الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام المجلد 20

اشارة

الصحیح من سیرة الإمام الحسین بن علي علیه السلام

نویسنده: سید هاشم بحرانی - علامه سید مرتضی عسکری و سید محمد باقر شریف قرشی

ناشر: مؤسسة التاريخ العربي

مکان نشر: لبنان - بيروت

سال نشر: 2009م , 1430ق

چاپ:1

موضوع:اسلام، تاریخ

زبان :عربی

تعداد جلد: 20

کد کنگره : /ع5ص3 41/4 BP

ص: 1

اشارة

ص: 2

الجزء العشرون(إحياء عاشورا ثواب الحزن و البكاء-مجالس العزاء و اللّطم)

مصيبة الحسين أعظم المصائب

محمد بن علي بن بشار القزويني،عن المظفر بن أحمد،عن الأسدي عن سهل، عن سليمان بن عبد اللّه،عن عبد اللّه بن الفضل قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:يا ابن رسول اللّه كيف صار يوم عاشورا يوم مصيبة و غم و جزع و بكاء دون اليوم الذي قبض فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله؟و اليوم الذي ماتت فيه فاطمة عليها السّلام؟و اليوم الذي قتل فيه أمير المؤمنين عليه السّلام؟و اليوم الذي قتل فيه الحسن عليه السّلام بالسم؟.

فقال عليه السّلام:إن يوم قتل الحسين عليه السّلام أعظم مصيبة من جميع سائر الايام،و ذلك أن أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على اللّه كانوا خمسة فلما مضى عنهم النبي،بقي أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام فكان فيهم للناس عزاء و سلوة،فلما مضت فاطمة عليها السّلام كان في أمير المؤمنين و الحسن و الحسين عليهم السلام للناس عزاء و سلوة،فلما مضى منهم أمير المؤمنين كان للناس في الحسن و الحسين عليهما السّلام عزاء و سلوة فلما مضى الحسن عليه السّلام كان للناس في الحسين عزاء و سلوة.

فلما قتل الحسين صلّى اللّه عليه لم يكن بقي من أصحاب الكساء أحد للناس بحار فيه بعده عزاء و سلوة،فكان ذهابه كذهاب جميعهم،كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم فلذلك صار يومه أعظم الايام مصيبة.

قال عبد اللّه بن الفضل الهاشمي:فقلت له:يا ابن رسول اللّه فلم لم يكن للناس في علي بن الحسين عليهما السّلام عزاء و سلوة،مثل ما كان لهم في آبائه عليهم السلام؟

فقال:بلى إن علي بن الحسين كان سيد العابدين،و إماما و حجة على الخلق بعد

ص: 3

آبائه الماضين،و لكنه لم يلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله،و لم يسمع منه،و كان علمه وراثة عن أبيه عن جده عن النبي صلّى اللّه عليه و اله،و كان أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام قد شاهدهم الناس مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله في أحوال تتوالى،فكانوا متى نظروا إلى أحد منهم تذكّروا حاله من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله له و فيه،فلما مضوا فقد الناس مشاهدة الأكرمين على اللّه عز و جل،و لم يكن في أحد منهم فقد جميعهم إلا في فقد الحسين عليه السّلام لأنه مضى في آخرهم،فلذلك صار يومه أعظم الايام مصيبة.

قال عبد اللّه بن الفضل الهاشمي:فقلت له:يا ابن رسول اللّه فكيف سمّت العامة يوم عاشوراء يوم بركة؟فبكى عليه السّلام ثم قال:لما قتل الحسين عليه السّلام تقرّب الناس بالشام إلى يزيد،فوضعوا له الأخبار و أخذوا عليها الجوائز من الاموال،فكان مما وضعوا له أمر هذا اليوم،و أنه يوم بركة،ليعدل الناس فيه من الجزع و البكاء و المصيبة و الحزن،إلى الفرح و السرور و التبرّك،حكم اللّه بيننا و بينهم.

قال:إن اولئك مسخوا ثلاثة أيام ثم ماتوا و لم يتناسلوا،و إن القردة اليوم مثل أولئك و كذلك الخنزير و سائر المسوخ،ما وجد منها اليوم من شيء فهو مثله لا يحل أن يؤكل لحمه.

قال:ثم قال عليه السّلام:يا ابن عم و إن ذلك لأقل ضررا على الإسلام و أهله مما وضعه قوم انتحلوا مودتنا و زعموا أنهم يدينون بموالاتنا و يقولون بإمامتنا:زعموا أن الحسين عليه السّلام لم يقتل و أنه شبّه للناس أمره كعيسى ابن مريم فلا لائمة إذا على بني أمية و لا عتب على زعمهم،يا ابن عم من زعم أن الحسين لم يقتل فقد كذّب رسول اللّه و عليا و كذّب من بعده من الأئمّة عليهم السلام في إخبارهم بقتله،و من كذّبهم فهو كافر باللّه العظيم،و دمه مباح لكل من سمع ذلك منه.

قال عبد اللّه بن الفضل:فقلت له:يا ابن رسول اللّه فما تقول في قوم من شيعتك يقولون به؟

ص: 4

فقال عليه السّلام:ما هؤلاء من شيعتي،و أنا بريء منهم،قال:فقلت:فقول اللّه عز و جل:

وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (1) ثم قال عليه السّلام:لعن اللّه الغلاة و المفوضة فإنهم صغروا عصيان اللّه،و كفروا به و أشركوا و ضلوا و أضلوا فرارا من إقامة الفرائض و أداء الحقوق (2).

الحسن بن محمد بن يحيى العلوي،عن جده،عن داود،عن عيسى بن عبد الرحمن بن صالح،عن أبي مالك الجهني،عن عمر بن بشر الهمداني قال:قلت لأبي إسحاق:متى ذل الناس؟

قال:حين قتل الحسين بن علي عليهما السّلام و ادعي زياد،و قتل حجر بن عدي (3).

الكليني،عن إسحاق بن يعقوب قال:ورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السّلام علي،على يد محمد بن عثمان العمري بخطه عليه السّلام:أما قول من زعم أن الحسين لم يقتل فكفر و تكذيب و ضلال (4).

تميم القرشي،عن أبيه،عن أحمد بن علي الانصاري،عن الهروي قال:قلت للرضا عليه السّلام:إن في سواد الكوفة قوما يزعمون أن النبي لم يقع عليه سهو في صلاته.

فقال:كذبوا لعنهم اللّه إن الذي لا يسهو هو اللّه الذي لا إله إلا هو قال:قلت:يا ابن رسول اللّه و فيهم قوم يزعمون أن الحسين بن علي لم يقتل و أنه ألقي شبهه على حنظة بن أسعد الشامي و أنه رفع إلى السماء كما رفع عيسى ابن مريم عليه السّلام، و يحتجون بهذه الآية: وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (5).1.

ص: 5


1- سورة البقرة:62.
2- بحار الأنوار:269/40-278 سطر 11 ح 1،و علل الشرائع:ج 1 ص 125 127 باب 162.
3- بحار الأنوار:269/40-278 سطر 11 ح 2.
4- بحار الأنوار:269/40-278 سطر 11 ح 3،و الاحتجاج:ص 243.
5- سورة النساء:ص 141.

فقال:كذبوا عليهم غضب اللّه و لعنته،و كفروا بتكذيبهم لنبي اللّه في إخباره بأن الحسين بن علي عليهما السّلام سيقتل و اللّه لقد قتل الحسين و قتل من كان خيرا من الحسين أمير المؤمنين و الحسن بن علي،و ما منا إلا مقتول،و أنا و اللّه لمقتول بالسم باغتيال من يغتالني،أعرف ذلك بعهد معهود إلي من رسول اللّه،أخبره به جبرئيل عن رب العالمين.و أما قول اللّه عز و جل: وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً فإنه يقول:و لن يجعل اللّه لكافر على مؤن حجة،و لقد أخبر اللّه عز و جل من كفار قتلوا النبيين بغير الحق،و مع قتلهم إياهم لم يجعل اللّه لهم على أنبيائه سبيلا من طريق الحجة.

أقول:قد مضى كلام من الصدوق رحمه اللّه في باب علامات الامام في ذلك لا نعيده. (1)5.

ص: 6


1- بحار الأنوار:269/40-278 سطر 11 ح 5.

علة قتل الحسين عليه السلام و ابتلائه

محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني قال:كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس اللّه روحه مع جماعة فيهم علي بن عيسى القصري فقام إليه رجل فقال له:أريد أن أسألك عن شيء،فقال له:سل عما بدالك فقال الرجل:أخبرني عن الحسين بن علي عليهما السّلام أهو ولي اللّه؟

قال:نعم،قال:أخبرني عن قاتله أهو عدو اللّه؟

قال:نعم،قال الرجل:فهل يجوز أن يسلّط اللّه عدوه على وليّه؟.

فقال له أبو القاسم قدس اللّه روحه:إفهم عني ما أقول لك إعلم أن اللّه عز و جل لا يخاطب الناس بشهادة العيان،و لا يشافههم بالكلام،و لكنه عز و جل بعث إليهم رسولا،من أجناسهم و أصنافهم بشرا مثلهم،فلو بعث إليهم رسلا من غير صنفهم و صورهم لنفروا عنهم،و لم يقبلوا منهم،فلما جاؤوهم و كانوا من جنسهم يأكلون الطعام،و يمشون في الاسواق قالوا لهم:أنتم مثلنا فلا نقبل منكم حتى تأتونا بشيء نعجز أن نأتي بمثله،فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه،فجعل اللّه عز و جل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها،فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار و الإعذار فغرق جميع من طغى و تمرد،و منهم من ألقي في النار،فكانت عليه بردا و سلاما و منهم من أخرج من الحجر الصلد ناقة و أجرى في ضرعها لبنا،و منهم من فلق له البحر و فجّر له من الحجر العيون،و جعل له العصا اليابسة ثعبانا فتلقف ما يأفكون و منهم من أبرأ الأكمه و الأبرص و أحيى الموتى بإذن اللّه عز و جل و أنبأهم بما يأكلون و ما يدخرون في بيوتهم،و منهم من انشق له

ص: 7

القمر و كلّمه البهائم مثل البعير و الذئب و غير ذلك.

فلما أتوا بمثل هذه المعجزات،و عجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله كان من تقدير اللّه عز و جل،و لطفه بعباده و حكمته،أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين،و في أخرى مغلوبين،و في حال قاهرين،و في حال مقهورين،و لو جعلهم عز و جل في جميع أحوالهم غالبين و قاهرين،و لم يبتلهم و لم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من دون اللّه عز و جل،و لما عرف فضل صبرهم على البلاء و المحن الإختبار.

و لكنه عز و جل جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم،ليكونوا في حال المحنة و البلوى صابرين،و في حال العافية و الظهور على الأعداء شاكرين و يكونوا في جميع أحوالهم متواضعين،غير شامخين و لا متجبرين،و ليعلم العباد أن لهم عليهم السلام إلها هو خالقهم و مدبرهم،فيعبدوه و يطيعوا رسله و تكون حجة اللّه تعالى ثابتة على من تجاوز الحد فيهم،و ادعى لهم الربوبية،أو عاند و خالف و عصى و جحد بما أتت به الأنبياء و الرسل،و ليهلك من هلك عن بينة،و يحيى من حي عن بينة.

قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق:فعدت إلى الشيخ أبي القاسم بن الحسين بن روح قدس اللّه روحه من الغد و أنا أقول في نفسي:أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه؟فابتدأني فقال لي:يا محمد بن إبراهيم لأن أخرّ من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحب إلي من أن أقول في دين اللّه تعالى ذكره برأيي و من عند نفسي،بل ذلك عن الأصل،و مسموع عن الحجة صلوات اللّه عليه (1).4.

ص: 8


1- راجع الاحتجاج ص 243.علل الشرائع ج 1 ص 230:باب 177 تحت الرقم 1،كمال الدين ج 2 ص 184.

بيان:فتخطفني:أي تأخذني بسرعة،و السحيق:البعيد.

محمد بن الوليد،عن ابن بكير قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (1)قال:فقال:هو و يعفو عن كثير قال:

قلت له:ما أصاب عليا و أشباهه من أهل بيته من ذلك؟

قال:فقال:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان يتوب إلى اللّه عز و جل كل يوم سبعين مرة من غير ذنب (2).

القطان،عن السكري،عن الجوهري،عن ابن عمارة،عن أبيه،عن جعفر بن محمد،عن أبيه عليهما السّلام قال:إن أيوب عليه السّلام ابتلي سبع سنين من غير ذنب و إن الأنبياء لا يذنبون لأنهم معصومون مطهرون،لا يذنبون و لا يزيغون و لا يرتكبون ذنبا صغيرا و لا كبيرا.

و قال عليه السّلام:إن أيوب عليه السّلام من جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة و لا قبحت له صورة،و لا خرجت منه مدة من دم و لا قيح،و لا استقذره أحد رآه و لا استوحش منه أحد شاهده،و لا تدوّد (3)شيء من جسده و هكذا يصنع اللّه عز و جل بجميع من يبتليه من أنبيائه و أوليائه المكرمين عليه و إنما اجتنبه الناس لفقره و ضعفه في ظاهر أمره،بجهلهم بما له عند ربه تعالى ذكره،من التأييد و الفرج،و قد قال النبي صلّى اللّه عليه و اله:أعظم الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.

و إنما ابتلاه اللّه عز و جل بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلا يدّعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما أراد اللّه أن يوصله إليه من عظائم نعمه تعالى متى شاهدوه،ليستدلوا بذلك على أن الثواب من اللّه تعالى ذكره على ضربين:إستحقاقد.

ص: 9


1- سورة الشورى:30.
2- قرب الإسناد ص 103.
3- يقال:داد الطعام يدادا دودا و تدود و اداد:صار فيه الدود فهو مدود.

و اختصاص،و لئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه،و لا فقيرا لفقره،و لا مريضا لمرضه، و ليعلموا أنه يسقم من يشاء،و يشفي من يشاء،متى شاء،كيف شاء بأي سبب شاء،و يجعل ذلك عبرة لمن شاء،و شقاوة لمن شاء،و سعادة لمن شاء،و هو عز و جل في جميع ذلك عدل في قضائه،و حكيم في أفعاله:لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم و لا قوة لهم إلا به.

أبي،عن سعد،عن ابن عيسى،عن ابن محبوب،عن ابن رئاب قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عز و جل: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ أرأيت ما أصاب عليا و أهل بيته هو بما كسبت أيديهم و هم أهل بيت طهارة معصوصمون؟

فقال:إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله كان يتوب إلى اللّه عز و جل و يستغفره في كل يوم و ليلة مائة مرة من غير ذنب،إن اللّه عز و جل يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب (1).

بيان:أي كما أن الإستغفار يكون في غالب الناس لحط الذنوب و في الأنبياء لرفع الدرجات،فكذلك المصائب.

أحمد بن محمد و محمد بن الحسين،عن ابن محبوب،عن ابن رئاب عن ضريس قال:سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول و أناس من أصحابه حوله:و أعجب من قوم يتولوننا و يجعلوننا أئمة،و يصفون بأن طاعتنا عليهم مفترضة كطاعة اللّه ثم يكسرون حجتهم و يخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم،فينقصون حقنا و يعيبون بذلك علينا من أعطاه اللّه برهان حق معرفتنا،و التسليم لأمرنا،أترون أن اللّه تبارك و تعالى إفترض طاعة أوليائه على عباده،ثم يخفي عنهم أخبار السماوات و الأرض،و يقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم؟4.

ص: 10


1- معاني الأخبار ص 383 و 384.

فقال له حمران:جلعت فداك يا أبا جعفر أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب عليه السّلام و الحسن و الحسين و خروجهم و قيامهم بدين اللّه و ما أصيبوا به من قتل الطواغيت إياهم و الظفر بهم،حتى قتلوا أو غلبوا؟

فقال أبو جعفر عليه السّلام:يا حمران إن اللّه تبارك تبارك و تعالى قد كان قدّر ذلك عليهم و قضاه و أمضاه و حتّمه،ثم أجراه،فبتقدم علم من رسول اللّه إليهم في ذلك قام علي و الحسن و الحسين صلوات اللّه عليهم،و بعلم صمت من صمت منا.

و لو أنهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل من أمر اللّه و إظهار الطواغيت عليهم، سألوا اللّه دفع ذلك عنهم،و ألحّوا عليه في طب إزالة ملك الطواغيت،إذا لاجابهم و دفع ذلك عنهم،ثم كان انقضاء مده الطواغيت و ذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد،و ما كان الذي أصابهم من ذلك يا حمران لذنب اقترفوه و لا لعقوبة معصية خالفوا اللّه فيها،و لكن لمنازل و كرامة من اللّه أراد أن يبلغوها فلا تذهبن فيهم المذاهب (1).0.

ص: 11


1- بحارالأنوار:278/40.

محرّم،صرح الشهادة الدامي

قال الإمام الخميني (1):ها قد أظل شهر محرم،شهر الملاحم و الشجاعة شهر انتصار الدم على السيف،الشهر الذي دحضت فيه قوة الحق زيف الباطل إلى الأبد و دمغت فيه جباه الجبابرة و الظلمة و الحكومات الشيطانية بوصمة لا تزول و لا تحول.

الشهر الذي علّم كل الأجيال على مدى التاريخ نهج الانتصار على الحراب و الأسنة،و الشهر الذي شهد هزيمة القوى الكبرى مقابل كلمة الحق،و الشهر الذي ينبغي أن تتغلب فيه القبضات المشدودة لعشاق الحرية و الإستقلال و الحق،على الدبابات و المدافع الرشاشة و جنود إبليس،و تمحو كلمة الحق فيه غبش الباطل.

محرم هو الشهر الذي ثار فيه العدل بوجه الظلم،و نهض الحق ضد الباطل و أثبت أن الحق منتصر على الباطل.

محرم هو الشهر الذي أحيي فيه الإسلام على يد سيد المجاهدين و المظلومين (عليه السلام)و أنقذ من تآمر العناصر الفاسدة و حكم بني أمية،الذين أوصلوا الإسلام إلى حافة الهاوية.

لقد سقيت نبتة الإسلام منذ أول نشوئها بدماء الشهداء و المجاهدين،و آتت أكلها و أعطت ثمارها نتيجة ذلك.

يعد شهر محرم-بالنسبة لمدرسة التشيع-الشهر الذي تحقق فيه النصر

ص: 12


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

اعتمادا على التضحية و الدماء.

كم هو شهر ملىء بالمصائب شهر محرم،و كم هو شهر مفعم بالبناء و العنفوان -محرم شهر النهضة الكبرى لسيد الشهداء و الأولياء عليه السّلام،الذي علم الناس- بثورته بوجه الطاغوت-البناء و التسامي و أوضح لهم أن فناء الظالم و تحطيم الجائر يمكن أن يتم من خلال الفداء و التضحية و تقديم القرابين،و هذه التضحية تأتي على رأس التعاليم الإسلامية التي تلقاها شعبنا إلى آخر الدهر.

لماذا نحيي المحرم؟

محرم و صفر هما اللذان حفظا الإسلام حيّا

قال الإمام الخميني (1):ينبغي أن نحيي محرم و صفر بذكر مصائب أهل البيت عليهم السّلام،فبذكر مصائبهم بقي هذا الدين حيا حتى الآن.

شهر محرم هو الشهر الذي يكون الناس فيه مستعدين للاستماع لكلمة الحق.

و الآن حيث يمثل شهر محرم سيفا إلهيا في يد جند الإسلام و العلماء الكرام و الخطباء المحترمين و شيعة سيد الشهداء عليه السّلام الأجلاء ينبغي لهم تحقيق أقصى الإستفادة منه،و ليقتلوا-و بالاتكال على القدرة الإلهية-بقايا جذور شجرة الظلم و الجور،فشهر محرم شهر هزيمة القوى اليزيدية و الحيل الشيطانية.

ص: 13


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

نهضة عاشوراء،قدوة الأحرار

(كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء)

قال الإمام الخميني (1):لقد علّم سيد الشهداء عليه السّلام الجميع ماذا ينبغي عليهم عمله في مقابل الظلم و الحكومات الجائرة فرغم أنه كان يعلم منذ البداية بأن عليه أن يضحّي-في طريقه الذي سلكه-بجميع أنصاره و أهل بيته من أجل الإسلام،إلاّ أنه كان يعرف عاقبة ذلك أيضا.

علاوة على ذلك فقد علّم الجميع على مر التاريخ و أرشدهم إلى أن هذا هو الطريق الصائب.علّمهم أن لا يخشوا قله العدد،فالعدد ليس هو الأساس في تحقيق التقدم للإمام،الأصل و المهم هو النوعية،و المهم هو كيفية التصدي للأعداء و النضال ضدهم و مقاومتهم،فهذا هو الموصل إلى الهدف.من الممكن أن يكون عدد الأفراد كبيرا إلاّ أنهم قد يكونون خاوين أو ليسوا بالمستوى المطلوب.

و من الممكن أن يكون عددهم قليلا إلاّ أنهم أقوياء أشداء و شامخو الهامات.

لقد علّمنا إمام المسلمين أنه عند ما يحكم المسلمين طاغوت جائر فعلى المسلمين و علينا أن ننهض بوجهه حتى لو كانت قوانا لا تتناسب مع القوى التي يملكها،علينا أن نقوم و نستنكر،علّمنا أن نضحّي و نسترخص دماءنا إذا رأينا كيان الإسلام عرضة للخطر.

لقد علّمنا سيد الشهداء عليه السّلام بنهضته ما ينبغي لنا عمله في ساحة الحرب

ص: 14


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

و خلفها،و ماذا يجب أن يعلمه أولئك الذين يخوضون غمار الكفاح المسلح و ما هي واجبات المبلّغين خلف جبهات القتال و كيف يؤدّون ذلك.

تعلّمنا من الحسين عليه السّلام كيفية النضال و الجهاد الذي تقوده قلة من الناس بوجه جحافل الظلمة،و كيف يكون ثلة قليلة بوجه حكومة تعسفية جائرة تسيطر على كل مناحي الحياة.

هذه أمور تعلّمها شعبنا من سيد الشهداء عليه السّلام و أهل بيته،كما تعلّم من ابنه الجليل الفذ الإمام السجاد عليه السّلام ماذا ينبغي عمله بعد وقوع المصيبة،هل ينبغي الاستسلام؟هل يجب التخفيف و التقليل من حدة النضال و الجهاد؟أم أن علينا أن نقتدي بزينب عليها السّلام التي حلّ بها مصاب تصغر عنده المصائب،فوقفت بوجه الكفر و الزندقة،و تكلمت و خطبت كلما تطلّب الموقف و كشف الحقائق،و مثلما مارس الإمام علي بن الحسين عليه السّلام دوره التبليغي رغم المرض الذي كان يعاني منه.

لقد حدد سيد الشهداء عليه السّلام و أنصاره و أهل بيته تكليفنا و هو التضحية في الميدان،و التبليغ في خارجه.

فنفس القيمة التي تحملها تضحية الحسين عليه السّلام عند اللّه(تبارك و تعالى)و نفس الدور الذي لعبته في تأجيج نهضته،تحملها-أو تقاربها-خطب الإمام السجاد عليه السّلام و زينب عليها السّلام أيضا.

فتأثيرها يقرب من تأثير تضحية الحسين عليه السّلام بدمه.

لقد أفهمونا أنه لا ينبغي للنساء و لا للرجال أن يخافوا في مقابل حكومة الجور.

فقد وقفت زينب(سلام اللّه عليها)أمام يزيد-في مجلسه-و صرخت بوجهه و أهانته و أشبعته تحقيرا لم يذقه بنو أمية قاطبة طيلة حياتهم.

كما أنها و السجاد(عليهما السلام)قد تحدّثا و خطبا في الناس أثناء الطريق و في الكوفة و الشام،و ما قام به الإمام السجاد عليه السّلام من الخطابة و كشف الحقائق فأكد على أن الأمر ليس مواجهة الباطل ضد الحق،و أن الأعداء قد شوهوا سمعة النهضة،

ص: 15

و حاولوا أن يتهموا الحسين عليه السّلام بالخروج على الحكومة القائمة و على خليفة رسول اللّه!!هكذا أعلن الإمام السجاد عليه السّلام الحقيقة بصراحة على رؤوس الأشهاد، و هكذا فعلت زينب عليها السّلام أيضا.

و هكذا الأمر اليوم فسيد الشهداء عليه السّلام قد حدد واجبنا و عيّن تكليفنا،و علّمنا أن لا نخشى قلة العدد في المواجهة و لا من الاستشهاد في ميدان الحرب،فكلما عظم هدف الإنسان و سمت غايته كان عليه أن يتحمل المشاق بما يتناسب مع ذلك الهدف.

لقد ضحّى الإمام الحسين عليه السّلام-رغم قلة عدد أنصاره-بكل شىء،و وقف بوجه أمبراطورية كبرى و قال:لا.

بينما كانت شهادة سيد الشهداء عليه السّلام أعظم خسارة،فإنه كان يعلم ماذا يفعل، بأي اتجاه يسير،و ما هو هدفه،فقد ضحّى و استشهد،و علينا نحن أيضا أن نعقد أملنا و نهتدي بتلك التضحيات،و لنر ماذا صنع سيد الشهداء عليه السّلام و كيف طوى بساط الظلم و دمر بنيانه و أزال أركانه،ثم ماذا فعلنا نحن!

عند ما رأى سيد الشهداء(سلام اللّه عليه)حاكما ظالما يحكم بين الناس بالجور و الظلم صرّح عليه السّلام قائلا:"أيها الناس إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله قال:من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللّه،ناكثا لعهد اللّه،مخالفا لسنّة رسول اللّه،يعمل في عباد اللّه بالإثم و العدوان،فلم يغير عليه بفعل و لا قول كان حقا على اللّه أن يدخله مدخله".

ترى هل أن دمنا أثمن و أغلى من دم سيد الشهداء عليه السّلام؟لماذا نخاف من أن نضحّي بدمنا و أرواحنا؟و الأهم أن هذه التضحية إنما هي في سبيل دفع السلطان الجائر الذي يقول:إنني مسلم.

إن إسلام يزيد كإسلام الملك محمد رضا،و إن لم يكن أسوأ فليس بأحسن منه، و لأنه عامل الشعب بتلك المعاملة و كان امرءا ظالما جائرا غشوما و أراد أن يرغم الناس على إطاعته دون مسوغ،فإن سيد الشهداء عليه السّلام رأى أن عليه أن ينهض بوجه

ص: 16

ذلك السلطان الجائر حتى لو أدى ذلك إلى التضحية بحياته.

إن منهج الإمام الحسين(سلام اللّه عليه)و أوامره الموجهة للجميع"كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء"تقضي بأن نستمر في الثورة و القيام و النهوض، امتدادا لتلك النهضة و ذلك المنهج،فالإمام الحسين عليه السّلام ثار و معه فئة قليلة العدد من الأنصار،و وقف بوجه أمبراطورية كبرى و ضحّى بكل شيء من أجل الإسلام، و أكّد:أنه ينبغي أن يستمر هذا الرفض و القيام في كل زمان و مكان.

ص: 17

معنى كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء

قال الإمام الخميني (1):إن مقولة"كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء"مقولة كبرى لكنها تفهم فهما خاطئا،فالبعض يتصور أنها تعني أننا ينبغي أن نبكي كل يوم،لكن محتواها غير هذا.

لو نظرنا ما هو دور كربلاء،ما هو دور كربلاء في يوم عاشوراء،حينذاك ندرك أن على كل أرض أن تكون كذلك،أن تمارس دور كربلاء الذي يتلخص في أنها كانت ميدانا خاض فيه سيدالشهداء عليه السّلام غمار الحرب و معه ثلة قليلة من الأنصار، فصمدوا و قاوموا ظلم يزيد و تصدّوا للحكم الجائر لذلك العصر و ضحّوا و قتلوا، و رفضوا الظلم و هزموا يزيد و دحروه.

هكذا ينبغي أيضا أن تكون بقية البلدان،و ينبغي أن يحصل هذا الرفض للظلم في كل يوم و على شعبنا أن يجسد ذلك في كل يوم و يشعر بأنه يوم عاشوراء،و ينبغي لنا أن نقف بوجه الظلم و نعتبر أن هذه أيضا أرض كربلاء و علينا أن نعيد فيها دور كربلاء.

فليست كربلاء محصورة في أرض معينة و لا في أفراد معينين،و قضية كربلاء لا تقتصر على جمع من الأشخاص لا يتجاوز الاثنين و السبعين شخصا أو في رقعة جغرافية صغيرة،بل على جميع البلدان أن تؤدي الدور نفسه و في كل يوم ينبغي أن لا تغفل الشعوب عن الوقوف بوجه الظلم و التصدي للجور.

ص: 18


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

لا تقلقوا و لا تضطربوا و أبعدوا عنكم الخوف و الهلع،فإنكم أتباع عظماء استقاموا و صبروا بوجه المصائب و المآسي،و ما نراه نحن اليوم لا يعد شيئا يذكر بالقياس لذلك.

لقد اجتاز عظماؤنا أحداثا كبرى كتلك التي حصلت في يوم عاشوراء و ليلة الحادي عشر من المحرم،و تحمّلوا مثل تلك المصائب في سبيل دين اللّه.فماذا واجهتم أنتم اليوم؟و مم تخشون؟و علام أنتم قلقون؟

إنه من المخجل لمن يدّعون أنهم أتباع أمير المؤمنين و الإمام الحسين(عليهما السلام)أن يفقدوا السيطرة على أنفسهم في مقابل هذا النمط من الأعمال الدنيئة المفضوحة للنظام الحاكم.

كانت انتفاضة الثاني عشر من المحرم و الخامس عشر من خرداد التي انطلقت لتهدّ عروش الملك و أسياده الأجانب-و التي تعد امتدادا للنهضة الحسينية المقدسة-حركة مدمرة و بناءة للغاية.و قد أعطت للمجتمع مجاهدين و مضحين ضيّقوا الخناق على الظالمين و الخونة و أطبقوا عليهم و أحالوا نهارهم إلى ليل حالك،و أمدوا الشعب بالوعي و التحرك و التآزر،الأمر الذي أقضّ مضاجع الأجانب و عملائهم،و حوّل الحوزات العلمية و الجامعات و الأسواق التجارية إلى خنادق منيعة للدفاع عن العدالة و عن الإسلام و المذهب المقدس.

إن الأمر المهم الذي نواجهه اليوم،هو من الأمور التي ينبغي التضحية من أجلها حتى بالنفس،ذلك الأمر الذي دفع سيد الشهداء عليه السّلام للتضحية بنفسه في سبيله، و هو ذات الأمر الذي دفع النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و اله لبذل الجهود الدؤوبة من أجله مدة ثلاثة و عشرين عاما،و هو ذات الأمر الذي دفع الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام لمواجهة معاوية ثمانية عشر شهرا من أجل تحقيقه،في حين أن معاوية كان يدّعي الإسلام و كذا و كذا.فلماذا وقعت تلك الحرب؟

لقد وقعت الحرب من أجل القضاء على حكم جائر و نظام ظالم متعسف.فضحّى

ص: 19

أمير المؤمنين عليه السّلام بالكثير من أصحابه،و قتل كثيرا من أعدائه آنذاك،لماذا؟لأجل إقامة الحق و العدل.

نحن لسنا بأعلى درجة من سيد الشهداء عليه السّلام،و سيد الشهداء عليه السّلام قد عمل بواجبه و قتل.

إن ذكريات و أحداث السابع عشر من شهريور عام 1357(8 أيلول 1978 م)(إن السابع عشر من شهريور عام 1357 ه.ش(1978/9/8)و المشهور بالجمعة السوداء يعد واحدا من الأيام المليئة بالذكريات المرّة في تاريخ الثورة الإسلامية للشعب الإيراني.

فبعد المظاهرات الحاشدة المنقطعة النظير في يوم 13 شهريور(1978/9/4) بعد صلاة عيد الفطر في طهران،خرجت مظاهرات مشابهة في يوم 16 شهريور (السابع من سبتمبر)في طهران و تقرر أن تقام مظاهرات أخرى في صباح اليوم التالي(صباح الجمعة)في ميدان جاله(ميدان الشهداء)في طهران.

و تحركت الجماهير صباح يوم الجمعة نحو هذا الميدان و وصل عدد المجتمعين إلى مائة ألف شخص و ذلك في حدود الساعة السادسة صباحا.

حاصرت قوات الملك الميدان المذكور من جميع الجهات و وجهوا فوهات البنادق نحو الجماهير.و في هذه الساعة بالذات أعلن في الراديو بشكل مفاجئ عن قيام الأحكام العرفية في طهران و عشر مدن أخرى!و فتحت قوات النظام النار ضد الناس و استشهد في هذا اليوم أكثر من أربعة آلاف شهيد إضافة إلى مئات الجرحى.

و أعلن النظام الملكي أن عدد القتلى هو 58 شخصا و الجرحى 25 شخصا.

ذكريات و أحداث مؤلمة-مثل غيرها من الأحداث و المصائب التي مرت بها الأمة-لكن ثمرتها الطيبة هي تهاوي قصور الإستكبار و الإستبداد و ارتفاع راية جمهورية العدل الإسلامية عاليا.

ص: 20

و إلاّ ألا ينبغي للأمة الإسلامية الإقتداء بالمنهج السامي"كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء"؟إن النهضة العامة الشاملة ينبغي أن تحصل في كل يوم،و في كل أرض،ففي عاشوراء وقعت نهضة أقدم عليها قلة من التواقين إلى العدالة،يدفعهم إيمانهم العظيم و حبهم الفريد للّه،إلى الوقوف في مقابل الطغاة الناهبين الجائرين من سكان القصور.إن الأمر الوارد إلينا هو أن يكون ذلك قدوة لحياة أمتنا في كل عصر و مصر.

إن الأيام التي مرت بنا كانت تكرارا لعاشوراء،و كل الساحات و الميادين و الأزقة و الشوارع التي سفكت عليها دماء أبناء الإسلام كانت تكرارا لكربلاء.

و هذا الأمر يعد تكليفا و بشرى لنا.

تكليف من حيث أن المستضعفين مكلّفون-و إن قلّ عددهم-بالنهوض ضد المستكبرين-و إن كثر عددهم وعدتهم-مثلما فعل سيد الشهداء عليه السّلام.

و بشرى من حيث أنها تجعل شهداءنا في مصاف شهداء كربلاء و بشرى من حيث أن الشهادة رمز الانتصار.

إن ما حدث في مجزرة 17 شهريور(8 أيلول 1978)كان تكرارا لعاشوراء،و (ساحة الشهداء)هي كربلاء أخرى،و شهداؤنا كشهداء كربلاء،و أعداؤنا هم أشباه يزيد و جلاوزته.

لقد قوضت كربلاء-بالدماء-قصر الظلم و أركان الإستكبار الإبليسي،لذا علينا نحن وارثي هذه الدماء و ذوي الشبان و الشهداء المضرجين بدمائهم،أن لا نركن إلى القعود حتى نوصل تضحياتهم إلى نتيجتها و نصفّي و نزيل-بضربة قاضية و إرادة حاسمة-بقايا النظام الظالم و حثالات المتآمرين عملاء الشرق و الغرب و ندفنهم عند أقدام شهداء الفضيلة.

في ذكرى هذه الفاجعة المشئومة المصادفة لذكرى 15 خرداد(5 حزيران 1963)فجّر شعبنا العظيم-و استلهاما من عاشوراء-تلك النهضة الكبرى،و لو لا

ص: 21

عاشوراء و حرارتها و حماستها لا ندري هل كان ممكنا وقوع تلك النهضة العظيمة و بدون خلفية و تنظيم مسبق؟إن واقعة عاشوراء العظيمة و بدءا من عام 61 ه ق و حتى خرداد 1361 ه ش(1982 م)و منها حتى نهضة المهدي العالمية و ظهور بقية اللّه الأعظم-أرواحنا لمقدمه الفداء-تمثل منطلقا للثورة و الملاحم.

و إنكم تشاهدون ما يعرضه التلفزيون عن جند الإسلام و ترون كيف أنهم يحفظون للجبهات حرارتها و تماسكها،يدفعهم إلى ذلك عشقهم للإمام الحسين عليه السّلام.

لقد أدرك شعبنا الآن ما هو معنى أن"كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء" فمجالس الدعاء التي يقيمها جند الإسلام و تضرعهم و مناجاتهم تعيد إلى الأذهان دعوات و مناجات الحسين عليه السّلام في ليلة عاشوراء.

في نفس الوقت الذي نتعرض فيه لفقد شبّاننا و رجالنا الأشاوس،فإننا كسبنا و ربحنا ما هو أثمن و أغلى من هذه الأمور و هو ذات الشىء الذي ضحّى سيد الشهداء(سلام اللّه عليه)بأبنائه و إخوته و حرائره من أجله،و هو نفس الشي الذي أنفق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله حياته من أجله و عانى في سبيله جميع أئمتنا المعصومين عليهم السّلام كل تلك المعاناة.

ص: 22

أهمية المآتم الحسينية و دورها في إحياء معالم الدين

قال الإمام الخميني (1):علينا أن نعلم جميعا بأن ما من شأنه إيجاد الوحدة بين المسلمين هي هذه المراسم السياسية،مراسم عزاء الأئمة الأطهار و خصوصا سيد المظلومين و الشهداء الإمام الحسين عليه السّلام الذي صان عقيدة المسلمين و خصوصا شيعة الأئمة الاثني عشر(عليهم صلوات اللّه و سلامه).

لقد وردت تأكيدات كثيرة من قبل الأئمة عليهم السّلام على إقامة عزاء سيد المظلومين عليه السّلام،باستمرار،و الإبقاء على صوت مظلومية آل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و الاستمرار بفضح ظلم بني أمية(عليهم لعنة اللّه)مع أنهم قد انقرضوا،و إدامة صيحة المظلوم بوجه الظالم،إن هذه الصيحة يجب أن تبقى حية مستمرة،و إنّ بركات ذلك واضحة ملموسة اليوم في إيران حيث الحرب مع اليزيديين.

حينما بدأ الدين يضعف و ينهار بسبب تصرفات بعض رواد عصر صدر الإسلام و لم يبق سوى بضعة أشخاص ملتزمين بهذا الدين،شاء اللّه تعالى أن ينهض الحسين بن علي عليه السّلام و يوقظ الأمة بتضحياته و جعل للمشاركين في مراسم عزائه عليه السلام ثوابا جزيلا من أجل إبقاء حالة الوعي لدى الناس،و لكي يصان أساس كربلاء من الاندثار و الزوال،فكربلاء تقوم على أساس قلع قواعد الظلم و الجور،و حث الناس على التوحيد و دفعهم نحو العدل و القسط.

و في مثل هذا الحال فإن من الضروري أن يتم التمسك بمراسم التعزية

ص: 23


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

و المواكب التي تملك مثل هذا الأساس و مثل هذا الثواب لكي يلتزم الناس بها برغم كل الضغوط و المصاعب و لا يدعونها،و إلا فإن جهود الإمام الحسين بن علي عليه السّلام ستسحق بسرعة البرق،الأمر الذي يؤدي إلى تلاشي و اندثار جهود و مساعي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله التي بذلت لوضع أسس و دعائم التشيع،بشكل كامل.

إذن فعلى فرض أن اللّه تعالى يثيب و يجزي القائمين بهذه الأعمال،فإنه ثواب مجعول لعمل صالح و ثمرته بقاء دين الحق و أساس التشيع و في ذلك سعادة الناس في الدنيا و الآخرة،و بالنظر لوضع الشيعة في ذلك الحين و الضغوط المختلفة التي كانوا يتلقونها من مخالفي الإمام علي بن أبي طالب عليه السّلام فإن قيمة هذا العمل تفوق التّصور،و اللّه-تبارك و تعالى-أعدّ لهم ما لا عين رأت و لا أذن سمعت، و في هذا كل العدالة.

إن دماء سيد الشهداء عليه السّلام هي التي جعلت دماء الشعوب المسلمة تغلي، و مواكب العزاء الحسيني العزيزة هي التي تحرك الناس و تهيجهم و تعدهم لحفظ الأهداف و المقاصد الإسلامية،و ينبغي عدم التماهل أو التساهل في ذلك.

إن الحق منتصر،و لكن للنصر مفاتيح و رموز ينبغي لنا العثور عليها و معرفتها، علينا أن نعرف سر بقاء الشيعة طوال الزمن منذ عصر أمير المؤمنين(سلام اللّه عليه)حتى الآن،في الفترات التي كانت الشيعة لا تعدو جماعة قليلة العدد،أما الآن فقد صاروا كثيرين،طبعا ليس بالقياس إلى الآخرين.

علينا أن ندرك سر بقاء هذا المذهب و بقاء البلدان الإسلامية و الشيعية،و علينا أن نحفظه.و أحد هذه الرموز الكبيرة-و هو أكبرها-قضية سيد الشهداء عليه السّلام و علينا أن نحفظ هذا الرمز،و نهتم بهذه المجالس التي كانت تقام على مر التاريخ و بأمر الأئمة عليهم السّلام.

لا يظن بعض هؤلاء الشبان أن هذه المجالس ما هي إلاّ مجالس للبكاء،و علينا الآن أن نكفّ عن البكاء،هذا هو الخطأ الذي يقعون فيه.

ص: 24

لقد ذكر النبي صلّى اللّه عليه و اله الأساس الذي حفظ كل شيء حتى الآن فقد قال صلّى اللّه عليه و اله:"و أنا من حسين"أي أنه هو الذي يحفظ الدين،و إن هذه التضحية و هذا الفداء هما اللذان حفظا الإسلام،و إن علينا نحن أن نحفظه.

بعض هؤلاء الشبان ليسوا ملتفتين إلى الحقيقة،هم يتعرضون إلى الإيحاء من قبل أشخاص لا يريدون للشعائر أن تبقى أساسا،فالخطابة تقوم بتهييج عواطف الناس و تحمّلهم على تسجيل حضورهم الفعّال في كل الميادين.

فعند ما رأى الناس سيد الشهداء عليه السّلام يقدّم شبّانه في ساحة الحرب فيقطعون إربا إربا هان عليهم أن يقدّموا أبناءهم،و بهذا الحب للشهادة أخذ شعبنا يتطور و يتقدم،و هذا رمز العطاء الذي ورثناه من كربلاء إنعكس على جميع نواحي حياتنا.

فصار أبناء شعبنا يتمنون الشهادة،الشهادة التي كان الإمام الحسين عليه السّلام سيدها المطلق فهو سيد الشهداء عليه السّلام،و البعض من الشبان لا يفهمون بأن هذا هو الذي حفظ الدين،أما أولئك الذين يدركون السر فهم يلقنون الشبان و يخدعونهم.

ص: 25

الاحتفاء بذكرى نهضة عاشوراء من الشعائر الإلهية

قال الإمام الخميني (1):ينبغي أن تقام مجالس العزاء لسيد المظلومين و الأحرار عليه السّلام-و هي مجالس غلبة العقل على الجهل،و غلبة العدل على الظلم، و الأمانة على الخيانة،و الحكومة الإسلامية على حكومة الطاغوت-بكل حفاوة و بكل عظمة و روعة،و يجب أن تنتشر بيارق عاشوراء الحمراء للدلالة على حلول يوم انتقام المظلوم من الظالم.

...و أن لا يغفلوا عن إقامة مراسم عزاء الأئمة الأطهار عليهم السّلام و خصوصا سيد المظلومين و الشهداء الإمام الحسين(صلوات اللّه و الأنبياء و الملائكة و الصلحاء على روحه الزّكية العظيمة).

حافظوا على مجالس العزاء و أقيموها بأروع مما كانت تقام في السابق.

اهتموا بمجالس العزاء...و استعينوا باللّه على المحافظة على المواكب و أقيموها بالشكل المناسب.

ينبغي لكم أن تحافظوا على مجالس عزاء الأئمة الأطهار عليهم السّلام فهذه المجالس هي شعائرنا الدينية التي يجب أن نحافظ عليها.و هذه المجالس هي شعائر سياسية أيضا ينبغي المحافظة عليها.و لا يغرر بكم هؤلاء المتلاعبون بالأقلام،و لا يستغفلكم هؤلاء الأشخاص ذو الأسماء المختلفة و الأهداف الانحرافية فهم يريدون أن يأخذوا منكم كل شيء.

ص: 26


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

يجب أن تبقى المجالس الحسينية و مواكب العزاء على حالها،و ينبغي أن يحيي الخطباء ذكرى شهادة الإمام الحسين(سلام اللّه عليه)و ليع الشعب قيمة هذه الشعائر الإسلامية،و ليهتموا بهذه المآتم خصوصا،فبإحياء ذكرى سيد الشهداء عليه السّلام يحيى الإسلام.

علينا أن نحافظ على هذه السنن الإسلامية،و ينبغي لنا أن نحافظ على هذه المواكب الإسلامية المباركة التي تنطلق في عاشوراء،في محرم،و في صفر،و في المناسبات،و نؤكد على الالتزام بها أكثر فأكثر فتضحية سيد الشهداء(سلام اللّه عليه)هي التي حفظت لنا الإسلام.

ص: 27

كيف نحيي عاشوراء

قال الإمام الخميني (1):ينبغي إحياء ذكرى عاشوراء بنفس الأسلوب التقليدي، و بنفس الطريقة السابقة،و ليعمل بذلك العلماء و الخطباء و عامة الناس،بحيث تخرج المواكب المعظمة و المنظمة و تسير في الشوارع على شكل مظاهرات،ينبغي أن تعلموا أنكم إذا أردتم أن تبقى نهضتكم محفوظة و ثورتكم مصانة فيجب أن تبقى هذه السنن مصانة و أن تظلوا ملتزمين بها.

تكليف السادة(الخطباء)يقتضي أن يقرأوا المراثي-و تكليف الناس يقتضي أن يخرجوا في المواكب الرائعة و مواكب اللّطم،و طبعا ينبغي أن يجتنبوا الأعمال غير الصحيحة و المخالفات،و لكن لتخرج المواكب و لتلطم الصدور،و ليفعلوا ما كانوا يفعلونه سابقا.و ليعقدوا اجتماعاتهم،فهذه الاجتماعات هي التي حفظتنا،و هذا الانسجام و التلاحم هو الذي صاننا.

إن بعض الأشخاص يريدون أن يخدعوا شبابنا الأعزاء ذوي القلوب الصافية، فيهمسون في آذانهم قائلين:حتى م نبكي؟!و لم البكاء؟!ماذا نريد أن نجني من هذا البكاء؟!.

ينبغي أن لا تتحول هذه المواكب التي كانت تخرج في أيام عاشوراء إلى مسيرات و تظاهرات،فهي بحدّ ذاتها عبارة عن تظاهرات تنطوي على محتوى سياسي،و لكن لا يظن الناس بأننا نريد تحويلها عن صفتها السابقة و نكتفي

ص: 28


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

بالمسيرات،بل إنها يجب أن تبقى على حالها السابق،بل و أكثر من السابق.

إن مواكب اللطم هذه هي التي تمثل رمزا لانتصارنا،لتقم المآتم و المجالس الحسينية في أنحاء البلاد،و ليلق الخطباء مراثيهم و ليبك الناس.

عند ما تخرج الجموع في يوم عاشوراء فلتكن مراسم التعزية في ذكرى استشهاد الحسين(سلام اللّه عليه)بنفس الحرارة و الأسلوب الذي كانت تقام به في السابق،و ليكن مضمون كل المسيرات و المراسم خاصا بالإمام الحسين عليه السّلام.

ندعوا اللّه أن يوفق شعبنا لإقامة مراسم العزاء في ذكرى واقعة عاشوراء وفق الأساليب السابقة و السنن التقليدية و لتكن المواكب بنفس قوتها السابقة،و لتمارس مواكب اللّطم و الردات و الشعارات الحسينية ما كانت تمارسه في السابق،و اعلموا أن حياة هذا الشعب رهينة بهذه المراسم و المراثي و التجمعات و المواكب.

ص: 29

وصايا للخطباء و قرّاء المراثي و جموع المعزين

قال الإمام الخميني (1):يجب التذكير بالمصائب و المظالم التي يرتكبها الظالمون في كل عصر و مصر و إيرادها في القصائد و الأشعار التي ينظمها الشعراء في مدح و رثاء أئمة الحق(سلام اللّه عليهم)بشكل حماسي.

و في هذا العصر-الذي هو عصر مظلومية العالم الإسلامي على يد أمريكا و روسيا و سائر عملائها و من جملتهم آل سعود("آل سعود"هي كنية الأمراء الوهابيين الذين يحكمون جزيرة العرب و اللذين غيّروا اسمها إلى العربية السعودية و في عقيدة الوهابية إن جميع فرق المسلمين سواء السنة أو الشيعة هم من المشركين و الكفار و في عداد عبدة الأصنام.

و إن ثمرة 268 سنة من حكم هذه العائلة لأبناء جزيرة العرب ليست سوى الفقر و العمالة و الحرمان المادي و المعنوي و كان رؤساء هذه الإمارة يخدمون أهداف الاستعمار الإنجليزي و الإمبريالية الأميركية في الفترة الأخيرة.)خونة الحرم الإلهي العظيم"لعنة اللّه و ملائكته و رسله عليهم"-ينبغي التذكير بقوة و حزم بهذه المظالم و صب اللعنات عليهم.

ليهتم خطباء المنابر-أدامهم اللّه-و ليسعوا في دفع الناس إلى القضايا الإسلامية و إعطائهم التوجيهات اللازمة في الشؤون السياسية-الإسلامية و الإجتماعية-الإسلامية،و ليتمسكوا بالمراثي و الخطابة،فنحن أحياء بهذه

ص: 30


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

المراثي.

على الخطباء أن يتلوا المراثي كما كانوا يفعلون في السابق،و ليعدّوا الناس للتضحية و الفداء.

على الخطباء أن يقرأوا المراثي في آخر الخطابة و لا يختصروه بكلمتين و يكتفوا بذلك،بل ليتحدثوا كثيرا عن مصائب أهل البيت كما كانوا يفعلون في السابق لتقرأ المراثي و لتلق الشعارات و الأحاديث في مدح و ذكر فضائل و مصائب أهل البيت عليهم السّلام،كي يصبح الناس على أهبة الإستعداد،و ليكونوا حاضرين في ميادين الأحداث،و ليعلموا بأن أئمتنا قد أنفقوا كل أعمارهم لنشر الإسلام و ترويجه.

و لو شاءوا أن يداهنوا لحصلوا على جميع الإمكانات المادية،و لكنهم ضحّوا بأنفسهم من أجل الإسلام و لم يداهنوا الظلمة.

ينبغي أن أتحدث هنا بخصوص المآتم و المجالس الحسينية التي تقام باسم الحسين بن علي عليه السّلام فلا نحن و لا أي متدين نقول أن كل ما يفعله أي شخص باسم الحسين عمل صحيح و جيد.فكثيرا ما عدّ بعض العلماء الكبار بعض هذه الأعمال أعمالا منحرفة و سيئة و منعوا مزاولتها و القيام بها.

و كلنا يعلم أنه خلال العشرين و بضع سنين الماضية منع العالم العامل الجليل المرحوم الحاج الشيخ عبد الكريم(يعد آية اللّه العظمى الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي(1276-1355 ه ق)من الفقهاء العظام و مراجع تقليد الشيعة في القرن الرابع عشر الهجري،و بعد أن درس المقدمات سافر إلى النجف و سامراء و درس على أساتذة مثل الميرزا الشيرازي الكبير و الميرزا محمد تقي الشيرازي و الآخوند الخراساني و السيد كاظم اليزدي و السيد محمد أصفهاني الفشاركي.ثم جاء إلى آراك في عام 1332 ه ق و تشرف بزيارة قم في عام 1340 ه ق و بسبب إلحاح بعض الكبار في قم و استخارة اللّه قرر الإقامة فيها و أسس الحوزة العلمية

ص: 31

في قم.

تربي في حوزته العلمية علماء كبار يقف الإمام الخميني(س)في مقدمتهم.و من آثاره في الأصول"درر الفوائد"و في الفقه"الصلاة"و"النكاح"و"الرضاع"و" المواريث")الذي كان من أبرز علماء الشيعة،منع الشيعة-تمثيل وقائع و شخوص يوم عاشوراء-و أبدل أحد أكبر المواكب التي كانت تقام له إلى مجلس للتعزية و المراثي،و هكذا فعل باقي العلماء بالأعمال و الممارسات التي تتعارض مع الأوامر الدينية و الضوابط الشرعية،و ما زالوا يمنعون مزاولتها.

ينبغي أن تعلموا أنكم إذا أردتم الحفاظ على نهضتكم فيجب أن تحافظوا على هذه الشعائر و السنن،و طبعا فإنه إذا كانت هناك أعمال و ممارسات منحرفة و خاطئة يرتكبها أشخاص غير مطلعين على المسائل الإسلامية فيجب أن تتم تصفيتها،لكن المواكب و المآتم ينبغي أن تبقى على قوتها.

من يستطيع تنظيم مثل هذه المواكب بهذه العظمة-طبعا ينبغي أن تصفّى من الممارسات و الأعمال غير الشرعية و تصان النواحي الشرعية فيها-من يستطيع إخراجها بمثل هذا المحتوى و إقامتها في كل مكان،من يمكنه عقد مثل هذه التجمعات؟!

ص: 32

شذرات من توجيهات سماحة الإمام(س)بشأن محرم و نهضة كربلاء

قال الإمام الخميني (1):أحيوا ذكرى نهضة كربلاء و الاسم المبارك للحسين بن علي عليه السّلام فبإحياء ذكراه يحيى الإسلام.

إن دماء سيد الشهداء هي التي جعلت دماء الشعوب الإسلامية تغلي.

إن هذه الوحدة-وحدة الكلمة التي هي مبدأ و أساس انتصارنا-هي من آثار و نتائج مجالس العزاء هذه مضافا إلى ما تحققه من تبليغ و نشر للإسلام.

***** محرم هو شهر النهضة الكبرى لسيد الشهداء و الأولياء عليهم السّلام،الذي علّم البشر- عبر قيامه في مقابل الطاغوت-الثورة و النهضة و البناء،و أراهم أن سبيل فناء الظالم و طريق تدمير الطاغوت يكمن في التضحية و الفداء،و هذا بحد ذاته أحد أهم تعاليم الإسلام و توجيهاته لشعبنا حتى آخر وهلة من حياته.

***** محرم هو الشهر الذي شهد نهضة العدالة في مقابل الجور،و الحق في مواجهة الباطل،و أثبت أن الحق منتصر على الباطل طوال التاريخ.

***** المجالس التي تعقد في ذكرى استشهاد سيد المظلومين و الأحرار عليه السّلام هي مجالس غلبة جنود العقل على الجهل و العدل على الظلم و الأمانة على الخيانة،

ص: 33


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

و الحكومة الإسلامية على حكومة الطاغوت.و ينبغي أن تعقد هذه المجالس بروعة و ازدهار و تنتشر بيارق عاشوراء الحمراء كرمز لحلول يوم انتقام المظلوم من الظالم.

***** إن الثورة الإسلامية في إيران شعاع من عاشوراء و الثورة الإلهية العظيمة التي وقعت فيه.

***** شهر محرم بالنسبة لمذهب التشيع شهر كان فيه النصر مقرونا بالتضحية و الدم.

***** محرم و صفر هما اللذان حفظا الإسلام.

ينبغي لنا إحياء محرم و صفر بذكر مصائب أهل البيت عليهم السّلام فبذكر مصائبهم بقي هذا الدين حيا حتى الآن.

***** لقد ضحّى سيد الشهداء عليه السّلام بنفسه من أجل الإسلام.

***** صحيح أنهم قتلوا سيد الشهداء عليه السّلام،لكن القتل كان طاعة للّه،و في سبيل اللّه، و كان القتل يمثل بالنسبة له عليه السّلام أوج العزة و الكرامة،و لم يصب بانكسار أو هزيمة من هذه الناحية.

***** سيد الشهداء عليه السّلام-كذلك-إنكسر في كربلاء من الناحية العسكرية،لكنه لم يمن بالهزيمة و الفشل بل أحيى العالم كله.

*****

ص: 34

إن سيد الشهداء عليه السّلام لبى صرخة الإسلام و استجاب لاستغاثته و أنقذه.

***** تضحية سيد الشهداء عليه السّلام هي التي حفظت لنا الإسلام.

***** من الضروري أن تذكر في القصائد و الأشعار التي تنظم لمدح ورثاء أئمة الحق عليهم السّلام المصائب و المآسي و ظلم الظالمين في كل عصر و مصر.

***** لا تظنوا أن انتفاضة 15 خرداد(5 حزيران)كان يمكن أن تقع لو لا مجالس العزاء و مواكب اللّطم و المراثي.

***** إنكم تلاحظون أن خير خلق اللّه في عصره سيد الشهداء(سلام اللّه عليه)و شبان بني هاشم و أصحابه،استشهدوا و غادروا هذه الحياة،و لكن عند ما جرى ذكرهم في مجلس يزيد أقسمت زينب(سلام اللّه عليها):"ما رأيت إلاّ جميلا".

إن استشهاد الإنسان الكامل يعتبر في نظر أولياء اللّه شيئا جميلا،لأن الحرب و النهضة كانتا في سبيل اللّه-تبارك و تعالى-.

ص: 35

عاشوراء و التبليغ

الإمام الحسين عليه السلام قدوة المبلّغين

و من الذي يضمن استمرار مسيرة القافلة الجادّة في سيرها؟إنهم المبلّغون الذين يقف في مقدمتهم الأنبياء عليهم السّلام و الأولياء و الصالحون الذين كانوا و كأنهم شموع تثير في الفراش روح الحركة.

كلامنا يشحذ العشّاق من وله كما الفراشات حول النور تزدحم

إنّ المبّلغ يعمل و يتحرك بلسانه و بقلبه و بروحه و بهمّته و ببصيرته.

و يجب على المبلّغين الإستمرار بحركتهم الإلهية على هذا المنوال،و على هذا الاسلوب،و بهذا الاندفاع و لنفس هذه الغايات؛إذ أن ثورتنا انتصرت وفقا لهذا السياق نفسه،إلاّ أنّ أكثركم-أنتم الشباب-لم يدرك تلك الأيام،حيث انبثّ آنذاك المبلّغون و طبة العلوم الدينية المخلصون الذين لم تكن تحدوهم حينذاك أيّة مطامع،و أناروا بلاد الإسلام،و كل أرجاء هذا البلد من قرى و مدن و مساجد و حارات و أزقّة و دور؛انطلقوا آنذاك في كلّ حدب و صوب و أضاءوا حيثما ذهبوا قبسا من تلك الشمس المضيئة التي كان منطلق كل إشعاعاتها إمامنا الخميني العظيم الذي كان بدوره قبسا من شمس الحسين عليه السّلام الوهاجة.

فإذا ما استنارت القلوب و تيقظت الأنفس انطلقت الأجسام و الألسن بالحركة، و تحررت الإرادات.و هكذا الحال أيضا اليوم و غدا،غاية ما في الأمر أن إبداع المبلغ يتجسد في كل عصر بتلبية متطلبات مخاطبيه؛و معنى هذا أنه يجب أن يكون على

ص: 36

معرفة بمتطلبات العصر.

أرى من جملة كلمات أبي عبد اللّه الحسين عليه الصلاة و السلام-و كلماته كلها ذات مغزى و مفهوم عميق،و أوصيكم بالإستشهاد أكثر ما يمكن بكلماته في سياق بيان الأقوال البليغة و المؤثرة للناس-المناسبة لموردنا هذا هو ما نقل عنه أنه قال:

«اللهم انك تعلم أنّ الذي كان منّا لم يكن منافسة في سلطان و لا التماس شيء من الحطام،و لكن لنري المعالم من دينك» (1).

إنّ للمعالم أهميتها،إذ أنّ الشيطان كثيرا ما يستخدم أساليب التحريف و الدلالة على السبيل الأعوج لإضلال الجماعة المتديّنة،فإذا استطاع هذا الشيطان أن يأمر الناس بالتخلّي عن دينهم،فعل و سلبهم الإيمان عبر أساليب الإغواء و الإعلام المسموم،و إذا لم يتيّسر له ذلك نصب لهم معالم و دلالات مضللة؛مثلما يسير الإنسان في الطريق و يستدل بالعلامات و الإشارات الموجودة على جانبيه للإهتداء إلى السبيل السالك القويم،و لكن تأتي يد خائنة و تحرف تلك الإشارات و المعالم إلى غير سواء السبيل....2.

ص: 37


1- نهج البلاغة:13/2.

أهمية التبليغ

و بما أننا نبلّغ بإسم الإمام الحسين بن علي عليه السّلام،و قد أتيحت لنا فرصة تخليد هذه الشخصية العظيمة،التي من خلالها يمكن تبليغ الدين على جميع الأصعدة،فينبغي أن يكون لكل عنصر من هذه العناصر الثلاثة دور في تبليغنا، فكما يعتبر الإقتصار على الجانب العاطفي و الغفلة عن الجانب المنطقي و العقلي الكامن في واقعة كربلاء،تقليل من قيمة الواقعة،كذلك التغافل عن الجانب الحماسي المشفوع بالعزة هو تقليل من قيمة الواقعة،و ضياع مجموعة من الكنوز الثمينة،فيجب على الجميع-قارئ العزاء،و الخطيب المنبري،و المدّاح-أن يلاحظ ذلك.

ما معنى التبليغ؟التبليغ يعني إيصال فكرة،وجوب الإيصال،الى أين؟الى آذان المستمعين؟كلا،الى قلوبهم،بعض المبلّغين لا يتمكنوا من إيصال مطالبهم حتى الى الأسماع،فضلا عن القلوب،بل إنّ السمع لا يتحمل ما يقولون و لا يستقبله، فالسمع عند ما يستقبل شيئا،يحوّله الى الدماغ،و لا بد أن لا تنتهي المسألة عند هذا الحد،بل لا بد أن تنفذ الكلمات الى القلب و تترسخ فيه،بحيث تتناغم شخصية المستمع مع شخصية المبلّغ،هذا هو دور عملية التبليغ.

إننا لا نؤدي الوظيفة التبليغية من أجل الحديث فقط،بل من أجل إيصال المادة التبليغية الى قلب المستمع و ترسيخها فيه.

ص: 38

الرفق في التبليغ

عثرت في ما يخص الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر على حديث ينبغي أن يدخل في جملة ما يذكر للآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر،و ذلك الحديث هو عن النبي صلّى اللّه عليه و اله:"لا يأمر بالمعروف و لا ينهي عن المنكر إلاّ من كان فيه ثلاث خصال:رفيق بما يأمر به و رفيق بما ينهي عنه،عدل في ما يأمره عدل في ما ينهي عنه،عالم بما يأمر به عالم بما ينهي عنه" (1).

فحيثما يكون الموقف موقف رفق-حيث إن أغلب المواقف هي من هذا القبيل- يجب على الإنسان التعامل برفق لأنه يستطيع بأسلوب الرأفة و الرفق ترسيخ تلك الحقائق في القلوب و العقول،و مهمة التبليغ تأتي في هذا الإطار و لأجل إحياء الأحكام الإلهية الإسلامية.

من الطبيعي أنّ الجميع مكلّفون بإصلاح أنفسهم،و لكن عليكم أن تدركوا قيمة منبر التبليغ،و قيمة هذه المكانة العظمى للتبليغ في المساجد و الحسينيات و تحت راية الإمام الحسين عليه السّلام؛إذ أنّ التبليغ يتصف بأنه نافذ و مؤثر و مبارك.

ص: 39


1- البحار:87/10 ح 64،و مستدرك الوسائل:189/12 ح 13846.

الوعي السياسي في التبليغ

من الطبيعي أنّ لشهر محرم و ما يجري فيه أهمية بحيث تعقد لأجله الاجتماعات و تدور مداولات بشأن القضايا المتعلقة به.سيكون من المناسب جدا و من المفيد إن شاء اللّه أن يجري-في المستقبل-و قبل أيام من الذهاب إلى التبليغ في شهر محرم تنسيق و تعاون فكري واسع في الجهات المختلفة،من قبيل اختيار المواضيع و أسلوب التبليغ و الواجبات الهامة التي يستدعيها شهر محرم.

و سنتحدث نحن هنا ببضع كلمات في هذا المجال على قدر وسعنا.

تتسم قضية محرم-التي تعتبر في تاريخ الإسلام قضية مثالية و فريدة في جميع أبعادها-بجانب بارز،ألا و هو جانب التبليغ،حيث تكون الفرصة سانحة بفضل الدماء الطاهرة للحسين بن علي عليه الصلاة و السلام و أصحابه و أهل بيته، لتوعية الناس على حقائق الدين الذي أريقت لأجله تلك الدماء الطاهرة.و هذه أيضا من البركات الخالدة لواقعة كربلاء،يجب استيعاب قدرها و أهميتها.

منذ عدّة قرون و سنّة التبليغ في شهر محرم جارية في إيران و ربّما في بقاع العالم الاخرى التي يقطنها أتباع أهل البيت عليهم السّلام.

التبليغ في العهد الذي لا يحكم فيه الإسلام يتفاوت إلى حدّ بعيد عن التبليغ في عهد حاكمية الإسلام؛ففي عهد حاكمية الإسلام يمكن أن يقع تبليغ أي جانب من جوانب الدين في موقعه المناسب،و هو بيان جزء من المجموع الذي تستلزمه إدارة حياة الناس،بينما الحال يختلف في الظروف التي لا يحكم فيها الإسلام؛حيث تكون الأجزاء منفصلة عن بعضها و غير متكاملة و لا يربط في ما بينها رابط (1).

ص: 40


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:279-282.

الأحكام الفقهية في عهد حاكمية الإسلام

فرضا لو أراد أحد التحدّث عن الأحكام الفقهية في عهد حاكمية الإسلام، فبإمكانه تصنيفها من حيث البحث و الدراسة إلى طائفتين:إحداهما طائفة الأحكام الفقهية الخاصة بالفرد؛ناهيك عن الموضع الذي يعيش فيه من هذا العالم.

و أخرى قد يبحث المرء نفس هذا الحكم الفقهي بما يمثله من فرع صغير أو كبير في كيفية إدارة المجتمع.

هذان الموضوعان يختلفان عن بعضهما،بل و يختلف الحكم المستنبط في المورد في الصورتين حتى في موضوع كالطهارة و النجاسة و حتى في المسائل الخاصة.

فهي تارة تعرض باعتبارها جزءا من مجموعة النظم التي تدير الفرد و المجتمع في حاكمية الإسلام.

و قد تعرض تارة أخرى بعيدا عن النظام الشامل المجموعي للإسلام،و بصفتها حكما لشخص واحد فقط.و ليت الفضلاء المتنوّرين يبّينون تفاصيل هذه التفاوتات لباحثي الحوزات العلمية.

و هذا ينطبق على موضوع الأخلاق أيضا.فالحديث عن التفاني و الصبر مثلا قد يتخذ تارة طابعا ذاتيا محضا؛و يشار إليه بصفته خلقا إسلاميا و حكما أخلاقيا و روحيا فرديا صرفا؛أي أنّ الصبر عند المصائب فضيلة.

و قد يدور الحديث تارة أخرى عن الصبر على مستوى مجتمع يواجه مختلف الضغوط و المصاعب و العراقيل،و حينها ينبغي على الأفراد التمسك بالصبر عند هذه الموانع و الشدائد.و هنا يتخذ الحديث عن الصبر طابعا آخر،إنّ حقيقة الصبر

ص: 41

هي واحدة،إلاّ أنّ كيفية طرح الموضوع هي المهمة.

أساس الفارق بين نمطي التبليغ هو أنّه في عهد حاكمية الإسلام يمثل الدين مجموعة نظم الحياة،و من بينها السياسة و إدارة الحكومة و العلاقات الخارجية و مواقف المسلمين إزاء التيارات السائدة في العالم،و القضايا الاقتصادية، و علاقات الأفراد في ما بينهم،و التمسك بالأخلاق في مختلف جوانب الحياة.

الدين هو مجموعة نظم تشمل الشؤون الفردية الخاصة،و كذا القضايا الواجب تأديتها بشكل جماعي،و لكن بالإمكان تأديتها فرديا أيضا،إضافة إلى ما يتعلق بمصير العالم أو مستقبل ذلك البلد.و عند ما نريد أن نبلّغ فالتبليغ يعني كل هذا.

نوعان من التبليغ

لا حظوا إلى أي مدى يتفاوت هذا التبليغ مع التبليغ الذي كنا نمارسه قبل إقامة الحكومة الإلهية و الحكومة الحقّة؛في تلك الايام كان يكفينا معرفة الموضوع الذي نريد التحدث حوله،لنكون مبلّغين ناجحين،أما اليوم فإذا لم نكن على معرفة بالعالم أو بمجتمعنا على أقل تقدير لا يمكننا أن نصبح مبلّغين ناجحين و إن كنا على معرفة تامة بالموضوع.

يجب أن نفهم في أي مجرى يصب هذا الحديث الذي نتكلم به،و لصالح أي تيار في العالم ينتهي،و إلى تضعيف أي فريق يقود،شأنه في هذا شأن خندق القتال؛فقد يكون المقاتل طورا بمواجهة عدو و يحرص على الدفاع عن نفسه،و قد يكون طورا آخر ضمن خندق يمتد بضع كيلو مترات،و يريد الدفاع أيضا،إلاّ أنّ الدفاع هذا من نمط آخر؛فقد تقتضي المصلحة أن يتقدم و قد توجب عليه الإنسحاب،و قد يتصور المقاتل أنه يهاجم العدو،فيتفاجأ أنه يطلق النار على رفاقه!

منذ اليوم الأول لإقامة هذا النظام كان بعض الأشخاص و لا زالوا قابعين في

ص: 42

زاوية و يكيلون له الانتقادات،و هؤلاء خطؤهم الأساسي هو أنّ مثلهم مثل من غلبه النوم في خندق القتال بينما تقدم رفاقه إلى الأمام صوب مواضع العدو و استولوا عليها،و لمّا أفاق هذا الشخص من نومه وجّه نيرانه إلى المواضع التي سيطر عليها رفاقه،متوهما أنّ العدو مازال مرابطا هناك،بينما الذي يرابط هناك هم رفاقه إلاّ أنّ هذا الشخص كان مستغرقا في نومه و لا يدري!و الغفلة في القضايا السياسية قد تفرز أحيانا مثل هذه النتائج.و هذا ما يمنح التبليغ هذه الأهمية.

يتناهى إلى الأسماع أحيانا أنّ البعض يدلي بتصريحات هنا و هناك،و يتكلم بأمور لا يدري على من تقع أضرارها،و هذا ناتج عن عدم تفهّم الوضع السياسي العالمي و عدم التمييز بين العدو و الصديق،و عدم تشخيص جبهة الأصدقاء من جبهة الأعداء.

لا يكفي أن نتعلّم بضع مسائل و نتحدث بها.بعض المسائل قد تستلزم أسلوبا خاصا في إلقائها،فإذا ما أهمل ذلك الاسلوب يحتمل أن تتمخض عنها أضرار.يجب التسلح بالوعي و الفطنة.

و هذه من الخصائص التي تتطلبها إقامة دولة الحق؛في الأجواء التي تقوم فيها دولة الحق تتضاعف مسؤولية أهل الحق كافّة،و حينما تقوم الحكومة و النظم الاجتماعية على أساس الدين تتضاعف المسؤولية الملقاة على عاتق المبلّغين، و أساس كل هذا-كما أشرنا-ينطلق من مبدأ عدم انفصال الدين عن السياسة.

ص: 43

سعي الأعداء الى عزل الدين

و هذا-حسب اعتقادي-من أكبر الفصول المتعلقة بالنظام السياسي للإسلام، و التي ابتدعها إمامنا الكبير؛فقد سعى حكام الجور و السلاطين الظلمة على مدى قرون متمادية في عزل الدين-الدين الذي حيثما كان فهو يحكم بالعدل و الحق و لا يتهاون مع أي شخص-عن التدخل في شؤونهم،و تكالبوا طوال هذه القرون لإثبات أنّ الدين لا شأن له بالسياسة،و أن لا طائل من وراء حشر الدين مع السياسة،و من يريد التبليغ فليذهب و يبلّغ لدينه.

و كانوا فضلا عن ذلك ينمّقون كلامهم بأطر خدّاعة؛من قبيل أنّ الدين أطهر من أن يلوّث بالسياسة.

أجل إنّ السياسة المعزولة عن الدين لوث،أمّا السياسة المنبثقة عن الدين فلها من القدسية ما يجعلها نمطا من أنماط العبادة.

و من بعد انتصار الثورة حتى يومنا هذا كانت أشد الهجمات شراسة ضد الاسس الفكرية السياسية للنظام الجمهوري الإسلامي هي تلك التي استهدفت مبدأ «عدم انفصال الدين عن السياسة».هذا المبدأ تعرّض و لا زال يتعرض لهجمات من الجميع.

و ما انفك البعض-في بعض أرجاء العالم،و في أجواء بعيدة عن إيران-يدوّن الكتب و المقالات بمختلف اللغات،و يبث البرامج المتلفزة ليثبت أنّ الدين في معزل عن السياسة.سبحان اللّه!ما أعظم دور هذا المبدأ«عدم انفصال الدين عن

ص: 44

السياسة»في تهديم صروح القوى الظالمة؛بحيث إنهم لا ينفكّون يوجّهون إليه الطعنات يوميّا.

و هناك البعض في داخل المجتمع الإسلامي طبعا يردد تلك الأقوال كالببغاء من غير أن يعي ماهيّتها،كما أنّ البعض قلوبهم مع الأجانب أساسا،و يتنكّرون للدين برمّته.

في الفترة التي كنت أتصدى فيها لمنصب رئاسة الجمهورية عزمت في أحد المرات على السفر إلى أحد البلدان الأجنبية للمشاركة في مؤتمر دولي.فاعددت الكلمة التي سالقيها في ذلك المؤتمر و عرضتها-كالعادة-على الإمام الخميني ليبدي رأيه فيها.فعلّق على حاشيتها،أنّ من الضروري أن تتضمن هذه الكلمة الحديث عن موضوع«عدم انفصال الدين عن السياسة»،تعجبت للوهلة الاولى من هذا الرأي؛إذ ما هي صلة هذا الموضوع برؤساء الدول-مائة دولة غير إسلامية مثلا-؟و مع هذا فقد جلست و كتبت بضع صفحات استجابة لأمر الإمام.

و حينما دخلت في صلب الموضوع و أجلت الفكر فيه أدركت أنه عين الصواب؛ و إنّ عرض هذا الموضوع من فوق منابر العالم الكبرى يعزى إلى أنّ هذا الموضوع يتعرض للطعن من فوق منابر العالم.ثم ذهبنا إلى هناك و تناولنا في كلمتنا هذا الموضوع،و كان له صدى طيبا في النفوس،و تجلّت أهمية ذلك الرأي.و اتضح من خلال هذا الموضوع مدى عمق رؤية الإمام الراحل.

إذا كنتم ممّن يرى عدم انفصال الدين عن السياسة،فأهل الدين مطالبون-إذن- بمعرفة السياسة و فهمها و أن يمارسوا نشاطهم حيثما وجدوا و الميدان مفتوح أمام العمل السياسي.

و إذا كان الظرف يستدعي بيان الأحكام الشرعية المحضة،فإنّه ينبغي بيانها مع الاطلاع على الوضع السياسي.

السياسة لا توجب كتمان حكم شرعي،يجب أن لا تكون السياسة سببا في

ص: 45

كتمان الأحكام الإلهية،بل على العكس،أي أنّ السياسة توجب على المرء عرض المعارف و الأحكام الإلهية بشكل مؤثر في النفوس،مع أخذ جميع الجوانب بنظر الاعتبار.

هذا هو معنى الوعي السياسي في أمر التبليغ (1).6.

ص: 46


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:286.

التبليغ لأجل الهداية و إنارة العقول

عليكم بالعمل في سبيل هداية الناس و إنارة عقولهم،و تشجيعهم على تعلّم الدين.علّموهم الدين الصحيح النقي،و ارشدوهم إلى الفضائل و الاخلاق الإسلامية،و اغرسوا في نفوسهم الفضائل الأخلاقية باللسان و بالعمل،و عظوا الناس و خوّفوهم غضب الله و عذابه،و أنذروهم من نار جهنم،لأن للتحذير و الإنذار تأثيرا مهمّا في نفس الإنسان،و في الوقت ذاته بشّروا المؤمنين و الصالحين برحمة الله و أمّلوهم بفضله.

و بيّنوا لهم القضايا الأساسية في البلد و في العالم الإسلامي.و هذا هو المشعل الذي إذا أضاءه أيّ واحد منكم حيثما كان،يؤدي إلى إنارة القلوب و نشر الوعي، و إيجاد أسباب التحرك،و غرس الإيمان في القلوب.

و هذا هو أفضل و أنجح أسلوب للردّ على هذا الغزو الثقافي الغادر الموجّه ضدنا من قبل الأعداء،و إنني أشعر بقلق عميق أزاء هذا الأمر.

ص: 47

المادة التبليغية

ما هي المادة التبليغية؟هي المبادئ و القيم الإسلامية،التي ضحّى من أجلها الإمام الحسين عليه السلام بنفسه و حرمه و أهل بيته،و التي خطّها خاتم الأنبياء محمّد(صلى الله عليه و آله و سلم)و جميع أنبياء الله عليهم السّلام و أوليائه الصالحين، و كان مظهرها أبو عبد اللّه عليه السلام.

نحن نريد أن نقوم بتبليغ المنطق و القيم و الأخلاق الإسلامية و جميع المسائل، من أجل بناء الهوية الإنسانية على أساس الدين،و بناء شخصية المستمع بناء إسلاميا،و من جملة ذلك بناء الجمهورية الإسلامية.

إنني أعتبر أنّ تشكيل الحكومة الإسلامية من أهم الأعمال،و هذا لا يعني أن نتغافل عن صيانه الهوية الإنسانية للأفراد-الأشخاص الذين نتعامل معهم فردا فردا-فإنّ هذا من أهم الأمور.

إنّ النبي الأكرم(صلى الله عليه و آله و سلم)بدأ ببناء الإنسان-بناء اللبنة الأساسية-و عندها استطاع أن يحمّله مسؤولية بناء الإسلام.

فلم يغفل النبي(صلى الله عليه و آله و سلم)في جميع الأحوال-في قلب المعركة، و في مرحلة البناء،و في حالة العبادة،و عند التحدّث الى الناس و على مدى تلك الأعوام العشرة-التي كانت بمثابة مئة سنة لما اشتملت عليه من مهام-عن بناء هوية مستمعيه،بل كان النبي(صلى الله عليه و آله و سلم)يقوم ببناء هوية الإنسان حتى عند جعجعة الحروب الشديدة كحرب الأحزاب،و بدر،و أحد.

لا حظوا آيات القرآن الكريم،ستجدون أنّ أهم أهداف التبليغ هو بناء الإنسان.

ص: 48

علينا أن لا نصطدم بمسألتين:

الأولى:عدم التغافل عن طرح القضايا السياسية من دائرة كلامنا و أقوالنا و سعينا و جهادنا التبليغي،و هذا ما صرف عليه الأعداء الأموال خلال عشرات السنين،إلا أنّ مجيء الثورة الإسلامية أدّت الى تبديد هذه الآمال و نفيها من الوجود،و أدخلت الأقوال و الأفكار السياسية في مجال النشاطات الدينية.

الثانية:عدم التصوّر بأن كل ما يقال من على المنبر التبليغي،و مخاطبة المؤمنين،هو الجلوس و التحدث في قضايا أمريكا و إسرائيل و التحليل للمسائل السياسية،كلا،فإذا لم يكن هناك مسائل ذات أهمية قصوى،فهناك مسائل أخرى مهمة،و هو قلب مستمعكم،ينبغي لكم إصلاح و بناء و إرواء قلبه و روحه و فكره، و هذا ما يحتاج الى جذور معنوية،نحن أيضا لا بد أن نمتلك جوانب معنوية لكي نستطيع التأثير في المستمعين،و بدونها لا يمكن تحقق ذلك.

ص: 49

المنطق في التبليغ

لا بد أن يشتمل هذا الخزين المعنوي على عنصري الفكر و المنطق،و علينا أن نتسلح بهما،لكي لا نتفوه بالكلام الضعيف،فقد صدق من قال:أنّ أكثر الهجمات تأثيرا هي التي يقابلها مقاومة مبتورة و ضعيفة،و هو كلام دقيق،فعند ما يكون الدفاع عن الدين ضعيفا و رخوا،يكون الأثر السلبي لهذا الدفاع أشد على الدين مما لو هجم عليه،فعلينا أن نستعين بالله على ذلك.

يجب أن لا يشتمل كلامنا و منبرنا و تبليغنا-العملية التبليغة التي نقوم بها-على كلام هش،لا متانة له و لا ثبات.

فليس من العيب أن نطرح بعض المطالب التي نجدها أحيانا في كتاب و ليس لها سند،كأن تكون حكمة أو من المسائل الأخلاقية التي لا تحتاج الى سند،إلا أنّ العيب في أن نطرح مسألة بعيدة عن ذهن المستمع،و يصعب عليه فهمها؛لأنّها سوف تبعده عن أصل المطلب،و تؤدي الى التقليل من هيبة الدين و المبلّغ في عقله و قلبه، و يعتقد أنّ هذا الأمر يفتقر الى المنطق،في حال كون أساس عملنا هو المنطق.

بناء على ذلك،فإنّ المنطق هو عنصر أساسي في التبليغ.

بعد هذا،تصل المرحلة الى أسلوب عملنا.

ص: 50

أسلوب التبليغ

فإننا عند ما نذهب الى المدينة أو القرية الفلانية علينا أن نلاحظ سلوكنا،قيامنا و قعودنا،معاشرتنا،نظرنا و عبادتنا،تعلقنا بالملذات الدنيوية و أكلنا و نومنا،فهذه تعتبر أهم وسائل التبليغ،و هي إما أن تكون مع التبليغ أو ضده،فإذا كانت صحيحة تكون تبليغا،و إذا كانت خاطئة تكون ضده.

فكيف نتمكن من جعل قلوب الناس في الوسط الإجتماعي و الحياتي يطمئنون لكلامنا،و العمل على تقوية ثقتهم بنا،و نحن نتكلم في ذم الإنغماس في الشهوات الدنيوية،و ذم التعلق بالمال و الإنهماك في طب الملذات الدنيوية،في حين كوننا نعمل على خلاف ما نقول-لا سمح الله-!؟

و كيف يمكن لهذا الكلام أن يؤثر في المستمعين إذا كان كذلك؟فهو إما أن لا يؤثر أصلا،أو يؤثر تأثيرا عابرا،أو يؤثر و في الوقت الذي تنكشف فيه حقيقة أعمالنا،سوف يكون تأثيره معكوسا تماما،و بناء على ذلك فإنّ العمل بما نقوله مهم جدا.

التفنن في طريقة إلقاء الكلام

إنّ لديّ قناعة تامة بالمنبر،فمع إنتشار شبكة المعلوماتية(الإنترنيت)، و الفضائيات،و التلفاز،و وسائل الاتصال الأخرى بكثرة،إلا أنه ليس هناك وسيلة من هذه الوسائل تضاهي المنبر،فالمنبر يعني التكلّم وجها لوجه،و قلبا لقلب،و هذا

ص: 51

له تأثير مباشر و ممتاز،ليس له وجود في أي وسيلة من الوسائل الأخرى،فعلينا الحفاظ على المنبر،فهو أمر قيّم،غاية الأمر يجب أن نتعامل معه بطريقة فنية من أجل أن يؤدي غرضه.

ص: 52

الإنذار في التبليغ

في أدعية الصحيفة السجادية يقول الإمام السجاد عليه السلام في أحد الأدعية التي يناجي بها ربّه:«تفعل ذلك يا إلهى بمن خوفه أكثر من رجائه لا أن يكون خوفه قنوطا» (1)،إنّ خوفي أكثر من رجائي،لا أنني قنوطا.

هذا المعنى يمثل بيانا رسميا و قانونا،و لذلك يجب عليكم أن تنفثوا روح الرجاء و الخوف في القلوب،على أن يكون الخوف أكثر من الرجاء.

فمن الخطأ،عند ما تتعرضوا الى آيات الرحمة الإلهية-حيث أنّ بعض هذه الآيات مختصة بمجموعة معينة من المؤمنين و لا تشمل الجميع-تلقوها بصورة تؤدي الى غفلة البعض فيتصوروا-بسبب حالة معنوية واهمة-أنها تشملهم، و أنهم قد وصلوا الى أعلى الدرجات المعنوية،فيغفلون عن أداء واجبات الدين الضرورية عند التطبيق.

إنّ البشارة في القرآن الكريم خاصة بالمؤمنين،أمّا الإنذار فهو للجميع، فالمؤمن و الكافر هما محل للإنذار.

كان رسول الله(صلى الله عليه و آله و سلم)يبكي،فقال له أحدهم:يا رسول الله، إنّ اللّه تعالى يقول: لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ (2)فما هو سبب بكائك؟

ص: 53


1- الصحيفة السجادية:189.
2- سورة الفتح:الآية 2.

قال:(ألا أكون عبدا شكورا) (1).

أي أنّه لو لم أشكر هذه المغفرة،سوف تنهار القواعد الأساسية لهذه المغفرة، فلا بد أن يكون الإنذار هو المسيطر على قلوبنا و قلوب مستمعينا في جميع الأحوال.

طريقنا،طريق شاق و صعب،فعلى الإنسان أن يهييّء نفسه لطيّ هذا الطريق و الوصول الى نهاية المطاف.

إنّ العمل التبليغي،عمل عظيم،و هو عمل حساس و مؤثر،و نحن نرى اليوم بركات الجهود التبليغية التي بذلت في السابق،و إن شاء اللّه سينتفع المجتمع من و بركات هذه الأعمال التبليغية في المستقبل.

إنّ تأثير التبليغ ليس تأثيرا لحاظيا و آنيا،بل بعيد الأمد،فعلى المبّلغ أن لا ييأس عند ما يرى بعض الظواهر التي توحي بأنها ليست من الدين،و إنّ بعض الأوهام القاضية بابتعاد الشباب عن الدين هو ضرب من الحرب النفسيّة،فإنّ واقع القضية هي على خلاف هذه الأوهام؛لأن شبابنا متعلقون بالدين و قلوبهم متعطشة للنهل من حقائق الدين،و كل شاب سليم الفطرة و السليقة كذلك،فليس الأمر محصور في بلدنا.

إنّ الأرضية هنا مهيأة-و لله الحمد-فشبابنا عطاشى و مشتاقون للنهل من الدين،و لا بد من إرواء رغباتهم الروحية،و إشباعها من الحقائق الدينية.

إنّ ثمار هذا التبليغ سوف تأتي أكلها،و سوف يجني المجتمع ثمار هذه الأعمال التبليغية في المستقبل (2).4.

ص: 54


1- الإحتجاج:326/1.
2- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:294.

الروح الحسينية عند الشباب

إن قضية الشباب لا بد أن تتحول في بلادنا إلى قضية وطنية،و أن على الجميع أن يشعروا بالمسؤولية أزاءها،سواء الحكومة أو علماء الدين أو قوات التعبئة أو المؤسسات الرياضية أو الإذاعة و التلفزيون أو الأجهزة التي تستطيع الاضطلاع بدور ما فيما يخص الشباب؛فكل هؤلاء على وجه الخصوص يجدر بهم أن يحسوا بالمسؤولية تجاه قضايا الشباب في هذا البلد.و إنني أريد أن أوصل هذه الرسالة إلى مسامع كافة المسؤولين،و هي أن يعتبروا قضايا الشباب و متطلباتهم و مستقبلهم و التخطيط من أجلهم مسألة جدية و من الدرجة الأولى،و لا يمكن تجاهلها.

و ربما يقال الكثير باستمرار حول الشباب-الذين هم أمل الأمة و مستقبل البلاد- و كله يتسم بالصحة،لكنه يتسم أيضا بالتكرار،و لذا فإنني لا أريد إضاعة الوقت فيما قيل،بل أريد الدخول مباشرة في أصل الموضوع.

إنّ الشباب ظاهرة متألقة و فصل فريد لا نظير له في حياة كل إنسان؛و كلما حظيت قضايا الشباب بالعناية الضرورية كما ينبغي لها في بلد ما،حقق هذا البلد نجاحا كبيرا على طريق الرقي و التقدم.

و يزداد هذا الموضوع أهمية عند ما يكون الأمر متعلقا ببلد كبلدنا حيث تشكل فئة الشباب الغالبية العظمى من مجموع السكان.

ص: 55

مسؤولياتنا أزاء الشباب

ينبغي علينا القول بأن الشباب-هذه المرحلة المتألّقة و المزدهرة-مرحلة تنطوي على نتائج باقية و آثار طويلة الأمد في كل حياة الإنسان رغم قصر هذه المرحلة و انقطاعها.

إنّ مرحلة الشباب تبدأ عند البلوغ؛و أحب هنا أن أنظر إلى الموضوع من منظار الشباب حتى يتذكر الآباء و الأمهات و المسؤولون تلك المرحلة التي شبّوا في أجوائها يوما ما.

إن للشباب ميولا و أهدافا في فترة شبابه يهفو إلى تحقيقها و لا سيما في مستهل تلك المرحلة:

فأولا،و لأنه يمر بمرحلة تكوين شخصيته الجديدة،فإنه يبحث عن الاعتراف بهذه الشخصية الجديدة،و هو ما لا يحدث غالبا،و كأن الوالدين لا يعترفان بشخصية الشباب الجديدة هذه.

و ثانيا،فإن لكل شاب مشاعر و أحلاما،و يتميز بالنمو الجسمي و الروحي،و قد وضع قدمه في دنيا جديدة يبقى المحيطون به من أفراد الأسرة و المجتمع بعيدين عنها في العادة،أو أنهم يتجاهلونها،و لهذا يشعر الشباب بالوحدة و الاغتراب في حياته.

و إن بودّي أن يهتم الكبار بهذه الأمور و يستمعوا إليها و يتذكّروا مرحلة شبابهم.

ص: 56

و ثالثا،فإن الشاب-سواء إبّان البلوغ أو بعده-يصطدم في مرحلة شبابه بأمور كثيرة لا يعرف شيئا عنها و تستجد في حياته قضايا جديدة و مثيرة للتساؤل،كما ترد على ذهنه شبهات و علامات استفهام يتوق لمعرفة الجواب عنها،و قد يأتي هذا الجواب في أحيان كثيرة بما لا يرضيه و لا يقنعه،و لهذا يحس بالفراغ و الغموض.

و رابعا،فإن الشاب يشعر بطاقات هائلة كامنة في وجوده،سواء من الناحية الجسدية أو الفكرية و الذهنية،و إن هذه الطاقات في الحقيقة باستطاعتها خلق المعجزات و تحريك الجبال،و لكن الشباب يشعر بأن هذه الطاقات الهائلة تذهب هدرا بلا فائدة.

و عندئذ يقع نهب الإحساس بالإهمال و عدم الجدوى.

و خامسا،فإن الشاب في مرحلة شبابه يواجه لأول مرة دنيا كبيرة لم يجربها و لم يعرفها بعد و لا يدري ماذا يفعل أمام ما يطرأ عليه من أحداث الحياة،فيحس بالحاجة إلى إرشاد و عون فكري لا يتوفر عليه الوالدان غالبا بسبب انشغالهما بشؤونهما في الحياة.

كما أنّ المراكز المسؤولة عن مثل هذا الأمر غالبا ما تكون غائبة عند ما يكون حضورها ضروريا و عند الحاجة،فلا يحصل الشاب على هذه الإعانة و يشعر بالتالي بانعدام السند و المعين.و غالبا ما تكون كل هذه المشاعر مسيطرة على شبابنا؛فمن ناحية نجد الشعور بالوحدة،و من ناحية أخرى الشعور بافتقاد السند، و من ناحية ثالثة الشعور بالطاقات الهائلة التي تذهب هباء.

إن وجود مثل هذه المشاعر يلقي بالمسؤولية على عاتق الجميع،و لا سيما الحكومة و علماء الدين و الإذاعة و التلفزيون و قوات التعبئة و المؤسسة الرياضية و المؤسسات و المراكز الثقافية؛فهؤلاء يتحملون مسؤولية كبرى أزاء جيل الشباب و لا سيما في بلد كبلدنا التي يمثل فيها الشباب الغالبية العظمى من حيث

ص: 57

العدد،و التي يتمتع فيها بالإيمان من الناحية الروحية و يمتاز بالإستعداد من حيث التوفر على الإنجازات الكبرى،

و أمّا من حيث الخلاقية فيشكلون فئة كبرى على قدر عظيم من الطاقة و الخلاقية.

و إن هذا الإستعداد و هذا العدد الهائل و هذه الإمكانات بوسعها منح بلد كإيران دفعة قوية على طريق التكامل و الرفعة و الرقي.

إنّ البعض يتخذون أحكاما خاطئة و انحرافية بشكل كبير على جيل الشباب في إيران من الناحية العقائدية و الدينية.و لكنني أعتقد،و طبقا للدراسات التي تمّت بهذا الصدد،بأن الشباب الإيراني شباب مؤمن و شريف و عفيف ولديه كفاءات دينية هائلة،و أنه يميل إلى النواحي المعنوية أكثر من المادية.فإن ما نتوقعه من الشباب يختلف تماما عما نتوقعه من الكبار الناضجين؛فالشباب الإيراني-ذكورا و إناثا- لديه طاقات روحية و معنوية و ذهنية و دينية هائلة،و هو ما يجعل عبئا كبيرا من المسؤولية يقع على عاتق المسؤولين.

و في الحقيقة فإنه ينبغي عليّ الاعتراف بأن هناك اهتماما بالغا-و لحسن الحظ- توليه المراكز المختصة لقضايا الشباب اليوم من قبيل المركز الوطني و منظمة الشباب فضلا عن المراكز التي انتظم الشباب في إطارها منذ بداية الثورة في مجالات الإعمار و البناء كقوات التعبئة،و كذلك مراكز التربية و التعليم الحكومية، و إن كنت مازلت أتوقع الكثير من هذه المراكز.

إنني آمل أن تتحول قضية الشباب و الاهتمام بشؤونهم و التخطيط من أجل إرشادهم على ما ينبغي و تمهيد الطريق أمامهم نحو الرقي و التكامل،إلى قضية وطنية و حقيقة و أن يشعر الجميع بالمسؤولية حيالها.

ص: 58

رأي الإسلام حول الشباب

إنّ رأي الإسلام حول الشباب ينطبق تماما مع ما نراه اليوم بالنسبة للشباب و ما نرجوه منهم و لهم.و لقد أوصى الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله بالشباب،و كان يحبهم و يستخدم طاقاتهم في الإنجازات الكبرى.و كان أبرزهم أمير المؤمنين،فلا تنظروا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام كشخصية في الأربعينات أو الخمسينات أو الستينات من عمره فحسب،بل إنه شخصية متألقة أيضا في شبابه و يمثل نموذجا خالدا يجدر بالشباب جميعا أن يجعلوه أسوة لهم؛ففي مرحلة شبابه في مكة كان عنصرا مضحّيا و ذكيّا و نشيطا و شجاعا و مقداما و كان يزيل العقبات العسيرة من أمام الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله في كل المجالات و يعرّض نفسه للمخاطر و يقوم بأشقّ الأعمال،و قد فدى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله بنفسه ليلة هجرته إلى المدينة المنورة،و كان قائدا لجيشه بعد الهجرة و زعيما للمجموعات النشطة و عالما و واعيا و شهما و متسامحا،و كان جنديّا شجاعا و قائدا مقداما في عرصات القتال،كما كال كفوءا في مجال الحكومة و شابّا متقدما بمعنى الكلمة على صعيد القضايا الإجتماعية.

و لم يكن الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله يستفيد فقط من شخص مثل عليّ،بل إنه كان يستفيد من فئة الشباب و الطاقات الشابة بقدر الاستطاعة في فترة حكومته البالغة عشرة أعوام و بضعة أشهر.

لقد ألقى الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله بإحدى المسؤوليات الكبرى على عاتق شاب في الثامنة عشرة من عمره في لحظة من أشد لحظات حياته حساسية؛فالرسول صلّى اللّه عليه و اله كان يتولّى أمر القيادة في الحروب،و لكنه أثناء الأسبوع الأخير من حياته و عند ما

ص: 59

شعر بقرب رحيله عن هذه الدنيا و ليس بوسعه قيادة الجيش الذي وجّهه إلى الأمبراطورية الرومانية-لما في هذا الأمر العظيم من مشقّة،و كان من اللازم إسناده إلى طاقة قوية لا تثني عزيمتها العقبات-فإنه أسند هذه المسؤولية إلى شاب في الثامنة عشرة من عمره.

و كان بإمكان الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله إسناد هذه المسؤولية إلى رجل في الخمسين أو الستين من عمره من أصحاب التجارب في الحروب و الجبهات و لكنه اختار لذلك شابّا في الثامنة عشرة من عمره هو"أسامة بن زيد".

كما كان الدافع إلى ذلك أيضا هو الإيمان و أن والد أسامة كان من الشهداء.

فالرسول صلّى اللّه عليه و اله بعث أسامة على رأس البعث الذي كان على رأسه والده"زيد بن حارثة"منذ عامين و الذي استشهد أيضا في تلك المنطقة.

و كان هذا البعث الذي ترأسه أسامة بأمر من الرسول صلّى اللّه عليه و اله بعثا عظيما و جيشا جرّارا يضم كبار الصحابة من الشيوخ و القادة ذوي التجارب،في حين كان أسامة شابّا في الثامنة عشرة.

و قد قال له الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله سأبعثك إلى تلك الأرض التي استشهد فيها أبوك-أي"مؤتة"التي كانت جزءا من الأمبراطورية الرومانية حينذاك،و تقع الآن في أرض الشام-لتعسكر هناك،ثم أصدر إليه أوامر القتال.و كذا كانت طاقة الشباب على هذا القدر من الأهمية لدى الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله.

إن لدينا اليوم في بلادنا الكثيرين من أمثال أسامة بن زيد،و عند نا جموع كبيرة من الفتيان و الشبان ذوي الكفاءة في الميادين المختلفة من درس و سياسة و نشاطات اجتماعية و مكافحة الفقر و إنجاز مشاريع الإعمار و البناء و في كل ما يكلّفون به من تنفيذ المشاريع المختلفة،فهم دائما على أهبة الاستعداد بما يتمتعون به من نشاط،و هذا وضع بالغ الأهمية بالنسبة لهذا البلد.

إن هذا الجيل يشبه ذلك الجيل الذي أنجز لهذا البلد عملا عظيما بكل قوة و نجاح

ص: 60

متمثّلا في تجربة الحرب المفروضة.و إنه لمن المناسب أن تعلموا-أيّها الإخوة و الأخوات الأعزاء-بأنه عند ما تأسس الحرس الثوري فقد كان معظم أفراده من الشباب و الطلائع،و إن كل من يعدّون اليوم من قادة الحرس ولديهم أرفع الأوسمة كانوا حينذاك إما طبة في الجامعات أو من المتخرجين حديثا أو حتى من الذين لم يدخلوا الجامعات بعد...إن قائد الحرس الثوري الذي أدار دفّة القتال خلال أعوام طويلة كان في حوالي السادسة و العشرين من عمره عند ما نصّبه الإمام(رض) قائدا في ذلك الوقت!لقد استفادت الثورة من هذه التجربة مرة أخرى و استطاعت إثبات دور الشباب العظيم و البناء.

و هذا ما كنت أتمنى أن يهتم به الكبار و المسؤولون،أي النظر إلى الشباب من وجهة نظر الشباب و الاطلاع على آمال الشباب و تطلعاته و مشاعره و إدراك واجبهم الحقيقي أزاء هذه التطلعات و الآمال.

إن على كافة الأجهزة المسؤولة؛الحكومية منها و غير الحكومية،و الإذاعة و التلفزيون،و الوزارات المعنية بالشباب كالتربية و التعليم و الجامعات، و المؤسسات الرياضية و الخاصة بالشباب،و التعبئة،و علماء الدين،و مؤسسات تبليغ الدين و نشره،أن تشعر جميعا بأنها مسؤولة أزاء هذه الأجيال و حيال كل هذه الاستعدادات و الطاقات الهائلة (1).9.

ص: 61


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:299.

الفكر الإسلامي شامل لكل عوامل التكامل الإنساني

قال السيد الخامنئي:إنّ من خصائص الدين الإسلامي المقدّس-على الأخص الفكر الشيعي الذي يمتاز بعدة أمور-احتواؤه على جميع العوامل الضرورية لتكامل الفرد و المجتمع الإنساني؛و هذا شيء مهم جدّا.فقد تعرض على البشر ثقافة أو حضارة أو عقيدة،و التي قد تحتوي على نقاط إيجابية تؤدي إلى تفجير الطاقات الكامنة عند البشر و تحريك قابلياتهم فيعملون و يبدعون و يبنون و يستثمرون و يعمّرون العالم،إلاّ أنّ في هذه العقيدة خلل يؤدي بالناس الذين حصلوا على منافع هذه العقيدة إلى التعرض لمختلف الأضرار و الصعاب،و أحيانا تكون الأضرار أكبر من المنافع.

المثال البارز على ذلك التفكير الغربي الراهن و الثقافة الرأسمالية و الحرية الفردية و العلمانية الشائعة في الغرب.و عليكم يا من تبلّغون الدين و القرآن أن تدقّقوا في هذه الامور كثيرا.

و حينما نذكر الثقافة الغربية لا نقول إنّها فاسدة و منحطة من ألفها إلى يائها،و قد قرأتم كلامي حول الغرب و الغزو الثقافي (1)و...و ذلك لا يعني أنّ ثقافة الغرب بأجمعها فاسدة و قبيحة،و إلاّ لرفضتها الشعوب الغربية نفسها و لما تحملتها منذ البداية،بل هناك بعض المواطن الإيجابية في هذه الثقافة،قد خدعت الناس و بهرتهم و جذبتهم إليها.

ص: 62


1- في كتاب حاكميّة الإسلام.

و المثال البارز لهذه المجتمعات يرى بوضوح في المجتمع الأمريكي،فهناك توجد ثقافة الغرب الرأسمالية و ما يدعوه الغربيون أنفسهم بالليبرالية،كما توجد في هذه الثقافة و هذه الحضارة و ما يسمّونه بالأيديولوجية أمور إيجابية،فهي تدعو الناس إلى السعي و العمل و مراعاة الدقة في الوقت و الطاقات الإنسانية.

و لكن ما هي نتيجة هذه الثقافة بما فيها من الإيجابيات؟النتيجة هي ظهور مجتمع غنيّ بالثروة و التطور و العلم و التكنولوجيا و هي الامور التي بهرت أعين الشعوب الغربية و مفكّريها و ارتضاها الجميع منذ قرنين أو ثلاثة-سواء في أمريكا أو أوروبا-و أعجبهم هذا الأسلوب المعيشي و هذه العقيدة و الثقافة و هذه الأفكار، و لكن لم تتوفر في هذه الثقافة عوامل الحفاظ على التكامل الحقيقي للإنسان فقد أغفلها هؤلاء و لم يلتفتوا إليها.

فمثلا لو صنعتم خزّانا للمياه لتوفّروا للناس المياه الصالحة للشرب و أحكمتم جدران هذا الخزّان و سددتم جميع نوافذه و تركتم منفذا واحدا لدخول الماء فيه و أحكمتم هذا كله و لم يبق لديكم قلق من هذه الناحية،إلاّ أنكم لم تلتفتوا إلى أنّ هذا الماء سيتسمم بسبب مجاورته لمعدن أو مادة معينة.أجل،سيتجمّع الماء و سيكون باردا زلالا،و سيشعر الإنسان باللذة حينما يشربه إلاّ أنّه ملوث بالجراثيم و الديدان.فالذي أعدّ هذا الخزّان لم يلتفت إلى هذا الجانب و إنّما التفت إلى جوانب أخرى فقط.

كذلك أغلب العقائد البشرية من هذا القبيل،حتى العقيدة الرأسمالية،فلقد شاهدوا الجوانب التي تحثّ الإنسان على العمل و بذل الجهد و التطور و التكامل المادي و الثروة و العلم و ما إلى ذلك من الأمور-و هي صحيحة-إلاّ أنّهم لم يلاحظوا الجوانب الاخرى.فالمجتمع الذي ترتفع فيه ناطحات السحاب و تزداد فيه الثروات و...و مع ذلك ينتشر فيه الفقر و البؤس بين أناس كثيرين و فيه من يموت جوعا و فيه الإضطهاد،و الأسوء من هذا كله الفساد الشامل الذي دخل حتى إلى

ص: 63

منازل الذين بهرتهم هذه الثقافة،فنغّص عليهم حياتهم.

إذن فقد تحوّل هذا إلى شيء ناقص و قبيح.إنّ أهليّة العقيدة هي في توفّرها على جميع العوامل،و إلاّ فعالمية العقيدة جيدة و يمكنها غزو العالم إلاّ أنّها لا تتمكن من الحفاظ عليه،و بإمكانها أن تحافظ على الثروات الطبيعية و لكنها لا تستطيع أن تحافظ على الطاقات الإنسانية،و بإمكانها أن تحرز تقدما ماديا إلاّ أنّها لا تحرز تقدما معنويا،و بإمكانها إقرار المساواة بين الناس-كالعقيدة الشيوعية-و لكنها لا تتمكن من القضاء على العنصرية و التمييز الطبقي بين الطبقات الراقية.لقد عمد الشيوعيون إلى تخصيص المؤن و قضوا على الثروات الخاصة ليتساوى الناس! فالذي كان ثريا انتكس و تساوى الجميع،أي غدا الناس فقراء بأجمعهم،و في موضع آخر قضوا على الأغنياء لينتفع الفقراء،و على كل حال هم يدّعون اليوم أنهم ساووا بين الطبقات الفقيرة.

إنّ ميزة الإسلام إنّما هي في اشتماله على جميع عوامل التكامل الإنساني المادي أو المعنوي،ففي الإسلام هناك: خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً (1)و قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ (2).

و الإستفادة من الثروات الماديّة و العمل و السعي،و تقبيل الرسول صلّى اللّه عليه و اله يد العامل،و عمل أمير المؤمنين عليه السلام،و هذا كله يشير إلى شيء،و كذلك فيه هذه الحقيقة و هي أنّ الذي لا يعمل لا يستجاب دعاؤه،فقد حبس البعض أنفسهم في البيوت تمسكا بقوله تعالى: وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (3).

فقال النبي صلّى اللّه عليه و اله:إنّ اللّه سوف لا يستجيب أيّ دعاء لكم،لماذا؟ليتّجه المجتمع3.

ص: 64


1- سورة البقرة:29.
2- سورة الأعراف:32.
3- سورة الطلاق:3.

نحو التنمية و البناء.

كما أنّ الإسلام يدعو أيضا إلى التكامل المعنوي و يحثّ على زيارة بيت اللّه:

قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ (1) ، وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (2).

فلا قيمة لحياة الإنسان الروحية و المعنوية إلاّ بالاتصال باللّه،فبمجرد أن تغفلوا عن اللّه فسيفقد هذا القلب حيويته و ستموت هذه الروح،و إذا تذكر عاد القلب إلى حيويته،و إذا طال أمدها ستتحول إلى جماد.هذا ما يقوله لنا الإسلام و آيات القرآن: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ (3)، أَلا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (4).

هذا موجود في الإسلام الذي يدعو في الوقت نفسه إلى اكتشاف الثروات الطبيعية و إعمار الدنيا و الإمساك بالمعدات المادية و تسليح الذهن بالعلم و التعرف على الدنيا و الطبيعة و المادة و الثروات و اكتشافها و استثمارها-لأنّها تعود إليهم- و في الوقت نفسه يأمر الإسلام بإنجاز هذه الامور قربة إلى اللّه،و عدم إغفال ذكر اللّه،و امتثال هذه الامور بشكل عبادي،أي أنّ الإسلام يجمع بين السعي و الإعمار المادي و بين الإعمار المعنوي.

لذا فإنّ الذي كان في الإسلام يسعى وراء الإعمار المادي هو أيضا(أزهد خلق اللّه).

فأمير المؤمنين عليه الصلاة و السلام الذي يحفر القناة بيده حتى يخرج الماء منها كما يخرج الدم من منحر البعير،يخرج بثوبه الذي علاه الوحل و يجلس على حافة البئر و يأخذ صحيفة ليكتب عليها:(أوقفت هذه البئر و تصدّقت بها على8.

ص: 65


1- سورة الفرقان:77.
2- سورة غافر:60.
3- سورة الحديد:16.
4- سورة الرعد:28.

الفقراء)،أي أنّه يعمّر الأرض و ينفقها لوجه اللّه،فهو أكثر الناس إنفاقا و إصلاحا، كما أنّه من الناحية المعنوية الأعلى و الأسمى.و قد جمع الإسلام بين هذين الأمرين (1).3.

ص: 66


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:303.

الأمر بالمعروف و بقاء الإسلام

تدبّروا عوامل بقاء الإسلام،فأحد عوامل البقاء قضية عاشوراء و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

ففي كل مجتمع ينشأ فساد إذ لا يخلو مجتمع بشري منه،فكيف يمكن القضاء على هذا الفساد؟البعض ما إن تقع عينه على الفساد حتى يقول:إذن أين المسؤولون حتى يقضوا على الفساد!طبعا ما يرى من الفساد بالعين أقل غالبا بكثير من المفاسد التي لا يمكن مشاهدتها ممّا يحصل في الأزقة و الطرق العامة و الأسواق و لا يعرفها إلا المطّلعون،لكن هذا البعض ما إن يرى هذا المقدار البسيط حتى يبحث عن المسؤولين!كلا،على المجتمع أن يطوي و يزيل الفساد الذي في داخله كما تصنع تيّارات الماء الهدّارة.

تدبّروا أنهار العالم العظيمة تجدون أن تيّاراتها الهدّارة تطوي كل ما يلقى فيها من الأدران و الأقذار و تبدّلها إلى مواد حيوية فيطهر الماء.

فعلى المجتمع أن يكون كذلك و أن يصل إلى المستوى الذي يقضي فيه حتى على قطرة الفساد الواحدة.

ص: 67

طريق التكامل بالأمر بالمعروف

كيف يتم ذلك؟

بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الدعوة إلى الخير،فقد ورد في القرآن:

اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ (1) ،و الحكمة هي الفكرة المحكمة التي تمتع بها الأنبياء عليهم السّلام و أختص بها العباد المخلصون و الصالحون،و التي لا يمكن لشتىّ السبل العقلية أن تفنّدها،و لا يمكن لأي استدلال أو تجربة أن تبطلها.

أنظروا إلى مواطن الحكمة في القرآن: ذلِكَ مِمّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ (2)، فهي أمور لا يمكن للإنسان ردّها مهما بلغ سعيه و إلى الأبد،فليس بإمكان أي مغرض أو منكر أو معاند أن يردّها،فالحكمة من أحكم الأفكار التي تترجم و تشرح.

و الحكماء يعرّفون الحكمة بأنّها:«صيرورة الإنسان عالما عقليا مضاهيا للعالم العيني»،أي أنّ هذه الأفكار من الظهور و الإحكام بحيث لا تقبل التشكيك و قد تشرّبت في روحه فغدا عالما يمكن مشاهدة الكون و الوجود و العالم بأجمعه في وجوده و كلامه و إشاراته و سلوكه.

هذه هي الحكمة،و عندها اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (3)أي أنّ هذه الامور هي مقومات الخلود التي أدّت إلى بقاء الفكر

ص: 68


1- سورة النحل:25.
2- سورة الإسراء:39.
3- سورة النحل:25.

الإسلامي إلى الآن.

على علماء الدين أن يدركوا أنّ النظام و المجتمع الإسلامي إذا تمكّن من صقل نفسه بالشكل الذي أراده الإسلام و أوجد في داخله هذه العوامل فسوف لا يمكن لأي قوة في العالم-سواء المادية أو العسكرية-أن تواجهه.

هدّدونا لثمان سنوات و نفّذوا تهديدهم أيضا،فأيّ حماقة تمكّن عملاء الاستكبار من ارتكابها بحق هذه البلاد حتى يغدو بإمكانهم ارتكابها بعد هذا اليوم؟ إنّ الاستكبار حاليا قد استنفر خيله و رجله ليتمكن من خلال الفكر و الثقافة و السبل العلمية أن يزعزع أسس التفكير الإسلامي و سوف يفشل في هذا المجال أيضا،إذ كيف يمكنه بلوغ ذلك؟!.

طبعا إنّما لا يمكنه ذلك فيما إذا عملتم بما يريده الإسلام: اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ

و عندها سوف لا يتمكّن حتى من خلال وسائل و آلات الفساد المنتشرة في العالم كالأفلام و الأشرطة و الكلام البذيء و القصائد و القصص الرخيصة من بلوغ أهدافه،إنّ العدو يرسل هذه الأشياء إلى بلادنا و يوزّعها بين الفتيان و الشباب و الناس العاديين أو يبثها بواسطة الأقمار الصناعية-و هي حقّا مستنقع للفساد-

إلاّ أنّ هذه الأقمار التي يستهدفون بها الشعوب و البلدان سوف لا يمكنها إحداث أدنى تأثير في المجتمع إذا تحقق ما قلته إذ أنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الأمور الأخرى سوف لا تترك للعدو فرصة للإنتصار.

لذا فإنّ المجتمع الإسلامي مجتمع خالد،و هذا هو معنى قوله تعالى: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ (1)و وَ لَيَنْصُرَنَّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ (2)،و هذه ليست0.

ص: 69


1- سورة الحجر:9.
2- سورة الحج:40.

مجاملات من قبل اللّه معنا،كما إنّ هذا هو معنى قوله: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا (1).

فلتعربد القوى العظمى في العالم ضد الإسلام و نظام الجمهورية الإسلامية و تتّهمنا،فإنّ هذا البناء بناء محكم و ستتكسر قرون كل من تسوّل له نفسه مناطحته،و هذا هو شأن جميع عوامل البقاء و الحياة في النظام الإسلامي.

إنّ ما تشاهدونه أحيانا من امتعاض البعض من الأعمال الدينية و الشعائر الإسلامية فيقول:لقد أبر متمونا بكثرة ما تتحدثون عن القيم الإسلامية فإنّه في الواقع إنّما يكرر كلمات الأعداء،أي أنّ الأعداء لا يريدون تطبيق الإسلام بشكل كامل؛لأنّ الإسلام إذا طبّق بشكل كامل فسوف لا يمكنهم إلحاق الضرر به،فلابدّ من إضعافه و الحيلولة دون تنفيذ بعض جوانبه كالقصاص أو القوانين الجزائية حتى يمكنهم الإضرار به.

و من هنا تتضح مسؤولية علماء الدين و المبلّغين،الذين-بحمد اللّه-يدركون واجباتهم بشكل جيد و لا نريد إرشادهم إليها فإنّهم أعرف بها،لكن إنّما نذكّر.

و ليعلم الشباب و الحديثي العهد بهذا الطريق أنّ هذا الطريق طريق مبارك لا يقبل الهزيمة،و قد توفّرت فيه جميع مستلزمات البقاء بحكمة اللّه.

فهنا موطن(جهاد)لصدّ العدو،و هنا أيضا موطن للتعايش بسلام في داخل البلاد(رحماء بينهم).

و هنا أيضا إقامة لعلاقات الصداقة مع الدول و شعوب العالم لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ... أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ (2).

و هنا أيضا جهاد ضد إسرائيل و أمريكا إِنَّما يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي8.

ص: 70


1- سورة العنكبوت:69.
2- سورة الممتحنة:8.

اَلدِّينِ (1) .

فهنا الدنيا و الآخرة،فإنّك تجد الحفاظ على القيم بدقة،و تجد السعي وراء الإعمار و بناء العالم المطلوب و اكتشاف ثروات هذه الطبيعة بالأيدي الكفوءة، و ترى مشاعر الناس و أحاسيسهم،و ترى الدعم الإلهي،و تشاهد العمل و التوكل، و عندها يتضح معنى هذه الآية: وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ (2)،فإن توفرت هذه الامور معا فعندها سوف لا يمكن لأيّ شخص أن يلحق الضرر بالمجتمع.

لقد مضت سبع عشرة سنة على انتصار الثورة الإسلامية،و في هذه المدة أي شيء كان بإمكان الأعداء فعله و لم يفعلوه،فأعداؤنا فعلوا كل ما يقدرون عليه.نعم لم يفعلوا بعض الامور لعدم تمكّنهم منها لوجود العقبات من قبيل الرأي العام العالمي و الخوف و....؛لذا فإنّهم قد ارتكبوا كل ما أمكنهم أن يرتكبوه بحق هذا الشعب،و لكن في الوقت نفسه تشاهدون أننا-بحمد اللّه-متقدمون في مجال الإعمار و السياسة الدولية.

إنّ هذا ما أنجزه الدين و الاستقلال،إنّ الشعب الإيراني قد أنجز هذه الأعمال في الوقت الذي عادته أمريكا و حلفاؤها!

يدّعي البعض أنّ الذي يخاصم أمريكا لا يمكنه إنجاز شيء!إذا كان الأمر كذلك فما هذا الذي أنجزناه؟فقد أنجزنا كثيرا من الأمور العلميّة و غيرها في الوقت الذي تعطّشت فيه أمريكا إلى دمائنا،و في الوقت الذي شهر فيه عملاء أمريكا-في أوروبا و آسيا و أفريقيا-السلاح ضدنا،بعضهم من الأمام و بعضهم من الخلف،و لكن مع ذلك أنجزنا كل هذه الأعمال.3.

ص: 71


1- سورة الممتحنة:9.
2- سورة الطلاق:3.

إذن فليعوا و ليعتبروا و لا يتصوّروا أنّ إعمار هذه البلاد و تقدّمها موقوف على طرقنا لأبواب أعداء اللّه أمريكا و غيرها،فلو إنّنا طرقنا أبوابهم لما حصلنا على هذا المقدار من التقدم كما لا حظتم ذلك في عهد نظام الشاه،فقد أضاعت هذه البلاد حتى ما كانت تمتلكه،فقد أضاعت الزراعة،كما أنها لم تكن تمتلك الصناعة و لم تحصل عليها و إنّما الذي أدخلوه كان صناعة تجميعية و هي الاخرى كانت مزيّفة،فقد افتقرت إلى كل شيء.

نعم في عهدهم أدخلوا شتى أنواع المفاسد و الفواحش و أصناف المسكرات و الحانات و النزهات غير المشروعة و أمثالها،و أقاموا العلاقات مع أعداء الشعب و البلاد الذين أرادوا السيطرة على بلادنا و لم يريدوا إقامة علاقات الصداقة معنا، و إنّما أرادوا مصادرة هذه البلاد لصالحهم،و إنّ إقامة العلاقات معهم لم تعد بالنفع على هذا الشعب و لم يجن منها سوى الأضرار.

إنّنا بحمد اللّه تمكنّا في هذه السنوات تحت ظل العزلة و الابتعاد عن هؤلاء من الحصول على كل ما تشاهدونه من التقدم و الإعمار و التطوّر،و إنّ ما حصل في هذه البلاد قد أنجزه المؤمنون-فغير المؤمنين و الذين لا ينتمون إلى حزب اللّه يتكلّمون و لا يقدّمون شيئا يذكر إلى الوطن-فأكثر هذه الأعمال أنجزها المؤمنون و أفراد حزب اللّه و المهندسون المؤمنون بالثورة و الناشطون و المدراء المخلصون للثورة و أبناء الثورة أنفسهم،أمّا الآخرون فلم يقدّموا لنا أي معونة أو خدمة.

فعلى علماء الدين المحترمين و المبلّغين الأعزاء أن يوضّحوا للناس-في شهر محرّم العظيم-هذه الأبعاد المختلفة و يعلّمونهم بأنّ الدنيا و الآخرة تنال تحت ظل الدين،و أنّ الارتباط بالإمام الحسين عليه السلام و استيعاب معنى الشهادة يدعم حياة الإنسان المادية و المعنوية.

و إذا فهم الشعب معنى الشهادة و تعرّف كيف يمكن التضحية بالأرواح في سبيل الأهداف عندها سيتمكّن من العيش باستقلال و لا ينتابه قلق؛لأنّ الموت

ص: 72

سوف لا يشكّل عقبة أمامه،و إلاّ فإنّ العدو سيخوّفه بالموت و يغدو مصيره كمصير بعض الدول و الشعوب التي تتخاذل أمام الأعداء (1).9.

ص: 73


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:309.

تبليغ زينب و السجاد رسالة الحسين عليه السلام

فنفس القيمة التي تمتلكها تضحية الحسين عليه السّلام عند الله تبارك و تعالى و نفس الدور الذي لعبته في تأجيج نهضته تملكها-أو تقاربها-خطب الإمام السجاد عليه السّلام و زينب عليها السّلام أيضا..فتأثيرها يقرب من أن يعادل تأثير تضحية الحسين عليه السّلام بدمه.

لقد أفهمنا سيد الشهداء عليه السّلام و أهل بيته و أصحابه أنّ على النساء و الرجال ألاّ يخافوا في مواجهة حكومة الجور.

فقد وقفت زينب(سلام الله عليها)في مقابل يزيد-و في مجلسه-و صرخت بوجهه و أهانته و أشبعته تحقيرا لم يتعرض له جميع بني أمية طرا في حياتهم.كما أنها(عليها السلام)و السجاد عليه السّلام تحدثا و خطبا في الناس أثناء الطريق و في الكوفة و الشام،فقد ارتقى الإمام السجاد(سلام الله عليه)المنبر و أوضح حقيقة القضية و أكد أن الأمر ليس قياما لأتباع الباطل بوجه أتباع الحق،و أشار إلى أن الأعداء قد شوّهوا سمعتهم و حاولوا أن يتّهموا الحسين عليه السّلام بالخروج على الحكومة القائمة و على خليفة رسول اللّه!لقد أعلن الإمام السجاد عليه السّلام الحقيقة بصراحة على رؤوس الأشهاد،و هكذا فعلت زينب عليه السّلام أيضا.

و هكذا هو الأمر اليوم في بلدنا،فسيد الشهداء عليه السّلام قد حدد تكليفنا،فلا تخشوا من قلة العدد و لا من الاستشهاد في ميدان الحرب،فكلما عظم هدف الإنسان و سمت غايته كان عليه أن يتحمّل المشاق أكثر بنفس النسبة،فنحن لم ندرك بعد جيدا حجم الإنتصار الذي حققناه،و سيدرك العالم فيما بعد عظمة النصر الذي

ص: 74

حققه الشعب الإيراني (1).

السلام عليك يا أبا عبد اللّه الحسين و على الأرواح التي حلّت بفنائك..عليك مني سلام اللّه أبدا ما بقيت و بقي الليل و النهار و لا جعله اللّه آخر العهد منّي لزيارتك..

السلام على الحسين و على علي بن الحسين و على أولاد الحسين و على أصحاب الحسين (2).5.

ص: 75


1- كتاب نهضة عاشوراء،ص 23.
2- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:315.

آثار الخطابات الحسينية

قال الإمام الخميني (1):إن الخطابة الحسينية(المجالس الحسينية)تحفظ مدرسة سيد الشهداء عليه السّلام و منهجه،و الذين يقولون:دعوها،لا يفهمون-أساسا- ما هو منهج الحسين عليه السّلام و لا يدركون أن هذه المجالس و هذا البكاء قد حفظ الإسلام،منذ ألف و أربعمائة سنة.نعم،إن هذه المنابر و هذه المجالس و التعازي و مواكب اللّطم هي التي حفظت لنا الإسلام.

إن تلك الفئة من الشبان ممن لا يملكون نيّة سوء يتصورون أن علينا بعد الآن أن نتكلم بلغة العصر.و الحال أن كلام سيد الشهداء عليه السّلام هو عين الكلام العصري الجديد و سيبقى هكذا دائما.

و أساسا أن سيد الشهداء عليه السّلام هو الذي علّمنا الكلام بلغة العصر و هذه المجالس و المراثي و البكاء و اللّطم هي التي حفظت نهج سيد الشهداء عليه السّلام و قضيته،و لو أراد امرؤ الانفراد في إحدى زوايا غرف منزله و الإكتفاء بقراءة زيارة عاشوراء و استعمال المسبحة لما بقي شي.

كل مذهب و كل مدرسة بحاجة إلى اهتمام شعبي و احتضان و التفاف بأمثال هذه المراسم:مراسم اللّطم و البكاء و لو لم تكن موجودة لما أمكن أن يحفظ هذا المذهب و يصان.و الذين لا يفهمون هذه الحقيقة مخطئون و جهلة،فهم لا يعلمون ما هو دور العلماء و الخطباء في الإسلام و لربما كان بعضكم أيضا لا يعلم ذلك جيدا.

ص: 76


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

إن دورهم هو الذي حفظ الإسلام دائما،كالزهرة التي تروى بالماء الذي تسقى به باستمرار،فالبكاء على الحسين عليه السّلام و مصائبه هو الذي صان خطّه و حفظ نهجه.

يجب علينا أن نبكي على الشهيد الذي نفقده و نهتم بإحياء ذكره و نقرأ المراثي و نبكي عليه،فالآخرون و عند ما يقتل عضو من أعضائهم هكذا يفعلون،فلو أن أحد الأعضاء الحزبيين قتل لرأيتهم يبكون عليه و يهتفون و يعقدون الاجتماعات و نحن هكذا نريد من خلال عقد التجمعات و الهتافات إحياء نهج سيد الشهداء عليه السّلام لكن هؤلاء غير ملتفتين إلى هذه القضية،فهذا البكاء هو الذي حفظ المذهب،و هذه المآتم هي التي أحيتنا،هذه الأمور هي التي دفعت بنهضتنا إلى الأمام.

و لو لا سيد الشهداء عليه السّلام لما قامت هذه النهضة الإسلامية الحديثة و لما انتصرت،فالحسين عليه السّلام حاضر في كل مكان و آثار نهضته مشهودة(كل أرض كربلاء)و كل المنابر محل لذكر سيد الشهداء عليه السّلام،و كل محراب مصدره سيد الشهداء عليه السّلام.

لقد أنقذ الإمام الحسين عليه السّلام الإسلام،فهل نسكت على مقتل من نهض و أنقذ الإسلام باستشهاده؟علينا أن نبكيه كل يوم و علينا أن نرثيه من على المنبر كل يوم،من أجل حفظ هذا الدين و المحافظة على هذه النهضة،فهي مرهونة و مدينة للإمام الحسين عليه السّلام.

أي انسجام أكثر من هذا؟هل رأيتم شعبا متلاحما منسجما مثل هذا الشعب؟ من الذي حقق لهم هذا الأمر؟سيد الشهداء عليه السّلام هو الذي فعل ذلك.و نحن نلاحظ أن هذه الظاهرة تحصل في بقية البلدان الإسلامية في أيام تاسوعاء و عاشوراء، فتخرج المواكب الحسينية بمنتهى الأبهة،تخرج بنفس المستوى و المضامين في كل مكان،فمن الذي يستطيع إقامة مثل هذه التجمعات؟و في أي مكان من العالم يمكنكم أن تروا أناسا منسجمين مع بعضهم البعض مثل هذا الانسجام.

إذهبوا إلى الهند تلاحظوا ذلك،و انظروا إلى باكستان تروا هذه المواكب،اذهبوا

ص: 77

إلى أندونيسيا تشاهدوا نظيرها،و اذهبوا إلى العراق تلاحظوا ذلك،و كذلك في أفغانستان و غيرها.من الذي نظم هؤلاء و جعلهم ينتظمون هكذا؟عليه لا تفقدوا هذا التلاحم و لا تفرّطوا به.

في هذه المجالس يقام العزاء و تلقى المراثي على شهادة سيد المظلومين،الذي ضحّى بنفسه و بأولاده و أنصاره من أجل رضى اللّه،و بذلك دفع الشبان للتأثر به، و جعلهم يسارعون إلى الجبهات و يتسابقون نحو نيل الشهادة و يفتخرون بها، و إذا حرموا منها حزنوا و تأثروا،و بذلك أيضا ظهرت أمهات يقدّمن أبناءهن شهداء ثم يقلن إننا نملك المزيد من الأولاد و مستعدات لتقديمهم في سبيل اللّه.

إنها مجالس عزاء الحسين عليه السّلام و مجالس الأدعية-كدعاء كميل و غيره-هي التي تبني و تصوغ شخصية هذه الشرائح الاجتماعية هكذا،و الإسلام بنى الأساس هكذا منذ البداية و جعل الأمور تسير بهذا النمط و على هذه البرامج لكي يحقق التقدم.

و الآن ظهرت فئة تقول:كفانا نقيم المجالس و نقرأ المراثي،إنهم لا يعرفون أهميتها و لا يدركون أبعاد و مرامي المواكب و المآتم الحسينية،و لا يعلمون أن ثورتنا هي امتداد لنهضة الحسين عليه السّلام،و تبع لها،و شعاع من أشعتها،هؤلاء لا يعون أن البكاء على الحسين عليه السّلام يعني إحياء نهضته و إحياء قضية نهوض ثلة قليلة بوجه إمبراطورية كبرى.

فالإمام الحسين عليه السّلام ثار و معه فئة قليلة العدد من الأنصار و وقف بوجه إمبراطورية كبرى و قال بصوت عال:لا.فيجب أن تستمر حالة الرفض هذه و أن تبقى،و هذه المآتم و المجالس هدفها أن تدوم هذه ال"لا"كرمز لرفض الظلم.

لا يتصور أبناؤنا و شبابنا أن القضية قضية بكاء لا غير!و إنّنا شعب بكّاء!فهذا ما يريد الآخرون تلقينكم إياه أيها الأخوة كي تتفوهوا به و ترددوه،فهم يخافون هذا البكاء لأنه بكاء على المظلوم،و صرخة بوجه الظالم،و هذه المواكب التي تقام

ص: 78

و تخرج للعزاء تواجه الظلم و تتحدى الظالمين.

في عهد رضا خان كانت العبارة الرائجة التي يرددها الكثيرون هي:(الشعب البكّاء)و ذلك من أجل القضاء على مجالس التعزية.و لهذا فقد بادروا إلى منع إقامة هذه المجالس،و كان منعها على يد شخص كان يرتادها-بادئ الأمر-و يتظاهر بتلك الأعمال (1).

هل كانت القضية قضية منع إقامة مواكب العزاء و حسب،أم أنهم كانوا يرون شيئا آخر و يريدون تدميره يكمن وراء تلك المجالس؟و هل كانت القضية قضية لبس العمامة أو القبعة أم أنها قضية أخرى كانوا يلحظونها فمنعوا لبس العمامة؟

لقد أدرك هؤلاء أن وجود هذه العمامة مضرّ بهم و لا يسمح لهم أن يفعلوا ما يحلو لهم،و أن هذه المجالس ستقوم بعمل ما يمنعهم من القيام بما يريدونه فعند ما يكون الشعب في أيام محرم و صفر صفا واحدا و يتحرك نحو هدف واحد في كل أنحاء البلاد،و حين يتوجه ثلاثون أو خمسة و ثلاثون مليونا في شهري محرم و صفر و خصوصا في أيام عاشوراء،نحو مقصد و اتجاه واحد فبإمكان الخطباء و العلماء أن يعبئوهم و يستثمروا جهودهم لتحقيق قضية معينة.و هذه هي الناحية4.

ص: 79


1- كتب ملك الشعراء بهار:"كان يوم عاشوراء.دخلت مجموعة من القوزاق بقيادة رضا خان(قبل أن يصبح ملكا)إلى السوق بشكل منظم.و كانت بعض الفرق الموسيقية تعزف موسيقى الرثاء و كان معهم حصانا و شوهد رضا خان في مقدمة المجموعة نازعا قبعته و ينثر القش على رأسه...كما دخلت هذه المجموعة من القوزاق إلى السوق ليلة الحادي عشر من المحرم و هم يشعلون الشموع.و كان قائدهم عاري الرأس و حافي القدمين و يمسك بشمعة في يده،ثم دخل مع مجموعته إلى المسجد الجامع مسجد الشيخ عبد الحسين الذي كانت تقام فيه أكبر مجالس العزاء في تلك الأيام و طافوا مرة واحدة حول المجلس.و كشفت هذه التظاهرات أن القائد يهتم بشدة بمقدسات الدين و استمرت هذه التظاهرات لسنتين أو ثلاثة حتى أصبح رئيسا للوزراء.إذ بدأ تدريجيا بمنع مجالس العزاء و اللطم و المواكب،ثم أصبح فيما بعد العدو اللدود للإسلام".انظر تاريخ مختصر أحزاب سياسي ج 1 ص 183-184.

السياسية لهذه المجالس و هي الأهم من بقية النواحي الموجودة فيها.

إنهم يرددون أن هذه المجالس-مجالس العزاء و ذكر مصائب المظلوم و جرائم الظالم-تتصدى للظالمين و تواجههم في كل عصر و مصر.

إنهم لا يعلمون أن هؤلاء يخدمون هذا البلد و الإسلام و على شبابنا أن لا ينخدعوا بتخرصات هؤلاء و ادعاءاتهم-أيها الشبان-إن هؤلاء الذين يلقنونكم بالقول-شعب البكاء!شعب البكاء)أناس خونة.

فأسيادهم و كبراؤهم يخشون هذا البكاء،و الدليل على ذلك أن رضا خان أقدم على منع كل تلك المواكب و المآتم و هو الآخر كان مأمورا بذلك،و الدليل على ذلك أنه عند ما نحّي عن السلطة قالت بريطانيا عبر إذاعة نيو دلهي:"إننا نحن جئنا برضا خان إلى السلطة و نحن أزحناه"و حقا ما قالته بريطانيا.

فقد جاءوا به لقمع الإسلام و كان أحد أساليبه هو منعكم من إقامة هذه المجالس،على شبابنا أن لا يتوهموا بأنهم يقومون بعمل مفيد حينما يدخلون مجلسا و يغادرونه حين يصل الخطيب إلى قراءة المصيبة،قائلين:لا.هذا تصرف خاطئ جدا و ينبغي أن تستمر هذه المجالس و يجب أن تذكر المظالم كي يفهم الناس ماذا جرى و هذا ينبغي أن يجري كل يوم فإن لذلك أبعادا سياسية و اجتماعية.

في المرة الأولى التي اعتقلتني سلطات النظام الملكي و جلبت من قم إلى طهران، كان الجلاوزة يقولون لي أثناء الطريق:أننا عند ما جئنا لإلقاء القبض عليك كنا نخشى أن يطلع على أمرنا أولئك الموجودون في الخيم بمدينة قم فنعجز حينذاك عن القيام بمهمتنا.

و ليس هؤلاء وحدهم يخشون رواد المواكب و المآتم،بل إن القوى الكبرى تخشاهم أيضا،هذه المؤسسات يجتمع لها الناس دون أن يكون وراء ذلك يد تنظم اجتماعهم،ترى الناس يجتمعون في كل أنحاء البلاد المترامية الأطراف في أيام

ص: 80

عاشوراء و خلال شهري محرم و صفر و في شهر رمضان المبارك فإن المجالس و المواكب و المآتم هي التي تجمع الناس.

و إذا كان هناك موضوع فيه خدمة للإسلام و أراد امرؤ أن يتحدث فيه تسنى له ذلك في أنحاء البلد بواسطة هؤلاء الخطباء و أئمة الجمعة و الجماعة و انتشر الموضوع المراد تبليغه للناس مرة واحدة.و لو أرادت القوى الكبرى عقد مثل هذه التجمعات الجماهيرية الكبرى في البلدان التي تحكمها فإن ذلك يحتاج منها إلى أعمال و نشاطات و جهود كبرى تستغرق عدة أيام أو عشرات من الأيام،فمثلا إذا أرادت عقد اجتماع في مدينة من المدن،يضم مائة ألف أو خمسين ألفا فإنها تضطر إلى إنفاق مبالغ طائلة و بذل جهود جبارة لجمع الجماهير و جعلها تصغي لحديث من يريد أن يطرح عليهم قضية معينة.

و لكن انظروا إلى هذه المجالس و المواكب التي تجمع الناس إلى بعضهم بعضا بمجرد أن يحصل أمر يستعدي التجمع و التجمهر،و ليس في مدينة واحدة بل في كل أنحاء البلاد..إنها تجمع كل الفئات و الشرائح و تضم جموع المعزين لسيد الشهداء عليه السّلام دون الحاجة إلى بذل جهود كبرى و إعلام واسع النطاق.

إن الناس يجتمعون بكلمة واحدة تخرج من فم الحسين عليه السّلام.

ص: 81

دور العزاء الحسيني في حفظ العباد و البلاد

قال الإمام الخميني (1):أحيوا عاشوراء فبإحيائه يصان بلدكم من كل سوء.

كل هذه الوحدة،وحدة الكلمة التي كانت أساس انتصارنا مصدرها مجالس العزاء هذه و مجالس التبليغ و ترويج الإسلام.لقد أعدّ سيد المظلومين عليه السّلام لشعبنا وسيلة يجتمع فيها أبناؤه بسهولة و دون عناء.

إن هذا الانسجام الذي يوحد أفراد شعبنا استنادا إلى ما حدث في كربلاء يمثّل أكبر واقعة سياسية في العالم تنطوي على آثار نفسية و معنوية كبرى.فجميع القلوب تتوحد في ذكراها إن عرفنا كيف نستفيد منها-إننا منتصرون بسبب هذا الانسجام و يجب أن نعرف قيمة هذه القضية،و على شبابنا أن يهتموا بها.

إنها المساجد و المآتم و المجالس الأسبوعية،هي التي تجلب انتباه الجماهير و تخلق بينهم هذا الانسجام.و لو أرادت الحكومات الاخرى خلق نوع من الانسجام بين صفوف شعبها لما تيسّر لها ذلك حتى لو أنفقت مئات المليارات من التومانات في حين أن سيد الشهداء عليه السّلام كما ترون.

أفلا يستحق سيد الشهداء عليه السّلام و الحال هذه أن نبكي عليه و نتأسف لمقتله؟إن البكاء عليه عليه السّلام هو الذي حفظنا.

عليكم أن لا تنخدعوا بمزاعم و أحابيل الشياطين الذين يريدون أن يجردوكم من هذا السلاح،ليحذر شباننا من الانخداع بذلك،فهذه الشعائر الحسينية هي التي

ص: 82


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

حفظتنا و صانت البلد.

أجل إن الحق منتصر،لكن للنصر مفاتيح و رموز ينبغي لنا العثور عليها و معرفتها...علينا أن نعرف رمز بقاء الشيعة طوال الزمن الماضي منذ عصر أمير المؤمنين(سلام اللّه عليه)حتى الآن....

إن أحد هذه الرموز الكبرى-و هو أكبرها-قضية سيد الشهداء عليه السّلام و إذا أردنا أن يكون بلدنا بلدا مستقلا و حرا ينبغي أن نحفظ هذا الرمز.

لقد أقيمت هذه المجالس على مر التاريخ بأمر الأئمة عليهم السّلام فلا يظنن بعض هؤلاء الشبان بأن المجالس الحسينية ليست إلاّ مجالس للبكاء!و إن علينا الآن أن نكف عن البكاء!فهذا خطأ فادح يقعون فيه.

لقد بلغ شعبنا مرحلة أقدم فيها فجأة على صنع ثورة،و حصل في داخله انفجار قلّ نظيره في كل مكان.كان هذا الشعب يعاني من التبعية في كل شؤونه،يعيش تحت ظل نظام سلبه كل شي،و قدّمه للأجانب حتى أفقد البلد عزته و مجده،و فجأة حصل الانفجار الشعبي ببركة هذه المجالس التي عمّت البلد من أقصاها إلى أدناها.

فكانت تجمع الناس و توجه أنظارهم إلى هدف واحد.

إذا كان هؤلاء وطنيين-و لا يهمنا ما إذا كان لهم ارتباط باللّه أم لا-و يقولون:

نحن نريد تحقيق مصلحة الوطن و الشعب،فعليهم أن يكثروا من إقامة هذه المجالس و المواكب الحسينية لأنها تحفظ البلد و تصونه.

ليعلم شعبنا قيمة و أهمية هذه المجالس،فهي التي أبقت الشعوب حية،و ينبغي أن تزداد هذه المجالس في أيام عاشوراء و تنمو و تنتشر،بل إنها ينبغي أن تكثّف حتى في باقي أيام السنة.و لو أن هؤلاء المأسورين بالغرب كانوا يعرفون البعد السياسي لها لبادروا هم إلى إقامتها،و لو كانوا يدّعون-حقا-السعي لتحقيق مصالح الشعب و البلد لرغبوا هم في إقامتها أيضا.

هذه المآتم هي التي حفظت شعبنا وصانته،و لم يكن منع رضا خان لها عبثا

ص: 83

بحيث أن جلاوزته من عناصر السافاك(تأسست منظمة الأمن و المخابرات في البلاد و المعروفة بالسافاك عام 1957 بشكل رسمي بموجب الأمر الذي أصدره محمد رضا خان.

كانت تلك المنظمة مسؤولة عن قمع المعارضين للنظام الملكي و الوقوف بوجه النشاط الإسلامي.و كان الارتباط و التعاون الوثيق قائما بين السافاك و السي آي.آي(منظمة المخابرات الأمريكية)و الموساد(منظمة المخابرات الإسرائيلية) و لشدة قسوة السافاك في تعذيب السجناء السياسيين،أعلن الأمين العام لمنظمة العفو الدولية في عام 1975:"أنه لا توجد دولة في العالم تملك صحيفة أعمال سوداء في مجال حقوق الإنسان كما تملكها إيران".

و يقصد الإمام في عبارته:رجال السافاك لرضا خان،رجال الأمن لرضا خان).

قاموا بتعطيلها و منعوا إقامتها(راجع هامش 4.)،لم يكن رضا خان مخالفا لها دون سبب فهو مأمور من قبل الخبراء الذين يدرسون و يرصدون هذه الأمور.

فأعداؤنا كانوا قد درسوا أوضاع الشعوب و أمعنوا النظر في أصول الشيعة، فوجدوا أنه ما دامت هذه المجالس موجودة و مادامت هذه المراثي تقرأ على المظلوم و مادامت تقوم بفضح الظالم و كشف ممارساته،فلا يمكنهم بلوغ غاياتهم و تحقيق أهدافهم الخبيثة.

و لذلك فقد منعوا-في عهد رضا خان-إقامة المواكب و المجالس الحسينية و حظروا على الخطباء ارتقاء المنابر و ممارسة الخطابة و التبليغ،و شنّوا هم حملة تبليغ شعواء فأعادوا القهقرى و نهبوا كل ثرواتنا.

أما في زمان ابنه محمد رضا(المقبور)فإنهم بادروا إلى تطبيق المنهج نفسه و لكن بصيغة أخرى،و ليس بقوة الحراب،بل باستغفال شباننا و حرفهم،ليتم بذلك القضاء على هذا المذهب.فالقضية لم تختلف عن عصر رضا خان و لكن الأسلوب اختلف هذه المرة.

ص: 84

عليكم أن تدركوا بأنه لو لم تكن هذه المواكب موجودة و لو لم تكن هذه المجالس و المراثي مقامة فإن انتفاضة 15 خرداد(5 حزيران 1963)ما كان يمكن لها أن تحصل.

لم يكن بإمكان أي شيء أن يصنع انتفاضة(15 خرداد)سوى دم سيد الشهداء عليه السّلام و ليس بإمكان أية قوة أن تحفظ هذا الشعب الذي هجمت عليه القوى العدوانية من كل حدب و صوب،و لا بإمكان أية قوة أن تحبط المؤامرات التي حاكتها ضده القوى الكبرى سوى هذه المآتم و المواكب:مواكب العزاء الحسيني.

لا تدعوا التظاهرات و المسيرات تحلّ محل مواكب العزاء و المآتم،لا تسمحوا لهم أن يسلبوكم العزاء الحسيني،أقيموا المواكب الحسينية،ثم سيروا في تظاهرات حسينية و اعقدوا التجمعات للمآتم.

و عند ما تطرح كلمة التظاهرات فلا تظنوا أننا لم نعد نريد المواكب الحسينية،إننا نستطيع أن نؤدي أعمالنا و نحقق أهدافنا بتطبيق الإسلام و بالأساليب الإسلامية و بتكريم شهداء الإسلام،و إلاّ فلا مدافعنا و لا دباباتنا يمكن أن تقاس بدبابات أمريكا و مدافعها،أو دبابات روسيا و مدافعها.

ص: 85

فلسفة العزاء و المآتم الحسينية

قال الإمام الخميني (1):لا يخفاكم بأن تعاليم الأئمة عليهم السّلام تؤكد على أهمية و تعظيم هذه الملحمة التاريخية الإسلامية كما أن صبّ اللعن على ظالمي آل البيت عليهم السّلام يمثل توجيها لهتافات الشعوب المزمجرة لتصب على الطواغيت و الظلمة على مر التاريخ و إلى الأبد.

و لا يخفاكم بأن صب اللعنات و إطلاق الصرخات المستنكرة لظلم و جور بني أمية(لعنة اللّه عليهم)-رغم انقراضهم و انتهائهم إلى جهنم-تعد صرخة ضد الظلمة و الطواغيت الحاكمين في العالم،و إحياء و إدامة هذه الصيحة الهادرة من شأنه تحطيم الظلم و محق الجائرين.

إن البكاء على الشهيد يعدّ إحياء للنهضة و إدامة لها،و الرواية الواردة"من بكى أو أبكى واحدا فله الجنة و من تباكى فله الجنة"(بحار الأنوار ج 44 ص 288)إنما تشير إلى أن حتى المتباكي يعمل عملا من شأنه إدامة النهضة و حفظها،و هذا يصون نهضة الإمام الحسين(سلام اللّه عليه)و يديمها.

لو بكينا على الإمام الحسين عليه السّلام إلى الأبد فإن ذلك لن ينفعه شيئا،بل ينفعنا نحن،و فضلا عن نفعه لنا في الآخرة،فإن له في الدنيا من المنافع ما ترون،فلا يخفاكم ما له من الأهمية من الناحية النفسية و الدور في تآلف القلوب و انسجامها.

لا تظنوا أن هدف هذه المآتم و المواكب و غاياتها تنتهي عند حدّ البكاء على سيد

ص: 86


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

الشهداء عليه السّلام،فلا سيد الشهداء عليه السّلام بحاجة إلى هذا البكاء،و لا هذا البكاء ينتج شيئا في حد ذاته.

إنما الأهم من كل هذا هو أن هذه المجالس تجمع الناس و توجههم إلى وجهة واحدة،ففي أيام محرم و صفر و خصوصا في أيام عاشوراء نرى كيف يتجه ثلاثون أو خمسة و ثلاثون مليون شخص باتجاه واحد.

و ليس عبثا أن يطالب بعض أئمتنا عليهم السّلام بأن تقام المراثي عليهم-من بعد وفاتهم-من على المنابر،و ليس عبثا أيضا أن يقول أئمتنا:إن من بكى أو أبكى أحدا فله الجنة و من تباكى فله الجنة.

القضية ليست قضية بكاء فحسب،ليست قضية تباكي فحسب-إنما هي قضية سياسية،فأئمتنا عليهم السّلام يريدون-و عبر بصيرتهم و عمق رؤيتهم الإلهية-أن يوحدوا صفوف الشعب و يعبئوه بالطرق المختلفة كي يصان من الأذى.

ورد في الرواية أن أحد أئمتنا عليهم السّلام أنه أوصى بأن يستأجر له من يرثيه بعد وفاته في منى لمدة عشرة أعوام (1).

فهل أن الإمام الباقر(سلام اللّه عليه)كان بحاجة إلى ذلك؟و ماذا أراد الإمام الباقر عليه السّلام أن يحقق من هذا البكاء؟و لماذا في منى؟و أي طراز من البكاء هذا؟إن المهم في القضية هو الرثاء في منى،فحين يجتمع المسلمون في موسم الحج من كل أنحاء العالم في منى و يجلس شخص ليرثي الإمام الباقر عليه السّلام و يوضح جرائم مخالفيه و أعدائه و قاتليه و لمدة عشر أعوام و يستمع الناس له،فإن ذلك يؤدي إلى توجيه اهتمام الناس نحو هذا المنهج و تقويته،و إثارة موجة من السخط و النقمة2.

ص: 87


1- روي أن الإمام محمد الباقر عليه السّلام أوصى ب 800 درهم لإقامة المآتم و مجالس العزاء.و قال الإمام الصادق عليه السّلام:ما معناه(لقد قال لي أبي يا جعفر ليوقف من مالي و يؤجر به من يرثني عشر سنوات في منى في مواسم الحج و يبكي عليّ و يجدد المآتم لإظهار مظلوميتي.راجع جلاء العيون للمجلسي:ص 692.

ضد الظالم ستؤدي إلى إضعافه.

لقد ضحّينا بشبابنا،و ضحّت كربلاء بالشبان،و علينا أن نحافظ على تلك التضحيات،و لا تظنوا أن الأمر مجرد بكاء و حسب،أبدا فالقضية سياسية إجتماعية،و لو كان الأمر مجرد بكاء فقط فلم التباكي؟

و أساسا ما حاجة سيد الشهداء عليه السّلام إلى البكاء؟إن تأكيد الأئمة على أن تقام التجمعات و البكاء إنما يستند إلى ما لذلك من شأن في حفظ كيان الدين و صيانة المذهب.

إن قيمة مجالس العزاء لم تدرك إلاّ قليلا،و لربما أنها لم تدرك تماما من قبل البعض،فالروايات التي تقول:إن كل دمعة تذرف لمصاب الحسين المظلوم عليه السّلام لها من الثواب ما ورد عن الإمام الحسين عليه السّلام قوله:و من بكى أو أبكى واحدا فله الجنة و من تباكى فله الجنة (1).

و تلك الروايات التي تؤكد على عظم ثواب من بكى أو تباكى لم تكن من باب أن سيد المظلومين عليه السّلام بحاجة إلى مثل هذا العمل،و لا لغرض إعطاء هذا الأجر و الثواب للمسلمين بالرغم من أنه محرز و لا شك فيه،و لكن لم جعل كل هذا الثواب العظيم لمجالس العزاء،و لماذا يجزي اللّه-تبارك و تعالى-من بكى أو تباكى بمثل هذا الثواب و الجزاء العظيم؟

الجواب على ذلك يتضح تدريجيا من خلال النظر إليها من الناحية السياسية و سيعرف ذلك شيئا فشيئا فيما بعد إن شاء اللّه.إن هذا الثواب المعطى للقيام بهذه الأعمال مبعثه-و علاوة على البعد العبادي و المعنوي لها-البعد السياسي،و هذه القضية تتضح و تتبلور أكثر حينما ندرس الظرف السياسي الذي صدرت فيه.

فقد كانت هذه الفرقة الناجية-حينذاك-مبتلاة بالحكم الأموي و بالحكم4.

ص: 88


1- راجع بحار الأنوار:288/44.

العباسي الأسوأ،و كانت فئة قليلة مستضعفة تواجه القوى الكبرى و السلطات الحاكمة.

و طوال التاريخ،كانت مجالس العزاء هذه وسائل تنظيمية منتشرة في أرجاء البلدان الإسلامية و في إيران التي صارت مهدا للإسلام و التشيّع و أخذت تتحول تدريجيا إلى وسائل لتحقيق الوقوف بوجه الحكومات التي كانت تجيء آنذاك هادفة القضاء على الإسلام،و على أسسه الروحانية،و قد ضايقت هذه المجالس و المواكب تلك الحكومات و أرعبتها.

قد يسمينا المتغربون ب(الشعب البكّاء)و لربما يقتنع البعض منا بتحقق هذا من أن الثواب المعطى لمن يذرف دمعة من عينه،و الثواب المترتب على إقامة مجلس للعزاء،و لا يستطيعون أن يتعقلوا الجزاء المعد لقراءة الأدعية و الثواب المعد لمن يقرأ دعاء ذا سطرين مثلا.

إن المهم في كل هذه الأمور،إنما هو البعد السياسي لهذه الأدعية و هذا التوجه إلى اللّه و تمركز أنظار الناس إلى نقطة واحدة و هدف واحد،و هذا هو الذي يعبئ الشعب باتجاه هدف أو غاية إسلامية معينة،فمجلس العزاء لا يهدف إلى تحقيق البكاء على سيد الشهداء عليه السّلام و الحصول على الأجر،و طبعا إنّ هذا حاصل و قائم، و لكن الأهم من ذلك هو البعد السياسي للأمر،و هو ما خطط له أئمتنا عليهم السّلام في صدر الإسلام كي يدوم حتى النهاية،و هو الاجتماع تحت لواء واحد و بفكر واحد، و لا يمكن لأي شيء آخر أن يحقق ذلك بالقدر الذي يفعله عزاء سيد الشهداء عليه السّلام.

إن تلك الفئة من رواد المساجد ممن يسمعون الخطابة ثم يغادرون المجلس بمجرد وصول الخطيب إلى ذكر المصيبة،إنما يفعلون ذلك لأنهم لا يدركون أهميتها.فذكر المصيبة و المراثي هو الذي صان المحراب و حفظ المنبر،و لولاها لما تسنى للخطيب أن يطرح ما يريده من المواضيع،و لولاها لما بقي للمنبر وجود يذكر.

ص: 89

ينبغي لنا أن نبكي على شهيدنا و نصرخ و نعبئ الناس بالوعي و اليقظة.و علينا أن نذكّر الناس بهذه النقطة و هي أن الثواب هو ليس كل ما نريده و نرجوه فقط، و إنما نريد أن نتقدم و نتطور.

و حتى سيد الشهداء عليه السّلام لم يكن كل هدفه-عند ما نهض و قتل-أن يحصل على الثواب فحسب،إنما أراد إنقاذ الدين و استهدف إحياء الإسلام و إنقاذه.

و أنتم أيضا عند ما تقرأون المراثي و تطرحون المواضيع و تذكرون المصائب و تدفعون الناس للبكاء،اجعلوا هدفكم صيانة الإسلام و الدفاع عن هيبته و مجده.

إننا نريد أن نحافظ على الإسلام بهذه المراثي و بهذا البكاء و تلاوة الشعر و النثر،نريد أن نصونه كما حفظه لنا الآخرون حتى الآن.ينبغي أن تقال هذه النقطة للناس كي يفهموها و هي أن قراءة المراثي و ذكر المصائب ليس هدفه الإبكاء فحسب،و إنما البكاء وسيلة حفظ بها الدين،بل حتى التباكي يثاب المرء عليه،لماذا؟ لأنّه هو الآخر يساعد على صون الدين.

و لو كان هؤلاء يعلمون حقيقة الأمر و يدركون أهمية هذه المجالس و المواكب و قيمة هذا البكاء على الحسين عليه السّلام و الأجر المعدّ له عند اللّه لما قالوا عنّا:الشعب البكّاء،بل لقالوا:شعب الملاحم.

لو فهموا الآثار التي تركتها أدعية الإمام السجاد عليه السّلام الذي كان يعيش تحت ظل حكومة مستبدة جائرة،تفرض سلطتها على كل مناحي الحياة،و الذي كان قد فقد لتوه كل أهل بيته و كيف تمكنت من القيام بدور المعبئ للشعب،لو فهموا ذلك لما قالوا لنا ما هي جدوى هذه الأدعية.

و لو كان مثقفونا يدركون الأبعاد السياسية و الاجتماعية لهذه المجالس و هذه الأدعية و الأذكار و النوائح لما قالوا لنا لم تفعلون كل هذه الأمور و تتمسكون بها.

إن أولئك الذين يلقنون شبابنا الآن بالقول:(إلى متى البكاء و مجالس التعزية و الرثاء تعالوا ننظم التظاهرات و المسيرات)لم يفهموا ما هي التعزية و كيف أنها

ص: 90

ساهمت في إبقاء هذا الأساس و هذا الكيان قائما حتى الآن،لا يعلمون و لا يمكن إفهامهم بذلك.

إنهم لا يدركون أن هذه التعزية و المراثي تصنع الإنسان و تبني شخصيته،و لا يعون أنها تبليغ ضد الظالم و ضد الطاغوت و ما يجب أن يجري فيها هو تبيان الذي لحق بالمظلوم،و إنما ينبغي أن تبقى هكذا حتى النهاية.

ص: 91

مجالس العزاء

سؤال الله تعالى عن مجالس الحسين عليه السلام

و الحقيقة التي لا ريب فيها هي أنّ اللّه سبحانه و تعالى سوف يسأل الإنسان يوم القيامة عن جميع النعم التي منّ بها عليه.و إنّ من أعظم النعم الإلهية علينا هي مجالس العزاء التي تقام إحياءا لذكرى فاجعة عاشوراء الإمام الحسين عليه السّلام.

و للأسف فإنّ إخواننا من المسلمين غير الشيعة قد حرموا أنفسهم من هذه النعمة العظيمة التي بإمكانهم استثمارها إذا أرادوا.

طبعا هناك القليل منهم من يقيم مراسم العزاء لأبي عبد اللّه عليه السّلام لكنّه ليس رائجا عندهم كما هو رائج عند الشيعة بهذا الشكل الواسع الذي يعرفه الجميع.

و السؤال الذي يطرح نفسه هنا:ما هي الفائدة التي يجب أن تجنى من هذه الذكرى و من هذه المجالس؟و ما هو الطريق لشكر هذه النعمة؟

أما الجواب على هذه الأسئلة و أمثالها فهو ملقى على عاتقكم أنتم.

فهذه النعمة الكبيرة هي التي تربط القلوب بمنابع الإيمان باللّه و بالغيب مباشرة،

و هي التي جعلت الحكّام الطواغيت على طول التاريخ يرتجفون خوفا و فزعا من عاشوراء و من قبر الإمام الحسين عليه السّلام.فقد بدأ هذا الخوف منذ زمن بني أمية و تواصل الى يومنا هذا.

ص: 92

الإستفادة من عاشوراء

و قد شاهدتم نموذجا لهذا الخوف و الفزع في أثناء أحداث الثورة الإسلامية المباركة.فحينما حلّ شهر محرّم-في أيام الثورة الإسلامية-لم يتمكن النظام الشاهنشاهي الرجعي الكافر و الفاسد من القيام بأيّ عمل و شلّ عن الحركة تماما.

و تشير التقارير المتبقية من زمن ذلك النظام المنحط بصراحة الى أنّ النظام البهلوي و مع حلول شهر محرّم الحرام قد فقد السيطرة على كلّ شيء و فلت زمام المبادرة من يده في جميع أرجاء البلاد.

و قد عرف إمامنا الراحل(رض)-ذلك الرجل الحكيم و صاحب النظرة الثاقبة- كيف يستغل أيام عاشوراء من أجل السعي الى تحقيق أهداف الإمام الحسين عليه السّلام العظيمة،فقد أعلن(رض)بأنّ محرّم هو شهر انتصار الدم على السيف.و بهذا المنطق-و ببركة شهر محرّم-انتصر الدم على السيف في إيران الإسلامية و كما خطّط له الإمام الراحل(رض).

هذه إحدى النماذج التي شاهدتموها و لمستموها في أثناء أحداث ثورتنا الإسلامية المباركة.

إذن لا بدّ من استثمار هذه النعمة الإلهية بشكل كامل و بنّاء من قبل العلماء و أبناء الشعب معا.

أمّا استثمار أبناء الشعب لهذه النعمة فيتمثّل في إقامة مجالس العزاء و توسيعها على أكبر نطاق ممكن و المشاركة الفعّالة و الجادّة فيها.

ص: 93

الفائدة الحقيقية من حضور المجالس

و يجب أن تكون تلك المشاركة بقصد الاستفادة الحقيقية و ليس مجرّد إتلاف للوقت أو محاولة الحصول على الثواب الاخروي-بالشكل الذي يتصوّره بعض السذّج من الناس-.فمن المؤكّد أنّ المشاركة و الحضور في هذه المجالس يستتبعه الثواب الأخروي.و لكن السؤال:ما هو السبب في الحصول على الثواب من خلال المشاركة في مجالس عزاء الإمام الحسين عليه السّلام؟

فمن المسلّم أنّ هذا الثواب يتحصل نتيجة لسبب من الأسباب و ما لم يتحقق ذلك السبب فإنّ الثواب سوف لا يحصل قطعا.و لكن البعض يغفل-و للأسف-عن هذه النقطة و يعتبر أنّ مجرّد الجلوس في المجالس الحسينية كاف في الحصول على الثواب الاخروي.

إذن يجب على أبناء الامّة معرفة القيمة الحقيقية و الأهمّية البالغة لتلك المجالس و المشاركة الجادّة فيها و جعلها وسيلة لتعميق الارتباط القلبي و النفسي بينهم و بين الحسين عليه السّلام و آل النبي عليهم السّلام و اتّخاذها-تلك المجالس-للوصل بينهم و بين روح الإسلام و القرآن.

هذا ما يتعلّق بالناس حول الاستفادة من هذه المجالس (1).

ص: 94


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:61-63.

العزاء الصحيح

إن استعمال الثناء الفارغ و التافه و الذي يكون مضرّا أحيانا،فمثلا يتم الحديث حول شخصية أبي الفضل عليه السلام،فيطنب في وصف عينيه و حاجبيه الجميلين!فهل أنّ العيون الجميلة نادرة في العالم؟

و هل كانت قيمة أبي الفضل عليه السلام مستوحاة من عينيه الجميلتين؟!

و هل أنكم رأيتم أبا الفضل و تعرّفتم على صفة عينيه؟!إن هذه الأمور تهبط بمستوى معارفنا الدينية؛إن معارف الشيعة في الذروة العليا،و إن علوم الشيعة علوم تأتي بالفيلسوف الغربي و المترعرع ضمن المفاهيم الغربية كأمثال هنري كوربن و تجعله يجثو على ركبتيه أمام العلاّمة الطباطبائي،و يذعن لها فيكون مروّجا للمعارف الشيعية في أوروبا.

فيمكن استعراض المعارف الشيعية على جميع المستويات ابتداءا من العامي و المتوسط إلى أعلى مستويات الفلاسفة.

فلا ينبغي أن نتسامح في التعاطي مع هذه المعارف.

إن قيمة أبي الفضل تكمن في جهاده و تضحيته و إخلاصه،و معرفته بإمام زمانه،و صبره و ثباته و امتناعه عن شرب الماء برغم شدة عطشه و وقوفه على نهر الفرات،و دون أن يكون هناك مانع شرعي أو عرفي.

إن قيمة شهداء كربلاء تكمن في دفاعهم عن الحق في أشد الظروف التي يمكن للإنسان أن يتصوّرها.

يمكن لشخص أن يذهب و يشارك في حرب خاسرة و قد يقتل فيها و طبعا هذا

ص: 95

مقام كبير لا يناله كل شخص.

فإن الشهداء و المجاهدين في سبيل الاستشهاد على هذا النحو في ساحة القتال يختلف اختلافا كبيرا عن الاستشهاد في ساحة كربلاء،بما تحمله من معاني الغربة و الضغوط و العطش و التهديد بالإيذاء من قبل أولئك الأوغاد،فغالبا ما يبدي شخص استعداده للتضحية لو لا بعض المعلومات التي يتذرع بها من قبيل قوله:

ماذا أصنع و إن ابني يتضوّر جوعا أو ألما،و أحيانا يقدّم صيانة عرضه على نفسه، و يفضل العناية برضيعه أكثر من محافظته على روحه،في حين يقدم شخص على التوجه إلى ساحة الوغى مصطحبا رضيعه و زوجته و أمه و عرضه و يعرّض الجميع للخطر دون أن تهتزّله قدم.

و هنا تكمن قيمة أبي الفضل و حبيب بن مظاهر و جون،و ليس في القامات الفارعة و العضلات المفتولة،فما أكثر القامات الفارعة،و المتمرسون في رياضة كمال الأجسام،دون أن يكون لذلك قيمة في الموازين المعنوية.

و أحيانا يستند إلى هذه التعابير!فتحين التفاتة من شاعر إلى جمال أبي الفضل في قصيدة من ثلاثين أو أربعين بيتا،فلا ينبغي أن نكون متزمتين أكثر من اللازم، إلا أنه لا يجدر بنا أن نصبّ كل اهتمامنا على وصف الحاجب المعقوف و الأنف الأقنى و العيون الناعسة لهؤلاء العظام،فإن هذا ليس مديحا،بل و مضرّ أحيانا،و هو غير مناسب في بعض الأجواء،فلا ينبغي أن يخلو منبركم الذي يستغرق عشرة دقائق أو عشرين دقيقة من المعارف.

و قد شاهدت هذا العام في شهر محرم و عشرة الفاطمية مراعاة بعض الأخوة المداحين لهذه المسألة و الحمد لله،فيجب عليكم في بداية المدح تخصيص فصل للنصح،و بيان المعارف بأسلوب شعري على ما كان عليه التقليد سائدا منذ القدم، و قد تقلّصت هذه التقاليد شيئا ما في هذه الأيام؛فقد كان المدّاح يبدأ المنبر بقصيدة شعرية من عشرة أبيات أو أقل أو أكثر في النصح و الأخلاق بألفاظ بديعة،و كانت

ص: 96

تترك أثرها في نفوس الناس،ذكرت ذات مرة أن شعر المدّاح يفوق في تأثيره أحيانا ما نقوله على المنبر في ساعة من الزمن،إلا أنّ هذا ليس بقول مطلق،بل يصادف ذلك أحيانا إذا تم انتقاؤه بشكل مدروس و تمّ إلقاؤه بنحو جيد.

قال أحد الإخوة المدّاحين ذات مرة:إننا إذا انتخبنا شعرا جيدا للشعراء الكبار فإن عامة الناس سوف لا يدركون مغزاه،و هذا ما يضطرنا إلى اللجوء إلى هذه الأشعار،إلا أنّ هذا الكلام مجانب للصواب و لا أراه صحيحا.

فإن المدّاح إذا خاطب الجمهور بأسلوبه الفني أمكنه تقطيع الشعر مهما بلغت صعوبته،و سيترك أثره في قلوب السامعين.

إن لدينا ثروة شعرية كبيرة،انظروا إلى ديوان صائب (1)،فقد اتفق ذات يوم أن اخترت أبياتا منه،و أشرت على بعض الإخوة المدّاحين بالعمل عليها.

إن ديوان صائب يحتوي على قصائد نافعة و مؤثرة جدّا،و هكذا قصائد غيره، كما أنّ لبعض الشعراء كلمات جميلة و بديعة في مدح الأئمة عليهم السّلام و تضرّعهم و خضوعهم و إنفاقهم و جهادهم.

انتخبوا الشعر الذي يمتاز بالمستوى الجيد من الناحية الفنية؛لأنه مؤثر،فإن للشعر الجيد و الفني،أثر لما للفن من خصوصية عامّة في التأثير دون التفات من المتكلم و المستمع،فإن الشعر و الرسم و سائر أنواع الفن و الصوت البديع و النغم العذب يترك أثره على المخاطب من حيث لا يشعر،و هذا من أفضل أنواع التأثير.

تلاحظون أنّ الله تعالى اختار أفصح بيان لإيصال أسمى المعارف و المعاني ألا و هو القرآن،الذي أعجز الآخرين عن الآتيان بمثله من ناحية تركيب الألفاظ و تنسيقه الفني،فضلا عن معانيه.9.

ص: 97


1- هو محمد علي بن عبد الرحيم التبريزي ولد بأصفهان في سنة 1016 ه أصبح ملك الشعراء للشاه عباس الثاني،انظر الذريعة:569/9.

و هكذا لاحظوا خطب نهج البلاغة فإنها آية في الجمال،و قد كان بإمكان أمير المؤمنين استعمال الكلمات العادية،إلا أنه استعمل البيان الفني(و بعد فنحن أمراء الكلام).

و قد كانوا حقا أمراء الكلام (1).4.

ص: 98


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:64.

الأنغام غير المناسبة في العزاء

قد سمعت أنه يتم اللجوء أحيانا إلى الأنغام غير المناسبة،مثلا أن مطرب البلاط الطاغوتي أو غيره قد تغنّى بشعر مبتذل في الحب و العشق بنغم معين،فلا توجد هناك ضرورة إلى صبّ الآيات العالية في قالب هذا النغم في مجلس الإمام الحسين عليه السلام و عشاقه،فإن هذا سيء للغاية،فاعملوا بأنفسكم على إبداع الأنغام فهناك الكثير من الأذواق و الفنون،و لا شك في وجود بعض الطاقات الوالهة بهذه القضية التي يمكنها إبداع الأنغام المتناسبة مع المديح من أنغام العزاء و الفرح.

مع إضافة هذه المسألة و هي أن ألحان الأفراح تختلف عن ألحان العزاء.

و قد جرت العادة حاليا على التصفيق في مجالس أيام العيد و أنا لا أخالف ذلك و لا أرى فيه بأسا،و لكن إذا استمعتم إليها من المذياع-و قد استمعت إليها من المذياع شخصيا-و استمعتم إلى الشعر فسوف تتصورون أنهم يلطمون على صدورهم،إذ إنّ اللحن لحن لطم كما أن صوت التصفيق يشابه صوت اللطم،فأي فرح هذا؟فلو تم إبداع أنغام و ألحان خاصة بمناسبات الفرح دون أن تكون مبتذلة أو طاغوتية أو محرّمة،و أن يتم انتخابها بأسلوب جيد،فستكون أفضل و أكثر تأثيرا،لا أن تسري على أفراحنا ألحان التعازي.

و على كل حال فإن الميدان واسع أمامكم و يمكنكم العمل و التأثير فيه،و حاليا هناك و فرة في المداحين الشباب،و هناك إقبال شبابي كبير،فهذه أرض طيبّة يمكن استثمارها إذا أحسن الإنسان بذرها و سيكون نتاجها ممتازا و قيّما.

فلنغتنم هذه الفرصة،فرصة النظام الإسلامي و الشعر الجيد و اللحن البديع و المضمون المتين و الأداء الرصين و الصوت العذب.

ص: 99

مادة مجالس العزاء

اشارة

إنّ مجالس العزاء تقوم على أساس اجتماع عدد من الناس و مشاركة أحد الخطباء الذي يتولّى إقامة العزاء حتى يستفيد الآخرون.و لكن كيف يجب أن تقام مراسم العزاء؟إنه سؤال موجّه الى جميع من يشعر بالمسؤولية في هذه القضية، و باعتقادي،إنّ هذه المجالس يجب أن تتميّز بثلاثة أمور:

1-تكريس محبة أهل البيت عليهم السلام

الأول:هو تكريس محبة أهل البيت عليهم السّلام و مودّتهم في القلوب؛لأن الارتباط العاطفي إرتباط قيّم و وثيق،و عليكم أن تعملوا في هذه المجالس على تكريس مودة الحسين بن علي-عليهما السلام-و أهل بيت النبّوة في قلوب المشاركين و توثيق ارتباطهم بمصادر المعرفة الإلهية أكثر فأكثر.

و أمّا إذا وجدتم وضعا في هذه المجالس لم يؤدّ إلى تكريس مودة أهل البيت في قلوب المستمعين أو من هم خارج المجلس و إنما يؤدّي-لا سمح اللّه-الى ابتعادهم و اشمئزازهم من مجالس العزاء،فإنّ هذه المجالس تفقد عندئذ واحدة من أهم فوائدها و أهدافها،بل تصبح مضّرة في بعض الأحيان.فانظروا ماذا ستفعلون أنتم الذين تؤسّسون هذه المجالس و أنتم الذين تخطبون فيها حتى تتعزّز العلاقة العاطفية للناس بالحسين بن علي-عليهما السلام-و أهل بيت النبوة يوما بعد يوم نتيجة المشاركة في هذه المجالس.

ص: 100

2-تبيان قضية عاشوراء

الأمر الثاني:الذي يجب أن تتميّز به المجالس الحسينية هو إعطاء صورة واضحة عن أهل قضية عاشوراء للناس و تبيانها لهم،و إن مجالس العزاء على الحسين بن علي عليه السّلام يجب أن لا تكون مجرد منبر لخطابات غير هادفة،لأن هناك في هذه المجالس أناسا يتميّزون بالتفكّر و التعقّل و التأمّل في الامور و ما أكثرهم في مجتمعنا ببركة الثورة و الصحوة الإسلامية سواءا من الشباب و الشيوخ و النساء و الرجال الذين يتساءلون مع أنفسهم لماذا جئنا الى هذا المجلس و بكينا على الحسين عليه السّلام؟ما هي أصل القضية؟

لماذا يجب البكاء على الإمام الحسين؟لماذا جاء الإمام الحسين الى كربلاء و أوجد قضية عاشوراء؟

هذه الأسئلة يجب أن يجاب عنها في المجالس الحسينية حتى تتعزّز معرفة المستمع بأصل قضية عاشوراء،و إذا لم تتطرّقوا في منابركم و خطبكم و نعيكم الى هذا المعنى و لو بالتنويه و الإشارة،فإن هذه المجالس ستفقد ركنا من الأركان الثلاثة التي نشير إليها،و من الممكن أن لا تستحصل الفائدة المتوخاة من المجلس أو قد تؤدي-فرضا-الى الضرر لا سمح اللّه-هذا الأمر الثاني.

3-تكريس المعرفة الدينية

أمّا الأمر الثالث:الذي يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار في مجالس العزاء،فهو تكريس المعرفة الدينية و الإيمان الديني.إذ أنه لا بدّ من التحدّث عن تعاليم الدين في هذه المجالس بشكل يعزز إيمان المستمع و معرفته باللّه سبحانه،و لا بدّ من

ص: 101

الموعظة و التطرّق الى حديث شريف صحيح السند أو رواية تاريخية لاستخلاص العبر منها،أو تفسير آية شريفة من القرآن الكريم أو نقل موضوع مما تطرق له كبار العلماء و المفكرين الإسلاميين.

يجب أن لا يكون الأمر بأن يرتقي خطيب على المنبر و يتحدث بدون رؤية و بكلام غير هادف،أو يتطرّق في النعي الى مواضيع هشّة من حيث الفحوى،ليس فقط لا تؤدي الى تعزيز الإيمان و تقويته،و إنما تؤدي إلى إضعافه.و إذا حدث مثل هذا الأمر،فإننا سوف لا نبلغ الفوائد و الأهداف المتوخاة من هذه المجالس.

و أقول لكم إنه تشاهد-و للأسف-مثل هذه الأمور أحيانا حيث يتطرّق الخطيب أحيانا الى أمور ضعيفة من حيث الاستدلال و الاسناد العقلي و النقلي،و يعتبر هدّاما من حيث التأثير في ذهن المستمع الذي هو من أهل المنطق و الاستدلال العقلي.

هناك بعض الأمور المدوّنة في كتاب ما و ليس لدينا دليل على صحّة هذه الامور أو سقمها،و لكن عند ما تتطرّقون إليها من على المنبر،فإنها و بالرغم من عدم ثبوت سقمها إنما تثير أسئلة و إشكالات حول الدين لدى المستمع الذي قد يكون طالبا جامعيا أو تلميذا أو شابا أو مقاتلا أو ثوريا ممن تفتّحت أذهانهم و أفكارهم ببركة الثورة الإسلامية،و إنه من الأفضل ألاّ تتطرقوا إلى هذه الامور و المواضيع حتى لو كانت صحيحة السند،و لكنها تؤدي إلى الضلال و الانحراف،دع عنك أنها تفتقد في معظمها إلى السند الصحيح الموثّق.

قد يكون هناك موضوع أو أمر سمعه شخص من شخص آخر بغض النظر عن صحة و سقم السند،أو استشفّه من قصيدة و بادر الى نقل هذا الموضوع من كتاب وقع بأيدينا على سبيل الفرض،فنحن يجب أن لا نتطرّق إلى هذا الموضوع الذي لا يمكن تسويقه أو تبريره إلى المستمع،و خاصة إذا كان ممن يتميّز بالوعي و الذكاء و البحث في دقائق الامور،لأنه ليس واجبا أن نقول كلّ ما نعلم أو ننقل ما دوّن في الكتب.

ص: 102

إنّ الجانب المهم من القضية الثقافية في مجتمعنا اليوم إنما ترتبط بالشباب،و لا أعني الطلبة الجامعيين وحدهم،و إنما أعني جميع الشباب من الرجال و النساء و الطلبة و غيرهم الذين تفتّحت أذهانهم أزاء مختلف القضايا،و أصبحوا ينظرون إليها بعين التبصّر و التحقيق،فإنّهم معرّضون للشبهات و يريدون أن يفهموا الامور ببصيره.

إنّ القضية الثقافية في عهدنا هو إلقاء الشبهات من جانب الأعداء،إنهم يلقون الشبهات و لا يمكن أن نفرض على من لا يؤيّدنا أو لا يقبل أفكارنا بأن يخرس و لا يتكلم.

إنهم يفتعلون الشبهات و يروّجونها و يثيرون الشكوك في النفوس،أنتم تقولون بضرورة التصدي للشبهات و عدم إشاعتها في حين أنّ البعض يرتقي المنبر دون التوجّه إلى هذه المسؤولية الخطيرة،و يتفوّه بكلام ليس فقط لا يحلّ أية مشكلة في ذهن المستمع،و إنما يزيد هذه المشاكل تعقيدا.فلو إرتقى أحدنا المنبر و تفوّه بكلام أثار شكوكا حول الدين في أذهان عشرة أو خمسة أو حتى واحد من الشباب دون أن نعرفه،فكيف يمكن التعويض عن هذه الخسارة و إزالة الشكوك؟و هل يمكن أساسا التعويض عن ذلك؟و هل يغفر لنا اللّه ذلك؟.

هذه هي الامور الثلاثة التي يجب أن تتميّز بها مجالس العزاء:تكريس المودة للحسين بن علي عليه السّلام و لأهل بيت النبوة،و تعزيز العلاقة و الارتباط العاطفي بهم، و إعطاء المستمع صورة واضحة عن واقعة عاشوراء،و تكريس المعرفة الدينية و وشائج الإيمان باللّه سبحانه و تعالى لدى المستمع.و إنه يكفي لو تحقق الحدّ الأدنى من ذلك (1).1.

ص: 103


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:71.

تجنب ما يشين الإمام الحسين عليه السلام و الدين

نحن لا نقول بأن جميع المنابر يجب أن تستوعب كل هذه الامور،يكفي أن ينقل الخطيب حديثا معتبر السند و يبادر الى تفسيره و يبيّن معانيه للمستمع دون أية إضافات من التي لا داعي لها و تبعد المستمع عن المعنى الحقيقي للحديث،أو أن يبادر الخطيب إلى تفسير آية شريفة من المصادر المعتبرة بعد التدقيق و التأمّل فيها حتى يتحقق الهدف المنشود،و لذكر المصاب تكفي الاستفادة من كتاب«نفس المهموم»للمرحوم المحدّث القميّ،فإنّه يبكي المستمع و يثير تلك العواطف و المشاعر الجيّاشة التي تتوخّاها،و لا داعي للتعرّض الى أمور تبعد المجالس الحسينية عن الفلسفة الحقيقية لإقامتها،و إنني أخشى من أن لا نتمكن من القيام بواجبنا و مسؤولياتنا-لا سمح اللّه-و خاصة في هذا العصر الذي هو عصر إحياء الإسلام و تجلّيه و تجلّي أفكار أهل بيت النبوة عليهم السّلام.

هناك أمور تقرّب الناس إلى اللّه و تعزّز تمسّكهم بتعاليم الدين،و من هذه الامور هي مراسم العزاء التقليدية،و إنّ ما أوصانا الإمام-رضوان اللّه تعالى عليه-بإقامة مراسم العزاء التقليدية هو المشاركة في المجالس الحسينية و نعي الإمام الحسين عليه السّلام و البكاء عليه و اللطم على الصدور في مواكب العزاء،و هي من الامور التي تعزّز المشاعر الجيّاشة أزاء أهل البيت عليهم السّلام.

غير أنّ هناك أمورا خلاف ذلك و تبعد البعض عن الدين حيث شوهدت -و للأسف-خلال الأعوام الماضية أعمال تروّجها بعض الأيدي على ما يبدو،إنهم يرّوجون في مجتمعنا بعض الأعمال التي تثير علامات استفهام في أذهان

ص: 104

المشاهدين.

لقد جرت العادة في قديم الأيام و بين عوام الناس أن يعلّقوا أقفالا بأجسامهم في مراسم العزاء،فانبرى لها كبار العلماء و اندثرت هذه العادة،غير أنها ظهرت مجددا في الآونة الأخيرة،و سمعت أنّ البعض يعلّقون الأقفال بأجسامهم في مواكب العزاء،إنه عمل خاطئ يقوم به هذا البعض،و كذلك الأمر بالنسبة لشّج الرؤوس بالسيوف أي ما يصطلح عليه ب(التطبير)الذي يعتبر عملا مخالفا هو الآخر (1).4.

ص: 105


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:74.

حرمة التطبير

أنا أعلم بأن البعض يقول بأن الحق كان مع الإمام الخميني الذي لم يتطرّق إلى موضوع شجّ الرؤوس و ما الذي دعاك الى هذا الموضوع،كلاّ،ليس الأمر بهذا الشكل،فلو كان الإمام-رضوان اللّه عليه-حيّا لتصدّى لظاهرة شجّ الرؤوس بالسيوف على الصورة التي روّجت خلال السنوات الأربع أو الخمس بعد انتهاء الحرب،إنه عمل خاطئ أنّ يشجّ البعض رؤوسهم بالسيوف،و ما هو الحاصل من إراقة دمائهم بهذه الصورة؟و كيف يمكن اعتبار هذا العمل من مراسم العزاء؟أجل من مراسم العزاء اللطم على الرؤوس و الصدور،و لكن ليس من العزاء أن يشجّ الإنسان رأسه بالسيف و يريق دمه حتى لو كانت المصيبة قد حلّت بأعزّ أعزائه، إنها بدعة و ليست من الدين،و لا شك في أنّ اللّه لا يرضى عن ذلك.

إنّ علماء السلف الذين لم يتصدّوا لهذه القضية إنما كانت يدهم مغلولة في هذا المجال،أمّا اليوم فإنه عصر الحكومة الإسلامية و عصر تجلّي الإسلام و ينبغي أن لا نقوم بأعمال تشوّه سمعة المجتمع الإسلامي الذي يتميّز بمودّة أهل البيت عليهم السلام و يفخر بأنه يتبرك بالإسم القدسي لولي العصر-أرواحنا له الفداء-و باسم الإمام الحسين عليه السّلام و اسم أمير المؤمنين عليه السّلام.

ينبغي أن لا نقوم بأعمال تصوّر أبناء هذا المجتمع بأنهم أناس خرافيون و غير منطقيين أمام المسلمين و غير المسلمين في العالم،و في الحقيقة أنني وجدت بأنه لا بدّ أنّ أحذّر أبناء شعبنا العزيز من هذه الظاهرة التي هي في الواقع بدعة و خلاف لتعاليم الدين ليكفّوا عن هذا العمل.فأنا لست راضيا عمن يتظاهرون بشجّ

ص: 106

الرؤوس،و أعرب هنا أنه كان في زمن ما يجتمع عدد من الناس في مكان محدود و ليس أمام الآخرين و يشجّون رؤوسهم دون أن يتظاهروا بهذا المعنى،و لا شأن لأحد بهم سواء صحّ هذا العمل أو لم يصحّ،فإنه كان محدودا و ليس تظاهرا أمام الآخرين،أمّا أن ينطلق عدة آلاف من الأشخاص فجأة في أحد شوارع مدينة قم أو طهران أو إحدى مدن خراسان و آذربيجان و هم يحملون السيوف ليشجّوا بها رؤوسهم،فإن هذا العمل يعتبر خلافا بلا ريب و لا يرضى عنه الإمام الحسين عليه السّلام، و لا أدري من أين نشأت هذه الأعمال التي جاءوا بها إلى مجتمعاتنا الإسلامية.

و يعتبر التطبير من الأمور الواضح بطلانها و البيّن غيّها و قد أيّدنا فيها كبار العلماء و اقتنع بها كثير من الناس،و مع ذلك سمعنا من أثار ضجّة و اتهمنا بمخالفة الإمام الحسين عليه السلام«إن الحسين مصباح الهدى و سفينة النجاة» (1)،هل يعني أن نأتي بفعل لا شك في أنه محل إشكال من الناحية الشرعية،و بيّن الحرمة بالعنوان الثانوي؟

علينا بيان هذه الأمور،حتى ينجذب جيل شبابنا إلى الإسلام أكثر فأكثر،فها أنتم تشاهدون ميل الشباب إلى الإسلام.

إنّ هذا الميل ليس سوى انجذاب عاطفي،و هو برغم قيمته القصوى لا يعدو أن يكون بمثابة موجة قد تأتي و تنحسر،فإذا أردنا لهذه الموجة أن تستقر و تتواصل، فعلينا أن ندعم الأسس الفكرية لدى الشباب.

إنّ لدينا ثروة كبيرة،من قبيل دعاء أبي حمزة الذي استشهد به سماحة الشيخ مشكيني،و دعاء الإمام الحسين عليه السلام في يوم عرفة،و هذه الأدعية يقرأها شبابنا دون أن يدركوا معانيها:«إلهي هب لي قلبا يدنيه منك شوقه» (2)،فما أكثر3.

ص: 107


1- الأخلاق الحسينيّة:331.
2- إفحام الأعداء و الخصوم:3.

الأدعية الموجودة عندنا و التي تحمل مثل هذه المعاني السامية و المضامين العالية و العميقة كالمناجات الشعبانية و الصحيفة السجادية،فعلينا أن نبيّن هذه الأدعية لشبابنا كي يقرأوها بإمعان و تدبّر و استيعاب (1).5.

ص: 108


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:75.

محرمات تعظيم و زيارة الأئمة عليهم السلام

و هناك بدعة غريبة ابتدعوها مؤخرا في كيفية الزيارات.أنتم تعلمون أن جميع أئمة الهدى عليه السّلام كانوا يزورون المرقد الطاهر للرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و اله و المراقد المطهرة لأئمة أهل البيت عليه السّلام في المدينة المنورة و العراق و إيران،و لكن هل سمعتم أن أحدا من الأئمة أو من العلماء كان يزحف على صدره من باب الحرم إلى الضريح أثناء الزيارة،فلو كان هذا العمل مستحبا أو مستحسنا لقام به علماؤنا الكبار،إلاّ أنهم لم يقوموا بمثل هذه الأعمال،و حتى إنه نقل بأن المرحوم آية اللّه العظمى البروجردي-رضوان اللّه عليه-ذلك العالم الورع و المجتهد البارز و ذو الأفكار النيّرة منع حتى تقبيل العتبة لدى دخول الحرم المطهر لأي من الأئمة عليهم السّلام.

و رغم أن هذا العمل قد يكون من المستحبات كما جاء في كتب الأدعية،و أتذكر أنّ هناك رواية باستحباب تقبيل العتبة،و لعل المرحوم البروجردي إنما منع ذلك حتى لا يتصوّر أنه نوع من السجود يتبجّح به الأعداء لتوجيه الاتهامات إلى الشيعة.

ليس صحيحا أن يدخل فجأة عدد من الناس إلى الحرم المطهر للإمام علي بن موسى الرضا عليه السّلام و يزحفون على صدورهم مسافة مائتي متر نحو المرقد،كلا،إنه عمل خاطئ،إنه استهانة بالدين و بحرمة الزيارة،من يروّج هذه الأمور بين الناس؟ ليكفّوا عن ذلك،إنه من عمل الأعداء.

عليكم أن تبينّوا هذه الحقائق للناس حتى تتفتّح أذهانهم.

الإسلام دين منطقي،و الفهم الشيعي للإسلام هو الأكثر منطقية من غيره.

و لا أحد يتمكن من أن يتهمّ الشيعة بضعف منطقهم؛لأن علماء الكلام من الشيعة

ص: 109

كانوا كالشموس الساطعة في عهدهم،سواء الذين عاصروا حياة الأئمة كمؤمن الطاق و هشام بن الحكم و سواء الذين جاؤوا بعد الأئمة كبني نوبخت و الشيخ المفيد و غيرهما و المتأخرين من علماء الكلام الشيعة كالمرحوم العلامة الحلّي و غيرهم.

ص: 110

نحن شيعة المنطق و الدليل

فنحن الشيعة أهل المنطق و أهل الاستدلال المنطقي و إن الكتب الخاصة بالشيعة مفعمة بالاستدلالات المنطقية القوية ككتب المرحوم شرف الدين و كتاب الغدير للمرحوم العلامة الأميني في عصرنا الحاضر التي تستند الى أدلة أقوى من الاسمنت المسلّح.

هذا هو التشيّع و ليس تلك الأعمال التي لا تستند إلى أي دليل و هي أشبه بشيء من الخرافات،فلماذا يروّجون هذه الأعمال؟إنه من الأخطار الكبرى التي يجب على علماء الدين و حماة العقيدة أن ينتبهوا إليها.

لقد أشرت إلى أنه قد يكون هناك من يقول من منطلق التعاطف أنه كان الأفضل أن لا يتطرّق فلان إلى هذه الامور في الوقت الحاضر،و لكن ليس الأمر بهذه الصورة.

كان عليّ أن أتطرّق إلى هذا الموضوع،فإنّ مسؤوليتي أكثر من الآخرين،كما أن على الآخرين أن يحذّروا من هذه الأعمال و عليكم أن تشيروا الى الامور،و إن الإمام الراحل-رضوان اللّه عليه-ذلك القائد الجرئ إنما كان يتصدّى بمنتهى القوة و دون أية اعتبارات لكل ثغرة تشمّ منها رائحة الانحراف،و لو كانت هذه الأعمال رائجة بهذه الصورة على عهده لتصدّى لها بلا ريب.

كما أن بعضا من الذين تعلّقوا بهذه الامور سيتأثّرون نفسيا و يقولون لماذا هذا الجفاء من فلان أزاء الامور التي نتعلّق بها؟و لماذا تطرّق لها بهذه اللهجة؟

و طبيعي أنّ هؤلاء في معظمهم من المؤمنين الصادقين إلاّ أنهم على خطأ

ص: 111

و اشتباه،و إنّ هذا الأمر مسؤولية كبير يتحمّلها السادة العلماء و الخطباء أينما كانوا.فمجلس العزاء على الحسين بن علي عليه السّلام هو ذلك المجلس الذي يجب أن يكون منشأ للمعرفة و متميّزا بالامور الثلاثة التي أشرت إليها آنفا (1).9.

ص: 112


1- ثورة عاشوراء شمس الشهادة:79.

العزاء و اللطم

أبعاد و مرامي المجالس الحسينية

قال الإمام الخميني (1):فقد ظهرت الآن فئة تقول:لنترك المجالس و قراءة المراثي،إنهم يجهلون أبعاد و مرامي المجالس الحسينية،و لا يعلمون أن ثورتنا هي امتداد لنهضة الحسين عليه السّلام و إنها تبع لتلك النهضة و شعاع من أشعتها،إنهم لا يعون أن البكاء على الحسين يعني أحياء لنهضته و إحياء لقضية إمكانية نهوض ثلة قليلة بوجه إمبراطورية كبرى،إن هذه القضية منهج حي لكل زمان و مكان،ف(كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء)جزء من حديث وارد عن الإمام الصادق عليه السلام(سادس أئمة الشيعة في العالم)منهج يعني أن علينا أن نستمر في الثورة و القيام و النهوض امتدادا لتلك النهضة في كل مكان و في كل يوم و طبقا لهذا المنهج فالإمام الحسين ثار بعدد قليل و ضحّى في سبيل الإسلام بكل شيء واقفا بوجه إمبراطورية كبرى ليقول"لا".

ص: 113


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

مدى أهمية مجالس العزاء

قال الإمام الخميني (1):إن ما أود أن أعرضه على السادة الخطباء هنا هو أن قيمة العمل الذي يقومون به و مدى أهمية مجالس العزاء لم تدرك إلا قليلا،و لربما لم تدرك بالمرة فالروايات التي تقول إن كل دمعة تذرف لمصاب الحسين عليه السّلام لها من الثواب كذا و كذا،و تلك الروايات التي تؤكد أن ثواب من بكى أو تباكى...لم تكن من باب أن سيد المظلومين عليه السّلام بحاجة إلى مثل هذا العمل،و لا لغرض أن ينالوا هم و سائر المسلمين هذا الأجر و الثواب بالرغم من أنّه محرز و لا شك فيه حتما،و لكن لم جعل هذا الثواب العظيم لمجالس العزاء؟و لماذا يجزي اللّه تبارك و تعالى من بكى أو تباكى بمثل هذا الثواب و الجزاء العظيم؟.

إن ذلك يتضح تدريجيا من ناحيته السياسية و سيعرف أكثر فيما بعد إن شاء اللّه،إن هذا الثواب المخصص للبكاء و مجالس العزاء،إنما يعطى-علاوة على الناحية العبادية و المعنوية-على الناحية السياسية،فهناك مغزى سياسي لهذه المجالس.

لقد قيلت هذه الروايات في وقت كانت هذه الفرقة الناجية مبتلاة بالحكم الأموي (بني أمية)هم حكام الإسلام من نسل أمية سيطروا على زمام حكم الممالك الإسلامية بعد الخلفاء الراشدين في عام 40 هجري(662 ميلادي)و استمر حكمهم حتى عام 132 هجري(750 ميلادي).و كان معاوية بن أبي سفيان المؤسس لدولة

ص: 114


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

بني أمية حيث أحيى هو و أهل بيته من جديد النظام الإقطاعي و الحكم الملكي الوراثي الذي يعارض بوضوح معتقدات المسلمين.و حدثت في عالم الإسلام خلال العصر الأموي وقائع اليمة منها المجازر و السجن و النفي ضد أتباع أهل بيت النبي و استشهاد الإمام الحسين عليه السّلام بواسطة عمّال يزيد(إبن معاوية).و أكثر منه بالحكم العباسي(بني عباس)هم سلسلة ما يسمى بالخلفاء المسلمين من أولاد العباس بن عبد المطلب و مؤسس هذه السلسلة هو عبد اللّه السفاح الذي ثار بدعم من الإيرانيين ضد جور و ظلم خلفاء بني أمية و استلم خلافة الممالك الإسلامية.و حكم من بني العباس 36"خليفة"منذ عام 132 ه ق و حتى عام 656 ه ق (750-1258 م).

و سيطروا على جزء من الممالك الإسلامية و آسيا الغربية.،و كانت فئة قليلة مستضعفة تواجه قوى كبرى.

لذا و بهدف بناء هذه الأقلية و تحويلها إلى حركة متجانسة،اختطّوا لها طريقا بناء،و تمّ ربطها بمنابع الوحي،و بيت النبوة و أئمة الهدى عليهم السّلام،فراحوا يخبرونهم بعظمة هذه المجالس و استحقاق الدموع التي تذرف فيها الثواب الجزيل مما جمع الشيعة-على الرغم من كونهم آنذاك أقلية مستضعفة-في تجمعات مذهبية و لربما لم يكن الكثير منهم يعرف حقيقة الأمر،و لكن الهدف كان بناء هيكل هذه الأقلية في مقابل الأكثرية.

و طوال التاريخ،كانت مجالس العزاء-هذه الوسائل التنظيمية-منتشرة في أرجاء البلدان الإسلامية،و في إيران التي صارت مهدا للإسلام و التشيع أخذت هذه المجالس تتحول إلى وسيلة لمواجهة الحكومات التي توالت على سدة الحكم ساعية لاستئصال الإسلام و قلعه من جذوره،و القضاء على العلماء،فهذه المجالس و المواكب هي التي تمكنت من الوقوف بوجهها و إخافتها.

ص: 115

في المرة الأولى التي اعتقلتني سلطات النظام الملكي (1)و جيء بي من قم إلى طهران قال لي بعض رجال أمنهم الذين اصطحبوني في السيارة:لقد جئنا لإلقاء القبض عليك و الخشية تملؤنا من أن يطلع على أمرنا أولئك الموجودون في تلك الخيم و التكايا بمدينة قم فنعجز حينذاك عن أداء مهمتنا.و خوف هؤلاء ليس بشيء، لكن القوى الكبرى تخشى هذه المواكب و المآتم،القوى الكبرى تخشى هذا التنظيم الذي لا يستند إلى يد واحدة تحركه،فالشعب يجتمع في هذه المجالس طواعية، و تنعقد هذه المجالس في كل أنحاء البلاد،في بلد مترامي الأطراف في أيام عاشوراء و خلال شهري محرم و صفر و في شهر رمضان المبارك فهذه المواكب و المآتم هي التي تجمع الناس.

و إذا كان هناك موضوع يراد منه خدمة الإسلام و إن أراد أمرؤ أن يتحدث عن قضية معينة نرى أن ذلك يتسنى له في كل أنحاء البلد بواسطة هؤلاء الخطباء و أئمة الجمعة و الجماعة فينتشر الموضوع المراد تبليغه للناس مرة واحدة في جميع أنحاء البلاد.و اجتماع الناس تحت هذا اللواء الإلهي،هذا اللواء الحسيني،هو الذي يؤدي إلى تعبئة الجماهير.

و لو أن القوى الكبرى عزمت على عقد مثل هذه التجمعات الجماهيرية الكبرىم.

ص: 116


1- تم اعتقال الإمام لأول مرة في الساعة الثالثة و النصف ليل الخامس من خرداد 1342 ه ش(5 حزيران 1963). و سبب اعتقاله هو الخطاب الحماسي و الشديد الذي ألقاه عصر يوم الثالث عشر من خرداد بمناسبة يوم عاشوراء«محرم 1383». و أشار الإمام في خطابه إلى الملك و إسرائيل معتبرا إياهما أساس المشاكل التي يعاني منها الشعب الإيراني.و أدى انتشار خبر اعتقال الإمام إلى إثارة سخط الشعب الشديد و كان سببا للانتفاضة الشاملة و الشعبية بتاريخ 15 خرداد فسالت الدماء بسبب القمع الذي مارسه جنود الملك و عملاءه.و استمر اعتقال الإمام(قده)مدة عشرة أشهر و اضطر نظام الشاه أخيرا بسبب ضغوط الرأي العالم إلى إطلاق سراحه بتاريخ 7 نيسان 1964 م.

في البلدان التي تحكمها فإن ذلك يحتاج منها إلى أعمال و نشاطات و جهود كبرى تستغرق عدة أيام أو عشرات الأيام فهي مضطرة و لأجل عقد تجمع جماهيري في مدينة من المدن يضم مثلا مائة ألف أو خمسين ألفا إلى إنفاق مبالغ طائلة و بذل جهود جبارة،لجمع الناس و جعلهم يستمعون لحديث محدثهم.

و لكنكم ترون كيف أن هذه المجالس و المواكب التي ربطت الجماهير ببعضهم، هذه المآتم التي حركت الجماهير،يلتئم شملها من جميع الشرائع الاجتماعية المعزيّة بمجرد أن يحصل أمر يستدعي التجمع،و ليس في مدينة واحدة بل في كل أنحاء البلاد،و دون الحاجة إلى بذل جهود كبرى أو إعلام واسع النطاق.

إن الناس يجتمعون على كلمة واحدة لمجرد أنهم يعتقدون أنها خرجت من فم الحسين سيد الشهداء(سلام اللّه عليه).في الرواية الواردة عن أحد الأئمة(و لعله الإمام الباقر سلام اللّه عليه هو محمد بن علي الملقب بالباقر عليه السّلام خامس إمام للشيعة في العالم(57 ه ق 114 ه ق).و عاش الإمام 57 سنة حياة مباركة و استمرت إمامته مدة 19 سنة.و أطلق عليه لقب باقر العلوم بسبب تبحّره في العلوم القرآنية و المعارف الإسلامية.و كان الناس يحبونه كثيرا لما له من نفوذ واسع بينهم و يستنبط من بعض النصوص أن قيادته الجماهيرية شملت مجالا أوسع من عالم الإسلام.،لا أذكر تماما)يوصي عليه السّلام أن يقام العزاء عليه و يرثى في منى"منى"مكان بالقرب من مكة يمارس فيه الحجاج الهدي.بعد وفاته،ليس ذلك لأن الأمام الباقر(سلام اللّه عليه)بحاجة إلىّ ذلك،أو أن هناك منفعة شخصية ستعود عليه عليه السّلام و لكن انظروا إلى الأثر السياسي لهذا الأمر،فعند ما يأتي الناس من كل أنحاء العالم لأداء مراسم الحج،و يجلس من يندب الإمام الباقر عليه السّلام و يقرأ المراثي بشأنه و يوضح جرائم مخالفيه و من سقوه كأس الشهادة فإن ذلك يخلق أمواجا من الغضب في كل أنحاء العالم،لكن البعض يستهينون بأهمية هذه المجالس.

ص: 117

قد يسمينا المتغربون ب(الشعب البكاء)و لعلّ البعض منا لا يتمكن من قبول أنّ دمعة واحدة لها كل هذا الثواب العظيم،لا يمكن إدراك عظمة الثواب المترتب على إقامة مجلس للعزاء،و الجزاء المعد لقراءة الأدعية،و الثواب المعد لمن يقرأ دعاء ذا سطرين مثلا.

ص: 118

البعد السياسي لمجالس العزاء

قال الإمام الخميني (1):إن المهم في الأمر هو البعد السياسي لهذه الأدعية و هذه الشعائر،المهم هو ذلك التوجه إلى اللّه و تمركز أنظار الناس إلى نقطة واحدة و هدف واحد،و هذا هو الذي يعبئ الشعب باتجاه هدف و غاية إسلامية فمجلس العزاء لا يهدف للبكاء على سيد الشهداء عليه السّلام و الحصول على الأجر-و طبعا فإن هذا حاصل و موجود-الأهم من ذلك هو البعد السياسي الذي خطط له أئمتنا عليهم السّلام في صدر الإسلام كي يدوم حتى النهاية و هو الاجتماع تحت لواء واحد و بهدف واحد،و لا يمكن لأي شيء آخر أن يحقق ذلك بالقدر الذي يفعله عزاء سيد الشهداء عليه السّلام.

كونوا على يقين من أنه لو لم تكن مواكب العزاء هذه موجودة و لو لم تكن المواكب و المراثي موجودة لما انطلقت انتفاضة 15 خرداد(5 حزيران 1963).

وجد النظام الملكي... (2)إن هذه المجالس التي تذكر فيها مصائب سيد

ص: 119


1- في كتابه نهضة عاشوراء.
2- و من أجل منع اتساع نهضة الإمام الخميني(س)أن لا سبيل أمامه سوى اعتقال الإمام و سجنه و ذلك بعد دراسة الموضوع و استشارة حماته الغربيين و قام جلاوزة الملك بمداهمة بيت الإمام في تمام الساعة الثالثة و النصف بعد منتصف ليل الخامس عشر من خرداد(5 حزيران 1963)و اعتقاله و نقله إلى طهران. و انتشر خبر اعتقال الإمام خلال مدة قصيرة في كل أنحاء البلاد.و خرجت الجماهير إلى الشوارع بمجرد سماعها بالخبر و ذلك صباح يوم الخامس عشر من خرداد لتعبر عن استنكارها لهذا الأمر. و قامت أكبر مظاهرة في مدينة قم حيث استشهد فيها عدد كبير من المتظاهرين بسبب تدخل الجيش و أعلن نظام الملك الأحكام العرفية في طهران و اشتدت عمليات قمع المتظاهرين في ذلك اليوم و اليوم الذي تلاه و قتل و جرح جلاوزة الحكم الآلاف من الأبرياء.و بسبب عظمة هذه الفاجعة فقد وصلت أخبارها إلى خارج إيران و لم تتمكن ملايين الدولارات التي كان الملك ينفقها سنويا في مجال الإعلام و الدعاية من التعتيم على خبر هذه الفاجعة الأليمة. و في بيان للإمام الخميني بعد انتصار الثورة الإسلامية و في الخامس عشر من خرداد(1979)وصف سماحته يوم 5 حزيران 1963 بأنه البداية للثورة الإسلامية و أعلن أن ذكرى 15 خرداد(5 حزيران) ستبقى يوما للحداد العام إلى الأبد. لم يكن لأية قدرة إمكانية تفجير انتفاضة(15 خرداد)سوى دم سيد الشهداء عليه السّلام كما ليس بإمكان أية قوة أن تحفظ هذا الشعب الذي هجمت عليه القوى العدوانية من كل حدب و صوب و تآمرت عليه سوى مجالس العزاء هذه.

المظلومين عليه السّلام و تظهر مظلومية ذلك المؤمن الذي ضحّى بنفسه و بأولاده و أنصاره في سبيل اللّه،هي التي خرّجت أولئك الشبان الذين يتحرقون شوقا للذهاب إلى الجبهات و يطلبون الشهادة و يفخرون بها،و تراهم يحزنون إذا هم لم يحصلوا عليها.

هذه المجالس هي التي خرّجت أمهات يفقدن أبناءهنّ ثم يقلن بأن لديهن غيرهم و أنهن مستعدات للتضحية بهم أيضا.

إنها مجالس سيد الشهداء عليه السّلام و مجالس الأدعية من دعاء كميل دعاء كميل من الأدعية المشهورة ينطوي على مفاهيم سامية و الدعاء المذكور بموجب الروايات الواردة هو دعاء الخضر عليه السّلام و قام الإمام علي عليه السّلام(الإمام الأول للشيعة في العالم) بتعليمه إلى كميل بن زياد الذي كان يعد من خواص الأصحاب للإمام.و يقرأ دعاء كميل في ليالي الجمع و ليلة النصف من شعبان(يوم ولادة صاحب العصر و الزمان المهدي الموعود)للحفظ من شر الأعداء و فتح أبواب الرزق و غفرانه.

ص: 120

الذنوب.و غيره،هي التي تصنع مثل هذه النماذج و تبنيها،و قد وضع الإسلام أساس ذلك منذ البداية و على هذه الركائز،و قدّر له أن يتقدم و بشق طريقة وفق هذا المنهج.

و لو كان هؤلاء يعلمون حقيقة و يدركون أهمية هذه المجالس و المواكب و قيمة هذا البكاء على الحسين عليه السّلام و الأجر المعدله عند اللّه لما سمّونا شعبا بكّاء بل لقالوا عنا شعب الملاحم.

لو فهموا الآثار التي تركتها أدعية الإمام السجاد عليه السّلام هو علي بن الحسين عليه السّلام الملقب بزين العابدين و المشهور بالإمام السجاد عليه السّلام رابع إمام للشيعة في العالم (ولادته 38 ه ق658/ م و وفاته 94 ه ق712/ م).

عاش الإمام السجاد أسوأ العهود التي مرت على أهل البيت عليهم السّلام و أدى قيام والده و النهاية المأساوية لتلك الانتفاضة في كربلاء إلى إحساس الناس بالخطيئة و شعورهم بالحقد و الاشمئزاز من بني أمية.و سخّر الإمام السجاد عليه السّلام هذا الإحساس و العامل النفسي لتنفير المسلمين من بني أمية و توسيع دائرة الجهاد ضدهم و حاول أن يبقي هذا الشعور بالذنب مشتعلا و زاد في لهيبه.و كانت إحدى الطرق التي استخدمها من أجل الوصول إلى هذا الهدف هو أسلوب الدعاء.و الأدعية الواردة عنه لها نوع من المعاني التي تكشف عن الأحداث الحاصلة في عصره و تحمل مفاهيم عظيمة في الدعوة و بناء أساس الأمة.و إن كتاب الصحيفة السجادية المعروفة بزبور آل محمد هو من آثار ذلك الإمام الهمام.و هذا الأثر يعد ثورة فكرية تختلف عن بقية الآثار لشموله على القواعد الأخلاقية و المبادئ و الفضائل و علوم التوحيد و غير ذلك.و كيف أن بإمكانها تعبئة الجماهير و تحريكهم و هو عليه السّلام الفاقد لتوه كل أهل بيته في كربلاء و الذي عاش في ظل حكومة مستبدة جائرة تفرض هيمنتها على كل شيء لما قالوا لنا ما جدوى هذه الأدعية.و لو أن مثقفينا أدركوا الأبعاد السياسية و الاجتماعية لهذه المجالس

ص: 121

و الأدعية و الأذكار لما قالوا:لم تفعلون كل هذه الأمور و تتمسكون بها.

لو أن المتغربين و المثقفين و جميع ذوي القدرة و القوة اجتمعوا لما تمكنوا أن يفجروا انتفاضة كتلك التي حصلت في 15 خرداد(5 حزيران 1963)و إن من يمتلك هذه القدرة على صنع حدث كهذا هو من اجتمع الجميع تحت لوائه.

إننا نصرخ بأننا نريد(الجمهورية الإسلامية و نريد الإسلام،لأننا رأينا أن الشعب بأسره التفّ حول الجمهورية الإسلامية و حول اسم(الإسلامية)بالذات و في سبيل اللّه،و لأننا رأينا أن الجماهير إنّما قامت في سبيل اللّه لأجل ذلك،و لأننا رأينا ما تتمتع به هذه الجمهورية الإسلامية من دعم من شعبنا و من سائر الشعوب.

ص: 122

أهمية هذه المجالس أنها أبقت الشعوب حية

قال الإمام الخميني (1):ليعلم شعبنا قيمة و أهمية هذه المجالس التي أبقت الشعوب حية،في أيام عاشوراء استشهد الإمام الحسين عليه السلام مع 72 نفرا من أنصاره في اليوم العاشر من المحرم عام 61 هجري قمري(680 م)و أطلق منذ ذلك التاريخ اسم"عاشوراء الحسين"أو"عاشوراء"على ذلك اليوم و يقيم الشيعة مجالس العزاء في العشرة الأولى من المحرم في كل سنة.بنسبة أكبر و في سائر الأيام بدرجة أقل و بهذا الشكل الذي نراه،و لو كان المبهورون بالغرب يعرفون البعد السياسي لها،و لو كانوا يدّعون-حقا-السعي لتحقيق مصالح الشعب و البلد لرغبوا هم فيها أيضا و لبادروا إلى إقامتها.

إنني آمل أن تقام هذه المجالس بشكل أفضل و على نطاق أوسع.و إن للجميع بدءا من الخطباء و انتهاء بقراء المراثي و القصائد دورا و تأثيرا في ذلك،فإن ذلك الذي يقف أسفل المنبر و يقرأ بعض الرثاء،و ذلك الذي يرتقي المنبر خطيبا،كلاهما له تأثيره و دوره الطبيعي و إن كان البعض لا يدرك قيمة عمله،من حيث لا يشعر.

لقد بلغنا مرحلة أقدم فيها شعبنا على صنع ثورة تفجّرت فيه قوى معينة بطريقة قلّ نظيرها في أي مكان،فقد كان هذا الشعب يعاني من التبعية في كل شؤونه،و كان النظام السابق قد عمل على سلبه كل شيء و تقديمه للأجانب حتى أفقد البلد شرفه الإنساني،ثم فجأة حصل الانفجار الشعبي الذي تمّ ببركة هذه

ص: 123


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

المجالس التي عمّت البلد من أقصاه إلى أدناه،تجمع الناس و توجهت أنظارهم إلى هدف واحد.

إن على السادة الخطباء و أئمة الجمعة و الجماعة أن يوضحوا هذه الأمور للناس أكثر من وضوحها لي،لا يظنوا أننا مجرد"شعب بكّاء"فإننا شعب تمكن بواسطة هذا البكاء و العزاء من الإطاحة بنظام عمّر ألفين و خمسمائة عام.

ص: 124

دروس من كربلاء

قال الإمام الخميني (1):لقد ضحّى شعبنا بأرواح أبنائه من الأطفال الخدج و حتى الشيوخ في سبيل اللّه تبارك و تعالى،إقتداء بسيد الشهداء(سلام اللّه عليه).

لقد علّم سيد الشهداء عليه السّلام الجميع ماذا ينبغي عليهم عمله في مقابل الظلم و الحكومات الجائرة.فرغم أنه كان يعلم منذ البداية أن عليه أن يضحي-في طريقه الذي سلكه-بجميع أنصاره و أهل بيته من أجل الإسلام،إلاّ أنه كان يعرف عاقبة هذا الطريق أيضا.

و لو لا نهضة الحسين عليه السّلام تلك لتمكن يزيد في عام 60 ه ق تربع يزيد بن معاوية(26 ه ق-62 ه ق)على عرش الخلافة بعد والده.و كان شابا لا يملك من العلم و الفضيلة أي شيء و اشتهر بالفسق و الفجور.استمر حكمه مدة ثلاث سنوات و نصف،إذ قتل في السنة الأولى الحسين بن علي عليه السّلام مع أصحابه و أنصاره،و استباح في السنة الثانية المدينة المنورة(محل حكم الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و اله و مكان دفنه)و هجم في السنة الثالثة على مكة المكرمة.و أتباعه من عرض الإسلام مقلوبا للناس،فهم لم يكونوا يؤمنون بالإسلام منذ البداية،و كانوا يكنون الحسد و الحقد لأولياء الإسلام.

لقد تمكن سيد الشهداء عليه السّلام من خلال تضحيته تلك-و علاوة على إلحاق الهزيمة بهم،و بعد زعزعة أركان حكومتهم أن أدرك الناس بعد برهة حقيقة

ص: 125


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

المصيبة العظمى التي حلّت بهم-إرشاد الجميع على مرّ التاريخ إلى الطريق الصائب الذي ينبغي أن يسلكوه.

لقد علّم عليه السّلام الناس أن لا يخشوا قلة العدد،فالعدد ليس هو الأساس،بل الأصل و المهم هو النوعية،و المهم هو كيفية التصدي للأعداء و النضال ضدهم و المقاومة بوجههم،فهذا هو الموصل إلى الهدف.من الممكن أن يكون عدد الأفراد كبيرا إلاّ أنّ نوعياتهم ليست بالمستوى المطلوب،و من الممكن أن يكون عددهم قليلا لكنهم أقوياء أشداء و شامخو الرؤوس.

و هكذا بالنسبة لوضعنا،فلتكن القوى الكبرى الشرقية و الغربية أعداء لثورتنا، و لتكتب جميع وسائل الإعلام العالمية ضد ثورتنا و لتلفق الأكاذيب،فإن الحقيقة واضحة و ستظهر و ستعرف.

و عند ما نهض الحسين عليه السّلام و استشهد مظلوما أطلق عليه البعض صفة (الخارجي)و اتهموه بالمروق عن طاعة"حكومة الحق القائمة آنذاك"لكن نور اللّه ساطع و سيبقى ساطعا و سيمتلئ العالم بنوره.

ما هو واجبنا و نحن على أعتاب شهر محرم الحرام؟و ما هو تكليف العلماء و الخطباء الكرام في هذا الشهر؟و ما هي وظيفة سائر شرائح الشعب و فئاته؟لقد حدد سيد الشهداء عليه السّلام و أنصاره و أهل بيته تكليفنا و هو التضحية في الميدان، و التبليغ في خارجه.

فنفس القيمة التي تمتلكها تضحية الحسين عليه السّلام عند اللّه تبارك و تعالى و نفس الدور الذي لعبته في تأجيج نهضته تملكها-أو تقاربها-خطب السجاد عليه السّلام و زينب عليها السّلام هي زينب(سلام اللّه عليها)الوليد الثالث للأمام علي عليه السّلام و فاطمة الزهراء سلام اللّه عليها(ولادتها عام 6 ه ق-وفاتها عام 65 ه ق)عاصرت زينب (سلام اللّه عليها)الأحداث التي جرت في عهد إمامة والدها و شقيقها الأكبر الإمام الحسن عليه السّلام و استشهاد هما.و حضرت فاجعة كربلاء و شاهدت استشهاد أخيها

ص: 126

و أبناء أخيها و أبنائها،و تبنت مسؤولية الإشراف على قافلة الأسرى بصبر لا نظير له و روحية كبيرة،و ذلك عند ما قام جيش يزيد بأسر عوائل الشهداء و المتبقين منهم عصر يوم عاشوراء و أوصلت نداء شهداء كربلاء إلى أغلب الذين واجهتهم على طول الطريق الذي قطعته القافلة من كربلاء إلى الكوفة أو لا ثم إلى الشام(مقر سلطة يزيد)ثانيا

و إن خطبها الثورية و المؤثرة في مجلس عبيد اللّه بن زياد(حاكم الكوفة)و يزيد (خليفة زمانه)معروفة للجميع.أيضا...فتأثيرها يعادل أو يقرب من تأثير تضحية الحسين عليه السّلام بدمه.

ص: 127

على النساء و الرجال ألا يخافوا في مواجهة حكومة الجور

قال الإمام الخميني (1):لقد أفهمنا سيد الشهداء عليه السّلام و أهل بيته و أصحابه،إنّ على النساء و الرجال ألا يخافوا في مواجهة حكومة الجور.فقد وقفت زينب(سلام اللّه عليها)في مقابل يزيد-و في مجلسه-و صرخت بوجهه و أهانته و أشبعته تحقيرا لم يتعرض له جميع بني أمية طرا في حياتهم.كما أنها عليها السلام و السجاد عليه السّلام تحدثا و خطبا في الناس أثناء الطريق و في الكوفة و الشام،فقد ارتقى الإمام السجاد-سلام اللّه عليه-المنبر و أوضح حقيقة و أكد أن الأمر ليس قياما لأتباع الباطل بوجه أتباع الحق،و أشار إلى أن الأعداء قد شوّهوا سمعتهم و حاولوا أن يتهموا الحسين عليه السّلام بالخروج على الحكومة القائمة و على خليفة رسول اللّه!!لقد أعلن الإمام السجاد عليه السّلام الحقيقة بصراحة على رؤوس الأشهاد،و هكذا فعلت زينب عليها السّلام أيضا.

و هكذا هو الأمر اليوم في بلدنا،فسيد الشهداء عليه السّلام قد حدد تكليفنا،فلا تخشوا من قلة العدد و لا من الاستشهاد في ميدان الحرب،فكلما عظم هدف الإنسان و سمت غايته كان عليه أن يتحمل المشاق أكثر بنفس النسبة،فنحن لم ندرك بعد جيّدا حجم الانتصار الذي حققناه،و سيدرك العالم فيما بعد عظمة النصر الذي حققه الشعب الإيراني.

و بنفس العظمة التي يتميز بها هذا النصر و الجهاد يكون حجم المصائب

ص: 128


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

و التحديات.و ينبغي أن لا نتوقع أن لا تمسنا القوى الكبرى-التي قطعنا أيديها عن بلدنا و سنقطعها إن شاء اللّه عن باقي دول المنطقة-بأي سوء أو أذى،و علينا أن لا نتوقع بعد تحقيقنا لهذه الانتصارات أن نبقى نرفل بالسلامة كما كنا في السابق.

على جميع العلماء و الخطباء و أئمة الجمعة و الجماعة و كل من من شأنه الحديث مع الناس أن يوضحوا لهم كيف حصلت نهضة سيد الشهداء عليه السّلام و حقيقة هذه النهضة و غايتها و قلة عدد الأنصار الذين خرجوا مع الحسين عليه السّلام و ما هي المصائب التي انطوت عليها تلك النهضة و كيف بلغت نهايتها و كيف أنها لن تنتهي.

إن علينا و على جميع الخطباء الالتفات إلى هذه النقطة و هي أنه لو لم تقع نهضة سيد الشهداء عليه السّلام لما استطعنا نحن اليوم أن نحقق النصر،فوحدة الكلمة التي كانت السبب في انتصار ثورتنا تعود إلى مجالس العزاء،ففيها تم التبليغ للإسلام و الترويج له.

لقد هيأ سيد المظلومين عليه السّلام للجماهير وسيلة مكّنتها من عقد اجتماعاتها بسهولة و دون الحاجة إلى بذل جهود كبرى.و الإسلام جعل من المساجد خنادق و وسائل،لأن هذه المساجد و التجمعات و صلوات الجمعة و الجماعة هيأت جميع ما يراد لتحقيق ما فيه مصلحة الإسلام و ما يقيض أسباب تقدم النهضة إلى الإمام، و خصوصا مما تعلمناه من سيد الشهداء عليه السّلام مما ينبغي عمله في ساحة الحرب و خارجها،و ماذا يجب أن يعمله أولئك الذين يخوضون غمار الكفاح المسلح،و ما هي واجبات المبلّغين خلف جبهات القتال و كيف يقومون بذلك.

ص: 129

علمنا الحسين عليه السلام كيفية الجهاد و المواجهة

قال الإمام الخميني (1):لقد تعلمنا من الحسين عليه السّلام كيفية النضال و الجهاد و كيفية المواجهة بين قلة من الناس و كثرة كاثرة،و كيفية الوقوف بوجه حكومة تعسفية جائرة تسيطر على كل مكان،كيف نقوم بذلك بعدد قليل...هذه أمور علّمها سيد الشهداء عليه السّلام لأبناء شعبنا كما أن نجله الإمام السجاد عليه السّلام و سائر أهل بيته عليهم السّلام علّمونا ماذا ينبغي عمله بعد وقوع المصيبة هل ينبغي الاستسلام؟هل يجب التخفيف و التقليل من النضال و الجهاد؟أم علينا أن نقتدي بزينب(سلام اللّه عليها)التي حلّ بها مصاب تصغر عنده المصائب فوقفت بوجه الكفر و الزندقة و تكلمت و خطبت كلما تطلّب الموقف و أوضحت الحقائق،تماما كما مارس الإمام علي بن الحسين دوره التبليغي رغم الذي كان يعاني منه.

إنكم أيها السادة العلماء و جميع العلماء الموجودين في أنحاء البلاد مكلفون بحفظ هذه النعمة الإلهية و هذه المنحة الربانية،مطالبون بشكر اللّه عليها،و الشكر إنما يتحقق بممارسة التبليغ،بيّنوا للناس و أفهموهم ما فعله سيد الشهداء عليه السّلام و ما كان يريد تحقيقه و الطريق الذي سلكه و النصر الذي تحقق له و للإسلام بعد شهادته،وضّحوا لهم أن ما فعله سيد الشهداء عليه السّلام هو الجهاد من أجل الإسلام، و أنه كان يعلم أنه لن يتمكن بما تهيأ له من عدد قليل يقل عن المائة شخص من التغلب على ذلك النظام الظالم الذي يملك كل شيء.

ص: 130


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

عليكم أن تمارسوا التبليغ،فها قد جاء شهر محرم و عليكم إحياؤه،فكل ما لدينا هو من محرم،و من هذه المجالس.فحتى مجالس التبليغ تهيأت لنا هي الأخرى من شهر محرم و هي من ثمار مقتل سيد الشهداء عليه السّلام و استشهاده.

ص: 131

قصة في أهمية اللطم و العزاء و أثر هما

قيل أنه كان العبد الورع رحيم اسماعيل بك يحب أهل البيت حبا جما و يتوسل بهم كثيرا و هو في سن السادسة من عمره أصيب بمرض في عينه أدى إلى العمى.

و كان يحضر مجالس العزاء باستمرار و في أحد المجالس عند خاله طب من خاله أن يوزع الماء بمساعدة أحدهم فساعده خاله و ابتدأ العزاء و كان عن زينب فتألم كثيرا و أخذه البكاء على الحوراء و مصائبها حتى أغمي عليه فرآها في المنام تمسح على عينيه و قالت له لقد شفيت و لن يمرضا أبدا بعدها.

فلما أفاق أخبر خاله فأخذوا يهللون و يكبّرون و يصلّون على النبي و آله.

و فعلا عند ما كان يعمل في أحد المختبرات إحترق هذا العبد الصالح باستثناء عينيه فكان الأطباء يتعجبون من ذلك فيجيبهم بأنها المعجزة الحسينية و شفي بعدها..

ص: 132

ثواب إنشاد الشّعر في رثاء الحسين عليه السلام

قال الإمام الصّادق عليه السّلام-لجعفر بن عفّان الطّائيّ-بلغني أنّك تقول الشّعر في الحسين عليه السّلام و تجيد،قال:نعم،فأنشده فبكى و من حوله حتّى سالت الدّموع على وجهه و لحيته (1).

و عنه عليه السّلام:من أنشد في الحسين عليه السّلام بيتا من شعر فبكى و أبكى عشرة فله و لهم الجنّة (2).

و في الأمالي عن أبي عمارة المنشد عن الصادق عليه السّلام أنّه قال لي:يا عمارة أنشدني في الحسين،فأنشدته،فبكى فما زلت أنشده و يبكي حتّى سمعت البكاء من الدار فقال:يا أبا عمارة من أنشد في الحسين فأبكى خمسين فله الجنّة إلى أن قال:

و من أنشد في الحسين فأبكى واحدا فله الجنّة و من أنشد فبكى أو تباكى فله الجنّة (3).

و عن زيد الشحّام قال:كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام و نحن جماعة فدخل جعفر بن عفّان فأدناه إليه ثمّ قال:يا جعفر بلغني أنّك تقول الشعر في الحسين و تجيد؟

فقال:نعم جعلني اللّه فداك،قال:قل،فأنشدته،فبكى و من حوله ثمّ قال:و اللّه شهدت ملائكة اللّه المقرّبون هاهنا يسمعون قولك في الحسين و لقد بكوا كما بكينا

ص: 133


1- الوسائل:1/464/10.
2- ثواب الأعمال:3/110.
3- أمالي الصدوق:205 ح 222.

و أكثر و لقد أوجب اللّه لك الجنّة (1).

و عن إبراهيم بن أبي محمود قال:قال الرضا عليه السّلام إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال فاستحلّت فيه دماؤنا و هتكت فيه حرمتنا و سبي فيه ذرارينا و نساؤنا و أضرمت النيران في مضاربنا و انتهب ما فيه من ثقلنا و لم ترع لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حرمة في أمرنا إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا و أسبل دموعنا و أذلّ عزيزنا،يا أرض كربلاء أو رثتينا الكرب و البلاء إلى يوم الإنقضاء فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام ثمّ كان أبي عليه السّلام إذا دخل شهر المحرّم لا يرى ضاحكا و كان الحزن يغلب عليه حتّى تمضي منه عشرة أيّام فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته و حزنه و بكائه و يقول هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السّلام (2).

و فيه أيضا عن الرّيان بن شبيب قال:دخلت على الرضا عليه السّلام في أوّل يوم من المحرّم فقال لي:أصائم أنت؟

فقلت:لا،فقال إنّ هذا هو اليوم الذي دعى فيه زكريا فقال:ربّ هب لي من لدنك ذريّة طيّبة فاستجاب اللّه له و نادته الملائكة أنّ اللّه يبشّرك بيحيى فمن صام هذا اليوم ثمّ دعى استجاب اللّه له كما استجاب لزكريا،يابن شبيب إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين فإنّه ذبح كما يذبح الكبش و قتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا و لقد بكت السماوات السبع و الأرضون لقتله و لقد نزل إلى الأرض الملائكة أربعة آلاف لنصره فوجدوه قد قتل فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم فيكونوا من أنصاره و شعارهم يالثارات الحسين.9.

ص: 134


1- البحار:283/44.
2- أمالي الصدوق:190 ح 199.

يابن شبيب لمّا قتل جدّي الحسين أمطرت السماء دما و ترابا أحمرا،يابن شبيب إن بكيت على الحسين حتّى تصير دموعك على خدّيك غفر اللّه لك كلّ ذنب أذنبته صغيرا كان أو كبيرا و إن سرّك أن تلقى اللّه عزّ و جلّ و لا ذنب عليك فزر الحسين عليه السّلام و إن سرّك أن تسكن الغرف المبنيّة في الجنّة مع النبيّ و آله صلوات اللّه عليهم فالعن قتلة الحسين،و إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين فقل متى ما ذكرته:يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما،و إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات من الجنان فاحزن لحزننا و افرح لفرحنا و عليك بولايتنا فلو أنّ رجلا تولّى حجرا لحشره اللّه معه يوم القيامة (1).

و عن أبي هارون المكفوف قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال:أنشدني فأنشدته فقال:لا،كما تنشدون و كما ترثيه عند قبره فأنشدته،فلمّا بكى أمسكت فقال:مر فمررت،فبكى و بكت السماء،فلمّا سكتنا قال:يا أبا هارون من أنشد في الحسين فأبكى عشرة إلى أن بلغ الواحد فله الجنّة (2).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:لكلّ شيء ثواب إلاّ الدمعة فينا،يعني ليس له ثواب مقرّر بل ثوابه لا يحصى (3).

و عن ابن عبّاس قال:قال عليّ عليه السّلام لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:إنّك لتحبّ عقيلا؟

قال:إي و اللّه إنّي لأحبّه حبّين حبّا له و حبّا لحبّ أبي طالب له و أنّ ولده المقتول في محبّة ولدك فتدمع عليه عيون المؤمنين و تصلّي عليه الملائكة المقرّبون (4).

و عن أبي هارون المكفوف قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:أنشدني في الحسين0.

ص: 135


1- أمالي الصدوق:193 ح 202.
2- البحار:287/44.
3- كامل الزيارات:211 ح 302.
4- أمالي الصدوق:191 ح 200.

فأنشدته فقال:أنشدني كما تنشدون يعني بالرّقة (1)فأنشدته،فبكى و سمعت البكاء من خلف الستر (2).

و عن مسمع كردين قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:أنت من أهل العراق أما تأتي قبر الحسين؟قلت:لا أنا رجل مشهور من أهل البصرة و عندنا من يتّبع هوى هذا الخليفة و أعداؤنا كثيرة قال لي:أفما تذكر ما صنع به؟قلت:بلى،قال:فتجزع؟قلت:

إي و اللّه حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليّ،قال:أما أنّك من الذين يعدون في أهل الجزع لنا إنّك سترى عند موتك حضور آبائي لك و وصيّتهم ملك الموت بك و ما يلقونك به من البشارة ما تقرّ به عينك فملك الموت أرقّ عليك من الامّ الشفيقة على ولدها.

ثمّ قال:يا مسمع إنّ الأرض و السماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا و ما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا و ما بكى أحد رحمة لنا إلاّ رحمه اللّه قبل أن تخرج الدمعة من عينه فإذا سالت دموعه على خدّه فلو أنّ قطرة من دموعه سقطت في جهنّم لأطفأت حرّها و أنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض و أنّ الشارب منه ليعطى من اللّذة و الطّعم و الشهوة له أكثر ممّا يعطاه من هو دونه في حبّنا و أنّ على الكوثر أمير المؤمنين و في يده عصا من عوسج يحطّم بها أعداءنا فيقول الرجل منهم إنّي أشهد الشهادتين فيقول:إنطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك فيقول:يتبرّأ منّي إمامي الذي تذكره فيقول:إرجع إليه و اسأله الشفاعة فيقول إنّي أهلك عطشا فيقول:

زادك اللّه عطشا،قلت:و كيف يقدر على الدنوّ من الحوض و لم يقدر عليه غيره؟

قال:ورع عن أشياء قبيحة و كفّ عن شتمنا إذا ذكرنا و ليس ذلك لحبّنا و لكن7.

ص: 136


1- الرّقة بالكسر و يراد به الخون و هو عبارة عن الإنشاد بالصوت كما هو المتعارف في هذه الأعصار و ما قبلها و من ثمّ استثنى فقهاؤنا رضوان اللّه عليهم من الغنا مراثي الحسين عليه السّلام.
2- كامل الزيارات:208 ح 297.

لشدّة اجتهاده في عبادته و تديّنه فأمّا قلبه فمنافق و دينه النصب و ولاية الماضين و تقدّمه لهما على كلّ أحد،انتهى ملخّصا (1).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:إنّ البكاء و الجزع مكروه للعبد في كلّما جزع ما خلا البكاء على الحسين فإنّه فيه مأجور (2).

و عن عبد اللّه بن بكر قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:لو نبش قبر الحسين بن علي هل كان يصاب في قبره شيء؟

فقال:ما أعظم مسائلك إنّ الحسين بن عليّ و امّه و أخيه في منزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و معه يرزقون و يحبرون و أنّه لعن يمين العرش متعلّق به يقول:يا ربّ انجز لي ما وعدتني و إنّه لينظر إلى زوّاره و أنه أعرف بهم و بأسمائهم و أسماء آبائهم و ما في رحالهم من أحدهم بولده،و إنه ينظر الى من يبكيه فيستغفر له (3).

و روي أنّه لمّا أخبر النبّي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ابنته فاطمة بقتل ولدها بكت بكاء شديدا و قالت؛ يا أبت فمن يبكي عليه و من يلتزم بإقامة العزاء له؟

فقال صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا فاطمة إنّ نساء أمّتي يبكين على نساء أهل بيتي و رجالهم يبكون على رجال أهل بيتي و يجدّدون العزاء جيلا بعد جيل في كلّ سنة فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء و أنا أشفع للرّجال و كلّ من بكى على مصاب الحسين أخذنا بيده و أدخلناه الجنّة،يا فاطمة كلّ عين باكية يوم القيامة إلاّ عين بكت على مصاب الحسين عليه السّلام فإنّها ضاحكة مستبشرة (4).

و روي أنّه حكي عن السيّد الحسيني قال:كنت مجاورا في المشهد الرضوي، فلمّا كان يوم عاشوراء قرأ رجل من أصحابنا مقتل الحسين فوردت رواية عن4.

ص: 137


1- كامل الزيارات:205 ح 219.
2- وسائل الشيعة:507/14 ح 19702.
3- كامل الزيارات:206 ح 292.
4- البحار:293/44.

الباقر عليه السّلام إنّه قال:من زرقت عيناه على مصاب الحسين عليه السّلام و لو مثل جناح البعوضة غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر و كان في المجلس معنا جاهل مركّب يدّعي العلم و لا يعرفه فقال:هذا ليس بصحيح و العقل لا يعتقده فنام تلك الليلة و رأى في المنام كأنّ القيامة قامت و حشر الناس و أسعرت النيران فإذا هو يطلب الماء عطشا و إذا بحوض طويل عريض فقال:هذا هو الكوثر و إذا عند الحوض رجلان و امرأة أنوارهم تشرق على الخلائق و هم مع ذلك لابسون السواد محزونون فسألت عنهم فقيل لي:هذا رسول اللّه و هذا أمير المؤمنين و هذه فاطمة الزهراء و هم محزونون لأنّه يوم عاشوراء فدنوت إلى فاطمة عليها السّلام و قلت:إنّي عطشان فنظرت إليّ شزرا و قالت لي:أنت الذي تنكر فضل البكاء على مصاب الحسين؟

قال:فانتبهت من نومي فزعا مرعوبا و استغفرت اللّه كثيرا و ندمت على ما كان منّي و أتيت أصحابي و أخبرتهم برؤياي. (1)

و في كتاب علل الشرائع بإسناده إلى عبد اللّه بن الفضل قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة و غمّ و جزع و بكاء دون اليوم الذي قبض فيه رسول اللّه و يوم فاطمة و يوم قتل أمير المؤمنين و الحسن عليهم السّلام؟

قال:إنّ يوم قتل الحسين أعظم مصيبة من سائر الأيّام و ذلك أنّ أصحاب الكساء الذين كانوا أكرم الخلق على اللّه عزّ و جلّ كانوا خمسة،فلمّا مضى منهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بقيوا أربعة و كان فيهم للناس عزاء و سلوة،فلمّا مضى أمير المؤمنين عليه السّلام كان للناس في الحسن و الحسين عزاء و سلوة،فلمّا مضى الحسن عليه السّلام كان للناس في الحسين عزاء و سلوة،فلمّا قتل الحسين عليه السّلام لم يكن بقي من أصحاب الكساء من فيه عزاء و سلوة فكان كذهاب جميعهم كما كان بقاؤه4.

ص: 138


1- البحار:293/44.

كبقاء جميعهم فلذلك صار يومه أعظم الأيّام مصيبة.

قلت:فلم يكن للناس في عليّ بن الحسين ما كان لهم في آبائه عليهم السّلام؟

قال:بلى إنّ عليّ بن الحسين كان إماما و حجّة على الخلق بعد آبائه و لكنّه لم يلق رسول اللّه و لم يسمع منه و كان علمه وراثة عن أبيه عن جدّه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و كان أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين قد شاهدهم الناس مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في أحوال تتوالى فكانوا متى نظروا إلى واحد منهم تذكّروا حاله مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قول رسول اللّه فيه،فلمّا مضوا فقد الناس مشاهدة الأكرمين على اللّه عزّ و جلّ و لم يكن في أحد منهم فقد جميعهم إلاّ في فقد الحسين عليه السّلام لأنّه مضى في آخرهم و لذلك صار يومه أعظم الأيّام مصيبة.

فقلت:أين رسول اللّه كيف سمّت العامّة يوم عاشوراء يوم بركة؟فبكى عليه السّلام و قال:لمّا قتل الحسين عليه السّلام تقرّب الناس بالشام إلى يزيد فوضعوا له الأخبار و أخذوا عليها الجوائز من الأموال فكان ممّا وضعوا له أمر هذا اليوم و أنّه يوم بركة ليعدل الناس فيه من الجزع و البكاء و المصيبة و الحزن إلى الفرح و السرور و التبرّك، حكم اللّه بيننا و بينهم،ثمّ قال:و إنّ ذلك لأقلّ ضررا على الإسلام و أهله ممّا وضعه قوم انتحلوا مودّتنا و زعموا أنّهم يدينون بموالاتنا و يقولون بإمامتنا من أنّ الحسين عليه السّلام لم يقتل و كذّبوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و الائمّة عليهم السّلام في إخبارهم بقتله و من كذّبهم فهو كافر باللّه العليّ العظيم و دمه مباح لكلّ من سمع ذلك منه (1).1.

ص: 139


1- علل الشرائع:227/1 ح 1.

البكاء على الإمام الحسين عليه السلام

في الأمالي عن الفضيل بن يسار قال:قلت للصادق عليه السّلام:إنّي أحضر مجالس هؤلاء القوم-يعني المخالفين-فأذكركم في نفسي فأيّ شيء أقول؟

فقال:قل اللّهم أرنا الرخاء و السرور فإنّك تأتي على ما تريد،قلت:فإنّي أذكر الحسين فأيّ شيء أقول؟

فقال:قل صلّى اللّه عليك يا أبا عبد اللّه تكرّرها ثلاثا،ثمّ قال:لمّا قتل الحسين عليه السّلام بكى عليه كلّ شيء إلاّ ثلاثة أشياء:البصرة و دمشق و آل الحكم بن أبي العاص.

أقول:يجوز أن يراد أهل البصرة و أهل دمشق على حذف المضاف و يجوز أن يراد أرضها لما مرّ من أنّ الأرض كلّها بكت عليه مع أهلها.

و في حديث ميثم التمّار إنّه يبكي على الحسين عليه السّلام الوحوش في الفلوات و الحيتان في البحر و الطير في السماء و يبكي عليه الشمس و القمر و النجوم و السماء و الأرض و الإنس و الجنّ و الملائكة و الأرضون و مالك و حملة العرش و تمطر السماء دما و رمادا.

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:بعث هشام بن عبد الملك إلى أبي فأشخصه إلى الشام فقال:يا أبا جعفر نريد أن نسألك مسألة؟

فقال:نعم،قال:أخبرني عن الليلة التي قتل فيها عليّ بن أبي طالب ثمّ استدلّ به الغائب عن الكوفة على قتله؟

قال:إنّه لمّا كان تلك الليلة التي قتل فيها عليّ بن أبي طالب لم يرفع حجر عن وجه الأرض إلاّ وجد تحته دم عبيط حتّى طلع الفجر و كذلك الليلة التي قتل فيها هارون

ص: 140

أخو موسى و كذلك الليلة التي قتل فيها يوشع بن نون و كذلك الليلة التي قتل فيها شمعون و كذلك الليلة التي قتل فيها الحسين بن عليّ عليه السّلام،فتغيّر وجه هشام و قال لأبي:أعطني ميثاقا أن لا توقع هذا الحديث إلى أحد حتّى أموت فأعطاه أبي ما أرضاه (1).

و عن أحمد بن عبد اللّه بإسناده إلى رجل من أهل بيت المقدس قال:و اللّه لقد عرفنا أهل بيت المقدس و نواحيها عشية قتل الحسين و ذلك إنّا ما رفعنا حجرا و لا مدرا إلاّ و رأينا تحتها ما يغلي و احمرّت الحيطان كالدم و مطرنا ثلاثة أيّام دما عبيطا و سمعنا مناديا ينادي في جوف الليل شعرا:

أترجو امّة قتلت حسينا شفاعة جدّه يوم الحساب

معاذ اللّه لا نلتم يقينا شفاعة أحمد و أبي تراب

قتلتم خير من ركب المطايا و خير الشيب طرّا و الشباب

و انكسفت الشمس ثلاثة أيّام و اشتبكت النجوم،فلمّا كان من الغد رجفنا بقتله حتّى أتانا الخبر اليقين (2).

و عن الحارث الأعور قال:قال أمير المؤمنين عليه السّلام:بأبي و امّي الحسين المقتول بظهر الكوفة و اللّه كأنّي أنظر إلى الوحوش مادّة أعناقها على قبره يبكونه و يرثونه حتّى الصباح فإذا كان كذلك فإيّاكم و الجفاء (3).

و عن زرارة بن أعين قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا زرارة إنّ السماء بكت على الحسين أربعين صباحا بالدم و أنّ الأرض بكت أربعين صباحا بالسواد و أنّ الشمس بكت أربعين صباحا بالكسوف و الحمرة و أنّ الجبال تقطّعت و انتثرت و أنّ3.

ص: 141


1- كامل الزيارات:159 ح 1.
2- كامل الزيارات:159 ح 2.
3- كامل الزيارات:166 ح 3.

البحار تفجّرت و أنّ الملائكة بكت أربعين صباحا و ما اختضبت منّا امرأة و لا اكتحلت حتّى أتانا رأس عبيد اللّه بن زياد و كان جدّي إذا ذكره بكى حتّى يبكي لبكائه من رآه و أنّ الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كلّ من في الهواء و السماء من الملائكة،و لقد خرجت نفسه صلّى اللّه عليه فزفرت جهنّم زفرة كادت الأرض تنشقّ لزفرتها،و لقد خرجت نفس ابن زياد فشهقت جهنّم شهقة لو لا أنّ اللّه حبسها بخزّانها لأحرقت من على ظهر الأرض من فورها و لقد عتت على الخزّان غير مرّة حتّى أتاها جبرائيل فضربها بجناحه و أنّها لتبكيه و تندبه و تتلظّى على قاتله و ما عين أحبّ إلى اللّه من عين بكت على الحسين و ما من باك يبكيه إلاّ و قد وصل فاطمة و أسعدها و وصل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أدّى حقّنا،و ما من عبد يحشر إلاّ و عيناه باكية إلاّ الباكين على جدّي فإنّه يحشر و البشارة تلقاه و الخلق يعرضون و هم جالسون مع الحسين عليه السّلام في ظلّ العرش لا يخافون سوء الحساب يقال لهم:

أدخلوا الجنّة فيأبون و يختارون مجلسه و حديثه و أنّ الحور لترسل إليهم:إنّا قد اشتقنا إليكم مع الولدان المخلّدين فما يرفعون رؤوسهم إليهم لما يرون في مجلسهم من السرور و الكرامة و أنّ أعداءهم من بين مسحوب بناصيته إلى النار و من قائل مالنا من شافعين و إنّ الملائكة لتأتيهم بالرسالة من أزواجهم،فيقولون نأتيكم إن شاء اللّه فيرجعون إلى أزواجهم بمقالاتهم فيزدادون إليهم شوقا إذا هم أخبروهم بما هم فيه من الكرامة و قربهم من الحسين عليه السّلام ثمّ يؤتون بالمراكب و النوق فيركبون عليها و هم في الثناء على اللّه و الصلاة على محمّد و على آله حتّى ينتهوا إلى منازلهم (1).

و عن أبي بصير قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام احدّثه فدخل عليه ابنه فقال له:

مرحبا و ضمّه و قبّله و قال:لعن اللّه من قتلكم فقد طال بكاء النساء و بكاء الأنبياء8.

ص: 142


1- كامل الزيارات:168 ح 8.

و الصدّيقين و الشهداء و ملائكة السماء ثمّ بكى و قال:يا أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أتى إلى أبيهم و إليهم،يا أبا بصير إنّ فاطمة لتبكي الحسين و تشهق فتزفر جهنّم زفرة لو لا أنّ الخزنة يسمعون بكاءها و قد استعدّوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق أو يشرد دخانها فيحرق أهل الأرض فيردون جهنّم ما كانت باكية و يوثقون أبوابها مخافة على أهل الأرض فلا تسكن حتّى يسكن صوت فاطمة. (1).

و عنه عليه السّلام قال:إنّ السماء بكت على الحسين و يحيى بن زكريا قيل:ما بكاؤها؟

قال:مكثورا أربعين يوما تطلع الشمس بحمرة و تغرب بحمرة فذلك بكاؤها (2).

و في حديث آخر أنّها بكت مع الأرض و الطيور و غيرها حتّى تقاطر دمعها.

و روي أنّه لمّا قتل الحسين عليه السّلام أمطرت السماء ترابا أحمر (3).

و عن عليّ بن الحسين عليه السّلام:أنّ السماء بكت على الحسين و بكاءها كانت إذا استقبلت بالثوب وقع على الثوب شبه أثر البراغيث من الدم (4).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:احمرّت السماء حين قتل الحسين عليه السّلام سنة (5).

و في كتاب دلائل النبوّة قالت نصرة الأزدية:لمّا قتل الحسين عليه السّلام أمطرت السماء دما و حبابنا و جرارنا صارت مملوّة دما و مطرت السماء يوما نصف النهار على شملة بيضاء فنظرت فإذا هو دم و ذهبت الإبل إلى الوادي لتشرب فإذا هو دم و إذا هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السّلام (6).3.

ص: 143


1- مستدرك الوسائل:315/10.
2- كامل الزيارات:181 ح 6.
3- كامل الزيارات:183 ح 13.
4- كامل الزيارات:183 ح 14.
5- مدينة المعاجز:144/4.
6- مناقب آل أبي طالب:212/3.

و عن امّ سليم قالت:لمّا قتل الحسين عليه السّلام مطرت السماء مطرا كالدم احمرّت منه البيوت و الحيطان (1).

و عن أبي قبيل:لمّا قتل الحسين عليه السّلام كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتّى ظنّنا أنّها القيامة (2).

و روى الثعلبي أنّ الحمرة التي مع الشفق لم تكن قبل قتل الحسين عليه السّلام (3).

و في الأمالي عن الصادق عليه السّلام قال:لمّا ضرب الحسين عليه السّلام بالسيف ثمّ ابتدر ليقطع رأسه نادى مناد من بطنان العرش:ألا أيّتها الامّة المتحيّرة القاتلة عترة نبيّها لا وفّقكم اللّه لا لأضحى و لا فطر و اللّه ما وفّقوا و لا يوفّقون أبدا حتّى يقوم ثائر الحسين عليه السّلام (4).

و عنه عليه السّلام أنّ الحسين عليه السّلام دخل يوما إلى أخيه الحسن،فلمّا نظر إليه بكى فقال:

ما يبكيك يا أبا عبد اللّه؟

قال:أبكي لما يصنع بك،فقال:إنّ الذي يؤتى إليّ سمّ يدسّ إليّ فأقتل به و لا يوم كيومك يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنّهم من امّة جدّنا محمّد يجتمعون على قتلك و سفك دمك و انتهاك حرمتك و سبي ذراريك و انتهاب ثقلك فعندها تحلّ ببني اميّة اللعنة و تمطر السماء رمادا و دما و يبكي عليك كلّ شيء حتّى الوحوش في الفلوات و الحيتان في البحار (5).

و عنه عليه السّلام إنّ أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين عليه السّلام و هبطوا8.

ص: 144


1- شرح الاخبار:166/3.
2- مناقب آل أبي طالب:212/3.
3- مناقب آل أبي طالب:212/3.
4- أمالي الصدوق:232.
5- مناقب آل أبي طالب/:3 238.

و قد قتل فهم عند قبره يبكونه إلى يوم القيامة و رئيسهم ملك يقال له:منصور (1).

و في الأمالي بإسناده إلى عليّ عليه السّلام قال:زارنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ذات يوم فقدّمنا إليه طعاما فأكل منه،فلمّا غسل يديه مسح وجهه و لحيته ببلّة يديه ثمّ قام إلى مسجد في جانب البيت فخرّ ساجدا فبكى فأطال البكاء،ثمّ رفع رأسه فما اجترأ منّا أهل البيت أحد يسأله عن شيء،فقام الحسين يدرج حتّى صعد على فخذي رسول اللّه فأخذ برأسه إلى صدره و قال:يا أبه ما يبكيك؟

فقال:يا بنيّ إنّي نظرت إليكم اليوم فسررت بكم سرورا لم أسر بكم قبله مثله، فهبط إليّ جبرئيل فأخبرني إنّكم قتلى و أنّ مصارعكم شتّى فقال:يا أبه ما لمن يزور قبورنا و يتعاهدها على تشتّتها؟

قال:طوائف من امّتي يريدون بذلك برّي وصلتي أتعاهدهم في الموقف و آخذ بأعضادهم فأنجيهم من أهواله و شدائده (2).

و روي أنّه لمّا أتى الحسين عليه السّلام سنتان خرج النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إلى سفر فوقف في الطريق و دمعت عيناه فسئل عن ذلك فقال:هذا جبرئيل يخبرني عن أرض بشطّ الفرات يقال لها كربلاء يقتل فيها ولدي الحسين و كأنّي أنظر إليه و إلى مصرعه و مدفنه بها و كأنّي أنظر إلى السبايا على أقتاب المطايا و قد أهدي رأس ولدي الحسين إلى يزيد لعنه اللّه،فرجع من سفره مغموما مهموما فصعد المنبر و أصعد معه الحسن و الحسين،فلمّا فرغ من خطبته وضع يده اليمنى على رأس الحسن و يده اليسرى على رأس الحسين و قال:اللّهمّ هذان أطايب عترتي و قد أخبرني جبرئيل أنّ ولدي هذا مقتول بالسمّ و الآخر شهيد مضرّج بالدّم،اللّهم فبارك له في قتله و اجعله من سادات الشهداء فضجّ الناس بالبكاء و العويل.7.

ص: 145


1- الكافي:581/4 ح 7.
2- كامل الزيارات:127.

فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:أيّها الناس تبكونه و لا تنصرونه اللّهم فكن أنت له وليّا و ناصرا ألا انّه سيرد عليّ يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الامّة؛الاولى:راية سوداء مظلمة و فرغت منها الملائكة فتقف عليّ فأقول لهم من أنتم؟

فينسون ذكري و يقولون:نحن أهل التوحيد من العرب فأقول لهم:أنا أحمد نبيّ العرب و العجم،فيقولون:نحن من امّتك فأقول:كيف خلّفتموني من بعدي في أهل بيتي و كتاب ربّي؟

فيقولون:أمّا الكتاب فضيّعناه و أمّا عترتك فحرصنا أن نبيدهم عن جديد الأرض،فأعرض عنهم فيصدرون عطاشى مسودّة وجوههم،ثمّ ترد عليّ راية اخرى أشدّ سوادا من الاولى فأقول لهم:كيف خلفتموني في كتاب اللّه و عترتي؟ فيقولون:أمّا الأكبر فخالفناه و الآخر فمزقّناه كلّ ممزّق،فأقول:إليكم عنّي فيصدرون عطاشى مسودّة وجوههم،ثمّ ترد عليّ راية تلمع وجوههم نورا فأقول لهم:من أنتم؟فيقولون:نحن أهل التوحيد و نحن بقيّة أهل الحقّ حملنا كتاب ربّنا و حلّلنا حلاله و حرّمنا حرامه و أجبنا ذرّية نبيّنا و نصرناهم و قاتلنا معهم،فأقول لهم:إبشروا فأنا نبيّكم محمّد ثمّ أسقيهم من حوضي فيصدرون مرويّين مستبشرين يدخلون الجنّة خالدين فيها أبد الآبدين.

و عن أنس،قال:إستأذن ملك القطر على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فأذن له و كان في يوم أم سلمة فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم:«يا أم سلمة إحفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد»،قال:فبينا هي على الباب،إذ جاء الحسين بن علي فاقتحم يفتح الباب،فدخل فجعل يتوثب على ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فجعل النبي صلّى اللّه عليه و سلّم يلثمه و يقبّله فقال الملك:أتحبه؟قال:«نعم»،قال:

إن أمتك ستقتله،إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه؟

قال:«نعم» (1).9.

ص: 146


1- سير الأعلام:388/3-289.

و عن عمارة بن زاذان،عن ثابت،عن أنس،قال:استأذن ملك القطر ربه عزّ و جلّ أن يزور النبي صلّى اللّه عليه و سلّم[فأذن له،و كان يوم-و قال أبو الغنائم:في يوم-أم سلمة،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم]:«يا أم سلمة إحفظي علينا الباب ألاّ يدخل علينا أحد»،قال:فبينا هي على الباب إذ دخل الحسين-زاد أبو الغنائم:ابن علي-فطفر فاقتحم فدخل يتوثب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يلثمه و يقبّله فقال له الملك:أتحبه؟قال:«نعم» قال:أما إن أمتك ستقتله،و إن شئت أريتك المكان الذى يقتل فيه فأراه إياه،فجاءه بسهلة أو تراب أحمر فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها.

قال ثابت:كنا نقول:إنها كربلاء (1).

و عن أبي أمامة،قال (2):قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لنسائه:«لا تبكّوا هذ الصبي»-يعني حسينا-قال:فكان يوم أم سلمة فنزل جبريل فدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم الى الداخل و قال لأم سلمة:«لا تدعي أحدا يدخل علي».

فجاء الحسين،فلما نظر إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في البيت أراد أن يدخل فأخذته أم سلمة فاحتضنته و جعلت تناغيه و تسكته،فلما اشتد في البكاء خلّت عنه،فدخل حتى جلس في حجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقال جبريل للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم:إن أمتك ستقتل ابنك هذا،فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم:«يقتلونه و هم مؤمنون بي؟»

قال:نعم يقتلونه،فتناول جبريل تربة فقال:بمكان كذا و كذا،فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و قد احتضن حسينا كاسف البال مهموما فظنت أم سلمة أنه غضب من دخول الصبي عليه.

فقالت:يا نبي اللّه جعلت لك الفداء إنك قلت لنا:«لا تبّكوا هذا الصبي»،و أمرتني أن لا أدع أحدا يدخل عليك،فجاء فخلّيت عنه،فلم يرد عليها.6.

ص: 147


1- المعجم الكبير للطبراني:106/3.
2- بغية الطلب:2601/6.

فخرج إلى أصحابه و هم جلوس فقال لهم:«إن أمتي يقتلون هذا»و في القوم أبو بكر و عمر،و كانا أجرأ القوم عليه فقالا:يا نبي اللّه يقتلونه و هم مؤمنون؟

قال:«نعم هذه تربته»فأراهم إياها (1).

و عبد اللّه بن سعيد بن أبي هند،عن أبيه،قال:قالت أم سلمة:كان النبي صلّى اللّه عليه و سلّم نائما فجاء الحسين[يتدرّج].

قالت:فقعدت على الباب فسبقته مخافة أن يدخل فيوقظه،قال:ثم غفلت في شيء فدبّ فدخل فقعد على بطنه.

قالت:فسمعت نحيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فجئت فقلت:يا رسول اللّه،و اللّه ما عملت به؟

فقال:«إنما جاءني جبريل عليه السلام و هو على بطني قاعد،فقال لي:أتحبه؟

فقلت:نعم،قال:إن أمتك ستقتله،ألا أريك التربة التي يقتل بها.

قال:فقلت:بلى.

قال:فضرب بجناحه،فأتى بهذه التربة».

قلت:فإذا في يده تربة حمراء و هو يبكي و يقول:«يا ليت شعري من يقتلك بعدي» (2).

و روي أنّ اللّه عزّ و جلّ أخبر موسى عليه السّلام إنّ الحسين عليه السّلام تقتله امّة جدّه الطاغية في أرض كربلاء و تنفر فرسه و تحمحم و تقول في صهيلها الظليمة الظليمة من امّة قتلت ابن بنت نبيّها فيبقى ملقى على الرّمل من غير غسل و لا كفن و ينهب رحله و تسبى نساؤه في البلدان و يقتل ناصروه و تشهر رؤوسهم على أطراف الرماح،يا موسى صغيرهم يميته العطش و كبيرهم جلده منكمش يستغيثون و لا ناصر، فبكى موسى عليه السّلام ثمّ قال:يا موسى إعلم أنّه من بكى عليه أو أبكى أو تباكى حرّمت9.

ص: 148


1- مجمع الزوائد:189/9.
2- ترجمة الإمام الحسين:259.

جسده على النار (1).

و في الأمالي مسندا إلى الرضا عليه السّلام قال:من تذكّر مصابنا،فبكى لما ارتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة،و من ذكّر بمصابنا،فبكى و أبكى لم تبك عينه يوم القيامة،و من جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب (2).

و روى العيّاشي طاب ثراه عن الصادق عليه السّلام قال:من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر (3).

و عنه عليه السّلام قال:نفس المهموم لظلمنا تسبيح و همّه لنا عبادة و كتمان سرّنا جهاد في سبيل اللّه،ثمّ قال عليه السّلام:يجب أن يكتب هذا الحديث (4).

و قال الحسين عليه السّلام:أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلاّ بكى (5).

و في الأمالي مسندا إلى الصادق عليه السّلام أنّه قال:ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلاّ بوأه اللّه بها في الجنّة دهرا طويلا (6).

قال أحمد الأودي:فرأيت الحسين عليه السّلام في المنام فقلت:حدّثوني عنك هذا الحديث،قال:نعم،قلت:سقط الإسناد بيني و بينك (7).

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:نظر أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الحسين عليه السّلام فقال:يا عبرة كلّ مؤمن،قال:أنا يا أبتاه؟4.

ص: 149


1- البحار:294/44.
2- أمالي الصدوق:131 ح 4.
3- مديند المعاجز:153/4 ح 218.
4- أمالي المفيد:338.
5- أمالي الصدوق:200 ح 8.
6- كامل الزيارات:202 ح 4.
7- تهذيب المقال:450/4.

قال:نعم يا بني (1).

و روى صاحب الدرّ الثمين في تفسير قوله تعالى: فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ إنّه رأى على ساق العرش أسماء النبيّ و الأئمّة عليهم السّلام فلقّنه جبرائيل:قل يا حميد بحقّ محمّد يا عالي بحقّ علي يا فاطر بحقّ فاطمة يا محسن بحقّ الحسن و الحسين و منك الإحسان،فلمّا ذكر الحسين سالت دموعه و قال:يا جبرائيل في ذكر الخامس تسيل عبرتي و ينكسر قلبي.

قال:هذا ولدك يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب؛يقتل عطشانا غريبا وحيدا ليس له ناصر و لا معين و لو تراه يا آدم و هو يقول:و اعطشاه و اقلّة ناصراه حتّى يحوّل العطش بينه و بين السماء كالدّخان فلم يجبه أحد إلاّ بالسيوف فيذبح ذبح الشاة من قفاه و ينهب رحله أعداؤه و تشهر رؤوسهم هو و أنصاره في البلدان و معهم النسوان فبكى آدم بكاء الثكلى (2).

و عن أبي عمارة المنشد قال:ما ذكر الحسين بن عليّ عليه السّلام عند أبي عبد اللّه عليه السّلام في يوم فرئي مبتسما في ذلك اليوم إلى الليل (3).

و عن محمّد بن مسلم قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إنّ الحسين عليه السّلام عند ربّه عزّ و جلّ ينظر إلى معسكره و من حوله من الشهداء معه و ينظر إلى زوّاره و هو أعرف بهم و بأسمائهم و أسماء آبائهم و بدرجاتهم و منزلتهم عند اللّه عزّ و جلّ من أحدكم بولده و أنّه ليرى من يبكيه فيستغفر له و يسأل آباءه عليهم السّلام أن يستغفروا له و يقول:لو يعلم زائري ما أعدّ اللّه له لكان فرحه أكثر من جزعه و أنّ زائره لينقلب و ما عليه من ذنب (4).3.

ص: 150


1- كامل الزيارات:1/214.
2- البحار:245/44 ح 44.
3- كامل الزيارات:214 ح 2.
4- البحار:281/44 ح 13.

و عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«كان عليّ بن الحسين عليه السّلام يقول:

أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السّلام و من معه حتّى تسيل على خده بوأه اللّه في الجنّة غرفا،و أيما مؤمن دمعت عيناه دمعا حتّى تسيل على خده لأذىّ مسّنا من عدونا بوأه اللّه مبوأ صدق،و أيّما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتّى يسيل دمعه على خديه من مضاضته ما أوذى فينا؛صرف اللّه عن وجهه الأذى و آمنه يوم القيامة من سخطه و النار». (1)

و عن بكر بن محمّد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينيه دمع مثل جناح بعوضة غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر». (2)

و قال الإمام الرّضا عليه السّلام:يابن شبيب،إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين[بن عليّ]بن أبي طالب عليه السّلام؛فإنّه ذبح كما يذبح الكبش،و قتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا ما لهم في الأرض شبيهون (3).

الإمام زين العابدين عليه السّلام:أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السّلام حتّى تسيل على خدّه،بوّأه اللّه بها في الجنّة غرفا يسكنها أحقابا (4).

و قال الإمام عليّ عليه السّلام:كلّ عين يوم القيامة باكية و كلّ عين يوم القيامة ساهرة، إلاّ عين من اختصّه اللّه بكرامته و بكى على ما ينتهك من الحسين و آل محمّد عليهم السّلام (5).

و قال الإمام الصّادق عليه السّلام-في مناجاته بعد صلاته-يا من خصّنا بالكرامة، و وعدنا الشّفاعة...إغفر لي و لإخواني و زوّار قبر أبي الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما...اللّهمّ،إنّ أعداءنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن النّهوض5.

ص: 151


1- تفسير القمّي:191/2.
2- تفسير القمّي:292/2.
3- عيون أخبار الرّضا عليه السّلام:58/299/1.
4- ثواب الأعمال:1/108.
5- الخصال:10/625.

و الشّخوص إلينا خلافا عليهم،فارحم تلك الوجوه الّتي غيّرتها الشّمس،و ارحم تلك الخدود الّتي تقلّبت على قبر أبي عبد اللّه عليه السّلام،و ارحم تلك الأعين الّتي جرت دموعها رحمة لنا،و ارحم تلك القلوب الّتي جزعت و احترقت لنا،و ارحم تلك الصّرخة الّتي كانت لنا.اللّهمّ إنّي أستودعك تلك الأنفس و تلك الأبدان حتّى ترويهم من الحوض يوم العطش (1).

و روي أنّ اللّه عزّ و جلّ أخبر موسى عليه السّلام إنّ الحسين عليه السّلام تقتله امّة جدّه الطاغية في أرض كربلاء و تنفّر فرسه و تحمحم و تقول في صهيلها الظليمة.الظليمة من امّة قتلت ابن بنت نبيّها فيبقى ملقى على الرّمل من غير غسل و لا كفن و ينهب رحله و تسبى نساؤه في البلدان و يقتل ناصروه و تشهر رؤوسهم على أطراف الرماح،يا موسى صغيرهم يميته العطش و كبيرهم جلده منكمش يستغيثون و لا ناصر، فبكى موسى عليه السّلام ثمّ قال:يا موسى إعلم أنّه من بكى عليه أو أبكى أو تباكى حرّمت جسده على النار (2).

و عن ابن عبّاس قال:إنّ جبرائيل عليه السّلام جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم يخبره بقتل الحسين و هو منشور الأجنحة باكيا صارخا قد حمل من تربته و هو يفوح كالمسك (3).

و روي عن بعض الثقاة:أنّ الحسن و الحسين عليه السّلام دخلا يوم العيد إلى جدّهما صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقالا:يا جدّاه اليوم يوم العيد و قد تزيّن أولاد العرب بألوان اللباس و ليس لنا ثوب جديد فبكى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و لم يكن عنده ثياب لهما فقال:إلهي اجبر قلبيهما و قلب امّهما فأتى جبرئيل عليه السّلام معه حلّتان بيضاوان من حلل الجنّة ففرح7.

ص: 152


1- البحار:30/8/101.
2- البحار:289/44 ح 29.
3- البحار:237/44 ح 27.

النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فقال:يا سيّديّ شباب أهل الجنّة خذا أثوابا خاطها خيّاط القدرة.

فلمّا رأيا الخلع بيضاء قالا:يا جدّاه جميع صبيان العرب لا بسون ألوان الثياب، فأطرق النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم متفكّرا فقال جبرئيل:إنّ اللّه يفرح قلوبهما بأيّ لون شاء فأمر يا محمّد بإحضار الطشت و الإبريق و قال:يا رسول اللّه أنا أصبّ الماء و أنت تفركهما بيدك.

فوضع النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم حلّة الحسن في الطشت،و قال للحسن:بأيّ لون تريد حلّتك؟

فقال:أريدها خضراء ففركها النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فاخضرّت كالزبرجد الأخضر فلبسها ثمّ وضع حلّة الحسين عليه السّلام في الطشت و كان له من العمر خمس سنين فقال له:أيّ لون تريد حلتك؟

فقال الحسين عليه السّلام:يا جدّاه أريدها حمراء ففركها النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم في ذلك الماء فصارت حمراء كالياقوت الأحمر فلبسها الحسين عليه السّلام.

ففرح النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بذلك و توجّها إلى امّهما فرحين،فبكى جبرئيل عليه السّلام لمّا شاهد تلك الحال.

فقال:النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم:يا أخي في مثل هذا اليوم الذي فرح فيه ولداي تبكي فباللّه عليك إلاّ ما أخبرتني.

فقال:إعلم يا رسول اللّه أنّ اختيار ابنيك على اختلاف اللون فلا بدّ للحسن أن يسقوه السمّ و يخضرّلون جسده من عظم السمّ و لا بدّ للحسين أن يقتلوه و يذبحوه و يخضّب بدنه من دمه،فبكى النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و زاد حزنه لذلك (1).

في الأمالي عن ابن عبّاس قال:كنت مع أمير المؤمنين عليه السّلام في خروجه إلى صفّين،فلمّا نزل بنينوى و هو شط الفرات قال:يا ابن عبّاس أتعرف هذا الموضع؟3.

ص: 153


1- مدينة المعاجز:327/3.

قلت له:ما أعرفه يا أمير المؤمنين،فقال له:لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتّى تبكي كبكائي،فبكى طويلا حتّى سالت الدموع على صدره و بكينا معا و يقول:أواه أواه مالي و آل أبي سفيان حزب الشيطان،صبرا يا أبا عبد اللّه فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم فتوضّأ و صلّى ثمّ رقد،فلمّا انتبه قال:يابن عبّاس رأيت في منامي كأنّي برجال نزلوا من السماء معهم أعلام بيض قد تقلّدوا سيوفهم و هي بيض تلمع و قد خطّوا حول هذه الأرض،ثمّ رأيت كأنّ هذا النخل قد ضربت بأغصانها إلى الأرض تضطرب بدم عبيط و كأنّي بالحسين فرخي قد غرق فيه يستغيث فيه فلا يغاث و كان الرجال البيض قد نزلوا من السماء ينادونه و يقولون صبرا آل الرسول، فإنّكم ستقتلون على يدي شرار الناس و هذه الجنّة مشتاقة إليكم ثمّ يعزّونني و يقولون:يا أبا الحسن أبشر فقد أقرّ اللّه عينك يوم يقوم الناس لربّ العالمين.

ثمّ انتبهت و الذي نفس عليّ بيده لقد حدّثني أبو القاسم صلّى اللّه عليه و اله و سلّم إنّي سأراها في خروجي إلى أهل البغي و هذه أرض كرب و بلاء يدفن فيها الحسين و سبعة عشر رجلا من ولدي و ولد فاطمة و أنّها في السماوات معروفة تذكر أرض كرب و بلاء، يابن عبّاس أطب في حولها بعر الظباء و هي مصفرّة لونها لون الزعفران فطلبتها فوجدتها مجتمعة فناديته قد أصبتها فقام إليها فشمّها و قال:هي هي بعينها هذه الأبعار قد شمّها عيسى،و ذلك إنّه مرّ بها و معه الحواريّون فرأى ها هنا الظبا مجتمعة و هي تبكي فجلس و بكى مع الحواريّين فقالوا؛يا روح اللّه ما يبكيك؟

قال:هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول و فرخ الحرّة الطاهرة شبيهة امّي و هذه الظبا تكلّمني و تقول:إنّها ترعى في هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك و زعمت أنّها آمنة في هذه الأرض ثمّ ضرب بيده إلى هذه البعر فشمّها و قال:هذه بعر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها،اللّهمّ فابقها حتّى يشمّها أبوه فتكون له عزاء و سلوة،قال:فبقيت إلى يوم الناس هذا و قد اصفرّت لطول زمنها و هذه أرض كرب و بلاء.

ص: 154

ثمّ قال:يا ربّ عيسى لا تبارك في قتله ثمّ بكى بكاء طويلا حتّى سقط لوجهه و غشي عليه،ثمّ أفاق فأخذ البعر فصرّه في ردائه و أمرني أن أصرّها كذلك ثمّ قال:

يابن عبّاس إذا رأيتها تنفجر دما عبيطا و يسيل منها دم عبيط،فاعلم أنّ أبا عبد اللّه قد قتل بها و دفن.

قال ابن عبّاس:فكنت احافظ عليها و لا أحلّها من طرف كمي فبينما أنا نائم في البيت إذ انتبهت فإذا هي تسيل دما عبيطا فجلست و أنا باك و قلت:قد قتل و اللّه الحسين فخرجت عند الفجر فرأيت المدينة كأنّها ضباب لا يستبين منها أثر عين ثمّ طلعت الشمس كأنّها منكسفة و كأنّ حيطان المدينة عليها دم عبيط،فبكيت و سمعت صوتا من ناحية البيت و هو يقول:

أصبروا آل الرسول قتل الفرخ الفحول

نزل الروح الأمين ببكاء و عويل

فأثبت عندي تلك الساعة و كان شهر المحرّم يوم عاشوراء فوجدته قبل ذلك اليوم،فحدّثت بهذا الحديث أولئك الذين كانوا معه فقالوا:و اللّه لقد سمعنا ما سمعت و نحن في المعركة و لا ندري ما هو فكنّا نرى أنّه الخضر عليه السّلام.

و عن عبد اللّه بن نجيّ،عن أبيه أنه سافر مع عليّ بن أبي طالب-و كان صاحب مطهرته-فلما حاذوا نينوى-و هو منطلق إلى صفّين-نادى علي:صبرا أبا عبد اللّه صبرا أبا عبد اللّه بشط الفرات،قلت:و من ذا أبو عبد اللّه قال:دخلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و عيناه تفيضان،فقلت:يا نبي اللّه أغضبك أحد؟

ما شأن عينيك تفيضان؟

قال:«[بل]قام من عندي جبريل فحدّثني أن الحسين يقتل بشط الفرات،و قال:هل لك أن أشمّك من تربته؟»

ص: 155

قلت:«نعم،فمدّ يده فقبض قبضة فأعطانيها فلم-يعني-أملك عينيّ أن فاضتا» (1).

في الأمالي للمفيد:إنّ امرأة اسمهازرة رأت فاطمة عليها السّلام فيما يرى النائم أنّها وقفت على قبر الحسين عليه السّلام تبكي و أمرتها أن تنشد شعرا:

أيّها العينان فيضا و استهلاّ لا تغيضا و ابكيا بالطف ميّتا

ترك الصدر رضيضا لم أمرضه قتيلا و لا كان مريضا (2)

و في الكافي و غيره عن حريز و قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:جعلت فداك ما أقلّ بقاءكم أهل البيت و أقرب آجالكم بعضها من بعض مع حاجة هذا الخلق إليكم.

فقال:إنّ لكلّ واحد منّا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدّته فإذا انقضى ما فيها ممّا أمر به عرف أنّ أجله قد حضر و أتاه النبيّ صلّى اللّه عليه و اله و سلّم ينعي إليه نفسه و أنّ الحسين عليه السّلام قرأ صحيفته التي أعطيها و فسّر له ما يأتي و ما يبقى و بقي منها أشياء لم تنقضي فخرج إلى القتال و كانت تلك الامور التي بقيت أنّ الملائكة سألت اللّه تعالى في نصرته فأذن لهم فمكثت تستعدّ للقتال حتّى قتل فنزلت و قد انقطعت مدّته فقالت الملائكة يا ربّ أذنت لنا في نصرته و قد قبضته إليك،فأوحى إليهم إلزموا قبّته حتى ترونه و قد خرج فانصروه و ابكوا عليه و على ما فاتكم من نصرته فإذا خرج صلوات اللّه عليه يكونون أنصاره (3).

و في كتاب العلل عن الثمالي قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:ألستم كلّكم قائمين بالحقّ؟

قال:بلى.

قلت:فلم سمّي القائم قائما؟1.

ص: 156


1- بغية الطلب:2569/6.
2- مناقب آل أبي طالب:220/3.
3- الكافي:284/1.

قال:لمّا قتل جدّي الحسين عليه السّلام ضجّت الملائكة إلى اللّه عزّ و جلّ بالبكاء و قالوا:

إلهنا أتغفل عمّن قتل صفوتك و ابن صفوتك؟

فأوحى اللّه إليهم قرّوا ملائكتي فو عزّتي و جلالي لأنتقمنّ منهم و لو بعد حين ثمّ كشف اللّه عزّ و جلّ عن الأئمّة من ولد الحسين للملائكة فسرّت الملائكة بذلك فإذا أحدهم قائم يصلّي فقال اللّه عزّ و جلّ بذلك القائم أنتقم منهم (1).

و في كتاب البحار عن هشام بن سعد قال:أخبرني المشيخة أنّ الملك الذي جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و أخبره بقتل الحسين عليه السّلام كان ملك البحار و ذلك أنّ ملكا من ملائكة الفردوس نزل على البحر و نشر أجنحته عليها ثمّ صاح صيحة و قال:يا أهل البحار إلبسوا أثواب الحزن فإنّ فرخ الرسول مذبوح ثمّ حمل من تربته في أجنحته إلى السماوات فلم يبق ملك فيها إلاّ شمّها و صار عنده لها أثر و لعن قتلته و أشياعهم و أتباعهم (2).

و في كتاب المحاسن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:و كّل اللّه بقبر الحسين عليه السّلام سبعين ألف ملك يصلّون عليه كلّ يوم شعثا غبرا منذ يوم قتل إلى ما شاء اللّه يعني بذلك قيام القائم (3).

و عنه عليه السّلام قال:إنّ اللّه و كّل بقبر الحسين أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه من طوع الفجر إلى زوال الشمس فإذا زالت الشمس هبط أربعة آلاف ملك و صعد أربعة آلاف فلم يزل يبكونه حتّى يطلع الفجر (4).

و عن صفوان الجمّال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته في طريق المدينة و نحن نريد مكّة مالي أراك حزينا منكسرا؟5.

ص: 157


1- دلائل الإمامة:452 ح 31.
2- مستدرك الوسائل:328/3.
3- تهذيب الأحكام:47/6.
4- مستدرك الوسائل:243/10 ح 25.

فقال:لو تسمع ما أسمع لشغلك عن مسألتي.

فقلت:و ما الذي تسمع؟

قال:دعاء الملائكة على قتلة أمير المؤمنين و قتلة الحسين و نوح الجنّ و بكاء الملائكة الذين حوله و شدّة جزعهم فمن يتهنأ مع هذا بطعام أو شراب أو نوم (1).

و عن ابن سيرين قال:لم تبك السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلاّ على الحسين بن علي (2).

و في تفسير عليّ بن إبراهيم رضى اللّه عنه بإسناده إلى أمير المؤمنين عليه السّلام قال:مرّ عليه رجل عدوّ للّه و رسوله فقال: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ (3).

ثمّ مرّ عليه الحسين عليه السّلام فقال:فقال هذا لتبكين عليه السماء و الأرض و ما بكت السماء و الأرض إلاّ على يحيى بن زكريا و الحسين بن عليّ صلوات اللّه عليهما (4).

و عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:«مرّ عليه رجل عدو للّه و لرسوله فقال: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ (5).

ثمّ مرّ عليه الحسين بن عليّ عليه السّلام فقال:لكن هذا لتبكينّ عليه السماء و الأرض- و قال:و ما بكت السماء و الأرض إلاّ على يحيى بن زكريا و على الحسين بن عليّ عليه السّلام». (6)

عن الحسن بن الحكم النخعي عن رجل قال:سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام في الرحبة و هو يتلو هذه الآية: «فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ إذ خرج عليه الحسين بن عليّ عليه السّلام من بعض أبواب المسجد فقال له:«أمّا هذا سيقتل2.

ص: 158


1- كامل الزيارات:495 ح 1.
2- سير الأعلام:312/3.
3- سورة الدخان:29.
4- مدينة المعاجز:152/4.
5- سورة الدخان:29.
6- تفسير القمّي:291/2.

و تبكي عليه السماء و الأرض». (1)

عن أبي جميلة عن محمّد بن عليّ الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى:

فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ قال:«لم تبك السماء أحدا منذ قتل يحيى بن زكريا حتّى قتل الحسين عليه السّلام فبكت عليه». (2)

عن كثير بن شهاب الحارثي قال:بينا نحن جلوس عند أمير المؤمنين عليه السّلام في الرحبة إذ طلع الحسين عليه السّلام فضحك عليّ ضحكا حتّى بدت نواجده ثمّ قال:«إن اللّه ذكر قوما فقال: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ليقتلن هذا و لتبكين عليه السماء و الأرض». (3)

و عن داود بن فرقد قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:«كان الذي قتل الحسين ولد زنى و الذي قتل يحيى بن زكريا ولد زنى و قد احمرّت السماء حين قتل الحسين عليه السّلام سنة.

ثمّ قال:بكت السماء و الأرض على الحسين بن عليّ و يحيى بن زكريا و حمرتها بكاؤها». (4)

و عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ إذا قبض اللّه نبيا من الأنبياء بكت عليه السماء و الأرض أربعين سنة و إذا مات العالم العامل بعلمه بكيا عليه أربعين يوما،و أمّا الحسين عليه السّلام فتبكي عليه السماء و الأرض طول الدهر و تصديق ذلك أن يوم قتله قطرت السماء دما،و إن هذه الحمرة التي ترى في السماء ظهرت يوم قتل الحسين عليه السّلام و لم تر قبله أبدا و إن يوم5.

ص: 159


1- كامل الزيارات:2/180.
2- كامل الزيارات:8/182.
3- كامل الزيارات:24/187-21.
4- كامل الزيارات:27/188،بحار الأنوار:213/45.

قتله عليه السّلام لم يرفع حجر في الدنيا إلاّ وجد تحته دم. (1)

الطبرسي عن زرارة بن أعين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:«بكت السماء على يحيى بن زكريا و على الحسين بن عليّ أربعين صباحا و لم تبك إلاّ عليهما»

قلت:فما بكاؤها؟

قال:«كانت تطلع حمراء و تغيب حمراء». (2)

و روي أنّه لمّا عزم الحسين عليه السّلام على الخروج من المدينة أتته امّ سلمة فقالت:يا بني لا تحزنّي بخروجك إلى العراق فإنّي سمعت جدّك يقول:يقتل ولدي الحسين بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء.

فقال:يا امّاه و أنا و اللّه أعلم ذلك و إنّي مقتول لا محالة و ليس لي من هذا بدّ و إنّي و اللّه لأعرف اليوم الذي اقتل فيه و أعرف من يقتلني و أعرف البقعة التي ادفن فيها و أعرف من يقتل من أهل بيتي و شيعتي و إن أردت يا امّاه أريك حفرتي و مضجعي ثمّ أشار عليه السّلام إلى جهة كربلاء فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه و مدفنه و موضع عسكره و موقفه و مشهده فبكت امّ سلمة بكاء شديدا و سلّمت أمره إلى اللّه.

فقال لها:يا امّاه قد شاء اللّه عزّ و جلّ أن يراني مقتولا مذبوحا ظلما و عدوانا و قد شاء أن يرى حرمي و نسائي مشردّين و أطفالي مذبوحين مقيّدين.

فقالت امّ سلمة:عندي تربة دفعها إليّ جدّك في قارورة.

فقال:و اللّه إنّي مقتول كذلك و إن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضا.

ثمّ أخذ تربة فجعلها في قارورة و أعطاها إيّاها و قال:إجعليها مع قارورة جدّي فإذا فاضتا دما فاعلمي إنّي قد قتلت (3).1.

ص: 160


1- غاية المرام.
2- مجمع البيان:99/9.
3- الخرائج و الجرائح:253/1.

و عن الإمام الصادق عليه السّلام قال:أصبحت يوما امّ سلمة(رض)تبكي فقيل لها:ممّ بكاؤك؟

قالت:لقد قتل ابني الحسين الليلة و ذلك إنّني ما رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم منذ مضى إلاّ الليلة رأيته حزينا فسألته.

فقال:ما زلت الليلة أحفر القبور للحسين و أصحابه صلوات اللّه عليه و عليهم السلام و نظرت امّ سلمة ذلك اليوم إلى التربة التي أودعها لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فإذا هي دم تفور فأخذت من ذلك الدم و لطّخت به وجهها و جعلت ذلك اليوم مأتما و مناحة على الحسين عليه السّلام (1).

و قال:و حكي عن رجل أسدي قال:كنت زارعا على نهر العلقمي بعد ارتحال عسكر بني اميّة فرأيت الرياح إذا هبّت تهبّ عليّ مثل روائح المسك و العنبر و إذا سكنت أرى نجوما تهوي من السماء إلى الأرض و نجوما مثلها تصعد إلى السماء و أرى أسدا يأتي من القبلة فإذا أصبح ذهب فقلت:هذه الليلة أرقب هذا الأسد لأرى ما يصنع بهذه الأبدان.

فلمّا غربت الشمس أقبل الأسد يهمهم فخفت منه فرأيته يتخطّى القتلى حتّى وقف على جسد كأنّه الشمس فمرّغ وجهه عليه و هو يهمهم و يدمدم فجعلت أحرسه حتّى جنّ الظلام و إذا بشموع معلّقة و إذا ببكاء و نوح فقصدت الأصوات فإذا هي تحت الأرض و سمعت صوتا يقول:وا حسيناه وا إماماه.

فاقشعرّ جلدي فأقسمت على الباكي و قلت:من أنتم؟

فقال:نساء من الجنّ ننوح على الحسين الذبيح العطشان.

قلت:هذا الحسين الذي يجلس عنده الأسد؟

قال:نعم،و هذا الأسد أبوه عليّ بن أبي طالب،فرجعت و دموعي تجري على1.

ص: 161


1- أمالي الصدوق:202 ح 1.

خدّي (1).

و في بعض كتب المناقب المعتبرة إنّه روي مسندا إلى هند بنت الحون قالت:نزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم بخيمة خالتها امّ معبد مع أصحابه و كان يوما شديد الحرّ فلمّا قام من نومه دعا بماء فتمضمض و مجّه على عوسجة كانت إلى جنب خيمة خالتها ثلاث مرّات و توضّأ و صلّى ركعتين و قال لهذه العوسجة شأن،فلمّا كان من الغد علت العوسجة حتّى صارت كأعظم دوحة عادية و قطع اللّه شوكها و كثرت أغصانها و اخضرّ ساقها و ورقها و أثمرت كأعظم ما يكون من الكماة في لون الزعفران و رائحة العنبر و طعم الشهد ما أكل منها جائع إلاّ شبع و لا ظمآن إلاّ روي و لا سقيم إلاّ برئ و لا فقير إلاّ استغنى و لا أكل منها حيوان إلاّ سمن و درّ لبنه و أخصبت تلك البلاد فكانت تسمّى الشجرة المباركة و كان أهل البوادي يستظلّون بها و يتزوّدون من ثمرها في الأسفار فيقوم لهم مقام الطعام و الشراب فلم تزل كذلك حتّى أصبحنا ذات يوم و قد تساقط ثمرها و اصفرّ ورقها فأحزننا ذلك،فما كان إلاّ قليل حتّى جاء نعي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم فإذا هو قد قبض ذلك اليوم فكانت بعد ذلك تثمر دون ذلك في العظم و الطعم و الرائحة فأقامت على ذلك ثلاثين سنة.

فلمّا كان ذات يوم أصبحنا و إذا بها قد تشوّكت فذهبت نضارة عيدانها و تساقط جميع ثمرها،فما كان إلاّ يسيرا حتّى وافى مقتل أمير المؤمنين فما أثمرت بعد ذلك و انقطع ثمرها و لم نزل نأخذ من ورقها و نداوي مرضانا فأقامت على ذلك برهة طويلة ثمّ أصبحنا ذات يوم فإذا بها قد أينعت من ساقها دما عبيطا جاريا و ورقها زائلة تقطر دما كماء اللحم فبتنا ليلتين مهمومين،فلمّا أظلم الليل علينا سمعنا تحتها صوت باكية تقول،شعرا:

يابن النبيّ و يا ابن الوصيّ و يا من بقيّة ساداتنا الأكرمينا5.

ص: 162


1- مدينة المعاجز:79/3،و البحار:194/45.

فأتانا بعد ذلك قتل الحسين عليه السّلام و يبست الشجرة فكسرتها الرياح و الأمطار و اندرس أثرها و سمع من نوح الجنّ تحتها،شعرا:

يابن الشهيد و يا شهيدا عمّه خير العمومة جعفر الطيّار (1)

و في كتاب البحار روي أنّ هاتفا سمع بالبصرة ينشد ليلا،شعر:

إنّ الرماح الواردات صدورها نحو الحسين تقاتل التنزيلا

و يهلّلون بأن قتلت و إنّما قتلوا بك التكبير و التهليلا

فكأنّما قتلوا أباك محمّدا صلّى عليه اللّه أو جبريلا

و ناحت عليه الجنّ فقالت،شعرا:

لقد جئن نساء الجنّ يبكين شجيّات و يلطمن خدودا كالدنانير نقيّات

و يلبسن ثياب السود بعد القصبيات (2)

و في أمالي المفيد بإسناده إلى شيخ من بني تميم قال:سمعت أبي يقول:ما شعرنا بقتل الحسين عليه السّلام حتّى كان مساء ليلة عاشوراء و إنى لجالس مع رجل إذ سمعنا هاتفا يقول،شعرا:

و اللّه ما جئتكم حتّى بصرت به بالطف منعفر الخدّين منحورا

و حوله فتية تدمى نحورهم مثل المصابيح يملون الدجا نورا

و قد حثثت قلوصي كي اصادفهم من قبل أن تتلاقى الخرد الحورا

فعاقني قدر و اللّه بالغه و كان أمرا قضاه اللّه مقدورا

كان الحسين سراجا يستضاء به اللّه يعلم إنّي لم أقل زورا

صلّى الإله على جسم تضمّنه قبر الحسين حليف الخير مقبورا

مجاورا لرسول اللّه في غرف و للوصيّ و للطيّار مسرورا7.

ص: 163


1- مناقب آل أبي طالب:219/3.
2- مثير الأحزان:87.

فقلنا:أين أنت يرحمك اللّه؟

قال:إنّا جماعة من الجنّ أردنا مواساة الحسين عليه السّلام بأنفسنا فانصرفنا من الحجّ فوجدناه قتيلا (1).

و عن الميثمي قال:خمسة من أهل الكوفة أرادوا نصر الحسين عليه السّلام فنزلوا بقرية يقال لها شاهي فأقبل عليهم رجلان شيخ و شاب فقال الشيخ:أنا رجل من الجنّ و هذا ابن أخي أردنا نصر هذا الرجل المظلوم فقال الشيخ الجنّي:أطير فآتيكم بخبر القوم فغاب يومه و ليلته،فلمّا كان من الغد إذا هم بصوت يسمعونه و لا يرون الشخص و هو يقول:و اللّه ما جئتكم حتّى بصرت به الأبيات السابقة فأجابه رجل، شعرا:

إذهب فلا زال قبر أنت ساكنه إلى القيامة يسقى الغيث ممطورا

و قد سلكت سبيلا كنت سالكه و قد شربت بكأس كان مغرورا

و فتية فرّغوا للّه أنفسهم و فرّقوا المال و الأحباب و الدورا (2)

و عن إبراهيم بن يحيى بن يعقوب أبو سلمة،قال:سمعت الجن تنوح على الحسين يوم قتل،و هنّ يقلن:

أيها القاتلون ظلما حسينا أبشروا بالعذاب و التنكيل

كل أهل السماء يدعو عليكم من نبيّ و مرسل و قتيل

قد لعنتم على لسان ابن داود و موسى و صاحب الأنجيل (3)

عن حبيب بن أبي ثابت،قال:قالت أم سلمة:ما سمعت نوح الجن منذ قضى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم إلاّ الليلة،و ما أرى ابني إلاّ قد قتل-تعني الحسين-،قالت لجاريتها:أخرجيت.

ص: 164


1- كامل الزيارات:191.
2- كامل الزيارات:191.
3- بغية الطلب:2650/6 و تاريخ الطبري:469/6 و الكامل لابن الأثير:46/4 بتفاوت.

فسلي،فأخبرت أنه قد قتل،و إذا جنّية تنوح:

ألا يا عين فاحتفلي بجهد و من يبكي على الشهداء بعدي

على رهط تقودهم المنايا إلى متجبر في ملك عبدي (1)

عن أبي جناب الكلبي،قال:أتيت كربلاء فقلت لرجل من أشراف العرب بها:

بلغني أنكم تسمعون نوح الجن؟قال:ما تلقى حرا و لا عبدا إلاّ أخبرك أنه سمع ذاك، قال[قلت:]و أخبرني ما سمعت أنت؟قال:سمعتهم يقولون: (2)

مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود

أبواه من عليا قريش جدّه خير الجدود (3)

قال:فأجبتهم:

خرجوا به وفدا إليه فهم له شرّ الوفود

قتلوا ابن بنت نبيهم سكنوا به نار الخلود

و عن أحمد بن[محمد]المصقلي،حدّثني أبي قال:لما قتل الحسين بن علي سمع مناديا ينادي ليلا،سمع صوته،و لم ير شخصه:

عقرت ثمود ناقة و استؤصلوا و جرت سوانحهم بغير الأسعد

فبنو رسول اللّه أعظم حرمة و أجلّ من أم الفصيل المقصد

عجبا لهم و لما أتوا لم يمسخوا و اللّه يملي للطغاة الجحّد (4)

و عن ابن أبي غندر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول في البومة هل أحد منكم رآها نهارا؟قيل له:لا تكاد تظهر بالنهار و لا تظهر إلاّ ليلا،قال:أمّا أنّها لم تزل تأوي العمران أبدا،فلمّا أن قتل الحسين عليه السّلام آلت على نفسها أن لا تأوي العمران4.

ص: 165


1- بغية الطلب:2650/6-2651.
2- في سير الأعلام:316/3 عبيد بن جناد.
3- سير الأعلام:316/3-317 و البداية و النهاية:200/8.
4- بغية الطلب:2653/6-2654.

أبدا و لا تأوي إلاّ الخراب فلا تزال نهارها صائمة حزينة حتّى يجنّها الليل فإذا جنّها الليل فلا تزال تنوح على الحسين عليه السّلام حتّى تصبح (1).

و عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال:إنّ هذه البومة كانت على عهد جدّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم تأوي المنازل و القصور و الدور و كانت إذا أكل الناس الطعام تطير فتقع أمامهم فيرمى إليها بالطعام و تسقى ثمّ ترجع إلى مكانها و لمّا قتل الحسين عليه السّلام خرجت من العمران إلى الخراب و الجبال و البراري و قالت:بئس الامّة إن قتلتم ابن نبيّكم و لا آمنكم على نفسي (2).

و عنه عليه السّلام:إنّ البومة لتصوم النهار فإذا أفطرت حزنت على الحسين عليه السّلام حتّى تصبح (3).

و روي من طريق أهل البيت عليهم السّلام أنّه لمّا قتل الحسين عليه السّلام بقي في كربلاء صريعا و دمه على الأرض مسفوحا و إذا بطائر أبيض أتى و تمرّغ بدمه و جاء و الدم يقطر منه فرأى طيورا على الأشجار كلّ منهم يذكر الحب و العلف و الماء فقال لهم:

و يلكم تشتغلون بالدّنيا و الحسين في أرض كربلاء في هذا الحرّ ملقى على التراب مذبوح و دمه مسفوح؟

فصارت الطيور إلى كربلاء فرأوا الحسين على الأرض جثّة بلا رأس و لا غسل و لا كفن عليه التراب و بدنه قد هشّمته الخيل بحوافرها زوّاره الوحوش و الجنّ قد أضاء به التراب و جوّ السماء،فأعلن الطيور بالبكاء و تمرغن في دمه و طار كلّ واحد إلى ناحية يعلم أهلها فقصد طير منها مدينة الرسول فجاء يرفرف و الدم يقطر من أجنحته و دار حول قبر سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و سلّم و قال:ألا قتل الحسين بكربلاء،ألا3.

ص: 166


1- كامل الزيارات:199 ح 1.
2- كامل الزيارات:200 ح 2.
3- كامل الزيارات:200 ح 3.

ذبح الحسين بكربلاء،فاجتمعت عليه الطيور ينوحون.

فلمّا رأى أهل المدينة النوح و تقاطر الدم لم يعلموا ما الخبر حتّى جاءهم بعد أيّام خبر مقتل الحسين عليه السّلام فعلموا أنّ ذلك الطير كان يخبر بقتله.

و قد نقل أنّه في ذلك اليوم الذي جاء به الطير إلى المدينة كان رجل يهودي في المدينة و له بنت عمياء زمناء طرشاء مشلولة مجذومة فجاء ذلك الطائر و الدم يقطر منه و وقع على شجرة يبكي طول ليله و كان اليهودي قد أخرج ابنته إلى خارج المدينة و تركها في البستان الذي وقع فيه الطير فعرض لليهودي عارض فدخل المدينة و بقي ليلته.

و أمّا البنت فبقيت ساهرة على أبيها فسمعت حنين الطير و بكاءه على الشجرة فقطرت من جناح الطير قطرة دم على إحدى عينيها فبرئت و قطرت على الاخرة قطرة فبرئت فقطر على كلّ عضو منها قطرة فعوفيت بإذن اللّه تعالى.

فلمّا أتى أبوها البستان و رآها صحيحة تعجّب من أمرها فأتت به إلى الطير على الشجرة و حكت له قصّة تقاطر الدم.

فقال اليهودي للطير:أقسمت عليك بالذي خلقك أن تكلّمني بقدرة اللّه تعالى، فتكلّم الطير و حكى له قضية الحسين عليه السّلام و قتله بكربلاء و أنّ ذلك الدم من دمه، فأسلم اليهودي مع ابنته و خمسمائة من قومه (1).ط.

ص: 167


1- رياض الأبرار مخطوط.

ثواب البكاء على الحسين و أدب المآتم

الطالقاني،عن أحمد الهمداني،عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه قال:قال الرضا عليه السّلام:من تذكّر مصابنا و بكى لما ارتكب منا،كان معنا في درجتنا يوم القيامة،و من ذكّر بمصابنا فبكى و أبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون،و من جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب (1).

محمد الحميري،عن أبيه،عن علي بن محمد بن سالم،عن محمد بن خالد،عن عبد اللّه بن حماد،عن عبد اللّه الاصم،عن مسمع كردين قال:قال لي أبو عبد اللّه:يا مسمع أنت من أهل العراق أما تأتي قبر الحسين؟

قلت:لا،أنا رجل مشهور من أهل البصرة،و عندنا من يتبع هوى هذا الخليفة، و أعداؤنا كثيرة من أهل القبائل من النصاب و غيرهم،و لست آمنهم أن يرفعوا علي [حالي]عند ولد سليمان فيمثّلون علي.

قال لي:أفما تذكر ما صنع به؟قلت:بلى،قال:فتجزع؟قلت:إي و اللّه و أستعبر لذلك،حتى يرى أهلي أثر ذلك علي،فأمتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي.

قال:رحم اللّه دمعتك أما إنك من الذين يعدّون في أهل الجزع لنا و الذين يفرحون لفرحنا،و يحزنون لحزننا،و يخافون لخوفنا،و يأمنون إذا أمنا أما إنما سترى عند موتك و حضور آبائي لك و وصيتهم ملك الموت بك،و ما يلقونك به من البشارة:ما تقرّ به عينك قبل الموت،فملك الموت أرق عليك و أشد رحمة لك من الام الشفيقة

ص: 168


1- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 1،و أمالي الصدوق المجلس 17 الرقم 4.

على ولدها.

قال:ثم استعبر و استعبرت معه،فقال:الحمد للّه الذي فضّلنا على خلقه بالرحمة و خصّنا أهل البيت بالرحمة.

يا مسمع إن الأرض و السماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا و ما بكى لنا من الملائكة أكثر،و ما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا،و ما بكى أحد رحمة لنا و لما لقينا إلا رحمه اللّه قبل أن تخرج الدمعة من عينه،فإذا سالت دموعه على خده فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم لاطفأت حرّها حتى لا يوجد لها حر.

و إن الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتى يرد علينا الحوض،و إن الكوثر ليفرح بمحبنا إذا ورد عليه،حتى أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.

يا مسمع من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا،و لم يشق بعدها أبدا و هو في برد الكافور و ريح المسك و طعم الزنجبيل،أحلى من العسل،و ألين من الزبد و أصفى من الدمع،و أذكى من العنبر،يخرج من تسنيم و يمر بأنهار الجنان تجري على رضراض الدر و الياقوت،فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء،يوجد ريحه من مسيرة ألف عام،قدحانه من الذهب و الفضة و ألوان الجوهر،يفوح في وجه الشارب منه كل فائحة،يقول الشارب منه:ليتني تركت ههنا لا أبغي بهذا بدلا، و لا عنه تحويلا.

أما إنك يا كردين ممن تروى منه،و ما من عين بكت لنا إلا نعمت بالنظر إلى الكوثر،و سقت منه من أحبنا فإن الشارب (1)منه ليعطى من اللدة و الطعم و الشهوة له أكثر مما يعطاه من هو دونه في حبنا.

و إن على الكوثر أمير المؤمنين عليه السّلام و في يده عصا من عوسج،يحطم بهال.

ص: 169


1- و ان الشارب منه ممن أحبنا خ ل.

أعداءنا،فيقول الرجل منهم:إني أشهد الشهادتين!فيقول:إنطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك،فيقول:يتبرّأ مني إمامي الذي تذكره،فيقول:إرجع و راءك فقل للذي كنت تتولاه و تقدّمه على الخلق فاسأله إذ كان عندك خير الخلق أن يشفع لك،فإن خير الخلق حقيق أن لا يرد إذا شفع،فيقول:إني أهلك عطشا:فيقول:زادك اللّه ظمأ،و زادك اللّه عطشا.

قلت:جعلت فداك و كيف يقدر على الدنو من الحوض و لم يقدر عليه غيره؟

قال:ورع عن أشياء قبيحة،و كف عن شتمنا إذا ذكرنا،و ترك أشياء اجترأ عليها غيره،و ليس ذلك لحبنا،و لا لهوى منه،و لكن ذلك لشدة اجتهاده في عبادته و تدينه، و لما قد شغل به نفسه عن ذكر الناس،فأما قلبه فمنافق،و دينه النصب باتباع أهل النصب و ولاية الماضين،و تقدمة لهما على كل أحد (1).

بيان:«الرضراض»الحصا أو صغارها،قوله عليه السّلام"و سقيت":إسناد السقي إليها مجازي لسببيتها لذلك.

عن سعد،عن الجاموراني،عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:إن البكاء و الجزع مكروه للعبد في كل ما جزع،ما خلا البكاء على الحسين بن علي عليهما السّلام فإنه فيه مأجور (2).

محمد بن جعفر الرزاز،عن خاله محمد بن الحسين الزيات،عن محمد بن إسماعيل،عن صالح بن عقبة،عن أبي هارون المكفوف قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل:و من ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على اللّه عز و جل،و لم يرض له بدون الجنة (3).1.

ص: 170


1- بحار الأنوار:286/40-294 ح 31،و المصدر ص 101،و هكذا ما يليه.
2- بحار الأنوار:286/40-294 ح 32،و كامل الزيارات 100.
3- المصدر ص 100 و 101.

عن سعد بن عبد اللّه،عن أحمد بن محمد،عن حمزة بن علي الاشعري،عن الحسن بن معاوية بن وهب،عمن حدثة،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كان علي بن الحسين عليه السّلام يقول:و ذكر مثله (1).

القطان و النقاش و الطالقاني جميعا،عن أحمد الهمداني،عن ابن فضال،عن أبيه قال:قال الرضا عليه السّلام:من تذكر مصابنا فبكى و أبكى لم تبك إلى آخر الخبر (2).

أبي،عن بكر بن محمد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر (3).عن المفيد،عن ابن قولويه،عن أبيه،عن سعد،عن البرقي،عن سليمان بن مسلم الكندي،عن ابن غزوان،عن عيسى بن أبي منصور،عن أبان بن تغلب،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:نفس المهموم لظلمنا تسبيح،و همّه لنا عبادة و كتمام سرنا جهاد في سبيل اللّه.

ثم قال أبو عبد اللّه:يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب (4).

ابن الوليد،عن الصفار،عن ابن عيسى،عن محمد البرقي،عن أبان الاحمر،عن محمد بن الحسين الخزاز،عن ابن خارجة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كنا عنده فذكرنا الحسين بن علي عليه السّلام و على قاتله لعنة اللّه فبكى أبو عبد اللّه عليه السّلام و بكينا قال:

ثم رفع رأسه فقال:قال الحسين بن علي عليه السّلام:أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا بكى،و ذكر الحديث (5).

السعد آبادي،عن البرقي،عن أبيه،عن ابن مسكان،عن ابن خارجة،عن أبي9.

ص: 171


1- بحار الأنوار:286/40-294 ح 33.
2- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 2،و عيون أخبار الرضا ج 1 ص 294.
3- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 3،و تفسير القمي ص 616.
4- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 4.
5- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 5،و راجع كامل الزيارات ص 108 و 109.

عبد اللّه عليه السّلام قال:قال الحسين بن علي:أنا قتيل العبرة قتلت مكروبا،و حقيق على [اللّه]أن لا يأتيني مكروب[قط]إلا ردّه اللّه أو أقلبه إلى أهله مسرورا (1).

عن حكيم بن داود،عن سلمة،عن محمد بن عمرو،عن ابن خارجة مثله (2).

بيان:قوله:«أنا قتيل العبرة»أي قتيل منسوب إلى العبرة و البكاء،و سبب لها، أو أقتل مع العبرة و الحزن و شدة الحال،و الأول أظهر.

المفيد،عن الجعابي،عن ابن عقدة،عن أحمد بن عبد الحميد عن محمد بن عمرو ابن عتبة،عن الحسين الاشقر،عن محمد بن أبي عمارة الكوفي قال:سمعت جعفر ابن محمد عليهما السّلام يقول:من دمعت عينه فينا دمعة لدم سفك لنا أو حق لنا نقصناه،أو عرض انتهك لنا،أو لاحد من شيعتنا،بوأه اللّه تعالى بها في الجنة حقبا (3).

الجعابي مثله.

المفيد،عن أبي عمرو عثمان الدقاق،عن جعفر بن محمد بن مالك،عن أحمد بن يحيى الاودي،عن مخول بن إبراهيم،عن الربيع بن المنذر،عن أبيه،عن الحسين ابن علي عليهما السّلام قال:ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلا بوّأه اللّه بها في الجنة حقبا.

قال أحمد بن يحيى الاودي:فرأيت الحسين بن علي عليهما السّلام في المنام فقلت:حدثني مخول بن إبراهيم،عن الربيع بن المنذر،عن أبيه،عنك أنك قلت:ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلا بوّأه اللّه بها في الجنة حقبا؟

قال:نعم،قلت:سقط الإسناد بيني و بينك (4).

بيان:الحقب كناية عن الدوام قال الفيروز آبادي:الحقبة بالكسر من الدهر مدة لا2.

ص: 172


1- راجع كامل الزيارات ص 108 و 109.
2- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 6.
3- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 7،و أمالي الشيخ الطوسي:ص 121.
4- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 9،و كتاب المجالس:ص 72.

وقت لها،و السنة و الجمع كعنب و حبوب و[الحقب]بالضم و بضمتين ثمانون سنة أو أكثر و الدهر و السنة و السنون و الجمع أحقاب و أحقب.

عن المفيد،عن ابن قولويه،عن أبيه،عن سعد،عن ابن عيسى،عن ابن محبوب، عن أبي محمد الانصاري،عن معاوية بن وهب،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كل الجزع و البكاء مكروه،سوى الجزع و البكاء على الحسين عليه السّلام.

أبي،و علي بن الحسين و ابن الوليد،جميعا،عن سعد،عن ابن عيسى،عن سعيد بن جناح،عن أبي يحيى الحذاء،عن بعض أصحابه،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

نظر أمير المؤمنين إلى الحسين عليهما السّلام فقال:يا عبرة كل مؤمن،فقال:أنا يا أبتاه؟

فقال:نعم،يا بني (1).

جماعة مشايخي،عن محمد العطار،عن الحسين بن عبيد اللّه،عن ابن أبي عثمان،عن الحسن بن علي بن عبد اللّه،عن أبي عمارة المنشد قال:ما ذكر الحسين ابن علي عند أبي عبد اللّه في يوم قط فرئي أبو عبد اللّه عليه السّلام متبسما في ذلك اليوم إلى الليل،و كان أبو عبد اللّه عليه السّلام يقول:الحسين عبرة كل مؤمن.

محمد بن جعفر،عن ابن أبي الخطاب،عن الحسن بن علي،عن ابن أبي عمير عن علي بن المغيرة،عن أبي عمارة مثله إلى قوله:في ذلك اليوم و الليل (2).

أبي،عن سعد،عن الخشاب،عن محمد بن سنان،عن إسماعيل بن جابر،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال الحسين عليه السّلام:أنا قتيل العبرة (3).

المفيد،عن الحسين بن محمد النحوي،عن أحمد بن مازن،عن القاسم بن سليمان،عن بكر بن هشام،عن إسماعيل بن مهران،عن الاصم،عن محمد بن2.

ص: 173


1- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 10،و المصدر ب 36 تحت الرقم 1 و ما بعده الرقم 2 و 4.
2- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 11.
3- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 12.

مسلم قال:سمعت أبا عبد اللّه يقول:إن الحسين بن علي عند ربه عز و جل ينظر إلى معسكره و من حوله من الشهداء معه،و ينظر إلى زواره،و هو أعرف بهم و بأسمائهم و أسماء آبائهم و بدرجاتهم و منزلتهم عند اللّه عز و جل من أحدكم بولده و إنه ليرى من يبكيه فيستغفر له و يسأل آباءه عليهم السلام أن يستغفروا له، و يقول:لو يعلم زائري ما أعد اللّه له لكان فرحه أكثر من جزعه،و إن زائره لينقلب و ما عليه من ذنب (1).

أبي،عن ابن محبوب،عن العلا،عن محمد،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كان علي بن الحسين عليهما السّلام يقول:أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي دمعة حتى تسيل على خده بوّأه اللّه بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا،و أيما مؤمن دمعت عيناه دمعا حتى يسيل على خده لأذى مسنّا من عدونا في الدنيا بوّأه اللّه مبوّأ صدق في الجنة،و أيما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتى يسيل دمعه على خديه من مضاضة ما اوذي فينا صرف اللّه عن وجهه الأذى و آمنه يوم القيامة من سخطه و النار (2).

عن الحسن بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى،عن أبيه،عن ابن محبوب مثله (3).

عن ابن المتوكل،عن الحميري،عن أحمد و عبد اللّه ابني محمد بن عيسى عن ابن محبوب مثله (4).

أقول:روى السيد بن طاوس هذا الخبر مرسلا و فيه مكان دمعت أولا"ذرفت" و فيه:أيما مؤمن مسّه أذى فينا صرف اللّه عن وجهه الأذى و آمنه يوم القيامة من0.

ص: 174


1- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 13،و أمالى الشيخ ص:34.
2- تفسير القمي ص 616،ثواب الأعمال ص 47،كامل الزيارات ص 100.
3- تفسير القمي ص 616،ثواب الأعمال ص 47،كامل الزيارات ص 100.
4- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 13،و تفسير القمي ص 616،ثواب الأعمال ص 47،كامل الزيارات ص 100.

سخط النار.

بيان:المضاضة بالفتح وجع المصيبة و ذرفت عينه سال دمعها.

ابن سعد،عن الازدي،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال لفضيل:تجلسون و تحدّثون؟

قال:نعم جعلت فداك قال:إن تلك المجالس أحبها فأحيوا أمرنا يا فضيل!فرحم اللّه من أحيى أمرنا،يا فضيل من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر اللّه له ذنوبه و لو كانت أكثر من زبد البحر (1).

عن العطار،عن أبيه،عن الاشعري،عن اللؤلؤي،عن ابن أبي عثمان عن علي بن المغيرة،عن أبي عمارة المنشد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال لي:يا أبا عمارة أنشدني،في الحسين بن علي قال:فأنشدته فبكى ثم أنشدته فبكى قال:فو اللّه ما زلت أنشده و يبكي حتى سمعت البكاء من الدار.

قال:فقال:يا أبا عمارة من أنشد في الحسين بن علي شعرا فأبكى خمسين فله الجنة،و من أنشد في الحسين شعرا فأبكى ثلاثين فله الجنة،و من أنشد في الحسين شعرا فأبكى عشرين فله الجنة،و من أنشد في الحسين شعرا فأبكى عشرة فله الجنة و من أنشد في الحسين شعرا فأبكى واحدا فله الجنة،و من أنشد في الحسين شعرا فبكى فله الجنة،و من أنشد في الحسين شعرا فتباكى فله الجنة (2).

عن ماجيلويه،عن محمد العطار،عن الأشرعي مثله (3).5.

ص: 175


1- رواه في مقدمة كتابه الملهوف تراه في ص 302 من طبع الكمبانى في ذيل البحار المجل، و قرب الإسناد:ص 26 د العاشر.
2- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 15،و أمالي الصدوق:المجلس 29 الرقم 6 ثواب الأعمال:ص 47،كامل الزيارات ص 105..
3- أمالي الصدوق:المجلس 29 الرقم 6 ثواب الأعمال:ص 47،كامل الزيارات ص 105.

عن محمد بن جعفر،عن محمد بن الحسين،عن ابن أبي عثمان مثله (1).

نصر بن الصباح،عن ابن عيسى،عن يحيى بن عمران،عن ممد بن سنان،عن زيد الشحام،قال:كنا عند أبي عبد اللّه و نحن جماعة من الكوفيين فدخل جعفر بن عفان (2)على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقرّ به و أدناه ثم قال:يا جعفر،ثم قال:يا جعفر و اللّه لقد شهدت ملائكة اللّه المقرّبون ههنا يسمعون قولك في الحسين عليه السّلام و لقد بكوا كما بكينا و أكثر،و لقد أوجب اللّه تعالى لك يا جعفر في ساعته (3)الجنة بأسرها، و غفر اللّه لك.

فقال:يا جعفر ألا أزيدك؟

قال:نعم يا سيدي قال:ما من أحد قال في الحسين شعرا فبكى و أبكى به إلا أوجب اللّه له الجنة و غفر له (4).

عن ابن مسرور،عن ابن عامر،عن عمه،عن إبراهيم بن أبي محمود قال:قال الرضا عليه السّلام:إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال فاستحلّت فيه دماؤنا،و هتكت فيه حرمتنا،و سبي فيه ذرارينا و نساؤنا،و أضرمت النيران في مضاربنا،و انتهب ما فيها من ثقلنا،و لم ترع لرسول اللّه حرمة في أمرنا.

الرجال:جعفر بن عفان الطائى،ثم بعد ما روى هذا الحديث عن الكشى قال:

و روى الأغانى عن محمد بن يحيى بن أبي مرة التغلبى قال:مررت بجعفر بن7.

ص: 176


1- أمالي الصدوق:المجلس 29 الرقم 6 ثواب الأعمال:ص 47،كامل الزيارات ص 105.
2- عنونه ابن داود في رجاله و قال:جعفر بن عثمان الطائى شاعر أهل البيت:ثم أشار إلى هذا الحديث المروى في الكشى ص 187 و قال:ممدوح.و عنونه في قاموس قال:لبيك!جعلني الله فداك قال:بلغني أنك تقول الشعر في الحسين و تجيد،فقال له:نعم جعلني الله فداك،قال:قل! فأنشده صلى الله عليه فبكى و من حوله،حتى صارت الدموع على وجهه و لحيته.
3- في ساعتك خ ظ.كما في الوسائل ب 104 من أبواب المزار تحت الرقم 1.
4- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 16،و رجال الكشي ص 187.

عثمان الطائى يوما و هو على باب منزله،فسلّمت عليه فقال لي:مرحبا يا أخا تغلب إجلس!فجلست فقال لي:أما تعجب من ابن ابى حفصة لعنه اللّه حيث يقول:

أنى يكون و ليس ذاك بكائن لبني البنات وراثة الأعمام

فقلت:بلى و اللّه أنى لأتعجب منه و أكثر اللعن عليه فهل قلت في ذلك شيئا فقال:

نعم قلت:

لم لا يكون و ان ذاك لكائن لبني البنات وراثة الأعمام

للبنت نصف كامل من ماله و العم متروك بغير سهام

ما للطليق و للتراث و إنما صلّى الطليق مخافة الصمصام

إن يوم الحسين أقرح جفوننا،و أسبل دموعنا،و أذل عزيزنا بأرض كرب و بلاء، أورثتنا الكرب و البلاء إلى يوم الإنقضاء،فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام.

ثم قال عليه السّلام:كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا و كانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام،فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته و حزنه و بكائه و يقول:هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلى اللّه عليه (1).

الطالقاني،عن أحمد الهمداني،عن علي بن الحسن بن فضال عن أبيه،عن الرضا عليه السّلام قال:من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى اللّه له حوائج الدنيا و الآخرة،و من كان يوم عاشوراء يوم مصيبته و حزنه و بكائه،جعل اللّه عز و جل يوم القيامة يوم فرحه و سروره،و قرّت بنا في الجنان عينه،و من سمّى يوم عاشورا يوم بركة و ادّخر فيه لمنزله شيئا لم يبارك له فيما ادّخر،و حشر يوم القيامة مع يزيد و عبيد اللّه بن زياد و عمر بن سعد لعنهم اللّه إلى أسفل درك من4.

ص: 177


1- بحار الأنوار:278/40 سطر 12-286 ح 17،و أمالي الصدوق المجلس 27 الرقم 2 و الذى يأتى بعده تحت الرقم 4.

النار (1).

ابن إدريس،عن أبيه،عن ابن أبي الخطاب،عن الحكم بن مسكين[الثقفي]عن أبي بصير،عن الصادق،عن آبائه عليهم السلام قال:قال أبو عبد اللّه الحسين بن علي عليهما السّلام:أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا استعبر (2).

عن محمد بن جعفر،عن محمد بن الحسين،عن الحكم بن مسكين مثله (3).

عن أبي عن سعد،عن الخشاب،عن إسماعيل بن مهران،عن علي بن أبي حمزة،عن أبي بصير مثله (4).

حكيم بن داود،عن سلمة،عن ابن يزيد،عن ابن أبي عمير،عن بكر بن محمد، عن فضيل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من ذكرنا عنده ففاضت عيناه و لو مثل جناح الذباب غفر له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر (5).

محمد بن عبد اللّه،عن أبيه،عن البرقي،عن أبيه،عن بكر بن محمد،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله (6).

عن حكيم بن داود،عن سلمة،عن الحسن بن علي،عن العلا،عن محمد،عن أبي جعفر عليه السّلام قال:أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين دمعة حتى تسيل على خده بوّأه اللّه بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا (7).

حكيم بن داود،عن سلم،عن علي بن سيف،عن بكر بن محمد عن فضيل بن4.

ص: 178


1- بحار الأنوار:286/40-294 ح 18.
2- أمالي الصدوق المجلس 28 الرقم 7.
3- المصدر ص 108:ب 36 تحت الرقم 4 إلى قوله«أنا قتيل العبرة».
4- بحار الأنوار:286/40-294 ح 19،و المصدر تحت الرقم 3.
5- المصدر ص 103 و 104.
6- بحار الأنوار:286/40-294 ح 20.
7- بحار الأنوار:286/40-294 ح 21،و كامل الزيارات؟ص 104.

فضالة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرّم اللّه وجهه على النار (1).

ما جيلويه،عن علي،عن أبيه،عن الريان بن شبيب قال:دخلت على الرضا عليه السّلام في أول يوم من المحرم فقال لي:يا ابن شبيب أصائم أنت فقلت:لا،فقال:إن هذا اليوم هو اليوم الذي دعى فيه زكريا ربه عز و جل فقال: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (2)فاستجاب اللّه له و أمر الملائكة فنادت زكريا و هو قائم يصلّي في المحراب أن اللّه يبشّرك بيحيى،فمن صام هذا اليوم ثم دعى اللّه عز و جل استجاب اللّه له كما استجاب لزكريا عليه السّلام.

ثم قال:يا ابن شبيب إن المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرّمون فيه الظلم و القتال لحرمته،فما عرفت هذه الامة حرمة شهرها و لا حرمة نبيها،لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته،و سبوا نساءه،و انتهبوا ثقله،فلا غفر اللّه لهم ذلك أبدا.

يا ابن شبيب إن كنت باكيا لشيء فابك للحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السّلام فإنه ذبح كما يذبح الكبش،و قتل معه من أهل بيته ثمانية عشر رجلا،مالهم في الأرض شبيهون،و لقد بكت السماوات السبع و الارضن لقتله،و لقد نزل إلى الأرض من الملائكة أربعة آلاف لنصره،فوجدوه قد قتل،فهم عند قبره شعث غبر إلى أن يقوم القائم،فيكونون من أنصاره،و شعارهم"يا لثارات الحسين".

يا ابن شبيب لقد حدثني أبي،عن أبيه،عن جده أنه لما قتل جدي الحسين أمطرت السماء دما و ترابا أحمر،يا ابن شبيب إن بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خديك غفر اللّه لك كل ذنب أذنبته صغيرا كان أو كبيرا،قليلا كان أو8.

ص: 179


1- بحار الأنوار:286/40-294 ح 22،و المصدر:ص 104.
2- سورة آل عمران:38.

كثيرا.

يا ابن شبيب إن سرّك أن تلقى اللّه عز و جل و لا ذنب عليك،فزر الحسين عليه السّلام،يا ابن شبيب إن سرك أن تسكن الغرف المبنية في الجنة مع النبي صلّى اللّه عليه و اله فالعن قتلة الحسين.

يا ابن شبيب إن سرّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين فقل متى ما ذكرته«يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما».

يا ابن شبيب إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان،فاحزن لحزننا،و افرح لفرحنا،و عليك بولايتنا،فلو أن رجلا تولّى حجرا لحشره اللّه معه يوم القيامة (1).

محمد بن جعفر،عن محمد بن الحسين،عن ابن أبي عمير،عن عبد اللّه بن حسان،عن[ابن]أبي شعبة،عن عبد اللّه بن غالب قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فأنشدته مرثية الحسين بن علي عليهما السّلام فلما انتهيت إلى هذا الموضع:

لبلية تسقو حسينا بمسقاة الثرى غير التراب

صاحت باكية من وراء الستر:يا أبتاه (2).

عن ابن الوليد،عن الصفار،عن ابن أبي الخطاب،عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة،عن أبي هارون المكفوف قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال لي:

أنشدني،فأنشدته فقال:لا،كما تنشدون و كما ترثيه عند قبره،فأنشدته أمرر على جدث الحسين فقل لاعظمه الزكية.

قال:فلما بكى أمسكت أنا فقال:مر فمررت،قال:ثم قال:زدني[زدني]قال:

فأنشدته:5.

ص: 180


1- أمالي الصدوق المجلس 27 الرقم 5،عيون أخبار الرضا ج 1 ص 299.
2- بحار الأنوار:286/40-294 ح 24،و كامل الزيارات ص 105.

يا مريم قومي و اندبي مولاك و على الحسين فاسعدي ببكاك

قال:فبكى و تهايج النساء قال:فلما أن سكتن قال لي:يا أبا هارون من أنشد في الحسين فأبكى عشرة[فله الجنة]ثم جعل ينتقص واحدا واحدا حتى بلغ الواحد فقال:من أنشد في الحسين فأبكى واحدا فله الجنة ثم قال:من ذكره فبكى فله الجنة.

و روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لكل سر ثواب إلا الدمعة فينا (1).

بيان:لعل المعنى أن أسرار كل مصيبة و الصبر عليها موجب للثواب إلا البكاء عليهم،و يحتمل أن يكون تصحيف شيء (2)أي لكل شيء من الطاعة ثواب مقدر إلا الدمعة فيهم فإنه لا تقدير لثوابها.

الاربعمائة قال أمير المؤمنين عليه السّلام:إن اللّه تبارك و تعالى اطلع إلى الأرض فاختارنا،و اختار لنا شيعة ينصروننا،و يفرحون لفرحنا،و يحزنون لحزننا و يبذلون أموالهم و أنفسهم فينا،أولئك منا و إلينا.

عن ابن إدريس،عن أبيه،عن الفزاري،عن محمد بن الحسين بن زيد عن محمد بن زياد،عن أبي الجارود،عن ابن جبير،عن ابن عباس قال:قال علي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله:يا رسول اللّه إنك لتحب عقيلا؟

قال:إي و اللّه إني لأحبه حبين:حبا له و حبا لحب أبي طالب له و إن ولده لمقتول في محبة ولدك،فتدمع عليه عيون المؤمنين،و تصلّي عليه الملائكة المقرّبون،ثم بكى رسول اللّه حتى جرت دموعه على صدره ثم قال:إلى اللّه أشكو ما تلقى عترتي من بعدي (3).3.

ص: 181


1- بحار الأنوار:286/40-294 ح 26،و كامل الزيارات ص 106.
2- كما هو مثبت في المصدر و قد نقله في الوسائل ب 104 من أبواب المزار تحت الرقم 6 كذلك.
3- المصدر المجلس 27 تحت الرقم 3.

قال ابن طاوس:روي عن آل الرسول عليهم السلام أنهم قالوا:من بكى و أبكى فينا مائة فله الجنة،و من بكى و أبكى خمسين فله الجنة،و من بكى و أبكى ثلاثين فله الجنة،و من بكى و أبكى عشرين فله الجنة،و من بكى و أبكى عشرة فله الجنة، و من بكى و أبكى واحدا فله الجنة،و من تباكى فله الجنة (1).

أبي،عن سعد،عن ابن أبي الخطاب،عن محمد بن إسماعيل،عن صالح بن عقبة،عن أبي هارون المكفوف قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا أبا هارون أنشدني في الحسين عليه السّلام قال:فأنشدته قال:فقال لي:أنشدني كما تنشدون يعني بالرقة، قال:فأنشدته[شعر]:

أمرر على جدث الحسين فقل لأعظمه الزكيه.

قال:فبكى ثم قال:زدني،فأنشدته القصيدة الأخرى،قال:فبكى و سمعت البكاء من خلف الستر.

قال:فلما فرغت قال:يا أبا هارون من أنشد في الحسين شعرا فبكى و أبكى عشرة كتبت له الجنة،و من أنشد في الحسين شعرا فبكى و أبكى خمسة كتبت لهم الجنة،و من أنشد في الحسين شعرا فبكى و أبكى واحدا كتبت لهما الجنة و من ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدمع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على اللّه عز و جل،و لم يرض له بدون الجنة (2).

عن محمد بن جعفر،عن ابن أبي الخطاب مثله.

بيان:الرقة بالفتح بلدة على الفرات واسطة ديار ربيعة و آخر غربي بغداد و قرية4.

ص: 182


1- بحار الأنوار:286/40-294 ح 27،و كتاب الملهوف طبع الكمبانى بذيل العاشر من البحار ص 302.
2- بحار الأنوار:286/40-294 ح 28،و ثواب الأعمال ص 47.كامل الزيارات ص 100 و 104.

أسفل منها بفرسخ ذكره الفيروز آبادي (1).

عن ابن المتوكل،عن محمد العطار،عن الأشعري،عن محمد بن الحسين،عن محمد بن إسماعيل،عن صالح بن عقبة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أنشد في الحسين بيتا من شعر فبكى و أبكى عشرة فله،و لهم الجنة و من أنشد في الحسين بيتا فبكى و أبكى تسعة فله و لهم الجنة،فلم يزل حتى قال:و من أنشد في الحسين بيتا فبكى و أظنه قال أو تباكى فله الجنة (2).

عن محمد بن جعفر،عن محمد بن الحسين،عن محمد بن إسماعيل مثله.

عن محمد بن أحمد بن الحسين العسكري،عن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه،عن محمد بن سنان،عن محمد بن إسماعيل مثله (3).

ابن يزيد،عن ابن أبي عمير،عن بكر بن محمد،عن الفضيل،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من ذكرنا عنده ففاضت عيناه و لو مثل جناح الذباب غفر اللّه له ذنوبه و لو كان مثل زبد البحر (4).

حكيم بن داود بن حكيم،عن سلمة،عن بكار بن أحمد القسام و الحسن بن عبد الواحد،عن مخول بن إبراهيم،عن الربيع بن المنذر،عن أبيه قال:سمعت علي ابن الحسين عليه السّلام يقول:من قطرت عيناه فينا قطرة،و دمعت عيناه فينا دمعة بوّأه اللّه بها في الجنة حقبا (5).

أبي،عن سعد،عن محمد بن الحسين،عن محمد بن عبد اللّه بن زرارة عن عبد اللّه ابن عبد الرحمان الأصم،عن عبد اللّه بن بكير قال:حججت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام في1.

ص: 183


1- و لعل المراد:رقة القلب و حالة الرثاء.
2- ثواب الأعمال ص 48 و كامل الزيارات 105 و 106.
3- بحار الأنوار:286/40-294 ح 29.
4- بحار الأنوار:286/40-294 ح 30،و المحاسن ص 63.
5- بحار الأنوار:286/40-294 ح 34،و كامل الزيارات ص 101.

حديث طويل فقلت:يا ابن رسول اللّه لو نبش قبر الحسين بن علي عليهما السّلام هل كان يصاب في قبره شيء؟

فقال:يا ابن بكير ما أعظم مسائلك إن الحسين بن علي عليه السّلام مع أبيه و امه و أخيه في منزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و معه يرزقون و يحبرون،و إنه لعن يمين العرش متعلق به،يقول:يا رب أنجز لي ما وعدتني و إنه لينظر إلى زوراه فهو أعرف بهم و بأسمائهم و أسماء آبائهم و ما في رحالهم من أحدهم بولده،و إنه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له و يسأل أباه الإستغفار له و يقول:أيها الباكي لو علمت ما أعد اللّه لك لفرحت أكثر مما حزنت و إنه ليستغفر له من كل ذنب و خطيئة (1).

أبي،عن ابن أبان،عن الاهوازي،عن عبد اللّه بن المغيرة عن الأصم مثله (2).

أقول:رأيت في بعض تأليفات بعض الثقاة من المعاصرين:روي أنه لما أخبر النبي صلّى اللّه عليه و اله ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين و ما يجري عليه من المحن بكت فاطمة بكاء شديدا،و قالت:يا أبت متى يكون ذلك؟

قال:في زمان خال مني و منك و من علي،فاشتد بكاؤها و قالت:يا أبت فمن يبكي عليه؟و من يلتزم باقامة العزاء له؟.

فقال النبي:يا فاطمة إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي،رجالهم يبكون على رجال أهل بيتي،و يجددون العزاء جيلا،بعد جيل،في كل سنة فإذا كان يوم القيامة تسفعين أنت للنساء و أنا أشفع للرجال و كل من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده و أدخلناه الجنة.

يا فاطمة!كل عين باكية يوم القيامة،إلا عين بكت على مصاب الحسين فانها6.

ص: 184


1- بحار الأنوار:286/40-294 ح 35،و المصدر ص 103.و ترى الحديث بطوله في ص 326 329 باب النوادر الرقم 2.
2- بحار الأنوار:286/40-294 ح 36.

ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة.

أقول:سيأتي بعض الأخبار في ذلك في باب بكاء السماء و الأرض عليه عليه السّلام (1).

و رأيت في بعض مؤلفات أصحابنا أنه حكي عن السيد علي الحسيني قال:كنت مجاورا في مشهد مولاي علي بن موسى الرضا عليها السّلام مع جماعة من المؤمنين،فلما كان اليوم العاشر من شهر عاشوراء ابتدأ رجل من أصحابنا يقرأ مقتل الحسين عليه السّلام فوردت رواية عن الباقر عليه السّلام أنه قال:من ذرفت عيناه على مصاب الحسين و لو مثل جناح البعوضة غفر اللّه له ذنوبه،و لو كانت مثل زبد البحر.

و كان في المجلس معنا جاهل مركّب يدّعي العلم،و لا يعرفه،فقال:ليس هذا بصحيح و العقل لا يعتقده (2)و كثر البحث بيننا و افترقنا عن ذلك المجلس،و هو مصرّ على العناد في تكذيب الحديث،فنام ذلك الرجل تلك الليلة فرأى في منامه كأن القيامة قد قامت،و حشر الناس في صعيد صفصف لا ترى فيها عوجا و لا أمتا و قد نصبت الموازين،و امتد الصراط،و وضع الحساب،و نشرت الكتب،و أسعرت النيران،و زخرفت الجنان،و اشتد الحر عليه،و إذا هو قد عطش عطشا شديدا و بقي يطلب الماء،فلا يجده،فالتفت يمينا و شمالا و إذا هو بحوض عظيم الطول و العرض.

قال:قلت في نفسي:هذا هو الكوثر فإذا فيه ماء أبرد من الثلج و أحلى من العذب، و إذا عند الحوض رجلان و امرأة أنوارهم تشرق على الخلائق،و مع ذلك لبسهمم.

ص: 185


1- بحار الأنوار:286/40-294 ح 37.
2- توهّم الجهال أن لهذه الأحاديث إطلاقا يشمل كل ظرف و زمان،فأنكرها بعض أشد الانكار، و قال لو صوح هذه الأحاديث لأتى على بنيان المذهب و قواعده،و لأدى إلى تعطيل الفرائض و الأحكام،و ترك الصلاة و الصيام كما نرى الفساق و الفجار يتكلون في ارتكاب السيئات و الاقتحام في جرائمهم الشنيعة على ولاء الحسين و محبته،و البكاء عليه من دون أن ينتهوا عن ظلمهم و غيهم و اعتسافهم.

السواد و هم باكون محزونون فقلت:من هؤلاء؟فقيل لي:هذا محمد المصطفى، و هذا الامام علي المرتضى،و هذه الطاهرة فاطمة الزهراء فقلت:ما لي أراهم لا بسين السواد و باكين و محزونين؟فقيل لي:أليس هذا يوم عاشوراء،يوم مقتل الحسين؟فهم محزونون لأجل ذلك.

قال:فدنوت إلى سيدة النساء فاطمة و قلت لها:يا بنت رسول اللّه إني عطشان، فنظرت إلي شزرا و قالت لي:أنت الذي تنكر فضل البكاء على مصاب ولدي الحسين و مهجة قلبي و قرة عيني الشهيد المقتول ظلما و عدوانا؟لعن اللّه قاتليه و ظالميه و مانيعه من شرب الماء؟

قال الرجل:فانتبهت من نومي فزعا مرعوبا و استغفرت اللّه كثيرا،و ندمت على ما كان مني و أتيت إلى أصحابي الذين كنت معهم،و خبّرت برؤياي،و تبت إلى اللّه عز و جل...

فمن كان يبكى على الحسين أو يرثيه أو يزوره في ذاك الظرف لم يكن فعله ذلك حسرة و عزاء و تسلية فقط،بل محاربة لأعداء الدين و جهادا في سبيل اللّه مع ما يقاسونه من الجهد و البلاء و التشريد و التنكيل فحق على اللّه أن يثيب المجاهد في سبيله و يرزقه الجنة بغير حساب.

ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ و لا نصب و لا مخمصة في سبيل اللّه،و لا يطأون موطئا بغيظ الكفار و لا ينالون من عدو نيلا الاكتب لهم به عمل صالح إن اللّه لا يضيع أجر المحسنين.ففى مثل ذاك الزمان كما رأينا قبل عشرين سنة في ايران لم يكن ليبكى على الحسين و ينشد فيه الرثاء إلا كل مؤمن و في،أهل التقوى و اليقين، لما في ذلك من العذاب و التنكيل،لا كل فاسق و شارب حتى يستشكل في الأحاديث.

بل كان هؤلاء الفساق في ذاك الظرف مستظهرين بسلطان بنى أمية،منحازين إلى الفئة الباغية يتجسسون خلال الديار ليأخذوا على أيدي الشيعة،و يمنعوهم من إحياء ذكر الحسين،كما اقتحموا دار أبي عبد اللّه الصادق بعد ما سمعوا صراخ

ص: 186

الويل و البكاء من داره عليه السّلام.

و أما في زمان لا محاربة بين أهل البيت و أعدائهم كزماننا هذا فلا يصدق على ذكر الحسين و البكاء عليه عنوان الجهاد،كما أنه لا يلقى ذاكر الحسين إلا الذكر الجميل و الثناء الحسن.بل يأخذ بذلك أجرة،و الباكي على الحسين يشرّف و يكرم و يقال له:قدمت خير مقدم و يقدّم إليه ما يشرب و يتفكه.

فليس هذه الأحاديث إلا موضوعة من قبل الغلاة،و دسّهم في أخبار أهل البيت، ترويجا لمرامهم الفاسد،و مسلكهم في أن ولاء أهل البيت إنما هو محبتهم،لا الدخول تحت سلطانهم و أمرهم و نهيهم على ما هو الصحيح من معنى الولاية.

و بعضهم الآخر الذين يروون الحديث و لا يعقلون فيه و لا يتدبرون أخذ بالاطلاق،و ادعى أن"من بكى على الحسين أو أبكى أو تباكى فله الجنة"حتى في زماننا هذا و عصرنا كائنا من كان،ثم شد على المنكرين بأنهم كفروا و خرجوا عن المذهب و لم يعرفوا الائمة حق معرفتهم و...ثم إذا ألزم بالإشكال أخذ في تأويل الأحاديث و أخرجها عن معانيها و مغزاها،أو سرد في الجواب بعض الأقاصيص و الرؤى.

و الحق أن هذه الأحاديث بين صحاح و حسان و ضعاف مستفيضة بل متواترة لا تتطرق اليها يد الجرح و التأويل،لكنها صدرت حينما كان ذكر الحسين،و البكاء عليه و زيارته،و رثاؤه،و انشاد الشعر فيه،إنكارا للمنكر،و مجاهدة في ذات اللّه، و محاربة مع أعداء اللّه:بنى أمية الظالمة الغشوم،و هدما لأساسهم،و تقبيحا و تنفيرا من سيرتهم الكافرة بالقرآن و الرسول.

و لذلك كانت الائمة عليهم السلام يرغّبون الشيعة في ذلك الجهاد المقدس بإعلاء كلمة الحسين و إحياء أمره بأي نحو كان بالرثاء و المديح و الزيارة و البكاء عليه،و فى مقابلهم بنو أمية تعرج على إماتة ذكر الحسين،و يمنع من زيارته و رثائه و البكاء عليه فمن وجدوه يفعل شيئا من ذلك أخذوه و شرّدوه و قتلوه

ص: 187

و هدموا داره و لأجل تلك المحاربة القائمة بين الفريقين:أنصار الدين،و أنصار الكفر،أباد المتوكل قبر الحسين و سواه مع الأرض و أجرى الماء عليه ليطفئ نور اللّه و اللّه متم نوره و لو كره الكافرون.

فحيث لا جهاد في البكاء عليه،فلا وعد بالجنة،و حيث لا عذاب و لا نكال و لا خوف نفس فلا ثواب كذا و كذا.فليبك الفسقة الفجرة،إنهم مأخوذون بسيئ أعمالهم.

إن اللّه لا يخدع من جنته،و ليميز الخبيث من الطيب و يجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون (1).

حدثني الحسن بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كان علي بن الحسين عليه السّلام يقول أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليه السّلام دمعة حتى تسيل على خده بوّأه اللّه بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا و أيما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا لأذى مسّنا من عدونا في الدنيا بوّأه اللّه بها في الجنة مبوّأ صدق و أيما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة ما أوذي فينا صرف اللّه عن وجهه الأذى و آمنه يوم القيامة من سخطه و النار.

حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه الجاموراني عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول إن البكاء و الجزع مكروه للعبد في كل ما جزع ما خلا البكاء و الجزع على الحسين بن علي عليه السّلام فإنه فيه مأجور.

و حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن خاله محمد بن الحسين الزيات عن محمد ابن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن أبي هارون المكفوف قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام2.

ص: 188


1- بحار الأنوار:294/40-302.

في حديث طويل له و من ذكر الحسين عليه السّلام عنده فخرج من عينه(عينيه)من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على اللّه عز و جل و لم يرض له بدون الجنة.

حدثني حكيم بن داود بن الحكيم عن سلمة بن الخطاب قال:حدثنا بكار بن أحمد القسام و الحسن بن عبد الواحد عن محول بن إبراهيم عن الربيع بن منذر عن أبيه قال سمعت علي بن الحسين عليه السّلام:يقول من قطرت عيناه فينا قطرة و دمعت عيناه فينا دمعة بوأه اللّه بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا و أحقابا.

حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد عن حمزة بن علي الأشعري عن الحسن بن معاوية بن وهب عمن حدثه عن أبي جعفر عليه السّلام قال:كان علي بن الحسين عليه السّلام يقول و ذكر مثل حديث محمد بن جعفر الرزاز سواء.

حدثني محمد بن جعفر القرشي عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن علي عن ابن أبي عمير عن علي بن المغيرة عن أبي عمارة المنشد قال:ما ذكر الحسين بن علي عليه السّلام عند أبي عبد اللّه جعفر بن محمد عليه السّلام في يوم قط فرئي أبو عبد اللّه عليه السّلام في ذلك اليوم متبسما قط إلى الليل.

حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم عن مسمع بن عبد الملك كردين البصري قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا مسمع أنت من أهل العراق أما تأتي قبر الحسين عليه السّلام قلت:لا أنا رجل مشهور عند أهل البصرة و عندنا من يتبع هوى هذا الخليفة و عدونا كثير من أهل القبائل من النصاب و غيرهم و لست آمنهم أن يرفعوا حالي عند ولد سليمان فيمثّلون بي قال لي:أفما تذكر ما صنع به قلت نعم قال فتجزع قلت:إي و اللّه و أستعبر لذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك علي فأمتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي قال رحم اللّه دمعتك أما إنك من

ص: 189

الذين يعدون من أهل الجزع لنا و الذين يفرحون لفرحنا و يحزنون لحزننا و يخافون لخوفنا و يأمنون إذا أمنا أما إنك سترى عند موتك حضور آبائي لك و وصيتهم ملك الموت بك و ما يلقونك به من البشارة أفضل و لملك الموت أرق عليك و أشد رحمة لك من الأم الشفيقة على ولدها قال ثم استعبر و استعبرت معه فقال الحمد للّه الذي فضلنا على خلقه بالرحمة و خصنا أهل البيت بالرحمة (1).

يا مسمع إن الأرض و السماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين عليه السّلام رحمة لنا و ما بكى لنا من الملائكة أكثر و ما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا و ما بكى أحد رحمة لنا و لما لقينا إلا رحمه اللّه قبل أن تخرج الدمعة من عينه فإذا سالت دموعه على خده فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم لأطفأت حرها حتى لا يوجد لها حر و إن الموجع لنا قلبه ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتى يرد علينا الحوض و إن الكوثر ليفرح بمحبنا إذا ورد عليه حتى أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.

يا مسمع من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا و لم يستق بعدها أبدا و هو في برد الكافور و ريح المسك و طعم الزنجبيل أحلى من العسل و ألين من الزبد و أصفى من الدمع و أذكى من العنبر يخرج من تسنيم و يمر بأنهار الجنان يجري على رضراض الدر و الياقوت فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء يوجد ريحه من مسيرة ألف عام قدحانه من الذهب و الفضة و ألوان الجوهر يفوح في وجه الشارب منه كل فائحة حتى يقول الشارب منه يا ليتني تركت هاهنا لا أبغي بهذا بدلا و لا عنه تحويلا أما إنك يا ابن كردين ممن تروى منه و ما من عين بكت لنا إلا نعمت بالنظر إلى الكوثر و سقت منه من أحبنا و إن الشارب منه ليعطى من اللذة و الطعم و الشهوة له أكثر مما يعطاه من هو دونه في حبنا و إن على الكوثر أمير3.

ص: 190


1- كامل الزيارات:103.

المؤمنين عليه السّلام و في يده عصا من عوسج يحطم بها أعداءنا فيقول الرجل منهم إني أشهد الشهادتين فيقول إنطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك فيقول تبرأ مني إمامي الذي تذكره فيقول إرجع إلى ورائك فقل للذي كنت تتولاه و تقدمه على الخلق فاسأله إذا كان خير الخلق عندك أن يشفع لك فإن خير الخلق من يشفع(حقيق أن لا يرد إذا شفع)فيقول إني أهلك عطشا فيقول له زادك اللّه ظمأ و زادك اللّه عطشا قلت جعلت فداك و كيف يقدر على الدنو من الحوض و لم يقدر عليه غيره فقال ورع عن أشياء قبيحة و كف عن شتمنا أهل البيت إذا ذكرنا و ترك أشياء اجترؤ عليها غيره و ليس ذلك لحبنا و لا لهوى منه لنا و لكن ذلك لشدة اجتهاده في عبادته و تدينه و لما قد شغل نفسه به عن ذكر الناس فأما قلبه فمنافق و دينه النصب و أتباعه أهل النصب و ولاية الماضين و تقدّمه لهما على كل أحد.

حدثني أبي رحمه اللّه عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد عن عبد اللّه بن المغيرة عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم عن عبد اللّه بن بكير الأرجاني و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين عن محمد بن عبد اللّه بن زرارة عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم عن عبد اللّه بن بكير قال حججت مع أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث طويل فقلت:يا ابن رسول اللّه لو نبش قبر الحسين بن علي عليه السّلام هل كان يصاب في قبره شيء؟

فقال:يا ابن بكير ما أعظم مسائلك إن الحسين عليه السّلام مع أبيه و أمه و أخيه في منزل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و معه يرزقون و يحبرون و إنه لعن يمين العرش متعلّق به يقول يا رب أنجز لي ما وعدتني و إنه لينظر إلى زواره و إنه أعرف بهم و بأسمائهم و أسماء آبائهم و ما في رحالهم من أحدهم بولده و إنه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له و يسأل أباه الإستغفار له و يقول أيها الباكي لو علمت ما أعد اللّه لك لفرحت أكثر مما حزنت و إنه ليستغفر له من كل ذنب و خطيئة.

حدثني حكيم بن داود عن سلمة عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن بكر

ص: 191

بن محمد عن فضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من ذكرنا عنده ففاضت عيناه و لو مثل جناح بعوضة(الذباب)غفر له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر حدثني محمد بن عبد اللّه عن أبيه عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي عن أبيه عن بكر بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله.

حدثني حكيم بن داود عن سلمة بن الخطاب عن الحسن بن علي عن العلاء بن رزين القلاء عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السّلام دمعة حتى تسيل على خده بوّأه اللّه بها غرفا في الجنة يسكنها أحقابا.

و عنه عن سلمة عن علي بن سيف عن بكر بن محمد عن فضيل و بن فضالة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرّم اللّه وجهه على النار (1).4.

ص: 192


1- كامل الزيارات:104.

الهدف من البكاء

قال الإمام الخميني (1):فلا يتصور أبناؤنا و شبّاننا أن القضية بكاء شعب لا غير! و أننا(شعب بكّاء)!على ما يريد الآخرون أن يوحوا لكم به،إنهم يخافون من هذا البكاء بالذات.لأنّه بكاء على المظلوم،و صرخة بوجه الظالم،و هذه المواكب التي تجوب الشوارع للعزاء إنما تواجه الظلم و تتحدى الظالمين،و هو ما ينبغي المحافظة عليه،إنها شعائرنا الدينية التي ينبغي أن تصان و هي شعائر سياسية يلزم التمسك بها.

حذار من أن يخدعنكم هؤلاء الكتّاب الذين يهدفون إلى تجريدكم من كل شيء و ذلك تحت أسماء و مرامي منحرفة مختلفة.فهم يرون أن مجالس العزاء هذه و ذكر مصائب المظلوم و جرائم الظالم في كل عصر إنما تدفع إلى الوقوف بوجه الظالم.

إن هؤلاء الذين يطالبوننا بالكف عن المآتم و المجالس الحسينية لا يعلمون أن هؤلاء المقيمين لهذه الشعائر إنما يقدمون لهذا البلد و للإسلام أسمى الخدمات و على شباننا أن لا ينخدعوا بتخرصات هؤلاء و إدعاءاتهم،إنهم-أيها الشبان- أناس خونة،هؤلاء الذين يوحون إليكم بأنكم"شعب بكّاء"فأسيادهم و كبراؤهم يخشون هذا البكاء،و الدليل على ذلك أن رضا خان أقدم على منع كل تلك المواكب و المآتم و كان مأمورا بذلك بتاريخ 1941/11/5 و بعد شهرين من هروب رضا خان تحدثت إذاعة لندن في واحد من تحليلاتها السياسية علانية عن الصداقة

ص: 193


1- في كتابه نهضة عاشوراء.

المقصودة و غير المقصودة مع إيران و المجىء بحكومة رضا خان حيث قالت:

تقوم السياسة الإنجليزية في إيران على الصداقة غير مقصودة و الصداقة المقصودة.و الصداقة غير المقصودة مع الشعب الإيراني خاصة بالعلماء،أما صداقة الحكومة الإنجليزية مع إيران و مع أية دولة أخرى فأنها لا تخلو من قصد و لا يمكنها أن تكون كذاك...و بعد أن شاهدنا كيف أساء الشعب الإيراني الظن باتفاقية(1919)و كان يعتبرها بأنها قائمة على نوايا فاسدة فإننا ألغينا تلك الاتفاقية و قمنا بدلا عنها بدعم الحكومة الإيرانية و مساعدتها لتحقيق النظام في البلاد.و هذا هو سرّ دعم رضا شاه و مساعدته...و كان الأعداء يوحون بأننا نوجه رضا شاه و إنه يأتمر في كل شيء بأوامرنا،و لكن الأمر لم يكن كذلك!بيد أننا قمنا بهذا العمل...

نفي رضا خان خلافا لرغبته و ذلك عند ما شعرنا بأن مصالحنا مهددة بالخطر بسبب وقاحة الألمان و غفلة الملك.،فبريطانيا صرّحت عبر إذاعة نيودلهي بأنها هي التي جاءت برضا خان إلى السلطة و إنها هي التي أزاحته،و حقا ما قالته بريطانيا، فقد جاءوا به للقضاء على الإسلام،و كان أحد أساليبه هو منعكم من إقامة هذه المجالس،فينبغي أن لا يتصور شباننا بأنهم يقدمون خدمة عند ما يغادرون المجلس حينما يتعرض الخطيب لذكر المصيبة،هذا تصرف خاطئ جدا،ينبغي أن تستمر المجالس بإقامة العزاء،ينبغي أن تذكر المظالم كي يفهم الناس ماذا جرى، بل أن هذا يجب أن يقام كل يوم،فإن لذلك أبعادا سياسية و اجتماعية غاية في الأهمية.

ص: 194

بكاء أهل البيت على الحسين عليه السّلام

روي أنه أشرف مولى لعلي بن الحسين عليه السّلام و هو في سقيفة له ساجد يبكي فقال له:يا مولاي يا علي بن الحسين أما آن لحزنك أن ينقضي.

فرفع رأسه اليه و قال:و يلك و الله لقد شكى يعقوب الى ربه في أقل مما رأيت حتى قال يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ إنه فقد ابنا واحدا و أنا رأيت أبي و جماعة أهل بيتي يذبحون حولي (1).

و روى ابن شهر آشوب في المناقب عن الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام أنه قال:

بكى علي بن الحسين عشرين سنة و ما وضع بين يديه طعام إلا بكى،حتى قال له مولى له جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف ان تكون من الهالكين،قال عليه السّلام:

إنما أشكو بثي و حزني الى الله و أعلم من الله ما لا تعلمون إني لم اذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة (2).

روى ابو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني عن علي بن اسماعيل التميمي عن أبيه أنه قال:كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام فأستأذن آذنه للسيد الحميري فأمر بايصاله و أقعد حرمه خلف الستر و دخل فسلّم و جلس فاستنشده فأنشد:

أمرر على جدث الحسين فقل لأعظمه الزكيه

ص: 195


1- كامل الزيارات للشيخ القمي،213-214،مؤسسة النشر الإسلامي،ط 1،1417 ه
2- اعيان الشيعة لمحسن الأمين 586/1.

يا أعظما لازلت من و طفاء ساكبة رويه

و اذا مررت بقبره فأطل به وقف المطية

و ابك المطهر للمط هر و المطهرة النقيه

قال:فرأيت دموع جعفر بن محمد تنحدر على خديه و ارتفع الصراخ من داره حتى أمر بالامساك فأمسك (1).

روى الصدوق في عيون أخبار الرضا بسنده عن عبد السلام بن صالح الهروي قال:دخل دعبل بن علي الخزاعي(رحمه اللّه)على أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السّلام بمرو فقال له:يابن رسول الله اني قد قلت فيكم قصيدة و آليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك فقال عليه السلام:هاتها،فأنشده:

مدارس آيات خلت من تلاوة و منزل وحي مقفر العرصات

فلما بلغ الى قوله:

أرى فيأهم في غيرهم متقسّما و أيديهم من فيئهم صفرات

بكى أبو الحسن الرضا عليه السّلام و قال له:صدقت يا خزاعي (2).

روي عن الإمام الرضا عليه السّلام انه قال:«..ان يوم الحسين أقرح جفوننا و أسبل دموعنا و أذلّ عزيزنا..فعلى مثل الحسين فليبك الباكون،فان البكاء يحط الذنوب العظام،ثم قال عليه السّلام:كان أبي عليه السّلام اذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا و كانت الكآبة تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام فاذا كان يوم العاشر كان ذلك يوم مصيبته و حزنه و بكائه، و يقول هو اليوم الذي قتل فيه الحسين (3).1.

ص: 196


1- الأغاني لابي فرج الاصفهاني 260/7،دار الفكر،بيروت-لبنان،ط 2،995 م.
2- عيون اخبار الرضا للطوسي 269/2،منشورات الأعلمي طهران.
3- امالي الصدوق،ص 111.

بكاء علي بن الحسين على أبيه عليه السّلام

حدثني أبي رحمه اللّه عن جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن أبي داود المسترق عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال بكى علي بن الحسين على أبيه الحسين بن علي صلّى اللّه عليه و اله عشرين سنة أو أربعين سنة و ما وضع بين يديه طعام إلا بكى على الحسين حتى قال له:مولى له جعلت فداك يا ابن رسول اللّه إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين قال:إنما أشكو بثي و حزني إلى اللّه و أعلم من اللّه ما لا تعلمون إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة لذلك.

حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن خاله محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الزيات عن علي بن أسباط عن إسماعيل بن منصور عن بعض أصحابنا قال:

أشرف مولى لعلي بن الحسين عليه السّلام و هو في سقيفة له ساجد يبكي فقال له:يا مولاي يا علي بن الحسين أما آن لحزنك أن ينقضي فرفع رأسه إليه و قال ويلك أو ثكلتك أمك و اللّه لقد شكا يعقوب إلى ربه في أقل مما رأيت حتى قال:يا أسفى على يوسف أنه فقد إبنا واحدا و أنا رأيت أبي و جماعة أهل بيتي يذبحون حولي.

قال:و كان علي ابن الحسين عليه السّلام يميل إلى ولد عقيل فقيل له:ما بالك تميل إلى بني عمك هؤلاء دون آل جعفر؟

فقال:إني أذكر يومهم مع أبي عبد اللّه الحسين بن علي عليه السّلام فارق لهم (1).

ص: 197


1- كامل الزيارات:108.

بكاء جميع ما خلق اللّه على الحسين بن علي عليه السّلام

1-حدثني محمد بن جعفر الرزاز القرشي قال:حدثني خالي محمد بن الحسين ابن أبي الخطاب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي إسماعيل السراج عن يحيى بن معمر العطار عن أبي بصير عن أبي جعفر قال بكت الإنس و الجن و الطير و الوحش على الحسين بن علي عليه السّلام حتى ذرفت دموعها و حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف و محمد بن يحيى العطار جميعا عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل بإسناده مثله.

2-حدثني أبي رحمه اللّه تعالى و علي بن الحسين عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد ابن محمد بن عيسى عن أحمد بن أبي داود عن سعيد بن عمر الجلاب عن الحارث الأعور قال:قال علي عليه السّلام:بأبي و أمي الحسين المقتول بظهر الكوفة و اللّه كأني أنظر إلى الوحوش مادة أعناقها على قبره من أنواع الوحش يبكونه و يرثونه ليلا حتى الصباح فإذا كان ذلك فإياكم و الجفاء.

3-و حدثني محمد بن جعفر القرشي الرزاز عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن علي بن عثمان عن عبد الجبار النهاوندي عن أبي سعيد عن الحسين بن ثوير بن أبي فاختة و يونس بن ظبيان و أبي سلمة السراج و المفضل بن عمر كلهم قالوا:سمعنا أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول إن أبا عبد اللّه الحسين بن علي عليه السّلام لما مضى بكت عليه السماوات السبع و الأرضون السبع و ما فيهن و ما بينهن و من ينقلب عليهن و الجنة و النار و ما خلق ربنا و ما يرى و ما لا يرى.

و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين عن الحسن بن

ص: 198

علي بن أبي عثمان بإسناده مثله.

4-و حدثني أبي عن سعد بن عبد اللّه عن الحسين بن عبيد اللّه عن الحسن بن علي بن أبي عثمان عن عبد الجبار النهاوندي عن أبي سعيد عن الحسين بن ثوير عن يونس و أبي سلمة السراج و المفضل بن عمر قالوا سمعنا أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:

لما مضى الحسين بن علي عليه السّلام بكى عليه جميع ما خلق اللّه إلا ثلاثة أشياء البصرة و دمشق و آل عثمان.

5-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن القاسم بن يحيى عن الحسن بن راشد عن الحسين بن ثوير قال:كنت أنا و يونس بن ظبيان و المفضل بن عمر و أبو سلمة السراج جلوسا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فكان المتكلم يونس و كان أكبرنا سنا و ذكر حديثا طويلا يقول ثم قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إن أبا عبد اللّه عليه السّلام لما مضى بكت عليه السماوات السبع و الأرضون السبع و ما فيهن و ما بينهن و ما ينقلب في الجنة و النار من خلق ربنا و ما يرى و ما لا يرى و بكى على أبي عبد اللّه إلا ثلاثة أشياء لم تبك عليه قلت جعلت فداك ما هذه الثلاثة أشياء قال لم تبك عليه البصرة و لا دمشق و لا آل عثمان بن عفان و ذكر الحديث.

6-و حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم عن أبي يعقوب عن أبان بن عثمان عن زرارة قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام يا زرارة إن السماء بكت على الحسين أربعين صباحا بالدم و إن الأرض بكت أربعين صباحا بالسواد و إن الشمس بكت أربعين صباحا بالكسوف و الحمرة و إن الجبال تقطّعت و انتثرت و إن البحار تفجّرت و إن الملائكة بكت أربعين صباحا على الحسين عليه السّلام و ما اختضبت منا امرأة و لا ادهنت و لا اكتحلت و لا رجلت حتى أتانا رأس عبيد اللّه بن زياد و ما زلنا في عبرة بعده و كان جدي إذا ذكره بكى حتى تملأ

ص: 199

عيناه لحيته و حتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه و إن الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كل من في الهواء و السماء من الملائكة و لقد خرجت نفسه عليه السّلام فزفرت جهنم زفرة كادت الأرض تنشق لزفرتها و لقد خرجت نفس عبيد اللّه بن زياد و يزيد بن معاوية فشهقت جهنم شهقة لو لا أن اللّه حبسها بخزانها لأحرقت من على ظهر الأرض من فورها و لو يؤذن لها ما بقي شيء إلا ابتلعته و لكنها مأمورة مصفودة و لقد عتت على الخزان غير مرة حتى أتاها جبرئيل فضربها بجناحه فسكنت و أنها لتبكيه و تندبه و أنها لتتلظى على قاتله و لو لا من على الأرض من حجج اللّه لنقضت الأرض و أكفأت بما عليها و ما تكثر الزلازل إلا عند اقتراب الساعة و ما من عين أحب إلى اللّه و لا عبرة من عين بكت و دمعت عليه و ما من باك يبكيه إلا و قد وصل فاطمة عليه السّلام و أسعدها عليه و وصل رسول اللّه و أدى حقنا و ما من عبد يحشر إلا و عيناه باكية إلا الباكين على جدي الحسين عليه السّلام فإنه يحشر و عينه قريرة و البشارة تلقاه و السرور بيّن على وجهه و الخلق في الفزع و هم آمنون و الخلق يعرضون و هم حدّاث الحسين عليه السّلام تحت العرش و في ظل العرش لا يخافون سوء يوم الحساب يقال لهم ادخلوا الجنة فيأبون و يختارون مجلسه و حديثه و إن الحور لترسل إليهم أنا قد اشتقنا لكم مع الولدان المخلدين فما يرفعون رؤوسهم إليهم لما يرون في مجلسهم من السرور و الكرامة و إن أعداءهم من بين مسحوب بناصيته إلى النار و من قائل ما لنا من شافعين و لا صديق حميم.

و إنهم ليرون منزلهم و ما يقدرون أن يدنوا إليهم و لا يصلون إليهم و إن الملائكة لتأتيهم بالرسالة من أزواجهم و من خدامهم على ما أعطوا من الكرامة فيقولون نأتيكم إن شاء اللّه فيرجعون إلى أزواجهم بمقالاتهم فيزدادون إليهم شوقا إذا هم خبّروهم بما هم فيه من الكرامة و قربهم من الحسين عليه السّلام فيقولون الحمد للّه الذي كفانا الفزع الأكبر و أهوال القيامة و نجّانا مما كنا نخاف و يؤتون بالمراكب و الرحال على النجائب فيستوون عليها و هم في الثناء على اللّه و الحمد للّه و الصلاة على محمد

ص: 200

و آله حتى ينتهوا إلى منازلهم.

7-حدثني محمد بن عبد اللّه عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم عن عبد اللّه بن مسكان عن أبي بصير قال:كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام أحدثه فدخل عليه ابنه فقال له مرحبا و ضمه و قبّله و قال حقّر اللّه من حقّركم و انتقم ممن و تركم و خذل اللّه من خذلكم و لعن اللّه من قتلكم و كان اللّه لكم وليا و حافظا و ناصرا فقد طال بكاء النساء و بكاء الأنبياء و الصديقين و الشهداء و ملائكة السماء ثم بكى و قال:يا أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أتى إلى أبيهم و إليهم يا أبا بصير إن فاطمة عليه السّلام لتبكيه و تشهق فتزفر جهنم زفرة لو لا أن الخزنة يسمعون بكاءها و قد استعدوا لذلك مخافة أن يخرج منها عنق أو يشرد دخانها فيحرق أهل الأرض فيحفظونها(فيكبحونها)ما دامت باكية و يزجرونها و يوثقون من أبوابها مخافة على أهل الأرض فلا تسكن حتى يسكن صوت فاطمة الزهراء و إن البحار تكاد أن تنفتق فيدخل بعضها على بعض و ما منها قطرة إلا بها ملك موكل فإذا سمع الملك صوتها أطفأ نارها بأجنحته و حبس بعضها على بعض مخافة على الدنيا و ما فيها و من على الأرض فلا تزال الملائكة مشفقين يبكونه لبكائها و يدعون اللّه و يتضرعون إليه و يتضرع أهل العرش و من حوله و ترتفع أصوات من الملائكة بالتقديس للّه مخافة على أهل الأرض،و لو أن صوتا من أصواتهم يصل إلى الأرض لصعق أهل الأرض و تقطّعت الجبال و زلزلت الأرض بأهلها.

قلت:جعلت فداك إن هذا الأمر عظيم؟

قال:غيره أعظم منه ما لم تسمعه.

ثم قال لي:يا أبا بصير أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة عليه السّلام فبكيت حين قالها فما قدرت على المنطق و ما قدر على كلامي من البكاء.

ثم قام إلى المصلى يدعو فخرجت من عنده على تلك الحال فما انتفعت بطعام

ص: 201

و ما جاءني النوم و أصبحت صائما وجلا حتى أتيته فلما رأيته قد سكن سكنت و حمدت اللّه حيث لم تنزل بي عقوبة (1).3.

ص: 202


1- كامل الزيارات:83.

بكاء الملائكة على الحسين بن علي عليه السّلام

1-حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن(الحسين)بن سعيد عن حماد بن عيسى عن ربعي بن عبد اللّه عن الفضيل بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:ما لكم لا تأتونه يعني قبر الحسين عليه السّلام فإن أربعة آلاف ملك يبكون(يبكونه)عند قبره إلى يوم القيامة.

2-و حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن موسى بن سعدان عن عبد اللّه بن القاسم عن عمر بن أبان الكلبي عن أبان بن تغلب قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إن أربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع الحسين بن علي عليه السّلام لم يؤذن لهم في القتال فرجعوا في الاستئذان فهبطوا و قد قتل الحسين عليه السّلام فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة رئيسهم ملك يقال له المنصور.

3-و حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن علي بن إسماعيل عن حماد بن عيسى عن ربعي عن الفضيل بن يسار قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:ما لكم لا تأتونه يعني قبر الحسين عليه السّلام فإن أربعة آلاف ملك يبكون عنده إلى يوم القيامة.

4-و حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن أبي إسماعيل السراج عن يحيى بن معمر العطار(القطان)عن أبي

ص: 203

بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال:أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة (الساعة).

5-و حدثني أبي رحمه اللّه و علي بن الحسين جميعا عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:وكّل اللّه تعالى بالحسين عليه السّلام سبعين ألف ملك يصلّون عليه كل يوم شعثا غبرا منذ يوم قتل إلى ما شاء اللّه يعني بذلك قيام القائم عليه السّلام.

6-و عن سعد عن إبراهيم بن هاشم عن ابن فضال عن ثعلبة عن مبارك العطار عن محمد بن قيس قال:قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام:عند قبر الحسين عليه السّلام أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة.

7-و حدثني أبي رحمه اللّه و محمد بن الحسن و علي بن الحسين جميعا عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن القاسم بن محمد عن إسحاق بن إبراهيم عن هارون عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:وكّل اللّه به أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة.

8-حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن صفوان بن يحيى عن حريز عن الفضيل عن أحدهما قال:إن على قبر الحسين عليه السّلام أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة.

قال محمد بن مسلم:يحرسونه.

9-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن العباس بن معروف عن حماد بن عيسى عن ربعي قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام بالمدينة:أين قبور الشهداء؟

فقال:أليس أفضل الشهداء عندكم و الذي نفسي بيده إن حوله أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة.

حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن العباس بن معروف

ص: 204

بإسناده مثله.

10-و حدثني محمد بن جعفر الرزاز قال:حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي إسماعيل السراج عن يحيى بن معمر العطار عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام قال:أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكون الحسين إلى يوم القيامة فلا يأتيه أحد إلا استقبلوه و لا يمرض أحد إلا عادوه و لا يموت أحد إلا شهدوه و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين بإسناده مثله.

11-و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن علي بن عبد اللّه ابن المغيرة عن العباس بن عامر عن أبان عن أبي حمزة الثمالي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن اللّه وكّل بقبر الحسين عليه السّلام أربعة آلاف ملك شعث غبر يبكونه من طلوع الفجر إلى زوال الشمس فإذا زالت الشمس هبط أربعة آلاف ملك و صعد أربعة آلاف ملك فلم يزل يبكونه حتى يطلع الفجر و ذكر الحديث..

12-حدثني أبي رحمه اللّه و محمد بن عبد اللّه عن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن إبراهيم بن مهزيار عن أخيه علي بن مهزيار عن أبي القاسم عن القاسم بن محمد عن إسحاق بن إبراهيم عن هارون قال:سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا عنده فقال:ما لمن زار قبر الحسين عليه السّلام؟

فقال:إن الحسين عليه السّلام لما أصيب بكته حتى البلاد فوكّل اللّه به أربعة آلاف ملك شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة و ذكر الحديث.

13-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين عن الحسن بن محبوب عن صباح الحذاء عن محمد بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

سمعته يقول:زوروا الحسين عليه السّلام و لو كل سنة فإن كل من أتاه عارفا بحقه غير جاحد لم يكن له عوض غير الجنة و رزق زرقا واسعا و أتاه اللّه بفرج عاجل إن اللّه

ص: 205

وكّل بقبر الحسين بن علي عليه السّلام أربعة آلاف ملك كلهم يبكونه و يشيّعون من زاره إلى أهله فإن مرض عادوه و إن مات شهدوا جنازته بالاستغفار له و الترحّم عليه.

حدثني حسن بن عبد اللّه بن محمد بن عيسى عن أبيه عن الحسن بن محبوب بإسناده مثله.

14-و حدثني أبي عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه عن سيف بن عميرة عن بكر بن محمد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال وكّل اللّه بقبر الحسين عليه السّلام سبعين ألف ملكا شعثا غبرا يبكونه إلى يوم القيامة يصلّون عنده الصلاة الواحدة من صلاتهم(من صلاة أحدهم)تعدل ألف صلاة من صلاة الآدميين يكون ثواب صلاتهم و أجر ذلك لمن زار قبره.

15-و حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن صفوان بن يحيى عن حنان بن سدير عن مالك الجهني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن اللّه وكّل بالحسين عليه السّلام ملكا في أربعة آلاف ملك يبكونه و يستغفرون لزواره و يدعون اللّه لهم.

16-حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم قال:حدثنا الهيثم بن واقد عن عبد الملك بن مقرن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

إذا زرتم أبا عبد اللّه عليه السّلام فالزموا الصمت إلا من خير و إن ملائكة الليل و النهار من الحفظة تحضر الملائكة الذين بالحائر فتصافحهم فلا يجيبونها من شدة البكاء فينتظرونهم حتى تزول الشمس و حتى ينوّر الفجر ثم يكلّمونهم و يسألونهم عن أشياء من أمر السماء فأما ما بين هذين الوقتين فإنهم لا ينطقون و لا يفترون عن البكاء و الدعاء و لا يشغلونهم في هذين الوقتين عن أصحابهم فإنما شغلهم بكم إذا نطقتم.

قلت:جعلت فداك و ما الذي يسألونهم عنه و أيهم يسأل صاحبه الحفظة أو أهل

ص: 206

الحائر.

قال عليه السّلام:أهل الحائر يسألون الحفظة لأن أهل الحائر من الملائكة لا يبرحون و الحفظة تنزل و تصعد.

قلت:فما ترى يسألونهم عنه؟

قال:إنهم يمرّون إذا عرجوا بإسماعيل صاحب الهواء فربما و افقوا النبي صلّى اللّه عليه و اله و عنده فاطمة الزهراء و الحسن و الحسين و الأئمة من مضى منهم فيسألونهم عن أشياء و من حضر منكم الحائر و يقولون بشرّوهم بدعائكم فتقول الحفظة كيف نبشّرهم و هم لا يسمعون كلامنا فيقولون لهم باركوا عليهم و ادعوا لهم عنا فهي البشارة منا فإذا انصرفوا فحفّوهم بأجنحتكم حتى يحسّوا مكانكم و إنا نستودعهم الذي لا تضيع و دائعه و لو يعلمون ما في زيارته من الخير و يعلم ذلك الناس لاقتتلوا على زيارته بالسيوف و لباعوا أموالهم في إتيانه.و إن فاطمة عليها السّلام إذا نظرت إليهم و معها ألف نبي و ألف صديق و ألف شهيد و من الكروبيين ألف ألف يساعدونها على البكاء و إنها لتشهق شهقة فلا يبقى في السماوات ملك إلا بكى رحمة لصوتها و ما تسكن حتى يأتيها النبي صلّى اللّه عليه و اله(أبوها)فيقول يا بنية قد أبكيت أهل السماوات و شغلتهم عن التسبيح و التقديس فكفى حتى يقدّسوا فإن اللّه بالغ أمره و إنها لتنظر إلى من حضر منكم فتسأل اللّه لهم من كل خير و لا تزهدوا في إتيانه فإن الخير في إتيانه أكثر من أن يحصى.

17-و حدثني محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبيه عن علي بن محمد بن سالم عن محمد بن خالد عن عبد اللّه بن حماد البصري عن عبد اللّه بن عبد الرحمن الأصم قال:حدثنا أبو عبيدة البزاز عن حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:

جعلت فداك ما أقل بقاؤكم أهل البيت و أقرب آجالكم بعضها من بعض مع حاجة هذا الخلق إليكم.

ص: 207

فقال عليه السّلام:إن لكل واحد منا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدته فإذا انقضى ما فيها مما أمر به عرف أن أجله قد حضر و أتاه النبي صلّى اللّه عليه و اله ينعي إليه نفسه و أخبره بما له عند اللّه و إن الحسين عليه السّلام قرأ صحيفته التي أعطيها و فسّر له ما يأتي و ما يبقى و بقي منها أشياء لم تنقض فخرج إلى القتال فكانت تلك الأمور التي بقيت إن الملائكة سألت اللّه في نصرته فأذن لهم فمكثت تستعد للقتال و تأهبت لذلك حتى قتل فنزلت الملائكة و قد انقطعت مدته و قتل عليه السّلام فقالت الملائكة يا رب أذنت لنا بالانحدار في نصرته فانحدرنا و قد قبضته فأوحى اللّه تبارك و تعالى إليهم أن الزموا قبته(قبره)حتى ترونه و قد خرج فانصروه و ابكوا عليه و على ما فاتكم من نصرته و إنكم خصصتم بنصرته و البكاء عليه فبكت الملائكة حزنا و جزعا على ما فاتهم من نصرة الحسين عليه السّلام فإذا خرج عليه السّلام يكونون أنصاره (1).8.

ص: 208


1- كامل الزيارات:88.

بكاء السماء و الأرض على قتل الحسين و يحيى بن زكريا عليهما السّلام

1-حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخنا علي بن الحسين و محمد بن الحسن عن سعد بن عبد اللّه عن يعقوب بن يزيد عن أحمد بن الحسن الميثمي عن علي الأزرق عن الحسن بن الحكم النخعي عن رجل قال:سمعت أمير المؤمنين عليه السّلام في الرحبة و هو يتلو هذه الآية فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ و خرج عليه الحسين من بعض أبواب المسجد فقال:أما إن هذا سيقتل و تبكي عليه السماء و الأرض.

2-حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين عن الحكم بن مسكين عن داود(يزداد)بن عيسى الأنصاري عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن إبراهيم النخعي قال:خرج أمير المؤمنين عليه السّلام فجلس في المسجد و اجتمع أصحابه حوله و جاء الحسين عليه السّلام حتى قام بين يديه فوضع يده على رأسه فقال:يا بني إن اللّه عيّر أقواما بالقرآن فقال فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ و أيم اللّه ليقتلنك بعدي ثم تبكيك السماء و الأرض.

و حدثني أبي عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب بإسناده مثله.

3-و حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن الحسين عن وهيب بن حفص النحاس عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن الحسين عليه السّلام بكى لقتله السماء و الأرض و احمرتا و لم تبكيا على أحد قط إلا على يحيى بن زكريا و الحسين بن علي عليه السّلام.

ص: 209

و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين بإسناده مثله.

4-و حدثني علي بن الحسين بن موسى بن بابويه و غيره عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن عبد الجبار عن الحسن بن علي بن فضال عن حماد بن عثمان عن عبد اللّه بن هلال قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إن السماء بكت على الحسين بن علي و يحيى بن زكريا و لم تبك على أحد غيرهما.

قلت:و ما بكاؤها؟

قال:مكثت أربعين يوما تطلع كشمس بحمرة و تغرب بحمرة.

قلت:فذاك بكاؤها؟

قال:نعم.

5-و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن عبد اللّه بن أحمد عن عمر بن سهل عن علي بن مسهر القرشي قال:حدثتني جدتي أنها أدركت الحسين بن علي حين قتل فمكثنا سنة و تسعة أشهر و السماء مثل العلقة مثل الدم ما ترى الشمس.

6-حدثني علي بن الحسين بن موسى عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن ابن فضال عن أبي جميلة عن محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ قال:لم تبك السماء على أحد منذ قتل يحيى بن زكريا حتى قتل الحسين عليه السّلام فبكت عليه.

7-و حدثني محمد بن جعفر الرزاز القرشي قال:حدثني محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن صفوان بن يحيى عن داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

احمرت السماء حين قتل الحسين عليه السّلام سنة و يحيى بن زكريا و حمرتها بكاؤها.

8-و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن ابن بكير عن زرارة عن عبد الخالق بن عبد ربه قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:لم يجعل اللّه له من قبل سميا الحسين بن علي لم يكن

ص: 210

له من قبل سميا و يحيى بن زكريا عليه السّلام لم يكن له من قبل سميا و لم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحا.

قال:قلت:ما بكاؤها؟

قال:كانت تطلع حمراء و تغرب حمراء.

9-و حدثني علي بن الحسين بن موسى عن علي بن إبراهيم و سعد بن عبد اللّه جميعا عن إبراهيم بن هاشم عن علي بن فضال عن أبي جميلة عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال:ما بكت السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلا على الحسين بن علي عليه السّلام فإنها بكت عليه أربعين يوما.

10-حدثني محمد بن جعفر الرزاز الكوفي عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن جعفر بن بشير عن كليب بن معاوية الأسدي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

لم تبك السماء إلا على الحسين بن علي و يحيى بن زكريا عليه السّلام.

11-و عنه عن محمد بن الحسين عن نصر بن مزاحم عن عمرو بن سعد عن محمد بن سلمة(مسلمة)عمن حدثه قال:لما قتل الحسين بن علي عليه السّلام أمطرت السماء ترابا أحمر..

12-حدثني حكيم بن داود بن حكيم عن سلمة بن الخطاب عن محمد بن أبي عمير عن الحسين بن عيسى عن أسلم بن القاسم قال:أخبرنا عمر بن وهب(عمرو بن ثبيت)عن أبيه عن علي بن الحسين عليه السّلام قال:إن السماء لم تبك منذ وضعت إلا على يحيى بن زكريا و الحسين بن علي عليه السّلام.

قلت:أي شيء كان بكاؤها؟

قال:كانت إذا استقبلت بثوب وقع على الثوب شبه أثر البراغيث من الدم.

13-حدثني أبي رحمه اللّه و علي بن الحسين عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن موسى بن الفضل عن حنان قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما تقول في زيارة قبر أبي عبد اللّه الحسين عليه السّلام فإنه بلغنا عن بعضهم أنها تعدل حجة

ص: 211

و عمرة.

قال:لا تعجب(ما أصاب ما يقول)بالقول هذا كله و لكن زره و لا تجفه فإنه سيد الشهداء و سيد شباب أهل الجنة و شبيه يحيى بن زكريا و عليهما بكت السماء و الأرض.

حدثني أبي و محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن عبد الصمد بن محمد عن حنان بن سدير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله سواء.

حدثني أبي رحمه اللّه تعالى و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد ابن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حنان بن سدير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله.

14-و بهذا الإسناد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن غير واحد عن جعفر بن بشير عن حماد عن عامر بن معقل عن الحسن بن زياد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

كان قاتل يحيى بن زكريا ولد زنى و قاتل الحسين عليه السّلام ولد زنى و لم تبك السماء على أحد إلا عليهما.

قال:قلت و كيف تبكي؟

قال:تطلع الشمس في حمرة و تغيب في حمرة حدثني محمد بن جعفر القرشي عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير بإسناده مثله.

15-و حدثني أبي و علي بن الحسين رحمهما اللّه جميعا عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي الوشاء عن حماد بن عثمان عن عبد اللّه بن هلال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:إن السماء بكت على الحسين بن علي و يحيى بن زكريا و لم تبك على أحد غيرهما.

قلت:و ما بكاؤها؟

قال مكثوا أربعين يوما تطلع الشمس بحمرة و تغرب بحمرة.

قلت:فذاك بكاؤها؟

ص: 212

قال:نعم.

16-و عنهما عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد عن البرقي محمد بن خالد عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني عن الحسن بن الحكم النخعي عن كثير بن شهاب الحارثي قال:بينما نحن جلوس عند أمير المؤمنين عليه السّلام في الرحبة إذا طع الحسين عليه السّلام عليه فضحك علي عليه السّلام ضحكا حتى بدت نواجده ثم قال:إن اللّه ذكر قوما و قال فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ليقتلن هذا و لتبكين عليه السماء و الأرض.

17-و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد عن البرقي عن عبد العظيم عن الحسن عن أبي سلمة قال:قال جعفر بن محمد عليه السّلام:ما بكت السماء و الأرض إلا على يحيى بن زكريا و الحسين عليه السّلام.

18-حدثني أبي و أخي رحمهما اللّه عن أحمد بن إدريس و محمد بن يحيى جميعا عن العمركي بن علي البوفكي قال:حدثنا يحيى و كان في خدمة أبي جعفر الثاني عليه السّلام عن علي عن صفوان الجمال عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سألته في طريق المدينة و نحن نريد المكة.

فقلت:يا ابن رسول اللّه ما لي أراك كئيبا حزينا منكسرا؟

فقال:لو تسمع ما أسمع لشغلك عن مسألتي.

قلت:فما الذي تسمع؟

قال:ابتهال الملائكة إلى اللّه عز و جل على قتلة أمير المؤمنين و قتلة الحسين عليه السّلام و نوح الجن و بكاء الملائكة الذين حوله و شدة جزعهم فمن يتهنأ مع هذا بطعام أو بشراب أو نوم و ذكر الحديث.

19-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه و عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد البرقي عن عبد العظيم بن عبد اللّه

ص: 213

الحسني العلوي عن الحسن بن الحكم النخعي عن كثير بن شهاب الحارثي قال:

بينما نحن جلوس عند أمير المؤمنين عليه السّلام بالرحبة إذ طع الحسين عليه السّلام.

قال:فضحك علي عليه السّلام حتى بدت نواجده ثم قال:إن اللّه ذكر قوما فقال فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ و الذي فلق الحبة و برأ النسمة ليقتلن هذا و لتبكين عليه السماء و الأرض.

20-و عنه عن نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد قال:حدثني أبو معشر عن الزهري قال لما قتل الحسين عليه السّلام أمطرت السماء دما و قال عمر بن سعد و حدثني أبو معشر عن الزهري قال:لما قتل الحسين عليه السّلام لم يبق في بيت المقدس حصاة إلا وجد تحتها دم عبيط.

21-حدثني أبي عن محمد بن الحسن بن مهزيار عن أبيه عن علي بن مهزيار عن الحسن بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن داود بن فرقد قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:كان الذي قتل الحسين بن علي عليه السّلام ولد زنى و الذي قتل يحيى بن زكريا ولد زنى و قد قال احمرت السماء حين قتل الحسين بن علي سنة.

ثم قال:بكت السماء و الأرض على الحسين بن علي و على يحيى بن زكريا و حمرتها بكاؤها (1).3.

ص: 214


1- الأحاديث كلها في كامل الزيارات:93.

نوح الجن على الحسين بن علي عليه السّلام

1-حدثني محمد بن جعفر القرشي الرزاز عن محمد بن حسين بن أبي الخطاب عن نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد عن عمرو بن ثابت عن حبيب بن أبي ثابت عن أم سلمة زوجة النبي صلّى اللّه عليه و اله قالت:ما سمعت نوح الجن منذ قبض اللّه نبيه إلا الليلة و لا أراني إلا و قد أصبت بابني الحسين قالت و جاءت الجنية منهم و هي تقول:

أيا عيناي فانهملا بجهد فمن يبكي على الشهداء بعدي

على رهط تقودهم المنايا إلى متجبر من نسل عبد

2-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن يعقوب بن يزيد عن إبراهيم بن عقبة عن أحمد بن عمرو بن مسلم عن الميثمي قال خمسة من أهل الكوفة أرادوا نصر الحسين بن علي عليه السّلام فمروا بقرية يقال لها شاهي إذ أقبل عليهم رجلان شيخ و شاب فسلّما عليهم قال:فقال الشيخ:أنا رجل من الجن و هذا ابن أخي أردنا نصر هذا الرجل المظلوم.

قال:فقال لهم الشيخ الجني:قد رأيت رأيا.

فقال الفتية الإنسيون:و ما هذا الرأي الذي رأيت؟

قال:رأيت أن أطير فآتيكم بخبر القوم فتذهبون على بصيرة.

فقالوا له:نعم ما رأيت.

قال:فغاب يومه و ليلته فلما كان من الغد إذا هم بصوت يسمعونه و لا يرون الشخص و هو يقول:

ص: 215

و اللّه ما جئتكم حتى بصرت به

بالطف منعفر الخدين منحورا

و حوله فتية تدمى نحورهم مثل المصابيح يملون الدجى نورا

و قد حثثت قلوصي كي أصادفهم

من قبل ما أن يلاقوا الخرد الحورا

كان الحسين سراجا يستضاء به

اللّه يعلم أني لم أقل زورا

مجاورا لرسول اللّه في غرف

و للبتول و للطيار مسرورا

فأجابه بعض الفتية من الإنسيين يقول:

إذهب فلا زال قبر أنت ساكنه

إلى القيامة يسقي الغيث ممطورا

و قد سلكت سبيلا أنت سالكه

و قد شربت بكأس كان مغرورا

و فتية فرغوا للّه أنفسهم

و فارقوا المال و الأحباب و الدورا

3-حدثني حكيم بن داود بن حكيم عن سلمة بن الخطاب قال:حدثني عمر بن سعد و عمرو بن ثابت عن أبي زياد القندي قال:كان الجصاصون يسمعون نوح الجن حين قتل الحسين عليه السّلام في السحر بالجبانة و هم يقولون

مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود

أبواه من عليا قريش جده خير الجدود

4-حدثني حكيم بن داود بن حكيم عن سلمة بن الخطاب قال:قال عمر بن سعد

ص: 216

قال:حدثني الوليد بن غسان عمن حدثه قال:كانت الجن تنوح على الحسين بن علي عليه السّلام تقول:

لمن الأبيات بالطف على كره بنينه

تلك أبيات الحسين يتجاوبن الرنينة

5-حدثني حكيم بن داود بن حكيم عن سلمة قال:حدثني أيوب بن سليمان بن أيوب الفزاري عن علي بن الحزور قال:سمعت ليلى و هي تقول:سمعت نوح الجن على الحسين بن علي عليه السّلام و هي تقول:

يا عين جودي بالدموع فإنما يبكي الحزين بحرقة و تفجع

يا عين ألهاك الرقاد بطيبة من ذكر آل محمد و توجع

باتت ثلاثا بالصعيد جسومهم بين الوحوش و كلهم في مصرع

6-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن الحسين عن نصر بن مزاحم عن عبد الرحمن بن أبي حماد عن أبي ليلى الواسطي عن عبد اللّه بن حسان الكناني قال بكت الجن على الحسين بن علي عليه السّلام فقالت:

ماذا تقولون إذ قال النبي لكم

ماذا فعلتم و أنتم آخر الأمم

بأهل بيتي و إخواني و مكرمتي

من بين أسرى و قتلى ضرجوا بدم

7-حدثني حكيم بن داود بن حكيم قال:حدثني سلمة قال:حدثني علي بن الحسين عن معمر بن خلاد عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال بينما الحسين عليه السّلام يسير في جوف الليل و هو متوجه إلى العراق و إذا برجل يرتجز و يقول:

8-و حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن معمر بن خلاد عن الرضا عليه السّلام مثل ألفاظ سلمة قال و هو يقول:

يا ناقتي لا تذعري من زجر و شمري قبل طلوع الفجر

ص: 217

بخير ركبان و خير سفر حتى تحلي بكريم القدر

بماجد الجد رحيب الصدر أبانه اللّه لخير أمر ثمة أبقاه بقاء الدهر

فقال الحسين بن علي عليه السّلام

سأمضي و ما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقا و جاهد مسلما

و واسى الرجال الصالحين بنفسه و فارق مثبورا و خالف مجرما

فإن عشت لم أقدم و إن مت لم ألم كفى بك ذلا أن تعيش و ترغما

بك موتا أن تذل و ترغما.

9-حدثني أبي رحمه اللّه و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه بن أبي خلف عن محمد بن يحيى المعاذي قال:حدثني الحسين(الحسن)بن موسى الأصم عن عمرو عن جابر عن محمد بن علي عليه السّلام قال:لما هم الحسين عليه السّلام بالشخوص عن المدينة أقبلت نساء بني عبد المطلب فاجتمعن للنياحة حتى مشى فيهن الحسين عليه السّلام فقال أنشد كن اللّه أن تبدين هذا الأمر معصية للّه و لرسوله فقالت له:

نساء بني عبد المطلب فلمن نستبقي النياحة و البكاء فهو عندنا كيوم مات فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله و علي و فاطمة و رقية و زينب و أم كلثوم فننشدك اللّه جعلنا اللّه فداك من الموت يا حبيب الأبرار من أهل القبور و أقبلت بعض عماته تبكي و تقول:أشهد يا حسين لقد سمعت الجن ناحت بنوحك و هم يقولون:

فإن قتيل الطف من آل هاشم أذل رقابا من قريش فذلّت

حبيب رسول اللّه لم يك فاحشا أبانت مصيبتك الأنوف و جلّت

و قلن أيضا:

أبكي حسينا سيدا و لقتله شاب الشعر

و لقتله زلزلتم و لقتله انكسف القمر

و احمرت آفاق السماء من العشية و السحر

و تغبرت شمس البلاد بهم و أظلمت الكور

ص: 218

ذاك بن فاطمة المصاب به الخلائق و البشر

أورثتنا ذلا به جدع الأنوف مع الغرر.

10-حدثني أبي و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن يحيى المعاذي عن عباد بن يعقوب عن عمرو بن ثابت عن عمرو بن عكرمة قال:أصبحنا ليلة قتل الحسين عليه السّلام بالمدينة فإذا مولى لنا يقول سمعنا البارحة مناديا ينادي و يقول

أيها القاتلون جهلا حسينا أبشروا بالعذاب و التنكيل

كل أهل السماء يدعو عليكم من نبي و مرسل و قبيل

قد لعنتم على لسان بن داود و ذي الروح حامل الإنجيل

11-حدثني حكيم بن داود بن حكيم عن سلمة بن الخطاب قال:حدثني عبد اللّه بن محمد بن سنان عن عبد اللّه بن القاسم بن الحارث عن داود الرقي قال:حدثتني جدتي أن الجن لما قتل الحسين عليه السّلام بكت عليه بهذه الأبيات:

يا عين جودي بالعبر و ابكي فقد حق الخبر

أبكي بن فاطمة الذي ورد الفرات فما صدر

الجن تبكي شجوها لما أتي منه الخبر

قتل الحسين و رهطه تعسا لذلك من خبر

فلأبكينك حرقة عند العشاء و بالسحر

و لأبكينك ما جرى عرق و ما حمل الشجر (1).8.

ص: 219


1- كامل الزيارات:98.

نوح البوم و مصيبتها على الحسين عليه السّلام

1-حدثني محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد و جماعة مشايخي عن سعد بن عبد اللّه عن محمد بن عيسى بن عبيد عن صفوان بن يحيى عن الحسين بن أبي غندر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول في البومة قال:هل أحد منكم رآها بالنهار.

قيل له:لا تكاد تظهر بالنهار و لا تظهر إلا ليلا.

قال:أما إنها لم تزل تأوي العمران أبدا فلما أن قتل الحسين عليه السّلام آلت على نفسها أن لا تأوي العمران أبدا و لا تأوي إلا الخراب فلا تزال نهارها صائمة حزينة حتى يجنّها الليل فإذا جنّها الليل فلا تزال ترن(ترث)على الحسين عليه السّلام حتى تصبح.

2-حدثني حكيم بن داود بن حكيم عن سلمة بن أبي الخطاب عن الحسين بن علي بن صاعد البربري-قيما لقبر الرضا عليه السّلام-قال:حدثني أبي قال:دخلت على الرضا عليه السّلام فقال لي:ترى هذه البوم ما يقول الناس؟

قال:قلت:جعلت فداك جئنا نسألك.

فقال:هذه البومة كانت على عهد جدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و اله تأوي المنازل و القصور و الدور و كانت إذا أكل الناس الطعام تطهير و تقع أمامهم فيرمى إليها بالطعام و تسقى و ترجع إلى مكانها فلما قتل الحسين عليه السّلام خرجت من العمران إلى الخراب و الجبال و البراري و قالت بئس الأمة أنتم قتلتم ابن بنت نبيكم و لا آمنكم على نفسي.

3-و حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن خاله محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن الحسن بن علي بن فضال عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:إن البوم لتصوم

ص: 220

النهار فإذا أفطرت اندبت على الحسين بن علي عليه السّلام حتى تصبح.

4-حدثني علي بن الحسين بن موسى عن سعد بن عبد اللّه عن موسى بن عمر عن الحسن بن علي الميثمي قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:يا يعقوب رأيت بومة بالنهار تنفس قط فقال:لا.

قال:و تدري لم ذلك؟

قال:لا.

قال:لأنها تظل يومها صائمة على ما رزقها اللّه فإذا جنّها الليل أفطرت على ما رزقت ثم لم تزل ترنم على الحسين بن علي عليه السّلام حتى تصبح (1).0.

ص: 221


1- كامل الزيارات:100.

من قال في الحسين شعرا فبكى و أبكى

1-حدثنا أبو العباس القرشي عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد ابن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن أبي هارون المكفوف قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

يا أبا هارون أنشدني في الحسين عليه السّلام قال:فأنشدته فبكى فقال:أنشدني كما تنشدون يعني بالرقة قال فأنشدته:

امرر على جدث الحسين فقل لأعظمه الزكية

قال فبكى ثم قال زدني قال فأنشدته القصيدة الأخرى قال فبكى و سمعت البكاء من خلف الستر قال:فلما فرغت قال لي:يا أبا هارون من أنشد في الحسين عليه السّلام شعرا فبكى و أبكى عشرا كتبت له الجنة و من أنشد في الحسين شعرا فبكى و أبكى خمسة كتبت له الجنة و من أنشد في الحسين شعرا فبكى و أبكى واحدا كتبت لهما الجنة و من ذكر الحسين عليه السّلام عنده فخرج من عينه(عينيه)من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على اللّه و لم يرض له بدون الجنة.

2-حدثني أبو العباس عن محمد بن الحسين عن الحسن بن علي بن أبي عثمان عن حسن بن علي بن أبي المغيرة عن أبي عمارة المنشد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

قال لي:يا با عمارة أنشدني في الحسين عليه السّلام قال:فأنشدته فبكى ثم أنشدته فبكى ثم أنشدته فبكى.

قال:فو اللّه ما زلت أنشده و يبكي حتى سمعت البكاء من الدار فقال لي:يا أبا عمارة من أنشد في الحسين عليه السّلام شعرا فأبكى خمسين فله الجنة و من أنشد في الحسين شعرا فأبكى أربعين فله الجنة و من أنشد في الحسين شعرا فأبكى ثلاثين

ص: 222

فله الجنة و من أنشد في الحسين شعرا فأبكى عشرين فله الجنة و من أنشد في الحسين شعرا فأبكى عشرة فله الجنة و من أنشد في الحسين عليه السّلام شعرا فأبكى واحدا فله الجنة و من أنشد في الحسين عليه السّلام شعرا فبكى فله الجنة و من أنشد في الحسين شعرا فتباكى فله الجنة.

3-حدثني محمد بن جعفر عن محمد بن الحسين عن ابن أبي عمير عن عبد اللّه ابن حسان عن(ابن)أبي شعبة عن عبد اللّه بن غالب قال:دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فأنشدته مرثية الحسين عليه السّلام فلما انتهيت إلى هذا الموضع

لبلية تسقوا حسينا بمسقاة الثرى غير التراب

فصاحت باكية من وراء الستروا أبتاه.

4-و عنه عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أنشد في الحسين عليه السّلام بيت شعر فبكى و أبكى عشرة فله و لهم الجنة و من أنشد في الحسين بيتا فبكى و أبكى تسعة فله و لهم الجنة فلم يزل حتى قال:من أنشد في الحسين بيتا فبكى و أظنه قال:أو تباكى فله الجنة.

5-حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن أبي هارون المكفوف قال دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال لي:أنشدني فأنشدته فقال:لا كما تنشدون و كما ترثيه عند قبره قال فأنشدته:

أمرر على جدث الحسين فقل لأعظمه الزكية

قال فلما بكى أمسكت أنا فقال:مر فمررت قال ثم قال:زدني زدني؟

قال:فأنشدته

يا مريم قومي فاندبي مولاك و على الحسين فاسعدي ببكاك

قال:فبكى و تهايج النساء قال:فلما أن سكتن قال لي:يا أبا هارون من أنشد في الحسين عليه السّلام فأبكى عشرة فله الجنة ثم جعل ينقص واحدا واحدا حتى بلغ الواحد

ص: 223

فقال:من أنشد في الحسين فأبكى واحدا فله الجنة ثم قال:من ذكره فبكى فله الجنة.

6-و روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:لكل شيء ثواب إلا الدمعة فينا.

7-حدثني محمد بن أحمد بن الحسين العسكري عن الحسن بن علي بن مهزيار عن أبيه عن محمد بن سنان عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:من أنشد في الحسين بيت شعر فبكى و أبكى عشرة فله و لهم الجنة و من أنشد في الحسين بيتا فبكى و أبكى تسعة فله و لهم الجنة فلم يزل حتى قال:من أنشد في الحسين بيتا فبكى و أظنه قال:أو تباكى فله الجنة (1).6.

ص: 224


1- انظر كامل الزيارات:106.

في أن الحسين قتيل العبرة لا يذكره مؤمن إلا بكى

1-حدثني أبي رحمه اللّه و علي بن الحسين و محمد بن الحسن رحمهم اللّه جميعا عن سعد بن عبد اللّه عن أحمد بن محمد بن عيسى عن سعيد بن جناح عن أبي يحيى الحذاء عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:نظر أمير المؤمنين عليه السّلام إلى الحسين فقال:يا عبرة كل مؤمن فقال:أنا يا أبتاه؟

قال:نعم يا بني.

2-حدثني جماعة مشايخي عن محمد بن يحيى العطار عن الحسين بن عبد اللّه عن الحسن بن علي بن أبي عثمان عن الحسن بن علي بن عبد اللّه بن المغيرة عن أبي عمارة المنشد قال:ما ذكر الحسين عليه السّلام عند أبي عبد اللّه عليه السّلام في يوم قط فرأى أبو عبد اللّه عليه السّلام متبسما في ذلك اليوم إلى الليل و كان عليه السّلام يقول الحسين عليه السّلام عبرة كل مؤمن.

3-حدثني أبي عن سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن موسى الخشاب عن إسماعيل بن مهران عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام قال الحسين بن علي عليه السّلام:أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا استعبر.

4-حدثني أبي رحمه اللّه عن سعد بن عبد اللّه عن الحسن بن موسى عن محمد ابن سنان عن إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال الحسين عليه السّلام أنا قتيل العبرة.

5-حدثني محمد بن جعفر الرزاز عن محمد بن الحسين عن الحكم بن مسكين

ص: 225

عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال الحسين بن علي أنا قتيل العبرة.

6-حدثني محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد ابن عيسى عن محمد بن خالد البرقي عن أبان الأحمر عن محمد بن الحسين الخزاز عن هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:كنا عنده فذكرنا الحسين عليه السّلام و على قاتله لعنة اللّه فبكى أبو عبد اللّه عليه السّلام و بكينا.

قال:ثم رفع رأسه فقال:قال الحسين عليه السّلام أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا بكى.و ذكر الحديث.

7-حدثني علي بن الحسين السعد آبادي قال:حدثني أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي عن أبيه عن ابن مسكان عن هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قال الحسين عليه السّلام:أنا قتيل العبرة قتلت مكروبا و حقيق علي أن لا يأتيني مكروب قط إلا ردّه اللّه و أقلبه إلى أهله مسرورا.

حدثني حكيم بن داود عن سلمة بن الخطاب عن محمد بن عمرو عن هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثله (1).9.

ص: 226


1- كامل الزيارات:109.

الفهرس

مصيبة الحسين أعظم المصائب 3

علة قتل الحسين عليه السلام و ابتلائه 7

محرّم،صرح الشهادة الدامي 12

لماذا نحيي المحرم؟13

محرم و صفر هما اللذان حفظا الإسلام حيّا 13

نهضة عاشوراء،قدوة الأحرار 14

(كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء)14

معنى كل يوم عاشوراء و كل أرض كربلاء 18

أهمية المآتم الحسينية و دورها في إحياء معالم الدين 23

الاحتفاء بذكرى نهضة عاشوراء من الشعائر الإلهية 26

كيف نحيي عاشوراء 28

وصايا للخطباء و قرّاء المراثي و جموع المعزين 30

شذرات من توجيهات سماحة الإمام(س)بشأن محرم و نهضة كربلاء 33

عاشوراء و التبليغ 36

الإمام الحسين عليه السلام قدوة المبلّغين 36

أهمية التبليغ 38

الرفق في التبليغ 39

الوعي السياسي في التبليغ 40

ص: 227

الأحكام الفقهية في عهد حاكمية الإسلام 41

نوعان من التبليغ 42

سعي الأعداء الى عزل الدين 44

التبليغ لأجل الهداية و إنارة العقول 47

المادة التبليغية 48

المنطق في التبليغ 50

أسلوب التبليغ 51

التفنن في طريقة إلقاء الكلام 51

الإنذار في التبليغ 53

الروح الحسينية عند الشباب 55

مسؤولياتنا أزاء الشباب 56

رأي الإسلام حول الشباب 59

الفكر الإسلامي شامل لكل عوامل التكامل الإنساني 62

الأمر بالمعروف و بقاء الإسلام 67

طريق التكامل بالأمر بالمعروف 68

تبليغ زينب و السجاد رسالة الحسين عليه السلام 74

آثار الخطابات الحسينية 76

دور العزاء الحسيني في حفظ العباد و البلاد 82

فلسفة العزاء و المآتم الحسينية 86

مجالس العزاء 92

سؤال الله تعالى عن مجالس الحسين عليه السلام 92

الإستفادة من عاشوراء 93

الفائدة الحقيقية من حضور المجالس 94

ص: 228

العزاء الصحيح 95

الأنغام غير المناسبة في العزاء 99

مادة مجالس العزاء 100

1-تكريس محبة أهل البيت عليهم السلام 100

2-تبيان قضية عاشوراء 101

3-تكريس المعرفة الدينية 101

تجنب ما يشين الإمام الحسين عليه السلام و الدين 104

حرمة التطبير 106

محرمات تعظيم و زيارة الأئمة عليهم السلام 109

نحن شيعة المنطق و الدليل 111

العزاء و اللطم 113

أبعاد و مرامي المجالس الحسينية 113

مدى أهمية مجالس العزاء 114

البعد السياسي لمجالس العزاء 119

أهمية هذه المجالس أنها أبقت الشعوب حية 123

دروس من كربلاء 125

على النساء و الرجال ألا يخافوا في مواجهة حكومة الجور 128

علمنا الحسين عليه السلام كيفية الجهاد و المواجهة 130

قصة في أهمية اللطم و العزاء و أثرهما 132

ثواب إنشاد الشّعر في رثاء الحسين عليه السلام 133

البكاء على الإمام الحسين عليه السلام 140

ثواب البكاء على الحسين و أدب المآتم 168

الهدف من البكاء 193

ص: 229

بكاء أهل البيت على الحسين عليه السّلام 195

بكاء علي بن الحسين على أبيه عليه السّلام 197

بكاء جميع ما خلق اللّه على الحسين بن علي عليه السّلام 198

بكاء الملائكة على الحسين بن علي عليه السّلام 203

بكاء السماء و الأرض على قتل الحسين و يحيى بن زكريا عليهما السّلام 209

نوح الجن على الحسين بن علي عليه السّلام 215

نوح البوم و مصيبتها على الحسين عليه السّلام 220

من قال في الحسين شعرا فبكى و أبكى 222

في أن الحسين قتيل العبرة لا يذكره مؤمن إلا بكى 225

الفهرس 227

ص: 230

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.