خاتم الأوصیاء المجلد 1

اشارة

خاتم الأوصیاء الحلقة الأُولى

محمّد مهدي المؤمن

مؤمن ، مهدي .

خاتم الأوصياء /محمد مهدي المؤمن - قم: مؤسسة المعارف الاسلاميه، 1424 ق.= 1382. عربی .

3ج. (بنياد معارف اسلامی؛ 148 2- 30 - 7777 - 964 : ISBN

فهرستنویسی بر اساس اطلاعات فیپا .

1.محمد بن حسن (عجّل الله تعالی فرجه الشریف) ، امام دوازدهم، 255 ق. - خاتميت .

2. امامت.- خاتميت . الف . بنياد معارف اسلامی . ب . عنوان . 2خ 84 م / 35 /51 BP 297/ 462

کتابخانه ملی ایران 14025- 12م

ص: 1

اشارة

اسم الكتاب : خاتم الأوصياء /1

تألیف: محمد مهدي المؤمن

نشر: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة .

الطبعة: الأولى 1424 ه. ق .

المطبعة :..... عترت .

العدد : ...2000

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة

لمؤسسة المعارف الإسلاميّة

ایران - قم المقدّسة

ص . ب 768 / 37185 تلفون 7732009 - فاکس 7743701

E-mail : m_islamic@aYna.com

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

«اللّٰهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الحُجَّةِ بْنِ الحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آبائِهِ فِي هٰذِهِ السَّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَةٍ وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً وَناصِراً وَدَلِيلاً وَعَيْناً حَتَّىٰ تُسْكِنَهُ أَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فِيها طَوِيلاً.

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

«اللَّهُمَّ وَ صَلِّ عَلَى وَلِيِّ أَمْرِكَ الْقَائِمِ الْمُؤَمَّلِ، وَ الْعَدْلِ الْمُنْتَظَر،وَ حُفَّهُ بِملائِكَتِكَ المُقَرَّبينَ، وَ اَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُس يا رَبَّ الْعالَمينَ.

المُقَدِّمَةُ

لا شكّ أنّ أصالة المهدويّة والاعتقاد الأصيل بالمهدي الموعود الّذي ظهر للعيان وذاع صيته وانتشر مع بزوغ فجر الإسلام ، ولمع نجمه في سماء الدّين الإسلامي الحنيف ، وأضاء نوره سيماء الصّالحين المنتظرين ، وتوارثوه خلفاً عن سلف ، وكابراً عن كابر، واستقرّ في ضمائرهم حتّى ضرب بجذوره في أعماق نفوسهم ، واُشربوا رحيقه الصّافي ، لا ريب أنّ هذا التفكّر الأصيل تمتدّ جذوره في تأريخ الأديان السّماويّة ، شأنه في ذلك شأن الأصالة المحمّدية والتفكّر الأحمديّ

ص: 5

الّذي بشّرت به جميع الأديان والكتب السّماويّة ، واتّخذه الأنبياء والرُّسل ركيزة دعوتهم ومحوراً لعملهم ، يشيرون إليه بالبنان ويبشّرون اُممهم وأقوامهم بالنّبيّ الخاتم(صلّی الله علیه وآله وسلم ) الّذي تُختتم به الرّسالات. وتُنیخ ببابه نبوّة الأنبياء ، وتُنسخ بشريعته شرائع السّماء ، وتنتهي إليه المكارم والفضائل بأسرها.

فالأصالة المهدويّة شأنها شأن الأصالة المحمّدية ؛ إذ هذه خاتمة النبوّات وتلك خاتمة الوصيّات ، وهذا خاتم النّبيّين كما أنّ ذاك خاتم الوصيّين ، وبيُمْنِ كِليهما رُزِق الورى ، وبوجودهما استقرّت الأرض والسّماء ، وكلاهما الحجّة البالغة الّتي لولاها لساخت الأرض بل السّماوات والأرضون بأهلها ؛ إذ وجودهما لطفٌ ، وتصرّفهما لطفٌ آخر .

فالنبيُّ محمّد (صلّی الله علیه وآله وسلم ) ثمرة مئة وأربعة وعشرين ألف نبيّ ، والمهديّ . عجّل الله تعالی فرجه - ثمرة مئة وأربعة وعشرين ألف وصی ، کائة الأنبياء والأوصياء بشروا بالوصي الخاتم كما بشروا بالنبيّ الخاتم . ومهّدوا الطريق لظهورهما ، وعبّدوا السّبيل لخروجهما ؛ ذلك أنّ الوصاية المهدويّة هي البقيّة الباقية من الخلافة الإلٰهية ، واكتمال لحلقات سلسلة الإمامة والولاية العلويّة ، وهي الكلمة الطّيّبة التي لولاها الاندثرت آثار النبوة المحمدية بل النبوات من آدمها إلى خاتمها ، بَله

كانت النّبوّات بأجمعها عبثاً ، والرّسالات بتمامها لغواً ، فهي كالشّجرة الطّيّبة أصلها ثابت وفرعها في السّماء ، تؤتي اُكلها في توالي الإمام

ص: 6

بعد الإمام كلّ حين بإذن ربّها.

ومن هنا كانت البشائر تتوالي من الأنبياء والأوصياء بالمنقذ الّذي يظهر في آخر الزّمان ، وحيث أنّ الأرض لم تُطهّر من دنس الطّغاة وعَبَث العابثين ورجس أهل الكفر والشّرك والضّلال ، فإنّ القلّة القليلة ، والشرذمة اليسيرة من أهل الصّلاح ، والمستضعفين من أتباع الشّرائع والأنبياء ، كانوا ينتظرون بفارغ الصّبر منقذاً يقطع دابر الكفر والظّلم والاستبداد ، ويُطهّر الأرض حتّى لا يذر للكافرين على الأرض دَيَاراً . باستئصال جذورهم ، وإبادة آثارهم ، فلا يُعبد إلّا الله ، ولا يكون الدّين إلّا الله سبحانه وتعالى ، وكلّما بُعث نبيُّ أو اُرسل رسول أو خرج مصلح ظّنوا أنّه المنقذ الّذي يُرجى فيه ذلك ، فأومأ إليهم أنّه ليس المنقذ على الإطلاق ، ولا هو المرتجي لتطهير الأرض وإعمارها ، ثمّ أرشدهم إلى أوصاف المنقذ على الإطلاق ، وأمرهم أن يصبروا عَلَّهم يُدركوا عظمة ملکه ، وجلالة ملكوته تشريعاً وتكويناً ، بل زاد فانتظروا إنّي معكم من المنتظرین ، وارتقبوا إنّي معكم رقيب ، فكان الانتظار دَیدنهم ، والفرج غاية آمالهم ، تدور رحى دعوتهم عليهما ، وتنطلق انطلاقاً فطريّاً منهما . وتنبثق انبثاقاً عقليّاً عنهما ، يتفاخرون أنّهم المبشِّرون بالمنقذ الأعظم ، والممهَّدون للمهديّ سلطانه وملكه الأقوم ، اُمنيتهم في الحياة ورجاؤهم من الله جلّ وعلا أن يوفّقوا للسّير في ركبه ، والجهاد تحت رايته المظفّرة المنصورة ، والخدمة بين يديه .

ص: 7

بلي هكذا كانت سيرة الأنبياء والأولياء والأوصياء ، لم يطرف لهم جَفْنٌ ، ولا قرّت لهم عينٌ ، ولا سكنتْ لهم جارحة، ولاقرّ لهم قرارٌ۔ ولا هَدَأ لهم بالٌ ، ولا راق لهم خيالٌ في تبليغ رسالاتهم وإصلاح أقوامهم ، وفي ذلك كلّه لا يريدون منهم جزاءً ولا شكوراً ؛ إذ جنّدوا أنفسهم ووطّنوها على أن يكونوا ممهّدين للمهديّ أرواح العالمين لتراب مقدمه الفدا ، فكان جزاؤهم في الدُّنيا أن يظهر المهديّ من آل محمّد (صلّی الله علیه وآله وسلم ) ليملأ الأرض قِسطاً وعَدْلاً كما مُلِئَتْ ظُلماً وجوراً ، وليُظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون ، فتتحقّق الإرادة الإلٰهيّة ، والمشيئة الرّبّانيّة ، والعناية الرّحمانيّة بمجيء الحقّ وزهوق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً .

فالمهدي المنتظر والمنقذ الأعظم هو بقيّة الله الّذي بشّر به الرّسل والأنبياء و «بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ » (1)، وعليه تُعقد الآمال ، وبه تتمّ الرّسالات والشّرائع السّماويّة ؛ لأنّ به وفي سلطانه يتحقّق الوعد الإلٰهي ليرث المستضعفون الأرض ومن عليها ، وتُجني ثمار كفاح الأنبياء والّذين اتّبعوهم ، ويُسدَل السّتار على ظلمات التّأريخ الّتي دامت آلاف السّنين ، وتُطوى صفحاته الّتي أصبحت ملئى بأفدح الفجائع وأفحش النّوائب الأليمة والمآسي الجسيمة ، تجاسروا فيها حتّى طالت ساحة

ص: 8


1- سورة هود: 86.

الأنبياء والأوصياء والأولياء والمؤمنين ، فلم يرقبوا فيهم إلّا ولا ذمّة ، ولا راعوا فيهم ذا رحمٍ أو كبيراً أو صغيراً أو مخدّرة قد لازمت مخبئها ، ذنبهم في ذلك أنّهم آمنوا بالله العزيز الحميد .

ولمّا كان تأريخ هذه الأُمّة وتأریخ الأُمم السّالفة وجهان لعملة واحدة «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ » (1)، « لتركبنّ سنن الأُمم من كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة ، حتّى لو دخلوا جُحر ضَبِّ لدخلتموه » . قالوا: يا رسول الله ، اليهود والنّصارى ؟ قال : « فمن ؟ (2)، فإنّ ما جرى ويجري على هذه الأُمة عين ما جرى على اُمم الأنبياء السّابقين من قبل ، ولم تختلف عنها في الأدوات والآليات والأسباب والنّتائج ، عدا اختلاف الوجوه والصّور والأشكال ، ومن تصفّح بأنامل التّحقيق والتأمّل صفحات تأريخ المسلمين ، وكشف عن الوجه الآخر لهذا التأريخ وهذه الأُمة ، وانقضّ على الحقائق الّتي طالما جاهدت الأنظمة وزمرة المحدثين والوضّاعين والكذّابين ومنتحلي العلم والدّين الدّائرين في فلك الخلفاء والسّلاطين ، على طمسها ، أو عبثت أيديهم المعلنة والخفيّة بها لتحريفها ، لا تنجلي عنه غبرة التّصفّح والتحقيق حتّى يذعن بهذه

ص: 9


1- سورة الإنشقاق : 19.
2- تفسیر ابن کثیر : 364/2 و : 523/4 ، وقد جعل الحديث تفسيراً للاية السّابقة.

الحقيقة ، ولا يكاد يزول عن مقامه حتّى يقرّ بتلك الويلات والمصائب الّتي جرّتها على هذه الاُمّة تلك الطّغمة الغاصبة ، والزّمرة الواثبة على منبر رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم ) من بعده ؛ لاتّباعها سنن الاُمم الماضية في ابتغاء الفتنة وصرف الوجوه عن صاحب الحقّ والولاية الإلٰهيّة ؛ خروجاً على سنّة نبيّها ، ومروقاً عن الدّين المبين ، واتّباعاً لأهوائها في تعيين من يخلف نبيّها ، ومحاربة إمامها المنصوب من قِبله عن ربّ العزّة جلّت عظمته ، جرياً على عادتهم في السّير على خطى السّلف من اُمم الأنبياء بقتلهم للأنبياء وأوصيائهم وصريح المخالفة لهم والتّمرّد على أوامرهم ودساتيرهم طبق النّعل بالنعل ، وحذو القذّة بالقذة.

فقد برز قابيل وذرّيته من أشرار اُمّة أبينا آدم (علیه السّلام) للصالحين من أوصياءه ، فوثبوا على هابيل الوصيّ النّبيّ وعلى ذرّيته الأنبياء والأوصياء لينالوا منهم بالقتل والتشريد ، ثمّ جرت السّنّة ذاتها في اُمّة نوح ، حيث تغلّب الأشرار منهم على الأخبار، فعكفوا على عبادة الأصنام ، وعادوا إليها كما كان الحال قبل الطّوفان ، ولم يكن حال اُمّة إبراهيم الخليل صلوات الله عليه أفضل من حال الاُمم السّالفة حين وثب أشرارها من بني إسحاق على أخبارها مضطهدين لهم ، ظالمين إيّاهم . مغتصبين لحقّهم ، حتّى بعث كليم الله موسى (علیه السّلام) إلى شرّ خلق الله اليهود من بني إسرائيل ، فأذاقوه وأخاه هارون وأوصياءه من بعده الهوان وأشدّ العذاب ، مارقين عن اليهوديّة ، مخالفين للتوراة محترّفين لها ولشريعة

ص: 10

السّماء جملة وتفصيلاً ، خارجين من بعده على وصيّه يوشع بن نون وبقيّة الخلف الصّالح من أوصيائه ، وهم أحد عشر وصيّاً من بعد الوصيّ الأوّل يوشع سلام الله عليه وعليهم ، فكان ما كان ، ووقع بعد موسی سلام الله عليه ما وقع من الفتن والمروق ، حتّى جاءهم داود (علیه السّلام) ، وأعقبه الله تعالى بسليمان(علیه السّلام) ، الّذي حكم فيهم بعلمه بالواقع معرضاً عن الأخذ بظاهر الحال ، فاستطاع أن ينال منهم بقوّته الّتي اُوتيها من تسخير الجنّ والإنس والدّواب والملك العظيم ، فأذعنوا له ، حتّى إذا مات وقضي نحبه ارتدّت الاَمّة عن دينه ، وغلبت على امرها عاصية لأمره ، غير مبالية بوصيّته ، واثبة على خلافته ، عاتية عن أمر ربّها ، معرضة عن وصيّه بالحقّ آصف بن برخيا ومن خَلَفَهُ من بعده .

ولم يكن لهذه السّنّة الباطلة في الاُمم حدّ يقفٍ ، تنتهي عندها ، بل مالت عن الحقّ كالتي قبلها ، وجرت عليها ما جرت على سالفتها واُختها في عصيانها لروح الله المسيح صلوات الله عليه ، فقاتلت وقتلت على عهده یحیی بن زکریا (علیهما السّلام) ، وحملت رأسه الشّريف على الرّماح لتهديه إلى عاهرة من عواهر الزّمان ، وما برحت أن طالت أيديها الملطّخة بدماء الأنبياء وأبناء الأنبياء وورثتهم ، لتطارد روح الله عیسی بن مریم (علیهما السّلام) من فجّ إلى فجّ ، ومن كهف إلى كهف ، بغية قتله والنّيل منه ؛ محواً لذكره ، وقضاءاً تامّاً على آثاره ، وسحقاً لشريعته ، حتّى إذا رفعه الله تعالی ليدّخره للمنتقم المهدي من آل محمّد صلوات الله عليه وآله فيكون له

ص: 11

ناصراً ومعيناً في دولته الكريمة المرتقبة في آخر الزّمان؛ ليجتثّ دابر المتكبّرين ، ويقطع أوصال الكافرين والمنافقين «حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ » (1)، وثبت تلك الاُمّة الظّالمة على وصيّه شمعون الصّفا وحوارتيه المخلصين هاضمین حقوقهم ، مطاردين إيّاهم قتلاً وتعذيباً وتشريداً، بعدما حرّفوا شريعته وعبثوا بكتابه السّماوي الإنجيل.

ثمّ إنّ ما جرى على الأنبياء وأوصيائهم من القتل والسّلب والعصيان ، وما جرى على شرائعهم السّماوية من التحريف والعبث لم يصدر من عدوّ مجاهر في عدائه ، ولا من مكابر معاند معلن لعدائه ، ولا ممّن ينئی بنفسه عنهم ، بل ممّن صحبهم ، وتظاهر أنّه من أوليائهم ، وانتحل دينهم ، وتصنّع ودّهم، أو ممّن عُدّ في زمرة علمائهم ، كإخوة يوسف (علیه السّلام) ، والسّامريّ الّذي كان من اُمّة موسی صلوات الله عليه ، وبلعم بن باعورا الّذي كان معدوداً من زمرة علماء بني إسرائيل ، بل أكثرهم علماً ، وقد عبّر عنه القرآن الكريم : « فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ » (2).

وقد واكبت هذه الاُمّة مسيرة أسلافها من تلك الاُمم ، ولم تتخلّف عن

ص: 12


1- سورة البقرة : 193.
2- سورة الأعراف : 176.

ركبها طرفة عين «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ »(1)، وجرت عليها نفس تلك السّنن ، وجرّعت نبيّها وأوصياءه من أهل بيته الأطيبين الأطهرين نفس تلك الغَصص ، وعبثت بشريعته حذو القذّة بالقذّة ، فكان مالها الذّلَ والخنوع، والحرمان والشّقاء ، تتلقّفها أيدي الجبابرة والمردة ، وتتلاعب بها وبمصيرها زمرة من الطّغاة المستبدّين بآرائهم ، وعلماء السّوء من وعّاظ السّلاطين الّذين يحومون حول الخليفة والسّلطان . ويدورون في فلکه ، يعزّزون سلطانه ، ويوطّئون له ملکه ، ما دامت الخلافة لمن وثب عليها بالقوّة ، والإمامة ليست . عندهم - منصباً إلٰهيّاً ، ولا معنى لقوله تعالى - عندهم . «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ » (2)، ولو على حساب الدّين .

هذه سنّة الخلق والاُمم، وأمّا سُنّة الله تعالى فإنّها ماضية في الوصيّ بعد الوصيّ ، ونصب الإمام تلو الإمام، حتّى يظهر الوصيّ الخاتم فيملأها قسطاً وعدلاً ، شاء من شاء ، وأبي من أبی ، « فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا »(3).

ص: 13


1- سورة الانشقاق : 19.
2- سورة القصص : 68.
3- سورة فاطر: 43.

عن أبي واقد اللّيثي : أنّهم خرجوا عن مكّة مع رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلم ) إلى حنين ، قال : وكان للكفّار سدرة يعكفون عندها ، ويعلّقون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط ، قال : فمررنا بسدرة خضراء عظيمة ، فقلنا : یا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط ؟ فقال (صلّی الله علیه وآله وسلم ) : « قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسی: « اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ » (1)، إنّها لسنن لتركبُنّ سنن من كان قبلكم سُنّة سُنَة »(2). ذكرها أيضاً التّرمذي في صحيحه باختلاف يسير ، ثمّ علَق عليها : « هذا حديث حسن صحیح (3).

وعن سهل بن سعد الأنصاري ، عن النّبيّ(صلّی الله علیه وآله وسلم ) ، قال : « والّذي نفسي بيده لتركبنّ سنن من كان قبلكم مثلاً بمثل »(4).

وعن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم ) : « لتركبُنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع ، حتّى لو أنّ أحدهم دخل جحر ضبُّ لدخلتم ، وحتّى لو أنّ أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه »(5) ثم قال عنه: « صحيح».

ص: 14


1- سورة الأعراف: 138.
2- مسند أحمد بن حنبل : 218/5.
3- صحيح الترمذي : 321/3 .
4- مسند أحمد بن حنبل : 340/5 .
5- المستدرك للحاكم النيسابوري : 455/4

وفي حديث أبي سعيد الخدري (رضی الله عنه) : «لتركبُنّ سنن من قبلكم»(1).

وعن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلم ) : « لتركبُنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع ، وباعاً بباع ، حتّى لو أنّ أحدهم دخل جُحر ضَبِّ لدخلتم ، وحتّى لو أنّ أحدهم جامع اُمّه لفعلتم» (2). ثمّ قال : « رواه البزّاز ، ورجاله ثقات ».

وعن عبدالله - يعني ابن مسعود - ، قال : قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلم ) : «أنتم أشبه الاُمم ببني إسرائيل ، لتركبُنّ طريقهم حذو القذّة بالقذّة ، حتّى لا يكون فيهم شيء إلّا كان فيكم مثله ، حتّى أنّ القوم لتمرّ عليهم المرأة فيقوم إليها بعضهم فيجامعها ثمّ يرجع إلى أصحابه يضحك لهم ويضحكون إليه »(3).

وعن المستورد بن شدّاد : أن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم ) قال : «لا تترك هذه الاُمّة شيئاً من سنن الأوّلين حتّى تأتيه »(4)، ثمّ علّق عليه : « رواه الطّبراني في الأوسط ، ورجاله ثقات».

وعن قتادة : أنّ حذيفة قال : « لتركبُنّ سنن بني إسرائيل حذو القذّة بالقذّة ،وحذر الشّراك بالشراك ، حتّى لو فعل رجل من بني إسرائيل كذا وكذا ، فعله رجل من هذه الاُمّة » .

ص: 15


1- شرح مسلم للنووي : 17/1 .
2- مجمع الزوائد للهيثمي : 261/7 .
3- مجمع الزوائد للهيثمي : 261/7 .
4- مجمع الزوائد للهيثمي : 261/7 .

فقال له رجل: قد كان في بني إسرائيل قردة وخنازير.

قال : « وهذه الاُمّة سيكون فيها قردة وخنازیر» (1).

وروى ابن الأثير عنه (صلّی الله علیه وآله وسلم ) : « لتركبُنّ سنن من كان قبلكم حذو النّعل بالنعل» ، ثمّ علّق عليه قائلاً : أي تعملون مثل أعمالهم ، كما تقطع إحدى النّعلين على قدر النّعل الاُخرى (2).

وقال ابن منظور : « لتركبنّ سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة » . قال ابن الأثير : يضرب مثلاً للشّيئين يستويان ولا يتفاوتان(3).

قال الطّريحي(رحمه الله) : وفي حديث النّبيّ (صلّی الله علیه وآله وسلم ): « لتركبُنّ سنن من كان قبلكم حذو النّعل بالنعل » ، أي تشابهونهم وتعملون مثل أعمالهم على السّواء (4).

وفي قوله تعالى : «وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ » (5).

والأحاديث بهذا المعنى كثيرة في كتب الفريقين.

ثمّ إنّ التمرّد الّذي وقع لتلك الاُمم بعد أنبيائها ، والمروق الّذي

ص: 16


1- النّهاية: 344/1 .
2- النّهاية: 344/1 .
3- لسان العرب: 503/3 .
4- مجمع البحرین: 478/1 .
5- سورة البقرة : 118.

حدث لهم بإنكار حجج الله تعالى والإعراض عن آیاته وبیّناته إنّما جاء من طائفتين ؛ طائفة القادة المتبوعين ، وطائفة العوامّ التّابعين ، والطّائفة الاُولى تارة رجال سياسة وحكم ليس إلّا، وتارة علماء سوء وضلالة ، وتارة ثالثة رجال حكم وسياسة متستّرين بعباءة الدّين ، وتارة رابعة رجال حكم وسياسة مستعينين بعلماء السّوء ووعّاظ السّلاطين ، والّذين اتّبعوا هم الغوغاء من سواد هذه الاُمم الّذين يتّبعون كلّ ناعق ، وما أكثر ما في القرآن الكريم : « وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ » (1)وما يجري مجراه ، وتبرّي بعضها من بعض يوم القيامة.

والطائفة الاُولى ممّن حملوا راية المواجهة والعناد والتصدّي للأنبياء إنّما حملوها على علم منهم بأحقّيّة الأنبياء ، وضلالة أنفسهم ، ورغبة في حطام الدّنيا الفانية وزخارفها الآنيّة . قال تعالى : « فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ »(2)، ولا شأن لنا هنا بالحكّام ورجال السّياسة

ص: 17


1- سورة سبأ: 31 و 32.
2- سورة الجاثية : 17. ومثل هذه الآية قوله تعالى : « وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ » سورة البقرة : 213. وقوله تعالى :« فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ » سورة يونس : 93 .

لانكشاف أمرهم ووضوح مآربهم ، ولكنّ الخطر كلّ الخطر ، والحذر كلّ الحذر من علماء السّوء ووعّاظ السّلاطين المتاجرين بالدين ، ثمّ الهمج الرّعاء الّذين يتّبعون كلّ ناعق ، ولا يكادون يهتدون سبيلاً بعقولهم، وبما منّ الله سبحانه عليهم من قوّة الإدراك والتّدبير ، فكم من عالم أضلّ جِبلاً كثيراً من النّاس ، فاتّبعوه وانقادوا له على ضلاله ، وساقهم إلى شفا جرف هارٍ فانهار بهم في نار جهنّم.

ولم تكن حال هذه الاُمّة أفضل من أسلافها من الاُمم ؛ ذلك أنّ طائفة من علمائها عكفوا يوحون إلى أوليائهم زخرف القول غروراً ، وما برحوا يمهّدون للشيطان طريقه ، ويعبّدون للباطل دروبه ، لا يردعهم عن نصرة الباطل رادع من علم أو تقوى ، ولا يصدّهم عن محاربة الحقّ وازع من عقل وضمير، فحرّفوا القرآن بضروب التّفسير ، وباطل التّأويل وقد رووا جميعاً قول رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم ) : « من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النّار»(1) ، وحرّفوا شريعة الإسلام بتحريفهم لسنّة النّبيّ الأكرم (صلّی الله علیه وآله وسلم ) ونسبة الأكاذيب والأباطيل إليه ، حتّى استباحوا دماء العترة الهادية ، وهتك حرمة البيت المحمّدي ، واغتصاب إرث الصّديقة الطّاهرة بنت الوحي والرسالة بفتاوى الغدر الّتي ما أنزل الله تعالى بها من

ص: 18


1- الحدائق: 29/1 ، 355/6 . عوالی اللئالی : 4/ 104.. وفي نور البراهين : 181/1 قوله (صلّی الله علیه وآله وسلم ) : « من فسّر القرآن برأيه فقد کفر» .

سلطان ، فتفرّقت الاُمّة وتشتّت شملها بين شيعة عليّ أمير المؤمنین صلوات الله عليه وشيعة بني اُميّة ، ثمّ انقسمت كلّ فرقة بينها إلى مذاهب فقهيّة ومذاهب عقائديّة كلاميّة ، فالشيعة من بعد أمير المؤمنين صلوات الله عليه لأنّهم أهل الحقّ ، وقد كتب الله لأهل الحقّ أن يغربلوا ويمحّصوا مرّة بعد مرّة حتّى يخرج الحبّ الرديء ولا يبقى سوى الجيّد من وجوه المؤمنين ، فإنّهم خاضوا ساحة الفتنة ، فتنة بعد فتنة ، واقتحموا لجج بحار الاختبار لجّةً تتبعها لجّة ، حتّى لم يبق منهم سوى الذّهب المصفّى المتمسّكين بالعترة الهادية ، المعتقدین باثني عشر إماماً ، آخرهم المهدي المنتظر الغائب ، الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

والبلية الكبرى ، والدّاهية العظمى أنّ هذه الفرقة النّاجية بعقائدها ، والحقّة باُصولها لم تسلم من أهل الأهواء والغواية وذوي العاهات في صفوفها ؛ إذ وجدوا في غيبة الإمام الثّاني عشر صلوات الله عليه تجارة رابحة، وسوقاً رائجةً ، قد تدرّ عليهم مالاً وافراً ، ويجنون من ورائها سيادة على الهمج الرّعاء وأهل الغوغاء ، فمنهم من ادّعى المهدويّة بكلّ صلافة ، ومنهم من ادّعى البابيّة والسّفارة ، وهاتان الطّائفتان أقلّها خطورة ؛ لأنّ بطلان مزاعمها أبْیَنُ من شمس الظّهيرة ، وأوهن من بيوت العنكبوت ، ومنهم من ضرب على الوتر الحسّاس منتهزاً عواطف العامّة ، مستغلاً عطشهم وطول انتظارهم ، زاعماً أنّه الممهَد للمهديّ (علیه السّلام) سلطانه ، والموطّد له حكمه ، وأنّه حامل لوائه ، والمسلّم إليه رايته ،

ص: 19

فالمخلص منهم جاهل بحقيقة أنّ مثل هذه المزاعم كالقنبلة الموقوتة والبركان الهائج تكمن خلفها الكوارث الأليمة ، وتحمل في طيّاتها الدّمار الشّامل ؛ ذلك أنّ من يجتمعون تحت راية تدعو إلى المهدي عجّل الله فرجه عاقدين عليها آمالهم ، وتزعم تلك المزاعم، ثمّ لا يبصرون بعد طول انتظار منهم سوى الشّعارات البرّاقة ، ولا يجدون سوى الخيبة بعد الخيبة ، فإنّهم لا جرم ينقلبون على أعقابهم؛ إذ تندلع نار الشّكّ لتحرق حصاد عقائدهم ، و يبقى منجل الرّيب يحصد إيمانهم ، وتكون تلك الرّاية سبباً في ضلالهم وعلّة في هلاكهم ، وتكون جنت على نفسها براقش ، ولات حین مناة ، حيث لا ينفع النّدم ، وأمّا المرائي المتزلّف منهم فإنّه يتجاهل تلك الحقيقة سعياً وراء مآربه ورغباته ، لا سيّما أنّ الصّادقین (علیهما السّلام) أرشدونا إلى حقائق صارخة لا بدّ من وقوعها ، فمنها ما أخبروا بأنّ ما من طائفة إلّا ملكت ونالت السّلطان قبل ظهور صاحب الأمر صلوات الله عليه ، وآل إليها الحكم بين فئة من الناس ، قليلة أو كثيرة ، لتجرّ خلفها أذيال الخيبة حتّى لا تزعم طائفة لو أنّها تربّعت على عرش الحكم لعدلت بين النّاس ، حتّى إذا استيأسوا جميعاً واعتقدوا أن لا ملجأ لهم من الله إلّا إليه ، ولا منقذ لهم سوى المهدي صلوات الله عليه ، وتوجّهوا إليه توجّهاً فطريّاً جاءهم نصر الله ، وكتب لهم عند ذلك الخلاص.

فالحذر الحذر من الافتتان بمثلها والوقوع في شركها ، ولا أظنّ أحداً

ص: 20

ينجو من تلك الفتن الّتي هي أحلك من ظلام اللّيل الدّامس ، حتّى يلتبس الأمرعلى الألمعي من الرّجال ، فيلتبس عليهم الحقّ باسم الحقّ وتحت راية دعاة الحقّ ، فحذار من حبائل هذه الفتن ، ولا منجی سوی بالتمسّك بالكتاب والعترة ، وقد نطقت الصحاح من الأحاديث . وتواترت الأخبار في أنّ كلّ راية قبل الصّيحة فهي راية ضلال(1)؛ لأنّها إن لم تكن ضالّة في قيامها ومقدّماتها فإنّها مضلّة في نتائجها وآثارها ، وستؤول حتماً إلى الضّلال ، وكتب أعلام المتقدّمين رضي الله عنهم نطقت بهذه الحقيقة ، ووکّدها أصحابها بأوثق التّوكيد (2)، كما اُمرنا أن نكون قبل الصّيحة وخروج السّفياني أحلاس بيوتنا (3)، وقد حذّرونا من اثنتي عشرة راية لاثني عشر من بني هاشم قبل خروج المهدي (علیه السّلام) ، كلّ يدعو إلى نفسه ، وإن تظاهر بعضهم أنّه يدعو إلى المهدي أرواحنا فداه ، وهي حجّة علينا ، « اللّٰهُمَّ اهْدِني لَمِا اخْتُلِفَ فِيْهِ مِنَ الْحَقّ بِإذْنِكَ » ؛ ذلك أنّ في اتّباع العترة نجاة الاُمّة، وفي مخالفتها بالتلاعب في الحقائق الثّابتة عنهم ، وتأويلها بما تشتهي أنفسنا ، هلاكنا، مهما كانت الدّواعي عظيمة ، وكانت الشّعارات والأهداف مقدّسة ؛ إذ لا نجاة حتّى تكون عالماً ربّانيّاً أو متعلّماً على سبيل النّجاة ، وما بعد الحقّ

ص: 21


1- سنأتي على ذكر تلك الأخبار وتحقيقها مفصّلة ، وسنورد آراء القدماء أعلى الله شأنهم في ذلك من مصادرها في الحلقة الثّانية إن شاء الله تعالی.
2- سنأتي على ذكر تلك الأخبار وتحقيقها مفصّلة ، وسنورد آراء القدماء أعلى الله شأنهم في ذلك من مصادرها في الحلقة الثّانية إن شاء الله تعالی.
3- سنأتي على ذكر تلك الأخبار وتحقيقها مفصّلة ، وسنورد آراء القدماء أعلى الله شأنهم في ذلك من مصادرها في الحلقة الثّانية إن شاء الله تعالی.

إلّا الضّلال ، « وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » (1).

كلمة أخيرة إلى الّذين يقتحمون غمار هذا البحر اللّجيّ ، ويريدون أن يفوزوا بالزلفي لدى المهدي أرواحنا له الفداء أن يطلبوه كما هو عليه ، لا كما تشتهيه أنفسهم وتصوّره أحلامهم ، وأن يوطّنوا أنفسهم على طاعته والامتثال لأوامره بالغاً ما بلغ ، لا أن يشربوا في قلوبهم حبّ هذا وذاك حتّى إذا ظهر صاحب الأمر أرواحنا فداه على خلاف مشربهم مخيّباً لآمالهم ، مسفّهاً لأحلامهم نبذوه وراء ظهورهم ، وخالفوه في السرّ والعلن تبعاً لقادتهم وجرياً وراء أحلامهم ، فيكونوا حينئذٍ كأهل الكتاب الذّين قال تعالى عنهم بعد کفرانهم بنبيّنا محمّد(صلّی الله علیه وآله وسلم ) والإعراض عن شريعته : « وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ » (2)، فأمن برسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم ) من كان خلوّاً من الأطماع ولم يكن قد سمع به ، وكفر به من عرفه في التّوراة والإنجيل لوصفه إيّاه على ما تشتهيه نفسه وما تصوّره له أحلامه ، لا كما هو عليه ، ولا كما ينبغي لهم أن يؤمنوا به وينتظرون ظهوره ، وهو ما مني به عليّ صلوات الله عليه من خذلان الصحابة له وإعراضهم عنه وهم العارفون بفضله ومنزلته وإمامته ،

ص: 22


1- سورة الحشر : 7.
2- سورة البقرة : 89.

ومنهم الطلحة والزبير اللَّذين تخلّيا عنه في دولته ؛ لأنّهم أرادوه طبقاً لأحلامهم ، واتّبعوه طمعاً في الحطام الزّائل ، بينما آمن به وصدّقه ونصره اُولئك الّذين خلت قلوبهم من الأطماع ، ونفوسهم من لذّة الشّهوات ، وعقولهم من آفة الجهل والعناد.

إذن بظهور المهدي (علیه السّلام) وقيام دولته الكريمة نقول : قتل أصحابُ الاُخدود ، وقُتل الخرّاصون ، وقُتل الّذي قدّر کیف قدّر ، وقُتل وهلك كلّ مكذّب للأنبياء والأوصياء ، وكلّ مفترٍ عليهم ، وكلّ محاربٍ لهم ، وكلّ كفّارٍ أثيم ، وكلّ منافقٍ لئيم ، وكلّ من يمنعون الماعون ، وتُغَلَ أيديهم في أعناقهم ويقيّدون بسلاسل من النّار ، يُصبّ من فوق رؤوسهم الحميم ، وطعامهم من غسلين ، يُضربون على وجوههم وأدبارهم ، ويومئذٍ فلا فوت ، واُخذوا من مكانٍ قريب . والبشرى لكم أيّها الصّابرون المنتظرون الموطّئون للمهديّ سلطانه ، بسلامة العقيدة وحسن العمل في السيرة والسّلوك.

وأيّها الممهّدون للمهديّ ، أرواحنا فداه ، وصبراً آل ياسر وأيّها المجاهدون بأموالكم وأنفسكم فإنّ موعدكم جنّة الدّنيا في دولة المنتظر المهدي صلوات الله وسلامه عليه ، حيث يمسي الرّجل جاهلاً وجباناً وبخيلاً ، فيصبح عالماً شجاعاً كريماً ، يمشي النّصر بين يديه ، يقفو أثر الرّسول (صلّی الله علیه وآله وسلم ) ، لا يخطئ ، له ملك يسدّده من حيث لا يراه ، وجنّة العقبي الّتي عرضها السّماواتُ والأرض اُعدّتْ للمتّقين ، وهما جنّتان تُدركان

ص: 23

ولا توصفان ، حيث لا عينٌ رأتهما ولا اُذُنٌ سمعتْ بهما ولا خَطَرتا علی قلب بشر ، وفيهما نعیم دائم ، أساسهما العدل ، والاعتدال ، ونظامهما الفضل والإفضال ، ورأسهما الرّحمة الرّحمانيّة والعناية الرّبانيّة .

وأخيراً فإنّي لاُناشد كلّ من « كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ » (1)، و«الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ »(2) . وكلّ المضطهدين والمستضعفين والمحرومین ، سيّما شيعة المهديّ وأتباعه ، أنْ هلمّوا إلى الانتظار وتهيّئوا للفرج، وساهموا بالصلاح والإصلاح وحسن السّير والسّلوك والتّهذيب والتزكية في تحقيق الوعد الإلٰهي ، حيث قال تعالى للملائكة : « إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ » ، واُمنيةٍ

طالما كافح من أجلها الأنبياء واُولوا العزم من الرُّسل وأتباعهم ، وقدّموا في سبيلها التّضحيات ، واستأثروها على أنفسهم ، فبذلوا فيها كلّ غالٍ ونفيس ، وإلّا فكلّ أملٍ يُعقد على هذا وذاك ما هو إلّا جريٌ ولَهَثٌ خلف السّراب وإنّما يحسبه الظّمآن ماءاً ، حتّى إذا جاءه لم يجده شيئاً ، فمجرّد تصوّرها يجزي للتصديق بفشلها ؛ إذ هو المدّخر لتجديد الفرائض والسُّنَن ، وهو المؤمَّل لإحياء الكتاب وحدوده ، وهو قاصم شوكة المعتدين ، وهو الطّالب بذحول الأنبياء وأبناء الأنبياء .

ص: 24


1- سورة ق : 37.
2- سورة الزُّمر: 18.

وهو الطّالب بدم الحسين الشّهيد المقتول المظلوم بكربلاء ، وهو المنتقم والمنقذ من براثن الجهل والضّلال ، فأين تذهبون ؟!

«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ » (1).

والحمد لله ربّ العالمین

محمّد مهدي المؤمن

الأحد 7 شعبان المعظّم 1423ه

قم المقدّسة

ص: 25


1- سورة القصص: 5.

ص: 26

الدّرس الأوّل : العلم والمعرفة /1

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

لم يكن تعطّش الإنسان إلى العلم والمعرفة ، وتوق نفسه ، وشدّة اشتياقه إلى الكمال أمراً غريباً ؛ ذلك أنّ حبّه للكمال و شوقه للتكامل نابع من فطرته الذاتيّة ، وهو الفارق الّذي يميّزه عن الحيوان ، ولهذا قال تعالى : «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ » (1) أي ليعرفون (2) ؛ إذ المعرفة أعلى درجات العبادة ، وما من عبادة إلّا وهي تفتقر إلى المعرفة ، فالعبادة فرع المعرفة ، ولا خير في عبادة

ص: 27


1- سورة الذّاريات: 56.
2- شرح الأسماء الحسنى للسبزواري : 189/1 و23/2 و 102. الرواشح السّماوية للمحقّق الدّاماد : 22. شرح اُصول الكافي : 208/4 ، ه1. تفسير ابن کثیر: 255/4 .

لم تُبْنَ على أساس من العلم والمعرفة ، وإنّما يتقرّب العبد إلى الله سبحانه ويرتقي سلّم الكمال أوّلاً: بالمعرفة ، و ثانياً : بالعبادة المبتنية على المعرفة ، ولهذا شُبّه العابد الجاهل - على لسان أئمّة أهل البيت (عليهم الصّلاة والسّلام ) - بحمار الطاحونة الّذي لا يفقه لماذا يدور حول نفسه (1).

ثمّ إنّ العبادة ينبغي أن تقرّب العبد من الله جلّ جلاله لأنّها وسيلة العبد المُثلى وسلاحه الأوحد في سلوكه إلى ربّه وخالقه جلّ وعلا ، ولا خير في عبادة لا تحقّق الغرض الّذي جعلت من أجله ، ولا تؤدّي الغاية المرجوّة منها ، فأي خير في عبادة مبنية على الجهل ؟ وأي زلفي تتحقّق للعبد بهذه العبادة ؟ بل لن يكون العمل عباديّاً إلّا إذا ابتنى على أساس متين ألا وهو المعرفة ؛ إذ بالمعرفة يجعل العبد من كلّ فعل حسن عملاً عباديّاً يقرّبه من الله تعالی زلفي ، وبها يختصر الطريق نحو الغاية القصوى والهدف الأسمى ، بل يختار من العبادات ما يسرع به

ص: 28


1- قال أمير المؤمنین (علیه السّلام) : «المتعبّد على غير فقه كحمار الطّاحونة يدور ولا يبرح، وركعتان من عالم خير من سبعين ركعة من جاهل ؛ لأنّ العالم تأتيه الفتنة فيخرج منها بعلمه، وتأتي الجاهل تنسفه نسفاً، وقليل العمل مع كثير العلم خير من كثير العمل مع قليل العلم والشكّ والشبهة » . الاختصاص : 245. بحار الأنوار: 208/1 .

إلى بلوغ المني؛ ذلك أنّ العبادات طرق ومسالك ، منها ما يكون أقرب وأسرع، ومنها ما دون ذلك ، ومنها ما يكون الجهد فيه أشدّ وطريقه أبعد ، ومنها ما يكون الجهد فيه أسدّ والمنزل منه أقرب . فلاشدّة الجهد ووعورة الطريق دليل على القربي ، ولاقلّة الجهد ورعونة الطريق دليل على المنأى ، بل الملاك هي المعرفة التي تجعل البعيدة على مقربة من السالك ، بل تدفعه ببصيرته إلى اختيار أفضل الطرق وأقرب المسالك ، ولهذا قال المعصوم (علیه السّلام) : « الصَّلَاةُ مِعراجُ المُؤمِنِ» (1).

وقال أيضاً: «کَلُّنا سُفُنُ النَّجاةِ، لَكِنَّ سَفِيْنَةَ الْحُسَيْنِ أَسْرَعُ» ، خلافاً للجاهل الّذي يهيم بوجهه الطريق فلايهتدي إلى الحقّ سبیلاً . وربّما زاده الطريق الّذي سلكه بُعداً عن الحقّ جلّ جلاله ، وإن وقع اختياره على الطريق الأسلم والمسلك الأقرب ؛ لأنّه يتيه الطريق وينأى عن المقصود بجهله رغم سلوكه للطريق ، وهو أقبح وجوه التيه والضّلال ، ولا ينافي قوله(صلّی الله علیه وآله وسلم ) : « أفْضَلُ الأعْمالِ أَحَمَزُها (2) ؛

ص: 29


1- الاعتقادات للمجلسي: 39. جامع أحاديث الشيعة: 3/4 - 28. بحارالأنوار: 248/79 ، 303 و : 255/81 .
2- عوالي اللئالي: 1/ 305 و 320. بحار الأنوار: 237/67 . رسائل الكركي: 79/1 . وأحمزها : أي أشقّها وأشرّها وأمتنها وأقواها .

لأنّه(صلّی الله علیه وآله وسلم ) قال أيضاً: «خَيْرُ الاُمُورِ أوْسطُها »(1)، وقال (صلّی الله علیه وآله وسلم ) : أفْضَلُ الأعْمالِ الْعِلْمُ بِاللهِ ، والْفِقْهُ في دِينِهِ »(2).

لهذا كان التّفقّه في الدّين بكلا قسميه التّفقه بالفقه الأكبر ، أعني معرفة اُصول الدّين ، والتّفقّه بالفقه الأصغر ، وهو معرفة الأحكام والقوانين الإلٰهيّة والتكاليف الشرعيّة ، أساس قبول الأعمال والفوز بالزّلفي والرّضوان ، وهو تجارة لن تبور ، ولا يربح التّاجر في تجارته إلّا باقتحام السّوق بعد المعرفة بقواعد التّجارة ، والإحاطة بظروفها ، والإلمام بأفضل سبلها . نعم ، قد يجني الجاهل ربحاً بضربة من الحظَّ إلّا أنّ ذلك لا يضمن له تجارة رابحة ، وهكذا طالب الآخرة فقد يصيب ربحاً وأجراً اُخرويّاً في تجارة اُخرويّة ثمّ يخسرها في صفقة اُخرى ، بل يخسر أضعافها إن لم تكن تجارته مبنيّة على العلم والمعرفة ، هذا إن أمكننا القول بأنّ الأجر الاُخروي يأتي بضربة من الحظّ !!

من هنا كانت خلقة آدم (علیه السّلام) سرّاً من الأسرار السّماويّة ، تكمن فيها ألف نكتة ونكتة من الحقائق اللّاهوتيّة ؛ ذلك أنّه تعالى كان قد خلق

ص: 30


1- عيون الحكم والمواعظ للواسطي : 240. عوالي اللئالي: 296/1 .
2- میزان الحكمة : 2126/3 .

ملائكة لا يحصى عددها ، وهم عباد مکرمون لا يعصون الله ما أمرهم وهم بأمره يعملون ، وبعبادته مشتغلون ، بين مسبّح ومكبّر ومهلّل وحامد وقائم وراكع وساجد ، لا يرفعون إليه رأساً ، ولا يعرّفون عنه طَرْفاً ، فأبى الله تعالى إلّا أن يخلق خلقاً يكون وعاءً لعلمه تعالى ، وحافظاً لسرّه ، وحاملاً لحكمته ممّا ينوء عن حمله اُولئك العباد المكرمون والملائكة الصّافّون الحافّون المسبّحون ، وهي حمل الرّسالة والأمانة الإلٰهيّة ، ولهذا الغرض خلق الله تعالى آدم (علیه السّلام) و بنیه ، «وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا » (1)، فالإنسان الكامل وعاء علم الله تعالى وخزانة سرّه ومشكاة حكمته وزجاجة نوره : « مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ »(2)، ولهذا قال تعالى : «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ » و ليباهي به ملائكته الّذين اعترضوا على خلقه استفهاماً و استنكاراً أو تعجّباً ، « فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ » (3)، وإن کنتم قد اطّلعتم على السّرّ والحكمة من

ص: 31


1- سورة الأحزاب: 72.
2- سورة النُّور: 35.
3- سورة البقرة : 31.

خلقه ؟ «قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا» ، هذا الإقرار منه بالجهل دلیل عبوديّتهم الله تبارك وتعالى ، « إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ » (1)، فالسرّ في خلقة آدم (علیه السّلام) بدليل هذه الآيات ، أنّه يكون وعاء علم الله تعالى وخزانة سرّه ومشكاة حكمته ، فأنت يا إلٰهنا العليم بفعلك ، والحكيم في صنعك ، تجتبي وتخلق لهما من تشاء من خلقك.

ثمّ إنّ الله تعالى قد اتّخذ آدم (علیه السّلام) معلّماً لملائكته ، وصیّره مربّیاً لهم ؛ إذ قال تعالى : «قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ » (2)، فالسرّ في خلقة الإنسان هو العلم والحكمة فيها هي المعرفة ، ومن أعرض عنهما فقد أعرض عن الحكمة الّتي خُلق من أجلها ، والسرّ الّذي قامت عليه

خلقته ، فهو والبهيمة على حدّ سواء، بل لعلّه كان أضلّ سبيلاً؛ إذ البهيمة لا تنقض الغرض من خلقتها ، بل هي ماضية على سبيلها والطّبيعة الّتي جُبلت عليها ، وهذا البشر قد أتى بما ينقض الغرض الّذي خُلق من أجله ، فليس يكون الإنسان إنساناً حتّى يكون عالماً متفقّهاً في دينه ، أو متعلّماً سالكاً طريق الكمال ؛ ولذلك كانت أجنحة

ص: 32


1- سورة البقرة : 32.
2- سورة البقرة : 33.

الملائكة موطئاً لأقدام طالب العلم ، وكانت فرشاً وبُسُطاً تطئها أقدامهم ؛ ولذلك تستغفر لهم جميع الكائنات حتّى الطّير في السّماء والحيتان في البحار ؛ ولذلك أيضاً كان نوم العالم خيراً من عبادة الجاهل ؛ ذلك أنّ العالم أمان لأهل السّماوات والأرض ، يصلح بعلمه ومعرفته ما يفسده أهل الجهل والبغي.

وللمعرفة درجات كما هو الحال في كافّة سبل الكمال ، وكلّما

زادت مرتبة المعرفة سَهُل بلوغ المراد، وهان على السالك السّير على الأشواك ، بل كانت الشُوكة الّتي تُدمي قدميه ورداً وريحاناً في طريق الحقّ ، كالعاشق الولهان الهائم في بحر العشق ، حيث لا يرى سوى وجه الحبيب فلا يلتفت إلى ما يصيبه من جوع وظمأ ونَصَب ، ومنتهی غاية السّالك أن يرقي أعلى مدارج الكمال ، ويبلغ بجهده أقصى مراتب سُلم المعرفة ، وهاهنا تكمن الأسرار ، وتتجلّى الأنوار ، فتقطف أنضج الثّمار بعدما ينجلي عن نفس السّالك الشّوائب والغبار ، وهو الطّريق إلى المعرفة الحقّة الّتي من أجلها خُلق الإنسان ، بل خُلْقُ جميع الأكوان ؛ لقوله تعالى في الحديث القدسي: «عَبْدِي خَلَفْتُ الأَشياءَ لِأجْلِكَ، وَخَلَقْتُكَ لِأجْلِي »(1)، وأي مقام أسمى من المعرفة الحقّة

ص: 33


1- الجواهر السّنيّة : 361.

وحقّ المعرفة ، وقد خصّ بهما الإنسان ؟ وأي نعمة أوفي وفضل أرقی ممّا ادّخره الله تعالى لعباده من بني آدم ؟

من هنا جاءت الدّعوة الحثيثة والتّرغيب الدّائم على طلب المعرفة بالسعي الدّؤوب والجهد الجهيد ، وحتّى السؤال في إطار الدّعاء حيث علّمنا أئمّة أهل البيت (علیهم السّلام) كيف ندعوا، وامتلئت أحاديثهم وأدعيتهم بالمعارف الّتي تضمن بلوغ المرام ، وتضمّنت درراً من المعرفة لمن ألقى السّمع وهو شهيد ، ولا غرو في ذلك إذا كان أهل الدّار أدرى بما في الدّار .

وقد علّمنا أئمّتنا الأطهار ورثة الأنبياء كيف نسعى إلى المعرفة . ومن أين تؤكل الكتف ، وحاشاهم أن يفرّطوا في ذلك طرفة عين أو لمحة بصر؛ لأنّهم الدّعاة إلى الله تعالى ، واُمناؤه على سرّه وحججه على عباده ، حيث أمرونا أن ندعوا في دبر كلّ صلاة : « اَللّهُمَّ عَرِّفْنى نَفْسَكَ، فَاِنَّكَ اِنْ لَمْ تُعَرِّفْنى نَفْسَكَ، لَمْ اَعْرِف رَسُولکَ؛ اَللّهُمَّ عَرِّفْنى رَسُولَكَ، فَاِنَّكَ اِنْ لَمْ تُعَرِّفْنى رَسُولَكَ، لَمْ اَعْرِفْ حُجَّتَكَ؛ اَللّهُمَّ عَرِّفْنى حُجَّتَكَ، فَاِنَّكَ اِنْ لَمْ تُعَرِّفْنى حُجَّتَكَ، ضَلَلْتُ عَنْ دينى.»(1).

ص: 34


1- مصباح المتهجّد: 411. بحار الأنوار : 187/53 و : 89/99. ورواه باختلاف يسير السيّد ابن طاووس في جمال الأسبوع: 315، والطوسي في الغيبة : 334، والنّعماني في الغيبة : 166، والصّدوق في كمال الدّين : 512، والكليني في الكافي : 337/1 .

وتنقسم المعرفة إلى المعرفة العالية والمعرفة الدانية ، فعدّوا المعرفة بلحاظ المنشأ والمبدأ معرفة للسالك من وجه ، ومعرفة للعارف من وجه آخر؛ وذلك أنّ المعرفة الحقّة تبدأ من معرفة الأدنى لتتدرّج إلى العالي فالأعلى ، بينما حقّ المعرفة تنطلق من معرفة الأعلى لتندرّج إلى العالي فالداني فالأدني ؛ إذ خير سبيل إلى المعرفة أن يكون منشأ المعرفة ومبدؤها معرفة الله تعالى ، وأن يعرف الله تعالى بالله - لا أن يعرف بغيره ، بل يكون هو طريقاً وسبباً لمعرفة مخلوقاته . وعلى هذا وردت أدعية أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين ) كقوله (علیه السّلام) في دعاء أبي حمزة الثّمالي: «بِكَ عَرَفْتُكَ وأنْتَ دَلَلْتَني عَلَيْكَ ، وَدَعَوْتَني إلَيْكَ ، وَلَوْ لَا أنْتَ لَمْ أدْرِ ما أنْتَ »(1).

وهكذا ما ورد في دعاء يوم عرفة عن مولانا أبي عبدالله الحسين (علیه السّلام) : « اَيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ حَتّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ ، مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ اِلى دَليلٍ يَدُلُّ عَليْكَ؟!

وَمَتى بَعُدْتَ حَتّى تَكُونَ الاْ ثارُ هِىَ الَّتى تُوصِلُ اِلَيْكَ ؟! عَمِیَتْ عَيْنُ

ص: 35


1- الصّحيفة السّجادية : 214. إقبال الأعمال : 157/1 . البحار : 270/3

لَا تَراكَ عَلَيْها رَقِيباً »(1).

وما ورد في دعاء الصّباح: «یا مَنْ دَلَّ عَلىٰ ذاتِهِ بِذاتِهِ (2) .

فأفضل المعرفة أن يعرف الله تعالى شأنه بالله .

وفي الكافي : « اعْرِفُوا اللهَ بَاللهِ »(3)، وعن أبي عبدالله(علیه السّلام)

: «عَرَفَ اللّه َ مَن عَرَفَهُ بِاللّه ِ ، فَمَن لَم يَعرِفْهُ بِهِ فلَيسَ يَعرِفُهُ ، إنَّما يَعرِفُ غَيرَهُ»(4) ولهذا قال المولى السّبزواري : « و بیان کونه تعالى برهاناً و مظهراً لكلٌ مجهول أنّ الدليل المرشد للعقل إلى المطلوب كالذي يأخذ بيد الأعمى ويوصله إلى مقصوده ، فإذا أردت أن تصل إلى حدوث العالم فصدّقت بسيلانه ثمّ صدّقت بحدوثه ، فسيلان العالم وحركته الجوهريّة والكيفيّة والكمّيّة ، وبالجملة حركته ذاتاً وصفة أظهرت لعقلك الحدث ، وأوصلتك إليه ، لكنّ السّيلان الحاصل في الذهن موجود من الموجودات ، له ماهيّة و وجود ؛ إذ الماهيّة منفكّة عن كافّة الوجودات لا تقرّر لها كما قرّر في محلّه ، فكيف تكون بذاتها مظهرة

ص: 36


1- شرح اُصول الكافي : 88/3 . بحار الأنوار : 142/64 .
2- التّوحيد للصدوق: 35. الأمالي للمفيد : 254. بحار الأنوار: 84/ 339.
3- التّوحيد للصدوق : 35. الكافي: 1/ 85. الهداية للصدوق: 15.
4- الكافي: 114/1 . التّوحيد : 143. بحار الأنوار : 161/4 .

لشيء ؛ لأنّ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له ، فهي من حيث هي لا مظهرة ولالا مظهرة ، فوجودها مظهر ، والوجود بشراشره إشراق الحقّ «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ » (1)، أي بإشراقه استشرقت المجرّدات والمادّيّات...». إلى أن قال : « وكذا في الحدود ، فهو البرهان على غيره ، وكذلك هو البرهان على نفسه ... الخ » (2) .

وبهذا المعنى قال الشيخ الرّئيس : «الأوّل تعالى لا برهان علیه ، بل هو برهان على كلّ شيء» (3)، وتعرف مخلوقاته به ، فيعرف النّبيّ بالله تعالى ، ويعرف الإمام بالنبيّ، ويعرف العالم النّائب مناب الإمام بالإمام (علیه السّلام) ، وهكذا.

وأمّا أن يعرف الله تعالى بمخلوقاته فهو طريق إلى المعرفة الحقّة دون حقّ المعرفة ، وهو طريق العامّة العباد قد أرشد إليه الخالق الحكيم وحثّ عليه أيضاً، لكنّه الطّريق الأبعد، والمسلك الأشقّ ، كما في آيات الآفاق والأنفس ، كقوله تعالى : «فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ »(4)،

ص: 37


1- سورة النُّور: 35.
2- شرح الأسماء الحسنی: 1/ 50 - 51.
3- شرح الأسماء الحسنی: 50/1 .
4- سورة عبس : 24.

«أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا » (1)، «أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ *وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ » (2)

وقال أمير المؤمنين (علیه السّلام) : «مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ»(3)۔ ولهذا قال المحقّق المازندراني : « يعني عرف ربّه بعد ما عرف به نفسه لابمثله ؛ لامتناع التّشبيه ، فمنعرف نفسه بالحدوث والإمكان والعجز والجهل مثلاً، عرف ربّه بالقِدم والوجود والقدرة والعلم»(4)

وهناك طريق أوسط بين الطّريقين وهو للخاصّة من أهل الإيمان،

ص: 38


1- سورة النّازعات : 27.
2- سورة الغاشية : 17 - 19.
3- شرح أصول الكافي : 23/3 . عوالي الليالي : 54/1 . بحار الأنوار : 32/2 . المناقب للخوارزمي : 375.
4- شرح اُصول الكافي : 23/3 .. وقال بعض الأكابر معناه : «كما لا يمكن التّوصل إلى معرفة النفس ، أعني الرّوح ، كذلك لا يمكن التّوصل إلى معرفة الرّبّ »، وقال بعض الأعلام : « معناه أنّه كما لا يمكن التّوصل إلى معرفة النّفس، لا يمكن التّوصل إلى معرفة الرّبّ ».

كما في زيارة الجامعة الكبيرة : « بکم عرف الله »(1)، وفي الحديث : « سبّحنا ، فسبّحت الملائكة ، وهلّلنا ، فهلّلت الملائكة (2). و في نحو التقاء طرق المعرفة هذه عند نقطة اشتراك تفاصيل ليس هنا محلّها.

وكيف كان فهذه مقدّمة و توطئة لبيان أهميّة المعرفة الّتي جُبل عليها الإنسان ، ومن هنا كان لا بدّ للحكيم جلّت حكمته أن لا يهمل عباده ، فبعث إليهم الأنبياء ليستخرجوا دفائن الكنوز المودعة في الفطرة الإنسانية فيعملوا على تصقیلها وتطويرها ، وأیُّ كنز في فطرته أغلى وأنفس من كنز المعرفة ، ولهذا كانت الحكمة ضالّة المؤمن (3) يأخذها أينما وجدها، وعلى هذه المعرفة تقوم دعائم الحياة و يجري شریانها، ولا خير في إنسان لا معرفة له ، بل هو والبهيمة على حدّ سواء.

ص: 39


1- التّوحيد للصدوق : 152. كفاية الأثر : 300. بحار الأنوار : 260/26 .
2- نور البراهين للسيّد نعمة الله الجزائري: 386/1 . ومثله قوله (علیه السّلام) : « ولَوْلَانا ما عُرِفَ اللهُ » بصائر الدّرجات : 81. وأيضاً : «من عرفهم فقد عرف الله » المهذّب: 290/1 . المقنعة : 488. وأيضاً : « ولولاهم ما عرف الله عزّ وجلّ » الكافي 193/1 .
3- الكافي : 167/8 . من لا يحضره الفقيه : 380/4 . تحف العقول : 394.

ص: 40

الدّرس الثّاني: العلم والمعرفة /2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إذ معرفة الله سبحانه وتعالى رأس سلسلة المعارف، وقد أجاد

الشيخ الرّئيس ابن سینا حين قال:

«جلّ جناب الحقّ أن يكون شريعة لكلّ وارد ، وأن لا يطّلع عليه إلّا واحداً بعد واحد» (1) بعدما علمنا أنّ حقّ معرفته تعالى أعلى مراتب المعرفة ولذلك قال(صلّی الله علیه وآله وسلم ) : « يا عليّ ، ما عرف الله إلّا أنا وأنت ، وما عرفني إلّا الله وأنت ، وما عرفك إلّا الله وأنا» (2)، فلا تتسنّى هذه

ص: 41


1- کشف الظّنون حاجي خليفة: 842/1و 160. الصّوارم المهرقة للتستري : 269.
2- مختصر بصائر الدّرجات للحلّي : 120.

المعرفة لأحد من الخلق سواهما ، وهي تختلف اختلافاً جوهريّاً عن المعرفة الحقّة كما هو الحال في مطلق المعرفة والمعرفة المطلقة ، فمطلق المعرفة شأن عامّة الناس وديدنهم ، وأمّا المعرفة الحقّة فشأن الخواصّ والألمعيّ من الخواصّ ، كما أنّ حقّ المعرفة الّتي هي المعرفة المطلقة تختصّ بهم عليهم الصّلاة والسّلام ؛ إذ «جلّ جناب الحقّ أن یکون شريعة لكلّ وارد» ، ولهذا «فمن زار الحسين (علیه السّلام) عارفاً بحقّه غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر (1)، كما في الحديث ، وهي منزلة يمكن أن ينالها عامّة المؤمنين ؛ إذ تكفي فيها مطلق المعرفة وإن تفاوتت المنزلة بتفاوت المعرفة ، خلافاً لقوله (علیه السّلام) : « من زار الحسين (علیه السّلام) عارفاً بحقّه فكأنّما زار الله عزّ وجلّ فوق عرشه »(2)، وهي المعرفة الخاصّة التي تسمّى بالمعرفة الحقّة ، ولا ينالها سوى الخاصّة من العباد ، ولمّا لم تكن هذه المعرفة ممّا تناله النفوس الغارقة في بحر الظلام وحتّى النفوس غير الملكوتية المعصومة فإنّ طریق حقّ المعرفة ، أعني معرفة

ص: 42


1- کامل الزّيارات: 262.
2- فضل زيارة الحسين (علیه السّلام) لمحمّد بن على الشّجري : 72. ومثله : عن أبي الحسن الرّضا (علیه السّلام) : «من زار الحسين بن عليّ (علیه السّلام) عارفاً بحقّه، كان من محدّثي الله تعالی فوق عرشه» مستدرك الوسائل : 251/10، وكامل الزيارات : 268.

الحقّ جلّ وعلا من غير الوسائط ومن دون معرفة خلقه والتّدرّج من معرفتهم إلى معرفة ذاته المقدّسة ، أبعد من أن تناله العقول السّاذجة والنّفوس الغليظة لاختصاصها بالأنفس الملكوتيّة النفيسة ، وهي نفوس أهل العصمة (صلوات الله عليهم)، وعلينا أن نخوض هذا البحر اللّجّي ونقتحم هذا الباب من أوسط السبل وأوضح المسالك ، وهو عبر معرفة أولياءه ورسله من جهة ما نطقت به آیاته و دلّت عليه بيّناته متمسّكين في ذلك بحبل الله المتين من الكتاب الحقّ والسّنّة الشّريفة الّتي لا تنطق عن الهوى ، وقد ثبت أنّ الحكيم لايهمل عباده عن معرفته ، ودلّهم على قدسيّة ذاته بإرسال الرُّسل وبعثة الأنبياء ، فكانوا منعوتين بالكمال ، معتصمين بذات الحكيم المتعال ، ليخرجوا النّاس من الظّلمات إلى النُّور ، أي من الجهل إلى المعرفة ، و من عبادة سوى الله تعالى إلى عبادته ، ومن طاعة المخلوق إلى طاعة الخالق ، وهل هناك رسالة أشفي وهدف أسمي من رسالة الأنبياء ؟

قال رئيس المحقّقين نصير الملّة والدين الطوسي قدّس الله روحه في بعض رسائله : أنّ مراتب ذلك متخالفة كمراتب معرفة النار مثلاً ، فإنّ أدناها معرفة من سمع أنّ في الوجود شيئاً يظهر أثره في شيء يحاذيه وإن أخذ منه شيئاً لم ينقص ، ويسمّى ذلك الموجود ناراً .

ص: 43

ونظير هذه المرتبة في معرفة الله تعالى معرفة المقلّدين الذين صدّقوا بالدين من غير وقوف على الحجّة .

وأعلا منها مرتبة من وصل إليه دخان النار وعلم أن لا بدّ له من مؤثّر ، فحكم بذات لها أثر هو الدخان ، ونظير هذه المرتبة في معرفة الله تعالى معرفة أهل النظر والاستدلال الذين حكموا بالبراهين القاطعة على وجود الصانع تعالی .

وأعلا منها مرتبة من أحسّ بحرارة النار لسبب مجاورتها ، وشاهد الموجودات بنورها وانتفع بذلك الأثر ، ونظير هذه المرتبة في معرفة الله سبحانه و تعالى معرفة المؤمنين الخلّص الذين اطمأنت قلوبهم بالله وتيقّنوا أنّ «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ » ، كما وصف به نفسه .

وأعلا منها مرتبة من احترق بالنار بكلّيّته وتلاشى فيها بجملته . ونظير هذه المرتبة في معرفة الله تعالى معرفة أهل الشهود والفناء في الله ، وهي الدرجة العليا والمرتبة القصوى ، رزقنا الله تعالى الوصول إليها والوقوف عليها بمنّه وكرمه ، انتهى كلامه أعلى الله مقامه(1).

حتّى جاء الموعود وأشرقت الأرض بنور ربّها، فولد أشرف

ص: 44


1- مفتاح الفلاح : 126.

مخلوق ليكون بعد أربعين عاماً أشرف الأنبياء وخاتم الرُّسل ، ويأتي بأكمل الشّرائع وخاتمة القوانين السّماويّة، وينادي بأعلى صوته: «قُولُوا لَا إلٰه الَّا تُفْلِحُوا »(1)، ويصيح: « إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» (2)، وهي المكارم التي بدأ بها أبونا آدم (علیه السّلام) وسارت في الخيرة من ذرّيّته سلسلة منسجمة متراصّة مترابطة من نوح إلى إبراهيم ، إلى موسى ، ثمّ عيسى ، واختتمت بخاتم النّبوة المحمّدية ، وتبدأ بعصر جديد من أزمنة الخير والفضيلة ، تحمل معها مواريث الأنبياء فيكتمل الدّين وتتمّ النّعمة ، كلّ ذلك بالعلم والمعرفة والتّفقّه في الدّين .

ومن هنا كانت معرفة النّبيّ(صلوات الله وسلامه عليه ) فرع معرفة الله تعالى : « اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَ غُرَفُ رَسُولُكَ» (3)؛ لأنّ المعرفة الصّحيحة بالله تعالى كفيلة بأن تكون نبراساً يقتدى بها ، ومشعل هداية يهتدى بها ، والأساس المتين الّذي تبتني عليها المعرفة الحقّة بالسفير الّذي يمتّله جلّت قدرته ،

ص: 45


1- وهو شعار التّوحيد .
2- بحار الأنوار: 210/16 و : 372/67 . کنز العمّال : 16/3
3- الكافی: 337/1 ، 342. التوحيد: 287. كمال الدين : 342.

والنّبيّ المبعوث الّذي هو صمّام أمان لأهل الأرض ، بل لأهل السّماوات والأرض ، من اقتحام الهلكات وخوض الفتن والمهالك ، كما هو أمان للسّماوات والأرض من خطر الاندثار والدّمار ، فإذا عرف الحقّ جلّت عظمته بحقيقة المعرفة عرف النّبيّ الّذي يمثّله ويبلّغ عنه ، حقّ المعرفة ، وإلّا فالجاهل المحجوب عن معرفة الحكيم حقّ المعرفة حريّ بأن يكون أجهل بالنبيّ الّذي ينوب عنه ، والخطر كلّه مكمون خلف حجاب الجهل بالربّ جلّ وعلا ؛ إذ الجهل به آفة الكمال ومقدّمة الجهل المطلق المناهض لبعثة الأنبياء وإرسال الرُّسل ؛ لأنّه نقض للغرض من بعثتهم بالشرائع والقوانين ؛ ذلك أنّ هذا الجهل لاجرم ينتهي بصاحبه إلى الجهل بالحجّة الّذي يفترض أن يخلف النّبيّ ( عليه الصّلاة والسّلام ) في حفظ الشّريعة من عبث العابثين إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ» (1)؛ إذ النّتيجة تتبع أخسّ المقدّمتين ولهذا قال (علیه السّلام) : « اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولُكَ »، أي بالمعرفة الحقّة « فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رسولک لَمْ أَعْرِفْ حجتک » وخليفتك في أرضك من بعده ، ذلك أنّ معرفة الرّبّ تعالى ضمان لمعرفة النّبيّ المبعوث من قِبله ، فلا ينغرّ صاحب هذه المعرفة ولا ينخدع بدعاة النّبوّة

ص: 46


1- سورة الحجر: 9.

ولا ينساق الضلالاتهم وأباطيلهم ؛ لأنّ السّيرة الذّاتيّة لمدّعي النّبوة تكشف حقيقة الزّعم من زيفه ؛ إذ السّفير ممتّل ، والممثّل على شاكلة سیّده الّذي يزعم تمثيله ونيابته ، فمن عرف الله تعالى علم أنّ نبيّه وسفيره لا يكذب ولا يغدر ولا يفجر ولا يظلم ولا يأتي بالقبائح مطلقاً ، بل لا يكون إلّا أكمل النّاس وأفضلهم خَلْقاً وَ خُلُقاً وَ مَنْطِقاً وَ عِلْماً وَ مَعْرِفَةً وَ بَهَاءً وَ جَلَّالًا وسلوكا وَ مَسْلَكاً ، وَ أَسْخَاهُمْ جُوداً وکرما وَ رَأْفَةٍ وَ رَحْمَةً وَ هَلُمَّ جَرّاً ... لا يدانيه في الفضائل أفضل النّاس ولا في الكمالات أكملهم.

ومن ثمَّ كانت معرفة الإمام الّذي يرث النّبيّ ويقوم مقامه وينوب عنه ليكون حجّة على العباد وأماناً للبلاد « لَولَا الْحِجَّةِ لَسَاخَتْ الْأَرْضِ بِأَهْلِهَا »(1)، عن أبي جعفر (علیه السّلام) ، قال : « لَوْ بَقِيَتِ الْأَرْضُ یوما وَاحِداً بِلَا إِمَامٍ مِنَّا لَسَاخَتْ الأزض أَهْلِهَا ، وَ لَعَذَّبَهُمْ اللَّهِ باشد الْعَذَابِ » (2)، هذه المعرفة هي الفيصل بين الحقّ والباطل ، ومن جهل

ص: 47


1- مستدرك سفينة البحار : 278/5 .
2- نوادر المعجزات للطبري الشّيعي: 196. دلائل الإمامة للطبري الشيعي: 436. ومثله باختلاف يسير في الغيبة للنعمانی : 138 و 139، وفي الغيبة للطوسي: 220، والاحتجاج : 48/2 ، وبحار الأنوار : 6/23، و: 21، 24، 28، 29، 37.

وصف النّبيّ لجهله بوصف الله تعالى ونعته ، جهل بالضرورة القطعيّة وصف الإمام والحجّة من بعده ، وأخطأ في تمييزه بشخصه وعينه ، وبما أنّ النّبيّ أيّامه قصيرة ونبوّته تنحصر عادة في شخصه ، وأمّا الإمام النّائب عنه فإنّ إمامته وحجّيّته تتوالى وتنتقل ظهراً لظهر و خلفاً عن سلف ، ولا تنقطع بموته ، فمعرفته غاية في الأهميّة؛ إذ معرفة الإمام بعينه فرع معرفة الإمامة ، ومعرفة الإمام فرع معرفة النّبيّ بعينه ، و معرفة النّبيّ بعينه فرع معرفة النّبوّة ، ومعرفة النّبوّة فرع معرفة الله تعالى ، والجهل بالنبيّ يستتبعه الجهل بالإمامة الّذي ينتهي بصاحبه إلى الجهل بشخص الإمام ، وإن شئت فقل : معرفة الإمام فرع معرفة النّبيّ، ومعرفة الإمامة فرع معرفة النّبوّة ، وكيف كان فالجهل بالإمام منبع الشّرور والانحرافات ؛ إذ اتّباع الحقّ فرع معرفة الحقّ المتمثّل في شخص الإمام (علیه السّلام) ، وهل بعد الحقّ إلّا الضّلال ؟ فالانحراف عن الإمام انحراف عن جادّة الصّواب والوقوع في شرك الشّيطان : « فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي » ، فالضّلال والانحراف والهلاك واتّباع الهوى والشّيطان لاعلّة لها سوى الجهل وعدم المعرفة ، فالجهل منبع الشّرور والظّلمات وطريق المهالك ، بينما العلم والمعرفة منبع الخيرات والأنوار و سبيل النّجاة ، وهي لاجرم تبدأ من معرفة الذّات الواجبية المقدّسة ، وتنتهي بمعرفة الإمام والحجّة

ص: 48

«نَحْنُ حُجَجُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ ، وَ خُلَفَاؤُهُ فِي عِبَادِهِ ، وأمناؤه عَلَى سِرِّهِ» (1)، وهذه المعرفة وإن بدأت بمعرفة الله تعالى وتبارك و تنتهي إلى معرفة الحجّة ، إلّا أنّ معرفة الحجّة فرش المعارف ومعرفة الواجب عرش المعارف ، ومعرفة النّبوّة منزلة بين المنزلتين.

ولهذا وقع الاختيار الصّائب ممّن عرفوا الله والنّبيّ والنّبوّة حقّ المعرفة أو بالمعرفة الحقّة على اتّباع أئمّة أهل البيت (علیهم السّلام) بعد النّبيّ الخاتم(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) .

وجاء مولد الصّادق من آل محمّد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ولادة جديدة للإمامة الّتي يكون بها دوام النّبوّة وديموميّة الرّسالة المحمّدية(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وهي المعرفة المنقذة للاُمّة من ظلمات الجهل إلى نور اليقين والسّعادة الأبدية ، حيث أحيا الشّريعة الّتي لولاه لاندر ست معالمها ، وإنّما أحياها بإنشاء أعظم محفل علمي وجامعة تربويّة كفيلة بالنهوض بالاُمّة عبر العلم والمعرفة وتربية الأجيال من العظماء والعلماء ممّن ملؤا الخافقين علماً وأدباً وفضلاً وكمالاً ؛ إذ بمعرفة الإمام (علیه السّلام) يُعرف الورثة الصّادقون للإمام في كلّ عصر ومصر ، لئلا تدْلَهِمّ بالناس عواصف الفتن و تزّل بهم وعورة الطّريق.

ص: 49


1- بحار الأنوار: 35/23 و : 312/108 .

من هنا أيضاً جاءت فكرة إنشاء مركز علمي حوزوي تحقيقي على غرار الحوزات الشّيعيّة على مرّ التّاريخ يهتمّ بشؤون المعرفة والآداب في المجتمع الكويتي وغيره من مجتمعاتنا الإسلاميّة ، فكانت وليدة العلم والمعرفة توّاقة إليها ، والحمد لله الّذي منّ علينا بفضل العناية الرّبّانيّة ودعاء مولانا البقيّة الباقية من العترة الهادية ( عجّل الله تعالى فرجه الشّریف ) : « إِنَّا غَيْرِ مُهْمَلِينَ لمراعاتكم ولاناسین لذكركم »(1)، أن تظافرت الجهود المخلصة من علمائنا وطلّابنا أيّدهم الله تعالى لتقترن ولادة مركز الإمام السّجّاد (علیه السّلام) بولادة النّبيّ الخاتم(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وولادة حفيده الإمام جعفر بن محمد الصادق ، ويرى الثور في ذكرى ولادة النّورين ( عليها الصّلاة والسّلام ) من العام المنصرم، وقد مرّ عليه عام منذ السابع عشر من الرّبيع الأوّل من العام الماضي ، وقد حقّق -بفضل الله تعالى - الكثير من الإنجازات الّتي اُقيم من أجلها لاسيّما السّعي الحثيث على ترسيخ دعائم العلم والمعرفة في مجتمعنا ، وتشييد معالم المعرفة تبعاً له ، وقد بقي الكثير الكثير ممّا نسعى إلى إنجازه ونحن في بداية المشوار ، سائلين المولى العزيز أن يوفّقنا لما يحبّ ويرضى.

ص: 50


1- تهذیب الأحکام: 38/1 . المزار للمفيد : 8. الاحتجاج : 223/2 .

ومن ثمّ رأيت أنّ الصّواب في المدخل إلى البحث عن الإمام المهديّ أرواحنا له الفداء، وإطلاق عنان القلم لخوض غمار هذا المبحث العقائدي ، وبسط أطراف الحديث فيه، لا يتمّ إلّا على اُسس متينة وقواعد راسخة ، فشرعت بمقدّمة من الدروس العقائديّة بدءاً من التّوحيد وانتهاء بأصل الإمامة ليكون تمهیداً و توطئة ومدخلاً إلى المطلوب في هذه الحلقات ، والغاية الّتي عقدت من أجله ، وهو البحث عن الحجّة المنتظر عجّل الله تعالی فرجه؛ لاعتقادنا بأنّ البحث عن الإمام القائم أرواحنا فداه جزء لا يتجزّأ عن سائر الاُصول الاعتقاديّة لدى الفرقة النّاجية والطائفة الحقّة ، واكتفيت هنا باقتباس هذه المقدّمة من كتاب الهداية للشيخ الصّدوق - أعلى الله مقامه الشّريف -، مضيفاً إليها شيئاً يسيراً من تعليقاتي بغية رفع الغموض عمّا جاء فيه ، فما بين القوسين عبارة عن متن کتاب الهداية ، وما سواه فهو منّي ، وإنّما وقع اختياري على هذا الكتاب لأسباب :

أوّلها : جلالة قدر المصنّف وعظمة شأنه في الفرقة النّاجية . ثانيها : الرّغبة في الإيجاز وعدم الإطالة أو الإطناب.

ثالثها : أهمّيّة الكتاب وموقعه المتميزّ بين مصنّفات أعلام

الطّائفة الحقّة.

ص: 51

رابعها: كون الكتاب من الكتب المصدرية القديمة ، والمؤلّف من

أعلام المتقدّمين.

خامسها : تميّز الكتاب وتشخّصه بوضوح التّعبير وسلاسة

البيان.

ص: 52

الدّرس الثّالث: ما يجب الاعتقاد به /1

1- التّوحيد

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يجب الاعتقاد بأنّه تبارك وتعالى :

1- ( واحد ) : قال تعالى : «وَ إِلهُكُمْ إِلهُ واحِدُ» (1)، وقال تعالى : «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » (2) ، وقال أمير المؤمنين (علیه السّلام) : « وَاجِدُ لَا بِعَدَدٍ » (3)، فهو واحد لا يثنّى ؛ إذ لاثاني له ، وليس في الوجود

سواه .

ص: 53


1- سورة البقرة : 163.
2- سورة التّوحيد: 1.
3- نهج البلاغة

2 - ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءُ ).

3 - ( لا يُحَدْ): بالحدود الجوهريّة ، ولا الحدود العرضيّة .

4- ( ولا يُحَسّ ): لا بالحواسّ الظّاهرة ، كالسمع والبصر والشّمّ والذّوق واللّمس ، ولا بالحواسّ الباطنة ، كالخيال والوهم والحسّ المشترك والمحافظة والمتصرّفة.

5-( وَ لَا يُجَسُّ ): قد يراد به اللّمس ، فهو من باب ذكر الخاصّ بعد العامّ؛ لأنّه من الحواسّ الظّاهرة ، وقد يراد به التجسُّ والتفحّص.

6- ( ولا يُمَسّ ): والمسّ هو اللّمس باليد ، والمراد هنا المسّ بالحواسّ الباطنة ، كالإدراك العقلي والوهمي والخيالي ، فهو أيضاً من قبیل ذكر الخاصّ بعد العامّ.

7- ( وَ لَا يُدْرَكُ بالأوهام وَ الْأَبْصَارِ ): تفصيل بعد إجمال.

8- ( وَ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةُ ): الخفقة الّتي تسبق النّوم ، ( وَ لَا نَوْمُ ) .

9- ( شَاهِدُ عَلَى كُلِّ نَجْوَى ) : لقوله تعالى : «وَ مَا يَكُونُ مِنْ نجوی ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لَا أَكْثَرَ

ص: 54

الَّا هُوَ مَعَهُمْ »(1).

10 - ( محیط بِكُلِّ شَيْ ءُ ) : لقوله تعالى : «أَحاطَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عِلْماً» (2) ؛ لأنّه عالم بالأشياء محيط بها كلّها جملة وتفصيلاً ، بجزئیّها وكّلیّها.

11 - ( لَا يُوصَفَ بِجِسْمٍ ) : قال تعالى : «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءُ»(3) ، وقال أيضاً: «سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ» (4)؛ إذ ما من جسم إلّا وهو محدود بحدود ، ولو بحدود افتراضيّة ، والمحدوديّة من الصّفات الذاتيّة للجسم ، وقد تقدّم أنّه تعالى : ( لا يُحَدّ).

12 - ( وَ لَا صُورَةُ ): عطف على الجسم ، أي ولا يوصف بصورة ؛

إذ لاصورة إلّا بحدود ، ولا تصوير إلّا للمحدود.

13 - ( وَ لَا جَوْهَرَ ): قال الحكماء والفلاسفة : « الْجَوْهَرِ مَاهِيَّةِ إِذَا وَجَدْتَ وَجَدْتُ لَا فِي مَوْضُوعُ » ، والله تعالى خالق الذّوات

ص: 55


1- سورة المجادلة : 7.
2- الطّلاق : 12.
3- سورة الشّوری : 11.
4- سورة المؤمنون: 91 و سورة الصّافّات : 159.

والموضوعات والموجودات ، فهو منزّه عن كونه ماهيّة أو ذاتاً لم تلبّس في الماهيّة ، سبحانه وتعالى عمّا يصفون.

14- (وَ لَا عَرَضَ ): قالوا : « وَ الْعَرْضَ مَاهِيَّةِ أَوْ ذَاتُ إِذَا وَجَدْتَ وَجَدْتُ فِي مَوْضُوعُ » ؛ لأنّه تعالى منزّه عن كونه جوهراً ، فنفي العرضيّة عنه أمر مفروغ عنه بالأولويّة القطعیّة . قالوا: والأعراض تسعة ، كما أنّ الجوهر واحد ، و تفصيل ذلك في محلّه من كتب الحكمة والفلسفة ، لاسيّما المطوّلات منها ، وقد تعرّضنا لشرحها مفصّلة مبسّطة في شرحي البداية والنّهاية.

15-( وَ لَا سُكُونٍ ).

16 - ( وَ لَا حَرَكَةٍ ): إذ كلّ متحرّك حادث ، وكلّ حادث مآله إلى

الزّوال والفناء

17 - ( وَ لَا صُعُودُ ): لأنّه فرع الحركة ؛ إذ كلّ صاعد متحرّك .

18 - ( وَ لَا هُبُوطُ ) : وهو كذلك فرع الحركة. وقد نفیناها عنه

تبارك وتعالى.

19 - ( وَ لَا قِيَامٍ ): تفصيل بعد إجمال ؛ لأنّه فرع على الحركة . 20 - ( وَ لَا قُعُودٍ ) : وهو كسابقه.

ص: 56

21 - ( وَ لَا قُعُودٍ ) : إذ هو حدّ من الحدود والأوزان .

22 - ( ولا خفّة ): لأنّها من أوصاف المحدود.

23 - ( ولا جيئة ): لأنّها من الحركة .

24- ( ولا ذهاب ) : أيضاً من الحركة .

25 - ( ولا مكان ): لعدم كونه جوهراً ولا عرضاً حلّ في جوهر .

26 - ( ولا زمان ): لأنّ الزّمان أثر المتحرّك وناشئ من الحركة.

27 - ( ولا طول ، ولا عرض): إذ هما من أوصاف الجسم المحدود، فهو ليس كالنقطة ، ولا الخطّ.

28 - ( ولا عمق ): إذ ليس هو کالجسم الطبيعي .

29 - ( وَ لَا فَوْقُ ، وَ لَا أَسْفَلَ ): إذ الفوقيّة والتّحتيّة من صفات

المحدود.

30 - ( وَ لَا يَمِينٍ ، وَ لَا شِمَالٍ ) : وهما أيضاً من صفات الأجسام.

31 - ( وَ لَا وَرَاءِ ، وَ لَا أَمَامَ ).

32 - ( وَ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ ): بوجوده السّرمدي سميعاً بصيراً.

33 - ( وَ لا يَزالُ ) : بوجوده الأبدي سميعاً بصيراً.

ص: 57

34 - ( حکیماً ): في فعله وصنعه وإيجاده ، تشريعاً وتكويناً،

بالاتقان الّذي لا يطروه الفساد.

35 - ( عليماً ): بذاته حيث لا معلوم ، وعليماً بغيره قبل الإيجاد

وبعد إيجاد الخلق ، لا تخفى عليه خافية ، يعلم السّرّ وأخفي .

36 - ( حيّاً): لايموت ، وهو حيّ لنفسه بنفسه من نفسه .

37 - ( قیّوماً ) : أي قائماً بشؤون خلقه ، مدبّراً لأمرهم ، فعّالاً لما يريد.

38 - ( قدّوساً): طاهراً منزّهاً. قال تعالى : «يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ » (1).

39 - ( عزيزاً) : قاهراً لما سواه ، غالباً على أمره، لا يعجزه شيء ، ولا يمتنع عن إرادته شيء.

40 - ( أحداً ) : «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » ، فهو أحد في ذاته ، أي لا ترکیب في ذاته المقدّسة ؛ إذ لا أبعاض له ولا أجزاء ، ولا جوارح ولا أعضاء؛ إذ صفاته عين ذاته.

41 - ( صمداً ): سيّداً مطاعاً، مقصوداً في قضاء الحوائج والإدارة

ص: 58


1- سورة الجمعة: 1.

والتّدبير وفي كلّ شيء.

42 - ( لَمْ يَلِدْ ): غيره ليكون أباً لابن ؛ إذ لا غير له ولا غيريّة معه . 43 - ( وَ لَمْ يُولَدْ ) : من شيء ليكون ابناً لأب.

44 - ( وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدُ ): حتّى يكون زوجاً له ، أو ينازعه في ملكه وملكوته.

45 - ( خَارِجُ مِنَ الْحَدَّيْنِ : حَدُّ الْإِبْطَالِ ) : فهو شيء لقوله تعالى : «قُلْ أَيُّ شَيْ ءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً» (1) ، فلا يصحّ نفي الشّيئيّة عنه؛ لأنّها تعني الوجود والموجود ، وهو صرف الوجود، بل هو شيء لاکالأشياء، وفي نفي الشّيئيّة عنه تعالى إبطاله ونفيه عن أصل الوجود، أو نفي صفات الكمال الفعليّة والإضافيّة عنه .

46 - ( وَحَّدَ التَّشْبِيهِ ): إذ «لَيْسَ کمثله شَيْ ءُ» ، فإثبات مثله سبحانه و تعالی بلا تشبیه وذلك بعدم اشتراك الممكنات معه في حقيقة الصّفات و عوارض الممكنات .

47 - ( خَالِقُ كُلِّ شَيْ ءٍ ): والخلق كلّهم عياله ، وخلق الله تعالى

للخلائق خلق تكوين ، كما أنّ خلقه تعالى لأفعالهم خلق تقدير.

ص: 59


1- سورة الأنعام: 19.

48 - ( لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ): شعار التّوحيد .

49 - ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ): إذ الأبصار عن إدراك من دونه من الخلائق عاجزة فكيف بإدراك ذاته المقدّسة ، ولعلّ المراد هو الادراك القلبي والعقلي ، فالمعنى حينئذٍ أنّها عاجزة عن إدراك كنه ذاته ومعرفة حقيقة صفاته الذّاتيّة ، ولهذا منعنا من التفكّر في ذاته وصفاته الذّاتيّة لأنّها عين ذاته اللّاهوتيّة المقدّسة ، وإنّما اُمرنا بالتفكّر في أفعاله جلّت عظمته .

50 - ( وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ): بحقيقة الإدراك ، وكيف لا وهو

خالقها ومبدعها «يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ مَا تُخْفِي الصُّدُورُ» (1)

51 - ( وَ هُوَ اللَّطِيفُ ): البارٌ بعباده ، والمنعم عليهم ، والمكرم لهم ، كما أنّه جلّ وعلا لطيف في تدبيره وخلقه وفعله.

52 - ( الْخَبِيرُ ) : والعالم الّذي لا يخفي أخبار عباده عليه ، بل هو عالم بأخبارهم علماً يفوق كلّ علم.

53 - ( وَأَنْ الْجِدَالِ ) في الله تعالى ( مَنْهِيٍّ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ ) ، وقد سُئل الصادق (علیه السّلام) عن قول الله عزّ وجلّ: «وَأَنَّ إِلَى

ص: 60


1- سورة غافر: 19.

رَبِّكَ الْمُنْتَهَى »(1)، قال: « إِذَا انْتَهَى الْكَلَامُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ فَأَمْسِكُوا »(2)، وروي عن أبي جعفر (علیه السّلام) أنّه قال : « تَكَلَّمُوا فِي خَلْقِ اللَّهِ وَ تَتَكَلَّمُوا فِي اللَّهِ ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ لَا يَزِيدُ إِلَّا تَحَيُّراً » (3)الكافي: 92/1 .(4).

54 - ويجب أن يعتقد : أنّا عرفنا الله بالله تعالى ، كما قال أمير المؤمنين عليٌ بن أبي طالب (علیه السّلام) : « اعْرِفُوا اللَّهَ بِاللَّهِ ، وَ الرَّسُولَ بِالرِّسَالَةِ ، وَ أُولِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ الْعَدْلِ وَ الْإِحْسَانِ »(5)، وسئل أمير المؤمنين (علیه السّلام) : بِمَ عرفت ربّك ؟ فقال : « بِمَا عَرَّفَنِي نَفْسِهِ »، قيل : وكيف عرّفك نفسه ؟ فقال(علیه السّلام) : « لَا شِبْهَهُ صُوَرِهِ ، وَ لَا يُحَسُّ بِالْحَوَاسِّ ، وَ لَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ ، قَرِيبُ فِي بَعْدَهُ ، بَعِيدُ فِي قُرْبِهِ ، فَوْقَ كُلِّ شَيْ ءٍ ، وَ لَا يُقَالُ شَيْ ءُ فَوْقَهُ ، أَمَامَ كُلِّ شَيْ ءٍ ، وَ لَا يُقَالُ لَهُ أَمَامُ ، دَاخِلُ فِي الْأَشْيَاءِ لَا كَشَيْ ءٍ فِي شَيْ ءٍ دَاخِلٍ وَ خَارِجُ مِنَ الْأَشْيَاءِ ، لا کشيء مِنْ شَيْ ءٍ خَارِجٍ ، سُبْحَانَ مَنْ هُوَ هکَذا ، وَ هَكَذَا غَيْرِهِ ، وَ لِكُلِّ شَيْ ءٍ مُبتَدئُ»(6).

ص: 61


1- سورة النّجم: 42.
2- الكافي: 92/1 .
3-
4-
5- الهداية : 15. الإمامة والتبصرة : 138.
6- الکافي: 1/ 85.

55 - ( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ رِضَاءِ اللَّهُ ثَوَابُهُ ): وهو الجنّة والنعيم المقيم.

56 - ( وَأَنْ غَضَبَهُ عِقَابِهِ ) وهو جهنّم والعذاب الأليم ؛ «لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَزُولُ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَى شَيْ ءٍ ) حتّى تكون له حالات و نعوت ينتقل منها إلى ضدّها . ( وَ لَا يَسْتَفِزُّهُ شَيْ ءُ ) حتّى يتأثّر في ذاته ويحدث فيه التّغيير من جهة بعض صفاته كالذي يحدث للإنسان من سرور و انبساط عند الرّضا ، وغلظة وانزجار عند الغضب.

57 - ( وَ لَا يُغَيِّرُهُ ) شيء؛ إذ لا يقبل انفعالاً ولا تأثّراً حتّى يقع فيه التّغيير من حال إلى حال ، بل هو الفاعل المؤثّر على الإطلاق ، وسئل الصّادق (علیه السّلام) عن قول الله عزّ وجلّ : «الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى » (1)، فقال (علیه السّلام) : « اسْتَویٰ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ ، فَلَيْسَ شَيْ ءُ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ شَيْ ءٍ (2).

( وقال (علیه السّلام) : « مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ شَيْ ءٍ ، أَوْ فِي شَيْ ءٍ ، أَوْ علی شَيْ ءُ ، فَقَدْ أَشْرَكَ »، ثم قال(علیه السّلام) : «مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ شَيْ ءٍ فَقَدْ

ص: 62


1- سورة طٰه: 5.
2- الكافي : 127/1 .

جَعَلَهُ مُحْدَثَةُ ، وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي شَيْ ءٍ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ محضور ، وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَلَى شَيْ ءٍ فَقَدْ جَعَلَهُ مَحْمُولًا »(1).

(وسئل (علیه السّلام) عن قول الله عزّ وجلّ: « وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ » (2) ، فقال (علیه السّلام)

: «عِلْمُهُ» (3).

58 - ( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدُ : أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَمْ يُفَوِّضْ الْأَمْرَ إِلَى الْعِبَادِ ) : وهو ما ذهبت إليه المفوّضة من المعتزلة الزّاعمين أنّ الله تعالى خلق العباد وفوّض إليهم أعمالهم ، فليس لله تعالى في خلقه تدبیر . قال تعالى : «وَ مَا تشاؤون إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ» (4)، فلا يفعل العبد إلّا بمشية الله تعالى.

59 - ( وَ لَمْ يُجْبِرَهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي ): خلافاً للأشاعرة والمجبّرة القائلين بأنّ العبد مسيّر مجبر في أفعاله ، بزعمهم أنّ الله تعالى خلق الخلق وقدّر لهم جميع أعمالهم وأرزاقهم إلى يوم القيامة ، لا اختيار لهم في ذلك ، فكلّ ما يجري عليهم أو يصدر منهم إنّما هو بتقدير إلٰهي محتّم

ص: 63


1- الكافي: 128/1 .
2- سورة البقرة : 255.
3- التّوحید: 327.
4- سورة الدّهر: 30.

وقضاء متمَّم وليس لهم فيه يد ، ولا قدرة لهم على تغييره.

قال الصّادق (علیه السّلام): « لَا جَبْرَ وَ لَا تَفْوِيضَ ، بَلْ أَمْرُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ» (1)، فمشيّته وإرادته تعالى تعلّقتا بفعل العبد ، إذا شاء صدور الفعل من العبد ، ولا استقلاليّة لإرادة العبد حتّى يفعل ما يشاء من غير مشيئة الله تعالى ، كما لا سلب لإرادة العبد حتّى يتحقّق الجبر. قال الإمام الرّضا صلوات الله عليه : « مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ أَفْعَالَنَا ثُمَّ يُعَذِّبُنَا عَلَيْهَا فَقَدْ قَالَ بِالْجَبْرِ ، وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلٍ فَوَّضَ أَمْرَ الْخَلْقِ وَ الرِّزْقِ إِلَى حُجَجِهِ ( علیهم السَّلَامُ ) فَقَدْ قَالَ بِالتَّفْوِيضِ ، فالقائل بِالْجَبْرِ کافر ، وَ الْقَائِلُ بِالتَّفْوِيضِ مُشْرِكُ » فقلت: یابن رسول الله ، فما الأمر بين الأمرين ؟ فقال : « وُجُودُ السَّبِيلِ إِلَى إِتْيَانِ مَا أُمِرُوا بِهِ ، وَتْرَكَ ما نُهُوا عَنْهُ »(2).

60 - ( وَ أَنَّهُ لَمْ يُكَلِّفْ عِبَادِهِ إِلَّا دُونَ مَا يُطِيقُونَ ): إذ لا يأمرهم بما يفوق طاقتهم وما يعجزون عن الإتيان به ، بل لم يأمرهم إلّا دون طاقتهم ، ( قال تعالى :«لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا »(3) ، وروي عن زرارة أنّه قال : قلت للصادق (علیه السّلام) : جعلت فداك ، ما تقول في

ص: 64


1- الكافي : 160/1 .
2- عیون أخبار الرّضا (علیه السّلام): 101/1 .
3- سورة البقرة : 286.

القضاء والقدر ؟ قال(علیه السّلام) : «أقول : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِذَا جَمَعَ الْعِبَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَأَلَهُمْ عَمَّا عَهِدَ إِلَيْهِمْ ، وَ لَمْ يَسْأَلْهُمْ عَمَّا قَضَى عَلَيْهِمْ »(1) المألوف في جریان القضاء والقدر في الاُمور التكوينيّة وقد بيّنّاه في كتابنا (كيف نفهم الرسالة العملية - الحلقة الاُولى : ص86)، وأعمالهم بما أنّها وجودات خارجيّة فحالها حال التّكوينیّات ؛ لأنّها اُمور تكوينيّة ، وأمّا من حيث تعلّق الأمر والنهي والاشتمال على الطّاعة والمعصية الّتي هي من الاُمور الاعتباريّة ، فقد قيل : القدر في الأعمال ينشأ من المصالح الّتي تستدعي التّكليف الكذائي ، والقضاء هو الحكم بالوجوب والحرمة مثلاً بأمر أو نهي.

وعلّق عليه العلّامة المجلسي في الجزء الخامس صفحة (112) من البحار قائلاً: «هَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءِ وَ الْقَدَرِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي غَيْرِ الْأُمُورِ التكليفية كالمصائب وَ الْأَمْرَاضَ وَ أَمْثالِها ، فَلَعَلَّ الْمُرَادُ بِهِمَا الْقَضَاءِ وَ الْقَدَرِ الحتميان».

61 - ( وَ الْكَلَامُ فِي الْقِدْرِ مَنْهِييُّ عَنْهُ ، كَمَا قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (علیه السّلام) لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنِ الْقَدْرِ ، فقال(علیه السّلام) : « وَ بَحْرُ عَمِيقٍ

ص: 65


1- التّوحيد: 365.

فَلَا تَلِجُوهُ »، ثمّ سأله ثانية عن القدر ، فقال (علیه السّلام) : «طَرِيقُ مُظْلِمُ فَلَا تسكوه » ، ثمّ سأله ثالثة عن القدر ، فقال(علیه السّلام) : « وَ سِرُّ اللَّهِ فَلَا تَتَكَلَّفُوهُ »(1).

62 - ( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ، وَهْمُ الَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَصِفُوا اللَّهَ بِعَدْلِهِ فَأَخْرِجُوهُ مِنْ سُلْطَانِهِ )؛ لقولهم بأنّ الله خلق الخلق ولم يكتب لهم التّقدير ، ولا قدّر لهم شيئاً ، فلا قدر ، وإنّما القدرة والمشيئة بيد الخلق. وقال العلّامة المجلسي(قدس سرّه) في الجزء الخامس صفحة (5) من بحاره ، معلّقاً على حديث عن أبي جعفر (علیه السّلام) ، عن رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حول القدر : « اعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ الْقَدَرِيُّ يُطَلِّقُ فِي أَخْبَارِنَا عَلَى الجبري وَ عَلَى التفويضي ».

ص: 66


1- نهج البلاغة: 69/4 . الاعتقادات : 34.

الدّرس الرّابع: ما يجب الاعتقاد به /2

2 - النّبوة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

1- ( يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ النُّبُوَّةِ حَقُّ كَمَا اعتقدنا أَنْ التوحید حَقٍّ ) والعقل يحكم أنّ على الحكيم أن لا يهمل عبادة العقلاء ، بل عليه من جهة الحكمة وبقاعدة اللّطف أن يسنّ لهم قوانين وأحكاماً ، وأن يبعث إليهم من يعلّمهم تلك القوانين والأحكام بعد أن يدلّهم على ربّهم ويكون اُسوة عملية لهم في ذلك يقتدون به ، ومشعل هداية يستنيرون بنور علمه ، و مرشداً مذكّراً يهديهم إلى سبيل ربّهم.

2 - ( وَأَنْ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ بَعَثَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مئة أَلْفِ نَبِيٍّ وَ أَرْبَعَةُ وَ عِشْرُونَ أَلْفَ نَبِيٍّ ) صلوات الله على نبيّنا وآله وعليهم أجمعين .

3 - ( جاؤوا بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ ) : أي الله تبارك وتعالى ؛

ص: 67

لأنّه الحقّ المطلق.

4- ( وأنّ قولهم قول الله : «وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيُ يُوحى »(1) ، وهذا حال الأنبياء جميعاً.

5- ( وَ أَمَرَهُمْ أَمْرِ اللَّهِ ): « عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ » (2)، فكلّ ما يأمرون به إنّما هو أمر الله تبارك وتعالى .

6- ( وَ طَاعَتِهِمْ طَاعَةِ اللَّهِ ): « أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » (3)، وقال تعالى : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ »(4).

7-( وَ مَعْصِيَتِهِمْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ ) : قال تعالى في ذيل الآية السّابقة : « وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا » .

8-( وَ أَنَّهُمْ لَمْ يَنْطِقُوا إِلَّا عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ، وَ عَنْ وحیه ).

9- ( وَأَنْ سَادَةُ الْأَنْبِيَاءِ خَمْسَةً ، الَّذِينَ عَلَيْهِمْ دَارَتِ الرّحي ، وَهْمُ أَصْحَابِ الشَّرَائِعِ ، وَهْمُ أُولُوا الْعَزْمِ : نُوحُ ، وَ إِبْرَاهِيمَ ، وَ مُوسى ،

ص: 68


1- سورة النّجم: 3 و 4.
2- سورة الأنبياء: 26 و 27.
3- سورة النّساء: 59.
4- سورة النّساء: 80.

وَ عِيسَى ، وَ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ )، وقد بسّطناه في الحلقة الاُولى من كتابنا (كَيْفَ نفهم الرِّسَالَةِ العملية ؟ ) في مبحث النّبوة العامّة . وقال تعالى : «وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ » (1).

وقال تعالى : «فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ » (2). وسمّوا اُولي عزم لأنّهم أصحاب الشّرائع السّماويّة ، وبعثوا إلى شرق الأرض وغربها ، وجنّها وإنسها.

10-( وأنّ محمّداً (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) سَيِّدُهُمْ ، وَ أَفْضَلَهُمْ ) : وفيه روايات كثيرة متواترة وإجماع الاُمّة (3).

11 - ( وَ أَنَّهُ جَاءَ بِالْحَقِّ ) : قال تعالى:«بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ »(4).

12 - ( وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ) : قال تعالى : «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ

ص: 69


1- سورة الأحزاب : 7.
2- سورة الأحقاف : 35.
3- راجع بحارالأنوار: 372/16 ، وسائر كتب الحديث .
4- سورة الصّافّات: 37.

مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ »(1).

13 - ( وَأَنْ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ ذَائِقُو الْعَذابَ الْأَلِيمَ ).

14 - ( وَأَنْ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ ، وَ اتَّبِعُوا النُّوْرِ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ) : أي اتّبعوا القرآن الكريم « وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ».

15 - ( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ خَلْقاً أَفْضَلُ مِنْ مُحَمَّد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )ٍ ).

16 - ( مِنْ بَعْدِهِ ) : أي لم يخلق خلقاً من بعد محمّد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أفضل من ( الْأَئِمَّةُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ).

17 - ( وأنّهم) : أي ويجب أن يعتقد أنّهم أعني محمّداً و آل محمّد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) - ( أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ ، وَ أَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ ).

18 - ( وأوّلهم ) : أي وأنّهم أوّل الخلق ( إِقْرَاراً بِهِ ، لَمَّا أَخَذَ اللَّهُ میثاق النَّبِيِّينَ فِي الذَّرِّ ): أي في عالم الذّرّ لقوله تعالى : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى » (2).

ص: 70


1- سورة البقرة : 285.
2- سورة الأعراف : 172.

19 - ( و ) يعتقد أنّ أفضل الخلق ( بعدهم) : أي بعد محمّد و آل محمّد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) هم ( الأنبياء (علیهم السّلام) ).

20 - ( وَأَنْ اللَّهَ بَعَثَ نَبِيِّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إِلَى الْأَنْبِيَاءِ ( علیهم السَّلَامُ ) فِي الذَّرِّ ).

21 - ( وَأَنْ اللَّهَ أَعْطَى كُلُّ نَبِيٍّ عَلَى قَدْرِ مَعْرِفَتِهِ نَبِيِّنَا ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وَ سَبَقَهُ إِلَى الْإِقْرَارُ بِهِ )(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، أي منزلة كلّ نبي وفضله بقدر معرفته لنبيّنا وسبقه للإقرار بنبيّنا محمّد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).

22 - ( وَ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى خَلَقَ جَمِيعُ مَا خَلَقَ لَهُ وَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) . وَ أَنَّهُ لَوْلَاهُمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ ، وَ لَا الْجَنَّةِ وَ النَّارِ ، وَ لَا آدَمَ وَ حَوَّاءَ ، وَ لَا الْمَلَائِكَةِ وَ لَا شَيْئاً مِمَّا خَلَقَ ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ).

ص: 71

ص: 72

الدّرس الخامس: ما يجب الاعتقاد به /3

3- الإمامة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يجب أن يعتقد:

1- ( أَنَّ الْإِمَامَةَ حَقُّ كَمَا اعتقدنا أَنِ النُّبُوَّةِ حَقٍّ): وبنفس دلیل العقل من لزوم الحكمة على الحكيم أن لا يهمل عباده ولا يتركهم دون مبشّرين ومنذرين ومذکّرین لحظة واحدة ، وبقاعدة اللّطف.

2-( وَ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلِ الَّذِي جَعَلَ النَّبِيِّ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) نَبِيّاً ، هُوَ الَّذِي جَعَلَ إِمَاماً ).

3-( وَأَنْ نَصَبَ الْإِمَامِ وَ إِقَامَتُهُ وَ اخْتِيَارَهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ ، وَأَنْ فَضْلِهِ مِنْهُ ).

4- ( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدُ : أَنَّهُ يَلْزَمُنَا مِنْ طَاعَةُ الْإِمَامِ مَا يَلْزَمُنَا مِنْ

ص: 73

طاعَةُ النَّبِيِّ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).

5 - ( وَأَنْ كُلَّ فَضْلٍ آتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ نَبِيِّهِ فَقَدِ آتَاهُ الْإِمَامِ . إِلاَّ النبؤة ) : لقوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) :« يَا عَلِيُّ ، أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي »(1).

6- ( وَ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْمُنْكَرِ لِلْإِمَامَةِ كالمنكر لِلنُّبُوَّةِ ، وَ الْمُنْكَرِ لِلنُّبُوَّةِ کالمنكر للتوحید ).

7- ( وَ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلٍ لَا يُقْبَلُ مِنْ عَامَلَ عَمِلَهُ إِلَّا بِالْإِقْرَارِ بأنبياءه وَ رُسُلِهِ وَ كُتُبُهُ جُمْلَةً ، وَ بِالْإِقْرَارِ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وَ الْأَئِمَّةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ تَفْصِيلاً ).

8- ( وَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفُ النَّبِيِّ وَ الْأَئِمَّةِ بَعْدِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَ أَعْيَانُهُمْ ، وَ ذَلِكَ فَرِيضَةُ لَازِمَةُ لَنَا ، وَاجِبَةُ عَلَيْنَا . لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ عُذْرٍ جَاهِلُ بِهَا ، أَوْ مُقَصِّرُ فِيهَا ، وَ لَا يَلْزَمُنَا لِلْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ نَبِيِّنَا ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إِلاَّ الْإِقْرَارِ بجملتهم ، وَ أَنَّهُمْ جاؤوا بِالْحَقِّ ، وَأَنْ مِنْ تَبِعَهُمْ نَجَا ، وَ مَنْ خَالَفَهُمْ ضَلَّ وَ هَلَكَ . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ لِنَبِيِّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : «وَ رُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ

ص: 74


1- علل الشّرائع: 474/2 . الخصال : 572. مناقب أمير المؤمنین(علیه السّلام) : 1/ 510.

وَ رُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ علیكَ »(1).

9- ( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ المنکر لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ كالمنکر لِجَمَاعَتِهِمْ ، وَقَدْ قَالَ الصَّادِقِ ( علیه السَّلَامُ ) : « الْمُنْكَرُ لآِخِرِنَا مُنْكَرٍ لِأَوَّلِنَا (2).

10 - ( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ بِهِمْ فَتَحَ اللَّهُ ، وَ بِهِمْ يَخْتِمُ).

11 - ( يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ حُجَجِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ عَلَى خَلْقِهِ بَعْدَ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، الْأَئِمَّةُ الِاثْنَيْ عَشَرَ : أَوَّلُهُمْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، ثُمَّ الْحَسَنِ ، ثُمَّ الْحُسَيْنُ ، ثُمَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ، ثُمَّ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، ثُمَّ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، ثُمَّ موسی بْنِ جَعْفَرٍ ، ثُمَّ الرِّضَا عَلِيِّ بْنِ مُوسَى ، ثُمَّ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، ثُمَّ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، ثُمَّ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، ثُمَّ الْحُجَّةِ الْقَائِمِ صَاحِبِ الزَّمَانِ خَلِيفَةِ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ) .

قال شيخ الطّائفة الطّوسي(قدس سرّه) : « عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ الْحَقِّ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فَصَلِّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ( علیه السَّلَامُ ) ؛ بِدَلِيلٍ أَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ نَصّاً مُتَوَاتِراً بِالْخِلَافَةِ ، وَ لَا نَصَّ عَلَى أَحَدُ غَيْرِهِ - مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ وَ الْعَبَّاسِ - ، وَ النَّصُّ مِثْلَ قَوْلِهِ : أَنْتَ أَخِي وَ وَزِيرِي وَ الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِي . وَ يَدُلُّ عَلَى إِمَامَتِهِ

ص: 75


1- سورة النّساء: 164.
2- کمال الدّين : 2/ 409 .

أيضاً أنّه معصوم وغيره ليس بمعصوم بإجماع المسلمين. والدّليل على أنّ الإمام من بعد عليّ(علیه السّلام) ولده الحسن، ثمّ الحسين ، ثم عليّ ، ثمّ محمّد ، ثمّ جعفر ، ثمّ موسى ، ثمّ عليّ، ثم محمّد ، ثم عليّ، ثمّ الحسن ، ثمّ محمّد بن الحسن الحجّة القائم المنتظر المهدي ، صلوات الله عليهم أجمعين؛ بدليل قول النّبيّ (علیه السّلام) للحسين : ولدي هذا إمام ، ابن إمام ، أخو إمام ، أبو أئمّة تسعة ، تاسعهم قائمهم ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت من غيره ظلماً وجوراً . ويدلّ على إمامتهم (علیهم السّلام) أيضاً أنّهم معصومون ، ولا أحد ممّن ادّعيت فيه الإمامة بمعصوم بالإمامة فيهم. والدّليل على أنّ الخليفة الإمام القائم(علیه السّلام) حيّ موجود في كلّ آن وزمان لابدّ فيه من إمام معصوم ، فثبت أنّه حيّ موجود في كلّ زمان ، ويدلّ على بقائه إلى فناء هذه الاُمّة؛ لأنّه لطف للناس ، واللّطف واجب على الله تعالى في كلّ زمان ، فيكون الإمام حيّاً وإلّا لزم أن يكون الله تعالی مخلّاً بالواجب ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً ، والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد و آله »(1).

12-( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُمْ أُولُوا الْأَمْرِ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَتِهِمْ ). 13 - ( وَ أَنَّهُمْ الشُّهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ ).

ص: 76


1- الرّسائل العشر للشيخ الطّوسي: 106.

14- ( وَ أَنَّهُمْ أَبْوَابُ اللَّهُ ، وَ السَّبِيلَ إِلَيْهِ ).

15 - (وَ الْأَدِلَّاءَ عَلَيْهِ ).

16 - ( وَ أَنَّهُمْ عَيْبُهُ عِلْمِهِ ).

17 - (وَ تَرَاجِمَةً وَحْيِهِ).

18 - ( وَ أَرْكَانُ تَوْحِيدِهِ ).

19 - ( وَ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنِ الْخَطَأُ وَ الزَّلَلِ ).

قال القاضي ابن البرّاج طيّب الله ثراه:

«مسألة 36: الإمام بعد نبيّنا عليّ بن أبي طالب علي(علیه السّلام) ؛ بدليل قوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : يا عليّ ،أنت أخي ، ووارث علمي ، وأنت الخليفة من بعدي ، وأنت قاضي دیني ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، وقوله : سَلِّمُوا عَلَى عَلِيٍّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ اسْمَعُوا لَهُ ، وَ أَطِيعُوا لَهُ ، وَ تَعَلَّمُوا مِنْهُ وَ لَا تَعَلَّمُوهُ ، وَ قَوْلِهِ : مِنْ کنت مَوْلَاهُ فَهَذَا عَلِيِّ مَوْلَاهُ ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ ».

مسألة 37: الأئمّة بعد عليّ (علیه السّلام) أحد عشر من ذرّيّته ، الأوّل منهم ولده الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن الحسين ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ جعفر بن محمّد الصّادق ، ثمّ موسی بن جعفر ، ثمّ عليّ بن موسی .

ص: 77

ثمّ محمّد بن علىّ، ثمّ عليّ بن محمّد ، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ الخلف الحجّة القائم المهدي الهادي ابن الحسن صاحب الزّمان ، فكلّهم أنّه النّاس واحد بعد واحد ، حقّاً ، بدليل أنّ كلّ إمام منهم نصّ على من بعده نصّاً متواتراً بالخلافة ، وقوله : الحسين إمام ، ابن إمام، أخو الإمام ، أبو الأئمّة التّسعة ، تاسعهم قائمهم ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

مسألة 38: يجب أن يكون الأئمّة معصومین مطهّرين من الذّنوب كلّها ، صغيرة وكبيرة، عمداً وسهواً، ومن السّهو في الأفعال والأقوال ؛ بدليل أنّهم لو فعلوا المعصية لسقط محلّهم من القلوب . وارتفع الوثوق ، وكيف يهتدون بالضالّين المضلّين ، ولا معصوم غير الأئمّة الاثني عشر إجماعاً ، فثبت إمامتهم.

مسألة: 39: يجب أن يكون الأئمّة أفضل وأعلم ، ولو لم يكونوا كذلك للزم تفضيل المفضول ، أو التّرجيح بلا مرجّح. ولا يحصل الانقياد به ؛ وذلك قبیح عقلاً و نقلاً، وفضل أئمّتنا وعلمهم مشهور ، بل أفضليّتهم أظهر من الشّمس ، وأبين من الأمس.

مسألة 40: يجب أن نعتقد أنّ آباء نبيّنا وأئمّتنا مسلمون أبداً . بل أكثرهم كانوا أوصياء ، فالاخبار عند أهل البيت على إسلام

ص: 78

أبي طالب مقطوعة ، وسيرته أدلّة عليه ، ومثله مثل مؤمن آل فرعون»(1).

20- (وَ أَنَّهُمْ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً ). 21 - ( وَأَنْ لَهُمْ الْمُعْجِزَاتِ وَ الدَّلَائِلِ ).

22 - ( وَ أَنَّهُمْ أَمَانُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ ، كَمَا أَنَّ النُّجُومَ أَمَانُ لِأَهْلِ السَّمَاءِ ).

23 - ( وَأَنْ مَثَلُهُمْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَثَلِ سَفِينَةُ نُوحٍ ، وَ كَبَابِ حِطَّةٍ ).

24 - ( وَ أَنَّهُمْ عِبَادَ اللَّهِ الْمُكَرَّمُونَ الَّذِينَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهْمُ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ).

25 - ( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ حُبَّهُمْ إِيمَانٍ ، وبغضهم کفر ).

26 - ( وَأَنْ أَمَرَهُمْ أَمْرِ اللَّهِ ، وَ نَهْيِهِمْ نَهْيَ اللَّهُ ).

27 - ( وَ طَاعَتِهِمْ طَاعَةِ اللَّهِ ، وَ مَعْصِيَتِهِمْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ ).

28 - ( وولیهم وَلِيُّ اللَّهِ ).

29 - ( وَ عَدُوِّهِمْ عَدُوِّ اللَّهِ ).

ص: 79


1- جواهر الفقه : 246.

30 - ( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ ظَاهَرَ مَشْهُورٍ ، أَوْ خَائِفٍ مَغْمُورٍ ).

31 - (وَ يَعْتَقِدَ أَنَّ حُجَّةَ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَ خَلِيفَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي زَمَانِنَا هَذَا هوالقائم الْمُنْتَظَرُ ابْنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ موسی بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(علیه السّلام) ).

32 - ( وَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَخْبَرَ النَّبِيِّ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بِهِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ ، بِاسْمِهِ وَ نَسَبِهِ ).

33 - ( وَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً ).

36 - ( وَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُظْهِرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ بِهِ دینه عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ).

30 - ( وَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَفْتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ عَلَى يَدَيْهِ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبِهَا ، حَتَّى لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مَكَانُ إِلَّا يُنَادَى فِيهِ بِالْأَذَانِ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ).

36 - ( وَ أَنَّهُ هُوَ الْمَهْدِيُّ الَّذِي أَخْبَرَ النَّبِيِّ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ نَزَلَ عیسی بْنِ مریم ( علیه السَّلَامُ ) فصلی خَلْفَهُ ، وَ يَكُونُ إِذَا صَلَّى خَلْفَهُ مُصَلِّياً

ص: 80

خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ ).

37 - ( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَائِمَ غَيْرِهِ ، بَقِيَ فِي غَيْبَتِهِ مَا بَقِيَ ، وَ لَوْ بَقِيَ فِي غَيْبَتِهِ عُمُرِ الدُّنْيَا لَمْ يَكُنِ الْقَائِمِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيِّ وَ الْأَئِمَّةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِاسْمِهِ وَ نَسَبِهِ نضواء وَ بِهِ بُشِّرُوا ).

38 - ( وَ يَجِبُ أَنْ يَتَبَرَّأُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ مِنَ الْأَوْثانِ الْأَرْبَعَةِ ):أعمّ من الأوثان والأصنام الحقيقيّة المصنوعة من الجماد ، أو الأوثان والأصنام البشريّة الّذين يقدّسون من دون الله تعالى.

39 - ( وَ الْإِنَاثِ الْأَرْبَعَةِ ): وقيل : اُريد بها اللّات والعزّى ومناة

والشّعري ، لقوله تعالى : «إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا » (1) ، (وَ مَنْ جَمِيعِ أَشْيَاعَهُمْ وَ أَتْبَاعُهُمْ ).

40- (وَ يَعْتَقِدُ فِيهِمْ أَنَّهُمْ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَ أَعْدَاءِ رَسُولَهُ ، وَ أَنَّهُمْ شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ ، وَ لَا يُتْمَ الْإِقْرَارِ بِجَمِيعِ مَا ذِكْرِنَا إِلَّا بالتبري مِنْهُمْ ).

41-(وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدُ فِيمَنْ يَعْتَقِدُ مَا وَصَفْنَاهُ ) : أي فيمن يعتقد بما ذكرنا في أبواب التّوحيد والنّبوّة والإمامة (أَنَّهُ عَلَى الْهُدى ) ،

ص: 81


1- سورة النّساء : 117.

فيجب أن يعتقد العبد بأنّ كلّ من كانت عقيدته على النحو الّذي ذكره الشّيخ الصّدوق (قدس سرّه) في هذا الكتاب ، أنّه على الهدى.

43 - ( وَ أَمَّا أَدَاءِ الْأَمَانَةِ فَإِنَّا نَرَى أَدَائِهَا إِلَى الْبَرِّ وَ الْفَاجِرِ ، لِقَوْلِ الصَّادِقِ ( علیه السَّلَامُ ) : « أَدُّوا الْأَمَانَاتِ وَ لَوْ إِلَى قَاتِلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ( علیهما السَّلَامُ ) » (1).

ص: 82


1- الكافي: 8/ 293.

الدّرس السادس: ما يجب الاعتقاد به /4

3- الإمامة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وقال تعالى :«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ » (1)، وقال تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »، (2)، فالإمامة إذن هي الامتداد الصّحيح والضّروري للنبوّة ، وهي حصن الدّين وسوره ، ودعامته الّتي لا يستقيم إلّا بها، وهي زعامة عظمى في اُمور

ص: 83


1- سورة المائدة : 55 و 56.
2- سورة النّساء: 59.

الدّين والدّنيا ، وولاية عامّة على كافّة الاُمّة القيام باُمورها والنّهوض بأعبائها ، وقد أجمعت الاُمّة على وجوب عقدها في كلّ زمان .

قال الماوردي : « عقد الإمامة لمن يقوم بها واجب بالإجماع ،

وإن شذّ عنه الأصمّ».

وقال أبو الحسن الأشعري: قال النّاس كلّهم- إلّا الأصمّ -

«لا بدّ من إمام».

وقال الأصمّ: « لَوْ تكاف النَّاسُ عَنْ التّظالم لاستغنوا عَنِ الْإِمَامِ » .

وقال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح قول أمير المؤمنين (علیه السّلام) : «لا بدّ للناس من أمير »: «هَذَا نَصُّ صَرِيحُ مِنْهُ ( علیه السَّلَامُ ) بِأَنَّ الْإِمَامَةِ وَاجِبَةُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَقَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ : الْإِمَامَةُ وَاجِبَةُ إِذَا تناصفت الُامَّةِ وَ لَمْ تتظالم . وَ قَالَ المتأخرون مِنْ أَصْحَابِنَا : إِنَّ هذا الْقَوْلَ مِنْهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا عَلَيْهِ الُامَّةِ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَا يَجُوزُ فِي الْعَادَةُ أَنْ تَسْتَقِيمُ أُمُورِ النَّاسِ مِنْ دُونِ رَئِيسُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ، فَقَدْ قَالَ بِوُجُوبِ الرِّئَاسَةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ».

وقال الإسفرائيني : « اتَّفَقَ جُمْهُورٍ أَهْلِ السُّنَّةِ وَ الْجَمَاعَةِ عَلَى أُصُولِ من أركان الدِّينِ ، كُلُّ رُكْنٍ مِنْهَا يَجِبُ عَلَى كُلٍّ عَاقِلُ بَالِغَ مَعْرِفَةِ حقیقته ، ثُمَّ ذَكَرَ الْأَرْكَانِ - إِلَى أَنْ قَالَ : - وَ الرُّكْنَ الثَّانِيَ عَشَرَ :

ص: 84

إِنَّ الْإِمَامَةَ فَرْضُ وَاجِبُ عَلَى الْأَمَةِ لِأَجْلِ إِقَامَةِ الْإِمَامِ ، يُنْصَبُ لَهُمْ الْقُضَاةِ وَ الْأُمَنَاءُ ، وَ يَضْبِطُ ثغورهم ، ويغزي جيوشهم ، وَ يُقْسَمُ الْفَيْ ءِ بَيْنَهُمْ ، وَ يُنْتَصَفُ لمظلومهم مِنْ ظالمهم ».

وقالت الإماميّة : « لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ أَمْرُ أَهُمُّ مِنْ تَعْيِينِ الْإِمَامِ ، وَ إِنِ الْإِمَامَ لُطْفٍ مِنَ اللَّهَ يُحِبُّ نَصَبَهُ تحصیلاً للغرض».

ومن هذا يثبت أنّ إجماعهم على وجوب الإمامة ممّا لا ريب فيه ، ولكن بعد أن تحقّق هذا الإجماع افترقوا فيها على فرقتين : قالت إحداهما : إنّ الإمامة تثبت بالاتّفاق والاختيار. وقالت الاُخرى : إنّها تثبت بالنصّ والتّعيين. فمن قال بالقول الأوّل فقد ذهب إلى القول بإمامة كلّ من صارت إليه الإمامة ولو باتّفاق جزء من الاُمّة ، إمّا مطلقاً ، وإمّا بشرط أن يكون قرشیّاً، فقالوا بإمامة معاوية وأولاده ، وبعدهم مروان وأولاده ، ثمّ بني العبّاس.

وأمّا أصحاب القول الثّاني ، فقد ذهبوا إلى أنّ النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قد نصّ على عليّ (علیه السّلام) بالإمامة من بعده ، ثمّ على أحد عشر من ولده ، آخرهم الإمام المهدي المنتظر عليهم السّلام أجمعين . وبعد هذا الاختلاف ، و اختلافات اُخرى تشعّبت عن الفريقين ، صارت الإمامة محلّ النّزاع الأكبر في هذه الاُمّة ، حتّى قيل : إنّه ما سلّ سيف في الإسلام على

ص: 85

قاعدة دينيّة كما سلّ على الإمامة في كلّ زمان. فمن هنا أصبح حريّاً أن تقام عليها الدّلائل وتنصب البراهين ، فكان ذلك حقّاً على قدر يوازي قدرها ، فاُقيمت البراهين ، واُنشئت الدّلائل ، ومن هذه الدّلائل ما جاء مشتركاً بين الفريقين ، ومنها ما تميّز به كلّ منهما عن الآخر بحسب ما بينهما من اختلاف.

ولكن حتّى هذا القدر المشترك الّذي قال به الجميع لا تجده ينطبق على الخلفاء الّذين قال الفريق الأوّل بإمامتهم ، فلا يخفى أنّ الكثير من اُولئك الخلفاء قد توصّل إلى الخلافة بقوّة السّيف رغم مخالفة أغلب أبناء هذه الاُمّة ، فلا هو أتي باتّفاق الاُمّة واختيارها ، ولا باتّفاق أصحاب الحلّ والعقد ، ولا بتعيين مباشر بنصّ النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، كما أنّ منهم من كان مجاهراً بالفسوق ، منتهكاً لحدود الله ، میّالاً إلى المعاصي ، محارباً لأولياء الله ، وهذه صفات لا ينكرها أحد في خلفاء بني اُميّة وبني العبّاس ، وقليل منها متى وجد في أحدهم فهو كاف لسلب الأهليّة عنه ، و بطلان خلافته ، وهذا قدر لا يختلف عليه المسلمون إلّا من قال بصحّة إمامة الفاجر للمؤمن . وهذا قول غريب لا يستقيم مع معنى الإسلام وأهدافه ، ولا مع الغرض من بعثة الأنبياء وتبليغهم رسالات ربّهم تعالى .

ص: 86

من هنا إذن حقّ لنا أن نقتصر على ذكر ما يعتدّ به من دلائل الإمامة ، وما يلائم أهداف الشّريعة وطبيعتها، وبعثة الأنبياء وأهدافها ، تاركين الشّاذّ الغريب لضعفه أوّلاً، وبغية الاختصار ثانياً ؛ لأنّ الّذي بين أيدينا هو مقدّمة كتاب وليس کتاباً .

بعدما ثبت أنّ الإمامة هي رئاسة عامّة في اُمور الدّين والدّنيا ، وأنّها امتداد للوجود النّبويّ المقدّس ، و حفظ لعهده ، و حماية لأمانته . وقيام برسالته ، يمكننا أن نقول : إنّ كلّ ما صحّ أن يكون دليلاً على النّبوّة صحّ أن يكون دليلاً على الإمامة ، فيه تعرف ، وبه يقوم الشّاهد عليها ، فدلائل النّبوّة هي نفسها دلائل الإمامة ، ما خلا نزول الوحي الّذي هو من شأن الأنبياء وحدهم ، ولا وحي بعد خاتم الأنبياء ، بالإجماع. ولكن عندما يختفي هذا الدّليل هنا يحلّ محلّه دليل آخر، هو من الوحي أيضاً، ولكنّه وحي إلى النّبيّ يحمل إليه أهمّ دلائل الإمامة وأوّل شروطها ، وبهذا تكون دلائل الإمامة كما يلي:

1- النصّ : إنّ الإمامة منصب إلٰهي مقدّس لا يتحقّق لأحد إلّا بنصّ من الله تعالى ، أو من نبيّه المصطفى الّذي لا ينطق عن الهوى «إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى » (1)، وَ ما كانَ النبی ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الَّذِي بَعَثَ رَحْمَةُ

ص: 87


1- سورة النجم: 4.

لِلْعالَمِينَ ، وَ لَيُرْفَعُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ أَسْبَابِ الْخِلَافِ وَ الْفُرْقَةَ ، وَ يَزْرَعُ بَيْنَهُمْ كُلُّ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُؤْلَفُ بَيْنَهُمْ ، وينظم أَمْرُهُمْ ، ويحفظ فيهم العدل والانصاف ، فلا يمكن أن يفارق اُمته ويتركها هملاً، تتحكّم فيها الآراء والاجتهادات المتباينة ، فيعود أمرها فوضى ، وكأنّ نبيّاً لم يبعث فيها ، أو كأنّ الله تعالى لم يرسل إليهم شريعة واحدة تجمعهم وتنظّم أمرهم ، بل إنّ النّبيّ الرّحمة المهداة ، هوأرحم اُمّته من أن يتركها هكذا ، وهو أحرص على رسالته من أن يدعها تحت رحمة آراء شتّی واجتهادات متضاربة ، بل قد يعدّ أمر كهذا إخلالاً بالأمانة الّتي كلّف النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بأدائها ، و تقصيراً بحقّ الرّسالة الّتي بعث لتبليغها ، وكلّ هذا بعيد عن ساحة النّبوّة كلّ بعد ، فأي مسلم لا يؤمن بأنّ نبيّنا الأكرم(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قد أدّى أمانة ربّه أحسن الأداء ، وبلّغ رسالته أتمّ تبليغ ؟

وأي معنى سيبقی لأداء الأمانة ما لم يستأمن عليها رجلاً كفوءاً يتولّى حمايتها وإقامة حدودها وتنفيذ أحكامها ؟!

ولقد أتمّ ذلك رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أداء لأمانته ، فنصّ على وصيّه وخليفته من بعده ، وسمّاه باسمه في غير موضع ومناسبة ، ومن ذلك :

أ- الحديث المتواتر في خطبة الغدير الشّهيرة ، حيث أوقف النّبيّ (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) مائة ألف من المسلمين حجّوا معه حجّة الوداع وعادوا معه ،

ص: 88

فلمّا بلغوا غدیر خم حيث مفترق طرقهم إلى مواطنهم ، نادى منادیه أن يردّ المتقدّم ، وينتظر المتأخّر حتّى يلحق ، ثمّ قام فيهم خطيباً وهو آخذ بيد عليّ بن أبي طالب (علیه السّلام) ، فقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟

قالوا: بلى.

قال : مِنْ کنت مَوْلَاهُ فَعَلِيُّ مَوْلَاهُ ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ .

ب - قوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لعلي(علیه السّلام) في الحديث المتّفق عليه : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي. وتكرّر منه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) التّصريح باسم عليّ(علیه السّلام) لخلافته ، وأنّه أولى النّاس بالنبيّ وبالدين والدّولة من بعده ، بما فيه الكفاية لمن أراد الاستدلال.

وقبل الحديث النّبويّ الشّريف كانت آيات الكتاب المجيد الّتي تفيد هذا المعنى بشكل واضح لا غبار عليه ، وأوّلها : قوله تعالى : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55» ، ونزولها في عليّ أمر أجمع عليه أهل التفسير.

ثمّ جاءت النّصوص النّبويّة الشّريفة المتّفق على صحّتها بحصر عدد الأئمّة بعد النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) باثني عشر إماماً، حدّاً فاصلاً، وبياناً

ص: 89

هادياً لا يترك منفذاً لاختلاف الآراء وتدخّل الاجتهادات ، فقال رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : « الْخُلَفَاءَ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ ، كُلُّهُمْ مِنْ قریش».

إذن فقد اجتمعت الاُمّة على وجوب الإمامة ، ثمّ اجتمعت على أنّ الخلفاء بعد النّبيّ (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) اثنی عشر خلیفة ، كلّهم من قریش . ثمّ اتّفقوا على تسمية عليّ (علیه السّلام) في نصوص عديدة ، وإن تأوّلها بعضهم على خلاف ظاهرها ، ثمّ اتّفقوا أخيراً على النّصّ النّبويّ الصّريح الّذي ختم على الأمر كلّه ، وزاده ظهوراً وتحديداً لم يدع فيه مجالاً للشكّ والتردّد ، ألا وهو حديث الثّقلين الّذي نصّه : « أَلَا أَيُّهَا النَّاسِ ، إِنَّما أَنَا بَشَرُ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِينِي رَسُولُ رَبِّي فاُجيب ، وَ أَنَّا تَارِكُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ - مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي - أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الْآخَرِ : کتاب اللَّهُ ، حَبْلُ مَمْدُودُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ، وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي ، وَ لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا ».

وزاد في رواية مسلم وغيره: « أَذْكُرْكُمْ اللَّهِ فِي أَهْلِ بَيْتِي ، أَذْكُرْكُمْ اللَّهِ فِي أَهْلِ بَيْتِي ، أَذْكُرْكُمْ اللَّهِ فِي أَهْلِ بَيْتِي ».

أمّا الصّحاح الواردة من طرق الإماميّة في ذكر الأئمّة الاثني عشر

بعدّتهم وأسمائهم فهي كثيرة.

2 - الاستقامة وسلامة النّشأة: إِنَّ ضَرُورَةِ الِاسْتِقَامَةِ وَ الطُّهْرِ

ص: 90

وسلامة النّشأة في الإمام هي تماماً كضرورتها في النّبيّ بلافارق ، فالإمام هو القائم مقام النّبي ، الشّاغل لفراغه ، المؤتمن على رسالته ، والمؤدّي لدوره في حماية الشّريعة وإقامة حدودها ، فلابدّ أن يكون له من النّزاهة والطهر ما كان للنبيّ ليكون مؤهّلاً لخلافته . ولا خلاف في أنّ ذلك كان لعليّ (علیه السّلام) دون سائر الصّحابة ، فهو النّاشئ في حجر النّبيّ (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، والملازم له ملازمة الظّلّ لصاحبه ، فلا هو فارق النّبيّ، ولاظلاله فارقت ظلاله ، و تلك منزلة لم يشاركه فيها أحد حتّى ولد الحسنان (علیهم السّلام) ، فكان حظّهما حظّ أبيهما، حتّى خصّهم الله تعالى باية التّطهير ، فقال : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا » (1)، واتّفق المسلمون على أنّه مع نزول هذه الآية الكريمة دعا النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عليّاً وفاطمة والحسن والحسين ، وجلّل عليهم بكساء ، ثمّ قال : اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً ، ومثل هذا يقال مع أولادهم الأئمّة الأطهار (علیهم السّلام) ، فلا أحد يشكّ في أنّهم الأطهر مولداً، والأصحّ نشأة ، والأقوم خلقاً ، تفرّدوا بالمنزلة الأعلى ، والمقام الأسنی ، فلا يدانيهم فيه سواهم ، ولا زعم أحد منازعتهم عليه ، والشّهادة لهم بذلك قائمة مرّ العصور حتّى على

ص: 91


1- سورة الأحزاب : 33.

ألسنة خصومهم ، فهم إذن المؤهّلون للإمامة دون سواهم.

قال الإمام عليّ (علیه السّلام): « لَا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَحَدُ ، وَ لَا يسوی بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً ، هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ ، وَ عِمَادُ الْيَقِينِ ، إِلَيْهِمْ يَفِي ءَ الْغَالِي ، وَ بِهِمْ يَلْحَقُ التَّالِي ، وَلِّهِمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوَلَايَةِ ، وَ فِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَ الْوِرَاثَةُ».

وقال (علیه السّلام): « إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ غُرِسُوا فِي هَذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ ، لَا تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ ، وَ لَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ مِنْ غَيْرِهِمْ ».

3 - السبق في العلم والحكمة: هذه أيضاً ضرورة لازمة في الإمام

لأجل أن يكون أهلاً لهذه المنزلة ، وكفؤاً لهذه المسؤولية ، وقطباً تلتفّ حوله النّاس وتطمئّن إلى سبقه في العلم والحكمة والمعرفة، وقدرته الفائقة في مواجهة ما تبتلى به الاُمّة والدّولة ، فلا يحتاج إلى غيره ممّن هم محتاجون إلى إمام يهديهم ويثبّتهم. وهذه خصلة أشدّ ما تكون ظهوراً في عليّ وأولاده المعصومين (علیهم السّلام) ، فكما كان هو (علیه السّلام) مرجعاً لأهل زمانه من خلفاء وغيرهم ، يرجعون إليه في كلّ معضلة ، ويلجأون إليه في كلّ مأزق ، وأمرهم في ذلك مشتهر، وقد تكرّر قول عمر بن الخطّاب: لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن. وقوله : لَولَا عَلِيُّ لَهَلَكَ عُمَرُ .

ص: 92

ولم يكن فضله على عمر بأكثر منه على الآخرين ، وليس عمر بأوّل من أقرّ له بفضله ، فقد أقرّ له الجميع في غير موضع ومناسبة ، وأجمل كلّ ذلك قول ابن عبّاس : والله لقد اُعطي عليّ بن أبي طالب تسعة أعشار العلم ، وايم الله ، لقد شارككم في العشر العاشر.

ذلك واحد النّاس ، فلم تعرف النّاس أحداً غيره قال : « سلوني ، فوالله لا تسألوني عن شيء إلّا أخبرتكم». وهكذا كان شأن الأئمّة من ولده (علیهم السّلام) أعلم أهل زمانهم ، وأرجحهم كفّةً بلا خلاف ، فقد علموا بدقائق ما كان عند النّاس ، وزادوا عليهم بخصائص علمهم الموروث من جدّهم المصطفي وأبيهم المرتضی.

وقد شاع قول أبي حنيفة في الإمام الصّادق(علیه السّلام) : لم أرَ أفقه من جعفر بن محمّد الصّادق ، وإنّه لأعلم النّاس باختلاف النّاس. ولم يكن الإمام الصّادق بأعلم من أبيه (علیهما السّلام) ، بل علمه علم أبيه ، وعلم الأئمّة من بنیه علمه. قال أبو حنيفة : دخلت المدينة ، فرأيت أبا عبدالله الصّادق ، فسلّمت عليه ، وخرجت من عنده ، فرأيت ابنه موسى في دهليز وهو صغير السّنّ ، فقلت له : أين يحدث الغريب إذا كان عندكم وأراد ذلك ؟ فنظر إليَّ ثمّ قال : « يَتَجَنَّبُ شُطُوطَ الْأَنْهارَ ، وَ مَسَاقِطَ الثِّمَارِ ، وَ أَفْنِيَةِ الدُّورِ وَ الطُّرُقَ النَّافِذَةِ ، وَ الْمَسَاجِدَ ، وَ لَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ

ص: 93

وَ لَا يَسْتَدْبِرْهَا ، وَ يُرْفَعْ وَ يَضَعُ بَعْدَ ذَلِكَ حَيْثُ شَاءَ » ، قال : فلمّا سمعت هذا القول منه نبل في عيني ، وعظم في قلبي ، فقلت : جعلت فداك ممّن المعصية ؟ فنظر إليَّ ثمّ قال : « اجْلِسْ حَتَّى أُخْبِرَكَ » ، فجلست . فقال : « إِنَّ الْمَعْصِيَةِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْعَبْدَ أَوْ مِنْ رَبِّهِ ، أَوْ مِنْهُمَا جَمِيعاً ، فَإِنْ كَانَتْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَعْدَلُ وَ أَنْصِفْ مِنْ أَنْ يُظْلَمَ عَبْدُهُ وَ يَأْخُذُهُ بِمَا لَمْ يَفْعَلْهُ ، وَ إِنْ كَانَتِ مِنْهُمَا فَهُوَ شریکه ، وَ الْقَوِيُّ أَوْلَى بإنصاف عَبْدُهُ الضَّعِيفِ ، وَ إِنْ كَانَتْ مِنِ الْعَبْدُ فَعَلَيْهِ وَقَعَ الْأَمْرِ ، وَ إِلَيْهِ تَوَجَّهَ النَّهْيِ ، وَلَهٍ حَقُّ الثَّوَابِ وَ الْعِقَابُ ، وَ وَجَبَتِ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ ».

فلمّا سمعت ذلك قلت : ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعُ علیم »(1).

وقد نظم كلامه (علیه السّلام) هذا شعراً ، فقيل :

لم تخل أفعالنا اللّاتي نذم لها*** إحدى ثلاث خلال حين نأتيها

إمّا تفرّد بارینا بصنعتها*** فيسقط اللّوم عنّا حين ننشیها

أو كان يشركنا فيها فيلحقه*** ما سوف يلحقنا من لائم فيها

أو لم يكن لالهي في جنایتها*** ذنب ، فما الذّنب إلّا ذنب جانیها

ص: 94


1- سورة آل عمران : 34.

سيعلمون إذا الميزان شال بهم*** أهم جنوها ، أم الرّحمن جانبها ؟

وهكذا كانوا (علیهم السّلام) ، لم يعرف عن أحدهم أنّه تلکّأ يوماً في مسألة ، أو أفحمه أحد في حجّة ، بل كان سبقهم نوعاً من الإعجاز ، وأظهر ما يكون ذلك مع الإمام محمّد الجواد الّذي اُوتي العلم والحكمة صبيّاً . وسبق علماء عصره ومتكلّميهم وشهدوا له بالفضل والتقدّم والعلوّ وتأدّبوا في مجلسه ولم يبلغ التّاسعة من العمر.

قال الشّيخ المفيد : عن المعلّى بن محمّد ، قال : خرج عليٌ أبو جعفر (علیه السّلام) حدثان موت أبيه ، فنظرت إلى قدّه لأصف قامته لأصحابنا ، فقعد ، ثمّ قال : « یا معلّی ، إِنَّ اللَّهَ تعالی احْتَجَّ فِي الْإِمَامَةِ بِمِثْلِ مَا احْتَجَّ بِهِ فِي النُّبُوَّةِ ، فقال : «وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا »(1)».

4 - أحاديثهم وآثارهم : إنّ الاستدلال على الإمام من حديثه

وآثاره استدلال صحيح ، فسلوك المدّعي وحدیثه خير شاهد على حقيقة دعواه و جوهرها ، وهو شاهد أيضاً على صدق دعواه عندما ترافقه القرائن والدلائل الاُخرى ، وإلّا فلا تعدّ وحدها دليلاً كافياً على إمامته . ومن أراد معرفة ذلك عن أئمّة الهدى (علیهم السّلام) فإنّه يجده ظاهراً

ص: 95


1- سورة مريم : 12.

ظهور النّهار في أحاديثهم الشّريفة ، معدن الهداية ، وسبل النّجاة ، دعاة إلى الحقّ ، هداة إليه بالقول والعمل. فما على الباحث إلّا أن يتوخّى ما صحٌ عنهم من الحديث والأثر ليجد ذلك بيّناً بلا عناء.

ولابدّ من الإشارة هنا إلى مسألة هي في غاية الأهميّة ، فقد قلنا إنّ على الباحث أن يتوخّى ما صحّ عنهم (علیه السّلام) ، ونؤكّد هذا الكلام ونقول : إنّ عليه أن يحذر ما اختلط بحديثهم من أباطيل الوضّاعين ، فقد كثرت الكذّابة عليهم كما كثرت على رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وقد فصّل الإمام الرّضا (علیه السّلام) القول في ذلك أجمل تفصيل وأدقّه، وهو يقول :

«إِنَّ مُخَالِفِينَا وَضَعُوا أَخْبَاراً فِي فضائلنا ، وَ جَعَلُوهَا عَلَى أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٍ : أَحَدِهَا : الغلوّ ، وَ ثَانِيهَا : التَّقْصِيرُ فِي أَمْرِنَا ، وَ ثَالِثُهَا : التَّصْرِيحُ بمثالب أَعْدَائِنَا ، فَإِذَا سَمِعَ النَّاسُ الْغُلُوِّ فِينَا کفروا شیعتنا ونسبوهم إِلَى الْقَوْلِ بربوبيّتنا ، وَ إِذا سَمِعُوا التَّقْصِيرُ اعتقدوه فِينَا ، وَ إِذا سَمِعُوا مَثَالِبِ أَعْدَائِنَا بِأَسْمَائِهِمْ ثلبونا بأسمائنا ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجِلَ :«وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ »(1)».

ص: 96


1- سورة الأنعام : 108.

5- نصّ الإمام السابق : تقدّم أنّ نصّ النّبيّ كان خير شاهد على نبوّة النّبيّ اللّاحق له ، ومثل هذا يقال مع الإمام ، بل هو واضح مع الأئمّة الاثني عشر (علیهم السّلام) ، ملازم لهم جميعاً ، فقد ثبت النصّ من كلّ إمام إلى الإمام اللّاحق بالطرق الصّحيحة والكثيرة الّتي كانت سبباً في اطمئنان أتباعهم وأشياعهم. وهنا ينبغي التّنبيه إلى أنّ هذه النّصوص لابدّ أن تكون منسجمة مع نصوص النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في موضوع الإمامة ، من قبيل : (حديث الثقلين ) « کتاب اللَّهِ وَ عِتْرَتِي » ، وحديث : « الْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ ، كُلُّهُمْ مِنْ قریش »، فما جاء مخالفاً لهذا فهو مردود لمخالفته نصّ النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، ومن هنا صحّت النّصوص عنهم (علیهم السّلام) وبطلت عن غيرهم ، فلا اعتبار لمن عرف بولاية العهد الّتي يعهد بها الخليفة إلى ابنه أو أخيه ، كما هو شأن الخلفاء الأمويّين والعبّاسيّين لمخالفتها لنصوص النّبّي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) المتقدّمة و غيرها.

أضف إلى ذلك أنّ أحداً منهم لم يصل إلى الخلافة بالطريق المشروع الّذي يقرّه الإسلام ليكون من حقّه أو يوصي لمن بعده ، فولاية العهد تلك إنّما هي من قبيل تبادل الشّيء المغصوب ، فلا أثر لهذا التّبادل يرجى منه رفع الغصبية ، بل على العكس ، فهو تكريس لها وإصرار عليها.

ص: 97

هذه هي أهمّ الفوارق بين عهود الأئمّة عن وعهود(علیهم السّلام) الملوك ، بغضّ النّظر عن كون الأئمّة (علیهم السّلام) إنّما يعهدون بعهد من رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

لامن عند أنفسهم.

6- النّسب الرّفيع: إنّ الإمامة - مقام النّبوّة - لا يصلح لها إلّا ذو نسب و شرف رفیع کالنبيّ بلا فارق. وهذه مزية أئمّة أهل البيت (علیهم السّلام) دون سواهم ، بلا خلاف ولا نزاع ، بل لا يدانيهم فيه حتّى بني عمومتهم.

روى الخطيب في تاريخه : أنّ هارون الرّشید حجّ مرّة ومعه الإمام موسی بن جعفر عليه(علیهما السّلام) ، فأتى قبر النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وحوله قریش وشيوخ القبائل ، فقال : السّلام عليك يا رسول الله ، يابن عمّي ، افتخاراً على من حوله ، فدنا موسی بن جعفر (علیهما السّلام) فقال : «السّلام عليك يا رسول الله ، يا أبت». فتغيّر وجه هارون ، وقال : هذا الفخر - يا أبا الحسن - حقّاً.

7- المعجزة : لقد أخّرنا هذه النّقطة الّتي كانت ثاني دلائل النّبوّة - إلى هذا المحلّ لاتّصالها بموضوع هذا الكتاب ، فالمعجزة الّتي كانت تظهر على أيدي الأنبياء تصديقاً لهم ، هي ضرورية أيضاً لتصديق دعوى الإمام ، كيف لا وقد أظهر الله المعجزات لمن هو أدنى من

ص: 98

الإمام تصديقاً لدعواه المرضيّة عند الله ؟

ومثال ذلك ما ظهر لمريم العذراء (علیهما السّلام) تبرئة لساحتها ، وما كان لأصحاب الكهف ، وكلّ ذلك في القرآن مسطور.

وخلاصة القول في المعجزات يمكن إيجازه بما يلي:

أ- إذا كان يصعب التّصديق بالمعجزات ، أو بعضها ، فلأنّ أصل المعجزة هو كونها خارقة للعادة ، مخالفة للألوف ، وإنّما يشترط في قبولها شهرتها أو صحّة إسنادها ، فمتى ثبتت نسبتها إليهم (علیهم السّلام) بالطرق المعتبرة والموثّقة فليس هناك ما يمنع قبولها ، ولم يبق مبرّر للشكّ فيها بعد أن عرفنا عظیم منزلتهم ، وصحّة نسبة الخبر إليهم.

كيف ونحن نرى ونصدّق الكثير من خوارق العادات الّتي تظهر

لعباد صالحين هم أدني بكثير من مراتب الإمامة ؟

ب - إنّ الإيمان بإمامة الأئمّة لا يصحّ أن ينحصر في النظر إلى معجزاتهم وكراماتهم ، كما لا يصحّ إثبات نبوّة موسی (علیه السّلام) بقلب العصا ثعباناً، أو نبوّة عيسی (علیه السّلام) بخلق الطّير من الطّين ، ما لم تجتمع القرائن الاُخرى الّتي تجعل ظهور المعجزة زيادة في ظهور صدقه ليس إلّا. وإلّا فإن خوارق العادات قد تجري على أيدي الكثيرين من طرق وفنون وحيل كثيرة ، ولكن ما أن تُعرض أصحابها على تلك الشّرائط

ص: 99

والقرائن والدّلائل المتقدّمة حتّى تجد حظوظهم منها حظوظ الفقراء إن لم يكونوا عراة منها على الإطلاق.

ج - ليس المطلوب منّا عند الإيمان بمعجزاتهم أن نجعلها كلّ شيء في اعتقادنا وسلوكنا وثقافتنا، إنّما المطلوب هو الإيمان بهم وبحقيقة إمامتهم؛ لأجل اتّباعهم ، والاقتداء بهم ، والاهتداء بهديهم . ولم تأتِ المعاجز الّتي أتحفهم بها الله تعالى إلّا خدمة لذلك الغرض . فهي ليست غاية في ذاتها، وإنّما هي شاهد واحد فقط يقوّي الدّوافع إلى اتّباعهم في نفوس النّاس.

د- إنّ الغرض من المعجزة هو أن تتمّ بها الحجّة ، و يتوقّف عليها التّصديق ، وأمّا ما خرج عن هذا فلا يجب على الله إظهاره، ولا تجب على النّبيّ أو الإمام الإجابة إليه ، ولو كان على سبيل التّحدي .

ه - إنّ إقامة المعجزة ليست أمراً اختيارياً للنبيّ أو الإمام، وإنّما

ذلك بيد الله يظهره متى شاء واقتضت حكمته .

وهذا شيخ الطّائفة الطّوسي (قدس سرّه) بعد ما أورد جملة من أخبار الفريقين في الإمامة بعد رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قال : « فَهَذَا طَرَفُ مِنَ الْأَخْبَارِ قَدْ أَوْرَدْنَاهَا ، وَ لَوْ شرعنا فِي إِيرَادِ مَا مِنْ جِهَةِ الْخَاصَّةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى لطال بِهِ الْكُتَّابُ ، وَ إِنَّمَا أَوْرَدْنَا مَا أَوْرَدْنَا مِنْهَا ليص مَا قُلْنَاهُ مِنْ نَقْلِ

ص: 100

الطَّائِفَتَيْنِ المختلفتين ، وَ مَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ بِالْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ يَجِدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً كَثِيرَةُ حَسَبَ مَا قُلْنَاهُ».

ثمّ أردف قائلاً: «فإن قيل : دلّوا أوّلاً على صحّة هذه الأخبار فإنّها أخبار آحاد لا يعوّل عليها فيما طريقة العلم، وهذه مسألة علميّة ، ثم دلوا على أن المعني بها من تذهبون إلى إمامته ، فإن الأخبار الّتي رويتموها عن مخالفيكم وأكثر ما رویتموها من جهة الخاصة ، إذا سلمت ، فليس فيها صحّة ما تذهبون إليه؛ لأنّها تتضمّن العدد فحسب ، ولا تتضمّن غير ذلك ، فمن أين لكم أنّ أئمّتكم هم المرادون بها دون غيرهم ؟

قلنا : أمّا الّذي يدلّ على صحّتها فإنّ الشّيعة الإماميّة يروونها على وجه التّواتر خلفاً عن سلف ، وطريقة تصحيح ذلك موجودة في كتب الإماميّة ...» إلى أنّه قال(قدس سرّه) : « والطريقة واحدة ، وأيضاً فإنّ نقل الطّائفتين المختلفتين المتباينتين في الاعتقاد يدلّ على صحّة ما قد اتّفقوا على نقله؛ لأنّ العادة جارية أنّ كلّ من اعتقد مذهباً، وكان الطّريق إلى صحّة ذلك النّقل ، فإنّ دواعيه تتوفّر إلى نقله ، و تتوافر دواعي من خالفه إلى إبطال ما نقله ، أو الطّعن عليه ، والإنكار لروايته ، بذلك جرت العادات في مدائح الرّجال وذمّهم وتعظيمهم والنقص منهم .

ص: 101

ومتى رأينا الفرقة المخالفة لهذه الفرقة قد نقلت مثل نقلها ولم تتعرّض للطعن على نقله ، ولم تنكر متضمّن الخبر دلّ ذلك على أنّ الله تعالى قد تولّي نقله وسخّرهم لروايته ، وذلك دليل على صحّة ما تضمّنه الخبر ، وأمّا الدّليل على أنّ المراد والمعنيّ بها الإثني عشر إماماً، وأنّهم لا يزيدون ولا ينقصون ، ثبت ما ذهبنا إليه؛ لأنّ الاُمّة بين قائلين : قائل يعتبر العدد الّذي ذكرناه فهويقول : «إِنَّ الْمُرَادُ بِهَا مَنْ يَذْهَبُ إِلَى إِمَامَتُهُ ، وَ مَنْ خَالَفَ فِي إِمَامَتِهِمْ لَا يَعْتَبِرُ هَذَا الْعَدَدِ ، فَالْقَوْلُ مَعَ اعْتِبَارِ الْعِدَدِ ، أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرِهِمْ خُرُوجُ عَنِ الْإِجْمَاعِ ، وَ مَا أَدَّى إِلَى ذَلِكَ وَجَبَ الْقَوْلِ بفساده »(1)، انتهى كلامه رفع مقامه.

ص: 102


1- الغيبة للطوسی: 156.

الدّرس السّابع: ما يجب الاعتقاد به /5

3- الإمامة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ولله درّ القاضي النّعمان وعليه أجره حيث قال(رحمه الله) في الإمامة :

« وقد اختلف القائلون في تثبيت الإمامة فيها ، فزعمت العامّة أنّ النّاس يقيمون لأنفسهم إمام يختارونه ویولونه ، كما زعموا أنّ أصحاب رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قد اختاروا لأنفسهم من قدّموه بعده ، واختلفوا في صفة من يجب عليهم أن يقدّموه ، والسّبب الّذي استحقّ به التقدمة ، وأنكروا أن يكون رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قدّم عليهم أحداً سمّاه لهم يقوم بالإمامة من بعده ، وقالت طائفة منهم: أشار إليه ولم يسمّه ، قالوا: وهو أبو بكر قدّمه للصلاة وهي مقرونة بالزكاة ، فوجب أن تعطي الزّكاة من قدّم على الصلاة ، فهذا قول جمهور العامّة ، وقالوا:

ص: 103

من ولّي وجبت طاعته ولو كان حبشيّاً ، ولا يرون الخروج عليه وإن عمل بالمعاصي.

وقالت المرجئة : على النّاس أن يولّوا عليهم رجلاً ممّن یرون أنّ له

فضلاً وعلماً، ويجهدوا فيه رأيهم ، وعليه أن يحكم بالكتاب والسّنّة وما لم يجده فيما اجتهد فيه رأيه ، قالوا: وطاعته تجب على النّاس ما أطاع الله ، فإذا عصى الله فلا طاعة له عليهم ، ووجب القيام وخلعه والاستبدال به .

وقالت المعتزلة : لم يقدّم رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أحداً بعينه ولا أشار إليه ، ولكنّه أمر النّاس أن يختاروا بعده رجلاً يولّونه على أنفسهم ، فاختاروا أبا بكر.

وقالت الخوارج : لم ندر ولم يبلغنا أنّ النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أمر في ذلك بشيء. ولا أنّه لم يأمر ، ولا أشار ولا لم يشر ، ولكن لابدّ من إمام يقيم الحدود وينفذّ الأحكام فنقيمه علينا.

فنقول بتوفيق الله وعونه لمن زعم أنّ رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لم يقدّم أحداً ، وهم جميع من حكينا قوله: قولكم هذا غير جائز قبوله باجماع منّا ومنكم ومن جميع المسلمين؛ لأنّه قد أجمعوا أنّ النّافي للشيء ليس بشاهد فيه ، وإنّما الشّاهد من أثبت شيئاً شهد أنّه كان ، فأنتم نفيتم

ص: 104

أن يكون رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) استخلف أحداً على اُمّته أو نصب إماماً للاُمّة من بعده ، فلم تشهدوا بشيء ، وإنّما نفيتم شيئاً أنكرتموه ، ومن شهد بذلك فهو أولى بالقبول ، وأوجب أن يكون شاهداً منكم؛ لأنّكم وجميع الاُمّة تقولون في رجلين ، قال أحدهما : سمعت فلاناً قال كذا ، أو رأيته يفعل كذا ، ويقول الآخر: لم أسمعه قال ذلك ، ولا رأيته فعل ذلك ، إنّ الشّاهد بالرؤية والسّماع هو الشّاهد المأخوذ بشهادته ، ومن قال لم أسمع ولم أرَ ليس بشاهد ، ولا يبطل قوله قول من شهد بالسمع والعيان ، وقد ذكرنا ما كان من قيام رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بولاية عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه يوم غدیر خم ، وقد رويتم معنا ذلك ، وإنّ ذلك من آكد بيعة وأوجب ما يوجب الإمامة مع كثير ممّا ذكرناه ، وكثير قد اختصرنا ذكره اكتفاء بما بيّناه . ولو كانت الإمامة كما زعمتم إنّما تكون باختيار النّاس لكان رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قد جمعهم وأمرهم أن يختاروا لأنفسهم إماماً، وكيف للنّاس أن يجتمعوا جميعاً على اختيار رجل واحد منهم على اختلاف آرائهم ومذاهبهم وأهوائهم. وما كان في أكثر الناس من الحسد من بعضهم البعض . ولو كان هذا لا يكون إلّا بإجماع النّاس على رجل واحد لم يجتمعوا عليه أبداً، وما أجمع من حضر بالمدينة على أبي بكر ، قد قالت الأنصار ما قالت ، وامتنع من بيعته جماعة من أكابر أصحاب

ص: 105

رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، حتّى كان من أمرهم ما كان ، فضلاً عمّن غاب من أهل الآفاق والبلدان ، وإن قلتم: وإنّ الرّأي والأمر في ذلك لقوم دون قوم ، فأخبرونا من له ذلك دون من ليس له ، بحجّة من كتاب أو سنّة أو إجماع ؟ ولن يجدوا ذلك ، وإذا كان النّاس هم الّذين يقدّمون الإمام ، فالإمام مأمور عن أمرهم ، ولم يكن يملك شيئاً حتّى ملّكوه إيّاه ، فهم الأئمّة على ظاهر هذا المعنى، وهو عامل من عمّالهم ، ولهم إذاً عزله ، كما قالت المرجئة ، وفساد هذا القول أبين من أن يستدلّ عليه ببرهان.

وقولهم : إنّهم يفعلون ما لم يأمر به رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ولم يفعله ، إقرار منهم بالبدعة ، وهم يقولون : إنّ الإمامة من دين الله ، وقد أخبر الله عزّ وجلّ في كتابه أنّه أكمل دينه ، و بيّنّا فيها تقدّم أنّ ذلك إنّما كان نزل عندما قام رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بولاية عليّ صلوات الله عليه ، فكيف يقرّون بأنّ الله عزّ وجلّ أكمل دينه ولم يبيّن فيه أمر الإمامة الّتي هي على إقرارهم منه ؟ أو هل كان الله عزّ وجلّ قال ذلك ولم يكمل دينه حتّى أكملوه هم ، أو كان رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عاجزاً وقصّر عن تبیان ما افترض الله عزّ وجلّ بيانه فييّنوه ؟ وهذا من أقبح ما انتحلوه ، وأعظم ما تجرّؤا به على الله عزّ وجلّ وعلى رسوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) .

ص: 106

ونقول لمن زعم أنّ رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أشار إلى أبي بكر فقدّموه بتلك الإشارة : وأنتم مقرّون بأنّ الإمامة من دين الله عزّ وجلّ ، فهل يجوز عندكم تغيير شيء من دين الله عزّ وجلّ أو تبديله ، فمن قولهم: لا، فيقال : فإن كان فرض الإمامة أن ينصب الإمام بالإشارة ، وكان النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أشار بها كما قلتم إلى أبي بكر ، فكيف صنع أبو بكر بعمر ، وعمر بعثمان ؟ فمن قولهم إنّ أبابكر نصّ على عمر ، وإنّ عمر جعل الأمر شوری بین ستّة ، وقدّم صهيباً على الصلاة ، وهذا خلاف لفعل رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في دين الله ، وقد أمر الله عزّ وجلّ باتّباعه ونهی عن مخالفته بقوله تعالى : « وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » (1)، وفعل عمر خلاف لفعل أبي بكر ، وقد غيّرا بإقرارهم دین الله ، وبدّلا حكمه ، وخالفا رسوله ، وصهيب على قولهم أحقّ من عثمان بالإمامة؛ إذ كان عمر قد قدّمه على الصلاة ، وهم يزعمون أنّ رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قدّم أبا بكر على الصلاة ، فبذلك استحقّ عندهم الإمامة ، ولم يكن ذلك ، ولكنّا نقول لمن ادّعى الإشارة بالصلاة : أنتم أحرى بأن لا تحتجّوا بهذا؛ لأنّكم تزعمون أنّ الصلاة جائزة خلف كلّ برّ وفاجر، وتروون في ذلك أخباراً تحتجّون بها على من خالفكم

ص: 107


1- سورة الحشر : 7.

في ذلك ، وأنتم مقرّون أنّ رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) استعمل عمرو بن العاص على غزوة ذات السّلاسل ومعه أبو بكر وعمر ، وكان يؤمّهما في الصلاة وغيرها ، وهما تحت رايته ، و مقرّون بأنّه لم يستعمل أحداً على علىّ صلوات الله عليه قطّ ، ولا أمره بالصلاة خلفه ، وإنّ هذه الصّلاة الّتي تدّعون أن رسول الله أمر أبا بكر بها لم يكن عليّ حضرها ، وكان علىّ - على قولكم - مع رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وصلّى بصلاته ، فهو على دعواكم أولى بالفضل ممّن قدّمتموه ، وكذلك تقرّون أنّ رسول الله أمّر على أبي بكر وعمر اُسامة بن زيد ، وقبض(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وهما تحت رايته وهو أمير عليهما وإمامهما في صلاتهما، وكان آخر ما أوصى به صلّى الله عليه وعلى آله أنّه قال : نفذوا جيش اُسامة ، لعن الله من تخلّف عنه ، واُسامة يوميذٍ قد برز ، فقعدا عنه فيمن قعد ، واُسامة وعمرو بن العاص - على قولكم - أولى بالإمامة منهما؛ إذ قدّما في الصلاة عليهما . و تقرّون أنّ عمر لمّا جعل الأمر شوری بین ستّة أقام صهيباً للصلاة ، فلم يستحقّ بذلك الإمامة عندكم ، مع أنّ أمر الصّلاة الّتي ادّعيتموها لم يثبت عندكم لما جاء فيها من الاضطراب في النقل والأخبار واختلافها ، وأنّها كلّها عن عائشة بنت أبي بكر ، وأنتم تقولون : إنّ من اختلف عنه في حديث كان كمن لم يأتِ عنه شيء ، ورددتم شهادة علي لفاطمة صلوات الله عليهما ، فكيف تجيزون شهادة عائشة لأبيها

ص: 108

لو قد ثبت عنها ذلك ؟ وكيف وهو لم يثبت أنّه أمره بالصلاة إلّا عن عائشة ، علم رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ذلك خرج فأخّره وصلّى بالناس.

وأمّا قول المرجئة أنّهم يولون الإمام فإذا جار عزلوه ، فهم أشبه على قولهم هذا بأن يكونوا أئمّة كما قلنا ، فإذا كان لهم أنّ يولّوا فلهم قالوا أن يعزلوا ، وهذا قول من لا يعبأ بقوله ، وقد ذكرنا فساده فيما قدّمناه . وأمّا قول المعتزلة أنّ رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أمر النّاس أن يختاروا فهو قول يخالف السنّة ، وقد ذكرنا فعله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بغدیر خم في عليّ عليه أفضل السّلام ، ووصفنا مايدخل على من زعم أنّ للنّاس ان يختاروا، ولن يأمر الله عزّ وجلّ ولا رسوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بأمر يعلم أنّه لا يتمّ ولا يكون ، ولا يفترض الله طاعة من يجعل اختياره إلى من أوجب علیه طاعته ، ويجعل عزله إليه ، ويقيمه منتقداً عليه ، ولو جاز للنّاس أن يقيموا إماماً لجاز لهم أن يقيموا نبيّاً؛ لأنّ الله عزّ وجلّ قرن طاعة الأئمّة بطاعة الأنبياء وجعلهم الحكّام في اُممهم بعدهم بمثل ما كان الأنبياء يحكمون به فيهم.

وأمّا قول الخوارج أنّها لا تعلم ما كان من رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، فليس قول من لم يعلم بحجّة على من قد علم ، وعلى من لم يعلم أن يطلب العلم ممّن يعلم ، وإن هم لو سألونا : كيف يكون عقد الإمامة ؟

ص: 109

قلنا لهم بما لا يدفعه أحد ولا من غيركم: إنّها بالنصّ والتّوقيف الّذي لا تدخل على القائل به حجّة ، ولا تلزمه معه لخصمه علّة. وقد ذكرنا توقیف رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) النّاس عي إمامة عليّ صلوات الله عليه ونصبه إيّاه ، وكذلك فعل عليّ بالحسن ، والحسن بالحسين ، والحسين بعليّ بن الحسين ، وعلىّ بن الحسين بمحمّد بن عليّ ، ومحمّد بن عليّ بجعفر بن محمّد ، وكذلك من بعدهم من الأئمّة إماماً إماماً بعده ، فيما رويناه عمّن قبلنا ، ورأينا فيمن شاهدناه من أئمّتنا بين الرّسولين : إنّ ذلك لا يكون إلّا بنصّ و توقیف من نبيّ إلى إمام ، ومن إمام إلى إمام ، ويبشّر النّبيّ بالنبيّ يأتي بعده ، كما ذكر الله عزّ وجلّ في كتابه : « وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ » (1). ويؤدّي ذلك الأئمّة بعضهم إلى بعض ، ويوقفون عليه أتباعهم إلى ظهور ذلك النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، كما أقرّت العامة أنّ آدم(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) نصّ على شيث وأوصى إليه ، وأنّ شيثاً نصّ على الإمام من ولده من بعده ، وكذلك نصّ الأئمّة يوقف كلّ إمام على الإمام بعده ، حتّى انتهى ذلك إلى نوح ، ومن نوح إلى إبراهيم ، ومن إبراهيم إلى موسى ، ومن موسى إلى عيسى ، ومن عيسى إلى محمّد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وعلى جميع المرسلين وعلى الأئمّة الصّادقين ، وقد أقرّت

ص: 110


1- سورة الصفّ : 6.

العامّة أنّ كلّ نبي مضى قد أوصى إلى وصيّ يقوم بأمر اُمّته من بعده ، ما خلا نبيّهم محمّداً(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فإنّهم أنكروا أن يكون أوصى إلى أحد، على أنّ النّاس أحوج ما كانوا إلى الأوصياء والأئمّة لارتفاع الوحي وانقطاع النّبوّة ، وأنّ الله ختمها بمحمّد ، وردّ أمر الاُمّة إلى الأئمّة من أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين ، و تفويض أمر الخلق إلى الأئمّة إلى يوم القيامة. فهكذا نقول في النبوّة والإمامة بالتوقيف والبيان ، لا كما زعمت العامّة أنّ الدّليل على الرُّسل الآيات بلانصّ ولا بشرى ولا توقیفات ، ولو تدبّروا القرآن لوجدوه يشهد بالذمّ لسائلي الآيات من أنبيائهم.

قال الله عزّ وجلّ لمحمّد نبيّه(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : «يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً »(1).

وقال في موضع آخر:«وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ

ص: 111


1- سورة النّساء : 153.

وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا *أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا »(1).

وقال في موضع آخر: «وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى » (2).

ومثل هذا كثير في القرآن. ومع ذلك أنّ الله عزّ وجلّ لا يبعث نبيّاً إلّا وهو مفترض الطّاعة ، فمن لم يصدّقه ومات على تكذيبه من قبل أن يأتي بالآية مات كافراً عندهم بإجماع ، ولو كان كما زعموا أنّ الدّليل على الأنبياء الآيات لم يكن على من لم يؤمن قبل الآيات حرج.

فإن قالوا : فما معنى مجيء الرُّسل بالآيات ؟

قيل لهم : معنى ذلك ما قال الله عزّ وجلّ:« وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا »(3) ، وإنّما يبعث الله بالآيات تخويفاً لخلقه ، وتأييداً

ص: 112


1- سورة الإسراء : 90- 93.
2- سورة طه: 133.
3- سورة الإسراء : 59.

لرسله ، وتأكيداً لحججهم على من خالفهم ، و تخويفاً لهم ، كما قال الله عزّ وجلّ: «وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا » ، وقد بعث الله تعالى نوحاً صلوات الله عليه إلى قومه وأخبر أنّه مکث يدعوهم ألف سنة إلّا خمسين عاماً ، وقد هلك في تلك المدّة قرون ممّن كذّبه على الكفر ، ثمّ أخبر عزّ وجلّ أنّ آیته كانت السّفينة.

وكذلك قال عامّة النّاس ، وكانت الآية في آخر زمانه ومعها أتى العذاب إلى قومه لكفرهم به ، فأهلكهم الله عزّ وجلّ بعصيانهم، وردّ نبوّته ، ونجّاه فيها ومن آمن معه. وقد هلك قبل ذلك اُمم ممّن كذّبه وصاروا إلى النّار بكفرهم وتكذيبهم إيّاه ، ولما جاء به عن ربّه ، ولو لم تكن تجب عندهم نبوّته إلّا بأية لما كان عليهم أن يؤمنوا به ، ولو لم تكن تجب عليهم إجابته لما كان له أن يدعوهم دون أن يأتيهم بآية ؛ إذ كان لا يجب عليهم تصديقه دون أن يأتي بها ولا يجب أن يدعوهم إلى ما لا يجب عليهم قبوله. وما كان الله عزّ وجلّ ليبعث نبيّاً يدعو إليه وهو غير مفترض الطّاعة ، وهذا بيّن لم تدبّره ، ووفّق لفهمه .

ولو ذكرنا ما كان ينبغي أن يدخل في هذا الباب لخرج من حدّ هذا الكتاب ، ولكنّا أثبتنا من ذلك نكتاً يفهمها ذوو الألباب ، والله الموفّق برحمته للصواب.

ص: 113

ذکر منازل الأئمّة صلوات الله عليهم ، وأحوالهم وتبرّیهم ممّن وضعهم بغير مواضعهم وتكفيرهم من ألحد فيهم : أئمّة الهدی صلوات الله عليهم ورحمته وبرکاته خلق من خلق الله جلّ جلاله ، وعباد مصطفون من عباده ، افترض طاعة كلّ إمام منهم على أهل عصره ، و قرن طاعتهم في كتابه بطاعته وطاعة رسوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وهم حجج الله على خلقه ، وخلفاؤه في أرضه ، ليسوا كما زعم الضّالون المفترون بآلهة غير مربوبين ، ولا بأنبياء مرسلين ،ولا يوحى إليهم كما يوحی إلى النبيّين ، ولا يعلمون الغيب الّذي حجبه الله عن خلقه ، ولم يطلع أنبياءه منه إلّا على ما أطلعهم عليه ، لاكما زعم المفترون فيهم ، والمبطلون الكاذبون عليهم ، تعالى الله جلّ ذكره ونزّه أولياءه عن مقال الملحدين وإفك المكذّبين الضّالّين المفترين.

ولمّا كان أولياء الله الأئمّة الطّاهرون ، حجج الله الّتي احتجّ بها على خلقه ، وأبواب رحمته الّتي فتح لعباده ، وأسباب النّجاة الّتي سبب لأوليائه وأهل طاعته ، ومن لا تقبل الأعمال إلّا بطاعتهم ، ولا يجازی بالطاعة إلّا من تولّاهم وصدّقهم دون من عاداهم وعصاهم و نصب لهم ، كان الشّيطان أشدّ عداوة لأوليائهم وأهل طاعتهم ليستزّلهم استزلّ أبويهم من قبل ، فاستزّل كثيراً منهم ، واستغواهم ، و سوّل لهم

ص: 114

واستهواهم ، فصاروا إلى الحور بعد الكور ، وإلى الشّقوة بعد السّعادة ، وإلى المعصية بعد الطّاعة، وقصد كلّ امرئ منهم من حيث يجد السّبيل إليه ، والاجلاب بخيله ورجله عليه فمن كان منهم قصير العلم متخلّف الفهم ، ممّن تابع هواه ، استفزّه واستغواه ، واستزلّه إلى الجحد لهم ، والنّفاق عليهم ، والخروج عن طاعتهم ، والكفر بهم . والانسلاخ من معرفتهم.

ومن كان قد برع في العلم ، وبلغ حدود الفهم ، ولم يستطع أن يستزلّه إلى ما استزلّ به من تقدّم ذكره ، استزلّه و خدعه ، ودخل إليه من باب محبوبه ، وموضع رغبته ، ومكان بغينه ، فزيّن له زخرف التأويل، ونموّق له قول الأباطيل ، وأغراه بالفكرة في تعظيم شأنهم ، ورفيع مكانهم ، وقرّب منه الوسائل، وأكّد له الدّلائل على أنّهم غير مربوبين ، أو أنبياء مرسلون ، أمكنه من ذلك ما أمكنه فيه ، و تهيّأ له منه تجرّأ به عليه ، ودخل إلى طبقة ثالثة من مدخل الشّبهات باستثقال الفرائض والموجبات ، فأباح لهم المحارم، وسهّل عليهم العظائم في رفض فرائض الدّين والخروج من جملة المسلمين الموحّدين ، بفاسد ما أقامه لهم من التأويل ، ودلّهم عليه بأسوء دليل، فصاروا إلى الشّقوة والخسران ، وانسلخوا من جملة أهل الدّين والإيمان ، نسأل الله العصمة من الزّيغ ، والخروج من الدّنيا سالمين غير ناکثین ،

ص: 115

ولا مارقين ، ولا مبدّلين ، ولا مغضوب علينا، ولا ضالّين.

وقد روينا عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد صلوات الله عليه أنّ رجلاً من أصحابه شكا إليه ما يلقون من النّاس ، فقال : يابن رسول الله ، ماذا نحن فيه من أذى النّاس ، ومطالبتهم لنا، وبغضهم إيّانا ، وطعنهم علينا ، كأنّا لسنا عندهم من المسلمين ؟ فقال له أبو عبد الله(علیه السّلام) : « أَوْ مَا تَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ وتشكرونه ، إِنَّ الشَّيْطانَ لَمَّا يَئِسَ مِنْكُمْ أَنْ تُطِيعُوهُ فِي خَلْعِ وَلَايَتِنَا الَّتِي يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلٍ لَا يُقْبَلُ عَمَلُ عامِلٍ خُلْعُهَا ، أَغُرِّى النَّاسِ بِكُمْ حَسَداً لَكُمْ عَلَيْهَا ، فَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى مَا وُهِبَ لَكُمْ مِنَ الْعِصْمَةِ ، وَ إِذَا تعاظمكم مَا تُلْقُونَ مِنَ النَّاسِ ، ففكروا فِي هَذَا وَ انْظُرُوا إِلَى مَا لَقِينَا نَحْنُ مِنِ الْمِحَنِ ، وَ نَلْقَى مِنْهُمْ ، وَ مَا لقى أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَ رَسُولُهُ مِنْ قَبْلِنَا ، فَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، عَنْ أَعْظَمُ النَّاسِ امْتِحَاناً وَ بَلَاءً فِي الدُّنْيَا ، فَقَالَ : الْأَنْبِيَاءُ ، ثُمَّ الْأَوْصِيَاءِ ، ثُمَّ الْأَئِمَّةِ ، ثُمَّ الْمُؤْمِنُونَ ، الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ ، وَ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ ، وَ إِنَّمَا أَعْطَانَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ ، وَ رَضِيَ لَنَا وَ لَكُمْ صَفْوُ عَيْشِ الْآخِرَةِ ، ثُمَّ قَالَ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ ، وَ جَنَّةُ الْكَافِرِ ، وَ مَا أَعْطَى اللَّهُ عَبْداً مُؤْمِناً حَظّاً مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مشوباً بتكدير لِئَلَّا يَكُونُ ذَلِكَ حَظُّهُ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ » . . فَأَمَّا ذَكَرَ مَنْ ضَلَّ وَ هَلَكَ مَنْ أَهْلِ هَذَا الْأَمْرِ فَكَثِيرُ ، يطول ويخرج

ص: 116

عن حدّ هذا الكتاب ، ولكن لابدّ من ذكر نكت من ذلك كما شرطنا، فمن ذلك ما روينا عن عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه أنّ قوماً من أصحابه ، وممّن كان قد بايعه و تولّاه ودان بإمامته ، مرقوا عنه ونكثوا عليه ، وقسطوا فيه ، فقاتلهم أجمعين ، فهزم النّاكثين ، وقتل المارقين ، وجاهد القاسطين ، وقتلهم وتبرّءوا منه وبرئ منهم، وإنّ قوماً غلوا فيه لما استدعاهم الشّيطان بدواعيه ، فقالوا: هو النّبيّ، وإنّما غلط جبرئیل به ، وإليه كان اُرسل فأتي محمّداً (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، فيا لها من عقول ناقصة ، وأنفس خاسرة، وآراء واهية ، ولو أنّ أحدهم بعث رسولاً بصاع من تمر إلى رجل فأعطاه غيره لما استجاز فعله ، ولعوّض المرسل إليه مكانه أو استردّه إليه ممّن قبضه ، فكيف يظنّون مثل هذا الظنّ الفاسد بربّ العالمين ، وبجبرئيل الرّوح الأمين ، وهو ينزل أيّام حياة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بالوحي إليه، وبالقرآن الّذي اُنزل عليه ، ثمّ يقولون هذا القول العظيم ، ويفترون مثل هذا الافتراء المبين بما سوّل لهم الشّيطان ، وزيّن لهم من البهتان والعدوان ، وأتاه صلوات الله عليه قوم غلوا فيه ممّن قدّمنا وصفهم ، واستزلال الشّيطان إيّاهم ، فقالوا : أنت إلهنا وخالقنا ورازقنا ، ومنك مبدؤنا، وإليك معادنا ، فتغيّر وجهه صلوات الله علیه وارفض عرقاً وارتعد کالسعفة تعظيماً لجلال الله عزّ جلاله وخوفاً منه ، وثار مغضباً ونادی بمن حوله

ص: 117

وأمرهم بحفير فحضر ، وقال : لاُشبعنّك اليوم لحماً وشحماً ، فلمّا علموا أنّه قاتلهم ، قالوا : لئن قتلتنا فأنت تحبينا ، فاستتابهم ، فأصرّوا على ما هم عليه ، فأمر بضرب أعناقهم ، وأضرم ناراً في ذلك الحفير فأحرقهم فيه ، وقال صلوات الله عليه : لمّا رأيت أمراً منكر أضرمت ناري ودعوت قنبراً ، وهذا من مشهور الأخبار عنه(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وكان في أعصار الأئمّة من ولده مثل ذلك ما يطول الخبر بذکر هم ، کالمغيرة بن سعید لعنه الله ، وكان من أصحاب أبي جعفر محمّد بن عليّ صلوات الله

عليه ودعاته ، فاستزلّه الشّيطان فكفر وادّعى النّبوّة ، وزعم أنّه يحيي الموتى ، وزعم أنّ أبا جعفر صلوات الله عليه وآله ألٰه ،تعالى الله ربّ العالمين ، وزعم أنّه بعثه رسولاً وتابعه على قوله كثير من أصحابه سمّوا المغيریّة باسمه ، وبلغ ذلك أبا جعفر محمّد بن عليّ صلوات الله عليه ولم يكن له سلطان كما كان لعليّ فيقتلهم كما قتل عليّ صلوات الله عليه الّذين ألحدوا فيه ، فلعن أبو جعفر صلوات الله عليه المغيرة وأصحابه ، وتبرّأ منه ومن قوله ومن أصحابه ، وكتب إلى جماعة أوليائه وشیعته، وأمرهم برفضهم والبراءة إلى الله منهم ، ولعنه ولعنهم ، ففعلوا ، فسمّاهم المغيرية الرّافضة لرفضهم إيّاه ، وقبولهم ما قال المغيرة لعنه الله . وكانت بينه وبينهم وبين أصحابه مناظرة وخصومة واحتجاج ، يطول ذكرها ، واستحلّ المغيرة وأصحابه

ص: 118

المحارم كلّها وأباحوها ، وعطّلوا الشّرائع وتركوها ، وانسلخوا من الإسلام جملة ، وبانوا من جميع شيعة الحقّ کافّة وأتباع الأئمّة ، وأشهر أبو جعفر محمّد بن عليّ صلوات الله عليه لعنهم والبراءة منهم.

ثمّ كان أبو الخطّاب في عصر جعفر بن محمّد صلوات الله عليه من أجلّ دعاته ، فأصابه ما أصاب المغيرة ، فكفر وادّعى أيضاً النّبوّة ، وزعم أنّ جعفر بن محمّد صلوات الله عليه إلٰه ، تعالى الله عن قوله ، واستحلّ المحارم كلّها ، ورخّص فيها ، وكان أصحابه كلّما ثقل عليهم أداء فريضة أتوه وقالوا : يا أبا الخطّاب ، خفّف علينا ، فيأمرهم بترکها ، حتّى تركوا جميع الفرائض ،واستحلّوا جميع المحارم ، وارتكبوا المحظورات ، وأباح لهم أن يشهد بعضهم لبعض بالزور . وقال : من عرف الإمام فقد حلّ له كلّ شيء كان حرّم عليه ، فبلغ أمره جعفر بن محمد (علیه السّلام) فلم يقدر عليه بأكثر من أن لعنه وتبرّأ منه ، وجمع أصحابه فعرّفهم ذلك ، وكتب إلى البلدان بالبراءة منه ، واللّعنة عليه ، وكان ذلك أكثر ما أمكنه فيه ، وعظم ذلك على أبي عبدالله جعفر بن محمّد صلوات الله علیه و استفظعه و استهاله.

قال المفضّل بن عمرو: دخلت يوماً على أبي عبدالله جعفر بن محمّد صلوات الله عليه فرأيته مقارباً منقبضاً مستعبراً، فقلت له : ما لك ، جعلت فداك ؟ فقال : « سُبْحانَ اللَّهِ وَ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ

ص: 119

عُلُوّاً كَبِيراً . أي مفضّل ، زعم هذا الكذّاب الكافر أنّي أنا الله ، فسبحان الله ، ولا إلٰه إلّا هو ربّي وربّ آبائي ، هو الّذي خلقنا وأعطانا وخوّلنا ، فنحن أعلام الهدى ، والحجّة العظمى ، اُخرج إلى هؤلاء - يعني أصحاب أبي الخطّاب - فقل لهم : إنّا مخلوقون ، وعباد مربوبون ، ولكنّ لنا من ربّنا منزلة لم ينزلها أحد غيرنا ، ولا تصلح إلّا لنا ، ونحن نور من نور الله ، وشيعتنا منّا، وسائر من خالفنا من الخلق فهو في النار ، نحن جيران الله غداً في داره ، فمن قبل منّا وأطاعنا فهو في الجنّة ، ومن أطاع الكافر الكذّاب فهو في النار».

روينا عن جعفر بن محمّد صلوات الله عليه أنّ سديراً الصّيرفي سأله فقال له : جعلت فداك ، إنّ شيعتكم اختلفت فيكم فأكثرت، حتّى قال بعضهم : إنّ الإمام ينكت في اُذنه ، وقال آخرون : يوحی إليه ، وقال آخرون : يقذف في قلبه ، وقال آخرون: يرى في منامه وقال آخرون : إنّما يفتي بكتب آبائه ، فبأي قولهم آخذ جعلت فداك ؟

فقال: « لَا تَأْخُذْ بِشَيْ ءٍ مِنْ قَوْلِهِمْ . یا سدیر ، نَحْنُ حُجَّةُ اللَّهِ وأمناؤه عَلَى خَلْقِهِ ، حَلَالِنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، وَ حَرَامِنَا مِنْهُ».

ص: 120

الدّرس الثّامن: ما يجب الاعتقاد به /6

3- الإمامة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وقال الشّيخ المفيد أعلى الله درجته في الإفصاح :

«فإن قالوا: ما أنكرتم أن يكون العقد لأبي بكر وعمر الإمامة ، وتقدّمهما على الكافّة في الرّئاسة ، يدلّ على فضلهما في الإسلام، وعلوّهما في الدّيانة ، وإن كنّا لا نحيط علماً بذلك الفضل ، ولم يتّصل بنا من جهة الأثر والنّقل؛ وذلك أنّهما لم يكونا من أشرف القوم نسباً ، فيدعو ذلك إلى تقديمهما؛ لأنّ بني عبد مناف أشرف منهما ، ولاكانا من أكثرهم مالاً فيطمع العاقدون لهما في نيل أموالهما ، ولاكانا أعزّهم عشيرة فيخافون عشيرتهما ، فلم يبق إلّا أنّ المقدّمين لها على أمير المؤمنين (علیه السّلام) والعبّاس بن عبدالمطّلب وسائر المهاجرين والأنصار ،

ص: 121

إنّما قدّموهما لفضل عرفوه لهما، وإلّا فما السّبب الموجب لاتباع العقلاء المخلصين لأمرهما ، ونصبهما إمامين لجماعتهم ورئيسين لكافّتهم لولا الّذي ادّعيناه ؟ قيل لهم: لو كان للرجلين فضل حسب ما ادّعيتموه ، وكان ذلك معروفاً عند أهل زمانهما كما ذكرتموه ، لوجب أن تأتي به الأخبار، وترويه نقلة السّير والآثار ، بل وجب أن يظهر على حدّ يوجب علم اليقين والاضطرار ، ويزيل الرّيب فيه حتّى لا يختلف في صحّته اثنان؛ لأنّ جميع الدّواعي إلى انتشار فضائل الرّجال متوفّرة في نقل ما كان لهذين الرّجلين ممّا يقتضي التّعظيم لمن وجد لهما، والإخبار بها.

ألا ترى أنّهما كانا أميري الناس ، وحصلت لهما القدرة على الكافّة والسلطان ، وكان المظهر لولايتهما في زمانهما و من بعد إلى هذه الحال هو الظّاهر على عدوّه ، المتوصّل به إلى ما يصلح به الأحوال ، والمظهر لعداوتهما مهدور الدم، أو خائف مطرود عن البلاد، والمظنون به من الافصاح ببغضهما مبعد عن الدّنيا ، مستخفّ باعتقاده عند الجمهور ، متوقّع منهم ما يخافه ويحذره ، حتّى صار القتل مسنوناً لمن أظهر ولاية أمير المؤمنين (علیه السّلام) ، وإن كان مظهراً لمحبّة أبي بكر وعمر ، متديّناً بها على الاعتقاد، وحتّى جعل بنو اُميّة الامتحان بالبراءة من أمير المؤمنين (علیه السّلام) طريقاً إلى استبراء النّاس في اعتقاد إمامة من تقدّمه .

ص: 122

وكلّ من امتنع من البراءة حكموا عليه بعداوة الشّيخين ، والبراءة من عثمان ، ومن تبرّأ من أمير المؤمنين (علیه السّلام) حكموا له باعتقاد السّنّة وولاية أبي بكر وعمر وعثمان. ونال أكثر أهل الدّنيا ممّا تمنّوه منها من القضاء والشّهادات والامارات ، وحازوا الأموال ، وقربت منازلهم من خلفاء بني اُميّة وبني العبّاس بالعصبية لأبي بكر وعمر وعثمان ، والدّعاء إلى إمامتهم ، والتفضيل لهم على كافّة الصّحابة ، والتخرّص بما يضيفونه إليهم من الفضل الّذي يمنع بالقرآن ، وينفي بالسنّة ، ويستحيل في العقول ، ويظهر فساده بیسير الاعتبار.

وإذا كان الأمر على ما وصفناه ، ولم يكن لعاقل رفع ما بيّناه وشرحناه ، بطل أن يكون العلم بفضل الرّجلين والثّالث أيضاً على الحدّ الّذي ذكرناه ، ممّا يزول معه الارتياب لتوفير الدّواعي على موجبه لو كان ، بل لم يقدر الخصم على ادّعاء شيء في هذا الباب أقوى عنده ممّا حكيناه عنهم فيما سلف من هذا الكتاب ، وأوضحنا عن وهن التّعلّق به وكشفناه ، وبان بذلك جهل النّاصبة فيما ادّعوه لهما من الفضل المجهول على ما توهّموه ، كما وضح به فساد مقالهم فيها تعلّقوا به من ذلك في تأويل المسطور ، و تخرّصوه من الخير المفتعل الموضوع ، والمنّة الله تعالى.

فصل: ثمّ يقال لهم : قد سبرنا أحوال المتقدّمين على أمير

ص: 123

المؤمنين (علیه السّلام) فيما يقتضي لهم فضلاً يوجب تقدّمهم ، فلم نجده على شيء من الوجوه؛ وذلك أنّ خصال الفضل معروفة ، ووجوهه ظاهرة مشهورة ، وهي : السّبق إلى الإسلام ، والجهاد بين يدي رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، والعلم بالدّين ، والإنفاق في سبيل الله جلّ اسمه ، والزّهد في

الدّنيا.

أمّا السّبق إلى الإسلام : فقد تقدّم أمير المؤمنين (علیه السّلام) أبا بكر باتّفاق العلماء وإجماع الفقهاء ، وإن كان بعض أعدائه يزعم أنّه لم يكن على يقين ، وإنّما كان منه لصغر سنّه على جهة التّعليم ، وقد تقدّمه أيضاً بعد أمير المؤمنين (علیه السّلام) زيد وجعفر و خباب (رضي الله عنهم) وغيرهم من المهاجرين ، وجاء بذلك الثّبت في الحديث.

فروی سالم بن أبي الجعد ، عن محمّد بن سعد بن أبي وقّاص أنّه قال لأبيه سعد: كان أبو بكر أوّلكم إسلاماً ؟ قال : لا، قد أسلم قبله أكثر من خمسين رجلاً. فأمّا عمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان ، فإنّه لا يشتبه على أحد من أهل العلم أنّهما ينزلان عن مرتبة التقدّم على السّابقين ، وأنّهما لم يكونا من الأوّلين في الإسلام ، وقد تقدّمهما جماعة من المسلمين.

قال الحاكم النّيسابوري في معرفة علوم الحدیث: 22: «لا أعلم خلافاً بين أصحاب التّواريخ أنّ عليّ بن أبي طالب (رضی الله عنه) أوّلهم إسلاماً» .

ص: 124

وحديث أنّ عليّا (علیه السّلام) أوّلهم إسلاماً مروي في مصادر معتبرة كثيرة ، وبطرق ومتون شتّی(1).

وأمّا الجهاد : فإنّه لا قِدم لأحدهم فيه ، فلا يمكن لعاقل دعوی ذلك على شيء من الوجوه وقد ذكر من كان منه ذلك سواهم ، فلم يذكرهم أحد، ولا تجاسر على القول بارزوا وقتاً من الأوقات قرناً ، ولا سفكوا لمشرك دماً، ولا جرحوا في الحرب كافراً، ولا نازلوا من القوم إنساناً ، فالريب في هذا الباب معدوم ، والعلم بما ذكرناه حاصل موجود.

وأمّا العلم بالدّين : فقد ظهر من عجزهم فيه ، ونقصهم عن مرتبة أهل العلم في الضّرورة إلى غيرهم من الفقهاء، أحوال إماراتهم ما أغنى عن نصب الدّلائل عليه . وقد كان رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حكم لجماعة من أصحابه بأحكام فيه ، فما حكم لأحد من الثلاثة بشيء منه ، فقال (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : « أقرأكم أَبِي ، وَ أُعَلِّمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ مُعَاذٍ ، وأفرضكم زید ، وَ أَقْضَاكُمْ عَلَيَّ » ، فَكَانَ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ناحلا لِكُلِّ مَنْ سَمَّيْنَاهُ سَهْماً مِنْ

ص: 125


1- فرواه التّرمذي في صحيحه: 640/5 ، ح 3728، والحاكم في مستدرکه على الصّحيحين: 136/3 ، 183، 465، وأبو نعيم في حلية الأولياء : 65/1 ، 66، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد : 18/2 و : 233/4 .

العلم ، وجامعاً سائره لأمير المؤمنين(علیه السّلام) ، بما حکم به بالقضاء الّذي يحتاج صاحبه إلى جميع من سمّاه من العلوم. وأخرج أبا بكر وعمر وعثمان من ذلك كلّه ، ولم يجعل لهم فيه حظّاً كما ذكرناه ، وهذا ممّا لا إشكال فيه على ذوي العقول.

وأمّا الإنفاق : فقد قلنا فيما تقدّم فيه قولاً يغني عن إعادته هاهنا ، وعمر بن الخطّاب من بين الثّلاثة صفر منه بالاتّفاق ، أمّا عثمان فقد كان له ذلك ، وإن كان بلا فضل ، فإن خلوّ القرآن من مديح له على ما كان منه ، دليل على أنّه لا فضل له فيه ، ولو حصل له به قسط من الفضل لكان كسهم غيره من المنفقين الّذين لم يجب لهم التقدّم بذلك في إمامة المسلمين.

وأمّا الزّهد في الدّنيا : فقد قضى بتعرية الثّلاثة منه مثابرتهم على الامارة ، ومضاربتهم الأنصار على الرّئاسة ، ومسابقتهم إلى الحلية في التّظاهر باسم الإمامة ، وتركوا رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) مسجّی بين أظهرهم.

لم يقضوا له بذلك في مصابه حقّاً، ولاحضروا له غسلاً، وتجهيزاً ، ولا صلاة ، ولا تشییعاً، ولا دفناً، وتوّفروا على مخاصمة من سبقهم إلى السّقيفة طمعاً في العاجل ، وزهداً في الآجل، وسعياً في حوز الشّهوات ، و تناولاً للّذّات ، وتطاولاً على النّاس بالرّئاسات .

ص: 126

ولم يخرجها الأوّل منهم عن نفسه حتّى أيقن بهلاکه ، فجعلها حينئذٍ في صاحبه ضناً بها على سائر النّاس ، و غبطة لهم.

وكان من أمر الثّاني في الشّورى ما أوجب تحقّقه بها بعد وفاته .

وتحمّل من أوزارها ما كان غنياً عنه لو سنحت بها نفسه إلى مستحقّها ، وظهر بعده من الثّالث ما استحلّ به أصحاب رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) دمه، من إطراح الدّين، والانقطاع إلى الدّنيا ، وقضاء الذمامات بأموال الله تبارك وتعالى ، وتقليد الفجّار من بني ... الخ» (1).

ولقد أجاد حامد الحنفي داود في معرض الدّفاع عن المذهب

الجعفري والردّ على أحمد أمين وأضرابه حين قال :

« لَتَرْكَبُنَّ سُنَنِ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْراً بِشِبْرٍ ، وَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِ ، حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ حَجَرٍ ضَبٍّ لدخلتم ...» إلى آخر الحديث ، فكلّ ما مرّت به الاُمم السّابقة تمرّ به اُمّة سيّد الأنبياء ، ولكانّها - على حدّ تعبير إخواننا علماء النّفس - تلخيص للأطوار السّابقة الّتي مرّت بها الاُمم ، ونحن لانعجب من خطأ حدث من عالم يدّعي العلم كعجبي

ص: 127


1- الإفصاح : 229 - 234.

من هذه الأخطاء السّاذجة الّتي وقع فيها أحمد أمين فأساء فيها إلى العلم وإلى تلاميذه ، وكان سبباً مباشراً في الدّعوة إلى الفرقة والتّحاسد ، والتّباغض ، والكيد لوحدة الاُمّة في وقت نحن فيه في أشدّ الحاجة إلى توحيد الصّفّ وبذل الجهود للاعتصام بهذا الدّين القيّم الّذي لم يأته الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

إنّ الإماميّة مذهب من المذاهب الفقهيّة ، وهو أحد المذاهب الثّمانية الّتي يعتبرها المنهج العلمي الحديث من المذاهب المعتدلة ، وهي: الحنفيّة ، والمالكيّة ، والشّافعيّة ، والحنبليّة ، والجعفريّة (الأماميّة )، والظّاهريّة ، والاباضيّة ، والزّيديّة ، وهي في نفس الوقت باعتبار انتسابها إلى الإمام جعفر الصّادق - تعتبر اُولى المذاهب الفقهيّة ؛ لأنّ أبا حنيفة ومالك كانا تلميذين للإمام الصّادق ، وكان أبو حنيفة كثيراً ما يقول : لولا السّنّتان لهلك النّعمان ، هذا الخطأ الّذي وقع فيه أحمد أمين يذكّرني وأنا أكتب هذا التّصدير بلقاء جمع بيني وبين العالم المجتهد أحمد شاكر في بيته . وقد كان بشارع المقريزي بمنشية الكبرى ، وكنت أهديت إليه كتابي : ( مع أحمد أمين ) ، ثمّ دار حوار بيني وبينه حول كتابات أحمد أمين في فجر الإسلام ، فما كان من جواب العلّامة أحمد شاكر إلّا أن نطق بكلمة : اُمّي ، كلمة واحدة رمز بها الشّيخ

ص: 128

الجليل إلى كلّ شيء ونوّه بها عن كلّ شيء يتّصل بقلم: أحمد أمين ، ويصوّر في نفس الوقت ضئاله شخصيّته العلميّة في نفوس مجتهدي المذاهب الفقهيّة ، وأحمد شاكر وما أحمد شاكر ، وهو على مستوى من المسؤولية العلميّة بمكان عظيم ، سمعته أكثر من مرّة وأنا اُحاوره في مذهبه الفقهي الّذي يقلّده أو يراه موضعاً للتقليد ، فكان (رحمه الله) يأبى إلّا أن يصوّر نفسه في درجة من الاجتهاد ، وهي أقرب إلى درجة (المجتهد المطلق ) منه إلى درجة (مجتهد المذهب) الّتي عرف بها رجال الطبقة الثّانية من الفقهاء ، ومهما يكن من أمر فإنّ حكم الشّيخ أحمد شاكر على (أحمد أمين ) حكم له خطره في نظر - المنهج العلمي الحديث - ، وهو في نظرنا ثاني اثنين ختم بهما علم الجرح والتّعديل ؛ أوّلهما : اُستاذنا الشّيخ محمّد زاهد الكوثري وكيل مشيخة الإسلام في تركيا ، ونزیل القاهرة ،وقد كانت له مع أحمد أمين مواقف يذكرها له التّشريع الإسلامي بالإجلال والإكبار حين كان يرصد قلمه للذبّ عن الشّريعة ، وكان (رحمه الله) من الغيرة على الفقه الإسلامي والمعرفة بمواضع الخلاف بين الفقهاء في الوضع الّذي يحلّه مكان المجتهدين في فقه أبي حنيفة ، وقد كان هذان العالمان من النّفر القليل العارفين برجال المذاهب الفقهيّة المعدلين من هو أهل التّعديل ، في الوقت الّذي فيه

ص: 129

يعملان جاهدين على إحقاق الحقّ ، وإبطال الباطل ، وليس أدلّ على رسوخهما في الاجتهاد من قراءتهما الواسعة فیما جاء في المذهب الجعفري من أحكام، ولعلّنا نلحظ هذا الأثر واضحاً ولا سيّما كتابات : أحمد شاكر واطّلاعه على أقوال فقهاء الإماميّة ، وكتابه (نظام الطّلاق في الإسلام) أكبر شاهد عمّا نقول.

وآخر القضايا المهمّة غمس فيها أحمد أمين يده هي قضيّة الإمامة ، وهي من أكبر القضايا الّتي ميزّت المذهب الإمامي الجعفري عن المذاهب الاُخرى ، فإذا قال الإماميّة بأفضلية عليّ على أبي بكر وعمر ، فإنّ هذا القول لا يعدّ -كما يعتقد جهلاء الاُمّة - فسقاً أو ضلالاً أو خروجاً على الشّريعة ، وإنّما هي مسألة اجتهادية لم يفطن لها أحمد أمين صورتها العلمية الدّقيقة ، والإماميّة في هذا القول مجتهدون لهم رأيهم ولهم نصوصهم من القرآن والسّنّة وفي مقدّمة هذه الحجج الّتي یرونها موضع التّفضيل وسبباً مشروعاً في أحقّيّة التّقديم في الخلافة آية التّطهير : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا » (1) وآية المباهلة : « فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا

ص: 130


1- سورة الأحزاب : 33.

وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ »(1) إلى عشرات الآيات الّتي لا داعي للاسترسال فيها إيثاراً للإيجاز في هذا التّصدير .

أمّا الأحاديث الدّالّة على أفضلية (عليّ) و تقديمه على الشّيخين في العلم والجهاد والمقاضاة بين الاُمّة ، والزّهد في الدّنيا فهناك يتجاوز المائة حديث وأشهرها حديث المؤاخاة ، وحديث المنزلة ، وحدیث الكساء ، وحدیث غدیرخم ، وهو نصّ جليّ في إمامته بعد النّبيّ(علیه السّلام) ، فهذه المسألة هي موضع الخلاف الوحيد بين الإماميّة وغيرهم من المذاهب الفقهيّة ، وقد كانت نظرة أحمد أمين فيها نظرة سطحيّة لم يشبع فيها بحثه في (فجر الإسلام) وظنّ أنّها من شواذ قضاياهم ، مع أنّها محلّ نظر عند الرّاسخين في العلم من السّنّة والشّيعة ، فالسّنّة رأوا لا بأس من الاجتهاد مع وجود النّصّ في المسائل المتعلّقة بالسياسة والحكم بخلاف العبادات ، حين تدعو الظّروف الواقعيّة المجبرة لذلك لعلل لا محلّ لسردها في هذه العجالة والشّيعة يرون أنّه لا اجتهاد مع النّصّ ، وأنّ الإمامة ليست من الشّورى ، بل هي بنصّ صريح من

ص: 131


1- آل عمران : 61.

النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، والنّبيّ أمر بتبليغها من قِبل الحقّ سبحانه في قوله : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » (1)، والحقّ أنّنا لا نستطيع أن نسفّه أحلام هؤلاء، ولا هؤلاء ، لسببين جوهریّين :

الأوّل: أنّ صاحب الحقّ وهو عليّ(رضی الله عنه) ، وأرضاه آثر الابقاء على وحدة الاُمّة على حقّه المشروع في الخلافة حتّى لا يتزعزع رکن الإسلام وتطل الفتنة من بين الصفوف فتقطع الحرث والنّسل.

الثاني : أنّ مخالفة النّصّ في نظر الشّيعة على الرغم ممّا في ظاهره من هضم لحقّ (عليّ) فإنّه لم يحدث صدعاً في وحدة الاُمّة للسبب الأوّل الّذي أشرنا إليه ، والدّليل القطعي على ذلك أنّ الله أثنى على اُمّة نبيّه وهو يعلم ما سيحدث من اختلاف وفتن فيها بقوله : «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ». (2)، وقول النّبيّ(علیه السّلام) : « لَا تَجْتَمِعْ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ » وإذعان (عليّ) والصّفوة المخلصون من شيعته ، وفيهم العبّاس وسلمان الفارسي والزّبير للواقع الّذي حدث بعد السّقيفة كان إجهازاً على القطيعة ، وبتراً للخلاف في

ص: 132


1- المائدة : 67.
2- آل عمران : 110.

الدّنيا ، وإن كان ذلك في نظر - المنهج العلمي الحديث - لا يمنع من الحساب والسؤال عن جزئیّات هذه الأحداث وكلّياتها في الآخرة بين يدي الله تعالى ، ولكنّ أكثر الباحثين يعجزون عن تدبّر أعماق هذه القضيّة الكبرى وبتر فلسفتها بين الشّريعة والحقيقة ، فكان منهم : من قصر نظرته على الجانب الواقعي فيها ، وهم : أهل السنّة ، ومنهم : من استولت على تفكيره النّظرة المثالية في فهمهما ، وهو : الشّيعة . وقد حاول الإمامان الجليلان عبدالحسین شرف الدّين ، والشّيخ محمّد سليم البشري في كتاب (المراجعات ) توضيح نقطة الخلاف، ولكنّ (أحمد أمين) لم يطّلع على شيء من هذه التفاصيل العلميّة ، وأحدث بسبب ما أورده في (فجر الإسلام) صدعاً بين شقّي هذه الاُمّة . وما كان أغناه عن غمس يده في هذه القضايا فأساء إلى نفسه كاُستاذ باحث ، و أساء إلى وحدة المسلمين بعد أن غمّ عليه الأمر حين أساء تطبيق المناهج العلميّة وسخر بفكره المستشرقون الّذين لا يعنيهم إلّا الدّسّ للإسلام و صاحب الرّسالة»(1).

وقد نقلت هذه المقاطع من كتب الأعلام وهي غيض من فيض ؛

ص: 133


1- نظرات في الكتب الخالدة لحاماد حنفي داود: 181 - 187 .

ليقف القارئ الكريم على أهميّة الإمامة وهذه الحقيقة الضّائعة ؛ وذلك لعظيم ارتباط البحث عن الإمامة بالبحث عن الإمام المهدي صلوات الله عليه ، ولشدّة ما بين البحثين من العلقة والوئام ؛ إذ لو أثبتنا الإمامة على طريقة الإماميّة فقد أثبتنا إمامته أرواحنا فداه باللازمة القطعيّة.

ص: 134

الدّرس التّاسع: ما يجب الاعتقاد به /7

التّقيّة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

1-( التَّقِيَّةُ فَرِيضَةُ وَاجِبَةُ عَلَيْنَا فِي دَوْلَةِ الظَّالِمِينَ ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ خَالَفَ دَيْنُ الْإِمَامِيَّةِ وَ فَارَقَهُ ، وَ قَالَ الصَّادِقُ ( علیه السَّلَامُ ) : « لَوْ قُلْتُ إِنَّ تَارِكَ التَّقِيَّةِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ لَكُنْتُ صَادِقاً »(1).

2-( والتّقيّة في كلّ شيء ) أي تجب في كلّ شيء ( حَتَّى يَبْلُغَ الدَّمِ ، فَإِذَا بَلَغَ الذَّمَّ فَلَا تَقِيَّةَ ): إذ لا يجوز قتل البريء وإراقة دم المظلوم لاسيّما إن كان مؤمناً، مطلقاً ، فلا معنى للتقيّة حينئذٍ ، ( وَقَدْ أَطْلَقَ اللَّهِ جَلَّ اسْمُهُ إِظْهَارِ مُوَالَاةِ الْكافِرِينَ فِي حَالِ التَّقِيَّةِ فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ :

ص: 135


1- الوسائل: 211/16 .

«لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً »(1).

وروي عن الصّادق (علیه السّلام) أنّه سئل عن قول الله عزّ وجلّ: « إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» (2)، قال : « أُعَلِّمُكُمْ بِالتَّقِيَّةِ » (3).

وقال (علیه السّلام) : « خَالِطُوا النَّاسَ بِالْبَرَّانِيَّةِ ، وَ خَالِفُوهُمْ بِالْجَوَّانِيَّةِ مَا دَامَتِ الْإِمْرَةُ صِبْيَانِيَّةً »(4).

وقال (علیه السّلام) : « رَحِمَ اللَّهُ امرءا حَبِيبِنَا إِلَى النَّاسِ ، وَ لَمْ يُبْغِضْنَا إِلَيْهِمْ »(5).

وقال (علیه السّلام): « عُودُوا مَرْضَاهُمْ ، وَ اشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ ، وَصَلُوا فِي مَسَاجِدِهِمْ »(6).

وقال(علیه السّلام) : « مَنْ صَلَّى مَعَهُمْ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَكَأَنَّمَا صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ »(7).

ص: 136


1- سورة آل عمران : 28.
2- سورة الحجرات : 13.
3- الاعتقادات : 108.
4- الكافي : 220/2 .
5- الكافي: 229/8 .
6- الكافي : 219/2 .
7- الكافي : 3/ 380.

وقال (علیه السّلام) : « الرِّيَاءُ مَعَ الْمُنَافِقِ فِي دَارِهِ عِبَادَةُ ، وَ مَعَ الْمُؤْمِنِ شِرْكُ »(1).

3 - ( وَ التَّقِيَّةُ وَاجِبَةُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا إِلَى أَنْ يَخْرُجَ الْقَائِمُ ( علیه السَّلَامُ ) ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ دَخَلَ فِي نَهْيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ وَ نُهِيَ رَسُولِهِ وَ الْأَئِمَّةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ).

الإسلام والإيمان

1 - ( الْإِسْلَامُ هُوَ الْإِقْرَارِ بِالشَّهَادَتَيْنِ ، وَ هُوَ الَّذِي يُحْقَنُ بِهِ الدِّمَاءُ وَ الْأَمْوَالِ ، وَ مَنْ قَالَ : « لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، مُحَمَّدُ رَسُولُ اللَّهِ » فَقَدْ حُقِنَ مَالَهُ وَ دَمَهُ إِلَّا بحقّيهما ) وأمّا الحقّان اللّذان في الدّماء فهما القتل بالارتداد ، والقصاص بالقتل ، وأمّا في الأموال فهما الخمس والزّكاة -( وَ عَلَى اللَّهِ حِسَابُهُ ) يوم القيامة إن كان صادقاً في شهادتيه أم لا؟

أو في أن يعاقبه أو يعفو عنه.

2 - ( وَ الْإِيمَانُ هُوَ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ ، وَ عَقَدَ بِالْقَلْبِ ، وَ عَمِلَ بِالْجَوَارِحِ ).

ص: 137


1- الاعتقادات : 109.

3 - ( وأنّه يزيد) أي الإيمان ( بالأعمال ) ويزيد العمل كلّما زاد

الإيمان لما بينهما من التلازم.

4 - ( وينقص) الإيمان (بترکها ) أي بترك الأعمال ، والعكس

بالعكس أي ينقص العمل بنقصان الإيمان .

5- ( وَكَّلَ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٍ ، وَ لَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنُ ، وَ مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ ( وَ الْمَسْجِد)ِ الْحَرَامِ ( فَمَنْ دَخَلَ الْكَعْبَةِ فَقَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدِ ، وَ لَيْسَ كُلُّ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ دَخَلَ الْكَعْبَةِ ).

6- ( وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ فِي كِتَابِهِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَ الْإِيمانَ ، فقال : «قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ» (1).

7- ( وَقَدْ بَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ أَنَّ الْإِيمَانُ قَوْلُ وَ عَمَلُ بِقَوْلِهِ : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ *أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا »(2). وأمّا قوله عزّ وجلّ :«فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ

ص: 138


1- سورة الحجرات: 14.
2- سورة الأنفال : 4.2 .

الْمُسْلِمِينَ » (1)، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ يُسَمَّى مُسْلِمَةٍ ، وَ الْمُسْلِمِ لَا يُسَمَّى مُؤْمِناً حَتَّى يَأْتِي مَعَ إِقْرَارِهِ بِعَمَلٍ ).

( وأمّا قوله عزّ وجلّ : «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ » (2)، فَقَدْ سُئِلَ الصَّادِقِ ( علیه السَّلَامُ ) عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : « هُوَ الْإِسْلَامِ الَّذِي فِيهِ الْإِيمَانِ »(3).

ص: 139


1- سورة الذّاريات : 35 و 36.
2- سورة آل عمران : 85.
3- الخصال : 609.

ص: 140

الدّرس العاشر: الإمام المهدي (علیه السّلام) وحياته الاجتماعية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

من أهمّ الأحداث التاريخيّة والحقائق الاجتماعيّة المتأصّلة المتجذّرة في عمق التفكّر الإسلامي والعقيدة الإسلاميّة ، والمرتكزة ارتکازاً فطريّاً عقائديّاً في نفوس المسلمين هو الاعتقاد الجازم الّذي لا يزلزله تشكيك المشكّكين ، ولا تضعضعه إلقاءات المعاندين ، أعني الاعتقاد بالمهديّ المنتظر صلوات الله وسلامه عليه ، وعلیه استقرّ نظر الاُمّة ، وأطبقت على أنّه من ضروريّات الدّين الإسلامي الحنيف ولهذا لم يبالِ أحد من علماء الإسلام ولا من جماهير المسلمين بمحاولة الشّاذّ النّادر ، ممّن لا يُلتفت إليه ولا يُعَوّلُ عليه ، وقد سلكوا سبيل التّشكيك والإنكار ، بل ردّوا عليهم الصّاع صاعين ؛ لأنّه لا سبيل إلى الإعراض عن هذا الكمّ الهائل من الأخبار والرّوايات الّتي امتلأت

ص: 141

بها بطون كتب الحديث والسُّنّة النّبويّة الشّريفة حتّى بلغت حدّ التّواتر بل تجاوزته ، بالإضافة إلى كثرة التّطرّق إليه في كتب التّاريخ ، والتفسير والكلام ، ولم يكن هذا نهاية المطاف ؛ إذ كتب علماؤهم عن المهديّ المنتظر أرواحنا فداه - كتباً قيّمة و تصنیفات مستقلّة على وجه الخصوص والتّخصّص ، تلقّوا فيها الأدلّة العقليّة والنقليّة بالبحث والتّحقيق والتّدقيق ، وبالنّقض والإبرام ، كما جرت سيرتهم على التّعرّض له -عليه الصّلاة والسّلام - في خطاباتهم ومحاوراتهم ومجالسهم ومحافلهم ، هذا في أصل وجوده وحقيقته (علیه السّلام).

إلّا أنّ أمره -روحي فداه - لأهمّيته القصوى حيث أنّه الإمام المفترض الطّاعة وقطب دائرة الإمكان ، وحجّة الله على الخلق ، ومن جهة كونه وليّ النّعمة وصاحب الولاية التّشريعيّة والتّكوينيّة ، وأنّه المدّخر المؤمّل المرتجي في إحياء معالم الدّين من الكتاب والسّنّة ، والمنقذ على الإطلاق ، لهذه الأسباب وتلك كان لزاماً علينا عقلاً ، وواجباً علينا شرعاً أن نجتهد غاية الاجتهاد في معرفته كي نحيا لأجله ونموت لأجله ، ونُصبح بذكره ونُمسي بذكره؛ لأنّها العبوديّة لله تعالى بمفهومها الأتمّ، وهي حقّ العبوديّة ، ولهذا يستحبٌ الدّعاء التالي بعد كلّ فريضة يوميّة :

ص: 142

«اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفُ رسولک ، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعْرِّفِنِي رسولک لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ ، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي »(1).

فمن هذا المنطلق وإيماناً منّي بأنّ معرفة الإمام صلوات الله وسلامه عليه من معرفة النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، ومعرفة النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من معرفة الله جلّ وعلا ، وأنّ الإيمان بالله تعالى و تقدّس وبرسوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يستلزم الإيمان بالإمام عليه الصّلاة والسّلام ، بل لا يتمّ الإيمان بها إلّا بالإيمان به (علیه السّلام) ، ولا يُقبل عملٌ إلّا بهذا الإيمان ، والإيمان به (علیه السّلام) فرع معرفته ، لهذا وذاك ولكي اُضيءَ سِجِلَّ أعمالي الخاوي من الحسنات وعمل الخير ، ببيان شيءٍ يسير ، بقاعدة « لَا يَسْقُطُ الْمَيْسُورِ بالمعسور »، وفي حدود طاقتي ووسعي ، والكتابة عنه (علیه السّلام) وعمّا يتعلّق به وبحياته الشريفة ، واُدوّن اسمي إن شاء الله تعالى في جملة الدّاعين إليه والمهتمّين بشأنه أرواحنا فداه عمدتُ إلى البحث والتّحقيق في حياته الشّريفة و جوانب عديدة ممّا يتعلّق بشؤونه الخاصّة والعامّة ، على نحو البرهنة والاستدلال والقطع واليقين تارة ، وعلى نحو الظّنّ والظّنّ المتاخم للعلم -أي الاطمئنان - تارة اُخرى ، وعلى نحو الاحتمال المحض تارة

ص: 143


1- بحار الأنوار : 187/53 .

ثالثة ، وبادرت إلى تدوينه رجاء طباعته ونشره لیکون شمعة و بصیص نورٍ يهتدي به أهل البصر والبصيرة، وينتفع به محبّوه وعشّاقه و منتظروه.

وكيف كان فهو محاولة متواضعة من جِرمٍ صغير ، وذرّة من عالم الوجود الإمكاني في الكشف عن بعض ما يتعلّق بقطب دائرة الإمكان و من به الوجود، وأنّى لحقير مثلي أن يدّعي الكمال في عمله هذا ؛ إذ « كُلُّ إِنَاءٍ بِالَّذِي فِيهِ يَنْضِحُ »، و«فاقد الشّيء لايُعطيه » ، وعملاً بالقاعدة المنطقيّة : «الْمُعَرَّفِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَحْلَى مِنَ الْمُعَرَّفِ » اُقرّ إقرار العبد الجاهل القاصر المقصّر أنّ محاولتي المتواضعة هذه دون شأن هذا الإمام الهمام ، والبطل الضّرغام ، ولا هي دالّة بالمطابقة عليه روحي له الفداء إلّا تجوّزاً و تسامحاً، ومن جهة أنّ للمعلول الّذي وجوده ربط محض بعلّته ، وعين الرّبط بعلّته ، ليس له من كمال علّته إلّا بمقدار تعلّقه بها و رابطيّته لها ، ولو لم يكن للمعلول من كمال علّته سوى أنّه عين الرّبط بعلّته ، ووجوده وبقاؤه به ، لكفاه ذلك فخراً . فهي بضاعة مزجاة وأحقر من جناح البعوض إذا قيس إلى عالم الملك والملكوت .

«يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا

ص: 144

الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ » (1).

البحث في ولادة الإمام الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف وحياته (علیه السّلام) والاعتقاد بهما أعظم وأهمّ من مجرّد البحث في أصل التّصديق به والاعتقاد بأنّه سيولد ويخرج في آخر الزّمان -كما هو الحال عند أبناء العامّة والجماعة - إذ تترتّب على الاعتقاد بوجوده وحياته وأنّه مولودٌ حيٌّ يرزق وشأنه شأن الأنبياء (علیهم السّلام) في حياتهم العرفيّة الظاهريّة والاجتماعيّة «وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ » (2) آثارٌ على نفوس المعتقدین بها والمؤمنين لها بالقطع واليقين ، وهي آثار إيجابيّة بنّاءة مربِّية :فمنها : أنّ المعتقد بحياة الإمام أرواحنا فداه وبأنّه يعيش في جوارنا ، وقد يطأ فرشنا ، ويحضر مجالسنا ، ويشاركنا فرحنا ، ويحزن لحزننا، ويراقب أعمالنا عن كَتَبٍ ، ويطّلع علينا بل وعلى ضمائرنا وأسرارنا، وتُعرض عليه أعمالنا - كما يبدو على نحو الإجمال - كلّ يومٍ -و كما يبدو على وجه التفصيل - كلّ عام مرّةً واحدة ليلة القدر ، وأنّه مشغول بدعائنا والاستغفار لنا، ونحن مشمولون لألطافة العامّة

ص: 145


1- سورة يوسف : 88.
2- سورة الأنبياء: 8.

وعناياته الخاصّة ، إنّ الاعتقاد بهذه الحقيقة بل هذه الحقائق تملؤنا أملاً وتضفي علينا ثوب الرّجاء ، وتحفّزنا إلى العمل الصّالح الدؤوب.

ومنها : أنّ الاعتقاد بحياة الإمام المتّصف بهذه الأوصاف يصدّنا

ويحجزنا عن الظّلم والاعتداء وارتكاب الجرائم والمنكرات.

ومنها : أنّه يمنعنا أيضاً من الرضوخ للظّلم والاستسلام للظّالم ومن اليأس والجزع عند اشتداد المكاره.

ومنها : أنّه يدفعنا ويحرّضنا نحو التّهذيب ، ومراقبة النفس

وحسابها ، لئلّا يرى منّا مكروهاً يؤلمه ویکدّره علينا.

ومنها : أنّه يرغّبنا في كسب ودّه ، والحظوة برضاه ، فهو كالشّمس إن غابت بقرصها عن العيان والمشاهدة لم تغب آثارها و بركاتها عن الكائنات وعنّا.

والحاصل أنّه على نحو المقولة الشّهيرة أو الحديث النّبوي على ما رواه ابن السّكّيت عن الأصمعي في ترتيب إصلاح المنطق / 67: « یزع اللَّهِ عَنِ الدِّينِ بِالسُّلْطَانِ أَكْثَرَ مِمَّا يزع عَنْهُ بِالْقُرْآنِ ».

أي: من يكفّ عن ارتكاب المعاصي والعظائم من الذّنوب مخافة

السّلطان أكثر ممّن يكفّه مخافة الله تعالى و مخافة القرآن (1).

ص: 146


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 244/19 ، ومثلها بألفاظ و مختلفة في مجمع البيان: 152/3 ، التّبیان : 275/6 ، تفسير القرطبي : 325/6 ، كمال الدّين : 1، الغيبة للنعمانی: 15، وغيرها .

وكيفما كان فقد أخبر المؤرّخون في كتب التاريخ، والمحدّثون في كتب الحديث عن ولادة الإمام المهديّ المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف ، كما بشّر بولادته من تقدّم منهم ولم يدرك عصر ولادته وزمن حياته عليه الصّلاة والسّلام، كما أنّ هناك من الصُّلحاء والعلماء والأخبار مَنْ حاز شرف اللّقاء بالإمام (علیه السّلام) ، سواء في زمن الغيبة الصُّغرى ، أو قبل ذلك في عهد أبيه الإمام أبي محمّد الحسن العسكري صلوات الله عليهما، وأخبرونا عنه وعن شمائله وبعض أوصافه ، ممّا لا يدع مجالاً للشبهة والارتياب (1)، ووردت في زمن غيبته الصُّغرى تواقيع خاصّة لبعض الصّالحين من شیعته من ناحيته المقدّسة كالتّوقيع الّذي تشرّف بنيله الشيخ ابن بابويه القمّيّ الصّدوق - والد الصدوقين - وما حازه الشيخ المفيد قدّس الله سرّه ، كما وردتنا من طريق الثّقات وأجلّة الأصحاب تواقيع عامّة من ناحيته المقدّسة ومنها زيارة جدّة سيّد الشّهداء أبي عبدالله الحسين عليه أفضل صلوات المصلّين الّتي اشتهرت بزيارة النّاحية المقدّسة ، ناهيك عن كثيرٍ من القرائن والشّواهد الدّالّة والموجبة للقطع واليقين على حياته

ص: 147


1- وستأتي تفاصيل ذلك كلّه إن شاء الله تعالی .

ووجوده ، لكنّها رغم كثرتها وتظافرها وتواتر بعضها واشتهار بعضها الآخر ، بل رغم تسال الطّائفة وإطباق علماء المذهب الحقّ على حياته ووجوده يخرج علينا زندیق دجّال عميل بين حين وحين بدعاوی کاذبة وأباطيل ومزاعم هنا وهناك ما أنزل الله بها من سلطان ، زاعماً أن لا دلیل قطعيّاً في المذهب وكتب الحديث والأخبار على وجوده الشّريف وحياته ، ولم تردعه كلّ هذه الحقائق عن الخوض فيما لا يعنيه ، فأطلق بلسانه ما كشف عورته ، و« الْمَرْءَ مَخْبُوءُ تَحْتَ لِسَانِهِ »(1)، وأظهر بجهله عن مدى جهله والنّاس أعداء ما جهلوا ، فبدا يتخبّط تخبّط السّقيم وهو في نشوة السُّكر تلعب الخمرة برأسه ، ولا يكاد من سكرته يفيق « وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ » (2)، وهم في سكرتهم يعمهون ، ولمّا كان هذا وأشباهه من شياطين الجنّ والإنس لا سبيل لهم إلى الهداية.

«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ » (3) ، و «خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ

ص: 148


1- نهج البلاغة: 38/4 ، 93.
2- سورة النور: 40.
3- سورة آل عمران: 90.

عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ »(1)

وهم أيضاً : «يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ »(2)، حتّى قال تعالى عنهم :

«فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا » (3) لنقصٍ وعيبٍ في قابليتهم لالقصور من جهة اقتضاء إطلاق الهداية ولا من جهة فاعليّة الفاعل ؛ ولأنّ الهداية الخاصّة أيضاً لا إطلاق لها ولا تعميم فيها حتّى تَحُفَّ بهم شموليّتها لأنّها الحكمة بعينها - إذ الهداية والاهتداء إلى الإمامة لطفٌ خاصّ وهي الحكمة- الّتي قال تعالى عنها: « وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ » (4)، وقال تعالى : «ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ » (5))، وذلك «إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ » (6) ، لذا لم أعنِ بهذا الكتاب إلّا من أفرغ قلبه من الشّرك الخفيّ - أعني الرّياء - والكفر المخفي -أعني النّفاق -، و و «إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » (7) ،

ص: 149


1- سورة البقرة : 7.
2- سورة البقرة:9.
3- سورة البقرة : 10.
4- سورة فصّلت: 35.
5- سورة البقرة : 2.
6- سورة القصص: 56.
7- سورة الشُّعراء : 89.

ولهذا بدأت كتابي هذا واستهلّيته بالبحث عن ولادة مولانا الأعظم صاحب العصر والزّمان عجّل الله تعالى فرجه الشّريف ، ثمّ حياته الشّريفة ، وأخيراً حاولت استقصاء أهمّ ما يتعلّق بذاته وحياته إلى

حين ظهوره عجّل الله فرجه الشّريف وما بعد ظهوره وما يحدث في دولته الكريمة الّتي هي غاية آمال العارفين ومنتهی مقصود المؤمنين .

وقد كتبت ذلك على هيئة دروس كما صنعت في بعض كرّاساتي السّابقة ، في حلقات يتبع بعضها بعضاً عسى أن ينتفع بها كافّة المؤمنين والمنصفين ، لاسيّما أجيال الغد والمستقبل ممّن تقع علينا مسؤولية إرشادهم وتوعيتهم ، وتقع عليهم مسؤولية حمل الأمانة وانتظار الفرج القريب والظهور المرتقب ، وأن ينفعني بها يوم فاقتي «يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ *إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ »(1).

والحمد لله ربّ العالمين

ص: 150


1- الشُّعراء : 88 و 89.

الدّرس الحادي عشر: هوية الإمام المهدي (علیه السّلام) /1الإمام محمد بن الحسن المهدي صاحب الزمان لا .

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الإمام محمّد بن الحسن المهدی صاحب الزّمان(علیه السّلام)

هو الإمام الثّاني عشر من أئمّة أهل البيت (علیهم السّلام) ، خاتم الأوصياء ، وثالث المحمّدين ، وهو سميُّ رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وكنيُّه (1) ، كما کُنّي بابن الحسن العسكري ، بن عليّ الهادي ، بن محمّد الجواد ، بن عليّ الرّضا ، بن موسى الكاظم ، بن جعفر الصّادق ، بن محمّد الباقر ،

ص: 151


1- كمال الدّين : 378، كما صرّحت بذلك الروايات ، وستأتي عمّا قريب إن شاء الله تعالی . وذكروا من أسماءه عبدالله والمهدي وأحمد ( الخرائج والجرائح : 1149/3 و 1150).

ابن عليّ السّجّاد ، بن الحسين الشّهيد ، بن عليّ بن أبي طالب عليهم أفضل صلوات المصلّين.

اُمّه(علیه السّلام) : اُمُّ ولد(1) ، ويقال لها نرجس(2)، ويقال لها صیقل (3) ، ويقال لها سوسن (4)، ويقال لها ريحانة (5))، وقيل : مريم بنت زید العلوية(6)، وكانت خير أمَةٍ ، وفي رواية أنّ اسمها مليكة بنت

ص: 152


1- أي كانت جارية ، وسيأتي تفصيل ذلك في قصّة شرائها بواسطة الإمام الهادي (علیه السّلام) وعتقها ثمّ تزويجها لابنه أبي محمّد الحسن العسكري (علیهما السّلام) ، والظّاهر من إطلاق اُمّ ولد عليها أنّه (علیه السّلام) وهبها لابنه أبي محمّد (علیه السّلام) فأولدها وهي جارية.
2- عیون أخبار الرّضا(علیه السّلام) : 48/2 . کمال الدّين : 307، 417، 424، 426، 427. روضة الواعظين للنيشابوري : 252. وسائل الشّيعة : 244/16 و: 490/11 و : 268/20 . ( ونرجس تعريب أصله في الرّومانيّة نرکاسيس).
3- شرح اُصول الكافي : 228/1 . روضة الواعظين : 266. وسائل الشّيعة : 253/12 .
4- شرح اُصول الكافي : 228/6 . روضة الواعظين: 266، وسائل الشّيعة : 268/20 . الكافي: 502/1 . عيون أخبار الرّضا (علیه السّلام) : 48/2 .
5- روضة الواعظين : 266، کمال الدّين: 432. وسائل الشيعة : .268/20 .
6- الحدائق: 440/71 .

يشوعا (1) بن قیصر ملك الرّوم ، واُمّها بنت شمعون الصّفا وصيّ عیسی (علیه السّلام) ،ولقبها نرجس.

كنيته ككنية رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) (2)، وقد يكنّى بأبي جعفر (3)، وأبي صالح (4).

لقبه : الحجّة (5)، والمهدي(6)، والخلف الصّالح (7)، والقائم (8)

ص: 153


1- كمال الدّين : 417. روضة الواعظين : 252.
2- والأخبار في ذلك كثيرة ، ستأتي إن شاء الله تعالی.
3- بحار الأنوار: 37/51 .
4- وهي أشهر کناه لاسيّما في زماننا هذا، غير أنّه لم نجد لها مصدراً من الأخبار، ويبدو أنّها منسوبة إلى المرحوم العلّامة بحر العلوم نوّر الله مرقده .
5- الإمامة والتّبصرة لابن بابويه القمّي: 103، 118، 153. الكافي : 328/1 ، 333. كفاية الأثر: 14، 165.
6- الصّحيفة السّجّاديّة : 90. بصائر الدّرجات : 90. الإمامة والتّبصرة : 14. الكافي : 8/2، وقيل هو اسمه ( الخرائج والجرائح : 1149/3)
7- كمال الدّين : 434 .
8- المحاسن: 88. الصّحيفة السّجّاديّة ( الأبطحی): 91، 401. الإمامة والتّبصرة: 1. الكافي: 221/1 ، 342، 371، 372. الكافي : 620/2 ، 633. الكافي : 4/ 185. الكافي : 379/5 .

والمنتظر (1)، وصاحب الأمر (2)، وإمام العصر (3)، وصاحب الزّمان (4)، وبقيّة الله (5)، والزّكي(6)، والهادي (7)، والغائب (8)، والناطق (9)، والثّائر (10)، والمأمول (11)، والوتر (12)، والمديل (13)، والمعتصم (14)، والمنتقم(15)، والكرّار(16)، والقابض (17)، والباسط (18) والساعة (19)، والقيامة(20)، والوارث(21)، والجابر (22)، وسدرة

ص: 154


1- نهج البلاغة: 146/1 . الصّحيفة السّجّاديّة ( الأبطحي ): 91. الإمامة والتّبصرة : 2، 3. الكافي: 1/ 337، 372.
2- بصائر الدّرجات: 414. الإمامة والتّبصرة : 115.
3- المحاسن : 30. خاتمة المستدرك : 119/1 .
4- الصّحيفة السّجّاديّة (الأبطحي): 246/1 ، کمال الدّين : 33. مستدرك الوسائل: 134/8 .
5- الكافي: 1/ 412، 472. عيون أخبار الرضا (علیه السّلام) : 29/2 . كمال الدّين : 384. وسائل الشّيعة : 114/ 600.
6- الصّحيفة السّجّاديّة ( الأبطحي): 90.
7- الصّحيفة السّجّاديّة ( الأبطحي): 90.
8- الخرائج والجرائح : 3/ 1165. بحار الأنوار : 53/24 . قال صاحب المستدرك(قدس سرّه) : « الثالثة : كثرة ألقابه وأساميه وكناه الشّائعة ، وقد أنهيناها في كتابنا الموسوم بالنجم الثّاقب إلى 182» (مستدرك الوسائل:287/12 ).
9- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
10- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
11- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
12- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
13- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
14- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
15- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
16- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
17- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
18- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
19- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
20- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
21- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
22- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.

المنتهى(1)، والصّراط (2)، والسّبيل (3)، والسّيّد (4) ، والرّجل (5).

نوابه : عثمان بن سعيد العمري ، ثمّ ابنه محمّد بن عثمان ، ثمّ الحسين بن روح، ثمّ عليّ بن محمّد السُّمري ، وهم سفراؤه ونوّابه الخواصّ .

نقش خاتمه : قيل : أنا حجّة الله وخاصّته .

شاعره : ابن الرّومي.

النهي عن تسميته باسمه الشّريف

س: هل صحّ أنّ الأئمّة (علیهم السّلام)نهوا شيعتهم عن تسمية الإمام المهدي (علیه السّلام) باسمه الشريف ؟

ج: ورد في كثير من الأخبار والرّوايات النّهي عن تسميته (علیه السّلام) ، وإليك جملة منها:

- عن أبي هاشم الجعفري ، قال : سمعت أبا الحسن العسكري(علیه السّلام)

ص: 155


1- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام) ، فمن أراد المزيد فليرجع إليه.
2- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام) ، فمن أراد المزيد فليرجع إليه.
3- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام) ، فمن أراد المزيد فليرجع إليه.
4- كمال الدّين : 431.
5- الكافي: 517/1 .

يقول: « الِخَلَفِ مِنْ بَعْدِيَ ابْنِي الْحَسَنُ ، فَكَيْفَ لَكُمْ بِالْخَلَفِ بَعْدَ الْخَلَفَ ؟». قلت: ولِمَ؟ جعلني الله فداك .

قال: « لِأَنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ شَخْصَهُ ، وَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ ». قلت : فكيف نذكره؟

فقال : « قُولُوا الْحُجَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ سَلَامُهُ» (1).

2- عن عبد العظيم بن عبدالله الحسني ( في رواية طويلة إلى أن

قال :)

فقال عليّ(علیه السّلام) (أي الإمام الهادي ): « وَ مِنْ بَعْدِيَ الْحَسَنُ ابْنِي ، فَكَيْفَ لِلنَّاسِ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ ؟» قال: فقلت: وكيف ذاك يامولاي ؟

قال: « لِأَنَّهُ لَا يُرَى شَخْصُهُ ، وَ لَا يَحِلُّ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ حَتَّى يَخْرُجَ فَيَمْلَأَ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً» (2).

ص: 156


1- الإمامة والتّبصرة: 119. كمال الدّين للصدوق: 648/2 و: 381. بحار الأنوار: 33/51 . الغيبة للطوسی: 281. الإرشاد: 410. إعلام الوری : 465. کشف الغمّة : 2/ 464. الكافي: 328/1 و 333. علل الشّرائع : 245/1 ، والراوي هو أبوهاشم داود بن القاسم الجعفري.
2- الأمالي للصدوق: 419. التّوحيد للصدوق : 82. كمال الدّين للصدوق: 380. كفاية الأثر للقمّي: 287. وسائل الشيعة : 241/16 .

3 - عن أبي عبدالله (علیه السّلام) قال : « صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ رَجُلُ لَا يُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ إِلَّا كَافِرُ » (1).

4 - سأل عمر ( عليّاً ) أمير المؤمنين عن اسم المهدي (علیه السّلام) ، فقال ( عليّ (علیه السّلام) ): « أَمَّا اسْمُهُ فَلَا ، إِنَّ حَبِيبِي وَ خَلِيلِي عَهِدَ إِلَيَّ أَنْ لَا أُحَدِّثَ بِاسْمِهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ وَ هُوَ مِمَّا اسْتَوْدَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ رَسُولُهُ فِي عِلْمِهِ» (2)

5- عن الإمام الصادق (علیه السّلام) ( في حديث آخره ) : « يَغِيبُ عَنْكُمْ شَخْصُهُ وَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ تَسْمِيَتُهُ» (3).

6- عن الإمام موسی بن جعفر (علیه السّلام)( في حديث آخره): « الَّذِي تَخْفَى عَلَى النَّاسِ وِلَادَتُهُ ، وَ لَا يَحِلُّ لَهُمْ تَسْمِيَتُهُ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ فَيَمْلَأَ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً» (4).

ص: 157


1- الإمامة والتّبصرة : 117. الكافي: 333/1 . عيون أخبار الرضا(علیه السّلام) : 68/2 .
2- الإمامة والتّبصرة : 118.
3- کمال الدّين: 333، 338، 411. وسائل الشّيعة : 241/16 . كفاية الأثر للخزّاز القمّي: 287.
4- كمال الدّين : 369. كفاية الأثر الخزّاز القمّي: 271. وسائل الشّيعة : .241/16 .

7- وفي رواية عبد العظيم الحسني عن الإمام الجواد (علیه السّلام) (جاء فيها ): « وَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ تَسْمِيَتُهُ » (1).

8- وفي رواية عن أبي عبدالله (علیه السّلام) ( جاء في آخرها ): « وَ لَا يَحِلُّ لَهُمْ تَسْمِيَتُهُ» (2).

9- وعن الرّضا(علیه السّلام) أنّه قال: « لَا يُرَى جِسْمُهُ ، وَ لَا يُسَمَّى بِاسْمِهِ» (3).

10- عن أبي عبد الله (علیه السّلام) أنّه قال : « إِيَّاكُمْ وَ التَّنْوِيهَ بِاسْمِهِ» (4).

11 - وعن رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في خبر في صفة المهدي (علیه السّلام) ، أنّه قال : «وَ هُوَ الَّذِي لَا يَسْمّيهِ بِاسْمِهِ ظاهراً قَبْلَ قِيَامِهِ إِلَّا كَافِرُ بِهِ»(5).

12 - في الخبر عن أبي الحسن الرّضا(علیه السّلام) أنّه قال : « ابْنُ ابْنِيَ الْحَسَنِ ، لَا يُرَى جِسْمُهُ ، وَ لَا يُسَمَّى بِاسْمِهِ بَعْدَ غَيبَتِهِ أَحَدُ حَتَّى يَرَاهُ وَ يُعْلَنَ بِاسْمِهِ ، فَلْيُسَمِّهِ كُلُّ الْخَلْقِ » ( ثمّ يقول السّائل : ) فقلنا له :

ص: 158


1- كمال الدّين : 378. وسائل الشّيعة : 234/16 .
2- کمال الدّين : 411. مستدرك الوسائل : 282/12 .
3- كمال الدّين : 370. مستدرك الوسائل : 285/12
4- مستدرك الوسائل : 284/12 .
5- المصدر المتقدّم: 285.

یا سیّدنا ، فإن قلنا: صاحب الغيبة ، وصاحب الزّمان ، والمهدي ؟ قال : « هُوَ كُلُّهُ جَائِزُ مُطْلَقاً ، وَ إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ عَنِ التَّصْرِيحِ بِاسْمِهِ الْخَفِيِّ عَنْ أَعْدَائِنَا ، فَلَا يَعْرِفُوهُ» (1).

13 - وفي الخبر عن أبي عبدالله (علیه السّلام) أنّه قال : « إِيَّاكُمْ والتّنويه بِاسْمِ الْمَهْدِيِّ (2).

ص: 159


1- مستدرك الوسائل: 286/12 .
2- المصدر المتقدّم : 285.

ص: 160

الدّرس الثّاني عشر: هوية الإمام المهدي (علیه السّلام) /2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

لهذا السبب كانوا يعبّرون عنه (علیه السّلام) في الأخبار وكلام الرّواة وما شابه ذلك ب:

القائم ، والصاحب ، والحجّة ، وصاحب الأمر ، وصاحب الدّار (1) وصاحب الزّمان ، والمهدي ، والحضرة(2)، والنّاحية المقدّسة (3)

ص: 161


1- وسائل الشّيعة: 540/9 . الغيبة للطوسي: 290. بحار الأنوار : 350/51 . الكافي: 328/1 .
2- المقنع للصدوق: 5. الهداية للصدوق: 208. الانتصار : 46. الإمامة والتّبصرة : 165.
3- الهدایة: 37. مصباح المتهجّد: 803. مستدرك الوسائل: 517/2 و: 75/6 .

والرّجل ، والغريم(1)، والغلام ، وغير ذلك من غير تصريح باسمه الشّريف .

قال الشّيخ المفيد عليه الرّحمة عن نعت الغريم: « وهذا رمز کانت

الشّيعة تعرفه قديماً بينها ویکون خطابها عليه للتقيّة (2).

أقول: وإطلاق الغريم على صاحب الأمر عجّل الله تعالی فرجه

لكونه صاحباً للحقّ المغصوب والخلافة المغتصبة ، ومطالباً بها حين يظهر.

بحث روائي : ذهب أعلام الطّائفة في تفسير هذه الأخبار إلى

مذاهب مختلفة:

1- أنّها تدلّ على عدم جواز تسميته باسمه مطلقاً (3).

2- أنّها تدلّ على عدم جواز تسميته باسمه في الغيبة الصّغرى

فقط (4).

ص: 162


1- کمال الدّين: 486. وسائل الشّيعة : 408/19 . الإرشاد: 362. بحار الأنوار: 294/51 .
2- الإرشاد :2/ 362.
3- شرح اُصول الكافي: 225/6 . عيون أخبار الرّضا(علیه السّلام) : 48/2 . کمال الدّين : 307. كتاب الأربعين للماحوزي : 392.
4- شرح اُصول الكافي : 1/ 225.

3- أنّها تدلّ على عدم جواز ذلك عند الخوف والتّقيّة ، سواء كان

الخوف علیه سلام الله عليه أو عليهم أي على الشّيعة- (1).

4- اختصاصها بالتّقيّة والخوف عليه صلوات الله عليه (2).

5- اختصاصها بالتّقيّة والخوف عليهم(3).

6- أنّها تدلٌ على عدم تسمية الإنسان نفسه باسمه الشّريف مع التكنّي بكنيته في الوقت ذاته (4).

وكيف كان فقد حمل الشّيخ الصّدوق أعلى الله مقامه (5) وجملة من الأصحاب قدّس الله أرواحهم(6) ، النّهي الوارد في هذه الأخبار على ظاهره فأفتوا بالتحريم -أي بتحريم تسميته باسمه (علیه السّلام) - مطلقاً ؛

ص: 163


1- شرح اُصول الكافي : 225/1 .
2- شرح اُصول الكافي : 225/6 . مجموعة الرّسائل الشيخ لطف الله الصّافی: 198/2 . القواعد الفقهيّة الشّيخ مكارم الشّيرازي : 1/ 505.
3- احتمال لم أجد له قائلاً ، ولا دلّت عليه رواية .
4- احتمال لم أجد له قائلاً ، ولكن تدلّ عليه الرّواية رقم 12 لإمكان حملها على هذا المعنى .
5- عیون أخبار الرّضا (علیه السّلام) : 48/2 . قال (رحمه الله) : «جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم (علیه السّلام) ، والّذي أذهب إليه النّهي عن تسميته (علیه السّلام)» (كمال الدين : 307).
6- شرح اُصول الكافي : 225/6 .

لأنّ هذا النّهي في نظرهم من خصائصه(علیه السّلام) كغيبته و طول عمره و ملکه وما شابه ذلك (1).

قال المرحوم الطّبرسي (قدّس سرّه) : « ولايحلّ لأحد أن يسمّيه باسمه ، ولا أن يكنّیه بكنيته قبل خروجه من الغيبة؛ لما قدر ورد النّهي عن ذلك ، وإنّما يعبّر عنه (علیه السّلام) بأحد ألقابه »(2).

وقال صاحب الوسائل (قدّس سرّه) بخلاف ذلك ، حيث قال بعد ما نقل عن عليّ بن عاصم الكوفي أنّه «خرج في توقيعات صاحب الزّمان(علیه السّلام) : ملعون ملعون من سمّاني في محفل من النّاس».

أقول: «فيه وفي أمثاله دلالة على ما قلناه في العنوان لاختصاصه بالمحفل ، وهو مظنّة التّقيّة والمفسدة ، وبالناس كثيراً منا يطلق هذا اللّفظ على العامّة فهو قرينة أيضاً»(3).

لكن يمكن حمل النّهي فيها على الكراهة ، كما هو مذهب جماعة من الأعلام (4)، أو على شدّة الكراهة ، كما هو مذهب جماعة آخرين(5)،

ص: 164


1- شرح اُصول الكافي : 225/6 .
2- تاج المواليد: 61.
3- وسائل الشّيعة: 242/61 .
4- كما يبدو من شارح اُصول الكافي: 225/6
5- وهو احتمال وارد أيضاً، بل أشدّ ملائمة للأخبار .

وإنّما حملوه على الكراهة لحكمة لا يعلمها إلّا الله تعالى.

قالوا: ولا ينافيه التّشديد الوارد في الأخبار البالغ إلى حدّ التكفير ، فقد ورد في المكروهات أمثال ذلك ، كقوله(علیه السّلام) : « مَنِ اتَّخَذَ شَعْراً وَ لَمْ يَفْرُقْهُ فَرَقَهُ اللَّهُ بِمِنْشَارٍ مِنْ نَارٍ »(1).

قالوا: ويؤيّد الكراهة التّصريح باسمه في بعض الأحاديث ، كحديث اللّوح الّذي دفعه رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إلى فاطمة (علیها السّلام) ، وفيه أسماء الأئمّة (علیهم السّلام) وغيره من الأخبار (2)

قال صاحب الوسائل (قدّس سرّه) بعد نقله لجملة من أخبار التّسمية :

ص: 165


1- المنتهى للعلّامة: 1/ 53 ، 321. تذكرة العلّامة: 70/1 و : 2/ 255. تحرير العلّامة: 72/1 .
2- حديث اللّوح حديث طویل مضمونه أنّ جابر بن عبدالله الأنصاري عاد الزّهراء (علیها السّلام) فرأى في يدها لوحاً فيه اسم الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والزّهراء سلام الله عليها والأئمّة الاثني عشر (علیهم السّلام) ، رواه الكليني في الكافي : 527/1 والصّدوق في كمال الدّين : 308، وفي العيون: 1/ 34، والمفيد في الاختصاص: 205، والطوسي في الغيبة : 93، والنّعماني أيضاً في الغيبة : 29، ومصادر اُخرى كثيرة. ومن سائر الأخبار : الهداية الكبرى للخصیبی: 361. مقتضب الأثر للجوهري : 13 و 7. أوائل المقالات للمفيد : 284. الغيبة للطوسي: 149. الاحتجاج للطبرسي: 224/1 ، وهناك أخبار اُخرى كثيرة.

«أقول: هذا لا ينافي الحمل على التّقيّة والتّخصيص بوقت الخوف يظنّ ، لما تقدّم من التّصريح بوجوب التّقيّة إلى أن يخرج صاحب الزّمان(علیه السّلام) ، ولكنّ التّقيّة في هذه المدّة لا تشتمل جميع الأشخاص والأزمان ، لما مرّ أيضاً، فهذه من جملة القرائن على ما قلنا ؛ لأنّ هذه المدّة هي مدّة التّقيّة» (1).

وقال أيضاً: أقول : والأحاديث في التّصريح باسم المهدي محمّد بن الحسن (علیهما السّلام) ، وفي الأمر بتسميته عموماً وخصوصاً وتلويحاً، فعلاً وتقريراً في النّصوص. والزّيارات والدّعوات والتّعقيبات والتّلقين وغير ذلك كثيرة جدّاً ، قد تقدّم جملة من ذلك ويأتي جملة اُخرى، وهو دالّ على ما قلناه في العنوان» (2).

وقال(رضی الله عنه) في موضع آخر: «قد صرّح باسمه (علیه السّلام) جماعة من علمائنا في كتب الحديث والاُصول والكلام وغيرها ، منهم العلّامة ، والمحقّق ، والمقداد ، والمرتضى ، والمفيد ، وابن طاووس ، وغيرهم والمنع نادر ، وقد حقّقناه في رسالة مفردة» (3).

ص: 166


1- وسائل الشّيعة : 240/61 .
2- وسائل الشّيعة: 243/61 .
3- وسائل الشّيعة: 246/61 .

وذكره باسمه الشّريف في هذه الأخبار قبل ولادته ومن أجل يعد به على نحو الإجمال لا ينافي حرمة تسميته باسمه (علیه السّلام) بعد اته وإلى يوم ظهوره وخروجه؛ إذ ظاهر هذه الأخبار النّهي عربي المتعلّق بما بعد الولادة حتّى الظّهور كما هو صريح الحديث لم (3 و 4 و 6 و 12)، فراجع ، والحرمة سببها الخوف من قتله (علیه السّلام) والتّقیّة.

نعم يمكن حملها على الكراهة لسيرة الأصحاب والأعلام قدّست أسرارهم ؛ ذلك أنّهم ذكروه (علیه السّلام) باسمه الشّريف في كتبهم في عصر الغيبتين(1) ، وهو أولى ، وأولى منه حينئذٍ حمله على الإباحة. لكن ظاهر الرّوايات اختصاص النّهي بالنداء والذِّكر اللّساني لا مطلق ذكره (علیه السّلام) ، ولو بالكتابة ، وعليه فشأنها شأن قوله تعالى : «لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا » (2)، وبالتالي فحملها على التّحريم مطلقاً كما هو صریح بعضها ، أولى من التّصرّف فيها وحملها

ص: 167


1- كوالد الشّيخ البهائي في وصول الأخبار: 44. العلّامة المجلسي في بحاره: 284/19 و : 46/28 . الشّيخ عبّاس القمّي في الكنى والألقاب : 19/3. والطّريحي في مجمع البحرین: 571/3 و : 418/4 ، وغيرهم كثيرون.
2- سورة النُّور: 63.

على الكراهة ؛ لأنّه اجتهاد حينئذٍ في مقابل النّصّ ، والعلم عند الله تعالى ورسوله وأولياءه عليهم الصّلاة والسّلام ، لكن هذا المعنى أيضاً لايتمّ على بعض هذه الأخبار لاسيّما بضميمة قول عثمان بن سعيد العمري حين قيل له : فالاسم ؟ قال : « إِيَّاكَ أَنْ تَبْحَثْ عَنْ هَذَا فَإِنَّ عِنْدَ الْقَوْمِ أَنَّ هَذَا النَّسْلِ قَدِ انْقَطَعَ »(1).

وقول محمّد بن عثمان العمري (رضی الله عنه) لمّا سئل عن الاسم ؟ « مُحَرَّمُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا عَنْ ذَلِكَ ، وَ لَا أَقُولُ هَذَا مِنْ عِنْدِي ، فَلَيْسَ لِي أَنْ أُحَلِّلَ وَ لَا أُحَرِّمَ ، وَ لَكِنَّ عَنْهُ ( علیه السَّلَامُ ) ، فَإِنَّ الْأَمْرَ عِنْدَ السُّلْطَانِ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ ( علیه السَّلَامُ ) مَضَى وَ لَمْ يُخَلِّفْ وَلَداً إِلَى أَنْ قَالَ : - وَ إِذَا وَقَعَ الِاسْمُ وَقَعَ الطَّلَبُ ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَمْسِكُوا عَنْ ذَلِكَ (2).

ومثل قوله حين قيل له : فالإسم ؟ قال : « مُحَرَّمُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا عَنْ ذَلِكَ ، وَ لَا أَقُولُ هَذَا مِنْ عِنْدِي ، فَلَيْسَ لِي أَنْ أُحَلِّلَ وَ لَا أُحَرِّمَ ، وَ لَكِنَّ عَنْهُ ( علیه السَّلَامُ ) . . . الخ (3).

وأيضاً ما في بعض التّوقيعات : « إِنَّ دُلِلْتُمْ عَلَى الِاسْمِ أَذَاعُوهُ

ص: 168


1- كمال الدّين : 4422. بحار الأنوار: 33/51.
2- وسائل الشّيعة : 240/16 .
3- الكافي: 1/ 330. الغيبة للطوسي: 244. بحار الأنوار: 348/51

وَ إِنْ عَرَفُوا الْمَكَانَ دَلُّوا عَلَيْهِ » (1).

وما في بعضها: « فَإِنَّهُمْ إِنْ وَقَفُوا عَلَى الِاسْمِ أَذَاعُوهُ ، وَ إِنْ وَقَفُوا عَلَى الْمَكَانَ دَلُّوا عَلَيْهِ» (2).

وقول الإمام محمّد الباقر (علیه السّلام) حين قال له أبو خالد الكابلي : اُريد أن تسمّيه لي حتّى أعرفه باسمه ؟ فقال : « سَأَلْتَنِي وَ اللَّهِ يَا أَبَا خَالِدٍ عَنْ سُؤَالِ مُجْهِدٍ ، وَ لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ أَمْرُ - مَا كُنْتُ مُحْدِثاً بِهِ أَحَداً ، وَ - لَوْ كُنْتُ مُحْدِثاً بِهِ أَحَداً لَحَدَّثْتُكَ ، وَ لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ أَمْرِ لَوْ أَنَّ بنی فَاطِمَةَ عَرَفُوهُ ، حَرَصُوا عَلَى أَنْ يقطعوه بَضْعَةُ بَضْعَةُ (3).

وجاء في البحار بهذا اللفظ : « سَأَلْتَنِي وَ اللَّهِ يَا أَبَا خَالِدٍ عَنْ سُؤَالِ مُجْهِدٍ ، وَ لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ أَمْرُ مَا ، لَوْ كُنْتُ مُحْدِثاً بِهِ أَحَداً لَحَدَّثْتُكَ . . . الخ»(4).

کما بنا في الحمل على الكراهة ما مرّ من أنّه: « يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ تَسْمِيَتِهِ» (5)، ممّا يدلّ على تحريم التّصريع لحكمة وللخوف ، وأيضاً

ص: 169


1- وسائل الشّيعة : 240/16 ، کتاب الأربعين للماحوزي : 392.
2- الغيبة للطوسي: 364. بحار الأنوار: 51/ 351.
3- الغيبة للنعماني : 288. الغيبة للطوسي : 333.
4- بحار الأنوار : 31/51 .
5- كمال الدّين : 378.

قوله(علیه السّلام) : « لَا يَحِلُّ لَهُمْ تَسْمِيَتُهُ» (1)، أو: « لَا يَحِلُّ لَهُمْ تَسْمِيَتُهُ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ تعالی» (2)، أو: « لَا أُحْدِثُ بِاسْمِهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجِلَ» (3)، أو: « هُوَ الَّذِي لَا يُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ ظَاهِراً قَبْلَ قِيَامِهِ إِلَّا كَافِرُ »(4)، وما شابه ذلك.

6. قيل : ويمكن الجمع بينها بأنّ التّصريح بالاسم مکروه مطلقاً ، والتّسمية صريحاً وكنايةً محرّمة في زمن التّقية والخوف ، وبذلك يرتفع جميع التّنافي بين تلك الأخبار ، وهو أفضل الوجوه المختارة، لاسيّما أنّ اسمه (علیه السّلام) ورد في جملة من الأخبار وكلام الأعلام على نحو الحروف المقطّعة «م ح م د»(5). والعلم عند الله تعالى ورسوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأوليائه (علیهم السّلام) .

ص: 170


1- كمال الدّين : 416.
2- کمال الدّين : 369.
3- الإمامة والتّبصرة .
4- مستدرك الوسائل.
5- كما في حديث اللّوح على رواية بحار الأنوار: 378/52 . مدينة المعاجز: 194/8 .

الدّرس الثالث عشر : شبهات وردود

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

و لماذا نجد اُمّهات بعض الأئمّة- ومنهنّ اُمّ الحجّة - (علیهم السّلام) من الجواري والإماء ؟ علماً بأنّ الأئمّة المعصومين (علیهم السّلام) صفوة الخلق وخيرة العباد، وللُامّ أعظم الأثر في طيب الولادة ، وحسن النّشأة ؛ إذ اللّبن یُعدي كما في الحديث الشريف وثابت بالوجدان .

: أوّلاً : لكي يعرف الجميع أنّ الإسلام مبرّأ من العنصريّة والتّفرقة ، وأنّ قوله تعالى : «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ »(1) حقيقة وليس

ص: 171


1- سورة الحجرات : 13.

مجرّد شعار أجوف.

ثانياً : لكي يضرب المسلمون بالعادات الجاهلية المخالفة لروح الإسلام والإنسانيّة عرض الجدار ؛ وذلك أنّ الزّواج بالجارية كان عاراً في الجاهليّة ، حتّى أنّهم كانوا إذا أرادوا الطّعن في أحدهم نعتوه بابن الجارية وطعنوا فيه من جهة اُمّه بأنّه ابن اُمّ ولد ، أي أنّه ابن جارية ، واستمرّت هذه العادة لدى كثيرين من العرب المسلمين ، فأراد أئمّة الإسلام أن يكسروا هذا الحاجز ، ويضعوا لهذه الممارسة الخاطئة حدّاً.

ثالثاً : ليكون ذلك دافعاً للجواري إلى اعتناق الإسلام ، سيّما أنّ النّساء أشدّ تأثّراً بحسن المعاملة ، وأكثر ترویجاً للدين و مکارم العادات تضحّي في سبيلها إن مالت إليها بقلبها وتعلّقت بها نفسها، وما أحسن قول الشّاعر:

الاُمّ مدرسة إذا أعددتها*** أعددت جيلاً طيّب الأعراق

رابعاً : لكي يعلم العدو أنّ الإسلام من شدّة عطفه على الإنسان وترحّمه وعدله کافل لحقوقه وحقوق أعراضه حتّى في الحروب وبعدها ، وأنّ في الإسلام كلّ ما تحتاجه البشرية من الأعراف والقوانين الّتي تكفل له سعادة الدّارين ، وهو دافع بل من أعظم

ص: 172

الدّوافع لاعتناق الدّين المبين.

خامساً : المهمّ أن تكون المرأة من اُسرة عريقة ، نشأت في المنبت الحسن تتحلّى بالحياء والعفّة وحسن السّيرة والسّلوك وطيب الولادة لتكون امرأة صالحة واُمّاً مثالية ، وهذا ما كان ديدنهم (علیهم السّلام) في اختيار الزّوجة الّتي تكون اُمّاً لأولادهم؛ ولأنّا نشهد بأنّهم كانوا في الأصلاب الشّامخة والأرحام المطهّرة ،وأنت تعلم أنّ بين الإماء والجواري من تتحلّى بأفضل هذه النّعوت والأوصاف.

سادساً : لعلّنا لم نبالغ إذا قلنا بأنّ اُمّهات الأئمّة الأطهار (علیهم السّلام) وعليهنّ السّلام أفضل النّساء في أزمانهنّ على الإطلاق ، طبعاً ممّن يجوز للإمام (علیه السّلام) الزّواج بهنّ لا على الإطلاق بحيث يشمل النّساء الهاشميّات والسّيّدات العلويّات ، ولا نمنع أن يكون بعضهنّ- على الأقلّ- أفضل من جميع النّسوة في زمانهنّ على الإطلاق ، وكيف كان فلا أقلّ من کون بعض اُمّهات الأئمّة(علیهم السّلام) من أفضل النّسوة في عصورهنّ ، بل في جميع الأعصار.

وهذه الحقيقة تتجلّى في سيّدتنا اُمّ مولانا الحجّة عجّل الله تعالى فرجه في قولهم (علیهم السّلام) : « ابن خيرة الإماء» أو «ابن سيّدة الإماء»، وأنت تعلم أنّ جميع النّسوة إماء كما أنّ جميع الرّجال عبيد ؛ لأنّ الجميع إماء لله تعالى و عبيد له جلّ وعلا ، بل الشّرف كلّه في ذلك ،

ص: 173

ولا توصيف أعظم من أن يقال للمرأة: «أمَة الله»، ويقال للرجل :

«عبدالله » ، فقولهم (علیهم السّلام) : «خيرة الإماء»، أو « سيّدة الإماء» معناه سيّدة النّساء المؤمنات ، لا أنّها سيّدة الجواري وخيرتها دون الحرّات من النّسوة.

سابعاً : لعلّ هناك بعض العوامل السّياسيّة والأمنيّة أيضاً كانت دخيلة في ذلك ، أعني أنّ الإمام لشّدة الرقابة الأمنيّة الّتي كانت عليه ، والقمع الّذي كان يُمارس ضدّه وضدّ أهل بيته لم يجد أحياناً طريقاً لحماية نفسه ونسله إلّا بهذا الطّريق ، أي الزّواج بالجارية.

ثامناً : ويحتمل أيضاً عدم وجود الأكفأ منه في الهاشميّات ممّن يمكن الزّواج منهنّ ، فوقعت الخيرة عليهنّ لذلك ، فسلام الله ورضوانه عليهنّ.

تاسعاً : بالإضافة إلى ما ورد في الأخبار المؤكّدة على أنّ اُمّ مولانا الحجّة (علیه السّلام) لم تكن امرأة عادية بل هي من سلالة شمعون الصّفا وصيّ عیسی بن مريم (علیهما السّلام) ، كما سيأتي في قصّة سبيها وشرائها إن شاء الله تعالى ، ومثل هذه المنقبة تجدها لسائر اُمّهات الأئمّة رضوان الله وسلامه عليهنّ جميعاً.

لماذا كلّ هذا النّهي عن تسميته (علیه السّلام) رغم أنّا لا نجد له أي تأثير عملي في حياتنا اليوميّة ، ولم يتطرّق إليه أحد من فقهائنا في

ص: 174

مطاوی فتاواهم ؟

نعم، لم يتعرّضوا لهذه المسألة كثيراً في الكتب الفقهيّة ، بل لم يتعرّضوا لها أصلاً. نعم ، تعرّض لها بعض علمائنا في المسائل العقائديّة في حياة الإمام الحجّة عليه الصّلاة والسلام ، كالمرحوم الشّيخ الصّدوق وغيره من المتقدّمين. نعم ، رأيت بعض المتأخّرين تعرّض لهذه المسألة في مباحثه الفقهيّة الاستدلاليّة (1)، لكنّا لم نألفه في

ص: 175


1- قال آية الله العظمى الشّيخ ناصر مکارم الشّيرازي في القواعد الفقهيّة ج 1، ص 494 و 495، في آخر مبحث التّقيّة بعد ما قسّم أحاديث التّسمية إلى عدّة أقسام: «9 - هل يحرم تسميته (علیه السّلام) باسمه الشّريف ؟ المشهور بین جمع من المحدّثین حرمة تسميته أرواحنا له الفداء باسمه الخاصّ، دون ألقابه المعروفة ، فهل هذا حكم يختصّ بزمان الغيبة الصّغرى دون الكبرى ، كما نقله العلّامة المجلسي في المجلّد 13 من بحار الأنوار عن بعض ؟ أو أنّه عامّ لكلّ زمان ومكان إلى أن يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، أو أن حرمتها دائرة مدار التّقيّة والخوف ، فعند عدم الخوف جائز ، وعند وجوده حرام ، بل لا يختصّ ذلك به أرواحنا فداه ، ويجري في غيره من الأئمّة (علیهم السّلام) ؟ اختار ذلك شيخنا الشّيخ الحرّ العاملي في الوسائل في مفتتح هذا الباب وصرّح به أيضاً في ختامه » ، ثمّ ذكر الأخبار الواردة في هذا الباب ، وقسّمها إلى طوائف ، ثمّ قال في الصفحة 502: « هذا هو ما ورد في هذا الباب من طوائف الأخبار وكلمات الأصحاب ، ولا ينبغي الشّكّ في أنّ القول بمنع التّسمية تعبّداً كلام خالٍ عن التّحقيق وإن صرّح به بعض الأكابر ، بل الظّاهر أنّ المنع منه يدور مدار وجود ملاك التّقيّة ، وفي غيره كأمثال زماننا هذا لا يمنع على التّحقيق. وما أفاده العلّامة المجلسي (قدس سرّه) بعد ذكر بعض ما دلّ على النّهي عن التّسمية إلى أن يظهر القائم (علیه السّلام) : « أنّ هذه التّحدّيات مصرّحة في نفي قول من خضّ ذلك بزمان الغيبة الصّغرى تعويلاً على بعض العلل المستنبطة والاستبعادات الوهميّة»، ممنوع جدّاً لما قد عرفت من أنّ هذا ليس علّة مستنبطة ، واستبعاداً وهمياً ، بل صریح به في روايات عديدة ليست بأقلّ من غيرها ، هذا مضافاً إلى ما دلّ على جواز التّسمية والتّصريح به، وقد عرفتها في الطّائفة الرّابعة وهي أكثر عدداً وأقوى دلالةً من غيرها. والحاصل أنّ المنع يدور مدار الخوف عليه(علیه السّلام) ، أو علينا بالموازين المعتبرة ؛ وذلك لاُمور: أوّلاً : أنّ هذا هو الطّريق الوحيد فيالجمع بين الأخبار، وحمل مطلقها على مقيّدها ، فالمطلقات وهي الطّائفة الاُولى بل الثّانية أيضاً . فإنّها مطلقة من ناحية الخوف وعدمه ، وإن كانت مغيّاة بظهوره ، فإنّه لا ينافي تقييدها بما ذكرنا - تقيد بالطائفة الثّانيّة الدّالّة على دوران الحكم مدار التّقيّة ، ولولا ذلك لتظافرها ، أو يقال بالتخيير بناءً على كون أسنادها ظنّيّة ، وعندئذٍ يمكن الحكم بالجواز . ومن أقوى القرائن على الجمع الّذي ذكرنا هو الطّائفة الرّابعة المصرّحة بجواز التّسمية في الجملة ، وليت شعري ماذا يقول القائل بحرمة التّسمية مطلقاً في هذه الطائفة المتظافرة جدّاً ؟ فهل يمكن طرح جميعها مع كثرتها وفتوی کثیر من الأصحاب على طبقها ؟ أو يمكن ترجیح غيرها عليها ؟ كلّا لا طريق إلى حلّها إلّا بما ذكرنا. ثانياً : قد وردت أحاديث كثيرة من طرق أهل البيت (علیهم السّلام) والعامّة، صرّح فيها بأن اسم المهدي اسم النّبيّ ، وكنيته (علیه السّلام) كنيته(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) . ومن المعلوم أنّ هذا في قوّة التّسمية ، فإنّ الظّاهر من بعض الأخبار الدّالّة على عدم ذكر الاسم، هو عدم الدّلالة عليه بحيث لا يعلم المخاطب من النّاس ما يكون اسمه الشّريف ، لا مجرّد التّلفظ به ، اللّهمّ إلّا أن يقال : إنّ ذلك وإن كان مفاد بعض أخبار الباب ، ولكن ينافيه بعضها الآخر الدالّ على حرمة التلفّظ به ، لا الدّلالة عليه ، ولو بنحو من الكناية ، فراجع و تدبّر . ثالثاً : إنّ القول بحرمة التلفّظ باسمه الشّريف من دون التّقيّة ومحذور آخر مع جواز الدّلالة عليه بالكناية ، أو بمثل (م ح م د) يحتاج إلى تعبّد شدید ، فأي حزازة في ذكر اسمه الشّريف في اللّفظ مع جواز ذكرها کناية ، كالقول بأنّ اسمه اسم جدّه رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، أو بالحروف المقطّعة ، مع فرض عدم أي محذور ظاهر بتاتا ؟ وأيُّ شبيه لمثل هذا الحكم في الأحكام الشّرعية ؟ ومثل هذا الاستبعاد وإن لم يكن بنفسه دليلاً في الأحكام الفقهيّة ، إلّا أنّه يمكن جعله تأييداً لما ذكرنا. ويؤيّده أيضاً بعض ما ورد في عدم جواز التّصريح باسم غيره (علیه السّلام) من الأئمّة (علیهم السّلام) عند التّقيّة ، فلا يختصّ الحكم باسمه الشّريف ، مثل ما رواه الكليني بإسناده إلى عنبسة ، عن أبي عبدالله (علیه السّلام) ، قال : «إيّاكم وذكر علي وفاطمة(علیهما السّلام) ، فإنّ النّاس ليس شيء اُبغض إليهم من ذكر عليّ وفاطمة». ومن العجب ما حكي عن الصّدوق (قدس سرّه) أنّه بعد الاعتراف بالتصريح باسمه في رواية اللّوح قال : «جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم ، والّذي أذهب إليه النّهي عن التّسمية ، انتهى». . وقد عرفت أنّه لا ينحصر التّصريح باسمه الشّريف برواية اللّوح، ولا ينحصر الدّليل بروايات الطّائفة الرّابعة المصرّحة بالاسم ، ومع ذلك لِمَ لم يختر القول بالجواز عند عدم التّقيّة كما اختاره صاحب الوسائل ، ويظهر من كثير من الأصحاب ؟ فلعلّه رآه موافقاً للاحتياط ، وهو وإن كان كذلك إلّا أنّ الاحتياط في عمل النّفس شيء والفتوى بالأحتياط شيء آخر . وبالجملة هذا الاحتياط ضعیف جدّاً لا يجب مراعاته. فتلخّص عن جميع ما ذكر ، جواز التّسمية باسمه الشّريف - وهو ( محمّد بن الحسن العسكري ) عجّل الله تعالی له الفرج - في أمثال زماننا هذا ممّا لا تقيّة فيه من هذه النّاحية ».

ص: 176

ص: 177

كتب الأعلام قديماً وحديثاً ، وهذا كلّه لا يمنع من أهميّة هذا الأمر ، ولا يقلّل من شأنه ؛ لتعلّقه بصاحب الأمر أرواحنا فداه ، لاسيّما في تلك العصور الّتي كان الخوف فيها أشدّ والتّقيّة أعظم ؛ إذ عيون

ص: 178

الأعداء كانت تراقب الشّيعة في كلّ مكان ، وأزلامهم كانوا يتربّصون بهم ويطاردونهم ويندسّون في أوساطهم وبين ظهرانيهم للنيل منهم ومن إمام زمانهم ؛ إذ كانت جماعة من خيرة الأصحاب وخیار الطّائفة الحقّة يعرفونه ، وقد يلاقونه في مجالسهم ومحافلهم ومواضع عديدة فيدلّون عليه من غير قصد منهم.

ثمّ هذه الخطورة وإن قلّت بعد الغيبة الكبرى ، إلّا أنّ ارتباطه (علیه السّلام) بالأخيار ومشاهدتهم له في بعض الحين لم ينقطع ، والتّقيّة والخوف عليه لا يزالان ممّا ابتُلي به شیعتهم ، فالتعريف به على أي نحو كان وفي أي زمان و مکان حرام إذا كان خلافاً للتقيّة ، وقد يؤدّي إلى المخاطرة والمجازفة بحياته الشّريفة صلوات الله وسلامه عليه.

و إذا كان الأمر كذلك ، والسّبب في النّهي عن تسميته ، ذلك ،

فلماذا اقتصر النّهي على تسميته باسمه الشّریف دون ألقابه وكناه ، ولعلّ في اللّقب والكنية مخالفة للتقيّة أيضاً ، وإيقاع له (علیه السّلام) في الخطر والتّهلكة ؟ ألا ترى أنّ ما تزعمه يقتضي

النّهي عن كلّ ما يدلّ على شخصه (علیه السّلام) ويعرّضه للخطر ؟ .

نعم ، إنّا نرى أنّ كلّ ما يعرّض حياة الإمام أرواحنا فداه للخطر حرام ، بل من أعظم المحرّمات وأكبر الكبائر ، ولا يقتصر على ذكره

ص: 179

باسمه ، ولهذا أعتقد بأنّ النّهي لا يقتصر على تسميته باسمه الشّريف مع الخوف على نفسه المقدّسة الزّكيّة. نعم، ربّما تكون في النّهي عن تسميته خصوصيّة وهو أمر اختصّه الله تعالى كما خصّ نبیّه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وسائر الأئمّة (علیهم السّلام) بعدم مناداتهم ولا مخاطبتهم بأسمائهم الشّريفة ، كما هو صريع قوله تعالى : «لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا »(1) الّذي يشمل الأئمّة (علیهم السّلام) أيضاً بعموم المعنى لا بخصوص اللّفظ حيث أنّهم (علیهم السّلام) يشاركون رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في تلك الأحكام. .

*أَلَيْسَ اللَّهُ تَعَالَى قَادِراً عَلَى حِفْظِ وَلِيُّهُ ( علیه السَّلَامُ ) وَقَدْ خَصَّهُ بِالْغِيبَةِ کی يَحْفَظُهُ مِنْ خَطَرَ الْأَعْدَاءِ ، فَمَا الْحَاجَةِ إِلَى النَّهْيِ عَنِ تَعْرِيفِهِ إِذَا رَآهُ مَنْ يَعْرِفُهُ فِي الْمَلَأُ الْعَامِ ؟

إنّ الله تعالى قادر على كلّ شيء ، لكنّه أجرى في أنبياءه وأولياءه سنّته ، ويأبى الله أن يجري الاُمور إلّا بأسبابها . نعم ، الإعجاز وخرق العادة والطبيعة من الاُمور الّتي لا يجريها الباري جلّ وعلا إلّا عند الضّرورة القصوى ، حيث لا طريق لحفظ شریعته أو وليّه إلّا بها أو لإتمام الحجّة على عباده ، وإلّا فمن تتبّع سيرة الأنبياء والرُّسل

ص: 180


1- سورة النُّور: 63.

والأولياء يجدهم أكثر النّاس ابتلاءً وأشدّهم فتنة ، وأقلّهم درءاً للخطر عن نفسه بالإعجاز وخوارق العادة ، بل من شدّة حرصهم على إمرار معاشهم وحياتهم بالطرق المألوفة ، والتّمسّك بالأسباب الطبيعيّة كادوا يكونون بحسب الظّاهر أقلّ النّاس ارتباطاً بالغيب وأبعدهم عن الكرامات والمعاجز ، حتّى ظنّ النّاس بهم سوءاً، وشکّوا كثيراً في نبوّتهم واتّصالهم بالغيب من هذه النّاحية ، «وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا »(1)، وهذه السّيرة منهم صلوات الله عليهم كان أمراً طبيعيّاً بعد أن سلّمنا بأنّهم بشر مرسلون إلى كافّة النّاس ، وعليهم أن يعودّوهم على الحياة بالأسباب الطبيعيّة والتّوكل على الله تبارك وتعالى بعد الإيمان به، ولهذا اُمّ موسی کانت حريصة على إخفاء جنينها ، كما حرصت على إخفاء ولادته ، وإخفاء شخصه حتّى تمّ له الرّشد والبلوغ وبعث بالنبوّة ، رغم أنّه عاش في قصرفرعون و تربیّ بين عينيه وفي حجره ، وهكذا جميع أحداث حياته وحياة سائر الأنبياء والرُّسل (2)، إلّا ما توقّف منها على الإعجاز ، ولم يكن بدُّ في

ص: 181


1- سورة الفرقان : 7.
2- راجع: كتب التّفسير ، سيرة الأنبياء(علیهم السّلام) ، قصص الأنبياء (علیهم السّلام)، مثل كتاب قصص الأنبياء للسيّد نعمة الله الجزائري(قدس سرّه) ، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة عن حياة الأنبياء صلوات الله عليهم كلّها يدلّ على ذلك.

صون الشّريعة أو حفظ النّبيّ من الإعجاز .

والحاصل : أنّه يجب على الإمام -كغيره من النّاس - أن يحفظ نفسه ، بل حفظ نفسه (علیه السّلام) أوجب ؛ لأنّه يمثّل إرادة الله تعالى في الأرض وهو حجّته على العباد ، كما يجب على المؤمنين بل کافّة الخلق أن يحفظوه ويذودوا عنه ، كلّ ذلك أخذاً بالأسباب الطّبيعيّة : «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ » (1) ، وعليه فيحرم عليهم التّعريف به على أي نحو كان ، ولا يجوز ذكر اسمه مطلقاً بحسب ظاهر الأدلّة ، ولا مجال لتأويل بعضها بل كثير منها.

نعم ، لعلّ ما ورد في بعض الأدلّة من ذكره باسمه الشّريف روحي له الفداء ، وما جرى من سيرة الأعلام في ذكره باسمه(علیه السّلام) في كتبهم وعلى ألسنتهم يوحي إلى عدم النّهي التّحريمي في غير موضع الخوف والتّقيّة ، ويمكن حمل ذلك إلى اختلاف الأزمنة والظّروف ، وذلك الاحتمال التّحريم مطلقاً في بعض الأزمنة ثمّ ارتفاع ذلك لتغيير الظّرف والزّمان. إذن :

ص: 182


1- سورة الأحزاب: 6.

1- أن ينادي الإمام ويخاطب باسمه (علیه السّلام) فهو حرام مطلقاً.

2- أن يذكر بأي نحو بحيث يعرّضه للخطر فهو حرام أيضاً.

3- ولم تثبت الحرمة لغير ذلك.

ص: 183

ص: 184

الدّرس الرّابع عشر: أوصافه وشمائله (علیه السّلام)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

1- عن حذيفة اليمان ، قال : قال رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) :

« الْمَهْدِيُّ مِنْ وَلَدَيَّ ، وَجْهَهُ كَالْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ ، فاللون لَوْنٍ عَرَبِيُّ ، وَ الْجِسْمِ جِسْمُ إسرائيلي ،...»(1).

2- عن أمير المؤمنين (علیه السّلام) في رواية إلى أن قال :

« هُوَ شَابُّ مربوع ، حَسَنَ الْوَجْهِ ، حَسَنَ الشَّعْرَ ، يَسِيلُ شَعْرِهِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ، وَ يَعْلُو نُورِ وَجْهِهِ سَوَادٍ شَعْرِ لِحْيَتِهِ وَ رَأْسَهُ ، بِأَبِي

ص: 185


1- نوادر المعجزات للطبري الشّيعي: 196. دلائل الإمامة للطبري الشّيعي: 441. بحار الأنوار: 95/51. والجسم إسرائيلي : أي كأجسام بني إسرائيل في ضخامتها وقوّتها .

ابْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ » (1).

3- عن الحارث الهمداني ، عن أمير المؤمنين (علیه السّلام) أنّه قال : «المهدي أقبل (2)، جعد(3) ، بخدّه خال»(4).

4 - عن سفيان الثّوري ، عن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أنّه قال : « الْمَهْدِيُّ رَجُلُ مِنْ وَلَدَيَّ ، أَرَى وَجْهَهُ کالكوكب الدُّرِّيِّ ، اللَّوْنُ لَوْنُ عَرَبِيُّ ، وَ الْجِسْمِ جِسْمُ إسرائيلي »(5).

5- وعن أبي جعفر محمّد بن علي (علیه السّلام) أنّه قال : « يَقُومُ الْمَهْدِيِّ ( علیه السَّلَامُ ) وَ لَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَ لَا لِحْيَتِهِ طَاقَةً بَيْضَاءَ »(6).

ص: 186


1- الإرشاد: 382/2 . الغيبة للطوسي: 470. مربوع: أي عريض ما بين المنكبين.
2- أقبل أصله القَبَلَ - محرّكة - ومعناه على ما في النّهاية : إقبال سواد العين على الأنف. وعلى ما في القاموس هو إقبال إحدى الحدقتين على الاُخرى ، أو : إقبال نظر كلّ من العينين على صاحبتها ، كأنّه ينظر إلى طرف أنفه.
3- جعد من الأجعد : أي كثيف شعر الرّأس والوجه .
4- الغيبة للنعماني : 304.
5- شرح الأخبار للقاضي النّعمان المغربي : 378.
6- شرح الأخبار للمغربي: 380. طاقة بيضاء : كناية عن الشّعر الأبيض .

6- وعن أبي اُمامة الباهلي ، قال : قال رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، إلى أن قال : - « الْمَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِي ابْنِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، كَأَنْ وَجْهَهُ کوکب دُرِّيُّ ، فِي خَدَّهُ الْأَيْمَنَ خَالٍ أَسْوَدَ ، عَلَيْهِ عبائتان قَطَوَانِيَّتَانِ ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ بَنِي إِسْرائِيلَ . . . الخ » (1).

7- عن أمير المؤمنين (علیه السّلام) في وصف المهدي - إلى أن قال : - « بِاسْمِ نَبِيِّكُمْ ، يُشْبِهُهُ فِي الْخَلْقِ وَ الْخُلُقِ» (2).

8- عن إبراهيم بن مهزيار(رضی الله عنه) أنّه ؟ قال : « وَاضِحُ الْجَبِينِ ، أَبْلَجُ الْحَاجِبِ ، مَسْنُونُ الْخَدَّيْنِ ، ( أَقْنى الْأَنْفِ ) ، أَشَمُّ ، أَرْوَعُ ، كَأَنَّهُ غُصْنٍ بَانَ ، وَ كَأَنَّ صَفْحَةَ غَرَّتْهُ كَوْكَبُ دُرِّيُّ ، بِخَدِّهِ الْأَيْمَنِ خَالٍ كَأَنَّهُ فتاتة مِسْكُ عَلَى بَيَاضِ الْفِضَّةِ ، وَ إِذَا بِرَأْسِهِ وَ قُرَّةَ سمحاء سبطة تُطَالِعَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ ، لَهُ سَمَّتِ مَا رَأَتِ الْعُيُونِ أَقْصِدَ مِنْهُ ، وَ لَا أَعْرِفُ حَسَناً وَ سَكِينَةٍ وحياءاً» (3).

ص: 187


1- بحار الأنوار: 96/51 .
2- الغيبة للنعماني : 214.
3- مدينة المعاجز : 196/4 . أبلج الحاجب : دقيقه وطويله. مسنون الخدّين : كأن قد سنّ عن خدّيه اللّحم ، أي خفّف ، أي وجهه خفيف اللّحم، والقنا في الأنف : طوله ودقّة أرنبته مع احديداب في وسطه، والشمم : هو الارتفاع في الأنف، فالأشمّ المرتفع الأنف. رجل أروع : حيّ النّفس، ذكي. وغصن بان : أي طوله كغصن شجرة البان رطب ليّن ليس بصلب . والغُرّة : بیاض في الجبهة . فتاتة الشّيء: رضاضه ، وفتاتة المسك : أجزاؤه الدقاق الصّغار ورضاضه . وفرة سمحة سبطة : أي شعره وفير كثير، وسمح : ناعم، وسبط : طويل ناعم . تطالع : تبلغ شحمة اُذنه . السمت : حُسن النّحو والمسلك والطّريقة ، فحسن السّمت والطّريقة.

9- الفصول المهمّة : « شَابُّ مربوع الْقَامَةِ ، حَسَنَ الْوَجْهِ ، وَ الشَّعْرُ يَسِيلُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ، أَقْنى الْأَنْفِ ، أَجْلَى الْجَبْهَةِ »(1).

10- وعن عليّ بن مهزیار آنّه عجّل الله فرجه: « كغصن بَانَ . أَوْ قَضِيبُ ریحان ، سَمِعَ ، سَخِيُّ ، تَقِيٍّ ، نَقِي ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الشَّامِخِ ، وَ لَا بِالْقَصِيرِ اللازق ، بَلْ مربوع الْقَامَةِ ، مُدَوَّرُ الْهَامَّةِ ، صَلْتُ الْجَبِينِ ، أَزُجِّ الْحَاجِبَيْنِ ، أَقْنى الْأَنْفِ ، سَهْلُ الْخَدَّيْنِ ، عَلَى خَدَّهُ الْأَيْمَنَ خَالٍ كَأَنَّهُ فَتَاةُ مِسْكُ علی رضراضة عَنْبَرُ (2).

11 - قال أمير المؤمنين (علیه السّلام) وهو على المنبر : « يَخْرُجُ مِنْ وُلْدِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَبْيَضَ مَشْرَبٍ حُمْرَةً ، مندح الْبَطْنِ ، عَرِيضُ الْفَخِذَيْنِ ،

ص: 188


1- بحار الأنوار: 44/51
2- مستدرك سفينة البحار: 10/ 334. مدوّر الهامة : مدوّر الرأس. صلت الجبين أملس الجبين .

عظیم مشاش الْمَنْكِبَيْنِ ، بظهره شامتان : شَامَةُ عَلَى لَوْنٍ جِلْدِهِ ، وَ شَامَةُ عَلَى شِبْهِ شَامَةُ النَّبِيِّ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، لَهُ اسْمَانِ : اسْمُ يَخْفَى ، وَ اسْمُ يُعْلَنُ ، فَأَمَّا الَّذِي يُخْفِي فَأَحْمَدُ ، وَ أَمَّا الَّذِي يُعْلَنُ فَمُحَمَّدُ »(1).

12- عن الحسين (علیه السّلام) ، قال : « فِي التَّاسِعِ مِنْ وُلْدِي سُنَّةُ مِنْ يُوسُفَ وَسْنَةِ مِنْ موسی بْنِ عِمْرَانَ ( علیهما السَّلَامُ ) ، وَ هُوَ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ . . . الخ (2).

13 - وعنه (علیه السّلام)، قال : «في القائم منّا سُنن من الأنبياء (علیهم السّلام) ، سُنّة من نوح ، وسُنّة من إبراهيم ، وسُنّة من موسى ، وسُنّة من عیسی ، وسُنّة من أيّوب ، وسُنّة من محمّد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) .

فأمّا من نوح : فطول عمره، وأمّا من إبراهيم: فخفاء الولادة واعتزال الناس ، وأمّا من موسى : فالخوف والغيبة ، وأمّا من عیسی : فاختلاف النّاس فيه ، وأمّا من أيّوب : فالفرج بعد البلوى ، وأمّا من

ص: 189


1- الخرائج والجرائح: 1150/3 . بحار الأنوار: 35/51 . إعلام الوری : .294/2 .مشرب حمرة : أي اختلط لون وجهه الأبيض باللّون الأحمر اختلاطاً بسيطاً معتدلاً، فلونه يميل إلى الحمرة . مندح البطن : أي متّسع البطن . المشاش : عظیم رؤوس العظام ، فرؤوس عظام منكبيه عظيمة.
2- كمال الدّين : 317/1 . إثبات الهداة : 397/6 . بحار الأنوار : 132/51 . کشف الغمة : 312/3

محمّد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): فالخروج بالسيف» (1).

14- وفي رواية اُخرى: « كَأَنْ وَجْهَهُ کوکب دُرِّيُّ ، فِي خَدَّهُ الْأَيْمَنَ خَالٍ أَسْوَدَ» (2)، وفي ثالثة : «أفرق الثّنايا (3) ، أجلى (4) الجبهة»(5).

15 - وعن أمير المؤمنين (علیه السّلام): «أجلى الجبين (6) ، أقنى الأنف (7) ضخم البطن ، أزيل الفخذين ، بفخذه اليمني شامة ، أفلج (8) الثّنايا (9).

ص: 190


1- علم اليقين : 793/2 . كمال الدّين : 576.
2- بحار الأنوار: 80/51 . کشف الغمّة : 269/3 و 289. ينابيع المودّة : 296/3 و 384.
3- أي بين ضرسيه الأماميّین فجوة .
4- انحسار الشَّعر عن الجبهة.
5- بحار الأنوار: 80/51 و 96. کشف الغمّة : 269/3 و 289. ينابيع المودّة 263/3و 270.
6- انحسار الشَّعر وانکشافه عن الجبين ، والجبين هو طرفا الجبهة يميناً وشمالاً.
7- القنا في الأنف : طوله ودقّة أرنبته مع حدب في وسطه - لسان العرب : .203/15
8- الفلج : التباعد. أفلج الثّنايا : أي في الأسنان تباعد ما بين الثّنايا ، وهي الأسنان الأماميّة.
9- الغيبة للنعماني: 215.

16 - وعن الباقر(علیه السّلام) : « الْمَشْرَبِ حُمْرَةً ، الْغَائِرُ الْعَيْنَيْنِ ، المشرف الْحَاجِبَيْنِ ، الْعُرَيْضُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ، بِرَأْسِهِ حزاز ، بِوَجْهِهِ أَثَرِ »(1).

17 - وعن إسعاف الرّاغبين للصبان المصري : « أنه شَابُّ أَ كُحْلِ الْعَيْنَيْنِ ، أَزُجٍّ (2) الْحَاجِبَيْنِ ، أَقْنى الْأَنْفِ ، كثّ اللِّحْيَةِ ، عَلَى خَدَّهُ الْأَيْمَنَ خَالٍ ، وَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى خَالٍ »(3).

18 - وفي الفصول المهمّة : « صِفَتُهُ بَيْنَ السُّمْرَةِ وَ الْبَيَاضِ »(4).

19 - وفي الخبر: « إِذَا خَرَجَ يَكُونُ شَيْخُ السِّنِّ ، شَابُّ الْمَنْظَرِ . يَحْسُبُهُ النَّاظِرُ ابْنِ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ دُونَهَا »(5).

ويمكن تلخيص الرّوايات في الاُمور التالية :

فهو عجّل الله تعالی فرجه:

1- من أهل بيته. 2- اسمه كاسمه. 3-يشبه رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

ص: 191


1- الغيبة للنعماني : 215. الإشراب : خلط لون بلون كأنّ أحد اللّونين سقى اللّون الآخر. يقال : بیاض مشرب حمرة - بالتخفيف . إذا كانت الحمرة خفيفة.
2- الزّج والأزجّ: الحاجب الطّويل الدقيق.
3- تقدّم ذكره.
4- ينابيع المودّة : 343/3
5- بحار الأنوار : 238/50 .

في خلقه وخلقه.

4- يصلحه الله في ليلة على رأس غمامة فيها ملك

ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتّبعوه.

5- فيذعن له النّاس ، ويشربون حبّه.

6- يمدّه الله بثلاثة آلاف من الملائكة ، جبرئیل على مقدّمته وميكائيل على ساقته.

7- أنصاره بعدّة أهل بدر .

8- وأهل الكهف منهم.

9- يخرج بالسيف.

10- ويملك شرق الأرض وغربها.

11 - فيملؤ الأرض قسطاً وعدلاً ملئت ظلماً وجوراً.

12 - يُظهر الإسلام.

13 - ويرضى عنه ساکن السّماء وساكن الأرض.

14 - أسعد النّاس به أهل الكوفة .

15- تخصب الأرض في زمانه.

16 - وتُخرج كنوزها .

17- يحثو المال حثواً ولا يعدّه عدّاً.

18- يصلّي خلفه عیسی بن مريم.

19 - ويساعد عیسی على قتل الدّجّال.

20 - يخرج في وتر من السّنين ، سنة إحدى ، أو ثلاث، أو خمس ، أو سبع ، أو تسع .

21 - يملك ستٌ سنين ، أو سبعاً ، أو ثماناً ، أو تسعاً.

22 - السنة من سنّيه مقدار عشر سنين.

23 - يستخرج تابوت السّكينة من غار أنطاكية ، وأسفار التّوراة من جبل بالشام.

24 - ويظهر من الدّين ما هو الدين عليه في نفسه ، ما لو كان رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) كان يحكم.

25 - على خدّه الأيمن خال كأنّه كوكب درّي .

ص: 192

26 - كأن وجهه کوکب درّي.

27 - أفرق الثّنايا.

28 - أجلى الجبهة والجبين.

29 - شاب مربوع ، حسن الوجه والشعر ، يسيل شعره على منكبيه.

30 - يعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه .

31 - أقنى الأنف.

32 - ضخم البطن.

33 - بفخذه اليمنى شامة.

34 - أفلج الثّنايا.

35 - مشرب حمرة.

36 - غائر العينين.

37 - عريض ما بين المنكبين.

38 - برأسه حزاز .

39 - بوجهه أثر.

4- كثّ اللّحية.

41 - على يده اليمنى خال.

42 - بين السمرة والبياض.

43 - عليه عباءتان قطوانيّتان .

44 - لونه عربي.

45 - جسمه إسرائيلي.

46 - کثير الشَّعر.

47 - ابن أربعين سنة.

48 - واضح الحاجبين.

49 - أبلج الحاجب.

50 - مسنون الخدّين.

51 - أشمّ.

52 - أروع.

53 - أقصد النّاس جميعاً.

54 - حسن السّمت والأخلاق .

55 - كأنّه غصن بان.

56 - سمحٌ.

57 - سخيٌّ.

58- تقيٌّ.

59 - نقيٌّ.

60 - أملس الجبين.

61 - عريض الفخذين .

62 - مندح البطن.

63 - بظهره شامتان.

64 . له إسمان اسم خفي واسم جلي.

65 - فيه خصال الأنبياء.

66 - أعرف النّاس حسناً وسكينة و حياءاً.

67 - شعره ناعم طويل يتدلّى على

ص: 193

اُذنيه .

68- ليس في وجهه ولا لحيته شعر أبيض.

69 - عند خروجه يكون شيخ السّنّ ، شاب المنظر.

70- من ذرّيّة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، من صلب عليّ وفاطمة (علیهما السّلام) ، وهو التّاسع من ولد الحسين صلوات الله عليه.

ص: 194

الدّرس الخامس عشر: شبهات وردود

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

* في الرّواية الخامسة في مجموعة أوصافه وشمائله: « لَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَ لَا لِحْيَتِهِ طَاقَةً بَيْضَاءَ »، وفي بعض الرّوايات - مثل الرّواية (18) - أنّه شابّ المنظر وابن أربعين ، وفي بعضها : دون الأربعين ، وفي نفس الرّواية -18-: أنّه شيخ السّنّ، كلّ ذلك عند قيامه (علیه السّلام) وظهوره عجّل الله تعالی فرجه ، فكيف يمكن الجمع بين كبر سنّه وشباب منظره (علیه السّلام)؟ .

* بعد ما أثبتنا وجوده وحياته ، وسيأتي ذلك مفصّلاً في محلّه أيضاً، وإذا علمنا أنّ طول حياته أرواحنا فداه من خصائصه الّتي لابدّ منها ، حيث لا يجوز خلوّ الأرض من الحجّة لاتشريعاً ولا تكويناً،

ص: 195

وحيث علمنا أنّ الحجج بعد رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) معدودون محصورون في اثني عشر إماماً لا يزيدون ولا ينقصون ، ثمّ كتب للحجّة المهدي أرواحنا فداه أن يكون الثّاني عشر الّذي يطول عمره دهراً وقروناً لا يعلمها إلّا الله تعالى ليخرج حين يؤذن له بالخروج ، فيجب أن يحفظه من توارد الزّمان وتعاقب اللّيالي والأيّام ؛ ليكون دوماً في غاية النّشاط ، وعنفوان الشّباب ، لئلا يشقّ عليه حمل الأمانة ولا يصعب عليه أداء الرّسالة ، سيّما أنّه يخرج بالسيف ليطهّر الأرض بالقتال ، فلا بدّ من بسطة في العلم والجسم وعنفوان الشّباب ، فاجتمعت فيه أكمل الخصال وأحسنها ، وليس هذا على الله تعالى بعزیز..

* وضّح لنا المراد من الرّواية العاشرة ؟

المراد أنّه شبيه رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في كلّ شيء ، حتّى في الاسم ، فهو کجدّه الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) سمّي في السّماء (أحمد) ، وفي الأرض ( بأبي القاسم محمّد ) ، اللّهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد.

* هل ما ذكرت من الأوصاف والشّمائل ملازمة له (علیه السّلام) طيلة حياته ، أم بعضها قابل للتغيير ، أم هي تختصّ بحين الظّهور ؟

* لاشكّ أنّ الصّفات الجسمانيّة الّتي وردت في الرّوايات ناظرة إلى

ص: 196

زمن الظّهور ، وبما أنّ الوصف لا يزول عادة فهي فيه وهو عليها مدى الحياة ، كما أنّ الشّمائل الأخلاقيّة والأوصاف المعنويّة هي فيه منذ الولادة حتّى الوفاة ، بطریق أولى . نعم ، هناك حالات تسمّی أوصافاً مجازاً، فهي قابلة للزوال و التّغيير ، فمن الصّفات الجسمانيّة الثّابتة عادة خلقته روحي لتراب مقدمه الفداء ، مثلاً: على خدّه الأيمن خال، أفرق الثّنايا ، أجلى الجبهة والجبين ، مربوع القامة ، أقنى الأنف وما شابه ذلك.

ومن الشّمائل الأخلاقيّة والأوصاف المعنويّة شبهه برسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، فهو لعلى خلق عظيم من الجود والكرم والسّماحة والشّجاعة والعلم والعبادة وهلمّ جرّاً، لا يقاس به أحد من الخلق بعد أجداده الطّاهرین صلوات الله عليهم أجمعين .

ومن حالاته وأحواله(علیه السّلام) ، وهي في العادة قابلة للتغيير طول شعره روحي لمقدمه الفداء ، وعليه عبائتان قطوانيّتان ، وسائر أوصاف ثيابه وعمامته روحي فداه ، فإنّها جميعاً قابلة للتغيير.

* ما الحاجة إلى ذكر هذه الأوصاف على كثرتها، ودقّة النظّر

فيها ، والتّوسّع حولها ؟

*ولاعجب من ذلك إذا ما وقفنا على أهمّيّة الإمام المهدي أرواحنا له

ص: 197

الفداء ، وعظمته ، وأهميّة الرّسالة الّتي يحملها ، وعظمة الحدث الّذي ينتظره ؛ إذ الغاية الّتي تنتظر ظهوره والهدف الّذي يسعى إليه من تطهير الأرض وإقامة العدل أعظم غاية وقع من أجلها الخلق ، وهي غاية آمال الأنبياء والمرسلين والعباد الصّالحين ، إذا عرفنا ذلك وقفنا على الحكمة من هذا التّأكيد في أوصافه (علیه السّلام) ، فأمّا العناية القصوى الّتي أولاها أئمتّنا صلوات الله عليهم أمر المهدي عجّل الله تعالی فرجه ، فإنّها على مستوى الحدث ، وتدلّ على عظمته ، وأمّا ما أولاه علمائنا الأعلام لهذه الحقيقة فلعلّه قليل في حقّه ، لم يرق إلى مستوى الحدث

المرتقب.

ص: 198

الدّرس السّادس عشر: الإمام المهدي (علیه السّلام) في الكتاب والسنّة

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

المهدي (علیه السّلام) في القرآن :

1- عن الصادق (علیه السّلام) في معنى قوله عزّ وجلّ:

«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا »(1).

قال(علیه السّلام) : « نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ وَ أَصْحَابِهِ ، يَجْتَمِعُونَ عَلَى غَيْرِ میعاد» (2).

ص: 199


1- سورة النُّور: 55.
2- الغيبة للنعماني : 240، ورواها صاحب الينابيع عن الإمام زين العابدین (علیه السّلام) و : 245/3 ، وأيضاً عن الباقر والصّادق عليه(علیهما السّلام) .

2 - وعن الصّادق (علیه السّلام) أيضاً في قوله تعالى : «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا » (1).

قال (علیه السّلام) : « نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ وَ أَصْحَابِهِ ، يَجْتَمِعُونَ عَلَى غَيْرِ میعاد »(2).

3- وعنه (علیه السّلام) في تفسير قوله عزّ وجلّ: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ » (3).

قال(علیه السّلام) : «هِيَ فِي الْقَائِمِ ( علیه السَّلَامُ ) وَ أَصْحَابِهِ »(4).

4- وعنه (علیه السّلام) في قوله تعالى : «يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ » (5).

قال(علیه السّلام) : « اللَّهُ يَعْرِفَهُمُ ، وَ لَكِنَّ نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ يَعْرِفَهُمُ بِسِيماهُمْ فيخبطهم بِالسَّيْفِ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ خَبَطاً »(6).

5 - عن أبي جعفر (علیه السّلام) في قول الله عزّ وجلّ: «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ

ص: 200


1- سورة البقرة : 148.
2- الغيبة للنعمانی: 241.
3- سورة الحجّ: 39.
4- الغيبة للنعمانی : 241.
5- الرحمن: 41.
6- الغيبة للنعماني : 242.

مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ »(1)، فقال : «وَ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ . يَقُولُ : إِنْ أَصْبَحَ إِمَامَكُمْ غَائِباً عَنْكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيْنَ هُوَ ، فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِإِمَامٍ ظَاهِرُ ، يَأْتِيكُمْ بِأَخْبَارِ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ حَلَالَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ وَ حَرَامِهِ » ، ثُمَّ قَالَ ( علیه السَّلَامُ ) : « وَ اللَّهِ مَا جَاءَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَ لَا بُدَّ أَنْ يَجِي ءَ تَأْوِيلِهَا» (2).

6- عن أبي جعفر (علیه السّلام) في قوله تعالى : «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ »(3).

قال : « نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ ( علیه السَّلَامُ ) ، وَ كَانَ جَبْرَئِيلُ ( علیه السَّلَامُ ) عَلَى الْمِيزَابُ فِي صُورَةِ طَيْرٍ أَبْيَضَ ، فَيَكُونُ أَوَّلَ خَلَقَ اللَّهُ مُبَايَعَةِ لَهُ - أَعْنِي جبرئیل - وَ يُبَايِعُهُ النَّاسِ الثّلاثماءة وَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ، فَمَنْ كَانَ ابْتُلِيَ بالمسير وافی فِي تِلْكَ السَّاعَةَ ، وَ مَنْ ( لَمْ يُبْتَلَ بالمسير ) فُقِدَ فِي فِرَاشِهِ ، وَ هُوَ قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيَّ ( علیه السَّلَامُ ) : المفقودون فِي فُرُشِهِمْ ...»(4).

7- وفي الحديث أنّ قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ

ص: 201


1- سورة الملك : 30.
2- الإمامة والتّبصرة : 115. كمال الدّين : 326.
3- سورة النّمل : 62.
4- الغيبة للنعماني:314.

مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ »(1).

« أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ ( علیه السَّلَامُ ) وَ أَصْحَابِهِ » (2).

8- و في قوله تعالى : «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » (3).

« أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْقَائِمُ الْمَهْدِيُّ ( علیه السَّلَامُ ) »(4).

9 . - وفي تفسير قوله تعالى : ( «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ » (5).

« أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمَهْدِيِّ عَجَّلَ اللَّهُ تعالی فَرْجَهُ »(6).

1-وعن الباقر والصّادق الملك(علیهما السّلام) في قوله تعالى :

«وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ » (7).

ص: 202


1- سورة المائدة : 54.
2- تفسير القمّي: 170/1 .
3- سورة البراءة : 33.
4- بحار الأنوار: 50/51 .
5- سورة الزّخرف: 61.
6- ينابيع المودّة : 2/ 453.
7- سورة الأنبياء: 105.

قالا: « هُمْ الْقَائِمِ وَ أَصْحَابِهِ »(1).

وآيات اُخرى كثيرة وقع تأويلها أو تفسيرها على الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه اكتفينا بهذا المقدار رعاية للاختصار ، ومن أراد المزيد فعليه بكتب الحديث والسّيرة والتّفسير والتّأريخ من الفريقين الشّيعة والسّنّة ، لا سيّما كتب الغيبة للنعماني والطّوسي (قدس سرّهما) .

ص: 203


1- ينابيع المودّة : 243/3 .

ص: 204

الدّرس السّابع عشر: الإمام المهدي (علیه السّلام) في الأخبار /1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الإمام المهدي عجّل الله فرجه في الأخبار والأحاديث :

1- عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، عن النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أنّه قال : « الْمَهْدِيُّ مِنْ وَلَدَيَّ ، اسْمُهُ اسْمِي ، وکنیته کنيتي ، أَشْبَهَ النَّاسُ بِي خَلْقاً وَ خُلُقاً ، تَكُونُ لَهُ غَيْبَةُ وَ حَيْرَةُ تَضِلُّ فِيهَا الْأُمَمِ ، ثُمَّ يُقْبِلُ كَالشِّهَابِ الثَّاقِبِ يَمْلَأُهَا عَدْلًا وَ قِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً (1).

2- عن الصّادق (علیه السّلام) ، عن رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : « الْقَائِمُ مِنْ وَلَدَيَّ ،

ص: 205


1- كمال الدّين : 286. كفاية الأثر للخزّاز القمّي: 67. وروي عن الإمام الصّادق (علیه السّلام) باختلاف یسیر وزيادة في الإمامة والتّبصرة : 119، وفي كمال الدّين : 286.

اسْمُهُ اسْمِي ، وَ كُنْيَتِهِ کنیتي ، وَ شَمَائِلِهِ شَمَائِلِي ، وَ سُنَّتِهِ سُنَّتِي ، يُقِيمُ النَّاسَ عَلَى مِلَّتِي وشريعتي ، وَ يَدْعُوهُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ ، مَنْ أَطَاعَهُ أَطَاعَنِي ، وَ مَنْ عَصَاهُ عَصَانِي ، وَ مَنْ أَنْكَرَهُ فِي غَيْبَتِهِ فَقَدْ أنكرني ، وَ مَنْ كَذَّبَهُ فَقَدْ كَذَّبَنِي ، وَ مَنْ صَدَّقَهُ فَقَدْ صدقني ، إِلَى اللَّهِ أَشْكُو الْمُكَذِّبِينَ لِي فِي أَمْرِهِ ، وَ الْجَاحِدِينَ لِقَوْلِي فِي شَأْنِهِ ، الْمُضِلِّينَ لِأُمَّتِي عَنْ طريقته ، « وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ »(1)» (2).

3- عن الصّادق ، عن آبائه (علیهم السّلام) ، قال : قال رسول الله

(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): « مَنْ أَنْكَرَ الْقَائِمِ مِنْ وُلْدِي فَقَدْ أنكرني »(3).

4- عن ابن عبّاس ، عن النِبيّ (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : « إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ إِمَامٍ أُمَّتِي وَ خَلِيفَتِي عَلَيْهَا مِنْ بَعْدِي ، وَ مَنْ وُلْدِهِ الْقَائِمِ الْمُنْتَظَرُ ، الَّذِي يَمْلَأُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ بِهِ الْأَرْضَ عَدْلًا وَ قِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوَرَةُ وَ ظُلْماً ، وَ الَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ بَشِيراً إِنِ الثَّابِتِينَ عَلَى الْقَوْلُ بِهِ فِي زَمَانِ غیبته لِأَعَزِّ مِنَ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ ».

فقام إليه جابر بن عبدالله الأنصاري فقال : يا رسول الله ،

ص: 206


1- سورة الشُّعراء: 227.
2- بحار الأنوار: 73/51 .
3- بحار الأنوار: 73/51 .

وللقائم من ولدك غيبة ؟

قال : « إِي وَ رَبِّي ، وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ .

یا جَابِرٍ ، إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ، وَ سِرُّ مِنْ سَرَّ اللَّهَ مطوي عَنْ عِبادِهِ فَإِيَّاكَ وَ الشَّكَّ فِيهِ ، فَإِنَّ الشَّكِّ فِي أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ كَفَرَ »(1).

5- عن أبي سعيد الخدري ، عن النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أنّه قال لفاطمة : « وَ یا بَنِيهِ ، إِنَّا أُعْطِينَا أَهْلَ الْبَيْتِ سَبْعاً ، لَمْ يُعْطَهَا أَحَدُ قِبَلَنَا ، نبینا خیر الْأَنْبِيَاءِ وَ هُوَ أَبُوكَ ، وَ وَصَّيْنَا خَيْرُ الْأَوْصِيَاءِ وَ هُوَ بَعْلُكِ ، وَ شَهِيدُنَا خَيْرِ الشُّهَدَاءِ وَ هُوَ عَمِّ أَبِي حَمْزَةَ ، وَ مِنَّا مَنْ لَهُ جَنَاحَانِ خضیبان يَطِيرُ بِهِمَا فِي الْجَنَّةِ ، وَ هُوَ ابْنُ عَمِّكَ جَعْفَرٍ ، وَ مَا سِبْطاً هَذِهِ الْأُمَّةُ ، وَهْماً ابْنَاكَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ، وَ مِنَّا وَ اللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، مَهْدِيِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِي يُصَلِّي خَلْفَهُ عیسی بْنِ مریم »، ثُمَّ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبِ الْحُسَيْنُ ؟ فَقَالَ : « مِنْ هَذَا » ثَلَاثاً (2).

6- عن الرّضا (علیه السّلام) ، عن النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أنّه قال : « لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقُومَ الْقَائِمُ الْحَقِّ مِنَّا ، وَ ذَلِكَ حِينَ يَأْذَنِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ لَهُ ، وَ مَنْ تَبِعَهُ نَجَا ، وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ هَلَكَ ، اللَّهَ اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ ، فَأَتَوْهُ وَ لَوْ عَلَى الثَّلْجِ ،

ص: 207


1- كمال الدّين : 287.
2- الغيبة للطوسي : 192.

فَإِنَّهُ خَلِيفَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ ، وَ خَلِيفَتِي »(1).

7- عن الرّضا (علیه السّلام) ، عن آبائه ، عن عليّ(علیهم السّلام) ، عن النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : « لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَقُومُ بِأَمْرِ أُمَّتِي رَجُلُ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنُ ( علیه السَّلَامُ ) ، يَمْلَؤُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً» (2).

8- عن الصّادق (علیه السّلام) ، عن النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) انّه قال لعليّ(علیه السّلام) : « أَلَا أُبَشِّرُكَ ، أَلَا أُخْبِرُكَ يَا عَلِيُّ ؟ فَقَالَ : بلی یا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : كَانَ جَبْرَئِيلَ عِنْدِي آنِفاً ، وَ أَخْبَرَنِي أَنَّ الْقَائِمَ الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَيَمْلَأَ الْأَرْضَ عَدْلًا (كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً ) ، مِنْ ذُرِّيَّتِكَ ، مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنُ» (3).

9- وقال (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لجعفر بن أبي طالب : « یا جَعْفَرٍ ، أَلَا أُبَشِّرُكَ ، قَالَ : بلی یا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : كَانَ جَبْرَئِيلَ عِنْدِي آنِفاً ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ الَّذِي يَدْفَعُهَا إِلَى الْقَائِمِ هُوَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ ، أَتَدْرِي مَنْ هُوَ ؟ قَالَ : لَا قَالَ : ذالك الَّذِي وَجَّهَهُ كالدينار ، وَ أَسْنَانِهِ کالمنشار ، وَ سَيْفَهُ كحريق النَّارِ ،

ص: 208


1- بحار الأنوار: 65/51 ، ورد مثل هذا الحديث في البحار: 322/36 ، عن أبي أمامة عنه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) مع اختلاف یسیر .
2- بحار الأنوار : 66/51.
3- الغيبة للنعماني: 247.

يُدْخِلُ الْجَبَلِ ذَلِيلًا ، وَ يَخْرُجُ مِنْهُ عزیزا ، يكتنفه جبرئیل وَ میکائیل »(1).

10- عن الباقر (علیه السّلام) ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، قال : دخلت على فاطمة بنت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء والأئمّة من ولدها ، فعددت اثنا عشر اسماً آخرهم القائم من ولد فاطمة ، ثلاثة منهم محمّد ، وأربعة منهم علىّ(2).

11- عن أبي جعفر الثّاني ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنین (علیهم السّلام) ، قال: « لِلْقَائِمِ مِنَّا غَيْبَةَ أَمُدِّهَا طَوِيلُ ، كَأَنِّي بِالشِّيعَةِ يَجُولُونَ جولان النِّعَمِ فِي غَيْبَتِهِ ، يَطْلُبُونَ الْمَرْعَى فَلَا يَجِدُونَهُ ، أَلَا فَمَنْ ثَبَتَ مِنْهُمْ عَلَى دِينِهِ لَمْ يَقْسُ قَلْبُهُ لِطُولِ أَمَدَ غَيْبَةَ إِمَامَهُ ، فَهُوَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ »، ثمّ قال(علیه السّلام) : « إِنَّ الْقَائِمَ مِنَّا إِذَا قَامَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بِيعَتْ ، فَلِذلِكَ تَخْفَى وِلَادَتُهُ وَ يَغِيبُ شَخْصُهُ »(3).

12 - عن الرّضا، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين (علیهم السّلام) جميعاً أنّه قال للحسين(علیه السّلام) : « التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِكَ يَا حُسَيْنُ هُوَ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ ، الْمُظْهِرِ

ص: 209


1- بحار الأنوار: 77/51 .
2- الإرشاد للمفيد: 346.
3- بحار الأنوار : 109/51 . مستدرك سفينة البحار: 508/10 .

لِلدَّيْنِ ، الْبَاسِطُ لِلْعَدْلِ ».

قال الحسين (علیه السّلام) : « فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ إِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنُ ؟» .

فقال : « إِي وَ الَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالنُّبُوَّةِ وَ اصْطَفَاهُ عَلَى جَمِيعِ الْبَرِيَّةِ ، وَ لَكِنَّ بَعْدَ غَيْبَةُ وَ حَيْرَةُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا عَلَى دِينِهِ إِلَّا المباشرون لروح الْيَقِينِ ، الَّذِينَ أَخَذَ اللَّهُ میثاقهم بِوَلَايَتِنَا ، وَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ ، وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ» (1).

13 - عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السّلام)

أنّه قال : « صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ وَلَدَيَّ ، هُوَ الَّذِي يُقَالُ : مَاتَ ، أَوْ هَلَكَ ، لَا بَلْ فِي أَيِّ وَادٍ سَلَكَ» (2).

14 - عن الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين(علیه السّلام)

، قال : فوجدته مفكّراً قلت : يا مولاي ، أراك مُفكراً؟

قال: «فِي مَوْلُودٍ يَكُونُ مِنْ ظَهْرِ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ وَلَدَيَّ ، وَ هُوَ الْمَهْدِيُّ الَّذِي يَمْلَأُهَا عَدْلًا وَ قِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً ، تَكُونُ لَهُ غَيْبَةُ يَضِلُّ بِهَا أَقْوَاماً ، وَ يَهْدِي بِهَا آخَرِينَ ، أُولَئِكَ خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ

ص: 210


1- بحار الأنوار: 110/15 .
2- الغيبة للنعماني: 156. الغيبة للطوسي :425.

أَبْرَارِ هَذِهِ الْعِتْرَةِ » . فَقُلْتُ : ثُمَّ ماذا ؟

قال : « يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ مِنَ الرَّجْعَةِ الْبَيْضَاءِ ، وَ الْكَرَّةِ الزَّهْرَاءِ ، وَ إِحْضَارِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَ الْقِصَاصِ ، وَ الْأَخْذُ بِالْحَقِّ ، وَ الْمُجَازَاةِ بِكُلِّ سَلَفَ ، ثُمَّ يَغْفِرُ اللَّهُ لِمَنْ شَاءَ »(1).

15 - عن جعفر بن محمّد (علیهما السّلام)، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الحسين بن عليّ(علیهم السّلام) ، قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين(علیه السّلام) ، فقال له: يا أمير المؤمنين ، نبئنا بمهديّكم هذا؟

فقال: « إِذَا دَرَجَ الدارجون (2)، وقلّ المؤمنون ، وذهب المجلبون (3)، فهناك هناك (4) ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ممّن الرّجل ؟ فقال : من بني هاشم ، من ذروة(5) طود (6)

العرب ، وبحر مغيضها (7)

ص: 211


1- الهداية الكبرى للخصيبي : 362.
2- دَرَجَ الرّجل : مشي ، والقوم ماتوا وانقرضوا. والدّارج ، أي إذا مات .
3- المجلبون : المجتمعون من كلّ مكان للحرب وضجّوا وصاحوا، فإذا ذهب هؤلاء.
4- فهناك هناك : كناية عن وقت الظّهور؛ لأنّها من علاماته.
5- الذّروة بضمّ الدّال وكسرها : أعلى مكان الشّيء، وأعلى كلّ شيء .
6- الطّود بفتح الطّاء : الجبل العظيم ، فبنو هاشم قمّة جبل العرب .
7- المغيض : ما يجتمع فيه الماء ، شبّهه (علیه السّلام) ببحر في أطرافه مغائض غدران يجتمع فيها الماء.

إذا وردت ، ومخفر (1) أهلها إذا اُتيت ، ومعدن صفوتها إذا اكتدرت (2)، لايجبن إذا المنايا هكعت(3)، ولا يخور إذا المنون اکتنعت (4)، ولا ينكل إذا الكماة (5) اصطرعت(6)، مشمّر(7)، مغلولب (8)، ظفر (9)، ضرغامة(10)، حصد مخدش

ص: 212


1- المخفر : الحامي والمجير ، أي مأمن العرب وحاميها ومجيرها ، إذا أتی عليها الدّهر.
2- الصّفوة : الخالص، والكدار نقيض الصّافي ، فهو (علیه السّلام) معدن الخلوص عندما يكتدر ويتكدر النّاس لا سيّما العرب.
3- هكعت : أي نزلت ، فهو (علیه السّلام) لا يجبن خوفاً من الموت في المعركة .
4- لا يخور: لا يفتر ولا يضعف . المنون: الموت والدّهر . اكتنع : دنا وقرب ، فهو (علیه السّلام) لايضعف إذا دنت المنون منه.
5- لا ينكل : لا يجبن ولا ينكص. الكماة بضمّ الكاف : جمع الكمي، وهوالشّجاع أو لابس السّلاح.
6- الاصطراع : هو المصارعة ، أي لا ينكص على عقبه ، ولا يفرّ إذا الشّجعان المدجّجون بالسلاح تصارعوا معه.
7- مشمّر : جادّ ، مثل قولهم شمّر فلان عن ساعد الجدّ.
8- مغلولب : متکاثر قوي غالب.
9- ظفر : بکسر الفاء ، وظفير: أي مظفر منتصر ، لا يحاول أمراً، إلّا ظفر به .
10- ضرغامة : بكسر الضّاد ، الأسد والشّجاع .

ذكر(1)، سيف من سيوف الله رأس ، قثم (2)، نشو رأسه في باذخ (3) السّؤدد ، وعارز(4) مجده في أكرم المحتد (5)، فلا يصرفنّك عن بيعته صارف عارض ينوص (6) إلى الفتنة كلّ مناص ، إن قال فشرٌّ ، وإن سکت فذو دعایر» (7).

ص: 213


1- حصد: بكسر الصّاد ، يحصد اُصول الظّالمين وفروع الغيّ والشّقاق . المخدش : بكسر الميم وضمّها هو السّند والكاهل فهو سندهم ومعتمدهم . وقيل : من أخدش ، أي يخدش الكفّار ويطعنهم . والذّكر من الرّجال - بکسر الذّال - هو القوي الشّجاع.
2- قثم: بضمّ القاف وفتح الثّاء ، هو الجموع للخير والّذي كثر عطاؤه ، والرّأس أعلى كلّ شيء وسيّد القوم.
3- الباذخ : المرتفع العالي. السّؤدد : المجد والسّيادة والشّرف ، فهو (علیه السّلام) قد نشأ في أعلى قمم العلو والمجد والسّيادة والشّرف.
4- عارز مجده : أي مجده العارز الثّابت ، منعرز الشّيء في الشّيء إذا أثبته فيه وأدخله.
5- المحتد: يلفظ كمجلس ، هو الأصل ، فمجده (علیه السّلام) عازر وثابت في أكرم الاُصول.
6- ينوص: ينهض ، والمناص هو الملجأ ، ومعنى الجملة : لا يمنعك ولا يصرفك عن بيعته (علیه السّلام) صارف عارض عن بيعته ينهض إلى الفتنة ويتّخذها ملجئأ لنفسه.
7- دعایر : من الدّعارة ، وهي الخبث والفساد والشّرّ والفسق .

ثمّ رجع إلى صفة المهدي (علیه السّلام) ، فقال :

«أوسعکم کھفاً (1)، وأكثركم علماً ، وأوصلكم رحماً، اللّهمّ فاجعل بعثه خروجاً من الغمّة ، واجمع به شمل الاُمة ، فإن خار (2) الله لك فاعزم ، ولا تنثنِ (3) عنه إن وُفّقت له ، ولا تجوزنّ عنه إن هديت إليه ، هاه (4) - وأومأ بيده إلى صدره - شوقاً إلى رؤيته »(5).

17 - لمّا صالح الحسن بن عليّ بن أبي طالب (علیهما السّلام) معاوية بن أبي سفيان ، دخل عليه النّاس فلامه بعضهم على بيعته ، فقال(علیه السّلام) :

« وَيْحَكُمْ مَا تَدْرُونَ مَا عَمِلْتَ ، وَ اللَّهُ الَّذِي عَمِلْتِ خَيْرُ لِشِيعَتِي مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ غُرْبَةُ ، أَلَا تَعْلَمُونَ أَنِّي إِمَامِكُمْ وَ مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ عَلَيْكُمْ ، وَ أَحَدُ سَيِّدَيْ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بنصّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ؟».

ص: 214


1- الكهف : هو الملاذ والملجأ الّذي يلجأ إليه الإنسان عند شعوره بالخطر .
2- خار : من الخيرة والاستخارة ، وهو طلب الخير .
3- لا تنثنِ : أي لا تنعطف عنه ولا تمل إلى غيره .
4- قوله(علیه السّلام) : «هاه»، مثل «آه»، كأنّه تنفّس الصّعداء ، أو تأوّه متألّماً من شدّة شوقه إليه واشتياقه إلى رؤيته ونصرته ، ولهذا أشار(علیه السّلام) إلى صدره الشّريف وقال متحسّراً : « شوقاً إلى رؤيته».
5- الغيبة للنعماني : 215.

قالوا: بلى.

قال : «أَمَّا عَلِمْتُمْ أَنَّ الْخُضَرَ لِمَا خَرَقَ السَّفِينَةِ وَ أَقَامَ الْجِدَارِ وَ قَتَلَ الْغُلَامُ كَانَ ذَلِكَ سخطأ لموسی بْنِ عِمْرَانَ ( علیه السَّلَامُ ) إِذْ خَفِيَ عَلَيْهِ وَجْهِ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ ، وَ كانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى حِكْمَةً وَ صَوَاباً ؟

أَمَّا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ مَا مِنَّا أَحَدُ إِلَّا وَ يَقَعُ فِي عُنُقِهِ بِيعَتْ لطاغية زَمَانِهِ إِلَّا الْقَائِمَ الَّذِي يُصَلِّي خَلْفَهُ رُوحَ اللَّهِ عیسی بْنِ مریم ( علیه السَّلَامُ ) فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلٍ يُخْفِي وِلَادَتُهُ ، وَ يَغِيبُ شَخْصُهُ ، لِئَلَّا يَكُونَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بِيعَتْ إِذَا خَرَجَ ؟

ذَاكَ التَّاسِعِ مِنْ وُلْدِ أَخِي الْحُسَيْنُ ابْنُ سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ ، يُطِيلَ اللَّهُ عُمُرُهُ فِي غَيْبَتِهِ ، ثُمَّ يُظْهِرُهُ بِقُدْرَتِهِ فِي صُورَةِ شَابِّ ابْنِ دُونَ الْأَرْبَعِينَ سَنَةٍ ، ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قدير»(1).

18 - عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الحسين بن عليّ (علیهما السّلام) أنّه قال : «فِي التَّاسِعِ مِنْ وُلْدِي سُنَّةُ مِنْ يُوسُفُ ، وَسْنَةِ مِنْ موسی بْنِ عِمْرَانَ ، وَ هُوَ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ ، يُصْلِحُ اللَّهَ تَبَارَكَ وتعالی

ص: 215


1- الاحتجاج : 10/2 ، ومثل هذا الخبر في البحار : 19/44 و : 132/51 و: 279/52 .

أَمْرُهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ »(1).

19 - عن الحسين بن عليّ (علیهما السّلام) : « قَائِمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ هُوَ التَّاسِعِ مِنْ وَلَدَيَّ ، وَ هُوَ صَاحِبُ الْغَيْبَةِ ، وَ هُوَ الَّذِي يُقْسَمُ مِيرَاثُهُ وَ هُوَ حَيُّ» 2(2).

20- وعنه(علیه السّلام) : «مِنَّا اثْنَا عَشَرَ مَهْدِيَّاً أَوَّلُهُمْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(علیه السّلام) ، وَ آخِرُهُمْ التَّاسِعِ مِنْ وَلَدَيَّ ، وَ هُوَ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ ، يُحْيِيَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ، وَ يَظْهَرُ بِهِ دین الْحَقِّ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، لَهُ غَيْبَةُ يَرْتَدُّ فِيهَا قَوْمٍ ، وَ يَثْبُتُ عَلَى الدِّينِ فِيهَا آخَرُونَ فيؤذون ، وَ يُقَالُ لَهُمْ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، أَمَا إِنَّ الصَّابِرِ فِي غَيْبَتِهِ عَلَى الْأَذَى وَ التَّكْذِيبُ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) »(3).

21 - وعنه (علیه السّلام): «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمُ وَاحِدُ لَطَوَّلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلُ مِنْ وُلْدِي يَمْلَؤُهَا عَدْلًا وَ قِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جوراًوظلماً ، كَذَلِكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، يَقُولُ » (4).

ص: 216


1- بحار الأنوار: 133/51 .
2- بحار الأنوار: 133/51 .
3- بحار الأنوار : 385/36 ، ومثله في شرح الأخبار للقاضي النّعمان المغربي : 568/3 .
4- بحار الأنوار: 133/51 .

22 - قيل للحسين(علیه السّلام) : أنت صاحب هذا الأمر؟

قال: « لَا ، لكِنِ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ الطَّرِيدُ الشَّرِيدُ الْمَوْتُورُ بِأَبِيهِ ، المكنى بِعَمِّهِ ، يَضَعُ سَيْفَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ» (1).

23. عن عليّ بن الحسين (علیهما السّلام) ، قال : « الْقَائِمُ مِنَّا تَخْفَى وِلَادَتُهُ عَنِ النَّاسِ حَتَّى يَقُولُوا لَمْ يُولَدْ بَعْدُ ، لِيَخْرُجَ حِينَ يَخْرُجَ وَ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بِيعَة» (2).

24 - عن علي بن الحسين (علیهما السّلام) : « لَتَأْتِيَنَّ فِتْنَةُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، لَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللَّهُ میثاقه ، أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الْهُدَى وَ يَنَابِيعُ الْعِلْمِ ، يُنْجِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ كُلُّ فِتْنَةٍ مَظْلِمَةُ ، كَأَنِّي بِصَاحِبِكُمْ قَدْ عَلَا فَوْقَ نجفكم بِظَهْرِ كُوفَانَ ، فِي ثلاثمأة وَ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، جبرئیل عَنْ يَمِينِهِ ، ومیکائیل عَنْ شِمَالِهِ ، وَ إِسْرَافِيلَ أَمَامَهُ ، مَعَهُ رَايَةَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قَدْ نشرها ، لا يَهْوِي بِهَا إِلَى قَوْمٍ إِلَّا أَهْلَكَهُمُ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ»(3).

25 - وعنه(علیه السّلام) : « يَكُونُ بَعْدَ الحسین ( علیه السَّلَامُ ) تِسْعَةً أَئِمَّةِ ، تاسعهم

ص: 217


1- بحار الأنوار: 134/51 .
2- المصدر المتقدّم : 135.
3- الأمالي للمفيد: 45. بحار الأنوار: 135/51 .

قَائِمِهِمْ »(1).

26 - عن اُمّ هاني الثّقفيّة ، عن الباقر (علیه السّلام) في حديث قال: «هَذَا مَوْلُودُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ ، هُوَ الْمَهْدِيُّ مِنْ هَذِهِ الْعِتْرَةِ ، تَكُونُ لَهُ حَيْرَةٍ وَ غَيْبَةَ يَضِلُّ فِيهَا أَقْوَامُ ، وَ يَهْتَدِي فِيهَا أَقْوَامُ ، وَ يا طُوبَى لَكَ إِنْ أَدْرَكْتَهُ ، وَ يا طوبی لِمَنْ أدرکه» (2).

27 - وعنه (علیه السّلام) أنّه ذكر سيرة الخلفاء الرّاشدين ، فلمّا بلغ آخرهم قال : «الثَّانِي عَشَرَ الَّذِي يُصَلِّي عیسی بْنِ مریم ( علیه السَّلَامُ ) خَلْفَهُ ، عَلَيْكَ بِسُنَّتِهِ وَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ » (3).

28 - عن أبي حمزة الثّمالي ، عن الباقر (علیه السّلام) أنّه قال : «يَا أَبَا حَمْزَةَ ، مِنَ الْمَحْتُومِ الَّذِي حَتَمَهُ اللَّهِ قِيَامُ قَائِمِنَا ، فَمَنْ شَكَّ فِيمَا أَقُولُ لَقِيَ اللَّهَ وَ هُوَ بِهِ کافر».

ثمّ قال: «بِأَبِي وَ أُمِّي الْمُسَمَّى بِاسْمِي ، والمکنّی بکنیتي ، السَّابِعُ مِنْ بَعْدِي ، بِأَبِي ( مِنْ ) يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا ( وَ قِسْطاً )

ص: 218


1- الإرشاد : 347/2 . الاستنصار للكراجكي: 17، وروي عن الصّادق (علیه السّلام) مثله في الصّراط المستقيم للعاملي: 134/2 .
2- کمال الدّين : 330.
3- بحار الأنوار: 137/51 .

كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً .

يَا أَبَا حَمْزَةَ ، مَنْ أَدْرَكَهُ فَيُسَلِّمُ لَهُ مَا سَلَّمَ لِمُحَمَّدٍ وَ عَلَيَّ ، فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ، وَ مَنْ لَمْ يَسْلَمْ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ، وَ مَأْواهُ النَّارُ وَ بِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ » (1).

ص: 219


1- بحار الأنوار: 139/51 .

ص: 220

الدّرس الثّامن عشر: الإمام المهدي (علیه السّلام) في الأخبار /2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

29 - عن سدير ، عن الصّادق (علیه السّلام): «إِنَّ فِي الْقَائِمِ ( علیه السَّلَامُ ) شئ مِنْ يُوسُفُ »..

قلت : كأنّك تذكر حيرة أو غيبة ؟

قال لي: « وَ مَا تُنْكَرَ مِنْ هَذَا ، هَذِهِ الْأُمَّةُ أَشْبَاهُ الْخَنَازِيرِ ؟ إِنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ كَانُوا أَسْبَاطاً أَوْلَادَ أَنْبِيَاءِ تَاجَرُوا يُوسُفَ وَ بَايَعُوهُ وَ خَاطَبُوهُ وَهْمُ إِخْوَتُهُ وَ هُوَ أَخُوهُمْ ، فَلَمْ يَعْرِفُوهُ حَتَّى قَالَ لَهُمْ يُوسُفُ : أَنَا یوسف ، فَمَا تُنْكِرُ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْمَلْعُونَةُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ يُرِيدُ أَنْ يَسْتُرَ حُجَّتَهُ ؟ لَقَدْ كانَ يُوسُفُ إِلَيْهِ مُلْكُ مِصْرَ ، وَ كَانَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ وَالِدِهِ مَسِيرَةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً ، فَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ أَنْ يَعْرِفْ مَكَانَهُ لَقَدَرَ عَلَى ذَلِكَ ، وَ اللَّهِ لَقَدْ سَارَ يَعْقُوبَ وَ وُلْدُهُ عِنْدَ

ص: 221

الْبِشَارَةُ تِسْعَةَ أَيَّامٍ مِنْ بَدْوِهِمْ إِلَى مِصْرَ ، فَمَا تُنْكِرُ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ يَفْعَلُ بِحُجَّتِهِ مَا فُعِلَ بِيُوسُفَ أَنْ يَكُونَ يَسِيرُ فِي أَسْوَاقِهِمْ ،وَ يَطَأَ بُسُطَهُمْ ، وَهْمُ لَا يَعْرِفُونَهُ حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ نَفْسِهِ كَمَا أَذِنَ لِيُوسُفَ حِينَ قَالَ : « هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ *قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي »(1)»(2).

30 - عن الصّادق(علیه السّلام) : «مَنْ أَقَرَّ بِجَمِيعِ الْأَئِمَّةِ وَ جَحَدَ الْمَهْدِيِّ ، كَانَ كَمَنْ أَقَرَّ بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَ جَحَدَ مُحَمَّداً ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) نَبْوَتُهُ» .

فقيل له : يابن رسول الله ، فمن المهدي من ولدك ؟

قال : «الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ ، يَغِيبُ عَنْكُمْ شَخْصُهُ ، وَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ تَسْمِيَتُهُ»(3).

31 - وعنه(علیه السّلام) : «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى خَلَقَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نُوراً قَبْلَ خَلَقَ الْخَلْقَ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفِ عَامٍ ، فَهِيَ أَرْوَاحُنَا ».

ص: 222


1- سورة يوسف: 89 و 90.
2- بحار الأنوار: 283/12 و : 142/51 ، وعنه (علیه السّلام) في الخرائج والجرائح للراوندي مثله مع اختلاف يسير ، وهكذا في دلائل الإمامة : 531.
3- بحار الأنوار :143/51 . ومثله في 145/51 باختلاف يسير ، وفي كمال الدّين : 333 و 338 و 411.

فقيل له : يابن رسول الله ، ومن الأربعة عشر ؟

فقال : « مُحَمَّدُ وَ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ، وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنُ ، آخِرُهُمُ الْقَائِمَ الَّذِي يَقُومُ بَعْدَ غَيبَتِهِ فَيُقْتَلُ الدَّجَّالِ وَ يُطَهِّرُ الْأَرْضَ مِنْ كُلِّ جَوْرٍ وَ ظَلَمَ» (1).

32 - وعنه (علیه السّلام) وذكر المهدي : «وَ هُوَ الثَّانِي عَشَرَ مِنِ الْأَئِمَّةِ الْهُدَاةُ » ، ثُمَّ قَالَ : «وَ اللَّهِ لَوْ بَقِيَ فِي غَيْبَتِهِ مَا بَقِيَ نُوحُ فِي قَوْمِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يُظْهِرَ فَيَمْلَأَ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا ، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً»(2).

33 - وعنه (علیه السّلام) : «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَةً ، الْمُتَمَسِّكُ فِيهَا بِدِينِهِ كَالْخَارِطِ لشوك الْقَتَادَةِ بِيَدِهِ » ، ثُمَّ أَطْرَقَ ملا ، ثُمَّ قَالَ : « إِنَّ الصَّاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غِيبَةَ ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ عَبْدُ وَ لْيَتَمَسَّكْ بِدِينِهِ»(3).

ص: 223


1- بحار الأنوار: 23/51 : 144/51 . وفي 4/25 مثله باختلاف يسير ، وهكذا في 115/25 ، وأيضاً في الصّراط المستقیم: 2/ 134.
2- بحار الأنوار: 80/42 ، وفي 317/47 باختلاف يسير ، وهكذا في 51/ 145.
3- الغيبة للنعماني : 169، وبحار الأنوار: 112/52 ، ومثله في غيبة الطوسي: 455، باختلاف يسير ، وهكذا في بحار الأنوار: 145/51 ، وفي 135/52 أيضاً.

34 - وعنه (علیه السّلام) ، عن القائم (علیه السّلام) : «يَا أَبَا بَصِيرٍ ، هُوَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ ابْنِي مُوسى ، ذَلِكَ ابْنُ سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ ، يَغِيبُ غَيْبَةً يَرْتَابُ فِيهَا الْمُبْطِلُونَ ، ثُمَّ يُظْهِرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ فَيُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبِهَا ، وَ يُنَزِّلُ رُوحَ اللَّهِ عیسی بْنِ مریم فَيُصَلِّي خَلْفَهُ ، وتشرق الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها ، وَ لَا تَبْقَى فِي الْأَرْضِ بُقْعَةً عَبْدُ فِيهَا غَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ فِيهَا ، وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ »(1).

35 - عن الصادق (علیه السّلام) أيضاً: «يُنْتَجُ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلًا مِنِّي وَ أَنَا مِنْهُ ، يَسُوقُ اللَّهُ بِهِ برکات السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرْضِ ، فَتُنْزِلُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا ، وَ تُخْرِجُ الْأَرْضُ بَذْرِهَا ، وَ تَأْمَنَ وحوشها وسباعها ، وَ يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً ، وَ يُقْتَلُ ، حَتَّى يَقُولَ الْجَاهِلِ : لَوْ كانَ هَذَا مِنْ ذُرِّيَّةِ مُحَمَّدٍ لَرَحِمَ »(2).

36 - وعن الإمام الكاظم (علیه السّلام) في حديث : قيل له : ويكون في الأئمّة من يغيب ؟

قال : «نَعَمْ ، يَغِيبُ عَنْ أَبْصَارِ النَّاسِ شَخْصُهُ وَ لَا يَغِيبُ عَنْ قُلُوبِ

ص: 224


1- بحار الأنوار: 146/51 . كمال الدّين : 345.
2- بحار الأنوار: 146/51 .

الْمُؤْمِنِينَ ذَكَرَهُ ، وَ هُوَ الثَّانِي عَشَرَ مِنَّا ، يُسَهِّلُ اللَّهُ لَهُ كُلَّ عَسِيرُ ، وَ يُذَلِّلُ لَهُ كُلَّ صَعْبٍ ، وَ يَظْهَرُ لَهُ کنوز الْأَرْضِ ، وَ يُقَرِّبُ لَهُ كُلَّ بَعِيدٍ ، وَ يُبِيرُ بِهِ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ، وَ يُهْلِكُ عَلَى يَدَيْهِ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ ، ذَاكَ ابْنُ سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ ، الَّذِي تَخْفَى عَلَى النَّاسِ وِلَادَتُهُ ، وَ لَا يَحِقُّ لَهُمْ تَسْمِيَتُهُ حَتَّى يُظْهِرَهُ ( اللَّهُ ) عَزَّ وَجَلٍ فَيَمْلَأَ بِهِ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا ، كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً » (1).

37 - وعنه (علیه السّلام) : أنّه قيل له : يابن رسول الله ، أنت القائم بالحق؟

فقال: «أَنَا الْقَائِمُ بِالْحَقِّ ، وَ لَكِنَّ الْقَائِمَ الَّذِي يُطَهِّرُ الْأَرْضَ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ ، وَ يَمْلَؤُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً ، هُوَ الْخَامِسُ مِنْ وَلَدَيَّ ، لَهُ غَيْبَةُ يَطُولُ أَمُدِّهَا خَوْفاً عَلَى نَفْسِهِ ، يَرْتَدُّ فِيهَا أَقْوَامُ ، وَ يُثْبِتُ فِيهَا آخَرُونَ» .

ثمّ قال (علیه السّلام): «طوبی لِشِيعَتِنَا المتمسّكين بحبلنا فِي غِيبَةٍ قَائِمُنَا ، الثَّابِتِينَ عَلَى مُوَالَاتِنَا ، وَ الْبَرَاءَةُ مِنْ أَعْدَائِنَا ، أُولَئِكَ مِنَّا ، وَ نَحْنُ مِنْهُمْ قَدْ رَضُوا بِنَا أَئِمَّةِ ، وَ رَضِينَا بِهِمْ شِيعَةُ ، فَطُوبَى لَهُمْ ، ثُمَّ طُوبَى لَهُمْ . وَهْمٍ وَ اللَّهِ مَعَنَا فِي دَرَجَاتِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ »(2).

ص: 225


1- بحار الأنوار: 150/51 ، وجاء في كمال الدين : 368 باختلاف يسير .
2- کمال الدّين: 361، وجاء في كفاية الأثر للخزّاز القمّي: باختلاف يسير ، وهكذا في البحار : 151/51 ، وفي کشف الغمّة : 3/ 33.

38 - وعن الهروي ، قال : سمعت دعبل بن عليّ الخزاعي يقول : أنشدتُ مولاي عليّ بن موسی الرضا (علیهما السّلام) قصيدتي الّتي أوّلها :

مدارسُ آیات خَلَتْ من تلاوةٍ*** ومنزلُ وحيٍ مُقفرُ العرصات

فلمّا انتهيت إلى قولي:

خروج إمام لامحالة خارج*** يقوم على اسم الله والبركاتٍ

يميز فينا كلَّ حقٍّ وباطلٍ*** ويجزي على النّعماء والنّقماتٍ

بکی الرّضا(علیه السّلام) بكاءً شديداً ، ثمّ رفع رأسه إليَّ فقال لي : «یا خُزَاعِيُّ ، نَطَقَ رُوحُ الْقُدُسِ عَلَى لِسَانِكَ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ ، فَهَلْ تَدْرِي مَنْ هَذَا الْإِمَامِ ، وَ مَتَى يَقُومُ ؟».

فقلت : لا، یا مولاي إلّا أنّي سمعت بخروج إمام مسنكم يُطهّر

الأرض من الفساد، ويملؤها عدلاً (كما ملئت جوراً ) ، فقال :

«یا دِعْبِلُ ، الْإِمَامُ بَعْدِي مُحَمَّدِ ابْنِي ، وَ بَعْدُ مُحَمَّدُ ابْنِهِ عَلَيَّ ، وَ بَعْدُ عَلِيِّ ابْنِهِ الْحَسَنِ ، وَ بَعْدُ الْحَسَنِ ابْنُهُ الْحُجَّةِ الْقَائِمِ الْمُنْتَظَرُ فِي غَيْبَتِهِ ، الْمُطَاعِ فِي ظُهُورِهِ ، لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمُ وَاحِدُ لَطَوَّلَ اللَّهُ عزوجل ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ فَيَمْلَؤُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً،

ص: 226

وَ أَمَّا مَتَى ؟ فإخبار عَنِ الْوَقْتِ ، وَ لَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي ، عن أَبِيهِ ، عَنْ آبَائِهِ ( علیهم السَّلَامُ ) عَنْ أَنَّ النَّبِيِّ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قِيلَ لَهُ : یا رَسُولَ اللَّهِ ، مَتَى يَخْرُجُ الْقَائِمِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ ؟ فَقَالَ : مَثَلُهُ مَثَلُ السَّاعَةِ الَّتِي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ . ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ، لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً »(1).

39 - عن محمّد بن عليّ الجواد (علیهما السّلام) ، قال : «إِنَّ الْقَائِمَ مِنَّا هُوَ الْمَهْدِيُّ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَنْتَظِرَ فِي غَيْبَتِهِ ، وَ يُطَاعُ فِي ظُهُورِهِ ، وَ هُوَ الثَّالِثُ مِنْ وَلَدَيَّ ، وَ الَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بِالنُّبُوَّةِ ، وَ خَصَّنَا بِالْإِمَامَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمُ وَاحِدُ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ فِيهِ ، فَيَمْلَأَ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا ، كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً ، وَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لِيُصْلِحَ أَمْرُهُ فِي لَيْلَتِهِ ، كَمَا أَصْلَحَ أَمْرَ كليمه موسی ( علیه السَّلَامُ ) ؛ إِذْ ذَهَبَ لِيَقْتَبِسَ لِأَهْلِهِ نَاراً فَرَجَعَ وَ هُوَ رَسُولُ نَبِيٍّ »

ثمّ قال(علیه السّلام) : «أَفْضَلُ أَعْمَالِ شیعتنا انْتِظَارُ الْفَرْجِ» (2).

ص: 227


1- كمال الدّين : 373، ومثله باختلاف يسير في البحار ، وفي کفاية الأثر للخزّاز : 276، وعيون أخبار الرّضا (علیه السّلام) : 297/1 . شرح الأخبار للمغربي : 352/3 . بحار الأنوار : 237/49 و : 154/51 .
2- کمال الدّين : 377. ومثله باختلاف يسير في كفاية الأثر للخزّاز : 281، والخرائج والجرائح: 1171/3 ، الصّراط المستقيم للعاملی: 2/ 231، وبحار الأنوار : 156، وإعلام الوری: 242/2 .

40 - عن عبد العظيم الحسني : قلت لمحمّد بن عليّ بن موسی (علیه السّلام) : إنّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد ، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

فقال : «يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، مَا مِنَّا إِلَّا قَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ ، وَ هَادٍ إِلَى دِينِ اللَّهِ ، وَ لَسْتُ الْقَائِمُ الَّذِي يُطَهِّرُ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَ الْجُحُودِ ، وَ يَمْلَؤُهَا عَدْلًا وَ قِسْطاً ، هُوَ الَّذِي يَخْفَى عَلَى النَّاسِ وِلَادَتُهُ ، وَ يَغِيبُ عَنْهُمْ شَخْصُهُ ، وَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ تَسْمِيَتُهُ ، وَ هُوَ سَمِيُّ رَسُولِ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وَ كَنِيُّهُ ، وَ هُوَ الَّذِي تُطْوَى لَهُ الْأَرْضِ ، وَ يَذِلُّ لَهُ كُلَّ صَعْبٍ ، يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِهِ عَدَدِ أَهْلِ بَدْرٍ ، ثلاثماة وَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، مِنْ أَقَاصِي الْأَرْضِ ، وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ : «أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » (1) ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ لَهُ هَذِهِ الْعِدَّةُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ ، أَظْهَرَ أَمْرِهِ ، فَإِذَا أَكْمَلَ لَهُ الْعَقْدِ وَ هُوَ عَشَرَةُ آلَافِ رَجُلٍ ، خَرَجَ بِإِذْنِ اللَّهِ ، فَلَا يَزَالُ يُقْتَلُ أَعْدَاءِ اللَّهِ حَتَّى يَرْضَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ».

قلت له : يا سيّدي ، وكيف يعلم أنّ الله قد رضي ؟

ص: 228


1- سورة البقرة : 148.

قال : «يُلْقِيَ فِي قَلْبِهِ الرَّحْمَةُ»(1).

41- وعنه(علیه السّلام) : «الْإِمَامُ بَعْدِي ابْنِي ، أَمْرُهُ أَمْرِي ، وَ قَوْلُهُ قَوْلِي ، وَ طَاعَتِهِ طَاعَتِي» ، وذكر في ابنه الحسن مثل ذلك ثمّ سكت ، فقيل له : یابن رسول الله ، فمن الإمام بعد الحسن ؟ فبکی (علیه السّلام) بكاءً شديداً.

ثمّ قال : «إِنَّ مِنْ بَعْدَ الْحَسَنِ ابْنِهِ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ ، الْمُنْتَظَرُ» ، فقيل : یابن رسول الله ولم سمّي القائم ؟

قال: «لِأَنَّهُ يَقُومُ بَعْدَ مَوْتِ ذَكَرَهُ ، وَ ارْتِدَادُ أَكْثَرَ الْقَائِلِينَ بِإِمَامَتِهِ» . قيل : ولم سُمّي المنتظر ؟

قال: «لِأَنَّهُ لَهُ غَيْبَةُ تُكْثِرُ أَيَّامُهَا ، وَ يَطُولُ أَمُدِّهَا ، فَيُنْتَظَرُ خُرُوجِهِ الْمُخْلِصُونَ ، وَ يُنْكِرُهُ الْمُرْتَابُونَ ، وَ يَسْتَهْزِئُ بِذَكَرِهِ الْجَاحِدُونَ ، وَ يُكَذِّبُ فِيهَا الْوَقَّاتُونَ ، وَ يُهْلَكُ فِيهَا الْمُسْتَعْجِلُونَ ، وَ يَنْجُو فِيهَا الْمُسْلِمُونَ» (2).

ص: 229


1- بحار الأنوار: 157/51 و : 283/52 ، ومثله باختلاف يسير في: إعلام الوری: 242/2 ، والاحتجاج : 250/2 ، وكفاية الأثر: 282، وكمال الدّين: 378.
2- کمال الدّين : 378، بحار الأنوار: 30/51 و : 158/51 . الأنوار البهيّة : .347

42 - عن الإمام عليّ بن محمّد الهادي (علیهما السّلام) : « الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِيَ ابْنِي الْحَسَنُ ، فَكَيْفَ لَكُمْ بِالْخَلَفِ بَعْدَ الْخَلَفَ ؟».

فقلت : ولِمَ جعلني الله فداك ؟

فقال : « لِأَنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ شَخْصَهُ ، وَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ » . قلت : فكيف نذكره؟

قال : « قُولُوا الْحُجَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )»(1).

43 - وعنه (علیه السّلام) : «صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يُولَدْ بَعْدُ» (2).

44 - عن محمّد بن عليّ بن بلال أنّه قال : خرج إليَّ من أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري (علیه السّلام) قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده ، ثمّ خرج إليَّ من قبل مضيّه بثلاثة أيّام يخبرني بالخلف من بعده(3).

45 - وعن أبي هاشم الجعفري ، قال : قلت لأبي محمّد الحسن بن

ص: 230


1- كمال الدّين : 381، 648. كفاية الأثر للخزّاز : 289 ، ومثله أحاديث كثيرة لكن باختلاف يسير.
2- الخرائج والجرائح : 1173/3 . بحار الأنوار : 159/51 .
3- الإرشاد: 348/2 ، ومثله باختلاف يسير في بحار الأنوار : 335/51 .

عليّ (علیه السّلام) : جلالتك تمنعني من مسألتك ، أفتأذن لي أن أسألك ؟

فقال : «سَل».

فقلت : يا سيّدي ، هل لك ولد ؟

قال : «نعم».

فقلت : فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه ؟

قال : «بالمدينة» (1).

46 - عن عمروالأهوازي ، قال : أراني أبو محمّد (علیه السّلام) ابنه ، وقال : «هَذَا صَاحِبُكُمْ بَعْدِي »(2).

47 - وعن العمري ، قال : مضى أبو محمّد (علیه السّلام) وخلف ولداً له(3).

48 - وعن أبي محمّد العسكري (علیه السّلام): «كَأَنِّي بِكُمْ وَقَدْ اخْتَلَفْتُمْ بَعْدِي فِي الْخَلَفِ مِنِّي ، أَمَا إِنَّ الْمُقِرُّ بِالْأَئِمَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ،

ص: 231


1- شرح اُصول الكافي : 226/6 . ومثله باختلاف يسير في: الكافي: 328/1 . روضة الواعظين: 262. الإرشاد: 348/2 . الغيبة للطوسي : 232. بحار الأنوار : 161/51 . کشف الغمّة : 246/3.
2- روضة الواعظين : 262. شرح الأخبار لمغربي : 314/3 . الإرشاد : 348/2 . إعلام الوری: 252/2 . کشف الغمّة : 246/3 .
3- الإرشاد: 349/2 . المستجاد من الإرشاد للعلّامة الحلّى : 238. کشف الغمّة : 3/ 246.

الْمُنْكَرُ لِوُلْدِي ، كَمَنْ أَقَرَّ بِجَمِيعِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَ رُسُلِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وَ الْمُنْكَرِ لِرَسُولِ اللَّهُ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) كَمَنْ أَنْكَرَ جَمِيعِ أَنْبِيَاءِ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ طَاعَةِ آخِرَنَا كَطَاعَةِ أَوَّلِنَا ، وَ الْمُنْكَرِ لآِخِرِنَا کالمنكر لِأَوَّلِنَا ، أَمَا إِنَّ لِوُلْدِي غَيْبَةَ يَرْتَابُ فِيهَا النَّاسِ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجِلَ » (1).

49 - عن محمّد بن عثمان العمري ، عن أبيه ، قال : سئل أبو محمّد الحسن بن عليّ(علیهما السّلام) وأنا عنده عن الخبر الّذي روي عن آبائه (علیهم السّلام) : «أَنَّ الْأَرْضِ لَنْ تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ لِلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَأَنْ مَنْ مَاتَ وَ لَمْ يَعْرِفْ إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».

فقال (علیه السّلام) : «إِنَّ هَذَا حَقُّ كَمَا أَنَّ النَّهَارَ حَقُّ ».

فقيل له : يابن رسول الله ، فمن الحجّة والإمام بعدك ؟

فقال : «ابْنِي مُحَمَّدُ هُوَ الْإِمَامُ وَ الْحُجَّةُ بَعْدِي ، مَنْ مَاتَ وَ لَمْ يَعْرِفْهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ، أَمَا إِنَّ لَهُ غَيْبَةُ يَحَارُ فِيهَا الْجاهِلُونَ ، وَ يُهْلَكُ فِيهَا الْمُبْطِلُونَ ، وَ يُكَذِّبُ فِيهَا الْوَقَّاتُونَ ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْأَعْلَامِ الْبَيْضِ تخفق فَوْقَ رَأْسِهِ بِنَجَفِ الْكُوفَةِ »(2).

ص: 232


1- کمال الدّين : 409، ومثله في بحار الأنوار: 160/51 مع اختلاف يسير ، وفي إعلام الوری : 252/2 ، وهكذا في كشف الغمّة : 3/ 335.
2- إعلام الوری : 253/2 ، ومثله باختلاف يسير في كشف الغمّة 3/ 335، وكفاية الأثر: 296.

50 - عن أحمد بن إسحاق بن سعد ، قال : سمعت أبا محمّد الحسن بن عليّ العسكري (علیهما السّلام) يقول : « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُخْرِجْنِي مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى أَرَانِيَ الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي ، أَشْبَهَ النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهُ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) خَلْقاً وَ خُلُقاً ، وَ يَحْفَظَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فِي غَيْبَتِهِ ، ثُمَّ يُظْهِرُهُ فَيَمْلَأَ الْأَرْضَ عَدْلًا وَ قِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً»(1).

ص: 233


1- کمال الدّين : 409. كفاية الأثر: 295. بحار الأنوار : 161/51 .

ص: 234

الدّرس التّاسع عشر: شبهات وردود /1

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ورد في بعض أحاديث العامّة عن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : «المهدی مِنْ وَلَدَيَّ ، اسْمُهُ اسْمِي ، وَ اسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي » ، ونحن نقول : إنّ أباه الإمام الحسن العسكري (علیه السّلام) كما قالوا أيضاً إنّه من صلب الحسن بن علىّ (علیهما السّلام) ، وهو عندنا من صلب الحسين(علیه السّلام) فما الحلّ ؟ * أوّلاً : لقلّة اهتمام العامّة بشأن المهدي عجّل الله فرجه ، ممّا أدّى هذا التّساهل وعدم الاهتمام إلى وضع أخبار وأحاديث محرّفة في كتبهم عن المهدي(علیه السّلام) ، ليصرفوا وجه الاُمّة عن المهدي المنتظر الموعود أرواحنا فداه ، رغم اعترافهم بأنّه (علیه السّلام) من عترة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وقد عهدنا

ص: 235

منهم ذلك في كلّ ما يثبت موقفاً أو فضيلة أو مقاماً لأهل البيت صلوات الله عليهم.

ثانياً : لعبت الأنظمة السياسية، لاسيّما في العهد العبّاسي ، دوراً كبيراً في وضع هذه الأحاديث والترويج لها صرفاً للوجوه عن المهدي صلوات الله عليه ، وهذه الحالة ظهرت في عصر أبي العبّاس السفّاح والمنصور الدّوانيقي قبل قيام بني العبّاس وإنشاء ملكهم حين سعی بنو العبّاس وأزلامهم إلى تنصيب محمّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (علیهما السّلام) بعد أن لقّبوه بالمهدي الموعود ليصرفوا وجوه النّاس عن الإمامين الباقر والصادق (علیهما السّلام) بعد أن لم يستجيبا للقيام معهم على الدولة الاُمويّة ، وهكذا ليصرفوا الوجوه عن سائر أئمّة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين ، تبعاً لذلك ، وإن قام وخرج محمّد بن عبدالله (رضی الله عنه) بعد ذلك على المنصور في خلافته ، حتّى نال الشّهادة على يديه(1).

ص: 236


1- راجع: مقاتل الطالبيّين : 166 - 183. المسائل الجاروديّة للشيخ المفيد: 11. هامش الاحتجاج : 131 و 153. الخرائج والجرائح: 764. عمدة الطّالب لابن عنبسة: 51، و : 105.102 . بحار الأنوار : 205/47و: 291/47 .

ثالثاً : تكرّرت الحالة ذاتها في عهد المهدي العبّاسي الّذي ادّعى أيضاً أنّه المهدي الموعود(1)، وكان اسمه محمّد المهدي ابن عبدالله المنصور.

رابعاً : وعادت هذه الدّعوى في العهد الفاطمي - في الدّولة الفاطمية - إبّان حكم الخليفة الفاطمي الأوّل المهدي أو الثّالث المنصور بالله ، أو المعزّ لدين الله ، الّذي ادّعى المهدويّة لنفسه، وغيرهما (2).

وكيف كان فإنّه زور و بهتان وتزوير للحقائق المسلّمة ، وتلاعب في التّأريخ ، بل هو تزوير وتلاعب في عقائد المسلمين ، وهو من أقبح أنواع التّزوير وأشنعه ، الّذي يكشف عن مدى حقد رواتها ، ومدی حقد هؤلاء الوضّاعين الكذّابين ، لأهل بیت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وعترته الهاديّة ، ويعبّر عن صلافة الواضعين والرّاوین لها ، وجهل المعتقدین بها ، وسيأتي في محلّه إن شاء الله تعالى جملة ممّن ادّعى المهدويّة.

ص: 237


1- بحار الأنوار: 86/51 ، الهامش (1) و : 189/51 ، الهامش (1) أيضاً . معجم أحادیث الإمام المهدي (علیه السّلام) الكوراني : /65 و: 189/1 .
2- شرح الأخبار للنعماني : 88/1، وفي : 62/2 و 293 و 249 و 350، وراجع هامش الجزء الثّاني منه للمحقّق المدقّق العلّامة السيّد الجلالي - دام عزّه - صفحة 350.

* كلّ ما ورد في هذا الفصل من الأحاديث كان عن المصادر الشّيعيّة ، فهلّا أوردتم شيئاً بهذا الخصوص عن مصادر

غيرهم من المسلمين ؟

* بلى ، سيأتي في الفصل القادم بحث مفصّل حول المهدي صلوات الله عليه في مصادر المسلمين ، وأقوال علماء الفريقين ، إن شاء الله تعالى .

* في بعض الأخبار أنّ المهدي صلوات الله عليه سيأتي بدين

جديد ، فهل هذا صحيح؟ وما المراد منه ؟

* نعم ، ورد ذلك على لسان المعصومين عليهم صلوات الرّحمن ، واشتهر عنهم ، وليس المراد أنّه سيأتي بدين سوی دین جدّه المصطفى(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، بل يكون الدّين قبل ظهوره أروحنا له الفداء قد انطمس نوره ، واندر ست معالمه، و حُرِّفت أحكامه ، واُخفيت حقائقه ، كما سيأتي تفاصيلها في الأبواب الّتي عقدناها لبيان علامات قبل الظّهور ، ومنها قوله عليه الصّلاة والسّلام : «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانُ لَا يَبْقَى مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا اسْمُهُ ، وَ لَا مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا رَسْمُهُ »(1).

ص: 238


1- الكافي: 308/8 . کنز العمّال : 280/11 . ومثله باختلاف يسير روایات كثيرة في كتب الطرفين . وقال مولانا أمير البيان صلوات الله وسلامه عليه: «مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا بِاسْمِهِ ، وَ لَا تَعْرِفُونَ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا رَسْمَهُ» . نهج البلاغة : 2/ 155. وقال (علیه السّلام) : «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانُ لَا يَبْقَى فِيهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا رَسَمْهُ ، وَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا اسْمُهُ » - نهج البلاغة : 4/ 87.

أضف إلى ذلك اختلال أحوال المؤمنين وارتداد أكثرهم عن الدّين وانحرافهم عن الصّراط المبين ، تبعاً لوقوع الخلل والانحراف في الشّريعة الغرّاء ، حتّى يصير المؤمن كالكبريت الأحمر ، بل أعزّ منه ومن حمر النّعم ، وحينئذٍ يبدو إحياء الدّين و تجدید معالمه بمثابة الإتيان بدین جدید ؛ إذ الجيل الّذي يظهر فيه مولانا الإمام المهدي روحي فداه أبعد ما يكون عن روح الإسلام وأحكامه وقوانينه بسبب ما يحدق به من سوء التّعليم والتّربية ، ولهذا نسبت هذه المقولة إلى النّاس المعاصرين لظهور الحجّة صلوات الله عليه.

وهذا لا يمنع من وجود طائفة قليلة العدد ، ضعيفة العدّة والمدد ، لا يكترثون بما حلٌ بعامّة النّاس ، وما يجري على معظم الشّعوب ، من الوقوع في حبائل الفتن «أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ » (1) والسّقوط في هاوية الضّلال ، «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ

ص: 239


1- سورة العنكبوت: 2.

وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ »(1) ؛ لتكون هذه الفئة القليلة اُمّة تهدي إلى الحقّ و تتمسّك بأواصر الدّين المبين ، رابطة الجأش ، ثابتة القدم ، راسخة الخطى ، لا تأخذها في الله لومة لائم ، وهي الفرقة الناجية المتمسّكة بالحبل المتين : «إِنِّي تَارِكُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي ، مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَبَداً (2)، فتكون حجّة على سائر الطّوائف والاُمم، يحتجّ بهم على من استسلم منهم للغواية ، و من مال عن سبل الهداية .

* ما جاء في بعض الأخبار - كالحديث الثّالث - أنّ «مَنْ أَنْكَرَ الْقَائِمِ مِنْ وُلْدِي فَقَدْ أنكرني » ، فَمَا وَجْهِ الملازمة بَيْنَ إِنْكَارَ الْإِمَامِ الْمَهْدِيِّ ( علیه السَّلَامُ ) وَ بَيْنَ إِنْكَارِهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ؟

ص: 240


1- سورة البقرة : 214.
2- خلاصة عبقات الأنوار: 28/1 . ومثله باختلاف يسير أو كثير في الألفاظ مع اتّحاد في المعنی: مناقب أمير المؤمنين (علیه السّلام) : 113/2 ، المسترشد للطبري الشّيعي: 559. دلائل الإمامة : 20. الهداية الكبرى للخصيبي : 18. التّعجب للكراجكي : 28. أمالي المفيد: 36. أمالي الطّوسي : 223. الاحتجاج : 147/2 . العمدة لابن يطریق: 71. ذخائر العقبی : 16. بحار الأنوار: 2/ 100، 226 و 21/5 .

* الوجه في غاية الوضوح بعد الّذي ذكرناه في المقدّمة ، وفي طيّ الدروس السابقة ، محصّل ذلك أنّ الإمام المهدي أرواحنا له الفداء هو الوصيّ الخاتم للنبيّ الخاتم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الّذي تعقد على ظهوره آمال الأنبياء ، وجاءت به وبدولته بشارات الكتب السّماويّة ، والمأمول الّذي تتحقّق به وبظهوره دولة الحقّ ، فهو عصارة جهود الأنبياء، لاسيّما نبيّنا(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وخلاصة شرائع السّماء ، سيّما الشّريعة الإسلاميّة الغرّاء ؛ إذ بصارمه المحمّدي ينقطع دابر الكفر والنفاق «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ »(1)، وبصولته الحيدريّة تتحقّق إرادة الله تبارك وتعالى في خلقه ، وحكمته في أرضه وسماءه ، وبطلعته البهيّة تشرق الأرض بنور ربّها ، وبيديه ينصب میزان العدل في أرجاء المعمورة ، وبخروجه تظهر آيات الله والاؤه وبیّناته ، وتقطع أيدي الظّالمين ، ويجرّ الظّلم أذيال الخيبة من الأرض ليرحل بشقاءه من غير رجعة ، فلا يكون الحكم إلّا لله ، ولا يكون التّحكيم إلّا إلى وليّ الله أرواحنا فداه ، ليملأها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت جوراً و ظلماً ، وإذا تمّ ذلك تجلّى لك وجه الملازمة بين إنكار هذا صلوات الله عليه وإنكار ذاك(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ؛ إذ ينجز الله على يدي هذا ما وعد به ذاك(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، فالوصي

ص: 241


1- سورة البقرة : 193.

الخاتم أرواحنا له الفداء يحقّق كلّ ما جاء به ومن أجله النبيّ الخاتم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).

ص: 242

الدّرس العشرون: شبهات وردود /2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

* في الحديث التّاسع المروي عن رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : «ذَاكَ الَّذِي وَجَّهَهُ کالدينار ، وَ أَسْنَانِهِ کالمنشار ، وَ سَيْفَهُ كحريق النَّارِ ، يُدْخِلُ الْجَبَلِ ذَلِيلًا ، وَ يَخْرُجُ مِنْهُ عَزِيزاً . . . الخ » هَلَّا وَضَحَتْ لَنَا ذَلِكَ كُلِّهِ ؟

أمّا قوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : « وَجْهَهُ كالدينار » فإنّه يرمز إلى أنّ وجهه يتلألأ کدینار الذّهب وقطعة الذّهب المصفّى في سماحته وبشاشته وصفائه وصدقه ووضوحه وخلوّه من الغشّ والرّياء والشّوائب كلّها.

وأمّا قوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : « أسنانه کالمنشار» لعلّة بيان لوصف أسنانه أنّها مرتّبة على هيئة أسنان المنشار ، أي غير متلاصقة ، بل بينها فواصل

ص: 243

و فجوات ، ولعلّه إشارة إلى أنّ بيانه فرقان كحدّ المنشار يفصل بين الحقّ والباطل.

و «سیفه کحريق النّار» إشارة إلى أنّه سيخرج بسيف رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وهو ذو الفقار ، الّذي في قطعه لدابر الظّالمين ، واستئصال الكافرين والمعاندین كحديد من النّار ، أو كحريق من النّار يُصبّ فوق رؤوسهم.

وأمّا دخوله روحي له الفداء الجبل ذليلاً ، فإشارة إلى قلّة ناصریه ووحدته في أزمنة حال الغيبة ، وخروجه بعد ذلك منه عزیزاً منصوراً عند اكتمال ناصریه واجتماع الخلق إليه وانقيادهم له.

* جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَشْرَةَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ : « أَلَا فَمَنْ ثَبَتَ مِنْهُمْ عَلَى دِينِهِ لَمْ يَقْسُ قَلْبُهُ لِطُولِ أَمَدَ غَيْبَةَ إِمَامَهُ » ، فَمَا الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ ؟

* المراد أنّ الانقطاع عن الإمام المعصوم أيّاً كان ، وعدم الاتّصال به مباشرة يبعث على قساوة القلب ونسيان الآخرة ونتيجته تكون «نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ » (1)و: «نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ» (2) ؛

ص: 244


1- سورة الحشر : 19.
2- التّوبة : 67.

لأنّه الحجّة الّذي يذكّر العبد بالله تعالى وبالآخرة ، والحبل المتين الّذي يوصله ويربطه بربّه جلّ وعلا ، ممّا يحول دون قساوة قلبه ، ويقرّبه إلى ربّه جلّت عظمته ، فكان لابدّ من وجود بديل ينفي قساوة القلب عن العبد ، ويعوّضه عن انقطاعه عن إمامه(علیه السّلام) ، ولا بديل عن ذلك إلّا التّعلّق والارتباط به مع الواسطة من خلال أصحابه ونوّابه ووكلاءه الخواصّ ، أونوّابه بالنيابة العامّة كالفقهاء والمجتهدین والعلماء والمحدّثين ممّن توفّرت فيهم الخصال الحميدة من الورع والتّقوى ، فيعمل بما رووه عنه (علیه السّلام) وأفتوا به في كافّة مجالات الحياة ومرافقها ، وهذا الأمر لا يختصّ بالإمام الغائب عجّل الله تعالى فرجه ، وإنّما شامل للأئمّة الأطهار جميعاً للظروف الّتي حالت دون اتّصال العباد بهم

* مَا الْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ الثَّالِثَ عَشَرَ : « يُقَالُ : مَاتَ أَوْ هَلَكَ . بَلْ فِي أَيِّ وَادٍ سَلَكَ »؟

* ذلك إشارة منه صلوات الله عليه إلى اختلاف أقوال المسلمين وآرائهم في شأن المهدي المنتظر أرواحنا له الفداء ، وسيأتي مفضلاً عند البحث عن الغيبة إن شاء الله تعالى .

ص: 245

* مَا الْمُرَادُ بِالرَّجْعَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعَ عَشَرَ ؟

* اعلم أنّنا نحن أصحاب الفرقة الناجية نعتقد أن هناك رجعتين : رجعة للإمام المهدي الموعود بعد غيبة طويلة ، وهو حيٌّ يرزق ؛ ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، وقد عقد هذا الكتاب لهذه الرّجعة ، وهناك رجعة اُخرى لمن رحلوا عن دار الفناء إلى دار البقاء ، وغابوا بأجسامهم عنّا ، وهي لرسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والأئمّة من آله صلوات الله عليهم وجملة من خيار أصحابهم رضوان الله عليهم ، وللأشرار من أعدائهم الّذين قاتلوهم أو قتلوهم وظلموهم ؛ ليحكم رسول الله وأهل بيته (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وخيار أصحابهم بين النّاس بالقسط والعدل في دار الدّنيا ، ويقتصّوا وينتقموا ممّن ظلمهم قبل يوم القيامة ، وستأتي تفاصيل هذه الرّجعة في ختام الحلقة الأخيرة من هذه المجموعة إن شاء الله تعالى.

* فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ - كَمَا فِي الخبرالسابع عَشَرَ - أَنَّهُ : « مَا مِنَّا أَحَدُ إِلَّا وَ يَقَعُ فِي عُنُقِهِ بِيعَتْ لطاغية زَمَانِهِ إِلَّا الْقَائِمِ » ، وَفِي الْخَبَرُ أَيْضاً : « لِئَلَّا يَكُونَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بِيعَتْ إِذَا خَرَجَ » ، فَمَا الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْبَيْعَةُ ؟ وَ كَيْفَ يَكُونُ فِي عنقهم ( علیهم السَّلَامُ ) بِيعَة للطواغيت ؟ وَ كَيْفَ لَا تَكُونُ فِي عُنُقِ الْحِجَّةِ أَرْوَاحُنَا فِدَاهُ

ص: 246

بِيعَة ؟ وَ هَلْ تَمْنَعُ الْبَيْعَةَ للطاغية مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ ؟ أَمْ ماذا ؟ * اعلم أنّ البيعة سيرة عقلائيّة أقرّها الشّارع الحكيم في الإسلام وهي تؤخذ للحاكم ، ويجب في الإسلام أن تعطى البيعة للحاكم والخليفة العادل المنصوب من قِبل رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ؛ لما يتمتّع بها من حقّ الولاية على المسلمين ، ولا تجوز مبايعة غير الخليفة والإمام العادل المعصوم إلّا أن تؤخذ البيعة غصباً أو تعطي تقيّة ، فإنّها جائزة حينئذٍ ، بل واجبة ، وكان في عهد الخلافة الإسلاميّة المغتصبة نظام المبايعة للأمير والخليفة والحاكم أمراً محسوماً، ونظاماً سياسياً مفروضاً متداولاً لامحيص للنّاس - لاسيّما الوجوه والسّادة والمشاهير منهم - دون الرّضوخ والتّسليم لها والخضوع أمامها ، وإلّا كان مآلهم القتل ومصيرهم الاغتيال والغدر ، ولم يكن أئمّة أهل البيت صلوات الله عليهم بمنأي من هذه المأساة ولا ملجأ أو مفرّ من هذا البلاء ، حتّى اُرغم الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه على البيعة للثلاثة الأوائل ، ثمّ اُرغم الإمام الحسن (علیه السّلام) على بيعتهم والبيعة لمعاوية ، وكان تخلّف سیّد الشّهداء والسّبط الأصغر وريحانة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الإمام الحسين صلوات الله عليه عن البيعة ليزيد بن معاوية لعنه الله سبباً في إخراجه من المدينة ومكّة وقتله هو وجميع أهل بيته

ص: 247

وأصحابه شرّ قتلة لم يسبق لها نظير ، کما أدّى إلى سبي عياله ونساءه وهم آل الرسول(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، ومن بعده لزمت البيعة أعناق أئمّتنا لخلفاء الجور وطواغيت الزّمان خلفاً عن سلف بالتقيّة ، حتّى انتهت بوفاة الإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه ، كلّ ذلك حقناً لدمائهم ، وصوناً لشيعتهم من السّجن والقتل والاغتيال ، هكذا جرت بيعة الطّواغیت بدعة وظلماً وجوراً على أئمّة أهل البيت (علیهم السّلام).

وأمّا الحجّة المنتظر فإنّه بعدما جرى عليه قلم التّقدير بالغيبة ، واحتجبه الله تعالى خلف ستار الغيب ، فحجبه عن أعين النّاس ، سلم من التّسليم والرّضوخ لبيعة طواغيت الزّمان لعدم المسوّغ من تقيّة ، ولا الإكراه بعد احتجابه أرواحنا له الفداء عن الأنظار ، حتّى انتهت فترة الخلافة المغتصبة ، المنتزعة من أهلها زوراً و غدراً ، وولّي دعاتها وارتفعت بذلك بدعة البيعة للخلفاء المزعومين والسّلاطين الجبابرة ، وأنعم الله تعالى علينا بنظام دولي حاكم لا يقوم على أساس البيعة ، وحرّر الشّعوب من قيودها، رغم ما في هذا النّظام العالمي الحديث من مساوئ لا يختلف عليها اثنان ، لكنّ البيعة ونظام المبايعة للطواغيت الّذي استعبد الشّعوب الإسلاميّة في تلك العصور من أسوء ما تجرّعته تلك الشّعوب ، ولا سيّما الأحرار منها ، في عصر الخلافة

ص: 248

المزعومة ، لهذا خفيت البيعة وآثارها وسلبياتها ومآسيها عن أذهان أجيالنا في العصور المتأخّرة، ولم يعد لها ذكر إلّا في طيّات الكتب وبين صفحات التّاريخ.

وبما أنّ البيعة كانت تؤخذ أو تعطى على السّمع والطّاعة لخليفة

المسلمين وعدم الخروج عليه ، فإنّ الخروج عليه كان يعرّض المعصوم (علیه السّلام) لسخط من جهة النّاس والمسلمين ، وتأليباً لمشاعر النّاس ، وتأجيجاً للعوامٌ ضدّه (علیه السّلام) من قِبل النّظام الحاكم وأجهزة إعلامه ، ممّا يثبّط عزم المسلمين عن نصرته والقتال معه .

نعم ، لا يعني ذلك أنّ طاعة الخليفة المزعوم كانت تجب على من

بايعوه ، كلّا لا تجب طاعته لا لمن بایعه طوعاً ولا لمن بایعه کرهاً، بل لا تجوز طاعته مطلقاً مع الإمكان ووجود المندوحة عن الطّاعة ؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولكن من جهة أنّه لابدّ للنّاس من أمير برّ أو فاجر ، فلا تجوز المخالفة أو الخروج على القوانين دفعاً للضرر الجسيم والمفسدة العظيمة ، وهي استلزام ذلك مفسدة الهرج والمرج الّتي يجب دفعها بكلّ السّبل الممكنة والوسائل المتاحة ، وذلك صوناً للفروج ، وحقنا للدماء ، وحفظاً للحقوق ، واستتباباً الأمن .

* في الرواية (18): «يُصْلِحُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَمْرُهُ فِي لَيْلَةٍ

ص: 249

وَاحِدَةً » ، ماذا تَعْنِي هَذِهِ الرِّوَايَةَ ، وَ كَيْفَ يُمْكِنُ ذَلِكَ ؟

* المراد أنّ الله تعالى يوفّر أسباب ظهوره(علیه السّلام) في ليلة واحدة ، وهو على كلّ شيء قدير ، فلا عجب من ذلك.

* و ما معنى قوله (علیه السّلام) في الحديث (22) : «الطّريد، الشّريد ، الموتور بأبيه ،.. الخ ؟

* الطّريد الّذي يطارده الأعداء من فجّ إلى فجّ ،والمهدي أرواحنا له الفداء أتمّ مصادیق هذا الوصف ؛ لأنّه الطّريد منذ ما يربو على ألف ومئتي عام.

والشّريد هو المشرّد من أهله ودياره ووطنه ، وهو(علیه السّلام) أيضاً أتمّ مصادیقه ، سيّما أنّه مشرّد كلّ هذه السّنين عن حقوقه الحقّة.

والموتور هو المنقطع المفجوع ، وأي فجيعة وانقطاع أعظم من فجيعة الحسين عليه الصّلاة والسّلام ، ومن أشدّ انقطاعاً عن جدّه و فجيعة بجدّه کمولانا الحجّة أرواحنا فداه ، فهو الفرد الوتر الّذي لا نظير له في الخلائق بعد أجداده الطّاهرين ، وهو الموتور بأبيه. وأمّا أنّه مكنّى بأبيه فهو أنّه صلوات الله عليه يكنّى بكنية عمّه الإمام الحسن المجتبي صلوات الله وسلامه عليه كما يكنّی بكنية جدّه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وهي ( أبو القاسم)، وقيل : اُريد به كنيته بأبي عبدالله الّتي هي كنية عمّه

ص: 250

جعفر بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليه ، وستكون الفترة الّتي تستغرقه قتاله للأعداء حتّى تحقيق النّصر وإقامة الدّولة هي ثمانية أشهر ، وفي بعضها بين ثمانية و تسعة أشهر.

* فِي الْحَدِيثَ ( 27 ) : « عَلَيْكَ بِسُنَّتِهِ » ، هَلْ لِلْإِمَامِ المهدی عَجَّلَ اللَّهُ فَرَجَهُ سَنَةً خَاصَّةً عَدَا سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ؟

* كلّا، هي سُنّة رسول الله( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يحييها وينشرها من جديد ، ولا بأس من نسبة الدّين أو المذهب أو السُنّة إلى محیيها وناشرها أحياناً ، حدث ذلك في نسبة التّشيع إلى الإمام الصّادق صلوات الله عليه حتّى لم يعرف إلّا بالمذهب الجعفري ، وحصل منه التّبادرالّذي هو دليل الحقيقة ؛ لكثرة الاستعمال.

* فِي الرِّوَايَةِ ( 28 ) عَنِ الْإِمَامِ الْبَاقِرِ ( علیه السَّلَامُ ) « المکنّی بکنیتي » ، فَكَيْفَ ذَلِكَ ؟

* المراد أنّ ممّا يكنّى به الإمام المهدي صلوات الله عليه ( أبو جعفر )، وهي نفس كنية الإمام الباقر صلوات الله عليه .

ص: 251

ص: 252

الدّرس الحادي والعشرون: الإمام المهدي (علیه السّلام) في مصادر المسلمين /1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أهمّيّة الاعتقاد بالمهدي الموعود أرواحنا فداه وعظمة شأنه ،

والغاية السّامية الّتي من أجلها خلق المنتظر الموعود عجّل الله تعالى فرجه ، والحقيقة الّتي أحكمتها الأحاديث وجرى عليها قلم التّحقيق والتّوكيد من صاحب الرّسالة(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، حفّزت علماء الإسلام على بذل المزيد من العناية والاهتمام بهذا الشأن الّذي بات أعظم هاجس يؤرّق ضمائرهم ، ويزرع الأمل في نفوسهم ، وهذا الحدث المرتقب الّذي سيغيّر وجه التّأريخ ، وتعود برکاته على الخلائق كافّة ، لهذه الأسباب وتلك العلل بذلوا المساعي الحثيثة ، وصرفوا الهمم العالية ، عاكفين على التّحقيق والتّدقيق عبر الكتابة والتّأليف أملاً منهم في ترسيخ دعائم هذه الحقيقة الغيبيّة ، وعملاً بما أملت عليهم الوظيفة الشّرعيّة

ص: 253

من التّبليغ والإرشاد وتوعية الأجيال ، الّتي ظلّت مسؤولية جسيمة عالقة في أعناقهم ، من واقع قوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : «زَكَاةُ الْعِلْمِ نَشْرُهُ »(1).

وكان لعلماء الإماميّة رضوان الله تعالى عليهم قصب السّبق ، والقدح المعلّى ، والمساهمة العظمى في رفع هذا اللّواء، ونشر هذه المعالم ، وساهم غيرهم من علماء المسلمين في التّعريف بالمهدي الموعود عجّل الله تعالی فرجه مساهمة دون ما آلت إليه مساعي علماء الإماميّة ، كمّاً وكيفاً، رغم اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم العقائديّة والفكريّة.

فماذا قال علماء الإسلام بهذا الخصوص ، وماذا خطّت أقلامهم

ودوّن بنانهم ؟

أوّلاً: الكتب الّتي ألّفها الفريقان من الشّيعة والسّنّة في هذا المجال :

أ- أشهرالكتب الشّيعيّة :

کمال الدّین وتمام النّعمة

تأليف : المحدّث الجليل والعالم الكبير الشيخ أبي جعفر محمّد بن

ص: 254


1- وفي الخبر المروي عن أبي جعفر ( الباقر (علیه السّلام) ) قال : « زَكَاةُ الْعِلْمِ أَنْ تُعَلِّمَهُ عِبَادَ اللَّهِ ... - الكافي: 41/1.

عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي ، الملقّب بالشيخ الصّدوق - أعلى الله مقامه الشّریف -.

ولد بمدينة قم ، أخذ الفقه والحديث من كبار الفقهاء والمحدّثين في عصره كأبيه عليّ بن بابويه ، ومحمّد بن الحسن بن الوليد ، وأحمد بن عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي ، وأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار الأشعري القمّي ، والحسن بن إدريس القمّي، وحمزة بن محمّد العلوي ، وهم جميعاً من أعلام الطّائفة في العلم والورع.

في عام 347ه. ق هاجر إلى الرّي ، وسمع الحديث من الشّيخ أبي الحسن محمّد بن أحمد بن عليّ الأسدي.

وانتقل في عام 352ه. ق إلى مدينة نیشابور ليستفيد من علمائها ، وذهب منها إلى المشهد الرّضوي على ساكنه آلاف التّحية والثّناء ، ومنه إلى الكوفة ، ثمّ بغداد ، ثمّ همدان ، ثمّ بلخ، ثمّ سرخس ، ثمّ إيلاق ، ومنه ذهب إلى مكّة المكرّمة ، كلّ ذلك حرصاً منه على استماع الحديث وتلقّي العلم من ذويه.

ذكر البعض أنّه تلقّى العلم والحديث عند أكثر من مأتين وخمسين عالماً ومحدّثاً كلّهم من الأجلّاء وذوي الاختصاص ، حتّى بلغ أعلى مراتب العلم والمعرفة ، واُطلق عليه « رئیس المحدّثين».

ص: 255

قال رضوان الله عليه في علّه تأليفه لهذا الكتاب :

«أنّي لمّا قضيت وطري من زيارة عليّ بن موسی الرّضا صلوات الله عليه رجعت إلى نیشابور وأقمت فيها ، فوجدت أكثر المختلفين إلىَّ من الشّيعة قد حيّرتهم الغيبة ، ودخلت عليهم في أمر القائم (علیه السّلام) الشّبهة ، وعدلوا عن طريق التّسليم إلى الآراء والمقاييس ، فجعلت أبذل مجهودي في إرشادهم إلى الحقّ، وردّهم إلى الصّواب بالأخبار الواردة في ذلك عن النّبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم ، حتّى ورد إلينا من بخارا شيخ من أهل الفضل والعلم والنّباهة ببلدة قم ، طال ما تمنّيت لقاءه واشتقت إلى مشاهدته لدينه وسديد رأيه واستقامة طريقته ، وهو الشّيخ نجم الدّين أبو سعيد محمّد بن الحسن بن محمّد بن أحمد بن عليّ بن الصّلت القمّي - أدام الله توفيقه - وكان أبي يروي عن جدّه محمّد بن أحمد بن عليّ بن الصّلت - قدّس الله روحه - ويصف علمه وعمله وزهده وفضله وعبادته ، وكان أحمد بن محمّد بن عیسی في فضله وجلالته يروي عن أبي طالب عبدالله بن الصّلت القمّي(رضی الله عنه) ، وبقي حتّى لقيه محمّد بن الحسن الصّفّار وروى عنه ، فلمّا أظفرني الله تعالى ذكره بهذا الشّيخ الّذي هو من أهل هذا البيت الرّفيع شكرت الله تعالى ذكره على ما يسّر لي من لقائه وأكرمني به من إخائه و حباني به

ص: 256

من ودّه وصفائه ، فبينا هو يحدّثني ذات يوم إذ ذكر لي عن رجل قد لقيه ببخارا من كبار الفلاسفة والمنطقیّين كلاماً في القائم (علیه السّلام) قد حيّره وشكّكه في أمره لطول غيبته وانقطاع أخباره ، فذكرت له فصولاً في إثبات كونه (علیه السّلام) ، ورويت له أخباراً في غيبته عن النّبيّ والأئمّة (علیهم السّلام) سكنت إليها نفسه ، وزال بها عن قلبه ما كان دخل عليه من الشکّ والارتياب والشّبهة، وتلقّی ما سمعه من الآثار الصّحيحة بالسمع والطّاعة والقبول والتّسليم ، وسألني أن اُصنّف (له) في هذا المعنى کتاباً ، فأجبته إلى ملتمسه ووعدته جمع ما ابتغي إذا سهّل الله ولي العود إلى مستقرّي ووطني بالرّي . فبينا أنا ذات ليلة اُفكّر فيما خلّفت وراني من أهل وولد وإخوان ونعمة إذ غلبني النّوم ، فرأيت كأنّي بمكّة أطوف حول بيت الله الحرام وأنا في الشّوط السّابع عند الحجر الأسود أستلمه واُقبّله ، وأقول : أمانتي أدّيتها ، وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة ، فأری مولانا القائم صاحب الزّمان - صلوات الله عليه - واقفاً بباب الكعبة ، فأدنو منه على شغل قلب و تقسم فکر ، فعلم (علیه السّلام) ما في نفسي بتفرّسه في وجهي ، فسلّمت عليه ، فردّ عليَّ السّلام ، ثمّ قال لي : «لِمَ لَا تصنف كِتَاباً فِي الْغَيْبَةِ حَتَّى تَكْفِي مَا قَدْ هَمُّكَ ؟». فقلت له : یابن رسول الله ، قد صنّفت في الغيبة أشياء ، فقال (علیه السّلام) : «لَيْسَ عَلَى ذَلِكَ السَّبِيلِ أَمَرَكَ أَنْ تصنّف ( وَ لَكِنَّ صِنْفٍ ) الْآنَ كِتَابَاً فِي الْغَيْبَةِ .

ص: 257

وَ اذْكُرْ فِيهِ غيبات الْأَنْبِيَاءِ ( علیهم السَّلَامُ ) » ، ثمّ مضى صلوات الله عليه ، فانتبهت فزعاً إلى الدّعاء والبكاء والبثّ والشّكوى إلى وقت طلوع الفجر ، فلمّا أصبحت ابتدأت في تأليف هذا الكتاب ممتثلاً لأمر وليّ الله وحجّته ، مستعيناً بالله ومتوكّلاً عليه ومستغفراً من التّقصير ، وما توفيقي إلّا بالله ، عليه توكّلت وإليه اُنيب» (1).

بدأ الكتاب بمقدّمة عالية المضامين ، في غاية الأهميّة ، ثمّ تعرّض للعناوين التّالية وبحثها بحثاً وافياً ، قال عنه العلّامة المحقّق الاُستاذ علي أكبر الغفّاري في مقدّمته:

«کتاب بَلِيغٍ فِي موضوعه ، ممتاز فِي بَابَهُ ، وَ مَا رُؤِيَ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ كِتَابِ أَنْبَلُ مِنْهُ ، وَ لَا أُعَذِّبُ مشرعاً ، وَ لَا أَطْيَبَ مَنْزَعًاً ، لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَ لَا الْمُتَأَخِّرِينَ مِثْلَهُ عَلَى كَثْرَةِ مَا صنّفوا فِي ذَلِكَ فِي حِدَةِ الْفِكَرُ ، وَ نَفَاذِ الْخَاطِرِ ، وَ مَا لمؤلّفه مِنِ الذَّكَاءِ والنّباهة .

تشرق آراؤه القيّمة في تضاعيفه ، وأومضت بروق علومه في

صفحاته ، تدلّ على تضلّعه وبراعته وحسن إيراده وإصداره.

يبحث فيه بحثاً تحليلياً عن شخصيّة الإمام الغائب(علیه السّلام) ، ووجوده ،

ص: 258


1- كمال الدّين : 3.

وغيبته ، وما يؤول إليه أمره(علیه السّلام) . كلّ ذلك بالأخبار الّتي وردت عن المعصومين (علیهم السّلام) ، ويناضل ويبارز فيه مخالفيه ومنکریه ، وأجاب عن شبهاتهم ، وردٌ على تشکیکاتهم ببراهين ساطعة وحجج بالغة داحضة. وأطال البحث في ردّ المنكرين ، وأورد فيه أبحاثاً ضافية في إثبات إمامته (علیه السّلام) وغيبته ، ويوطّد دعواه المدعومة بالبرهان بآي من القرآن وصحاح من الأخبار عن النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وعترته الأخيار ما لا مزيد عليه.

وجمع فيه ما روي في هذا الموضوع واشتهر بين النّاس ، صحيحاً كان أو ضعيفاً ، حسناً كان أو زيفاً، لكن لم يحتجّ إلّا بالصحاح أو بالمجمع عليه أو المتواتر منها.

وقال في غير موضع منه كما في ص 529 و 638 بعد نقل أخبار : ليس هذا الحديث وما شاكله من أخبار المعمّرين وغيرهم ممّا اعتمده في أمر الغيبة ووقوعها؛ لأنّ الغيبة إنّما صحّت لي بما صحّ عن النّبيّ (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والأئمّة (علیهم السّلام) من ذلك بالأخبار الّتي بمثلها صحّ الإسلام و شرایعه وأحكامه » (1).

ص: 259


1- مقدّمة المحقّق : 19.

ثمّ شرع في الردّ على شبهات الفِرق الإسلامية المختلفة في غيبة الإمام أرواحنا له الفداء ، كالكيسانيّة والنّاووسيّة والواقفيّة والزّيديّة وغيرها.

ثمّ أقام أجلى البراهين وأسطع الأدلّة على وجود الإمام الغائب روحي له الفداء مستشهداً بحياة الأنبياء و مستنداً إلى الأئمّة الهداة (علیهم السّلام) .

تنبيه : وإن كان هذا الكتاب كسائر كتب الحديث لا يخلو من روایات مرسلة أو ضعيفة لكنّه يحوي كثيراً من الصّحاح والحسان من الأخبار، واعتمد في إثبات الغيبة والظّهور على الصّحيح منها دون

غيرها.

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

تأليف : المحدّث المتكلّم جامع المعقول والمنقول الشّيخ محمّد بن محمّد بن النّعمان العكبري ، الملقّب بالشيخ المفيد -أأعلى الله مقامه الشّريف ..

زعيم الطّائفة الحقّة بلا منازع في القرنين الرّابع والخامس الهجريّين . ولد عام 336ه. ق في قرية عُكبرا ، كان أبوه من أهل البصرة ، انتقل إلى واسط واشتغل بالتدريس وكان معلّماً بها.

ص: 260

لهذا لقّب الشّيخ المفيد بابن المعلّم قبل أن يلقّب بالمفيد ، ثمّ أخذه أبوه إلى مدينة بغداد ليشتغل بالتعليم.

تلقّى الشّيخ المفيد دراسته وعلومه في بغداد حتّى تشرّف بمحضر الأعلام كالصدوق ، ومحمّد بن جنيد الإسكافي ، وأبي عليّ الصّولي ، وأبي غالب الرّازي ، وابن قولويه القمّي ، وغيرهم.

شرع بالتدريس في جانب الكرخ من بغداد ، فتخرّج من حلقات درسه العديد من العلماء الأعلام كالسيّد المرتضی علم الهدی ، والسيّد الرّضي ، والنّجاشي ، والشّيخ الطوسي وابن حمزة وأضرابهم .

توفّي عام 413 ه. ق ودفن بمنزله في بغداد ، حتّى نقلوا جثمانه إلى مقبرة قريش فيما بعد ودفنوه إلى جوار الإمام الجواد(علیه السّلام) .

مؤلّفاته كثيرة جدّاً عدّ النّجاشي منها (78) کتاباً ، منها كتاب الإرشاد الّذي خصّ القسم الأخير من الجزء الثّاني منه بحياة الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه مستنداً في ذلك إلى الأدلّة العقليّة والنقليّة .

ص: 261

الفصول العشرة في الغيبة

تأليف : زعيم الطّائفة الأوحد الشّيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه .

تعرّض فيه للإجابة على عشرة أسئلة حول الإمام المهدي صلوات الله عليه ، وهي رسالة تمثّل أهمّ آراءه(رحمه الله) وتغني عن سائر ما كتبه في هذا المجال.

وقد طبع باسم «المسائل العشرة في الغيبة» و«الأجوبة عن

المسائل العشرة».

وهي عبارة عن مسائل هامّة حول الإمام الحجّة صلوات الله عليه يجيب عنها ، وهي غاية في الأهميّة لمن أراد الاطلّاع على حياة الإمام وغيبته والمذاهب الشّيعيّة المختلفة .

رسالة ثانية في الغيبة

تأليف : زعيم الطّائفة الشّيخ المفيد أعلى الله مقامه الشّريف.

وهو عبارة عن الإجابة على مجموعة من الأسئلة الّتي وردته من مسائل عن الغيبة والظّهور ، والدّليل العقلي والنّقلي على وجود صاحب الأمر أرواحنا له الفداء.

وقد أثرى الشّيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه المكتبة الإسلاميّة

ص: 262

بهذه الكتب وغيرها من الرّسائل حول صاحب العصر والزّمان عجّل الله تعالى فرجه ، مثل : «خمس رسائل في إثبات الحجّة»، وقد طبعت له أربع رسائل اُخرى في هذا الخصوص.

إثبات الوصيّة للمسعودي

تأليف : المؤرّخ الجليل والمحدّث والرّجالي الخبير أبي الحسن

عليّ بن الحسين بن عليّ المسعودي.

أخذ علومه في بغداد ثمّ انتقل إلى مصر ومنها إلى البصرة كلّ ذلك سعياً وراء طلب العلم والمعرفة ، كما سافر إلى جملة من المدن الفارسيّة في ذلك الزّمان ، وهكذا الهند والصّين وأنهی سیاحته العلميّة هذه في عمّان الأردن ، ثمّ سافر إلى فلسطين والشّام طلباً للزيادة من جديد حتّى حطّ رحاله بمصر ومات فيها.

والكتاب دراسة مفصّلة في تأريخ خلق الجنّ والإنس والملائكة وجنود العقل والجهل ، وتأريخ الأنبياء لاسيّما نبيّنا الخاتم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، ونزول القرآن و ...، ثمّ تأريخ الأئمّة الأطهار والأحداث الّتي وقعت في عهدهم وجرت عليهم ، وفي الختام تعرّض لإثبات إمامة صاحب العصر أرواحنا فداه وجملة من خصائصه وانتظار الفرج وعلائم الظّهور .

ص: 263

كفاية الأثر

تأليف : الفقيه المحدّث القدير والثّقة المتكلّم النّحرير أبي القاسم عليّ بن محمّد بن عليّ الخزّاز القمّي الرّازي ، من علماء القرن الرّابع الهجري ، ومن تلامذة الشّيخ الصّدوق(رضی الله عنه) . ولد بمدينة قم المقدّسة وعاش بالرّي ، وهذا الكتاب أثر نفیس حول الإمام المهدي أرواحنا له الفداء و في غاية الجودة والإتّقان.

کتاب الغيبة

تأليف : العلّامة المحدّث ، الشّيخ محمّد بن إبراهيم النّعماني من تلامذة الشّيخ الصّدوق ، ومن أعلام القرن الرّابع الهجري ، بحث فيه مسألة الإمامة وأهمّ ما يتعلّق بحياة الإمام الغائب (علیه السّلام) على ضوء الأخبار والأحاديث .

ص: 264

الدّرس الثّاني والعشرون: الإمام المهدي (علیه السّلام) في مصادر المسلمين /2

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

المقنع في الغيبة

تأليف : زعيم الطّائفة ونقيب الطّالبيّين ، الفقيه المحدّث المتكلّم الجامع للمعقول والمنقول السيّد المرتضی علم الهدی من نوابغ القرن الرّابع والخامس الهجريّين ، تلمّذ على يد الشّيخ المفيد أعلى الله مقامهما ، وغيره من أعلام ذلك العصر ، بعد ما ولد في بغداد ، و تخرّج من حلقات درسه الكثير من الأعلام.

هذه الرّسالة رغم صغر حجمها تعدّ من أتقن وأفضل ما كتب في هذا المجال ، تحوي أدلّة عقليّة ونقليّة على ولادته وغيبته وظهوره وعلمه عليه الصّلاة والسّلام.

ص: 265

البرهان على صحّة طول عمر صاحب الزّمان (عجّل الله تعالی فرجه الشریف)

تأليف: العلّامة الفقيه ، والمتكلّم النّبيه ، والمحدّث الخبير محمّد الكراجكي الطّرابلسي. تلمّذ على يد الشّيخ المفيد (قدّس سرّهما) وغيره من أعلام ذلك العصر.

ففي الجزء الثّاني من كتابه کنز الفوائد الّذي يعدّ من أعظم تصانیف الإماميّة تعرّض للبحث عن طول عمر صاحب الزّمان أرواحنا له الفداء ، وقدّم فيه بحثاً وافياً.

إعلام الوری بأعلام الهدی

تأليف : الفقيه ، المحدّث ، المفسّر، أمين الإسلام ،أبي عليّ الفضل بن الحسن الطوسي.

ولد بمدينة طوس الفارسيّة ، وتلقّى علومه فيها وفي غيرها من

المراكز العلميّة الشيعيّة .

وقدّم في كتابه هذا بحثاً وافياً شافياً حول الإمام الغائب (علیه السّلام) .

کتاب الغيبة

تأليف: شيخ الطّائفة وزعيمها بلا منازع ، الفقيه، المتكلّم ، المحدّث ، الجامع للعلوم ، أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي أعلى الله -

ص: 266

مقامه الشّریف.

ولد في طوس من محافظة خراسان الفارسيّة ، ثمّ هاجر إلى العراق ونزل بغداد ، أدرك الشّيخ المفيد فتلمّذ على يده طيلة خمسة أعوام، وحضر ما يربو على عشرين عاماً عند السّيّد المرتضی علم الهدی وغيره من الأعلام ، وتزعّم الطّائفة حتّى لقّب بشيخها إلى هذا اليوم .

وفي كتابه هذا الّذي يعدّ من أركان الكتب في هذا الخصوص ، قدّم بحثاً وافياً مفصّلاً متقناً مستدلاً قلّ له من نظير حول شخصيّة الإمام وغيبته وظهوره وكلّ ما يحوم حوله صلوات الله عليه.

کشف الغمّة في معرفة الأئمّة

تأليف : العلّامة المحدّث ، أبي الحسن عليّ بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي(قدس سرّه) .

ولد في أربيل شمال العراق ، وهو من أعلام القرن السّابع الهجري ، كتابه هذا أثر قيّم يستحقّ التّقدير والثّناء ، تعرّض في القسم الأخير من الجزء الثّالث لحياة الإمام صاحب الزّمان عجّل الله فرجه .

ويتميّز بحثه بالجودة والاتقان ، مستوفياً بذلك أهمّ جوانب حياته وما يتعلّق به وبظهوره ودولته الكريمة ، ثمّ الإجابة والردّ على أهمّ الشّبهات الّتي تحوم حوله صلوات الله عليه .

ص: 267

شرعة التّسمية حول حرمة التّسمية

تأليف : العلّامة المحقّق ، والفقيه الاُصولي ، الفيلسوف المدقّق، السّيّد محمّد باقر الدّاماد ، المقلّب « میر داماد»، أو «المحقّق الدّاماد»، أخذ علومه في مدينة مشهد المقدّسة وتلمّذ على أيدي أساطين عصره. وكتابه هذا عبارة عن بحث علمي محقّق حول مسألة جواز تسمية الإمام (علیه السّلام) في عصر الغيبة أو كراهته أو حرمته .

بحار الأنوار

تأليف : المحقّق المحدّث ، والفقيه المسدّد مولانا العلّامة محمّد باقر المجلسي نورٌ الله ضريحه المقدّس.

من الأعلام الذين لا تخفى على الأنام جلالة قدره وعظمة شأنه ، وكتابه أشهر من نار على علم ، حتّى اشتهر (رحمه الله) فسمّي بصاحب البحار. فقد عقد الجزء الثّاني عشر منه بالطبعة القديمة ، والأجزاء 51 و 52 و 53 - بحسب الطبعة الجديدة - للبحث عن حياة مولانا الحجّة صاحب الزّمان أرواحنا له الفداء ، وقد أشبع ذلك بحثاً وتدقيقاً و تحقیقاً و تعليقاً ، وهو من أفضل ما كتب في هذا المجال ، ولم تخل سائر أجزاء هذا الكتاب من التعرّض لأحاديث المهدي صلوات الله عليه ، وما يتعلّق بحياته أرواحنا فداه .

ص: 268

المحجّة فيما نزل في القائم الحجّة (عجّل الله تعالی فرجه الشریف)

تأليف : العلّامة الفقيه ، والمفسّر المحدّث ، السيّد هاشم البحراني(قدس سرّه) ، من أعلام القرن العاشر والحادي عشر الهجريّين ، تناول في هذا الكتاب بحثاً قرآنياً حول الإمام صاحب الزّمان عجّل الله فرجه ، على ترتيب السّور ، فاستخرج الآيات المفسَّرة أو المؤوّلة بالأخبار في الإمام صلوات الله عليه ، وعدّها مأةً وعشرين آية في الكتب الروائيّة.

النّجم الثّاقب في أحوال الإمام الغائب

تأليف : المحقّق المدقّق المتكلّم ، والفقيه الرّجالي والمحدّث العلّامة الشّيخ الميرزا حسين النّوري الطبرسي قدّس الله نفسه ، شرع في التعليم بمدينة طهران ، ثم هاجر إلى العراق واستقر في النّجف الأشرف ، فتلقّى علومه على أيدي الأعلام والفحول الشيخ الأعظم الأنصاري(قدّس سرّه) ، ثمّ الميرزا حسن الشّيرازي (قدّس سرّه) بسامراء، ثمّ عاد ليستقرّ بمدينة النّجف الأشرف حتّى فارق الحياة. الكتاب ألفه باللّغة الفارسيّة .

قال عنه المحدّث النّحرير ، والرّجالي الخبير ، الشّيخ عبّاس القمّي أعلى الله مقامه في الفوائد الرضوية : « أمّا علمه فأحسن فنّه الحديث ،

ص: 269

ومعرفة الرّجال ، والإحاطة بالأقوال ، والاطّلاع بدقايق الآيات ، و نکات الأخبار بحيث تتحيّر العقول عن كيفيّة استخراجه جواهر الأخبار عن كنوزها ، وترجع الأبصار حاسرة عن إدراك طريقته في استنباط إشاراتها ورموزها».

ويتألف كتابه هذا من اثني عشر باباً تبدأ بالولادة وتنتهي

بظهوره (علیه السّلام) .

کشف الأستار

تأليف : اُستاذ الفقهاء في عصره ووحيد دهره، خاتمة المحدّثين

الحاج الميرزا حسين النّوري الطّبرسي نوّر اللہ مرقده .

من أفضل ما كتب في هذا المجال ، وهو بحث تحليلي روائي قيّم ، يتضمّن فوائد جمّة.

أعيان الشّيعة

تأليف : العلّامة المحقّق ، والرّجالي المدقّق ، السّيّد محسن الأمين العاملي(قدّس سرّه) .

ولد بقرية شقرا من قرى جبل عامل ، أنهى دراسته للمقدّمات فيها، ثمّ هاجر إلى النّجف الأشرف وحضر دروس أعلامها ،

ص: 270

وكتابه هذا عبارة عن دائرة معارف شيعيّة لمشاهير الطّائفة وأعلامها وزعمائها ، تعرّض في شطر منه للبحث عن الإمام صاحب العصر والزّمان أرواحنا فداه على ضوء الأخبار والرّوايات وأقوال الأعلام من العلماء ، مستوفياً بذلك البحث عن أهمّ جوانب حياته (علیه السّلام) منذ الولادة حتّى الظّهور ، كما يتعرّض فيه إلى الرّدّ على أهل الشّبهات ، وهي إحدى عشرة شبيهة بناءً على ما في الكتاب.

المهدي

تأليف : العلّامة الفقيه ، والاُصولي النّبيه ، السّیّد صدرالدّین

الصدر(قدّس سرّه) .

ولد(رحمه الله) بمدينة كاظمين أو الكاظميّة في اُسرة علميّة عريقة ، تلقّى علومه الابتدائيّة حتّى السّطوح بمدينتي سامراء وكربلاء ، و تلمّذ على أساطين العلم كالشيخ الآغا ضیاء الدّین الملقّب بالمحقّق العراقي ، ثمّ هاجر إلى النّجف الأشرف وحضر فيها لدى الفقيه الاُصولي المحقّق المدقّق العلّامة زعيم الحوزات في عصره الشّيخ الآخوند الخراساني المشهور بصاحب الكفاية ، ثمّ تلميذه النّحرير وفحل الزّمان العلّامة الميرزا النّائيني (قدّس سرّهما) ، ثمّ رحل إلى مدينة مشهد المقدّسة ، ثمّ انتقل إلى قم المقدّسة بدعوة من مؤسّس الحوزة فيها المرحوم الشّيخ عبدالكريم

ص: 271

الحائري(قدّس سرّه) ، وأقام فيها حتّى فارق الحياة ، وقبره معروف في الحرم الشّريف إلى جوار قبر الشّيخ أعلى الله مقامهما.

كتابه عبارة عن دراسة علميّة تحقيقيّة مفصّلة حول الإمام المهدي عجّل الله فرجه ، استناداً إلى العقل والنّقل مستوفياً بذلك جميع الجوانب الشّخصيّة وما يرتبط بحياته وولادته وظهوره عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم ، كما هو عبارة عن دراسة تأريخيّة وتحقيق في کتب العامّة واستقراء آرائهم واستقصاء أقوالهم ممّا لا يدع مجالاً للشكّ والشّبهة حول شخصيّة الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه .

أثبت فيه أنّه (علیه السّلام) بشارة الله تبارك وتعالى وأنبياءه.

منتخب الأثر

تأليف : آية الله العظمى الصّافي الگلپایگاني دام ظلّه .

کتاب رواني تحقيقي تحليلي ، بحث فيه كلّ ما يتعلّق بشخص الإمام الثّاني عشر عجّل الله تعالی فرجه وسيرته وحياته وغيبته وظهوره ودولته الكريمة.

ص: 272

الدّرس الثّالث والعشرون: الإمام المهدي (علیه السّلام) في مصادر المسلمين /3

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ب- أشهر الكتب السُّنيّة : نور الأبصار

اشارة

تأليف : العلّامة سيّد مؤمن بن حسن بن مؤمن الشّبلنجي ، من

أعلام أهل السّنّة.

ولد بقرية شبلنج من قرى مصر العربيّة ، حفظ القرآن في العاشرة من عمره، تلقّى علومه لدى الشّيخ محمّد الخضري المياطي ، والشّيخ محمّد الأشموني ، والشّيخ محمّد الأنباني ، والشّيخ إبراهيم الشّرقاوي وغيرهم من أعلام ذلك العصر، خصّ شطراً من هذا الكتاب بما

ص: 273

يتعلّق بشأن المهدي المنتظر صلوات الله عليه من الولادة إلى الغيبة وأسهبها، بل أشبعها دراسة وافية بالنقد والنّقض والإبرام ، وهو من خيرة ما كتبه علماء السّنّة في هذا المجال.

القول المختصر في علامات المهدي المنتظر (علیه السّلام)

تأليف : أحمد بن حجر الهيثمي، من أعلام أهل السّنّة. جمع فيه روايات كثيرة عن الإمام المهدي صلوات الله عليه وأنّه من ولد فاطمة ، وتواتر الأخبار بمجيء المهدي ، وأنّه من أهل البيت من صلب الحسن والحسين - على حدّ زعمه - ، وذكر روايات في أوصافه وشمائله ومدّة ملکه وعدله ، وأحداث قبل ظهوره وکمال سیاسته وتدبيره ، وسياسته الماليّة ، وتطبيقه للسنّة النّبويّة الحقّة ، واختلاف النّاس قبل بيعته ، والخسف بأعدائه ، وكراماته ومدّة مكثه ، وعطائه الغزير ، وسائر ما يتعلّق به صلوات الله عليه و عجّل الله تعالى فرجه .

الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي السّاعة

تأليف : السّيد محمّد صدّیق حسن ، من علماء الهند .

ولد بمدينة قنوج ، وتعلّم في دلهي ، واشتغل بالتجارة فاكتسب ثروة وافرة، وتزوّج بالملكة بهوبال ، ترك آثاراً علميّة ومؤلّفات قيّمه بثلاث لغات: العربيّة والهنديّة والفارسيّة .

ص: 274

بدأ كتابه بالأحاديث الواردة في السنن والجوامع الرّوائية والمسانيد وغيرها من الكتب حول المهدي صلوات الله عليه . واستفاد منها التّواتر ، ثمّ تعرّض للردّ على شبهات ابن خلدون حول الإمام المهدي أرواحنا له الفداء ، ثمّ أورد کلاماً للشوكاني في معرض التّأييد والتّوكيد على ما ذهب إليه . قال : « والأحاديث الواردة في المهدي الّتي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً ، فيها الصّحيح والحسن والضّعيف المنجبر ، وهي متواترة بلا شكّ ولا شبهة ، بل يصدق وصف التّواتر على ما هو دونها على جميع الاصطلاحات المحرّرة في الاُصول ، وأمّا الآثار عن الصّحابة المصّرحة بالمهدي فهي كثيرة أيضاً... الخ».

كما أشار فيه إلى كتاب السّيّد العلّامة بدر الملّة والدّين محمّد بن إسماعيل اليماني ، وما جمعه من الأخبار الواردة بشأن المهدي (علیه السّلام) من آل محمّد ، و علامات الظّهور وغير ذلك.

وكيف كان فقد استوفي البحث عن اسم الإمام سلام الله عليه ونسبه ومولده وغير ذلك ، كما تطرّق فيه إلى آراء المتصوّفة والشّيخيّة وغيرهم ، كالشيخ العلّامة محمّد بن أحمد السّفاريني الحلبي الّذي ذهب إلى حصول القطع بخروج المهدي (علیه السّلام) من الرّوايات والأخبار ، والحكم بوجوب الإيمان بخروجه ، (علیه السّلام) وأنّه مدوّن في عقائد أهل السّنّة والجماعة.

ص: 275

التّذكرة في أحوال الموتى واُمور الآخرة

تأليف : الإمام المفسّر ، الفقيه ، الحافظ القرطبي .

من أشهر علماء العامّة ، كان مالكيّاً ، وله تألیفات و تصانیف

كثيرة ، أشهرها على الإطلاق تفسير القرطبي.

تعرّض في الجزء الثّاني من التّذكرة للبحث عن الإمام المهدي عجّل الله فرجه ، و علامات ظهوره في آخر الزّمان ، وتطرّق فيه أيضاً إلى ذكر الموطّئين والمهّدين للمهدي سلام الله عليه و محلّ ظهوره (علیه السّلام) ، وغيرها من المباحث الهامّة ، والكتاب رغم ما فيه من آراء شاذّة لا أساس لها من الصحّة وأخطاء واضحة إلّا أنّه محاولة حسنة في هذا المجال.

فرائد السّمطين في فضائل المرتضى والبتول والسّبطين

تأليف : شيخ الإسلام صدرالدّین أبي الجامع إبراهيم بن سعد الدّين محمّد بن المؤيّد الجويني الخراساني ، من أعلام أهل السّنّة وحفّاظها . قال عنه الذّهبي في تذكرة الحفّاظ : 1505/4 : «الإمام ، المحدّث ، الأوحد، الأكمل ، فخر الإسلام ،...» إلى أن قال : « وكان شديد الاعتناء بالرواية وتحصيل الأجزاء ، وعلى يده أسلم غازان

ص: 276

الملك ... الخ». .

خصِ قسماً كبيراً من الجزء الثّاني من كتابه هذا بموضوع الإمام المهدي صلوات الله عليه وما يتعلّق به وبظهوره، وقد أبلى بذلك بلاءاً حسناً.

ينابيع المودّة

تأليف : الفقيه المتكلّم ، الحافظ ، سلمان بن إبراهيم بن القندوزي

الحنفي ، من أعلام السّنّة وكبار محدّثيها.

ولد عام 1220ھ بمدينة بلخ ، وهاجر إلى بخاری ، ثمّ الهند وأفغانستان طلباً للعلم حتّى نال بذلك أعلى مراتب العلم والمعرفة بين علماء السّنّة في عصره، وحاز بمنصب شيخ الإسلام في بخاری.

تضمّن هذا الكتاب بين طيّاته ، وعلى وجه التّحديد من الباب السّبعين فصاعداً، تضمّن مباحث قيّمة حول غيبة الإمام صلوات الله عليه ، واعتمد الكثير من روايات الفريقين فيه ، ولم يدع شاردة ولا واردة من الأخبار والأحاديث الّتي تعني بشأن الإمام المهدي عجّل الله فرجه إلّا وتعرّض لها.

ص: 277

المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصّحيحة وأقوال العلماء وآراء الفِرق المختلفة

تأليف : الدكتور عبد العليم عبد العظيم البستوي ، وهو رغم ما فيه

من الخلط والخبط وكثرة الخطأ والبعد عن الحقيقة؛ لأنّه لم يعتمد على أحاديث العترة الطّاهرة ، لكنّه يستحقّ القراءة ، ولنا معه ومع نظرائه وقفة في الحلقة القادمة من هذه السلسلة إن شاء الله تعالى.

وكيف كان فقد قام فيه بدراسة وافية تناسب مذهبه ومعتقده ، وقدم بحثاً روائي محقّقاً تحليليّاً عن الإمام المهدي صلوات الله عليه اعتمد فيه قواعد الجرح والتّعديل عند أهل السّنّة والجماعة ، ونحن لا نتوقّع من هؤلاء النّواصب أحسن من هذا ، وهذه العلّة لا تختصّ بهذا المؤلّف وكتابه ، بل السّنّة جارية فيه وفي أشباهه ممّن يبطنون العداء للعترة الطّاهرة ، ويظهرون المحبّة لهم نفاقاً ، كنفاق بني اُميّة قتلة أهل البيت (علیهم السّلام)؛ وذلك أنّ هؤلاء يعظّمون أعداء أهل البيت وقاتليهم من الأمويّین والعبّاسيّين وغيرهم ، ويتظاهرون بالمحبّة الأهل بيت النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) .

وليت شعري كيف حال رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، مع ظالمي عترته وقاتليهم وناصبي عدائهم وهو القائل : « يَا عَلِيُّ ، حربك حَرْبِي ، وَ سَلَّمَكَ

ص: 278

سِلْمِي »(1) ، وهو القائل : « يا عَلَيَّ ، لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنُ ، وَ لَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقُ » (2)، وقد رووها ونقلوها لكن قست قلوبهم واُشربوا في قلوبهم العجل ، ولا أظنّهم يرضون بذلك لأنفسهم، ذلك أنّك لو عادیت لهم صديقاً أو صادقت لهم عدوّاً عادوك وأبغضوك ، ولو عادیت لهم عدوّاً أو صادقت لهم صديقاً أحبّوك وأكرموك ؛ إذ الإنسان مطبوع مفطور على أن يبغض عدوّه وعدوّ صديقه وصديق عدوّه ، وأن يحبّ صديقه وصديق صديقه وعدوّ عدوّه ، لكنّنا قد ابتلينا باُناس يكيلون بمكيالين ، لا ينصفون لهم عدوّاً، ولا يعدلون في الحكم ، بل عالمهم- المنتحل للعلم - لا يقرأ إلّا ما يريد ويعجبه ، ولا ينصف حتّى في القراءة ونسبة الأقوال إلينا ، بل اعتادوا أن يحرّفوا الكلم عن مواضعه ، فالافتراء والكذب دینهم ، والنّفاق والدّخل دیدنهم؛ لأنّهم إذا نسبوا إلينا شيئاً فإنّما ينقله بعضهم عن بعض ولا ينقلونه إلّا عن أعدائنا من غير أن يتكلّفوا مراجعة مصادرنا تقليداً لآبائهم وأسلافهم «إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى

ص: 279


1- تفسیر فرات الكوفي : 266، شواهد التّنزيل للحسكاني : 416/1 .
2- خلاصة عبقات الأنوار : 3/ 135. وفي رواية : «لَا يُحِبُّهُ إِلَّا مُؤْمِنُ ، وَ لَا يُبْغِضُهُ إِلَّا مُنَافِقُ » رواها : الغارات : 520/2 ، الفضائل لابن شاذان : 122.

آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ »(1)، وإن رجعوا إلى بعض مصادرنا بتروا أقوال سلفنا الصّالح، وعبثت أيديهم الخبيثة بنصوصنا، يحرّفون الكلم عن مواضعه ، فتبّاً لهم من علماء سوء ابتليت اُمّة نبيّنا(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بهم ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا آلِ مُحَمَّدٍ وَ شِيعَتِهِمْ حَقُّهُمْ ، أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ، وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .

أخبار المهدي

تأليف : عباد بن يعقوب الرّواجني ، المتوفّى سنة 250ه(2).

کتاب المهدي

کتاب المهدي (3)

تأليف: أبي نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني ، المتوفّى سنة 430ه.

البيان بأخبار صاحب الزّمان

تأليف : محمّد بن يوسف الكنجي الشّافعي ، المتوفّى سنة 658ه.

ص: 280


1- سورة الزُّخرف : 22.
2- راجع المهدي المنتظر بين التّصوّر والتّصديق لمحمّد حسن آل ياسين : 30.
3- هكذا سمّاه ابن القيم والسّيوطي في الجامع الصّغير ، لكنّه ذكره في العرف الوردي باسم «الأربعين».

عقد الدّرر في أخبار المهدي المنتظر

تأليف : يوسف بن يحيى السّلمي الشّافعي ، المتوفّى سنة 685ه.

المهدي المنتظر

تأليف : ابن قيّم الجوزية ، المتوفّى سنة 751ه.

کتاب الفتن و الملاحم

تأليف : عماد الدّين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي ، المتوفّى سنة 774ه. فقد أفرد فيه جزءاً على حده في ذكر المهدي كما صنع أيضاً في «البداية والنّهاية».

العُرف الوردي في أخبار المهدي

تأليف : جلال الدّین عبدالرّحمن بن أبي بكر السّيوطي ، المتوفّى

سنة 911ھ.

تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزّمان

تأليف : ابن كمال باشا الحنفي ، المتوفّى سنة 940ه.

المُهدي إلى ما ورد في المهدي

تأليف : محمّد بن طولون الدّمشقي ، المتوفّى سنة 953ه.

ص: 281

البرهان في علامات مهدي آخر الزّمان

تأليف : عليّ بن حسام الدّين المتّقي الهندي ، المتوفّى سنة 975ه.

المهدي من آل الرسول

تأليف : الملّا عليّ بن سلطان القارئ ، المتوفّى سنة 1014ه. ويُعرف أيضاً باسم : «المشرب الوردي في مذهب المهدي »

العواصم من الفتن القواصم

تأليف : ابن بريدة.

فرائد الفكر في الإمام المهدي المنتظر

تأليف : مرعي بن يوسف الكرمي ، المقدّسي الحنبلي ، المتوفّى سنة1033ه.

التّوضيح في تواتر ما جاء في المهدي والمنتظر ...

تأليف : القاضي محمّد بن عليّ الشوكاني ، المتوفّى سنة 1250ه.

القطر الشّهدي في أوصاف المهدي

تأليف : شهاب الدّين أحمد بن أحمد بن إسماعيل الحلواني

الشّافعي ، المتوفّى سنة 1308ه.

ص: 282

العطر الوردي في شرح القطر الشّهدي

تأليف : محمّد بن محمّد بن أحمد الحسيني البلبيسي.

تأليف في المهدي

تأليف : أبي العلاء إدريس بن محمّد بن إدريس الحسيني العراقي .

الهداية النّدية للاُمّة المهديّة ...

تأليف : الشّيخ مصطفى البكري.

تحديق النّظر في أخبار الإمام المنتظر

تأليف : محمّد بن عبدالعزيز بن مانع ، من علماء نجد في القرن (14).

الأربعين في أخبار المهديّين

تأليف : الشّيخ ولاية الله الصّادق بوري الهندي.

تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزّمان

تأليف : حنیف الدّین عبدالرحمٰن المرشدي.

المهدي والمهدويّة

تأليف : الدّكتور أحمد أمين .

المرشد المبدي لفساد طعن ابن خلدون في أحاديث المهدي

تأليف : أحمد بن محمّد بن الصّدّيق.

ص: 283

المهديّة في الإسلام منذ أقدم العصور حتّى الآن

تأليف : سعد محمّد حسن.

عقيدة أهل السّنّة والأثر في المهدي المنتظر

تأليف : عبدالمحسن العبّاد .

قال آية الله العظمى الشّيخ لطف الله الصّافي الگلپایگاني مدّ ظلّه العالي فيا كتبه في الرّدّ على مخاريق بعض المعاندین و افتراءاته وتحامله على الفرقة الإماميّة النّاجية ، تحت عنوان (الإيمان بالمهدي (علیه السّلام) فكرة إسلامية ) ما هذا نصّه:

« ممّا اتفق عليه المسلمون خلفاً عن سلف ، وتواترت فيه الأخبار عن النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أنّه لابدّ من إمام يخرج في آخر الزّمان من نسل عليّ وفاطمة يسمّي باسم الرّسول ، ويلقّب بالمهدي ، ويستولي على الأرض ، ويملك الشّرق والغرب، ويتبعه المسلمون ، ويهزم جنود الكفر، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً ، و ينزل عيسی ويصلّي خلفه ... وأخرج جمع من أعلام السنّيّن روايات كثيرة في أنّه من عترة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، ومن ولد فاطمة ، ومن ولد الحسين ، وأنّه يملأ الأرض عدلاً ، وأنّ له غيبتين إحداهما تطول ، وأنّه الخليفة الثّاني عشر من الخلفاء الّذين أخبر

ص: 284

النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بأنّهم يملكون أمر هذه الاُمّة ، وأنّه لا يزال هذا الدّين منيعاً إلى اثني عشر ، وفي شمائله ، وخلقه ، وخُلقه ، وسیرته بين النّاس ، وشدّته على العمال ، وجوده بالمال ، ورحمته بالمساكين ، وفي اسم صاحب رايته ، وما كتب فيها ، وكيفيّة المبايعة معه بين الرّكن والمقام ، وما يقع قبل ظهوره من الفتن ، وذهاب ثلثي النّاس بالقتل والموت . وخروج السّفياني ، واليماني ، والدّجّال ، ووقوع الخسف بالبيداء ، وقتل النّفس الزّكية ، وفي علائم ظهوره، وأنّه ينادي ملك فوق رأسه : هذا المهدي خليفة الله فاتّبعوه، وأنّ شيعته يسيرون إليه من أطراف الأرض ، و تطوى لهم طيّاً حتّى يبايعوه ، وأنّه يستولي على الممالك والبلدان ، وأنّ الاُمّة ينعمون في زمانه نعمة لم ينعموا مثلها ، وغيرها من العلائم والأوصاف الّتي اقتطفناها من روايات أهل السّنّة ، فراجع كتبهم المفردة في ذلك :

1- أربعين الحافظ أبي نعيم الأصبهاني .

2 - البيان في أخبار صاحب الزّمان لأبي عبدالله محمّد بن يوسف

الكنجي الشّافعي (المتوفّى سنة 658ه).

3- البرهان في علامات مهدي آخر الزّمان للعلّامة المتّقي صاحب

منتخب کنز العمّال (المتوفّى سنة 975ه).

ص: 285

4 - العرف الوردي في أخبار المهدي للسيوطي (المتوفّى سنة 911ه).

5 - القول المختصر في علامات المهدي المنتظر لابن حجر

(المتوفّى سنة 974ه).

6- عقد الدرر في أخبار المنتظر للشيخ جمال الدّین یوسف

الدّمشقي من أعلام القرن السّابع .

7 - التّوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر ، والدّجّال ،

والمسيح للشوكاني (المتوفّى سنة 1250ه).

أضف إلى ذلك روايات أخرجها أكابر المحدّثين منهم في كتبهم

وصحاحهم ومسانیدهم :

1- كالحاكم النيشابوري .

2 - أحمد بن حنبل .

3 - أبي داود .

4 - ابن ماجة .

5 - التّرمذي .

6 - مسلم.

7 - البخاري .

8 - النّسائي

9 - ابن عبدالبرّ

10 - الماوردي .

11 - الطّبراني .

12 - السّمعاني.

13 - الرّوياني.

ص: 286

14 - العبدري .

15 - ابن عساکر .

16 - الدّارقطني .

17 - أبي عمرو الدّاني .

18 - ابن حبّان .

19 - البغوي .

20 - ابن الأثير.

21 - ابن الدّيبع.

22 - السّهيلي.

23 - البيهقي .

24 - الصبّان.

25 - الشّبلنجي .

26 - الشّيخ منصور علىّ ناصيف وغيرهم، ممّن يطول الكلام

بذكر أسمائهم»، انتهى كلامه دام ظلّه.

أقول:

1- ابن حجر في عدّة مواضع من لسان الميزان .

2 - وابن حجر في موضعين من الإصابة .

3- والسيّد إعجاز حسين في مقدّمة كشف الحجب والأستار .

4- والحاجي خليفة في كشف الظّنون .

5 - وإسماعيل باشا البغدادي في إيضاح المكنون ، وهدية العارفين .

6- ونعيم بن حمّاد المروزي في كتاب الفتن ، في مواضع عديدة . 7- وابن شبة النّميري في تاريخ المدينة .

8- والطّبري في تأريخه.

9- وابن كثير في عدّة مواضع من البداية والنّهاية .

ص: 287

10- وابن خلدون في تأريخه .

11 - والقاضي عياض في الشّفا بتعريف حقوق المصطفى .

12 - ومحمّد بن سعد في الطّبقات الکبری.

13 - والبخاري في التّاريخ الكبير .

14- وأحمد بن حنبل في العلل.

15 - والعجلي في معرفة الثّقات.

16 - والعقيلي في الضّعفاء.

17 - وابن حبّان في مشاهير علماء الأمصار ، وفي الثّقات .

18 - و عبدالله بن عدي في الكامل ، في مواضع عديدة .

19 - وعبدالله بن حبّان في طبقات المحدّثين بإصبهان .

20 - والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد.

21 - وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ، في مواضع كثيرة جدّاً.

22 - والمزّي في تهذيب الكمال ، في مواضع عديدة.

23 - والذّهبي في تذكرة الحفّاظ و میزان الاعتدال ، في مواضع

عديدة.

24 - والجاحظ في سيرة أعلام النّبلاء، في مواضع عديدة .

25 - وابن حجر في تهذيب التّهذيب ، في مواضع عديدة .

ص: 288

26 - والحاكم في مواضع عديدة من المستدرك .

27 - وابن حجر في مواضع عديدة من فتح الباري لا سيّما في :

6/ 358- 359.

28 – والهيثمي في مجمع الزوائد ، في مواضع عديدة .

29 - والأحوذي في عدّة مواضع من تحفة الأحوذي.

30 - والعظيم آبادي في عون المعبود، فيمواضع عديدة .

31 - والصّنعاني في المصنّف .

32 – وابن شيبة في المصنّف.

33 - وأبي داود في سؤالات الآجري .

34 - وأبي يعلى في مسنده .

35 - وابن حبّان في صحيحه .

36 - والطّبري في المعجم الصّغير، والمعجم الأوسط، والمعجم الكبير ، ومسند الشّاميّين .

37 - والبغدادي في الكفاية .

28 – والزّمخشري في الفائق.

39 - وابن أبي الحديد في مواضع عديدة من شرح نهج البلاغة . . 40 - والحارث بن أبي اُسامة في بغية الباحث .

ص" 289

وقال آية الله العظمى الصافي دام ظلّه أيضاً:

«ثمّ أضف إليها تصريحات جماعة من علمائهم بتواتر الأحاديث الواردة في المهدي (علیه السّلام) . فلا خلاف بين المسلمين في ظهور المهدي الّذي يملأ الأرض عدلاً... وإنّما الخلاف وقع بينهم في أنّه ولد أو سيولد ، فالشيعة الإماميّة يقولون بولادته ، وبوجوده ، وحياته ، وغيبته ، وأنّه سيظهر بإذن الله تعالى ، وأنّه الإمام الثّاني عشر ، وهو ابن عليّ بن أبي طالب (علیهم السّلام) ، ورواياتهم في ذلك تجاوز حدّ التّواتر ، معتبرة في غاية الاعتبار ، مؤيّدة بعضها ببعض ، وكثير منها من الصّحاح ، بل مقطوع الصّدور رووها في جمع الطّبقات الأثبات الثّقات من الأجلّاء الّذين لا طريق للغمز فيهم ، وإن شئت أن تعرف مقدار ذلك فراجع ما ألّفه الحافظ الجليل الثّقة أبو عبدالله النّعماني بأسانيده العالية ، وما ألّفه الشّيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطّوسي الإمام في جميع العلوم الإسلامية ،وكتاب كمال الدّین وتمام النّعمة تأليف الشّيخ المحدّث الكبير محمّد بن عليّ بن الحسين الصّدوق (المتوفّى سنة 381ھ) ، وكتابنا منتخب الأثر ، ومئات من الكتب المصنّفة في ذلك.

وهذه الرّوايات مخرجة في اُصول الشّيعة وكتبهم المؤلّفة قبل ولادة الإمام الحجّة بن الحسن العسكري (علیهما السّلام) ، بل قبل ولادة أبيه وجدّه . ومنها كتاب المشيخة لإمام أهل الحديث الشّيخ الثقة الثّبت الحسن بن

ص: 290

محبوب السّرّاد الّذي كتابه هذا في كتب الشّيعة أشهر من کتاب المزني ونظرائه. وصنّفه قبل ولادة المهدي بأكثر من مائة سنة ، وذكر فيه أخبار الغيبة ، فوافق الخبر المخبر، وحصل كلّما تضمّنه الخبر بلا اختلاف.

وأمّا ولادته (علیه السّلام) ، فقد ثبتت بأوكد ما يثبت به أنساب الجمهور من النّاس إذ كان النّسب يثبت بقول القابلة ومثلها من النّساء اللّاتي جرت عادتهنّ بحضور ولادة النّساء وتولّي معونتهنّ عليه ، وباعتراف صاحب الفراش وحده بذلك دون من سواه ، وبشهادة رجلين من المسلمين على إقرار الأب بنسب الابن منه ، وقد ثبتت أخبار عن جماعة من أهل الدّيانة والفضل والورع والزّهد والعبادة والفقه عن الحسن بن علي (علیهما السّلام) إنّه اعترف بولادة المهدي(علیه السّلام) ، وآذنهم بوجوده ، ونصّ لهم على إمامته من بعده ، وبمشاهدة بعضهم له طفلاً . وبعضهم له یافعاً وشابّاً كاملاً.

وهذا فضل بن شاذان العالم المحدّث المتوفّي قبل وفاة الإمام أبي محمّد الحسن العسكري (علیه السّلام) روي عنه في كتابه في الغيبة خبر ولادة ابنه المهدي وكيفيّتها وتاريخها ، وكانت ولادته (علیه السّلام)ا بين الشّيعة وخواصّ أبيه من الاُمور المعلومة المعروفة ، وقد أمر أبوه (علیه السّلام) أن يعقّ

ص: 291

عنه ، وعرضه على أصحابه يوم الثّالث من ولادته. والأخبار الصّحيحة الواردة بأسانيد عالية في ذلك كثيرة متواترة جدّاً، وقد أحصى بعض العلماء أسماء جماعة ممّن فازوا بلقائه في حياة أبيه وبعدها ، كما قد نقل عن بعض أهل السّنّة الاجتماع به(علیه السّلام) ، بل أخرج بعض من حفّاظهم مثل حافظ زمانه أحمد بن محمّد بن هاشم البلاذري الحديث عنه(علیه السّلام) .

ولقد كان أبوه و شیعته يحفظون ولادته عن أعدائه من بني العبّاس وغيرهم ، وكان السّرّ في ذلك أنّ بني العبّاس لمّا علموا من الأخبار المروية عن النّبيّ والأئمّة من أهل البيت (علیهم السّلام) أنّ المهدي هو الثّاني عشر من الأئمّة ، وهو الّذي يملأ الأرض عدلاً ، ويفتح حصون الضّلالة ، ویزیل دولة الجبابرة أرادوا إطفاء نوره بقتله ، فلذا عيّنوا العيون والجواسيس للتفتيش عن بيت أبيه ، ولكن أبي الله إلّا أن يجري في حجّته المهدي سنّة نبيّه موسى (علیهما السّلام) .

وقد ورد في الرّوايات الكثيرة عن آبائه (علیهم السّلام) خفاء ولادته(علیه السّلام) ، وشباهته في ذلك بموسى(علیه السّلام) . فعلى هذا لم ينبعث الإيمان بظهور المهدي (علیه السّلام) إلّامن الإيمان بنبوّة جدّه محمّد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وليس في الخصوصيّات المذكورة أمر غير مألوف ممّا لم تجد مثله في هذه الاُمّة

ص: 292

أو الاُمم السّالفة ، فلابدّ لمن يؤمن بالله وبالنبيّ الصّادق المصدّق بعد العلم بهذه الأخبار الكثيرة الإيمان بظهور المهدي المنتظر صاحب هذا النّسب المعلوم والسّمات والنّعوت المشهورة ، ولا يجوز مؤاخذة الشّيعي بانتظار هذا الظّهور ، ولا يصحّ دفع ذلك بمجرّد الاستبعاد.

ووافق الإماميّة من أعلام السّنيّين في أنّ المهدي هو ابن الحسن العسكري (علیهما السّلام) جمع کثیر کصاحب روضة الأحباب ، وابن صبّاغ مؤلّف (الفصول المهمّة)، وسبط ابن الجوزي مؤلّف (تذكرة الخواصّ) ، والشّيخ نور الدّين عبدالرّحمن الجامي الحنفي في كتاب (شواهد النّبوّة)، والمحافظ محمّد بن يوسف الكنجي الشّافعي مؤلّف (البيان في أخبار صاحب الزّمان)، والحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي الفقيه في (شعب الإيمان)، فإنّه يظهر منه على ما حكي عنه الميل إلى موافقة الشّيعة ، بل اختیار قولهم؛ وذلك لأنّه نقل عقيدة الشّيعة ولم ينكرها ، وكمال الدّین محمّد بن طلحة الشّافعي (المتوفّى سنة 652)، صرّح بذلك في كتابيه (الدّرّ النّظيم ) و (مطالب السّؤول). وله في مدحه (علیه السّلام) أبيات ، والقاضي فضل بن روزبهان شارح الشّمائل للترمذي ، ومؤلّف (إيطال نهج الباطل)، وابن الخشّاب ، والشّيخ محيي الدّين ، والشّعراني ، والخواجه محمّد پارسا ، وملك العلماء

ص: 293

القاضي شهاب الدّین دولت آبادي في (هداية السّعداء)، والشّيخ سلیمان المعروف بخواجه کلان البلخي القندوزي في (ينابيع المودّة ) والشّيخ عامر بن عامر البصري صاحب القصيدة التّائيّة المسماّة بذات الأنوار ، وغيرهم من العلماء ممّن يطول بذكرهم الكلام. وقد صرّح بولادته جماعة من علماء أهل السّنّة الاُستاذ في النّسب والتّاريخ والحديث كابن خلّكان في (الوفيات)، وابن الأزرق في (تاریخ میافارقين ) - على ما حکی عنه ابن خلّکان - وابن طولون في (الشّذرات الذّهبيّة ) ، وابن الوردي على ما نقل عنه في نور الأبصار والسّويدي مؤلّف (سبائك الذّهب)، وابن الأثير في (الكامل)۔ وأبي الفداء في (المختصر)، وحمد الله المستوفي في (تاریخ گزیده) . والشّبراوي الشّافعي شيخ الأزهر في عصره في (الاتحاف ) والشّبلنجي في (نور الأبصار)، بل يظهر منه اعتقاده بإمامته ، وأنّه المهدي المبشّر بظهوره، وإن شئت أن تقف على أكثر من ذلك فراجع کتابنا (منتخب الأثر) الباب الأوّل من الفصل الثالث منه ... الخ »

انتهی کلام آیة الله العظمى الصّافي دام ظلّه.

أقول: وقد ادّعى الحافظ أبو الحسن محمّد بن الحسين الآبري السّجزي في كتابه« مناقب الشّافعي» تواتر أحاديث المهدي (علیه السّلام)

ص: 294

قائلاً: «وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بذكر المهدي ، وأنّه يملأ الأرض عدلاً ، وأنّ عيسى (علیه السّلام) يخرج فيساعده على قتل الدّجّال ، وأنّه يؤمّ هذه الاُمّة ويصلّي عیسی خلفه في طول من قصّته وأمره». .

وقد نقل هذا الكلام عنه عدد من أئمّة أهل السّنّة وعلماؤهم

وارتضوه:

1- كالإمام القرطبي في كتابه «التّذكرة بأحوال الموتى والآخرة » . 2 - والإمام أبو الحجّاج المزّي في كتابه «تهذيب الكمال ».

3 - والإمام ابن قيم الجوزية في كتابه «المنار المنيف» .

4- والحافظ ابن حجر في «فتح الباري شرح صحيح البخاري » ،

وفي «تهذيب التّهذيب ».

5 - والسّخاوي في كتابه « فتح المغيث بشرح ألفيّة الحديث » .

6- والسّيوطي في آخر كتابه «العرف الوردي في أخبار المهدي » .

7- وابن حجر الهيثمي المكّي في كتابه «الصّواعق المحرقة » -

وأيضاً في كتابه «القول المختصر في علامات المهدي المنتظر » من غير تصريح باسمه ، بل قال : قال بعض الأئمّة.

ص: 295

8- والملّا عليّ القارئ في كتابه «رسالة المهدي من آل الرّسول» .

9- ومرعي بن يوسف الحنبلي في كتابه « فوائد الفكر في ظهور

المهدي المنتظر». .

10 - ومحمّد البرزنجي في كتابه «الاشاعة في أشراط السّاعة » 11 - والزّرقاني في «شرح المواهب » ومنهم من لم يكتفِ بذکر کلام الآبري ، بل نصّ على تواتر الأحاديث الواردة في المهدي(علیه السّلام) :

1- کمحمّد بن رسول الحسيني البرزنجي في كتابه «الاشاعة في أشراط السّاعة » ، فإنّه قال في الصّفحة 87: « الباب الثّالث عشر في الأشراط العظام ، والأمارات القريبة الّتي تعقبها السّاعة ، وهي أيضاً كثيرة ، فمنها المهدي وهو أوّلها ، واعلم أنّ الأحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها لا تكاد تنحصر».

وقال أيضاً في الصّفحة 112 منه: «قد علمت أنّ أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزّمان ، وأنّه من عترة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من ولد فاطمة بلغت حدّ التواتر المعنوي فلا معنى لإنكارها».

وقال أيضاً في الصّفحة 189 منه : « وغاية ماثبت بالأخبار الصّحيحة الكثيرة الشّهيرة الّتي بلغت حدّ التّواتر المعنوي وجود

ص: 296

الآيات العظام الّتي منها ، بل أوّلها ، خروج المهدي ، وأنّه يأتي في آخر الزّمان من ولد فاطمة ، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً »

2 - وهكذا الشّيخ محمّد السّفاريني في كتابه لوائح الأنوار البهيّة

(80/2 ) : « والصّواب الّذي عليه أهل الحقّ أنّ المهدي غير عیسی ، وأنّه يخرج قبل نزول عيسى(علیه السّلام) ، وقد كثرت بخروجه الرّوايات حتّى بلغت حدّ التّواتر المعنوي ، وشاع ذلك بين علماء السّنّة حتّى عُدّ من معتقداتهم ... وقد روي عمّن ذكر من الصّحابة وغير من ذكر عنهم رضي الله عنهم بروایات متعدّدة وعن التّابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي ، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرّر عند أهل العلم ، ومدوّن في عقائد أهل السّنّة والجماعة». .

3- والقاضي محمّد بن عليّ الشّوكاني ، فقد قال في كتابه : «التّوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدّجّال والمسيح » ، كما في الاذاعة صفحة 114، وفي نظم المتناثر صفحة 146: « والأحاديث الواردة في المهدي المنتظر الّتي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً ، فيها الصّحيح والحسن والضّعيف المنجبر ، وهي متواترة بلا شكّ ولا شبهة ، بل يصدق وصف التّواتر على ما دونها في جميع الاصطلاحات المحرّرة في الاُصول» .

ص: 297

وقال أيضاً: «فتقرّر أنّ الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة والأحاديث الواردة في الدّجّال متواترة ، والأحاديث الواردة في نزول عیسی بن مریم متواترة»..

4 - والنّواب صدّیق حسن خان القنّوجي ، فقال في كتابه

« الإذاعة...» : « الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْمَهْدِيِّ عَلَى اخْتِلَافِ رواياتها كَثِيرَةُ جِدّاً تَبْلُغَ حَدَّ التَّوَاتُرِ المعنوي ، وَ هِيَ فِي السُّنَنِ وَ غَيْرِهَا مِنَ دَوَاوِينَ الْإِسْلَامِ مِنْ المعاجم والمسانید »(1).

وقال أيضاً في معرض ردّه على ابن خلدون: «فَلَا مَعْنَى للريب فِي أَمْرِ ذَلِكَ الفاطمي الْمَوْعُودُ الْمُنْتَظَرُ المدلول عَلَيْهِ بِالْأَدِلَّةِ ، بَلْ إِنْكَارِ ذَلِكَ جُرْأَةِ عَظِيمَةً فِي مُقَابَلَةِ النُّصُوصِ الْمُسْتَفِيضَةِ الْمَشْهُورَةِ الْبَالِغَةِ حَدَّ التَّوَاتُرِ »(2).

5 - من القائلين بالتواتر أيضاً في أحاديث المهدي (علیه السّلام) : الشّيخ محمّد بن جعفر الكناني في كتابه «نظم المتناثر من الحديث المتواتر» في الصّفحة 229.

ص: 298


1- الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي السّاعة : 112.
2- المصدر المتقدّم : 146.

وهناك علماء آخرون كثيرون من أهل السّنّة صحّحوا أحادیث

المهدي (علیه السّلام) وذكروها في مؤلّفاتهم ، ونصّوا على الاحتجاج بها(1):

1- فمنهم الإمام سفیان بن سعيد الثّوري ، المتوفّى سنة 161ھ،

وهذا يدلّ على أنّ موضوع خلافة المهدي كان أمراً مسلّماً عندهم .

2 - والإمام الحافظ أبو جعفر العقيلي ، المتوفّى سنة 323ه في

الضّعفاء (ص 300) و (ص 139 - 160).

3- والإمام أبو الحسين بن المنادي ، المتوفّى سنة 236ھ، على ما في فتح الباري ( 213/13 ).

4 - والإمام أبو حاتم ابن حبّان البستي ، المتوفّى سنة 354ھ، في «الإحسان في تقريب صحيح ابن حبّان » : (293/8

و 294 و 266) .

5- والإمام أبو سليمان الخطابي ، المتوفّى سنة 388ه ، كما في تحفة الأحوذي (625/6 ).

6- والإمام البيهقي ، المتوفّى سنة 458ھ، على ما في تهذيب الكمال ( 597/6 )، والمنار المنيف (143).

7- والحافظ أبو القاسم السّهيلي ، المتوفّى سنة 581ھ ،

ص: 299


1- راجع المهدي المنتظر للدكتور عبدالعليم عبدالعظیم البستوي : 47.

راجع الرّوض الأنف (160/1 ).

8- والإمام أبو عبدالله القرطبي ، المتوفّى سنة 761ھ ، راجع الحاوي للسيوطي (2/ 165) والتذكرة (723/2 ).

9- وشیخ الاسلام ابن تيميّة الحرّاني ، المتوفّى سنة 728ھ ،

في منهاج السّنّة (211/4 ) و (132/2 ).

10 - والإمام ابن قيّم الجوزية ، المتوفّى سنة 751ه، في إغاثة

اللّهفان ( 332/2 )، والمنار المنيف (145 و 148).

11 - والإمام الحافظ عماد الدّین ابن كثير ، المتوفّى سنة 744ه ،

كما في تفسير ابن كثير (35/2 ) ، والبداية والنّهاية ( 248/6 )،

والفتن و الملاحم (27/1 ) و (30/1 - 31).

12 - والإمام الحافظ جلال الدّين السّيوطي ، المتوفّى سنة 911ھ ، في الإعلام بحكم عیسی (علیه السّلام) ، الحاوي (289/2

)، وفي الكشف عن مجاوزة هذه الاُمّة الألف ، الحاوي (167/2

).

13 - والشيخ أبو الحسن السّمهودي ، المتوفّى سنة 911ھ، ذكره العباد في مقالته « عقيدة أهل السّنّة والأثر »: (114).

14 - والشيخ شهاب الدّين أحمد بن حجر الهيثمي المكّي ، المتوفّى سنة 974ه، في القول المختصر (129) ، والصّواعق المحرقة (100).

ص: 300

15 - والشيخ الإمام المحافظ عليّ المتّقي الهندي ، المتوفّى سنة 975ه، في رسالته «الرّدّ على من حكم وقضى أنّ المهدي قد جاء ومضى» (134)، وفي «البرهان في علاقات مهدي آخر

الزّمان » : ( 3).

16 - والشيخ الملّا عليّ القارئ الهروي ، المتوفّى سنة 1014ه.

في شرح الفقه الأكبر: (101).

17- والشيخ عبد الرؤوف المناوي ، المتوفّى سنة 1031ه، في فيض القدير (363/1 ) و (17/6 ).

18 - والشيخ محمّد بشير السّهسواني ، المتوفّى سنة 1362ھ ،

في صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان : (322).

19 - والعلّامة الشّيخ شمس الحقّ العظيم آبادي ، المتوفّى

سنة 1329ه، في عيون المعبود ( 361/11 - 362).

20 - والعلّامة الشّيخ عبد الرّحمن المباركفوري ، المتوفّى

سنة 1353ه، في تحفة الأحوذي (485/6).

21 - والعلّامة الشيخ أحمد شاكر ، المتوفّى سنة 1377ه، في شرح مسند الإمام أحمد ( 198/5 ).

22 - والشيخ عبدالعزیز بن باز مفتي عام المملكة العربيّة

ص: 301

السعوديّة ، على ما في مجلّة الجامعة العربيّة عدد ذي القعدة 1389ه: .(162) .

23 - والعلّامة المحدّث الشّيخ محمّد ناصر الدّين الألباني ، تخریج أحاديث فضائل الشّام ودمشق : (16) الحديث رقم (18). فالمسلم الّذي يؤمن بحياة عيسى ، بل وحياة الدّجال الكافر ، وخروجه في آخر الزّمان ، وبحياة خضر وإدريس ، ويروي عن نبيّه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في أصحّ كتبه في الحديث كصحیح مسلم ، والترمذي ، وسنن أبي داود ، وابن ماجة - باب ذكر ابن صیّاد وخروج الدّجّال -، واحتمال کون ابن صیّاد هو الدّجّال ، ويروي عن تميم الدّاري ما هو صريح في أنّ الدّجّال كان حيّاً في عصر النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وأنّه يخرج في آخر الزّمان ، ويؤمن بطول عمر نوح ويقرء في القرآن : «فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا » (1)، وقوله تعالى : «فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ *لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ » . (2)، وأمثال هذه الاُمور ممّا يستغربه بعض الأذهان لقلّة الاُنس به ، كيف يعيب الشّيعة على قولهم ببقاء الإمام المنتظر ، وينسبهم إلى الجهل وعدم

ص: 302


1- العنکبوت: 14.
2- الصّافّات: 143 و 144.

العقل ، ومفاسد هذه الاستبعادات في المسائل الدّينيّة كثيرة ، ولو فتح هذا الباب لأمكن إنكار كثير من المسائل الاعتقادية وغيرها ، ممّا دلّ عليه صحيح النّقل، بالاستبعاد ، ويلزم من ذلك طرح ظواهر الأخبار والآيات ، بل وصريحها ، ولا أظنّ بمسلم أن يرضى بذلك .

وإليك أيّها القارئ العزیز ما ذكره ابن العربي المغربي في الفتوحات ، وهو من عرفاء النّواصب والمبغضين لأهل البيت و شیعتهم، ولا يبالي بأيّة فرية يرميهم ، ولا بأي سهم حقد يصيبهم ويجني عليهم ، على ما نقله الشّعراني في الیواقیت والجواهر في موضوع الصّاحب (علیه السّلام) ليكون القارئ على بصيرة من الأمر: قال الشّيخ الأكبر محيي الدّين العربي (المتوفّى 638ه) في الباب السّادس والسّتّين والثلاثمائة : واعلموا أنّه لابدّ من خروج المهدي(علیه السّلام) ، لكن لا يخرج حتّى تمتلی الأرض جوراً وظلماً، فيملأها قسطاً وعدلاً ، ولو لم يكن من الدّنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله تعالى ذلك اليوم حتّى يلي ذلك الخليفة ، وهو من عترة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، من فاطمة رضي الله عنها-، جدّه الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، ووالده حسن العسكري ابن الإمام عليّ النّقيّ - بالنّون - ابن محمّد التّقي بالتّاء - ابن الإمام عليّ الرّضا ، ابن الإمام موسى الكاظم ، ابن الإمام جعفر الصّادق ، ابن الإمام محمّد الباقر ، ابن الامام زین العابدين عليّ .

ص: 303

ابن الإمام الحسين ، ابن الإمام عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنهم - يواطئ اسمه اسم رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، یبایعه المسلمون بين الركن والمقام . يشبه رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في الخلق - بفتح الخاء -، وينزل عنه في الخلق -بضمّها -؛ إذ لا يكون أحد مثل رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في أخلاقه ، والله تعالى يقول : «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ » (1)، هو أجلى الجبهة ، أقنى الأنف . أسعد النّاس به أهل الكوفة ، يقسم بالسوية ، ويعدل في الرعية ، يأتيه الرّجل فيقول : يا مهدي أعطني - وبين يديه المال -فيحثو له في ثوبه ما استطاع أن يحمله ، يخرج على فترة من الّدين يزع الله به ما لا يزع بالقرآن ، يمسي الرّجل جاهلاً وجباناً وبخيلاً ، فيصبح عالماً شجاعاً كريماً ، يمشي النّصر بين يديه ، يعيش خمساً ، أو سبعاً ، أو تسعاً ، يقفو أثر رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، لا يخطئ ، له ملك يسدده من حيث لا يراه ، يحمل الكلّ (كذا)، ويعين الضّيف ، ويساعد على نوائب الحقّ- إلى أن قال : - يبيد الظّلم وأهله ، ويقيم الدّين ، وينفخ الرّوح في الإسلام ، يعزّ الله به الإسلام بعد ذلّه ، ويحييه بعد موته ، يضع الجزية ، ويدعو إلى الله بالسيف ، فمن أبي قتل ، ومن نازعه خذل ، يظهر من الدّين ما هو عليه الدّين في نفسه حتى لو كان رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حيّاً للحكم به ، فلا يبقى

ص: 304


1- القلم: 4.

في زمانه إلّا الدّين الخالص عن الرّأي ، يخالف في غالب أحكامه مذاهب العلماء ، فينقبضون منه لذلك ؛ لظنّهم أنّ الله تعالى ما بقي يحدث بعد أئمّتهم مجتهداً . وأطال في ذكر وقائعه معهم ، ثمّ قال : واعلم أنّ المهدي إذا خرج يفرح به جميع المسلمين ، خاصّتهم وعامّتهم ، وله رجال إلٰهيّون ، يقيمون دعوته وينصرونه ، هم الوزراء له يتحمّلون أثقال المملكة ، ويعينونه على ما قلّده الله تعالى ، ينزل عليه عیسی بن مریم (علیه السّلام) بالمنارة البيضاء شرقي دمشق متّكئاً على ملكين ، ملك عن يمينه ، وملك عن يساره ، والنّاس في صلاة العصر ، فیتنحّی له الإمام عن مكانه ، فيتقدّم فيصلّي بالنّاس ، یأمر النّاس بسنّة محمّد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، يكسر الصّليب ، ويقتل الخنزير ، ويقبض الله المهدي إليه طاهراً مطهّراً، وفي زمانه يقتل السّفياني عند شجرة بغوطة دمشق ، ويخسف بجيشه في البيداء ، فمن كان مجبوراً مکرهاً يحشر على نيّته وقد جاءکم زمانه ، وأظلّكم أوانه ، وقد ظهر القرن الرّابع اللّاحق بالقرون الثّلاثة الماضية ، قرن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وهو قرن الصّحابة ، ثمّ القرن الّذي يليه ، ثمّ الّذي يلي الثّاني ، ثمّ جاء بینهما فترات وحدثت اُمور ، وانتشرت أهواء ، وسفكت دماء ، فاختفي إلى أن يجيء الوقت الموعود . وأطال الشّيخ الكلام نحو اثنتي عشرة ورقات إلى أن قال : -

ص: 305

واعلم أنّ ظهور المهدي(علیه السّلام) من أشراط السّاعة ، كذلك خروج الدّجّال ، فيخرج من خراسان من أرض الشّرق موضع الفتن ، يتبعه الأتراك واليهود ، ويخرج إليه من اصبهان وحدها سبعون ألفاً مطيلسين ، وهو رجل كهل أعور العين اليمني ، كأنّ عينه عنبة طافية مکتوب ین عینیه کاف فارا - إلى آخر ما قال - راجع الجواهر والیواقیت ج 2، ص 142 لعبد الوهاب الشّعراني الفقيه الشّافعي (المتوفّى سنة 973ھ) بالقاهرة.

ص: 306

الدّرس الرابع والعشرون: لمحة تاريخيّة

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يظهر للمحقّق المدقّق في التأريخ الإسلامي ، والمتتبّع للسيرة ، والمتصفّح لكتب المسلمين بأدنى تأمّل أنّ الظروف الّتي مرّ بها أئمّتنا الأطهار (علیهم السّلام) في العهدين الأمويّ والعبّاسيّ كانت عصيبةً للغاية ؛ ذلك أنّ الّذين تقمّصوا الخلافة واغتصبوها من عليّ وأبناءه (علیهم السّلام) وتربّعوا عرش الخلافة الإسلاميّة كانوا على دراية تامّة بأحقّيّة العترة الهادية . وكانوا على علم ويقينٍ بعدم أهليّتهم لهذا المنصب الخطير للغاية . وقد ألقي في قلوبهم الرّعب والرّهبة استمرار الإمامة في أهل البيت عليهم الصّلاة والسّلام، وأحسّوا بخطر يُهدّد ملكهم وسلطانهم ما دامت هذه الإمامة باقية ، وطالما تنتقل من صلب إلى صلب ، وهي متّصلة الحلقات في سلسلة مترابطة مستحكمة ، أئمّة هادون مهدیّون

ص: 307

یتلو بعضهم بعضاً و یعقب الإمام إمام ، یجدوا بُدّاً من ذلک إلّا بتضییق الخناق علی أهل البیت(علیهم السّلام) ، ووضع القيود على شيعتهم وأتباعهم ، فارسوا بشأنهم من القهر والاضطهاد أقسى الأنواع وأشدّها ، ومن القتل والتّشريد أفظعهما، غير مبالين بالحدود الإلٰهيّة ، ولا مكترثين بالقوانين الإنسانيّة.

فما كان لأهل البيت (علیهم السّلام) في ظلّ تلك الأزمة المتفاقمة والممارسات الوحشيّة من الأنظمة الغاشمة إلّا أن يتّخذوا أساليب حكيمة يقطعون بها الطّريق على سلاطين الجور و علماء السّوء من وعّاظ السّلاطين وأتباعهم الّذين نصبوا العداء لأهل بيت النّبوّة عليهم الصلاة والسلام ، لئلا يزول الحق عن مقره ، ويغلب الباطل على أهله . حرصاً منهم على الشّريعة المحمّديّة(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، اُصولاً وفروعاً . واختلفت أساليب المواجهة والتّصدّي لأهل الباطل طبقاً للظّرف الّذي كان يعيشه الإمام (علیه السّلام) ؛ لأنّه كان مأموراً مكلّفاً بأمرين و تقع على عاتقه مسؤوليّتان:

مسؤوليّة الذّبّ عن الشّريعة والتّصدّي للباطل وبيان الحقيقة .

ومسؤوليّة الحفاظ على نفسه المقدّسة ونفوس المؤمنين في ظلّ الأنظمة الغاشمة الطّاغية وعلماء السّوء وأتباعهم ، تارة بالخروج

ص: 308

والمواجهة ، كما وقع لمولانا أمير المؤمنين عليٍّ عليه الصّلاة والسّلام في قتال القاسطين والنّاكثين والمارقين ، وما صنعه الإمام الحسن المجتبى (علیه السّلام) في قتاله لمعاوية ، وخروج الإمام الحسين الشّهيد (علیه السّلام) على یزید بن معاوية ، وتارة بالبیان وإبداء الحقّ وإظهاره باللّسان كما حدث لكثير من أئمّة أهل البيت (علیهم السّلام) ، سيّما الإمامين الصّادق والباقر عليها الصّلاة والسّلام ، وتارة بالعزوف عن الدّنيا والانصراف إلى الآخرة ، كما صنع الأئمّة الأطهار في فترات مختلفة لاسيّما الإمام السّجّاد عليّ بن الحسين زين العابدين عليه أفضل صلوات المصلّين ، وتارة بالعزلة والصّمت والتزام السُّكوت ، وأخيراً بالتقيّة والمداراة ، حتّى قال الإمام الصّادق صلوات الله عليه : « التَّقِيَّةُ دِينِي وَ دِينُ آبَائِي» (1).

فاستمرّت الأحوال على هذا المنوال حتّى انتهت فترة إمامة الإمام عليّ بن موسى الرّضا(علیه السّلام) بقتله مسموماً على يد المأمون العبّاسيّ ، وبدأت مرحلة جديدة من الأساليب والممارسات الظّالمة من سلاطين بني العبّاس وحكّامهم ، وفي المقابل بدأ عهد جديد من أساليب

ص: 309


1- مشكاة الأنوار : 87. الصراط المستقیم : 71/3 . عوالي اللئالي : .433/1

المواجهة الّتي تكفّلت بتحقيق الأهداف والمسؤوليّات الملقاة على عاتق الإمام عليه الصّلاة والسّلام ، حيث أنّ المأمون ومن تولّى الخلافة بعده من بني العبّاس فرضوا رقابة صارمة وإشرافاً لصيقاً على الإمام محمّد الجواد والإمام عليّ الهادي ، والإمام الحسن العسكري (علیهم السّلام) ، وفرضوا عليهم حصاراً شديداً بالإقامة الجبريّة تارة ، وحبسهم في المنفى وبين معسكرات الجيش تارة اُخرى ؛ ليقطعوا كلّ سبيل لاتّصال شیعتهم بهم، ويحولوا دون اتّصالهم بشيعتهم ، ظنّاً منهم أنّ تلك القيود الّتي فرضوها عليهم ستحول دون تسلُّل أنوارهم.

وأنّ الحصار الشّائك الّذي ضربوه عليهم ، سيؤول إلى تحقيق أهدافهم ، «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ »(1).

بدأت هذه الممارسات الإجراميّة بتزويج المأمون ابنته للإمام الجواد (علیه السّلام) وإدخاله في سجن المصاهرة، واستمرّت باستدعاء المتوکّل ثمّ المعتصم للإمامين الحادي والعسكري سلام الله عليهما إلى مركز الخلافة حينذاك -أعني مدينة سامراء -، وحبسهم بين العساکر

ص: 310


1- سورة الصّف : 8.

والجيوش ، وهكذا العيون والجواسيس ، وقد بلغ هذا الحصار أعلى مراتبه ، والممارسات الوحشيّة بلغت أشدّها في عهد الإمام الحسن العسكري (علیه السّلام) ، حيث ضيّق الخناق على الإمام (علیه السّلام) وعلى شيعته ، وقطع كلّ اتّصال بينه وبينهم ؛ لأنّه كان يرتقب ولادة المهديّ الّذي بشّر به رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وبشّر به أئمّة أهل البيت (علیهم السّلام) ، وأخبروا عنه بأنّه المنقذ الّذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً ، وسيقضي على فراعنة الزّمان وجنودهم ، ويجتثّ جذورهم ويقطّع أوصالهم ، فسعى الخليفة العبّاسي إلى علاج الواقعة قبل وقوعها . والتّصدّي لها بالمنع من ولادته أو القضاء عليه بكلّ ما اُوتي من قوّة کما صنع فرعون ببني إسرائيل خوفاً من ولادة موسی(علیه السّلام) ، فما حصد سوى الخيبة والخسران، وما كان إلّا أن نشأ موسى (علیه السّلام) وترعرع في قصر فرعون وبين أحضانه بمرأى ومسمع منه ومن جنوده «قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ » (1).

فكانت ولادته عليه الصّلاة والسّلام أعظم إعجازاً من ولادة موسی بن عمران (علیه السّلام) ؛ ذلك أنّ فرعون موسي وجنوده لم يكونوا يعلمون بالبيت الّذي سيولد فيه وسيخرج منه موسی (علیه السّلام) ، ولم يعرفوا

ص: 311


1- سورة الشُّعراء : 18.

أباه ولم تُعرف لديهم شمائله ، ولهذا فقد بقروا بطون الحوامل من بني إسرائيل ، ثمّ استحيوا النّساء وذبحوا الأبناء والذّكور، بينما كان فرعون المهدي -أعني المعتمد العبّاسي - وجنوده عالمين بخصوص البيت الّذي سيولد فيه المهديُّ من آل محمّد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، يعرفون أباه بعينه ، ولم تكن تخفي عليهم شمائله وأوصافه ، فكان التّضييق عليهم أهون وفرض الرّقابة للقضاء عليه أيسر ؛ لعلمهم بأنّه التّاسع من ولد الحسين(علیه السّلام) ، والرّابع من ولد الرّضا (علیه السّلام) ، وأنّه ابن الحسن بن عليّ الهادي ، وهَلُمّ جرّاً ، لكنّ المشيئة الإلٰهيّة خيّبت آمالهم كما خيّبت ظنونهم ؛ مصداقاً لقوله تعالى في الحديث القدسي: « أَشَاءُ وَ تَشَاءُ وَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَا أَشَاءُ »(1)، « وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ »(2).

أمّا الإمام الهادي (علیه السّلام) فقد بذل بدوره عناية خاصّة في تذلیل العقبات وتيسير المقدّمات وتوفير العلل المعدّة لولادة الإمام المهدي عليه الصّلاة والسّلام ، فاختار لابنه الإمام الحسن العسكري (علیه السّلام) إحدى جواري اُخته السّيّدة حكيمة رضوان الله عليها واسمها السّيّدة

ص: 312


1- لم أجد له مصدراً .
2- سورة التّوبة : 32.

نرجس روميّة الأصل من بنات الملوك والقياصرة -كما يبدو من جملة من الأخبار - أو من سلالة بعض أوصياء عیسی بن مريم (علیهما السّلام) ، وقد أحسنت السّيّدة حكيمة تربيتها وتعليمها ، فتزوّجها الإمام الحسن العسكري (علیه السّلام)(1).

أقول: لعلّ اختيار الإمام الهادي (علیه السّلام) لهذه الجارية جاء لإخفاء ولادة الإمام الحجّة المنتظر صلوات الله وسلامه عليه ؛ لأنّ الأعداء لم يتوقّعوا ولادته من جارية ، أو لعلّ الله تبارك وتعالى جعل هذه السّيّدة في عِداد الجواري ، وقدّر ذلك ليخفي أمر ولادة وليّه (علیه السّلام) ؛ إذ « أبی اللَّهُ أَنْ يُجْرِيَ الْأُمُورِ إِلَّا بأسبابها »(2)، وسيأتي أيضاً أنّه تعالى أخفي ولادة ولیّه الأعظم بعدم إظهار الحمل على اُمّه السّيّدة نرجس (رضي الله عنها ) إلى ليلة ولادته أرواحنا فداه .

لمّا بدأت إمامة الإمام الحسن العسكري (علیه السّلام) بعد وفاة أبيه الإمام الهادي (علیه السّلام) الّذي مضى مسموماً مقتولاً شهيداً ، بدأ الشّيعة الإماميّة يبحثون عن وصيّ الحسن والحلف الحجّة من بعده ، حتّى مضت الأيّام

ص: 313


1- الغيبة للشيخ الطوسي: 214. كمال الدّين : 417.
2- شرح اُصول الكافي : 201/4 ، 234/9 . شرح الزيارة الجامعة للسيّد شبّر : 62.

والسّنون وأخذ يساورهم الشك ویراودهم التّرديد لصعوبة الاتّصال بالإمام العسكري (علیه السّلام) ، ثمّ بعد جهد جهيد كلّما دخلوا عليه سرّاً جماعة وفرادی سألوه عن الإمام والحجّة من بعده ، فيجيبهم :

«... سيرزقني اللَّهِ ولداً بِمَنِّهِ وَ لُطْفِهِ»(1)، ويتلو قوله تعالى : «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ » (2).

حتّى حملت به اُمّه السّيّدة نرجس رضوان الله عليها، وأخفى الله تبارك وتعالى ذلك عن الأعداء رغم محاولتهم البائسة للكشف عن ذلك والتّحرّي الدّائم عنه ، فلم يقف على حملها سوى الإمام الحسن العسكري (علیه السّلام) والخواصّ من شيعته ومواليه (3).

وكانت ولادته (علیه السّلام) - على المشهور - في ليلة الخامس عشر من شهر شعبان المعظّم عام 255 للهجرة، وقد هبط ساجداً لله تبارك وتعالى وسبّابتاه إلى السّماء ، وهو يتلو قوله تعالى : «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ

ص: 314


1- إثبات الوصيّة للمسعودي.
2- سورة الصّف:8.
3- كمال الدّين : 432.

قَبْلِهِمْ ...»(1) ، وقوله تعالى : «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ » (2)، فقال الإمام الحسن العسكري (علیه السّلام) : « زَعَمَتْ الظَّلَمَةُ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونِي ليقطعوا هَذَا النَّسْلِ ، فَكَيْفَ رَأَوْا قُدْرَةَ اللَّهُ ...» ، فولد الإمام المهدي المنتظر عجّل الله فرجه في تلك الظّروف العصيبة في ظلّ الرّعب والظّلم والاضطهاد.

أقول: في مثل هذه الظّروف الشّائكة لا يبقى مجال لمن طلب الدّليل القطعيّ على ولادة الإمام (علیه السّلام) ، ناهيك عن تسالم الطّائفة وإجماعها وإطباقها على ولادته(علیه السّلام) ، وهكذا الأدلّة القطعيّة على وجوده ورؤيته ومشاهدته في عصر أبيه(علیه السّلام) ، وفي عصر الغيبة الصّغرى ، وهكذا الكبرى ، كما سيأتي في محلّه إن شاء الله تعالى ، الدالّة جميعاً على أصل ولادته (علیه السّلام) ، ولا مجال معها لتشكيك المشكّكين وعناد المعاندین.

فقد تميّزت ولادته (علیه السّلام) بالخفاء أيضاً، إذ أخفاها الإمام الحسن العسكري (علیه السّلام) عن جميع النّاس إلّا أخصّ الخواصّ لديه ، وبذل في سبيل ذلك قصارى جهده ، كما فعلت اُمّ موسى وأبوه ، وعدّه الشّيخ الطّوسي (قدس سرّه) عملاً طبيعيّاً ليس الأوّل ولا الأخير من نوعه ، وأنّ له

ص: 315


1- سورة النُّور: 55.
2- سورة القصص: 5.

نظائر كثيرة في التّأريخ(1)، وعلّق عليه المرحوم المجلسي(قدس سرّه) في البحار : أنّ هذا إشارة إلى ولادة إبراهيم (علیه السّلام) وولادة موسی(علیه السّلام) (2).

أقول: لا ضير بعد هذا إن لم تردنا رواية صحيحة في خصوص مولده الشّريف للظروف العصيبة الّتي أحاطت بهم وأجبرتهم على إخفاءه فترة طويلة ، كيف وقد أسردنا روایات وأخبار صحيحة مسندة عن ولادته سلام الله عليه ، بل في ما حكيناه من قصّة ولادته (علیه السّلام) ما يجزي ويزيد. وفي الأخبار الصّحيحة والنّصوص الصّريحة الدّالّة بالمطابقة على رؤيته ومشاهدته كفاية في الدّلالة الالتزاميّة والأولويّة القطعيّة الّتي لا تقبل النّقاش على ولادته (علیه السّلام) .

مکان ولادته (علیه السّلام) :

أوردوا احتمالاتٍ أربعة في ذلك :

أوّلها : أنّه (علیه السّلام) ولد في سامرّاء ، وعاش هناك طيلة حياة والده العسكريّ (علیه السّلام).

ثانيها : أنّه ولد بمدينة سامرّاء «سُرّ من رأي » العراقيّة ، وقد اُرسل

ص: 316


1- الغيبة للطوسي : 112.
2- بحار الأنوار: ج 12 و : ج 13.

في حياة أبيه الإمام الحسن صلوات الله عليه إلى مكّة.

ثالثها : أنّه (علیه السّلام) ولد بسامرّاء ، ثمّ أرسله أبوه (علیه السّلام) إلى المدينة المنوّرة .

رابعها: أنّه ولد بالمدينة المنوّرة ، واستقرّ فيها، وكانت غيبته فيها

أيضاً.

دليل القول الأوّل :

1- رواية أبي الفضل الحسين بن الحسن العلوي : دخلت على

أبي محمّد (علیه السّلام) بسُرّ من رأى فهنّأته بسیّدنا صاحب الزّمان (علیه السّلام) لمّا ولد(1).

2- ما روي عن السيّدة حكيمة عمّة الإمام الحسن العسكري

سلام الله عليه من قصّة ولادته صلوات الله وسلامه عليه (2).

ويرد على الاُولى وأمثالها أنّها لا تدلّ بالضرورة أنّ ولادته (علیه السّلام) كانت في سامراء ، كما يرد على الثانية أنّها رويت عن السيّدة حكيمة رضوان الله علیها بألفاظ مختلفة وطرق مضطربة لا يمكن التّعويل عليها مع وجود ما يعارضها فيما يأتي إن شاء الله تعالى .

3- والطّائفة الثّالثة أخبار الرؤية والمشاهدة واللقاء بصاحب

ص: 317


1- الغيبة للطوسي: 230، 251.كمال الدّين : 634.
2- الغيبة للطوسي : 232. كمال الدّين : 429.

الأمر أرواحنا فداه بمدينة سامرّاء ، مثل قولهم: دخلنا على الإمام أبي محمّد العسكري صلوات الله عليه فأرانا الحجّة(علیه السّلام) ، وقال : «هَذَا إِمَامَكُمْ مِنْ بَعْدِي وَ خَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ ، أَطِيعُوهُ وَ لا تَتَفَرَّقُوا مِنْ بَعْدِي فَتَهْلِكُوا فِي أَدْيَانِكُمْ ، أَمَا إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَهُ بَعْدَ يَوْمِكُمْ هَذَا » ، قالوا: فخرجنا من عنده فما مضت إلّا أيام قلائل حتّى مضى أبو محمّد(علیه السّلام)(1).

وهذه و مثيلاتها أيضاً لا تدلّ بالضرورة على ولادته (علیه السّلام) بسامرّاء.

وللاستدلال على القول الثّاني يمكن التمسّك بجملة من الأخبار كالذي رواه المسعودي في إثبات الوصيّة عن الحميري عن أحمد بن إسحاق أنّه قال : دخلت على أبي محمّد (علیه السّلام) فقال لي :

«ما كانَ حَالُكُمْ فِيمَا كَانَ النَّاسُ فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ وَ الِارْتِيَابِ ؟»..

قلت : يا سيّدي ، لما ورد الكتاب بخبر سیّدنا و مولده لم يبقَ رجل

ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم إلّا قال بالحقّ؟

فقال : « أَمَّا عَلِمْتُمْ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةِ اللَّهُ ؟ »، ثمّ أمر أبو محمّد (علیه السّلام) والدته بالحجّ في سنة تسع وخمسين وماتین و عرّفها

ص: 318


1- کمال الدّين : 435.

ما يناله في سنة السّتّين ، وأحضر الصّاحب (علیه السّلام) فأوصى إليه وسلّم الاسم الأعظم والمواريث والسّلاح إليه ، وخرجت اُمّ أبي محمّد مع الصاحب جميعاً إلى مكّة ..»(1)

يظهر من هذه الرواية أنّ الشّيعة كانوا في حيرة من أمر الإمامة بعد الإمام الحسن العسكري(علیه السّلام) ، ولولا الكتاب الوارد عليهم منه سلام الله عليه لظّلوا في حيرتهم إزاء ولادة الإمام الصّاحب عجّل الله فرجه ، وأنّ ولادته روحي فداه كانت في سامرّاء ثمّ انتقل مع جدّته رضي الله عنها إلى مكّة قبل وفاة الإمام العسكري سلام الله عليه بعام واحد في الرّابعة من عمره الشّريف واستقرّ بها ، يؤيّد هذا الاحتمال ما ورد في بعض الأخبار أنّه عجّل الله فرجه مقيم بمكّة في مكان يسمّی «ذي طوى».

أمّا الاحتمالان الأخيران فقد تمسّك طائفة من الأصحاب بأدلّة عليها منها الأدلّة التّأريخيّة والروائيّة ، كالخبر المروي عن أبي هاشم الجعفري أنّه قال لأبي محمّد (علیه السّلام) : جلالتك تمنعي من مسألتك ، فتأذن لي أن أسألك ؟ فقال : «سل».

ص: 319


1- إثبات الوصيّة : 271.

قلت : يا سيّدي ، هل لك ولد ؟

فقال : «نعم».

فقلت: فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه ؟

قال : « بالمدينة» (1).

وهذا إنّما يدلّ على أنّه مقيم بالمدينة ولا دلالة فيه على مكان ولادته(علیه السّلام) ، وليس أبو هاشم ممّن يتّقيه الإمام العسكري (علیه السّلام) حتّى يُخفي عليه شيئاً، وحمل المدينة على إرادة مطلق المدينة أو على احتمال إرادة مدينة سامراء وأنّه لا يدلّ بالضرورة على المدينة المنوّرة خلاف الظّاهر لانصراف المدينة بالإطلاق، لا سيّما في تلك الأزمنة إلى المدينة المنوّرة والتبادر دليل الحقيقة.

ولهذا قال العلّامة المجلسي(قدّس سرّه) : «وَ قَالَ بِالْمَدِينَةِ أَيُّ الطَّيِّبَةِ الْمَعْرُوفَةِ ، أَوْ لَعَلَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُهُ أَوْ خَبَراً مِنْهُ فِي الْمَدِينَةِ ، وَ قِيلَ اللَّامُ لِلْعَهْدِ ، وَ الْمُرَادُ بِهَا سُرَّ مِنْ رَأْيِ ، يَعْنِي أَنَّ سفراءه مِنْ أَهْلِ سُرَّ مَنْ رَأَى يَعْرِفُونَهُ فَسَلْهُمْ عَنْهُ »(2).

يؤيّد كلامنا طائفة من الأخبار منها أنّه سُئل الإمام الجواد (علیه السّلام) :

ص: 320


1- الكافي: 328/1 .
2- مرآة العقول : 2/4.

من الخلف بعدك ؟ فقال : « ابني عليّ ، وابنا عليّ » ، ثمّ أطرق مليّاً ، ثمّ رفع رأسه ، ثمّ قال : « إِنَّها سَتَكُونُ حَيْرَةِ » ، قلت : فإذا كان ذلك فإلى أين ؟ فسكت ، ثمّ قال: «لا أين » -حتّى قالها ثلاثاً فأعدت عليه ، فقال : « إلى المدينة» ، فقلت : أي المدن ؟ فقال : «مدینتا هَذِهِ ، وَ هَلْ مَدِينَةٍ غَيْرِهَا» (1).

وكيف كان فالأدلّة كثيرة على خفاء ولادته وخفاء مكانها

ونشأته (علیه السّلام) ، كما في الكافي 341/1 ، ومرآة العقول 57/4 ، وغيرهما ، فيحتمل أن تكون ولادته في المدينة المنوّرة ، ويحتمل أن تكون بمدينة سامرّاء ، وإن كان الاحتمال الأخير -أعني ولادته بسامراء - أقرب إلى القبول ، لكنّه لا يمنع وقوع الولادة في المدينة المنوّرة ، وهذا الاختلاف ليس بغريب لا سيّما لمن اطّلع على تواريخ المسلمين ، ووقوع الخلاف بينهم في أهمّ الأحداث الإسلاميّة الّتي وقعت في صدر الإسلام.

ص: 321


1- كتاب الغيبة للنعماني : 185.

ص: 322

الدّرس الخامس والعشرون: ولادة الإمام المهدي عجّل الله فرجه

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ولد المهدي (علیه السّلام) ليلة النّصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين بسر من رأى في أيّام المعتمد.

قال المفيد:

« وَ لَمْ يُخَلِّفْ أَبُوهُ وَلَداً ظاهِراً وَ لا بَاطِناً غَيْرِهِ ، وَ خَلْفَهُ غَائِباً مُسْتَتِراً ، وَ كَانَتْ سِنُّهُ عِنْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ خَمْسِ سِنِينَ ، آتَاهُ اللَّهُ فِيهَا الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ ، وَ جَعَلَهُ آيَةً لِلْعالَمِينَ ، وَ آتاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ كَمَا آتاها يَحْيَى ( علیه السَّلَامُ ) صَبِيًّا ، وَ جَعَلَهُ إِمَاماً فِي حَالِ الطّفوليّة الظَّاهِرَةِ ، كَمَا جَعَلَ عیسی بْنِ مریم ( علیه السَّلَامُ ) فِي الْمَهْدِ نَبِيّاً »(1).

ص: 323


1- الإرشاد: 2/ 339.

وروى الصّدوق في كمال الدّین(1)، والكليني في الكافي ، ودلائل الإمامة (2)، والشّيخ في كتاب الغيبة(3) بألفاظ متقاربة عن بشر بن سليمان النّخّاس وهو من ولد أبي أيّوب الأنصاري وأحد موالي أبي الحسن وأبي محمّد العسكريّين وجارهما بسر من رأى ، قال : كان مولانا أبو الحسن علي بن محمّد العسكري (علیهما السّلام) فقّهني في أمر الرّقيق ، فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلّا بإذنه ، فاجتنبت بذلك موارد الشّبهات حتّى كملت معرفتي فيه ، فأحسنت الفرق فيما بين الحلال والحرام ، فأتاني ليلة كافور الخادم فقال : مولانا أبو الحسن عليّ بن محمّد العسكري يدعوك ، فأتيته ، فقال لي: «یا بَشَرٍ ، إِنَّكَ مِنْ وُلْدِ الْأَنْصَارُ ، وَ هَذِهِ الْوَلَايَةِ لَمْ تَزَلْ فِيكُمْ يَرِثُهَا خَلَفٍ عَنْ سَلَفَ ، فَأَنْتُمْ ثِقَاتُنَا أهل البيت ، وَ إِنِّي مزکّيك ومشرّفك بفضيلة تَسْبِقُ بِهَا شأو الشِّيعَةِ فِي الْمُوَالَاةِ بِهَا : بُسْرٍّ أَطْلَعَكَ عَلَيْهِ وأنفذك فِي ابتیاع أَمَةً»، فكتب كتاباً ملصقاً بخطّ رومي ولغة روميّة ، وطبع عليه بخاتمه ، وأعطاني مائتين وعشرين ديناراً ، فقال : « خُذْهَا وَ تَوَجَّهْ بِهَا إِلَى بَغْدَادَ ، وَ احْضُرْ مَعْبَرَ الْفُرَاتِ ضَحْوَةَ يَوْمَ كَذَا ، فَإِذَا وَصَلَتْ إِلَى جَانِبِكَ

ص: 324


1- كمال الدّين : 418.
2- دلائل الإمامة : 495.
3- الغيبة للطوسي : 208.

زَوَارِقُ السَّبَايَا وَ بَرْزَنُ السَّبَايَا مِنْهَا فَسَتَحْدِقُ بِهِنَّ طَوَائِفُ المبتاعین مِنْ وُكَلَاءِ قُوَّادُ بَنِي الْعَبَّاسِ وَ شِرْذِمَةٍ مِنْ فِتْيَانِ الْعَرَبِ، فَأَشْرِفْ مِنَ الْعَبْدِ عَلَى الْمُسَمَّى عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ النَّخّاسِ عَامَّةَ نَهَارِكَ إِلَى أَنْ تَبْرُزَ جَارِيَةُ صِفَتُهَا كَذَا وَ كَذَا ، لَابِسَةً حريرتين صفيقتين تَمْتَنِعُ مِنَ الْعَرْضَ وَ لَمَسَ الْمُعْتَرِضُ ، وَ تَسْمَعُ صَرْخَةً رُومِيَّةٍ مِنْ وَرَاءِ سَتَرَ رقیق فَاعْلَمْ أَنَّهَا تَقُولُ : وَا هَتَكَ ستراه ، فَيَقُولُ بَعْضِ الْمُبْتَاعِينَ عَلِيِّ بِثَلَاثِمِائَةِ دینار فَقَدْ زَادَنِي الْعَفَافُ فِيهَا رَغْبَةٍ ، فَتَقُولُ لَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ لَوْ بَرْزَةَ فِي زِيِّ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ وَ عَلَى شِبْهِ ملکه مَا بَدَتْ فِيكَ رَغْبَةٍ ، فَأَشْفَقَ عَلَى مَالِكَ ، فَيَقُولُ النَّخَّاسِ : فَمَا الْحِيلَةُ وَ لَا بُدَّ مِنْ بَيْعَكَ ، فَتَقُولُ الْجَارِيَةِ : وَ مَا الْعَجَلَةِ لَا بُدَّ مِنْ اخْتِيَارِ مبتاع يَسْكُنُ قَلْبِي إِلَيْهِ وَ إِلَى وَفَائِهِ وَ أَمَانَتِهِ . فَعِنْدَ ذَلِكَ قُلْ لَهُ : أَنَّ مَعَكَ كِتَاباً مُلْصِقاً لِبَعْضِ الْأَشْرَافِ بِلُغَةٍ رُومِيَّةٍ وَ وَصَفَ فِيهِ کرمه وَ وَفَاءَهُ وَ نُبْلَهُ وسخاءه ، فَنَاوِلْهَا لِتَتَأَمَّلَ مِنْهُ أَخْلَاقَ صَاحِبِهِ ، فَإِنْ مَالَتْ إِلَيْهِ وَ رَضِيَتْهُ فَأَنَا وَكِيلُهُ فِي ابْتِيَاعِهَا ».

قال بشر: فامتثلت جميع ما حدّلي مولاي أبو الحسن (علیه السّلام) ، نظرت في الكتاب بكت بكاء شديداً وقالت له : بِعني من صاحب هذا الكتاب ، وحلفت بالمحرجة والمغلّظة إنّه متى امتنع عن بيعها منه قتلت نفسها ، فما زلت أشاحه في ثمنها حتّى استقر الأمر على مقدار ما كان أصحبنیه مولاي من الدّنانير فاستوفاه و تسلّمتُ الجارية ضاحكة

ص: 325

مستبشرة ، وانصرفتُ بها إلى حجرتي ببغداد ، فما أخذها القرار حتّى أخرجتُ کتاب مولانا من جبينها وهي تلثمه وتطبقه على جفنها وتضعه على خدّها و تمسحه على بدنها.

فقلت : تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه ؟

فقالت : أيّها العاجز الضّعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء أعرني سمعك ، وفرّغ قلبك ، أنا مليكة بنت یشوعا بن قيصر الرّوم ، واُمّي من ولد الحواريّين تنسب إلى وصيّ المسيح شمعون ، اُنبئك بالعجب إنّ جدّي قیصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا بنت ثلاث عشرة سنة ، فجمع في قصره من نسل الحواريّين من القسّيسين والرّهبان ثلاثمائة رجل ، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل ، ومن اُمراء الأجناد وملوك العشائر أربعة آلاف ، وأبرز من بهي ملکه عرشاً مصوغاً من أصناف الجواهر ورفعه فوق أربعين مرقاة ، صعد ابن أخيه وأحدقت الصّلب وقامت الأساقفة عكفا ونشرت أسفار الإنجيل تساقطت الصّلبان من الأعلى فلصقت بالأرض ، و تقوّضت أعمدة العرش ، وخرّ الصّاعد إلى العرش مغشياً عليه ، فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم .

فقال كبيرهم لجدّي : اعفنا أيّها الملك من ملاقاة هذه النّحوس

ص: 326

الدّالّة على زوال هذا الدّين ، فتطيّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً وقال للأساقفة : أقيموا هذه الأعمدة ، وارفعوا الصّلبان، وأحضروا أخا هذا المدبّر العاثر المنكوس جدّه لأزوّجه هذه الصّبيّة فيدفع نحوسه عنكم بسعوده ، ولمّا فعلوا ذلك حدث على الثّاني مثل ما حدث على الأوّل ، وتفرّق النّاس ، وقام جدّي مغتّماً، ورأيت في تلك اللّيلة كأنّ المسيح وشمعون وعدّة من الحواريّين قد اجتمعوا في قصر جدّي ونصبوا فيه منبراً من نور يباري السّماء علوّاً في الموضع الّذي كان نصب جدّي فيه عرشه ، ودخل عليه محمّد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وختنه ووصيّه و عدّة من أنبيائه ، فتقدّم المسيح (علیه السّلام) إليه فاعتنقه فيقول له محمّد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : « یا رُوحَ اللَّهُ ، إِنِّي جِئْتُكَ خَاطِباً مَنْ وَصِيُّكَ شَمْعُونُ فتاته مُلَيْكَةَ لِابْنَيْ هَذَا» ، وأومأ بيده إلى أبي محمّد (علیه السّلام) ابن صاحب هذا الكتاب ، فنظر المسيح إلى شمعون وقال له : أتاك الشّرف فصل رحمك ، وشهد أبناء محمّد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والحواريّين ، فلمّا استيقظت أشفقت أن أقصّ هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل ، وضرب صدري بمحبّة أبي محمّد (علیه السّلام) حتّى امتنعت من الطّعام والشّراب ، ومرضت مرضاً شديداً ، فما بقي في مدائن الرّوم طبيب إلّا أحضره جدّي ، فلمّا برح به اليأس قال : یا قرّة عيني ، هل تشتهين شيئاً ؟ فقلت: يا جدّي ، لو كشفت العذاب عمّن في سجنك من اُسارى المسلمين ، وتصدّقت عليهم رجوت أن

ص: 327

یهب المسيح واُمّه لي عافية ، ففعل ذلك ، فتجلّدت في إظهار الصحّة ، وتناولت يسيراً من الطّعام ، فسرّ بذلك ، وأقبل على إكرام الاُسارى ، فرأيت أيضاً بعد أربع عشرة ليلة كأن سيّدة النّساء فاطمة قد زارتني ومعها مريم بنت عمران ، وألف من وصائف الجنان فتقول لي مريم : هذه سيّدة النّساء اُمّ زوجك أبي محمّد ، فأتعلّق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمّد من زيارتي .

فقالت: «إِنَّ ابْنِي لَا يزورك وَ أَنْتِ مُشْرِكَةُ ، وَ هَذِهِ أُخْتِي مَرْيَمَ تَبَرَّأُ إِلَى اللَّهِ مِنْ دَيْنِكَ ، فَقُولِي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنْ أَبِي مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )» ، فلمّا قلت ذلك ضمّتني إلى صدرها ، وطيّبت نفسي ، وقالت: « الْآنَ توقعي زیارة أَبِي مُحَمَّدٍ » ، فلمّا كان في اللّيلة القابلة رأيت أبا محمّد وكأنّي أقول له : جفوتني يا حبيبي بعد أن أتلفت نفسي معالجة حبّك .

فقال : «ما كانَ تَأَخَّرِي عَنْكَ إِلَّا لشركك ، وَ إِذْ قَدْ أَسْلَمَتْ فَإِنِّي زَائِرُكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إِلَى أَنْ يَجْمَعُ اللَّهُ شَمْلَنَا فِي الْعِيَانِ »، فما قطع عنّي زیارته بعد ذلك إلى هذه الغاية . قال بشر: فقلت لها : وكيف وقعت في الاُسارى ؟ فقالت : أخبرني أبو محمّد ليلة من اللّيالي : «أَنَّ جَدِّكَ سيسیر جَيْشاً إِلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ كَذَا وَ كَذَا ، فَعَلَيْكَ بِاللِّحَاقِ بِهِمْ مُتَنَكِّرَةً فِي زِيِّ الْخَدَمِ مِنْ طَرِيقِ كَذَا » ، ففعلت فوقعت علينا طلائع

ص: 328

المسلمين ، فكان من أمري ما رأيت ، وما شعر بأنّي ابنة ملك الرّوم أحد سواك ، ولقد سألني الشّيخ الّذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت : نرجس ، فقال : اسم الجواري قال : العجب إنّك روميّة ولسانك عربي ؟

قلت: بلغ من لوع جدّي وحمله إيّاي على تعلّم الآداب أن أوعز

إلى امرأة ترجمان له بلا اختلاف إليَّ وتعليمي العربيّة .

قال بشر: فلمّا دخلت على مولاي أبي الحسن(علیه السّلام) قال لها: «كَيْفَ أَرَاكَ اللَّهُ عِزُّ الْإِسْلَامِ وَ شَرَّفَ مُحَمَّدٍ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ؟»..

قالت : كيف أصف لك يابن رسول الله ما أنت أعلم به منّي.

قال : «فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَكْرَمَكَ ، فَأَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَمْ بُشْرى لَكَ بشرف الْأَبَدِ ؟ » . قَالَتْ : بَلِ الشَّرَفِ.

قال : « فَأَبْشِرِي بِوَلَدٍ يَمْلِكُ الدُّنْيَا شَرْقاً وَ غَرْباً ويملؤ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً ». قالت : ممّن ؟

قال : « ممّن خطبك رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وهل تعرفينه ؟». قالت : وهل خلت ليلة لم يزرني فيها منذ أسلمت على يد سيّدة النّساء ؟

فقال : « یا کافور ، ادْعُ أُخْتِي حکيمة » ، فلمّا دخلت قال لها: «هاهية» ، فاعتنقتها طويلاً وسرّت بها ، فقال لها أبو الحسن (علیه السّلام) :

ص: 329

« یا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ ، خذيها إِلَى مَنْزِلِكَ وعلميها الْفَرَائِضِ وَ السُّنَنِ فَإِنَّهَا زَوْجَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ وَ أُمِّ الْقَائِمِ ( علیه السَّلَامُ ) »..

وقال عليّ بن الحسين المسعودي في كتاب إثبات الوصيّة لعليّ بن أبي طالب (علیه السّلام): روى لنا الثّقات من مشايخنا أنّ بعض أخوات أبي الحسن عليّ بن محمّد الهادي (علیه السّلام) كانت له جارية ولدت في بيتها وربّتها تسمّی نرجس ، فلمّا كبرت وعبلت دخل أبو محمّد الحسن العسكري (علیه السّلام) فنظر إليها فأعجبته ، فقالت له عمّته : أراك تنظر إليها ؟

فقال(علیه السّلام) : « إِنِّي مَا نَظَرَتْ إِلَيْهَا إِلَّا مُتَعَجِّباً أَمَّا أَنَّ الْمَوْلُودَ الْكَرِيمِ عَلَى اللَّهِ جَلَّ وَ عَلَا يَكُونُ مِنْهَا » ، ثمّ أمرها أن تستأذن أبا الحسن في دفعها إليه ففعلت ، فأمرها بذلك.

وروى الصّدوق في كمال الدّین بسنده عن المطهّري عن حكيمة بنت الإمام محمد الجواد (علیه السّلام) قالت : كانت لي جارية يقال لها نرجس ، فزارني ابن أخي ( يعني الحسن العسكري (علیه السّلام) ) وأقبل يحدّ النّظر إليها ، فقلت له: يا سيّدي ، لعلّك هويتها فأرسلها إليك ؟

فقال: « لا یا عَمَّةٍ لَكِنْ أَتَعَجَّبُ مِنْهَا سَيَخْرُجُ مِنْهَا وَلَدُ کریم علی اللَّهِ عَزَّ وَجَلِ الَّذِي يملؤ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ عَدْلًا وقسطأ كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً ». .

فقلت : فأرسلها إليك يا سيّدي ؟

ص: 330

فقال : استأذني أبي ، فأتيت منزل أبي الحسن (علیه السّلام) فبدأني وقال : «یا حکيمة ابْعَثِي بنرجس إِلَى ابْنِي أَبِي مُحَمَّدٍ ».

فقلت : يا سيّدي ، على هذا قصدتك.

فقال : « یا مُبَارَكَةٍ ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَحَبَّ أَنْ يشركك فِي الْأَجْرِ»، فزيّنتها ووهبتها لأبي محمّد (علیه السّلام) ، فضي أبو الحسن (علیه السّلام) وجلس أبو محمّد (علیه السّلام) مكانه ، فكنت أزوره كما كنت أزور والده ، فجاءتني نرجس يوماً تخلع خفّي وقالت: يا مولاتي ، ناوليني خفّك ؟

فقلت: بل أنت سيّدتي ومولاتي ، والله لا دفعت إليك خفّي ، ولا خدمتني ، بل أخدمك على بصري ، فسمع أبو محمّد (علیه السّلام) ذلك فقال :

«جَزَاكَ اللَّهُ خَيْراً يَا عَمَّةٍ » ، فلمّا غربت الشّمس صحتُ بالجارية :

ناوليني ثيابي لأنصرف.

فقال : «یا عمتاه ، بَيْتِي اللَّيْلَةِ عِنْدَنَا ، فَإِنَّهُ سَيُولَدُ اللَّيْلَةِ الْمَوْلُودِ الْكَرِيمِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلِ الَّذِي يُحْيِيَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ».

وفي رواية اُخرى في كمال الدّين (1) أنّه بعث إليها فقال : « یا عَمَّةٍ . اجْعَلِي إِفْطَارِكَ اللَّيْلَةِ عِنْدَنَا ، فَإِنَّهَا لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى سَيَظْهَرُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْحُجَّةُ فِي أَرْضِهِ ».

ص: 331


1- كمال الدّين : 424.

فقالت : ومن اُمّه ؟

قال : « نرجس ». قالت له : والله جعلني الله فداك ، ما بها أثر ؟

فقال : «هو ما أقول لك». قالت : فجئت ، فلمّا سلّمت وجلست جاءت تنزع خفّي وقالت لي: يا سيّدتي ، كيف أمسيت ؟ فقلت : بل أنت سيّدتي وسيّدة أهلي ، فأنكرت قولي وقالت: ما هذا يا عمّة ؟ فقلت : يا بنيّة ، إنّ الله سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيّداً في الدّنيا والآخرة ، فجلست واستحيت ، ثمّ قال لي أبو محمّد(علیه السّلام) : «إِذَا كَانَ وَقْتُ الْفَجْرِ يَظْهَرُ لَكَ بِهَا الْحَبَلَ لِأَنَّ مَثَلُهَا مَثَلُ أُمِّ مُوسَى لَمْ يَظْهَرْ بِهَا الْحَبَلِ ، وَ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَحَدُ إِلَى وَقْتِ وِلَادَتِهَا ؛ لِأَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يَشُقُّ بُطُونِ الْحِبَالِی فِي طَلَبِ مُوسى ، وَ هَذَا نظیر مُوسى ( علیه السَّلَامُ ) .

قالت حكيمة : فلمّا فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعي ، فرقدت ، فلمّا كان في جوف اللّيل قمت إلى الصّلاة ، ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث ، ثمّ جلست معقّبة ، ثمّ انتبهت وهي راقدة ، ثمّ قامت فصلّت ، فدخلتني الشّكوك . فصاح أبو محمّد من المجلس : « لا تعجلي يَا عَمَّةٍ ، فَإِنَّ الْأَمْرَ قَدْ قُرْبٍ » . فقرأت أم السّجدة ويس ، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة ، فوثبت إليها ، فقلت : اسم الله عليك ثمّ قلت : تحسّين شيئاً ؟ قالت : نعم،

ص: 332

فقلت لها : اجمعي نفسك واجمعي قلبك ، ثمّ أخذتني فترة وأخذتها فترة ، فانتهت بحسّ سيّدي ، فكشفت الثّوب عنه فإذا به ساجد يتلقّى الأرض بمساجده ،فضممته إليَّ ، فإذا به نظيف منظّف ، فصاح بي أبو محمّد (علیه السّلام): « هَلُمِّي إِلَى ابْنِي يَا عَمَّةٍ » ، فجئت به إليه ، فوضع يده تحت إليتيه وظهره ، ووضع قدميه على صدره ، ثمّ أدلى لسانه في فيه ، وأمرّ يده على عينه وسمعه ومفاصله.

ثمّ قال : « تكلّم يا بُني ؟ »

فقال : «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، ثمّ صلّى على أمير المؤمنين و على الأئمّة إلى أن وقف على أبيه ، ثمّ أحجم ، فلمّا أصبحت جئت لاُسلّم على أبي محمّد فافتقدت سيّدي فلم أره ، فقلت : جعلت فداك ، ما فعل سيّدي ؟ فقال: «استودعناء الّذي استودعته اُمّ موسی» ، فلمّا كان اليوم السّابع جئت فقال : هلمّي إلى ابني ، ففعل به کالأوّل ، ثمّ أدلى لسانه في فيه كأنّه يغذیه لبناً أو عسلاً، ثمّ قال : « تكلّم يا بُنيّ ؟ »

فقال : « أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ، وثنّى بالصلاة على محمّد وعلى أمير المؤمنين والأئمّة (علیهم السّلام) حتّى وقف على أبيه ، ثمّ تلا هذه الآية: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً

ص: 333

وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ » (1).

وروى الصّدوق في كمال الدّين أيضاً أنّ أبا محمّد (علیه السّلام) أمر أن يشتری عشرة آلاف رطل خبزاً و عشرة آلاف رطل لحماً ويفرَّق ، وعقّ عنه بكذا وكذا شاة : عن أبي جعفر العمري ، قال : لمّا ولد السيّد(علیه السّلام) قال أبو محمّد (علیه السّلام) : « ابعثوا إلى أبي عمرو» ، فبعث إليه ، فقال له: « اشْتَرِ عَشَرَةَ آلَافِ رِطْلِ خُبْزاً وَ عَشَرَةَ آلَافِ رِطْلِ لَحْماً وَ فَرِّقْهُ - أَحْسَبُهُ قَالَ عَلِىُّ بْنِ هَاشِمٍ - وَ عُقَّ عَنْهُ بِكَذَا وَ كَذَا شَاةٍ» (2).

شبهات و ردود

* الحكاية الّتي أوردتها عن السّيّدة اُمّ الإمام صاحب الزّمان (علیه السّلام) وقصّة زواجها بالإمام العسكري صلوات الله عليه ، وقصّة ولادة الإمام المهدي عجّل الله فرجه المرويّة عن السّيّدة

حكيمة اُخت الإمام الهادي (علیه السّلام) وعمّة الإمام العسكري (علیه السّلام) .

ألا ترى أنّها أشبه بالقصص الخياليّة والأساطير ؟

ص: 334


1- سورة القصص : 5 و 6.
2- کمال الدّين : 431.

* منذ أكثر من ألف عام ومذهب الحقّ يواجه من جهلة هذه الاُمّة وسفلتها مثل هذه الطّعنات والافتراءات ، وطيلة هذه الفترة لم تسلم الفِرقة النّاجية من سهام الحقد المسمومة بأقذع الأباطيل ، وقد امتلئت بطون کتب الضّلال منها ، ولا عجب من ذلك إذ قال تعالى : «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ » (1)؟ فأهل الباطل حين يجدون أنفسهم مهزومين أمام منطق الحقّ عاجزين عن مواجهة سلاح البرهان الّذي لا يقاومه أفتك السّلاح ، لا جرم يلجأون إلى إحدى الجريمتين في محاولة يائسة لمواجهة الحقّ وأهله ، و تبرير ما هم عليه من الضّلال ، فتارةً يتوسّلون بالإفتراء عليهم بأن يلبسوا الحقّ بالباطل فينسبوا إلى أهل الحقّ ما هم منه براء ، أو يتلاعبوا في الحقيقة بإلغاء شبهات تلتبس على العوامّ والسّذّج من النّاس ، وتارة اُخرى يتربّصون بهم الدّوائر بالقتل والتّهديد والمطاردة والتّشريد، وفي سيرة أهل الباطل إزاء الأنبياء والأولياء ما يكفينا مؤونة التّطويل ، وقد لجأ أعداؤنا منذ صدر الإسلام إلى كلا الاُسلوبين واقترف في حقّنا كلتا الجريمتين ، وهذه كتبهم تشهد عليهم ، وفتاواهم تنطق بما لديهم ، وهي دينهم وديدنهم يتفاخرون ويتبجّحون بها «وَتَحْسَبُونَهُ

ص: 335


1- سورة النّساء: 54.

هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ »(1)؛ إذ لا يرقبون في مؤمن إلّاً ولا ذمّة ، «وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا » (2)، فلم يزد قمعهم الفكري و تصفياتهم الجسديّة أهل الحقّ إلّا صلابة في الدّين وقوّة في البرهان واليقين ، وما ازداد الحقّ بتلك الممارسات القمعيّة الوحشيّة والأساليب البربريّة إلّا عزّاً وانتصاراً وانتشاراً ، وما خُیّل إليهم أنّه نقمة على أهل الحقّ، غدا نعمة لهم أثارت حفيظة المنصفين والمستضعفين وأصحاب الضّمائر ، فانقلب السّحر على السّاحر حين وعى هؤلاء وما أكثرهم - إلى عمق المأساة الّتي يعانيها أهل الحقّ فتعاطفوا معهم ومالوا إليهم.

وكيف كان فالاُمم السّابقة رمت الأنبياء بمثل هذه التُّهم ، کما رمت هذه الاُمّة نبيّها(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بأن ما يخبر عنه من أحوال الآخرة وأهوال يوم القيامة والحشر والنشر والحساب وغير ذلك كلّها أساطير الأوّلين ، وقد رماه بعض أصحابه وهو يحتضر في رمقه الأخير قائلاً : « دَعَوْا الرَّجُلُ فَإِنَّهُ ليهجر » (3)، أي يهذي ولا يفقه ما يقول ، فإذا

ص: 336


1- سورة النُّور: 15.
2- سورة الكهف : 104.
3- عمر بن الخطّاب لعبد الرحمن البكري : 64، سرّ العالمين وكشف و ما في الدارين 316/1 ، مسند أحمد 343/3 . وفي رواية اُخرى : « إنّ نبي الله ليهجر » فتح الباري : 101/8 ، الطبقات الكبری: 242/2 ، عمر بن الخطّاب للبكري: 66. وبلفظ ثالث : « إنّما يهجر رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، الطبقات 37/2 . وفي رابع : « إنّ الرجل ليهجر » صحیح مسلم: 1259/3 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 55/2 و 51/6 ، الملل والنحل للشهرستاني: 92/1 ، المسند للحميري : 241/1 ، طبقات ابن سعد: 36/2 و 37، مسند أحمد : 293 و 355 ، صحيح البخاري : 39/1 و 85/6 و 125 ، المعجم الكبير للطبراني : 445/11 ، شرح السنّة للبغوي: 180/11 ، تاریخ ابن الأثير :2/ 320.

كان رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لم يسلم من تلك الأراجيف والاتّهامات وهي سُنّة الحياة ، فما بالنا نعجب إذا كالوا إلينا مثلها ، بل أقبح منها؛ إذ لا غرابة حينئذٍ في ذلك بل خلافه يثير الدّهشة والاستغراب.

أمّا هذه الحكاية بتفاصيلها فما الغريب فيها ؟ وما المحال فيها ؟ ولو رجعت إلى سيرة الأنبياء وكتب الحديث عند الفريقين لوجدت أدهش من ذلك ، بل في كتب القوم عن بعض علمائهم أو الصّحابة قصص عجيبة ، ولبعضهم حکایات غريبة لم يتعرّضوا لها بالطعن والاستغراب ولو أردنا سردها لطال بنا الكلام وخرج الكتاب عن حدوده المرسومة له، ويكفيك الرّجوع إلى ما يروونه للبخاري

ص: 337

والكيلاني وأمثالهما من أعاجيب الحکایات ، على أنّ ما في القرآن الكريم من قصّة السّيّدة مريم (علیها السّلام) وولادة عيسى صلوات الله عليه ممّا هو خلاف المألوف أعجب منها، وهكذا في قصّة يوسف (علیه السّلام) و موسی (علیه السّلام) وزکریا و یحیی (علیهما السّلام) و داود وسلمان (علیهما السّلام) ما يغنينا مؤونة الاستدلال والتّحقيق ، ولو رجعت إلى قصص الأنبياء في كتب القوم لرأيت العجب العجاب ممّا لا تألفه عادة عقول السّذّج والبلهاء ، فهل يجوز لهم ما يحرم لغيرهم ؟ وهل باؤهم تجرّ وباء غيرهم لا تجر ؟ وهل يجوز لمنكر الرّسالات السّماويّة وبعثة الأنبياء وأهل العناد والكفر أن يطعنوا على المسلمين وعلى أهل الكتب السّماويّة بأنّ ما جاء فيها من قصص الأنبياء كلّها أساطير لا تقبلها عقولنا لمجرّد أنّها مخالفة للمألوف عندهم ، فيسخرون منها ومنهم ؟! ولكن هي شنشنة في صدور القوم وضغائن أمويّة على أهل بيت النّبوّة وشيعتهم ، وليست هذه أوّل قارورة كسرت في الإسلام ، « فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ » (1).

ص: 338


1- سورة الزُّمر : 17 و 18.

الدّرس السّادس والعشرون: إمامة الإمام المهدي عجّل الله فرجه

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

لقد اتّفقت كلمة المسلمين ولم يختلف اثنان منهم على الاعتقاد بخروج المهدي (علیه السّلام) في آخر الزّمان ، وأنّه من قريش ، ومن بني هاشم، ومن ذرّيّة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وبالتحديد أنّه من ولد عليّ وفاطمة عليهما الصّلاة والسّلام ، وأنّ اسمه كاسم النّبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، والأحاديث في ذلك متواترة عند الشّيعة والسّنّة ، كما هو معلوم عند من تصفّح الأحاديث والأخبار الّتي سنعرض في هذا الدّرس شيئاً منها، ويشتمل بعضها على أكثر روایات أهل السّنّة ، مع أنّ ما تركناه منها قصداً للاختصار -لاسيّما روايات الشّيعة - أضعاف ما ذكرناه ، فالاعتقاد بالمهدي (علیه السّلام) هو من ملّة الإسلام و متواتراته ، بل من ضروريّاته الّتي لا مجال لمناقشته ، ولا خلاف فيه بين كافّة المسلمين ، وإنّما اختلفوا في اُمور:

ص: 339

أوّلاً: هل ولد أم سيولد ؟

ثانياً: ما اسم أبيه ؟

ثالثاً: في بعض علامات ظهوره .

رابعاً: في جملة من أوصافه.

فالشيعة وجماعة من علماء أهل السّنّة على أنّه ولد، وأنّه الإمام

محمّد بن الحسن العسكري (علیهما السّلام) .

بينما أكثر السّنّة على أنّه لم يولد بعد و سيولد ، وأنّ اسمه محمّد بن عبدالله .

وقد استعرضنا وجوه الخلاف بينهم في مباحث عدّة في الدّروس

السّابقة عند تعرّضنا لمصادر المسلمين.

والأدلّة على إمامته روحي له الفداء كثيرة جدّاً تفوق حدّ التّواتر اللّفظي والمعنوي من جهة الخاصّة والعامّة بالأدلّة العقليّة والنّقليّة ؛ إذ كلّ ما دلَّ على إمامة آبائه الطّاهرین صلوات الله عليهم فهو دالّ بالدلالة القطعيّة والالتزاميّة على إمامته صلوات الله عليه ، ومنها ما يدلّ بالدلالة المطابقیّة على إمامته (علیه السّلام) ، كحدیث «مِنْ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةَ ، وَكَّلَهُمْ مِنْ قریش »، الّذي أطبقت عليه الخاصّة والعامّة ، وحديث السّفينة ، وحديث اللّوح ، وحديث الثّقلين ، وحدیث

ص: 340

أهل بيتي كالنجوم ، وحديث الكساء وغيرها ممّا أجمع على نقلها الفريقان. أضف إلى ذلك الأدلّة العقليّة من وجوب نصب إمام حجّة معصوم في كلّ زمان ، وغيرها من الأدلّة الّتي سقنا شطراً منها في مبحث الإمامة من هذا الكتاب ، وفي الكتب المفصّلة الّتي عقدت للبحث عن اُصول العقائد والإمامة ، وما اختصّ منها للبحث عن المهدي عجّل الله تعالی فرجه ما يكفي ويزيد ، ويغني عمّا سواها لمن ألقى السّمع وهو شهيد ، وللّذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه .

وكيف كان فالحقّ ولادة الإمام المهدي عجّل الله فرجه وحياته .

ودليلنا على ذلك العقل والنّقل معاً، وحينئيذٍ فلا يلتفت إلى شبهات المغرضين و تشكيك المشكّكين ؛ لأنّ إلقاء الشّبهات وإثارة الشّكوك خلاف لدليل العقل ودليل النّقل ، كما سيتّضح جليّاً في هذا الدرّس إن شاء الله تعالى.

1- دليل العقل

والدّليل العقلي عبارة عن حكم العقل القطعي بوجوب اللّطف من الله تعالى ؛ إذ كتب الله تعالى على نفسه اللّطف بعباده ، وهو فعل ما يقرّب العبد إلى الطّاعة ، ويبعّده عن المعصية ، بحيث يلزم منه إزاحة العلّة لارتكاب المعصية ، وقطع المعذرة للعاصي ، من غير أن يصل إلى حدّ الإجبار والإكراه على الطّاعة وسلب الاختيار من العبد المكلّف ،

ص: 341

« لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ »(1)، بل تكون له الحجّة البالغة عليهم «قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ» (2).

فالعقل حاکم بوجوب إرسال الرُّسل وبعثة الأنبياء ليبيّنوا للنّاس ما أراد الله تعالى منهم من التّكاليف المقرّبة من الخير ، والمبعّدة عن الشّرّ ، ويحكموا بينهم بالعدل.

ويشترط في هؤلاء الأنبياء والرُّسل صلوات الله عليهم أجمعين أن

يكونوا معصومين من الخطايا والذّنوب ، مبرّئين من النّقائص والعيوب ، منزّهين من القبائح ، وذلك لتقبل أقوالهم و تقع في النّفوس المستعدّة ، وتنجذب إليها القلوب الطّيّبة ، ويُؤمن منهم الكذب والتحريف.

والعقل حاكم أيضاً بوجوب نصب أوصياء لهم ، وخلفاء ينوبون عنهم ويخلّفونهم من بعدهم ، يقومون مقامهم في حفظ الشّريعة وإبلاغها للناس ، ونفي التّحريف والتّبديل عنها ، والحكم بين النّاس بالعدل وشريعة السّماء ، بإنصاف المظلوم من الظّالم ، وإحقاق الحقّ . وإيطال الباطل ، ونشر الحكمة والفضيلة ، وإقامة العوج ، وتوحيد

ص: 342


1- سورة النّساء : 165.
2- سورة الأنعام: 149.

الصّفوف ، والدّفاع عن بيضة الإسلام ، ودفع كيد الأعداء إلى نحورهم.

ويشترط فيهم أيضاً أن يكونوا معصومین عمّا عصم منه الأنبياء والرُّسل ، لنفس العلّة الّتي وجب عصمة الأنبياء (علیهم السّلام) ، وبذات الدّليل الّذي دلّ على عصمتهم ، وقد بحثنا ذلك في الحلقة الاُولى من كرّاسنا المسمّی (كيف نفهم الرّسالة العمليّة ؟)، ولقوله تعالى ردّاً على إبراهيم الخليل عليه الصّلاة والسّلام حين قال تعالى :«إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا » ، فقال الخليل عليه الصّلاة والسّلام : « وَمِنْ ذُرِّيَّتِي» أي اجعل الإمامة في ذرّيّتي ، فأجابه الحكيم جلّ وعلا: «لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ » (1)، وكلّ من لم يكن معصوماً جازت عليه المعصية . والمعصية ظلم، وعهد الله تعالى وهي الإمامة على الناس لا يناله

الظالم ، سواء كان ظالماً لنفسه أو لغيره.

ويجب أن يكونوا منصوبين من عند الله تعالى ، منصوصاً عليهم من

النّبيّ الّذي استخلفهم على الاُمّة والنّاس ؛ لأنّ العصمة:

أوّلاً : من الاُمور الخفيّة والأسرار الّتي لا يطّلع عليها إلّا الله تعالى. وثانياً: لأنّ إيكال ذلك إلى النّاس يؤدّي إلى الهرج والمرج ،

ص: 343


1- سورة البقرة: 124.

والنّزاع ، والاختلاف ، وحصول الفساد.

وثالثاً : للزوم أن يكون أكمل النّاس على الإطلاق يحتاج إليه كل واحد من أهل زمانه ، ويكون غنياً عنهم جميعاً في كلّ ما تدور عليه رحى الدّين والدّنيا ، وهذا لا يتمّ إلّا بالاختيار والنّصب الإلٰهيّن . وفي كتاب السّياسة المدنيّة للفارابي المبحوث فيه أنواع المدينة . وأقسام الحكومات ، وشروط المدينة الفاضلة ، وآراء أهلها وأخلاقهم ، قال : « الرّئيس الأوّل من هو على الإطلاق ، هو الّذي لا يحتاج في شيء أصلاً أن يرأسه إنسان ، بل يكون قد حصلت له العلوم والمعارف بالفعل ، ولا تكون به حاجة في شيء إلى إنسان یرشده ، و تكون له قدرة على وجوه إدراك شيء ممّا ينبغي أن يعمل من الجزئيات ، وقوّة على جودة الإرشاد لكلّ من سواه إلى كلّ ما يعمله ، وقدرة على استعمال كلّ من سبيله أن يعمل شيئاً ما في ذلك العمل الّذي هو معدّ نحوه ، وقدرة على تقدير الأعمال و تحديدها نحو السّعادة جودة ، وإنّما يكون ذلك في أهل الطّبائع العظيمة الفائقة إذا اتّصلت نفسه بالعقل الفعّال ، وإنّما يحصل له أوّلاً العقل المنفعل ثمّ أن يحصل له بعد ذلك العقل الّذي هو المستفاد ، فبحصول المستفاد یکون الاتّصال بالعقل الفعّال على ما ذكر في كتاب النّفس ، وهذا الإنسان

ص: 344

هو الملك بالحقيقة عند القدماء ، وهو الّذي ينبغي أن يقال فيه أنّه يوحى إليه ... الخ» .

ثمّ قال : « وَ النَّاسِ الَّذِينَ يدبرون برئاسة هَذَا الرَّئِيسِ هُمُ النَّاسُ الفاضلون وَ الْأَخْبَارِ السُّعَدَاءِ ، فَإِنْ كَانُوا أُمَّةً فَتِلْكَ هِيَ الْأَمَةِ الْفَاضِلَةُ ، وَ إِنْ كانُوا أُنَاساً يَجْتَمِعُونَ فِي مُسَكِّنِ وَاحِدُ كَانَ ذَلِكَ الْمَسْكَنُ الَّذِي يَجْمَعُ جَمِيعِ مِنْ تَحْتِ هَذِهِ الرِّئَاسَةَ هُوَ الْمَدِينَةُ الْفَاضِلَةُ ».

ثمّ قال بعد ذلك : « وَ الْمَدِينَةِ الْفَاضِلَةُ تَضَادِّهَا الْمَدِينَةِ الجاهلة ، وَ الْمَدِينَةِ الْفَاسِقَةَ ، وَ الْمَدِينَةِ الضَّالَّةِ ، ثُمَّ البهيمیّون بالطبع ».

وقد علّق شارح اُصول الكافي (رحمه الله) على هذا الكلام بعد نقله إيّاه : « وَ الْغَرَضُ مِنَ نَقْلِ كَلَامِهِ أَنْ يَعْلَمَ تُطَابِقُ النَّقْلِ وَ الْعَقْلِ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبُ الشِّيعَةِ فِي الْإِمَامَةِ »(1).

ونقل عن الشّيخ الرّئيس ابن سینا قوله في الإمام عليّ (علیه السّلام) : «حَاجَةِ الْخَلْقِ إِلَيْهِ وَ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْهُمْ دلیل إِمَامَتُهُ عَلَى الْخُلُقِ».

والحاصل: يجب القول بوجود امام معصوم في كلّ زمان منصوب من قِبل الله تعالى؛ لئلا تخلو الأرض من حجّة قائم بالحقّ ، ظاهراً

ص: 345


1- شرح اُصول الكافي للمازندراني : 126/5 .

أو غائباً؛ إذ « لَولَا الْحِجَّةِ لَسَاخَتْ الْأَرْضِ بِأَهْلِهَا»(1)، وشأن الإمام في الاُمّة شأن الجبال الّتي هي أوتاد الأرض ، الّتي لولاها تميد الأرض بأهلها ، فالإمام وتد معنوي كما أنّ الجبال أوتاد مادّيّة ، وهو الرّوح الّتي بها يستقيم الجسد ، والجسد ينعدم بانعدام الرّوح ، والعكس بالعكس ، أي الجسد غير مقوّم للروح ، فلاتنعدم الرّوح بانعدام الجسد الّذي تحلّ فيه ، ثمّ إنّ دمار الأرض وانعدامها يعني وقوع الدّمار في المنظومة الشّمسيّة وما يدور في فلكها ، فالإمام (علیه السّلام) والحجّة روح الكون ، به قوام الكائنات لأنّه الوتد الّذي جعله الله تعالى سبباً ليمسك به السّماوات والأرض.

ولهذا قال الشّيخ المفيد أعلى الله درجاته في العلّيّين :

« ذَكَرَ طَرَفُ مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى إِمَامَةِ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ ( مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ) ( علیهما السَّلَامُ ) : فَمَنِ الدَّلَائِلِ عَلَى ذَلِكَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلِ بِالِاسْتِدْلَالِ الصَّحِيحِ مِنْ وُجُودِ أَمَامَ مَعْصُومُ کامل غَنِيُّ عَنْ رعاياه فِي الْأَحْكَامِ وَ الْعُلُومِ فِي كُلِّ زَمَانٍ ؛ لِاسْتِحَالَةِ خِلْوُ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ سُلْطَانٍ یکونون بِوُجُودِهِ أَقْرَبَ إِلَى الصَّلَاحِ ، وَ أَبْعَدُ مِنَ الْفَسَادِ ، وَ حَاجَةِ الْكُلِّ مِنْ

ص: 346


1- شرح اُصول الكافي: 126/5 ، وادّعى السّبحاني في كلّيات علم الرجال تواتره .

ذَوِي النُّقْصَانِ إِلَى مُؤَدِّبَ للجناة ، مقوِّم لِلْعُصَاةِ ، رادعٍ للغواة ، مُعَلَّمِ لِلْجُهَّالِ ، مَنِيُّهُ لِلْغَافِلِينَ ، محذر مِنِ الضَّلَالِ ، مُقِيمُ للحدود ، مَنْفَذُ للأحكام ، فاصل بَيْنَ أَهْلِ الِاخْتِلَافِ ، نَاصِبٍ لِلنَّاسِ فِي الْجُمُعَاتِ وَ الْأَعْيَادِ ، وَ قِيَامِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّهُ مَعْصُومُ مِنَ الزَّلَّاتِ لِغِنَاهُ عَنِ الْإِمَامِ بالاتّفاق ، وَ اقْتِضَاءِ ذَلِكَ لَهُ الْعِصْمَةَ بِلَا ارْتِيَابُ ، وَ وُجُوبِ النَّصِّ عَلَى مِنْ هَذِهِ سَبِيلِهِ مِنِ الْأَنَامِ ، أَوْ ظُهُورُ المعجزعلیه لتمییزه مِمَّنْ سِوَاهُ . وَ عَدَمِ هَذِهِ الصِّفَاتِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ سِوَى مَنْ أَثْبَتَ إِمَامَتُهُ أَصْحَابِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ( علیهما السَّلَامُ ) ، وَ هُوَ ابْنِهِ الْمَهْدِيِّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ، وَ هَذَا أَصْلُ لَنْ يُحْتَاجُ مَعَهُ فِي الْإِمَامَةِ إِلَى رِوَايَةِ النُّصُوصِ وَ تعداد مَا جَاءَ فِيهَا مِنَ الْأَخْبَارِ ؛ لقياسه بِنَفْسِهِ فِي قَضِيَّةِ الْعُقُولِ ، وَ صِحَّتِهِ بثابت الِاسْتِدْلَالِ » .

ولا تكاد تجد طائفة من المسلمين أطبقت على اثني عشر مصداقاً تنطبق عليهم أوصاف الإمامة الإلٰهيّة من حيث العصمة والطّهارة والاتّصال ببيت النّبوّة والوحي والكمال والفضل عدا الشّيعة الإماميّة الاثني عشريّة ، المعتقدين بإمامة الأئمّة الاثني عشریّة من أهل بیت رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، الّذين استجمعوا كافّة صفات الفضل والكمال فوجب القول بأنّ أصحاب هذه الأوصاف والكمالات و مصادیقها هم أئمّة أهل البيت الاثنا عشر صلوات الله عليهم ، وإلّا لزم خلوّ

ص: 347

العصور والأزمنة المتأخّرة عن عصير اللنّبيّ (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من الحجّة والإمام المعصوم ، وقد ثبت بطلانه لترتّب مفاسد عظيمة ومخاطر جسيمة عليه.

2 - دليل النّقل

وأمّا الأدلّة النّقليّة فكثيرة سقنا بعضاً منها في الدّروس السّابقة وهي عبارة عن نصوص عن النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والأئمّة (علیهم السّلام) ، ونكتفي هنا بالتالي :

قال الشّيخ المفيد عليه الرّحمة والرضوان: « وَقَدْ سَبَقَ النَّصِّ عَلَيْهِ فِي مِلَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ نَبِيِّ الْهُدَى ( علیه السَّلَامُ ) ، ثُمَّ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ( علیه السَّلَامُ ) ، وَ نَصَّ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةِ ( علیهم السَّلَامُ ) وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ إِلَى أَبِيهِ الْحَسَنِ ( علیه السَّلَامُ ) ، وَ نَصَّ أَبُوهُ عَلَيْهِ عِنْدَ ثِقَاتِهِ ، وَ خَاصَّةً شِيعَتِهِ ، وَ كَانَ الْخَبَرُ بغيبته ثَابِتاً قَبْلَ وُجُودِهِ وبدولته ، مستفيضاً قَبْلَ غَيْبَتِهِ ، وَ هُوَ صَاحِبُ السَّيْفَ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى ( علیه السَّلَامُ ) ، وَ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ ، الْمُنْتَظَرُ لِدَوْلَةِ الْإِيمَانِ ، وَلَهٍ قَبْلَ قِيَامِهِ غیبتان : إِحْدَاهُمَا أَطْوَلُ مِنَ الْأُخْرَى ، كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ الْأَخْبَارِ ، فَأَمَّا الْقَصْرِيِّ مِنْهُمَا فمنذ وَقْتُ مَوْلِدِهِ إِلَى انْقِطَاعِ السِّفَارَةَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ شِيعَتِهِ ، وَ عُدِمَ السُّفَرَاءُ بالوفاة . وَ أَمَّا الطَّوْلِ فَهِيَ بَعْدَ الْأُولَى ، وَفِي آخِرِهَا يَقُومُ بِالسَّيْفِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجِلَ : .

ص: 348

«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ*وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ »(1).

وقال جلّ اسمه : «وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ » (2).

وقال رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : « لَنْ تَنْقَضِي الْأَيَّامُ وَ اللَّيَالِي حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، يواطئ اسْمُهُ اسْمِي ، يَمْلَؤُهَا عَدْلًا وَ قِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً » (3). وقال (علیه السّلام): «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمُ وَاحِدُ لطَّوْلِ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلًا مِنْ وَلَدَيَّ ، يواطئ اسْمُهُ اسْمِي ، يَمْلَؤُهَا عَدْلًا وَ قِسْطاً ، كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً» (4)»(5).

وقال عليه الرّحمة والرّضوان في موضع آخر: « ثُمَّ قَدْ جَاءَتْ رِوَايَاتٍ فِي النَّصِّ عَلَى ابْنَ الْحَسَنِ ( علیه السَّلَامُ ) مِنْ طُرُقِ يَنْقَطِعَ بِهَا الْأَعْذَارِ ، وَ أَنَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ مَوْرِدَ طَرَفاً مِنْهَا عَلَى السَّبِيلِ الَّتِي سَلَفَتِ مِنَ الْأَئِمَّةِ

ص: 349


1- سورة القصص: 5 و 6.
2- سورة الأنبياء : 105.
3- روضة الواعظين: 261.
4- روضة الواعظين: 261.
5- الإرشاد: 339/2 .

صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي مُجْمَلُ وَ مُفَضِّلُ عَلَى الْبَيَانِ »(1)، ثمّ أورد جملة من هذه الأخبار فمنها:

عن أبي جعفر (علیه السّلام) قال : « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ اسْمُهُ أَرْسَلَ مُحَمَّداً ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إِلَى الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ ، وَ جَعَلَ مَنِ بَعْدِهِ اثْنَيْ عَشَرَ وَصِيّاً ، مِنْهُمْ مَنْ سَبَقَ ، وَ مِنْهُمْ مَنْ بَقِيَ ، وَكَّلَ وَصِيُّ جَرَتْ بِهِ سَنَةٍ ، فالأوصياء الَّذِينَ مِنْ بَعْدِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ عَلَى سُنَّةِ أَوْصِيَاءِ عِيسَى ( علیه السَّلَامُ ) ، وَ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ ، وَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( علیه السَّلَامُ ) عَلَى سُنَّةِ الْمَسِيحِ ( علیه السَّلَامُ ) » (2).

وعن أبي جعفر الثّاني ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين (علیهم السّلام) ، قال : قال رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لأصحابه : آمنوا بليلة القدر فإنّه ينزل فيها أمر السّنة ، وإنّ لذلك ولا من بعدي عليّ بن أبي طالب وأحد عشر من ولده (3).

كما أورد (قدس سرّه)في الإرشاد الجزء الثّاني ، ص 455 فما بعد ، جملة من الأحداث الدّالّة بالضرورة القطعيّة على إمامته (علیه السّلام) وعصمته .

وأمّا شيخ الطّائفة الطّوسي أعلى الله مقامه الشّريف فقد استدلّ

ص: 350


1- الإرشاد : 342/2
2- الإرشاد : 343/2 .
3- الإرشاد : 343/2 .

بجملة من الأحاديث على إمامة صاحب الزّمان أرواح العالمين له الفداء ، ثمّ قال : « هذه الأخبار متواتر بها لفظاً ومعنىً ، فأمّا اللّفظ فإنّ الشّيعة تواترت بكلّ خبر منه ، وأمّا المعنى فإنّ كثرة الأخبار ، واختلاف جهاتها، وتباين طرقها ، وتباعد رواتها، يدلّ على صحّتها؛ لأنّه لا يجوز أن يكون كلّها باطلة ، ولذلك يستدلّ في مواضع كثيرة على معجزات النّبیّ (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

الّتي هي سوى القرآن واُمور كثيرة في الشّرع بالتواتر معنىً، وإن كان كلّ لفظ منها منقولاً من جهة الآحاد . وذلك معتمد عند من خالفنا في هذه المسألة ،فلا ينبغي أن يتركوه وينسوه إذا جئنا إلى الكلام في الإمامة ، والعصبية لا ينبغي أن تنتهي بالإنسان إلى حدّ يجحد الاُمور المعلومة ، وهذا الّذي ذكرناه معتبر في مدائح الرّجال وفضائلهم ، ولذلك استدلّ على سخاء حاتم وشجاعة عمرو وغير ذلك ، بمثل ذلك ، وإن كان كلّ واحد ممّا يروى من عطاء حاتم ووقوف عمرو في موقف من المواقف من جهة الأحاد، وهذا واضح »(1).

ثم قال (رحمه الله) : «وَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنَ الْحَسَنِ ( علیهما السَّلَامُ ) زَائِداً عَلَى مَا مَضَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مَهْدِيٍّ يملؤ

ص: 351


1- الغيبة: 174.

الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً ، وَ إِذَا بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ الْمَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنُ ( علیه السَّلَامُ ) ، وأفسدنا قَوْلُ كُلُّ مَنْ يَدَّعِي ذَلِكَ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ سوی ابْنَ الْحَسَنِ ( علیه السَّلَامُ ) ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُوَ ( علیه السَّلَامُ ) ، وَ الْأَخْبَارُ الْمَرْوِيَّةِ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى ، غَيْرَ أَنَّا نَذْكُرُ طَرَفاً مِنْ ذَلِكَ ، فَمِمَّا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ خُرُوجِ مَهْدِيٍّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةُ . . . . الخ »(1) وأسرد جملة من الرّوايات في هذا الشّأن.

وقد ساق ابن بابويه القمّي رضوان الله عليه جملة من الأخبار في

هذا الباب أوّلها وهو صحيح أعلائي:

عن الحسين بن أبي علاء ، عن أبي عبدالله (علیه السّلام) ، قال : قلت له :تكون الأرض بغير إمام ؟ قال : «لا». .

قلت : أفيكون إمامان في وقت واحد ؟ قال : «لا، إلّا أحدهما

صامت » .

قلت : فالإمام يعرف الإمام الّذي بعده ؟ قال : «نعم».

قلت : القائم إمام ؟ قال : «نعم ، إمام بعد إمام، قد اؤتمّ به

قبل ذلك (2).

ص: 352


1- الغيبة : 174.
2- الإمامة والتبصرة : 101.

وقال العلّامة الحلّي أعلى الله مقامه بعد سرده مجموعة من الأخبار والأدلّة على إمامته عليه الصّلاة والسّلام: « وَ هَذَا طَرَفِ يَسِيرُ مِمَّا جَاءَ فِي النُّصُوصِ عَلَى الثَّانِي عَشَرَ مِنِ الْأَئِمَّةِ ( علیهم السَّلَامُ ) ، وَ الرِّوَايَاتُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةُ قَدْ دُونَهَا أَصْحَابُ الْحَدِيثُ مِنْ هَذِهِ الْعِصَابَةِ وأثبتوها فِي كُتُبِهِمْ الْمُصَنَّفَةِ ، فَمِمَّنْ أَثْبِتْهَا عَلَى الشَّرْحِ وَ التَّفْصِيلُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ المكنى أَبَا عبدالله النُعْمَانِيُّ فِي كِتَابِ صَنَّفَهُ فِي الْغَيْبَةِ ، فَلَا حَاجَةَ بِنَا مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ إِلَى إثباتها عَلَى التَّفْصِيلِ فِي هَذَا الْمَكَانِ »(1).

وقال ثقة الإسلام الطّبرسي (قدّس سرّه) بعد أن ساق جملة من هذه الأخبار : «وَ الْأَخْبَارُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةُ ظَاهِرَةً فِي الشِّيعَةِ ، مُتَوَاتِرَةُ ثَابِتَةٍ فِي أُصُولِها الْمُتَقَدِّمَةِ لزمان الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ ( علیه السَّلَامُ ) ، وَفِي ذَلِكَ أَصَحُّ دلیل وَ بُرْهَانٍ عَلَى إِمَامَةِ الْقَائِمِ ابْنَ الْحَسَنِ ( علیهما السَّلَامُ ) »(2).

وللمزيد ، راجع: بحار الأنوار: 241/55 و : 103/52 . عيون

المعجزات: 134. الغيبة للطوسي: 342. والغيبة للنعاني.

ص: 353


1- المستجاد من الإرشاد: 235.
2- إعلام الوری: 2/ 247.

ص: 354

الدّرس السّابع والعشرون: شبهات وردود

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

*ذكرتم أنّ الإمام المهدی صلوات الله عليه تقلّد الإمامة بعد

أبيه وقد ناهز الخامسة من عمره الشرّيف ، فهنا ترد أسئلة

ثلاثة :

أوّلاً: هل يعقل أن تعطى الإمامة لصبي في هذا العمر ؟

ثانياً : ما فائدة الإمامة في هذا العمر؟

ثالثاً: أليست الإمامة منصباً عظيماً بها تتحقّق الولاية على کافّة البشر ؟ وعلى الإمام أن يقيم العدل والحقّ ويطبَق القوانين الإلٰهيّة ، ويحمي ثغور المسلمين وغير ذلك من المسؤوليّات الجسيمة ؟ فكيف تؤتي لصبي يعجز عقلاً وعادّة عن القيام بها ؟

ص: 355

* أوّلاً : لا يمنع العقل من أن يتقلّد صبي في هذا العمر إمامة الخلق ؛ ذلك أنّ العقل حاکم بوجوب أن ينصب للإمامة من هو أهل لهذا المقام فيه من الكمالات العقليّة والخلقيّة ما يؤهّله لذلك ، فإذا كان تامّ العقل ، کامل الجسم ، جامعاً للمعارف ، أفضل ممّن سواه ، لا يدانيه في الفضل والكمال أحد من أهل زمانه ، وجب عقلاً أن يتقدّم النّاس کافّة في كلّ شيء ، وهي الإمامة على النّاس ، وصدّق العقل بلزوم نصبه حينئذٍ للإمامة على الخلق ، هذا ما يريده ويحكم به العقل ، وأمّا سائر العوامل من كبر السنّ وصغره، أو كبر الجسم ونحوله وصغره فلا مدخليّة للعقل بها ولا حكم له فيها ، ألا ترى أنّ العقل إنّما يذهب إلى وجوب کون الإمام قادراً على تحمّل أعباء الإمامة ، سواء كان طفلاً أو كان شيخاً، ويمنع عن تقلّد غيره ممّن لا كفاءة له في إدارة شؤون البلاد ، سواء كان شيخاً أو كان طفلاً ، فالكفاءة الإدارية هي موضع اهتمام العقل ، وهي الملاك عنده ، وأمّا العمر فهو أمر اعتباري . فقد يبلغ الشّخص ويكمل عقله ويكتمل علمه في الطّفولة ، وقد يشيخ الرّجل دون أن يكمل عقله أو يتمّ له علم أو قدرة على إدارة البلاد و تسيير العباد.

على أنّ الإمامة وهي منصب إلٰهي تدور رحاها بيد الخالق الحكيم.

ص: 356

القادر على كلّ شيء، وكثير من أفعال الله تعالى لا يحتملها العقل ولا يهتدي إلى كنه ذاتها والسرّ المكنون فيها ، فلا ينبغي للمعبد أن يحكم باستحالتها إذا ما عجز عن تفسيرها والوقوف على حقيقتها وسرّ حكمتها، وإنّما على العبد أن يتعبّد بأمر الله جلّت عظمته ويستسلم بامتثاله التامٌ لأمره تعالى ، وإلّا فلا معنى للعبودية إذا كان العبد يريد تفسيراً لكلّ جزئي أو كلّي صادر من الله تعالى .

ورغم ذلك فسيرة العقلاء قائمة أيضاً على لزوم القدرة والكفاءة والكمال فيمن يتقلّد منصب الإمامة ، وليس من سيرتهم وجوب کونه بالغاً من العمر حدّاً معيّناً ، بل إذا وجدوا صبيّاً كامل العقل ، وافر العلم ، ناقد الذهن ، نافذ البصيرة ، صائب القرار ، شجاعاً، فطناً . کاملاً ، انقادوا إليه وقدّموه عليهم لرجاحة عقله وسائر صفاته الكماليّة غير عابئين بصغر سنّه ونحولة جسمه.

نعم ، قد لا يتقبّل بعضهم أو كثير منهم ذلك ، ولا تميل إليه أو تطمئنّ نفسه ، لكن ذلك ليس بحكم العقل ولا بسيرة العقلاء ، كلا بل اتّباعاً للهوى وطلباً لحطام الدنيا ، فإنّهم اجتمعوا على تنحية عليّ بن أبي طالب (علیه السّلام) من الخلافة واغتصابها منه وهو حينئذٍ لم يكن صبيّاً صغيراً ، ولا طفلاً نحيلاً، رغم اعترافهم بأنّه أفضلهم على الاطلاق ،

ص: 357

وأكملهم بالإجماع ، وأنت عارف بأنّ ما فعلوه لم يكن إلّا مخالفة منهم الحكم العقل وتمرّداً منهم على سيرة العقلاء ، وذلك اتّباعاً للهوى ، وانحرافاً عن الهدى ، ورغبة في الرّئاسة وحطام الدّنيا ، وعليه فأصحاب البدع والأهواء من أتباع الأنبياء لم يكترثوا بحكم العقل ولا بسيرة العقلاء ، بل جرت سيرتهم على خلاف ذلك دائماً وأبداً . وقد خالفوا في ذلك الأتقياء والصّالحين من أصحاب الأنبياء وأتباعهم ، والتّأريخ شاهد صدق على ذلك.

كيف لا وقد اُوتيت النّبوّة وهي أعظم من منصب الإمامة - عند المخالفين - لمن دون عمر الحجّة المنتظر عجّل الله تعالی فرجه ، فقد قال تعالى عن عیسی (علیه السّلام) بعد ساعات قليلة من ولادته : «فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا *قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا *وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا *وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا *ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ »(1)، وهو الّذي ادّخره الله تعالى لنصرة صاحب الزّمان أرواحنا له الفداء ، ويصلّي خلف إمامنا ، ويقتدي به .

ص: 358


1- سورة مريم: 29- 34.

ويكون حامل رایته.

وهذا يحیی بن زکریّا (علیهما السّلام) تقلّد النّبوّة في صباه ، وقيل كان في الخامسة أو دونها. قال تعالى : «يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا » (1)، فهل بعد ذلك غرابة في إمامة الحجّة صلوات الله عليه سوى الأحقاد والضّغائن واتّباع الهوى؟

فإن قلت : أليس من شؤون الإمامة خوض المعارك والجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى ، وأنّي لصبيٍّ في هذا العمر أن يخوض ذلك ؟

قلت : أوّلاً : ليس على الإمام والقائد الأعلى بالضرورة أن يبرز للقتال ، ويتقدّم صفوف المقاتلين والمجاهدين ، و يكفي فيه القدرة على تدبير شؤونهم والعلم بالحروب ، و تعيين من يقود جيوش المقاتلين ، وقد فرضنا توفّر ذلك في الإمام (علیه السّلام) ، والقرآن الكريم يحكي لنا قصّة نبي من الأنبياء حين اُمر بجهاد الكفّار والمشركين أمره أن ينصب لقومه قائداً عالم بفنون الحرب والقتال ، قويّاً في الجسم. قال تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... » .

إلى قوله تعالى : «وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا

ص: 359


1- سورة مريم: 12.

قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ»(1)، وهذه عادة أهل الأهواء أنّهم يستشكلون على كلّ شيء . فإنّهم لم يشكلوا هنا على صغر سنّه ، ولا نحولة جسمه ، و لا قلّة خبرته وعلمه بالحرب؛ لأنّ الاشكال من هذه الجهات لم يكن وارداً أصلاً.

«قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ » . وهما المنوط بهما في القتال ، وإنّما أشكلوا بما لا دخل له في قيادة الحرب وخوض الجهاد ، شأنهم في ذلك شأن أهل الأهواء؛ إذ وقع الإشكال منهم على أنّهم أحقّ منه بالملك ، لماذا؟ لأنّه كان مغمور الحسب والنَّسب فيهم ، فهو لم يكن من بني إسرائيل المعجبين بأنفسهم أنّهم شعب الله المختار ، ولا كان من ذوي العشائروالقبائل والرّئاسة الشّهيرة حينذاك ، فما كان المفترض أن يقصد في الإشكال وهو العلم والجسم هنا، لم يقع منهم ، وما وقع منهم من الإشكال لم يكن في محلّه ، ثمّ إنّ الله تعالى ختم الآية بما فيه عبرة لمن اعتبر ، وصرخة في وجه من زعم أنّ النّاس يختارون لأنفسهم من شاؤوا، وأنّ الاُمّة قادرة على اختيار الأصلح لقيادتها، والأخذ بزمام أمرها حين قال

ص: 360


1- سورة البقرة: 246 و 247.

تعالى :«وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ » (1).

کما أنّ في سيرة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) دليلاً قاطعاً وبرهاناً ساطعاً على ما ذكرنا؛ وذلك أنّه لم يبرز للقتال إلّا إذا حمي الوطيس ، و تخاذل المسلمون عن النّصرة والجهاد وولّوا الأدبار کما في معركة اُحد. وكما هو الحال لدى الزّعماء والاُمراء والملوك ، فإنّهم قلّما يبرزون للقتال ويقودون الجيوش بأنفسهم في ساحات المعارك ، وإنّما ينوب عنهم قائد عسكري في ساحات القتال ، و في سيرة الخلفاء الثّلاثة ومعاوية وغيابهم عن ميادين القتال خير شاهد على ما نقول .

نعم ، الفرق بين الأنبياء والأئمّة عليهم الصّلاة والسّلام وبين غيرهم أنّ الأنبياء والأئمّة صلوات الله عليهم أعلم النّاس بفنون القتال وخوض المعارك وأشجعهم لا يدانيهم أحد في الفضل والكمال مطلقاً .

بينها أكثر الملوك والاُمراء والحكّام لا سيّما الخلفاء ومعاوية عليه الهاوية لم تثبت لهم فضيلة ولا علم ولا معرفة سوى البطش والمكر والحيلة.

وإن قلتَ : ليس من عادة النّاس طاعة الصّبيان .

ص: 361


1- سورة البقرة : 247.

قلت : ليس من عادة العصاة وأهل الغواية وأصحاب الهوى طاعة أحد من الأنبياء والصّالحين والأولياء ، وليس كلّ النّاس من هذا

القبيل.

وأمّا ثانياً : فالفائدة من هذه الولاية والإمامة هي ذاتها الّتي في

نبوّة المسيح (علیه السّلام) ويحیی (علیه السّلام) ؛ ذلك أنّ فيها:

1- الإعجاز الإلٰهي و تجلّي قدرة الله تعالى وعظمته جلّ شأنه من جهة إيداع الأسرار كلّها ، وجعل الكمالات بأكملها ، والفضائل بأسرها في أطفال وصبية صغار ، فهم صغار السّنّ ، کبار الحقائق والأنوار والتّجليّات ، عظماء في الصّفات ، حجج الله على خلقه ، يمثّلون عظمة الخالق تعالى وحكمته وقدرته ليعلم الجنّ والإنس « إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ »(1).

2- ليتمّ التّصديق من الجنّ والإنس أنّ اختيار الأفضل الأكمل الأقدر لحمل الأمانة لا يكون إلّا من الله تعالى ، وليس لغيره أن ينصب النّبيّ والإمام (علیهما السّلام) کائناً من كان : «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ »(2)،

ص: 362


1- سورة البقرة : 20.
2- سورة الأحزاب : 36.

وأن يذعنوا بهذه الحقيقة وتتمّ عليهم الحجّة .

3- أنّه اختبار من الله تعالى لعباده ، «لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ » (1)، ويعلم الصّادق في إيمانه من الكاذب المنتحل المتصنّع ؛ إذ كم من عالم يتظاهر بالصلاح أو عابد متظاهر بالطاعة والإخلاص ، أو متلبّس بزيّ أهل الإيمان لا يسقط عن وجوههم قناع النّفاق ، ولا تنكشف وجوههم على حقيقة ما تكنّه أنفسهم إلّا بهذا القبيل من الاختبار ، فإذا افتتن بمثل هذه الفتنة سقط القناع الزّائف عن حقيقة ما كان يخفيه ويستره ، و تزلّ أقدامه في أوّل خطوة يواجه الحقيقة فيها ، بالتمرّد والعصيان ومحاربة النّبيّ والإمام.

4- وليعلموا أنّ حمل الرّسالة والأمانة لا تقتصر على عمر معيّن دون غيره ، بل ليس لسنّ النّبيّ والإمام دخل في استحقاق تلك المنزلة ، بل يؤتي الحكمة من يشاء ، وليس على النّاس سوى السّمع والطّاعة.

5- ولكي يعرفوا أنّ الملاك في النّبوّة والإمامة والمناصب الإلٰهيّة هو حسن السّيرة ورجاحة العقل وكمال النّفس وسموّ الرّوح بأن

ص: 363


1- سورة الأنفال : 37.

يكون مصداق الإنسان الكامل الجامع للكمالات والفضائل والكفاءات.

6- وليذعنوا أيضاً بأنّ هذين المنصبين لا ينالهما عبد بمجرّد الطلب والاكتساب وبذل الجهد والاجتهاد؛ لأنّ الله جلّت قدرته خصّ بها أقواماً وطائفة من أصفياء شجرة واحدة في سلسلة متماسكة مترابطة يتلو بعضها بعضاً «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا »(1) في توالي النّبيّ بعد النّبيّ، والإمام بعد الإمام ، « كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا » (2) ، فلا يطلبنّ العبد مهما اُوتي من العلم ومهما اجتهد بالعمل والعبادة أن ينال تلك المنزلة ، فإذا حرم منها يرتدّ على أدباره فيخسر الدّنيا والآخرة؛ لأنّ الأنبياء والأئمّة هم المصطفون الأخيار الّذين يفوقون حدود الإدراك البشري القاصر ، ولا يقوى على إدراك مقاماتهم الخفيّة ومنازلهم الغيبية عقل الألمعي من الرّجال .

ولو سألناهم أليس الله تعالى قادراً على أن يجمع كلّ الفضائل والكمالات والعلوم في نملة ، لأجابوا: بلى ، وإلّا كفروا ، فما بالهم يحيلونها وينكرونها ويسخرون منها إذا ما اُودعت في صبي و ظهرت

ص: 364


1- سورة إبراهيم: 24.
2- سورة إبراهيم: 25.

منه جهراً وعلانية ؟! « فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ »؟

وثالثاً : يظهر الجواب ممّا تقدّم آنفاً حيث أنّ ادّعاء العجز عادة للقيام بتلك المهام الخطيرة الجسام وارد في حيطة قدراتنا المحدودة الأسيرة بيد الطّبيعة والأجرام الماديّة المقيّدة ، وأمّا الإمام المنصوب من قِبل الله جلّت عظمته القادر على كلّ شيء فلا يمتنع عليه لا عقلاً ولا عادة القيام بمثل هذه الشؤون ، على أنّا نمنع ادّعاء العجز عادة حتّى في البشر ممّن هم دون مرتبة الأنبياء والأئمّة ، ونمنع امتناعه منهم مطلقاً، ذلك أنّ جوهر النّفس الإنساني وجوهره العقلاني يحتملان فوق ما يتصوّره أصحاب العقول السّاذجة ، إذا ما بلغت قواه الرّوحانيّة أقصاها ، وتجاوزت قدراته النّفسانيّة مداها، وسيرة العظماء والعباقرة في التّاريخ كابن سینا عبقري زمانه ، بل جميع الأزمنة ، خير شاهد على ما نقول.

ص: 365

ص: 366

المُحتویات

المقدّمة .....5

الدّرس 1: العلم والمعرفة /1 .......27

الدّرس 2: العلم والمعرفة /2 .......41

الدّرس 3: ما يجب الاعتقاد به/1

1. التّوحيد ....53

الدّرس 4: ما يجب الاعتقاد به /2

2 - النّبوة ....67

الدّرس 5: ما يجب الاعتقاد به /3

3- الإمامة:.......73

الدّرس 6: ما يجب الاعتقاد به /4

3- الإمامة ...... ...83

الدّرس 7: ما يجب الاعتقاد به /5

3- الإمامة .....103

الدّرس 8: ما يجب الاعتقاد به /6

3- الإمامة ... ......121

الدّرس 9: ما يجب الاعتقاد به /7

ص: 367

التّقيّة ..... 135

الإسلام والإيمان .......137

الدّرس 10: الإمام المهدي (علیه السّلام) وحياته الاجتماعية .... 141

الدّرس 11: هوية الإمام المهدي (علیه السّلام) /1 ....151

الدّرس 12: هوية الإمام المهدي (علیه السّلام) /2 ....161

الدّرس 13: شبهات وردود .......171

الدّرس 14: أوصافه وشمائله (علیه السّلام) ...185

الدّرس 15: شبهات وردود .. ...195

الدّرس 16: الإمام المهدي (علیه السّلام) في الكتاب والسنّة .....199

الدّرس 17: الإمام المهدي (علیه السّلام) في الأخبار /1 ......205

الدّرس 18: الإمام المهدي (علیه السّلام) في الأخبار /2 .... 221

الدّرس 19: شبهات وردود /1 ....235

الدّرس 20: شبهات وردود /2 .......243

الدّرس 21: الإمام المهدي (علیه السّلام) في مصادر المسلمين /1 ......253

الدّرس 22: الإمام المهدي (علیه السّلام) في مصادر المسلمين /2.......265

الدّرس 23: الإمام المهدي (علیه السّلام) في مصادر المسلمين /3 ......273

الدّرس 24: لمحة تاريخيّة ....307

الدرس 25: ولادة الإمام المهدي عجّل الله فرجه .......323

شبهات و ردود .....334

الدّرس 26: إمامة الإمام المهدي عجّل الله فرجه ....... 339

الدرس 27: شبهات وردود ....355

ص: 368

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.