ظهور المهدي المنتظر عجل الله تعالی فرجه الشریف وعدالة دولته

اشارة

ظهور المهدي المنتظر عجل الله تعالی فرجه الشریف وعدالة دولته

السيد علي عاشور

دارالصفوة - بيروت. لبنان

خیراندیش دیجیتالی : انجمن مددکاری امام زمان (عج) اصفهان

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الأولی

2008م - 1428ه-

للطباعة والنشر والتوزيع

بئر العبد - خلف محطة دياب

تلفاكس : 42 49 27 (9611+) - 2900 55 (9611+)

جوال : 49 8001 (9613+) ص.ب : 25/91 بيروت - لبنان

E-mail : dar asafwa@hotmail.com

ص: 4

تمهید

1- عالمية الحركة المهدوية

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحبه المنتجبين المعصومين.

إن قضية الإمام المهدي ليست قضية خاصة لا بدین معين ولا بطائفة محددة بل هي فكرة عامة يشترك بها كل البشر، وتؤمن بها جل الأديان السماوية، وإن اختلفت في الصفات والشمائل، والأسماء والتطورات، ومن هنا كانت حركة عالمية ليست مخصوصة بأحد.

وليست عالمية المهدوية مخصوصة بالايمان بأصلها بل عالميتها أيضا من ناحية المنتهى، أي كما يأتي تفصيله فإن حركة وهداية الإمام المهدي عليه السلام ، هي حركة عالمية لا تختص بمكان دون مكان، فإن عدله سوف يغطي الكرة الأرضية والقارات الستة بمختلف جنسياتها، ولغاتها وعاداتها، ووعيها أو جهلها.

وفكرة المهدوية لها ربط بالعدل الإلهي، وأن الشر ليس هو أقوى من الخير ولا الظلم أدوم من العدل، ولا الخراب أفضل من الإعمار.

فإن عامة البشرية ليست متعلمة و ليس لديها فهم كامل للعدل الإلهي، فإنها تنظر الله سبحانه على أنه العدل المطلق الذي لا يظلم، والذي يمهل ولا يهمل حتى لو كانت لا تؤمن بالآخرة وبالعقاب والثواب الأخروي أو البرزخي.

ص: 5

2- الإيمان بالمهدي فطري

ومن هنا كان الإيمان بالقضية المهدوية أمرا فطريا، فإن كل إنسان إذا رجع إلى داخله وجد فيها نقطة خير ونور، وهو بصيص الأمل لدى الإنسانية.

إن هذا النور الموجود داخل كل إنسان مخلوق من قبل نور الأنوار، إذا غذي وعمل عليه، فإنه سيكبر وينتشر، ويغطي على الظلام الموجود في داخل الإنسان وقلبه، ليصبح نقي القلب طاهر الباطن، فيخرج من الظلمات إلى النور، وعند تطبيق هذا الأمر على البشرية جمعاء - وهو أمر ممکن - فإن العدل سيعم العالم، وينتشر في البلاد الإسلامية وغيرها، على يدي منقذ البشرية الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه.

إن تطبيق العدل المطلق الذي وعدنا به من قبل مهدي الزمان، أمر ممكن حتى من دون معاجز، لنقطة النور والخير الموجودة في قلب كل إنسان، شريطة العمل عليها وتغذيتها وتطويرها، لتغطي على الظلم المنتشر .

إن الكون خلق من أجل العدل المطلق الذي يوصل الى العبادة الكاملة لله تعالی « وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ » (1) والعبادة هي التي توصل للسعادة المطلقة كما قال تعالى: « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ » (2) وقال: « وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى » (3) . وقال عز من قائل: « وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنُ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً » (4) . فالتكاليف العبادية هي من يحيي الإنسان ليوصله إلى الكمال الإنساني وسعادة الدارین .

ص: 6


1- سورة الذاريات : 56.
2- سورة الأنفال : 24.
3- سورة طه: 124.
4- سورة النحل: 79.

ومن هنا كان إمامنا المهدي مكملا لما بدأه الأنبياء عليهم السلام ، قال تعالى: « وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ » (1) فدور الأنبياء علیهم السلام استنقاذ الشعوب والأمم من براثم الظلم والاستضعاف والإمام علیه السلام بدوره يحقق هذا الهدف كما يأتي.

ونقرأ في دعاء الندبة «أين معز الأولياء ومذل الأعداء، أين جامع الكلم على التقوى، أين باب الله الذي منه يؤتي، أين وجه الله الذي إليه يتوجه الأولياء، أين السبب المتصل بين الأرض والسماء، أين صاحب يوم الفتح، وناشر رايات الهدی، أين مؤلف شمل الصلاح والرضا، أين الطالب بذحول الأنبياء وأبناء الأنبياء، أين الطالب بدم المقتول بکربلاء».

فروحي فداه هو استمرار لمسيرة الأنبياء والأئمة علیهم السلام والأولياء للوصول الى العبادة المطلقة .

3- أثر الإعتقاد بالمهدي علیه السلام

هذه المقالة للسيد الخامنئي تحت عنوان «الإعتقاد بالمهدي والتكامل المعنوي» والكلام في محورين :

4- الإرتباط الروحي يمنح الكمال

المحور الأول : في التكامل الفردي لدى الإنسان. فالذي يؤمن بالمهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) سيوفق أكثر للحصول على وسائل الكمال الروحي والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأنه سيكون مرتبطا ارتباطا روحيا بمحور الألطاف الإلهية ومركز إشعاع رحمة الباري عز وجل.

ولذا نرى أصحاب التوجهات الروحية والمعنوية يتوسلون دوما في مناجاتهم وتوسلاتهم المعنوية بهذا الإمام العظيم، فنفس الإرتباط القلبي والتوجه الروحي نحو

ص: 7


1- سورة القصص: 5.

ذلك الإمام الذي يعتبر المظهر لرحمة وقدرة وعدل الباري (جل وعلا) يمنح الإنسان كمالا روحيا ويهيء له وسيلة الصعود روحيا ومعنويا.

وهذه المسألة ذات أفق واسع جدا؛ لأن كل من يرتبط بقلبه وروحه بهذا الإمام المعصوم (عجل الله تعالی فرجه الشریف) سینال نصيبه من هذا الإرتباط قطعا، طبعا يجب أن يكون ارتباطا حقيقيا؛ لأن لقلقة اللسان لا تنفع كثيرا في هذا المجال، لو أن الإنسان توجه بروحه ووفر لنفسه معرفة كافية في هذا المجال فسيحصل على نصيبه من ذلك كما ذكرت.

إذن هذا المحور يمثل ساحة فردية واتجاها للتكامل الشخصي والمعنوي للإنسان.

5- الإعتقاد بالمهدي عليه السلام كنز للشعوب

المحور الثاني: ساحة الحياة الإجتماعية العامة وما يرتبط بمصير الشعوب والبشرية بصورة جمعاء. وفي هذا المجال أيضا يعتبر الإعتقاد بالمهدي الموعود (عجل الله تعالی فرجه الشریف) وموضوع الظهور والفرج والإنتظار کنزا ثمينا تستطيع الشعوب والأمم أن تأخذ منه الكثير وتنهل من معينه.

افترضوا أن هناك سفينة قد حاصرتها الأمواج في بحر هائج، وركابها لا يعتقدون بوجود شاطيء للأمان حتى على بعد آلاف الأميال ولا يمتلكون من الطعام والماء ووسائل الحركة سوى الشيء اليسير، فكيف سيكون موقف رکاب هذه السفينة؟ هل يمكن تصور أنهم سيبذلون جهودهم من أجل قيادة هذه السفينة إلى الأمام؟ قطعا کلا؛ لأن الإنسان حينما يشعر بأن هلاکه حتمي فأي جهد ونشاط سيبذله؟ لأنه سيفقد كل أمل له في هذه الحالة.

فإحدى الأمور التي يمكن لركاب السفينة القيام بها هي أن ينشغل كل شخص منهم بما يخصه . فمن كان يحب الموت بهدوء يستلقي حتى يأتيه الموت، ومن كان من المعتدين على حقوق الآخرين سيسلب حقوق الركاب الآخرين ليبقى حيا لساعات أخرى ونحو ذلك من المسائل الخاصة.

والصورة الأخرى هي أن ركاب هذه السفينة على يقين من وجود شاطئ قريب أو

ص: 8

بعيد يمكنهم الوصول إليه، ولا يعلمون كم يبذلون من الجهد للوصول إليه، إلا أنهم على يقين من وجود ذلك الشاطيء وإمكانية الوصول إليه.

ففي مثل هذه الحالة ماذا سيصنع ركاب تلك السفينة؟ طبعا سيبذلون كل ما بوسعهم من أجل الوصول إلى شاطىء الأمان، وحتى لو منحوا ساعة من الوقت فسيستثمرون تلك الساعة في الحركة والنشاط الصحيح والهادف ويتعاونون فکريا وجسديا لبلوغ الشاطىء.

إذن فللأمل مثل هذا الدور، فبمقدار ما يتواجد الأمل في قلب الإنسان فسيجمع الموت شتاته ويرحل عن ذلك القلب؛ لأن الأمل يدفع الإنسان إلى الحركة والنشاط ويجعله يتقدم ويكافح ليبقى حيا.

افترضوا أن شعبا يرزح تحت سيطرة حكومة ظالمة وليس لديه أي أمل بالمستقبل، فسيضطر للإستسلام، ولو لم يستسلم فإنه سيقوم بأعمال عشوائية وغير هادفة.

وأما إذا كان هناك أمل في قلب هذا الشعب ويعلم أن أمامه مستقبل مشرق، فماذا سوف يصنع؟ من الطبيعي أنه سيكافح وينظم كفاحه ويزيل العقبات التي في طريقه، فالبشرية قد عانت في حياتها الإجتماعية على مر التاريخ من المشاكل والصعاب التي وضعها الظلمة والمتسلطون على رقاب المظلومين في طريقها کرکاب تلك السفينة.

إن الأمل يدفع بالإنسان لأن يكافح ويفتح الطريق ويتقدم، فحينما يقال لكم انتظروا فهذا يعني أن الظروف التي تؤلمكم اليوم وتعتصر قلوبكم بسببها ألما ليست أبدية بل إنها ستنتهي يوما ما، فانظروا كم يكتسب الإنسان نشاطا وحيوية من خلال هذه الفكرة، وهذا هو دور الإعتقاد بالإمام الحجة (صلوات الله عليه وأرواحنا له الفداء) والإيمان بالمهدي الموعود (عليه السلام)، وهذه هي العقيدة التي جعلت الشيعة يتجاوزون كل تلك العقبات والمنعطفات العجيبة والغريبة التي اعترضت طريقهم إلى اليوم. وأينما تواجد مثل هذا الإيمان والاعتقاد تواجد معه هذا الأمل (1).

ص: 9


1- كلمة خطابية ألقاها في 15 شعبان 1416 ه.

6- مطالب الكتاب وأسلوبه

ومن هنا فإن ما سنذكره من مطالب في الفصول الآتية سوف تخضع لهذه الأمور:

عالمية مبدأ و منتهى الفكر المهدي، وفطرية الإيمان بها، الأمر الذي سوف يدخلنا في أبحاث ترتبط بهذه الأمور، لأت عالمية الحركة المهدوية يفتح أمامنا کلامة عن سعة الأهداف التي تنتظر الإمام المهدي، بل وصعوباتها، ذلك أننا نتكلم عن دولة عظمى تشمل القارات الستة المختلفة في الفكر والمنطق والأهداف والعلوم واللغات، فهي مهمة لم تلقى على عاتق نبي من الأنبياء علیهم السلام .

ومن جهة أخرى، ما هو الأسلوب الذي سيتخذه الإمام عليه السلام ، فإن أسلوب الأنبياء العظام والأئمة علیهم السلام لا ينفع في زمان خروجه الذي هو زمن التطور العلمي، ويعطي كل همه ووقته وماله من أجل الجديد من الابتكارات القائمة على النظريات العلمية.

ومما هو معروف ويأتي تفصيله أن علم الإمام علیه السلام لا يقاس بالعلوم العصرية لاكما ولا نوعا، وهذا ما سيؤثر على أسلوب الدعوة للإمام وعلى المجتمع العلمي الذي ينتظر تطورا علميا لم يشهده العالم من قبل من يملك 27 حرفا من حروف العلوم الكونية الإلهية في مقابل ما يملكه العالم وهو جزء من حرف واحد كما يأتي.

وهذا الأمر لعله يجيب عن أحجية صعوبة إقامة العدل في الكون مع وجود المستكبرين الطامعين الظالمين، مضافا لعصمة الإمام وخبرته التي استفادها من معاصرة الدول في الغيبتين، وعلمه بكل تفاصيل الكون في هذه المدة.

ستطل عليك فصول جديدة بطرح مختلف يحببك بدولة الإمام علیه السلام ويجعلك تعشق عدله وتنتظر علمه.

ص: 10

الفصل الأول

1- هوية القائم المهدي عجل الله فرجه

عن أمير المؤمنین علیه السلام : الْمَهْدِيُّ رَجُلُ يَا مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ (1).

وعنه عليه السلام : بمهدينا تُقْطَعُ الْحُجَجِ ، فَهُوَ خَاتَمِ الْأَئِمَّةِ ، وَ مُنْقِذَ الْأَمَةِ ، وَ مُنْتَهَى النُّورِ (2).

وعنه علیه السلام : قَدْ لَبِسَ لِلْحِكْمَةِ جُنَّتَهَا ، وَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ أَدَبِهَا . . . بَقِيَّةُ مِنْ بَقَايَا حُجَّتِهِ ، خَلِيفَةُ مِنْ خَلَائِفِ أَنْبِيَائِهِ (3) .

وفي إرشاد المفيد: كان الإمام القائم علیه السلام بعد أبي محمد ابنه المسمى باسم رسول الله صلی الله عليه واله المكنى بكنيته، ولم يخلف أبوه ولدا ظاهرا ولا باطنا غيره، وخلفه غائبا مستترا وكان مولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وأمه أم ولد يقال لها نرجس، وكان سنه عند وفاة أبيه خمس سنين، آتاه الله فيها الحكمة وفصل الخطاب وجعله آية للعالمين، وآتاه الله الحكمة كما آتاها يحیی صبيا، وجعله إماما في حال الطفولة الظاهرة كما جعل عيسى ابن مريم في المهد نبيا.

وله قبل قيامه غیبتان: إحداهما أطول من الأخرى كما جاءت بذلك الأخبار؛ فأما

ص: 11


1- کنز العمال : ح 39675
2- نهج السعادة : 1/ 472.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : 95/10

الصغرئ منهما منذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم السفراء بالوفاة، وأما الطولى فهي بعد الأولى وفي آخرها يقوم بالسيف، قال الله عزوجل

« وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ » (1).

وقال جل اسمه « وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ » (2).

وقال رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : لن تنقضي الأيام والليالي حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي

يواطئ إسمه إسمي يملؤها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا (3).

2- أسماء القائم المنتظر عليه السلام

ذكر في إلزام الناصب مائة وستة وثمانين إسما ولقبا للحجة علیه السلام بعضها بين الثبوت، وبعضها ورد في الروايات والزيارات، وبعضها في كتب التوراة والإنجيل وغيرها، وبعضها صفات من شیعته. منها : أبو القاسم، أبو عبدالله، أبو جعفر، أبو محمد، أبو إبراهيم، أبو الحسين، أبو تراب، أبو صالح، الأصل، أحمد، أمير الأمراء، أيدي وهو جمع اليد وهو النعمة، ایزدشناس، ایزدنشان، ایستاده، عند المجوس، إحسان، بقية الله، بقية الأنبياء، برهان الله، الباسط، بقية الأتقياء، بنده یزدان ترجمته: عبدالله، التالي، الثائر، الجعفر، الجابر، جنب، حجة وحجة الله، الحق، الحق الجليل، الحجاب، وغير ذلك (4).

ص: 12


1- سورة القصص : 5.
2- سورة الأنبياء: 105.
3- الإرشاد: 346 باب ذكر الإمام القائم.
4- انظر إلزام الناصب: 426/1

3- مولد صاحب الزمان عجل الله فرجه

في الكافي : ولد علیه السلام للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين (1).

وقال أحمد بن محمد: ولد سنة ست وخمسين ومائتين (2).

وروى الصدوق بإسناده عن حكيمة بنت محمد بن علي بن موسی علیهم السلام قالت: بعث إلي أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام فقال: «يا عمة اجعلي إفطارك الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان فإن الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة وهو حجته في أرضه» الحديث، وقيل: ولد علیه السلام يوم الجمعة سنة ست وخمسين ومائتين (3).

قال المازندراني: قد يوجه (4) بأن الخمس سنة شمسية والست أي أوائلها سنة

ص: 13


1- الكافي: 1/ 514، ومستدرك سفينة البحار: 503/10
2- الكافي: 1/ 329 ح 5.
3- كمال الدين: 424 باب 42 ح 1
4- قال في هامش شرح الكافي: قوله «سنة قمرية فلامنافات» لا أدري ما مقصود القائل فكل معنی يفرض ليحمل الكلام عليه غير صحيح، مع أن تحديد السنين من الهجرة بالشمسية غير معهود بين المسلمين إلى زماننا هذا. بل هو عمل غير عقلاني يشوش به ضبط التواريخ والوقائع، ولا يمكن أن يقدم عليه عاقل ولو بنى بعض الناس على ضبط الحوادث بالسنين الشمسية وأكثرهم على القمرية كان مبدأ خلافة بني العباس بالقمرية سنة 132 و بالشمسية 127 وولادة الصاحب عليه السلام بالقمرية 266 و بالشمسية 247. وإذا اختلط أحدهما بالآخر على الناظرين في التاريخ ورأوا وفاة الإمام الهادي علي سنة 254 مثلا ذهب ذهن بعضهم إلى أن الحجة علیه السلام ولد في حياة الإمام الهادي عليه السلام في سنة قتل المتوكل أعني 247 قمرية وتحير أكثر الناس ولم يهتدوا إلى ضبط الوقائع. (ش)

قمرية فلا منافاة (1).

وفي كمال الدين : عن علان الرازي: قال: أخبرني بعض أصحابنا أنه لما حملت

جارية أبي محمد علیه السلام قال : «ستحملين ذكرا واسمه محمد وهو القائم من بعدي» (2).

وعن أبي جعفر العمري قال : لما ولد السيد عليه السلام قال أبو محمد علیه السلام : «إبعثوا إلى أبي عمرو».

فبعث إليه فصار إليه فقال : «إشتر عشرة آلاف رطل خبزا وعشرة آلاف رطل لحما

وفرقه في بني هاشم ، وعق عنه بكذا وكذا شاة» (3).

وفي البحار عن محمد بن عبدالله المطهري قال: قصدت حكيمة بنت محمد بعد مضي أبي محمد أسألها عن الحجة وما قد اختلفت فيه الناس من الحيرة التيهم فيها. فقالت لي: إجلس، فجلست، ثم قالت لي: يا محمد إن الله تبارك وتعالى لا يخلي الأرض من حجة ناطقة أو صامتة، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام تفضيلا للحسن والحسين وتمييزا لهما أن يكون في الأرض عديلهما، إلا أن الله تبارك وتعالی خص ولد الحسين بالفضل علی ولد الحسن كما خص ولد هارون علی ولد موسى وإن كان موسى حجة على هارون والفضل لولده إلى يوم القيامة. ولابد للأمة من حيرة يرتاب فيها المبطلون ويخلص فيها المحققون لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وإن الحيرة لابد واقعة بعد مضي أبي محمد الحسن علیه السلام .

فقلت: يا مولاتي هل كان للحسن ولد؟ فتبسمت ثم قالت: إذا لم يكن للحسن عقب فمن الحجة من بعده، وقد أخبرتك أن الإمامة لا تكون للأخوين بعد الحسن والحسين. فقلت: يا سيدتي حدثيني بولادة مولاي وغيبته؟ قالت: نعم، كانت لي

ص: 14


1- شرح أصول الکافی: 7/ 335.
2- کمال الدین: 08 4 ح 4، وكفاية الأثر: 294.
3- كمال الدين: 431 ح 6، والبحار: 5/51 ح 9.

جارية يقال لها نرجس فزارني ابن أخي وأقبل يحد النظر إليها فقلت له: يا سيدي لعلك هويتها فأرسلها إليك؟ فقال: لا يا عمة لكن أتعجب منها. فقلت: وما أعجبك؟ فقال علیه السلام : سيخرج منها ولد کریم على الله عزوجل الذي يملأ الله به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما. قلت: فأرسلها إليك ياسيدي؟ فقال: استأذني في ذلك ابی علیه السلام .

قالت: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن فسلمت وجلست فبدأني وقال: يا حكيمة إبعثي بنرجس إلى ابني أبي محمد.

قالت: فقلت: يا سيدي على هذا قصدتك أن أستأذنك في ذلك، فقال: يا مباركة إن الله تبارك وتعالی أحب أن يشركك في الأجر ويجعل لك في الخير نصيبا. قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزينتها ووهبتها لأبي محمد وجمعت بينه وبينها في منزلي، فأقام عندي أيام ثم مضى إلى والده ووجهت بها معه، قالت حكيمة: فمضى أبو الحسن و جلس أبو محمد مكان والده، وكنت أزوره كما كنت أزور والده فجاءتني نرجس يوما تخلع خفي وقالت: يا مولاتي ناوليني خفك.

فقلت: بل أنت سيدتي ومولاتي، والله ما رفعت إليك خفي لتخلعيه لا خدمتني، بل أخدمك على بصري، فسمع أبو محمد ذلك، فقال: جزاك الله خيرا ياعمة، فجلست عنده إلى غروب الشمس فصحت بالجارية وقلت: ناوليني ثيابي لأنصرف، فقال: يا عمتاه بيتي الليلة عندنا فإنه سيولد الليلة المولود الكريم على الله عزوجل، الذي يحيي الله عزوجل به الأرض بعد موتها.

قلت: ممن يا سيدي ولست أرى بنرجس شیئا من أثر الحمل؟ فقال: من نرجس لا من غيرها.

قالت: فوثبت إلى نرجس فقلبتها ظهرا لبطن فلم أر بها أثرا من حمل، فعدت إليه فأخبرته بما فعلت، فتبسم ثم قال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحمل؛ لأن مثلها مثل أم موسى لم يظهر بها الحمل ولميعلم بها أحد إلى وقت ولادتها؛ لأن

ص: 15

فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى وهذا نظیر موسی.

قالت حكيمة: فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يدي لا تقلب جنبا إلى جنب، حتى إذا كان في آخر الليل وقت طلوع الفجر وثبت فزعة فضممتها إلى صدري وسميت عليها فصاح أبو محمد وقال: إقرأي عليها: « إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ » وقلت لها: ما حالك؟ قالت: ظهر الأمر الذي أخبرك به مولاي، فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ كما أقرأ وسلم علي.

قالت حكيمة: ففزعت لما سمعت، فصاح بي أبو محمد: لا تعجبي من أمر الله عزوجل، إن الله تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغارا ويجعلنا حجة في أرضه كبارا، فلم يستتم الكلام حتى غیبت عني نرجس فلم أرها، كأنه ضرب بيني وبينها حجاب، فعدوت نحو أبي محمد وأنا صارخة فقال لي: إرجعي يا عمة فإنك ستجدينها في مکانها .

قالت: فرجعت فلم ألبث أن كشف الحجاب بيني وبينها وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشي بصري، وإذا أنا بالصبي ساجدا على وجهه جاثيا على ركبتيه رافعا سبابتیه نحو السماء وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن جدي رسول الله وأن أبي أمير المؤمنين، ثم عد إماما إماما إلى أن بلغ إلى نفسه فقال عجل الله فرجه : اللهم أنجز لي وعدي وأتمم لي أمري وثبت وطأتي واملأ الأرض بي عدلا وقسطا. فصاح أبو محمد الحسن عليه السلام فقال: يا عمة تناوليه فهاتيه، فتناولته وأتيت به نحوه، فلما مثلت بين يدي أبيه وهو على يدي، سلم على أبيه فتناوله الحسن والطير ترفرف على رأسه فصاح بطير منها فقال له: إحمله واحفظه ورده إلينا في كل أربعين يوما فتناوله الطائر وطار به في جو السماء، وأتبعه سائر الطير، وسمعت أبا محمد يقول: إستودعتك الذي استودعته أم موسی موسى، فبكت نرجس فقال لها: أسكتي فإن الرضاع محرم عليه إلا من ثديك وسيعاد إليك كما رة موسى إلى أمه، وذلك قوله

ص: 16

عزوجل: « فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ » (1).

قالت حكيمة: فقلت: ما هذا الطائر؟ قال: هذا روح القدس الموكل بالأئمة، يفقهم ويسددهم ويربيهم بالعلم. قالت حكيمة: فلما أن كان بعد أربعين يوما رد الغلام ووجه إلى ابن أخي فدعاني فدخلت عليه فإذا أنا بصبي متحرك يمشي بين يديه فقلت: سیدي هذا ابن سنتين؟ فتبسم علیه السلام ثم قال: إن أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمة ينشأون بخلاف ما ينشأ غيرهم، وإن الصبي منا إذا أتی علیه شهر كان كمن يأتي عليه سنة، وإن الصبي ما ليتكلم في بطن أمه ويقرأ القرآن ويعبد ربه عزوجل، وعند الرضاع تطيعه الملائكة وتنزل عليهم صباحا ومساء.

قالت حكيمة: فلم أزل أرى ذلك الصبي كل أربعين يوما إلى أن رأيته رجلا قبل مضي أبي محمد علیه السلام بأيام قلائل فلم أعرفه فقلت لأبي محمد: من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟

فقال: إبن نرجس وخليفتي من بعدي وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي. قالت حكيمة: فمضى أبو محمد بأيام قلائل وافترق الناس كما ترى، والله إني لأراه صباحا ومساء وإنه لينبئني عما تسألونني عنه فأخبركم، ووالله إني لأريد أن أسأله عن الشيء فيبدأني به، وإنه ليرد علي الأمر فيخرج إلي منه جوابه من ساعته من غير مسألتي، وقد أخبرني البارحة بمجيئك إلي وأمرني أن أخبرك بالحق. قال محمد بن عبدالله: فوالله لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطلع عليها إلا الله عزوجل، فعلمت أن ذلك صدق وعدل من الله تعالى، وأن الله عزوجل قد أطلعه على ما لم يطلع عليه أحدا من خلقه (2).

ص: 17


1- سورة القصص : 13.
2- کمال الدين: 429، ومدينة المعاجز: 68/8 ، والبحار: 12/51 ح 14.

4- ذكر بعض المعترفين بولادة المهدي عليه السلام

الأول: أبو سالم كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي النصيبي: ولا يكاد يوجد منكر من أهل السنة والجماعة لنفسه ولكتابه المسمى بمطالب السؤول، قال في كتابه: الباب الثاني عشر في أبي القاسم م ح م د بن الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضی أمير المؤمنين عليه السلام بن أبي طالب، المهدي الحجة الخلف الصالح المنتظر عجل الله فرجه ورحمة الله وبركاته :

فهذا الخلف الحجة قد أيده الله *** هدانا منهج الحق وآتاه سجاياه

وأعلاه ذرى العليا وبالتأیید رقاه *** وآتاه حلی فضل عظیم فتحلاه

وقد قال رسول الله قولا قد رويناه *** وذو العلم بما قال إذا أدركت معناه

يرى الأخبار في المهدي جاءت بمسماه *** وقد أبداه بالنسبة والوصف وسماه

ويكفي قوله: مني لإشراق محياه *** ومن بضعته الزهراء مجراه ومرساه

ولن يبلغ ما أوتيه أمثال وأشباه *** فإن قالوا هو المهدي ما ماتوا بما فاهوا

ص: 18

مولده فبسر من رأى في الثالث والعشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين للهجرة. وأما نسبه أبا وأما فأبوه الحسن الخالص بن علي المتوكل - إلى أن قال: ابن على المرتضی أمير المؤمنين - إلى أن قال: وأما إسمه فمحمد وكنيته أبو القاسم ولقبه الحجة والخلف الصالح، وقيل: المنتظر (1) .

الثاني: أبو عبدالله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي الذي يعبر عنه ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة: بالإمام الحافظ، ووثقه وبجله جمع من العلماء، ولا يوجد له معارض في أهل السنة والجماعة قال في كتابه كفاية الطالب بعد ذکر تاریخ ولادة أبي محمد علیه السلام ووفاته: وخلف ابنه، وهو الإمام المنتظر (2).

الثالث: نور الدين علي بن محمد بن الصباغ المالكي، ووثقه وبجله جل من العلماء منهم محمد بن عبد الرحمن السخاوي البصري تلميذ الحافظ بن حجر العسقلاني، قال في الفصول المهمة: الفصل الثاني عشر في ذكر أبي القاسم الحجة الخلف الصالح ابن أبي محمد الحسن الخالص، وهو الإمام الثاني عشر وتاریخ ولادته ودلائل إمامته (3).

الرابع: شمس الدین یوسف بن قز علي بن عبدالله البغدادي الحنفي، سبط العالم الواعظ أبي الفرج عبد الرحمن بن جوزي في آخر كتابه الموسوم بتذكرة خواص الأمة بعد ترجمة العسكري علیه السلام : ذكر أولاده منهم (م ح م د) الإمام فقال هو (م ح م د) بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام ، وكنيته أبو عبدالله وأبو القاسم، وهو الخلف الحجة صاحب الزمان القائم والمنتظر والتالي، وهو آخر الأئمة (4).

ص: 19


1- مطالب السؤول: باب 12 وکشف الغمة: 3/ 233 عنه.
2- كفاية الطالب: 458 ذیل الباب الثامن.
3- الفصول المهمة، ذكر المهدي .
4- تذکرة الخواص: 325 فصل في ذكر الحجة المهدي عليه السلام .

الخامس: الشيخ الأكبر محيي الدين بن العربي في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات: واعلموا أنه لابد من خروج المهدي عجل الله فرجه لكن لا يخرج حتى تمتلئ الأرض جورا وظلما فيملأها قسطا وعدلا، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد طول الله ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة، وهو من عترة رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) قوله من ولد فاطمة علیها السلام ، جده الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السلام ، ووالده الحسن العسكري بن الإمام علي النقي - بالنون - بن الإمام محمد التقي - بالتاء - بن الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام زين العابدين علي بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام ، يواطيء إسمه إسم رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) ، يبايعه المسلمون ما بين الركن والمقام، يشبه رسول الله في الخلق - بفتح الخاء - وينزل عنه في الخلق - بضمها - إذ لا يكون أحد مثل رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) في أخلاقه، والله تعالى يقول: « وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ » (1) وهو أجلى الجبهة، أقنى الأنف، أسعد الناس به أهل الكوفة يقسم المال بالسوية ويعدل في الرعية، يمشي الخضر بين يديه، يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا، يقفو أثر رسول الله، له ملك يسدده من حيث لا يراه، يفتح المدينة الرومية بالتكبير مع سبعين ألفا من المسلمين، يعز الله به الإسلام بعد ذله، ويحييه بعد موته، ويضع الجزية ويدعو إلى الله بالسيف فمن أبی قتل ومن نازعه خذل، يحكم بالدين الخالص عن الرأي. إلى آخر كلامه (2).

السادس: الشيخ العارف عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني في كتابه المسمى بالیواقیت قال في المبحث الخامس والستين من الجزء الثاني من الكتاب المذكور: في بيان أن جميع أشراط الساعة التي أخبرنا بها الشارع حق لابد أن تقع كلها قبل قيام الساعة، وذلك لخروج المهدي عجل الله فرجه ثم الدجال ثم نزول عیسی ۔ إلى أن قال - إلى انتهاء الألف، ثم تأخذ في ابتداء الإضمحلال إلى أن يصير الدين

ص: 20


1- سورة القلم: 4.
2- الفتوحات المكية: 419/3 باب 366 ط . بولاق - مصر، الیواقیت والجواهر: 422 - 423.

غريبا كما بدأ، وذلك الإضمحلال يكون بدايته من مضي ثلاثين سنة من القرن الحادي عشر، فهناك يترقب خروج المهدي عجل الله فرجه، وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري ومولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وهو باق إلى أن يجتمع بعیسی ابن مريم فيكون عمره إلى وقتنا هذا - وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائة - سبعمائة وثلاث سنين (1).

السابع: نور الدين عبد الرحمن بن قوام الدين الدشتي الجامي الحنفي في شواهد النبوة (2).

الثامن: الحافظ أبو الفتح محمد بن أبي الفوارس في أربعينه (3).

التاسع : أبو المجد عبد الحق الدهلوي البخاري قال في رسالته في المناقب قال في الرسالة: وأبو محمد العسكري، ولده (م ح م د) معلوم عند خواص أصحابه وثقاته (4).

العاشر : السيد جمال الدين عطاء الله بن السيد غیاث الدین فضل الله بن السيد عبد الرحمن المحدث المعروف صاحب کتاب: روضة الأحباب بالفارسية: إمام دوازدهم (م ح م د) بن الحسن علیه السلام تولد همایون آن در درج ولایت وجوهر معدن هدایت در منتصف شعبان سنة دویست و پنجاه و پنج در سامره اتفاق افتاد و گفته شده در بیست وسیم از شهر رمضان سنة دویست و پنجاه و هشت و مادر آن عالی گهرام ولد بوده ومسماة بصیقل یا سوسن (5).

الحادي عشر: الشيخ العالم الأريب الأوحد أبو محمد عبدالله بن أحمد بن

ص: 21


1- الیواقیت والجواهر: 422 المبحث الخامس والستون.
2- راجع غيبة النعماني: 14.
3- راجع مقتضب الأثر: 12.
4- راجع کشف الغمة: 2/ 498.
5- راجع غيبة النعماني: 14 ومقتضب الأثر: 12.

محمد بن الخشاب عن صدقة بن موسی (1).

الثاني عشر: عبدالله بن محمد المطري عن الإمام جمال الدين السيوطي في رسالة إحياء الميت بفضائل أهل البيت أن من ذرية الحسين بن علي المهدي علیه السلام المبعوث في آخر الزمان، إلى أن قال: الحادي عشر ابنه محمد القائم المهدي وقد سبق النص عليه في ملة الإسلام من النبي (صلی الله علیه واله وسلم) وهو صاحب السيف القائم المنتظر إلى آخر ما قال (2).

الثالث عشر: شهاب الدين المعروف بملك العلماء شمس الدين بن عمر الهندي صاحب تفسير البحر المؤاج في كتابه الموسوم ب هداية السعداء عن جابر بن عبدالله دخلت على فاطمة بنت رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) وبين يديها ألواح فيها أسماء أئمة ولدهاء إلى أن قال: أولهم زین العابدین - أي التسعة من ولد الحسين علیهم السلام . والثاني الإمام محمد الباقر، إلى أن قال: والتاسع الإمام حجة الله القائم الإمام المهدي إبنه، وهو غائب وله عمر طويل كما بين المؤمنین عیسی وإلياس وخضر وفي الكافرين الدجال والسامري (3).

الرابع عشر: العالم المعروف فضل بن روزبهان شارح الشمائل للترمذي، قال: ونعم ما قلت في الأئمة منظومة:

سلام على المصطفى المجتبى *** سلام على السيد المرتضى

سلام على ستنا فاطمة *** من اختارها الله خير النسا

سلام من المسك أنفاسه *** على الحسن الألمعي الرضا

ص: 22


1- تاریخ مواليد الأئمة لابن الخشاب: 40، وكشف الغمة: 3/ 265.
2- أقول: في رسالة إحياء الميت للسيوطي المطبوعة بهامش كتاب الاتحاف بحب الأشراف (ط. مصرالأدبية) لا يوجد كلام عن الإمام المهدي عليه السلام فتأمل!.
3- في مقدمة غيبة النعماني اسمه: شهاب الدين آبادي: 15 وكذا في الغدير: 68/6 ، وحديث اللوح ذكره جملة من العلماء، راجع: کشف الغمة: 246/3 ، وفرائد السمطين: 2/ 136 ح 432.

سلام على الأورعي الحسین *** شهيد يرى جسمه کربلا

سلام على سيد العابدین *** علی ابن الحسين المجتبی

سلام على الباقر المهتدی *** سلام على الصادق المقتدی

سلام على الكاظم الممتحن *** رضي السجايا إمام التقى

سلام على الثامن المؤتمن *** علي الرضا سيد الأصفيا

سلام على المستقي التقي *** محمد الطيب المرتجى

سلام على الأريحي النقي *** علي المکرم هادي الوری

سلام على السيد العسكري *** إمام يجهز جيش الصفا

سلام على القائم المنتظر *** أبي القاسم العرم نور الهدى

سيطلع كالشمس في غاسق *** ينجيه من سيفه المنتقى

قوي يملأ الأرض من عدله *** كما ملئت جور أهل الهوى

سلام عليه وآبائه *** وأنصاره ما تدوم السما (1)

الخامس عشر: العالم العابد العارف الورع الباز الألمعي الشيخ سليمان بن خواجة کلان الحسين القندوزي البلخي صاحب كتاب «ینابیع المودة» قد بالغ فيه في إثبات كون المهدي الموعود هو الحجة بن الحسن العسكري عليه السلام في طي أبواب فلا حاجة الذكر كلماته (2).

السادس عشر: العارف المشهور بشيخ الإسلام الشيخ أحمد الجامي قال: قال عبد الرحمن الجامي في كتابه النفحات (3).

السابع عشر: قال ابن خلكان في تاريخه: ذكر ابن الأزرق في تاریخ میافارقين: أن

ص: 23


1- راجع: كتاب جهارده معصوم: 31 المقدمة.
2- ينابيع المودة: 89/1 باب 73.
3- ينابيع المودة: 349/3 ، و بالهامش: نفحات الأنس: 307 ط. المحمودي.

الحجة المذكور ولد في تاسع شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين ومائتين، وقيل: في ثامن من شعبان سنة ست وخمسين وهو الأصح، وأنه لما دخل السرداب كان عمره أربع سنين وقيل: خمس سنين، وقيل: إنه دخل السرداب سنة خمس وسبعين ومائتين وعمره سبع عشرة سنة والله أعلم أي ذلك كان، سلام الله ورحمته عليه (1).

الثامن عشر: عن الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف الزرندي في كتاب معراج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول: الإمام الثاني عشر، صاحب الكرامات المشتهر، الذي عظم قدره بالعلم واتباع الحق والأثر القائم - مولده على ما نقلته الشيعة ليلة الجمعة للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين بالحق والداعي إلى منهج الحق الإمام أبو القاسم محمد بن الحسن، وكان بسر من رأى في زمان المعتمد وأمه نرجس بنت قيصر الرومية أم ولد. انتهى.

التاسع عشر: عن الشيخ محمد بن محمود الحافظ البخاري في كتابه ما لفظه: وأبو

محمد الحسن العسكري، ولده محمد معلوم عند خاصة أصحابه وثقات أهله (2) .

العشرون: عن الشيخ عبدالله بن محمد المطيري الشافعي في الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي صلی الله علیه واله وعترته الطاهرة: ولد أبو القاسم محمد الحجة بن الحسن الخالص بسر من رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين للهجرة (3).

وذكر الشيخ النوري في النجم الثاقب نحو ذلك (4).

ص: 24


1- الصواعق المحرقة: 314، و 247 الآية 12.
2- ينابيع المودة: 304/3 .
3- ذكر ذلك كله الحائري في إلزام الناصب .
4- النجم الثاقب: 411.376/1

5- بقاء الإمام المهدي عليه السلام

لا امتناع عادة في بقاء الإمام المهدي عجل الله فرجه حية مع طول الزمان، إذ ليس هو من الأمور الخارجة عن مقدور الله تعالى، فلا مانع منه لسبب ما، ولن يكون السبب المدعى أسوء حالا من بقاء إبليس، الذي في بقائه ضلالة للعالمين إلا من عصم الله تعالی .

على أن الأخبار دلت أن سبب غياب المهدي هو الهداية المطلقة واضمحلال الظلم والظلام .

والدليل على بقاء الإمام علیه السلام هو بقاء عيسى وإلياس والخضر من الأولياء وبقاء الدجال وإبليس من أعداء الله .

قال تعالى : « وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا ليومنن بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ » (1).

ولم تؤمن كافة أهل الكتاب بعيسى لحد الساعة فلا بد من كونه في آخر الزمان.

وروى أبو نعيم والطبري وغيرهما، بقاء خضر والياس ( اليسع ) ، وإنهما يسيران في أرض الله (2).

قال الزمخشري : من الأنبياء أربعة أحياء إثنان في السماء عيسى وإدريس وإثنان في الأرض إلياس والخضر علیهم السلام (3) .

ص: 25


1- النساء : 159
2- البيان للكنجي : 149 الباب الخامس والعشرون عن الطبري ، ودلائل النبوة : 2/ 549 الفصل 30 ط. الهند - دکن ، والفردوس : 2/ 202 ح 3000 ط. دار الكتب العلمية و 320 ح 2822 ط. دار الكتاب، والمطالب العالية : 3/ 278 ح 3474.
3- ربيع الأبرار : 397/1 ، ومشارق الأنوار : 21 فصل 3 باب 1.

والمرتضى قول الحياة فكم له *** حجج تجل الدهر عن إحصاء

خضر والياس بأرض مثل ما *** عيسى وإدريس بقوا بسماء

هذا جواب ابن السيوطي الذي *** يرجو من الرحمن خير جزاء (1)

وروى أبو نعيم بقاء عامر بن فهرة والعلاء بن الحضرمي على قيد الحياة وإنهما رفعا الى السماء کعیسی (2).

وأما بقاء الدجال فمجمع عليه وفيه روايات كثيرة (3) وقيل أنه في الدير وقيل في بئر (4).

وبقاء إبليس صریح القرآن الكريم « قالَ رَبِّ أَنْظِرْنِي الَىَّ يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ : إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ » (5)

وما بقاء یاجوج و ماجوج ببعيد (6).

هذا إضافة الى ما روي في التعمير من الأنبياء عليهم السلام وبقائهم الى أعمار طويلة (7).

وإضافة الى المعمرين التي لم تخل منهم بقاع الأرض على طول الزمان (8).

ص: 26


1- الحاوي للفتاوى : 2/ 250 ذیل رسالة تنزيه الإعتقاد عن الحلول .
2- دلائل النبوة : 550/2 الفصل 30 ط. دکن 1369.
3- المسند : 2/ 330 و 353 طب و 154 و166 ط.م ، والمصنف لعبد الرزاق : 389/11 الی 399 ح 20817 وما بعده باب الدجال ، وشرح صحيح مسلم للنووي 71/18 - 45 - 86، وكمال الدين 2 /525 باب 46، والشريعة للآجري : 375،
4- البيان : 159 ، والمعجم الكبير : 24 /397 ترجمة فاطمة بنت قيس ما روى عنها عامر الشعبي.
5- الأعراف : 15.
6- فتح القدير : 311/3 مورد الآية ، والمعجم الكبير : 355/9 ترجمة وكنز العمال : 2/ 457ح 4495 و 521 ح 4652 و 14/ 338 ح 38864 و 121ح 39732.
7- راجع كمال الدين : 2/ 523 باب 46ح 1 وما بعده وذكر عدة روایات تدل على تعمير جملة من الأنبياء ، وکنز الفوائد : 243 - 245 - 248 - 265 رسالة في صحة طول عمر المهدي .
8- راجع كمال الدين : 2/ 532 باب 48ح 1 وما بعده وقد ذكر جملة من المعمرين ، وکنز الفوائد : 243

6- أدلة بقاء المهدي عليه السلام

قال رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) في خطبة حجة الوداع: « إن الحمد لله نحمده ونستعينه ....» وذكر تمام الخطبة إلى أن قال : «ألا هل بلغت، اللهم اشهد! فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم أعناق بعض ، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا بعده کتاب الله وأهل بيتي، ألا هل بلغت، اللهم اشهد. وإن اللطيف الخبير نبأني إنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض فلا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم» (1) . أخرجه السيوطي عن ابن حنطب (2) . والضياء في المختارة وابن عقدة عن حذيفة (3). وأبو نعيم وابن عقدة عن أبي الطفيل (4). وابن عقدة عن عامر بن أبي ضمرة وأم سلمة وجابر وأبي رافع (5) . والبزار في مسنده وابن عقدة عن أم هاني (6).

وأخرجه الإمام زيد عن علي بلفظ: لما ثقل رسول الله في مرضه والبيت غاص بمن فيه قال: ادعوا لي الحسن والحسين ...... سيصيبهما بعدي أثرة .

ثم قال (صلی الله علیه واله وسلم) : يا أيها الناس إني خلفت فيكم كتاب الله وسنتي وعترتي أهل بيتي

ص: 27


1- مجمع الزوائد: 163/9 - 164 والبغية 9/ 258 ح 14963 وما بعده .
2- إحياء الميت: 260.
3- ينابيع المودة: 37 ط. اسلامبول و1 /41 ط. النجف ، وجواهر العقدین: 235 الباب الرابع .
4- ينابيع المودة: 38 - 39 ط . اسلامبول و1 / 41 - 43 ط . النجف ، وجواهر العقدین: 235 - 236 الباب الرابع .
5- ينابيع المودة: 38-39- 40 - 41 ط. اسلامبول و 42/1 - 44 - 45 ط. النجف، وجواهر العقدین: 235 - 237 - 239 - 240 الباب الرابع .
6- ينابيع المودة: 40 ط . اسلامبول و 1/ 44 ط. النجف ، وجواهر العقدين: 239 - 240 الباب الرابع .

فالمضيع لكتاب الله كالمضيع لسنتي والمضيع لسنتي كالمضيع لعترتي، أما إن ذلك لن يفترقا حتى ألقاهما على الحوض (1). وأخرجه ابن عقدة عن فاطمة الزهراء علیها السلام (2).

هذا الحديث المسمى بحديث الثقلين وهو من الأحاديث المشهورة أو المتواترة رواه جملة من الحفاظ (3).

7- دلالة حديث الثقلين على بقاء المهدي عليه السلام

* قال السمهودي بعد ذكر طرق الحديث ومعنى الثقلين لغة :

(والحاصل إنه لما كان كل من القرآن والعترة الطاهرة معدنا للعلوم الدينية ، وأسرار الحكم النفسية الشرعية وكنوز دقائقها أو استخراج حقائقها] (4) أطلق رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عليهما الثقلين ، ويرشد لذلك حته في بعض الطرق السابقة على الإقتداء والتمسك والتعلم من أهل بيته .

وقوله في حديث أحمد : «الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت » (5).

وما سيأتي من كونهم أمانا للأمة (6).

إلى أن قال السمهودي : إن ذلك يفهم وجود من يكون أهلا للتمسك من أهل

ص: 28


1- مسند الإمام زيد: 360 باب فضل العلماء.
2- ينابيع المودة: 40 ط. اسلامبول وا / 44 ط. النجف .
3- يراجع إضافة لما تقدم کنز العمال: 186/1 ح 950 و 953، وترجمة الامير من تاريخ دمشق: 2/ 36 و46 ح 536 و547، والفصول المهمة: 40، ومصابيح السنة: 4 / 185 ح 4800 ، والمستدرك: 3 /53، کتاب المغازي.
4- من کتاب رشفة الصادي : رشفة 128 بتحقيقنا.
5- فضائل الصحابة لأحمد: 2/ 654 ح 1113، وذخائر العقبی : 20-80.
6- لابن حجر کلام مشابة مع إضافات جليلة فلتراجع : الصواعق المحرقة : 151 ط. مصر و 231 - 232 ط . بيروت الأية الرابعة .

البيت والعترة الطاهرة في كل زمان وجدوا فيه الى قيام الساعة ، حتى يتوجه الحث الى التمسك به ، كما إن الكتاب العزيز كذلك ، ولهذا كانوا أمانا للأمة كما سيأتي فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض (1).

* وللرفاعي وابن حجر والخفاجي کلام مشابه جدا فليراجع !! (2).

*وقال توفيق أبو علم: بعد ذكر طرق الحديث - ومن الطبيعي أن صدور أية مخالفة لأحكام الدين تعتبر افتراقا عن الكتاب العزيز، وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بعدم افتراقهما حتى یردا على الحوض ؛ فدلالته على العصمة ظاهرة جلية (3).

وقد كرر النبي (صلی الله علیه واله وسلم) هذا الحديث في مواقف كثيرة لأنه يهدف إلى صيانة الأمة والمحافظة على استقامتها وعدم انحرافها في المجالات العقائدية وغيرها لئن تمسکت بأهل البيت ولم تتقدم عليهم ولم تتأخر عنهم ...

إلى أن قال: وقد دلت الأحاديث أيضا على أن منهم من هذه صفته في كل عصر وزمان، فلو خلا زمان من أحدهما لم يصدق أنهما لن يفترقا حتى یردا على الحوض (4) .

وروى ابن أبي شيبة عن زيد بن ثابت: « إني تارك فيكم الخليفتين من بعدي کتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ) (5).

ص: 29


1- جواهر العقدین : 245 - 243 - 257 - 262 الباب الرابع ، وينابيع المودة : 273 ط . اسلامبول وط. النجف : 327 باب 57، وأخرج الخوارزمي عن ابن عباس في قوله تعالى : ( كونوا مع الصادقین) قال: هو علي بن أبي طالب . مناقب الخوارزمي : 280 ح 273 افصل 17.
2- المشرع الروي : 1/ 20 - 21 والصواعق : 151 ط. مصر و 230 - 231 ط . بیروت ، تفسير آية المودة: 77 إلى 80
3- ويؤيد كلامه ما روي في الثقلين بقرنه بآية التطهير راجع الالمام :3/ 154.
4- أهل البيت لتوفیق: 78 و 79.
5- المصنف : 6/ 313 ح 31670 کتاب الفضائل باب ما أعطي الله محمدا ، وجواهر العقدین : 236 الباب الرابع ، والمعجم الكبير: 153/5 ح 4921، ومسند أحمد: 5 / 182 ط.م و6 / 232 ح 21068 - 21145 - ط. بیروت .

وسئل أمير المؤمنين عليه السلام عن معنى الحديث: من العترة ؟

قال علیه السلام : أنا والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين تأسعم مهديهم لا يفارقون كتاب الله عزوجل ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) (1).

فمن مجموع ذلك يثبت أن النبي (صلی الله علیه واله وسلم) يريد أن يعرف الأمة على فضل القرآن والعترة، ووجوب التمسك بأقوالهما والأخذ بهما وتقديمهما في كل الأمور، وبالأخص أمور خلافة الله تعالى في الأرض التي يشترط فيها عدم خطأ صاحبها حتى تستقيم الأمة، وقد أخبر أنهم فقط القرآن والعترة، وأنهم كذلك معا - حجة و معصومون - في كل زمان إلى يوم القيامة.

وعليه فلا يصدق هذا الحديث الصحيح المتواتر إلا إذا آمنا ببقاء عدل للقرآن الكريم، معصوم عن الخطأ كالقرآن، يستمر هذا العدل مع القرآن الى يوم القيامة مرورا بهذه الأزمنة، مهمتهما معا حماية الإسلام عن التحريف، وما العدل إلا الإمام المهدي محمد بن الحسن عجل الله تعالی فرجه الشریف.

ص: 30


1- النجم الثاقب: 509/1

8- لماذا الغيبة ؟

هناك سؤال يطرح نفسه وهو أنه لماذا لم يخرج الإمام قبل وقته وما الهدف من الغيبة ؟

ولسنا في صدد بحث علمي لعلل الغيبة إنما نريد تبرير بعض القضايا وتحليل أخرى .

ويمكن وضع عدة أمور تبرر الغيبة :

1- إيجاد کامل قواد دولة الإمام المهدي علیه السلام لحكم العالم بأجمعه، الذين هم في أصلاب الرجال كما في الحديث : ودائع مؤمنون في أصلاب قوم کافرین، فكذلك القائم علیه السلام لن يظهر أبدا، حتى تخرج ودائع الله عز وجل، فإذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء الله عز وجل جلاله، فقتلهم (1).

وهذا الأمر يحتاج الى هذه الفترة الزمنية الكبيرة .

2- تمحيص الأمة وغربلتها من خلال مرورها بكل الصعوبات التي تواجه الإنسان لتكون مؤهلة لاستقبال دولة العدل وصاحبها، وعن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل : « يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ » قال: يكسرون في الكرة كما یکسر الذهب حتى يرجع كل شئ إلى شبهه يعني إلى حقيقته (2).

وورد في قوله تعالى « يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ » (3) « وَهْمُ لا يُفْتَنُونَ » (4).

ص: 31


1- كمال الدين: 641، بحار الأنوار: 52/ 97 /ح 19، وعلل الشرائع: 147 باب 122ح 2.
2- مختصر البصائر: 28 - 133، والبحار: 44/53
3- سورة الذاریات: 13.
4- سورة العنكبوت: 2.

«يفتنون كما يفتن الذهب ثم قال ... يخلصون كما يخلص الذهب» (1).

والتمحيص كما هو للفرد هو للأمة ؟

ومعنى تمحيص الأمة تطورها جيلا بعد جيل على قاعدة دولة المؤسسات أو تهيئة البدائل كما يأتي.

3- تكامل الأفكار والعلوم الإنسانية الى حد فهم حقيقة دولة العدل والعلم، وذلك من خلال التطور العلمي والتقني، الذي يعطيهم إياء الله تبارك وتعالى حتى تصير به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة كما يأتي في الحديث .

4 - نفاذ الأطروحات السياسية والقيادية لكي لا يعترض على قيادة الإمام عليه السلام ، كما أشار إليه الحديث الآتي : دولتنا آخر الدول، ولن يبقى أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء (2).

وسوف يأتي ما يوضح كل ذلك .

ص: 32


1- غيبة النعماني: 210ح 2.
2- بحار الأنوار: 52 / 232 ح 58.

9- إمكان رؤية الإمام الحجة عجل الله فرجه

من الثابت عند الإمامية إمكان رؤية الإمام عجل الله فرجه إجماعة في الغيبة الصغرى، وشهرة في الغيبة الكبرى.

والرؤية الأولى - في الغالب - كانت مختصة بالسفراء الأربعة قدس الله أرواحهم.

أما الرؤية الثانية فليست مختصة بأحد، فيستطيع كل شخص أن يلتقي به صلوات الله عليه ولكن ضمن شروط نذكر أهمها:

10- شروط الرؤيا

الشرط الأول :

أن يكون الرائي من خاصة مواليه، كما ورد عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «للقائم غیبتان إحداهما قصيرة والأخرى طويلة، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه إلا خاصة شیعته، والأخرى لا يعلم بمكانه إلا خاصة مواليه» (1).

الشرط الثاني:

وجود مصلحة عامة مهمة تتوقف عليها رؤية الإمام عجل الله فرجه من قبيل توقف حفظ بيضة الإسلام، أو أي أمر يخاف على المسلمين من عاقبته، ويستفاد ذلك من بعض قصص من رأى الإمام عجل الله فرجه.

ص: 33


1- أصول الكافي: 1/ 340 ح 19، باب في الغيبة . وغيبة النعماني: 89.

الشرط الثالث:

وجود حاجة خاصة عند البعض، إما لنفسه، أو لغيره، تتوقف رؤيته الشريفة على

ذلك.

الشرط الرابع:

عدم إدعاء الرؤية العلنية أو التشهير بها، وقد يستفاد ذلك من التوقيع الصادر من الناحية المقدسة على الشيخ المفيد عند قوله علیه السلام : «فاحتفظ به ولا تظهر على خطنا الذي سطرناه بما له (1) ضمناه أحدا» (2).

نعم قد يكون هذا الشرط لا يتناسب مع كل زمن، ففي زمان الشيخ المفيد أو ما بعده يصح هذا الشرط، أما في هذه الأزمنة فقد يقال ما المانع من رؤية خط الإمام أو نقل رأيه في مسألة معينة، نعم ذلك مشروط بمصلحة مهمة وضمن مواصفات دقيقة في شخص الرائي .

الشرط الخامس:

ما يستفاد من كلام العلامة الطبطبائي في رجاله عند ترجمة الشيخ المفيد بعد ذکر

التوقيعات: من عدم ادعاء الرائي الرؤية مع العلم أنه الإمام حال الرؤية.

وسوف تأتي بعض الروايات التي يستفاد منها هذه الشروط الخمسة.

وهذه الشروط ليست على نحو العلة التامة، أو كونها أجزاء لعلة بحيث من توفرت به لابد أن يرى الإمام عجل الله فرجه؛ بل ما هي إلا موازين ليعرف صدق من يدعي

ص: 34


1- في إلزام الناصب: بما فيه .
2- بحار الأنوار: 53/ 176.

الرؤية، لأنها ليست مسألة مبتذلة لمن شاء، وإلا لما كان هناك من حكمة لغيابه الشريف. بل الرؤية لطف من الله يمنحها من يشاء من عباده ممن ارتضی.

ص: 35

11- الطرق الشرعية لرؤية الإمام المهدي عليه السلام

اشارة

إضافة إلى الشروط التي تقدمت، وردت بعض الطرق الشرعية عن أهل البيت علیهم السلام «من واظب عليها أمكنه رؤية الإمام عجل الله فرجه أو غيره من الأئمة عليهم السلام». ولمزيد الفائدة نذكر بعض تلك الطرق:

الطريق الأول لرؤية أهل البيت عليهم السلام

ما رواه المفيد في الإختصاص عن أبي المغرا عن الأمام موسی بن جعفر علیه السلام قال: سمعته يقول: «من كان له إلى الله حاجة وأراد أن يرانا، وأن يعرف موضعه، فليغتسل ثلاثة ليال يناجي بنا، فإنه يرانا، ويغفر له بنا، ولا يخفى عليه موضعه (1).

الطريق الثاني:

ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: من قرأ بعد كل فريضة هذا الدعاء فإنه یری الإمام محمد بن الحسن علیه السلام وعلى آبائه السلام في اليقظة وفي المنام :

« بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم بلغ مولانا صاحب الزمان أينما كان وحيثما كان، من مشارق الأرض ومغاربها، سهلها وجبلها، عني وعن والدي وإخواني التحية والسلام، عدد خلق الله، وزنة عرش الله، وما أحصاه كتابه وأحاط علمه. اللهم إني أجدد في صبيحة هذا اليوم وما عشت فيه من أيام حياتي، عهدا وعقدا وبيعة له في عنقي، لا أحول عنها ولا أزول، اللهم اجعلني من أنصاره ونصاره الذابين عنه، والممثلين لأوامره ونواهيه في أيامه، ومن المستشهدين بين يديه.

اللهم فإن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتما مقضيا، فأخرجني

ص: 36


1- الإختصاص: 90.

من قبري مؤتزرا كفني، شاهرا سيفي، مجردا قناتي، ملبيا دعوة الداعي في الحاضر والبادي.

اللهم أرني الطلعة الرشيدة، والغرة الحميدة، واكحل بصري بنظرة مني إليه، وعجل فرجه، وسهل مخرجه، اللهم اشدد أزره وقو ظهره، و طول عمره، اللهم أعمر به بلادك، وأحيي به عبادك، فإنك قلت وقولك الحق ظهر الفساد والبحر بما كسبت أيدي الناس. فأظهر اللهم لنا وليك، وابن بنت نبيك، المسمى باسم رسول، صلواتك عليه وآله، حتى لا يظفر بشيء من الباطل إلا مزقه، ويحق الله الحق بكلماته ويحققه، اللهم اکشف هذه الغمة عن هذه الأمة بظهوره، إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا، وصلى الله على محمد وآله » (1).

الطريق الثالث:

ما رواه في الجنة الواقية للشيخ ابراهيم الكفعمي، قال: رأيت في بعض کتب أصحابنا أنه من أراد رؤية أحد من الأنبياء عليهم السلام، أو الوالدان في نومه فليقرأ: الشمس، القدر، والجحد، والإخلاص والمعوذتين، ثم يقرأ الإخلاص مئة مرة، ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله مائة مرة، وينام على الجانب الأيمن على وضوءه فإنه يرى من يريده إن شاء الله تعالى، ويكلمهم بما يريد من سؤال وجواب (2).

الطريق الرابع:

وهو نفسه الطريق الثالث إلا أنه فيه زيادة، وذلك أن يفعل ما تقدم سبع ليال بعد

ص: 37


1- بحارالأنوار: 61/86 ح 69، باب سائر ما يستحب عقيب كل صلاة، نقلا عن كتاب ابن الباقي .
2- بحار الأنوار: 53 / 329.

الدعاء الذي أوله: «اللهم أنت الحي الذي لا يوصف والإيمان يعرف منه، منك بدأت الأشياء وإليك تعود، فما أقبل منها كنت ملجأه ومنجاه، وما أدبر منها لم يكن له ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، فأسألك ببسم الله الرحمن الرحيم، وبحق حبيبك محمد (صلی الله علیه واله وسلم)، وبحق على خير الوصيين علیه السلام ، وبحق فاطمة سيدة نساء العالمين عليها السلام ، وبحق الحسن والحسين الذين جعلتهما سيدا شباب أهل الجنة أجمعين، أن تصلي على محمد وآله وأهل بيته، وأن تريني ميتي في الحال التي هو فيها».

روى هذا الدعاء علي بن طاووس في فلاح السائل قائلا: إذا أردت أن ترى ميتك فبت على طهر، واضطجع على يمينك، وسبح تسبيح فاطمة الزهراء علیها السلام (1).

الطريق الخامس:

ما رواه الكفعمي في جنته : قراءة دعاء المجير على طهارة سبعا عند النوم بعد صوم سبعة أيام (2).

الطريق السادس:

ما روي أنه من قرأ ليلة الجمعة بعد صلاة يصليها من الليل: الكوثر ألف مرة، وصلى على محمد وآل محمد ألف مرة، رأى النبي (صلی الله علیه واله وسلم) في منامه (3).

الطريق السابع:

ما رواه علي بن طاووس في فلاح السائل لرؤيا أمير المؤمنین علیه السلام في المنام: إذا

ص: 38


1- بحار الأنوار: 329/53
2- بحار الأنوار: 53 / 330.
3- بحار الأنوار: 53 / 331.

أردت ذلك، فقل عند مضجعك: «اللهم إني أسألك يا من لطفه خفي، وأياديه باسطة لا تنقضي، أسألك بلطفك الخفي، الذي ما لطفت به أحدا إلا كفي، أن تريني مولاي علي ابن أبي طالب في منامي» (1).

الطريق الثامن:

ما روي في مجمع الدعوات: لمن أراد أن يرى النبي (صلی الله علیه واله وسلم) في منامه، فليقم ليلة الجمعة فيصلي المغرب ثم يداوم على الصلاة الى أن يصلي العتمة ولا يكلم أحدا، ثم يصلي ويسلم في ركعتين يقرأ في كل ركعة الحمد مرة واحدة، وقل هو الله أحد ثلاث مرات، فإذا فرغ من صلاته انصرف،ثم يصلي ركعتين يقرأ فيهما فاتحة الكتاب مرة واحدة، وقل هو الله أحد سبع مرات، ويسجد بعد التسليم ويصلي على النبي وآله سبع مرات، ويقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، سبع مرات، ثم يرفع رأسه من السجود ويستوي جالسا ويرفع يديه للدعاء ويقول:

« يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا إله الأولين والآخرين، یا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، یا رب یا رب»، ثم يقوم رافعا يديه ويقول:

«یا رب یا رب یا رب، یا عظیم الجلال يا عظيم الجلال یا عظیم الجلال، یا بدیع الكمال، یا کریم الفعال، یا کثير النوال، یا دائم الأفضال، یا کبیر یا متعال، یا أول بلا مثال، يا قيوم بغیر زوال، یا واحد بلا انتقال، یا شدید المحال، یا رازق الخلائق على كل حال، أرني حبيبي وحبيبك محمد (صلی الله علیه واله وسلم) في منامي، يا ذا الجلال والإكرام».

ثم ينام في فراشه وغيره، وهو مستقبل القبلة على يمينه، ويلزم الصلاة على

ص: 39


1- بحار الأنوار: 53 / 330.

نبيه (صلی الله علیه واله وسلم) حتى يذهب به النوم، فإنه يراها (صلی الله علیه واله وسلم) في منامه إن شاء الله تعالی (1).

الطريق التاسع:

في البحار: (2) عن جنة الأمان عن الصادق علیه السلام أيضا أنه قال: من قال بعد صلاة الفجر، وبعد صلاة الظهر: اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم، لم يمت حتى يدرك القائم من آل محمد عليهم السلام (3).

الطريق العاشر:

روى الشيخ الجليل الحسن بن الفضل الطبرسي، رحمه الله تعالى، في مكارم الأخلاق (4) أن من دعا بهذا الدعاء عقيب كل فريضة وواظب على ذلك عاش حتى يمل الحياة ويتشرف بلقاء صاحب الأمر عجل الله فرجه، وهو: اللهم صل على محمد وآل محمد اللهم إن رسولك الصادق المصدق، إلى آخر الدعاء. وهو أيضا دعاء في فرج مولانا الحجة صلوات الله عليه .

الطريق الحادي عشر:

وفي البحار (5) والأنوار والمقباس وزاد المعاد (6) وغيرها من مؤلفات العلماء

ص: 40


1- بحار الأنوار: 380/91 ح 3، باب الصلاة والدعاء عند النوم.
2- بحار الأنوار: 68 / 77 باب 11:39
3- بحار الأنوار: 77/83
4- مكارم الأخلاق: 149.
5- بحار الأنوار: 61/86 باب 38: 69.
6- زاد المعاد: 483.

الأمجاد روي عن الصادق علیه السلام بحذف الإسناد و عبارة الأنوار النعمانية (1) هكذا: أنه قال: من دعا بهذا الدعاء أربعين صباحا كان من أنصار القائم علیه السلام وإن مات قبل ظهوره علیه السلام، أحياه الله تعالى حتى يجاهد معه، ويكتب له بعدد كل كلمة منه ألف حسنة، ويمحى عنه ألف سيئة، وهو هذا: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم رب النور العظيم، والكرسي الرفيع.. ، إلى آخر الدعاء، وهو دعاء العهد.

12- تحقيق حول رؤية الإمام وكيفيته عجل الله فرجه

تقدم الكلام عن إمكان رؤية الإمام عجل الله فرجه، أما كيفية هذه الرؤيا؟ وهل هي في المنام، أم في اليقظة، أم أنهما شيء واحد، أم كلاهما ممكن، أم يفرق بين الإمام المهدي وغيره من الأئمة؟ وجوه تحتاج إلى تأمل.

وقبل بسط الكلام حولها، لابد من ذكر بعض أدلة الرؤيا لنرى ماذا يمكن الإستفادة منها.

الدليل الأول:

لجواز رؤية الإمام عجل الله فرجه قول الإمام الصادق عليه السلام : «للقائم غیبتان إحداهما قصيرة والأخرى طويلة، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه إلا خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه إلا خاصة مواليه» (2).

الدليل الثاني:

ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله علیه السلام قال: «لابد لصاحب هذا الأمر من غيبه، ولابد

ص: 41


1- الأنوار النعمانية: 162.
2- أصول الكافي: 1/ 34 ح 19، باب في الغيبة.

له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة (1)، وما بثلاثين من وحشة» (2).

وظاهر قوله علیه السلام «ما بثلاثين من وحشة» أن الإمام ما زال يتصل بثلاثين شخص. لأن أعمار الناس لا تطول فيثبت اتصال الإمام بثلاثين شخص في كل عصر من العصور.

الدليل الثالث:

ما رواه الشيخ في غيبته وكمال الدين عن الفتى الذي لقي الإمام عند باب الكعبة.

قال علیه السلام : ما الذي تريد يا أبا الحسن؟

قال: الإمام المحجوب عن العالم.

قال علیه السلام : ما هو محجوب عنکم ولكن حجبه سوء أعمالكم (3).

الدليل الرابع:

ما تقدم من طرق شرعية لرؤية الإمام فإنها تدل على جوازها وإمكانها وإلا كان بيانها والأمر بها لغوا.

الدليل الخامس:

أقوال العلماء في جواز الرؤيا.

قال الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة: «أنا لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه،

ص: 42


1- يقصد المدينة، إلا أنه وجدت رواية تشير إلى أن طيبة اسم ضيعة للإمام الصادق علیه السلام البصائر : 1224، باب في أن الإمام تراءى له ملك الموت و جبرائیل.
2- أصول الكافي: 1/ 34 ح 16، باب الغيبة.
3- بحار الأنوار : 53 / 321

بل يجوز أن يبرز لأكثرهم، ولا يعلم كل إنسان إلا حال نفسه» (1).

وقال السيد المرتضئ في كتابه تنزيه الأنبياء: «إنه غير ممتنع أن يكون الإمام يظهر البعض أوليائه ممن لا يخشى من جهته من أسباب الخوف [على الدين ]».

وقال ابن طاووس في كتابه کشف المحجة عن ثمرة المهجة: «فصارت الغيبة حجة لهم علیهم السلام، وحجة له على مخالفيه في ثبوت إمامته، وصحة غيبته، مع أنه حاضر مع الله عز وجل على يقين، وإنما غاب من لم يلقه عنهم لغيبتهم عن حضرة المتابعة له ولرب العالمين».

وهذا منه قدس سره شيء عظيم، وقول كبير، ولكنه الحق وعين الصواب، فلم يغب الإمام المهدي عجل الله فرجه، ومنذ ولادته إنما نحن غبنا عنه، نحن الغائبون وهو الموجود الحاضر، غیبتنا سوء أعمالنا، وقبح سرائرنا، أغاثنا الله برحمته الرحيمية والرحمانية لنتشرف برؤية إمامنا وسيدنا الإمام المهدي أرواح العالمين له الفدى وعجل الله فرجه.

13- مناقشة

بعد هذه النصوص والأقوال لا يصار إلى ما ورد من كلام وروایات لنفي جواز رؤيا الإمام المهدي عجل الله فرجه، ولعل أهم دلیل لذلك ما رواه الشيخ في كتاب الغيبة، والطبرسي في الاحتجاج، في التوقيع إلى أبي الحسن السمري: قال علیه السلام : «يا علي بن محمد السمري، إسمع أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت وما بينك وبين ستة أيام، فاجهل أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جورا، وسيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج

ص: 43


1- کتاب الغيبة: 75.

السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم » (1)

وهذه الرواية وحسب فهمي القاصر، أجنبية عن الموضوع، وظاهرة في نفي الرؤيا التي تساوق الغيبة الصغرى، أو خروج الإمام آخر الزمان، ولا تتعرض لا من قريب ولا من بعيد، إلى نفي الرؤيا التي تقدم إثباتها، وضمن الضوابط المتقدمة، وتوضيح هذا الإجمال:

أنه يحتمل في الرواية الشريفة احتمالان:

الإحتمال الأول :

أن يكون الإمام روحي فداه يريد أن ينفي الرؤيا التي كانت ثابتة للسفراء الأربعة، فيكون المعنى: ألا فمن ادعى المشاهدة التي كنت تشاهدها فهو كذاب.

وهذا النوع من الرؤيا هو المحرم والذي كانت له أحكام عامة وخاصة، حيث كان من يريد يستطيع أن يكتب إلى الإمام عجل الله فرجه، ويجيبه الإمام، وكان معروفا لدى الجميع، أن الإمام يلتقي بالسفراء الأربعة وجها لوجه، فروحي فداه يريد أن ينفي هذا النوع من الرؤيا المساوق لادعاء النيابة والسفارة.

أما الرؤيا الخاصة لبعض الأولياء الخلص (ولمصلحة ما، وضمن شروط تقدمت) فلا يريد علیه السلام نفيها، ولذا قال في الرواية المتقدمة: «ولا توصي إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا..»

فیرید نفي من يقوم مقامه ويمارس مهامه .

الاحتمال الثاني:

أن يكون مراد الإمام نفي الرؤيا والظهور المساوق لخروجه النهائي عجل الله

ص: 44


1- غيبة الشيخ: 257، وكمال الدين: 193/2

فرجه، فيكون المعني: من أدعى الظهور النهائي قبل الصيحة فهو كاذب.

فروحي فداه ينفي هذا النوع من الظهور، ويدل عليه قوله في نفس الرواية: « وسيأتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب».

فهو ينفي المشاهدة التي معناها الإخبار بظهور الإمام فنبه عليه فقال لا ظهور ولا مشاهدة قبل الصيحة .

ويساعد على هذا الفهم قریتان: الأولى، قوله: فلا ظهور، ثم يعطف عليها بقوله: سيأتي من يدعي المشاهدة، فهي واضحة في كون المراد منها المشاهدة المصاحبة الإعلان الظهور .

القرينة الثانية: ربط الإمام عليه السلام مشاهدته بخروج السفياني والصيحة اللتان هما من العلامات الحتمية لظهور الإمام عليه السلام المساوق لمشاهدته .

وبهذا يتضح أن مراده عليه السلام من المشاهدة ليست الرؤيا التي نحن بصدد بيانها بل هي المشاهدة المصحوبة بدعوی ظهوره عجل الله فرجه الشریف.

أما الرؤيا الخاصة لبعض الموالين، وضمن ضوابط شرعية فلا يريد علیه السلام أن ينفيها.

وخلاصة ما أرمي إليه من الإحتمالين أن الإمام يريد أن ينفي الظهور والمشاهدة أو قل المشاهدة المصاحبة للظهور، ولا يريد أن ينفي الرؤيا التي نريد إثباتها الخالية عن ادعاء الظهور أو قل المشاهدة المجردة عن هذا الإدعاء ، وفرقواضح بين المشاهدة المصاحبة للظهور وبين الرؤيا الخالية عنها.

وعلى كل حال، فإن كان هذا خلطا منا بين المفهومين، وكانت الرواية ظاهرة في نفي الرؤيا التي نريد إثباتها، فلابد من تأويل الرواية لعدم إمكان الأخذ بها في مقابل الروايات المتقدمة عن المعصومين عليهم السلام وأقوال العلماء.

ونقدم عدة وجوه لذلك:

ص: 45

الوجه الأول:

أن يكون المراد من الرواية نفي الرؤيا التي يخبر بها صاحبها مع التشهير بها أمام الناس. وقد يستشم ذلك من لعن الإمام عجل الله فرجه للرائي، فكأن المسألة تؤدي إلى البلبلة بين الناس، وإلغاء الحكمة التي غاب من أجلها، لذلك اهتم الإمام بلعن المدعي لذلك.

الوجه الثاني:

أن يكون المراد من الرواية نفي الرؤيا الشخصية للإمام علیه السلام ، أما رؤية نوره الشريف وسماع صوته فلا تنفيه الرواية.

الوجه الثالث:

أن يكون المراد نفي الرؤيا التي تكون في اليقظة، ولا تنفي الرواية الرؤيا التي تكون في المنام، وهذا الوجه مبني على الفرق بين الرؤيتين وأن رؤية الإمام أو أهل البيت علیهم السلام في المنام ليست نفس الرؤيا التي تكون في اليقظة، وسوف يأتي تفصيل ذلك.

الوجه الرابع:

ما ذكر العلامة المجلسي قدس سره من أن المنفي الرؤيا مع النيابة (1).

ص: 46


1- بحار الأنوار: 151/53 ، باب أدعي الرؤيا في الغيبة الكبرى.

الوجه الخامس:

ما ذكر العلامة الطباطبائي في رجاله في ترجمة الشيخ المفيد من أن المنفي الرؤيا مع المعرفة بأنه الإمام أثناء الرؤيا.

الوجه السادس:

أن المراد نفي الرؤيا التي تؤدي إلى المعرفة التفصيلية لأحوال الإمام ومكانه عجل الله فرجه.

14- تمحيص الإحتمالات

قلنا أنه يوجد عدة احتمالات في كيفية الرؤيا وهي كالتالي:

1- أن تكون رؤية الإمام المهدي علیه السلام منحصرة بالمنام.

2 - أن تكون رؤية الإمام المهدي علیه السلام منحصرة باليقظة.

3 - أن تكون رؤية الإمام المهدي علیه السلام مشتركة بين المنام واليقظة على حسب المقامات.

وهذه الاحتمالات الثلاثة مبنية على كون الرؤيا في المنام مغايرة للرؤيا التي في اليقظة، أما بناء على اتحادهما ولو مصداقا، فإنه لا تصح هذه الإحتمالات.

نعم، يحتمل التفريق بين الرؤيا للإمام المهدي عجل الله فرجه، والرؤيا لبقية الأئمة علیهم السلام بناء على صحة أحاديث: «كذب من رآنا في الغيبة الكبری»، وبناء على صحة أحاديث: «من رآنا فقد رآنا إن الشيطان لا يتمثل بنا» .

وإذا رجعنا إلى النصوص المتقدمة وجدنا بعضها يجوز رؤية الإمام المهدي في

ص: 47

اليقظة، كما تقدم في الطريق الثاني من الطرق الشرعية لرؤية الإمام عجل الله فرجه (1). إضافة إلى رؤيته في المنام كما تقدم في نفس الحديث.

وبناء على ذلك يجوز رؤية الإمام المهدي عجل الله فرجه يقظة ومناما، بناء على تغاير المفهومين.

وأما بناء على كون رؤيا اليقظة أشرف، فإنه يحتمل من البعض أن يرى الإمام في كلا الحالتين على حسب مقامهم، وقربهم من الحجة.

أما بالنسبة لبقية أهل البيت علیهم السلام ، فالنصوص المتقدمة خالية عن إمكان رؤيتهم في اليقظة بل كلها تشير أن الرؤيا في النوم.

أما حديث: «من رآنا فقد رآنا إن الشيطان لا يتمثل بنا».

ففيه احتمالات:

الإحتمال الأول: أن يكون المعنى أن من يرانا في المنام، فإنه رآنا واقعا ويقظة، فبناء

على ذلك يمكن إثبات الرؤيا لأهل البيت علیهم السلام يقظة وننزل منام الرائي الى يقظة .

الإحتمال الثاني: أن يكون المعنى أن من رآنا في منامه، فإن منامه حقيقي، وليس أضغاث أحلام، لأن الشيطان لا يمكنه أن يتمثل بصورنا، وبناء على هذا الإحتمال والذي هو الموافق لصياغة الحديث، فإنه تنحصر رؤية أهل البيت علیهم السلام في المنام.

وبذلك تحمل أحاديث: «كذبوا من رآنا في الغيبة الكبرى» على الرؤيا في اليقظة .

ويحتمل أن تكون مختصة بالإمام المهدي عجل الله فرجه، فيرجع إلى الوجوه المتقدمة للتأويل.

وعليه يمكن رؤية الإمام المهدي عجل الله فرجه في المنام واليقظة، أما رؤية أهل البيت علیهم السلام فمختصة بالمنام.

الإحتمال الثالث : أن يراد أن من رآنا في اليقظة فقد رآنا حقيقة لأن الشيطان لا يتمثلنا،

ص: 48


1- بحار الأنوار: 61/86 ح 69، وتقدم الحديث بكامله.

وعليه فلا حاجة للتأويل وبه نثبت إمكان رؤية الإمام يقظة لا مناما .

الإحتمال الرابع : أن يراد بالرؤيا في المنام کالرؤيا في اليقظة، من باب التشبيه، وعليه فالرؤيا ليست أضغاث أحلام ولا صور شيطانية، نعم تنحصر عندها الرؤيا في المنام فقط .

15- أوامر الإمام في الرؤيا

وهنا إذا رأى شخص معين الإمام علیه السلام في منامه، وأمره بفعل شيء معين فهنا يوجد تفصيل:

فإن كان قد رأى الإمام المهدي علیه السلام يقظة وعاينه، فإنه لابد أن يمتثل جميع الأوامر، أما إن رأى الإمام المهدي في المنام، أو أهل البيت عليهم السلام ، فإن كان الأمر مستحبا أو واجبا فالأمر سهل.

أما إن كان يأمره الإمام عليه السلام بفعل محرم، فإن كان هذا المحرم من قبيل ترك الصلاة فيشكل الأمر في صحة أصل رؤيته، لأن الإمام لا يأمر بذلك وتحمل الرؤيا على أضغاث أحلام.

وإن كان المحرم من قبيل قتل إنسان مسلم، وكما نقل عن بعض الثقات في عصرنا الحاضر، فلابد من التوقف والاحتياط .

والأفضل في جميع هذه الصور، الرجوع إلى أصحاب الخبرة من العلماء.

16- أسباب رؤية الناس للإمام المهدي عليه السلام

قد يقال ما الحاجة لرؤية الإمام علیه السلام في الغيبة وهل معنى غيبته إلا عدم رؤيته؟!.

ويمكن ذكر بعض الأمور تعتبر مترتبة على الرؤية :

1- إثبات وجود الإمام علیه السلام بشكل مباشر وأنه حي يرزق .

ص: 49

2 - التذكير بخروج الإمام علیه السلام لكي تستعد الناس له .

3- قضاء حوائج المحتاجين وشفاء مرضاهم كما يأتي.

4 - التواصل مع المحبين و تثبيتهم.

5 - تسديد العلماء وتثبيتهم على الهدى للحفاظ على الأمة كما يأتي.

6- تعليم الناس الأذكار والأدعية كما يأتي .

7 - إبطاله لحيل الأعداء ودحض مؤمراتهم السياسية الخبيثة (1).

وسيأتي في مطاوي الكتاب ما يدل على ذلك .

ص: 50


1- كما حصل في زمن صدور رسائل الإمام للشيخ المفيد راجع تاریخ ما بعد الظهور للصدر: 2/ 141.

الفصل الثاني

1- الآثار التكوينية والتشريعية لإمام الزمان عليه السلام

مدخل:

2- الفرق بين ولادة المهدي أول الزمان وولادته في آخره

قد يتوهم البعض أنه لا فائدة بين القول بولادة المهدي في آخر الزمان، وبين ولادته وبقائه إلى آخر الزمان، وأن المهم الإيمان به في الجملة واتباعه بعد خروجه ومناصرته.

وهذا الكلام، فيما يرتبط بالوحدة بين المسلمين أو بالإجماع على فكرة المهدوية في آخر الزمان، له جانب من الصحة، فتوحيد الجهود لنصرة المهدي وتذليل العقبات الدولته، والتمهيد له مع ما يرتبط ذلك بالإعداد العام من قبل المسلمين أمر في غاية الأهمية، وينبغي العمل على تقويته وتفعيله ليشمل كل المسلمين بل كل المستضعفين في العالم، الذين ينتظرون المنقذ الإلهي ليخرجهم من الظلم والجور.

ولعلنا نتعرض لهذا الأمر عند الكلام عن الإعداد السياسي والعلمي والثقافي والعسكري .

بيد أن القول بوجوده طيلة فترة الغيبة الكبرى أو قل بقاؤه حيا، له آثار كثيرة ومهمة

ص: 51

وبعضها مرتبط ارتباطا وثيقا بالتمهيد له والإعداد الخاص منه والعام.

لأن الإعداد ليس في ساعة الساعة، بل هو نتيجة مثابرة وإعداد طويل خلال عشرات السنوات أو أكثر، الأمر الذي يفرق فيه بين الإعداد مع وجود المهدي وإن كان غائبا، لما له من أثر إيجابي كما يأتي، وبين الإعداد مع عدم وجود الإمام أصلا،إنما ننتظر ولادته في آخر الزمان.

وفيما يلي سوف نسلط الضوء على عدة أمور تعتبر آثارا لوجود المهدي عجل الله

فرجه وما كانت لتكون لولا وجوده المبارك ونوره الساطع.

والآثار على قسمين:

1- الآثار التكوينية.

2 - الآثار التشريعية.

3- فائدة وجود المهدي عليه السلام مع غيبته

روى الكليني عن اسحاق بن يعقوب أنه ورد عليه من الناحية المقدسة على يد محمد بن عثمان قوله علیه السلام : «أما وجه الإنتفاع بي في غيبتي فكالإنتفاع بالشمس إذا غيبتها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء » (1)

وقد يكون تشبيه أنوار الإمام عجل الله فرجه بالإنتفاع الحاصل من الشمس فيه نوع من الخفاء، فلا بأس بذکر ملخص ما ذكره العلامة المجلسي قدس سره عن ثمانية منها، وأغمض عن البعض الآخر لضيق العبارة (2).

ص: 52


1- الاحتجاج: 263، وكمال الدين: 2/ 162.
2- بحار الأنوار: 92/52.

الوجه الأول:

أن نور الوجود والهداية يصل إلى الخلق بتوسطه عجل الله فرجه، لأنه الواسطة بين العباد وربهم، كبقية أهل البيت علیهم السلام ، إذ لولاهم لانسد باب اللطف والفیض عنا (1).

الوجه الثاني:

أن الشمس المحجوبة بالسحاب إضافة إلى الإنتفاع الحاصل منها يبقى الناس ينتظرون جلاء السحاب عنها لتزيد المنفعة.

فكذلك شيعة أهل البيت علیهم السلام ، يبقون ينتظرون زيادة المنفعة بخروج الإمام عجل الله فرجه.

الوجه الثالث:

أن منکر وجود الإمام أرواحنا فداه مع ظهور آثاره ونعمه، كمنکر وجود الشمس المغطاة بالسحاب.

الوجه الرابع:

أن الشمس غيابها في السحاب أصلح للعباد من ظهورها، ولو ببعض الأزمان أو الأمكنة، فكذلك غيبة الإمام عجل الله فرجه أصلح للناس من ظهوره في بعض الأزمان السابقة.

ص: 53


1- وسوف يأتي تفصيله بما يتناسب مع الكتاب .

الوجه الخامس:

أن الإنسان لا يمكنه النظر إلى الشمس بدون سحاب إذ قد تعميه، فكذلك لا يقدر الإنسان النظر إلى نور الإمام المهدي عجل الله فرجه إذ قد يكون سببا لعماه عن الحق.

الوجه السادس:

أنه علیه السلام كالشمس في عموم النفع، إنما لا ينتفع به من كان أعمى.

الوجه السابع :

أن الشمس قد تخرج من السحاب للبعض، فكذلك الإمام عليه السلام قد يخرج لبعض الأشخاص.

الوجه الثامن:

أن الشمس إنما تدخل البيوت بقدر ما للبيت من نوافذ وبقدر رفع الموانع، فكذلك نور الإمام، أرواح العالمين له الفدى تنتفع به الناس بقدر ما يطهرون قلوبهم لتلقي ذلك النور المبارك. انتهى كلامه رفع من مقامه.

أقول: وها أنا أفتح على عينيك أخي القارىء تسعة وجوه أخرى جالت في الفكر قد يستفاد منها:

الوجه الأول:

أن الشمس قد يستطيع أن ينظر إليها البعض لقوة بصره أو للبسه ما يخفف شعاعها، فكذلك قد يستطيع البعض النظر إلى الإمام عجل الله فرجه القوة بصيرته أو لفعله بعض الأمور العبادية.

ص: 54

الوجه الثاني :

أن الناس يستفيدون من الشمس على حسب حاجاتهم، فصاحب الأرض ينتظرها لأرضه، وصاحب الزرع لزرعه، وهكذا، فكذلك بالنسبة للإمام المنتظر، كل يستفيد منه بحسب حاجته.

الوجه الثالث:

وهو تفصيل لما تقدم من العلامة (قده) في الوجه السادس: حيث قال: «إن نفع الشمس عام إلا لعديم البصر فكذلك الإمام عجل الله فرجه ».

فإنا نقول: إن نفع الشمس على قسمين: قسم لا ينتفع به إلا من له بصر کالانتفاع بنورها للضوء. وقسم ينتفع به الأعمى والبصير كالإنتفاع الحاصل منها للحياة الدنيا.

فكذلك النفع الحاصل من الإمام عجل الله فرجه فقسم خاص بمن فتح قلبه على الإمام وعلومه وهدايته، وهناك نفع عام لجميع الناس المؤمن والمعاند، الكافر والجاحد، وهو كونه علیه السلام الواسطة في الفيض فإنه كما يتوسط لرزق المؤمن فكذلك يتوسط لرزق الكافر.

الوجه الرابع:

أن الشمس منزهة عن الأيدي العلو مكانها، وقوة نورها، فكذلك الإمام روحي فداه منزه عن الأيدي لعلو شأنه وقوة نوره.

الوجه الخامس:

أن الشمس لا تغيب، إنما تنتقل من مكان إلى آخر، فكذلك الإمام عجل الله فرجه لا يغيب إنما ينتقل من مكان إلى مكان.

ص: 55

الوجه السادس:

أن الشمس لا ينقطع عطاؤها بل مستمر باستمرارها، فكذلك الإمام عجل الله فرجه لا ينقطع عطاؤه.

الوجه السابع:

أن الشمس أمان للسماء وكواكبها، فكذلك الإمام أرواحنا فداه أمان للأرض وأهلها، ولولاه لساخت الأرض بمن فيها.

الوجه الثامن:

أن الشمس نورها ذاتي تعطي ولا تأخذ، وعلى عكس الشمعة، فكذلك الإمام علمه ذاتي، يعطي ولا يأخذ ولا ينفذ.

الوجه التاسع:

أن الشمس لا تحتجب بذاتها عن الخلق وإنما الذي يحجبها عن الناس الغيوم، والإمام علیه السلام كذلك فهو بنفسه أو بفعله لا يحتجب عن الخلق والذي يحجبه عنهم هو الذنوب التي يقترفونها كما أشار الإمام عجل الله فرجه في الحديث السابق: حجبه سوء أعمالكم (1).

ص: 56


1- البحار: 321/53.

4- الآثار التكوينية لوجود الإمام المهدي عجل الله فرجه

الأثر الأول:

إستقرار الكون وثباته (السماء والأرض)

في الروايات الشريفة أن ثبوت الكون وبقاءه مرتبط بأهل البيت علیهم السلام ولولاهم لما استقر ولا بقي بعد أن خلقه الله من أجلهم:

ففي حديث عن رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : « أنا وأنت من شجرة واحدة ولولانا لم يخلق الله الجنة ولا النار ولا الأنبياء ولا الملائكة » (1).

لولاكم ما استدارت الأكر *** ولا استنارت شمس ولا قمر

ولا تدلی غصن ولا ثمر *** ولا تندی ورق ولا خضر

ولا سري بارق ولا مطر (2).

لولاهم لساخت الأرض بأهلها

عن أبي جعفر الباقر علیه السلام في حديث جاء فيه : « ونحن الذين بنا تنزل الرحمة، وبنا تسقون الغيث ونحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب » (3).

ص: 57


1- بحار الأنوار : 349/26 ح 23 ، والهداية الكبرى : 101.
2- مشارق أنوار اليقين : 246 - 247.
3- بصائر الدرجات : 63 باب أنهم حجة الله وبابه ، وبحار الأنوار : 26 / 249 ح 18 باب جوامع مناقبهم.

وفي رواية : «نحن أمان لأهل السماوات والأرض ولولانا لساخت» (1)

وقال رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : يا جابر، خلفائي وأوصيائي وأولادي وعترتي من أطاعهم فقد أطاعني ومن عصاهم فقد عصاني........... بهم يحبس الله العذاب عن أهل الأرض، وبهم يمسك الله عزوجل السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبهم يحفظ الأرض أن تميد بأهلها (2).

وعن أبي عبد الله علیه السلام : « بهم يدفع الضيم ، وبهم ينزل الرحمة وبهم يحيي ميتا وبهم يميت حيا » (3).

وعنه علیه السلام في وصف الأئمة علیهم السلام : « جعلهم الله أركان الأرض أن تميد بهم » (4).

ونحوه عن أبي جعفر علیه السلام (5).

وعن أبي عبد الله الصادق علیه السلام : «لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت » (6).

وعن أبي جعفر علیه السلام قال : «لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لساخت بأهله،

ولماجت كما يموج البحر بأهله » (7).

وفي الباب أحاديث كثيرة (8).

وعن الأصبغ بن نباتة قال: خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ذات يوم ويده في يد ابنه الحسن علیه السلام وهو يقول: «خرج علينا رسول الله ذات يوم وقال: ...

ص: 58


1- مشارق الأنوار : 56.
2- الإختصاص : 224 حديث في الائمة، بحار الأنوار: 27 / 120 ح 99.
3- التوحيد : 167 باب 24 ح 1.
4- أصول الكافي : 197/1 ح 2 و 3 باب أنهم أركان الأرض .
5- أصول الكافي : 197/1 ح 2 و 3 باب أنهم أركان الأرض .
6- بصائر الدرجات : 488 باب أن الأرض لا تبقى بغير إمام ، وأصول الكافي : 1/ 179 باب أن الأرض لا تخلو منه ح 10.
7- بصائر الدرجات : 488، وأصول الکافی :1 /179ح 12.
8- انظر بصائر الدرجات : 488، وأصول الكافي :1 /179ح 12.

وبهم يحفظ الله دینه وبهم يعمر بلاده » (1)

وهذه الروايات المستفيضة تنص على أن الحياة على الكرة الأرضية واستقرارها وبقائها أثر وجود الإمام المهدي المبارك عجل الله فرجه وهذا أثر مرتبط بالأمور التكوينية.

الأثر الثاني :

نزول مطر السماء

في الزيارة الجامعة المروية عن الإمام الهادي علیه السلام .. بكم تنزل السماء (2).

لفظة «بكم» راجعة إلى أهل البيت علیهم السلام.

وعن أبي جعفر الباقر علیه السلام : «نحن السراج لمن استضاء بنا، نحن السبيل لمن اقتدی بنا، نحن الذين بنا ينزل الله الرحمة ، وبنا يسقون الغيث، ونحن الذين بنا يصرف عنكم العذاب..» (3).

وقال رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) لعلي علیه السلام : «الأئمة من ولدك تسقى بهم أمتي الغيث وبهم يستجاب دعاؤهم ، وبهم يصرف الله عنهم البلاء ، وبهم تنزل الرحمة من السماء .

وأومأ إلى الحسن علیه السلام فقال : هذا أولهم ، وأومأ إلى الحسين علیه السلام وقال : الأئمة من ولده (4).

وعن الأصبغ بن نباتة قال: خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ذات يوم ويده في يد ابنه الحسن علیه السلام وهو يقول: «خرج علينا رسول الله ذات يوم وقال:..

ص: 59


1- کمال الدین 259 - 260 ح 5.
2- الكافي: 576/4 ح 2.
3- فرائد السمطين : 254/2 ح 523، و تفسير البرهان: 80/4 ذیل ح 17..
4- دلائل الإمامة : 80 ذکر علي ومناقبه .

وبهم يرزق عباده وبهم ينزل القطر من السماء، هؤلاء أصفيائي وخلفائي وأئمة المسلمين وموالي المؤمنین» (1).

الأثر الثالث:

إنبات وإثمار الأرض

في الزيارة الجامعة أيضا: وبكم تنبت الأرض.. (2)

وعن الإمام الصادق علیه السلام جاء فيها: «بكم يباعد الله الزمان الكلب ، وبكم يمحو الله ما يشاء وبكم يثبت، وبکم تنبت الأرض أشجارها وبكم تخرج الأرض أثمارها وبكم تنزل السماء قطرها ورزقها، وبکم ینزل الله الغيث، إرادة الرب في مقادير أموره تهبط إليكم وتصدر من بيوتكم » (3).

وفي حديث الأصبغ المتقدم قال: «... وبهم يرزق عباده وبهم ينزل القطر من السماء، وبهم تخرج بركات الأرض، هؤلاء أصفيائي وخلفائي وأئمة المسلمين وموالي المؤمنين » (4)

الأثر الرابع :

أنه عليه السلام أمان لأهل الأرض

وكذلك فإنه علیه السلام بين أنه أمان لأهل الأرض جميعا ولم يحدد فئة خاصة أو مكان

ص: 60


1- كمال الدين 259 - 260 ح 5.
2- الکافی: 4 /576 ح 2.
3- كامل الزيارات : 200 الباب 79.
4- كمال الدين 260-259ح 5.

خاص مما يشير إلى أنه رحمة لكل الأرض وأهلها.

قال تعالى: « کلا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً » (1).

وعن الإمام الباقر علیه السلام :«..نحن الذين بنا تنزل الرحمة، ونحن الذين بنا يصرف الله عزوجل عنكم العذاب» (2).

وعن الصادق عليه السلام : « جعلنا الله عينه في عباده ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة» (3) .

حديث الأمان

في التوقيع الشريف المروي من طريق محمد بن عثمان قال عجل الله فرجه: «أما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبتها عن الأبصار السحاب، وإني الأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء» (4).

فبين أنه عجل الله فرجه أمان لأهل الأرض من المخاطر المؤثرة عليها ، ولم يحدد روحي فداه ما هي نوع المخاطر مما يدل على إطلاقها، وأنه أمان عن كل ما هو خطر كبير على البشرية.

أخرج الحاكم وقال صحيح الإسناد عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: « النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الإختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس» (5).

ص: 61


1- سورة الإسراء : 20.
2- تفسير البرهان: 80/6 ذیل 17.
3- التوحید : 151 باب 12 ح 8.
4- الإحتجاج: 263، وكمال الدين : 2/ 485 الباب الخامس والأربعون - ذكر التوقيعات - ح 4.
5- مستدرك الصحيحين : 149/3 - مناقب أهل البيت من كتاب المعرفة ، وکنز العمال : 102/12 ح 34189 .

وأخرج عن محمد بن المکندر عن أبيه عن النبي (صلی الله علیه واله وسلم) ضمن حديثه عن الصلاة قال : . ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: « النجوم أمان لأهل السماء فإن طمست النجوم أتى السماء ما يوعدون، وأنا أمان لأصحابي فإذا قبضت أتی أصحابي ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لأمتي فإذا ذهب أهل بيتي أتی أمتي ما يوعدون» (1).

وأخرج الطبراني عن أياس بن سلمة عن أبيه عن النبي (صلی الله علیه واله وسلم) : « النجوم جعلت أمانا

لأهل السماء وإن أهل بيتي أمان لأمتي» (2).

وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض». أخرجه الحاكم وأحمد في المناقب والديلمي في الفردوس (3). وأخرجه القرشي وزاد فيه : « فويل لمن خذلهم وعاندهم» (4).

وروى أبو جعفر الإسكافي عن أمير المؤمنين علیه السلام قوله : « الحمد لله الذي اختار محمدا نبيا وابتعثه إلينا رسولا ، فنحن أهل بيت النبوة ومعدن الحكمة ؛ أمان لأهل الأرض ونجاة لمن طلب» (5).

وأخرج ابن المظفر عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم : « النجوم أمان أهل السماء، وأهل بيتي أمان أهل الأرض ، فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا

ص: 62


1- مستدرك الصحیحین :3/ 457 ذکرر مناقب المکندر ، ونوادر الاصول باختصار : 66/3 الاصل 222 .
2- المعجم الكبير : 22/7 ح 6260 ترجمة ایاس ، ومجمع الزوائد: 9/ 174 والبغية : 277/9 ح 15025 .
3- فضائل الصحابة لاحمد : 2/ 671 ح 1145 ، ومستدرك الصحیحین : 2/ 448 کتاب التفسير - الزخرف ، والفردوس : 311/4 ح 6913 ط. الكتب و 5/56 ح 7166 ط. الكتاب ، وكنوز الحقائق : 240/2 ح 8217، ومجمع الزوائد : 174/9 ط. مصر والبغية : 277ح 15025.
4- مسند شمس الأخبار : 127/1 باب 14.
5- شرح النهج لابن أبي الحديد: 1/ 195 شرح الخطبة الثالثة .

يوعدون» (1).

وعن أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) يقول : « أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ».

قيل يا رسول الله فالأئمة بعدك من أهل بيتك ؟

قال : « نعم الأئمة بعدي اثنا عشر تسعة من صلب الحسين أمناء معصومون ومنا مهدي هذه الأمة ألا إنهم أهل بيتي وعترتي ..» (2).

وعن الإمام الحسن علیه السلام في أول خطبة له بعد بيعته : «نحن أئمة المسلمين وحجج الله على العالمين ، ونحن أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، بنا ينزل الغيث، وتنشر الرحمة وتخرج بركات الأرض ، ولولا ما على الأرض منا لساخت بأهلها» (3).

هم الراقدون في أوج الكمال *** وهم أهل المعارف والمعالي

هم سفن النجاة إذا ترامت *** بأهل الأرض أمواج الضلال

أمان الأرض من غرق وخسف *** وحصن الملة الصعب المنال (4)

دلالة حديث الأمان

قال السيد السمهودي بعد إيراده هذه الأحاديث: يحتمل أن المراد من أهل البيت الذين هم أمان للأمة ؛ علماؤهم الذين يهتدى بهم، كما يهتدى بنجوم السماء ، وهم الذين إذا خلت الأرض منهم جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون وذهب

ص: 63


1- جواهر العقدین : 259 الباب الخامس .
2- كفاية الأثر : 29.
3- أهل البيت لتوفيق : 73.
4- رشفة الصادي: 5 ط . مصر .

أهل الأرض ، وذلك عند موت المهدي الذي أخبر به النبي (صلی الله علیه واله وسلم) (1).

وذكر روایات تفيد أنه لا خير في الأرض بعد الإمام المهدي إلى أن قال: ويحتمل وهو الأظهر عندي أن المراد من كونهم أمانا للأمة أهل البيت مطلقا ، وأن الله تعالى لما خلق الدنيا بأسرها من أجل النبي صلى الله عليه وسلم جعل دوامها بدوامه ودوام أهل بيته ، فإذا انقضوا طوى بساطها، ولعل حكمته وسره أن الله تعالى جعل أهل بیت نبيه (صلی الله علیه واله وسلم) مساوین له في أشياء كثيرة ، عد الفخر الرازي منها خمسة كما تقدم في الذكر الثالث .

وقد قال الله تعالى : « وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم » (2) فألحق الله تعالى وجود أهل بیت نبيه (صلی الله علیه واله وسلم) في الأمة بوجوده، فجعلهم أمانة لهم ، لما سبق من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « اللهم إنهم مني وأنا منهم» .

وقد يقوى هذا بأن فاطمة رضي الله عنها وعنهم بضعة منه (صلی الله علیه واله وسلم) ، كما في الصحيح (3)، وأولادها بضعة من تلك البضعة ، فيكونون بضعة منه بالواسطة ، وكذا بنو أبيهم، وهلم جرا ، فكل من يوجد منهم في كل زمان بضعة منه بالواسطة ؛ فأقيم وجودهم في كونهم أمانة للأمة مقامه (صلی الله علیه واله وسلم) (4).

انتهى كلام السمهودي (5).

وقال صاحب الذخائر المحمدية : من خصائص آل البيت أنه سبحانه وتعالى جعل آثارهم في الأرض سببا لبقاء العالم وحفظه ، فلا يزال العالم باقيا ما بقيت آثارهم ، فإذا ذهبت آثارهم من الأرض فذاك أول خراب العالم (6).

ص: 64


1- جواهر العقدین : 262 الباب الخامس .
2- سورة الأنفال :33.
3- تقدمت أحاديث البضعة وطرقها في مطلع الكتاب ضمن الكلام على هفوات عمر.
4- وللشيخ الرفاعي کلاما مفيدا في كونهم أمانا للأمة - ضوء الشمس : 1/ 122.
5- جواهر العقدین : 262 - 263 الباب الخامس .
6- الذخائر المحمدية : 343 خصائص آل البيت .

وقال الحكيم الترمذي بعد الحديث : وشبههم عليه السلام بالنجوم لأن بهم الإقتداء وهم من الأصحاب قليل عددهم كالنجوم، لأنهم أهل بصائر ويقين وجاز لهم إجتهاد الرأي بفضل اليقين والبصائر .

إلى أن قال : وقوله : « أهل بيتي أمان لأمتي» فأهل بيته من خلفه من بعده على منهاجه وهم الصديقون والأبدال الذين روى علي كرم الله وجهه قال: سمعت رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) يقول : «إن الابدال يكونون بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات منهم رجل أبدل الله مكانه رجلا، بهم يسقى الغيث وينصرهم على الأعداء، ويصرف عن أهل الأرض بهم البلاء» (1).

فهؤلاء أهل بیت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمان هذه الأمة فإذا ماتوا فسدت الأرض وخربت الدنيا (2).

وقال ابن حجر في تفسير قوله تعالى « وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ » (3) : أشار (صلی الله علیه واله وسلم) إلى وجود ذلك المعنى في أهل بيته وأنهم أمان لأهل الأرض كما كان هو (صلی الله علیه واله وسلم) أمانا لهم، وفي ذلك أحاديث كثيرة يأتي غالبها في هذا الكتاب (4).

الأثر الخامس :

أنه عجل الله فرجه الشريف واسطة الفيض

جاء في دعاء الندبة: واجعل صلاتنا به مقبولة، وذنوبنا به مغفورة، ودعاءنا به مستجابة، واجعل أرزاقنا به مبسوطة، وهمومنا به مکفوفة، وحوائجنا به مقضية.

ص: 65


1- الحديث أو ما في معناه في الحاوي للفتاوی : 426/2- 428 - 430 .
2- نوادر الأصول : 263 الأصل 222 ، وفي طبعة : 61/3
3- سورة الأنفال : 33.
4- الصواعق المحرقة : 152 ط. مصر و 233 ط . بيروت الآية السابعة ، والمشرع الروي : 7/1.

وفي البحار عن أبي محمد العسكري علیه السلام، قال: لما وهب لي ربي مهدي هذه الأمة، أرسل ملكين، فحملاه إلى سرادق العرش، حتى أوقفاه بين يدي الله عز وجل، فقال: مرحبا بك عبدي لنصرة ديني وإظهار أمري، ومهدي عبادي آليت أني بك آخذ وبك أعطي وبك أغفر وبك أعذب، الخبر (1).

وعن أبي عبد الله علیه السلام قال: إذا أراد الله أمرا عرضه على رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) ثم أمير المؤمنین علیه السلام و سائر الأئمة واحدا بعد واحد إلى أن ينتهي إلى صاحب الزمان علیه السلام ثم يخرج إلى الدنيا.

وإذ أراد الملائكة أن يرفعوا إلى الله عز و جل عملا عرض على صاحب الزمان علیه السلام ثم يخرج على واحد بعد واحد إلى أن يعرض على رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) ثم يعرض على الله عز وجل، فما نزل من الله فعلى أيديهم وما عرج إلى الله فعلى أيديهم وما استغنوا عن الله عز وجل طرفة عين (2).

وعن رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) في حديث طويل: «نحن يمين الله ونحن أمناء الله ... من آمن بنا آمن بالله ، ومن رد علينا رد على الله، ومن شك فينا شك في الله، ومن عرفنا عرف الله ، ومن أطاعنا أطاع الله، ونحن الوسيلة الى الله والوصلة إلى رضوان الله ، ولنا العصمة والخلافة والهداية » (3).

وجاء في دعاء الندبة: « أین باب الله الذي منه يؤتي، أين السبب المتصل بین الأرض والسماء » (4).

وعن الإمام الصادق علیه السلام : « نحن السبب بينكم وبين الله تعالى» (5).

ص: 66


1- بحار الأنوار: 51 / 27 باب 1 ذیل 37.
2- غيبة الطوسی: 388، والنجم الثاقب: 489.
3- بحار الأنوار : 25 / 22 - 23 باب بدء خلقهم ح 83.
4- بحار الأنوار : 102 / 104.
5- بشارة المصطفى : 90.

وعنه إلا في حديث يصف به آل محمد: « نحن علة الوجود وحجة المعبود لا يقبل الله عمل عامل جهل حقنا » (1).

وعن أبي جعفر عليه السلام : «نحن حجة الله ، ونحن باب الله ، ونحن لسان الله ، ونحن وجه الله ، ونحن عين الله في خلقه، ونحن ولاة أمر الله في عباده .

ثم قال : يا أسود بن سعيد إن بيننا وبين كل أرض ترأ مثل تر البناء ، فإذا أمرنا في أمرنا جذبنا ذلك التر فأقبلت إلينا الأرض بقلبها وأسواقها ودورها حتى ننفذ فيها ما نؤمر فيها من أمر الله تعالى » (2).

وعن الإمام الصادق علیه السلام : «إن الله عزوجل خلقا من رحمته خلقهم من نوره ورحمته ، من رحمته لرحمته ، فهم عين الله الناظرة وأذنه السامعة ولسانه الناطقة في خلقه بإذنه ، وأمناؤه على ما أنزل من عذر أو نذر أو حجة فبهم يمحو السيئات وبهم يدفع الضيم ، وبهم ينزل الرحمة وبهم يحيي ميتا وبهم يميت حيا ، وبهم يبتلي خلقه وبهم يقضي في خلقه قضيته ».

قلت : جعلت فداك من هؤلاء ؟ قال : « الأوصياء عليهم السلام » (3).

وقال الحكيم السبزواري: .... فلابد من للحادثين السائرين الى الله الطالبين له من جالس بين الحدین ذي حظ من الجانبين ، و مسافر من الخلق إلى الحق ليقودهم إليه ويدلهم عليه (4).

وقال صاحب کتاب غوالي اللآلي بعد كلام في معنى العقل وأنه أول الخلق ، وشرح إدباره وإقباله والإثابة به والعقاب : فيمكن أن يكون المراد بالعقل نور النبي (صلی الله علیه واله وسلم) الذي انشعبت منه أنوار الائمة صلوات الله عليهم ، لان أكثر ما أثبتوه لهذه

ص: 67


1- بحار الأنوار : 26 / 259 ح 36.
2- بحار الأنوار : 25 /384 باب غرائب افعالهم ح 40، وبصائر الدرجات : 61 مختصرا .
3- التوحيد للصدوق : 167 باب 24 ح 1.
4- شرح دعاء الصباح : 65 -66.

العقول قد ثبت لأرواح النبي والأئمة علیه السلام في أخبارنا المتواترة على وجه آخر، فإنهم اثبتوا القدم للعقل ، وقد ثبت التقدم في الخلق لأرواحهم على جميع المخلوقات أو على سائر الروحانيين في أخبار متواترة .

وأيضا أثبتوا لهم التوسط في الإيجاد أو الأشتراط في التأثير، وقد ثبت في الأخبار كونهم عليهم السلام علة غائية لجميع المخلوقات ، وإنه لولاهم لما خلق الله الافلاك وغيرها .

واثبتوا لها كونها وسائط في إفاضة العلوم والمعارف على النفوس والأرواح، وقد ثبت في الأخبار أن جميع العلوم والحقائق والمعارف بتوسطهم يفيض على سائر الخلق حتى الملائكة والأنبياء ... فكلما يكون التوسل بهم والإذعان لفضيلتهم أكثر كان فيضان الكمالات من الله تعالى أكثر (1).

أقول: ويؤيد ذلك ما تقدم في حديث العسكري عليه السلام من قول الله عن المهدي: بك آخذ وبك أعطي ...

وقال ابن عربي في الفتوحات : كل رزق في الكون من بقية الله. ثم أخذ بالاستدلال له على طريقته (2).

الأثر السادس :

مساعدة المحتاجين

روحي فداه عطفه على المستضعفين لا يوصف وهو عون من لا عون له وقد روي أن من احتاج إليه فليقل ما روي عن الإمام الصادق علیه السلام : «إذا ضللت عن الطريق في البر فناد یا أبا صالح أرشدنا على الطريق يرحمك الله تعالی » (3).

ص: 68


1- عوالم العلوم والمعارف : 49-50 قسم العقل .
2- الفتوحات المكية : 76/6 باب 366، وفي طبعة : 326/1 باب 366
3- من لا يحضره الفقيه: 2/ 298، ح 2506، مکارم الأخلاق: 259، و مجمع البحرین: 2/ 626، اللمعة البيضاء: 562.

واعلم أن البر موكل به أبو صالح والبحر موکل به حمزة (1).

وفي التوقيع الشريف إلى الشيخ المفيد: إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، لولا ذلك لنزل بكم اللأواء، واصطلمكم الأعداء. (2)

وهناك قصص كثيرة عن عدة من المحتاجين توسلوا به ونادره أو التقوا به فقضى حاجاتهم، وقد ذكر المحدث النوري وغيره الكثير منها فلتراجع (3) .

ومن هذه القصص مساعدة شعب البحرين للتخلص من عملاء الاستعمار (4).

ومنها فتح الطريق الى كربلاء للزوار بعد إقفاله من قبيلة عنيزة (5).

ومنها إرجاع الحجر الأسود الى مكانه (6).

وهناك مساعدات مالية كان يوصلها الى المحتاجين أو يرشدهم إليها، وإضافة الى شفائه علیه السلام للمرضى (7).

ولإبن عربي کلام مهم (علمي وعقلي) في قضاء حوائج الإمام المهدي علیه السلام للمحتاجين (8).

ص: 69


1- الآداب الدينية: 100.
2- الإحتجاج: 323/2
3- النجم الثاقب: 2/ 421 الی 426، ومکیال المکارم: 138/1 - 139.
4- انظر النجم الثاقب .
5- المصدر السابق، ومنتهی الآمال: 326/2
6- انظر منتخب الأثر: 406، والخرائج والجرائح: 29.
7- انظر النجم الثاقب، ومنتهى الآمال: 2/ 310، وكشف الغمة: 3/ 287 .
8- الفتوحات المكية: 6/ 78 باب 366، وفي طبعة : 326/1 باب 366

الأثر السابع :

نصرة المجاهدين

وهو علیه صلوات الله معين من استعان به وقد اشتهر نصرته للمجاهدين في كثير من البقاع الإسلامية، فأياديه في نصرة المجاهدين في الجمهورية الإسلامية في إيران ظاهرة للعيان سواء في بداية انتصار الثورة أم في الحرب المفروضة عليها من قبل

المستكبرين.

إضافة ما تواتر من نصرته للمجاهدين في لبنان سواء في بداية المقاومة الإسلامية عام 1983 وما بعدها، أم في الحرب الأسطورة التي خاضها مقاومو حزب الله في جنوب لبنان عام 2006 م، الأمر الذي لا يستطيع أن ينكره أحد، إما من ناحية اليد الغيبية التي غيرت المعادلة بين جيش كان تعداده 40,000 عنصرا من النخبة مدججين بأفضل الأسلحة ومدعمين بطائرات من مختلفالأنواع متواجدة ليلا نهارا فوق رؤوس المقاومين، وبين مقاومين بالكاد أن يبلغ عددهم 1,500 عنصر بأسلحة متواضعة.

وإما من ناحية القصص التي رواه جملة من المقاومين في الأمور الغيبية التي كانت

تحصل معهم والتي كانت يد إمام الزمان ظاهرة فيها.

وإما من ناحية ما رواه الأعداء أنفسهم حول جنود يطيرون أو يركبون أحصنة بيضاء، أو استعمالهم للسيف وقطع يد أحدهم.

كل ذلك يكشف لنا اليد الغيبية التي كانت تنصر المجاهدين والحمد لله وله الشكر على ما أنعم .

ص: 70

الأثر الثامن :

أنه عليه السلام ولي نعمتنا ورزقنا

في الزيارة الجامعة: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة........ وقادة الأمم وأولياء النعم وعناصر الأبرار (1).

جاء في دعاء الندبة: واجعل صلاتنا به مقبولة، وذنوبنا به مغفورة، ودعاءنا به مستجابة، واجعل أرزاقنا به مبسوطة، وهمومنا به مکفوفة، وحوائجنا به مقضية.

وفي الكافي عن أبي عبد الله علیه السلام : إن الله خلقنا، فأحسن خلقنا، وصورنا فأحسن صورنا وجعلنا عينه في عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ووجهه الذي يؤتي منه وبابه الذي يدل عليه، وخزانه في سمائه وأرضه، بنا أثمرت الأشجار، وأينعت الثمار، وجرت الأنهار، وبنا ينزل غيث السماء، وينبت عشب الأرض، وبعبادتنا عبد الله، ولولا نحن ما عبد الله (2).

وفي الخرائج عنه علیه السلام : يا داود لولانا ما اطردت الأنهار ولا أينعت الثمار ولا اخضرت الأشجار (3).

وفي الكافي في حديث مرفوع عن أبي جعفر علیه السلام قال: قال رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : خلق الله آدم وأقطعه الدنيا قطيعة، فما كان لآدم علیه السلام فلرسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) وما كان لرسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) فهو للأئمة من آل محمد عليهم السلام (4).

وفي حديث آخر الدنيا وما فيها الله تبارك وتعالى ولرسوله ولنا، فمن غلب على

ص: 71


1- بحار الأنوار: 97/ 174 .
2- الكافي: 1/ 144 باب النوادر ح 5.
3- انظر مکیال المکارم: 41/1 ح 37.
4- الكافي: 409/1 باب أن الأرض كلها للإمام ح 7.

شيء منها فليتق الله، وليؤد حق الله تبارك وتعالى، وليبر إخوانه فإن لم يفعل ذلك فالله ورسوله ونحن برآء منه (1).

وفي دار السلام من كتاب بصائر الدرجات، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين علیه السلام : يا أبا حمزة، لا تنام قبل طلوع الشمس، فإني أكرهها لك إن الله يقسم في ذلك الوقت أرزاق العباد، وعلى أيدينا يجريها (2).

قد هاج حزني وقلبي صار منکمدا *** لهجر من حسنه للعالمین بدا

خیرالوری نسبأشمس الهدی حسبا *** وأفضل الخلق أعوانا ومحتشدا

قد حار ذو اللب في إدراك رتبته *** والعقل في نعته أعیي وإنخمدا

بيمنه تجد الأجبال ثابتة *** لولا كرامته ألفيتها بددا

من نوره الشمس والأقمار نيرة *** من فضله قد ربي ما كان منهمدا

لم يرزق الناس لولا فيض نائله *** ومابقوا ساعة في دهرهم أبدا

شمائل المصطفی کانت شمائله *** ومحكم الذكر في أوصافه وردا

تكامل العلم والأخلاق أكملها *** في ذاته القدس طرأ حين إذ ولدا

باهی به الله سكان السماء وقد *** ضجوا إلى الله إذ قتل الحسین بدا

أن اسکنوا أنتقم حتما بقائمهم *** من كل من حارب المظلوم أو طردا (3)

ص: 72


1- الكافي: 408/1 باب أن الأرض كلها للإمام ح 2.
2- انظر مکیال المکارم: 1/ 42 ح 40.
3- انظر مکیال المکارم: 1/ 277.
الآثار التشريعية لوجود صاحب الزمان
الأثر الأول:
تسديد الفقهاء ومراجع الدين

مصادر التشريع واستنباط الأحكام الشرعية أربعة: الكتاب الكريم، السنة، الروايات الشريفة، العقل، والإجماع (1).

وذكروا أن الحجة من الإجماعات هو الإجماع الكشفي: وذكر شيخ الطائفة وغيره (2) في هذا الإجماع أن الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) إذا أجمعت الأمة على شيء لابد أن يكون معهم، وإلا إذا لم يرتضيه لقدح في ذهن أحدهم وخالف الإجماع، ونتيجة هذا أن الإمام لايرضى تحير الأمة في مسألة فرعية فقهية يمكن أن يعمل بها شخص واحد أو أكثر بقليل، فما بالك بالأمور الخطيرة المصيرية التي تحتار بها الأمة، فهل يرضي الإمام علیه السلام بإبقائهم على الضلال؟ أم يقدح في ذهن أحدهم الصواب!! وعليه فاللطف في الأمور الخطيرة والمصيرية للأمة أوجب منه في المسألة الفرعية.

وكان للمحقق الأردبيلي شرف اللقاء بالإمام المهدي علیه السلام وسؤاله عن مسائل قد أشكلت عليه فذهب الى محراب أمير المؤمنين عليه السلام وعرف جوابها (3).

ص: 73


1- أنظر المصطلحات: 65
2- راجع رسائل المرتضى: 16/1، والمعتبر للحلي 31/1 - 53، وروض الجنان: 80، وتهذیب الأصول للإمام الخميني: 168/2
3- انظر النجم الثاقب، ومنتهى الآمال: 319/2

وللشيخ المفيد أيضا حظ كبير في التسديد، منها ما جاء في رسائل الإمام علیه السلام له .... انا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمتكم الأعداء.. اعتصموا بالتقية من شب نار الجاهلية يحششها عصب أموية يهول بها فرقة مهدية أنا زعيم بنجاة من لم يرم فيها المواطن وسلك في الطعن منها السبل المرضية.. (1)

وقال عجل الله تعالی فرجه للمفيد في رسالة أخرى: ونحن نعهد إليك أيها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين.. أنه من اتقى ربه من إخوانك في الدين وأخرج مما عليه إلى مستحقه كان آمنا من الفتنة المبطلة ومحنها المظلمة المضلة. ومن بخل منهم بما أعاده الله من نعمته على من أمره بصلته فإنه يكون خاسرا بذلك لأولاه وآخرته.. (2).

الأثر الثاني:
أن وجود الإمام لطف

اللطف في الاصطلاح كل ما يقرب من المولى أو ما دعى إلى فعل الطاعة (3).

وفي اللغة: تلطف وامتنان المولى على عباده بالرحمة والرأفة.

وذكر في محله أن النبوة والإمامة لطف.

قال السيد المرتضى: فالرئاسة على ما بيناه لطف في فعل الواجب والإمتناع من القبيح فيجب أن لا يخلي الله تعالى المكلفين منها، ودليل وجوب الألطاف

ص: 74


1- الإحتجاج: 2/ 323، وقد شرح العلماء بعض هذه الحوادث في كتبهم فلتراجه .
2- الإحتجاج: 324/2
3- راجع الذخيرة للشريف المرتضى: 186 باب اللطف والالفين للحلي 15 البحث الرابع.

یتناولها (1).

وقال العلامة الحلي: إعلم أن الإمام الذي حددناه إذا كان منصوبا يقرب المكلف بسببه من الطاعات ويبعد عن المقبحات، وإذا لم يكن كذلك كان الأمر بالعكس، وهذا الحكم ظاهر لكل عاقل بالتجربة وضروري لا يتمكن أحد من إنكاره، وكل ما يقرب المكلفين إلى الطاعة ويبعدهم عن المعاصي يسمى لطفا اصطلاحا (2).

وقد ذكروا في العقائد أن الله إذا لم يفعل اللطف لا يحسن منه عقاب المكلف (3).

وعليه فوجود الإمام المهدي علیه السلام يقرب الإنسان من الطاعة أو يزيد بها، وكذلك يبعد الإنسان عن المعصية والمنكرات وذلك أن الإنسان عندما يشعر بوجود إمام معصوم حي يراقب أعمال أمته، فإنه سيستحي عندها من ارتكاب المعصية أو من الإستمرار في ارتكابها.

وكذلك يخجل من ترك الواجبات المأخوذة على عاتقه لمكان الإمام المهدي عليه السلام .

أقول: إننا لنرى تأثر بعض العوام بوجود الإنسان المعمم وكيف أن النساء مثلا إذا رأيت أحد العلماء، فإنهم لا شعوريا يراقبن حجابهن ويدخلن ما خرج من شعرهن، أو ما نجده من اهتمام بعض الناس بالأمور الدينية والعبادية مع وجود العالم معهم، فكيف من يدرك أن الإمام المعصوم قطب رحى الوجود يراه ويسمع كلامه ویری مكانه ويفرح لطاعته ويحزن لمعصيته، فهل يرغب أحد من القراء الأعزاء أن يدخل الحزن على قلب ولي الله الأعظم ؟! أم يجب عليناأن ندخل على قلبه السرور !؟

ص: 75


1- الذخيرة في علم الكلام: 410 باب الإمامة.
2- الألفين: 15 البحث الرابع.
3- الذخيرة في علم الكلام: 196.
روايات عرض أعمال العباد على المهدي عليه السلام

وفي الروايات أن أعمال العباد تعرض على الإمام المهدي عجل الله فرجه:

عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إذا أراد الله أمرا عرضه على رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) ثم أمير المؤمنين عليه السلام وسائر الأئمة واحدا بعد واحد إلى أن ينتهي إلى صاحب الزمان علیه السلام ثم يخرج إلى الدنيا.

وإذا أراد الملائكة أن يرفعوا إلى الله عز و جل عملا عرض على صاحب الزمان عليه السلام ثم يخرج على واحد بعد واحد إلى أن يعرض على رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) ثم يعرض على الله عز وجل، فما نزل من الله فعلى أيديهم وما عرج إلى الله فعلى أيديهم وما استغنوا عن الله عز وجل طرفة عين (1).

وقال علیه السلام : « یا مفضل من زعم أن الإمام من آل محمد يعزب عنه شيء من الأمر المحتوم فقد كفر بما نزل على محمد، وإنا لنشهد أعمالكم ولا يخفى علينا شيء من أمركم ، وإن أعمالكم لتعرض علينا ، وإذا كانت الروح وارتاض البدن أشرقت أنوارها ، وظهرت أسرارها وأدركت عالم الغيب » (2)

وروي عنه عجل الله فرجه قوله : عرف أصحابك وأقرئهم مني السلام وقل لهم، إني ومن يجري مجراي من الأئمة عليهم السلام لابد لنا من حضور جنائزكم في أي بلد كنتم فاتقوا الله في أنفسكم (3).

وقال أمير المؤمنین علیه السلام : « والله لو شئت أن أخبر کل رجل منکم بمخرجه ومولجه

ص: 76


1- غيبة الطوسي: 388، والنجم الثاقب: 489.
2- مشارق أنوار اليقين : 138 .
3- بحار الأنوار: 73/48 ح 100

وجميع شأنه لفعلت ، ولكن أخاف أن تكفروا في رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) ، ألا وإني مفضية إلى الخاصة » (1).

وفي الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الإمام ليسمع في بطن أمه، فإذا ولد خط بين كتفيه: « وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » (2) فإذا صار الأمر إليه، جعل الله له عمودا من نور يبصر به ما يعمل أهل كل بلدة (3) .

وعن علي بن موسى الرضا علیه السلام قال لمن سأله أن يدعو له : « أولست أفعل ؟ والله إن أعمالكم لتعرض علي في كل يوم وليلة » (4) .

وعن أبي عبد الله الصادق علیه السلام : « تعرض الأعمال على رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) كل صباح».

وفي رواية : « وَ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ » (5) قال علیه السلام : هم الأئمة» (6).

وأخرج عبدالرزاق عن رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : «أنتم تعرضون علي بأسمائكم وسیمائكم » (7) .

وأخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي ذر أنه قال : قال رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : « عرضت على أعمال امتي - حسنها وسيئها - فوجدت محاسن أعمالهم » (8).

وأخرج الحارث والبزار عن رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : « حياتي خير لكم تحدثون ونحدث

ص: 77


1- نهج البلاغة : 250 الخطبة 175 .
2- سورة الأنعام : 115.
3- الكافي: 1/ 387 باب مواليد الأئمة علیهم السلام ح 4.
4- أصول الكافي : 1/ 219 عرض الأعمال على النبي ح 4.
5- سورة التوبة: 105.
6- أصول الكافي : 219/1 عرض الأعمال على النبي ح 1-2.
7- المصنف : 214/2 ح 3111 عن مجاهد.
8- الأدب المفرد: 80 ح 231 باب إماطة الأذى (116) .

لكم وموتي خير لكم تعرض علي أعمالكم » (1).

والروايات في عرض الأعمال كثيرة وفي مصادرها مستفيضة (2) .

الأثر الثالث:
لولاه لما عبد الله

عن الإمام الصادق علیه السلام : «لم تخل الأرض منذ خلق الله من حجة الله فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة الله فيها ولولا ذلك لم يعبد الله» (3).

وهذا الحديث يشير إلى حقيقة مهمة حول عبادة الله وأنها توقيفية تعبدية فإن الله تعالى لا يريد من الناس أن تعبده كيف ما كان، بل تعبده كما يريد هو وبالطريقة والكيفية التي يحددها وبالشروط التي يشرعها سبحانه.

ومن هنا كان إبعاد الله تعالی لبعض أوليائه عن رحمته بسبب أهوائهم في العبادة كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: « وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَاتَّبِعْهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ . وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ کمثل الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ کذبوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يتفکرون » (4)

ص: 78


1- المطالب العالية : 22/4 ح 3853
2- راجع جامع الأصول: 6/ 648 ح 4936، والرسائل العشرة للسيوطي: 198 ، والسنن الكبرى: 3/ 249، والفردوس بمأثور الخطاب : 2/ 138 ح 2701، وصلح الاخوان : 75.
3- بحار الأنوار: 92/52.
4- سورة الأعراف : 174 - 176.

حيث جاء في الروايات (1) أن بلعم كان من الأولياء وكان يرى العرش، وكان مستجاب الدعوة، لكن الله أبعده بعد أن اعترض على نبوة موسی علیه السلام وحسده وقال أنا أعبد الله ولكن على طريقتي لا على طريق موسى علیه السلام .

فعبادة الله مشروطة بشروطه تعالی.

ومن هنا فالحديث يشير إلى أنه لا عبادة لله تعالی عند عدم وجود المعصوم والحجة لله، وأنه هو واسطة بين الناس وبين الله، ولولاه لما عبد الله حق عبادة.

وهذا من أهم الآثار التشريعية لوجود الإمام المهدي عجل الله فرجه الشریف.

وفي الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام : إن الله خلقنا... وجعلنا عينه في عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ووجهه الذي يؤتي منه وبابه الذي يدل عليه .. وبعبادتنا عبد الله، ولولا نحن ما عبد الله (2).

وجاء في دعاء الندبة: واجعل صلاتنا به مقبولة، وذنوبنا به مغفورة، ودعاءنا به مستجابا، واجعل أرزاقنا به مبسوطة، وهمومنا به مکفوفة، وحوائجنا به مقضية.

فقبول الصلاة والدعاء من الأثار التشريعية لوجود مولانا صاحب العصر والزمان علیه السلام .

الأثر الرابع:
هدايته عليه السلام للعباد

إن اهتداء جميع أهل الإيمان إنما هو بإضاءة نور صاحب الزمان مضافا إلى ما علمهم من صنوف الأحكام المذكورة في توقيعاته علیه السلام .

ص: 79


1- انظر تاريخ المدينة: 55/1
2- الكافي: 144/1باب النوادر ح 5.

ففي توقيعه (1) إلى الشيخ المفيد: إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، لولا ذلك لنزل بكم اللأواء، واصطلمكم الأعداء...

وروى في الإحتجاج أنه اختلف جماعة من الشيعة في أن الله عز وجل فوض إلى الأئمة أن يخلقوا ويرزقوا، فقال قوم هذا محال لايجوز على الله لأن الاجسام لايقدر على خلقها غير الله عز وجل، وقال آخرون: بل الله عز وجل أقدر الأئمة على ذلك وفوض إليهم فخلقوا، ورزقوا، وتنازعوا في ذلك تنازعا شديدا فقال قائل ما بالكم لاترجعون إلى أبي جعفر محمد بن عثمان فتسألونه عن ذلك، ليوضح لكم الحق فيه، فإنه الطريق إلى صاحب الأمر علیه السلام ، فرضيت الجماعة بأبي جعفر، وسلمت وأجابت إلى قوله، فكتبوا المسألة، وأنفذوها إليه، فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته: إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام، وقسم الأرزاق، لأنه ليس بجسم، ولا حال في جسم، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، فأما الأئمة عليهم السلام فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ويسألونه فيرزق، إيجابا لمسألتهم وإعظاما لحقهم. انتهى (2).

وهناك قصص كثيرة في تعليمه لبعض الناس الأمور العبادية كالدعاء والأذكار والتوسل (3).

ص: 80


1- الإحتجاج: 323/2
2- الإحتجاج: 2/ 284 توقيعات الناحية المقدسة.
3- انظر النجم الثاقب، ومفاتیح الجنان: 551.
الأثر الخامس:
التأدب بأدابه

في كمال الدين بإسناده عن الصادق عن آبائه عن علي عليهم السلام قال في خطبة له على منبر الكوفة: اللهم إنه لا بد لأرضك من حجة لك على خلقك، تهديهم الى دينك، تعلمهم علمك، لئلا تبطل حجتك ولا يضل أتباع أوليائك بعد إذ هديتهم به إما ظاهر ليس بالمطاع، أو مكتتم مترقب، إن غاب عن الناس شخصه في حال هدنتهم لم يغب عنهم علمه، وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة، فهم بها عاملون (1).

قال الأصفهاني: الأداب: جمع دأب وهو كما في القاموس الشأن والعادة، فالمعنى إما أن يكون ثبوت عاداته وأوصافه الرضية في قلوبهم سببا لعملهم بما يرضيه، بناء على كون اللام تعليلية، أو أن آدابه مثبتة في قلوبهم، وهم يعملون أعمالا تماثل آدابه وأعماله الشريفة، فيكون «اللام» بمعنى الباء، كما في بعض الروايات، وأنهم يعملون الأعمال الصالحة في زمان غیبته لكي يتأدبوا بآدابه ؛ ويتصفوا بصفاته فيكون اللام للغاية، وأيا ما كان، فيثبت المطلوب، وهو كون ثبوت آدابه وأخلاقه في القلب من صفات المؤمنين، ولوازم الإيمان.

ويشهد، لما ذكرنا أيضا شدة اهتمام النبي والأئمة علیهم السلام ، في كل زمان ببيان صفاته وخصائصه المميزة له عن غيره من الأئمة، فضلا عن سائر الناس كما لا يخفى على المتتبع .

وليس ذلك إلا للزوم معرفة صفاته، وخصائصه «صلوات الله عليه» على جميع الناس، والوجه فيه ظاهر، وهو توفر دواعي طالبي الرئاسة على ادعاء منصبه كذبا

ص: 81


1- كمال الدين : 302/1 باب 26 ذیل ح 11.

وأدل شيء على ذلك وقوعه، فوجب على كل مؤمن أن يعرف إمام زمانه بصفاته الخاصة وآدابه المخصوصة حتى لايختلج في قلبه شبهة بدعوی ملحد ما ليس أهلا له

هذا (1)

ص: 82


1- مکیال المکارم: 95/2 ح 1158.

الفصل الثالث

1- تكليفنا تجاه المهدي وموقعنا من دولته

مدخل:

2- كلمة لابد من قولها

إن أهم موضوع يتعلق بالإمام المهدي علیه السلام هو معرفة تكليفنا ودورنا في دولة المهدي وفتوحاته، وقبل ذلك في التمهيد لهذه الدولة، إضافة إلى تعجيل خروجه الشريف الذي قد يكون لنا تأثيرا مهما فيه.

ولعل هذا الفصل يجيب عن هذه الأمور مع اعترافنا بالتقصير لتقديم أفضل إجابة، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله.

على أنني لم أجد من تعرض لأكثر هذه المطالب حتى نستفيد منه ولو كمدخل، باستثناء ما قد يستفيده القارئ من بعض الكلام أو يتصيد من بعض المطالب.

ومما يجب الإشارة إليه أن الكثير من الكتاب يهملون هذه المواضيع أو يسلطون الأضواء على مطالب أخرى أقل أهمية، بل بعضه فيه ضرر على حركة الظهور، کتسليط الضوء على العلامات و شرائط الظهور التي لا فائدة منها، ولا يستطيع الإنسان أن يؤثر بها باستثناء ما نذكره في الفصل الثامن ، الأمر الذي يرتبط بالإعداد کما

ص: 83

وسوف نبینه .

وکتسليط الضوء على بعض أصحاب القائم عجل الله فرجه، كالخراساني واليماني

حفظهما الله أو عجل الله فرجهما، الأمر الذي لا فائدة منه إلا عاطفيا، فإن تسمية بعض القادة والأجلاء بهذه الأسماء الشريفة فيه محاذير:

أولا: فهو ليس تكليفنا في عصر الظهور ولا يقدم فيه ولا يؤخر ما دام لم يدع الخراساني لنفسه أو اليماني.

ثانيا: فيه خطر على حياة من نسميه بالخراساني واليماني إذ أن المستكبرين يعتنون بكل ما يتعلق بالإمام المهدي المنقذ البشري للمستضعفين والذي يعتبرونه المانع لتسلطهم على رقاب الناس، خاصة إذا صدقت بعض الكتابات أن بعض المستكبرين يعملون على الإعداد لما يسمى بالمعركة النهائية أو ما يسمونه بمعركة مجدون.

فإن الإشارة إلى بعض القادة بأنه الخراساني أو اليماني أو حتى شعیب بن صالح فيه تحريض عليهم من قبل المستكبرين.

ثالثا: تسمية بعض الشخصيات في الوقت الحاضر قد يثير حفيظة البعض حتى لو لم يكونوا من المستكبرين وذلك نتيجة العوامل العرقية أو المذهبية أو العائلية أو القبلية، خاصة أنه أمر لا فائدة فيه إلا ضرب الوحدة التي ينبغي تشجيعها حول فكرة الإمام المهدي المنقذ للبشرية جمعاء، وقد نتعرض لذلك لاحقا.

رابعا: قد يؤدي تحديد بعض شخصيات الإمام المهدي ونوابه إلى التشويهعلى هذه الشخصيات أو حتى لا سمح الله التكذيب بوجودهم فيما لو لم تصدق هذه التسميات، كما حصل سابقا عندما كان يحب البعض أو يعتقد بكون الإمام الخميني قدس سره من يسلم الراية لولي الأمر صلوات الله عليه، فإنه بعد وفاته علق البعض على هذا الموضوع واستهتر به آخرون.

فإذا تم الترويج لشخصية أخرى على أنها ستسلم الراية للإمام المهدي عجل الله

ص: 84

فرجه، فأولا قد يستغله البعض ويشكك به، وثانيا فإنه سيؤدي لإنكار أصل هذه الشخصية فيما لو لم تصدق هذه التسمية.

خامسا: وهو ما ينتج عن الأمر المتقدم، فإن التكذيب بصدق بعض الشخصيات المنتظر خروجها يؤدي إلى التشكيك بأصل فكرة المهدي علیه السلام أو استغلالها من قبل البعض.

وعليه فلابد للإنسان المؤمن أن يهتم بما هو تكليفه الشرعي ويدع الأحاسيس والعواطف جانبا حتى يحين وقتها وموعدها.

خاصة ما شاع مؤخرا من دعايات وأوهام حول منامات هنا أو هناك حول الإمام المهدي وأصحابه القادة، أو ما قيل من رؤية الإمام أو نوابه في القمر أو بعض الكتابات التي لا تخلو من تسرع في طرح الوقائع، الأمر الذي يؤثر على كثير من العوام ويضعهم في أجواء أو تفرض عليهم أوضاع لا داعي لها.

إضافة إلى التأثير على أصل قضية الإمام المهدي علیه السلام وصرف الناس عن الهدف الأساسي للتمهيد لدولته المباركة أو الإعداد لها.

وسوف نشرع في بيان ما تيسر من تكاليف وواجبات تجاه شخص أو قضية إمامنا المفدى وحركته في آخر الزمان، وسوف ترى أنها على مرحلتين: الأولى في غيبته أو قبيل ظهوره، والثانية عند خروجه أو بعدها، والمرحلة الثانية ليست من قبيل فرض تكاليف على الإمام المهدي عليه السلام ، إذ عند خروجه تبطل كل التكاليف إلا ما أمر وأراد، ولكن لابد من ذكر ما ورد من الروايات حول تكاليفنا عند ظهوره المبارك أو ما يرشد العوام للإلتزام به إلى حين رؤية إمامهم وسماع صوته الشریف.

ص: 85

3- تكليفنا تجاه المهدي عليه السلام

اشارة

جاء في دعاء الندبة: وأعنا على تأدية حقوقه إليه والاجتهاد في طاعته والإجتناب

عن معصيته .

فهناك مجموعة حقوق و تکالیف یجب أداؤها تجاه قضية المهدي علیه السلام ودولته وسوف نذكر جملة منها تباعا:

1- معرفة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه

وهو أول التكاليف وأهمها لما يترتب عليه من بقية التكاليف.

عن عثمان بن سعيد العمري قال: سئل أبو محمد الحسن بن علي علیه السلام وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه عليهم السلام: «إن الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه إلى يوم القيامة، وإن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.

فقال علیه السلام : إن هذا حق كما أن النهار حق.

فقيل له: يابن رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) فمن الحجة والإمام بعدك؟

فقال علیه السلام : إبني محمد وهو الإمام والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون ويهلك فيها المبطلون ويكذب فيها الوقاتون ثم يخرج فكأني أنظر إلى الاعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة» (1).

ص: 86


1- کمال الدین: 409/2 باب 38 ذیل 9، والوسائل: 491/11 باب 33 ذیل ح 23.

وعن رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) قال: من أنكر القائم من ولدي فقد أنكرني (1).

وعن الصادق، عن آبائه علیهم السلام عن رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) قال من أنكر القائم من ولدي في : زمان غیبته مات ميتة جاهلية (2).

وعن الإمام الصادق علیه السلام قال: من بات ليلة لايعرف فيها إمام زمانه مات ميتة جاهلية (3).

وفي الحديث الصحيح عن أبي عبد الله علیه السلام قلت: قال رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية؟

قال: نعم، قلت: جاهلية جهلاء، أو جاهلية لايعرف إمامه؟

قال عليه السلام : جاهلية كفر ونفاق وضلال (4).

2- التمسك بالفقهاء

من التكاليف المترتبة على معرفة الإمام علیه السلام هو معرفة أوامره علیه السلام في غيبته، وهو التمسك بمنهج أهل البيت علیهم السلام الذي لا يعرفه إلا أقرب الخلق إليهم وهم العلماء والفقهاء الورعون الذين يروون أحاديث أهل البيت علیهم السلام كما في التوقيع الشريف: « وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله » (5)

وقال رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) :« العلماء خلفاء الأنبياء » (6)

ص: 87


1- كمال الدين: 412/2 باب 39 ح 8
2- الكافي: 2/ 212 باب 29ح 12.
3- غيبة النعماني: 62 فیمن بات ليلة .
4- الكافي: 1/ 377 باب من مات، خبر 3.
5- كمال الدين: 484.
6- مجمع الزوائد: 126/1، والعناوين الفقهية 566/2

وقال (صلی الله علیه واله وسلم): «اللهم إرحم خلفائي» . قيل: ومن خلفاؤك يا رسول الله؟

قال (صلی الله علیه واله وسلم): «الذين يأتون من بعدي، يروون حديثي وستتي - وفي نص: الذين يحيون سنتي ويعلمونها عباد الله» (1).

قال الإمام الحسين علیه السلام : «مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة وما سلبتم ذلك إلا بتفرقكم عن الحق» (2).

وقال الإمام الصادق علیه السلام: «فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه» (3).

وهذا التكليف مختص بحالة الغيبة كما هو واضح .

3- تكليفنا عند ذكر اسمه

اشارة

وهي في حال غيبته، وأما بعد ظهوره فإننا نتبع إرشاداته علیه السلام فيها.

عن تنزيه الخواطر : سئل الصادق علیه السلام عن سبب القيام عند ذكر لفظ القائم من ألقاب الحجة.

قال عليه السلام : لأن له غيبة طولانية، ومن شدة الرأفة إلى أحبته ينظر إلى كل من يذكره بهذا اللقب المشعر بدولته والحسرة بغربته، ومن تعظيمه أن يقوم العبد الخاضع لصاحبه عند نظر المولى الجليل إليه بعينه الشريفة، فليقم وليطلب من الله جل ذكره تعجیل فرجه.

وروي أيضا عن الرضا علیه السلام في مجلسه بخراسان أنه قام عند ذكر لفظة القائم،

ص: 88


1- عيون الأخبار 37/2 ، من لا يحضره الفقيه 302/4 ، وأمالي الصدوق 247 ح 266، ومعاني الأخبار: 375، وکنز العمال 231/10 ح 29167 والعهود المحمدية: 27.
2- تحف العقول: 228، ومستدرك الوسائل: 316/17 ح 21454، والبحار: 80/97
3- الاحتجاج: 263/2 ، ووسائل الشيعة: 95/18 ح 33385، والبحار: 88/2

ووضع يديه على رأسه الشريف وقال: اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه، وذكر من خصائص دولته (1).

وذكر المحدث النوري طاب ثراه في كتابه النجم الثاقب ما ترجمته بالعربية: هذا القيام والتعظيم خصوصا عند ذكر ذلك اللقب المخصوص سيرة تمام أبناء الشيعة في كل البلاد من العرب والعجم والترك والهند والديلم وغيرها، بل وعند أبناء أهل السنة والجماعة أيضا (2).

وعن العالم المتبحر الجليل السيد عبدالله سبط المرحوم العلامة الجزائري في بعض تصانيفه أنه رأى هذه الرواية المنسوبة إلى الصادق علیه السلام ، وعند أهل السنة هذه السنة جارية (3).

وروي أنه اجتمع عند الإمام السبكي جمع من علماء عصره فإذا قرأ أحد الشعراء:

قليل لمدح المصطفى الخط بالذهب *** على ورق من خط أحسن من کتب

وإن نهض (4) الأشراف عند سماعه *** قياما صفوفا أو جثيا على الركب

فإذا قاموا كلهم تعظيما (5).

لماذا سمي بالقائم ؟

في علل الشرائع: سئل الباقر علیه السلام : يابن رسول الله أفلستم كلكم قائمين بالحق؟

ص: 89


1- انظر إلزام الناصب: 1/ 249.
2- النجم الثاقب: 605 باب 9، والنسخة الفارسية.
3- النجم الثاقب: 605.
4- في النجم الثاقب: تنهض .
5- النجم الثاقب: 606، وإعانة الطالبين: 3/ 414، والسيرة الحلبية: 1/ 137.

قال: بلی.

قيل: فيم سمي القائم قائما ؟

قال: لما قتل جدي الحسين ضجت الملائكة إلى الله عزوجل بالبكاء والنحيب قالوا: إلهنا وسيدنا أتغفل عمن قتل صفوتك وابن صفوتك وخيرتك من خلقك؟ فأوحى الله عزوجل إليهم: قروا ملائکتي، فوعزتي وجلالي لأنتقمن منهم ولو بعد حين، ثم كشف الله عزوجل عن الأئمة من ولد الحسين للملائكة فسرت الملائكة بذلك، فإذا أحدهم قائم يصلي فقال الله عزوجل: بذلك القائم أنتقم منهم (1).

4 - نصرتنا له عجل الله تعالی فرجه

وذلك عند معرفة خروجه ووقته، فواجب كل إنسان أن يلبي نداء مولاه أينما كان وفي أي وقت كان .

وفي الروايات أن وقت خروجه ينادي مناد من السماء وهو جبرائیل .

وعليه فوقت بداية نصرته هو عند سماع الصيحة المتوقعة من جبرائيل.

كما يأتي في الروايات.

ونصرة الموالين له علیه السلام في الجملة واجب شرعي نعم الوجوب أكد على أصحابه الخلص الذين هم القادة.

في غيبة النعماني (2) عن أبي جعفر علیه السلام أنه قال: الصيحة لاتكون إلا في شهر رمضان شهر الله وهي صيحة جبرائيل إلى هذا الخلق، ثم قال: ينادي مناد من السماء باسم القائم فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لايبقي راقد إلا استيقظ، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه، فزعا من ذلك الصوت، فرحم الله من اعتبر بذلك

ص: 90


1- علل الشرائع: 160 باب العلة التي سمي علي أمير المؤمنين باب 129ح1
2- غيبة النعماني: 134 علامات الظهور

الصوت فأجاب، فإن الصوت صوت جبرائيل الروح الأمين، وقال عليه السلام : الصوت في شهر رمضان في ليلة جمعة ليلة ثلاث وعشرين فلا تشكوا في ذلك واسمعوا وأطيعوا، وفي آخر النهار صوت إبليس اللعين، ينادي ألا إن فلانا قتل مظلوما ليشكك الناس، ويفتنهم، الخبر.

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له جعلت فداك، متى خروج القائم عليه السلام فقال عليه السلام : يا أبا محمد إنا أهل بيت لا نوقت وقد قال محمد (صلی الله علیه واله وسلم) كذب الوقاتون یا أبا محمد إن قدام هذا الأمر خمس علامات: أولاهن النداء في شهر رمضان، وخروج السفياني، وخروج الخراساني، وقتل النفس الزكية وخسف بالبيداء .

قلت: بم ينادی ؟

قال: باسمه واسم أبيه: ألا إن فلان ابن فلان قائم آل محمد (صلی الله علیه واله وسلم) فاسمعوا له وأطيعوه فلا يبقى شيء من خلق الله فيه الروح إلا سمع الصيحة فتوقظ النائم، ويخرج إلى صحن داره، وتخرج العذراء من خدرها، ويخرج القائم مما يسمع، وهي صيحة جبرئيل عليه السلام (1).

وعن زرارة (2) قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام النداء حق؟ قال عليه السلام أي والله، حتى يسمعه كل قوم بلسانهم.

وعن عبد الله بن سنان (3) قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فسمعت رجلا من همدان يقول له: إن هؤلاء العامة يعيرونا ويقولون لنا إنكم تزعمون ان مناديا ينادي من السماء باسم صاحب هذا الأمر، وكان علیه السلام متكئأ فغضب وجلس.

ثم قال علیه السلام : لا ترووا عني وارووه عن أبي، ولا حرج عليكم في ذلك أشهد أني قد سمعت أبي علیه السلام يقول: والله، إن ذلك في كتاب الله عز وجل لبين حيث يقول: « إن

ص: 91


1- بحار الأنوار: 119/52 ح 48.
2- الغيبة : 136 علامات الظهور.
3- الغيبة : 137 علامات الظهور.

نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ » (1) فلا يبقى في الأرض يومئذ أحد إلا خضع، وذلت رقبته لها، فيؤمن أهل الأرض إذا سمعوا الصوت من السماء....

قال علیه السلام : فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت على الحق ... ويرتاب يومئذ الذين في قلوبهم مرض، والمرض والله عداوتنا، فعند ذلك يتبرأون منا، ويتناولونا ...

ثم تلا أبو عبد الله علیه السلام قول الله عز وجل: « وَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَ يَقُولُوا سِحْرُ مُسْتَمِرُّ » (2).

وهذا التكليف مختص بوقت ظهوره المباركشت

ص: 92


1- سورة الشعراء: 4.
2- سورة القمر : 2.

5 - بيعتنا له روحي فداه

اشارة

وهي نوعان: الأولى في حال غيابه وذلك بتجديد البيعة له كل صباح وهو من المستحبات كما يأتي في دعاء العهد.

والثانية وهي البيعة الكبرى وذلك عند خروجه وظهوره المبارك.

ومن بايع الإمام المهدي علیه السلام فقد بايع الله تعالى، قال تعالى: « إن الذي يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما » (1).

وشرط مبايعة الإمام المهدي توطين النفس على بذل الغالي والنفيس من أجل نصرته كما أشار سبحانه و تعالى: « إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة » (2).

ومعنى توطين النفس هو العزم القلبي والفعلي على تنفيذ كل ما يطلبه المولى أو يأمر به.

وهذا يختلف عن بيعة بقية الأئمة علیهم السلام أو رسول الله صلی الله علیه واله وذلك لسببين: الأول أن دعوة الإمام المهدي وأهدافه وأسلوبه يختلف عن دعوة غيره من المعصومين عليهم السلام كما يأتي، وثانيا لأنه يحكم بالواقع الأمر الذي قد لا يتحمله بعض الشيعة عند ظهوره.

فقد روى أن بعضهم يقول له: إرجع من حيث جئت فلا حاجة لنا ببني فاطمة (3) .

وذلك لما يرون من عدله وحكمه الواقعي، فمثلا إذا طلب منا الإمام أن نتخلى عن كل أراضينا ودورنا وأموالنا النقدية المكدسة في البنوك، وأن نعلن توبتنا لأن هذه الأموال كانت نتيجة إرث خاطئ أو مغتصب من أجدادنا مثلا، هل نستجيب ونلبي

ص: 93


1- سورة الفتح : 10.
2- سورة التوبة : 11.
3- بحار الأنوار: 52 / 338 ح 81

امره؟!

وإذا قال لنا أن زوجتك المصونة هي أختك من الرضاعة فتخلى عنها، هل نسلم تسليما كما أمر الله تعالى: « فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ یسلموا تَسْلِيماً » (1).

ثبت الله قلوبنا على بيعته فإن الأمر خطير وجعل عاقبة أمرنا إلى خير.

وقبل إجابتك أخي القارىء على هذا السؤال إقرأ هذه القصة:

قصة وعبرة

قيل أن الناس في البحرين، في بعض الأزمنة، لمقدار إحساسهم بالظلم وتعسف الظالمين ... تمنوا ظهور إمامهم المهدي عليه السلام بالسيف ظهورا عالميا عاما، لكي يجتث أساس الظلم لا من بلادهم فحسب، بل من العالم كله.

فاتفقوا على اختيار جماعة من أعاظمهم زهدا وورعا وعلما ووثاقة، فاجتمع هؤلاء واختاروا ثلاثة منهم، واجتمع هؤلاء وآختاروا واحدا هو أفضلهم على الإطلاق، ليكون هو واسطتهم في الطلب إلى المهدي بالظهور.

فخرج هذا الشخص المختار، إلى الضواحي والصحراء، وأخذ بالتعبد والتوسل إلى الله تعالى وإلى المهدي علیه السلام ، بأن يقوم بالسيف ويظهر فيملأ الأرض قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وجورا. وقضى في ذلك ثلاثة أيام بلياليها.

فلما كانت الليلة الأخيرة، أقبل شخص وعرفه بنفسه أنه هو المهدي المنتظر، وقد جاء إجابة لطلبه. وسأله عن حاجته، فأخبر الرجل بأن قواعده الشعبية ومواليه في أشد التلهف والإنتظار إلى ظهوره وقيام نوره. فأوعز إليه المهدي علیه السلام أن يبكر في غد إلى مكان عام عينه له، ويأخذ معه عددا من الغنم في الطابق الثاني على السطح، ويعلن في

ص: 94


1- سورة النساء: 64

الناس أن المهدي سيأتي في ساعة معينة، عليهم أن يجتمعوا في أرض ذلك المكان. وقال له المهدي عليه السلام أيضا: أنني سأكون على السطح في ذلك الحين.

وامتثل الرجل هذا الأمر، وحلت الساعة الموعودة، وكان الناس متجمهرين في المكان المعين على الأرض، وكان المهدي مع هذا الرجل وغنمه على السطح.

وهنا ذكر المهدي عليه السلام اسم شخص وطلب من الرجل أن يطل على الجماهير ويأمره بالحضور. فامتثل الأمر وأطل على الجمع ونادي باسم ذلك الرجل. فسمع الناس وصعد الرجل على السطح. وبمجرد وصوله أمر المهدي عليه السلام صاحبنا أن يذبح واحدا من غنمه قرب الميزاب، فما رأي الناس إلا الدم ينزل من الميزاب بغزارة. فاعتقدوا جازمين بأن المهدي عليه السلام أمر بذبح هذا الرجل الذي ناداه.

ثم نادى المهدي عليه السلام بنفس الطريقة رجلا آخرا، وكان أيضا من الأخبار الورعين. فصعد مضحيا بنفسه واضعا في ذهنه الذبح أمام الميزاب، وبعد أن وصل إلى السطح نزل الدم من الميزاب. ثم نادی شخصا ثالثا ورابعا. وهنا أصبح الناس يرفضون الصعود، بعد أن تأكدوا أن كل من يصعد سیراق دمه من الميزاب. وأصبحوا يفضلون حياتهم على أمر إمامهم.

وهنا التفت المهدي علیه السلام إلى صاحبنا وأفهمه بأنه معذور في عدم الظهور ما دام الناس على هذه الحال (1).

ص: 95


1- انظر تاریخ الغيبة: 118/2 - 119.
دعاء العهد والبيعة

ويستحب قراءته كل صباح بعد صلاة الفجر وهو: «بسم الله الرحمن الرحيم: اللهم بلغ مولاي صاحب الزمان صلوات الله عليه، عن جميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها، وبرها وبحرها، وسهلها وجبلها، حيهم وميتهم، وعن والدي، وولدي، وعني، من الصلوات والتحیات زنة عرش الله ومداد كلماته ومنتهی رضاه، وعدد ما أحصاه كتابه، وأحاط به علمه.

اللهم إني أجدد له في هذا اليوم وفي كل يوم عهدا وعقدا وبيعة له في رقبتي اللهم كما شرفتني بهذا التشریف، وفضلتني بهذه الفضيلة، وخصصتني بهذه النعمة، فصل على مولاي وسيدي صاحب الزمان، واجعلني من أشياعه وأنصاره، والذابين عنه، واجعلني من المستشهدين بين يديه طائعا غير مكره، في الصف الأول الذي نعت أهله في كتابك فقلت صفا كأنهم بنیان مرصوص على طاعتك وطاعة رسولك، وآله عليهم السلام اللهم إن هذه بيعة له في عنقي إلى يوم القيامة (1).

قال المولى المجلسي رضی الله عنه في مزار البحار (2) بعد ذكر هذا العهد: وجدت في بعض الكتب القديمة بعد ذلك ويصفق بيده اليمنى على اليسرى.

وله صيغة أخرئ مروية في كتب الأدعية أطول من هذه، وهي مروية عن الإمام

الصادق علیه السلام (3).

وروي عنه علیه السلام استحباب البيعة للإمام المهدي عجل الله فرجه كل يوم بعد كل

ص: 96


1- البحار: 111/102 ، ومکیال المکارم : 222/2
2- البحار : 102 / 110، باب 7.
3- انظر مکیال المکارم: 223/2ح 1416.

صلاة: روی في البحار نقلا من كتاب الإختيار للسيد بن الباقي، عن الصادق علیه السلام أنه قال: من قرأ بعد كل فريضة هذا الدعاء فإنه يرى الإمام «م ح م د» بن الحسن عليه وعلى آبائه السلام في اليقظة أو في المنام

« بسم الله الرحمن الرحيم: اللهم بلغ مولانا صاحب الزمان أينما كان وحيثما كان من مشارق الأرض ومغاربها، سهلها وجبلها، عني وعن والدي وعن ولدي وإخواني التحية والسلام، عدد خلق الله، وزنة عرش الله، وما أحصاه كتابه وأحاط به علمه.

اللهم إني أجدد له في صبيحة هذا اليوم وما عشت فيه من أيام حياتي عهدأ وعقدا، وبيعة له في عنقي، لا أحول عنها ولا أزول أبدا.

اللهم اجعلني من أنصاره والذابين عنه والممثلين لأوامره، ونواهيه في أيامه، والمستشهدين بين يديه.

اللهم فإن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتما مقضيا، فأخرجني من قبري مؤتزرا كفني، شاهرا سيفي، مجردأ قناتي ملبيا دعوة الداعي في الحاضر

والبادي.

اللهم أرني الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة واکحل بصري بنظرة مني إليه وعجل فرجه وسهل مخرجه.

اللهم اشدد أزره، وقؤ ظهره، وطول عمره، واعمر اللهم به بلادك وأحيي به عبادك فإنك قلت وقولك الحق: « ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لیذيقهم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ » (1) فأظهر اللهم لنا وليك، وابن بنت نبيك، المسمی باسم رسولك (صلی الله علیه واله وسلم) حتى لا يظفر بشيء من الباطل إلا مزقه ويحق الله الحق بكلماته،

ويحققه.

اللهم اكشف هذه الغمة عن هذه الأمة بظهوره إنهم يرونه بعيدا، ونراه قريبا، وصلی

ص: 97


1- سورة الروم: 41.

الله على محمد وآله».

وروي باستحباب تجديد البيعة له عجل الله فرجه كل جمعة (1).

هل يجوز مبايعة غير الإمام قبل ظهوره

روي عن الصادق علیه السلام أنه قال: «يا مفضل كل بيعة قبل ظهور القائم علیه السلام فبيعة كفر ونفاق وخديعة لعن الله المبايع بها والمبايع له» (2).

ومن هنا حكم بعض العلماء باختصاص البيعة بالنبي الأعظم والأئمة عليهم السلام دون غيرهم (3).

وذهب البعض لاستحباب بيعة الفقهاء (4).

أقول: ومما يفهم من كلامهم والله أعلم أن المراد بالبيعة هنا هي الدالة على الرئاسة

العامة وولاية المبايع له المطلقة وعدم جوازهما لغيره.

وعليه فالبيعة التي تؤدي للقول برئاسة المبايع له وولايته المطلقة وبطلانها على غيره فهي بيعة كفر، أما البيعة التي تعني المعاهدة على جملة من الشروط المشروعة ولا تعني سلب الولاية عن الغير أو عن إمام الزمان علیه السلام فلا ضير بها.

من قبيل ما روي عنهم علیهم السلام «أن كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله تعالى » (5).

فقد ذكر العلماء أن المراد بها الراية التي ترفع ولا تدعو للإمام المهدي علیه السلام ، أما الراية التي ترفع وهي تدعو إلى نصرة القائم وتأمر باتباعه والتمهيد له فلا مانع منها.

ص: 98


1- مکیال المکارم: 225/2
2- بحار الأنوار: 8/53
3- مکیال المکارم: 228/2
4- المصدر السابق: 230/2
5- الكافي : 295/8 ح 452.

وهذا التكليف الثالث يشمل كما عرفت زمن الغيبة، وذلك بتجديد البيعة كل صباح وكذلك يشمل زمن الظهور المبارك، فيجب بیعته بالبيعة المطلقة، نعم هل يجب ذلك أو يستحب كل يوم، أمر متروك لصاحب الأمر عجل الله تعالی فرجه.

6- تحبيبه عليه السلام للناس

اشارة

في روضة الكافي، بإسناده عن أبي عبد الله علیه السلام قال: رحم الله عبدا حبينا إلى الناس، ولم يبغضنا إليهم. أما والله لو يروون محاسن کلامنا لكانوا به أعز، وما استطاع أحد أن يعتلق (1) عليهم بشيء ولكن أحدهم يسمع الكلمة فيحط إليها عشرا (2).

وروى الصدوق رضی الله عنه بإسناده عن الصادق علیه السلام قال: رحم الله عبدا اجتر مودة الناس إلينا فحدثهم بما يعرفون وترك ما ينكرون (3).

وهذا الأمر لا يختص بالإمام المهدي عجل الله فرجه بل يشمل كل الأئمة علیهم السلام، إلا أنه في الإمام المهدي آكد وذلك:

أولا: أنه إمام زماننا ومن لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية (4).

ومعلوم أن معرفة إمام الزمان ليس فقط معرفة اسمه، بل لابد من معرفة صفاته وعلمه وموالاته وبيعته، وعليه فعند بيان صفاته الجميلة وعلومه الإلهية سيحبه الناس لا محال، فيكون وجوب تحبيبه للناس ثابت من باب وجوب معرفة إمام الزمان.

ثانيا: أن الظروف التي يخرج بها الإمام المهدي علیه السلام وصعوبة الثبات على خطه، جراء ما يحصل من الظلم على شيعته ومحبيه قبل ظهوره حتي وصفت بعض

ص: 99


1- هكذا في كل المصادر.
2- الكافي: 8/ 229 ح 293.
3- أمالي الصدوق : 61.
4- كما تقدم .

الروايات أن القابض على دينه في زمانه كالقابض على الجمر (1)، فإن ذلك يقتضي تحبيبه إلى الناس في غيبته لكي تثبت الناس على موالاته وتبقى تنتظر ظهوره المبارك مع تمسكها بدينها والتزامها.

وكيفية تحبيبه للناس ما بينته الروايات:

في الحديث عن تفسير الإمام أن الله تعالى أوحى إلى موسى: حببني إلى خلقي، وحبب خلقي إلي قال: يا رب، كيف أفعل؟ قال: ذكرهم آلائي ونعمائي ليحبوني (2).

وفي دار السلام، عن قصص الأنبياء، بإسناده عن النبي (صلی الله علیه واله وسلم) قال: قال الله عز وجل الداود علیه السلام أحببني وحببني إلى خلقي، قال: يا رب أنا أحبك، فكيف أحببك إلى خلقك! قال: أذكر أيادي عندهم، فإنك إذا ذكرت ذلك لهم أحبوني.

وروى الصدوق رضی الله عنه بإسناده عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله عز وجل، وأحبوا أهل بيتي لحبي (3).

تقدم ويأتي أن جميع ما نتقلب فيه من نعم الله المتكاثرة، وآلائه المتواترة، إنما هو

ببركة مولانا علیه السلام وبواسطته .

وهذا التكليف كما يشمل زمن الغيبة المباركة، كذلك يستمر الى زمن الظهور الميمون.

وهناك أمور فعلها يفي بالغرض:

1- بيان صفاته الحسنة .

2- بیان عدله وأثره .

3- بیان ثواب من يراه ويقاتل تحت رايته أو يستشهد.

ص: 100


1- بحار الأنوار: 28 / 47، ح 9.
2- الأمالي: 446 ح 71597.
3- أمالي الصدوق : 219.

4- عدم تشويه الدولة والعدل .

5- عدم تشويه ما يرتبط بالمهدي كاليماني والخرساني وبعض المنامات التي تؤدي لضعف العقيدة بالمهدي ودولته وعدله .

7- الدعاء له صلوات الله عليه

وهو على قسمين:

الأول: الدعاء بتعجیل فرجه الشريف وظهوره المبارك.

الثاني: الدعاء له مطلقا.

في التوقيع الشريف: «وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم » (1).

وروى أبو محمد هارون الدنبلي عن أبي علي محمد بن الحسن بن محمد بن جمهور العمي، عن أبيه محمد بن جمهور عن أحمد بن الحسين السكري، عن عباد ابن محمد المدايني، قال: دخلت على أبي عبد الله بالمدينة حين فرغ من مكتوبة الظهر وقد رفع يديه إلى السماء وهو يقول: أي سامع كل صوت، أي جامع کل فوت، أي باریء كل نفس بعد الموت، أي باعث، أي وارث، أي سيد السادات أي إله الالهة أي جبار الجبابرة، أي مالك (2) الدنيا والآخرة، أي رب الأرباب، أي ملك الملوك أي بطاش، أي ذا البطش الشديد، أي فعالا لما يريد، أي محصي عدد الأنفاس ونقل الأقدام، أي من السر عنده علانية، أي مبدىء، أي معيد:

أسألك بحقك على خيرتك من خلقك، وبحقهم الذي أوجبت لهم على نفسك أن تصلي على محمد وأهل بيته، وأن تمن على الساعة بفكاك رقبتي من النار، وأنجز (لوليك وابن نبيك، الداعي إليك بإذنك، وأمينك في خلقك، وعينك في عبادك

ص: 101


1- الاحتجاج 323/2
2- في نسخة: ملك .

وحجتك على خلقك عليه صلواتك وبركاتك) وعده.

اللهم أيده بنصرك، وانصر عبدك، وقو أصحابه وصبرهم، وافتح لهم من لدنك سلطانا نصيرا، وعجل فرجه، وأمكنه من أعدائك، وأعداء رسولك، يا أرحم الراحمين.

قال: أليس قد دعوت لنفسك جعلت فداك؟ قال: دعوت لنور آل محمد، وسابقهم، والمنتقم بأمر الله من أعدائهم.

قلت: متى يكون خروجه جعلني الله فداك؟ قال علیه السلام إذا شاء من له الخلق والأمر.

قلت: فله علامة قبل ذلك؟ قال علیه السلام نعم علامات شتی قلت: مثل ماذا قال: خروج راية من المشرق، وراية من المغرب، وفتنة تضل أهل الزوراء، وخروج رجل من ولد عمي زيد باليمن، وانتهاب ستارة البيت ويفعل الله ما يشاء. انتهى (1).

وروى في فلاح السائل للسيد الأجل علي بن طاووس رضی الله عنه قال: ومن المهمات بعد صلاة العصر الإقتداء بمولانا موسی بن جعفر الكاظم علیه السلام في الدعاء لمولانا المهدي صلوات الله عليه قال الراوي: دخلت على أبي الحسن موسی بن جعفر ببغداد، حين فرغ من صلاة العصر فرفع يديه إلى السماء وسمعته يقول: «أنت الله لا إله إلا أنت، الأول والآخر، والظاهر والباطن، وأنت الله لا إله إلا أنت إليك زيادة الأشياء ونقصانها، وأنت الله لا إله إلا أنت، خلقت خلقك بغیر معونة من غيرك، ولا حاجة إليهم وأنت الله لا إله إلا أنت، منك المشية، واليك البداء أنت الله لا إله إلا أنت، قبل القبل، وخالق القبل وأنت الله لا إله إلا أنت، بعد البعد، وخالق البعد أنت الله لا إله إلا أنت، تمحو ما تشاء، وتثبت، وعندك أم الكتاب.

أنت الله لا إله إلا أنت، غاية كل شيء ووارثه، أنت الله لا إله إلا أنت، لا يعزب عنك الدقيق ولا الجليل، أنت الله لا إله إلا أنت، لا تخفى عليك اللغات ولا تتشابه عليك

ص: 102


1- النجم الثاقب: 2/ 458، والبحار: 62/86 ح 1.

الأصوات كل يوم أنت في شأن، لا يشغلك شأن عن شأن، عالم الغيب وأخفی، دیان يوم الدين، مدبر الأمور، باعث من في القبور، محيي العظام وهي رميم.

أسألك باسمك المكنون المخزون الحي القيوم، الذي لا يخيب من سألك به أسألك أن تصلي على محمد وآله وأن تعجل فرج المنتقم من أعدائك، وأنجز له ما وعدته يا ذا الجلال والاكرام.

قال: قلت: من المدعو له؟

قال : ذاك المهدي من آل محمد (صلی الله علیه واله وسلم).

ثم قال علیه السلام : بأبي المنتدح البطن، المقرون الحاجبين، أحمش الساقين بعيد ما بين المنكبين، أسمر اللون، يعتوره مع سمرته صفرة من سهر الليل، بأبي من ليله يرعی النجوم ساجدا ورائعا، بأبي من لا يأخذه في الله لومة لائم، مصباح الدجی، بأبي القائم بأمر الله (1).

وروى المجلسي رضی الله عنه في المقباس في تعقيب صلاة الصبح أن يقول مائة مرة قبل أن يتكلم: یا رب صل على محمد وآل محمد وعجل فرج آل محمد وأعتق رقبتي من النار.

وروى في البحار دعاء طويلا قد ذكرناه في كتابنا المسمى بأبواب الجنات في آداب الجمعات وهو دعاء شريف ينبغي المداومة عليه ومحل الشاهد منه قوله «اللهم وكن لوليك في خلقك وليا وحافظا وقائدا وناصرا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه منها (2) طويلا وتجعله وذريته فيها الأئمة الوارثين واجمع له شمله وأكمل له أمره وأصلح له رعيته وثبت رکنه وأفرغ النصر (3) منك عليه حتى ينتقم فيشتفي ويشفي

ص: 103


1- فلاح السائل: 199 في نوافل العصر وأدعيتها.
2- في نسخة ثانية: فيها.
3- في نسخة ثانية: البصر.

حزازات (1) قلوب نغلة وحرارات صدور وغرة وحسرات أنفس ترحة، من دماء مسفوكة، وأرحام مقطوعة، وطاعة مجهولة، قد أحسنت إليه البلاء، ووسعت عليه الآلاء، وأتممت عليه النعماء، في حسن الحفظ منك له.

اللهم اكفه هول عدوه وأنسهم ذكره وأرد من أراده، وكد من کاده، وامكر بمن مکر به، واجعل دائرة السوء عليهم»، الى آخر الدعاء وفي آخره: «اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم تقول ذلك ألف مرة أن استطعت» (2).

وعن مولانا أبي الحسن علي بن موسى الرضا علیه السلام، أنه يأمر بالدعاء للحجة صاحب الزمان علیه السلام فكان من دعائه له صلوات الله عليهما: اللهم صل على محمد وآل محمد، وادفع عن وليك، وخليفتك، وحجتك على خلقك، ولسانك المعبر عنك، الناطق بحكمتك، وعينك الناظرة في بريتك، وشاهدك على عبادك الحاج المجاهد، المجتهد، عبدك العائذ بك.

اللهم وأعذه من شر ما خلقت، وذرأت، وبرأت، وأنشأت، وصورت واحفظه من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، ومن فوقه، ومن تحته بحفظك الذي لا يضيع من حفظته به، واحفظ فيه رسولك، ووصي رسولك وآباءه: ائمتك ودعائم دينك، صلواتك عليهم أجمعين.

واجعله في وديعتك التي لا تضيع وفي جوارك الذي لا يخفر، وفي منعك وعزك الذي لا يقهر.

اللهم وآمنه بأمانك الوثيق الذي لا يخذل من آمنته به، واجعله في كنفك الذي لا يضام من كان فيه، وانصره بنصرك العزيز، وأيده بجندك الغالب، وقوه بقوتك وأردفه بملائكتك.

ص: 104


1- في الصحاح الحزازة: وجع في القلب من غيظ ونحوه وقال نغل قلبه على: أي ضغن وقال الوعرة شدة توقد الحر وقال الترح ضد الفرح كذا في البحار (لمؤلفه).
2- البحار: 322/102

اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وألبسه درعك الحصينة، وحفه بالملائكة حفا. اللهم وبلغه أفضل ما بلغت القائمين بقسطك من أتباع النبيين.

اللهم اشعب به الصدع وارتق به الفتق، وأمت به الجور، وأظهر به العدل، وزین بطول بقائه الأرض، وأيده بالنصر، وانصره بالرعب، وافتح له فتحا يسيرا، واجعل له من لدنك سلطانا نصيرا.

اللهم اجعله القائم المنتظر، والإمام الذي به تنتصر، وأيده بنصر عزیز، وفتح قریب، وورثه مشارق الأرض ومغاربها، اللاتي باركت فيها، وأحيي به سنة نبيك صلواتك عليه وآله، حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق وقو ناصره، واخذل خاذله ودمدم على من نصب له، ودمر على من غشه.

اللهم واقتل به جبابرة الكفر وعمده، ودعائمه، والقوام به واقصم به رؤوس الضلالة، وشارعة البدعة ومميتة السنة ومقوية الباطل وأذلل به الجبارين وأبر به الكافرين والمنافقين وجميع الملحدين حيث كانوا وأين كانوا من مشارق الأرض ومغاربها ويرها وبحرها، وسهلها وجبلها، حتى لا تدع منهم دیارا، ولا تبق لهم آثارا.

اللهم وطهر منهم بلادك، واشف منهم عبادك، وأعز به المؤمنين وأحيي به سنن المرسلين ودارس حكم النبيين وجدد به ما محي من دينك وبدل من حكمك حتى تعيد دينك به وعلى يديه، غضأ جديدأ صحيحا محضا، لا عوج فيه، ولا بدعة معه حتى تنیر بعدله ظلم الجور، وتطفئ به نیران الكفر وتظهر به معاقد الحق، ومجهول العدل، وتوضح به مشکلات الحكم.

اللهم وإنه عبدك الذي استخلصته لنفسك، واصطفيته من خلقك، واصطفيته على عبادك، وائتمنته على غيبك، وعصمته من الذنوب، وبرأته من العيوب، وطهرته من الرجس، وصرفته عن الدنس، وسلمته من الريب.

اللهم فإنا نشهد له يوم القيامة، ويوم حلول الطامة، انه لم يذنب ذنبأ، ولم يأت حوبا، ولم يرتكب لك معصية، ولم يضيع لك طاعة، ولم يهتك لك حرمة ولم يبدل

ص: 105

لك فريضة، ولم يغير لك شريعة، وانه الإمام التقي الهادي، المهتدي، الطاهر، النقي، الوفي، الرضي، الزكي.

اللهم فصل عليه وعلى آبائه، وأعطه في نفسه، وولده، وأهله، وذريته، وأمته، وجميع رعيته، ما تقر به عينه، وتسر به نفسه، وتجمع له ملك المملكات كلها: قريبها وبعيدها، وعزيزها وذليلها حتى يجري حكمه على كل حکم، ويغلب بحقه كل باطل.

اللهم اسلك بنا على يديه منهاج الهدى، والمحجة العظمى والطريقة الوسطى التي يرجع إليها الغالي، ويلحق بها التالي.

اللهم وقونا على طاعته، وثبتنا على مشایعته، وامنن علينا بمتابعته، واجعلنا في حزبه القوامين بأمره الصابرين معه، الطالبين رضاك بمناصحته، حتى تحشرنا يوم القيامة في أنصاره، وأعوانه، ومقوية سلطانه.

اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعل ذلك كله منا لك خالصا من كل شك وشبهة، ورياء، وسمعة، حتى لا نعتمد به غيرك، ولا نطلب به إلا وجهك، وحتى تحلنا محله، وتجعلنا في الجنة معه، ولا تبتلنا في أمره بالسآمة والكسل، والفترة والفشل، واجعلنا ممن تنتصر به لدينك وتعز به نصر وليك ولا تستبدل بنا غيرنا فإن استبدالك بنا غيرنا عليك يسير وهو علينا كبير إنك على كل شيء قدير.

اللهم وصل على ولاة عهوده، وبلغهم آمالهم وزد في آجالهم وانصرهم، وتمم لهم ما أسندت إليهم من أمر دينك، واجعلنا لهم أعوانا وعلى دينك أنصارأ، وصل على آبائه الطاهرين، الأئمة الراشدين.

اللهم فإنهم معادن کلماتك، وخزان علمك، وولاة أمرك وخالصتك من عبادك وخيرتك من خلقك، وأوليائك، وسلائل أوليائك، وصفوتك وأولاد أصفيائك، صلواتك ورحمتك وبركاتك عليهم أجمعين.

اللهم وشركاؤه في أمره، ومعاونوه على طاعتك، الذين جعلتهم حصنه، وسلاحه،

ومفزعه، وأنسه، الذين سلوا عن الأهل والأولاد، وتجافوا الوطن، وعطلوا الوثير من

ص: 106

المهاد، قد رفضوا تجاراتهم، وأضروا بمعايشهم وفقدوا في أنديتهم بغير غيبة عن مصرهم، وحالفوا البعيد، ممن عاضدهم على أمرهم، وخالفوا القريب ممن صد عن وجهتهم، وائتلفوا بعد التدابر والتقاطع في دهرهم، وقطعوا الأسباب المتصلة بعاجل حطام من الدنيا .

فاجعلهم اللهم في حرزك، وفي ظل كنفك، ورد عنهم بأس من قصد إليهم بالعداوة من خلقك، وأجزل لهم من دعوتك من كفايتك، ومعونتك لهم، وتأييدك ونصرك إياهم ما تعينهم به على طاعتك، وأزهق بحقهم باطل من أراد إطفاء نورك، وصل على محمد وآله واملأ بهم كل أفق من الآفاق، وقطر من الأقطارقسطا وعدلا ، ومرحمة وفضلا.

واشكر لهم على حسب كرمك وجودك وما مننت به على القائمين بالقسط من عبادك، وادخر لهم من ثوابك ما ترفع لهم به الدرجات (1) إنك تفعل ما تشاء وتحكم ما تريد آمين رب العالمين (2).

أقول : الأدعية في ذلك كثيرة تقدم بعضها كدعاء العهد، ومن أرادها فليراجعها في مضانها (3).

وهذا التكليف بما يتعلق بتعجيل الفرج فهو مختص بزمن الغيبة كما هو ظاهر، أما الأدعية المطلقة للأئمة علیهم السلام بشكل عام أو للإمام المهدي بشكل خاص، فهي عامة أيضا لزمن الظهور.

قال الأصفهاني في كيفية الدعاء بتعجيل فرجه وظهوره علیه السلام :

الأول: أن يسأل الله تعالى ذلك مصرحا بالفارسية أو العربية أو غيرهما مثل أن يقول: اللهم عجل فرج مولانا صاحب الزمان علیه السلام وعجل الله تعالی فرجه وظهوره.

ص: 107


1- في نسخة درجاتهم.
2- في الهامش: الحسين العلوي.
3- مکیال المکارم: 11/2 - 15 - 38 وما بعدها.

الثاني: أن يسأل من الله عز آسمه تعجیل فرج آل محمد علیهم السلام لأن فرجه فرجهم كما ورد في الدعوات والروايات.

الثالث: أن يسأل تعجيل الفرج لجميع المؤمنين والمؤمنات أو لأولياء الله تعالی فإن بفرجه فرج أولياء الله كما في الرواية.

الرابع: أن يؤمن على دعاء من دعا لذلك لأن «آمین» بمعنی استجب وهو دعاء أيضا ولأن الداعي والمؤمن شريكان في الدعاء كما ورد في الرواية.

الخامس: أن يسأل من الله عز وجل استجابة دعاء من يدعو، بتعجيل فرج مولانا علیه السلام، والفرق بين هذا وسابقه أن التأمين لا يكون إلا بمحضر من يدعو وهذا ليس من شرطه الحضور.

السادس: أن يسأل تهيئة أسباب توجب تعجیل فرجه.

السابع: أن يسأل رفع ما يمنع من ظهوره علیه السلام .

الثامن: أن يسأل مغفرة الذنوب الباعثة لتأخير فرجه الصادرة من الداعي وغيره من أهل الإيمان.

التاسع: أن يسأل الله تعالى العصمة والحفظ من أمثال تلك الذنوب فيما يأتي من الزمان.

العاشر: أن يطلب هلاك أعدائه ، الذين يمنع وجودهم عن التعجيل في فرج أوليائه.

الحادي عشر: أن يسأل من الله رفع الظالمين عن جميع المؤمنين، فإن ذلك يحصل ببركة ظهور إمامهم المنتظر.

الثاني عشر: أن يسأل بسط العدل في مشارق الأرض ومغاربها فإنه لا يحصل إلا بظهوره علیه السلام على حسب وعد الله عز وجل وأنبيائه وأوليائه علیهم السلام.

الثالث عشر: أن يقول اللهم أرنا الرخاء والسرور ناويا حصوله بذاك الظهور فإن الرخاء والسرور الكامل التام لا يحصل للمؤمن إلا بظهور الإمام الغائب عن أبصار

ص: 108

الأنام وقد مر ما يدل على ورود الدعاء بهذا اللفظ بالخصوص في الباب السادس في أواخره فراجع ولا تغفل.

الرابع عشر: أن يسأل من الله عز وجل أن يجعل أجر عباداته وأعماله التعجيل في

أمر فرج مولاه وظهوره علیه السلام على نحو يرضاه.

الخامس عشر: أن يطلب توفيق هذا الدعاء أي الدعاء لمولانا علیه السلام ومسألة التعجيل في أمر فرجه لجميع المؤمنين والمؤمنات، لأناقد بينا سابقا أن في اتفاق المؤمنين في ذلك تأثيرا خاصا كما ورد في الرواية فإذا سأل المؤمن تسهیل مقدمات مطلوبه فقد سعى في تحصيل المطلوب بنحو مرغوب.

السادس عشر: أن يسأل من الله عز وجل أن يظهر دين الحق وأهل الإيمان على جميع الملل والأديان فإن ذلك لا يحصل بحسب وعده إلا بظهور مولانا صاحب الزمان كما وردت به الروايات في كتاب البرهان (1).

السابع عشر: أن يسأل الله عز اسمه الإنتقام من أعداء الدين وظالمي أهل بیت سید المرسلين، لما ورد في الأخبار أنه يحصل بظهور الإمام الغائب عن الأبصار وخاتم الأئمة الأطهار.

الثامن عشر: أن يصلي عليه، ويريد بذلك طلب رحمة خاصة إلهية يتيسر بها استباق فرجه وظهوره.

ويستفاد هذا من العبارة المروية في الصلوات عليه وعلى آبائه علیهم السلام المذكورة في کامل الزیارات (2) وغيره في باب زيارة مولانا الرضا علیه السلام .

ففيها بعد الصلاة على كل واحد منهم: اللهم صل على حجتك ووليك القائم في خلقك صلاة تامة نامية باقية تعجل بها فرجه وتنصره بها الخ.

التاسع عشر: أن يسأل التعجيل في كشف الكرب عن وجهه وتفريج الهم والغم

ص: 109


1- البرهان: 121/2 ، سورة التوبة: 33.
2- کامل الزيارات: 518.

عن قلبه علیه السلام لأن هذا من لوازم استيلائه وهلاك أعدائه.

المكمل للعشرين: أن يسأل الله تعالى التعجيل في طلب ثأر مولانا الشهيد المظلوم أبي عبد الله الحسین علیه السلام فإن هذا في الحقيقة دعاء بتعجيل ظهور ولده الحجة لأنه الطالب بثاره والمنتقم من قتلته، انتهى (1).

8- التقرب إليه عليه السلام

ومضافا إلى الأدعية المتقدمة التي هي أحد أعمال التقرب إليه عجل الله فرجه،

فينبغي للإنسان التوسل به عليه السلام كقراءة دعاء التوسل، وزياراته المروية في كتب الأدعية والزيارات (2).

روي عن رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : ... «وأما الحجة فإذا بلغ السيف منك المذبح . وأومی (صلی الله علیه واله وسلم) بيده الى حلقه - فاستغث به وهو يغيثك، وهو کهف وغیاث لمن استغاث به » (3).

وينبغي الحج عنه علیه السلام والتصدق والصلاة ونحوهم من أنواع البر والعبادة.

وذكر الصلاة والتصدق والحج من باب المثال. فمن ملاحظة جميع ما ذكرناه بضميمة قوله في دعاء العهد: اللهم بلغ مولاي صاحب الزمان علیه السلام عن جميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها، وبرها وبحرها، وسهلها وجبلها حيهم وميتهم، وعن والدي، وولدي وعني من الصلوات والتحيات إلى آخره. وبضميمة ما ورد من النيابة عن الأحياء في الزيارات، ودعواتها والحج، والطواف ونحوها، تحصل حسن النيابة في الدعاء لمولانا صاحب الزمان علیه السلام وقراءة الدعوات المأثورة في حقه بل سائر أصناف الدعوات عن أحياء المؤمنين والمؤمنات، ولا سيما

ص: 110


1- مکیال المکارم : 63/2- 65.
2- مصباح الكفعمی: 265 - 280 - 495 - 498- 550، والبحار: 187/91 باب 35.
3- بحار الأنوار: 94/ 35.

ذوي الحقوق والقرابات كما ثبت رجحان النيابة في ذلك كله عن الأموات وبذلك يدرك الحي والميت والنائب والمنوب عنه أزواجأ من الفوائد والمثوبات (1).

ولا يقتصر التقرب إلى إمام زماننا بأفعال البر المتوجهة لنوره الأغر، بل إن كل عمل بر يوجهه الإنسان إلى شيعة قائم آل محمد (صلی الله علیه واله وسلم) أو كل صدقة جارية يدفعها الإنسان المؤمن لمحتاجيها، وهكذا الكثير من المستحبات التي أمرنا الإسلام بها تجاه المجتمع الذي نعيش به، فإن كل ذلك يدخل السرور على قلب مولانا صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه.

قال تعالى: « وَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوَى وَ لَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوَانِ » (2).

وذلك من قبيل خدمة الإخوان ومساعدتهم والتصدق عنهم ولهم، وتشجيع كافة أفعال البر والخير والسعي للإصلاح بين الناس وإزالة الفتن بينهم.

وإحياء المعروف وإماتة المنكر، هذا إضافة إلى ما يأتي من التمهيد والإعداد العام الدولته المباركة، فإن كل ذلك يقربنا من الله تعالی ومن ولي نعمتنا وإمام زماننا المهدي المنتظر صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين.

وهذا التكليف غير مختص بزمن الغيبة بل شامل حتى لزمن الظهور المبارك كيف

وقد قال إمامنا الصادق علیه السلام : «لو إني لو أدركته لخدمته أيام حياتي» (3).

9- تولينا إياه عجل الله فرجه

عن الفضائل بالإسناد عن الرضا علیه السلام عن آبائه، عن على علیه السلام ، عن رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) في حديث ذكر فيه أسماء الأئمة علیهم السلام إلى أن قال (صلی الله علیه واله وسلم) : ومن أحب أن يلقى الله وقد كمل إيمانه، وحسن إسلامه، فليتول الحجة صاحب الزمان المنتظر فهؤلاء مصابيح

ص: 111


1- انظر مکیال المکارم: 2/ 61.
2- سورة المائدة: 2.
3- غيبة النعماني: 254.

الدجى، وأئمة الهدى، وأعلام التقى، ومن أحبهم وتولاهم كنت ضامنا له على الله تعالى بالجنة (1).

وقد ورد جملة من الأحاديث التي توجب توليهم جميعا والذي آخرهم القائم المهدي (2).

وأهمية التولي للأئمة وأثره بينته الزيارة الجامعة: (بموالاتكم علمنا الله معالم ديننا

وأصلح ما كان فسد من دنيانا) (3).

وهذا التكليف أيضا تکلیف عام لزمن الغيبة وزمن الظهور بل هو من أصول المذهب.

وولايته عامة للجميع لا يستثنى منها أحد، ولابن عربي کلام لطيف على طريقته

الخاصة (4) .

10- حبنا له عليه السلام

في دار السلام وغيره عن العلل قال رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : «لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه، وتكون عترتي أحب إليه من عترته، ويكون أهلي أحب إليه من أهله، وتكون ذاتي أحب إليه من ذاته» (5)

وهو كما ترى تكليف لكل ان ان من حياتنا، جعلنا الله من المحبين لإمام زماننا

الناصرين له والثابتين على ولايته وخطه الشریف.

ص: 112


1- البحار : 36 باب 296/41 ح 125.
2- أنظر معاني الأخبار: 108ح 1، باب معنى الأمانة التي عرضت، و 122 باب آل یاسین ح 1.
3- المحتضر للحلي: 220.
4- الفتوحات المكية: 6/ 75 باب 366، وفي طبعة : 326/1 باب 366
5- علل الشرائع: 140 باب 117 ح 3.

11 - الدفاع عن قضية المهدي من الإنحراف

اشارة

هذه المقالة للسيد الخامنئي حفظه الله تحت عنوان «أثر العقيدة المهدوية على الإستعمار» قال: هذه العقيدة ذات قدرة كبيرة على حل المعضلات. ونتيجة لما تتصف به هذه العقيدة من قدرة وفاعلية؛ فقد حاول الأعداء، والأصدقاء الجهلة أحيانا، إفراغها من محتواها . وقد تكون الضربة التي تأتي من الصديق الجاهل أكثر إيلاما من ضربة العدو العاقل - إلا أن محور حديثنا يدور هنا حول محاولات العدو العاقل ضد هذه العقيدة .

اطلع على وثيقة تتعلق بعدة عقود مضت، أي منذ أوائل تغلغل الإستعمار في شمال أفريقيا - وإنما صار التركيز على تلك المنطقة بسبب شدة ميول سكانها إلى أهل البيت بغض النظر عن المذهب الذي يعتنقونه من بين المذاهب الإسلامية، ولأن عقيدة المهدوية بارزة المعالم هناك في بلدان مثل السودان والمغرب وما شاكل ذلك، فحينما دخل الإستعمار إلى تلك المناطق في القرن الماضي وجد أن عقيدة المهدوية من جملة العراقيل التي تعيق نفوذه هناك - يؤكد في الوثيقة القادة المستعمرون على ضرورة العمل لإزالة عقيدة المهدوية تدريجيا من أذهان الناس! وكان المستعمرون الفرنسيون والمستعمرون الإنجليز يسيطرون على تلك المناطق حينذاك - والإستعمار إستعمار من أي كان -

أدرك المستعمرون الأجانب أنه طالما بقيت عقيدة المهدوية راسخة في أذهان تلك الشعوب، لا يمكن التحكم بتلك الشعوب كما ينبغي!

لاحظوا مدى أهمية عقيدة المهدوية. ولاحظوا مدى فداحة الخطأ الذي يرتكبه البعض بإسم التجديد والانفتاح الفكري، بإثارتهم الشكوك حول المعتقدات الإسلامية بلا وعي ولا دراسة ولا معرفة لطبيعة العمل الذي يقومون به؛ فهؤلاء يؤدون

ص: 113

بكل سهولة نفس الغرض الذي يرمي إليه العدو (1).

الإعتقاد بالمهدي عقبة بوجه الإستعمار

ولهذا كانت أهم خطط الإستعمار وأياديه هي القضاء على الإعتقاد بالأمل والكفاح في قلوب أبناء الأمة، فقد بذلوا الكثير من أجل إطفاء هذا النور إلا أنهم لم يجنوا من خططهم تلك إلا الفشل، ونحن على علم بحجم الجهود التي يبذلها الإستعمار - ليس في إيران فحسب بل على مستوى العالم الإسلامي أجمع - من أجل إطفاء هذا النور.

ففي تقرير في غاية الأهمية يعود إلى سنوات عديدة مضت، و یکشف نشاط البعثات التبشيرية الأوروبية إلى شمال أفريقيا التي مهدت الطريق أمام الإستعمار من أجل السيطرة على تلك المناطق، إلى إحدى الأمور التي تؤلم المتدينين في العالم هي أن المتسلطين على الدول المسيحية اتخذوا من التبليغ للمسيحية، وسيلة لتقدم عجلة الاستعمار، والبعثات التبشيرية أصبحت هي الممهدة لطريق ذلك الإستعمار، فقد أرسلت البعثات التبشيرية بحجة الدعوة للمسيحية ظاهر الأمر - إلا أن الواقع كان فتح الطريق أمام المستعمرين من مختلف الدول الأوروبية في ذلك الوقت من أجل الدخول إلى الدول الإسلامية والسيطرة على السلطة السياسية فيها - إلى مختلف أنحاء العالم وقد نجحت - وللأسف الشديد - في كثير من المناطق.

وهذا التقرير الذي سبقت الإشارة إليه - يتعرض لمسألة البعثات التبشيرية في شمال أفريقيا، يقول كاتب التقرير : (إن إحدى العقبات التي تواجه البعثات التبشيرية وتقدم الإستعمار في شمال أفريقيا ومنطقة تونس والمغرب هو اعتقاد أبناء تلك المنطقة بأن المهدي الموعود سيأتي يوما ما ويقوم بإعلاء كلمة الإسلام).

إذن نفس الإعتقاد بالمهدي الموعود يعتبر عقبة في طريق الإستعمار، في حين أن

ص: 114


1- كلمة خطابية ألقاها في 15 شعبان 1418ه-. طهران.

الإعتقاد بهذه المسألة لدى إخواننا من أبناء تلك المناطق ليس بوضوح الإعتقاد الذي نمتلكه اليوم، بل إن اعتقاد أولئك الأخوة يكتنفه كثير من الإبهام وفقدان الجزئيات، ولم يتضمن مسألة تحديد المصداق والإسم والخصوصيات الأخرى. وبالرغم من ذلك انتاب المستعمرون الخوف من هذا الأمل الذي كان موجودا لدى الناس في أفريقيا مثلا.

وفي بلادنا هذه نقل لي أحد كبار العلماء المحترمين - والذي ما يزال على قيد الحياة والحمد لله وينعم ببركة وجوده أبناء شعبنا - أنه في أوائل وصول رضاشاه البهلوي إلى الحكم - ذلك المتأمر الجاهل والفاقد لكل معنوية ومعرفة - إستدعی رضاشاه أحد علماء البلاط العملاء وسأله: ما هي قضية الإمام صاحب الزمان التي خلقت لنا كل هذه المشاكل؟

ويجيب ذلك العالم العميل بما يرضي ميل ورغبة الشاه، ثم يقول له الشاه: إذهبوا وانهوا هذه المسألة وأخرجوا هذا الاعتقاد من قلوب الناس.

فيجيبه واعظه العميل، إن الأمر ليس بهذه السهولة وتعترضه كثير من المشاكل، ويجب علينا إعداد مقدماته والبدء به تدریجيا. طبعا هذه المقدمات أجهضت في تلك البرهة من الزمان بفضل الله تعالى وبركة وعي العلماء الربانيين والواعين من أبناء البلاد. إذن ففي بلادنا أوكلت الدوائر الإستكبارية إلى شخص متآمر غاصب مهمة السيطرة على إيران وثرواتها ومن ثم تقديمها بالكامل للدول الإستعمارية. وقد كانت إحدى وسائل سيطرة ذلك الظالم على أبناء الشعب هي القضاء على الإعتقاد بالإمام المهدي الموعود في أذهان الناس (1).

ص: 115


1- كلمة خطابية ألقاها في 15 شعبان 1416 ه

12 - الإنتظار الهادف

اشارة

من التكاليف تجاه المهدي ودولته الانتظار، أي أن نتوقع الظهور المبارك في كل وقت مع الإستعداد لذلك الظهور، فعن أبي عبد الله علیه السلام : أقرب ما يكون العبد الى الله عز وجل وأرضى ما يكون عنه، إذا افتقدوا حجة الله، فلم يظهر لهم، وحجب عنهم فلم يعلموا بمكانه، وهم في ذلك يعلمون أنه لا تبطل حجج الله ولا بيناته عندها فليتوقعوا الفرج صباحا ومساء، فإن أشد ما يكون الله غضبا على أعدائه إذا أفقدهم حجته فلم يظهر لهم وقد علم أن أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنهم يرتابون ما أفقدهم حجته طرفة عين ولا يكون ذلك إلا على رأس شرار الناس. (1)

وروي عنهم علیهم السلام : فليعمل كل امرء بما يقرب به من محبتنا ويتجنب ما يدنيه من کراهتنا وسخطنا فإن أمرنا بغتة فجأة (2).

ثواب الإنتظار

عن عمار الساباطي قال : قلت لأبي عبد الله علیه السلام : أيما أفضل العبادة في السر مع الإمام منكم المستتر في دولة الباطل أو العبادة في ظهور الحق ودولته مع الإمام منکم الظاهر؟

فقال علیه السلام : يا عمار الصدقة في السر والله أفضل من الصدقة في العلانية وكذلك والله عبادتكم في السر مع إمامكم المستتر في دولة الباطل وتخوفكم من عدوكم في دولة الباطل وحال الهدنة، أفضل ممن يعبد الله جل ذكره في ظهور الحق مع إمام الحق الظاهر في دولة الحق وليست العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة والأمن في

ص: 116


1- كمال الدين : 2/ 339 باب 33 ح 17.
2- إلزام الناصب: 408/1

دولة الحق (1).

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : «إن علي بن أبي طالب (صلی الله علیه واله وسلم) إمام أمتي وخليفتي عليها بعدي، ومن ولده القائم المنتظر الذي يملأ الله به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا إن الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر» (2).

ص: 117


1- الكافي: 1/ 333 باب نادر في حال الغيبة ح 2.
2- فرائد السمطين 2/ 335 - 336 ح 89، وكمال الدین 488 ح 7

13 - التمهيد للإمام المهدي عجل الله فرجه

وهو أهم التكاليف وأوجبها، بل هو المكمل لها، خاصة في هذه الأزمة التي يحس الإنسان بأنه اقترب أكثر من عصر الظهور، وكلما اقترب الإنسان منه شعر بأن الوقت ضاق عليه في التمهيد لهذا العصر الجديد والفريد والغريب، لذا ينبغي أن يستغل الإنسان المؤمن وقته لتطبيق ما أمكن من هذا التكليف فإن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، كما قال أمير المؤمنین علیه السلام .

4- شبهة ورد:

وفي الروايات ما يتحدث عن هذه المرحلة الطويلة والمهمة كما سوف تقف عليها ولكن قبل الخوض بها، وردت بعض الروايات استفاد منها البعض الجلوس أو عدم وجوب التمهيد والإعداد من قبيل: «كل راية قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت» (1).

وهذا تمسك بالفهم الخاطىء من بعض الروايات التي أمرت بالسكوت والتريث واللبد ولزوم الأرض والبيت.

ومنها صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد الله علیه السلام (2)، ومنها مرفوعة ربعي عن علي بن الحسين (3)، ومنها رواية عمر بن متوكل الثقفي عن أبي عبد الله (4) ومنها

ص: 118


1- تقدم الحدیث.
2- الوسائل: 35/11 ح 1 باب 12.
3- الوسائل: 36/11 ح 22.
4- في مقدمة الصحيفة السجادية.

صحيحة أبي بصير (1).

وقد أجاب العلماء عن هذا الفهم الخاطيء (2) وأن الروايات أجنبية عن البحث، ونحن بدورنا نجمل البحث اعتمادا على ماذكروه فنقول:

أما صحيحة العيص فالإعتماد بها على قوله علیه السلام : «فالخارج منا اليوم إلى أي شيء يدعوكم؟ إلى الرضا من آل محمد (صلی الله علیه واله وسلم) فنحن نشهدكم أنا لسنا نرضى به وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد، وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر ألا يسمع منا إلا من اجتمعت بنو فاطمة معه فو الله ماصاحبكم إلا من اجتمعوا عليه ..»

ویرید من صاحبكم، الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف)، والرواية جاءت في وقت خروج زید ابن علي علیه السلام.

وهذا الكلام الشريف لا يدل على حرمة الخروج بقول مطلق، نعم يحرم الخروج إذا لم تتوفر شروط الثورة وقد صرح الإمام بذلك بقوله «وليس معه أحد» فعند قلة الناصر وعدم ضمان النتيجة يحرم الخروج.

وكذا من قوله «ما صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه» فأولا أيد كثرة الناصر، وثانيا اعتبرت الرواية أن الخارج للثورة في قبال الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) وإن كان في الظاهر يدعو للرضا من آل محمد (صلی الله علیه واله وسلم) كما كانت حكومة بني العباس في بداية أمرها. أما الثورة والحركة والحكومة التي تكون في الظاهر والباطن تمهد لدولة الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) فلا تعتبر مشمولة لحرمة الخروج والحركة.

- أما مرفوعة ربعي عن الإمام زين العابدین علیه السلام : «والله لا يخرج أحد منا قبل خروج القائم إلا كان مثله كمثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه فأخذه الصبيان فعبثوا به».

ص: 119


1- الوسائل: 37/11 ح 6 باب 12
2- راجع كتاب مع الوصية للشيخ محمد طحيني: 63 إلى 98،والمرجعية والقيادة للحائري 100 - 116

فهذه الرواية مع التسليم بصحة سندها أيضا أجنبية عن الخروج في عصر الغيبة لأن الكلام جاء بعد ثورة إلامام الحسين علیه السلام التي كانت خروجا مشروعا إلهيا غيبيا آثاره نلمسها إلى زماننا.

وحصرت الخروج بالقائم علیه السلام مما يدل أولا :

1- أن المحرم هو الخروج الموازي لخروج الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) من محاولة إقامة دولة الحق ودولة الأنبياء علیهم السلام التي وعد بها الناس في آخر الزمان، فمن ادعى هذا الخروج المختص بالإمام المهدي فهو ضال.

2- ثانيا عبرت الرواية: «لا يخرج أحد منا» إي منا أهل البيت عليهم السلام ، فيكون الإمام يجيب على من يسأل في زمنه أو أزمنة الأئمة الباقية علیهم السلام : لماذا لا تخرجون كما خرج الإمام الحسين عليه السلام ولماذا لا تقيمون الثورة على الظالمين، فأجاب الإمام أن القيام مختص بالقائم المهدي صاحب دولة الزمان و محقق حلم الأنبياء، وهذا أجنبي عن إقامة حكم الله للتمهيد لدولة صاحب العصر والزمان أرواح العالمين لتراب مقدمه الفدا.

أما رواية الصحيفة السجادية والتي جاء فيها: «ما خرج ولا يخرج منا أهل البيت إلى قيام قائمنا أحد ليدفع ظلما أو ينعش حقا إلا اصطلمته البلية وكان قيامه زيادة في مکروهنا وشیعتنا» .

وهذه الرواية أولا: سندها ضعيف لجهالة المتوكل بن هارون (1) ولضعف محمد ابن عبد الله بن المطلب الشيباني (2).

ثانيا: هي أيضا أجنبية عن البحث بل أصرح من المرفوعة لأنها صرحت: «ما خرج

ولا يخرج منا أهل البيت» فما تقدم يشملها.

ثالثا: قوله: «ما خرج» منطبق على خروج الإمام الحسين عليه السلام وعلى زيد الشهيد،

ص: 120


1- راجع معجم رجال الحدیث: 15 / 185.
2- راجع رجال النجاشي: 396، و فهرست الطوسي: 216 رقم 609، ورجال الطوسي: 447.

مما يسقط الرواية عن الإعتبار.

أما صحيحة أبي بصير: «كل راية ترفع قبل قيام القائم (عجل الله تعالی فرجه الشریف) فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله، فهي أيضا أجنبية عن إقامة أحكام الله تعالى ورفع الظلم عن الناس، إذ تنص أن صاحب الراية طاغوت يعبد من دون الله، وهذا صفة من اتخذ راية مستقلة توجب تضليل الناس عن الإمام المهدي عجل الله فرجه.

أما الثورة التي تعتبر ممهدة (1) لراية الإمام المهدي علیه السلام ويدعو صاحبها إلى عبادة الله تعالى والتمسك بأحكامه وسنن نبيه وأهل بيته الطيبين، ويريد لكلمة الله أن ترفع والكلمة الطاغوت أن توضع، فإن مثل هذا لايعتبر طاغوتأ يعبد من دون الله تعالى، وفي دولتنا الإسلامية خير مدلل على ذلك فهي راية إسلامية خرجت لإقامة شعائر الله تعالي وشعائر أهل البيت علیه السلام لتمهد لدولة الحق، ولم يكن صاحبها قدس الله نفسه الزكية إلا عبدا صالحا دعا إلى الرضى من آل محمد (صلی الله علیه واله وسلم)، دعا الناس جميعا إلى الإسلام وتطبيق أحكام القرآن، فأثبت للعالم أجمع إمكانية تطبيق حكم الله في دولة إسلامية على أساس ولاية الفقيه التي يحكم فيها بمذهب أهل البيت علیهم السلام ، فكانت دولة إسلامية فكرية تستلهم من المذهب الحق، کما بشر به الإمام أبي الحسن الأول علیه السلام حيث قال: «رجل من أهل قم يدعو الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم کزبر الحديد لا تزلهم الرياح العواصف، ولا يملون من الحرب ولا يجبنون وعلى الله يتوكلون والعاقبة للمتقین» (2).

حتى أصبح من يريد أن يعتنق الإسلام يدرس هذا المذهب كدراسته لبقية المذاهب الإسلامية الأربعة، بعد أن أثبت الإمام الخميني قدس سره أن الفقه الجعفري قادر على قيادة المجتمع سياسيا واقتصاديا ورقيه نحو الكمال والتطور.

ولو لم يكن لدولة الإسلام إلا هذا الأثر الكفئ، كيف والآثار جمة کما ليس هنا

ص: 121


1- كما يأتي
2- بحار الأنوار: 216/60 ، و 216/57

موضع ذكرها.

هذه أهم الروايات التي تمسك البعض بها لإنكار الحكومة أو الإعداد، وقد عرفت الحال فيها.

وهناك روايات أخرى قريبة منها من قبيل:

1- «... فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا». (1)

2- « إلزم الأرض ولاتحرك يدا ولا رجلا حتی تری علامات أذكرها لك..» (2)

ونحوهما من الروايات التي أجاب عنها العلماء (3) ومما تقدم يعلم حالها.

وهذه الروايات بعضها لیس مختصا بعصر الإمام المهدي علیه السلام ، فالأمر بالإبتعاد عن الفتن أو الجلوس في البيوت (أحلاس البيوت) ففي كلا ظرف لا يستطيع الإنسان أداء كل تكليفه، وبسبب الخوف أو الضرر على نفسه أو قومه أو ماله، فإنه يستطيع أن يبتعد عن المكان الذي يؤدي لذلك أو يجلس في بيته، وهكذا حصل في زمن النبي (صلی الله علیه واله وسلم) في بداية الدعوة وفي زمن أمير المؤمنين بعد وفاة فاطمة علیها السلام ، وفي زمن بعض الأئمة بل مع بعض الأئمة علیهم السلام ، وفي زمن الغيبة كذلك، فهذا تكليف عام، إلا أنه مشروط بظروفه، وهذا لا يشك فيه عاقل، إنما الكلام إذا استطاع الإنسان أداء تكليفه، فلا يجوز له أن يتخلف وإن كان محفوظا ببعض الشوائب وإلا للزم تعطیل أحكام الله وحدوده المنصوص عليها في القرآن الكريم نحو: « وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةُ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولئِكَ الْمُفْلِحُونَ » (4).

ونحو: « وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما » (5)

ص: 122


1- الوسائل: 211/15باب وجوب التقية، وكمال الدين: 371، وكفاية الأثر 274.
2- الوسائل: 56/15 باب جهاد العدو، وغيبة النعمانی: 279.
3- راجع کتاب المرجعية والقيادة للسيد الحائري: 89 إلى 119.
4- سورة آل عمران: 104.
5- سورة المائدة: 38.

وقال تعالى: « إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ..» (1)

وقال عز من قائل: « وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فاصلحوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ » (2)

« وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا » (3)

فمن يسعى في الأرض ليفسد فيها ومن يعتدي ويقتل ويظلم يجب ردعه أو قتله أو نفيه وما شابه ذلك حتى إذا كان هناك معترض عليه، فمن المتصدي لذلك؟ و تحت أي سلطة سوف ينفذ هذا الحكم؟ ومن يحمي المتصدين ويساعدهم؟ بل من يحدد طريقة النفي والقتال والصلح؟ ومن يحدد البغي وعدمه؟ ومن يجمع الأموال لتهيئة مقدمات القتال وإعداد الجيوش لذلك بالأساليب المتطورة في هذه الأزمنة؟

كل هذه الأمور تتوقف على إقامة الحكومة وتصدي الولي فمن ينكر ذلك عليه تعطيل الأحكام والآيات .

أما الروايات التي تنهى عن قيام الراية قبل المهدي عجل الله فرجه، أو الأحزاب والإتجاهات بتعبير هذا الزمان، فهي تنهى عن راية الضلال التي تكون مخالفة التوجهات الإمام المهدي علیه السلام ورواياته وتؤدي إلى تعطيل أحكام الله سبحانه وتعالى، أما الراية التي تدعو إلى الحق وإلى الإلتزام بتعاليم الإسلام وخط أهل البيت علیهم السلام فإنها ليست راية ضلال بل هي راية حق تدعو إلى حق وتنتظر الحق.

خاصة في هذه الأزمنة التي لا يستطيع الإنسان أن يقف جانبا إما للظروف المعيشية الصعبة، أو الأمنية الخطرة، فإن الإنسان مفروض عليه التدخل في شؤون الحياة، وعليه فمن لا يريد أن يكون مع هذه الراية التي تدعو للحق فهو في راية

ص: 123


1- سورة المائدة: 33.
2- سورة الحجرات: 9.
3- سورة البقرة: 190.

مقابلة أي الراية التي تدعو للباطل والطاغوت، وقد نهانا الله تعالى عن الركون إليها.

قال تعالى: « أَلَمَ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ » (1).

والنتيجة لا معنى في نظر الإسلام الجلوس جانبا وترك المسلمين يتخبطون في مستقبلهم، وقد أمر رسول الإسلام (صلی الله علیه واله وسلم) بالإهتمام بأمور المسلمين: «من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم» (2).

5- أهمية التمهيد

قال السيد الخامنئي تحت عنوان: أسباب عدم تمكن الأنبياء والأوصياء من تطهير العالم: ما هو السبب الذي لم يتمكن معه الكثير من أنبياء أولي العزم علیهم السلام من تطهير العالم من الفساد والرذيلة؟ السبب هو أن الظروف لم تكن مهيئة.

ولماذا لم يتمكن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام من اجتثاث جذور الفساد في عهده رغم ما كان يتصف به من قوة ربانية، ومع ماله من علم متصل بمعدن الحكمة الإلهية، ومع تلك الإرادة الراسخة، ومع كل تلك المناقب، ومع كثرة توصيات الرسول الأعظم (صلی الله علیه واله وسلم) به؟

بل وقع العكس، وأزيح هو عن الطريق ف «قتل في محرابه لشدة عدله» وذلك لأن الظروف والأجواء لم تكن مهيئة؛ عكروا الأجواء عليه، واختطوا حب الدنيا و تحقیق المطامع نهجا في وجهه، فالذين اصطفوا في مواجهة أميرالمؤمنين عليه السلام في أواخر عهده أو في أواسطه لم تكن لديهم أرضية راسخة من التدين والورع. فإذا لم تكن الظروف مهيئة تنتهي إلى وقوع أمثال هذه النكبات.

ص: 124


1- سورة النساء: 59.
2- الكافي: 163/2 ح 4.

فإذا ظهر إمام الزمان (عليه الصلاة والسلام) في ظروف غير مهيئة سينتهي إلى نفس تلك النهاية، إذن فلابد من التمهيد له.

ولكن كيف يتحقق هذا التمهيد؟ يتحقق بنفس الصورة التي تشاهدون أمثلة لها في مجتمعكم. في حكومة إيران الإسلامية اليوم تألق معنوي لا نظير له في أي موضع آخر من العالم، على حد علمنا وفي ضوء الأخبار والتقاريرالتي تتناهى إلينا، ولسنا غافلين عما يجري في العالم.

في أي موضع من العالم تجد اليوم شبابا يسحقون شهواتهم المادية ويتجهون نحو الآفاق المعنوية - طبعا هناك أيضا بضعة شبان يشذون عن هذه القاعدة، وهذه ظاهرة طبيعية في كل العالم - بمثل هذا العدد الهائل على هذه الشاكلة ومن أبناء جيل واحد؟ لا نظير لهذا التوجه المعنوي وبهذا الزخم، في العالم كله إلا على هذه الأرض.

كان البعض يتصور أن هذه الظاهرة تختص بفترة الحرب! صحيح أن ظروف فترة الحرب كانت أكثر خصبا، وكانت إفرازاتها في هذا الجانب أسمى وأبرز، لكن هذه الظاهرة غير مختصة بفترة الحرب، بل هي مشهودة اليوم أيضا. فالشبان الخيرون المؤمنون من أبناء حزب الله قد سحقوا شهواتهم النفسية وتجاوزوا مطامع المال والثروة - وإن وجد بعض آخر ممن يلهث وراء هذه المغريات، ويلوثون الأجواء - وساروا بكل ورع وهمة وبصيرة غير آبهين لأمثال هذه الزخارف. إذن يمكن التقدم في ظل هذه الأوضاع نحو الصلاح خطوة بعد أخرى.

وهكذا الحال بالنسبة للنساء أيضا، فالمرأة في بلدنا لها سبق في العمل السياسي وفي النشاط الثقافي وفي الجوانب التشكيلية الأخرى، وعندما يحل وقت الجهاد ترسل الأمهات في بلدنا أبناءهن إلى الجبهة بأنفسهن، ولها السبق في إدارة البيت والأعمال وتربية الأولاد.

هذه الظواهر وأمثالها نادر وجودها كحالة عامة في الكثير من بلدان العالم، وهي ذات قيمة عليا، وجاءت نتيجة للتربية الإسلامية. وهي طبعا تزرع الأمل في النفوس،

ص: 125

وقد أدت بحمد الله ما تشاهدون نتائجه اليوم، وهو ما أكدنا عليه مرارا وتكرارا . واليوم أخذ أبناء الشعب الإيراني يلمسون تدريجيا عزتنا السياسية في العالم. وهذا كله بفضل الإلتزام بالإسلام وتعاليمه، وأي شعب يقتدي بالإسلام يصل الى هذه النتيجة.

إذن من الممكن تمهيد الأجواء. وإذا اتسع بإذن الله وجود مثل هذه الأجواء - في العالم تكون الأرضية قد وطئت أيضا لظهور بقية الله أرواحنا فداه، وتتحقق عند ذاك هذه الأمنية العريقة التي طالما راودت أذهان البشرية وأذهان المسلمين (1).

6- بعض روایات التمهيد

عن أبي الحسن بن هلال بن عمير قال: سمعت عليا يقول: قال رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحرث (2) على مقدمته رجل يقال له منصور یوطئ أو يمكن لآل محمد كما مكنت قریش لرسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) ، واجب على كل مؤمن نصره - أو قال: إجابته (3).

وفي كتاب الفتن قال: حدثنا عبد الله بن مروان عن الهيثم بن عبد الرحمن عمن حدثه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته بالمشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل ويمثل ويتوجه إلى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت (4).

وفي المستدرك قال : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا الحسن بن علی بن عفان العامري ثنا عمرو بن محمد العنقزی ثنا يونس بن أبي إسحاق أخبرني عمار

ص: 126


1- كلمة خطابية ألقاها في 15 شعبان 1418ه. طهران.
2- في المصدر: الحارث بن حراث.
3- سنن أبي داود: 311/2 ح 4290.
4- کتاب الفتن - نعیم بن حماد المروزي : 198.

الدهني عن أبي الطفيل عن محمد بن الحنفية قال: كنا عند علي رضي الله عنه فسأله رجل عن المهدي فقال علي رضي الله عنه: هيهات - ثم عقد بيده سبعا - فقال: ذاك يخرج في آخر الزمان، قال الرجل: الله الله قتل (1) ، فيجمع الله تعالی له قوما قزع كقزع السحاب يؤلف الله بين قلوبهم لا يستوحشون إلى أحد ولا يفرحون بأحد يدخل فيهم على عدة أصحاب بدر لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الأخرون، وعلى عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر .

قال أبو الطفيل: قال ابن الحنفية: أتريده ؟

قلت: نعم .

قال: إنه يخرج من بين هذين الخشبتين .

قلت: لا جرم والله لا أريهما حتى أموت، فمات بها يعني مكة حرسها الله تعالی . هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (2).

وقال أمير المؤمنین علیه السلام : الْأَمْرُ لَهُمْ حَتَّى يُقْتَلُوا قَتِيلِهِمْ ، ويتنافسوا بَيْنَهُمْ ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ أَقْوَاماً مِنَ الْمَشْرِقِ فقتلوهم بَدَداً ، وأحصوهم عَدَداً . وَ اللَّهِ ، لا يَمْلِكُونَ سَنَةٍ إِلَّا مُلْكِنَا سَنَتَيْنِ ، وَ لَا يَمْلِكُونَ سَنَتَيْنِ إِلَّا مُلْكِنَا أَرْبَعاً .

وَ عَنْهُ علیه السَّلَامُ : إِنِّي سِبْطٍ مِنِ الْأَسْباطِ أُقَاتِلُ عَلَى حَقٍّ لَيَقُومُ وَ لَنْ يَقُومُ ، وَ الْأَمْرُ لَهُمْ ، فَإِذَا كَثُرُوا فَتَنَافَسُوا فَقَتَلُوا قَتِيلِهِمْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ أَقْوَاماً مِنْ أَهْلُ الْمَشْرِقِ ، فَقَتَلَهُمْ بَدَداً ، وَ أَحْصَاهُمْ عَدَداً . وَ اللَّهِ ، لا يَمْلِكُونَ سَنَةٍ إِلَّا مُلْكِنَا سَنَتَيْنِ (3).

وَ عَنْهُ علیه السَّلَامُ : إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، لِيُبَيِّنَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ الْعَرَبِ أَمْرَأُ كَانَ يَكْتُمْهُ . قَالَ : وَ غَضَبٍ ( عَلَيَّ ) غَضَباً شَدِيداً فَقَالَ : مِنْ يعذوني مِنْ هَذِهِ الضياطره ؟ ! يَتَمَرَّغُ

ص: 127


1- كذا في المصدر، وفي بعض المصادر: قيل، وفي بعضها: إذا قال الرجل: الله تعالى قتل. انظر لمحات للشيخ الصافي: 102.
2- المستدرك ، الحاكم النيسابوري : 554/4
3- التشريف بالمنن : 84 / 30 و ص 339 / 499.

أحدهم على حشاياه، ويهجر قوم لذكر الله، فيأمروني أن أطردهم فأكون من الظالمين ! والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد سمعت محمدا (صلی الله علیه واله وسلم) يقول : والله ، ليضربنكم على الدين عودا كما ضربتموهم عليه بدءا (1).

وعنه علیه السلام : كأني بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة، يعلمون الناس القرآن كما أنزل (2).

روى الطبراني، ابن حبان عن معاوية بن قرة عن أبيه: إذا وقعت الملاحم بعث الله بعثة من الموالي، هم أكرم العرب فرسا وأجوده سلاحا، يؤيد الله بهم الدين» .

ومن حديث أبي الحسن الربعي المالكي، بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وفيه: إذا وقعت الملاحم بعث الله من دمشق بعثا من الموالي أكرم العرب فرسا وأسوده سلاحا يؤيد الله بهم الدين فإذا قتل الخليفة بالعراق خرج رجل مربوع ...» (3).

أقول: من مجمل هذه الروايات يستفاد الأمر بالتمهيد لدولة الإمام إضافة للأخبار عن جملة من الممهدين الذين يوطنون للمهدي علیه السلام سلطانه ودولته.

7- الرايات السود وأهل قم

عن الإمام أبي الحسن الأول علیه السلام : «رجل من أهل قم يدعو الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم کزبر الحديد لا تزلهم الرياح العواصف، ولا يملون من الحرب ولا يجبنون وعلى الله يتوكلون والعاقبة للمتقین» (4).

وقال أبو عبدالله علیه السلام : أتدري لم سمي قم؟ قلت: الله ورسوله وأنت أعلم، قال

ص: 128


1- نهج السعادة : 703/2
2- الغيبة للنعماني :5/318
3- معجم أحاديث المهدي: 1/ 283 .
4- بحار الأنوار: 216/60 ، و 216/57

إنما سمي قم لأن أهله يجتمعون مع قائم آل محمد صلى الله عليه وآله ويقومون معه ويستقيمون عليه وينصرونه (1).

وقال علیه السلام : ستخلو كوفة (الكوفة) من المؤمنين، ويأرز عنها العلم كما تأرز الحية في جحرها، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم، وتصير معدنا للعلم والفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الحجال، وذلك عند قرب

ظهور قائمنا، فيجعل الله قم وأهله قائمين مقام الحجة، ولولا ذلك لساخت الارض بأهلها ولم يبق في الأرض حجة، فيفيض العلم منه إلى سائر البلاد في المشرق والمغرب، فتتم حجة الله على الخلق حتى لا يبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه الدين والعلم، ثم يظهر القائم (عليه السلام) ويسير (ويصير ) سببا لنقمة الله وسخطه على العباد، لأن الله لا ينتقم من العباد إلا بعد إنكارهم حجته (2).

وقال علیه السلام : إن الله احتج بالكوفة على سائر البلاد، و بالمؤمنين من أهلها على غيرهم من أهل البلاد، واحتج ببلدة قم على سائر البلاد، وبأهلها على جميع أهل المشرق والمغرب من الجن والإنس، ولم يدع الله قم وأهله مستضعفا، بل وفقهم وأيدهم، ثم قال: إن الدين وأهله بقم ذليل، ولولا ذلك لاسرع الناس إليه فخرب قم وبطل أهله فلم يكن حجة على سائر البلاد، وإذا كان كذلك لم تستقر السماء والأرض ولم ينظروا طرفة عين، وإن البلايا مدفوعة عن قم وأهله.وسيأتي زمان تكون بلدة قم وأهلها حجة على الخلائق، وذلك في زمان غیبة قائمنا إلى ظهوره، ولولا ذلك لساخت الارض بأهلها، وإن الملائكة لتدفع البلايا عن قم وأهله، وما قصده جبار بسوء إلا قصمه قاصم الجبارين وشغله عنهم بداهية أو مصيبة أو عدو، وينسي الله

ص: 129


1- البحار: ج 60 ص 216ب 36 ح 38.
2- البحار: ج 60 ص 213ب 36ح 23 .

الجبارين في دولتهم ذکر قم وأهله كما نسوا ذكر الله (1).

وقال علیه السلام : الله أجل وأكرم وأعظم من أن يترك الأرض بلا إمام عادل.

قال: قلت له: جعلت فداك فأخبرني بما أستريح إليه.

قال علیه السلام : يا أبا محمد ليس بري أمة محمد صلى الله عليه وآله فرجا أبدا مادام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم، فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لأمة محمد رجلا منا أهل البيت يشير بالتقى ويعمل بالهدى، ولا يأخذ في حكمه الرشي، والله إني الأعرفه باسمه واسم أبيه، ثم يأتينا الغليظ القصرة، ذو الخال والشامتين القائم العادل الحافظ لما استودع يملؤها قسطا وعدلا كما ملأها الفجار جورا وظلما (2).

وروى ابن اعثم الكوفي في كتاب الفتوح: عن أمير المؤمنين علیه السلام أنه قال: « ويحا للطالقان (3) فإن لله عز وجل فيها كنوزا ليست من ذهب ولا فضة، ولكن بها رجال مؤمنون عرفوا الله حق معرفته وهم أيضا أنصار المهدي في آخر الزمان » (4) .

أقول : كنوز الطالقان: رجالها الذين يخرجون مع الحسين علیه السلام وقت ظهور المهدي علیه السلام وهم إثنا عشر ألف رجل كما روي .

وغالبا ما يطلق هذا اللفظ على أهل خراسان کلفظة : أهل فارس، أهل قم.

وعن أبي جعفر محمد بن علي علیه السلام قال: سئل أمير المؤمنین علیه السلام عن قوله عز

ص: 130


1- البحار: 212/60 - 213 باب 36 ح 22، ومنتخب الأثر: ص 263 - 264 باب 27 ح 21 .
2- إقبال الأعمال: ص 599 - 600، وإثبات الهداة : ج 3 ص 581 - 582 ب 32 ف 59 ح 766، و البحار: ج 52 ص 269ب 25 ح 158.
3- الطالقان : بعد الألف لام مفتوحة وقاف ، وآخره نون : بلدتان إحداهما بخراسان بین مرو الروذ وبلخ، بينها وبين مرو الروذ ثلاث مراحل ، وقال الاصطخري : أكبر مدينة بطخارستان طالقان ، وهي مدينة في مستوى من الأرض وبينها وبين الجبل غلوة سهم ، ولها نهر كبير وبساتين ، ومقدار الطالقان نحو ثلث بلخ ثم يليها في الكبر وزوالين. معجم البلدان، الحموي : 6/4.
4- البحار: 87/51 ، ومستدرك سفينة البحار: 6/ 573، والحاوي للسيوطي : 2/ 82، وکنز العمال : 262/7

وجل: « فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ » فقال: انتظروا الفرج في ثلاث، فقيل: يا أمير المؤمنين وما هن؟

قال: اختلاف أهل الشام بينهم، والرايات السود من خراسان، والفزعة في شهر رمضان، فقيل له: وما الفزعة في شهر رمضان؟

فقال: أوما سمعتم قول الله عز وجل في القرآن: « إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ» (1) هي آية تخرج الفتاة من خدرها، وتوقظ النائم، وتفزع اليقظان (2).

ثم يخرج من الكوفة مائة ألف بين مشرك ومنافق حتى يضربوا خباهم بدمشق (3) ، لا يصدهم عنها صاد، وهي إرم ذات العماد، وتقبل رايات شرقي الأرض ليست بقطن ولا كتان ولا حرير ، مختمة في رؤوس القنا بخاتم السيد الأكبر، يسوقها رجل من آل محمد (صلی الله علیه واله وسلم) ، يوم تطير (4) بالمشرق يوجد ريحها بالمغرب كالمسك الأذفر، يسير الرعب أمامها شهرا. (5)

وعن غيبة النعماني عن أمير المؤمنین علیه السلام قال على منبر الكوفة: إن الله عز وجل

ص: 131


1- الشعراء: 4.
2- کتاب الغيبة، باب من علامات قبل قيام القائم: 251؛ اثباة الهداة 7: 421.
3- كذا في الرجعة ، وفيه : لا يصدنهم وفي الأصل : حتى يضربوا دمشق ، وفي «م» و«ن» والبحار: حتى يضربون.
4- في الرجعة : تصير.
5- عنه الرجعة: 141 ح 84 والبحار:53 / 77ح 86، وفي الإيقاظ من الهجعة : 289 ح 110 و 111 قطعة منه. وروی قطعة منه العياشي في تفسيره: 2/ 282 ح 22 عن مسعدة بن صدقة ، وعنه البحار: 57/51 ح 48، وفيه بيان ، والبرهان : 2/ 408 ح 8. وفي نهج البلاغة (د. صبحي الصالح): 212 ذ خطبة 152، وص 280 ذ خطبة 189، وعنه البحار : 128/10 ح 7 و 32 / 39 ح 25 وج 68 / 374ح 20، وفيه بيان ، وج 69 / 227 ح 19، وفيه بيان نافع أيضأ .

قدر فيما قدر وقضى وحتم بأنه كائن لابد منه أخذ بني أمية بالسيف جهرة وأن أخذ فلان بغتة، وقال علیه السلام : لابد من رحى تطحن فإذا قامت على قطبها وثبتت على ساقها بعث الله عليها عبدا عسفا، خاملا أصله، يكون النصر معه، أصحابه الطويلة شعورهم أصحاب السبال، سود ثيابهم، أصحاب رایات سود، ويل لمن ناوأهم، يقتلونهم هرجا، والله لكأني أنظر إليهم وإلى أفعالهم وما يلقى من الفجار منهم والأعراب الجفاة لسلطهم الله عليهم بلا رحمة فيقتلونهم هرجا على مدينتهم بشاطئ الفرات البرية والبحرية جزاء بما عملوا وما ربك بظلام للعبيد (1).

ومما نسب لأمير المؤمنین علیه السلام : .. وتهيج جموع أصحاب الرايات السوداء، وينصبون نارأ عظيمة اسمها صارخ، ويهددون أعداء الله بمعادن كثيرة، أخلاطا مثل الدائرة وأشكال كثيرة، سهام طول الجبال في قلبها لهب يخترق الأرض ويفسد الماء والهواء، ولا يترك حيا إلا أكله، كالحمحمة يتركه يغدو رمادا تذروه الرياح، إن لم تدفنوه، وتطلب نساء اليهود الزوج فلايجدونه إلا من خارج يهود، ولا يكون عشرون إمرأة أمام قيم واحد.

يجتمعون في خلة من الأرض يذلهم الله ويضرب عليهم الهوان والمسكنة، فلا تثور لهم ثائرة إلا طعنا في الظهر، ينتظرون الدجال وهو شر غالب، ينتظروا، ألوف منهم يؤمنون لهم عقل ودين، يغدون في يوم وليلة مع سلطان المهدي (2).

ومما نسب لأمير المؤمنين علیه السلام . والذي فلق الحبة وبرأ النسمة راية الله معها رايات لا تطوى منذ نشرت بأمر الله، ورجال كأن قلوبهم أصلب من الحديد ، لو حملوا على الجبال لأزالوها، لا يقصدون براياتهم وسلاحهم بلدة ليهود إلا خربوها كأن على مراكبهم العقبان تطير، يحبون المهدي أكثر من أنفسهم حب أصحاب محمد لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، يحفون به یقونه بأنفسهم، يوقنون أن الله فاتح له ما

ص: 132


1- إلزام الناصب: 2/ 136، وغيبة النعماني: 257 ح 14 باب 14.
2- المفاجأة لمحمد عیسی بن داود: 601.

اراد (1).

وقال رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : «إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فأتوها ولو حبوا على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي» (2).

وقال: «إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق ومعهم رایات سود، فيسألون الحق فلايعطونه فيقاتلون وينصرون فيعطون ماسألوا فلا يقبلوا حتى يدفعوه إلى رجل من أهل بيتي، فيملأها قسطا وعدلا كما ملؤها جورا، فمن استطاع منكم فليأتهم ولو حبوا على الثلج» (3).

وقال رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم): «يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا تصير إلى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونهم قتلا لم يقتله قوم» ثم ذكر شيئا لا أحفظه ثم قال النبي (صلی الله علیه واله وسلم) : «فإذا رأيتم أميرهم فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي» أخرجه الحافظ ابن ماجة (4).

وزيد في رواية: «ثم يجيء خليفة الله المهدي، فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه فإنه خليفة الله المهدي» (5).

وقال رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : «تجيء الرايات السود من قبل المشرق، كأن قلوبهم من حدید، فمن سمع بهم فليأتهم فليبايعهم ولو حبوا على الثلج » (6).

قال رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : «يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي» يعني سلطانه،

ص: 133


1- المفاجأة لمحمد عیسی بن داود: 601.
2- بحار الأنوار 47 / 82 ح 37.
3- بحار الأنوار 83/47 ح 37.
4- كفاية الطالب: 489.
5- بحار الأنوار 47 / 83 ح 37.
6- بحار الأنوار 84/47 ح 37، وينابيع المودة: 407/1

هذا حديث صحيح رواه الثقاة والأثبات أخرجه الحافظ أبو عبد الله ماجة القزويني في سننه (1).

أقول: هذه طائفة من الروايات تتحدث عن الرايات السود من قبل المشرق من قم وخراسان و طالقان و فارس وكلها ألفاظ تشير في هذا الزمان إلى الجمهورية الإسلامية في إيران التي انتقل إليها العلم من حوزة الكوفة أو النجف لينتشر إلى كل بقاع الأرض من خلال المبلغين الذين يخرجون سنويا إلى البلاد كافة لنشر العدل والإستقامة.

وهي بذلك تكشف عن تمهيد هذه الرايات أو الدولة للإمام المهدي علیه السلام .

8- أنواع التمهيد

هذه جملة من الأحاديث الشريفة التي ذكرت جملة من الأحداث تحصل قبل أو قبيل القائم عجل الله فرجه، والتي أكثرها تمهد ظهوره المبارك، ومعنى التمهيد للظهور المبارك يختلف باختلاف الجهة:

9- تمهيد الأفراد

هو كل فعل يزيل من خلاله الإنسان نوعا أو قسما من المنكرات،أو يزيد من فعل المعروف هذا على الصعيد الفردي کالابتعاد عن أماكن الدعارة، وتقليل فعل المحرمات.

10- التمهيد عند المؤسسات

وكذلك على صعيد المؤسسات، فإن واجبها الإجتماعي أو الخيري أو البيئي وغيرها، - إذا أرادت أن تدخل في عداد الممهدين للمهدي - أحد أبرز أهدافها تقليل

ص: 134


1- كفاية الطالب: 490.

المنكرات التي تختص بها وتقوية المعروف الذي يندرج تحت أهدافها.

فمثلا إذا كانت تعنى بالتربية، فينبغي لها أن تخصص ضمن برامجها التربوية ما يبعد الأطفال مثلا عن المنكرات الذي يؤثر على روحيتهم ونفسيتهم كأكل الطعام الحرام أو النجس.

وكذلك تعويد الطفل على الآداب الإسلامية والتكاليف التي تقوي شخصيته ليصبح شجاعا خلوقا حليما صبورا وهادئا....

وهكذا الأمر إذا كان مجال عملها البيئة فعليها السعي لتخفيف الأضرار على البيئة، کالسعي لإزالة آثار التلوث وتشجيع ترك التدخين، والتخفيف من الأطعمة التي تضر بالصحة والتشجيع على الزراعة المفيدة والمخففة للتلوث. الأمر الذي يهيئ مجتمعا صالحا للعيش ليتفرغ الإنسان إلى عمله بعيدا عن الأضرار البيئية.

والأمر أكد إذا كان مجال عمل المؤسسات إجتماعيا وأخلاقيا، فعليها أن تمنع وقوع المفاسد الأخلاقية كالسرقة والزنا والاختلاط والسماح بوضع برامج ثقافية وعملية للتقليل من بؤر الفساد والسفاح.

وكذلك للتشجيع - فكريا وعمليا على العفة والشرف والزواج الشرعي الهادف والتربية الأسرية بدل الفلتان.

والخلاصة ينبغي على المؤسسات الإجتماعية أن تكون هادفة في عملها وطرحها وأهدافها، فإذا استطاعت أن تحقق شيئا من الإستقرار الإجتماعي المفيد، والسلوك الشريف لدى العوائل والأسر أو الأفراد، فإنها تكون مشاركة في صنع الأجواء الإسلامية التي أمرنا بها، وبالتالي تصبح جزءا من الحركة الممهدة للظهور المبارك

عليه السلام.

11- التمهيد عند الدول

وهو أهم التمهيد وأشمله، وله تأثير أسرع من غيره لامتلاكها الأساليب المتعددة

ص: 135

والقدرات المادية والمعنوية التي من خلالها تضمن التطبيق والإستمرارية، الأمر الذي غالبا ما يكون مفقودا عند الأفراد والمؤسسات.

فما تقدم من أمثلة في المؤسسات يجري هنا بشكل منظم وأوسع بل يمكن للدول أن تضع قوانينا أخلاقية واجتماعية وتربوية تمنع من خلالها المنكرات والمفاسد والإباحية، ونحو ذلك وتعاقب من يتخلف عنها.

وفي المقابل تأمر بالمعروف والواجبات وضمن قوانین ملزمة تعاقب من يتخلف عنها وتشجع من يلتزم بها.

وينفرد التمهيد في الدول بالتمهيد العسكري، حيث أنه عادة إعداد الجيوش وتصنيع الأسلحة المختلفة أو تطويرها من شأن الدول لا الأفراد والمؤسسات.

وهذا الأمر في غاية الأهمية فيما لو كانت الدولة ملتزمة بتعاليم الإسلام والقرآن والإقتداء بنبي الهدی علیه السلام وأخلاقه الحكومية والفردية.

وذلك أنها تستطيع أن تعطي لبعض القوانين الإجتماعية والأخلاقية قيمة عالية وتأثيرا مهما، الأمر الذي لا تستطيع أن تفعله الأفراد والمؤسسات، وذلك من خلال التخطيط لوضع قوانین إجتماعية وأخلاقية ملزمة من أجل إزالة الأجواء الموبوءة التي تؤدي إلى إفساد المجتمع وتشويه فطرة الناس التي ولدوا عليها.

وهذا العمل من الدول يكون آكد وأقوى وأسرع في الوصول إلى النتيجة.

ولعل أخطر أمر لقضية التمهيد هو الفساد الأخلاقي والإجتماعي الذي يؤدي شيئا فشيئا إلى الدخول إلى كل دولة فقرية فبيت، خاصة ما انتشر في أكثر بقاع العالم من الفساد عن طريق الشاشات المتلفزة وأقراص الفيديو والكمپیوتر أو مواقع الأنترنيت، الأمر الذي يؤثر تأثيرا خطيرا وسريعا على اتساع بقعة الفساد في كل أنحاء العالم في نفس الوقت الذي لا يدع للفرد وقتا لكي يهتم بأخلاقه وإنسانيته وما يؤثر على بناء مستقبله ومجتمعه. وهذا الخطر المنتشر يجب التخطيط له من قبل الدول - من أجل الحؤول دون استمراره.

ص: 136

12- الإعداد

بعد أن بينا کيفية التمهيد لدولة الإمام المهدي وحركته وفكره، وبينا بعض الرايات والطوائف التي وردت أنها من الممهدين للإمام عجل الله تعالی فرجه، وصل الكلام بنا إلى الإعداد وأنواعه وشموليته:

13- ثواب الإعداد

روی علي بن إبراهيم القمي، بإسناد صحيح في تفسير تلك الآية عن الصادق علیه السلام قال: اصبروا على المصائب، وصابروا على الفرائض، ورابطوا علی الأئمة (1).

وفي البرهان وغيره عن الباقر علیه السلام في قول الله عز وجل (2) « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا » قال : اصبروا على أداء الفرائض وصابروا عدوكم ورابطوا إمامكم المنتظر (3).

وفي روضة الكافي في كتاب الدواجن بإسناده عن ابن طيفور المتطبب قال: سألني أبو الحسن علیه السلام أي شيء تركب .

قلت: حمارا .

فقال علیه السلام : بكم ابتعته ؟

قلت: بثلاثة عشر دينارا .

ص: 137


1- تفسير القمي: 1/ 118.
2- سورة آل عمران : 200
3- البرهان: 343/1 ح 4.

فقال علیه السلام إن هذا لهو السرف: أن تشتري حمارا بثلاثة عشر دينارا وتدع برذونا.

قلت: يا سيدي إن مؤنة البرذون أكثر من مؤنة الحمار.

قال: فقال: الذي يمون الحمار هو يمون البرذون، أما تعلم أنه من ارتبط دابة متوقعا به أمرنا ويغيظ به عدونا، وهو منسوب إلينا، أدر الله رزقه، وشرح صدره وبلغه أمله، وكان عونا على حوائجه ؟ (1).

14- شمولية الإعداد

ذكرنا سابقا أن فكر المهدي المنقذ في آخر الزمان ليس مختصا بمذهب معين أو طائفة ولا حتى بدین فالكل يؤمن بخروج رجل يحقق أمل الإنسانية في نشر العدل الحقيقي وإزالة الظلم الذي يزداد يوما بعد يوم في كثير من البقاع أخذا أشكالا مختلفة.

وبناء على ذلك - وكما يقال من كان له الغنم فعليه الغرم - فإن التمهيد والإعداد بشتى أنواعه، يجب أن يشمل كل الطوائف والمذاهب والأديان التي تؤمن بذلك، وما تقدم ويأتي من تهيئة الأجواء والظروف لخروج هذا المنقذ، فإن المخاطب به کل أولئك على حد سواء.

خاصة من كان الظلم عليه أشد والجور عنده أكثر، فإنه معني أكثر من غيره بالإلتزام بالتعاليم الإنسانية التي لا يشذ عنها عاقل، والتي تقضي بإعطاء كل ذي حق حقه، وبالإبتعاد عن المفاسد الفردية والجماعية ومحاربة الفساد الأخلاقي والاجتماعي والحكومي.

فإن التغيير نحو الأفضل أو الإعداد يبدأ من التزام الجميع خاصة المستضعفين،

ص: 138


1- الكافي : 6/ 535 ح 1، والبرهان: 1/ 334 ح 8

ف« إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ » (1)، وسوف نبين في شروط الإعداد ذلك.

وعليه فإن الخطاب في التمهيد والتوطيد لدولة العدل والرحمة خطاب عام لكل المستضعفين في الأرض الذين تهفو أنفسهم لرؤية الحياة الإنسانية على حقيقتها والفطرة على ظاهرها.

وبناء على ذلك، فإن التبليغ في هذه الأزمنة لابد أن يأخذ شكلا آخرا، خاصة فيما يتعلق بمستقبل العالم وتقليل الأضرار البيئية والإجتماعية والنفسية، بلا فرق بين مکان و مکان وقوم وقوم، لأن الضرر مهما كان نوعه وفي أي مكان كان سينتشر لبقية الأمكنة إذا لم يكن اليوم ففي الغد.

ثم الإعداد لا يفرق فيه بين من يؤمن بوجوده وولادته علیه السلام في أول الزمان وبين من يؤمن بولادته في آخر الزمان لأننا أصبحنا في آخر الزمان، فيتوقع ظهوره في أي وقت من الأوقات، وعليه فالإعداد يكون واجبا من الآن حتى على رأي من لا يقول بولادته علیه السلام ووجوده من أول الزمان.

15- شروط الإعداد

اشارة

والإعداد بجميع أقسامه الآتية ينبغي أن يكون ضمن أطر وقوانين حتى يؤدي هدفه، فإن الخطأ ممنوع في هذه الأمور لأننا نتكلم عن بناء دولة ليس للظلم والغش والحقد فيها مجال، فلابد أن يكون التمهيد لهذه الدولة وصاحبها خاليا من ذلك وأي خطأ في التطبيق أو الإعداد أو البرمجة سيؤثر على هذه الدولة أو يبعد تحققها إلى زمن يحس البعض أنه أصبح قريبا.

وليس من المعلوم أنه بالإمكان إصلاح بعض الأخطاء في منتصف الطريق.

ص: 139


1- سورة الرعد: 11.

وعليه فلابد للمتصدين للإعداد بمختلف مجالاته أن يدرسوا ذلك جيدا قبل وضع أي قانون أو حكم أو إرشاد.

الشرط الأول:

العزم وإخلاص النية

والعزم أول خطوة يحتاجها الإنسان وهو أمر واضح، ثم بعد أن ينوي الإنسان السير نحو دولة العدل والطهر، عليه معرفة أن الهدف هذا هدف شریف فلابد من إخلاص النية في هذا العمل.

فأن ينوي الإنسان عند استعداده لتهيئة أي أمر من أمور أو شؤون الدولة الكريمة

القربة لله تعالى لإعداد كلمة الحق وإخماد الباطل وذيوله.

والرياء هنا لا ينفع فسرعان ما ينكشف الأمر لأننا نتعامل مع صاحب دولة كريمة يحكم فيها بالواقع لا بالظاهر.

فمن لا يستطيع إخلاص النية فعليه التنحي حتى يعالج نفسه أولا من الرياء.

الشرط الثاني:

الإستمرارية

إن مشكلة - بعض - العالم الثالث أى نفسه قصير فعند أول منعطف يعرض عن عمله وهدفه.

أو أنه يستمر إلى حين، فإذا تغير المسؤول أو توفي أو حصل تطور معين يأخذ البعض بالإستقلال ليبدأ من نقطة الصفر تاركا وراءه مجموعة من التجارب والعلوم.

وهكذا في من يأتي من بعده، الأمر الذي يؤخر حصول الهدف والنتيجة.

لذا لابد لمن يريد الخوض في الإعداد والتمهيد أن يؤمن بما يسمى بنظرية دولة المؤسسات لا الأفراد، أي أن يوضع هدف معين ويقوم الجميع على تطبيقه، سواء

ص: 140

لهذا الجيل أم الجيل الذي يأتي وهكذا.

هذا إذا كان الأمر المراد إعداده إجتماعيا أو علميا أو سياسيا.

وكذلك لو كان الأمر عباديا، فإن، المداومة على برنامج معين له أثر كبير على روحية العابد وسرعة في الوصول إلى الهدف الإلهي المنشود.

الشرط الثالث:

اختيار الشخص المناسب

من الأمور المؤثرة في الهداية العامة لطريق الخير وإصلاح المجتمع، اختيار الأكفأ والأعلم وتقديمه على غيره في ريادة المؤسسات أو المجموعات أو التخطيط لأي مشروع.

قال تعالى في قصة طالوت: « وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بالملک مِنْهُ وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عِلْمٍ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ اللَّهُ واسِعُ عَلِيمُ » (1).

فقدمه الله مع فقره لما فيه من علم وشجاعة.

فعلى كل من يريد أن يصل إلى هدفه تقديم أصحاب الطاقات العلمية والاجتماعية والقدرات النفسية على غيرهم.

خاصة إذا كان الهدف هدفا إلهيا كالإعداد والتهيئة لدولة صاحب الزمان.

ومن جهة أخرى على الشخص غير الأكفأ أن يقدم الأكفأ لكي لا يحمل ذمته ما لا تتحمله خاصة في ما نحن بصدده، لأن حركة الإمام المهدي علیه السلام ليست حركة تجارية أو وصولية بل هي حركة إلهية أمامها مراحل صعبة ومعقدة يجب أن تطوى

ص: 141


1- سورة البقرة: 246 - 247 .

بدقة وبأقل خسائر ممكنة، وقد روي في الحديث عن الشيخ الطوسي بإسناده، عن أبي بصير عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قال: «ما تستعجلون بخروج القائم فوالله ما لباسه إلا الغليظ، ولا طعامه إلا الشعير الجشب، وما هو إلا بالسيف، والموت تحت ظل السيف » (1).

الشرط الرابع:

السرية والخفاء في العمل

قال أمير المؤمنين علیه السلام : «إستعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان لها » (2).

وقال علیه السلام : «صدر العاقل صندوق سره» (3)

وقال صلوات الله عليه: «من كتم سره كانت الخيرة بيده» (4).

وقال علیه السلام: «إستعينوا على أموركم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود» (5).

أمرنا أهل البيت علیهم السلام بالتكتم على كل أمر يقوم به الإنسان وعدم نشره حتى يكتمل أو يحين موعده، لكي لا يتعرض للحسد أو العرقلة أو المنافسة أو الانحراف.

هذا في مشروع وبرنامج، أما البرامج والمشاريع المتعلقة بدولة العدل والطهر، فالأمر يتأكد أكثر، إذ الأعداء يتربصون بنا أكثر، فإنهم يؤمنون أيضا بحتمية نهاية العالم وأنه لابد من مواجهة مصيرية في آخر الزمان بين العدل والظلم، سماها البعض بمعركة «مجدون».

. فعلى المؤسسات والأفراد الإهتمام أولا: وضع قوانین تتكفل بتنفيذ الإعداد بشكل

ص: 142


1- بحار الأنوار: 354/52 باب 27 ذیل 115.
2- الرواشح السماوية: 313.
3- نهج البلاغة: 4/4
4- نهج البلاغة: 41/4
5- تحف العقول: 48.

سري، ثانيا: الإلتزام العملي من قبلهم بهذا الشرط المهم.

الشرط الخامس:

الإتقان في العمل

وهذا الشرط يختلف عن الشرط الثالث، فذاك كان مختصا باختيار الأكفأ للكوادر والقادة ومنظمي البرامج العلمية، وهذا الشرط معني بالمستفيد من هؤلاء الكوادر والقادة، أي المتعلمين والمتلقين لطرق التمهيد والإعداد الذين سيصبحون في المستقبل قادة.

والمراد بالإتقان، أعلى درجة من الإستفادة من المادة أو الفكرة التي تطرح، وأن لا يكتفي الإنسان بالحصول على المعدل العام أو الشهادة، وذلك أنه في بعض العلوم والاختصاصات يكفي لتلميذ أن يحصل على هذا المعدل أو مجرد الشهادة، أما ما يرتبط بدولة العدل التي تحقق حلم الأنبياء علیهم السلام ، الأمر الذي هو تعامل مباشرة مع الله سبحانه وتعالى في أقدس قضية ادخرها الله إلى آخر الزمان على يد الإمام المنتظر صلوات الله عليه، ألا وهي تطبيق قوله تعالى : « إِنِّي جاعِلُ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً » (1)، حيث قيلت في بداية الزمان خطابا لآدم علیه السلام، إلا أنها لم تطبق حيث لم يوجد لحد الآن خليفة إلهي يحكم بما أنزل الله في كل بقاع العالم.

وعليه فالإنسان الذي يريد المشاركة في تحقيق هكذا دولة وهدف لا يكتفي منه بشهادة ظاهرية من المستوى العادي، بل عليه إتقان دراسته وبرامجه وأعماله مهما كان وأين كان على أكمل وجه بحيث يتناسب مع هكذا قضية.

ص: 143


1- سورة البقرة: 30.

الشرط السادس:

سرعة التخطيط

وهذا الأمر جدير بالإهتمام وتطوير طرحه من قبل المختصين، حيث أن ترکه يؤدي فيما بعد إلى الندم.

فمثلا يقال أنه في العام 2050 م هناك مجموعة من الدول والمناطق مثل الإسكندرية في مصر أو بعض دول الولايات المتحدة الأمريكية أو قسم من مناطق الصين، سوف تغطيها المياه بالكامل، فتصبح تحت الماء، نتيجة زيادة مياه البحر والمحيطات بشكل تدريجي.

وكذلك فيما يتعلق بالتلوث البيئي، فيتوقع خطورته بعد مدة من الزمن.

فإنه إذا أهمل علاج هكذا مخاطر إلى العام 2050م ووقعت الكارثة، أو بدأت، فإنه لا يمكن عندها العلاج.

أما لو بدأ العلاج وقبل ثلاثين عاما مثلا، فيمكن تفادي الكثير من الخسائر والكوارث.

فتأخير العلاج أو إهماله نتيجة مصالح شخصية سيؤدي إلى فشل الكثير من المشاريع والبرامج.

وهذا الأمر يسري على كل الأمور حتى الأخلاقية منها، فلو تم التفكير بها في بداية بعض أنواع الفساد لأمكن الآن معالجته.

وهكذا بعض المشاكل الإجتماعية أو الأسرية، لو تم وضع برامج لها منذ البداية لما وقعنا في مثل هذه المشاكل.

وهكذا فيما يختص بالتمهيد لدولة الإمام المهدي عجل الله فرجه، فإننا لو كنا بدأنا في الإعداد قبل عشرات السنين، لكان أفضل من البدء الآن، ولو بدأنا الآن فهو أفضل من التأخير لعدة سنوات، فالوقت يضيق والفساد ينتشر ويستحكم أكثر .

ص: 144

وعليه فعلى المتصدين للتخطيط، الإسراع في وضع برامج العلاجات وتطبيقها على مشاكلها.

الشرط السابع:

الرقابة

ونعني بالرقابة: الوظيفة الإدارية التي تعمل باستمرار على اكتشاف الإنحرافات والأخطاء قبل وقوعها وبالتالي العمل على منع حدوثها ما أمكن، أو على الأقل تفادي الآثار السلبية لها في حال حدوثها ومعالجة أسبابها ومنع تكرارها في المستقبل .

الشرط الثامن:

16- تدريب البدائل

وذلك لأن زمن ظهور الإمام غیر معروف بل نحن ننتظر ذلك لذا الإعداد لتلك الدولة لا بد وأن يتناسب مع كل الأزمنة التي تأتي وذلك لجهلنا بمن يكون من قادته عجل الله فرجه وجنده، ومن هنا فعلى القادة أن يدربوا ويؤهلوا قادة جددا مكانهم يستلمون عنهم في غيابهم أو عند رحيلهم لكي يستمر الإعداد بالشروط المذكورة .

ولا يجوز الإستئثار بالسلطة أو المسؤولية أو المعلومات أو الأفكار والاختراعات المفيدة التي يبتكرها أو يخترعها القائد أو المفكر لأنها ليست ملكا له بل هي ملك للأمة، فتعليمها للمؤتمنين عليها يعطي الأمة المخزون العلمي الكبير التي تحتاجه لكي تستمر في التقدم والتطور .

ص: 145

17- أقسام الإعداد

اشارة

الإعداد المبعوث عنه فيما يخص دولة العدل والطهر لا يقتصر على نوع معين، بل يشمل كل ما تحتاجه الحياة في زمن الظهور، سواء الأمور العسكرية أم الثقافية أم الأمنية أم الأخلاقية أم الإجتماعية أم الصحية.

1- الإعداد العسكري

اشارة

روى النعماني بإسناده عن الصادق علیه السلام قال: ليعد أحدكم لخروج القائم علیه السلام ولو سهما فإن الله تعالى إذا علم ذلك من نیته رجوت لأن ينسی في عمره (1).

وفي الكافي بإسناده عن أبي عبد الله الجعفي، قال: قال لي أبو جعفر محمد بن علي علیه السلام كم الرباط عندكم؟

قلت: أربعون

قال : لكن رباطنا رباط الدهر، ومن ارتبط فينا دابة كان له وزنها ووزن وزنها ما كانت عنده، ومن ارتبط فينا سلاحأ كان له وزنه ما كان عنده، لا تجزعوا من مرة ولا من مرتين ولا من ثلاث، ولا من أربع فإنما مثلنا ومثلكم مثل نبي كان في بني إسرائيل، فأوحى الله عز وجل إليه أن أدع قومك للقتال فإني سأنصرك فجمعهم من رؤوس الجبال ومن غير ذلك ثم توجه بهم فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح، حتى انهزموا ثم أوحى الله إليه ان ادع قومك إلى القتال فإني سأنصرك فدعاهم فقالوا وعدتنا النصر فما نصرنا فأوحى الله عز وجل إليه: إما أن تختار القتال أو النار.

ص: 146


1- غيبة النعماني: 173 باب ما جاء في ذكر الشيعة.

فقال: يا رب، القتال أحب إلي من النار.

فدعاهم فأجابه منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر عدة أهل بدر، فتوجه بهم، فما ضربوا بسيف ولا طعنوا برمح حتى فتح الله عز وجل لهم (1).

قال المجلسي رضی الله عنه في شرح قوله: رباطنا رباط الدهر أي يجب على الشيعة أن يربطوا أنفسهم على طاعة إمام الحق، وانتظار فرجه، ويتهيأوا لنصرته.

وقال رضی الله عنه في شرح قوله علیه السلام «كان له وزنها..» الخ، أي كان له ثواب التصدق بضعفي وزنها ذهبا وفضة كل يوم ويحتمل أن يكون من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس أي له من الثواب مثلي وزن الدابة، انتهى.

التسلح: ثوابه وسريته وأهميته

والروايات كما ترى تذكر قسما واحدا من الإعداد العسكري، ألا وهو التسلح وتذكره بما كان متداولا آنذاك: السهم، وهو نموذج لا أكثر، وإلا فلكل دولة رجال وسلاح.

ثم يفهم من الروايات أن إعداد التسلح ليس مختصا بالدول بل يشمل الأفراد إذ الإمام قال: «لیعدن أحدكم لخروج القائم ولو سهما »

وليس المراد بذلك انتشار التسلح الفردي خاصة في هذه الأزمنة ليشكل خطرا إجتماعية يهدد المجتمع أو يؤثر على بقية القطاعات، إنما المراد هو الاحتياط أولا والتخزين ثانيا.

أما الإحتياط فلعل منظور الإمام أن الإنسان الذي يستطيع تهيئة بعض الأسلحة في زمن ما، فليفعل كي لا يأتي عليه زمن غير قادر على امتلاكه.

أما التخزين فيقهم من قوله علیه السلام «لیعدن»، فهو يخاطب الفرد في الحال لامتلاك

ص: 147


1- أصول الكافي : 381 ح 576.

السهم ونحوه ليستفيد منه في ما يأتي من سنوات قد تطول لمئات السنين، خاصة مع ملاحظة علم الإمام الصادق عليه السلام أن الإمام المهدي المنتظر لن يقوم في المائة سنة التي تلي هذه الرواية فما معنى الأمر باقتناء السلاح قبل ذلك إلا التخزين وإخفاء الأمر حتى على أقرب المقربين .

نعم تخزين السهم كمثال يختلف عن تخزين غيره من الأسلحة خاصة في هذه الأزمنة، فإن بعضها يتلف فیکون منظور الإمام الصادق علیه السلام - وهو يتكلم عن كل عصر محتمل فيه خروج الإمام - تجديد التخزين بحيث يبقى مستعدا عند لقاء إمامه.

والجميل في الرواية أنها ليس فقط تأمر بالتسلح، بل والتشجيع عليه، بأمر يحبه كل

الناس وهو عبارة عن أمرين:

الأول: طول العمر، فكل إنسان يحب أن يطيل الله عمره، فالمؤمن العامل في سبيل الله الملتزم بتكاليفه يفرح ويتمنى لأنه يقضي عمره الطويل في الطاعة.

وغير المؤمن أو المقصر يحب ذلك، ليكون له فرصة التوبة والتجديد، لكن هل يوفق للتوبة فيما بعد، الله أعلم (1).

وأيضا هناك حب لغير المؤمن من باب حب البقاء والتمتع بالحياة الدنيا أكثر، وهذا مشجع على التسلح.

والثاني: معاصرة الإمام المهدي علیه السلام والكون من جنده وخدمه وهذا هو مبتغى الكثير من الناس، فالإمام الصادق علیه السلام يقرن التسلح بذلك لكي يشجع الناس على الإلتزام به.

ثم في الرواية الثانية عن الإمام الباقر علیه السلام نكتة أخرى وهي أنه طلب عدم اليأس والجزع من مرة أو مرتين أو ثلاث، وأن المعد للسلاح قد لا يستعمله مع حصوله على النصر.

ص: 148


1- سوف نتعرض لذلك في نهاية الكتاب (الفصل السابع).

وهذا أولا يؤكد على أهمية التسلح، وثانيا على استمرارية التسلح وإن طالت المدة، حيث قال علیه السلام : فجمعهم من رؤوس الجبال ومن غير ذلك، وكان هذا بعد جمعهم للمرة الأولى والله أعلم كم كان بين الحربين وكم استغرق جمعهم من هذه الأمكنة مع ملاحظة وسائل النقل والاتصالات في ذلك الزمان.

خاصة أنه قد يأتي زمان يصعب فيه التسلح كما روي عن أبي بصير عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام أنه قال: وليس في الرايات راية أهدی من راية اليماني هي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس و کل مسلم و إذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار لأنه يدعو إلى الحق و إلى طريق مستقیم (1).

التدرب على السلاح

ولا ينحصر الإعداد العسكري بالسلاح بل هو أحد أفراده، فهناك أيضا التعلم على استعماله، فالعقل يحكم على مثل هذه الروايات الآمرة بالتسلح، يحكم عليها بمعرفته ومعرفة استعماله، لأن المراد من الإعداد هو استعماله والاستفادة منه.

هذا إضافة إلى ما ورد من روايات تأمر بتعلم ركوب الخيل والرماية والسباحة (2) ، والذي هو كناية أيضا عن الإعداد والتعلم على أدواته.

ومن المعروف أن التدرب على السهم نموذج لا أكثر، ففي كل زمن هناك نوذج آخر للسلاح، فالتعلم والتدرب يخضع للسلاح المتوفر لكل زمن.

لذا في مثل هذه الأزمنة، يأخذ التدرب نوعا متطورا علميا من ناحية وعملانيا من ناحية أخرى، وتفصيله موکول إلى أهل الإختصاص.

ص: 149


1- غيبة النعماني : 256.
2- الكافي: 47/6 ح 4، ومستدرك الوسائل:77/14 ح 16140.
اختراع السلاح

من قسم الإعداد العسكري هو التوجه إلى تطوير الأسلحة واختراع شئ جديد فيها، وهذا ما يلزمه التوجه إلى جامعات خاصة من قبل مجموعة من الأفراد ومن مختلف الدول لكي يواكبوا التطور العلمي المخصوص بالسلاح .

فكما يحتاج مجتمعنا إلى الأطباء والمهندسين و...... والعلماء والرياضيين ونحوهم، كذلك فإن مجتمعنا ۔ کمجتمع يمهد لدولة الحق والعدل - يحتاج إلى قطاع عسكري يحمي بقية القطاعات، ويتطور بنفس الدرجة التي تتطور به هذه القطاعات. نعم قد يختلف هذا القطاع في الشكل والمحتوى ليأخذ طابعا سريا أو فنيا مختلفا.

ثم هذا الإختراع منه ما هو علمي ونظري تدخل فيه النظريات الإلكترونية ونحوها، ومنه ما هو عملي يخضع للتجارب، وكلاهما يحتاجهم المجتمع من أجل الإعداد العسكري.

إعداد الجيوش

ومن الأمور التي تندرج تحت الإعداد العسكري، إعداد الجيوش وتهيئتها، لكي تكون في خدمة إمام الزمان عليه السلام.

والمهم في هذا الأمر القانون الذي يوضع لهذا الجيش، والذي على أساسه يكون جيشأ للإمام المهدي علیه السلام ، ومرادنا بالقانون ليس القانون العسكري، فهو خارج موضوع الكتاب، ولست مطلعا عليه، إنما القانون الديني والسلوكي والإجتماعي الذي يؤثر على شخصية وبناء روحية إيمانية تخوله خوض أصعب المعارك.

هدف هذا القانون أولا. الإلتزام بكافة الأحكام الشرعية والابتعاد عن كافة المحرمات.

وثانيا. الإلتزام بالمستحبات والآداب الشرعية، والإبتعاد عن المكروهات.

ص: 150

وفيما يختص بالواجبات والمحرمات، فإن الأمر بين الوضوح، فإن التزام من يرجو أن يكون من جيش المهدي المنتظر عليه السلام بالواجبات والمحرمات أمر مفروغ منه.

إنما الكلام في الإلتزام بالمستحبات والآداب والإبتعاد عن المكروهات، وما ينافي المروءة، وهذه الأمور وإن كانت خارجة عن موضوع الكتاب، ولكن ينبغي التنبيه على أمور:

الإلتزام بمستحبات الصلاة، كالصلاة جماعة وفي المسجد وکتسبيح الزهراء، وتعقيب كل فريضة والإقامة قبل الصلاة.

والمداومة على قراءة شئ قليل من القرآن بعد كل فريضة، والتصدق ولو بشئ قليل كل ليلة جمعة ويومه.

الإلتزام بغسل الجمعة، وقص الأظافر كل خميس أو جمعة.

المداومة على الوضوء ولا أقل عند الخروج.

المداومة على زيارة عاشوراء، ولا أقل كل ليلة جمعة.

الإلتزام بدعاء الندبة كل يوم جمعة.

المداومة على دعاء العهد والبيعة كل صباح.

الإسراع لغسل الجنابة، وعدم الأكل والنوم عليه، إلا بالوضوء أو غسل اليدين ثلاثة المضمضة والاستنشاق أيضا ثلاث مرات.

ونحو ذلك من المستحبات المذكورة في كتب الآداب والأدعية

الهدف من الإعداد العسكري

هل الهدف من هذا الإعداد العسكري الذي بناه الإنتقام والعنف من أعداء الله تعالی أم نشر العدل ؟

مما يفهم من الروايات القرآنية أن القتال في حد ذاته ليس هدفا، بل وسيلة حتى

ص: 151

في بداية الدعوة الإسلامية التي كان النبي (صلی الله علیه واله وسلم) بأمس الحاجة لتوسيع دولته، لذا قال سبحانه وتعالى: « وَ قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ » (1).

فالقتال أو الجهاد إنما شرع من أجل حماية الإسلام وأهله ونشر دعوته .

وسوف نفصل ذلك في الفصل الرابع عند الكلام عن الأهداف .

رأي الإسلام في العنف

هذه المقالة مأخوذة من محاضرات السيد الخامنئي حفظه الله:

إن للإسلام رأيا واضحا وصريحا حول العنف؛ فالإسلام لم يجعل العنف أصلا من حيث المبدأ، ولكنه لم ينفه أيضا في الحالات التي يكون فيها قانونيا.

العنف القانوني وغير القانوني

إن لدينا نوعين من العنف، أحدهما قانوني، أي أن القانون يستخدم العنف عند الضرورة فينص على حبس هذا الشخص إذا ارتكب هذه الجناية أو الجريمة. فهذا عنف، لكنه ليس سيئا، لأنه يحول دون الإعتداء على حقوق البشر ويقمع الخارجين على القانون ويجازي المعتدي. فإذا لم يستخدم العنف ضد المعتدين لأزدادت الجرائم في المجتمع، فهو ضروري في هذه الحالة.

والثاني عنف غير قانوني، أي أن يعتدي أحد على حقوق الآخرين كما يهوی وبلا سبب ولا دليل وخلافا للقانون والدستور، كأن يصفع شخصا، فهل هذا جيد أم سيئ؟! واضح أنه سيئ وبلا شك.

فالإسلام دین شامل وليس أحادي الجانب؛ فعندما تقف الحكومة الإسلامية المواجهة القوة والإعتداء والإضطرابات والهجمات والخروج عن القانون فلابد لهارا

ص: 152


1- سورة التوبة: 36.

من القوة والصرامة والعنف دون خشية من هذه الكلمة. وبالعكس، أي عندما تتعامل مع أفراد الشعب والرعية، فعليها بالرفق واللين قال سبحانه وتعالى: « عَزِيزُ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصُ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيمُ » (1)، فلكل مقام مقال .

والعنف القانوني هو ذلك الحد الذي يشرعه الإسلام. وهو أمر ضروري فضلا عن أنه جيد.

وأما العنف غير القانوني فهو جريمة فضلا عن أنه سيئ، وينبغي مواجهته، وهذا هو رأي الإسلام؛ فلا نقاش فيه ولا جدال حتى يأتي البعض بدون معرفة بالأسس الإسلامية وعلم بحقيقة الأمور ويملأوا صفحات بعض الصحف بعناوين بارزة ومثيرة ومبهرة ومضللة!

وبالتأكيد فإن الأعداء الذين يريدون إشعال الساحات الإسلامية بنار البحث والجدال حول هذا الموضوع لهم أهداف أخرى. إنهم يعتبرون العنف أمرا كليا، ولا يفرقون بين العنف القانوني وغير القانوني، وليسوا على وفاق مع العنف القانوني؛ وهم يقولون إذا أثار أحد الإضطرابات في شوارع طهران، وسلب الناس أمنهم وراحتهم، وبدد أموالهم، وعرض أبناءهم للخطر، فلا تصطدموا به لأن هذا عنف، بينما هم يمارسون أشد أنواع العنف والوحشية في كافة أنحاء العالم! إن الكيان الصهيوني الذي تعتبر إذاعته من مروجي معارضة العنف والتي ترفع باستمرار ذلك شعارا - يقصف فلسطين وجنوب لبنان كل يوم فيقتل النساء والأطفال والكبار والصغار، وهكذا يفعل أيضا رفاقهم في كافة بقاع العالم وهم الذين يسيطرون على وسائل الإعلام العالمية! (2).

ص: 153


1- سورة التوبة: 128.
2- كلمة خطابية ألقيت في 9 محرم 1421 ه. طهران .

2- الإعداد الثقافي

اشارة

والكلام فيه تارة على ثقافة الكتاب، وأخرى على ثقافة الكوادر وثالثة على ثقافة المجتمع.

أما ثقافة الكتاب، والذي أصبح تأثيره ضعيفا بعد ضعف القارئ نتيجة عدة عوامل کالانتهاء بالتلفزيون أو الفيديو ونحوها، أو الخوض في تأمين لقمة العيش أو معالجة الأمراض التي انتشرت بين الناس،..

لذا ينبغي التشجيع بأساليب متعددة ومتطورة على المطالعة للكتب الإسلامية والعلمية حتى نعيد للناس تعلقهم بالكتاب.

وينبغي على الكتاب المحترمين ملاحظة قلة القراء، وإدخال تعديلات على التأليف مما يعطي القارئ دفعة إلى الأمام للاهتمام بالكتاب وقراءته من قبيل الاختصار في المواضيع، تمرير بعض القصص المعبرة في أثناء المطالب العلمية، طرح المواضيع التي هي محل ابتلاء الناس، أو التي ترفع عنهم بعض الأمراض والمخاطر، أو التي تقوي عقيدتهم بالإسلام وأهل البيت علیهم السلام .

وينبغي أيضا مطالعة الكتب العلمية التي تربط وتفيد في تقوية ذهن الإنسان والإطلاع على ما توصل إليه العلم من تطور في مختلف المجالات خاصة ما يساعدنا على الإستعداد للإعداد، كمطالعة ما يضر ويلوث البيئة، الأمر الذي سوف نتكلم عنه لاحقا. وسبب ذلك أننا نتكلم عن الإعداد الثقافي لدولة القائم علیه السلام، تلك الدولة التي ستغطي الكرة الأرضية المختلفة في الحضارات واللغات، والفهم الذهني بين عالم في الذرة وبين جاهل مطبق أمي، وما بينهما كثير، وعليه مع أننا لا ندري ما هو موقعنا من تلك الدولة وما هي مسؤولية كل فرد - هل هي ثقافية أم سياسية أم عسكرية - إلا أنه

ص: 154

في الجملة هناك حد أدنى من الثقافة لابد أن يتمتع به قواد وجند تلك الدولة.

خاصة مع ملاحظة وجود معركة ثقافية - إلى جانب العسكرية - قبيل الظهور وبعده، من أجل نشر العدل الذي لا يتم إلا مع الثقافة وبها، وإلا فتطبيق العدل في قوم لا ثقافة لهم - جهلة - استعمار وقهر للشعوب وإصدار أحكام لا يعلمون صحتها من بطلانها، خاصة في المناطق التي هي بعيدة عن حضارة الإسلام وآدابه وتعاليمه، وقد دخل إليها الإمام علیه السلام لإقامة الدولة المباركة فيها.

كل ذلك يفرض علينا مطالعة بعض الكتب التي تؤهلنا ولو قليلا لمثل هكذا أجواء .

ثقافة الكوادر القادة

وهذا الإعداد ليس بالهدف الأسمى لما يأتي في ثقافة المجتمع، بل هو إعداد مرحلي كخطوة أولى نحو نشر الثقافة.

ونعني به التركيز على مجموعة من الأفراد ليكون لديهم مؤهلات ثقافية وعلمية تجعلهم قادة في دولة الأنبياء عليهم السلام القادمة.

ويكون هذا الإعداد ليس عشوائيا، بل توزع الأفراد على عدة اختصاصات مهمة يحتاجها القائد كعلم الإدارة والسياسة والحوار والقضاء والأديان و...

وقد ذكرنا سابقا في شروط الإعداد ما يفيد هنا، خاصة ما يتعلق بالإسراع إلى وضع هكذا برامج ثقافية قبل فوات الوقت المناسب والندم لاحقا على عدم التخطيط المسبق لذلك، لأن إعداد قادة لدولة الأئمة علیهم السلام ليس بالأمر السهل المنال.

وعمل هؤلاء الكوادر ليس مختصا بمرحلة الظهور، بل يستفاد منهم لتثقيف المجتمع كما يأتي.

وليس المراد بهذا الإعداد جعله قطاعا خاصا فهو منافي لسرية العمل، بل ينبغي صهرهم في المجتمع ومؤسساته ليفيد ويستفيد، بل قد يستفاد من جملة روایات

ص: 155

الظهور، أن قادة الإمام المهدي علیه السلام - 313 - لا يكونوا في مكان واحد، بل يجمعهم أو تجمعهم الصيحة من أقطار العالم.

نعم المشكلة في الجهة التي تتبنى إعداد الكوادر هؤلاء، وبما أننا نتكلم عن كل مجتمع في كل بقاع الأرض فينبغي أن يتصدى في كل بلد مجموعة للإهتمام بهذا الأمر والسعي لنشر ثقافة لدى عدة أفراد ليصلوا إلى هذا الهدف والله معالذين آمنوا وهو سبحانه لهم.

ثقافة المجتمع

وهو أهم الثقافات وأجلها وهو منية إمامنا المفدى أرواح العالمين لتراب مقدمه الفدي، بل هو الشرط الأساس والمركزي في نشر العدل في الكون أجمع، لأنها دولة العلم والثقافة والعدل والحضارة، الدولة التي ينتشر فيها العلم الحقيقي والواسع لإمامنا المنتظر عجل الله تعالی فرجه، وسوف يأتي الكلام عن علم الإمام المهدي عليه السلام وعلم أصحابه رضوان الله عليهم.

وانتقال هذا العلم منه عليه السلام لكل الناس بلا فرق بين امرأة أو رجل، بین شیخ أو شاب، وهذا يؤكد على صحة نظرية أن الثقافة ليست فقط لطائفة معينة، بل يجب تثقيف كل الناس ورفع الجهل عن كل أطياف المجتمع.

وذلك مثلا إذا قمنا بتربية أكثر من نصف أولاد القرية وتركنا الربع ففي خلال السنة تقريبا، ومن خلال معاشرة الأولاد فيما بينهم، سوف تنتقل العادات السيئة والألفاظ غير المناسبة من الأطفال إلى أقرانهم.

فمن يريد أن يفكر بطرق تربية أولاده عليه العمل على تربية أولاد جيرانه أولا.

ومثال آخر: لو قمنا بإعداد كوادر وقادة، وقام أحدهم بالزواج من امرأة بسيطة غير مثقفة، لا ثقافة إسلامية ولا ثقافة عامة، فإنه سوف يواجه مشاكل في حياته الزوجية، وفي إعداد الأسرة المثالية وتربية الأولاد، وهناك الكثير من القصص التي يتعرض لها

ص: 156

المجتمع تكشف حقيقة ذلك.

فإن هذه المرأة التي لم تتعلم كيف تتعامل مع زوجها وما هي حقوقه وكيف تربي أولادها وتستقبل زوارها ونحو ذلك فإنها ستأثر سلبا على شخصية هذا الكادروعمله.

وهذا يكشف لنا أهمية الثقافة الإسلامية والعامة وأهمية ثقافة كل أفراد المجتمع الذين يعيشون في أرض واحدة وتحت سماء واحدة، يتزاورون ويتصاهرون فيما بينهم، ولعل قوله تعالى إشارة إلى ذلك: « وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ » (1).

فالتعارف من المعرفة وهو التواصل والتزاور على أساس التبادل الثقافي والاجتماعي والسياسي والعلمي وذلك هدفه.

كيفية تثقيف المجتمع

ولعلنا لا نستطيع أن نعطي برنامجا واحدا لكل أطياف المجتمع، إما لتفاوت المستوى العلمي للناس وإما لتفاوت أوقات فراغهم بين من يعمل صباحا وعصرا وليلا ، وإما لتفاوتهم في حب أساليب الثقافة والتبليغ، فبين محب للأسلوب القرآني وبين محب للأسلوب القصصي وبين محب للإختصار وبين محب للإطالة وهكذا.

وهذا يصعب المهمة على المتصدين إلا إذا كان بالإمكان فرز المجتمع على أساس هذه التفاوتات، فيقام درس في الليل لمن عمله في النهار، والعكس كذلك، وتعطى كل مجموعة ما تحب من الأساليب. وهذا أمر صعب ومعقد، لكنه ممكن لا أقل في بعض المجالات.

ومن الأساليب المؤثرة والمجربة هي زيارة العوائل من قبل المثقفين والعلماء

ص: 157


1- سورة الحجرات: 13.

فيدخل إلى المنزل ويتعارف مع الأب والإبن والبنت، ثم يسأل عن أحوالهم المادية والمعيشية والصحية، ثم يتعرض لبعض الأمور الثقافية مقدما للأهم على المهم، کالكلام عن العفة والشرف والحجاب، والالتزام بالواجبات المهمة والثبات عليها والإلتزام ببعض الآداب والمستحبات السلوكية، بأسلوب مشجع ومبسط أو مدعوم بالقصص، وإن استطاع إقامة صلاة جماعة بنفس هذه الأسرة فهو مهم.

وهذا الأمر ليس بالأمر الصعب، نعم يحتاج لتنسيق مسبق ومتابعة حثيثة.

ومما جرب وترك الأثر الإيجابي على الأولاد عندما يدخل الشخص المعمم إلى المنزل ويجلس قربهم.

إضافة إلى الجرأة عند الأسرة على الأسئلة بعد التعارف، الأمر الذي لا يتم في المسجد أو الحسينية، إذا قلنا أن هذه العوائل تأتي إلى هناك، فإن نسبة من يأتي إلى المساجد والحسينيات هي 5% تقريبا، فمثلا من أصل 12٬000 نسمة في القرية يأتي منهم إلى المساجد المتعددة في القرية 200 شخص، وإلى الحسينية في أفضل الحالات 500 شخص.

وهذا الأمر خطير على صعيد نسبة الذين يتلقون الثقافة، هذا إذا كان من يأتي إلى المسجد والحسينية يستفيذ مائة في المائة وإلا فمن أصل 5% لا يستفيد إلا نصفهم أو أكثر بقليل، وهناك الويلات.

وأيضا إذا قلنا أن من يستفيد يطبق، وإلا فنسبة من يطبق لا تتعدى هذا النصف،

وبالتالي فنسبة الاستفادة العملية هي قريب 1٫25٪، فانظروا بين هذه النسبة وبين

النسبة التي تحصل من زيارة كل عائلة على حدة.

إضافة إلى نوعية الفائدة ووقتها ففي المسجد والحسينة فإن نوعية الفائدة محصورة في الموضوع الواحد الذي يطرحه الخطيب والقارئ، وكذلك في وقت لا يتعدى في الغالب النصف ساعة.

بينما زيارة المنازل أو غيره من الأساليب التي يخطط لها، فأولا لا تقتصر على

ص: 158

موضوع محدد، وكذلك لا تحدد بوقت فقد تستمر لساعتين ومن دون ملل.

نعم الأساليب التبليغية الثقافية المجربة والتي تأتي بالدرجة الثانية بعد زيارة المنازل هي السهرات الليلية في المنازل التي تجمع عددا كبيرا من الناس، ولها تأثيرها ونسبتها قريبة من نسبة زيارة المنازل.

والخلاصة ينبغي التأمل من قبل المختصين والمتصدين لوضع أساليب حديثة من أجل تثقيف المجتمع مع ملاحظة تفاوت المجتمعات في الدول.

أثر عنصر النساء على الثقافة

في البحار عن النعماني عن أبي جعفر علیه السلام أنه قال: كأنني بدينكم هذا لا يزال موليا يفحص بدمه ثم لايرده عليكم إلا رجل منا أهل البيت، فيعطيكم في السنة عطاءين ويرزقكم في الشهر رزقين، وتؤتون الحكمة في زمانه حتى إن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) (1).

لابد من التأكيد على العنصر النسائي المؤثر في التبليغ ونشر الثقافة، وذلك لسهولة التحرك بين العوائل والأسر، ولتوفر الوقت لديه - غالبأ - أكثر من غيرها.

والمرأة كالرجل في وجوب تثقيفها وفي وجوب الإستفادة منها للتثقيف، ولا ضير من إعداد كوادر من النساء مع مراعاة الأحكام الشرعية المتعلقة بعملها من قبل رعاية العفة والحجاب وإذن الزوج أو الأب أو عدم إهمال المنزل وتربية الأولاد.

وبعض الأمور الثقافية قد تكون مختصة بالنساء من قبيل ثقافة تربية الأولاد ورعاية شؤون البيت وثقافة آداب التعامل مع الزوج، فإن هذه الأمور المعني بها أولا وبالأساس هي المرأة، فلا بد من إعداد حثيث لهذا الأمر ليدخل في برامج التثقيف العامة التي يحتاجها المجتمع.

ص: 159


1- غيبة النعماني: 125، وبحار الأنوار: 352/52 باب 27 ذیل 106.

وهذه الأمور المختصة بالمرأة هي عماد المجتمع وتقدمه خاصة ما يتعلق بتربية الأولاد وتنشئتهم ليكونوا أمل المستقبل وقادة الأمة.

فلا بد من التركيز على هذا الأمر ووضع الخطط والبرامج له.

ومن خلال بعض التجارب الإجتماعية نجد أن الكثير من المشاكل الزوجية ناتج عن عدم ثقافة المرأة ثقافة إسلامية فيما يرتبط بالحياة الزوجية، ويؤدي قسم كبير منها إلى حالات طلاق، وقد فصلناه في كتابنا فاطمة بنت محمد قدوة للنساء.

الحذر من الثقافة الغربية

من المسائل التي هي ركيزة دولة الإمام المهدي عليه السلام العودة الى الثقافة الإسلامية وترك ثقافة الإستكبار وأعداء الإنسانية التي تنتشر في كافة البلاد الإسلامية وغيرها.

قال تعالى: « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ إِمَّا يحييکم» (1).

بعث سبحانه وتعالى الأنبياء والرسل علیهم السلام من أجل إحياء النفوس والأمم، فما أتی به الأنبياء علیهم السلام كان مرتبطا بعامة الناس، فجاء ما ينظم علاقة الإنسان بمجتمعه ويبين له حسن الإرتباط مع أخيه وزوجته، ويفرض أهمية بر والديه.

فكانت الأحكام الشرعية والآداب الإسلامية والفضائل الحسنة من أجل إحياء ضمير الإنسان وحياة أفضل في الدارين، دار الدنيا وهي دار العمل، ودار الآخرة وهي دار الجزاء والثواب.

ولم يترك الإسلام أي حكم أو أدب يتعلق بالإنسان وحياته وشؤونه إلا وأتي بها، بأفضل أسلوب وأدق طرح وأعظم فائدة لهذا الإنسان سواء على نفسه أم عياله أم مجتمعه. أتى القرآن الكريم والنبي (صلی الله علیه واله وسلم) وترك لنا أهل البيت علیهم السلام ثقافة غنية وعادات تحيي نفوسنا وتجعل لنا نورة نمشي به بين الناس، ما على الإنسان إلا اتباعها

ص: 160


1- سورة الأنفال: 24.

والمداومة عليها.

لكن أعداء الإنسانية وطواغيت كل عصر زرعوا ثقافات معادية وعادات سيئة وأتوا بها إلى البلاد الإسلامية لتكون بديلة عن ثقافة وعادات القرآن والنبي وأهل بيته عليهم السلام .

وتماشي كثير من الناس مع ذلك بل أصبحوا أداة لتنفيذهذه المعصية العظيمة:

فبتنا عندما نری شيئا جميلا أو خارقا نقول: (آتونا بالخشب لندق عليه) وتخلينا عن ثقافة الإسلام القائلة أن نصلي على محمد وآل محمد، أو أن نقول: ما شاء الله، سبحانه الله، الله أكبر.

فرض الإسلام ثقافة بين الناس وهي التعاطف والتراحم والتعامل بالحسنی والتزاور وإلقاء السلام فيما بيننا، لكن بدأ الناس بالتخلي عن ذلك والتمسك بالعادات الغربية المنحرفة القاضية بافتعال المشاكل والفتن بين الناس وظلمهم واستعمال الكلام البذي والقطيعة بين الناس والأرحام وترك السلام أو عدم المبالاة به، أو السلام بغیر تحية الإسلام (السلام عليكم واستبدلوها بمرحبا...).

أصبحنا نرى ونسمع عن خلاف بين الأب وابنه والأخ وأخته والعم وابن أخيه، بل قد يستمر هذا الخلاف لسنوات ويموت بعضهم وهو لا يكلم الآخر ولا يراه.

كل ذلك أثر على نفوسنا ومجتمعنا وأخلاقنا، فتراجعنا من كل النواحي وأئمنا بكل الأفعال وحرمنا من كثير النعم التي وعد الله تعالى المطيعين بها والمتأدبين بالآداب الحسنة والأخلاق الفاضلة.

نحن أيها الإنسانيون مدعوون لإحياء إنسانية الإنسان بإحيائنا للآداب المحمدية والفضائل الإسلامية والتي بها نحيي أنفسنا وأهلينا.

نحن مدعوون للتخلي عن عادات الغرب الكافر وثقافته ولباسه وشكله، لأن التمثل بهم وبلباسهم وأشكالهم من الأمور التي يمقتها الله تعالى.

بل التعامل معهم وشراء بضائعهم الداعمة للإستعمار والاستكبار مشکل شرعا لما

ص: 161

فيه من تضعيف للإسلام والمسلمين وثقافتهم و منتوجاتهم.

أيها المسلمون، الإسلام يعلى ولا يعلى عليه والمسلم عزیز مکرم عند الله تعالى، فلماذا ننبهر بالكفار المستكبرين وعاداتهم وثقافتهم بل ومنتوجاتهم وقد أذلهم الله تعالى لما في قلوبهم من الحقد والبغض للإنسانية، وما في أيديهم من ضرر لشعوب العالم.

قال إمامنا الصادق علیه السلام : « أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ : قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ لَا تَلْبَسُوا لِبَاسَ أَعْدَائِي وَ لَا تَطْعَمُوا مَطَاعِمَ أَعْدَائِي ، وَ لَا تَسْلُكُوا مَسَالِكَ أَعْدَائِي ، فَتَكُونُوا أَعْدَائِي كَمَا هُمْ أَعْدَائِي» (1)

ص: 162


1- مفاتیح الجنان: 836.

3- الإعداد الأمني

وهذا الأمر ليس من اختصاصي، فذكرناه من باب تتميم أقسام الإعداد لدولة المهدي عجل الله فرجه الشريف.

وذكرنا سابقا في الشرط الرابع من شروط الإعداد: السرية في كل شيء، وأهميتها في العمل، وذكرنا هناك حديث أمير المؤمنين عليه السلام : «إستعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان لها» (1). وقوله علیه السلام : «صدر العاقل صندوق سره» (2).

وقوله صلوات الله عليه: «من كتم سره كانت الخيرة بيده» (3).

وقوله علیه السلام : «إستعينوا على أموركم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود» (4).

وما ينبغي التنبيه عليه هو أهمية هذا القطاع وعدم إهماله لأن كل الأمور نجاحها مرتبط به كما يفهم من حديث الأمير علیه السلام : المتقدم في سرية قضاء الحوائج، فالسرية في قضاء الحوائج من الأمور المهمة خاصة في الحوائج والأهداف المصيرية أو التي تضر بمصالح البعض الداخلي أو الخارجي.

وبالأخص فيما يتعلق بالإعداد لدولة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشریف دولة إقامة العدل وإماتة الظلم، الأمر الذي قد يكون هناك من يخطط لإفشال كل تمهيد أو إعداد يضر بمصالحهم الشخصية التي تبنى على الظلم والجور.

والإعداد الأمني ليس مختصا فقط بسرية العمل بل مجاله واسع خارج عن مقصود الكتاب ومجانب لمعلومات صاحبه، ندعه لأهله.

ص: 163


1- الرواشح السماوية: 313.
2- نهج البلاغة: 4/4
3- نهج البلاغة: 41/4
4- تحف العقول: 48.

4 - الإعداد الأخلاقي والسلوكي

اشارة

وهذا القسم له ربط بالإعداد الثقافي المتقدم بل هو جزء منه، أفردناه هنا لأهميته.

ونقصد به ما جاء من أجله رسول البشرية (صلی الله علیه واله وسلم) بقوله: «إنما بعثت لأتمم مکارم

الأخلاق » (1).

وما يفهم من الحديث أن النبي (صلی الله علیه واله وسلم) بمبعثه قد أكمل مكارم الأخلاق وأتمم الآداب، الأمر الذي لا يترك لأحد المجال أن يتقاعص عن الاقتداء بالنبي الأعظم (صلی الله علیه واله وسلم) في معرفة هذه المكارم نظريا، ثم تطبيقها عمليا كما كان يفعل صلوات الله عليه وآله.

أهمية الأخلاق العامة في المجتمع

قال السيد الخامنئي: إن الهوية الأخلاقية هي الهوية الحقيقية للمجتمع، أي أن مركز الثقل في المجتمع هو القطب الأخلاقي، وجميع الأمور الأخرى إنما تدور حول محورها.

فعلينا أن نولي الأخلاق أهمية كبيرة، وعلى الإذاعات والتلفزة وكافة وسائل الإعلام التخطيط في مجال نشر الفضائل الأخلاقية وتفهيمها وبيانها، كالأخلاق السلوكية لأفراد المجتمع، والإنضباط الاجتماعي، والنظم والتخطيط، والأدب الاجتماعي، والاهتمام بالأسرة، ورعاية حقوق الآخرين، وحفظ كرامة الإنسان، والإحساس بالمسؤولية والاعتماد على النفس، والتحلي بالشجاعة الذاتية والوطنية، والقناعة التي هي من أهم الفضائل الأخلاقية في المجتمع.

ص: 164


1- بحار الأنوار: 210/16

ولو أننا قد تعرضنا حاليا في بعض المجالات إلى المصائب، فمرد ذلك إلى غفلتنا عن السجية الحسنة.

وكذلك الأمانة والصلاح ومساندة الحق وابتغاء الجمال بمعنى اختيار الحياة الجميلة من الناحيتين الظاهرية والباطنية، وتجنب الاستهلاك، واختيار العفة، واحترام الأبوين والأستاذ.

هذه هي فضائلنا الأخلاقية، التي ركز عليها الإسلام وحث عليها أهل البيت علیهم السلام ، وعلى العلماء الأعلام وأصحاب الأقلام النيرة دعم هذه الفضائل في كافة البرامج التلفزيونية أو غيرها التي تعدونها وفي كل مسلسل وحوار وكلمة واجتماع ومكالمة هاتفية أو تقرير أو مقالة حتى لا يتم نقضها أو تضييعها (1) .

والأخلاق الإلهية والمكارم الأخلاقية وضحتها وفضلتها الشريعة الإسلامية المقدسة، سواء ما يتعلق منها بالإنسان ذاته كالصبر، والشكر، والإخلاص، والقناعة، أو ما يتعلق منها بصلاته مع الآخرين كالتسامح، والتواضع، والإيثار، وتكريم الناس، أو ما يتعلق منها بعموم المجتمع الإسلامي.

للأخلاق الإسلامية مجال واسع. وهي تلك الأمور نفسها التي تركزت معظم جهود الأنبياء علیهم السلام والأولياء والشخصيات الكبرى في الأديان الإلهية، وكذا في الإسلام تركزت جهود الرسول الأعظم والأئمة الأطهار علیهم السلام على بنائها. ولاشك أن هذه الأمور لا تنال في ظل الحكومات الجائرة إلا بشق الأنفس، كما ذكرنا من قبل...

يجب أن نبدأ نحن والخطباء والمثقفون والكتاب ومن بيدهم وسائل الإعلام، وغيرهم لتعليم وإشاعة الأخلاق بين الناس؛ ليكون الله أيضا عونا لكم، ولیرضى قلب صاحب الزمان عنكم وعنا، وتكون الهداية الإلهية معنا بإذن الله، ولتحظی روح إمامنا الكبير الخميني (رحمة الله عليه) من هذه الحركة الأخلاقية بالفيض والرحمة (2).

ص: 165


1- كلمة خطابية ألقيت في 17 / شوال / 1425ه الموافق: 1383/9/11 ه ش.
2- کلمة خطابية ألقيت في 27 رجب 1417ه
الإعداد الأخلاقي النظري

والإعداد الأخلاقي لظهور الإمام ودولته يبدأ أولا بالاعداد النظري، وذلك بوضع برنامج تثقيفي من أجل بيان أصول الأخلاق والآداب، كما ذكرنا في الإعداد الثقافي سابقا.

ثم بعد وضع هذا البرنامج أو الدراسة، يبدأ العمل على تنفيذه بواسطة أخصائيين الذين يقومون بدورهم بتعليم هذه الأصول للناس أو الكوادر أو المجتمع بأكمله على ما ذكرنا سابقا.

هذا فيما يرتبط بالجانب النظري والذي يعود إلى الإعداد الثقافي.

الإعداد الأخلاقي العملي

إن بيان أصول الفضائل والأخلاق لا يعني الوصول إلى مجتمع يعمل بالصفات الفاضلة، بل نحتاج إلى خطوة أخرى هي تنفيذ هذه الأصول وتطبيقها عمليا.

وهذا الأمر أيضا يحتاج إلى دراسة وتخطيط، فإن التجربة أن هناك صعوبة في تطبيق من درس أصول الفضائل هذه الفضائل، فهو إما ينساها وإما يتناساها، وإما يخطئ في تطبيقها.

لذا لابد من برنامج من نوع خاص يتكفل بذلك:

برنامج ضمان تطبيق الأخلاق

وهذ البرنامج فيما أعلم لا يخضع لنظريات علمية بل لتجارب إجتماعية، خاصة أن هذا الأمر يختلف من مجتمع لآخر، ومن عائلة لأخرى ومن فرد لآخر.

ونعني بالبرنامج هو أسلوب عملي يشجع الفرد أو المجتمع على الإلتزام بالآداب

ص: 166

والمستحبات الشرعية أو ترك رذائلها، نعم زمانه بعد الإعداد الثقافي، أي لابد من کونه مسبوقا بتعليم الفرد والمجتمع الآداب ومعناها وآثارها، وكذلك الرذائل وآثارها.

ولابد وأن نعترف بصعوبة هذا الأمر وكلفته، وأيضا بعدم نجاحه في كل مصادیق الأخلاق والرذائل.

فمثلا عندما نعلم باستحباب زيارة المراقد المشرفة للمعصومین، نقوم ببرمجة ذلك ضمن رحلة جماعية مستفيدين من وقتها لتطبيق جملة من الآداب کاستحباب التسمية عند كل فعل، الطعام، الشراب، فتح الباب، اللبس، الغسل...ويتم ذلك جماعة کي يلتزم به الجميع، وكذلك إذا مر يوم خميس، يذكر الجميع بقص الأظافر، وليلا باستحباب زيارة عاشوراء، وتقام جماعة.

وهكذا صبيحة يوم الجمعة يقام دعاء الندبة.

ويشجع الجميع على إقامة الصلاة جماعة، وعلى التذكير بتسبيح الزهراء واستحباب سجدتي الشكر، وتعقيبات الصلاة اليومية.

وعندما نتعلم استحباب زيارة الجيران يشجع الناس على ذلك عمليا بمصاحبتهم إلى زيارة جيرانهم.

ويمكن هنا الإستفادة مما تقدم من أساليب التبليغ: زيارة العوائل في بيتها - كأن تزار مثلا ليلة الجمعة، وتقام الصلاة جماعة مع الأب والأم والأولاد، وتقرأ زيارة عاشوراء و مستحبات الصلاة المذكورة سابقا.

وعندما يسمع الناس استحباب خدمة الاخوان و عظیم ثوابه، علينا إنشاء جمعيات خيرية هدفها خدمة الناس على الطريقة الإسلامية، بالمساعدة مع التثقيف على هذه الآداب، مثلا إذا أرادت الجمعية أو المجموعة أن تقدم مساعدة لفقير أو عائلة، فتأتي بنفسها إلى المنزل وتعلمهم بأسلوب هادئ وعملي معنى المساعدة وثوابها، والحفاظ على النعمة وشكر الله تعالى على هذه النعم بدل شكر المخلوق، ثم تبين بعض المستحبات وتقام الصلاة جماعة في تلك الفرصة مع المستحبات.

ص: 167

وينبغي هنا . كما أشرنا سابقا - الإستفادة من عنصر النساء، الذي له دور كبير في هذا المجال، خاصة في بيان الآداب والمستحبات والأدعية، بل حتى في إقامة الجماعة الذي لا إشكال فيه شرعا إذا كان الجميع نساء.

ثم يمكن تطبيق فضائل الأخلاق بواسطة المسابقات المشجعة - سواء في المدارس أو خارجها - فبالإضافة للفائدة العلمية من المسابقة، يستطيع المعنيون الإستفادة منها لتطبيق بعض الفضائل فمثلا: يوضع في المسابقة من ضمن الأسئلة أن من يبقى على الوضوء ثلاثة أيام متوالية أو يواظب على تسبيح الزهراء بعد الصلاة يحصل على حق الاشتراك في القرعة، أو أن من يمتلك سيارة وينقل المارة المتواجدين على الطرقات (1) من مكان إلى مكان، ويأتي بأسمائهم وعناوينهم، له حق في كذا وكذا.. ونحو ذلك من البرامج العملية التي يمكن للإنسان تطبيقها ولا تخفى على المتأمل.

ص: 168


1- ينقل بعض العرفاء أن لكل شئ زكاة وشكر وزكاة السيارة نقل المارة عن الطرقات، وقد فصلنا ذلك في كتابنا «معاجز الصدقة وآثارها».
أهمية الأخلاق في بناء دولة الإمام عليه السلام

للأخلاق أهمية قصوى في الحياة الاجتماعية ولسنا هنا بصدد بيان ذلك، فالكتاب كله ليس مختصا بذلك، إنما نريد الإطلالة على أهمية الأخلاق وأثرها في دولة الإمام عجل الله تعالی فرجه.

وبما أن الأخلاق هي مجموعة إلتزامات فعلية وقولية وسلوكية من قبل الناس، فإن ذلك سينعكس لا محال على أي عمل في المجتمع - سلبا أو إيجابا - وبالأخص الأعمال الإلهية وعليه فللأخلاق أثر مهم على الإعداد لدولة العدل والطهر، وإن أهم شرط للكون من اتباع هذه الدولة الكريمة هو التخلق بأخلاق الأنبياء والأئمة علیهم السلام ، والإلتزام بالمفاهيم السلوكية التي تجعل الوصول إلى الهدف أسرع وأتقن.

ص: 169

5- الإعداد الصحي أو البيئي

والمراد به أن يهيئ الإنسان لنفسه صحة سليمة لكي يقدر على عبادة الله سبحانه والقيام ببقية أعماله المطلوبة منه.

ومن الأمور العبادية ما نحن بصدد الكلام عنه هو الإعداد لدولة القائم المهدي علیه السلام .

وعليه فالحفاظ على صحة الإنسان وتجنب المرض (1) مقدمة مهمة لواجب مهم.

نعم للصحة أهمية حتى على غير هذه الدولة لتربية الأولاد وبناء الأسرة والعمل و... إلا أننا في صدد الكلام عن هذه الدولة.

وبناء على ذلك على الإنسان الرسالي الذي ينتظر هذه الدولة ويؤمن بأهدافها أن يحافظ على جسده المادي بالامتناع عن ما يسبب المرض، كالتدخين وأكل وشرب ما يضر، أو استعمال وفعل ما يؤدي إلى أذية البدن، کالسرعة في السيارة أو الدراجة.

والخلاصة كل ما يؤدي إلى ضرر، أو زيادة ضرر وأذية الإنسان - الأمر الذي يعتبر

محرما شرعا - فهو مانع عن الوصول إلى هذه الدولة المباركة.

وعلى المتصدين إعطاء نوع من الأهمية لهذا الموضوع المهم والمؤثر على الكثير من القضايا، فإن المرض المعتد به مانع عن القيام بالكثير من الأمور الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والاقتصادية وغيرها، بل أحيانا لدغة حيوان بسيط کالعقرب، يمنع الإنسان من أدائه لأهم واجباته الاجتماعية والسياسية وغيرهما، وهذا يبين لنا

ص: 170


1- المراد بالمرض هنا ما يحصل بتقصير البشر، لا ما يحصل نتيجة البلاء الإلهي.

أهمية الصحة كما قال رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : «الصحة والأمان نعمتان مجهولتان» (1).والخلاصة الحفاظ على صحة الإنسان ومنع المرض المحتمل، مانع عن الإعداد الدولة الإمام علیه السلام .

هذا بالنسبة للحفاظ على صحة الفرد.

أما الحفاظ على البيئة في المجتمع فأيضا لها أهمية وليس الكتاب محل بحثها إنما نبحث هنا ما يؤثر منها على الإعداد والتمهيد لدولة الحق.

وتلوث البيئة تلوثا كبيرا یعد مانعا عن الكثير من الأعمال المهمة في المجتمع كما تقدم في الصحة، لأن تلوث البيئة يؤثر على صحة الفرد ويؤدي إلى مرضه، والمرض كما تقدم مانع عن العمل.

قد يقال أن تلوث البيئة لا يؤثر أثرا مباشرة على صحة الفرد ولو بالمنظور القريب.

ونقول في معرض الجواب - وبما يختص بكتابنا أننا في معرض التمهيد لدولة نموذجية لا مكان للظلم والجور فيها، والتلوث البيئي المؤثر على صحة الناس منه ما يكون ناتجا عن الظلم والجور کالمواد الكيميائية وآثار الحروب والدمار واستغلال الطبيعة بمواد ضارة أو محرمة دوليا من أجل تكثير الإنتاج - الإقتصادي والزراعي .. ونحو ذلك.

والتمهيد لهذه الدولة أحد أركانه السعي لزوال الموانع، والجور أحد الموانع المهمة لهذه الدولة المباركة التي هدفها إزالة الظلم والجور.

فأحد أهداف الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف هو إزالة الجور الناتج عن التلوث البيئي، والتمهيد والإعداد مجاله أهداف الإمام تحقيقا أو تقريبا.

ومن هنا ينبغي لكل من يؤمن بهذه الدولة التي تحقق حلم الأنبياء علیهم السلام أن يسعی للتخفيف من التلوث البيئي الذي يضر بهذه الدولة ويأخذ من وقت إمامنا المفدى

ص: 171


1- مسند الرضا (ع): 120

وقتا كبيرا لإزالته، فإن أي تلوث بيئي نقدر على إزالته ونتهاون فيه فإننا بذلك نضيع وقتا مهما للإمام علیه السلام عند ظهوره لإزالة هذا التلوث الذي يزداد يوما بعد يوم ويتضاعف، فإذا كان إزالة تلوث ما يحتاج ليوم وتهاون الناس في إزالته فإنه يحتاج عند ظهور الإمام علیه السلام لإزالته أكثر من مائة يوم، لأن التلوث يتفاعل مع نفسه ومع محيطه ليزداد ويشكل خطرا أعظما.

والتخفيف من التلوث ليس منحصرا بالجمعيات والمؤسسات أو الدول بل يشمل كل فرد في محيطه، سواء ما يتعلق بالنفايات أو قطع الأشجار أو استعمال أي مادة قد تضر الأرض والطبيعة، أو الإكثار من التدخين في الأماكن المحصورة .

وكما هناك تقصير من الدول والمؤسسات في توعية الناس لخطر التلوث القادم والعمل على تخفيفه.

ونكتفي بهذا القدر وإحالة القراء على الكتب المختصة بهذا المجال .

ص: 172

الفصل الرابع

1- الأهداف الإستراتيجية لدولة إمام الوقت

اشارة

تتعرض الروايات الى عدة أهداف يقوم الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشریف) على تطبيقها تباعا، لكن لا تبين الروایات مدی تحقق ذلك ولا كيفيته - غير ما يأتي في الفصل الخامس.

ومدة تحقق الأهداف تخضع للأسلوب، فمثلا إقامة دولة إسلامية في قارة أفريقيا إن كان بأسلوب علمي ثقافي فيحتاج لمدة معينة وإن كان بأسلوب قتالي فلعل المدة تكون أقل، وهكذا في بقية الأهداف.

وليس المراد من الكلام عن مدة تحقيق الأهداف هو البحث عن عدد السنوات کوقت، إنما عن مدة الإستعداد لهذه السنوات، الأمر الذي يؤثر على نوعية الإستعداد وكيفيته وحجمه، فإذا كانت قرية ما تحتاج لإقامة الحكم الإسلامي فيها مدة شهر فيكفيها قاضيان ومائة جندي مثلا، بينما إذا كانت المدة سنة فإن ذلك لا يكفي، وبالتالي سيزيد عدد القضاة والجند.

وعليه فهناك ربط بين هذا الفصل والفصل الآتي وهما يؤثران أيضا على الفصل السابق ويغيران في نوعيته وكيفيته وكميته.

ويمكن تقسيم الأهداف الى ثلاث: إقامة حكم الله: إقامة دولة إسلامية: نشر العدل ورفع الظلم وإزالة الجور.

ص: 173

الهدف الأول:

إقامة حكم الله تعالی

وإقامة حكم الله لا يكون إلا في دولة إسلامية، وذلك أنه إذا كان المراد تطبيق بعض أحكام الله في مكان محدد ولزمن محدد فلا حاجة للدولة والحكومة، إنما بحثنا عن إقامة كل أحكام الله تعالی والی زمن غير محدد وفي كل مكان من الأرض.

نعم في بداية ظهور الإمام وقبل إكمال أهداف الإمام هناك فترة زمنية يقام فيها حكم الله بلا دولة وذلك ضمن مناطق محددة.

ومن هنا كان الهدف الأول للإمام هو إقامة حكم الله تعالی.

نوعية أحكام الإمام عجل الله فرجه

وهل الأحكام التي ينفذها الإمام أحكام واقعية أم ظاهرية؟

وبناء على كونها واقعية، هل سيكون لها مفعول رجعي أم أنه عفى الله عما مضى؟

ما هو الداعي لالتزام الإمام بالواقعية - بناء عليها وما الهدف من ذلك؟

الحذر قبل الندم

وقبل الإجابة عن ذلك لابد من التنبيه أن الهدف من طرح ذلك ليس هو دب الرعب في القلوب من دولة الإمام عجل الله فرجه الشريف، ولا تعليمه ماذا عليه أن يعمل، إنما الحذر من مخالفة الأحكام الشرعية والحث على الالتزام بها لكي لا يندم الإنسان على فعل فيما بعد قد لا يكون هناك مجال لإصلاحه أو التراجع عنه.

فلعل من يعلم أن الإمام سوف يفضحه ويسلب منه أمواله التي هي من طرق غير شرعية، يقلع عن جنيها من هذه الطرق، ولعل من يعرف أن الإمام علیه السلام سوف يفرق بينه وبين زوجته التي هي أخته أو كان تزوجها وهي متزوجة، يتقي الله تعالى ويبتعد

ص: 174

عن المنكر هذا.

وهكذا في كثير من الأفعال التي يرتكبها الإنسان سر فإن الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف مع أنه يعلم بها عند فعلها كما تقدم عند الكلام عن عرض أعمال العباد عليه، فهو سوف يحاسب عليها ويصححها.

حكم الإمام بالواقع

ورد في الروايات الشريفة أن الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) في آخر الزمان يحكم بحكم آل

داوود المبتني على سقع الواقع:

في كمال الدين بإسناده، عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد الله، سيأتي في مسجدكم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، یعنی مسجد مكة، يعلم أهل مكة أنه لم يلدهم آباؤهم ولا أجدادهم، عليهم السيوف، مكتوب على كل سیف كلمة تفتح ألف كلمة، فيبعث الله تبارك وتعالی ریحا، فتنادي بكل واد: هذا المهدي يقضي بقضاء داود وسليمان عليهما السلام ولا يريد عليه بينة (1).

وفيه أيضا عنه قال : قال أبو عبد الله علیه السلام إذا قام القائم علیه السلام، لم يقم بين يديه أحد من خلق الرحمن إلا عرفه، صالح هو أم طالح، لأن فيه آية للمتوسمين وهي بسبيل مقيم (2).

وفي البحار عن كتاب الغيبة للسيد علي بن عبد الحمید (ره) بإسناده عن أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام قال: يقضي القائم بقضايا ينكرها بعض أصحابه ممن قد ضرب قدامه بالسيف وهو قضاء آدم فيقدمهم فيضرب أعناقهم ثم يقضي الثانية فينكرها قوم آخرون ممن قد ضرب قدامه بالسيف، وهو قضاء داود علیه السلام فيقدمهم فيضرب

ص: 175


1- کمال الدين: 2/ 671 باب 58 ذیل 19.
2- کمال الدین: 2/ 671 باب 58 ذیل 20.

أعناقهم، ثم يقضي الثالثة فينكرها قوم آخرون ممن قد ضرب قدامه بالسيف وهو قضاء إبراهيم علیه السلام ، فيقدمهم فيضرب أعناقهم، ثم يقضي الرابعة وهو قضاء محمد (صلی الله علیه واله وسلم) فلا ينكرها أحد عليه (1).

وفي الكافي بسند صحيح الى عمار الساباطي قال : قلت لأبي عبد الله علیه السلام : بما تحكمون إذا حكمتم؟ قال: بحكم الله وحكم داود فإذا ورد علينا الشيء الذي ليس عندنا تلقانا به روح القدس (2).

وفي أصول الكافي بسند صحيح عن أبان قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول : لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل مني يحكم بحكومة آل داود، ولا يسأل بينة، يعطي كل نفس حقها (3).

وروى الديلمي عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إذا قام قائم آل محمد (صلی الله علیه واله وسلم) حكم بين الناس بحكم داود، لا يحتاج إلى بينة يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه ويخبر كل قوم بما استبطنوه، ويعرف وليه من عدوه بالتوسم، قال الله سبحانه « إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مقیم» (4).

ومعنى الحكم بالواقع أنه لا يعتمد على البينات الظاهرية وشهادة الشهود بل يحكم مباشرة بعلمه الذي سوف يأتي أنه لا يعزب عنه شيء مما يحتاجه الناس أو يحتاجه الإمام لإقامة حكمه ودولته.

والفرق بين الحكم الصادر عن البينات الشرعية وشهادة الشهود وبين الحكم الصادر عن علم الإمام بمجريات الأمور أن الأول قد يخطىء بخلاف الثاني، نعم الخطأ ليس ناتجا عن الإمام بل عن اشتباه الشهود أو كذبهم أو خطأ البينة.

ص: 176


1- بحار الأنوار: 389/52 باب 27 ذیل 207
2- أصول الكافي: 397/2
3- أصول الكافي: 397/2
4- بحار الأنوار: 52/ 339 باب 27 ذیل 86

إن قيل: هل كان رسول الله يخطيء في أحكامه مع أنه كان يحكم بالبينات وبناء على شهادة الشهود، وكذلك أمير المؤمنين عليه السلام؟

قلنا:

أولا: احتمال الخطأ في شهادة الشهود والبنات ليس مطردا، فإن هناك شروطا في البينات والشهود لابد من توفرها ككونه عدلا لا يكذب أو ثقة، وكتوافق الشهود - إثنان أو أربع - على نفس القضية ومواصفاتها وزمن وقوعها وغير ذلك من العلامات المحيطة بالواقعة المبحوث عنها، فإن كل ذلك يقلل من احتمال الخطأ في إصدار الحكم عند الحاكم الفطن فضلا عن المعصوم

ثانيا: إن الله تعالى سدد أولياءه وأنبياءه في الدنيا:

قال عز من قائل: « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورُ رَحِيمُ» (1).

وقال: « أُومِنُ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ» (2)

وقال: «أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ للاسلام فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ» (3).

وقال تعالى: « إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِيُّ الْآخِرَةِ ... » (4)

ونزول الملائكة ما هو إلا للتسديد والحفظ من الخطأ وإبعاده عن المكروه،وهذه الآية نص في ثبوت التسديد الإلهي.

والآية الأخيرة تشير إلى الحكم لأن الإستقامة في الغالب تكون للحاكم، ففي

ص: 177


1- سورة الحديد: 28.
2- سورة الأنعام 122.
3- سورة الزمر: 22.
4- سورة فصلت: 30.

الصحاح: الإستقامة الاعتدال يقال: استقام له الأمر (1) قال تعالى: « وَ اسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ » (2).

وقال القرطبي: ومن شرط الولي أن يستديم الخوف إلى أن تتنزل عليه الملائكة كما قال عز وجل: « تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةِ» (3).

وقال ابن العربي في أحكامه: (تتنزل عليهم الملائكة) قال المفسرون عند الموت وأنا أقول كل يوم (4).

وقال الشوكاني: والظاهر عدم تخصیص تنزل الملائكة عليهم بوقت معین (5).

وقال السيد الطباطبائي في الآية: والآية مع ذلك تدل على أن هذا الوصف إنما هو الطائفة خاصة من المؤمنين يمتازون عن غيرهم بمرتبة خاصة من الإيمان تخصهم

دون غيرهم من عامة الناس (6).

قال: ويؤيد ما ذكرناه في الآية ما ورد في آية تنزل الشياطين قال تعالى: « هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ . .» (7)

ومعلوم أن الشياطين تنزل لإظهار الباطل في صورة الحق وتزيين القبيح في زي الحسن وهذا شأنهم كما أفاده العلامة (8).

فبالمقابلة الملائكة تتنزل على الذين آمنوا لإظهار الحق ورفع القبيح عن الذين استقاموا

ص: 178


1- الصحاح: 2017/5 ط دار العلم.
2- سورة الشوری: 15.
3- تفسير القرطبي: 29/11 ط. مؤسسة التاريخ العربي
4- تفسير الثعالبي: 136/5
5- فتح القدیر: 515/4
6- تفسير الميزان: 93/10
7- سورة الشعراء: 221.
8- تفسير الميزان: 330/15

ويؤيده ما في تفسير القمي في قوله تعالى: « نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» قال : كنا نحرسكم من الشياطين، وفي المجمع: (أي نحرسكم في الدنيا) (1).

فالملائكة تحرس من نكون أولياؤه وتقدم في الآية أنهم أولياء الذين استقاموا

وقال أمير المؤمنين علیه السلام : «وما برح لله عزت آلاؤه في البرهة بعد البرهة وفي أزمان الفترات، عباد ناجاهم في فكرهم وكلمهم في ذات عقولهم، فاستصبحوا بنور يقظة في الأسماع والأبصار والأفئدة، يذکرون بأيام الله ويخوفون مقامه بمنزلة الأدلة في الفلوات، من أخذ القصد حمدوا إليه طريقه وبشروه بالنجاة، ومن أخذ يمينا وشمالا ذموا إليه الطريق وحذروه من الهلكة، وكانوا كذلك مصابيح تلك الظلمات وأدلة تلك الشبهات..

ويهتفون بالزواجر عن محارم الله في أسماع الغافلين، ويأمرون بالقسط، ويأتمرون به، وينهون عن المنكر ويتناهون عنه، فكأنما قطعوا الدنيا إلى الآخرة وهم فيها...حتی كأنهم يرون ما لا يرى الناس ويسمعون ما لا يسمعون.

فلو مثلتهم لعقلك في مقاومهم (2) المحمودة ومجالسهم المشهودة لرأيت أعلام الهدى ومصابیح دجی » (3)

وفي الحديث المشهور: «لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل والعبادات حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده الذي يبطش بها ورجله التي يمشي بها» (4)

وفي الدعاء: سيدي لولا توفيقك ضل الحائرون، ولولا تسديدك لم ينج المستبصرون، أنت سهلت لهم السبيل حتى وصلوا وأنت أيدتهم بالتقوى حتى

ص: 179


1- تفسير الميزان: 394/17
2- المقاوم: المواقف.
3- نهج البلاغة: 448/1 کلامه عند تلاوة قوله تعالى: (رجال لا تلهيهم).
4- غوالي اللئالي: 103/4 ح 152، والغدیر: 408/1 وکنز العمال: 229/1 ح 1155.

عملوا، فالنعمة عليهم منك جزيلة والمتة منك لديهم موصولة (1).

وقال النبي (صلی الله علیه واله وسلم) : «يد الله مع القاضي حين يقضي ويد الله مع القاسم حين يقسم» (2) فيد الله تسدد القاضي والقاسم والحاكم، هذا إذا لم يصلوا إلى مرتبة أكبر فكانوا يد الله التي تقضي

ثالثا: من جملة روایات حكم أمير المؤمنين يتبين لنا صحة ما تقدم من التسديد وأن الله تعالى كان يبين الحق للإمام قبل الحكم كما هو مشهور في أقضية أمير المؤمنين علیه السلام .

والخلاصة: احتمال خطأ البيانات والشهود وارد ولكنه منفي بما ذكرنا سابقا. نعم هذا الإحتمال لا يرد في دولة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه بناء على حكمه بالواقع لا الظاهر .

هل يمكن الحكم بالواقع ؟

أما بالنسبة للإمام المهدي علیه السلام فهو ممكن بمكان علمه وقدراته - كما يأتي - فإن من يمتلك العلم على تشخيص الحوادث وكشف الوقائع بكل جزئياتها الظاهرة والباطنة، المبينة والمخفية، وفي نفس الوقت يقدر على تطبيق أي حكم حتى لو كان على الدول، فإن من يمتلك ذلك لا مشكلة عنده في الحكم بالواقع وهذا واضح لا يحتاج الى دليل.

أما بالنسبة لمجتمعنا ومن يعش فيها فإن تقبل الأمر ليس سهلا إما بلحاظ عدم اعتيادهم على ذلك بل بعضهم في زمن الغيبة لم يتعود حتى على الحكم بالظاهر فما بالك بالواقعي .

ص: 180


1- بحار الأنوار: 170/91
2- المجازات النبوية: 392 ح 309.

وإما من ناحية أن تطبيق أحكام الواقع يحتاج الى توعية مسبقة.

وإما بلحاظ ما يأتي من المفعول الرجعي لهذه الأحكام.

أما بالنسبة لعدم اعتيادهم على ذلك، فهو ليس بالأمر الوحيد الذي سوف يغيره الإمام في المجتمعات ففي غيبة النعماني عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي علیه السلام يقول: يقوم بأمر جديد وسنة جديدة وقضاء جديد، على العرب شدید ليس شأنه إلا القتل ولا يستيب أحدا ولا تأخذه في الله لومة لائم (1).

وعنه علیه السلام : إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد، كما دعا إليه رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) وإن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء (2).

وعن أبي عبد الله علیه السلام : الإسلام بدأ غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء، قال أبو بصير فقلت: إشرح لي هذا أصلحك الله .

فقال علیه السلام : يستأنف الداعي منا دعاء جديد، كما دعا رسول الله (3) .

وعليه فغرابة الأحكام التي يأتي بها الإمام ليست عائقا بل لا بد للإنسان أن يتوقع ذلك ويهيء نفسه له.

أما مسألة التطبيق: وهو المعقد والذي يحتاج الى مدة زمنية معينة من أجل اقتناع الناس بمستلزمات دولة العدل وما يترتب عليها من أحكام واقعية أو جديدة.

وهذا الأمر متعلق بالإعداد الثقافي قبل ظهور الإمام علیه السلام ، وأيضا له صلة بأسلوب الإمام في نشر الدين فهل سيسلك الإمام في الهداية العامة طريق النبي الأعظم والأئمة علیهم السلام من التوعية والصبر والتكرار، أم أنه لا توبة بعد ظهور القائم علیه السلام وتتحول الهداية في زمنه الشريف الى أوامر تنفذ وأحكام تقام لا اعتراض ولا نقاش ولا صبر عليها ؟ إحتمالان بل وجهان؟ وعند كتابتي لهذه الأحرف لا يحضرني أيهما أصح وسنرجئه الى مكانه في الفصل الخامس عند الكلام عن التوبة.

ص: 181


1- غيبة النعماني: 234 ح 22 باب 13.
2- غيبة النعماني: 173 الإسلام بدأ غريبا.
3- غيبة النعماني: 173 الإسلام بدأ غريبا.
إرجاع الحقوق لأهلها في أحكام الإمام الواقعية

والمراد بإرجاع الحقوق هو الأفعال التي صدرت عن الناس قبل الظهور وكانت مخالفة للإسلام وأحكامه فهل يأتي الإمام لتصحيح هذه الأفعال وتصويبها أم لا؟

وهنا تفصيل:

1. ومن الأفعال ما تكون معصية لله دون حق للناس، کترك الصلاة والصوم ونحو ذلك من الأمور العبادية، وهذه الأفعال بعد التوبة لا شيء على صاحبها، نعم إن كانت التوبة من هذه المعاصي بعد ظهور القائم علیه السلام فالأمر يحتاج الى كلام نفصله في البحث الخامس عند الكلام عن التوبة في عصر الظهور .

2 - ومن الأفعال ما يكون اغتصابا لحقوق الغير، كالسرقة واغتصاب الأموال والعقارات والأسهم، ومنه حق الفقراء في أموال الناس لمن لا يدفع الخمس والزكاة وأمثال ذلك، فهذا مما لا شك فيه أن الإمام عجل الله فرجه الشریف، سوف يعيد حقوق الناس المغتصبة إلى أصحابها بل هذا أحد أهداف الإمام المهمة.

3- ومن الأفعال أو المعاصي ما يكون بارتكاب محرم لا يجوز الإستمرار به کمن تزوج بأخته من الرضاعة، أو تزوج بامرأة مطلقة وبان أنها ما زالت على ذمة الزوج السابق نتيجة بطلان طلاقها، أو تزوج بامرأة مفقود زوجها وبان أنه حي، ونحو ذلك من الأمور المتعلقة بالزواج وقد حكم الشرع بوجوب التفريق بين الزوجين مع عدم إمضاء الإمام علیه السلام لهذه الأحكام بعد ظهوره.

فهذه الأفعال مما يدخل تحت الأحكام التصحيحية للإمام ووجوب الإلتزام بمفاعيلها إذ بعد تبيين الإمام لهذه الأحكام الواقعية المبينة عن علمه بها أو اعتراف الناس بها لا يجوز البقاء عليها في عصر الغيبة فمن يعلم أنه اغتصب بعض الحقوق أو لديه شبهة في زواجه فعليه تصحيحه قبل خروج الإمام عليه السلام .

ص: 182

ما الهدف والداعي للحكم بالأحكام الواقعية

قد يقال أن سيرة الأئمة بالأحكام الظاهرية، وكما تقدم هناك عقبات أمام الحكم بالأحكام الواقعية فلماذا يتبنى الإمام ذلك؟

قلنا:

أولا: ليس سيرة الأئمة، كما ذكر فتقدم أنهم علیهم السلام كانوا يوفقون من خلال الأحكام الظاهرية إصابة الواقع.

ثانيا: أن أهم أهداف الإمام المهدي صلوات الله عليه وآله هو إزالة الجور والظلم الذي حرمه تعالى، وإحلال العدل والحق الذي أمر به تعالی، تلك الأوامر والأحكام التي ما شرعت للبشرية، إلا بناء على المصلحة الإلهية الملزمة، ومخالفتها مخالفة لتلك المصلحة المبنية على سقع الواقع لا الظاهر، فالإمام عجل الله فرجه بحكمه الواقعي يحقق تلك المصلحة التي أمر الله بها، التي لم تحقق إلى أوان ظهوره عليه السلام، فترك الحكم بالأحكام الواقعية ترك لهذه المصلحة الإلهية.

وبالتالي فالهدف من الحكم بالأحكام الواقعية هو تحقيق مصلحة الله تعالى التي بنيت على أساسها الأحكام، والتي من خلالها يتحقق كامل العدل والحق ويرفع كل أنواع الجور والحيف التي نهى عنها الله تعالی .

لا يقال إن المصلحة كانت تحقق بالأحكام الظاهرية :

لأنا نقول: المصلحة لم تحقق إنما أمرنا باتباع الأحكام الظاهرية لعدم علمنا بالواقع، وعند العلم بمخالفتها للواقع لا يجوز اتباعها، وحكم الإمام المهدي بها، دلیل كونها واقعية، إما لأن أحكامه واقعية، وإما لأنها مخالفة للأحكام الظاهرية ولا يوجد وراء الأحكام الظاهرية إلا الواقعية.

ص: 183

مثال ذلك: بقاء الزوجية بين الأخوين بالرضاعة مع عدم علمهم بذلك، فإذا حكم الإمام بالفرقة بينهما لعلمه بواقع الأمر، فإن حكمه حكم غير ظاهري أي واقعي.

الهدف الثاني:

إقامة أكبر دولة إلهية

من الأهداف الإستراتيجية الإمامنا المهدي عجل الله تعالی فرجه، هي بناء أعظم وأوسع دولة تشمل القارات السبع.

وما تقدم من دولة إلهية أو إسلامية منذ آدم علیه السلام وحتى عصر أمير المؤمنين علیه السلام أو ما هو موجود حاليا في الدول الإسلامية في عصر الغيبة، فكل هذه الدول كانت بمكان وزمان محددین.

فدولة النبي سليمان علیه السلام مع اتساعها وقوتها لم تشمل غیر بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية وما يحيط بها.

ودولة النبي يوسف علیه السلام (1) ، كذلك كانت في مصر وما يحيط بها.

ودولة النبي الأعظم (صلی الله علیه واله وسلم) مع عظمتها واتساعها لم تشمل أكثر من قارة. وهكذا دولة أمير المؤمنين علیه السلام ، فلم يصل مداها لأكثر من ذلك.

نعم ذو القرنين ملك المشرق والمغرب لكنه لم يقم العدل فيهما مع ملاحظة عدد السكان القليل وقلة المناطق المسكونة وبدائية الحياة .

ومن هنا كانت حركة الإمام رابط بين كل الأنبياء علیه السلام ومكمل لما بدأوه و محقق الما حلموا به جاء في دعاء الندبة: أين الطالب بذحول الأنبياء وأبناء الأنبياء، أين الطالب بدم المقتول بکربلاء».

ص: 184


1- هذا بناء على أنه هو من أسس هذه الدولة.
الفرق بين الدولة وإقامة العدل

وإقامة هذه الدولة من قبل إمامنا المفدى وعلى مختلف بقاع الأرض، أعم من إقامة العدل فيها كما يأتي في الهدف الثالث، ففرق بين إقامة دولة إسلامية وبين إقامة العدل، والمراد بالعدل العدل المطلق ونفي كل الحيف والجور، ففي زمن النبي (صلی الله علیه واله وسلم) كانت هناك دولة إسلامية ولكن لم يكن هناك عدل مطلق فيها، فمثلا لم تستطع النعجة أن تنام قرب الذئب ولم يزل كل الظلم والحيف، كيف وقد مورس الظلم على نفس النبي (صلی الله علیه واله وسلم) ؟!

وهكذا في دولة أمير المؤمنين عليه السلام، بل الأمر أوضح لأن قاضي دولته كان شریح القاضی.

والخلاصة: العدل يحتاج إلى دولة لكي يقام، ولكن الدولة قد تكون مع عدم وجود عدل مطلق. نعم عدم العدل ليس ناتجا عن تقصير المعصوم كقائد لهذه الدولة بل عن الظروف المحيطة .

أما زمن الإمام المهدي علیه السلام والذي خوطب بإقامة العدل فإن الأمر مختلف، نعم زمن تطبيق العدل في دولته المباركة متأخر عن زمن إقامة الدولة لذا أفردنا الهدف الثاني عن الثالث.

وسبب تأخر العدل وإزالة الحيف هو ما يأتي في معناه فإنه ليس مجرد إقامة حكم إسلامي عادل من ناحية القوانين بل هو إقامة العدل بين الزوج وزوجته في خلوتهم وبين الأبن وأبيه و بين الجار وجاره، بل بين الذئب والغنم كما في الروايات، الأمر الذي نجهل كيفيته وسببه، وتطبيق هذا يحتاج لزيادة العناية من قبله علیه السلام وتمهيد وتوعية وتثقيف بخلاف القوانين الدولية التي يكفي فيها الإلزام مع الحزم.

نعم إقامة الدولة العظمى ليس بالأمر السهل بل يحتاج لتخطيط وتدبير وإعداد وحروب وتضحية وشهداء.

ص: 185

وبالتالي لن تكون هذه الدولة بمجرد ظهوره المبارك .

وأما كيفية إقامة هذه الدولة، فلها ربط بأسلوب دعوة وحركة الإمام كما ذكرنا وبحثه مخصص للفصل الخامس، إذ هناك احتمالات: بين الدعوة بالموعظة الحسنة والكلمة الطيبة، وبين الدعوة بأسلوب علمي من نوع خاص. وبين استعمال أساليب قتالية متطورة وبين استعماله للإعجاز الغيبي، وبين المزيج من هذه الأمور، أي الترغيب العلمي والترهيب القتالي وتفصيله في محله.

ص: 186

أركان دولة الإمام وأجهزتها

عن أبي جعفر عليه السلام قال: دولتنا آخر الدول، ولن يبقى أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله عزوجل « وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ» (1) (2).

لدولة الإمام عجل الله فرجه مجموعة أجهزة وقطاعات كأي دولة، من جهاز عسكري وقضائي وسياسي وثقافي وأمني ورياضي. ونحو ذلك من الأمور التي تحتاجها الدولة لتمشية أمورها وأمور رعيتها.

ودليلنا على ذلك، الحديث المشهور: « يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً جَوْراً » (3).

فليس المراد إقامة العدل في الأرض كأرض مؤلفة من تراب وحجر وشجر بل إقامة العدل بين أهل الأرض فهناك تقدير كقوله تعالى: « وَ اسْأَلِ الْقَرْيَةِ» (4). أي واسأل أهل القرية.

وعليه فالمخاطب له في إقامة العدل بين وإزالة الجور والظلم، هو أهل الأرض وساكنيها، ولا معنى له للأرض فقط .

ثم إن إقامة العدل أو إزالة الجور والحيف عن أهل الأرض ليس فيما بينهم كأفراد فقط بل كأفراد ومؤسسات ودول، فكل ظلم وجور وجد سيزيله الإمام ويضع مكانه العدل والحق والخير، سواء أكان ذلك في القطاع أو الجهاز السياسي أم القضائي أم

ص: 187


1- سورة الأعراف: 127، والقصص: 83
2- بحار الأنوار: 52 / 332.
3- بحار الأنوار: 26 / 263.
4- سورة يوسف : 82.

الرياضي أم الأمني، الفردي منه أم الجماعي، الصغير أم الكبير.

فالحديث النبوي الشريف لا يحدد إقامة وإزالة الجور في جهاز خاص أو بمكان معين، بل هو مطلق، فأين ما وجد الظلم سيبدل إلى عدل، باستثناء ما كان أصل وجوده جور وظلم كلعب القمار والإسراف الشخصي أو الذي تتبعه الدول والمؤسسات، ونحو ذلك ...

فإن الظلم الموجود فيه وفي أمثاله لا يبدل إلى عدل، لأن أصل العمل غير قابل لذلك، بل هو الظلم بعينه. فالعدل فيه وفي أمثاله يكون بإزالة نفس العمل ومنع استعماله من الأساس، وهذا أمر واضح.

ويلغي الإمام في دولته ما يسمى بالبرلمان الذي هو عبارة عن السلطة التشريعية لأنه لا مشرع في قبال المعصوم علیه السلام.

نعم قد تستبدل بعض العناوين مثل: الرئيس والملك والأمير، ليحل مكانها (الوكيل أو النائب)، إضافة لتوحيد البلاد وإلغاء الحدود الجغرافية التي لا حاجة لها في ذلك الزمان وتلك الدولة المباركة، وكذلك إلغاء كل الأحزاب التي تكون مقابل حزب الإسلام.

وهل يقفل السجون ؟

يلغيها بناء على وصول المجتمعات الى العصمة، وسوف نتعرض لذلك في الفصل الثامن .

والنتيجة لدولة الإمام المنتظر علیه السلام شؤون كبقية الدول إلا ما لا حاجة له وكان عائدا للحيف والجور والمنكر، وسيقيم العدل في هذه الشؤون كلها ولا استثناء في الحديث.

ومن هنا ما تقدم في الإعداد لهذه الدولة يشمل كل هذه الشؤون والأجهزة، وإن كنا سابقا ذكرنا أهم أنواع الإعدادات، ويكون فائدة هذا البحث المطروح - أركان الدولة - هو معرفة سعة الدولة من أجل الإهتمام بالاستعداد والإعدادلها.

ص: 188

سعة دولة القائم

في دعاء العهد: واعمر اللهم به بلادك وأحيي به عبادك.

وفي كمال الدين بإسناده عن جابر الأنصاري قال: سمعت رسول الله عليه السلام يقول: إن ذا القرنين كان عبدا صالحا جعله الله عز وجل حجة على عباده فدعا قومه إلى الله وأمرهم بتقواه فضربوه على قرنه فغاب عنهم زمانا، حتى قيل مات أو هلك بأي واد سلك ؟ ثم ظهر ورجع إلى قومه، فضربوه على قرنه الآخر، وفيكم من هو على سنته وإن الله عز وجل مكن لذي القرنين في الأرض وجعل له من كل شيء سببا وبلغ المغرب والمشرق وإن الله عز وجل سيجري سنته في القائم من ولدي، فيبلغه شرق الأرض وغربها حتى لايبقي منهلا ولا موضعا منها من سهل أو جبل وطئه ذو القرنين إلا وطئه، ويظهر الله عز وجل له كنوز الأرض، ومعادنها، وينصره بالرعب ويملأ الأرض به عدلا وقسطا، كما ملئت جورا وظلما (1).

وقال رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : «المهدي الذي يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت جورا و ظلما، والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسى ابن مريم فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنور ربها ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب» (2).

وقال (صلی الله علیه واله وسلم) : «المهدي من ولدي ابن أربعين سنة كأن وجهه کوکب دري، في خده الأيمن خال أسود، عليه عباءتان قطوانيتان كأنه من رجال بني إسرائيل، يستخرج

ص: 189


1- كمال الدين: 2/ 394 باب 38 ذیل 4.
2- فرائد السمطین 312/2 ح 562

الكنوز ويفتح مدائن الشرك» (1).

يتبين من خلال هذه النصوص أن دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشریف، والتي هي آخر الدول - تشمل كل أرض عليها إنسان من أي لون أو عرق كان.

ص: 190


1- فرائد السمطین 314/2 ح 565.
التخطيط لدولة العدل

ومما لا شك فيه أن الإمام القائم عجل الله تعالی فرجه عندما يخرج لا ينتظر مهلة زمنية للتخطيط لهذه الدولة وأركانها، بل يخرج الإمام ومعه التصور الكامل للدولة الكاملة النموذجية العادلة والتي تغطي كل بقعة في الأرض .

ودليلنا على ذلك :

1- ما روي أن الله يتكفل في ذلك كما روى الصدوق (ره) في كمال الدين عن أبي جعفر علیه السلام قال: إن صاحب هذا الأمر فيه شبه من يوسف علیه السلام يصلح الله عز وجل أمره في ليلة واحدة (1).

وكان نبينا يوسف عليه وعلى نبينا السلام أصلح الله تعالى أمره في ليلة واحدة، حيث رأى فيها ملك مصر في المنام ما رأي.

وعن النبي (صلی الله علیه واله وسلم) قال: المهدي منا أهل البيت، يصلح الله له أمره في ليلة.

2- أن يكون لديه خطة عمل مستلهمة من التجربة التي عایشها للدول والملوك في الغيبة الكبری.

3- الإعتماد على عصمته وعلمه الغزير كما يأتي.

4 - تسديده بالملائكة علیهم السلام فعن رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : التاسع منهم قائم أهل البيت ومهدي أمتي أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله يظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلة فيعلن أمر الله ويظهر دين الله ويؤيد بنصر الله وينصر بملائكة الله فيملأ الأرض

ص: 191


1- كمال الدين: 1/ 329 باب 32 ذیل 12.

قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما (1).

في حديث الصادق للمفضل: يا سيدي وتظهر الملائكة والجن للناس ؟

قال علیه السلام : أي والله ولينزلن أرض الهجرة ما بين الكوفة والنجف وعدد أصحابه ستة وأربعون ألفا من الملائكة وستة آلاف من الجن - وفي رواية: ومثلها من الجن، بهم ينصره الله ويفتح على يده (2).

5- نصره بالرعب: عن جابر الأنصاري قال: سمعت رسول الله علیه السلام يقول: ... ويظهر الله عز وجل له كنوز الأرض، ومعادنها، وينصره بالرعب ويملأ الأرض به عدلا وقسطا، كما ملئت جورا وظلما (3).

وعن أبي جعفر علیه السلام في وصف رايته قال.. ويسير الرعب قدامها شهرا، وعن

يمينها شهرا وعن يسارها شهرا (4).

وعن أبي عبد الله علیه السلام في وصف أصحابه: كأن قلوبهم زبر الحديد، لايشوبها شك في ذات الله، أشد من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها، لايقصدون براياتهم بلدة إلا خربوها، كأن على خيولهم العقبان، يتمسحون بسرج الإمام، يطلبون بذلك البركة ويحفون به، يقونه بأنفسهم في الحروب ويكفونه ما يريد، فيهم رجال لاينامون الليل، لهم دوي في صلاتهم کدوي النحل، يبيتون قياما على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل، ليوث بالنهار، هم أطوع له من الأمة لسيدها، کالمصابيح كأن قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون يدعون بالشهادة، ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله، شعارهم: يا لثارات الحسين، إذا ساروا يسير الرعب

ص: 192


1- النجم الثاقب: 505/1 - 506.
2- النجم الثاقب: 296/1
3- كمال الدين: 2/ 394 باب 38 ذیل 4.
4- بحار الأنوار: 360/52 باب 27 ح 129.

أمامهم مسيرة شهر، يمشون إلى المولى إرسالا، بهم نصر الله إمام الحق (1).

خصائص وفروقات دولة الإمام عن الدول الأخرى

نعم، لدولة الإمام فروقات ومزايا:

1- حكمها بالعدل وهو العنوان العام والأساس.

2 - حكمها بالواقع كما تقدم .

3- لا جور ولا ظلم في جميع أجهزتها وأينما كانت وفي أي زمان.

4 - قوانينها إلهية محضة لا وضعية ولا تناسبية.

5 - لا مجال للوسائط فيها كما هو ظاهر.

6- تقدم الأفضل والأعلم والأنسب للمناصب والمسؤولية.

7- لا فقير ولا مسكين فيها مع اتساعها وعظمتها ومسؤوليتها (2).

8- بلوغها قمة التطور والتقدم العلمي كما سوف نوضحه عند الكلام عن علم الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف وعلم أصحابه .

9 - سعة نفوذها وسيطرتها على كمال أنحاء العالم.

10 - قدرتها التكوينية كما يأتي عند الكلام عن قدرة الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف).

11 - توحيدها وجمعها لكل مخلوقات الله تعالی علی دین واحد.

12 - توحيدها للأنظمة والقوانين الحياتية والإجتماعية في كل أنحاء العالم.

13 - أن حكمه وسلطنته تعم أهل السماوات والأرض كما يأتي قريبا.

14 - أن في دولته علیه السلام يؤلف الله بين القلوب كما روي عن الصادق علیه السلام (3).

15 - في دولته توحد الكلمة في كل أنحاء العالم كما روي عنهم: في زيارة الإمام

ص: 193


1- بحار الأنوار: 308/52 ح 82
2- كما يأتي
3- أنظر الكافي: 466/2 ح 1.

المهدي: السلام على المهدي الذي وعد الله به الأمم أن يجمع به الكلم ویلم به الشعث (1).

هذا ما خطر بالبال القاصر من خصائص ومزايا لهذه الدولة الإلهية، وللتأمل مجال في بعضها، خاصة أن بعض العناوين المذكورة قد تدخل تحت بعضها.

وكذلك بعضها يعتبر من جملة الأهداف غير ما ذكر من الأهداف الرئيسية الثلاث.

الهدف الثالث:

2- إقامة العدل وإزالة الظلم

وهذا الهدف لا يختص بالإنسان بل يشمل الحيوان أيضا كما ورد عن أهل البيت علیه السلام :

3- روايات عدله بين الحيوان

في البحار عن أمير المؤمنین علیه السلام في وصف ظهورالقائم علیه السلام قال: وتعطي السماء قطرها والشجر ثمرها، والأرض نباتها وتتزين لأهلها، وتأمن الوحوش حتى ترتعي في أطراف الأرض كأنعامهم، الخبر (2).

وفي البحار عن ابن عباس في قوله تعالى: « لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» قال: لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملة إلا دخل في الإسلام حتى يأمن الشاة والذئب والبقرة والأسد والإنسان والحية وحتى

لاتقرض فأرة جرابا (الخبر إلى أن قال) وذلك يكون عند قيام القائم (3).

ص: 194


1- كمال الدين و تمام النعمة: 647.
2- بحار الأنوار: 53 / 85
3- بحار الأنوار: 61/51 باب آیات المؤولة ذیل 59.

عن أمير المؤمنين علیه السلام في وصفه علیه السلام : وتصطلح في ملكه السباع وتخرج الأرض نبتها وتنزل السماء بركتها ، الخبر (1).

وفيه عن النبي (صلی الله علیه واله وسلم) قال: المهدي رجل من ولدي لونه لون عربي وجسمه جسم إسرائيلي على خده الأيمن خال كأنه كوكب دري يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضى في خلافته أهل الأرض وأهل السماء والطير في الجو (2).

عن أمير المؤمنين علیه السلام : وترعى الشاة والذئب في مكان واحد وتلعب الصبيان بالحيات والعقارب لا يضرهم شيء ويذهب الشر ويبقى البخير (3).

وقال علیه السلام : وألقي في ذلك الزمان الأمان على الأرض فلا يضر شيء شيئا ولا يخاف شيء من شيء ثم تكون الهوام والمواشي بين الناس فلا يؤذي بعضهم بعضا، وأنزع حمة كل ذي حمة من الهوام وغيرها، وأذهب سم كل ما يلدغ (4).

أقول: ليس ذكر هذه الروايات مخصوص لذاته فلسنا بصدد الكلام عن عالم الحيوان والظلم والجور فيه، إنما ذكرنا ذلك للإستفادة منه لما نحن بصدد الكلام عنه وأن العدل المراد بحثه والذي هو أهم هدف في دولة الإمام (عجل الله تعالی فرجه الشریف)، وأنه ليس هو مجرد العدل في الحكم والأحكام والحدود بل يشمل كل أنواع الحيف والتحيز بحيث أن هذا العدل سيشمل حتى الحيوان الذي من طبعه أن يأكل القوي الضعيف، وهو ما يضرب به الأمثال بشريعة الغاب، فالله أعلم بجوهر وحقيقة هذا العدل وسعته ولطفه، بحيث يرضي الذئب والأسد والتمساح والنسر.

فإذا كان هذا العدل سيقنع العقرب على ترك أذية الإنسان والحيوان، وأقول «يقنع» لأن الظاهر كما يأتي أن عدل الإمام لا يفرض بالقوة، بل بأسلوب لطيف ذكره تعالی

ص: 195


1- بحار الانوار: 52/ 280 .
2- بحار الأنوار: 51/ 80 باب 1 ذیل 9.
3- النجم الثاقب: 301/1
4- النجم الثاقب: 306/1 - 307

في قرآنه الكريم: « أَدَعَ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ » (1).

ومن أولى من الإمام المهدي عدل القرآن و مصاحبه إلى الإلتزام بهذا النهج الإلهي المؤثر، وسوف نفصل ذلك في الفصل الخامس إن شاء الله.

ص: 196


1- سورة النحل: 125.

4- حقيقة وجوهر العدل المهدوي

ونعني بنشر العدل هو حل كل مشاكل العالم السياسية والاجتماعية والبيئية والأخلاقية، والتكفل براحة كل إنسان من دون منازع ومستغل، بما يضمن حقوق الإنسان في بقاع العالم .

وإن فقدان العدل أكبر هم تعانيه البشرية اليوم، لما من آثار جمة لذلك ، قال النبي الأعظم (صلی الله علیه واله وسلم) : ساعة إمام عادل أفضل من عبادة سبعين سنة وحديقام لله في الأرض أفضل من مطر أربعين صباحا (1).

وقال تعالى: « وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آموا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يعبدوني لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَ مَنْ کفر بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» (2).

وهذه الآية تدل على أن العدل الكامل لم يقم وسيقام في آخر الزمان عندما يستخلف الله الذين آمنوا على الأرض كل الأرض .

وكذلك قوله تعالى: « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ کله وَ لَوْ کره الْمُشْرِكُونَ » (3)

ولحد الآن لم يظهر على الدين كله كما في رواية عن الإمام الصادق علیه السلام (4).

وسيأتي في مزيد أدلة في ذيل الفصل.

ص: 197


1- الوسائل: 18 / 308 باب 1 ح 4.
2- سورة النور: 54 - 55
3- سورة التوبة: 32 - 33، وسورة الصف: 9، والفتح: 28 .
4- أنظر كمال الدين: 67 ح 16، و تفسیر نور الثقلين: 2/ 211 ح 122.

5- روايات العدل

عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : «أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صحاحا» فقال له رجل: وما صحاحا؟

قال: «السوية بين الناس» (1).

وعن الحسين بن خالد قال: قال علي بن موسی الرضا المرتضى علیه السلام وقد قيل له: یابن رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) ومن القائم منكم أهل البيت ؟

وقال علیه السلام : «الرابع من ولدي، ابن سيدة الإماء، يطهر الله به الأرض من كل جور ويقدسها من كل ظلم، وهو الذي يشك الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره ووضع میزان العدل بين الناس فلا يظلم أحد أحدا، وهو الذي تطوى له الأرض، ولا يكون له ظل، وهو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه يقول: ألا إن حجة الله قد ظهر عند بیت الله فاتبعوه فإن الحق فيه ومعه، وهو قول الله « إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ» (2) (3).

وعن أبي سعيد الخدري أن النبي (صلی الله علیه واله وسلم) قال: «يخرج المهدي في أمتي، يبعثه الله غیاثة للناس، تنعم الأمة وتعيش الماشية وتخرج الأرض نباتها والمال صحاحا» (4).

وقال الصادق علیه السلام في الحديث المروي في البحار وغيبة النعماني: أما والله

ص: 198


1- فرائد السمطین 2/ 310ح 561.
2- سورة الشعراء: 4.
3- فرائد السمطین 2/ 337 ح 590، وكمال الدين: 471/2 باب 35 ذیل 5.
4- کشف الغمة: 3/ 270.

ص: 199

المنتظر (1).

وفي حديث أبي المروي في كمال الدين، وغيره عن النبي (صلی الله علیه واله وسلم) قال في وصفه علیه السلام : أول العدل وآخره (الخ) (2) ، يريد بذلك كمال عدله وقل ما يخلو حدیث ذكر فيه عن ذكر عدله.

وعن أمير المؤمنین علیه السلام أنه قال للحسين علیه السلام : التاسع من ولدك ياحسين هو القائم بالحق، المظهر للدين، الباسط للعدل (3).

وفي البحار عن أبي عبد الله علیه السلام قال: أول ما يظهر القائم من العدل أن ينادي

مناديه أن يسلم صاحب النافلة لصاحب الفريضة الحجر الأسود والطواف

وعن عمار الساباطي قال : قلت لأبي عبد الله علیه السلام : جعلت فداك، فما نرى إذا أن نكون من أصحاب القائم ويظهر الحق ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالا من أصحاب دولة الحق والعدل (4) .

وقال علیه السلام : سبحان الله أما تحبون أن يظهر الله تبارك وتعالى الحق والعدل في البلاد، ويجمع الله الكلمة ويؤلف الله بين قلوب مختلفة ولا يعصى الله عزوجل في أرضه وتقام حدوده في خلقه ويرد الله الحق إلى أهله فيظهر حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق، أما والله يا عمار لا يموت منکم ميت على الحال التي أنتم عليها إلا كان أفضل عند الله من كثير من شهداء بدر وأحد فأبشروا (5).

عدله روحي فداه في الإنجيل.. بل يحكم بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض ويضرب بقضيب فمه، ويميت المنافق بنفخة شفتيه... فيسكن الذئب

ص: 200


1- تهذيب الأحكام : 111/3
2- مکیال المکارم: 108/1
3- كمال الدين: 304/1 باب 26 ح 16.
4- بحار الأنوار: 52/ 374 باب 27 ح 169.
5- الكافي: 1/ 334 باب نادر في حال الغيبة ح 2.

مع الخروف ويربض النمر مع الجدي .. في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلىء من معرفة الرب (1).

وهذه الروايات فيها ما ينبغي الوقوف عنده:

1 - «يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض».

2 - «يطهر الله به من كل جور ويقدسها من كل ظلم».

3 - «ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر».

4 - «ولا يظلم أحد أحدا.»

5 - «ويجمع الله الكلمة ويؤلف بين قلوب مختلفة ولا يعصى الله في أرضه و تقام حدوده في خلقه».

6- رضی سكان السماوات والأرض عن عدل ولطف المهدي علیه السلام

قوله علیه السلام في حق المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف): يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض: ومعنی رضی سكان الأرض ظاهر إذ هو نتيجة العدل المطلق لولي الأمر فإن كل سكان الأرض يرضون عنه، الرجل والمرأة، الصغير والكبير، المريض والصحيح، الإنسان والحيوان لأن التعبير بساكن الأرض أعم من الإنسان، وقد تقدم عدله في الحيوانات وهو شاهد لا أكثر فالكتاب خارج عنه.

نعم، يستفاد من رضى الناس لطفه الواسع وعدله الواضح عجل الله فرجه الشريف. إذ أن رضي الناس غاية لا تدرك، فما هو هذا الأسلوب في العدل الذي یرضي الضرة على ضرتها من حكم الإمام بينهما؟!

أما رضى سكان السماوات فغير ظاهر، فهل المراد به الملائكة وأنه يرضى عنه

ص: 201


1- أشعيا: 11/ 4 - 8.

الملائكة لعدله بين الناس فلا تصعد الملائكة بالمعاصي الله تعالى وهو نوعرضى لهم

وسرور.

أم المراد الجن بناء على أنهم يسكنون السماء أو الفضاء فيحكم فيهم بالعدل كحکمه بأهل الأرض.

نعم عدله مما لا شك فيه أنه يشمل عالم الجن لأنهم إما من سكان الأرض أو السماء ولا ثالث؟

أم أن المراد بسكان السماء بشر أو خلق لا نعرفهم يسكنون الفضاء أو الكواكب أو

المجرات يكشف لنا الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) بعلمه وقدرته عن حقيقتهم؟

أم أن المراد كل ذلك فنقول ترضى الملائكة والجن وكل مخلوق الله في السماء عن الإمام وحكمه وعدله؟

ووجوه واحتمالات لا دليل عندي على جميعها وليس غرض الكتاب الإجابة عن كل ما يتعلق بالمهدي المنتظر عجل الله فرجه بل ولا على القليل عنه لأنه أمر دقیق، والله أعلم بحقيقة الحال.

7- تطهير وتقديس الأرض

قوله علیه السلام : يطهر الله به الأرض من كل جور ويقدسها من كل ظلم .

لفظة (يطهر) فيها زيادة عناية منه علیه السلام حيث أن إزالة الجور يصدق بارتفاعه كإزالة الظالم من محكمة أو مؤسسة، لكن تعبير التطهير يفيد أن نوعية أو كيفية الإزالة بشكل يحل مكان الجور والعدل والحق، ويكون طاهرا نقيا، من قبيل من يريد تطهير موضع فيصب الماء مرة واحدة على النجاسة فتطهر ولكن قد يبقى أثر النجاسة أو لونها، بينما لو أضيفت صبة أخرى فيحصل النقاء وزيادة الطهر. فصحيح أن الصبة الأولى أزالت النجاسة وصححت الصلاة لكن الثانية جعلته نقيا.

ومما جاء في القرآن بهذا التعبير : « وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ

ص: 202

حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ » (1).

قوله: يطهرن، أي من الحيض، فيجوز إتيان النساء بعد زوال الحيض، ولكن قوله: فإذا تطهرن، أي إغتسلن فهو للدلالة على النظافة والطهر الزائد، فصحيح أنه يجوز إتيان النساء بعد زوال الحيض ولكن الأفضل بعد الغسل.

وفي موردنا صحيح أن إزالة الجور يكفي، ولكن هناك ما يطهر بقايا الجور وهو ما يكون من نور مولانا المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشریف.

وقوله علیه السلام الأرض من كل جور، يدل على ما ذكرناه سابقا أن عدله يشمل كل الأجهزة والقطاعات، ومن كل أنواع الجور ما ظهر منه وما بطن.

وسوف يأتي ما يوضح ذلك وتفصيله هناك.

وقوله علیه السلام : ويقدسها من كل ظالم، أيضا فهي زيادة عناية فتحقيق إزالة الظالم وظلمه تكون برفعه ورفع الظالم والظلم من مكان يستلزم حلول العدل والعادل لا أكثر، أما تقديس هذا المكان وهذا المنصب أو هذا القطاع فهو من أثر أنوار حجة الله على الأرض.

8- الفرق بين العدل والقسط

عن النبي (صلی الله علیه واله وسلم) في كمال الدين : إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الإثنا عشر، أولهم أخي، وآخرهم ولدي.

قيل: یا رسول الله، ومن أخوك ؟

قال (صلی الله علیه واله وسلم) : علي بن أبي طالب.

قيل: فمن ولدك؟

ص: 203


1- سورة البقرة: 222

قال (صلی الله علیه واله وسلم) : المهدي الذي يملأها قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا وظلما (1).

قيل: في موارد الإستعمال العدل أعم من القسط، فإن القسط يستعمل في مقام توفية حق الغير، مثل مقام أداء الشهادة والقضاء والكيل والوزن ونحوها، والعدل يستعمل فيما يستعمل فيه القسط وفي غيره.

وبعبارة أخرى: القسط لا يستعمل إلا فيما يرجع إلى الغير. والعدل يستعمل في ما يرجع إلى النفس والغير.

فالعدل موافقة الحق مطلقا والقسط موافقة الحق في مورد الخلائق، وإن شئت تصديق ما ذكرنا فارجع إلى الآيات الشريفة القرآنية المذكور فيها العدل والقسط، والجور ضد القسط والظلم ضد العدل، فالظلم هو التجاوز عن الحق مطلقا، والجور هو التجاوز عن الحق الراجع الى الغير.

والأحاديث الواردة بهذا المضمون تدل على أن الحكام والرؤساء والقضاة يجورون في حكومتهم بين الناس في آخر الزمان، وهم يظلمون أنفسهم وغيرهم أيضا، وإذا ظهر القائم علیه السلام ، رفع الجور وعدل في الحكومة بينهم، واجتث أصل الظالمين وفرعهم، بحيث يشمل عدله جميع العالم فلا يظلم أحد أحدا.

قال الإمام الصادق علیه السلام في الحديث المروي في البحار وغيبة النعماني: أما والله ليدخلن عليهم عدله جون بيوتهم كما يدخل الحر والقر (2).

ص: 204


1- كمال الدين: 1/ 280 باب 24 ذیل 28.
2- بحار الأنوار: 362/52 ح 131

9- سعة عدل المهدي

قوله علیه السلام : «ليدخلن عليهم عدله جوف بيوتهم كما يدخل الحر والقر».

فالحر هو الحرارة الداخلة إلى البيوت والتي تحتاج إلى باب أو نافذة. والقر هو ما يقابل الحر أي البرد الشديد القاتل، ويدخل البيوت كالحر.

وهذه الرواية أفضل ما يوضح لنا مدى عدل الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) حيث عبر الإمام بأنه من شدة عدل الإمام وسعته فإنه يدخل هذا العدل من دون مدخل له إلى جوف البيوت، ولعل لفظة «جوف البيوت» إشارة إلى المعاملة السرية والمخفية التي تكون داخل الأسرة.

وهذا ما يفتح لنا قانونا واسعا فيما يتعلق بالعدل داخل الأسر، فعدل المهدي المنتظر سیدخل بين تعامل الزوج والزوجة، فلا الزوج يحيف على زوجته ولا الزوجة تخالف وتغضب زوجها. سترضى الزوجة عن زوجها من دون إلزام أحد بل كما يدخل عليهما الحر والبرد.

ويستفاد أيضا أن الضغينة ترفع بين الزوجين والأولاد وسيأتي ما يدل عليه.

وقوله علیه السلام : «كما يدخل الحر والقر»، يحتمل أن العدل يدخل بلا استئذان كالحر، ويحتمل أن العدل يدخل حتى لو لم يرد أصحاب البيت أو رفضوا كما يدخل البرد بالقوة.

ويحتمل أن العدل يدخل مع علم أصحاب البيت به ولكن من دون قدرة على منعه، كالحر والقر فعند دخوله في الصيف أو الشتاء نعلم به و لكن لا نقدر على منعه.

ويحتمل أن العدل يدخل مع حبهم له وشوقهم إليه كما يدخل الحر في الشتاء والقر في الصيف.

والمعنى يتفاوت بين الإحتمالات الثلاثة فعلى الأول والثاني يدخل فيه نوع شدة

ص: 205

وخشونة، أما على الثالث، فيدخل ولكن مع علم الناس به وتوقعهم له، والعلم يستلزم التوعية حتى يصل العدل إلى جوف البيوت.

أما على الرابع فيدخل العدل مع شوقهم إليه وهو يستلزم العلم أيضا إضافة إلى رضاهم به.

قوله علیه السلام : «ولا يظلم أحد أحدا»

وهو يؤكد ما تقدم من أن رفع الظلم شامل لكل البشرية.

ويستفاد من ذلك عدم الحاجة إلى القضاة في دولته والمحاكم ومستلزماتها وهذا الأمر يحتاج إلى التأمل.

جاء في دعاء الندبة: أين المنتظر لإقامة الأمت والعوج.. أين حاصد فروع الغي والشفاق.

ففي دولته لا إعوجاج أصلا بل الجميع على صراط مستقیم.

قوله علیه السلام : ويجمع الله الكلمة ويؤلف بين قلوب مختلفة ولا يعصى الله في أرضه وتقام حدوده في خلقه.

قوله علیه السلام : يجمع الله الكلمة: دلالة على وحدة العالم آنذاك على كلمة واحدة وهي: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، لطالما سعى الأنبياء والأئمة: والعلماء إلى توحيد الكلمة ولو في دولة واحدة أو قرية واحدة أو حتى في عائلة واحدة دون جدوى، وهذه من خصائص إمامنا المهدي علیه السلام وقد جاء في دعاء الندبة: أين جامع الكلمة (الكلم)، وفي زيارته: السلام عليك يا جامع الكلمة على التقوى (1).

قوله علیه السلام : ويؤلف بين قلوب مختلفة.

وهذا يدل على شدة عدله عليه الصلاة والسلام فحتى القلوب المختلفة في الحب والبغض والرأي، فإن نور المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) يوفق بينها ويؤلفها لتكون قلبا واحدا في

ص: 206


1- البحار: 86/99

العطف والحب والرأي.

عن أمير المؤمنين ؟علیه السلام قال : لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها و لأخرجت الأرض نباتها ولذهبت الشحناء من قلوب العباد (1).

ولعل هذا الكلام الشريف شبيه بقوله تعالى: « ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين » (2).

فمعنى «يؤلف» يدب بينها المحبة وينزع الغل منها وهذه أعلى درجات العدل، فمن شدة العدل وإيصال الحقوق الى الجميع تزول الأحقاد والأغلال من بين الناس لتحل المحبة .

وفي دعاء الندبة لإمامنا المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف): «أين حاصد فروع الغي والشقاق، أين طامس آثار الزيغ والأهواء ... »

مما يشير إلى أن الإمام علیه السلام يجتث أهل الرذائل الأخلاقية والريونات القلبية. قوله عليه السلام : «ولا يعصى الله في أرضه وتقام حدوده في خلقه».

وهذه نعمة إلهية عظمي حيث أن الناس تصبح في عصر المهدي(عجل الله تعالی فرجه الشریف) تطيع ولا تعصي، تعدل ولا تجور، وتلتزم بكل حدود الله تعالى وأحكامه ليكتمل العدل المطلق في دولة الحق.

ووصول الناس إلى عدم المعصية شيء ليس بالسهل وله فوائد كبيرة جدا، بل تصوره أمر صعب، فكيف يتصور أن يوم ظهر الجمعة تلتزم الناس بصلاة الجمعة، بإمامة إمام الزمان، في وقت واحد وكم هو ثوابها؟! فلا أحد في ذلك الزمان في وقت صلاة الجمعة، إلا وهو يصلي خلف إمام إذ تصبح صلاة الجمعة في عصر الظهور واجبة ووقتها وزمانها محددين، نعمة من نعم الله تعالى هنيئا لمن يدركها.

ومن هنا يمكن للإنسان أن يفهم الروايات التي تقول أن الأرض تخرج كل

ص: 207


1- النجم الثاقب: 1/ 300.
2- سورة الحجر: 47.

خيراتها في زمان الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) والسماء تنزل كل بركاتها (1) ، وكيف لا يكون ذلك ومليارات الناس في زمانه يعبدون الله حق عبادته مؤلفة قلوبهم.

جعلنا الله من المتنعمين بهذه النعم وذلك الزمان المبارك وعجل الله فرجه وفرج

صاحبه.

10- كيف ينشر العدل

ما تقدم من روايات وأبحاث حول عدل الإمام (عجل الله تعالی فرجه الشریف) سواء ما كان منه في دولته

المباركة وبكل شؤونها السياسية والاقتصادية والعسكرية، أو ما كان منه في جوف البيوت والأسر والعوائل، أو من قبيل نزع الغل من القلوب؛ فإن كل ذلك يطرح سؤالا وجيها أنه كيف يحقق الإمام هذا العدل المطلق وبأي أسلوب ؟

وبدوا هذا الأمر له صلة وثيقة بما يأتي في الفصل الخامس من أسلوب الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) في الدعوة.

بيد أنه يمكن التفريق بين أنواع العدل المذكورة أعلاه مع تأثير أسلوب الدعوة على ذلك، فالعدل المرتبط بالدولة يحتاج لوضع قانون عام للدولة العظمى أو تعیین قضاة في البلاد الإسلامية يحكمون بما أنزل الله تعالی.

هذا إذا قلنا أننا سنحتاج إلى القضاء للفصل في الدعاوي إذ تقدم في الروايات ما يشير إلى أنه لا يعصى الله تعالى ولا يظلم أحد أحدا. فبناء على هذا لا حاجة للقضاة والمحاكم.

أما العدل الذي يدخل إلى جوف البيوت کدخول الحر والقر، كما تقدم في بعض

الروايات فاحتملنا سابقا فيه احتمالات فتراجع.

وأما العدل الذي هو من قبيل نزع الغل فهو بركة من بركات الإمام نفسه يمنها على

ص: 208


1- كما يأتي.

عباد الله عند تحقق العدل ورفع الظلم من هذا القبيل لا يحتاج إلى أسلوب معين بل إلى رحمة صغيرة من رحمات مولانا صاحب العصر والزمان أرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء.

11- هل يصل الناس في دولته للعصمة

مما يستفاد من جملة الأخبار أن الأمة تصل إلى حالة إيمانية كبيرة بحيث لا يعصى الله، نحو ما روي في حديث قدسي عن صحيفة إدريس علیه السلام : «.... وألقي الرأفة والرحمة بينهم، فیتواسون ويقتسمون بالسوية، فيستغني الفقير ولا يعلو بعضهم بعضا، ويرحم الكبير الصغير، ويوقر الصغير الكبير، ويدينون بالحق وبه يعدلون ويحكمون، اولئك أوليائي اخترت لهم نبيا مصطفى وأمينا مرتضی فجعلته لهم نبيا ورسولا وجعلتهم له أولياء وأنصارا، تلك أمة اخترتها لنبي المصطفى وأميني المرتضی، ذلك وقت حجبته في علم غيبي، ولا بد أنه واقع، أبيدك يومئذ وخيلك ورجلك وجنودك أجمعين، فاذهب فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم.

قال المجلسي: بيان: أقول: ظاهر أن هذه الآثار المذكورة مع إبادة الشيطان وخيله ورجله لم تكن في مجموع أيام النبي (صلی الله علیه واله وسلم) وأمته، بل يكفي أن يكون في بعض الأوقات بعد بعثته، وما ذلك إلا في زمن القائم عليه السلام كما مر في الأخبار وسيأتي (1).

وتقدم في رواية عن الأئمة علیهم السلام : «ولا يعصى الله في أرضه وتقام حدوده في خلقه».

وجاء في دعاء الندبة: «أين حاصد فروع الغي والشقاق، أين طامس آثار الزيغ والأهواء .. أين مبيد أهل الفسوق والعصيان والطغيان، أين قاطع حبائل الكذب

ص: 209


1- البحار: 384/52 - 385

والإفتراء، ابن مستأصل أهل العناد والتضليل والإلحاد، أين جامع الكلمة على التقوی ...»

من خلال هذه النصوص وغيرها، يتبين أن الإمام يجتث كل أسباب المعاصي من الكون، فلا غي ولا شقاق ولا زيغ ولا أهواء مخالفة لإرادة الله تعالى، لا فسق ولا جور ولا طغيان، لا كذب ولا افتراء، لا أضلال ولا عناد، بل تقوی فتقوی، فتقوى حتى لا يعص الله في أرضه ولا يظلم أحد أحدا.

وليس معنى العصمة غير ذلك - العصمة غير الذاتية - فالناس في دولته لا موجب لهم للمعصية بعد أن اجتثت أسبابها وعادوا إلى فطرتهم بنور إمامهم (صلی الله علیه واله وسلم) ، لا حاجة للظلم لأن العدل دخل إلى جوف البيوت وضمائر الحكام، ولا للسرقة فلا فقير في دولة العدل والطهر، ولا زنا فلا راغب في الزواج إلا والإمام هيأ له الأسباب.

لاحقد ولا غل ولا حسد فقد طهر الله بنور إمام الزمان القلوب وأعادها إلى فطرتها

التي فطرت عليها.

ويؤيد ذلك ما ژوي في قتل الإمام لإبليس كما روي عن إسحاق بن عمار قال: سألته عن إنظار الله تعالی إبليس وقتا معلوما ذكره في كتابه، فقال: « فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ» (1)، قال علیه السلام : الوقت المعلوم يوم قيام القائم، فإذا بعثه الله كان في مسجد الكوفة وجاء إبليس حتى يجثو على ركبتيه، فيقول، يا ويلاه من هذا اليوم فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه، فذلك: (يوم الوقت المعلوم) منتهى أجله (2).

وسواء فسر قتل إبليس بقتله حقيقة أو قتله من النفوس فالنتيجة واحدة، نعم بناء على قتله في النفوس فإن للقول بوسوسته بعد قتل المهدي وانتهاء زمانه ودولته وجه، ليس هنا موضع بحثه .

نعم القول بالعصمة للأمة، مخصوص بزمن اكتمال دولة الإمام المهدي العادلة،ولا

ص: 210


1- سورة الحجر: 38.
2- بحار الأنوار : 18 /376.

يشمل بداية زمن الظهور التي هي مرحلة حروب أو دعوة.

ومضمون هذه الروايات يساعد على القول بوصول الأمة إلى مرحلة العصمة المطلقة، خاصة إذا أضفنا ما تقدم من سعة عدل الإمام ودولته، ليشمل توحيد الكلمة والأحلام والعقول، ونزع الغل من القلوب، ونحو ذلك التي تقدمت بروایات متعددة يصعب ردها جميعا.

وكذلك رواية قتل إبليس المتقدمة الذي هو سبب الشر والمعصية، لذا تقدم في بعض الروايات إزالة الشر وحلول الخير موضعه.

وبالجملة الأدلة دالة على وصول الأمة إلى العصمة ثابتة يصعب إنكارها، واحتمال تأويلها بكثرة صلاح الناس وشدة الخير وارد، ولكن لا داعي له، لعدم استحالة عصمة الإنسان .

وليعلم أن المراد هنا بالعصمة هو عصمة الأفعال أي الإلتزام بالواجبات، وترك كل المحرمات، لا العصمة الذاتية التي تكون عند المعصومين عليهم السلام .

وعن عمار الساباطي قال : قلت لأبي عبد الله علیه السلام : جعلت فداك، فما نرى إذا أن نكون من أصحاب القائم ويظهر الحق ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالا من أصحاب دولة الحق والعدل .

قال علیه السلام : سبحان الله أما تحبون أن يظهر الله تبارك وتعالى الحق والعدل في البلاد، ويجمع الله الكلمة ويؤلف الله بين قلوب مختلفة ولا يعصى الله عز وجل في أرضه و تقام حدوده في خلقه ويرد الله الحق إلى أهله فيظهر حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق! أما والله يا عمار لا يموت منکم ميت على الحال التي أنتم عليها إلا كان أفضل عند الله من كثير من شهداء بدر وأحد فأبشروا (1).

قد يعترض البعض ذلك واعتراضه في محله وظاهر، لأن الإلتزام بذلك يغير كثيرا

ص: 211


1- الكافي: 1/ 334 باب نادر في حال الغيبة ح 2.

من سيرة الناس في آخر الزمان، ويلغي الكثير من القوانين الأخلاقية والسياسية والاجتماعية فضلا عن القضائية ومستلزماته كالمحاكم والحبس، بل والجيوش والقادة وما شابه .

وهو كلام وارد إلا إذا قلنا أننا نحتاج إلى ذلك للتهديد والوعيد جريا على قوله (صلی الله علیه واله وسلم) : «علق السوط حيث يراه أهلك» (1).

وحتى هذا فيه كلام لأنه لا معنى له بعد أن اجتثت أصول الرذائل وألفت القلوب على التقوى. وهناك إشكال أيضا فمن أين جاءت ؟!

والخلاصة البحث دقيق، نسأل الله سبحانه وتعالى التسديد.

ص: 212


1- تفسير السمعاني: 475/5

12- عهد المهدي عليه السلام عهد الرقي والخير المطلق

ووجدت مقالة للسيد الخامنئي حفظه الله توضح لنا خیرات و برکات هذه الدولة وهي تحت عنوان : عهد المهدي عليه السلام عهد الرقي والخير المطلق.

قال: يعتبر عهد صاحب الأمر (أرواحنا فداه) الآتي هو منطلق الحياة البشرية وليس فناءها، ففيها ستنطلق الحياة الحقيقية للإنسان والسعادة الواقعية لهذا الكيان البشري الكبير، ويتيسر للإنسان التنعم بالخيرات التي تضمها هذه الأرض والمواهب والطاقات الكامنة في هذا الكون دون أي ضرر أو خسارة.

صحيح أن البشر في وقتنا الراهن ينتفعون بشيء لكما في المقابل يلحقون الضرر بشيء آخر؛ فقد اخترعوا الطاقة النووية لكنهم استخدموها لقتل الإنسان، واستخرجوا النفط من أعماق الأرض لكنه يستخدم لتدمير البيئة وتلويثها، وهو ما حصل خلال القرن الأخير، حيث آخترع الإنسان الآلات المحركة والطاقات الكامنة من قبيل قوة البخار وغيرها، لكنهم جزعوا الإنسانية شتى الإبتلاءات البدنية عن طريق المشاكل التي تخلفها الحياة المادية لبني البشر؛ إنها توفر السرعة والسهولة للإنسان لكنها تسلب منه الكثير.

ومن ناحية أخرى يعاني الإنسان المعاصر من تحطيم القيم الأخلاقية، بيد أن القضية تختلف عندما يظهر بقية الله (أرواحنا فداه)، حيث تتنعم البشرية بمواهب هذا الكون، وما تنطوي عليه الطبيعة من طاقات وخیرات دون أن يلحق بها الضرر أو الخسارة، تنقمأ يؤدي بالإنسان الى الرقي والكمال.

لقد جاء الأنبياء علیهم السلام ليبلغوا بنا تلك المحطة التي تنطلق منها حياة البشرية من جدید، فماذا يتحتم على خاتم الأنبياء (صلی الله علیه واله وسلم) أن يصنع إذا ما أراد إيصال البشرية إلى هذه المحطة بما يقتضيه الدين الخاتم؟ يجب أن تستمر تلك التربية التي وفرها

ص: 213

للناس وتتواصل جيلا بعد جيل، فهو (صلی الله علیه واله وسلم) لا محالة راحل عن الدنيا «إِنَّكَ مَيتَ وَإِنَّهُم مَيتُونِ» (1)، فعليه (صلی الله علیه واله وسلم) إذن أن يستخلف من يحذو حذوه على وجه الدقة في ذلك الدرب والمنحى ويتبع نفس منهجه؛ وذلك هو علي بن أبي طالب علیه السلام ، وهذا ما يعنيه التنصيب في يوم الغدير. لو كانت الأمة الإسلامية قد وعت يومها عملية التنصيب التي بادر إليها النبي (صلی الله علیه واله وسلم) بمغزاها الحقيقي وأحسنت استيعابها واقتفت أثر علي بن أبي طالب علیه السلام وتواصلت التربية النبوية، وظلل المعصومون من بعد أمير المؤمنین علیه السلام الأجيال البشرية المتعاقبة بظلال تربيتهم الإلهية بعيدا عن الهفوات كما صنع رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم)، لأفلحت البشرية في بلوغ المستوى الذي عجزت عن بلوغه لحد الآن بسرعة فائقة، من تطور في العلم البشري وتسام في المراتب الروحية للإنسان، واستتباب للسلام والوئام بين الناس، وزوال للظلم والجور وانعدام الأمن والتمييز والحيف بين الناس، وهذا ما صرحت به فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) - التي كانت أعرف أهل زمانها بمنزلة النبي وأمير المؤمنین علیه السلام - من أن الناس لو اتبعوا عليا لسلك بهم هذا الطريق وبلغ بهم هذا المال.

(حيث قالت علیها السلام : .. ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة ومهبط الروح الأمين الطبن (2) بأمور الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين، وما الذي نقموا (3) من أبي الحسن نقموا والله منه نكير (4) سيفه وشدة وطأته ونکال (5) وقعته وتنمره في ذات الله (6) ويالله لو تكافؤوا (7) على زمام نبذه رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) لسار

ص: 214


1- سورة الزمر: 30.
2- ترید کیف زحزحوها عن آل بيت النبي أو بالأحرى عن علي الطبن بأمور الدنيا والدين أي الخبير بها.
3- کرهوا.
4- شدید.
5- من التنكيل .
6- أي غضبه لله.
7- استروا.

بهم سيرا سجحا (1) لا يكلم خشاشة (2) ولا يتعتع (3) راكبه، ولأوردهم منهلا رویا فضفاضا (4) تطفح ضفتاه، ولأصدرهم بطانا (5) قد تحری بهم الري غير متجل منهم بطائل، بعمله الباهر وردعه سورة الساغب (6) ولفتحت عليهم بركات من السماء وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون) (7) .

غير أن الإنسان كثيرا ما يقع في الأخطاء.

طالما أوقعت الأخطاء الكبرى، التي شهدها التاريخ، الإنسانية في خضم من المحن الجسام، وإن مسيرة البشرية خلال عهد خاتم النبيين (صلی الله علیه واله وسلم) زاخرة بالحوادث والقصص المهمة وتنطوي على فلسفة غاية في العمق، وخلیق بأن تحظى هذه الفلسفة بمزيد من التأمل والتمحيص، وعلى البشرية المعاصرة أن تبادر إلى نفس تلك الحركة والمسعى، وكلما تزينت المجتمعات البشرية بالعدالة والمعنويات وتنزهت الإنسانية عن رذائل الأخلاق والأنانية والنوايا السيئة والنزعات الشهوانية وحب النفس إذ ذاك ستكون أكثر قربا من ذلك في المستقبل، فلقد وقعت البشرية ضحية الإنحرافات على مدى التاريخ وسلكت طريقا إبتعد بها كثيرا عن غايتها المنشودة (8).

ص: 215


1- سجحا: سهلا، ویروی: لو تكافؤوا على زمام نبذه إليه رسول الله «ص» لاعتقله ولسار بهم سيرا سجحا .
2- لا يجرح جانبه، والخشاش: عود يجعل في أنف البعير يشد به الزمام.
3- أي من غير أن يصيبه أذى ، ومنه الحديث الشريف «یؤخذ للضعيف حقه غیر متعتع» .
4- يفيض منه الماء .
5- أي شبعانين .
6- حدة الجائع .
7- بلاغات النساء : 26 - 33 کلام فاطمة ، وراجع البحار : 43/ 158 - 159 - 161 ح 8.
8- من كلمة ألقاها في 18 ذي الحجة 1421ه. طهران.

13- الدعوة بين أول الزمان وآخره

« وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذکر أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِىَ الصَّالِحُونَ . إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ . وَ مَا أرسلناک إلأرحمة لِلْعالَمِينَ » (1).

هناك قاسم مشترك بين النبي الأعظم (صلی الله علیه واله وسلم) المرسل للعالمين في أول الزمان، وبين

الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، الذي وعدنا به في آخر الزمان.

قال أمير المؤمنين: علیه السلام : «كلنا واحد من نور واحد ، وروحنا من أمر الله، أولنا محمد وأوسطنا محمد وآخرنا محمد » (2).

فأول «محمد» هو النبي الأعظم (صلی الله علیه واله وسلم) وآخر «محمد» هو المهدي المنتظر عجل الله

فرجه.

وهذه الآية فيها معان كبيرة تدل على ذلك، فقوله تعالى: « أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِىَ الصَّالِحُونَ » تشير الى آخر الزمان حيث لم يرث الصالحون كل الأرض من آدم الى محمد (صلی الله علیه واله وسلم) إلى الآن، إنما يرثونها في زمن القائم عليه السلام كما قال أيضا: « وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا أَسْتَخْلِفُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وليمکنن لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي أرتضى لَهُمْ » (3).

وقوله تعالى في ذيل الآية الأولى: « وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً للعالمین» يفيد أن رسالة النبي (صلی الله علیه واله وسلم) «الإسلام» رحمة لكل البشرية، وكون الإسلام رحمة ليس کدین نظري بل عملي تطبيقي، فعندما تطبق كل أحكام الله تعالى كما أراد الله وعلى كافة أرض الله يكون الدين رحمة للعالمين « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا

ص: 216


1- سورة الأنبياء: 105 - 107.
2- بحار الأنوار : 16/26 ح، والزام الناصب : 1/ 44.
3- سورة النور: 54 - 55.

دعاکم لِمَا يحييکم وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ وَ أَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ» (1).

فعند الإستجابة لأحكام الله تعالى والعمل بها تعطي أثرها من الرحمة والإحياء للفرد والأمة، ومن هنا قيل أن أحكام الله تشریف لا تكليف لأن في التكليف نوع مشقة وفي التشريف نوع رحمة، وأحکام الله رحمة وإحياء للأمة والفرد وفائدة دنیوية وأخروية .

ومن المعلوم لم تطبق لحد الآن كل الأحكام وعلى كافة الأراضي وبالتالي لم تكن رسالة النبي (صلی الله علیه واله وسلم) رحمة للعالمين، نعم في زمن المهدي المنتظر ودولة العدل يكون ذلك حيث لا يظلم أحد أحدا ولا يعص الله في أرضه، كما تقدم في الأحاديث.

وعليه فبين صدر الآية وذيلها ربط قوي يدل على الربط بين أول الزمان وآخره.

بيان ثان: لعلك تقول لم أقتنع بذلك فهل من مزيد ؟

نقول وبالله التوفيق: قال تعالى: « بِسْمِ اللَّهِ الرحمين الرَّحِيمِ . إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرُ لِلْعالَمِينَ . وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ » (2).

وقال: « تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً» (3).

وقال عز من قائل : « وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً ونذیرا وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ . وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ . قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَ لا تَسْتَقْدِمُونَ » (4)

وقال الإمام الصادق علیه السلام : إن الله تبارك وتعالى أعطى محمدا (صلی الله علیه واله وسلم) شرائع نوح

ص: 217


1- سورة الأنفال: 24.
2- سورة ص : 87 - 88
3- سورة الفرقان: 1.
4- سورة سبأ: 28 - 30

وإبراهيم وموسى وعيسى ... وأرسله كافة إلى الأبيض والأسود، والجن والإنس (1).

فما هو الذي وصفه: الله ذكر للعالمين ؟ هو القرآن أو رسالة النبي (صلی الله علیه واله وسلم) (الإسلام) أو هما معا، فإذا كانا كذلك فأين العالمون الذين يعتبرون القرآن ذكرى، فإن من العالمين - في زمن النبي وحتى هذا الزمان - من لم يسمع بالإسلام ولا بالقرآن ولا حتى بنبي الرحمة (صلی الله علیه واله وسلم) ، فكيف يكون لهم نذيرا، وكذلك قوله تعالى: « وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَ نَذِيراً» متى أنذر النبي (صلی الله علیه واله وسلم) كل الناس ومتى وصلت دعوته الى العالمين كافة ؟

إن القلة القليلة هي من أنذر وقبل واعترف بالإسلام والقرآن والدعوة .

وعليه فإذا لم تصل الدعوة للناس كافة أو للعالمين ألا تكون الآيات لغوا؟!

کلا لا تكون لأن ذيل الآيات أجاب عن ذلك : « وَ لَتَعْلَمُنَّ نباه بَعْدَ حِينٍ » أجل سنعرف حقيقة الأمر وإلقاء الحجة على كافة الناس حتى من لم يسمع بالقرآن والإسلام وكان يعيش في الأدغال ولكن بعد حين من الزمن.

« وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ . قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَ لا تَسْتَقْدِمُونَ » إن الوعد آت آت آت بإذن الله تعالى عندما يأذن لوليه بالخروج وينذر الناس كافة .

« هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ کله وَ لَوْ کره الْمُشْرِكُونَ» (2).

وفي الروايات ما يزيد اطمئنانك أخي القارىء: فعن أبي عبد الله علیه السلام في جواب من سأل عن سيرة المهدي علیه السلام قال: يصنع ما صنع رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم)، يهدم ما كان قبله،، كما هدم رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) أمر الجاهلية، ويستأنف الإسلام جديدا (3).

ص: 218


1- المحاسن : 1035/448/1
2- سورة التوبة: 32 - 33، وسورة الصف: 9، والفتح: 28.
3- غيبة النعماني: 121 في سيرة القائم.

وعنه : إن قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد، كما دعا إليه رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) وإن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء (1).

وعن أبي جعفر الباقر في حديث طويل صحيح قال علیه السلام : ... ومن حاجني في محمد (صلی الله علیه واله وسلم) فأنا أولى الناس بمحمد (صلی الله علیه واله وسلم) ومن حاجني في النبيين فأنا أولى الناس بالنبيين أليس الله يقول في محكم كتابه: « إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى العالمین ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعُ عَلِيمُ » فأنا بقية من آدم، وذخيرة من نوح، ومصطفى من إبراهيم، وصفوة من محمد صلى الله عليهم أجمعين.

ألا ومن حاجني في كتاب الله، فأنا أولى الناس بكتاب الله، ومن حاجني في سنة رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) فأنا أولى الناس بسنة رسول الله ... (2).

فهذا هو الرابط بين أول الزمان وآخره فما بدأه النبي (صلی الله علیه واله وسلم) أكمله المهدي علیه السلام ، وقد قال نبي الرحمة (صلی الله علیه واله وسلم) عن خاتمها عجل الله فرجه : «يقفو أثري ولا يخطىء» (3)

إن قيل: قوله تعالى: « وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ » لعل المراد بها أن النبي (صلی الله علیه واله وسلم) نفسه رحمة لا رسالته .

قلنا: رحمة النبي بينتها آيات أخرى: « فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (4)

وقال تعالى: « لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولُ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزُ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصُ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفُ رَحِيمُ» (5)

ص: 219


1- غيبة النعماني: 173 الإسلام بدأ غريبا.
2- بحار الأنوار: 239/52
3- انظر الفتوحات المكية: 6/ 71-81 باب 366، وفي طبعة : 326/1 باب 366 .
4- آل عمران : 159.
5- سورة التوبة: 128.

وقال عز من قائل : « يا أَيُّهَا النَّبِىِّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ» (1)

فالنبي (صلی الله علیه واله وسلم) رحيم على من حوله من المؤمنين ولكنه شديد على الكافرين.

وليس معنى الشدة والغلظة هو الانتقام بل معناه ردعهم عن الظلم والطغيان وإرجاعهم للحق ودخولهم في رحمة الإسلام، فغلظة النبي أو المهدي رحمة أيضا للأعداء ولو من باب أن نوم أو قتل الظالم عبادة، لأنه عندما ينام أويموت فقد ترك معصية الله أو خففها فيقل ظلمه وعذابه ويخفف عن المظلوم .

قال تعالي: « هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً . مُحَمَّدُ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الکفار رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رکعا سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ . . .» (2)

ص: 220


1- سورة التحریم: 9.
2- سورة الفتح: 28 - 29.

14- الرحمة المهدوية

وبما أن الكلام وصل بنا الى الرحمة فخذ نبذة عن الرحمة المهدوية :

تقدم عدة روایات تدل على رحمة المهدي المنتظر من قبيل: وتنشر الرحمة وتخرج بركات الأرض ، ولولا ما على الأرض منا لساخت بأهلها» (1).

ونظيف هنا:

1- العدل ورفع الظلم خير رحمة .

2 - إلغاء الفقر والتسول.

3- إلغاء العبودية لغير الله تعالی .

4 - بلوغ التكامل والتكافل الاجتماعي والإنساني .

5 - رفع الحرمان المادي والمعنوي (العلمي).

6- إيصال جميع الأمة إلى عبادة الله تعالى والالتزام بأحكام الإسلام .

7- مناصرة الضعيف وإرجاع حقه .

8- جمعه بین الذئب والغنم .

وفي هذا الكتاب تفصيل لهذا الإجمال .

وقد ذكر ابن عربي تسع خصائص للإمام المهدي علیه السلام منها الرحمة فقال: فهذا المهدي لا يغضب إلا لله فلا يتعدى في غضبه إقامة حدود الله التي شرعها... ثم أخذ بتفصيل ذلك في كلام لطيف على مذهبه (2).

ومن حديث النبي قال (صلی الله علیه واله وسلم) : «يقفوا أثري ولا يخطىء» (3) يتبين أن المهدي رحمة

ص: 221


1- أهل البيت لتوفيق : 73.
2- الفتوحات المكية: 6/ 74 باب 366، وفي طبعة : 326/1 باب 366
3- الفتوحات المكية: 6/ 71-81 باب 366، وفي طبعة :1 /326 باب 366

کالنبي (صلی الله علیه واله وسلم) ورحمته کرحمته قال تعالى: « وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذکر أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِىَ الصَّالِحُونَ . إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ . وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ» (1).

وقال: « فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ تَهُمُّ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (2)

ص: 222


1- سورة الأنبياء: 105 - 107.
2- آل عمران : 159.

الفصل الخامس

1- أسلوب دعوة الإمام المهدي عجل الله فرجه

تمهيد

روي عن رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم (1).

وهذا الأمر دیدن العقلاء فإنهم يخاطبون السامع بما يفهمه وإلا كان لغوأ، وأنبياء الله العظام سادة الخلق وأعقلهم، بل غير ذلك يلغي الهدف من الإنذار وهو الاتعاظ والإلتزام بما يؤمرون به من قبل الأنبياء والأئمة أو العلماء.

وسيرة الأنبياء ومن بعدهم الأئمة علیهم السلام على هذا الطريق، نحو ما روي عن رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) في وصف البراق بأنه: وجههامثل وجه آدم وحوافرها مثل حوافر الهيل وذنبها مثل ذنب البقر فوق الحمار ودون البغل... علیه جناحان ... (2).

مع أن البراق ليس كذلك ولا الحمار يمكن أن يكون له جناحين ، وإنما اضطر النبي (صلی الله علیه واله وسلم) لهذا التعبير في زمانه لعدم فهم الناس لأكثر من ذلك . فهم تعودوا على

ص: 223


1- المحاسن للبرقي: 195/1، ح 17.
2- مستدرك سفينة البحار: 332/1

وسيلة النقل المتاحة آنذاك وهي البغل والحمار وبما أن قضية الإسراء والمعراج فيها مسیر من مكة أو المدينة إلى بيت المقدس ، وكذلك فيها عروج من بيت المقدس إلى السموات ، الأمر الذي يحتاج إلى الطيران ، فكان هذا التعبير من قبل النبي (صلی الله علیه واله وسلم).

وإلا فالبراق في تعابیر عصرنا أحدث مركبة قضائية يمكن للبشر تصورها التي تستطيع الإنتقال من بيت النبي إلى بيت المقدس ثم العروج إلى السموات السبع سماء سماء مع الصلاة جماعة في كل سماء ، إضافة للإطلاع عما في الجنة والنار . كل ذلك بساعات معدودة (1).

ونحو ما يروى عن أصحاب القائم المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف): عن الصادق عليه الصلاة والسلام قال: إذا قام القائم علیه السلام بعث في أقاليم الأرض في كل اقلیم رجلا يقول: عهدك في كفك (2).

الذي يفسر لحد الآن بالتلفون الخلوي وغيره .

ونحو ما روي في حديث عنهم علیهم السلام قال: إن المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق (3).

الذي يفسر الآن بشاشات التلفزة ، بينما سابقا لا معنى محدد له.

والخلاصة: فإن الأنبياء والأئمة علیهم السلام كانوا يتكلمون مع الناس بالأسلوب الذي

يفهمه القوم أو الأوصاف التي تتناسب مع زمانهم أو المكان الذي يعيشون فيه.

لذا نرى تفاوتا بين الأسلوب الذي كان في زمن النبي (صلی الله علیه واله وسلم) والذي كان في زمن الإمام الصادق علیه السلام كما في أحاديث وصف الزهد فإن تفسيره مختلف في الروايات

ص: 224


1- لأنه استغرق بعض الليل.
2- الغيبة : 172 باب ما جاء عند خروج القائم علیه السلام .
3- بحار الأنوار: 391/52 / ح 213.

بين زمن أمير المؤمنين عليه السلام وزمن الصادق علیه السلام (1).

والأسلوب قد يتفاوت من قوم لقوم حسب ظروفهم كما يشير إلى ذلك الحديث القدسي: «إن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الغنی ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفقر ولو صرفته إلى غير ذلك لهلك» (2)

وفي حديث: «إن من عبادي من لا يصلحه إلا المرض ولو أصححت جسده لأفسده ذلك، إن من عبادي من لا يصلحه إلا الصحة ولو أمرضته لأفسده ذلك» (3).

فهذا الذي لا يصلحه إلا الفقر نخاطبه بما يتناسب مع الفقر ، بينما الذي لا يصلحه إلا الغنى ، فإن مخاطبته بأسلوب خطاب الفقير مفسد له وخلاف الغرض . وكذلك المريض فلا يخاطب إلا بما يتناسب مع وضعه بخلاف الصحيح السليم .

وفي رواية عن الإمام الصادق علیه السلام جاء فيها: ثم يركب فرسا أبلق بين عينيه شمراخ ينتفض به ، لا يبقى أهل إلا أتاهم نور ذلك الشمراخ حتى يكون آية له. والتي تبين أنه تحدث بأسلوب مختلف عن أسلوب النبي في البراق مع أنه من المحتمل أن يكون الشمراخ هو البراق أو آلة فضائية متطورة (4).

وللزمان والمكان أثر مهم على الدعوة الإسلامية ، والذي يترجم غالبا بالأسلوب .

2- أسلوب القرآن الكريم في الدعوة

اشارة

قبل الخوض في بيان أسلوب الإمام المهدي عجل الله فرجه ينبغي بيان أسلوب

ص: 225


1- انظر دعائم الإسلام: 2/ 154 ح 544 .
2- الكافي: 353/2 ح 8.
3- جامع أحاديث الشيعة: 390/1 ح 813
4- انظر دلائل الإمامة: 457، والشمراخ: الفرس أو غرة الفرس، أو رأس الجبل أو الجبل الكبير والحصن الذي يلتجيء إليه، انظر كتاب العين: 4/ 325، والصحاح: 1/ 425 (شمرخ) .

القرآن الكريم وأنبياء الله تعالى والأئمة المعصومین علیهم السلام ليتبين الفارق بينهما إن كان هناك فارق.

قال تعالى: « وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ ثُمَّ تولیتم إِلَّا قَلِيلًا مِنکُمْ وَ أَنْتُمْ مُعْرِضُونَ » (1).

وقال سبحانه: «خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ » (2)

وقال سبحانه: « وَ الَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً وَ يَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ» (3).

وقال عز من قائل: « وَ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شنئان قَوْمُ أَنْ صدوکم عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوَى وَ لَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوَانِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ » (4).

وقال: « ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» (5).

وقال : « يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُ خَبِيرُ» (6).

من خلال هذه الآيات التي تعطي تقريبا نموذجا واضحا للأسلوب القرآني في الدعوة ويتمثل ذلك بمواقف:

ص: 226


1- سورة البقرة: 83.
2- سورة الأعراف: 199
3- سورة الرعد: 22
4- سورة المائدة: 2.
5- سورة النحل:125.
6- سورة الحجرات: 13.

الموقف الاول :

خطاب الناس والتعامل معهم

والأسلوب القرآني فيه هو قول الحسني والمعروف واستيعاب الأجواء المتشنجة بالكلام الحسن و الجميل ، بل ودفع السيئة ، ولكن بالفعل الحسن الإيجابي .

ومعنی: « يدرؤون بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةِ» بليغ إذ فيه دفع للسيئات ليس بالاعتراض عليها بل بتناسيها وإعطاء صاحب السيئة الشيء الحسن قولا أو فعلا، كمن شتمك فليس فقط لا تشتمه ، بل تتلطف معه وتدعوه إلى بيتك وتعطيه مالأ وطعاما ، وهو ما كان يجده الذين يعرفون القرآن ويعملون بتأويله عليهم سلام الله ، كما جرى مع إمامنا الحسين عليه السلام (1).

وهذا الموقف مجرب من قبل أهل البيت علیهم السلام والعلماء وكله نفع ، وهو ما أشار إليه تعالى في قوله : « وَادَعَ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (2) وقال تعالى: « وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةُ كَأَنَّهُ وَلِيُّ حَمِيمُ » (3)

فالأسلوب المثالي للقرآن أن ندعو بالحكمة والمعرفة والعلم والفطنة نصيغه بكلام لطيف وجميل ، فيؤثر بالقلوب ويجذب النفوس فيتحول العدو إلى صديق وليس مجرد صدیق بل ولي يتولى الحق وليس بالولي العادي بل ولي حميم.

ما أروع هذا الأسلوب وما أبلغ معانيه في هذه الآية النورانية التي تختصر الكثير من المشاكل والقتل والحروب والعنف بأقل الخسائر وأقصر وقت تحصل على هدفك وترضي ربك وتتحبب إلى الناس وتحببهم فيك.

ص: 227


1- انظر العوالم: 64، والأنوار البهية: 88.
2- سورة النحل: 125.
3- سورة فصلت : 34.

وهذا الأسلوب لا يفرق بين من اختلفت معه في الرأي أو المذهب أو الدين ، لأنه عام ونافع للجميع.

الموقف الثاني:

التعامل والتكامل والتعارف

الأسلوب المثالي الآخر في القرآن هو تناسي الخلافات والفروقات من أجل خدمة المجتمع ورقيه وازدهاره، وذلك عبر التعاون على البر والتقوى قال تعالى: « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَ لَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَ لاَ الْهَدْيَ وَ لاَ الْقَلائِدَ وَ لاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ ورضوانأ وَ إِذا حَلَلْتُمْ فاضطادوا وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صدوکم عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوَى وَ لَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوَانِ» (1) وهو ليس خطاب للأمر بالتعاون بين المسلمين بل هو خطاب للمسلمين لكي يتعاونوا على البر والإحسان لبلوغ الكمال الإنساني مع غير المسلمين.

وهو ينهى في نفس الوقت عن الأعمال التي تؤدي إلى الإثم والعدوان في المجتمع عند التعامل مع غير المسلمين .

وكأن الآية تريد أن تصور المجتمعات على أنهم طوائف وآراء ومشارب وأفكار وكذلك خلقهم الله ، بل على تنازع وحروب فيما بينهم ولكن هذا كله لا يمنع من التعاون على البر والإحسان والخدمة ، كالتعاون في زماننا مع كل دول العالم على اختراع الأدوية الطبية من أجل علاج الأمراض المستعصية .

نعم التعاون على البر بين المسلمين بمختلف أطيافهم ومشاربهم أوجب وآكد ، لما بينهم من نقاط إلتقاء كثيرة .

ص: 228


1- سورة التوبة : 2.

وفي آية أخرى ذكر سبحانه أن هدف الخلقة التعارف كما تقدم: « وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا» ومعنى التعارف ، التلاقح والتفاهم والتعاون . فهو من أهل الخلقة ومأمورون به من الله تعالى الذي باختياره جعل الناس قبائل وشعوب ولم يجعلهم على دين واحد.

الموقف الثالث:

3- إحترام إنسانية الإنسان

الأسلوب المثالي الثالث في القرآن الكريم هو ما جاء في قوله تعالى: « لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَ ظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ » (1).

وهذا الأسلوب في عصرنا من أنجح الأساليب لأنه يصور الواقع ويقدم الحل، فالمجتمعات مقسمة إلى أديان مختلفة تتعايش فيما بينها في وطن واحد، فهل ينعزل المؤمن جانبأ أم ينخرط في هذه المجتمعات وشعوبها.

فالله تعالى لم يحرم علينا الإنخراط بل أجاز لنا أن نخاطب الناس بالحسنی حتی لو خالفونا في الدين والمذهب فضلا عن الرأي واللون ، ثم حثنا على التعامل معهم على أساس البر والتقوى والإحسان كما تقدم في الموقف الثاني .

ثم هنا يبيح لنا أن نبرهم ونقسط إليهم أي أن نعطيهم حقوقهم ولا نظلمهم ولا نغشهم ما داموا غير محاربين لنا وغير مخادعين ، بل أحب لنا أن نتعامل معهم بالعدل والإحسان ، فلا نحقد عليهم ولا نهينهم . كل ذلك لأنهم مخلوقون من قبله تعالى. ولو

ص: 229


1- الممتحنة: 8-9.

أراد لخلق الناس أمة واحدة (1) ، ولكنه أرادها أمما وقبائل لتعارف وتتلاقح وتتنافس وأقربهم إليه من يتقي الله تعالى منهم في خلقه.

وهذا الموقف في القرآن من أروع المواقف وهو الموقف الذي يكرم به الله الإنسان لإنسانيته قال سبحانه: « لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أُخْتِي تقویم» (2)

وقال: « وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً» (3)

فالله تعالى يتباهى بالإنسان وخلقته حتى لو لم يكن مسلما وقد اختصر لنا أمر المؤمنين هذا الموقف بقوله المشهور: الناس صنفان: إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق (4) ولكل حقوقه وواجباته.

أقول: هذه ثلاثة مواقف من أساليب القرآن الكريم للدعوة إلى الله تعالى ، ويمكن أن يستخرج الإنسان أكثر من ذلك لو تأمل ولكن يكفينا ذلك لما نحن بصدد شرحه وتقديمه .

4- أسلوب النبي الأعظم في الدعوة

لم يكن أسلوب النبي الأعظم (صلی الله علیه واله وسلم) خارجا في الجملة عن الأساليب القرآنية المتقدمة بل هو المعنى الأول فيها . وقد نجح النبي (صلی الله علیه واله وسلم) في هذه الأساليب مع صعوبة الظروف التي كان يمر بها وجاءت الشهادة له من قبل الباري عز وجل بقوله: « وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» (5) للإشارة إلى نجاح أسلوبه الأخلاقي المتمثل بتخلقه بأخلاق

ص: 230


1- كما في سورة المائدة: 48، « لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ».
2- سورة التين: 4.
3- سورة الإسراء: 70.
4- نهج البلاغة: 84/3 العهد 53.
5- سورة القلم: 4.

ص: 231

2- التطهير والتزكية:

قال تعالى: « خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلَ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنُ لَهُمْ» (1).

فمن أعمال النبي الأعظم (صلی الله علیه واله وسلم) وأساليبه تطهير الناس وتنظيف قلوبهم عن الكدورات والرذائل.

3- التعليم:

قال تعالى : « وَ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ظِلَالٍ مُبِينُ» (2).

فكان النبي الله (صلی الله علیه واله وسلم) يعتبر الأمة كأولاده بل هو كذلك كما قال (صلی الله علیه واله وسلم): «يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة» (3).

فكان يعلمهم ويعطف عليهم من أجل وصولهم إلى الكمال المطلق.

5- القتال والعنف هدف أم وسيلة

تقدم في الفصل الثالث عند الكلام عن الإعداد العسكري كلام عن رأي الإسلام حول العنف .

ولكن لماذا استعمل النبي (صلی الله علیه واله وسلم) العنف والقتال ؟

من خلاصة سيرة النبي (صلی الله علیه واله وسلم) أنه لم يستعمل القتال كهدف استراتيجي في بعثته الشريفة ، إنما كانت دعوته صلوات الله عليه دعوة الأب الحنون الحامي والمدافع عن

ص: 232


1- سورة التوبة: 3.
2- سورة الجمعة: 2.
3- الغارات للثقفی: 717/2

أولاده . فكان يدعوهم ليلا ونهارا، بالكلمة الحسنة والموعظة الجميلة والحكمة البالغة ، يصبر عليهم أثناء دعوته حتى يؤمنوا .

وكان يكرر الدعوة عليهم حبا منه لإيمانهم بالله تعالى حتى نزل قوله تعالى: « إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ إِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ» (1).

ولم يترك وسيلة إلا واستعملها في دعوته صلوات الله عليه من الترغيب في الجنة والعزة والفلاح والقوة والمنعة في الدنيا ، إلى الترهيب من النار وعذاب الله إذا لم يستجيبوا لدعوته .

وقد نجح هذا الأسلوب من النبي الأعظم (صلی الله علیه واله وسلم) فيمن كان أهلا للهداية ...

وطيلة هذه المدة التي كان يدعوهم للإسلام لم يستعمل العنف والقوة بل كان يردد صلوات الله عليه: « لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ» (2) حتى قرر المشركون منعه من إقامة حكم الله تعالى وأصروا على قتاله ، فحاربهم دفاعا عن الإسلام والمسلمين ولمنعهم عن العدوان والتجبر والتسلط .

وعليه فاستعمال النبي الأعظم (صلی الله علیه واله وسلم) في بداية الدعوة للقتال كان دفاعيا، حتى عند انتشار الإسلام فإنه أيضأ دفاعيا لمن وقف في وجه الإسلام .

أما بعد استقرار الدولة الإسلامية فقد أمر النبي (صلی الله علیه واله وسلم) بتوسيع رقعة الاسلام ، فأرسل الرسل والدعاة لنشر الإسلام . فهدفه الإلهي هو نشر الاسلام بالأسلوب المتقدم . نعم من كان يقف أمام نشر الإسلام كان يصده بالقتال دفاعا عن الاسلام ، فاستعماله للقتال أو العنف لم يكن هدفا بل وسيلة لنشر الإسلام الذي لم ينشر إلا بالإيمان والوعي والقناعة والرضى.

وبعبارة مختصرة كان دخول الناس في الإسلام أحب وأرضى لقلب النبي (صلی الله علیه واله وسلم) من مقاتلهم ومحاربتهم ، فدخولهم فيه لم يكن هدفا له فقط بل أمرا محبوبا و مرغوبا به

ص: 233


1- سورة القصص: 56.
2- سورة البقرة: 256.

حتى قال : «يا علي لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس

وغربت » (1)

6- استعمال أمير المؤمنين للقتال

تميزت حكومة أمير المؤمنین (صلی الله علیه واله وسلم) بالفتن مما شاع عنها أنها حكومة حرب استمرت تقريبا طيلة فترة حكمه.

وفي الواقع كانت حكومة أمير المؤمنین علیه السلام حكومة تصحيحية لإعادة النصاب إلى مكانه ، فقد قام بإصلاح ما فسد منذ وفاة النبي (صلی الله علیه واله وسلم) إلى تسلمه الحكم، على الصعيد السياسي والقضائي والاجتماعي وخاصة المالي - بيت المال - ونتيجة هذا الإصلاح الجوهري للدولة الإسلامية العظمى أنذاك تمرد المارقون والناكثون والقاسطون، فطلحة والزبير ما خرجا إلا لعدم تسلمهما المال والمنصب الكافي ، ومعاويه أمر واضح أنه أرادها ملكا لا خلافة ، والمنافقون أمرهم يعود إلى أهواء امرأة وخديعة آخرين ، وهذا ما بینه مختلف التواريخ الإسلامية .

إذا قتال أمير المؤمنين أيضا ليس هدفا بل وسيلة أو دفاعا عن تصحیح دین النبي (صلی الله علیه واله وسلم) ، لذا نجد أن أمير المؤمنين عليه السلام قبل كل قتال كان يرسل الرسل تتری لتفادي القتال وكان يرسل من يحاور ويناقش هؤلاء ليدخلوا فيما دخل فيه الناس ، حرصا منه على وحدة الإسلام والمسلمين .

هذا إضافة إلى خطاباته الشريفة قبل بدء كل حرب ومعركة .

الخلاصة : كما تقدم عن النبي (صلی الله علیه واله وسلم) كان أمير المؤمنين علیه السلام يحب دخول الناس في الإسلام الحقيقي ويتمناه ويفضله على قتالهم.

ص: 234


1- کنز العمال: 156/10 ح 28802، والكافي 28/5 ح 5.

7- الإمام الحسين عليه السلام والعنف

والأمر أوضح في ثورة الإمام الحسين علیه السلام فهي ثورة تصحيحية بكل تحركاتها كما صرح الإمام الحسين علیه السلام في أكثر من مكان : «لم أخرج أشرا ولا بطرأ ولا مفسدا ولا ظالما إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر» (1).

فأصل قتاله هو من أجل تصحيح ما فسد من الإسلام مع أنه لم يبتدء القتال ووعظهم مرارا وتكرارا دون جدوى .

8- أسلوب النبي في الدعوة مع ملوك الدنيا

عَنْ أَنَسِ : إِنَّ نَبِيَّ اللَّهُ ( ص ) کتب إِلَى كِسْرَى ، وَ إِلى قَيْصَرَ ، وَ إِلى النَّجَاشِيِّ ، وَ إِلى کل جَبَّارٍ ، يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَ لَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيِّ ( ص ) (2).

وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : إِنَّ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ ( ص ) إِلَى الْكُفَّارِ: « تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ» (3) الآية (4).

وهم: قيصر (5). وَ کسری بْنِ هُرْمُزَ مَلِكُ فَارِسَ (6). وهرقل (7).

ص: 235


1- البحار: 329/44
2- صحیح مسلم: 1774.
3- سورة آل عمران: 64.
4- الدر المنثور: 2/ 234.
5- الخرائج والجرائح: 0217/131/1
6- الطبقات الكبرى: 1/ 259، والبحار: 20 / 386-389 / 8/ 381.
7- صحیح مسلم: 1773

وَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرِ الْغَسَّانِيِّ (1).

وَ الْمُقَوْقِسُ صَاحِبُ الإسكندرية عَظِيمُ الْقِبْطِ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ ، وَ كَتَبَ مَعَهُ كِتَاباً ، فَأَوْصَلَ إِلَيْهِ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ ( ص ) ، فَقَرَأَهُ وَ قَالَ لَهُ خَيْراً ، وَ أَخَذَ الْكِتَابَ فَجَعَلَهُ فِي حَقٍّ مِنْ عَاجٍ وَ خَتَمَ عَلَيْهِ وَ دَفَعَهُ إِلَى جاریته ، وَ كُتِبَ إِلَى النَّبِيِّ ( ص ) : قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ نَبِيّاً قَدْ بَقِيَ وَ كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّهُ يَخْرُجُ بِالشَّامِ ، وَقَدْ أَكْرَمْتُ رسولک ، وَ بَعَثْتُ إِلَيْكَ بجاريتين لَهُمَا مَكَانُ فِي الْقِبْطِ عَظِيمُ ، وَقَدْ أَهْدَيْتُ لَكَ كِسْوَةٍ وَ بِغَلَّةٍ تَرْكَبُهَا ، وَ لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا وَ لَمْ يُسَلِّمُ ، فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ ( ص ) هَدِيَّتَهُ ، وَ أَخَذَ الْجَارِيَتَيْنِ مَارِيَةَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ إبن رَسُولَ اللَّهِ ( ص ) وَ أُخْتَهَا سِيرِينَ ، وَ بِغَلَّةٍ بَيْضَاءَ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَرَبِ يَوْمَئِذٍ غَيْرِهَا وَ هِيَ دُلْدُلَ ، وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( ص ) : ضَنَّ الْخَبِيثَ بِمِلْكِهِ وَ لَا بَقَاءَ لِمُلْكِهِ . قَالَ حَاطِبٍ : كَانَ لِي مُكَرَّماً فِي الضِّيَافَةِ وَ قُلْتُ اللَّبْثِ بِبَابِهِ ، مَا أَقَمْتُ عِنْدَهُ إلاخمسة أَيَّامٍ (2).

ولهوذة بْنِ عَلِيِّ الْحَنَفِيِّ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَ كَتَبَ مَعَهُ كِتَاباً ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ وَ أَنْزَلَهُ وَ حَبَاهُ ، وَ قَرَأَ كِتَابَ النَّبِيِّ ( ص ) : وَرَدَ رَدّاً دُونَ رَدُّ ، وَ كُتِبَ إِلَى النَّبِيِّ ( ص ) : مَا أَحْسَنَ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ وَ أَجْمَلَهُ وَ أَنَا شاعِرُ قَوْمِي وخطيبهم ، وَ الْعَرَبِ تهاب مَكَانِي ، فَاجْعَلْ لِي بَعْضِ الْأَمْرِ أتبعک . وَ أَجَازَ سلیط بْنِ عَمْرٍو بِجَائِزَةِ وَ كَسَاهُ أَ ثَوَاباً مِنْ نَسْجِ هَجَرَ ، فَقَدِمَ بِذَلِكَ كَلَّهُ عَلَى النَّبِيُّ ( ص ) وَ أَخْبَرَهُ عَنْهُ بِمَا قَالَ ، وَ قَرَأَ كِتَابِهِ وَ قَالٍ : لَوْ سَأَلَنِي سَيَابَةَ مِنَ الْأَرْضِ مَا فَعَلْتُ ، بَادَ وَ بَادٍ مَا فِي يَدَيْهِ ! فَلَمَّا انْصَرَفَ مَنْ عَامِ الْفَتْحِ جَاءَهُ جبرئیل فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ (3).

وَ لِمَلِكِ الرُّومِ - جَاءَ فِيهَا : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ إِلَى هِرَقْلٍ عَظِيمُ الرُّومِ وَ سَلَامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بدعاية الْإِسْلَامِ ، أَسْلِمْ تُسَلِّمْ ، أَسْلَمَ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ ، فَإِنْ تَوَلَّيْتُ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمٍ

ص: 236


1- الطبقات الكبرى لابن سعد: 1/ 261.
2- الطبقات الكبرى: 260/1
3- الطبقات الكبر: 262/1

اليريسين ( الأريسيين ) (1). وَ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ، وَ لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا : اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (2).

9- أساليب أهل البيت في الدعوة

استفاد أهل البيت علیهم السلام من الأساليب القرآنية وأساليب النبي الأعظم (صلی الله علیه واله وسلم)، نعم مع الأخذ بعين الإعتبار الظروف المختلفة بين الأزمنة التي عاشوا فيها ، التي كانت تفرض أسلوبا معينا، كالأسلوب الذي اتبعه الإمام الحسن علیه السلام فإنه في الجملة لم يخرج عن الأساليب القرآنية أو أساليب النبي (صلی الله علیه واله وسلم) ولكنه كان يتأثر ببنود الصلح بينه وبين معاوية.

وأيضا مع ملاحظة الزمان والمكان الذي كان له أيضا تأثير على هذه الأساليب التي لم يخرج أهل البيت علیهم السلام عن جوهرها وإن صاغوها بأشكال متعددة .

10- أسلوب الإمام المهدي عجل الله فرجه في الدعوة

اشارة

المراد من أسلوب الإمام هو نشر أكبر دولة إسلامية من أجل إرساء العدالة ونشر الحرية الحقيقية وإقامة دين الله كما أراد الله تعالى في قوله تعالى: « وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ » (3) فالهدف من خلقه البشر كل البشر هو عبادة الله الواحد الأحد، ولحد الآن لم تصل البشرية لتكون جميعها في عبادة الله تعالی

ص: 237


1- قال المجلسي : قوله: «إثم الأريسيين» هكذا أورده جل الرواة ، وروي «اليريسين» وروي «الأريسين»... معناه : أن عليك إثم رعایاك ممن صددته عن الإسلام. (كما في المصدر).
2- تفسير الثعلبي: 86/3
3- سورة الذاريات : 56.

والأساليب المحتملة هي :

1 - الأسلوب الأول : أسلوب الدعوة بالموعظة الحسنة وعدم استخدام القتل .

2 - الأسلوب الثاني : أسلوب الجهاد في سبيل الله وإنشاء الدولة تحت ظل السيف .

3- الأسلوب الثالث: أسلوب الإعجاز الكامل وعدم استعمال السيف .

4 - الأسلوب الرابع: أسلوب الجمع بين الأول والثاني حسب الظروف مقدما الأسلوب الأول فإذا لم ينفع أو حورب استخدم الثاني طوليا.

5 - الأسلوب الخامس: أسلوب الدعوة والإعجاز فقط .

6 - الأسلوب السادس : أسلوب الجهاد والإعجاز فقط .

7 - الأسلوب السابع : وهو الجمع بين الأساليب الثلاثة أي إدخال عنصر الإعجاز على الأسلوب الثالث بالكيفية الطولية ، فيكون الإعجاز الإلهي عند عدم كفاية الأسلوب الثاني .

وهناك أدلة على الأسلوب الأول والثاني والثالث كما ستعرف .

ص: 238

الأسلوب الأول:

الدعوة السلمية

وذلك باستخدام الأساليب المتقدمة في القرآن وأساليب النبي (صلی الله علیه واله وسلم) وأهل بيته علیهم السلام بعيدا عن القتل والدمار والعنف، ودليله :

1- ما روي أنه لا يستعمل القتل : نحو ما روي عن أبي هريرة: «يبايع المهدي عجل الله فرجه بين الركن والمقام، لا يوقظ نائما ولا يهرق دما» (1).

وعن النبي (صلی الله علیه واله وسلم) : «تأوي إليه أمته كما يأوي النحل إلى يعسوبها ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا حتى يكون الناس على مثل أمرهم الأول لا يوقظ نائما ولا يهرق دما » (2).

2- ما روي أنه يدعو للقرآن والعمل به نحو ما روي عن أبي جعفر (صلی الله علیه واله وسلم) : «يظهر المهدي بمكة عند العشاء معه راية رسول الله وقميصه .... وأن تحيوا ما أحيى القرآن و تمیتوا ما أمات ، وتكونوا أعوانا على الهدى ، ووزراء على التقوى ... فإني أدعوكم إلى الله ورسوله والعمل بكتابه ، وإماتة الباطل وإحياء سنته» (3).

3- ما روي أنه يدعو لسنة رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) والعمل بها : كما تقدم في الرواية السابقة .

4 - ما روي أنه يعظ القوم نحو رواية الإمام الباقر (صلی الله علیه واله وسلم) : يقول القائم لأصحابه إن أهل مكة لا يريدونني ولكني مرسل إليهم لأحتج عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتج

ص: 239


1- کتاب الفتن لابن حماد: 212.
2- الملاحم والفتن : 147 ح 178.
3- المصدر السابق: 137 ح 157، والصراط المستقیم: 325/2

عليهم (1) لم يذكر من يرسل لهم وبما يعظهم به . وفي رواية عن أبي جعفر (صلی الله علیه واله وسلم) :

« يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفوا له ويدخل حتى يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء» (2) وهذا دليل على تأثير الموعظة فيهم . ونحو ذلك الروايات فراجع (3).

5- ما روي أن محبته تلقى في القلوب المنافي للدمار والقتل والعنف : كما روي عن أبي جعفر (صلی الله علیه واله وسلم) : فيلقي الله محبته في صدور الناس. وفي رواية: فيقذف .. (4).

وعن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: «قلت: یارسول الله أمنا آل محمد المهدي أم من غيرنا؟ فقال النبي (صلی الله علیه واله وسلم) : منا، يختم الله به الدين كما فتح، بنا ينقذون من الفتن كما أنقذوا من الشرك، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة إخوانا كما ألف بينهم بعد عداوة الشرك إخوانا في دينهم» (5).

إشكاله:

ما يأتي من أدلة على الأسلوب الثاني - القتل - والأسلوب الثالث - الإعجاز - وسوف نذكر في الأسلوب الصحيح الرد ظاهر هذه الأدلة أو تأويلها.

الأسلوب الثاني:

الجهاد

ونعني بذلك أن الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) حركته كلها جهادية لا مجال للدعوة السلمية

ص: 240


1- البحار : 180/13
2- إرشاد المفيد: 341.
3- انظر غيبة النعماني: 150.
4- الفتن لحماد: 214، ومعجم أحاديث المهدي: 471/1
5- بحار الأنوار 47 / 84 ح 37.

فيها ولا للإعجاز الخارق للعادة ، ويراد بالجهاد هنا الأصغر المستلزم للقتل والحرب.

دليله :

1- ما روي من إكثاره للقتل وقتل الجريح : نحو ما روي عن أبي جعفر : لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه مما يقتل من الناس (1).

وفي رواية : .......... وإن رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) سار في أمته باللين كان يتألف بين الناس والقائم يسير بالقتل (2).

وفي رواية : والقائم له أن يقتل المولي ويجهز على الجريح (3).

2- ما يأتي أنه لا يقبل التوبة عند ظهوره ولا يستتيب أحدا والذي يستلزم قتل كل من يبقى على المعصية فضلا على الكفر والشرك .

إشكاله:

منافاته لما تقدم من أدلة في الأسلوب الأول، نعم سيأتي وجه الجمع بينها قريبا . على أنه به يعد الأمر شبيه الإنتقام إذ كيف يقدم الحرب والدمار على الهداية مع إمكانها وتأثيرها ، والحال أن الهدف إقامة العدل المطلق .

الأسلوب الثالث:

الإعجاز

والمراد أن الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) لا يستعمل الدعوة السلمية لعدم جدواها، ولا الدمار والحرب لكثرة الأعداء وسطوتهم ، فيقوم باتخاذ الأسلوب الإعجازي ويقيم

ص: 241


1- غيبة النعماني: 121.
2- غيبة النعماني: 121.
3- غيبة النعماني: 122.

دولة العدل بأقل الخسائر والمعاناة ، وهذا المفهوم هو الرائج عند كثير من الناس ، وأن الإمام عجل الله فرجه سيبهر العالم .

ولعل منشأ ذلك جهل الناس بحركة الإمام ودولته والإعداد لها وفهمهم أنه عجل الله فرجه يأتي ويحقق العدل منفردا.

أدلته:

1- ما روي من امتلاكه لمعاجز الأنبياء عليهم السلام عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: قال رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : «المهدي من ولدي، تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم، يأتي بذخيرة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فيملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما » (1).

روى المحدث الحر العاملي رحمة الله في كتاب إثبات الهداة عن كتاب فضل بن شاذان، بإسناده عن عبد الله بن أبي يعفور، قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله وسلامه عليهما وعلى آبائهما وأبنائهما: ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء، إلا ويظهر الله تبارك وتعالى مثلها في يد قائمنا لإتمام الحجة على الأعداء، إنتهى (2).

2- ما يأتي من روایات قدرته وعلمه الخارق للعادة الذي يستطيع من خلاله قلب الدنيا ، وهو ما يسمى بالولاية التكوينية لصاحب الزمان وسوف نتعرض لذلك لاحقا.

3- ما روي أن الأرض تطوى له ، وأنه يمشي في السحاب ، وأن أصحابه يمشون على الماء ، وأنه مؤيد بالملائكة ، وأن جبرائيل عن يمينه ومیکائیل عن شماله، وروايات الخسف بالبيداء ونحو ذلك ما تقدم ويأتي.

4- تقدم تسديد الله تعالی له بالملائكة وجبرائيل وميكائيل وعیسی علیهم السلام.

ص: 242


1- فرائد السمطين: 2/ 335 ح 587.
2- إثبات الهداة: 357/7 / ح 237

إشكاله:

1- ما تقدم من أدلة في الأساليب السابقة .

2- روايات الإعداد العسكري وغيره كما تقدم المساوقة لوجود حروب وتضحيات .

3- لزومه السكوت على انتشار الظلم والرضى عنه ، وذلك لو كان الأسلوب الوحيد لإقامة العدل هو الأسلوب الإعجازي فلماذا صبر الإمام لهذا الوقت ؟!

فلماذا لم يخرج في الغيبة الصغرى ويستعمل هذا الأسلوب وينهي الأمر ؟

أما إن إمام الزمان يحب أن تظلم الفئة المؤمنة المستضعفة وتقتل وتقطع رؤوسها وتهتك أعراضها وتنهب أموالها وهو يتفرج !! ما هذا بإمام عدل إذا !

الأسلوب الرابع:

وهو عبارة عن الجمع بين الأسلوب الأول - الدعوة السلمية - والأسلوب الثاني - الجهاد - بتقريب أنه يستعمل أساليب القرآن الكريم وسنة النبي (صلی الله علیه واله وسلم) ، فإذا حورب أو اعترض عليه في نشر العدل بهذا الأسلوب إستعمل القتل والعنف وإن استلزم الدمار والخراب الجزئي وجوازه لأجل هدف إلهي أكبر وأسمي.

أدلته:

1- ما تقدم من أدلة في الأسلوبين بملاحظة ما يأتي من الجمع .

2 - ما روي في استعمال الأسلوبين معا بشكل طولي ، وسوف نذكره في الأسلوب السابع .

إشكاله:

ما تقدم من أدلة الإعجاز.

ص: 243

الأسلوب الخامس:

وهو عبارة عن الجمع بين الأسلوب الأول والثالث أي الدعوة السلمية والإعجاز . ودليله بان مما تقدم .

واشكاله روايات الأسلوب الثاني ، على أنه هناك تنافي ظاهر بين الدعوة السلمية والإعجاز المستلزم للقتل الجماعي والدمار الكبير كالخسف . إلا إذا فسر الإعجاز العلمي فهو مكمل للدعوة السلمية ، وهو احتمال وارد بل متحقق وعليه أدلة ما روي أن الأرض والسماء تخرج كنوزها (1).

وما روي أنه يزيل كل دمار وخطر - كما تقدم - والأمر الذي يحتاج لتكنولوجيا متطورة تناسب ما نسمع عنه من التلوث والخطر الأرضي والجوي ... قال تعالى: «ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس لیذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون» (2).

الأسلوب السادس:

وهو عبارة عن الجمع بين الأسلوب الثاني والثالث ، أي الجهاد والإعجاز بشكل طولي، أي يستعمل الجهاد وعند عدم تحقيقه للأهداف يستعمل الإعجاز .

ودليله ما تقدم في الأسلوبين .

واشكاله أيضا ما تقدم في الأساليب الثلاثة .

ص: 244


1- بحار الأنوار: 86/53
2- سورة الروم: 41.

الأسلوب السابع:

11- الأسلوب الصحيح

وهو عبارة عن الجمع بين الأساليب الثلاثة على أن يتم تنفيذها بشكل طولي ، أي يبدأ بالدعوة السلمية ثم إذا قوتل يستعمل الجهاد ثم إذا توقف النصر على الإعجاز إستعمل المعجزة.

ودليله عقلي وشرعي:

الدليل العقلي وتقريبه: أن نقض الغرض خلاف دیدن العقلاء ، والإمام المهدي عجل الله فرجه سید العقلاء، فكيف ينقض غرضه ؟!

والغرض أو الهدف من خروج الإمام هو إقامة العدل الشامل على كل الكرة الأرضية ليحقق التزام كل الخلق بالعبادة المخلصة لله تعالى: « وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» (1).

واستعمال الأساليب الستة المتقدمة لا تحقق هذا الهدف ذلك أن الجهاد منفردا يؤدي إلى الخراب والدمار الكبير ، إضافة للتلوث نتيجة الأسلحة المتطورة ونتيجة ذلك كثرة القتل التي قد تصل نسبته إلى 80٪، وهذه نسبة عالية جدا تنافي العدل ، بل تدخل في مقدمات الظلم لأنه - مثلا - لو أخذنا دولة الصين ودخول الإمام عليها محاربا ثم قتل أو أباد 80٪ منها فإنه لا يقال أقام الإمام العدل في أهل الأرض ، بل يقال أباد أهلها واستسلم الباقي القليل وهذا نقض للغرض .

2- وإذا كان أسلوب الدعوة السلمية منفردا، فأيضا لأن تحقيق الغرض في العالم

ص: 245


1- سورة الذاريات: 56.

الكبير الواسع المتعدد الحضارات واللغات والطبائع ، الذي أكثره ظلم وتسلط وأسلحة فتاكة مدمرة .

إن استعمال الدعوة السلمية المتعارف استعمالها في مجتمعات بدائية صغيرة لا يجدي نفعا بل سيفهم ضعفا من دولة الإمام (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ، هذا إذا قلنا أن الدعوة هذه تستطيع أن تنجز دولة في مهلة معقولة . فإذا كان النبي (صلی الله علیه واله وسلم) (صلی الله علیه واله وسلم) استطاع أن يقيم دولة إسلامية - من دون عدل - في محيط صغير جدا في قريب العشرين سنة ، فكم يحتاج حفيده المهدي المنتظر الذي سيقيم هذه الدولة على الكرة الأرضية في مجتمع لا يقاس عددأ بمجتمع النبي (صلی الله علیه واله وسلم) هذا مع إقامة العدل في هذه الدولة حتى یصل المجتمع إلى العصمة المطلقة ، الأمر الذي يحتاج - بهذا الأسلوب - إلى نحو مائة ألف سنة وكفى بذلك نقض للغرض.

3- وإذا كان الأسلوب هو الإعجاز منفردا فكذلك الأمر فإن استعمال الإعجاز بالتفسير المتقدم مساو للدمار والخراب إذا كان منفردا ، فمثلا إذا استعمل الإمام الخسف في الكثير من دول العالم ومناطقها فهذا سيؤدي إلى دمار وقتل كبير وتقدم أنه نقض للغرض.

والخلاصة: إستعمال الأساليب الثلاثة منفردة يؤدي لنقض الغرض وهو خلاف سيرة العقلاء فضلا عن سيدهم وقائدهم ومعلمهم صلوات الله عليه .

ص: 246

12- الدليل الشرعي لأسلوب الإمام

1- ما تقدم من روايات أنه يسير بسيرة النبي (صلی الله علیه واله وسلم) وكذلك روايات دعوته للقرآن والعمل به ، فإن ذلك معناه أنه يستعمل تسلسل أساليب النبي (صلی الله علیه واله وسلم) والتي كان يستعملها النبي (صلی الله علیه واله وسلم) من الدعوة السلمية وتبين الهداية الإلهية وأثرها وذلك بالموعظة الحسنة والحكمة ، ثم إذا تمرد المتمردون أو جحد الكافرون أو حرف المنافقون تصدى لهم بقوة السلاح وجاهدهم حتى يذعنوا للحق والإسلام.

ثم إذا توقف الأمر أو الدعوة أو الجهاد على التدخل الغيبي أمده الله بالملائكة أو بالإعجاز حتى يحقق دولة الحق .

وعليه فالنبي (صلی الله علیه واله وسلم) من سيرته ودعوته خلال بعثته إستعمل الأساليب بشكل طولي ، وقد بين الله تعالى في كتابه كل هذه الأساليب في جل حروب النبي (صلی الله علیه واله وسلم) ودعوته . وقد تقدم بعض الآيات في مطلع الفصل ، وللتفصيل يراجع كتب سيرة النبي (صلی الله علیه واله وسلم) . وفي رواية عن الصادق (صلی الله علیه واله وسلم) : إن الله عز وجل بعث رسوله بالإسلام إلى الناس عشر سنين فأبوا أن يقبلوا حتى أمره بالقتال ، فالخير في السيف وتحت السيف ، والأمر يعود كما بدأ (يعني عند الظهور) (1).

وكذلك الأمر في روايات دعوة الإمام الهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) للعمل بالقرآن ، فإن القرآن الكريم يطرح الأسلوب الأول ويأمر بالعمل به كما تقدم ، وكذلك يتعرض للأسلوب الثاني - الجهاد - في آيات كثيرة ، منها ما هو مخصوص بالنبي (صلی الله علیه واله وسلم) ومنها ما هو عام.

أما الأسلوب الثالث - الإعجاز - فسواء فسرناه بالإعجاز الخارق للعادة كما يأتي

ص: 247


1- أنظر الوسائل: 469/2

في قصة عرش بلقيس كيف أن وصي سليمان (صلی الله علیه واله وسلم) جاء بعرشها ومنصبها من اليمن إلى بيت المقدس في أقل من الثانية كما قال سبحانه وتعالى: « قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمُ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ» (1).

فإن الإعجاز بهذا المعنى واقع في القرآن .

وكذلك إذا فسرناه بالتسديد الإلهي للأنبياء أو الأولياء بواسطة الملائكة كما حصل مع رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) في أكثر من آية قال تعالى: « إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلِنْ يکفيکم أَنْ يمدکم ربکم بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ» (2).

وقال: « بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا وَ يأتوکم مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مسؤمين» (3)

فأيضا الإعجاز بهذا المعنی واقع في القرآن الكريم .

وعليه فدعوة الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) للعمل بالقرآن وآياته متضمن لهذه الآيات فتكون الأساليب الثلاثة مستعملة في القرآن الكريم .

أما استعمال الأساليب الثلاثة بالشكل الطولي أي ترتيب الاساليب - فيستفاد من الدليل العقلي المتقدم ، وكذلك من بعض الآيات التي تتحدث عن إنزال الملائكة لنصرة النبي (صلی الله علیه واله وسلم) بعد عجز المسلمين عن الإنتصار كما في وقعة حنين . وأيضا في الروايات يبين الترتيب منها ما تقدم أعلاه، ومنها: ما روي عن أبي بكر قال : سألت أبا الحسن علیه السلام عن قوله تعالى : « وَلَهٍ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ والارض طَوْعاً وَكْرِهَا » (4) قال علیه السلام : أنزلت في القائم (عجل الله تعالی فرجه الشریف) إذا خرج باليهود والنصارى والصائبين والزنادقة وأهل الردة والكفار في شرق الأرض وغربها ، فعرض عليهم الإسلام فمن أسلم طوعا

ص: 248


1- سورة النمل: 40
2- سورة ال عمران : 124.
3- سورة آل عمران : 125 .
4- سورة آل عمران: 83

أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب الله عليه ، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلا وحد الله ...(1).

فروحي فداه لا يأمر بالقتل إلا بعد عرض الإسلام عليهم ويستفاد من قوله : أمره بالصلاة ..، مع أنهم كفار وبعضهم لا يفهم الصلاة ولا لغتها ، يستفاد أن الأمر بالإسلام بعد تعليمهم تعاليم الإسلام وأحكامه وهو الموافق لقوله تعالى: « مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَ لا تَزِرُ وازِرَةُ وِزْرَ أُخْرى وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى تُبْعَثَ رَسُولاً» (2).

وأيضا هو موافق للغرض الأساسي وهو تحقيق الكمال المطلق والتربية الإسلامية للوصول إلى عبادة الواحد الأحد على كل وجه العمورة ، فإن القتل والعنف ابتداء ينافي هذا الغرض والهدف الأسمى ، بل حتى الروايات التي تذكر أن القتل جائز لتحقيق هذا الغرض تبين أنه ليس واجبا لذاته بل هو أحد الوسائل أو آخرها نحو ما روي عن النبي (صلی الله علیه واله وسلم) : لا تقوم الساعة حتى يخرج عليهم رجل من أهل بيتي فيضربهم حتى يرجعوا إلى الحق (3) أي الإسلام.

عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: إذا أذن الله عز وجل للقائم في الخروج، صعد المنبر، ودعا الناس إلى نفسه وناشدهم بالله، ودعاهم إلى حقه، وأن يسير فيهم بسيرة رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) ويعمل فيهم بعمله، فيبعث الله جل جلاله جبرائيل حتى يأتيه، فينزل على الحطيم، ثم يقول له: إلى أي شيء تدعو؟ فيخبره القائم.

فيقول جبرائیل: أنا أول من يبايعك أبسط يدك فيمسح على يده، وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، فيبايعونه ويقيم بمكة، حتى يتم أصحابه عشرة آلاف

ص: 249


1- البحار : 13 / 188.
2- سورة الإسراء: 15.
3- الحاوي للفتاوي: 131.

نفس، ثم يسير منها إلى المدينة (1).

ومما لا شك فيه أن الإمام أولا يبدأ بصعود المنبر ودعوة الناس وإلا لا معنى له بعد

الحرب والقتال .

وعن بشير البنال قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : إنهم يقولون: إن المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) لو قام لاستقامت له الأمور عفوا، لا يهرق محجمة دم.

فقال : كلا والذي نفسي بيده ، لو استقامت لأحد عفوا لاستقامت لرسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) حين أدميت رباعيته وشج في وجهه، کلا والذي نفسي بيده حتی نمسح نحن وأنتم العرق والعلق ، ثم مسح جبهته (2).

ويستفاد من هذا الحديث أن الدعوة لا تستقيم عفوا لا للإمام ولا للنبي (صلی الله علیه واله وسلم) وهذا معناه وحدة الأسلوب وقد تقدم.

ثانيا : معنى العفو في الدعوة الصدفة والمجاني من دون عمل وإعداد وجهد وتضحية بل بالرفاه والخمول ، وهذا ما لا يشرف أحدا، فكيف برسول البشرية وخاتم الأنبياء أو خاتم الأولياء والمهدي المنتظر .

وفي رواية : ما تستعجلون بخروج القائم ، فوالله ما لباسه إلا الغليظ ولا طعامه إلا الجشب وما هو إلا السيف (3).

فروايات القتل هذه وأمثالها تفيد أن الدولة تحتاج إلى حزم وإعداد وتضحية وجهاد فمن آمن فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم ومن أبی قوتل حتى يسلم أو يقتل، هذه سيرة رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) سيرة حفيده وسميه المهدي المنتظر (عجل الله تعالی فرجه الشریف)

نعم ، هناك فرق تقدم في حكم النبي بالظاهر وحكم المهدي بالواقع.

وهناك فرق آخر في مسألة التوبة كما سوف يأتي .

ص: 250


1- بحار الأنوار: 52 / 337 باب 27 ذیل 78.
2- غيبة النعماني: 152.
3- غيبة الطوسي: 277.

وروي عن الإمام الباقر علیه السلام : يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جدید على العرب شديد ليس شأنه إلا السيف ولا يأخذه في الله لومة لائم (1)

وقال : لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه مما يقتل من الناس ، أما أنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف حتى يقول كثير من الناس ليس هذا من آل محمد لو كان من آل محمد لرحم (2).

وقال أمير المؤمنين علیه السلام : بأبي ابن خيرة الإماء يسومهم خسفا ويسقيهم بكأس مصبرة ولا يعطيهم إلا السيف هرجا ، فعند ذلك تتمنی فجرة قريش لو أن لها مفاداة في الدنيا (3) وما فيها ، لا غفر لها ، لا نكف عنهم حتى يرضى الله (4).

وفي رواية عن الجواد علیه السلام : فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله (5).

هذه نماذج أخرى عن القتل وكيفيته ، وظاهرها ابتداء القتل قبل الدعوة ولكن ينبغي ملاحظة ما يلي:

ليس معنى هذا أن القائم هو من يبدأ بالقتال ، فحتى لو لم يدعوهم للإسلام قد يكون هم من بدأوا القائم بالحرب قبل دعوته لهم للإسلام وإمامته ، ويؤيد ذلك ما روي عن أبي عبدالله عليه السلام... حتى ينزل مكة، فيخرج السيف من غمده، ويلبس الدرع، وينشر الراية والبردة والعمامة، ويتناول القضيب بيده ويستأذن الله في ظهوره، فيطلع على ذلك بعض مواليه فيأتي الحسني فيخبره الخبر، فيبتدر الحسني إلى الخروج، فيثب عليه أهل مكة فيقتلونه، ويبعثون برأسه إلى الشام.

فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر فيبايعه الناس ويتبعونه ويبعث الشامي عند

ص: 251


1- غيبة النعماني: 122.
2- غيبة النعماني: 122.
3- من الفدية أي تتمنى من يفديها.
4- غيبة النعمانی: 120.
5- كفاية الأثر: 282

ذلك جيشا إلى المدينة فيهلكهم الله عزوجل دونها، ويهرب يومئذ من كان بالمدينة من ولد علي عليه السلام إلى مكة، فيلحقون بصاحب هذا الأمر، ويقبل صاحب هذا الأمر نحو العراق، ويبعث جيشا إلى المدينة فيأمن أهلها ويرجعون إليها (1).

وعن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل إلى أن قال: يقول القائم عليه السلام لأصحابه: یاقوم إن أهل مكة لا يريدونني، ولكني مرسل إليهم لأحتج عليهم بما ينبغي المثلي أن يحتج عليهم. فيدعو رجلا من أصحابه فيقول له: إمض إلى أهل مكة فقل: یا أهل مكة أنا رسول فلان إليكم وهو يقول لكم: إنا أهل بيت الرحمة، ومعدن الرسالة والخلافة ونحن ذرية محمد وسلالة النبيين، وأنا قد ظلمنا واضطهدنا، وقهرنا وابتز منا حقنا منذ قبض نبينا إلى يومنا هذا فنحن نستنصرکم فانصرونا.

فإذا تكلم هذا الفتى بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكية، فإذا بلغ ذلك الإمام قال لأصحابه: ألا أخبرتكم أن أهل مكة لا يريدوننا، فلا يدعونه حتى يخرج فيهبط من عقبة طوى في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة أهل بدر حتى يأتي المسجد الحرام، فيصلي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات، ویسند ظهره إلى الحجر الأسود، ثم يحمد الله ويثني عليه، ويذكر النبي صلى الله عليه وآله ويصلي عليه ويتكلم بكلام لم يتكلم به أحد من الناس.

فيكون أول من يضرب على يده ويبايعه جبرئیل و میکائیل، ويقوم معهما رسول الله وأميرالمؤمنين فيدفعان إليه كتابا جديدا هو على العرب شدید بخاتم رطب، فيقولون له: إعمل بمافيه، ويبايعه الثلاثمائة وقليل من أهل مكة.

ثم، يخرج من مكة حتى يكون في مثل الحلقة قلت: وما الحلقة؟

قال: عشرة آلاف رجل، جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، ثم يهز الراية الجلية (2).

ص: 252


1- الكافي: 225/8 ح 285.
2- البحار: 307/52

وفي رواية عن الصادق علیه السلام : ثلاث عشرة مدينة وطائفة يحارب القائم أهلها ويحاربونه.. (1).

فهناك حروب متداولة وليس من الملزم أن يكون المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) من يبدأها ، خاصة مع التعبير بالواو بدل الفاء فلم يقل : يحاربهم المهدي فيحاربونه .

2- أنه صحیح شديد على العرب ، لا يعطيهم إلا السيف إلا أن الرواية عبرت : لا تأخذه في الله لومة لائم ، أي شديد على العرب ويضع فيهم السيف بالحق وبما يرضي الله تعالى ومن أجل إعلاء كلمته .

3- ما جاء في حديث أمير المؤمنين عليه السلام : فعند ذلك تتمنی فجرة قريش ، وكذلك رواية الإمام الجواد علیه السلام : فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله ، فإن ذلك يدل على أنه شديد على العرب الفجرة الكفرة الذين هم أعداء الله والإنسانية المستحقين للسيف والقتل ، أما العرب حکام وشعوب وما أكثرهم الذين ينتظرون العدل ويحبونه وحكم الإسلام الأصيل ويتمنونه ، فليس لهم إلا الرحمة والعطف.

4- أيضا ما جاء في حديث أمير المؤمنين علیه السلام : لا نكف عنهم حتى يرضى الله ، الدال على أن قتلهم وجهادهم هو فعل قد رضي الله تعالی عنه ، والله لا يرضى لعباده الكفر والظلم إلا أن يكونوا رضوه لأنفسهم ولم يستجيبوا الداعي الحقوإمامه ومنفذ العدل وسلطانه عجل الله تعالی فرجه.

أقول: وصفوة القول ما جاء في دعاء الندبة المروي عن الإمام الهادي علیه السلام في كيفية دعوة وجهاد الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه : .....وأذقت أعداءك هوانا وعقابا، وأبرت العتاة وجحدة الحق، وقطعت دابر المتكبرين واجتثت أصول الظالمين ..... (2).

فحرب الإمام روحي فداه ضد هؤلاء ، وإنما خرج من أجل القضاء عليهم لأنهم أسباب الظلم والجور وهو خارج من أجل إحلال القسط والعدل .

ص: 253


1- غيبة النعماني: 160.
2- مکیال المکارم: 2/ 90.

وبذلك يتبين صحة هذا الأسلوب السابع الجامع للأساليب الثلاثة ، إلى حين ما يأتي في الفصل السادس . فسوف نقدم طرحا جديدا من الأساليب أو قل تطويرا لهذا الأسلوب بما يتناسب مع عصر الظهور المتطور علميا وتقنيا و العاشق لهذا التطور من قبل مجموعة من العلماء والمؤسسات في دول العالم الأمر الذي سيؤثر على سهولة وسرعة تقبل الناس لدولة العدل والعلم والتطور، فارتقب .

ص: 254

13- تسديد الإمام المهدي عجل الله فرجه

تقدم في الفصل الرابع عند الكلام عن حكم الإمام بالواقع روايات التسديد، ونزيد هنا: ما روي عن أبي عبد الله علیه السلام أنه ينحط عليه الملائكة الذين كانوا مع نوح في السفينة، والذين كانوا مع إبراهيم حين ألقي في النار، والذين كانوا مع موسى حين فلق البحر لبني إسرائيل، والذين كانوا مع عيسى حين رفعه الله إليه، وأربعة آلاف ملك مع النبي (صلی الله علیه واله وسلم) مسومین وألف مردفين، وثلاثمائة وثلاثة عشر ملائكة بدريين، وأربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي عليه السلام، فلم يؤذن لهم في القتال، فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة ورئيسهم ملك يقال له: منصور، فلا يزوره زائر إلا استقبلوه ولا يودعه مودع إلا شيعوه ولا يمرض مریض إلا عادوه، ولا يموت ميت إلا صلوا على جنازته، واستغفروا له بعد موته وكل هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم إلى وقت خروجه (1).

14- آیات التأييد الإلهي للحق

قال تعالى: « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ» (2).

وقال سبحانه : « أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرُ . الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَ لَولَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعُ وَ صَلَواتُ وَ مَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَ لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ

ص: 255


1- بحار الأنوار: 52/ 328 باب 27 ذیل 48.
2- سورة محمد: 7.

يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لقوى عَزِيزُ» (1)

وقال عز من قائل : « وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هدی وَ آتاهُمْ تَقْواهُمْ» (2).

15- التأييد التكويني مقرون بالإستغفار والعبادة

قال تعالى: « وَ يا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَ يَرُدَّكُمْ قُوَّةً إِلى قوتکم وَ لا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ» (3).

وقال سبحانه : « فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً» (4)

ص: 256


1- سورة الحج: 39 - 40.
2- سورة محمد: 17.
3- سورة هود: 52.
4- سورة نوح : 12.10

16- الأسلوب العلمي الجديد في الدعوة

17- الإعجاز العلمي

تقدم في الأساليب أسلوب الإعجاز، وكنا نعني به الإعجاز الخارق للعادة في أفعال کونية كالخسف والحرق والبراكين أو كنزول الملائكة أو حمله لعصا موسی علیه السلام وخاتم سليمانعلیه السلام ونحو ذلك.

وهذا الأسلوب يستعمله الإمام عند مبرراته وحاجته إليه .

إلا أن هناك إعجاز آخر يستعمله الإمام أيضا وقد يكون في الظاهر إعجاز إلا أنه في واقعه أسلوب من أساليب الدعوة الإسلامية يتناسب مع العصر الذي يخرج فيه الإمام المهدي عجل الله فرجه .

والأسلوب أو الإعجاز وجهته علمية ، إلا أن أثره کوني وسيطرت على الدول وجيوشها وعلى المفكرين وعقولهم.

أما على الدولة وجيوشها فللقدرة التي يحصل عليها من يمتلك هذا العالم وهو ما سوف نبحثه مفصلا في الفصل السادس .

أما سيطرته على المفكرين وعقولهم فذلك للعلوم التي يستخرجها الإمام والنظريات التي يبرهن عنها ليبين للعالم أجمع معنی وأثر العلم اللدني، وهذا ما سوف نبينه أيضا في الفصل السادس فارتقبه .

ص: 257

ص: 258

الفصل السادس

1- علم الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف)

ذكرنا في كتابنا : آل محمد بين قوسي النزول والصعود - قسم العلم - تفصيل ماهية علوم أهل البيت علیهم السلام وسعته ومصدره ، ونكتفي هنا بيان مختصر عنه .

والكلام تارة عن علم الإمام ثم عن سعته ثم عن أثره الخارجي وقدرته التكوينية لنصل إلى أن ما روي من قدرة الإمام المهدي هو نتيجة العلم الإلهي .

2- سعة علم المهدي وآله عليهم السلام

في البحار عن أبي عبد الله علیه السلام قال: العلم سبعة وعشرون حرفا فجميع ما جاءت به الرسل حرفان فلم يعرف الناس حتى اليوم غير حرفين، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفا نبثها في الناس وضم إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفا (1).

وقال تعالى: «عالِمُ الْغَيْبِ فلايظهر عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارتضی مِنْ رَسُولِ» (2) قال

ص: 259


1- بحار الأنوار: 336/52 باب 27 ح 73.
2- سورة الجن : 26.

الإمام الرضا علیه السلام لعمرو بن هذاب عندما نفى عن الأئمة عليهم السلام علم الغيب محتجا بهذه الآية : « إن رسول الله هو المرتضى عند الله ، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على غيبه فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة» (1).

وقال أبو جعفر علیه السلام : «إلا من ارتضی من رسول» وكان والله محمد ممن ارتضاه» (2) .

وقال تعالى: « وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ» (3).

فروي عن الإمام الباقر علیه السلام في تفسيرها : « علم الإمام، ووسع علمه الذي هو من علمه كل شيء» (4).

وعن الإمام الكاظم علیه السلام : «ما يخفى على الإمام شيء» (5).

وعن الإمام العسكري علیه السلام : «إن الله أعطى حجته معرفة كل شيء» (6).

وعن أبي الحسن علیه السلام قال: «إنما منزلة الإمام في الأرض بمنزلة القمر في السماء وفي موضعه ، هو مطلع على جميع الأشياء كلها» (7).

وعن أبي عبد الله علیه السلام : «إنهم علموا ما خلق الله وذرأه وبرأه» (8).

وعن أبي جعفر علیه السلام في حديث ذكر فيه كتاب الإمام الحسين علیه السلام إلى فاطمة ابنته فدفعته إلى علي بن الحسين، قلت : فما فيه يرحمك الله ؟

ص: 260


1- بحار الأنوار : 22/12 و 15 / 74.
2- الارشاد إلى ولاية الفقيه : 257، وقريب منه في الخرائج والجرائح : 306.
3- الأعراف : 156.
4- نور الثقلين : 2/ 78 ح 288 عن الكافي .
5- الخرائج والجرايح : 279.
6- أعلام الوری : 357.
7- بصائر الدرجات : 441 ح 8 باب ذکر عامود النار
8- بحار الأنوار : 116/26 ح 22.

قال عليه السلام : «ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدنيا إلى أن تفني» (1).

وعن أبيعبد الله الصادق علیه السلام قال: «والله لقد أعطينا علم الأولين والآخرين». فقال له رجل من أصحابه : « جعلت فداك أعندكم علم الغيب؟»

فقال عليه السلام : «ويحك اني أعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، ويحكم وسعوا صدوركم ولتبصر أعينكم ولتع قلوبكم ، فنحن حجة الله تعالى في خلقه ولن يسع ذلك إلا صدر كل مؤمن قوي قوته كقوة جبل تهامة إلا بإذن الله، والله لو أردت أن أحصي لكم كل حصاة عليها لأخبرتكم» (2).

وقال الإمام الصادق عليه السلام : « یا مفضل أن العالم منا يعلم حتى تقلب جناح الطير في الهواء ، ومن أنكر من ذلك شيئا فقد كفر بالله من فوق عرشه ، وأوجب لأوليائه الجهل» (3).

وقيل لأبي جعفر عليه السلام : ان شيعتك تدعي أنك تعلم کیل مافي دجلة. وكانا جالسين على دجلة .

فقال له أبو جعفر عليه السلام : « يقدر الله عز وجل أن يفوض علم ذلك الى بعوضة من خلقه ؟ »

قال : نعم .

فقال عليه السلام : « أنا أكرم على الله من بعوضته ، ثم خرج» (4).

وقال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة يصف فيها الإمام : « فهو الصدق والعدل .. يطلع على الغيب ويعطى التصرف على الإطلاق » (5).

ص: 261


1- البحار : 26 / 54 ح 109 باب جهات علومهم.
2- بحار الأنوار : 26 / 28 ح 28 باب جهات علومهم عن مناقب آل أبي طالب : 374/3
3- مشارق أنوار اليقين : 135 .
4- إثبات الوصية : 191 - 192.
5- مشارق أنوار اليقين : 115

وقال الإمام الصادق عليه السلام : « یا مفضل من زعم أن الإمام من آل محمد يعزب عنه شيء من الأمر المحتوم فقد كفر بما نزل على محمد، وإنا لنشهد أعمالكم ولا يخفى علينا شيء من أمركم ، وإن أعمالكم لتعرض علينا ، وإذا كانت الروح وارتاض البدن أشرقت أنوارها ، وظهرت أسرارها وأدركت عالم الغيب» (1).

وفي قصة إخبار الإمام الرضا عليه السلام ابن هذاب بما يجري عليه ما يزيل الشك في الباب حيث قال عليه السلام له : « إن أخبرتك انك ستبلي في هذه الأيام بذي رحم لك كنت مصدقا لي ؟»

قال : لا ، فإن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى .

قال عليه السلام : « أوليس الله يقول : «عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضی من رسول» فرسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) عند الله مرتضی ، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أطلعه الله على ما يشاء من غيبه ، فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، وإن الذي أخبرتك يا ابن هذاب لكائن إلى خمسة أيام ، فإن لم يصح ما قلت في هذه المدة ، وإلا فإني كذاب مفتر، وان صح فتعلم انك الراد على الله وعلى رسوله .

ولك دلالة أخرى فتصاب ببصرك وتصير مكفوفا فلا تبصر سهلا ولا جبلا وهذا كائن بعد أيام.

ولك عندي دلالة أخرئ انك ستحلف يمينا كاذبة فتضرب بالبرص» .

وعن أبي جعفر الجواد عليه السلام لما أخبر أم الفضل بنت المأمون بما فاجأها مما يعتري النساء عند العادة .

قالت له : لا يعلم الغيب إلا الله .

قال عليه السلام : « وأنا أعلمه من علم الله تعالى» (2).

ومما نسب لأمير المؤمنين علي عليه السلام قوله في وصف المهدي : يركب

ص: 262


1- مشارق أنوار اليقين : 138.
2- الإرشاد إلى ولاية الفقيه : 254 .

المهدي الهواء لا بسحر، ولا بفتنة عين، بل بعلم يعرفه من سبقوه، فيعمل منه أمثال الجبال تسبح في بحر السماء، ويرقى في أسباب السموات والأرضين، ويعرف من الله ما لم يعلم أحد من كل أهل الأرض أيامه. ولا تمر أيام الله حتى يقطع كل الأرض، من أعلاها وتحتها شبرا بشبر وذراعا بذراع وحوضا بحوض ... (1).

ومن المنسوب له علیه السلام .. ويشف الله عزوجل قلوب أهل الإسلام فيتعلمون من أسرار القرآن وأنوار الحروف ما يبني مدنا من علوم لا تعلمونها، كان يظن أهل «أورب» أن فيهم العلم فيندمون على ما فاتهم، ويسجدون لله عزوجل بالتوبة عما حاربوا المهدي عليه فمنعوا أولادهم نور الحق زمنا، ويبعث المهدي الى أمرائه بسائر الأمصار والبلاد بالقرآن وخلق سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبالعدل بين الناس، من آمن منهم ومن كفر ما سالم وعاهد، حتى ترعى الشاة والذئب في مكان واحد، فورت محمد صلى الله عليه وآله وسلم إن الصبي ليلعب بالحية والعقرب لا تضرهم بشيء، ويذهب الشر ويبقى الخير، ويزرع الإنسان مدا فيخرج الله له سبعة أمداد، سبعمائة حبة والله أكبر وأكثر خيرا، واقرأوا إن شئتم: «كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء» .. (2).

أقول: لابن عربي کلام لطيف على طريقته في علم الإمام المهدي علیه السلام للغيب الذي يحتاجه فليراجع (3).

ص: 263


1- المفاجأة لمحمد عیسی بن داود: 471.
2- المفاجأة لمحمد عیسی بن داود : 629 - 630 .
3- الفتوحات المكية: 6/ 80 باب 366، وفي طبعة : 326/1 باب 366.

3- أثر العلم على القدرة

إعلم أن علمهم علیهم السلام من الله تعالى فعلمهم علم الله ، ومعلوم أن علم الله هو أمره ومشيئته (1)، فمن يمتلك علم الله فقد امتلك أمره ومشيئته وإرادته، وهم الذين لا يريدون إلا ما أراد الله .

قال الحكيم السبزواري: والإرادة في إرادته الثاقبة وقوتها أن يكون الروح القدسي

بحيث كل ما تعلق تصوره به وقع بمجرد تصوره ، وتطيعه مادة الكائنات فيتصرف فيها كتصرفه في بدنه (2).

دليل قولنا:

ويدل على أن القدرة نتيجة العلم من الآيات:

1- قوله تعالى: « وَ لَوْ أَنَّ قرآنأ سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الموتی » (3).

2 - وقال عز من قائل: « لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ» (4).

قال الإمام الصادق علیه السلام : وإن الله يقول في كتابه: « وَ لَوْ انَّ قرانا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى» وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسير به

ص: 264


1- كما قال السبزواري: شرح دعاء الصباح 97 – 98.
2- شرح دعاء الصباح : 82
3- سورة الرعد: 31.
4- سورة الحشر : 21.

الجبال وتقطع به البلدان وتحيط به الموتی » (1).

وعنه علیه السلام في حديث تبيين أن علمهم من القرآن قال : « فعندنا ما يقطع به الجبال ويقطع به البلدان ويحيى به الموتى باذن الله » (2).

3. وقال عز من قائل: « قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أيکم يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يأتونی مُسْلِمِينَ . قالَ عِفْرِيتُ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَ إِنِّى عَلَيْهِ لقوى أَمِينُ . قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمُ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طرفک فَلَمَّا رءاه مستقرأ عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ ربی لِيَبْلُوَنِي ءأشكر أَمْ أَكْفُرُ وَ مَنْ شکر فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غنی كَرِيمُ . قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَ تَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ » (3)

في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث نفي علمهم للغيب قال: «يا سدير ألم تقرأ القرآن ؟».

قلت: بلی.

قال عليه السلام : فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل: « قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمُ مِنَ الْكِتابِ أَنَا أَتَيكَ بِهِ قَبْلَ انَّ يَرْتَدُّ اليك طَرْفُكَ» (4).

قلت: جعلت فداك قد قرأته.

قال علیه السلام : فهل عرفت الرجل وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب ؟ »

قلت: أخبرني به ؟

قال علیه السلام : «قدر قطرة من الماء في البحر الأخضر ، فما يكون ذلك من علم الكتاب؟!» .

قلت: جعلت فداك ما أقل هذا .

ص: 265


1- إلزام الناصب : 2/ 331 الآيات القرآنية المشعرة بالرجعة عمومأ عن الكافي .
2- بصائر الدرجات : 15ح 3 باب انهم ورثوا علم آدم .
3- سورة النمل: 38 - 41.
4- النمل: 40.

فقال علیه السلام : « یا سدیر فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل أيضا: « قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ» (1).

قلت: قد قرأته جعلت فداك .

قال: «أفمن عنده علم الكتاب كله أفهم أم من عنده علم الكتاب بعضه ؟»

قلت: لا، بل من عنده علم الكتاب كله .

قال: فأومأ بيده الى صدره وقال: «علم الكتاب والله كله عندنا علم الكتاب والله كله

عندنا» (2).

أقول: الروايات كثيرة في إعطائهم علم الكتاب أكثرها صحیح السند، اقتصرنا على هذا (3).

ومن المعلوم أن الذي آتاه الله علم من الكتاب هو وصي سليمان الذي استطاع به أن يأتي بعرش بلقيس (منصة كبيرة) من اليمن إلى بيت المقدس بأقل من الثانية.

4- ومن الروايات ما يدل على أن القدرة والتصرف الخارق سببه العلم :

روي عن أبي عبد الله الصادق علیه السلام قال : «كان أمير المؤمنين علیه السلام كثيرا ما يقول: أنا قسيم الله بين الجنة والنار وأنا الفاروق الأكبر ، وأنا صاحب العصا والميسم ، ولقد أقرت لي جميع الملائكة والروح والرسل بمثل ما أقروا لمحمد (صلی الله علیه واله وسلم) ، ... ولقد أعطيت خصالا ما سبقني إليها أحد قبلي: علم المنايا والبلايا والأنصاب وفصل

ص: 266


1- سورة الرعد: 43.
2- أصول الكافي : 257/1 باب نادر ذكر الغيب ح 3، وبصائر الدرجات : 213 باب أن عندهم علم الكتاب ح 3.
3- راجع أصول الكافي : 229/1 ح 6، وبصائر الدرجات : 236 - 235 - 232 - 236 ح 12. 15 - 1-14 - 17 ، و 212 الی 216 ح 1 الی 21 باب ما عندهم من الإسم الأعظم وعلم الكتاب، والوسائل: 18 / 134 ح 33523 وما بعده .

الخطاب فلم يفتني ما سبقني، ولم يعزب عني ما غاب عني ، أنشر بإذن الله وأؤدي عنه كل ذلك ، منا من الله ؛ مکنني فيه بعلمه » (1).

وعن أبان قال : كنت عند أبي عبد الله علیه السلام فدخل عليه رجل من أهل اليمن فقال أبو عبد الله : « يا يماني أفيكم علماء ؟

قال : نعم .

قال : فأي شيء يبلغ من علم عالمكم؟

قال : إنه يسير في ليلة واحدة مسير شهرين ويزجر الطير ويقفو الأثر .

فقال له علیه السلام : « عالم المدينة أعلم من عالمكم » .

قال له : فأي شيء يبلغ من علم عالم المدينة ؟

فقال له علیه السلام « يسير في صباح واحد مسيرة سنة للشمس إذا مرت ، فأما اليوم فهي ما بوده ، وإذا مرت تقطع إثني عشر مغربأ وإثني عشر مشرقا » (2).

وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام في حديث طويل جاء فيه : « أنا أحيي وأمت بإذن ربي ... والأئمة من أولادي علیهم السلام ...... لقد اعطانا الله ربنا ما هو أجل وأعظم وأعلى وأكبر من هذا كله ، ... لقد أعطانا ربنا عزوجل علمنا للإسم الأعظم الذي لو شئنا خرقنا السماوات والأرض والجنة والنار ، ونعرج به إلى السماء ونهبط به الأرض ونغرب ونشرق ، وننتهي به الى العرش فنجلس عليه بين يدي الله عزوجل، ويطيعنا كل شيء حتى السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والبحار والجنة والنار .

أعطانا الله ذلك كله بالإسم الأعظم الذي علمنا وخصنا به ، ومع هذا كله نأكل ونشرب ونمشي في الأسواق ونعمل هذه الأشياء بأمر ربنا ، ونحن عباد الله المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون وجعلنا معصومین مطهرین

ص: 267


1- بصائر الدرجات : 201 باب انهم جرى لهم ما جرى للرسول ح 3 و 4.
2- دلائل الامامة : 135 - 136 معاجز الصادق عليه السلام .

وفضلنا على كثير من عباده المؤمنين ... » (1).

وقال ابن عباس : قال أمير المؤمنین علیه السلام : «إن من وراء قاف عالم لا يصل إليه أحد غيري ، وأنا المحيط بما وراءه، والعلم به کعلمي بدنياكم هذه، وأنا الحفيظ الشهيد عليها، ولو أردت أن أجوب الدنيا بأسرها والسموات السبع کالأرضين في أقل من طرفة عين لفعلت ؛ لما عندي من الإسم الأعظم » (2).

وعن أبي جعفر والإمام الهادي عليهما السلام : « إن اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفا ، وانما كان عند آصف منها حرف واحد فتکلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتى تناول السرير بيده ، ثم عادت الأرض كما كانت اسرع من طرفة عين ، ونحن عندنا من الإسم الأعظم اثنان وسبعون حرفا ، وحرف واحد عند الله تعالی استأثر به في علم الغيب عنده ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم » (3) .

هذه نماذج من الروايات في أن العلم هو سبب القدرة وفصلناها في كتاب آل محمد بين قوسي النزول والصعود .

5- أثر العلم على سعة الإحاطة والرؤيا

في رواية روح القدس يقول الإمام الصادق علیه السلام: «بروح القدس علموا ما دون العرش الى ما تحت الثرى، وروح القدس ثابت یری به ما في شرق الأرض وغربها وبرها وبحرها».

قلت: جعلت فداك يتناول الإمام ما ببغداد بیده؟

ص: 268


1- بحار الأنوار : 6/26 -7 باب نادر في معرفتهم بالنورانية ح 1.
2- مشارق الأنوار اليقين : 43 ، وبحار الأنوار : 57/ 336ح 26.
3- أصول الكافي: 1/ 230 باب ما أعطوا من الإسم الأعظم ح 1، ودلائل الامامة : 219 معاجز الهادي.

قال: «نعم وما دون العرش ورؤيتهم لما فيهم» (1) .

وهذا تصريح أن روح القدس الذي يعطيهم العلم أو الذي يأخذون العلم بواسطته أقدرهم على التصرف التكويني بما في المشرق والمغرب الى ما دون العرش.

وسئل الحسن عن ذي القرنين في قوله تعالى : «وأتيناه من كل شيء سببا» قال : أي علما أن يطلب أسباب المنازل (2).

وقد قال الإمام الصادق في حق الإمام الكاظم عليهما السلام : « بلغ ما بلغه ذو القرنين وجازه أضعافا مضاعفة فشاهد كل مؤمن ومؤمنة» (3).

فبواسطة العلم شاهد البشرية.

ص: 269


1- بصائر الدرجات : 454 ح 13 باب آن روح القدس يتلقاهم .
2- تاریخ دمشق : 17 / 339 ترجمة ذي القرنين رقم 2106.
3- الهداية الكبری : 270.

6- قدرة الإمام المهدي عليه السلام

عن حذيفة وكعب الأحبار في قدرة المهدي عليه السلام : « فيكبر المهدي سبع تكبيرات فيخر كل سور منها [القسطنطينية] » (1).

وعن أمير المؤمنين عليه السلام في قدرة المهدي عليه السلام : « ويغرس المهدي قضيبأ في بقعة من الأرض فيخضر ويورق » (2).

وعنه عليه السلام في قدرة المهدي عجل الله فرجه: « فيومىء المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) الى الطير فيسقط على يده» (3).

وقال الإمام الصادق عليه السلام : « إذا قام قائمنا وضع يده على روؤس العباد فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم » (4).

وفي خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام يذكر فيها صفات الإمام جاء فيها: « ويلبس الهيبة وعلم الضمير، ويطلع على الغيب ويعطى التصرف على الإطلاق » (5).

وروي تسخير الريح للقائم المنتظر (6).

وفي الروايات قدرته على انباع الماء (7).

ص: 270


1- عقد الدرر : 180 - 181 الباب التاسع .
2- عقد الدرر فی اخبار المنتظر : 138 الباب السادس ، والهداية الكبرى : 404، والأنوار النعمانية : 2/ 88
3- عقد الدرر فی اخبار المنتظر : 138 الباب السادس .
4- الإنسان الكامل : 125 باب 4.
5- مشارق أنوار اليقين : 115.
6- الأنوار النعمانية : 93/2
7- مجموعة ورام : 623.

7- قدرة المهدي عجل الله فرجه وسلاحه

عن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: فقلت: يارب ومن أوصيائي؟ فنودیت: يا محمد أوصياؤك المکتوبون على ساق العرش، فنظرت وأنا بين يدي ربي إلى ساق العرش فإذا اثنا عشر نورا، في كل نور سطر أخضر مكتوب عليه اسم كل وصي من أوصيائي، أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم مهدي أمتي فقلت: يارب أهؤلاء أوصيائي من بعدي؟ فنوديت: يا محمد هؤلاء أوليائي وأحبائي وأصفيائي وحججي بعدك على بريتي، وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك، وعزتي وجلالي لأظهرن بهم ديني، ولاعلين بهم كلمتي، ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي، ولأملکنه مشارق الأرض ومغاربها، ولأسخرن له الرياح، ولأذللن له الرقاب الصعاب، ولأرقينه في الأسباب ولأنصرنه بجندي، ولأمدته بملائكتي حتى يعلن دعوتي ويجمع الخلق على توحیدي، ثم لأدیمن ملکه ولأداولن الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة» (1).

فقول أمير المؤمنين في المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف): «لأملکته مشارق الأرض» فإن تمليك الله عزوجل لولي العصر المشرق والمغرب والسحاب عبارة أخرى عن قدرة الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) في إمكان التصرف فيما يملكه أو يعلمه.

وقال الإمام علیه السلام : «الرابع من ولدي، ابن سيدة الإماء، يطهر الله به الأرض من كل جور ويقدسها من كل ظلم، وهو الذي يشك الناس في ولادته، وهو صاحب الغيبة قبل خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره ووضع میزان العدل بين الناس فلا يظلم أحد أحدا، وهو الذي تطوى له الأرض، ولا يكون له ظل، وهو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه يقول: ألا إن حجة الله قد ظهر عند بيت

ص: 271


1- كمال الدين 205 باب 23 ح 4.

الله فاتبعوه فإن الحق فيه ومعه، وهو قول الله «إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين» (1).

وقال رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) : «المهدي من ولدي اسمه اسمي وکنیته کنیتي، أشبه الناس بي خلقا وخلقا، يكون له غيبة وحيرة يضل فيها الأمم، ثم يقبل کالشهاب الثاقب، يملؤها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما» (2).

وفي البحار عن البصائر والاختصاص بإسنادهما عن عبد الرحيم عن أبي جعفر علیه السلام، قال: أما إن ذا القرنين قد خير السحابين فاختار الذلول وذخر لصاحبكم

الصعب.

قال الراوي: قلت: وما الصعب؟ قال علیه السلام : ما كان من سحاب فيه رعد وصاعقة أو برق فصاحبكم يركبه - أما إنه سيركب السحاب، ويرقي في الأسباب: أسباب السموات السبع، والأرضين السبع، خمس عوامر واثنتان خرابان (3).

وعن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن الله خير ذا القرنين السحابين الذلول والصعب فاختار الذلول وهو ما ليس فيه برق ولا رعد، ولو اختار الصعب لم يكن له ذلك لأن الله ادخره للقائم علیه السلام (4).

8- قدرة أصحاب المهدي

في حديث المفضل: ويقف بين الركن والمقام فيصرخ صرخة فيقول یا معاشر نقبائي، وأهل خاصتي، ومن ذخرهم الله لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض،

ص: 272


1- فرائد السمطین 2/ 337 ح 590، والآية في سورة الشعراء: 4.
2- فرائد السمطين 335/2 ح 586.
3- بصائر الدرجات: 8/ 278 - 279 باب 15ح 1- 3، والاختصاص : 194، وبحار الأنوار: 52 / 321 باب 27 ذیل 27 و 12 / 182 ح 21.
4- بحار الأنوار: 52 / باب 27 ح 28 ، بصائر الدرجات: 279 /ح 4.

انتوني طائعين فترد صيحته عليهم، وهم في محاريبهم، وعلى فرشهم في شرق الأرض وغربها، فيسمعونه في صيحة واحدة، في أذن كل رجل فيجيبون نحوها، ولا يمضي لهم إلا كلمحة بصر، حتى يكون كلهم بين يديه بين الركن والمقام، فيأمر الله عز وجل النور فيصير عمودا من الأرض إلى السماء، فيستضيء به كل مؤمن على وجه الأرض، ويدخل عليه نور من جوف بيته، فتفرح نفوس المؤمنين بذلك النور، وهم لا يعلمون بظهور قائمنا أهل البيت عليه وعليهم السلام، ثم يصبحون وقوفا بین يديه وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا بعدة أصحاب رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) يوم بدر (1).

9- دليل العقلاء والأمر الواقع

ونعني به ما توصل له المفكرون علميا من قدرات كونية إن على المستوى العسكري أو الصحي أو الاجتماعي أو الإقتصادي.

1- فعلى المستوى العسكري يعتبر العقلاء أن أقوی دولة في العالم هي الدولة التي تمتلك أكبر وأضخم وأفضل طاقة نووية مشيرينا في ذلك إلى دولة معينة ، وعند الغوص في أسباب امتلاك هذه الطاقة النووية يتبين أنها نتيجة نظريات علمية قام بتطويرها مجموعة من العلماء على مراحل متتالية متكاملة إلى أن أدت إلى اختراع كبير له أثره العسكري والسلمي وقوته التدميرية بشكل يفوق التصور.

وعليه فقوة هذا السلاح النووي أو التقنية النووية راجع إلى نظريات علمية وبسبب هذا العلم تنتج هذه القوة .

يقولون أيضا أن أية دولة تمتلك نظريات جديدة أقوى من النظريات الموجودة تكون هي أقوى دولة لإمكان امتلاكها لسلاح أو تقنية أقوى أو أفضل من النووية.

كما لو حصلت دولة من الدول على نظرية علمية تقول بوجود سائل أو شعاع إذا وجه إلى السلاح النووي يبطل مفعوله . وبالتالي تصبح هذه الدولة أقوى من غيرها .

ص: 273


1- بحار الأنوار: 53 / 7 باب 25.

فالنتيجة أن العلم هو مصدر القوة والسيطرة في العالم ، هذا دیدن العقلاء وما توصلت إليه اختراعاتها.

وكذلك إذا جئنا إلى المستوى الصحي ، فالقوة في الطب هي قوة في تصنيع العلاجات الفعالة والأدوية الأسرع فعالية من غيرها مع عدم ترك مضاعفات جانبية أو كونها تعطي أقل مضاعفات جانبية .

والعقلاء مجمعون أن سبب نجاح أي علاج أو دواء هو نتيجة النظريات العلمية التي يتوصل لها العلماء المفكرون في هذا المجال ، نعم مع الأخذ بعين الإعتبار التجارب العلمية والتي تكشف عن قوة فعالية العلاج أو الدواء .وبالتالي القوة في الطب تعود أيضا للنظريات العلمية .

والحال نفسه على المستوى الإقتصادي ، فالقوة الإقتصادية تعتمد على مجموعة عوامل أهمها النظريات الاقتصادية التي يضعها علماء الإقتصاد.

وعلى صعيد المجتمع فإن متانة وحصانة المجتمع عن الإنحراف أو الإنجرار نحو الهاوية هي نتيجة رؤية علمية تطبق في ربوعه ، كما لو أخذنا الجانب الأخلاقي ، فإن انتصار الفساد في المجتمع هو نتيجة إهمال تطبيق علم الأخلاق في المجتمع وعلى أفراده ، وكلما كان المجتمع ملتزما بهذه العلوم الأخلاقية كان قويا وعصيا عن الإنحراف والوهن.

ويمكن تطبيق هذه القاعدة على جميع شؤون الحياة الرياضية والإعلامية ونحوها

ولكن نكتفي بهذا القدر ..

نعم، هناك تفاوت بين هذه المستويات والشؤون للتفاوت بين طبيعة هذه العلوم، إلا أن جميعها ترتكز على أن قوتها ومتانتها هي نتيجة النظريات العلمية .

وليعلم أن سلامة تطبيق هذه النظريات شرط أساسي في هذه القوة .

والخلاصة : القوة والسيطرة على الكون أو بعضه مردها إلى العلم والنظريات العلمية المعبر عنها بالإختراعات والإبتكارات سبحان من علم الإنسان ما لم يعلم.

ص: 274

10- المهدي عجل الله فرجه يطور العالم

من خلال ما تقدم من سعة علم المهدي عجل الله تعالی فرجه ذلك العلم الذي لا يستطيع أن يعرف مداه أي بشر ، ومن خلال ما تقدم أيضا من قدرة هذا العلم وأثره على مصادر الحياة أو مصدر الطاقة في الكون هل يمكننا أن نعلم أو نتصور ما يستطيع إمام العدل والعلم أن يفعله في هذا العالم من تقدم علمي وتصور تقني ؟!

والكلام تارة في امكان ذلك وأخرى في وقوعه:

11- بشرى للمفكرين والمخترعين

أما من ناحية الإمكان فلا شك - بعد مراجعة ما تقدم - أنه قادر صلوات الله وسلامه عليه على تحقيق حلم أي عالم ومفكر كان يحلم بصنع شئ في الكون ولمختلف شؤون الحياة وفي كافة مجالاته التقنية والعلمية .

فلئن كان أمير المؤمنين علیه السلام يقول: «سلوني قبل أن تفقدوني فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض» (1).

فإنه جاء من يكشف عن هذه الطرق بل ويسلكها ليري العالم صدق مقولة على عليه السلام وماذا كان يعني وما هو الأثر العلمي والمادي الذي حرم الكون - طيلة الأعوام الماضية - منه ومن خيراته وتبعاته .

جاء من يسفر عن آهات على التي اختزنها في قلبه عندما كان يقول : إن ههنا لعلما

ص: 275


1- نهج البلاغة: 130/2 رقم 189.

جما لو أصبت له حملة (1).

وقوله :بل اندمجت على مکنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة (2).

بشراكم اليوم أيها العلماء المفكرون ، لقد اقتربت فرحتكم الكبرى لتروا صحة نظریاتكم وتطويرها بشكل لا تصدقون ما سوف ترون ، فدولتكم أتية وهنيئا لكم، فحصتكم بها أكبر الحصص ولأنتم أشد فرحا من غيركم .

12- عصر المهدي هو بداية الزمان لا نهايته

ويحضرني كلام جميل لآية الله السيد الخامنئي حيث يقول: إن البعض يتصورون أن عصر ظهور بقية الله سيكون في آخر الزمان ونهاية العالم! ولكنني أقول بأن عصر ظهور بقية الله هو بداية العالم والخطوة الأولى في حركة الإنسان على الصراط الإلهي المستقيم، سواء أكان ذلك مع القليل من العقبات أو بدونها، وبسرعة قصوى، وبتوفير كافة الإمكانيات من أجل هذه الحركة.

ولو افترضنا أن الصراط الإلهي المستقيم يشبه طريقا واسعا ومستقيما وممهدا حيث جاء كافة الأنبياء علیهم السلام خلال القرون الطويلة الماضية لينقذوا البشرية من سبل الضلال ويرشدونها إلى هذا الطريق القويم، فلابد وأن حركة الإنسان ستبلغ ذروتها دی بلوغ هذا الطريق، ولسوف تغدو حركة عامة وشاملة يحالفها التوفيق بلا أدني خسائر أو مع الضئيل منها.

إن عصر الظهور هو ذلك العصر الذي تستطيع البشرية أن تتنفس فيه الصعداء، تتنكب الطريق الإلهي، وتتمتع بكافة الطاقات الكامنة في عالم الطبيعة وفي وجود

ص: 276


1- الخصال: 186.
2- نهج البلاغة: 41/1 رقم 5.

الإنسان على نطاق واسع.

إن الإمكانات البشرية لا تستخدم بالصورة الصحيحة الآن، فتضيع الطاقات وتذهب سدى، وكذلك هي الطاقات الطبيعية؛ إن كافة هذه الظواهر التي تشاهدونها في التلوث البيئي مردها جميعا إلى سوء استخدام الإمكانات الطبيعية.

وإن البشرية تغد السير في هذا الطريق بينما هو خاطئ وغير فرید.

إن الإنسانية غافلة عن طريق العلم وسواه من الطرق القويمة التي تستطيع السير عليها في ظل النظام الإلهي (1).

ومن هنا ندرك الأسلوب العلمي الفعال والمؤثر للإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) .

هذا من ناحية الإمكان.

13- أما من ناحية الوقوع :

فيستفاد من بعض الروايات نماذج للتطور العلمي الذي يأتي به المهدي عليه السلام الذي يكشف لنا بعض هذا الإعجاز العلمي :

14- التطور العلمي في دولة المهدي

علي بن إبراهيم القمي رحمة الله في تفسيره مسندا عن المفضل بن عمر(ره) أنه سمع أبا عبد الله علیه السلام يقول في قول الله تعالى: « وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها» (2) قال: رب الأرض يعني إمام الأرض، قلت: فإذا خرج يكون ماذا؟

قال علیه السلام : إذا يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ويجتزئون بنور الإمام (3).

ص: 277


1- من كلمة ألقاها في 7 رجب 1421 ه. المدرسة الفيضية / قم المقدسة.
2- سورة الزمر: 69.
3- تفسير القمي: 2/ 581

وفي كتاب المحجة مسندا عن المفضل أيضا قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها واستغنى العباد عن ضوء الشمس، وصار الليل والنهار واحدا، وعاش الرجل في زمانه ألف سنة يولد له في كل سنة غلام، لايولد له جارية، يكسوه الثوب، فيطول عليه كلما طال ويكون عليه أي لون شاء (1).

وفي البحار عن المفضل أيضا قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: «إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنور ربها، واستغنى العباد عن ضوء الشمس، وذهبت الظلمة». الخبر (2).

الإستغناء عن ضوء الشمس إما لظهور نور الإمام المادي، وإما إشارة إلى تطور علمي تصبح فيه الأنوار لا تذهب ليلا ونهارا، وإذا كان الليل يعيق بعض الأعمال التجارية والزراعية وغيرهما، ففي زمن المهدي ترتفع هذه الموانع ليتم الإستفادة من كل الأوقات.

وفي روضة الكافي عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن قائمنا إذا قام مد الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لا يكون بينهم وبين القائم برید يكلمهم فيسمعون وينظرون إليه وهو في مكانه (3).

وفي حديث آخر عنه علیه السلام قال: «إن المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى

أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي في المشرق» (4).

وهو يدل على شاشات التلفزة أو الهاتف الكاشف، ولكن تحدي الإمام الصادق علیه السلام به لزمن القائم يكشف أنه شئ غير ذلك ولم يره ويسمع به أحد قبل ذلك الزمان.

ص: 278


1- المحجة: 74.
2- بحار الأنوار: 52/ 330 باب 27ح 52.
3- الكافي: 8 / 240 ذیل 329
4- بحار الأنوار: 391/52 / ح 213

15- كثرة العلوم في عصره

في البحار عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل قال: ويقذف في قلوب المؤمنين العلم، فلا يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من علم، فيومئذ تأويل هذه الآية: « يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ» (1) ، (2).

وفي أصول الكافي بإسناده عن أبي جعفر علیه السلام قال: إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم.

وفي الخرائج : وأكمل به أخلاقهم (3).

قال العلامة المجلسي الثاني في مرآة العقول : الضمير في قوله (یده) إما راجع إلى الله أو إلى القائم وعلى التقديرين كناية عن الرحمة والشفقة أو القدرة والاستيلاء، وعلى الأخير يحتمل الحقيقة، وقوله: فجمع بها عقولهم، يحتمل وجهين أحدهما أنه يجعل عقولهم مجتمعة على الإقرار بالحق فلا يقع بينهم اختلاف ويتفقون على التصديق .

وثانيهما أنه يجتمع عقل كل واحد منهم، ويكون جمعه باعتبار مطاوعة القوى النفسانية للعقل، فلا يتفرق لتفرقها كذا قيل، والأول أظهر والضمير في (بها) راجع إلى اليد وفي (به) إلى الوضع، أو إلى القائم علیه السلام .

والأحلام جمع الحلم بالكسر وهو العقل. انتهى كلامه رحمة الله (4).

وقال بعض العلماء رضوان الله عليهم: المراد وضع جارحته الخاصة بنحو المعجزة على رؤوس جميع العباد، والدليل على هذا قول الصادق علیه السلام في حديث

ص: 279


1- سورة النساء: 130.
2- بحار الأنوار: 86/53
3- الكافي: 1/ 25 باب العقل ح 21 ، وكمال الدين: 2/ 67 باب 58 ذیل 30.
4- أنظر مکیال المکارم: 76/1

آخر مروي في الكافي قال علیه السلام : إن هذا الأمر يصير إلى من يلوى له الحنك (1) فإذا كانت من الله فيه المشيئة خرج، فيقول الناس، ماهذا الذي كان ويضع الله له یدأ على رأس رعيته (2).

وعلى أية حال فهو يكشف عن قدرة العقول على التفكير والتطوير والتصنيع و ابتکار ما يحتاجه العصر من التطور والتقدم والرقي نحو السماء والفضاء أو في البحار والمحيطات أو في جوف الأرض...

16- سعة علم المنتظرين

قال أبو خالد: فقلت له: يابن رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) ، وأن ذلك لكائن؟

فقال علي بن الحسين علیه السلام : أي وربي، انه لمكتوب عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم).

قال أبو خالد: فقلت يابن رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) ثم ماذا يكون؟

قال علیه السلام ثم تمتد الغيبة بولي الله عز وجل الثاني عشر من أوصياء رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) والأئمة بعده عليه الصلاة والسلام يا أبا خالد، إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان، لأن الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) بالسيف أولئك المخلصون حقا وشيعتنا صدقا والدعاة إلى دين الله عز وجل سرا وجهرا (3).

ص: 280


1- قوله علیه السلام : من يلوى له الحنك، قال في المجمع: لواه إذا أماله من جانب إلى جانب والحنك بفتحتين ما تحت الذقن من الإنسان وغيره أو أعلى داخل الفم والأسفل في طرف مقدم اللحيين (إنتهى).
2- بصائر الدرجات: 39/204
3- كمال الدين: 1/ 319 باب 31 ح 2 والنجم الثاقب: 513/1

17- التطور الصحي

عن الإمام الصادق عليه السلام : ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ولد ذكر لا يولد فيهم أنثی (1).

وعن أمير المؤمنين عليه السلام زاد عما تقدم : . آمنين من كل بدعة وآفة والتنزيل (2) عاملين بكتاب الله وسنة رسوله، قد اضمحلت عنهم الآفات والشبهات (3).

وعن الإمام الباقر علیه السلام : «من أدرك قائم أهل بيتي من ذي عاهة برأ، من ذي ضعف قوي» (4).

وعن الإمام السجاد عليه السلام : «إذا قام القائم أذهب الله عن كل مؤمن العاهة ورد إليه قوته » (5).

وهذه الروايات بضميمة التطور العلمي تكشف مدى تقدم الطب في عصر القائم واكتشاف أدوية للعقم ونحوه من الأمراض المستعصية.

ص: 281


1- النجم الثاقب: 311/1
2- كذا في كل المصادر .
3- النجم الثاقب: 311/1
4- النجم الثاقب: 312/1
5- النجم الثاقب: 312/1.

18- التطور الزراعي والبيئي

عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ولأخرجت الأرض نباتها ولذهبت الشحناء من قلوب العباد واصطلحت السباع والبهائم حتى تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدميها إلا على النبات وعلى رأسها زينتها لا يهيجها سبع ولا تخافه (1).

أقول: ما بين العراق والشام مسافة كبيرة جدا أكثرها صحراء فتتحول في عصرالظهور إلى نبات وخضار.

وفيه من کتاب سعد السعود نقلا عن صحف إدريس علیه السلام : وألقي في تلك الزمان الأمانة على الأرض فلا يضر شيء شيئا ولا يخاف شيء من شيء ثم تكون الهوام والمواشي بين الناس فلا يؤذي بعضهم بعضا وأنزع حمة كل ذي حمة من الهوام وغيرها وأذهب سم كل مايلدغ وأنزل بركات من السماء والأرض وتزهر الأرض بحسن نباتها، ويخرج كل ثمارها وأنواع طيبها وألقي الرأفة والرحمة بينهم... (2).

وفي البحار عن النبي علیه السلام قال: تتنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم يتنعموا مثلها قط، يرسل السماء عليهم مدرارا، ولاتدع الأرض شيئا من نباتها إلا أخرجته (3).

وكذلك بضميمة روايات التقدم العلمي فإن الزراعة تزدهر ولا يتلف منها شئ لعدم الشر في الأرض.

وعن أبي عبدالله عليه السلام في قوله تعالى ( مدهامتان) قال : يتصل ما بين مكة

ص: 282


1- النجم الثاقب: 1/ 300.
2- بحار الأنوار: 384/52 باب 27 ذیل 194.
3- بحار الأنوار: 15 / 83 باب 1 ح 29

والمدينة نخلا (1).

19- بناء السدود

وعن الإمام الباقر عليه السلام : «ثم يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين علیه السلام نهرا يجري الى الغريين حتى ينزل في النجف ويعمل على فوهته القناطير والأرحاء (2) ، فكأني بالعجوز على رأسها مكتل فيه بر تأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كري».

وقال أمير المؤمنين عليه السلام : وتزيد المياه في دولته وتمد الأنهار وتضاعف الأرض أكلها وتستخرج الكنوز (3).

وفي رواية: وتخرج لهم الأرض كنوزها، ويقول القائم: « كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخالِيَةِ» (4) الخبر (5).

20- توسيع الطرقات

قال الإمام الباقر علیه السلام : إذا قام القائم... وسع الطريق الأعظم وكسر كل جناح خارج عن الطريق وأبطل الكنف والميازيب (6) إلى الطرقات .. (7).

ولعل المراد بالطريق الأعظم كل طريق عام يحتاج الى توسعته في أي بلد .

ص: 283


1- البرهان: 4/ 271 .
2- أي الرحى التي تدور وتطحن.
3- النجم الثاقب: 306/1
4- سورة الحاقة : 24.
5- بحار الأنوار: 86/53
6- جمع الميزاب: مجری ماء
7- الأنوار البهية: 383، وأعلام الوری: 291/2

21- دليل آخر على التطور العلمي

أقول: هذه بعض النماذج في الروايات على التطور العلمي، وحتى لو لم يرد ذلك في الروايات يستطيع الإنسان أن يطبق القواعد المتقدمة على ما يفعله الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) من إنجازات علمية .

فإذا أخذنا نموذج عرش بلقيس الذي جاء به وصي سليمان من اليمن إلى القدس بواسطة القليل من العلم فإننا نعلم منه قدرة العلم على تحريك الموجودات من مكان إلى آخر ، ولو كان سليمان طلب من وصيه أن يأتي بكل اليمن ويضعها في مكان ما كصحراء مصر لفعل .

فالعلم سلطان معنوي ومادي .

فعندما يمتلك الإنسان أسباب التصرف وعللها فما عليه إلا أن يطبق ما يحتاجه أو یریده وقد أشار سبحانه وتعالى إلى ذلك في بعض الأحاديث القدسية المشهورة «لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل [والعبادات] حتى أحبه فإذا أحبته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده الذي يبطش بها ورجله التي يمشي بها» (1).

قال الشيخ الشعراني : «سألت علي الخواص هل يعطى أحد من الأولياء التصرف بكن في هذه الدار فقال : نعم بحكم الإرث لرسول الله (صلی الله علیه واله وسلم) ، فانه تصرف بها في عدة مواطن منها قوله في غزوة تبوك : كن أبا ذر ، فكان أبا ذر » (2).

وقال ابن العربي : ولم يرد نص عن الله ولا عن رسوله في مخلوق أنه أعطي «کن»

سوى الإنسان خاصة (3)، فظهر ذلك في وقت النبي (صلی الله علیه واله وسلم) في غزوة تبوك فقال: «كن

ص: 284


1- غوالي اللئالي: 103/4 ح 152، والغدیر:408/1 وکنز العمال: 229/1 ح 1155.
2- الجواهر والدرر للشعرانی بهامش كتاب الابریز : 123.
3- مراده به النبي الأعظم

أبا ذر» ، فكان هو أبا ذر (1).

وقال الشيخ حسن زاد آملي: «إن الإسم الذي يكون موجبا لارتقاء واعتلاء الجوهر الإنساني والذي بارتقائه درجة درجة يصل إلى منزلة يكون قادرا فيها على التصرف بمادة الكائنات هو الإسم العيني، حيث إن الإنسان وبحسب الوجود والعين إذا اتصف بأي إسم من الأسماء الإلهية، والتي هي كلمات «کن» الباري، فإن سلطان ذلك الإسم وخواصه العينية تظهر فيه، فيصبح هو الإسم، وعندها يمكنه أن يفعل ما كان يفعله المسيح علیه السلام » (2).

وقد فصلنا ذلك بطرق متواترة في كتابنا : آل محمد بين قوسي النزول والصعود، القسم الأول عند البحث عن ولاية آل محمد التكوينية ، والإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) خاتم آل محمد علیهم السلام ، ومحقق ما سعوا إلى تحقيقه ومنجز ما بدأوه صلوات الله عليهم جميعا .

22- الإستفادة من العلم لإنشاء دولة العدل

ما تقدم من أدلة وروايات في علم وقدرة آل محمد علیهم السلام لم يكن مقصودا بذاته. فليس الكتاب مخصص لذلك . إنما الهدف منه أولا: الإطلاع ومعرفة إمام الزمان بصفاته العلمية والشخصية ومعرفة إمام الزمان واجب شرعي «من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» (3).

ثانيا : للإستفادة منه في أساليب نشر العدل ودولة الطهر والنقاء للوصول إلى مجتمع راق عابد لإله واحد أحد لا شريك له تبارك وتعالی .

ومن هنا ، فمع ما تقدم من أساليب سابقة واختيارنا للإبتداء بالاسلوب السلمي

ص: 285


1- الإنسان الكامل : 62 عن الفتوحات المكية الباب 1361
2- الإنسان الكامل : 99.
3- كمال الدين: 409 باب 38، ح 9.

المبتني على الموعظة والكلمة الحسنة ، ثم اضطرارنا إلى الجهاد للدفاع عن دولة العدل وللإنتهاء بالتدخل الغيبي والإعجاز الإلهي ، فإن ذلك كله مع أثره وقوته وهيبته ومع الأخذ بالحسبان أثر الإعداد المسبق على الظهور الذي سينتج ممهدين لدولة القائم المنتظر عجل الله فرجه ، لا تأخذهم في الله لومة لائم ، أسود في النهار رهبان في الليل ، ومع تشرفنا بكون قائد هذه الأبدال هو المدخر من قبل رب الأرباب محقق حلم الأنبياء من آدم حتى محمد بن عبد الله عليهم صلوات الله أجمعين .

مع ذلك كله فإن الوصول إلى الهدف الأسمى والعدل المطلق ليس بالأمر البسيط بلحاظ اتساع البلاد وكثرة العباد وتعدد اللغات وصعوبة التواصل مع بقية القارات، ليس فقط بلحاظ تعدد البيئة واللغة والحضارة ، بل حتى عبر التواصل بالأنترنت وشاشة التلفزة بكل أنواعها ، فإنه حتى لو صعد الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ليخطب على إحدى شاشات التلفزة فكم محطة سوف تنقل ذلك؟ ثلاثة عشرة، عشرين ، وماذا يؤثر ذلك؟ ( هذا على فرض الترجمة ..ز) وعلى من؟ فهناك أكثر من ألف محطة تلفزة لا يعرفون بوجود العشرين محطة المذكورة . وكم الذين سوف يكونون على شاشات التلفزة ؟ فإذا كان الخطاب ليلا، فكثير من الدول والأفراد تعمل ليلا وإذا كان نهارة فكثير من الدول والأفراد تعمل نهارا.

بل أكثر من ذلك هناك شعوب مهمة جدا ليس لها وقت لحضور شاشة التلفزة أصلا كاليابان والصين وكوريا المنشغلين بتطور التقنية ومستلزمات الحياة .

وهناك شعوب لا تمتلك ثمن شاشات التلفزة .

وهناك شعوب كثيرة شغلها ملذات الدنيا بحيث لا ترى الشاشة إلا يوم الأحد، هذا وكثير مما ذكر لم يسمع بالإسلام ولا بالإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) وعمله وحركته مع إيمان أكثرهم فطريا بفكرة المهدوية كما ذكرنا سابقا.

كل ذلك يوقعنا في حيرة كبيرة وقلق جدي.

ص: 286

23- أثر الصدمة العلمية

من هنا سلكنا مسلك العلم لأن أهل هذا الزمان لا يفهمون غيره وسوف أضرب مثالا :

لقد سمعنا وعلى مر السنوات الماضية بأفراد قاموا بادعاء المهدوية وآخرهم رجل من مصر ، فهذا رجل يدعي أنه المهدي - مع خلوه من الصفات المتقدمة الإلهية والعلمية - فلم يسمع به أحد إلا الألف شخص مثلا فلم تهتم به الجرائد والكتب العالمية ، ولم تره الناس في قارتي إفريقيا وأمريكا وغيرها من القارات ، لماذا ؟ لأنه لم يأت بما يلفت أنظار الناس والعالم في هذا الزمان ، سوى أنه يجلس في بيته أو مسجده يحمل سبحة يسبح الله وعلى كل حبة شيطان يلعنه .

وحتى لو صعد على شاشة التلفزة وبعشرین محطة فإن الناس لن تعتني به وعندما تراه ستغير المحطة إذا لم تحترق لرؤيته .

على العكس لو ضربنا مثالا معاكسا بأن قام رجل ونشر نظرية علمية تقول بامتلاكه لما ذكرنا سابقا من شعاع متطور يلغي مفعول العلم النووي ، فهذا الأمر حتى لو كان الآن محالا إلا أن العالم بعلمائه ومفكريه وشياطينه وتجاره ویهوده ومؤمنیه سوف يهتمون بهذا الخبر وسوف يقومون بالتواصل مع هذا الرجل أو المؤسسة ، المفكر من أجل عطشه للابتكارات العلمية ، والشيطان من أجل سيطرته على العالم، والتاجر من أجل عقد صفقة تجني له مالا كبيرا، واليهود من أجل قتله ، والمؤمنون من أجل احترامه وتقديره لعلمه وشجاعته حتى لو لم يدع المهدوية .

وسوف تغطي كل شاشات العالم هذا الحدث وتترجم كلامه وتفعل المستحيل لنشر كلامه ، ونقول كل شاشات العالم لأن المسيطر على أكثر الإعلام العالمي إما الشياطين أو التجار أو المفكرون.

وعليه فما يلفت أنظار العالم بكل أطيافه هو الإختراع والإبداع العلمي والتقني ،

ص: 287

ومن هنا ، لو كان أسلوب الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) أسلوبا علميا حضاريا - وهو كذلك . بمعنى طرحه لنظريات علمية متطورة من خلال طرحه لإقامة العدل ودعوة العالم القيادته وإمامته فإن الأمر - بنظر كاتب هذه الأحرف - سيأخذ منحى آخر.

فالإمام روحي فداه عند طرحه للعدل المطلق لن يقتصر على طرحه له في شأن أو قطاع خاص ، بل عدله بطرحه الجديد سيكون لكل مرافق وشؤون الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية ونحو ذلك مما تقدم في سعة عدل دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه.

وبالتالي عند تقديمه للعدل في شأن خاص سیصیغه بأسلوب معين وبناء على ما تقدم من تناسب أساليب الأنبياء والأئمة عليهم السلام مع الزمان والمكان ، وما تقدم من مخاطبة الناس على قدر عقولهم، فإن الصياغة ستكون على أساس النظريات العلمية الحديثة التي لم يشهد لها العالم مثيلا.

فإن عقول الناس متجهة إلى تطور النظريات العلمية والإمام مأمور من قبل الله بمخاطبة هؤلاء الناس فأسلوبه سيأخذ نحوا من هذه الأنحاء. وبذلك يصل فكر الإمام إلى الناس كل الناس لأنهم أولا يفهمون هذا الأسلوب المتناسب مع أفكارهم، وثانيا لا يغيب أحد عن سماع خطاب الإمام وفكره ونظرياته لأنها كما ذكرنا ستدهش العالم أجمع ، وسيكون هناك مجال ووقت لسماع کامل کلام الإمام ونظرياته ومن مختلف الفئات. الشياطين والمفكرون والتجار والمؤمنون- وعندها ستلقى الحجة على غالبية العالم . فمن آمن آمن ومن كفر فله السيف.

ولا يرد إشكال العذاب والعقاب قبل الحجة « مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَ لا تَزِرُ وازِرَةُ وِزْرَ أُخْرى وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً » (1) لنسبة كبيرة من البشرية بعد هذا الأسلوب الذي يلفت أنظار عدد كبير عن سكان

ص: 288


1- سورة الإسراء: 15.

العالم، فإن الحجة ستلقي على الغالبية الساحقة.

نعم ، هذا لا يعني إلغاء الجهاد والإعجاز ، بل لهم دورهم بعد إلقاء الحجة من الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) بهذا الأسلوب والطرح العلمي .

خاصة عند غير العلماء والمفكرين من أصحاب النظريات العلمية في مختلف مجالات الحياة ، الإجتماعية والاقتصادية والبيئية والصحية ......... - فإن هؤلاء بعد معرفتهم بطرح الإمام وهدفه من إقامة العدل وإلغاء الظلم والمصالح الشخصية، فبطبيعة الحال سوف يقف هؤلاء الشياطين والمتسلطين ومصاصي دماء الشعوب ، في وجه الإمام وطرحه ، وهنا يأتي الأسلوب الجهادي وقتالهم من أجل تحقيق أو إكمال الأهداف الإلهية .

نعم ، طريقة الجهاد سوف تأخذ شكلا مغايرا لما كان في زمن النبي (صلی الله علیه واله وسلم) والأئمة علیهم السلام لأن طبيعة السلاح والحروب قد اختلفت ، والبلاد قد انتشرت وتفرقت في البر والبحر .

وسوف يستفيد الإمام عليه السلام من التطور العلمي والتقني في الجهاد ليطرح نظريات علمية جديدة إن على مستوى التخطيط للحرب أو الدفاع، أم على مستوى تطوير الأسلحة بمختلف أنواعها - البري والبحري والجوي - وهذا له أثر على تقليل الدمار والخراب ، وعلى سرعة إنجاز الأهداف في البلاد التي لا تخضع لدولة الإمام وأطروحته الجديدة .

مضافا للأسلوب الإعجازي الذي لا نعرف بالتفصيل طريقته فإنه سيؤثر على قلة الدمار والخراب وعلى سرعة الإنجاز ، مثلا لو فرض أن جيشا بكل لوازمه المدمرة أراد أن يدخل مدينة ويحارب الإمام بها ، فإنه لو دخلها سوف تدمر هذه المدينة وسوف يطول الأمر وإن انتصر الإمام في النهاية .

أما لو استعمل الأسلوب الإعجازي وخسف بهم في البر أو في البحر قبل وصولهم إلى المدينة ، فإن الدمار سيقل أو يعدم ، والموت سيكون أقل ، وهكذا في غير ذلك

ص: 289

من الأمثلة ...

ومن خلال هذا الطرح الجديد ستبقى مجموعات متفرقة في العالم لم يصلها طرح الإمام وأهدافه ، والذين لن يكونوا من التجار أو الشياطين بل من الذين انعزلوا عن العالم إما لحبسهم في مكان ما ، أو لعيشهم في مناطق نائية لا تصل إليها أخبار الإمام ودعوته، أو لعدم التفاتهم إليها للإختلاف في اللغة مثلا . فإن مثل هؤلاء لم تقم الحجة عليهم وينطبق عليهم قوله تعالى : « مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَ لا تَزِرُ وازِرَةُ وِزْرَ أُخْرى وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً» (1) وبالتالي يحتاجون إلى رسول يقيم عليهم الحجة ويعلمهم ويرشدهم إلى طريق الحق، ويكون الأمر سهلا بالنسبة للإمام لقلتهم

نعم ، يصطدم هذا الأمر بمسألة التوبة ، فهل ستقبل توبتهم أم لا ؟ هذا إذا قلنا أنهم مخاطبون بها لأن التوبة مطلوبة من العالم لا الجاهل ، وسوف نتعرض لذلك في الفصل الثامن.

ص: 290


1- سورة الإسراء: 15.

الفصل السابع

1- أهم علامات الظهور ودورنا فيها

وهي ليست في الروايات بنص معين، إنما تستفاد من أجوائها وهي أقرب للشروط من العلامات لكن بحثها هنا للتأكيد عليها.

وهذه العلامة عبارة عن ذات كل مؤمن ومستضعف ومظلوم، في أن يصل إلى قناعة نفسية بضرورة التغير وعدم القبول بالأمر الواقع فيه.

عندما تصل الأمة بأكملها إلى هذه القناعة وأن وقت التغير قد حان، وتستعد له بكل طاقاتها وإمكانياتها، فإن زمن الظهور سيكون قد حان.

فلابد من وصول الأمة كل الأمة ساعة الظهور المبارك الى مستوى الشعور بالمسؤولية تجاه هذه الدولة وهذا الزمن .

وهذا لا ينافي وجود الظلم وانتشاره، وذلك للحاجة الى قوة المنتظرين وتعويدهم على الصبر لكي يتجوهر الجسد ويصقل العقل، كما في روايات الغربلة والتمحيص.

أما إذا اقتنع البعض وامتنع البعض الآخر محتجين بأسباب الخوف والجوع والعذاب والمسؤولية وما شابه من هذه الأمور التي هي واقعة لا محال نتيجة الظلم والقهر، فإن زمن الظهور سيؤجل إلى أن يأذن الله تعالى، « إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى

ص: 291

يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ » (1).

وما تلكم العلامات المتقدمة إلا إشارات للتأكيد على ظهور القائم وأنه حق، وإلا فهي ليست بأيدينا وإنما ننتظرها كما ينتظرها كل إنسان حتى لو لم يؤمن بها أو يصدقها.

ما يقرب الظهور ويعجل الفرج هو قناعة الأمة بوجود القائم المهدي حقيقة ومعنى إيماننا بوجوده، هو التحرك نحو تغییر حالنا ومجتمعنا من أجل الإستعداد لذلك اليوم الموعود.

أو ليس من يدعو إنسانا لبيته يهيء له مكانا وطعاما وقد يزين له الطريق وينظف له

البيت والفراش وما إلى ذلك.

أولسنا نحن الذين ندعوا إمام الزمان للخروج والمجيء إلى بيوتنا وقرانا ودولنا فهل هيئنا له شيئا؟!

هل أصبحت بيوتنا مستعدة لدخول صاحب الزمان عليها، أم أن الظلم قابع فيها، والسفور والمحرمات متعششة في أروقتها؟!

هل أصبحت قلوبنا نظيفة لتستقبل مولاها أم أن الحسد والحقد والغش والنميمة والغيبة لا زالت مغروسة في داخلها؟!

قبل أن نملأ قلوبنا بذكر المهدي علينا أن نخليها من ذكر الشيطان وغوايته.

الأجدر بنا قبل السؤال عن علامات الظهور وانتظارها أن نستعد لملاقات المولی، أرواح العلمين له الفدي.

وقد ذكرت أمثلة بسيطة وقليلة فيما مضى تنبه القارىء على ما ينبغي فعله قبل الظهور، خاصة فيما يتعلق بالتمهيد والإعداد والإستعداد فتأمل.

ص: 292


1- سورة الرعد: 11.

2- العلامات الحتمية والمتيقنة الحدوث

عن الثمالي قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : إن أبا جعفر علیه السلام كان يقول: إن خروج السفياني من الأمر المحتوم؟ قال: نعم، واختلاف بني العباس من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وخروج القائم علیه السلام من المحتوم.

فقلت له: فكيف يكون ذلك النداء ؟ قال علیه السلام : ينادي مناد من السماء أول النهار: ألا إن الحق في علي وشیعته، ثم ينادي إبليس لعنه الله في آخر النهار: ألا إن الحق في السفياني وشيعته فيرتاب عند ذلك المبطلون (1).

وعن عبد الله بن سنان عنه أنه علیه السلام قال: النداء من المحتوم، والسفياني من المحتوم، واليماني من المحتوم وقتل النفس الزكية من المحتوم، وكف تطلع من السماء من المحتوم قال: وفزعة في شهر رمضان توقظ النائم، وتفزع اليقظان، وتخرج الفتاة من خدرها (2).

وعن أبي عبد اللهعلیه السلام : قلنا علیه السلام : السفياني من المحتوم؟ فقال علیه السلام : نعم وقتل النفس الزكية من المحتوم، والقائم من المحتوم وخسف البيداء من المحتوم، وكف تطلع من السماء من المحتوم، والنداء فقلت: وأي شيء النداء؟ فقال علیه السلام : مناد ينادي باسم القائم واسم أبيه.

وعن حمران بن أعين عن الصادق علیه السلام أنه قال: من المحتوم الذي لا بد أن يكون من قبل قيام القائم علیه السلام خروج السفياني، وخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكية، والمنادي من السماء (3).

أما غيرها من العلامات فهي محتملة وهي كثيرة جدا وليس الكتاب محل بحثها.

ص: 293


1- کمال الدین: 652/2 باب 57 ح 14.
2- الغيبة : 262 ح 8 علامات الظهور.
3- الغيبة: 272 ح 26.

وذكرنا سابقا أن لا أثر للعلم بهذه العلامات حيث أن العلم بها لا يقدم في الظهور المبارك، ولعله لا يؤخر فيه أيضا، وما روي أن العلم بها وإفشاءها يؤخر الظهور إن صح فهو مخصوص بزمن معين .

على أنه قد يراد به إظهار السرية والحث عليها فيما يتعلق بالقائم وصفاته وعلاماته، وبالخصوص فيما يتعلق بالإعداد والتمهيد وقد ذكرنا ذلك سابقا.

3- محاذير طرح وبحث علامات الظهور

وهناك محذور آخر في إنشاء العلامات غير الحتمية وهو ضعف العقيدة بالمهدي علیه السلام عند عامة الناس، إذ عندما نروج لعلامة معينة كنار المشرق أو موت خليفة ونسمي إسمه، فإن هذا ينعكس سلبا على قضية المهدوية إذ ما أكثر النيران التي تخرج من المشرق وما أكثر الملوك والخلفاء بإسم واحد فإن الأسماء تتشابه، وعند حصول ما يشبه العلامة يؤثر سلبا على الإعتقاد بأصل العلامات وتحققها من المحتومة وبالتالي يؤدي لضعف تحقق حركة الإمام والتمهيد لها.

على أن ذلك يؤثر أيضا سلبا على نواح إجتماعية واقتصادية بما يترك من أثر الفتنة والبلبلة وإما لتأثر بعض النفوس الضعيفة فتبني على الإشاعة وقد تهجر بلد العلامة وتترك مصالحها خوفا من النار أوالقتل..

على أنه يصرف الناس عن واجباتهم وتكاليفهم تجاه حركة وقضية المهدوية وقد ذكرنا سابقا تفصيلها . وليس من البعيد أن يكون تخطيط مسبق لهذه الأمور من قبل أعداء الله من أجل تشويه الظهور المبارك وخلط الأفكار على المؤمنين وقد ثبت سابقا بعض هذا التخطيط وذكرنا ذلك سابقا.

فينبغي الحذر من طرح قضايا الظهور المبارك وترك كل ما يؤدي الى استغلاله من قبل الأعداء أو السذج أو تشويه محور معين من محاور إقامة دولة العدل والنقاء، وفي المقابل التركيز على الإعداد العام لهذه الدولة، وزيادة الارتباط بالإمام المهدي كقائد

ص: 294

إلهي، الأمر الذي يؤثر على شخصية الفرد فيزيد من كماله، وعلى المجتمع فينير طريقة ويعطيه الأمل بالظهور وإقامة العدل وإزالة الظلم والجور.

أما تشويه الأفكار وخلط الأمور فإنه يقتل الأمل عند الناس بالظهور المبارك وآثاره الجمة التي تقدم تفصيلها. على أنه يزرع اليأس بالظهور ومقارنة أو زوال الظلم والظالمين إضافة الى ما يتركه من ضعف العقيدة بالإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف.

هذا فيما يتعلق بعلامات الظهور التي ليست من المحتوم، والتي يمكن أن لا تحصل أو يتعدد حصولها لتشابهها مع حوادث طبيعة كالزلازل والكسوف والخسوف أو غير طبيعية كالحروب والأمراض، التي تعطي نفس نتيجة علامات الظهور الأمر الذي يؤدي إلى اللبس والشك.

4- الهدف من بحث علامات الظهور

فلا محذور بیانها للناس ولكن بطرح يؤدي الى تقوية مفهوم الإعداد والتمهيد ويحث على تطبيقه ووضع البرامج له، وعدم حرف الناس عن تكاليفهم وواجباتهم الأخرى تجاه الإمام ودولته المباركة.

إضافة الى ما يتركه الحديث عن قرب الظهور من أثر نفسي وإجتماعي، لأن هذه العلامات قبيل الظهور بفترة بسيطة فعند سماع الإنسان لها بحس بقرب الظهور فيتوجه للإعداد والتوبة والندم عن الماضي ليعيش في حالة ظهور الإمام عليه السلام ، مع أننا ذكرنا سابقا أن الإمام ظاهر یرانا ويسمع كلامنا وتعرض عليه أعمالنا فيفرح ويسر على فعل الخيرات منا، ويحزن ويتألم عندما نقترف أعمال الشر وارتكاب المحرمات بل والمكروهات.

نعم وكما ذكرنا سابقا فلا ينبغي طرح العلامات بشكل يؤدي لتشويه الظهور وحركة الإمام علیه السلام ، خاصة بما يتعلق بالخراساني واليماني .

ص: 295

5- نبذة عن العلامات الحتمية

عن الإمام الصادق عليه السلام : قبل قيام القائم عجل الله تعالی فرجه خمس علامات

محتومات: اليماني والسفياني والصيحة وقتل النفس الزكية والخسف بالبيداء (1).

6- لماذا فقط هذه العلامات:

هناك جامع بين هذه العلامات له نفس البعد بالنسبة للقائم وهو أنها تحصل قبيل الظهور: فقتل النفس الزكية، ورد أنها قبل خمسة عشر ليلة (2) والصيحة في نفس وقت الظهور وتقدم أنها هي الإعلان الأول له، والخسف بالبيداء قبله أيضا كما يفهم من روايات الخسف (3)، واليماني والسفياني كفرسي رهان كما عن الإمام الباقر علیه السلام (4)، والسفياني والقائم في سنة واحدة (5) فالجامع المشترك لهذه العلامات قربها أو تزامنها مع الظهور المبارك لولي العصر.

ثم هناك وجه مشترك بين الخسف واليماني والسفياني: حيث أن الخسف هو في مرکز ومنطقة السفياني واليماني - كما يأتي -، حيث يفهم من أجواء الروایات کون اليماني زعيم عربي والسفياني صاحب فتنة بين المسلمين يزرع في الدول العربية والخسف في نفس المنطقة.

ص: 296


1- كمال الدين: 650 باب 57 ح 7.
2- البحار: 253/52 ح 143.
3- انظر البحار: 10/53 باب 25، و ج 186/52 ح 11.
4- غيبة النعمانی: 253 باب 14 ح 13.
5- معاني الأخبار: 346، وإلزام الناصب: 109/2

7- شخصية اليماني

عن أبي بصير عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال : خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضا، فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناوأهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني هي راية هدى لأنه يدعو إلى صاحبكم فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس و كل مسلم و إذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه فمن فعل ذلك فهو من أهل النار لأنه يدعو إلى الحق و إلى طريق مستقيم (1).

واليماني شخصية عربية وصاحب راية أو دولة أو مؤسسة يعمل على توحيد البلاد العربية وإزالة الفتن من بين أطيافها، ويبدو أنه يكون محبوبا عند الكثير من الدول العربية.

والرواية تشير إلى الإلتزام بطاعته وحرمة مخالفته .

وما يهم من ذكر ذلك أهمية توحيد المسلمين في هذه المنطقة والذي هو أهم إعداد الدولة العدل في آخر الزمان، لأن هذه الدولة ليست لطائفة أو مذهب أو دین معین بل هي لكل مستضعف و مظلوم ومحب للعدل والسلام والرقي والتطور العلمي السلمي، وقد تقدم منا عالمية هذه الدولة في مطلع الكتاب.

ص: 297


1- غيبة النعمانی : 256.

8- شخصية السفياني

وفي مقابل راية اليماني والداعية للهداية والوحدة، هناك راية فتنة وضلال تخرج لشق الوحدة العربية والإسلامية وإحداث فتنة فيها من أجل القتال الداخلي الذي لا يرضي إلا أعداء الإسلام والعدل والسلام.

وينبغي الحذر من هذه الراية وعزلتها أيا كانت هويتها أو مذهبها ودينها، لأنه أكبر عائق أمام تحقيق حلم الأنبياء علیهم السلام وإقامة العدل المطلق، العدل الإقتصادي والمالي والإجتماعي والسياسي.

وعلى كل ناشد سلام و عدل ورقي علمي أن يعمل لعدم زرع بذور هذه الراية الفتانة، وإذا وجدت أن توجد منعزلة بأقل عدد وأضعف رأي ليسهل القضاء عليها بأقل الخسائر، فصحيح أن إنتصار اليماني سيحد من نشاطها والإمام المهدي علیه السلام سوف يقطع جذورها إلا أن للقضاء عليها هناك خسائر ودمار وقتل ولن تكون قليلة، ولكن بقدر ما نسمح لهذه الراية الفتانة من الإنتشار أو تهييء الأجواء المساعدة على الفرقة وشق الصفوف بحجج طائفية أو مذهبية، أو الدعم المالي لهكذا رايات أو أحزاب والذي وجهتها القتل والفرقة والتكفير والفتن، فبقدر ما نساعد على ذلك بقدر ما يكثر القتل والدمار والتلوث عند القضاء على هذه الراية التي هي زائلة لا محال وعدة إلهية ولا يخلف الله وعده.

وفي المقابل بقدر ما نحد من نشاط هذه الحركات والرايات الفنانة والتي تسعى للفتن بقدر ما نخفف من الخسائر المادية والمعنوية ونسهل على الإمام المهدي المنتظر علیه السلام في تحقيق أهداف الإسلام والأديان السماوية التي تهفوا إلى إقامة العدل المطلق في الكون قبل يوم القيامة وانتهاء الحياة عليه.

والسفياني سواء كان شخصا كما فهمه البعض أو حالة كما فهمه البعض الآخر أو

ص: 298

شخصية السفياني شخصية ضمن حالة كما أفهمه، لأن كل حالة تحتاج إلى قيادة، فإن ذلك لا يغير من الواقع شيئا، وأنه صاحب فتنة داخلية تريد تشويه الإسلام. نعم، لا يبعد أن تكون هكذا رايات فتانة مدعومة من قوى الإستكبار التي ليس من مصلحتها انتشار العدل ورفع الظلم.

ص: 299

9- علامات أخرى كالمحتوم

اشارة

وهناك علامات أخرى لم ترد في نص لفظة: المحتوم، ولكن تسلسل الروايات والأحداث يقتضي ثبوتها وحتميتها، وقد نسميها شرائط الظهور تفریقا عن علامات

الظهور.

وسوف نذكر أهم هذه العلامات بما يتناسب مع الكتاب وهدفه:

1- الرايات السود

وتقدم جملة الروايات تحت هذا العنوان أو ما يدل عليه کرايات المشرق أو رجال

الطالقان أو خراسان أو بلاد فارس.

وأهمية هذه الراية هي أنها تنهج نهج العدل واجتثاث بذور الكفر والنفاق، من أجل التمهيد لدولة الإمام المهدي علیه السلام . وهي علامة في الجملة إلا أنها شرط من شروط الظهور لتوقف الظهور على الإعداد وتهيئة الأنصار.

وتسميتها بخراسان أو طالقان أو المشرق ظاهر، أما وصفها بالسود فهو إما للونها الحقيقي أو لكونها ترمز إلى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ورايات الحداد عليه، خاصة بلحاظ أن شعارات أصحاب المهدي «یا لثارات الحسین» علیه السلام (1).

2 - الخراساني

ويفهم من أجواء الروايات أنها شخصية عالمية تطرح التمهيد لدولة العدل بالطرح

البعيد عن العنصرية والطائفية والمذهبية.

ص: 300


1- أنظر البحار: 52/ 308 ح 82

وهي أيضا علامة إلا أن لها ربط برايات خراسان والطالقان، هو القائد العام لهذه الرايات السود.

2- الدجال

عن الطبراني، عن أسماء، عن النبي صلی الله علیه واله وقال: «كيف بكم إذا إبتليتم بعبد قد سخرت له أنهار الأرض وثمارها، فمن اتبعه أطعمه وأكفره، ومن عصاه حرمه ومنعه. إن الله تعالى يعصم المؤمنين يومئذ بما عصم به الملائكة من التسبيح. إن بين عينيه کافر يقرأه كل مؤمن کاتب وغیر کاتب».

الدجال يخوض البحار إلى ركبتيه، ويتناول السحاب ويسبق الشمس إلى مغربها وفي جبهته قرن يخرص منه الحيات، وقد صور في جسده السلاح كله حتى ذكر السيف والرمح والدرق. قال: قلت: وما الدرق؟

قال: الترس .

المفردات: الخرص بالضم: الحلقة الصغيرة في الأذن أو غيره. وبالفتح: التخمين والظن، والمعنى هنا أنه يصنع منه الحيات.

والدجال حالة عالمية هدفها الحؤول دون نجاح دولة المهدي علیه السلام لإقامة العدل والسلم والتطور العلمي الهادف.

ومن هنا نستطيع أن نعرف هويته فهو صاحب الظلم والاستبداد ونهب أموال الدول والمستضعفين، ومشجع الدمار وسفك الدماء بغير حق.

فتكليف كل ناشدي السلام والتطور العلمي السلمي ومحبي العدالة أن يقفوا في وجه هذه الشخصية أو الحالة للحد من تسلطها.

وكما ذكرنا في السفياني بقدر ما نحد من تسلط هذه الحالة بقدر ما نخفف من الدمار والتلوث والقتل، خاصة مع ملاحظة انتشار حالة الدجال في العالم.

ومن هنا فإن أول من يتضرر من العالم من حركة الدجال، الدول الصناعية العالمية

ص: 301

والدول التي تهتم بالتقنية والتطور العلمي أو الدول التي تهتم بالطبيعة وجمالها وحسنها .

وينبغي على هؤلاء الوقوف بوجه كل من يدعو للدمار والخراب والقتال بغير حق، وأن يحافظوا على أنفسهم من شره الذي إذا قوي، أثر عليهم أو أنهاهم.

والدجال أيضا سواء كان شخصا أو حالة كما يفهمه البعض أم كان حالة ممثلة بشخص قيادي فإن الأمر لا يختلف في تأثيره السلبي على العالم.

ص: 302

10- خطورة استعجال الظهور

طبقا لما تقدم، تبين أنه لا فائدة عملية من التوقيت لظهور الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشريف ولا الحديث عن بعض العلامات، وقلنا أنه قد يترتب على ذلك بعض المحاذير، إلا أن البعض لا زال يتسلی بذكر ذلك.

وهناك من يستعجل أمر الظهور المبارك ليربط بين العلامات أو يجري عملية حسابية أو يجمع بعض الأعداد على قاعدة علم الحروف ليصل إلى أن الظهور بعد أشهر أو سنة.

وهذا الأمر أيضا يؤدي إلى بعض المحاذير منها:

1- المحذور النفسي.

2 - المحذور العائلي .

3- المحذور الاجتماعي.

1- المحذور النفسي: فإن الذي يمني نفسه بأن الظهور بعد ثلاثة أشهر مثلا سوف يضع برنامجا على هذا الأساس، فإذا كان ينوي أن يسافر فسیلغي سفره، وإذا كان يريد البدء بمشروع تجاري أو صناعي أو زراعي فسوف يلغيه، وإذا كان يخطط للزواج أو الإنجاب فسيؤجله، وإذا كان يريد الدخول في الجامعة فكذلك.

وفي حال خطأ حساباته سوف يصاب بتوتر نفسي وإحباط قد يؤثر على أصل إيمانه بالظهور المبارك خاصة فيما لو تكرر معه هذا الأمر.

2 - المحذور العائلي: وهو ما يرتبه هذا الشخص على عائلته، فإذا كانوا بحاجة العمل أو بناء بيت أو شراء سيارة فسوف يؤجل هذا الأمر، وعند مرور الثلاثة أشهر التي توقع صاحب العائلة فيها الظهور، فإن عائلته سوف تصاب بالإحباط وسوف يقل اهتمامها بالظهور وما يتعلق به، خاصة فيما لو تكرر ذلك.

ص: 303

3- المحذور الإجتماعي: وهو أخطر من سابقيه لأنه يكون هذا الشخص المتنبيء

للظهور قد وسع رأيه لعدة أفراد أو عوائل وهم بدورهم قاموا بترتيب الآثار على إخباره وأن الإمام علیه السلام سوف يظهر بعد ثلاثة أشهر مثلا، فيوقفون أعمالهم وأرزاقهم وزراعاتهم وتجاراتهم ومستقبل أولادهم، وعند مرور المهلة يصابون بالإحباط، ويزداد الأمر خطورة فيما لو تكرر الأمر عدة مرات.

وعليه فبعد أن كان الإنتظار للإمام علیه السلام فائدة مهمة للفرد والمجتمع يصبح عائقا التقدم المجتمع.

ويحضرني قول أمير المؤمنين عليه السلام : «إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل الآخرتك كأنك تموت غدا» (1).

ويمكن تطبيق ذلك على توقع الظهور :

فنحن نعمل وكأن الظهور بعد ثلاثة أشهر، فإذا كنا نعصي الله تعالی نتوب، وإذا كان علينا دیون ندفعها، ونعمل كل ما يجعلنا مؤهلين لعملية الظهور والإعداد ولقاء القائم علیه السلام كما تقدم تفصيله.

وفي المقابل نعمل وكأن الظهور يحتاج إلى سنوات فنتابع أعمالنا وبرامجنا ونخطط لمستقبل أولادنا وبلادنا .

فإذا كان الظهور قريبا فنحن مستعدون له ولم ينقصن شئ، وإن كان بعيدا فلم يفتن شئ ولم نتأثر لا نحن ولا عوائلنا ولا مجتمعنا.

ص: 304


1- بحار الأنوار: 44/ 139 .

الفصل الثامن

1- التوبة في دولة العدل

وردت بعض الروايات أنه لا توبة بعد ظهور الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه، وأنه لا يستتيب أحدة:

2- روايات التوبة:

وبعض الأخبار يدل على أن المهدي عجل الله تعالی فرجه يقبل التوبة ، وبعضها يدل على أنه لا يقبل الإسلام ممن لم يكن مسلما قبل ذلك، ولا يقبل توبة أحد.

فعن أمير المؤمنين علي علیه السلام .. ثم ترفع الدابة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله جل جلاله، وذلك بعد طلوع الشمس من مغربها، فعند ذلك ترفع التوبة، فلا يقبل توبة ولا عمل ينفع: « لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ» (1).

ثم قال عليه السلام : لا تسألوني عما يكون بعدها فإنه عهد إلي حبيبي رسول الله أن لا

ص: 305


1- سورة الأنعام : 158.

أخبر به غير عترتي (1).

في البرهان في تفسير قوله تعالى: « يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آیات رَبِّكَ» الخ.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما زالت الأرض إلا ولله فيها حجة، يعرف الحلال والحرام، ويدعو الناس إلى سبيل الله، ولا تنقطع الحجة من الأرض إلا أربعين يوما قبل يوم القيامة، فإذا رفعت الحجة أغلق باب التوبة ولم « يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ» أن ترفع الحجة ، الخبر (2).

أقول: هذا يدل أن الإمام عجل الله تعالی فرجه يقبل التوبة والإيمان ممن سبق إلى الكفر والطغيان قبل خروج دابة الأرض وإذا خرج ارتفعت التوبة أو قبل ارتفاع الحجة.

وفي كمال الدين عن أبي عبد الله علیه السلام ، في قول الله عز وجل: « يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آیات رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ » (3) قال : الآيات هم الأئمة المشطرة (4) والآية المنتظرة القائم علیه السلام فيومئذ لاينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف، وإن آمنت بمن تقدمه من آبائه علیهم السلام (5) .

وفي الحديث المروي في البحار في وصفه عن أبي جعفر علیه السلام : «لا يستتيب أحدا ولا يأخذه في الله لومة لائم» (6).

ص: 306


1- كمال الدين: 2/ 525 باب 47 ذیل 1.
2- تفسير البرهان: 1/ 564 / ح 7 ، سورة الأنعام : 158.
3- سورة الأنعام : 158.
4- كذا في كمال الدين، وهذه الكلمة غير موجودة في تفسير البرهان وكيف كان فهي إما مأخوذة من الشطر بمعنى الاتصال، أي الأئمة المتصلة سلسلتهم ببعض عليهم السلام أو من الشطير بمعنی الغريب، إشارة الى غربتهم وقعودهم عن أخذ حقوقهم لقلة أنصارهم وهم في ذلك ينتظرون الامام المنتظر عجل الله فرجه (لمؤلفه).
5- كمال الدين: 2/ 336 باب 33 ذیل 8
6- بحار الأنوار: 354/52 ح 114.

وفي التوقيع الشریف: «كل امرئ منكم ما يقرب به من محبتنا وليتجنب ما يدنيه من كراهيتنا ، وسخطنا ، فإن امرءأ يبغته فجأة (1) حين لا تنفعه توبة ، ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة ، والله يلهمك الرشد ، ويلطف لكم بالتوفيق برحمته» (2).

وفي أصول الكافي عن الصادق علیه السلام في قوله تعالى: «من كان يريد حرث الآخرة» قال: معرفة أمير المؤمنين والأئمة علیهم السلام «نزد له في حرثه» قال: نزيده منها قال: يستوفي نصيبه من دولتهم « وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ » قال علیه السلام : ليس له في دولة الحق مع القائم علیه السلام نصيب. (3).

وعنه عليه السلام قال: يا أبا محمد كأني أرى نزول القائم عليه السلام في مسجد السهلة بأهله وعياله.

قلت: فمن نصب لكم عداوة؟

فقال علیه السلام : لا يا محمد ما لمن خالفنا في دولتنا من نصيب إن الله قد أحل لنا دماءهم عند قيام قائمنا، فاليوم محرم علينا وعليكم ذلك فلا يغرنك أحد، إذا قام قائمنا انتقم لله ولرسوله ولنا أجمعين (4).

أقول: هذا يدل أن الإمام عجل الله تعالی فرجه لا يقبل التوبة والإيمان ممن سبق.

3- وجوه الجمع

1- ما قاله الشيخ الأصفهاني: إن المهدي علیه السلام يقبل توبة من يعلم أن إيمانه يكون عن حقيقة وإخلاص، ولا يقبل ممن يؤمن بلسانه للخلاص. «ولات حین مناص» ويشهد لهذا الوجه ماسبق من أنه علیه السلام يحكم بمقتضی علمه الباطني المختص به

ص: 307


1- في الاحتجاج: بغتة فجأة.
2- البحار: 176/53 ح 7، والاحتجاج 324/2
3- الكافي: 1/ 436
4- بحار الأنوار: 376/52

صلوات الله عليه، هذا ما خطر بالبال في حل الإشكال (1).

2 - ما قاله السيد الجليل السيد نعمة الله الجزائري رحمه الله تعالى في الأنوار قد كنت كثيرا ما أفكر في تلك الأخبار، وأطلب وجه الجمع بينها حتى وفق الله تعالی للوقوف على حديث يجمع بين هذه الأخبار، وحاصله أن المهدي علیه السلام إذا خرج أحيى الله سبحانه له جماعة ممن محض الكفر محضأ كما سيأتي بيانه، فهؤلاء الأحياء الذين تقدم موتهم، ورأوا العذاب عيانا وعذبوا به، واضطروا إلى الإيمان، لا يقبل المهدي علیه السلام منهم توبة، لأن توبتهم في هذا الحال مثل توبة فرعون، لما أدركه الغرق فقال عز وجل في جوابه: « الْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ» فلم يقبل له توبة، ومثل توبة من بلغت روحه إلى حلقه و تغرغرت في صدره، ورأي مكانه من النار وعاينه، فإنه إذا تاب لا يقبل له توبة أيضا، فالمراد بالنفس التي لا ينفعها إيمانها هذه النفس.

وأما الأحياء الذين يكونون في زمان ظهوره علیه السلام ، ولم يسبق عليهم الموت فلا يقبل علیه السلام منهم إلا القتل أو الإيمان. (2)

وروایات عدم قبول التوبة في الواقع تدخلنا في مشكلة كبيرة، إذ أن سد باب التوبة مخالف لبعض الآيات القرآنية، نحو: « إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً» (3).

ونحو قوله تعالى: « إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» (4).

وقوله: « وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَ ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَ ظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ

ص: 308


1- مکیال المکارم: 1/ 134 ذیل ح 387 ضمن بحث: قتل الدجال وهو رئيس أهل الضلال.
2- الأنوار النعمانية: 2/ 72.
3- سورة النساء: 48.
4- سورة البقرة: 222.

الرَّحِیمُ» (1).

فهل يعطل العمل بهذه الآيات ونحوها في زمن ظهور الإمام في دولته ؟

4- التفريق بين زمن الظهور وزمن العدل

ويمكن التفريق بين زمن الظهور المبارك، وبين زمن إقامة دولة العدل. ففي زمن الظهور، تقبل التوبة بعد أن تقام الحجة على الجميع ولا يبقى عذر لأحد في المعصية. أما في زمن الدولة العادلة والمفروض إعطاء كل ذي حق حقه ورفع البدع والفساد والظلم وقتل إبليس ووصل المجتمع إلى العصمة بعد كل ذلك، فلا مبرر للمعصية. ومن يعصي يعاقب ولا تقبل منه التوبة.

5- تأويل روايات التوبة

اشارة

وصحيح أنه أيضا – في هذه الدولة - عدم قبول التوبة يخالف الآيات وجملة من الأخبار، إلا أنه يدعی انصرافها إلى زمن وجود مبررات وأسباب المخالفة للتكاليف، ولو بضميمة ما ورد من عدم قبول التوبة.

تأويل آخر:

ويحتمل أن يراد بروایات عدم قبول التوبة هو التشديد، بل الإلتزام بالأحكام الشرعية قبل الظهور، والحث على مراقبة الأعمال والتصرفات، حتى يكون الإنسان المؤمن مستعدا للقاء مولاه وإمامه وهو خال من المعاصي.

ص: 309


1- سورة التوبة: 118.

تأويل ثالث:

ويمكن تأویل روایات عدم قبول التوبة بعدم التوفيق لها، فقد يكون باب التوبة مفتوحا في عصر الظهور ولكن الإنسان لا يوفق لأن يتوب إلى الله تعالى لأسباب مختلفة، أقلها النسيان والتسويف، وعليه فيعاقب ويحاسب على أفعاله ويقام عليه الحد عند الإمام لأنه لم يتب، أو لم يعلن توبته .

وعدم التوفيق للتوبة أمر مرتبط بالله تعالی .

تأويل رابع:

ويحتمل تفسير لا توبة أي لا مبرر لوجودها من عدم وجود أسبابها، بناء على عصمة المجتمع لا يوجد من يذنب حتى يتوب، فإن التوبة والاستغفار نتيجة المعصية.

وهذا يصبح في زمن قيام دولة العدل، ولا يصبح في بدايات زمن الظهور إذ من عصى قبل الظهور ولم يتب حتى ظهر الإمام فهل تقبل منه التوبة؟ والحال أن المجتمع لم يصل إلى العصمة - بناء على القول بها - بل إن هذا الفرض هو الأكثر في الناس فقد يتوبون عند رؤية الإمام عليه السلام ..

تأويل خامس:

أن تفسر روایات لا توبة بأن الإنسان الذي يراه الإمام، أو يؤتى به إليه ليحاسب أو يقام عليه الحد، وقد أذنب سابقا ولم يتب بعد، فإنه لا تقبل توبته عند قيام الحد عليه.

قال تعالى: « وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عذوا حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ . الْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ . فَالْيَوْمَ ننجيک ببدنک لِتَكُونَ مِنْ خَلْفِكَ آیة وَ

ص: 310

إِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ» (1).

وهذا احتمال صحيح ووجيه، إلا أن الإشكال في عدم اختصاص هذا الأمر بالإمام المهدي علیه السلام ودولته فحتى في زمن النبي (صلی الله علیه واله وسلم) والأئمة علیهم السلام ، كان هذا الأمر كذلك عدم قبول توبة من قامت عليه البينة أمام المعصوم أو الحاكم، والمفروض أن لا توبة - من مختصات الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف).

6- الفرق بين التوبة والاستتابة

ويمكن التفريق بين التوبة والاستتابة، فالتوبة هي الإستغفار عن الذنب وعدم الرجوع إليه، والاستتابة هي طلب الإمامالتوبة من المذنب قبل عقابه وتأنيبه.

فنقول ببقاء التوبة فإن الله يقبل التوبة من عباده واستغفارهم ولكن الإمام لا يستتيب أحدا للأسباب التي ذكرناها. فإنه لا معنى للإستتابة بعد إقامة الحجة وبيان الحقائق، ويكون إلغاء الإستتابة من الأحكام الخاصة بالإمام كما قلنا سابقا أنه يحكم بالواقع لا يطلب بينة.

وعلى كل حال: الأمر مشکل والتوقف فيه أحوط للدين لمخالفة صريح الآيات القرآنية والروايات الشريفة ولابطاله باب التوبة وباب الاستغفار، وهما بابان من أبواب العبادة، ومن سنة النبي (صلی الله علیه واله وسلم) ، وقد تقدم أن الإمام المهدي يدعو للقرآن والعمل به وإلى سنة النبي (صلی الله علیه واله وسلم) والعمل بها.

بل القول برد روایات التوبة أو تأويلها بما ذكر سابقا أولى وأفضل.

7- عدم قبول التوبة: للمسلم أم للكافر ؟

وهنا مشكلة أخرى، فهل لا تقبل توبة الإنسان المسلم، بعد أن كانت الحجة قد

ص: 311


1- سورة يونس: 90-92.

قامت عنده، وسوف وأهمل ولم يتب وتكون الروايات منصرفة إليه فقط؟

أم أن المراد لا تقبل توبة الكافر وبعد إقامة الحجة عليه من قبل الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف)، ولو في عصر الظهور، ولم يسلم على يديه، فلا يستتاب بعدها؟

أم الروايات عامة لهما معا؟

إحتمالات عديدة تحتاج إلى تأمل وبحث ولا حاجة فعلية لذلك هنا. نعم ما نستفيد منه هنا، أن يحتاط كل إنسان لدينه ونفسه، فيبدأ من الآن بالتوبة والاستغفار قبل فوات الأوان.

هذا آخر ما تيسر من الكلام حول دولة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشريف وجعلنا من أعوانه وأنصاره ومن الثابتين على ولايته .

والحمد لله رب العالمين

ص: 312

فهرس المطالب

تمهيد

عالمية الحركة المهدوية ...5

الإيمان بالمهدي فطري ...6

أثر الإعتقاد بالمهدي علیه السلام ...7

الإرتباط الروحي يمنح الكمال ...7

الإعتقاد بالمهدي عليه السلام کنز للشعوب ...8

مطالب الكتاب وأسلوبه ...10

الفصل الأول

هوية القائم المهدي عجل الله فرجه ...11

أسماء القائم المنتظر عليه السلام ...12

مولد صاحب الزمان عجل الله فرجه ...13

ذكر بعض المعترفين بولادة المهدي عليه السلام ...18

بقاء الإمام المهدي عليه السلام ...25

أدلة بقاء المهدي عليه السلام ...27

دلالة حديث الثقلين على بقاء المهدي عليه السلام ...28

ص: 313

لماذا الغيبة ؟ ...31

إمكان رؤية الإمام الحجة عجل الله فرجه ...33

شروط الرؤيا ...33

الطرق الشرعية لرؤية الإمام المهدي عليه السلام ...36

تحقيق حول رؤية الإمام وكيفيته عجل الله فرجه ...41

مناقشة ...43

تمحيص الإحتمالات ...47

أوامر الإمام في الرؤيا ...49

أسباب رؤية الناس للإمام المهدي عليه السلام ... 49

الفصل الثاني

الآثار التكوينية والتشريعية لإمام الزمان علیه السلام ...51

مدخل: ...51

الفرق بين ولادة المهدي أول الزمان وولادته في آخره ...51

فائدة وجود المهدي عليه السلام مع غيبته ...52

الآثار التكوينية لوجود الإمام المهدي عجل الله فرجه ...57

إستقرار الكون وثباته (السماء والأرض) ...57

لولاهم لساخت الأرض بأهلها ...57

نزول مطر السماء ...59

إنبات وإثمار الأرض ...60

أنه عليه السلام أمان لأهل الأرض ...60

حديث الأمان ...61

دلالة حديث الأمان ...63

ص: 314

أنه عجل الله فرجه الشريف واسطة الفيض ...65

مساعدة المحتاجين ...68

نصرة المجاهدين ...70

أنه عليه السلام ولي نعمتنا ورزقنا ...71

الآثار التشريعية لوجود صاحب الزمان ...73

تسديد الفقهاء و مراجع الدين ...73

أن وجود الإمام لطف ...74

روايات عرض أعمال العباد على المهدي عليه السلام ...76

لولاه لما عبد الله ...78

هدايته عليه السلام للعباد ...79

التأدب بأدابه ...81

الفصل الثالث

تكليفنا تجاه المهدي وموقعنا من دولته ...83

مدخل: ...83

كلمة لابد من قولها ...83

تکلیفنا تجاه المهدي عليه السلام ...86

1. معرفة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه ...86

2 - التمسك بالفقهاء ...87

3- تکليفنا عند ذكر اسمه ...88

لماذا سمي بالقائم ؟ ...89

4 - نصرتنا له عجل الله تعالی فرجه ...90

5 - بيعتنا له روحي فداه ...93

ص: 315

قصة وعبرة ...94

دعاء العهد والبيعة ...96

هل يجوز مبايعة غير الإمام قبل ظهوره ...98

6- تحبيبه عليه السلام للناس ...99

7. الدعاء له صلوات الله عليه ...101

8- التقرب إليه عليه السلام ...110

9 - تولينا إياه عجل الله فرجه ...11

10- حبنا له عليه السلام ...112

11 - الدفاع عن قضية المهدي من الانحراف ...113

الإعتقاد بالمهدي عقبة بوجه الإستعمار ...114

12 - الإنتظار الهادف ...116

ثواب الإنتظار ...116

13 - التمهيد للإمام المهدي عجل الله فرجه ...118

شبهة ورد ...118

أهمية التمهيد ...124

بعض روایات التمهيد ...126

الرايات السود وأهل قم ...128

أنواع التمهيد ...134

تمهيد الأفراد ...134

التمهيد عند المؤسسات ...134

التمهيد عند الدول ...135

الإعداد ...137

ثواب الإعداد ...137

ص: 316

شمولية الإعداد ...138

شروط الإعداد ...139

العزم وإخلاص النية ...140

الإستمرارية ...140

اختيار الشخص المناسب ...141

السرية والخفاء في العمل ...142

الإتقان في العمل ...143

سرعة التخطيط ...144

الرقابة ...145

تدريب البدائل ...145

أقسام الإعداد ...146

1- الإعداد العسكري ...146

التسلح: ثوابه وسريته وأهميته ...147

التدرب على السلاح ...149

اختراع السلاح ...150

إعداد الجيوش ...150

الهدف من الإعداد العسكري ...151

رأي الإسلام في العنف ...152

العنف القانوني وغير القانوني ...152

2 - الإعداد الثقافي ...154

ثقافة الكوادر القادة ...155

ثقافة المجتمع ...156

كيفية تثقيف المجتمع ...157

ص: 317

أثر عنصر النساء على الثقافة ...159

الحذر من الثقافة الغربية ...160

3- الإعداد الأمني ...163

4 - الإعداد الأخلاقي والسلوكي ...164

أهمية الأخلاق العامة في المجتمع ...164

الإعداد الأخلاقي النظري ...166

الإعداد الأخلاقي العملي ...166

برنامج ضمان تطبيق الأخلاق ...166

أهمية الأخلاق في بناء دولة الإمام عليه السلام ...169

5 - الإعداد الصحي أو البيئي ...170

الفصل الرابع

الأهداف الإستراتيجية لدولة إمام الوقت ...173

إقامة حكم الله تعالى ...174

نوعية أحكام الإمام عجل الله فرجه ...174

الحذر قبل الندم ...174

حكم الإمام بالواقع ...175

هل يمكن الحكم بالواقع ؟ ...180

إرجاع الحقوق لأهلها في أحكام الإمام الواقعية ...182

ما الهدف والداعي للحكم بالأحكام الواقعية ...183

إقامة أكبر دولة إلهية ...184

الفرق بين الدولة وإقامة العدل ...185

أركان دولة الإمام وأجهزتها ...187

ص: 318

سعة دولة القائم ...189

التخطيط لدولة العدل ...191

خصائص وفروقات دولة الإمام عن الدول الأخرى ...193

إقامة العدل وإزالة الظلم ...194

روايات عدله بين الحيوان ...194

حقيقة وجوهر العدل المهدوي ...197

روايات العدل ...198

الفرق بين العدل والقسط ...203

سعة عدل المهدي ...205

كيف ينشر العدل ...208

هل يصل الناس في دولته للعصمة ...209

عهد المهدي عليه السلام عهد الرقي والخير المطلق ...213

الدعوة بين أول الزمان واخره ...216

الرحمة المهدوية ...221

الفصل الخامس

أسلوب دعوة الإمام المهدي عجل الله فرجه ...223

تمهید ...223

أسلوب القرآن الكريم في الدعوة ...225

خطاب الناس والتعامل معهم ...227

التعامل والتكامل والتعارف ...228

إحترام إنسانية الإنسان ...229

أسلوب النبي الأعظم في الدعوة ...230

ص: 319

القتال والعنف هدف أم وسيلة ...232

استعمال أمير المؤمنين للقتال ...234

الإمام الحسين عليه السلام والعنف ...235

أسلوب النبي في الدعوة مع ملوك الدنيا ...235

أساليب أهل البيت في الدعوة ...237

أسلوب الإمام المهدي عجل الله فرجه في الدعوة ...237

الدعوة السلمية ...239

الجهاد ...240

الإعجاز ...241

الأسلوب الصحيح ...245

الدليل الشرعي لأسلوب الإمام ...247

تسديد الإمام المهدي عجل الله فرجه ...255

آیات التأييد الإلهي للحق ...255

الأسلوب العلمي الجديد في الدعوة ...257

الإعجاز العلمي ...257

الفصل السادس

علم الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ...259

سعة علم المهدي وآله عليهم السلام ...259

أثر العلم على القدرة ...264

أثر العلم على سعة الإحاطة والرؤيا ...268

قدرة الإمام المهدي عليه السلام ...270

قدرة المهدي عجل الله فرجه وسلاحه ...271

ص: 320

قدرة أصحاب المهدي ...272

دليل العقلاء والأمر الواقع ...273

المهدي عجل الله فرجه يطور العالم ...275

بشرى للمفكرين والمخترعين ...275

عصر المهدي هو بداية الزمان لا نهايته ...276

التطور العلمي في دولة المهدي ...277

كثرة العلوم في عصره ...279

سعة علم المنتظرین ...280

التطور الصحي ...281

التطور الزراعي والبيئي ...282

بناء السدود ...283

توسيع الطرقات ...283

دليل آخر على التطور العلمي ...284

الإستفادة من العلم لإنشاء دولة العدل ...285

أثر الصدمة العلمية 287

الفصل السابع

أهم علامات الظهور ودورنا فيها ...291

العلامات الحتمية والمتيقنة الحدوث ...293

محاذير طرح و بحث علامات الظهور ...394

الهدف من بحث علامات الظهور ...295

نبذة عن العلامات الحتمية ...296

شخصية اليماني ...297

ص: 321

شخصية السفياني ...298

علامات أخرى كالمحتوم ...300

1- الرايات السود ...300

2 - الخراساني ...300

2 - الدجال ...301

خطورة استعجال الظهور ...303

الفصل الثامن

التوبة في دولة العدل ...305

روايات التوبة: ...305

وجوه الجمع ...307

التفريق بين زمن الظهور وزمن العدل ...309

تأويل روايات التوبة ...309

الفرق بين التوبة والاستتابة ...311

عدم قبول التوبة: للمسلم أم للكافر ؟ ...311

فهرس المطالب ...313

ص: 322

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.