سرشناسه:حسینی قزوینی، سیدمحمد، 1331 -
Hosseini Kazvini, Seyyed Mohamad
عنوان و نام پديدآور:واقعه غدیر خم ( دراسه توثیقیه)/ محمد حسینی قزوینی.
مشخصات نشر:قم: معارف معنوی،1396.
مشخصات ظاهری:[399] ص.
شابک:300000 ریال:978-600-6073-05-7
وضعیت فهرست نویسی:فاپا
يادداشت:عربی.
يادداشت:چاپ قبلی: موسسه تحقیقاتی حضرت ولی عصر(علیه السلام)، 1392.
یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.
موضوع:علی بن ابی طالب (ع)، امام اول، 23 قبل از هجرت - 40ق -- اثبات خلافت
موضوع:Ali ibn Abi-talib, Imam I, 600-661 -- *Proof of caliphate
موضوع:غدیر خم
Ghadir
شناسه افزوده:موسسه الغدیرالعالمیه
رده بندی کنگره:BP223/5/ح528و2 1396
رده بندی دیویی:297/452
شماره کتابشناسی ملی:4843180
اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا
خیراندیش دیجیتالی : جناب آقای سید علی بحرینی به نیابت از مرحومه حاجیه خانم کسایی _گروه هم پیمانان موعود غدیر.
ص: 1
هوية الكتاب
اسم الكتاب:......... واقعة الغدير/ دراسة توثيقية
تأليف:....... د. محمد الحسيني القزويني
الناشر:.............. مؤسسة وليّ العصر (عج) للدراسات الإسلامية
رقم الإيداع الدولي:........ 1 -- 37 -- 8615 -- 964 -- 978
الطبعة:........... الأولى: 1434ه- - 2013م
عدد النسخ:............. 3000 نسخة
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
ص: 3
ص: 4
من منطلق الإحساس بوجوب الشكر للمتفضّل، كما في الخبر المروي عن الإمام الرضا(عليه السلام): >من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله تعالى<: أتقدّم بجزيل شكري وجميل ثنائي وخالص امتناني إلى الجامعة الحرة الإسلامية في هولندا التي هيّأت لنا فرصة تقديم هذه الاُطروحة.
كما أتقدّم بالشكر الجزيل للأستاذ المشرف على هذه الاُطروحة: البروفيسور الدكتور أكرم محمّد عبد كسار وكذلك الأستاذ المناقش: البروفسور علي ناصر فرحان التميمي.
وكذا أقدّم شكري وامتناني الكبير للّجنة التي ستناقش هذه الاُطروحة.
ولا يفوتني أنْ أشكر جميع الإخوة الذين قدّموا لي المشورة، خصوصاً: الدكتور السيد حاتم البخاتي والدكتور فلاح الدوخي والدكتور حكمت الرحمة، وأشكر أيضاً السيد رضا البطاط الذي قام بالمراجعة والتصحيح.
متمنياً وداعياً للجميع بحسن العاقبة وخير الجزاء.
ص: 5
ص: 6
إلى المثل الأعلى الذي أستلهم منه مبادئي وقيمي, إلى رمز العدالة، بل روحها وجوهرها، إلى سيّد الموحِّدين وإمام المؤمنين، إلى مَن وطّد بجهده وجهاده أركان الإسلام، إلى المظلوم المضطهد في سبيل عِزّ الدين, إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام), أهدي هذا الجهد المتواضع, والبضاعة المزجاة، راجياً من الله تعالى القبول.
ص: 7
ص: 8
جاءت أطروحتي بعنوان (واقعة غدير خم/ دراسة توثيقية) تناولت فيها حادثة الغدير، والتي حصلت بعد رجوع النبيّ(صلی الله علیه و آله) من حجَّة الوداع، حيث جاءه الأمر الإلهي بتبليغ الإمامة الإلهيَّة، وتنصيب الإمام علي(عليه السلام) بشكل رسمي خليفة لرسول الله(صلی الله علیه و آله)، وعلى مرأى ومسمع جمعٍ غفير من المسلمين.
وهذه الواقعة التاريخية، كما لا يخفى، لها دلالة مهمّة جدّاً؛ لأنّها تعالج مسألة حسّاسة وخطيرة، ولها مساس مباشر بحاضر الأمّة الإسلاميَّة ومستقبلها، وهي مسألة الإمامة؛ فلذا جعلتها موضوعاً لأطروحتي، التي تكوّنت من مقدّمة وخمسة فصول وخاتمة وتوصيات:
ذكرت في المقدّمة؛ التعريف بعنوان الرسالة، وبيان أهدافها، وأهميّة الموضوع، ومنهج البحث.
وتناولت في الفصل الأوَّل بعض المباحث الممهِّدة: كتعريف الغدير وبعض المفردات المرتبطة به، وإعطاء تصوير مختصر لواقعة الغدير من الناحية التاريخية، مع بيان أهميّة واقعة الغدير ودلالتها على الإمامة، التي تعدّ ركناً أساسيّاً في الكيان التشريعي عند جميع المسلمين، كما قمت بتوثيق حادثة الغدير من الناحية الزمانيّة والمكانيّة.
أمّا الفصل الثاني؛ فجاء بعنوان واقعة الغدير عند الشيعة، بيّنت فيه حديث الغدير وخطبته عند محدّثي الطائفة، فخرّجت حديث الغدير وخطبته من الكتب الحديثيّة للشيعة بطرقه المتعدِّدة, وأشرتُ إلى بعض
ص: 9
الأبحاث السنديّة والرجاليّة، وتطرّقت إلى موضوع حديث الغدير وأهل البيت(عليهم السلام)، ونقلت مواقف وأحاديث كلّ إمام من أئمَّة أهل البيت(عليهم السلام) في خصوص هذا الحديث، كما تناولت حديث الغدير من وجهة نظر متكلّمي الشيعة من المتقدّمين والمتأخِّرين, وأشرت إلى بعض أقوالهم واستدلالاتهم به على الإمامة والخلافة، هذا، كما تحدّثت عن الغدير عند فقهاء الشيعة، وبيّنت فيه بعض الشواهد الدالّة على استناد الفقهاء إلى حديث الغدير في بعض المسائل الفرعية في الفقه؛ ممّا يدلّ على صحّته واعتباره عندهم.
وأمّا الفصل الثالث؛ فخصّصته لبحث حديث الغدير في كتب أهل السنّة، تناولت فيه طرق حديث الغدير وعددها في مصادرهم, فخرّجت أربعة عشر طريقاً من هذه الطرق في كتبهم المعتبرة، مع تصحيح رجال أسانيدها، وبيان تعليقات العلماء عليها، ونقلت أقوال علماء أهل السنّة وأحكامهم على سند الحديث، وصنّفت هؤلاء العلماء إلى صنفين: الصنف الأوّل: العلماء القائلون بصحَّة حديث الغدير وحُسنه، والصنف الثاني: القائلون باستفاضته أو تواتره، وبيّنت أنّ حديث الغدير من الأحاديث المتّفق على صحَّتها وصدورها من النبيِّ(صلی الله علیه و آله)، ولم يُخالف في ذلك إلاّ من شذّ من العلماء، وعرضت أيضاً آراء علماء أهل السنَّة في دلالته ومضمونه، ورأيهم في معنى كلمة (مولى) في هذا الحديث، وهي المفردة الأهمّ فيه، والتي تدور عليها رحى البحث، وهؤلاء ينقسمون إلى قسمين: قسم ذهب إلى أنّ معنى المولى في الحديث هو المحبّ والناصر والقريب وابن العمّ وما شاكل ذلك، وقسم فسّرها بمعنى الخلافة والإمامة, وهؤلاء أيضاً من كبار
ص: 10
علماء أهل السنّة، كما يتّضح من خلال ترجمة مختصرة ذكرتها لكلّ واحد منهم، كما ذكرت بعض النماذج لمؤلَّفات مستقلَّة ألّفها كبار علماء السنَّة في حديث الغدير.
أمّا الفصل الرابع؛ فكان مخصَّصاً لذكر أهمّ الشبهات والإشكالات التي وجّهت إلى حديث الغدير، وقسّمت هذه الشبهات إلى شبهات سنديَّة وشبهات دلاليَّة وشبهات تاريخيَّة، وقبلها تحدَّثت عن الأساليب التي مورست في كتمان ومحاربة فضائل عليّ(عليه السلام) وأهل البيت(عليهم السلام)، ومنها حديث الغدير من قبل أعداء أهل البيت(عليهم السلام)، والمعاناة التي مرّ بها العلماء والمحدّثون جرّاء ذلك، ثمّ تناولت الشبهات السنديَّة، وأجَبت عنها بالإشارة إلى كثرة طرق حديث الغدير، وشهادة كبار العلماء بصحَّته وتواتره بما لا يدع مجالاً للشكِّ في صحَّة الحديث.
وبعد ذلك تكلَّمتُ عن الإشكالات والشبهات الدلاليَّة, وتطرّقت إلى أهم شبهة في هذا المجال، وهي شبهة عدم دلالة ألفاظ حديث الغدير على الإمامة، فذكرت في مقام الجواب عن هذه الشبهة تسعة شواهد وقرائن من داخل الحديث ومن خارجه تثبت دلالة الحديث وبشكل صريح عليها.
ومن الشبهات والإشكالات التي ذُكرت أيضاً هي عدم دلالة مفردة المولى بخصوصها من الناحية اللغويّة والعرفيّة على الإمامة، وأنها لا تعنى الأولى بالتصُّرف، وأثبتّ بطلان هذا القول من عدّة وجوه، أهمها هي شهادة أهل اللغة بمجيء مولى بمعنى أولى، وتصريح كبار المفسِّرين بمجيئها كذلك، ومجيء كلمة أولى وولي نفسها في طرق أخرى لحديث الغدير،
ص: 11
واستعمال بعض الصحابة لكلمة مولى للدلالة على الخلافة.
ثمّ بسطت الكلام فيه عن الشبهات التاريخيّة, فذكرت الإشكال الأوّل، وهو إشكال الفخر الرازي القائل بأن عليّاً(عليه السلام) لم يكن موجوداً في حجّة الوداع وإنّما كان في اليمن، وأجبت عنه بذكر عدد من الشواهد التاريخيّة على التحاق أمير المؤمنين(عليه السلام) برسول الله(صلی الله علیه و آله) في مكّة، وسقت عدداً من أقوال علماء السنّة ممن ردّوا على الفخر الرازي.
ثمّ بعد ذلك تطرَّقت إلى الإشكال القاضي بأنّ حديث الغدير يُخالف الواقع التاريخي؛ لأنّه ورد في الحديث >اللهم انصر من نصره، واخذل من خذله...< والحال أنّ عليّاً(عليه السلام) لم ينتصر في جميع حروبه، كما أنّ من خذلوه قد حقّقوا الفتوحات والانتصارات، وبيّنت في الجواب أن هذا الكلام يتضمن إنكاراً للسنّة النبويّة لثبوت الحديث وصحّته, هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يكشف عن عدم الفهم الحقيقي لمعنى النصر الإلهي، الذي لا يمكن قياسه بالنصر المادي الآني في أرض المعركة فقط.
وكان آخر الإشكالات التي ذكرتها في هذا الفصل، هو أنّ حديث الغدير جاء إثر شكوى وقعت من الجيش الذي أرسله النبيّ(صلی الله علیه و آله) إلى اليمن ضدّ علي(عليه السلام)، بسبب أمور وقعت بينهم، فأراد الرسول(صلی الله علیه و آله) أن يبيّن مكانة علي(عليه السلام) وإيمانه, وليس فيه دلالة على الإمامة، وأجبت عن هذه الشبهة بشكل مفصّل, وحلّلت مسألة الشكوى, وبيّنت عدد المرّات التي خرج فيها الإمام عليّ(عليه السلام) إلى اليمن، واختلاف الروايات في مسألة الشكوى، ومن هم الشكاة؟ وهل أنّ مكان الشكوى هو المدينة أم مكّة؟ وأثبتّ بأنّه على
ص: 12
جميع التقادير لم تكن تلك الشكوى هي السبب في حديث الغدير.
وأمّا في الفصل الخامس والأخير؛ فذكرت مجموعة الدراسات المعاصرة التي تناولت حادثة الغدير أو جانباً من جوانبها، وقسّمت البحث إلى ثلاثة أقسام: قسم يتعلّق بالدراسات الغديريّة باللغة العربيّة, وقسم يتعلّق بالدراسات الغديريّة باللغة الفارسيّة، والقسم الثالث تناول الدراسات الغديريّة باللغة الأورديّة ولغات أخرى، وكان من أهمّها موسوعة الغدير للعلامة الأميني، وكتاب عبقات الأنوار للعلامة مير حُسين، وغيرهما من الدراسات الكثيرة التي ذكرتُ نماذج منها فقط، ثم كانت خاتمة الأطروحة هي ذكر مجموعة من النتائج والتوصيات التي خرجت بها من هذا البحث.
ص: 13
ص: 14
قد تواجه بعض المسائل في منظومتنا الدينيَّة، نوعاً من الإهمال واللامبالاة، أو حتّى الرفض في بعض الأحيان؛ لافتقار هذه المسائل إلى الرصيد الكافي من الوثائق والمستندات التي تجعلها تكتسب الواقعيَّة والمقبوليَّة، وهو أمر له ما يبرِّره ضمن السياقات العلميَّة الصحيحة، وما تمّ التوافق عليه من آليات وأساليب معروفة.
ولكن المشكلة تكمن فيما لو تعرّضت مسألة من المسائل الحسَّاسة والمحوريَّة، إلى زخم من الرفض وعدم القبول مع ما تكتنزه من أدلّة وشواهد كثيرة تجعل منها حقيقة ماثلة في حيز الحقيقة والواقع، وذلك لأسباب وغايات تخرج عن الإطار العلمي، وتبتعد عن الإنصاف والموضوعيَّة، فتغيب بذلك عن مسرح التاريخ حقائق وأمور لها مساس مباشر بواقع المجتمع الإسلامي وبنيته الفكريَّة والدينيَّة، وحينئذٍ يتحتّم على الباحثين المنصفين النهوض بمسؤوليَّة بيان الحقائق، ونفض غبار الغموض والتشويش عن وجهها؛ لتأخذ حجمها الحقيقي ومكانتها الطبيعيَّة في أرض الواقع، وذلك من خلال جمع الوثائق والأدلّة وتنظيمها وترتيبها، ودفع الشبهات والإشكالات عنها.
عنوان الأطروحة هو: واقعة الغدير دراسة توثيقيّة، والعنوان واضح إلى حدّ ما، فالمقصود بالواقعة هو الحادثة، والغدير: يوم الغدير، وهو يوم
ص: 15
معروف في التراث الإسلامي، والمقصود من التوثيق لغة: الإحكام: «وَثُقَ الشيْءُ بِالضم وَثَاقَةً قَوِيَ وَثَبَتَ فَهُوَ وَثِيقٌ ثَابِتٌ مُحْكَمٌ، وَأَوْثَقْتُهُ جَعَلْتُهُ وَثِيقاً»(1)، «والوَثِيقةُ في الأَمر إحْكامه»(2)، «واسْتَوْثَقَ منه: أخَذَ الوَثيقَةَ»(3)، «والوثيقة: بفتح الواو والقاف وكسر الثاء جمع وثائق، من وثق (بضم الثاء) الشيء: ثبت وقوي وصار مُحكماً»(4)، «والوَثِيقة: الإحكام»(5).
وبعد أن كان معنى التوثيق لغة هو الإحكام، فليس هناك معنى اصطلاحي خاصّ له، إلا أنّه بحسب المناسبة العرفيّة يكون معنى التوثيق الذي يقع صفة للدراسة (دراسة توثيقية) هو إحكامها، من خلال دعم الحادثة بالشواهد والأدلّة، ومحاولة رفد الحادثة بما يعزِّز وجودها؛ ولذلك لن يقتصر البحث على مسائل تدوينيّة فقط، بل سوف يتعدّى إلى دفع الشبهات التي قد تساهم في تشويش الحادثة وتؤثّر عليها كحقيقة تأريخيّة, ولهذا سوف نعقد فصلاً مهمّاً في دفع الشبهات التي تناولت واقعة الغدير بمزيد من التحليل والتدقيق.
لا شكّ أنّ واقعة مثل واقعة الغدير تحظى من الأهميّة بأبعاد كثيرة، خصوصاً على مستوى الخلاف العقائدي، حيث - كما سوف نبيِّن في
ص: 16
المباحث التمهيدية - أنّ الواقعة تمثّل عند طائفة الشيعة دليلاً رئيساً من أدلّة ثبوت الإمامة بالمعنى الشيعي، وبلا شكّ فهي مفصل أساس في الخلاف الشيعي السنّي. مع العلم أنّ واقعة الغدير، ومنذ العصور الأولى للإسلام، كانت مثاراً للنزاع بين المسلمين، وقد توسّع النزاع والخلاف من خلاف بدائي وبسيط إلى خلاف له حيثيات كثيرة، وامتدّ إلى مواقع عديدة، فكثر السجال حوله وما تبعه من نتائج، ربّما وصل في بعض الأحيان إلى أن ساهم في حراب طائفي.
ومن هنا يكتسب البحث عن هذا الموضوع أهميّة كبيرة؛ من خلال جمع الوثائق التي من شأنها دعم واقعة الغدير على الصعيد التاريخي، كما من شأنه أيضاً أنْ يرسّخ المدلول المعنوي للحادثة، وليس ذلك انطلاقاً من توجّه مذهبي يسعى إلى تعزيز عقائده ومبانيه الفكريّة التي يؤمن بها, بل سعياً إلى كشف الحقيقة بكلّ أبعادها بروح تتسم بالحياديّة والموضوعيّة والإنصاف قدر المستطاع.
كثرت الدراسات حول واقعة الغدير بأبعاد وتوجُّهات مختلفة، بل هناك مراكز علميّة تخصَّصت بهذا الموضوع(1)، فكانت هناك دراسات قديمة ومعاصرة - وسوف نتعرَّض إلى المعاصرة منها في الفصل الخامس من هذه الاُطروحة- لكن يمكن القول إنّه لا توجد دراسة اختصّت بهذا النحو الذي نسعى لتحقيقه، أو ربّما لم نعثر على ذلك، فما نسعى إليه هو دراسة شاملة
ص: 17
موثّقة لكلّ أبعاد واقعة الغدير التاريخيّة، على صعيد الثبوت وعلى مستوى الدلالة، نعم, ربّما كان هناك اختصار في بعض البحوث، نتيجة قيود الاُطروحة العلميّة التي لا تنسجم مع الإسهاب، وتعتمد الأسلوب المختصر حين تكون الفكرة واضحة.
هناك عدّة مناهج اُعتمدتْ في صياغة هذا البحث، أوضحها هو المنهج الاستقرائي, حيث التتبع الدقيق لما يصلح أن يكون وثيقة تدعم تأصيل الحادثة على المستوى التاريخي والدلالي، كما وظّفنا أيضاً المنهج الوصفي؛ وهو عادة ما يكون مستنداً إلى الوصف الدقيق لشيء فرغ عن وجوده وتحقّقه، وكذلك المنهج التحليلي والبرهاني، حيث قمنا بتحليل الكثير من الشبهات التي أثيرت على الحادثة وبرهنا على عدم صحَّتها.
اشتملت هذه الاُطروحة على مقدّمة وخمسة فصول وخاتمة وتوصيات:
أمّا المقدّمة: فذكرت فيها التعريف بعنوان الأطروحة، كما بيّنت أهداف الأطروحة، ومنهجها، وسوابقها، وأهميّة الموضوع.
وأمّا الفصل الأوّل: فقد ذكرت فيه بعض المباحث التي يجمعها عنوان، كونها تمهِّد للدخول في البحث الأساس، وقد تضمّنت خمسة مباحث:
المبحث الأوّل: وكان يهتمّ بالتعريف اللغوي لغدير خم.
المبحث الثاني: وكان يتعلّق بتصوير واقعة الغدير بشكل إجمالي.
المبحث الثالث: وكان يتعلّق بتبيين أهميّة واقعة الغدير في العقيدة
ص: 18
الإسلاميّة.
المبحث الرابع: وكان يتعلّق بالتوثيق التأريخي والزماني للواقعة.
المبحث الخامس: وكان يتعلّق بالتوثيق المكاني للواقعة.
أمّا الفصل الثاني: فكان عنوانه: واقعة الغدير عند الشيعة، وقد تضمّن أربعة مباحث رئيسة:
المبحث الأوّل: كان البحث فيه حول حديث الغدير وخطبته عند المحدّثين.
المبحث الثاني: كان يتعلّق بحديث الغدير وأئمّة أهل البيت(عليهم السلام).
المبحث الثالث: حول المتكلّمين وحديث الغدير.
المبحث الرابع: يتعلّق بالفقهاء وحديث الغدير.
أمّا الفصل الثالث: فقد جاء تحت عنوان: حديث الغدير في كتب أهل السنّة، وقد تضمّن أربعة مباحث:
المبحث الأوّل: يتعلّق بحديث الغدير في الروايات والأخبار.
المبحث الثاني: وكان يهتمّ باستعراض أقوال علماء أهل السنّة في سند حديث الغدير.
المبحث الثالث: يتحدّث عن أقوال علماء السنّة في دلالة حديث الغدير.
المبحث الرابع: يدور حول مؤلّفات مستقلّة تتعلّق بحديث الغدير.
أما الفصل الرابع: فقد جاء تحت عنوان: حديث الغدير: إشكالات وإجابات، وربّما يعدّ هذا الفصل من أهمّ فصول الأطروحة, حيث أوليته
ص: 19
اهتماماً خاصّاً، وقد صنّفت الإشكالات بحسب نوعيّتها، فجاءت أربعة مباحث:
تصدرها المبحث الأوّل بعنوان فضائل أهل البيت(عليهم السلام) في زمن بني أميّة، وكان يتناول جذور تلك الإشكالات ومناشئها بشكل عام.
ثم المبحث الثاني: تناول الإشكالات السنديّة، وهي الإشكالات التي تعرّضت لسند حديث الغدير وحاولت التقليل من القيمة السنديّة للواقعة.
المبحث الثالث: تناول الإشكالات الدلاليّة، وهي الإشكالات التي فسَّرت دلالة الحديث بعيداً عن معناه الحقيقي.
المبحث الرابع: الإشكالات التاريخيّة، وهي الإشكالات التي تعرّضت لحديث الغدير من الزاوية التاريخيّة؛ من قبيل أنّ عليّاً لم يكن موجوداً في مكّة في تلك السنة.
أمّا الفصل الخامس: فقد جاء تحت عنوان: الغدير في الدراسات المعاصرة، وقد تضمّن ثلاثة مباحث:
المبحث الأوّل: يتعلّق باستعراض الدراسات التي تناولت الغدير باللغة العربيّة.
المبحث الثاني: ويتعلّق بالدراسات حول الغدير باللغة الفارسيّة.
المبحث الثالث: ويتعلّق بالدراسات حول الغدير باللغة الأورديّة واللغات الأخرى.
ص: 20
وفيه خمسة مباحث:
المبحث الأوّل: غدير خم لغويّاً
المبحث الثاني: قصّة واقعة الغدير إجمالاً
المبحث الثالث: أهميّة واقعة الغدير في العقيدة الإسلاميّة
المبحث الرابع: توثيق واقعة الغدير تاريخيّاً
المبحث الخامس: توثيق واقعة الغدير مكانيّاً
ص: 21
ص: 22
نتعرّض في هذا البحث إلى تعريف غدير خم؛ رفعاً لأي غموض في الموضوع، فنذكر تعريف معنى غدير ومعنى خم، وكذلك كلّ مفردة ارتبطت بالموضوع، من قبيل الجحفة ونحوها، فنقول:
قال الراغب الإصفهاني (ت: 565ه-): «والْغَدِيرُ: الماء الذي يُغَادِرُهُ السيل في مستنقع ينتهي إليه، وجمعه: غُدُرٌ وغُدْرَان»(1).
قال الفيّومي (ت: 770ه-): «(الغَدِيرُ) النهْرُ والْجَمْعُ (غُدْرَانٌ) و(الْغَدِيرَةُ) الذؤَابَةُ والْجَمْعُ (غَدَائِرُ)»(2).
وسبب تسمية الغدير إمّا لأنّه اسم مفعول لمغادرة السيل له، أي أنّ السيل عندما يملأ المنخفض بالماء يغادره، بمعنى يتركه بمائه.
أو أنّه اسم فاعل من الغدر؛ لأنّه يخون وراده فينضب عنه، ويغدر بأهله، فينقطع عند شدّة الحاجة إليه(3).
قال ابن منظور (ت: 711ه-): «خَم: غَديرٌ معروف بين مكة والمدينة
ص: 23
بالجُحْفةِ، قال ابن الأَثير: هو موضع بين مكّة والمدينة تَصُب فيه عين هناك، وبينهما مسجد سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)»(1).
قال ابن الأثير (ت:606ه-): «خَم العين: أي: كنسها وتنظيفها. إلى أن قال: وفيه ذكر «غدير خُم» موضع بين مكة والمدينة تصبُّ فيه عين هناك، وبينهما مسجد للنبىِّ (صلى الله عليه وسلم)»(2).
قال الحموي (ت: 626ه-): «قال الزمخشري: خم: اسم رجل صباغ أضيف إليه الغدير الذي هو بين مكّة والمدينة بالجحفة»(3).
وقال الحازمي (ت: 584ه-): «خم: واد بين مكّة والمدينة عند الجحفة، به غدير، عنده خطب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وهذا الوادي موصوف بكثرة الوخامة»(4).
وغدير خم يقع في منطقة يقال لها الجحفة، وقد سمّي في بعض الروايات بغدير الجحفة، من باب تسمية الجزء باسم الكل، لأنّ خماً جزء من وادي الجحفة الكبير، فقد روى ابن البطريق (ت: 600ه-)، عن زيد بن أرقم قال: «أقبل نبي الله’ من مكّة في حجّة الوداع، حتى نزل بغدير الجحفة، بين مكة والمدينة»(5).
ص: 24
وسوف نذكر لاحقاً في البحث المكاني أن المقصود بالجحفة هو واديها لا نفس منطقة الجحفة التي تعدّ من المواقيت.
قال صاحب القاموس المحيط: «الجحفة ميقات أهل الشام، وكانت قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلاً من مكة، وكانت تسمى مهيعة، فنزل بها بنو عبيل، وهم أخوة عاد وكان أخرجهم العماليق من يثرب فجاءهم سيل الجحاف فاجتحفهم؛ فسميت الجحفة»(1).
وقد فسّرت الجحفة بمهيعة في بعض الروايات, فقد روى الكليني بسنده عن الصادق(عليه السلام): >إنّ رسول الله’ وقّت لأهل المغرب الجحفة؛ وهي مهيعة<(2).
وكذلك في رواية أخرى ذكرها الصدوق, عن الصادق(عليه السلام): >إنّ الرسول’ وقّت لأهل الشام الجحفة, ويقال لها: مهيعة<(3).
وفي المسالك والممالك: «أمّا الجحفة، فإنّها منزل عامر، وبينها وبين البحر نحو من ميلين، وهي في الكبر ودوام العمارة نحو من فيد، وليس بين المدينة ومكّة منزل يستقلّ بالعمارة والأهل إلا الجحفة»(4).
ص: 25
وجاء في معجم البلدان: «كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل، وكان اسمها مهيعة، وإنما سميت الجحفة، لأن السيل اجتحفها، وبينها وبين المدينة ست مراحل، وبينها وبين غدير خم ميلان، قال السكري: الجحفة على ثلاث مراحل من مكة في طريق المدينة»(1).
وقال السمهودي: «الجحفة بالضم وسكون الحاء المهملة, أحد المواقيت, قرية كانت كبيرة, ذات منبر, على نحو خمس مراحل وثلثي مرحلة من المدينة, وعلى نحو أربع مراحل ونصف من مكّة, وكانت تسمّى أوّلاً مهيعة<(2). وقال في مهيعة: >إسم للجحفة, قال الحافظ المنذري: لما أخرج العماليق بني عبيل أخي عاد من يثرب نزلوها, فجاءهم سيل الجحاف بضم الجيم, فجحفهم وذهب بهم, فسميت حينئذٍ الجحفة, انتهى, وقال عياض: سميّت الجحفة لأن السيول أجحفتها, وحملت أهلها, وقيل: إنها سميت بذلك من سنة سيل الجحاف سنة ثمانين؛ لذهاب السيل بالحاج وأمتعتهم»(3).
وفي نزهة المشتاق: «والجحفة منزل عامر آهل فيه خلق كثير لا سور عليه، وهو ميقات أهل الشام، ومنه إلى البحر نحو أربعة أميال، ومن
ص: 26
الجحفة إلى الأبواء سبعة وعشرون ميلاً»(1).
ومن الاسماء الاُخرى لغدير خم: الخرّار، قال السكوني: «موضع غدير خم يقال له الخرّار»(2).
ولكن ابن الأثير قال: «(الخرّار) بفتح الخاء وتشديد الراء الأولى: موضع قرب الجحفة بعث إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) في سريّة»(3).
وهكذا ذكره ابن منظور والزبيدي(4).
ومن أسمائه الأخرى: الغُربة، بضم الغين المعجمة وفتح الراء المهملة والباء الموحدة، هكذا ضبطه البلادي، وهو الاسم في الوقت الحاضر، قال البلادي: «يعرف غدير خم اليوم باسم «الغّرَبَة»، وهو غدير عليه نخل قليل لأناس من البلاديّة من حرب، وهو في ديارهم يقع شرق الجحفة على ثمانية أكيال، وواديهما واحد، وهو وادي الخرّار»(5).
ص: 27
ص: 28
من المناسب وقبل الدخول بتفاصيل البحث أن نستعرض الواقعة بشكل إجمالي فنقول:
لقد حدثت تلك الواقعة حينما خرج رسول الله’ إلى الحجّ في السنة العاشرة للهجرة بأمر من الله تعالى، وقد أعلن النبيّ صلی الله علیه و آله أمام الناس عن قصده للحجّ ذلك العام، وأذّن في الناس بذلك, حتّى أرسل رُسلاً إلى المناطق الاُخرى؛ لكي يخبروا الناس، فقدم المدينة خلق كثير يأتمّون به في حجّته تلك، التي أطلق عليها حجّة الوداع، أو حجّة الإسلام، أو حجّة البلاغ، أو حجّة الكمال، أوحجّة التمام(1)، ولم يحجّ غيرها منذ هاجر إلى أنْ توفاه الله تعالى(2).
فخرج الرسول’ من المدينة مغتسلاً مترجّلاً، قد رافقه أهل بيته وعامّة المهاجرين والأنصار، وعدد كبير من الناس وقد اجتمعوا حوله، وقيل: قد خرج معه تسعون ألفاً ويقال: مائة وأربع وعشرون ألفاً، ويقال أكثر من ذلك(3). وفي كتاب حجّة الوداع للأندلسي: «وكان معه’ من الناس جموع لا يحصيها إلا خالقهم ورازقهم عزّ وجلّ»(4).
وكان الإمام عليّ(عليه السلام) حينها في اليمن يقوم بالتبليغ ونشر التعاليم
ص: 29
السماويّة، وبعد أن علم بأمر الرسول’ قصد مكّة مع جمع من اليمنيين؛ ليلتحقوا بالرسول’ قبل بدء المناسك(1).
فلبس الرسول’ لباس الإحرام مع أصحابه في ذي الحليفة، وهو ميقات الشجرة, ومن ثمّ بدأ بمناسك الحجّ.
و بعد انتهاء المناسك، وانصراف النبيّ صلی الله علیه و آله راجعاً إلى المدينة، وصل منطقة غدير خم(2).
وعند منتصف الطريق في يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة، وقبل أن يتشعّب المصريّون والعراقيّون والشاميّون، نزل جبرائيل عن الله تعالى بقوله: {يَا أَيهَا الرسُولُ بَلغْ مَا اُُنزِلَ إِلَيْكَ مِن ربكَ وَإِن لمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ الناسِ إِن اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(3).
وهذه الآية، كما هو المعروف عند الشيعة وبعض علماء أهل السنّة- كما سيأتي - أمرت النبيّ صلی الله علیه و آله أنْ يبلّغ الناس بما أُنزل في علي(عليه السلام) فيما يتعلّق بولايته.
وقد كانوا قريباً من الجحفة، فأمر رسول الله’ أن يردّ من تقدّم ويحبس من تاخّر عنهم(4).
فأمر النبيّ صلی الله علیه و آله أصحابه أن يهيّئوا له مكاناً تحت الأشجار، ويزيلوا
ص: 30
الأشواك، ويجمعوا الاحجار من تحتها(1).
وقد كان غدير خم من أشد الأماكن حرارة في ذلك الوقت، وقد نودي إلى فريضة الظهر، فصلاها في تلك الحرارة الشديدة، مع الجماعة الغفيرة التي كانت حاضرة، وقد ظللوا النبيّ صلی الله علیه و آله من شدّة الحرارة بوضع ثوب على شجرة من أشجار تلك المنطقة(2).
في هذا الموقع الحساس وضع رسول الله’ على نفسه أوزار المسير، ونهض في رمضاء الهجير، وبدأ بخطبته(3) قائلاً:
«الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكل عليه... وأشهد أنْ لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله - أما بعدُ - أيها الناس، قد نبأني اللطيف الخبير أني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟
قال الحاضرون: نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله عنا أفضل الجزاء.
ثم قال لهم: ألستم تشهدون أنْ لا إله إلا الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حق وناره حق وأن الموت حق؟
قالوا: نشهد بذلك، قال: اللهمّ اشهد على ما يقولون، ألا وإنّي أشهدكم أنّي أشهد أن الله مولاي، وأنا مولى كلّ مسلم، وأنا أولى
ص: 31
بالمؤمنين من أنفسهم، فهل تقرّون لي بذلك، وتشهدون لي به؟ فقالوا: نعم, نشهد لك بذلك، فقال: ألا من كنت مولاه فإن علياً مولاه، وهو هذا، ثم أخذ بيد علي(عليه السلام) فرفعها مع يده حتّى بدت آباطهما.
ثم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله.
ثم قال: ألا وإني فرطكم وأنتم واردون علي الحوض، حوضي غداً، وهو حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء، فيه أقداح من فضة عدد نجوم السماء، ألا وإني سائلكم غداً ماذا صنعتم فيما أشهدت الله به عليكم في يومكم هذا إذا وردتم علي حوضي، وماذا صنعتم بالثقلين من بعدي، فانظروا كيف تكونون خلفتموني فيهما حين تلقوني؟ قالوا: وما هذان الثقلان يا رسول الله؟ قال: أمّا الثقل الأكبر، فكتاب الله عزّ وجل، سبب ممدود من الله ومنّي في أيديكم، طرفه بيد الله والطرف الآخر بأيديكم، فيه علم ما مضى وما بقي إلى أن تقوم الساعة، وأما الثقل الأصغر فهو حليف القرآن وهو علي بن أبي طالب وعترته (عليهم السلام)، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»(1).
ولمّا تفرّقوا، حتى نزل جبرائيل بقول من الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً}(2).
فلمّا نزلت هذه الآية قال النبي صلی الله علیه و آله: «الله أكبر على إكمال الدين
ص: 32
وإتمام النعمة، ورضى الله برسالتي ولولاية علي من بعدي»(1).
وهنا بدأ القوم يهنّؤون أمير المؤمنين، وممّن هنّأه في مقدّم الصحابة أبو بكر وعمر، وقال عمر: >بخ بخ لك يا بن أبي طالب؛ أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة<(2).
وقد أخرج الخطيب البغدادي بسنده، قال: «أنبأنا عبد الله بن علي بن محمد بن بشران، أنبأنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا أبو نصر حبشون بن موسى بن أيوب الخلال، حدثنا علي بن سعيد الرملي، حدثنا ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم، لما أخذ النبي (صلى الله عليه وسلم) بيد علي بن أبي طالب، فقال: ألست ولي المؤمنين، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فأنزل الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ومن صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهراً، وهو أوّل يوم نزل جبرئيل(عليه السلام) على محمّد (صلّى الله عليه وسلّم) بالرسالة»(3).
ص: 33
ص: 34
تعدّ واقعة غدير خُم من أهم قضايا الأمّة الإسلاميّة؛ من جهة ما يترتب عليها من نتائج تحدد اتجاه مسير هذه الأمّة ومستقبلها، بل ومستقبل العالم بشكل عام.
فمن أمعن النظر في تفاصيل الحادثة وظروفها الموضوعيّة والتاريخيّة، يجزم بتلك الأهميّة، فقد كانت تمثّل نقطة الانطلاق والتأسيس المبرمج والمخطّط للحقبة الزمانيّة بعد النبوّة، تلك الحقبة التي أسَّست لمجتمع تأطَّر بقواعد وتشريعات إلهيَّة نزل بها الوحي على النبيّ صلی الله علیه و آله ، فأراد النبيّ صلی الله علیه و آله أن تستمر نتائج تلك التجربة الإسلاميّة الرائعة بعد وفاته’؛ من خلال استمرار التطبيق الصحيح للشريعة، فكان لا بدّ أنْ تكون هناك شخصيّة قد تربّت وترعرعت في حياة النبيّ صلی الله علیه و آله ، لتكون قادرة على تسنّم الخلافة والإمامة من بعده.
فالإمامة إذن، وبهذا اللحاظ، تشكّل ركناً رئيساً من أركان العقيده والكيان الفكرى والاجتماعى للمسلمين.
ولخطورة هذه المسألة، وتأثيرها المباشر على سلامة مسيرة الشريعة الإسلامية؛ كانت عناية رسول الله’ بها بالغة، واهتمامه واسعاً ومتواصلاً فى بيان هذه المسألة، وتشخيص المستحق للإمامة من بعده بصيغ مختلفة، ذلك لأنّ أحدى وظائف الإمامة خلافة النبيّ صلی الله علیه و آله في حفظ الرسالة، وبيان محتواها، والعمل بها، كما يحفظ وحدة الاُمّة وسلامة مسارها.
ص: 35
فقد حرص النبى’ على مستقبل الاُمة، وحفظ مسيرتها منذ بدء الدعوة، فلم يكن ليدعها تتخبط فى الفوضى والخلاف، وهو الحكيم المؤتمن على هذه الرسالة ومصيرها من بعده.
ولمّا كانت الفترة التي عاشها النبي صلی الله علیه و آله فترة قصيرة نسبياً، فلم تستطع أن تقلع كل الجذور والترسبات التي عاشها المجتمع الجاهلي، فتلك الجذور قد تأصلت واستحكمت في كثير من النفوس، برغم أنّ الإسلام قد عالج ورفع الكثير منها، لكنه بلا شك لم يقض عليها جميعاً، وهناك شواهد كثيرة على ذلك(1).
ومن تلك الترسبات استمرار النزعة القبلية في مسألة الإمارة، فقد واجه النبي صلی الله علیه و آله مسألة مهمة وخطيرة جداً، وهي مسألة السلطة، أو ما يسمى
ص: 36
بولاية الأمر من بعده، حيث كان يأبى البعض أن تكون السلطة والخلافة خارجة عن قريش مثلاً حتى لو كان هناك من يكون أهلاً لها، أو كان يرفض أن تجتمع النبوة والخلافة في بيت واحد، حتى لو توفرت الكفاءة العالية التي تؤهل الشخص للقيادة بجميع امتيازاتها، فكان يعيش حالة الرفض في باطنه، ولو من ناحية ظاهرية كان يبدي قبولاً لها.
ولهذا حاول النبي صلی الله علیه و آله التمهيد لهذه المسألة، بعد أن تقرر في علم الله تعالى أن يكون الإمام علي(عليه السلام) هو من سيخلف النبي صلی الله علیه و آله بعد وفاته؛ وتجلى التمهيد في موارد متعددة، بحسب مقتضيات الزمان والمكان، وجاء ذلك في كثير من الأحاديث الصحيحة، ومن تلك الموارد:
1- كانت بداية التصريح بها يوم دعا النبي الأكرم’ الأقربين إليه للإسلام، لما نزلت هذه الآية على رسول الله’: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}(1)، فجاء ذلك مترافقاً مع بدايات التصريح بالدعوة إلى دين الإسلام.
وكانت هذه الدعوة في السنة الثالثة من البعثة، وهي أوّل مرة أظهر فيها الرسول الدعوة إلى الإسلام، وشخص فيها الإمام من بعده وعرّفه للأقربين إليه؛ حين قال النبيّ صلی الله علیه و آله لعليّ(عليه السلام): «أنت وصيي وخليفتي بعدي»(2).
ص: 37
فنلاحظ أن النبي صلی الله علیه و آله قد ذكر الخلافة والإمامة في أول يوم دعي فيه إلى التصريح بالدعوة إلى الإسلام، فنعرف حينئذٍ أن الإمامة جزء مهم من الرسالة النبوية.
2- شرع بعد ذلك رسول الله’ في التصريح بها في مجتمع خاص ولجماعة معينة وفي مناسبات عديدة، فهناك الكثير من الأحاديث الصحيحة التي نقلت لنا تؤكد ذلك، مثل حديث الثقلين المتواتر، الذي ورد ذكره في صحيح مسلم وصححه الحاكم والذهبي وابن كثير في تفسيره، وذكره البغوي في المصابيح والألباني في الأحاديث الصحيحة وغيرهم(1)، وكذلك حديث المنزلة(2)، وغيرها من الأحاديث(3)، التي صرّح النبي صلی الله علیه و آله فيها بالإمامة.
ص: 38
3- ثم انتقل النبي صلی الله علیه و آله إلى مرحلة التصريح لعموم المسلمين، والتي ولّدت للنبيّ’ بعض المخاوف؛ لمعرفته بطبيعة المجتمع آنذاك, وما يحمله من رواسب جاهلية قد تؤدي بالمجتمع الإسلامي إلى رفض هذا الأمر، لكن الله تعالى أمره بالتصريح ونبذ مخاوفه جانباً, فقال: {يا أَيهَا الرسُولُ بَلغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن ربكَ وَإِن لمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ الناسِ}(1)، فأعلن رسول الله’ هذا الأمر في الثامن عشر من ذي الحجة، وكان معه من الصحابة والأعراب وممن يسكن حول مكة والمدينة مائة وعشرون ألفاً(2)، وقد شهدوا معه حجة الوداع، وسمعوا منه حديث الغدير: «من كنت مولاه فعلي مولاه».
ولعل المتمعن في آية البلاغ يتبين له عظم وأهمية مسألة واقعة الغدير؛ وذلك من خلال التجسيد القرآني هنا، فنجد أن الله تعالى قد حرص وبشدة على أن يتم تبليغ ما أمر النبي صلی الله علیه و آله بتبليغه، حتى وصلت أهميته إلى ربط كلّ جهوده’ وكلّ ما عمله من تبيلغ طيلة سنوات مضنية، ربطها بهذا البلاغ، فأيّ بلاغ هذا الذي سيفصح عنه في يوم الغدير؟! وأي عظمة قد اكتسب هذا البلاغ؟! وأى تبليغ هذا الذي يخشى النبي صلی الله علیه و آله الناس فيه حتى يطمئنه الله تعالى بأنه سوف يعصمه منهم؟ ثم لماذا يخبر الله تعالى نبيه’ إخباراً يستبطن في واقعه تهديداً، بأنّ كلّ ما فعلته سيذهب سدى إن لم تبلغ هذا الأمر، إن كان حكماً من الأحكام الشرعية أو فرضاً من الفروض الدينية
ص: 39
فقط؟!!
ولم يجد النبيّ صلی الله علیه و آله سبيلاً، بعد هذا الخطاب الإلهي، إلا أنْ يتقدّم للأمام في تبليغه، وهكذا جمع الناس في وادي خم، وبلغهم مسألة الولاية والخلافة بعده, وأنّ علياً(عليه السلام) هو وليهم، وهو أولى الناس بالتصرّف بهم، كما أنّه أولى من المؤمنين من أنفسهم.
وبقراءة سريعة لما ذكرنا تتجلّى أبعاد واقعة الغدير، وأنّ أهميتها جاءت من أهميّة الأمر الرباني؛ الذي اُريد له أنْ يأخذ طريقه إلى أسماع الصحابة والمؤمنين آنذاك.
ومن هنا نفهم أيضاً سبب الاهتمام التاريخي بحديث الغدير؛ إذ اهتم به الكثير من المؤرخين، وكُتبت فيه الكثير من الكتب، كما سيأتي التعرض لذلك في البحوث اللاحقة.
ومن هنا يتضح أيضاً أهمية الدراسة التوثيقية لأشهر النصوص، وأكثرها أهميّة فى الفكر والمعتقد والتاريخ الإسلامي.
ص: 40
من الأمور التي لا بدّ أنْ يبحث عنها هي التحديد الزمني لواقعة الغدير من جهة يومه الأسبوعي، بعد الاتفاق على وقوع نص غدير خم في الثامن عشر من ذي الحجة من السنة العاشرة الهجرية.
وهو بحث له صلة ببحث تشخيص يوم عرفة أيضاً الذي قيل إنّ آية الإكمال قد نزلت فيه، وهو بحث مهم على صعيد المضمون العقائدي؛ لارتباطه الوثيق بأحد أهم أدلة الإمامة والخلافة التي تقول بها الشيعة.
فهذا البحث لا يخلو من الفوائد العقائدية والكلامية والتاريخية، كما لا يخلو من فائدة فقهية، وذلك مثلاً: لو ثبت أنّ يوم عرفة هو الجمعة، بضميمة عدم صلاة النبي الجمعة، فيثبت أن الصلاة مشروطة بالحضر.
فأقول: لم يشكّك أحد في أنّ واقعة الغدير كانت في الثامن عشر من ذي الحجة، في السنة العاشرة من الهجرة المباركة، لكن وقع الخلاف في تعيين اليوم الذي حدثت فيه الواقعة، بمعنى أن الخلاف منصب على تشخيص يومه الأسبوعي، فهل هو يوم الخميس أو يوم السبت أو الأحد أو غير ذلك؟
ومن أحد طرق تشخيص ذلك، هو البحث في تحديد يوم عرفة، الذي وقف فيه النبي صلی الله علیه و آله في حجّة الوداع، وبتشخيص يوم عرفة يمكن معرفة اليوم الذي حدثت فيه واقعة الغدير بعده بتسعة أيام.
وقد ذهب مشهور أهل السنّة إلى أنّ يوم عرفة في آخر حجّة
ص: 41
للنبيّ’ في تلك السنة كان يوم الجمعة، واستشهدوا لذلك بروايات عندهم، من أهمها:
ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن طارق بن شهاب، عن عمر بن الخطاب: «أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً} قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو قائم بعرفة، يوم الجمعة»(1).
وقد حاول جمع من علماء أهل السنة أن يدعموا قول الخليفة عمر من خلال التصريح بأن يوم عرفة هو الجمعة.
ومن خلال هذا التحديد ليوم عرفة يمكننا إضافة تسعة أيام، فيكون يوم الغدير هو يوم الأحد.
لكن هذا الرأي معارض بكثير من الأمور، منها: خروج النبي صلی الله علیه و آله وحركته من المدينة إلى مكة، يوم الخميس لخمس أو لأربع بقين من ذي القعدة.
فقد روى البخاري في صحيحه وقت خروج النبيّ ’، قال: «وذلك لخمس بقين من ذي القعدة، فقدم مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة
ص: 42
فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة...»(1).
وفي مورد آخر: «حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن انها سمعت عائشة (رضي الله عنها) تقول: خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لخمس ليال بقين من ذي القعدة»(2).
ومن جانب آخر يقولون بأن خروج النبي كان يوم الخميس، فقد جاء في السيرة الحلبية: «وكان خروجه (صلى الله عليه وسلم) يوم الخميس»(3).
وقال ابن حجر في فتح الباري: «وجزم ابن حزم بأن خروجه كان يوم الخميس»(4).
وقال الأندلسي في عيون الأثر: «وخرج رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى مكة عام حجة الوداع، التي لم يحج من المدينة منذ هاجر(عليه السلام) إليها غيرها، فأخذ على طريق الشجرة, وذلك يوم الخميس»(5).
من هنا نقول: بناءً على كمال الشهر؛ أي كون شهر ذي القعدة ثلاثين يوماً، فيكون أول شهر ذي الحجة يوم الأربعاء، وذلك للتلفيق بين كون الخروج لخمس بقين من ذي القعدة وبين كون ذلك يوم الخميس، فإنّ نتيجة ذلك أنْ يكون الخروج يوم الخميس، المطابق للخامس والعشرين من
ص: 43
ذي القعدة، ولحساب أوّل ذي الحجة نضيف خمسة أيام مكمّلة الشهر: (الجمعة والسبت والأحد والاثنين والثلاثاء)، فيكون أول يوم من شهر ذي الحجة هو يوم الأربعاء، ولكي نحسب يوم عرفة الذي هو يوم التاسع من ذي الحجة: الخميس والجمعة والسبت والأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس)، فينتج أن يوم عرفة هو يوم الخميس، وليس الجمعة، كما يقول به أهل السنة.
وأما بناءً على نقصان الشهر، كما احتمله ابن كثير بقوله: «وظن الراوي أن الشهر يكون تاماً فاتفق في تلك السنة نقصانه»(1).
فيكون خروج النبيّ صلی الله علیه و آله لخمس بقين من ذي القعدة في اليوم الخامس والعشرين يوم الخميس، فيبقى من الأيام المكملة للشهر أربعة أيام: الجمعة والسبت والأحد والاثنين، فيكون حينئذٍ اليوم الأوّل من شهر ذي الحجّة هو يوم الثلاثاء، فيتحدد يوم عرفة بيوم الأربعاء دون الجمعة.
هذا وفق ما ورد من طرق أهل السنة؛ من أنّ النبيّ خرج لحجّة الوداع من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة.
أمّا بناءً على ما ورد من طرق الشيعة؛ بأنّ خروج النبيّ صلی الله علیه و آله كان لأربع بقين من ذي القعدة، كما نقله ابن إدريس عن الحسن بن محبوب في كتابه, قال: «خرج رسول الله’ لأربع بقين من ذي القعدة، ودخل مكة لأربع مضين من ذي الحجة، دخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين، وخرج من
ص: 44
أسفلها»(1).
فأيضاً نقول بناءً ً على كمال الشهر سيكون أول ذي الحجة يوم الثلاثاء؛ لأن خروج النبي صلی الله علیه و آله هو يوم الخميس، المطابق للسادس والعشرين - بناءً على القول: لأربع بقين من ذي القعدة - وبإضافة أربعة أيام مكملة الشهر: أي الجمعة والسبت والأحد والاثنين، سيكون أول ذي الحجة هو الثلاثاء، وبإضافة ثمانية أيام لاحتساب يوم عرفة، سيكون عرفة يوم الأربعاء دون الجمعة.
أما بناءً على نقصان الشهر، فسيكون أول ذي الحجة هو يوم الاثنين، وبتبع ذلك يكون يوم عرفة يوم الثلاثاء دون الجمعة أيضاً، فيكون الغدير يوم الخميس، كما سيأتي.
ويؤيّد كون خروجه من المدينة يوم الخميس، ما ورد من أنّ النبي صلی الله علیه و آله يحبّ أن يسافر يوم الخميس، وكان يبدأ سفره به:
فقد أخرج البخاري عن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه: «أنّ النبيّ (صلى الله عليه وسلم) خرج يوم الخميس في غزوة تبوك، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس»(2).
وروى الصدوق: عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال: «كان رسول الله’ يسافر يوم الخميس»، و«يوم الخميس يوم يحبه الله ورسوله وملائكته»(3).
ص: 45
وفي الكافي عن أبي عبد الله(عليه السلام)، قال: «كان النبي صلی الله علیه و آله إذا خرج في الصيف من البيت خرج يوم الخميس، وإذا أراد أن يدخل في الشتاء من البرد دخل يوم الجمعة»(1).
وبهذا لن يكون هناك اطمئنان بما نقله أهل السنّة من أنّ يوم عرفة هو يوم الجمعة، من خلال تطبيق أول ذي الحجة على يوم الخميس حتى يكون يوم عرفة هو يوم الجمعة؛ سعياً لتصديق قول الخليفة عمر المتقدم من أن يوم عرفة هو يوم الجمعة، بل إن روايات أهل السنة تشكك في هذا التحديد أيضاً، كما نقل ذلك البخاري ومسلم في صحيحهما تشكيك سفيان؛ حينما قالت اليهود لعمر: إنكم تقرؤون آية لو نزلت فينا لاتخذناها عيداً, فقال عمر: >إنى لأعلم حيث أنزلت وأين أنزلت وأين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين أنزلت، يوم عرفة وأنا والله بعرفة، قال سفيان: وأشكّ كان يوم الجمعة أم لا»(2).
وبهذا يكون تحديد يوم الغدير مختلفاً وفق الآراء، فبناءً على مايراه أهل السنّة من أن يوم عرفة كان يوم الجمعة، عندئذٍ لا محيص من أنْ يكون يوم الغدير هو يوم الأحد، وبناءً على ماذهبنا إليه من كون عرفة يوم الأربعاء أو الثلاثاء بناءً على تمامية الشهر أو نقصانه، سيكون يوم الغدير هو الأربعاء أو الخميس. والظاهر أنّ الشهر كان ناقصاً، وعليه سيكون يوم عرفة هو الثلاثاء ويوم الغدير هو الخميس؛ وذلك لتوافقه مع الروايات والأخبار
ص: 46
المصرّحة بأنّ يوم الغدير هو يوم الخميس، كما سيأتي.
هذا أحد الطرق في توثيق يوم الغدير الإسبوعي، وهناك طرق أخرى يمكننا من خلالها التحديد:
منها: الاعتماد على الروايات التي ذكرت هذا اليوم مباشرة.
فمن طرق الشيعة مثلاً: ما جاء في كتاب سليم بن قيس عن أبان بن أبي عياش عن سليم، قال: «سمعت أبا سعيد الخدري يقول: إنّ رسول الله’ دعا الناس بغدير خم، فأمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقم، وكان ذلك يوم الخميس»(1).
أمّا ما ورد من طرق أهل السنّة، فإليك بعض النماذج:
1- رواية أبي نعيم الأصفهاني عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه): «أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) دعا الناس إلى علي(عليه السلام) في غدير خم، وأمر بما تحت الشجر من الشوك فقم، وذلك يوم الخميس»(2).
وقال صاحب الغدير: «رواه الحافظ أبو سعيد السجستاني المتوفى 477، في كتاب الولاية بطريق أبي نعيم»(3).
2- رواية الخوارزمي، وهي نفس مضمون رواية أبي نعيم: عن أبي سعيد الخدري أنه قال: «إن النبي (صلى الله عليه وسلم) يوم دعا الناس إلى
ص: 47
غدير خم، أمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فَقُمَّ، وذلك يوم الخميس»(1).
وهناك طريق آخر أيضاً يمكن به تحديد يوم الغدير: وذلك من خلال تعيين يوم وفاة النبي صلی الله علیه و آله ، فمن خلال الروايات التي حددت يوم وفاة النبي صلی الله علیه و آله ، فإنه لا إشكال في أنه توفي يوم الاثنين، وقد دلت عليه الروايات الصحاح عن أهل البيت(عليهم السلام)، لكن الإشكال في تاريخ اليوم والشهر.
وهذا بحث طويل جداً، وقد وقع فيه خلاف كبير، وفيه آراء متعددة، وسوف نغض الطرف عنه.
ونختم بهذا المقدار من البحث، وقد تحقّق فيه غرضان مهمان:
الأول: أنّ يوم عرفة، المرتبط بتشخيص يوم الغدير، ليس كما يذهب إليه أهل السنّة من كونه يوم الجمعة، بل إنّ الأقرب فيه إمّا يوم الثلاثاء؛ بناءً على نقصان الشهر، أو يوم الأربعاء؛ بناءً على تماميته.
والغرض الثاني: أن يوم الغدير سيكون إمّا يوم الأربعاء أو الخميس, وقد عرفنا أنّ الأقرب كونه يوم الخميس.
ص: 48
كما أنّ للزمان والتوثيق الزماني أهمية في فهم النصوص والوقائع كذلك المكان، فهو أحد البنى الرئيسة التي يتشكل ضمنها الحدث، ولا يمكن تصور أحداث إلا بوجود مكان تتحقق فيه، ومن داخل الفضاء المكاني تتم عملية تصور الحدث ومحاولة فهمه، فكل نص هو بحاجة إلى عنصر مكاني كحاجته إلى العنصر الزماني، وكلا العنصرين يساهمان في خلق الفهم الصحيح للنص.
والفضاء المكاني من خلال امتداداته ومكوناته قد يساعد على فهم الشخصيات التي كانت آنذاك، من حيث الطبيعة الاجتماعية والفكرية والثقافية، وبالتالي يمكننا من أن نفهم مجمل الأوضاع التي كانت تسود مجتمع من المجتمعات، وهذا سيسهل علينا فهم النص بشكل أكبر مما لو لم توجد تلك الرؤية عن المكان وشخصياته، فالرؤية التي ستقودنا نحو معرفة المكان تنعكس في ذهن الراوي ويدركها وعيه قبل أن يعرضها علينا في نقله.
فدراسة بنية المكان وأوصافه ومحتوياته، تسهم في فهم بنية مهمة وركن مهم في النص، وقد توجد وقائع لا يمكن أن يفهمها القارئ ويحسها إلا إذا وضعنا أمامه المكان وحدوده وأوصافه.
وواقعة الغدير لا تخرج عن هذا الإطار، بل يمكن أن يضاف لها بعداً تاريخياً، فإن موقع الغدير بات يمثل عدة مواقف إسلامية من مواقف
ص: 49
النبي صلی الله علیه و آله ، بالإضافة لبيعة الغدير المشهورة لأمير المؤمنين علي(عليه السلام)، فقد شهد الغدير موقفين مهمين: أحدهما تمثل في وقوعه في طريق هجرة النبي صلی الله علیه و آله ، وثانيهما وقوعه في طريق رجوع النبي صلی الله علیه و آله من حجة الوداع.
وكلا الموقفين يشكلان بُعداً مهماً في مسيرة التاريخ الإسلامي.
فالهجرة كانت البدء لانتشار الدعوة الإسلامية وانطلاقها خارج ربوع مكة، ومن ثم إلى العالم كله. وحجة الوداع والعودة منها إلى المدينة المنورة كانت ختم الرسالة; حيث كَمُل الدين فتمت النعمة. وأما بيعة الغدير فهي - كما قلنا سابقاً- تعد التمهيد لعهد الإمامة بعد وفاة النبي صلی الله علیه و آله .
ومن هنا اكتسب موضع (غدير خُم) أهميته الجغرافية في التراث الإسلامي، ومنزلته التكريمية كمَعْلَمة مهمة من معالم التاريخ الإسلامي.
ولهذا من الأهمية بمكان أن نسلِّط البحث على تحديد المكان الذي وقعت فيه الحادثة وإعطاء أوصافه، التي ستجعل القارئ للحدث أكثر فهماً لتلك الحادثة من ناحية، وكذلك من ناحية اُخرى، نوثق مكاناً يحظى ببعد تاريخي وحضاري إسلامي.
فنقول: لا خلاف في أنّ موضع غدير خم يقع بين مكة والمدينة، وقد ذكرنا ذلك في المبحث اللغوي عن ابن منظور في لسان العرب، حيث قال: «وخم: غدير معروف بين مكة والمدينة، بالجحفة، وهو غدير خم»(1).
وقال الفيروزآبادي في القاموس المحيط: «وغدير خم: موضع على
ص: 50
ثلاثة أميال بالجحفة، بين الحرمين»(1).
وفي النهاية، لابن الأثير: «غدير خُم: موضع بين مكة والمدينة»(2).
وفي معجم البلدان: «وقال الحازمي: خُم: وادٍ بين مكة والمدينة»(3).
وكذلك قال: «قال الزمخشري: خُم: اسم رجل صباغ، أُضيف إليه الغدير الذي هو بين مكة والمدينة»(4).
وقد وقع خلاف قليل في تعيين مكانه بين مكة والمدينة في المسافة بينه وبين منطقة الجحفة.
ويريدون من الجحفة في كلامهم في تعريف الغدير حينما يقولون بالجحفة أو في الجحفة: كما في لسان العرب، قال: «وخَم: غدير معروف بين مكة والمدينة بالجحفة».
أو قول الزمخشري المتقدم في معجم البلدان: «خُم: اسم رجل صباغ، أُضيف إليه الغدير الذي بين مكة والمدينة بالجحفة»(5).
أقول: يريدون الوادي لا القرية التي هي الميقات؛ وذلك بقرينة ما سوف يأتي من ذكرهم تحديد المسافة بين غدير خُم والجحفة، الذي يعنى أن غدير خُم غير الجحفة (القرية)؛ ولأن وادي الجحفة يبدأ من الغدير وينتهي عند البحر الأحمر، فيكون الغدير جزءاً منه، ويشكل بداية وادي
ص: 51
الجحفة، وعليه لا معنى لتحديد المسافة بينه وبين الوادي الذي هو جزء منه.
فغدير خُم يكون على يسرة طريق الحاج من المدينة إلى مكة، عند مبتدأ وادي الجحفة، حيث منتهى وادي الخرار، ومن هنا أسماه بعضهم بالخرار - كما تقدم.
ويُؤيد هذا، ما ذكره البكري في معجم ما استعجم للخرار، حيث قال: «قال الزبير: هو وادي الحجاز يصب على الجحفة»(1).
وقد يُشير إلى هذا قول الحموي في معجم البلدان: >الخرار... وهو موضع بالحجاز، يقال: هو قرب الجحفة<(2).
وممّا يؤكّد لنا أنّ الغدير جزءاً من وادي الجحفة، ما نقله الحموي: «ودون الجحفة على ميل غدير خُم، وواديه يصب في البحر»(3)، والمقصود من واديه: وادي الجحفة ; لأنه هو الذي يصب في البحر حيث ينتهي عنده.
قال البكري الأندلسي (ت: 487ه-): «غدير خم على ثلاثة أميال من الجحفة»(4).
وقال الحموي (ت: 626ه-): «وغدير خم: بين مكة والمدينة، بينه وبين
ص: 52
الجحفة ميلان»(1).
وقال الفيروزآبادي (ت: 817): «وغدير خم: على ثلاثة أميال بالجحفة بين الحرمين»(2).
وقال الزبيدي (ت: 1205ه-): «وغدير خم: على ثلاثة أميال هو بالجحفة، وقال نصر: دون الجحفة على ميل بين الحرمين الشريفين»(3).
وقال صفي الدين البغدادي (ت: 739ه-): «غدير خم: وهو بين مكة والمدينة، قيل: على ثلاثة أميال من الجحفة. وقيل: على ميل. وهناك مسجد للنبي (صلى الله عليه وسلم)»(4).
وقدر المسافة بميل كل من نصر وعرام، ففي تاج العروس - (مادة خم): «وقال نصر: دون الجحفة على ميل بين الحرمين الشريفين»(5).
وفي معجم البلدان: «وقال عرام: ودون الجحفة على ميل غدير خم»(6).
وهذا التفاوت في المسافة من الميل إلى الاثنين إلى الثلاثة أمر طبيعي، لأنه يأتي، عادة، من اختلاف الطريق الذي يسلك، وبخاصة أن وادي الجحفة يتسع بعد الغدير، ويأخذ بالاتساع أكثر حتى قرية الجحفة ومن بعدها أكثر حتى البحر، فربما سلك أحدهم حافة الجبال فتكون المسافة ميلاً، وقد
ص: 53
يسلك أحدهم وسط الوادي فتكون المسافة ميلين، ويسلك الآخر حافة الوادي من جهة السهل فتكون المسافة ثلاثة أميال.
احتفظ لنا التاريخ بصورة تكاد تكون كاملة المعالم، متكاملة الأبعاد، لموضع غدير خم، فذكر أنّه يضم المعالم الآتية:
قال ابن الأثير: >هو موضع بين مكة والمدينة تصب فيه عين هناك»(1). وفي معجم ما استعجم، و روض المعطار: «وهذا الغدير تصب فيه عين»(2).
وفي معجم البلدان: «وخم: موضع تصب فيه عين»(3).
وهو الذي تصب فيه العين المذكورة، كما هو واضح من النصوص المنقولة المتقدمة.
ففي حديث الطبراني: أنّ رسول الله’ خطب بغدير خم تحت شجرات(4).
وفي حديث الحاكم: «لما رجع رسول الله’ من حجّة الوداع،
ص: 54
ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن»(1).
وفي حديث الإمام أحمد: «وظلل لرسول الله’ بثوب على شجرة سمرة من الشمس»(2).
وفي حديثه الآخر: «وكسح لرسول الله’ تحت شجرتين فصلى الظهر»(3).
والشجر المشار إليه، هنا، من نوع «السمر»، واحده «سمرة»، بفتح السين المهملة وضم الميم وفتح الراء المهملة، وهو من شجر الطلح، وهو شجر عظيم، ولذا عبّر عنه بالدوح، واحده دوحة، وهي الشجرة العظيمة المتشعبة، ذات الفروع الممتدة.
وهو غير «الغيضة» الآتي ذكرها، لأنّه متفرّق في الوادي هنا وهناك.
وهي الموضع الذي يكثر فيه الشجر ويلتف، وتجمع على غياض وأغياض، وموقعها حول الغدير، كما ذكر البكري في معجم ما استعجم, قال: «وهذا الغدير تصب فيه عين، وحوله شجر كثير ملتف، وهي الغيضة»(4).
ونقل ياقوت عن عرام أنّه قال: «لا نبت فيه غير المرخ والثلام والأراك
ص: 55
والعشر»(1).
وذكروا أن فيه مسجداً شيد على المكان الذي وقف فيه رسول الله’ وصلى وخطب، ونصب علياً للمسلمين خليفة وولياً, وعينوا موقعه بين الغدير والعين، قال البكري في معجمه: «وبين الغدير والعين مسجد النبيّ صلی الله علیه و آله »(2).
وفي معجم البلدان: أنّ صاحب المشارق قال: «وخم موضع تصب فيه عين، وبين الغدير والعين مسجد رسول الله’»(3).
وَصَفَه المقدَّم عاتق بن غيث البلادي، المؤرخ الحجازي المعاصر، في كتابه معجم معالم الحجاز، قال: «ويعرف غدير خم اليوم باسم «الغربة»، وهو غدير عليه نخل قليل لأناس من البلادية من حرب، وهو في ديارهم يقع شرق الجحفة على أكيال، وواديهما واحد، وهو وادي الخرار»(4).
هناك طريقان يؤديان إلى موقع غدير خم، أحدهما من الجحفة، والآخر من رابغ.
ص: 56
يبدأ من مفرق الجحفة عند مطار رابغ سالكاً تسعة كيلو مترات مزفّتة إلى أول قرية الجحفة القديمة، حيث شيدته الحكومة السعودية، بعد أن هدمت المسجد السابق وصار مكانه مسجداً كبيراً، وحمامات للاغتسال، ومرافق صحية، ومواقف سيارات. ثم ينعطف الطريق شمالا وسط حجارة ورمال كالسدود بمقدار خمسة كيلو مترات إلى قصر علياء، حيث نهاية قرية الميقات.
ثم ينعطف الطريق إلى جهة اليمين، قاطعاً بمقدار كيلوين أكواماً من الحجارة وتلولاً من الرمال، وحرة قصيرة المسافة، ثم يهبط من الحرة يمنة الطريق حيث وادي الغدير.
ويبدأ من مفرق طريق: مكة - المدينة العام، الداخل إلى مدينة رابغ عند إشارة المرور، يمنة الطريق للقادم من مكة، مارّاً ببيوتات من الصفيح، وأخرى من الطين يسكنها بعض بدو المنطقة.
ثم يصعد على طريق قديم مزفت ينعطف به إلى اليسار، وهو الطريق العام القديم الذي تبدأ بقاياه من وراء مطار رابغ وبعد مسافة عشرة كيلومتر، وعلى اليمين، يتفرع منه الفرع المؤدي إلى الغدير، وهو طريق ترابي ممهد في أكثره، يلتقي عند مهبط الحرة بطريق الجحفة، حيث ينزلان إلى وادي الغدير، ومسافته من رابغ إلى الغدير 26 كيلو متراً تقريباً.
وقد تبيَّن في ضوء ما تقدم:
ص: 57
أن غدير خم يقع من ميقات الجحفة مطلع الشمس بحوالى ثمانية كيلو مترات، وجنوب شرقي رابغ بما يقرب من ستة وعشرين كيلو متراً(1).
ولا تزال آثار عين الجحفة ماثلة للعيان، وتحد الغدير اليوم من الغرب والشمال الغربي آثار بلدة كان لها سور حجري لا يزال ظاهراً، وأنقاض الآثار تدلّ على أنّ بعضها كان قصوراً أو قلاعاً، وربّما كان هذا حياً من أحياء مدينة الجحفة، فالآثار هنا تتشابه كأنّ الوادي فسيحاً جدّاً، تتخلله أشجار السمر منتشرة في أبعاده جميعها، ويقع بين سلسلة جبال من جنوبه وشماله.
ومسيله يمر مع سفوح جباله الجنوبية، وهي أعلى وأضخم من جباله الشمالية، وعلى المسيل من جهة سهل الوادي ثلاث كوم من النخيل، بين كل كومة وأخرى حوالى عشرين متراً، وكلّ كومة لا تتجاوز الآحاد. ومن المظنون قوياً أنّها نبتت هنا بفعل ما يرميه المارّون بالوادي من نوى التمر، وقريباً من منعطف الوادي إلى جهة الغرب غيضة، وسطها عين جارية، قد تكون هي عين الغدير التاريخية. أما الغدير فقد اختفت آثاره، وكذلك المسجد، ولعلهما عفيا بفعل تأثير عوامل التعرية والإبادة من أمطار وسيول ورياح وما إليها.
ص: 58
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: واقعة الغدير والمحدثين
المبحث الثاني: واقعة الغدير وأئمة أهل البيت
المبحث الثالث: المتكلمون وحديث الغدير
المبحث الرابع: الفقهاء وحديث الغدير
ص: 59
ص: 60
لقد تعدَّدت مواقف علماء الشيعة وتعاملهم تجاه حديث الغدير والاستدلال به، فمنهم من نقل حديث الغدير وخطبته في كتبه الحديثية، ومنهم من استدلّ به علی الإمامة، ومنهم من دافع عن الاستدلال به ورد الشبهات الموجهة إليه، ومنهم من استدل بحديث الغدير علی مسائل فرعية في الفقه، مما يكشف عن صحته واعتباره لديه؛ لذا يمكن تقسيم العلماء وفق تعاطيهم مع هذا الحديث إلى عدة أقسام، سنتطرق إليها حسب المباحث التالية:
إن المحدثين من علماء الشيعة قد رووا حديث الغدير وخطبته في مجامعهم الحديثية بالأسانيد والطرق المتعددة، كالشيخ الكليني والصدوق والطوسي، وغيرهم, وسيأتي الحديث مفصلاً عن بعض طرق وألفاظ حديث الغدير وخطبته في المصادر الحديثية عند الشيعة.
وقد شغل حديث الغدير حيزاً كبيراً عند الشيعة واستحوذ على اهتمامهم؛ لأنّه يمثّل معلماً أساسياً من معالم التشيع، لذا ورد في كتب الشيعة ومصادرهم الحديثية وغيرها بألفاظ وطرق متعددة, بعضها أشار إليه بشكل مختصر، وبعضها ذكر خطبة النبي(صلی الله علیه و آله) في ذلك الزمان والمكان ونقلها بشكل مُفصّل، وسنقسم الموضوع إلى مطلبين:
ص: 61
المطلب الأول: صيغ وألفاظ حديث الغدير، وسنكتفي بذكر بعض النماذج التي أخرجها المحدثون والعلماء الشيعة دون الخوض في طرق وأسانيد هذه الأحاديث وتصحيحها؛ وذلك لكثرتها واستفاضتها.
المطلب الثاني: خطبة الغدير، وسننقل هذه الخطبة مبسوطة في بعض المصادر الأساسية، مع القيام بدراسة مستفيضة لأسانيد هذه الخطبة، والتعرض لرجالها بالجرح والتعديل، وذلك لأهميتها.
روي العلامة الكليني بسنده عن أبي جعفر(عليه السلام) في صحيحة الفضيل بن يسار أنّه قال: «بني الإسلام على خمس: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية، ولم يناد بشيء مثل ما نودي بالولاية يوم الغدير».
وروي بإسناد صحيح عن عمر بن أذينة، عن زرارة والفضيل بن يسار وبكير بن أعين ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية وأبي الجارود جميعاً، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «أمر الله عز وجل رسوله بولاية علي(عليه السلام)، وأنزل عليه {إِنمَا وَلِيكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالذِينَ آمَنُواْ الذِينَ يُقِيمُونَ الصلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}، وفرض ولاية أولي الأمر، فلم يدروا ما هي، فأمر الله محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يفسر لهم الولاية كما فسر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحج، فلما أتاه ذلك من الله تعالى ضاق بذلك
ص: 62
صدره وراجع ربه، فأوحى الله عز وجل [إليه]: {إِنمَا وَلِيكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالذِينَ آمَنُواْ الذِينَ يُقِيمُونَ الصلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}.
فصدع بأمر الله تعالى، فقام بولاية علي يوم غدير خم، فنادى: الصلاة جامعة، وأمر الناس أن يبلغ الشاهد الغائب.
قال عمر بن أذينة: قالوا جميعاً - غير أبي الجارود - وقال أبو جعفر(عليه السلام): وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى، وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا}.
قال أبو جعفر(عليه السلام): يقول الله عز وجل: لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملت لكم دينكم»(1).
قال الشيخ الصدوق: «حدثنا الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي قال: حدثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي قال: حدثنا محمد بن ظهير قال: حدثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه(عليهم السلام) قال: قال رسول الله(صلی الله علیه و آله): يوم غدير خم أفضل أعياد أمتي، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره فيه بنصب أخي علي بن أبي طالب(عليه السلام) علماً لأمتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأتم على أمتي فيه النعمة، ورضي لهم الإسلام ديناً. ثم قال:
ص: 63
معاشر الناس، إن علياً مني وأنا من علي، خلق من طينتي، وهو إمام الخلق بعدي، يبين لهم ما اختلفوا فيه من سنتي، وهو أمير المؤمنين، وقائد الغرالمحجلين...»(1).
وروى الصدوق أيضاً عن الفيض بن المختار، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام) قال: «خرج رسول الله ذات يوم، وخرج علي وهو يمشي، فقال: يا أبا الحسن، إما أن تركب، وإما أن تنصرف، فإن الله عز وجل أمرني أن تركب إذا ركبت، وتمشي إذا مشيت، وتجلس إذا جلست، إلا أن يكون حد من حدود الله لا بد لك من القيام والقعود فيه، وما أكرمني الله بكرامة إلا وقد أكرمك بمثلها، وخصني بالنبوة والرسالة وجعلك وليي في ذلك، تقوم في حدوده وفي صعب أموره... ولقد أنزل الله عز وجل إلي: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} يعني في ولايتك يا علي {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته}، ولو لم أبلغ ما أمرت به من ولايتك لحبط عملي، ومن لقي الله بغير ولايتك فقد حبط عمله, وعد ينجز لي، وما أقول إلا قول ربي تبارك وتعالى، وإن الذي أقول لمن الله عز وجل أنزله فيك»(2).
وله روايات أخرى في الغدير, روى أحدها في من لا يحضره الفقيه، عن حسان الجمال، يأتي تمامها فيما ذكره الطوسي(3).
ص: 64
وسيأتي ذكر خطبة الغدير التي رواها في الخصال بسند صحيح(1).
وذكر أيضاً ما يتعلق بحديث الغدير في العلل(2).
وهكذا في العيون(3).
وفي كمال الدين(4).
وفي معاني الأخبار باب: (معنى قول النبي ’: من كنت مولاه فعلى مولاه)(5).
قال الشيخ المفيد في الإرشاد: «ولما قضى رسول الله(صلی الله علیه و آله) نسكه أشرك علياً(عليه السلام) في هديه، وقفل إلى المدينة وهو معه والمسلمون، حتّى انتهى إلى الموضع المعروف بغدير خم، وليس بموضع إذ ذاك للنزول؛ لعدم الماء فيه والمرعى، فنزل(صلی الله علیه و آله) في الموضع ونزل المسلمون معه.
وكان سبب نزوله في هذا المكان نزول القرآن عليه بنصبه أمير المؤمنين(عليه السلام) خليفة في الأمة من بعده، وقد كان تقدم الوحي إليه في ذلك من غير توقيت له، فأخره لحضور وقت يأمن فيه الاختلاف منهم عليه، وعلم الله سبحانه أنه إن تجاوز غدير خم انفصل عنه كثير من الناس إلى بلادهم وأماكنهم وبواديهم، فأراد الله تعالى أن يجمعهم لسماع النص
ص: 65
على أمير المؤمنين(عليه السلام) تأكيداً للحجة عليهم فيه.
فأنزل جلت عظمته عليه: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك} يعني في استخلاف علي بن أبي طالب أمير المؤمنين(عليه السلام) والنص بالإمامة عليه {وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس}، فأكد به الفرض عليه بذلك، وخوفه من تأخير الأمر فيه، وضمن له العصمة ومنع الناس منه. فنزل رسول الله(صلی الله علیه و آله) المكان الذي ذكرناه، لما وصفناه من الأمر له بذلك وشرحناه، ونزل المسلمون حوله، وكان يوماً قائظاً شديد الحر، فأمر’ بدوحات هناك فقمّ ما تحتها، وأمر بجمع الرحال في ذلك المكان، ووضع بعضها على بعض، ثم أمر مناديه فنادى في الناس بالصلاة، فاجتمعوا من رحالهم إليه، وإن أكثرهم ليلفّ رداءه على قدميه من شدّة الرمضاء.
فلمّا اجتمعوا صعد (عليه وآله السلام) على تلك الرحال حتى صار في ذروتها، ودعا أمير المؤمنين(عليه السلام) فرقى معه حتى قام عن يمينه، ثم خطب للناس، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ فأبلغ في الموعظة، ونعى إلى الأمة نفسه، فقال عليه وآله السلام: (إني قد دعيت ويوشك أن أجيب، وقد حان مني خفوف من بين أظهركم، وإنّي مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبداً: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).
ثم نادى بأعلى صوته: (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟) فقالوا:
ص: 66
اللهمّ بلى، فقال لهم على النسق، وقد أخذ بضبعي أمير المؤمنين(عليه السلام) فرفعهما حتّى رئي بياض إبطيهما، وقال: (فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهمّ وال مَن والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)»(1).
وقال في المقنعة: «ويوم الغدير هو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، نزل رسول الله(صلی الله علیه و آله) فيه مرجعه من حجة الوداع بغدير خم، وأمر أن ينصب له في الموضع كالمنبر من الرحال، وينادى بالصلاة جامعة، فاجتمع سائر من كان معه من الحاج، ومن تبعهم لدخول المدينة من أهل الأمصار، واجتمع جمهور أمته، فصلى ركعتين، ثمّ رقى المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ووعظ، وزجر، وأنذر، ونعى إلى الأمة في الخطبة نفسه، ووصاهم بوصايا يطول شرحها فيما يجب الانتهاء إليه في حياته وبعد وفاته، ثم دعا علي بن أبي طالب(عليه السلام)، فأمره أن يرقى معه الرحال، ثم أقبل على الناس بوجهه الكريم’، فقررهم على فرض طاعته، وقال في تقريره لهم: (ألست أولى بكم منكم بأنفسكم)، فأجابته الجماعة بالإقرار، فأخذ إذ ذاك بعضد أمير المؤمنين(عليه السلام)، ثم أقبل عليهم أجمعين، فقال: (فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)، فنص عليه بالإمامة من بعده، وكشف بقوله عن فرض طاعته، وأوجب له بصريح اللفظ ما هو واجب له من الرياسة عليهم في الحال بإيجاب الله تعالى ذلك له»(2).
ص: 67
روى الطوسي عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين عن الحجال، عن عبد الصمد بن بشير عن حسان الجمال، قال: «حملت أبا عبد الله(عليه السلام) من المدينة إلى مكة، قال: فلما انتهينا إلى مسجد الغدير نظر في ميسرة المسجد، فقال: ذاك موضع قدم رسول الله’ حيث قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)، ثم نظر في الجانب الآخر، فقال: هذا موضع فسطاط أبي فلان وفلان وسالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة بن الجراح، فلما أن رأوه رافعاً يده، قال: بعضهم انظروا إلى عينيه تدوران كأنهما عينا مجنون، فنزل جبرئيل(عليه السلام) بهذه الآية: {وَإِن يَكَادُ الذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَما سَمِعُوا الذكْرَ وَيَقُولُونَ إِنهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلا ذِكْرٌ للْعَالَمِينَ} ثم قال: يا حسان، لولا أنك جمّالي لما حدثتك بهذا الحديث»(1).
قال: وعنه (أي: السندي بن محمد) عن صفوان الجمال، قال: قال أبو عبد الله(عليه السلام): «لمّا نزلت هذه الآية في الولاية، أمر رسول الله(صلی الله علیه و آله) بالدوحات في غدير خم فقممن، ثم نودي: الصلاة جامعة، ثم قال: (أيها الناس، من كنت مولاه فعلي مولاه، ألست أولى بكم من أنفسكم؟) قالوا:
ص: 68
بلى، قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه رب وال من والاه، وعاد من عاداه) ثم أمر الناس يبايعون علياً، فبايعه لا يجيء أحد إلا بايعه، لا يتكلم منهم أحد»(1).
روى الشيخ الصدوق في الخصال بعدّة أسانيد صحاح إلى ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل عامر ابن واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: «لما رجع رسول الله(صلی الله علیه و آله) من حجة الوداع ونحن معه، أمر أصحابه بالنزول، فنزل القوم منازلهم، ثم نودي بالصلاة، فصلى بأصحابه ركعتين، ثمّ أقبل بوجهه إليهم فقال لهم: إنه قد نبأني اللطيف الخبير أنّي ميت وأنكم ميتون، وكأني قد دعيت فأجبت، وإني مسؤول عما أرسلت به إليكم، وعما خلفت فيكم من كتاب الله وحجته، وإنكم مسؤولون عما أرسلت به إليكم، وعما خلفت فيكم من كتاب الله وحجته، وإنكم مسؤولون فما أنتم قائلون لربكم؟
قالوا: نقول: قد بلغت ونصحت وجاهدت، فجزاك الله عنّا أفضل الجزاء. ثم قال لهم: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إليكم، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث بعد الموت حق؟
فقالوا: نشهد بذلك، قال: اللهمّ اشهد على ما يقولون، ألا وإنّي
ص: 69
أشهدكم أني أشهد أن الله مولاي وأنا مولى كل مسلم، وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فهل تقرون بذلك وتشهدون لي به؟
فقالوا: نعم، نشهد لك بذلك، فقال: ألا من كنت مولاه فإن علياً مولاه، وهو هذا، ثم أخذ بيد على فرفعها مع يده حتى بدت آباطهما، ثم قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، ألا وإني فرطكم وأنتم واردون علي الحوض [حوضي] غداً، وهو حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء، فيه أقداح من فضة، عدد نجوم السماء، ألا وإني سائلكم غداً، ماذا صنعتم فيما أشهدت الله به عليكم في يومكم هذا إذا وردتم علي حوضي؟ وماذا صنعتم بالثقلين من بعدي؟ فانظروا كيف خلفتموني فيهما حين تلقوني؟ قالوا: وما هذان الثقلان يا رسول الله؟ قال: أما الثقل الأكبر فكتاب الله عز وجل، سبب ممدود من الله ومني في أيديكم، طرفه بيد الله والطرف الآخر بأيديكم، فيه علم ما مضى وما بقي إلى أن تقوم الساعة. وأما الثقل الأصغر فهو حليف القرآن وهو علي بن أبي طالب وعترته، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. قال معروف بن خربوذ: فعرضت هذا الكلام على أبي جعفر(عليه السلام) فقال: صدق أبو الطفيل، هذا كلام وجدناه في كتاب علي وعرفناه»(1).
ذكر الشيخ عدّة طرق لهذه الخطبة نوردها فيما يأتي:
ص: 70
1- حدّثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه) قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، ويعقوب بن يزيد جميعاً، عن محمد بن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: >لمّا رجع رسول الله (صلّى الله عليه و آله وسلّم) من حجّة الوداع...<.
2- بالسند السابق إلى معروف بن خربوذ, قال: >فعرضت هذا الكلام على أبي جعفر(عليه السلام) فقال: صدق أبو الطفيل (رحمه الله) هذا الكلام وجدناه في كتاب علي(عليه السلام) وعرفناه<.
3- وحدثنا أبي (رضي الله عنه) قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير...
4- وحدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رضي الله عنه قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن محمد بن أبي عمير...
5- وحدثنا محمد بن موسى بن المتوكل (رضي الله عنه) قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري بمثل هذا الحديث سواء(1).
ص: 71
1- محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، أبو جعفر:
قال فيه النجاشي: «شيخ القميين وفقيههم، ومتقدمهم ووجههم، ويقال: إنه نزيل قم، وما كان أصله منها، ثقة، ثقة، عين، مسكون إليه... مات سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة»(1).
عدّه الشيخ في رجاله، ضمن من لم يرو عنهم، وقال فيه: «جليل القدر، بصير بالفقه، ثقة»(2).
وقال الطوسي: «جليل القدر عارف بالرجال موثوق به...»(3).
وهو شيخ الصدوق، يروى عنه كثيراً في كتبه، وقد ذكره في المشيخة في ما يقرب من مائة وأربعين مورداً، وكان يعتمد عليه ويتبعه فيما يذهب إليه(4).
2- محمّد بن الحسن الصفار:
قال النجاشي: «محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، موسى بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله بن السائب مالك بن عامر الأشعري أبو جعفر الأعرج, كان وجها في أصحابنا القميين، ثقة، عظيم القدر، راجحاً، قليل السقط في الرواية. توفي بقم سنة تسعين ومائتين»(5).
ص: 72
وعدّه الشيخ في رجاله من أصحاب العسكري(عليه السلام) وقال فيه: «له إليه(عليه السلام) مسائل»(1).
3- محمد بن الحسين بن أبي الخطاب:
قال النجاشي: >محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب, أبو جعفر الزيات الهمداني، وإسم أبي الخطاب زيد، جليل من أصحابنا، عظيم القدر، كثير الرواية، ثقة، عين، حسن التصانيف، مسكون إلى روايته<(2).
وقال الشيخ في الفهرست: «ثقة<(3).
وعدّه في رجاله تارة في أصحاب الجواد(عليه السلام) قائلاً: «ثقة»(4)، وأخرى: في أصحاب الهادي(عليه السلام) قائلاً: «ثقة، من أصحاب أبي جعفر الثاني(عليه السلام)»(5). وثالثة: في أصحاب أبي محمد العسكري(عليه السلام)(6).
4- يعقوب بن يزيد:
قال النجاشي: «يعقوب يزيد بن حماد الأنباري السلمي أبو يوسف، روى عن أبي جعفر الثاني وانتقل إلى بغداد، وكان ثقة صدوقاً»(7).
قال الشيخ في الفهرست: «كثير الرواية، ثقة»(8).
ص: 73
وعده في رجاله: تارة من أصحاب الرضا(عليه السلام) قائلاً: «يعقوب بن يزيد الكاتب، هو ويزيد أبوه، ثقتان»(1). وأخرى من أصحاب الهادي(عليه السلام) قائلاً: «ثقة»(2).
5- محمد بن أبي عمير:
قال النجاشي: «محمّد بن أبي عمير زياد بن عيسى، أبو أحمد الأزدي من موالي المهلب بن أبي صفرة، وقيل مولى بني أمية، بغدادي الأصل والمقام، لقى أبا الحسن موسى(عليه السلام)، وسمع منه أحاديث، كناه في بعضها، فقال: يا أبا أحمد! وروى عن الرضا(عليه السلام)، جليل القدر، عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين»(3).
قال الشيخ في الفهرست: «وكان من أوثق الناس عند الخاصة والعامة وأنسكهم نسكاً وأورعهم وأعبدهم...»(4).
وعدّه من رجاله من أصحاب الرضا(عليه السلام) قائلاً: «ثقة»(5).
وعدّه البرقي من أصحاب الكاظم(عليه السلام)(6).
6- عبد الله بن سنان:
قال النجاشي: «عبد الله بن سنان بن طريف مولى بنى هاشم، يقال
ص: 74
موسى بن أبي طالب، ويقال مولى بنى العباس، كان خازناً للمنصور والمهدي والهادي والرشيد، كوفي ثقة، من أصحابنا جليل لا يطعن عليه في شيء»(1).
قال الشيخ في الفهرست: «ثقة، له كتاب...»(2).
وقال الكشي: «... عبد الله بن سنان ، وكان (رحمه الله)، من ثقات رجال أبي عبد الله(عليه السلام)»(3).
7- معروف بن خربوذ:
عدّه الشيخ في رجاله تارة في أصحاب السجاد(عليه السلام)(4)، وأخرى في أصحاب الباقر(عليه السلام)(5)، وثالثة: في أصحاب الصادق(عليه السلام)(6).
وذكر الكشي في ترجمة بريد بن معاوية: إجماع العصابة على تصديق جماعة من أصحاب أبي جعفر(عليه السلام) وأصحاب أبي عبد الله(عليه السلام) وانقيادهم لهم بالفقه، وعدّ منهم معروف بن خربوذ.
وأورده العلامة في القسم الأول(7)، وهم الذين اعتمد على روايتهم(8).
8- أبو الطفيل عامر بن واثلة:
ص: 75
عدّه الشيخ تارة: من أصحاب رسول الله(صلی الله علیه و آله) قائلاً: «أدرك ثماني سنين من حياة النبي(صلی الله علیه و آله)، ولد عام أحد» (1)، وأخرى: في أصحاب علي(عليه السلام) قائلاً: «من أصحاب أمير المؤمنين(عليه السلام)»(2)، وثالثة: في أصحاب الحسن(عليه السلام)(3).
وعدّه البرقي من خواص أصحاب أمير المؤمنين(عليه السلام)، ومن أصحاب السجاد(عليه السلام) أيضاً(4).
قال الوحيد البهبهاني في التعليقة: «في الخصال بعد ذكر حديث: قال معروف ابن خربوذ: فعرضت هذا الكلام على أبي جعفر(عليه السلام)، فقال(عليه السلام) صدق أبو الطفيل (رحمه الله)، وفي هذا شهادة على حسن حاله ورجوعه لو صح كونه كيسانياً»(5).
وأورده الجزري في أسد الغابة قائلاً: «أبو الطفيل عامر بن واثلة. وقيل: عمرو بن واثلة، قاله معمر، والأول أصح.
ولد عام أحد، أدرك من حياة رسول الله(صلی الله علیه و آله) ثمانى سنين، نزل الكوفة، ثم إن أبا الطفيل صحب علي بن أبي طالب، وشهد معه مشاهده كلّها.... وهو آخر من مات فيمن أدرك النبي. وكان فاضلاً، عاقلاً، حاضر
ص: 76
الجواب فصيحاً، وكان من شيعة علي»(1).
9- حذيفة بن أسيد الغفاري، أبو سرعة:
قال الشيخ: «صاحب النبي(صلی الله علیه و آله)، وهو ابن آمنة»(2)، وذكره في أصحاب الحسن(عليه السلام)(3).
وذكره البرقي، في أصحاب الحسن(عليه السلام)(4).
وقد عدّه الكشي من حواري الحسن المجتبى(عليه السلام)(5).
قال الجزري: «حذيفة بن أسيد بن خالد بن الأعور بن واقعة بن حرام بن غفار بن مليل، أبو شريحة الغفارى، بايع تحت الشجرة ونزل الكوفة وتوفي بها»(6).
قال ابن حجر: «شهد الحديبية... وروى أحاديث، أخرج له مسلم وأصحاب السنن<(7). قال المزي: «له صحبة»(8).
وحيث إنّ السند إلى معروف هو سند صحيح، رجاله ثقات, يتبين صحّة هذه الرواية بقول الإمام الباقر(عليه السلام).
ص: 77
قال الطبرسي: «احتجاج النبيّ(صلی الله علیه و آله) يوم الغدير على الخلق كلهم، وفي غيره من الأيام بولاية علي بن أبي طالب(عليه السلام)، ومن بعده من ولده من الأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.
حدّثني السيد العالم العابد أبو جعفر مهدي بن أبي حرب الحسيني، قال: أخبرنا الشيخ أبو علي الحسن بن الشيخ السعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، قال: أخبرني الشيخ السعيد الوالد أبو جعفر (قدس الله روحه) قال: أخبرني جماعة عن أبي محمّد هارون بن موسى التلعكبري، قال: أخبرنا أبو علي محمد بن همام قال: أخبرنا علي السوري قال: أخبرنا أبو محمّد العلوي من ولد الأفطس وكان من عباد الله الصالحين قال: حدّثنا محمد بن موسى الهمداني قال: حدّثنا محمد بن خالد الطيالسي قال: حدّثنا سيف بن عميرة وصالح بن عقبة جميعاً عن قيس بن سمعان عن علقمة بن محمّد الحضرمي عن أبي جعفر محمد بن علي(عليه السلام) أنّه قال:
حجّ رسول الله(صلی الله علیه و آله) من المدينة وقد بلغ جميع الشرائع قومه غير الحج والولاية فأتاه جبرئيل(عليه السلام) فقال له: يا محمّد, إنّ الله جلّ اسمه يقرئك السلام ويقول لك إنّي لم أقبض نبياً من أنبيائي ولا رسولاً من رسلي إلا بعد إكمال ديني وتأكيد حجتي, وقد بقي عليك من ذلك فريضتان مما يحتاج أن تبلغهما قومك, فريضة الحج وفريضة الولاية والخلافة من بعدك.
ص: 78
إلى أن قال: يا محمّد, إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك: إنّه قد دنا أجلك ومدتك وأنا مستقدمك على ما لا بدّ منه ولا عنه محيص, فاعهد عهدك وقدّم وصيتك..
فقام رسول الله(صلی الله علیه و آله) فوق تلك الأحجار, ثمّ حمد الله وأثنى عليه, فقال: الحمد لله الذي علا في توحده، ودنا في تفرده، وجلّ في سلطانه، وعظم في أركانه، وأحاط بكلّ شي ء علماً وهو في مكانه، وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه مجيداً لم يزل محموداً لا يزال - إلى أن قال: - أقرّ له على نفسي بالعبودية، وأشهد له بالربوبية، وأؤدي ما أوحى إلي حذراً من أن لا أفعل فتحل بي منه قارعة لا يدفعها عني أحد وإن عظمت حيلته، لا إله إلا هو لأنّه قد أعلمني أنّي إن لم أبلغ ما أنزل إلي فما بلغت رسالته، وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة وهو الله الكافي الكريم.
فأوحى إلي: {بسم الله الرحمن الرحيم. يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} معاشر الناس، ما قصرت في تبليغ ما أنزله إلي، وأنا مبين لكم سبب هذه الآية: إن جبرئيل هبط إلي مراراً ثلاثاً يأمرني عن السلام ربي وهو السلام أن أقوم في هذا المشهد فأعلم كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي والإمام من بعدي الذي محله مني محل هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وهو وليكم بعد الله ورسوله.
وقد أنزل الله تبارك وتعالى علي بذلك آيةً من كتابه: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم
ص: 79
راكعون}، وعلي بن أبي طالب أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع يريد الله عز وجل في كل حال، وسألت جبرئيل أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم أيها الناس، لعلمي بقلة المؤمنين وكثرة المنافقين وأدغال الآثمين وختل المستهزءين بالإسلام، الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم، وكثرة أذاهم لي غير مرة حتى سموني أذناً، وزعموا أني كذلك لكثرة ملازمته إياي وإقبالي عليه حتى أنزل الله عز وجل في ذلك: {ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم..} الآية. ولو شئت أن أسمي القائلين بذلك بأسمائهم لسميت، وأن أومئ إليهم بأعيانهم لأومأت، وأن أدل عليهم لدللت، ولكني والله في أمورهم قد تكرمت، وكل ذلك لا يرضى الله مني إلا أن أبلغ ما أنزل الله إلي.
ثم تلا(صلی الله علیه و آله): {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك - في علي - وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس}، فاعلموا معاشر الناس: أن الله قد نصبه لكم ولياً وإماماً مفترضةً طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى التابعين بإحسان وعلى البادي والحاضر وعلى الأعجمي والعربي والحر والمملوك والصغير والكبير وعلى الأبيض والأسود وعلى كل موحد، ماض حكمه جائز قوله نافذ أمره، ملعون من خالفه، مرحوم من تبعه، ومن صدقه فقد غفر الله له ولمن سمع منه وأطاع له، معاشر الناس، إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر
ص: 80
ربكم، فإن الله عز وجل هو وليكم وإلهكم، ثم من دونه رسولكم محمد وليكم والقائم المخاطب لكم، ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر الله ربكم، ثم الإمامة في ذريتي من ولده إلى يوم تلقون الله عز اسمه ورسوله، لا حلال إلا ما أحله الله ولا حرام إلا ما حرمه الله، عرفني الله الحلال والحرام وأنا أفضيت بما علمني ربي من كتابه وحلاله وحرامه إليه.
إلي أن قال: معاشر الناس، تدبروا القرآن وافهموا آياته وانظروا إلى محكماته ولا تتبعوا متشابهه، فو الله لن يبين لكم زواجره ولا يوضح لكم تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيده ومصعده إلي وشائل بعضده، ومعلمكم أن من كنت مولاه فهذا عي مولاه وهو علي بن أبي طالب، أخي ووصيي وموالاته من الله عز وجل أنزلها على معاشر الناس، إن علياً والطيبين من ولدي هم الثقل الأصغر والقرآن هو الثقل الأكبر، وكل واحد منبئ عن صاحبه وموافق له، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ألا إنهم أمناء الله في خلقه وحكماؤه في أرضه، ألا وقد أديت ألا وقد بلغت ألا وقد أسمعت ألا وقد أوضحت، ألا وإن الله عز وجل قال وأنا قلت عن الله عز وجل: ألا إنه ليس أمير المؤمنين غير أخي هذا، ولا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره, ثم ضرب بيده على عضده فرفعه, وكان منذ أول ما صعد رسول الله درجةً دون مقامه فبسط يده نحو وجه رسول الله(صلی الله علیه و آله) وشال علياً حتى صارت رجله مع ركبة رسول الله(صلی الله علیه و آله) ثم قال:
معاشر الناس، هذا علي أخي ووصيي، وواعي علمي، وخليفتي على
ص: 81
أمتي، وعلى تفسير كتاب الله عز وجل، والداعي إليه، والعامل بما يرضاه، والمحارب لأعدائه، والموالي على طاعته، والناهي عن معصيته، خليفة رسول الله، وأمير المؤمنين، والإمام الهادي، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بأمر الله، أقول: ما يبدل القول لدي بأمر ربي، أقول: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، والعن من أنكره، واغضب على من جحد حقه، اللهم إنك أنزلت عليّ أن الإمامة لعلي وليك عند تبياني ذلك عليهم، ونصبي إياه، بما أكملت لعبادك من دينهم، وأتممت عليهم نعمتك، ورضيت لهم الإسلام ديناً، فقلت: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}، اللهم إني أشهدك أني قد بلغت، معاشر الناس، إنما أكمل الله عز وجل دينكم بإمامته فمن لم يأتم به وبمن يقوم مقامه من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة والعرض على الله عز وجل فأولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون، لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون... معاشر الناس، هو ناصر دين الله، والمجادل عن رسول الله، وهو التقي النقي والهادي المهدي، نبيكم خير نبي، ووصيكم خير وصي، وبنوه خير الأوصياء، معاشر الناس، ذرية كل نبي من صلبه وذريتي من صلب علي، معاشر الناس، إن إبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم.
إلى أن قال: معاشر الناس، السابقون إلى مبايعته وموالاته والتسليم عليه بإمرة المؤمنين أولئك الفائزون في جنات النعيم، معاشر الناس قولوا ما يرضى الله عنكم من القول، فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً
ص: 82
فلن تضروا الله شيئاً.. اللهم اغفر للمؤمنين وأعطب على الكافرين، والحمد لله رب العالمين.
فنادته القوم: نعم، سمعنا وأطعنا أمر الله وأمر رسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا، وتداكوا على رسول الله’ وعلى علي(عليه السلام) وصافقوا بأيديهم، ...، إلى أن صليت الظهر والعصر في وقت واحد، والمغرب والعشاء الآخرة في وقت واحد، وأوصلوا البيعة والمصافقة ثلاثاً ورسول الله’ يقول كلما بايع قوم: الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين، وصارت المصافقة سنةً ورسماً يستعملها من ليس له حق فيها»(1).
الخطبة ضعيفة بأمور:
1- لكون عليّ السوري مجهولاً؛ حيث لم يكن له ذكر في الجوامع الرجالية.
2- وكذلك أبو محمد العلوي من ولد الأفطس، مجهولاً، ولم يُترجم له كسابقه، والظاهر أن ما في السند: أنه من عباد الله الصالحين، من كلام السورى المجهول. وقال السيد الخوئي: وهذا غير يحيى المكنى بأبى محمد العلوي وذلك لاختلاف الطبقة(2).
3- ولضعف محمد بن موسى الهمداني؛ لأنه هو محمد بن موسى بن
ص: 83
عيسى السمان، كما صرّح به السيد الخوئي والمحقق التستري(1).
قال النجاشي: «ضعفه القميون بالغلو وكان ابن الوليد يقول: إنه كان يضع الحديث, والله أعلم»(2).
وقال ابن الغضائري: «ضعيف، يروي عن الضعفاء ويجوز أنْ يخرج شاهداً»(3).
قال السيد الخوئي: «إن ظاهر كلام النجاشي التوقف في ضعف محمد بن موسى بن عيسى ووضعه الحديث؛ حيث نسب ذلك إلى القميين وابن الوليد»(4).
4- ولضعف صالح بن عقبة؛ إذ ذكره النجاشي والشيخ من دون مدح ولا ذم(5).
وقال ابن الغضائري: «غال كذاب لا يلتفت إليه»(6).
وأورده العلامة في القسم الثاني المعد لمن ترك روايته أو توقف فيه(7).
وذكره ابن داود في القسم الثاني المعدّ للضعفاء ناقلاً عن ابن الغضائرى: «ليس بشيء كذاب غال، كثير المناكير»(8).
ص: 84
وأمّا توثيق السيد الخوئى إياه فمبني على عدم ثبوت انتساب كتاب رجال ابن الغضائرى إليه، وهو غير تام؛ لاعتماد العلامة وابن داود إليه، وقول المحقق التسترى بأنّه لم ير مثله في دقة النظر.
ولكن مع ذلك كله, فإنّ صالح بن عقبة لم ينفرد بالرواية, فقد رواها معه سيف بن عميرة، وتوثيقه يغني عن ضعف صالح بن عقبة, فإنّهما رويا معاً عن قيس.
5- وكون قيس بن سمعان مجهولاً؛ لعدم ورود شيء في مدحه وذمه.
قال السيد بن طاووس: >الباب فيما نذكره عن هذا أحمد بن محمد الطبري المعروف بالخليلي من روايته للكتاب الذي أشرنا إليه في حديث يوم الغدير وتسمية مولانا علي(عليه السلام) فيه مراراً بلفظ أمير المؤمنين<.
ثم ذكر نفس الخطبة التي ذكرها الطبرسي بتفاوت يسير بهذا السند:
قال السيد إبن طاووس في كتاب اليقين: «قال أحمد بن محمد الطبري المعروف بالخليلي في كتابه أخبرني محمد بن أبي بكر بن عبد الرحمان، قال: حدثني الحسن بن علي أبو محمد الدينوري، قال:حدثنا محمد بن موسى الهمداني، قال: حدثنا محمد بن خالد الطيالسي، قال: حدثنا سيف بن عميرة عن عقبة عن قيس بن سمعان عن علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر(عليه السلام)...<(1).
ص: 85
والرواية ضعيفة بامور:
1- ضعف أحمد بن محمد الطبري، قال النجاشي: «ضعيف جداً لا يلتفت إليه»(1).
2- كون محمد بن أبي بكر بن عبد الرحمان مجهولاً، لم يترجم في الجوامع الرجالية للخاصة، وإن ذكره ابن حبان في ثقاته(2).
3- ضعف محمد بن موسى الهمدانى، كما مر في سند الاحتجاج.
4- ضعف صالح بن عقبة، كما مر في سند الاحتجاج أيضاً.
هذا، والظاهر أنّ هناك تصحيف في السند, فقد جاء فيه: حدثنا سيف بن عميرة عن عقبة عن قيس بن سمعان, لكن تقدّم في سند الاحتجاج أنّ محمّد بن خالد الطيالسي قال: حدثنا سيف بن عميرة وصالح بن عقبة جميعاً عن قيس بن سمعان عن علقمة بن محمّد الحضرمي.
وهنا نلفت النظر أنّ هذا فيه أيضاً تصحيف, ويبدو أنّ الصحيح: صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان بدل صالح بن عقبة عن قيس بن سمعان, فتكون الرواية مرويّة عن سيف بن عميرة وصالح بن عقبة بن قيس عن علقمة, ويشهد على ذلك:
1- رواية سيف بن عميرة و صالح بن عقبة جميعاً عن علقمة بن محمد الحضرمي في مواضع اُخرى(3).
ص: 86
2- ذكره الشيخ بعنوان صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان في أصحاب الصادق(عليه السلام) وكذا النجاشي(1).
3- أن قيس بن سمعان كان جد صالح بن عقبة ولا يعقل روايته عن علقمة بن محمّد الحضرمي من حيث الطبقة، كما لا يخفى.
4- أن صالح بن عقبة لا يروى عن قيس بن سمعان بلا واسطة لبعد طبقتهما, بل يروى عنه بواسطة أبيه، كما صرح به النجاشي في ترجمته(2).
قال السيد ابن طاووس في كتاب (التحصين): «قال الحسن بن أحمد الجاواني في كتابه (نور الهدى والمنجي من الردى): عن أبي المفضل محمّد بن عبد الله الشيباني، قال: أخبرنا أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري وهارون بن عيسى بن سكين البلدي، قالا: حدّثنا حميد بن الربيع الخزاز، قال:حدّثنا يزيد بن هارون، قال:حدّثنا نوح بن مبشر، قال: حدّثنا الوليد بن صالح عن ابن امرأة زيد بن أرقم وعن زيد بن أرقم...<(3).
الرواية ضعيفة بأمور:
1- ضعف أبي المفضل محمد بن عبد الله الشيبانى، قال النجاشي: «رأيت جُلّ أصحابنا يغمزونه ويضعفونه»(4).
ص: 87
وقال الشيخ: «حسن الحفظ غير أنه ضعفه جماعة من أصحابنا»(1).
وقال ابن الغضائري: «وضاع، كثير المناكير»(2).
2- وجهل هارون بن عيسى، حيث لم يترجم في الجوامع الرجالية.
3- وجهل حميد بن الربيع عند الخاصة وضعفه عند العامة، قال ابن حجر: «كذاب زماننا أربعة وعده منهم: حميد بن الربيع»(3).
قال السيد إبن طاووس في كتاب (الإقبال): «قال مؤلف كتاب «النشر والطي»: عن أحمد بن محمد بن علي المهلب: أخبرنا الشريف أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن القاسم الشعراني عن أبيه، حدثنا سلمة بن الفضل الأنصاري، عن أبي مريم عن قيس بن حيان (حنان) عن عطية السعدي عن حذيفة بن اليمان...»(4).
الرواية ضعيفة بامور:
1- جهالة مؤلف كتاب (النشر والطي)، وهو الكتاب الذي ينقل عنه ابن طاووس في الإقبال، حكاية يوم الغدير، وقد ذكر أن مؤلفه من المخالفين، كتب منه نسخة وأرسلها إلى شاه مازندران رستم بن علي لما حضر الرى.
ص: 88
ونقل عنه أيضاً رواية عن الرضا(عليه السلام): أن في القيامة تزف أربعة أيام كما تزف العروس وهي: الأضحى والفطر والجمعة والغدير(1).
2- وكون أحمد بن محمد بن علي المهلب مجهولاً؛ لعدم مجيء ترجمته في الجوامع الرجالية.
3- وكون محمد بن علي القاسم الشعراني أيضاً مجهولاً؛ لعدم ذكره في المجامع الرجالية كذلك.
4- عطية السعدي صحابي مجهول ،كما ذكره المامقاني.
فظهر من مجموع ذلك أنّ سند رواية الصدوق كان صحيحاً، وأما باقي الأسانيد فهي ضعيفة، فتكون الألفاظ المعتمدة في الخطبة هي ما ورد في رواية الشيخ الصدوق وما في معناها في الطرق الأخرى, وأمّا ما انفردت به الطرق الضعيفة فلا يمكن الاعتماد عليه, ما لم تتعاضد الطرق وتبلغ حدّ الاستفاضة.
ص: 89
ص: 90
لقد كان الإمام علي(عليه السلام) دائم التذكير بيوم الغدير, إذ لم يكفّ عن إعلانه في كلّ فرصة سنحت لذلك.
والمرء عندما يستعرض محاوراته وكلماته يجدها شواهد ماثلة للعيان، وحجّة على طول الزمان، منها: ما في خطبة الوسيلة، المرويّة عن الباقر(عليه السلام) وهي خطبة طويلة، ورد فيها أنّ أمير المؤمنين خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيّام من وفاة رسول الله’، وذكر فيها عدّة من فضائله، ومنها واقعة الغدير(1).
ومنها: ما جاء في كتاب سليم بن قيس عند ذكر كيفية بيعة علي(عليه السلام) لأبي بكر: «ثمّ أقبل عليهم علي فقال: يا معشر المسلمين والمهاجرين والأنصار، أنشدكم الله، أسمعتم رسول الله يقول يوم غدير خم كذا وكذا، فلم يدع شيئاً قاله عنه رسول الله إلاّ ذكرهم إيّاه، قالوا: نعم»(2).
ومنها: ما روي من احتجاجه على أبي بكر بذلك - في خبر طويل - جاء فيه: >فأنشدك بالله أنا المولى لك ولكل مسلم بحديث النبيّ صلی الله علیه و آله يوم الغدير أم أنت؟ قال: بل أنت<(3).
ص: 91
ومنها: ما روي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني، قال: كنت في البيت يوم الشورى وسمعت عليّاً يقول: أنشدكم بالله جميعاً... إلى أنْ قال: >فأنشدكم بالله، هل فيكم أحد قال له رسول الله: من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، غيري؟ قالوا: اللهمّ لا<(1).
ومنها: ما روي عن سليم بن قيس الهلالي أيضاً أنه قال: >رأيت علياً في مسجد رسول الله في خلافة عثمان وجماعة يتحدثون ويتذاكرون العلم، فذكروا قريشاً وفضلها وسوابقها وهجرتها وما قال رسول الله’ فيهم من الفضل, إلى أن وصل الكلام إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) فقام فيهم خطيباً مناشداً جماعة من المهاجرين والأنصار, ذاكراً لهم ومشهدهم على جملة من فضائله, بما فيها تنصيبه يوم الغدير, فقال فيما قال: (أفتقرون أنّ رسول الله’ دعاني يوم غدير خم فنادى لي بالولاية، ثمّ قال: ليبلغ الشاهد منكم الغائب؟ قالوا: اللهمّ نعم) إلى أنْ قال: (فأمر الله عز وجلّ [أي أمر نبيّه] أن يعلّمهم ولاة أمرهم وأنْ يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم وزكاتهم وصومهم وحجّهم. فنصبني للناس بغدير خم، ثمّ خطب وقال: (أيّها الناس، إنّ الله أرسلني برسالة ضاق بها صدري, وظننت أنّ الناس تكذبني فأوعدني لأبلغها أو ليعذبني). ثمّ أمر فنودي بالصلاة جامعة، ثمّ خطب فقال: (أيها الناس، أتعلمون أنّ الله عز وجلّ مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم؟) قالوا: بلى، يا رسول الله. قال:
ص: 92
(قم ياعلي)، فقمت، فقال: (من كنت مولاه فعلّي هذا مولاه، اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه). فقام سلمان فقال: يا رسول الله، ولاء كماذا؟ فقال: (ولاء كولايتي، من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه). فأنزل الله تعالى ذكره: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا}. فكبّر النبيّ صلی الله علیه و آله وقال: (الله أكبر، تمام نبوتي وتمام دين الله ولاية علي بعدي). فقام أبو بكر وعمر فقالا: يا رسول الله، هذه الآيات خاصّة في علي؟ قال: (بلى، فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة). قالا: يا رسول الله، بيّنهم لنا. قال: (علي أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كلّ مؤمن ومؤمنة بعدي، ثمّ ابني الحسن، ثمّ ابني الحسين، ثمّ تسعة من ولد الحسين، واحداً بعد واحد، القرآن معهم وهم مع القرآن، لا يفارقونه ولا يفارقهم حتّى يردوا عليّ الحوض)...»(1).
في إثبات الهداة عن كتاب كفاية الأثر عن محمود بن لبيد، قال: «سألت فاطمة: هل نص رسول الله(صلی الله علیه و آله) قبل وفاته على علي بالإمامة؟ فقالت: واعجباه أنسيتم يوم غدير خم؟!»(2).
ص: 93
روي عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنّه ذكر خطبة الإمام الحسن بن علي المجتبى(عليه السلام) عند مهادنته لمعاوية, وممّا جاء فيها: >قد تركت بنو إسرائيل - وكانوا أصحاب موسى - هارون أخاه وخليفته ووزيره، وعكفوا على العجل وأطاعوا فيه سامريهم، وهم يعلمون أنّه خليفة موسى، وقد سمعت هذه الأمة رسول الله’ يقول ذلك لأبي(عليه السلام): (إنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)، وقد رأوا رسول الله’ حين نصبه لهم بغدير خم وسمعوه، ونادى له بالولاية، ثم أمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب<(1).
وفي احتجاج آخر للإمام المجتبى(عليه السلام) على معاوية: >وتعجب - يا معاوية - أنْ سمّى الله من الأئمّة واحداً بعد واحد، وقد نص عليهم رسول الله بغدير خم وفي غير موطن، واحتج بهم عليهم، وأمرهم بطاعتهم، وأخبر أنّ أولهم عليّ بن أبي طالب، وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة من بعده؟ وأنّه خليفته فيهم ووصيه<(2).
وعن الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء(عليه السلام)، كما في كتاب سليم بن قيس: «لما كان قبل موت معاوية بسنة [بسنين / خ. ل] حجّ الحسين بن
ص: 94
علي (صلوات الله عليه) وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر معه، فجمع الحسين(عليه السلام) بني هاشم، رجالهم ونساءهم ومواليهم، ومن الأنصار ممّن يعرفه الحسين(عليه السلام) وأهل بيته، ثمّ أرسل رسلاً: لا تدعوا أحداً ممّن حجّ العام من أصحاب رسول الله’ وسلّم المعروفين بالصلاح والنسك إلا اجمعهم لي. فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل وهم في سرادقه، عامتهم من التابعين، ونحو من مائتي رجل من أصحاب النبيّ، فقام فيهم خطيباً، فحمد الله وأثني عليه، ثمّ قال: أمّا بعد، فإنّ هذا الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، وإني أريد أن أسألكم عن شئ فإن صدقت فصدقوني، وإن كذبت فكذبوني، وأسألكم بحق الله عليكم وحق رسول الله وقرابتي من نبيكم لما سيرتم مقامي هذا، ووصفتم مقالتي، ودعوتم أجمعين وفي أمصاركم وقبائلكم من آمنتم من الناس. (وفي رواية أخرى - بعد قوله فكذبوني: اسمعوا مقالتي واكتبوا قولي، ثم ارجعوا إلى أمصاركم وقبائلكم، فمن آمنتم من الناس) ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا، فإني أتخوف أن يدرس هذا الأمر ويذهب الحق ويغلب، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون. وما ترك شيئاً ممّا أنزل الله فيهم من القرآن إلاّ تلاه وفسّره، ولا شيئاً ممّا قاله رسول الله في أبيه وأخيه وأمّه وفي نفسه وأهل بيته إلاّ رواه، وكلّ ذلك يقول الصحابة: اللهمّ نعم، وقد سمعنا وشهدنا، ويقول التابعي: اللهمّ قد حدّثني به من أصدقه وأأتمنه من الصحابة، فقال: أنشدكم الله إلا حدثتم به من تثقون به وبدينه. قال سليم: فكان فيما ناشدهم الحسين وذكرهم أن قال:... أنشدكم
ص: 95
الله، أتعلمون أنّ رسول الله’ نصّبه يوم غدير خم فنادى له بالولاية وقال: ليبلغ الشاهد الغائب؟ - قالوا: اللهمّ نعم»(1).
روى الصدوق بسنده عن ابن إسحاق قال: «قلت لعلي بن الحسين‘: ما معنى قول النبيّ: (من كنت مولاه فعلي مولاه)، قال: أخبرهم أنه الإمام بعده. وسئل زيد بن علي عن قول رسول الله’: (من كنت مولاه فعلي مولاه)، قال: نصبه علماً ليعلم به حزب الله عند الفرقة»(2).
وردت عن الإمام الباقر روايات عديدة بشأن الغدير، منها: ما روي عن أبان بن تغلب، قال: «سألت أبا جعفر محمّد بن علي عن قول النبيّ صلی الله علیه و آله : (من كنت مولاه فعلي مولاه). فقال: يا أبا سعيد، تسأل عن مثل هذا؟ أعلمهم أنّه يقوم فيهم مقامه»(3).
وفي صحيح فضيل بن يسار عن أبي جعفر(عليه السلام) حول آية التبليغ, قال: «هي الولاية»(4).
ص: 96
جاء عن الإمام جعفر بن محمد الصادق‘ روايات كثيرة حول الغدير، نذكر منها روايتين:
الأولى: ما روي عن عمر بن يزيد، قال: «قال أبو عبد الله، ابتداء منه: العجب يا أبا حفص، لما لقي علي بن أبي طالب، إنّه كان له عشرة آلاف شاهد لم يقدر على أخذ حقّه والرجل يأخذ حقه بشاهدين! وإنّ رسول الله خرج من المدينة حاجّاً وتبعه خمسة آلاف، ورجع من مكّة وقد شيّعه خمسة آلاف من أهل مكة، فلما انتهى إلى الجحفة نزل جبرئيل بولاية علي(عليه السلام)، وقد كانت نزلت ولايته بمنى، وامتنع رسول الله القيام بها لمكان الناس فقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا} ممّا كرهت بمنى، فأمر رسول الله فقمّت السمرات. فقال رجل من الناس: أما والله ليأتينكم بداهية! فقلت لعمر - أي راوي الخبر -: من الرجل؟ فقال: الحبشي»(1).
الثانية: ما روي بسند صحيح عن أبي أسامة زيد الشحام، قال: «كنت عند أبي عبد الله(عليه السلام) وعنده رجل من المعتزلة فسأله عن شئ من السنن، فقال: ما من شيء يحتاج إليه ولد آدم، إلا قد خرجت فيه السنة من الله ومن رسوله، ولولا ذلك ما احتج الله عز وجل علينا بما احتج، فقال له المعتزلي: وبما احتج الله؟ فقال أبو عبد الله(عليه السلام): بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا} حتّى
ص: 97
تمّم الولاية، فلو لم يكمل سنة وفريضة ما احتجّ به»(1).
ورد في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المروية في الكافي والفقيه والتهذيب، قال: «سألت أبا إبراهيم عن الصلاة في مسجد غدير خم بالنهار وأنا مسافر. فقال: صلّ فيه، فإنّ فيه فضلاً، وقد كان أبي يأمر بذلك»(2).
ولعلّ هذا الفضل ناشئ من ارتباط هذا المسجد بواقعة الغدير, وأنّ التأكيد على الصلاة فيه لأجل تذكير الناس بهذه الحادثة, وما يترتب عليها من ضرورة موالاة الإمام علي(عليه السلام).
كما روي عن الإمام الكاظم(عليه السلام) أنه قال: >إذا قيل لهؤلاء الناكثين للبيعة في يوم الغدير: لا تفسدوا في الأرض بإظهار نكث البيعة لعباد الله المستضعفين، فتشوشون عليهم دينهم وتحيرونهم في مذاهبهم، قالوا: إنما نحن مصلحون...<(3).
روي الشيخ الطوسي بسنده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، قال: «كنا عند الرضا والمجلس غاصّ بأهله, فتذاكروا يوم الغدير، فأنكره
ص: 98
بعض الناس، فقال الرضا(عليه السلام): حدثني أبي، عن أبيه‘، قال: إنّ يوم الغدير في السماء أشهر منه في الأرض...، ثم قال: يا ابن أبي نصر، أين ما كنت فاحضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين، فإن الله يغفر لكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ذنوب ستين سنة، ويعتق من النار ضعف ما أعتق في شهر رمضان وليلة القدر وليلة الفطر، والدرهم فيه بألف درهم لإخوانك العارفين، فأفضل على إخوانك في هذا اليوم وسر فيه كل مؤمن ومؤمنة. ثم قال: يا أهل الكوفة، لقد أعطيتم خيراً كثيراً وإنكم لممن امتحن الله قلبه للإيمان، مستقلون مقهورون ممتحنون، يصب عليكم البلاء صبا، ثم يكشفه كاشف الكرب العظيم، والله لو عرف الناس فضل هذا اليوم بحقيقته لصافحتهم الملائكة في كل يوم عشر مرات، ولولا أني أكره التطويل لذكرت من فضل هذا اليوم وما أعطى الله فيه من عرفه ما لا يحصى بعد»(1).
روى ابن أبي عمير، عن أبي جعفر الثاني(عليه السلام) في قوله: {يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} قال: «إنّ رسول الله’ عقد عليهم لعلي بالخلافة في عشرة مواطن, ثمّ أنزل الله: {يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} التي عقدت عليكم لأمير المؤمنين»(2).
وهذه الآية في أول سورة المائدة وهي آخر سورة نزلت على النبي
ص: 99
الأعظم’، وفيها آيتا الإكمال والتبليغ، فالظاهر أن هذه الرواية ناظرة إليها أيضاً.
جاء في كشف الغمّة, عن دلائل عبد الله بن جعفر الحميري، عن الحسن بن ظريف - والسند صحيح - قال: «كتبت إلى أبي محمّد أسأله: ما معنى قول رسول الله: (من كنت مولاه فعلي مولاه)؟ قال: أراد بذلك أن جعله علماً يعرف به حزب الله عند الفرقة»(1).
وروى الصدوق بسند صحيح، قال: «حدّثنا علي بن أحمد (رحمه الله) قال: حدثنا محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد، عن إسحاق بن إسماعيل النيسابوري: أنّ العالم كتب إليه - يعني الحسن بن علي‘ - أنّ الله عزّ وجلّ بمنّه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض، لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليه، بل رحمة منه إليكم، ليميز الخبيث من الطيب، وليبتلي ما في صدوركم، وليمحّص ما في قلوبكم، ولتتسابقوا إلى رحمته، ولتتفاضل منازلكم في جنته، ففرض عليكم الحجّ والعمرة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية، وجعل لكم باباً لتفتحوا به أبواب الفرائض, ومفتاحاً إلى سبيله، ولولا محمّد والأوصياء من ولده كنتم حيارى كالبهائم لا تعرفون فرضاً من الفرائض، وهل تدخل قرية إلا من بابها، فلما مَنّ الله عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيكم، قال الله عزّ وجلّ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
ص: 100
دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا}، وفرض عليكم لأوليائه حقوقاً، فأمركم بأدائها إليهم ليحلّ لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومأكلكم ومشربكم، ويعرفكم بذلك البركة والنماء والثمرة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب، وقال الله تبارك وتعالى: {قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدةَ فِي الْقُرْبَى}، فاعلموا أنّ من يبخل فإنّما يبخل على نفسه، إنّ الله هو الغني وأنتم الفقراء إليه، ثمّ تُردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون، والعاقبة للمتقين، والحمد لله ربّ العالمين»(1).
ورد في دعاء الندبة المنسوب إلى الإمام صاحب الزمان (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ذكر حديث الغدير، قال: >... فلمّا انقضت أيّامه أقام وليّه عليّ بن أبي طالب (صلواتك عليهما وعلى آلهما) هادياً، إذ كان هو المنذر. ولكلّ قوم هاد، فقال والملأ أمامه: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله...<(2).
ص: 101
ص: 102
يمكن لنا أن نصنف متكلّمي الشيعة إلى فريقين، وذلك بلحاظ كيفيّة تعاملهم مع حديث الغدير والنظرة إليه:
الفريق الأول: وهم العلماء الذين استدلّوا بحديث الغدير على ولاية وإمامة أمير المؤمنين(عليه السلام)، وهم جل علمائنا من المتكلمين من المتقدمين والمتأخرين، الذين تعرضوا لمسألة ولاية أمير المؤمنين(عليه السلام). فحديث الغدير من الأدلة الروائية المهمة الدالة على الإمامة والولاية، حيث لا يمكن التطرق إلى هذه المسألة وأدلتها دون أن يستدل بهذا الحديث الهام، بل أن البعض منهم أفرد كتباً لذلك.
والفريق الآخر: وهم متكلّموا الشيعة الذين لم يكتفوا بالاستدلال بحديث الغدير على الإمامة والولاية، وإنّما انبروا إلى المنافحة عن الاستدلال بهذ الحديث وردّ الشبهات المثارة ضدّه من حيث السند والدلالة.
هذا, وحيث إنّ عدد علماء الكلام الذين تعرضوا لحديث الغدير، سواء كانوا من الفريق الأول أو من الفريق الثاني كثير جدّاً, لذا لا يمكن ذكر جميع المصاديق في هذا البحث وسنكتفي بذكر أمثلة منهم:
ص: 103
* أولاً: الشيخ المفيد المتوفى سنة 413 ه-(1)
يعدّ الشيخ المفيد من أوائل علماء الشيعة الذين دافعوا عن حديث الغدير، وبيّنوا استدلال الشيعة وتمسّكهم به في الدلالة على تعيين الإمامة بالنصّ, فألّف رسالة مستقلّة في تفسير معنى كلمة المولى الواردة في الحديث، وأثبت دلالتها على الأولى بالتصرف, وأنكر دلالتها على سائر المعاني المحتملة، وسمّى هذه الرسالة: أقسام المولى في اللسان.
وقد نقلت عنه حادثة في مجال دفاعه عن حديث الغدير، وهي أنّ شيخه أبا ياسر غلام أبي الحيش، قال له يوماً: لم لا تقرأ على علي بن عيسى الرماني الكلام وتستفيد منه؟ فقال: ما أعرفه ولا لي به أنس، فأرسل معه من يدله عليه, فلمّا وصل دخل عليه - والمجلس غاص بأهله - وقعد حيث انتهى به المجلس، وكلّما خفّ الناس قرب منه، فدخل إليه داخل، فقال: بالباب إنسان يؤثر الحضور بمجلسك وهو من أهل البصرة. فقال: أهو من أهل العلم؟ فقال الغلام: لا أعلم، إلاّ أنّه يؤثر الحضور بمجلسك، فأذن له، فدخل عليه فأكرمه، وطال الحديث بينهما، فقال الرجل لعليّ بن عيسى: ما تقول في يوم الغدير والغار؟ فقال: أمّا خبر الغار فدراية، وأما خبر الغدير فرواية، والرواية لا توجب ما توجب الدراية، قال: فانصرف البصري ولم يحر
ص: 104
جواباً، قال المفيد: فقدمت، فقلت: أيها الشيخ مسألة، فقال: هات مسألتك. فقلت: ما تقول فيمن قاتل الإمام العادل؟ فقال: يكون كافراً، ثمّ استدرك فقال: فاسقاً، فقلت: ما تقول في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)؟ فقال: إمام، فقلت: فما تقول في يوم الجمل وطلحة والزبير؟ قال: تابا. قلت: أمّا خبر الجمل فدراية وأمّا خبر التوبة فرواية. فقال لي: أكنت حاضراً وقد سألني البصري؟ فقلت: نعم. قال: رواية برواية ودراية بدراية. ثمّ قال: بمن تُعرف؟ وعلى من تقرأ؟ قلت: أعرف بابن المعلم، وأقرأ على الشيخ أبي عبد الله الجعلي، فقال: موضعك. ودخل منزله وخرج ومعه رقعة قد كتبها وألصقها، وقال لي: أوصل هذه الرقعة إلى أبي عبد الله، فجئت بها إليه، فقرأها ولم يزل يضحك هو ونفسه، ثم قال لي: أي شئ جرى لك في مجلسه، فقد وصّاني بك، ولقبك بالمفيد، فذكرت له المجلس بقصّته، فتبسّم(1).
يعتبر الشريف المرتضى من كبار متكلّمي الإمامية، ومن المدافعين الأشدّاء عن حريم الإمامة، وما كتابه الشافي في الإمامة إلاّ شاهد واضح على ذلك, والذي ردّ فيه جميع الشبهات التي أثارها القاضي عبد الجبار المعتزلي في كتابه المغني حول حديث الغدير، كما أنه أفرد رسالة مستقلة من رسائله رد فيها على الشبهات الموجهة ضد الاستدلال بحديث الغدير
ص: 105
على الإمامة، جاء في مقدمتها «مسألة في الجواب عن الشبهات الواردة لخبر يوم الغدير...»(1).
قال الشيخ الطوسي في الاقتصاد: «وممّا يدل على إمامته(عليه السلام) الخبر المعروف الذي لم يدفعه أحد من أهل العلم يعتد بقوله، أنّ النبي(صلی الله علیه و آله) حين انصرف من حجّة الوداع وبلغ الموضع المعروف بغدير خمّ نزل ونادى في الناس الصلاة جامعة، فاجتمع الناس...»(2).
قال أبو المجد الحلبي: «نصّ يوم الغدير: قوله’: (من كنت مولاه فعلي مولاه). ولا ريب عند محصّل أنّه قدم مقدمة تفيد نفاذ الأمر وإيجاب الطاعة، وصرّح فيها بذكر (الأولى) بذلك، ثمّ عطف عليها بهذا اللفظ الذي هو في معناها، فكان مراده بالجملتين واحداً، إذ المولى بمعنى الأولى، ولو أراد به غيره لم يكن كلامه مفيداً، فإنّ جميع ما تحتمله لفظة (مولى) من الأقسام المعروفة في اللغة لا تصحّ أن تكون شئ منها مراداً هاهنا سوى (الأولى) لأنّها كلّها ترجع في التحقيق إليه، فكأنّه أصل لها، ولأن منها ما علم استحالته، ومنها ما علم ضرورة ثبوته بينهما، فلا فائدة في إشارته إليه ونصه به، سيما في ذلك المحفل العظيم والجمع الكثير
ص: 106
والوقت الشديد، مع المشهور من تهنئة من حضر، وإعلانهم بذلك نثراً ونظماً، ورضاه’، وسروره بكلّ ما ظهر منهم من ذلك. فلولا أنّه مراده لم يسغ له الرضى به، ولوجب عليه الإعلام بغرضه، والإبانة عن قصده، لاستحالة التلبيس والتعمية عليه، فكأنّه’ قال - بعد أن قدرهم على فرض طاعته، وثبوت ولايته، التي هو نفاذ أمره ونهيه فيهم عاطفاً على النسق من غير تراخ -: (فمن كنت أولى به منه فعلي بعدي أولى وأحقّ به منه)، ولو أراد ما سوى هذا المعنى لم يكن لكلامه معنى، ويجلّ عن ذلك، ولا معنى للإمام إلاّ من اختصّ بهذا الشأن»(1).
يُعدّ العلامة الحلّي من أكابر متكلّمي الإمامية أيضاً، والذين كان لهم دور بارز في إرساء عقايد الشيعة والدفاع عنها، فليس من الغريب أن يرد ذكر حديث الغدير ويتكرر في مؤلفاته ومصنفاته الكثيرة، ففي كتابه (كشف اليقين)، ذكر في المبحث الثامن تحت عنوان: في أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله نصّ بأنّه مولى من هو مولاه: قضية بعث النبي صلی الله علیه و آله الإمام علي إلى اليمن, وتوجهه هو’ إلى الحجّ , والتحاق الإمام علي(عليه السلام) بالنبي(صلی الله علیه و آله) بعد رجوعه منها، ثمّ ذكر حادثة الغدير, وأنّ النبي صلی الله علیه و آله بعد أن قضی حجّه عاد إلی المدينة، وفي طريق عودته وصل غدير خم، فنزل به هو والمسلمون, فنزل عليه قوله تعالى: {يا أَيّهَا الرسُولُ بَلغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن ربكَ...} ثمّ
ص: 107
ذكر حديث الغدير, وتهنئة المسلمون لعلي بإمرة المؤمنين بما فيهم عمر بن الخطاب(1).
وقال في كتابه (كشف المراد) حول حدث الغدير: «أقول: هذا دليل آخر على إمامة علي(عليه السلام)، وتقريره: أنّ النبي صلی الله علیه و آله قال في غدير خم، وقد رجع من حجّة الوداع: معاشر المسلمين, ألست أولى بكم من أنفسكم، قالوا: بلى، قال’: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله. وقد نقل المسلمون كافة هذا الحديث نقلاً متواتراً, لكنّهم اختلفوا في دلالته على الإمامة، ووجه الاستدلال به أنّ لفظة (مولى) تفيد الأولى...»(2).
لا تخفي مكانة العلامة الشهيد نور الله التستري بين متكلمي الإمامية، الذين كان لهم باع كبير في بيان عقايد الشيعة والدفاع عنها، وله عدة مؤلفات في هذا السياق من أهمها: الصوارم المهرقة، وإحقاق الحق، وغيرها، وكان لحديث الغدير أهمية خاصة عنده، فقد ألف كتاباً مستقلاً عن حديث الغدير أسماه: (بحر الغدير في إثبات تواتر الغدير سنداً ونصيته دلالة)، وفي كتابه الصوارم المهرقة أورد ما يدل على تواتر حديث عند أهل السنة(3).
ص: 108
وهو من وجوه الشيعة وعلمائهم المعروفين.
قال في كتابه (المراجعات) تحت عنوان شذرة من شذرات الغدير: >أخرج الطبراني وغيره بسند مجمع على صحّته، عن زيد بن أرقم، قال: خطب رسول الله’ بغدير خم تحت شجرات، فقال: (أيها الناس يوشك أن أدعى فأجيب، وإني مسؤول، وإنكم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟) قالوا: نشهد أنّك قد بلغت وجاهدت ونصحت، فجزاك الله خيرا، فقال: (أليس تشهدون أنْ لا إله إلا الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأنّ جنّته حق، وأن ناره حق، وأنّ الموت حق، وأنّ البعث حق بعد الموت، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟) قالوا: بلى نشهد بذلك، قال: (اللهمّ اشهد)، ثمّ قال: (يا أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه، فهذا مولاه - يعني علياً - اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه)<(1).
قال: >لمّا انتهت مراسم الحج، وتعلّم المسلمون مناسك الحج من رسول الله، قرّر رسول الله(صلی الله علیه و آله) الرحيل عن مكّة، والعودة إلى المدينة، فأصدر أمراً بذلك، ولمّا بلغ موكب الحجيج العظيم إلى منطقة رابغ التي تبعد عن الجحفة بثلاثة أميال، نزل أمين الوحي جبرئيل على رسول
ص: 109
الله’ بمنطقة تدعى غدير خم، وخاطبه بالآية التالية: {يَا أَيهَا الرسُولُ بَلغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن ربكَ وَإِن لمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ الناسِ}. إن لسان الآية وظاهرها يكشف عن أن الله تعالى ألقى على عاتق النبي(صلی الله علیه و آله) مسؤولية القيام بمهمة خطيرة، وأي أمر أكثر خطورة من أن ينصب علياً(عليه السلام) لمقام الخلافة من بعده على مرأى ومسمع من مائة ألف شاهد؟! من هنا أصدر رسول الله(صلی الله علیه و آله) أمره بالتوقف، فتوقف طلائع ذلك الموكب العظيم، والتحق بهم من تأخر..<(1).
قال: >وحديث الغدير من أظهر مصاديق ما أنزل إلى رسول الله، وأتم به الله سبحانه وتعالى الحجة على الأمة، قال تعالى: {يَا أَيهَا الرسُولُ بَلغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن ربكَ وَإِن لمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلغْتَ رِسَالَتَهُ...}.
وحديث الغدير حديث عظيم جليل لجهات عديدة: منها: تلك الظروف الخاصة التي خطب فيها رسول الله هذه الخطبة. ومنها: كون اللفظ الوارد عن رسول الله في هذه الخطبة لفظاً لا مرية فيه ولا ارتياب في دلالته على إمامة أمير المؤمنين. ومنها: نزول الآيات من القرآن الكريم. ولقد بذلت جهود كثيرة في إبقاء هذا الحديث ونقله ونشره، كما بذلت جهود في رده وكتمانه والتعتيم عليه<(2).
ص: 110
تطرق فقهاء الشيعة إلى حديث الغدير في موارد متعددة من بحوثهم؛ وقد صرح بعضهم بثبوته، واستدل بعضهم الآخر به على بعض الفروع الفقهية، مما يشهد على صحته عندهم، وقد ورد ذلك في طيات أبحاثهم وكتبهم الفقهية، وقد تتبعنا بعض تلك الموارد في كتب الفقهاء من المتقدّمين والمتأخّرين، منهم:
قال المحقق البحراني في البحث عن ولي الميت: «وأمّا ما توهمه صاحب المدارك في هذا المقام - وإن تبعه عليه جملة من الأعلام - حيث قال بعد ذكر رواية غياث المذكورة: وهي مع ضعف سندها غير دالة على أن المراد بالأولوية الأولوية في الميراث، ولا يبعد أن المراد بالأولى بالميت هنا أشد الناس به علاقة لأنه المتبادر، والمسألة محل توقف. انتهى
ففيه: أن كلامه هذا مبني على أن المراد بقولهم في تلك الأخبار: (أولى الناس به) معنى التفضيل، فتوهم أن المتبادر من الأولوية على هذا التقدير الأولوية بالقرب وشدة العلاقة، وليس كذلك بل المراد بهذا اللفظ إنما هو الكناية على الولي المالك للتصرف، والتعبير عنه بذلك قد وقع في جملة من أخبار الغدير من قوله’: (ألست أولى بكم من أنفسكم؟
ص: 111
قالوا بلى يا رسول الله. قال من كنت مولاه فعلي مولاه)، أي: ألست المالك للتصرف فيكم دون أنفسكم. ويزيد ذلك بياناً ما نقله الفاضل الشيخ علي ابن الشيخ محمد بن الشيخ حسن ابن شيخنا الشهيد الثاني في كتاب (الدر المنظوم والمنثور) عن العلامة الفيلسوف الشيخ ميثم بن علي بن ميثم البحراني (عطر الله مرقده) في كتاب النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة من أن لفظ (الأولى) إنما يطلق لغة على من يملك التدبير في الأمر والتصرف فيه، قال: وأهل اللغة لا يطلقون لفظ (الأولى) إلا في من ملك تدبير الأمر والتصرف فيه. وبذلك يظهر أن (الأولى) في جملة أخبار الميت من أخبار الغسل وأخبار الصلاة وغيرهما إنما هو بمعنى المالك للتصرف وتدبير الأمر، وهو معنى الولي، كما في ولي الطفل وولي البكر ونحو ذلك»(1).
وقال أيضاً في الصلاة على الميت: >لو حضر إمام الأصل فإنّه أولى من الولي كائناً من كان لقيامه مقام النبي صلی الله علیه و آله الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم.
وقوله’ في خطبة الغدير (ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله, قال: من كنت مولاه فعلى مولاه)<(2).
ص: 112
قال الشيخ جعفر كاشف الغطاء المتوفى 1228 ه- : «وروى الثعلبي بأربع طرق في تفسير قوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك}, وأنّها لمّا نزلت أخذ رسول الله’ بيد علي(عليه السلام) وقال: (من كنت مولاه فعليّ مولاه), وروى أحمد بن حنبل في مسنده بستة عشر طريقاً, ورواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين, ورواه المغازلي بست طرق ثمّ قال: رواه عن النبي صلی الله علیه و آله نحو مائة رجل.
وتأويل المتوغلين في بغضه والانحراف منه لهذا الحديث كتغطية وجه النهار, وخبر يوم الغدير الذي نقلوه في صحاحهم وغيرها بطريق لا حصر لها حتى صنفوا فيه الكتب والرسايل وفيه: أنّ النبي صلی الله علیه و آله قال في حق عليّ: (من كنت مولاه فهذا علي(عليه السلام) مولاه)، والمراد ولاية التصرف والأمر والنهي؛ لأنّه الظاهر أو لأنه لا يرضى العاقل أن النبي صلی الله علیه و آله يأمر بنصب الرحال في وقت الحر الشديد ثمّ يقوم ويجمع الناس ويخطبهم في ذلك الوقت لا لنصب خلافة ولا إمارة سرية ولا إفتاء ولا قضاء ولا إمامة جماعة ولا تولية بيت مال ولا حكومة قرية ولا إمارة حاج ولا غير ذلك إذ كان خالياً من الجميع في أيّامهم, بل لمجرد بيان أنّ من كنت صاحبه فعلي(عليه السلام) صاحبه, ثمّ ما معنى تهنية القوم له<(1).
وقال في مورد آخر: >الذي أنكره المنافقون يوم الغدير وملأ من
ص: 113
الحسد قلوبهم النصّ من النبي صلی الله علیه و آله عليه بإمرة المؤمنين, وعن الصادق(عليه السلام): (من قال لا إله الله, محمّد رسول الله فليقل: عليّ أمير المؤمنين(عليه السلام))، ويجرى في وضعه في الإقامة نحو ما جرى في الأذان»(1).
قال الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، عند البحث عن الصيام الاستحبابي: >(و) كذا (يوم الغدير) وهو الذي أخذ فيه النبي صلی الله علیه و آله البيعة لأمير المؤمنين(عليه السلام) في غدير خم بعد رجوعه من حجة الوداع، وكان اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة من السنة العاشرة من الهجرة على المعروف بين الأصحاب كما نسبه إليهم غير واحد<(2).
وقال أيضاً عند البحث عن الصلاة علي الميت: >(وإمام الأصل(عليه السلام) أولى بالصلاة من كل أحد) بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه، بل لعلّه ضروري المذهب كما اعترف به في كشف اللثام، لأنّه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، أو قائم مقامه في ذلك، كما نادى به النبيّ صلی الله علیه و آله في الغدير وإن كان مورده أمير المؤمنين(عليه السلام) إلاّ أنّ المعلوم اشتراك الأئمّة(عليهم السلام) جميعاً به، لاشتراكهم(عليهم السلام) في الإمامة المقتضية له...<(3).
ص: 114
قال المحقق الهمداني عند البحث عن صلاة الميت: «لأن إمام الأصل أولى بالولي والمولى عليه فيما يتعلق بهما من أنفسهما بنص خبر الغدير المتواتر بين الفريقين، وكيف كان، فمن هو أولى الناس به هو من كان أوليهم بميراثه»(1).
وقال أيضاً عند البحث عن إحياء الأراضي الميتة: «وفي خبر أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر(عليه السلام) قال, وجدنا في كتاب علي(عليه السلام): أنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ... فمن أحيى أرضاً من المسلمين فليعمرها وليؤت خراجها إلى الامام من أهل بيتي, وله ما أكل منها.. الحديث, إلى غير ذلك من الأخبار، وربّما يؤيّده قوله’ في خطبة الغدير: (ألست أولى بكم من أنفسكم) واعتراف المخاطبين به ثمّ إثباته لعلى(عليه السلام), فإنّ كونه أولى بهم من أنفسهم يستلزم كونه أحقّ منهم بالتصرف في أموالهم، ولا نعنى بالملكية إلاّ هذا»(2).
قال السيد محسن الحكيم عند البحث عن ولاية الأب والجد والنبيّ صلی الله علیه و آله والإمام: «مقتضى قوله تعالى: {النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم} ونحوه مثل قوله(صلی الله علیه و آله) في رواية أيوب بن عطية: (أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه)، وقوله’ - في حديث الغدير -: (ألست أولى بكم
ص: 115
من أنفسكم؟) قالوا: بلى قال: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه)، ثبوت الولاية للنبي والإمام على النفوس، ومقتضى عدم الفصل والأولوية ثبوت الولاية على الأموال أيضاً»(1).
قال السيد الخوئي عند الكلام عن وظائف الإمام:
>نصب الرسول’ الأئمة(عليهم السلام) لأمرين:
الأوّل: مسألة إبلاغ النّاس الأحكام الشرعية؛ حيث إنّهم عدل القرآن، كما ورد في حديث الثقلين، حيث قال’: >إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله عزّ وجل وعترتي أهل بيتي، وانّهم لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض<، فعلمنا أن بيان الأحكام وظيفتهم(عليهم السلام).
الثاني : الزعامة على الرعيّة؛ حيث أثبتها رسول الله’ في قضيّة غدير خم وغيرها، حيث أثبت لهم الولاية من بعده كما كانت له’ في حياته<(2).
أما عن ثبوت ولاية الإمام(عليه السلام) على المؤمنين قال: >وهذا ثابت في موارد عديدة، منها: قضية الغدير المشهورة، التي حضرها كثير من المسلمين من مختلف الأقطار والأمصار، وكانت بمرأى ومسمع من الصحابة أنفسهم، حيث جمع النبي صلی الله علیه و آله الناس بعد رجوعه من حجة
ص: 116
الوداع في غدير خم، الذي كان على مفترق طرق، وكان الوقت شديد الحر، وخطب بالناس خطبته المعروفة، بعد أن قال لهم: (انه يوشك أن أدعى فأجيب)، وقال للناس: (ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟) فقالوا: اللهم بلى، فقال، وقد رفع رسول الله’ علياً(عليه السلام) حتى بان بياض إبطيه: (من كنت مولاه فهذا على مولاه اللَّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه)، وأخذ البيعة لعلي(عليهم السلام)من الناس، حتى قال لعلي نفس الخليفة الثاني: بخ بخ لك يا علي لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، فكان علي(عليه السلام) هو الولي على الأمة بعد رسول الله، وكل تفسير آخر لكلام الصحابة ينافي فهم الصحابة أنفسهم، حيث انهم فهموا الولاية على الناس بقرينة استشهاد رسول الله’ بكونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم الظاهرة في ولاية الرسول’على الأمة، فأثبت النبي صلی الله علیه و آله هذه الولاية التابعة له بصريح القرآن لعلي(عليه السلام)<(1).
ص: 117
ص: 118
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: حديث الغدير في الروايات والأخبار
المبحث الثاني: سند حديث الغدير عند علماء أهل السنة
المبحث الثالث: دلالة حديث الغدير عند علماء أهل السنة
المبحث الرابع: مؤلفات مستقلة في حديث الغدير
ص: 119
ص: 120
يلاحظ المتتبع لمصادر أهل السنة أنّ لحديث الغدير حضوراً كبيراً فيها، فقد تناوله المحدثون والعلماء من مختلف طبقاتهم ومشاربهم، بالنقل والتحقيق والتدقيق، فتعددت طرقه ومصادره عندهم, واختلفت أحكامهم عليه، فحظي بالقبول عند نسبة كبيرة منهم؛ فلذا سوف نتعرض للحديث في الأخبار والروايات وفي أقوال العلماء فيه من جهة السند والدلالة.
لحديث الغدير أسانيد وطرق متعددة تتجاوز حدّ الإحصاء، بحيث أخرجه كبار الأعلام من محدّثي أهل السنّة عن أكثر من مائة صحابي(1)، فالحديث على سبيل المثال:
ينتهي إلى أبي الطفيل عن سبعة عشر رجلاً(2).
وينتهي إلى عميرة عن ثمانية عشر رجلاً(3).
وينتهي إلى زيد بن أرقم عن ستة عشر رجلاً(4).
وينتهي إلى زياد بن أبي زياد عن اثني عشر بدرياً.
ص: 121
وينتهي إلى زاذان عن ثلاثة عشر رجلاً، وإلى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن اثني عشر رجلاً.
وينتهي إلى عبد خير وعمرو ذي مُرة وحَبة العُرَني، عن اثني عشر رجلاً(1).
وينتهي إلى أبي قِلابة، عن بضعة عشر رجلاً(2).
وإلى أبي هريرة وأنس وأبي سعيد عن تسعة رجال(3).
قال الأميني في كتابه (الغدير): «وقد رواه أحمد بن حنبل من أربعين طريقاً، وابن جرير الطبري من نيف وسبعين طريقاً، وابن عقدة من مائة وخمس طرق، وأبو سعيد السجستاني من مائة وعشرين طريقاً، وأبو بكر الجُعابي من مائة وخمس وعشرين طريقاً، وفي تعليق هداية العقول (ص30) عن الأمير محمد اليمني أحد شعراء الغدير في القرن الثاني عشر: أن له مائة وخمسين طريقاً»(4).
وقال في موضع آخر: «وقال العلوي الهدار في القول الفصل (1/445): كان الحافظ أبو العلاء العطار الهمداني يقول: أروي هذا الحديث بمائتين وخمسين طريقاً»(5).
ص: 122
وقد ألف بعض العلماء كتباً في جمع طرق حديث الغدير، منهم:
أبو العباس بن عقدة، قال عنه ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: «وأما حديث (من كنت مولاه فعلي مولاه) فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جداً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان»(1).
وقال أيضاً في معرض كلامه عن حديث الغدير: «واعتنى بجمع طرقه أبو العباس ابن عقدة، فأخرجه من حديث سبعين صحابياً أو أكثر»(2).
ومحمّد بن جرير الطبري، قال عنه الذهبي: «رأيت مجلداً من طرق الحديث لابن جرير، فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق»(3).
وقال الذهبي أيضاً في سير أعلام النبلاء عند ترجمته للطبري: «قلت: جَمَعَ طرق حديث غدير خم في أربعة أجزاء، رأيت شطره، فبهرني سعة رواياته، وجزمت بوقوع ذلك»، كما قال ابن كثير في البداية والنهاية في ترجمة الطبري: «أبو جعفر بن جرير الطبري... وقد رأيت له كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين، وكتاباً جمع فيه طريق حديث الطير»(4).
ص: 123
ورد حديث الغدير في أهم المصادر وأقدمها عند أهل السنة، ونقله كبار المحدثين والرواة عن عدد كبير من الصحابة والتابعين بطرق وأسانيد متعددة، وسنقوم بنقل عددٍ من هذه الأحاديث والطرق:
أخرج الترمذي في سننه بسنده عن النبي صلی الله علیه و آله ، قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» قال أبو عيسى: «هذا حديث حسن صحيح»(1).
وقد أدرجه الألباني في صحيح سنن الترمذي، قائلاً: «صحيح»(2)، وذكره أيضاً في كتابه (سلسلة الأحاديث الصحيحة)، حيث قال: «أخرجه الترمذي، قال: حديث حسن صحيح، قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين»(3).
وقد أخرج هذا الحديث أيضاً بألفاظه أحمد بن حنبل في مسنده بسند صحيح(4)، قال عنه الهيثمي في زوائده: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح»(5)، وقد صحح هذا الحديث كل من حقق كتاب المسند وعلق عليه، منهم شعيب الأرنؤوط، قال: «إسناده صحيح»(6)، ومنهم حمزة أحمد
ص: 124
الزين، حيث قال أيضاً: «إسناده صحيح»(1).
بعد أن ذكرنا ما أخرجه الترمذي في سننه بسنده عن النبي ’، قال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» استوقفنا في هذا المضمار تعليق الترمذي وحكمه على هذا الحديث، حيث وجدنا أن عبارته في النسخ القديمة هي: «هذا حديث حسن صحيح»، وهذا موجود في النسخة التي حققها وشرحها أحمد محمد شاكر وإبراهيم عطوة عوض في سنة (1938م)(2)، ولكن عند ما راجعنا المطبوع حديثاً في كتاب السنن للترمذي استغربنا كثيراً حينما لاحظنا أن الموجود في عبارة الترمذي هو قوله: «هذا حديث حسن غريب» وهذا في النسخة الجديدة التي حققها مصطفى الذهبي والمطبوعة في سنة (1999م) (3).
وبعد أن واجهتنا مشكلة الاختلاف في النسخ، حاولنا الرجوع إلى الكتب التي حققت وشرحت سنن الترمذي، فلم نجد أحداً أشار إلى هذه المسألة أو نبه على اختلاف نسخ الكتاب.
ولكن في أثناء مراجعتنا لتلك الكتب، لاحظنا أن الشراح اختلفوا في نقل العبارة المذكورة، ففي كتاب (العرف الشذي شرح سنن الترمذي) للكشميري بتحقيق الشيخ محمود شاكر، أورد العبارة بلفظها الأول، وهو
ص: 125
قوله: «هذا حديث حسن صحيح»(1)، ومن الواضح أن الكشميري من أعلام القرن السادس، واللفظ ذاته ورد في كتاب (عارضة الأحوذي بشرح جامع الترمذي) حيث أورد قوله: «هذا حديث حسن صحيح»(2)، وكتاب عارضة الأحوذي هو من تأليف الحافظ ابن العربي المتوفى في سنة (543 ه-)، ولكن المباركفوري في كتابه (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي) أورد العبارة بلفظها الاخر، وهو قوله: «هذا حديث حسن غريب»(3)، والمباركفوري توفي في سنة (1353ه-).
وهذا ما يثير لدينا الشكوك بوجود أياد خفية تحاول أن تتلاعب بألفاظ الروايات الواردة في فضائل علي(عليه السلام)، فما يدرينا لعل هناك روايات كثيرة في الفضائل قد صحّحها الترمذي وأترابه، ولكن تلاعب من جاء بعدهم في تلك التصحيحات حذفاً أو تصحيفاً؟
والغريب في الأمر أنّ الألباني لم يلتفت في تحقيقاته إلى هذا الاختلاف في العبارة، حيث أورد العبارة الثانية في كتابه (صحيح سنن الترمذي)، وهو قول الترمذي: «هذا حديث حسن غريب»(4)، وقد صحح الألباني الحديث المذكور بعد ذلك، ثم أرجع القارئ إلى ما حقّقه في كتاب (سلسلة الأحاديث الصحيحة)، حيث أثبت هناك صحّة حديث
ص: 126
الغدير بألفاظه المختلفة.
ولكن عندما رجعنا إلى كتابه (سلسلة الأحاديث الصحيحة) وجدنا أن الألباني قد نقل عبارة الترمذي بلفظها الأول، حيث قال في السلسة: «من كنت مولاه فعلى مولاه أخرجه الترمذي (298/2) وقال: حديث حسن صحيح»(1).
وإذا كان الألباني - وهو من أعمدة التحقيق عند الوهابيين - لا يلتفت إلى هذا الاختلاف الفاضح بين النسخ، فما بالك بمن هو دونه ممّن يدعي في العلم معرفة.
أخرج ابن ماجه في سننه بسند صحيح، عن سعد بن أبي وقاص، قال: «قدم معاوية في بعض حجاته، فدخل عليه سعد، فذكروا علياً، فنال منه، فغضب سعد وقال: تقول هذا لرجل، سمعت رسول الله’ يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه»(2)، قال الألباني في حكمه على هذا الحديث من السنن: «صحيح»(3).
أخرج ابن ماجه في سننه بسند صحيح أيضاً، عن البراء بن عازب، قال: «أقبلنا مع رسول الله’ في حجته التي حج، فنزل في بعض الطريق،
ص: 127
فأمر الصلاة جامعة، فأخذ بيد علي رضي الله عنه، فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فهذا ولي من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، اللهم عاد من عاداه»(1)، وقال الألباني أيضاً في تعليقه على الحديث: «صحيح»(2).
أخرج أحمد في مسنده بسند صحيح عن رياح بن الحرث، قال: «جاء رهط إلى علي بالرحبة، فقالوا: السلام عليك يا مولانا، قال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم غدير خم يقول: (من كنت مولاه فإن هذا مولاه) قال رياح: فلما مضوا تبعتهم، فسألت: من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري»(3).
قال حمزة أحمد الزين في تعليقه على الحديث: «إسناده صحيح»(4)، وقال الهيثمي في حكمه على الحديث: «ورجال أحمد ثقات»(5)، وقال شعيب الأرنؤوط في الحديث: «إسناده صحيح»(6)، وقال الألباني حول
ص: 128
الحديث: «وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات»(1).
أخرج أحمد في مسنده أيضاً، بسند صحيح، عن حسين بن محمد وأبي نعيم قالا: «حدثنا فطر، عن أبي الطفيل، قال: جمع علي(رضي الله تعالى عنه) الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام، فقام ثلاثون من الناس، وقال أبو نعيم: فقام ناس كثير، فشهدوا: حين أخذ بيده، فقال للناس: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، قال: فخرجت وكأن في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إني سمعت علياً (رضي الله تعالى عنه) يقول: كذا وكذا، قال: فما تنكر، قد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول ذلك له»(2).
قال الهيثمي بعد أن أورد الحديث: «رواه البزار وأحمد ورجاله رجال الصحيح، غير فطر بن خليفة وهو ثقة»(3)، وقال حمزة أحمد الزين: «إسناده صحيح»(4).
وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على الحديث: «إسناده صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير فطر بن خليفة فمن رجال أصحاب السنن،
ص: 129
وروى له البخاري مقروناً»(1)، وقال الألباني في سلسلته الصحيحة: «أخرجه أحمد (4/370) وابن حبان في صحيحه (2205 - موارد الظمآن)، وابن أبي عاصم (1367 و1368) والطبراني (4968) والضياء في المختارة (رقم - 527 بتحقيقي)» ثمّ قال: «قلت: وإسناده صحيح على شرط البخاري»(2).
أخرج الحاكم في المستدرك بسند صحيح عن زيد بن أرقم، قال: «خرجنا مع رسول الله’ حتى انتهينا إلى غدير خم، فأمر بدوح فكسح في يوم ما أتى علينا يوم كان أشد حراً منه، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: يا أيها الناس، إنه لم يبعث نبي قط إلا ما عاش نصف ما عاش الذي كان قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم ما لن تضلوا بعده كتاب الله عز وجل، ثم قام فأخذ بيد علي(رضي الله عنه) فقال: يا أيها الناس، من أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، [ألست أولى بكم من أنفسكم؟](3) قالوا: بلى، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».
وتابعه الذهبي في التلخيص بقوله: «صحيح»(4).
ص: 130
أخرج النسائي في الخصائص بسند صحيح عن زيد بن أرقم، قال: «لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات(1) فقمن، ثم قال: كأني دعيت فأجبت، إني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال: إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد: سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه»(2).
وقد أخرج الحاكم في المستدرك هذا الحديث بالسند ذاته، وقال عنه: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله» وسكت عنه الذهبي في التلخيص(3)، وقال ابن كثير بعد أن أخرج الحديث: «قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا حديث صحيح»(4)، وقد وافق الألباني الحاكم وأقره على أن هذا الحديث على شرط الشيخين، بقوله في السلسلة الصحيحة: «وهو كما قال» ثم أضاف: «لو لا أن حبيباً كان مدلساً»(5).
ص: 131
ولا أدري ما هي قيمة هذا الاستثناء، بعد أن كان حبيب بن أبي ثابت من رجال البخاري ومسلم، بل روى له الستة واحتجّوا بحديثه، فقد احتجّ البخاري بحديثه في كتاب الصوم، وكذا في كتاب البيوع وكتاب الجهاد والسير وكتاب بدء الخلق وكتاب المناقب وكتاب المغازي وكتاب التفسير وكتاب الطب وكتاب الفتن وغيرها من الكتب(1).
كما احتج بحديثه أيضاً مسلم في صحيحه في كتاب الصلاة وكتاب الجنائز وكتاب الجمعة وكتاب الصوم وكتاب الحج وكتاب الجهاد والسير وكتاب السلام وغيرها من الكتب(2).
وقال عنه الذهبي في الكاشف: «كان ثقة مجتهداً فقيهاً»(3)، كما قال عنه أيضاً في السير أنه: «الإمام الحافظ، فقيه الكوفة»(4)، كما قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال: «من ثقات التابعين... قلت: وثقه يحيى بن معين وجماعة، واحتج به كل من أفراد الصحاح بلا تردد»(5).
وفي تهذيب التهذيب لابن حجر: «وقال ابن عدي: هو أشهر وأكثر
ص: 132
حديثاً من أن أحتاج أذكر من حديثه شيئاً، وقد حدث عن الأئمة، وهو ثقة حجة، كما قال ابن معين»(1).
والسؤال المطروح في هذا المجال: هو أن الألباني لماذا يذكر مسألة التدليس لتضعيف الرواية، ويُغفل تلك التوثيقات، وينسى أن حبيباً من رجال الستة؟ فهل أن رجال البخاري ومسلم جازوا القنطرة إلاّ في أحاديث فضائل علي(عليه السلام)؟!!
أخرج البزار في مسنده بطريق صحيح عن عمرو ذي مر، وعن سعيد بن وهب، وعن زيد بن يثيع، قالوا: «سمعنا علياً يقول: نشدت رجلاً سمع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول يوم غدير خم لما قام، فقام إليه ثلاثة عشر رجلاً فشهدوا أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فأخذ بيد علي، فقال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وأحب من أحبه وأبغض من أبغضه وانصر من نصره واخذل من خذله»(2).
قال الهيثمي في زوائده: «رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة، وهو ثقة»(3).
ص: 133
وأخرج أحمد الحديث بألفاظه، وقال عنه الشيخ أحمد محمد شاكر: «إسناده صحيح»(1).
أخرج البزار أيضاً في مسنده بطريق صحيح، عن سعد بن أبي وقاص: «أنّ رسول الله’ أخذ بيد علي(عليه السلام)، فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ من كنت وليه فإن علياً وليه»(2).
قال الهيثمي: «رواه البزار ورجاله ثقات»(3).
أخرج أحمد في المسند بسند معتبر، عن سعيد بن وهب وعن زيد بن يثيع، قالا: «نشد علي الناس في الرحبة: من سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول يوم غدير خم إلا قام، فقام من قبل سعيد ستة ومن قبل زيد ستة، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول لعلي (رضي الله عنه) يوم غدير خم: أليس الله أولى بالمؤمنين؟ قالوا: بلى، قال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»(4)، قال أحمد محمد شاكر في حكمه على الحديث: «إسناده صحيح، سعيد بن وهب الهمداني الخيواني، بفتح الخاء وسكون الياء:
ص: 134
تابعي، ثقة، قديم، أدرك زمن رسول الله وسمع من معاذ بن جبل في حياته، وكان يلزم علي بن أبي طالب»(1).
وقال الألباني في السلسلة الصحيحة: «وإسناده حسن، وأخرجه البزار بنحوه وأتم منه» ثم تابع قائلاً: «وللحديث طرق أخرى كثيرة، جمع طائفة كبيرة منها الهيثمي في (المجمع 9/ 103- 108) وقد ذكرت وخرجت ما تيسر لي منها مما يقطع الواقف عليها بعد تحقيق الكلام على أسانيدها بصحة الحديث يقيناً، وإلا فهي كثيرة جداً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، قال الحافظ ابن حجر: منها صحاح ومنها حسان.
وجملة القول: إنّ حديث الترجمة (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) حديث صحيح بشطريه، بل الأول منه متواتر عنه (صلى الله عليه وسلم)، كما يظهر لمن تتبع أسانيده وطرقه، وما ذكرت منها كفاية»(2).
أورد ابن كثير في البداية والنهاية، ما أخرجه ابن جرير عن أحمد بن عثمان أبو الجوزاء، عن محمّد بن خالد بن عثمة، عن موسى بن يعقوب الزمعي وهو صدوق، عن مهاجر بن مسمار، عن عائشة بنت سعد، سمعت أباها يقول: «سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول يوم الجحفة وأخذ بيد علي فخطب، ثمّ قال: أيّها الناس إنّي وليّكم؟ قالوا: صدقت،
ص: 135
فرفع يد علي، فقال: هذا وليي والمؤدّي عنّي، وإنّ الله موالي من والاه ومعادي من عاداه» ثمّ قال ابن كثير: «قال شيخنا الذهبي: وهذا حديث حسن غريب» وتابع قائلاً: «ثمّ رواه ابن جرير من حديث يعقوب بن جعفر بن أبي كبير، عن مهاجر بن مسمار، فذكر الحديث، وأنه(عليه السلام) وقف حتّى لحقه من بعده, وأمر بردّ منْ كان تقدّم، فخطبهم. الحديث»(1).
أخرج الخطيب البغدادي بسنده، قال: «أنبأنا عبد الله بن علي بن محمد بن بشران، أنبأنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا أبو نصر حبشون بن موسى بن أيوب الخلال، حدثنا علي بن سعيد الرملي، حدثنا ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم، لما أخذ النبي (صلى الله عليه وسلم) بيد علي بن أبي طالب، فقال: ألست ولي المؤمنين، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فأنزل الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ومن صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهراً، وهو أول يوم نزل جبرئيل(عليه السلام) على محمّد (صلّى الله عليه
ص: 136
وسلّم) بالرسالة».
قال الخطيب: «اشتهر هذا الحديث من رواية حبشون، وكان يقال: إنه تفرد به، وقد تابعه عليه أحمد بن عبد الله بن النيري، فرواه عن علي بن سعيد، أخبرنيه الأزهري، حدثنا محمد بن عبد الله بن أخي ميمي، حدثنا أحمد بن عبد الله بن أحمد بن العباس بن سالم بن مهران المعروف بابن النيري إملاءً، حدثنا علي بن سعيد الشامي، حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن بن شوذب، عن مطر، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: من صام يوم ثمانية عشرة من ذي الحجة، وذكر مثل ما تقدم أو نحوه»(1).
وهذه الرواية صحيحة السند، فإنّ ابن بشران من شيوخ الخطيب البغدادي، وقال عنه: «كتبت عنه وكان سماعه صحيحاً»(2).
وأمّا علي بن عمر الحافظ، فهو الدارقطني صاحب السنن، قال البغدادي: «كان الدارقطني فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث وأسماء الرجال، مع الصدق والثقة»(3).
وأمّا حبشون الخلال، فقال عنه الخطيب: «وكان ثقة يسكن باب البصرة» ثمّ قال: «أنبأنا الأزهري، أنبأنا علي بن عمر الحافظ [الدارقطني] قال: حبشون بن موسى بن أيوب الخلال صدوق»(4).
ص: 137
وأمّا علي بن سعيد الرملي، فهو ابن أبي حملة، وقال عنه الذهبي في الميزان: «ما علمت به بأساً، ولا رأيت أحداً الآن تكلم فيه، وهو صالح الأمر، ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة مع ثقته»(1)، وتابعه ابن حجر في لسان الميزان قائلاً: «وإذا كان ثقة ولم يتكلم فيه أحد فكيف نذكره في الضعفاء»(2).
وقال عنه الذهبي في موضع آخر في الميزان: «يتثبت في أمره، كأنّه صدوق»(3).
وأمّا ضمرة بن ربيعة، فقال عنه أحمد بن حنبل: «من الثقات المأمونين، رجل صالح، صالح الحديث، لم يكن بالشام رجل يشبهه»(4).
وأمّا عبد الله بن شوذب، قال عنه ابن حجر: «سكن البصرة ثم الشام، صدوق عابد»(5).
وأمّا مطر الوراق، فقال عنه الذهبي: «الإمام الزاهد الصادق، أبو رجاء بن طهمان الخراساني، نزيل البصرة، مولى علباء بن أحمر اليشكري، كان من العلماء العاملين، وكان يكتب المصاحف، ويتقن ذلك<(6)، وقال في
ص: 138
الميزان: «فمطر من رجال مسلم، حسن الحديث»(1).
وأمّا شهر بن حوشب، فهو من رجال مسلم، وفي تاريخ الإسلام للذهبي: «قال حرب الكرماني: قلت لأحمد بن حنبل: شهر بن حوشب؟ فوثّقه، وقال: ما أحسن حديثه! وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: شهر ليس به بأس. قال الترمذي: قال محمد، يعني البخاري: شهر حسن الحديث، وقوي أمره»(2).
وقال العجلي في معرفة الثقات: «شهر بن حوشب شامي، تابعي، ثقة»(3).
إذن فهذا الحديث بالألفاظ المذكورة عن أبي هريرة لا إشكال في سنده.
قال ابن حجر في المطالب العالية: «وقال إسحاق: أخبرنا أبو عامر العقدي، عن كثير بن زيد، عن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن علي (رضي الله عنه) قال: إنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) حضر الشجرة بخم، ثم خرج آخذاً بيد علي (رضي الله عنه)، قال: ألستم تشهدون أن الله تبارك وتعالى ربكم؟ قالوا: بلى، قال (صلى الله عليه وسلم): ألستم تشهدون أن الله عز وجل ورسوله أولى بكم من أنفسكم وأنّ الله تعالى
ص: 139
ورسوله أولياؤكم؟ فقالوا: بلى، قال: فمن كان الله ورسوله مولاه فإنّ هذا مولاه، وقد تركت فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله تعالى سببه بيده، وسببه بأيديكم، وأهل بيتي»، ثمّ قال ابن حجر: «هذا إسناد صحيح، وحديث غدير خم قد أخرجه النسائي من رواية أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم وعلي وجماعة من الصحابة (رضي الله عنهم) وفي هذا زيادة ليست هناك، وأصل الحديث أخرجه الترمذي أيضاً»(1).
وقال البوصيري في تعليقه على الحديث: «رواه إسحاق بسند صحيح»(2).
أخرج ابن أبي عاصم في كتاب (السنة) عن علي(عليه السلام): «أنّ النبي صلی الله علیه و آله قام بضرة الشجرة بخم، وهو آخذ بيد علي، فقال: أيّها الناس! ألستم تشهدون أنّ الله ربّكم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تشهدون أنّ الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: وأنّ الله ورسوله مولاكم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فإنّ هذا مولاه»(3).
هذه نبذة مختصرة عن بعض الروايات الصحيحة والمعتبرة التي نصت على حديث الغدير بألفاظه المختلفة، والحديث بالإضافة إلى تواتره - كما
ص: 140
سيأتي في الجواب اللاحق - أخرجه كبار الأعلام من محدثي السنة عن أكثر من مائة صحابي(1)، وبألفاظ كثيرة ومختلفة، وأسانيد وطرق تتجاوز حد الإحصاء.
ص: 141
ص: 142
تلقى عدد كبير من علماء أهل السنّة ومحدثيهم حديث الغدير بالقبول والاعتبار ولم ينكره أحد ولكنهم تفاوتوا في درجة الاعتبار والقبول، فمنهم من قال بصحة سنده أو حسنه، ومنهم من ترقى إلى أبعد من ذلك وقال باستفاضته وتواتره، من هنا يمكننا تقسيم هؤلاء العلماء إلى قسمين:
1 - أبو عيسى الترمذي صاحب الصحيح المتوفى سنة 279ه- ؛ حيث قال بعد أنْ أخرجه: >هذا حديث حسن صحيح<(1).
2 - ابن عبد البَر القُرْطُبي المتوفى سنة 463 ه-؛ فإنّه قال بعد أحاديث منها حديث الغدير: >وهذه كلّها آثار ثابتة<(2).
3- ابن حجر المكي المتوفى سنة 974 ه-؛ في كتابه الصواعق المحرقة، عند كلام له حول حديث الغدير قال: «وكثير من أسانيدها صحاح وحسان، ولا التفات لمن قدح في صحّته»(3).
4- الملا علي القاري المتوفى سنة 1014؛ قال في المرقاة: «والحاصل: أنّ هذا الحديث صحيح لا مرية فيه»(4).
ص: 143
هذا، وقد تقدم ذكر عدّة ممن صرّح بصحة أو حسن الحديث في أثناء ذكر الروايات في المبحث السابق، كالذهبي والحاكم وابن حجر والهيتمي وحمزة الزين والارنؤوط وغيرهم، فلا نعيد.
ليس حديث الغدير من الأحاديث الصحيحة فحسب، بل هو من الأحاديث المستفيضة أو المتواترة، التي تفيد القطع بصدور مضمونها عن النبي الأكرم’، فبالإضافة إلى أنّ كلّ من يطالع طرق وأسانيد حديث الغدير يجزم بتواتر الحديث ويقطع بصدور مضمونه، فإنّ جملة وافرة من علماء الطائفة السنية صرحوا بتواتر الحديث، وكثرة طرقه، حتى قال الذهبي فيما تقدم من كلامه: «فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق»(1)، ونشير فيما يلي إلى بعض أقوالهم في هذا المجال:
1- أبو حامد الغزالي، المتوفى 505 ه-، قال في سرّ العالمين(2): «وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خم باتفاق الجميع»(3).
ص: 144
2 - سبط ابن الجوزي الحنفي، المتوفى 654 ه-, حيث قال: «اتّفق علماء السير على أن قصة الغدير كانت بعد رجوع النبي صلی الله علیه و آله من حجة الوداع، في الثامن عشر من ذي الحجة، جمع الصحابة وكانوا مائة وعشرون ألفاً، وقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه) الحديث، نص’ على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإشارة»(1).
3- الفقيه المحدث الكتاني، المتوفى 1345 ه-، قال: «وفي رواية لأحمد أنّه سمعه من النبي (صلى الله عليه وسلم) ثلاثون صحابياً وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته، وممن صرح بتواتره أيضاً المناوي في التيسير نقلاً عن السيوطي، وشارح المواهب اللدنية وفي الصفوة للمناوي< (2).
4- الألباني، المتوفى 1420 ه- قال: «وجملة القول: إنّ حديث الترجمة حديث صحيح بشطريه، بل الأول متواتر عنه (صلى الله عليه وسلم)، كما يظهر لمن تتبع أسانيده وطرقه»(3).
5- الشيخ شعيب الأرنؤوط المعاصر، قال في تعليقه على مسند أحمد: «قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه، لها شواهد كثيرة تبلغ حد التواتر»(4).
6- العجلوني، المتوفى سنة 1162 ه-، قال في كتابه (كشف الخفاء): «(من كنت مولاه فعلي مولاه)، رواه الطبراني وأحمد والضياء في
ص: 145
المختارة، عن زيد بن أرقم وثلاثين من الصحابة، بلفظ (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)، فالحديث متواتر أو مشهور»(1).
والحاصل: أن من يلاحظ طرق حديث الغدير يحصل له القطع والجزم بصدوره عن النبي صلی الله علیه و آله ؛ وذلك لتواتره بالإضافة إلى صحته.
ص: 146
إنّ أهم مفردة تناولها هذا الحديث والتي عليها مدار البحث هي كلمة (المولى)، وقد اختلف أهل السنة في تفسير دلالة ومعنى هذه المفردة في حديث الغدير، فجاءت تفسيراتهم لها متباينة، وكان لهذا الاختلاف أثره الكبير على طبيعة الاستدلال بهذا الحديث.
ويمكننا تصنيف العلماء الذين أبدوا رأياً حول هذه المفردة، إلى صنفين أساسين:
وهم الذين فسروا كلمة المولى بمعنى المحب والناصر والقريب وما شاكل هذه المعاني, ومنهم:
قال: «وفي الجملة؛ فرق بين الولى والمولى ونحو ذلك وبين الوالي. فباب الولاية - التي ضد العداوة - شيء، وباب الولاية - التي هي الإمارة - شيء.
والحديث إنما هو في الأولى دون الثانية. والنبي (صلی الله علیه و آله) لم يقل: من كنت واليه فعلي واليه. وإنما اللفظ «من كنت مولاه فعلي مولاه».
وأما كون المولى بمعنى الوالي، فهذا باطل، فإنّ الولاية تثبت من
ص: 147
الطرفين؛ فإنّ المؤمنين أولياء الله، وهو مولاهم»(1).
قال: «إنّ ذيل الحديث يدلّ صريحاً على أنّ معنى المولى المحبة وهو قوله: (اللهم وال من والاه...) ولو كان كما يقولون لقال: (اللهمّ أحبب من كان تحت تصرفه وأبغض من لم يكن في تصرفه)، فغرض النبي(صلی الله علیه و آله) بيان المحبة، وأنه يرشد الناس إلى الواجبات بمعان مقصودة من الألفاظ، مفهومة للحاضر والغائب من دون تكلف، بعد معرفة لغة العرب»(2).
قال: «والمولى، وإنْ كان له معان كثيرة، لكنّ المناسب هنا: الناصر، والوليّ، والمتكفّل بمصالحهم، والمتولّي لأمورهم»(3).
وقال أيضاً: «الخامس: (المولى) مولى في الدين، وممّا لم يذكره الناصر والمحب والتابع والجار والحليف والعقيد والصهر والمنعم عليه والولي والموازي، وقال الزجاج: كلّ من يليك أو والاك فهو مولى»(4).
وقال أيضاً: «فإنْ قالوا: فما معنى مولى عندكم وما الذي أثبته النبيّ (صلى الله عليه وسلم) بهذا الكلام لعلي وقصد به؟ قيل لهم: أمّا معنى مولى فإنّه يتصرّف على وجوه: فمنها المولى بمعنى الناصر, ومنها المولى بمعنى ابن العمّ, ومنها المولى بمعنى الموالي المحبّ, ومنها المولى بمعنى المكان والقرار, ومنها المولى بمعنى المعتق المالك للولاء, ومنها المولى بمعنى المعتق الذي ملك ولاءه, ومنها المولى بمعنى الجار, ومنها المولى بمعنى الصهر, ومنها المولى بمعنى الحلف, فهذا جميع ما يحتمله قوله مولى. وليس من معنى هذه اللفظة أنّ المولى إمام واجب الطاعة»(1).
قال في الفتح، بعد أنْ ذكر مجموعة من معاني المولى عند أبي عبيدة في (المجاز) كالحليف والمنعم والمعتق وغيرها: «وممّا لم يذكره وذكره غيره من أهل اللغة: المولى المحبّ، والمولى الجار، والمولى الناصر، والمولى الصهر، والمولى التابع...»(2).
قال في المواقف: «فلا يمكن أن يتمسك بها في أن المولى بمعنى الأولى، والمراد بالمولى هو الناصر، بدليل آخر الحديث، وهو قوله: وال من والاه»(3).
ص: 149
هناك من علماء أهل السنة من ذهب إلى أن كلمة المولى، في حديث الغدير، تدل دلالة صريحة على معنى الإمامة والخلافة، وهؤلاء من كبار علماء أهل السنة، وسوف نقوم بنقل أقوالهم، مع ترجمة لكلّ واحد مهم؛ لأهميّة هذه المسألة، ومن هؤلاء العلماء:
قال في رسائله: «لكن أسفرت الحجّة وجهها، وأجمع الجماهير على متن الحديث، من خطبته في يوم غدير خم، باتّفاق الجميع، وهو يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه. فقال عمر: بخ بخ يا أبا الحسن، لقد أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة. فهذا تسليم ورضى وتحكيم, ثمّ بعد هذا غلب الهوى لحب الرياسة، وحمل عمود الخلافة، وعقود البنود، وخفقان الهوى في قعقعة الرايات، واشتباك ازدحام الخيول، وفتح الأمصار؛ سقاهم كأس الهوى، فعادوا إلى الخلاف الأول، فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمناً قليلاً»(1).
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: «وما أدري ما عذره في هذا؟ والظاهر أنّه رجع عنه، وتبع الحق، فإن الرجل من بحور العلم، والله أعلم»(2).
ص: 150
قال اليافعي: «وفضائل الإمام حجّة الإسلام أبي حامد الغزالي (رضي الله عنه) أكثر من أن تحصر، وأشهر من أنْ تشهر»(1).
قال السيوطي: «وعلى رأس الخامسة الإمام أبو حامد الغزالي، وذلك لتميزه بكثرة المصنفات البديعات، وغوصه في بحور العلم... حتّى قال بعض العلماء الأكابر الجامعين بين العلم الظاهر والباطن: لو كان بعد النبي صلی الله علیه و آله نبي لكان الغزالي، وأنه يحصل ثبوت معجزاته ببعض مصنفاته»(2).
وقال الزرقاني: «ذكر له (الغزالي) الأسنوي في (المهمات) ترجمة حسنة منها: هو قطب الوجود والبركة الشاملة لكل موجود، وروح خلاصة أهل الإيمان، والطريق الموصل إلى رضا الرحمن، يتقرب به إلى الله تعالى كل صدّيق، ولا يبغضه إلا ملحد أو زنديق. مات بطوس سنة 505 ه-»(3).
لا شكّ في أنّ كتاب سرّ العالمين هو من تأليف الغزالي، كما صرّح به الذهبي في ميزان الاعتدال، وسير أعلام النبلاء(4)، وابن الجوزي في تذكره
ص: 151
الخواص(1)، وإسماعيل باشا البغدادى في هدية العارفين(2).
قال في مطالب السؤول: «فيكون معنى الحديث: من كنت أولى به أو ناصره أو وارثه أو عصبته أو حميمه أو صديقه فإن علياً منه كذلك، وهذا صريح في تخصيصه لعلي بهذه المنقبة العلية وجعله لغيره كنفسه... بما لم يجعله لغيره. وليعلم: أن هذا الحديث هو من أسرار قوله تعالى... فإنه أولى بالمؤمنين وناصر المؤمنين وسيد المؤمنين.، وكل معنى أمكن إثباته مما دل عليه لفظ (المولى) لرسول الله فقد جعله لعلي(عليه السلام)، وهي مرتبة سامية، ومنزلة سامقة، ودرجة علية، ومكانة رفيعة، خصه (صلّى الله عليه وسلّم) بها دون غيره، فلهذا صار ذلك اليوم يوم عيد وموسم سرور لأوليائه»(3).
قال الذهبي: « العلامة الأوحد، كمال الدين أبو سالم محمد بن طلحة بن محمد القرشي العدوي الشافعي المتوفى سنة 652، برع في المذهب وأصوله وشارك في فنون...»(4).
ص: 152
قال تاج الدين السُبْكي: «تفقه وبرع في المذهب وسمع الحديث بنيسابور من المؤيد الطوسي وزينب الشعرية وحدث بحلب ودمشق. روى عنه الحافظ الدمياطي ومجدُ الدين بن العَديم. وكان من صدور الناس، ولي الوزارة بدمشق يومين، وتركها، وخرج عما يملكه من ملبوس ومَمْلوك وغيره وتزَهد»(1).
قال الإسنوي: «كان إماماً بارعاً في الفقه والخلاف، عالماً بالأصلين، رئيساً كبيراً معظماً ترسل عن الملوك، وأقام بدمشق بالمدرسة الأمينية»(2).
قال سبط ابن الجوزي في معني حديث الغدير: «(العاشر) بمعنى الأولى قال الله تعالى: {فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ} أي: أولى بكم... والمراد من الحديث: الطاعة المحضة المخصوصة فتعين العاشر. ومعناه: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به. وقد صرّح بهذا المعنى الحافظ أبو الفرج يحيى ابن سعيد الثقفي الأصبهاني في كتابه المسمّى بمرج البحرين، فإنه روى هذا الحديث بإسناده إلى مشايخه وقال فيه: فأخذ رسول الله بيد علي وقال: من كنت وليه وأولى به من نفسه فعلي وليه. فعلم أن جميع المعاني راجعة إلى الوجه العاشر. ودلّ عليه أيضاً قوله(عليه السلام): ألست أولى بالمؤمنين
ص: 153
من أنفسهم؟ وهذا نصٌّ صريح في إثبات إمامته وقبول طاعته»(1).
قال الذهبي: «الإمام الواعظ المؤرخ شمس الدين، أبو المظفر التركي، ثمّ البغدادي العوني، الحنفي سبط الإمام جمال الدين أبي الفَرَج ابن الجوزي؛ نزيل دمشق. ولد سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وسمع من جدّه، وكان إماماً فقيهاً واعظاً، وحيداً في الوعظ، علامة في التاريخ والسير، وافر الحرمة، صاحب قبولٍ تام»(2).
قال في دلالة حديث الغدير: «قال رسول الله’ لعلّي: (لو كنت مستخلفاً أحداً لم يكن أحد أحقّ منك)... وهذا الحديث وإن دلّ على عدم الاستخلاف لكن حديث غدير خم دال على التولية، وهي الاستخلاف. وهذا الحديث، أعني حديث غدير خم، ناسخ؛ لأنه كان في آخر عمره (صلّى الله عليه وسلّم)»(3).
قال عمر رضا كحالة: «محمد بن يوسف الكنجي (أبو عبد الله) فاضل. من آثاره: (البيان في أخبار صاحب الزمان)، (كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب)، وله شعر»(1).
قال القندوزي: «الشيخ المحدّث الفقيه أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي (رحمه الله)»(2).
قال: «... جعله النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) وصيّه وقائماً مقام نفسه بقوله: من كنت مولاه فعليّ مولاه، وذلك كان يوم غدير خم...»(3).
قال عبد الرحمن الجامي: «أنّه من أكمل أرباب العرفان، وأكابر أصحاب الذوق والوجدان، لم يضبط أحد مسائل الحقيقة بأحسن بيان مثله...»(4).
قال محمود بن سليمان: «الشيخ الفاضل الرباني والمرشد الكامل الصمداني سعيد الدين الفرغاني، هو من أعزة أصحاب الشيخ صدر الدين القونوي، مريد الشيخ محي الدين العربي، كان من أكمل أرباب العرفان، وأفضل أصحاب الذوق والوجدان، وكان جامعاً للعلوم الشرعية
ص: 155
والحقيقية... وكان لسان عصره، وبرهان دهره، ودليل طريق الحق، وسرّ الله بين الخلق، بسط مسائل علم الحقيقة، وضبط فنون أصول الطريقة، في ديباج شرح القصيدة التائية الفارضية...»(1).
قال: «وقال ابن زولاق: وفي يوم ثمانية عشر من ذي الحجة سنة (362 ه-)، وهو يوم الغدير، يجتمع خلق من أهل مصر والمغاربة ومن تبعهم للدعاء، لأنّه يوم عيد؛ لأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) عهد إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب فيه واستخلفه...»(2).
قال السيوطي: «المقريزي تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد مؤرخ الديار المصرية، ولد سنة تسع وستين وسبعمائة، واشتغل في الفنون وخالط الأكابر، وولي حسبة القاهرة، ونظم ونثر، وألف كتباً كثيرة، منها درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة، والمواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، وعقد جواهر الأسقاط من أخبار مدينة الفسطاط، واتعاظ الخفاء بأخبار الفاطميين الخلفاء، والسلوك بمعرفة دول الملوك، والتاريخ الكبير، وغير ذلك، مات سنة أربعين وثمانمائة»(3).
ص: 156
نظراً لأهميّة حديث الغدير، وكثرة طرقه، وتعدّد ألفاظه، وما قيل حوله، لكونه يتعرض إلى مسألة حساسة في تاريخ الأمة الإسلامية، أفرد له بعض علماء السنة تأليفات مستقلة، تناول بعضها طرقه، أو ألفاظه، أو ما يتعلّق به من أبحاث، ومن هذه التآليف:
1- كتاب في حديث الغدير، لأبي جعفر البغدادي، من أعلام القرن الثالث. ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء، في ترجمة أبي عثمان سعيد بن محمّد بن صبيح المغربي - المتوفى سنة 302 ه - فقال: «بينما سعيد ابن الحداد جالس أتاه رسول عبيد الله - يعني المهدي - قال: فأتيته وأبو جعفر البغدادي واقف... فإذا بكتاب لطيف! فقال لأبي جعفر: أعرض الكتاب على الشيخ، فإنه (حديث غدير خم) قلت: هو صحيح وقد رويناه... . أقول: عبيد الله المهدي مؤسس الدولة الفاطمية في المغرب، بويع في القيروان بيعة عامّة سنة 297ه-، وابن صبيح المغربي توفي سنة302 ه-، فالكتاب مما ألف في القرن الثالث، وأبو جعفر البغدادي لم أهتد إلى معرفته، فلا هو الإسكافي لأنه توفي سنة 240 ه-، ولا هو الطبري صاحب التاريخ - وإن كان له كتاب في حديث الغدير-؛ لأنّه لم يرحل إلى المغرب»(1).
ص: 157
2- كتاب الولاية، في جمع طرق حديث: (من كنت مولاه فعلي مولاه) لأبي جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري، صاحب التاريخ والتفسير (224 - 310 ه-). قال ياقوت في ترجمة الطبري عند عد مؤلفاته: «وكتاب فضائل علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، تكلم في أوله بصحة الأخبار الواردة في غدير خم ثم تلاه بالفضائل ولم يتم!»(1).
3- طرق حديث الغدير، لأبي جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني الكوفي، من أعلام المحدثين في القرن الرابع . ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء قائلا: «الشيخ الثقة المسند الفاضل، محدث الكوفة ... وكان أحد الثقات عاش إلى سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة...»(2).
4- طرق حديث الغدير، للحافظ الدارقطني، أبي الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي، المتوفى سنة 385 ه . ترجم له الخطيب في تاريخ بغداد وقال: «وكان فريد عصره، وقريع دهره، ونسيج وحده، وإمام وقته، إنتهى إليه علم الأثر والمعرفة بعلل الحديث، وأسماء الرجال، وأحوال الرواة مع الصدق»(3).
5- الدراية في حديث الولاية، حديث: >من كنت مولاه فعلي مولاه<، للحافظ أبي سعيد الركاب، مسعود بن ناصر بن أبي زيد عبد الله السجستاني، المتوفى سنة 477ه.
ص: 158
قال السمعاني في معجم شيوخه، في ترجمة شيخه أبي بكر الحسن بن يعقوب النيسابوري - المتوفى سنة 517 ه - تلميذ السجستاني - هذا، قال: «كان شيخاً فاضلاً نظيفاً، مليح الخط... وكان قد كتب الحديث الكثير بخطه، رأيت كتاب (الولاية) لأبي سعيد مسعود بن ناصر السجزي، وقد جمع في طرق هذا الحديث [من كنت مولاه فعلي مولاه] بخطه الحسن المليح...»(1).
6- طرق حديث: >من كنت مولاه..<، للذهبي، شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الشافي الدمشقي (673 - 748 ه-). ذكره هو في تذكرة الحفاظ في ترجمة الحاكم النيسابوري، قال: «وأمّا حديث الطير؛ فله طرق كثيرة جدّاً، قد أفردتها بمصنف، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل، وأما حديث: من كنت مولاه، فله طرق جيدة، وقد أفردت ذلك أيضاً»(2).
وغير ذلك من المؤلّفات المستقلّة الكثيرة، التي تركناها خوفاً من الإطالة.
ص: 159
ص: 160
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: بنو أمية وكتمان فضائل أهل البيت
المبحث الثاني: الإشكالات السندية
المبحث الثالث: الإشكالات الدلالية
المبحث الرابع: الإشكالات التاريخية
ص: 161
ص: 162
توزعت الشبهات والإشكالات حول حديث الغدير على عدّة أصعدة، فتارة وجّه الإشكال إلى سند الحديث وطرقه مستهدفاً صحّة صدوره عن النبيّ(صلی الله علیه و آله)، وأخرى انصبت الإشكالات والشبهات على عدم دلالة الحديث على الخلافة والإمامة، وثالثة أثيرت حول الحديث تساؤلات وإشكالات تاريخية الهدف منها حرف الحديث عن وجهته الصحيحة في الدلالة على الإمامة والخلافة، فلذا قُسّم البحث إلى ثلاثة مباحث يختصّ كلّ واحد منها بصعيد من هذه الأصعدة.
لكن قبل ذلك من الضروري أن نقدم بحثاً يتناول بني أمية وتعاطيهم مع فضائل علي وأهل البيت(عليهم السلام) لما كان له من تأثير قد انعكس على طرق الحديث ودلالاته وما أثير عليه من شبهات وإشكالات.
ص: 163
مرّ معنا في الفصول المتقدّمة القول بصحّة حديث الغدير, بل وتواتره عند جمع من العلماء، وقد أوردوه في أكثر كتب المسلمين صحّة واعتباراً, إلا ّأنّ هناك من المشكّكين من لم يقبل هذه الحقيقة الساطعة، وأبى إلاّ أن يشاغب ويعاند ويكابر، رافضاً بعض جوانب هذه الحقيقة.
وقد صنّف العلامة الأميني هؤلاء فقال: «فمن منكر صحة صدور الحديث؛ معللاً بأن علياً كان باليمن، وما كان مع رسول الله في حجته تلك. إلى آخر ينكر صحة صدر الحديث، ويقول: لم يروه أكثر من رواة.
إلى ثالث: يضعف ذيله، ويقول: لا ريب أنّه كذب. ورابع: يطعن في أصله، ويعتبر الدعاء الملحق به ويقول: لم يخرج غير أحمد إلا الجزء الأخير من قوله (صلى الله عليه وسلم): اللهم وال من والاه. إلخ...
وهناك من يقول تارة: إنه لم يروه علماؤنا.
وأخرى: إنه لا يصح من طريق الثقات، وقلده بعض مقلدي المتأخرين وقال: لم يذكره الثقات من المحدثين، وهو بنفسه ممن يقول بتواتره في موضع آخر من كتابه.
ونحن لا نقابل البادي والتابع إلا بالسلام، كما أمرنا الله سبحانه بذلك. وأنا لا أدري أن قصر الباع لم يدع البادي يعرف علماء أصحابه؟ أو أن يقف على الصحاح والمسانيد؟ أو أنّه لا يقول بثقة كلّ أولئك الأعلام؟
ص: 164
فإن كان لا يدري فتلك مصيبة وإن كان يدري فالمصيبة أعظم»(1).
ولعلّ أولى المشكلات التي واجهها حديث الغدير هو سياسة الطمس والإلغاء، أسوة بغيره من الأحاديث الدالّة على فضائل أهل البيت(عليهم السلام), وقبل التعرّض إلى محاولات إخفاء حديث الغدير، والأساليب التي اتبعت في سبيل حجبه عن الناس، نتكلّم عن الشواهد الدالّة على ما واجهته فضائل أهل البيت(عليهم السلام) عموماً وعلي(عليه السلام) خصوصاً.
لو راجعنا التاريخ والسير والمصادر الروائية، لوجدنا بأنّ بني أمية بعد تمكنهم من السلطة أظهروا العداء ضدّ أهل البيت(عليهم السلام) وشيعتهم، بحيث كان الناس يخافون إظهار المحبّة لهم أو الانتساب إلى شيعتهم؛ بعدما أمروا بقتلهم تحت كلّ حجر ومدر، وقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم، وصلبهم على جذوع النخل(2)، وبلغ هذا الجو المخيف بالرجل إلى درجة أنه لو قيل له زنديق أو كافر، أحب إليه من أنْ يقال شيعة علي(3).
وقد كان معاوية عميد الحكومة الأموية، ينهى الناس عن الأحاديث الواردة في حق علي(عليه السلام) وفضائله ويعاقب على ذلك، وقد كتب بهذا الخصوص كتباً إلى عماله في مختلف البلدان يحذرهم من انتشار
ص: 165
الأحاديث في فضل علي(عليه السلام)، وأنْ «برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كلّ كورة وعلى كلّ منبر يلعنون علياً ويبرؤون منه، ويقعون فيه وفي أهل بيته»(1).
حتّى أنّ الشعبي، وهو شيخ المحدثين بالعراق، كان يقول: >ما لقينا من آل أبي طالب إن أحبباهم قتلونا، وأن أبغضناهم أدخلونا النار<(2).
فكان الخوف مسيطراً على المحدّثين والعلماء، فكانوا لايجرؤون على نقل حديث في فضائل أهل البيت( ومناقبهم؛ خوفاً من أن يطالهم عقاب السلطة الحاكمة, ومن الشواهد على ذلك ما يلي:
قال ابن الأثير - بعد أنْ نَقَل حديث الكساء عن الأوزاعي(ت 157ه-) -: «قال أبو أحمد العسكري: يقال: إن الأوزاعي لم يرو في الفضائل حديثاً غير هذا، والله أعلم، قال: وكذلك الزهري( ت 124ه-) لم يرو فيها إلا حديثاً واحدا،ً كانا يخافان بني أمية»(3).
روى الحاكم النيسابوري: «أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعى، ثنا عبد الله
ص: 166
بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا سيار بن حاتم، ثنا جعفر بن سليمان، ثنا مالك بن دينار، قال: سألت سعيد بن جبير فقلت: يا أبا عبد الله، من كان حامل راية رسول الله؟
قال: فنظر إلي وقال: كأنك رَخِي البال، فغضبت وشكوته إلى إخوانه من القراء، فقلت: ألا تعجبون من سعيد؟ إني سألته من كان حامل راية رسول الله، فنظر إليّ وقال: إنّك لرخي البال.
قالوا: إنّك سألته وهو خائف من الحجاج, وقد لاذ بالبيت، فسله الآن! فسألته؟ فقال: كان حاملها علي (رضى الله عنه)، هكذا سمعته من عبد الله بن عباس. هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه، ولهذا الحديث شاهد من حديث زنفل العرفي وفيه طول فلم أخرجه»(1).
أخرج المزي في تهذيب الكمال بسنده عن يونس بن عبيد، قال: «سألت الحسن [البصري] قلت: يا أبا سعيد، إنك تقول: قال رسول الله، وإنك لم تدركه؟ قال: يا بن أخي، لقد سألتني عن شيءٍ ما سألني عنه أحد قبلك، ولولا منزلتك منّي ما أخبرتك، إنّي في زمان كما ترى - وكان في عمل الحجاج - كلّ شيء سمعتني أقول: قال رسول الله’، فهو عن علي بن أبي طالب(عليه السلام)، غير أنّي في زمان لا أستطيع أنْ أذكر علياً»(2).
ص: 167
نقل لنا الطبري في تاريخه عن المغيرة أنّه قال لصعصعة بن صوحان: «إيّاك أن يبلغني عنك أنك تعيب عثمان، وإياك أن يبلغني أنك تظهر شيئاً من فضل علي، فأنا أعلم بذلك منك، ولكن هذا السلطان قد ظهر، وقد أخذ بإظهار عيبه للناس، فنحن ندع شيئاً كثيراً ممّا أمرنا به ونذكر الشيء الذي لا نجد منه بدّاً، ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا. فإن كنت ذاكراً فضله فاذكره بينك وبين أصحابك في منازلكم سرّاً، وأمّا علانية في المسجد فإنّ هذا لا يحتمله الخليفة لنا»(1).
جاء في مناقب أبي حنيفة للمكي الخوارزمي، أنّه لمّا دعي أبو حنيفة ليسأل عن مسألة فقهية من قبل أحد الأمويين، قال أبو حنيفة: «فاسترجعت في نفسي وقلت: أوّل ما دعيت وسئلت وأنا أقول فيها بقول عليّ (رضي الله عنه) وبه أدين الله تعالى، فكيف أصنع؟ ثمّ عزمت أنْ أصدقه, وأفتيه بالذي أدين الله به، وذلك أنّ بني أميّة كانوا لا يفتون بقول علي (رضي الله عنه) ولا يأخذون به...< وأضاف المصنّف قائلاً: >وكان علي لا يذكر في ذلك العصر باسمه، والعلامة عنه بين المشايخ أنْ يقولوا: قال الشيخ كذا، وكان الحسن البصري يقول فيه: أخبرنا أبو زينب»(2).
ص: 168
فأبو حنيفة يخشى الافتاء بما يوافق الإمام علي(عليه السلام) خوفاً من بني أميّة, والحسن البصري، رغم قربه من الدولة وعظيم منزلته في المجتمع، إذا أراد أن يحدث عن علي(عليه السلام) يقول: قال أبو زينب، بل كان يُظهر الابتعاد عن علي(عليه السلام) حتّى ظهر منه ما يوجب الإنكار عليه، فقد قال له أبان بن عياش: «ما هذا الذي يقال عنك أنك قلته في علي؟! فقال: يا بن أخي، أحقن دمي من هؤلاء الجبابرة - يعني بني أمية - لولا ذلك لسالت بي أعشب»(1).
فلا يستبعد كلام الحسن البصري هذا؛ بعد ما نقلوا عن بني أمية من أنهم قتلوا أطفالاً سُمّوا باسم علي، كما عن ابن حجر العسقلاني في ترجمة علي بن رباح: «كان بنو أمية إذا سمعوا بمولود اسمه علي، قتلوه»(2).
وهكذا ذكر في ترجمة علي بن الجهم: «بأنّه كان يلعن أباه لِمَ سمّاه علياً»(3).
وحديث الغدير من تلك الأحاديث التي حاربتها السلطات الحاكمة، وكان المحدث يخاف من ذكر الحديث في الأوساط العامّة، ومن الشواهد
ص: 169
على ذلك:
أخرج أحمد بن حنبل في مسنده، عن عبد الملك، عن عطية العوفي، قال: «سألت زيد بن أرقم فقلت له: إنّ ختناً لي حدّثني عنك بحديث في شأن علي (رضي الله تعالى عنه)، يوم غدير خم، فأنا أحبّ أنْ أسمعه منك، فقال: إنّكم معشر أهل العراق فيكم ما فيكم. فقلت له: ليس عليك منّي بأس، فقال: نعم، كنّا بالجحفة, فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إلينا ظهراً وهو آخذ بعضد علي (رضى الله تعالى عنه) فقال: (يا أيّها الناس، ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه). قال: فقلت له: هل قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاده؟ قال: إنّما أخبرك كما سمعت»(1).
روى ابن الأثير عن عبد الله بن العلا، عن الزهري، عن سعيد بن جناب، عن أبي عنفوانة المازني، عن جندع، قال: «سمعت النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) يقول: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. وسمعته - وإلاّ صمّتا - يقول وقد انصرف من حجة الوداع، فلما نزل غدير خم، قام في الناس خطيباً وأخذ بيد علي وقال: (من كنت مولاه فهذا وليّه، اللهمّ
ص: 170
وال من والاه، وعاد من عاداه).
قال عبد الله بن العلا: فقلت للزهري: لا تحدّث بهذا بالشام، وأنت تسمع ملء أذنيك سب علي، فقال: والله، عندي من فضائل علي ما لو تحدثت بها لقتلت. أخرجه الثلاثة»(1).
ومن ذلك ما روي عن سعيد بن المسيب، قال: «قلت لسعد بن أبي وقاص: إنّي أريد أن أسألك عن شيء وإنّي أتقيك، قال: سلْ عمّا بدا لك، فإنّما أنا عمّك، قلت: مقام رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فيكم يوم غدير خم؟ قال: نعم. قال: قام فينا بالظهيرة، فأخذ بيد علي بن أبي طالب، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاده من عاداه.
قال: فقال أبو بكر وعمر: أمسيت يا بن أبي طالب مولى كلّ مؤمن ومؤمنة»(2).
قال أبو بكر الخلال(3): «وأخبرنى زكريا بن يحيى أن أبا طالب حدثهم
ص: 171
أنّه سأل أباعبد الله عن قول النبيّ لعلي: (من كنت مولاه فعلي مولاه) ما وجهه؟ قال: لا تتكلم في هذا، دع الحديث كما جاء»(1).
قال: «وأخبرنا أحمد بن محمّد بن مطر أنّ أباطالب حدّثهم قال: سألت أبا عبد الله عن قول النبيّ لعلّيّ: (من كنت مولاه فعلي مولاه) ما وجهه؟ قال: لاتكلّم في هذا، دعْ الحديث كما جاء، وهذا الأثر صحيح»(2).
ص: 172
أثار بعض عدّة إشكالات حول سند الحديث وصحّته:
فقد قال ابن تيمية المتوفى 728 ه- : «وأمّا قوله: (مَن كنتُ مولاه فعليّ مولاه), فليس هو في الصحاح, لكن هو ممّا رواه العلماء وتنازع الناس في صحّته, فنقل عن البخاري وإبراهيم الحربي وطائفة من أهل العلم بالحديث أنّهم طعنوا فيه»(1).
ونقل عن ابن حزم المتوفى548 ه- أنّه قال: «وأمّا: (من كنت مولاه فعلي مولاه) فلا يصحّ من طريق الثقات أصلاً»(2). وقد ذكرنا قبل قليل طعن البخاري وغيره فيه كما نقل ابن تيمية.
وقال القفاري: «إنّ الحديث زاد الوضّاعون فيه ولا يصح منه في نظر طائفة من أهل العلم في الحديث إلاّ قوله: (من كنت مولاه فعليّ مولاه)، بينما يرى بعض أهل العلم أنّ الحديث لا يصح منه شيء ألبتة»(3).
ص: 173
قد مرّ معنا في الفصل الثالث بأنّ حديث الغدير له طرق كثيرة بحيث يحصل القطع بصدوره عن النبيّ صلی الله علیه و آله ، كما قال ابن حجر العسقلاني: «وأما حديث (من كنت مولاه فعلي مولاه) فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جدّاً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان»(1).
وقال أيضاً: «واعتنى بجمع طرقه أبو العباس ابن عقدة، فأخرجه من حديث سبعين صحابياً أو أكثر»(2).
وقال الذهبي: «رأيت مجلداً من طرق الحديث لابن جرير، فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق»(3).
وقال أيضاً في ترجمة الطبري: «جَمَعَ طرق حديث غدير خم في أربعة أجزاء، رأيت شطره، فبهرني سعة رواياته، وجزمت بوقوع ذلك»(4).
وقال ابن كثير عند ترجمة ابن جرير الطبري: «وقد رأيت له كتاباً جمع فيه أحاديث غدير خمّ في مجلدين ضخمين، وكتاباً جمع فيه طريق حديث الطير»(5).
ص: 174
قد مرّ معنا أيضاً تصريح عدّة من كبار علماء أهل السنّة، منهم:
1- أبو عيسى الترمذي، صاحب الصحيح، المتوفى سنة 279ه-؛ حيث قال بعد أنْ أخرجه: «هذا حديث حسن صحيح»(1).
2- أبو جعفر الطحاوي، المتوفى سنة 321ه-؛ فإنّه قال بعد أن رواه: «فهذا الحديث صحيح الإسناد، ولا طعن لأحد في رواته»(2).
3- ابن عبد البَر القُرْطُبي، المتوفى سنة 463؛ فإنّه قال بعد أحاديث منها حديث الغدير: «هذه كلّها آثار ثابتة»(3).
4- الحاكم النيسابوري، المتوفى سنة 405؛ حيث أخرجه بعدة طرق وصحّحها(4).
5- شمس الدين الذهبي، المتوفى سنة 748ه-؛ فقد صحّحه في التلخيص في أكثر من موضع(5), وقال في سيره: >الحديث ثابت بلا ريب<(6)، كما نقل عنه ابن كثير تصريحه بالتصحيح أيضاً(7).
6- ابن كثير، المتوفى سنة 774ه-؛ فقد ذكر الحديث بطرق مختلفة, وصحّح بعضها, فقال في أحد الطرق: >وهذا إسناد جيد رجاله ثقات على
ص: 175
شرط السنن<(1)، كما أنّه ذكر تصحيح الذهبي مقرّاً له على ذلك, فقال: «قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا حديث صحيح»(2).
7- ابن حجر العسقلاني، المتوفى سنة 852ه-؛ حيث قال: «وأمّا حديث (من كنت مولاه فعلي مولاه)، فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جدّاً، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان»(3).
8- ابن حجر المكي، المتوفى سنة 974ه-؛ حيث قال: «إنّه حديث صحيح لا مرية فيه، وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد، وطرقه كثيرة جدّاً، ومن ثمّ رواه ستّة عشر صحابياً، وفي رواية لأحمد أنّه سمعه من النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) ثلاثون صحابياً، وشهدوا به لعلي لما نوزع أيّام خلافته، كما مرّ وسيأتي، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان، ولا التفات لمن قدح في صحّته»(4).
9- ملا علي القاري، المتوفى سنة 1014ه-؛ فإنّه قال بعد أن رواه: «والحاصل: أنّ هذا حديث صحيح لا مرية فيه، بل بعض الحفاظ عدّه متواتراً<(5), وقال في موضع آخر: >فلا التفات لمن قدح في ثبوت هذا
ص: 176
الحديث، وأبعد من رده بأنّ عليّاً كان باليمن»(1).
10- المُناوي، المتوفى سنة 1013ه-؛ حيث قال: قال ابن حجر: «حديث كثير الطرق جدّاً، قد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، منها صحاح ومنها حسان»(2).
11- ميرزا محمّد البدخشي، الذي كان حيّاً 1126ه-؛ قال: «حديث صحيح مشهور ولم يتكلّم في صحّته إلاّ متعصّب جاحد لا اعتبار بقوله»(3).
12- السيد محمود الآلوسي البغدادي، المتوفى1270ه-؛ قال: «نعم ثبت عندنا أنه (صلى الله عليه وسلم) قاله في حق الأمير هناك: من كنت مولاه فعلي مولاه»(4).
وقد تقدّم ذكر بعض هؤلاء وغيرهم كالبوصيري والأرنؤوط وأحمد شاكر سابقاً، وذلك في المبحث الثاني من الفصل الثاني، فليراجع.
نصّ عددٌ من العلماءإمّا على شهرة حديث الغدير، أو استفاضته، أو الاتّفاق على صحّته؛ بل وتواتره، ومن هؤلاء العلماء:
1- أبو حامد الغزالي، المتوفى 505ه-؛ قال في سرّ العالمين(5): «وأجمع
ص: 177
الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خم باتّفاق الجميع»(1).
2- قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي الحنفي، المتوفى 654ه-: «اتفق علماء السير على أن قصة الغدير كانت بعد رجوع النبيّ صلی الله علیه و آله من حجّة الوداع، في الثامن عشر من ذي الحجّة، جمع الصحابة، وكانوا مائة وعشرون ألفاً، وقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه) الحديث، نص’ على ذلك بصريح العبارة دون التلويح والإشارة»(2).
3- أبو المكارم علاء الدين السمناني، المتوفى 736ه-؛ قال في العروة: «وهذا حديث متّفق على صحّته»(3).
4- شمس الدين أبو عبد الله الذهبي، المتوفى سنة 748ه-؛ حيث علّق على أحد طرق الحديث بلفظ: >من كنت مولاه فعليّ مولاه<, قائلاً: >هذا حديث حسن عال جدّاً، ومتنه فمتواتر<(4)، كما نقل عنه ابن كثير قوله بالتواتر أيضاً، على ما يأتي.
5- نقل ابن كثير، المتوفى سنة 774ه- عن الذهبي، في معرض كلامه عن حديث الغدير: «وصدْر الحديث (من كنت مولاه فعلي مولاه) متواتر، أتيقن أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قاله، وأمّا (اللهمّ وال مَن والاه)
ص: 178
فزيادة قويّة الإسناد»(1).
6- ابن الجزري شمس الدين، المتوفى سنة 833ه-؛ حيث علّق على الحديث، بعد أنْ ذكر أحد طرقه, قائلاً: «هذا حديث حسن صحيح من وجوه كثيرة، تواتر عن أمير المؤمنين علي، وهو متواتر أيضاً عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، رواه الجم الغفير عن الجم الغفير ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا اطلاع له في هذا العلم ...»(2).
7- جلال الدين السيوطي، المتوفى سنة 911ه-؛ نقل عنه المناوي قوله بالتواتر، كما سيأتي.
8- زين الدين المُناوي الشافعي، المتوفى سنة 1013ه-؛ قال عند شرح الحديث نقلاً عن السيوطي: «[إنه]حديث متواتر»(3).
9- الملا علي القاري، المتوفى سنة 1014ه- قال: «والحاصل: أن هذا الحديث صحيح لا مرية فيه، بل بعض الحفاظ عده متواتراً، إذ في رواية أحمد أنه سمعه من النبي صلی الله علیه و آله ثلاثون صحابياً، وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته»(4).
10- الفقيه ضياء الدين المقبلي، المتوفى 1108ه-؛ ذكر حديث الغدير من جملة الأحاديث المتواترة المفيدة للعلم، قال في كتابه: (الأبحاث المسددة في الفنون المتعددة): «فإنْ كان مثل هذا معلوماً وإلا فما في
ص: 179
الدين معلوم»(1).
11- أبو عبد الله الزرقاني المالكي، المتوفى 1122ه-؛ حيث قال: «وهو متواتر، رواه ستة عشر صحابياً, وفي رواية لأحمد أنّه سمعه من النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) ثلاثون صحابياً وشهدوا به لعلي لمّا نوزع أيّام خلافته، فلا التفات إلى من قدح في صحّته، ولا لمن ردّه بأن علياً كان باليمن؛ لثبوت رجوعه منها وإدراكه الحجّ معه (صلّى الله عليه وسلّم)»(2).
12- العجلوني، المتوفى 1162ه-؛ حيث قال: «(من كنت مولاه فعلي مولاه)، رواه الطبراني وأحمد والضياء في المختارة، عن زيد بن أرقم وثلاثين من الصحابة، بلفظ (اللهمّ وال من والاه وعاد من عاداه)، فالحديث متواتر أو مشهور»(3).
13- الأمير الصنعاني، صاحب كتاب سبل السلام، المتوفى 1182ه-، في كتابه (توضيح الأفكار), حيث قال: «حديث (من كنت مولاه فعلي مولاه) أخرجه جماعة من أئمة الحديث، منهم أحمد والحاكم من حديث ابن عباس، وابن أبي شيبة وأحمد من حديث ابن عباس، عن بريدة وأحمد بن ماجه، عن البراء، والطبراني وابن جرير وأبو نعيم، عن جندع الأنصاري، وابن قانع، عن حبشي بن جنادة، وأخرجه أئمة لا يأتي عليهم
ص: 180
العد، عن جماعة من الصحابة، وقد عده أئمة من المتواتر»(1).
14- قال الفقيه المحدث الكتاني، المتوفى 1345ه-: «وفي رواية لأحمد أنه سمعه من النبي (صلى الله عليه وسلم) ثلاثون صحابياً وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته، وممن صرح بتواتره أيضاً المناوي في التيسير نقلاً عن السيوطي، وشارح المواهب اللدنية وفي الصفوة للمناوي»(2).
15- وقال الألباني، المتوفى: 1420ه-: «وجملة القول أن حديث الترجمة حديث صحيح بشطريه، بل الأول متواتر عنه (صلى الله عليه وسلم)، كما يظهر لمن تتبع أسانيده وطرقه»(3).
16- قال الشيخ شعيب الأرنؤوط المعاصر، في تعليقه على مسند أحمد: «قوله: من كنت مولاه فعلي مولاه، له شواهد كثيرة تبلغ حدّ التواتر»(4).
وقد أثبت العلامة الأميني، المتوفى1392ه- في کتابه الغدير أسماء ثلاثة وأربعين عالماً من علماء أهل السنّة، ممّن صرّحوا بصحّة حديث الغدير أو تواتره(5).
فعلى هذا لا يلتفت لمن ضعّف الحديث من جهة سنده، مع ملاحظة طرقه العديدة جدّاً، وملاحظة العدد الكبير من كبار العلماء والحفّاظ الذي شهدوا بصحّته، بل بتواتره.
ص: 181
ص: 182
بيّنا أنّ حديث الغدير من الأحاديث التي استدلّ بها على أنّ النبيّ(صلی الله علیه و آله) قد نصّب عليّاً(عليه السلام) خليفة من بعده, وهذا ما يتمسّك به الشيعة, ممّا حدا بالذين لا يرتضون هذه النظرية إلى الإشكال حول دلالة هذا الحديث على الإمامة والخلافة، وقد طرحت عدّة شبهات وإشكالات في هذا السياق، وسوف نتعرض إلى أبرز هذه الإشكالات والإجابة عنها، ومن هذه الإشكالات:
وهذا يتفرع الى مجموعة من الإشكلات:
قال ابن تيمية: «إنْ لم يكن النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) قاله فلا كلام، وإن كان قاله فلم يرد به قطعاً الخلافة بعده، إذ ليس في اللفظ ما يدل عليه، ومثل هذا الأمر العظيم يجب أن يبلغ بلاغاً مبيناً»(1).
قال القفاري: «ومن المعلوم لغةً وعقلاً وعرفاً، فضلاً عن الشرع أنّ الاستخلاف لا يكون بمثل هذه الألفاظ، لذلك قال الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - كما يروي البيهقي(2)- حينما قيل له: ألم يقل
ص: 183
رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقال: أما والله إنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إن كان يعني الإمرة والسلطان والقيام على الناس بعده لأفصح لهم بذلك، كما أفصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحجّ البيت، ولقال لهم: إنّ هذا ولي أمركم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا، فما كان من وراء هذا شيء، فإنّ أنصح الناس للمسلمين رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)»(1).
من يطالع متون الألفاظ الواردة في حديث الغدير وينظر إليها بعين الإنصاف والموضوعية، يرى أنّها قد تضمّنت ألفاظاً وشواهد كثيرة، كلّها تثبت مقام الإمامة والخلافة لعلّي(عليه السلام) بعد رسول الله(صلی الله علیه و آله).
ونحاول فيما يلي الإشارة إلى بعض تلك الألفاظ والشواهد:
الشاهد الأول: هو المماثلة بين ولاية النبي صلی الله علیه و آله وولاية علي(عليه السلام)؛ فقد خاطب النبي صلی الله علیه و آله الصحابة والمسلمين في خطبة الغدير، قائلاً: «ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: نعم، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه»، وفي لفظ آخر: «إنّ الله مولاي وأنا وليّ كلّ مؤمن... من كنت وليه فهذا وليه»، وفي
ص: 184
لفظ ثالث: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم»، ويشير النبي صلی الله علیه و آله في هذا المقطع من حديثه إلى قول الله تعالى: {النبِي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}(1)، وولاية النبي صلی الله علیه و آله في هذه الآية المباركة بمعنى أنّه الأحقّ والأولى بأمور المسلمين وشؤونهم من أنفسهم، وهذا ما يؤكّده أعلام المفسرين من الطائفة السنية، ونذكر في هذا المجال بعض كلماتهم في تفسير الآية المباركة:
1- قال الطبري في تفسيره للآية: «يقول: أحقّ بالمؤمنين به من أنفسهم، أنْ يحكم فيهم بما شاء من حكم، فيجوز ذلك عليهم، كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، كما أنت أولى بعبدك، ما قضى فيهم من أمر جاز، كما كلّما قضيت على عبدك جاز»(2).
2- قال ابن كثير في تفسيره: «قد علم الله تعالى شفقة رسوله (صلّى الله عليه وسلّم) على أمّته ونصحه لهم، فجعله أولى بهم من أنفسهم، وحكمه فيهم مقدماً على اختيارهم لأنفسهم، كما قال تعالى: {فَلاَ وَرَبكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتىَ يُحَكمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُم لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مما قَضَيْتَ وَيُسَلمُواْ تَسْلِيماً}»(3).
3- قال البغوي في تفسيره، بعد ذكر الآية: «يعني من بعضهم ببعض في
ص: 185
نفوذ حكمه فيهم، ووجوب طاعته عليهم، وقال ابن عبّاس وعطاء: يعني إذا دعاهم النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) أولى بهم من أنفسهم»(1).
4- قال ابن الجوزي في تفسيره: «أي: أحق، فله أنْ يحكم فيهم بما يشاء، قال ابن عباس: إذا دعاهم إلى شيء، ودعتهم أنفسهم إلى شيء، كانت طاعته أولى من طاعة أنفسهم، وهذا صحيح؛ فإن أنفسهم تدعوهم إلى ما فيه هلاكهم والرسول [عليه السلام] يدعوهم إلى ما فيه نجاتهم»(2)، والعبارة ذاتها أوردها الخازن في تفسيره(3).
5- قال النسفي في تفسيره للآية: «أي أحقّ بهم في كلّ شيء من أمور الدين والدنيا، وحكمه أنفذ عليهم من حكمها، فعليهم أنْ يبذلوها دونه ويجعلوها فداءه»(4).
6- قال الشوكاني في فتح القدير، بعد أن ذكر عبارة قريبة من عبارة النسفي المتقدمة: «وبالجملة: فإذا دعاهم النبي (صلى الله عليه وسلم) لشيء ودعتهم أنفسهم إلى غيره وجب عليهم أن يقدموا ما دعاهم إليه، ويؤخروا ما دعتهم أنفسهم إليه، ويجب عليهم أن يطيعوه فوق طاعتهم لأنفسهم، ويقدموا طاعته على ما تميل إليه أنفسهم وتطلبه خواطرهم»(5).
ص: 186
والمضمون ذاته ذكره الصابوني في تفسيره(1).
7- قال القاضي عياض في كتابه (الشفا): «قال أهل التفسير {أولى بالمؤمنين من أنفسهم}: أي ما أنفذه فيهم من أمر فهو ماض عليهم، كما يمضي حكم السيد على عبده»(2).
وهذه الأولوية على المؤمنين، التي تعني الأحق بالأمر، والأولى في الطاعة ووجوب الاتباع والانصياع، هي التي أثبتها النبيّ صلی الله علیه و آله لعليّ(عليه السلام) في حديث الغدير؛ وذلك لأنّ النبيّ صلی الله علیه و آله قد جعل ولاية علي(عليه السلام) على المؤمنين متفرّعة عن ولايته’، حيث قال: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فهذا ولي من أنا مولاه، اللهم وال من والاه، اللهم عاد من عاداه»(3)، قال الألباني في حكمه على الحديث: «صحيح»(4).
وفي لفظ آخر للحديث: «إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) قام بضرة الشجرة بخم، وهو آخذ بيد علي، فقال: أيها الناس! ألستم تشهدون أن الله ربكم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تشهدون أن الله ورسوله أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: وأن الله ورسوله مولاكم؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فإن هذا مولاه»(5).
ص: 187
والتفريع بالفاء في سياق الحديث صريح في أنّ المراد إثبات ولاية النبيّ صلی الله علیه و آله على المؤمنين لعلّي(عليه السلام)، وهذا صريح في أنّ الحديث بصدد إثبات وجوب الانقياد والطاعة له(عليه السلام)؛ وذلك لأنّ ولاية النبيّ صلی الله علیه و آله هي ولاية طاعة وانقياد وتسليم، بصريح الآيات القرآنية وأقوال المفسّرين المتقدّمة.
وكأنّ النبيّ صلی الله علیه و آله يريد أنْ يقول بأنّ ولايتي عليكم، التي أثبتها الله تعالى لي في القرآن الكريم، والتي هي ولاية إطاعة وتسليم، هي بعينها وبذاتها وبجميع خصائصها ثابتة لعلي(عليه السلام).
ولا أدري كيف ينبغي على النبيّ صلی الله علیه و آله أنْ يعبّر لكي يقنع أمثال ابن تيمية والقفاري وأمثالهما؟! وهل هناك ألفاظ أصرح ممّا ذكره النبيّ صلی الله علیه و آله لإفهام الناس وجوب طاعة علي(عليه السلام)، والانقياد لأوامره من بعده’؟!
الشاهد الثاني: هو توافر الأحاديث الصحيحة التي تنص على نزول قوله تعالى: {يَا أَيهَا الرسُولُ بَلغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن ربكَ وَإِن لمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ الناسِ}(1) في واقعة الغدير قبل خطبة النبي الأكرم’؛ وهذا ما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، بسنده عن أبي سعيد الخدري، قال: «نزلت هذه الآية: {يَا أَيهَا الرسُولُ بَلغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن
ص: 188
ربكَ} في علي بن أبي طالب»(1).
وقد التزم ابن أبي حاتم في مقدّمة تفسيره بإخراج أصحّ الأخبار إسناداً، حيث قال: «فتحريت إخراج ذلك بأصح الأخبار إسناداً وأشبهها متناً»(2).
وقد وصف ابن تيمية مؤلفي هذه التفاسير بأنّهم: «أهل النقل من أئمّة أهل التفسير، الذين ينقلونها بالأسانيد المعروفة كتفسير ابن جريج وسعيد بن أبي عروبة وعبد الرزاق وعبد بن حميد وأحمد وإسحاق وتفسير بقيّ بن مُخلّد وابن جرير الطبري ومحمّد بن أسلم الطوسي وابن أبي حاتم وأبي بكر بن المنذر، وغيرهم من العلماء الأكابر الذين لهم في الإسلام لسان صدق، وتفاسيرهم متضمنة للمنقولات التي يعتمد عليها في التفسير»(3).
وأخرج هذا الحديث أيضاً الواحدي في أسباب النزول بسنده عن أبي سعيد الخدري، أنّه قال: «نزلت هذه الآية: {يَا أَيهَا الرسُولُ بَلغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن ربكَ} في يوم غدير خم في علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)»(4).
وقد التزم الواحدي(5) أيضاً في مقدّمة كتابه بنقل ما هو الصحيح والحق
ص: 189
من الروايات، حيث قال بعد أنْ انتقد من يكتب في مجال أسباب النزول عن غير علم: «وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب الجامع
ص: 190
للأسباب، لينتهي إليه طالبوا هذا الشأن والمتكلمون في نزول [هذا] القرآن، فيعرفوا الصدق، ويستغنوا عن التمويه والكذب، ويجدّوا في تحفظه بعد السماع والطلب»(1).
وأخرج ابن عساكر الحديث أعلاه من طريق وجيه بن طاهر عن أبي حامد الأزهري وساقه بنفس السند, فقال: «أخبرنا أبو بكر وجيه بن طاهر، نا أبو حامد الأزهري، نا أبو محمد المخلدي، أنا أبو بكر محمد بن حمدون، أنا محمد بن إبراهيم الحلواني، نا الحسن بن حماد سجادة، نا علي بن عابس، عن الأعمش وأبي الجحاف، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري..»(2). واسناده صحيح رجاله كلّهم ثقات.
أمّا أبو بكر وجيه بن طاهر:
فقد قال عنه الذهبي: «الشيخ العالم العدل، مسند خراسان، أبو بكر أخو زاهر، الشحامي النيسابوري، من بيت العدالة والرواية»(3).
وأمّا أبو حامد الأزهري:
ذكره الذهبي بقوله: «العدل المسند الصدوق، أبو حامد، أحمد بن الحسن بن محمد بن أزهر الأزهري النيسابوري الشروطي، من أولاد المحدثين... وله أصول متقنة، حدث عنه زاهر ووجيه ابنا طاهر»(4).
وأمّا أبو محمّد المخلدي:
ص: 191
فقد قال عنه الذهبي: «الإمام الصادق المسند... العدل، شيخ العدالة، وبقية أهل البيوتات»(1).
وأمّا محمّد بن خلدون:
فهو محمّد بن حمدون بن خالد، قال الذهبي: «الحافظ الكبير أبو بكر النيسابوري أحد الأثبات... قال الحاكم كان من الثقات الأثبات الجوالين في الأقطار»(2).
وأمّا محمّد بن إبراهيم الحلواني:
فقد ذكره الخطيب البغدادي بقوله: «أبو بكر الحلواني، قاضي بلخ، سكن بغداد وحدث بها... وكان ثقة»(3).
وأمّا الحسن بن حماد سجادة:
فقد قال عنه الذهبي: «ثقة صاحب سنة»(4)، وقال عنه ابن حجر: «صدوق من العاشرة»(5).
وأما علي بن عابس:
فقد أخرج له أحمد في مسنده روايات عديدة(6)، وأخرج له الترمذي في مسنده، ولم يضعف ما أخرجه عنه من حديث، وإنما قال عنه غريب،
ص: 192
وغرابته من جهة مسلم الأعور فحسب، حيث قال بعد أن أخرج حديثاً عن عليّ بن عابس: «هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث مسلم الأعور، ومسلم الأعور ليس عندهم بذلك القوي»(1).
كما أخرج له الحاكم أيضاً في المستدرك في جملة من الموارد(2).
وقال المزي في تهذيب الكمال عند ترجمة علي بن عابس: «وقال أبو أحمد بن عدي: له أحاديث حسان»(3).
وأخرج له الدارقطني في سننه، وقال عنه: «كوفي يعتبر به»(4).
وقد جعل ابن حجر لفظ (يعتبر به) في المرتبة الثالثة من مراتب التعديل، فهو بعد أن جعل مراتب التجريح ثلاثة أقسام، ومثلها مراتب التعديل، قال: «وأدناها [أي أدنى مراتب التعديل] ما أشعر بالقرب من أسهل التجريح، كشيخ، ويروي حديثه، ويعتبر به، ونحو ذلك، وبين ذلك مراتب لا تخفى»(5).
وقد ذكر الزبيدي في (البلغة) أن لفظ >يعتبر به< من ألفاظ التعديل، فهو بعد أن ذكر أربع مراتب من مراتب التعديل جعل هذا اللفظ من المرتبة الثالثة، حيث قال: «ويليها: محله الصدق، روي عنه شيخ، يروى حديثه، يعتبر به، وسط، صالح الحديث، مقارب الحديث، جيد الحديث، حسن
ص: 193
الحديث»(1)، فجعل هذه الألفاظ كلها في مرتبة واحدة من مراتب التعديل.
فعلي بن عابس لم يضعفه القوم إلا من جهة ما يرويه من أحاديث فضائل علي(عليه السلام)، والتي وسموها بالغرائب والمناكير، أمثال (حديث الطير) وحديث (وقعة فدك)، وهذا الحديث الذي نحن بصدده(2).
وأمّا أبو الجحاف:
فقد قال عنه الذهبي: «وثقه أحمد، ويحيى، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، قليله»(3).
وأمّا عطية العوفي:
فقد روى له البخاري في الأدب المفرد وروى له أبو داود والترمذي وابن ماجه، وقال عنه ابن حجر في التقريب: «صدوق يخطئ كثيراً»(4).
وقال المزي في ترجمته لعطية العوفي: «وقال عبّاس الدوري، عن يحيى بن معين: صالح»(5)، وقد أخرج له أحمد في مسنده روايات كثيرة، وقال الهيثمي عندما أخرج حديثاً في فضل الصوم عن عطية العوفي: «رواه أحمد وفيه عطية بن سعيد، وفيه كلام وقد وثق»(6).
ص: 194
وقال الملا علي القاري في شرحه لمسند أبي حنيفة عند تعليقه على طرق بعض الروايات: «ذكر إسناده عن عطية بن سعد العوفي، وهو من أجلاء التابعين»(1).
وقال ابن حجر: «وقال ابن سعد: خرج عطية مع ابن الأشعث، فكتب الحجاج إلى محمد بن القاسم أن يعرضه على سب علي، فإن لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط واحلق لحيته، فاستدعاه فأبى أن يسب، فأمضى حكم الحجاج فيه، ثم خرج إلى خراسان، فلم يزل بها حتى ولي عمر بن هبيرة العراق فقدمها، فلم يزل بها إلى أن توفي سنة (11) [بعد المائة]، وكان ثقة إن شاء الله، وله أحاديث صالحة»(2).
وقال الذهبي في تعليقه على ما فعله الحجاج في عطية العوفي: «وكان شيعياً رحمه الله، ولا رحم الحجاج»(3).
وقد أخرج له الترمذي في سننه روايات عديدة، وقال في تعليقه على بعض الأحاديث التي وقع في طريقها عطية العوفي: «هذا حديث حسن غريب»(4)، وقد حسّن له أحاديث أخرى قال عنها: «هذا حديث حسن»(5)، بل إنّ الترمذي صحح لعطية العوفي جملة من الأحاديث في أبواب صفة الجنة وقال عنها: «هذا حديث حسن صحيح»(6).
ص: 195
وبعد هذا التوثيق والتعديل للتابعي الكبير عطية العوفي، لا قيمة لما ورد من تضعيف وجرح مبهم غير مفسر في بعض الكلمات؛ لأنّه قد تقرّر في قواعد علوم الحديث أنّ الراوي إذا ورد في حقّه جرح وتعديل، وكان الجرح مبهماً وغير مفسر ينبغي ردّه وعدم الاعتناء به، والأخذ بالتعديل الذي جاء في حقّه.
قال ابن حجر: «والجرح مقدم على التعديل، وأطلق جماعة، ولكن محلّه: إنْ صدر مبيناً من عارف بأسبابه؛ لأنّه إن كان غير مفسّر لم يقدح فيمن ثبتت عدالته، وإنْ صدر من غير عارف بالأسباب لم يعتبر به أيضاً»(1).
ولعلّ الذين جرحوا عطية العوفي وطعنوا في وثاقته، لم يتقبلوا منه رفضه لأوامر السلطان، وامتناعه عن سبّ علي(عليه السلام)، ولعلّه يحظى بتوثيقهم لو أطاع السلطان ووافق الحجاج على أنّ يسبّ علياً(عليه السلام).
وقد أخرج الثعلبي نزول آية البلاغ في يوم الغدير في حقّ علي(عليه السلام) بأربعة طرق، فلاحظ(2).
والحاصل: أنّ هذا الطريق للحديث الذي أخرجه ابن أبي حاتم والواحدي وابن عساكر وغيرهم صحيح الإسناد، ورجاله كلهم ثقات، وهو يتضمن نزول قوله تعالى: {يَا أَيهَا الرسُولُ بَلغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن ربكَ} في
ص: 196
علي(عليه السلام) في يوم الغدير بعد حجة الوداع، وفي نزول هذه الآية المباركة في تلك الواقعة دليل واضح على أنها جاءت لتأكيد أمر في غاية الأهمية والخطورة، بحيث يجب على النبي الأكرم’ تبليغه في يوم الغدير، ومن الواضح من سياق الآية الكريمة أن ما وقع في يوم الغدير لو لم يفعله النبي صلی الله علیه و آله فلا يكون قد بلغ رسالة الإسلام، وليس ذلك إلا لانهدام ركن الإمامة والولاية، الذي تتوقف عليه ديمومة الإسلام واستمراره، فترك تنصيب علي بن أبي طالب(عليه السلام) للولاية على الأمة مساوق لترك تبليغ الرسالة بكاملها؛ لأنّ الإمامة الإلهية بعد النبيّ صلی الله علیه و آله هي التي تتكفّل قيادة الأمّة من الناحية الدينية والسياسية والحكوميّة ونحوها.
إنّ الأحاديث الصحيحة تنصّ أيضاً على نزول قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً فَمَنِ اضْطُر فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فإن اللهَ غَفُورٌ رحِيمٌ}(1) بعد خطبة الغدير، وهذا ما تقدّم إخراجه بسند صحيح عن أبي هريرة، حيث قال: «لمّا أخذ النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) بيد عليّ بن أبي طالب، فقال: ألستُ ولي المؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فانزل الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}»(2).
ص: 197
ونزول هذه الآية المباركة بعد حديث الغدير من الأدلة الواضحة على أنّ المراد من قول النبيّ صلی الله علیه و آله : «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» هو إثبات الإمامة والخلافة لعلي(عليه السلام) من بعده’؛ إذ لا يوجد ما يصلح لإكمال الدين وإتمام النعمة في حديث الغدير إلا مقام الخلافة والإمامة في الأمة؛ لأن الإمامة تعني حفظ الدين وقيادة الأمة والدفاع عن حريم الرسالة الإسلامية بعد وفاة النبي صلی الله علیه و آله .
بعد أن أورد ابن كثير في تفسيره رواية عمر بن الخطاب - الآتي ذكرها - والتي تتعرض لسبب نزول آية الإكمال، وأنه بعرفة يوم الجمعة، قال: «وقال ابن جرير: وقد قيل: ليس ذلك بيوم معلوم عند الناس، ثمّ روى من طريق العوفي عن ابن عبّاس في قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} يقول: ليس بيوم معلوم عند الناس، قال: وقد قيل: إنها نزلت على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) في مسيره إلى حجّة الوداع، ثمّ رواه من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس, قلت: وقد روى ابن مردويه من طريق أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أنّها نزلت على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يوم غدير خم حين قال لعلّي: من كنت مولاه فعلي مولاه، ثمّ رواه عن أبي هريرة، وفيه: أنّه اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة يعني مرجعه(عليه السلام) من حجّة الوداع. ولا يصحّ لا هذا ولا هذا، بل الصواب الذي لا شكّ فيه ولا مرية أنّها أنزلت يوم عرفة وكان يوم
ص: 198
جمعة»(1).
وقال ابن كثير أيضاً في سيرته وتاريخه: «فأمّا الحديث الذي رواه ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: لما أخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بيد علي قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فأنزل الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}، قال أبو هريرة: وهو يوم غدير خم، من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً. فإنه حديث منكر جداً، بل كذب؛ لمخالفته لما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنّ هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة، ورسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) واقف بها»(2).
يتضمن الجواب عدة نقاط:
إنّ الذي يشهد على بطلان كلام ابن كثير، هو أن الآية أو السورة قد يتكرر نزولها أكثر من مرة؛ لأسباب كثيرة، كتعظيم شأنها أو تعدّد أسباب نزولها أو نحو ذلك.
وقد صرّح العلماء بذلك في مباحث علوم القرآن، قال الزركشي في
ص: 199
كتابه (البرهان): «وقد ينزل الشيء مرتين تعظيماً لشأنه، وتذكيراً به عند حدوث سببه، خوف نسيانه؛ وهذا كما قيل في الفاتحة نزلت مرتين، مرة بمكّة وأخرى بالمدينة»(1).
ثمّ استشهد الزركشي على صحّة مقالته ببعض الأمثلة، حيث أورد جملة من الآيات التي ورد سبب نزولها في الصحيحين بنحو، وفي المجامع الحديثية الأخرى بنحو آخر، قال الزركشي: «ومثله ما في الصحيحين، عن ابن مسعود في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الروحِ} أنها نزلت لما سأله اليهود عن الروح، وهو في المدينة، ومعلوم أن هذه في سورة (سبحان)(2) وهي مكية بالاتفاق، فإنّ المشركين لما سألوه عن ذي القرنين وعن أهل الكهف، قيل ذلك بمكّة، وأنّ اليهود أمروهم أنْ يسألوه عن ذلك، فأنزل الله الجواب، كما قد بسط في موضعه.
وكذلك ما ورد في {قُلْ هُوَ اللهُ أحد} أنّها جواب للمشركين بمكّة، وأنّها جواب لأهل الكتاب بالمدينة» ثم قال: «والحكمة في هذا كلّه: أنّه قد يحدث سبب من سؤال أو حادثة تقتضي نزول آية، وقد نزل قبل ذلك ما يتضمنها، فتؤدى تلك الآية بعينها إلى النبيّ (صلى الله عليه وسلّم) تذكيراً لهم بها، وبأنّها تتضمن هذه... وما يذكره المفسرون من أسباب متعدّدة لنزول الآية قد يكون من هذا الباب، لا سيما وقد عرف من عادة
ص: 200
الصحابة والتابعين أنّ أحدهم إذا قال: نزلت هذه الآية في كذا، فإنّه يريد بذلك أنّ هذه الآية تتضمن هذا الحكم، لا أنّ هذا كان السبب في نزولها»(1).
ثم إنّ البخاري وكذا مسلم قد ذكرا في صحيحيهما أسباباً وأزمنة وأمكنة متعدّدة ومختلفة لنزول آية واحدة، بل وأخرج البخاري وغيره اختلاف بعض الصحابة فيما بينهم في سبب نزول بعض الآيات المباركة، والشواهد على ذلك كثيرة:
فمن ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه تفسيراً لقوله تعالى: {إِنّ الذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً}(2)، حيث أورد سببين مختلفين زماناً ومكاناً ومورداً لنزول الآية الكريمة:
السبب الأول: ما أخرجه عن الأشعث بن قيس، حيث قال: >فيّ أٌنزلت؛ كانت لي بئر في أرض ابن عمٍّ لي، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: بينّتك أو يمينه...»(3).
السبب الثاني: ما أخرجه عن عبد الله بن أبي أوفى: «أنّ رجلاً أقام سلعة في السوق، فحلف فيها لقد أعطي بها ما لم يعطه، ليوقع فيها رجلاً من المسلمين، فنزلت: {إِنّ الذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً}»(4).
ص: 201
ونحن نوجه سؤالنا لابن كثير، ونقول: هل يجرؤ على إبطال ما في البخاري لاختلاف أسباب النزول فيه، ويقول: إنّه حديث منكر جداً، بل كذب، كما فعل ذلك في آية البلاغ، استناداً إلى مخالفة سبب النزول ومكانه لما هو موجود في الصحيحين؟!
وأمّا بالنسبة إلى اختلاف الصحابة في أسباب نزول بعض الآيات، فموارده كثيرة جداً، ومن تلك الموارد ما أخرجه البخاري في صحيحه عن زيد بن وهب، قال: «مررت بالربذة، فإذا أنا بأبي ذر (رضي الله عنه) فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أنا ومعاوية في: {وَالذِينَ يَكْنِزُونَ الذهَبَ وَالْفِضةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ}، قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم، فكان بيني وبينه في ذاك..»(1). وأخرج أيضاً في كتاب الحج في صحيحه الخلاف بين عائشة وابن عمر في سبب نزول قوله تعالى:{إِنّ الصفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ فَمَنْ حَج الْبَيْتَ أو اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطوّف بِهِمَا}(2)(3).
إذن، بناءً على هذا البيان قد تكون آية الإكمال نزلت مرّتين، إحداها في يوم عرفة والأخرى في يوم الغدير، ولعلّ اليهودي الذي كان في مجلس الخليفة عمر بن الخطاب كان يقصد نزول الآية في يوم الغدير،
ص: 202
ولكنّ الخليفة أجابه بنزولها في يوم عرفة، للالتفاف على ما كان يرمي إليه اليهودي، حيث إنّ البخاري ومسلماً أخرجا في صحيحيهما عن طارق بن شهاب، عن عمر بن الخطاب: «أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: أي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً} قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو قائم بعرفة يوم الجمعة»(1).
وهذا الجواب من عمر بن الخطاب لا غرابة فيه؛ لأنه إذا قال بأنّ اليوم الذي نزلت فيه الآية هو الثامن عشر من ذي الحجة وفي غدير خم، فإنّه يكون قد أقرّ لعلي(عليه السلام) بالخلافة والإمامة، وهذا ما لا يرتضي الخليفة ذكره في الملأ العام، ولا يريد أن يستذكر قوله لعلي(عليه السلام): «بخ بخ لك يا بن أبي طالب..» في يوم الغدير، كما تقدّم في الحديث عن أبي هريرة(2).
والحاصل: أنّ مخالفة بعض الروايات الصحيحة لما ورد في صحيحي البخاري ومسلم في تعيين سبب النزول، ليس فيه أيّ محذور يقتضي تكذيب تلك الروايات، بل هو يكشف عن تعدّد وتغاير أسباب وأزمنة وأمكنة النزول للآية الواحدة، ويشهد على ذلك ما ورد في الصحيحين من
ص: 203
اختلاف أسباب النزول وزمان ومكان الآية الواحدة.
إنّ رواية عمر بن الخطّاب المتقدّمة تتعارض مع جملة من مضامين الأحاديث الصحيحة الواردة في المقام، نشير فيما يلي إلى بعضها:
لقد ورد في رواية عمر بن الخطاب أنّ آية الإكمال نزلت في يوم الجمعة، مع أنّ هذا يتنافى مع ما ورد عن ابن عبّاس بسند معتبر من أنّ آية الإكمال نزلت في يوم الاثنين، فقد أخرج الطبراني بسنده عن ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش بن عبد الله الصنعاني، عن ابن عباس، قال: «ولد نبيكم (صلى الله عليه وسلم) يوم الاثنين، ويوم الاثنين خرج من مكة، ودخل المدينة يوم الاثنين، وفتح بدراً يوم الاثنين، ونزلت سورة المائدة يوم الاثنين {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ورفع الركن يوم الاثنين»(1).
وطريق هذا الحديث معتبر، لم يقع كلام في سنده إلا من جهة ابن لهيعة، قال الهيثمي في زوائده: «رواه أحمد والطبراني في الكبير، وزاد فيه: وفتح بدراً يوم الاثنين، ونزلت سورة المائدة يوم الاثنين: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}. وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات، من أهل
ص: 204
الصحيح»(1).
ولكن هذا الكلام من الهيثمي غير تام، فإن ابن لهيعة من الثقات، فقد روى له مسلم مقروناً بعمرو بن الحارث في صحيحه(2) وأبو داود(3) والترمذي(4) وابن ماجه(5).
وقال عنه الحاكم: «وعبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي أحد الأئمّة، إنّما نقم عليه اختلاطه في آخر عمره»(6).
وقال المزي في تهذيب الكمال: «وقال أبو عبيد الله الآجري أيضاً: سمعت أبا داود يقول: أحمد بن حنبل يقول: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه؟ وحدّث عنه أحمد بحديث كثير»(7).
وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: «أبو عبد الرحمن المصري القاضي صدوق من السابعة, خلط بعد احتراق كتبه, ورواية بن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما, وله في مسلم بعض شئ مقرون»(8).
وقال في التهذيب: «وحكى الساجي عن أحمد بن صالح: كان ابن
ص: 205
لهيعة من الثقات... وقال ابن شاهين: قال أحمد بن صالح: ابن لهيعة ثقة، ما روي عنه من الأحاديث فيها تخليط يطرح ذلك التخليط، وقال مسعود عن الحاكم: لم يقصد الكذب وإنّما حدّث من حفظه بعد احتراق كتبه فأخطأ»(1).
وقال في لسان الميزان: «عبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي الغافقي أبو عبد الرحمن المصري قاضيها وعالمها ومسندها»(2).
وقال عنه الذهبي في تذكرة الحفاظ: «الإمام الكبير قاضي الديار المصرية وعالمها ومحدّثها»(3).
وفي الكامل لابن عدي: «أخبرنا العباس بن محمّد بن العباس، سمعت أحمد بن عمرو بن المسرح يقول: سمعت ابن وهب يقول: وسأله رجل عن حديث فحدّثه به، فقال له: من حدثك بهذا يا أبا محمّد قال: حدّثني به والله الصادق البار عبد الله بن لهيعة»(4).
وفي الجرح والتعديل: «ثنا عبد الرحمن، حدثني أبي، نا محمد بن يحيى بن حسان، قال: سمعت أبي يقول: ما رأيت أحفظ من ابن لهيعة بعد هشيم، قلت له: إن الناس يقولون: احترق كتب ابن لهيعة، فقال: ما
ص: 206
غاب له كتاب»(1).
وقال العيني: «وعبد الله بن لهيعة ثقة عند أحمد والطحاوي»(2)، وقد حسّن الهيثمي نفسه أحاديث ابن لهيعة، حيث قال في تعليقه على بعض الأحاديث: «وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن»(3).
إذن فطريق هذا الحديث معتبر، وهو يُثبت أنّ آية الإكمال نزلت في يوم الاثنين، وهذا يعارض ما رواه عمر من أنّ الآية نزلت في يوم الجمعة.
إنّ ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عمر بن الخطاب، من أنّ آية الإكمال نزلت في يوم الجمعة والنبي صلی الله علیه و آله قائم بعرفات(4)، يتقاطع ويتنافى مع ما رواه مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب، من أن الآية نزلت في ليلة جمع (ليلة المزدلفة)، وهي ليلة العيد التي يزدلف فيها المسلمون من عرفات إلى منى، بعد إتمام الوقوف بعرفات، وذلك ما أخرجه مسلم عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: «قالت اليهود لعمر: لو علينا معشر يهود نزلت هذه الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً} ونعلم اليوم الذي أنزلت فيه، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: فقال عمر: فقد علمت اليوم
ص: 207
الذي أنزلت فيه، والساعة، وأين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين نزلت، نزلت ليلة جمع ونحن مع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بعرفات»(1).
فهل أنّ الآية نزلت في يوم الجمعة والنبيّ صلی الله علیه و آله قائم بعرفة، أم أنها نزلت ليلة جمع والنبي صلی الله علیه و آله قد أتم الوقوف بعرفة وهو في طريقه للازدلاف إلى منى؟!!
إن ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عمر بن الخطاب، من أنّ آية الإكمال نزلت في يوم الجمعة والنبيّ صلی الله علیه و آله قائم بعرفات، يتقاطع ويتنافى أيضاً مع ما رواه النسائي في سننه بسند صحيح، من أن الآية نزلت ليلة الجمعة، حيث أخرج بسنده عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: «قال يهودي لعمر: لو علينا نزلت هذه الآية لاتخذناه عيداً {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} قال عمر: قد علمت اليوم الذي أنزلت فيه، والليلة التي أنزلت ليلة الجمعة، ونحن مع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بعرفات»(2)، وقال عنه الألباني: «صحيح»(3).
ص: 208
أخرج البخاري في صحيحه تشكيك سفيان الثوري في نزول الآية يوم الجمعة، حيث روى عن طارق بن شهاب، قال: «قالت اليهود لعمر: إنكم تقرؤون آية، لو نزلت فينا لاتخذناها عيداً، فقال عمر: إني لأعلم حيث أنزلت وأين أنزلت، وأين رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) حين أنزلت. يوم عرفة وإنا والله بعرفة. قال سفيان: وأشك كان يوم الجمعة، أم لا»(1).
وهناك إشكالات وتناقضات أخرى في مضمون رواية عمر بن الخطاب، أعرضنا عنها رعاية للاختصار.
تقدّم أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله قال في حديث الغدير: «اللهمّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه، وأبغض من يبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله» وقد تقدم تصحيح الهيثمي وغيره لهذا المقطع من الحديث، حيث قال في زوائده: «رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة، وهو ثقة»(2).
فالنبيّ صلی الله علیه و آله أراد أنْ يبيّن في هذا المقطع من الحديث وجوب موالاة علي(عليه السلام) ومناصرته والوقوف إلى جانبه ضدّ أعدائه، ويدعو الله تعالى أنْ يؤيد أنصاره ومواليه، ويخذل كلّ من يحاول خذلانه ومعاداته، وهذا المعنى لا يليق إلا بمن سيكون له أولياء وأنصار وأعداء يخذلونه، وهو
ص: 209
يحتاج إلى النصرة ويتضرر بالخذلان وعدم الانقياد له، وليس هذا إلا لمن يكون له مقام الخلافة والإمامة والولاية على الأمّة، وهذا يعني أنّ النبي صلی الله علیه و آله أراد أن يثبت في حديث الغدير مقام الخلافة لعلي(عليه السلام)، ثم حاول أن يحث الناس على موالاته واتباعه ونصرته، ويردعهم عن خذلانه ومعاداته.
فالنبي صلی الله علیه و آله «لمّا صدع بما خول الله سبحانه وصيه من المقام الشامخ بالرياسة العامة على الأمة جمعاء، والإمامة المطلقة من بعده، كان يعلم بطبع الحال أن تمام هذا الأمر بتوفر الجنود والأعوان وطاعة أصحاب الولايات والعمال، مع علمه بأن في الملأ من يحسده، كما ورد في الكتاب العزيز، وفيهم من يحقده، وفي زمر المنافقين من يضمر له العداء لأوتار جاهلية، وستكون من بعده هنات تجلبها النهمة والشره من أرباب المطامع لطلب الولايات والتفضيل في العطاء، ولا يدع الحق علياً(عليه السلام) أن يسعفهم بمبتغاهم، لعدم الحنكة والجدارة فيهم فيقلبون عليه ظهر المجن، وقد أخبر’ مجمل الحال بقوله: إنْ تؤمّروا عليّاً ولا أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهديّاً(1)، وفي لفظ: إنْ تستخلفوا عليّاً وما أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهديّاً(2).
فطفق’ يدعو لمن والاه ونصره، وعلى من عاداه وخذله، ليتم له
ص: 210
أمر الخلافة، وليعلم الناس أنّ موالاته مجلبة لموالاة الله سبحانه، وأن عداؤه وخذلانه مدعاة لغضب الله وسخطه، فيزدلف إلى الحقّ وأهله، ومثل هذا الدعاء بلفظ العام لا يكون إلاّ فيمن هذا شأنه، ولذلك إن أفراد المؤمنين الذين أوجب الله محبة بعضهم لبعض لم يؤثر فيهم هذا القول، فإنّ منافرة بعضهم لبعض جزئيات لا تبلغ هذا المبلغ، وإنّما يحصل مثله فيما إذا كان المدعو له دعامة الدين، وعلم الإسلام، وإمام الأمة، وبالتثبط عنه يكون فت في عضد الحق وانحلال لعرى الإسلام»(1).
الشاهد الخامس: قول النبي صلی الله علیه و آله في مقدّمة حديث الغدير: «يا أيّها الناس، إنّه لم يبعث نبي قط إلا ما عاش نصف ما عاش الذي كان قبله، وإنّي أوشكُ أنْ أُدعى فأجيب»(2) ثمّ ذكره ولاية أمير المؤمنين(عليه السلام)، وهذا يعني أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله يريد أنْ يبيّن للناس خليفته من بعده، وأنّ الولاية التي ثبتت لعليّ(عليه السلام) بحديث الغدير يأتي دورها في الأمّة بعد أنْ يستجيب النبيّ صلی الله علیه و آله لنداء ربّه تبارك وتعالى، وليس المراد من الولاية بعد وفاة النبيّ صلی الله علیه و آله إلا مقام الخلافة والقيادة، وأمّا المحبة والنصرة وغيرها من المعاني التي ذكرها القوم فهي من الأمور الثابتة لعلّي(عليه السلام) في حياة النبيّ صلی الله علیه و آله ، بل هي ثابتة لكلّ مؤمن.
ص: 211
الشاهد السادس: يتمثل في أن حديث الغدير جاء في سياق حديث الثقلين، حيث قال النبي صلی الله علیه و آله : «إنّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال: إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كلّ مؤمن، ثمّ أخذ بيد عليّ (رضي الله عنه)، فقال: من كنت مولاه فهذا وليه...»(1).
وسياق هذا الحديث واضح الدلالة على أنّ النبيّ صلی الله علیه و آله أراد أنْ ينصب بحديث الغدير الخليفة من بعده، فهو’ بعد أنْ بين الدور الأساس للكتاب والعترة في مسيرة الأمّة والرسالة الإسلامية، وحثّ الناس على التمسّك بهما لأجل النجاة من الهلكة والورود عليه’ عند الحوض، بعد ذلك كلّه أراد النبي صلی الله علیه و آله أن يعيّن للمسلمين الرجل الأوّل من العترة - التي لا تفارق القرآن الكريم - وهو عليّ(عليه السلام)، وقد قال النبيّ صلی الله علیه و آله لعموم المسلمين في مناسبات أخرى: «عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ، لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض».
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد، وأبو سعيد التيمي هو عقيصاء، ثقة مأمون ولم يخرجاه»(2).
ص: 212
فالنبي صلی الله علیه و آله قد ترك في أمته بعد وفاته، كتاب الله عز وجلّ وعترته، ثم بين وأوضح بعد ذلك أنّ أول العترة هو علي(عليه السلام)، ثمّ أمر بتوليه ومناصرته، ونهى أصحابه عن خذلانه والتخلف عن ركبه الذي لا يفترق عن القرآن أبداً.
إذن فالنبي صلی الله علیه و آله قد ترك في أمته خليفتين: خليفة صامت وهو كتاب الله تعالى، وخليفة ناطق بالحق، وهو علي(عليه السلام) والعترة من بعده.
لقد بادر الصحابة لتهنئة علي(عليه السلام) على تتويجه بمقام الولاية، وقد تقدم في الأحاديث السابقة أنّ أول من قام لتهنئة علي(عليه السلام) هو عمر بن الخطاب، حيث قال: «بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم»(1)، وهذا يكشف عن أن النبي صلی الله علیه و آله قد أثبت لعلي(عليه السلام) مقاماً ومنزلة خاصة، استحق على ضوئها التهنئة والمباركة من قبل الصحابة وسائر المسلمين، وليست هذه المنزلة إلا الولاية والخلافة.
قال سبط ابن الجوزي في كتابه (تذكرة الخواص): «وذكر أبو حامد الغزالي في كتاب (سر العالمين وكشف ما في الدارين) ألفاظاً تشبه هذا، فقال: قال رسول الله’ لعلي(عليه السلام) يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ يا أبا الحسن، أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، قال: وهذا تسليم ورضاء وتحكيم، ثم بعد هذا غلب الهوى حباً للرياسة وعقد البنود وخفقان الرايات وازدحام الخيول
ص: 213
في فتح الأمصار وأمر الخلافة ونهيها، فحملهم على خلافة، فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً، فبئس ما يشترون»(1).
والذهبي بعد أنْ ذكر العبارة المتقدمة للغزالي، قال: «وما أدري ما عذره في هذا؟ والظاهر أنه رجع عنه، وتبع الحق، فإن الرجل من بحور العلم، والله أعلم»(2).
إنّ ما قام به عليّ(عليه السلام) في رحبة الكوفة يدلّ بوضوح على ما ذكرناه، حيث جمع(عليه السلام) الناس وجملة من صحابة النبيّ صلی الله علیه و آله وناشدهم واستشهدهم على حديث الغدير، وذلك في مقام الرد على من خالفه في أمر الخلافة، وهذا ما تقدّم نقله في الشبهة الأولى بطرق كثيرة وصحيحة، منها ما تقدم عن أحمد في مسنده عن أبي الطفيل، قال: «جمع علي (رضي الله تعالى عنه) الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام، فقام ثلاثون من الناس، وقال أبو نعيم: فقام ناس كثير فشهدوا»(3).
قال الهيثمي بعد أن أورد الحديث: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير فطر بن خليفة وهو ثقة»(4)، وقال حمزة أحمد الزين: «إسناده
ص: 214
صحيح»(1).
وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على الحديث: «إسناده صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير فطر بن خليفة فمن رجال أصحاب السنن، وروى له البخاري مقروناً»(2).
وقال الألباني في سلسلته الصحيحة: «أخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه، وابن أبي عاصم والضياء في المختارة» ثم قال: «قلت: وإسناده صحيح على شرط البخاري»(3).
وهذا الاستشهاد من علي(عليه السلام) يدلّ على أنّ حديث الغدير مضمونه الخلافة وقيادة الأمة، ولو لم يكن دليلاً على أحقية علي(عليه السلام) بالخلافة، لما صحّ الاستشهاد به والردّ على من خالف علياً(عليه السلام) وأنكر خلافته.
ويؤكد ما ذكرناه أيضاً، ما أخرجه الحاكم في المستدرك عن إياس الضبي، عن أبيه، عن جده، قال: «كنا مع علي يوم الجمل، فبعث إلى طلحة بن عبيد الله أن القني، فأتاه طلحة، فقال: نشدتك الله هل سمعت رسول الله’ يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال: نعم، قال: فلم تقاتلني؟ قال: لم أذكر. قال: فانصرف طلحة»(4)، فلو كان حديث الغدير لا دلالة فيه على الأحقية بالخلافة وولاية الأمر، فلماذا يحتج به علي(عليه السلام) على طلحة لإثبات أحقيته في ذلك؟ ولماذا لم
ص: 215
يعترض طلحة على دلالة الحديث، كما اعترض ابن تيمية ومن تابعه؟!
إنّ الاهتمام الخاص من الله عز وجل ونبيه الأكرم’ بخطبة يوم الغدير؛ دليل واضح على أن المراد من الولاية في حديثه هي الإمامة والخلافة، قال الأميني في موسوعته الغدير: «كان للمولى سبحانه مزيد عناية بإشهار هذا الحديث، لتتداوله الألسن وتلوكه أشداق الرواة، حتى يكون حجة قائمة لحامية دينه الإمام المقتدى صلوات الله عليه، ولذلك أنجز الأمر بالتبليغ في حين مزدحم الجماهير، عند منصرف نبيه’ من الحج الأكبر، فنهض بالدعوة، وكراديس الناس وزرافاتهم من مختلف الديار محتفة به، فرد المتقدم، وجعجع بالمتأخر، وأسمع الجميع(1) وأمر بتبليغ الشاهد الغايب، ليكونوا كلهم رواة هذا الحديث، وهم يربون على مائة ألف، ولم يكتف سبحانه بذلك كله حتى أنزل في أمره الآيات الكريمة تتلامع مر الجديدين بكرة وعشياً، ليكون المسلمون على ذكر من هذه القضية في كل حين، وليعرفوا رشدهم، والمرجع الذي يجب عليهم أن يأخذوا عنه معالم دينهم.
ولم يزل مثل هذه العناية لنبينا الأعظم’، حيث استنفر أمم الناس
ص: 216
للحج في سنته تلك، فالتحقوا به ثباً ثباً، وكراديس كراديس، وهو’ يعلم أنه سوف يبلغهم في منتهى سفره نبأً عظيماً، يقام به صرح الدين، ويشاد علاليه، وتسود به أمته الأمم، ويدب ملكها بين المشرق والمغرب، لو عقلت صالحها، وأبصرت طريق رشدها(1)، ولكن... ولهذه الغاية بعينها
ص: 217
لم يبرح أئمة الدين (سلام الله عليهم) يهتفون بهذه الواقعة، ويحتجون بها لإمامة سلفهم الطاهر، كما لم يفتأ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) بنفسه يحتج بها طيلة حياته الكريمة، ويستنشد السامعين لها من الصحابة الحضور في حجة الوداع، في المنتديات ومجتمعات لفائف الناس، كل ذلك لتبقى غضة طرية، بالرغم من تعاور الحقب والأعوام، ولذلك أمروا شيعتهم بالتعيد في يوم الغدير والاجتماع وتبادل التهاني والبشائر، إعادة لجدة هاتيك الواقعة العظيمة»(1).
والشواهد والأدلة في هذا المجال كثيرة جداً، وهي بأجمعها تكشف عن دلالة حديث الغدير على مسألة الخلافة والإمامة، بل إن بعض تلك الشواهد المتقدمة عبارة عن ألفاظ صريحة من النبي صلی الله علیه و آله تضمنها حديث الغدير، وهي تدل بوضوح كامل على أن النبي صلی الله علیه و آله قد نصب علياً(عليه السلام) إماماً وخليفة من بعده، بأمر من الله تعالى أنزله في كتابه الكريم.
وبعد هذه الدلالات والألفاظ والقرائن والشواهد الصريحة، يتضح زيف وبطلان قول ابن تيمية المتقدم حول حديث الغدير: «فإن قاله فلم يرد به الخلافة قطعاً؛ إذ ليس في اللفظ ما يدل عليه» وكذا يتضح ضعف قول القفاري: «ومن المعلوم لغة وعقلاً وعرفاً، فضلاً عن الشرع، أن الاستخلاف لا يكون بمثل هذه الألفاظ» فإن هذا الكلام لا قيمة له، بعد أن بينا دلالة ألفاظ الغدير على الخلافة.
ص: 218
ذكر القفاري ما ذكره الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، نقلاً عن كتاب الاعتقاد للبيهقي، حيث قال: «لذلك قال الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - كما يروي البيهقي(1) - حينما قيل له: ألم يقل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقال: أما والله إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إن كان يعني بذلك الإمرة والسلطان والقيام على الناس بعده لأفصح لهم بذلك، كما أفصح لهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وحج البيت، ولقال لهم: إن هذا ولي أمركم من بعدي فاسمعوا له وأطيعوا، فما كان من وراء هذا شيء، فإنّ أنصح الناس للمسلمين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم»(2).
يمكن الإجابة عن هذا الإشكال ومعالجته بعدة وجوه:
أولاً: أنّه ليس من الأحاديث التي نقلها الشيعة الإمامية، بل هو من الأحاديث التي ذكرها بعض علماء السنّة في كتبهم، فلا يمكن الاحتجاج بها على الشيعة، وهذا يخالف المنهج الذي اقتطعه القفاري على نفسه، وهو الاستدلال والردّ على الشيعة من كتبهم.
ثانياً: أنه حديث ضعيف السند حتى على المباني الرجالية عند الطائفة السنية، فإنّ البيهقي أخرج هذا الحديث في كتابه (الاعتقاد) عن يحيى بن
ص: 219
إبراهيم بن محمد بن علي، عن أبي عبد الله محمد بن يعقوب، عن محمد بن عبد الوهاب، عن جعفر بن عون، عن فضيل بن مرزوق، قال: «سمعت الحسن بن الحسن»(1).
أمّا يحيى بن إبراهيم بن محمّد بن علي، فهو بهذا العنوان مجهول، بل مهمل لم يرد له أي مدح أو توثيق.
وأمّا فضيل بن مرزوق، فهو محلّ كلام وخلاف, فقد قال عنه الذهبي: «قال النسائي: ضعيف، وكذا ضعفه عثمان بن سعيد» وقال أيضاً: «قال أبو عبد الله الحاكم: فضيل بن مرزوق ليس من شرط الصحيح، عيب على مسلم إخراجه في الصحيح، وقال ابن حبان: منكر الحديث جداً، كان ممن يخطئ على الثقات، ويروي عن عطية الموضوعات»(2).
وقال عنه أيضاً في (المغني في الضعفاء): «فضيل بن مرزوق الكوفي، عن أبي حازم الأشجعي والكبار، وثقه غير واحد، وضعفه النسائي وابن معين أيضاً، قال الحاكم: عيب على مسلم إخراجه في الصحيح»(3).
مضافاً إلى أنّ هذا الحديث لم يرد في كتب الصحاح التي التزم أصحابها بصحّة ما ورد فيها.
فإذا كان هذا هو حال الحديث على مباني الطائفة السنية، فكيف يحتج به القفاري على الشيعة، وهو يزعم أنه يحتج عليهم من كتبهم المعتبرة؟!!
ص: 220
ثالثاً: ثمّ لو فرضنا صحّة هذا الخبر، فهو لا يعدو كونه رأياً خاصّاً للحسن بن الحسن، وهو ممّن لا تعتقد الشيعة بعصمته ولا بحجية قوله عليهم، فكيف يحتج برأيه عليهم؟!!
رابعاً: مضافاً إلى أنّ ما أراده الحسن بن الحسن قد قاله النبي صلی الله علیه و آله في حقّ عليّ(عليه السلام) حين قال: >وهو وليّكم بعدي، وإنّه منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي»(1).
قال حمزة أحمد الزين في حكمه على الحديث: «إسناده صحيح»(2).
ومن الألفاظ التي تركّز الإشكال فيها هو لفظ (الولي) الوارد في الحديث؛ لأنّه هو محط الاستدلال في الحديث، لذا قال الدهلوي المتوفى 1239ه-: «قالوا: إنّ المولى بمعنى الأولى بالتصرف وهو عين الإمامة.
قلت: أنكر أهل العربية قاطبة مجيء المولى بمعنى الأولي، وأن مفعل لا يأتي بمعنى أفعل في أيّ مكان إلا أبو زيد اللغوي، حيث جوّزه متمسّكاً بقول عبيدة في تفسير «هي مولاكم» أي: أولى بكم، لكن خطّأه جمهور أهل العربية وقالوا: لو صحّ لزم جواز مجيء فلان مولى منك بدل أولى منك، وهو باطل منكر بالإجماع، وأنّ تفسير أبي عبيدة لبيانِ حاصل المعنى، أي: النار مقرّكم ومصيركم والموضع اللائق بكم، لا أنّ لفظ
ص: 221
المولى يأتي بمعنى الأولى»(1).
وقال القاضى عضد الدين الإيجي، المتوفى 756 ه-: «فلا يمكن أنْ يتمسّك بها في أن المولى بمعنى الأولى، والمراد بالمولى هو: الناصر بدليل آخر الحديث، وهو قوله: وال من والاه»(2).
وقال علي بن أبي علي الآمدي، المتوفى: 631ه-: «ولا يمكن حمل لفظ المولى على الأولى؛ فإنّ ذلك ممّا لا يرد فى اللغة أصلاً»(3).
وقال الآلوسي، المتوفى: 1270ه-: «ووجه استدلال الشيعة بخبر - من كنت مولاه فعلي مولاه - أن المولى بمعنى الأولى بالتصرف، وأولوية التصرف عين الإمامة، ولا يخفى أن أول الغلط في هذا الاستدلال جعلهم المولى بمعنى الأولى، وقد أنكر ذلك أهل العربية قاطبة؛ بل قالوا: لم يجىء مفعل بمعنى أفعل أصلاً»(4).
وهذا الكلام باطل من عدة وجوه:
قد شهد عدّة من كبار علماء اللغة والتفسير والأدب من أهل السنّة،
ص: 222
يناهز عددهم أربعين عالماً، بأنّ كلمة «المولى» جاءت بمعني «الأولى»(1). ونذكر ها هنا أقوال البعض من هؤلاء، ممن يعد من الأئمة في اللغة والشعر والأدب، وهم:
1- محمد بن السائب الكلبي، المفسر النسابة، المتوفى 146ه-:
قال ابن عدي المتوفى 365ه-: «وهو رجل معروف بالتفسير وليس لأحد تفسير أطول ولا أشبع منه، وحدّث عن الكلبي ابن عيينة وحماد بن سلمة وإسماعيل بن عياش وهشيم وغيرهم، من ثقات الناس، ورضوه بالتفسير»(2).
2- الفراء، يحيى بن زياد، المتوفى 207ه-.
ترجمته:
قال الخطيب البغدادي، المتوفى 463ه-: «أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الأسلمي، المعروف بالفراء... وكان ثقة إماماً ويحكى عن أبى العباس ثعلب انه قال: لولا الفراء لما كانت عربية، لأنه خلّصها وضبطها، ولولا الفراء لسقطت العربية»(3).
قال اليافعي، المتوفى 768ه-: «الإمام البارع النحوي، يحيى بن زياد الفراء الكوفي، أجل أصحاب الكسائي، كان رأساً في النحو واللغة، أبرع
ص: 223
الكوفيين وأعلمهم بفنون الأدب...»(1).
3- أبو عبيدة، معمر بن المثنى اللغوي، المتوفى 210ه-؛ فقد قال في مجاز القرآن: {هِيَ مَوْلاَكُمْ}: «أولى بكم»(2).
قال الذهبي المتوفى 748ه- في تذكرته: «أبو عبيدة معمر بن المثنى البصري، اللغوي الحافظ، صاحب التصانيف... قال الجاحظ: لم يكن في الأرض خارجي ولا جماعي عالم بجميع العلوم من أبي عبيدة. وذكره ابن المديني فصحّح رواياته»(3).
وقال في (السيّر) بعد نقل كلام الجاحظ: «وقال يعقوب بن شيبة: سمعت علي بن المديني ذكر أبا عبيدة فأحسن ذكره وصحّح روايته وقال: كان لايحكي عن العرب إلا الشيء الصحيح، وقال يحيى بن معين: ليس به بأس، قال المبرد: كان هو والأصمعي متقاربين في النحو، وكان أبو عبيدة أكمل القوم»(4).
قال السيوطي، المتوفى 911ه-، نقلاً عن أبي الطيب اللغوي: «وكان في العصر ثلاثة هم أئمة الناس في اللغة والشعر وعلوم العرب، لم ير قبلهم ولا بعدهم مثلهم، عنهم أخذ جل ما في أيدي الناس من هذا العلم، بل
ص: 224
كلّه، وهم: أبو زيد، وأبو عبيدة والأصمعي، وكلّهم أخذوا عن أبي عمرو اللغة والنحو والشعر، ورووا عنه القراءة»(1).
4- أبو إسحاق الزجاج، المتوفى 311ه-.
قال السمعاني: «والمشهور بهذه النسبة أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل النحوي الزجاج، صاحب كتاب معاني القرآن. كان من أهل الفضل والدين، حسن الاعتقاد، حميد المذهب، وله مصنفات حسان في الأدب...»(2).
5- سليمان بن بنين الدقيقي النحوي، المتوفى: 614ه-. فقد قال: «{مَأْوَاكُمْ النارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ} أي أولى بكم»(3).
ترجمته:
قال الذهبي: >أبو عبد الغني المصري، الدقيقي، النحوي، الأديب. سمع من: إسماعيل الزيات، وعبد الله بن بري، وشير بن علي، وخلق من طبقتهم. ولزم ابن بري مدة في النحو. وصنف في النحو، والعروض، والرقائق، وغير ذلك. روى عنه: الزكي عبد العظيم< (4).
6- الفخر الرازي، المتوفى 604ه-، قال في تفسير قوله تعالى: {هِيَ
ص: 225
مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}(1): «وفي لفظ المولى ههنا أقوال:
أحدها: قال ابن عبّاس: مولاكم أي مصيركم. وتحقيقه: أنّ المولى موضع الولي وهو القرب، فالمعنى: أنّ النار هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه.
والثاني: قال الكلبي: يعني أولى بكم. وهو قول الزجاج والفراء وأبي عبيدة...<(2).
7- أبو حيّان، المتوفى 654ه-، قال في تفسير قوله تعالى: {قُل لن يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكلِ الْمُؤْمِنُونَ}(3): «هو مولانا. أي ناصرنا وحافظنا، قاله الجمهور. وقال الكلبي: أولى بنا من أنفسنا في الموت والحياة، وقيل: مالكنا وسيدنا، فلهذا يتصرف كيف شاء فيجب الرضا بما يصدر من جهته. وقال: {ذَلِكَ بِأَنّ اللهَ مَوْلَى الذِينَ آمَنُوا وَأَن الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ}(4) فهو مولانا الذي يتولانا ويتولاهم»(5).
صرّح عدد كبير من علماء الحديث والتفسير بمجيء كلمة (المولى) بمعنى (الأولى)، نذكر منهم ما يلي:
ص: 226
1- البخاري، المتوفى 256ه-، قال في تفسير قوله تعالى: {مَأْوَاكُمْ النارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ}(1): «(مَوْلاَكُمْ) أَوْلَى بِكُمْ»(2).
2- أبو جعفر الطبري، المتوفى310ه-، قال كذلك: «وقوله: {هي مولاكم}: النار أولى بكم»(3).
3- أبو عبد الرحمن السلمي، المتوفى 412ه-، قال أيضاً: «{مَأْوَاكُمْ النارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ} أي: أولى الأشياء بكم وأقربها إليكم»(4).
4- الحميدي، المتوفى 488ه-، قال: «{مَأْوَاكُمْ النارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ} أي: هي أولى بكم»(5).
5- القشيري النيسابوري الشافعي، المتوفى: 465ه-، قال: «{هِيَ مَوْلاَكُمْ} أي: هي أوْلَى بكم»(6).
6- السمعاني، المتوفى: 489ه-، قال: «{وَاللهُ مَوْلَاكُمْ} أي: ولي أموركم، يهديكم إلى الأرشد والأقوم والأولى»(7).
7- البغوي،المتوفى: 516ه-، قال: «{مَأْوَاكُمْ النارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ} صاحبكم وأولى بكم لما أسلفتم من الذنوب»(8). وقال أيضاً: «{وَاللهُ
ص: 227
مَوْلَاكُمْ} وليكم وناصركم»(1).
8- الزمخشري الخوارزمي، المتوفى: 538ه-، قال: «وقيل: مولاكم: أولي بكم من أنفسكم، فكانت نصيحته أنفع لكم من نصائحكم لأنفسكم»(2). وقال أيضاً: «{وَاللهُ مَوْلَاكُمْ} سيدكم ومتولي أموركم»(3).
9- عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، المتوفى: 597ه-، قال في قوله تعالى: {هِيَ مَوْلاَكُمْ}: >قال أبو عبيدة: أي: أولى بكم»(4).
10- البيضاوي، المتوفى: 685ه-، قال: «{مَأْوَاكُمْ النارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ} هي أولى بكم»(5). وقال: «{وَاللهُ مَوْلَاكُمْ} متولي أمركم»(6).
11- النسفي، المتوفى 710ه-، قال: «{وَاللهُ مَوْلَاكُمْ} سيدكم ومتولي أموركم وقيل: مولاكم أولى بكم من أنفسكم, فكانت نصيحته أنفع لكم من نصائحكم أنفسكم»(7).
12- علاء الدين البغدادي الشهير بالخازن، المتوفى: 725ه-، قال: «{هِيَ مَوْلاَكُمْ} أي: وليكم، وقيل: هي أولى بكم لما أسلفتم من الذنوب، والمعنى: هي التي تلي عليكم لأنها ملكت أمركم، وأسلمتم إليها، فهي
ص: 228
أولى بكم من كل شيء»(1).
13- نظام الدين حسين القمي النيسابوري، المتوفى: 728 ه-، قال: «{مَأْوَاكُمْ النارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ} وقيل: المراد أنّها تتولّى أموركم كما توليتم في الدنيا أعمال أهل النار، وقيل: أراد هي أولى بكم. قال جار الله: أي مكانكم الذي يقال فيه: هو أولى بكم»(2).
وقال :«{والله مولاكم} متولي أموركم، وقيل: أولى بكم من أنفسكم، ونصيحته أنفع لكم من نصائحكم لأنفسكم»(3).
14- ابن حجر، المتوفى 852 ه-، قال في فتح الباري: قوله: «مولاكم: أولى بكم»(4).
15- العيني، المتوفى 855 ه-، قال في شرح قوله تعالى: {مَأْوَاكُمْ النارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ}(5) أي: أولى بكم، كذا قاله الفراء وأبو عبيدة، وفي بعض النسخ: مولاكم هو أولى بكم، وكذا وقع في كلام أبي عبيدة»(6).
16- السيوطي، المتوفى: 911ه-، قال: «{مَأْوَاكُمْ النارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ} أولى بكم»(7).
17- أبو السعود محمد بن محمد العمادي، المتوفى 951ه- ، قال:
ص: 229
«{وَاللهُ مَوْلَاكُمْ} سيدكم ومتولى أموركم»(1).
18- الشوكاني، المتوفى1250 ه-، قال: «{وَاللهُ مَوْلَاكُمْ} أي: وليكم وناصركم والمتولى لأموركم»(2).
19- شهاب الدين السيد محمود الألوسي، المتوفى 1270ه-، قال: «{وَاللهُ مَوْلَاكُمْ} سيدكم ومتولي أموركم»(3).
20- عبد الرحمن بن ناصر السعدي، المتوفى 1376ه-، قال: «{وَاللهُ مَوْلَاكُمْ}، أي: متولي أموركم، ومربيكم أحسن تربية، في أمر دينكم ودنياكم، وما به يندفع عنكم الشر»(4).
لو غضضنا النظر عمّا مر في إتيان مولي بمعني أولي عند اللغويين والمفسرين، يمكننا ترك الاستدلال بحديث الغدير المشتمل على لفظ المولى، بل نستدلّ بالأحاديث الأخرى التي وردت بنفس السياق، ولكن جاءت بلفظ «الولي» و«الأمير» ونحو ذلك من الألفاظ:
أخرج ابن ماجة بسنده عن البراء بن عازب، قال: «أقبلنا مع رسول
ص: 230
الله’ في حجته التي حج، فنزل في بعض الطريق، فأمر الصلاة جامعة، فأخذ بيد علي (رضي الله عنه)، فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ألست أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فهذا ولي من أنا مولاه، اللهمّ وال من والاه، اللهمّ عاد من عاداه»(1)، وقال الألباني في حكمه على الحديث: «صحيح»(2).
أخرج البزار عن سعد بن أبي وقاص: «أن رسول الله’ أخذ بيد علي(عليه السلام)، فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ من كنت وليه فإن علياً وليه»(3).
قال الهيثمي: «رواه البزار ورجاله ثقات»(4).
وأخرج النسائي في الخصائص بسند صحيح عن زيد بن أرقم، قال: «لمّا رجع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات(5)، فقمن، ثم قال: كأني دعيت فأجبت، إني تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال: إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي، فقال: من كنت وليه
ص: 231
فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فقلت لزيد: سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ فقال: ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه»(1).
وقد أخرج الحاكم في المستدرك هذا الحديث بالسند ذاته، وقال عنه: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله» وسكت عنه الذهبي في التلخيص(2)، وقال ابن كثير بعد أن أخرج الحديث: «قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا حديث صحيح»(3).
قال الطبراني المتوفى360ه-: «حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا جعفر بن حميد حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا النضر بن سعيد أبو صهيب قالا ثنا عبد الله بن بكير عن حكيم بن جبير عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: نزل النبي (صلى الله عليه وسلم) يوم الجحفة ثم أقبل على الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إني لا أجد لنبي إلا نصف عمر الذي قبله، وإني أوشك أن أدعى فأجيب، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نصحت، قال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن الجنة حق والنار حق وأن البعث بعد الموت حق؟
ص: 232
قالوا: نشهد، قال: فرفع يديه فوضعهما على صدره، ثم قال: وأنا أشهد معكم، ثم قال: ألا تسمعون؟ قالوا: نعم؟ قال: فإني فرطكم على الحوض، وأنتم واردون علي الحوض، وإن عرضه أبعد ما بين صنعاء وبصرى، فيه أقداح عدد النجوم من فضة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين؟ فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: كتاب الله، طرف بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم فاستمسكوا به لا تضلوا، والآخر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، وسألت ذلك لهما ربي فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، ثم أخذ بيد علي (رضي الله عنه) فقال: من كنت أولى به من نفسه فعلي وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»(1).
روى ابن كثير في البداية والنهاية، عن ابن جرير قال: «ثنا أحمد بن عثمان أبو الجوزاء، ثنا محمد بن خالد بن عثمة، ثنا موسى بن يعقوب الزمعي وهو صدوق، حدثني مهاجر بن مسمار، عن عائشة بنت سعد، سمعت أباها يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول يوم الجحفة وأخذ بيد علي فخطب، ثم قال: أيها الناس إني وليكم؟ قالوا: صدقت، فرفع يد علي، فقال: هذا وليي والمؤدي عني، وإن الله موالي من والاه ومعادي من عاداه».
ص: 233
ثم قال ابن كثير: «قال شيخنا الذهبي: وهذا حديث حسن غريب» وتابع قائلاً: «ثم رواه ابن جرير من حديث يعقوب بن جعفر بن أبي كبير، عن مهاجر بن مسمار، فذكر الحديث، وأنه(عليه السلام) وقف حتى لحقه من بعده وأمر برد من كان تقدّم، فخطبهم، الحديث»(1).
قال ابن حجر في المطالب العالية: «وقال إسحاق أخبرنا أبو عامر العقدي، عن كثير بن زيد، عن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، عن علي (رضي الله عنه) قال: إن النبي (صلى الله عليه وسلم) حضر الشجرة بخم، ثم خرج آخذاً بيد علي (رضي الله عنه)، قال: ألستم تشهدون أن الله تبارك وتعالى ربكم؟ قالوا: بلى، قال (صلى الله عليه وسلم): ألستم تشهدون أن الله عز وجل ورسوله أولى بكم من أنفسكم وأن الله تعالى ورسوله أولياؤكم؟ فقالوا: بلى، قال: فمن كان الله ورسوله مولاه فإن هذا مولاه، وقد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله تعالى سببه بيده، وسببه بأيديكم، وأهل بيتي»، ثم قال ابن حجر: «هذا إسناد صحيح، وحديث غدير خم قد أخرجه النسائي من رواية أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم وعلي وجماعة من الصحابة (رضي الله عنهم) وفي هذا زيادة ليست هناك، وأصل الحديث أخرجه الترمذي أيضاً»(2).
ص: 234
وقال البوصيري في تعليقه على الحديث: «رواه إسحاق بسند صحيح»(1).
قال الحاكم المتوفى 405 ه-: «حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم الحنظلي ببغداد ثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي ثنا يحيى بن حماد وحدثني أبو بكر محمد بن بالويه وأبو بكر أحمد بن جعفر البزار قالا ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا يحيى بن حماد وثنا أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى ثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي ثنا خلف بن سالم المخرمي ثنا يحيى بن حماد ثنا أبو عوانة عن سليمان الأعمش قال: ثنا حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم (رضي الله عنه) قال: لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقمن فقال: كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال: إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي (رضي الله عنه) فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه».
قال الحاكم: >هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله، شاهده حديث سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل، أيضاً صحيح على
ص: 235
شرطهما<(1).
وقال ابن كثير: «قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وهذا حديث صحيح»(2).
وقال الآلوسي البغدادي: «وقال الذهبى: إنه صحيح عن زيد ابن أرقم»(3).
قد مرّ عن ابن الأثير عن عبد الله بن العلا، عن الزهري، عن سعيد بن جناب، عن أبي عنفوانة المازني، عن جندع قال: «فلما نزل غدير خم، قام في الناس خطيباً وأخذ بيد علي وقال: (من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه...)»(4).
أخرج الخطيب البغدادي بسنده، قال: «أنبأنا عبد الله بن علي بن محمد بن بشران، أنبأنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا أبو نصر حبشون بن موسى بن أيوب الخلال، حدثنا علي بن سعيد الرملي، حدّثنا ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم، لما أخذ النبي (صلى الله عليه وسلم) بيد علي بن أبي طالب، فقال: ألست ولي المؤمنين، قالوا: بلى يا رسول الله، قال:
ص: 236
من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فأنزل الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ومن صام يوم سبعة وعشرين من رجب كتب له صيام ستين شهراً، وهو أول يوم نزل جبرئيل(عليه السلام) على محمّد (صلى الله عليه وسلم) بالرسالة»(1).
وأورد ابن كثير عن الحافظ عبد الرزاق, قال: أنا معمر عن علي بن زيد بن جدعان ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب قال: «خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى نزلنا غدير خم بعث منادياً ينادي، فلما اجتمعنا قال: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ألست أولى بكم من أمهاتكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ألست أولى بكم من آبائكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: ألست..؟ ألست..؟ ألست..؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، أللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فقال عمر بن الخطاب: هنيئاً لك يا بن أبي طالب أصبحت اليوم ولي كلّ مؤمن»(2).
وروي ابن عساكر المتوفى: 571ه- حديث الغدير بطوله، إلى أنْ قال: «قال: ألست أولى بكم؟ ألست..؟ ألست..؟ ألست؟ قلنا: بلى يا رسول الله, قال: فمن كنت مولاه فإنّ عليّاً بعدي مولاه، اللهمّ وال من والاه وعاد من
ص: 237
عاداه, فقال عمر بن الخطاب: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت اليوم وليّ كلّ مؤمن»(1).
قال ابن الأثير المتوفى 630ه-: «وقد رُوِي مثل هذا عن البراء بن عازب، وزاد: فقال عمر بن الخطاب: يا ابن أَبي طالب، أَصبحت اليومَ وَلِي كلّ مؤمن»(2).
ومما يبطل الإشكال الثالث أيضاً مناشدة أمير المؤمنين(عليه السلام) في زمن خلافته الصحابة الذين سمعوا حديث الغدير من النبيّ صلی الله علیه و آله في أن يحدثوا به المسلمين؛ وذلك عندما جمعهم في الرحبة(3)، فقد أخرج أحمد في مسنده أيضاً، بسند صحيح، عن حسين بن محمد وأبي نعيم، قالا: «حدثنا فطر، عن أبي الطفيل، قال: جمع علي(رضي الله تعالى عنه) الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام، فقام ثلاثون من الناس، وقال أبو نعيم: فقام ناس كثير، فشهدوا: حين أخذ بيده، فقال للناس: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، قال:
ص: 238
فخرجت وكأنّ في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إنّي سمعت عليّاً(رضي الله تعالى عنه) يقول: كذا وكذا، قال: فما تنكر، قد سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يقول ذلك له»(1).
قال الهيثمي بعد أنْ أورد الحديث: «رواه البزار وأحمد ورجاله رجال الصحيح، غير فطر بن خليفة وهو ثقة»(2)، وقال حمزة أحمد الزين: «إسناده صحيح»(3).
وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على الحديث: «إسناده صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير فطر بن خليفة فمن رجال أصحاب السنن، وروى له البخاري مقروناً»(4)، وقال الألباني في سلسلته الصحيحة: «أخرجه أحمد (4/370) وابن حبان في صحيحه (2205- موارد الظمآن)، وابن أبي عاصم (1367 و1368) والطبراني (4968) والضياء في المختارة (رقم: 527 بتحقيقي)» ثمّ قال: «قلت: وإسناده صحيح على شرط البخاري»(5).
قد وقعت هذه المناشدة بعد ما نوزع علي(عليه السلام) أيام خلافته، كما صرح بذلك بعض أعلام أهل السنة، كما يلي:
1- قال ابن حجر المكي، المتوفى سنة 974ه-: «وفي رواية لأحمد أنه
ص: 239
سمعه من النبي (صلى الله عليه وسلم) ثلاثون صحابياً، وشهدوا به لعلي لما نوزع أيّام خلافته...»(1).
2- قال الملا علي القاري، المتوفى سنة 1014ه-: «في رواية أحمد أنه سمعه من النبي صلی الله علیه و آله ثلاثون صحابياً، وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته»(2).
3- قال أبو عبد الله الزرقاني المالكي، المتوفى 1122ه-: «وهو متواتر رواه ستة عشر صحابياً، وفي رواية لأحمد أنه سمعه من النبي (صلى الله عليه وسلم) ثلاثون صحابياً وشهدوا به لعلي لما نوزع أيام خلافته»(3).
وهذه المناشدة والاستشهاد من علي(عليه السلام) يدلّ على أنّ حديث الغدير مضمونه الخلافة وقيادة الأمّة، ولو لم يكن دليلاً على أحقيّة علي(عليه السلام) بالخلافة، لما صحّ الاستشهاد به والرد على من خالف علياً(عليه السلام) وأنكر خلافته.
روى محمد بن جرير الطبري في كتاب «الولاية» بإسناده إلى زيد بن أرقم، قال: «لمّا نزل النبي صلی الله علیه و آله وسلم بغدير خم في رجوعه من حجة الوداع - وكان في وقت الضحى والحر شديد - أمر بالدوحات فقمت ونادى الصلاة جامعة، اجتمعنا وخطب خطبة بليغة، ثم قال: إن الله تعالى
ص: 240
أنزل إلى: {بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} وقد أمرني جبرئيل عن ربي أن أقوم في هذا المشهد، وأُعْلِمَ كل أبيض وأسود أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي والإمامُ من بعدي....
فاعلموا معاشر الناس ذلك، فإنّ الله قد نصبه لكم ولياً وإماماً، وفرض طاعته على كل أحد، ماض حكمه، جائز قوله، ملعون من خالفه، مرحوم من صدقه، فاسمعوا وأطيعوا، فإن الله مولاكم وعلي إمامكم، ثم الإمامة في ولدي من صلبه إلى يوم القيامة....
قال: معاشر الناس، هذا أخي ووصيي وداعي علمي وخليفتي على من آمن بي....
قال زيد: فعند ذلك بادر الناس بقولهم: نعم، سمعنا وأطعنا على ما أمر الله ورسوله بقلوبنا، وكان أول من صافق النبي صلی الله علیه و آله وسلم وعليا(عليه السلام): أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وباقي المهاجرين والأنصار، وباقي الناس إلى أن صلى الظهرين في وقت واحد، وامتد ذلك إلى أن صلى العشاءين في وقت واحد، وأوصلوا البيعة والمصافقة ثلاثاً»(1).
قال ابن كثير في ترجمة الطبري: «وقد رأيت له كتابا جمع فيه أحاديث غدير خم في مجلدين ضخمين»(2).
ص: 241
وقال أيضاً: «وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، صاحب التفسير والتاريخ، فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه...»(1).
وقال الذهبي: >رأيت مجلداً من طرق هذا الحديث لابن جرير فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق»(2).
قال ابن أبي شيبة: «حدثنا شريك عن أبي يزيد الأودي عن أبيه قال: دخل أبو هريرة المسجد فاجتمعنا إليه، فقام إليه شاب فقال: أنشدك بالله أسمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فقال: نعم، فقال الشاب: أنا منك برئ، أشهد أنك قد عاديت من والاه وواليت من عاداه، قال: فحصبه الناس بالحصا»(3).
وقال يحيى بن الحسين الجرجاني، المتوفى 499 ه-: « أخبرنا إبراهيم بن طلحة بن إبراهيم بن غسان بقراءتي عليه في منزله بالبصرة، قال حدثنا أبو القاسم علي بن محمد بن أبي سعيد العامري الكوفي، قال حدثنا إسحاق بن محمد بن مروان، قال حدثنا أبي، قال حدثنا علي بن خلف
ص: 242
عن عبد النور عن داود بن يزيد الأودي عن أبيه قال: جاء رجل إلى أبي هريرة وهو جالس عند أبواب كندة في مسجد الكوفة، فقال: أنشدك بالله هل سمعت رسول الله’ يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال: اللهم نعم، ولولا أنك ناشدتني ما ذكرته، فقال: اللهم لا أعلم إلا قد عاديت من والاه وواليت من عاداه، فقال له الناس: اسكت اسكت»(1).
ولا نرى مبرراً لسكوت أبي هريرة ومحاولة اخفائه حديث الغدير إلا معرفته بأنّ الحديث يدلّ على الخلافة والإمامة.
ص: 243
ص: 244
تعرضت دلالة حديث الغدير على الخلافة إلى إشكالات وشبهات ليست من داخل الحديث وفي ألفاظه، ولكن أبرزت حوادث تاريخية أدعي أنها لا تنسجم مع حمل الحديث على إمامة علي(عليه السلام) وخلافته؛ لذا أسمينا هذا الإشكالات بالإشكالات التاريخية، تمييزاً عن تلك التي استهدفت دلالة الحديث من داخله، والتي تقدم الكلام عنها في المبحث الثاني من هذا الفصل، ومن هذه الإشكالات:
قال الفخر الرازي: «إن الشيعة يزعمون أنه(عليه السلام) إنما قال هذا الكلام بغدير خم، في منصرفه من الحج، ولم يكن علي مع النبي في ذلك الوقت، فإنه كان باليمن»(1).
إن قول الرازي هذا من الغرائب؛ فإن رجوع الإمام أمير المؤمنين من اليمن ببُدن النبي الأكرم وموافاته له’ في حجة الوداع، من الآثار المشهورة، وقد ذكرته التواريخ المعتبرة وشهد به كبار علماء أهل السنة،
ص: 245
وسنورد هنا بعض الروايات الصحيحة الدالة على ذلك، وندعمها بتصريح علماء أهل السنّة، ودحضهم لقول الفخر الرازي هذا.
أولاً: الروايات الدالة على رجوعه(عليه السلام) من اليمن مع بُدن النبي صلی الله علیه و آله
أخرج البخاري عن أنس بن مالك, قال: «قدم علي (رضي الله عنه) على النبي (صلى الله عليه وسلم) من اليمن، فقال: بما أهللت؟
قال: بما أهل به النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقال: لولا أن معي الهدي لأحللت»(1).
وقال في موضع آخر: «حدثنا عبد الوهاب، حدثنا حبيب المعلم، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما)، قال: أهل النبي (صلى الله عليه وسلم) هو وأصحابه بالحج، وليس مع أحد منهم هدي غير النبي (صلى الله عليه وسلم) وطلحة، وقدم علي من اليمن ومعه هدي، فقال: أهللت بما أهل به النبي (صلى الله عليه وسلم)»(2).
وفي صحيح مسلم: «وقدم علي من اليمن ببُدن النبي(صلى الله عليه وسلم) فوجد فاطمة ممن حل ولبست ثياباً صبيغاً واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: إن أبي أمرني بهذا»(3).
وفي سنن ابن ماجة: «وقدم علي ببُدن على النبي(صلى الله عليه وسلم)
ص: 246
فوجد فاطمة ممن حل ولبست ثياباً صبيغاً»(1)، وهكذا ذكره أبو داود(2)، والترمذي(3).
ثانيا: رد عدة من العلماء كلام الرازي وتصريحهم بكونه(عليه السلام) في حجة الوداع
1- قال ابن حجر المكي، المتوفى سنة 974ه-: «ولا التفات لمن قدح في صحته، ولا لمن رده بأن علياً كان باليمن؛ لثبوت رجوعه منها وإدراكه الحج مع النبي (صلى الله عليه وسلم)»(4).
2- وقال ملا علي القاري، المتوفى سنة 1014ه-: «فلا التفات لمن قدح في ثبوت هذا الحديث، وأبعد من رده بأن علياً كان باليمن؛ لثبوت رجوعه منها وإدراكه الحج مع النبي (صلى الله عليه وسلم)»(5).
3- قال أبو عبد الله الزرقاني المالكي، المتوفى 1122ه-: «فلا التفات إلى من قدح في صحته ولا لمن رده بأن عليّاً كان باليمن؛ لثبوت رجوعه منها وإدراكه الحج معه (صلى الله عليه وسلم)»(6).
4- قال الحافظ أبو جعفر الطحاوي، المتوفى 321ه-: «فدفع دافع هذا الحديث وزعم أنه مستحيل، وذكر أن علياً لم يكن مع النبي (صلى الله
ص: 247
عليه وسلم) في خروجه إلى الحج من المدينة الذي مر في طريقه بغدير خم بالجحفة، وذكر في ذلك ما قد حدثنا أحمد بإسناده، قال: ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: دخلنا على جابر بن عبد الله، فذكر حديثه في حجة النبي (صلى الله عليه وسلم)، فقال: فقدم علي من اليمن ببُدن النبي. ثم ذكر بقية الحديث. قال أبو جعفر: فهذا الحديث صحيح الإسناد، ولا طعن لأحد في رواته»(1).
قال القفاري: «ثم بين شيخ الإسلام أن الكذب يعرف من مجرد النظر في متنها؛ لأن قوله: (اللهم انصر من نصره...) خلاف الواقع التاريخي الثابت، فلا تصح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)». وأضاف في هامش هذا النص:
«فإنه قاتل معه أقوام يوم صفين فما انتصروا وأقوام لم يقاتلوا فما خذلوا: كسعد الذي فتح العراق لم يقاتل معه، وكذلك أصحاب معاوية وبني أمية الذين قاتلوه، فتحوا كثيراً من بلاد الكفار ونصرهم الله».
ثم قال: «وأما قوله: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) فهو مخالف لأصل الإسلام، فإن القرآن قد بين أن المؤمنين أخوة مع قتالهم وبغي
ص: 248
بعضهم على بعض»(1).
إنّ هذا القول رد وإنكار لسنة النبي صلی الله علیه و آله الصحيحة والثابتة، حيث ذكرنا أن قول النبي صلی الله علیه و آله : «اللهم انصر من نصره واخذل من خذله» قد ورد بطرق معتبرة، فقد أخرجه البزار بسند صحيح، كما تقدم تصريح الهيثمي بذلك، وأخرجه أحمد بن حنبل بسندين، قال الشيخ أحمد محمد شاكر عن أحدهما: «إسناده صحيح»(2).
وأخرج الحديث بالألفاظ المذكورة الحاكم في المستدرك، حيث أخرج عن محمد بن علي الفقيه، عن النعمان بن هارون البلدي، عن أبي جعفر أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني، عن عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن عبد الله بن عثمان بن هيثم، عن عبد الرحمن بن عثمان، قال: «سمعت جابر بن عبد الله (رضي الله عنهما) يقول: سمعت رسول الله’ وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) وهو يقول: هذا أمير البررة قاتل الفجرة، منصور من نصره مخذول من خذله، ثم مد بها صوته»، قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»(3).
وقد أخرج الحديث المذكور بالألفاظ ذاتها النسائي في الخصائص
ص: 249
بسند صحيح، حيث قال: «أخبرنا الحسين بن حريث المروزي، قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، قال: قال علي (كرم الله وجهه) في الرحبة: أنشد بالله من سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يوم غدير خم يقول: إن الله ورسوله ولي المؤمنين، ومن كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره. قال: فقال سعيد: قام إلى جنبي ستة، وقال زيد بن يثيع: قام عندي ستة، وقال عمرو ذي مر: أحب من أحبه وأبغض من أبغضه وساق الحديث»(1).
ورجال الحديث كلّهم ثقات، وهم أيضاً من رواة البخاري ومسلم وبقية الصحاح من السنن، وقد وثقهم أرباب الجرح والتعديل.
أمّا سعيد بن وهب، فقد قال عنه الذهبي في الكاشف: «سعيد بن وهب الخيواني أحد أشراف همدان، سمع من معاذ باليمن ومن علي وابن مسعود، وعنه ابنه عبد الرحمن وأبو إسحاق، ثقة»(2). وقال عنه ابن حجر في التقريب: «كوفي ثقة مخضرم، مات سنة خمس أو ست وسبعين» وهو من رجال مسلم والنسائي وأخرج له البخاري في الأدب المفرد(3).
وأمّا أبو إسحاق، فقال عنه الذهبي في التذكرة: «الحافظ أحد الأعلام، رأى علياً (رضي الله عنه) وهو يخطب... قال أبو حاتم: ثقة يشبه الزهري
ص: 250
في الكثرة، وهو أحفظ من أبي إسحاق الشيباني... وقيل: كان صواماً قواماً متبتلاً، من أدعية العلم، ومناقبه غزيرة»(1).
وقال في سير أعلام النبلاء: «قال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين: أبو إسحاق: ثقة»(2)، وقال عنه في ميزان الاعتدال: «من أئمة التابعين بالكوفة وأثبتهم، إلا أنه شاخ ونسي ولم يختلط»(3).
وقال عنه ابن حجر: «ثقة مكثر عابد»(4)، وهو أيضاً من رواة البخاري ومسلم.
وأما الأعمش، فقد قال عنه الذهبي: «الإمام شيخ الإسلام، شيخ المقرئين والمحدثين، أبو محمد الأسدي الكاهلي، مولاهم الكوفي الحافظ»(5)، وقال عنه ابن حجر: «ثقة حافظ عارف بالقراءات ورع، لكنه يُدلّس»(6)، وهو أيضاً من رواة البخاري ومسلم, ورواياته فيهما معنعنة, والعلماء جروا على تمشية روايات الأعمش المعنعنة ما لم يظهر فيها الانقطاع(7).
وأما الفضل بن موسى، فقال عنه الذهبي: «أحد العلماء الثقات، يروي
ص: 251
عن صغار التابعين، ما علمت فيه ليناً»(1)، وهو أيضاً من رواة البخاري ومسلم.
وأمّا الحسين بن حريث، فقال عنه الذهبي: «ثقة»(2)، وقال عنه أيضاً: «الإمام الحافظ الحجة... وثقه النسائي»(3)، وقال عنه ابن حجر: «ثقة»(4)، وهو أيضاً من رواة البخاري ومسلم.
إذن فرواة هذا الحديث من كبار أعلام أهل السنة، وكلهم من رواة البخاري ومسلم وبقية السنن والصحاح.
وقد تضمن هذا الحديث وسابقه اللفظ الذي أنكره وجحده ابن تيمية؛ لعدم توافقه مع قياسه وظنه، فإن النبي صلی الله علیه و آله إذا قال في حق علي(عليه السلام) بأسانيد صحيحة ومعتبرة: «اللهم وانصر من نصره واخذل من خذله» وبلفظ آخر: «منصور من نصره مخذول من خذله»، فكيف يأتي من أمثال ابن تيمية ويرد ما قاله رسول الله’، اعتماداً على القياس والتخرص والرجم بالغيب؟!
وأما لفظ: «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» فقد تقدم أن أكثر الأسانيد المعتبرة والصحيحة لحديث الغدير مشتملة عليه، بل هو من الزيادات المتواترة، كما تقدم التصريح بذلك عن العجلوني في كتابه
ص: 252
(كشف الخفاء)، حيث قال: «(من كنت مولاه فعلي مولاه) رواه الطبراني وأحمد والضياء في المختارة، عن زيد بن أرقم وعلي وثلاثين من الصحابة بلفظ: (اللهم وال من والاه وعاد من عاده) فالحديث متواتر أو مشهور»(1)، وقد صحّح الذهبي هذا المقطع بقوله: «وصدر الحديث متواتر أتيقن أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قاله، وأما اللهم وال من والاه فزيادة قوية الإسناد»(2).
وقال الألباني فيما سبق من كلامه: «وجملة القول: إن حديث الترجمة: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) حديث صحيح بشطريه»، ثم قال: «فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحته إنني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية ضعف الشطر الأول من الحديث، وأما الشطر الآخر فزعم أنه كذب، وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرعه في تضعيف الأحاديث»(3).
إذن تكذيب ابن تيمية لهذه الزيادة ودعواه مخالفتها للإسلام بحسب زعمه، ليس إلا تكذيباً لأحاديث النبي الأكرم’ الثابتة بالقطع واليقين، والغريب أن ابن تيمية لم يتهجم على الأحاديث الصحيحة والصريحة بهذه الصورة إلا في فضائل علي(عليه السلام).
ص: 253
إن القفاري ومن قبله ابن تيمية بعيدون كل البعد عن فهم معاني القرآن الكريم وسنة النبي الأكرم’، فهم لا يعون ولا يدركون المراد من نصر الله عز وجل لرسله وأنبيائه والمؤمنين، ولا يفهمون من النصرة والانتصار إلا لغة الغلبة بالسيف والتسلط على رقاب الناس والهيمنة على مقدرات الأمة، بالظلم والقهر وقتل الأبرياء وهتك الأعراض ونهب الأموال ونحو ذلك، مما يسمى في زماننا الحاضر ب- (إرهاب الدولة)، ولذا فهو يفترض أن الله تعالى قد نصر معاوية وبني أمية، وخذل علياً(عليه السلام) وأتباعه في صفين.
ولكن القرآن الكريم يقف بالضد أمام هذه النظرية الباطلة، ويبين أن النصر الإلهي والغلبة حليف الأنبياء والرسل والذين آمنوا، مهما كانت نتائج حروبهم مع أعداء الدين، قال تعالى: {إِنا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}(1)، {كَتَبَ اللهُ لاََغْلِبَن أَنَا وَرُسُلِي إِن اللهَ قَوِي عَزِيزٌ}(2).
وقد توعد الله عز وجل أعداء الله وأعداء دينه وأنبيائه بالهزيمة والخذلان، قال الله تعالى: {قُل للذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَ-رُونَ إِلَى جَهَنمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}(3)، وقال تعالى أيضاً: {فَأَما الذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذبُهُمْ
ص: 254
عَذَاباً شَدِيداً فِي الدنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُم من ناصِرِينَ}(1).
هذه هي النظرية القرآنية في النصر والخذلان، فإن الأنبياء والرسل وكذا المؤمنين منتصرون على أعدائهم بحسب الموازين الإلهية، وإن تعرضوا بحسب الظاهر إلى القتل والفتك والتشريد والعذاب من قبل أقوامهم؛ وذلك لأنهم فتحوا بدمائهم وتضحياتهم سبيل الهداية والتوحيد والارتباط بالله تعالى، ولازال صوت الحق الذي هتف به الأنبياء مدوياً في كل بقاع العالم، هذا كله في الحياة الدنيا.
وأما في الحياة الأبدية الخالدة، فهم الأعلون والمنتصرون على أعدائهم، وليس للكافرين والظالمين إلا الخذلان والخيبة، أما ما نسمعه ونراه من غلبة الظلمة والكفار وتسلطهم على الآخرين، فليس هو في موازين السماء إلا زيادة في الخذلان والخسران، وإن وجده البعض انتصاراً بحسب منطق القوة والإرهاب والتجاوز على حقوق الآخرين، وهذا ما بينته الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَن الذِينَ كَفَرُواْ أَنمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنفُسِهِمْ إِنمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مهِينٌ}(2).
فالحسين(عليه السلام) انتصر بدمه على يزيد، وانتشرت ثورته، فهزت عروش الظالمين على مر التأريخ، وأعادت للإسلام رونقه وحيويته، وإن كان يزيد قد قتل الحسين(عليه السلام) وتغلب عليه بحسب موازين ابن تيمية وأتباعه.
ومن هذا المنطلق نجد أن القرآن الكريم يمجد هابيل بن آدم، ويقف
ص: 255
عنده وقفة إجلال واعتزاز، حيث جعل أقواله ومواقفه وطريقة تعامله مع أخيه منهجاً وقانوناً ودرساً تتلقاه الأجيال على مر العصور، وأما قابيل فقد وصفته الآيات القرآنية بأنه من الخاسرين، قال تعالى: {فَطَوعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}(1)، فقابيل وإن كان هو الذي قتل هابيل وتغلب عليه من الناحية البدنية بحسب الظاهر، إلا أن الآيات تصف قابيل بالخسران والهزيمة والخذلان، وهابيل هو المنتصر في منطق القرآن الكريم.
إذا اتضح هذا نقول:
إن النبي صلی الله علیه و آله يدعو الله عز وجل أن تكون تلك النصرة الإلهية والربانية حليفة كل من ينصر علياً(عليه السلام) ويقف معه في صف واحد ضد أعدائه، وأن يكون الخذلان الإلهي في الدنيا والآخرة نصيب كل من خذل علياً(عليه السلام) ونكث بيعته ووقف في صف أعدائه وخرج لمحاربته.
وعلي(عليه السلام) ومن سار على خطاه انتصروا على أعدائهم، من الناكثين والقاسطين والمارقين، حيث إن علياً(عليه السلام) كان مأموراً من قبل النبي صلی الله علیه و آله بقتالهم؛ حيث ورد عنه أنه قال: «عهد إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين»(2)، فإذا كان قتال هذه الطوائف بأمر من الله ورسوله’ فعلي(عليه السلام) هو المنتصر، وعمار بن ياسر هو
ص: 256
المنتصر أيضاً وإن قتلته الفئة الباغية، وأتباع علي(عليه السلام) هم المنتصرون بنصر الله عز وجل ماداموا على الحق، ومعاوية وأتباعه هم الخاسرون والخاسئون ماداموا على الباطل.
وهذا ما نقوله أيضاً في حياة النبيّ الأكرم(صلی الله علیه و آله) وقتاله مع أعدائه، فإنّ الله تعالى قد نصر نبيه في كل مواقفه ومعاركه وحروبه مع المشركين والكافرين؛ لأن الله عز وجل قال: {وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِن اللهَ لَقَوِي عَزِيزٌ}(1)، ولذا فإن الله تعالى ناصر من نصر رسول الله(صلی الله علیه و آله) في معركة أحد، وإن كان المسلمون قد خسروا المعركة من الناحية العسكرية، ومن خذل النبي(صلی الله علیه و آله) في تلك المعركة، فإن الله تعالى خاذله، وإن كان ممن شارك في معركة بدر التي انتصر فيها المسلمون.
ولكن على موازين هؤلاء؛ لا بدّ أنْ يحكم بأن الله تعالى قد خذل نبيه’ والمسلمين في معركة أحد، وأنه نصر المشركين ومن ارتد عن الدين في تلك المعركة.
والحاصل: أن الله تعالى قد خذل بني أمية، وإن فتحوا البلاد وتسلطوا على العباد، ونصر علياً(عليه السلام) وأصحابه وإن تعرضوا للقتل في بعض الأحيان، والتاريخ خير شاهد على هذه الحقيقة؛ إذ لا زال فكر علي(عليه السلام) وذكره ومنهجه باقياً في ضمير الأجيال والشعوب، ولا زال أصحاب علي(عليه السلام) الذين جاهدوا بين يديه مثالاً سامياً في التضحية والتفاني من أجل الإسلام، وأما بنو أمية فلم يبق في تاريخهم إلا تلك الصفحات السوداء التي تضمنتها
ص: 257
كتب التأريخ.
وهذا شاهد واضح على أن الله تعالى قد استجاب لدعوة النبي صلی الله علیه و آله ، حيث نصر المنهج العلوي وأتباعه، وخذل المنهج الأموي، الذي خذل علياً(عليه السلام) وحاربه ورفع سبه وشتمه على المنابر سنين طويلة.
وقد تحدث علي(عليه السلام) عن نصر الله تعالى له قائلاً: «أنا فقأت عين الفتنة، لولا أنا ما قُتل أهل النهروان وأهل الجمل»(1)، وقال(عليه السلام) أيضاً: «أما بعد، أيها الناس، فأنا فقأت عين الفتنة، ولم يكن ليجترئ عليها أحد غيري، ولو لم أكن فيكم ما قوتل الناكثون ولا القاسطون ولا المارقون»(2).
إذن؛ فالواقع التاريخي الثابت صريح في أن الله تعالى قد استجاب لنبيه الأكرم’، وجعل نصره حليف الإمام علي(عليه السلام) ومن ناصره، وجعل الخزي والعار والخذلان حليف من خذل علياً(عليه السلام).
وأما ما ذكره ابن تيمية فهو مستند إلى النظرة الخاطئة لمفهوم الانتصار، وأن الله تعالى مع الحكام وإن كانوا من الظلمة.
معادة علي(عليه السلام) معاداة لرسول الله’
إنّ زعم ابن تيمية بأن قول النبي صلی الله علیه و آله في حق علي(عليه السلام): «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» مخالف لأصل الإسلام، وحاول أن يؤسس هذا الزعم على مجرد استحسان، قائلاً: «فإن القرآن قد بين أن المؤمنين أخوة مع
ص: 258
قتالهم وبغي بعضهم على بعض».
ولكنه من الواضح وطبق الأدلة أنّ معاداة علي(عليه السلام) كمعاداة رسول الله’، تُخرج الشخص عن الإيمان، وتضعه في قائمة المنافقين، فقد أخرج مسلم في صحيحه أنّ علياً(عليه السلام) قال: «والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي (صلى الله عليه وسلم) إليَّ أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق»(1)، فكلّ من يعادي علياً(عليه السلام) ويبغضه ويحاربه ويأمر بسبه على المنابر فهو من المنافقين، بحسب هذا الحديث النبوي، الذي أخرجته كتب الصحاح.
ثمّ إنّه لو افترضنا أن معاداته(عليه السلام) وبغضه ومقاتلته لا تخرج الشخص عن الإيمان، فإن هذا لا ينافي أن يكون الله تعالى عدواً لذلك الشخص إذا كان يعادي علياً(عليه السلام)، وقد ورد نظير هذا المعنى في جملة من الأحاديث النبوية، كقول النبيّ صلی الله علیه و آله : «ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة»(2)، وكقول النبي صلی الله علیه و آله في حقّ عمّار: «من عادى عماراً فقد عاداه الله ومن أبغض عماراً أبغضه الله، قال خالد: فخرجت فما كان شيء أحب إلى من رضا عمار»(3)، قال الهيثمي في الزوائد: «رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح»(4).
ص: 259
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة، عن رسول الله’، قال: «إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب»(1)، وقال ابن حجر في شرحه لهذا الحديث: «قال الطوفي: لما كان ولي الله من تولى الله بالطاعة والتقوى تولاه الله بالحفظ والنصرة، وقد أجرى الله العادة بأن عدو العدو صديق وصديق العدو عدو، فعدو ولي الله عدو الله، فمن عاداه كان كمن حاربه، ومن حاربه فكأنما حارب الله»(2).
والروايات بهذا المضمون كثيرة جداً، وكلها تدل على أن الله تعالى عدو لمن يعادي أولياءه، وإن تلفظ بالشهادتين وكان من المسلمين، ولا شك أن علياً(عليه السلام) سيد أولياء الله تعالى بنص قوله تعالى: {إِنمَا وَلِيكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالذِينَ آمَنُواْ الذِينَ يُقِيمُونَ الصلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(3)، فلا شك أن يكون الله تعالى حرباً لمن حاربه وعدواً لمن عاداه.
حاول البعض أن يشكك في حديث الغدير من جهة أنه كان نتيجة شكوى تقدم بها بعض أفراد السرية التي بعثها رسول الله’ إلى اليمن، ضد علي(عليه السلام) لأمور فعلها معهم، وقد ساعد على تسويق هذه الشبهة الاختلاط الناتج من كثرة الروايات التی نقلت تلک الحادثة وتضاربها،
ص: 260
واختلاف مضامينها، وتباين النتائج التي توصل لها المؤرخون في هذه المسألة.
ونحن وبعد دراسة مستفيضة للروايات والوقائع التاريخية وجدنا من الضروري أن نكشف عن هذا الالتباس الذي ساهم في ذلك الفهم الخاطئ، محاولين - قدر الإمكان - أن نلتزم جانب الموضوعية، وأن يكون بحثنا وفق مباني ومصادر أهل السنة في الحديث والتاريخ، والاستناد إلى أمهات المصادر عندهم.
وهذه الشبهة ذكرها بعض المتقدمين من علماء أهل السنّة وحذا حذوهم بعض المتأخرين، ومن أولئك العلماء والباحثين:
قال: «وأمّا حديث الموالاة، فليس فيه - إنْ صحّ إسناده - نص على ولاية علي بعده، فقد ذكرنا من طرقه في كتاب الفضائل ما دلّ على مقصود النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) من ذلك، وهو أنّه لما بعثه إلى اليمن كثرت الشكاة عنه وأظهروا بغضه، فأراد النبيّ (صلّى الله عليه وسلم) أنْ يذكر اختصاصه به ومحبته إياه ويحثهم بذلك على محبته وموالاته وترك معاداته، فقال: من كنت وليه فعلي وليه»(1).
ص: 261
بعد أن أورد كثيراً من الروايات التي وردت في قضية جيش اليمن، وخلط بين شكاية بريدة وشكاية جيش اليمن في قصة البَز وغدير خم، قال: «والمقصود أنّ علياً لما كثر فيه القيل والقال من ذلك الجيش بسبب منعه إياهم استعمال إبل الصدقة واسترجاعه منهم الحلل التي أطلقها لهم نائبه، وعلي معذور فيما فعل، لكن اشتهر الكلام فيه في الحجيج. فلذلك - والله أعلم - لما رجع رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) من حجّته، وتفرغ من مناسكه ورجع إلى المدينة، فمر بغدير خم، قام في الناس خطيباً، فبرأ ساحة علي، ورفع من قدره ونبه على فضله؛ ليزيل ما وقر في نفوس كثير من الناس»(1).
وقال في موضع آخر: «خطب بمكان بين مكة والمدينة مرجعه من حجّة الوداع قريب من الجحفة - يقال له غدير خم - فبين فيها فضل علي بن أبي طالب وبراءة عرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن، بسبب ما كان صدر منه إليهم من المَعْدَِلة التي ظنها بعضهم جوراً وتضييقاً وبخلاً، والصواب كان معه في ذلك، ولهذا لما تفرغ(عليه السلام) من بيان المناسك ورجع إلى المدينة بين ذلك في أثناء الطريق، فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة عامئذٍ، وكان يوم الأحد بغدير خم تحت شجرة هناك، فبين فيها أشياء. وذكر من فضل علي وأمانته
ص: 262
وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه»(1).
قال: «فسبب ذلك [حديث الغدير] كما نقله الحافظ شمس الدين الجزري عن ابن إسحاق: إن علياً تكلم فيه بعض من كان معه في اليمن، فلما قضى رسول الله حجه خطبها تنبيهاً على قدره، ورداً على من تكلم فيه كبريدة، كما في البخاري أنه كان يبغضه، وسبب ذلك ما صححه الذهبي أنه خرج معه إلى اليمن، فرأى منه جفوة فنقصه للنبي، فجعل يتغير وجهه، ويقول: يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه»(2).
قال: « وسبب هذه الخطبة الذي ذكره المؤرخون وأهل السير يدل صراحة على أن المقصود منها كان إلزام المحبة للأمير؛ لأن جماعة الصحابة الذين كانوا متغيبين مع الأمير في سفر اليمن كبريدة الأسلمي وخالد بن الوليد وغيرهما من المشاهير اشتكوا بعدما رجعوا من سفرهم من الأمير فتكلم النبي (صلى الله عليه وسلم) في حقه هكذا، وقد أورد هذه القصة محمد بن إسحاق وغيره من أهل السير مفصلة<(3).
ص: 263
قال: «والمعنى الذي في الحديث [حديث الغدير] يعم كل مؤمن، ولكن خص بذلك علياً (رضي الله عنه) لأنه قد نقم منه بعض أصحابه، وأكثروا الشكاية ضده حينما أرسله النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى اليمن قبل خروجه من المدينة لحجة الوداع؛ ولذلك قال البيهقي:...»(1) ثمّ أورد كلام البيهقي المتقدّم ذكره.
لا شكّ بأنّ البيهقي وابن كثير ومن تابعهما قد ذكروا ذلك اعتماداً على حدسهم، من دون أن يستندوا إلى أيّ دليل أو قرينة أو شاهد علمي; لأنّ الذي يطالع الأحاديث الصحيحة والمعتبرة في كتب أهل السنّة، يتبين له بوضوح أن علياً(عليه السلام) ذهب إلى اليمن أكثر من مرة، ولا ربط لذلك من حيث الوثائق التاريخية والروائية المعتبرة بواقعة الغدير.
ففي المرة الأولى: ذهب إلى اليمن داعياً إلى الإسلام، وخاض الجيش الإسلامي بقيادته(عليه السلام) معركة مع بعض قبائل اليمن، دخلت على إثرها قبيلة همدان في الإسلام طواعية، وفي هذا الخروج ذهب بريدة إلى النبي صلی الله علیه و آله في المدينة بأمر من خالد بن الوليد ليشكو علياً(عليه السلام)، فردّه النبي صلی الله علیه و آله ، وبيّن فضل علي(عليه السلام)، وكان ذلك قبل خروج رسول الله’ إلى الحج، ففي هذا
ص: 264
الخروج كانت الشكوى على علي(عليه السلام) قد وقعت في المدينة، كما يأتي تفصيله.
وفي المرة الثانية: بعث النبيّ صلی الله علیه و آله علياً(عليه السلام) إلى اليمن؛ للقضاء بينهم بعد أن دخلوا الإسلام، فتوجه علي(عليه السلام) للحكم والقضاء في تلك البلاد.
وفي هذا الخروج لم تكن هناك شكوى من أحد في حق علي(عليه السلام).
وفي المرة الثالثة: خرج علي(عليه السلام) إلى اليمن لجباية الأموال والصدقات، وفي هذا الخروج الثالث جعل علي(عليه السلام) أميراً على أصحابه، وقفل راجعاً إلى مكة، حيث التحق بالنبي صلی الله علیه و آله في حجة الوداع وأتم الحج معه، ثم أبدى بعض أصحابه في مكة المكرمة الشكاية على علي(عليه السلام)، فقام رسول الله’ خطيباً وقال: «أيّها الناس، لا تشكوا علياً، فو الله إنه لأخشن في ذات الله وفي سبيل الله»(1)، وفي هذا الخروج قد حصلت الشكوى في مكة المكرمة من بعض المسلمين وردهم الرسول’، وانتهى الأمر.
كما أنه يظهر من بعض الروايات، التي ستأتي، أن بعض المسلمين قد أظهر نفس الشكاية في المدينة، فزجرهم النبي صلی الله علیه و آله وأمرهم أن لا ينتقصوا علياً(عليه السلام)، وسوف يتّضح أنّه لا صلة لهذه الشكايات بقضية الغدير إطلاقاً.
ولكي يتبين صحّة ما ذكرناه من التسلسل التاريخي لعدد مرات خروج علي(عليه السلام) إلى اليمن، تارة داعياً للإسلام، وأخرى قاضياً، وثالثة جابياً للصدقات، سنحاول أنْ نستعرض الروايات والأحاديث التي ذكرت في هذا المجال:
ص: 265
أخرج البخاري في صحيحه بسنده إلى البراء، قال: «بعثنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مع خالد بن الوليد إلى اليمن، قال: ثم بعث علياً بعد ذلك مكانه، فقال: مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يُعَقِّب معك فليعقب، ومن شاء فليُقبل، فكنت فيمن عقب معه، قال: فغنمت أواقي ذوات عدد(1)»(2).
ثم أخرج البخاري هذه القصة بنحو آخر عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: «بعث النبي (صلى الله عليه وسلم) علياً إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض علياً، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ فلما قدمنا على النبي (صلى الله عليه وسلم) ذكرت له ذلك، فقال: يا بريدة، أتبغض علياً؟ فقلت: نعم، قال: لا تبغضه، فإن له في الخمس أكثر من ذلك»(3).
أخرج أحمد في المسند والنسائي في السنن والخصائص، عن بريدة،
ص: 266
واللفظ للأول، قال: «بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعثين إلى اليمن، على أحدهما علي بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: إذا التقيتم فعلي على الناس، وإن افترقتما فكل واحد منكما على جنده، فلقينا بني زيد (زبيد) من أهل اليمن فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه، قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخبره بذلك، فلما أتيت النبي (صلى الله عليه وسلم) دفعت الكتاب، فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقلت: يا رسول الله! هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه، ففعلت ما أرسلت به، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): لا تقع في علي، فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي، وإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي»(1).
وقال حمزة أحمد الزين في حكمه على الحديث: «إسناده صحيح»(2).
وروى أحمد أيضاً عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن سعيد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: «بعثنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في سرية، قال: لما قدمنا، قال: كيف رأيتم صحابة صاحبكم؟ قال: فإما شكوته أو شكاه غيري، قال: فرفعت رأسي وكنت رجلاً مكباباً، قال: فإذا النبي (صلى الله عليه وسلم) قد احمر وجهه، قال: وهو يقول: من كنت
ص: 267
وليه فعلي وليه»(1).
قال الهيثمي: «ورواه البزار ورجاله رجال الصحيح»(2).
رواه ابن حجر(3)، وابن عساكر(4)، والصالحي الشامي(5).
وهذه الرواية ورواية ابن أبي شيبة - التي سوف تأتي - وإن لم يذكر فيها اليمن بالخصوص، وإنما وردت فيها كلمة (سرية) فقط، ولكن بضميمة الروايات الأخرى يفهم أن المقصود هو سرية اليمن.
روى الطبراني بإسناده عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: «بعث رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) علياً أميراً على اليمن، وبعث خالد بن الوليد على الجبل، فقال: إن اجتمعتما فعلي على الناس، فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله، وأخذ علي جارية من الخمس، فدعا خالد بن الوليد بريدة، فقال: اغتنمها فأخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) بما صنع، فقدمت المدينة، ودخلت المسجد ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) في من-زله وناس من أصحابه على بابه.
فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟ فقلت: خير، فتح الله على المسلمين، فقالوا:
ص: 268
ما أقدمك؟ قال: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) قالوا: فأخبره فإنه يسقطه من عين رسول الله - ورسول الله (صلّى الله عليه وسلمّ) يسمع الكلام - فخرج مغضباً، وقال: ما بال أقوام ينتقصون علياً، من ينتقص علياً فقد تنقصني، ومن فارق علياً فقد فارقني. إن علياً مني وأنا منه، خلق من طينتي، وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.
يا بريدة: أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وأنه وليكم من بعدي؟! فقلت: يا رسول الله، بالصحبة إلا بسطت يدك حتى أبايعك على الإسلام جديداً، قال: فما فارقته حتى بايعته على الإسلام<.
قال الطبراني: >لا يروى هذا الحديث عن أبي إسحاق إلا بهذا الإسناد تفرد به: حسين الأشقر»(1).
قال الهيثمي: «رواه الطبراني في الأوسط، وفيه جماعة لم أعرفهم، وحسين الأشقر ضعفه الجمهور ووثقه ابن حبّان»(2).
قال: «حدّثنا عفان، قال: ثنا جعفر بن سليمان، قال: حدّثني يزيد الرشك، عن مطرف، عن عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سرية واستعمل عليهم علياً، فصنع علي شيئاً أنكروه، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يعلموه،
ص: 269
وكانوا إذا قدموا من سفر بدؤوا برسول الله (صلى الله عليه وسلم) فسلموا عليه ونظروا إليه، ثم ينصرفون إلى رحالهم، قال: فلما قدمت السرية سلموا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقام أحد الأربعة، فقال: يا رسول الله، ألم تر أن علياً صنع كذا وكذا، فأقبل إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعرف الغضب في وجهه فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ علي مني وأنا من علي، وعلي ولي كل مؤمن بعدي»(1).
وأخرج هذا الحديث الطبراني في الكبير، وفيه بدل «فصنع علي شيئاً أنكروه» قد ذكر عبارة «فأصاب علي جارية فأنكروا ذلك عليه»(2)، وكذا أخرجه ابن حبان في صحيحه(3)، وأخرجه أحمد أيضاً، ولكن قال: «فأحدث شيئاً في سفره»(4)، وكذا أخرجه الترمذي وقال: «هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان»(5)، وقد قال ابن كثير في البداية والنهاية: «وقد رواه الترمذي والنسائي عن قتيبة عن جعفر بن سليمان، وسياق الترمذي مطول وفيه (أنّه أصاب جارية من السبي) ثمّ قال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان»(6). وقال الذهبي: «أخرجه أحمد في المسند والترمذي، وحسنه، والنسائي»(7).
ص: 270
وقال الحاكم في مستدركه: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»(1).
وقد أخرج البيهقي وعنه ابن كثير والذهبي - واللفظ للأخير - قصّة بعث اليمن بنحو آخر عن البراء، قال: «إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) بعث خالد بن الوليد إلى اليمن، يدعوهم إلى الإسلام، فكنت فيمن خرج مع خالد، فأقمنا ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه، ثمّ إنّ النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) بعث علياً (رضي الله عنه)، فأمره أن يقفل خالد، إلا رجل كان يمم(2) مع خالد أحب أن يُعقب مع علي فليعقب معه، فكنت فيمن عقب مع علي، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا، فصلى بنا علي، ثم صفنا صفاً واحداً، ثم تقدم بين أيدينا، وقرأ عليهم كتاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فأسلمت همدان جميعاً، فكتب علي إلى رسول الله، فلما قرأ الكتاب خر ساجداً، ثم رفع رأسه، فقال: السلام على همدان، السلام على همدان» ثمّ قال الذهبي: «هذا حديث صحيح، أخرج البخاري بعضه بهذا الإسناد»(3).
وقد ذكره الألباني وصحّحه، ثمّ قال: «وأقرّه ابن التركماني فلم يعقبه بشيء»(4).
ص: 271
ص: 272
الظاهر أنّ خروج علي(عليه السلام) إلى اليمن غازياً كان في سنة ثمان، بعد فتح مكة وقبل حجة الوداع بسنتين، كما صرّح بذلك زيني دحلان مفتي مكة المكرمة في سيرته، قائلا: «في التاريخ سنة عشر وهم؛ لأن بعث علي إلى همدان لم يكن سنة عشر، إنما كان سنة عشر بعثه إلى بني مذحج، وأما بعثه إلى همدان فكان سنة ثمان بعد فتح مكة»(1).
هذه الروايات تتفق على مسألة واحدة، وهي أن الشكوى قد وقعت في المدينة قبل حجة الوداع، فلا علاقة لها بحديث الغدير، كما في صريح كلام الطبراني: «فقال: اغتنمها فأخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) بما صنع، فقدمت المدينة، ودخلت المسجد ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) في من-زله وناس من أصحابه على بابه..»(2).
وفي رواية ابن أبي شيبة، قال عمران: «وكانوا إذا قدموا من سفر بدؤوا برسول الله (صلى الله عليه وسلم) فنظروا إليه وسلموا عليه، ثم ينصرفون إلى رحالهم..»(3) فهذه الرواية دلت بوضوح على أن الشكوى وقعت في المدينة بقرينة «بدؤوا برسول الله... قبل أن ينصرفوا إلى رحالهم» وهذا
ص: 273
يناسب المدينة لا مكة.
وفي كل الأحوال فهي لا تؤثر على حديث الغدير، كما سيأتي.
دلت بعض روايات هذا الصنف على وجود مواقف غير ودية من بعض الصحابة تجاه علي بن أبي طالب(عليه السلام)، كما في رواية الطبراني عن بريدة، قال: «ودخلت المسجد، ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) في من-زله، وناس من أصحابه على بابه. فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟ فقلت: خير، فتح الله على المسلمين، فقالوا: ما أقدمك؟ قال: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) قالوا: فأخبره فإنه يسقطه من عين رسول الله..»(1).
وفي رواية ابن أبي شيبة، وكلّ الروايات التي ذكرت تعاقد أربعة من الصحابة، قال: «فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إذا لقينا النبي أخبرناه بما صنع علي»(2).
وقال ابن الأثير: «واستعمل عليهم علي بن أبي طالب فمضى في السرية، فأصاب جارية، فأنكروا عليه، فتعاقد أربعة من أصحاب النبي (صلّى الله عليه وسلّم)..»(3).
ص: 274
قال الذهبي: «فأصاب علي جارية، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله..» إلى أن قال: «ما تريدون من علي، علي منّي وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي. أخرجه أحمد في المسند والترمذي، وحسنه، والنسائي»(1).
نلاحظ في هذه الروايات أن النبي صلی الله علیه و آله قد غضب على من شكا علياً(عليه السلام)، وهذا يكشف عن أنّ فعل علي(عليه السلام) لم يكن مخالفاً لأمر الله تعالى وأمر رسوله، وكشف أيضاً خطأ الشاكين عليه، وأنّ مافعلوه من شكاية قد أدى بالنبيّ الحليم إلى أن يغضب ويحمر وجهه، ما يكشف عن الخطأ الفادح الذي ارتكبوه بانتقاص علي(عليه السلام)، كما فى رواية أحمد السابقة عن بريدة: «فرأيت الغضب في وجه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..»(2).
وفي رواية الطبراني عن بريدة، قال: «فخرج مغضباً، وقال: ما بال أقوام ينتقصون علياً، من ينتقص علياً فقد تنقصني، ومن فارق علياً فقد فارقني»(3).
وفي رواية ابن أبي شيبة: «فأقبل إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعرف الغضب في وجهه»(4).
وفي رواية أحمد: «فإذا النبي (صلى الله عليه وسلم) قد احمرّ
ص: 275
وجهه»(1).
نجد أنّ النبي صلی الله علیه و آله قد صرّح بعدما غضب من شكوى الشكاة بما يدلّ على إمامة عليّ بن أبى طالب(عليه السلام) وولايته، وأنه ولي كل مؤمن بعده، كما في رواية الطبراني، قال رسول الله’: «يا بريدة، أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وأنه وليكم من بعدي؟! فقلت: يا رسول الله، بالصحبة إلا بسطت يدك حتى أبايعك على الإسلام جديداً، قال: فما فارقته حتى بايعته على الإسلام»(2).
وفي رواية ابن أبي شيبة وغيرها قال’: «وعلي وليّ كلّ مؤمن بعدي»(3).
وفي رواية أحمد بن حنبل: «فإذا النبي (صلى الله عليه وسلم) قد احمر وجهه، قال: وهو يقول: من كنت وليه، فعلي وليه»(4).
قال الهيثمي: «رواه البزار ورجاله رجال الصحيح»(5).
ص: 276
لنا هنا بعض الملاحظات والردود الإجمالية على هذه الروايات:
1- إنّ هذه الروايات التي نقلت زواج الإمام علي(عليه السلام) بجارية تتعارض مع اعتقادنا بأن الإمام(عليه السلام) لا يمكن أن يتزوج مع وجود الزهراء(علیها السلام)(1)؛ حفاظاً على كرامة الزهراء، كما أن الرسول’ لم يتزوج على خديجة في حياتها.
2- كما نعتقد بأن هذه الروايات التي تدل على زواج علي(عليه السلام) من امرأة أخرى هي موضوعة، قد وضعها أعداء علي(عليه السلام) في زمن بني أمية؛ لما يحمله البعض من بغض شديد له، وهو شبيه بما وضعوه من قصة خطبة علي(عليه السلام) لابنة أبي جهل، التي فصلنا البحث فيها في محله(2).
وإما أنّ بريدة وأمثاله هم من اختلقوا قصّة زواجه بالجارية التي اصطفاها، وهدفهم من ذلك هو إسقاط علي(عليه السلام) من عين رسول الله’، من خلال إثارة النبيّ صلی الله علیه و آله بنقل زواج علي(عليه السلام) على ابنته الزهراء(علیها السلام)، ويؤيده ما ذكرناه في رواية الطبراني: «فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟ فقلت:
ص: 277
خير، فتح الله على المسلمين، فقالوا: ما أقدمك؟ قال: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي (صلى الله عليه وسلم) قالوا: فأخبره فإنه يسقطه من عين رسول الله».
وكذا يؤيد ذلك، ما نقله الشيخ المفيد المتوفى (413ه-)، قال: «وكان أمير المؤمنين(عليه السلام) قد اصطفى من السبي جارية، فبعث خالد بن الوليد بريدة الأسلمي إلى النبي صلی الله علیه و آله وقال له: تقدم الجيش إليه فأعلمه ما فعل علي من اصطفائه الجارية من الخمس لنفسه، وقع فيه. فسار بريدة حتى انتهى إلى باب رسول الله’ فلقيه عمر بن الخطاب فسأله عن حال غزوتهم وعن الذي أقدمه، فأخبره أنه إنما جاء ليقع في علي، وذكر له اصطفاءه الجارية من الخمس لنفسه، فقال له عمر: امض لما جئت له، فإنه سيغضب لابنته مما صنع علي(عليه السلام)»(1).
ومن المحتمل قوياً أنّ تلك الجارية التي أخذها الإمام علي(عليه السلام) هي نفسها التي ذكرها بعض علماء أهل السنة من أنها خولة أم محمد الحنفية، قد جاء بها علي بن أبي طالب(عليه السلام) من اليمن ووهبها فاطمة(علیها السلام)، وهي التي تزوجها أمير المؤمنين(عليه السلام) بعد وفاة الزهراء(علیها السلام)، فولدت له محمد بن الحنفية.
قال أبو نصر في السلسلة العلوية: «روى عن أسماء بنت عميس أنها قالت: رأيت الحنفية سوداء، حسنة الشعر، اشتراها علي(عليه السلام) بذي المجاز
ص: 278
- سوق العرب - أوان مقدمه من اليمن، فوهبها فاطمة الزهراء(علیها السلام)، وباعتها فاطمة من مكمل الغفاري، فولدت له عونة بنت مكمل، وهي أخت محمد لأمه...»(1).
3- ثمّ إنّ هناك شاهداً قرآنياً يؤيد ما ذكرناه أيضاً، وهو أن سورة (هل أتى) التي اشتهر نزولها في علي وأهل بيته(عليهم السلام)، قد ذكرت الآية أغلب نعم الجنة، ولكنها لم تتعرض لمسألة الحور العين، وقد ذكر المفسرون أنّ سبب ذلك هو الحفاظ على كرامة الزهراء(علیها السلام)، قال الآلوسي: «ومن اللطائف على القول بنزولها فيهم أنه سبحانه لم يذكر فيها الحور العين؛ وإنما صرح عز وجل بولدان مخلدين رعاية لحرمة البتول وقرة عين الرسول»(2).
هناك روايات كثيرة وصحيحة دلت على أن النبي صلی الله علیه و آله قد بعث علياً(عليه السلام) إلى اليمن قاضياً، نشير فيما يلي إلى جملة من نصوصها:
1- ما أخرجه أحمد في مسنده عن علي(عليه السلام)، قال: «بعثني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى اليمن، قال: فقلت: يا رسول الله، تبعثني إلى قوم أسن مني، وأنا حديث لا أبصر القضاء؟ قال: فوضع يده على صدري، وقال: اللهم ثبت لسانه واهد قلبه، يا علي، إذا جلس إليك الخصمان، فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر، كما سمعت من الأول، فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء، قال: فما اختلف علي قضاء بعد،
ص: 279
أو ما أشكل علي قضاء بعد».
وقال الشيخ أحمد محمد شاكر في حكمه على الحديث: «إسناده صحيح»(1).
2- ما أخرجه أحمد أيضاً في مسنده عن علي(عليه السلام)، قال: «بعثني رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله، إنك تبعثني إلى قوم هم أسن مني لأقضي بينهم، قال: اذهب، فإن الله تعالى سيثبت لسانك ويهدي قلبك». وقال الشيخ أحمد محمد شاكر في حكمه على الحديث: «إسناد صحيح»(2).
3- ما أخرجه ابن ماجة في سننه عن علي(عليه السلام)، قال: «بعثني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله، تبعثني وأنا شاب أقضي بينهم ولا أدري ما القضاء؟ قال: فضرب بيده في صدري، ثم قال: اللهم أهد قلبه وثبت لسانه، قال: فما شككت بعد في قضاء بين اثنين»، قال الألباني في حكمه على الحديث: «صحيح»(3).
وفي هذا الخروج لم ينقل أن هناك شكوى على علي(عليه السلام).
جاء في السيرة النبوية لابن هشام (ت 218ه-): «قال ابن إسحاق:
ص: 280
وحدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة، قال: لمّا أقبل علي رضى الله عنه من اليمن ليَلْقَى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) بمكّة، تَعجل إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) واستخلف على جنده الذين معه رجلاً من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حُلة من البَز(1) الذي كان مع علي (رضى الله عنه)، فلما دنا جيشه خرج ليَلقاهم، فإذا عليهم الحُلل، قال: ويلك! ما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس، قال: ويلك! انْزع قبل أن تنتهي به إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: فانتزع الحُلل من الناس، فردها في البَز، قال: وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم»(2).
وقال ابن إسحاق: «حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم، عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب، وكانت عند أبي سعيد الخدري، عن أبي سعيد الخدري، قال: اشتكى الناس علياً (رضوان الله عليه)، فقام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فينا خطيباً، فسمعته يقول: أيها الناس، لا تشكوا علياً، فوالله إنه لأخشن في ذات الله، أو في سبيل الله، من أن يشكى. ثم مضى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) على حجّه، فأرى الناس مناسكهم، وأعلمهم سنن حجهم،
ص: 281
وخطب الناس خطبته التى بيّن فيها ما بيّن، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: أيّها الناس، اسمعوا قولي...»(1).
وقد روى الطبري هذا المضمون نفسه، قال: «حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، قال: ثم مضى رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) على حجه فأرى الناس مناسكهم وأعلمهم سنن حجهم، وخطب الناس خطبته...»(2).
كذلك أخرج أحمد هذا المضمون في مسنده مختصراً عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب - وكانت عند أبي سعيد الخدري - عن أبي سعيد الخدري، قال: «اشتكى علياً الناس، قال: فقام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فينا خطيباً، فسمعته يقول: أيها الناس، لا تشكوا علياً فو الله إنه لأخشن في ذات الله، أو في سبيل الله»(3).
فعبارة «ثم مضى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) على حجه» في بعض العبارات السابقة تدل صراحة على كون هذه القضية في مكة قبل مراسم الحج.
أخرج البيهقي في الدلائل، قال: «أخبرنا أبو الحسين محمد بن الحسين
ص: 282
بن محمد بن الفضل القطان ببغداد، أنبأنا أبو سهل بن زياد القطان، حدثنا أبو إسحاق، إسماعيل بن إسحاق القاضي، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، قال: حدثنا أخي، عن سليمان بن بلال، عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة، عن أبي سعيد الخدري، أنه قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) علي بن أبي طالب إلى اليمن، قال أبو سعيد: فكنت ممن خرج معه، فلما أخذ من إبل الصدقة سألناه أن نركب منها ونريح إبلنا، فكنا قد رأينا في إبلنا خللاً، فأبى علينا، وقال: إنما لكم منها سهمٌ كما للمسلمين.
قال: فلما فرغ عليٌ وانطلق من اليمن راجعاً أمر علينا إنساناً، وأسرع هو فأدرك الحج، فلما قضى حجته، قال له النبي (صلى الله عليه وسلم): ارجع إلى أصحابك حتى تقدم عليهم، قال أبو سعيد: وقد كنا سألنا الذي استخلفه ما كان عليٌ منعنا إياه ففعل، فلما جاء عرف في إبل الصدقة أن قد ركبت، رأى أثر المركب، فذم الذي أمره ولامه، فقلت: أنا إن شاء الله إن قدمت المدينة لأذكرن لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولأخبرنهُ ما لقينا من الغلظة والتضييق.
قال: فلما قدمنا المدينة غدوت إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أريد أن أفعل ما كنت حلفت عليه، فلقيتُ أبا بكر خارجاً من عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فوقف معي ورحب بي وسألني وسألته، وقال: متى قدمت؟ قلت: قدمت البارحة، فرجع معي إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فدخل فقال: هذا سعد بن مالك بن الشهيد، قال: ائذن له،
ص: 283
فدخلت فحييت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وجاءني وسلم علي، وسألني عن نفسي وعن أهلي فأحفى المسألة، فقلت له: يا رسول الله، ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق، فانتبذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وجعلتُ أنا أعدد ما لقينا منه، حتى إذا كنت في وسط كلامي ضرب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على فخذي، وكنت منه قريباً، ثم قال: سعد بن مالك الشهيد! مه، بعض قولك لأخيك علي، فوالله لقد علمتُ أنه أخشن في سبيل الله، قال: فقلت في نفسي، ثكلتك أمك سعد بن مالك ألا أراني كنتُ فيما يكره منذ اليوم، وما أدري لا جرم والله لا أذكره بسوء أبداً سراً ولا علانيةً»(1).
قال ابن كثير بعد أن نقل هذا الحديث عن البيهقي: «وهذا إسناد جيد، على شرط النسائي، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة»(2).
قال أحمد بن حنبل في مسنده: «حدثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا أبي، ثنا محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن الفضل بن معقل بن سنان، عن عبد الله بن نياز الأسلمي، عن عمرو بن شاس الأسلمي، قال: وكان من أصحاب الحديبية، قال: خرجت مع علي إلى اليمن فجفاني في سفري ذلك، حتى وجدت في نفسي عليه، فلما قدمت أظهرت شكايته في
ص: 284
المسجد، حتى بلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فدخلت المسجد ذات غدوة ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) في ناس من أصحابه، فلما رآني أبدني عينيه - يقول: حدد إلي النظر - حتى إذا جلست، قال: يا عمرو، والله لقد آذيتني، قلت: أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله، قال: بلى من آذى علياً فقد آذاني»(1).
وهذه الرواية لا تدل صراحة على أنّ المسألة مرتبطة بجباية الصدقات، إلا أنه بقرينة (جفاني) يمكن أن نفهم ذلك، كما تدل على أن الشكوى وقعت في المدينة بقرينة قوله: «فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد».
والرواية صحيحة، كما قال الهيثمي في تعليقه على الحديث: «رواه أحمد والطبراني باختصار والبزار أخصر منه، ورجال أحمد ثقات»(2).
وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»(3).
وقال حمزة أحمد الزين في حكمه على الحديث أيضاً: «إسناده حسن... والحديث رواه ابن أبي شيبة 12/ 75 رقم 21157 في الفضائل، فضائل علي، وابن حبان 543 رقم 2202 مختصراً، والحاكم وصححه 3/ 122 ووافقه الذهبي»(4).
ص: 285
قال الواقدي: «قالوا: بعث رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) علي بن أبي طالب في رمضان سنة عشر، فأمره رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) أن يعسكر بقُباء، فعسكر بها حتى تتام أصحابه، فعقد له رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يومئذ لِواءً أخذ عِمامةً فلفها مثنية مُرَبعة، فجعلها في رأس الرُمح ثم دفعها إليه، وقال: هكذا اللواء، وعممه عِمامة ثلاثة أكوار، وجعل ذراعها بين يديه وشبراً من ورائه، ثمّ قال: هكذا العمامة.
قال: فحدّثني أسامة بن زيد، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي رافع، قال: لمّا وجهه رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) قال: امض ولا تلتفت!
فقال على: يا رسول الله، كيف أصنع؟ قال: إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك. فإن قاتلوك فلا تقاتلهم حتى يقتلوا منك قتيلاً، فإن قتلوا منك قتيلاً فلا تقاتلهم، تَلومْهُم(1) حتى تريهم أناة، ثم تقول لهم: هل لكم أن تقولوا: لا إله إلا الله؟ فإن قالوا: نعم، فقل هل لكم إلى أن تصلوا؟ فإن قالوا: نعم، فقل لهم: هل لكم إلى أن تخرجوا من أموالكم صدقة تردونها على فقرائكم؟ فإن قالوا: نعم، فلا تبغ منهم غير ذلك، والله لأن يهدي الله على يديك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت.
ص: 286
قال: فخرج في ثلاثمائة فارس فكانت خيلهم أول خيل دخلت تلك البلاد(1)... فلما انتهى إلى أدنى الناحية التي يريد وهي أرض مَذْحِج فرق أصحابه، فأتوا بنهب وغنائم وسبي نساء وأطفال ونِعَم وشاء وغير ذلك، فجعل على الغنائم بُريدة بن الحُصيب، فجمع إليه ما أصابوا قبل أن يلقاهم جمع.
ثمّ لقي جمعاً فدعاهم إلى الإسلام وحرض بهم، فأبَوا ورموا في أصحابه، ودفع لواءه إلى مسعود بن سنان السُلمي فتقدم به، فبرز رجل من مَذحِج يدعو إلى البِراز، فبرز إليه الأسود بن الخُزاعي السُلمي، فتجاولا ساعة، وهما فارسان، فقتله الأسود وأخذ سَلبَه، ثم حمل عليهم علي(عليه السلام) بأصحابه فقتل منهم عشرين رجلاً، فتفرقوا وانهزموا، وتركوا لواءهم قائماً، فكف عن طلبهم ودعاهم إلى الإسلام، فسارعوا وأجابوا وتقدم نفر من رؤسائهم، فبايعوه على الإسلام، وقالوا: نحن على مَن وراءنا من قومنا، وهذه صدقاتنا فخذ منها حق الله»(2).
ثم قال الواقدى: «فحدثني عمر بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه، قال: وجمع علي الغنائم وجزأها خمسة أجزاء. وأقرع عليها، وكتب في سهم منها، فخرج أول السهام سهم الخمس، ولم ينفل منه أحداً من الناس شيئاً، وكان من قبله من الأمراء يعطون أصحابهم - الحاضر دون غيرهم -
ص: 287
من الخمس، ثم يخبر بذلك رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) فلا يرده عليهم، فطلبوا ذلك من علي، فأبى وقال: الخمس أحمله إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يرى فيه رأيه، وهذا رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يوافي الموسم، ونلقاه به، فيصنع ما أراه الله، فانصرف راجعاً، وحمل الخمس، وساق معه ما كان ساق، فلمّا كان بالفُتُق(1)، تعجل وخلف على أصحابه والخمس أبا رافع، فكان في الخمس ثياب من ثياب اليمن وأحمال معكومة(2)، ونَعَم مما غَنِموا، ونَعَم من صدقة أموالهم.
قال أبو سعيد الخدري - وكان معه في تلك الغزوة - قال: وكان علي(عليه السلام) ينهانا أن نركب على إبل الصدقة، فسأل أصحاب علي(عليه السلام) أبا رافع أن يكسوهم ثياباً، فكساهم ثوبين ثوبين، فلما كانوا بالسدرة داخلين مكة خرج علي(عليه السلام) يتلقاهم ليقدَم بهم، فيُن-زلهم فرأى على أصحابنا ثوبين ثوبين على كلّ رجل، فعرف الثياب، فقال لأبي رافع: ما هذا؟ قال: كلموني ففَرِقتُ من شكايتهم، وظننت أن ذلك يسهل عليك، وقد كان مَن كان قبلك يفعل هذا بهم، فقال: رأيت إبائي عليهم ذلك وقد أعطيتهم، وقد أمرتك أن تحتفظ بما خلفتُ فتعطيهم؟!
قال: فأبى علي(عليه السلام) أن يفعل ذلك حتى جرد بعضهم من ثوبيه، فلما قَدِموا على رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) شكوه، فدعا علياً، فقال: ما
ص: 288
لأصحابك يشكونك؟ فقال: ما أشكيتهم؟ قسمت عليهم ما غنموا، وحبست الخمس حتى نقدم عليك، وترى رأيك فيه، وقد كانت الأمراء يفعلون أموراً: يُنفلون من أرادوا من الخمس، فرأيت أنْ أحمله إليك لترى فيه رأيك! فسكت النبي (صلّى الله عليه وسلم)»(1).
«قال: فحدثني سالم مولى ثابت عن سالم مولى أبي جعفر، قال: لما ظهر علي(عليه السلام) على عدوه ودخلوا في الإسلام جمع ما غنم واستعمل عليه بريدة بن الحصيب وأقام بين أظهرهم، فكتب إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) كتاباً مع عبد الله بن عمرو بن عوف المزني يخبره أنّه لقي جمعاً من زبيد وغيرهم، وأنّه دعاهم إلى الإسلام وأعلمهم أنّهم إنْ أسلموا، كف عنهم فأبوا ذلك وقاتلهم. قال علي(عليه السلام): فرزقني الله الظفر عليهم حتّى قتل منهم من قتل. ثمّ أجابوا إلى ما كان عرض عليهم، فدخلوا في الإسلام وأطاعوا بالصدقة وأتى بشر منهم للدين وعلمهم قراءة القرآن، فأمره رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) يوافيه في الموسم، فانصرف عبد الله بن عمرو بن عوف إلى علي(عليه السلام) بذلك»(2).
وهذه الرواية دلت على أن الشكوى وقعت في مكة المكرمة في حجة الوداع.
أقول: يظهر من هذه الرواية أن اليمن لم تكن قد أسلم جميع أهلها في وقت واحد، فيظهر أن هناك بعضاً من قبائلها لم تكن أسلمت، لذا حين
ص: 289
خرج علي(عليه السلام) لجباية الصدقات منها، قد واجه بعض تلك القبائل غير المسلمة وخاض حرباً معها، ثم بعد ذلك أسلمت.
كما يظهر من بعض مقاطع الرواية أنها تنسجم مع الخروج الثالث، بقرينة الموافاة في مكة (يوافي الموسم) و(السنة العاشرة)، كما يظهر أيضاً من بعض مقاطعها أن الخروج هو الخروج الأول الذي كان علي فيه داعياً وغازياً، بقرينة أنها ذكرت أنه قاتل زبيداً وأسلموا، وفي الجملة يشعر القارئ للرواية أن هناك خلطاً قد وقع فيها، وأن هناك تهافتاً في مضامين فقراتها.
قال ابن الأثير تحت عنوان: >ذكر بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمراءه على الصدقات<: «وفيها أي: في السنة العاشرة بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمراءه وعماله على الصدقات، فبعث المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة إلى صنعاء». إلى أن قال: «وبعث علي بن أبي طالب إلى نجران ليجمع صدقاتهم وجزيتهم ويعود، ففعل وعاد، ولقي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بمكة في حجة الوداع، واستخلف على الجيش الذي معه رجلاً من أصحابه، وسبقهم إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فلقيه بمكة، فعمد الرجل إلى الجيش، فكساهم كل رجل حلة من البز الذي مع علي، فلما دنا الجيش خرج علي ليتلقاهم، فرأى عليهم الحلل، فن-زعها عنهم، فشكاه الجيش إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقام النبي (صلى الله عليه وسلم) خطيباً، فقال: أيها الناس، لا
ص: 290
تشكوا علياً، فو الله إنه لأخشن في ذات الله وفي سبيل الله»(1).
وهذه الرواية واضحة في جباية الصدقات، وأنها في السنة العاشرة للهجرة، وأن الإمام بعد جمعه للصدقات عاد والتقى برسول الله’ في مكة، مما يدل أن الشكوى قد وقعت في مكة.
يفهم من كلام الواقدي وابن الأثير المتقدّم: أنّ الخروج الثالث للإمام علي(عليه السلام) لليمن كان في السنة العاشرة للهجرة، سنة حجة الوداع، حيث وافى رسول الله’ في مكة(2).
قد عبر في الروايات عن الشكاة بعدة ألفاظ، منها:
1- (الناس) كما في رواية ابن إسحاق، وأحمد بن حنبل، وابن عبد البر، عن أبي سعيد الخدري، قال: «اشتكى الناس علياً (رضوان الله عليه)»(3).
ص: 291
2- (أصحاب علي) كما في رواية الواقدي عن أبي سعيد: «فلما قدموا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شكوه، فدعاه، وقال: ما لأصحابك يشكونك؟»(1).
3- (الجيش) كما في رواية ابن هشام، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن رُكانة: «وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم»(2).
4- (عمرو بن شاس الأسلمي) فقد عبر عن الشاكي بهذا الاسم، قال: «خرجت مع علي(عليه السلام) إلى اليمن فجفاني في سفري ذلك، حتى وجدت في نفسي عليه، فلما قدمت المدينة أظهرت شكايته في المسجد»(3).
5- (أبو سعيد الخدرى (سعد بن مالك بن سنان)) فقد عبر أيضاً عن المشتكي بهذا الاسم، كما في رواية البيهقي، قال: «فلما قدمنا المدينة غدوت إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)... فقلت: يا رسول الله، ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق»(4).
فلم تتفق الروايات على مشتكٍ بعينه، فهي مختلفة، كما يظهر منها.
ص: 292
قد مر بأنّ شكوى عمرو بن شاس وأبي سعيد الخدري كانت بالمدينة، وأما شكوى الناس أو الجيش فيبدو أنها كانت بمكة، كما في رواية الواقدي عن أبي سعيد الخدري «... فلما كانوا بالسدرة داخلين مكة خرج علي(عليه السلام) يتلقاهم ليقدَم بهم فيُنزلهم، فلما قَدِموا رسول الله شكوا....»(1).
وقال ابن الأثير: «وسبقهم إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فلقيه بمكة، فعمد الرجل إلى الجيش، فكساهم كل رجل حُلة من البَز الذي كان مع علي، فلما دنا الجيش خرج علي ليتلقاهم، فرأى عليهم الحلل فنزعها عنهم، فشكاه الجيش إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)»(2).
وفي رواية ابن إسحاق والطبري: «فلما دنا جيشه خرج ليَلقاهم، فإذا عليهم الحُلل، قال: ويلك! ما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس، قال: ويلك! انْزِع قبل أن تنتهي به إلى رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم). قال: فانتزع الحُلل من الناس، فردها في البَز، قال: وأظهر الجيش شكواه لما صُنع بهم»(3).
فيظهر من دنو الجيش أنه كان إلى مكة.
ص: 293
هذا التساؤل يتوقف على تشخيص أي الأدلة يمكن لها أن تثبت أحد الأمرين:
تدل رواية ابن إسحاق ورواية الطبري بأنّ الشكوى كانت قبل إتمام مراسم الحج؛ لأنه قد ورد فيهما - بعد نقل شكوى الجيش وقول رسول الله’: «لا تشكوا علياً»، «ثم مضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على حجه، فأرى الناس مناسكهم، وأعلمهم سنن حجهم»(1).
يفهم من رواية الواقدي، وكذا رواية ابن الأثير أن الشكوى التي صدرت من الجيش كانت قد حدثت بعد إكمال مراسم الحج، قال الواقدي: «خرج علي(عليه السلام) يتلقاهم ليقدم بهم فين-زلهم»(2).
وقال ابن الأثير: «فلما دنا الجيش خرج علي ليتلقاهم»(3).
ومن الواضح أنّ خروج علي لملاقاة الجيش لم يكن قبل انقضاء مراسم الحج، كيف ذلك وقد ذكرت الروايات أنّ علياً(عليه السلام) قد سبق الجيش، وتعجل ليلتحق بمراسم الحج مع النبي صلی الله علیه و آله ؟ ففي رواية البيهقي السابقة: «فأسرع هو، فأدرك الحج، فلما قضى حجته، قال له النبي صلی الله علیه و آله : ارجع إلى
ص: 294
أصحابك حتى تقدم عليهم»(1).
وبعد هذه المقدمات عن واقعة اليمن، وشكاية الناس علياً(عليه السلام)، تبين أن قضية الشكوى - حتى مع كونها وقعت في مكة - لا ربط لها بمسألة واقعة الغدير، التي نصب النبي صلی الله علیه و آله فيها علياً(عليه السلام) خليفة للمسلمين.
لذا فهناك عدّة أجوبة على ما يقال من أن حديث الغدير كان نتيجة شكوى جيش اليمن منها:
لو كانت الشكوى قد حصلت قبل مراسم الحج، كما هو مضمون رواية الطبري وابن إسحاق اللتين نقلناهما سابقاً، فحينئذٍ لا علاقة للشكوى بواقعة الغدير المتأخرة زماناً؛ لأن النبي صلی الله علیه و آله - كما هو مفاد الروايات - قد قام خطيباً بعد هذه الشكوى مباشرة، وقال: «أيها الناس، لا تشكوا علياً، فوالله إنه لأخشن في ذات الله»(2). فهذه الخطبة قد سبقت خطبة الغدير التي كانت بعد إتمام مراسم الحج، وترك النبي لمكة متوجهاً إلى جهة المدينة، حيث وقعت خطبة الغدير في مكان يقال له: غدير خم، والذي يبعد مسافة ليست بالقصيرة عن مكة.
ص: 295
أما لو كانت الشكوى بعد إتمام مراسم الحج، كما هو مضمون رواية الواقدي وابن الأثير، كما بيناه سابقاً، فكذا لن تكون خطبة الشكوى مرتبطة بحادثة الغدير؛ لنفس السبب السابق؛ لأن الظاهر من الروايات أن خطبة الشكوى كانت بعد الشكاية مباشرة في مكة، وقبل تحرك النبي ومسيره متوجهاً إلى المدينة ومروره بغدير خم.
قد بينا في جواب التساؤل الثالث أن روايات الصنف الثالث قد انقسمت إلى قسمين، من حيث بيان مكان وقوع الشكوى، فقسم حددها في مكة وقسم حددها في المدينة، فعلى تقدير أنها وقعت في المدينة، كما هو مضمون رواية عمرو بن شاس الأسلمي، قال: «فلما قدمت المدينة أظهرت شكايته في المسجد»(1).
ورواية أبي سعيد الخدري، قال: «فلما قدمنا المدينة غدوت إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)... فقلت: يا رسول الله، ما لقينا من علي من الغلظة وسوء الصحبة والتضييق»(2)، فحينئذٍ سوف يكون عدم الارتباط بين واقعة الشكوى وواقعة الغدير أكثر وضوحاً، كما لا يخفى.
على أن الاختلاف في مكان الشكوى؛ يوجب وهناً في قبول أصل
ص: 296
الرواية، فالتضارب في كون الواقعة تارة حدثت في المدينة، وتارة حدثت في مكة، هو تناف يسلب التصديق بالحادثة بشكل كلي.
لقد مرّ أن حديث الغدير كان بأمر من الله تعالى، ولا ربط له بشكوى جيش اليمن، حيث نزل الوحي على رسول الله يأمره بوجوب إبلاغ المسلمين خلافة علي(عليه السلام) وإمامته، كما دل على ذلك جملة من الروايات الصحيحة، منها ما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره بسند صحيح عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال: «نزلت هذه الآية: {يَا أَيهَا الرسُولُ بَلغْ مَا أُنزِل إِليْكَ مِن ربكَ} في علي بن أبي طالب(عليه السلام)»(1).
وروى الثعلبي بأربع طرق في تفسيره أنّ الآية الكريمة: {يَا أَيهَا الرسُولُ بَلغْ مَا أُنزِل إِليْكَ مِن ربكَ} «لما نزلت أخذ رسول الله بيد علي(عليه السلام) وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه»(2).
وأخرج الخطيب البغداي عن «عبد الله بن علي بن محمد بن بشران، أنبأنا علي بن عمر الحافظ، حدثنا أبو نصر حبشون بن موسى بن أيوب الخلال، حدثنا علي بن سعيد الرملي، حدثنا ضمرة بن ربيعة القرشي، عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة، قال: من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً، وهو يوم غدير خم، لما أخذ النبي (صلى الله عليه وسلم) بيد علي بن أبي
ص: 297
طالب، فقال: ألست ولي المؤمنين؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فأنزل الله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}»(1).
وهذه الرواية طريقها جيد، وقد تقدّم ترجمة جميع رجالها وهم بين ثقة وصدوق(2), وهي تثبت أنّ واقعة الغدير واقعة إلهية ، وليس من الإنصاف أن نربطها بمسألة جزئية كشكوى جيش اليمن.
لوكانت الشكوى موجبة لحديث الغدير، فلا بدّ من الإشارة لها؛ إمّا من قبل رسول الله’، كما أشار في خطبته بمكة، بقوله: «لا تشكوا علياً»، أو من جانب الشكاة؛ بأن تنقل لنا الرواية، بعد خطبة النبيّ صلی الله علیه و آله ، أنّ الشكاة قد رضوا عن علي(عليه السلام) وندموا على شكواهم، كما في قضية شكاية بريدة وابن مالك وغيرهما، وفي رواية عمرو بن شاس، بعد قول رسول الله’: «يا عمرو، والله لقد آذيتني».
فأجاب: «أعوذ بالله أن أوذيك يا رسول الله، قال: بلى من آذى علياً فقد آذاني»(3).
ص: 298
وهكذا في رواية أبي سعيد الخدري، بعد ما قال رسول الله’ لسعد: «سعد بن مالك الشهيد! مه، بعض قولك لأخيك علي، فوالله، لقد علمتُ أنه أخشن في سبيل الله، قال: فقلت في نفسي: ثكلتك أمك سعد بن مالك ألا أراني كنتُ فيما يكره منذ اليوم، وما أدري لا جرم والله لا أذكره بسوء أبداً سراً ولا علانيةً»(1).
قال ابن كثير: «وهذا إسناد جيد»(2).
إنه على فرض الاتحاد بين القضيتين، والتسليم بأن السبب في صدور حديث الغدير عن النبي صلی الله علیه و آله هو شكوى جيش اليمن ووقوعهم في علي(عليه السلام)، تبقى دلالة حديث الغدير محفوظة؛ بمعنى أن حديث الغدير يدل على إمامة علي(عليه السلام) وخلافته حتى في صورة كونه جواباً عن تلك الشكوى، كما صرح القاضي عبد الجبار في كتابه المغني، حيث قال: «وقد قال شيخنا أبو الهذيل في هذا الخبر [يعني: حديث الغدير]: إنه لو صح لكان المراد به الموالاة في الدين، وذكر بعض أهل العلم حمله على أن قوماً نقموا على علي بعض أموره، فظهرت مقالاتهم له وقولهم فيه، فأخبر (صلى الله عليه وسلم) بما يدل على من-زلته وولايته، دفعاً لهم عما خاف فيه الفتنة.
ص: 299
وقال بعضهم في سبب ذلك: إنه وقع بين أمير المؤمنين وبين أسامة بن زيد كلام، فقال له أمير المؤمنين: أتقول هذا لمولاك؟ فقال: لست مولاي وإنما مولاي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال: رسول الله (صلى الله عليه وسلم): من كنت مولاه فعلي مولاه. يريد بذلك قطع ما كان من أسامة، وبيان أنه بمنزلته في كونه مولى له، وقال بعضهم مثل ذلك في زيد بن حارثة، وأنكروا أن خبر الغدير بعد موته والمعتمد في معنى الخبر على ما قدمناه؛ لأن كل ذلك لو صح، وكان الخبر خارجاً عليه، لم يمنع من التعلق بظاهره وما يقتضيه لفظه، فيجب أن يكون الكلام في ذلك، دون بيان السبب الذي وجوده كعدمه في أن وجود الاستدلال بالخبر لا يتغيَّر»(1).
وفي كلام القاضي ما يؤكد عدم دخالة السبب في فهم الظاهر من الحديث.
إن ما طرحناه من أجوبة وتحليل علمي وموضوعي قد اعتمدنا فيه على الفهم الصحيح لدلالات الأحاديث الكثيرة المختلفة، التي وردت حول هذه القضية، كل ذلك مع غض النظر عن التطرق لأسانيد الروايات إلا في بعض الموارد، وإلا فإن الروايات التي وردت فيها قضية الشكوى في مكة فيها مؤاخذات كثيرة على إسنادها، لكن قد يقال: إن بعضها يقوي البعض
ص: 300
الآخر؛ لكثرة الروايات في هذا الباب، لذا تركنا التعرض لسندها، بسبب ذلك، ورعاية للاختصار.
وهكذا يتضح أن ما ذكره البيهقي وابن كثير وغيرهم: من أن حديث الغدير كان بسبب الشكوى التي وقعت من البعض، إنما كان مجرد حدس واستحسان، وأن الأدلة التي ذكروها لا تثبت ما زعموه، كما بينا في الإجابة عن هذه الشبهة.
ص: 301
ص: 302
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: الدراسات التي تناولت الغدير باللغة العربية
المبحث الثاني: الدراسات التي تناولت الغدير باللغة الفارسية
المبحث الثالث: دراسات الغدير باللغة الأوردية ولغات اخرى
ص: 303
ص: 304
نتناول في هذا المبحث الدراسات التي اهتمت بحديث الغدير في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجريين، أو ما قبلهما بقليل، وسوف نصنف تلك الدراسات والأبحاث حسب اللغات التي كتبت بها.
ونبدأ أولاً بالدراسات التي كتبت باللغة العربية ثم التي كتبت باللغة الفارسية، ثم التي كتبت باللغة الأردوية ولغات أخرى، مقتصرين على أهم تلك الدراسات والأبحاث، ومشيرين إلى بعضها بإشارات سريعة، مع الوقوف قليلاً عند بعضها حسب ما تقتضيه أهمية تلك الدراسة.
هذا الكتاب من تأليف الشيخ العلامة المحقق، آية التتبع والتنقيب، الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني التبريزي النجفي (1320 - 1390ه-).
وكتابه يعدّ موسوعة ضخمة، عديمة النظير في بابها، غنية بالعلم، مليئة بالحجج والوثائق، والكتاب آية من آيات هذا القرن، ومثل هذا المجهود العظيم لا يمكن يقوم به فرد، وإنما يحتاج إنجازه إلى لجان متعددة وفي سنين كثيرة، كما أشار إلى ذلك جمع ممن قرأوا الكتاب فأدهشهم العمل، منهم آية الله العظمى السيد عبد الهادي الشيرازي - المتوفى سنة 1382 - قال في تقريظ الكتاب - طبع في مقدمة الجزء الخامس: «وقد يفتقر مثل هذا التأليف الحافل المتنوع إلى لجنة تجمع رجالاً من أساتذة العلوم الدينية،
ص: 305
ولو لم يكن مؤلفه العلامة الأميني بين ظهرانينا، ولم نر أنه بمفرده قام بهذا العبء الفادح لكان مجالاً لحسبان أن الكتاب أثر جمعية تصدى كل من رجالها لناحية من نواحيه..».
وقال السيد شرف الدين (رحمه الله) في تقريظ له، نشر في بداية الجزء السابع: «موسوعتك الغدير في ميزان النقد وحكم الأدب عمل ضخم دون ريب، فهي موسوعة لو اصطلح على إبداعها عدة من العلماء وتوافروا على إتقانها بمثل هذه الإجادة لكان عملهم مجتمعين فيها كبيراً حقاً... أما الجوانب الفنية فقد نسجتها نسج صناع، وهيأت لقلمك القوي فيها عناصر التجويد والإبداع، في مادة الكتاب وصورته، وفي أدواتهما المتوفرة، على سعة باع وكثرة اطلاع، وسلامة ذوق وقوة محاكمة».
وقال بولس سلامة في كتاب له إلى المؤلف نشر في بداية الجزء السابع أيضاً: «وقد اطلعت هذا السفر النفيس فحسبت أن لآلئ البحار قد اجتمعت في غديركم هذا! أجل يا صاحب الفضيلة، إن هذا العمل العظيم الذي تقومون به منفردين لعبء تنوء به الجماعة من العلماء، فكيف استطعتم النهوض به وحدكم؟! لا ريب أن تلك الروح القدسية، روح الإمام العظيم عليه وعلى أحفاده الأطهار أشرف السلام هي التي ذللت المصاعب...».
وما أن صدرت أجزاء الكتاب إلا وانهالت عليه التقاريظ إعجاباً به وتقديراً له، من قبل الرؤساء والملوك والمراجع الكبار والشخصيات الإسلامية والعلمية والكتاب والباحثين، ولبعضهم أكثر من تقريظ، نشر
ص: 306
القليل منها تباعاً في صدر أجزاء الكتاب الأحد عشر وبقي الكثير منها لم ينشر، أما ما نشر منها، فمن تقاريظ الملوك: المتوكل على الله، يحيى بن محمد حميد الدين، إمام اليمن, ومؤسس المملكة المتوكلية اليمنية، والملك عبد الله بن الحسين ملك الأردن، والملك فاروق الأول ملك مصر، ومن تقاريظ المراجع والمجتهدين الكبار والعلماء الأعلام فهناك الكثير.
1 - طبع أولا في النجف الأشرف في مطبعة الزهراء من سنة 1364 = 1945، إلى سنة 1371 = 1952، وصدر منه تسعة أجزاء.
2- ثم أعادت طبعه دار الكتب الإسلامية وطبعته في مطبعة الحيدري بطهران سنة 1372، وصدر منه 11 جزءاً.
3 - وأعادت دار الكتاب العربي طبعه في بيروت، فطبعته بالتصوير على طبعة طهران سنة 1387 = 1967.
4 - ثم طبع سنة 1396 = 1976 من قبل مكتبة أمير المؤمنين(عليه السلام) العامة فرع طهران، طبعته بالتصوير على طبعة دار الكتب الإسلامية.
5- طبعته دار الكتب الإسلامية في طهران عام 1408 ه- بالتصوير على طبعتها السابقة بمناسبة معرض طهران الدولي الأول للكتاب.
وللكتاب طبعات أخرى كثيرة لا نرى ضرورة للتعرض لها.
وبقي قسم كبير من الكتاب لم يطبع، لأنه لم يكتمل تأليفه، فالجهد المضني أنهك قوى شيخنا المؤلف(رحمه الله) في السنين الأخيرة من عمره، والمرض ألمّ به فأقعداه عن متابعة السير، وكان كلّ أمله في الحياة أن
ص: 307
يكمل كتابه، ولله في دهره شؤون، نسأل الله أن يوفق خلفه الصالح، أشباله النشطين لاقتفاء أثره، وسلوك نهجه، ومتابعة جهوده، ومداومة جهاده، وإنجاز عمله بأحسن الوجوه وأتمّها، كان الله في عونهم وتسديد خطاهم.
1 - ترجم كتاب (الغدير) إلى اللغة الفارسية مرتين، مرة صدرت في 21 جزء، من منشورات المكتبة الإسلامية الكبرى في طهران.
2 - وترجم مرة أخرى من قبل أنجال المؤلف وبعد لما تكتمل.
3 - وترجم إلى اللغة الأوردية، وصدر الجزء الأول منه.
وهو كتاب للعلامة السيد عبد العزيز ابن السيد جواد ابن السيد إسماعيل ابن السيد حسن الطباطبائي اليزدي النجفي، المولود بها في 21 جمادى الأولى سنه 1348ه-(1).
قال المصنف: >قد طبع مؤخراً من التراث الشئ الكثير مما كنا نعده
ص: 308
مفقوداً، فعزمت على مقارنة ما يخص منه بحديث الغدير مع الجزء الأول من كتاب: الغدير، فكلما وجدت من صحابي أو تابعي أو أحد ممن بعدهما من طبقات الرواة من العلماء مما لم أجده في (الغدير) كتبته على نهج شيخنا (رحمه الله) من ترجمة موجزة وتوثيق وغير ذلك، ورتبته حسب الوفيات وسميته (على ضفاف الغدير) ولما يكمل بعد، وفق الله لإتمامه ويسر ذلك، بعونه وتوفيقه<.
وقد توفي المؤلّف سنة 1416 ه-، ودفن بجوار السيدة فاطمة المعصومة بقم المقدسة، تغمده الله برحمته ورضوانه وأسكنه بحبوحة جنته وحشره مع النبيّ وعترته.
وهو فهرس موضوعي وتحليلي للموسوعة القيمة الكبرى كتاب (الغدير في الكتاب والسنة والأدب) تاليف كلّ من: عبد الله المحمدي ومحمّد بهره مند ومحمّد المحدث الخراسانيين، وقد كان تحت إشراف العلامة الجليل السيد فاضل الحسيني الميلاني (حفظه الله). طبع قسم منه في إيران بعد صفه في بيروت، ثم طبع طبعة كاملة في مجلدين في بيروت، من منشورات دار الكتاب العربي سنة 1405 = 1985، ويشمل الجزء الأول: فهرس الآيات، والأحاديث، والأشعار، والأمكنة، والوقائع والأيام، والقبائل، والأمثال، والجزء الثاني: أعلام الغدير.
وهو اقتباسات من موسوعة الغدير للعلامة الأميني تاليف: الشيخ علي
ص: 309
أصغر مروج الشريعة الخراساني، المعاصر.
لخص فيه كتاب (الغدير) بأجزائه الأحد عشر المطبوعة مكرراً، واجتنى منها أهم فوائدها، وكلها فوائد.
للعلامة السيد مرتضى بن السيد أحمد بن محمد بن علي الحسيني التبريزي، ألفه سنة 1352 وسماه: إهداء الحقير في معنى حديث الغدير، وطبع في النجف الأشرف سنة 1353 ه- بإشراف العلامة الكبير الأديب الشيخ محمد علي الأردوبادي - المتوفى سنة 1379.
وقال عنه العلامة الطهراني: >وهو كتاب جليل في بابه، ممتاز بقوة الحجة وجودة البيان، بدأ بتحقيق معنى المولى ونقد كلام الفخر الرازي...<(1).
وأطراه شيخنا العلامة الأميني( قدس الله نفسه) بكلمة موجزة قيمة للغاية - وكان من تلامذة المؤلف (رحمه الله) - فقال في كتاب الغدير عند عد ما ألف في الغدير، قال في الرقم السادس والعشرين منها: >إهداء الحقير في معنى حديث الغدير، طبع في العراق، أغرق نزعاً في التحقيق، ولم يبق في القوس منزعاً<(2).
ثم أعاد السيد هادي الخسروشاهي، ابن المؤلف، طبع الكتاب في قم
ص: 310
سنة 1398 باسم: معنى حديث الغدير، مع مقدمة له في ترجمة المؤلف، وتقديم للسيد موسى الصدر بإسم (سابقات الغدير).
من تأليف العلامة الجليل الشيخ محمّد رضا ابن الشيخ طاهر الحلفي فرج الله النجفي (1319ه- - 1386ه-).
طبع هذا الكتاب في النجف الأشرف سنة 1362 ه-، وعليه تقاريظ السيد أبي الحسن الأصفهاني زعيم الطائفة في عصره، والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، والأديب الفاضل الشيخ ميرزا محمد علي الأردوبادي. ذكره في الذريعة إلى تصانيف الشيعة(1)، والعلامة الأميني (رحمه الله) في الغدير(2) وأثنى عليه، وذكره ابنه الشيخ محمد هادي الأميني في معجم المطبوعات النجفية
هذا الكتاب عديم النظير في موضوعه، فقد بحث في أبعاد حديث الغدير علمياً وفنياً بشكل مفصل.
من تأليف العلامة الجليل السيد محمّد عليّ بن السيّد مرتضى بن السيّد علي الأبطحي الموسوي الأصفهاني، المولود بها 27 صفر سنة 1349 ه-.
ومكث مؤلفه عشرين عاماً في النجف الأشرف يدرس ويدرس
ص: 311
ويؤلف في شتى ألوان المعرفة، فله نحو مائة مؤلف في التفسير والكلام والحديث والفقه والأصول والرجال وعلوم الحديث، ومنها كتابه هذا في دراسة حديث الغدير، الذي تناول متن الغدير بالدراسة من شتى النواحي دون الإسناد.
للشيخ محمد مهدي ابن الشيخ عبد الكريم شمس الدين العاملي، المولود بها سنة 1352 ه- = 1933م. وهو كاتب قدير، ألف عدة مؤلفات طبعت غير مرة في النجف وفي لبنان، وله: (شرح عهد أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى مالك الأشتر)، و(قضايا السلم والحرب في نهج البلاغة)، و(دراسات في نهج البلاغة)، و(حركة التاريخ عند الإمام علي)، و(ونظام الحكم والإدارة في الإسلام) وله غير ذلك كثير.
من تأليف الشيخ محمد بن عبد الله أبو عزيز الخطي. طبع في النجف الأشرف سنة 1371ه-.
من تأليف الشيخ محمد حسن القبيسي العاملي, وكتابه هذا في الغدير هو الحلقة السادسة من سلسلة (الحلقات الذهبية) ويقع في 96 صفحة، طبع في بيروت عدة مرات ثالثتها كانت في سنة 1402ه- = 1982م ، وطبع
ص: 312
بالتصوير على هذه الطبعة في إيران.
من تأليف العلامة السيد علي الحسيني الميلاني، وهو مجموعة من الندوات العقائدية أقيمت في مركز الأبحاث العقائدية بقم المقدسة، خرج من الطبع الطبعة الأولى منه: سنة 1421 ه-
وقد تناول رواة حديث الغدير ودواعي عدم نقل الحديث، وإثبات تواتره، ودلالته علي إمامة علي(عليه السلام). ثم أجاب عن الشبهات المثارة حول حديث الغدير سنداً ودلالة.
لمؤلفه: علي أصغر مروج الشريعة، وهو من طلبة العلم في قم، وهو تلخيص لأجزاء الغدير كلها، فتحدث فيه عن واقعة الغدير وتواترها، ومفاد حديث الغدير، ثم شعراء الغدير، فانتقى من مجموع الشعر المدرج في أجزاء كتاب الغدير 1400 بيتاً، وذلك بمناسبة مرور 1400 عاماً على واقعة الغدير، ثم ألحق بذلك فهارس مواضيع أجزاء الغدير وما يحويه كل جزء من بحوث وفوائد.
من تأليف الشيخ فارس حسون كريم، وقد رتب هذا الكتاب في خمسة فصول:
الفصل الأول: خطبة الغدير من مصادر الشيعة والسنة.
ص: 313
الفصل الثاني: دلالة حديث الغدير علي إمامة علي بن أبي طالب(عليه السلام).
الفصل الثالث: نظرة في بعض المصادر السنية حول مناقب علي بن أبي طالب(عليه السلام)، والكتب التي ألفها علماء أهل السنة في فضائله، وحول حديث الغدير.
الفصل الرابع: أجوبة المسائل الغديرية.
الفصل الخامس: رواة حديث الغدير من الصحابة.
قام بنشره: مؤسسة أمير المؤمنين(عليه السلام) للتحقيق في قم: الطبعة الأولى: 1419.
للشيخ المعاصر مهدي الآصفي (حفظه الله ورعاه)، وقد تناول في كتابه القيم هذا مسألة الإمامة ونظريات تعيين الإمام في الفكر والمعتقد الإسلامي، من خلال آراء المتكلمين والمفسرين والفقهاء من المذاهب الإسلامية السنية إلى جانب معتقد الشيعة الإمامية، كما تناول بالنقد والمناقشة والتمحيص والاستدلال والتحليل النظريات الثلاث التي ظهرت في الفكر الإسلامي وهي:
1 - نظرية انعقاد الإمامة بالغلبة والثورة المسلحة.
2 - نظرية الاختيار (الشورى)، وهاتان النظريتان هما لجمهور أهل السنة.
3 - نظرية النص، وهي معتقد الشيعة الإمامية.
ثم انتهى بعد جولة استدلالية تحليلية، وربط بين العقيدة ومسألة الإمامة
ص: 314
والولاية، ومناقشة للأدلة ومستندات النظريات الثلاث إلى إبطال نظريتي الغلبة والشورى، والدفاع عن صحة وأدلة (نظرية النص)، وفي مسارات البحث والاستدلال يجد القارئ منهجاً جديداً في البحث، وبنية نظرية متكاملة في الصياغة والمقدمات والنتائج، وتوظيفاً فنياً ناضجاً لأدلة العقل والنقل، وطريقة النقد والاستخلاص.
قام بنشره: مركز الغدير للدراسات الاسلامية 1 / رجب / 1417 هجري بقم المقدسة.
تأليف الشيخ أبي الفتح محمّد بن علي الكراجكي المتوفى سنة 449 ه- تحقيق علاء آل جعفر. وهو كتاب تناول عدة مباحث مهمة، ويمكن تلخيصها مما قاله في بداية كتابه:
>واعلم - أيدك الله - أنك تسأل في هذا الدليل عن أربعة مواضع: أولها: أن يقال لك: ما حجتك على صحة الخبر في نفسه، فإنا نرى من يبطله؟ وثانيها: أن يقال لك: ما الحجة على أن لفظة (مولى) تحتمل (أولى) وأنها أحد أقسامها؟ وثالثها: إذا ثبت أنها أحد محتملاتها، فما الحجة على أن المراد بها في الخبر (الأولى) دون ما سوى ذلك من أقسامها؟ ورابعها: ما الحجة على أن (الأولى) هو الإمام، ومن أين يستفاد ذلك في الكلام؟< ثم بدأ بالجواب عن كل هذه الأسألة بالتفصيل. وجاء كتابه متنياً رائعاً.
قام بنشره: مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث، قم المقدسة.
ص: 315
لمؤلفه الشيخ محمد علي ابن الفقيه الأديب ميرزا أبو القاسم بن محمد تقي بن محمد قاسم الأردوبادي النجفي (1312 - 1380 ه-.)
قال السيد محسن الأمين في ترجمته: «فاضل، اشتمل على فضل جم وعلم غزير، وشارك في فنون مختلفة إلى تقى طارف وتليد، وحسب موروث وجديد، المصنف الشاعر..»(1).
وقد تناول الكتاب بيان طرق حديث الغدير وانتهى فيها إلى ثلاثمائة طريق. ثم تكلم في دلالته، ثم أورد بعض الاشعار التي أُنشدت حول حادثة الغدير.
لمؤلفه القاضي السيد نور الله الحسيني المرعشي التستري الشهيد في بلاد الهند سنة 1019.
قال الشيخ المحقق الطهراني: >وقد صنفه في مدة قليلة، فإنه قال في آخره (وقد اتفق نظم هذه اللئالي التي وشحت بها عوالي المعالي في سبعة أشهر من غير الليالي - إلى قوله - وكان آخرها آخر ربيع الأول المنتظم في سلك شهور سنة الف وأربع عشرة في بلدة آكرة.. إلخ). وهو أجل كتاب في بابه، تعرض فيه لرد كلمات القاضي فضل بن روزبهان في كتابه: إبطال نهج الباطل، الذي كتبه في الرد على كتاب: نهج الحق، لآية
ص: 316
الله العلامة الحلي، فاظهر الصواب ونال أعظم الأجر والثواب، أوله: (الحمد لله الذي جعل مقام شيعة الحق علياً، وصيرهم مع نبيه إبراهيم في ذلك الاسم سميا) إشارة إلى تفسير قوله تعالى: {وان من شيعته لإبراهيم}، طبع بإيران تاماً في سنة 1273، وطبع بمصر أيضاً لكن مع إسقاط بعض مطالبه، ثم في سنة 1326 طبع بها نصفه الأول إلى البحث الرابع في تعيين الامام بمباشرة الفاضل الشيخ حسن بن الشيخ دخيل الحچامي النجفي، وأتعب نفسه في تصحيحه ومقابلته مع طبعة إيران وغيره< (1).
وقد طبع أصله في مجلد واحد وبحث فيه حديث الغدير في عدة صفحات(2).
للمرجع الديني الكبير العلامة السيد شهاب الدين المرعشي النجفي المتوفي1411ه-.
قد خرج من الطبع هذا الكتاب بشرح وتعليقات وافية في 36 مجلداً، قامت بنشره مكتبة آية الله المرعشي النجفي (ره).
وقد بحث في هذا الكتاب عن حديث الغدير في أكثر من مجلد بمناسبة ما اقتضي البحث؛ فقد بحث مثلا عن الغدير في المجلد الثاني
ص: 317
صفحة 415 بمناسبة ذكر قوله تعالى: {بلغ ما أنزل إليك من ربك}(1).
وفي المجلد الثالث من صفحة 114 وما بعدها بمناسبة ذكر قوله تعالى: {والسابقون السابقون}(2).
وفي المجلد نفسه صفحة 191 وما بعدها بمناسبة ذكر قول المأمون عن أفضلية علي(عليه السلام).
وفي صفحة 339 وما بعدها بمناسبة ذكر قوله تعالى: {والنجم إذا هوى}(3).
وقد بحث عن حديث الغدير مفصلاً في المجلد السادس صفحة 225 إلي صفحة 418.
للسيد المير حامد حسين بن محمد قلى خان صاحب بن محمد بن حامد النيشابوري الكنتوري المتوفى في 1306ه-. وهو رد على الباب السابع من (التحفة الاثنا عشرية) الذي هو في مبحث الإمامة، ورتبه على منهجين.
المنهج الأول: في إثبات دلالة الآيات القرآنية المستدل بها على الإمامة، وهو في مجلد كبير غير مطبوع لكنه موجود في مكتبة المصنف بلكهنو، وفى مكتبة المولى السيد رجب على خان سحبان الزمان في
ص: 318
جكراوان، والذي كان من تلاميذ المصنف، وعند ولده السيد مرتضى أكبر، وعند السيد فدا حسين بن السيد عابد على الحسيني الزيدي الپنجابى.
والمنهج الثاني: في اثبات دلالة الأحاديث الاثني عشر على الإمامة والجواب على اعتراضات صاحب (التحفة) عليها، في اثنى عشر جزء لكلّ حديث جزء.
للسيد علي ابن السيد نور الدين نجل آية الله العظمى السيد محمد هادي الميلاني الحسيني التبريزي (قدس سره).
وهو تلخيص لكتاب (عبقات الأنوار في إثبات إمامة الأئمة الأطهار)، وبدأ فيه منذ كان في كربلاء، ولما استقر في قم تابع ذلك بجد، فصدر منه عشرة أجزاء، السادس منها فما فوق يخص مجلدات حديث الغدير من كتاب (عبقات الأنوار) معرب تلك المجلدات الضخام، ملخصاً لها بحذف ترجمة النصوص العربية وإسقاط المكررات، وصدر ما يخص حديث الغدير معرباً ملخصا في أربعة أجزاء، مع مراجعة النصوص في مصادرها وتعيين الجزء والصفحة إلي غير ذلك من ميزات، وأضاف إليه ملحقاً مستدركاً فيه ما عثر عليه من طرق وأسانيد ومصادر مما لم يكن على عهد صاحب العبقات في متناول الأيدي. وصدرت هذه الأجزاء من قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة في طهران في عامي 1404و1405 ه-.
ص: 319
للعلامة السيّد علي الميلاني المذكور، وهو أيضاً تلخيص وتعريب ل- (عبقات الأنوار) قد طبع بشرح وإضافات في عشرين مجلداً، وقد اختصت المجلدات السادس والسابع والثامن والتاسع بحديث الغدير.
ص: 320
هناك جملة من الدراسات التي تخصصت في حديث الغدير باللغة الفارسية، منها:
للشيخ صارم الدين محمد الشريف ابن الشيخ محمد إبراهيم بن محمد إسماعيل بن محمد إبراهيم ابن المولى محمد صادق الأردستاني اليزدي الحائري، من أعلام القرن الرابع عشر. ذكره المحقق الطهراني في الذريعة(1).
لمؤلفه: الشيخ مهدي علي بن نواب جعفر حسن هاشمي (نواب مهدي عليخان عظيم آبادي الهندي).
طبع هذا الكتاب بإشراف واهتمام السيد وزير علي في مطبعة فيض مطلع صبح صادق پتنه بسامي گري، كلكته (هند) سنة 1302ه-.
قد بدأ المؤلف في هذا الكتاب في بحث الإمامة وبعض جوانبها، وكذلك عن حياة أمير المؤمنين وفضائله، ولعل الكتاب شبيه بكتاب العلامة الأميني.
للعلامة الشيخ عباس بن محمد رضا ابن أبي القاسم القمي النجفي،
ص: 321
المولود في قم حدود سنة 1294 ه- والمتوفى في النجف الأشرف ليلة الثلاثاء 23 ذي الحجة سنة 1359 ه-. صاحب المؤلفات الكثيرة المتنوعة، له نحو المائة مؤلف.
وكتابه هذا (فيض القدير) تلخيص لمجلدات حديث الغدير من كتاب (عبقات الأنوار) للسيد حامد حسين اللكنهوي - المتوفى سنة 1306 - لخصه في النجف الأشرف في مجلد وفرغ منه سنة 1321 ه-، وهو فارسي مطبوع سنة 1405.
للشيخ علي أصغر ابن الشيخ أبي الحسن اعتماد الواعظين الطهراني، وهو من خطباء طهران، ويعتبر الكتاب شرحاً لخطبة النبي صلی الله علیه و آله بيوم غدير خم. مطبوع في طهران عام 1365 ه-.
للسيد هبة الدين الشهرستاني أيضاً. ترجمها إلى الفارسية علي رضا ميرزا الخسرواني القاجاري الطهراني. وطبعت الترجمة في طهران سنة 1367 في 7 10 صفحة، الذريعة: ج 16 ص 28.
ترجمه الفاضل الشيخ علي الإسلامي مدير مؤسسة البعثة في طهران، وبمساعدة عدة مترجمين، وتمت ترجمة كل جزء من الأصل العربي في
ص: 322
جزءين، فطبعت ترجمته الفارسية في 21 جزء. صدر عن المكتبة الإسلامية الكبرى (كتابخانه بزرك إسلامي) في طهران.
لعدة من كبار المعلمين الإيرانيين، وذلك بإشراف الأستاذ محمد رضا حكيمي. فارسي مطبوع نحو عشر مرات.
للأستاذ محمد رضا ابن الحاج عبد الوهاب اليزدي الأصل ثم الخراساني. ولد المؤلف عام 1354 ه-، له كتاب - آخر سماه: (مبعث، غدير، سقيفة، عاشوراء) وهو مطبوع أيضاً.
لحسام الدين خسرو برويز، المتصوف الذهبي المعاصر. فارسي، طبع في تبريز سنة 1384 ه-، في 158 صفحة، مع رسالة (آئينه طريقة وحقيقة) أي (مرآة الطريقة والحقيقة).
للأستاذ الفاضل المغفور حسين عماد زاده أحمد الأصفهاني الكروني المولود سنة 1325. وهو ابن الشيخ أحمد عماد الواعظين - المتوفى سنة 1384 - ابن آخوند ملا حسين الكربكندي - المتوفى سنة 1323، اتجه إلى الكتابة والتأليف، وكان له قلم سيال سريع الكتابة، فألف ما يربو علي المائة
ص: 323
كتاب، وأكثرها مطبوعة مرات متعددة. وكتابه هذا عن الغدير وخطبة النبي صلی الله علیه و آله يوم غدير خم وترجمتها إلى الفارسية، طبع في طهران سنة 1395 ه-. وتوفي(رحمه الله) في طهران ليلة السادس من شهر رمضان في العام 1410 ه-.
للشيخ محمد جواد ابن الشيخ محمد تقي المعرفة الأصفهاني الكربلائي، المولود بها سنة 1350، كتابه هذا فارسي مطبوع في قم من منشورات دار المعرفة والهدى في سنة 1399 ه-، ويقع في 110 صفحة.
لمؤلفه: حشمت الله قنبري همداني، الناشر: الشركة العالمية للطباعة والنشر التابعة لمؤسسة نشر أمير كبير، طهران، الطبعة السادسة، ربيع سنة 1385ش، عدد الصفحات: 345.
ويتناول هذا الكتاب حياة أمير المؤمنين علي(عليه السلام) من المهد الى اللحد، ويتطرق فيه إلى نسب أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، وخلاصة عن حياة فاطمة بنت أسد مع أبي طالب (رضوان اللة عليهما)، ثم يتعرض إلى طفولة الامام علي(عليه السلام) وفضائله، التي من جملتها أنه أول من آمن بالنبي(صلی الله علیه و آله)، وبات في فراشه، ومؤاخاة النبي(صلی الله علیه و آله) له، ودوره في معارك الرسول مع الكفار، كمعركة بدر وأحد وحنين وخيبر والأحزاب و......
ثم يذكر المؤلف زواجه من الصديقة الزهراء(علیها السلام)، ومعاصرته للخلفاء
ص: 324
الثلاثة من حادثة السقيفة الى قتل عثمان، وكذلك يتعرّض إلى أيام خلافته، وحروبه الثلاثة وحوادث أخرى، ثم يختم الكاتب بشهادة الامام علي(عليه السلام) وذكر وصيته.
لمؤلفه: السيد مجيد پورالطباطبائي. وفيه نقد ودراسة إجمالية لآراء المستشرقين حول خليفة النبي.
يتناول الكتاب الخلفية التأريخية لدراسات المستشرقين والغربيين الإسلامية وشبهاتهم حول خليفة النبي(صلی الله علیه و آله)، وسبب سكوت الامام(عليه السلام) عن حقه، وبثّ التشكيكات والشبهات حول عدم تعيين الخليفة، والتعرض إلى نظرية وراثة الخلافة عند الشيعة، وفي الختام يذكر المؤلف نقداً وافياً لاستنتاجات المستشرقين حول خلفاء النبي بعد الرسول(صلی الله علیه و آله).
الناشر: منشورات الصبح الصادق - قم. الطبعة الأولى، صيف عام 1385ه-.
المؤلف: أمير التقدمي المعصومي. الناشر: منشورات الدليل - قم. طبعة سنة 1421ه-.
ويتناول الكتاب: دراسة لحديث الغدير في الروايات التالية:
1- ابن أبي شيبة، مع ذكر حياته وطرق الرواية التي ذكرها في كتابه المصنف، حيث كانت عن البراء بن عازب وبريدة بن الحصيب وجابر بن
ص: 325
عبد اللة الأنصاري وأبي أيوب الأنصاري وزيد بن أرقم وأبي هريرة وسعد بن أبي وقاص وزيد بن يثيع.
2- أحمد بن حنبل، مع ذكر الرواية بكتبه المختلفة، حيث كانت عن البراء بن عازب وبريدة بن الحصيب وأبي أيوب الأنصاري وزادان بن عمر وزياد بن أبي زياد وزيد بن أرقم وسعيد بن وهب وأبي الطفيل وغيرهم.
3- أبن أبي عاصم، حيث كانت رواياته عن البراء بن عازب وجابر بن عبد اللة وحبشي بن جنادة وأبي أيوب الأنصاري وزيد بن أرقم و...
لمؤلفه: الدكتور محمود رضا افتخار زاده، وهو تلخيص وترجمة، لكتاب الغدير للعلامة الأميني، الناشر: المهام - تهران، الطبعة: الاولى، سنة 1380ش.
تناول الكتاب حياة العلامة الأميني، وخلاصة لكتاب الغدير، مع بيان لحادثة الغدير ورواته، والاحتجاجات به، مع مبحث الغدير في القرآن، وعيد الغدير في الإسلام، ونزول بعض الآيات وورود بعض الأحاديث النبوية في حقه، والغدير في تأريخ الأدب الإسلامي، وشعراء الغدير في القرون المختلفة.
لمؤلّفه: محمد باقرالأ نصاري الناشر: منشورات ... - طهران، الطبعة: السابعة، ذي القعده 1423ه-
ويتناول هذا الكتاب دراسة لأربعة أسانيد لخطبة الغدير في كتب الشيعة
ص: 326
برواية الامام الباقر(عليه السلام)، وبسند حذيفة بن اليمان وزيد بن أرقم مع متن وترجمة لخطبة الغدير في كتاب الاحتجاج للشيخ الطبرسي(رحمة الله).
لمؤلفه: السيد أسد الله ياوري. الناشر: منشورات اللوح المحفوظ - طهران. الطبعة: الثانية، 1420ه-.
ويتناول الكتاب دراسة لآخر سفرة من أسفار رسول الله(صلی الله علیه و آله) في السنة العاشرة للهجرة، وعوامل استمرار الغدير المتمثل بنزول أربع آيات فيه، واهتمام الأصحاب فيه، والغدير في آثار علماء السنة، والغدير في الشعر، والاحتجاجات بالغدير، وجعل حادثة الغدير من الاعياد، وأعمال يوم الغدير.
ألّفه: قسم التحقيقات والمعارف الإسلامية في قم. الناشر:منشورات مدرسة الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام) - قم. الطبعة الخامسة، 1382ش
ويتناول الكتاب: ملخص لأقسام من خطبة الغدير مع ذكر رواتها، وكلمة المولى في نظر الرسول(صلی الله علیه و آله).
للمؤلف: عبد الحسين الأميني. الناشر: منشورات دليلنا- قم. الطبعة: الأولى، 1423ه-
ويتناول الكتاب: صلة المسلمين بعيد الغدير، ومبدأ عيد الغدير،
ص: 327
وحديث التهنئة، وعيد الغدير عند العترة الطاهرة، والأجابة عن الشبهات حول عيد الغدير، والتتويج يوم الغدير، والمستحبات في يوم الغدير، وحديث صوم الغدير، ورجال سند الحديث، والإجابة عن الشبهات حول صوم يوم الغدير.
للمؤلف: السيد رضا الصدر. تحقيق وتعليق: السيد مرتضي الرضوي. الناشر: مكتبة النجاح - طهران، الطبعة الثانية، 1419ه- - 1999 م-.
ويدرس الكتاب صدور أمر التبليغ من الله واهتمام الرسول بالتبليغ، وتهنئة القوم له، ورضا الله تعالى بتبليغ رسوله في نزول آية الإكمال، والخلفاء الثلاثة والغدير؛ وخطبة الرسول يوم الغدير، وغير ذلك.
للمؤلف: محمود الشريفي. الناشر: مركز الطباعة والنشر التابع لمؤسسة التبليغ الاسلامي - قم.
الطبعة الأولى، ربيع 1376ش.
ويتناول الكتاب أحاديث عن المعصومين الأربعة عشر حول حديث الغدير، وأهميته في مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، وعيد الغدير في القرآن، وغيرها من الأبحاث.
لمؤلفه: محمد باقر الانصاري الزنجاني. الناشر: منشورات دليلنا، الطبعة الاولى، سنة 1422ه-.
ص: 328
ويتناول الكتاب دراسة تأريخية لسفر رسول الله من المدينة الى الغدير، مع ذكر الموقع الجغرافي للغدير وخطبة الرسول فيه، مع ذكر الاحتفال ثلاثة أيّام بيوم الغدير، وبيعة النساء فيه والرجال، ومناسبة التتويج بيوم الغدير، وذكر أشعار الغدير، ومعاجزه وحضور جبرئيل في ذلك اليوم.
لمؤلفه: محمد رضا جباران، الناشر: مؤسسة أنصاريان - قم، الطبعة الأولى، 1423ه-.
ويتناول الكتاب قصة الغدير وتتويج الإمام(عليه السلام) وتهنئة المسلمين له، مع إثبات صحة واقعة الغدير تأريخياً ومفاد الحديث، واستدلال الإمام أمير المؤمنين والصديقة الزهراء والإمام الحسن المجتبى(عليهم السلام) بحديث الغدير.
لمؤلفه: محمد دشتي، الناشر: مؤسسة أميرالمؤمنين للتحقيق - قم، الطبعة الثانية: 1381ش.
ويتناول الكتاب عمق الفكرة في ملحمة الغدير، ومعنى المحبة والنصرة في حديث الغدير والجواب عنها، وهل أن حديث الغدير جاء لتبليغ الامامة؟ واذا كانت الامامة متحققة وموجودة إلى يوم القيامة فمن هو الذي يعين الامام؟
من تأليف معهد تعليم اللغات والمعارف الإسلامية. الناشر: معهد تعليم
ص: 329
اللغات والمعارف الإسلامية.
ويتناول الكتاب: خطب رسول الله(صلی الله علیه و آله) في حجة الوداع ودورها في إثبات الإمامة في الغدير؛ مع نقل أربع خطب لرسول الله’ مع تحليلها ودراستها.
لمؤلّفه: سيد محمد مجيدي نظامي وحسن عرفان. الناشر: مؤسسة وليد الكعبة - قم، الطبعة الأولى، 1420ه-.
ويتناول الكتاب نقل وتحليل خطبة من خطب أمير المؤمنين التي ألقاها في جمعة من الجمع الموافقة ليوم الغدير، والتي بيّن فيها مسائل مختلفة كان من جملتها حادثة الغدير - بعد أن أشار إلى نتف من مطالبه العالية - وبين عظمتها وخصائصها وتاثيرها في صناعة التاريخ الإسلامي، وكشف عن مخططات المنافقين والمرتدين.
ألّفه عدد من الكتاب. الناشر: مؤسسة حضور - قم، الطبعة الثانية، 1381ش.
ويتناول الكتاب أقوال عدد من الكتاب حول الغدير ومناسبته، وخطبة أمير المؤمنين حول الغدير، والتساؤل عن السبب في عدم إعطاء الغدير ما يليق به من قبل الشيعة، وكذلك تطرق إلى بعض الأبحاث، منها: مع النبي
ص: 330
في حديث الغدير، الصحابة وولاية أمير المؤمنين، والإجابة عن بعض الشبهات في هذا المجال.
ألفه ونظمه: المؤسسة العالمية للغدير - قم.
ويتناول الكتاب: كلمات لعدد من العلماء الأعلام كالشيخ آية الله أستادي والشيخ آية الله مكارم الشيرازي والشيخ آية الله جوادي آملي والشيخ آية الله خزعلي.
لمؤلفه: محمد دشتي. الناشر: مؤسسة أمير المؤمنين(عليه السلام) للتحقيق - قم. الطبعة الأولى: شتاء 1381ش.
ص: 331
ويتناول الكتاب أجوبة عن عدد من الأسئلة حول معنى الغدير والأسماء الأخرى له، ولماذا كان في آخر سفر لرسول الله(صلی الله علیه و آله)؟ ولماذا لم يطرح في المدينة؟ وعن عدد الناس الذي معه، وغير ذلك من الموضوعات.
المؤلف: حسين واثقي. الناشر: دانش حوزه - قم. الطبعة الأولى: 1383ش.
ويتناول الكتاب عودة رسول الله(صلی الله علیه و آله) إلى المدينة، وحادثة الغدير وربطها بمسألة إكمال الدين، وكم استغرق سفر رسول الله(صلی الله علیه و آله)، وعدد الحجاج في حجة الوداع، وغير ذلك.
لمؤلّفه: محمّد حسين صفاخواه عبد الحسين طالعي. الناشر: انتشارات سهاره - طهران. الطبعة الاولى سنة 1380ش.
ويتناول الكتاب: تحليل ودراسة الآيات الواردة في متن زيارة أمير المؤمنين في يوم الغدير، مع نقل متن الزيارة وترجمتها إلى اللغة الفارسية.
لمؤلفه: غلامرضا كاردان. الناشر: مكتب الهادي للنشر. الطبعة الأولى، خريف 1377 ش.
ويتناول الكتاب: ملخص عن حادثة الغدير، وصحة حديث الغدير، ونقل إشكالات الفخر الرازي والجواب عنها.
لمؤلّفه: علي أصغر رضواني. الناشر: المجمع العالمي لأهل البيت(عليهم السلام).
ويتناول الكتاب: الغدير والوحدة الإسلامية، وضرورة تعيين الخليفة
ص: 332
لرسول الله’، والتدابير التي اتخذها الرسول الأكرم’ لتعيين الإمام علي، وواقعة الغدير وأهميتها، والموقع الجغرافي للغدير، ورواة حديث الغدير، ودلالته، واعترافهم بدلالة حديث الغدير على الامامة، وكتمان حديث الغدير، والاحتجاجات بحديث الغدير، وفضيلة الصيام في يوم الغدير، وسر إعراض أكثر الصحابة عن حديث الغدير، وغير ذلك.
وهو من تأليف: مؤسسة الغدير العالمية.
ويتناول الكتاب أحاديث وخطب السيد الخميني والسيد الخامنئي حول الغدير.
ألف هذا الكتاب جامعة المصطفي العالمية للعلوم الإسلامية (مركز جهاني سابقاً)، طبعه: (دليل ما)، قم، إيران، سنة 1381 ه-. ش.
وقدتضمن هذا الكتاب أكثر من مائة مقالة لكتاب وطلاب من جنسيات مختلفة تناولت مواضيع عديدة مرتبطة بالغدير.
ونظراً لأهميّة الكتاب ومواضيعه الكثيرة نتوقّف معه قليلاً:
الكتاب يتضمن مجموعة من المقالات لكتاب وطلاب ينتمون
ص: 333
لجنسيات مختلفة, يعبرون فيها عن أحاسيسهم ومشاعرهم عن حديث الغدير, فإنّ الغدير وإنْ كان فوق الإحساس والفكر البشري، لكن مع ذلك ينبغي أن يتم تبيين آراء الشعوب المختلفة حوله؛ لكي يصبح الغدير عالمياً ويخطو الخطوة الأولى في طريق عولمة مسألة الغدير التي قطعها العلامة الأميني بواسطة كتابه القيم - الغدير - والذي يعد نقطة الانطلاق للتحاور حول مسألة الغدير.
إنّ التعبير عن المشاعر من قبل أناس يعيشون في بلاد مختلفة وينشأون في ثقافات مختلفة، سوف يؤدي بلا شك إلي التعريف بمسألة الغدير بصورة أكثر دقاً وعمقاً وشمولية.
وفي المؤتمر الذي عقد في ايران سنة 1423ه- لخصوص الطلبة غير الإيرانيين, كانت المشاركة واسعة؛ إذ شارك فيه 214 طالباً من 36 بلداً يتكلمون 27 لغة مختلفة.
وهذه البلدان هي: العراق، الصين، نيجريا، انگلترا، السودان، تركيا، أفغانستان، هولندا، تانزانيا، قزاقستان، أثيوبيا، تايلند، جورجيا، أمريكا، الجزائر، باكستان، اليمن، الفيليبين، آذربيجان، الهند، البوسنة، كشمير، تركمنستان، إستراليا، مالي، طاجيكستان، ميانمار (برمه)، بلغارستان، روسيا، النيجر، ساحل العاج، أكرانبا، بنغلادش، أندونيسيا.
وقد تفاوتت لغات هولاء الطلبة بين: العربية، الفارسية، الأوردو، الفارسية الطاجيكية، الإنكليزية، الهندية، والتركية الآذرية، والتركية
ص: 334
الإسطنبولية، والتركية البلغارية، والقازاخستانية، والجورجية، والهولندية، والبوسنية، والأثيوبية، والبنغالية وغيرها.
وكان كل واحد من الطلبة قد قرأ مقالته التي كتبها حول الغدير بلغته، ثم بعد ذلك ترجمت إلى اللغة الفارسية، وطبعت بإسم: (غدير در إحساس ملت ها).
ومن تلك المقالات:
لكاتبها: السيّد محمّد سرور هاشمي - افغانستان
ومن محتويات المقال: >هاتفاً يا عليّ! أمتطي قلمي لكي أصل إلى الغدير بسرعة، كأنّ حادثة مصيرية في طريقها إلى الوقوع، حادثة تحدد المعيار والميزان الذي يعرف به الناس.
نبي الإسلام العظيم(صلی الله علیه و آله) وبأمر من اللّه يريد أن يزن أمته بواسطة عليّ(عليه السلام)، حيث يستعرض أبناء آدم فرداً فرداً من خلال مقياسه(عليه السلام)، وذلك لكي يعلموا أن مصيرهم مرهون (بغدير خم)، فأهل الجنّة يصيرون كذلك بواسطة الغدير، وأهل جهنم يصيرون كذلك أيضاً - بواسطة إنكاره.
نعم، فالذين حصلوا على كل طموحاتهم وآمالهم من خلال سطوع يدي محمد(صلی الله علیه و آله) وعليّ(عليه السلام)، قد أعرضوا عن كل ما يفوح بغير عليّ(عليه السلام)
ص: 335
- مع كل ما فيه من مغريات - اليوم هو يوم إستثنائي، يوم سوف يقصم ظهر الشيطان، وسوف يدون تاريخاً جديداً، يوم ترقى فيه البشرية إلى مرحلة البلوغ.
جميع أنظار السماء والأرض تلاحقه، قافلة تسير من مكة إلى المدينة، هذه القافلة الفريدة من نوعها تريد أن تكتب للبشرية تقديراً حسناً.
قافلة الحبّ هذه، وبأمر من الرسالة، تريد - ولأجل سعادة البشرية - أن تبني قلعة الولاية، والتي لو دخلها جميع الناس فإنّ اللّه سوف يطفأ نار جهنم إلى الأبد<(1).
لمؤلفه: مظلوم عليّ أف، من بلغاريا
وجاء في قسم منها: >فالشمس في غاية الاقتدار، والصحراء في قمة الانشعاع، حيث جرت هناك ملحمة كان يسمع صوت الأجراس والتي كانت تدعوا الناس إلى الاجتماع، وقف الزمن ساكتا وساكنا، الجميع يتحدث عن وقوع حدث غير عادي.
كان واضحاً أنّ الرسول (صلی الله علیه و آله) كان يريد - وبجانب كل هذه الأمور العظيمة - أن يوصي وصيته الأخيرة، الرجل الذي قاوم لمدة ثلاثة وعشرين عاماً، وتلقى الرسالة الإلهية الثقيلة بحيث صار معلم التاريخ
ص: 336
والمجتمعات إلى يوم القيامة، يريد الآن أن يبلغ المسلمين أسمى بلاغاته.
الجميع أذن صاغية وسمع واحد، القلوب كانت قد جعلت الإقرار بتلك العظمة أمراً ميسراً إلى حد ما، على منصة كبيرة، أخذ سيد الكون، بيد نور من نسل هاشم. هذا الشخص كان معروفاً لدي جميع المسلمين، فهو أشجع الفرسان، وأعظم مجاهدي التاريخ، نفس النبي(صلی الله علیه و آله) واستمرار لنسله.
كم كان هذا المشهد يذكر الإنسان باللّه؟ الدموع كانت تفيض من عيون المؤمنين، لقد وجدوا قائدهم ومقتداهم الجديد، أيّ لغة بسيطة وأي تعابير جميلة اختار النبي(صلی الله علیه و آله) بها وصيّاً له، حيث قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه....وهكذا حفظت الولاية الإلهية واكتمل الدين<(1).
لمؤلفها: جبرئيل أبي أف، من آذربايجان
جاء فيها: >الغدير هو اليوم الذي عين النبي(صلی الله علیه و آله) إلى الأبد قادة وأئمّة الأمّة. الغدير يوم يئس فيه المنافقون وأعداء الإسلام. الغدير يوم تولى فيه إنسان سماوي مقاليد أمور الأمة. الغدير يوم عرفت فيه الحقيقة من الباطل وطريق اللّه من طريق الشيطان، الغدير يوم عرف فيه المؤمنون من المسلمين الكاذبين. الغدير، صحراء حارقه، ومهبط نزول الوحي. الغدير، يوم بناء، ويوم صنع المستقبل للمسلمين. الغدير، ضامن بقاء الإسلام المحمدي. الغدير، ضامن تحقق الأهداف الإلهية الواردة في قرآن خاتم
ص: 337
النبيين. الغدير، ضامن صيانة القرآن من التحريف. الغدير، ضامن سعادة وفلاح المسلمين. الغدير، هو المعرف والمفسر الحقيقي للقرآن الكريم...الغدير، أكبر فضائل أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)<.
لمؤلفها: أنار سيد زاده، من روسيا
وجاء فيها: >في زمن النبي(صلی الله علیه و آله)، وخاصة في خطبته في يوم الغدير، تمّ طرح مسألة المنافقين، كان النبي(صلی الله علیه و آله) يريد من خلال ذلك توعية الناس حتّى لا يخرج المنافقون بعده الحكم من يد أهله ويستولوا عليه. وقد أدّى هذا التحذير إلى عدم تعاون الناس معهم وعدم الانخداع بهم.
ومن منظار آخر فإنّ النبي(صلی الله علیه و آله)، ومن خلال طرحه لمسألة المهدوية في خطبة الغدير، قد أفهم الناس أنّ نور المهدي(عليه السلام) هو نور اللّه، وأن من ينكره فهو على الباطل، وسوف يظهر اللّه قدرته على يديه، وهو سيفهم الناس أن اللّه قد جعله أملاً للمظلومين، وأنّ المظلوم سوف يستمد القوّة من اللّه بوجوده. كذلك فإنّ النبي(صلی الله علیه و آله) قد عرّفه في خطبة الغدير على أنّه المنتقم من الظالمين، الذين ينشرون الظلم في الأرض، وأعلن أنهم سيهلكون جميعاً في النهاية، وأن العدل الإلهي سوف يجري في الأرض<(1).
ص: 338
لمؤلفها: مانك ما يومينو (محمد فيع) من ميانمار
وجاء فيها: >واقعة الغدير، هي قصة تركت آثاراً عميقة على المجتمع الإسلامي، وقد استمرت هذه الآثار إلى العصر الحالي.
عندما نريد أن نبعث مسألة الغدير من وجهة نظر القرآن والتاريخ؛ فإنّه ينبغي أن نقول أنّ هذه الواقعة ليست مسألة هداية قوم أو قبيلة أو بلداً ومدينة، وإنّما هي مسألة حمل عبءُ الرسالة الثقيل، وإكمال مسيرة الحق، وهذا العمل يحتاج إلى شخص يكون الإسلام جزءاً من شخصيته وطبيعته، ويتعلم الناس منه أمور الدين بحيث لا يحتاجون إلى سؤال شخص آخر، في حين أن أكثر الناس في ذلك الزمان كانوا جهلة.
وهذا الشخص أيضاً يجب أن يكون بعيداً عن التعصب القبلي، وليس لديه سابقة شرك وعبادة أوثان، في حين أننا نعلم أن جميع المسلمين في ذلك الزمان كانوا قبل أن يأمنوا - عبدة أوثان، والوحيد الذي لم يسجد لصنم هو عليّ(عليه السلام)<(1).
لمؤلفها: جمعة خان جعفري، من باكستان
وجاء فيها: >الغدير هو شمس ساطعة، غطت بنورها الأرض والزمان إلى يوم القيامة، عميت عين لا ترى نور هذه الشمس الساطعة.
ص: 339
الغدير، هو صوت ولاية أمير المؤمنين(عليه السلام) على لسان النبي(صلی الله علیه و آله)، والذي تسمعه أذن الأرض والزمان منذ السنة العاشرة للهجرة وإلى اليوم، وصمّت تلك الأذن التي لم تسمع هذا الصوت.
الغدير حقيقة يصدّقها كل قلب عارف بالحق، ومريض هو ذلك القلب الذي ينكر هذه الحقيقة الواضحة.
الغدير نغمة تجري على كل لسان ناطق بالحق، وأبكم هو ذلك اللسان الذي لا يستطيع أن يتمتم بها.
وأخيراً الغدير هو الأمر الالهي اللذي خضعت له جميع الملائكة المقربين، وإبليس هو الذي لم يخضع ولم يسلم بهذا الأمر<(1).
لمؤلفه: السيّد شيرازي حسين آقا، من امريكا.
وجاء فيها: >الغدير يسطع في دنيا الظلام، كما يسطع النور في الظلام، ولكن أهل الظلام لا يدركونه. شجاعة وفتوّة أمير الغدير عجنت مع إيمانه، واستقرت بجانب إعراضه عن الدنيا وهكذا وجد له أعداء، ولكن كل هذا لم يكن مهماً بالنسبة إليه - كما عبّر عن ذلك بنفسه عدّه مرّات -، ذلك أنّه لم يكن يميل إلى الدنيا. لقد كان المسلمون بصدد مواجهة الفرس والروم ولكن صاحب ولاية الغدير كانت لديه أهداف أكبر للأمة الإسلامية، فقد كان يشعر أن أتباع محمد(صلی الله علیه و آله) مصابون بأمراض مزمنة،
ص: 340
مع أنّه كان يعيش في أوساطهم ولسنوات طويلة شخص مثله<(1).
لمؤلفه: بشير أحمد صوفي، من كشمير
وجاء فيها: >أهمية يوم الغدير في التاريخ الإسلامي لا تقل عن يوم المبعث؛ لأنّ المبعث كان من أجل إنقاذ البشرية من الجهل وسوقهم إلى الحق والحقيقة والكمال الإنساني والسعادة الدنيوية والأخروية، والولاية هي التي تضمن استمرار تلك السعادة إلى يوم القيامة.
الغدير هو يوم ضمنت فيه نجاة البشرية إلى الأبد، بشرط أن يعرفوا هذا اليوم ويؤمنوا به، لا أن يقولوا (: بخ بخ...!) بألسنتهم ويكون الحسد والنفاق والتعصب في قلوبهم، مما يوجب نزول قوله تعالى: {سأل سائل}، وذلك العذاب الأليم.
لا يمكن لأحد أن ينكر أهمية الغدير؛ لأنّ اللّه تعالى قد عظّم قدره بحيث لم يترك لأحد أيّ مجال للتذرع، على الرغم من أن التعصب والأمراض النفسية قد ألجأت البعض إلى إنكاره مع أن الحقيقة كانت واضحة كالشمس في رابعة النهار، لكنهم لم يريدوا أن يتخلوا عن أنانيّاتهم<(2).
ص: 341
لمؤلفه: محمّد عارف حيدري، من باكستان
جاء فيها: >علاقة حديث الغدير بالإسلام، هي علاقة البدن مع الروح، لأنّه إذا حذف حديث الغدير من الإسلام فإنه سيصبح مثل الأديان الاخرى، ديناً ميتاً.
فاللّه سبحانه وتعالى وبإبلاغه بولاية الائمّة(عليهم السلام) بواسطة الرسول الكريم(صلی الله علیه و آله) قد حفظ جهود مائة وأربعة وعشرين ألف نبي، واختار الإسلام للبشرية بصفته أكمل الأديان، وختم عليه بختم الرضا والخاتمية.
ومن هنا، فإن القبول بحديث الغدير يعني النجاة من الضلال والتخبّط في الدين، مثلها أن الكثير من المسلمين بإنكارهم لهذه الحقيقة قد أوقعوا أنفسهم في مشاكل متعددة، وبقوا حيارى وضالين في أهم أصول الدين، أي: خلافة النبي(صلی الله علیه و آله)، إذن فإنكار الغدير وولاية أمير المؤمنين هو اجتثاث الإسلام من جذوره<(1).
لمؤلفها: غلام رضا فروغي، من افغانستان.
وجاء فيها: >أحيانا يخطر في ذهن الانسان: إننا لماذا نقول في محضر اللّه تعالى عشر مرّات في اليوم: {اهدنا الصراط المستقيم}؟ ما هو هذا
ص: 342
الصراط المستقيم؟ وكيف يمكن الثبات في طريق الهداية والصراط المستقيم؟ الجواب على هذا السؤال هو في حديث الغدير، وذلك حينما يقول: (أنا الصراط المستقيم الذي أمركم باتباعة، ثمّ علي بعدي، ثمّ ولدي من صلبه...).
ثمّ قرأ: الحمد للّه ربّ العالمين إلى آخرها وقال: (فيّ نزلت وفيهم نزلت ولهم عمّت وايّاهم خصت).
وأخيراً نصل إلى هذه النتيجة وهي أن علي(عليه السلام) هو حامل لواء الصراط المستقيم، ومشمول بنعم اللّه التي لا تحصى، وكل من يشذّ عن هذا الطريق الواضح والمستقيم فإنّه سوف يضل ويتعرض لغضب اللّه وسخطه<(1).
ص: 343
ص: 344
لم يختلف الحال في الاهتمام بحديث الغدير عن اللغة العربية والفارسية في تناوله بغيرهما من اللغة الاوردية وغيرها من اللغات الأجنبية، فهناك عدة من الدراسات والكتب والمقالات منها:
لمؤلفه: سجاد حسين الهندي، البارهوي الأصل، اللاهدري. ذكره العلامة الطهراني في الذريعة 1 / 36 قال: «آفتاب خلافت» في إثبات حديث الغدير من شهادات تسعة عشر عالماً كبيراً من علماء أهل السنة والجماعة، وأربعة من كبار مؤرخي أروبا، بلغة أردو طبع بالهند، كما في فهرس الاثني عشرية اللاهورية<(1), علماً أنّه طبع في لاهور سنة 1327ه- = 9 0 9 1م.
لمؤلّفه: شمس العلماء السيّد سبط الحسن ابن السيد وارث حسين الهندي الجايسي اللكهنوي (1296 - 4 135 ه-).
وله عدّة مؤلّفات منها كتابه هذا حول حديث الغدير، مطبوع باللغة
ص: 345
الأوردية، ذكره العلامة الأميني(رحمة الله) في الغدير(1)، والعلامة الطهراني(رحمة الله) في الذريعة(2)، كما ترجم للمؤلّف في نقباء البشر(3) ترجمة حسنة مع الثناء البليغ والاطراء بما هو أهله، وترجم له السيد الأمين في أعيان الشيعة(4).
لمؤلفه: سيد سبط حسين بن رمضان علي السبزواري الأصل، الهندي الجائسي، ثم اللكهنوي (1286 - 1367ه-) - (1867 = 1953م).
وله عدة مؤلفات منها كتابه هذا، ذكر في (مطلع أنوار)، كما ذكره العلامة الطهراني في الذريعة(5) وذكر أنه مطبوع بالأوردية.
لمؤلفه: محسن الملا السيد محسن نواب ابن السيد أحمد الرضوي الهندي اللكهنوي (1329 = 1911 - 1389 = 1969) (وله مؤلفات مثل: محسن إنسانيت، والفرق بين المعجزة والسحر باللغة العربية، وكتابه هذا في الغدير باللغة الأوردية.
ص: 346
لمؤلفه: سيد محمد باقر ابن السيد أحمد ابن السيد محمد ابن السيد مهدي الموسوي الصفوي الكشميري، المعاصر، المقيم في بدگام من كشمير وعالمها. وكتابه هذا ترجمة لكتاب الغديرللعلامة الأميني(رحمة الله)، ترجمه إلى اللغة الأوردية، وطبع الجزء الأول منه في سنة 1399ه- = 1979م في 262 صفحة، من مطبوعات جواديه عربي كالج في مدينة بنارس بالهند.
ويحتوي هذا الجزء ترجمة النصف الأول من الجزء الأول من (الغدير) وينتهي إلى مناشدة أمير المؤمنين(عليه السلام) بحديث الغدير في الرحبة بالكوفة.
لمؤلفه: ضياء الواعظين مولانا وصي محمد الهندي الفيض آبادي(رحمة الله). ألفه باللغة الأوردية، وطبع بالهند والباكستان غير مرة في كل من دهلي وكراچي ولاهور.
لمؤلّفه: علي حسين شيفته ابن محمد قيوم الجونغوري الباكستاني، من مدينة سركودها، من المعاصرين. وكتابه هذا باللغة الأوردية مطبوع في باكستان.
لمؤلّفه: علي أكبر وغلام حيدر الباكستاني.
ص: 347
لمؤلفه: سيد علي بن محمد رضا الفلسفي الهندي، المشتهر بالسيد علي سيد جعفري (1339 - 1385ه- / 1920 - 1965م). ألفه بالأوردية، وله عدة مؤلفات بالإنجليزية والأوردية. ترجم له صدر الأفاضل في كتابه مطلع أنوار(1)، وعدد مؤلفاته ومنها كتابه هذا.
ص: 348
1- واقعة الغدير هي الواقعة التي بلّغ فيها النبي صلی الله علیه و آله أمر الله تعالى بتنصيب الإمام علي(عليه السلام) إماماً وخليفة للمسلمين بعد النبي صلی الله علیه و آله .
2- فيما يتعلق بالتوثيق الزماني لواقعة الغدير، فقد حدثت يوم الخميس في الثامن عشر من ذي الحجة في السنة العاشرة للهجرة بعد عودة النبيّ من حجة الوداع.
3- فيما يتعلق بالتوثيق المكاني فقد وقعت الحادثة في موضع يقال له: غدير خم بين مكة والمدينة.
4- الحديث الذي يثبت واقعة الغدير قد رواه محدثو الشيعة في مصادرهم المعتبرة وبطرق وأسانيد متعددة بلغت حدّ الاستفاضة.
5- اهتم أئمة أهل البيت(عليهم السلام) بحديث الغدير اهتماماً كبيراً، واحتجّوا به على مخالفيهم في مواضع متعددة؛ فلذا وردت روايات في حديث الغدير عن جميع الأئمة(عليهم السلام).
6- استدلّ متكلمو الشيعة من المتقدمين والمتأخرين بحديث الغدير على إمامة عليّ(عليه السلام), بل وأفردوا له كتباً ورسائل مستقلة.
7- استند فقهاء الشيعة إلى حديث الغدير في كثير من المسائل الفقهية الفرعية؛ مما يعني صحة حديث الغدير وثبوته عندهم.
8- ورد حديث الغدير وخطبته بطرق وأسانيد متكثرة في كتب أهل السنّة، وفي مصادر متعدّدة، وأخرجه كبار الحفاظ والعلماء في مؤلّفاتهم .
9- حكم بصحّة سند حديث الغدير عدد من علماء أهل السنة، بل قال
ص: 349
بعضهم بشهرته واستفاضته, بل وتواتره.
10- هناك عدد من كبار علماء أهل السنّة قد فهموا من حديث الغدير أنّه يدّل على الإمامة والخلافة.
11- لا وجه معتبر لتضعيف سند حديث الغدير من قبل البعض من علماء أهل السنة، فمن ضعّفه يعدّ رأيه من الآراء الشاذة، ويكاد يكون مخالفاً لإجماع المسلمين القائم على صحة الحديث.
12- هناك شواهد وقرائن داخلية وخارجية تحدّد دلالة حديث الغدير في تعيين الإمام علي(عليه السلام) خليفة وإماماً للمسلمين، وليس لبيان أنه(عليه السلام) محب وناصر للمسلمين.
13- هناك من حاول التشكيك في دلالة الحديث على الإمامة والخلافة، لكن الباحث المنصف يجد تلك التشكيكات مجرد شبهات لا مبرر لها، ولم تكن مستندة إلى برهان صحيح.
14- اهتم علماء أهل السنة منذ القدم بحادثة الغدير، فألّفوا فيها مؤلفات ورسائل مستقلة لم تصل إلينا مع الأسف، بل ذكرها علماء الرجال والتراجم حين ترجموا لهؤلاء المؤلفين.
15- لقد حظي حديث الغدير بمكانة مرموقة في الفكر الإسلامي، فلا زال محط أنظار الباحثين والعلماء المعاصرين الذين أفردوا له بحوثاً ودراسات متميزة.
ص: 350
لكي يصل الباحث للحقيقة ينبغي له في المسائل الخلافية، كواقعة الغدير مثلاً، أن يتحلّى بالموضوعية والحيادية تجاهها، وأن يتجرد عن الأفكار المسبقة والمتبنيات القبلية، وأن لا يكون أسيراً لآراء العلماء والباحثين المتقدمين من دون أن يضع تلك الواقعة على بساط البحث والتحليل، وينبغي له أن يأخذ بعين الاعتبار ما توصل إليه العلماء والباحثون من آراء وأفكار معاصرة، حتى تكون نتائج بحثه وفق معايير البحث الموضوعي والعلمي.
ص: 351
ص: 352
صورة
ص: 353
صورة
ص: 354
صورة
ص: 355
صورة
ص: 356
صورة
ص: 357
صورة
ص: 358
صورة
ص: 359
صورة
ص: 360
صورة
ص: 361
صورة
ص: 362
صورة
ص: 363
صورة
ص: 364
صورة
ص: 365
صورة
ص: 366
صورة
ص: 367
صورة
ص: 368
صورة
ص: 369
ص: 370
الكتب:
* القرآن الكريم
1. ابن أبي الحديد، عزّ الدين، أبو حامد بن هبة الله بن محمد (ت 655ه-)، شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار إحياء الكتب العربية- بيروت، ط1، 1378ه-
2. ابن البطريق، أبو الحسين يحيى بن الحسن بن الحسين الحلي(ت600ه-)، العُمدة، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي - قم، 1407ه-.
3. ابن الجوزي، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي (ت 597 ه-)، زاد المسير، الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت، ط3، 1404ه-.
4. ابن العربي، أبو بكر محمد بن عبد الله (ت 543 ه-)، عارضة الأحوذي، الناشر: دار الفكر- بيروت، 1425ه-.
5. ابن الغضائري, أحمد بن الحسين بن عبيد الله، رجال ابن الغضائري، الناشر: دار الحديث - قم، ط1،1422 ه-.
6. ابن المغازلي، أبو الحسن علي بن محمد الواسطي، مناقب علي بن أبي طالب، الناشر: انتشارات سبط النبي صلی الله علیه و آله - قم، ط1، 1426 ه-.
7. ابن المغازلي، أبو محمد علي بن محمد بنِ محمد الطيِّب، مناقب أمير المؤمنين، الناشر: سبط النبي صلی الله علیه و آله - قم، ط1، 1426 ه-.
8. ابن خلكان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر (ت 681ه-)، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس،
ص: 371
الناشر: دار الثقافة- بيروت.
9. ابن داود، الحسن بن علي، رجال ابن داود، الناشر: منشورات المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف، 1392ه-
10. ابن طاووس, رضي الدين علي بن موسى جعفر، إقبال الأعمال، الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي - قم، ط1، 1414ه-.
11. ابن طاووس, رضي الدين علي، التحصين، الناشر: مؤسسة دار الكتاب - قم، ط1، 1413ه-.
12. ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله (ت 571 ه-)، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: علي شيري، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، 1415ه-.
13. ابن قولويه, جعفر بن محمد، كامل الزيارات، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة- قم، ط1،1417ه-.
14. ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر القرشي (ت 774ه-)، البداية والنهاية، تحقيق: علي شيري، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، 1408ه-.
15. ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر القرشي (ت 774ه-)، السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، (ج1 ط 1396ه-، ج2 ط 1396ه-، ج3 ط 1393ه-، ج4 ط1395).
16. ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن عمر القرشي (ت 774ه-)، تفسير ابن كثير، تقديم: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، الناشر: دار المعرفة- بيروت، 1412ه-.
ص: 372
17. ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن يزيد (ت 275ه-) سنن ابن ماجة، الأحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها، تحقيق وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.
18. ابن هشام، أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب، السيرة النبوية، الناشر: مكتبة محمد علي صبيح - القاهرة، 1383 ه-.
19. الأربلي، أبو الحسن علي بن عيسي بن أبي الفتح (ت 693 ه-)، كشف الغُمّة، الناشر : دار الأضواء- بيروت، ط2،1405 ه-.
20. الأزدي ، محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله بن فتوح (ت 488 ه-)، تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم، تحقيق: د. زبيدة محمد سعيد، الناشر: مكتبة السنة- القاهرة، ط1، 1415ه-.
21. الأزدي، محمد بن أحمد الحميدي (ت864 ه-)، وعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (911 ه-)، تفسير الجلالين، الناشر: دار الحديث - القاهرة، ط1.
22. الأسنوي، أبو بكر بن أحمد بن محمد بن عمر, طبقات الشافعية، تحقيق : د. الحافظ عبد العليم خان. الناشر: عالم الكتب - بيروت، ط1 1407.
23. الأصبهاني، أبو نعيم، أحمد بن عبد الله، ما نزل في علي من القرآن، تخريج: محمد باقر المحمودي، الناشر: وزارة الإرشاد الإسلامي - طهران.
24. الإصطخري، أبو إسحاق إبراهيم بن محمد، المسالك والممالك، الناشر: الهيئة العامة لقصور الثقافة- القاهرة.
ص: 373
25. الأفريقي المصري، جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب، الناشر: أدب الحوزة - قم، 1405ه-
26. آل حيدر، أسد محمد عيسى محمد علي، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت، ط2، 1969م.
27. الألباني، محمد ناصر الدين بن نوح بن نجاتي (ت 1420ه-)، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، تحقيق: زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت، ط2، 1405ه-.
28. الألباني، محمّد ناصر الدين بن نوح بن نجاتي (ت 1420ه-)، صحيح سنن الترمذي، الناشر: مكتبة المعارف - الرياض، 1422ه-.
29. الألباني، محمّد ناصر الدين بن نوح بن نجاتي(ت 1420ه-)، سلسلة الأحاديث الصحيحة، الناشر: مكتبة المعارف - الرياض، 1415ه-.
30. الآلوسي، أبو الفضل شهاب الدين السيد محمود بن عبد الله (ت 1270ه-)، روح المعاني، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت.
31. الإمام الحسن العسكري، تفسير العسكري، الناشر: مدرسة الإمام المهدي - قم، ط1، 1409ه-.
32. الآمدي، سيف الدين علي بن أبي علي بن محمد (ت 631ه-) غاية المرام، تحقيق: حسن محمود عبد اللطيف، الناشر: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية- القاهرة، 1391ه-.
33. الأمين، محسن بن عبد الكريم بن علي، أعيان الشيعة، الناشر: دار التعارف للمطبوعات - بيروت.
34. الأميني، عبد الحسين بن أحمد بن نجف قلي (ت 1392ه-)، الغدير
ص: 374
في الكتاب والسنة والأدب، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت، ط4، 1397ه-.
35. الأميني، عبد الحسين بن أحمد بن نجف قلي (ت 1392ه-)، الغدير في الكتاب والسنة والأدب، تحقيق ونشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية - قم، ط1، 1416ه-.
36. الأندلسي، ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد (ت 456 ه-)، حجة الوداع، تحقيق: أبو صهيب الكرمي، الناشر: بيت الأفكار الدولية للنشر والتوزيع - الرياض، ط1، 1998م.
37. الأندلسي، أبو حيان، محمد بن يوسف (ت 745 ه-)، تفسير البحر المحيط، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط1، 1422ه-.
38. الأندلسي، محمد بن عبد الله بن يحي بن سيد الناس (ت 734 ه-)، السيرة النبوية، المسمّى: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، الناشر: مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر - بيروت، 1406ه-.
39. الإيجي، أبو الفضل عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد عضد الدين (ت 816 ه-)، المواقف، الناشر: دار الجيل - بيروت، ط1، 1417ه-.
40. الباقلاني, أبو بكر محمد بن الطيب، تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت، ط3، 1414 ه-.
41. البحراني، هاشم بن سليمان بن إسماعيل ، تفسير البرهان، تحقيق: قسم الدراسات الاسلامية / مؤسسة البعثة - قم.
42. البحراني، يوسف بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الدرّازي ، الحدائق
ص: 375
الناضرة، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي - قم.
43. البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل (ت 256ه-)، صحيح البخاري، الناشر: دار الفكر- بيروت، 1401ه-.
44. البخاري، أبو نصر سهل بن عبد الله بن داود (ت 341 ه-)، سر السلسلة العلوية، سنة الطبع: 1413ه-.
45. البدخشي، ميرزا محمد بن معتمد خان الحارثي (ت1200ه-) ، نزل الأبرار، الناشر: دار المعرفة- بيروت، ط2.
46. البرقي, أحمد بن محمد بن خالد(274ه-)، رجال البرقي، الناشر: انتشارات دانشگاه تهران.
47. البزار، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق (ت 292 ه-)، البحر الزخار (مسند البزار)، تحقيق: د. محفوظ الرحمن زين الله، الناشر: مكتبة العلوم والحكم - بيروت، 1409ه-.
48. البستي، محمد بن حبان بن أحمد أبو حاتم (ت 354ه-)، صحيح ابن حبان، سنة الطبع:1414ه-.
49. البستي، محمد بن حبان بن أحمد، الثقات، الناشر: دار الفكر- بيروت، ط1، 1975م.
50. البغدادي، إسماعيل باشا بن محمد أمين بن مير سليم الباباني (ت 1339ه-) إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، تحقيق وتصحيح: محمد شرف الدين، رفعت بيلگه، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت.
51. البغدادي، اسماعيل باشا بن محمد أمين بن مير سليم, هدية
ص: 376
العارفين، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت.
52. البغوي، الحسين بن مسعود (ت 516 ه-)، تفسير البغوي، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك، الناشر: دار المعرفة- بيروت.
53. البغوي، الحسين بن مسعود (ت 516 ه-)، مصابيح السنة، الناشر: دار القلم، ط1.
54. البكري الأندلسي، أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز (ت 487ه-)، معجم ما استعجم، تدقيق وضبط: مصطفى السقا، الناشر: عالم الكتب - بيروت، ط3، 1403 ه-.
55. البلادي، عاتق بن غياث، معجم معالم الحجاز، ط 1.
56. البلاذري، أحمد بن يحيي بن جابر (ت 279ه-)، أنساب الأشراف، تحقيق:د. محمد حميد الله، الناشر: معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية بالإشتراك مع دار المعارف بمصر، 1959م.
57. البوصيري، أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل، إتحاف الخيرة المهرة، تحقيق: أبي عبد الرحمن عادل بن سعد وأبي إسحاق السيد بن محمود بن إسماعيل، الناشر: مكتبة الرشيد- الرياض، ط1، 1419ه-.
58. البياضي, أبو محمد علي بن يونس العاملي، الصراط المستقيم، الناشر: المكتبة المرتضوية، ط1، 1384ه-.
59. البيضاوي، ناصر الدين أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمد (ت 685 ه-)، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي)، الناشر: دار الفكر- بيروت.
60. البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي (ت 458ه-)، الاعتقاد،
ص: 377
تحقيق: أحمد عصام الكاتب، 1401ه-.
61. البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي (ت 458ه-)، السنن الكبرى، الناشر: دار الفكر - بيروت.
62. البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي (ت 458ه-)، دلائل النبوة، توثيق وتخريج وتعليق: د. عبد المعطي قلعجي، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط2، 1423ه-.
63. الترمذي، أبو عيسي محمد بن عيسي (ت 279ه-)، سنن الترمذي، الأحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، 1422ه-.
64. الترمذي، أبو عيسي محمد بن عيسي (ت 279ه-)، سنن الترمذي، تحقيق وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، ط2، 1403 ه-.
65. التستري, نور الله بن محمّد شريف الدين بن نور الله الحسيني، الصوارم المهرقة، 1367ه-
66. التيمى، أبو عبيدة معمر بن المثنى (ت 209ه-)، مجاز القرآن، تحقيق: د.محمد فؤاد سزگين، الناشر: دار الفكر- بيروت، ط1،1390ه-.
67. الثعلبي النيسابوري، أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم (ت 427ه-)، الكشف والبيان (تفسير الثعلبي)، تحقيق: ابن عاشور، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، 1422ه-
68. الجامي، عبد الرحمن بن أحمد بن قوام الدين، نفحات الأنس، طبع سنة 1409ه- - مصر.
ص: 378
69. الجرجانى، علي بن محمد (ت 816 ه-)، شرح المواقف، شرح وتحقيق: علي بن محمد الجرجاني، المطبعة: مطبعة السعادة - مصر، ط1، 1325 ه-
70. الجرجاني، عبد الله بن عدي بن عبد الله، الكامل في ضعفاء الرجال، تحقيق: يحيى مختار غزاوي، الناشر: دار الفكر- بيروت، ط3، 1409ه-.
71. الجزري، ابن أثير، أبو السعادات المبارك بن محمد مجد الدين (ت 606 ه-)، النهاية في غريب الحديث، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، محمود محمد الطناحي، الناشر: مؤسسة إسماعيليان - قم، ط4،1385ه-.
72. الجزري، ابن أثير، عز الدين أبو الحسن علي بن محمد(ت630ه-)، أُسد الغابة، دار الكتاب العربي - بيروت.
73. الجزري، ابن الأثير، عز الدين أبو الحسن علي بن محمد (ت 630 ه-)، الكامل في التاريخ، الناشر: دار الراصد- بيروت، 1386ه-.
74. الجزري، أبو الخير شمس الدين محمد بن محمد (ت 833ه-)، أسنى المطالب، تحقيق طارق الطنطاوي، الناشر: مكتبة القرآن - القاهرة.
75. الجوهري، إسماعيل بن حماد (ت 393ه-)، الصحاح، تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطار، الناشر: دار العلم للملايين - بيروت، ط4،1407ه-.
76. حاجي خليفة، مصطفى بن عبد الله، كشف الظنون، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت.
77. الحاكم الحسكاني، عبيد الله بن محمد الحنفي (ق 5ه-)، شواهد
ص: 379
التنزيل، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، 1411ه-.
78. الحاكم النيسابوري، أبو عبد الله محمد بن عبد الله، (ت 405ه-)، المستدرك على الصحيحين، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط1، 1411ه-.
79. الحراني، ابن تيميه، أبو العباس أحمد عبد الحليم (ت 748) منهاج السنة النبوية، تحقيق: د. محمد رشاد سالم، الناشر: مؤسسة قرطبة، ط1، 1406ه-.
80. الحكيم، محسن بن مهدي بن صالح بن أحمد، نهج الفقاهة، الناشر: انتشارات 22 بهمن - قم.
81. الحلبي، أبو الحسن علي بن الحسن أبو المجد، إشارة السبق، تحقيق: الشيخ إبراهيم بهادري، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي - قم ط1،1414ه-.
82. الحلبي، علي بن برهان الدين (1044ه-)، السيرة الحلبية، الناشر: دار المعرفة- بيروت، 1400ه-.
83. الحلي, الحسن بن يوسف بن المطهر، كشف اليقين، ط1 ،1411ه-.
84. الحلي, الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر، خلاصة الأقوال، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة- قم، ط1، 1417 ه-.
85. الحلي, علي بن يوسف بن المطهر، العُدد القويّة، الناشر: مكتبة آية الله المرعشي العامة - قم، ط1، 1408ه-.
86. الحلي، ابن إدريس, مستطرفات السرائر، الناشر: العتبة العلوية المقدسة- النجف الأشرف، ط1، 1429 ه-.
ص: 380
87. الحلي، أبو عبد الله محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس، مستطرفات السرائر، الناشر: العتبة العلوية المقدسة - النجف الأشرف، ط1، 1429ه-
88. الحلي، الحسن بن سليمان, مختصر بصائر الدرجات، الناشر: المطبعة الحيدرية- النجف، ط1،1370ه-.
89. الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهر، كشف المراد، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي - قم، ط 7، 1417 ه-.
90. الحموي ، أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله (ت 626ه-)، معجم البلدان، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، 1399ه-.
91. الحموي، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله، معجم الأدباء، الناشر: دار الفكر- بيروت، ط3، 1400 ه-.
92. الحميري المعافري، أبو محمد عبد الملك بن هشام بن أيوب (ت 213ه-)، السيرة النبوية، 1383ه-.
93. الحميري, أبو العباس عبد الله بن جعفر، قرب الإسناد، الناشر: مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لإحياء التراث - قم، ط1، 1413ه-.
94. الخازن، علاء الدين علي بن محمد بن إبراهيم (ت 725ه- )، تفسير الخازن، المسمّي: (لباب التأويل في معاني التنزيل)، تحقيق: عبد السلام محمد علي شاهين، 1415ه-.
95. الخزاز القمي، علي بن محمد بن علي، كفاية الأثر، الناشر: انتشارات بيدار- قم، 1401ه-.
96. الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت (ت 463ه-)،
ص: 381
تاريخ بغداد، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، 1417ه-.
97. الخلال، أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون، السُّنَّة، تحقيق: د. عطية الزهراني، الناشر: دار الراية- الرياض، ط1، 1410ه-.
98. الخوارزمي, الموفق بن أحمد بن محمد المكي (ت 568ه-), مناقب الإمام الأعظم أبي حنيفة, الناشر: دائرة المعارف النظامية, 1321ه-.
99. الخوارزمي، الموفق بن أحمد بن محمد المكي (ت 568ه-)، مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، تحقيق: الشيخ مالك المحمودي الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي - قم، ط2،1414ه-.
100. الخوئي, أبو القاسم الموسوي، معجم رجال الحديث، ط5، 1413ه-.
101. الخوئي، أبو القاسم بن علي أكبر بن هاشم، صراط النجاة، الناشر: دفتر نشر برگزيده - قم، ط1،1416ه-.
102. الدارقطني، أبو الحسن علي بن عمر (ت 385ه-)، سؤالات البرقاني للدارقطني، تحقيق: د. عبد الرحيم محمد أحمد القشقري، 1404ه-.
103. الدقيقي، سليمان بن بنين النحوي (ت 614 ه-)، اتفاق المباني وافتراق المعاني، تحقيق: يحيى عبد الرؤوف جبر، الناشر: دار عمار- الأردن، ط1، 1405ه-.
104. الدهلوي، حافظ عبدالعزيز غلام حليم بن شيخ قطب الدين، المعروف بشاه ولي الله الهندى (ت 1239ه-)، مختصر التحفة الاثني عشرية، تحقيق: محب الدين الخطيب، الناشر: المكتبة السلفية - القاهرة.
ص: 382
105. الدولابي، أبو بشر محمد بن أحمد بن حماد (ت 310ه-)، الكنى والأسماء، طبعة سنة: 1421ه-.
106. الدينوري، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (ت 276ه-)، عيون الأخبار، الناشر: منشورات محمد علي بيضون - دار الكتب العلمية، ط3، 1424ه-.
107. الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان (748 ه-) تلخيص المستدرك، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط1،1411ه-.
108. الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748 ه-)، ميزان الاعتدال، تحقيق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار المعرفة- بيروت، 1382ه-.
109. الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748ه-)، الكاشف، تقديم وتعليق: محمد عوامة، 1413ه-.
110. الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748ه-)، المغني في الضعفاء، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، 1418ه-.
111. الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748ه-)، تاريخ الإسلام، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت، 1407ه-.
112. الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748ه-)، تذكرة الحفاظ، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط1.
ص: 383
113. الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان (ت748ه-)، سير أعلام النبلاء، إشراف وتخريج: شعيب الأرنؤوط، تحقيق: أكرم البوشي، الناشر: مؤسسة الرسالة- بيروت، ط9، 1413ه-.
114. الرازي، ابن أبي حاتم، أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس(ت 327ه-)، الجرح والتعديل، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط1، 1371 ه-.
115. الرازي، ابن أبي حاتم، أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس(ت 327 ه-)، تفسير ابن أبي حاتم، تحقيق: أسعد محمد خطيب، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.
116. الراغب الإصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد (ت 502 ه-)، المفردات في غريب القرآن، تحقيق محمد سيد كيلاني، الناشر: دفتر نشر الكتاب - قم، ط2، 1404 ه-.
117. الزبيدي، محب الدين أبو فيض السيد محمد مرتضى (ت 1205ه-)، بلغة الأريب في مصطلح آثار الحبيب، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، 1415ه-.
118. الزبيدي، محب الدين أبو فيض السيد محمد مرتضى (ت 1205ه-)، تاج العروس من جواهر القاموس، دراسة وتحقيق: علي شيري، الناشر: دار الفكر- بيروت، 1994م.
119. الزرقاني، محمد بن عبد الباقي بن يوسف (ت 1122ه-)، شرح المواهب اللدنية، المحقق: محمد عبد العزيز الخالدي، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط1،1417 ه- .
ص: 384
120. الزركشي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله (ت 794ه-)، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار المعرفة- بيروت، 1391ه-.
121. الزمخشري، أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد جار الله (ت 538ه-)، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، 1385ه-.
122. الزهري، ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع أبو عبد الله البصري (ت 230) الطبقات الكبرى، الناشر: دار صادر- بيروت.
123. زيني دحلان، أحمد (ت 1304ه-)، السيرة النبوية، الناشر: دار القلم العربي، ط1، 1417 ه-.
124. السبحاني، جعفر بن محمد بن حسين، أضواء على عقائد الشيعة الإمامية، الناشر: مؤسسة الإمام الصادق - قم، ط1، 1421ه-.
125. سبط بن الجوزي، شمس الدين أبو المظفر يوسف بن فرغلي بن عبد الله البغدادي (ت 654ه-)، تذكرة الخواص، الناشر: مؤسسة أهل البيت - بيروت، 1401ه-.
126. السبكي, أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي، طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق: محمود محمد الطناحي، عبد الفتاح محمد الحلو، الناشر: دار إحياء الكتب العربية - بيروت.
127. السجستاني، سليمان بن الأشعث أبو داود (ت 275ه-)، سنن أبي داود، تحقيق وتعليق: سعيد محمد اللحام، الناشر: دار الفكر للطباعة
ص: 385
والنشر والتوزيع - بيروت، ط1،1410ه-.
128. السعدي، عبد الرحمن بن ناصر (ت 1376ه-)، تفسير السعدي، تحقيق: ابن عثيمين، الناشر: مؤسسة الرسالة- بيروت، 1421ه-.
129. السلمي، أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن موسي (ت 412 ه-)، تفسير السلمي، تحقيق: سيد عمران، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط1، 1421 ه-.
130. السمعاني، أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار (ت 489 ه-)، تفسير السمعاني، تحقيق: ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس، الناشر: دار الوطن - الرياض، ط1، 1418ه-.
131. السمعاني، أبو سعد عبد الكريم بن محمد، التحبير في المعجم الكبير، تحقيق: منيرة ناجي سالم، الناشر: رئاسة ديوان الأوقاف - بغداد، ط1، 1395ه-.
132. السمعاني، عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي (ت 562 ه-)، الأنساب، تحقيق: عبد الله عمر البارودي، الناشر: دار الفكر- بيروت، ط1، 1998م.
133. السمناني، أبو المكارم علاء الدين (ت 736 ه-)، العروة لأهل الخلوة، طبع في طهران سنة: 1404ه-.
134. السمهودي, نور الدين علي بن أحمد، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط1، 2006 م.
135. السيوطي, أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن كمال الدين، التنبئة بمن يبعثه الله على رأس كلّ مئة، تحقيق: عبد الحميد شانوحة،
ص: 386
الناشر: دار الثقة.
136. السيوطي، أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن أبي بكر، حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار إحياء الكتب العربية - بيروت، ط1، 1368 ه-.
137. السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 ه-)، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، تحقيق: فؤاد علي منصور، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط1، 1418ه-.
138. السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 ه-)، تاريخ الخلفاء، تحقيق: لجنة من الأدباء، 1371ه-.
139. الشافعي، محمّد بن طلحة, مطالب السؤول في مناقب آل الرسول تحقيق: ماجد أحمد العطية.
140. شرف الدين، عبد الحسين بن يوسف (1377ه-)، المراجعات، تحقيق: حسين الراضي، ط2، 1402ه-.
141. الشريف الإدريسي، أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن (ت 560 ه-)، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، الناشر: عالم الكتب - بيروت، ط1، 1409ه-.
142. الشوكاني، محمد بن علي بن محمد (ت 1250ه-)، فتح القدير، الناشر: عالم الكتب - بيروت.
143. الشيباني، أبو عبد الله أحمد بن حنبل (ت 241 ه-)، العلل، تحقيق: الدكتور وصي الله بن محمود عباس، الناشر: دار الخاني - الرياض، ط1، 1408ه-.
ص: 387
144. الشيباني، أبو عبد الله أحمد بن حنبل (ت 241 ه-)، المسند، الأحاديث مذيلة بأحكام شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة قرطبة- القاهرة.
145. الشيباني، أبو عبد الله أحمد بن حنبل (ت 241 ه-)، المسند، الناشر: دار صادر- بيروت.
146. الشيباني، أبو عبد الله أحمد بن حنبل (ت 241 ه-)، المسند، شرحه وصنع فهارسه: حمزة أحمد الزين، أحمد محمد شاكر، الناشر: دار الحديث - القاهرة ، 1416ه-.
147. الشيباني، أبو عبد الله أحمد بن حنبل (ت 241 ه-)، فضائل الصحابة، تحقيق: د. وصي الله محمد عباس، 1403ه-.
148. الصابوني، محمد علي بن جميل، صفوة التفاسير، إشراف: مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر- بيروت، 1421ه-.
149. الصالحي الشامي، محمد بن يوسف (ت 942ه-)، سبل الهدى والرشاد، تحقيق وتعليق: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط1،1414ه-.
150. الصدوق, محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، عيون أخبار الرضا(عليه السلام)، الناشر: مؤسسة الأعلمي - بيروت،1404ه- .
151. الصدوق, محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، معاني الأخبار، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي - قم، 1379ه-.
152. الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت 381 ه-)، الخصال، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسسة النشر
ص: 388
الإسلامي - قم، 1403ه-.
153. الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت 381ه-)، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي - قم.
154. الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي, كمال الدين وتمام النعمة، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي - قم، 1405 ه-.
155. صفي الدين، عبد المؤمن بن عبد الحق، مراصد الاطلاع، تحقيق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار المعرفة- بيروت، 1373ه-.
156. الصنعاني، محمد بن إسماعيل (ت 1182ه-)، توضيح الأفكار، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: المكتبة السلفية - المدينة المنورة.
157. الضحاك الشيباني، عمرو بن أبي عاصم (ت 287 ه-)، كتاب السنة بقلم: محمد ناصر الدين الألباني، 1993م.
158. الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب (ت 360 ه-)، المعجم الكبير، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، الناشر: مكتبة الزهراء- الموصل، ط2، 1404ه-.
159. الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب (ت 360 ه-)، المعجم الأوسط، تحقيق: قسم التحقيق بدار الحرمين، الناشر: دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع، 1415ه-.
160. الطبرسي، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب (ت 548 ه-)، الاحتجاج، 1386 تحقيق: السيد محمد باقر الخرسان، الناشر: دار النعمان
ص: 389
للطباعة والنشر- النجف الأشرف، 1386ه-.
161. الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب (ت 310 ه-)، تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك)، الناشر: مؤسسة الأعلمي - بيروت، 1403ه-.
162. الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب (ت 310 ه-)، تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)، ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطار، الناشر: دار الفكر- بيروت، 1415ه-.
163. الطحاوي، أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة (ت 321ه-)، شرح مشكل الآثار، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة- بيروت، ط1، 1408ه-.
164. الطهراني، محمد محسن بن علي بن محمد رضا آقا بزرك, الذريعة، الناشر: جامعة طهران.
165. الطهراني، محمد محسن بن علي بن محمد رضا آقا بزرك، نقباء البشر، المحقق: عبد العزيز طباطبائي ومحمد طباطبائي بهبهاني، الناشر: دار المرتضى - مشهد.
166. الطوسي, أبو جعفر محمد بن الحسن، الفهرست، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة- قم، ط1، 1417ه-.
167. الطوسي, أبو جعفر محمد بن الحسن، رجال الطوسي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي - قم، ط1، 1415 ه-.
168. الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن (ت
ص: 390
460ه-)، الأمالي، تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية- مؤسسة البعثة، الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع - قم، ط1، 1414ه-.
169. الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن، الاقتصاد، الناشر: منشورات مكتبة جامع چهل ستون - طهران،1400ه-.
170. الطوسي، أبو جعفر، محمد بن الحسن بن علي بن الحسن (ت 460ه-)، تهذيب الاحكام، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، الناشر: دار الكتب الإسلامية- طهران، ط4، 1365 ه- ش.
171. العجلوني، إسماعيل بن محمد بن عبد الهادي (ت 1162ه-)، كشف الخفاء، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، 1408ه-.
172. العجلي، أبي الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح (ت 261ه-)، معرفة الثقات، الناشر: مكتبة الدار - المدينة المنورة، 1405ه-.
173. العسقلاني, أحمد بن علي بن حجر ، الإصابة في تمييز الصحابة، الناشر: دار الجيل - بيروت، ط1، 1412 ه-.
174. العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل (ت 852)، تقريب التهذيب، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، 1415ه-.
175. العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل (ت 852)، تهذيب التهذيب، الناشر: دار الفكر- بيروت، 1984م.
176. العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل (ت 852)، فتح الباري، تحقيق: محب الدين الخطيب، الناشر: دار المعرفة- بيروت، ط2.
177. العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل (ت 852)، لسان
ص: 391
الميزان، الناشر: مؤسسة الأعلمي - بيروت، 1390ه-.
178. العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل (ت 852)، نزهة النظر، تحقيق: عمر عبد المنعم سليم، الناشر: مكتبة ابن تيمية- القاهرة، 1415ه-.
179. العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل (ت 852ه-)، المطالب العالية، تحقيق: د. سعد بن ناصر بن عبد العزيز الشتري، الناشر: دار العاصمة/ دار الغيث - السعودية، ط1، 1419ه-.
180. العلوي، محمد بن عقيل بن عبد الله بن عمر بن يحيى (ت 1350ه-)، النصائح الكافية، الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر- قم، 1412ه-.
181. العمادي، أبو السعود محمد بن محمد (ت 1250ه-)، تفسير أبي السعود، المسمى: إرشاد العقل السليم إلي مزايا القرآن الكريم، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت.
182. العياشي، محمد بن مسعود بن عياش(ت 320ه-)، تفسير العياشي، تحقيق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي، الناشر: المكتبة العلمية الإسلامية - طهران.
183. العيني، بدر الدين أبو محمد محمود بن أحمد (ت 855 ه-)، عمدة القاري، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت.
184. الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد (ت 505ه-)، سرّ العالمين، الطبعة القديمة.
185. الغضائري, أحمد بن الحسين (ت: ق 5), الرجال, تحقيق: السيد
ص: 392
محمّد رضا الحسيني الجلالي, الناشر: دار الحديث - قم, ط1, 1422ه-.
186. الفرغاني، سعد الدين محمد بن أحمد، شرح تائية ابن الفارض، الناشر: مكتب التبليغات الإسلامى - قم، ط2، 1379 ه- ش.
187. الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب (ت 817 ه-)، القاموس المحيط، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت.
188. الفيومي، أحمد بن محمد بن علي المقري (ت 770ه-)، المصباح المنير، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.
189. القاري، علي بن محمد بن سلطان، المرقاة في شرح المشكاة، تحقيق : جمال عيتاني، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط1، 1422ه-.
190. القاضي عياض، أبو الفضل عياض بن موسي بن عياض اليحصبي السبتي (ت 544 ه-)، الشفا في تعريف حقوق المصطفى، الناشر: دار الفكر- بيروت، 1409ه-.
191. القاضي، عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار(ت415 ه-)، المغني في الإمامة، تحقيق: د. محمود محمد قاسم.
192. القرطبي، ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله (ت 463)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق : علي محمد البجاوي، الناشر: دار الجيل - بيروت، ط1،1412 ه-.
193. القزويني، ابن ماجه، أبو عبد الله محمد بن يزيد، سنن ابن ماجه، الأحاديث مذيلة بأحكام الألباني عليها، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.
194. القشيري، أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك (ت
ص: 393
465ه-) تفسير القشيري المسمي: (لطائف الإشارات)، تحقيق: عبد اللطيف حسن عبد الرحمن، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط1،1420ه-.
195. القفاري، ناصر بن عبد الله بن علي، اُصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، الناشر: دار الرضا- الجيزة، ط3، 1418ه-
196. قلعة جي، محمد رواس، معجم لغة الفقهاء، الناشر: دار النفائس - بيروت، ط2، 1408ه-
197. القمي، علي بن إبراهيم ، تفسير القمي، الناشر: مؤسسة دار الكتاب - قم، ط3، 1404 ه-.
198. القندوزي، سليمان بن إبراهيم (ت 1294ه-)، ينابيع المودة لذوي القربى، تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني، الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر، ط1، 1416ه-.
199. كاشف الغطاء، جعفر بن خضر بن يحيى الجناجي، كشف الغطاء، الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي - قم، ط1، 1422 ه-.
200. الكتاني، أبو عبد الله محمد بن جعفر (ت 1345)، نظم المتناثر، الناشر: دار الكتب السلفية للطباعة والنشر- مصر ، ط2.
201. كحالة, عمر بن رضا بن محمد راغب، معجم المؤلفين، الناشر: مكتبة المثنى - بيروت، و دار إحياء التراث العربي - بيروت.
202. الكشميري، محمد أنور شاه بن معظم شاه الهندي، العرف الشذي شرح سنن الترمذي، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، 1425ه-.
203. الكفوي، محمود بن سليمان، أعلام الأخيار، مخطوط.
ص: 394
204. الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق (ت 328ه-)، الكافي، الناشر: دار الكتب الإسلامية- طهران، ط5، 1363ه- ش.
205. الكوفي، أبو بكر عبد الله بن محمد ابن أبي شيبة (ت 235 ه-)، المصنف، تحقيق: كمال يوسف الحوت، الناشر: مكتبة الرشد- الرياض، ط1،1409ه-.
206. الكوفي، محمد بن سليمان، المناقب، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية- قم المقدسة، ط1،1412ه-.
207. الگنجي، أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد القرشي (ت 658ه-)، كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب، تحقيق وتصحيح وتعليق: محمد هادي الأميني، الناشر: دار إحياء تراث أهل البيت(عليهم السلام)- طهران، ط3، 1404ه-.
208. المباركفوري، أبو العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم (ت 1353ه-)، تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت،1410ه-.
209. المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي بن مقصود علي (ت 1111ه-)، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، تحقيق: محمد الباقر البهبودي، الناشر: مؤسسة الوفاء- بيروت، ط2، 1403ه-.
210. المرتضى، أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى، رسائل المرتضى، الناشر: دار القرآن الكريم - قم، 1405ه-.
211. المرعشي، شهاب الدين، محمد حسين بن محمود شمس الدين
ص: 395
الحسيني، إحقاق الحق في نقض إبطال الباطل، الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي - قم.
212. المزي، أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبدالرحمن، تهذيب الكمال، تحقيق: د. بشار عواد معروف، الناشر: مؤسسة الرسالة- بيروت، ط1، 1400ه-.
213. المفيد، محمد بن محمد بن النعمان (ت 413 ه-)، الإرشاد في معرفة حجج الله علي العباد، تحقيق: مؤسسة آل البيت(عليهم السلام) لتحقيق التراث، الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، 1414ه-.
214. المفيد، محمد بن محمد بن النعمان (ت 413 ه-)، المقنعة، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي - قم، ط2،1410ه-..
215. المقبلي، ضياء الدين صالح بن المهدي بن علي (ت 1108ه-)، الأبحاث المسدّدة في الفنون المتعدّدة، الناشر: مكتبة الجيل الجديد- صنعاء، ط1، 1428 ه-.
216. المقريزي، أبو العباس تقي الدين أحمد بن علي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، الناشر: دار صادر بيروت.
217. المناوي، محمد عبد الرؤوف بن علي بن زين العابدين (ت 1031ه-)، فيض القدير شرح الجامع الصغير، تحقيق: أحمد عبد السلام، الناشر: دار الكتب العلميّة- بيروت، 1415ه-.
218. الميلاني، علي أصغر بن نور الدين بن محمد هادي الحسيني، محاضرات في الاعتقادات، الناشر: مركز الأبحاث العقائدية - قم ، ط1، 1421ه-.
ص: 396
219. الميلاني، علي أصغر بن نور الدين بن محمد هادي، نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار، الناشر: المؤلف، ط1،1414ه-.
220. النجفي، محمد حسن بن باقر بن عبد الرحيم، جواهر الكلام، الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران، ط2، 1365 ش.
221. النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي (ت 303 ه-)، السنن الكبرى، تحقيق: د. عبد الغفار سليمان البنداري، سيد كسروي حسن، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط1، 1411ه-.
222. النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي (ت 303 ه-)، خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)، تحقيق: محمد هادي الأميني، الناشر: مكتبة نينوى الحديثة- طهران.
223. النسفي، أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود (ت 710ه-)، تفسير النسفي، تحقيق: مروان الشعار، الناشر: دار النفائس - بيروت.
224. النيسابوري القشيري، أبو الحسين مسلم بن الحجاج (ت 261ه-)، صحيح مسلم، الناشر: دار الفكر- بيروت، 1421ه-
225. النيسابوري، نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين، المعروف بالنظام الأعرج (ت 728 ه-)، تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان، تحقيق: الشيخ زكريا عميران، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط1، 1416ه-.
226. الهروي، ملا علي القاري، نور الدين أبو الحسن علي بن سلطان محمد (ت 1014ه-)، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، تحقيق: جمال عيتاني، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، ط1، 1422ه-.
ص: 397
227. الهروي، ملا علي القاري، نور الدين أبو الحسن علي بن سلطان محمد (ت 1014ه-)، شرح مسند أبي حنيفة، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.
228. الهلالي، سليم بن قيس (ت 80ه-)، كتاب سليم بن قيس الهلالي، الناشر: انتشارات هادي - قم، ط1، 1405ه-.
229. الهمداني، محمد رضا بن علي نقي بن رضا، مصباح الفقيه، الناشر: المؤسسة الجعفرية لإحياء التراث - قم، ط1 ، 1417ه-
230. الهندي، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين (ت 975ه-)، كنز العمال، تحقيق: محمود عمر الدمياطي، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، 1419ه-.
231. الهيتمي، أبو العباس أحمد بن محمد بن علي ابن حجر (ت 974)، الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة، تحقيق: عبد الرحمن بن عبد الله التركي، كامل محمد الخرّاط، الناشر: مؤسسة الرسالة- بيروت، 1417ه-.
232. الهيثمي، أبو الحسن علي بن أبي بكر (ت 807 ه-)، مجمع الزوائد، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، 1408ه-.
233. الواحدي، أبو الحسن علي بن أحمد، أسباب نزول الآيات، الناشر: مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع - القاهرة، 1388ه-.
234. الواقدي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد (ت 207 ه-)، المغازي، تحقيق: محمد عبد القادر أحمد عطا، الناشر: دار الكتب العلمية- بيروت، 1424ه- .
ص: 398
235. اليافعي، أبو محمد عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان (768ه-) مرآة الجنان، الناشر: دار الكتاب الإسلامي - القاهرة، 1413ه-.
236. اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر (ت 292 ه-)، تاريخ اليعقوبي، الناشر: دار صادر- بيروت.
المجلات:
237. مجلة المناهج، بيروت، العدد 25 - بقلم: مرات العرض، 1419ه-..
238. مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت - قم، العدد الرابع.
239. مجلة فكر الكوثر، مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية- قم، العدد الأول، سنة 2007م.
ص: 399