي درع من حديد).

ثم هناك رواية أخرى عن عكرمة قال: (إن عليا خطب فاطمة فقال له النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم): ما تصدقها؟ قال: ما عندي ما اصدقها قال فاين درعك الحطمية التي كنت منحتك؟ قال: عندي قال: اصدقها اياها...)(4). يظهر من الرواية اعلاه ان النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) هو من أعطى الإمام (علیه السلام) هذا الدرع.

كان مهرها (علیهاالسلام) جرد حبرة وأهاب(5) كبش:

ذكر ابن سعد ان عليا تزوج فاطمة على أهاب كبش وجرد حبره وفي موضع آخر تزوج عليٌ فاطمة على أهاب شاة وسحق حبره(6).

كان مهرها (علیهاالسلام) مبلغ من المال:

ص: 102


1- (1) الحطمية: درع تنسب إلى رجل كان يعملها وكان لعلي (علیه السلام) الحطمية التي تحطم السيوف أي تكسرها. ينظر: ابن منظور، لسان العرب، 12 / 140 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 21 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 25 .
4- (4) ابن سعد الطبقات الكبرى، 10 / 21 .
5- (5) الأهاب:جلد الحيوان قبل دبغه ينظر: الفراهيدي، العین، 4/ 99 ؛ ابن فارس: أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395)، معجم مقاييس اللغة، تح: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الإعلام الإسلامي، 1404 ه-، 1/ 149
6- (6) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 22 .

قال: إن عليا تزوج فاطمة فباع بعیرا له بثمانین وأربعة مائة درهم فقال النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم): اجعلوا ثلثین في الطيب وثلث في الثياب (1).

نلاحظ مما تقدم أن هناك اختلافًا في الروايات حول مقدار مهر السيدة فاطمة الزهراء(علیهاالسلام) ونوعيته، لكن اغلبها تتحدث عن ان الإمام (علیه السلام) قد ابتاع شيئا واصدق الزهراء (علیهاالسلام) سواء كان هذا الشيء درعا أم بعیرا أم غیر ذلك، لكنه اختلف في مقدار هذا المال فمرة يذكر ابن سعد مقدار هذا المال اربعة دراهم، وهذا مستبعد إذا ما نظرنا إلى اليء المباع سواء كان (درعا أم بعیرا) فإن هذا المقدار من المال لا يناسبه.

أما ما ذكره ابن سعد بأن مقدار هذا المهر هو أربعة مائة وثمانون درهما فهذا اقرب إلى الواقع فهنا نرجح هذا المبلغ على الأربعة دراهم(2).

طبيعة علاقته (علیه السلام) بالسيدة الزهراء(علیهاالسلام)
اشارة

إن الحياة الزوجية شيء جميل وأجمل ما في الحياة أن يكون الرجل يحترم الزوجة وان يعاملها بما اوصى اللّه تعالى به وذكره في القرآن الكريم وأن تعامل المرأة زوجها باحترام.

لكن ابن سعد أورد روايتین خلاف هذا المنطق حول علاقة الإمام علي (علیه السلام)بالسيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) .

الرواية الأولى:

عن عمرو بن سعيد قال: ((كان في علي على فاطمة شدة فقالت واللّه لأ شكوّنك

ص: 103


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 22 .
2- (2) لمزيد من التفاصيل: ينظر العواد، السيدة فاطمة الزهراء، 163 - 170 .

إلى رسول اللّه فانطلقت وانطلق علي بإثرها فقام حيث يسمع كلامها، فشكت إلى رسول اللّه غلظ علي وشدته عليها فقال يابنية اسمعي واستمعي واعقلي، إنه لا آمره بامرأة لا تأتي هوى زوجها وهو ساكت قال علي (علیه السلام): ((فكففت عما كنت اصنع وقلت: واللّه لا اتي شيئا تكرهينه أبدا))(1).

وهنا نضع ملاحظات عدّة حول هذه الرواية

يلاحظ على الرواية أن الإمام (علیه السلام) كان يعامل السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) بشدة وغلظة ولم تظهر لنا الرواية ما سبب هذه الشدة، فهل فعلت السيدة فاطمة الزهراء (علیهااسلام) فعلا أدّى إلى غضب الإمام علي (علیه السلام)؟ حاشا لها أن تفعل مثل هذا الأمر وبشهادة الإمام (علیه السلام) نفسه عندما قال: ((فو اللّه ما اغضبتها ولا اكرهتها على أمر حتى قبضها اللّه عز وجل ولا اغضبتني ولا عصت لي امرا ولقد كنت انظر اليها فتنكشف عني الهموم والاحزان))(2)

لماذا كان الإمام علي (علیه السلام) شديدا على السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام)؟ هل هذا راجع لصفاته الشخصية؟ فلم يعهد منه (علیه السلام) إلا العطف والرفق بكل من عاشره، فكيف بوديعة النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عنده؟!(3) أم راجع للسيدة فاطمة (علیهاالسلام) وكونها غیر مطيعة للإمام (علیه السلام) .

إن المرأة الأصيلة هي من تعالج مشاكلها مع زوجها؟ فعلى فرض صحة وجود هكذا مشاكل، فلا يعقل أن تسارع السيدة فاطمة للشكوى من زوجها أمیر المؤمنین (علیه السلام)! فهل يعقل أن أمیر المؤمنین (علیه السلام) والسيدة فاطمة الزهراء

ص: 104


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 26 .
2- (2) الخوارزمي المناقب، 353 - 354 . وينظر: الاربلي، كشف الغمة، 1/ 373 .
3- (3) العواد، السيدة فاطمة الزهراء، ص 211 .

(علیهاالسلام) لم يكن لديهما القدرة على حل مشاكلهما بأنفسهما؟!.

ماذا يعني الراوي بقوله: ((وانطلق علي بأثرها فقام حيث يسمع كلامها)) فهل هذا يعني أن الإمام (علیه السلام) يتجسس على زوجته ليعلم ما تقول لأبيها؟!.

لماذا لم يسمع لها النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) .؟

هل علم النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بأن الإمام يتجسس ويسمع الكلام لذلك وجه اللوم إلى ابنته. أو هل السيدة فاطمة الزهراء(علیهاالسلام) بحاجة إلى وعظ وارشاد عن معاملتها لزوجها؟!.

و هنا تراجع الإمام (علیه السلام) وقرر عدم استخدام الشدة والغلظة على زوجته.

ثم ان الرواية تظهر أن الإمام (علیه السلام) قد ترك الشدة والغلظة بحق السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام)، فهل يعقل أن يعامل أمیر المؤمنین (علیه السلام) بضعة النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بهذه الطريقة؟! وهو القائل: (فو اللّه ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها اللّه عز وجل) ثم إن هذا خلاف لما أوصاه به رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ليلة زفافها عندما قال(ألطف بزوجتك)(1)

مع أنه من الطبيعي جدا أن يحصل شيء من الكدورة في بعض الأحيان بين أعز الأصدقاء وأكثرهم حميمية ولكن من وجهة نظر عقائدية، فإن عليا وفاطمة(علیهاالسلام) لهما مقام العصمة ومنزلتها ونسبة الاختلاف إليها وبتلك الدرجة التي يؤدي إلى قضاء الشيء بينها لا تتناغم ولا تتفق مع تلك المنزلة والمقام(2).

ص: 105


1- (1) الخوارزمي، المناقب، ص 353 .
2- (2) شهيدي: د. جعفر، حياة السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام)، ط 1، دار الهادي، بيروت، 2002 م، ص 108 – 109 .
الرواية الثانية:

عن حبيب بن أبي ثابت، قال: (كان بین علي وفاطمة كلام فدخل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فألقى له مثالا فاضطجع عليه فجاءت فاطمة فاضطجعت من جانب وجاء علي فاضطجع من جانب فأخذ رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بيد علي فوضعها على سرته وأخذ بيد فاطمة فوضعها على سرته ولم يزل حتى أصلح بينهما ثم خرج، قال فقيل له دخلت وأنت على حال وخرجت نحن نرى البشر في وجهك! فقال وما يمنعني وقد أصلحت بین أحب اثنین إلي؟(1)

وهنا نضع الملاحظات الآتية على هذه الرواية:

ماذا يقصد الراوي: ((كان بین علي وفاطمة كلام))؟ يظهر أنه يقصد شجارًا ولكن الراوي لم يوضح طبيعة هذا الشجار ولماذا؟ فهل يعني عدم رغبة السيدة فاطمة الزهراء بالزواج من الإمام منذ البداية؟ كما أفادت روايات أخر(2)، لرغبة الإمام (علیه السلام) من الزواج من امرأة اخرى كجويرية بنت أبي جهل أو ابنت حمزة أو جارية اخرى مجهولة كما افادت بعض الروايات؟(3).

هل تتناسب هذه الطريقة التي قام بها النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مع مكانة النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من جهة ومع مكانة كل من الإمام علي (علیه السلام) والسيدة فاطمة (علیهاالسلام) من جهة أخرى وكأنها من عوام الناس.

من ذا الذي يراقب النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) حتى كان دقيقا في وصف حال النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قبل دخوله بيت الإمام وبعد خروجه؟ وهل كان الخلاف إلى هذه الدرجة حيث

ص: 106


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 27 .
2- (2) لمزيد من التفاصيل ينظر: العواد السيدة فاطمة الزهراء، الصفحات، 154 – 157 .
3- (3) لمزيد من التفاصيل ينظر: العواد، السيدة فاطمة الزهراء، الصفحات، 212 - 223 .

غلب الحزن على وجه النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ثم تغیر إلى الفرح حتى بدا راضٍ لهؤلاء الأشخاص المجاهيل.

لا إشكال في أن الإمام عليًا (علیه السلام) والسيدة فاطمة أحبُّ إلى النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ليس لكونه ابن عمه، وابنته فاطمة فقط بل لكونها يمثلان الامتداد الرسالي له حتى روي عنه أنه من أحب العلا قال علي وفاطمة.

ثم لو تنزلنا وقلنا بوجود اختلاف بین الإمام (علیه السلام) والسيدة الزهراء (علیهاالسلام) فلماذا الرسول يصلح بينهما بهذه الطريقة الغريبة.

وخلاصة القول: نقول: إن هاتین الروايتن موضوعتان الهدف منها هو إثبات وجود خلافات في بيت الإمام (علیه السلام) وإنهما غیر منسجمين مع بعضهما حالهما حال أي زوجین عادیين يحدث بينهما خلاف ويضطر أحدهما إلى أن يشتكي على الآخر.

وهذا خلاف لقول الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بحق الإمام علي (علیه السلام)، حيث ورد أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قال: ((إن اللّه تبارك اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارني منهم نبيا ثم اطلع إلى الأرض ثانية فاختار بعلكِ وأمرني أن أزوجك إياه))(1)

وفي حديث آخر عن ابن عباس قال: إن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قال بحق علي(علیه السلام)((من أراد إن ينظر إلى إبراهيم في حلمه وإلى نوح في حكمه وإلى يوسف في جماله فلينظر إلى علي بن أبي طالب))(2) فإذا كانت هذه الأحاديث بحق الإمام

ص: 107


1- (1) الهلالي: سليم بن قيس الهلالي الكوفي (ق 1 ه- /). كتاب سليم بن قيس، تح: محمد باقر الأنصاري الزنجاني، ط 1، نگارشقم، 1422 ه-/ 13 80 ش. ص 13 2 ؛ الطبراني، المعجم الكبیر، 3/ 57 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9/ 174 .
2- (2) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9/ 168 ؛ الإيجي (ت 756 ه-)، الموقف، تح: عبد الرحمن عمیرة، ط 1، دار الجيل، بیروت، 1417 ه- / 1997 م، 3/ 626 ؛ المحب الطبري: أبو جعفر أحمد عبد اللّه بن محمد (ت 694 ه- / 1295 م). ذخائر العقبى، مكتبة القدسي لصاحبها حسام الدين القدسي القاهرة 1356 ه-، ص 94 .

فكيف تصدر منه هذه الشدة والغلظة تجاه بضعة رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)؟

عاش الإمام علي (علیه السلام) والسيدة الزهراء (علیهاالسلام) حياة تعاون على أمور البيت وحياة زوجية جميلة ملؤها الإيثار والتعاون. اذ كانت السيدة الزهراء (علیهاالسلام) نعم الزوجة لأمیر المؤمنین (علیه السلام) لم تعصِ له أمرا ولا خالفته في شيء بل كانت تعينه وتؤازره في طاعة اللّه وتؤثره على نفسها وتدخل على قلبه البهجة والسرور كلما نظر إليها فتزيح عنه الهموم والأحزان، هذا ما أكدته اقوال الإمام علي (علیه السلام) التي مر ذكرها.

إلا أن ابن سعد أورد رواية ظاهرها منقبة وباطنها ذم، فقد روى عن عطاء بن سائب عن ابيه عن الإمام علي (علیه السلام) قال: إن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لما زوجه فاطمه (علیهاالسلام) بعث معها (بخمله)(1) ووسادة آدم حشوها ليف، ورحائین(2)، وسقاء(3) وجرتین، قال فقال: علي لفاطمة ذات يوم: واللّه لقد سنوت حتى قد اشتكيت صدري وقد جاء اللّه أباك بسبي فاذهبي فاستخدميه فقالت: وأنا واللّه قد طحنت حتى (مجلت)(4) يداي فاتت النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال ما جاء بك يا بنية؟ قالت

ص: 108


1- (1) الخملة:هو الثوب المخمل من صوف كالكساء له خملة. ينظر: الفراهيدي، كتاب العین، 4/ 274 ؛ ابن سيدة: أبي الحسن علي بن اسماعيل النحوي الاندلسي (ت 458 ه-).المخصص، تح: لجنة إحياء التراث العربي، ط 2، دار إحياء التراث العربي – بیروت، 1/ 468 .
2- (2) مفردها رحى وهي التي يطحن بها. ينظر، ابن منظور، لسان العرب، 18 / 1268 .
3- (3) جلد لا يكون إلا للماء. ينظر: ابن منظور، 22 / 2043 .
4- (4) أي نفطت من العمل فمرنت فخرج عليه شبه قرح ممتلئ ماء، فإذا نفق أويبس مجلت اليد فصلبت عن العمل وثخن جلدها وتعجر وظهر فيها ما يشبه البثر من العمل بالأشياء الصلبة الخشنة. ينظر ابن منظور، لسان العرب، 3/ 58 و 11/ 616 .

جئت لأسلم عليك واستحيت أن تسأله ورجعت فقال لها الإمام: ما فعلت؟ قالت استحيت أن أساله فأتياه جميعا فقال علي: واللّه يا رسول اللّه لقد سنوت حتى قد اشتكيت صدري، وقالت فاطمة: قد طحنت حتى مجلت يداي، وقد أتى اللّه بسبي وسعة فاخدمنا قال واللّه لا اعطيكما وأدع (أهل الصفة)(1) تطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم، ولكني أبيعهم وانفق عليهم أثمانهم فرجعا إلى بيتها، فأتاهما النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وقد دخلا في قطيفتهما إذا غطيا رؤوسهما تكشفت أقدامها وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما فثارا (اي نهضا من فراشهما)، فقال: مكانكما، ألا أخبركما بخیر مما سألتماني؟ فقالا: بى. فقال: كلمات علمنيهن جبريل تسبحان في دبر كل صلاة عشرا وتحمدان عشرا وتكبران عشرا وإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثین، واحمدا ثلاثا وثلاثین، وكبرا أربعا وثلاثین.

قال: فو اللّه ما تركتهن منذ علمنيهن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال له ابن الكواء(2):

ص: 109


1- (1) أهل الصفة: هم فقراء المهاجرين اللذين كانوا يأوون إلى موضع مظلل في مؤخرة مسجد المدينة هيأه لهم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) سمي ب- (الصفة) وسمي نزيلها أصحاب الصفة. ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 219 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 9/ 195 ؛ السمهودي: نور الدين علي بن عبد اللّه (911 ه-/ 1505). وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، تح: قاسم السامرائي، مؤسسة الفرقان لتراث الإسلامي، ط 1، المدينة المنورة، 2001 ، 1/ 454 . لمزيد من التفاصيل ينظر: عطاوي: عمر فلاح عبد الجبار، أهل الصفة في عصر الرسالة والراشدي،رسالة ماجستير غیر منشورة جامعة بغداد كلية الآداب، 2005 م، ص 15 - 244 .
2- (2) هو عبد اللّه بن عمرو بن الكواء اليشكري، كان من ضمن الخوارج الذين خرجوا ضد الإمام (علیه السلام) في النهروان لكنه تراجع عن عن ذلك ولم يشترك في المعركة فقد كان من ضمن الأربعة آلاف الذين تراجعوا عن حرب الإمام (علیه السلام) بعد أن سمعوا حجج الإمام (علیه السلام) وكلامه، كان يسأل الإمام (علیه السلام) كثیرا لكنه كان كثیر التعنت في السؤال. ينظر: ابن حنبل: أبو عبد اللّه أحمد بن محمد الشيباني (ت 241 ه- / 855 م)، مسند أحمد، د. ط، دار صادر – بیروت، 1993 م؛ ابن حجرالعسقلاني: أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد (ت 852 ه- / 1448 م)، فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ط 2، دار المعرفة – بیروت، د. ت، 11/ 104 ؛ الشوكاني: محمد بن علي (1255 ه-/)،نيل الاوطار، (د. تح)، دار الجيل، بیروت، 1973 م، 7/ 340 .

ولا ليلة صفین؟ فقال: قاتلكم اللّه يا أهل العراق ولا ليلة صفين)(1).

يمكن أن نضع ملاحظات عدّة على هذه الرواية

إن كان ظاهر الرواية مدح لما كان يعاني منه الإمام والسيدة الزهراء بأنهما بالرغم من الحياة الصعبة فأنهما عاشا من دون مساعدة الآخرين لهما، فإن الرواية تظهر عدم صبرهما على هذه الحياة وهذا يخالف الرواية القائلة: (رأى النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فاطمة (علیهاالسلام) وعليها كساء من أجلة الإبل وهي تطحن بيدها وترضع ولدها فدمعت عينا رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال: يابنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقالت يارسول اللّه، الحمد للّه على نعمائه والشكر للّه على آلائه)(2).

ثم إن الرواية تظهر عدم شعور الإمام (علیه السلام) والسيدة الزهراء(علیهاالسلام) بالآخرين من الفقراء والمساكين فقد كان همهم انفسهم، فكيف يمكن تقبل هذه الرواية ونحن نعلم بأن السيدة الزهراء (علیهاالسلام) كانت تؤثر على نفسها واولادها إذ روي أنه (أصبح الإمام (علیه السلام) يوما ساغبا(3) فقال: يا فاطمة! هل عندك شيء تغذينية؟ قالت: لا والذي أكرم أبي بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أصبح الغداة عندي شي اطعمناه منذ يومن إلا شيء كنت اؤثرك به على نفسي وعلى ابني هذين

ص: 110


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 25 - 26 .
2- (2) الاسكافي: أبو علي محمد بن همام بن سهيل الكاتب (ت 336 ه- / 947 م)،التمحيص، تح ونشر: مدرسة الإمام المهدي (علیه السلام)، قم المقدسة، (د. ت)،ص 6؛ الطبرسي: أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل (ت 548 ه- / 113 5 م). مكارم الاخلاق،د. تح، منشورات الشريف الرضي، 1972 ، ص 817 ؛ ابن شهر شوب، مناقب ال أبي طالب، 3/ 120 .
3- (3) أي جائع. ينظر: ابن منظور، لسان العرب، 1/ 468 .

الحسن والحسن، قال: أعلى الصبيین إلا أعلمتني فآتيكما بشيء فقالت: يا أبا الحسن إني لأستحي من إلهي أن أكلف نفسك ما لا تقدر عليه)(1). هنا الزهراء (علیهاالسلام) لم تطلب طعاما رغم انه من واجب الزوج ان يوفره لها، فكيف تشتكي من عمل البيت.

ثم تظهر الرواية أن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) آثر فقراء المسلمين المحتاجین وضعفائهم على ابنته الوحيدة العزيزة على قلبه اذ جاء فيها: ((قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) واللّه لا اعطيكما وادع أهل الصفة تطوى بطونهم لا اجد ما انفق عليهم ولكني ابيعهم وانفق اثمانهم))(2).

إن سند الرواية فيه ضعف لأنها رويت عن عطاء بن السائب الذي مع انه كان من كبار العلماء لكنه ساء حفظه في اواخر عمره، قال وهيب لما قدم عطاء البصرة قال كتبت عن عبيدة ثلاثین حديثا ولم يسمع من عبيدة شيئا وهذا اختلاط شديد(3)، وقال عنه شعبة: حدثنا عطاء وكان نسيّا، وقال عنه يحيى بن معین: كان عطاء بن سائب ضعيفا، كما كان ليث بن أبي سليم وجميع من روى عن عطاء في اختاط. وقال عنه ابن عدي: عطاء اختلط في آخر عمره فمن سمع منه قديما مثل الثوري وشعبة فحديثه مستقيم، ومن سمع منه بعد الاختلاط فأحاديثه فيها بعض النكرة(4)، وسأل يحيى بن سعيد عن عطاء بن السائب فقال: كان اختلط فمن سمع منه قبل الاختلاط فجيد ومن سمع بعد الاختلاط فليس بشيء(5).

ص: 111


1- (1) الطوسي، الأمالي، ص 616 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات، 10 / 25 .
3- (3) العقيلي، الضعفاء، 3/ 399 - 401
4- (4) الذهبي، سير أعلام النبلاء، 6/ 110 - 113.
5- (5) ابن حنبل: أبو عبد اللّه أحمد بن محمد الشيباني (ت 241 ه- / 855 م). العلل، تح: الدكتور وصي اللّه بن محمود عباس، ط 1، المكتب الإسلامي – بيروت، 1408 ه-. 3/ 29 .
الرواية الثالثة:

((عن المسور بن مخرمة قال: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على المنبر يقول: إن

بني هشام بن المغیرة استأذنوا أن ينكحوا ابنتهم عليا على ابنتي فلا آذن ثم لا آذن إلا أن يحب علي أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما ابنتي بضعة مني يربيني ما رابها ويؤذني ما اذاها))(1).

هناك ملاحظات عدّة حول هذه الرواية، وهي:

ذكرت هذه الرواية أن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ذكر هذه الحادثة وهو على المنبر؛ ما يدل على أن هذا الأمر مهم؛ ما جعل النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يتكلم به على المنبر وبحضور

أصحابه هذا يعني أنه يجب أن تنقل من طرق عديدة جدا بحيث تصل إلى حد التواتر أو على الأقل إلى حد الشيوع، لا أن يكون هذا الراوي هو الوحيد الذي نقل وهو مسور بن مخرمة(2).

أما عن سند هذه الرواية فإنها نقلت عن مسور بن مخرمة، ومسور هذا ولد في مكة بعد الهجرة بسنتين ثم جاء إلى المدينة مع أبيه في ذي الحجة من السنة الثامنة للهجرة، وعند وفاة النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كان عمره ثمانية أعوام، ومات سنه 64 ه- في مكة عند محاصرتها من قبل الحصین بن نمیر على أثر إصابته بحجر قذف بالمنجنيق(3). ثم إن ابن حجر(4) ذكر ولادته كانت في السنة الثانية وقال: إن الجميع متفقون على

ص: 112


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 522 .
2- (2) شهيدي، حياة السيدة فاطمة الزهراء، 110
3- (3) ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، 3/ 1399 .
4- (4) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، 10 / 137 .

ذلك ونقل عنه أنه قال: ((سمعت من النبي وأنا محتلم))(1)

إن الرواية تظهر انزعاج النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عند سماعه بأن الإمام عليًا (علیه السلام) تقدم لخطبة امرأة ثانية غیر الزهراء (علیهاالسلام) فلماذا انزعج رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)؟ والتشريع الإلهي يسمح بتعدد الزوجات؟ قال تعالى (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ

مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ)(2) .

إن هذه الرواية تحاول أن تؤكد أن الإمام (علیه السلام) قد فكّر وحاول التقدم لخطبة امرأة ثانية غیر السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام)، هنا سؤال: لماذا حاول الإمام ذلك؟ هل وجد في الزهراء عيبًا -والعياذ باللّه- جعله يفكر في ذلك حاشىا لها ذلك فمن ذا يضاهيها شرفا ونسبا وعقلا وجمالا وايمان وكمالا؟.

أما قول الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم): (ابنتي بضعة مني يربيني ما رابها ويؤذني ما اذاها)، هنا نقول: من المستبعد أن يقوم الإمام (علیه السلام) بإغضاب السيدة الزهراء (علیهاالسلام) ولا يلتزم بوصية الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيُ يوحى، وإن كنا نرى أن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أعرف بالإمام (علیه السلام) وليس بحاجة ليوصيه؟!، ثم أنه ربما أراد الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من هذا القول: أن يعطي درسا للمسلمين حول كيفية التعامل مع الزوجة(3).

إذن من الذي كان مصداقا لهذا الحديث مادامت السيدة فاطمة الزهراء(علیهاالسلام) لم يؤذها احد في ظل أبيها؟ فهل هذا يعني أن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يرمي إلى ما بعد حياته؟الجواب نعم والدليل على ذلك قولها (علیهاالسلام) عندما جاءها القوم لعيادتها

ص: 113


1- (1) ابن حجر، تهذيب التهذيب، 10 / 138 .
2- (2) سورة النساء، الاية 3.
3- (3) العواد، السيدة فاطمة الزهراء، ص 211 .

في مرضها الأخیر: ((قالت (علیهاالسلام) أنشدكما باللّه هل سمعتما النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يقول: فاطمة بضعة مني وأنا منها من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى اللّه ومن آذاها بعد موتي فكان كمن آذاها في حياتي ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي؟ قالا اللهم نعم فقالت الحمد للّه...))(1)

عن طريق ما تقدم نثبت ان هذه الرواية موضوعة لان الفاظها وكلماتها تكذب بعضها البعض فضلا عن ضعف سند الرواية وكانت الغاية من هذه الرواية هي صرف الأنظار عن حقيقة الذين اغضبوا فاطمة وجعل المقصود بذلك هو علي بن أبي طالب (علیه السلام)، واريد أيضا من هذه الرواية ان يكون الطعن في علي ابلغ وانفذ فهو لم يختر لاغاظة النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) والسيدة الزهراء (علیهاالسلام) الا بنت اعدى عدو للنبي والإسلام.

أولاد الإمام علي (علیه السلام) من السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام)
الحسن بن علي (علیهماالسلام)
اشارة

هو الابن الأكبر للإمام علي (علیه السلام)، وتؤكد الروايات التاريخية أنه ولد في المدينة في النصف من شهر رمضان من السنة الثالثة للهجرة(2).

أما تسميته (علیه السلام) فقد روي عن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أنه سأل الإمام علي (علیه السلام) أي شيء سميت ابني؟ قال (علیه السلام) ما كنت لأسبقك بذلك فقال (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ولا أنا سابق

ص: 114


1- (1) الصدوق، علل الشرائع، ص 244 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 399 . وينظر: الخطيب البغدادي. تاريخ بغداد، 1/ 150 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب 1/ 369 ؛ ابن حجر العسقلاني: أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد (ت 852 ه- / 1448 م). الاصابة في تمييز الصحابة، تح: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد عوض، ط 1، دار الكتب العلمية – بيروت، 1415 ه-، 1/ 328 .

ربي، فهبط جبريل (علیه السلام)، فقال: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول لك: علي منك بمنزلة هارون من موسى لكن لانبي بعدك فسم ابنك هذا باسم ولد هارون فقال وما كان اسم ابن هارون يا جبريل؟ قال شبر فقال (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إن لساني عربي فقال سمه الحسن ففعل (صلی اللّه علیه و آله و سلم)...)(1).

إلا أن ابن سعد أورد روايات عدّة حول تسمية الإمام الحسن (علیه السلام) :

الرواية الأولى:

عن سالم بن أبي الجعد قال: قال علي كنت رجلا أحبُّ الحرب، فلما ولد الحسن هممت أن اسميه حربا، فسماه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الحسن قال: فلما ولد الحسن هممت أن اسميه حربا لأني كنت أحبُ الحرب، وسماه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الحسن، وقال: إني سميت أبني هذين باسمي أبني هارون شبر وشبير(2).

الرواية هذه لاتخلو من إشكالات يمكن أن نسجلها عليها، وهي:

إن الرواية تصور أن الإمام عليًا (علیه السلام) رجل محب للحرب، والحرب هي هاجسه، وذلك لتضليل الناس بأن حروبه (علیه السلام) مع النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ما كانت بدافع ديني أو تكليف شرعي ولا تضحية في سبيل اللّه، وإنما بدافع قتل الناس وإزهاق أرواحهم، وهذا خلاف ما تخلق به الإمام (علیه السلام) من أخلاق ودونها التاريخ ففي معركة الخندق عندما برز الإمام (علیه السلام) إلى عمرو بن ود العامري فإنه لم يقاتله مباشرة بل دعاه إلى اللّه وإلى رسوله وإلى الإسلام، ثم قال له الإمام: إذن أدعوك

ص: 115


1- (1) المحب الطبري، ذخائر العقبي، 209 - 210 ؛ المرعشي: (1411 ه-)، شرح احقاق الحق،تح: شهاب الدين المرعشي النجفي، تصحيح: السيد ابراهيم الميانجي، منشورات مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي، قم، د.س، 16 / 1.
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 356 .

إلى أن ترجع بمن تبعك من قريش إلى مكة، فأبى عمرو ذلك فكان آخر الدواء الكي(1) ثم إنه عندما قتله لم يسلبه ملابسه ولا درعه(2)، وفي معركة الجمل قام الإمام بتأخر المعركة سعيا منه (علیه السلام) عسى أن يعود القوم عن هذا الأمر حتى أن الإمام عليًا (علیه السلام) قد اتهم بالجبن(3).

إن الرواية تظهر الإمام (علیه السلام) على أنه كان مصرًا على هذه التسمية بحيث كرر هذا الأمر مرتین من دون الرجوع إلى النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وكان النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يغیر هذا الاسم وهذا الإصرار يخالف الأخلاق التي تربى عليها الإمام (علیه السلام) وهو في حجر النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) .

ثم أشارت الرواية إلى أن التسمية إنا كانت بأسماء أولاد نبي اللّه هارون (علیه السلام)وهنا اتفق مع أحد الباحثین(4) بقوله:

* ما الدليل أن لهارون (علیه السلام) أولاد بأسماء (شبر وشبير)؟ فهل ورد ذلك في التوراة أو في التراث اليهودي؟

* هل هناك أشخاص من اليهود حملوا هذه الأسماء عبر التاريخ اليهودي؟

* هل لهذه التسميات (شبر وشبير) وجود في القاموس العبراني؟ وهل هذه

ص: 116


1- (1) ابن هشام، السيرة النبوية، 3/ 709 .
2- (2) السهيلي: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد اللّه بن أحمد بن أبي الحسن (ت 581 ه- / 1182 م)، الروض الانف في تفسیر السیرة النبوية لابن هشام، تحقيق: قدم له وعلق عليه وضبطه: طه عبد الرؤوف سعد،ط 2، دار الفكر بیروت، 1409 ه- / 1989 م، 3/ 280 .
3- (3) البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 240 .
4- (4) النصراللّه، محاضرة بعنوان: قراءة في الشبهات عن سیرة الإمام الحسن (علیه السلام)، القاها في الندوة التي أقيمت في مركز تراث البصرة بمناسبة ولادة الإمام الحسن (علیه السلام) يوم 15 رمضان 1435 ه- في مدينة البصرة،ص 4.

الألفاظ تقابل في معناها اللغوي (حسن وحسین) في اللغة العبرانية؟.

* هناك رواية تشیر إلى أن اللّه سبحانه وتعالى حجب أسماء الحسنين حتى سمى بها النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وإنها من أسماء الجنة(1) ألا يتعارض هذا مع ما تذكره الرواية من أنهما تسميا باسمي أبني هارون فالذي يبدو واضحا أن الرأي الأول أكثر قبولا ،وفيما لو صح وجود أبناء للنبي هارون (علیه السلام) ولهم هذه الأسماء وإنها تقابل في اللغة العبرانية أسماء ابناء النبي الخاتم فهنا الأولى ان يكون لهارون خصوصية وشرف تسمية أولاده بأسماء ابناء النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) .

ثم إن ابن سعد في روايته هذه يخالف رواية أخرى رواها عن عكرمة قال: ولما ولدت فاطمة حسن أتت به النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فسماه حسنا(2).

الرواية الثانية:

عن هاني بن هاني، عن علي قال: لما ولد الحسن سميته حربا، فجاء رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلنا حربا قال بل هو حسن، فلما ولد الحسن سميته حربا فجاء رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال: أروني ابني ما سميتموه؟ قلنا حربا قال: بل هو حسین فلا ولد الثالث سميته حربا فجاء رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال: اروني ابني ما سميتموه؟ قلنا حربا قال: بل هو محسن، ثم قال: سميتهم

ص: 117


1- (1) الدولابي: أبو البشیر محمد بن أحمد بن حماد (310 ه-)، الذرية الطاهرة، تح: سعد المبارك الحسن، ط 1، الدار السلفية، الكويت، 1407 ه-، ص 100 . وينظر: القاضي النعمان، شرح الاخبار، 3/ 89 ؛ ابن عساكر: أبو القاسم علي بن الحسن ابن هبة اللّه بن عبد اللّه الشافعي (ت 571 ه- / 11 75 م)، ترجمة الإمام الحسن (علیه السلام)، تح: محمد باقر المحمودي، ط 1، مؤسسة المحمودي، بیروت، 1980 م، ص 17 ؛ السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 ه- / 1505 م)، تاريخ الخلفاء، تح: لجنة من الأدباء، مطابع معتوق أخوان – بیروت، (د. ت)، ص 206 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 357 .

بأسماء ولد هارون شبرا وشبيرا ومشبرا (1).

هذه الرواية لا تخلو من إشكالات يمكن أن نطرحها عليها:

نلاحظ أن هذه الرواية تبین –أيضا- إصرار الإمام على اسم حرب، وعدم انتظار رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في تسمية المولود.

إن هذه الرواية قد ذكرت مولودًا ذكرًا ثالثًا للإمام علي (علیه السلام) من السيدة الزهراء (علیهاالسلام) اسمه محسن، في حین أن أغلب المصادر التاريخية ذكرت انه لم يولد للإمام علي (علیه السلام) سوى الحسن والحسین (علیهماالسلام) وأما المحسن فلم يولد بعد، بل اسقط من السيدة الزهراء (علیهاالسلام) في أثناء الهجوم على الدار(2).

ربما أراد الراوي - من هذه الرواية - أن يدفع التهمة عن عمر بن الخطاب الذي هاجم بيت الزهراء (علیهاالسلام) وأسقط جنينها وهو المسمى محسن، فأراد هؤلاء أن يتخلّصوا من تبعات هذه القضية بصورة ذكية، تحمل في طياتها انكارا مبطنا وابطالا لمقولات إسقاط الجنین بادعائهم أن محسنا قد ولد ومات في حياة رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بدليل أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) هو الذي سمّاه محسنا(3).

لعل الراوي أراد - جهلا أو عمدا- أن يصرف معنى (أنت مني بمنزلة هارون من موسى)من مقام الإمامة والوزارة إلى هذه الأمور البسيطة، ثم ما الدليل على أن هارون عنده ثلاثة أبناء وأسماؤهم شبر وشبير ومشبر.

هل هذا يعني أن الرسول (علیه السلام) ليس له دور في البداية بتسمية أولاد الإمام علي

ص: 118


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 356 .
2- (2) ابن قتيبة، كفاية الطالب، ص 413 .
3- (3) العاملي: جعفر مرتضى،الصحيح من سیرة الإمام علي (علیه السلام)، ط 1، ولاء المنتظر (عج)، قم، 1430 ه-، 3/ 90 - 91 .

(علیه السلام)؟ الجواب كلا، لأن الأخلاق التي تربى عليها الإمام (علیه السلام) ومنزلة الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عند الإمام علي (علیه السلام) لاتدع مجالا للشك في أن الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) هو من بدأ في تسمية أولاد الإمام علي (علیه السلام)، ثم إن أكثر المسلمين كانوا إذا رزقوا بمولود يأتون به إلى النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ليسميه لهم، ويقال: أن عبداللّه بن الزبیر وأبا إمامة بن سهل(1) وعبداللّه بن عباس(2) وغيرهم الكثیر قد تكفل الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بتسميتهم.

فهل الإمام (علیه السلام) يخالف رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في أمر كهذا، وهو القائل: ((وَلَقَدْكُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ))(3)؟!!

الرواية الثالثة:

عن عبداللّه بن محمد بن عقيل(4) أن عليا لما ولد ابنه الاكبر سماه بعمه حمزة ثم ولد ابنه الآخر فسماه بعمه جعفر قال فدعاني النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال اني قد امرت أن أغیر اسمي أبني هذين: قلت اللّه ورسوله اعلم قال: فسماهما حسنا وحسينا (5).

إن الرواية تبین أن الإمام عليًا (علیه السلام) هو من سمى أولاده، وهذا خلاف ما اثبتناه في الروايتین السابقتين من أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) هو من سمى الحسن والحسین (علیهم السلام) .

تظهر الرواية بأن الإمام عليًا (علیه السلام) قد سمى ابنه الأكبر باسم حمزة، ثم

ص: 119


1- (1) ابن حجر، تهذيب التهذيب، 1/ 231 .
2- (2) المحب الطبري، ذخائر العقبي، 236 .
3- (3) الشريف الرضي، نهج البلاغة، 2/ 157 . وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 13/ 197 .
4- (4) بن أبي طالب، امه حميدة بنت مسلم بن عقيل، وكان منكر الحديث لا يحتجون بحديثه وكان كثیر العلم وقد قدم على هشام بن عبد الملك فأمر له بأربعة ألف أو نحوها، وكانت وفاته سنة 145 ه-. ينظر: ابن سعد، الطبقات، 7/ 481 - 482
5- (5) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 357 .

سمى ابنه الآخر باسم جعفر ثم جاء رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله و سلم) وغیر هذه الأسماء. أي إن الإمام الحسن (علیه السلام) بقي سنة أو أكثر باسم حمزة ثم غیره، وكذلك الإمام الحسین بقي فترة لا نعرفها باسم جعفر ثم غیره رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى الحسین (علیه السلام) ولم تبین الرواية سبب هذا التغيیر ولم ترد بهذا الخصوص.

والصحيح هو أن الإمامین (علیهم السلام) سميا باسميهما الحسن والحسین منذ ولادتهما أو في اليوم السابع من ولادتهما.

وخلاصة القول: إن تسمية الإمام الحسن والحسین (علیهماالسلام) جاءت بأمر من السماء، ودليل ذلك قول رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم): ((ولا أنا سابق ربي فهبط جبريل(علیه السلام)...))(1) وهذا ما أكّده ابن سعد عندما قال: ((عن عمران بن سليمان ان الحسن والحسین اسمان من أسماء أهل الجنة لم يكونا في الجاهلية))(2)، ثم إن اللّه سبحانه وتعالى حجب اسم الحسن والحسین حتى سمى بها النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ابنيه(3).

وعقّ النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عنه بكبش(4)، وقيل عق النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عن الإمام الحسن (علیه السلام) بكبش وحلق رأسه وأمر ان يتصدق بزنته فضة على الأوفاض(5))(6).

وذكر ابن سعد رواية عن علي بن الحسین قال:لما ولدت فاطمة (علیهاالسلام) حسنا

ص: 120


1- (1) المحب الطبري، ذخائر العقبي، 209 - 210
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 357 .
3- (3) ابن الأثیر: أبو الحسن عز الدين علي بن محمد (ت 630 ه- / 1232 م)، أسد الغابة في معرفة الصحابة، دار الكتاب العربي – بیروت، د. ت، 2/ 9.
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 353 .
5- (5) الاوفاض: الضعفاء من الناس الفقراء الذين لا دفاع بهم. وقيل أراد بهم أهل الصفة. ينظر: مسعود: جبران، المعجم الرائد، ط 7، دار العلم للملايین، بیروت، 1992 م، ص 155 .
6- (6) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 355 .

(علیه السلام) قالت يا رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أعق عن ابني بدم؟ قال: لا. ولكن احلقي رأسه وتصدّقي بوزن شعره من الورق على المساكين، أو على كذا يعني أهل الصفة. فلما ولدت حسنا فعلت مثل ذلك(1).

ويظهر من هذا النص أن منع رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) للسيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) من أن تعق عن ابنها الحسن (علیه السلام) يحتمل أنه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عقّ عنه ثم استأذنته السيدة الزهراء(علیهاالسلام) أن تعق هي عنه فمنعها، وربما يكون المنع لضيق ما عندهم حينئذ فأرشدها إلى نوع من الصدقة أخف وأيسر(2)، وكان الإمام الحسن (علیه السلام) أشبه الناس برسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، فقد ورد عن إسماعيل بن أبي خالد(3)، قال: قلت لأبي جحيفة(4) رأيت النبي

ص: 121


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 354 .
2- (2) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري في شرح صحيح البخاري، 9/ 515 .
3- (3) هو أبو عبداللّه النخعي الكوفي مولى لبني أحمس، وكان أصغر من إبراهيم النخعي بسنتين وكان ذا علم كثیر ورأى ستة ممن رأى النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقد رأى أنس بن مالك وعبد اللّه بن أبي أوفى وأبا كاهل وأبا جحيفة وعمرو بن حريث وطارق بن شهاب وثقة ابن حبان وابن شاهين، توفي في الكوفة سنة 146 ه- وقيل 145 ه-.ينظر ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 463 - 464 ؛ ابن معین: أبو زكريا يحيى بن معین بن عون المري (ت 233 ه- / 847 م)، تاريخ ابن معین، برواية الدارمي، تح: الدكتور أحمد محمد نور سيف، دار المأمون للتراث – دمشق، 2/ 17 ؛ ابن حبان، مشاهير علماء الامصار، ص 178 ؛ ابن شاهين: عمر بن شاهين (385 ه-)، تاريخ أسماء الثقات، تحقيق: صبحي السامرائي،ط 1، دار السلفية – تونس، 1404 ه-، ص 26 .
4- (4) هو وهب بن عبداللّه من بني سواءة الكوفي ويقال له وهب الخیر، قبض رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ولم يكن قد بلغ الحلم، وكان صاحب شرطة الإمام علي(علیه السلام) وجعله الإمام (علیه السلام) على مال بيت المسلمين، وإذا خطب الإمام يقوم تحت المنبر، شهد مع الإمام علي (علیه السلام) مشاهده كلها، مات في ولاية بشر بن مروان سنة 74 ه-. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 550 ؛ ابن خياط، طبقات خليفة بن خياط، ص 110 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 4/ 1619 - 1620 ؛ الذهبي، سیر أعلام النبلاء، 3/ 203 - 203 .

(صلی اللّه علیه و آله و سلم)؟ قال: نعم. كان أشبه الناس به الحسن بن علي(1).

وعن أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب(علیه السلام) قال: الحسن أشبه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مابین الصدر إلى الرأس والحسین أشبه النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ما كان أسفل من ذلك. وقال ابن عباس: إن الحسن بن علي يشبه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)(2) .

وعن عقبة بن الحارث(3) قال: إني لمع أبي بكر إذ مرّ على الحسن بن علي فوضعه على عنقه ثم قال:

بأبي شبه النبي***ليس شبيها بعلي(4)

وقيل: إن السيدة الزهراء (علیهاالسلام) هي من قالت هذا القول بحق الحسن (علیه السلام)(5) .

وهذا هو الأقرب إلى الواقع، لأن رواية ابن سعد في هذا الموضوع تقول: إن أبا بكر رأى الإمام الحسن (علیه السلام) بعد وفاة الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وحمله على عنقه، وهذا مستبعد اذا ما نظرنا إلى عمر الإمام (علیه السلام) الذي كان عمره آنذاك ثمان سنوات أو أكثر، ثم إن طبيعة علاقة البيت النبوي بابي بكر غدت سلبية بعد أحداث مصادرة الحق السياسي والاقتصادي لأهل البيت (علیهم السلام) .

ص: 122


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 357 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 358 - 359 .
3- (4) هو أبو سروعة بن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصي القرشي، سكن مكة أسلم يوم الفتح، شرب الخمر مع عبدالرحمن بن عمر بن الخطاب بمصر وهو من قتل خبيب بن عدي. ينظر: ابن سعد، الطبقات، 6/ 45 ؛ ابن حبان، مشاهير علماء الامصار، 64 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 1072/3 ؛ ابن الأثیر، أسد الغابة، 3/ 415 .
4- (5) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 358 .
5- (6) ابن حنبل، مسند أحمد، 6/ 283 . وينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 1/ 539 ؛ ابن كثیر، البداية والنهاية، 8/ 37 .

أما عن علاقة الإمام الحسن برسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقد عاش الإمام الحسن (علیه السلام) مع جده رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أكثر من سبع سنوات وقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بحقه الكثیر من الأحاديث، فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه حسن وحسین سيدا شباب أهل الجنة، وعن البراء بن عازب(1) قال: (قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) للحسن اللهم إني قد أحببته فاحبه، واحب من يحبه). (وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يقول من أحب الحسن والحسین فقد احبني ومن أبغضها فقد أبغضني)(2).

لكن ابن سعد قد أورد بعض الأحاديث التي ظاهرها مدح وباطنها ذم، نذكر منها

الحديث الأول:

عن ابن عباس قال: (إن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كان حامل الحسن بن علي على عاتقه فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غلام فقال النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ونعم الراكب هو)(3).

وهنا نضع هذه الملاحظات على هذا الحديث.

إن الرواية تبین أن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كان حامل الإمام الحسن (علیه السلام) على عاتقه

ص: 123


1- (1) هو أبو عمارة أو الطفيل ابن عازب ابن الحارث الأنصاري من بني حارثة استصغره رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ولم يسمح له بالمشاركة لانه لم يبلغ الحلم بعد، وكان من أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وأصحاب أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب (علیه السلام)، وكان رسول الإمام علي (علیه السلام) إلى الخوارج يدعوهم إلى الطاعة، مات في المدينة أيام مصعب بن الزبير.ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى،139/8 ؛ الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، 1/ 188 - 189 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 156 ؛ البرقي: أبو جعفر أحمد بن أبي عبداللّه (ت 274 ه-/ 887 م)، رجال البرقي، تح: جواد القيومي، ط 1، طهران، 1419 ه-، الرجال، ص 4.
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 362 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 360 .

وتصور النبي على أنه مركب والذي كان في ذلك الوقت يطلق على الدابة وحاشاه ان يكون كذلك وهو سيد البشر ورسول السماء.

ثم إن الرواية لم تصرح باسم هذا الرجل الذي قال نعم المركب ركبت يا غلام.

أما سند هذه الرواية فأنها رويت عن سلمة بن وهرام، فقد قال عنه ابن حنبل(1) روي عنه زمعة احاديث مناكیر أخشى أن يكون حديثه حديث ضعيفٍ. وضعفه العقيلي(2). وضعفه ابن أبي حاتم(3). وجعله ابن حبان(4) في الثقات. ووثقه ابن معین (5).

الحديث الثاني:

عن أبي بكرة(6) قال: إن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كان يصلي، فإذا سجد وثب الحسن على ظهره، أو قال على عنقه فيرفع رأسه رفعا رقيقا لئلا يصرع! فعل ذلك غیر

ص: 124


1- (1) العلل، 2/ 527 .
2- (2) الضعفاء، 2/ 94 .
3- (3) الجرح والتعديل، 4/ 175 .
4- (4) الثقات، 6/ 399 .
5- (5) تاريخ ابن معين، 1/ 68 .
6- (6) أبو بكرة: هو نفيع بن مسروق الثقفي البصري وهو أخو زياد بن أبيه لأمه، وسُمِي أبو بكرة لأنه تدلى إلى النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يوم الطائف بواسطة بكرة فكنى بها، كان عبدا فأعتقه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ولما ادعى معاوية زياد نهاه أبو بكرة عن ذلك فابى زياد واجاب معاوية فحلف أبو بكرة أن لا يكلمه أبدا، وكان من فضلاء الصحابة وصالحيهم وكان كثیر الصلاة والعبادة، روى عن عثمان النهدي والاحنف بن قيس والحسن البصري، مات سنة 52 ه- أيام زياد ابن ابيه. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 9/ 15 - 16 ؛ ابن الأثیر، أسد الغابة، 5/ 38 و 151 .

مرة، فلما قضى صلاته قالوا: يا رسول اللّه رأيناك صنعت بالحسن شيئا ما رأيناك صنعته بأحد فقال إنه ريحانتي من الدنيا وإن ابني هذا سيد وعسى اللّه أن يصلح به بین فئتین من المسلمين(1).

والذي يستوقفنا في هذه الرواية

إذا نظرنا إلى هذه الحادثة نظرة عقائدية وطرحنا سؤالا متى يكون المعصوم معصوما؟ هل يكون منذ ولادته أم عندما يكبر؟. الجواب موجود في القرآن الكريم قال تعالى: (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا)(2) وقال تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(3)

هذا يعني أن المعصوم يكون معصوما منذ ولادته، اذن صعود الإمام الحسن (علیه السلام) على ظهر النبي(صلی اللّه علیه و آله و سلم) يتقاطع مع هذه العصمة لأن تصرف الإمام بهذه الطريقة يدل على عدم إدراك الإمام الحسن (علیه السلام) لما كان يفعله الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وهو أعظم شي في الإسلام إلا وهو الصلاة (4).

هنا نقول من غیر الممكن أن يتصرف الإمام الحسن (علیه السلام) بهذه الطريقة التي لا يعملها طفل بسيط. إذًا فهذه الرواية من ضمن الروايات التي ظاهرها مدح وباطنها ذم.

ص: 125


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 361 .
2- (2) سورة مریم، الآیتان 29-30.
3- (3) سورة مريم، الآية 12 .
4- (4) النصر اللّه: جواد كاظم، النبوة والإمامة في عصر التأسيس ضرورة التلازم ووحدة المسار، الندوة العلمية التي اقامتها مؤسسة علوم نهج البلاغة، كربلاء، 2017 .

هذا وعلّمه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الكثیر من الأدعية ومن هذه الأدعية دعاء يذكره في القنوت: ((اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت فانك تقضي ولا يقضى عليك فإنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وتعاليت))(1).

أما عن أسلوب الخطابة الذي كان يتمتع به (علیه السلام) ومدى احترامه لأبيه الإمام علي (علیه السلام) فعن علي (علیه السلام) قال: قم فاخطب الناس يا حسن فقال له الإمام الحسن (علیه السلام) إني أهابك أن أخطب وأنا أراك فتغيب عنه حيث يسمع كلامه ولا يراه فقام الحسن (علیه السلام) فحمد اللّه واثنى عليه وتكلم ثم نزل(2) وذكر الإمام علي(علیه السلام) (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(3) .

إلا أن ابن سعد أورد روايتين تخالفان هذا المقام للإمام الحسن (علیه السلام)

الرواية الأولى:

(عن هبیرة بن يريم قال: قيل لعلي هذا الحسن بن علي في المسجد يحدث الناس فقال: طحن إبل لم تعلم طحنا. قال: وما طحنت إبل قط يومئذ)(4)

إن هذا القول من الأقوال التي فيها طعن بحق الإمام الحسن (علیه السلام)، فيقول: طحن إبل يعني ضربها في الرمال، وهو معنى مجازي عن قلة المعرفة والتجربة كما الإبل الصغیرة التي لا تطحن في الرمال كما الإبل الكبیرة.

ص: 126


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 364 - 365 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 367 .
3- (3) سورة ال عمران، الآية 34 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 367 .
الرواية الثانية:

(عن معد يكرب: إن عليا مرّ على قوم قد اجتمعوا على رجل فقال: من هذا؟ قالوا الحسن. قال طحن إبل لم تعود طحنا إن لكل قوم صدادا وإن صدادنا الحسن)(1).

الذي يستوقفنا في هذه الرواية:

إن الرواية تظهر أن الإمام (علیه السلام) لم يعرف ابنه الإمام الحسن (علیه السلام) وهذا كلام غیر دقيق فكيف لا يعرف ابنه؟!!.

أما عن قول الإمام علي (علیه السلام) ((طحن ابل لم تعود طحنا)) الذي معناه أن كلام الإمام الحسن (علیه السلام) ضعيف ورَديء، وقوله: (إن لكل قوم صدادا وإن صدادنا الحسن) أي إن في كل عائلة أو جماعة شخصًا ضعيفًا وضعيفنا الحسن، وهذا كلام غیر دقيق بحق الإمام الحسن ومخالف للروايات التاريخية المعتبرة، فعن المفضل بن عمر قال:قال الصادق (علیه السلام) (ت 148) حدثنا أبي عن ابيه (علیهماالسلام) ان الحسن بن علي بن أبي طالب (علیهم السلام) ((كان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم وأفضلهم، وكان أصدق الناس لهجة وافصحهم منطقا))(2)

وخلاصة القول: لقد تعرض أئمة أهل البيت (علیهم السلام) للطعن عبر التاريخ ومنهم الإمام الحسن (علیه السلام) الذي اتهم بالضعف السياسي وعدم الهمة وإنه كان همّه النساء والطعام لذلك تزوج ما يقرب من ثلاثمائة امرأة، ومات بسبب البطنة، وهمهم من ذلك أن الائمة (علیهم السلام) ليسوا بأهل لقيادة الأمّة لذلك قام

ص: 127


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 367 .
2- (2) الصدوق: أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن بن بابويه القمي (ت 381 ه- / 991 م)، الأمالي. تح: قسم الدراسات الإسلامية، ط 1، مؤسسة البعثة – قم المقدسة، 1417 ه-،ص 140 .

الإمام الحسن (علیه السلام) بالتنازل عن الحكم لمعاوية لأنّه ليس أهلا لذلك.

إن هذه الروايات وأمثالها وضعها الإعلام العباسي، بأمر من أبي جعفر المنصور لمواجهة الحسنيين الثائرين ضد العباسيين، لتجريدهم من سلاح قوي بيدهم وهو التاريخ المشرق لأبيهم الإمام الحسن (علیه السلام) وجدهم الإمام علي (علیه السلام). ثم إن هؤلاء الحسنيون كانوا يقاتلون ليس لأجل السلطة بل لأجل المظلومین وهذا ما أكَّدَته أقوالهم، فقد روي أن محمد بن عبداللّه بن الحسن أرسل رسالة إلى المنصور قال فيها: ((وإنما ادعيتم هذا الأمر بنا، وخرجتم له بشيعتنا وحطيتم بفضلنا، وان

ابانا عليا كان الوصي، وكان الإمام، فكيف ورثتم ولايته وولده احياء، ثم علمت انه لم يطلب هذا الأمر احد له مثل نسبنا وشرفنا وحالنا وشرف ابائنا))(1)

الحسين بن علي (علیه السلام)

هو أبو عبداللّه الحسین بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي وامه فاطمة بنت رسول اللّه (علیهاالسلام) وكانت ولادته (علیه السلام) في ليال خلون من شعبان سنة اربع من الهجرة(2).

واذن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في أذني الحسین (علیه السلام) جميعا بالصلاة(3)، وعقّ رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عن الحسین (علیه السلام) بكبش(4) وحلقت السيدة الزهراء (علیهاالسلام) رأس الإمام الحسین (علیه السلام) ووزنت ذلك الشعر فتصدقت بزنته فضه(5)، ولما ولد

ص: 128


1- (1) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 6/ 196 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 399 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 400 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 353 .
5- (5) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 354 .

الحسین (علیه السلام) جاءت به السيدة الزهراء (علیهاالسلام) إلى النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال: هذا احسن من هذا فشق له من اسمه فقال هذا حسین(1).

وعاش الإمام الحسین (علیه السلام) ما يقرب من سبع سنين تحت رعاية جده رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الذي قال بحقه كثیر من الأحاديث. منها: ((حسین مني وأنا منه أحب اللّه من أحب حسينا، حسین سبط من الأسباط))(2). وقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم): ((من أحب الحسن والحسین فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني))(3). وقال أيضا: ((الحسن والحسین سيدا شباب أهل الجنة))(4).

وبعد وفاة جده رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) حظي الإمام الحسین (علیه السلام) برعاية ابيه الإمام علي (علیه السلام) وأمه السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) .

أما عبادته (علیه السلام) فقد حج الحسین بن علي (علیه السلام) خمسا وعشرين حجة ماشيا ونجائبه تقاد معه(5) وكان للإمام الحسین (علیه السلام) دعاء خاص في القنوت في صلاة

ص: 129


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 357 .
2- (2) ابن سعد الطبقات الكبرى، 6/ 405 . وينظر:ابن أبي شيبة: عبداللّه بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان الكوفي (ت 235 ه- / 849 م)، المصنف في الأحاديث والأخبار: تح: سعيد اللحام، ط 1، دار الفكر – بیروت 1409 ه-/ 1989 م، 7/ 15 ؛ الحاكم، المستدرك، 3/ 177 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 404 . وينظر: ابن ماجه: الحافظ عبد اللّه بن يزيد القزويني (ت 275 ه- / 889 م)، سنن ابن ماجة، تح: محمد فؤاد الباقي،ط 2، دار الفكر – بیروت، 1/ 51 ؛أبو يعلى: أحمد بن علي بن المثنى التميمي (ت 307 ه- / 922 م)،مسند أبي يعلى، تح: حسین سليم أسد،ط 2، دار المأمون للتراث، 1407 ه-، مسند أبو يعلى، 11/ 78 ؛ القاضي النعمان، شرح الاخبار، 3/ 76 .
4- (4) ابن، سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 405 .
5- (5) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 410 .وينظر: ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 14 / 180 ؛ ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الامم والملوك، 5/ 349 .

الوتر يقرأ فيه: ((اللهم إنك تَرى ولا تُرى وأنت بالمنظر الأعلى وإن لك الآخرة والأولى وإنا نعوذ بك من أن نذل ونخزى))(1).

أما علمه (علیه السلام) فقد ذكر ابن سعد عن أبي سعيد الكلبي قال: (قال معاوية لرجل من قريش: اذا دخلت مسجد رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فرأيت حلقة فيها قوم كأن على رؤوسهم الطیر فتلك حلقة أبي عبداللّه مؤتزرا على انصاف ساقيه ليس فيها من الهزيلا شيء)(2).

وقد عاش الإمام الحسین (علیه السلام) جميع المحن والشدائد التي مرت على أصحاب الكساء بعد شهادة رسول اللّه (علیه السلام) وحتى شهادته (علیه السلام) التي أخبر بها رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وأهل البيت (علیهم السلام) قبل أن تحدث، فقد روي عن أم سلمة قالت: إن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أخبرني بأن أخبره جبريل ((أن ابني الحسین (علیه السلام) يقتل بأرض العراق،فقلت لجبريل: أرني تربة الأرض التي يقتل بها؟ فجاء بتربة منها فقال هي التربة التي يقتل بها))(3).

وعن الشعبي قال: قال علي (علیه السلام) وهو على شاطئ الفرات: صبرا أبا عبد اللّه ثم قال دخلت على رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، وعيناه تفيضان فقلت أحدث حدث؟ فقال: أخبرني جبريل أن حسينا يقتل بشاطئ الفرات ثم قال: أتحب أن أُريك من تربته؟ قلت نعم. فقبض قبضة من تربتها فوضعها في كفي فما ملكت عيني أن فاضتا(4).

ص: 130


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 413
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 414 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 417 .وينظر: الضحاك، الآحاد والمثاني، 1/ 310 ؛ الطبراني، المعجم الكبیر، 3/ 110 ؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك، 4/ 398 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 419 .

اما عن مكان استشهاد الإمام الحسین (علیه السلام) فقد تنبأ الإمام علي (علیه السلام) عن ذلك المكان فقال: عندما رجع من صفین ووصل إلى مكان، سأل عن اسم هذا المكان، فقيل له هذه كربلاء، فقال (علیه السلام): كرب وبلاء، ثم جلس وقال: هاهنا يقتل قوم افضل شهداء على وجه الأرض لا يكون شهداء رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)(1) .

وكانت شهادته (علیه السلام) يوم الجمعة يوم عاشوراء في المحرم سنة إحدى وستين هجرية، وكان عمره يومئذ ستًا وخمسین سنة وخمسة أشهر(2). وكان أول رأس رفع على خشبة رأس الحسین، وهو أول رأس رفع في الإسلام(3).

زينب الكبرى (علیهاالسلام)

(4)

بنت علي بن أبي طالب وأمّها فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)(5) أدركت النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وولدت في حياته(6) وكانت ولادتها في السنة الخامسة للهجرة على أشهر الروايات في الخامس من جمادي الأولى، وقد سماها رسول اللّه زينب مثلا فعل مع أخويها الحسن والحسین(علیهم السلام)، أما كنيتها فكانت تكنى بأم الحسن وأم كلثوم، وكان لقبها البارز هو العقيلة(7) وعاشت تحت ظلِّ جدّها رسول

ص: 131


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 419 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 441
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 446 .
4- (4) زينب: هي شجر حسن النظر طيب الرائحة وبه سميت المرأة. ينظر: ابن منظور، لسان العرب،453/1
5- (5) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 431 .
6- (6) ابن الأثير، أسد الغابة، 7/ 134 .
7- (7) أبو الفرج الاصفهاني: علي بن الحسین (ت 356 ه- / 966 م)، مقاتل الطالبین، قدم له واشرف على طبعة: كاظم المظفر، ط 2، مؤسسة دار الكتاب – قم المقدسة، منشورات المكتبة الحيدرية – النجف الأشرف، 13 85 ه- / 1965 م، ص 95 .

اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مدة خمس أو ست سنوات، وبذلك تعد السيدة زينب (علیهاالسلام) من الصحابيات وبعد شهادة رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وشهادة أمها الزهراء (علیهاالسلام)، عاشت تحت ظل والدها أمیر المؤمنین (علیه السلام) .

ولما بلغت صلوات اللّه عليها مبلغ النساء خطبها الإشراف من العرب ورؤساء القبائل فكان أمیر المؤمنین (علیه السلام) يردهم ولم يجب أحدا منهم في أمر زواجها، وذات يوم خطبها الأشعث بن قيس(1) فرده أمیر المؤمنین (علیه السلام) وقال له أغّرك ابن أبي قحافة زوجك أُخته (2). وكان أبو بكر قد زوج أخته أم فروة بنت أبي قحافة من الأشعث بن قيس الكندي(3). وكان الأشعث من ضمن المرتدين بعد وفاة رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الذين اسروا أيام أبي بكر وأمر بإطاق سراحهم(4).

زوجها أمیر المؤمنین (علیه السلام) من ابن عمها عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب فولدت له عليا وعونا الأكبر وعباسا ومحمدًا وأم كلثوم(5).

وذكر ابن سعد أن عبد اللّه بن جعفر قد تزوج - مع السيدة زينب - ليلى بنت

ص: 132


1- (1) هو أبو محمد الأشعث بن قيس بن معدي الكندي، كان في الجاهلية رئيسا مطاعًا سكن كندة، اسلم وكان وجيهًا في قومه، ثم ارتد عن الإسلام بعد وفاة النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، ثم رجع إلى الإسلام أيام أبي بكر، كان من المحرضین والمعاونین على قتل أمیر المؤمنین (علیه السلام)، توفي سنة 42 ه-. ينظر: المفيد، الإرشاد، 1/ 19 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 133- 134 ؛ ابن الأثیر، أسد الغابة، 37/4 ؛ المزي، تهذيب الكمال، 3/ 286 .
2- (2) ابن عبد ربه: أبو عمر أحمد بن محمد الأندلسي (ت 328 ه- / 939 م)، العقد الفريد، تح: أحمد الزين وإبراهيم الايباري، ط 1، دار الأندلس، بیروت. العقد الفريد، 6/ 106 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 237 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 235 ، 8/ 145 .
5- (5) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 431 .

مسعود، وكانت زوجا للإمام علي (علیه السلام)(1)

أم كلثوم الكبرى
اشارة

ابنة علي بن أبي طالب (علیه السلام)، وأُمها السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) بنت رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)(2).

اما عن زواجها فقد أورد ابن سعد ثلاث روايات بهذا الصدد وسوف نناقش كل رواية بصورة مستقلة:

الرواية الأولى:

قال في ترجمتها: ((تزوجها عمر بن الخطاب وهي جارية لم تبلغ،فلم تزل عنده إلى أن قتل، وولدت له زيد بن عمر، ورقية بنت عمر، ثم خلف على أم كلثوم بعد عمر عون بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب فتوفي عنها، ثم خلف عليها أخوه محمد بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب فتوفي عنها، فخلف عليها أخوه عبداللّه بن جعفر بن أبي طالب بعد أختها زينب بنت علي بن أبي طالب، فقالت أم كلثوم: إني لأستحي من أسماء بنت عميس، ان ابنيها ماتا عندي وإني لأتخوف على هذا الثالث. فهلكت عنده، ولم تلد لاحد منهم شيئا))(3).

يمكن لنا أن نضع عدت ملاحظات حول هذه الرواية

قوله بأنها تزوجت عمر وهي جارية لم تبلغ. هذا يعني أنها تزوجت وعمرها ثمان سنوات على فرض أن ولادتها في السنة السادسة للهجرة(4) وكان الزواج

ص: 133


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 432 .
2- (2) ابن سعد الطبقات الكبرى، 10 / 429
3- (3) ابن سعد، الطبقات، الكبير 10 / 429 - 430 .
4- (4) الذهبي، سير أعلام النبلاء، 3/ 500 .

المزعوم في السنة السابعة عشرة للهجرة. هنا نطرح سؤالً لماذا زوّج الإمام علي ابنته في هذا العمر؟ وهل كان الإمام (علیه السلام) جاهلًا بالأحكام الشرعية وبسن الزواج؟ حاشاه أن يكون كذلك وهو القائل ((سلوني عن كتاب اللّه فانه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل))(1)، وقول عمر ((علي اقضانا))(2) فكيف يكون اقضاهم ويزوج ابنته وهي صغیرة؟!.

أما زواجها من عون ومحمد ابني جعفر بن أبي طالب فإنه مردود اذا ما علمنا أن زواجها من عمر كان في السنة الرابعة عشرة للهجرة على فرض أنه تزوجها وهي لم تبلغ وبقيت عنده إلى مقتله سنة 23 ه-، وإن شهادة عون ومحمد قد كانت في سنة 17 ه- في معركة تستر(3) فكيف تزوجها عون ثم محمد؟.

أما ما ذكره من أنها قد تزوجت ابن عمها عبداللّه بن جعفر بعد اختها السيدة زينب (علیهاالسلام) فهذا مردود أيضا لأن السيدة زينب توفيت بعد واقعة الطف، وقد ذكر ابن سعد أن عبداللّه ابن عمر هو من صلى على أم كلثوم عندما توفيت، وصلى خلفه الحسن والحسین (علیهماالسلام) ومحمد بن الحنفية وعبداللّه بن عباس وعبداللّه بن جعفر(4). هذا يعني أن وفاتها كانت قبل شهادة الإمام الحسن (علیه السلام)فتكون وفاتها (علیهاالسلام) قبل 49 ه- أو 50 ه-(5). فكيف تزوجها عبداللّه بن جعفر بعد أختها زينب؟.

ص: 134


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 292 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 293 .
3- (3) ابن حجر، الاصابة في تمييز الصحابة، 3/ 44 ، 372 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 431 .
5- (5) الاميني، اعيان الشيعة، 13/ 12 .
الرواية الثانية:

((عن جعفر بن محمد عن أبيه، أن عمر بن الخطاب قد خطب إلى علي بن أبي طالب (علیه السلام) ابنته أم كلثوم، فقال علي(علیه السلام): ((إنما حبست بناتي على بني جعفر))، فقال عمر: انكحنيها يا علي فواللّه ما على ظهر الأرض رجل يرصد من حسن صحابتها ما أرصد فقال علي (علیه السلام): قد فعلت. فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين بین القبر والمنبر، وكانوا يجلسون، ثم علي وعثمان والزبیر وطلحة وعبد الرحمن بن عوف، فإذا كان الشيء يأتي عمر من الآفاق جاءهم فاخبرهم ذلك واستشارهم فيه، فجاء عمر فقال: رفئوني. فرفؤوه وقالوا: بمن يا أمیر المؤمنین؟ قال بابنة علي بن أبي طالب.ثم أنشأ يخبرهم فقال: إن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قال كل نسب وسبب منقطع

يوم القيامة إلا نسبي وسببي، وكنت قد صحبته فأحببت أن يكون هذا أيضا))(1).

وهنا نضع ملاحظات عدّة على هذه الرواية:

ذكرت الرواية أن الإمام عليًا (علیه السلام) قد رفض أن يزوّج ابنته من عمر، وذلك لأنه أراد أن تكون بناته لأولاد جعفر بن أبي طالب. فهنا نطرح سؤالًا: من هم أولاد جعفر؟ فقد ذكر ابن سعد أولاد جعفر فقال: ولد لجعفر عبداللّه وكان يكنى به ومحمد وعون لا عقب لهما وولدوا جميعا في أرض الحبشة عندما كان مهاجرًا إليها(2). فأما عبداللّه فكان زوجًا للسيدة زينب (علیهاالسلام)(3)، وأما محمد وعون فقد استشهدا في معركة تستر(4) سنة 17 ه-(5) هي السنة نفسها التي خطب بها عمر أم

ص: 135


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 430 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/ 31.
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 431 .
4- (4) ابن حجر، الاصابة، 3/ 44 ، 372 .
5- (5) الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 174 .

كلثوم من الإمام علي (علیه السلام) .

إن قول عمر في مجلس المهاجرين عندما رفض الإمام (علیه السلام) أن يزوجه أم كلثوم، قال: رفئوني فرفأه القوم، وهذه العبارة هي من رسوم الجاهلية، وقد نهى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عنه. إذ روي عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عندما زوج فاطمة (علیهاالسلام) من أمیر المؤمنین (علیه السلام) قالوا له بالرفاه والبنین فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لا بل على الخیر والبركة(1).

أما قول عمر عن النسب والصلة برسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ألم يكن زواج النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بحفصة بنت عمر كافيا لتحقيق النسب والصلة بينه وبین النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وفقا لما احتج به عمر؟(2).

الرواية الثالثة:

((عن عطاء الخراساني أن عمر أمهر أم كلثوم بنت علي أربعین ألفًا. قال محمد بن عمر وغیره: لما خطب عمر ابن الخطاب إلى علي ابنته أم كلثوم قال: يا أمیر المؤمنین إنها صبية. فقال: إنك واللّه ما بك ذلك ولكن قد علمنا ما بك. فأمر علي بها فصنعت ثم أمر برد فطواه وقال: انطلقي بهذا إلى أمیر المؤمنین فقولي أرسلني أبي يقرئك السلام ويقول إن رضيت البرد فأمسكه وإن سخطته فرده فلما أتت عمر قال بارك اللّه فيك وفي أبيك قد رضينا قال فرجعت إلى أبيها فقالت: ما نشر البرد ولا نظر إلا إلي. فزوجها إياه فولدت له غلاما يقال له زيد))(3).

ص: 136


1- (1) ابن حنبل، مسند أحمد، 3/ 451 .
2- (2) العاملي: جعفر مرتضى، ظلامة أم كلثوم، ط 1، المركز الإسلامي للدراسات، بیروت، 2002 م، ص72.
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 430 .

وهنا نضع ملاحظات عدّة على هذه الرواية تتبلور في الآتي:

إن الرواية تقول بأن الإمام عليًا (علیه السلام) اعتذر عن تزويج السيدة أم كلثوم بسبب صغر سنها وأنها صبية. فلماذا تغیر رأيه وأرسلها إليه وعرضها عليه؟ فهل كان الإمام (علیه السلام) يكذب حينما قال: إنها صبية؟ حاشاه أن يفعل ذلك. وهو القائل (واللّه ما كذبت ولا كذبت ولا ظللت ولا ضل بي...)(1) وهل خاف الإمام (علیه السلام) من عمر وغیر رأيه بعد أن هدده عمر؟ حاشاه أن يكون كذلك كما أنه لا يمكن أن يصمد هذا الأمر مع شجاعة الإمام علي(علیه السلام) وهو القائل: (والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون عليَّ من ميتة على الفراش في غیر طاعة اللّه)(2).

المهر: لماذا يعطي عمر هذا المهر الكثیر لأم كلثوم والذي قال ابن سعد بأنه أربعن الفا ولم يحدد دينارا أم درهما؟ وسواء كان دينارًا أم درهما فإنه يعد من المهور العالية ونحن نعلم بأن عمر قد حارب ارتفاع مهور النساء، بقوله (لا تغالوا صداق النساء...)(3)

ثم إن الرواية تذكر بأن الإمام عليًا (علیه السلام) أمر بابنته(فصنعت) ثم أمر (ببرد)(4) فطواها بها وقال انطلقي إلى عمر فقولي له: إني أرسلني أبي أليك ويقول ان رضيت البرد فأمسكه وإن سخطته فرده فلما أتت عمرًا قال: بارك اللّه فيك وفي أبيك قد رضينا. هنا نقول هل يصدر مثل هذا الفعل من الإمام علي (علیه السلام) بأن

ص: 137


1- (1) الطوسي، أمالي الطوسي، 251 .
2- (2) الحر العاملي: محمد بن الحسن، (ت 1104 ه-)، وسائل الشيعة، تح: مؤسسة ال البيت لأحياء التراث، ط 2، قم، 1414 ه-، 15 / 14 .
3- (3) ابن ماجة، سنن ابن ماجة، 1/ 607 .
4- (4) مسعود، معجم الرائد، ص 169 .

يرسل ابنته إلى عمر وهو اجنبي بالمقاييس الشرعية؟ هذا مستبعد كثیرًا لأن هذا العمل القبيح لا يقوم به إنسان ذو عقل ودين وهذا لا يُفعل مع جارية أو أمَة فكيف يصنع الإمام علي (علیه السلام) بابنته؟! حاشاه أن يفعل مثل هكذا فعل. وهو الذي كان إذ أخرج ابنته السيدة زينب إلى قبر جدها رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يخرجها ليلا ويخفت القناديل لكي لايرى الرجال خيالها وكان الحسن (علیه السلام) عن يمينها والحسین (علیه السلام) عن شمالها وهو (علیه السلام) أمامها(1) أما سند الرواية فقد رويت هذه الرواية عن عطاء الخراساني الذي وصفه ابن حبان بأنه رديء الحفظ، كثیر الوهم، يخطئ لا يعلم، فحمل عنه وكانت روايته لا يحتج بها(2). ووصفه البخاري بانه ضعيف(3) وقد ذكر الذهبي أنه، قال: إسماعيل بن عياش قلت لعطاء الخراساني من ابن معاشك قال: من صلة الأخوان وجوائز السلطان (4).

ثانيا: زوجاته (علیه السلام) الأخريات وأولاده

أمامة بنت أبي العاص:

بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، أمَّا أمها فقد ذكر ابن سعد بأنّها زينب بنت رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وأمها خديجة بنت خويلد بن اسد بن

ص: 138


1- (1) المفيد، الارشاد، 1/ 354 ؛ الاربلي، كشف الغمة، 2/ 67 .
2- (2) ابن حبان، المجروحين، 2/ 130 - 131.
3- (3) البخاري: أبو عبد اللّه محمد بن إسماعيل الجعفي (ت 256 ه- / 869 م)، الضعفاء الصغیر، تح: محمد ابراهيم زايد، ط 2، دار المعرفة – بیروت، 1406 ه-/ 1986 م، ص 93 - 94 .
4- (4) الذهبي، ميزان الاعتدال، 3/ 73 - 75 .

عبد العزى بن قصي(1)، وهنا نتفق مع أحد الباحثین(2) والقائل: بأن زينب لم تكن بنتا لرسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، وإنما هي أحدى ربائبه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) اللواتي تربین في بيته (صلی اللّه علیه و آله و سلم) .

وكان الإمام (علیه السلام) قد تزوج منها بعد وفاة السيد الزهراء (علیهاالسلام) واستشهد الإمام (علیه السلام) ولم تلد له شيئا(3) إلا أن ابن سعد في نصا آخر ذكر أنها ولدت للإمام (علیه السلام) محمد الأوسط وهو الأصح لان جملة من المؤرخین ذكروا ذلك(4).ثم يكمل ابن سعد الرواية بقوله: (فخلف عليها المغیرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب)(5).

فإذا ما رجعنا إلى ما ذكره المؤرخون فإننا نجد خلاف هذا القول فقد ذكر ابن

ص: 139


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 18 ؛ 10 / 39 و 220 .
2- (2) العاملي: جعفر مرتضى، بنات النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أم ربائبه؟، ط 2، المركز الإسلامي للدراسات، بیروت، 1423 ه-/ 2002 م، ص 60 - 62 ؛ الصحيح من سیرة الإمام علي (علیه السلام)، 270/1 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 221 .
4- (4) ابن طلحة الشافعي: كمال الدين محمد (ت 652 ه- / 1254 م)، مطالب السؤول في مناقب ال الرسول (علیهم السلام) تح: ماجد بن أحمد العطية، ط 1، نشر مؤسسة أم القرى – بیروت، 1420 ه-، ص 313؛ أبو الفدا: عماد الدين إسماعيل بن محمود الشافعي (ت 732 ه- / 1331م)، المختصر في أخبار البشر (تاريخ أبي الفداء)، ط 1، دار المعرفة – بیروت، 1/ 181 ؛ المقريزي، أمتاع الإسماع، 293/6 ؛ الكجوري: محمد باقر (1255 ه-)، الخصائص الفاطمية، تحقيق: وترجمة: سيد علي جمال اشرف، ط 1، انتشارات الشريف الرضي، (د.مكا)، 1380 ش، 2/ 185 .
5- (5) هو أبو حليمة المغیرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي، ولد أيام رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في مكة قبل الهجرة، وقيل لم يدرك حياة رسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلا ست سنوات، وكان من ضمن الأشخاص الذين تصدوا لعبد الرحمن بن ملجم عندما هرب بعد ان ضرب أمیر المؤمنین، استخلفه الإمام الحسن (علیه السلام) على الكوفة عندما أراد ملاقاة معاوية بن أبي سفيان. ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 4/ 1447 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 16 / 26 ؛ ابن الأثیر، أسد الغابة، 4/ 407 .

شهر أشوب أن النساء اللواتي تزوجهن الإمام (علیه السلام) لم تتزوج واحدة منهن بعد الإمام (علیه السلام) وهذه النساء هن: أمامة، وأسماء بنت عميس، وام البنین الكلابية، وليى التميمية(1) إذ لم تتزوج واحدة من زوجات الإمام (علیه السلام) من بعده...

ثم إن ابن سعد قد روى رواية تخالف هذا الرأي، فقال: عن ابن أبي ذئب أن أمامه بنت أبي العاص قالت للمغیرة بن نوفل: إن معاوية قد خطبني. فقال لها المغیرة: أتزوجین ابن آكلة الأكباد؟ فلو جعلت ذلك إلي قالت: نعم قال: قد تزوجتك قال ابن أبي ذئب: فجاز نكاحه(2). هنا نسأل سؤالًا: لماذا تقول للمغیرة هذا الأمر؟ وما موقع المغیرة من أمامة؟ إن صحت هذه الرواية هذا يعني أن

زوجات الإمام (علیه السلام) كن يتكلمن مع الأجانب من الرجال وفي موضوع حساس كهذا، خلاف لمبادئ الإمام علي (علیه السلام)، وما قام به في تربية بناته وزوجاته.

ثم إن هناك رواية أخرى عن أمامة نفسها تنفي فكرة الزواج نهائيا، قالت عن علي (علیه السلام) إنه لا يجوز لأزواج النبي والوصي أن يتزوجن بغیره بعده، فلم تتزوج امرأة ولا أم ولد بعد شهادة الإمام علي (علیه السلام)(3) .

وقد دل القرآن الكريم على أن الهدف من الزواج هو تحقيق السكون والرضا والسعادة، فإذا لم يتحقق هذا الأمر فلماذا يتزوج الشخص، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(4).

ص: 140


1- (1) ابن شهر اشوب، مناقب ال أبي طالب، 3/ 305 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 40 و 222 .
3- (3) ابن شهر اشوب، مناقب ال أبي طالب، 3/ 305 .
4- (4) سورة الروم، الآية 21 .

وعن طريق ما تقدم يظهر أن الرواية لا صحة لها.

خولة بنت جعفر

هي خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ويقال: إنها من سبي اليمامة فصارت إلى الإمام علي (علیه السلام)(1)

قال البلاذري(2): أغارت بنو أسد بن خزيمة على بني حنيفة فسبوا خولة بنت جعفر ثم قدموا المدينة في أول أيام أبي بكر فباعوها من علي (علیه السلام) وبلغ الخبر قومها فقدموا المدينة على علي (علیه السلام) فعرفوها وأخبروه بموضعها منهم فأعتقها علي (علیه السلام) ومهرها وتزوجها فولدت له محمدًا المعروف بابن الحنفية.

قالت أسماء بنت أبي بكر رأيت خولة بنت جعفر سندية سوداء وكانت أمَة لًبني حنيفة، وعن محمد بن الحنفية قال أبي علي (علیه السلام) يا رسول اللّه أرايت أن ولد لي ولد بعدك أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك قال نعم فكانت رخصة من رسول اللّه للإمام بذلك(3).

أسماء بنت عميس الخثعمية

(4)

أسلمت قبل دخول رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) دار الأرقم وبايعت وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب، وولدت له عبداللّه وعون ومحمدا ثم قتل عنها جعفر بمؤته شهيدا في جمادي الأولى سنة 8 ه-، فتزوجها أبو بكر فولدت له محمدا

ص: 141


1- (1) ابن سعد،الطبقات الكبرى، 7/ 93 .
2- (2) أنساب الأشراف، 2/ 422 .
3- (3) العيني، عمدة القارئ، 15 / 38 .
4- (4) ابن سعد،الطبقات الكبرى، 3/ 18 ؛ ابن حزم الاندلسي، جمهرة انساب العرب، ص 38 .

وبعد وفاة أبي بكر تزوجها الإمام علي (علیه السلام) فولدت له يحيى(1).

وهي أول من أشارت بالنعش نعش المرأة حيث رأت ذلك في الحبشة، عن ابن عباس قال كانت فاطمة (علیهاالسلام) مرضت مرضا شديدا فقالت لأسماء بنت عميس: (الا ترين إلى ما بلغت أحمل على السرير ظاهرا؟ فقالت أسماء لا لعمري ولكن أصنع لك نعشا كما رأيته يصنع بأرض الحبشة قالت فأريته فأرسلت أسماء إلى جرائد رطبة فقطعت من الأسواق وجعلت على السرير نعشا وهو أول نعش كان فتبسمت فاطمة (علیهاالسلام) وما رأيتها متبسمة بعد أبيها صلوات اللّه عليه إلا يومئذ ثم حملناها فدفنت ليلا)(2).

وكان لأسماء دور في تغسيل السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) مع أمیر المؤمنين (علیه السلام)(3)، حيث منعت أزواج النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من الدخول على تغسيلها بناءً على وصيتها (علیهاالسلام) إذ إنها رفضت دخولهن(4). وكان لأسماء بنت عميس دورٌ اجتماعيٌ بارزٌ(5).

أما عن تاريخ وفاتها فقد اختلف في ذلك؛ فمنهم من قال كانت وفاتها سنة

ص: 142


1- (1) المزي، تهذيب الكمال، 35 / 127 .
2- (2) الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 162 .
3- (3) الطوسي: أبو جعفر محمد بن الحسن(ت 460 ه- / 1067 م)، الخلاف، تح: جماعة من المحققین، موسسة النشر الإسلامي – قم، 1407 ه-، 1/ 699 ؛ الشافعي: أبو عبد اللّه محمد بن إدريس (ت 204 ه- 818 م)، كتاب المسند، د. تح، ط 1، دار الكتب العلمية، بیروت، ص 361 ؛ الصنعاني: عبدالرزاق بن همام (ت 211 ه- / 799 م)، المصنف، تح: حبيب الرحمن الاعظمي، منشورات المجلس العلمي (د. ت)، 3/ 410 .
4- (4) محب الدين الطبري، ذخائر العقبي، ص 53 .
5- (5) لمزيد من التفاصيل ينظر: حصونة: رائد حمود عبدالحسین، دور أسماء بنت عميس في الحياة الإسلامية، مجلة كلية التربية للعلوم الصرفة، جامعة ذي قار، كلية التربية، قسم التاريخ، مجلد 1، الاصدار 1، الصفحات 75 - 101 .

38 ه- وقيل بعد سنة 60 ه-(1)، ومنهم من قرن وفاتها باستشهاد ابنها محمد بن أبي بكر حيث إنه لما أتاها نعيه وما صنع به من تمثيل؛ كظمت حزنها وقامت إلى مسجدها فجلست فيه حتى شخب ثدياها دمًا(2).

فاطمة بنت حزام (علیه السلام) :

هي أم البنین فاطمة بنت حزام بن خالد بن جعفر بن ربيعة بن الوحيد بن عامر بن كعب بن كلاب(3).

اما عن كنيتها فقد قيل: إنها كنيت قبل زواجها من أمیر المؤمنین (علیه السلام)، وقد كنَّاها أبوها تفاؤلا في ولادة البنین(4)، وقيل إن الإمام عليًا (علیه السلام) هو من كنّاها بأم البنین بناءً على طلبها؛ مراعاة لمشاعر الإمامین الحسن والحسین والسيدة زينب (علیهم السلام)؛ لكي لا يحزنوا عند سماعهم لاسم أمهم فاطمة(5). ومن الكنى الأخرى: أم الأربعة(6)، وأم الفداء وأم الوفاء بنت الفحول، أم النشامى(7).

ص: 143


1- (1) الذهبي، تاريخ الذهبي، 4/ 178 ؛ الصفدي، الوافي بالوفيات، 9/ 33.
2- (2) الثقفي: ابراهيم بن محمد الكوفي (ت 283)، الغارات، تح: السيد جلال الدين الحسيني الارموي المحدث، ط 1، د. مك، د. س. 1/ 287 ؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب، 1/ 349 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 88 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 18 .
4- (4) اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2/ 123 . وينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 393 .
5- (5) الكلباسي: الحاج محمد إبراهيم النجفي، الخصائص العباسية، ط 1، المكتبة الحيدرية، قم، 1420 ه- الخصائص العباسية، ص 25 .
6- (6) العلوي: أبو الحسن علي بن محمد،(من أعلام القرن الخامس الهجري)، المجدي في انساب الطالبیين، تح: أحمد المهدوي الدامغاني، مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي العامة، (قم، 1409 ه-)، ص 15 .
7- (7) القرشي: باقر شريف، أم البنین قدوة وجهاد، ط 4، مؤسسة الإمام الحسن (علیه السلام)، دار الماهر، النجف الأشرف، 2014 م أم البنين قدوه وجهاد، ص 21 و 123 .
زواج أم البنين (علیهاالسلام)

روى ابن عنبة(1) أن أمیر المؤمنین عليًا (علیه السلام) قال لأخيه عقيل: وكان نسّابة عالما بأنساب العرب وأخبارهم: أنظر إلي امرأة قد ولدتها الفحول من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاما فارسا، فقال له: تزوج أم البنین الكلابية، فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها، فمضى عقيل بن أبي طالب (علیه السلام) في مهمته حتى حل ضيفا على حزام بن خالد فرحّب به ونحر له النحائر ولم يسأله حاجته إلا بعد انقضاء الأيام الثلاثة، ولما جاء اليوم الرابع جاء حزام إلى عقيل وجلس إلى جنبه وخاطبه بكل تأدب،قائلا: هل من حاجة فتقضى أو ملمة فتمضى من مال أو رجال، فنحن رهن إشارتكم، فقال له عقيل: جئتك بالشرف الشامخ والمجد الباذخ فقال حزام: وما هو يابن عم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)؟ قال: جئتك خاطبا. قال: من لمن؟ قال عقيل: أخطب الحرة فاطمة أم البنین إلى يعسوب الدين والحق المبین وقائد الغر المحجلین وسيد الوصيین أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب. فلما سمع حزام هش وبش، ثم قال: بخ بخ بهذا النسب الشريف والحسب المنيف لها،والشرف الرفيع، والمجد المنيع بمصاهرة ابن عم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، وبطل الإسلام وقسيم الجنة والنار.

وهنا لا أتفق مع أحد الباحثین لقوله: إن في هذه الرواية خدش في عصمة الإمام عليًا (علیه السلام) لأنه استشار أخيه عقيل في خطبة أم البنین(2). ونقول إن هذا

ص: 144


1- (1) عمدة الطالب في انساب ال أبي طالب،ص 357 . وينظر: الأمین، أعيان الشيعة، 8/ 390 ؛ الحائري، معالي السبطين، 1/ 434 .
2- (2) المحمداوي: علي صالح رسن، عقيل بن أبي طالب بن الحقيقة والشبهة، ط 1، مركز الابحاث العقائدية، قم، 1432 ه-، ص 47 - 48 .

الأمر لا يخدش بأمیر المؤمنین (علیه السلام) ولا بإمامته فإن لكل مقام أمرا خاصا به، وهذا ما يمكن أن يؤكد بما يأتي:

إن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كان يأخذ نصائح الحرب من المقاتلین وهو ما وجدناه في معركة بدر وأحد والخندق(1)، فهل هذا ينتقص من رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) .

للإمامة شأن خاص ولذلك حین ضرب أمیر المؤمنین (علیه السلام) فقد استدعوا طبيبا خاصا مع العلم أن هناك الحسنين (علیهماالسلام) كانا موجودين.

إن الإمام (علیه السلام) قد يريد أن يعلم الناس أن يستشيروا المتخصصين.

وقد بقيت في بيت الإمام علي أمیر المؤمنین (علیه السلام) وهي تعامل أولاده من فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) معاملة أقل ما يقال فيها أنها كانت قمة في النبل والكرامة(2).

هذا وبقيت بعد شهادة أمیر المؤمنین (علیه السلام) لم تتزوج أم البنین من أحد غیره كما ان إمامة وأسماء بنت عميس وليلى النهشلية لم يخرجن إلى أحد بعده(3).

أما وفاتها (علیهاالسلام) فقد توفيت السيدة أم البنین في الثالث عشر من جمادي الثاني سنة 64 ه-(4) ودفنت في البقيع(5).

ص: 145


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 13 و 34 و 63 ؛ ابن هشام، السيرة النبوية، 2/ 367 .
2- (2) ولمزيد من التفاصيل ينظر: الاء الحيدري، السيدة أم البنین فاطمة بنت حزام الكلابية، رسالة ماجستير غیر منشورة، جامعة البصرة، كلية التربية للبنات، 2015 ، الصفحات جميعها.
3- (3) ابن شهر اشوب، المناقب، 2/ 89 .
4- (4) القرباغي: محمد باقر، كنز المطالب، ط 1، دار الفكر، بيروت، 1417 ه-، 1/ 15 .
5- (5) ياقوت الحموي: شهاب الدين أبو عبد اللّه بن عبد اللّه الرومي (ت 626 ه- / 1228 م)، معجم البلدان، ط 2، دار إحياء التراث العربي– بیروت، 13 99 ه- / 1979 م، 4/ 241 .
الصهباء

وهي أمّ حبيب بنت ربيعة بن بجیر بن العبد بن علقمة بن الحارث بن عتبة بن سعد بن زهیر بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل وهي من سبي عن تمر أصابها خالد بن الوليد(1)، وقيل: بيعت لأمیر المؤمنین من سبي اليمامة(2)، وولدت له عمر الاكبر ورقية(3).

ليلى بنت مسعود:

لما قدم الإمام علي (علیه السلام) إلى البصرة في معركة الجمل أقام الإمام (علیه السلام) بعد المعركة خمسن ليلة(4)، وفي رأي آخر بقي اثنین وسبعين يوما(5)، في أثناء وجوده فيها تزوج الإمام (علیه السلام) من ليلى بنت مسعود بن خالد بن ثابت بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل، ولذلك تدعى النهشلية(6)، وهي القائلة: (ما زلت أحب أن يكون بيني وبينه سبب منذ رأيته قام مقاما من رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)(7) ،وقيل إنها ضربت حجلة في بيت الإمام علي (علیه السلام) بعد زواجها فجاء الإمام

ص: 146


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 18 ؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 1/ 117 .
2- (2) المسعودي، مروج الذهب، 2/ 92 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 18 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 338 .
5- (5) ناصر خسرو، سفر نامه، ترجمة: د. يحيى الخشاب، ط 3، دار الكتاب الجديد، بیروت، 1983 م، ص 148 .
6- (6) ابن سعد،الطبقات الكبرى، 3/ 18 .وينظر: الكوفي: محمد بن سلمان (من أعلام القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي)، مناقب الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام)، تح: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط 1، مطبعة النهضة – قم المقدسة، 1412 ه-، 2/ 48 ؛ ابن الدمشقي، جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب، 2/ 122 .
7- (7) الثقفي الكوفي، الغارات، 1/ 93 .

فهتكها، وقال: (حسب أهل علي ما هم فيه)(1).

يظهر مما تقدم أن الإمام (علیه السلام) بعد انتهاء المعركة لم يترك الوضع على حاله بل سعى إلى تغیير بعض أفكار ونوايا أهل البصرة التي ظللها الأعلام الجملي، إذ قام ببعض الأعمال التي تدل على حسن نوايا الإمام (علیه السلام) تجاههم، وانهم مغرر بهم، ومن هذه الأعمال زواجه من ليلى النهشلية(2)، وولدت لأمیر المؤمنین (علیه السلام) أبا بكر وعبيد اللّه(3).

أمهات الأولاد

(4)

1- أم سعيد بنت عروة بن مسعود بن متعب بن مالك الثقفي(5).

2- المحياة بنت امرئ القيس(6).

ثالثا: أولاده (علیه السلام)

محمد بن علي (علیه السلام) :

هو أبو القاسم(7) محمد بن علي بن أبي طالب، المعروف بابن الحنفية، وأمه خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن ثعلية بن يربوع بن ثعلبة (8)، وذكر ابن

ص: 147


1- (1) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2/ 202 .
2- (2) لمزيد من التفاصيل ينظر: النصر اللّه: جواد كاظم، أمیر المؤمنین الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) في رحاب البصرة، ط 2، دار الكفيل، كربلاء المقدسة، 1435 ه-/ 2014 م، 97 - 118 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 17 - 18 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 19 .
5- (5) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 19 .
6- (6) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 19 .
7- (7) الامين، اعيان الشيعة، 3/ 326 .
8- (8) ابن سعد،الطبقات الكبرى، 3/ 17

سعد أنه وقع بن الإمام علي (علیه السلام) وطلحة كلام حول اسم ابن الحنفية وكنيته قال طلحة لا كجرأتك على رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) سميت وكنيت بكنيته وقد نهى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن يجمعها أحد من أمته بعده، فقال علي: إن الجريء من اجترا على اللّه وعلى الرسول، اذهب يافلان فادع لي فلانا، لنفر من قريش. قال فجاءوا، فقال: بم تشهدون؟ قالوا نشهد أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قال: إنه سيولد لك بعدي غلام فقد نحلته اسمي وكنيتي ولا تحل لاحد من أمتي بعده(1).

وهنا أتفق مع أحد الباحثین(2) القائل: هل حصل خلاف بین الإمام علي (علیه السلام) وطلحة قبل يوم الجمل؟متى كان هذا الخلاف؟ إن صح هذا الخلاف فهل هو بعد تولي الإمام (علیه السلام) الخلافة؟

من المعروف أنه كان الأجرأ على رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الإمام علي أم طلحة الذي

أعلن عن رغبته بالزواج من عائشة إذا مات رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)؟؟

هل فعلا ان النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) نهى ان يجمع بين اسمه وكنيته؟.

رد الإمام (علیه السلام) على طلحة ((إن الجريء من اجرأ على اللّه ورسوله)) وذلك حينا قال طلحة في زمان النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم): لئن مات محمد لأتزوجن عائشة، وكان القرآن قد حرم نكاح نساء النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من بعده.

من هم هؤلاء الذين شهدوا للإمام (علیه السلام)؟.

المعلوم أن حامل لواء الإمام يوم الجمل هو محمد بن الحنفية ضد طلحة

ص: 148


1- (1) ابن سعد، الطبقات، الكبير 7/ 93 - 94 .
2- (2) النصر اللّه: جواد كاظم، محاضرة القيت على طلبة الدراسات العليا، جامعة البصرة، كلية الاداب، قسم التاريخ في 27 / 3/ 2016 .

والزبیر وأهل الجمل.

وقد ذكر ابن سعد رواية تؤكد هذا الأمر، فعن المنذر الثوري قال: سمعت محمد بن الحنفية قال: كانت رخصة لعلي قال: يا رسول اللّه إن ولد لي ولد اسميه باسمك واكنيه بكنيتك؟ قال: نعم(1).

واذا ما نظرنا إلى هذه الرواية نظرة عقائدية فإنه ربما كان يقصد من هذا الأمر الإمام المهدي (عج) لأننا نعلم أن الإمام المهدي (عج) من ولد الإمام الحسین(علیه السلام) والحسین (علیه السلام) هو ابن الإمام علي (علیه السلام) .

وكان كثیر العلم ورعا، وكان يوم الجمل عندما تصافا للقتال أعطاه الإمام (علیه السلام) الراية فرآه منكوصا لما دنا الناس بعضهم من بعض، فأخذ الإمام (علیه السلام) الراية منه فقاتل بها، ثم يذكر محمد بن الحنفية أنه حمل يومئذ على رجل من أهل البصرة فلما غشيته قال: أنا على دين أبي طالب (ربما كان يقصد أنه كان مجبورًا على أن يخفي ولاءه للإمام (علیه السلام) كما فعل أبو طالب مع قريش)، فلما عرفت الذي اراد كففت عنه، هذا وشهد صفین وكان يحمل الراية، وكان الإمام (علیه السلام) يقول له: (يا بني إلزم رايتك فإني متقدم في القوم)(2).

وعندما خرج الإمام الحسین (علیه السلام) إلى العراق عندما كاتبه أهل الكوفة اعترض محمد بن الحنفية على خروجه، وحبس ولده، فلم يبعث معه أحدا منهم حتى وجد الإمام الحسین (علیه السلام) في نفسه على محمد بن الحنفية، وقال: ترغب بولدك عن موضع أصاب فيه؟! فقال محمد وما حاجتي أن تصاب ويصابون

ص: 149


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 93 ؛ الترمذي، صحيح الترمذي، 2/ 137 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 9495 .

معك وان كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم(1).

وكانت وفاته في المحرم من سنة 81 ه- ودفن في البقيع وكان عمره يومئذ ابن خمس وستين سنة (2).

محمد الأوسط

ابن علي بن أبي طالب (علیه السلام)، وأمه أمامة بنت أبي العاص بن الربيع(3).

العباس الأكبر:

ابن علي بن أبي طالب وأمه أم البنین فاطمة بنت حزام، من بني كلاب، استشهد مع أخيه الإمام الحسین (علیه السلام) يوم عاشورا سنة 61 ه-(4).

عثمان

ابن علي بن أبي طالب وأمه أم البنین فاطمة بنت حزام من بني كلاب، استشهد مع أخيه الإمام الحسین (علیه السلام) يوم عاشورا سنة 61 ه-@5(5).

جعفر

ابن علي بن أبي طالب وأمه أم البنین فاطمة بنت حزام من بني كلاب، استشهد مع أخيه الإمام الحسین (علیه السلام) يوم عاشورا سنة 61 ه-(6).

ص: 150


1- (1) ابن سعد الطبقات الكبرى، 6/ 428 - 429 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 116 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 18 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 18 .
5- (5) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 18 .
6- (6) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/. 18 .
عبداللّه

ابن علي بن أبي طالب وأمه أم البنین فاطمة بنت حزام من بني كلاب، استشهد مع أخيه الإمام الحسین (علیه السلام) يوم عاشورا سنة 61 ه-(1).

محمد الأصغر

ابن علي بن أبي طالب وأمه ورقاء أم ولد استشهد مع أخيه الإمام الحسین (علیه السلام) يوم عاشوراء سنة 61 ه-(2).

يحيى

ابن علي بن أبي طالب وأمه أسماء بنت عميس الخثعمية(3).

عون

ابن علي بن أبي طالب وأمه أسماء بنت عميس الخثعمية(4).

عمر الأكبر

ابن علي بن أبي طالب وأمه الصهباء أم حبيب بنت ربيعة وكانت من سبي أصابها خالد بن الوليد عندما اغار على بني تغلب بناحية عن تمر(5) عاش 85 سنة(6).

ص: 151


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 18 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 18 ؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 192 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 18 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 18 .
5- (5) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 116 .
6- (6) المجلسي، ابحار الأنوار، 42 / 75 .
عبيد اللّه

ابن علي بن أبي طالب وأُمه ليلى بنت مسعود بن خالد، قدم على المختار بالكوفة وسأله فلم يعطه، وقال: أقدمت بكتاب من المهدي؟ يقصد به محمد بن الحنفية؛ لأن المختار كان يلقبه بذلك، قال لا فحبسه المختار ثم اطلق سراحه، فانقلب إلى مصعب بن الزبیر عندما كان في البصرة، ولما سار مصعب بن الزبیر لحرب المختار تخلف عبيداللّه عن المسیر، بعد ذلك قدم عليه بنو سعد وبايعوا له بالخلافة وهو كاره، فأرسل مصعب إليهم نعيم بن مسعود واستطاع أن يأخذ عبيداللّه إلى مصعب، واعتذر عبيداللّه من مصعب فقبل مصعب منه ذلك، ثم سار معه إلى حرب المختار وقتل عبيداللّه في معركة المذار(1)، ولا يستبعد قتله من مصعب بن الزبیر ليلقي باللائمة على المختار(2)، إلا أن المفيد(3) عدّه خطأً ممن استشهد في كربلاء.

أبو بكر

ابن علي بن أبي طالب وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد، استشهد مع أخيه الإمام الحسین (علیه السلام) يوم عاشورا سنه 61 ه- وهو أول من خرج من اخوة الإمام الحسین (علیه السلام) وهو يرتجز ويقول:

شيخي علي ذو الفخار الأطول***من هاشم الصدق الكريم المفضل

هذا حسین بن النبي المرسل***عنه نحامي بالحسام المصقل

تفديه نفسي من أخ مبجل

ص: 152


1- (1) ابن سعد الطبقات الكبرى، 7/ 118 - 119 .
2- (2) النصر اللّه، أمير المؤمنين الإمام علي (علیه السلام) في رحاب البصرة، ص 99 .
3- (3) الارشاد، 131، 174 .

فلم يزل يقاتل حتى قتله زحر بن بدر النخعي، ولا عقب له(1)

بناته (علیه السلام) :
رقية

بنت علي بن أبي طالب (علیه السلام) وأمها الصهباء وهي أم حبيب بنت ربيعة من بني تغلب بن وائل(2) تزوجها مسلم بن عقيل فولدت له عبد اللّه قتل بالطف(3).

أم الحسن

بنت علي بن أبي طالب (علیه السلام) وأمها أم سعيد بنت عروة بن مسعود بن متعب بن مالك الثقفي(4)

رملة الكبرى

بنت علي بن أبي طالب (علیه السلام) وأمها أم سعيد بنت عروة بن مسعود بن متعب بن مالك الثقفي(5)

أم هانئ

بنت علي بن أبي طالب (علیه السلام) وأمها أم ولد(6)

ص: 153


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 17 - 18 ؛ المجلسي، بحار الانوار، 45 / 36 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 18 .
3- (3) ابن قتيبة الدينوري: أبو محمد عبد اللّه بن مسلم (ت 276 ه- / 889 م)، المعارف، تح: ثروت عكاشة، ط 2، دار المعارف – مصر، 1969 م، ص 204 ؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 70 : المجلسي، بحار الأنوار، 42 / 93 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 19 .
5- (5) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 19 .
6- (6) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 19 .
ميمونه

بنت علي بن أبي طالب (علیه السلام) وأمها أم ولد(1)، تزوجها عبداللّه الأكبر بن عقيل، فولدت له عقيلا(2)

زينب الصغرى

بنت علي بن أبي طالب (علیه السلام) وأمها أم ولد(3)، تزوجها محمد بن عقيل، فولدت له عبداللّه بن محمد بن عقيل(4).

رملة الصغرى

بنت علي بن أبي طالب (علیه السلام) وأمها أم ولد(5)

أم كلثوم الصغرى

بنت علي بن أبي طالب (علیه السلام) وأمها أم ولد(6)

فاطمة

بنت علي بن أبي طالب (علیه السلام) وأمها أم ولد(7) تزوجها محمد بن أبي سعيد

ص: 154


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 19 .
2- (2) العلوي، المجدي في أنساب الطالبين، ص 18 ؛ المجلسي، بحار الأنوار، 42 / 93 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 19 .
4- (4) البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 71 ؛ المزي، تهذيب الكمال، 26 / 130 ؛ البري (ت ق 7)، الجوهرة في نسب الإمام علي وآله، تح: الدكتور محمد التونجي، ط 1، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بیروت، 1402 ه-، ص 68 .
5- (5) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 19 .
6- (6) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 19 .
7- (7) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 19 .

بن عقيل بن أبي طالب فولدت له حميدة بنت محمد ثم خلف عليها سعيد بن الأسود بن أبي البختري فولدت له برزة وخالد، ثم خلف عليها المنذر بن عبيدة ابن الزبیر فولدت له عثمان وكبرة. وقد بقيت فاطمة وروي عنها(1).

إمامة

بنت علي بن أبي طالب (علیه السلام) وأمها أم ولد(2).

خديجة

بنت علي بن أبي طالب (علیه السلام) وأمها أم ولد(3).

أم الكرام

بنت علي بن أبي طالب (علیه السلام) وأمها أم ولد(4).

أم سلمى

بنت علي بن أبي طالب (علیه السلام) وأمها أم ولد(5).

أم جعفر

بنت علي بن أبي طالب (علیه السلام) وأمها أم ولد(6).

ص: 155


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 432 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 19 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 19 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 19 .
5- (5) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 19 .
6- (6) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 19 .
جمانة

هي أم جعفر بنت علي بن أبي طالب (علیه السلام) وأمها أم ولد كانت عند أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب(1)

نفيسة

بنت علي بن أبي طالب (علیه السلام) وأمها أم ولد(2)

وهناك ابنة للإمام علي (علیه السلام) ماتت وهي جارية لم تبرز، وأمها محياة بنت امرئ القيس من بني كلب وكانت تخرج إلى المسجد وهي جارية فيقال لها: من اخوالك؟ فتقول وه وه تعني كلبا(3)

ص: 156


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 19 ؛ ابن شهر اشوب، مناقب آل أبي طالب، 3/ 89 ؛ القاضي النعمان، شرح الأخبار، 3/ 217 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 19 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 19 .

الفصل الثاني : الدور العسكري للإمام علي (علیه السلام) في حياة النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)

اشارة

المبحث الأول: دوره العسكري ضد مشركي قريش حتى الفتح

المبحث الثاني: دور الإمام (علیه السلام) العسكري ضد التآمر اليهودي

المبحث الثالث: دور الإمام (علیه السلام) العسكري ضد المشركين من غير قريش

ص: 157

ص: 158

توطئة

لقد كان لأمیر المؤمنین (علیه السلام) دور بارز في جميع الوقائع والحروب التي حدثت في عصر النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، إذ اشترك في جميع حروب النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) التي خاضها ضد المشركین ماعدا تبوكًا(1) فقد خلفه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في المدينة لما أراد أن يذهب (بجيش العسرة)(2) ؛ وقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) للإمام علي (علیه السلام): لابد من أن أقيم أو تقيم، فخلفه، فلما فصل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) غازيا قال بعض الناس: ما خلف عليا إلا لشيء كرهه منه، فبلغ ذلك الإمام عليًا (علیه السلام)، فاتبع رسول اللّه حتى انتهى إليه، فقال له: ماجاء بك ياعلي ؟ قال: لا يارسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلا أني سمعت ناسا يزعمون أنك إنما خلفتني لشيء كرهته مني فتضاحك رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وقال: ياعلي أما ترضى أن تكون مني كهارون من موسى غیر أنك لست بنبي؟ قال: بلى يا رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)(3) .

وذكر ابن هشام في سیرته أن الذين عابوا على بقاء الإمام علي (علیه السلام) في المدينة

ص: 159


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 21 .
2- (2) وهو الجيش الذي جهزه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لقتال الروم البيزنطين في زمن عسرة من الناس وشده من الحر وجدب من البلاد وحین طابت الثمار والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ويكرهون الشخوص على تلك الحال من الزمان الذي هم عليه. ينظر: الواقدي: محمد بن عمر بن واقد (ت 207 ه-/ 822 م)، فتوح الشام، د. تح، دار الجيل، بیروت، د. س، 2/ 207 ؛ ابن حنبل، مسند أحمد، 4/ 75 ؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 1/ 368 ؛ الترمذي، سنن الترمذي، 5/ 288 ؛ النسائي: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب (303ه- 916 م)، سنن النسائي، تحقيق وتدقيق صدقي جميل العطار، دار الفكر، ط1 – بیروت 200 م، 6/ 47 ؛ السمعاني: أبو المظفر (ت 489 ه-)، تفسیر السمعاني، تح: ياسر بن ابراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم، ط ، دار الوطن، الرياض، 997 م، 2 / 355-356 ؛ الأمین، أعيان الشيعة، 1/ 282 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 22 - 23 .

هم المنافقون، من أمثال: عبداللّه بن أُبي(1)، وقال المفيد: إن سبب بقاء الإمام (علیه السلام) في المدينة أن (صلی اللّه علیه و آله و سلم) علم خبث نيات الأعراب وكثیر من أهل مكة ومن حولها ممن حاربهم وسفك دمائهم فتوقع النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن يستغل هؤلاء غياب النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عن المدينة بأن يأخذوا ثأرهم من أهل النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وأزواجه ومهاجره، فأبقى الإمام عليًا (علیه السلام) مكانه، وقال له: إن المدينة لاتصلح إلا بي أو بك فانت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي وقومي، أما ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي(2).

وهنا نلاحظ أن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يقوم بإبقاء الإمام علي (علیه السلام) في الأمور الصعبة والحرجة والمصيرية فعندما أراد الهجرة إلى المدينة والتخلص من بطش قريش قام بإبقائه في فراشه والان عندما أراد الذهاب إلى تبوك فإنه يبقي الإمام (علیه السلام) مكانه في المدينة ويقول له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبيّ بعدي، هذا يدل على أن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يقوم على إعداد البديل من بعده وأن يوم الغدير ما هو إلا الإعلان الصريح بهذا البديل.

قبل التطرق إلى تفاصيل حروب النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) التي كانت للإمام (علیه السلام) الدور البارز في أغلبها، لابد من معرفة هل حروب النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كانت معارك أم غزوات؟ وما الفرق بین المعركة والغزوة؟.

الجواب: كانت معاركًا وليست غزاوت كما تسميها المصادر التاريخية والدليل على ذلك أن الغزوة هي أن يسیر القوم إلى قتال قوم آخرين إلى ديارهم وقتالهم

ص: 160


1- (1) ابن هشام، السيرة النبوية، 4/ 159 .
2- (2) المفيد، الإرشاد، 1/ 156 .

وانتهابهم(1)، ويسمى كل من سار إلى قتالهم وانتهابهم في ديارهم غاز، والجمع غزاة(2).

فلو رجعنا إلى معركة بدر لم تكن كذلك ولم يكن المسلمون مستعدين للمعركة، وإنما ذهبوا إلى اعتراض قافلة قريش التي صادرت أموالهم وممتلكاتهم غصبا وظلما، وأراد المسلمون أن يرجعوا هذا الحق، وهنا نقول هل يصح أن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كان يعترض القوافل؟ ثم هل حصل أن استولى النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على قافلة؟ لم يذكر التاريخ لنا مثل هذا الأمر. إنما وضعت هذا الروايات لتبرير ما قام به خلفاء بني أمية وبني العباس. والدليل على ذلك قوله تعالى: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ)(3).

وكان من أسباب معركة بدر أيضا هو أن هذه القافلة كانت تحمل كل أموال قريش، وإن السيطرة عليها تعد ضربة قوية لاقتصاد قريش والقضاء على تسلّطها على الآخرين.

كذلك لو رجعنا إلى كل معارك الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مع المشركين فلم يكن المسلمون هم من يبدأ، وإنما اجبروا على القتال، ففي معركة بدر جهزت قريش جيشا وجاءت لقتال المسلمين، فلما عدل الصفوف قال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) للمسلمين: إن دنا القوم منكم فانصحوهم بالنبل(4).

وفي معركة أُحد أيضا جهزت قريش جيشا لقتال المسلمين ولأخذ الثائر منهم

ص: 161


1- (1) الفيروز ابادي، القاموس المحيط، 4/ 369 .
2- (2) ابن منظور، لسان العرب، 15 / 124 .،
3- (3) سورة الانفال، الآية 7.
4- (4) الحلبي، السيرة الحلبية، 2/ 398 .

بسبب خسارتهم في معركة بدر، وكذلك في معركة الأحزاب جمعت قريش القبائل لقتال المسلمين والقضاء عليهم.

إذن جميع المعارك التي خاضها المسلمون هي معارك دفاعية وليست هجومية فلا تسمى غزوات.

نستنتج مما تقدم أن معارك الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) هي معارك وليست غزوات كما تسميها المصادر التاريخية، وذلك؛ لأن الغزوة هي هجوم القوي على الضعيف في حین أن المسلمين كانوا قوة بسيطة مقارنة مع قوة قريش، وإذا كان رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قد غزا قريشًا أو غيرهم، فإنه قد خالف المبادئ التي جاء بها وأراد أن يغیر عادات الجاهلية وتقاليدها السائدة في ذلك الزمان.

وبعد ان بينا الفرق بین المعركة والغزوة، وأثبتنا أن وقائع النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) هي معارك وليست غزوات، الآن نأتي لمعرفة دور الإمام علي (علیه السلام) في هذه المعارك.

ص: 162

المبحث الأول : دوره العسكري ضد مشركي قريش حتى الفتح

أولا: غزوة طلب كرز بن جابر الفهري

أولا: غزوة طلب كرز بن جابر الفهري(1)

سار النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى كرز بن جابر الفهري في شهر ربيع الأول من السنة الثانية للهجرة، وكان الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) يحمل (لواء)(2) النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وكان أبيض، واستخلف على المدينة زيد بن حارثة(3) ، وكان سبب هذه الواقعة

ص: 163


1- (1) هو أبو عبد الرحمن كرز بن جابر ابن حسل من بني فهر، أسلم بعد أن غزاه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ثم أرسله في سرية لطلب العرنيین وشهد كرز الحديبة وخيبر وفتح مكة وقتل يومئذ شهيدا وذلك عندما أخطى الطريق فسلك غیر طريق رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فلقيه المشركون فقتلوه. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5/ 97 - 98 ؛ ابن حبان: أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي (ت 54 ه- / 965 م)، الثقات، ط ، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية – حيدر آباد الدكن – الهند 402 ه- / 982 م، / 47 ؛ ابن عبد البر ، الدرر، ص 98 ؛ ابن الأثیر، أسد الغابة، 237/4 .
2- (2) اللواء: هو العلم دون الراية والجمع ألوية، قيل لواء الجيش ما زال مرفوعا في المعركة، ولا يمسكها إلا صاحب الجيش وفي الحديث لواء الحمد بيدي يوم القيامة. ينظر: ابن منظور، لسان العرب،4109 ؛ ابراهيم مصطفى واخرون، المعجم الوسيط، ص 848 .
3- (3) هو أبو اسامة زيد بن حارثة ويسمى أيضا زيد الحب بن حارثة بن شرحبيل من بني قضاعة. بيع زيد في سوق عكاظ واشتراه حكيم بن حزام بن خويلد لعمته خديجة بنت خويلد (علیهاالسلام) ولما تزوجها رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وهبته له، أسلم في بداية الدعوة الإسلامية وهو أول من التحق بالصلاة خلف النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مع الإمام علي (علیه السلام) والسيدة خديجة (علیهاالسلام)، وزوّجه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) زينب بنت جحش، ولما طلقها زيد تزوجها رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فعاب المنافقون على رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) هذا العمل وقالوا: محمد يحرم نساء الولد وقد تزوج امراة ابنه زيد فأنزل اللّه جل جلاله (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)(سورة الاحزاب: 40)، ونزلت بحقه أيضا (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ) (سورة الاحزاب: 5)، وشهد زيد بدرا وأحدا واستخلفه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على المدينة حین خرج النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى المريسيع وشهد الخندق والحديبة وخير وكان من الرماة المذكورين من أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) استشهد زيد في معركة مؤته في جمادي الأولى سنه 8 ه- وكان عمره يومئذ خمس وخمسین سنة. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 44-38/3 ؛ ابن جبر: مجاهد، (ت 104 ه-). تفسیر مجاهد بن جبر، تح: عبد الرحمن الطاهر بن محمد السورتي، د. ط، مجمع البحوث الإسلامية، اسلام اباد، ب.س، 2/ 513 ؛ ابن سليمان: مقاتل، (ت 150 ه-).تفسیر مقاتل بن سليمان، تح: أحمد فريد،ط 1، دار الكتب العلمية، بیروت، 2003 م، 3/ 34 ؛ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد اللّه النمري (ت 463 ه- / 1072 م). التمهيد، تح: مصطفى بن أحمد العلوي ،محمد عبد الكبر البكري، المغرب وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1387 ه-، 3/ 255 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 14 / 53 .

هو أن كرز بن جابر قد أغار على (سرح)(1) المدينة فاستاقه وكان يرعى بالجماء والسرح ما رعوا من نعمهم والجماء جبل ناحية العقيق إلى الجرف بينه وبین المدينة ثلاثة أميال فطلبه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) حتى بلغ وادي يقال له: سفوان من ناحية بدر، واستطاع كرز بن جابر أن يفلت من رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فرجع النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى المدينة(2).

وخلاصة القول: يظهر مما تقدم أن للإمام علي (علیه السلام) الدور البارز في هذه الغزوة فهو حامل اللواء.

ص: 164


1- (1) السرح: الماشية. ينظر: الرازي: محمد بن أبي بكر بن عبد القادر (ت 721 ه- / 133 5 م)، مختار الصحاح، ضبطه وصححه: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، ط 1، بیروت، 1994 م مختار الصحاح، ص 158 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 8.

ثانيا: معركة بدر الكبرى سنة 2ه-

اشارة

ثانيا: معركة بدر(1) الكبرى سنة 2ه-

قدم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أمامه عينین له إلى المشركین ياتيانه بخبر عدوه فقد

أرسل بسبس بن عمرو(2) وعدي بن أبي الزغباء(3) فانتهيا إلى ماء بدر فعلما بخبر القافلة ورجعا إلى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) .

وقد بلغ المشركین بالشام أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) والمسلمين يرصدون عودة قافلة قريش، فبعث أبو سفيان ضمضم بن عمرو إلى قريش يخبرهم بما بلغهم عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ويأمرهم أن يخرجوا ويحموا قافلتهم، فخرج المشركون من أهل مكة ومعهم القيان والدفوف، وقد صور القرآن الكريم خروج قريش بقوله تعالى

ص: 165


1- (1) بدر: هي مجموعة آبار مشهورة بین مكة والمدينة وتقع بدر بین أسفل وادي الصفراء وهو ما بينه وبین الجار أي ساحل البحر. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 1/ 357 .
2- (2) هو بسس بن عمرو بن ثعلبة بن خرشة الأنصاري حليف لبني طريف بن الخزرج شهد بدرا واحدا وليس له عقب. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 519 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 190/1 ؛ ابن الأثیر، أسد الغابة، 1/ 179 .
3- (3) هو عدي بن أبي الزغباء واسم أبي الزغباء سنان بن شبيع من بني جهينة وأرسله رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مع بسبس بن عمرو يتجسسان خبر أبي سفيان يوم بدر. وبعد المعركة اخذ يرتجز قائلا: اقم لها صدورها يابسبس***ليس بذي الطلح لها معرس ولا بصحراء عمیر محبس***ان مطايا القوم لا تحبس فحملها على الطريق اكيس***قد نصر اللّه وفر الاخنس شهد بدرا واحد والخندق والمشاهد كلها مع رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) توفي أيام عمر بن الخطاب، وليس له عقب. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 460 ؛ ابن هشام، السیرة النبوية، 2/ 470 ؛ ابن حبيب: أبو جعفر محمد بن حبيب البغدادي (ت 245 ه- / 859 م)، المحبر، تح: ايلزه ليحتن شتيتر، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، 1942 م.ص 285 ؛ السمعاني، الأنساب، 1/ 302 ؛ ابن كثیر، البداية والنهاية، 3/ 371 .

(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)(1) وأقبل أبو سفيان بن حرب بالقافلة وقد خاف خوفا شديدا حينما اقرب من المدينة، وقد تأخر ضمضم وقريش حتى وصل أبو سفيان بدرًا وهو خائف ان يرصده المسلمون، فقال لمجدي بن عمرو(2): (هل احسست احدا من عيون محمد (صلی اللّه علیه و آله و سلم)؟ فانه واللّه ما بمكة من قرشي ولا قرشية له نش(3) فصاعدا الا قد بعث به معنا، فقال مجدي: واللّه مارأيت أحدًا انكره إلا راكبین أتيا إلى هذا المكان واشار له إلى مناخ عدي وبسس فجاء أبو سفيان فأخذ ابعارا من بعيريها فاذا فيه نوى فقال علائف يثرب هذه عيون محمد (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فضرب وجوه العیر واتخذ طريق الساحل وترك بدرًا يسارًا وانطلق سريعا. ولما أقبلت قريش من مكة أرسل إليهم أبو سفيان بن حرب قيس بن امرئ القيس انه قد نجت قافلة قريش وأمرهم بالرجوع إلا أن أبا جهل أبى الرجوع وأصر على قتال المسلمين والقضاء عليهم وأخذ أبو جهل يقول: واللّه لا نبرح حتى نرد بدرًا)(4).

هذا يعني أن المعادلة قد تغیرت كليا، فلم تعد مسألة احتجاز قافلة قريش والتعرض لأربعین رجلا أكثرهم من العبيد بل أصبحت حربا لا محال ولكنها غیر متكافئة الطرفین.

ص: 166


1- (1) سورة المائدة،الاية 47 .
2- (2) هو زعيم بني جمرة بن بكر بن عبد مناة من كنانة الذي وادعه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، وعندما ارسل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) حمزة بن عبدالمطلب لمعرفة خبر قافلة قريش لقي أبا جهل بن هشام فحجز مجدي بین الطرفین لانه كان حليفا للطرفین فرجع المسلمون بدون قتال. ينظر ابن خياط، تاريخ خليفة بن خياط، 43 ؛ ابن حجر، فتح الباري، 7/ 217 .
3- (3) النش هو عشرون درهما ويعادل ربع اوقية.ينظر: الزبيدي،تاج العروس، 14 / 284 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 12 . وينظر: المقريزي، امتاع الاسماع، 1/ 102 .

ولما علم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن قريشًا وزعمائها قد جهزت جيشا لقتال المسلمين أصبح رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في موقف لا يحسد عليه، فإما أن يقاتل المشركین بهذا العدد القليل من المسلمين الذين لم يكونوا مستعدين للحرب نفسيا، أو أن ينسحب ويعود إلى المدينة وهذا أمر ما ستكون عواقبه وخيمة على المسلمين فهناك احتمال كبر بأن تهجم قريش على المدينة وتقضي على المسلمين وعلى ما تم تحقيقه من بناء أسس الدولة الإسلامية. فما كان من رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الذي كان ذا حكمة وعقل سديدين إلا أن يطلب المشورة من أصحابه فقال: أشیروا علي أيها الناس، وكان سبب طلب المشورة لأن الأنصار اشترطوا حین بايعوا بالعقبة أنهم براء من ذمامهم حتى يصل إلى ديارهم، فتخوف رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن لا يروا نصرته على عدو إلا إذا كانوا في المدينة(1). فكان رأي بعضهم بعدم مواجهتهم بحجة انهم لم يكونوا مستعدين لذلك وقد صور القرآن الكريم هذا الموقف بقوله تعالى (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)(2). حيث قام أبو بكر وقال: يا رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) انها قريش وخيلاؤها، ما آمنت منذ كفرت، ولا ذلت منذ عزت، ولم نخرج لحرب، فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أجلس. وقام عمر بن الخطاب وكرّر مقالة أبي بكر نفسها فأمره

ص: 167


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 34 . وينظر: ابن هشام، السیرة النبوية، 2/ 367 ؛ البيضاوي، (ت 682 ه-)، تفسیر البيضاوي، د. تح، دار الفكر، بیروت، د.س، 3/ 89 .
2- (2) سورة الانفال، الآيات 5- 8.

النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بالجلوس ايضا(1).

أما رأي البعض الآخر هو المواجهة حيث قام المقداد بن عمرو(2) وقال: يا رسول اللّه إنا واللّه لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)(3) ولكن نقاتل عن يمينك وعن يسارك وبین يديك ومن خلفك فكان النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يسره ذلك(4).

ثم أعاد رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قوله: أشیروا عليّ أيها الناس، وكان يريد الأنصار.

فقال سعد بن معاذ الأنصاري(5): )واللّه لكأنك يا رسول اللّه تريدنا؟ فقال النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أجل قال فامض يا نبي اللّه لما اردت فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت هذا البحر فخضته لخضناه معك ما بقي منا رجل واحد. فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) : سیرو على بركة اللّه فإن اللّه قد وعدني احدى الطائفتین، فواللّه لكاني انظر إلى

ص: 168


1- (1) القمي،تفسیر القمي، 1/ 255 ؛ الحلبي، السیرة الحلبية، 2/ 385 ؛ العاملي، الانتصار، ط 1، دار السیرة، بیروت، 1422 ه-، 6/ 177 .
2- (2) هو أبو معبد المقداد بن عمرو بن ثعلبة من بني قضاعة، شهد بدرا واحدا والخندق، والمشاهد كلها مع رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، مات المقداد بالجرف على بعد من المدينة فحمل على رقاب الرجال حتى دفن بالمدينة في البقيع سنة 33ه-، كان عمره 70 سنة أو نحوها. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 148150 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 4/ 1480 - 1481 .
3- (3) سورة المائدة، اية 24 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 149 .
5- (5) هو أبا عمرو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس، آخى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بينه وبین أبي عبيدة بن الجراح، وشهد مع رسول اللّه بدرا وشهد يوم أحد وثبت معه حین ولّی الناس وشهد الخندق واستشهد اثر جرح اصابه يوم الخندق وكانت وفاته فيما بعد، وهو يومئذ ابن سبع وثلاثین سنة ودفن بالبقيع. ينظر: ابن سعد، الطبقات، 3/ 388 و 400 .

مصارع القوم)(1).

هذا واشار القرآن الكريم إلى تخّوف المسلمين من القتال في معركة بدر، بقوله تعالى: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ)(2).

خرج رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من المدينة يوم السبت في الثاني عشر من شهر رمضان في السنة الثانية للهجرة، في 305 ، وقيل 300 وبضعة عشر، وقيل كان عدة أهل بدر 313 أو 314 ، 270 من الأنصار، وبقيتهم من سائر الناس، وكانت سبعون بعیرا يتعاقب عليها الرجال كلّ ثلاثة على بعیر، وذكر ابن سعد أن (أبا لبابه)(3) والإمام عليًا يرافقان رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وكانا يتبادلان على الركوب فاذا جاء دور نزول النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قالا: اركب حتى نمشي عنك فيقول: ما انتما بأقوى على المشي مني وما أنا أغنى عن الأجر منكا(4). في حین أنه ذكر أن أبا لبابة بن عبد

ص: 169


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 13.
2- (2) سورة الانفال،الآيتان 5- 6.
3- (3) أبو لبابة: هو بشیر بن عبد المنذر الأنصاري، من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، غلبت عليه كنيته، أمّه زينب بنت خذام بن خالد، استعمله رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على المدينة حین خرج إلى بدر وضرب له بسهمه وآجره فكان كمن شهدها، وشهد أحدا، واستخلفه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على المدينة عندما خرج إلى السويق، تخلف عن تبوك فلما بلغه ما أنزل اللّه عز وجل فيمن تخلف عن تبوك أوثق نفسه بسواري المسجد حتى قدم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وشهد مع رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بقية المشاهد، وهو الذي ربط نفسه على اسطوانة مسجد رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عندما اذنب يوم بني قريظة حتى تاب اللّه عليه، وتوفي أبو لبابة بعد مقتل عثمان بن عفان. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 423 ؛ ابن عبدالبر، الاستيعاب، 1/ 173 و 2/ 50 و 3/ 1198 ؛ ابن الأثیر، أسد الغابة، 4/ 127 و 5/ 85 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 18 - 20 .

المنذر خلفه على المدينة(1)، والظاهر ان رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لم يرافقه إلى بدر سوى الإمام علي (علیه السلام) .

أما المشركون فكان عددهم ألفًا أو أقل من ذلك، وقد عرف رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عدد قريش لما أرسل الإمام علي (علیه السلام) والزبیر وسعد بن أبي وقاص وبسبس ابن عمرو يتحسسون خبر المشركین على الماء واستطاع الإمام (علیه السلام) أن يأخذ سقاة قريش إلى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وسألهم النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عن قريش أين هم؟ فقالوا: خلف هذا الكثيب الذي ترى قال: كم هم؟ قالوا: كثیر. قال: كم هم عددهم؟ قالوا: لا ندري. قال: كم ينحرون؟ قالوا يوما عشرا ويوما تسعا فقال، رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ما بین الألف والتسعمائة فكانوا تسعمائة وخمسین إنسانا(2).

أما عن من كان يحمل لواء النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يوم بدر فقد ذكر ابن سعد ((عقد

رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يومئذ الألوية، وكان لواء رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يومئذ الأعظم، لواء المهاجرين مع مصعب بن عمیر ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر، ولواء الاوس مع سعد بن معاذ))(3).

يظهر من النص أعلاه أن هناك ثلاثة ألوية لجيش رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، ولكن لماذا ثلاثة ألوية؟ وهل لواء الخزرج يختلف عن لواء النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ولواء الأوس؟ في حین نعلم أن الجيش له لواء واحد وليس ألوية، ويحمله قائد الجيش. ثم إن وجود هذه الألوية للأوس لواء والخزرج لواء يخالف النصوص التاريخية التي تؤكد أنه بعد وصول رسول اللّه إلى المدينة قام بتوحيد الأوس والخزرج وتذويب

ص: 170


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 11.
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 14 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 13.

الفوارق بينهم وأصبحوا يسمون الأنصار، كذلك ان وجود هذه الألوية يوحي إلى أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لم يكن هو القائد ولم يكونوا تحت إمرته وهذا مستبعد، لما قاله بعض أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقد قال له المقداد بن عمرو: يا رسول اللّه إنا واللّه لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)(1) ولكن نقاتل عن يمينك وعن يسارك وبین يديك ومن خلفك فكان النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يسره ذلك(2)، وقول سعد بن عبادة وهو كبیر الأنصار: ((فقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا ان ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامضِ يا رسول اللّه لما اردت فنحن معك فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فنخوضه لخضناه معك...))(3).

إذن قوله: كان اللواء الأعظم لدى المهاجرين. يدل على أن هناك لواءً واحدًا ورئيسًا لجيش المسلمين، وأن الأوس والخزرج لم يكن عندهما ألوية، وإنما رايات؛ لأنه ما الفرق بین اللواء الاعظم وبقية الالوية؟.

أما قول ابن سعد بأن اللواء الأعظم كان لدى المهاجرين وكان يحمله (مصعب بن عمیر)(4) هذا صحيح أنه كان عند المهاجرين ولكن لم يكن مصعب بن عمیر

ص: 171


1- (1) سورة المائدة،الاية 24 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 149 .
3- (3) ابن هشام، السيرة النبوية، 2/ 367 .
4- (4) هو أبو محمد وقيل أبي عبداللّه مصعب بن عمر بن هاشم بن عبد مناف، وأمه خناس بنت مالك من بني لؤي، أسلم عندما كان رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يجتمع في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وكتم إسلامه خوفا من أمه وقومه، هاجر إلى الحبشة، إلا أن ابن سعد ذكر أنه هاجر الهجرتین إلى الحبشة في حین أنه لا بد أن يكون في مكة عند بيعة العقبة الأولى، وقد ذكر ابن هشام أن الذين رجعوا إلى مكة من مهاجري الحبشة قبل الهجرة إلى المدينة ثم شهدوا بدرا وكانوا ثلاثة وثلاثین رجلا منهم مصعب بن عمیر، وهنا يبدو أن ابن سعد كان يقصد من الهجرتین الهجرة الأولى إلى الحبشة والثانية إلى المدينة، استشهد في أحد، ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 107 - 109 ؛ ابن هشام، السیرة النبوية، 1/ 344 و 2/ 76 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 1214 ؛ ابن حزم، جمهرة أنساب العرب، 126 . ولمزيد من التفاصيل ينظر: الدرويش، الصحابي مصعب بن عمیر، مجلة أبحاث البصرة، مجلد 35 ، العدد 2، لسنة 2010 ، 174 - 203 .

هو من يحمله لأنه يخالف ما تعارف عليه المؤرخون حينما قالوا: كان علي بن أبي طالب (علیه السلام) حامل لواء رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في بدر وفي جميع المشاهد التي شهدها

مع رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ومنهم ابن سعد(1).

ولما اصطفت الصفوف وتهيأت للقتال برز من صف المشركین عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وابنه الوليد فدعوا إلى البراز فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار وهم بنو عفراء معاذ ومعوذ وعوف بنو الحارث(2) فكره رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن يكون أول قتال لقي فيه المسلمون المشركین يبدأ بالأنصار، وأحب أن تكون الشوكة ببني عمه وقومه، فطلب رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من الأنصار الرجوع، وقال لهم:خیرا، ثم نادى المشركون يا محمد أخرج إلينا الأكفاء من قومنا فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) : يا بني هاشم قوموا قاتلوا بحقكم الذي بعث اللّه به نبيكم إذ جاءوا بباطلهم ليطفئوا نور اللّه(3)، ولذلك سميت معركة بدر يوم الفرقان، يوم فرق اللّه بین الحق

ص: 172


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 21 ؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 85 ؛ الطبراني، المعجم الكبیر، 11/ 311 ؛ المفيد، الارشاد، 1/ 81 ؛ البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسین علي (ت 458 ه-/ 1065 م)، السنن الكبرى، د. تح، ط 1، دار الفكر، د.مكا، د.س، 6/ 207 ؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، 3/ 625 .
2- (2) هم أبناء الحارث بن رفاعة من بني النجار، ويقال لها أبناء عفراء وهم من الأنصار وقد شهدا بيعة العقبة وشهدا بدر وهم من قام بضرب أبي جهل وعطف أبو جهل يومئذ فقتلهما ووقع أبو جهل صريعا. ينظر: ابن سعد، الطبقات، 3/ 456 - 457 ؛ الذهبي، سیر أعلام النبلاء، 2/ 359 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 15 - 16 .

والباطل(1)، قال تعالى: (إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(2).

ان رواية ابن سعد لم توضح السبب الرئيس الذي دعا رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى تغيیر المبارزين، فمرة تقول الرواية:إن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كره أن تبدأ الأنصار بقتال المشركین، ولذلك قام بتغيیر المبارزين، وأخرى تقول: إن منادي المشركین نادى يا محمد أخرج إلينا الأكفاء من قومنا: إن هذا القول يدل على أن بني عفراء قد تكلموا مع المشركین ورفض المشركون مبارزتهم، فنادى المنادي(يا محمد...) هذا الرأي أقرب إلى الواقع وقد رجحه ابن أبي الحديد المعتزلي(3).

فقام حمزة بن عبد المطلب والإمام علي (علیه السلام)، وعبيدة بن الحارث(4) فمشوا إلى المعركة، فقال عتبة تكلموا حتى نعرفكم، وكان عليهم البيض، فقال حمزة: انا حمزة بن عبد المطلب أسد اللّه وأسد رسوله، فقال عتبة: كفء كريم. وأنا أسد الحلفاء من هذان معك؟ قال: علي بن أبي طالب (علیه السلام) وعبيدة بن الحارث قال كفآن كريمان ثم قال: لابنه قم ياوليد فقام إليه الإمام علي (علیه السلام) فاختلفا في ضربتین فقتله الإمام (علیه السلام) ثم قام عتبة وقام حمزة فاختلفا في ضربتین فقتله

ص: 173


1- (1) الطبري، جامع البيان، 4/ 79 .
2- (2) الانفال،الآية 41 .
3- (3) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 14 / 309 .
4- (4) هو عبيدة بن الحارث بن المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، وأمه سخيلة بنت خزاعي، وكان يكنى أبو الحارث أسلم قبل أن يدخل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) دار الأرقم بن أبي الأرقم وقبل أن يدعوا فيها وآخى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بينه وبین بلال وآخى بينه وبین عمیر بن الحمام الأنصاري، واستشهد يوم بدر، وكان عمره يوم استشهد ابن ثلاث وستين سنة. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 48 .

حمزة، ثم قام شيبة وقام إليه عبيدة بن الحارث وهو يومئذ أسن أصحاب رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فضرب شيبة رجل عبيدة بن الحارث بطرف السيف فأصاب عضلة ساقه فقطعها فذهب إليه حمزة والإمام علي (علیه السلام) فقتلا شيبة(1).

يظهر مما تقدم أن الإمام عليًا (علیه السلام) أول من برز إلى القتال بالرغم من صغر سنه، إذا ما قارنا عمره مع عمر حمزة بن عبد المطلب وعمر عبيدة بن الحارث الذي كان أسن أصحاب رسول اللّه(صلی اللّه علیه و آله و سلم)، وتعظيما وتكريما من اللّه سبحانه وتعالى أنزل فيهم قرآنا، فقد ذكر ابن سعد بأن سورة الأنفال أو عامتها نزلت فيهم، وأن آية (هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ)(2)، وآية (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى)(3)، واية (عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)(4) وآية (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ )(5) نزلت فيهم أيضا(6).

وهذا ما أكدته كتب التفسير والحديث(7).

أما شعار المسلمين يوم بدر، فقد ذكر ابن سعد أن شعار المهاجرين (يابني عبد الرحمن) وشعار الخزرج: (يا بني عبداللّه) بل ويقال: كان شعار المسلمين

ص: 174


1- (1) ابن سعد،الطبقات الكبرى، 2/ 16 .
2- (2) سورة الحج، 19 .
3- (3) سورة الدخان، 16 .
4- (4) سورة الحج، 55 .
5- (5) سورة القمر، 45 .
6- (6) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 16 .
7- (7) البخاري: أبو عبد اللّه محمد بن إسماعيل الجعفي (ت 256 ه- / 869 م)، صحيح البخاري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بیروت، (1401 ه- / 1981 م)، 5/ 6- 7؛ الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 17 / 172 ؛ القرطبي، الجامع لاحكام القرآن، 2/ 25 .

جميعا يومئذ (يا منصور أمت)(1). اذا ما نظرنا هنا إلى شعارات المهاجرين والخزرج نلاحظ أنها لا تمت إلى الإسلام بصلة اذا ما علمنا ما قام به رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في المدينة من القضاء على جميع أو أغلب العادات القبلية أو التميزية، وقلل من الفوارق الطبقية التي كانت سائدة في المدينة قبل هجرة الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وذلك عن طريق ما قام به من نظام المؤاخاة وتنظيم المدينة والعدل بین المسلمين.

ثم ان ابن سعد قد شكك في شعار المسلمين الموحد « يا منصور امت » اذ ذكر كلمة « ويقال »، وهذا تضعيف لهذا الخبر، في حین عندما تكلم عن شعار المهاجرين والأنصار قال « وجعل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)»(2)

قتلى المشركين في بدر:

ذكر ابن سعد ان قتلى المشركین كانوا سبعين رجلا إلا أنه ذكر أسماء تسعة عشر منهم ولم يذكر من قتل هولاء السبعين رجلا(3) سوى ما ذكره حول قضية المبارزة، إذ ذكر أن حمزة (علیه السلام) قتل عتبة، وأن الإمام عليًا(علیه السلام) قتل الوليد، وأن شيبة قد أشترك في قتله الإمام علي (علیه السلام) وحمزة بن عبد المطلب (علیه السلام) في حین إنه قد تكّلم عن معركة بدر في ستة عشر صفحة.

بينما هناك روايات أخرى قالت: إن الإمام عليًا (علیه السلام) قتل المبارزين المشركین الثلاثة .

فقد وصفه السيد الحمیري المعاصر للإمام الصادق (علیه السلام) في مدح أمیر المؤمنین (علیه السلام) :

ص: 175


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 13.
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 13.
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 16 - 17 .

وله ببدر وقعة مشهورة***كانت على أهل الشقاء دمار

فأذاق شيبة والوليد منية***اذ صبحاه جحفلا جرارا

واذاق عتبة مثلها اهوى لها***عضبا صقيلا مرهفا يثارا(1)

وقال القاضي النعمان أيضا إن الإمام عليًا (علیه السلام) قتل المبارزين الثلاثة وليس الوليد وعتبة(2).

و ذكر الحويزي(3) في تفسیره أنه حتى حمزة بن عبد المطلب لم يقتل شيبة لوحده بل أعانه الإمام علي (علیه السلام) في ذلك عندما قال المسلمون يا علي أما ترى الكلب بهر عمك، فحمل الإمام (علیه السلام) فقال: ياعم طاطئ رأسك، وكان حمزة أطول من شيبة، فأدخل حمزة رأسه في صدر شيبة، فضربه الإمام علي (علیه السلام) على رأسه.

وذكر ابن سعد أن عمر بن الخطاب قال لسعيد بن العاص: مالي أراك معرضا كأنك ترى أني قتلت أباك؟ ما انا قتلته ولكنه قتله علي بن أبي طالب (علیه السلام) ولو قتلته ما اعتذرت من قتل مشرك لكني قتلت خالي بيدي: العاص بن هشام بن المغیرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزوم فقال سعيد بن العاص: يا أمیر المؤمنین لو قتلته كنت على حق وكان على باطل فسر ذلك عمر منه(4).

عن طريق هذه الرواية ربما أراد ابن سعد أن يظهر أمرًا ويخفي أمرًا آخر

ص: 176


1- (1) الحمیري: إسماعيل بن محمد بن يزيد (ت 173 ه-)، ديوان الحمیري، شرحه وضبطه وقدم له ضياء حسن الأعلمي، ط 1، د. مكا، د. س، ص 215 .
2- (2) القاضي النعمان، شرح الأخبار، 1/ 263 .
3- (3) العروسي: الشيخ عبد علي بن جمعة (ت 1112 ه- / 1700 م)،تفسیر نور الثقلین، تصحيح وتعليق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي، ط 2، مطبعة مؤسسة إسماعيليات – قم المقدسة، 1412 ه-، 2/ 121 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 35 .

حيث أراد ان يظهر أن الإمام عليًا (علیه السلام) هو قاتل العاص بن سعيد، وهذا متفق عليه وغیر مستبعد؛ لأن للإمام بطولة قل نظیر ها، فقد جندل الابطال من قريش ومنهم العاص بن سعيد، ولكنه أراد أن يخفي جبن وإحجام غیره عن مواجهة العاص بن سعيد والدليل على ذلك ما ذكره ابن أبي الحديد المعتزلي عن تفاصيل هذه الرواية ولكن بألفاظ وأحداث مختلفة فقال (إن سعيد بن العاص دخل ذات يوم على عمر بن الخطاب في أيام حكمه فجلس ناحية فقال سعيد: فنظر الي عمر

وقال: مالي اراك كأن في نفسك علي شيئا؟ أتظن أني قتلت أباك؟ واللّه لوددت أني كنت قتلته ولو قتلته لم أعتذر من قتل كافر ولكني مررت به يوم بدر فرأيته يبحث للقتال كما يبحث الثور بقرنه فهبته ورغت عنه فقال لي: إلى اين يا ابن الخطاب؟ وصمد له علي فتناوله فو اللّه ما رمت مكاني حتى قتله)(1).

ثم إن النص متناقض الألفاظ فمرة يظهر عمر ينفي قتل العاص بن هشام وانما الذي قتله هو الإمام علي (علیه السلام)، ثم عمر يقول: لكني قتلت خالي بيدي العاص بن هشام، فهل قتله أم لا؟ ربما أراد الراوي من ذلك أن يخفي هذه المنقبة للإمام (علیه السلام) .

في حین أن أستاذه الواقدي أحصى تسعة وأربعین قتيلا، منهم من قتله أمیر المؤمنین وشرك في قتله اثنین وعشرين رجلا(2).

أما البلاذري فذكر أن عدد قتلى المشركین يوم بدر كان تسعة وأربعین رجلا وإن عدد من قتلهم الإمام (علیه السلام) واحد وعشرون رجلا(3).

ص: 177


1- (1) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 14 / 303 .
2- (2) الواقدي، المغازي، 1/ 152 .
3- (3) البلاذري، أنساب الأشراف، 1/ 296 - 301 .

في حین أن الطبرسي ذكر أن عدد من قتلهم الإمام علي (علیه السلام) يوم بدر كان ستة وثلاثین رجلا(1).

يظهر من رواية ابن سعد عن عدد قتلى المشركین يوم بدر الإرباك، ففي الوقت الذي يقول فيه: إن عدد من قتل من المشركین كان سبعين رجلا إلا أنه لا يذكر لنا اسماء الا تسعة عشر رجلا فقط، ولا يذكر من قتلهم، فهذا يدل على عدم الوضوح، والضبابية في نقل الروايات الخاصة بمعركة بدر، التي تتحدث عن بطولات الإمام علي (علیه السلام)، وربما يكون السبب في ذلك لما قام به الإمام علي

(علیه السلام) من الإكثار في قتل المشركین الذي تولد عنه ان يصبح قتلى المشركین موزعًا على جميع بطون قريش أو أغلبهم، والذي أدى إلى بروز ظاهرة العداوة ضد الإمام علي (علیه السلام) من قبل الرواة في ذلك الحین، وهذا ما أكده ابن سعد عندما نقل لنا الحديث الذي دار بین عمر بن الخطاب وسعيد بن العاص.

ثالثا: معركة أحد سنة 3ه-:

اشارة

(2)

لما رجع المشركون الذين خاضوا معركة بدر إلى مكة وجدوا القافلة التي قدم بها أبو سفيان واقفة في دار الندوة فمشت (أشراف قريش) إلى أبي سفيان فقالوا نحن طيبو أنفس أن تجهزوا بربح هذه القافلة جيشا لمقاتلة المسلمين فأول من أجاب هذا الطلب أبو سفيان(3).

ص: 178


1- (1) الطبرسي: أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل (ت 548 ه- / 113 5 م)، إعلام الورى بأعلام الهدى، تح، مؤسسة آل البيت (علیه السلام) لإحياء التراث، ط 1، مطبعة ستاره – قم المقدسة، 1417 ه-، 170/1.
2- (2) أحد: اسم جبل حدثت حوله معركة أحد ويبعد عن المدينة حوالي ميل. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 1/ 109 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 33.

فقام المشركون ببيع البضاعة التي جاء بها أبو سفيان فصارت ذهبا، فكانت الف بعیر، والمال خمسین ألف دينار، فأخذوا أرباح هذه القافلة، واستعمله في تجهيز جيش لقتال المسلمين، وذكر المفسرون(1) أنه قد نزل فيهم: («إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)(2)، فقاموا بإرسال الرسل يدعونهم إلى نصرتهم ضد المسلمين، فكانوا أربعة نفر أرسلتهم قريش وهم عمرو بن العاص وهبیرة بن وهب المخزومي(3) وابن الزبعري(4) وأبو عزة الجمحي(5) فساروا إلى القبائل العربية ينجدونهم ويستنصرونهم على رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فوافق ثلاثة منهم وأبى أبو عزة أن يسیر وذلك لرد الجميل على رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عندما أطلق سراحه يوم بدر من دون أخذ الفداء(6) وقرروا ايضا إخراج النساء

ص: 179


1- (1) الطبري، جامع البيان عن تاويل أي القرآن، 9/ 322 ؛ القمي، تفسیر القمي، 1/ 277 ؛ الطوسي، التبيان في تفسیر القرآن، 5/ 118 .
2- (2) سورة الانفال، 36 .
3- (3) هبیرة بن وهب بن عمرو بن عائذ من بني مخزوم، تزوج أم هانئ أخت الإمام علي (علیه السلام) و ابنه جعدة بن هبیرة عامل الإمام علي (علیه السلام) علی خراسان. ینظر: ابن سعد، الطبقات الکبری، 10/ 47-48؛ ابن الکلبي، جمهرة النسب،1/ 130.
4- (4) ابن الزبعري: هو عبد اللّه بن الزبعري الشاعر الذي كان يهجوا أصحاب الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ويحرض المشركین على المسلمين، هرب من مكة عام الفتح، أسلم بعد الفتح. ينظر: ابن سعد، الطبقات، 6 /108-109 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 3/ 900 .
5- (5) أبو عزة الجمحي: هو عمرو بن عبداللّه بن عمر بن وهب بن حذافة بن جمح الجمحي، أسر يوم بدر فَمنَّ عليه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ثم خرج مع المشركین يوم أحد فلما توجه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى حمراء الأسد وجد أبا عزة هناك فأمر عاصم بن ثابت بقتله. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 41/2 ؛ ابن حجر، الإصابة، 8/ 238 .
6- (6) الواقدي، المغازي، 1/ 201 .

معهم ليذكرنهم بقتلى بدر، فكانت نساء المشركین يضربن بالاكبار(1) والدفوف(2) والغرابيل(3) ويحرضنهم ويذكرنهم قتى بدر ويقلن:

نحن بنات طارق***نمشي على النمارق

ان تقبلوا نعانق***أو تدبروا نفارق

فراق غیر وامق(4)

فلما علم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بنية قريش أخبر أصحابه بذلك، أرجف المنافقون واليهود بالمدينة، هذا وخرجت قريش من مكة ومعهم أبو عامر الفاسق(5) وكان يسمى قبل ذلك بالراهب في 50 رجلا من قومه، وكان عدد من خرج مع قريش

ص: 180


1- (1) هي جمع كبر والكبر هي الطبل. ينظر:الحطاب الرعيني، (ت 954 ه-)، مواهب الجليل، تح: الشيخ زكريا عمیرات، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1416 ه-/ 1995 م، 2/ 206 .
2- (2) وهي جمع دف، وهي آلة من الآلات العزف الذي يضرب به. ينظر: الرازي، مختار الصحاح، ص 115.
3- (3) الغربال هي الدف الذي يضرب به، وشبه بالغربال في استدارته هي. ينظر: الزبيدي، تاج العروس، 15 / 537 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 38 .
5- (5) أبو عامر الفاسق: واسمه عبد عمرو ابن صيفي بن زيد، وكان يعرف قبل الإسلام بالراهب، وكان هو وعبداللّه بن أبي سلول يحسدان النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لما منّ اللّه عليه به فخرج أبو عامر إلى مكة ثم قدم مع قريش يوم احد محاربا فسماه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أبا عامر الفاسق، فلما فتحت مكة لحق بهرقل هاربا إليه إلى الروم، وأخذ يراسل المنافقین يشجعهم على الاعتداء وبناء مسجد لهم وانه سوف يأتي بجيش كبیر من الروم ويخرج رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) والمسلمين من المدينة فكان المنافقون يتوقعون مجيء أبا عامر ولكن خاب ضنهم بموت أبي عامر، ومات كافرا سنه 9ه- وقيل 10 ه-. ينظر: الجصاص: أبو بكر أحمد بن علي الرازي (ت 370 ه- / 984 م)،أحكام القرآن، تح: عبد السلام محمد علي شاهين،ط 1، دار الكتب العلمية – بیروت، 1415 ه-/ 1995 م، 3/ 201 ؛ ابن حزم، جمهرة انساب العرب، ص 333؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 380

من مكة 3000 رجل فيهم 700 دارع ومعهم 200 فرس و 3000 بعیر والظعن 15 امرأة وشاع خبر مسیر قريش بن الناس حتى نزلوا ذا الحليفة،فبعث رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عينین له أنسا ومؤنسا ابني فضالة الظفيرين(1).

فما كان من رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلا أن جمع المسلمين واستشارهم في أمر الحرب واخذ رأيهم في الكيفية التي يواجه بها المسلمون المشركین، فكان رأي كبار الأنصار والمهاجرين ورأي عبداللّه بن أبي سلول أن لا يخرج من المدينة واتخاذ موقف دفاعي داخل المدينة فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم): امكثوا في المدينة واجعلوا النساء والذراري في الأطام، في حین كان رأي الشباب والفتيان ممن لم يشهدوا بدرا الخروج إلى العدو وكانوا يرغبون بالشهادة فقالوا: أخرج بنا إلى عدونا(2).

وقد اختلفت الآراء بین مؤيد للخروج وبین مؤيد للبقاء في المدينة، فقد ذكر القمي(3) في تفسیره قول عبداللّه بن أبي سلول: ((يا رسول اللّه لا تخرج من المدينة حتى نقاتل في ازقتها فيقاتل الرجل الضعيف والمرأة والعبد والأمة على أفواه السكك وعلى السطوح فما أرادنا قوم قط فظفروا بنا ونحن في حصوننا ودورنا وما خرجنا على أعدائنا قط إلا كان الظفر لهم فقام سعد بن معاذ رحمه اللّه وغیره

من الأوس فقالوا: يا رسول اللّه ما طمع فينا أحد ونحن مشركون نعبد الأصنام فكيف يطمعون فينا وانت فينا نخرج إليهم فمن قتل منا شهيدًا)). فكانت الغلبة للذين كانوا يريدون الخروج لمقاتلة قريش، فصلى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الجمعة بالمسلمين، ثم وعظهم وأمرهم بالجد والجهاد وأخبرهم ان لهم النصر ما صبروا

ص: 181


1- (1) هما أولاد فضالة بن عدي بن حرام أمهم سودة بنت سويد وهما اللذان أخبرا النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بخبر قريش حينما نزلوا احد. ينظر:ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/ 262 - 263 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 34
3- (3) تفسير القمي، 1/ 111.

وأمرهم بالتهيؤ لعدوهم(1).

فدخل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بيته، وكان الناس ينتظرون خروجه، فقال لهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضیر(2) استكرهتم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) والأمر ينزل عليه من السماء فردوا الأمر إليه، فلما خرج رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وقد لبس لامته للحرب فندموا جميعا على ما صنعوا، فقالوا: ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما بدا لك، فكان جواب رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) (أنه لاينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يحكم اللّه بينه وبین أعدائه فانظروا ما أمرتكم به فافعلوه وامضوا على اسم اللّه فلكم النصر ما صبرتم)(3).

فلما سار رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لملاقاة العدو استخلف على المدينة عبداللّه بن أبي مكتوم ثم ركب رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فرسه وسار لملاقاة المشركین في أحد، فمضى حتى إذا كان بالشيخين(4) التفت رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى كتيبة خشناء(5) لها زجل(6) فقال: ما هذه؟ قالوا: حلفاء ابن أبي من اليهود فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لا تستعينوا

ص: 182


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 34 - 35 .
2- (2) أبو يحيى أسيد بن حضیر بن سماك بن عتيك بن امرؤ القيس بن زيد بن عبد الاشهل، شهد العقبة الأخرى مع السبعين من الأنصار وكان من ضمن النقباء الاثني عشر، آخى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بينه وبین زيد بن حارثة، لم يشهد بدرًا وكانت وفاته سنة 20 ه- أيام عمر بن الخطاب. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 558 - 560 ؛ ابن حبان، مشاهير علماء الأمصار، 33.
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 35 .
4- (4) الشيخين: موضع بالمدينة كان فيه معسكر رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ليلة خروجه لقتال المشركین بأحد وقيل هما اطمان سميا به لأن شيخا وشيخة كانا يتحدثان هناك. ينظر: الحموي، معجم البلدان، 380/3.
5- (5) خشناء: كثيرة السلاح. ينظر: إبراهيم مصطفى، المعجم الوسيط،ص 236 .
6- (6) زجل: أجلب ورفع صوته.ينظر: إبراهيم مصطفى، المعجم الوسيط، ص 389 .

باهل الشرك على أهل الشرك.

ثم انقطع ابن أبي من ذلك المكان في كتيبة كأنه هيق(1) يقدمهم وهو يقول عصاني وأطاع الوُلدان ومن لا رأي له، وانقطع معه ثلاثمائة فبقي رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في سبعمائة ومعه فرسه وفرس لأبي برده بن ينار وأقبل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يصف أصحابه ويسوي الصفوف على رجليه وجعل ميمنة وميسرة وعليه درعان ومغفر وبيضة وجعل جبل احد خلف ظهره واستقبل المدينة وجعل جبل عينین بقناة على يساره، وجعل عليه خمسین من الرماة واستعمل عليهم عبداللّه بن جبیر(2) وأمرهم بحماية ظهر المسلمين وقال لهم: إن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا(3).

وأقبل المشركون وقد صفوا صفوفهم واستعملوا على الميمنة خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، وجعلوا على الخيل صفوان بن أمية ويقال عمرو بن العاص وعلى الرماة عبداللّه بن أبي ربيعة(4) وكان يحمل لوائهم طلحة بن

ص: 183


1- (1) هيق: دقيق الجسم مفرط الطول. ينظر: إبراهيم مصطفى، المعجم الوسيط، ص 1004 .
2- (2) عبداللّه بن جبیر بن النعمان بن أمية بن البرك شهد العقبة مع السبعين من الأنصار وشهد بدرا وأحدا واستعمله رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يوم أحد على الرماة واستشهد يوم أحد لأنه لم يخالف أمر رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم). ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 440 - 441 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 35 - 37 .
4- (4) هو ابن المغیرة بن عبد اللّه بن مخزوم، كان اسمه في الجاهلية بحیرا فلما أسلم أطلق عليه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) اسم عبد اللّه، وكان من ولاة عمر بن الخطاب على اليمن، وكان موقفه سلبيا من بيعة الإمام علي (علیه السلام) حيث قال: (إن بايعتم لعلي سمعنا وعصينا وان بايعتم لعثمان سمعنا وأطعنا)، وكان يقول أيضا عندما قامت عائشة بالمطالبة بدم عثمان: (أيها الناس من خرج في طلب دم عثمان فعلي جهازه فجهز ناسا كثیرا وحملهم ولم يستطع الخروج إلى الجمل لما كان في برجله. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 89 - 91 ؛ ابن حجر تهذيب التهذيب، 5/ 183 .

أبي طلحة من بني عبد الدار بن قصي(1).

اللواء بيد الإمام علي (علیه السلام)

لقد ذكر ابن سعد أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) طلب ثلاثة رماح فعقد ثلاثة ألوية فدفع لواء الأوس إلى أسيد بن حضیر ودفع لواء الخزرج إلى الحباب بن المنذر(2)، ويقال: إلى سعد بن عبادة، ودفع لواء المهاجرين إلى علي بن أبي طالب (علیه السلام) ويقال إلى مصعب بن عمر(3).

يظهر من هذه الرواية أن هناك ثلاثة ألوية مختلفة ولا يوجد لولاء رئيس للمسلمين كما حدث في معركة بدر، كذلك يظهر أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قد قسم الألوية على أساس قبلي وهذا ما نقضناه عندما تحدثنا عن معركة بدر، ثم ان ابن سعد قد ضعف القول باعطاء لواء الخزرج إلى سعد بن عبادة بقوله: ((وقيل إلى سعد بن عبادة)).

اما بخصوص اللواء الذي أعطاه إلى الإمام علي (علیه السلام) يوم أُحد فأراد ابن سعد أن يضعف هذا الأمر عن طريق قوله: (وقيل إلى مصعب بن عمر)، وهو بذلك يناقض نفسه،ففي مكان آخر قال: ((فصاح ابن أبي طلحة صاحب لواء

ص: 184


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 37 .
2- (2) أبو عمرو الحباب بن المنذر بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب، وقد شهد مع رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) معركة بدر وجميع مشاهده وشهد سقيفة بني ساعدة وكان خطيب الأنصار، توفي أيام عمر بن الخطاب وليس له عقب. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 525 - 526 ؛ ابن حجر، الاصابة، 2/ 9.ولمزيد من التفاصيل ينظر: العبادي، ذو الراي الحباب بن المنذر الخزرجي، مجلة مؤتة للبحوث والدراسات، مج 13العدد 7، 1998 ، ص 149 - 186 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 35 .

المشركین: من يبارز؟ فبرز له الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام)(1).

هنا نقول أليس من أصول المعارك أن يتقدم حامل اللواء لمبارزة نظیره حامل اللواء في الجيش المقابل؟ فهل كان المشركون أشجع من المسلمين بإخراجهم صاحب اللواء؟ ونحن نعلم بارتباط الجيش باللواء، فوجوده مرهون به، فاذا سقط لواء الجيش فإنه يختل توازن الجيش وربما ينهار.

إن اللواء كما يعلمه العقلاء كافة هو نظام الجيش وقطب العسكر وبثباته يثبت وبزواله يزول، وهذا ما حدث في يوم أحد الذي كان أشد الأيام على المسلمين،وامتاز بها أهل الصبر والثبات، وكان أكبر همّ كلّ مسلم ذلك اليوم أن ينجو بنفسه إلا أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب (علیه السلام) فأنه كان همّه سامة رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وبيضة الإسلام(2).

إذن فحامل لواء المسلمين هو الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) في أُحد وفي جميع مشاهد رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كما اثبتناه في معركة بدر.

فلما التقى الإمام علي (علیه السلام) بابن أبي طلحة بین الصفین بادره الإمام علي (علیه السلام) بضربة على رأسه حتى فلق هامته فوقع ميتا، وكان كبش كتيبة المشركین، فسر ذلك رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، وأظهر التكبر وكبر المسلمون وشدوا على كتائب المشركین يضربونهم حتى زعزعت صفوفهم(3).

ثم ذكر ابن سعد أنه حمل لواء المشركین من بعد طلحة أخوه عثمان بن أبي

ص: 185


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 38 .
2- (2) العامي: عبد الحسین نور الدين،نقد كتاب حياة محمد (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، ط 1، مؤسسة السيدة معصومة (علیهاالسلام)، قم، 1422 ه-، ص 74 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 38 .

طلحة فضربه حمزة بن عبد المطلب (علیه السلام) بالسيف فقطع يده، ثم حمله أبو سعد بن أبي طلحة فرماه سعد بن أبي وقاص فقتله فحمله مسافع بن طلحة فرماه عاصم فقتله ثم حمله الحارث بن طلحة بن أبي طلحة فرماه عاصم فقتله ثم حمله كلاب بن طلحة فقتله الزبیر ثم حمله الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة فقتله طلحة بن عبيداللّه، ثم حمله أرطاة بن شرحبيل فقتله الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) ثم حمله شريح بن فارط فلسنا ندري من قتله ثم حمله صواب غلامهم وقيل قتله سعد بن أبي وقاص، وقيل علي بن أبي طالب (علیه السلام)، وقال قائل قتله قزمان، وهو أثبت القول(1).

عن طريق رواية ابن سعد يظهر أن الإمام عليًا (علیه السلام) قتل واحدًا من حملة اللواء وقلل من قتل الثاني، وأنه أظهر دورا بارزا لبقية المسلمين، مثل: سعد بن أبي وقاص، وطلحة والزبیر، ولا يخفى علينا أنّ قتل صاحب اللواء يعد أمرًا يتباهى به ويتكلم به الناس في أثناء الحرب وبعدها ولا ينسى لانه يعد من المفاخر فلماذا أغفل ابن سعد ذكر بعض من قتل أصحاب هذه الألوية، ثم أن ابن سعد يخالف ما ذكره بعض المؤرخین(2)، إذ ذكرو أن الإمام عليًا (علیه السلام) قتل جميع أصحاب الألوية يوم أحد بقولهم ((لما قتل علي بن أبي طالب أصحاب الألوية أبصر رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) جماعة من مشركي قريش فقال لعلي إحمل عليهم فحمل عليهم ففرق جمعهم)).

ص: 186


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 38 - 39
2- (2) الواقدي، المغازي، 1/ 240 . وينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2/ 197 ؛ الكوفي،مناقب الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام)، 491/1 ؛ الخطيب التبريزي (741 ه-)، الاكمال في اسماء الرجال، تح: أبي اسداللّه بن حافظ محمد عبداللّه الأنصاري، ط 1، مؤسسة أهل البيت (علیهم السلام)، (د. مكا)، ص 67 .

ولما دنا القوم بعضهم من بعض، والرماة يرشقون خيل المشركین بالنبل هرب المشركون، فصاح طلحة بن أبي طلحة صاحب لواء المشركين:من يبارز؟ فبرز له الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) فقتله(1) وقتل جميع أصحاب الألوية(2).

أحداث المعركة

(فلما قُتِل أصحاب الألوية انكشف المشركون منهزمین لا يلوون على شيء،ونساؤهم ينادين بالويل وتبعهم المسلمون إلى معسكرهم وأخذوا ما في المعسكر من غنائم وتكلم الرماة الذين أمرهم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بعدم مغادرة مكانهم واختلفوا بينهم وثبت أميرهم عبد اللّه بن جبیر ونفر يسیر دون العشرة مكانهم وقال لا أجاوز أمر رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ووعظ أصحابه وذكرهم أمر رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فلم يتعضوا فاستغل خالد بن الوليد نزول المسلمين لجمع الغنائم وقلة من بقي منهم فكرَّ على من بقي من الرماة فقتلوهم وقتل أميرهم عبداللّه بن جبیر رحمه اللّه، فتغیرت المعادلة وأصبحت الغلبة للمشركین، ونادى إبليس: إن محمدًا قد قتل واختلط المسلمون فصاروا يقتتلون من دون شعار ويضرب بعضهم بعضا)(3).

هنا نطرح سؤالًا كيف عرف الناس أن إبليس نادى أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قتل؟ فلو فعل ذلك لذكره لنا رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلا أن هذا لم يحدث.

هناك تفسیر يكاد يكون وحيدًا وهو أن المسلمين لم يكونوا على قدر المسؤولية وأن ايمانهم لم يكن راسخا في قلوبهم، ولذلك نزل الوحي يوم أحد يدين فيه المنهزمین وقت الشدة وتركهم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وعليا مع قلة قليلة تقاتل

ص: 187


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 38 .
2- (2) الواقدي، المغازي، 1/ 240 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 39 .

ثلاث آلاف فانقلبوا على أعقابهم بعد أن سمعوا أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قد قتل.

قال تعالى (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)(1).

ثم إن ابن سعد ذكر أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ثبت ومازال يرمي عن قوسه حتى صارت شظايا ويرمي بالحجر وثبت معه عصابة من أصحابه أربعة عشر رجلا: سبعة من المهاجرين فيهم أبو بكر وسبعة من الأنصار(2).

ثم لماذا ذكر ابن سعد أبا بكر من دون غیره من الأربعة عشر الذين ثبتوا ولم ينهزموا؟ ثم أنه قال في موضع آخر ((فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمن فذلك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم فلم يبق مع رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) غیر اثني عشر رجلا))(3). يظهر من هذا النص أنه يختلف عن النص السابق فانه ذكر أن عددهم اثني عشر رجلا ولم يذكر أبا بكر.

في حین أن أبا بكر لم يذكر طُوال أحداث المعركة، فلم يذكر في المشورة، ولم يذكر في أعداد الجيش ولا في المبارزة، فلماذا ذكر هنا فقط؟!!. ثم إن هذا الأمر خلاف لما ذكره بعض المؤرخین ومنهم الواقدي شيخ ابن سعد

1- الواقدي: قال وثبت رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وثبت معه أربعة عشر رجلا ويذكر من ضمنهم أبا بكر إلا أنه في نهاية الرواية يقول: وبايعه يومئذ على الموت ثلاثة من المهاجرين وخمسة من الأنصار: علي، والزبیر وطلحة وأبو دجانة والحارث

ص: 188


1- (1) سورة ال عمران، الاية 144 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 40 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 44 .

ابن الصمة وحباب بن المنذر وعاصم بن ثابت وسهل بن حنيف فلم يقتل منهم أحد(1).

2- اليعقوبي: قال انهزم المسلمون في معركة أحد حتى بقي رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وما معه إلا ثلاثة نفر: علي والزبیر وطلحة...))(2).

3- القاضي النعمان: وبقي علي صلوات اللّه عليه وحده بین يديه، وكانت كراديس المشركین تأتيها فيحمل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على بعض ويقول لعلي إحمل أنت على هؤلاء الآخرين فيكشفان من أتاهما ويردانهم بعد أن يبليا فيهم وكان منها صلوات اللّه عليها يومئذ ما لم يكن أحد قبلهما مثله حتى كشف اللّه عز وجل المشركین وهزمهم بهما. وانصرف عامة المسلمين إلى المدينة يقولون قتل محمد وعلي وأرجف الناس بذلك ولم يروا إلا أنه قد كان ثم أقبل علي صلوات اللّه عليه على رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فغسل وجهه مما به من دم وأقبل معه(3).

4- المفيد: وقد روى محمد بن مروان عن عمارة عن عكرمة، قال: سمعت عليا (علیه السلام) يقول لما انهزم الناس يوم أحد عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لحقني من الجزع عليه مالم املك نفسي وكنت أمامه أضرب بسيفي بین يديه فرجعت أطلبه فلم أره فقلت: (ما كان رسول اللّه ليفر وما رأيته في القتلى وأظنه رفع من بيننا إلى السماء فكسرت جفن سيفي وقلت في نفسي لأقاتلن به عنه حتى أقتل وحملت على القوم فأفرجوا فإذا أنا برسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قد وقع على الأرض مغشيا عليه فقمت على رأسه فنظر إلي وقال: ما صنع الناس يا علي؟ فقلت كفروا يا رسول اللّه وولوا

ص: 189


1- (1) الواقدي، المغازي، 1/ 240 .
2- (2) اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2/ 31.
3- (3) القاضي النعمان، شرح الأخبار، 1/ 269 - 270 .

الدبر من العدو وأسلموك فنظر النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى كتيبة قد أقبلت إليه فقال لي: رد عني يا علي هذه الكتيبة فحملت عليها بسيفي أضربها يمينا وشمالا حتى ولوا الأدبار فقال لي النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أما تسمع يا علي مديحك في السماء. إن ملكًا يقال له رضوان ينادي لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي فبكيت سرورا وحمدت اللّه سبحانه على نعمته)(1).

يستشف من الروايات السابقة أن الإمام عليًا (علیه السلام) لم يفر من المعركة، بل بقي ثابتا يدافع عن الإسلام وعن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على الرغم من أنه في بعض الاوقات لم يشاهد رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أمامه، لكنه لم يفكر بأن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قد فرّ من المعركة، فقام بكسر جفن سيفه واستمر بالقتال.

إلا إن ابن سعد لم يبین لنا حال الصحابة الكبار، هل بقوا في المعركة أم فروا منها؟ في حین إن الرواة الذين سبقوا ابن سعد ذكروا من فرّ من المعركة، فقد ذكر ابن اسحاق رواية مفادها: ((إن أنس بن النضر(2) انتهى إلى عمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد اللّه في رجال المهاجرين والأنصار وقد ألقوا ما بأيديهم فقال ما يجلسكم؟ قالوا قتل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، قال فماذا تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ثم استقبل القوم فقاتل حتى قتل))(3).

ص: 190


1- (1) المفيد، الارشاد، 1/ 86 - 87 .
2- (2) هو أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد من بني النجار، عم أنس بن مالك خادم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، لم يشهد بدر، وشهد أحدًا وكان له موقف بطولي ومشرِّف يومها، استشهد يوم أحد، وليس له عقب. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/ 328 - 329 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 109-108/1 ؛ ابن الأثیر، أسد الغابة، 1/ 131؛ ابن حجر، الاصابة، 1/ 281 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/ 329 ؛ ابن اسحاق: محمد بن إسحاق بن يسار (ت 151 ه- / 768 م)، كتاب السیر والمغازي، تح: سهيل زكار، دار الفكر، ط 1، 1978 م، 3/ 309 ؛ ابن هشام، السیرة النبوية، 3/ 600 .

كذلك ما ذكره الطبري في تفسیره قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ)(1) قال: ((فر عثمان بن عفان وعقبة بن عثمان وسعد بن عثمان ورجلان من الأنصار حتى بلغوا الجلعب جبل بناحية المدينة مما يلي الأعوص فاقاموا به ثلاثا ثم رجعوا إلى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال لهم لقد ذهبتم فيها عريضة(2)، وهذا ما أكده جملة من المفسرين(3) من أن هذه الآية نزلت يوم أُحد وفيها ذم وتوبيخ من السماء للذين تركوا رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وحيدا في المعركة.

إذن فرار الصحابة وتركهم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كان أمرًا واقعًا وكان بطرق مختلفة فمنهم من ترك حدود المعركة، كما فعل عثمان بن عفان، ومنهم من انحاز عن القتال كما هو الحال مع عمر بن الخطاب، في حین أن الروايات لم تشر إلى فرار الإمام علي (علیه السلام) والتنحي عن أرض المعركة وترك رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، وإنما بقي صامدا يدافع عن الإسلام وعن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) .

وقد كسرت رباعية رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يوم أحد وجرح وجهه وكسرت البيضة على رأسه، فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم؟ ونزل قوله تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ

ص: 191


1- (1) سورة ال عمران، 155 .
2- (2) الطبري، جامع البيان عن تاويل أي القرآن، 4/ 194 .
3- (3) الطوسي، التبيان في تفسیر القرآن، 3/ 24 ؛ ابن الجوزي: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي القرشي (ت 597 ه-/ 1200 م)، زاد الميسر في علم التفسیر، تح: محمد بن عبد الرحمن عبد اللّه، ط 1، دار الفكر – بیروت، 1407 ه-/ 1987 م، 2/ 44 ؛ السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 ه-/ 1505 م)، الدر المنثور في التفسیر بالماثور، ط 1، دار المعرفة للطباعة والنشر – بیروت، 2/ 88 .

أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)(1))(2).

ومن جملة ما ذكره ابن سعد عن أحداث المعركة مجيء أبي سفيان وأنه قال: أفي القوم محمد؟ ثلاث مرات، قال: فنهاهم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن يجيبوا. ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ ثلاث مرات، أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلاث مرات، قال الحسن بن موسى: أي ليس فوقهم أحد ثم أقبل أبو سفيان على أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا، وقد كفيتموهم فما ملك عمر نفسه أن قال: كذبت يا عدو اللّه! إن الذين عددت لأحياء كلهم، وقد بقي لك ما يسوؤك(3).

سؤال: لماذا ذكر أبو سفيان أبا بكر وعمر بن الخطاب من بین المسلمين؟ هل صدر منهم موقف بارز اثناء المعركة ادى بأبي سفيان إلى أن يذكرهم من دون غيرهم؟ وهذا لم يحدث في يوم أحد، ولم تشر إليه أحداث المعركة ثم لو تنزلنا وقلنا: إن أبا سفيان ذكرهما لوجود ميزة ميزتهما عن بقية المسلمين، هنا نقول أليس الميزة التي تناسب هذا المقام هي أما الشجاعة أو قتلهما بعض المشركین، ولو تتبعنا تفاصيل المعركة لم نجدهما قتلا شخصا أو بارزا شخصًا.

ولو كان ميزة الشجاعة والقتل هي التي دفعت أبا سفيان أن يناديهما، فمن باب أولى أن يذكر حمزة بن عبد المطلب (علیه السلام) والإمام عليًا (علیه السلام) لما قاما به في أرض المعركة، ثم إن الرواية تظهر لنا أن عمر بن الخطاب قد خالف أوامر رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عندما رد على أبي سفيان.

ص: 192


1- (1) سورة آل عمران،الآية 128 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 42 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 44 .
شهداء المسلمين في أحد

بعد أن خالف بعض المسلمين أوامر رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في البقاء في مواقعهم مهما كانت نتيجة المعركة، تفكك جيش المسلمين فكانت النتيجة أن استشهد في يوم أحد من المسلمين ثمانية من المهاجرين، وهم: حمزة بن عبدالمطلب (علیه السلام) قتله وحشي(1)، وعبداللّه بن جحش قتله أبو الحكم بن الأخنس بن شريق، ومصعب بن عمیر قتله ابن قميئة، وشماس بن عثمان بن الشريد المخزومي قتله أبي بن خلف الجمحي، وعبداللّه وعبدالرحمن ابنا الهبيب بن سعد بن ليث ووهب بن قابوس المزني وابن أخيه الحارث بن عقبة بن قابوس.

واستشهد من الأنصار سبعون رجلا فيهم عمرو بن معاذ أخو سعد بن معاذ، واليمان أبو حذيفة قتله المسلمون خطأ، وحنظلة بن أبي عامر الراهب الذي سمي غسيل الملائكة(2)، وخيثمة أبو سعد بن خيثمة وخارجة بن زيد بن أبي زهير صهر أبي بكر، وسعد بن الربيع، ومالك بن سنان، وأبي سعيد الخدري، والعباس بن عبادة بن نضله، والمجذر بن ذياد وعبداللّه بن عمرو بن حزام، وعمرو بن الجموح(3).

وذكوان بن قيس قتله أبو الحكم بن الأخنس فشد عليه الإمام علي (علیه السلام) فقتل أبا الحكم(4).

ص: 193


1- (1) هو أبو دسمة وحشي بن حرب الحبشي مولى لطعيمة بن عدي وقيل مولى جبر بن مطعم بن عدي، قتل حمزة بن عبد المطلب عم النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يوم أحد وكان يومئذ كافرا أسلم بعد الطائف وشهد اليمامة، مات في الخمر. ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 4/ 1564 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/ 292 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 40 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 548 .

وأرسل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الحارث بن الصمة يبحث عن حمزة بن عبد المطلب (علیه السلام) فتأخر في الرجوع، فأرسل الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) يبحث عن حمزة والحارث بن الصمة وهو يرتجز ويقول:

يارب إنَّ الحارث بن الصمة***كان رفيقا وبنا ذا ذمه

قد ضل في مهامه مهمه***يلتمس الجنة فيها ثمة

حتى انتهى الإمام علي (علیه السلام) إلى الحارث فوجده ووجد حمزة بن عبد المطلب مقتولا فرجعا فاخبرا النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)(1) .

وقتل من المشركین 23 رجلا فيهم حملة اللواء، وعبداللّه بن حميد بن زهیر، وابو عزيز بن عمر، وأبو الحكم بن الأخنس بن شريف الثقفي قتله الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) وسباع بن عبد العزى، وهشام بن أمية بن المغیرة، والوليد بن العاص بن هشام، وأمية بن أبي حذيفة ابن المغیرة، وخالد بن الأعلم العقيلي، وأبي بن خلف الجمحي قتله رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)(2) .

خلاصة القول: ثبت لدينا أن الإمام عليًا (علیه السلام) قتل من المشركین يوم أحد ما يقارب 10 رجال بعد أن اثبتنا أنه قتل أصحاب الألوية الذين كان عددهم تسعة، هذا يعني أن الإمام عليًا (علیه السلام) قتل تقريبا نصف من قتل من المشركین يوم أحد.

وبعد انصراف المشركین من أرض المعركة بعث رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الإمام علي ابن أبي طالب فقال: أخرج في أثر القوم فانظر ماذا يصنعون،وماذا يريدون؟ فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا

ص: 194


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 472 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 40 - 41 .

الإبل فإنهم يريدون المدينة، وقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسیرنّ إليهم فيها ثم لأناجزنّهم، فقال الإمام علي (علیه السلام): فجنبوا الخيل وامتطوا

الإبل واتجهوا نحو مكة(1).

وبعد انصراف المشركین أقبل المسلمون على أمواتهم، إذ أتى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بحمزة بن عبد المطلب وبقيت الشهداء فلم يغسلهم وقال لفوهم بدمائهم وجراحهم أنا الشهيد على هؤلاء وصلى عليهم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وصلى على حمزة بن عبد المطلب سبعين مرة لأنه كلما جاءوا بشهيد وضعه بجنب حمزة بن عبد المطلب (علیه السلام)(2) .

وأورد ابن سعد رواية حول دفن حمزة بن عبد المطلب (علیه السلام) قال: قال: محمد بن عمر: ونزل في قبر حمزة أبو بكر وعمر وعلي والزبیر، ورسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) واقف جالس على حفرته، وقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم): رأيت الملائكة تغسل حمزة؛ لأنه كان جنبا ذلك اليوم(3).

وظاهر هذه الرواية يقودنا إلى ملاحظات عدّة يمكن أن تشكل رؤية منها وهي:

1- ابن سعد لم يعرف أن حمزة كان جنبا يوم أحد وإنما كان حنظلة ابن أبي عامر ولذلك سمي بغسيل الملائكة، وذكر ذلك ابن سعد نفسه.

2- إن الرواية مرسلة؛ لأنها رويت عن محمد بن عمر الذي لم يكن مولودًا بعد.

ص: 195


1- (1) ابن هشام، السيرة النبوية، 3/ 88 - 89 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 41 .
3- (3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 9- 10 .

3- لماذا لم ينزل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في قبر عمّه حمزة؟ أليس من باب الوفاء أن

ينزل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في قبره لما قدمه من تضحيات في سبيل الإسلام؟ وقبل هذا فإنه عمّه الذي وقف معه ضدّ المشركین في أصعب الظروف، وإن الميت في هذه الحالة يحتاج إلى من يخفف عنه ضغطة القبر.

4- إنها الروايات الموضوعة لإبراز شأنية بعض الصحابة الذين لم يكن لهم دور بارز في معركة أحد.

ثم انصرف رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى المدينة وكان من أول الشامتين زعيم المنافقین ابن أبي سلول بما حلّ برسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وأصحابه، فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم): لن ينالوا منا مثل هذا حتى نستلم الركن(1)، أي حتى ندخل مكة.

وكانت السيدة فاطمة (علیهاالسلام) تغسل جرح رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، والإمام علي (علیه السلام) يسكب الماء عليها بالمجن يعني الترس، فلما رأت السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) ان الدم لا ينقطع كلما وضعت عليه الماء، اخذت قطعة حصیر فأحرقته ثم وضعته على الجرح فانقطع الدم(2).هذا يعني أن السيدة الزهراء كانت ممن شاركت المسلمين في حرب أُحد، فقد ذكر الواقدي(3) أن السيدة فاطمة الزهراء(علیهاالسلام) خرجت من ضمن النساء الاربعة عشرة اللواتي كن يحملن الطعام والشراب على ظهورهن ويسقين الجرحى ويداوينهم.

إلا أن ابن سعد أورد رواية عن ميمون بن مهران جاء فيها: لما انصرفوا يوم أحد قال علي لفاطمة: خذي السيف غیر ذميم، فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم): إن كنت

ص: 196


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 41 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 45 .
3- (3) المغازي، 1/ 249 . وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 36 .

احسنت القتال فقد احسنه الحارث بن الصمة وأبو دجانه(1) وذلك يوم أحد(2).

هنا نضع ملاحظات عدّة على هذا الرواية:

1- إن المتتبع لأحداث وقعة أحد التي ذكرها ابن سعد لا يجد دورا مهما للحارث بن الصمة وأبي دجانة، وإنما كان الدور المهم والبارز للإمام علي (علیه السلام) فهو الذي قتل أصحاب الألوية، وهو الذي ثبت عندما فرّ الاخرون عن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فكيف يقول رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ذلك؟

2- إن الشعر الذي ذكره ابن سعد شعرٌ منقوص وغیر متكامل، فقد ذكره جملة من المؤرخین(3) بصورة كاملة الذي عمد ابن سعد إلى حذفها

أفاطم هاك السيف غير ذميم***فلست برعديد ولا بلئيم

لعمري لقد جاهدت في نصر أحمد***ومرضاة رب العباد عليم

أريد ثواب اللّه لا شيء غيره***ورضوان في جنة ونعيم

3- إن الصحيح في ذلك ما ذكره القاضي النعمان قائلا: ((فعن أبي جعفر بن محمد بن علي (علیه السلام) أنه قال: دخل علي (علیه السلام) على فاطمة (علیهاالسلام) وعندها رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لما انصرف عن أحد فقال لها يا فاطمة خذي السيف غیر ذميم، فقال

ص: 197


1- (1) هو سماك بن خرشه بن لوذان من بني سليم الأنصاري الساعدي، آخى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بينه وبین عتبه بن غزوان، وشهد بدرا، مات في اليمامه أيام أبي بكر سنة 12 ه-. ينظر: ابن سعد،الطبقات الكبرى، 3/ 515 - 516 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 4/ 1644 ..
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 516 .
3- (3) ابن أبي الدنيا: أبو بكر عبد اللّه بن محمد بن سيان بن قيس (ت 281 ه- / 894 م)، مكارم الأخلاق، تح: مجدى السيد إبراهيم، مكتبة القرآن للطبع والنشر والتوزيع – القاهرة، ص 67 ؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 24 ؛ الطوسي، الأمالي، 143 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة،35/15.

له رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أجدت القتال اليوم يا أبا الحسن؟ قال: اللّه ورسوله أعلم، قال: ألا أبشرك يا علي أن جبرائيل قال وأنت تقاتل لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي))(1)

4- إن هذه الرواية مرسلة؛ لأنها قد رويت عن ميمون بن مهران الذي ولد سنة 40 ه-، ثم إنه كان يعمل واليًا أيام عمر بن عبدالعزيز، وكان قد تولى بيت المال في حران أيام محمد بن مروان، وهذا بلا شك يضع أكثر من علامة استفهام على ما ينقله ميمون من روايات(2).

رابعًا: واقعة حمراء الأسد سنة 3 ه- :

(3)

بعد الهزيمة التي تلقاها المسلمون في يوم أحد، وانصراف رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من أُحد يوم السبت بات (صلی اللّه علیه و آله و سلم) تلك الليلة وبات على بابه المسلمون من الأنصار والمهاجرين وهم يداوون جراحاتهم، فأراد رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن يخفف عنهم آثار هذه الهزيمة، فلما أصبح الصباح صلى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بالمسلمين، وأمر بلالاً أن ينادي المسلمين أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يأمركم بطلب عدوكم وأن لا يخرج معنا الا من شهد القتال بالأمس، إلا أن رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أذن لجابر بن عبد اللّه لأن أباه خلفه على إخوته يوم أحد(4).

يظهر مما تقدم أن هذه الواقعة هي استمرار لمعركة أحد لأنها وقعت بعد يوم

ص: 198


1- (1) القاضي النعمان، شرح الاخبار، 2/ 415 .
2- (2) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 9/ 483 - 484 .
3- (3) حمراء الأسد: وهي موضع على ثمانية أميال من المدينة على طريق العقيق مياسرة عن ذي الحليفة. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 46 ؛ الحموي، معجم البلدان، 2/ 301 .
4- (4) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 45 - 46 .

واحد من معركة أُحد، وكانت ردة فعل لما تلقاه المسلمون في يوم أحد.

ثم دعا رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بلوائه وهو معقود لم يحل فدفعه إلى الإمام علي

(علیه السلام) ويقال: إلى أبي بكر(1)

ويمكن القول: إن كانت هذه الواقعة هي امتداد لواقعة أحد فهذا يعني أن لواء المسلمين كان بيد الإمام علي (علیه السلام) يوم أحد، والدليل ما قاله ابن سعد بأن اللواء كان معقودا ولم يحل، أما كلمة: (ويقال إلى أبي بكر) فإنه يراد بها تضعيف الرواية؛ لإبعاد هذه المنقبة عن الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) .

وخرج رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وهو مجروح في وجهه وجبهته ورباعيته قد شظيت شفته السفلى.وفي أمیر المؤمنین وبعض المسلمين الذين ساروا مع رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على الرغم من الجراح التي أصيبوا بها نزل قوله تعالى:(2) (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ)(3)

فركب رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فرسه وخرج الناس معه فأرسل ثلاثة رجال من المسلمين يقتفون أثر المشركین، فأدرك المشركون اثنان منهم في حمراء الأسد فقتلوهم.

ووصل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى منطقة حمراء الأسد فعسكر بها، ودفن الرجلین في قبر واحد، وكان المسلمون يوقدون تلك الليالي خمسمائة نار حتى ترى من

ص: 199


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 46 .
2- (2) المحب الطبري: أبو جعفر أحمد عبد اللّه بن محمد (ت 694 ه- / 1295 م)، الرياض النضرة في مناقب العشرة، دار الكتب العلمية بیروت – لبنان، 1/ 44 ؛ العيني، عمدة القارى، 17 / 161 ؛ مغنية: محمد جواد (ت 1400 ه-) التفسیر الكاشف، ط 3، دار العلم للملايين، بیروت، 1981 م، 2/ 204 .
3- (3) سورة ال عمران، 172 .

مكان بعيد وذهب صوت معسكرهم ونيرانهم في كل وجه فكبت اللّه تبارك وتعالى بذلك عدوهم(1).

هنا ابن سعد لم يبیّن لنا هل وقع قتال بین المسلمين والمشركین أو لا؟ بل ترك الأمر من دون إجابة.

في حین إن بعض المؤرخین(2) ومن بينهم الواقدي ذكر هذه الحادثة بتفاصيل أكثر: ((فقال: انتهى معبد بن أبي معبد الخزاعي وهو يومئذ مشرك، وكانت خزاعة مسالمة للنبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال: يا محمد لقد عزَّ علينا ما أصابك في أصحابك ولوددنا أن اللّه أعلى كعبك وأن المصيبة كانت بغیرك. ثم مضى معبد حتى يجد أبا سفيان وقريشًا بالروحاء(3) وهم يقولون: لا محمد ولا الكواعب أردفتم فبئس ما صنعتم! فهم مجمعون على الرجوع ويقول قائلهم فيما بينهم: ما صنعنا شيئا أصبنا أشرافهم ثم رجعنا قبل أن نستأصلهم... فلما جاء معبد إلى أبي سفيان قال: هذا معبد وعنده الخبر ما وراءك يا معبد؟قال: تركت محمدا وأصحابه خلفي يتحرقون عليكم بمثل النیران وقد أجمع معه من تخلف عنه بالأمس من الاوس والخزرج وتعاهدوا ألا يرجعوا حتى يلحقوكم فيثأروا منكم وغضبوا لقومهم... فانصرف القوم سراعا خائفین من الطلب لهم... فأرسل معبد رجل من خزاعة إلى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يعلمه أن قد انصرف أبو سفيان وأصحابه خائفین وجلین ثم انصرف

ص: 200


1- (1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 46 .
2- (2) خليفة بن خياط، تاريخ خليفة بن خياط، ص 42 - 43 ؛ الطبري، جامع البيان عن تأويل أي القرآن، 4/ 238 - 239 ؛ القاضي النعمان، شرح الاخبار، 1/ 283 - 284 .
3- (3) الروحاء: وهي مكان يقع بین مكة والمدينة، ونزل فيه تبع لما رجع من قتال أهل المدينة يريد مكة وسميت الروحاء روحاء قيل لانفتاحها ورواحها. ينظر: الحموي، معجم البلدان، 3/ 76 .

رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى المدينة))(1).

يظهر من هذا النص أن أبا سفيان وقومه كانوا عازمین على قتال المسلمين لولا أن اللّه سبحانه وتعالى قد أوقع الرعب في قلوبهم عندما سمعوا بإصرار المسلمين وعزيمتهم على القتال.

خامسًا: بدر الموعد سنة 4ه-

(2)

لما جاء موعد هذه الواقعة كره أبو سفيان الخروج لملاقاة المسلمين وكره أن يتجرأ عليه المسلمون فأمر نعيم بن مسعود الأشجعي بالذهاب إلى المدينة وبث الخوف والذعر بین المسلمين لكي لا يخرجوا لملاقاة المشركین، فأسرع السیر حتى قدم المدينة فأخبرهم بعدد المشركین وما معهم من العدة والسلاح فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم): والذي نفسي بيده لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد.

استخلف رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عبدالله بن رواحه(3) على المدينة، وحمل لواءه الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) وسار بألف وخمسائة من المسلمين فيهم عشرة أفراس، واخرجوا ببضائع لهم وتجارات وكانت بدر الصفراء(4) يجتمع فيه

ص: 201


1- الواقدي، المغازي، 1/ 338 - 339 .
2- بدر الموعد: وهي تختلف عن بدر القتال وتسمى بدر الصغرى وجاءت بعد وقعة أحد يذكر انه لما أراد أبو سفيان بن حرب أن ينصرف يوم أحد نادى: الموعد بيننا وبينكم بدر الصفراء فنلتقي بها فنقتتل فقال رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم): نعم إن شاء الله. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 55 - 56 .
3- هو عبدالله بن رواحة بن ثعلبة من الخزرج وهو أحد النقباء الاثني عشر من الأنصار شهد بدرًا وأحد والخندق والحديبية وخيبر واستشهد في معركة مؤتة وهو أحد الأمراء يومئذ. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 565 - 566 .
4- بدر الصفراء: وهي سوق يجتمع فيه العرب ويقام من بداية شهر ذي القعدة إلى الثامن منه. ينظر: المقريزي، امتاع الاسماع، 1/ 192 .

العرب وللتسوق.

فانتهوا إلى بدر ليلة هلال ذي القعدة، وأقيمت الأسواق صبيحة اليوم الأول من شهر ذي القعدة، وأقام بها المسلمون ثمانية أيام وباعوا ما جاءوا به من البضائع فربحوا للدرهم درهما. قال تعالى: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)(1)، ثم خرج أبو سفيان بن حرب من مكة في ألفین معهم خمسون فرسا حتى انتهوا إلى مجنة(2)، فقال أبو سفيان ارجعوا فأنه لا يصلحنا إلا عام خصب نرعى فيه الشجر ونرب فيه اللبن، وهذا عام جدب فرجعوا فسمى أهل مكة ذلك الجيش جيش السويق يقولون خرجوا يشربون السويق(3).

يظهر من هذه الواقعة وإن لم يحدث فيها قتال الدور المهم للإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) ألا وهو حمل لواء المسلمين.

سادسًا: معركة الخندق سنة 5 ه-

بعد الخسارة التي تلقاها المسلمون في معركة أحد سعى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى تنظيم المسلمين وإلى تقوية الجبهة الداخلية، فبدأ بالتخلص من الأعداء الموجودين داخل المدينة ومنهم بنو النضیر وبذلك استطاع أن يؤمن الجبهة الداخلية للمدينة، وبذلك أصبح المسلمون قوة لا يستهان بها ولا يمكن مقاتلتهم على انفراد.

ونتيجة للهزيمة التي تلقاها اليهود أخذ نفر من أشرافهم ووجهائم(4)

ص: 202


1- ال عمران، اية 174 .
2- مجنة: موضع على أميال يسیرة من مكة بناحية ملا الظهران واسم سوق للعرب. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان 5/ 58 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 55 - 56 .
4- سلام بن أبي الحقيق النضري، وحيي بن أحطب النضري، وكنانة بن أبي الحقيق النضري،وهوذة بن قيس الوائلي، ونفر من بني وائل. ينظر: ابن هشام، السيرة النبوية، 3/ 166 .

يجوب في الجزيرة العربية لتجهيز جيشٍ كبیرٍ لمقاتلة المسلمين وقتل النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)والسيطرة على المدينة، فنجح اليهود بذلك عن طريق كسب قبائل عربية مثل قريش بقيادة أبي سفيان وغطفان ويقود بني سليم سفيان بن عبد شمس، وكان اسد يقودهم طلحة بن خويلد الأسدي وفزارة يقودهم عيينة بن حصن، وأشجع يقودهم مسعود بن رخيلة وأما بنو مرة فكان يقودهم الحارث بن عوف. وبدأ المشركون يجمعون المقاتلین بحسب الاتفاق الذي أبرم بین القبائل العربية واليهود فكان عدد المقاتلین عشرة آلاف مقاتل وكانوا ثلاثة عساكر وأنيطت مهمة قيادة الجيش إلى أبي سفيان بن حرب. ولما وصل خبر المشركین إلى المدينة، جمع رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) المسلمين وأخبرهم بجيش المشركین وشاورهم في الأمر فاستقر أمرهم على البقاء في المدينة، وأشار عليهم سلمان الفارسي (رضي الله عنه) بحفر الخندق فأعجب النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بذلك، وشارك في حفر الخندق جميع المسلمين حتى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) واستمر حفر الخندق ستة أيام.وعسكر رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بالمسلمين إلى سفح جبل سلع وجعل الجبل خلفه، وكان عددهم ثلاثة آلاف رجل واستخلف على المدينة عبدالله بن أم مكتوم، وكان خروج المسلمين لملاقاة المشركین يوم الاثنین الثامن من ذي القعدة سنة 5ه- (1).

وعسكرت الأحزاب خلف الخندق، وأرسل أبو سفيان بن حرب حيي بن أخطب إلى بني قريظة يسألهم أن ينقضوا العهد الذي بينهم وبین رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فاجابت بنو قريظة طلب أبي سفيان فنقضت العهد والميثاق مع المسلمين، فكانت أيام بلاء وخوف عصيبة على المسلمين وعلى الذراري والنساء، قال تعالى: (اِذْ

ص: 203


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 62 - 63 .

جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)(1).

واستغل المشركون وجود مكان ضيق في الخندق أغفله المسلمون فاقتحمت مجموعة من المشركين(2) يتقدمهم عمرو بن ود العامري فارس قريش وبطلها الذي قاتل يوم بدر فأعجزته الجراح عن معركة أحد(3).

أما عن دور الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) فقد ذكر ابن سعد أحداثًا يشوبها الاختصار وعدم الوضوح فقال: ((فجعل عمرو بن ود يدعو إلى الراز ويقول:

ولقد بححت من الندا***لجمعهم: هل من مبارز؟

وهو ابن تسعين عام فقال علي بن أبي طالب: أنا أبارزه يا رسول الله فأعطاه رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) سيفه وعمّمه وقال: اللهم أعنه عليه: ثم برز له ودنا أحدهما من صاحبه وثارت بينهما غبرة وضربه علي فقتله وكبر فعلمنا أنه قد قتله وولى أصحابه هاربین وظفرت بهم خيولهم))(4).

هنا نضع ملاحظات عدّة حول ما أورده ابن سعد عن قضية المبارزة:

لم يذكر ابن سعد بقية الأبيات التي ارتجز بها عمرو بن ود العامري فقد ذكرت الكثیر من المصادر(5) هذه الأبيات وبشكل متكامل:

ص: 204


1- سورة الاحزاب، اية 10 .
2- عمرو بن عبد ود العامري وعكرمة بن أبي جهل ونوفل بن عبدالله، وضرار بن الحطاب، وهبیره بن أبي وهب. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 64
3- ابن هشام، السيرة النبوية، 3/ 176 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 64 .
5- البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسین علي (ت 458 ه- / 1065 م)، دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، تح: وثق أصوله وخرج حديثه وعلق عليه: الدكتور عبد المعطي قلعجي، ط 1، دار الكتب العلمية بیروت لبنان، 1405 ه-/ 1985 م، 3/ 438 ؛ ابن كثیر: أبو الفداء عماد الدين اسماعيل بن عمر (774 ه- / 1372 م)، السیرة النبوية، تح: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة – بیروت، 11396 ه-/ 1971 م، 3/ 204 ؛ الحلبي، السیرة الحلبية، 2/ 641 .

ولقد بححت من الندا***لجمعهم: هل من مبارز؟

ووقفت إذ جبن المشجع***موقف القرن المناجز

ولذلك اني لم ازل***متسرعا قبل الهزاهز

ان الشجاعة في الفتى***والجود من خير الغرائز

ربما أراد ابن سعد من إخفاء هذه الأبيات هو إظهار الأمر وكأنه أمر اعتيادي بأن عمرو بن ود طلب المبارزة فخرج له الإمام علي (علیه السلام) في حین أن أغلب الروايات(1) تؤكد أن عمرو بن ود أخذ يؤنبهم ويقول: اين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها؟ أفلا تبرزون إليّ رجلا، والذي يظهر بأن القوم كانوا خائفین من مبارزته.

ذكر أن عمر عمرو بن ود كان تسعين سنة وهذا العمر مبالغ فيه، إذ كيف لرجل بهذا العمر أن يخرج للقتال وقد ذكرت بعض المصادر أنه خرج وهو مقنع بالحديد فنادى من يبارز في حین ذكر بن هشام: أنه ((اقتحم مجموعة من فرسان قريش الخندق يتقدمهم عمرو بن ود العامري فارس قريش وبطلها))، فهل هذا العمر الذي ذكره ابن سعد يلائم هذا المنصب؟ الجواب كلا. وربما أراد ابن سعد أن يقول: إن قتل عمرو بن ود شيء طبيعي لانه رجل كبیر، في حین أن أستاذه الواقدي

ص: 205


1- البيهقي، السنن الكبرى، 9/ 132 ؛ الطبرسي، مجمع البيان، 8/ 131؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق، 78/42.

ذكر نصًا: ((إن المسلمين يومئذ كأن على روسهم الطیر؛ لمكانة عمرو وشجاعته))(1).

قول ابن سعد عندما طلب عمرو بن ود المبارزة ((فقال علي بن أبي طالب:أنا أُبارزه يا رسول الله، فأعطاه رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) سيفه، وعمّمه، وقال: اللهم أعنه عليه)).

يظهر من هذا النص أن الإمام (علیه السلام) قد أجاب عمرو بعد أن طلب عمرو بن ود العامري المبارزه، فلو كان الإمام (علیه السلام) قد برز إلى عمرو بن ود؟ فلماذا يقول:

ولقد بححت من الندا***لجمعهم: هل من مبارز؟

يظهر من ذلك أن الإمام(علیه السلام) عندما سمع عمرو بن ود يدعوا لمبارزه لم يجبه مباشرة قبل أن يستأذن رسول الله(صلی اللّه علیه و آله و سلم) في ذلك، لأن من أصول المعارك أن لا يبرز أحد قبل أن يأخذ الإذن من قائده، ولذلك ذكرت بعض المصادر: ((فقال علي (علیه السلام) أنا له يا رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال له النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم): إنه عمرو إجلس وكرر عمرو بن ود طلب البراز ويقول لهم: اين جنتكم التي تزعمون أن من قتل دخلها..))(2).

وهذا ما أكده الواقدي بقوله: ((فلا دنا إلى البراز قال علي (علیه السلام): انا ابارزه يا رسول الله! ثلاث مرات، وإن المسلمين يومئذ كأن على روؤسهم الطیر لمكان عمرو وشجاعته))(3).

ولم يذكر ابن سعد تفاصيل كثیرة عن معركة الخندق، فإنه لم يذكر لنا تفاصيل المبارزة وما دار بین الإمام (علیه السلام) وبین عمرو بن ود من كلام على خلاف ما

ص: 206


1- الواقدي، المغازي، 1/ 470 - 471 .
2- ابن طلحة الشافعي، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول،ص 206 ؛ ابن كثیر، السیرة النبوية، 204/3.
3- الواقدي، المغازي، 1/ 470 - 471 .

ذكره أستاذه الواقدي الذي ذكر لنا تفاصيل ذلك قائلًا:((أقبل عمرو يومئذ وهو فارس وكان الإمام علي (علیه السلام) راجل فقال له الإمام (علیه السلام) إنك كنت تقول في الجاهلية لايدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلا قبلت واحدة فأجاب عمرو بنود نعم قال الإمام (علیه السلام): فإني أدعوك أن تشهد أن لا إله الا الله وأن محمدًا رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وتسلم لله رب العالمین فأجابه: يا ابن اخي دع هذا عني، فقال له الإمام (علیه السلام) إذن ترجع إلى بلادك فإذا كان محمد (صلی اللّه علیه و آله و سلم) صادقا كنت اسعد الناس به، وان كان غیر ذلك فهذا الذي تريده، فأجابه أتريد أن تعیرني نساء قريش؟ لا يكون هذا أبدًا وقد نذرت ما نذرت وحرمت الدهن، ثم قال الإمام (علیه السلام) أما الثالثة فهو البراز فضحك عمرو ثم قال: إن هذه الخصلة ما كنت اظن أن أحدًا من

العرب يرومني عليها، إني لأكره أن أقتل مثلك، وكان أبوك صديقا لي فارجع، فانت غلام حدث، إنما أردت شيخي قريش أبا بكر وعمر فقال الإمام (علیه السلام) فإني أدعوك إلى المبارزة فأنا أحب أن أقتلك، فدنا أحدهم من الآخر وثارت بينهما غبرة فضرب الإمام علي (علیه السلام) عمرو فقتله وكبر(1).

سابعًا: فتح مكة سنة 8ه-:

كان سببها أن قريشًا قد ارتكبت خطأً فادحًا عندما أعانت حلفاءها بني بكر على خزاعة حليفة الرسول والمسلمين بالخيل والسلاح والرجال، وهاجم بنو بكر وحلفاؤهم قبيلة خزاعة وقتلوا أكثر من عشرين من رجالها(2).

وبهذا الفعل نقضت قريش العهد والميثاق الذي أقرت بنوده في صلح الحديبية في السنه السادسة للهجرة بین قريش والمسلمين كما مر ذكره.

ص: 207


1- الواقدي، المغازي، 1/ 471 .
2- ابن سعد الطبقات الكبرى، 2/ 124 . وينظر: الواقدي، المغازي، 2/ 610 .

فخرج عمرو بن سالم الخزاعي في أربعین من خزاعة حتى قدموا رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في المدينة وأخبروه بما كان من بني بكر وبمن أصيب منهم، وبمناصرة قريش لبني بكر عليهم فقال النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ((لا نصرت ان لم انصر بني كعب مما انصر منه نفسي!وقال: إن هذا السحاب ليستهل بنصر بني كعب))(1).

وبعد هذه الأحداث أصبح احتمال حدوث مواجهة عسكرية كبیر ونتيجة لذلك سارع أبو سفيان لتصحيح هذا الخطأ بالذهاب إلى المدينة لمقابلة رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ليسأله أن يجدد العهد ويزيد في المدة فأبى عليه رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وعاد أبو سفيان إلى مكة.

فأخذ رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في تجهيز جيشه وجعل ذلك الأمر سرًا لا يعلمه الا الخواص والمقربون منه، ويذكر أن أبا بكر وابنته عائشة لم يعرفا مقصد النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)؛ ودليل ذلك أن أبا بكر سأل ابنته عائشة عن مقصد الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قالت له: ما سمى لنا شيئا وكانت أحيانا تصمت لأنها لا تعلم شيئا عن مقصده (2).

وكان رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يقول في الانقاب(3) ((اللهم خذ على ابصارهم فلا يروني إلا بغتة))(4).

وعندما أكمل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) استعداده للسیر إلى فتح مكة كتب حاطب

ص: 208


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 124 - 125 .
2- ابن كثير، البداية والنهاية، 4/ 282 .
3- الانقاب: أي الطرق. ينظر: ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري (ت 463 ه- / 1072 م)،الاستذكار، تح: سالم محمد عطا، محمد معوض، دار الكتب العلمية، ط 2، بیروت، 2000 م، 8/ 243 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 125 ؛ الواقدي، المغازي، 2/ 796 ؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، 529/2 ؛ المقريزي، امتاع الاسماع، 1/ 351 .

بن أبي بلتعة(1) إلى قريش يخبرهم فيه نبأ تحرك النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إليهم وأرسله مع امرأة مسافرة إلى مكة، فعلم رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بذلك. وفي هذا الأمر يقول ابن سعد: ((فبعث رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) علي بن أبي طالب والمقداد بن عمرو فأخذا رسوله وكتابه فجاءا إلى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)))(2) .

يظهر أن ابن سعد لم يذكر لنا تفاصيل اعتقال المرأة، ثم إنه اختلف مع الواقدي في الأشخاص الذين أرسلهم رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لأخذ الكتاب فقال الواقدي: (فبعث علي بن أبي طالب والزبیر)(3).

إلا أن المفيد، نقل لنا نصا خلاف ذلك فقال: ((فنزل الوحي على رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بذلك فاستدعى أمیر المؤمنین (علیه السلام) وقال له: إن بعض أصحابي قد كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا وقد كنت سألت الله أن يعفي أخبارنا عليهم والكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت على غیر الطريق فخذ سيفك والحقها وانتزع الكتاب منها وخلها وصر به إلي ثم استدعى الزبیر بن العوام فقال له امضِ مع علي بن أبي طالب في هذا الأمر فمضيا وأخذا على غیر الطريق فأدركا المرأة فسبق إليها الزبیر فسألها عن الكتاب الذي معها فأنكرته وحلفت أنه لاشيء معها وبكت، فقال الزبیر: ما أرى يا أبا الحسن معها كتابا فارجع بنا إلى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لنخبره ببراءة ساحتها. فقال له أمیر المؤمنین (علیه السلام) يخبرني رسول الله

ص: 209


1- هو أبو محمد بن ارب هزيلة بن لخم، اخى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بينه وبین رخيلة بن خالد، شهد مع النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بدرا واحدا والخندق والمشاهد كلها بعث رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) معه بكتاب إلى المقوقس صاحب الاسكندرية، كان حاطب من الرماة المعروفین، مات في المدينة، سنه 30 ه- وصلى عليه عثمان بن عفان. ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 106 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 125 .
3- الواقدي، المغازي، 2/ 797 .

(صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن معها كتابا، ويأمرني بأخذه منها، وتقول أنت: إنه لا كتاب معها، ثم

اخترط السيف، وتقدم اليها فقال لها: أما والله لئن لم تخرجي الكتاب لأكشفنك ثم لأضربن عنقكِ، فقالت له: إذا كان لابد من ذلك فاعرض يا ابن أبي طالب بوجهك عني، فأعرض علي بوجهه عنها فكشفت قناعها وأخرجت الكتاب من عقيصتها فأخذه أمیر المؤمنین وصار به إلى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم)))(1) .

يظهر مما تقدم أن ابن سعد أراد أن يخفي منقبةً للإمام علي بن أبي طالب وهى مدى يقین الإمام علي (علیه السلام) بما يقول رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، لأن الإمام (علیه السلام) آمن بكل شيء غيبي قاله الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، فكيف له أن يخالف ذلك المعتقد هنا؟.

ثم إن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بعث إلى من حوله من القبائل، فمنهم من وافاه بالمدينة ومنهم من لحقه بالطريق فكان المسلمون يومئذ عشرة آلاف رجل، واستخلف على المدينة عبدالله بن أم مكتوم وكان خروجه لعشر ليال خلون من شهر رمضان، فخرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء(2) فلما رأوا العسكر أفزعهم منظر جيش المسلمين وهم يوقدون عشر آلاف نار(3).

فقال أبو سفيان ما رأيت نيرانا أكثر من هذه فقال له أحد مرافقيه هذه نيران خزاعة فقال أبو سفيان خزاعة أذل من ذلك(4).

ص: 210


1- المفيد، الارشاد، 1/ 57 .
2- هو أبو عمر، بديل بن ورقاء ابن عبد العزى بن ربيعة الخزاعي، أسلم يوم الفتح وكان داره ملجأ إلى قريش، شهد حنین والطائف وتبوك، وتوفي أيام رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم). ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 151 ؛ ابن الأثیر، أسد الغابة، 1/ 170 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 125 .
4- ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 2/ 244 .

فسمع العباس بن عبد المطلب صوت أبي سفيان فقال: أبا حنظله؟ فقال له أبو سفيان ما وراءك؟ قال العباس هذا رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في عشرة آلاف من المسلمين اسلم ثكلتك أمك وعشیرتك! فأجاره العباس وخرج به وبصاحبيه حتى أدخلهم على رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فتبعهم عمر بن الخطاب ودخل معهم وقال یا رسول الله: هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغیر عهد ولا عقد فدعني اضرب عنقه فقال العباس: يا رسول الله إني قد أجرته(1).

فأسلموا وجعل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لابي سفيان شيئا يفتخر به عند قومه فقال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم): ((من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن اغلق بابه فهو آمن))(2).

ثم دخل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مكة في كتيبته الخضراء، وهو على ناقته القصواء(3) وقد حبس أبو سفيان فلما رأى جيش المسلمين قال للعباس بن عبد المطلب لقد

اصبح ملك ابن اخيك عظيما، فقال العباس ويحك: إنه ليس بملك، ولكنها النبوة.

وأراد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن يدخل مكة دخولا من دون إراقة الدماء، عن طريق

بث الرعب في قلوب أهل مكة فأمر رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) سعد بن عبادة أن يدخل

كداء(4) وأمر الزبیر أن يدخل من كدى(5)، وكانت الراية يومئذ مع سعد بن عبادة

ص: 211


1- الواقدي، المغازي، 2/ 817 .
2- ابن الأثیر، الكامل في التاريخ، 2/ 245 ؛ ابن العديم: عمر بن أحمد العقيلي الحلبي (ت 660 ه-)،بغية الطلب في تاريخ حلب، تح: سهيل زكار، مؤسسة البلاغ، بیروت، 1988 م، 6/ 2656 .
3- وهو اسم ناقة رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) التي اشتراها من أبي بكر باربعمائة، وكانت من نعم بني الحريث، هاجر بها رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى المدينة وكانت لا تسبق. ينظر: ابن قتيبة الدينوري،المعارف، ص 149 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2/ 422 ؛ ابن الأثیر، الكامل في التاريخ، 2/ 315 .
4- وهي منطقة تقع بأعلى مكة عند المحصب دار النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من ذي طوى إليها. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 4/ 439 .
5- وهي منطقة تقع أسفل مكة عند ذي طوى بقرب شعب الشافعين ومنها دار النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى المحصب فكأنه ضرب دائرة في دخوله وخروجه. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 4/ 439 .

وأخذ سعد ينادي اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة اليوم أذل الله قريشا. فأمر رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) بأن يأخذ الراية ويقول اليوم يوم المرحمة اليوم تحفظ فيه الحرمة(1).

ثم ذكر لنا ابن سعد كيفية دخول الإمام علي (علیه السلام) إلى مكة، فقال: ((عن سليط بن مسلم(2) عن عبدالله بن عكرمة(3) قال: لما كان يوم الفتح دخل الحارث بن هشام(4) وعبدالله بن أبي ربيعة على أم هانئ بنت أبي طالب(5) فاستجارا بها وقالا: نحن في جوارك فأجارتهما فدخل علي بن أبي طالب فنظر إليها فشهر عليهما السيف قالت فألقيت عليهما ثوبا فاعتنقته وقلت: تصنع هذا بي من بین الناس لتبدأن بي قبلهما قال: تجيرين المشركین؟ فخرج ولم يكبر فأتيت رسول الله

ص: 212


1- الحلبي، السيرة الحلبية، 3/ 118 .
2- هو شيخ القعنبي، قال عنه ابن حنبل إن سليطًا لا أعرفه ثم إن القعنبي روى عن جماعة من أهل المدينة لا يعرفون ولا يحضرني لسليط حديث. ينظر: ابن حجر العسقلاني: أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد (ت 852 ه- / 1448 م)، لسان الميزان، د. تح، ط 2، مؤسسة الأعلمي، بیروت، 1971 م، 3/ 71 .
3- هو أبو محمد المخزومي، من أهل المدينة، روى عن أبي المغیرة، تزوج فاطمة ابنة قيس الصحابية الشهيرة. ينظر: السخاوي: شمس الدين (902 ه-)، التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة، (د. تح)، ط 1، دار الكتب العلمية، بیروت، 1414 ه- / 1993 ، 2/ 61 .
4- هو أبو عبد الرحمن بن هشام بن المغیرة بن عبد اللّه القرشي المخزومي، شهد بدرا كافرا مع شقيقه أبي جهل، فرّ من المعركة وغزا أحدا مشركا أيضا، أسلم يوم الفتح، كان من المؤلفة قلوبهم، مات في الشام بمرض الطاعون قبل اليرموك. ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 301 ؛ المزي، تهذيب الكمال، 5/ 294 .
5- هي فاختة بنت أبي طالب بن عبد المطلب، وقيل هند، أخت الإمام علي (علیه السلام) وجعفر، تأخر إسامها، أسلمت يوم الفتح وكانت تحت هبیرة بن عائذ المخزومي، عاشت إلى بعد سنة 50 ه-. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 47 - 48 ؛ الذهبي، سیر أعلام النبلاء، 2/ 312 - 313.

(صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقلت: يا رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مالقيت من ابن أمي علي ما كدت أفلت منه، اجرت حموين لي من المشركین فنفلت عليهما ليقتلهما! فقال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ما كان ذلك له قد أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت فرجعت إليهما فأخبرتهما فانصرفا إلى منزلهما فقيل لرسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الحارث بن هشام وعبدالله بن أبي ربيعة جالسان في ناديهما متفصلان في الملاء المزعفر فقال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لا سبيل اليهما قد أمناهما))(1)

هنا نسجل الملاحظات الآتية ونجملها بنقاط عدّة:

1- إن هذين الرجلین قد أهدر رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) دمهما ولذلك قام الإمام (علیه السلام) بتنفيذ أمر رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فيها، والدليل على ذلك هو قبول رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إجارة أم هانئ فلولا لم يكونا مهدوري الدم لما طلبا الإجارة(2).

2- لماذا أراد الإمام (علیه السلام) قتل هذين الرجلین؟ وهل حدث بعد فتح مكة قتال؟ سوى قتل الأشخاص الذين هدر رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) دمهم فلم يكن هذان الشخصان من ضمن الستة المهدور دمهم بحسب ما ذكره الواقدي(3).

3- وإذا قلنا بأنه لم يحدث قتال ولم يكن هولاء من ضمن المهدور دمهم فإن ذهاب الإمام علي (علیه السلام) يخالف سیرته (علیه السلام) في القتال فهو القائل لمعاوية بن أبي سفيان (فلولا إني لا أتبع فارا لجعلتك ثالثهما)(4).

4- نكرر السؤال ثانية لماذا كان الإمام يريد قتلهما؟ أليس هذا مخالفة لأوامر

ص: 213


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 82 - 84 .
2- الحر العاملي، الصحيح من سيرة الإمام علي (علیه السلام)، 267/5.
3- المغازي، 2/ 825 .
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 15 / 84 .

رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وتعاليمه حین قال: (من أغلق بابه فهو آمن ومن وضع سلاحه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن)(1)، ويخالف ما صرح به رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بهذا الأمر فقال: ((يا معشر قريش ويا أهل مكة ما ترون اني فاعل بكم؟ قالوا خیرُ أخ كريم وابن أخ كريم ثم قال إذهبوا فأنتم الطلقاء)(2).

إذن فهذان الشخصان هما من ضمن الطلقاء، ومن ضمن الذين لم يخرجوا من الدار فلماذا يريد الإمام (علیه السلام) قتلهما، فهل وضعت هذه الرواية لتشويه سمعة رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) والإسلام بقولهم إننا لسنا الوحيدين الذين نقضنا العهد ولم نحترم العهود.

5- قول الإمام علي (علیه السلام) لأم هانئ (تجيرين المشركین) يظهر من النص أن أم هانئ كانت وقتها مسلمة وهذا خلاف الواقع التاريخي من أن أم هانئ أسلمت بعد الفتح وإن هذه الحادثة تشیر إلى أن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لم يدخل مكة بعد بل كان على أطرافها. فكيف أسلمت؟.

6- تظهر هذه الرواية أن الإمام عليًا (علیه السلام) كان متعطشا للدماء وأنه أراد قتل هذين الرجلین لولا تدخل أم هانى، وهذا خلاف لسیرته (علیه السلام) من حبّه للسلم.

7- أما سند الرواية فقد رويت عن عبد الله بن عكرمة الذي قال عنه ابن سعد بأنه قليل الحديث(3) كذلك تعد هذه الرواية من الروايات العمرية؛ لأنها رويت عن أحد أحفاد عمر بن الخطاب.

خلاصة القول: إن هذه الرواية هي من ضمن الروايات الموضوعة لضرب

ص: 214


1- البلاذري، أنساب الأشراف، 1/ 451 .
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 36 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 455 .

مبادىء الإسلام وتبرير أفعال بعض الحكام الذين جاءوا بعد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) . وكذلك لإيهام الناس من أن قريشًا يوم فتح مكة لم تكن الوحيدة التي نقضت العهد فكذلك الإمام علي (علیه السلام) قام بنقض عهد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ووصيته.

ثم إن ابن سعد ذكر: ((أن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) طاف بالبيت على راحلته، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما فجعل كلّما مرّ بصنم منها يشیر إليه بقضيب في يده ويقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا فيقع الصنم لوجهه، وكان أعظمها هبل وهو وجاه الكعبة))(1)

يظهر هنا أن ابن سعد أراد مرة أخرى أن يخفي فضيلة للإمام علي (علیه السلام) فهو بذلك قد خالف جملة من المؤرخین الذين أوردوا هذا النص بطريقة تختلف عما نقله ابن سعد، فهو أشار إلى قضية كسر الأصنام بعد فتح مكة لكنّه لم يذكر من ساعد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في هذا الأمر، وهنا نذكر بعض هذه النصوص:

ما رواه أحمد بن حنبل عن الإمام علي (علیه السلام) قال ((انطلق رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)إلى الأصنام فقال اجلس فجلست إلى جنب الكعبة ثم صعد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على منكبي ثم قال لي: انهض بي إلى الصنم فنهضت به فلما رأى ضعفي عنه قال: اجلس فجلست وانزلته عني وجلس لي رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ثم قال لي اصعد يا علي فصعدت على منكبه ثم نهض رسول الله فلما نهض بي خيل لي ان لو شئت نلت السماء وصعدت على الكعبة وتنحى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فألقيت صنمهم الأكبر صنم قريش وكان من نحاس موتدا بأوتاد من حديد إلى الأرض))(2).

ص: 215


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 127 .
2- أحمد بن حنبل، مسند أحمد، 1/ 84 .

لما نزلت آيه (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)(1) يوم الفتح قال جبرائيل (علیه السلام) لرسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) خذ مخصرتك ثم ألقها فجعل يأتي صنما صنما وينكت بالمخصرة في عينه ويقول: (جاء الحق وزهق الباطل...) فينكب الصنم لوجهه فألقاها جميعا وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من قوارير صفر فقال يا علي ارم به فحمله رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) حتى صعد فرمى به فكسره فجعل أهل مكة يتعجبون ويقولون ما رأينا رجلا أسحر من محمد (صلی اللّه علیه و آله و سلم)(2).

روى ابن شهر اشوب عن أبي هريرة قال لي جابر بن عبدالله: ((دخلنا مع النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مكة وفي البيت ثلاثمائة وستون صنما فأمر بها رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فأُلقيت كلها لوجوهها وكان على البيت صنم طويل يقال له هبل، فنظر النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى علي وقال له: يا علي تركب علي أو أركب عليك لألقي هبل عن ظهر الكعبة؟ قلت يا رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بل تركبني فلما جلس على ظهري لم استطع حمله لثقل الرسالة قلت يا رسول الله بل أركبك فضحك ونزل وطأطأ لي ظهره واستويت عليه فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو أردت أن أمسك السماء لأمسكتها بيدي فألقيت هبل عن ظهر الكعبة فأنزل الله تعالى (وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ..)(3).

ص: 216


1- سورة الاسراء، 81 .
2- الزمخشري:: أبو القاسم جار الله محمد بن عمر (ت 538 ه- - 11 43 م)، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل،ط 1، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1385 ه-/ 1966 م، 2/ 463 . وينظر: الطبرسي، مجمع البيان، 2/ 389 .
3- الحاكم الحسكاني،شواهد التنزيل لقواعد التفصيل، 1/ 453 - 454 ؛البيضاوي: عبدالله بن محمد الشیرازي الشافعي،(ت 682 ه-)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسیر البيضاوي)، تح: محمد عبد الرحمن المرعشي، ط 1، دار إحياء التراث العربي، بیروت، (1418 ه-/ 1998 م)، ص 265 .ابن شهر اشوب، مناقب آل أبي طالب، 1/ 398 .

وعن ابن عباس قال: قال النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لعلي قم بنا إلى الصنم في أعلى الكعبة لنكره، فقاما جميعا فلما أتياه قال له النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قم على عاتقي حتى أرفعك عليه، فأعطاه علي ثوبه فوضعه رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على عاتقه ثم رفعه حتى وضعه على البيت، فأخذ علي الصنم وهو من النحاس فرمى به من فوق الكعبة فنادى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) انزل فوثب من أعلى الكعبة كأنما كان له جناحان ويقال إن عمرًا كان تمنى ذلك فقال الإمام (علیه السلام) ان الذي عبده لا يقلعه(1).

ما ذكره السيد الحميري في ديوانه:

وليله قاما يمشيان بظلمة***يجوبان جلبابا من الليل غيهبا

إلى صنم كانت خزاعة كلها***توقره كي يكسراه ويهربا

فقال على ظهري يا علي وحطه***فقام به خیر الانام مركبا

فغادره فضا جذاذا وقال ثب***جزاك به ربي جزاء مؤربا(2)

ما ذكره الإمام الشافعي من شعر بحق الإمام علي (علیه السلام) :

قيل لي قل في علي مدحا***ذکره يخمد نارا موصده

قلت لا اقدم في مدح امرى***ضل ذو اللب إلى ان اعبده

والنبي المصطفى قال لنا***ليلة المعراج لما صعده

وضع الله بظهري يده***فاحس القلب ان قد برده

وعلي واضع اقدامه في محل وضع الله يده(3)

ص: 217


1- المجلسي، بحار الانوار، 38 / 77 .
2- الحميري، ديوان الحميري، 34 - 35 .
3- القندوزي، ينابيع المودة لذوي القربى، 1/ 423 .

ما قاله ابن أبي الحديد المعتزلي:

وكسر اصناما طعنت حماتها***بسمر الوشيج حتى تكسرا

رقيت بأسمى غارب احدقت به***ملائك يتلون الكتاب المسطرا

بغارب خير المرسلين واشرف الانام***وازكى ناعل وطئ الثرى

فسبح جبريل وقدس هيبة***وهلل اسرافيل رعبا وكبرا

فياريته لو شئت ان تلمس السها***بها لم يكن ما رمته متعذرا

ويا قدميه أي قدس وطئتما وأي مقام قمتما فيه انورا(1)

ص: 218


1- ابن أبي الحديد: عز الدين أبو حامد عبد الحميد بن هبة الله بن محمد المدائني (ت 656 ه- / 1258 م) الروضة المختارة (شرح القصائد العلويات السبع)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. بیروت،ص 105 .

المبحث الثاني

دور الإمام (علیه السلام) العسكري ضد التآمر اليهودي

أولا: وقعة بني النضير سنة 4ه-.

بعد هزيمة المسلمین في أُحد فرح اليهود والمنافقون في المدينة وأخذوا يستغلون الفرص للقضاء على السلم الاجتماعي الذي حققه رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في المدينة، فأراد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن يقف على نوايا يهود بني النضیر.

فخرج رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يوم السبت فصلى في مسجد قباء(1) وكان معه مجموعة من أصحابه من المهاجرين والأنصار قاصدا بني النضیر ليساعدوا المسلمین على دفع دية رجلین من بني كلاب قتلهما عمرو بن أمية الضمري(2) ، وذلك تنفيذا لما تمّ الاتفاق عليه في وثيقة المدينة. فكان جواب اليهود نفعل يا أبا القاسم ما أحببت، ولكن اليهود بعد مقولتهم هذه خلا بعضهم مع بعض

ص: 219


1- وهو المسجد الذي بناه المسلمون الأوائل من المهاجرين والأنصار وكانت صلاتهم فيه نحو بيت المقدس، ولما هاجر رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى المدينة صلى فيه، ويقع هذا المسجد في قرية قباء التي تبعد عن مكة حوالي 3كم. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 4/ 302 ؛ ابن الأثیر: أبو الحسن عز الدين علي بن محمد (ت 630 ه- / 2 2 م)، اللباب في تهذيب الأنساب، د. تح، دار صادر، بیروت، 3/ 12 .
2- أبو أمية عمرو بن أمية الضمري: ممن شهد بدرًا واحدًا مع المشركین، وأسلم بعد وقعة أحد وكان رجلا شجاعا، وكان أول مشهد شهده مع المسلمین بئر معونة ولما دنا من المدينة وجد رجلین من بني كلاب فقتلهما وكان لهما أمان من رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، مات بالمدينة أيام معاوية بن أبي سفيان. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/ 233 - 234 .

وهموا بالغدر برسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال لهم عمرو بن جحاش بن كعب بن بسيل

النضري: أنا أصعد على سطح الدار وأسقط عليه صخرة نقتله، ولكن سلام بن مشكم(1) حذّرهم من هذا الفعل، فقال: لا تفعلوا، والله ليخبرنّ بما هممتم به، وانه لنقض العهد الذي بيننا وبينه. فلما علم رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بما كانت تريد اليهود فعله، نهض رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من مجلسه سريعًا كأن لديه حاجة، فتوجه إلى المدينة من دون أن يخبر أصحابه بذلك فلحقه أصحابه، فقالوا: نهضت ولم نشعر بك؟ قال: همّت اليهود بالغدر أخرني بذلك الله سبحانه وتعالى(2).

فلما رجع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى المدينة وأصحابه الذين كانوا معه، اتفق المسلمون على تأديب يهود بني النضیر، فأرسل النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إليهم محمد بن مسلمة الأنصاري(3) يخبرهم بضرورة الجلاء عن المدينة خلال عشرة أيام؛ بسبب نقضهم

ص: 220


1- هو سيد بني النضیر، وكان من ضمن الوفد اليهودي اللذين ذهبوا إلى قريش لتحريضهم ضد المسلمين واستئصال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، تزوج من زينب بنت الحرث ابنت أخي مرحب اليهودي، التي قامت باهداء رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الشاة المسمومة، كان شاعرا، ونزلت بحقه هذه الآية قال تعالى: (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) سورة البقرة، آية 89 . ينظر: الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 1/ 578 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 1871/4 ؛ الدرر، ص 204 ؛ ابن حجر، فتح الباري، 10 / 209 ؛ العظيم ابادي، عون المعبود، ط 2، دار الكتب العلمية، بیروت، 1415 ه-، 8/ 165 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 53 .
3- أبو عبد الرحمن محمد بن مسلمة بن سلمة من الأوس، أسلم في المدينة على يد مصعب بن عمر، آخى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بينه وبین أبي عبيدة الجراح، شهد المشاهد كلّها مع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، لم يكن قد بايع الإمام عليًا (علیه السلام) بعد مقتل عثمان بن عفان، مات في المدينة سنة 46 ه- وصلى عليه مروان بن الحكم. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 408 - 410 ؛ ابن حبان، المشاهير، ص 44.

العهد فمن وجد بعد ذلك ضربت عنقه. وكان للمنافقین دور مهم في تشجيع بني النضیر على التمرد على المسلمين فأرسل إليهم ابن أبي سلول أن لا تخرجوا من دياركم وأقيموا في حصنكم وأنا أمدكم بألفي مقاتل من قومي وغيرهم من العرب وتمدكم بنو قريظة بذلك ايضا. فتشجع حيي بن أحطب وأرسل إلى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) انا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك، فلما علم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بجواب بني النضیر تعجل بالخروج إلى مساكن بني النضیر وأعطى الراية ذلك اليوم إلى الإمام علي بن أبي طالب، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم(1) فحاصرهم رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) خمسة عشر يوما(2).

إن ابن سعد لم يذكر تفاصيل الخمسة عشر يوما، هل كانوا يحاصرون اليهود في حصونهم فقط؟ أم كانت هناك بعض المحاولات من كلا الطرفین؟

وإذا رجعنا إلى بعض المصادر التاريخية فإننا نجد هناك حادثة مهمة قام بها الإمام علي (علیه السلام) كان لها الأثر الرئيس في استسلام بني النضیر وجلائهم عن المدينة.

هذه الحادثة تقول: ((فلما اختلط الظلام فقدوا أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب (علیه السلام) فقال الناس يارسول الله لانرى عليا؟ فقال (صلی اللّه علیه و آله و سلم) : أراه في بعض ما يصلح شأنكم فلم يلبث أن جاء برأس اليهودي الذي رمى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وكان يقال له: عزورا، فطرحه بین يدي النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) .

ص: 221


1- ابن أم مكتوم: اختلفت المصادر التاريخية في اسمه، فأهل المدينة يقولون هو عبدالله بن قيس بن زائده بن الأصم بن رواحة القرشي العامري، وأهل العراق يسمونه عمرا، امه عاتكة بنت عبدالله المخزومية، وكان ضريرا، هاجر بعد وقعة بدر كان مؤذنا لرسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ويستخلفه على المدينة فيصلي ببقايا الناس، مات في المدينة بعد القادسية. ينظر: الذهبي، سیر أعلام النبلاء، 1/ 360 - 364 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 54 .

فقال له النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كيف صنعت؟ فقال:إني رأيت هذا الخبيث جريئًا شجاعا فكمنت له وقلت:ما أجرأه أن يخرج إذا اختلط الظلام يطلب منا غرة فاقبل مصلتا سيفه في تسعة نفر من أصحابه اليهود فشددت عليه فقتلته، وأفلت أصحابه ولم يبرحوا قريبا فابعث معي نفرًا فإني أرجوا أن اظفر بهم، فبعث رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) معه عشرة فيهم أبو دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف فأدركوهم قبل أنيلجوا إلى الحصن، فقتلوهم وجاؤوا برؤوسهم إلى النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم))))(1) .

يظهر من النص أن سبب فتح حصون بني النضیر هو ما قام به الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) من عمل بطولي أدى إلى استسلام بني النضیر.

وتحدثت سورة الحشر عن بعض أجواء هذه الواقعة(2)، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)(3).

ثانيا: بنو قريظة سنة 5ه-:

(4)

ص: 222


1- المفيد، الارشاد، 1/ 92 - 93 ؛وينظر: المقريزي، امتاع الأسماع، 1/ 189 - 190 .
2- القمي، تفسير القمي، 2/ 358 ؛ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، 9/ 558 .
3- سورة الحشر، الآية 2.
4- هم فخذ من جذام اخوة النضر، ويقال ان تهودهم كان أيام عاديا إلى السموال ثم نزلوا بجبل يقال له قريظة، فنسبوا اليه، وقيل ان تسمية قريظة جاءت نسبة إلى جدهم بعقب الخندق، تقع مساكنهم إلى جانب المدينة. ينظر: اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2/ 52 ؛ ياقوت الحموي، معجم البلدان 5/ 234 .

وقعت غزوة بني قريظة في ذي القعدة سنة (5ه-)، وجاءت مباشرة بعد هزيمة المشركین في معركة الخندق وانصرافهم عن الخندق ورجوع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى المدينة.وكان سبب هذه الغزوة هو نقض يهود بني قريظة للعهد الذي كان بينهم وبین رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على وفق ما أقرته وثيقة المدينة التي تجب على اليهود الدفاع عن المدينة في حالة تعرضها لخطر خارجي، وأعلنوا تحالفهم مع الأحزاب ضد المسلمين يوم الخندق، فدخل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بيته فأخذ يغسل رأسه فأتاه جبريل ووقف عند موضع الجنائز، فقال: إن الله يأمرك أن تسیر إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم حصونهم، فدعا رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الإمام عليًا (علیه السلام) فدفع إليه اللواء(1)، وكان اللواء على حاله لم يحل من مرجعه من الخندق(2). وبعث رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بلالاً فنادى في الناس أن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يأمركم ألا تصلّوا العصر إلا في بني قريظة، ثم اغتسل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فأتاهم عند الحصن(3).

يظهر من النص أن هناك جماعة سبقت رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى بني قريظة ولم يبين لنا ابن سعد من هي تلك الجماعة التي سبقت رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ومن يقودها؟ في حین أن أستاذه الواقدي ذكر لنا ذلك. فعن أبي قتادة(4) قال: ((انتهينا إليهم فلما رأونا أيقنوا بالشرِّ وغرز علي (علیه السلام) الراية عند أصل الحصن فاستقبلونا في

ص: 223


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 70 و 72 .
2- الواقدي، المغازي، 2/ 497 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 72 .
4- أبو قتادة: لقد اختلف في اسمه فقال محمد بن إسحاق: إن اسمه الحارث بن ربعي، وقال عبدالله بن محمد الأنصاري والواقدي النعمان بن ربعي، شهد أحدًا والخندق وما بعد ذلك من المشاهد مع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، واختلف في وفاته ومكان دفنه فالواقدي قال: توفي في المدينة سنة 54 ه- وأهل الكوفة يقولون إنه توفى أيام الإمام علي (علیه السلام) وصلى عليه. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/ 378 - 382 .

صياصيهم(1) يشتمون رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وأزواجه، قال أبو قتادة: وسكتنا، وقلنا: السيف بيننا وبينكم، وطلع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فلما رآه علي (علیه السلام) رجع إلى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وكره ان يسمع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أذاهم وشتمهم))(2).

يظهر أن مهمة الإمام كانت استطلاعية لمعرفة حال اليهود هل تركوا حصونهم أم لا؟ ويظهر ايضا مدى اعتماد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على الإمام علي (علیه السلام) ومدى حب الإمام (علیه السلام) لرسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وحرصه على عدم سماع رسول الله J(صلی اللّه علیه و آله و سلم) لسب اليهود له. وعدم التزام ابن سعد في نقل الأحداث كاملة من استاذه الواقدي.

استخلف رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على المدينة عبدالله بن أم مكتوم وسار رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في ثلاثة آلاف رجل والخيل ست وثلاثون فرسا(3)، وكان الإمام علي (علیه السلام) فارسا(4).

فحاصر رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بني قريظة خمسة عشر يوما أشد الحصار ورموا بالنبل فانجرحوا فلم يخرج منهم أحد فلما اشتد الحصار أرسلوا إلى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم): أرسل إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر فشاوروه في أمرهم فأشار إليهم بيده أنه الذبح ثم ندم فاسترجع، وقال خنت رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)... وكلمت الاوس رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن يهبهم لهم، وكانوا حلفاءهم فجعل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الحكم فيهم

ص: 224


1- هو كلّ شي امتنع به وتحصن به فهو صيصه ومنه قيل للحصون الصياصي. ينظر: ابن منظور، لسان العرب،ص 2539 .
2- الواقدي، المغازي، 2/ 499 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 70 .
4- الواقدي، المغازي، 2/ 498 .

سعد بن معاذ فحكم فيهم ان يقتل كل من جرت عليه المواسي وتسبى النساء والذرية وتقسم الأموال(1).

يتبین لنا أن سبب استسلام اليهود هو اشتداد الحصار عليهم، ولا يوجد دور للإمام (علیه السلام) في إلقاء الرعب في قلوبهم. في حین أن ابن هشام قال: ((إن علي بن أبي طالب صاح وهم محاصرو بني قريظة يا كتيبة الايمان والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأ فتحن حصنهم فقالوا: يا محمد ننزل على حكم سعد بن معاذ))(2).

وما ذكره المفيد: ((قال علي (علیه السلام) فاجتمع الناس إلي وسرت حتى دنوت من سورهم فأشرفوا عليَّ فحین رأوني صاح صائح منهم قد جاءكم قاتل عمرو وقال آخر: أقبل إليكم قاتل عمرو وجعل بعضهم يصيح ببعض ويقولون ذلك، والقى الله في قلوبهم الرعب وسمعت راجزا يرجز:

قتل علي عمرا***صاد علي صقرا

قصم علي ظهرا***ابرم علي امر

هتك علي سترا(3)

ثالثا: سرية الإمام علي (علیه السلام) إلى بني سعد بن بكر بفدك

(4)

بعث رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في شعبان سنة (6ه-) الإمام علي بن أبي طالب إلى بني

سعد بن بكر بفدك وذلك أن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بلغه أن لهم جمعا يريدون ان يمدوا

ص: 225


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 71 .
2- ابن هشام، السيرة النبوية، 3/ 721 .
3- المفيد، الارشاد، 1/ 110 .
4- فدك: هي قرية من قرى اليهود في الحجاز بينها وبین المدينة يومان إلى ثلاثة، أفاءها الله على رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في سنة (7 ه-) وهي التي قالت السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) إن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) نحلنيها فقال أبو بكر أريد شهودًا على ذلك. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 4/ 238 - 239 .

يهود خيبر، فسار الإمام (علیه السلام) في مائة رجل، فكان يسیر في الليل ويكمن في النهار حتى وصل إلى الهمج(1) فوجدوا به رجلا فسألوه عن القوم فقال: أخبركم على أنكم تؤمنوني فأمنوه فدلهم، فأغاروا عليهم فأخذوا خمسائة بعیرًا وألفي شاة وهرب بنو سعد بالظعن وراسهم وبر بن عليم(2)، فعزل الإمام (علیه السلام) صفى النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لقوحا(3) تدعى الحفدة(4) ثم عزل الخمس وقسم سائر الغنائم على أصحابه وقدم المدينة ولم يلق كيدا(5).

وعن طريق هذه السرية يتضح مدى علم ودراية الإمام (علیه السلام) في الامور الفقهية والعسكرية ومدى اعتماد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على الإمام (علیه السلام) .

رابعا: الإمام علي (علیه السلام) في خيبر(7 ه-)

(6)

بعد أن استطاع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن يعقد صلح الحديبية مع قريش، وأصبح

ذا مركز سياسي قوي أصبح الأمر مفتوحًا أمامه للتخلص من مكائد اليهود ومؤامراتهم ضد المسلمين في المدينة.

ص: 226


1- هو اسم موضع بعينة يقع مابین خيبر وفدك، بین فدك والمدينة ست ليال، وفيه ماء. ينظر: الحموي، معجم البلدان، 5/ 409 ؛ ابن الجوزي، المنتظم، 3/ 260 .
2- هو زعيم بني سعد بن بكر لما سار اليهم الإمام علي (علیه السلام) إلى فدك حيث هرب بخمسائة بعیر وألفي شاة. ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 86 ؛ ابن حجر، الاصابة، 7/ 251 .
3- تسمى الناقة لقوحا اذا كانت غزيرة اللبن. ينظر: ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، 4/ 262 .
4- الحفد: هي سريعة السير.ينظر: ابن منظور، لسان العرب، 3/ 153 .
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 86 .
6- وهي ناحية على بعد 176 كم تقريبًا من المدينة لمن يريد الشام، ويطلق هذا الاسم على الالوية وتشمل هذه الالوية سبع حصون (ناعم، القموص، بن أبي الحقيق، السالم، الوطيح، الكتيبة، النطاة). ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 101 ؛ ياقوت الحموي، معجم البلدان، 2/ 409 .

فخيبر أصبحت مدينة تجمع فيها اليهود بعد أن أجلى رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بني قينقاع، وبني النضیر، فكانت خيبر مأوى الحاقدين والمتآمرين على الدعوة الإسلامية، ونظرًا لكون صلح الحديبية قد أوقف الحرب بین المسلمين والمشركین، فقد أصبح الأمر متاحًا للمسلمين للقضاء على مركز التآمر اليهودي.

فذكر ابن سعد: أن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو خيبر واستنفر من حوله فقال: لا يخرجنّ معنا إلا راغب في الجهاد(1) وأكمل الواقدي قائلاً: (فأما الغنيمة فلا فلما تجهّز الناس إلى خيبر شق ذلك على يهود المدينة).

واستخلف على المدينة (سباع بن عرفطة الغفاري(2))(3)، وقيل: (نميلة بن عبد الله الليثي(4))(5).

وخرجت معهم أم سلمة زوج النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فلما نزل بساحتهم لم يتحركوا تلك الليلة ولم يصح لهم ديك وفي الصباح خرج اليهود من حصونهم يحملون معهم المساحي والكرازين(6) والمكاتل للعمل في مزارعهم حتى فوجئو بجيش

ص: 227


1- الواقدي، المغازي، 2/ 634 .
2- وهو من مشاهير الصحابة استخلفه رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على المدينة لما خرج إلى خيبر وإلى دومة الجندل. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5/ 108 ؛ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 682 ؛ ابن الأثیر، أسد الغابة، 2/ 403 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 101 .
4- هو نميلة بن عبدالله بن فقيم ابن حزن الليثي، كان قديم الإسلام شهد مع النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) خيبر وكان سفيرا له، قتل مقيس بن حبابة بن حزن بن يسار يوم الفتح. ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 11/ 92 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 4/ 1533 ؛ ابن الأثیر، الكامل في التاريخ، 2/ 250 .
5- ابن هشام، السيرة النبوية، 3/ 342 .
6- وهي الفاس التي لها رأس واحد، وقيل الكرزين هي المطرقة. ينظر: ابن منظور، لسان العرب، 358/13 ؛ الزيدي، تاج العروس، 18 / 477 .

المسلمين أمامهم فولوا هاربین إلى حصونهم، وهم يصرخون محمد والخميس أي محمد وجيشه، وأخذ رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يقول: ((الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين))(1).

ثم وعظ رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الناس وفرق فيهم الرايات ولم تكن الرايات الا يوم خيبر إنما كانت ألوية فكانت راية النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) السوداء من برد لعائشة تدعى

العقاب ولواؤه أبيض، ودفعه إلى علي بن أبي طالب (علیه السلام)،وراية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سعد ابن عبادة(2).

هنا نضع ملاحظات عدّة على النص فنقول:

ذكر ابن سعد أن الرايات لم تكن الايوم خيبر وانما كانت قبل ذلك ألوية، في حین أنه ذكر في وقعة بني النضیر نصًا قال فيه: ((وعلي رضي الله عنه يحمل رايته))(3).

ذكر أن راية رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كان لونها أسود في حین أن بعض المؤرخین(4)

قالوا: إنها كانت بيضاء، لماذا يأخذ برد عائشة ليجعل منه راية لجيشه؟!

ثم استعرض ابن سعد مسیر جيش رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى خيبر وذكر أنها عبارة

عن مجموعة من الحصون استطاع أن يفتحها حصنا حصنا، وحصل المسلمون على

ص: 228


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 101 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 101 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 54 .
4- ابن هشام، السیرة النبوية، 3/ 342 ؛ الديار بكري: حسین بن محمد بن الحسن (ت 928 ه-/ 1521 م)، تاريخ الخميس في احوال انفس نفيس، ط 1،المطبعة الوهبية، القاهرة، 1283 ه-/ 1963 م، 2/ 42 .

مغانم كثیرة، وأخذ كنز آل أبي الحقيق الذي كان في مسك الجمل وكانوا قد غيبوه في خربة فدل الله رسوله عليه فاستخرجه(1).

ولم يذكر ابن سعد تفاصيل كثیرة عن ما قام به رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عندما أراد ان يفتح حصون اليهود على خلاف الواقدي الذي ذكر لنا تفاصيل ذلك، فقال: (لقد اتسم القتال بین الطرفین بالشدة والاستبسال وكان رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يرسل الكتيبة تلو الكتيبة من المهاجرين والأنصار فيعودون ولم يحققوا شيئا، وكان الرسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يعرض على اليهود الإسلام وكلهم يرفضون، فوجد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في نفسه حدة وشدة وأمسى مهموما، وقد كان سعد بن عبادة رجع مجروحا وجعل يستبطئ أصحابه، وجعل صاحب راية المهاجرين يستبطئ أصحابه)(2).

هذا وقد أورد ابن سعد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يوم خيبر لأدفعنّ الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ويفتح عليه قال عمر: فما احببت الإمارة قبل يومئذ، فتطاولت لها واستشرقت رجاء أن يدفعها إلي فلما كان الغد دعا عليا فدفعها إليه، فقال: قاتل ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك فسار قريبا ثم نادى: يا رسول الله علام أقاتل؟ قال حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا مني دماءهم واموالهم الا بحقها وحسابهم على الله(3).

هنا نورد ملاحظات عدّة حول هذا النص:

إن قول ابن سعد لأدفعنّ الراية، يدل على أن هناك كانت محاولات لفتح

ص: 229


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 101 .
2- الواقدي، المغازي، 2/ 653 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 104 .

حصن خيبر ولم تنجح، وهذا ما أكده بعض المؤرخین، فعن بريدة الأسلمي(1) قال: لما كان حین نزل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بحصن أهل خيبر أعطى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) اللواء عمر بن الخطاب ونهض من نهض معه من الناس فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يجّبنه أصحابه ويجبنهم، قال رسول

الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لأعطین اللواء غدا...(2) وقول الواقدي ((وقد دفع لواءه إلى رجل من أصحابه المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا ثم دفعه إلى اخر فرجع ولم يصنع شيئا واخذا رجل من الأنصار فرجع ولم يصنع شيئا فغضب رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وقال: لا عطین الرايه غدا...(3).

قول الإمام الحسن (علیه السلام): أنشدكم الله أيها الرهط أتعلمون أن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بعث أكابر أصحابه إلى بني قريظة فنزلوا من حصنهم فهُزموا، فبعث عليا بالراية فاستنزلهم على حكم الله وحكم رسول الله، وفعل في خيبر مثلها(4).

يظهر من ذلك أن ابن سعد أراد أن يخفي هزيمة عمر وبقية الصحابة الذين بعثهم رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى خيبر.

ص: 230


1- هو أبو عبد الله بريدة بن الحصيب ابن عبد الله بن الحارث الأسلمي، أسلم لما التقى به رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في طريق الهجرة ولم يشهد معه بدرًا، وكان ممن بايع بيعة الرضوان، قدم على رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بعد معركة أحد، وشهد المشاهد كلها بعد ذلك، سكن المدينة حتى وفاة رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، انتقل إلى البصرة بعد تمصيرها ثم غزا خراسان أيام عثمان بن عفان فلم يزل بها حتى مات بمرو أيام يزيد بن معاوية. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/ 227 و 9/ 8 و 369 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 185 .
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 11- 12
3- الواقدي، المغازي، 2/ 653 .
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 289 .

قول عمر بن الخطاب: (فما أحببت الإمارة قبل يومئذ فتطاولت لها واستشرقت رجاء أن يدفعها إلي) نقول كيف يدفعها لك رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وقد خبر قدرتك وقوة عزيمتك.

قول رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) للإمام (علیه السلام) قاتل ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك فسار قريبا ثم نادى يا رسول الله علام أقاتل؟.

هنا نقول هل كان الإمام غیر مدرك لما يفعله ثم كيف يرسل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) شخصًا لا يعلم ما يفعل؟. لقد كان الإمام (علیه السلام) يسأل النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عن كل صغیرة وكبیرة ولا يتجاوز كلامه أبدا.

دلت هذه الرواية على أن الإمام عليًا (علیه السلام) كان أفضل الموجودين وأكثرهم تميزا وأولهم منزلة وقربا من الله تعالى ورسوله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وهذا ما أكده قول رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لأدفعنّ الراية غدًا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فلو كان هناك شخص يحبه الله ورسوله اكثر من الإمام علي (علیه السلام) لقيل له ذلك.

يظهر مما تقدم اَن ابن سعد أراد أن يخفي هذه الفضيلة للإمام علي (علیه السلام) عن طريق جعل الإمام (علیه السلام) رجل لا يدرك ما يفعل، كذلك أراد إخفاء تفاصيل تخص وقعة خيبر والتستر على هزائم بعض الصحابة امثال عمر وابي بكر وسعد بن عبادة، وبذلك خالف أستاذه الواقدي الذي ذكر تلك التفاصيل وإن كانت غیر واضحة عندما لم يصرح بأسماء من بعثهم رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) .

ثم ان ابن سعد ذكر نصًا اخر قال فيه:((قال سلمة(1): ثم إن نبي الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)

ص: 231


1- هو أبو أياس سلمة بن الأكوع، كان ممن بايع تحت الشجرة، شهد مع النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) سبعة مشاهد منها: الحديبة وخيبر وحنین ويوم القرد وغيرهن، سكن الربذة، روى عن أبي بكر وعمر وعثمان توفي في المدينة سنة 74 ه-. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5/ 210 - 214 ؛ ابن حبان، مشاهير علماء الأمصار، 42 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 639 .

أرسلني إلى علي فقال لأعطین الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله: قال: فجئت به أقوده أرمد فبصق رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في عينيه ثم أعطاه الراية فخرج مرحب يخطر بسيفه فقال

قد علمت خيبر أني مرحب***شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب

فقال علي، صلوات الله عليه وبركاته:

أنا الذي سمتني أمي حيدره***كليث غابات كريه المنظره

أكيلهم بالصاع كيل السندرة

ففلق رأس مرحب بالسيف وكان الفتح على يديه(1).

إن هذا النص يبین أول من برز إليه هو مرحب في حین أن الواقدي يقول: ((ثم دفع إليه اللواء ودعا له ومن معه من الصحابة بالنصر، فكان أول من خرج اليهم الحارث اخو مرحب في عاديته فانكشف المسلمون وثبت علي (علیه السلام) فاضطربا ضربات فقتله علي (علیه السلام) ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن فدخلوه واغلقوا عليهم، فرجع المسلمون إلى مواضعهم وخرج مرحب))(2).

كذلك صوّر ابن سعد أن قتل مرحب شيء طبيعي وسهلًا، في حین أن الواقدي قد ذكر نصا عن عمرو بن أبي عمرو(3) قول أبي رافع(4) قال: كنا مع علي (علیه السلام)

ص: 232


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 106 .
2- الواقدي، المغازي، 2/ 654 .
3- هو أبو شداد عمرو بن أبي عمرو بن ضبه بن فهر، شهد بدر من المهاجرين الأولین، مات سنة 36 ه-. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 387 .
4- هو مولى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) واسمه أسلم كان عبدا للعباس بن عبدالمطلب فوهبه للنبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) شهد أحد والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، توفي في المدينة بعد مقتل عثمان بن عفان. ينظر ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/ 67 - 68 .

حین بعثه النبي(صلی اللّه علیه و آله و سلم) بالراية فلقى علي (علیه السلام) رجلا على باب الحصن فضرب عليا واتقاه بالترس فتناول علي (علیه السلام) بابا كان عند الحصن فرس به عن نفسه فلم يزل في يده حتى فتح الله عليه الحصن.

ومما تقدم نرى أن ابن سعد قد اختلف مع الواقدي كثیرا، ولا نعلم سبب هذا الاختلاف، هل بسبب الواقع السياسي أم بسبب الخلفية العقائدية لابن سعد؟.

فقد تستر على هزيمة بعض الصحابة في خيبر، وأراد كذلك التقليل من أهمية قتل مرحب وأخوه الحارث اللذين عرفا بالقوة والشجاعة وإنه ما برز إليهما أحد الا قتلاه، وكان مرحب قد لبس درعین وتقلد بسيفين واعتم بعمامتین ومعه رمح لسانه ثلاثة أسنان(1).

ص: 233


1- الحلبي، السيرة الحلبية، 2/ 737 .

ص: 234

المبحث الثالث : دور الإمام (علیه السلام) العسكري ضد المشركين من غير قريش

أولا: دور الإمام (علیه السلام) في سرية زيد بن حارثة إلى حسمى (6 ه-)

(1)

بعد معركة الخندق أصبح المسلمون قوة لا يستهان بها، وتوجه اهتمام رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) نحو الشمال فوجه سرية إلى حسمى التي قاد فيها زيد بن حارثة خمسائة رجل من المسلمین وذلك للغارة على ماشية جذام ونسائهم ونعمهم بعد ان قطعوا الطريق على دحية بن خليفة الكلبي(2) مبعوث رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى قيصر الروم فسمع بذلك نفر من بني الضبيب فنفروا إليهم فاستنقذوا دحية ومتاعه وقدم دحية على النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فأخبره بذلك، فكانت سرية زيد تحيطها السرية فكان يسیر الليل ويكمن النهار ومعه دليل له من بني عذرة فكان وصوله مفاجاة لبني جذام فقتلوا الهنيد وابنه وغنموا منهم الكثیر، إلا أن أفرادا من بني جذام يقودهم زيد بن رفاعة الجذامي توجهوا إلى المدينة وذكروا لرسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ما حدث لهم ولقومهم فدفع إلى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كتابه الذي كان كتب له ولقومه، فاسلم زيد

ص: 235


1- وهي أرض ببادية الشام بينها وبین وادي القرى ليلتان، تقع إلى الغرب من تبوك وبین وادي القرى والمدينة ست ليال وحسمى أرض غليظة وماؤها كذلك لا خیر فيها، تنزلها جذام. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 2/ 259 .
2- هو بن فروة الكلبي صاحب رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أسلم قديما شهد أحدا وما بعدها، مات أيام معاوية بن أبي سفيان. ينظر: ابن حيان، الثقات، 2/ 6؛ الصفدي، الوافي بالوفيات، 14 / 5.

بن رفاعة على يد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وقال يا رسول الله لا تحرم علينا حلالا ولا

تحل لناحراما: فقال له رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كيف اصنع بالقتلى؟ قال أبو يزيد بن عمرو: اطلق لنا يا رسول الله من كان حيا ومن قتل فهو تحت قدمي هاتین فقال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) صدق أبو يزيد! فبعث معهم علي (علیه السلام) الى زيد بن حارثة يأمره ان يخلي بينهم وبین حرمهم واموالهم فتوجه الإمام (علیه السلام) فلقى رافع بن مكيث الجهني(1) على ناقة من ابل القوم فردها الإمام (علیه السلام) على القوم ولما وصل إلى زيد بن حارثة ابلغه أمر رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فرد إلى الناس كل شي اخذ منهم(2).

يظهر مما سبق مدى اعتماد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على الإمام (علیه السلام) في تبليغ اوامره، حيث انه ارجع كل شي حتى الاشياء التي استولى عليها الجيش.

ثانيا: الإمام علي (علیه السلام) في حنين سنة 8ه-

(3)

تعد معركة حنین من المعارك المهمة الفاصله جدا؛ إذ حصلت فيها أحداث أعطتها اهمية كبیرة، وتميزت بقضايا جعلتها من الخطورة بمكان، فقد ورد عن أبي عبدالله الصادق (علیه السلام) قال:(ما مرّ بالنبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يوم كان أشد عليه من يوم حنین وذلك إن العرب تباغت عليه)(4).

ص: 236


1- هو اخو جندب بن مكيث، شهد الحديبة وبايع تحت الشجرة بيعة الرضوان، كان مع زيد بن حارثة عندما سار إلى حسمى وشهد دومة الجندل وذات السلاسل. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5/ 262 - 263 ؛ الواقدي، المغازي، 2/ 770 ؛ المزي تهذيب الكمال، 9/ 34 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 84 - 85 .
3- وادي قريب من الطائف بينه وبین مكة بضعة عشر ميلا. ينظر:البكري الاندلسي أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز الاندلسي (ت 487 ه- / 1094 م)،معجم ما استعجم من اسماء البلاد والمواضع، تحقيق وضبط: مصطفى السقا، ط 3، عالم الكتب – بیروت، (1403 ه- / 1983 م)، 2/ 471 .
4- الصدوق، علل الشرائع، 2/ 462 ؛ المجلسي، بحار الانوار، 21 / 180 .

فلما علمت هوازن بانتصار رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وتحقيق الفتح(1) اجتمعت اشراف هوازن(2) وثقيف وحشدوا الحشود وكان قولهم: (والله ما لقي محمد قومًا يحسنون القتال فأجمعوا أمركم وسیروا إليه قبل أن يسیر إليكم))(3)، وكان يتزعمهم مالك بن عوف النصري(4)، وأمرهم بأن يُخرجُوا معهم النساء والصبيان والاموال حتى نزلوا بأوطاس(5)، ولحقت بهم ثقيف، فقد ذكر الطبري(6): (أن دريد بن الصمة كان قد دعا مالك بن عوف وسأله عن سبب سوقه النساء والصبيان والاموال مع الرجال فأجاب مالك: أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم فقال له دريد: إن كانت لك لم ينفعك الا الرجل وسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فُضحت في مالك واهلك ثم قال ما فعلت كلب وكلاب؟ قالوا: لم يشهد منهم

ص: 237


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 138 .
2- هي احدى قبائل جزيرة العرب، وهم أولاد منصور بن عكرمة بن خصقة بن قيس عيلان، فيها بطون كثیرة، وهم بنو سعد بن بكر، وبنو معاوية بن بكر، وبنو منية بن بكر. ينظر: البكري الاندلسي، معجم ما استعجم، 1/ 87 ؛ كحالة: عمر رضا، معجم قبائل العرب، ط 1، دار العلم للملایين، بیروت، 1388 ه- / 1968 م، 3/ 1231 ؛ الطريحي: فخر الدين محمد بن علي (1085 ه-/1672 م)،مجمع البحرين، تح: أحمد الحسيني، ط 2، مطبعة جايخانة طروت، الناشر: مرتضوي – تهران، 1405 ه-، 6/ 329 .
3- الواقدي، المغازي، 3/ 885 .
4- هو مالك بن عوف بن سعد بن ربيعة بن يربوع وهو قائد هوازن يوم حنین هرب إلى الطائف ثم اسلم بعد ان طلب رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) منه ذلك مقابل ان يطلق سراح اهله فوافق مالك على ذلك، كان من المؤلفة قلوبهم، شهد القادسية وفتح دمشق. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى،207/6 ؛ ابن حجر، الاصابة، 5/ 742 .
5- هو وادي في ديار هوازن وهناك عسكروا هم وثقيف. ينظر: البكري الاندلسي، معجم ما استعجم، 1/ 212 .
6- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2/ 345 .

أحد، قال: غاب الجد والحد لوكان يوم علاء ورفعة لم تغلب عنه كعب وكلاب)

من جهة اخرى أمر مالك جنده بكسر جفون سيوفهم قائلا: ((إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ثم شدوا شدة رجل واحد عليهم))(1).

ولما علم رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بخروجهم خرج إليهم في اثني عشر الف من المسلمين عشرة الاف من أهل المدينة والفین من أهل مكة وكان ذلك يوم السادس من شوال سنة 8ه-.

ولما علم رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بخلاف مالك بن عوف ودريد بن الصمة أرسل إليهم عبدالله بن أبي حدود الاسلمي(2) وأمره أن يدخل في الناس فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم ثم يأتيه بخبرهم فانطلق ابن أبي حدود فدخل فيهم حتى سمع وعلم ماقد اجمعوا له من حرب رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وسمع من مالك وامر هوازن ما هم عليه ثم اقبل حتى اتى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فاخبره الخبر(3).

فلما كان الليل عمد مالك بن عوف إلى أصحابه فعبأهم، وشحذ هممهم، وأمرهم بالهجوم على جيش المسلمين حملة رجل واحد. ومقابل ذلك قام رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بتعبئة أصحابه في السحر وصفّهم صفوفا، وذكر ابن سعد أن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قد قسم الالوية والرايات في أهلها: لواء المهاجرين يحمله علي بن أبي

ص: 238


1- ابن هشام، السيرة النبوية، 4/ 891 ؛ ابن حبان، الثقات، 2/ 66 .
2- هو أبو محمد عبد الله بن سلامة الاسلمي شهد مع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الحديبية ثم خيبر ومن بعد ذلك المشاهد كلها بعثه رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يوم حنین إلى هوازن وثقيف لمعرفة مايصنعون توفي عام 71 ه- وهو ابن احدى وثمانین سنه. ينظر ابن سعد، الطبقات، 5/ 215 ؛ ابن حزم:ابو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم(ت 456 ه- / 1064 م). المحلى، د. تح، دار الفكر، 10 / 369 ؛ ابن حجر، الاصابة، 1/ 157 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 139 ؛ ابن كثير، السيرة النبوية، 3/ 613 .

طالب، وراية يحملها سعد بن أبي وقاص، وراية يحملها عمر بن الخطاب، ولواء الخزرج يحمله الحباب بن المنذر ويقال لواء الخزرج الآخر مع سعد بن عبادة، ولواء الاوس مع اسيد بن حضیر(1).

يظهر من النص وجود اربعة ألوية ومجموعة من الرايات وهذا الأمر مخالف للقواعد العسكرية القائلة ان لكل جيش لواءً واحدًا، ثم إن هذا التعدد في الألوية يخالف ما نقله ابن سعد من أن حامل لواء المسلمين هو الإمام علي (علیه السلام) في بدر وفي جميع مشاهده(2).

والصحيح أن حامل لواء المسلمين يوم حنین هو ابن عمه ووصيه الإمام علي (علیه السلام) كما هو عادته في حروبه كلها. هذا وصى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الصبح وانحدر بمن معه في وادي حنین وكان رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) راكب على بغلته البيضاء دلدل ولبس درعین والمغفرة(3) والبيضة(4)، وكان المشركون قد سبقوا المسلمين إلى الوادي، فكمنوا في شعابه ومضائقه، وكانوا مستعدين لمباغتة المسلمين(5).

وقد اعجب أبو بكر بجيش المسلمين بقوله: ((لانغلب اليوم من قلة))(6)،

ص: 239


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 139 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 21 .
3- وهي الخوذة يلقيها الرجل على راسه فتبلغ الدرع. ينظر: الفراهيدي، كتاب العین، 4/ 406 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 5/ 25 .
4- وهي التي تجمع الراس وتضمه. ينظر: ابن الأثیر: مجد الدين أبي السعادات المبارك الشيباني(ت 606 ه- / 1209 م). النهاية في غريب الحديث والأثر، تح: طاهر أحمد الزاوي، محمود محمد الطناحي،ط 4، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع قم – ايران، 13 64 ش، 5/ 264 .
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 139 .
6- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 139 .

فكره رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ذلك فانزل الله سبحانه وتعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا...)(1)

فما إن رأى المسلمون الكتائب تشد عليهم من كل ناحية حتى انهزم بنو سليم، وكانوا في أول الجيش، وتبعهم أهل مكة وتبعهم الناس منهزمین. فانشمروا لا يلوي احد على احد وانحاز رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ذات اليمین ثم قال اين ايها الناس؟ هلم الي انا رسول الله انا محمد بن عبد الله قال فلا شيء احتملت الابل بعضها بعضا فانطلق الناس(2).

ذكر ابن سعد نصًا حول ما جرى بعد ذلك، فيقول: ((ورجع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى العسكر وثاب إليه من انهزم وثبت معه يومئذ العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب والفضل بن عباس وابو سفيان ابن الحارث بن عبدالمطلب وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وابو بكر وعمر واسامه بن زيد في اناس من أهل بيته وأصحابه وجعل يقول للعباس: ناد يا معشر الأنصار يا أصحاب الشجرة يا أصحاب سورة البقرة! فنادى وكان صيتا فاقبلوا كأنهم الابل اذا حنت على أولادها يقولون: يالبيك يا لبيك! فحملوا على المشركین فأشرف رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فنظر إلى قتالهم فقال: الان حمى الوطيس!

انا النبي لا كذب***انا ابن عبد المطلب))(3)

وعلى هذا النص ملاحظات عدّة يمكن بيانها بالاتي:

ص: 240


1- سورة التوبة، الايه 25 .
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2/ 347 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 140 .

يظهر أن الإمام عليًا (علیه السلام) هو من ضمن القلة القليلة الثابتة من المسلمين يوم حنین ولم يكن من المنهزمین.

ثم ان ابن سعد يذكر حدثًا مهاً في سیر المعركة وهو أن حامل لواء ثقيف عثمان بن عبدالله،وكان يحمل لواء المشركین، وقال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بحقه: ابعده الله؛ إنه كان يبغض قريشا(1)، وذكر الواقدي هذا الأمر الا انه اشرك مع الإمام علي (علیه السلام) أبا دجانه، إلا أن اليعقوبي، قال: ((ومضى علي بن أبي طالب إلى صاحب راية هوازن فقتله وكانت الهزيمة وقتل من هوازن خلق عظيم))(2)، وبعد هذا يظهر أن العمل الذي قام به الإمام علي (علیه السلام) كان له الاثر البالغ في انتصار المسلمين على المشركین يوم حنین.

اذا نظرنا إلى تفاصيل ما اورده ابن سعد فإنه يظهر أن النداء الذي قام به العباس كان له الدور الرئيس في رفع معنويات المسلمين وتوحيد صفوفهم، وهذا كلام غیر دقيق؛ إذ ما قيمة هذا النداء ونحن نعلم أن فرار الناس كان من اجل الحفاظ على أرواحهم، فهل هذا النداء يحميهم من ذلك؟ ثم كيف سمع العسكر نداء العباس لهم؟ والمعلوم أن جيش المسلمين كان ما يقارب اثني عشر ألف مقاتل وماسيحدثه تحرك هؤلاء من ضجيج السيف والخيول الذي يحول دون سماع النداء.

والاقرب إلى الواقع هو أنه لما قتل الإمام علي (علیه السلام) صاحب لوائهم اضطرب جيش المشركین فلما راى المسلمون ذلك المشهد رجعوا لان رؤية الي اوضح من السماع في هذا الامر.

ص: 241


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 80 .
2- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2/ 41 .

اذا تتبعنا ما يرويه ابن سعد عن الإمام علي (علیه السلام) نراه اذا كانت هناك حادثة فيها منقبة أو فضيلة للإمام (علیه السلام) فانه إما أن يتلاعب في ألفاظها أو أنه لا يذكرها، وفي بعض الاحيان يقوم بمخالفة استاذه الواقدي في ذلك.

ثم ان ابن سعد(1) ذكر ان من ضمن الذين ثبتوا أبو بكر وعمر، وهذا يتعارض مع ما نقله الكثیر من المؤرخین نذكر بعضهم:

ما ورد في صحيح البخاري(2) عن أبي قتادة قال: ((خرجنا مع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عام حنین فلما التقينا كانت للمسلمين جوله فرأيت رجلا من المشركین علا رجلا فاستدرت له حتى اتيته من ورائه حتى ضربته بالسيف على حبل عاتقه فاقبل علي فضمني ضمه وجدت منها ريح الموت ثم ادركه الموت فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب فقلت ما بال الناس؟ قال أمر اللّه)).

روي ((أنه كان الذين ثبتوا مع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يوم حنین بعد هزيمة الناس: علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب اخذ بحكمة بغلته وابو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وابنه الفضل بن عبد المطلب، ايمن بن عبيد(3) وهو ابن

ص: 242


1- الطبقات الكبرى، 2/ 140 .
2- البخاري، الصحيح، 5/ 101 و 4/ 58 ؛ وينظر: الشافعي: أبو عبد الله محمد بن إدريس (ت 204 ه- 818 م).كتاب الأم،ط 2، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1403 ه-/ 1983 م، 4/ 149 و 7/ 239 ؛ المسند، ص 223 ؛مالك بن انس: بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث (ت 179 ه- 793 م)،الموطأ، تح: تصحيح وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي،ط 2، دار إحياء التراث العربي بيروت، 1406 ه-/ 1985 م.، 2/ 454 ؛ الضحاك، الاحاد والمثاني، 3/ 435 ؛ ابن عبد البر، الاستذكار، 5/ 59 .
3- هو ايمن بن عبيد بن زيد الحبشي الخزرجي ابن أم ايمن مولاة رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ثبت مع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يوم حنین واستشهد وقال بحقه العباس وتامننا لا قي الحمام بسيفه بما مسه فبا لله لا تيوجع. ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 58 .

أم ايمن مولاة رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وحاصنته وقتل يومئذ، وربيعة بن الحارث بن

عبد المطلب واسامة بن زيد بن الحارثة))(1).

ما ذكره اليعقوبي(2): ((فانهزم المسلمون عن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) حتى بقي في عشرة من بني هاشم وقيل تسعة وهم علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وابو سفيان بن الحارث وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب والفضل بن العباس وعبدالله بن الزبیر بن عبدالمطلب وقيل ايمن ابن أم ايمن)).

ما ذكره القاضي النعمان(3): ((وثبت رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في خمسة من بني عبد المطلب وعلي صلوات الله عليه شاهر سيفه يحميه ويضرب دونه والعباس اخذ بلجام بغلة رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وكان يومئذ راكب على بغلة...)).

واورد الطوسي(4) قائلاً: ((فر الناس جميعا واعروا رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فلم يبق معه الا سبعة نفر من بني عبدالمطلب: العباس وابنه الفضل وعلي، واخوه عقيل، وابو سفيان وربيعة ونوفل بنو الحارث بن عبدالمطلب ورسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مصلت سيفه في المجتلد وهو على بغلته الدلدل وهو يقول:

انا النبي لا كذب***انا ابن عبد المطلب

ص: 243


1- ابن قتيبة، المعارف، 164 ؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 1/ 329 ؛ المفيد، الارشاد، 1/ 142 ؛ ابن الأثیر، أسد الغابة، 1/ 161 ؛ أبو حيان الاندلسي: أبو عبد الله محمد بن يوسف (ت 745 ه-/ 1353 م)،تفسیر البحر المحيط، تح: عادل عبد الموجود واخرون، دار الكتب العلمية، ط 1، بیروت، 2001 م، 5/ 25 .
2- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2/ 62 .
3- شرح الاخبار، 1/ 313.
4- الطوسي، الأمالي، 574 .

ثم يكمل قوله: التقيت العباس يومئذ وقد اقشع الناس على بكرة ابيهم فلم ير عليا فيما ثبت فقال شوهة بوهة افي مثل هذا الحال يرغب ابن أبي طالب بنفسه عن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وهو صاحب ما هو صاحبه؟ يعني المواطن المشهودة له فقلت: نقص قولك لا ابن اخيك يا ابه قال ما ذاك يا فضل؟ قلت اما تراه في الرعيل الأول؟ اما نراه في الرهج؟ قال اشعره لي يا بني قلت: ذو كذا ذو كذا، قال فما تلك البرقة؟ قلت سيفه يزيل به بین الاقران، فقال برا بن بر فداه عم وخال قال فضرب علي (علیه السلام) يومئذ اربعین مبارزا كلهم يقده حتى انفه وذكره قال وكانت ضرباته مبتكرة)).

وكانت نسيبه بنت كعب المازنية(1) تحثو في وجوه المنهزمین التراب وتقول: اين تفرون عن الله وعن رسوله ومر بها عمر بن الخطاب فقالت له ويلك ما هذا الذي صنعت؟ فقال لها: هذا أمر الله(2). ويظهر ان عمر بن الخطاب كان من ضمن الذين فروا من المعركة يوم حنین.

ثالثا: دور الإمام علي (علیه السلام) في سرية الفلس

بعد أن انتهى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من معركة حنین بعث الإمام عليًا (علیه السلام)

ص: 244


1- هي نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف المازنية من بني النجار، وتكنى بام عمارة اشتهرت بالشجاعة تزوجها في الجاهلية زيد بن عاصم المازني ومات عنها وتزوجها غزبه بن عمر المازني، اسلمت وحضرت بيعة العقبة وشهدت بدرا واحدا والحديبية وخيبر وعمرة القضية وحنينا ويوم اليمامة وكانت من العشرة الصامدين يوم احد وحنین وكانت تشفي المرضى. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 383 - 387 ؛ الذهبي، سیرة أعلام النبلاء، 2/ 278 ؛ ابن حجر، الاصابة، 8/ 441 .
2- المجلسي، بحار الانوار، 21 / 150 ؛ القمي، تفسير، 1/ 287 .

بسرية إلى طي ليهدم صنم فلس(1)،وكان ذلك في شهر ربيع الآخر سنة 9ه-، وكان الإمام (علیه السلام) في مائة وخمیسن رجلا من الأنصار على مائة بعیر وخمسین فرسا، وكانت رأية المسلمين سوداء ولواء ابيض(2)، ولما تقدم جيش المسلمين اختبأت طي عن الانظار فوجدوا اسلم الاسود فاوثقوه وخوفوه بالقتل، فدلهم على مكان القوم(3).

فشنوا الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر، فهدموا الفلس وضربوه وماؤا ايديهم من السبي والنعم والشاء، وفي السبي أخت عدي بن حاتم(4) وهرب عدي إلى الشام، ووجدا في خزانة الفلس ثلاثة اسياف رسوب والمخدم وسيف يقال له اليماني وثلاثة ادرع(5).

يظهر مما تقدم أن هدف هذه السرية هو هدم صنم طي والقضاء على اخر معاقل الوثنية، وهذا هدف سامٍ، إلا أن ابن سعد يصّور هذه السرية هي للقتل والسبي والغنائم لا لنشر الإسلام والقضاء على عبادة الاوثان، في حین إن تصرفات الإمام علي (علیه السلام) في هذه السرية خلاف ما ذكره ابن سعد؛ فنرى الإمام (علیه السلام)

ص: 245


1- وهو اسم صنم كان موجود في نجد عبدته طي، وكان يقع بالقرب من منطقة فيد. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 4/ 273 .
2- ابن سعد الطبقات الكبرى، 2/ 150 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 229 .
4- هو ابوطريف عدي بن حاتم بن عبدالله بن سعيد الطائي، شهد القادسية،ويوم مهران وقس الناطف والنخيلة ومعه اللواء، وشهد الجمل مع الإمام علي (علیه السلام) وفقعت عينه يومئذ وشهد صفین والنهروان مع الإمام علي (علیه السلام) ومات في زمن المختار بالكوفة سنة 68 ه- وهو ابن مائة وعشرين سنة. ينظر: ابن سعد، الطبقات، 2/ 214 - 224 و 8/ 144 ؛ ابن خياط، طبقات، 127 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 3/ 1057 - 1059 .
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 150

لا يقوم بتقسيم آل حاتم على المقاتلین كسبايا، بل قام بإيصالهم إلى المدينة معززين مكرمین، وانما قسّم الاموال التي حصلوا عليها فقط دون غيرها.

ثم نرى أن في هذه الرواية تناقضًا واضحًا؛ إذ يقول: ((واستعمل رسول اللّه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على السبي أبا قتادة واستعمل على الماشية والرثة عبدالله بن عتيك)).

كيف يحدث هذا ورسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لم يكن معهم، ولم نسمع أن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في حروبه كلها مع المشركین انه عندما يقوم بتوزيع المهام على الجيش يجعل شخصًا على السبي وشخصًا على الماشية.

ثم ذكر ابن سعد عن أبي بكر عبدالله بن أبي سبرة كيف تعامل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مع ابنة حاتم إذ قال: ((فجعلت ابنة حاتم في حظیرة بباب المسجد كن النساء يحبسن فيها،فمر رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقامت إليه وكانت امرأة جميلة جزلة، فقالت: يا رسول الله، هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك! قال: من وافدك؟ قالت: عدي بن حاتم. قال: الفار من الله ومن رسوله؟ قالت: ومضى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وتركني حتى اذا كان من الغد مر بي فقلت مثل ذلك وقال لي مثل ذلك حتى اذا كان بعد الغد مر بي وقد يئست فلم اقل شيئا فأشار إلى رجل خلفه ان قومي فكلميه قالت: فقمت فقلت: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك قال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فاني قد فعلت ولا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم اذنيني قالت: سالت عن الرجل الذي اشار الي ان كلميه فقيل لي هو علي بن أبي طالب اما تعرفينه؟ هو الذي سباك قالت والله ما هو الا ان سبيت القيت البرقع على وجهي فما رأيت احدا حتى دخلت المدينة))(1).

ص: 246


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 215 - 216 .

ويمكن ان يلاحظ على هذه الرواية مايأتي:

يظهر من النص أن ابنة حاتم قد وضعت في سجن لحبس النساء فهل كان هناك سجن خاص بالنساء؟ ثم لماذا تسجن النساء؟

عن طريق تتبع ألفاظ النص يظهر أن ابنة حاتم كانت مسلمة والدليل على ذلك هو لما مر رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عليها نادته بيا رسول الله. فلو لم تكن مسلمة لقالت يا محمد. فهل هذا التعامل يصح مع مسلمة؟.

وهل يعقل أن يتعامل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مع امرأة سبية بهذه الطريقة المذلة؟، والمعروف عن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) انه جاء رحمة للعالمين.ثم إن هذا العمل يناقض قول النبي لها: (ولا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك).

طريقة تعامل الإمام علي (علیه السلام) مع ابنة حاتم تنم عن خلق الإسلام الرفيع، والدليل على ذلك هو ان الإمام (علیه السلام) لم يسمح لاي شخص من رؤية وجه بنت حاتم واحضرها معززة مكرمة إلى المدينة. فلا يعقل ان يخالف علي (علیه السلام) رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في فعله.

ان قول رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لابنة حاتم: (ولا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك) يدل على انها لم تكن محبوسة في سجن، اذ لو كانت محبوسة فكيف تجد الثقة؟؟.

اما سند الرواية فمطعون فيه، فقد رويت عن أبي بكر عبدالله بن أبي سبرة، الذي ضعفه العقيلي، قال: حدثنا عبدالله بن أحمد، قال: (قال لي ابي: ابوبكر بن أبي سبرة كان يضع الحديث،وقال حجاج: قال لي أبي: ليس حديثه، بشي كان يضع

ص: 247

الحديث، ويكذب وقال معاوية بن صالح: ليس حديثه بي)(1).

رابعا: دور الإمام علي (علیه السلام) في تبوك سنة 9ه-

(2)

حدثت هذه المعركة في رجب سنه 9ه-، وكان سببها أنه بلغ رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن الروم قد جمعوا جموعا كثیرة بالشام وأن هرقل قد أمن ارزاق أصحابه لسنة كاملة، واحضر معه بني لجم وجذام وعاملة وغسان وقدموا مقدماتهم إلى البلقاء(3).

فجهز رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) حملة لردهم وخرج بها وكان رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قلما يخرج في معركة الا كنى عنها الا معركة تبوك فانه بيّنها للناس لبعد الشقة، وشدة الزمان،وكثرة العدو الذي يصمد له ليتأهب الناس لذلك اهبته فامر الناس بالجهاز واخبرهم انه يريد الروم(4).

(وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب يستنفرهم إلى غزوهم وكان الناس في عسرة شديدة وحین طابت الثمار واحبت الظلال فالناس يحبون المقام ويكرهون الشخوص عنها على الحال من الزمان الذي هم عليه واخذا رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الناس بالانكماش)(5) قال تعالى: (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ )(6).

ص: 248


1- العقيلي، الضعفاء، 2/ 271 - 272 .
2- هي مدينة تقع بین الحجر وبین أول الشام وتبعد عن أول الشام اربع مراحل وفيه حصن يطيف، وتكثر فيها النخيل، ويقال ان أصحاب الايكة الذين بعث الله اليهم شعيبا كانوا يقيمون بها. ينظر: الادريسي: أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن أدريس الحموي(ت 560 / 1170 م)، نزهة المشتاق في اختراق الأفاق، عالم الكتب، ط 1، بیروت، 1989 ، 1/ 351 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 150 - 151 .
4- الواقدي، المغازي، 3/ 990 .
5- الواقدي، المغازي، 3/ 992 .
6- سورة التوبة، الآية 117 .

وامرهم بالصدقة فحملوا صدقات كثیرة(1) وانزل الله سبحانه وتعالى في الذين لم يستطيعوا ان يأتوا بالصدقات (لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ...)(2).

يظهر مما تقدم أن وقعة تبوك تختلف عن سابقاتها من المعارك من حيث بعد المسافة بین المدينة والشام والذي يستغرق وقتا طويلا في الذهاب والاياب مما يجعل المدينة في خطر كبیر بعد ان تخلف عن هذه الحملة الكثیر من المنافقین بعد ان فشلوا في تثبيط همم المسلمين للحيلولة دون خروجهم للقتال مع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، وقد ذكر ابن هشام في هذا الصدد (أن ناسا من المنافقین كانوا يجتمعون في بيت سويلم اليهودي وكان بيته عند جاسوم يثبطون الناس عن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في غزوة تبوك فبعث اليهم النبي طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه وأمره بحرق بيت سويلم)(3).

ونتيجة لهذه الأحداث والأخطار المحدقة بالمسلمين في المدينة كان لزامًا على رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ان يستخلف شخصية تتمتع بمؤهلات ولباقات عالية وحكمة بالغة ودراية تفصيلية في جميع الامور وحرص على العقيدة كي يتمكن من مواجهة الطوارئ(4).

ففي هذا الصدد ذكر ابن سعد عدة روايات نذكرها:

الرواية الأولى: (عن فطر بن خليفة عن عبدالله بن شريك قال: سمعت عبدالله بن رقيم الكناني قال قدمنا المدينة فلقينا سعد بن مالك فقال خرج رسول

ص: 249


1- ابن سعد، الطبقات، الكبير 2/ 151 ؛ ابن هشام، السيرة النبوية، 4/ 159 .
2- سورة التوبة، الآية 92 .
3- ابن هشام، السيرة النبوية، 4/ 160 .
4- لجنة التأليف،اعلام الهداية (ج 2) الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) (امیر المؤمنین)، ط 1 وط 2، مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لاهل البيت (علیهم السلام)، قم المقدسة، 1422 و 1425 .، 2/ 96 .

الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى تبوك وخلف عليا، فقال له: يا رسول الله خرجت وخلفتني؟ فقال: اما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)(1).

الرواية الثانية: (عن سعيد بن المسيب قال: قلت لسعد بن مالك إني أريد أن اسالك عن حديث وانا اهابك أن اسالك عنه قال: لا تفعل يابن اخي اذا علمت ان عندي علما فسلني عنه ولا تهبني فقلت قول رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لعلي حین خلفه بالمدينة في غزوة تبوك قال اتخلفني في الخالفه من النساء والصبيان؟ فقال: اما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ فادبر علي مسرعا كاني انظر إلى غبار قدميه يسطع وقد قال حماد فرجع علي مسرعا)(2).

الرواية الثالثة: (عن فضيل بن مرزوق عن عطيه عن أبي سعيد قال: غزا رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) غزوة تبوك وخلف عليا في اهله فقال بعض الناس ما منعه ان یخرج به الا انه كره صحبته فبلغ ذلك عليا فذكره للنبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال: ايا ابن أبي طالب اما ترضى أن تنزل مني بمنزلة هرون من موسى)(3).

الرواية الرابعة: (عن البراء بن عازب وزيد بن ارقم قالا: لما كان عند غزوة جيش العسرة وهي تبوك قال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لعلي بن أبي طالب انه لابد من أن اقيم أو تقيم فخلفه فلما فصل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) غازيا قال لا يارسول الله الااني سمعت ناسا يزعمون انك انما خلفتني لشيء كرهته مني، فتضاحك رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وقال: يا علي اما ترضى ان تكون مني كهارون من موسى غیر انك لست

ص: 250


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 21 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 22 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 22

بنبي؟ قال: بلى يا رسول الله قال فانه كذلك)(1).

الرواية الخامسة: (استخلف رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على المدينة محمد بن مسلمة،

وهو اثبت عندنا ممن قال استخلف غیره)(2).

عن طريق الروايات السابقة التي ذكرها ابن سعد في كتابه يتضح ان هناك ثلاثة آراء وهي: الرأي الأول: أنه استخلف الإمام عليًا (علیه السلام) على المدينة بصورة مطلقة، والرأي الثاني: أنه استخلفه على اهله، والرأي الثالث: انه استخلف محمد بن مسلمة ويتبنى ابن سعد هذا الراي.

ونحن هنا نخالف ما ذهب إليه ابن سعد ونرجح الرأي الأول، وذلك لعدة أمور:

1- إن قول رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) للإمام علي (علیه السلام) ((إنه لابد من أن أقيم أو تقيم)) يدل دلالة واضحة على أن الإمام عليًا (علیه السلام) هو نفس رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وانه يستطيع أن يحل محله، فقال له: (ألا ترضى أن تكون مني كهارون من موسى غیر أنك لست بني).

يظهر مما تقدم أن المدينة كانت تمر بظروف حرجة وهناك محاولات ومؤامرات تحاك ضد الدولة الإسلامية وكان لابد من أن يبقى في المدينة رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أو الإمام علي (علیه السلام) ولا ثالث غيرهما وانه لابد من ان يسیر جيش العسرة إلى تبوك(3)، فأبقى الإمام علي (علیه السلام) .

ص: 251


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 22 - 23 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 151 .
3- الميلاني: السيد علي الحسيني، حديث المنزلة،ط 1، مركز الابحاث العقائدية، قم،ص 25 .

2- قول ابن سعد: إن استخلاف الإمام علي (علیه السلام) كان فقط على اهله وليس على المدينة كلها وهذا ينافي اغلب ما ذكره مؤرخو المسلمين بأنه لم يستخلف طيلة حياته (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على المدينة شخصًا على اهله وشخصًا لتسيير شؤون المدينة بل كان يستخلف شخصا واحدا لهذا الأمر كله.

3- إن قول ابن سعد: (إن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) استخلف يوم تبوك على المدينة محمد بن مسلمة وهو الأثبت عندنا من انه استخلف غیره) فهو ينفرد بهذا الراي ولم يذكر لنا لماذا اثبت محمد بن مسلمة على غیره، فلو رجعنا إلى سیرة حياة محمد بن مسلمة التي ذكرها ابن سعد في طبقاته فانه يذكر ان محمد بن مسلمة لا يحب ان يتحمل المسؤولية فعن ضبيعة بن حصین الثعلبي يقول لما كانت الفتنة خرجت فاذا بفسطاط مضروب متنحي تضربه الرياح فقلت لمن هذا الفسطاط؟ قالوا لمحمد بن مسلمة فاتيته فاذا هو شيخ فقلت له يرحمك الله أراك رجلا من خيار المسلمين تركت بلدك ودارك واهلك وجيرتك قال تركته كراهية الشر ما في نفسي ان تشتمل على مصر من امصارهم حتى تنجلي عما انجلت (1). فكيف يستخلف رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) شخص بهذه المؤهلات، كذلك نستشعر من انفراد ابن سعد بهذا الراي الحقد الاموي ودليلنا على ذلك ان مروان بن الحكم هو من صلى على محمد بن مسلمة(2).

4- شخصية الإمام علي (علیه السلام) والمؤهلات التي يتمتع بها وسیرته في الحروب تجعل من غیر الممكن ان يقوم رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بالاستغناء عن الإمام الا اذا كان بقائه في المدينة اهم أو بمستوى ذهابه إلى تبوك لان الإمام (علیه السلام) يعد كأفضل

ص: 252


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 410 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 410 .

شخصية بعد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)

5- يظهر من رواية ابن سعد التي نقلها عن سعيد بن المسيب ان الاجواء التي كانت موجودة زمن نقل هذه الرواية تشوبها الخوف والتردد من نقل فضيلة للإمام علي (علیه السلام)، لأنه بماذا نفسر تردد سعيد بن المسيب عن سؤال سعد بن أبي وقاص.

ثم ان حادثة الاستخلاف لم تكن حادثة بسيطة فهي لم تكن عملية استخلاف فحسب بل ارتبط معها قول عظيم لرسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بحق الإمام علي (علیه السلام) وهو ((الا ترضى بأن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي)) فاننا هنا نتفق مع ما ذكره احد الباحثین(1) حول ماهي منزلة هارون من موسى والذي اوضحه عن طريق ذكر الايات التي توضح تلك المنزلة وهي كالاتي:

المنزلة الأولى: النبوة: قال تعالى (وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا)(2) الا ان هذه المنزلة لا تكون للأمام علي (علیه السلام) لأنه لانبي بعد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) .

المنزلة الثانية: الوزارة: قال تعالى (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أخِي)(3) وقال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا)(4)، وقال تعالى: (وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ)(5).

ص: 253


1- الميلاني، حديث المنزلة، 29 - 31.
2- سورة مريم،اية 53 .
3- سورة طه،اية 29 - 30 .
4- سورة الفرقان، اية 35 .
5- سورة القصص، اية 34 .

المنزلة الثالثة: الخلافة: قال تعالى (وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ)(1).

المنزلة الرابعة: القرابة القريبة: قال تعالى على لسان موسى (علیه السلام) (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)(2).

اذن اثبت النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) للإمام علي (علیه السلام) جميع هذه المراتب فاذا هو وزير رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وشاد أزره ولولا انه خاتم الانبياء لكان شريكا له في النبوه.

خلاصة القول:ان ابن سعد حاول اخفاء هذه الفضيلة أو المنقبة للإمام (علیه السلام) سواء عن طريق نفي استخلافه على المدينة أو عن طريق جعلها حادثة مؤقته من حيث المكان والزمان وهي لدفع الضرر عن أهل بيت النبوة، في حین ان هذه الحادثة هي تأسيس لخلافة الإمام علي (علیه السلام) وإمامته بعد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)،وهذا ما اكده جملة من المؤرخین(3) بقولهم ((ولاه الله الأمر بعد محمد في حياته حین خلفه في المدينة فامر الله العباد بطاعته وترك خلافه)).

خامسا: سرية الإمام علي (علیه السلام) إلى اليمن

بعد ان فشل خالد بن الوليد في حملته إلى اليمن بعد مضي ستة أشهر فلم يجبه

ص: 254


1- سورة الاعراف،اية 142 .
2- سورة طه، اية 29 - 32 .
3- الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، 1/ 190 ؛ ابن جبر: زين الدين علي بن يوسف (ق 7ه- /) نهج الإيمان، تح: السيد أحمد الحسيني،ط 1، ستارة – قم، 1418 ه-،ص 592 ؛البحراني: هاشم بن سليمان الحسيني(ت 1107 ه- / 1695 م)،البرهان في تفسیر القرآن، تقديم: الشيخ محمد مهدي الاصفي، مطبعة مؤسسة البعثة قم المقدسة، 1417 ه-، 2/ 115 ؛المجلسي، بحار الانوار، 298/23.

أحد. أرسل النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الإمام علي (علیه السلام) مكانه فقال مر أصحاب خالد من شاء منهم ان يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقبل(1).

الا ان ابن سعد ذكر نصا قال فيه: ((سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن يقال مرتین احداهما في شهر رمضان سنة 10 ه-))(2).

هنا نضع ملاحظات عدّة حول هذا النص:

ان النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أرسل سريتین إلى اليمن، كانت الأولى بقيادة خالد بن الوليد، لكنها فشلت والسرية الثانية قادها الإمام علي (علیه السلام) لتصحيح ما أرتكبه خالد بن الوليد من اخطاء، ودليلنا على ذلك هو ما ذكره الواقدي اذ قال: إن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أمر الإمام علي (علیه السلام) ان يعسكر في قباء حتى تجتمع أصحابه (3) مع أصحاب خالد المنهزمین فقال له رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم): مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب ومن شاء فليقبل.

ذكر ابن سعد اَن هناك سريتین أمر رسول (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بها إلى اليمن لكنه لم يذكر لنا سوى سرية واحده وتفاصيل قليلة، ولعله أراد من ذلك اخفاء الدور الكبیر الذي قام به الإمام علي (علیه السلام) في دعوة أهل اليمن إلى الإسلام، وذلك لاخفاء فشل خالد بن الوليد بعد ان امضى ستة اشهر من دون نتيجة ولم يستطيع ادخال

ص: 255


1- الشافعي، كتاب الام، 1/ 159 ؛ البخاري، صحيح البخاري، 5/ 110 ؛ البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسین علي (ت 458 ه- / 1065 م) معرفة السنن والآثار، تح: سيد كسروي حسن،ط 1، دار الكتب العلمية – بیروت، 2/ 200 ؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، 2/ 690 ؛ ابن حجر، فتح الباري، 52/8.
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 154 .
3- الواقدي، المغازي، 3/ 1079 .

أحدٍ للإسلام في حین أن الإمام (علیه السلام) استطاع تحقيق ذلك وفي يوم واحد.

ان قيام ابن سعد بإخفاء تفاصيل سرية خالد بن الوليد والاكتفاء فقط بذكر اسم السرية وتاريخها، وذلك لعدم اظهار الإمام علي (علیه السلام) شخص يقوم بإصلاح ما آفسده بعض الصحابة كما حدث في سرية خالد بن الوليد إلى بني جذيمة وغيرها.

ثم ذكر ابن سعد نصًا اخر، يقول فيه: (بعث رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عليا إلى اليمن وعقد له لواء وعممه بيده وقال امي ولا تلتفت فاذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك)(1). الا انه لم يكمل هذه الوصية في حین ان الواقدي ذكرها بصورة كامله ((فإن قاتلوك فلا تقاتلهم حتى يقتلوا منكم قتيلا فإن قتلوا منكم قتيلا فلا تقاتلهم تلومهم تراهم اناة ثم تقول لهم هل لكم أي ان تقولوا لا اله الا الله؟ فإن قالوا نعم فقل هل لكم ان تصلوا؟ فإن قالوا نعم فقل هل لكم ان تخرجوا من اموالكم صدقه تردفونها على فقرائكم؟ فإن قالوا نعم فلا تبغ منهم غیر ذلك والله لان يهدي الله على يدك رجلا واحدا خیر لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت))(2).

ثم ذكر ابن سعد نصا اخر يقول فيه ((فخرج في ثلاثمائة فارس وكان أول خيل دخلت إلى تلك البلاد وهي بلاد مذحج ففرق أصحابه فاتوا بنهب وغنائم ونساء ونعم وشاء وغیر ذلك وجعل علي على الغنائم بريدة بن الحصيب الاسلمي فجمع إليه ما اصابوا ثم لقي جمعهم فدعاهم إلى الإسلام فأبوا ورموا بالنبل والحجارة فصف أصحابه ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان السلمي ثم

ص: 256


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 154 .
2- الواقدي، المغازي، 3/ 1079 .

حمل عليهم علي بأصحابه فقتل منهم عشرين رجلا فتفرقوا فكف عن طلبهم ثم دعاهم إلى الإسلام فاسرعوا واجابوا وبايعه نفر من رؤساءهم عل الإسلام وقالوا نحن على من وراءنا من قومنا وهذه صدقاتنا فخذ منها حق الله))(1)

هنا نضع ملاحظات عدّة حول هذا النص:

ان هذا النص يتعارض مع مبادى الإمام علي (علیه السلام) في الحرب فإن الدعوة إلى السلم هو ديدن الإمام (علیه السلام) سواء مع المشركین أو مع الخارجین على خلافته فكان يحث المقاتل على ترك الحرب كما فعل مع عمرو بن ود العامري يوم الخندق ومع أصحاب الجمل وصفین والنهروان أيام خلافته(2).

ان هذا النص يتعارض مع وصيه رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) المتقدمة الذكر وهل سمعنا يوما ان الإمام (علیه السلام) خالف رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) اذن هذا خلاف لسیرته (علیه السلام) مع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فلو لم يكن الإمام (,لیه السلام) مطيعا لرسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لما كان رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يبعثه ممثلا عنه في قضية بني جذيمة، فانه ولغرض اصاح الأمر وراب الصدع ارسل الإمام علي (علیه السلام) للانابة عنه ودفع دية الشخص الذي قتله خالد.

صور النص ان هدف الإمام (علیه السلام) هو للقتل والنهب والسبي وان سرية الإمام (علیه السلام) هي سرية قطاع طرق فقال ((ففرق أصحابه فاتوا بنهب وغنائم...)) وهذا خلاف لسیرته (علیه السلام) في الحروب في عدم اكتراثه بالجانب المادي، وصور هذا النص ان الإمام عليًا (علیه السلام) رجل دماء وقتل لا رجل سلم ونسى ابن سعد ان هدف هذه السرية هو لاخذ الصدقات بعد ان امتنع أهل اليمن عن دفعها

ص: 257


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 154 - 155 .
2- النصر الله، شرح نهج البلاغة، 213 .

والدليل على ذلك قولهم ((وهذه صدقاتنا فخذ منها حق الله)).

وخلاصة القول: ان الرواية الصحيحة والأقرب إلى الواقع هي ما نقله عدد من المؤرخین(1) قالوا: ان النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بعث خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام وانفذ معه جماعة من المسلمين فيهم البراء بن عازب واقام خالد على القوم ستة اشهر يدعوهم فلم يجبه احد منهم فساء ذلك رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فدعا عليا وامره ان يرجع خالدا ومن معه وقال له ان اراد احد ممن مع خالد ان يبقى معه فاتركه قال البراء فكنت ممن معه فلما انتهينا إلى اوائل أهل اليمن وبلغ القوم الخبر تجمعوا له فصلى بنا علي الفجر ثم تقدم امامنا فحمد الله واثنى عليه ثم قرا على القوم كتاب رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فأسلمت همدان كلها في يوم واحد وكتب بذلك الإمام علي (علیه السلام) إلى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ثم تتابع بعد اسلام همدان أهل اليمن كلهم على الإسلام.

ص: 258


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2/ 390 ؛ المسعودي، التنبيه والاشراف، ص 228 ؛ابن عبد البر، الاستيعاب، 3/ 1121 ؛الطبرسي، اعلام الورى بأعلام الهدى، 1/ 258 ؛ابن الأثیر، الكامل في التاريخ، 2/ 3-؛المحب الطبري، الرياض النضرة في مناقب العشرة، 3/ 223 ؛ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي (ت 808 ه- / 1406 م)، العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، ط 4، دار إحياء التراث العربي – بیروت،(د. ت)، 2/ 2/ 55 ؛المجلسي، بحار الانوار، 21 / 360 .

الفصل الثالث : الدور السياسي للإمام علي (علیه السلام)

اشارة

المبحث الأول: موقف النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من نظام الحكم من بعده.

المبحث الثاني: موقف الإمام علي (علیه السلام) من نظام الحكم حتى خلافته.

المبحث الثالث: خلافة الإمام علي (علیه السلام).

ص: 259

ص: 260

المبحث الأول : موقف النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من نظام الحكم من بعده

اشارة

ان المتتبع للروايات التي أوردها ابن سعد، تظهر أن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لم يكن مهتما بنظام الحكم من بعده، ومحاولة ابن سعد التقليل من هذه الشواهد التاريخية التي تؤيد اهتمام النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بإعداد البديل من بعده ألا وهو الإمام علي (علیه السلام) ومنها:

أولا: المؤاخاة:

اشارة

إن التآخي الذي أقره الدين الإسلامي بین المسلمین بعد تلك الخلافات والحروب الدامية فيما بينهم، والذي كان لرسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الدور الريادي في تحکیم أواصر المسلمین في مجتمعهم الجديد، وذلك عن طريق المؤاخاة التي عقدها بین المسلمین، التي ألف فيها القلوب المتنافرة، وأزال البغضاء لتنطلق الدولة على أسس وقواعد متينة، وبناء اجتماعي راسخ متماسك يقوم التآخي الذي أقره الإسلام على أساس التعاون والتآخي والحب والإيثار، وقد كان عنصرا مهما في ردم التناحر بین المسلمین بعد كلِّ الخلافات(1) ، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم، قال تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ

ص: 261


1- العواد: انتصار عدنان عبدالواحد، السیرة النبوية في رؤية أمیر المؤمنین (علیه السلام) دراسة في نهج البلاغة، ط 2، دار الفيحاء، البصرة، 1436 ه-، ص471.

وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(1).

فقد أراد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من ذلك تحقيق الترابط الاجتماعي، والتعاون بین المسلمين، فقام بالمؤاخاة بین أصحابه المهاجرين والأنصار ليذهب عنهم وحشة الغربة ويؤنسهم من مفارقة الأهل والعشیرة، ويشد أزر بعضهم ببعض(2).

وهذا ما لمح إليه رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مخاطبا الأنصار بقوله ((إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم))(3).

وكان ذلك في السنة الأولى من الهجرة بعد خمسة أشهر أو ثمانية أشهر من قدوم النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى المدينة(4).

ويمكن القول: إن المؤاخاة حدثت بعد خمسة أشهر من قدوم رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى المدينة في شهر رجب من السنة الأولى إذ لو قلنا: إن المؤاخاة حدثت بعد ثمانية أشهر سيصبح حدوث المؤاخاة في شهر شوال؛ لان المشهور وصول النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى المدينة في شهر ربيع الأول، وهذا يجعل حدوثها بعد معركة بدر، في حین إنها حدثت قبل معركة بدر، وهذا ما أكّده ابن سعد(5).

ومن هذه المقدمة يتضح لنا أن هناك أسبابًا قد أدت إلى أن يقوم رسول الله

ص: 262


1- سورة الحشر، اية 9.
2- ابن حبيب، المحبر،ص 70 .
3- الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، 28 / 54 ؛ ابن كثیر: أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر (774 ه- / 1372 م). البداية والنهاية، 3/ 280 ؛ تفسیر القرآن العظيم، قدم له: يوسف عبد الرحمن، ط 2، دار المعرفة – بیروت، 1412 ه- / 1992 م، 4/ 361 ؛ السیرة النبوية، 2/ 329 .
4- ابن هشام، السيرة النبوية، 1/ 501 - 502 .
5- الطبقات الكبرى، 3/ 21 .

بهذه الخطوة: ويمكن بيانها بالاتي:

السبب الأول:

كان الهدف من المؤاخاة هو بناء مجتمع إسلامي، تربطه روابط تختلف عن الروابط السابقة التي كانت سائدة قبل الإسلام؛ لإبعاد المجتمع عن العصبية الجاهلية، والقضاء على الفوارق الطبقية، كالتفاخر بالنسب واللون والوطن، فلا يتأخر أحد ولا يتقدم إلا بمروءته وتقواه، وجعل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) هذه المؤاخاة حصنًا للمجتمع.

السبب الثاني:

الأزمة الاقتصادية، فبعد أن هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة تركوا أموالهم وديارهم وخرجوا فارّين بدينهم إلى الله؛ مما أدّى إلى حدوث مشاكل في معيشتهم وسكناهم؛ وأدى إلى وقوع دولة رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الفتية في حرج، وهنا تطلب هذا الموقف من رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن يضع حلا سريعًا لهذه المشكلة.

السبب الثالث:

لتخفيف حدة الغربة وما وقع على المهاجرين من آثار مفارقة الوطن، كان سببًا من أسباب إعلان المؤاخاة، فهي تؤدي إلى مواساة المهاجرين؛ وتجعل لهم أخوة يهتمون بهم، ويقومون بقضاء حوائجهم؛ حتى لا تؤثر فيهم مفارقة الأهل،والقضاء على هواجس الأنصار الذين راحوا يفكرون بمنافسة المهاجرين لهم في بلدهم ومضايقتهم إياهم في معيشتهم(1).

ص: 263


1- الحلو: محمد علي، عقائد الإمامية برواية الصحاح الستة، ط 1، دار الكتب الإسلامي، 2001 ،ص 137 .

وهذا ما أكده السهيلي(1) بقوله: ((آخى بین أصحابه حین نزلوا المدينة ليذهب عنهم وحشة الغربة ويؤنسهم من مفارقة الاهل والعشیرة ويشد أزر بعضهم ببعض فلما ظهر الإسلام واجتمع الشمل ذهبت الوحشة)).

والآن ننقل لكم النصوص المختلفة التي أوردها ابن سعد حول مؤاخاة الإمام علي (علیه السلام) مع النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ومع غیره. ((فقال: حین آخى بین أصحابه وضع يده على منكب علي ثم قال: أنت أخي ترثني وأرثك، فلما نزلت آية الميراث قطعت ذاك)). ولما آخى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بین المسلمين على الحق والمواساة، قال: ((فآخى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بينه وبین علي بن أبي طالب))(2).

وهنا نضع ملاحظات عدّة على ما تقدم:

ما هي الأسباب التي دعت النبي إلى القيام بهذه الخطوة؟ أليست هي أسباب اقتصادية واجتماعية.

ألم تكن المؤاخاة بین المهاجرين والأنصار؟ فلماذا آخى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بينه وبین الإمام علي (علیه السلام)؟.

ماذا يقصد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بقوله (أنت آخي ترثني وأرثك)؟ إذا كان يقصد الإرث المادي، فكيف وقد روى أبو بكر أن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قال: إنا معاشر الأنبياء لا نورث ماتركناه صدقة، أما إذا كان يقصد به الإرث غیر المادي كالقيادة وغيرها فهذا الإرث أقرب إلى الواقع، وأراد ابن سعد أن يغّیر هذا المفهوم بقوله: (فلما نزلت آية المیراث قطعت ذاك).

ص: 264


1- الروض الانف، 2/ 252 .
2- الطبقات الكبرى، 3/ 20 - 21 .

ومما تقدم يمكن القول: لعل الراوي أراد من هذه النصوص أن يظهر أن علاقة النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مع الإمام علي (علیه السلام) ليس لها جذور في مكة وبالتحديد في حديث يوم الدار (وانذر عشیرتك الأقربین)، كذلك أراد أن يجعل هذه الحادثة فارغة المحتوى، ويجعلها ذات قيمة متساوية مع جميع المسلمين؛ و لإخفاء فضيلة من فضائل الإمام علي (علیه السلام) .

اما الرد على القائل بأن المؤاخاة جرت بین المهاجرين والأنصار فكيف آخى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بينه وبین الإمام (علیه السلام) مع العلم بأنهما مهاجران، فقد كفانا العلامة الأميني(1) عناء الرد حيث قال: (نظر في مؤاخاته لعلي لانه هو الذي كان يقوم به من عهد الصبا قبل البعثة واستمر، وكذا مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة؛ لان زيدًا مولاهم، فقد ثبتت إخوتهما، كذلك آخى النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بین الزبیر بن العوام وعبدالله بن مسعود، وهما من المهاجرين).

ثم إن ابن سعد ذكر نصًا آخر يختلف عن النصوص السابقة، قائلاً: (آخى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بین علي بن أبي طالب وسهل بن حنيف)(2). وهنا نقول: اذا تنزلنا وقلنا: إن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) آخى بین الإمام (علیه السلام) وسهل بن حنيف فما العنوان الذي نطلقه على ما يقدمه سهل للإمام هل هو تحت عنوان الصدقة أم تحت عنوان الهدية؟.

ثانيا: تبليغ سورة براءة:

اشارة

عندما تم فتح مكة عام 8ه- وفيه قام النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بهدم ما في البيت وما عليه من أصنام، وعاهد المشركین من أهل مكة وغيرهم من العرب، فظلوا يمارسون

ص: 265


1- الغدير، 2/ 12 .
2- الطبقات الكبرى، 3/ 21 و 437 .

طقوسهم الجاهلية بحرية ويدخلون البيت كعادتهم، ويطوفون حول الكعبة وهم عراة ليس على أحد منهم ثوب يستره، ويجهرون بتلبية هبل وغيرها، وكانوا يشوشون على المسلمين تلبيتهم وابتهالاتهم ثم بدؤوا ينقضون عهودهم تباعا الا القليل منهم.

وأشار ابن سعد إلى إحداثها بالنصوص الآتية:

النص الأول:

(قالوا: استعمل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أبا بكر الصديق على الحج، فخرج في ثلاثمائة رجل من المدينة، وبعث معه رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بعشرين بدنة قلدها واشعرها بيده عليها ناجية بن جندب الأسلمي(1) وساق أبو بكر خمس بدنات فلما كان (بالعرج)(2) لحقه علي بن أبي طالب (علیه السلام) على ناقة رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) القصواء، فقال له أبو بكر: استعملك رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على الحج؟ قال: لا، ولكن بعثني أقرأ براءة على الناس، وأنبذ كل ذي عهد عهده، فمى أبو بكر فحجّ بالناس وقرأ علي بن أبي طالب براءة على الناس يوم النحر عند الجمرة ونبذ إلى كل ذي عهد عهده وقال: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، ثم رجعا

ص: 266


1- هو الذي كان اسمه في الجاهلية ذكوان فساه رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ناجية لأنه نجا من قريش، شهد مع النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الحديبية واستعمله رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على هدية، وأمره أن يقدمها إلى ذي الحليفة، نزل في القليب بسهم رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، توفي أيام معاوية بن أبي سفيان. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5/ 219 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 4/ 1522 ؛ ابن الأثیر، أسد الغابة 4/5.
2- هو وادي العرج الذي يسمى المنبجس، فيه عيون على يسار الطريق في شعب بین جبلن، يبعد ثلاثة أميال عن مسجد النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الذي يسمى العرج. ينظر: البكري، معجم ما استعجم،930/3.

قافلین إلى المدينة)(1).

النص الثاني:

(اخبرنا خالد بن خداش عن عبدالله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة: بعثني أبو بكر الصديق في الحجة التي أمره عليها رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون الناس يوم النحر ان لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فكان حميد يقول: يوم النحرة يوم الحج الاكبر، من اجل حديث أبي هريرة)(2).

هنا يظهر أن النصین اللذين ذكرهما ابن سعد لم يكونا دقيقین، فضلا عن عدم واقعيتهما، وقد خالف بقية المصادر التاريخية الأخرى القائلة: بأنه لما نزلت الآيات الأوائل من سورة براءة بعث بهنّ رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مع أبي بكر وأمره على الحج فلما بلغ الشجرة من ذي الحليفة اتبعه بعلي بن أبي طالب (علیه السلام) فأخذها منه فرجع أبو بكر إلى النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال: يا رسول الله: بأبي أنت وأمي أنزل في شأني شيء؟ قال: لا، ولكن لايبلغ عني غیري أو رجل مني(3)، في حین أن ابن سعد قطع هذا النص من الرواية جريًا على طريقته في نقل الأحداث الخاصة بأمیر المؤمنین (علیه السلام) .

ص: 267


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 153 - 154 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 154 .
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2/ 383 ؛ ابن حبان، صحيح ابن حبان، 15 / 17 ؛ الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، 1/ 315 ؛ ابن طاووس الحلي: رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى (ت 664 ه-/ 1265 م)، بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية، تح: السيد علي العدناني الغريفي، ط 1، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث – قم، 1411 ه-/ 1991 م، 232 و 1172 ؛ محب الدين الطبري، ذخائر العقبي، ص 69 ؛ ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، 2/ ق 2/ 53 ؛ ابن حجر، فتح الباري، 8/ 239 ؛ السيوطي، الدر المنثور في التفسیر بالماثور، 3/ 210 .

ثم إن ابن سعد لم يوضح لنا السبب الذي جعل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يستبدل أبا بكر بالإمام علي (علیه السلام) في تبليغ سورة براءة، ولو راجعنا ما نقله المؤرخون نجد أن سبط ابن الجوزي قد نقل لنا نصًا عن الزهري، قال: (إنما أمر النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عليا (علیه السلام) أن يقرأ براءة دون غیره لأن عادة العرب أن لا يتولى العهود إلا سيد القبيلة وزعيمها، أو رجل من أهل بيته يقوم مقامه كأخ أو عم أو ابن، فأجراهم على عادتهم.

نقول فلو كان النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) راعى عادات العرب في ذلك لما قام رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بإرسال أبي بكر في البداية، لأنه (صلی اللّه علیه و آله و سلم))(ومَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَإِلَّا وَحْيٌ يُوحَی)(1)، وهنا اتفق مع أحد الباحثین(2) ان هذا التعليل غیر تام؛ لأنه لو كان كذلك لبعث النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من بادئ الأمر عمّه العباس وهو شيخ بني هاشم وأسنهم، والاحتمال الأقوى هو أن الله سبحانه وتعالى عن طريق رسوله أراد بهذا العمل أن يظهر مقام الإمام علي (علیه السلام) ومنزلته عندهما، بأنه كفؤ وأهل لينوب عن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، ولكي يكون عندنا ردٌّ مقنع وجواب قاطع على من يقول بأن أبا بكر أحق بالخلافة لأنه أكبر سنا من الإمام علي (علیه السلام) فلو بعث عليا (علیه السلام) من بادئ الأمر لم يكن يلفت النظر، ولم يكن له هذا الأثر والانعكاس الذي حصل من عزل أبي بكر وتنصيب الإمام علي (علیه السلام)، وذلك بأمر من الله العزيز الحكيم إذ هبط جبرائيل (علیه السلام) فقال: لا يؤدي إلا أنت أو رجل منك(3).

ص: 268


1- سورة النجم، اية 3- 4.
2- السعدي: لبيب، علي هارون امتي، ط 1، دار البيضاء، النجف الأشرف، 2012 م، ص 101 .
3- ابن حنبل، مسند أحمد، 1/ 151 ؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 51 ؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، 29/7 ؛ ابن حجر، فتح الباري، 8/ 239 ؛ العيني، عمدة القارئ، 4/ 78 .

وذهب ابن سعد بعيدا عما ذكره في قضية تبليغ سورة براءة فقال: إن الذي قام بذلك هم رهط فيهم أبو هريرة أمرهم أبو بكر بذلك(1) فلو كان الأمر كذلك فلماذا أرسل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الإمام عليًا (علیه السلام) ليبلغ سورة براءة ولماذا جاء جبرائيل وقال للنبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك.

ثم أن ابن سعد ذكر لنا بأن أبا بكر هو من حج بالناس وإن الإمام كانت مهمته فقط قراءة سورة براءة على الناس في يوم النحر عند الجمرة(2) إذن نستشف من ذلك بأن الإمام كان مأمورًا وليس أمیرًا وهذا يخالف سیرته (علیه السلام) بأنه لم يكن مأمورا طيلة حياته (علیه السلام) لشخص غیر رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، في حین أن طائفة من المؤرخین أكدت رجوع أبي بكر إلى المدينة ولم يحج ذلك العام منهم أحمد في مسنده والترمذي في صحيحه، والنسائي في خصائصه، والخوارزمي في مناقبه ما ملخصه لما سار أبو بكر بالآيات ثلاثا، قال النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لعلي بن أبي طالب (علیه السلام): الحق أبا بكر فرده عليَّ واذهب انت بالآيات فبلغها فبينا أبو بكر في الطريق سمع رغاء ناقة رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) القصواء فخرج فزعا وظن انه رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، فإذا هو علي بن أبي طالب (علیه السلام) فدفع إليه كتاب رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وأخذ منه الآيات وسار بها إلى مكة ورجع أبو بكر إلى المدينة، فلما قدم على النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بكى وقال: يا رسول الله أحدث فيَّ شيءٌ؟ قال: لا، ولكن جبرائيل جاءني، فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك(3).

ص: 269


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 154 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 154 .
3- ابن حنبل، المسند، 1/ 151 ؛ النسائي: أبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب(303 ه-/ 916 م)، خصائص أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب، تح: محمد هادي الأميني، مكتبة نينوى الحديثة النجف الأشرف د. ت، ص 91 .

ثم إن ابن سعد عندما يذكر لنا أبا بكر فإنه يلقبّه بالصديق في حین أن هذا اللقب يعد من الألقاب التي اختص بها أمیر المؤمنین (علیه السلام)، وهذا ما أكده أمیر المؤمنین عندما قال: قال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم): قال لي ربي ليلة عرج بي من خلفت على أمتك يا محمد؟ قال: قلت أنت أعلم ياربّ، قال يا محمد إني انتجبتك لرسالتي واصطفيتك لنفسي فأنت نبي وخیرتي من خلقي، ثم الصديق الأكبر الطاهر المطهر الذي خلقته من طينتك وجعلته وزيرك وأبا سبطيك...)(1).

هذا وقد وصف الإمام علي (علیه السلام) نفسه بالصديق الأكبر ((أنا عبد الله وأنا أخو رسول الله(صلی اللّه علیه و آله و سلم) وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كذّاب))(2)

وقال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ((خذوا بحجزة هذا الأنزع يعني عليا فإنه الصديق الأكبر وهو الفاروق يفرق بین الحق والباطل من أحبه هداه الله ومن أبغضه أضله الله))(3). وعن أبي ذر وسلمان قالا: (أخذ رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بيد علي (علیه السلام) فقال ان

ص: 270


1- علي: زيد بن علي (122 ه- / 759 م)، مسند زيد بن علي، ط 1، منشورات دار مكتبة الحياة بیروت،ص 406 .
2- البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 146 ؛ الواسطي: علي بن محمد الليثي. (ت ق 6)،عيون الحكم والمواعظ، تح: الشيخ حسن الحسيني البيرجندي، ط 1، دار الحديث، (د. مك)، (د. س)، ص 166 ؛ ابن ماجة، سنن ابن ماجة، 1/ 44 ؛الحاكم النيسابوري، مستدرك الحاكم، 3/ 112 ؛ البخاري،التاريخ الكبیر، 4/ 23 ؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق، 42 / 33؛ المزي، تهذيب الكمال، 18/12 ؛ الذهبي، ميزان الاعتدال، 2/ 92 ؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب، 4/ 179 ؛ أبو جعفر الاسكافي، نقض العثمانية، 290 ؛ ابن قتيبة، المعارف، 169 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 56/2 . لمزيد من التفاصيل ينظر النصر الله، أمیر المؤمنین في رحاب البصرة،ص 150155 .
3- الصفار: أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ (ت 290 ه- / 902 م)،بصائر الدراجات الكبرى، تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج ميرزا حسن كوجي باغي، ط 2، مطبعة الأحمدي – طهران، 1404 ه-، ص 73 ؛ ابن بابويه القمي: أبو الحسن علي بن موسى (ت 329 ه- / 940 م)،الإمامة والتبصرة من الحیرة، ط 1، الناشر: مدرسة الإمام المهدي (علیه السلام) قم المقدسة، 1404 ه-،ص 111؛ ابن قولوية: أبو القاسم جعفر بن محمد القمي (ت 368 ه-/ 978 م)، كامل الزيارات،تح: جواد القيومي، ط 1، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي – قم المقدسة، 1417 ه-، ص 116 ؛ الصدوق، الأمالي، 274 ؛ المحب الطبري، الرياض النضرة، 2/ 155 .

هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة يفرق بین الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنین، والمال يعسوب الظالمین)(1).

خلاصة القول: إن ابن سعد أراد أن يجعل أمر استبدال الإمام علي (علیه السلام) مكان أبي بكر لا يتعدى تبليغ سورة براءة، وإن الأمر الرئيس هو لأبي بكر، في حین أنه خالف إجماع المؤرخین كما ذكرنا حول رجوع أبي بكر إلى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من منطقة العرج أو من منطقة ذي الحليفة ليستفهم عن سبب إرسال الإمام علي (علیه السلام)، فبماذا نفر رجوع أبي بكر إلى النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إذا كانت القيادة بيد أبي بكر وإن مهمة الإمام علي (علیه السلام) كانت تبليغ السورة فقط، ثم إن منطقة العرج تبعد عن المدينة خمسة وثلاثین ميلا (56 كم) ويحتاج الشخص إلى وقت طويل ليقطعها فلو قلنا بأن الإمام عليًا (علیه السلام) انتظر أبا بكر لربما هنا تأخر المسلمون عن أداء فريضة الحج ذلك العام؛ لأن الحج أيام معدودات.

ثم إنّنا نرى ابن سعد كان مضطربًا في نقل من قام بتبليغ سورة براءة، فمرة يقول بأن الإمام عليًا (علیه السلام) هو من بلغ، ومرة إن أبا هريرة مع رهط من المسلمين بأمر من أبي بكر هم من بلغوا.

وهنا نرجّح أن الإمام عليًا (علیه السلام) هو من كان أمیرا على الحج؛ بدليل عدم وقوع الإمام (علیه السلام) تحت امرة أحد غیر رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، وأن أبا بكر رجع إلى المدينة ولم يحج تلك السنة بدليل المسافة.

ص: 271


1- الطبراني، المعجم الكبیر، 6/ 269 . وينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب 4/ 1744 ابن عساكر، تاريخ دمشق، 42 / 41 ؛ الهيثمي: نور الدين بن أبي بكر (ت 807 ه- / 833 م)، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، دار الكتب العلمية – بیروت، 1408 ه- / 1988 م، 1/ 102 .

ثالثا: المباهلة:

لما انتشر الإسلام بعد فتح مكة سنة 8ه- وقوي سلطانه، وفدت على النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الوفود، وكان من ضمنها وفد نصارى نجران بعد أنْ كتب لهم رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كتابا ما نصه (إنَّ لهم على ما تحت أيديهم من قليل وكثیر من بيعهم وصلواتهم ورهبانيتهم وجوار اللّه ورسوله لا يغیر أسقف عن أسقفيته ولا راهب عن رهبانيته ولاكاهن عن كهانته ولا يغیر حق من حقوقهم ولا سلطانهم ولا شيئ مما كانوا عليه ما نصحوا واصلحوا فيما عليهم غیر مثقلین بظلم ولا ظالمین)(1) فخرج الوفد بأربعة عشر رجلا من أشراف النصارى، فيهم العاقب وهو عبد المسيح، وأسقفهم أبو الحارث، فقدم الوفد إلى المدينة ودخل المسجد عليهم ثياب الحبرة وأردية مكفوفة بالحرير فقاموا يصلون في المسجد نحو المشرق، فقال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم): دعوهم ثم أتوا النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فأعرض عنهم ولم يكلمهم، فقال لهم عثمان: ذلك من أجل زيكم هذا فانصرف وفد النصارى وعاد في اليوم الثاني بزي الرهبان فسلموا على النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فرد عليهم السلام ودعاهم إلى الإسلام(2).

وكان يوم المباهلة في الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة فقالوا إنا كنا مسلمين قبلك فقال لهم رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كذبتم إنّه منع منكم الإسلام ثلاثا: قولكم اتخذ الله ولدا وأكلكم لحم الخنزير وسجودكم للصنم فقالوا من أبو عيسى؟.

وهنا نقول هل يصح هذا الرد من قبل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وهو القائل أدبني

ص: 272


1- ابن سعد، الطبقات، 1/ 229 .وينظر: الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد، 11/ 393
2- ابن سعد، الطبقات، 1/ 307 .

ربي فأحسن تأديبي. ثم يقول ابن سعد (فما درى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ما يرد عليهما)(1) حتى أنزل الله تبارك وتعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(2). فهل يعقل أن يجعل الله سبحانه وتعالى نبيه في هكذا موقف؟ وهل يعقل أنَّ رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) خرج للنصارى من دون أن يعلم ماذا يقول لهم؟! إن هذا القول فيه إساءة للإسلام ولرسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) .

ولما رفضوا الدخول في الإسلام قال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم): إنْ أنكرتم ما أقول لكم فهلم أباهلكم، ثم يكمل ابن سعد قوله ((وأخذ بيد فاطمة والحسن والحسین وقال هؤلاء بني: فخلى أحدهما بالآخر فقال لا تلاعنه فإنَّه ان كان نبي فلا بقية قال فجاءا فقالا لاحاجة لنا في الإسلام ولا في ملاعنتك، فهل من ثالثة؟قال: نعم الجزية فأقرا بها ورجعا))(3).

يظهر من النص أعلاه خلوه من ذكر الإمام علي (علیه السلام) وكأن ابن سعد لم يقرا أية المباهلة قال تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)(4) فقد أكّد فخر الدين الرازي في تفسیره(5) ((أنَّ النبي خرج وعليه مرط(6) من شعر أسود وقد احتضن الحسین وأخذ بيد الحسن

وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفها وهو يقول: إذا دعوت فآمنوا فقال أسقف

ص: 273


1- ابن سعد، الطبقات، 6/ 407 .
2- سورة ال عمران، اية 59 .
3- ابن سعد، الطبقات، 6/ 407 .
4- سورة ال عمران، اية 61 .
5- 85/8.
6- كساء من خز أو صوف أو كتان يؤتزر به. ينظر: مصطفى،المعجم الوسيط، ص 864 .

نجران يامعشر النصارى إني لأرى وجوهًا لو سألوا الله أن تزيل جبلا لأزاله بها فلا تباهلوهم فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصارى إلى يوم القيامة)).

وأكد هذا الأمر الإمام علي (علیه السلام) في حديث المناشدة وبيان يوم المباهلة بقوله لهم: (أ فتقرون أنَّ رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) حین دعا أهل نجران إلى المباهلة أنَّه لم يأتِ الا بي وبصاحبتي وابنَي؟ قالوا نعم)(1).

خلاصة القول: إن ابن سعد أراد أن يخفي فضيلة للإمامِ علي (علیه السلام) وهذا ما تعودنا عليه فيما سبق ولعلَّ السبب في هذا التجني على الحقيقة، هو أنّ ابن سعد لم يجد فرصة لإقحام أي رمزٍ من الرموز التي ينتمي إليها في هذا الأمر الهام، ولم يستطع إنكار هذا الحدث فقام بتغيب الإمام علي (علیه السلام) عن ذلك.

رابعا: يوم الغدير سنة 10 ه-

لقد أغفل ابن سعد هذا الحدث المهم، وهو غدير خم، بل ذهب إلى أبعد من ذلك،فقد قام بحرف معنى الآية عن مسارها، إذ خالفه جملة من المفسرين(2) في تفسر آية (والله يعصمك من الناس) بأنها نزلت في حادثة الغدير، عندما نقل عن (عائشة قالت: كان النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يحرس حتى نزلت هذه الآية والله يعصمك من الناس قالت فاخرج رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) رأسه من القبه لهم فقال ايها الناس انصرفوا فقد عصمني الله من الناس)(3).

ص: 274


1- الكوفي، كتاب سليم بن قيس،ص 195 .
2- العياشي، تفسیر العياشي، 1/ 331. وينظر: القمي، تفسیر القمي، 1/ 171 ؛ الطبرسي، تفسیر جوامع الجامع، 1/ 517 ؛ المفيد، تفسیر القرآن المجيد، ص 184 ؛ الطوسي، التبيان في تفسیر القرآن، 1/ 384 ؛ الكوفي، تفسیر فرات الكوفي، ص 129 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 144 .

وهنا نقول يظهر من النص أنه حدث في المدينة، فممّن كان يخاف رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)حتى كان تحرسه الناس؟ فأين هؤلاء الناس منه في معركة أحد، فلماذا كسرت رباعيته وشج رأسه؟ وإذا كان خوف رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من اليهود أفلم يذهب الرسول إليهم بمفرده عندما نقض بنو قريظة العهد الذي كان بينه وبينهم؟، ثم ألم يصبح المسلمون قوة لا يستهان بها بعد معركة بدر؟ وأخیرًا يظهر النص أن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كان مختفيًا عن الناس قبل نزول هذه الآية: ألم يكن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يخالط الناس؟ حتى انه ذات يوم جاء رجل إلى المسجد فقال أيكم محمد؟(1).

ولعل السبب الأبرز في صرف ابن سعد هذه الحادثة عن مسارها هو الوضع السياسي آنذاك والذي لم يكن يسمح له أن يذكر تلك الحادثة في كتابه سيما أنه كان يجاري السلطة العباسية التي كانت تضطهد العلويین، والدليل على ذلك أنه أقر محنة خلق القرآن في عهد المامون العباسي(2).

والآن يمكن ذكر حادثة الغدير كما نقلها المؤرخون وهي لما انصرف رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من مكة بعد أداء مناسك الحج ومن معه من الناس مكث ثلاثة أيام حتى نزل الجحفة في مكان يقال له مهيعة(3) فنادى الصلاة جامعة(4).

وأخذ رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ينادي أيها الناس أجيبوا داعي الله أنا رسول الله، فأتى

ص: 275


1- ابن حنبل، مسند ابن حنبل، 3/ 168 .
2- باتون: ولتر. م، أحمد بن حنبل والمحنة، ترجمة عبد العزيز عبد الحق، مراجعة محمود محمود، ط 1، دار الهلال، د. مك، د. س،ص 91 - 110 .
3- وهي منطقة تابعة إلى الجحفة، وقيل إنها الجحفة نفسها كانت تسمى سابقا أيام العماليق بمهيعة، وقيل هي بالقرب من الجحفة. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 2/ 111؛ 5/ 235 .
4- ابن أبي شيبة، المصنف، 7/ 506 . وينظر: الطبراني، المعجم الكبير، 5/ 194 .

المسلمون مسرعین وكان الوقت شديد الحرارة، فكان رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) واضعًا بعض ثوبه على رأسه وبعضه على قدميه من شدة الحر، وأمرهم بتنظيف الأرض من الشوك والحجارة حتى أن أحدهم قال: ما الداعي لذلك العمل وهو يريد أن يرحل من ساعته، ثم أمرهم رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بأن يجمعوا احلاس(1) دوابهم وأثاث إبلهم وحقائبهم فارتقى عليها ثوبا ثم صعد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عليها، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إنه نزل علي عشية عرفة أمرا ضقت به ذرعا مخافة تكذيب أهل الإفك(2) حتى جاءني في هذا الموضع وعيد من ربي ان لم افعل إلا أني غیر هائب لقوم ولا محاب لقرابتي(3). قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)(4)

ص: 276


1- وهو الكساء الذي يوضع على ظهر البعیر، أو الكساء الذي يلي البرذعة. ينظر: الفراهيدي، كتاب العین، 3/ 142 ؛ ابن قتيبة الدينوري: أبو محمد عبد الله بن مسلم (ت 276 ه- / 889 م)، غريب الحديث، تح: دكتور عبد الله الجبوري، ط 1، دار الكتب العلمية – قم، 1408 ه-، 1/ 247 .
2- الافك: هو الكذب والبهتان وقول الزور، وهو الكذب الفاحش الفجيع مثل الكذب على الله و رسوله والقرآن مثل قذف المحصنة وغیر ذلك مما فحشَ قبحه وجاء في القرآن الكريم على هذا الوجه، قال تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ). ينظر: سورة الغاشية، اية 7؛ سورة النور، آية 351 ؛ الفراهيدي، كتاب العین،599/1 ؛ الجوهري: أبو نصر إسماعيل بن حماد (ت 400 ه- / 1009 م)،الصحاح، تح: أحمد عبد الغفور العطار، ط 4، دار العلم للملایين بیروت، 1407 ه-/ 1987 م، 4/ 1572 ، أبو هلال العسكري: الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد (ت 395 ه- / 1004 م)، معجم الفروق اللغوية، تح: مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، د.مكا، 1412 ه-،ص 450 .
3- العياشي، تفسير العياشي، 2/ 98 .
4- سورة المائدة، اية 67 .

ثم قال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ثلاثا: من أولى بكم من أنفسكم؟ وكانت الإجابة: الله ورسوله، وفي نصٍ آخر: ألستُ أولى بالمؤمنین من أنفسهم؟ قالوا: بلى، فأخذ بعضادة علي وأقامه إلى جنبه، ثم قال: هذا وليكم من بعدي، من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله(1). فأنزل الله سبحانه وتعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(2)

خامسا: سد الأبواب

عندما قدم المهاجرون إلى المدينة بنو حول مسجد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بيوتا وجعلوا لها أبوابا تؤدي إلى المسجد فأوحى الله تعالى إلى النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن يسد جميع الأبواب إلا بابه وباب علي(3).

الا إنَّ ابن سعد قال خلاف ذلك فقد روى عن أبي سعيد الخدري (قال خطب رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الناس فقال: إنَّ الله خیّر عبدا بین الدنيا وبین ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله قال فبكى أبو بكر قال: فقلت في نفسي ما يبكي هذا الشيخ أن يكون رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يخبرنا عن عبد خیر فاختار؟ قال وكان رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) هو المخیر وكان أبو بكر أعلمنا به قال فقال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يا أبا بكر لا تبك، أيها الناس إنّ امن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذا من الناس خليلا كان أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقین

ص: 277


1- الكوفي، مناقب الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام)، 442/1. وينظر: العياشي، تفسير العياشي، 1/ 332 .
2- سورة المائدة، الآية 3.
3- الترمذي، صحيح الترمذي، 2/ 301 . وينظر: ابن المغازلي، مناقب علي بن أبي طالب، 206 .

في المسجد باب الا باب أبي بكر)(1).

هنا نضع ملاحظات عدة حول النص اعلاه:

1- يظهر من النص أعلاه أن هذه الحادثة حدثت في الأيام الأخرة لرسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وهنا أتفق مع أحد الباحثین(2) بإنّ قول عمر بن الخطاب في مرض النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إنّ النبي ليهجر، لابد أن يحرج ابن سعد، لأنه يسقط أي تصرف لرسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عن درجة الصلاحية للاستدلال به. ولو كان رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قد أمر بسد الأبواب، إلا باب أبي بكر لما اضطر عمر بن الخطاب أن يقول على رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إنّه ليهجر أو غلبه وجع، كذلك لو أنَّ رسول الله قد سدّ الأبواب إلّا باب أبي بكر لاحتج أبو بكر على أهل السقيفة أو عمر.

2- إن ابن سعد هنا يخالف إجماع الرواة في أنَّ هذا الأمر مختص بالإمام علي (علیه السلام) فقد روى ثلاثون رجلا من الصحابة منهم سعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وابن أرقم، وجابر الأنصاري، وحذيفة، وأبو سعيد الخدري، ومعاذ بن جبل، وابن عمر، وأبو رافع، وأم سلمة، وبريدة، وذكره أبو نعيم في الحلية، وأبو يعلى في المسند، والخطيب في تاريخه، والطبري في خصائصه، وابن ميمونه في املائه، وشعبة في أماليه، والبيهقي والخركوشي في شرف النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، بأنه سدَّ الأبواب إلّا باب علي (علیه السلام)(3) .

3- أراد ابن سعد كما هو منهجه في نقل الروايات الخاصة بالإمام علي (علیه السلام) أن ينسب هذه الفضيلة أو المنقبة إلى غیره.

ص: 278


1- ابن سعد، الطبقات، 2/ 200 - 201 .
2- العاملي، الصحيح من سيرة الإمام علي (علیه السلام) 123/3.
3- البياضي، الصراط المستقيم، 3/ 227 .

وهنا سوف نذكر بعض النصوص التي تؤكد خلاف ما ذكره ابن سعد:

1- أمر النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بسد الأبواب إلّا باب علي، فتكلّم الناس في ذلك، فلمّا بلغ رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قولهم، قام وخطب فيهم فقال: أمّا بعد.. فاني أمرت بسد

الأبواب إلّا باب علي، وقال فيه قائلكم.. والله ما سددته ولا فتحته ولكني أمرت بشيئ فاتبعته(1).

2- عن عبدالله بن عمر قال: قال: عمر بن الخطاب: لقد أُعطِيَ علي بن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي خصلة منها أحب إلي من أعطي حمر النعم قيل: وما هن يا أمیر المؤمنین؟ قال: تزوجه فاطمة بنت رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، وسكناه المسجد مع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يحل له فيه ما يحل له، وأعطاه الراية يوم خيبر(2).

3- عن عبدالله بن الرقيم الكناني قال: خرجنا إلى المدينة زمن الجمل فلقينا سعد بن مالك بها فقال: أمر رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بسدِّ الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي(3).

4- عن الحارث بن مالك أتينا مكة فلقينا سعد بن أبي وقاص فقلت له:

ص: 279


1- ابن حنبل، مسند أحمد، 4/ 369 ؛ النسائي، السنن الكبرى، 5/ 118 ؛ الحاكم، المستدرك، 3/ 125 ؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق، 42 / 138 ؛ الذهبي، ميزان الاعتدال، 4/ 236 .
2- الحاكم النيسابوري، مسترك الحاكم، 3/ 125 . وينظر: الهيثمي، مجمع الزوائد، 9/ 121 ؛ الزرندي، نظم درر السمطين، 13 9 ؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق، 42 / 120 ؛ المتقي الهندي: علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين (ت 975 ه- / 1567 م)، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، صححه ووضع فهارسه: الشيخ بكري حياني، والشيخ صفوة السقا، ط 1، الناشر: مؤسسة الرسالة – بیروت، 1409 ه- / 1989 م، 13/ 116 .
3- ابن حنبل، مسند أحمد، 1/ 175 .وينظر: الهيثمي، مجمع الزوائد، 9/ 114 ؛ ابن حجر، فتح الباري، 12/7 ؛ العيني، عمدة القارى، 16 / 176 .

سمعت لعلي (علیه السلام) منقبة؟ قال: كنّا مع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في المسجد فروى فينا ليخرج من في المسجد إلا آل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وآل علي (علیه السلام) قال: فخرجنا فلمّا أصبح أتاه عمه فقال يا رسول الله أخرجت أصحابك وأعمامك، وأسكنت هذا الغلام، فقال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ((ما أنا أمرت بإخراجكم ولا بإسكان هذا الغلام، إنّ الله هو أمر به))(1).

سادسا: دور الإمام علي (علیه السلام) في أيام مرض رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)

اشارة

كان دور الإمام علي (علیه السلام) خلال الأيام الأخرة من حياة رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) دورا متميزًا وأخلاقيا، فقد قبل الإمام (علیه السلام) وصية النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) والتزام أسراره، وإنجاز عداته، وقضاء دينه، وفاضت روح النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وهو في حجر الإمام علي (علیه السلام) فهو (علیه السلام) آخر من رآه، وآخر من سمع وصاياه وتعليماته السماوية،كماكان رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أول من رأى عليا (علیه السلام) بعد والديه (عليهما السلام) يوم ولد في الكعبة، وهكذا استمرت العلاقة التاريخية بينهما مدة ثلاثة وثلاثین عاما(2).

فلما رجع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى المدينة بعد أداء مناسك الحج في السنة العاشرة للهجرة، دعا أسامة بن زيد، فقال: (سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل، فقد وليتك هذا الجيش فأغر صباحا إلى أهل أبنى(3). فتكلم قوم وقالوا يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولین! فغضب رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) غضبًا شديدًا فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس فما مقالة بلغتني

ص: 280


1- النسائي، خصائص أمير المؤمنين (ه-)، 74 - 75 والسنن الكبرى، 5/ 118 - 119 ..
2- الاعرجي: زهير،الصديق الاكبر – السیرة الذاتية للإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام)، ط 1، المطبعة العلمية، قم، 1421 ه-، ص 84 .
3- وهي ناحية في البلقاء من ارض السراة. ينظر، ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 170 .

عن بعضكم في تأمیري أسامة ولئن طعنتم في إمارة أسامة لقد طعنتم في إمارة أباه من قبله. فعسكر أسامة بالجرف(1) فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولین والأنصار إلا انتدب في تلك الحملة فيهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وقتادة بن النعمان وسلمة بن أسلم بن حريش)(2). هذا وأقام رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أياما فلم يمكث طويلا فاعتل أربعة عشر يوما(3).

ولما اشتد مرض رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وجعل يقول (أنفذوا جيش أسامة)(4). وإنما فعل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ذلك لئلا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في الإمامة ويطمع في الإمارة ويستوسق الأمر لأهله(5).

ثم إنّ ابن سعد ذكر قول أبي موهبة قائلا: قال لي رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من جوف الليل يا أبا موهبة إني قد أمرت أن استغفر لأهل البقيع فانطلق معي! فخرج وخرجت معه حتى جاء البقيع فاستغفر لأهله طويلا، ثم قال: (ليهنئكم ما اصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه! اقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا يتبع آخرها أولها الآخرة شرٌّ من الأولى! ثم قال: يا أبا موهبة إني أعطيت خزائن الدنيا والخلد ثم الجنة، فخیرت بین ذلك وبین لقاء ربي والجنة فقلت: بأبي

أنت وأمي فخذ خزائن الدنيا والخلد ثم الجنة، فقال: يا أبا موهبة قد اخرت

ص: 281


1- وهو موضع على بعد 5كم تقريبا من المدينة من جهة الشام، كانت فيه اموال لعمر بن الخطاب ولأهل المدينة، وفيه بئر جشم وبئر جمل. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 2/ 128 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 170 - 171 .
3- اليعقوبي، تاريخ، 2/ 113؛ المسعودي، مروج الذهب، 2/ 448 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 171 .
5- الطبرسي، اعلام الورى باعلام الهدى، 1/ 263 .

لقاء ربي والجنة! فلما انصرف ابتداه وجعه فقبضه الله (عزوجل))(1)

ثم إن ابن سعد نقل لنا رواية أظهر فيها مدى عداء عائشة زوج النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) للإمام (علیه السلام)، فعن الزهري عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة أن عائشة زوج النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قالت: لما ثقل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج بین رجلین تخط رجلاه في الأرض بین ابن عباس يعني الفضل وبین رجل آخر: قال عبيد الله فأخبرت ابن عباس بما قالت قال: فهل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة؟ قال: قلت لا: قال ابن عباس: هو علي! إن عائشة لا تطيب له نفسا بخیر(2).

هنا لماذا اختار بيت عائشة عن بقية نسائه؟ وهل هناك ميزة تميزت بها عن بقية النساء؟ ربما أراد الراوي أن يميز عائشة زوج النبي عن بقية نساء النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بهذا الفعل بأنها اقرب نسائه إليه، وبينت الرواية موقف عائشة زوج النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من أمیر المؤمنین (علیه السلام) عن طريق تعمدها عدم ذكر اسم الإمام (علیه السلام) .

وفي نص آخر لابن سعد عن أبي غطفان، قال: سألت ابن عباس أرأيت رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) توفي ورأسه في حجر أحد؟ قال: توفي وهو لمستند إلى صدر علي: قلت: فإن عروة حدثنا عن عائشة أنها قالت: توفي رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بین سحري ونحري! فقال ابن عباس: أتعقل؟ والله لتوفي رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وأنه لمستند إلى صدر علي وهو الذي غسّله وأخي الفضل بن عباس وأبى أبي أن يحضر وقال: إن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كان يأمرنا ان نستر فكان عند الستر(3).

ص: 282


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 182 و 5/ 101 - 102 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 205 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 230 - 231 .

ذكر هذه الحادثة ابن سعد أكثر من مرة ولكن بصيغ مختلفة، فمرة يقول ان عائشة قالت:(فقدت رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من الليل فتبعته فإذا هو في البقيع)(1)، وأخرى قالت عائشة (كان رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كلما كانت ليلتها من رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يخرج من آخر الليل إلى البقيع)(2)، وأخرى عن عائشة أيضا قالت (وثب رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من مضجعه من جوف الليل فقلت اين بأبي أنت وامي يا رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)؟ قال: أمرت أن استغفر لأهل البقيع قالت: فخرج رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وخرج معه مولاه أبو رافع)(3).

يظهر مما تقدم أن ابن سعد قد أجمع على أن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كان ذلك اليوم عند عائشة، ولكنه لم يثبت لنا من الشخص الذي ذهب مع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى البقيع هل هي عائشة أم أبو رافع أم أبو موهبة أم شخص آخر؟.

وإذا رجعنا إلى النصوص التي ذكرها ابن سعد فإنه يؤكد في نهاية كل نص خبر مرض رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الذي مات فيه، هذا يعني أن هذه الحادثة حدثت في أيام مرض رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فنقول: لماذا لم يأخذ معه الإمام عليًا (علیه السلام) إلى البقيع؟ ثم إن النص يصور لنا أن أبا موهبة كان على درجة من العلم بحيث كان يشیر على رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بأن يأخذ خزائن الدنيا والخلد ثم الجنة، هذا من جانب، ومن جانب آخر لو تتبعنا سند الرواية فإننا نرى أن من ضمن هذه السلسلة إسحاق بن يحيى بن طلحة إذ قال عنه ابن حبان: انه يخطىء ويهم، وقد أدخلناه في الضعفاء لما كان فيه من الإيهام ثم سبرت أخباره، وقال عنه بأنه رديء الحفظ

ص: 283


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 181 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 181 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 182 .

سيئ الفهم يخطىء ولا يعلم ويروي ولا يفهم(1). وقال عنه يحيى بن معین(2) بانه ضعيف، وضعفه ابن سعد بقوله: بأنه ليس بثابت الحديث عند مجاهد والمسيب بن دارم(3).

يظهر مما تقدم أن ابن سعد لم يكن موفقًا في نقل هذه الحادثة في حین نرى أن ما نقله الطبرسي(4) هو الأقرب إلى الواقع بقوله:(لما أحسَّ النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بالمرض الذي اعتراه، وذلك يوم السبت أو يوم الأحد لليال بقین من صفر أخذ بيد علي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وتبعه جماعة من أصحابه وتوجه إلى البقيع، ثم قال:(السلام عليكم أهل القبور ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها، ثم قال: إن جبرائيل (علیه السلام) كان يعرض علي القرآن كل سنة مرة وقد عرضه علي هذا العام مرتین؛ ولا أراه إلا لحضور أجلي، ثم قال: يا علي إني خیرت بن خزائن الدنيا والخلود فيها أو الجنة فاخرت لقاء ربي والجنة). ثم عاد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلى منزله معصوب الرأس(5).

ولما اشتد مرض رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) جاء بلال عند صلاة الصبح فنادى: الصلاة يرحمكم الله، فقال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يصلي بالناس بعضهم فإنني مشغول بنفسي(6). إلا أن ابن سعد ذكر خلاف ذلك، فعن الزهري عن حمزة بن عبدالله بن

ص: 284


1- ابن حبان، الثقات، 1/ 133 و 6/ 45 .
2- ابن معين، تاريخ ابن معين، 1/ 127 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 550 .
4- الطبرسي أعلام الورى بأعلام الهدى، 1/ 263 - 264 . وينظر: الراوندي، قصص الانبياء، ص 355 ؛ الأمین، اعيان الشيعة، 1/ 293 .
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 182 .
6- المفيد، الارشاد، 1/ 182

عمر قال): لما اشتد برسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وجعه قال ليصل بالناس أبو بكر: قالت له عائشة: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق كثیر البكاء حین يقرأ القرآن فمر عمر فليصل بالناس، فقال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ليصل بالناس أبو بكر فراجعته عائشة بمثل مقالتها فقال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم): ليصل بالناس أبو بكر انكن صواحب يوسف)(1).

هنا نضع ملاحظات عدّة على هذا النص:

1- لماذا أصرت عائشة على أن يصلي عمر بالناس؟ الجواب هو ما ذكرته عائشة عندما سؤلت عن ذلك فقالت: لقد راجعت رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في ذلك وما حملني على كثرة مراجعته، لأنه وقع في قلبي أن الناس لا يحبون الشخص الذي يقوم مقام رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وأن الناس يتشاءمون من ذلك الشخص فأردت أن يعدل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عن أبي إلى غیره(2).

وهنا نرى أن هذا التفسیر غیر منطقي وغیر واقعي، فكيف يرفض شخص أن تكون لأبيه هذه الفضيلة وهي أن ينوب عن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في صلاة المسلمين؟

ثم أليس من المفروض أن أبا بكر من ضمن جيش أسامة الذي نهى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عن التخلف عنه؟ فلماذا هو موجود في المدينة؟فهل من المعقول أن يكون رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قد كلّفه بمهمتین في وقت واحد؟.

ويمكن القول: إن هناك تفسیرًا واحدًا لا ثاني له هو إن أبا بكر قد تخلّف

ص: 285


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 192 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 192 .

عن جيش أسامة بهدف الحيلولة دون إكمال تنصيب الإمام علي (علیه السلام) لكنه لا يريد أن يعلم بذلك رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، ولعل سائلًا يسأل كيف عرف رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بذلك وهو طريح الفراش؟ الجواب: علم بذلك عندما رأى إصرار عائشة وحفصة على حضور أبويهما إلى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، وذلك عندما طلب رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن يحضر عنده الإمام علي (علیه السلام)، فعلم أنهما لم يذهبا في جيش أسامة فأراد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إن يتأكد من ذلك بإصراره على أن يصلي أبو بكر بالناس والذي لم يحدث(1).

2- يظهر من الرواية أنها وضعت قبال رواية ثانية لم تكن تتكلم عن أمر رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عن الصلاة بالناس، وإنما تتكلم عن قصة أخرى، فعن الأرقم بن شرحبيل قال: سافرت مع ابن عباس من المدينة إلى الشام، فسألته: أوصى النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)؟ فقال: إن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لما مرض مرضه الذي مات فيه كان في بيت عائشة، فقال: ادعوا لي عليا، فقالت: إلا ندعوا أبا بكر يا رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)؟ قال: ادعوه، ثم قالت حفصة: ألا ندعو عمر؟ قال: ادعوه، ثم قالت أم الفضل: ألا ندعو العباس عمك؟ قال: ادعوه، فلما حضروه رفع رأسه فلم يرَ عليا فسكت، ولم يتكلم، فقال عمر: قوموا عن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فلو كانت له إلينا حاجة ذكرها حتى فعل ذلك ثلاث مرات(2).

3- إذا توقفنا عند موضوع جيش أسامة فإنه يمكن القول: إن أبا بكر كان من الذين رفضوا أمر رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بتسيير جيش أسامة ومن ثم كيف يقوم

ص: 286


1- الهاشمي الخوئي: حبيب الله الهاشمي، (ت 1324 ه-)، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تح: سيد إبراهيم الميانجي، ط 4، المطبعة الإسلامية، طهران، د.س، 12 / 255 .
2- الطبراني، المعجم الكبير، 12 / 89 .

رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بتكليف أبي بكر بالصلاة وهو لا يطيع أوامر رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)(1) .

نستنتج من الرواية السابقة أنه قد أُريد منها أن تكون في قبال رواية أخرى ولعل الصيغة الأقرب للواقع ما ورد عن المفيد(2) بقوله: (إنه لما علم رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بتخلف أبا بكر وعمر عن جيش أسامة قام (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مبادرا من تقدم احد الرجلین وقد كان أمرهما (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بالخروج إلى أسامة، فلما سمع من عائشة وحفصة ما سمع علم أهما متأخران عن أمره، فبدر لكف الفتنة وإزالة الشبهة فقام (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وهو لا يستقل على الأرض من الضعف فأخذ بيده علي بن أبي طالب (علیه السلام) والفضل بن عباس فاعتمدهما ورجلاه تخطان الأرض من الضعف، فلما خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب فأومأ إليه بيده أن تأخر عنه، فتأخر أبو بكر وقام رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مقامه فكبر فابتدأ الصلاة التي كان قد ابتدأ بها أبو بكر ولم يبن على ما مضى من فعاله، فلما سلم انصرف إلى منزله واستدعى أبا بكر وعمر وجماعة ممن حضر المسجد من المسلمين، ثم قال: ألم آمركم أن تنفذوا جيش أسامة؟ قالوا بلى يا رسول الله قال: فلم تأخرتم عن أمري، فقال أبو بكر

إنني كنت خرجت ثم عدت لا جدد بك عهدا، وقال عمر يا رسول الله لم أخرج لأنني لم أحب أن أسأل عنك الركب، فقال النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فانفذوا جيش أسامة فانفذوا جيش أسامة يكررها ثلاثًا ثم اغمي عليه من التعب والأسى).

ثم إن ابن سعد ذكر نصًا آخر يظهر فيه مدى بغض عائشة زوج النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وعدائها للإمام علي (علیه السلام) عن طريق عدم ذكر اسم الإمام وهو يهتم برسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في مرضه لأنها أرادت أن تخفي فضيلة من فضائل الإمام (علیه السلام) وهي

ص: 287


1- طي: محمد،الإمام علي (علیه السلام) ومشكلة نظام الحكم، ط 1، الغدير، بيروت، 1997 م، ص 34 .
2- المفيد، الارشاد، 1/ 183 - 184 .

مدى قربه من رسول الله(صلی اللّه علیه و آله و سلم): فعن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة(1) أن عائشة زوج النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قالت لما ثقل رسول واشتد به وجعه استأذن أزواجه في أن يمرض في بيتي فأذن له فخرج بین رجلین تخط رجلاه في الأرض بین ابن عباس تعني الفضل وبین رجل آخر: قال عبيد الله فأخبرت ابن عباس با قالت قال: فهل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة؟ قال: قلت لا! قال ابن عباس: هو علي! ان عائشة لا تطيب له نفسا بخیر(2).

الإمام علي (علیه السلام) ووصية رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) :

قال تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)(3).

قال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) (من مات بلا وصيه مات ميتة جاهلية)(4).

وبناء على ما تقدم لا يمكن أن يفارق رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الدنيا من دون أن يوصي فيمن يخلفه؛ إذ كيف يأمر بشيء ثم يتركه بنفسه، أليس ترك الوصية يُعد مخالفة لما ذكره رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم.

ص: 288


1- هو أبو عبدالله عبيد الله بن عبد الله وهو من مشاهير الفقهاء وثقه ابن حجر في كتابه التقريب وقال عنه ابن سعد بانه ثقة كثیر الحديث والعلم والشعر روى عن عائشة وابن عباس والزهري وابي طلحة وسهل بن حنيف وابي سعيد الخدري، مات في المدين سنة اربع وتسعين وقيل ثمان وتسعين وقيل غیر ذلك: ينظر ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 246 ؛ وينظر الخوئي: السيد أبو القاسم الموسوي، معجم رجال الحديث، تح: لجنة التحقيق، ط 5، د. مكا، 1992 م، 12 / 82 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 205 .
3- سورة البقرة، الآية 180 .
4- الطوسي: أبو جعفر محمد بن الحسن(ت 460 ه- / 1067 م)، الرسائل العشر، د. تح، مؤسسة النشر الإسلامي،ص 317 .

إلا أن ابن سعد ذكر روايات تخالف مبدأ رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في ذلك، نذكر بعضها مع دراسة متن الرواية وسندها.

الرواية الأولى: عن الأسود قال: قيل لأم المؤمنین عائشة أكان رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أوصى إلى علي؟ قالت لقد كان رأسه (أي النبي) في حجري، فدعا بالطست فبال فيها فلقد انخنث(1) في حجري وما شعرت به فمتى أوصى إلى علي؟(2)

هنا نضع ملاحظات عدّة حول هذه الرواية:

1- ان هذه الرواية تعد من أقسى الروايات التي رويت بحق رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، فهي تصوره وكأنه إنسان من عوام الناس يكون في حجر امرأة، وأمام جمع من نسائه ومن المقربین منه، هنا يظهر أن الراوي نسي أن هذا الشخص هو رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الذي: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)(3).

2- إن الرواية تنفي الوصية بالخلافة وتحصرها وكأنها لاتصح إلا في الساعات الأخرة من حياة الإنسان، في حین أن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قد أوصى للإمام علي (علیه السلام) منذ بداية الدعوة الإسلامية في مكة في يوم الدار، عندما قال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) : ((من يؤازرني على ما أنا عليه ويجبني على أن يكون أخي وله الجنة؟ فقال الإمام علي: أنا يا رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)))(4) .

ص: 289


1- انثنى واسترخى. ينظر: أبو حبيب: سعدي، القاموس الفقهي، ط 2، دار الفكر، دمشق، 1988 م، ص 123 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 228 .
3- سورة النجم، الآيتان 3- 4.
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 158 ؛ وينظر: ابن عساكر، تاريخ دمشق، 42 / 46 ؛ الاميني، الغدير، 7/ 354 .

3- إن قول عائشة: إن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كان في حجرها، وانه طلب طستًا وبال فيه والعياذ بالله، وهنا أليس هناك اتفاق بین الباحثین على أن الإمام عليًا (علیه السلام) والعباس بن عبد المطلب كانا من الملازمین لرسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)؟! ثم ألم يكن في البيت أزواج النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وكانت ابنته فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) عند رأسه فكيف يحدث هذا المنظر أمام هؤلاء؟(1).

4- إن نفي الوصية من عائشة لم يكن نفيًا مطلقًا بسبب عدم ملازمتها لرسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) طيلة حياته أو على الأقل طيلة الفترة التي كان من الممكن أن تحصل فيها الوصية.

5- مهما كبر مقام عائشة لا يمكن أن تكون شاهدا في أمر يخص الإمام عليًا (علیه السلام)؛ بسبب العداء الذي تكنه للإمام (علیه السلام)، الذي يظهر عن طريق هذين الموقفین، الأول: إخفاؤها لاسم الإمام (علیه السلام) عندما استند إليه رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لما أراد الخروج إلى المسجد، فقد ذكرت الفضل ولم تذكر الإمام (علیه السلام) وقد أكده ابن عباس عندما قال: إن عائشة لا تطيب له نفسًا بخیر(2). والثاني: ما ظهر جليا في يوم الجمل وما حدث فيها من أحداث.

6- طلب عائشة من عبدالله بن عمر عندما جاء إليها يستأذنها لدفن أبيه إلى جانب رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وأبي بكر، أن يوصي أبوه لشخص يخلفه فقالت ((يا بني أبلغ عمر سلامي وقل له: لا تدع أمة محمد بلا راع استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملا فإني أخشى عليهم الفتنة))(3). فهل يعقل أن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كان أقل

ص: 290


1- النصر الله، شرح نهج البلاغة، 134 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 205 .
3- ابن قتيبة الدينوري: أبو محمد عبد الله بن مسلم (ت 276 ه- / 889 م)، الإمامة والسياسة، تح: طه محمد الزيني، مؤسسة الحلبي بيروت، (د. ت). ص 142 .

حرصا من أبي بكر وعائشة وعمر؟!.

7- إن الرواية قد رويت عن الأسود، وقد وردت شخصيات عدّة من الصحابة الأوائل بهذا الاسم، منهم: الأسود بن نرفل ابن خويلد بن أسد(1)، والأسود بن سلمة بن حجر بن وهب الأكرمین(2) والأسود بن قيس العبدي(3) والأسود بن يزيد بن قيس النخعي(4)، وهنا يمكن ترجيح الأسود بن يزيد؛ لأنه لو تتبعنا سند الرواية لوجدنا إبراهيم النخعي وابن عون وهما ممن يروون عن الأسود بن يزيد النخعي، وهي من الشخصيات المقربة من عائشة زوج النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بدليل قولها بحقه (ما بالعراق رجل أكرم عليَّ من الأسود)(5) وهذا لا يمكن أن يحتج به.

الرواية الثانية: عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال: (جاء العباس على النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في وجعه الذي توفي فيه، فقال علي بن أبي طالب: ماتريد؟ فقال العباس: أريد أن أسأل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن يستخلف منّا خليفة: فقال علي: لا تفعل!قال: ولمَ؟ قال: أخشى أن يقول لا فإذا ابتغينا ذلك من الناس قالوا أليس قد أبى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم))(6) .

هنا نضع ملاحظات عدّة على هذه الرواية من حيث متنها وسندها، فنقول:

ص: 291


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/ 113.
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 245 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 443 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 191 - 192 .
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 195 ؛ وينظر: الشافعي، كتاب الام، 7/ 210 ؛ المزي، تهذيب الكمال، 35 / 65 .
6- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 216 .

1- إن هذا الرواية تنفي الوصية لأي شخص سواء أكان الإمام علي (علیه السلام) أم أي شخص آخر، في حین وردت أحاديث وأخبار تدل على أن جميع الأنبياء عينوا لا نفسهم خلفاء من بعدهم ليكملوا ما بدؤوا به ليوصلوا أفكار هؤلاء الأنبياء إلى الناس، فهل خالف رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) سیرة من سبقه من الأنبياء وترك الأمة الإسلامية بلا قيادة؟ وقد ذكر الطوسي(1) حديث رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) القائل:((ما قبض الله نبيًا حتى أمره أن يوصي إلى أفضل عشرته من عصبته، وأمرني أن أوصي))... ان الذين يتهمون رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بعدم تعین الخليفة فأنهم ينسبون الجهل إلى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، بل يتهمونه بنقصان العقل وعدم الرشد وأنه لا يفهم أمور الحياة حاشا رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن يترك الأمة بلا خليفة وحاشا لله ان يترك دينه وأمة نبيه بلا قيادة معصومة وحكيمة(2).

2- إن الرواية تبین حرص العباس على من يخلف رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أكثر من حرص رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وحرص الإمام (علیه السلام) في حین أن المعمول به إذا أراد شخص أن يسافر فأنه يعین له من يبقى مكانه ليقوم مقامه، هذا بالنسبة إذا كان الشخص إنسانًا بسيطًا ومهماته بسيطة، فكيف برسول الله الذي أرسله الله سبحانه وتعالى إلى العالمین، وجعل دينه خاتم الأديان فهل يقبل العقل أن يفارق رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الدنيا من دون أن يضع له خليفة وهو يعلم أن أمته لم تكن على مستوى

ص: 292


1- الطوسي، الأمالي، 104 ؛ وينظر: عماد الدين الطبري: أبو جعفر محمد بن أبي القاسم بن محمد (ت 525 ه- / 1130 م)، بشارة المصطفى (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لشيعة المرتضى (علیه السلام)، تح: جواد القيومي الاصفهاني، ط 1، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي – قم المقدسة، 1420 ه- / 2000 م، ص 160 ؛ الأربلي، كشف الغمة في معرفة الأئمة، 2/ 5.
2- القزويني: محمد إبراهيم الموحد، الإمام علي (علیه السلام) خليفة رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، ط 1، دار الثقلین، بیروت، د. س، ص 36 - 37 .

من النضوج الفكري والديني فكيف يتركها تتنازع على الحكم من بعده من دون أن يعین لها قيادة؟.

3- الرواية تظهر الإمام عليًا (علیه السلام) وكأنه متخوف من سؤال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) حول من يستخلف بعد وفاته، وكأن الإمام (علیه السلام) لا يعلم بأنه وصي رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بنص حديث الدار، وحديث المنزلة، ويوم الغدير، وغيرها، وتظهره بأنه ضعيف الحجة أمام الناس ويخاف أن ترفضه الناس إذا تصدى للخلافة، وهنا ربما نسى الراوي أن الإمام عليًا (علیه السلام) عندما بويع للخلافة بايعه الناس مبايعة لم يبايع أحدا مثلها قط، فقد جاء إليه الناس بأعداد كبیرة لم يسبق لها مثيل، وأنها بايعته بمحض إرادتها.

4- أما سند الرواية: إنها رويت عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم، فهشام بن سعد ضعفه ابن حنبل(1)، والنسائي(2)، وابن معین(3)، وابن أبي حاتم(4)، والعقيلي(5)، وقال عنه ابن حبان(6)، بأنه كان ممن يقلب الأسانيد وهو لا يفهم، ويسند الموقوفات من حيث لا يعلم، فلما كثر مخالفته الاثبات فيما يروي عن الثقات بطل الاحتجاج به.

أما زيد بن أسلم: فانه مولى عمر بن الخطاب(7) ولا يمكن أن يحتج به؛ لأنه

ص: 293


1- العلل، 2/ 507 .
2- الضعفاء والمتروكين، ص 245 .
3- تاريخ ابن معين، 1/ 183 .
4- الجرح والتعديل، 9/ 61 .
5- الضعفاء، 4/ 341 .
6- المجروحين، 3/ 89 .
7- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 507 .

يعد من الطرف الآخر.

الرواية الثالثة: (عن ابن شهاب الزهري عن عبدالله بن كعب بن مالك، أن عبدالله بن عباس أخبره ان عليا خرج من عند رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في وجعه الذي توفي فيه، فقال الناس: يا أبا حسن كيف أصبح رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)؟ قال: اصبح بحمد الله بارئا! قال ابن عباس: فأخذ بيده العباس بن عبدالمطلب فقال: الا ترى؟ انت والله بعد ثلاث عبد العصا! إني والله لأرى أن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) سيتوفى في وجعه هذا اني اعرف وجوه بني عبدالمطلب عند الموت، فاذهب بنا إلى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فلنساله فيمن هذا الأمر من بعده فإن كان فينا علمنا ذلك، و‘ن كان في غيرنا كلمناه فاوصى بنا! فقال علي: والله لئن سالناها رسول الله فمنعناها لا يعطيناها الناس أبدا فو الله لا نسأله أبدا)(1).

يظهر أن الرواية تريد إعطاء العباس الدور الكبیر في مسألة الوصية وفي أثناء مرض رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، وأنه يعرف علامات الموت أكثر من الإمام (علیه السلام) وكأن الإمام (علیه السلام) شخص بسيط لا يعلم علامات الموت، وأرادت الرواية كذلك أن تتهم الإمام (علیه السلام) بأنه شخص يبطن خلاف ما يظهر، وأظهرته بأنه متخوف من سؤال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عند من يخلفه من بعده، وكأنه (علیه السلام) لا يعرف أنه الوصي بعد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، وكأنه أيضا نسي حديث يوم الدار، وحديث المنزلة، وحديث المباهلة وحديث يوم الغدير.

ويظهر من الرواية أيضا أنها ذات صناعة عباسية بامتياز لأنها من الأمور التي كانت تحتاجها في تدعيم حكمها؛ إذ ((إن العباسيين قد تزلفوا لأصحاب الأقام والقراء وغيرهم من أجل نيل رضاهم وعطفهم فقدموا لهم خدمة كبیرة جدا

ص: 294


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 216 .

وهي وضع رواية جديدة ومحرفه أو معدله لتاريخ السیرة النبوية بما له علاقة بالعباس بن عبد المطلب وأثره في حياة النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وبعد وفاته ومن ثم جعلوه يحصل على مكانة سامية تليق به عند ذكره وتترك أثرها الواضح لأن يكون بنو العباس أصحاب حق شرعي يقصي أصحاب الحق الشرعیين))(1).

هذا بالنسبة للروايات التي تنفي حدوث الوصية، أما الروايات التي تتكلم عن حدوث الوصية سنذكر بعضها:

الرواية الأولى: عن نعيم بن يزيد قال أخبرنا علي بن أبي طالب: أن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لما ثقل قال: يا علي ائتني بطبق أكتب فيه ما لا تضل امتي بعدي قال: فخشيت أن تسبقني نفسه فقلت: أني أحفظ ذراعا من الصحيفة، قال: فكان راسه بین ذراعي وعضدي فجعل يوصي بالصلاة والزكاة وما ملكت إيمانكم، قال كذلك حتى فاضت نفسه وأمر بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله حتى فاضت نفسه من شهد بها حرم على النار(2).

هذه الرواية وعلى الرغم من تأكيدها بأن الإمام عليًا (علیه السلام) هو من كان ملازما لرسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في مرضه، وهو القائم على خدمته تلك الفترة، وإن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مات ورأسه بین ذراعه وعضده، لكن أخفت أمر الوصية أو نقلتها منقوصة وغیر كاملة، لأنه من غیر الممكن أن يطلب رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من الإمام علي (علیه السلام) طبقًا وهو في اللحظات الأخرة من حياته الشريفة ليكتب به وصية تخص الصلاة والزكاة والشهادة ويوصي بملك اليمین، في حین أن هذه

ص: 295


1- ناجي: عبدالجبار، نقد الرواية التاريخية – عصر الرسالة انموذجا، ط 1، دار المحجة البيضاء، بیروت، 2011 ، ص 43 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 214 .

الأمور تم التطرق لها والتأكيد عليها في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، ويترك أمرًا مهما وهو من يتولى قيادة الأمة من بعده. ورسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يعلم أن أمته سوف تختلف من بعده بدليل عندما طلب منهم أن يأتوا بصحيفة ليكتب فيها لأمته كتابا لا يَضلون ولا يُضلون فحدث في البيت لغط وكلام، وتكلم عمر بن الخطاب فرفضه رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)(1). والدليل الآخر هو ماذكره رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عندما خرج للاستغفار لأهل البقيع وقال: ((أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا يتبع أخرها أولها الآخرة شر من الأولى))(2).

ثم إن ابن سعد خالفه في ذلك المؤرخون حول الوصية، فقد نقل الطوسي في أماليه(3) قول رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في مرضه الذي قبض فيه يقول وقد امتلأت الحجرة من أصحابه: أيها الناس يوشك أن اقبض قبضا سريعا فينطلق بي وقد قدمت إليكم القول معذرة إليكم الا اني مخلف فيكم كتاب الله (عز وجل) وعترتي أهل بيتي ثم أخذ بيد علي (علیه السلام) فرفعها فقال: هذا علي مع القرآن والقرآن مع علي خليفتان يصیران لا يفترقان حتى يردا علي الحوض فأسالهما ماذا خلفت فيها.

ثم هل يعقل أن يأمر رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الإمام عليًا (علیه السلام) باحضار طبق ليكتب فيه ما لا تضل امته بعده والإمام (علیه السلام) لا يمتثل خشية ان تسبقه نفس النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، وهل سبق له (علیه السلام) ان خالف اوامر رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)؟ ثم ان الرواية تبین ان رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وكأنه مات مرتین مرة عندما اوصى بالصلاة

ص: 296


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 214 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 182 .
3- 479.

والزكاة وما ملكت ايمانكم ومرة أخرى عندما أمر بشهادة أن لا اله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله، فكيف يحدث هكذا أمر؟

أما سند الرواية فقد نقلت عن نعيم بن يزيد، فقد قال عنه الذهبي وابن حجر(1): انه مجهول.

الرواية الثانية:

عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس قال: (لما حضرت رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الوفاة وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب فقال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) : هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده! فقال عمر: إن رسول الله قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ومنهم من يقول ما قال عمر فلما كثر اللغط والاختلاف وغموا رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال: قوموا عني! فقال عبيد الله بن عبد الله فكان ابن عباس يقول: الرزية كل الرزية ما حال بین رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وبین ان يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم)(2).

يظهر مما تقدم أن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أراد أن يكتب كتابا يضمن للأمة استقامتها على طريق الحق ويحفظها من الانحراف عن دين الله إلى قيام الساعة إلا أن عمر بن الخطاب حال من دون ذلك؛ لأنه كره هذه الخطوة أشد الكراهية بقوله أن رسول

ص: 297


1- الذهبي: أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد (ت 748 ه- / 13 48 م)، المغني في الضعفاء، تح: أبي الزهراء حازم القاضي، ط 1، دار الكتب العلمية بیروت لبنان، 1418 / 1997 م، 2/ 464 ؛ ميزان الاعتدال، 4/ 271 ؛ ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب، 2/ 251 ؛ لسان الميزان، 7 /413 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 215 .

الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) (غلب عليه الوجع)، وفي نصوص أخرى ذكرها ابن سعد (إنما يهجر رسول الله)(1) دون أن يذكر من قالها ونستدل بقول ثالث نقله ابن سعد على أن عمر بن الخطاب هو من قال ذلك بقوله: (تكلم عمر بن الخطاب قال فرفضه النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم))(2) .

وتعد كلمة (يهجر) من أقسى الكلمات بحق رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) والتي تعني ان رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قد ارتفعت درجة حرارته فأصبح لا يفهم ماذا يقول ويتكلم هذيانا (حاشاه من ذلك) فلا يعتد بقوله، فنقول ألم يقل الله بحقه: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى،إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)(3).

وهنا اتفق مع احد الباحثین إذ يرى: ان الرواة قد تصرفوا في النص الذي ذكروه عن عمر عند رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فنقلوه بالمعنى لان لفظه الثابت (ان النبي يهجر) لكنهم ذكروا انه قال: ان النبي (قد غلب عليه الوجع) تهذيبا للعبارة واتقاء فظاعتها ويدل على ذلك ما أخرجه أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتابه السقيفة بالإسناد إلى ابن عباس فقال عمر كلمة معناها ان الوجع قد غلب على رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، ونراه صريحا بانهم انما نقلوا معارضة عمر بالمعنى لا يعین لفظه. وبذلك على هذا ايضا ان المحدثین حيث لم يصرحوا باسم المعارض يومئذ نقلوا المعارضة بعین لفظها قال: البخاري(4) ((فقالوا هجر رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قال (صلی اللّه علیه و آله و سلم) دعوني فالذي انا فيه خیر مما تدعوني)(5).

ص: 298


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 214 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 213 .
3- سورة النجم، 3،4 .
4- البخاري، صحيح البخاري، 4/ 31.
5- شرف الدين:: عبدالحسن الموسوي، (ت 1377 ه-)،النص والاجتهاد، تح: وتعليق: أبو مجتبى، ط 1، مطبعة سيد الشهداء (علیه السلام)، قم، 1404 ه-،ص 150 .

ثم ان عمر بن الخطاب لم يكتنفِ بما قاله على رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ولم يعبء بكل ما قاله فنراه لم يدخر جهدا في سبيل الحيلولة دون كتابه ذلك الكتاب فأخذ يقول: (حسبنا كتاب الله)، وهنا نقول: هل يستطيع شخص أن يكتفي بالقرآن فقط؟ فاذا كان الجواب نعم، لماذا يقول رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) (إني تارك فيكم الثقلین كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا)(1). وهنا نرى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قد استخدم أداة النفي لن، التي تنفي حصول الضلاله إلى الابد.

ثم لماذا يقول في يوم الغدير: ((معاشر الناس: تدبروا القرآن وافهموا آياته وانظروا في محكماته ولا تتبعوا متشابهه فوالله لن يبین لكم زواجره ولا يوضح لكم تفسیره إلا الذي أنا آخذ بيده ومصعده إلي وشائل بعضده))(2).

فلم يكتف عمر بن الخطاب بما قاله وفعله فنراه يتجاسر على النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ويحدث خلافًا ونزاعًا في حضرة رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مما أدى إلى كثرة اللغط والاختلاف، في حین أن القرآن يحذرنا من أن نرفع أصواتنا على صوت النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)

ص: 299


1- الطبراني، المعجم الاوسط، 3/ 374 و 4/ 33؛ المعجم الصغیر، 1/ 131؛ البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسن علي (ت 458 ه- / 1065 م) شعب الايمان، تح: أبي هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول / تقديم: دكتور عبد الغفار سليمان البنداري، ط 1، دار الكتب العلمية بیروت، 1410 ه-/ 1990 م، 2/ 327 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 375 .
2- ابن الفتال النيسابوري: أبو علي محمد بن الحسن بن علي (ت 508 ه- / 1114 م)، روضة الواعظين، وضع المقدمة: السيد محمد مهدي السيد حسن الخراساني، منشورات الشريف الرضي – قم المقدسة، د. ت،ص 94 ؛ الطبرسي، الاحتجاج، 1/ 75 ؛ ابن طاووس الحلي: رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى (ت 664 ه-/ 1265 م)، إقبال الاعمال، تح: جواد القيومي الاصفهاني،ط 1، مكتب الاعلام الإسلامي، د.مكا، 1414 ه-، 2/ 246 ؛ التحصین، تح: محمد الأنصاري، ط 1، مطبعة نمونة قم المقدسة، 1413 ه-،ص 583 ؛ اليقین، تح: محمد الأنصاري، ط 1، نمونه، قم، 1413 ه-، ص 351 .

قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3))(1). ثم أن هذا العمل يعد مخالفة صريحة للقرآن الكريم، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)(2) فما كان من رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بعد الذي جرى إلا أن يقوم بطردهم من حضرته(3).

وفي نص آخر يظهر استمرار المعارضة والحيلولة من دون تدوين النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لذلك الكتاب ((فقال النسوة: ائتوا رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بحاجته. قال عمر: فقلت اسكتن فأنكن صواحبه إذا مرض عصرتن أعينكن وإذا صح أخذتن بعنقه! فقال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم): هن خیر منكم))(4).

وهنا نقول لماذا قال (خیر منكم) بلغة الجمع في حین أن المتكلم هو شخص واحد هو عمر فنقول: هناك احتمالان:

الاحتمال الأول: إن الراوي أراد أن يخفف عما فعله عمر بحيث صور رد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كان على جماعة وليس على عمر وحده.

الاحتمال الثاني: هو أن عمر كان قائدًا لهذه المجموعة المعارضة لما كان يريد

ص: 300


1- الحجرات،اية 2- 3.
2- سورة الاحزاب، ايه 36 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 215 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 214 .

رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أن يفعله، وهذا أقرب إلى الواقع.

وأخیرا إن الفعل الذي قام به عمر ومن معه للحيلولة من دون أن يكتب رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) هذا الكتاب كان سببا في ضياع الأمة وإلى اختلافها وتقسيمها إلى فئات متناحرة بعد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، والدليل على ذلك هو بكاء ابن عباس وقوله (الرزية كل الرزية ما حال بن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وبین أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم)(1).

ثم إن ابن سعد ذكر تحت عنوان من (قضى دين رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وعداته) نصا عن جابر قال: (قضى علي بن أبي طالب دين رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وقضى أبو بكر عداته)(2).

يظهر من النص أنه كان على رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) دين قام الإمام علي (علیه السلام) بتأديته عنه بعد وفاته، وهل كان على رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) دين حتى يقوم الإمام (علیه السلام) بتأديته؟ الجواب كلا بدليل:

ألم يقل جبريل: يا أحمد!هذا ملك الموت يستأذن عليك ولم يستأذن على آدمي كان قبلك ولا يستأذن على آدمي بعدك، قال: ائذن له فدخل ملك الموت فوقف بین يدي رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقال: يا رسول الله يا أحمد إن الله أرسلني اليك وامرني أن أطيعك في كل ما تأمرني، إن امرتني أن أقبض نفسك قبضتها، وإن أمرتني أن أتركها تركتها! قال: وتفعل يا ملك الموت؟ قال: بذلك أمرت أن أطيعك في كل ما أمرتني! فقال جبريل: يا أحمد! إن الله قد اشتاق إليك!...)(3) وقال رسول الله

ص: 301


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 215 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 277 .
3- ابن سعد، الطبقات الکبرى، 2/ 227 . وينظر: ابن الجوزي، المنتظم، 4/ 38 ؛ ابن سيد الناس: فتح الدين محمد بن محمد الشافعي (ت 734 ه- / 133 2 م)، السیرة النبوية (عيون الأثر)،ط 2، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر بیروت، 1406 ه-/ 1986 م، 2/ 432 ؛ الحنفي: محمد بن أحمد المكي الحنفي (ت 854 ه- /)، تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام والمدينة الشريفة والقبر الشريف، تح: علاء إبراهيم الأزهري أيمن نصر الأزهري، ط 1، دار الكتب العلمية بیروت 1418 / 1997 م، ص 9 ؛ الصالحي: محمد بن يوسف الشامي (ت 942 ه- / 1535 م)، سبل الهدى والرشاد، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، ط 1، دار الكتب العلمية – بیروت، 1414 ه-/ 1993 م، 12 / 294 .

(صلی اللّه علیه و آله و سلم) عندما قرب أجله (إنه لا يموت نبي حتى يخیر بین الدنيا والآخرة)(1) إذا كان يعلم بأنه قرب أجله فكيف يموت وهو عليه دين وهو الذي لم تسترح حتى وزع ما عنده من دنانیر، فعن عائشة: إن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أصاب ذات يوم دنانیر فقسمها وبقي منها ستة فسأل عنها في مرضه الذي مات فيه ما فعلتم بها؟ قالوا دفعتها إلى فلانة! قال ائتوني بها فقسم منها خمسة في خمسة أبيات من الأنصار ثم قال: استنفقوا هذا الباقي وقال الآن استرحت!فرقد(2).

ما ذكرت الروايات من أن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) صعد المنبر في مرضه الذي مات فيه، فقال: ((معاشر الناس قد حان مني خفوق من بین اظهركم فمن كان له عندي عدة فليأتني أعطه أياها ومن كان له علي دين فليخبرني به(3) فقام رجل

ص: 302


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 202 . وينظر:البخاري، صحيح البخاري، 5/ 138 ؛ ابن حبان: أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي البستي (ت 354 ه- / 965 م)،صحيح ابن حبان، تح: شعيب الأرنؤوط،ط 2، مؤسسة الرسالة بيروت، 1414 ه-/ 1993 م، 14 / 556 ؛ النويري: شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب (ت 733 ه- / 13 46 م)،نهاية الإرب في فنون الأدب، مطابع كوستاتسوماس وشركاه، الناشر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، مؤسسة المصرية للتأليف والترجمة والطباعة والنشر – القاهرة، د. ت، 18 / 382 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 209 .
3- المفيد، الارشاد، 1/ 182 . وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 10 / 183 .

فقال يا رسول الله ان لي عندك عدة اني تزوجت فوعدتني ان تعطني ثلاثة اواقي فقال (صلی اللّه علیه و آله و سلم) انحلها إياه يا فضل(1).

ما ذكره ابن سعد فعن عبد الواحد بن أبي عون: إن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لما توفي أمر علي صائحا يصيح من كان له عند رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عدة أو دين فلياتني فكان يبعث كل عام عند العقبة يوم النحر من يصيح بذلك حتى توفي علي(2).

الرواية الثالثة:

عن سليمان بن أبي مسلم سمع سعيد بن جبیر قال: قال ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس! قال: اشتد برسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وجعه في ذلك اليوم فقال ائتوني بدواة وصحيفة اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده ابدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا: ما شانه، اهجر؟ استفهموه! فذهبوا يعيدون عليه فقال: دعوني فالذي انا فيه خیر مما تدعونني إليه واوصى بثلاث، قال: أخرجوا المشركین من جزيرة العرب واجيزوا الوفد بنحو مما كنت اجيزهم وسكت عن الثالثة فلا أدري قالها فنسيتها أو سكت عنها عمدا(3).

سابعا: دور الإمام علي (علیه السلام) عند وفاة رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) :

اشارة

لما ثقل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وحضره الموت قال لأمیر المؤمنین (علیه السلام): أن ضع رأسي يا علي في حجرك فقد جاء أمر الله عز وجل فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك ثم وجهني إلى القبلة وتول أمري وصلِ أول الناس ولا تفارقني

ص: 303


1- الطبرسي، أعلام الورى بأعلام الهدى، 1/ 264 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 277 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 213 .

حتى توارني في رمسي واستعن بالله عز وجل(1).

فأخذ أمیر المؤمنین (علیه السلام) رأس رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ووضعه في حجره(2)، فلما رأت السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) ذلك أخذت تبكي على أبيها، فطلب رسول

الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) منها أن تدنو منه فناجاها فبكت، ثم ناجاها ثانية فضحكت، فسألتها عائشة عن ذلك فقالت لها: إن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) اخبرني انه سوف تقبض روحه فبكيت ثم اخبرني اني أول اهله لحاقا به فضحكت(3).

وفي نص آخر عن أم سلمة زوج النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قالت: (لما حضر رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) دعا فاطمة فناجاها فبكت ثم ناجاها فضحكت فلم أسألها حتى توفي رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فسألت فاطمة عن بكائها وضحكها فقالت اخرني (صلی اللّه علیه و آله و سلم) انه يموت ثم اخبرني أني سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم بنت عمران فلذلك ضحكت)(4).

إلا أن ابن سعد ذكر لنا نصوصًا أخر خلاف ما تقدم، فعن عروة بن الزبیر عن عائشة قالت: توفي رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بین سحري ونحري(5). ولرد هذا الادعاء نقول: ما هي الفضيلة أو الميزة التي تميزت بها عائشة عن أهل البيت بحيث يكون رأس رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في نحرها وسحرها؟ فلماذا لم يكن في حجر ابنته فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) أو إحدى زوجاته، حيث إن المعروف أن أزواج النبي واهل بيته كلهم كانوا متواجدين عند احتضار رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم). ثم ان المؤرخین لم يذكروا لنا أن الإمام عليًا (علیه السلام) غاب عن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في الأوقات الأخیرة من حياته إلا مرة واحدة

ص: 304


1- المفيد، الارشاد، 1/ 186 ؛ ابن شهر اشوب، مناقب ال أبي طالب، 1/ 203 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 230 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 217 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 218 .
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 229 و 230 .

وطلبه رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، اذ قال: ((ادعوا لي أخي وصاحبي فقالت عائشة ادعوا له أبا بكر فدعي فدخل عليه فقعد عند راسه فلما فتح عينه نظر إليه واعرض عنه بوجهه فقام أبو بكر،وقال لو كان له إلي حاجة لافضى بها الي فلما خرج عاد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) القول ثانية وقال (ادعوا لي أخي وصاحبي) فقالت حفصة ادعوا له عمر فدعي فلما حضر رآه النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فأعرض عنه فانصرف ثم قال (صلی اللّه علیه و آله و سلم) (ادعوا لي اخي وصاحبي) فقالت أم سلمه ادعوا له عليا فانه لا يريد غیره..))(1).

ثم إن هذه الرواية قد رد عليها ابن سعد من حيث لا يشعر برواية أخرى (عن أبي غطفان، قال: سألت ابن عباس أرايت رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) توفي وراسه في حجر احد؟ قال: توفي وهو مستند إلى صدر علي: قلت فإن عروة حدثني عن عائشة أنها قالت توفي رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بین سحري ونحري! فقال ابن عباس: اتعقل؟ والله لتوفي رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وانه لمستند إلى صدر علي..)(2)

ثم إن عائشة قالت: ما علمنا بدفن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) حتى سمعنا صوت المساحي(3). فهل يعقل أن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) توفي وهو في حجر عائشة ثم هي لا تعلم ساعة دفنه.

أثبت النص أن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) كان عند وفاته مستندا إلى صدر أمیر المؤمنین (علیه السلام) لكن عروة بن الزبیر أراد أن يتفرد في نقل هذا الخبر ويستغل قربه من عائشة زوج النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وحرّف هذه الرواية عن مسارها، ثم إن عروة هذا كان من ضمن اللجنة التي وضعها معاوية بن أبي سفيان لكتابة التاريخ الذي كان اذا ذكر

ص: 305


1- المفيد، الارشاد، 1/ 186 ؛ الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى، 1/ 267 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 230 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 265 .

الإمام علي (علیه السلام) تاخده الرعدة ويسبه ويضرب إحدى يديه بالاخرى، ويقول: وما يغني أنه لم يخالف إلى ما نهي عنه، وقد أراق من دماء المسلمين ما أراق!(1).

خلاصة القول: نقل ابن سعد(2) قول: أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال: (مات رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وكان رأسه بین ذراعي وعضدي). إن النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مات وهو في حجر أمیر المؤمنین (علیه السلام) وقد أكد ذلك ابن سعد نفسه بقوله: عن الشعبي: قال: توفي

رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ورأسه في حجر علي(3).

والذي يدفعنا إلى ترجيح هذا الأمر هو أن الرواية التي تقول خلاف ذلك، إذ رويت عن عروة بن الزبیر، الذي أراد عن طريق ذلك ان يتفرد في نقل هذا الخبر عن طريق استغلال قربه من عائشة زوج النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وقام بتحريف هذه الرواية عن مسارها، ولأنه شخصية متهمة بمعاداتها لأمیر المؤمنین علي (علیه السلام) ولذلك اعتبره ابن أبي الحديد شخصية منحرفة عن الإمام علي (علیه السلام)(4).

دور الإمام علي (علیه السلام) في تغسيل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) :

أورد ابن سعد وتحت عنوان: (ذكر غسل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وتسمية من غسله) إحدى وعشرين رواية وبأسانيد مختلفة تؤكد أن الإمام عليًا (علیه السلام) هو من غسل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، ولكنه اختلف في من شارك الإمام (علیه السلام) في ذلك وفي الكيفية التي قام الإمام (علیه السلام) في تغسيل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم).

فذكر ابن سعد: غسل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) علي بن أبي طالب والفضل بن عباس

ص: 306


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 4/ 69 .
2- الطبقات، الكبير 2/ 214 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 230 .
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 4/ 64 .

وأسامة بن زيد، وكان علي يغسله ويقول بأبي أنت وأمي طبت ميتا وحيا. وكان الإمام علي (علیه السلام) يغسل النبي والفضل وأسامة يحجبانه(1).

وهنا يتفق ابن سعد مع ما ذكره سليم بن قيس الهلالي(2) إذ قال: (لما قبض رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) اوصى عليا (علیه السلام) أن لا يلي غسله غیره وأنه لا ينبغي لأحد أن يرى عورة رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلا ذهب بصره). كذلك يتفق مع ما نقله ابن سعد في نص اخر(قال علي (علیه السلام): أوصى النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الا يغسله احد غیري فانه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه قال علي (علیه السلام) فكان الفضل وأسامة يناولاني الماء من وراء الستر وهما معصوبا العین قال الإمام علي (علیه السلام) فما تناولت عضوا إلا كأنا يقلبه معي ثلاثون رجلا حتى فرغت من غسله)(3).

يظهر أن الإمام (علیه السلام) قد أعانته الملائكة في تغسيل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ويؤكد هذا الأمر ما ورد في وصية النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) للإمام علي (علیه السلام) عندما استفهم الإمام عن من يعينه على ذلك فقال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم): جبرائيل (علیه السلام)، فكان الإمام (علیه السلام) لا يريد عضوا إلا قلب (4).

ص: 307


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 241 .
2- سليم بن قيس، كتاب سليم، ص 23 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 242 .؛ وينظر: الطبري (الأمامي): أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم (من أعلام القرن 4ه- / القرن 10 م )،المسترشد في امامة أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب (علیه السلام)، تح: الشيخ المحمودي، ط 1، مطبعة سلمان الفارسي – قم المقدسة، 1415 ه-، ص 336 ؛ ابن شهر اشوب، مناقب ال أبي طالب، 1/ 205 ؛ ابن كثیر، البداية والنهاية، 5/ 282 ؛ المقريزي، امتاع الاسماع، 14 / 574 ؛ السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 ه- / 1505 م)، كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب (الخصائص الكبرى)، طبع في حيدر آباد الدكن الهند، 13 20 ،ص 276 ؛ المتقي الهندي،كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ص 7/ 250 .
4- سليم بن قيس، كتاب سليم، 23 و 30 .

إذن لم يكن مع الإمام في تغسيل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) سوى الملائكة بدليل أنهم لو شاركوا لطمست أعينهم.

ثم إن هناك فريقًا آخر يقول: إن حجة عدم مشاركة الإمام (علیه السلام) في تغسيل النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لا تصمد كثیرًا، بحجة أن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قد غسل بقميصه الذي مات فيه فمن غیر الممكن رؤية عورة رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) .

فنقول: إن هذه الحجة لا تصمد ايضا أمام التحليل والنقد فلو رجعنا إلى الروايات التي تقول: إن الرسول غسل بقميصه فقد أورد ابن سعد تسع روايات عن ذلك، سبع منها مرسلة فكانت الأولى عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام)، والثانية عن مالك بن انس والثالثة عن الشعبي(1) والرابعة عن غيلان بن جرير والخامسة عن الحكم بن عنية والسادسة عن منصور والسابعة عن المغیرة.

أما متن الرواية فإن جميع الروايات تؤكد أن عدم تجريد النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عن ثيابه مستندة في ذلك على ما سمعوه من نداء أو صوت، فقد اتفقت الروايات بأن الذين ارادوا غسل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، لما أرادوا خلع قميصه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) سمعوا صوتا يمنعهم من ذلك وقد اختلفت العبارات بین الروايات ففي رواية ابن الحكم (لاتعروا نبيكم) وفي رواية مالك (لا تنزعوا القميص) وفي رواية الشعبي (لا تخلعوا القميص) وفي رواية غيلان بن جرير (لا تجردوا رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)) وفي رواية منصور بن المعتمر (انهم نودوا من جانب البيت إلا تنزعوا القميص).

هنا نقول: إن الروايات لم تبین طبيعة هذا النداء أو الصوت فهل كان مصدره بشريًا أم غیر بشري؟ فلو كان بشريًا لماذا لم تذكر الأشخاص الذين طلبوا ذلك،

ص: 308


1- هو أبا عمرو عامر بن شرحبيل قال عنه السيد التفرشي وهو مذموم عندنا. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكرى، 8/ 365 - 366 ؛ التفرشي،نقد الرجال، 3/ 10 .

والمعلوم ان حدثًا مهماً مثل هذا سوف يعلم به الناس.

أما إذا كان المصدر غیر بشري فكيف سمع هؤلاء هذا النداء والمعلوم أن الوحي انقطع بموت رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بدليل قول الإمام علي (علیه السلام) (انقطع بموتك مالم ينقطع بموت أحد ممن سواك...)(1).

ثم إن هذا القول لا يمكن قبوله ما دام أن المتولي لعملية الغسل كلها هو الإمام علي (علیه السلام) وبقية الصحابة كانوا منشغلين في السقيفة، ولم يكن الإمام (علیه السلام) بحاجة إلى نداء لأنه هو باب مدينة علم رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فكيف يجهل ما يجب عليه فعله ليحتاج إلى رأي غیره وقد ابلغه النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) جميع احكام الشريعة لانه وصيه وهو حافظ دينه وبالتمسك به يحصل الامن من الضلال(2).

ثم لو تنزلنا وقلنا بإمكان سماع هذا الصوت حتى وان كان غیر بشري بدليل ان حدثًا مثل هذا فإنها تسمى معجزة فيما إذا كان المتلقي النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وتسمى كرامة اذا كان المتلقي شخصًا غیر النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم). فهنا نقول هل كان احد من الموجودين ما عدا أمیر المؤمنین (علیه السلام) مؤهلاً لهذا الامر؟.

وأخیرا نقول: إن المقصود بالعورة هو جسد النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بدليل قول العباس:

(لم يمنعني أن أحضر غسله إلا أني كنت أراه يستحي أن أراه حاسرا)(3). اما العورة الحقيقية فإنه لا يستطيع أن يراها حتى الإمام (علیه السلام) فعن سعيد بن المسيب قال (التمس علي من النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) عند غسله ما يلتمس من الميت فلم يجد شيئا فقال:

ص: 309


1- المفيد، الأمالي، 102 .وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 13/ 24 .
2- العاملي، الصحيح من سيرة الإمام علي (علیه السلام)، 25/9 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 243 .

بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا)(1).

إذن مما تقدم نقول إن من قام بغسل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) هو الإمام علي (علیه السلام) لكن ابن سعد لم يتمكن من تثبيت الأشخاص الذين شاركوا في ذلك فذكر لنا العباس بن عبد المطلب فهو مستبعد من المشاركة لقوله (لم يمنعني أن أحضر غسله إلا أني كنت أراه يستحي أن أراه حاسرا)، والفضل بن عباس(2)، وصالح(3)، وأوس بن خولي(4)، وأسامه بن زيد، وقثم بن العباس(5).

ثم إن ابن سعد نقل لنا رواية يحاول عن طريقها الإيحاء إلى القارئ بعدم معرفة الإمام (علیه السلام) لعملية التغسيل ((فعن عبد الواحد ابن أبي عون قال: قال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لعلي بن أبي طالب في مرضه الذي توفي فيه: اغسلني ياعلي اذا مت! فقال: يا رسول الله ما غسلت ميتا قط! فقال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم): إنك ستهيأ أو تيسر. قال علي: فغسلته فما أخذ عضوا إلا تبعني، والفضل أخذ بحضنه يقول:

ص: 310


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 245 .
2- هو الفضل بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي، شهد مع النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) حنينا وحجة الوداع، توفي سنه 13ه-. ينظر ابن عبد البر، الاستيعاب، 3/ 1269 .
3- هو الذي كان غلام النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فأعتقه وشهد بدرًا وهو مملوك فاستعمله النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على الأسرى، مات أيام عمر بن الخطاب. ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 120 - 121 .
4- ابن عبدالله بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم الحلبي الخزرجي الأنصاري شهد بدرًا وأحدًا والخندق والمشاهد كلها مات في المدينة أيام عثمان بن عفان وكان أحد من حضروا تغسيل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مع الإمام علي (علیه السلام). ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 502 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 117 .
5- هو بن عبدالمطلب بن هاشم ابن عم النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وله حجة، وقال عبدالله بن العباس بأنه آخر من خرج من لحد النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) استعمله الإمام علي (علیه السلام) على مكة فما زال عليها حتى قتل الإمام علي (علیه السلام) مات أيام معاوية بن أبي سفيان في سمرقند. ينظر: الذهبي، سیر أعلام النبلاء،441/3-440 .

أعجل يا علي انقطع ظهري))(1).

إن هذا النص يظهر الإمام (علیه السلام) لا يعرف كيفية التغسيل، بقوله: (ما غسلت ميتا قط)،فنقول ألم ينقل لنا ابن سعد ان الإمام عليًا (علیه السلام) هو من قام بتغسيل والده أبي طالب (علیه السلام) بأمر من رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فعن أمیر المؤمنین علي (علیه السلام) قال (اخبرت رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بموت أبي طالب فبكى ثم قال: اذهب فاغسله وكفنه وواره...)(2).

ثم إن الرواية تعد من الروايات المرسلة لأنها رويت عن عبد الواحد ابن أبي عون الذي يعد من الطبقة الخامسة من التابعین من أهل المدينة(3)، وقال عنه ابن حبان يخطى(4).

دور الإمام علي (علیه السلام) في تكفين وتحنيط رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) :

بعد أن فرغ الإمام علي (علیه السلام) من تغسيل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قام بتكفین رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقد ذكر ابن سعد روايات عديدة مختلفة في كيفية تكفین رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلا أنه لم يتطرق إلى اسم الشخص الذي كفن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وهذا هو منهجه مع أمیر المؤمنین (علیه السلام) .

((فعن ابن شهاب أن علي بن حسین أخبره قال: كفن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في ثلاثة أثواب إحدها برد حبرة))(5). وهذا القول أكدته روايات أهل البيت (علیهم السلام)(6) .

ص: 311


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 244 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 1/ 101 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 523 .
4- ابن حبان، الثقات، 7/ 123 .
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 248 .
6- ابن بابوية القمي، فقه الإمام الرضا (علیه السلام)، تح: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لاحياء التراث، ط 1، المؤتمر العالمي للإمام الرضا (علیه السلام)، مشهد، 1406 ه-، ص 183 ؛ الكليني: أبو جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الرازي (ت 329 ه- / 939 م). الكافي، تح: علي أكبر الغفاري، ط 3، دار الكتب العلمية – طهران، 1388 ه-، 1968 م، 1/ 400 ؛ الطوسي، تهذيب الأحكام، 1/ 291 .

اما تحنيط رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم). فعن عوف بن الحسن قال: (إن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)حنط وعن هارون بن سعد كان عند علي مسك فأوصى أن يحنط به قال وقال: علي هو فضل حنوط رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم))(1)

دور الإمام علي (علیه السلام) في الصلاة على رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ودفنه

بعد أن أتم الإمام علي (علیه السلام) مراسيم تغسيل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وتحنيطه وتكفينه لم يبق سوى الصلاة عليه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ودفنه.

فذكر ابن سعد روايات عدّة لم يذكر فيها تفاصيل الصلاة، وإنما كان يتحدث بشكل عام فقال: (لما توفي رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وضع على سريره فكان الناس يدخلون عليه زمرا زمرا يصلون عليه ويخرجون ولم يؤمهم أحد)(2). وفي نص آخر (صلى الناس أفذاذا لا يؤمهم أحد)(3)وفي نص آخر ((فكان الناس يصلون عليه رفقا رفقا ولا يؤمهم عليه أحد دخل الرجال فصلوا عليه ثم النساء))(4)

ثم إنه ذكر نصا آخر يتحدث فيه عن دخول أبي بكر وعمر بن الخطاب للصلاة على النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، فعن محمد بن عمر عن موسى بن محمد بن ابراهيم بن الحارث التيمي قال: ((وجدت هذا في صحيفة بخط أبي فيها: لما كفن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ووضع على سريره دخل أبو بكر وعمر فقالا: السلام عليك ايها النبي

ص: 312


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 251 . وينظر:
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 251 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 252 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 252 .

ورحمة الله وبركاته! ومعهما نفرمن المهاجرين والأنصار قدر ما يسع البيت فسلموا كما سلم أبو بكر وعمر وصفوا صفوفا لا يؤمهم عليه أحد فقال أبو بكر وعمر وهما في الصف الأول حيال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم): اللهم إنّا نشهد أن قد بلغ ما أنزل إليه ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلماته فآمن به وحده لا شريك له فاجعلنا يا إلهنا ممن يتبع القول الذي أنزل معه واجمع بيننا وبينه حتى يعرفنا ونعرفه فانه كان بالمؤمنین رؤوفا رحيما لا نبتغي بالايمان بدلا ولا نشتري به ثمنا أبدا فيقول الناس: آمن آمن! ثم يخرجون ويدخل آخرون حتى صلوا عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان فلما فرغوا من الصلاة تكلموا في موضع قبره))(1)

وفيما يمكن ملاحظته على الرواية السابقة:

إن هذه الرواية جاءت مقابل رواية أخرى أوردها ابن سعد عن علي (علیه السلام) قال فيها: ((إنه لما وضع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على السرير قال علي: لا يؤم أحد هو إمامكم حيا وميتا! فكان يدخل الناس رسلا رسلا فيصلون عليه صفا صفا ليس لهم إمام ويكبرون وعلي قائم بحيال رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يقول: سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته! اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزل إليه ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتى اعز الله دينه وتمت كلمته! اللهم فاجعلنا ممن يتبع ما انزل الله وثبتنا بعده واجمع بيننا وبينه! فيقول الناس: آمین آمین حتى صلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان))(2).

يظهر مما تقدم أن الذي كان يلقن الناس هو الإمام علي بن أبي طالب، وكان قائماً بجنب رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ولم يكن لأبي بكر وعمر مكان في ذلك.

ص: 313


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 253 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 254 .

عن الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) قال:((لما اخذنا في جهاز رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) أغلقنا الباب دون الناس جميعا فنادت الأنصار نحن أخواله ومكاننا من الإسلام مكاننا ونادت قريش نحن عصبته فصاح أبو بكر يامعشر المسلمين كل قوم أحق بجنازتهم من غيرهم فننشدكم الله فإنكم إن دخلتم أخرتموهم عنه، والله لا يدخل عليه أحد إلا من دعي))(1)

يظهر مما تقدم أنه لم يشترك في تجهيز رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) سوى بني هاشم ولم يكن أبو بكر أو غیره قد شارك في ذلك وإنما كانوا خارج الدار.

وفي هذه الظروف ورسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لم يفرغ من تجهيزه والصلاة عليه اتى إلى أبي بكر وعمر خبر، يقول: ((إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة قد انحازوا إليه فإن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا الناس قبل أن يتفاقم أمرهم ورسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في بيته لم يفرغ من أمره، قد أغلق دونه الباب أهله))(2).

لكن لم توضح لنا الرواية السابقة من هذا الشخص؟ ولماذا جاء إلى أبي بكر من دون الناس؟ كل هذه الأسئلة أجاب عليها ابن أبي الحديد(3) قال: ((وقد كان مالأ أبا بكر وعمر على نقض أمر سعد بن عبادة وإفساد حاله رجلان من الأنصار ممن شهد بدرا وهما عويم بن ساعده ومعن بن عدي...)).

ومما يؤكد هذا الأمر هو طلب العباس بن عبد المطلب احضار من يحفر قبر النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ولحده، ((فعن ابن عباس قال: لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله

ص: 314


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 242 .
2- المحب الطبري، الرياض النضرة، 1/ 235 .
3- شرح نهج البلاغة، 6/ 19 .

(صلی اللّه علیه و آله و سلم) كان بالمدينة رجلان أبو عبيده بن الجراح يضرح حفر أهل مكة وكان أبو طلحة الأنصاري(1) هو الذي يحفر لأهل المدينة، وكان يلحد فدعا العباس رجلین فقال لاحدهما: اذهب إلى أبي عبيدة وقال للآخر: اذهب إلى أبي طلحة اللهم خر لرسولك فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة فجاء به فالحد له))(2). فلماذا لم يحضر أبو عبيدة؟ ويحظى بهذا الشرف العظيم في الدنيا والآخرة، ثم أين كان هو ذلك الوقت وأهل المدينة كلهم منشغلون بخبر وفاة رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ومراسيم دفنه؟ يجيب على هذا التساؤل ابن حبان(3)، حین ينقل قول عمر بن الخطاب: ((فبينا نحن في منزل رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إذ رجل ينادي من وراء الجدار أخرج إلي يابن الخطاب فقلت إليك عني فإنا مشاغيل عنك فقال إنه قد حدث أمر لا بد منك فيه إن الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة فأدركوهم قبل أن يحدثوا أمرا فيكون بينكم وبينهم فيه حرب فقلت لأبي بكر هلم بنا إلى إخوتنا هؤلاء من الأنصار فانطلقنا نؤمهم فلقينا أبو عبيدة بن الجراح فاخذ أبو بكر بيده فمشى بيني وبينه)).

ويجيبنا أيضا ابن أبي شيبة(4)، قال عمر: ((فقمت وقام أبو بكر وأبو عبيد بن الجراح نحوهم فزعین أن يحدثوا في الإسلام فتقا)).

يتضح مما تقدم عدم مشاركة أبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجراح في مراسيم

ص: 315


1- هو أبو طلحة الأنصاري زيد بن سهل بن الأسود، شهد العقبة وبدرا وما بعدها من المشاهد مع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، كان يحفر القبور لاهل المدينة. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 298 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 4/ 1697 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 260 .
3- صحيح ابن حبان، 2/ 155 . وينظر: ابن عساكر، تاريخ دمشق، 3/ 282 .
4- المصنف، 8/ 571 .

الصلاة على النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، وذلك لأن هؤلاء تركوا تجهيز النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وذهبوا إلى السقيفة بدليل قول عمر بن الخطاب: ((لما كان اليوم الذي توفي فيه رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بويع لأبي بكر في ذلك اليوم))(1)، والمعلوم أن هذة البيعة جرت في سقيفة بني ساعدة عندما تركا تجهيز رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، فلما بويع أبو بكر أقبلت الجماعة التي بايعته تزفه زفا إلى مسجد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فلما كان آخر النهار افترقوا إلى منازلهم(2). ولم ترد روايات بعودة أبي بكر وعمر بن الخطاب إلى مراسيم الصلاة والدفن بعد ذلك ويؤكد هذا الأمر رواية الزهري قال: ((توفي رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) حین زاغت الشمس يوم الاثنین فشغل الناس عن دفنه بشبان الأنصار لم يدفن حتى كانت العتمة ولم يله إلا أقاربه ولقد سمعت بنو غنم صريف المساحي حین حفر لرسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وأنهم لفي بيوتهم))(3).

خلاصة القول: ان الإمام علي هو أول من صلى على النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ثم تبعه الناس في الصلاة بدليل ان الإمام عليًا (علیه السلام) كان بجانب رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وكان الناس يصلون صفوفا ليس لهم أمام ويكبرون والإمام (علیه السلام) يقول: سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزل إليه ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته! اللهم فاجعلنا ممن يتبع ما انزل الله إليه وثبتنا بعده واجمع بيننا وبينه وكان الناس يؤمِنوا على ما يقول الإمام علي (علیه السلام)، فلو لم يصلِّ الإمام (علیه السلام) وحده على رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لكان من ضمن الصفوف التي كانت تصلِّ ولم يكن بجنب النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) .

ص: 316


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 274 .
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 19 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 265 .
حفر قبر رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)

ذكر ابن سعد روايات عدّة حول هذا الأمر منها بأن المسلمين كانوا مختلفین في مكان دفن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، فمنهم من يقول: (عند المنبر، وقال قائل منهم: حيث كان يصلي)(1)، وقال آخرون (يدفن بالبقيع)، وفي نهاية كل رواية يذكر الراوي رأي أبي بكر بأن يدفن في المكان الذي قبض فيه فذكر ابن سعد رواية عن عكرمة عن ابن عباس قال: (لما فرغ من جهاز رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يوم الثلاثاء وضع على السرير في بيته وكان المسلمون قد اختلفوا في دفنه فقال قائل: ادفنوه في مسجده، وقال قائل: ادفنوه مع أصحابه بالبقيع، قال أبو بكر: سمعت رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يقول: ما مات نبي إلا دفن حيث يقبض: فرفع فراش النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الذي توفي عليه ثم حفر له تحته)(2).

وهنا نضع ملاحظات عدّة:

1- إن هذه الرواية أرادت أن تظهر وجود أبي بكر في عملية دفن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في حین أنه كان منشغلا بالبيعة والسقيفة كما مر سابقا.

2- قول أبي بكر بأنه (سمع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يقول ما مات نبي إلا دفن حيث يقبض) إذا كان رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يتحدث إلى الناس فلماذا لم يذكر ذلك غیر أبي بكر؟ يظهر أن الراوي أراد أن يظهر رجوع أبي بكر من السقيفة وحضوره مراسيم دفن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في حین لم ترد رواية تؤكد رجعته من السقيفة.

3- ويؤكد ما قلنا رواية الزهري قال: (توفي رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) حین زاغت

ص: 317


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 255 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 255 .

الشمس يوم الاثنین فشغل الناس عن دفنه بشبان الأنصار فلم يدفن حتى كانت العتمة ولم يله إلا أقاربه ولقد سمعت بنو غنم صريف المساحي حین حفر لرسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وإنهم لفى بيوتهم)(1). الذي يظهر في ذلك أن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) دفن يوم وفاته (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وفي وقت العتمة وانشغال الناس عن دفنه بشبان الأنصار وهي كناية عن السقيفة وذلك لتغطية على من حضر السقيفة وترك مراسيم دفن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) .

4- أما سند الرواية فهي عن عكرمة: وهو أبو عبدالله مولى ابن عباس قال عنه ابن سعد(2) إنه كان يأخذ العطايا من الأمراء وذلك لقوله ((إنا لا نقبل إلا من الأمراء)) وقال عنه أيضا إنه كثیر الحديث والعلم بحرا من البحور وليس يحتج بحديثه ويتكلم الناس فيه.

واتهمه سعيد بن المسيب بالكذب حيث قال لمولى له يقال له برد لا تكذب علي كما يكذب عكرمة على ابن عباس@3(3). وضعفه العقيلي(4) إذ قال عنه يحيى بن سعيد كان كذابا. وقال عنه الذهبي(5) إنه من الخوارج وكذبه مجاهد وابن سیرين ومالك، وقال طاووس لو أن عبد ابن عباس اتقى الله وكفّ من حديثه لشدت إليه المطايا.وعده ابن أبي الحديد(6) من المنحرفین عن الإمام علي (علیه السلام) .

ص: 318


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 265 .وينظر: ابن عبد البر، التمهيد، 24 / 396 .
2- الطبقات الكبرى، 7/ 286 - 288 .
3- ابن حنبل، العلل، 2/ 71 .
4- الضعفاء، 3/ 373 .
5- الذهبي، المغني في الضعفاء، 2/ 67 ؛ ميزان الاعتدال، 3/ 94 .
6- شرح نهج البلاغة، 4/ 101 .

المبحث الثاني : موقف الإمام علي (علیه السلام) من نظام الحكم حتى خلافته

أولاً : السقيفة:

لما توفي رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة فأتاهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح(1) . وكان ذلك يوم قبض رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يوم الاثنین لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة 11 ه-(2) وتركوا رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من دون تجهيز ولا دفن وهذا ما أكدته رواية أبي ذؤيب الهذلي(3) الذي قال: (قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجاج إذا أهلوا الاحرام فقلت: مه؟ قالوا: قبض رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فجئت إلى المسجد فوجدته خاليا فأتيت

ص: 319


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 166
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 169 - 170.
3- هو خويلد بن خالد بن المحرث بن زبيد بن مخزوم بن حاصلة، أسلم أيام رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ولم يراه، كان شاعرا، عاش في البادية ثم اتى إلى المدينة بعد أن رأى في المنام ان رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قد قبض فلما وصل إلى المسجد لم يجد أحدًا فذهب إلى بيت النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فقيل له: ان رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) مسجى وقد خلا به اهله فقال: أين الناس؟ فقيل في سقيفة بني ساعدة قال: فاتيت إلى السقيفة فوجدت أبا بكر وعمر وابا عبيدة بن الجراح وسالما وجماعة من قريش ورأيت الأنصار فيهم سعد بن عبادة وشعراؤهم كعب بن مالك وحسان بن ثابت، ثم رجع أبو ذؤيب إلى البادية فأقام فيها وتوفي في أيام خلافة عثمان بن عفان دفنه ابن الزبیر وقيل مات في مصر لما رجع من غزوة أفريقيا. ينظر: ابن الأثیر، اسعد الغابة، 5/ 188 .

بيت رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) فأصبت بابه مرتجا وقيل هو مسجى وقد خلا به اهله فقلت اين الناس؟ فقيل في سقيفة بني ساعدة صاروا إلى الأنصار)(1).

إلا أن ابن سعد أغفل سبب تركهم رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من دون تجهيز ودفن وبعد اجتماعهم قالوا ان رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قد قبض، فقال سعد بن عبادة لابنه قيس أو لبعض بنيه إني لا استطيع أن أسمع الناس كلامي لمرضي ولكن تلقى مني قولي فاسمعهم ثم تكلم سعد فذكر سابقة الأنصار وفضلهم وظهور الدين على أيديهم وعدم استجابة قوم رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) له إلا القليل وإنهم لم يستطيعوا منعه وحمايته إلى ان ساق الله ذلك الفضل للأنصار ودانت العرب بأسيافهم ومات رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وهو عنهم راض، وقال: فشدوا أيديكم بهذا الأمر فأجابوا جميعا ((أن قد وفقت في الراي واصبت القول ولن نعدو ما رأيت توليك هذا الأمر فانك فينا مقنع ولصالح المؤمنین رضى))(2)

يظهر مما تقدم أن سعد بن عبادة أكد على دور الأنصار في الدفاع عن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وعن الإسلام وأكد ان المهاجرين لم يكونوا قادرين على حماية الإسلام ونبيه (صلی اللّه علیه و آله و سلم) .

ثم إنهم ترادوا الكلام بينهم فقالوا: إن أبت مهاجرة قريش، فقالوا نحن

ص: 320


1- ابن عبد البر، الاستيعاب، 4/ 1649 ؛ ابن حمدون: أبو المعالي محمد بن الحسن بن محمد بن علي(ت 562 ه- / 1167 م)، التذكرة الحمدونية، تح: احسان عباس وبكر عباس، ط 1، دار صادر – بیروت، 199 م، 8/ 29 ؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق، 17 / 54 - 55 .
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2/ 456 . وينظر: الجوهري: أبو بكر أحمد بن عبد العزيز البصري (ت 323 ه- / 946 م)، السقيفة وفدك، تحقيق وتقديم وجمع: الشيخ محمد هادي الأميني، ط 1، مطبعة شركة الكتبي للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت، 1413 ه- 1993 م، ص 57 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 6

المهاجرون وأصحاب رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) الأولون ونحن عشیرته وأولياؤه فعلام

تنازعوننا هذا الأمر بعده؟ فقالت طائفة منهم فإنا نقول إذا منا أمیر ومنكم أمیر ولن نرضى من بدون هذا الأمر أدا(1)، ان لنا في الإيواء والنصرة مالهم في الهجرة ولنا في كتاب الله مالهم فليسوا يعدون شيئا إلا ونعد مثله وليس من رأينا الاستئثار عليهم فمنا أمیر ومنهم أمیر(2)، فقال سعد بن عبادة هذا أول الوهن(3).

وجاء الخبر عمر بن الخطاب بعد ان انسل اليهم معن بن عدي واتى عمر واخبره بما يحدث في السقيفة(4)، ولا نعرف سبب تصرف معن بن عدي هذا سوى انه يكن العداء لسعد بن عبادة وانه على علاقة طيبة بأبي بكر وعمر بن الخطاب كما أكد ذلك ابن أبي الحديد(5)، فأخذ بيد عمر وقال له قم فقال عمر: اني عنك مشغول فقال: انه لابد من قيام فقام معه فقال له: ان هذا الحي من الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة معهم سعد بن عبادة يدورون حوله ويقولون: انت المرجى وابنك المرجى وثم اناس من اشرافهم وقد خشيت الفتنة فانظر ياعمر ماذا ترى واذكر لإخوتك من المهاجرين واختاروا لأنفسكم فإني انظر إلى باب الفتنة قد فتح الساعة إلا أن يغلقه الله(6).

ص: 321


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2/ 456 .
2- الجوهري، السقيفة وفدك، 57 . وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 6.
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2/ 456 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 6.
4- الجوهري، السقيفة وفدك، 57 - 58 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 6؛ الطبراني، المعجم الكبیر، 7/ 57 .
5- شرح نهج البلاغة، 6/ 19 .
6- الجوهري، السقيفة وفدك، 57 - 58 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 6- 7.

وهنا اتفق مع أحد الباحثين(1) من أنه الملاحظ على ما تقدم:

ان معنا يشیر إلى ان الأنصار قالوا لسعد: انت المرجى وابنك المرجى وهذه اشارة إلى الخوف من استمرار الحكم في أسرة سعد بن عبادة لأن سعدا وابنه قيسا بن سعد كليهما شخصيتان متميزتان عند الأنصار.

ان معنا وهو من الأنصار يعتبر وصول الأنصار للحكم بمثابة فتنة؟!.

يشیر معن على عمر ((فانظر يا عمر ماذا ترى واذكر لا خوتك من المهاجرين واختاروا لأنفسكم فاني انظر إلى باب الفتنة قد فتح الساعة إلا أن يغلقه الله)) فنجد معنا متعاطفا بشكل كبیر مع المهاجرين ويحث عمرًا على ان يكون له موقف تجاه الأنصار.

فهل هذا الموقف من معن يعد تنافسا من قبل الأنصار لسعد بن عبادة؟ أو ان معنًا يعد الطابور الخامس لأبي بكر وأصحابه؟ أم ماذا؟

فلما أتاهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح قالوا: نحن المهاجرون ونحن عشرته وأولياؤه، فقام الحباب بن المنذر وكان بدريا، فقال منا أمیر ومنكم أمیر فإنا والله ما ننفس هذا الأمر عليكم أيها الرهط ولكنّا نخاف أن يليها أو قال يليه أقوام قتلنا آباءهم وإخوانهم(2).فما كان من وفد المهاجرين إلا أن يرفضوا هذا الأمر حتى نودي على سعد بن عبادة ((اقتلوا سعدا قتله الله انه منافق صاحب

ص: 322


1- النصر الله: جواد كاظم، مصادرة الحق السياسي والاقتصادي لاهل البيت (علیهم السلام) – دراسة في مرويات الجوهري البصري من علماء الجمهور، ط 1، دار الكفيل، 2014 م، ص 217 - 218
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 167 . وينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 1/ 580 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 210 .

فتنه))(1). واخذ قيس بن سعد بلحية آخر قائلا: ((والله لو خفضت منه شعره ما رجعت وفيك جارحة))(2)، وانقض الحباب بن المنذر سيفه على أبي بكر قائلا (والله لا يرد علي أحد ما أقول إلا حطمت انفه)(3).

يظهر مما تقدم ان المجتمعین أرادوا ان يصوروا للناس بأن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لم يوص لاحد بالخلافة ولم يكن مهتما بهذا الأمر مثل اهتمامهم بذلك ولم يتخذ أي اجراء ولم يتخذ أي نظام. وهنا نسأل أليست الشريعة أو الرسالة التي جاء بها رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) هي الخاتمة؟ فاذا حصل أي تحريف أو تلاعب فيها من الذي يقوم بتصحيحها؟ اذن يجب ان يكون لرسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وصي كما حدث للانبياء السابقين.

ثم إن ابن سعد أراد أيضا أن يصور لنا أن مبايعة أبي بكر بالخلافة حدثت بشكل طبيعي وبإجماع المسلمين، وأن رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لم يوص بأحد من بعده.

وبعد ما حدث من تهديد ووعيد بین وفد المهاجرين والأنصار واستطاع المهاجرون من جعل الكفة بصالحهم وذلك بسبب ميول بعض الأنصار إلى جانب المهاجرين فبويع أبو بكر. وكان أول من بايع من الناس بشیر بن سعد أبو

ص: 323


1- ابن ميثم، شرح نهج البلاغة، 2/ 185 .
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 210 .
3- ابن حنبل، مسند أحمد، 1/ 56 .

النعمان(1) لأنه كان يحسد سعدا أن يصل إليه هذا الأمر(2).

ثانيًا: موقف الإمام علي (علیه السلام) من خلافة أبي بكر

بعد أن تمت البيعة لأبي بكر في السقيفة خرجوا إلى المسجد لإكمال البيعة مع الآخرين وقد وصف هذا الخروج البراء بن عازب(3) قائلا: ((وإذا أنا بابي بكر قد أقبل ومعه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلا خبطوه وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه شاء ذلك أو أبى))(4).

وفي نص اخر ((إن عمرًا كان يومئذ محتجزا يهرول بین يدي أبي بكر ويقول الا ان الناس قد بايعوا أبا بكر وأخذوا يزفون أبا بكر إلى مسجد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) لتكون بيعته على نطاق اوسع(5).

وبعد أن دخل أبو بكر إلى مسجد رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) قام وصعد المنبر وخطب

ص: 324


1- هو أبو النعمان بشیر بن سعد بن ثعلبة الأنصاري، شهد العقبة وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها، كان إلى جانب أبي بكر يوم السقيفة وحاسدا لسعد بن عبادة، قتل مع خالد بن الوليد في عین تمر في أيام خلافة أبي بكر. ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 172 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 9.
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 210 .
3- هو أبو عمارة وقيل أبو الطفيل البراء بن عازب بن الحارث الأنصاري الحارثي رده رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) يوم بدر لصغر سنه وشهد أحدًا وقيل الخندق وفتح تستر، نزل الكوفة من أبرز أعماله فتح بلاد الري سنة 24 ه-، عده المؤرخون من أصحاب الإمام علي (علیه السلام) وشهد معه الجمل وصفین والنهروان توفي في الكوفة سنة 71 أو 72 . ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5/ 282 - 286 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 155 .
4- الجوهري، السقيفة وفدك، 48 - 49 . وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1/ 219 .
5- الجوهري، السقيفة وفدك، 52 . وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2/ 56 .

خطبة قال فيها: ((أما بعد فإني وليتكم ولست بخيركم ولكنه نزل القرآن وسنت السنن وعلمنا فتعلمنا أن أكيس الكيس التقى وأحمق الحمق الفجور وأقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له الحق وأضعفكم عندي القوي حتى اخذ منه الحق ايها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع إذا أحسنت فأعينوني واذا زغت فقوموني))(1) حدث هذا كله والإمام علي (علیه السلام) وبنو هاشم لم يعلموا بذلك لأنهم كانوا منشغلين مع مصيبة وداع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) .

فانطلق البراء بن عازب يضرب باب بني هاشم قائلا: قد بايع الناس أبا بكر بن أبي قحافة قال العباس قد تربت(2) أيديكم إلى آخر الدهر(3). ولما علم الإمام علي (علیه السلام) بما حدث في السقيفة رفض البيعة لأبي بكر إيمانا بأحقيته في الخلافة(4).

ولما كان اليوم الثاني من وفاة رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) اصطف مع الإمام علي (علیه السلام) بنو هاشم جميعا ومعهم طائفة من المهاجرين والأنصار اعتقادا منهم بحق الإمام علي (علیه السلام) في الخلافة.

وبعد رفض الإمام علي (علیه السلام) بيعة أبي بكر أخذ يعمل على استعادة حقه عن طريق المطالبة به فتوجه نحو الأنصار فذكر ابن قتيبة(5) أن عليا (علیه السلام) خرج يحمل فاطمة بنت رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) على دابة ليلا إلى مجالس الأنصار تسالهم النصرة فكانوا يقولون: (يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به فأجابهم الإمام علي

ص: 325


1- الجوهري، السقيفة وفدك، 52 . وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2/ 56 .
2- أي هو الفقر، وترب اذا خسر. ينظر: الفراهيدي، العين، 8/ 116 .
3- الجوهري، السقيفة وفدك، 48 . وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1/ 219 .
4- ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 42 / 434 .
5- الإمامة والسياسة، 1/ 19 .

(علیه السلام) أفكنت أدع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) في بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه؟ فأجابتهم السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم).

يظهر مما تقدم أن موقف الأنصار كان سلبيا تجاه طلب الإمام علي (علیه السلام) وكأنهم لم يكونوا موجودين في غدير خم وسمعوا من رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ماقاله بحق الإمام علي (علیه السلام)، كذلك يظهر مما سبق أن الإمام (علیه السلام) كان على علم بالسقيفة وما حدث فيها إلا أن الموقف المسؤول تجاه النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) حال دون ذهابه إلى السقيفة(1)، وهذا ما أيده قول السيدة فاطمة الزهراء بقولها ((ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له...)).

فما كان من حكومة أبي بكر إلا أن تنتظر الإمام عليًا (علیه السلام) وأصحابه حتى يبايعوا ولما تأخرت بيعتهم أخذت تفكر بطريقة أخرى لاستحصال البيعة، وهي استخدام القوة والإكراه للوصول إلى مبتغاها. فأول عمل قامت به هو كسب رضا العباس بن عبد المطلب إلى جانبها، وذلك لعلمها بمكانة العباس، ولكونه عم النبي (صلی اللّه علیه و آله و سلم) وأكبر بني هاشم سنا، فكان هذا الأمر بمشورة المغیرة بن شعبة بمقالة لابي بكر وعمر قائلا: ((تلقوا العباس فتجعلوا له في هذا الأمر نصيبا فيكون له ولعقبه فتقطعوا به من ناحية علي ويكون لكم حجة عند الناس على علي إذا مال معكم العباس))(2).

واستطاع وفد حكومة أبي بكر أن يكسب على الأقل وقوف العباس على الحياد من قضية رفض الإمام علي (علیه السلام) بيعة أبي بكر.

ص: 326


1- النصر الله، مصادرة الحق السياسي والاقتصادي لأهل البيت، ص 255 .
2- الجوهري، السقيفة وفدك، 49 - 50 . وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2/ 52 .

وقد اعتمدت حكومة أبي بكر كل الوسائل لإستمالة الناس إلى مبايعة هذه الحكومة، فقد ذكر لنا ابن سعد(1) نصا يدل على ذلك، قائلا: (فلما اجتمع الناس على أبي بكر قسم بین الناس قسما فبعث إلى عجوز من بني عدي بن النجار بقسمها مع زيد بن ثابت(2) فقالت: ماهذا؟ قال: قسم قسمة أبو بكر للنساء فقالت: أتراشوني عن ديني؟ فقالوا: لا فقالت اتخافون أن أدع ما أنا عليه؟ فقالوا: لا قالت فوالله لا آخذ منه شيئا أبدًا).

يفهم من النص أمور عدّة يمكن بيانها، وهي:

إن حكومة أبي بكر أخذت بشراء ذمم الناس لصالح البيعة،واستخدمت المال وسيلة من وسائل الإغراء واكتساب الأصوات(3)

يظهر أن هذه العجوز كان لها دور كبير وكلمة مسموعة في قومها.

إنها كانت على علم ودراية بمن يخلف رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) ولذلك قالت اتراشوني عن ديني؟.

إنها كانت تحدث قومها بأحقية الإمام علي (علیه السلام) بالخلافة قائلة: أتخافون أن أدع ما أنا عليه؟.

بعد أن استطاعت حكومة أبي بكر أن تأخذ البيعة من غالبية الناس بالتهديد

ص: 327


1- الطبقات الكبرى، 3/ 167 .
2- هو أبو سيعيد، وقيل أبو عبد الرحمن، وقيل أبو خارجة، زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصاري، ولد في المدينة، قُتلَ أبوه وهو ابن ست سنوات، لم يشهد بدرا، توفي سنة 45 ه-. ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 537 - 540 .
3- الصدر: الشهيد محمد باقر،فدك في التاريخ، تح: عبد الجبار شراره، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، د. مك، 1994 م، ص 89 .

والوعيد أو بشراء الذمم لم يبق أمامها سوى الإمام علي (علیه السلام) وعدد قليل من المسلمين، فقررت حكومة أبي بكر أن تأخذ هذه البيعة منهم بالقوة، فقام أبو بكر بإرسال عمر بن الخطاب إلى بيت الإمام علي (علیه السلام) لأنه أصبح مقرًا لرافضي بيعة أبي بكر.وقال له: إن أبوا فقاتلهم(1).

فأتى عمر بن الخطاب منزل الإمام علي (علیه السلام) وفيه طلحة والزبیر ورجال من المهاجرين فقال والله لأحرقنّه عليكم أو لتخرجن إلى البيعة فخرج عليه الزبیر مصلتا بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه(2). وكان من ضمن الرجال الموجودين داخل الدار المقداد بن عمرو وخالد بن سعيد وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب وحديفة بن اليمان وابن التيهان وعبادة بن الصامت(3).

وكان الهجوم على بيت الإمام علي (علیه السلام) يقوده عمر بن الخطاب ومجموعة من المهاجرين والأنصار من ضمنهم أسيد بن حضير، وسلمة بن سلامة(4)، وثابت

ص: 328


1- الطبري الشيعي، المسترشد، هامش، ص 22 .
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2/ 443 .
3- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2/ 124 .
4- هو بن وقش بن زغبة الاشهلي، ابن عم محمد بن مسلمة، شهد العقبتین الأولى والثانية، وبدرًا وأحدا، والمشاهد كلها مع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) اخى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بينه وبین أبو سبرة، توفي سنة 45 ه- وهو ابن سبعين سنة، ودفن في المدينة. ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 4/ 1666 ؛ الذهبي سیر أعلام النبلاء، 2/ 355 - 356 .

بن قيس بن شماس(1)، ومحمد بن سلمة الأنصاري، وزياد بن لبيد الأنصاري(2)، وعبد الرحمن بن عوف(3)(4).

فخرجت السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) تصيح فنهنهت من الناس وكان رد الموجودين في دار الإمام إنما اجتمعنا لنؤلف القرآن في مصحف واحد ثم بايعوا أبا بكر(5).

وفي نص آخر: جاء عمر إلى بيت فاطمة في رجال من الأنصار، ونفر قليل من المهاجرين، فقال: والذي نفسي بيده لتخرجنّ إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم فخرج إليه الزبیر مصلتا بالسيف فاعتنقه زياد بن لبيد الأنصاري ورجل آخر فندر السيف من يده فضرب به عمر الحجر فكسره ثم أخرجهم بتلابيبهم

ص: 329


1- هو أبو عبد الرحمن ثابت بن قيس بن شماس الخزرجي، خطيب الأنصار، لم يشهد بدر وشهد احد، وبيعة الرضوان، آخى رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) بينه وبین عمار بن ياسر، استشهد في اليمامة أيام أبي بكر. ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2/ 251 ؛ المزي، تهذيب الكمال، 4/ 368 ؛ الذهبي، سیر أعلام النبلاء، 1/ 308 ؛ الصفدي، الوافي بالوفيات، 10 / 279 ؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب، 2/ 11.
2- هو أبو عبدالله زياد بن لبيد، شهد العقبة مع السبعين، هاجر مع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) من مكة إلى المدينة، شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، ولّه رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) حضر موت، أسر الأشعث بن قيس وأرسله إلى أبي بكر عندما ارتد في اليمن. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 553 .
3- هو أبو محمد عبد الرحمن بن عوف بن الحارث الزهري، كان اسمه في الجاهلية عبد عمرو فسماه رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، كان له أمر الشورى، انحاز إلى عثمان بن عفان وصرف الخلافة عن الإمام علي (علیه السلام)، توفي سنة 32 ه-. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 115 - 127 ؛ ابن كثیر، البداية والنهاية، 7/ 165 .
4- الجواهري، السقيفة وفدك، 53 . وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2/ 56 .
5- الجواهري، السقيفة وفدك، 40 . وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2/ 45 .

يساقون سوقا عنيفا حتى بايعوا أبا بكر(1).

يظهر أن أغلب الموجودين في دار الإمام علي (علیه السلام) ذهبوا اما إلى البيعة أو إلى بيوتهم.

ولما لم يبق مع الإمام علي (علیه السلام) سوى الزبیر، جاء عمر إلى أبي بكر فقال له ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟ فأرسل أبو بكر قنفذًا إلى الإمام علي (علیه السلام) فقال: يدعوك خليفة رسول الله، فقال له الإمام (علیه السلام): لسريع ماكذبتم على رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم)، فرجع فأبلغ أبا بكر قول الإمام علي (علیه السلام) فبكى طويلا. ثم بعثه ثانية بعد أن حرضه عمر على ذلك فقال: خليفة رسول الله يدعوك لتبايع فأجابه الإمام (علیه السلام) بصوت مرتفع سبحان الله لقد ادعى ما ليس له، فرجع قنفذ وأبلغه كلام الإمام على (علیه السلام) فبكى أبو بكر طويلا(2).

إلا أن عمر بن الخطاب لم يكترث لذلك فأتى بيت الإمام علي (علیه السلام) مع جماعة فلما سمعت السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) أصوات القوم، صاحت يا أبت يارسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة فانصرف القوم باكین، وكادت قلوبهم تتصدع لبكاء ابنة رسول الله (صلی اللّه علیه و آله و سلم) إلا عمر بن الخطاب فإنه لم يتصدع قلبه لذلك، فاقتحم الدار وأخرج الإمام عليًا (علیه السلام) وأتوا به إلى أبي بكر(3).

فعرضوا عليه البيعة فأجابهم بكل ثبات وعزيمة: ((أنا أحق بهذا الأمر منكم لا ابايعكم وانتم أولى بالبيعة لي أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم

ص: 330


1- الجوهري، السقيفة وفدك، 73 . وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 48 .
2- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1/ 19 - 20 .
3- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1/ 30

بالقرابة من رسول الله فاعطوكم المقادة وسلموا إليكم الامارة وأنا أحتج عليكم ما احتججتم به على الأنصار فانصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم وأعرفوا لنا من الأمر مثل ما عرفت الأنصار لكم وإلا فبوءوا بالظلم وانتم تعلمون.

فقال عمر: انك لست متروكا حتى تبايع فقال له علي (علیه السلام): أحلب ياعمر حلبا لك شطره أشدد له اليوم لیرد عليك غدا ألا والله لا أقبل قولك ولا أبايعه.

فقال أبو بكر: فإن لم تبايعني لم أكرهك.

فقال له أبو عبيدة: يا أبا الحسن إنك حديث السن وهؤلاء مشيخة قريش قومك ليس لك مثل تجربتهم ومعرفتهم بالامور ولا ارى أبا بكر الا اقوى على هذا الأمر منك واشد احتمالا له واضطلاعا به فسلم له الأمر وارض به فانك ان تعش ويطل عمرك فانت لهذا الأمر خليق وبه حقيق في فضلك وقرابتك وسابقتك وجهادك))7(1).

فخاصمهم الإمام علي (علیه السلام) بقوله: ((يامعشر المهاجرين الله الله! لا تخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته إلى بيوتكم ودوركم ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقه فوالله يا معشر المهاجرين لنحن أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم أما كان منا القارئ لكتاب الله الفقيه في دين الله العالم بالسنه المضطلع بامر الرعيه والله انه لفينا فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا عن الحق بعدا)). فأجابه بشیر بن سعد(2):

(لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار ياعلي قبل بيعتهم لأبي بكر ما اختلف

ص: 331


1- -الجوهري، السقيفة وفدك، 62 - 63 . وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 11- 12 .
2- هو أبو النعمان بشیر بن سعد بن ثعلبة الأنصاري، شهد العقبة وبدرًا والمشاهد كلها، أول من بايع أبا بكر يوم السقيفة من الأنصار، قتل مع خالد بن الوليد في عین تمر. ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 172 .

عليك اثنان ولكنهم قد بايعوا) (وانصرف علي إلى منزله ولم يبايع)(1).

فانشد الإمام علي (علیه السلام) ابياتا اعترض بهن على أبي بكر

فإن كنت بالشورى ملكت امورهم***فكيف بهذا والمشیرون غيّب

وإن كنت بالقربى حججت خصيمهم***فغیرك أولى بالنبي وأقرب(2)

واستمر أهل البيت برفضهم البيعة حتى أن ابن سعد ذكر عن عروة بأن أبا بكر خطب يوما فجاء الحسن (علیه السلام) فصعد إليه المنبر فقال انزل عن منبر أبي (3)،فقال له أبو بكر: صدقت والله إنه لمنبر أبيك لا منبر أبي(4).

ويظهر مما تقدم الأمور الآتية:

إن حكومة أبي بكر قامت بالهجوم على بيت الإمام علي (علیه السلام) مرتین والذي كان يقودهم عمر بن الخطاب.

إن حكومة أبي بكر أرادت أخذ البيعة من الإمام (علیه السلام) بأي طريقة فاستخدمت التهديد بالقتل وبحرق بيت الإمام (علیه السلام) .

إن الهجوم على بيت الإمام (علیه السلام) ضم العديد من المهاجرين والأنصار منهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وعبدالرحمن بن عوف وخالد بن الوليد واسيد بن حضیر وسلمة بن سلامة وثابت بن قيس بن شماس ومحمد بن مسلمة الأنصاري وزياد بن لبيد الأنصاري.

ص: 332


1- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1/ 19 . وينظر: الجوهري، السقيفة وفدك، 63 ؛ الطبري الشيعي، المسترشد، 375 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 12 .
2- الشريف الرضي، نهج البلاغة، 503 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 374 .
4- الجوهري، السقيفة وفدك، 69 . وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 42 .

دخول الإمام علي (علیه السلام) في مناقشات وجدال مع حكومة أبي بكر حول أحقيته بالخلافة وقدم الحجج والبراهین على ذلك إلا أنها لم تلق سوى عدم الاكتراث لأن القوم جاءوا للبيعة وليس للجدال، وهذا ما أكده قول عمر للإمام (علیه السلام) إنك لست متروكًا حتى تبايع.

إن الحجج التي طرحها الإمام (علیه السلام) نالت استحسانا من لدن احد زعماء الخزرج الموالین لأبي بكر وهو بشیر بن سعيد، ولكن ياترى ماتفسیر هذا الموقف من بشیر؟ هل هو محاولة للتخفيف من حدة موقف الإمام علي (علیه السلام)؟ أم أنه كان صادقا في قوله، لأن هدفه من بيعة أبي بكر هو الحسد لسعد بن عبادة؟ فلو أن الإمام (علیه السلام) كان حاضرا يوم السقيفة لكانت حجته أقوى من حجة أبي بكر ولمال إليه بشیر وأصحابه، إذ نلاحظ اقتناع الجميع به ولكن عذرهم أنهم قد بايعوا لأبي بكر.

إن الإمام لم يبايع ولزم بيته وأخذ يجمع القرآن حتى ماتت السيدة فاطمة (عليها السلام)(1).

بعد هذه الأحداث التاريخية نرى أن ابن سعد لم يكن موفقا في نقل الروايات الخاصة بموقف الإمام علي (علیه السلام) من أبي بكر.

الرواية الأولى:

(عن سعيد بن محمد الثقفي عن كثیر النواء عن أبي سريحة سمعت عليا يقول على المنبر ألا أن أبا بكر أواه منيب القلب إلا ان عمر ناصح الله فنصحه)(2).

ص: 333


1- لمزيد من التفاصيل ينظر: النصر الله، مصادرة الحق السياسي والاقتصادي لأهل البيت، ص 215 - 274 ؛ العواد، السيدة فاطمة الزهراء (علیه السلام)،ص 725 - 786 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 157 .

وهنا نضع ملاحظات عدّة حول هذا النص:

إن هذا النص يظهر ان الإمام (علیه السلام) كان راضيًا عن أبي بكر وعمر، وهذا لا يتطابق مع الواقع التاريخي الذي تقدم ذكره.

يظهر من النص أن الإمام عليًا (علیه السلام) ذكر هذا الكلام في أيام خلافته (علیه السلام) والمعلوم أن خطب الإمام (علیه السلام) الموجودة في نهج البلاغة أغلبها قد ذكرت في هذه الفترة، ومن باب أن الإمام (علیه السلام) أراد أن لا تمر هذه الأحداث من دون رأيه (علیه السلام) في هذه الأحداث كي لا يقع الناس من بعده في سوء فهم، أوضح للمسلمين مدى أحقيته بالخلافة بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، فكيف يصف الإمام (علیه السلام) هذين الرجلین بهذا الوصف؟.

والذي يؤيد ذلك ما قاله الإمام علي (علیه السلام) في أول خطبة له بعد استلامه الخلافة فبعد أن حمد الله وأثنى عليه قال: فإنه لما قبض الله نبيه (صلی الله علیه و آله و سلم) قلنا نحن أهله وورثته وعترته وأولياؤه دون الناس لا ينازعنا سلطانه احد ولا يطمع في حقنا طامع اذا انبرى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا فصارت الامرة لغيرنا وصرنا سوقه، يطمع فينا الضعيف ويتعزز علينا الذليل فبكت الأعین منّا لذلك..إلى أن يقول: (وأيم الله لولا مخافة الفرقة بین المسلمين وأن يعود الكفر ويبور الدين لكنّا على ما كنا لهم عليه)(1).

اما عن سند الرواية: فإن من ضمن الرواة سعيد بن محمد الثقفي فقد ضعفه

ص: 334


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1/ 307 .

*البخاري(1)، وضعفه الذهبي(2)، وقال عنه ابن المبرد(3) إن حديثه منكر.

الرواية الثانية:

عن وكيع بن الجراح عن أبي بكر الهذلي عن الحسن قال: (قال علي لما قبض النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) نظرنا في أمرنا فوجدنا النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) قد قدم أبا بكر في الصلاة فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لديننا فقدمنا أبا بكر)(4).

وهنا نضع ملاحظات عدّة حول هذا النص:

هل قدم رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) أبا بكر للصلاة فعلاً؟ لم يحدث هذا اذ كان يفترض ان يكون أبو بكر متواجدًا في جيش أسامة بن زيد، وإذا قلنا: إنه تخلّف عن جيش أسامة فهو قد عصى أمر رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، فكيف يقوم رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بتقديم شخص عصى أوامره للصلاة وعصيان أوامر الرسول مخالفه شرعية وأثر كبیر.

ثم إنه ليس كل من صلى بالناس إماما صلح لأن يكون خليفة المسلمين واستحق مقام الإمامة وهذا لا يصح لأنه وردفي فقه أهل السنة والجماعة بجواز الصلاة خلف الفاسق ويجوز أيضا الصلاة خلف البر والفاجر(5).

ص: 335


1- التاريخ الكبير، 3/ 515 .
2- أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد (ت 748 ه- / 1348 م)، تاريخ الإسلام، تح: عمر عبد السلام تدمري، ط 2، دار الكتب العربي – بيروت، 1409 ه- / 1998 م)، 13/ 188 .
3- ابن المبرد: يوسف بن الحسن العدوي القرشي (ت 909 ه- /)، بحر الدم (في من مدحه أحمد أو ذمه)، تحقيق وتعليق: الدكتورة روحية عبد الرحمن السويفي، ط 1، دار الكتب العلمية بیروت، 1413 1992 م، ص 64 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 167 .
5- ابن حجر الدراية في تخريج أحاديث الهدايا، 1/ 168 .

إن هذا النص يظهر الإمام عليًا (علیه السلام) أنه كان موجودا في سقيفة بني ساعدة في حین أنه كان منشغلا في تجهيز رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم).

يظهر من النص أن الإمام عليًا (علیه السلام) هو أول من سن بيعة أبي بكر وأن مبايعته كانت بشكل سلمي وعن قناعة تامة، إلا أن هذا الكلام يخالف الأحداث التاريخية التي جرت بعد وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ضد الإمام علي (علیه السلام) واهل بيته، والتي أوجزها عمر بن الخطاب بقوله: (إن مبايعة أبي بكر فلتة وقى الله شرّها)(1).

الرواية الثالثة:عن عبيد الله بن موسى عن عقيل عن رجل قال: (سُئل علي عن أبي بكر وعمر فقال: كانا إمامي هدًى راشدين مرشدين مصلحین منجحین خرجا من الدنيا خميصن)(2).

وهنا نضع ملاحظات عدّة حول هذا النص:

1- إن سؤال الرجل المجهول للإمام علي(علیه السلام) عن أبي بكر وعمر دليل على وجود إشكال عند الإمام عليهما أو على الاقل عند الناس.

2- من السائل؟، ولماذا لم يفصح عن هويته الراوي؟

3- ما مناسبة السؤال؟ ومتى كان؟ وأين؟

ص: 336


1- الصنعاني، المصنف، 5/ 440 - 441 . وينظر: ابن أبي شيبة، المصنف، 8/ 570 ؛ ابن حنبل، مسند أحمد، 1/ 55 ؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 1/ 584 و 5/ 500 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 446/2 ؛ ابن حبان، الثقات، 2/ 156 ؛ صحيح ابن حبان، 2/ 148 ؛ الباقاني، (ت 403 ه-)، تمهيدالاوائل وتلخيص الدلائل، تح: الشيخ عماد الدين أحمد حيدر، ط 3، مؤسسة الكتب الثقافية، بیروت، 1993 م، ص 495 ؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، 6/ 5؛ ابن حجر، فتح الباري، 12 / 132 . العيني، عمدة القاري، 24 / 10 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 192 .

4- من عبيد الله بن موسى؟

وأخیرا لم يذكر ابن سعد الأسباب الحقيقية لسكوت الإمام علي (علیه السلام) عن حقه إلا أن الواضح أن الإمام عليًا (علیه السلام)، واهل بيته (علیهم السلام) لم يكونوا على قناعة بخلافة أبي بكر لكنهم قد عملوا بوصية النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) التي أوصاهم بها بالصبر على الأذى، والغض عن القذى، حفظًا للأمة، وحفاظًا لبيضة الإسلام فنصحوا عندما كان هناك من يحتاج إلى النصيحة، ونصروا عندما كان هناك من يحتاج إلى المناصرة، يدفعهم الواعز الديني والاخلاقي تجاه الإسلام والمسلمين. قال الإمام علي (علیه السلام): بايع الناس لابي بكر وأنا والله أولى بالأمر منه وأحق منه، فسمعت واطعت مخافة أن يرجع الناس كفارًا يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف...)(1).

وعلى الرغم من هذه المعاناة والمصائب التي حلت بالإمام علي (علیه السلام) وبأهل بيته من جراء عدم مبايعته لابي بكر ومطالبته بحقه السياسي والاقتصادي الا ان المصادر التاريخية ذكرت لنا روايات دلت على مشاركة الإمام علي (علیه السلام) في الحياة العامة في خلافة أبي بكر، لأنه لابد لنا أن نعلم أن التمكین في الأرض ووراثتها له درجات متفاوتة لا يقتصر على تسلم السلطة والحكم، فهذه وسيلة لا غاية وان التمكین الحقيقي هو ظهور وانتشار مشروعهم الالهي واقتناع الناس به فهذا

هو المهم؛ لأن غرض الرسالات السماوية اصلاح الناس وهدايتهم وارشادهم إلى السعادة والفلاح (2)، قال تعالى: (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ

ص: 337


1- ابن عساكر، تاريخ دمشق، 42 / 434 ؛ ابن حجر العسقلاني، لسان الميزان، 2/ 156 .
2- محمد اليعقوبي، الخطاب الفاطمي بعنوان: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) السيدة الزهراء (عليها السلام) ووراثة المستضعفين، النجف الأشرف، 3/جمادي الاخر 1438 ه- http://yaqoobi.com/arabic/index.php/news/5479.html

مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(1).

والذي يؤيد ما ذكرنا ما نقله البلاذري حيث قال: (لما ارتدت العرب مشى عثمان إلى علي فقال يا ابن عم إنه لايخرج أحد الي فقال: هذا العدو وانت لم تبايع فلم يزل به حتى مشى إلى أبي بكر فقام أبو بكر إليه فاعتنقا وبكى كل واحد إلى صاحبه فبايعه فسرّ المسلمون وجدت الناس في القتال وقطعت البعوث)(2).

يظهر من نص البلاذري أن هناك أُناسًا كثيرين لم يكونوا في طاعة أبي بكر لأنهم كانوا يعتقدون بأحقية الإمام علي (علیه السلام) بالخلافة(3). حيث قالت قبائل أسد وفزارة: لا والله لا نبايع أبا الفصيل أبدًا(4).

إلا أن ابن سعد عزف عن نقل هذه الأحداث، التي كان لها الأثر البالغ في حفظ المصلحة العامة للإسلام والمسلمين.

ثالثًا: موقف الإمام علي (علیه السلام) من خلافة عمر بن الخطاب

اشارة

لما حضرت أبا بكر الوفاة دعا عثمان بن عفان، فقال: (اكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجًا منها وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأَطيعوا وإني لم ال الله ورسوله ودينه ونفسي واياكم الا خیرا فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه وان

ص: 338


1- سورة النور، الاية 55 .
2- البلاذري، أنساب الأشراف، 1/ 587 .
3- ابن عساكر، تاريخ دمشق، 25 / 164 .
4- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2/ 485 .

بدل فلكل امرئ ما اكتسب من الاثم، والخیر اردت ولا اعلم الغيب قال تعالى (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(1) والسلام عليكم ورحمة الله ثم أمر بالكتاب فختمه)(2).

ثم أمر أبو بكر عثمان بن عفان بأن يخرج بالكتاب مختومًا ومعه عمر بن الخطاب وأسيد بن سعيد القرظي فقال عثمان للناس: اتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا نعم وقال بعضهم قد علمنا به(3).

فلما توفي أبو بكر ليلة الثلاثاء لثمان بقین من جمادي الآخر سنة 13ه- استقبل عمر خلافته صبيحة يوم الثلاثاء(4).

يظهر مما سبق أن أبا بكر ردّ الجميل الذي أسداه إليه بإيصاله إلى الحكم وسنَّ لأول مرة في تاريخ الإسلام نظام توريث الحكم ذلك النظام الذي اسند الفقهاء في تبرير استيلاء بني أمية وبني العباس على السلطة في بلاد المسلمين، ثم إن الشورى لا تثمر الا شورى والاستبداد لا يثمر الا استبدادا، ولأن ما جرى في السقيفة لم يكن له صلة بالشورى كان من الطبيعي أن تكون ثمرته مناقضة للشورى(5)، وهذا ما أكده عمر بن الخطاب بقوله: (إنَّ خلافة أبي بكر كانت (فلتة)(6))(7). وهذا ما

ص: 339


1- سورة الشعراء، اية 227 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 183 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 184 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 254 .
5- الورداني: صالح،السيف والسياسة، ط 1، دار الجسام، القاهرة، 1996 م، ص 73 .
6- هو الأمر الذي يقع من غیر إحكام يقال كان الأمر فلتة أي مفاجأة. ينظر: الفراهيدي، العین، 122/8.
7- البلاذري، أنساب الأشراف، 1/ 583 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2/ 446 ؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، 3/ 8.

يوضح سرّ تحمس عمر على أخذ البيعة لأبي بكر ولو كان ذلك بالتهديد والوعيد وشراء الذمم وإنه المحرك لهذا الأمر أكثر من أبي بكر، فقد ذكر الصنعاني(1) ((عن أنس بن مالك إنه سمع خطبة عمر الأخیرة حین جلس على المنبر وذلك الغد من يوم توفي النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) فتشهد وأبو بكر صامت لا يتكلم قال: كنت أرجو أن يعيش رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) حتى يدبرنا يريد بذلك أن يكون آخرهم فإن يك محمد (صلی الله علیه و آله و سلم) قد مات فإن الله تعالى قد جعل بین أظهركم نورا تهتدون به هدى الله محمد (صلی الله علیه و آله و سلم) وان أبا بكر صاحب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ثاني اثنین فانه أولى المسلمين باموركم فقوموا فبايعوه)).

فما كان من الإمام علي (علیه السلام) إلا أن رفض بيعة عمر، فعن عائشة أنها قالت: ((لما حضرت أبا بكر الوفاة استخلف عمر فدخل عليه علي وطلحة فقالا من استخلفت؟ قال: عمر. قالا فماذا أنت قائل لربك؟ قال: أبالله تفرقاني؟ لأنا اعلم بالله وبعمر منكما أقول: استخلفت عليهم خیر أهلك))(2).

على الرغم من أن الإمام (علیه السلام) كان رافضًا لتولي عمر الخلافة إلا أن ابن سعد صوّر لنا الإمام عليًا (علیه السلام) لم يكن رافضا لاختيار أبي بكر، ولكنه كان رافضًا اختيار عمر بن الخطاب؟ ربما القصد من هذه الرواية ايهام القارئ بأن الإمام (علیه السلام) لم يكن رافضا لاختيار أبي بكر فلماذا يرفض اختيار عمر بن الخطاب الذي كان من اختيار أبي بكر.

ص: 340


1- المصنف، 5/ 438 . وينظر: البخاري، صحيح البخاري، 8/ 126 ؛ ابن حبان، صحيح ابن حبان، 297/15 ؛ الطبراني: أبو القاسم سليمان بن أحمد (ت 360 ه- / 970 م)، مسند الشامين، تح: حمدي عبد المجيد، مؤسسة الرسالة – بیروت، 1417 ه- / 1996 م، 4/ 155 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 254 .

ولم يكن الإمام علي (علیه السلام) الوحيد الذي كان رافضًا لتولي عمر بن الخطاب الخلافة فقد كان طلحة بن عبيدالله هو ايضا من رافضي تولي عمر الخلافة وهذا ما أكده ابن شاذان الازدي(1) بقوله: ولقد قال طلحة لابي بكر لما ذكر عمر للأمر: ((ماذا تقول لربك اذا سألك عن عباده وقد وليت عليهم فظًا غليظًا)). هذا يقودنا إلى ان اختيار عمر للخلافة رافقته معارضة كبیرة، وكان ذلك بسبب ماضي عمر والذي أيده ابن سعد قائلاً: فصعد المنبر وكان أول كلام تكلم به أنه قال: اللهم إني شديد فليّني وإني ضعيف فقوني وإني بخيل فسخني(2).

موقف الإمام علي (علیه السلام) من الشورى

ذكر ابن سعد بأنه قيل لعمر بن الخطاب حین حضره الموت: استخلف فقال: لا أجد أحدًا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذي توفي رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وهو عنهم راض فأيهم استخلف فهو الخليفة من بعدي فسمى عليًا وعثمان وطلحة والزبیر وعبدالرحمن وسعدا فإن أصابت سعدًا فذاك وإلا فأيهم استخلف فليستعن به فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانه(3).

ونلاحظ مما سبق أن عمر بن الخطاب جعل تعیين الخليفة شورى بین ستة فقط من المسلمين، وهذا أمر جديد لم يعمل به سابقا، وخرج عن مبدأ النص، وأنه يصل إلى أبعد من ذلك ففي نص آخر يقول: ((فمن تامر منكم على غیر مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه))(4)، وهو بذلك قد خالف رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)

ص: 341


1- الايضاح، 518 . وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 20 / 24 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 255 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 314 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 314 .

في تعيین الخليفة من بعده فلو كانت الشورى من المبادئ الأساسية في اختيار الحاكم لعمل بها رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، وفي الوقت ذاته لم يكن اختيار عمر خليفة قد جاء بالشورى، وانما بالتعيین من الخليفة الأول.

كما أن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لم يهيء أصحابه ولم يدرب أمته على الشورى في المسائل القيادية فهو حينما يغادر المدينة كان يستخلف عبدالله بن أم مكتوم لإمامة الصلاة وغيرها من الشورى ولم يترك الأمر للناس أن يختاروا لأنفسهم إماما وأمرًا ولذلك لم تكن فكرة الشورى في أمر الإمامة والخلافة راسخة ولا واضحة في أذهان الصحابة(1).

ثم إنه يقول: إن هؤلاء النفر إن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) راض عن هولاء فهل رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) كان راض عن هؤلاء فقط؟ فاين ذهب سلمان المحمدي وأبو ذر الغفاري والمقداد وعمار وغيرهم الكثیر؟ فلماذا لم يرشحهم إلى تولي الخلافة؟

فهنا يعرض معرض فيقول: إن عمرًا كان يقصد فقط قريشًا؛ لأنه هو وأبوبكر قد احتجا على الأنصار يوم السقيفة بما ذكره بأن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قال: (الائمة من قريش)(2).

ص: 342


1- الصفار: حسن، الامامة بين النص والشورى، مقالة. com.hadarya.www .
2- ابن البراج: القاضي عبد العزيز الطرابلسي (ت 481 ه- /)، المهذب، تح: إعداد: مؤسسة سيد الشهداء العلمية/ إشراف: جعفر السبحاني، ط 1، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، 1406 ، 1/ 19 . وينظر: الغزالي: أبو حامد محمد بن محمد بن محمد ( 505 ه-/ 1111م)، المستصفى، تحقيق: تصحيح: محمد عبد السلام عبد الشافي، ط 1، دار الكتب العلمية – بیروت، 1417 ه-/ 1996 م، ص 156 ؛ البيهقي: علي بن زيد، (ت 565 ه-)، معارج نهج البلاغة، تح: محمد تقي دانش ثروة اشراف السيد محمود المرعشي، ط 1، مطبعة بهمن، قم، 1409 ه-،ص 374 ؛ السبكي: الإمام أبي الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي (ت 756 ه-/)،فتاوى السبكي، ط 1، دار المعرفة – بيروت، 1998 م، 2/ 566 .

وأخیرا فإن عمرًا يميل إلى سعد بن أبي وقاص بقوله: (فإن أصابت سعدًا فذاك) فنقول: إذا كان عمر بن الخطاب راغبًا في تعیين سعد بن أبي وقاص فلماذا لم یفعل؟ وذلك ربما لعلم عمر بن الخطاب بعدم مقبوليته بین المسلمين.

ثم يستمر ابن سعد بنقل أحداث الشورى فيقول: (وجعل ابنه عبدالله معهم يشاورونه،وليس له من الأمر شيء، قال: فلما اجتمعوا،قال عبدالرحمن: اجعلوا أمركم إلى ثلاثة نفر منكم، فجعل الزبیر أمره إلى علي، وجعل طلحة أمره إلى عثمان، وجعل سعد أمره إلى عبدالرحمن، فأتمر أولئك الثلاثة حین جعل الأمر إليهم فقال عبدالرحمن: أيكم يبرأ من الأمر ويجعل الأمر إلي ولكم الله علي إلا الوكم عن أفضلكم وخيركم للمسلمين، قالوا: نعم، فخلا بعلي فقال: إن لك من القرابة من رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) والقدم والله عليك لئن استخلفت عثمان لتسمعن ولتطيعن فقال: نعم قال، وخلا بعثمان فقال مثل ذلك قال فقال عثمان نعم، قال فقال: أبسط يدك يا عثمان فبسط يده فبايعه علي والناس)(1).

وهنا نضع ملاحظات عدة على هذا النص:

1- إن مشاورة عبدالله بن عمر من قبل الستة أصحاب الشورى أمر متناقض مع ما ذكره عمر بن الخطاب بحقه حيث قال عندما سأل عن استخلاف عبدالله ابن عمر من بعده (قاتلك الله والله ما أردت الله بهذا استخلف رجلا ليس يحسن يطلق امرأته)(2) فكيف يستطيع أن يتشاور مع القوم؟

2- إن التدبیر الذي دبر فيه لانتخاب الخليفة يؤدي حتما إلى أبعاد الإمام علي

ص: 343


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 314 - 315 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 318 .

(علیه السلام) عن الخلافة ويكفي في ذلك ان عبدالرحمن بن عوف تربطه بعثمان صلات وثيقة من القرابة والمصاهرة، فعبد الرحمن متزوج من أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ابن عم عثمان، وهي مع ذلك أخت عثمان من أمه، وأن سعد بن أبي وقاص كان لا يخالف ابن عمه عبدالرحمن، فكلاهما من بني زهرة، وهكذا كان التدبیر محكماً؛ لئن يأتي بعثمان إلى السلطة بهذه الطريقة التدريجية خوفا من الرأي الإسلامي العام(1).

3- إن قول عبدالرحمن بن عوف بأن اجعلوا ثلاثة نفر منكم فجعل الزبیر امره إلى علي وجعل طلحة أمره إلى عثمان وجعل سعدا أمره إلى عبدالرحمن، يظهر ان هذا التقسيم حدث عندما اجتمع أهل الشورى في حین يذكر لنا ابن سعد نصا مغايرا لذلك فيقول: ((إن عمر بن الخطاب صعد يوما المنبر فقال: ان مت فأمركم إلى هؤلاء الستة الذين فارقوا رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وهو عنهم راضٍ علي بن أبي طالب ونظیره الزبیر بن العوام وعبدالرحمن بن عوف ونظیره عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله ونظیره سعد بن مالك))(2).

وهنا نرجح الرأي الأخیر لأننا نعتقد بأن أمر الشورى قد دبره عمر بن الخطاب لإيصال عثمان بن عفان إلى الخلافة من باب رد الجميل لعثمان، لأنه كان له الدور البارز في إيصال عمر إلى الخلافة، إذ أنه هو الذي كتب وصية أبي بكر بخلافة عمر وسعى إلى اقناع المسلمين بذلك، ولئن عمر بن الخطاب لم يرشح عثمان بن عفان للخلافة مباشرة لئلا يتهم بالميل إلى عثمان.

4- انحياز عبدالرحمن بن عوف إلى عثمان بن عفان واستخدام التهديد اذ

ص: 344


1- أمين: حسن، دائرة المعارف الإسلامية الشيعية، ط 6، دار المعارف، بيروت، 1/ 157 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 57 - 58 .

قال للإمام علي (علیه السلام) لئن استخلفت لتعدلن، ولئن استخلف عثمان لتسمعن ولتطيعن. وهذا يدل ايضا على أن الأمر متفق عليه سابقا وكانوا يخافون اعتراض الإمام على ذلك.

فعن شهاب بن عباد العبدي عن ابراهيم بن حميد عن ابن أبي خالد قال: (أخبرنا جبیر بن محمد بن مطعم بن جبیر بن مطعم، قال: أخبرت أن عمرًا قال لعلي: إن وليت من أمر المسلمين فلا تحملن بني عبدالمطلب على رقاب الناس، و قال لعثمان: يا عثمان إن وليت من أمر المسلمين شيئا فلا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس)(1).

وهنا نضع ملاحظات عدّة حول هذا النص:

1- إن هذه الوصية أن صحت فهي من الوصايا التي يراد منها الطعن في مبادئ الإمام (علیه السلام) وأخلاقه السياسية فأراد الراوي أن يصور الإمام (علیه السلام) على أنه شخص تقوده عاطفته في قيادة الأمة وأنه ينحاز إلى عشیرته وأبناء عمه من بني عبدالمطلب، وهل هذه أخلاق الإمام (علیه السلام) وعدله؟

2- وضعت هذه الوصية لكي تغطي على ماجرى في خلافة عثمان بن عفان من تسلط بني أمية على رقاب الناس، فما أن مضى العام الأول من خلافة عثمان حتى كان الجو مهيئا لتوزيع الولايات على بني أمية وعلى من يقول بقولهم، حيث جمع الشام كلها إلى معاوية بن أبي سفيان، وأعطى أخوه من الرضاعة عبدالله بن أبي سرح مصر(2)، وولى ابن خاله عبدالله بن أبي عامر البصرة بعد أن عُزل أبو موسى

ص: 345


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 318 .
2- ابن سعد الطبقات الكبرى، 6/ 131.

الأشعري وبعد ذلك أعطاه خراسان(1)، وأعطى الكوفة لأخيه من أمه الوليد بن عقبة(2)، أما مروان بن الحكم فأعطاه مركز الخلافة (المدينة) ولانه ابن عمه كان كاتبا له، واستغل مروان صلة القرابة بينه وبین عثمان فكان يعطيه الأموال وكان الناس ينقمون على عثمان بسبب تقريبه لمروان؛ اذ كان الناس يعتقدون بأن كثیرًا ما ينسب إلى عثمان بن عفان ما لم يأمر به وان ذلك من رأي مروان(3).

3- ان سند الرواية مقطوع؛ لقوله أخبرت ولم يذكر لنا من الشخص الذي اخره عن هذه الوصية.

ثم أورد ابن سعد رواية ثانية حول وصية عمر بن الخطاب للإمام علي (علیه السلام) ولعثمان بن عفان. قال: ادعوا لي عليا وعثمان وطلحة والزبیر وعبد الرحمن بن عوف وسعدا فلم يكلم أحدًا منهم غیر علي وعثمان، فقال: ياعلي لعل هؤلاء القوم يعرفون لك قرابتك من النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وصهرك وما اتاك الله الفقه والعلم، فإن وليت هذا الأمر فاتق الله فيه ثم دعا عثمان، فقال ياعثمان: لعل هؤلاء القوم يعرفون لك صهرك من رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وسنك وشرفك فإن وليت هذا الأمر فاتق الله ولا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس(4).

يظهر مما تقدم اعتراف واضح وصريح من عمر بن الخطاب بأحقية الإمام علي (علیه السلام) بالخلافة على سائر الصحابة؛ وذلك للمميزات العديدة وفي طليعتها الرعاية الإلهية له بأن الله آتاك العلم والمعرفة وقرابته من رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) الا ان

ص: 346


1- ابن سعد الطبقات الكبرى، 7/ 48 - 49 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 38 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 40 و 47 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 317 .

عمر بن الخطاب لم يعط الخلافة للإمام علي (علیه السلام) انما جعلها شورى بین الستة اللذين اختارهم عمر.

ويظهر أن عمر بن الخطاب كان يرجح الإمام عليًا (علیه السلام) على باقي الستة وذلك لقرابته من رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ولسعة علمه، والسبب الثاني الذي يجعلنا نقول بذلك هو أه لم يذكر هذه الميزة لغیر الإمام علي (علیه السلام)، في حین أنه لم يذكر لعثمان صفة العلم والمعرفة، وإنما اكتفى فقط بذكر النسب والمصاهرة والسن، وإذا نظرنا في الموصفات التي كان يتمتع بها عثمان لاتكفي لتولي الخلافة؛ لأنه ما فائدة كبر السن من دون علم وحكمة ودراية في أمور المسلمين التي هي من ضروريات الخلافة(1)، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن مسألة المصاهرة يشوبها الشك في أنه تزوج رقية ابنة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)(2) .

وفي نهاية الوصية أوصى عثمان بأنه إذا ولي هذا الأمر فاتق الله ولا تحملن بني أبي معيط على رقاب الناس، وهذا ما جرى فعلا فبعد ان استلم السلطة أحاط نفسه بأزلام بني امية، وتربع على العرش يهب الأموال لبني أمية من عمومته وترك مشورة كبار الصحابة، فضرب عمار بن ياسر وفتق بطنه(3)، ونفى أبا ذر

ص: 347


1- شهواز، الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) في مؤلفات ابن الجوزي، رسالة ماجستير غیر منشورة، جامعة واسط (كلية التربية)، 2016 ، ص 277 .
2- النصرالله والعواد، صاحبة التسبيح المقدس، ط 1، الرافد للمطبوعات، 2012 ، ص 17 .
3- الشريف المرتى: أبو القاسم علي بن الطاهر بن الحسین (ت 436 ه- / 1044 م)، الشافي في الإمامة، تح: عبد الزهراء الحسيني الخطيب، ط 2، مؤسسة اسماعيليان – قم المقدسة، 1410 ه-، 291/4 . وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 3/ 50 .

إلى (الربذة)(1)(2) وعامر بن قيس(3) إلى الشام بعد أن كان في البصرة. واستبدل ولاة عمر بن الخطاب بولاة جدد من بني أمية وأقر الشام كلها لمعاوية بعد أن كان واليا على دمشق فقط(4)، وأعطى عبدالله بن أبي سرح مصر وهو المرتد الذي أمر رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بقتله ولو كان متعلقًا باستار الكعبة(5)، وغيرها من الأمور الكثیرة.

إلا أن ابن سعد أراد أن يخفف عما كان يدور في خلجات عثمان بن عفان ويعلم بها عمر، فقال في نص آخر: ((إن عمرًا قال لعلي: إن وليت من أمر المسلمين شيئا فلا تحملن بني عبد المطلب على رقاب الناس))(6).

يظهر أن الراوي أراد أن يقول: إنه لو ولي علي لفعل مثلما فعل عثمان بن عفان، وهذا الأمر مرفوض جملة وتفصيلا، فلم يذكر لنا التاريخ مثل هذه الاعمال عندما تولى الإمام علي (علیه السلام) الخلافة، وإنما أراد ابن سعد أن يصحح جزءًا من سیرة

ص: 348


1- الربذة: تعني الشدة، وهي قرية تقع بین مكة والمدينة تبعد عن المدينة مسیر ثلاة أيام، واليها نفي الصحابي أبو ذر الغفاري ومات ودفن فيها، وفي سنة 319 ه- خربت الربذه بسبب الحروب بین أهلها وبین القرامطة. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 3/ 24 - 25 .
2- أبو جعفر الاسكافي، المعيار والموازنة، ص 22 . وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 8/ 255 .
3- هو أبو بردة الاشعري، اخو أبي موسى الأشعري، هاجر إلى الحبشة مع جعفر بن أبي طالب، ثم عاد إلى النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) حین افتتح خيبر. ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 798 و 4/ 1608 ؛ الدمشقي: محمد بن علي الحسيني الشافعي، (ت 765 ه-)، الاكمال في ذكر من له رواية في مسند أحمد، تح: الدكتور عبد المعاطي أمین قلعجي، ط 1، جامعة الدراسات الإسلامية، كراتشي، د.س، ص 490 .
4- ابن عبدالبر، الاستيعاب، 3/ 1187 . وينظر: ابن عساكر، تاريخ دمشق، 9/ 111؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 32 ؛ ابن كثیر، البداية والنهاية، 8/ 133.
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 13 و 9/ 502 . وينظر: النسائي، سنن النسائي 7/ 107 ؛ أبو يعلى الموصي، مسند أبي يعلى، 2/ 100 ؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 45 ؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، 167/6.
6- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 318 .

عثمان بن عفان. فضلا عن أن سیرة الإمام (علیه السلام) طيبة عطرة يعرفها القاصي والداني.

وفي نص آخر عن عبدالله بن عمر قال عمر: ((وإن كنت على شيء من أمر الناس يا علي فلا تحملن بني هاشم على رقاب الناس))(1). وهذا النص مرفوض ايضا لسبب واحد هو: إن الراوي عبدالله بن عمر المعروف بعدائه للإمام علي (علیه السلام) وانه رفض بيعة الإمام (علیه السلام) بعد عثمان وبايع معاوية وولده يزيد(2)، وقد أطال في عمره حتى زمن الحجاج، إذ كان يصلي خلفه ومعه أنس بن مالك(3).

ويستمر ابن سعد بسرد أحداث الشورى، فيقول في نص آخر قال عبدالله بن أبي ربيعة: ((ادخلوني معكم في الشورى فإني لا أنفس على أحد خبرا ساقه الله إليه ولا يعدمكم مني رأي فقالوا: لا تدخل معنا قال: فاسمعوا مني قالوا: قل ما شئت قال: إن بايعتم لعلي سمعنا وعصينا وإن بايعتم لعثمان سمعنا واطعنا والله ما يتشابهان فاتقوا الله با ابن عوف))(4)

يظهر من النص أن هناك طرفین في الشورى لا ثالث لهما الطرف الأول كان يمثله الإمام علي (علیه السلام) والطرف الثاني كان يمثله عثمان بن عفان، والذي يؤيد هذا الكلام الحوار الذي دار بین المقداد بن عمرو وعبدالله بن أبي ربيعة خارج المنزل الذي جرى فيه الاجتماع: ((حيث أقبل المقداد بن عمرو والناس مجتمعون فقال: أيها الناس اسمعوا ما أقول: أنا المقداد بن عمرو إنكم إن بايعتم

ص: 349


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 319 .
2- الشهرستاني، وضوء النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) 1 /231.
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/ 149 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 90 - 91 .

عليا سمعنا واطعنا وان بايعتم عثمان سمعنا وعصينا فقام عبدالله بن أبي ربيعة المخزومي فنادى أيها الناس إنكم إن بايعتم عثمان سمعنا وأطعنا وإن بايعتم عليا سمعنا وعصينا فقال له المقداد: ياعدو الله وعدو رسوله وعدو كتابه ومتى كان مثلك يسمع له الصالحون...))(1).

أما عبد الرحمن فإنه وضع لكي يرجح كفة على أخرى ولا نراه يميل إلى كفة الإمام علي (علیه السلام)؛ لأنه تربطه صلات وثيقة من القرابة والمصاهرة بعثمان بن عفان كما بينا سابقا، وهذا ما يوضح قول عبدالله بن أبي ربيعة اتقي الله وكأنه كان هناك اتفاق مسبق بينهم على تولي عثمان بن عفان السلطة.

اما سند الرواية فهي عن عبدالله بن أبي ربيعة وهذا الرجل معروف بعدائه للإمام علي (علیه السلام)، بل ولرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) والإسلام، فهو الذي بعثته قريش مع عمرو بن العاص إلى النجاشي لإيذاء مهاجرة الحبشة، أسلم يوم فتح مكة وكان اسمه بحیرة فسماه رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عبدالله، ولما حوصر عثمان أقبل مسرعا من صنعاء لنصرة عثمان فلقيه صفوان بن أمية على فرس وهو يركب بغلة فجفلت من الفرس فطرحته ارضا فانكسر فخذه فوضع على السرير ثم جهز أناسًا كثيرين لحرب الإمام علي (علیه السلام) بحجة الطلب بدم عثمان(2).

ثم إن عمر بن الخطاب قد هدد أهل الشورى، قائلا: ((إن اختلفتم دخل عليكم معاوية بن أبي سفيان من الشام وبعده عبدالله بن أبي ربيعة من اليمن فلا يريان لكم فضلا الا بسابقتكم))(3).

ص: 350


1- الجوهري، السقيفة وفدك، 86 . وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9/ 52 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 91 . وينظر: الذهبي، تاريخ الإسلام، 3/ 466 - 467 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 90 . وينظر: ابن عساكر، تاريخ دمشق، 59 / 124 .

واستدعى عمر بن الخطاب أبا طلحة الأنصاري قبل أن يموت بساعة فقال يا أبا طلحة كن في خمسین من قومك من الأنصار مع هؤلاء النفر أصحاب الشورى فانهم فيما أحسب سيجتمعون في بيت أحدهم فقم على ذلك الباب بأصحابك فلا تترك أحدا يدخل عليهم ولا تتركهم يمضي اليوم الثالث حتى يؤمروا أحدهم(1)، فإن استقاموا وإلا فادخلوا عليهم فاضربوا اعناقهم(2).

ولا أعلم كيف يأمر عمر بضرب أعناقهم وهو يعتبرهم أفضل المسلمين وإن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) مات وهو راض عنهم؟ ثم ما الجرم الذي فعله هؤلاء حتى يقتلوا؟.

ومن الاجراءات التي عملها عمر للحيلولة من دون وصول الإمام علي (علیه السلام) إلى سدة الخلافة، ((إنه أمر أصحاب الشورى تشاوروا في امركم فإن كان اثنان واثنان فارجعوا في الشورى وان كان أربعة واثنان فخذوا صنف الأكثر وإن اجتمع رأي ثلاثة وثلاثة فاتبعوا صنف عبدالرحمن بن عوف واسمعوا واطيعوا))(3). وهنا لم يوضح لنا عمر بن الخطاب ما الفضيلة التي تميز بها ابن عوف حتى يجعله عمر بيضة القبان.

ثم ان عمر بن الخطاب أخذ يبرر فعل هذا الأمر وخالف من سبقه في ذلك، فذكر ابن سعد نصا يعتبر قضية الاستخلاف وعدم الاستخلاف من السنن التي سار عليها رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وأبو بكر فيقول: ((توفي رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ولم يستخلف

ص: 351


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 58 . وينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 5/ 506 ؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق، 39 / 197 ؛ المتقي الهندي، كنز العمال، 5/ 733 .
2- ابن سعد الطبقات الكبرى، 3/ 317 . وينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 10 / 421 ؛ المتقي الهندي، كنز العمال، 12 / 681 .
3- ابن سعد. الطبقات الكبرى، 3/ 58 . وينظر: المتقي الهندي، كنز العمال. 5/ 733 .

وتوفي أبو بكر فاستخلف فقال علي: فعرفنا انه لن يعدل بسنة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فذاك حین جعلها عمر شورى بین عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبیر وطلحة وعبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وقال للانصار ادخلوهم بيتا ثلاثة أيام فإن استقاموا والا فادخلوا عليهم فاضربوا اعناقهم))(1).

وهنا نضع ملاحظات عدّة على النص السابق:

ان قول عمر بن الخطاب بأن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لم يستخلف، فهذا يخالف ما قاله عمر في ذلك، فعن ابن عباس قال: سألني عمر عن حال ابن عمي الإمام علي (علیه السلام) هل بقي في نفسه شي عن أمر الخلافة؟ قلت:نعم، قال: أيزعم ان رسول الله نص عليه؟ قلت: نعم، وازيدك سألت أبي عما يدعيه، فقال: صدق؟ فقال عمر: لقد كان من رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) في أمره ذرو من قول لا يثبت حجة ولايقطع عذرا ولقد كان يربع في امره وقتا ما ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك اشفاقا وحيطة على الإسلام...)(2).

ثم أي إجماع وأي شورى وأي اختيار لمن يجلس والسيف على رأسه ويهدد بالقتل؟ ثم كيف يقتل من ورد فيهم أحاديث بأنهم من أهل الجنة(3).

رابعًا: موقف الإمام علي (علیه السلام) من خلافة عثمان بن عفان

اشارة

بعد ما جرى في قصة الشورى وكيفة وصول عثمان إلى الخلافة في أواخر ذي الحجة سنة 23 ه-(4)، فعن عمر بن عمیرة بن هانئ مولى عمر بن الخطاب عن

ص: 352


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 317
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 12 / 20 - 21 .
3- ايوب: سعيد، معالم الفتن، ط 1، مجمع احياء الثقافة الإسلامية، قم، 1416 ه-، 1/ 396 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 60 ؛ الدينوري: أبو حنيفه أحمد بن داود (ت 276 ه-/ 889 م)، الأخبار الطوال، تح: عبد المنعم عامر، مراجعة، جمال الدين الشيال، ط 1، دار احياء الكتب العربية – مر، 1960 م، ص 139 .

أبيه عن جده قال: أنا رأيت عليًا بايع عثمان أول الناس ثم تتابع الناس فبايعوا(1).

يظهر من النص الذي أورده ابن سعد أن عملية المبايعة لعثمان جاءت بموافقة المسلمين عامة، وهو بذلك يخالف نصًا أورده ابن حنبل(2) فقد روي عن أبي وائل أنه قال: ((قلت لعبد الرحمن بن عوف كيف بايعتم عثمان وتركتم عليا؟ قال: ما ذنبي قد بدأت بعلي فقلت أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسیرة أبي بكر وعمر، فقال: فيما استطعت: ثم عرضتها على عثمان فقبلها))، والذي يظهر أن أبا

وائل لم يكن راضيًا على تولي عثمان الخلافة.

ثم تصدر منبر رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فخطبهم قائلا: (أيها الناس إن أولّ مركب

صعب وإن بعد اليوم أياما وإن أعش تأتكم الخطبة على وجهها، وما كنا خطباء وسيعلمنا الله)(3). يظهر من ذلك أن عثمان لم يكن ذا خبرة في شؤون المسلمين ولا يعلم ماذا سيعمل ولم يكن خطيبا.

ولما كان عثمان لم تتوفر فيه مواصفات القيادة المحنكة والحكيمة والحذقة، ولم يكن أغلب الصحابة الذين يتميزون بالحكمة معه فقد لجأ إلى الاسلوب الاغرائي عن طريق إعطاء الأموال إلى الناس لضمان رضاهم وسكوتهم عنه.

ص: 353


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 59 .
2- ابن حنبل، مسند أحمد، 1/ 75 . وينظر: ابن عساكر، تاريخ دمشق، 39 / 202 ؛ ابن الجوزي،المنتظم، 4/ 337 ؛ ابن الأثیر، أسد الغابة، 4/ 32 ؛ التبريزي، الإكمال في اسماء الرجال، 139 ؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، 5/ 185 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 59 .

فقد اعطى مروان بن الحكم بيوت الأموال(1)، ولما فتح أفريقيا أعطاه مائة ألف دينار(2)، وأعطاه فدك وهي هبة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) إلى ابنته فاطمة الزهراء (علیه السلام)(3)، وأعطى الحارث بن الحكم بن أبي العاص ثلاثمائة الف درهم، وأعطى زيد بن ثابت مائة ألف درهم(4)، وارجع طريد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) الحكم بن أبي العاص بعد أن رفض أبو بكر وعمر ارجاعه عندما استلما الحكم، وذهب إلى ابعد من ذلك حین جعله من المقربین إليه(5).

إن هذه الاعمال وغيرها جعلت أبا ذر ينادي بین الناس في الطرقات والشوارع (بشر الكافرين بعذاب أليم)، ويتلو قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)(6)، فرفع ذلك مروان بن الحكم إلى عثمان فأرسل عثمان رسوله إليه يخبره بأن ينتهي عن ذلك، فأجابه أبو ذر: أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله وعيب من ترك أمر الله، فوالله لئن أرضي الله بسخط عثمان أحب إليّ وخیر لي من أن أسخط الله برضاه، فاغضب عثمان ذلك فما كان منه إلا أن يبعثه إلى الشام؛ ليصبح تحت أنظار معاوية بن أبي سفيان، الا ان هذا الأمر لم يمنعه من قول الحق ومعارضته للحكم الجائر حتى أعيد من الشام إلى المدينة ثم نفي إلى الربذة(7).

ص: 354


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 8/ 256 .
2- ابن ميثم البحراني، شرح نهج البلاغة، 1/ 262 .
3- ابن قتيبة، المعارف،ص 195 .
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 3/ 54 .
5- ابن قتيبة، المعارف،ص 194 .
6- سورة التوبة، آية 34 .
7- البلاذري، أنساب الأشراف، 5/ 542 - 543 . وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 8/ 256 ؛ أبو الفداء، المختصر في أخبار البشر (تاريخ أبي الفداء)، 1/ 166 ؛ ابن كثیر، البداية والنهاية، 175/7.

وكان للإمام علي (علیه السلام) موقف من نفي أبي ذر، فقد أمر عثمان فنودي في الناس: الا يكلم أحد أبا ذر ولا يشيعه، وأمر مروان بن الحكم أن يخرج به، وتحاماه الناس إلا الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام) وأخاه عقيلا وحسنًا وحسينًا (علیهم السلام) وعمارا والمقداد بن الاسود وعيينة بن عباس فأنهم خرجوا معه ليشيعونه، فاخذ الإمام علي (علیه السلام) يعزي أبا ذر فيما نزل به ويأمره بالصبر والاحتساب إلى وقت الفرج، فتقدم مروان بن الحكم إلى الإمام علي (علیه السلام) ونهاه عن الخروج والتشيع بأمر عثمان فما كان من الإمام (علیه السلام) إلا أن رفع سوطا كان بيده فضرب بین أذني بعیر مروان وقال إليك عنّا يابن الزرقاء(1) أمثلك يعترض علينا في الذي نصنع(2).

واظهرت بعض المصادر التاريخية بأن أباذر لم يكن الوحيد من الصحابة الذي لاقى الأذى من عثمان(3) فقد تعرض عمار بن ياسر إلى الشتم من قبل عثمان، حيث قال له: يا ابن المتكاء(4)، وكذبت يا بن سمية، وامر بضربه حتى غشي عليه ثم أخرج فحمل حتى جيء به منزل أم سلمة زوج النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وقد فاتته صلاة

ص: 355


1- كان يقال ذلك من يريد ذمهم وعيبهم، والزرقاء هي بنت موهب جدة مروان بن الحكم لأبيه وكانت من ذوات الرايات التي يستدل بها على ثبوت البغاء، فلهذا كانوا يذمون بها. ينظر: ابن الأثیر، الكامل في التاريخ، 4/ 194 .
2- ابن أعثم: أحمد الكوفي (ت 314 ه-/ 927 م)،الفتوح، تح: علي شیري، ط 1، دار الاضواء بیروت 1411 ه-، 2/ 376 . وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 8/ 252 - 253 .
3- البلاذري، أنساب الأشراف، 5/ 538 - 539 .
4- وهي التي لا تحبس بولها، وقيل هي التي لم تخفض ولذلك قيل في السب يا بن المتكاء أي عظيمة ذلك. ينظر: ابن قتيبة الدينوري، غريب الحديث، 2/ 116 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 10 / 485 ؛ الزبيدي، تاج العروس، 13/ 639 .

الظهر والعصر والمغرب بسبب ماهو فيه. وأمر عثمان بإخراج عبدالله بن مسعود من مسجد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بالقوة حيث قام غلام بحمله على عنقه حتى ضرب به الأرض فكسر ضلعه، فقال الإمام علي (علیه السلام): يا عثمان أتفعل هذا بصاحب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)؟ فقال عثمان: فعلت هذا لأنه قال: إن دم عثمان حلال(1).

وبعد سياسة المحاباة التي اتبعها عثمان مع بني أمية فما كان من المسلمين إلا أن اتخذوا جانب المعارضة ضد هذه السياسة إلأ أن هذه المعارضة لم تغیر شيئا من منهجه الداعي إلى تقريب بني أمية إليه، والذي يؤكد هذا الأمر ما نقله سالم بن أبي الجعد قائلا: ((دعا عثمان ناسا من الصحابة فيهم عمار فقال: أني سالتكم وأحب أن تصدقوني: ننشدكم الله أتعلمون أن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) كان يؤثر قريشا على سائر الناس ويؤثر بني هاشم على سائر قريش فسكتوا فقال: لو أن بيدي مفاتيح الجنة لا عطيتها بني أمية حتى يدخلوها))(2).

أما عن موقف الإمام علي (علیه السلام) في هذه الأحداث التي جرت في أيام عثمان بن عفان، فإنه سار على الطريقة نفسها التي سار بها في أيام أبي بكر وعمر فإنه لم يدخر جهدًا في اعطاء النصيحة لعثمان في جميع شؤون الدولة، وإن المعارضة التي انتهجها الإمام (علیه السلام) في خلافة عثمان ما هي إلا لتطبيق الشريعة الإسلامية، وهنا سوف نذكر بعض الأمثلة:

اولا: عن محمد بن الحنفية قال: جاء إلى علي ناس من الناس فشكوا (سعاة)(3)

ص: 356


1- البلاذري، أنساب الأشراف، 5/ 525 .
2- ابن عساكر، تاريخ دمشق، 39 / 252 . وينظر: ابن الأثیر، أسد الغابة، 3/ 380 ؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، 3/ 432 .
3- السعاة جمع ساعي، وهو الذي يتولى جمع الصدقات. ينظر: الفراهيدي، العين، 2/ 202 .

عثمان قال: فقال لي أبي: اذهب بهذا الكتاب إلى عثمان فقل له: إن الناس قد شكوا سعاتك وهذا أمر رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) في الصدقة فمرهم فيأخذوا به قال فأتيت عثمان فذكرت ذلك له فلو كان ذاكرا عثمان بي لذكره يؤمئذ يعني بسوء(1).

ثانيا: عن ابن المسيب قال: خرج عثمان حاجا فقيل لعلي قد نهى عثمان عن التمتع بالعمرة فقال علي لأصحابه: إذا ارتحل فارتحلوا فأهل علي وأصحابه بعمره فلم يكلمه عثمان في ذلك فقال له علي: أخبرت أنك نهيت عن التمتع بالعمرة؟ فقال عثمان: بلى قال علي: أفلم تسمع من رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) تمتع؟ قال: بلى(2).

ثالثا: عن الحسن بن سعد قال: إن يحنس وصفية كانا من سبي الخمس فزنت صفية برجل من الخمس فولدت غلاما فادعاه الزاني ويحنس فاختصما إلى عثمان فرفعهما إلى علي بن أبي طالب فقال: اقضي فيهما بقضاء رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) الولد للفراش وللعاهر الحجر واجلدهما خمسین خمسین(3).

مع أن عثمان أسكت معارضيه من الصحابة في المدينة إلا أن هذا لم يمنع بقية الناس المتواجوين في الأمصار من الاعتراض على استبداد الولاة فكثرت شكاية الناس منهم.

ففي الكوفة بعد أن عزل عثمان الوليد بن عقبة ولّی مكانه سعيد بن العاص

ص: 357


1- المحب الطبري، الرياض النظرة في مناقب العشرة، 3/ 49 .
2- الدار قطني: أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي (ت 385 ه- / 995 م)، سنن الدارقطني، تحقيق: تعليق وتخريج: مجدي بن منصور سيد الشوري، ط 1، دار الكتب العلمية – بیروت، 1417 ه-/ 1996 م، 2/ 252 . وينظر: النسائي، سنن النسائي، 5/ 152 ؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك، 1/ 472 .
3- ابن حنبل، مسند أحمد، 1/ 104 . وينظر: المتقي الهندي، كنز العمال، 6/ 198 .

الذي كان طيلة خلافة عمر ماكثا في داره، وكان سبب اختيار عثمان له هو القرابة التي بينهما، فما ان صعد المنبر حتى وصف أهل الكوفة بالشقاق والخلاف، وقال: انما هذا السواد بستان لاغيلمة من قريش فشكوه إلى عثمان، فكان رد عثمان سلبي حيث قال ((كلما رأى أحدكم من أمره جفوة أرادنا أن نعزله)) فبقى سعيد واليا على الكوفة خمس سنوات(1).

واستمرت إساءته إلى أهل الكوفة، حتى أنّه ذات يوم قال من رأى منكم الهال؟ فقال القوم ما رأيناه فأجابه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص: أنا رأيته فقال له سعيد بن العاص: بعينك هذه العوراء؟ فرد عليه هاشم: تعیرني بعيني وإنما فقعت في سبيل الله، ولما كان هاشم قد رأى الهلال فما كان منه إلا أن يفطر فبلغ ذلك سعيد بن العاص فأمر بضربه وحرق داره، فخرجت أم الحكم بنت عتبة بن أبي وقاص ونافع بن أبي وقاص من الكوفة قاصدين المدينة لإخبار سعد بن أبي وقاص بما حدث لهاشم فأخبر سعد عثمان بما فعل سعيد بن العاص فأمر بضرب سعيد وحرق داره. ولم تكن هذه الشكاية الوحيدة ضد سعيد بن العاص فقد خرج من الكوفة الأشتر مالك بن الحارث ويزيد بن مكفف وثابت بن قيس، وكميل بن زياد النخعي، وزيد وصعصعة ابنا صوحان العبديان، والحارث بن عبدالله الأعور، وجندب بن زهیر، وأبو زينب الازديان، وأصغر بن قيس الحارثي يسألون عثمان عزل سعيد بن العاص، فلما اجتمعوا بعثمان دخل عليهم سعيد بن العاص فأبى عثمان أن يعزله، وأمره بأن يعود إلى عمله(2). ولا نعلم السبب

ص: 358


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 35 - 36 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 37 . وينظر: الضبي: سيف بن عمر الاسدي (ت 200 ه-/)، الفتنة ووقعة الجمل، تح: أحمد راتب عرموش، ط 1، دار النفائس – بیروت، 1391 ، ص 46 ؛ ابن حنبل، مسند أحمد، 5/ 392 ؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك، 2/ 158 ؛ النووي: أبى زكريا محي الدين بن شرف (ت 676 ه- / 1277 م)، شرح صحيح مسلم، د. تح، دار الكتاب العربي، بيروت، 1987 م و 18 / 18 ؛ الهيثمي، مجمع الزوائد، 7/ 233 .

لاصرار عثمان على تولية سعيد بن العاص إلا النزعة القبلية والمحاباة الشخصية.

فما كان من مالك الأشتر إلا أن يعود إلى الكوفة ويصعد المنبر ويقول: (هذا سعيد بن العاص قد أتاكم يزعم أن هذا السواد بستان لاغيلمة من قريش والسواد مساقط رؤسكم ومراكز رماحكم وفيئكم وفئ ابائكم فمن كان يرى لله عليه حقا فلينهض إلى الجرعة). فحدثت مايسمى بحادثة الجرعة فقد خرج الناس وعسكروا في الجرعة، فأرسل مالك الأشتر يزيد بن قيس الأرحبي وعبدالله بن كنانة العبدي ومعهم ألف فارس وقال لهما: سیرا إلى سعيد بن العاص فازعجاه وألحقاه بصاحبه يعني عثمان فإن أبى فاضربا عنقه وأتياني برأسه، فاجبراه على الرجوع(1) وكانت هذه الحادثة سنة 34 ه-(2).

موقف الإمام علي (علیه السلام) من حصار عثمان

بعد ان تولى عثمان بن عفان الحكم ووزع الأموال والمناصب على المقربین منه والموالین إليه، ساد الظلم في الأمصار الإسلامية مما دعى بالأمصار إلى الثورة ضده والتي كان أولها ما قام به أهل الكوفة من طرد سعيد بن العاص.

أما في مصر فقد ساء تعامل واليها ابن أبي سرح فما كان منهم إلا أن شكوه إلى عثمان بن عفان فكتب إليه كتابا يتهدده فيه فأبى ابن أبي سرح أن يقبل ما نهاه عنه عثمان، وضرب من أتى بكتاب عثمان حتى قتله(3).

ص: 359


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 37 . وينظر: ابن حنبل، مسند أحمد، 5/ 394 .
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 330 .
3- ابن شبة: أبو زيد عمر بن شبة النمري البصري (ت 262 ه- / 875 م)، تاريخ المدينة، تح: فهيم محمد شلتوت، القدس – قم، 1410 ه-/ 1368 ش، 4/ 1158 . وينظر: ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1/ 39 .

فشكل أهل مصر وفدًا لملاقاة عثمان وتقديم الشكوى من جديد، وكان يقودهم عبدالرحمن بن عديس البلوى(1)، وسودان بن حمران المرادي وابن البياع وعمرو بن الحمق الخزاعي(2) وكان معهم سبعمائة من أهل مصر فنزلوا بذي خشب(3) فأرسل اليهم محمد بن مسلمة وقال له: اذهب إليهم فأرددهم عني واعطهم الرضى، واخبرهم أني فاعل بالأمور التي طلبوها(4).

يظهر مما تقدم أن الأمور كانت تسیر على طبيعتها وأن قبول عثمان بمطالب أهل مصر جاء بسرعة، في حین أن هناك نصوصًا اخر تقول خلاف ذلك، فقد رفض عثمان مطالبهم فما كان من طلحة بن عبيد الله إلا أن قام إليه فكلم عثمان بكلام شديد وأرسلت إليه عائشة زوج النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) تقول له ((تقدم إليك أصحاب محمد (صلی الله علیه و آله و سلم) وسألوك عزل هذا الرجل فأبيت إلا واحدة فهذا قد قتل منهم رجلا فاقضهم من عاملك))(5).

ص: 360


1- هو أبو محمد البلوي، أمیر المصريین اللذين قدموا على عثمان بن عفان إلى المدينة لمحاصرته وقتله، وكان ممن بايع رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) تحت الشجرة، وشهد الحديبية، توفي في الشام سنة 36 ه-. ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 840 ؛ ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 45 / 107 ؛ ابن الأثیر، أسد الغابة، 3/ 309 .
2- هو ابن الكاهن بن حبيب الخزاعي اسلم بعد الحديبية، سكن الشام، ثم انتقل إلى الكوفه، من الموالین للامام علي (علیه السلام) شهد معه مشاهده كلها، هرب أيام زياد إلى الموصل ودخل غارا فنهشته حيه فقتلته، وكانت وفاته سنة 50 ه-. ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 3/ 1173 / 1174 .
3- هو واد من مخاليف اليمن على مسیرة ليلة من المدينة. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 373/2 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 1/ 355 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 61 .
5- ابن أبي شيبة، تاريخ المدينة، 4/ 1158 . وينظر: ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1/ 39 ؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق، 39 / 416 .

وهنا أغفل ابن سعد ذكر ما قام به الإمام علي (علیه السلام) حتى أجبر عثمان عن الرجوع عن رأيه فقد دخل عليه الإمام علي (علیه السلام) فقال له: إنما يسألونك رجلا مكان رجل وقد ادعوا قبله دما فاعزله عنهم واقض بينهم فإن وجب عليه حق فانصفهم منه، فقال لهم اختاروا رجلا أوليه عليكم مكانه فأشار الناس عليه بمحمد بن أبي بكر فكتب عهده وولاه وخرج معه عدد من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بین أهل مصر وابن أبي سرح(1).

يظهر من ذلك أن الإمام (علیه السلام) هو من درأ الفتنة، ويظهر أيضا أن هذه الحركة الاعتراضية التي قام بها أهل مصر جاءت بصورة عفوية، ولم يكن قد خطط لها، إذن بماذا نفر الطريقة التي جاء بها المصريون، حيث قدم معهم سبعمائة رجل ونزولهم في ذي خشب، أليس هذه أعداد احتجت بها للقيام بشيء إذا رفض الخليفة مطالبهم.

ونتيجة لعدم سماع عثمان لنصائح الصحابة واعتماده على أشخاص يُسيؤون إلى المسلمين أكثر من نفعهم لهم، وظنًا منه بأن هذه الثورة أو الحركة الاعتراضية التي قام بها أهل مصر لن تلبث ان تخمد عن طريق الانتقام وقتل قادة هذه الحركة. فأرسل كتابا إلى ابن أبي السرح مع غلام له يخبره اذا اتاك محمد بن أبي بكر وفلان فاحتل لقتلهم، وابطل كتابه وقر على عملك حتى يأتيك رأيي واحبس من يأتي إلي يتظلم منك(2).

فلما كان الوفد بالبويب(3) اراحوا جملا فاذا فيه غلام لعثمان ففتشوه فوجدوا

ص: 361


1- ابن أبي شبة، تاريخ المدينة، 4/ 1159 . وينظر: ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1/ 39 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 61 . وينظر: ابن عساكر، تاريخ دمشق، 39 / 416 .
3- هو مدخل أهل الحجاز إلى مصر. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 1/ 512 .

فيه قصبة من رصاص فيها كتاب في جوف الأدواة فقرؤو الكتاب فرجع القوم ثانية حتى نزلوا بذي خشب فارسل عثمان بن عفان إلى محمد بن مسلمة فقال أخرج فارددهم عني فقال: لا أفعل فقدم القوم وحاصروا عثمان في داره(1).

فأنكر عثمان أن يكون كتب الكتاب أو أرسل ذلك الرسول، وقال حدث ذلك دون علمي(2). وربما هذا الكلام صحيح؛ لأن مروان هو من كان يسيطر على قرارات الدولة، فهو ابن عمّه وكاتبه أيام حكمه والذي يؤكد صحة هذا الكلام هو تردد الغلام فمرة يقول: أنا غلام أمیر المؤمنن، ومرة يقول غلام مروان(3).

ثم ان عمرو بن الأصم يقول كنت فيمن ارسلوا من جيش ذي خشب، فقالوا لنا سلوا أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) واجعلوا آخر من تسألون عليًا أنقدم؟ قال: فسألناهم فقالوا اقدموا، الا عليا قال: لا أمركم فإن ابيتم فبيض فليفرخ(4).

يظهر هذا النص أن الإمام عليًا (علیه السلام) كان رافضًا دخول الثوار إلى المدينة ليس لأنه راضٍ عما يفعله عثمان؛ ولكن لعلمه لما سوف تؤول إليه الأحداث.

ولما قدموا المدينة جمعوا طلحة والزبیر والإمام عليًا (علیه السلام) وسعدًا ومن كان من أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فقرأ الكتاب بحضورهم، فلما علموا مافي الكتاب رجعوا إلى منازلهم؛ ما منهم أحد إلا هو مغتم بما قرأوا في الكتاب(5). فلما علم

ص: 362


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 61 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 62 .
3- السيوطي، تاريخ الخلفاء، 174 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 62 .
5- البلاذري، أنساب الأشراف، 6/ 177 . وينظر: ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1/ 40 .

الناس برجوع أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) إلى منازلهم ثار أهل المدينة على عثمان(1)، فقدم المصريون وأهل المدينة فحصروا عثمان(2)، وكان أكثر المبغضین لعثمان هم طلحة والزبیر(3) فطلحة كان أشد المعارضین لعثمان على الرغم مما كان يقدمه له حيث كانت معارضته سرية بسبب طمعه بالوصول إلى السلطة(4). والذي يوضح ذلك الأمر ما نقله ابن حنبل(5) قائلا: (فعن زيد بن اسلم عن أبيه قال شهدت عثمان يوم حوصر في موضع الجنائز ولو ألقي حجر لم يقع إلا على رأس رجل فرأيت عثمان أشرف من الخوخة فقال يا أيها الناس أفيكم طلحة فسكتوا ثم قال أفيكم طلحة فقام طلحة بن عبيدالله فقال له عثمان ألا أراك ههنا ما كنت أرى أنك تكون في جماعة قوم يسمعون ندائي آخر ثلاث مرات ثم لا يجيبني...)

أما موقف الإمام علي (علیه السلام) من حصار عثمان فقد كان واضحا إذ كان ناصحا له كما هو معهود منه ذلك فلما ازدات الفتنة وثارت الجموع الساخطة على عثمان طلب عثمان من الإمام علي (علیه السلام) بأن يرد الجموع عنه قائلا له: ((يابن عم إن قرابتي قريبة ولي عليك حق عظيم وقد جاء ما ترى من هؤلاء القوم وهم مصبحي، ولك عند الناس قدر وهم يسمعون منك وأحب ان تركب إليهم فتردهم عني فإنّ في دخولهم علي توهينا لأمري وجرأة عليَّ فقال علي (علیه السلام) : على أي شي أردهم عنك، قال: على أن أصیر إلى ما أشرت إليه ورأيته لي فقال علي

ص: 363


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 401 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 61 .
3- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2/ 175 .
4- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1/ 40 . وينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 8/ 81 .
5- مسند أحمد، 1/ 74 . وينظر: ابن عساكر، تاريخ دمشق، 39 / 342 ؛ ابن كثیر البداية والنهاية، 199/7.

(علیه السلام): إني قد كلمتك مرة بعد أخرى فكل ذلك تخرج وتقول ثم ترجع عنه وهذا من فعل مروان وابن عامر ومعاوية وعبدالله بن سعد فانك اطعتهم وعصيتني قال عثمان أنا أعصيهم وأطيعك))(1).

يظهر مما تقدم أن الإمام عليًا (علیه السلام) كان قد نصح عثمان أكثر من مرة إلا أن عثمان قد وقع تحت سيطرة مروان بن الحكم ومعاوية وابن عامر وعبدالله بن سعد، حتى أنه عندما استطاع الإمام (علیه السلام) ارجاع المصريین قام مروان بتحريض عثمان مرة اخرى، فنهض له عمرو بن العاص وقال له: اتق الله يا عثمان فإنك ركبت أمورا وركبناها معك فتب إلى الله نتب(2).

وبعد أن وعد عثمان الناس بأن ينصفهم وأن يرجع حقوقهم إليهم جاء الناس إلى باب عثمان وبأعداد كبیرة طالبین حقوقهم، فما كان من عثمان وبتحريض من مروان الا ان تنصل عن وعوده، وأمر مروان برد هؤلاء الناس فخاطبهم مروان قائلا: ((ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم قد جئتم لنهب، شاهت الوجوه كل إنسان أخذ بإذن صاحبه إلا من أريد جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا، أخرجوا

عنّا أما والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم منّا أمر لا يسركم ولا تحمدوا))(3).

وبعد هذه الأحداث ما كان من طلحة بن عبيد الله إلا أن ألّب الناس على عثمان وحاصروه في بيته، حتى قال عثمان مقولته في طلحة: (اللهم اكفني طلحة بن عبيدالله فإنه حمل هؤلاء وألّبهم والله إني لأرجو أن يكون منها صفرا وإن

ص: 364


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 393 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3/ 162 .
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 395 .
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 397 .

يسفك دمه إنه انتهك مني مالايحل له)(1).

أمّا موقف الزبیر بن العوام من حصار عثمان، فقد كان الزبیر عند (احجار الزيت)(2) فقيل له قد حيل بین أهل الدار وبین الماء فقال: (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ)(3))(4).

أما موقف عائشة من حصار عثمان، فعن حكيم بن عبدالله قال: دخلت يوما بالمدينة إلى المسجد فإذا كفٌّ مرتفعة وصاحب الكف يقول: أيها الناس العهد قريب هذان نعلا رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وقميصه، وكأني أرى ذلك القميص يلوح تقول وان فيكم فرعون هذه الامة فاذا هي عائشة وعثمان يقول لها: اسكتي ثم يقول للناس انها امراة وعقلها عقل النساء فلا تصغوا إلى قولها وفي نص آخر عن الحسن بن سعد قال: رفعت عائشة ورقة من المصحف بین عودتین من وراء

حجلها وعثمان قائم ثم قالت ياعثمان أقم مافي هذا الكتاب فقال: لتنتهین عما أنت عليه أو لأدخلنّ عليك حجر النار فقالت له عائشة: أما والله لئن فعلت ذلك بنساء النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) بلغتك الله ورسوله وهذا قميص رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لم يتغیر وقد غیرت سنته (يانعثل)(5)(6).

ص: 365


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 411 .
2- هو موضع يقع في سوق المدينة بالقرب من الزوراء، وتقام فيه صلاة الاستسقاء. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 1/ 109 .
3- سورة الحجرات، اية 9.
4- القاضي النعمان، شرح الاخبار، 1/ 481 . وينظر: المفيد: أبو عبد الله محمد بن النعمان العكبري البغدادي (ت 413 ه- / 1022 م)، الجمل، ط 1، مكتبة الداوري قم – ايران، 1445 ه-، ص 75 .
5- نعثل: الشيخ الأحمق. ينظر: الفراهيدي، العين، 2/ 341 .
6- المفيد، الجمل، 75 - 76 .

ثم إنه ذات يوم يمنع عثمان عن عائشة أرزاقها فغضبت ثم قالت يا عثمان أكلت أمانتك وضيعت الرعية وسلطت عليهم الأشرار من أهل بيتك والله لولا الصلوات الخمس لمشى إليك اقوام ذو بصائر يذبحونك كما يذبحون الجمل، فأجابها عثمان (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)(1)، فأخذت عائشة لا تدخر جهدا في تأليب الناس عليه، وهي تقول هذا قميص رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لم يبل وقد بليت سنته اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا(2).

ثم انها ذات يوم أتت المسجد وعثمان يخطب في الناس على منبر رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فاذا هي ترفع قميصًا لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) على قصبة أو جريدة من جرائد النخل فقالت: ياعثمان قميص رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لم يبل وقد غیرت سنته(3).

فلما حوصر عثمان في بيته خرجت عائشة تريد مكة فلقيها ابن عباس فقالت له: يابن عباس إنك قد أوتيت عقلا وبيانا فإاك أن ترد الناس عن قتل هذا الطاغي عثمان فإني أعلم أنه سيشام قومه كما شام أبو سفيان قومه يوم بدر(4).

يظهر مما تقدم ان عائشة زوج النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وطلحة والزبیر كانوا من أشد

ص: 366


1- سورة التحريم، اية 10
2- ابن اعثم، الفتوح، 2/ 421 . وينظر: الفخر الرازي: أبو عبد الله محمد بن ضياء الدين (ت 604 ه-/1207 م)، المحصول في علم أصول الفقه، تح: طه جابر فياض العلواني، ط 2، مطبعة مؤسسة الرسالة – بيروت، 1412 ه- ، 4/ 343 .
3- ابن شاذان: الفضل الأزدي النيسابوري (ت 260 ه- / 873 م)، الإيضاح، تح: السيد جلال الدين الحسيني الارموي المحدث، ط 1، مؤسسة انتشارات وجاب دان شكاه تهران، 1351 ش، ص 264 .
4- ابن اعثم، الفتوح، 2/ 422 . وينظر: المفيد، الجمل، 77 .

المعارضین لعثمان وسياسته، ولم تكن هذه المعارضة من اجل إقامة شرع الله وتطبيق سنة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وإنما من اجل مصالح شخصية، فعائشة حاربت عثمان؛لأنه أخر العطاء عنها، وطلحة والزبیر كانا طامعین في السلطة بتأييد من عائشة.

أمّا موقف الإمام علي (علیه السلام) من حصار عثمان، فبعد أن اشتد حصار عثمان بعث إلى الإمام علي (علیه السلام) أن ائتني فقام علي (علیه السلام) ليأتيه فقام بعض أهل علي (علیه السلام) حتى حبسه وقال: ألا ترى إلى مابین يديك من الكتائب؟ لا تخلص إليه وكانت على الإمام (علیه السلام) عمامة سوداء فنقضها من رأسه ثم رمى بها إلى رسول عثمان وقال: اخبره بالذي قد رأيت، ثم خرج الإمام علي (علیه السلام) من المسجد حتى انتهى إلى أحجار الزيت في سوق المدينة فاتاه قتله فقال: اللهم إني أبرأ إليك من دمه أن أكون قتلت أو مالئت على قتله(1).

يظهر من النص أن المسلمين كانوا مجتمعین في المسجد، وأن عثمان كانت تحاصره الكتائب، فجاء رسول عثمان إلى الإمام علي (علیه السلام) يخبره بالحضور إلى عثمان فمنع بعض أهل الإمام (علیه السلام) من الذهاب إليه، فهذا المنع لا يعني أن الإمام (علیه السلام) كان فاقد الارادة بل بسبب التجارب السابقة مع عثمان وتنصله عن وعوده التي يوعدها للإمام في كل مره، ولأن الجو العام كان مشحونًا ولا يوحي بالتهدئة والحل السلمي.

ويظهر النص أيضا أن الإمام عليًا (علیه السلام) كان على علم بأن عثمان سوف يُقتل لأن كل الظروف والقرائن كلها تدل على ذلك، ولكن هذا لا يعني أن الإمام (علیه السلام) كان ممن خطط ودبّر لهذا الأمر لأن رجلا كأمیر المؤمنين علي (علیه السلام) لا يمكن

ص: 367


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 65 .

أن يكون من مدبري هذا الأمر ويرسل ابنه الحسن (علیه السلام) للدفاع عن عثمان(1)، وعلى الرغم من أن الإمام (علیه السلام) كان من اشد المعارضین لعثمان ولسياسته، فإنه لم يفكر بهكذا أمر لان الإمام (علیه السلام) كان قد تبنى المعارضة الهادئة مع كل الحكام الذين سبقوا عثمان، وإن كانت معارضته لعثمان أكثر شدّة، إلا أنها لم تصل إلى حد سفك الدماء لأنه يعتبرها سابقة في الإسلام سوف تنتج آثارًا سلبيه على الإسلام والمسلمين على الصعيد الداخلي والخارجي، ولذلك نراه (علیه السلام) قد بذل جهدا حقيقيا لمنع قتل عثمان.

ثم إن ابن سعد ذكر نصًا آخر يوضح حال عثمان وهو محاصر قال: ((فعن ابن سیرين كان مع عثمان يومئذ في الدار سبعمائة لو يدعهم لضربوهم ان شاء الله حتى يخرجوهم من اقطارهم منهم ابن عمر والحسن بن علي وعبدالله بن الزبیر))(2).

وهنا نسجل ملاحظاتنا على هذا النص، فنقول اذا كان هذا العدد عند عثمان فلماذا كان عثمان خائفًا على نفسه حتى يبعث إلى الإمام علي (علیه السلام)؟ هذا من جانب ومن جانب آخر إن وجود عبدالله بن عمر، وعبدالله بن الزبیر من ضمن المدافعین عن عثمان أمر مستبعد؛ لأن ابن عمر شخصية معروف عنها الميل إلى عدم المواجهة، وأن موقفه تغیره القوة فاينما تكون القوة يكون معها، اما ابن الزبیر فإن وجوده مستبعد ايضا وذلك لأنه يعد من المقربین إلى عائشة زوج النبي

(صلی الله علیه و آله و سلم) وموقف عائشة معروف تجاه عثمان، ثم كيف يرسل الزبیر ابنه للدفاع عن عثمان وهو نفسه ثائر ضد عثمان.

ص: 368


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 67 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 67 .

المبحث الثالث : خلافة الإمام علي (علیه السلام)

أولا: بيعته (علیه السلام)

لما قتل عثمان بن عفان في الثامن عشر من ذي الحجة سنة 35 ه-(1) اجتمع ر عدد من المهاجرين والأنصار في المسجد وتداولوا الرأي فيمن يكون الخليفة بعد عثمان فكان الاتفاق ان يتولاها الإمام علي (علیه السلام) فأقبل المسلمون إلى بيته ودعوه للبيعة وبعد محاورات ونقاشات قَبِل الإمام (علیه السلام) بالخلافة بشرط أن تكون علنية في المسجد(2) .

ولم يكن قبول الإمام (علیه السلام) بالخلافة حرصا منه على تولي السلطة، ولكن ايمانا منه في المحافظة على الأمة من الفتن والحفاظ على الشريعة الإسلامية من سيطرت الاموين الذي يؤكد هذا الأمر هو قوله (علیه السلام): ((والله ماتقدمت عليها إلا خوفا من أن ينزو على الأمر تيس من بني أمية فيلعب بكتاب الله عز وجل))(3).

وفي اليوم الثاني من مقتل عثمان بايع من كان في المدينة من أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) منهم طلحة والزبیر وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعمار بن ياسر واسامة بن زيد وسهل بن حنيف وابو ايوب الأنصاري

ص: 369


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 29/3 .
2- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2/ 123-124.
3- البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 103.

ومحمد بن مسلمة وزيد بن ثابت وخزيمة بن ثابت(1).

إن البيعة قد تمّت وقد بايعوا الإمام عليًا (علیه السلام) على الخلافة في المدينة وهو بذلك يكون الخليفة الأول الذي اجتمع عليه المسلمون من دون اعتراض حتى انه بحسب رواية ابن سعد ان ثلاثة من أهل الشورى قد بايعوا له(2).

إلا أن ابن سعد -وكعادته في نقل الروايات الخاصة بالإمام علي (علیه السلام)- حاول أن يغیر هذه النظرة الإيجابية في بيعة الإمام (علیه السلام) فقال: ((إن طلحة والزبیر... بايعا كارهین غیر طائعین))(3).

وذلك ربما لإعطائهما المبرر في خروجها على الإمام إلى مكة؛ إذ سمعا برفض عائشة لخلافة الإمام علي (علیه السلام). وهنا نتساءل هل كان الإمام (علیه السلام) يُكره الناس على بيعته؟ وهل كان الإمام (علیه السلام) طالبًا الخلافة؟ كلا؛ لان الإمام (علیه السلام) كان يرفض البيعة من أحد بالإكراه أو أن يستغل ضعف الإنسان ليفرض عليه البيعة، والذي يؤيد هذه الإجابة موقفه (علیه السلام) من مروان بن الحكم عندما أخذ أسیرًا في معركة الجمل وطلب منه الإمامان الحسن والحسین البيعة للإمام علي (علیه السلام) فأجابهم الإمام قائلا: ((أو لم يبايعني بعد قتل عثمان؟ لا حاجة في بيعته، إنها كف يهودية لو بايعني بكفه لغدر بسبته اما ان له إمره كعلقة الكلب انفة وهو أبو الاكبش الاربعة وستلقى الأمة منه ومن ولده يوما أحمر))(4).

ص: 370


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 29 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 29 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 29 .
4- الشريف الرضي، نهج البلاغة، 1/ 123 . وينظر: قطب الدين الراوندي: أبو الحسن قطب الدين سعيد بن هبة الله (ت 573 ه- / 1177 م)، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تح: السيد عبد اللطيف الكوهكمري، الخيام – قم، 1406 ه-. 1/ 298 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 146.

وقال ابن عبد البر(1): ((بويع لعلي بالخلافة يوم قتل عثمان فاجتمع على بيعته المهاجرون والأنصار وتخلف عن بيعته نفر منهم فلم يهجهم ولم يكرهم)). إذن فالإمام (علیه السلام) لم يكره احدًا على البيعة، ثم إن المشيئة الالهية شاءت ان يكون يوم بيعة الإمام (علیه السلام) أو الطلب منه بتولي الخلافة هو اليوم نفسه الذي نصب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) الإمام عليًا (علیه السلام) خليفة للمسلمين بأمر الإله في غدير خم وانقلبت الأمة بعد وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) .

فبعد أن تمت البيعة قام الإمام علي (علیه السلام) بتغیر ولاة عثمان بولاة آخرين، فجعل عثمان بن حنيف على البصرة، و(عمارة بن شهاب)(2) على الكوفة فما كان من طلحة والزبیر إلا الاعتراض على ما قام به الإمام (علیه السلام) ظنًا منهما بأنهما بمستوى مقام الإمام علي (علیه السلام)؛ لأن عمر بن الخطاب قد رشحهما ضمن الستة من أهل الشورى، وانهما احق بهذا المناصب، ((فاتيا عليا (علیه السلام) بعد فراغ البيعة فقالا: هل تدري على ما بايعناك يا أمبر المؤمنبن؟ قال علي: نعم على السمع والطاعة وعلى ما بايعتم عليه أبا بكر وعمر وعثمان، فقالا لا ولكن بايعناك على أنّا شريكاك في الأمر قال علي: لا ولكنكما شريكان في القول والاستقامة والعون على العجر والأولاد فكان الزبیر لا يشك في ولاية العراق وطلحة في اليمن))(3).

يظهر مما تقدم أن طلحة والزبیر ما بايعا الإمام عليًا (علیه السلام) إلا ليشتركا في الحكم، فطلبا منه ولاية البصرة والكوفة، فكان جواب الإمام عليٍ (علیه السلام) لهما

ص: 371


1- تهذيب الكمال، 13/ 304 .
2- هو من المهاجرين وعامل الإمام علي (علیه السلام) على الكوفة سنة 36 ه-. ينظر: ابن حجر، الاصابة، 479/4 ؛ أبي الفدا، المختصر، 1/ 172 ؛ السيد البراقي، تاريخ الكوفة، 271 .
3- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1/ 51 .

أن تكونا عندي فأتحمل بكما فاني وحش لفراقكما(1). فلما لم يحصلا على شيء من الإمام علي (علیه السلام) طلبا منه الإذن بالخروج إلى مكة فأجابهما الإمام علي (علیه السلام) (والله ما تريدان العمرة، وإنما تريدان الغدرة)، وفي قول آخر: (وانما تريدان البصرة، وخوفها بالله من التسرع إلى الفتنة)(2).

أما عائشة فلما علمت بمقتل عثمان كرت مسرعة تريد المدينة وهي تقول أية ذا الاصبع! لله أبوك أما انهم وجدوا طلحة لها كفوا(3). فلما انتهت إلى (السرف)(4) استقبلها عبيد ابن أبي سلمة الليثي(5) فاخبرها بقتل عثمان وبيعة الناس لعلي بن أبي طالب (علیه السلام)(6) فقالت لوددت أن السماء انطبقت على الأرض، ثم رجعت إلى مكة(7).

اما عن دور عبدالله بن أبي ربيعة ويعلى بن أمية تحريض الناس على الخروج لقتال الإمام علي (علیه السلام) وفي تكوين الجيش، فقد قال ابن سعد: ((جاء يعلى بن أمية إلى عائشة فقال لها: قتل خليفتك الذي كنت تحرضین على قتله فقالت برئت إلى الله ممن قتله قال: الان! ثم قال: اظهري البراءة ممن قتله. فخرجت إلى المسجد

ص: 372


1- البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 18 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 451 .
2- المفيد، الجمل، ص 89 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 10 / 248 .
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 215 .
4- هو موضع على بعد ستة أميال عن مكة، تزوج فيه رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ميمونة بنت الحارث. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 3/ 212 .
5- هو الذي كان يعرف باسم أمه فيقال له ابن أم كلاب. ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك،468/3.
6- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 90 .
7- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 215 .

فجعلت تتبرأ ممن قتل عثمان))(1).

وفي نصا آخر: ((لما بلغ يعلى بن أمية قول عبدالله بن أبي ربيعة وما دعا إليه من جهاز من خرج يطلب بدم عثمان خرج يعلى من داره فقال أيها الناس من خرج يطلب بدم عثمان فعلي جهازه))(2).

ثم إن ابن سعد يقول ثم خرجا من مكة (أي طلحة والزبیر) ومعهما عائشة إلى البصرة يطلبون بدم عثمان(3). فهنا نقول: لماذا تغیر موقف عائشة وطلحة والزبیر من المحرضین على عثمان إلى المطالبین بدم عثمان؟ يجيبنا على ذلك ابن مسكويه(4) بقوله: لما هرب بنو أُمية إلى مكة، اجتمعوا إلى عائشة وكانوا ينتظرون أن يتولى الأمر طلحة، وذلك لأن هوى عائشة كان معه.

فلما سمعوا بتولي الإمام علي (علیه السلام) الخلافة تغیر موقفهم واتخذوا من قتل عثمان ذريعة لتأليب المسلمين ضده. قيل لعائشة أنت التي حرضت على قتله فاختلقت عذرا واهيا فقالت: إنهم استنابوه ثم قتلوه(5).

فأول من استجاب لعائشة هو عبدالله بن عامر، ثم سعيد بن العاص والوليد ابن عقبة، ويعلى بن أمية وبقية بني امية واجتمع رأيهم على البصرة (6)، ولكن لماذا البصرة من دون غيرها من الأمصار الإسلامية؟ فأجاب المجتمعون بأن

ص: 373


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى. 6/ 49 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 49 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 29 .
4- أبو علي بن محمد الرازي (ت 421 ه- / 1030 م)، تجارب الأمم، تح، أبو القاسم امامي، ط 1، مطابع دار سروش، 1418 ه- / 1997 م، 1/ 469 .
5- ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3/ 206 .
6- ابن مسكويه، تجارب الامم، 1/ 469 .

الشام قد كفانا اياها معاوية بن أبي سفيان، وأما المدينة فإنها مازالت تعيش حالة عدم الاستقرار، وانها قد بايعت الإمام عليًا (علیه السلام) بيعة عامة فلم يكن لأهل الجمل طاقة على ردهم عن بيعتهم لعلي (علیه السلام)(1) .

ولكن هناك سبب رئيس في اختيار البصرة لتكون المنطلق لمطالبة بدم عثمان هو ان الطلب الذي خرج به الناكثون بحاجة إلى انصار حيث كان عددهم حین خروجهم من مكة ثلاثة آلاف مقاتل(2) فاختاروا البصرة لوجود الأنصار الذين يدفعهم الواعز الديني إذ إن عائشة هي زوج النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)، وهم الذين لم يروا النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وإنما دخلوا الإسلام بعد فتح البصرة عام 14 ه- في أيام عمر بن الخطاب فلم يعرفوا شيئا عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) ثم ان تولي الإمام علي (علیه السلام) الخلافة افقد الكثیر ممن كان متسلطا على الناس مراكزهم السياسية والاقتصادية، وكان أكثرهم من قبيلة عبد القيس، وربيعة، وبكر بن وائل(3).

ثانيا: موقف الإمام (علیه السلام) من معارضيه:

1- الناكثون (الجمل)
اشارة

لما بلغ الإمام عليًا (علیه السلام) خروج طلحة والزبیر وعائشة إلى البصرة لحربه والمطالبة بدم عثمان(4). (خرج معهم سعيد بن العاص ومروان بن الحكم وعبدالرحمن بن عتاب بن اسيد والمغیرة بن شعبة، فلما بلغوا الظهران وقيل ذات

ص: 374


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 473 .
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 472 .
3- النصر الله، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في رحاب البصرة، 17 - 18 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 29 ؛ اليعقوبي، تاريخ، 2/ 77 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 452/4.

عرق قام سعيد بن العاص خطيبا فحمد الله واثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن عثمان عاش في الدنيا حميدا وخرج منها فقيدا... وقد زعمتم أيها الناس أنكم إنما تخرجون تطلبون بدم عثمان فإن كنتم ذلك تريدون فإن قتلة عثمان على صدور هذه المطي وأعجازها فميلوا عليهم بأسيافكم والا فانصرفوا إلى منازلكم ولا تقتلوا في رضى المخلوقین أنفسكم، ولا يغني الناس عنكم يوم القيامة شيئا، فقال مروان بن الحكم: بل نضرب بعضهم ببعض فمن قتل كان الظفر فيه ويبقى الباقي فنطلبه وهو واهن ضعيف)(1).

يظهر مما تقدم أن من قام بقتل عثمان كان من ضمن الجيش الذي سار إلى البصرة لقتال الإمام علي (علیه السلام) بحجة المطالبة بدم عثمان، وهذا ما أكده سعيد ابن العاص عندما وصلوا إلى مكان يقال له مر الظهران، وربما كان يقصد طلحة والزبیر وعائشة ومروان ابن الحكم، لانهم كانوا أكثر المحرضین على قتل عثمان ولما فقدوا مصالحهم طالبوا بدمه.

هذا وقد وصل خبرهم إلى الإمام علي (علیه السلام) عن طريق أم الفضل بنت الحارث(2) عندما أرسلت كتابها إلى الإمام (علیه السلام) وأمرت حامل كتابها بأن يجد السیر حتى لو اضطر أن تقتل في كل مرحلة بعیرا وعلي ثمنه واعطته مائة دينار، جاء في كتابها: ((بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله علي أمیر المؤمنین من أم الفضل بنت الحارث اما بعد. فإن طلحة والزبیر وعائشة قد خرجوا من مكة يريدون البصرة وقد استنفروا الناس إلى حربك ولم يخف معهم إلى ذلك إلا من كان في قلبه

ص: 375


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 38 - 39 .
2- هي لبابة الكبرى ابنة الحارث، أول امرأة أسلمت بمكة بعد السيدة خديخة بنت خويلد، وهي زوج العباس بن عبد المطلب. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 10 / 262 - 263 .

مرض يد الله فوق أيديهم والسلام))(1).

فخطب الإمام علي (علیه السلام) وحثهم على المسیر إلى أولئك المتمردين ومنعهم من الدخول إلى البصرة، وقال: ان هؤلاء القوم قد خرجوا يؤمون البصرة لما دبروه بينهم فسیروا بنا على اثرهم لعلنا نلحقهم قبل موافاتهم البصرة فانهم لو قد وافوها لمال معهم جميع اهلها(2). يلاحظ من هذا الكلام بأن الإمام (علیه السلام) كان يعلم بأن عددًا كبیرًا من أهل البصرة ستخدعهم الشعارات والعنوانات التي جاء بها أهل الجمل.

ثم ان ابن سعد ذكر نصًا حول موقف أم سلمة من الإمام علي (علیه السلام) حيث قال: (وبعث علي بن أبي طالب إلى أم سلمة أن أخرجي معي إلى الجمل فأبت وقالت ابعث معك أحب الناس إلي فبعثت معه عمر بن أبي سلمة)(3)

وهنا نضع ملاحظاتنا حول هذا النص:

هنا نسأل سؤالًا لماذا أراد الإمام علي (علیه السلام) ان تخرج معه أم سلمة؟ هل يكون خروجها لدعم موقفه بأحقيته بالخلافة وبراءته من قتل عثمان، فإن كان هذا هو السبب فهنا يظهر الإمام (علیه السلام) رجلاً قليل الحجة وانه ممن ينخدع بالمظاهر الدينية، ثم كيف ذلك والإمام (علیه السلام) هو من كان يعيب على طلحة والزبیر اخراج عائشة إلى البصرة بقوله لعائشة في معركة الجمل (إن الله أمرك أن تقري في بيتك فاتقي الله وارجعي ويقول لطلحة والزبیر خبئتما نساءكما وابرزتما زوجة رسول

ص: 376


1- ابن اعثم، الفتوح، 2/ 456 .
2- الدينوري، الاخبار الطوال، ص 144 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، 7/ 261 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 533 .

الله (صلی الله علیه و آله و سلم) واستفززتماها؟)(1) أليست هذه ازدواجية في التفكر، ثم ان هناك حكماً شرعيًا يمنع نساء النبي من الخروج لقول الإمام (إن الله امرك أن تقري في بيتك) فكيف يخالف الإمام هذا الحكم الشرعي ويطلب من أم المؤمنین أم سلمة ان تخرج معه إلى البصرة، هذا من جانب، ومن جانب اخر ربما وضعت هذه الرواية لتبرير خروج عائشة وانها ليست هي وحدها من طلبت من نساء النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) بالخروج معها كذلك الإمام علي (علیه السلام) فعل هذا.

فما كان من الإمام (علیه السلام) إلا أن استخلف على المدينة سهل بن حنيف فسار إلى ذي قار ونزل بها وامر عمار بن ياسر وابنه الحسن (علیه السلام) ان يذهبا إلى الكوفة لاستنفار أهلها على المسیر إلى البصرة(2). يظهر من استنفار الإمام (علیه السلام) لأهل الكوفة ان جيشه لم يكن بمقدوره مواجهة جيش طلحة والزبیر من الناحية العملية. فقد ذكر ابن سعد عن ابن عباس قال: خرجنا مع علي (علیه السلام) إلى الجمل ستمائة رجل(3) وذكر ابن الأثیر(4): بأن الذين ساروا مع الإمام (علیه السلام) من أهل المدينة كان عددهم تسعمائة شخص.

في حین أن البصرة في أيام عثمان بن عفان يحكمها عبدالله بن عامر بن كريز وهي ما تزال بولائها لعثمان لان الناس على دين ملوكها.ولما بويع الإمام علي (علیه السلام) عن عثمان بن حنيف واليا عليها(5) ولم يستتب له الأمر بعد.

فلما وصل الإمام علي (علیه السلام) إلى الربذة ذكر ابن سعد: (فقام إليه ابنه الحسن

ص: 377


1- البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 239 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 30 و 6/ 367 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 366 .
4- الكامل في التاريخ، 2/ 583 .
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 53 .

بن علي فبكى بین يديه وقال: ائذن لي فأتكلم فقال: عليا تكلم ودع عنك ان تخن خنین الجارية فقال الحسن: إني كنت أشرت عليك بالمقام وأنا أشیر به عليك الان ان للعرب جولة ولو قد رجعت إليها عوازب أحلامها قد ضربوا إليك أباط الإبل حتى يستخرجوك ولو كنت في مثل جحر الضب فقال علي: اتراني لا أبا لك كنت منتظرا كما تنتظر الضبع اللدم(1))(2).

يظهر من النص أن الراوي أراد أن يظهر مدى العلاقة السلبية بن الإمام علي (علیه السلام) وابنه الحسن (علیه السلام)، حيث كان من المعارضین لتوجهات ابيه فاظهر اعراض الإمام الحسن (علیه السلام) على خروج ابيه إلى البصرة.

وهنا نقول: هنا نستبعد حدوث هذا الاعتراض من الإمام الحسن (علیه السلام) اذا ما نظرنا إلى القيم التي تربى عليها الإمام الحسن (علیه السلام) على يد المربي الأول الا وهو رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) هذا من جهة ومن جهة أخرى إننا نعتقد ان الإمام الحسن (علیه السلام) معصوم وان لم يقم بالامر لأن العصمة تبدأ منذ الولادة وليس من بداية تصديه للإمر (3) فكيف يعترض على الإمام علي (علیه السلام) .

أظهر النص أن الإمام الحسن ليس رجل حرب وذلك لإلصاق التهمة به بأنه

ص: 378


1- هو صوت الشي يقع على الأرض، وقال الأصمعي، هو صوت الحجر والي يقع في الأرض وليس بالصوت الشديد. ينظر: ابن سلام: أبي عبيدة القاسم الهروي (ت 224 ه- / 838 م )، غريب الحديث، تح: محمد عبد المعيد خان، ط 1، مجلس دائرة المعارف العثمانية حيدر آباد الدكن الهند 1384 ه-، 3/ 436 - 437 ؛ الجوهري، الصحاح، 5/ 2028 ؛ أبو هلال العسكري،: الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد (ت 395 ه- / 1004 م)، جمهرة الأمثال، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم عبد المجيد قطامش، ط 1، دار الجيل بیروت 1384 ه-/ 1964 م، 2/ 404 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 366 .
3- لمزيد من التفاصيل، راجع الفصل الأول، المبحث الثاني من هذه الرسالة.

لو لم يكن كذلك لما تنازل عن الخلافة لمعاوية وترك الحرب ضده.

أظهر النص أن الإمام عليًا (علیه السلام) خرج إلى أهل الجمل، ولم يكن يحضى بالموافقة على ذلك حتى من أقرب الناس إليه وهو ولده.

إن العبارات التي ذكرها النص تدعو إلى الريبة والشك في أن هذا الكلام صدر من الإمام علي (علیه السلام) تجاه ولده الحسن (علیه السلام)، فتارة يقول الإمام علي (علیه السلام) (تخن خنین الجارية) الذي معناه ان المرأة اذا بكت تخن في بكائها(1)، وتارة يقول له: (أتراني لا أبا لك) الذي معناها لم يترك له من الشتيمة شيء، وقيل إن هذه العبارة تقال لشخص الذي تريد أن تدعوا عليه، والذي معناها أنت عندي ممن يستحق أن يدعى عليه بفقد أبيه(2). فكيف تصدر مثل هذا من تلميذ رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)؟.

إن الإمام الحسن (علیه السلام) بكلامه مع أبيه جعل أباه في موقف لا يحسد عليه، حتى جعل الإمام عليًا (علیه السلام) يقول:(اتراني لا أبا لك كنت منتظرا كما ينتظر الضبع اللدم) أي أتراني اختبئ كما تختبئ الضبع فيأتي الصياد فيضرب على الأرض عند باب الجحر فتنام الضبع ولا تتحرك حتى يجعل الحبل في عرقوبها فيخرجها(3).

سند الرواية: فمن رواتها هو عكرمة الذي ثبت عداؤه للإمام علي (علیه السلام) وضعفه بعض علماء الجرح والتعديل(4).

فضلا عن ذلك: إذا الإمام الحسن (علیه السلام) بهكذا مواصفات، كيف ارسله أمیر

ص: 379


1- ابن منظور، لسان العرب، 13/ 142 .
2- ابن منظور، لسان العرب، 12 / 30 و 14 / 11.
3- المجلسي، بحار الانوار، 32 / 81 ،
4- ينظر: صفحة 123 من هذه الرسالة.

المؤمنین (علیه السلام) إلى الكوفة لاستنصار ألها.

ولما جاء طلحة والزبیر إلى البصرة قاتلهم عثمان بن حنيف، ومنعهم من دخول المدينة وكان معه حكيم بن جبله العبدي(1) قائد شرطتها(2).فلما لم تكن حكومة البصرة المحلية مقتنعة بدعوى أصحاب الجمل انقسم أهلها بین مؤيد لعثمان بن حنيف وبین مؤيد لأصحاب الجمل ومعتزل(3).

فحدثت بينهم مناوشات استمرت ليلة وصبيحتها حتى اتفقوا على وقف القتال بین الطرفین(4)، ثم اصطلحوا وكتبوا بينهم كتابا بالموادعة بالعهود والمواثيق على أن يرجع الناس إلى منازلهم ولا يتعرض لأحد، وأن يكون دار الإمارة والمسجد وبيت المال إلى عثمان بن حنيف، وينزل طلحة والزبیر وعائشة حيث شاؤوا من البصرة حتى يقدم علي بن أبي طالب (علیه السلام)(5) .

يظهر من هذا الاتفاق أن عثمان بن حنيف استطاع أن يكبح جماح أصحاب الجمل ريثما يقدم عليهم الإمام علي (علیه السلام) .

إلا أن الحزب الأموي، وأصحاب الجمل لم يرق لهم هذا الأمر فتناظر طلحة

ص: 380


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/ 306 .
2- ابن خلكان: أبو العباس شمس الدين بن محمد بن أبي بكر (ت 681 ه- / 1282 م)، وفيات الأعيان وأنباء ابناء الزمان، تح: إحسان عباس، د. ط، مطبعة دار الثقافة – بیروت، (د. ت)، 60/7 . وينظر: الصفدي الوافي بالوفيات، 13/ 80 .
3- النصر الله: جواد كاظم، حكيم بن جبلة العبدي البصري (ت 36 ه-) بطل الولاية، ط 1، دار الكفيل، مركز تراث البصرة، العراق، 2015 ، ص 71 .
4- سيف بن عمر الضبي، الفتنه ووقعة الجمل، 127 . وينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 226 - 227.
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/ 306 .

والزبیر فقال طلحة: والله لئن قدم عليٌّ على البصرة ليأخذ بأعناقنا، فقام طلحة والزبیر في ليلة ظلماء ذات ريح وغيم بالهجوم على حراس عثمان بن حنيف وبيت المال من السيابجة(1) وقتلهم(2) وكان عددهم أربعمائة(3).

ثم دخلوا على عثمان فنتفوا لحيته وحاجبيه وأشفار عينيه، وقالوا لولا العهد لقتلناك فأجابهم عثمان بن حنيف بأن أخي سهل بن حنيف وال لعلي بن أبي طالب على المدينة والله لو قتلتموني لم يدع بالمدينة أسديًا ولا تيميًا إلا قتله(4).

وأرسلت عائشة إلى الزبیر أن اقتل السيابجة فإنه بلغني الذي صنعوا بك فذبحهم الزبیر كما يذبح الغنم، وبقيت طائفة منهم تدفعهم مبادىء التضحية من أهل الإسلام متمسكين بالدفاع عن بيت المال قائلین لاندفعه إليكم حتى يقدم أمیر المؤمنین (علیه السلام)، فسار إليهم الزبیر في جيش ليلا فأوقع بهم وأخذ منهم خمسین أسیرا فقتلهم صبرًا، فكان غدر طلحة والزبیر بعثمان بن حنيف أول غدر في الإسلام، والسيابجة أول قوم ضربت أعناقهم من المسلمين صبرًا(5).

فلما بلغ حكيم بن جبلة غدر أصحاب الجمل بعد الصلح الذي كان عقده

ص: 381


1- جمع سيبجي على وزن ديلمي وهم قوم من الهند كانوا يعملون في السفن، دخلوا الإسلام لما انضموا إلى بني حنظلة أيام الفتوح الإسلامية. ينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 460 ؛ الاستراباذي: رضي الدين (ت 686 ه-)، شرح شافية ابن الحاجب، تحقيق وضبط وشرح نور الحسن وآخرون، دار الكتب العلمية، بیروت، 1975 م، 2/ 186 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/ 306 ؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 227 .
3- البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 227 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 4/ 306 ؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 227 .
5- المسعودي، مروج الذهب، 2/ 358 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9/ 321 .

عثمان بن حنيف مع طلحة والزبیر(1)، خرج في ثلاثمائة من عبد القيس مخالفًا لهم ومنابذًا فخرجوا إليه وحملوا عائشة على جمل فسمي ذلك اليوم يوم الجمل الأصغر(2). فلقي طلحة والزبیر (بالزابوقة)(3)(4) فشد رجل من الأزد من معسكر عائشة على حكيم بن جبلة فضرب رجله فقطعها ووقع الأزدي عن فرسه فجثا حكيم فأخذ رجله فرمى بها الأزدي فصرعه وهو يقول:

يانفس لاتراعي إن قطعت***كراعي إن معي ذراعي

وظل حكيم على هذا الحال إلى أن مات(5).

فلما نزل الإمام علي (علیه السلام) الثعلبية أتاه ما حدث لعثمان بن حنيف وحرسه، ولما وصل إلى الأساد أتاه خبر حكيم بن جبلة، ولما انتهى إلى ذي قار(6) وصل إليه عثمان بن حنيف وليس في وجهة شعر(7).

فقام الإمام علي (علیه السلام) في أصحابه قائلا: ((والله لا أكون كمستمع اللدم يسمع الناعي ويحظر الباكي ثم لا يعتبر))(8).

ثم سار الإمام علي (علیه السلام) إلى البصرة لملاقاة طلحة والزبیر وعائشة ومن كان

ص: 382


1- ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 366 .
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9/ 322 .
3- هو موضع قرب الفلوجة من سواد الكوفة. ياقوت الحموي، معجم البلدان، 3/ 125 .
4- ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 366 .
5- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 9/ 322 و 18 / 56 .
6- وهو موضع يقع بین البصرة والمدينة، شهد معركة ذي قار التي انتصر فيها العرب على العجم. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 3/ 223 ؛ الميداني، مجمع الأمثال، 2/ 398 .
7- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 496 .
8- الشريف الرضي، نهج البلاغة، 2/ 33.

معهم من أهل البصرة وغيرهم يوم الجمل وكان ذلك في جمادي الاخرة سنة 36 ه-(1).

يظهر مما تقدم أنه لم يكن أهل البصرة كلهم مع طلحة والزبیر بل بعضهم من الذين فقدوا مناصبهم وامتيازاتهم بمجيء الإمام علي (علیه السلام) إلى السلطة ومن كانت تخدعهم العنوانات الدينية.

وبعد أن التحقت القبائل القادمة من الكوفة بالإمام علي (علیه السلام) في ذي قار ومن باب حسن النية وعدم إراقة مزيدا من الدماء أرسل الإمام صعصعة بن صوحان(2) بكتاب إلى طلحة والزبیر وعائشة يعظم عليهم حرمة الإسلام ويخوفهم فيما صنعوه وقبيح ما ارتكبوه من قتل المسلمين وما صنعوا بصاحب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عثمان بن حنيف. قال صعصعة: قدمت عليهم فبدأت بطلحة وأعطيته الكتاب وأديت الرسالة فقال: الان حین عضت ابن أبي طالب الحرب ترفق لنا! ثم جئت إلى الزبیر فوجدته الین من طلحة ثم جاءت عائشة فوجدتها أسرع الناس إلى الشر(3).

وهنا كان الإمام (علیه السلام) رجل إصلاح وسلام لا رجل حرب وهذا الأمر غیر مستبعد منه فهذه آدابه العسكرية، فهو يحث المقابل على ترك الحرب، ثم إنه استخدم هذا الاسلوب مع المشركین فكيف لا يستخدمه مع المسلمين، فلم يكن

ص: 383


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 30 .
2- هو أبو عمر ويقال أبو طلحة العبدي، روى عن عثمان، وعن الإمام علي (علیه السلام)، وعن ابن عباس، تابعي كبیر ومخضرم، نزل الكوفة، فصيح وثقة، واجه عثمان بن عفان بشدة فابعده إلى الشام، وواجه معاوية أيضا، شهد مع الإمام علي (علیه السلام) الجمل وصفین، وكان أمیرا على بعض الصنوف، مات أيام معاوية بن أبي سفيان. ينظر: الذهبي، تاريخ الإسلام، 4/ 240 ؛ الصفدي، الوافي بالوفيات، 16 / 179 ؛ ابن حجر، تقريب التهذيب، 1/ 437 و 4/ 370 .
3- المفيد، الجمل، 167 .

الإمام يستعجل الامور(1).

فلما لم ينجح صعصعة في مهمته أرسل الإمام علي (علیه السلام) ابن عباس إلى طلحة والزبیر يسألهما عن خروجها في هذا الأمر وما يريدان(2)، وقال له فناشدهم وذكرهما العهد الذي لي في رقابهم(3) فخرج ابن عباس اليهم وتحدث إلى القوم فذهبت جهوده سدى كسابقه وذلك بسبب إصرار القوم على نقض البيعة وشق عصا المسلمين وبسبب حبهم السلطة كان جوابهم لابن عباس أن يخلع الإمام (علیه السلام) نفسه ويرد الأمر شورى بین المسلمين فيولوا من شاؤوا فإن عليًا رجل

كاحدنا وإن أبى أعطيناه السيف فماله عندنا غیر هذا(4).

زحف الإمام علي (علیه السلام) بمن معه غداة يوم الجمعة لعشر ليال خلون من جمادي الاخرة سنة 36 ه- وكان على ميمنته مالك بن الحارث الأشتر النخعي وعلى ميسرته عمار بن ياسر العنسي، وعلى الرجالة أبو قتادة النعمان بن ربعي الأنصاري واعطى رايته ابنه محمد بن الحنفية(5) وقيل سليمان بن صوحان(6).

وأخذ الإمام علي (علیه السلام) يناشد القوم ويدعوهم من صلاة الصبح إلى صلاة الظهر ويقول لعائشة: أن الله أمرك أن تقري في بيتك فاتقي الله وارجعي، وقال لطلحة والزبیر خبأتما نساءكما وابرزتما زوجة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) واستفزتماها فقالا: لما جئنا لطلب بدم عثمان، وان ترد الأمر شورى، وكان على ميمنة أصحاب

ص: 384


1- النصر الله، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي، ص 213 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 338 .
3- المفيد، الجمل، 167 .
4- المفيد، الجمل، 168 .
5- البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 239 .
6- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 341 .

الجمل صبرة بن شيمان(1) وعلى الميسرة بني تميم وضبة والرباب وعليهم هلال بن وكيع بن بشر(2)، وجاءوا بالجمل فأبرزا وعليه عائشة في هودجها، وقد لبست درعا وضربت على الهودج صفائح الحديد(3).

ثم ان عائشة خطبت بالناس وقالت: ((أما بعد فإنا كنّا نقمنا على عثمان ضرب السوط وامره الفتيان ومرتع السحابة المحمية إلا أنكم استعتبتموه فاعتبكم فلما مصتموه كما يماص الثوب الرحيض عدوتم عليه فارتكبتم منه دما حراما وأيم الله إن كان لأحصنكم فرجا وأتقاكم الله))(4). ويظهر أنّ عائشة عندما قالت هذا الكلام نست أنّها من حرضت على قتل عثمان، وأنّها هي من ارتكبت دما حراما بأمرها قتل السيابجة.

ثم قام الإمام علي (علیه السلام) في الناس خطيبا فحمد الله واثنى عليه ثم قال: أيّها الناس إني قد منيت بثلاث مرجعهن على العباد من كتاب الله: أحدهن البغي ثم النكث، والمكر، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(5) وقال تعالى:

ص: 385


1- هو صبرة بن شيمان الأزدي من بني حداث كان زعيم الأزد وقائدهم يوم الجمل ضد الإمام علي (علیه السلام)، وكان من المحرضین على القتال، قتل أعین بن صبيعة المجاشي غيلة على فراشه، قتل يوم الجمل. ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 84 ؛ ابن الأثیر، الكامل في التاريخ، 3/ 237 ؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، 3/ 587 .
2- هو هلال بن وكيع بن بشر بن عمرو بن عدس التميمي الدارمي، قتل يوم الجمل مع عائشة قتله الاشتر. ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 4/ 1543 ؛ ابن الأثیر، أسد الغابة، 5/ 69 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1/ 258 .
3- البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 239 .
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 227 .
5- سورة يونس، 23 .

(فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ)(1)، وقال تعالى: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)(2) ووالله لقد منيت باربع لم يمن بمثلهن أحد بعد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) منيت بأشجع الناس الزبیر بن العوام وبأخدع الناس طلحة بن عبيدالله وباطوع الناس في الناس عائشة بنت أبي بكر وبمن أعان عليّ بأنواع الدنانیر يعلى بن أمية ووالله لئن أمكني الله منه لأجعلنّ ماله وولده فيئا للمسلمين(3).

يبدو مما تقدم أن الإمام (علیه السلام) قد واجه كل أنواع البغي والمكر والخداع، وكل أنواع شراء الذمم، فإنّه لم يواجهه جيشا طبيعيا بل جيشا يستخدم كلّ الوسائل الماكرة لوصول إلى غايته.

وبعد مساعي أمیر المؤمنین لدرء الفتنة اصطف الجيشان للقتال إلا أن أمیر المؤمنین (علیه السلام) لم يترك الدعوة إلى السلم من باب إعطاء القوم الفرصة الأخیرة لعلهم يرجعون عن نياتهم، فأرسل الإمام (علیه السلام) غلامًا من عبد قيس يقال له مسلم ومعه المصحف إلى أهل الجمل فأقبل الغلام حتى وقف بإزاء الصفوف ونشر المصحف وقال: هذا كتاب الله وأمیر المؤمنین يدعوكم إلى ما فيه فكان رد القوم عليه الرماح فطعنوه من كل جانب حتى قتل وأخذت أمه تقول:

يارب ان مسلما دعاهم***يتلوا كتاب الله لا يخشاهم

فخضبوا من دمه لحاهم***وامهم قائمة تراهم

تامرهم بالقتل لا تنهاهم(4)

ص: 386


1- سورة الفتح، اية 10 .
2- سورة فاطر، اية 43 .
3- ابن اعثم، الفتوح، 2/ 463 .
4- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 522 ؛ المسعودي، مروج الذهب، 3/ 106 ؛ المفيد، الجمل، 181 .

وعن طريق هذه الابيات فإن عائشة لم تكن أما للمؤمنین، لأنّها لم تسع إلى الصلح بينهم وحفظ دمائهم عن طريق الكف عن القتال، بل سعت إلى زجهم إلى الموت ولهذا لم تكن اما حقيقية لهم ولان الام لاتصنع مثل ما صنعت عائشة.

واخذ الإمام علي (علیه السلام) يوصي أصحابه ان لا يبدؤا بقتال حتى يبدؤا وان لا يجهزوا على جريح ولا يمثلوا، ولا يدخلوا دارا بغیر إذن، ولا يشتموا أحدا ولا يهجوا امرأة ولا يأخذوا إلا ما في عسكرهم(1).

وهنا اورد ابن سعد نصین حاول عن طريقهما أن يظهر أهل الجمل بأنّهم هم من بادر إلى درء الفتنة، وهم من نشروا المصاحف.

النص الأول: أخبرنا عبدالله بن ادريس عن حصین عن عمر بن جاوان عن الأحنف بن قيس قال: لما التقوا يوم الجمل خرج كعب بن سور(2) ناشرا مصحفه يذكر هؤلاء ويذكر هؤلاء حتى أتاه سهم فقتله(3).

النص الثاني: وقال بعض أهل العلم: إن كعب بن سور لما قدم طلحة والزبیر وعائشة البصرة دخل في بيت وطین عليه وجعل فيه كوة يناول منها طعامه وشرابه اعتزالا للفتنة فقيل لعائشة: ان كعب بن سور ان خرج معك لم يتخلف من الأزد أحد فركبت إليه فنادته فلم يجبها فقالت: يا كعب الست امك ولي عليك حق؟ فكلمها فقالت: إنما أريد أن أصلح بین الناس فذلك حین خرج وأخذ المصحف

ص: 387


1- البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 36 .
2- هو كعب بن سور بن بكر الأزدي، ولّاه عمر بن الخطاب على القضاء في البصرة بعد أن عزل أبا مريم الحنفي، فلم يزل في القضاء حتى قتل عمر بن الخطاب، شهد الجمل وكان ضد الإمام علي (علیه السلام)، دفع له طلحة والزبیر إليه لواء الإزد. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 9/ 90 - 92 ؛ خليفة بن خياط، تاريخ خليفة، 111؛ الدينوري، الاخبار الطوال، ص 146 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 9/ 91 .

فنشره ومشى بین الصفین يدعوهم إلى ما فيه فجاءه سهم غرب فقتله وكان معروفا بالخیر والصلاح(1).

يظهر من النصین أعلاه أن كعب بن سور كان على الحياد ولم يكن مع عائشة، لكن هذا الرأي يخالف نص نقله لنا ابن خياط(2) حيث قال: (وصف أصحاب عائشة صفوفهم وجاءوا بالجمل وعليه الهودج وفيه عائشة وخطامه في يد كعب بن سور وقد تقلد المصحف...)

إذن كان كعب من ضمن جيش عائشة، قد أجاب عائشة مستجيبًا لعاطفته الدينية من جهة ولعاطفة الجوار من جهه اخرى(3) ثم إن التاريخ لم يذكر لنا ان طلحة والزبیر وعائشة قد بادروا إلى الصلح. حتى أن الإمام عليًا (علیه السلام) في اللحظات الاخرة خرج إلى طلحة والزبیر يذكرهم بعهدهم وبيعتهم فاجابه طلحة جوابا غليظا ورق له الزبیر(4).

أما عن مقتل كعب بن سور فاحتمال كبیر أن الذي قتله هم جيش عائشة لسبب واضح هو ان لقتله سوف يولد حماسة كبیرة لدى الازد على اعتبار انه كبيرهم، ونستند في هذا الراي إلى قولهم لعائشة: ((إن كعب بن سور إن خرج معك لم يتخلف من الأزد أحد))(5).

أما عن سند النص الثاني فهو مجهول؛ لأنه نقل عن بعض أهل العلم ومن

ص: 388


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 9/ 91 - 92 .
2- تاريخ خليفة بن خياط، 13 8 . وينظر: المفيد، الجمل،ص 183 .
3- طه حسين، الفتنة الكبرى(علي وبنوه)، دار المعارف، مصر، 2/ 44 .
4- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1/ 91 .
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 9/ 92 .

هؤلاء لانعلم؟.

ولم يكتف الإمام (علیه السلام) بذلك بل رجع إلى الزبیر عندما رأى أن موقفه أقل تشددا من طلحة فقال له اتذكر يوم قال لك رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) أما أنك ستخرج عليه وتقاتله وأنت له ظالم(1) فأجابه الزبیر نسيتها بلى والله ما ذكرت ذلك إلا الآن(2).

فلما بدأت الحرب بین الطرفین قرر الزبیر الانصراف عن المعركة والرجوع إلى المدينة، فخرج الزبیر يوم الجمل وهو على فرس يقال له: ذو الخمال أو ذو النعال، منطلقا، يريد الرجوع إلى المدينة، فلقيه رجل من بني تميم، يقال له: النعر بن زمام المجاشعي في سفوان(3)، فقال له يا حواري رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) إلي إلي فأنت في ذمتي لا يصل إليك أحد من الناس فأقبل معه، وأقبل رجل من بني تميم وأخبر الأحنف بن قيس عن مكان وجود الزبیر وهو في وادي السباع(4) فرفع

الأحنف صوته وقال: ما أصنع وما تأمروني إن كان الزبیر لف بین غارين من المسلمين قتل أحدهما الآخر وهو يريد اللحاق بأهله فسمعه عمیر أو عمرو بن جرموز التميمي(5) وفضالة بن حابس التميمي ونفيع أو نفيل بن حابس التميمي

ص: 389


1- الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 366 .
2- الدينوري، الأخبار الطوال، 147 ؛ القاضي النعمان، شرح الأخبار، 1/ 388 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 515 .
3- هو موضع ماء يبعد مرحلة من باب المربد بالبصرة فيه ماء كثیر. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 3/ 225 .
4- هو وادي يقع بین مكة والبصرة يبعد عن البصرة حوالي خمسة أميال، وهي من نواحي الكوفة، سميت كذلك نسبة إلى أسماء بنت دريم بن القین بن أهود بن بهراء كان يقال لها أم الاسبع وولدها يقال لهم السباع. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 5/ 343 .
5- هو عمرو أو عمیر بن جرموز السعدي التميمي بن مجاشع شهد النهروان وكان من الخوارج. ينظر: ابن خياط، تاريخ خليفة، 13 5 ؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق، 24 / 298 .

فلحقوا به فحمل عليه عمیر بن جرموز فطعنه طعنة خفيفة فحمل عليه الزبیر فلما ظن أن الزبیر قاتله دعا: يافضالة يانفيع فحمل عليه القوم جميعا فقتلوه في وادي السباع(1) إلا أن المشهور أن قاتل الزبیر هو ابن جرموز.

موقف الإمام علي من مقتل الزبير

ذكر ابن سعد أنّه لما قتل الزبیر جاء ابن جرموز برأسه وسيفه فأخذ الإمام (علیه السلام) سيفه، وقال: (سيف والله طالما جلا به عن وجه رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) الكرب ولكن الحین ومصارع السوء)(2).

يظهر من ذلك أن الإمام عليًا (علیه السلام) أشار إلى حروب الزبیر مع رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، وكيف كان يجلي الكرب عن وجه رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، إلا أن عاقبته السوء، وهنا يعطينا الإمام (علیه السلام) درسًا حيث يريد أن يقول: ليس كل من شاهد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وشارك معه حروبه يكون ضامنًا لدخول الجنة والنجاة من النار، فربما

تزل قدما الشخص وتكون عاقبته السوء.

فيكمل ابن سعد نصه فيقول: (وجلس علي يبكي عليه هو وأصحابه) وهنا لا يوجد تفسیر لبكاء الإمام (علیه السلام) على الزبیر إلا تفسیرًا واحدًا وهو البكاء على سوء عاقبة هذا الرجل الذي أفنى عمره في الدفاع عن الإسلام والمسلمين، هذا هو علي أمیر المومنین (علیه السلام) فعلى الرغم من كل الفساد الذي أحدثه أصحاب الجمل فنراه يتأسى لمصیر خصومه، ويحزن على رفاقه القدامى الذين سيطر عليهم

ص: 390


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 103 - 104 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 104 .

هوى النفس فحرفهم عن الطريق الصحيح(1). فهذا هو موقف أهل البيت مع أعدائهم لأنهم بعثوا رحمة لعالمین، فهذا الحسین بن علي (علیهماالسلام) في كربلاء يبكي على جيش عمر ابن سعد فلما سأل عن ذلك قال: أبكي على هؤلاء الذين يدخلون النار بسببي. ثم يستمر ابن سعد بذكر النصوص التي تتكلم عن موقف الإمام (علیه السلام) من مقتل الزبیر فيقول: (اتى ابن عباس عليا فقال إلى اين قاتل ابن صفية قال علي: إلى النار)(2)، وفي نص ثاني (بشر قاتل ابن صفية بالنار)(3) وفي نص آخر (ليدخل قاتل ابن صفية النار)(4) هنا نسأل لماذا يكون قاتل الزبیر في النار؟ ألم يكن من جند الإمام (علیه السلام) ويأتمر بأمره وعلى بيعته؟ الجواب ربما ليس لانه قتل الزبیر وإنما بسبب خروج ابن جرموز على أمیر المؤمنین (علیه السلام) يوم النهروان مع الخوارج وقتله بالنهروان(5) الذين كفروا الإمام (علیه السلام) ولأن هذا الخروج كان كاشفا عدم إيمانه بأحقية الإمام (علیه السلام) وما كان قتل الزبیر إلا لدوافع أخرى، وهناك سبب آخر هو علم الإمام (علیه السلام) بما سيحدث لأن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) أخبره بذلك، والدليل على ذلك أخبار رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) الزبیر وموقفه من الإمام يوم الجمل كما أشرنا إليه سابقًا.

وروى ابن سعد رواية أراد عن طريقها إيهام القارئ على العلاقة الايجابية بین الإمام علي (علیه السلام) وطلحة والزبیر لما جاء ابن جرموز يستاذن الإمام (علیه السلام)

ص: 391


1- الشحات: حسام،قريش وعلي من فكرة لا تجتمع النبوة والخلافة لبني هاشم إلى انتقام الطلقاء الرهيب، ط 1، الدار الإسلامية، لبنان، 2006 م، ص 450 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 103 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 103 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 98 .
5- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1/ 236 .

فأجابه الإمام (علیه السلام): (بفيك التراب(1) إني لا أرجو أن أكون أنا وطلحة والزبیر من الذين قال الله في حقهم(2): (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ)(3).

نلاحظ على النص أنّ استخدام الآية بوصفها محل شاهد لايصح ذلك؛ لأن الاية كانت تتحدث عن المتقین الذين يتقون عقاب الله باجتناب معاصيه وفعل طاعته (4)، ثم هل يكون يوم الجمل مصداقًا لهذه الآية بعد تلك الآلاف من القتلى وبعد نكث البيعة.

أما طلحة بن عبيدالله فهو الآخر عندما علم بانصراف الزبیر همّ أن ينصرف، وكان يصيح الصبر الصبر(5). فلما رأى مروان انكشاف الناس نظر إلى طلحة بن عبيدالله واقفًا فقال والله إن دم عثمان إلا عند هذا هو أشد الناس عليه وما أطلب اثرا بعد عین ففوق له بسهم فرماه به فقتله(6).

نتائج المعركة

بعد نهاية المعركة أرسل الإمام علي (علیه السلام) ابن عباس إلى عائشة يأمرها بالرحيل إلى المدينة وجرى بينه وبينها نقاش حاد توصل في النهاية إلى إقناعها

ص: 392


1- تستعمل العرب ذلك لمن تكره قوله. ينظر: ابن حجر، فتح الباري، 10 / 398 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 105 .
3- سورة الحجر، اية 47 .
4- الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، 6/ 338 .
5- الدينوري، الاخبار الطوال، 147 ؛ ابن اعثم الكوفي، الفتوح، 2/ 478 .
6- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 42 .

بالرحيل إلى المدينة(1).

ثم سار الإمام (علیه السلام) إليها وقال لها: كيف رأيت صنع الله بك، قالت ملكت فاسجع. وفي نص آخر جاء أمیر المؤمنین (علیه السلام) ووقف عليها وضرب الهودج بقضيب وقال: يا حمیراء أرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) أمرك بهذا؟ ألم يأمرك أن تقري في بيتك والله ما أنصفك الذين أخرجوك اذ صانوا حلائلهم وابرزوك(2).

ثم أمر أخاها محمد بن أبي بكر بإدخالها إلى البصرة فأنزلها في دار عبدالله بن خلف الذي قتل في المعركة(3) .

وبعد أن استقرت الأوضاع أمر أمیر المؤمنین (علیه السلام) بإعادة عائشة إلى المدينة واختار لها أربعین امرأة من نساء البصرة المعروفات، وأمر محمد بن أبي بكر بالسیر بها إلى المدينة، وكان ذلك في غرة شهر رجب سنة (36 ه-) وشيّعها الإمام (علیه السلام) أميالا(4).

يتبین مما تقدم موقف الإمام (علیه السلام) النبيل تجاه أعدائه الذي يعكس مدى التعامل الأبوي الذي كان الإمام (علیه السلام) يقوم به تجاه المخالفین له والذي يعكس مواصفات القيادة الحكيمة والتعامل الإنساني الخالي من الحقد والعداء، والذي يؤكد هذا الأمر عندما أمر الإمام علي (علیه السلام) بجمع ما ترك أهل البصرة في الميدان وحمله إلى المسجد ونادى مناديه في الناس من عرف منه شيئا فليأخذه.

ص: 393


1- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2/ 183 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 229 .
2- المسعودي، مروج الذهب، 2/ 367 .
3- أبو الفرج الاصفهاني: علي بن الحسین (ت 356 ه- / 966 م)، الاغاني، دار إحياء التراث العربي – بیروت، د. ت، 22 / 448 ؛ الطوسي، الأمالي، 143 ؛ المقريزي، امتاع الاسماع، 13/ 248 .
4- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 547 .

أما بشأن عدد القتلى يوم الجمل فقد اختلفت الروايات بذلك، فقد قال بعضهم أنها بلغت عشرة آلاف نصفهم من أصحاب الإمام (علیه السلام) والنصف الاخر من أصحاب الجمل(1)، وقيل عشرون الفا(2)، إلا أن ابن سعد(3) قال: (افرج الناس يوم الجمل عن ثلاثة عشر آلاف قتيل)، ومهما اختلف الرواة بعدد القتلى يوم الجمل فانه يبقى العدد كبیرا جدا وبحاجة إلى قيادة حكيمة لمعالجة هذا الأمر خصوصا ونحن نعلم ان الطرفین كانا من أهل القبلة، فلذلك نرى الإمام (علیه السلام) عندما سار بین القتلى كان يتالم على الذين قتلوا، وحينما مر على مصرع طلحة قال: لأصحابه اجلسوه فقال: ((اعزز علي أبا محمد أن أراك معفرا تحت نجوم السماء وفي بطن هذا الوادي، أبعد جهادك في الله وذبك عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)))(4).

وهنا يعلق أحد الباحثین(5) على موقف الإمام علي (علیه السلام) بقوله: (اننا لا نستبعد موقف الإمام (علیه السلام) من طلحة فتأسيه وتألمه لهذه العاقبة مسألة طبيعية! كيف وهو زميله في درب الجهاد منذ أن كان الإسام ما زال بذرة في مكة مرورا بتلك الأيام الصعاب حتى أصبح الإسلام يرفرف على انحاء الجزيرة وحولها ان ذلك قطعا سيثير الشجون لدى الإمام علي (علیه السلام) وهو الذي تألم لأشقى الآخرين ابن ملجم كيف لا يتألم لاحد أبرز الصحابة الكرام).

إلا أن ابن سعد وكعادته صوّر لنا هذا الأمر ولكن بصورة مغايرة، حيث ذكر لنا نصا قال فيه: ((فسار علي من ليلته في القتلى معه النیران فمر بمحمد بن

ص: 394


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 543 .
2- خليفة بن خياط، تاريخ، 139 . وينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 59 .
3- الطبقات الكبرى، 7/ 59 .
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1/ 248 .
5- النصر الله، شرح نهج البلاغة، 308 .

طلحة بن عبيدالله(1) قتيلا فرد رأسه إلى الحسن بن علي فقال: يا حسن السجاد ورب الكعبة قتيل كما ترى ثم قال: ابوه صرعه هذا المصرع وقال: لولا ابوه وبره به ما خرج ذلك المخرج لورعه وفضله فقال له الحسن: ما كان اغناك عن هذا فقال علي: مالي ولك ياحسن وقد كان قال له قبل ذلك ياحسن ود أبوك أنه قد كان مات قبل هذا اليوم بعشرين سنة))(2).

هنا تشیر الرواية إلى حدوث خلاف بین الإمام علي (علیه السلام) وابنه الحسن (علیه السلام) فهذا ما عودنا عليه ابن سعد عندما يتكلم عن الإمام علي (علیه السلام) وعلاقته بأولاده وزوجاته حيث سعى لإظهار العلاقة العائلية غیر متماسكة، وإظهار عدم بر وطاعة الإمام الحسن (علیه السلام) لأبيه. لكنه في الوقت نفسه حاول إظهار بر وطاعة محمد بن طلحة لأبيه.

اما عن النتائج السلبية التي أعقبت المعركة هي اتهام البصرة بأنها عثمانية الهوى، وجاءت هذة التهمة على اعتبار أن معركة الجمل ما كان لها أن تحدث في البصرة لولا حب أهل البصرة لعثمان بن عفان.غیر أن المعلوم من المصادر التاريخية أن أهل البصرة لم يكونوا بأجمعهم ضد الإمام (علیه السلام) يوم الجمل، بل انقسموا ثلاثة أقسام: ثلث مع أصحاب الجمل، وثلث مع أمیر المؤمنین، وثلث بقي على الحياد(3). ويظهر أن هذه التسمية كانت مؤقتة؛ لأنها جاءت بسبب وقوع المعركة على أرض البصرة.

ص: 395


1- هو أبو سليمان محمد بن طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، كان كثیر العبادة، وقيل إن سبب قتله يوم الجمل هو لبره لأبيه. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 56 - 59 ؛ ابن حبان، مشاهير علماء الامصار،ص 45 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 59 .
3- النصر الله، الإمام علي (علیه السلام) في رحاب البصرة، ص 37 .
2- القاسطون (صفين)
اشارة

بعد انتهاء الإمام علي (علیه السلام) من معركة الجمل في البصرة، توجه نحو الكوفة لان الواقع يحتم عليه الذهاب إلى أماكن القوة بعدما علمنا بأن المدينة لم تشترك في جيش الإمام علي (علیه السلام) في حرب الجمل إلا بعدد قليل مما تطلب منه الاستعانة بالكوفة.

ثم إن معركة صفین لم تحدث مباشرةً بل كان الإمام علي (علیه السلام) قد سعى لعدم حدوث هذه الحرب، وهذه من مبادئه العسكرية التي عرف بها، فقد تبادل الكتب مع معاوية بن أبي سفيان، أرسل جرير بن عبدالله البجلي إلى معاوية، فذكر ابن سعد: ((أرسل علي بن أبي طالب (علیه السلام) جرير بن عبدالله إلى معاوية يعلمه حاله وما يريد ويكلمه فخرج حتى قدم الشام فنزل على معاوية ثم قام فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ثم قال: اما بعد يا معاوية فانه قد اجتمع لابن عمك الحرمان والناس لهما تبع مع ان معه أهل البصرة واهل الكوفة واهل مصر واهل اليمن قد بايعوا فبايع ابن عمك ولا تخالف ولا تعند عن الحق وما انت فيمن انت فيه فلا تلفف على أصحابك واصدقهم واجل لهم الأمر وناصحهم في الحق والدين وهو معطيك الشام ومصر تكون عليهما ما دمت حيا على ان تعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلوات الله عليه وسلامه))(1).

نلاحظ من نص الرواية أن الإمام عليًا (علیه السلام) لم يكن توّاقًا إلى الحرب بل اتبع الأسلوب السلمي لتجنيب المسلمين إراقة الدماء، فلو كان معاوية مكان الإمام علي (علیه السلام) لما أرسل وفاوض وحثّ على الصلح، وهو يمتلك القوة التي تستطيع تحقيق ما يريد تحقيقه.

ص: 396


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 300 .

إلا أن البجلي صور طريقة طلب الإمام علي (علیه السلام) من معاوية لمبايعته لا لشيء إلا لأنه ابن عمه وعليه أن يسانده في هذا الأمر لا لأنه خليفة المسلمين وعلى معاوية المبايعة والطاعة، ثم إن لغة هذه الرواية تشیر إلى أن المتكلم هو جرير بن عبدالله وليس قراءة كتاب الإمام علي (علیه السلام) وذلك لقوله: (ثم قام فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ثم قال أما بعد يا معاوية...). اذن فالكلام عائد إلى جرير وليس إلى الإمام علي (علیه السلام) وهذا ما أكده المؤرخون (1) ومن كتاب له (علیه السلام) إلى معاوية ((انه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه فلم يكن للشاهد ان يختار ولا للغائب ان يرد وانما الشورى للمهاجرين والأنصار فإن اجتمعوا على رجل وسموه اماما كان ذلك لله رضا فإن خرج من امرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه فإن ابى قاتلوه على اتباعه غیر سبيل المؤمنین وولاه الله ما تولى))(2).

وفي كتاب آخر قال فيه: (أما بعد فإن الناس قتلوا عثمان عن غیر مشورة مني وبايعوني عن غیر مشورة منهم واجتماع فإذا أتاك كتابي فبايع لي وأوفد إلي أشراف الشام قبلك)(3). إذن فالإمام (علیه السلام) ارسل كتابًا ولم يطلب من جرير أن يقوم ويخطب في حضرة معاوية، ثم إن حزن معاوية جاء بعد أن قرأ الكتاب (4).

ثم إن الرواية تظهر إعطاء الإمام علي (علیه السلام) الشام ومصر مادام حيا بقوله:

ص: 397


1- المنقري: نصر بن مزاحم (ت 212 ه- - 827 م)، وقعة صفین، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، ط 2، المدني – مصر، 1382 ، ص 51 - 61 . وينظر: ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1/ 82 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 14 / 35 .
2- الشريف الرضي، نهج البلاغة، 3/ 7.
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1/ 230 - 231 .
4- المنقري، وقعة صفين، ص 27 .

((وهو معطيك الشام ومصر تكون عليها مادمت حيا على العمل بكتاب الله وسنة نبيه صلوات الله عليه وسلامه))، وهذا كلام غیر دقيق لأن عدم قبول معاوية بيعة الإمام علي (علیه السلام) ما كان الا لأن الإمام (علیه السلام) عزله عن الشام، فكيف يعطيه الشام؟! هذا يشیر إلى أن جريرًا قد تصرف من تلقاء نفسه واعطى معاوية الشام ومصر، والذي يؤكد كلامنا هو قول الأشتر لجرير عندما قدم إلى الكوفة: (يا أخا بجيلة إن عثمان اشترى دينك ودين قومك بهمدان، فقال جرير: أما والله لقد ناصحتك يا أمیر المؤمنین وجئتك بالصدق فلم يزل الأشتر يحمل على جرير عند علي حتى خافه فهرب جرير وكاتب معاوية)(1). فلو لم يكن هذا السبب فلماذا كان الأشتر يعامله بهذه الطريقة وأن يسیر الإمام علي (علیه السلام) إلى داره ويهدمها.

ثم ان المنقري(2) نقل خلاف ما نقله ابن سعد، فقد قال: كان معاوية أتى جريرًا في منزله فقال يا جرير إني قد رأيت رأيًا، قال: هاته. قال: اكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام ومصر جباية فاذا حضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده بيعة في عنقي واسلم له هذا الأمر واكتب إليه بالخلافة.

ثم ألم يعزل الإمام علي (علیه السلام) معاوية ويوليها ابن عباس بقوله إليه: سر إلى الشام فقد وليتكها فأجابه ابن عباس معترضا خائفا ما هذا برأي معاوية رجل من بني أمية وهو ابن عم عثمان، وعامله على الشام، ولست آمن أن يضرب عنقي بعثمان أو أدنى ماهو صانع أن يحبسني فيتحكم عليّ فقال له الإمام (علیه السلام) : ولم؟ قال: لقرابة مابيني وبينك، وإن كل من حمل عليك حمل عليّ، ثم ألم يرفض الإمام علي (علیه السلام) اقتراح ابن عباس حيث قال: اكتب إلى معاوية فمنّه وعده،

ص: 398


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 300 .
2- وقعة صفين، ص 52 .

فأبى الإمام ذلك وقال: والله لا كان هذا ابدا(1).

ثم يستمر ابن سعد في ذكر الأحداث التي وقعت قبل وقعة صفین، فيقول: ((وكان عند معاوية يومئذ وجوه أهل الشام ذو الكلاع(2) وشرحبيل بن السمط(3) وأبو مسلم الخولاني(4) ومسروق العكي فتكلموا بكلام شديد وردوا اشد الرد وتهددوا معاوية اشد التهديد ان هو اجاب إلى هذا القول وترك الطلب بدم عثمان، فقال جرير: الله الله في حقن دماء المسلمين ولم شعثهم وجمع أمر الأمة: فإن الأمر قد تقارب وصلح فقالوا لا نريد هذا الصلح حتى نقاتل قتلة عثمان فنحن ولاته والقائمون بدمه فقال معاوية: على رسلكم أنا معكم على ما تريدون وتقولون ما بقيت ارواحنا فجزاه القوم خیرا وكفوا عنه))(5).

نلاحظ أن رواية ابن سعد أرادت إظهار معاوية بن أبي سفيان بمظهر المسالم والداعي إلى الصلح لولا اصرار وجهاء أهل الشام، وهذا راجع إلى دهاء معاوية، والذي عده ابن سعد من ضمن دهاة الأمة الأربعة(6)، وإلى الحملة الاعلامية

ص: 399


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 337 .
2- هو أبو شرحبيل سميفع القائم بأمر معاوية في حرب صفین قتل قبل انتهاء المعركة، ففرح معاوية لقتله لأنه بلغه أن ذا الكلاع ثبت عنده أن عليا برئ من دم عثمان بن عفان، وان معاوية خدعهم. ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 469 .
3- هو شرحبيل بن السمط بن الأسود بن جبلة الكندي، أدرك النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)، كان أمیرا على حمص لمعاوية بن أبي سفيان، استعان به معاوية لاقناع أهل الشام بأن عليا (علیه السلام) هو من قتل عثمان، مات في حمص سنة 40 ه-. ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 699 - 700 .
4- هو عبدالله بن ثوب، أدرك الجاهلية قدم من اليمن، أسلم قبل وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ولم يراه، جاء إلى المدينة وقد قبض رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم). ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 3/ 876 .
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 300 .
6- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 303 .

المضللة التي بثها في الشام عن طريق اتهام الإمام علي (علیه السلام) بقتل عثمان ورفع شعار المطالبة بدمه كما فعل أهل الجمل.

فبعد أن عقد معاوية العزم على مواجهة الإمام علي (علیه السلام) دعا الثقاة من أهل الشام واستشارهم في الأمر واستشار أخاه عتبة بن أبي سفيان(1)، فأشار عليه بعمرو بن العاص(2)، فأجاب عمرو معاوية فعند وصول عمرو إليه تداول الأمر معه حول ماذا يصنعون مع الإمام علي (علیه السلام) فقال له عمرو: ((والله يا معاوية ما أنت وعلي بحمل بعیر ما لك هجرته ولا سابقته ولا صحبته ولا جهاده ولا فقهه وعلمه والله إن له مع ذلك حدا وجدا وحظا وحظوة، وبلاء من الله حسن فما تجعل لي إن شايعتك على حربه، وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر؟ قال: حكمك قال: مصر طعمة قال: فتلكأ عليه معاوية ثم قال يا أبا عبدالله اني اكره ان يتحدث العرب عنك أنك إنما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا قال: دعني عنك قال معاوية: إني لوشئت أن أمنيك وأخدعك لفعلت قال عمرو: لا لعمر الله ما مثلي يخدع، لأني أكيس من ذلك، قال له معاوية: ادن مني برأسك أسّارك، قال فدنى منه عمرو يساره فعض معاوية أذنه، وقال: هذه خدعة هل ترى في بيتك أحدا غیري وغیرك))(3).

واستشار معاوية أخاه عتبة في اعطاء عمرو بن العاص مصر مقابل مساندته في حربه مع الإمام علي (علیه السلام) فأشار عليه بذلك فقبل معاوية على اعطاء مصر

ص: 400


1- هو أبو الوليد عتبة بن أبي سفيان بن حرب بن أمية، ولد على عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وولّاه عمر بن الخطاب الطائف وصدقاتها، ثم ولاه معاوية مصر بعد موت عمرو بن العاص، مات فيها سنة 40 ه- وقيل 43 ه-. ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 3/ 1025 - 1026 .
2- المنقري، وقعة صفين، ص 32 - 39 .
3- المنقري، وقعة صفين، ص 37 - 38 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2/ 65 .

طعمة لعمرو بن العاص وكتب بذلك كتابًا جاء فيه: ((على ألا ينقض شرط طاعة)) وكتب عمرو على الا تنقض طاعة شرط وكايد كل واحد منها صاحبه(1).

وبعد أن حصل عمرو على مصر قال له معاوية بن أبي سفيان: ماذا أنت فاعل قال: الأمر الأول: ارسل إلى مالك بن هبیرة الكندي في طلب محمد بن أبي حذيفة لكي يقتله.

الأمر الثاني: أبعث إلى قيصر الروم بالهدايا والأموال.

الأمر الثالث: قال معاوية: ماذا ترى في علي؟ قال: أرى فيه خیرًا أتاك في بيعة خیر أهل العراق ومن عنده خیر الناس في أنفس الناس ودعواك أهل الشام إلى رد هذه البيعة خطر شديد ورأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكندي وهو عدو لجرير المرسل إليك فأرسل إليه ووطن له ثقاتك فليفشوا في الناس أن عليًا قتل عثمان، وليكونوا أهل رضا عند شرحبيل، فإنها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب، وإن تعلقت بقلب شرحبيل لم تخرج منه بشيء أبدًا(2).

ومن باب سعي معاوية كسب الشخصيات التي لم تبايع الإمام عليًا (علیه السلام) ، والتي تعد من صحابة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، أرسل إلى شرحبيل فلما قدم عليه استقبله الناس فاعظموه ثم هيئ له رجالا(3) يشهدون عنده ان عليا قتل عثمان ثم لقي

ص: 401


1- المنقري، وقعة صفین، ص 40 - 41 ؛ البلاذري أنساب الأشراف، 3/ 71 ؛ الدينوري، الاخبار الطوال، 158 .
2- المنقري، وقعة صفين، ص 44 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2/ 71 .
3- وهم بسر بن ارطاة ويزيد بن أسد جد خالد بن عبد القسري، وأبو الأعور السلمي وحابس بن سعد الطائي، ومخارق بن الحارث الزبيدي، وحمزة بن مالك الهمداني. ينظر: المنقري، وقعة صفین، ص 1/ 44 ؛ الدنيوري، الاخبار الطوال، 159 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 700 ؛ ابنأبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2/ 70 .

جريرًا فناظره فأبى ان يرجع وقال قد صح عندي أن عليا قد قتل عثمان(1).

وبعد ان رجع جرير بن عبد الله إلى الإمام علي (علیه السلام) اراد معاوية ان يعمل مثلا فعل الإمام علي (علیه السلام) فارسل أبا مسلم الخولاني إلى الإمام علي (علیه السلام) فلما دخل على الإمام (علیه السلام) طلب منه ان يدفع إليه قتلة عثمان(2). فقام أبو مسلم خطيبًا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (إن عثمان قُتِلَ مسلما محرما مظلوما فادفع الينا قتلته وانت اميرنا فإن خالفك احد من الناس كانت ايدينا لك ناصرة والسنتنا لك شاهدة وكنت ذا عذر وحجة) ووعده الإمام علي (علیه السلام) إلى الغد ليعطيه الجواب، فلما كان الغد علم الناس الذي جاء فيه فلبست اسلحتها ثم أتوا المسجد فملؤه، وأخذوا ينادون كلنا قتل عثمان بن عفان وأكثروا من النداء بذلك وأذنَ لأبي مسلم فدخل على الإمام (علیه السلام) فدفع إليه جواب كتاب معاوية، فقال الإمام (علیه السلام) لأبي مسلم: قد رأيت قومًا مالك معهم أمر قال: وما ذاك؟ قال تبلغ القوم أنك تريد أن تدفع إلينا قتلة عثمان فضجوا واجتمعوا ولبسوا السلاح وزعموا أنهم كلهم قتلة عثمان، فقال الإمام (علیه السلام): والله ما أردت أن أدفعهم إليك طرفة عین، لقد ضربت هذا الأمر أنفه وعينيه ما رأيته ينبغي لي أن ادفعهم إليك ولا إلى غیرك(3).

وبعد أن استطاع معاوية ترتيب بيته الداخي وتقوية جبهته الداخلية عن طريق تضليل الرأي العام الداخلي بأن قاتل الخليفة عثمان هو الإمام علي (علیه السلام) ، وشراء ذمم رؤوساء القبائل الموجودة في الشام، واليمن، أجاب الإمام علي (علیه السلام) بعد أن طاوله جرير بالجواب عن الكتاب، فأقام عند معاوية ثلاثة أشهر يماطله

ص: 402


1- ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 699 - 700 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 25 .
3- المنقري، وقعة صفين، ص 85 - 86 .

البيعة(1). فأعلن رفضه للبيعة، ومطالبة الإمام (علیه السلام) بدم عثمان بقوله: ((أما بعد فلعمري لو بايعك القوم الذين بايعوك وانت بريء من دم عثمان كنت كأبي بكر وعمر وعثمان ولكنك اغريت بعثمان المهاجرين وخذلت عنه الأنصار فاطاعك الجاهل وقوي بك الضعيف وقد ابى أهل الشام الا قتالك حتى تدفع إليهم قتلة عثمان فإن فعلت كانت شورى بین المسلمين ولعمري ليس حجتك علي كحجتك على طلحة والزبیر لأنهما بايعاك وما حجتك على أهل الشام كحجتك على أهل البصرة لأن أهل البصرة أطاعوك ولم يطعك أهل الشام فاما شرفك في الإسلام وقرابتك من النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وموضعك من قريش فلست أدفعه))(2).

يلاحظ على هذا الكتاب أن معاوية يجعل نقطة الفصل هي مسألة عثمان، فإن الإمام عليًا (علیه السلام) وإن لم يكن القاتل فهو الذي أغرى المهاجرين وخذل الأنصار: إذن فهو مطالب أولا بتقديم قتلة عثمان، وبعد ذلك تلغى خلافة الإمام ويعاد الأمر شورى، ولكن ياترى اين تكون الشورى؟ فهل تكون في المدينة التي اتخذت موقفًا سلبيًا حيال مقتل الخليفة أم في العراق وهذا ما لا يقبل به معاوية؟ إذن فمعاوية لا يقصد من الشورى إلا في الشام وهو ما يعني توليه الخلافة، ثم اكدت ان الإمام ليست لديه حجة على معاوية كما كانت لديه حجة على طلحة والزبیر لأنهما بايعاه ولا له حجة على أهل الشام كما كانت له حجة على أهل البصرة لانهم استجابوا لامره بعزل الوالي القديم وتولية والي جديد وبايعوا للإمام(3).

ص: 403


1- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1/ 115 . وينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 3/ 65 ؛ ابن عبد ربه، العقد الفريد، 5/ 78 ؛ ابن أبي الحديد، 2/ 61 .
2- ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، 1/ 91 ؛ الخوارزمي، المناقب، ص 203 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 3/ 88 .
3- النصر الله، شرح نهج البلاغة، 317 - 318 .

والذي نستنتجه مما تقدم أن معاوية كان هو صاحب فكرة المطالبة بدم عثمان وهو من حرض أهل الجمل على حرب الإمام علي (علیه السلام)، ويظهر لنا أيضًا سعي الإمام علي(علیه السلام) إلى اطفاء نار الحرب بالطرق السلمية وحاول جهد استطاعته أن يتجنّب الحرب التي سعى معاوية ما امكنه إلى اشعال نارها. كما حاول عبثا إقناع معاوية وصحبه بالكف عن إيذائه وإيذاء رعاياه فأوكل مضطرًا أمره إلى السيف فبدأت الحرب بین الجانبین(1).

الحرب

بعد أن أدرك الإمام علي (علیه السلام) عدم جدوى المراسلات بينه وبین معاوية واصرار معاوية على اتهام الإمام علي (علیه السلام) بقتل عثمان على الرغم من كل الادلة التي قدمها (علیه السلام) لتبرئة ساحته من دم عثمان، لا لضعف فيه ولكن حفاظا على دماء المسلمين، خاصة وإنه لم يمضِ وقتا طويلا على معركة الجمل التي حصدت الاف المسلمين.

فكتب الإمام (علیه السلام) إلى ابن عباس والي البصرة يطلب المدد منه قائلا: ((اما بعد فاشخص الي من قبلك من المسلمين والمؤمنین وذكرهم بلائي عندهم وعفوي عنهم واستبقائي لهم ورغبهم في الجهاد واعلمهم الذي في ذلك من الفضل))(2). فسار ابن عباس إلى صفین واستخلف أبا الأسود الدؤلي على الصلاة بالبصرة واستخلف زيادا على الخراج وبيت المال والديوان(3).

ص: 404


1- جعفر: نوري، علي ومناوئوه، قدم له: عبد الصاحب مسعود، راجعة، السيد مرتض رضوي، ط 4، 1396 ه-/ 1976 م، ص 168 .
2- المنقري، وقعة صفين، ص 116 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 3/ 187 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 338 .

فجاء ابن عباس مع رؤوس الأخماس خالد بن المعمر السدوسي على بكر بن وائل، وعمرو بن مرجوم العبدي على عبد القيس وصبره بن شيمان الأزدي على الأزد، والأحنف بن قيس على تميم وضبة والرباب، وشريك بن الأعور الحارثي على أهل العالية، فقدموا على الإمام علي (علیه السلام) في (النخيلة)(1)(2).

واستخلف على الكوفه عقبة بن عمرو الأنصاري(3)، وقام الإمام بترتيب جيشه فجعل على الرجالة عمار بن ياسر، وكان محمد بن الحنفية يحمل رايته(4).

خرج الإمام (علیه السلام) من النخيلة بمن معه فلما دخل المدائن شخص معه من فيها من المقاتلة وولى عليها سعد بن مسعود الثقفي(5) عم المختار بن أبي عبيد الثقفي، وقيل لام بن رَبّار(6)، ووجه على من خرج من المدائن معقل بن قيس في ثلاثة الاف وامره ان يذهب إلى الموصل حتى يوافيه(7).

وصول الإمام إلى صفين

لما وصل الإمام (علیه السلام) وجيشه إلى صفین سبقه جيش أهل الشام إلى مصادر

ص: 405


1- هو تصغیر نخلة، وهو موضع قرب الكوفة جهة الشام. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 278/5.
2- المنقري، وقعة صفين، ص 117 .
3- المنقري، وقعة صفين، ص 121 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 7/ 95 .
5- هو عم المختار بن أبي عبيد الثقفي، كانت له صحبة، يوم الجمل لما عقد الإمام علي (علیه السلام) لقيس وعبس وذبيان راية جعله عليهم. ينظر: ابن قتيبة، الاخبار الطوال، ص 146 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 2/ 602 .
6- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 214 .
7- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 269 .

المياه وقد صف أبو الأعور السلمي الخيل والرجاله، واجمعوا أن يمنعوا الماء عن جيش الإمام (علیه السلام)، ففزع الإمام (علیه السلام) من ذلك الامر، فاستدعى صعصعة بن صوحان فارسله إلى معاوية يحذره من هذا الفعل، فاستشار معاوية أصحابه في ذلك فقال الوليد بن عقبة امنعهم الماء كما منعوه ابن عفان حصروه اربعین يوما يمنعونه برد الماء ولین الطعام اقتلوهم عطشًا، وكان رأي عمرو بن العاص أن خل بین القوم وبین الماء فإنهم لن يعطشوا وأنت ريان ولكن لغیر الماء فانظر فيما بينك وبينهم فأرسل معاوية إلى الأعور أن امنعهم الماء فما كان من الإمام علي (علیه السلام) إلا أن أرسل جنده إليهم واستطاعوا أن ياخذوا شريعة الفرات منهم، لكنه لم يفعل مثل ما فعلوا فقد ارسل إلى أصحابه أن خذوا من الماء حاجتكم وارجعوا إلى معسكركم وخلوا بينهم وبین الماء فإن الله قد نصركم عليهم بظلمهم وبغيهم(1)

وشهد مع الإمام علي (علیه السلام) صفین أويس القرني، فعن الأصبغ بن نباته قال كنا مع علي (علیه السلام) بصفین فبايعه تسعة وتسعون رجلا ثم قال: اين تمام المائة لقد عهد إلي رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) أن يبايعني في هذا اليوم مائة رجل قال: اذ جاء رجل عليه قباء صوف متقلدا بسيفين فقال ابسط يدك ابايعك قال علي (علیه السلام) على ما تبايعني؟ قال: على بذل مهجة نفسي دونك قال: من أنت؟ قال: أنا أويس القرني(2). هذا وكان أويس علامة من علامات الحق ضد الباطل، فقد ذكر ابن سعد أنه نادى رجل من أهل الشام يوم صفین، فقال: أفيكم أويس القرني؟ قالوا: نعم قال اني سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يقول: إن من خیر التابعین أويسا

ص: 406


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 3/ 318 - 319 .
2- الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 402 . وينظر: الطوسي: أبو جعفر محمد بن الحسن(ت 460 ه-/ 1067 م)، أخبار معرفة الرجال، تصحيح وتعليق: میر داماد الاسترابادي، تح: السيد مهدي الرجائي، ط 1، بعثت – قم المقدسة، 1404 ه-. 1/ 314 .

القرني ثم ضرب دابته فدخل فيهم(1).

ومن الصحابة الذين كانوا ميزانًا بین الحق والباطل عمار بن ياسر، لقد كان المسلمون يرددون في كلا المعسكرين قول رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بحق من يقتل عمار: يا عمار تقتلك الفئة الباغية، فقد كان أصحاب معاوية يقولون: لا والله لا نقتل عمارًا أبدًا إن قتلناه فنحن كما يقولون(2).

وكان لعمار دور بارز في معركة صفین فكان يقول يوم صفین ((الجنة تحت البارقة، الظمآن قد يرد الماء، الماء مورود، اليوم ألقى الأحبة محمدًا وحزبه والله لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات(3) هجر(4) لعلمت أنا على حق وأنهم على باطل والله لقد قاتلت بهذه الراية ثلاث مرات مع رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وما هذه بابرهن ولا اتقاهن))(5). وكان يقول أيضا ((ائتوني بشربة لبن فإن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قال لي ان اخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن فأتى بلبن فشربه))(6). وعندما كان يسیر إلى صفین على شط الفرات كان يردد (اللهم إنه لو أعلم أنه أرضى لك عني أن أرمي بنفسي من هذا الجبل فأتردى فأسقط فعلت ولو أعلم أنه أرضى لك عني أن أوقد نارا عظيمة فاقع فيها فعلت، اللهم لو أعلم أنه أرضى لك عني أن ألقي نفسي في الماء فاغرق نفسي فعلت فإني لا أقاتل إلا أريد وجهك وأنا أرجو أن لا

ص: 407


1- ابن سعد، الطبقات، الكبیر 8/ 283 . وينظر: ابن حنبل، مسند أحمد، 3/ 48 ؛ الطوسي، أخبار معرفة الرجال، 1/ 315 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 234 .
3- السعفات: هي جريد النخل. ينظر: ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، 2/ 368 .
4- هجر: هي قاعدة البحرين. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 5/ 393 .
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 238 .
6- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 238 .

تخيبني وأنا أريد وجهك(1).

وعندما اشتدت المعركة نادى عمار المقاتلین قائلا: من يبتغي رضوان الله ربه؟ فلبى دعوته جمع من المؤمنین وقادهم عمار باتجاه أهل الشام قائلا: اقصدوا بنا هؤلاء الذين يطلبون دم عثمان، والله ما أرادوا الطلب بدمه ولكنهم ذاقوا الدنيا واستحبوها(2).

ولما استلحم القتال بصفین وكادوا يتفانون قال معاوية: هذا يوم تفانى فيه العرب إلا أن تدركهم فيه العبد يعني عمار بن ياسر، وكان القتال الشديد ثلاثة أيام ولياليهن اخرهن ليلة الهرير، فلما كان اليوم الثالث قال عمار لهاشم بن عتبة بن أبي وقاص ومعه اللواء يومئذ: احمل فداك أبي وأمي، فقال هاشم: يا عمار رحمك الله أنك رجل تستخفك الحرب وأني إنما أزحف باللواء زحفا رجاء أن أبلغ بذلك ما أريد وإني إن خففت لم آمن الهلكة، فنهض إليه ذو القلاع في كتيبته فاقتتلوا فقتل عمار ثلاثة من مقاتليهم بالمبارزة فلما ضعف عن القتال قتل رضوان الله تعالى عليه(3).

وقد اختلف في من قتله فقيل: قتله أبو الغادية المزني طعنه برمح فلما وقع أكب عليه آخر فاحتز رأسه فأقبلا يختصان كل منهما يقول أنا قتلته، فقال عمرو بن العاص: والله ان يختصمان إلا في النار فسمعهما معاوية فلما انصرف الرجلان قال معاوية لعمرو بن العاص: ما رأيت مثل ما صنعت، قوم بذلوا انفسهم دوننا تقول لهما إنكما تختصمان في النار، فقال عمرو هو والله ذاك والله إنك لتعلمه ولوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة، وقيل حمل عليه عقبة بن عامر الجهني،

ص: 408


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 238 .
2- ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3/ 308 - 309 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 242 .

وعمرو بن الحارث الخولاني وشريك بن سلمة المرادي فقتلوه(1).

يظهر مما تقدم أن معاوية وعمرو بن العاص كانا على بينة بأنهما كانا يمثلان جهة الباطل وأن مصيرهما إلى النار، ثم أن حادثة مقتل عمار بن ياسر كانت بمثابة جرس التنبيه لمن كان شاكًا في موقفه فعن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لايسل سيفا وشهد صفین، وقال: (أنا لا أصل أبدا حتى يقتل عمار وفي قول آخر، لا أقاتل حتى يقتل عمار)(2). فانظر من يقتله فاني سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يقول: (تقتله الفئة الباغية، فلما قتل عمار بن ياسر قال خزيمة قد بانت لي الضلالة)(3).

قال خويلد الغزي: بينا نحن عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار فقال عبدالله بن عمر: ليطب به أحدكما نفسا لصاحبه فإني سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يقول تقتله الفئة الباغية، فلما خاف معاوية من حدوث الفتنة في معسكره، قال عمرو لمعاوية ألا تسمع ما يقول هذا؟ فقال معاوية: ما تزال تأتينا بهتة تدحض بها في بولك أنحن قتلناه؟ انما قتله الذين جاءوا به وفي قول اخر انما قتله الذي خرج به(4).

ثم قام أمیر المؤمنین بالصلاة على عمار بن ياسر، ومعه هاشم بن عتبة ولم يغسله(5) ودفنه في صفین سنة 37 ه- وهو ابن ثلاث وتسعين سنة(6).

ص: 409


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 240 .
2- ابن الأثير، أسد الغابة، 4/ 47 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 239 - 240 .
4- ابن سعد، الطبقات، الكبير 3/ 234 .
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 243 .
6- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 136 .
رفع المصاحف

بعد أن أدرك معاوية بن أبي سفيان أن النصر بات وشيكا لجيش أمیر المؤمنین (علیه السلام) استشار عمرو بن العاص في ذلك فأشار عليه برفع المصاحف، إلا أن ابن سعد صور لنا سبب رفع المصاحف هو تعب الجانبین من القتال، بقوله: ((اقتتل الناس بصفین قتالا شديدا لم يكن في هذه الأمة مثله قط حتى كره أهل الشام وأهل العراق القتال وملوه من طول تبادلهم السيف فقال عمرو بن العاص وهو يومئذ على القتال لمعاوية هل أنت مطيعي فتأمر رجالا بنشر المصاحف ثم يقولون يا أهل العراق ندعوكم إلى القرآن وإلى ما في فاتحته إلى خاتمته فإنك إن تفعل ذلك يختلف أهل العراق ولا يزيد ذلك أمر أهل الشام الا استجماعا))(1).

يظهر مما تقدم أن هناك أمرًا حدث جعل أهل الشام يلتجؤون إلى هذه الطريقة، وهذا الأمر هو انكسار جيش أهل الشام وبروز علامات النصر لجيش الإمام (علیه السلام)، ولم يبق سوى الانقضاض على معاوية خاصة بعد ليلة الهرير حيث صاح أهل الشام: ((يا معاوية هلكت العرب فقال معاوية يا عمرو نفر أو نستأمن قال نرفع المصاحف وتقرأ: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ)(2) ، فإن قبلوا حكم القرآن رفعنا الحرب ورفعنا بهم إلى أجل وإن أبى بعضهم إلا القتال فللنا شوكتهم وتقع بينهم الفرقة))(3). وهذا ما أكده قول عمرو بن العاص لمعاوية عندما خرجت الخوارج على أمیر المؤمنین علي (علیه السلام) حيث قال: (كيف رأيت

ص: 410


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5/ 76 .
2- سورة ال عمران، اية 23 .
3- ابن شهر اشوب، مناقب ال أبي طالب، 2/ 364 .

تدبیري حيث ضاقت نفسك مستهزمًا على فرسك الورد تستبطئه فأشرت عليك أن تدعوهم إلى كتاب الله وعرفت أن أهل العراق أهل شبهة وأنهم يختلفون عليه فقد اشتغل عنك علي بهم وهم اخر هذا قاتلوه)(1).

ثم إن رفع المصاحف إنما هو أسلوب علوي استخدمه الإمام (علیه السلام) يوم الجمل وصفین قبل القتال، حيث فعل هذا الإمام عندما رحل إلى صفین حيث قال: ((من يذهب بهذا المصحف إلى هؤلاء القوم فيدعوهم إلى ما فيه؟ فأقبل فتى اسمه سعيد فقال: أنا صاحبه ثم أعادها فسكت الناس وأقبل الفتى فقال أنا صاحبه فقال علي (علیه السلام) دونك فقبضه (بيده) ثم أبى معاوية فقرأه عليهم ودعاهم إلى ما فيه فقتلوه))(2). لكنه مع الأسف لم يؤخذ به، واستخدمه ابن العاص في صفین فانطلت الخدعة عى الجيشین؛ حتى قال أهل العراق: أو لسنا على كتاب الله وبيعتنا؟ وقال آخرون كرهوا القتال أجبنا إلى كتاب الله(3).

ثم يكمل ابن سعد نصه قائلاً: ((ولما رأى علي وهنهم وكراهيتهم للقتال قارب معاوية فيما يدعوه إليه واختلف بينهم الرسل فقال علي قد قبلنا كتاب الله فمن يحكم بكتاب الله بيننا وبينك قال نأخذ رجلاً منّا نختاره وتأخذ منكم رجلا تختاره فاختار معاوية عمرو بن العاص، واختار علي أبا موسى الاشعري))(4).

إن هذا النص يظهر خلاف ما ذكره ابن أبي الحديد(5) عن كيفية قبول الإمام علي (علیه السلام) التحكيم، والكيفية التي اختار بها أبا موسى الأشعري ممثلاً عنه في

ص: 411


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5/ 78 - 79 .
2- المنقري، وقعة صفين،ص 244 . وينظر: الامين، اعيان الشيعة، 1/ 486 و 7/ 246 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5/ 76 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5/ 76 .
5- شرح نهج البلاغة، 11/ 29 - 31.

التحكيم، فقد ذكرها بشيء من التفصيل قائلاً: ((فلما رفعت المصاحف انقسم أهل العراق فمنهم من دخلت عليه الشبهة برفع المصاحف وغلب على ظنه ان أهل الشام لم يفعلوا ذلك خدعة وحيلة بل حقًا ودعاءً إلى الدين وموجب الكتاب فرأى أن الاستسلام للحجة أولى من الاصرار على الحرب، ومنهم من كان قد ملّ الحرب وآثر السلم، فلما رأى شبهة ما يسوغ التعلّق بها في رفض المحاربة وحب العافية أخلد إليهم. ومنهم من كان يبغض عليًا (علیه السلام) بباطنه ويطيعه بظاهره كما يطيع كثیر من الناس السلطان في الظاهر ويبغضه بقلبه فلما وجدوا طريقا إلى خذلانه وترك نصرته أسرعوا نحوها فاجتمع جمهور عسكره عليه وطالبوه بالكف وترك القتال فامتنع امتناع عالم بالمكيدة وقال لهم: انها حيلة وخديعة وإني أعرف بالقوم منكم إنهم ليسوا أصحاب قرآن ولا دين قد صحبتهم وعرفتهم صغیرًا وكبیرًا، فعرفت منهم الإعراض عن الدين، والركون إلى الدنيا، فلا تراعوا برفع المصاحف وصمموا على الحرب، وقد ملكتموهم فلم يبق منهم الا حشاشة ضعيفة، وذمار قليل، فأبوا عليه وألحوا وأصروا على القعود والخذلان،وأمروه بالإنفاذ إلى المحاربین من أصحابه وعليهم الأشتر أن يأمرهم بالرجوع، وتهددوه إن لم يفعل بإسلامه إلى معاوية فأرسل إلى الأشتر يأمره بالرجوع وترك الحرب فأبى فقال: كيف أرجع وقد لاحت إمارات الظفر! ليمهلني ساعة واحدة. ولم يكن علم صورة الحال كيف قد وقعت فلما عاد إليه الرسول بذلك غضبوا ونفروا وشغبوا وقالوا: انفذت إلى الأشتر سرًا وباطنًا تأمره بالتصميم، وتنهاه عن الكف، وإن لم تعده الساعة والا قتلناك كما قتلنا عثمان، فرجعت الرسل إلى الأشتر فقالوا له: أتحب أن تظفر بمكانك وامیر المؤمنین قد سل عليه خمسون ألف سيف! فقال:ما الخبر؟ قال: إن الجيش يأسره وقد أحدق به وهو قاعد بينهم على الأرض تحته نطع وهو مطرق والبارقة تلمع على رأسه يقولون: لئن لم تعد الأشتر قتلناك! قال:

ص: 412

ويحكم! فما سبب ذلك؟ قالوا: رفع المصاحف. قال: والله لقد ظننت حین رأيتها رفعت أنها ستوقع فرقة وفتنة ثم كرّ راجعا على عقبيه فوجد أمیر المؤمنین (علیه السلام) تحت الخطر قد ردده أصحابه بین أمرين: إما أن يسلموه إلى معاوية أو يقتلوه ولا ناصر له منهم الا ولداه وابن عمه ونفر قليل لا يبلغون عشرة فلما رآهم الأشتر سّبهم وشتمهم وقال: ويحكم!بعد الظفر والنصر صب عليكم الخذلان والفرقة يا ضعاف الأحلام! يا أشباه النساء يا سفهاء العقول! فشتموه وسبوه وقهروه وقالوا: المصاحف والرجوع إليها لايرى غیر ذلك فأجاب أمیر المؤمنین إلى التحكيم دفعًا للمحذور الأعظم بارتكاب المحظور الاضعف فلذلك قال: كنت أمیرًا فأصبحت مأمورًا وكنت ناهيًا فصرت منهيًا)).

ويذهب أحد المؤرخین(1) إلى أبعد من ذلك فيظهر أن موافقة الإمام علي (علیه السلام) جاءت تحت تهديد الأشعث بن قيس(2) حيث قال: (والله لتجيبنّهم إلى ما دعوا إليه أو لندفعنّك إليهم برمتك فتنازع الأشتر والأشعث في هذا كلامًا عظيماً حتى كاد أن يكون الحرب بينهم وحتى خاف علي (علیه السلام) أن يفرق عنه أصحابه، فلما رأى ماهو فيه أجابهم إلى الحكومة).

دور الأشعث بن قيس في اختيار أبي موسى الأشعري

لقد كانت للأشعث بن قيس مراسلات مع معاوية قبل نشر المصاحف،

ص: 413


1- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2/ 189 .
2- هو أبو محمد الأشعث بن قيس بن معد يكرب الكندي، وفد على النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) سنة 10 ه- مع وفد كندة وكان رئيسهم، تزوج أم فروة اخت أبي بكر بن أبي قحافة، شهد القادسية والمدائن وجلولاء ونهاوند أيام عمر بن الخطاب، شهد التحكيم يوم صفین، مات سنة 42 ه-. ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 133- 134 .

وهذا ما أكده نص ابن سعد(1) فعن سليم الحضرمي(2) قال: ((رأيت الأشعث يبحث عن معاوية قائلا: اين معاوية؟ فقيل هو ذا هو فقال: الله الله يا معاوية في أمة محمد هبوا أنكم قد قتلتم أهل العراق فمن للثغور والذراري فإن الله تعالى یقول: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)(3) فلم يلبثوا بعد ذلك الا قليلا حتى كان الصلح بينهم)) ورب قائلا يقول ان هذا الأمر حدث بعد رفع المصاحف عندما أراد الطرفین تحديد الحكمین، إن هذا الرأي لا يمكن أن يعول عليه؛ لأن النص يظهر رجحان كفة جيش الشام على جيش الإمام علي (علیه السلام) لقول الأشعث لمعاوية (هبوا أنكم قد قتلتم أهل العراق)، في حین أن المعلوم لم ترفع المصاحف إلا عندما شعر معاوية بالهزيمة.

ويؤكد ذلك أيضًا ما ذكره اليعقوبي(4) من استمالة معاوية للأشعث بن قيس بقوله: (فاعترض الأشعث بن قيس الكندي وقد كان معاوية استماله وكتب إليه ودعاه إلى نفسه)، وهذه إشارة واضحة إلى حدوث هذه المراسلات بین الأشعث ومعاوية قبل حادثة رفع المصاحف. ثم بماذا نفسر وجود اسم الأشعث بن قيس في جميع أحداث التحكيم: من المطالبة في التحكيم إلى اختيار الحكمیين، بل إلى نهاية التحكيم.

ص: 414


1- الطبقات، الكبير 6/ 236 .
2- هو أبو الصلت سليم الحضرمي الشامي، ممن شهد صفین مع معاوية بن أبي سفيان. ينظر: ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 9/ 137 ؛ المزي، تهذيب الكال، 3/ 292 .
3- سورة الحجرات، اية 9.
4- تاريخ اليعقوبي، 2/ 188 .

وبعد أن قبل الإمام (علیه السلام) بأمر التحكيم طلب منه الأشعث بن قيس بأن يبعثه إلى معاوية فيسأله ما يريد، فسمح له (علیه السلام) فذهب الأشعث إلى معاوية فأخبره بأن يبعث كل طرف رجلا يرضاه ويؤخذ عليها أن يعملا بما في كتاب الله عز وجل ثم نتبع ما اتفقنا عليه، فقال الأشعث بن قيس: هذا الحق وانصرف يخبر الإمام عليًا (علیه السلام) بذلك(1). وهذا دليل آخر على ميل الأشعث إلى معاوية واتصاله به.

ولما جاء الإمام علي (علیه السلام) طلب منه تعيین شخص ليكون ممثله في التحكيم، فأراد الإمام (علیه السلام) أن يحكم عبدالله بن عباس مع عمرو بن العاص، فأبى الأشعث بن قيس ذلك، وقال: والله لايحكم فيها مضريان أبدًا حتى يكون أحدهما يماني(2)، وفي نص آخر قال الأحنف بن قيس لأمیر المؤمنین (علیه السلام) حكّم ابن عباس فإنه قرن لعمرو بن العاص، وهو رجل مجّرب فأجابه الإمام (علیه السلام) إلى ذلك فأبت اليمانية ذلك وقالوا، حتى يكون منّا رجل ودعوا إلى أبي موسى الأشعري. ثم إن ابن عباس طلب من الإمام علي (علیه السلام) أنه إذا كان القوم يرفضون أن أكون على التحكيم فاجعل الأحنف بن قيس على ذلك فانه مجرب من العرب وهو قرن لعمرو بن العاص، فقال الإمام (علیه السلام): فأنا أجعل الأحنف فأبت اليمانية مرة أٌخرى وقالوا لا يكون فيها الا يماني(3).

وهنا نتساءل لماذا أبو موسى الأشعري دون غیره؟ ألم يكن في اليمانية رجل غیره يكون كفوء لهذا الأمر؟، وهنا نقول: ربما حتى اختيار أبي موسى كان مكيدة

ص: 415


1- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 36 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 236 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 338 . وينظر: ابن عساكر، تاريخ دمشق، 23 / 94 ؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، 3/ 548 وسیر أعلام النبلاء، 3/ 2/ 395 .

من قبل الأشعث بن قيس ومعاوية وانه أمر تم الاتفاق عليه، فبماذا نفسر إصرار الأشعث ومن معه على أن يكون أبو موسى على التحكيم لا غیره. وربما إن جبهة الأشعث كانت تعلم ما كان يكنه أبو موسى للإمام خاصة بعد أن عزله عن الكوفة. وهذا ما أكده قول عبدالله بن عباس للإمام علي (علیه السلام) عندما قال: ((علام تحكّم أبا موسى؟ فو الله لقد عرفت رأيه فينا فو الله ما نصرنا وهو يرجو

ما نحن فيه فندخله الان في معاقد الأمر مع أن أبا موسى ليس بصاحب ذاك))(1).

فأصبح الإمام علي (علیه السلام) بین رفض التحكيم وانقلاب الأكثرية في جيشه عليه، وربما تحدث فتنة داخل معسكره تسيل فيها الدماء، وبین أن يقبل بأبي موسى الأشعري محكماً عنه مع علمه بأنه ليس كفؤًا لعمرو بن العاص أي ان الإمام (علیه السلام) كان مضطرا في هذا الأمر وهذا ما أكدته المحاورة التي دارت بین الإمام (علیه السلام) وابن عباس حيث قال ابن عباس: ((لا تحكّم الأشعري فإن معه رجلاً حذرًا مرسًا قارحًا من الرجال فلزّني إلى جنبه فانه لا يحل عقده إلا عقدتها ولا يعقد عقدة إلا حللتها فقال الإمام: ياابن عباس فما أصنع؟ إنما أوتي من أصحابي قد ضعفت نيتهم وكلوا في الحرب هذا الأشعث بن قيس يقول: لا يكون فيها مضريان أبدا حتى يكون أحدهما يماني فقال ابن عباس: فعذرته وعرفت أنه مضطهد وأن أصحابه لا نية لهم))(2).

التحكيم

بعد أن قبل الإمام (علیه السلام) بأبي موسى الأشعري ممثلاً عنه في التحكيم بعثه وبعث معه أربعمائة رجل عليهم شريح بن هاني ومعهم عبدالله بن عباس يصلي

ص: 416


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 338 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 339 .

بهم ويلي أمرهم، وفي المقابل بعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة من أهل الشام حتى توافوا بدومة الجندل(1) وقيل بأذرح(2).

وهنا نتساءل لماذا تم اختيار هذا المكان دون غیره؟ ربما بسبب ثقافة البيئة الاجتماعية التي كانت تتمتع بها هذه المنطقة وهي تلائم ما كان يربو إليه معاوية عن طريق تظليل الناس إعلاميا، وهذا ما فعله بأهل الشام، حتى أنهم عندما سمعوا بشهادة أمیر المؤمنین (علیه السلام) في المسجد، قال قائلهم: أكان علي يصلي؟، فقد وصفها معبد الجهني(3) بقوله: ((والله ما رأيت كهذا الحي من قريش كأن قلوبهم اقفلت بأقفال حديد))(4).

أو ربما بسبب الموقع الجغرافي، فهي موضع فاصل بین الشام والعراق على سبع مراحل من دمشق وبينه وبین المدينة ثلاثة عشر مرحلة(5)، وهنا نرجّح الراي الأول؛ لأن الموقع الجغرافي لا يؤثر في سیر عملية التحكيم.

أمّا عملية التحكيم فقد ذكرها لنا ابن سعد بشيء من التفصيل، فقال: لما التقى الناس بدومة الجندل قام ابن عباس بتحذير الأشعري من عمرو بن العاص، فقال له: إنّما يريد أن يقدّمك ويقول: أنت صاحب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وأسنّ منّي فكن متدبرًا لكلامه، وقد حدث الذي توقعه ابن عباس فلما التقيا

ص: 417


1- هو حصن بين الشام والمدينة. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 2/ 487 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5/ 77 و 3/ 31.
3- هو أبو روعة بن خالد الجهني البصري أسلم قديما وكان أحد الأربعة الذين حملوا الوية جهينة يوم الفتح، مات سنة 73 ه-.ينظر: ابن الأثیر، أسد الغابة، 4/ 390 .
4- الذهبي، تاريخ الإسلام، 6/ 200 .
5- القلقشندي: أحمد بن عبد الله القلقشندي (ت 821 ه- / 1409 م)، صبح الأعشى في صناعة الإنشا، تح: محمد حسن شمس الدين، دار الكتب العلمية – بیروت، د. ت، 4/ 297 .

قال عمرو: انك صحبت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قبلي، وأنت أسنّ منّي؛ فتكلّم، ثم اتكلم، وكان عمرو يريد أن يقدم أبا موسى في الكلام ليخلع عليًا (علیه السلام)(1) .

ولم يكن هذا التحذير الأول لأبي موسى الأشعري وإنما سبق أن اختبره الأحنف بن قيس وأراد أن يختبر مدى قدرة أبي موسى على مجارات عمرو بن العاص فقال له: إن لم يستقم لك عمرو على الرضا بعلي فخّیره بین كذا وكذا، فرآه لا ينكر ذلك، فأتى الأحنف عليًا (علیه السلام) وقال له: يا أمیر المؤمنين أخرج والله أبو موسى زبدة سقائه في أول مخضة ما أرانا إلا بعثنا رجلاً لا ينكر خلعك، فلما

علم النجاشي بما دار بین الأحنف وأبي موسى تبع أبو موسى وذكر هذه الابيات:

أبا موسى جزاك الله خيرا***عراقك إن حظك في العراق

وإن الشام قد نصبوا إماما***من الأحزاب معروف النفاق

وإنا لا نزال لهم عدوا***أبا موسى إلى يوم التلاقي

فلا تجعل معاوية بن حرب***إماما ما مشت قدم يساق

ولا يخدعك عمرو إن عمرا***أبا موسى تحاماه الرواقي

فكن منه على حذر وأنهج***طريقك لا تزل بك المراقي

ستلقاه أبا موسى مليا***بمر القول من حق الخناق

ولا تحكم بأن سوى علي***إماما ان هذا الشر باق(2)

فلما اجتمعا على أمرهما فأداره عمرو بن العاص على معاوية فأبى، وقال أبو موسى عبدالله بن عمر، فقال عمرو: اخبرني عن رأيك فقال أبو موسى: أرى أن

ص: 418


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5/ 77 .
2- المنقري، وقعة صفن، ص 537 . وينظر: ابن أعثم، الفتوح، 4/ 204 ؛ الأمن، أعيان الشيعة، 577/3.

نخلع هذين الرجلین ونجعل هذا الأمر شورى بین المسلمين فيختارون لأ نفسهم من أحبوا(1).

يظهر من النص أن أبا موسى لم يكن منذ البداية مع تنصيب الإمام علي (علیه السلام) خليفة للمسلمين، بل كان همه هو خلع الإمام (علیه السلام)، فنراه عندما طلب منه عمرو تولية معاوية أبى، وقال: عبدالله بن عمر، ولم يقل عليا (علیه السلام). على العكس من أن عمرو بن العاص الذي جاء وهمه خلع الإمام (علیه السلام) وتنصيب معاوية. والذي يؤكد هذا الكلام هو عندما سأل عمرو أبا موسى عن رأيه أجابه أبو موسى: أرى أن نخلع هذين الرجلین ونجعل هذا الأمر شورى بین المسلمين فيختارون لأ نفسهم من أحبوا.

لما حدث التحكيم كان علي (علیه السلام) خليفة المسلمين فهنا يصدق معه العزل أو الخلع. فهل كان معاوية خليفة حتى يعزل؟ هذه احدى الفخاخ التي وقع فيها أبو موسى من دون أن يعلم.

ثم ألم يبايع أبو موسى الإمام عليًا (علیه السلام) البيعة الشرعية؟ فلو كان يعلم أن خلافته غیر شرعية، فلماذا بايعه منذ البداية؟. هنا نذكر رأیين، وهما:

الرأي الأول: إما أن بيعة أبي موسى كانت حقيقية وعن دراية لكنه تعرض إلى التظليل والإغراء من قبل عمرو بن العاص فغّیر موقفه.

الراي الثاني: إنه كان منذ البداية غیر مقتنع ببيعة الإمام (علیه السلام) فأخذ يحوك المؤامرات والدسائس ضد الإمام(علیه السلام). وهذا الرأي أقرب إلى الواقع والارجح بدليل تخاذل أبي موسى عن نصرة الإمام يوم الجمل، وإنه أخذ بمعاداة الإمام

ص: 419


1- ابن سعد، الطبقات، الكبير 5/ 77 .

(علیه السلام) خاصة بعد عزله عن ولاية الكوفة.

ثم يكمل ابن سعد أحداث التحكيم، فيقول: فقال له عمرو: يا أبا موسى أعلمهم بأن رأينا قد اجتمع فتكّلم أبو موسى فقال: إن رأينا قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح به أمر هذه الأمة، فقال عمرو: صدق وبر نعم الناظر للإسلام واهله! فتكلم يا أبا موسى. وهنا لم يكن ابن عباس تارك النصيحة لأبي موسى فخلا به، فقال: أنت في خدعة ألم أقل لك لا تبدأه وتعّقبه، فإني أخشى أن يكون أعطاك أمرًا خاليًا ثم ينزع عنه على ملأ من الناس واجتماعهم، فقال الأشعري: لاتخشى ذلك قد اجتمعنا واصطلحنا (1).

إلا أن أبا موسى لم يأخذ بهذه النصيحة أيضا، وهذا يؤكد لنا مرة أخرى إصرار أبي موسى على خلع الإمام (علیه السلام) .

ثم جاء يوم الحسم يوم انكشفت فيه النوايا وسقطت فيه الأقنعة. فقد قام أبو موسى خطيبًا فحمد الله واثنى عليه، ثم قال: أيها الناس قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر شيئًا هو أصلح لأمرها ولا ألمّ لشعثها من أن لا نبتز أمورها ولا نعصبها حتى يكون ذلك عن رضىً منها وتشاور، وقد اجتمعت أنا وصاحبي على أمر واحد على خلع علي ومعاوية، وتستقبل هذه الأمة هذا الأمر فيكون شورى بينهم، يولّون منهم من أحبوا عليهم، وإني قد خلعت عليًا ومعاوية، فولّوا أمركم من رأيتم: ثم تنحى(2).

وهنا نقول ماهي المعايیر التي اعتمدها أبو موسى وعمرو بن العاص في عملية التحكيم؟ ألم يكن القرآن هو الحاكم في هذه القضية؟ فهل اعتمد الحكمان

ص: 420


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5/ 77 - 78 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5/ 78 .وينظر: الذهبي، تاريخ الإسلام، 3/ 549 .

على القرآن؟ وما هي الآية أو الآيات التي اعتمدوها في ذلك؟ ثم لم يذكروا لنا الخطيئة التي قام بها الإمام علي (علیه السلام) حتى يعاقب بالعزل، ألم يكن معاوية هو صاحب هذه الخطيئة بعصيانه لأوامر الخليفة الشرعي الذي بايعته جميع الأمصار ماعدا الشام، فهنا نقول: إن عملية التحكيم ماهي الا مؤامرة كان أطرافها الأشعث ابن قيس ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص وأبا موسى الاشعري.

ثم أقبل عمرو بن العاص فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن هذا قد قال ما قد سمعتم وخلع صاحبه، وإني أخلع صاحبه كما خلعه واثبت صاحبي معاوية، فإنه ولي ابن عفان والطالب بدمه، وأحق الناس بمقامه. فقال أبو موسى لعمرو: إنا مثلك كالكلب: (إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ)(1)، فقال له عمرو: انا مثلك مثل (الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا)(2) فقال ابن عمر: إلامَ صیرت هذه الأمة؟ إلى رجل لا يبالي ما صنع وآخر ضعيف وقال عبد الرحمن بن أبي بكر: لو مات الأشعري من قبل هذا كان خیرا له(3).

وهذا النص ينهي هذه المؤامرة أو المهزلة بهذه المأساة وقد وصف العّقاد(4) نهاية هذا النص بقوله: (كلب وحمار فيما حكما به على نفسيهما غاضبین وهما يقضيان على العالم بأسره لیرضى بما قضياه).

3- المارقون (النهروان)
اشارة

بعد أن جرى التحكيم بعد ايقاف الحرب اجتمع الوفدان العراقي والشامي

ص: 421


1- سورة الاعراف، الاية 176 .
2- سورة الجمعة، اية 5.
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5/ 78 . وينظر: الذهبي، تاريخ الإسلام، 3/ 500 .
4- عبقرية الإمام علي (علیه السلام)،ص 108 .

واللذان ألزما الحكمین العمل بحكم القرآن في القتال الدائر بین الطرفین والاتفاق على ان تكون عملية التحكيم في شهر رمضان في دومة الجندل وكتبت الوثيقة بذلك(1).

خرج الأشعث بن قيس بالوثيقة ليقرأها على الناس فمّر بها على طائفة من بني تميم فيهم عروة بن أدية(2)، فقال عروة: (أتحكّمون في أمر الله الرجال؟ أشرط أوثق من كتاب الله وشرطه أكنتم في شك حین قاتلتهم؟ لا حكم إلا لله)(3)

وقد لاقى هذا الاعتراض من عروة صدىً واسعًا في صفوف جيش الإمام علي (علیه السلام) مما جعل عصابة من القراء أن يسلوا سيوفهم ويأتوا إلى أمیر المؤمنین ويقولوا له:(ما تنتظر بهؤلاء القوم أن نمشي إليهم بسيوفنا حتى يحكم الله بيننا وبينهم بالحق)، فقال الإمام علي (علیه السلام): (قد جعلنا حكم القرآن بيننا وبينهم ولا يحل قتالهم حتى ننظر بم يحكم القرآن)(4).

فلما رجع الإمام علي (علیه السلام) إلى الكوفة وفي أثناء الطريق اقبلوا يتدافعون الطريق كله ويتشاتمون ويضطربون بالسياط ويقول الخوارج: يا أعداء الله ادهنتم في أمر الله عز وجل، قال: الآخرون فارقتم إمامنا وفرقتم جمعنا، حتى قال عنهم

ص: 422


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5/ 77 ؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 343 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 3/ 103 - 105 .
2- هو من رؤساء الخوارج وهو أخو مرداس بن أدية، أول من نادى (لا حكم إلا لله) في صفین، قتله عبيد الله بن زياد فيمن قتل من الخوارج سنة 58 ه-. ينظر: اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2/ 190 ؛ الذهبي، ميزان الاعتدال، 3/ 63 .
3- البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 33 6 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5/ 55 .
4- المنقري، وقعة صفين، ص 497 .

عارة بن ربيعة(1): (خرجوا مع علي إلى صفین وهم متوادون أحباء فرجعوا متباغظین أعداء)(2). ولما دخل الإمام علي (علیه السلام) الكوفة اعتزله اثنا عشر ألفا(3).

تعد هذه المكيدة التي وقع بها جيش أهل العراق من مكائد عمرو بن العاص فقد أكد بقوله لمعاوية عندما خرج الخوارج على الإمام علي (علیه السلام) :(كيف رأيت تدبیري لك حيث ضاقت نفسك منهزما على فرسك الورد تستبطئه فأشرت عليك ان تدعوهم إلى كتاب الله وعرفت أن أهل العراق أهل شبه وأنهم يختلفون عليه فقد اشتغل عنك علي بهم وهم آخر هذا قاتلوه ليس جند اوهن كيدا منهم)(4).

وكان شعارهم لا حكم الا لله، ثم عسكروا بحروراء ولذلك سموا الحرورية(5) وكان أمیر القتال شبث بن ربعي التميمي، أمیر الصلاة (عبدالله بن الكواء اليشكري)@6(6). يظهر من اختيار الخوارج أمیرا للقتال على أنها كانت مستعدة للمواجهة العسكرية.

وهنا نرى الإمام (علیه السلام) وكعادته لم يستخدم الاجراءات العسكرية ضدهم مباشرة بل استخدم الطرق السلمية كالحوارات والمناظرات لاءرجاعهم عن

ص: 423


1- هو عمارة بن ربيعة الجرمي، من أصحاب أمیر المؤمنین (علیه السلام) وممن روى عنه. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 346 ؛ الجواهري، المفيد من معجم رجال الحديث، ص 422 .
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 45 - 46 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 339 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 5/ 78 - 79 .
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 30 .
6- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2/ 191 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5/ 63 .

قرارهم الداعي إلى الحرب واستخدام المقولة (آخر الدواء الكي)(1).

فقد بعث إليهم عبدالله بن عباس فخاصمهم وحاجهم(2) وأوصاه الإمام علي (علیه السلام) أن يدعوهم إلى الكتاب والسنة ولا يحاجهم بالقرآن فإنه ذو وجوه، ولكن حاجهم بالسنة(3). وهنا نتساءل: هل ابن عباس قد التزم بوصية الإمام (علیه السلام)؟ الجواب لم يلتزم بذلك فقد حاجهم بالقرآن كقوله تعالى: (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ)(4) وقوله تعالى: (فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا)(5))(6).

ثم يذكر ابن سعد أنه: ((لما كلمهم ابن عباس تفرقوا ثلاث فرق منهم فرقة رجعت إلى مصرهم ومنازلهم التي بها قرارهم واقامت الفرقة الثانية فقالوا لا نعجل على علي وننظر إلى ما يصیر امره وهم أصحاب النخيلة ومضت الفرقة الثالثة الذين شهدوا على علي وأصحابه بالشرك واستعرضوا الناس بالقتل أولئك أصحاب النهروان))(7).

يظهر من هذا النص أنه لم يكن للإمام علي (علیه السلام) دور في مناظرات الخوارج

ص: 424


1- أبي هلال العسكري، جمهرة الأمثال، 1/ 97 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 30 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 339 .
4- سورة المائدة، اية 95 .
5- سورة النساء، اية 35 .
6- الصنعاني، المصنف، 10 / 159 ؛ أبو جعفر الاسكافي، المعيار والموازنة، 195 ؛ النسائي، سنن النسائي، 5/ 166 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 47 ؛ الطبراني، المعجم الكبیر؛ 10 / 257 ؛ الحاكم النيسابوري، المستدرك، 2/ 150 ؛ البيهقي، السنن الكبرى، 8/ 179 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2/ 273 .
7- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 33 9 - 340 .

ولم يكن له دور في اقناعهم بل ان ابن عباس هو صاحب الدور الرئيس في ذلك. وهنا لا نستغرب لما ذهب إليه ابن سعد فهذا اسلوبه مع أمیر المؤمنین (علیه السلام) . الا ان هذا الأمر لم تؤيده المصادر(1)، فلو كان ابن عباس قد استطاع ان يقنعهم ويردهم إلى الكوفة لما كان هناك مسوغ لمجيئ الإمام علي (علیه السلام) إليهم وهذا ما اكده الطبري(2) بقوله: ((إن عليًا خرج إلى أهل حروراء فانتهى إليهم وهم يخاصمون ابن عباس فقال: انته عن كلامهم ألم أنهك رحمك الله)).

فخرج الإمام علي (علیه السلام) إلى أهل حروراء فكلمهم وحاجهم وذلك بعد بعثه ابن عباس إليهم فدخلوا جميعا إلى الكوفة (3)، وهناك نص آخر يبینّ دور الإمام علي (علیه السلام) في اقناع الخوارج قبل المعركة، حينما قالوا له: إنا أذنبنا ذنبًا عظيماً بالتحكيم وقد تبنا فتب إلى الله كما تبنا نعد لك فقال (علیه السلام) استغفر الله من كل ذنب فرجعوا معه(4). وهنا الإمام (علیه السلام) قال لهم كلمة مجملة مرسلة يقولها الانبياء وهي قوله: استغفر الله من كل ذنب(5).

وقد اسفرت هذه المناظرات إلى رجوع ابرز قادة الخوارج إلى جيش الإمام (علیه السلام) امثال شبث بن ربعي أمیر الحرب ويزيد بن قيس الارحبي رأس الجماعة، وعبدالله بن الكواء اليشكري(6).

ص: 425


1- البلاذري، أنساب الأشراف، 4/ 44 ؛ النسائي، سنن النسائي، 5/ 165 - 166 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2/ 273 ؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق، 42 / 463 - 464 .
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 47 . وينظر: أبو جعفر الاسكافي، المعيار والموازنة، 198 .
3- البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 359 .
4- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 2/ 279 .
5- النصر الله، شرح نهج البلاغة، 357 .
6- البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 349 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5/ 65 .

يظهر مما تقدم أن رجوع أهل حروراء إلى الكوفة كان بسبب فهمهم بأن الإمام علي (علیه السلام) تراجع عن التحكيم وأنه يريد أن يقاتل أهل الشام مرة أٌخرى. ولذلك كان الرجل منهم يذكر التحكيم فيخرج فيحكم، وكان الإمام (علیه السلام) يواجه هذه الأفعال من الخوارج بالصبر ولم يكن راغبًا في انزال العقوبة فيهم، ولم يكن الإمام علي (علیه السلام) يعارضهم في ذلك فيقول: ((إنا لا نمنعهم الفيء ولا نحول بينهم وبین دخول مساجد الله ولا نهجهم مالم يسفكوا دما ومالم ينالوا محرما، وقد اعترضوا على الإمام (علیه السلام) ارسال أبو موسى إلى التحكيم فابى الإمام (علیه السلام) عليهم ذلك فقال: فارقنا القوم على شي فلا يجوز نقضه))(1).

يدل عمل الإمام (علیه السلام) على مدى احترام الرأي والرأي الآخر حتى وإن كانوا يختلفون معه.

أما عن تقسيم الخوارج إلى ثلاث فرق، فهذا أمر غیر مستبعد ولكن حدث هذا الأمر في الكوفة بعد رجوعهم من حروراء وبعد أن دخلوا في مناظرات مع الإمام علي (علیه السلام) ففرقة اعتزلت الأمر ورجعت إلى محل سكناهم وفرقة اقتنعت بكلام الإمام علي (علیه السلام) فذهبت معه إلى النخيلة(2) عندما قرر الإمام (علیه السلام) قتال معاوية بن أبي سفيان مرة أخرى بسبب نتائج التحكيم، وأما الفرقة الثالثة فهي التي اعترضت على التحكيم واتخذت موقف المعارضة من الإمام علي (علیه السلام) وكان على رأسهم عبد الله بن وهب الراسبي(3). حيث اجتمعوا في منزله وقيل

ص: 426


1- البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 359 .
2- هو موضع قرب الكوفة من جهة الشام. الحمیري: أبو عبدالله محمد بن عبدالمنعم (ت 727 ه- / 1316 م)، الروض المعطار في خبر الأقطار تحقيق إحسان عباس، ط 2، طبع على مطابع هيدلبرع – بیروت 1984 م، ص 576 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 340 .

اجتمعوا في منزل زيد بن حصین(1) وقرروا المسیر إلى النهروان(2).

وقال عنهم الإمام (علیه السلام): ((إن هؤلاء يقولون: لا إمرة ولا بد من أمیر يعمل في امرته المؤمن ويستمتع الفاجر ويبلغ الكتاب الأجل وإنها لكلمة حتى يعتزون بها الباطل فإن تكلموا حججناهم وان سكتوا عممناهم))(3). وعلى الرغم من اعتزال هؤلاء وتجمعهم في النهروان ومن باب إلقاء الحجة عليهم كتب الإمام (علیه السلام) اليهم عندما عسكر في النخيلة لينهضوا معه لقتال أهل الشام حيث قال: (بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمیر المؤمنین إلى زيد بن حصین وعبدالله بن وهب ومن معه من الناس أما بعد: فإن هذين الرجلین اللذين ارتضينا حكمهما قد خالفا كتاب الله واتبعا أهواءهما بغیر هدى من الله فلم يعملا بالسنة ولم ينفذا للقران حكما، فیرى الله ورسوله منها والمؤمنون، فإذا بلغكم كتابي هذا فاقبلوا فانا سائرون إلى عدونا وعدوكم ونحن على الأمر الأول الذي كنّا عليه والسلام).

لم يكن الخوارج قد رفضوا طلب الإمام (علیه السلام) ولكن وضعوا شروط تعجيزية لذلك القبول حيث كان جوابهم عليه: (أما بعد فانك لم تغضب لربك انما غضبت لنفسك، فإن شهدت على نفسك بالكفر واستقبلت التوبة نظرنا فيما بيننا وبينك والا فقد نابذناك على سواء، ان الله لا يحب الخائنین، فلما قرأ كتابهم آيس منهم فرأى ان يدعهم ويمضي بالناس إلى أهل الشام حتى يلقاهم فيناجزهم)(4).

وهنا لم يكن أيضا في نية الإمام (علیه السلام) ان يقاتل أهل النهروان، ما دام لم يقع منهم السيف والدماء.

ص: 427


1- البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 361
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 30 .
3- البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 361
4- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 57 .

وتستمر أحداث النهروان فعسكر الخوارج في النهروان وأخذوا يكاتبون انصارهم في الأمصار فقد كاتبوا أهل البصرة الذين ينكرون التحكيم ليلتحقوا بهم فخرج مسعر بن فدكي ومعه ثلاثمائة إلى النهروان فاعترضه عدي بن حارث الشيباني عامل الإمام (علیه السلام) على بهرسیر(1) سبيل هؤلاء الخوارج وحاول منعهم من الوصول إلى النهروان فجرت بينهم معركة انهزم فيها عامل الإمام (علیه السلام) وسقط جريحا بسبب طعنة سددها له ابن عمه الاشرس بن عوف الشيباني كادت ان تقي عليه(2).

ولم يكن الإمام (علیه السلام) على الرغم من هذه الأحداث عازمًا على مواجهة الخوارج عسكريًا، إلى أن قام خوارج البصرة وهم في طريقهم إلى النهروان باعتراض طريق عبدالله بن خباب بن الأرت(3) وقتله(4) وزوجته وثلاث نسوة من طي، وأم سنان الصيداوية(5).

ولما بلغ الإمام ) ?( هذه الأحداث بعث إليهم الحارث بن مرة يسألهم لماذا فعلوا هذا، وأن يسلموا القتلة فخرجوا إليه وقتلوه وكان جوابهم كلنا قتلته(6).

ص: 428


1- هي احدى المدائن السبع التي سميت بها المدائن وهو معربة من ده اردشیر. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 1/ 515 .
2- البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 361 - 362 .
3- هو أبو عبدالله عبدالله بن خباب بن الأرت، ولد في زمن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، قتله الخوارج لأنه قال الحق، فاحتج الإمام (علیه السلام) لقتله وطالبهم بدمه. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبي، 7/ 242 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 3/ 894 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 18 / 172 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 30 .
5- الدينوري، الاخبار الطوال، 207 . وينظر: البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 368 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 61 .
6- ابن أبي شيبة، المصنف، 3/ 309 . وينظر: ابن حزم: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم(ت 456 ه- / 064 م)، الفصل في الملل والاهواء والنحل، ط 1، المطبعة الأدبية – مصر، الناشر: دار صادر – بیروت، 1317 ه-، 4/ 159 ؛ البياضي العاملي: أبو محمد زين الدين علي بن يونس النباطي (ت 877 ه-/ 1472 م)، الفرق بین الفرق، اعتنى به وعلق عليه: الشيخ ابراهيم رمضان، ط 1، دار الفتوى بیروت، ( 1415 ه- / 1994 م)، ص 82 .

فما كان من الإمام (علیه السلام) إلا الزحف إلى النهروان لقتال الخوارج(1)، وقيل: إن زحف الإمام علي (علیه السلام) إلى النهروان جاء بعد إلحاح الأشعث بن قيس وعدد كبیر من جيش الإمام (علیه السلام) أن يحول وجهته إلى النهروان بدلا من أهل الشام مطالبا اياهم بدم عبدالله بن الخباب(2). والظاهر أن إصرار الأشعث بن قيس ومن معه على قتال الخوارج أولا قبل قتال أهل الشام ماهو إلا لخيانة الأشعث لصالح معاوية وخوفا من جيش الشام والهروب من المواجهة والذي يؤكد هذا الكلام أنه لما أراد الإمام علي (علیه السلام) الانصراف من النهروان قام في أصحابه خطيبًا قائلاً: ((أيها الناس إن الله قد نصركم على المارقین فتوجهوا من فوركم إلى القاسطين يعني أهل الشام فقام إليه رجال من أصحابه فيهم الأشعث بن قيس فقالوا: يا أمیر المؤمنین نفذ نبالنا وكلت سيوفنا ونحلت اسنة رماحنا فارجع بنا إلى مصرنا لنستعد باحسن عدتنا فرحل بالناس حتى نزل النخيلة فعسكر بها فاقاموا أياما فجعلوا يتسللون إلى الكوفة فلم يبق معه في المعسكر الا زهاء الف رجل من الوجوه فترك الإمام علي (علیه السلام) العسكر خاليا فلما رأى ذلك دخل الكوفة وانكسر رأيه في المسیر))(3).

أحداث المعركة

ص: 429


1- البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 362 ؛ ابن الجوزي، المنتظم، 5/ 133.
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 61 ؛ ابن الجوزي، المنتظم، 5/ 133
3- الدينوري، الاخبار الطوال، 211 .

لما وصل الإمام علي (علیه السلام) إلى النهروان كان عدد جيشه أربعة عشر الاف مقاتل(1) أما عدد المجتمعین من الخوارج في النهروان أربعة آلاف مقاتل حسب رواية أبي مخنف(2)، وقيل ستة آلاف(3). فقام الإمام (علیه السلام) مخاطبا الخوارج ليمنعهم من خوض هذه الحرب قائلا: ((يا هؤلاء إن أنفسكم قد سوّلت لكم فراق هذه الحكومة التي انتم ابتدأتموها وسألتموها وانا لها كاره فأبيتم على اباء المخالفین وعدلتم عني عدول النكداء العاصین حتى صرفت رايي إلى رايكم وانتم والله معاشر اخفاء الهام سفهاء الاحلام فلم ات لا أبا لكم حراما والله إلى ان يقول: فبينوا لنا بماذا تستحلون قتالنا والخروج من جماعتنا ان اختار الناس رجلین ان تضعوا أسيافكم على عواتقكم ثم، تستعرضوا الناس تضربون رقابهم وتسفكون دماءهم، إن هذا لهو الخسران المبین، والله لو قتلتم على هذا دجاجة لعظم عند الله قتلها فكيف بالنفس التي قتلها عند الله حرام))(4).

فأرسل الإمام علي (علیه السلام) كتاب امان مع أبي أيوب الأنصاري أنه من ينصرف عن المعركة فهو امن فانصرف فره بن نوفل الأشجعي في خمسائة فارس قائلا: والله ما ادري على أي شي نقاتل عليا لا أرى إلا أن انصرف حتى تنفذ لي بصیرتي في قتاله أو اتباعه(5). ونتيجة لكثرة الانسحابات لم يبق مع الخوارج إلا ألفین وثمانمائة.

يظهر من عمليات الانسحاب التي جرت في اللحظات الأخیرة التي سبقت

ص: 430


1- البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 371 .
2- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 5/ 86 .
3- ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، 42 / 463 ؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، 3/ 588 .
4- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 63 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، 3/ 345 .
5- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 64 ؛ ابن الجوزي، المنتظم، 5/ 13 4 ؛ ابن الأثیر، الكامل في التاريخ، 3/ 346 ؛ النويري، نهاية الارب، 20 / 177 .

المعركة أهمية كبیرة لأنها تبین أن هذه المجوعة التي تبدو عن طريق الروايات متماسكة وملتفة حول المبادى التي نادى بها زعماؤها لم تكن لأفرادها الدرجة نفسها من الاقتناع والالتزام ولذلك ظهر تردد بعضهم عند حصول أول مواجهة(1).

وجرت المعركة بین الطرفن التي انتصر بها جيش أمیر المؤمنین (علیه السلام) على جيش الخوارج، وذكر المسعودي(2) أن أمیر المؤمنین (علیه السلام) قال لأصحابه قبل المعركة: (سبروا إلى القوم فو الله لا يفلت منهم إلا عشرة ولا يقتل منكم عشرة). وكان من ضمن القتلى ذا الثدية(3) وهو الشخص الذي أخبره رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) أنه يكون العلامة المميزة لقوم سيخرجون يتكلمون كلام الحق لا يتجاوز حلوقهم یمرقون من الدين مرق السهم من الرمية(4).

ثالثا: استشهاد الإمام (علیه السلام)

اشارة

أشارت الروايات التي نقلها ابن سعد بأن الإمام عليًا (علیه السلام) كان يعلم بمقتله ويعلم بمن سوف يقتله فقد أكدت أحاديث رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وأقوله (علیه السلام)، على ذلك، فعن عبيدالله ان النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) قال لعلي: يا علي من أشقى الأولین والآخرين قال: الله ورسوله اعلم قال: أشقى الأولین عاقر الناقة وأشقى الآخرين الذي يطعنك يا علي وأشار إلى حيث يطعن(5).

ص: 431


1- البكاي: لطيفه، حركة الخوارج نشأتها وتطورها إلى نهاية العهد الأموي، ط 1، دار الطليعة -بیروت، 2001 م، ص 45 .
2- مروج الذهب، 2/ 405 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 30 .
4- الصنعاني،المصنف، 10 / 157 ؛ ابن أعثم، الفتوح، 4/ 272 ؛ ابن سيدة، المخصص، 2/ 64 .
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 32 .

وعن أبي الطفيل: دعا علي الناس إلى البيعة فجاء عبدالرحمن بن ملجم المرادي(1) فردّه مرتین ثم أتاه فقال: ما يحبس أشقاها لتخضبنّ أو لتصبغنّ هذه من هذا، يعني: لحيته من رأسه(2).

وعن أنس بن مالك قال: دخلت مع النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) على علي بن أبي طالب (علیه السلام) يعوده وهو مريض، وعنده أبو بكر وعمر بن الخطاب فتحولا حتى جلس رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، فقال أحدهما لصاحبه: ما أراه إلا هالك. فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) إنه لن يموت الا مقتولا، ولن يموت حتى يمأ غيظًا(3).

وكان الإمام (علیه السلام) يتمثّل ببيت شعري لعمرو بن معد يكرب فيقول:

أريد حباءه ويريد قتلي***عذيرك من خليلك من مراد (4)

فلما فشل التحكيم أمر الإمام (علیه السلام) أصحابه بالاستعداد إلى حرب معاوية ومن يؤيده للقضاء على الفتنة، فبينما كان الإمام (علیه السلام) يعد العدة لحرب معاوية كان هناك من يخطط لقتله (علیه السلام)، فصوّر ابن سعد أن قضية قتل الإمام علي (علیه السلام) جاءت على يد الخوارج، حيث قال: (انتدب ثلاثة نفر من الخوارج عبد الرحمن بن ملجم المرادي، والبرك بن عبدالله التميمي(5)، وعمرو بن بكیر التميمي، حيث

ص: 432


1- هو من كبار رؤوس الخوارج من بني حمیر وعداده في مراد وكان حليف بني جبلة من كندة. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 33.
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 31.
3- الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 139 . وينظر: ابن عساكر، تاريخ دمشق، 42 / 422 ؛ ابن الأثیر، الكامل في التاريخ، 3/ 388 ؛ العلوي، المجدي في انساب الطالبین، ص 323 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 32 .
5- هو الحجاج بن عبدالله التميمي الضريمي سيدا من سادة الخوارخ. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 33؛ الراوندي، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، 1/ 252 ؛ الزرندي، نظم درر السمطين، ص 142 .

كان اجتماعهم في مكة حيث تعاهدوا وتعاقدوا لقتل الإمام علي (علیه السلام)، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وكان اختيار ابن ملجم قتل الإمام (علیه السلام) واختار البرك قتل معاوية، اما عمرو بن بكیر اختار عمرو بن العاص وتواثقوا أن لا ينكص رجل منهم عن حاجته الذي توجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه، فتوجه ليلة سبع عشرة من شهر رمضان إلى المر الذي فيه صاحبه)(1).

وهنا نبدأ بمناقشة ما تقدم من حيث انتهينا فقد ذكر ابن سعد أن وصول ابن ملجم إلى الكوفة في السابع عشر من شهر رمضان في حین يذكر لنا اليعقوبي(2) أن وصول ابن ملجم إلى الكوفة لعشر بقین من شعبان سنة 40 ه- فنزل على الأشعث ابن قيس الكندي، فأقام عنده شهرًا يستحد سيفه. وهنا نرجّح مانقله اليعقوبي على ما نقله ابن سعد. وذلك لأن قدوم شخص إلى الكوفة وهو يريد أن يقتل خليفة المسلمين في عاصمة المسلمين يحتاج إلى وقت لترتيب الأمر، فهل يستطيع ابن ملجم خلال يومن أن يخطط لذلك؟!.

أما عن السبب الذي من أجله قام ابن ملجم ومن معه بتنفيذ ما اتفقوا عليه فهو غیر دقيق، وليس سببًا كافيًا للقيام بأمر كهذا، وهنا نرّجح أن السبب المقبول والأقرب للواقع هو أن الأمر كان من تدبیر الحزب الأموي وليس من تلقاء أنفسهم، مستغلين فيهم سذاجة التفكر كما حدث عندما رفعت المصاحف يوم صفین، وخدع بها كثیر من جيش الإمام (علیه السلام)، والذي يؤيد ما ذهبنا إليه هو اشتراك الأشعث بن قيس صاحب السمعة السيئة مع الإمام علي (علیه السلام) في

ص: 433


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 33.
2- تاريخ اليعقوبي، 2/ 212 .

حرب صفین كما بيناه سابقا، ثم إن (عبدالرحمن بن ملجم بات تلك اللية التي عزم فيها أن يقتل عليًا في صبيحتها يناجي الأشعث بن قيس الكندي في مسجده حتى كاد أن يطلع الفجر فقال له: الأشعث فضحك الصبح)(1).

ويذهب احد الباحثین(2) إلى ابعد من ذلك فيقول: إن سبب المؤامرة التي أدت إلى شهادة الإمام علي (علیه السلام) وكان الأشعث بن قيس جزءًا منها هو سبب إداري ومادي، فالاشعث لم يكن منتفعًا من خلافة الإمام (علیه السلام) بل فقد الكثیر من الامتيازات التي كان يتمتع بها سابقا، وفقد مكانته بین الناس بسبب عدالة الإمام (علیه السلام). أما ابن ملجم فقد كان من الخوارج الذين يكنون العداء للإمام (علیه السلام) خاصة بعد معركة النهروان، وكان من أطراف المؤامرة أيضًا قطام التي قُتِلَ أبوها وأخوها في وقعة النهروان.

ثم إن ما يؤيد أنّ خطة قتل الإمام (علیه السلام) كانت من تدبیر الحزب الأموي هو قول أبي الأسود الدؤلي:

ألا أبلغ معاوية بن حرب***فلا قرت عيون الشامتينا

أفي شهر الصيام فجعتمونا***بخیر الناس طرا أجميعنا

قتلتم خیر من ركب المطايا***ورحلها ومن رکب السفينا (3)

ثم يذكر ابن سعد أنّه لما قدم ابن ملجم الكوفة التقى شبيب بن بجرة

ص: 434


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 35 .
2- العيساوي: علاء كامل صالح،النظم الادارية والمالية في عهد الإمام علي (علیه السلام) (35- 40 ه-)، ط 1، التميمي للنشر والتوزيع، النجف الأشرف، 1438 ه- 2016 م، ص 542 - 550 .
3- الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4/ 11 6 . وينظر: المسعودي، مروج الذهب، 2/ 416 ؛ أبو فرج الأصفهاني، الأغاني، 12 / 504 ؛ ابن الأثیر، الكامل في التاريخ، 3/ 395 .

الأشجعي(1) فأعلمه ما يريد ودعاه إلى أن يكون معه فأجابه إلى ذلك(2).

وصّور لنا ابن سعد أنّ وقوع المرادي في حب قطام(3) كان هو السبب الأقوى والحافز الكبیر الذي جعله يقوم بما فعل، بحيث وافق على اعطائها أي شي مقابل الزواج منها، فكان طلبها المال وقتل الإمام (علیه السلام) فأجابها أنّه ما جاء به إلى هذا المصر إلا قتل علي بن أبي طالب (علیه السلام) وقد اتيتك ما سألت(4). هنا أراد ابن سعد أبعاد التهمة عن الحزب الأموي، وإنّ مقتل الإمام (علیه السلام) جاء نتيجة حقد إحدى النساء.

وتستمر الأيام إلى أن جاءت الليلة التي ضرب فيها الإمام (علیه السلام) وهي ليلة التاسع عشر من شهر رمضان(5)، فيذكر الإمام الحسن (علیه السلام) قائلاً: اتيته فجلست إليه، فقال: إني بِتّ الليلة أوقظ أهلي فملكتني عيناي وأنا جالس فسنح لي رسول

ص: 435


1- هو من خوارج أهل الكوفة اعان عبدالرحمن بن ملجم على قتل الإمام علي (علیه السلام)، هرب في غمار الناس بعد جرحه الإمام (علیه السلام) واختفى أثره، ثم أتى معاوية وهو في الكوفة كالمقرب إليه فقال له: أني وابن ملجم قتلنا عليا فوثب معاوية منه مذعورا فزعا حتى دخل منزله، وكان اذا جنّ عليه الليل ليقتل كل من لقيه أمامه، أرسل إليه المغیرة بن شعبة عندما كان واليا على الكوفة رجالا يتقدمهم خالد بن عرفطة فقتلوه. ينظر: البلاذري، الأنساب، 5/ 166 ؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، 2/ 220 ؛ ابن ماكولا (ت 475 ه-)، إكمال الكمال، د. تح، دار احياء التراث العربي، د.س، 189/1 ؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، 3/ 608 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 35 .
3- هي بنت شجنة بن عدي بن عامر بن عوف بن ثعلبة بن سعد بن ذهل بن تيم الرباب، كان أبوها وأخوها قائلا يوم النهروان ضد الإمام علي (علیه السلام). ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 34/3 ؛ ابن كثیر، البداية والنهاية، 7/ 327 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 34 - 35 .
5- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 6/ 121 .

الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فقلت: يا رسول الله مالقيت من أمتك من الأود(1) واللود فقال لي: (ادع الله عليهم،فقلت اللهم ابدلني بهم خیرا لي منهم وابدلهم شرا لهم مني فدخل ابن النباح(2) المؤذن على ذلك فقال: الصلاة فاخذت بيده فقام يمشي وابن النباح بن يديه وانا خلفه فلما خرج من الباب نادى أيها الناس الصلاة الصلاة، كذلك كان يفعل في كل يوم يخرج ومعه درته يوقظ الناس، فاعترضه الرجلان، فقال بعض من حضر ذلك: فرأيت بريق السيف وسمعت قائلا يقول: لله الحكم ياعلي لا لك، ثم رأيت سيفًا ثانيًا فضربًا جميعًا فأما سيف عبد الرحمن بن ملجم فأصاب جبهته إلى قرنه ووصل إلى دماغه، وأما سيف شبيب فوقع في الطاق وسمعت عليًا يقول: لا يفوتنكم الرجل وشد الناس عليهما من كل جانب، فأفلت شبيب وأخذ عبد الرحمن فأُدخل على علي)(3).

موقف الإمام (علیه السلام) من ابن ملجم

لما ألقي القبض على عبدالرحمن بن ملجم، أدخل على الإمام (علیه السلام) وقام إليه محمد بن الحنفية متوعدًا إياه فأجابه الإمام (علیه السلام) أنه أسیر فأحسنوا نزله وأكرموا مثواه فإن بقيت قتلت أو عفوت، وإن مت فاقتلوه قتلة ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين(4). وفي نص آخر (أطيبوا طعامه وألينوا فراشه فإن أعش فأنا ولي دمي عفو أو قصاص، وإن مت فالحقوه بي اخاصمه عند رب العلمین)(5)، وكان

ص: 436


1- هو العوج والمشقة. ينظر: الفراهيدي، العين، 8/ 95 ؛ ابن منظور، لسان العرب، 3/ 74 .
2- هو عامر بن النباح، مؤذن أمیر المؤمنین (علیه السلام) وكان مكاتبه. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 352/8 ؛ البخاري، التاريخ الكبیر، 6/ 451 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 35 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 33.
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 35 .

الإمام علي (علیه السلام) يوصي ابنه الحسن (علیه السلام) ألا يطعن ابن ملجم في بطنه ولا فرجه(1)، وأن لا يمثل بالشخص فكان (علیه السلام) يقول: (إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة ولا يمثل بالرجل فإني سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يقول: اياكم والمثلة ولو بالكلب العقور)(2).وهنا يعطينا الإمام (علیه السلام) درسا في القصاص.

ومقابل هذه النصوص والأحاديث ينقل ابن سعد نصًا يخالف فيه مبدأ أهل البيت (علیهم السلام) وأخلاقهم ومنهجهم فيقول: عن اسباط بن محمد عن مطرف عن أبي اسحاق عن عمرو بن الاصم قال: دخلت على الحسن بن علي وهو في عمرو بن حريث فقلت له: إنّ ناسا يزعمون أنّ عليا يرجع قبل يوم القيامة، فضحك وقال: سبحان الله! لو علمنا ذلك ما زوجنا نساءه ولا ساهمنا ميراثه. قالوا وكان عبد الرحمن بن ملجم في السجن فلما مات علي رضوان الله عليه ورحمته وبركاته ودفن بعث الحسن بن علي إلى عبدالرحمن بن ملجم فأخرجه من السجن ليقتله فاجتمع الناس وجاءه بالنفط والبواري والنار فقالوا نحرقه، فقال عبدالله بن جعفر وحسن بن علي ومحمد بن الحنفية: دعونا حتى نشفي انفسا منه فقطع عبد الله بن جعفر يديه ورجليه فلم يجزع ولم يتكلم فكحل عينيه بمسمار محمى فلم يجزع وجعل يقول: إنك لتكحُلُ عَيني عَمّكَ بملْمُولٍ مَضٍّ وجعل يقول (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ)(3) حتى أتى على آخر السورة كلها وإن عينيه لتسيلان ثم أمر به فعولج عن لسانه ليقطعه فجزع فقيل له: قطعنا يديك ورجليك وسملنا عينيك يا عدو الله فلم تجزع، فلما صرنا إلى لسانك جزعت؟

ص: 437


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 33.
2- الزمخشري: أبو القاسم جار الله محمد بن عمر (ت 538 ه- - 1143 م)، ربيع الأبرار ونصوص الاخيار، تح: عبد الأمر مهنا، مؤسسة الأعلمي لمطبوعات، ط 1، بیروت 1992 م، 2 / 94 .
3- سورة العلق، اية 1.

فقال: ما ذاك مني من جزع إلا أني أكره أن أكون في الدنيا فواقا لا أذكر الله فقطعوا لسانه ثم جعلوه في قوصرة واحرقوه بالنار، والعباس بن علي يومئذ صغیر فلم يستأن به بلوغه(1).

وهنا نضع ملاحظات عدّة على هذه الرواية:

1- إذا نظرنا إلى هذه الرواية فأننا نراها تحتوي على افتراءات كثیرة على الإمام الحسن (علیه السلام) وعبدالله بن جعفر وابن الحنفية. فهل نقل لنا التاريخ يوما أن الإمام الحسن (علیه السلام) فعل هكذا فعل مع شخص؟ حاشاه (علیه السلام) ان يفعل مثل هذا الفعل، وهو الذي كان يبكي على أعدائه يوم عاشوراء، أنهم يدخلون النار بسببه. فهل الذي يحمل هذا القلب الرحيم يفعل هذا الأمر؟، ثم هل سمعنا يوما أن الإمام الحسین (علیه السلام) خالف وصايا أبيه (علیه السلام)؟ وأخیرا نقول: إنه قبل كل شي هو إمام معصوم، قال: رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) الحسن والحسین اماما حق قاما أو قعدا(2).

2- ربما وضعت هذه الرواية لتبرير ما كان يقوم به الحكام العباسيون من مجازر بحق معارضيهم.

3- إن الراوي أراد أن يعطي ابن ملجم مكانة بأنّه رجل لا يفارق القرآن حتى في هذه اللحظة الأليمة التي صوّرها لنا الراوي، وإن ابن ملجم صاحب عقيدة راسخة جعلته يتحمل كل هذا التعذيب.

4- إن هذا يخالف فتوى الإمام (علیه السلام) الذي قال فيها: ضربة بضربة ولا تمثيل، ومخالفة المعصوم تعني الأثم فليس من المعقول أن يخالف إمامان معصومان أباهم لمجرد رغبة أو جانب نفسي إن صح وجود هذا الجانب.

ص: 438


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 3/ 37 - 38 .
2- القاضي النعمان: أبو حنيفة النعمان بن محمد المغربي (ت 363 ه- / 973 م)، دعائم الإسلام، تح: اصف بن علي اصغر فيض، دار المعارف – مصر، (1383 ه- / 1963 م)، 1/ 37 .

الفصل الرابع : الدور الفكري للإمام علي (علیه السلام)

اشارة

المبحث الأول: أثر نشأة الإمام علي (علیه السلام) على يد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)

المبحث الثاني: دور الإمام علي (علیه السلام) في العلوم

ص: 439

ص: 440

المبحث الأول : أثر نشأة الإمام علي (علیه السلام) على يد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)

بعد أن انتقل أمیر المؤمنین (علیه السلام) إلى بيت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بالمشيئة الإلهية(1) وكانت الغاية من هذه الانتقالة أن يحظى الإمام (علیه السلام) بالرعاية النبوية التي سوف توفر له تربية صالحة، وأن لا يكون لأحد غیر النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) الدور الرئيس في تكوين شخصية الإمام علي (علیه السلام).

فشخصية الطفل في هذه الفترة تشبه صفحة بيضاء نقية تقبل كل لون، وهي مستعدة لأن ينطبع عليها كل صورة مهما كانت، ولذلك تعد هذه الفترة من الفترات الخطیرة في حياة كل إنسان، وتعد أيضا خیر فرصة لأن ينمي المربون والمعلمون فيها ملكات أبنائهم كلما اودعت يد الخالق في كيان الطفل من سجايا طيبة وصفات كريمة وفضائل أخلاقية نبيلة(2) .

ثم إن رعاية النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) للإمام علي (علیه السلام) لم تكن منحصرة بقيام رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بأخذه إلى بيته،وإن حاول بعضهم(3) التقليل من هذه الفضيلة بجعل )

ص: 441


1- لمزيد من التفاصيل. ينظر: الفصل الأول الصفحات، 39 - 41 .
2- السبحاني: جعفر، اضواء على عقائد الشيعة الإمامية، ط ، مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام)، قم، 1421 ه-، ص 118.
3- ابن هشام، السیرة النبوية، / 228 - 229 ؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 6؛ أبو الفرج الاصفهاني، مقاتل الطالبين، ص 41 .

أسبابها المجاعة التي أصابت قريشًا، بل كانت هذه الرعاية منذ الولادة؛ فقد أتت السيدة فاطمة بنت اسد بوليدها المبارك إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، وقد وصف أمیر المؤمنین (علیه السلام) هذه الرعاية بقوله: ((وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ، وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ: وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وليدٌ يَضُمُّنِي إِلَی صَدْرِهِ، وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ، وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ، وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ، وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْل، وَلاَ خَطْلَةً فِي فِعْل))(1) ومن شدة حبه له قال لها: اجعلي مهده بقرب فراشي، وكان (صلی الله علیه و آله و سلم) يحرك مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته، ويقول: هذا أخي وولي وناصري وصفيّ وذخري وكهفي وظهري وظهیري ووصي وزوج كريمتي وأميني على وصيتي وخليفتي(2).

ونتيجة لهذه التربية فقد ابتعد الإمام (علیه السلام) عن تأثیرات أجواء الجاهلية والشرك، فهو لم يسجد لصنم قط ولذلك كان المسلمون عندما يذكرون الإمام عليًا (علیه السلام) فإنهم يقولون، كرّم الله وجهه(3).

وكان الإمام (علیه السلام) يصف هذه التربية فيقول: ((وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ، يَرْفَعُ لي فِي كُلِّ يَوْم عَلَماً مِنْ أخْلاقِهِ، وَيَأْمُرُني بِالاقْتِدَاءِ بِهِ))(4).

ص: 442


1- الشريف الرضي، نهج البلاغة، ص 300 .
2- الحائري: الشيخ محمد مهدي، شجرة طوبى، ط 5، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف، 13 85 ه-،220/2.
3- الواقدي، المغازي، 1/ 470 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/ 62 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 98/1 ؛ الخطيب البغدادي، تاريخ مدينة بغداد، 1/ 292 .
4- الشريف الرضي، نهج البلاغة، 2/ 157 ؛ وينظر: ابن البطريق: يحيى بن الحسن الأسدي الحلي (ت 600 ه- / 1203 م)، (عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب الأئمة الأبرار) تح جامعة المدرسین، ط 1 – قم 1407 ه-، ص 11؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 13/ 197 ؛ ابن طاووس الحلي: رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى (ت 664 ه-/ 1265 م)، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، د. تح، ط 1، الخيام، قم، 1399 ه-،ص 415 .

ثم إنه (علیه السلام) يصف أيضًا تلك الأيام التي تربى بها على يد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بانها كانت من الامور التي اختص بها دون غیره بقوله: ((وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ، وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ: وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وليدٌ يَضُمُّنِي إِلَی صَدْرِهِ، وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ، وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ، وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ، وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْل، وَلاَ خَطْلَةً فِي فِعْل. إلى أن يقول: وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَة بِحِرَاءَ، فَأَرَاهُ وَلاَ يَرَاهُ غَیْرِي، وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذ فِي الِاْسْلاَمِ غَیْرَ رَسُولِ الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ، وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ. وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِینَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ (صلی الله علیه و آله و سلم) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا هذِهِ الرَّنَّةُ؟ فَقَالَ: «هذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ، إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ، وَتَرَى مَا أَرَى، إِلاَّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيّ، وَلكِنَّكَ وَزِيرٌ، وَإِنَّكَ لَعَلَى خَیْر))(1).

إذن فقد نشأ الإمام (علیه السلام) وهو يستلهم من معلمه معالم الأخلاق والتربية الروحية والفكرية وكذا دقائق الحكمة والمعرفة حتى أدرك الحقائق مالم يدركه بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) أحد غیره حتى تطبع بصفات كافله، ولم تكن فيه صفة إلا وهي مشدودة بصفات معلمه الأول والأخیر وما من شيء أنكره قلب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) إلا وأنكره قلب علي (علیه السلام)، وكان هذا قبل مبعث النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)، ولذلك أدرك أمیر المؤمنین (علیه السلام) من معلمه رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) حقائق الكون ونواميس الطبيعة، بل أسرار الوجود، وأصبح المثل الأعلى في جميع الأفعال، وتحلى بأعلى درجات الكمال الروحي والأخلاقي(2).

ص: 443


1- الشريف الرضي، نهج البلاغة، 2/ 157 - 158 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 13/ 197 .
2- الموسوي: إسلام، الإمام علي (علیه السلام) سيرة وتاريخ، ط 1، مركز الرسالة، قم، 1432 ه-، ص 28 .

ثم إن ابن أبي الحديد(1) يصف علم الإمام علي (علیه السلام) ومعارفه بقوله: ((وما اقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة وينتمي إليه كل فرقة، وتتجاذبه كل طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها وابو عذرها وسابق مضمارها، ومجلي حليتها كل من يزغ فيها بعده فمنه أخذ وله اقتفى وعلى مثاله احتذى)).

وكانت لتربية الإمام (علیه السلام) في بيت الرسالة الأثر البالغ في تفتّح ذهنيته وقدرتها على استيعاب حقائق الكون وأسراره(2). حتى قيل له ما لك أكثر أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) حديثا؟ فقال: (إني كنت إذا سألت أنباني وإذا سكت ابتداني)(3).

وإذا نظرنا إلى علميته (علیه السلام) فقد أشاد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) به بقوله: (انا مدينة العلم وعلي بابها فمن اراد المدينة فليأتها من بابها)(4).

ص: 444


1- شرح نهج البلاغة، 10 / 17 .
2- النصر الله، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي، ص 405 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 292 . وينظر: الترمذي، صحيح الترمذي، 5/ 301 ؛ البلاذري، أنساب الأشراف، 2/ 98 ؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق، 42 / 377 - 378 ؛ ابن طلحة الشافعي، مطالب السؤول في مناقب ال الرسول،ص 106 ؛ ابن الأثیر، أسد الغابة، 4/ 29 ؛ المزي، تهذيب الكمال، 15 / 372 ؛ ابن حجر، تهذيب التهذيب، 5/ 297 .
4- الطبراني، المعجم الكبیر، 11/ 55 . وينظر: الحاكم النيسابوري، المستدرك، 3/ 127 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 3/ 11 03 ؛ الزمخشري، الفايق في غريب الحديث 2/ 16 ؛ ابن عربي: محمد بن علي بن محمد بن أحمد (ت 638 ه-)،تفسیر ابن عربي، تح: ضبطه وصححه وقدم له الشيخ عبد الوارث محمد علي، دار الكتب العلمية بیروت، 1422 ه-/ 2001 م، 1/ 422 ؛ ابن أبي الحديد،شرح نهج البلاغة، 7/ 219 و 9/ 165 ؛ المناوي: زين الدين محمد بن عبد الرؤوف بن علي (ت 1031 ه-/ 1621 م)، فيض القدير شرح الجامع الصغیر، تح: تصحيح أحمد عبد السلام، ط 1، دار الكتب العلمية – بیروت، 1415 ه-/ 1994 م، 1/ 49 ؛ العجلوني: اسماعيل بن محمد الجراجي (ت 1162 ه-)، كشف الخفاء، ط 3، دار الكتب العلمية – بیروت، 1408 ه-/ 1988 م، 1/ 203 .

ومن أقواله (علیه السلام) في تأكيده على معرفته بالله ورسوله وأنهم هم المقصودون بأهل البيت (علیهم السلام) ((فعن جبلة بنت المصفح(1) عن ابيها قال: قال لي علي (علیه السلام) يا أخا بني عامر سلني عما قال الله ورسوله فانا نحن أهل البيت أعلم بما قال الله ورسوله))(2). وفي نص آخر قال: (سلوني قبل أن تفقدوني فو الله لا تسألوني عن فتنة يضل فيها مائة وتهتدي فيها مائة الا اخبرتكم بسائقها وناعقها إلى يوم القيامة)(3)

وفيه (علیه السلام) نزلت آيات كثیرة تدل على مدى علم الإمام (علیه السلام) فقد جاء في تفسر قوله تعالى (وَتَعِيَهَا أذُنٌ وَاعِيَةٌ)(4) إن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قال: سألت الله أن يجعلها أذنك ففعل(5). وجاء ايضا في تفسیر قوله تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)(6) إنها نزلت في علي (علیه السلام) وما خص به من العلم (7).

ص: 445


1- هي جبلة بنت المصفح ممن أدركت النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)، وروى عنها فضيل بن مرزوق. ينظر: ابن عبد البر، الاستيعاب، 4/ 1800 ؛ ابن الأثیر، أسد الغابة، 5/ 414 ؛ ابن حجر، الإصابة، 8/ 67 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 359 .
3- الشريف الرضي: محمد بن أبي أحمد الحسن بن موسى (ت 406 ه- / 1015 م)، خصائص الأئمة (علیهم السلام)، تحقيق وتعليق محمد هادي الأميني، د. ط، الناشر مجمع البحوث الإسلامية، مشهد المقدسة، 1406 ه-، ص 62 .
4- سورة الحاقة، اية 12 .
5- العياشي، تفسیر العياشي، 1/ 14 ؛ الكوفي، تفسیر فرات الكوفي، 499 - 501 ؛ الواحدي: أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد النيسابوري (ت 468 ه-/ 1075 م)، أسباب نزول الآيات، ط 2، مؤسسة الحلبي وشركاه للنر والتوزيع – القاهرة، 1388 ه-/ 1968 م، ص 294 ؛ الطبرسي، مجمع البيان، 108/10 ؛ القرطبي، الجامع لإحكام القرآن، 18 / 264 .
6- سورة النساء، اية 54 .
7- القمي، تفسیر القمي، 1/ 104 ؛ الكوفي، تفسیر الكوفي، 106 ؛ الطوسي، التبيان في تفسیر القرآن،227/3.

وجاء في تفسیر قوله تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ)(1)، إن الشاهد هو الإمام علي (علیه السلام)(2) .

ثم جاء دور الحديث النبوي ليبین تلك المنزلة للإمام علي (علیه السلام) فقد ذكر المحدثون أن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قال: ذات يوم للسيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) : (زوّجتك اقدمهم سلمًا واعظمهم حلماً واعلمهم علماً)(3)، وقوله (صلی الله علیه و آله و سلم): (من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه وموسى في علمه وعيسى في ورعه فلينظر إلى علي بن أبي طالب)(4).

لقد اشتهر الإمام علي (علیه السلام) بالقضاء فكان المرجع الذي يطمئن إليه الناس في الخصومات وما اختلفوا فيه وما التبس عليهم حتى قيل: أقضى أهل المدينة ابن أبي طالب(5). وقال عمر بن الخطاب علي أقضانا(6). وقول عمر بن الخطاب

ص: 446


1- سورة هود، اية 17 .
2- الطبري، جامع البيان عن تأويل أي القرآن، 12 / 22 ؛ العياشي، تفسیر العياشي، 2/ 142 ؛ القمي، تفسیر القمي، 2/ 296 ؛ الكوفي، تفسیر فرات الكوفي، 187 ؛ الطوسي التبيان في تفسیر القرآن،461/5.
3- الكوفي، مناقب الإمام أمیر المؤمنین، 1/ 270 ؛ ابن عقدة، فضائل أمیر المؤمنین، 23 ؛ الخوارزمي، المناقب، 353 ؛ ابن عساكر، تاريخ دمشق، 42 / 131؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7/ 220 و 9/ 174 ؛ الشامي، الدر النظيم، ص 267 ؛ الاحسائي: محمد بن علي بن ابراهيم (ت 880 ه-/1475 م)، عوالي اللئالي العزيزية في الاحاديث الدينية، تقديم: السيد شهاب الدين النجفي المرعشي، تح: الحاج آغا مجتبى العراقي، ط 1، مطبعة سيد الشهداء قم المقدسة، 1403 ه-/ 1983 م، 4/ 94 .
4- الحسین: الإمام يحيى بن الحسین (ت 298 ه-/)، التحفة العسجدية، ط 1، أبو أيمن للطباعة – صنعاء، 1343 ه-، ص 131؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 7/ 220 و 9/ 168 .
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 292 .
6- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 293 .

المشهور (لولا علي لهلك عمر)(1)

واخیرا نقول: إنه لولا النشأة التي نشأ عليها (علیه السلام) في رعاية رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لما كان لهذا العلم ان يصدح إلى الآفاق ولما نزلت هذه الآيات بحقه وأيدته الأحاديث. إذًا فأمیر المؤمنین (علیه السلام) هو أعلم الناس بكل العلوم بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فلذلك رأينا كيف كانت حاجة الخلفاء الذين سبقه لعلمه، وكيف استطاع ان يحل المشاكل التي واجهت الدولة الإسلامية آنذاك.

ص: 447


1- الزيدي: الإمام يحيى بن الحسین (ت 298 ه-/)، الأحكام، تح: تجميع: أبو الحسن علي بن أحمد بن أبي حريصة، ط 1،1410 ه-/ 1990 م، 2/ 220 ؛ الكليني، الكافي، 7/ 424 ؛ القاضي النعمان، دعائم الإسلام، 1/ 86 و 2/ 453 ؛ الصدوق: أبو جعفر محمد بن علي بن الحسین بن بابويه القمي (ت 381 ه-/ 991 م)، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق: علي اكبر الغفاري، ط 2، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسيين – قم المشرفة، د. ت، 4/ 36 ؛ الشريف الرضي، خصائص الائمة، 85 ؛ ابن عبد البر، الاستيعاب، 3/ 1103 ؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1/ 18 و 12 / 179 ؛ الزرندي، نظم درر السمطين، ص 130 .

ص: 448

المبحث الثاني : دور الإمام علي (علیه السلام) في العلوم

اشارة

لقد كان للإمام (علیه السلام) دور في جميع العلوم، فقد علمه رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ألف باب من العلم، فتح له من كل باب ألف باب(1) ، إلا أننا سوف نقتصر على العلوم التي ذكرها لنا ابن سعد.

أولا: الإمام (علیه السلام) يكتب لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) (كاتب الوحي)

اشارة

وقد تحقق هذا الأمر في دور الإمام (علیه السلام) في الحديبية، ففي ذي القعدة من العام السادس للهجرة عزم النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) على الخروج لأداء العمرة فاستنفر أصحابه لذلك فأسرع بالتهيؤ فدخل رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بيته فاغتسل ولبس ثوبین وركب راحلته القصواء واستخلف على المدينة عبدالله بن أم مكتوم، فخرج النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في ألف وستمائة من أصحابه وأخرج معه زوجته أم سلمة، ولمآ علم المشركون بخروج المسلمین أجمعوا على مواجهة المسلمین، ولما بلغ رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) الحديبية فطلب من أصحابه أن يبايعوه على أن لا يفروا، وتمت البيعة تحت الشجرة لذا سميت بيعة الشجرة أو بيعة الرضوان.ولما تقابل الطرفان كانت الرسل تختلف بین رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وقريش، فاتفق الطرفان على الصلح وعلى أن يكتب هذا الصلح

ص: 449


1- ابن شهر اشوب، مناقب آل أبي طالب، / 204 ؛ ابن شاذان، الروضة في فضائل أمیر المؤمنین (علیه السلام)، ص 39.

بينهما فكان الإمام علي (علیه السلام) كاتب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يوم الحديبية(1).

وكان سهيل بن عمرو ممثل قريش، فكان الاتفاق ((هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله وسهيل بن عمرو واصطلحا على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض على أنه لا إسلال ولا اغلال، وأنّ بيننا عيبة مكفوفة وأنَه من أحب أن يدخل في عهد محمد (صلی الله علیه و آله و سلم) وعقده فعل، وأنّه من أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدها فعل، وأنّه من أتى محمدا (صلی الله علیه و آله و سلم) منهم بغیر إذن وليه رده إليّه وإنّه من أتى قريشا من أصحاب محمد (صلی الله علیه و آله و سلم) لم يردّوه وأن محمدا (صلی الله علیه و آله و سلم) يرجع عنا عامه هذا بأصحابه، ويدخل علينا قابلا في أصحابه فيقيم بها ثلاثا لا يدخل علينا بسلاح إلاّ سلاح المسافر السيوف في القرب))(2).

وعلى الرغم من أنّ ابن سعد قد ذكر تفاصيل كثیرة ومطوله عن صلح الحديبية، إلاّ أنّه أخفى فضيلتین اختص بهما الإمام علي (علیه السلام) ذلك اليوم: الأولى إنّ الإمام علي (علیه السلام) هو حامل لواء المسلمين في الحديبية.

والثانية: قيام أمیر المؤمنین (علیه السلام) يوم الحديبية بإحضاره الماء للمسلمين بعد أن عجر غیره عن ذلك، ((فعن فائد مولى عبدالله بن سالم قال: لما خرج رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) في غزوة الحديبية نزل الجحفة فلم يجد ماء، فبعث سعد بن مالك حتى إذا كان غیر بعيد رجع سعد بالروايا وقال: يا رسول الله ما استطيع ان أمي لقد وقفت قدماي رعبا من القوم، فقال له النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) اجلس ثم بعث رجلا آخر فخرج بالروايا حتى اذا كان بالمكان الذي انتهى إليه الأول رجع، فقال له النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لم رجعت قال والذي بعثك بالحق ما استطعت ان امضي رعبا، فدعا رسول

ص: 450


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 91 - 92 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 93 - 94 ؛ الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 2/ 281 .

الله (صلی الله علیه و آله و سلم) أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فأرسله بالروايا حتى ورد الحرار فاستقى ثم أقبل بها إلى النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ولها زجل فكبر النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ودعا له بخیر))(1).

وذكر ذلك الواقدي وغيره(2) ولكن لم يفصح عن الشخص الذي أحضر الماء.

1- علم الفقه
أ. العبادات
1. الوضوء
قول الإمام علي (علیه السلام) في الوضوء

ذكر ابن سعد: ((اخبرنا يحيى بن عباد عن يونس بن أبي إسحاق عن عمیر بن قميم عن غلام لحجر بن عدي الكندي قال: قلت لحجر إني رايت ابنك دخل الخاء ولم يتوضا قال: ناولني الصحيفة من الكوه فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما سمعت علي بن أبي طالب (علیه السلام) يذكر أن الطهور نصف الإيمان))(3).

المسح على الجوربين والنعلين

أورد ابن سعد روايات عدّة((عن عبيدالله بن موسى عن اسرائيل عن الزبرقان بن عبدالله العبدي قال: سمعت كعب بن عبدالله يقول: رأيت عليا قام فبال ثم توضأ ومسح على جوربيه ونعليه ثم قام فصلى لنا الظهر))(4).

))عن محمد بن عبيد عن محمد بن أبي إسماعيل عن معقل الجعفي قال: بال

ص: 451


1- المفيد، الارشاد، 1/ 121 - 122 ؛ محسن الأمين، أعيان الشيعة، 1/ 401
2- الواقدي، المغازي، 1/ 578 ؛ المقريزي، امتاع الاسماع، 1/ 278 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 340 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 351 .

علي في الرحبة ثم توضا ومسح على نعليه))(1).

((عن الفضل بن دكین عن حنش بن الحارث عن قابوس بن حصین بن جندب عن ابيه قال: رأيت عليًا يبول في الرحبة حتى أرغى بوله، ثم يمسح على نعليه ويصلي))(2).

((عن الفضل بن دكین عن مسعود بن سعد الجعفي عن عمرو ابن قيس عن خالد بن سعيد عن مالك بن جون قال: رأيت عليا جلس فبال ثم دعا بماء فتوضا ومسح على الجوربین والنعلین))(3).

من المسائل المختلف فيها المسح على الخفین فمن المذاهب من أقره ومنها من أنكره، وهو كما يروى مما اختلف فيه بین الإمام علي (علیه السلام) وعمر حتى عد مائزا لمن هو موال لعلي (علیه السلام) أم لا على ماهو مشار إليه في روايات ابن سعد، ومن المستبعد جدا ان يكون الإمام (علیه السلام) قد فعل هذا، وما نقل غیر صحيح.. فقد نقل العياشي في تفسیره(4): (عن أبي بكر ابن حزم قال: توضا رجل فمسح على خفيه فدخل المسجد فصلى فجاء علي فوطا على رقبته فقال ويلك! تصلي على غیر وضوء؟ فقال الرجل: امرني عمر بن الخطاب قال: فأخذ بيده فانتهى به إليه

فقال: انظر ما يروي هذا عليك؟ ورفع صوته فقال: نعم أنا أمرته، إن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) مسح قال: قبل المائدة أو بعدها؟ قال: لا ادري قال: فلم تفتِ وأنت لاتدري؟).

ص: 452


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 358 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 360 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 360 .
4- تفسير العياشي، 1/ 297 .

إن لأهل البيت(علیهم السلام) وضوء واحد لاثاني له وإنهم توارثوه عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وما قصة علي بن يقطن مع هارون الرشيد إلا دليل آخر على أن الوضوء الذي ذكره ابن سعد عن أمیر المؤمنین (علیه السلام) لا صحة له.

حيث يذكر أنه وشي بعلي بن يقطین لهارون الرشيد، وقيل له إنه رافضي مخالف لك فقال: لست أرى في خدمته لي تقصیرا وقد امتحنته مرارا فما ظهرت منه على ما اتهمه به، وأحب أن استبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك فيتحرز مني فقيل له: إن الرافضة تخالف الجماعة في الوضوء فتحففه ولا ترى غسل الرجلین فامتحنه (أي علي بن يقطین) من حيث لا يعلم بالوقوف على وضوئه فقال: أجل

إن هذا الوجه يظهر به أمره ثم تركه مدة وناطه بشيء من الشغل في الدار حتى دخل وقت الصلاة وكان علي بن يقطین يخلو في حجرة في الدار لوضوئه وصلاته، فإذا دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطین ولا يراه هو، فدعا بالماء للوضوء فتمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا وغسل وجهه وخلل شعر لحيته وغسل يديه إلى المرفقین ثلاثا ومسح رأسه وأٌذنيه وغسل رجليه وهارون ينظر إليه، فلما رآه قد فعل ذلك لم يملك نفسه حتى أشرف عليه بحيث يراه ثم ناداه كذب ياعلي بن يقطین من زعم أنك من الرافضة. ثم بعث الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام) كتابًا إلى علي بن يقطین قال فيه: (ابتدئ من الآن یاعي بن يقطین توضأ كما أمر الله اغسل وجهك مرة فريضة وأخرى إسباغا واغسل يديك من المرفقین كذلك وامسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كان يخاف عليك والسلام)(1).

ص: 453


1- المفيد، الإرشاد، 2/ 228 - 229 ؛ الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى 2/ 21 - 22 ؛ ابن حمزة الطوسي: محمد بن علي (ت 560 ه- / 11 64 م)، الثاقب في المناقب، تح: الأستاذ نبيل رضا علوان، ط 2، مطبعة الصدر – قم المقدسة،الناشر: مؤسسة انصاريان – قم المقدسة، 1412 ه-، ص 453 ؛ الراوندي: أبو الحسن قطب الدين سعيد بن هبة الله (ت 573 ه- / 1177 م)، الخرائج والجرائح، تح: مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام)، ط 1، المطبعة العلمية – قم المقدسة، 1409 ه-.، 1/ 33 6 ؛ المجلسي، بحار الانوار، 48 / 138 و 77 / 270 - 271 .

إن كثیر من الروايات قد نقلت ودخلت كتب التاريخ بقصد الإساءة إلى شخص الإمام علي (علیه السلام)، من ذلك مثلا ما قاله حصین بن حندب من أنه رأى عليًا (علیه السلام) يبول في الرحبه حتى أرغى بوله. وهذا أمر لايقره العقل، ويصدقه المنطق؛ لأن كل ماهو معروف عن شخص الإمام علي (علیه السلام) هو الصور المثالية في الخلق العالي والتصرف السليم الذي نقتدي به وهو إمام معصوم وخليفة المسلمين وهذا الفعل الذي نسب إليه لم يفعله شخص من عامة الناس، فكيف بمن هو قائد المسلمين.

والذي يهمنا هنا هو قول الإمام الصادق (علیه السلام) عن أبي ظبيان حصین بن جندب وحديثه هذا، عندما سُئل عن ذلك الحديث حيث قال: كذب أبا ظبيان ما بلغكم قول علي فيكم سبق الكتاب الخفین قيل فهل فيها رخصه قال: لا الا من عدو تتقيه أو ثلج تخاف على رجليك(1).

ثم إن المعلوم أن تدوين السنة النبوية جاء متاخر وبما أن الإمام علي (علیه السلام) يعد من المتحدثین عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وذلك بسبب قربه منه وعدم مخالفته لآراء رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وأقواله في جميع الامور ومنها الوضوء. فقد سعى أعداؤه

ص: 454


1- الطوسي: أبو جعفر محمد بن الحسن(ت 460 ه- / 1067 م)، تهذيب الاحكام، 1/ 362 ؛ الخلاف، تح: جماعة من المحققین، موسسة النشر الإسلامي – قم، 1407 ه- 1/ 207 ؛ الاستبصار، تح: حسن الموسوي الخرساني، ط 1، دار الكتب الإسلامية – تهران، 1390 ه- 1/ 76 ؛ الحلي: المحقق أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن (ت 672 ه- / 1274 م)،المعتبر، تح وتصحيح: عدة من الأفاضل / إشراف: ناصر مكارم شرازي، ط 1، مدرسة الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام)قم، 1364 ش،المعتبر، 1/ 154 .

إلى محاربة الرواة الذين يخالفون فقه الشيخين الذي تبنته سياسة الدولة وذلك لمخالفة الإمام علي (علیه السلام) في نهجه وفقهه وآرائه(1).

أما عن سند الرواية فإن من ضمن الرواة الزبرقان بن عبدالله العبدي، فقد وثقه ابن شاهين(2)، إلا أن العقيلي وضعه في الضعفاء(3). وقال عنه ابن عدي(4): الزبرقان هذا لا أعرف له حديثا مسندا له ضوء وما يروي عنه الثوري واسرائيل لعله مقاطيع وأما البخاري والذهبي فقالا في حديثه وهم(5).

2. الاذان

أورد ابن سعد نصًا عما كان الإمام (علیه السلام) يقوله إذا سمع الأذان. ((عن محمد بن الفضيل بن غزوان عن عبدالرحمن بن اسحاق عن عبد الله القرشي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعبدالله بن عكيم عن علي أنه قال كان إذا قال المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله قال: وإن الذين كذبوا محمدا لجاحدون))(6).

3. الصلاة
الإمام (علیه السلام) ينهي عن الصلاة بعد طلوع الشمس مباشرة

((عن محمد بن عبيد قال: حدثنا يوسف بن صهيب عن حبيب بن يسار عن أبي رمله أن علي (علیه السلام) خرج إلى الرحبه بعد طلوع الشمس وليس بها كبیر أحد فسأل عنهم فقال اين هم؟ فقالوا في المسجد يا أمیر المؤمنین: فأرسل إيهم

ص: 455


1- الشهرستاني: السيد علي، وضوء النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)، ط 1، ستارة قم، 1415 ه- / 1994 م، 1/ 182 .
2- تاريخ اسماء الثقات، 93 .
3- الضعفاء، 2/ 82 .
4- الكامل، 3/ 240 .
5- البخاري، التاريخ الكبير، 3/ 433 . وينظر: الذهبي، ميزان الاعتدال، 2/ 66 .
6- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 234 .

فدعاهم فسأل الرجل ما وجدتهم يصنعون؟ قال مابین قائم في صلاة أو جالس في حديث فلما اتوه قال علي: يا ايها الناس اياكم وصلاة الشيطان(1) ولكن اذا كانت الشمس قيس رمحین فليقم الرجل فليصل ركعتین فتلك صلاة الاوابین(2)))(3).

الامام (علیه السلام) وصلاة العصر

اورد ابن سعد نصا عن ذلك، ((اخبرنا أبو اسامة عن اسحاق بن سليمان الشيباني عن ابيه عن العباس بن ذريح عن زياد بن عبدالله النخعي قال: كنا قعودا عند علي بن أبي طالب فجاءه ابن النباح يؤذنه بصلاة العصر فقال: الصلاة قال: ثم قام بعد ذلك فصى بنا العصر فجثونا للركب نتبصر الشمس وقد ولت وان عامة الكوفة يومئذ لأخصاص(4))(5)

يبدو من النص اعلاه وكأن الراوي يريد القول ان الإمام علي (علیه السلام) قد فاتته الصلاة حتى كادت الشمس ان تغيب؟ وهذا الأمر غیر مقبول اذا ما تتبعنا علاقة الإمام (علیه السلام) بالصلاة فلم يمنعه شي عن ادائها حتى الحرب، حيث كان (علیه السلام)

ص: 456


1- صلاة الشيطان: وهي الصلاة التي نهى عنها رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) حيث قال: لا تصلوا حيث تطلع الشمس ولا حین تغرب فانها تطلع بین قرني شيطان. ينظر: ابن خزيمة: أبو بكر محمد بن اسحق النيسابوري (ت 311ه- / 924 م)، صحيح ابن خزيمة، تح: دكتور محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، ط 3 – بیروت، 2003 م، 2/ 256 .
2- الاوابین: هي جمع اواب وهو المطيع وقيل الراجع إلى الطاعة. ينظر: السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 ه- / 1505 م)، الديباج على مسلم، د. تح، ط 1، دار ابن عفان، السعودية، 1996 م، 2/ 358 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 358 .
4- اخصاص: وهي جمع خص، والخص هو البيت الذي يصنع من الخشب والقصب. ينظر: ابن منظور، لسان العرب، 7/ 26 .
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 357 .

يوما في حرب صفین منشغلا بالحرب والقتال وهو مع ذلك بین الصفین يرقب الشمس فقال له ابن عباس يا أمیر المؤمنین ما هذا الفعل فقال (علیه السلام): انظر إلى الزوال حتى نصلي فقال له ابن عباس وهل هذا وقت صلاة ان عندنا لشغلا بالقتال عن الصلاة فقال (علیه السلام) على ما نقاتلهم انا نقاتلهم على الصلاة(1).

ثم ان الراوي لم يذكر لنا سبب تأخر الإمام (علیه السلام) عن الصلاة.

اما عن سند الرواية فهي عن زياد بن عبدالله النخعي الذي قال عنه الدار قطني(2) والذهبي(3) وابن حجر(4) بانه مجهول.

صلاة الجمعة
اشارة

اورد ابن سعد نصًا عن كيف كان الإمام (علیه السلام) يصل الجمعة.((اخبرنا الفضل بن دكین قال: حدثنا شريك عن عباس بن ذريح عن الحارث بن ثوب قال: صلى بنا علي الجمعة فلما سلم قام فقال عباد الله اتموا الصلاة ثم قام فدخل))(5).

يظهر من النص اعلاه ان الإمام عليًا (علیه السلام) بعد ان فرغ من صلاة الجمعة أمرهم بأن يصلو العصر بعد ذلك مباشرة.

ص: 457


1- الديلمي: الحسن بن محمد، (ت.ق 8)، إرشاد القلوب، د. تح، ط 2، انتشارات الشريف الرضي، قم، 1415 ه-، 2/ 217 .
2- سنن الدار قطني، 1/ 260 .
3- أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد (ت 748 ه- / 1348 م)، تنقيح التحقيق في احاديث التعليق، تح: مصطفي أبو الغيط عبد الغيط عبد الحي عجيب، دار الوطن، الرياض، 2000 م، 104/1 ؛ المغني في الضعفاء، 1/ 374 ؛ ميزان الاعتدال، 2/ 91 .
4- لسان الميزان، 2/ 495 .
5- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 360 - 361 .
قنوت الإمام (علیه السلام) في الصلاة:

ذكر ابن سعد: ((اخبرنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن عثمان بن المغيرة عن عرفجة قال: صليت خلف علي فقنت في الركعتین كليهما قبل الركعة))(1)

4. الدعاء:

((عن الفضل بن دكین قال: حدثنا شريك عن شبيب بن غرقدة عن المستظل يعني ابن الحصین البارقي قال: توفي رجل منّا فأرسلنا إلى علي فأبطأ علينا فصلينا عليه ودفناه فجاء بعدما فرغنا حتى قام على القبر وجعله امامه ثم دعا له))(2).

((أخبرنا الفضل بن دكین قال: حدثنا حمزة الزيات عن حبيب بن أبي ثابت عن عبدالرحمن بن سويد الكاهلي قال: قنت علي في هذا المسجد وأنا أسمع وهو يقول: اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد واليك نسهى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك بالكفار ملحق اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك))(3).

((أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي قال: حدثنا سفيان الثوري عن منصور عن ربعي بن حراش عن عبدالله بن شداد أن عليا قال لعبدالله بن جعفر رحمهم الله الا اعلمك كلمات لم اعلمهن حسنا وحسينا إذا سألت الله مسألة فأردت أن تنجح فقل لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي العظيم لا إله إلا هو وحده لا

ص: 458


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 300 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 250 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 359 - 360 .

شريك له الحليم الكريم))(1).

يظهر من النص السابق مدى اهتمام الإمام علي (علیه السلام) بابن أخيه عبدالله بن جعفر وحرصه عليه حتى أنه يعلمه بدعاء خاص لم يعلمه لولديه الحسن والحسین(علیهماالسلام).

5. الصيام:

ذكر ابن سعد نصين عن رأي الإمام (علیه السلام) في بعض أحكام الصوم، وهما:

الأول: عن حميد بن عبدالله الأصم قال: سمعت الوليد بن عتبه الليثي يقول صمنا رمضان على عهد علي ثمانية وعشرين فأمرنا علي بقضاء يوم(2).

يظهر من هذا الرواية أن المسلمين لم يرو هلال شهر رمضان ربما لوجود حائل منعهم من ذلك كأن يكون وجود غيوم أو غيرها، ولذلك اختلف عندهم عدد الأيام التي صاموها.

الثاني: ((محمد بن عمر قال: أخبرنا سيف بن سليمان عن قيس مولى ابن علقمة عن داود بن أبي عاصم الثقفي عن سعيد بن المسيب قال: خرج عمر بن الخطاب على أصحابه يوما فقال: افتوني في شيء صنعته اليوم! فقالوا: ماهو يا أمیر المؤمنین؟ قال: مرت بي جارية لي فاعجبتني فوقعت عليها وأنا صائم! قال: فعظم عليه القوم وعلي ساكت فقال: ما تقول يا ابن أبي طالب؟ فقال: جئت حلالا ويوما مكان يوم! فقال أنت خيرهم فتوى))(3).

6. الحج:
اشارة

ص: 459


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 465 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 354 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 293 .

أورد ابن سعد نصا عن إحرام الإمام علي (علیه السلام) من ذي الحليفة(1). ((أخبرنا محمد بن عبيد قال: حدثنا محمد بن أبي اسماعيل عن عبد الرحمن بن أبي نصر عن أبيه قال: خرجت حاجا فأدركت علي بذي الحليفة وهو يلبي لبيك بعمرة وحجة))(2).

يظهر من النص أن الإمام عليًا (علیه السلام) كان موجودًا في المدينة عندما قصد مكة، لأن ميقات أهل المدينة هو ذي الحليفة. إذن فهذا النص حدث قبل توليه الخلافة، لأن التاريخ لم يذكر لنا عن وجود الإمام (علیه السلام) في مكة بعد أن ذهب لحرب الجمل.

الأضحية:

أورد ابن سعد رأي الإمام علي (علیه السلام) في بعض أحكام الأضحية إذ قال: ((اخبرنا يعلى بن عبيد قال: حدثنا الأجلح عن زهیر عن المغیرة بن حذف(3) قال: كنت جالسا عند علي فأتاه رجل من همدان فقال: يا أمیر المؤمنین اني اشريت بقرة نتوجا لأضحي بها وإنها ولدت فیا ترى فيها وفي ولدها؟ فقال: لا تحلبها الا فضلا عن ولدها فإذا كان يوم الأضحى فضح بها وبولدها عن سبعة

ص: 460


1- ذي الحليفة: وهو مكان ميقات أهل المدينة، يبعد عن المدينة ستة أميال، وكان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يجعلها مكان اسراحة اذا كان ذاهبا إلى القتال. ينظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان، 2/ 111و 155/5.
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 357 .
3- هو المغیرة بن حذف العبسي رواى عن الإمام علي (علیه السلام)، وحذيفة بن اليمان وعائشة وعن الحكم بن عتبة وزهیر بن ثابت قال عنه ابن معین انه مشهور وذكره ابن حبان في الثقات. ينظر: ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 351 ؛ ابن قدامة، المغني، 11/ 105 ؛ ابن حجر، تعجيل المنفعة، ص 409 .

من أهلك))(1).

المعاملات
1. التذكية:

ذكر ابن سعد رأي الإمام علي(علیه السلام) في تذكية الجمل. ((أخبرنا محمد بن عبيد قال: حدثني عبد العزيز بن سياه أبو يزيد عن أبي راشد السلماني قال: أتيت عليا في داره فناديت يا أمیر المؤمنین يا أمیر المؤمنین قال: لبيكاه لبيكاه فقلت يا أمیر المؤمنین اني كنت في منائح(2) لأهلي أرعاها فتردى بعیر منها فخشيت أن يسبقني بنفسه فخرقت وبطرت فوجأته بحديدة أما في جنبه وأما في سنامه وذكرت اسم الله وإني جئت بلحمه مفرقا على سائر إبلي إلى أهلي فابوا أن يأكلوه وقالوا: تذكه. فقال: ويحك اهد لي عجزه اهد لي عجزه))(3).

2. النكاح:

أرود ابن سعد نص خلاف رأي الإمام علي (علیه السلام) واهل البيت (علیهم السلام). ((فعن خرشة بن حبيب سئل علي في رجل يجامع امراته فلا ينزل، قال: لا يغتسل وإن هزها به))(4).

إن هذا النص مطعون فيه، لسبب بسيط هو أن الراوي قال عنه: الذهبي وابن حجر أنه من الرواة المجهولین(5).

ص: 461


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 351 .
2- المنائح: جمع منيحة، والمنيحة هي الشاة أو الناقة التي فيها لبن. ينظر: ابن منظور، لسان العرب، 607/2 و 5/ 22 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 358 .
4- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 357 .
5- الذهبي، ميزان الاعتدال، 1/ 652 . وينظر: ابن حجر، لسان الميزان، 2/ 367 .

وذكر ابن سعد أيضًا(1) ((أخبرنا أبو عامر العقدي قال: حدثنا شعبة عن سماك قال: سمعت الأغر بن سليك يحدث عن علي قال: ثلاثة يبغضهم الله الشيخ الزاني والغني الظلوم والفقیر المختال)). وفي نص آخر ((اخبرنا عبيد الله بن موسى قال: اخبرنا اسرائيل عن سماك عن الأغر بن حنظلة قال: قام علي فقال: إن الله يبغض من خلقه الأشمط الزاني والغني الظلوم والعائل المستكبر)).

3. الطلاق

أورد ابن سعد نصا عن رأي الإمام (علیه السلام) في الطلاق فعن رياش ابن ربيعة قال: سئل علي (علیه السلام) عن رجل قال لامرأته انت طالق البتة قال: فجعلها ثلاثا(2).

4. التجارة
اشارة

ذكر ابن سعد قول الإمام علي (علیه السلام) في البيع والشراء ونصيحته التجار. ((أخبرنا محمد بن عبيد قال: حدثنا عبيده عن أبي سعيد التيمي قال: سمعت عليا يقول: التاجر فاجر إلا من أخذ الحق وأعطاه))(3).

قضاء الإمام علي (علیه السلام)

يعد الإمام علي (علیه السلام) أقضى أهل زمانه فقد كان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) المعلم الأول له في القضاء، فعنه (علیه السلام) قال: قال لي رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) اذا تقاضى اليك رجلان فلا تقضي لأول حتى تسمع كلام الاخر فسوف تدري كيف تقي(4). وفي نص آخر (فاذا قعد الخصمان بین يديك فا تقضي حتى تسمع من الاخر كما

ص: 462


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 362 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 351 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 359 .
4- ابن حنبل، مسند أحمد، 1/ 150 . وينظر: الترمذي، صحيح الترمذي، 2/ 395 ؛ ابن عدي، الكامل في ضعفاء الرجال، 2/ 438

سمعت من الأول فانه احرى ان يتبین لك القضاء: فما زلت قاضيا أو ما شككت في قضاء بعد(1).

يظهر من النصوص السابقة أن هذه الوصايا بمثابة التعليم له (علیه السلام) من قبل رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لأنه خاطبه مباشرة، وتعد دليلا على اهتمام رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بالإمام (علیه السلام) وثقته به في تحمل هذه المسؤولية.

ولما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية واحتاج المسلمون إلى من يقضي بينهم وتعذر ذهاب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) اليهم مما استدعى من رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ان يوكل هذا المهمة لبعض أصحابه.

إلا أن ابن سعد وكعادته نقل روايات خلاف ذلك فقال: ((عن أبي البختري عن علي قال: بعثني رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) إلى اليمن فقلت يا رسول الله بعثتني وانا شاب اقضي بينهم ولا ادري ما القضاء فضرب صدري بيده ثم قال: اللهم اهد قلبه وثبت لسانه! فو الذي فلق الحبة ما شككت في قضاء بین اثنین))(2).

وفي نص آخر: ((عن حنش بن المعتمر عن علي قال: بعثني رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) إلى اليمن قاضيا فقلت يا رسول الله انك ترسلني إلى قوم يسألونني ولا علم لي بالقضاء فوضع يده على صدري وقال: ان الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك فاذا قعد الخصمان بین يديك فلا تقض حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فانه أحرى أن يتبین لك القضاء، فما زلت قاضيا أو ما شككت في القضاء بعد))(3).

وفي نص ثالث: ((عن حارثة عن علي قال: بعثني النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) إلى اليمن

ص: 463


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 291 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 291 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 291 .

فقلت يا رسول الله انك تبعثني إلى قوم شيوخ ذوي أسنان وإني أخاف أن لا اصيب! فقال: ان الله سيثبت لسانك ويهدي قلبك))(1).

يلاحظ من النصوص السابقة محاولة ابن سعد لاظهار الإمام علي (علیه السلام) بأنه رجل لم يكن يعلم ماذا يعمل، وان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يرسل أصحابه من دون أن يعلم خلفيتهم العلمية. فبماذا نفر أقوال الإمام (علیه السلام) لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) (ولا ادري ما القضاء) (إنك ترسلني إلى قوم يسألوني ولا علم لي بالقضاء) (إنك تبعثني إلى قوم شيوخ ذوي أسنان وإني أخاف أن لا أصيب). وهنا نقول: كيف يرسل رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) شخصا لا يعلم ما يصنع، وليس لديه ثقة بنفسه اليس رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ((لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيا يوحى)). ثم أليس الإسلام كان في بداياته الأولى وحريا برسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) إرسال شخصية قادرة على إقناع الآخرين؟!.

إذن هذه الروايات أرادت الطعن بحكمة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، ومن ثم الطعن بالإمام (علیه السلام) .

وبعد ذلك تذكر النصوص دعاء رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) للإمام علي (علیه السلام) ولكن بصيغ مختلفة مقبولة لان هذا الأمر من عادة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) مع الإمام (علیه السلام) لتأكيد أفضلية الإمام (علیه السلام) على بقية المسلمين.

إذن فابن سعد اراد عن طريق هذه النصوص أن يقلل من هذه الأفضلية التي اختصه الله بها بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عن طريق ادخال عبارات تقلل من هذه الشانية وجعل هذه الفضيلة ناقصة المحتوى.

أما عن سند هذه الروايات. فالرواية الأولى مطعونة السند؛ لأن من ضمن

ص: 464


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 292 .

رواتها الأعمش الذي روى عن الحسن البصري كلاما خطأه الإمام الباقر (علیه السلام) وعده المفيد والخوئي من المجهولین(1). أما الرواية الثانية فهي عن حنش بن المعتمر الذي عده البخاري والعقيلي في الضعفاء(2)، وقال عنه النسائي وابن عدي: ليس بالقوي(3)، أما ابن أبي حاتم(4) فقد قال عنه: إنه من الذين لا يحتج بحديثهم، وقال عنه ابن حبان(5) كان كثیر الوهم في الأخبار ينفرد عن علي (علیه السلام) باشياء لا تشبه حديث الثقاة حتى صار ممن لا يحتج به، أما ابن حجر(6) فقال: إنه صدوق له أوهام ويرسل من الثالثة وأخطأ من عده من الصحابة.

إقامة الحد:

ذكر ابن سعد رأي الإمام علي (علیه السلام) في رجل وامرأة اختليا مع بعضها ومعها شراب ((أخبرنا محمد بن عبيد قال: حدثني سويد بن نجيح أبو قطبة عن ظبيان بن عمارة قال: أتى عليا ناس من عكل(7) برجل وامرأة وجدوهما في لحاف وعندهما شراب وريحان فقال علي: خبيثان قال: فجلدوهما دون الحد))(8).

ص: 465


1- المفيد، ص 368 ؛ الخوئي، معجم رجال الحديث، 12 / 114 .
2- الضعفاء الصغير، 41 ؛ الضعفاء، 1/ 288 .
3- أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب (303 ه- 916 م)، الضعفاء والمتروكین، محمود ابراهيم زايد، ط 1، دار المعرفة – بیروت، 1406 ه-/ 1986 م، ص 171 ؛ ابن عدي، الكامل، 2/ 438 .
4- الجرح والتعديل، 3/ 291 .
5- المجروحين، 1/ 269 .
6- تقريب التهذيب، 1/ 249 .
7- عكل: وهي قبيلة تنتمي إلى الرباب فيها غباوة وقلة فهم، فيقال لكل من فيها غفلة ويستحمق، وعكلي سميت نسبة إلى أبي بطن منهم حضنته أمه فسميت القبيلة نسبة إلى أمة. ينظر: ابن منظور، لسان العرب، 11/ 467 .
8- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 349 .

ثانيا: الإمام علي (علیه السلام) وعلوم القرآن إنّ للإمام علي (علیه السلام) علاقة وثيقة بالقرآن الكريم؛ لأن القرآن نزل على رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، وكان الإمام (علیه السلام) يحظى بتربية رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، فقد اعتنى به عناية خاصة وعلمه العلوم كلها وعلم القرآن من ضمنها. وهنا ذكر لنا ابن سعد روايات عدّة في مجال علم القرآن، سوف نذكرها ونثبت الصحيح منها ونقف عندها تحلياً ونقدًا.

1- جمع القرآن

إن الإمام عليًا (علیه السلام) هو أول من جمع القرآن بعد وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) على ترتيب نزوله وهناك روايات كثیرة تدل على ذلك.

قال ابن النديم(1) بسنده عن علي بن أبي طالب (علیه السلام) أنه رأى من الناس طیرة عند وفاة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) فأقسم أنه لايضع عن ظهره رداءه حتى يجمع القرآن فجلس في بيته ثلاثة أيام حتى جمع القرآن، فهو أول مصحف جمع فيه القرآن من قلبه، وكان المصحف عند أهل جعفر، ورأيت أنا في زماننا عند أبي يعلى حمزة الحسني رحمه الله مصحف قد سقط منه أوراق بخط علي بن أبي طالب يتوارثه بني حسن على مر الزمان.

وقال الحاكم الحسكاني(2): ((لما بويع أبو بكر بالخلافة جلس علي (علیه السلام) في بيته فأتاه رجل فقال: إن عليًا قد كرهك فأرسل إليه وقال له: اكرهتني؟ فقال:

ص: 466


1- الفهرست في أخبار العلماء والمصنفين من القدماء والمحدثين واسماء كنيهم، ص 30 .
2- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، 1/ 36 .

والله ما كرهتك غیر أن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قبض ولم يجمع القرآن فخفت أن يزاد فيه آليت لا أخرج إلا إلى الصلاة حتى أجمعه)).

وفي أخبار ابن أبي رافع أن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) قال في مرضه الذي توفي فيه لعلي: ياعلي هذا كتاب الله خذه إليك فجمعه علي في ثوب فمضى إلى منزله فلما قبض النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) جلس علي (علیه السلام) فالفه كما انزله الله وكان به عالما(1).

وقال ابن أبي الحديد(2):(اتفق الكل على أن عليا (علیه السلام) كان يحفظ القرآن على عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، ولم يكن غیره يحفظه ثم هو أول من جمعه عندما تخلف على

بيعة أبي بكر، وتشاغل بجمع القرآن وهذا دليل على أنه أول من جمع القرآن بعد وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) .

وبعد هذه المقدمة من الروايات يتضح لنا أن أول من جمع القرآن هو أمیر المؤمنین علي (علیه السلام) بل هو أول من حفظه في أيام رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم). فكيف لا يكون كذلك وهو القائل: ((والله ما نزلت آية الا وقد علمت فيما نزلت واين نزلت وعلى من نزلت ان ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا طليقا))(3).

إلا أن ابن سعد وكعادته في محاربة الإمام علي (علیه السلام) وفي نسب الفضائل إلى غیره فإنه ينسب عملية جمع القرآن إلى عمر بن الخطاب وهذا ما نفيناه عن طريق الروايات السالفة الذكر.

فنراه ينقل لنا رواية يحاول عن طريقها ان يضعف هذه الفضيلة للإمام علي

ص: 467


1- ابن شهر اشوب، مناقب ال أبي طالب، 1/ 319 . وينظر: المجلسي، بحار الأنوار، 40 / 155 .
2- شرح نهج البلاغة، 1/ 27 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 292 .

(علیه السلام) وانه يوحي للقارئ عن رضا الإمام (علیه السلام) عن خلافة أبي بكر وذلك عن طريق دس السم في العسل فيقول: (نبئت أن عليا أبطأ عن بيعة أبي بكر فلقيه أبو بكر فقال: أكرهت إمارتي؟ فقال: لا ولكني آليت بيمین أن لا أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة حتى اجمع القرآن! قال: فزعموا أنه كتبه على تنزيله)(1).

2- علم الإمام (علیه السلام) بعلم التفسير وأسباب النزول

هنا ذكر ابن سعد روايتین. الأولى: ((عن أحمد بن عبدالله بن يونس عن أبو بكر بن عياش عن نصیر عن سليمان الأحمسي عن أبيه قال: قال علي: والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيما نزلت وأين نزلت وعلى من نزلت! ان ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا طلقا))(2).

اما الثانية: ((عن عبدالله بن جعفر الرقي عن عبيد الله بن عمرو عن معمر عن وهب بن أبي دبي عن أبي الطفيل قال: قال علي: سلوني عن كتاب الله فانه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل))(3).

يظهر مما تقدم أنّه لم تنزل آية إلا وعلي (علیه السلام) موجود مع النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أي أنه رافق نزول القرآن على النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في كل المراحل إبتداء من الآية الأولى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)(4) ورسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) مازال في غار حراء(5).

3- علم الإمام (علیه السلام) بالقراءات:

ص: 468


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 292 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 292 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 292 .
4- سورة العلق، اية 1.
5- لمزيد من التفاصيل. ينظر: الفصل الرابع، المبحث الأول، من هذه الرسالة.

القراءات لغة: هي جمع قراءة وهي مصدر الفعل اقرأ وقرأت الشيء أي جمعته(1). وقال ابن الأثیر(2): كل شيء جمعته فقد قرأته.

القراءات اصطلاحا: هو العلم الذي يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن(3). أو هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتبه الحروف أو كيفيتها من تخفيف وتثقيل وغيرها(4).

لقد كان الإمام علي (علیه السلام) مرجعا لأئمة القراء فقد ذكر ابن أبي الحديد(5) هذا المعنى بقوله ((وإذا رجعت إلى كتب القراءات وجدت أئمة القراء يرجعون إليه كأبي عمرو بن العلاء، وعاصم بن أبي النجود وغيرهم، لأنهم يرجعون إلى أبي عبد الرحمن السلمي القارئ وأبو عبد الرحمن كان تلميذه وعنه اخذ القرآن)).

إلا أن ابن سعد كعادته عندما ينقل مناقب الإمام علي (علیه السلام) وفضائله فإننا نراه أما يشرك آخرين معه أو انه ينسب هذه الفضيلة أو المنقبة إلى غیره. فقد ذكر لنا ابن سعد(6) أربع روايات ينسب القراءة إلى أبي بن كعب عن طريق نقل قول عمر بن الخطاب وبأسانيد مختلفة فيقول: قال عمر: (علي أقضانا وابي أقرؤنا).

يظهر من قول عمر بن الخطاب أن يعطي أولوية لأُبي بن كعب في علم القراءات

ص: 469


1- ابن منظور، لسان العرب، 1/ 129 .
2- النهاية في غريب الحديث والاثر، 4/ 30 .
3- أبو حيان الاندلسي، تفسير البحر المحيط، 1/ 121 .
4- الزركشي (ت 794 ه-)، البرهان، تح: محمد أبو الفضل ابراهيم،ط 1، دار إحياء الكتب العربية، 1957 م، 1/ 318 .
5- شرح نهج البلاغة، 1/ 288 .
6- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 293

على حساب الإمام علي (علیه السلام) وهذا الرأي يتعارض مع ما نقله الطبري(1) من انه ((جاء رجل إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فقال: أقرأني عبدالله بن مسعود سورة اقرانيها زيد وأقرأنيها أبي بن كعب فاختلفت قراءتهم فبقراءة أيهم اخذ؟ فسكت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وكان علي إلى جنبه فقال علي: ليقرأ كل إنسان كما علم)). وهنا نقول لو كان أبي اقراءهم لصرّح به رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) هذا من جانب ومن جانب اخر ان الذي قيّم القراءات هو الإمام (علیه السلام) وهذا ان دل على شيء انما يدل على مدى علم الإمام (علیه السلام) الواسع في القراءات والذي يؤكد أعلميته هو عدم اعتراض رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) على ما قاله. ثم أليس ابن سعد نقل قول الإمام (علیه السلام) في معرفته بأسباب النزول؛ أليس الذي يعلم اوقات ومحطات نزول الآيات يكون أعلم بكيفية قراءاتها؟

إن هذه الروايات هي من ضمن الهجمة الاعلامية التي شنها بني أمية وبني العباس على أهل البيت (علیهم السلام) حيث أرادوا أن يضعوا أسماء بديلة يرجع إليها المسلمون في ذلك، والدليل على ذلك ما نقله البخاري(2) عن قتادة قال: سالت أنس ابن مالك من جمع القرآن على عهد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) قال: أربعة كلهم من الأنصار أبي بن كعب ومعاذ ابن جبل وزيد بن ثابت وابو زيد قلت لأنس من أبو زيد قال: أحد عمومتي.

وهنا إذا نظر إلى النص السابق نجد أن انس بن مالك لم يكن حياديا في نقل الأحداث ولم يكن يتعامل مع النص بمهنية وعلمية، ولم ينصف الاخرين حقهم

ص: 470


1- جامع البيان عن تاويل أي القرآن، 1/ 26 .
2- صحيح البخاري، 4/ 229 و 6/ 103 .

ودليلنا على ذلك ما قاله ابن حجر(1) ((إنما خص أنس الأربعة بالذكر لشدة تعلقه بهم من دون غيرهم أو لكونهم كانوا في ذهنه دون غيرهم))

إن علم القراءات إنما أخذت منه (علیه السلام) لا من غیره: بدليل نص نقله ابن سعد (عن عاصم عن أبي عبد الرحمن قال: اخذت القراءة عن علي) وبدليل ما قاله ابن أبي الحديد(2) في حق الإمام (علیه السلام) (اما قراءته القرآن واشتغاله به فهو المنظور في هذا الباب اتفق الكل على أنه كان يحفظ القرآن على عهد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ولم يكن غیره يحفظه ثم هو أول من جمعه... وإذا رجعت إلى كتب القراءات وجدت أئمة القراء كلهم يرجعون إليه) إلا أن التوجهات السياسية هي التي غیرت هذه القراءة، وحولتها إلى قراءات متعددة لأن القرآن إنما هو قرآن واحد.

4 - علم الإمام علي (علیه السلام) بالمبهمات

ذكر ابن سعد(3) نصا عن علم الإمام علي (علیه السلام) بالمبهمات عن عكرمة قال: كان ابن عباس أعلمهما بالقرآن وكان علي اعلمهما بالمبهمات.

وهنا نلاحظ ان الرواية قد قسمت العلوم بین الصحابة فابن عباس أعلم بالقرآن والامام علي (علیه السلام) اعلم بالمبهمات. ثم إن النص أراد أن يساوي بین الإمام (علیه السلام) وابن عباس في العلمية في حین أن ابن عباس قد تتلمذ على يد أمیر المؤمنین (علیه السلام) فمن أين جاء بهذا العلم؟ ألم يأخذه به عن استاذه؟ وهذا ما أكده ابن أبي الحديد(4) حین قال: (وعنه أخذ ومنه فرع وإذا رجعت إلى كتب التفسیر علمت

ص: 471


1- فتح الباري، 9/ 48 .
2- شرح نهج البلاغة، 1/ 27 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 316 و 6/ 331.
4- شرح نهج البلاغة، 1/ 19 .

صحة ذلك لأن أكثره عنه، وعن عبدالله بن عباس وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له وانقطاعه إليه وإنه تلميذه وخريجه وقيل له: اين علمك من علم ابن عمك؟ فقال: كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط)

ثم إن الراوي لم يوضح لنا ما المقصود بالمبهمات هنا؟ هل مبهمات القرآن أم الفقه؟. فاذا كان يقصد مبهمات الفقه يعني أن ابن عباس أعلم بمبهمات القرآن. فاذا كان كذلك كيف يوصيه الإمام علي (علیه السلام) عندما أرسله لمحاججة الخوارج بأن لا يحاجهم بالقرآن؛ لأنه حمال ذو وجوه.

أما إذا كان يقصد أن الإمام(علیه السلام) أعلم بمبهمات القرآن فإنه من باب أولى أعلم بالقرآن. ثم أن الذي يقول: ((سلوني عن كتاب الله فانه ليست من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل))(1) لحري به أن يعلم بالقرآن وبمبهمات القرآن.

وأخیرا إذا ما نظرنا إلى سند الرواية فإنها رويت عن عكرمة الذي سبق وأن ذكرناه وثبت تجريحه والتوقف في حاله.

ثالثا: علم الإمام (علیه السلام) بالغيبيات

اشارة

الغيبة لغة: هو كل ما غاب عن العيون، وسواء كان محصلا في القلوب أو غیر محصل نقول غاب عنه غيبا وغيبة(2).

الغيبة اصطلاحا: فهو العلم الذي يعمل به إنسان تنقشع من أمام عينيه حجب القرون وتنطوي المسافات فيقرأ المستقبل البعيد أو الحاضر المحجوب كما

ص: 472


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 2/ 292 .
2- مجد الدين ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، 3/ 399 .

يقرأ في كتاب مفتوح ويعي حوادثه كأنها بنت الساعة التي هو فيها(1).

وهنا ربما يسأل سائل هل أن الإمام عليا (علیه السلام) كان يعلم الغيب من تلقاءنفسه؟ أجاب الإمام (علیه السلام) على هذا التساؤل بقوله: ((ليس هو بعلم غيب وانما هوتعلم من ذي علم، وانما علم الغيب علم الساعة، وما عدده الله سبحانه وتعالى بقوله: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(2) فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد الا الله وما سوى ذلك فعلم علمه الله لنبيه فعلمنيه ودعا لي بأن يعيه صدري وتضطلم عليه جوانحي))(3)، وذكر ابن سعد بعض تنبؤات الإمام علي (علیه السلام) ومنها:

1- في أخبار كربلاء:

وهنا ذكر نصین. الأول: عن شيبان بن مخزم قال: الذي وصفه ابن سعد بأنه عثمانيا يبغض عليا قال: رجعنا مع علي (علیه السلام) من صفین فانتهينا إلى موضع، فقال: مايسمى هذا الموضع قلنا كربلاء قال: كرب وبلاء، ثم قعد الإمام (علیه السلام) على رابية وقال: يقتل هاهنا قوم أفضل شهداء على وجه الأرض لايكون شهداء رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، قلت بعض كذباته وربّ الكعبة، فقلت لغلامي وثمة حمار ميت، جئني برجل هذا الحمار، فأوتدته في المقعد الذي كان فيه قاعدا فلما قتل الحسین (علیه السلام) قلت لأصحابي: انطلقوا ننظر فانتهينا إلى المكان واذا جسد الحسین

ص: 473


1- شمس الدين: الشيخ محمد مهدي، دراسات في نهج البلاغة، ط 1، دار الزهراء، بیروت، 1972 م، ص 149 .
2- سورة لقمان، الآية 34 .
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 8/ 215 .

(علیه السلام) على رجل الحمار واذا أصحابه رضة حوله(1).

يظهر مما ذكره ابن سعد أن الإمام (علیه السلام) كان عالما بما سوف يجري على ولده الحسین (علیه السلام) وأهل بيته، حتى أنّه وصف الشهداء الذين يستشهدون معه بأنهم أفضل وأعلى درجة من شهداء الذين استشهدوا مع رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، ثم إن ابن سعد وصف شيبان بن مخزم بأنه عثمانيا يبغض عليا، فإذا كان كذلك فلماذا بقى مع الإمام (علیه السلام) .

إلا أن الراوي حاول أن يصور أن الإمام (علیه السلام) بأنه كثیر الكذب والعياذ بالله فقال: (قلت بعض كذباته وربّ الكعبة) أي إنه سبق وإن كذب علينا. ويظهر أن شيبان بن مخزم كان من اعداء أمیر المؤمنین وابنه الحسین (علیهم السلام)، بدليل أنه جاء إلى مصرع الإمام الحسین (علیه السلام) لیرى هل صدقت نبوءة الإمام (علیه السلام). فهو اذن لم ينصر الإمام الحسین (علیه السلام) فأما إنه كان مع جيش عمر بن سعد أو لم يشترك.

أما النص الثاني: فهو عن عبيد الضبي قال: دخلنا على ابن هرثم الضبي حین أقبل من صفین وهو مع علي (علیه السلام) وهو جالس على دكان وله امرأة يقال لها حرداء هي أشد حبا لعلي وأشد لقوله تصديقا فجاءت شاة فبعرت فقال: لقد ذكرني بعر هذه الشاة حديثا لعلي قالوا: وما علم علي بهذا، قال: أقبلنا مرجعنا من صفین فنزلنا كربلاء فصلى بنا علي صلاة الفجر بین شجيرات ودوحات حرمل ثم اخذ كفا من بعر الغزلان فشمه ثم قال: أوه، أوه يقتل بهذا الغائط قوم يدخلون الجنة بغیر حساب، فقالت حرداء: وماتنكر من هذا!! هو أعلم بما قال منك، نادت بذلك وهي في جوف البيت(2).

ص: 474


1- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 419 - 420 .
2- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 6/ 420 .

يظهر من النص السابق أن الراوي صور تنبؤ الإمام (علیه السلام) لما سوف يحدث لابنه الإمام الحسین (علیه السلام) بصور مغايرة عن النص السابق فقد أظهر أن الإمام (علیه السلام) عرف المكان عن طريق بعرة الغزال وهل الأساس البعرة أم الأرض؟، وبذلك خالف كثیر من المؤرخین(1) الذين قالوا إنه رفع إليه من ترابها فشمها.

2- تنبؤ الإمام (علیه السلام) حول سيل الدماء من بعده في الكوفة

(فعن أوس بن معلق الأسدي سمع عليا (علیه السلام) يقول ليكونن بهذه السدة دماء تبلغ الخيل إلى ثننها(2))(3).

ص: 475


1- المنقري، وقعة صفین، 140 . وينظر: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 3/ 169 ؛ البحراني: هاشم بن سليمان الحسيني(ت 1107 ه- / 1695 م)، مدينة المعاجز، تح: الشيخ عزة الله المولائي الهمداني، ط 1، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، 1413 ه-، 2/ 170 .
2- الثنة: هي الشعرات التي في مؤخر رسغ الدابة التي اسبلت على أم الفردان حتى تبلغ الأرض. ينظر: الجوهري، الصحاح، 5/ 2090 .
3- ابن سعد، الطبقات الكبرى، 8/ 364 .

ص: 476

الخاتمة

الحمد لله ربّ العالمین والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلین نبينا أبي الزهراء محمد وعلى اله الطيبین الطاهرين.

بعد الاتكال على الله سبحانه وتعالى وبركات أهل البيت (علیهم السلام) تم التوصل عن طريق هذه المحاولة البحثية في التحليل والنقد بالرسالة الموسومة ((الإمام علي (علیه السلام) في كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد البصري ( 230 ه-/ 844 م)) دراسة تحليلية نقدية)) إلى جملة من الاستنتاجات التي يمكن إيجازها بما يأتي:

لم يكن ابن سعد أمينا وحياديا في نقل الروايات الخاصة بالإمام علي (علیه السلام)، وانما كان عندما يروي فضيلة من فضائل الإمام علي (علیه السلام) فإنه أما أن يقلل من يهذه الفضيلة وينفيها كما حدث ذلك لما استخلف رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) الإمام عليًا (علیه السلام) على المدينة عندما خرج إلى تبوك، أو أنه يتجاهلها وخاصة ولادته في الكعبة المشرفة التي عدّها المؤرخون من المسلمات من أمثال المسعودي والشافعي والحاكم النيسابوري وغیرهم.

أعرض ابن سعد عن ذكر حدث تأريخي مهم ألا وهو تنصيب أمیر المؤمنین علي (علیه السلام) خليفة بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) في غدير خم، وتفسیره لآية التبليغ تفسیرًا بعيدًا عن الواقع التأريخي.

كان ابن سعد انتقائيا في نقل الروايات الخاصة بالإمام علي (علیه السلام) فقد كان ينتقي روايات محددة بحسب ما كانت تمليه عليه عقيدته.

ص: 477

أما عن مدى اعتماد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) على أمیر المؤمنین (علیه السلام) في الظروف الصعبة، فقد اثبتنا بطلان ادعاء ابن سعد من أن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) استخلف محمد بن مسلمة على المدينة عندما سار إلى تبوك ولم يستخلف غیره.

حاول ابن سعد أن يقلل من فضائل الإمام علي (علیه السلام)، حيث كان أما أن ينسب هذه الفضيلة أو تلك إلى غیر أمیر المؤمنین أو ان يشرك معه شخصًا آخرًا أو أن ينفيها عنه.

اما عن العلاقة الأسرية، فقد حاول ابن سعد أن يصور هذه العلاقة بأنها علاقة يشوبها الخلاف، وأنها أسرة غیر متماسكة، حيث أوضحنا عدم صحة هذا الأمر جملة وتفصيلا.

أظهر ابن سعد بيعة أبي بكر وعمر وعثمان بمظهر البيعة المجمع عليها من قبل سائر المسلمين، وإن الإمام لم يكن معترضا على ذلك، وهو بذلك خالف روايات كثیرة تذكر عكس ذلك.

لم يكن الإمام (علیه السلام) ينظر إلى السلطة على أنها غاية، وإنما وسيلة لإيصال الدين الصحيح إلى المسلمين، فلما اغتصب حقه السياسي لم يتخلّف عن إعطاء النصيحة والتوجيه والإرشاد.

أما بيعة الإمام علي (علیه السلام) فقد كانت بإجماع المسلمين، وأما مبايعة طلحة والزبیر في البداية مكرهین فأنها ليست بصحيحة.

أما في الجانب العسكري فقد توصلنا إلى أن وجود الإمام علي (علیه السلام) في المعركة كان الحاسم في تغيیر نتيجة المعركة لصالح المسلمين، وفي حماية رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) من الأذى، كما حدث ذلك في بدر، وأحد، والخندق، وحنین، والمعارك الأخرى.

ص: 478

اما الجانب الفكري فعلى الرغم من وضع ابن سعد الروايات التي تخالف التوجهات الفكرية للإمام علي (علیه السلام) فقد توصلنا إلى أن الإمام (علیه السلام) كان مصدرًا مهماً للمسلمين في حل مشاكلهم العلمية، فكان عمر يقول: (لولا علي لهلك عمر) وغیر ذلك من الأقوال.

إن صفة التنبؤ لم يتجرأ أي شخص غیر الإمام علي (علیه السلام) في ذلك فكان يخبر عما سوف يحدث مستقبلا وفي الوقت نفسه لم يكن يدعي علم الغيب بل يقول: هذا ما أخبرني به رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم).

ص: 479

ص: 480

المصادر والمراجع

اشارة

• القرآن الكريم

اولا: المصادر الأولية

• ابن الأثیر: ابو الحسن عز الدين علي بن محمد (ت 360 ه- / 1232 م).

1-أسد الغابة في معرفة الصحابة، دار الكتاب العربي – بیروت، د. ت.

2- الكامل في التاريخ، (د. تح )، ط ، دار صادر- بیروت 386 ه-/ 1966 م.

3- اللباب في تهذيب الأنساب، د. تح، دار صادر، بیروت.

• ابن الأثیر: مجد الدين أبي السعادات المبارك الشيباني ( ت 606 ه- / 209 م)

4- النهاية في غريب الحديث والأثر، تح: طاهر أحمد الزاوي، محمود محمد الطناحي،ط 4، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، قم، 1364 ش.

• الاحسائي: محمد بن علي بن ابراهيم (ت 880 ه- / 1475 م).

5- عوالي اللئالي العزيزية في الاحاديث الدينية، تقديم: السيد شهاب الدين النجفي المرعشي، تح: الحاج اقآ مجتبى العراقي، ط ، مطبعة سيد الشهداء - قم 1 المقدسة، 1403 ه-/ 1983 م.

• ابن إدريس الحلي، أبو جعفر محمد بن منصور بن أحمد ( ت 598 ه- / 1200 م)

6- المنتخب من تفسیر القرآن، تحقيق وتقديم: محمد مهدي حسن الموسوي، ط ، مكتبة 1 الروضة الحيدرية – النجف، 1429 ه- / 2008 م.

ص: 481

•الإدريسي: أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن أدريس الحموي (ت 560 / 1170 م )

7- نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، عالم الكتب، ط 1، بيروت، 1989 .

•الاربلي: ابو الحسن علي بن عيسى بن ابي الفتح (ت 693 ه-/ 1292 م).

8- كشف الغمة في معرفة الائمة، ط 2، دار الاضواء - بيروت، 1985 م.

•الازرقي: محمد بن عبد الله ( ت 224 ه- / 859 م ).

9- اخبار مكة وما جاء منها من الاثار، تح: رشدي الصالح ملحس، ط 1، مطبعة امر – قم المقدسة، 1411 ه- / 1369 ش.

•ابن اسحاق: محمد بن إسحاق بن يسار (ت 151 ه- / 768 م).

10 - كتاب السير و المغازي، تح: سهيل زكار، دار الفكر، ط 1، 1978 م.

•الاستراباذي: رضي الدين (ت 686 ه-).

11- شرح شافية ابن الحاجب، تحقيق وضبط وشرح نور الحسن واخرون، ط 1، دار الكتب العلمية، بیروت، 1975 م.

•الاسكافي: ابو علي محمد بن همام بن سهيل الكاتب (ت 336 ه- / 947 م).

12- التمحيص، تح ونشر: مدرسة الإمام المهدي (علیه السلام)، قم المقدسة، د. ت.

•ابن اعثم: احمد الكوفي (ت 314 ه-/ 927 م).

13- الفتوح، تح: علي شيري، ط 1، دار الاضواء - بيروت 1411 ه-..

•الايجي (ت 756 ه-).

14- الموقف، تح: عبد الرحمن عميرة، ط 1، دار الجيل، بيروت، 1417 ه- / 1997 م

•ابن بابويه القمي: ابو الحسن علي بن موسى (ت 329 ه- / 940 م).

15- الإمامة والتبصرة من الحیرة، ط 1، الناشر: مدرسة الإمام المهدي (علیه السلام) قم المقدسة،1404 ه-.

ص: 482

16- فقه الامام الرضا(علیه السلام)، تح: مؤسسة ال البيت (علیهم السلام) لاحياء التراث، ط 1، المؤتمر العالملي للامام الرضا (علیه السلام)، مشهد، 1406 ه-.

•الباقلاني،(ت 403 ه- ).

17- تمهيد الاوائل وتلخيص الدلائل،تح: الشيخ عماد الدين احمد حيدر، ط 3، مؤسسة الكتب الثقافية، بیروت، 1993 م.

•البحراني: هاشم بن سليمان الحسيني(ت 1107 ه- / 1695 م).

18- البرهان في تفسیر القرآن، تقديم: الشيخ محمد مهدي الاصفي، مطبعة مؤسسة البعثة - قم المقدسة، 1417 ه-.

19- غاية المرام وحجة الخصام في تعيین الامام من طريق الخاص والعام، تح: السيد علي عاشور.

20- مدينة المعاجز، تح: الشيخ عزة الله المولائي الهمداني، ط 1، مؤسسة المعارف الاسلامية، قم، 1413 ه-.

•البخاري: ابو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي (ت 256 ه- / 869 م).

21- التاريخ الصغير، تح: محمود ابراهيم زايد، ط 1، دار المعرفة، بيروت، 1406 ه-.

22- التاريخ الكبیر، تح: السيد هاشم الندوي،ط 2، المكتبة الإسلامية - ديار بكر - تركيا، د. ت.

23- صحيح البخاري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بیروت، 1401 ه- / 1981 م).

24- الضعفاء الصغیر، تح: محمد ابراهيم زايد، ط 2، دار المعرفة – بیروت، 1406 ه-/ 1986 م.

•ابن البراج: القاضي عبد العزيز الطرابلسي ( ت 481 ه- / )

25- المهذب، تح: إعداد: مؤسسة سيد الشهداء العلمية / إشراف: جعفر السبحاني،ط 1، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، 1406 .

ص: 483

•البرقي: ابو جعفر احمد بن ابي عبدالله ( ت 274 ه-/ 887 م).

26- رجال البرقي، تح: جواد القيومي، ط 1، طهران، 1419 ه-.

•البري (ت ق 7).

27- الجوهرة في نسب الامام علي وآله، تح: الدكتور محمد التونجي، ط 1، مؤسسة الاعلم للمطبوعات، بیروت، 1402 ه-، ص 68 .

•ابن البطريق: يحيى بن الحسن الاسدي الحلي ( ت 600 ه- / 1203 م )

28- (عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب الأئمة الأبرار ) تح جامعة المدرسین، ط 1 – قم 1407 ه- 0

•البغدادي: ابو منصور عبد القاهر بن طاهر (ت 429 ه-/ 1037 م).

29- اصول الدين، ط 1، مطبعة الدولة – استانبول، 1346 ه-.

30- الفرق بين الفرق، اعتنى به وعلق عليه: الشيخ ابراهيم رمضان، ط 1، دار الفتوى -بيروت، ( 1415 ه-/ 1994 م).

•البكري الاندلسي: ابو عبيد عبد الله بن عبد العزيز الاندلسي (ت 487 ه- / 1094 م).

31- فصل المقال في شرح كتاب الأمثال، تح أحسان عباس وعبد الحميد عبادين، ط 3، مؤسسة الرسالة (بیروت: 1983 م).

32- معجم ما استعجم من اسماء البلاد والمواضع، تحقيق وضبط: مصطفى السقا، ط 3، عالم الكتب – بيروت، ( 1403 ه- / 1983 م).

•البلاذري: أحمد بن يحيى بن جابر ( ت 279 ه- / 1094 م).

33- أنساب الاشراف، حققه وقدم له : سهيل زكار و رياض زركلي، ط 1، دار الفكر – بیروت، 1417 ه- / 1996 م.

•البياضي العاملي: أبو محمد زين الدين علي بن يونس النباطي (ت 877 ه-/ 1472 م).

34- الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم، صححه وحققه وعلق عليه: محمد الباقر البهبودي، ط 1، مطبعة الحيدري، عني بنشره، المكتبة الرضوية لإحياء الآثار

ص: 484

الجعفرية، 1384 ه-.

•البيضاوي: عبدالله بن محمد الشيرازي الشافعي ،(ت 682 ه-).

35- انوار التنزيل واسرار التاويل (تفسیر البيضاوي)، تح: محمد عبد الرحمن المرعشلي، ط 1، داراحياء التراث العربي ، بیروت، ( 1418 ه-/ 1998 م).

36- البيهقي: أبو بكر أحمد بن الحسين علي ( ت 458 ه- / 1065 م )

37- دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة: وثق أصوله وخرج حديثه: الدكتور عبد المعطي قلعجي، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405 ه-/ 1985 م.

38- السنن الكبرى،د. تح، دار الفكر، د.مكا، ب.س.

39- شعب الإيمان، تح: أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول / تقديم: عبد الغفار سليمان البنداري،ط 1، دار الكتب العلمية - بيروت، 1410 ه-/ 1990 م.

40- معرفة السنن والآثار، تحقيق: سيد كسروي حسن،ط 1، دار الكتب العلمية – بيروت.

•البيهقي: علي بن زيد،(ت 565 ه-).

41- معارج نهج البلاغة، تح: محمد تقي دانش ثروة اشراف السيد محمود المرعشي، ط 1، مطبعة بهمن، قم، 1409 ه-

•الخطيب التبريزي ( 741 ه- ).

42- الاكمال في اسماء الرجال، تح: ابي اسدالله بن حافظ محمد عبدالله الانصاري، ط 1، مؤسسة اهل البيت (عليهم السلام)، (د.مكا ).

•الترمذي: ابو عيسى محمد بن عيسى بن سورة (ت 279 ه- / 892 م).

43- صحيح الترمذي، تحقيق وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف، ط 2، دار الفكر- بيروت، 1403 ه- / 1983 م).

•التستري: السيد القاضي نور الله التستري ( 1019 ه- / 1632 م).

44- الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة، تحقيق: السيد جلال الدين المحدث،

ص: 485

مطبعة نهضت – تهران 1367 ه-.

•التفرشي: مصطفى بن الحسن الحسيني (ت 1015 ه- / 1606 م).

45- نقد الرجال، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، ط 1، مطبعة ستاره – قم المقدسة، 1418 ه-.

•الثعلبي، (ت 427 ه-).

46- الكشف والبيان عن تفسیر القرآن، تح: الامام ابي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق نظیر الساعدي، ط 1، دار احياء التراث العربي، بیروت، 2002 م.

•الثقفي: ابراهيم بن محمد الكوفي ( ت 283 ).

47- الغارات، تح: السيد جلال الدين الحسيني الارموي المحدث، ط 1، ب. مك، د. س.

•الجاحظ: ابي عثمان عمرو بن بحر، (ت 255 ه-).

48- العثمانية، تح: عبد السلام محمد هارون، ب.ط، دار الكتاب العربي، مصر، 1955 م.

•ابن جبر: زين الدين علي بن يوسف ( ق 7ه- / )

49- نهج الإيمان، تح: السيد أحمد الحسيني،ط 1، ستارة – قم، 1418 ه-.

•ابن جبر: مجاهد، (ت 104 ه-).

50- تفسیر مجاهد، تح: عبدالرحمن الطاهر بن محمد السورتي، ب.ط، مجمع البحوث الاسلامية، اسلام اباد، ب.س.

•ابو جعفرالاسكافي: محمد بن عبد الله المعتزلي ( ت 220 ه- )

51- المعيار والموازنة في فضائل الامام امیر المؤمنین علي بن ابي طالب (صلوات الله عليه)، تح: الشيخ محمد باقر المحمودي، 1402 ه- / 1981 م.

• الجزري: شمس الدين ابي الخير محمد بن محمد بن محمد بن علي الجزري.

52- غاية النهاية في طبقات القراء، تح: ج برجستراسر، ط 1، دار الكتب

ص: 486

العلمية،بیروت، 2006 .

•الجصاص: أبو بكر أحمد بن علي الرازي (ت 370 ه- / 984 م)

53- أحكام القرآن، تح: عبد السلام محمد علي شاهين،ط 1، دار الكتب العلمية – بيروت، 1415 ه-/ 1995 م.

•ابن الجوزي: ابو الفرج عبد الرحمن بن علي القرشي (ت 597 ه- / 1200 م).

54- زاد الميسر في علم التفسیر، تح: محمد بن عبد الرحمن عبد الله، ط 1، دار الفكر – بیروت، 1407 ه-/ 1987 م.

55- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، دراسة وتحقيق: محمد بن عبد القاهر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، راجعه وصححه: نعيم زرزور، ط 1، دار الكتب العلمية – بیروت،( 1412 ه- / 1992 م).

56- الموضوعات، ضبط وتقديم وتحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، ط 1، المكتبة السلفية - المدينة المنورة،( 1386 ه- / 1966 م).

•الجوهري: ابو بكر احمد بن عبد العزيز البصري (ت 323 ه- / 946 م ).

57- السقيفة وفدك، تحقيق وتقديم وجمع: الشيخ محمد هادي الأميني، ط 1، مطبعة شركة الكتبي للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت، 1413 ه- 1993 م.

•الجوهري: أبو نصر إسماعيل بن حماد ( ت 400 ه- / 1009 م ).

58- الصحاح، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطار،ط 4، دار العلم للملایين - بيروت، 1407 ه-/ 1987م.

• ابن ابي حاتم الرازي: ابو محمد عبد الرحمن بن محمد بن ادريس (ت 327 ه- /940 م).

59- الجرح والتعديل،( د. تح)،ط 1، مطبعة مجلس دائرة المعارف، حيدر اباد الدكن –الهند، 1371 ه- / 1952 م.

•الحاكم النيسابوري: ابي عبد الله محمد بن عبد الله ( ت 405 ه- - 1014 م ).

ص: 487

60- المستدرك على الصحيحین، تح: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، ط 1 – بیروت 2002 م 0

•ابن حبان: ابو حاتم محمد بن حبان بن احمد التميمي البستي (ت 354 ه- / 965 م).

61- الثقات، ط 1، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية – حيدر آباد الدكن – الهند 1402 ه- / 1982 م.

62- المجروحین من المحدثین والضعفاء و المتروكین، تح: ابراهيم زايد ط 1، دار الباز – مكة المكرمة.

63- صحيح ابن حبان، تح: شعيب الأرنؤوط،ط 2، مؤسسة الرسالة- بيروت، 1414 ه-/1993 م.

64- مشاهير علماء الأمصار، تح: مرزوق علي إبراهيم،ط 1، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع – المنصورة، 1411 ه-.

• ابن حبيب: أبو جعفر محمد بن حبيب البغدادي (ت 245 ه- / 859 م).

65- المحبر، تح: ايلزه ليحتن شتيتر، ط 1، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، 1942 م.

• ابن حجر العسقلاني: ابو الفضل شهاب الدين احمد بن علي بن محمد (ت 852 ه- / 1448 م).

66- الاصابة في تميز الصحابة، تحقيق: الشيخ عادل احمد عبد الموجود والشيخ علي محمد عوض، ط 1، دار الكتب العلمية – بيروت، 1415 ه-.

67- تقريب التهذيب، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط 2، دار الكتب العلمية – بیروت 1415 ه- / 1995 م.

68- تعجيل المنفعة،د. تح، دار الكتاب العربي، بيروت، ب.س.

69- تهذيب التهذيب، ط 1، دار الفكر – بيروت، 1404 ه- / 1984 م.

70- الدراية في تخريج احاديث الهداية،تحقيق وتصحيح: السيد عبدالله هاشم اليماني

ص: 488

المدني، دار المعرفة، بیروت، (ب.س).

71- فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ط 2، دار المعرفة – بيروت، د. ت.

72- لسان الميزان،د. تح، ط 2، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1971 م.

73- نزهة الالباب في الالقاب، تح: عبدالعزيز بن محمد بن صالح السديري، ط 1، مكتبة الراشد، الرياض، 1989 م.

•ابن حجر الهيتمي: احمد بن حجر المكي (ت 974 ه- / 1566 م).

74- الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة، خرج أحاديثه وعلق حواشيه وقدم له: عبد الوهاب عبد اللطيف، ط 2، شركة الطباعة الفنية المتحدة – القاهرة 1385 ه- / 1965 م.

•ابن ابي الحديد: عز الدين أبو حامد عبد الحميد بن هبة الله بن محمد المدائني (ت 656 ه- / 1258 م).

75- شرح نهج البلاغة، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 1، دار إحياء الكتب العربية – القاهرة، 1378 ه- / 1959 م.

76- الروضة المختارة ( شرح القصائد العلويات السبع )، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. بيروت

•الحر العاملي: محمد بن الحسن، (ت 1104 ه-).

77- وسائل الشيعة،تح: مؤسسة ال البيت لأحياء التراث، ط 2، قم، 1414 ه-.

•ابن حزم الاندلسي: ابو محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم(ت 456 ه- / 1064 م).

78- جمهرة انساب العرب، تح: لجنة من العلماء، ط 1، دار الكتب العلمية – بیروت ( 1403 ه- / 1983 م).

79- الفصل في الملل والهواء والنحل، ط 1، المطبعة الادبية – مصر، الناشر: دار صادر – بيروت، 1317 ه-.

80- المحلى،د. تح، دار الفكر.

ص: 489

•الحسكاني: عبيد الله احمد الحنفي النيسابوري (من أعلام القرن الخامس الهجري / القرن الحادي الميلادي ).

81- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، تح: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط 1، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامية – قم المقدسة، 1411 ه- / 1990 م.

•العلامة الحلي: ( 726 ه-/ 1325 م).

82- خلاصة الاقوال، تح: الشيخ جواد القيومي، ط 1، مؤسسة النشر الاسلامي، 1417 ه-.

•الحلي: حسن بن سليمان ( ت ق 9 ).

83- مختصر بصائر الدراجات، د. تح، ط 1، منشورات المطبعة الحيدرية، النجف الاشرف، 1370 ه- / 1950 م،

•ابن حمزة الطوسي: محمد بن علي (ت 560 ه- / 1164 م).

84- الثاقب في المناقب، تح: الأستاذ نبيل رضا علوان، ط 2، مطبعة الصدر – قم المقدسة،الناشر: مؤسسة انصاريان – قم المقدسة، 1412 ه-.

•الحميري: اسماعيل بن محمد بن يزيد (ت 173 ه-).

85- ديوان الحميري،شرحه وضبطه وقدم له ضياء حسين الأعلمي، د. مكا، د. س، ص 215.

•الحميري: أبو عبدالله محمد بن عبدالمنعم (ت 727 ه- / 1316 م).

86- الروض المعطار في خبر الأقطار تحقيق إحسان عباس،ط 2، طبع على مطابع هيدلرع – بیروت 1984 م.

•الحميدي: علي بن محمد (ت 232 ه-).

87- جزء الحميدي، تح: ابو طاهر زبیر بن مجدد عليزئي،ط 1، دار الطحاوي، الرياض، 1413 ه-.

•الحنفي: محمد بن أحمد المكي الحنفي ( ت 854 ه- / )

ص: 490

88- تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام والمدينة الشريفة والقبر الشريف، تحقيق: علاء إبراهيم الأزهري - أيمن نصر الأزهري،ط 1، دار الكتب العلمية - بیروت 1418 / 1997 م.

•الحلبي، علي بن برهان الدين ( ت 1044 ه-/ 1634 م).

89- انسان العيون في سيرة الامين والمأمون - المعروف بالسيرة الحلبية، ط 2،مطبعة الاستقامة، القاهرة،( 1382 ه-/ 1962 م).

•الحلي: المحقق أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن ( ت 672 ه- / 1274 م).

90- المعتبر، تحقيق: وتصحيح: عدة من الأفاضل / إشراف: ناصر مكارم شرازي،ط 1، مدرسة الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام)- قم، 1364 ش.

•الحلي: أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي(ت 726 ه- / 1325 م)

91- كشف اليقين، تح: حسين الدرگاهي،ط 1،1411 ه-/ 1991 م.

•ابن حنبل: ابو عبد الله احمد بن محمد الشيباني (ت 241 ه- / 855 م).

92- السنة،تح: محمد بن سعيد بن سالم القحطاني، ط 1، دار الرقيم، الدمام، 1986 .

93- مسند احمد، دار صادر – بيروت، 1993 م.

94- العلل، تح: الدكتور وصي الله بن محمود عباس،ط 1، المكتب الإسلامي - بيروت

95-، 1408 ه-.

•الحويزي: الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي (ت 1112 ه- / 1700 م).

96- نور الثقلین، تصحيح وتعليق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي،ط 2، مطبعة مؤسسة اسماعيليات – قم المقدسة، 1412 ه-.

•ابن حمدون: ابو المعالي محمد بن الحسن بن محمد بن علي( ت 562 ه- / 1167 م).

97- التذكرة الحمدونية، تح: احسان عباس وبكر عباس، ط 1، دار صادر – بیروت،. 199 م.

ص: 491

•ابو حيان الاندلسي: ابو عبد الله محمد بن يوسف ( ت 745 ه- / 1353 م ).

98- تفسیر البحر المحيط، تح: عادل عبد الموجود واخرون، دار الكتب العلمية، ط 1، بیروت، 2001 م.

•ابن خزيمة: أبو بكر محمد بن اسحق النيسابوري ( ت 311ه- / 924 م )

99- صحيح ابن خزيمة، تح: د 0 محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، ط 3 – بیروت، 2003 م 0

•الخطيب البغدادي: ابو بكر احمد بن علي (ت 463 ه- / 1070 م).

100 - تاريخ بغداد، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط 1، دار الكتب العلمية – بيروت، 1417 ه- / 1997 م.

101- الكفاية في علم الرواية، تح: احمد عمر هاشم، ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1985 م.

•ابن خلدون: عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي (ت 808 ه- / 1406 م).

102- العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، ط 4، دار إحياء التراث العربي – بیروت،(د. ت) 0

•ابن خلكان: ابو العباس شمس الدين بن محمد بن ابي بكر (ت 681 ه- / 1282 م).

103- وفيات الأعيان وأنباء ابناء الزمان، تح: إحسان عباس، مطبعة دار الثقافة – بیروت، (د. ت).

•الخوارزمي: الموفق بن احمد بن محمد المكي ( ت 568 ه- - 1172 م ).

104- المناقب، تح: الشيخ مالك المحمودي - مؤسسة سيد الشهداء (علیه السلام)،ط 2، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، 1414 ه-..

•ابن خياط: ابو عمرو خليفة بن هبيرة العصفري(ت 240 ه- / 854 م).

105- تاريخ خليفة بن خياط، تح: سهيل بن زكار، مطبعة دار الفكر – بیروت، 1414 ه-/ 1993 .

ص: 492

106- طبقات خليفة بن خياط، تح: سهيل زكار، (بیروت، دار الفكر، 1414 ه- / 1994 م).

•ابن الدمشقي: محمد بن احمد الدمشقي الباعوني الشافعي (ت 871 ه-).

107 - جواهر المطالب في مناقب الامام علي بن ابي طالب(علیه السلام)، تح: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط 1، دانش، قم، 1415 ه-.

•الدمشقي: محمد بن علي الحسيني الشافعي،( ت 765 ه-).

108- الاكمال في ذكر من له رواية في مسند احمد، تح: الدكتور عبد المعاطي امن قلعجي، ط 1، جامعة الدراسات الاسلامية، كراتشي، ب.س.

•الدار قطني: أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي (ت 385 ه- / 995 م).

109- سؤلات حمزة، تح: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، ط 1، مكتبة المعارف، 1404 ه-/ 1984 م.

110- سنن الدارقطني، تحقيق: تعليق وتخريج: مجدي بن منصور سيد الشوري،ط 1، دار الكتب العلمية – بیروت، 1417 ه-/ 1996 م.

•أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني ( ت 275 ه- / 888 م ).

111- سنن أبي داود، تحقيق وتعليق: سعيد محمد اللحام،ط 1، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1410 ه-/ 1990 م.

•ابن أبي الدنيا: أبو بكر عبد الله بن محمد بن سيان بن قيس ( ت 281 ه- / 894 م ).

112- مكارم الأخلاق، تح: مجدى السيد إبراهيم، مكتبة القرآن للطبع والنشر والتوزيع – القاهرة.

•الدميري: كمال الدين (ت 808 ه-/ 1406 م).

113- حياة الحيوان الكبرى، ط 2، دار الكتب العلمية – بيروت، 1424 ه-.

•الدولابي: ابو البشير محمد بن احمد بن حماد ( 310 ه-)،

ص: 493

114- الذرية الطاهرة،تح: سعد المبارك الحسن، ط 1، الدار السلفية، الكويت، 1407 ه-

•الديار بكري: حسين بن محمد بن الحسن ( ت 928 ه- / 1521 م).

115- تاريخ الخميس في احوال انفس نفيس، ط 1،المطبعة الوهبية، القاهرة، 1283 ه-/ 1963 م.

•الديلمي: الحسن بن محمد،(ت.ق 8)

116- ارشاد القلوب، د. تح، ط 2، انتشارات الشريف الرضي، قم، 1415 ه-.

•الدينوري: ابو حنيفه احمد بن داود (ت 276 ه-/ 889 م ).

117- الاخبار الطوال، تح: عبد المنعم عامر،مراجعة، جمال الدين الشيال، ط 1، دار احياء الكتب العربية – مر، 1960 م.

•الذهبي: أبو عبد الله شمس الدين محمد بن احمد (ت 748 ه- / 13 48 م ).

118- تاريخ الإسلام، تح: عمر عبد السلام تدمري، ط 2، دار الكتب العربي – بيروت،( 1409 ه- / 1998 م).

119- تذكرة الحفاظ،دار إحياء التراث العربي- بيروت،د. ت.

120- تنقيح التحقيق في احاديث التعليق،تح: مصطفي ابو الغيط عبد الغيط عبد الحي عجيب، دار الوطن، الرياض، 2000 م.

121- سیر أعلام النبلاء، تح: شعيب الارنؤوط ومحمد نعيم العرقسوسي، ط 9، مؤسسة الرسالة – بيروت، 1413 ه- / 1993 م.

122- العبر في خبر من غبر، تح: فؤاد سيد، التراث العربي سلسلة تصدرها دائرة المطبوعات والنشر – الكويت، 1961 م.

123- المغني في الضعفاء، تح: أبي الزهراء حازم القاضي، ط 1، دار الكتب العلمية - بیروت - لبنان، 1418 / 1997 م

124- ميزان الاعتدال، تح: علي محمد البجاوي، ط 1، دار المعرفة، بيروت، 1963 م.

ص: 494

•الرازي: محمد بن ابي بكر بن عبد القادر ( ت 721 ه- / 1335 م ).

125- مختار الصحاح، ضبطه وصححه: احمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، ط 1، بیروت، 1994 م.

•الراغب الاصفهاني: ابو القاسم الحسين بن محمد ( 502 ه- / 1108 م).

126- المفردات في غريب القرآن، ط 2، ( د. مكا – 1404 )

•الراوندي: ابو الحسن قطب الدين سعيد بن هبة الله (ت 573 ه- / 1177 م).

127- الخرائج والجرائح، تح: مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام )، ط 1، المطبعة العلمية – قم المقدسة، 1409 ه-..

128- قصص الأنبياء، تح: المیرزا غلام رضا عرفانيان اليزدي الخراساني،ط 1،مؤسسة الهادي- قم، 1418 ه-/ 1376 ش.

129- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تح: السيد عبد اللطيف الكوهكمري، الخيام – قم، 1406 ه-.

• الشريف الرضي: محمد بن أبي احمد الحسين بن موسى (ت 406 ه- / 1015 م).

130- خصائص الأئمة (علیهم السلام)، تحقيق وتعليق محمد هادي الأميني، الناشر مجمع البحوث الإسلامية، مشهد المقدسة، 1406 ه-.

131- نهج البلاغة، ضبط نصه: صبحي الصالح، ط 1، بيروت، ( 1387 ه- / 1967 م).

•الحطاب الرعيني، (ت 954 ه-).

132- مواهب الجليل، تح: الشيخ زكريا عمیرات، ط 1، دار الكتب العلمية، بیروت، 1416 ه-/ 1995 م.

•الزبيدي: محي الدين محمد مرتضى الحسيني (ت: 1205 ه- / 1616 م).

133- تاج العروس، تح: علي شيري، دار الفكر، بيروت، 1994 م.

•الزركشي: ابو عبد الله بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله، (ت 794 ه-).

ص: 495

134- البرهان، تح: محمد ابو الفضل ابراهيم،ط 1، دار احياء الكتب العربية، 1957 م، 318/1 .

•الزرندي:شمس الدين محمد بن يوسف الحنفي (ت 750 ه- / 1349 م).

135- معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول، تح: ماجد بن احمد العطية،ط 1، (د.مكا ).

136- نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين، ط 1، دار التعارف – بیروت، 1377 ه- / 1958 م.

•الزمخشري: أبو القاسم جار الله محمد بن عمر ( ت 538 ه- - - 1143 م ).

137- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل،ط 1، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1385 ه-/ 1966 م.

138- ربيع الأبرار ونصوص الإخبار ،تح: عبد الأمیر مهنا، مؤسسة الأعلمي لمطبوعات، ط 1،بیروت 1992 م 0

•الزيدي: الإمام يحيى بن الحسين ( ت 298 ه-/ ).

139- الأحكام، تح: تجميع: أبو الحسن علي بن أحمد بن أبي حريصة،ط 1،1410 ه-/ 1990 م.

140- التحفة العسجدية،ط 1، أبو أيمن للطباعة – صنعاء، 1343 ه-.

•ابن سلام:ابي عبيدة القاسم الهروي ( ت 224 ه- / 838 م )

141- غريب الحديث، تح: محمد عبد المعيد خان،ط 1، مجلس دائرة المعارف العثمانية - حيدر آباد الدكن الهند 1384 ه-.

142- المسند،ط 1، دار الكتب العلمية بيروت – لبنان، 1995 م.

•السبكي:الامام ابي الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي ( ت 756 ه- / )

143- فتاوى السبكي،ط 1، دار المعرفة – بيروت، 1998 م.

•السخاوي: شمس الدين ابو الخير محمد بن عبدالرحمن، ( 902 ه- )

ص: 496

144- التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة، د. تح، ط 1، دار الكتب العلمية، بیروت، 1414 ه- / 1993 .

•ابن سعد: محمد بن سعد بن منيع الزهري (ت 230 ه-)

145- الطبقات الكبرى ، تح: علي محمد عمر، ط 2، الشركة الدولية للطباعة، القاهرة، 1434 ه- / 2012 م.

•السمعاني: ابو سعيد عبد الكريم بن محمد ( ت 562 ه-).

146- الانساب، تح: عبد الله عمر البارودي، ط 1، دار الجنان، بيروت، 1988 .

•السمعاني: ابو المظفر السمعاني، (ت 489 ه-)

147- تفسیر السمعاني، تح: ياسر بن ابراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم، ط 1، دار الوطن، الرياض، 1997 م.

•ابن سليمان: مقاتل، (ت 150 ه-).

148- تفسیر مقاتل بن سليمان، تح: احمد فريد،ط 1، دار الكتب العلمية، بیروت، 2003 م.

•السمهودي: نور الدين علي بن عبد الله ( 911 ه-/ 1505 ).

149- وفاء الوفا باخبار دار المصطفى، تح: قاسم السامرائي، مؤسسة الفرقان لتراث الاسلامي، ط 1، المدينة المنورة، 2001 .

•السهيلي: أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن احمد بن أبي الحسن ( ت 581 ه-/ 1182 م )

150- الروض الأنف في تفسیر السیرة النبوية لابن هشام، تحقيق: قدم له وعلق عليه وضطبه: طه عبد الرؤوف سعد،ط 2، دار الفكر - بیروت، 1409 ه- / 1989 م.

•ابن سيد الناس: فتح الدين محمد بن محمد الشافعي ( ت 734 ه- / 1332 م)

151- السيرة النبوية ( عيون الأثر )،ط 2، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر - بيروت، 1406 ه-/ 1986 م.

ص: 497

•ابن سيدة: ابي الحسن علي بن اسماعيل النحوي الاندلسي ( ت 458 ه- / )

152- المخصص، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي،ط 2، دار إحياء الاراث العربي – بیروت.

•السرخسي، (ت 483 )

153- شرح السير الكبير، تح: صلاح الدين المنجد، مطبعة مصر، 1960 م.

•السيوطي: جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 ه- / 1505 م).

154- تاريخ الخلفاء، تحقيق: لجنة من الأدباء، مطابع معتوق اخوان – بيروت،د. ت 0

155- الدر المنثور في التفسير بالمأثور،ط 1، دار المعرفة للطباعة والنشر – بيروت.

156- الديباج على مسلم، د. تح، ط 1، دار ابن عفان، السعودية، 1996 م.

157- كفاية الطالب اللبيب في خصائص الحبيب ( الخصائص الكبرى )، طبع في حيدر آباد الدكن - الهند، 1320 ه-.

•ابن شاذان: الفضل الأزدي النيسابوري (ت 260 ه- / 873 م ).

158- الإيضاح، تحقيق: السيد جلال الدين الحسيني الارموي المحدث، ط 1، مؤسسة انتشارات وجاب دان شكاه تهران، 1351 ش.

•الشافعي: أبو عبد الله محمد بن إدريس ( ت 204 ه- - 818 م ).

159- كتاب الأم،ط 2، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1403 ه-/ 1983 م..

160- المسند، د. تح، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت.

•ابن شاهين: عمر بن شاهين ( 385 ه- / 995 م)

161- تاريخ أسماء الثقات، تح: صبحي السامرائي،ط 1، دار السلفية – تونس، 1404 ه-..

•ابن شبّه: أبو زيد عمر بن شبة النميري البصري ( ت 262 ه- / 875 م )

162- تاريخ المدينة، تح: فهيم محمد شلتوت، القدس – قم، 1410 ه-/ 1368 ش.

•ابن شهر آشوب: ابو جعفر محمد بن علي المازندراني (ت 588 ه- / 1192 م).

ص: 498

163- مناقب آل أبي طالب، تحقيق وفهرسة: يوسف البقاعي، ط 3، مطبعة سليمان زاده، 1429 ه-

•ابن أبي شيبة: عبدالله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان الكوفي ( ت 235 ه-/ 849 م)

164- المصنف في الأحاديث والأخبار: تح: سعيد اللحام،ط 1، دار الفكر – بيروت 1409 ه-/ 1989 م.

•الشوكاني: محمد بن علي ( 1255 ه-/ ).

165- نيل الاوطار، (د. تح)، دار الجيل، بيروت، 1973 م.

•الصالحي، محمد بن يوسف الشامي ( ت 942 ه- / 1535 م )

166- سبل الهدى والرشاد، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض،ط 1، دار الكتب العلمية – بیروت، 1414 ه-/ 1993 م.

•ابن الصباغ: علي بن محمد بن أحمد المالكي المكي (ت 855 ه- / 1451 م).

167- الفصول المهمة في معرفة الأئمة، تحقيق: سامي الغريري، ط 1، مطبعة ستارة – قم المقدسة، 1422 ه-.

•الصفدي: صلاح الدين خليل بن ايبك (ت 764 ه- / 1347 م).

168- الوافي بالوفيات، تح: احمد الارناؤوط وتركي مصطفى، مطبعة دار إحياء التراث العربي- بيروت، 1420 ه- / 2000 م.

•الصدوق: ابو جعفر محمد بن علي بن الحسن بن بابويه القمي (ت 381 ه- / 991 م).

169- الأمالي. تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية، ط 1، مؤسسة البعثة – قم المقدسة، 1417 ه-.

170- علل الشرائع، تحقيق وتقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم،ط 1، منشورات المكتبة الحيدرية – النجف الاشرف، 1385 ه- / 1966 م.

ص: 499

171- من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق: علي اكبر الغفاري، ط 2، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسيين – قم المشرفة، د. ت .

•الصفار: أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ (ت 290 ه- / 902 م).

172- بصائر الدراجات الكبرى، تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج میرزا حسن كوجي باغي، ط 2، مطبعة الأحمدي – طهران، 1404 ه-

•الصنعاني: عبدالرزاق بن همام ( ت 211 ه- / 799 م ).

173- المصنف، تح: حبيب الرحمن الاعظمي، منشورات المجلس العلمي ( د. ت ).

•الضبي: سيف بن عمر الاسدي ( ت 200 ه-/ )

174- الفتنة ووقعة الجمل، تحقيق: أحمد راتب عرموش،ط 1، دار النفائس – بیروت، 1391 .

•الضحاك:ابن ابي عاصم ( ت 287 ه- / 899 ه-)

175- الآحاد والمثاني، تح: باسم فيصل أحمد الجوابرة،ط 1، دار الدراية للطباعة والنشر والتوزيع، 1411 ه-/ 1991 م.

176- كتاب السنة،تح: محمد ناصر الدين الالباني،ط 3، المكتب الاسلامي، بيروت، 1993 م.

•ابن طاووس الحلي: رضي الدين ابو القاسم علي بن موسى (ت 664 ه-/ 1265 م).

177- اقبال الاعمال، تح: جواد القيومي الاصفهاني،ط 1، مكتب الاعلام الاسلامي، د.مكا، 1414 ه-.

178- بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية، تح: السيد علي العدناني الغريفي،ط 1، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث – قم، 1411 ه-/ 1991 م.

179- التحصين، تح: محمد الانصاري، ط 1، مطبعة نمونة - قم المقدسة، 1413 ه-.

180- الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، ط 1، مطبعة الخيام – قم المقدسة،1399 ه-.

ص: 500

181- اليقين، تح: محمد الأنصاري،ط 1، نمونه- قم، 1413 ه-.

•الطبراني: ابو القاسم سليمان بن احمد (ت 360 ه- / 970 م).

182- المعجم الأوسط، تح: قسم التحقيق بدار الحرمین،ط 3، مطبعة دار الحرمین – مكة المكرمة، 1415 ه- / 1995 م.

183- المعجم الصغير، ط 2، دار الكتب العلمية – بيروت، 1986 م..

184- المعجم الكبیر، تحقيق وتخريج: حمدي عبد المجيد السلفي، ط 2، دار إحياء التراث العربي – بیروت 1413 ه-.

185- مسند الشاميين، حققه: حمدي عبد المجيد، مؤسسة الرسالة – بیروت، 1417 ه- / 1996 م.

•الطبرسي: أبو منصور احمد بن علي بن أبي طالب ( ت 560 ه- / 1164 م).

186- الاحتجاج، تعليق وملاحظات: السيد باقر الخراساني، دار النعمان – النجف الاشرف، 1386 ه- / 1966 م

•الطبرسي: أبو علي الفضل بن الحسن بن الفضل (ت 548 ه- / 1135 م).

187- إعلام الورى بأعلام الهدى، تح، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، ط 1، مطبعة ستاره – قم المقدسة، 1417 ه-.

188- تفسیر جوامع الجامع، تح: مؤسسة النشر الإسلامية، ط 1، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي – قم المشرفة، 1418 ه-.

189- مجمع البيان في تفسیر القرآن، تح: لجنة العلماء، مؤسسه الأعلمي للمطبوعات، بیروت، (د. ت).

190- مكارم الاخلاق، ب.مج، ط 6، منشورات الشريف الرضي، ب. مك، 1972 .

•الطبري (الأمامي): أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم ( من أعلام القرن 4ه- / القرن 10 م ).

191- المسترشد في امامة أمیر المؤمنین علي بن ابي طالب (علیه السلام) ، تح: الشيخ المحمودي،

ص: 501

ط 1، مطبعة سلمان الفارسي – قم المقدسة، 1415 ه-.

192- دلائل الامامة، ط 1، مؤسسه البعثة – قم المقدسة، 1413 ه-، 1993 م.

•الطبري: محمد بن جرير (ت 310 ه- / 922 م).

193- تاريخ الرسل والملوك، راجعه وصححه وضبطه: نخبه من العلماء الاجلاء، منشورات الأعلمي للمطبوعات – بیروت، 1979 م.

194- جامع البيان عن تاويل القرآن، قدم له خليل الميس، وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطار، ط 1، دار الفكر – بيروت.

•الطريحي: فخر الدين محمد بن علي ( 1085 ه- / 1672 م ).

195- مجمع البحرين، تح: احمد الحسيني، ط 2، مطبعة جايخانة طروت، الناشر: مرتضوي – تهران، 1405 ه-.

•ابن طلحة الشافعي: كمال الدين محمد (ت 652 ه- / 1254 م).

196- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول(عليهم السلام)، تح: ماجد بن احمد العطية، ط 1،نشر مؤسسة ام القرى – بیروت، 1420 ه-.

•الطوسي: ابو جعفر محمد بن الحسن(ت 460 ه- / 1067 م).

197- اخبار معرفة الرجال، تصحيح وتعليق: میر داماد الاسترابادي، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، ط 1، بعثت – قم المقدسة، 1404 ه-.

198- الاستبصار، تح: حسن الموسوي الخرساني، ط 1، دار الكتب الاسلامية – تهران،1390 ه-.

199- الأمالي، تح: قسم الدراسات الإسلامية، ط 1، دار الثقافة – قم المقدسة، 1414 ه-.

200- الخلاف، تح: جماعة من المحققين، موسسة النشر الاسلامي – قم، 1407 ه-.

201- التبيان في تفسیر القرآن، تحقيق وتصحيح: احمد حبيب قصر العامي، ط 1، مطبعة مكتب الاعلام الإسلامي – قم المقدسة، 1409 ه-.

202- تهذيب الاحكام، حققه وعلق عليه، السيد حسن الموسوي الخراساني ط 3،

ص: 502

مطبعة خورشيد، دار الكتب الإسلامية – تهران، 1390 ه-.

203- رجال الطوسي، تحقيق: جواد القيومي الاصفهاني،ط 1، نشر: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسيين – قم المشرفة، 1415 ه-.

204- الرسائل العشر،د. تح، مؤسسة النشر الاسلامي.

•ابن طيفور، أبو الفضل احمد بن أبي طاهر ( ت 280 ه- - 893 م )

205- بلاغات النساء،ط 1، مكتبة بصيرتي. قم المقدسة.

•ابن عبد البر: ابو عمر يوسف بن عبد الله النمري ( ت 463 ه- / 1072 م ).

206- الاستذكار، تح: سالم محمد عطا، محمد معوض، دار الكتب العلمية، ط 2، بیروت، 2000 .

207- الاستيعاب في معرفة الاصحاب، تح: علي محمد البجاري، ط 1، دار الجيل – بیروت، 1992 م.

208- التمهيد، تح: مصطفى بن أحمد العلوي ،محمد عبد الكبیر البكري، المغرب - وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، 1387 ه-.

209- الدرر في اختصار المغازي والسیر، تح: الدكتور شوقي ضيف، ط 1، المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية، مصر، 1966 .

•ابن عبد ربه: ابو عمر احمد بن محمد الاندلسي (ت 328 ه- / 939 م).

210- العقد الفريد، تح: احمد الزين وإبراهيم الايباري، ط 1، دار الاندلس، بيروت.

•العجلوني:اسماعيل بن محمد الجراجي ( ت 1162 ه-)

211- كشف الخفاء،ط 3، دار الكتب العلمية – بيروت، 1408 ه-/ 1988 م.

•العجلي: ( 261 ه-/ 874 م)

212- معرفة الثقات، د. تح، ط 1، مكتبة الدار، المدينة المنورة، 1405 ه-.

•العدوي المضري: غيلان بن عقبة بن مسعود،( ت 117 ه-/ 735 م).

ص: 503

213- ديوان ذي الرمة، شرحه وضبط نصوصه وقدم له: الدكتور عمر فاروق الطباع، ط 1، دار الارقم بن ابي الارقم، بیروت، 1998 م.

• أبن عدي: أبو أحمد بن عبد الله الجرجاني ( ت 365 ه- / 967 م).

214- الكامل في ضعفاء الرجال، قراءة و تدقيق، يحيى مختار عزاوي، دار الفكر، ط 3 (بیروت – 1988 م).

•ابن العديم: عمر بن احمد العقيلي الحلبي (ت 660 ه- / 1261 م ).

215- بغية الطلب في تاريخ حلب، تح: سهيل زكار، مؤسسة البلاغ، بيروت، 1988 م.

•ابن عربي: محمد بن علي بن محمد بن أحمد (ت 638 ه-)

216- تفسیر ابن عربي، تحقيق: ضبطه وصححه وقدم له الشيخ عبد الوارث محمد علي، دار الكتب العلمية- بیروت، 1422 ه-/ 2001 م.

•العروسي: الشيخ عبد علي بن جمعة (ت 1112 ه- / 1700 م).

217- تفسیر نور الثقلین، تصحيح وتعليق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي،ط 2، مطبعة مؤسسة اسماعيليات – قم المقدسة، 1412 ه-

•ابن عساكر: ابو القاسم علي بن الحسین ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي (ت 571 ه-/ 1175 م).

218- تاريخ مدينة دمشق، دراسة وتحقيق: علي شیري، دار الفكر – بیروت، 1415 ه- / 1995 م.

219- ترجمة الامام الحسن (علیه السلام)،تح:محمد باقر المحمودي، ط 1، مؤسسة المحمودي، بیروت، 1980 م.

•أبو هلال العسكري: الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد ( ت 395 ه- / 1004 م )

220- جمهرة الأمثال، تح: محمد أبو الفضل إبراهيم - عبد المجيد قطامش،ط 1، دار الجيل - بیروت 1384 ه-/ 1964 م.

221- معجم الفروق اللغوية،تح: مؤسسة النشر الاسلامي، ط 1، د. مكا، 1412 ه- .

ص: 504

•ابن عقدة الكوفي: ابو العباس احمد بن محمد بن سعيد الكوفي (ت 333ه- / 943 م).

222- فضائل أمیر المؤمنین (علیه السلام)، جمعه ورتبه وقدم له:عبد الرزاق محمد حسن فيض الدين،د. مكا، 1421 ه-.

•العقيلي: ابو جعفر محمد بن عمر بن موسى ( ت 322 ه-/ 933 م)

223- ضعفاء العقيلي، 4ج ( تحقيق: عبد المعطي امين قلعجي، ط 1، دار المكتبة العلمية، بيروت، 1404 ه-/ 1984 م.

•ابن العماد الحنبلي: ابو الفلاح عبد الحي العكري الدمشقي (ت 1089 ه-/ 1678 م ).

224- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، د. تح، دار احياء التراث العربي، بیروت، ب.س.

•العلوي: أبو الحسن علي بن محمد، (من أعلام القرن الخامس الهجري)

225- المجدي في انساب الطالبين، تح: احمد المهدوي الدامغاني، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي العامة، ( قم، 1409 ه-).

•علي: زيد بن علي ( 122 ه- / 759 م)

226- مسند زيد بن علي، ط 1،منشورات دار مكتبة الحياة - بيروت.

•عماد الدين الطبري: ابو جعفر محمد بن ابي القاسم بن محمد (ت 525 ه- / 1130 م).

227- بشارة المصطفى (صلی الله علیه و آله و سلم) لشيعة المرتضى (علیه السلام)، تح: جواد القيومي الاصفهاني، ط 1، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي – قم المقدسة، 1420 ه- / 2000 م.

•العياشي: ابو النظر محمد بن مسعود السلمي (ت 302 ه- / 932 م).

228- تفسیر العياشي، تح: الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، مطبعة المكتبة العلمية الإسامية – طهران، 1407 ه-.

•العيني: محمد بن احمد (ت 855 ه- / 1451 م).

229- عمدة القارئ، دار إحياء التراث العربي – بيروت، د. ت.

ص: 505

•ابن عنبة: جمال الدين احمد بن علي الحسيني،(ت 828 ه-)

230- عمدة الطالب في انساب ال ابي طالب، تحقيق وتصحيح: محمد حسن ال الطالقاني، ط 2، مؤسسة ال البيت (علیهم السلام) بیروت، 1961 م.

•الغزالي: أبو حامد محمد بن محمد بن محمد ( 505 ه- / 1111م ).

231- المستصفى، تحقيق: تصحيح: محمد عبد السلام عبد الشافي،ط 1، دار الكتب العلمية – بیروت، 1417 ه-/ 1996 م.

•ابن فارس: احمد بن فارس بن زكريا ( ت 395 ).

232- معجم مقاييس اللغة، تح: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الاعلام الاسلامي،1404 ه-

•الفتال النيسابوري، أبو علي محمد بن الحسن بن علي (ت 508 ه- / 1114 م)

233- روضة الواعظین، وضع المقدمة: السيد محمد مهدي السيد حسن الخراساني، منشورات الشريف الرضي – قم المقدسة، د. ت.

•فخر الدين الرازي: ابو عبد الله محمد بن ضياء الدين (ت 604 ه-/ 1207 م).

234- الشجرة المباركة في أنساب الطالبية، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، ط 1، مطبعة سيد الشهداء (علیه السلام) – قم المقدسة، 1409 ه-.

235- المحصول في علم أصول الفقه، تحقيق: طه جابر فياض العلواني، ط 2، مطبعة مؤسسة الرسالة – بيروت، 1412 ه-.

• الفراهيدي: ابو الرحمن الخليل بن احمد (ت 175 ه- / 786 م).

236- العین، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، ط 2، مؤسسة دار الهجرة – قم المقدسة ، 1409 ه-.

•ابو الفرج الاصفهاني: علي بن الحسين (ت 356 ه- / 966 م).

237- الاغاني،دار احياء التراث العربي – بيروت، ب 0 ت.

238- مقاتل الطالبين. قدم له واشرف على طبعة: كاظم المظفر، ط 2، مؤسسة

ص: 506

دار الكتاب – قم المقدسة، منشورات المكتبة الحيدرية – النجف الاشرف، 1385 ه- / 1965 م.

•الفيروز ابادي: مرتضى الحسيني.

239- القاموس المحيط، ( د. مكا – د. ت )

•ابو الفداء: عماد الدين إسماعيل بن محمود الشافعي (ت 732 ه- / 1331م).

240- المختصر في أخبار البشر ( تاريخ ابي الفداء )، دار المعرفة – بيروت.

•القاضي النعمان: ابو حنيفة النعمان بن محمد المغربي (ت 363 ه- / 973 م).

241- دعائم الإسلام، تح: اصف بن علي اصغر فيض، دار المعارف – مصر، (1383 ه- / 1963 م).

242- شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، تح: محمد الحسيني الميلاني، ط 2، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي – قم المشرفة، 1414 ه-.

•ابن قتيبة الدينوري: ابو محمد عبد الله بن مسلم (ت 276 ه- / 889 م).

243- الامامة والسياسة، تح: طه محمد الزيني، مؤسسة الحلبي بيروت، (د. ت ).

244- المعارف، تح: ثروت عكاشة، ط 2، دار المعارف – مصر، 1969 م.

245- غريب الحديث، تح: دكتور عبد الله الجبوري،ط 1، دار الكتب العلمية – قم، 1408 ه-.

•ابن قدامه: عبدالله (ت 620 ه-).

246- المغني، د. تح، طبعة جديدة، دار الكتاب العربي، بيروت، ب.س، 11/ 105 .

•القرطبي: ابو عبد الله محمد بن احمد الانصاري (ت 671 ه-/ 1272 م).

247- الجامع لأحكام القرآن، تصحيح: احمد عبد العليم البردوني، ط 2، مطبعة دار إحياء التراث العربي – بيروت،( 1405 ه- / 1985 م).

•القلقشندي: احمد بن عبد الله القلقشندي (ت 821 ه- / 1409 م).

ص: 507

248- صبح الأعشى في صناعة الإنشا، تحقيق: محمد حسن شمس الدين، دار الكتب العلمية – بیروت، د. ت.

•القمي: ابو الحسن علي بن ابرهيم ( من اعلام القرن 4ه- )

249- تفسیر القمي، تصحيح طيب الموسوي، منشورات مكتبة الهدى – النجف الاشرف، 1387 ه-.

•القندوزي: سليمان بن إبراهيم الحنفي (ت 1294 ه- / 1877 م).

250- ينابيع المودة لذوي القربى، تح: سيد علي جمال اشرف الحسيني، ط 1، دار الأسوة، 1416 ه-.

•ابن قولويه: ابو القاسم جعفر بن محمد القمي ( ت 368 ه-/ 978 م).

251- كامل الزيارات،تح: جواد القيومي، ط 1، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي – قم المقدسة، 1417 ه-.

•ابن كثير: ابو الفداء عماد الدين اسماعيل بن عمر ( 774 ه- / 1372 م).

252- البداية والنهاية، تحقيق وتعليق وتدقيق: علي شیري، ط 1، دار احياء التراث العربي – بيروت، 1408 ه- / 1998 م.

253- السیرة النبوية، تح: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة – بیروت، 11396 ه-/1971 م.

254- تفسیر القرآن العظيم، قدم له: يوسف عبد الرحمن،ط 2، دار المعرفة – بیروت، 1412 ه- / 1992 م.

•الكجوري: محمد باقر ( 1255 ه- ).

255- الخصائص الفاطمية، تحقيق: وترجمة: سيد علي جمال اشرف، ط 1، انتشارات الشريف الرضي، (د.مكا)، 1380 ش.

•الكراجكي: أبي الفتح محمد بن علي بن عثمان ( ت 449 / 1057 م)

256- التعجب من أغلاط العامة في مسألة الإمامة، تصحيح وتخريج: فارس حسون

ص: 508

كريم، (د. ت).

257- كنز الفوائد، (د. تح)،ط 2، الغدير، قم، 1369 ش.

•الكرباسي: محمد جعفر بن محمد طاهر الخراساني،

258- اكليل المنهج في تحقيق المطلب، تح: السيد جعفر الحسيني الاشكوري، ط 1، دار الحديث، قم المقدسة، 1425 ه-

•ابن الكلبي: أبو المنذر هشام بن محمد السائب ت ( 204 ه- / 819 م)

259- جمهرة النسب ’ تحقيق ناجي حسن، د. ط، عالم الكتب للطباعة والنشر، بيروت،2004 م.

•الكليني: ابو جعفر محمد بن يعقوب بن اسحاق الرازي (ت 329 ه- / 939 م).

260- الأصول من الكافي، صححه وعلق عليه: علي اكبر الغفاري، ط 3، دار الكتب الإسلامية – تهران، 1388 ه-.

261- الكافي: تح: علي اكبر الغفاري، ط 3، دار الكتب العلمية – طهران، 1388 ه-، 1968 م.

•الكوفي: فرات بن إبراهيم ( ت 352 ه-)

262- تفسیر فرات الكوفي، تح: محمد الكاظم،ط 1، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي – طهران، 1410 ه-/ 1990 م.

•الكوفي: محمد بن سلمان (من اعلام القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي).

263- مناقب الإمام أمیر المؤمنین (علیه السلام)، تح: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط 1، مطبعة النهضة – قم المقدسة، 1412 ه-.

•ابن ماجه: الحافظ عبد الله بن يزيد القزويني ( ت 275 ه- / 889 م ).

264- سنن ابن ماجه، تح: محمد فؤاد الباقي،ط 2، دار الفكر – بيروت.

•ابن ماكولا (ت 475 ه-).

ص: 509

265- اكمال الاكمال، د. تح، دار احیاء التراث العربي، ب.س.

•مالك: بن انس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث ( ت 179 ه- - 793 م )

266- الموطأ، تحقيق: تصحيح وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي،ط 2، دار إحياء التراث العربي - بیروت، 1406 ه-/ 1985 م.

•الماوردي: ابو الحسن علي بن محمد البغدادي ( 450 ه- / 1060 م).

267- الأحكام السلطانية والولايات الدينية، ط 2، مطبعة وشركة مصطفى البابي الحلبي وأولاده – مصر، 1386 ه- / 1966 م.

•ابن المبرد: يوسف بن الحسن العدوي القرشي ( ت 909 ه- / )

268- بحر الدم ( في من مدحه أحمد أو ذمه )، تحقيق وتعليق: الدكتورة روحية عبد الرحمن السويفي،ط 1، دار الكتب العلمية - بیروت، 1413 - 1992 م.

•المتقي الهندي: علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين (ت 975 ه- / 1567 م).

269- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، صححه ووضع فهارسه: الشيخ بكري حياني، والشيخ صفوة السقا، ط 1،الناشر: مؤسسة الرسالة – بيروت، 1409 ه- / 1989 م.

•المجلسي: محمد باقر محمد تقي (ت 1111ه- / 1966 م).

270- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ط 2، مؤسسة الوفاء – بيروت، 1403 ه- / 1983 م.

•محب الدين الطبري: أبو جعفر احمد عبد الله بن محمد ( ت 694 ه- / 1295 م )

271- ذخائر العقبى، مكتبة القدسي لصاحبها حسام الدين القدسي - القاهرة 1356 ه-.

272- الرياض النضرة في مناقب العشرة، دار الكتب العلمية - بيروت – لبنان.

•المديني: علي (ت 234 ه-)

273- سؤالات محمد بن عثمان بن ابي شيبة، تح: موفق بن عبد الله بن عبد القادر، ط 1، مكتبة المعارف، الرياض، 1404 ه-/ 1984 م.

ص: 510

•الشريف المرتضى: ابو القاسم علي بن الطاهر بن الحسين (ت 436 ه- / 1044 م).

274- الشافي في الإمامة، تح: عبد الزهراء الحسيني الخطيب، ط 2 مؤسسة اسماعيليان – قم المقدسة، 1410 ه-.

•ابن مردويه: ابو بكر احمد بن موسى الاصفهاني (ت 410 ه-).

275- مناقب علي بن ابي طالب، جمع، عبد الرزاق حرز الدين، ط 2، دار الحديث، قم 1424 ه-

•المزي: جمال الدين ابو الحجاج يوسف (ت 742 ه- / 1341 م) 0

276- تهذيب الكمال، تحقيق وضبط وتعليق، بشار عواد معروف، ط 4 مؤسسة الرسالة – بيروت، 1406 ه-/ 1985 م).

•المسعودي: ابو الحسن علي بن الحسين بن علي (ت 346 ه- / 1993 م).

277- إثبات الوصية، ط 2، مؤسسة انصاريان – قم المقدسة، 1424 ه- / 2003 م.

278- التنبيه والإشراف،ط 1،دار صعب – بيروت،د. ت.

279- مروج الذهب ومعادن الجوهر، ط 2، منشورات دار الهجرة – قم المقدسة، 1404 ه- / 1984 م.

• ابن مسكوية: ابو علي بن محمد الرازي (ت 421 ه- / 1030 م).

280- تجارب الأمم، تح، ابو القاسم امامي، ط 1، مطابع دار سروش، 1418 ه- / 1997 م.

• المشغري العاملي: يوسف بن حاتم الشامي.(ت 664 ه-).

281- الدر النظيم. د. تح، مؤسسة النشر الاسلامي، قم، ب.س.

•ابن معين: أبو زكريا يحيى بن معين بن عون المري ( ت 233 ه- / 847 م).

282- تاريخ ابن معین، برواية الدارمي،تحقيق: الدكتور أحمد محمد نور سيف، دار المأمون للتراث – دمشق.

ص: 511

•المفيد: ابو عبد الله محمد بن النعمان العكبري البغدادي (ت 413 ه- / 1022 م).

283- الاختصاص، صححه وعلق عليه: علي اكبر الغفاري، رتب فهارسه: السيد محمود الزرندي المحرمي: منشورات جماعة المدرسيين في الحوزة العلمية – قم المقدسة، 1412 ه-.

284- الإرشاد، تح: مؤسسة آل البيت (عليهم السلام)، ط 2، دار المفيد – بیروت، 1993 م.

285- تفسیر القرآن المجيد،تح: السيد محمد علي ايازي، ط 1، مؤسسة بوستان كتاب، قم، 1424 ه-.

286- الجمل،ط 1، مكتبة الداوري - قم – ايران، 1445 ه-.

287- المقنعة، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، ط 2، قم المقدسة، 1410 ه-.

•المقريزي: تقي الدين احمد بن علي بن عبد القادر بن محمد المقريزي (ت: 845 ه-).

288- امتاع الاسماع بما للنبي صلى الله عليه وآله من الأموال والأحوال والحفده والمتاع، تحقيق وتعليق: محمد عبد الحميد النميي، دار الكتب العلمية، ط 1، بیروت، 1991 م.

•ابن المغازلي: ابي الحسن علي بن محمد بن محمد الواسطي الشافعي (ت 483 ه-)

289- مناقب علي بن أبي طالب (علیه السلام)،ط 1، سبحان- قم، 1426 ه-/ 1384 ش.

•المناوي: زين الدين محمد بن عبد الرؤوف بن علي ( ت 1031 ه- / 1621 م )

290- فيض القدير شرح الجامع الصغیر، تح: تصحيح أحمد عبد السلام،ط 1، دار الكتب العلمية – بیروت، 1415 ه-/ 1994 م.

•ابن منظور: ابو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الافريقي المصري ( 711 ه- /1311م).

291- لسان العرب،د. ط، نشر آداب الحوزة – قم المقدسة، 1405 ه-.

• المنقري: نصر بن مزاحم (ت: 212 ه-/ 827 م).

ص: 512

292- وقعة صفین، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون،ط 2، المدني –مصر، 1382 .

•الميداني،( ت 518 ه-).

293- مجمع الأمثال،(د. تح)، المعاونية الثقافية للاستانة الرضوية المقدسة، مشهد، 1366 ش.

• ابن النديم: محمد بن اسحاق النديم البغدادي. (ت 438 ه- / 1037 م ).

294- الفهرست في أخبار العلماء والمصنفین من القدماء والمحدثین واسماء كنيهم، تح: رضا، ب. د، (د. ت).

•النسائي: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب ( 303 ه- - 916 م )

295- الضعفاء والمتروكین، محمود ابراهيم زايد، ط 1، دار المعرفة – بیروت، 1406 ه-/ 1986 م.

296- خصائص أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب، تح: محمد هادي الاميني، مكتبة نينوى الحديثة - النجف الاشرف د 0ت 0

297- سنن النسائي تحقيق وتدقيق صدقي جميل العطار، دار الفكر، ط 1 – بیروت 2001 م 0

•النيسابوري: عبد الملك الثعالبي، (ت 429 ).

298- فقه اللغة وسر العربية، تح: فائز محمد، مراجعة: اميل يعقوب، ط 2، دار الكتاب العربي، بیروت، 1996 م.

•النووي: أبى زكريا محي الدين بن شرف ( ت 676 ه- / 1277 م )

299- تهذيب الأسماء واللغات، ط 1، عنيت بنشره وتصحيحه والتعليق عليه ومقابلة أصوله: شركة العلماء بمساعدة إدارة الطباعة المنيرية، القاهرة، 1999 م.

300- شرح صحيح مسلم، د. تح، دار الكتاب العربي، بيروت، 1987 م.

•النويري: شهاب الدين احمد بن عبد الوهاب (ت 733 ه- / 1346 م).

ص: 513

301- نهاية الإرب في فنون الأدب، مطابع كوستاتسوماس وشركاه، الناشر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، مؤسسة المصرية للتأليف والترجمة والطباعة والنشر – القاهرة،د. ت.

•ابن هشام: ابو محمد عبد الملك بن هشام الحميري (ت 218 ه- / 833 م).

302- السیرة النبوية، تحقيق وضبط وتعليق: محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة المدني – القاهرة،الناشر: مكتبة محمد علي صبح وأولاده مصر، 1963 م.

•الهلالي: سليم بن قيس الهلالي الكوفي ( ق 1 ه- / ).

303- كتاب سليم بن قيس، تح: محمد باقر الأنصاري الزنجاني،ط 1، نگارش- قم، 1422 ه-/ 1380 ش.

•الهيثمي: نور الدين بن ابي بكر (ت 807 ه- / 833 م).

304- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، دار الكتب العلمية – بيروت، 1408 ه- / 1988 م.

•الواحدي: أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد النيسابوري (ت 468 ه-/ 1075 م).

305- أسباب نزول الآيات، ط 2،مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع – القاهرة، 1388 ه-/ 1968 م.

•الواقدي: محمد بن عمر بن واقد (ت 207 ه-/ 822 م).

306- فتوح الشام، د. تح، ط 1، دار الجيل، بيروت، د. س.

307- المغازي، تح: الدكتور مارسدن جونس،ط 1، نشر دانش اسلامي، 1405 ه-.

•الواسطي: علي بن محمد الليثي. ( ت ق 6 ).

308- عيون الحكم والمواعظ، تح: الشيخ حسين الحسيني البيرجندي، ط 1، دار الحديث، (ب. مك)، (د. س).

•وكيع: محمد بن خلف بن حيان (ت 306 ه-/ 918 م).

309- أخبار القضاة، د. تح، عالم الكتب، بيروت، ب.س.

ص: 514

•اليافعي: عبدالله بن اسعد اليمني المكي ( 768 ه-).

310- مرآة الجنان وعبرة اليقظان، تح: خليل منصور، ط 1، منشورات محمد علي بيضون / دار الكتب العلمية، بيروت، 1997 م.

311- اليعقوبي: احمد بن ابي يعقوب بن جعفر (كان حيا سنة 292 ه-/ 904 م).

312- تاريخ اليعقوبي،ط 1، دار صادر – بيروت،د. ت.

•ياقوت الحموي: شهاب الدين ابو عبد الله بن عبد الله الرومي (ت 626 ه- / 1228 م).

313- معجم البلدان،ط 2، دار إحياء التراث العربي– بيروت، 1399 ه- / 1979 م.

•أبو يعلى: احمد بن علي بن المثنى التميمي (ت 307 ه- / 922 م )

314- مسند أبي يعلى، تح: حسين سليم أسد،ط 2، دار المأمون للتراث، 1407 ه-.

ثانيا: المراجع الثانوية

•ابراهيم مصطفى واخرون

315- المعجم الوسيط، ط 5، مؤسسة الصادق(علیه السلام)، طهران، 1426 ه-.

•الاعرجي: زهير

316- الصديق الاكبر – السيرة الذاتية للإمام علي بن ابي طالب (علیه السلام)، ط 1، المطبعة العلمية، قم، 1421 ه-.

•الأمين: حسن

317- دائرة المعارف الاسلامية الشيعية، ط 6، دار المعارف، بيروت، 2001 م.

•الأمين: محسن بن عبد الكريم الحسيني،( ت 1371 ه- ).

318- اعيان الشيعة، تح: حسن الامين، دار التعارف، د. س.

•الاميني: عبدالحسين احمد الاميني النجفي، (ت 1392 ه-)

319- الغدير، ط 4، دار الكتاب العربي، بيروت، 1977 م.

ص: 515

•ايوب: سعيد

320- معالم الفتن، ط 1، مجمع احياء الثقافة الاسلامية، قم، 1416 ه-.

•باتون: ولتر. م

321- احمد بن حنبل والمحنة، ترجمة عبد العزيز عبد الحق، مراجعة محمود محمود، دار الهلال، ب. مك، د. س.

•البكاي: لطيفه

322- حركة الخوارج نشأتها وتطورها إلى نهاية العهد الاموي، ط 1، دار الطليعة – بيروت، 2001 م.

•جعفر: نوري

323- علي ومناوئوه، قدم له: عبد الصاحب مسعود، راجعة، السيد مرتض رضوي، ط 4، 1396 ه-/ 1976 م.

•الجمل:احمد عبد الغني النجولي،

324- هجرة الرسول وصحابته في القرآن والسنة، ط 1، دار الوفاء، المنصورة، 1989 م.

•الحائري: الشيخ محمد مهدي

325- شجرة طوبى، ط 5، المكتبة الحيدرية، النجف الاشرف، 1385 ه-.

•ابو حبيب: سعدي

326- القاموس الفقهي، ط 2، دار الفكر، دمشق، 1988 م.

•حسين: طه.

327- الفتنة الكبرى (علي وبنوه)، دار المعارف، مصر.

•الحلو: محمد علي

328- عقائد الامامية برواية الصحاح الستة، ط 1، دار الكتب الاسلامي، 2001 .

•ناصر خسرو.

ص: 516

329- سفر نامه، ترجمة: د. يحيى الخشاب، ط 3، دار الكتاب الجديد، بيروت، 1983 م.

•الخوئي: حبيب الله الهاشمي، (ت 1324 ه-).

330- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة،تح: سيد ابراهيم الميانجي، ط 4، المطبعة الاسلامية، طهران، ب.س.

•الخوئي: السيد ابو القاسم الموسوي

331- معجم رجال الحديث، تح: لجنة التحقيق، ط 5، د. مكا، 1992 م.

•دخيل: محمد حسن

332- الامام علي(علیه السلام) من الولادة إلى الشهادة، ط 1، دار المرتضى – بيروت، 1421 ه- / 2001 م.

•دحلان: احمد بن الزيني دحلان الشافعي المكي ( ت 1304 ه- ).

333- اسنى المطالب في نجاة ابي طالب، اعداد وتقديم: صالح الورداني، الهدف للاعلام، مطابع سجل العرب، القاهرة (د. س ).

334- الدعجاني: طلال بن سعود

335- موارد ابن عساكر في تاريخ دمشق، ط 1، دار المدينة المنورة – المدينة المنورة، 1405 ه-/ 2004م.

•الزركلي: خير الدين ( 1410 ه-).

336- الاعلام، ط 5، دار العلم للملايين، بيروت، 1980 .

•السبحاني: جعفر

337- اضواء على عقائد الشيعة الامامية، ط 1، مؤسسة الامام الصادق (علیه السلام)، قم، 1421 ه-.

•السعدي: لبيب

338- علي هارون امتي، ط 1، دار الضياء، النجف الاشرف، 2012 م.

ص: 517

•سنركين: فؤاد

339- تاريخ التراث العربي، ترجمة: محمود فهمي حجازي، وسعد عبد الرحيم، ادارة الثقافة والنشر بالجامعة، 1411 ه- / 1991 م.

•شحادة: حسام

340- قريش وعلي من فكرة لا تجتمع النبوة والخلافة لبني هاشم إلى انتقام الطلقاء الرهيب، ط 1، الدار الاسلامية، لبنان، 2006 م.

•شرف الدين: عبدالحسين الموسوي، (ت 1377 ه-).

341- النص والاجتهاد، تح: وتعليق: ابو مجتبى، ط 1، مطبعة سيد الشهداء (( علیه السلام)، قم،1404 ه-.

•شمس الدين: الشيخ محمد مهدي.

342- دراسات في نهج البلاغة، ط 1، دار الزهراء، بيروت، 1972 م.

•الشهرستاني: السيد علي.

343- وضوء النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)، ط 1، ستارة- قم، 1415 ه- / 1994 م.

•شهيدي: د. جعفر.

344- حياة السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام)، ط 1 دار الهادي، بيروت، 2002 م.

•الصدر: الشهيد محمد باقر

345- فدك في التاريخ، تح: عبد الجبار شراره، مركز الغدير للدراسات الاسلامية، ب. مك، 1994 م.

•طي: محمد

346- الامام علي (علیه السلام) ومشكلة نظام الحكم، ط 1، الغدير، بيروت، 1997 م.

•عاقل: د. نبيه

347- تاريخ العرب القديم وعصر الرسول، ط 3، دار الفكر، 1983 م.

ص: 518

•العاملي: جعفر مرتضى.

348- الانتصار، ط 1، دار السيرة، بيروت، 1422 ه-.

349- بنات النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ام ربائبه ؟، ط 2، المركز الاسلامي للدراسات، بيروت، 1423 ه-/ 2002 م.

350- الصحيح من سيرة الامام علي (علیه السلام)، ط 1، ولاء المنتظر (عج)، قم، 1430 ه-.

351- الصحيح من سيرة النبي الاعظم (صلی الله علیه و آله و سلم)، ط 1، دار الحديث، قم، 1426 .

352- ظلامة ام كلثوم، ط 1، المركز الاسلامي للدراسات، بيروت، 2002 م.

•العاملي: عبد الحسين نور الدين.

353- نقد كتاب حياة محمد (صلی الله علیه و آله و سلم)، ط 1، مؤسسة السيدة معصومة (علیهاالسلام)، قم، 1422 ه-.

•عبد الرسول زين الدين.

354- لا سيف الا ذو الفقار، ط 1، دار الثقلين، بيروت، 2011 .

•العبيدان: احمد بن حسين.

355- اويس القريني حقيقة تاريخية، مراجعة: الشيخ احمد بن بو شفيع والسيد واصل الحسن، ط 2، دار الكرامة – قم المقدسة، 1435 ه- / 2014 م.

•العظيم آبادي ( ت 1329 ه-).

356- عون المعبود، ط 2، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415 ه-.

•العقاد: عباس محمود.

357- عبقرية الامام علي (علیه السلام)، ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1967 .

•العمري: اكرم ضياء

358- موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، ط 2، دار طيبة، الرياض، 1985 م.

•العمري: عبد الباقي.

359- الترياق الفاروقي او ديوان، ط 2، النعمان، النجف الاشراف، 1964

ص: 519

•العواد: انتصار عدنان عبدالواحد.

360- السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) دراسة تاريخية، ط 1، البديل، بيروت، 2009 م.

361- السيرة النبوية في رؤية امير المؤمنين (علیه السلام) دراسة في نهج البلاغة، ط 2، دار الفيحاء،

البصرة، 1436 ه-.

•العيساوي: علاء كامل صالح.

362- النظم الإدارية والمالية في عهد الامام علي (علیه السلام) (35 - 40 ه-)، ط 1، التميمي للنشر والتوزيع، النجف الاشرف، 1438 ه- - 2016 م.

•القرباغي: محمد باقر.

363- كنز المطالب، ط 1، دار الفكر، بيروت، 1417 ه-.

•القرشي: باقر شريف.

364- ام البنين قدوة وجهاد، ط 4، مؤسسة الامام الحسن (علیه السلام)، دار الماهر، النجف الاشرف، 2014 م.

•القزويني: محمد ابراهيم الموحد

365- الامام علي (علیه السلام) خليفة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، ط 1، دار الثقلين، بيروت، د. س.

•الكتاني: الامام السيد محمد بن جعفر

366- الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة، تح: محمد المنتظر بن محمد الزمزمي، ط 5، دار البشائر الاسلامية، 1414 ه- / 1991 م.

•كحالة: عمر رضا.

367- معجم قبائل العرب ، دار العلم للملايين، بيروت، 1388 ه- / 1968 م.

368- معجم المؤلفين، ط 1، دار احياء التراث العربي، بيروت، 1957 .

•الكلباسي: الحاج محمد ابراهيم النجفي

369- الخصائص العباسية، ط 1، المكتبة الحيدرية، قم، 1420 ه-.

ص: 520

•لجنة التأليف

370- اعلام الهداية (ج 2) الامام علي بن ابي طالب (علیه السلام) (امير المؤمنين)، ط 1 و ط 2، مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لاهل البيت (علیهم السلام)، قم المقدسة، 1422 و 1425 .

•المحمداوي: علي صالح رسن.

371- ابو طالب بن عبد المطلب، ط 1، مؤسسة البصرة للكتاب الثقافي، دار ومكتبة البصائر، بيروت، 1433 ه-.

372- عقيل بن ابي طالب بين الحقيقة والشبهة، ط 1، مركز الابحاث العقائدية، قم، 1432 ه-.

•محمد: عبد الزهرة عثمان.

373- سيرة امير المؤمنين (علیه السلام)، ط 1 مؤسسة الفكر الاسلامي، بيروت، 1993 م.

•السيد المرعشي: ( 1411 ه-).

374- شرح احقاق الحق، تح: شهاب الدين المرعشي النجفي، تصحيح: السيد ابراهيم الميانجي، منشورات مكتبة اية الله العظمى المرعشي النجفي، قم، د. س.

375- مسعود: جبران.

376- المعجم الرائد، ط 7، دار العلم للملايين، بيروت، 1992 م.

•مغنية: محمد جواد (ت 1400 ه-).

377- التفسير الكاشف،ط 3، دار العلم للملايين، بيروت، 1981 م.

•الموسوي: اسلام.

378- الامام علي (علیه السلام) سيرة وتاريخ، ط 1، مركز الرسالة، قم، 1432 ه-.

•الميلاني: السيد علي الحسني.

379- حديث المنزلة، ط 1، مركز الابحاث العقائدية، قم، 1421 ه-.

•ناجي: عبدالجبار.

ص: 521

380- اسهامات مؤرخي البصرة في الكتابة التاريخية حتى القرن الرابع الهجري، ط 1، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1990 م.

381- نقد الرواية التاريخية – عصر الرسالة انموذجا -، ط 1، دار المحجة البيضاء، بيروت، 2011.

•النصر الله: جواد كاظم

382- أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب (علیه السلام) في رحاب البصرة، ط 2، دار الكفيل،كربلاء المقدسة، 1435 ه-/ 2014 م.

383- حكيم بن جبلة العبدي البصري (ت 36 ه-) بطل الولاية، ط 1، دار الكفيل، مركز تراث البصرة، العراق، 2015 .

384- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي – رؤية اعتزالية عن الامام علي (علیه السلام)،ط 1، ذوي القربى، قم، 2004 م.

385- فضائل امير المؤمنين المنسوبة لغيره الحلقة الأولى الولادة في الكعبة، ط 1، مركز الابحاث العقائدية، قم، 1430 ه-/ 2009 م.

386- مصادرة الحق السياسي والاقتصادي لاهل البيت (علیهم السلام) – دراسة في مرويات الجوهري البصري من علماء الجمهور -، ط 1، دار الكفيل، 2014 م.

387- الامام علي (علیه السلام) في فكر معتزلة البصرة، ط 1،دار الفيحاء، البصرة، 2013 م.

•الهاشمي الخوئي: حبيب الله.

388- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تح: السيد ابراهيم الميانجي، ط 4، دار الهجرة، قم، 1360 ه-.

•الورداني: صالح.

389- السيف والسياسة، ط 1، دار الجسام، القاهرة، 1996 م.

ثالثا: الرسائل والاطاريح الجامعية

•الحيدري: الاء حسن طعيمه.

ص: 522

390- السيدة ام البنين فاطمة بنت حزام الكلابية (علیهاالسلام)، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة البصرة، كلية التربية للبنات، 2015 .

•شهواز: عادل خلف.

391- الامام علي بن ابي طالب (علیه السلام) في مؤلفات ابن الجوزي (ت 597 ه-)، رسالة ماجستير غير منشورة جامعة واسط، كلية التربية، 2016 .

•عطاوي: عمر فلاح عبد الجبار.

392- اهل الصفة في عصر الرسالة والراشدي، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة بغداد كلية الاداب، 2005 م.

•فليح: احمد فرج.

393- قصي بن كلاب دراسة في سيرته الشخصية، رسالة ماجستير غير منشورة جامعة البصرة، كلية التربية، 2012 .

•الصفراوي: رياض رحيم حسن

394- هاشم بن عبد مناف ( دراسة في سيرته الشخصية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة البصرة، كلية التربية، 2010 .

رابعا: الدوريات

•حصونة: رائد حمود عبدالحسين.

395- دور اسماء بنت عميس في الحياة الاسلامية، مجلة كلية التربية للعلوم الصرفة، جامعة ذي قار، كلية التربية، قسم التاريخ، مجلد 1، الاصدار 1، الصفحات 75 - 101 .

•العبادي: علي غانم جثير

396- ذو الراي الحباب بن المنذر الخزرجي، مجلة موئة للبحوث والدراسات، مج 13العدد 7، 1998 .

•الدرويش: جاسم ياسين.

397- الصحابي مصعب بن عمير، مجلة ابحاث البصرة ( العلوم الانسانية )، مج 35 ،

ص: 523

العدد 2، 2010 ، ص 174 - 203 .

•هادي: رياض هاشم، ودحام: امنة محمد شامل.

398- ابن سعد ومنهجه في الطبقات الكبرى – دراسة في السيرة النبوية -، مجلة كلية العلوم الاسلامية، العدد 1/ 15 ، 1435 ه-/ 2014 م.

•النصر الله: جواد كاظم.

399- نشأة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في بني سعد، مجلة دراسات تاريخية، العدد 9،ايلول 2010 م.

خامسا: المحاضرات والندوات

•النصر الله: جواد كاظم

400- قراءة في الشبهات عن سيرة الامام الحسن (علیه السلام)، القيت في مركز تراث البصرة بمناسبة ولادة الامام الحسن (علیه السلام)، يوم 15 رمضان 1435 ه- في مدينة البصرة.

401- ندوة بعنوان النبوة والامامة في عصر التأسيس ضرورة التلازم ووحدة المسار، التي اقامتها مؤسسة علوم نهج البلاغة، كربلاء، 8/ 7/ 2017 .

سادسا: الانترنت

•الصفار: حسن

402- الإمامة بين النص والشورى، . www.hadarya.com

•- اليعقوبي: محمد موسى

403- الخطاب الفاطمي بعنوان: ((وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَی الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْض) السيدة الزهراء (علیهاالسلام) و وراثة المستضعفين، النجف الاشرف، 3/جمادي الاخر 1438 ه- html.5479/http://yaqoobi.com/arabic/index.php/news

ص: 524

المحتويات

مقدمة المؤسسة...9

المقدمة: نطاق الدراسة وعرض أهم مصادرها...11

المصادر المعتمدة:...16

القرآن الكريم:...16

كتب الطبقات والتراجم:...17

كتب التفسیر والحديث:...17

كتب التاريخ العام:...18

المعاجم اللغوية:...19

كتب الأدب:...19

كتب البلدان:...19

كتب الجرح والتعديل:...19

كتب الانساب:...20

الكتب والمراجع الحديثة:...20

ص: 525

التمهيد: ابن سعد الس رة والمكانة العلمية:...23

- اسمه ونسبه:...23

- ولادته ونشأته:...24

- عقيدة ابن سعد:...27

- بعض شيوخ ابن سعد:...28

هشيم بن بشیر بن أبي حازم (ت 183 ه-/ 799 م)...29

إسماعيل بن إبراهيم بن سهم (193ه-/808م)...29

وكيع بن الجراح بن مليح (197ه-/812م)...30

سفيان بن عيينة (198ه-/813م)...32

معن بن عيسى (198ه-/813م)...33

يزيد بن هارون (206ه-/821م)...33

هشام الكلبي (206ه-/821م)...34

محمد بن عمر الواقدي (207ه-822م)...35

الفضل بن دكین (219ه-/833م)...41

المدائني (224ه-/838م)...43

الازرقي (ت250ه-/864م)...43

- تلامذته:...44

أبو جعفر النحوي أحمد بن عبيد بن ناصح البغدادي المعروف بابي عصيدة:...44

أبو بكر بن أبي الدنيا عبدالله بن محمد بن عبيد القرشي الاموي مولاهم البغدادي:...45

ص: 526

أبو محمد الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميمي...45

أبو علي الحسین بن محمد بن عبد الرحمن بن فهم بن محرز البغدادي...45

أبو القاسم البغوي:...46

- مؤلفات ابن سعد:...46

الطبقات الكبرى...46

الطبقات الصغیر...47

كتاب التاريخ...48

كتاب الحيل ذكره ابن النديم...48

الزخرف القصري، ذكره الذهبي...48

القصيدة الحلوانية في افتخار القحطانيین على العدنانيین...48

منهج ابن سعد في دراسة س رة الإمام علي (علیه السلام)...49

الفصل الأول : الحياة الاجتماعية للإمام علي (علیه السلام)

المبحث الأول: الإمام علي (علیه السلام) من الميلاد حتى الهجرة...55

أولا: نسب الإمام (علیه السلام) ونشأته:...55

ولادة الإمام علي (علیه السلام)...74

أسماء الإمام (علیه السلام)...75

علي:...75

حيدرة:...76

ص: 527

كنى الإمام علي (علیه السلام)...77

أبو الحسن:...77

أبو تراب:...77

ألقاب الإمام علي (علیه السلام)...79

أمیر المؤمنین (علیه السلام)...79

نشأة الإمام (علیه السلام) في بيت النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)...82

ثانيا: دور الإمام (علیه السلام) في الدعوة الإسلامية في مكة...85

إسلام الإمام (علیه السلام)...86

دور الإمام (علیه السلام) ليلة الهجرة:...90

المبحث الثاني: الحياة الأسرية للإمام علي (علیه السلام)...97

أولا: فاطمة الزهراء (علیهاالسلام) بنت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)...97

مهر السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام)...100

طبيعة علاقته (علیه السلام) بالسيدة الزهراء(علیهاالسلام)...103

أولاد الإمام علي (علیه السلام) من السيدة فاطمة الزهراء (علیهاالسلام)...114

الحسن بن علي (علیهماالسلام)...114

الحسین بن علي (علیهماالسلام)...128

زينب الكبرى...(علیهاالسلام)

أم كلثوم الكبرى...133

ثانيا: زوجاته (علیه السلام) الأخريات وأولاده...138

ص: 528

أمامة بنت أبي العاص:...138

خولة بنت جعفر...141

أسماء بنت عميس الخثعمية...141

فاطمة بنت حزام (علیهاالسلام):...143

زواج أم البنین (علیهاالسلام)...144

الصهباء...146

ليلى بنت مسعود:...146

أمهات الأولاد...147

ثالثا: أولاده (علیه السلام)...147

محمد بن علي (علیه السلام):...147

محمد الأوسط...150

العباس الأكبر:...150

عثمان...150

جعفر...150

عبدالله...151

محمد الأصغر...151

يحيى...151

عون...151

عمر الأكبر...151

ص: 529

عبيد الله...152

أبو بكر...152

بناته (علیه السلام):...153

رقية...153

أم الحسن...153

رملة الكبرى...153

أم هانئ...153

ميمونه...154

زينب الصغرى...154

رملة الصغرى...154

أم كلثوم الصغرى...154

فاطمة...154

إمامة...155

خديجة...155

أم الكرام...155

أم سلمى...155

أم جعفر...155

جمانة...156

نفيسة...156

ص: 530

الفصل الثاني : الدور العسكري للإمام علي (علیه السلام) في حياة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)

توطئة...159

المبحث الأول: دوره العسكري ضد مشركي قريش حتى الفتح...163

أولا: غزوة طلب كرز بن جابر الفهري...163

ثانيا: معركة بدر الكبرى سنة 2ه-...165

قتلى المشركین في بدر:...175

ثالثا: معركة أحد سنة 3 ه-:...178

اللواء بيد الإمام علي (علیه السلام)...184

أحداث المعركة...187

شهداء المسلمین في أحد...193

رابعًا: واقعة حمراء الأسد سنة 3 ه- :...198

خامسًا: بدر الموعد سنة 4ه-...201

سادسًا: معركة الخندق سنة 5 ه-...202

سابعًا: فتح مكة سنة 8ه-:...207

المبحث الثاني: دور الإمام (علیه السلام) العسكري ضد التآمر اليهودي...219

أولا: وقعة بني النضیر سنة 4ه-...219

ثانيا: بنو قريظة سنة 5ه-:...222

ثالثا: سرية الإمام علي (علیه السلام) إلى بني سعد بن بكر بفدك...225

ص: 531

رابعا: الإمام علي (علیه السلام) في خيبر ( 7 ه-)...226

المبحث الثالث: دور الإمام (علیه السلام) العسكري ضد المشركین من غیر قريش...235

أولا: دور الإمام (علیه السلام) في سرية زيد بن حارثة إلى حسمى ( 6 ه-)...235

ثانيا: الإمام علي (علیه السلام) في حنین سنة 8ه-...236

ثالثا: دور الإمام علي (علیه السلام) في سرية الفلس...244

رابعا: دور الإمام علي (علیه السلام) في تبوك سنة 9ه-...248

خامسا: سرية الإمام علي (علیه السلام) إلى اليمن...254

الفصل الثالث : الدور السياسي للإمام علي (علیه السلام)

المبحث الأول: موقف النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) من نظام الحكم من بعده ...261

أولا: المؤاخاة:...261

السبب الأول:...263

السبب الثاني:...263

السبب الثالث:...263

ثانيا: تبليغ سورة براءة:...265

النص الأول:...266

النص الثاني:...267

ثالثا: المباهلة:...272

رابعا: يوم الغدير سنة 10 ه-...274

ص: 532

خامسا: سد الأبواب...277

سادسا: دور الإمام علي (علیه السلام) في أيام مرض رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)...280

الإمام علي (علیه السلام) ووصية رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم):...288

سابعا: دور الإمام علي (علیه السلام) عند وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم):...303

دور الإمام علي (علیه السلام) في تغسيل رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم):...306

دور الإمام علي (علیه السلام في تكفین وتحنيط رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم):...311

دور الإمام علي (علیه السلام) في الصلاة على رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ودفنه...312

حفر قبر رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)...317

المبحث الثاني: موقف الإمام علي (علیه السلام) من نظام الحكم حتى خلافته...319

أولاً: السقيفة:...319

ثانيًا: موقف الإمام علي (علیه السلام) من خلافة أبي بكر...324

ثالثًا: موقف الإمام علي (علیه السلام) من خلافة عمر بن الخطاب...338

موقف الإمام علي (علیه السلام) من الشورى...341

رابعًا: موقف الإمام علي (علیه السلام من خلافة عثمان بن عفان...352

موقف الإمام علي (علیه السلام) من حصار عثمان...359

المبحث الثالث: خلافة الإمام علي (علیه السلام)...369

أولا: بيعته (علیه السلام)...369

ثانيا: موقف الإمام (علیه السلام) من معارضيه:...374

1- الناكثون (الجمل)...374

ص: 533

موقف الإمام علي من مقتل الزبیر...390

نتائج المعركة...392

2- القاسطون (صفین)...396

الحرب...404

وصول الإمام إلى صفین...405

رفع المصاحف...410

دور الأشعث بن قيس في اختيار أبي موسى الأشعري...413

التحكيم...416

3- المارقون (النهروان)...421

أحداث المعركة...429

موقف الإمام (علیه السلام) من ابن ملجم...436

الفصل الرابع : الدور الفكري للإمام علي (علیه السلام)

المبحث الأول: أثر نشأة الإمام علي (علیه السلام) على يد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)...441

المبحث الثاني: دور الإمام علي (علیه السلام) في العلوم...449

أولا: الإمام (علیه السلام) يكتب لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) (كاتب الوحي)...449

1- علم الفقه...451

أ.العبادات...451

قول الإمام علي (علیه السلام) في الوضوء...451

ص: 534

المسح على الجوربین والنعلین...451

الإمام (علیه السلام) ينهي عن الصلاة بعد طلوع الشمس مباشرة...455

الامام (علیه السلام) وصلاة العصر...456

صلاة الجمعة...457

قنوت الإمام (علیه السلام) في الصلاة:...458

الأضحية:...460

المعاملات...461

قضاء الإمام علي (علیه السلام)...462

إقامة الحد:...465

ثانيا: الإمام علي (علیه السلام) وعلوم القرآن...466

1- جمع القرآن...466

2- علم الإمام (علیه السلام) بعلم التفسیر وأسباب النزول...468

3- علم الإمام (علیه السلام) بالقراءات:...468

4- علم الإمام علي (علیه السلام) بالمبهمات...471

ثالثا: علم الإمام (علیه السلام) بالغيبيات...472

1- في أخبار كربلاء:...473

2- تنبؤ الإمام (علیه السلام) حول سيل الدماء من بعده في الكوفة...475

الخاتمة...477

المصادر والمراجع...481

ص: 535

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.