سرشناسه : سیدمرتضی، علی بن حسین، 355 - 436 ق.
Sharīf al-Murtaḍá, ʻAlam al-Hudá ʻAlī ibn al-Ḥusayn,
عنوان و نام پديدآور : المقنع فی الغیبه و ملحقاته/ مرتضی علی بن الحسین الموسوی علم الهدی؛ تحقیق مهدی المهریزی؛[ تهیه کننده] مرکز همایش های علمی و پژوهش های آزاد دارالحدیث.
مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی، 1441 ق. = 1398.
مشخصات ظاهری : [2]،407 ص.
فروست : الموتمرالدولی لذکری الفیه الشریف المرتضی. مولفات الشریف المرتضی؛ 18.
شابک : 570000 ریال:978-600-06-0411-0
وضعیت فهرست نویسی : فاپا
يادداشت : عربی.
یادداشت : کتابنامه:ص.[387]-400 ؛ همچنین به صورت زیرنویس.
یادداشت : نمایه.
موضوع : محمدبن حسن (عج)، امام دوازدهم، 255ق. - -- غیبت
موضوع : Muhammad ibn Hasan, Imam XII -- Occultation
موضوع : مهدویت -- انتظار
Mahdism -- *Waiting
شناسه افزوده : مهریزی، مهدی، 1341 -
شناسه افزوده : Mahrizi, Mahdi
شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی
شناسه افزوده : Islamic Research foundation
شناسه افزوده : موسسه علمی فرهنگی دارالحدیث. مرکز همایش های علمی و پژوهش های آزاد
رده بندی کنگره : BP224/4
رده بندی دیویی : 297/462
شماره کتابشناسی ملی : 5946878
اطلاعات رکورد کتابشناسی : فاپا
ص: 1
ص: 2
المُقنِعُ فِی الغَیبَة وَمُلحَقَاتُهُ
الشّریفُ المُرتَضی عَلی بن الحسین الموسوی علم الهدی
(355 - 436 ه)
تحقیق
مهدی المهریزی
مولفات الشریف المرتضی / 18
ص: 3
ص: 4
مقدّمة التحقيق... 7
الفصل الأوَّل: الدراسات المهدويّة بين المسلمين؛ تاريخها و مناهجها... 8
الفصل الثاني: الشريف المرتضى و منهجه في الأبحاث المهدويّة... 50
الفصل الثالث: التعريف بكتاب المقنع... 66
نماذج من تصاوير النسخ... 81
المقنع في الغيبة
الزيادة المكمَّل بها كتاب «المقنع»... 133
الملحقات... 151
1 - ما ذكره في كتابه «الشافي في الإمامة»... 153
2 - ما ذكره في الديوان... 209
3 - ما ذكره في كتاب «تنزيه الأنبياء»... 215
4 - ما ذكره في رسالة «جواب المسائل التبّانيّات»... 223
5 - ما ذكره في كتاب «الفصول المختارة من العيون و المحاسن»... 237
6 - ما ذكره في كتاب «الأمالي»... 267
7 - رسالةٌ في غيبة الحجّة... 269
8 - ما ذكره في كتاب «الذخيرة في علم الكلام»... 275
ص: 5
9 - ما ذكره في كتاب «جمل العلم و العمل» و شرحه... 289
10 - ما ذكره في «أجوبة مسائل متفرّقة من الحديث و غيره»... 297
11 - ما ذكره في رسالة «جوابات المسائل الرازية»... 305
12 - ما ذكره في رسالة «جواب المسائل الطرابلسيّات الثانية»... 307
13 - ما ذكره في رسالة «شرح القصيدة المذهّبة للسيّد الحميري»... 325
14 - ما ذكره في رسالة «جوابات المسائل الموصليّات الثالثة»... 329
15 - ما ذكره في مقدّمة كتاب «الانتصار»... 337
16 - ما ذكره في رسالة «الردّ علي أصحاب العدد»... 341
17 - ما ذكره في «رسالة في إبطال العمل بأخبار الآحاد»... 343
18 - ما ذكره في رسالة «جوابات المسائل الرسية الأُولى»... 345
19 - ما ذكره في كتاب «الذريعة إلى أصول الشريعة»... 351
20 - ما ذكره في رسالة «جواب المسائل الميّافارقيات»... 363
الفهارس العامّة... 365
ص: 6
بسم اللّه الرحمن الرحيم
طرق الشريف المرتضى أنواع العلوم و المعارف، حتّى حاز من أمجاد التأليف التليد و الطارف، و أنهل من معينه كلّ واردٍ و غارف، و عرفت جملةٌ من مصنّفاته بالزيادة، و قد بلغت المنى و زيادة.
و من آثاره الجليلة: كتاب المقنع في الغيبة، و الذي يعدّ من أقدم المصنّفات في بابه، و أوائل التصنيف في مجاله، و ممّا يزيد في نفاسته معاصرته للحقبة الأُولى من الغيبة الكبرى، و سوف يلي الكلام عن الكتاب و موضوعه في ثلاث فصول:
الأوّل: الدراسات المهدويّة بين المسلمين: تاريخها و مناهجها.
الثاني: الشريف المرتضى و منهجه في الأبحاث المهدويّة.
الثالث: التعريف بكتاب المقنع.
ص: 7
تعدّ مسألة المهدويَّة من المسائل التي حظيت باهتمام المسلمين منذ القرون الأُولى؛ نظراً لكثرة ورودها في كلمات النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و الأئمّة من بعده عليهم السلام، و احتوائها على مسائل تعدّ بعضها من أهمّ مخاوف البشريّة في جميع العصور التاريخيّة (نحو العدالة و مستقبل البشريّة)؛ و بعضها الآخر تشتمل على مسائل إعجازيّة (نحو طول عمر الإمام و غيبته).
و لقد وضع الكثير من الكتب و الرسائل لجمع هذه الأحاديث في مواضيع مختلفة، من قبيل: المهدي عجّل اللّه تعالى فرجه، الغيبة، أشراط الساعة، الدجّال، الفتن و الملاحم، صاحب الزمان، و آخر الزمان، و غير ذلك. كما اختصّ جزء من المصادر الحديثيَّة القديمة عند الشيعة و السنّة لجمع هذه الأحاديث، و يمكن لنا أن نشير إلى المصنّفات التالية:
[1] 1. المصنَّف، لعبد الرزّاق (م 211 ه)، باب المهدي، ج 11، ص 371.
[2] 2. المصنَّف، لابن أبي شيبة (م 235 ه)، القسم الثاني من المجلّد الثاني، ص 321 - 322.
[3] 3. سنن ابن ماجة (م 271 ه)، باب خروج المهدي، ج 2، ص 1366-1386.
[4] 4. سنن أبي داود (م 275 ه)، كتاب الفتن، كتاب المهدي، كتاب الملاحم، ج 6، ص 106-109.
ص: 8
[5] 5. سنن الترمذي (م 297 ه)، باب ما جاء في المهدي، ج 4، ص 505-506.
[6] 6. صحيح ابن خزيمة (م 311 ه)، ج 1، ص 14.
[7] 7. صحيح ابن حبَّان (م 354 ه)، ص 266، وص 293-294.
[8] 8. الكافي للكليني (م 329 ه)، ج 2، ص 113-349، وص 645-677.
تظهر في القرن الثالث مصنَّفات مستقلّة في موضوع المهدويَّة بين جميع الفرق الإسلاميَّة، و قد طبع البعض من هذه المصنَّفات، و البعض الآخر لا يزال مفقوداً أو مخطوطاً. و إليك قائمة سرديّة بهذه الأعمال، مع التفريق بما صنِّف حتّى زمن الشريف المرتضى:
الف) المصنَّفات الموجودة:
1. الفتن، مجلّدان، للحافظ أبي عبد اللّه نعيم بن حمَّاد المروزي (م 228 ه). و هو من مشايخ البخاري و من علماء أهل السنّة.
و قد طبع هذا الكتاب عدَّة مرَّات في القاهرة و بيروت، و لها مخطوطات عديدة.
اتَّخذ المصنَّف المنهج الحديثي في كتابه هذا، و قد جمع في مصنَّفه 2001 حديثاً، يشتمل المجلّد الأوّل على 1254 حديث، و المجلّد الثاني على 747 حديثاً، في المواضيع التالية: علائم الظهور، السفياني، اسم المهدي و نسبه، سيرة المهدي، خروج الدجال، نزول عيسى عليه السلام، خروج دابَّة الأرض.(1)
ب) المصنَّفات المفقودة:
[9] 2. كتاب الغيبة، لعليّ بن حسن الجرمي المعروف بالطاطري (م 205 ه).
ص: 9
و هو من رؤساء فرقة الواقفة.(1)
[10] 3. الملاحم، لمحمَّد ابن أبي عمير (م 217 ه).(2)
و هو من كبار الرواة الشيعة الإماميّة الاثنا عشرية.
[11] 4. الصفة في الغيبة على مذهب الواقفة، لعبد اللّه بن جبلة بن حيان الكناني (م 219 ه).
و هو من فقهاء الواقفة.(3)
[12] 5. كتاب الغيبة، لعباس (عبيس) بن هشام الناشري الأسدي (م 219 أو 220 ه).(4)
و هو من الشيعة الاثني عشريّة، و من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام.
[13] 6. الملاحم، للحسن بن عليّ بن فضال (م 224 ه).(5)
و هو من الرواة الشيعة الإماميّة.
[14] 7. أخبار المهدي عليه السلام،(6) لعبّاد بن يعقوب الرواجني (م 250 ه).
ذكره الزركلي بعنوان: أخبار المهدي المنتظر عليه السلام،(7) و قد عدَّه البعض من العامَّة (أهل السنَّة).(8)
[15] 8. الرجعة.(9)
[16] 9. إثبات الرجعة.(10)ر.
ص: 10
[17] 10. الغيبة.(1)
[18] 11. كتاب الملاحم.(2)
[19] 12. حذو النعل بالنعل.(3)
[20] 13. الحجّة في إبطاء القائم.(4)
و قد احتمل الشيخ آقا بزرك الطهراني أنَّ هذه المصنَّفات هي التي سوف تذكر فيما يلي بعنوان: كتاب القائم.
[21] 14. كتاب القائم.(5)
و هذه المصنَّفات كلّها من تآليف الفضل بن شاذان النيسابوري (م 260 ه)، و هو من أعلام الشيعة الاثني عشريّة، و من أصحاب الإمام الجواد و الإمام الهادي، و الإمام العسكري عليهم السلام.
[22] 15. كتاب الغيبة، للحسن بن محمّد بن سماعة (م 263 ه).(6)
و هو من كبار فرقة الواقفة.
[23] 16. كتاب الغيبة، لإبراهيم بن إسحاق الأحمري النهاوندي (كان حيَّاً سنة 269 ه).(7)
و هو من علماء الشيعة.
[24] 17. صاحب الزمان،(8) أبو العنبس محمَّد بن إسحاق ابن أبي العنبس (م 275 ه).9.
ص: 11
و هو من ندماء المتوكّل العبّاسي.
[25] 18. رسائل في الجواب عن أبي الحسن عليّ بن أحمد بشار؛ و كتاب الأشهاد لأبي زيد العلوي،(1) لمحمَّد بن عبد الرحمن ابن قبة الرازي (م قبل 285 ه).
و هو من كبار متكلّمي الإماميَّة.
[26] 19. جمع الأحاديث الواردة في المهديّ عليه السلام،(2) للحافظ أبي بكر ابن أبي خثيمة (م 279 ه).
و هو من فقهاء و محدّثي السنّة.
[27] 20. الملاحم،(3) لمحمَّد بن الحسن الصفّار القمي (م 290 ه).
و هو من محدَّثي الشيعة الإماميّة.
[28] 21. الفتن،(4) لأبي يحيى زكريّا بن يحيى البزار (م 298 ه).
و هو من محدّثي أهل السنَّة.
[29] 22. الملاحم،(5) لحسين بن سعيد بن حماد بن مهران الأهوازي.
و المؤلّف شيعيٌّ إماميٌّ اثنا عشري.
[30] 23. الغيبة،(6) لأبي الحسن عليّ بن محمّد بن عليّ السواق.
و هو شيعيٌّ واقفي.
[31] 24. الملاحم،(7) محمّد بن عبد اللّه بن مهران الكرخي.0.
ص: 12
و هو من علماء الشيعة الإماميّة.
[32] 25. مسائل أبي محمّد و التوقيعات.(1)
[33] 26. قرب الإسناد إلى صاحب الأمر.(2)
[34] 27. الغيبة و الحيرة.(3)
[35] 28. الغيبة و مسائله.(4)
و هذه المصنَّفات كلّها لعبد اللّه بن جعفر الحِمْيَري (قرن 3 و 4)، و هو من أعلام الشيعة الاثني عشريّة، و من أصحاب الإمام الرضا و الإمام الهادي و الإمام العسكري عليهم السلام.
[36] 29. كتاب الغيبة،(5) لإسماعيل بن صالح الأنماطي.
و هو من الشيعة الاثني عشريّة، و من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام.
[37] 30. كتاب الغيبة.(6)
[38] 31. كتاب الملاحم.(7)
و كلاهما من مصنَّفات عليّ بن حسن بن فضّال (م 224 ه).
و هو من الشيعة الفَطَحيّة، و من أصحاب الإمام الهادي و الإمام العسكري عليهما السلام.
[39] 32. دلائل خروج القائم و ملاحم،(8) لحسن بن محمَّد بن أحمد الصفّار.1.
ص: 13
و المؤلّف شيعيٌّ إمامي.
[40] 33. كتاب القائم.(1)
[41] 34. كتاب الملاحم.(2)
و كلاهما لعليّ بن مهزيار الأهوازي، و هو من أعلام الشيعة الاثني عشريّة، و من أصحاب الإمام الرضا و الإمام الجواد و الإمام الهادي عليهم السلام.
[42] 35. كتاب الملاحم.(3)
[43] 36. كتاب صاحب الزمان.(4)
[44] 37. كتاب وقت خروج القائم.(5)
و هذه المصنّفات الثلاثة لمحمّد بن الحسن بن جمهور (م 210 ه)، و هو من الشيعة الإماميّة الاثنا عشريّة، و من أصحاب الإمام الكاظم و الإمام الرضا عليهما السلام.
[45] 38. الملاحم،(6) لإسماعيل بن مهران.
من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام.
[46] 39. الملاحم،(7) لمحمّد بن أُورَمَة (م 247 ه).
و هو من الشيعة الإماميَّة.
[47] 40. سيرة القائم،(8) لمعلّى بن محمّد البصري.
و هو من الشيعة الإماميّة، و من أصحاب الأئمَّة المتأخّرين.7.
ص: 14
[48] 41. كتاب الغيبة.(1)
[49] 42. كتاب القائم الصغير.(2)
[50] 43. كتاب الرجعة.(3)
[51] 44. كتاب الفتن، و قد ورد أيضاً بعنوان: كتاب الملاحم.(4)
و هذه المصنَّفات الأربع لحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني، و هو من كبار فرقة الواقفة.
[52] 45. الغيبة،(5) لعليّ بن عمر الأعرج.
و هو من الشيعة الواقفة.
[53] 46. التوقيعات،(6) لمحمَّد بن عيسى بن عبيد بن يقطين.
و هو من محدّثي الشيعة الإماميّة.
[54] 47. كتاب التنبيه،(7) لأبي سهل إسماعيل بن عليّ النوبختي.
و هو من كبار متكلّمي الإماميّة.
[55] 48. كتاب الملاحم،(8) لأبي حيّون.
شيعيٌّ كان خادماً للإمام الرضا عليه السلام.
[56] 49. الملاحم،(9) لأبي محمّد العَمْرَكي بن عليّ البُوْفَكي.
و هو من أعلام الشيعة.3.
ص: 15
[57] 50. الملاحم،(1) لأحمد بن ميثم بن أبي نعيم.
و هو من الشيعة الاثني عشريّة.
[58] 51. الملاحم،(2) لأبي عبد اللّه محمّد بن عباس بن عيسى الغاضري.
و هو من الشيعة.
[59] 52. الرجعة،(3) لأبي يحيى أحمد بن داود بن سعيد الفزاري الجرجاني.
و هو من كبار محدّثي أهل السنّة.
[60] 1. الملاحم، لأبي الحسن أحمد بن جعفر بن محمّد ابن المنادي (م 336 ه).(4)
ذكره السيّد ابن طاوس في كتاب الطرائف، و منه مخطوطة في مكتبة المسجد الأعظم بقم المقدّسة، برقم: 1917،(5) و نسخة أُخرى في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي في طهران برقم: 1274.(6)
طبع هذا الكتاب بتحقيق الشيخ عبد الكريم العقيلي في بيروت سنة 1418 ه، من منشورات دار السيرة، و المؤلّف من كبار علماء أهل السنّة.
[61] 2. كمال الدين و تمام النعمة، للشيخ الصدوق (م 381 ه)، طبع هذا الكتاب عدّة
ص: 16
مرّات، و ترجم أيضاً مرّات عديدة إلى الفارسيّة.(1)
و قد تمّ فهرسة ما يربو على 115 منه نسخة على أقلّ تقدير في المكتبات الإيرانيّة.(2)
تعرّض الشيخ الصدوق في كتابه هذا إلى غيبة الأنبياء، و روايات الغيبة عن الأئمَّة الاثني عشر، و التوقيعات، و المعمّرين، و مسائل أُخرى.
و يشتمل الكتاب على 58 باباً، و لم يَكْتَفِ الشيخ الصدوق بنقل الروايات فحسب، بل أورد في بدايات الأبواب و نهاياته توضيحات و تعليقات حول الأحاديث الواردة فيها. مضافاً إلى ذلك يشتمل الكتاب على مقدّمة مسهبة حول مباحث الإمامة، و الإجابة عن الشبهات في أكثر من مئة صفحة.
[62] 3. الغيبة، للشيخ محمَّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني (كان حيَّاً سنة 342 ه).(3)
يوجد من هذا الكتاب عشرة نسخ في مكتبات إيران،(4) و قد طبع هذا الكتاب عدّة مرّات، و ترجم إلى الفارسيّة أكثر من مرّة.(5)
تمّ تأليف الكتاب سنة 342 ه، و قد جمع فيه مصنِّفه خمس مئة حديث حول الإمام المهدي عليه السلام.8.
ص: 17
[63] 4. أخبار المهدي.(1)
[64] 5. ذكر كلامه في الملاحم.(2)
كلاهما لأبي أحمد عزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلّودي (م 302 ه أو 332 ه).
و هو من محدّثي الشيعة الإماميَّة، و من أصحاب الإمام الجواد عليه السلام.
[65] 6. كتاب الغيبة.(3)
[66] 7. كتاب الرجعة.(4)
[67] 8. كتاب الملاحم.(5)
كلّها لمحمّد بن مسعود العيّاشي (م حدود 320 ه).
و المؤلّف من كبار أعلام الشيعة.
[68] 9. الغيبة(6)، لمحمّد بن عليّ بن أبي العذافر (م 323 ه).
و هو من علماء الشيعة.
[69] 10. جزء في المهدي عليه السلام،(7) لأبي الحسن أحمد بن جعفر بن محمّد المنادي (م 336 ه).
[70] 11. كتاب الغيبة.(8)
ص: 18
[71] 12. كشف الحيرة.(1)
و كلاهما لسلامة بن محمّد بن إسماعيل (م 339 ه).
و هو من أعلام الشيعة.
[72] 13. إبَّان حكم الغيبة،(2) لأبي القاسم عليّ بن أحمد الكوفي (م 352 ه).
و هو من أعلام الشيعة.
[73] 14. كتاب في ذكر قائم آل محمّد،(3) لأبي سعيد أحمد بن رميح المروزي (م 357 ه). و المؤلّف من علماء الشيعة.
[74] 15. الهداية في تاريخ النبيّ و الأئمّة، لأبي عبد اللّه الحسين بن حمدان الجنبلاني (م 358 ه).
و يختصّ الجزء الثاني من هذا الكتاب بالإمام المهدي عليه السلام.(4)
و هو من جملة المصنّفين الذين أدرج ترجمتهم الشيخ الطوسي في الفهرست.(5)
[75] 16. كتاب في الغيبة.(6)
[76] 17. كتاب الأشفية في معاني الغيبة.(7)
و كلاهما للحسن بن حمزة العلوي الحسيني (م 358 ه)، و المؤلّف من علماء الشيعة.
[77] 18. كتاب الغيبة و ذكر القائم،(8) للحسن بن محمّد بن يحيى (م 358 ه).
و المؤلّف من الشيعة.9.
ص: 19
[78] 19. حذو النعل بالنعل.(1)
[79] 20. المصباح.(2)
[80] 21. الرسالة الأوّلة في الغيبة.
[81] 22. الرسالة الثانية في الغيبة.
[82] 23. الرسالة الثالثة في الغيبة.(3)
[83] 24. الرجعة.(4)
[84] 25. كتاب السرّ المكتوم إلى الوقت المعلوم.(5)
[85] 26. كتاب علامات آخر الزمان.(6)
[86] 27. الغيبة. ذكر هذا الكتاب السيّد هاشم البحراني، و صاحب رياض العلماء، و صرّح الأخير بأنّه غير كمال الدين.(7)
و هذه المصنَّفات التسع كلّها للشيخ الصدوق (م 381 ه)، و ليس لها مخطوطات.
[87] 28. أخبار الدولة في ظهور المهدي عليه السلام،(8) لأحمد بن إبراهيم بن جزّار القيرواني (م 400 ه).
و هو طبيبٌ مغربيّ، و من أتباع المذهب المالكي.0.
ص: 20
[88] 29. كتاب المهدي عليه السلام،(1) لعيسى بن مهران.
[89] 30. الملاحم،(2) لأبي القاسم عليّ بن الحسن بن القاسم اليشكري، المعروف بابن الطبّال.
و هو من مشايخ التلّعكبري في الكوفة، و من علماء الشيعة.
[90] 31. الملاحم،(3) لأبي جعفر محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي.
من علماء الشيعة.
[91] 32. الملاحم،(4) لإبراهيم بن حكم بن ظهير الفزاري.
و هو من علماء الشيعة.
[92] 33. الملاحم،(5) لأبي الحسن عليّ بن أبي صالح الكوفي.
و هو من علماء الشيعة.
[93] 34. كتاب الغيبة،(6) لعليّ بن محمّد بن عمر بن رباح.
و هو من علماء الشيعة.
[94] 35. الغيبة،(7) لمحمّد بن قاسم، أبي بكر. و هو من متكلّمي الإماميّة.
[95] 36. أخبار القائم،(8) لأبي الحسن عليّ بن محمّد بن إبراهيم الكليني الرازي، المعروف ب: علّان.
و هو من علماء الشيعة.2.
ص: 21
[96] 37. كتاب الغيبة،(1) لحنظلة بن زكريّا التميمي.
و هو من الشيعة.
[97] 38. كتاب الشفاء و الجلاء في الغيبة،(2) لأحمد بن عليّ بن خضيب.
و هو من علماء الشيعة.
[98] 39. الغيبة و كشف الحيرة.(3)
[99] 40. الكشف و الحجّة.(4)
و يحتمل اتّحادهما، و هما لمحمّد بن أحمد بن عبد اللّه قضاعة. و هو من علماء الشيعة.
[100] 41. ترتيب الأدلّة في ما يلزم خصوم الإماميّة دفعه عن الغيبة و الغائب،(5) لأحمد بن حسين بن عبد اللّه المهراني الآبي.
و هو من علماء الشيعة.
[101] 42. إزالة الداء عن قلوب الإخوان في معنى الغيبة.(6)
[102] 43. كتاب التحيُّر.(7)
و كلاهما لمحمّد بن أحمد بن جنيد، من علماء الشيعة.
[103] 44. في ذكر من روى من طرق أصحاب الحديث أنّ المهدي من ولد الحسين عليهما السلام، و فيه أخبار القائم،(8) لأبي عليّ أحمد بن محمّد بن أحمد الجرجاني.0.
ص: 22
و هو من علماء الشيعة.
[104] 45. الفتن،(1) لأبي صالح أحمد بن عيسى السليلي، من علماء السنّة، و قد روى عنه ابن طاوس في كتابه الملاحم و الفتن.
[105] 46. أخبار أبي عمرو و أبي جعفر العَمْريّين،(2) لأبي نصر هبة اللّه بن أحمد بن محمّد الكاتب (كان حيّاً 400 ه)، من علماء الشيعة. قال النجاشي:
رأيتُ أبا العبّاس بن نوح قد عوّل عليه في الحكاية في كتابه أخبار الوكلاء، و كان هذا الرجل كثيراً لزيارات و آخر زيارة حضرها معنا يوم الغدير سنة أربع مئة بمشهد أمير المؤمنين عليه السلام.
[106] 1. الفصول العشرة في الغيبة، للشيخ المفيد (413 ه).
طبع أوَّلاً في النجف الأشرف سنة 1370 ه، ثمّ طبع في مصنّفات الشيخ المفيد سنة 1413 ه.
و قد أجاب الشيخ المفيد في كتابه هذا عن عشرة أسئلة حول الإمام المهدي عليه السلام، نحو: فلسفة الغيبة، طول عمره، علامات الظهور، و اللقاء معه، و غير ذلك.
لهذا الكتاب مخطوطات كثيرة، و قد ترجم إلى الفارسيّة بعنوان: «ده انتقاد و پاسخ».
[107] 2. الرسالة الأولى في الغيبة، للشيخ المفيد (م 413 ه).
طبع أوّلاً في النجف الأشرف سنة 1370 ه، ثمّ طبع ضمن خمس رسائل في إثبات الحجّة في قم المقدّسة في ضمن عدّة رسائل للشيخ المفيد، كما طبع في ضمن
ص: 23
مصنّفات الشيخ المفيد سنة 1413 ه في المجلّد السابع.
تختصّ هذه الرسالة حول حديث: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهليّة».
[108] 3. الرسالة الثانية في الغيبة، للشيخ المفيد (م 413 ه).
طبعت هذه الرسالة نظير سابقتها في النجف الأشرف و قم المقدّسة، و ضمن مصنّفات الشيخ المفيد، و قد ذكرها المحقّق الطباطبائي بعنوان: كتاب الجوابات في خروج المهدي.(1)
[109] 4. الرسالة الثالثة في الغيبة، للشيخ المفيد (م 413 ه).
طبعت هذه الرسالة في المجلّد السابع من مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد أيضاً، و هي حول أصحاب الإمام المهدي عليه السلام.
[110] 5. الرسالة الرابعة في الغيبة، للشيخ المفيد (م 413 ه).
تختصّ هذه الرسالة في الإجابة عن الشبهة حول علّة غيبة الإمام المهدي عليه السلام، و هي أنّه لو كان العلّة في غيبته عليه السلام هي كثرة أعدائه و خوف القتل، فقد عاش آباؤه عليهم السلام في ظروفٍ أصعب بكثير لم يمنعهم عن الحضور في المجتمع.
طبعت هذه الرسالة في ضمن مجموعة مصنّفات الشيخ المفيد سنة 1413 ه، و لها مخطوطات عديدة، منها ما في المكتبة المرعشية، برقم: 17/12807، و 25/255؛ و 16/243؛ و 5/12807.
و هذه المصنّفات الخمس الأخيرة للشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي، المعروف ب: الشيخ المفيد (م 413 ه).
[111] 6. مسألة في الغيبة، للقاضي عبد الجبّار المعتزلي (م 415 ه)، من أعلام متكلّمي0.
ص: 24
أهل السنّة، توجد نسخة منه في الفاتيكان، برقم: 1208.(1)
[112] 7. الأربعون حديثاً في المهدي عليه السلام، لأبي نعيم أحمد بن عبد اللّه الإصفهاني (م 430 ه)، من علماء أهل السنّة.
لهذه الرسالة نسخ خطيّة في النجف الأشرف و قم المقدّسة، و قد أدرجها جملة من المؤلّفين كاملةً في مصنّفاتهم، كالسيوطي، و الإربلي، و البحراني، و غيرهم.
و قد ترجمها إلى الفارسيّة في القرن العاشر الهجري المقدّس الأردبيلي (م 993 ه)، و أبو الحسن علي بن حسن الزواره اي (م حدود 947 ه)، و من المعاصرين حجّت البلاغي.(2)
طبع هذا الكتاب بتحقيق علي جلال باقر في مجلّة تراثنا (العدد 77).
[113] 8. أخبار وكلاء الأئمّة الأربعة.(3)
[114] 9. ما نزل من القرآن في صاحب الزمان.(4)
كلاهما لأبي عبد اللّه أحمد بن محمّد بن عيّاش الجوهري (م 401 ه)، من علماء الشيعة، و قد عدّهما جواد عليّ كتاباً مستقلاًّ.(5)
[115] 10. النقض على الطلحي في الغيبة.(6)
[116] 11. مختصر في الغيبة.(7)
ص: 25
احتمل بعضهم أن يكون هذا الكتاب إحدى رسائل الشيخ المفيد في الغيبة.(1)
[117] 12. مسألة في الرجعة.
لهذا الكتاب نسخة في مكتبة آية اللّه المرعشي.(2)
[118] 13. جوابات الفارقيين في الغيبة.(3)
ذكر هذا الكتاب بأسماء أُخرى، نحو: «جوابات الفريقين في الغيبة، جوابات الميّافارقين».(4)
و هذه المصنَّفات الأربع للشيخ المفيد (م 413 ه).
[119] 14. أخبار الوكلاء الأربعة.(5)
[120] 15. أخبار الأبواب.(6)
عدّهما جواد عليّ كتاباً واحداً.(7)
و هما لأبي العبّاس أحمد بن عليّ بن نوح السيرافي (م بعد 413 ه)، من علماء الشيعة.
[121] 16. أخبار المهدي عليه السلام.(8)
[122] 17. صفة المهدي عليه السلام.
روى عنه يوسف بن يحيى المقدسي 29 حديثاً في عقد الدرر.(9)7.
ص: 26
[123] 18. نعت المهدي عليه السلام.
نقل عنه الحافظ أبو عبد اللّه الكنجي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان.(1)
[124] 19. ذكر المهدي و نعوته.(2)
أورده السيّد ابن طاوس في الطرائف، و فهرس أبوابه، وعدّ أحاديثه، فكانت 156 حديثاً.
[125] 20. مناقب المهدي عليه السلام.
نقل عنه الحافظ أبو عبد اللّه الكنجي في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان خمسة عشر حديثاً،(3) كما نقل عنه يوسف بن يحيى المقدسي الشافعي ثلاثة عشر حديثاً في كتابه عقد الدرر.(4)
[126] 21. الفتن.(5)
[127] 22. كتاب المهدي عليه السلام.(6)
و هذه المصنّفات السبع الأخيرة كلّها للحافظ أبي نعيم الإصفهاني (م 430 ه)، و هو من علماء أهل السنّة البارزين و المكثرين في التأليف.
و من الجدير بالذكر أنّ حركة التأليف كانت و لا تزال مستمرّة على هذا النحو إلى العصر الحاضر، و المصنّفات التي دوّنت تضاعف حجمها.
و في يومنا هذا فإنّ مسألة المهدويّة دُرست من جهات مختلفة و بأغراض شتّى، و مناهج متعدّدة، و عنيت بأنظار الباحثين و المؤلّفين، و اتّسع العمل عليها بشكلٍ 5.
ص: 27
مضاعف بالنسبة للقرون الماضية.
و يمكن لنا أن نقسّم الدراسات المعاصرة إلى الأقسام التالية:
الأوّل: تدوين الرسائل و الكتب الكثيرة.
الثاني: تدوين المصنّفات الانتقاديّة تارةً، و المغرضة أُخرى.
الثالث: تدوين الرسائل و الأطاريح الجامعيّة.
الرابع: نشر المجلات الموضوعيّة - التخصصيّة.
الخامس: تدوين المعاجم و دوائر المعارف.
السادس: الدراسات الاستشراقيّة.
تبيّن القراءة التحليليّة في الدراسات و الأبحاث المنشورة حول المهدويّة الاختلافات في نوع البحث و طريقة التعامل مع المسألة، و إنّ هذه الاختلافات كسائر المجالات البحثيّة في العلوم البشريّة تارةً تنشأ من الاختلاف في المباني و المناهج، و أُخرى تنشأ من الاختلاف في الملكات، و سائر العوامل الفرديّة، و الجدير بالتأمّل من بين هذه الاختلافات هو النوع الأوّل الناشئ من الاختلاف في المباني و المناهج.
فإنّ جملة من المحقّقين اعتمدوا في الأغلب على التعاليم الوحيانيّة، و بناءً عليه سوف نطلق عليهم: المنهج النقلي. و البعض الآخر يستفيد من العلوم العقليّة مع الاعتماد على التعاليم الوحيانيّة، و هو ما نطلق عليه: المنهج النقلي - العقلي. و قسمٌ ثالث يجعل المشاهدات الشهوديّة أصلاً في الأبحاث المهدويّة، و سوف ندرس هذا المنهج في ضمن الكلام عن: المنهج العرفاني - الصوفي.
و سوف نسعى في هذه الدراسة - مضافاً على التعريف الإجمالي بهذه المناهج - إلى بيان الشواهد، و العصور التاريخيّة و التطوّرات، و التعريف بأعلامها، و ما تركوه من مصنّفات، و الأهمّ من ذلك الأفكار و النظريّات لكلّ واحدة منها.
ص: 28
إنّ أقدم المناهج في التعامل مع المسألة المهدويّة هو المنهج النقلي. و كان جمع الأحاديث و تبويبها أُولى الجهود الفكريّة التي بذلت في هذا الموضوع. و ما ورد في المصادر الأوّليّة للشيعة و السنّة ك الكافي و الصحاح الستّة في باب المهدويّة هو من هذا القبيل.
يعتمد هذا المنهج اعتماداً أساسيّاً على التعاليم الوحيانيّة، و لعلّه يرجع إلى أنّ أصحاب هذا المنهج يرون المهدويّة من الأسرار الإلهيّة و الأُمور الغيبيّة. و كانت لهذا المنهج النصيب الأكبر من الروّاد منذ بداية التأليف فيه إلى العصر الحاضر، فقد أُلّفت في القرون الأُولى مصنّفات كثيرة، و حتّى قبل مولد الإمام المهدي عليه السلام، و هي التي تربو على ثمانين مصنّفاً، و إنّ كتاب الغيبة للشيخ النعماني و كمال الدين للشيخ الصدوق هما أقدم المصنّفات الواصلة إلينا من القرن الرابع حتّى يومنا هذا.
و كانت اهتمامات المصنِّفَيْن في تأليف الكتابَيْن هو تبيين عقائد الشيعة حول الإمام الثاني عشر، و دفع الحيرة، و إزالة الشبهة عنها، و إليك التعريف بهما:
يقول الشيخ محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني، المعروف ب: ابن أبي زينب (م حدود 360 ه) في مقدّمة كتابه، بعد الحمد للّه و الصلاة على نبيّه و آله:
أمّا بعد: فإنّا رأينا طوائف من العصابة المنسوبة إلى التشيّع، المنتمية إلى نبيّها محمّد و آله - صلّى اللّه عليهم أجمعين - ممّن يقول بالإمامة التي جعلها اللّه برحمته دين الحقّ، و لسان الصدق، و زيناً لمن دخل فيها، و نجاةً و جمالاً لمن كان من أهلها، و فاز بذمّتها، و تمسّك بعقدتها، و وفى لها بشروطها، من المواظبة على الصلوات، و إيتاء الزكوات، و المسابقة إلى الخيرات، و اجتناب الفواحش و المنكرات، و التنزّه عن سائر المحظورات، و مراقبة اللّه تقدّس ذكره في الملأ و الخلوات، و تشغل
ص: 29
القلوب و إتعاب الأنفس و الأبدان في حيازة القربات -، قد تفرّقت كلمها، و تشعّبت مذاهبها، و استهانت بفرائض اللّه عزّ و جلّ، و خفت إلى محارم اللّه تعالى، فطال بعضها علوّاً، و انخفض بعضها تقصيراً، و شكوا جميعاً إلّاالقليل في إمام زمانهم، و ولي أمرهم، و حجّة ربّهم التي اختارها بعلمه، كما قال جلّ و عزّ: (وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (1) من أمرهم للمحنة الواقعة بهذه الغيبة التي سبق من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذكرها، و تقدّم من أمير المؤمنين عليه السلام خبرها، و نطق في المأثور من خطبه و المرويّ عنه من كلامه و حديثه، بالتحذير من فتنتها، و حمل أهل العلم و الرواية عن الأئمّة من ولده عليهم السلام واحداً بعد واحد أخبارها، حتّى ما منهم أحد إلّاو قدم القول فيها، و حقّق كونها، و وصف امتحان اللّه تبارك و تعالى اسمه خلقه بها بما أوجبته قبائح الأفعال و مساوئ الأعمال، و الشحّ المطاع، و العاجل الفاني، المؤثّر على الدائم الباقي، و الشهوات المتبعة، و الحقوق المضيّعة التي اكتسبت سخط اللّه عزّ و تقدّس.
فلم يزل الشكّ و الارتياب قادحين في قلوبهم - كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في كلامه لكميل بن زياد في صفة طالبي العلم و حملته: «أو منقاداً لأهل الحقّ لا بصيرة له، ينقدح الشكّ في قلبه لأوّل عارض من شبهة - حتّى أدّاهم ذلك إلى التيه و الحيرة و العمى و الضلالة، و لم يَبْقَ منهم إلّاالقليل النزر الذين ثبتوا على دين اللّه، و تمسّكوا بحبل اللّه، و لم يحيدوا عن صراط اللّه المستقيم».
و تحقّق فيهم وصف الفرقة الثابتة على الحقّ التي لا تزعزعها الرياح، و لا يضرّها الفتن، و لا يغرّها لمع السراب، و لم تدخل في دين اللّه بالرجال فتخرج منه بهم.(2)
و قد قام الشيخ النعماني بتبويب كتابه إلى 26 باباً، و قد ذكر أسانيد الروايات0.
ص: 30
بصورة كاملة، و أشار في مقدّمة الكتاب بصورة ضمنيّة إلى أنّ الروايات الواردة في هذا الكتاب صحيحة.(1)
لقد ذكر الشيخ الصدوق في مقدّمة كتابه أنّ الغرض من تأليف الكتاب أُمور ثلاث:
الأوّل: دفع الحيرة عن شيعة نيسابور في مسألة إمام العصر.
الثاني: لقاؤه بالشيخ نجم الدين أبي سعيد محمّد بن الحسن بن الصلت القمّي، و هو من أُسرة شيعيّةٍ عريقة، و قد جاء من بخارى إلى قم، و قد أصيب بالحيرة في طول الغيبة من سماع كلمات الفلاسفة و أهل المنطق.
الثالث: أمر الإمام الحجّة له في عالم الرؤيا أن يكتب كتاباً في الغيبة.(2)
يشتمل الكتاب على خمسة أبواب، و مقدّمة مسهبة في 126 صفحة، تكلّم فيها عن لزوم وجود الحجّة، و نقد نظريّات سائر الفرق حول موضوع المهدويّة خاصّة الزيديّة، و الجواب عن بعض متكلّمي الشيعة، كابن قبة الرازي في هذا المجال.
و الشيخ الصدوق مضافاً إلى إيراده أسانيد الأحاديث بصورةٍ كاملة، يؤكّد في أكثر من مرّة أنّ اعتماده واستناده في هذه المسألة على الأحاديث الصحيحة فحسب.
ص: 31
و يقول في ختام المقدّمة حيث يشير إلى فصول الكتاب: «ثمّ صحّحنا النصوص على القائم الثاني عشر من الأئمّة عليهم السلام من اللّه تعالى ذكره و من رسوله و الأئمّة الأحد عشر...».(1)
و يقول في موضعٍ آخر:
ليس هذا الحديث و ما شاكله من أخبار المعمّرين و غيرهم ممّا اعتمد في أمر الغيبة و وقوعها؛ لأنّ الغيبة إنّما صحّت لي بما صح عن النبيّ و الأئمّة من ذلك بالأخبار التي بمثلها صحّ الإسلام و شرائعه و أحكامه.(2)
و هو يؤكّد في هذه العبارات - مضافاً إلى صحّة هذه الروايات - على منهجه في تحقيق مسألة الغيبة، و الأُمور المتعلّقة بها، المبتنية على السنّة الصادرة من النبيّ و الأئمّة عليهم السلام. و بعبارة أُخرى: يصرّح أنّ منهجه هو الاعتماد على المصادر الروائيّة و النقليّة.
و بعد القرن الرابع و ما تلاه من القرون كان هذا المنهج سائداً بين المحقّقين من الشيعة و السنّة في موضوع المهدويّة إلى يومنا هذا، و نشير هنا إلى جملة من المصنّفات التي أُلّفت على هذا الأساس:
1. البيان في أخبار صاحب الزمان، لمحمّد بن يوسف الكنجي الشافعي (م 658 ه).
2. عقد الدرر في أخبار المنتظر و هو المهدي عليه السلام، ليوسف بن يحيى المقدسي الشافعي السلمي (م 685 ه).
3. العرف الوردي في أخبار المهدي عليه السلام، لجلال الدين السيوطي (م 911 ه).
4. القول المختصر في علامات المهدي المنتظر عليه السلام، لابن حجر الهيتمي (م 974 ه).9.
ص: 32
5. تلخيص البيان في أخبار مهدي آخر الزمان، لعليّ بن حسام الدين الهندي (م 975 ه).
6. المشرب الوردي في المهدي عليه السلام، لنور الدين عليّ بن سلطان محمّد القاري الهروي، المشهور بالملا عليّ القاري (م 1014 ه).
7. المحجّة في ما نزل في القائم الحجّة، للسيّد هاشم البحراني (م 1107 ه).
8. بحار الأنوار، المجلّدات (51-53)، للشيخ محمّد باقر المجلسي (م 1111 ه).
و تمّ تأليف مصنّفات كثيرة في العصر الراهن، اعتماداً على الروايات، و بصبغة نقليّة، و من أهمّها كتاب منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر، لآية اللّه الشيخ لطف اللّه الصافي الگلبايگاني، و قد تمّ تأليفه سنة 1373 ه. و من خصائص هذا الكتاب هو الالتفات إلى الشبهات المعاصرة حول مسألة المهدويّة كشبهات الفرقة البهائيّة، و التتبّع في مصادر متعدّدة هو الآخر من خصائص هذا الكتاب، كما أنّ من مميّزاته الهوامش التوضيحيّة في شرح الأحاديث.
و يذكر في مقدّمة الكتاب إلى هذا المنهج و اعتباره قائلاً:
و ليس في المسائل النقليّة التي لا طريق لإثباتها إلّاالسمع ما يكون الإيمان به أولى من الإيمان بظهور المهدى عليه السلام لو لم نقل بكونه أولى من بعضها؛ لأنّ البشارات الواردة فيه قد بلغت مرتبة التواتر، مع أنّ الأحاديث المنقولة في كثير ممّا اعتقده المسلمون و غيرهم لم يبلغ تلك المرتبة، بل لا توجد لبعض ذلك إلّارواية واحدة، و مع ذلك يعد عندهم من الأُمور المسلّمة، فإذاً كيف يصحّ للمسلم المؤمن بما جاء به الرسول صلّى اللّه عليه و آله و أخبر به أنْ يرتاب في ظهوره عليه السلام مع هذه الروايات الكثيرة؟
و لا تخدش هذه الأخبار بضعف السند في بعضها و غرابة المضامين و استبعاد وقوعها في بعضٍ آخر؛ فإنّ ضعف السند في بعضها لا يضرّ بغيره
ص: 33
ممّا هو في غاية الصحّة و المتانة سنداً و متناً، و إلّايلزم رفع اليد عن جميع الأحاديث الصحيحة لمكان بعض الأخبار الضعيفة، مع أنّ اشتهارها بين كافّة المسلمين، و كون أكثر مخرّجيهامن أئمّة الإسلام و أكابر العلماء و أساتذة فنّ الحديث موجب للقطع بمضمونها، هذا مضافاً إلى أنّ ضعف السند إنّما يكون قادحاً إذا لم يكن الخبر متواتراً و ما في المتواتر منه، فليس ذلك شرعاً في اعتباره.(1)
و قد تمّ تدوين الكتاب على عشرة فصول، يشتمل كلّ فصلٍ على أبواب.
و هو الثاني من مناهج علماء المسلمين في التعامل مع المسألة المهدويّة، و قد بدأ في القرن الخامس، و من حوزة بغداد العلميّة. و يعتبر من روّاد هذا المنهج متكلّموا بغداد، كالشيخ المفيد (م 413 ه)، و الشيخ الطوسي (م 460 ه)، و قد دام هذا المنهج في القرون اللاحقة، ففي القرن السابع كان الخواجة نصير الدين الطوسي (579 - 653 ق)، و في القرن الحادي عشر الشيخ صدر الدين الشيرازي (979-1050) سلكا نفس المنهج.
كما سلكه في العصر الحاضر علماء، كالشهيد السيّد محمّد باقر الصدر (1353 - 1400 ق)، و آية الشيخ عبد اللّه الجوادي الآملي. إلا أنّ القواعد و الأُصول العقليّة المستفادة منها في هذا المجال قد تطوّر في مرور الزمن.
و في هذا المسلك تمّ الاعتماد على العقل الكلامي المحض تارةً، و أُخرى على العقل الفلسفي المحض، و ثالثة بما فوق ذلك و هو العلوم التجربيّة البشريّة و البيانات العقلانيّة.
ص: 34
و سوف نبيّن فيما يلي جهود ستّة من أعلام هذا المنهج خلال ألف عام.
1. الشيخ المفيد (م 413 ه)
يعدّ الشيخ المفيد من أوّل متكلّمي الشيعة ممّن واجه مسألة المهدويّة بهذا المنهج من خلال رسائله و كتبه. فهو على خلاف من سبقه من العلماء كالنعماني و الصدوق، اتّخذ المنهج النقلي - العقلي الذي كان متداولاً في سائر المسائل الدينيّة آنذاك.
و قد خلّف لنا خمس مصنّفات في موضوع المهدويّة. و إنّ أكبرها حجماً هو كتاب الفصول العشرة في الغيبة، التي تمّ تأليفه في خلال سنتي 410-411 ه، يعني في أواخر عمره الشريف. و قد طرح في كتابه هذا عشر مسائل من البحوث المهدويّة، و بحثها كمنهج المتكلّمين اتّكالاً على الأدلّة العقليّة، و الآيات القرآنيّة، و الشواهد التاريخيّة.(1)
2. الشريف المرتضى (م 436 ه)
و هو ثاني الشخصيّات التي تابع هذا المنهج بقوّة، و نبحث عن منهجه في الفصل الثاني:
3. الشيخ الطوسي (م 460 ه)
و قد استفاد الشيخ الطوسي في كتابه الغيبة من النقل، كما استفاد من الأدلّة العقليّة الكلاميّة، و قد أشار إلى منهجه في مقدّمة كتابه قائلاً:
أمّا بعد، فإنّي مجيبٌ إلى ما رسمه الشيخُ الجليل، أطال اللّه بقاءه من إملاء كلام في غيبة صاحب الزمان، و سبب غيبته، و العلّة التي لأجلها طالت غيبته، و امتداد استتاره، مع شدّة الحاجة إليه، و انتشار الحيل، و وقوع الهرج و المرج، و كثرة الفساد في الأرض، و ظهوره في البرّ و البحر، و لِمَ لَمْ يظهر: و ما المانع منه، و ما المحوج إليه، و الجواب عن كلّ ما يسأل في ذلك من شبه المخالفين، و مطاعن المعاندين.0.
ص: 35
و أنا مجيبٌ إلى ما سأله، و ممتثل ما رسمه، مع ضيق الوقت، و شعث الفكر، و عوائق الزمان. و صوارف الحدثان، و أتكلّم بجملٍ يزول معها الريب و تنحسم به الشبه، و لا أطول الكلام فيه فيمل، فإنّ كتبي في الإمامة و كتب شيوخنا مبسوطة في هذا المعنى في غاية الاستقصاء، و أتكلّم عن كلّ ما يسأل في هذا الباب من الأسئلة المختلفة، و أردف ذلك بطرفٍ من الأخبار الدالّة على صحّة ما نذكره، ليكون ذلك تأكيداً لما نذكره، و تأنيساً للمتمسّكين بالأخبار، و المتعلّقين بظواهر الأحوال، فإنّ كثيراً من الناس يخفى عليهم الكلام اللطيف الذي يتعلّق بهذا الباب، و ربما لم يتبيّنه، و أجعل للفريقَيْن طريقاً إلى ما نختاره و نلتمسه، و من اللّه تعالى استمدّ المعونة و التوفيق، فهما المرجوّان من جهته، و المطلوبان من قبله، و هو حسبي و نعم الوكيل.(1)
4. صدر الدين الشيرازي (979-1050 ه)
و قد استدلّ الملّا صدرا في كتابه شرح أُصول الكافي بعدّة قواعد عقليّة على إثبات الإمامة، و قد سرى هذا الاستدلال و الاستفادة من القواعد العقليّة في بحث الإمامة إلى مسألة المهدويّة، و قد روّج بعد ذلك؛ بحيث تمّ الاستدلال بالأدلّة العقليّة مع ملاحظة ما أفاده الملّا صدرا.
فتارةً يطرح برهان العلّة الغائيّة، و يطبق عليه بعض الأحاديث قائلاً:
دلّ هذا الحديث على حقيقة ما مرّ ذكره منّا، من أنّ وجود النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو الإمام عليه السلام ليس بمجرّد أنّ الخلق محتاجون إليه في إصلاح دينهم و دنياهم، و إن كان ذلك أمراً مترتّباً على وجوده ضرورةً، بل إنّما قامت بوجوده الأرض و من فيها؛ لكون وجوده الكوني علّة غائيّة لوجودها، فلا تقوم الأرض و من فيها لحظةً إلّابوجود الإنسان الكامل.(2)2.
ص: 36
و يقول في شرح حديث «لو أنّ الإمام رفع من الأرض ساعةً لساخت بأهلها»:
و ذلك لما مرّ ذكره من أنّ وجوده سببٌ لوجودها، و بقاؤه سببٌ لبقائها، و لا يبقى المسبّب بدون سببه، كما هو قاعدة العلّة و المعلول.(1)
و القاعدة الثانية التي يستند إليها الملّا صدرا هي قاعدة برهان الأشرف، حيث يشرحه قائلاً:
قد علمتَ أنّ ترتيب سلسلة الوجود الصادرة من الأوّل سبحانه إنّما يكون أبداً من الأشرف إلى الأخس و من الأعلى إلى الأدنى، و من نظر في أحوال الموجودات و نسبة بعضها إلى بعض عرف أنّ الأدنى و الأنقص لا يوجد إلّا بسبب الأعلى و الأكمل سببيّة ذاتيّة، و تقدّماً طبيعيّاً، و إن كان وجود الأدنى و الأنقص يصير مبدأ متهيّاً للمادة لفيضان الأعلى و الأكمل، فالحيوان سببٌ ذاتيٌ لوجود النطفة متقدّم عليها تقدّماً بالذات، و كذا النبات للبذر، أمّا النطفة فهي سببٌ معدٌّ لوجود الحيوان متقدّمة عليه تقدّماً بالزمان لا بالذات، و كذا البذر للنبات....
و قد علمت الحال في باب التقدّم و التأخّر في الوجود بين النوع الشريف و النوع الخسيس كما وصفناه، قال تعالى مخاطباً للانسان: (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (2) لكونه أشرف الأكوان الأرضيّة، فصار سبباً لوجودها و غاية ذاتية لخلقها، فلو ارتقع الإنسان عن الأرض أرتفع سائر الأكوان من الجماد و النبات و الحيوان، فكذلك لو ارتفع الحجّة عن الأرض ارتفع الناس كلّه، فثبت قوله عليه السلام: «لو لم يبق في الأرض إلّا9.
ص: 37
اثنان لكان أحدهما الحجّة».(1)
5. الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر (1353-1400 ه)
و في العصر المتأخّر فإنّ من أوّل العلماء ممّن استفاد من العلوم العقليّة في تبيين التعاليم الوحيانيّة في مسألة المهدويّة هو الشهيد آية اللّه السيّد محمّد باقر الصدر في كتابه بحث حول المهدي عليه السلام، حيث يجيب في هذا الكتاب عن سبع أسئلة حول المهدويّة، و هي:
1. كيف تأتّى للمهدي عليه السلام هذا العمر الطويل؟
2. لماذا كل هذا الحرص على إطالة عمره؟
3. كيف توّج بالإمامة في الصِغَر؟
4. كيف نؤمن بأنّ المهدي عليه السلام قد وجد؟
5. لماذا لم يظهر القائد إذن؟
6. هل للفرد كلّ هذا الدور؟
7. ما هي طريقة التغيير في اليوم الموعود؟
و قد أجاب السيّد الصدر عن هذه الأسئلة السبع في ثمان مباحث، و في الحقيقة إنّ الإجابة عن السؤال الأوّل طرح في مبحثين. و قد استفاد في كلّ واحدة من هذه المواضيع من الفلسفة و التاريخ و الطبيعة و الاجتماع و القوانين الحاكمة على التاريخ و المجتمع... كلّ ذلك حسب تناسب الموضوع.
و يشير في بحث وجود المهدي - حيث استفاد من الأخبار - إلى ثنائيّة منهجه في البحث قائلاً:
و أمّا تجسيد هذه الفكرة في الإمام الثاني عشر عليه الصلاة و السلام فهذا ما توجد مبرّرات كافية و واضحة للاقتناع به. و يمكن تلخيص هذه المبرّرات في دليلين:4.
ص: 38
أحدهما إسلاميٌّ.
و الآخر علميٌّ.
فبالدليل الإسلامي نثبت وجود القائد المنتظر. و بالدليل العلمي نبرهن على أنّ المهدي ليس مجرّد أُسطورة و افتراض، بل هو حقيقةٌ ثبت وجودها بالتجربة التاريخيّة.
أمّا الدليل الإسلامي:
فيتمثّل في مئات الروايات الواردة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم و الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام، و التي تدلّ على تعيين المهدي عليه السلام، و كونه من أهل البيت... و من ولد فاطمة... و من ذرّيّة الحسين... و أنّه التاسع من ولد الحسين... و أنّ الخلفاء اثنا عشر.
فإنّ هذه الروايات تحدّد تلك الفكرة العامة و تشخّصها في الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السلام، و هي روايات بلغت درجة كبيرة من الكثرة و الانتشار على الرغم من تحفّظ الأئمّة عليهم السلام و احتياطهم في طرح ذلك على المستوى العام، وقاية للخلف الصالح من الاغتيال أو الإجهاز السريع على حياته.
و ليست الكثرة العدديّة للروايات هي الأساس الوحيد لقبولها، بل هناك إضافة إلى ذلك مزايا و قرائن تبرهن على صحّتها، فالحديث النبوي الشريف عن الأئمّة أو الخلفاء أو الأُمراء بعده و أنّهم اثنا عشر إماماً أو خليفة أو أميراً - على اختلاف متن الحديث في طرقه المختلفة - قد أحصى بعض المؤلّفين رواياته فبلغت أكثر من مئتين و سبعين رواية مأخوذة من أشهر كتب الحديث عند الشيعة و السنّة بما في ذلك البخاري و مسلم و الترمذي و أبي داود و مسند أحمد و مستدرك الحاكم على الصحيحين.
و يلاحظ هنا أنّ البخاري الذي نقل هذا الحديث كان معاصراً للإمام الجواد و
ص: 39
الإمامين الهادي و العسكري، و في ذلك مغزى كبير، لأنّه يبرهن على أنّ هذا الحديث قد سجّل عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم قبل أن يتحقّق مضمونه، و تكتمل فكرة الأئمّة الاثني عشر فعلاً، و هذا يعني أنّه لا يوجد أيّ مجالٍ للشكّ في أن يكون نقل الحديث متأثّراً بالواقع الإمامي الاثني عشري و انعكاساً له، لأنّ الأحاديث المزيّفة التي تنسب إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و هي انعكاسات أو تبريرات لواقع متأخّر زمنيّاً لا تسبق في ظهورها و تسجيلها في كتب الحديث، ذلك الواقع الذي تشكّل انعكاساً له.
فما دُمْنا قد ملكنا الدليل المادّي على أنّ الحديث المذكور سبق التسلسل التاريخي للأئمّة الاثني عشر، و ضبط في كتب الحديث قبل تكامل الواقع الإمامي الاثني عشري، أمكننا أن نتأكّد من أنّ هذا الحديث ليس انعكاساً لواقع و إنّما هو تعبير عن حقيقة ربّانيّة نطق بها من لا ينطق عن هوى، فقال: «إنّ الخلفاء بعدي اثنا عشر».
و جاء الواقع الإمامي الاثني عشري ابتداءً من الإمام عليّ و انتهاء بالمهدي، ليكون التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث النبوي الشريف.
و أمّا الدليل العلمي:
فهو يتكوّن من تجربة عاشتها أُمّة من الناس فترة امتدّت سبعين سنة تقريباً، و هي فترة الغيبة الصغرى. و لتوضيح ذلك نمهد بإعطاء فكرة موجزة عن الغيبة الصغرى....(1)
6. آية اللّه الجوادي الآملي
و في العصر الراهن فقد تعرّض آية اللّه الجوادي الآملي إلى مسألة المهدويّة بهذا المنهج أيضاً، فقد قال في مقدّمة كتابه: إمام مهدي موجود موعود [الإمام المهدي عليه السلام الموجود الموعود] ما ترجمته:8.
ص: 40
إنّ إثبات كون الشخص هو المهدي لا يتمّ بالعقل الصرف؛ لأنّ الحكمة و الكلام يبيّنان الخطوط العامّة للإمامة و أوصافه و شرائطه و ما يتعلّق به، و لم تتعهّد بإثبات سمة خاصّة لشخصٍ مخصوص؛ كما أنّ الفقه في تعيين مرجع التقليد يبحث عن ضرورة أصل وجود المرجع من جهة، و خصائصه و أوصافه و شروطه من جهة أُخرى، إلّاأن يتعيّن من قبل الثقات من أهل الخبرة أوّلاً، و رجوع عموم الناس ثانياً.
و هذا الكتاب بالاستعانة من العقل و الاستمداد من النقل يثبت أنّ فكرة المهدويّة الشخصيّة متمثّلة بالإمام الحجّة ابن الحسن المهدي الموجود الموعود.(1)
يشتمل الكتاب على ثلاثة أقسام:
الأوّل: الإمامة.
الثاني: الانتظار.
الثالث: من الظهور و حتّى المدينة الفاضلة للإمام المهدي عليه السلام.
و كلّ قسم يشتمل على فصول، و مجموعها في الكتاب تسع فصول.
مع أنّ منهج الكتاب الظاهري هو المنهج العقلي - النقلي، و لكن يبدو بوضوح الركون إلى أُسس الحكمة المتعالية، و بعض المباحث العرفانيّة في الكتاب خاصّة الفصل الثالث من القسم الأوّل، كما يمكن ملاحظة مباحث أُخرى من قبيل الإنسان الكامل و وحدة الإنسان الكامل في هذا المجال.(2)0.
ص: 41
و كما أسلفنا سابقاً فإنّ أحد المناهج في البحث عن المسألة المهدويّة بين المسلمين هو المنهج العرفاني - الصوفي، و الذي ظهر في القرن السابع، و قد طرح العرفاء و الفلاسفة مسألة المهدويّة عن طريق التعاليم الأصليّة في العرفان و التصوف، من قبيل تعاليم الإنسان الكامل و ختم الولاية.
و قد اختلف روّاد هذا المنهج فيما بينهم في الاعتقاد بالمهدويّة النوعيّة و الشخصيّة، ممّا سوف نشير إلى ذلك لاحقاً، و إليك نظريّات خمسة من شخصيّاتهم:
1. محيي الدين ابن عربي (560-638 ه):
و ابن عربي مؤسّس العرفان النظري بين المسلمين هو أوّل من تعرّض من هذه الجهة إلى مسألة المهدويّة، و قد طرحها في أكثر من موضع من مصنّفاته.(1)
و في عبارات ابن عربي تصريحٌ منه بأنّ الإمام المهدي عليه السلام الموعود هو خاتم الأولياء، حيث يقول في معرفة وزراء المهدي عليه السلام الظاهر في آخر الزمان:
اعلم - أيّدنا اللّه - أنّ للّه خليفة يخرج و قد امتلأت الأرض جوراً و ظلماً، فيملؤها قسطاً و عدلاً لو لم يَبْقَ من الدنيا إلّايومٌ واحد طوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يلي هذا الخليفة من عترة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من ولد فاطمة يواطئ اسمه اسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله جدّه الحسين بن عليّ بن أبي طالب يبايع بين الركن و المقام يشبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.(2)
ص: 42
ثمّ يقوم بوصف الإمام المهدي عليه السلام، و ذكر شمائله و فضائله، و وصف أعوانه و أنصاره، و كيفيّة خروجه، ثمّ يختم كلامه بهذين البيتين:
أَلَا إنّ خَتْمَ الأولياءِ شَهيدُ وَ عينُ إمامِ العالمينَ فَقيدُ
هوَ السيِّدُ المَهديُّ من آلِ أحمدٍ هوَ الصَّارمُ الهِنديُّ حينَ يُبيدُ
هوَ الشَّمسُ يجلو كُلّ غمٍّ و ظُلمةٍ هوَ الوابلُ الوَسْميُّ حينَ يَجودُ(1)
و قال في موضعٍ آخر:
و أمّا ختم الولاية المحمّديّة فهي لرجلٍ من العرب من أكرمها أصلاً ويداً، و هو في زماننا اليوم موجود عرفت به سنة خمس و تسعين و خمس مئة، و رأيت العلّامة التي له قد أخفاها الحقّ فيه عن عيون عباده، و كشفها لي بمدينة فاس، حتّى رأيت خاتم الولاية منه، و هو خاتم النبوّة المطلقة لا يعلمها كثير من الناس.(2)
2. العطّار النيشابوري (م 618 ه)
و يرى العطار النيشابوري أنّه كما ختم اللّه النبوّة برسوله المصطفى صلّى اللّه عليه و آله، كذلك ختم الولاية بعد عليّ المرتضى بالإمام المهدي عليهما السلام، و هو الهادي و المرشد إلى دين اللّه، حيث يقول:
از جميع انبياي هر زمان شد نبوت ختم بر احمد بدان
بعد از آن ختم ولايت بر عليّ است نور رحمت از كلام او جلي است
ص: 43
بعد حيدر ختم بر مهدي بود آن كه در دين خدا هادي بود(1)
و يقول في موضعٍ آخر:
صد هزاران اوليا رو بر زمين از خدا خواهند مهدي را يقين
يا الهي! مهدي ام از غيب آر تا جهان عدل گردد آشكار
مهدي و هادي و تاج انبيا بهترينِ خلق و برج اوليا(2)
3. المولوي (604-672 ه)
و يرى المولوي أنّ الولاية شأنٌ من شؤون الحقّ الذاتيّة، و منشأ الظهور، و مبدأ التعيّنات و بروز الحقائق الخلقيّة، كما أنّ حضوره بين عالم العين، و بين الأُمّة سببٌ لاتّحادهم و وحدتهم. و يعتقد المولوي أنّ لكلّ برهةٍ من تاريخ البشريّة وليٌّ من أولياء اللّه.
إنّ وجود هذا الولي موجبٌ لامتحان الناس، امتحاناً يستمرّ إلى يوم القيامة، و إنّ هذا الامتحان الذي يجري بيد أولياء اللّه، ينجو منه من كان خلوقاً متواضعاً مسلّماً لأولياء اللّه، و على خلاف ذلك فمن ضعفت نفسه و لم يتحمّل وجود أولياء اللّه سوف يتكسّر كما تتكسّر الزجاجة. و إنّ قائد الحقّ و قائمه هو وليّ اللّه.
پس به هر دوري ولي اي قائم است تا قيامت، آزمايش دائم است
هر كه را خوي نكو باشد برست هر كسي كاو شيشه دل باشد شكست
پس امام حي قائم آن ولي است خواه از نسل عمر، خواه از عليّ است
مهدي وهادي وي است اي راه جو هم نهان و هم نشسته پيش رو7.
ص: 44
او چو نور است و خرد جبريل اوست آن وليِّ كم از او قنديل اوست
وان كه زين قنديل كم مشكات هاست نور را در مرتبت ترتيب هاست(1)
و قد ذكر عدّةٌ من شرّاح المثنوي في شرح هذه الأبيات استناداً إلى آيات القرآن الكريم، و منها الآية السادسة من سورة الأحزاب، و الآية 124 من سورة الأنعام في تقسيم الولاية إلى تكوينيّة و تشريعيّة، و التكوينيّة إلى الوجوديّة و التعيينيّة، و قالوا إن كان مراد المولوي من كلامه هذا الولاية التكوينيّة الوجوديّة فمعنى هذه الأبيات صحيحةٌ خاليةٌ عن الإشكال، و تتوافق مع عقائد الشيعة الإماميّة، و إن كان مراده الولاية التكوينيّة التعيينيّة فالكلام مشكل.
و كذلك إنْ كانَ مقصوده من قوله: «مهدي و هادي وي است اي راه جو...» إن كان مقصوده من المهدي و الهادي هو الإنسان الإلهي المتّصف بالهداية، فكذلك يتّفق مع الولاية التكوينيّة، و هو ما ذكرناه من أنّ للّه أولياء هم حججه على الناس سواء كانوا ظاهرين أو مستورين.
و إن كان مقصوده الإمام المهدي عليه السلام الوارد في الأخبار و مصادر جميع الفرق الإسلاميّة، فهذا الكلام غير صحيحٍ، لأنّه متشخّص بناءً على ما ورد في المصادر، و أنّ له ظهور كظهور نبيّ الإسلام.(2)
و هذه الأبيات و إن لم تكن صريحةٌ في الإمام المهدي عليه السلام بذاته،(3) إلّاأنّ أبياته الأُخرى التي وردت في ديوان الشمس التبريزي لهي صريحةٌ في تشخيص الإمام المهدي، و هي قوله:7.
ص: 45
موسى تقى آي و نقي در مهر او عهدي بخوان
با عسكري رازي بگو اللّه مولانا علي
مهدي سوار آخرين بر خصم بگشايد كمين
آن شاه چون پيدا شود اللّه مولانا علي
اقرار كن اظهار كن مولاي رومي اين سخن
هر لحظه سِرِّ من لذُن اللّه مولانا علي(1)
4. نور الدين عبد الرحمن الجامي (817-897 ه)
يرى الجامي أنّ الولاية باطن النبوّة و أنّ «صاحب الزمان» هو مظهر الولاية.
و من الواضح أنّ صاحب الزمان هو ما يعتقده الشيعة أنّه المهدي الموعود، يقول الجامي ما ترجمته:
إنّ صاحب الزمان هو الولي الذي اذا خرج تظهر الولاية، و تتبيّن الحقائق، و ينكشف الغطاء، و إلى الآن البحث في المدارس قائمٌ على العلم الظاهر، و الحقائق مخفيّة، لأنّه كان عصر النبوّة، و النبوّة تضع الصور، و الآن دور ظهور الولاية، و إذا ظهرت الولاية تظهر الحقائق و تستر الصور. و الآن في المدارس بحث الحقائق، حقيقة الإسلام، حقيقة الإيمان، حقيقة الصلاة، حقيقة الصوم و الحجّ، حقيقة الجنّة و البرزخ و الصراط و الثواب و العقاب.
گر سِرِّ قَدَر طعمۀ أبدال شود اين جملۀ قيل و قال، پامال شود
هم مفتي شرع را جگر خون گردد هم خواجه عقل را زبان لال شود(2)
5. علاء الدولة السمناني (القرن السابع و الثامن)
و قد ورد في بعض تراث علاء الدولة السمناني حول إمام الزمان و الإمام المهدي5.
ص: 46
ما لا يتوافق مع سائر مصنّفاته. و لكن فذلكة القول و بقرينة ما ورد في كتاب بيان الإحسان يمكن أن نستنتج أنّ السمناني يعتقد بخاتمية الولاية بالإمام المهدي عليه السلام، حيث يصفه ب: الإمام و قطب الأقطاب، و هما من صفات العامّة و المشهورة للولىّ الخاتم عند الصوفيّة.(1)
لقد اعتنى العرفاء و الصوفيّة إلى المسألة المهدويّة - مضافاً على طريق ختم الولاية - إلى التعاليم الدينيّة و النبويّة و هي الروايات، و إليك نماذج من ذلك:
1. فقد عقد ابن العربي باباً في الفتوحات (الباب 363)، بعنوان: (الباب الثالث و الستون و ثلاث مئة في معرفة منزل وزراء المهدي الظاهر في آخر الزمان الذي بشر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هو من أهل البيت). و ذكر فيه مضمون الروايات المنقولة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله في اسم المهدي و سيرته.(2)
2. كما عقد عمر بن شجاع الموصلي (م بعد 660 ه) - الصوفي الكبير في الموصل، و مرشد أتابك بن لؤلؤ الزنكي - في كتابه النعيم المقيم فصلاً بعنوان: «الإمام محمّد المنتظر ابن الإمام الحسن العسكري»، و ذكر فيه روايات عن سيرته، و مولده و كلماته، و صرّح بكونه حيَّاً و من المعمّرين، و أنّه الإمام و المهدي و الهادي لأُمّة رسول اللّه.(3)
3. و من العرفاء الذين اعتنوا بأخبار الإمام المهدي عليه السلام هو نور الدين الجامي في كتابه شواهد النبوّة، فقد عقد فيه باباً بعنوان: «ذكر محمّد بن حسن بن علي بن محمّد بن عليّ الرضا، لقبه الإماميّة بالحجّة و القائم و المهدي المنتظر و صاحب
ص: 47
الزمان، و هو عندهم خاتم الاثني عشر إماماً».(1)
4. و من العامّة الصوفيّة هو عبد الوهّاب الشعراني (م 973 ه)، في كتابه اليواقيت و الجواهر، حيث بحث فيه عن علامات و وقائع ما قبل الظهور، و كيفيّة خروج الإمام المهدي، و نزول عيسى عليه السلام، و اسمه و اسم أبيه، و كيفيّة مولده، و كأنّه على مذهب الإماميّة. ثمّ ينقل عن الفتوحات (الباب 363)، و الذي يحتوي على كثير من الروايات التي وردت في كتب الخاصّة و العامّة.(2)
5. و المولى علاء الدولة السمناني كسائر علماء الصوفيّة، يطرح العقيدة الإسلاميّة عن الموعود، من طرق الصوفيّة، كما يبحث عن مضمون الأحاديث النبويّة و سائر أئمّة أهل البيت عليهم السلام حول الإمام المهدي عليه السلام.(3)
و من الجدير بالذكر أنّ السمناني يؤكّد على أنّ الإمام المهدي عليه السلام قد ورث من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مواريثه الخَلقيّة و الخُلقيّة و المعنويّة، و أنّه - حسب تعبيره - ولده الصلبي و القلبي و اللساني، و صاحب سِرِّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ممّا لم يعتقده في سائر الأئمّة ممّن سبق الإمام المهدي عليهم السلام. كما يورد السمناني معتقده عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام في المجلس الثالث1.
ص: 48
و العشرين في كتابه،(1) و يرى أنّ الإمام المهدي عليه السلام صاحب علوم غريبة، و له جميع مقامات الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام(2).
لقد تعرّض الشريف المرتضى رحمه اللّه في اثني و عشرين موضعاً من تراثه و مصنّفاته المتبقّية، و الواصلة إلينا إلى الأبحاث المهدويّة و ما يتعلّق بها كالغيبة.
من هذه المواضع ثلاث منها تصانيف مستقلّة، و سائرها وردت في طيّات كتبه.
أمّا المصنّفات المستقلّة فهي كالتالي:
1. المقنع في الغيبة، و هو الكتاب الذي بين يديك.
2. تكملة المقنع.
3. رسالة في غيبة الحجّة عليه السلام.
و كلّ المصنّفات التي وردت فيها الأبحاث المهدويّة، سواء الأبحاث المستقلّة (الثلاثة السابقة) أو الأبحاث الضمنيّة، فهي - حسب تاريخ التأليف - كالتالي:
1. الشافي (سنة 398 ه).
2. الديوان (سنة 403 ه).
3. تنزيه الأنبياء و الأئمّة (بعد سنة 406 ه).
4. المسائل التبّانيّات (بعد سنة 406 ه).
5. الفصول المختارة (قبل سنة 413 ه).
6. الأمالي (سنة 413 ه).
7. رسالة في غيبة الحجّة عليه السلام (قبل كتاب المقنع).
ص: 50
8. المقنع في الغيبة (سنة 415 ه).
9. تكملة المقنع (بعد كتاب المقنع).
10. الذخيرة (بعد سنة 415 ه).
11. جمل العلم و العمل، مع شرح جمل العلم (بعد سنة 415 ه).
12. أجوبة مسائل متفرّقة (بعد سنة 415 ه).
13. المسائل الرازيّة (بعد سنة 415 ه).
14. الطرابلسيّات (بعد سنة 415 ه).
15. شرح قصيدة الحميري (بعد سنة 417 ه).
16. المسائل الموصليّات الثالثة (سنة 420 ه).
17. الانتصار (سنة 420-427 ه).
18. أصحاب العدد (بعد سنة 427 ه).
19. رسالة في إبطال العمل بأخبار الآحاد (بعد سنة 427 ه).
20. المسائل الرسّيّة الأُولى (سنة 429 ه).
21. الذريعة (430 ه).
22. المسائل الميّافارقيات (غير معلوم).
و لمعرفة المواضيع التي تعرّض إليها الشريف المرتضى من الأبحاث المهدويّة نشير إجمالاً إلى محتوى ما ورد في هذه المصنّفات الاثنتي عشرة حسب الترتيب التاريخي؛ و في هذه النظرة العابرة يتبيّن لنا تاريخ البحث و السير التاريخي لفكر الشريف المرتضى من جهة، و الأجواء الفكريّة و الثقافيّة للشيعة في تلك الحقبة الزمنيّة من أُخرى:
1. الشافي في الإمامة (سنة 389 ه)
بحث الشريف المرتضى موضوع الغيبة في كتابه الشافي في ما يقارب المئة
ص: 51
صفحة، و يحتوي المجلّد الأوّل على أكثر المطالب من المجلّدات الأربع،(1) ثمّ المجلّد الثالث،(2) و المجلّد الرابع باختصار.(3)
و يمكن أن نلخّص هذه المطالب في النقاط التالية:
أ) أهمّ و أكثر أبحاث الشريف المرتضى يدور حول بيان فلسفة غيبة الإمام عليه السلام، و في الإجابة عن شبهات القاضي عبد الجبّار المعتزلي في كتاب المغني، و يبيّن أنّ سبب الغيبة هو الخوف من الظالمين.
ب) يرى إمكانيّة انتفاع الشيعة و وصولهم إلى الإمام عليه السلام، دون الإشارة إلى طريقه و سبيله.
ج) يشير إلى مسألة الحدود في عصر الغيبة، و يرى أنّه لا حرج على المكلّفين في عدم إقامة الحدود، و يبحث عنه جدليّاً، و لم يورد رأيه بوضوح.
د) كما يشير إلى دخول الإمام عليه السلام في الإجماعات، و يرى أنّ عدم تعيين قوله لم يكن مخلاًّ للإجماع.
2. الديوان (سنة 403 ه)
ينشد الشريف المرتضى في رثاء جدّه الإمام الحسين عليه السلام بمطالبة الإمام الحجّة بثأره، كغيره من الشعراء. تشتمل هذه القصيدة على 54 بيتاً، و مطلعُها:
قِفْ بِالدِّيَارِ المُقْفِرَاتِ لَعِبَتْ بِهَا أَيْدِيْ الشَّتَاتِ (4)
3. تنزيه الأنبياء و الأئمّة (بعد سنة 406 ه)
يتعرّض في كتابه هذا إلى أربع مسائل من الأبحاث المهدويّة في حدود ستّ 5.
ص: 52
صفحات، يمكن تلخيص كلامه بما يلي:
أ) إنّ علّة الغيبة هو الخوف من الظالمين، و يقول:
... و لم تكن الغيبة من ابتدائها على ما هي عليه الآن، فإنّه عليه السلام في ابتداء الأمر كان ظاهراً لأوليائه، غائباً عن أعدائه و لما اشتدّ الأمر و قوي الخوف و زاد الطلب، استتر عن الوليّ و العدوّ.(1)
ب) الفرق بين الإمام المهدي و بين من سبقه من الأئمّة عليهم السلام هو أن جاز لهم التقيّة، و لم تجز له.
ج) إنّ المسبّب في الغيبة هو مسبّب في تعطيل الحدود و عليه ذنبها.
د) لا يمتنع على الإمام عليه السلام الظهور لبعض أوليائه.
و يرجع الشريف المرتضى في كتابه هذا إلى كتابه في الإمامة - أي الشافي -، كما يوعد القارئ بتأليف كتابٍ مستقلٍّ في الموضوع نفسه.
4. جواب المسائل التبّانيّات (بعد سنة 406 ه)
يتعرّض في هذه الرسالة إلى حجّيّة الإجماع، ودخول الإمام فيه، و كيفيّة الكشف عن قول المعصوم في عشر صفحات، و أصل المسألة هو الإجماع في عصر الغيبة، و عدم تحيز و تعين الإمام. و كذلك البحث عن فلسفة الغيبة و حفظ الشريعة من قبل الإمام الغائب، و قد أرجع في هذا البحث إلى كتاب الشافي، و جواب مسائل أهل الموصل.(2)
5. الفصول المختارة (قبل سنة 413 ه)
يطرح في كتابه هذا مسألة المهدويّة، و الرجعة، و افتراق الشيعة بعد استشهاد الإمام العسكري عليه السلام.6.
ص: 53
و في بحث الغيبة يرى أنّ تقيّة الإمام من أعدائه و أوليائه الجهلاء، و أنّه لا تقيّة له عن أوليائه غير الجهلاء.
و يعتقد إنّ مسألة الرجعة أمرٌ توقيفيٌّ، و يوضح بعض فروعه.
و في باب افتراق الشيعة بعد الإمام العسكري عليه السلام يذكر أربع عشرة فرقة، انقرضت كلّها إلى زمانه، و هو سنة 375 ه.
و في آخر البحث يطرح بعض الشبهات عن الغيبة، و يجيب عنها، و يرى أنّ الغيبة أمرٌ إلهيٌّ، لا يعلم مصلحته سوى علّام الغيوب.(1)
6. الأمالي (سنة 413 ه)
يشتمل الأمالي على مسألة في تفضيل الأنبياء على الملائكة، و هي مطبوعةٌ مستقلّةً أيضاً في رسائل الشريف المرتضى، و يرى أنّ الدليل على أفضليّة الأنبياء على الملائكة هو إجماع الشيعة، و يقول: و إجماعهم حجّة؛ لأنّ المعصوم من جملتهم... و يضيف قائلاً: «و بيّنّا كيف الطريق مع غيبة الإمام إلى العلم بمذاهبه و أقواله وشرحنا ذلك، فلا معنى للتشاغل به هاهنا».(2)
7. رسالة في الغيبة (قبل المقنع)
و هي رسالةٌ مختصرة، في حدود خمس صفحات، لم يتبيّن زمن تأليفها، و لم يُشِرْ فيها إلى سائر مؤلّفاته، و ليس في أوّلها و آخرها ما يشير إلى ذلك.
و يشبه منهج هذه الرسالة في أوّلها و آخرها المنهج المتّبع في كتاب المقنع، و عباراتهما شبيه بالأُخرى. و من المظنون قويّاً أنّها أُلّفت قبل كتاب المقنع؛ حيث لم يُشِرْ فيها إلى كتاب المقنع، كما هو مسلك الشريف المرتضى في الإرجاع إلى سائر مصنّفاته في كتبه، خاصّة و أنّه قد وضع كتاباً مستقلاً في البحث عنها. و أحال إليه في6.
ص: 54
كلٍّ من: الذخيرة، و شرح الجمل، و الطرابلسيّات.
و في ديباجة الرسالة يرى أنّ البحث عن الغيبة بحثٌ من فروع الإمامة، و أنّ فلسفة الغيبة هو إخافة الظالمين. و أنّ فائدة الإمام في غيبته هو لقاؤه ببعض أوليائه من جهةٍ، و تأثير التربوي من جهة أُخرى.
8. المقنع في الغيبة (415 ه)
يعتبر كتاب المقنع مصنَّفاً مستقلاًّ و منسجماً للشريف المرتضى حول موضوع الغيبة، بالنسبة إلى تراثه.
يبدأ البحث عن الغيبة باعتباره من فروع الإمامة و القول بالعصمة، و عليه يشرع في ردّ سائر الفرق كالكيسانيّة و الناووسيّة في مسألة المهدويّة.
ثمّ يشرع في بحث علّة الغيبة و فلسفته، و يرى ابتداءً أنّ عدم علمنا بفلسفة الغيبة لا ينفي أصل الغيبة، و يشبهها بالآيات القرآنيّة المتشابهه التي لا يمكن لنا الوقوف على العلم التفصيلي بها.
ثمّ بعد ذلك يختار الخوف من الظالمين سبباً للغيبة، و يبيّن الفرق بينه و بين سائر الأئمّة و النبيّ عليهم السلام.
و يتعرّض إلى الفرق بين عدم وجود الإمام و غيبته، و أنّ الأوّل راجعٌ إلى اللّه بخلاف الثاني الذي يرجع إلى ظلم العباد.
كما يطرح مسألة الحدود في عصر الغيبة، و أنّها تبقى على رقبة المستحقّين، و هو ليس بمعنى نسخ الحدود، لعدم توفّر شروط إقامة الحدود.
و في مسألة غيبة الإمام عليه السلام عن أنظار أوليائه يطرح عدّة أجوبة، ثمّ يقوم بنقدها، و طرح رأيه في المقام.
9. تكملة المقنع (بعد المقنع)
و هذه التكملة عبارةٌ عن بحثٍ آخر يطرحه الشريف المرتضى قد انكشف فيه
ص: 55
رأيه فيما بعد تأليف الكتاب، و هي مسألة تأثير الإمام الغائب عليه السلام على شيعته و أتباعه، و هو أنّ وجود الإمام و اطّلاعه على أحوالهم و أفعالهم يوجب زجرهم عن نواهيه و امتثال أوامره، و فيه يتمّ الانتفاع الحاصل منه عليه السلام في عصر الغيبة، و لا يشترط في الانتفاع الظهور، مع ذلك لا يمتنع ظهوره على بعض أوليائه، ثمّ يطرح عدّة تفصيلات و أسئلة و أجوبة في المقام.
و أنّ الفرق بين الانتفاع من وجود الإمام عليه السلام في غيبته و بين وجوده في حضوره هو أنّ الأوّل يختصّ بأوليائه و شيعته، بخلاف الثاني فهو انتفاع عام.
و أنّ ظهور الإمام - برأي الشيعة - مبنيٌّ على علومٍ بلغته عن الأئمّة عليهم السلام عن النبي صلّى اللّه عليه و آله، و أنّ الطرق العقلائية لعلم الإمام عليه السلام مفتوحة برفع الموانع و تمهيد الشرائط.
10. الذخيرة (بعد سنة 415 ه)
أشار الشريف المرتضى في كتابه هذا إلى الأبحاث المهدويّة فيما يقارب (12 صفحة)، و يتعرّض ابتداءً إلى دليل الغيبة، و مسألة الاستتار خوفاً من الضرر. ثمّ يطرح مسألة غيبة الإمام، و أنّها و إن كانت موجّهة بالنسبة لأعدائه، فما توجيه غيبته عن أنظار شيعته، و يجيب عن هذا السؤال: أنّ الإمام له تأثيره على الشيعة حتّى في الغيبة؛ لأنّه يعلم أحوالهم، و يطّلع على أفعالهم، و هو بحدّ ذاته زاجرٌ عن النواهي، و موجبٌ للإطاعة و الانقياد، و بظهوره ينتقم من الظالمين، و هي منفعةٌ دنيويّةٌ... هذا أوّلاً، و ثانياً: إمكان لقائه بالشيعة في حال غيبته.
و قد أرجع في كتابه هذا إلى الشافي و المقنع.
و في موضعٍ آخر من الكتاب يشير إلى تواتر النصّ على الأئمّة الاثني عشر، و غيبة ثاني عشرهم عليهم السلام.(1)3.
ص: 56
11. جمل العلم و العمل و شرح جمل العلم (بعد سنة 415 ه)
في مجموع كلّ من هذَيْن الكتابَيْن تختصّ ما يقارب (23 صفحة) إلى الأبحاث المهدويّة، و يمكن لنا أن نلخّص مسائله فيما يلي:
أ) إمامة الإمام الثاني عشر، و الأدلّة على إمامته.
ب) فلسفة الغيبة، و مسألة الخوف من الأعداء.
ج) إنّ حفظ الشريعة في غيبة الإمام، و لولاه لظهر عليه السلام، و إنّ الحدود التي عطّلت في غيبته تبقى في ذمّة المستحقّين.
د) إنّ طول الغيبة علّته الخوف أيضاً.
ه) إنّ طول عمره عليه السلام ليس خارقاً للعادة، و لو كان كذلك فهو من باب المعجزة، و يستشهد بذكر بعض المعمّرين في التاريخ.
و) تسقط ثلاثة أسهم من مستحقّي الزكاة في عصر الغيبة، و هم: المؤلّفة قلوبهم، العاملين عليها، و ما يتعلّق بالجهاد. و على المكلّف إيصال الزكاة إلى سائر المستحقّين مع مراعاة الشروط.(1)
12. أجوبة مسائل متفرّقة (بعد سنة 415 ه)
تختصّ ثلاث من هذه المسائل المتعدّدة المعارف، بمسألة المهدويّة، واحدة منها ضمنيّة في طيّات البحث عن الرجعة، و الأُخرَيَيْن فصلان مستقلّان، بعنوان: فصل في الغيبة، و فصل عن الحال بعد إمام الزمان في الإمامة.
أمّا في موضوع الرجعة فيشير إلى إجماع الشيعة إلى إحياء جملة من شيعة الأئمّة و أعدائهم في عصر الظهور، كما يرى أنّ أصل الرجعة أمرٌ ممكنٌ تحدث بالقدرة الإلهيّة.0.
ص: 57
و في مسألة الغيبة يتعرّض إلى فلسفة الغيبة، و أنّ تأثيرها أقوى على أفعال المكلّفين حيث إنّ المكلّف إذا لم يعرف الإمام بشخصه و لم يعلم مكانه، يحتمل كلّ شخصٍ أن يكون هو الإمام فيراقب على أفعاله و أحواله و في المورد الثالث يبحث مسألة الإمامة بعد الإمام الثاني عشر و لم يمتنع أن يكون أئمّةٌ بعد الإمام الثاني عشر و لا ينافي ذلك الاعتقاد بالأئمّة الاثنى عشر.(1)
13. المسائل الرازيّة (بعد سنة 415 ه)
يطرح الشريف المرتضى في المسألة الثامنة موضوع الرجعة، و يطرح هذا السؤال هل يرجع اللّه ثلّةً من المؤمنين في دولة الأئمّة في أيّام القائم عليهم السلام، من غير أن يرجع أجسامهم؟
ثمّ يجيب أنّ الشيعة تعتقد أنّ اللّه يحيي ثلّةً من أوليائه عند ظهور الإمام عليه السلام ليثيبهم، كما يحيي بعض أعدائه لينتقم منهم، و الدليل عليه: إمكانه ثبوتاً، و إجماع الشيعة عليه إثباتاً.
و على هذا الأساس يردّ بعض التأويلات من الرجعة، نحو الرجعة من دون أجساد.(2)
14. الطرابلسيّات (بعد سنة 415 ه)
ففي الطرابلسيّات الثانية يتعرّض الشريف المرتضى إلى الأبحاث المهدويّة في حدود (18 صفحة)، و يبحث فيها المسائل التالية:
1. وجوب وجود الإمام في كلّ عصر.
2. الحجّة على من لم يعرف الإمام أو اشتبه عليه الأمر.
3. كيفيّة تحصيل الأحكام في عصر الغيبة.
4. كيفيّة العمل بالأحكام المختلف فيها في عصر الغيبة.6.
ص: 58
5. فلسفة غيبة الإمام عليه السلام.
و يرجع في هذه الرسالة إلى كتاب المقنع، و كتاب الذخيرة.
15. شرح قصيدة السيّد الحميري (قبل سنة 417 ه)
يشير الشريف المرتضى عند شرحه البيت الرابع و السبعين إلى طهارة مولد الأئمّة، و أُمّ الإمام المهدي عليه السلام.(1)
16. جواب المسائل الموصليّات الثالثة (سنة 420 ه)
موضوع هذه الرسالة الصغيرة هو الإجماع، و يتعرّض ضمناً إلى إمام العصر عليه السلام و غيبته. و يتبنّى في هذه الرسالة أنّ إجماع الطائفة الحقّة في عصر الغيبة و عدم رؤية شخص الإمام عليه السلام أحد الطرق إلى الوصول إلى الأحكام، و أنّ من مقدّمات إثبات حجّيّة الإجماع في عصر الغيبة هو وجود الإمام بين شيعته.(2)
17. الانتصار (420-427 ه)
تعرّض في مقدّمة كتاب الانتصار إلى حجّيّة الإجماع اختصاراً، و أنّ الوجه في ذلك دخول الإمام في المُجْمعين، و عدم خلوّ أيّ عصرٍ عن الإمام، و قد أرجع تفصيل المطالب إلى أجوبة المسائل التبانيّات، و جوابات مسائل أهل الموصل.(3)
18. الردّ على أصحاب العدد (بعد سنة 420 ه)
و في هذه الرسالة يرى الشريف المرتضى أنّ أهمّ دليلٍ على ردّ نظريّة أهل العدد هو إجماع المسلمين، و حجّيّة هذا الإجماع لدى الشيعة لدخول الإمام عليه السلام في المُجْمعين.(4)9.
ص: 59
19. إبطال العمل بأخبار الآحاد (بعد سنة 420 ه)
أشار في هذه الرسالة أيضاً إلى حجّيّة الإجماع عند الشيعة، لدخول الإمام عليه السلام في المُجْمعين.(1)
20. جواب المسائل الرسية الأُولى (سنة 429 ه)
تختصّ المسألة الحادية و العشرون بمسألة حجّيّة الإجماع عند الشيعة، و يبحث في هذه المسألة عن كيفيّة دخول الإمام الغائب عليه السلام ضمن المُجْمعين، و يردّ الشبهات بالتفصيل.(2)
21. الذريعة إلى أُصول الشريعة (سنة 420 ه)
يشرح الشريف المرتضى في كتابه الأُصولي هذا، كيفيّة دخول الإمام عليه السلام في ضمن المُجْمعين في مبحث حجّيّة الإجماع في عصر الغيبة و يجيب عن الشبهات و الأسئلة، و يُرجع إلى سائر مصنّفاته.(3)
22. جوابات المسائل الميّافارقيات (غير معلوم)
يطرح في هذه الرسالة باختصار مسألة المهدويّة في موضعين:
أوّلهما: في المسألة الثانية و العشرين، في الإجابة عن وقت الظهور، و كيفيّة مشاهدته لنا، و يجيب: إنّ يوم الظهور غير معلوم، و أنّه يظهر متى ما ارتفع الخوف و التقيّة، و أنّه يشاهدنا و يطّلع على أحوالنا.(4)
و ثانيهما: في المسألة الستّين، في الإجابة عن الرجعة و ما يقع فيه؟ فيجيب: أنّ اللّه يرجع و يحيي جماعةً من المؤمنين؛ ليفوزوا بثواب نصرة الإمام عليه السلام.(5)3.
ص: 60
إلى هنا ما استقصيناه من الأبحاث المهدويّة في مصنّفات الشريف المرتضى رحمه اللّه.
و فيما يلي فهرسة الأبحاث المهدويّة، و ترتيب العناوين المطروحة في المصنّفات المتقدّمة حسب تواريخ تأليفها:
1. فلسفة الغيبة: (1، 3، 4، 5، 7، 10، 11، 12، 14).(1)
2. الانتفاع من الإمام الغائب عليه السلام: (1، 3، 7، 9، 10، 12).
3. تعطيل الحدود في عصر الغيبة: (1، 3، 7).
4. دخول الإمام في الإجماع: (1، 4، 6، 16، 17، 18، 19، 20، 21).
5. استنهاض الحجّة و الأخذ بثأر الإمام الحسين عليهما السلام: (2).
6. الفرق بين الإمام الحجّة و سائر الأئمّة عليهم السلام: (2).
7. الرجعة: (5، 12، 13، 22).
8. افتراق الشيعة بعد الإمام الحسن العسكري عليه السلام: (5).
9. الغيبة من فروع الإمامة: (7، 8، 11).
10. الإمامة بعد إمام العصر: (12).
11. كيفيّة تحصيل الأحكام في عصر الغيبة: (14).
12. كيفيّة العمل بالأحكام المختلفة في عصر الغيبة: (14).
13. أُمّ الإمام الحجّة عليه السلام (5).
14. وقت الظهور: (9، 22).
لا يختلف منهج الشريف المرتضى في الأبحاث المهدويّة عن سائر المباحث
ص: 61
الكلاميّة خاصّة ما يرتبط بمبحث الإمامة، حيث يمارس الأبحاث الكلاميّة بالمنهج العقلي اعتماداً على النقل، و يتّضح هذا المنهج في البحث المهدوي جليّاً.
و يبيّن الشريف المرتضى في مقدّمة كتاب المقنع منهجه العام بكلّ وضوح في البحث المهدوي حيث يقول:
إنّ العقل قد دلّ على وجوب الإمامة، و إنّ كلّ زمانٍ - كلّف فيه المكلّفون الذين يجوز منهم القبيح و الحسن، و الطاعة و المعصية - لا يخلو من إمام، و أنّ خلوّه من إمام إخلالٌ بتمكينهم، و قادحٌ في حسن تكليفهم.
ثمّ دلّ العقل على أنّ ذلك الإمام لا بدّ من كونه معصوماً من الخطإ و الزلل، مأموناً منه فعل كلّ قبيح.
و ليس بعد ثبوت هذين الأصلين إلّاإمامة من تشير الإماميّة إلى إمامته، فإنّ الصفة التي دلّ العقل على وجوبها لا توجد إلّافيه، و يتعرّى منها كلّ من تدّعى له الإمامة سواه، و تنساق الغيبة بهذا سوقاً حتّى لا تبقى شبهة فيها.
و هذه الطريقة أوضح ما اعتمد عليه في ثبوت إمامة صاحب الزمان، و أبعد من الشبهة.
فإنّ النقل بذلك و إن كان في الشيعة فاشياً، و التواتر به ظاهراً، و مجيؤه من كلّ طريقٍ معلوماً، فكلّ ذلك يمكن دفعه و إدخال الشبهة فيه، التي يحتاج في حلّها إلى ضروب من التكليف.
و الطريقة التي أوضحناها بعيدة من الشبهات، قريبةٌ من الأفهام. و بقي أن ندلّ على صحّة الأصلَيْن اللذين ذكرناهما.(1)
و في كلامه هذا تصريحٌ منه بمنهجه العقلاني و الإقناعي في الموضع.5.
ص: 62
و هو و إن أشار إلى المرجعيّة العامة للأحاديث في طيّات الكتاب إلّاأنّه لم يستشهد بالأحاديث هنا.
و يشير في تكملة المقنع في كيفيّة علم الإمام عن عصر ظهوره إلى الأخبار المنقولة عن الأئمّة عن النبيّ عليهم السلام بصورةٍ عامّة قائلاً:
فإنْ قيل: إذا علقتم ظهور الإمام بزوال خوفه من أعدائه، و أمنه من جهتهم: فكيف يعلم ذلك؟ و أيّ طريق له إليه؟
و ما يضمره أعداؤه أو يظهرونه - و هم في الشرق و الغرب و البرّ و البحر - لا سبيل له إلى معرفته على التحديد و التفصيل!
قلنا: أمّا الإماميّة فعندهم: أنّ آباء الإمام عليه و عليهم السلام عهدوا إليه و أنذروه و أطلعوه على ما عرفوه من توقيف الرسول صلّى اللّه عليه و آله على زمان الغيبة و كيفيّتها، و طولها و قصرها، و علاماتها و أماراتها، و وقت الظهور، و الدلائل على تيسيره و تسهيله.
و على هذا، لا سؤال علينا؛ لأنّ زمان الظهور إذا كان منصوصاً على صفته، و الوقت الذي يجب أن يكون فيه، فلا حاجة إلى العلم بالسرائر و الضمائر.(1)
و يشير إلى المنهج العقلي فيما بعد ذلك قائلاً:
و غير ممتنع - مضافاً إلى ما ذكرناه - أن يكون هذا الباب موقوفاً على غلبة الظنّ و قوّة الأمارات، و تظاهر الدلالات.
و إذا كان ظهور الإمام إنّما هو بأحدِ أُمور: إمّا بكثرة أعوانه و أنصاره، أو قوّتهم ونجدتهم، أو قلّة أعدائه، أو ضعفهم و جورهم، و هذه أُمورٌ عليها أمارات يعرفها من نظر فيها و راعاها، و قربت مخالطته لها، فإذا أحسّ 5.
ص: 63
الإمام عليه السلام بما ذكرناه - إمّا مجتمعاً أو متفرّقاً - و غلب في ظنّه السلامة، و قوي عنده بلوغ الغرض و الظفر بالإرب، تعيّن عليه فرض الظهور، كما يتعيّن على أحدنا فرض الإقدام و الإحجام عند الأمارات المؤمّنة و المخيفة.(1)
كما أشار في كتابه الذخيرة إلى تواتر النصّ على الأئمّة الاثني عشر حتّى الإمام الحجّة عليهم السلام، حيث يقول:
الذي يدلّ على إمامة الأئمّة عليهم السلام من لدن حسن بن عليّ بن أبي طالب إلى الحجّة بن الحسن المنتظر صلوات اللّه عليهم نقل الإماميّةُ و فيهم شروط الخبر المتواتر المنصوص عليهم بالإمامة، و أنّ كلّ إمامٍ منهم لم يمضِ حتّى ينصّ على من يليه باسمه عنه، و ينقلون عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نصوصاً في إمامة الاثني عشر صلوات اللّه عليهم، و ينقلون زمان غيبة المنتظر صلوات اللّه عليه، و صفة هذه الغيبة عن كلّ من تقدّم من آبائه.
و كلّ شيءٍ دللنا به على صحّة نقلهم لما انفردوا به من النصّ الجليّ على أمير المؤمنين عليه السلام يدلّ على صحّة نقلهم لهذه النصوص، فالطريقةُ واحدة.(2)
و من ذلك يبدو أنّ الشريف المرتضى قد التزم بما بنى عليه و صرّح به في كتابَيْه الشافي و الذخيرة في منهجه الكلامي، و أبلغ ما يمكن أن يستشهد به، يمينه في آخر كتابَيْه هذين، فقد قال في آخر كتابه الشافي:
و نحن الآن قاطعون كتابنا على هذا الموضع؛ لوفائنا بما شرطناه و قصدناه،3.
ص: 64
و لمَ نأْلُ جهداً و تحرّياً للحقّ فيما اشتمل عليه هذا الكتاب من كلامنا بحسب ما بلغته أفهامنا، و اتّسعت له طاقتنا، و نحن نقسم على من تصفّحه و تأمّله لا يقلّدنا في شيءٍ منه، و أن لا يعتقد بشيءٍ ممّا ذكرناه، إلّاما صحّ في نفسه بالحجّة، و قامت عليه عنده الأدلّة.(1)
كما قال في آخر كتابه الذخيرة:
و نقسم باللّه على من تأمّله أن لا يقلّدنا في شيءٍ من مذاهبه أو أدلّته، و يحسن الظنّ بنا، فيلقي النظر و التصفّح و التأمّل تعويلاً على أنّا قد كفيناه ذلك، و أرحناه بما تكلّفناه من تعبه و نصبه، بل ينظر في كلّ شيءٍ نظر المستفصح المبتدي، مطرحاً للأهواء المزيّنة للباطل بزينة الحقّ المشبهة للكذب بالصدق، معادلاً فيما ينظر فيه و يتصفّحه في نفسه من أحواله، غير مائلٍ إلى أن يكون بحقّ من أحدهما دون صاحبه، حتّى يكون ميله إلى جهة و انحرافه إلى أُخرى، بعد العلم الذي يثمره نظره و ينتجه فكره، و أن يكثر عند انتفاعه بشيءٍ منه من الدعاء لنا، و الترحّم علينا في حياةٍ و موت، و رجاءٍ و فوت.(2)7.
ص: 65
لا مجال للشكّ في نسبة الكتاب إلى الشريف المرتضى رحمه اللّه، بعد أن نسبه إليه كلّ من ذكر مصنّفاته، و هو و إن لم يكن أشهر مصنّفاته، إلّاأنّه يعدّ من أشهرها، مضافاً إلى إحالته فيه إلى كتابيه الشافي و تنزيه الأنبياء و الأئمّة عليهم السلام. و هذا سوى أُسلوب الكتاب و منهجه الذي يتطابق مع منهج و أُسلوب الشريف المرتضى تماماً.
و أمّا اسم الكتاب فهو و إن لم يرد في ديباجته، إلّاأنّه قد ورد بهذا الاسم - مضافاً إلى مخطوطاته - في جميع المصادر، فقد ذكره البصروي في فهرس مصنّفات الشريف المرتضى،(1) و قد أجازه إيّاها.
و قد ذكره تلميذه الآخر شيخ الطائفة الطوسي في الفهرست،(2) و النجاشي في فهرسته،(3) و ابن شهرآشوب في معالم العلماء،(4) مضافاً إلى سائر المصادر المعروفة،
ص: 66
ك أمل الآمل،(1) و الدرجات الرفيعة،(2) و رجال السيّد بحر العلوم،(3) و غيرها من مصادر التراجم و الرجال، إن لم نقل كلّ من ترجم للشريف المرتضى.
كما نصّ عليه من كتب العامّة: الياقوت الحموي في معجم الأُدباء،(4) و الصفدي في الوافي بالوَفَيَات،(5) و غيرهم.
و قد نقل عن المقنع بعض الأعلام كالشيخ الطوسي في الغيبة، و الطبرسي في إعلام الورى، و عدّه من مصادره العلّامة المجلسي في موسوعة بحار الأنوار،(6) كما اعتمد عليه، و رجع إليه غيره من العلماء، خاصّة فيما يرتبط بالمباحث المهدويّة.
لمن صنَّفه؟
قال الشريف المرتضى رحمه اللّه في ديباجة كتابه عن الأمر الذي بعثه إلى تصنيف هذا الكتاب قائلاً:
جرى في مجلس الوزير السيّد - أطال اللّه في العزّ الدائم بقاءه، و كبت حسّاده و أعداءه - كلامٌ في غيبة صاحب الزمان ألممت بأطرافه؛ لأنّ الحال لم تقتض الاستقصاء و الاستيفاء، و دعاني ذلك إلى إملاء كلامٍ وجيزٍ فيها يطلع به على سرّ هذه المسألة، و يحسم مادّة الشبهة المعترضة فيها، و إن كنت قد أودعت الكتاب الشافي في الإمامة و كتابي في تنزيه الأنبياء و الأئمّة عليهم السلام من الكلام في الغيبة ما فيه كفايةٌ و هدايةٌ لمن أنصف من نفسه و انقاد لإلزام الحجّة، و لم يحر تحيّراً عانداً عن المحجّة.(7)
و قد يظهر من هذه العبارة أنّه قد صنّفها للوزير المغربي، بل قد نصّ عليه2.
ص: 67
ابن شهرآشوب في معالم العلماء،(1) و غيره من العلماء كالشيخ آقا بزرك الطهراني في الذريعة.(2)
و إن كان قد تمّ تأليف الكتاب على إثر بحثٍ جرى في مجلس الوزير أبي القاسم المغربي، فقد ألّف الشريف المرتضى رسالةً في جواز الولاية عن الظالمين نتيجة للبحث في مجلس الوزير المغربي أيضاً حول الولاية من قبل الظلمة، و كيفيّة القول في حسنها و قبحها، وذلك سنة 415 ه.
و لمعرفة أحوال الوزير المغربي هذا نورد سطوراً من ترجمته فيما يلي.
هو أبو القاسم الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن محمّد بن يوسف، العالم الامامي الأديب، المعروف بالوزير المغربي (370-418 ه).
من ولد بَهرام جور، و أُمّه فاطمة بنت المحدّث الكبير أبي عبد اللَّه محمّد بن إبراهيم النعماني صاحب الغَيْبة.
ولد في حلب سنة سبعين و ثلاث مئة، و حفظ القرآن الكريم، و عدّة كتب في النحو و اللغة و كثيراً من الشعر، و أتقن الحساب و الجبر و المقابلة، و ذلك كلّه قبل استكماله أربع عشرة سنة.
و كان جدّه و أبوه من كتّاب سيف الدولة الحمداني، و بعد وفاة سيف الدولة استمرّ أبوه في خدمة ابنه سعد الدولة أبي المعالي، و شاركه الرأي في إدارة الدولة، ثمّ حصلت بينهما نبوة، فترك حلب، و دخل مصر و معه ابنه المترجَم في سنة إحدى و ثمانين و ثلاث مئة، فلقي أبو القاسم بها عدداً من الشيوخ، فسمع منهم، و أخذ عنهم العلم.
حدّث عن: أبيه عليّ، و الوزير جعفر بن الفضل بن الفرات المعروف بابن حِنزابة،
ص: 68
و القاضي أبي الحسن عليّ بن محمّد بن يزيد الحلبي، و أبي القاسم ميمون بن حمزة الحسيني، و علي بن منصور الحلبي المعروف بدَوْخَلة، و القاضي أبي أحمد محمّد ابن داود بن أحمد العسقلاني، و أبي جعفر الموسوي قاضي مكّة، و آخرين.
و ذكر في رسالةٍ له بخطِّه أنّه سمع الموطأ من شيخين له، كما سمع صحيح البخاري و مسلم و جامع سفيان و عدّة مسانيد عن التابعين.
روى عنه: ابنه أبو يحيى عبد الحميد، و أبو الحسن بن الطيب الفارقي، و أبو محمّد رزق اللَّه بن عبد الوهاب التميمي، و أبو غالب محمّد بن أحمد بن سهل بن بشران النحوي، و عليّ بن السكن الفارقي، و آخرون.
و أملى عدّة مجالس في تفسير القرآن و الاحتجاج في التنزيل بكثير من الأحاديث المسموعة له.
و قيل: إنّه كان يسأل النحوي عن الفقه، و الفقيه عن التفسير، و المفسّر عن العروض، و أمثال ذلك.
و كان المترجَم قد هرب من مصر بعد قتل أبيه من قبل الحاكم الفاطمي في سنة 400 ه، و لجأ إلى الشام، و استجار بحسّان بن المفرج الطائي، ثمّ انتقل إلى بغداد، و منها إلى الموصل، فاتّصل بأميرها قرواش بن المقلّد، و كتب له، و تقلَّبت به الأحوال إلى أن استوزره مشرّف الدولة البويهي ببغداد عشرة أشهر و أيّام، و اضطرب أمره فلجأ إلى قرواش، فكتب الخليفة إلى قرواش بإبعاده، ففعل، فسار الوزير المغربي إلى ابن مروان بديار بكر، و أقام بميّافارقين إلى أن توفّي.
و للوزير المغربي تصانيف كثيرة، منها: خصائص علم القرآن، رسالة في القاضي و الحاكم، اختصار إصلاح المنطق لابن السِّكيت، اختيار شعر أبي تمام، اختيار شعر البحتري، الايناس، أدب الخواص، و رسالة فيها أسئلة من عدّة فنون.
و من شعره:
أَقولُ لَها و العِيسُ تُحْدِجُ للسُّرَى أَعِدِّيْ لِفَقْدي مَا اسْتَطَعْتِ مِنَ الصَّبْرِ
ص: 69
سَأُنْفِقُ رَيْعَانَ الشَّبِيْبَةِ آنِفَاً عَلى طَلَبِ العُلْيَاءِ أوْ طَلَبِ الأَجْرِ
أَلَيْسَ مِنَ الخُسْرَانِ أنَّ لَيَالياً تَمُرُّ بِلَا نَفْعٍ و تُحْسَبُ مِنْ عُمْرِيْ
و قال في أمير المؤمنين عليه السَّلام:
عَرَفْنَا عَلِيّاً بِطِيْبِ النَّجَارِ وَ فَصْلِ الخِطَابِ وَ حُسْنِ المَخيْلَةْ
تَطلَّع كالشَّمْسِ رأدَ الضُّحَى بفَضلٍ عَميمٍ و أيدٍ جَزْيلَةْ
فَكَانَ المُقَدَّمُ بَعْدَ النَّبِيِّ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِكُلِّ قبيْلَةْ
و قال:
وَ أفْضَلُ أخْلَاقِ الفَتَى العِلْمُ و الحِجَا إذا مَا صُرُوفُ الدَّهْرِ أخْلَقْن مِرْطَهُ
فَمَا رَفَعَ الدَّهْرُ إمْرَأً عَنْ مَحَلِّهِ بِغَيرِ التُّقَى وَ العِلْمِ إلَّاوَحَطَّهُ
و له قصيدةٌ في رثاء الشريف الرضي (م 406 ه).
توفّي بميّافارقين سنة ثمان عشرة و أربع مئة، و حُمل تابوته إلى النجف الأشرف بوصيّةٍ منه، فدفن بجوار مشهد الإمام عليّ عليه السَّلام.
و رثاه أبو العلاء المعرّي بأبيات موجودة في لزوميّاته، و كانت بينهما مودّة و صداقة و مراسلات.(1)
لم يرد في الكتاب أيّة إشارة إلى تاريخ تأليفه، و قد مضى عليك أنّ المصنّف قد
ص: 70
أرجع في كتابه هذا إلى كتابَيْه الشافي (في موردين: ص 31 و 36) و تنزيه الأنبياء و الأئمّة عليهم السلام (ص 31).
و هذا يعني أنّه قد صُنّف الكتاب بعد هذَيْن الكتابَيْن، كما قد تأمّل في كتابه تنزيه الأنبياء و الأئمّة أن يُوفَّق لتأليف كتابٍ عن مسائل الغيبة؛ فقد قال:
و لولا أنّ استقصاء الكلام في مسائل الغيبة يطول ويخرج عن الغرض بهذا الكتاب لأشبعناه هاهنا. و قد أوردنا منه الكثير في كتابنا في الإمامة، و لعلّنا نستقصي الكلام فيه، و نأتي على ما لعلّه لم نورده في كتابٍ الإمامة في موضعٍ نفرده له، إن أخّر اللّه تعالى في المدّة و تفضّل بالتأييد و المعونة، فهو المؤول ذلك و المأمول لكلّ فضلٍ و خيرٍ قرباً من ثوابه، و بعداً من عقابه.(1)
و من ذلك يعلم أنّ الشريف المرتضى لم يصنّف في الغيبة قبل الشافي و تنزيه الأنبياء و الأئمّة كتاباً، و أنّ المقنع قد صنّف بعدهما.
و لمّا كان تأليف كتاب تنزيه الأنبياء و الأئمّة قد تمّ بعد سنة 406 ه، فيكون تأليف الكتاب بعد هذه السنة.
و من جهةٍ أُخرى فقد ورد اسم الكتاب في فهرس البصروي الذي أعدّه لمصنّفات أُستاذه الشريف المرتضى سنة 417 ه، فهذا يعني أنّه قد تمّ تاليف الكتاب بعد سنة 417 ه.
و يمكن لنا أن نحدّد تاريخ تاليفه بنحوٍ أدق، فقد ذكر الشريف المرتضى أنّه قد صنّفه بناءً على ما جرى في مجلس الوزير المغربي رحمه اللّه، و من المعلوم أنّ وزارته لآل بويه كانت لمدّة عشرة أشهر في سنة 415 ه،(2) و هو عام تأليف الكتاب تحديداً.ا.
ص: 71
كانت حركة التأليف مستمرّة عند الشريف المرتضى رحمه اللّه منذ ريعان شبابه إلى آخر أيّام حياته، و لذلك فقد قام بتكملة بعض مصنّفاته و الزيادة عليها، و من مصنّفاته تكملة المقنع، و هذه التكملة و إنْ لم يعلم تاريخ تأليفها بالضبط، فهي قد أُلفت بعد سنة 415 ه، سنة تأليف المقنع، كما قد أحال في هذا الذيل إلى المقنع نفسه و كتاب الشافي.
و من جهةٍ أُخرى لم يرد ذكر هذه التكملة في فهرس البصروي لمصنّفات الشريف المرتضى، الّذي أُلّف سنة 417 ه، و لكن يحتمل أنّ البصروي عدّها من المقنع، و قد ذكره في الفهرس.
و على أيّ تقديرٍ، تصنيف التكملة لم يكن بعيداً عن تصنيف أصله تاريخيّاً.
إنّ هذا الكتاب هو غير رسالة في الغيبة قطعاً، و قد طبعت هذه الرسالة أوّلاً في بغداد في ضمن سلسلة نفائس المخطوطات، تحت عنوان: «مسألة وجيزة في الغيبة»، بتحقيق المرحوم الشيخ محمّد حسن آل ياسين. ثمّ طبعت في رسائل الشريف المرتضى في ضمن المجموعة الثانية، تحت عنوان: «رسالة في غيبة الحجّة عليه السلام».(1)
ثمّ طبعت في مسائل الشريف المرتضى أيضاً، تحت عنوان: «مسألة في الغيبة»، و قال الناسخ في أوّلها: «وجدت في كتبه رحمه اللّه مسألة وجيزة في الغيبة، لا أعلم مِنْ كلام مِنْ هي، فكتبتها على وجهها».(2)
ص: 72
و إذا قارنّا بين المطبوع من المقنع، و المطبوع في رسائل الشريف المرتضى، لوجدنا تقارباً شديداً في المطالب، حتّى نحتمل أنّ هذه الرسالة ليس إلّاتلخيصاً لكتاب المقنع، قام به الشريف المرتضى أو أحد أعلام الإماميّة.
1. يظهر من كلام ابن المرتضى في طبقات المعتزلة أنّ أبا الحسين البصري قام بنقض هذا الكتاب، مضافاً إلى نقضه لل شافي، فقد قال عند تعداد كتب أبي الحسين البصري: و له كتبٌ كثيرة، منها: تصفّح الأدلّة، و نقض الشافي في الإمامة، و نقض المقنع في الغيبة.(1)
2. كما كتب أحد علماء الزيديّة ردّاً على المقنع، و سمّاه: الرّد المكتفي على من يقول بالإمام المختفي، و مؤلّفه من علماء الزيديّة في منتصف القرن الخامس في نيسابور، اسمه أبو القاسم محمّد بن أحمد بن مهدي العلوي الحسني النيسابوري، و هو من تلاميذ أبي طالب الهاروني، و من شيوخ الحاكم الجِشُمي.
و هو و إن لم يصرّح في هذا الرّد بأنّه يردّ على المقنع، إلّاأنّه قام بتقطيع نصّ المقنع، و نقل أكثر عباراته و ردّها.
تمّت ترجمة الكتاب إلى الفارسيّة بعنوان: «امامت وغيبت از ديدگاه علم كلام»، من قبل قسم التحقيقات و الترجمة و التأليف في مسجد جمكران، منشورات مسجد جمكران، قم المقدّسة، سنة 1375 ش، 128 ص.
ص: 73
1. المعالم المنهجيّة في البحث المهدوي عند الشريف المرتضى، نور الساعدي، مجلّة العقيدة، العدد الخاصّ بالشريف المرتضى، السنة الأُولى، العدد الثالث، ربيع الأوّل، 1436 ه / 2015 م، ص 7-72.
1. بررسى مهدويت در فلسفه و كلام اسلام، (دراسة المهدويّة في فلسفة الاسلام و كلامه)، ماجستير، سنة 1383 ه، مؤسّسة پژوهش حكمت و فلسفه، الطالب: اصغر پور بهرامي، المشرف: علي أفضلي، المساعد: شهرام پازوكي.
و قد بحث في هذه الرسالة عن آراء متكلّمي الشيعة و المعتزلة، و قارنها بآراء الفلاسفة في مجال الاعتقاد بالمنجي، و من متكلّمي الشيعة: الشيخ المفيد و الشريف المرتضى و الخواجة نصير الدين الطوسي، و عن المعتزلة: القاضي عبد الجبّار و ابن أبي الحديد، و من الأشاعرة: الفخر الرازي و المير شريف الجرجاني، و من الفلاسفة:
الفارابي، و ابن سينا، و شيخ الاشراق السهروردي، و المير داماد و الملّا صدرا.
3. شيوۀ برخورد علما «شيخ صدوق، شيخ مفيد، سيد مرتضى، شيخ طوسي» با مدّعيان مهدويّت، (منهج مقابلة العلماء «الشيخ الصدوق، الشيخ المفيد، و السيد المرتضى، الشيخ الطوسي» مع مدّعي المهدويّة، سنة 1388 ه. ش، رسالة السطح الثالث في الحوزة العلميّة بقم، فرع الكلام، المشرف، رسول رضوي، الطالب: مهدي رسولى نيا.
1. امام مهدى و منتظران: نكاتى پيرامون آفاق مهدويت: برگزيده از مجموعۀ رسائل سيّد شريف مرتضى، (الإمام المهدي و المنتظرون: ملاحظات حول آفاق المهدويّة:
مختارات من مجموعة رسائل الشريف المرتضى)، محمّد حسين
ص: 74
صفاخواه، طهران، منشورات كتابچي، 1376 ه. ش، 80 ص.
2. موسوعة تراث السيّد المرتضى في علم الكلام و ردّ الشبهات، العتبة العبّاسيّة المقدّسة، 1436 ه، ج 3، ص 358-397.
طبع هذا الكتاب مراراً، و هي كالتالي:
1. طبع أوّلاً سنة 1319 ه طبعة حجريّة، على هامش كتاب درر الفرائد في شرح الفوائد.
2. و طبع في مجلّة تراثنا (العدد 27)، مع تكملته في قم المقدّسة سنة 1412 ه، بتحقيق المرحوم السيّد محمّد عليّ الحكيم.
3. و طبع مستقلاًّ مع التكملة سنة 1416 ه في قم.
4. و أُعيد طباعته مستقلاً سنة 1416 ه في بيروت.
5. ثمّ أُعيد طباعته أيضاً سنة 1433 ه، في ضمن موسوعة الشريف المرتضى، مؤسّسة التاريخ العربي، بيروت.
لم يكن للمقنع نصيباً وافراً من المخطوطات، إلّاأنّ ما عثرنا عليه هي المخطوطات التالية:
1. مخطوطة مكتبة جامعة طهران، برقم: 8272؛ استنسخها الشيخ إبراهيم بن محمّد الحرّفوشي العاملي رحمه اللّه، بخطّ النسخ، و فرغ من نسخها يوم الإثنين 8 شعبان سنة 1070 ه. كتب عناوينها بالشنجرف، و عليها تملّك السيّد محمّد باقر بن محمّد حسين الحسيني المنجّم الإصفهاني رحمه اللّه، و هي من مخطوطات الشيخ
ص: 75
محمّد عبده البروجردي رحمه اللّه، التى أُهديت إلى تلك المكتبة، و هي نسخة كاملة تشتمل على كتاب المقنع و الزيادات المكمّلة لها، إلّاعدّة أسطر منه (الفهرس، ج 17، ص 95).
و قد رمزنا لهذه النسخة ب: «ألف».
2. مخطوطة مركز إحياء التراث الإسلامي، برقم: 3/2760؛ و هي نسخة مصحّحة و عليها تعليقات، مبتورة الآخر، لعلّها من مخطوطات القرن الثاني عشر (الفهرس، ج 7، ص 234).
و قد رمزنا لهذه النسخة ب: «ب».
3. مخطوطة مكتبة آية اللّه السيّد البروجردي رحمه اللّه بقم المقدّسة، برقم: 4 / 503؛ بخطّ النسخ، و هى نسخة مغلوطة، فرغ منها في غرّة ذي الحجّة سنة 1279 ه (الفهرس، ج 2، ص 321).
و قد رمزنا لهذه النسخة ب: «ج».
4. مخطوطة مكتبة الشيخ آقا بزرك الطهراني رحمه اللّه، غير مرقّمة؛ و هي بخطّه الشريف، في ضمن استنساخه لرسائل الشريف المرتضى رحمه اللّه كتب في آخرها:
«استنسخته من نسخة سقيمة ناقصة وحيدة؛ لعلّ اللّه يهديني إلى نسخة أُخرى صحيحة كاملة لأُتمّمها إن شاء اللّه تعالى». توجد مصوّرتها في مكتبة جامعة طهران (فهرس المصوّرات، ج 1، ص 574-575).
و قد رمزنا لهذه النسخة ب: «د».
5. مخطوطة مكتبة الآستانة الرضويّة المقدّسة، برقم: 15677؛ بخطّ النسخ، و هي من موقوفات السيّد محمّد باقر السبزواري رحمه اللّه، و هى نسخة مغلوطة مبتورة الآخر.
و قد رمزنا لهذه النسخة ب: «ط».
ص: 76
6. مخطوطة مكتبة مجلس الشورى الإسلامي، برقم: 2/13174؛ بخطّ النسخ، و هي نسخة ناقصة لا تشتمل إلّاعلى جزء من كتاب المقنع، إلى منتصفه تقريباً (الفهرس، ج 36، ص 266).
و قد رمزنا لهذه النسخة ب: «س».
7. مخطوطة مكتبة السيّد حسن الصدر رحمه اللّه، في النجف الأشرف، برقم:
165؛ استنسخها السيّد محمّد صادق بحر العلوم رحمه اللّه و فرغ منه في صباح يوم الجمعة 27 شهر صفر سنة 1391 ه عن نسخة الشيخ آقا بزرك الطهراني رحمه اللّه (الفهرس، ص 125).
و قد رمزنا لهذه النسخة ب: «ص».
8. مصوّرة مؤسّسة كاشف الغطاء في النجف الأشرف، برقم: 7790؛ استنسخها المحدّث الشيخ حسين بن محمّد تقي النوري (دليل المخطوطات، ج 1، ص 416).
9. مصوّرة تحتفظ بها مكتبة العبّاسيّة بالعراق، برقم 503؛ و لم يُعلم اسم ناسخها و تاريخ نسخها.
10. خطوطة مكتبة مجلس الشورى الإسلامي في طهران، برقم: 5392، و هي نسخة مبتورة الأوّل و الآخر (الفهرس، ج 16، ص 299).
11. مخطوطة مكتبة الأُستاذ الدكتور عبد الرزّاق محيي الدين (أدب المرتضى، ص 142 - 143).
12. مخطوطة استنسخها الشيخ شير محمّد الهمذاني رحمه اللّه في النجف الأشرف (الذريعة، ج 22، ص 122).
13. مخطوطة استنسخها السيّد أبو القاسم الإصفهاني رحمه اللّه في النجف الأشرف (الذريعة، ج 22، ص 122).
ص: 77
توجد مخطوطة مستقلّة فريدة للزيادة المكمّلة فقط، و تحتفظ بهذه المخطوطة مكتبة آية اللّه السيّد المرعشي النجفي في قمّ المقدّسة برقم: 13732 في ضمن مجموعة رسائل الشريف المرتضى رحمه اللّه، بخطّ محمّد بن إبراهيم بن عيسى البحراني.
و قد رمزنا لهذه النسخة ب: «م».
و لها نسخة أُخرى ضميمة إلى النسخة المذكورة الاُولى لكتاب المقنع قُبيل هذا، و هي مخطوطة مكتبة جامعة طهران، برقم 8272، استنسخها الشيخ إبراهيم بن محمّد الحرّفوشي العاملي رحمه اللّه بخطّ النسخ في 8 شعبان من سنة 1070 ه؛ و رمزنا لها ب: «ألف».
فاعتمدنا في تحقيق هذه الزيادة بالنسختين المذكورتين فقط.
اتّبعنا في تحقيق الكتاب الخطوات التالية:
1. مقابلة نسخ الكتاب مقابلة دقيقة، و كذلك المطبوعة (بتحقيق السيّد محمّد عليّ الحكيم)، معتمدين أُسلوب التلفيق بين النسخ، و إثبات الأصحّ و الأرجح في المتن، و الإشارة إلى الاختلافات عدا الإملائيّة و رسم الخطّ و الأخطاء: المطبعيّة.
2. تخريج الآيات و الأحاديث و الأقوال، و غير ذلك.
3. ضبط النصّ على أقرب ما أراده المصنّف، و وضع علائم الترقيم لتقويم النصّ.
4. تحريك الكلمات تحريكاً نسبيّاً، ممّا يسهّل فهم الكتاب و يصحّ مغالقه.
5. توضيح اللغات المشكلة و الألفاظ الغريبة، و ترجمة الأعلام الواردة في المتن.
6. وضع العناوين بين معقوفين، للفصل بين مطالب الكتاب.
ص: 78
7. تدوين ملحقات للكتاب، و هي تشتمل على الأبحاث المهدويّة للشريف المرتضى من سائر كتبه.
8. استخراج الفهارس الفنّية للكتاب؛ لغرض تسهيل الوصول إلى مطالبه.
و ينبغى في الختام أن نشكر السادة الأعزّاء و الأساتذة الكرام الذين ساعدونا في مراحل التحقيق، و هم:
1. الشيخ حسين محموديان، لمساعدته في مقابلة المخطوطات.
2. الشيخ حميد الأحمدي الجلفائي، لمساعدته في تقويم النص و التخريجات.
3. الشيخ حبّ اللّه النجفي، لوضع الحركات على الكلمات.
4. الشيخ مصطفى بارگاهي، لمساعدته في استخراج الملحقات و تنظيمها.
5. الشيخ محمّد حسين الواعظ النجفي، لتبويب المقدّمة و المساهمة فيها.
6. الصديق محمّد كريم الصالحي لنضد الحروف و الإخراج الفنّي للكتاب.
7. الشيخ محمّد حسين الدرايتي، لإشرافه و متابعته مراحل العمل.
مهدى المهريزي
20 اسفند 1397 ش
4 رجب 1440 ه
11 مارس 2119 م
ص: 79
ص: 80
ص: 81
ص: 82
ص: 83
ص: 84
ص: 85
ص: 86
ص: 87
ص: 88
ص: 89
ص: 90
ص: 91
ص: 92
ص: 93
ص: 94
ص: 95
ص: 96
بِسمِ اللّه الرحمنِ الرحيمِ (1)
الحَمدُ للّهِ، و سَلامٌ على عبادِه الذينَ اصطَفى؛ سيِّدِنا(2) محمّدٍ و آلِه الطاهرينَ (3).
جَرى في مَجلسِ الوزيرِ السيِّدِ - أطالَ اللّهُ في العِزِّ الدائمِ بَقاءَه، و كَبَتَ (4) حُسّادَه و أعداءَه - كلامٌ في غَيبةِ الإمامِ (5)، ألمَمتُ (6) بأطرافِه؛ لأنّ الحالَ لَم تَقتَضِ (7)الاِستقصاءَ و الاستيفاءَ، و دعاني ذلكَ إلى إملاءِ كلامٍ (8) وَجيزٍ فيها يُطَّلَع به على سِرِّ هذه المسألةِ، و يُحسَمُ (9) مادّةُ الشُّبهةِ المُعتَرِضةِ فيها(10)، و إن كنتُ قد أَودَعتُ الكتابَ الشافيَ في الإمامةِ (11) و كتابي في تنزيهِ الأنبياءِ و الأئمّةِ عليهم السلام(12) مِن الكلامِ في0.
ص: 97
الغَيبةِ ما فيه كفايةٌ و هدايةٌ لِمَن أنصَفَ مِن نفسِه و انقادَ لإلزامِ (1) الحُجّةِ، و لم يُحِرْ(2)مُحيرٌ(3) عامدًا(4) عن المَحَجّةِ.
فأُولَى الأُمورِ و أهمُّها عَرْضُ الجواهرِ على مُنتَقِدِها، و المَعاني علَى السريعِ إلى إدراكِها، الغائصِ بثاقِبِ فِطنتِه إلى أعماقِها؛ فطالَما أَخرَسَ عن عِلمٍ، و أَسكَتَ عن حُجّةٍ، عدمُ مَن يُعرَضُ عليه، و فَقدُ مَن يُهدى (5) إليه، و ما(6) مُتكلِّفٌ نَظماً أو نَثراً عندَ مَن لا يُميِّزُ بَينَ السابقِ و اللاحقِ و المُجَلّي(7) و المُصَلّي(8) إلّاكمَن خاطَبَ جَماداً أو جاوَرَ مَواتاً.
و أَرى مِن سَبْقِ هذه الحَضرةِ العاليةِ - أدامَ اللّهُ أيّامَها(9) - إلى أبكارِ المَعاني، و استخراجِها مِن غَوامِضِها، و تَصفيَتِها مِن شَوائبِها، و ترتيبِها في أماكِنِها، ما يُنتِجُ (10)).
ص: 98
الأفكارَ العقيمةَ، و يُزَكّي القلوبَ البَليدةَ، و يُحَلّي العلومَ و الآدابَ في أفواهِ مَن أمَرَّت في لَهَواتِه(1)، و شَحَطَت(2) عن خُطُواتِه، و شَقَّ عليه ارتقاؤها و اعتلاؤها.
فصارَ أكبَرُ حَظِّ العالِمِ و الأديبِ وأسعَدُ أحوالِه أن يُرضى (3) منه فضيلةٌ اكتَسَبَها و مَنقَبةٌ دأَبَ لها، و أن يَنتَقِدَها(4) ناقدُ الفضائلِ، فلا يُبَهرِجَها(5) و يُزيِّفَها، و أن تَنفُقَ في السوقِ التي لا يَنفُقُ فيها إلّاالثَّمينُ (6)، و لا يَكسُدُ فيها إلّاالمَهينُ.
و نَسأَلُ اللّهَ تَعالى في هذه النعمةِ الدوامَ، فهيَ أكبَرُ و أوفَرُ مِن الاِستضافةِ إليها و الاِستظهارِ بغَيرِها، و هو وليُّ الإجابةِ برحمتِه.
و إنّي لأَرى (7) مِن اعتقادِ مُخالِفينا «صُعوبةَ الكلامِ في الغَيبةِ علينا و سُهولَتَه عليهم(8)، و قُوّتَه(9) في جهتِهم و ضَعفَه مِن جهتِنا» عَجَباً!».
ص: 99
و الأمرُ بالضدِّ مِن ذلكَ و عَكسِه عند التأمُّلِ الصحيحِ؛ لأنّ الغَيبةَ فَرعٌ لأُصولٍ (1)مُتقدِّمةٍ: فإن صَحَّت تلكَ الأُصولُ بأدلّتِها، و تَقرَّرَت بحُجّتِها، فالكلام في الغَيبةِ أسهَلُ شَيءٍ و أقرَبُه و أوضَحُه؛ لأنّها تَبتَني على تلكَ الأُصولِ و تَترتَّبُ عليها، فيَزولُ (2) الإشكالُ. و إن كانَت تلكَ الأُصولُ غيرَ صحيحةٍ و لا ثابتةٍ، فلا معنى للكلامِ في الغَيبةِ قَبلَ إحكامِ أُصولِها، فالكلامُ فيها مِن غيرِ تمهيدِ تلكَ الأُصولِ عَبَثٌ و سَفَهٌ.
فإن كانَ المُخالِفُ لنا يَستَضعِفُ (3) و يَستَبعِدُ الكلامَ في الغَيبةِ قَبلَ الكلامِ في وجوبِ الإمامةِ في كُلِّ عَصرٍ(4) و صفاتِ الإمامِ، فلا شَكَّ في أنّه صَعبٌ، بل مُعوِزٌ مُتعذِّرٌ لا يَحصُلُ منه إلّاعلَى السَّرابِ. و إن كانَ له مُستَصعِباً مع تَمهُّدِ تلكَ الأُصولِ و ثُبوتِها فلا صُعوبةَ و لا شُبهةَ؛ فإنّ الأمرَ يَنساقُ سَوقاً إلَى الغَيبةِ ضَرورةً إذا تَقرَّرَت أُصولُ الإمامةِ.
و بيانُ هذه الجُملةِ: أنّ العقلَ قد دَلَّ على وجوبِ الإمامةِ، و أنّ كُلَّ زمانٍ - كُلِّفَ فيه المُكلَّفونَ الذين يَجوزُ منهم القَبيحُ (5) و الحَسَن، و الطاعةُ و المعصيةُ - لا يَخلو مِن إمامٍ، و أنّ خُلوَّه مِن إمامٍ (6) إخلالٌ بتمكينِهم، و قادحٌ في حُسنِ تكليفِهم.
ص: 100
ثُمَّ دَلَّ العقلُ على أنّ ذلكَ الإمامَ لا بُدَّ مِن(1) كَونِه معصوماً مِن الخطإ و الزللِ، مأموناً منه فِعلُ كُلِّ قَبيحٍ.
و لَيسَ بَعدَ ثُبوتِ هذَينِ الأصلَينِ إلّاإمامةُ مَن تُشيرُ(2) الإماميّةُ إلى إمامتِه؛ فإنّ الصفةَ التي دَلَّ العقلُ على وجوبِها لا توجَدُ إلّافيه، و يَتعرّى منها كُلُّ مَن تُدَّعى (3) له الإمامةُ سِواه(4)، و تَنساقُ الغَيبةُ بهذا سَوقاً حتّى لا تَبقى(5) شُبهةٌ فيها(6).
و هذه الطريقةُ أوضَحُ ما اعتُمِدَ(7) عليه في ثُبوتِ إمامةِ صاحبِ الزمانِ، و أبعَدُ مِن الشُّبهةِ؛ فإنّ النقلَ بذلكَ (8) و إن كانَ في الشيعةِ فاشياً، و التواترُ به(9) ظاهراً، و مَجيئُه مِن كُلِّ طريقٍ معلوماً، فكُلُّ ذلكَ يُمكِنُ دَفعُه و إدخالُ الشُّبهةِ فيه، التي يُحتاجُ في حَلِّها إلى ضُروبٍ مِن التكلُّفِ (10). و الطريقةُ التي أَوضَحناها(11) بَعيدةٌ مِن الشُّبَهاتِ، قريبةٌ مِن الأفهامِ.
و بَقيَ أن نَدُلَّ (12) على صحّةِ الأصلَينِ اللذَينِ ذَكرناهما.».
ص: 101
أمّا الذي يَدُلُّ على وجوبِ الإمامةِ في كُلِّ زمانٍ، فهو مَبنيٌّ علَى الضرورةِ، ومركوزٌ في العقولِ الصحيحةِ؛ فإنّا نَعلَمُ عِلماً - لا طَريقَ للشكِّ عليه و لا مَجالَ - أنّ وجودَ الرئيسِ المُطاعِ المَهيبِ مُدبِّراً و مُتصرِّفاً(1) أردَعُ (2) عن القَبيحِ و أدعى إلَى الحَسَنِ. و أنّ التَّهارُجَ بَينَ الناسِ و التَّباغيَ إمّا أن يَرتَفِعَ عندَ وجودِ مَن هذه صفتُه مِن الرؤساءِ، أو يَقِلَّ و يَنزُرَ. و أنّ الناسَ عندَ الإهمالِ وفَقدِ الرؤساءِ و عدمِ الكُبَراءِ يَتَتابَعونَ في القَبيحِ، و تَفسُدُ(3) أحوالُهم، و يَختَلُّ (4) نِظامُهم.
و هذا أظهَرُ و أشهَرُ مِن أن يُدَلَّ عليه، و الإشارةُ فيه كافيةٌ. وما يُسألُ عن هذا الدليلِ مِن الأسئلةِ قد استَقصَيناه و أحكَمناه في الكتابِ (5)الشافي(6)، فليُرجَعْ فيه إليه عندَ الحاجةِ.
و نَبَّهنا عليه. فلا يَخلو مِن: أن تَكونَ عِلّةُ الحاجةِ إليه ثابتةً فيه، أو تَكونَ مُرتَفِعةً (1)عنه. فإن كانَت موجودةً فيه فيَجِبُ أن يَحتاجَ إلى إمامٍ كما احتيجَ إليه؛ لأن عِلّةَ الحاجةِ لا يَجوزُ أن تَقتَضيَها في مَوضِعٍ دونَ آخَرَ، لأنّ ذلكَ يَنقُضُ كَونَها عِلّةً. و القولُ في إمامتِه كالقولِ فيه في القِسمةِ التي ذَكرناها. و هذا يقتضي إمّا الوقوفَ على إمامٍ تَرتَفِعُ (2) عنه عِلّةُ الحاجةِ، أو وجودَ أئمّةٍ لا نِهايةَ لهم، و هو مُحالٌ. فلَم يَبقَ بَعدَ هذا إلّاأنّ عِلّةَ الحاجةِ إليه(3) مفقودةٌ فيه، و لَن يَكونَ ذلكَ إلّاو هو معصومٌ، و لا يَجوزُ عليه فِعلُ القَبيحِ.
و المَسائلُ - أيضاً - على هذا الدليلِ مُستَقصىً جوابُها بحَيثُ تَقدَّمَت الإشارةُ إليه.
وإذا ثَبَتَ هذانِ الأصلانِ، فلا بُدَّ مِن إمامةِ صاحبِ الزمانِ بعَينِه، ثُمَّ لا بُدَّ - مع(4)فَقدِ تَصرُّفِه و ظُهورِه - مِن القولِ بغَيبَته.
فإن قيلَ: كَيفَ تَدَّعونَ أنّ ثُبوتَ الأصلَينِ اللذَينِ ذَكرتموهما يُثبِتُ إمامةَ صاحبِكم بعَينِه، و يَجِبُ القولُ بغَيبتِه، و في الشيعةِ الإماميّةِ - أيضاً(5) - مَن يَدَّعي إمامةَ مَن له الصفتانِ اللتانِ ذَكرتموهما و إن خالَفَكم في إمامةِ صاحبِكم؛ كالكَيسانيّةِ القائلينَ بإمامةِ محمّدِ بنِ الحَنَفيّةِ، و أنّه صاحبُ الزمانِ، و إنّما(6)، غابَ
ص: 103
في جَبَلِ (1) رَضوى (2) انتظاراً للفُرصةِ و إمكانِها، كما تَقولونَ في قائمِكم(3)؛ و كالناووسيّةِ القائلينَ بأنّ المَهديَّ المُنتَظَرَ أبو عَبدِ اللّهِ جعفرُ بنُ محمّدٍ عليهما السلام(4)؛ ثُمَّ الواقفةِ القائلينَ بأنّ المَهديَّ المُنتَظَرَ(5) موسَى بنُ جعفرٍ عليهما السلام(6)؟!
قُلنا: كُلُّ مَن ذَكرتَ لا يُلتَفَتُ إلى قولِه، و لا يُعبأُ بخِلافِه؛ لأنّه دَفَعَ ضرورةً، و كابَرَ مُشاهدةً؛ لأنّ العِلمَ بمَوتِ ابنِ الحَنَفيّةِ كالعِلمِ بمَوتِ أبيه و إخوتِه - صَلَواتُ اللّهِ عليهم - و كذلكَ العِلمُ بوَفاةِ (7) الصادقِ عليه السلام كالعِلمِ بوَفاةِ (8) أبيه محمّدٍ عليه السلام، و العِلمُ بوَفاةِ (9) موسى عليه السلام كالعِلمِ بوَفاةِ كُلِّ مُتَوَفًّى(10)مِن آبائه و أجدادِه و أبنائه عليهم السلام. فصارَت مُوافَقتُهم في صفاتِ الإمامِ غيرَ نافعةٍ مع دَفعِهم الضرورةَ و جَحدِهم العِيانَ.
و لَيسَ يُمكِنُ أن يُدَّعى: أنّ الإماميّةَ القائلينَ بإمامةِ ابنِ الحَسَنِ عليهما السلام قد دَفَعوا - أيضاً - عِياناً في ادّعائهم وِلادةَ مَن عُلِمَ فَقدُه و أنّه لَم يولَدْ!».
ص: 104
و ذلكَ أنّه: لا ضَرورةَ في نفيِ ولادةِ صاحبِنا عليه السلام، و لا عِلمَ؛ بَل و لا ظَنَّ صحيحاً. ونفيُ ولادةِ الأولادِ مِن البابِ الذي لا يَصِحُّ أن يُعلَمَ ضَرورةً في مَوضِعٍ مِن المَواضِعِ. و ما يُمكِنُ أحَداً أن يَدَّعيَ فيمَن لَم يَظهَرْ له وَلَدٌ أنّه يَعلَمُ ضَرورةً أنّه لا وَلَدَ له(1)، و إنّما يَرجِعُ ذلكَ إلَى الظنِّ و الأمارةِ، و أنّه لَو كانَ له ولدٌ لَظَهَرَ أمرُه و عُرِفَ خبرُه.
و لَيسَ كذلكَ و فاةُ المَوتى؛ فإنّه مِن البابِ الذي يَصِحُّ أن يُعلَمَ ضَرورةً حتّى يَزولَ الرَّيبُ فيه؛ ألا تَرى: أنّ مَن شاهَدناه حَيّاً مُتَصرِّفاً، ثُمَّ رأيناه بَعدَ ذلكَ صَريعاً(2)طَريحاً، و قَد(3) فُقِدَت حَرَكاتُ عُروقِه، و ظَهَرَت دلائلُ تَغيُّرِه و انتفاخِه، نَعلَمُ (4) يَقيناً أنّه مَيِّتٌ؟ و نفيُ وجودِ الأولادِ بخِلاف هذا البابِ (5).
على أنّا لَو تَجاوَزنا في الفَصلِ بَينَنا و بَينَ مَن ذُكِرَ في السؤال عن دَفعِ المعلومِ لَكانَ كلامُنا واضحاً؛ لأنّ جميعَ ما(6) ذُكِرَ مِن الفِرَقِ قد سَقَطَ خِلافُه بعدمِ عَينِه و خُلوِّ الزمانِ مِن قائلٍ بمَذهَبِه.
أمّا الكَيسانيّةُ، فما رَأَينا قَطُّ منهم أحَداً، و لا عَينَ لهذا القولِ، و لا أثَرَ.
و كذلكَ الناووسيّةُ.
و أمّا الواقِفةُ (7)، فقَد رَأَينا منهم نَفَراً شُذّاذاً جُهّالاً، لا يُعَدُّ مِثلُهم خِلافاً. ثُمَّ انتَهَى».
ص: 105
الأمرُ في زمانِنا هذا و ما يَليهِ إلَى الفَقدِ الكُلّيِّ، حتّى لا يوجَدُ هذا المَذهَبُ - إن وُجِدَ - إلّافي اثنَينِ أو ثَلاثةٍ على صفةٍ مِن قِلّةِ الفِطنةِ و الغَباوةِ يُقطَعُ بها علَى(1)الخروجِ مِن التكليفِ، فَضلاً أن(2) يُجعَلَ قولُهم خِلافاً يُعارَضُ به الإماميّةُ الذينَ طَبَّقوا البَرَّ والبَحرَ و السَّهلَ و الجَبَلَ في أقطارِ الأرضِ و أكنافِها، و يوجَدُ فيهم مِن العُلَماءِ و المُصنِّفينَ الأُلوفُ الكثيرةُ.
و لا خِلافَ بَينَنا و بَينَ مُخالِفينا في أنّ الإجماعَ إنّما يُعتَبَرُ فيه الزمانُ الحاضرُ دونَ الماضي الغابِرِ.
وإذا بَطَلَت إمامةُ مَن أُثبِتَت له الإمامةُ بِالاختيارِ و الدعوةِ (3) في هذا الوقتِ؛ لأجلِ فَقدِ الصفةِ التي دَلَّ العقلُ عليها، و بَطَلَ قولُ مَن راعى هذه الصفةَ في غيرِ صاحِبنا؛ لشُذوذِه(4) و انقراضِه، فلا مَندوحةَ عن مَذهَبِنا، و لا بُدَّ مِن صحّتِه، و إلّاخَرَجَ الحقُّ عن جميعِ (5) أقوالِ الأُمّةِ.
و أمّا(6) الكلامُ في عِلّةِ الغَيبةِ و سَببِها و الوجهِ الذي يُحسِّنُها: فواضحٌ بَعدَ تَقرُّرِ ما تَقدَّمَ مِن الأُصولِ؛ لأنّا إذا عَلِمنا بالسياقةِ التي ساقَ إليها الأصلانِ المُتَقرِّرانِ في العقلِ أنّ الإمامَ ابنُ الحَسَنِ عليهما السلام دونَ غيرِه، و رأيناه غائباً عن الأبصارِ،
ص: 106
عَلِمنا أنّه لَم يَغِبْ - مع عِصمتِه و تَعيُّنِ فرضِ الإمامةِ فيه و عليه - إلّالِسببٍ اقتَضى ذلكَ، و مَصلحةٍ استَدعَته، و ضرورةٍ قادَت إليه، و إن لَم يُعلَمِ الوجهُ علَى التفصيلِ و التعيينِ؛ لأنّ ذلكَ ممّا لا يَلزَمُ عِلمُه.
و جَرَى الكلامُ في الغَيبةِ و وجهِها و سببِها على التفصيلِ مَجرَى العِلمِ بمُرادِ اللّهِ تَعالى مِن الآياتِ المُتَشابِهةِ في القُرآنِ، التي ظاهرُها بخِلافِ ما دَلَّت عليه العقولُ؛ مِن: جَبرٍ، أو تشبيهٍ، أو غيرِ ذلكَ. و كما(1) أنّا و مُخالِفينا لا نوجِبُ العِلمَ المُفصَّلَ بوجوهِ هذه الآياتِ و تأويلِها، بَل نَقولُ كُلُّنا: إنّا(2) إذا عَلِمنا حِكمةَ اللّهِ تَعالى، و أنّه لا يَجوزُ أن يُخبِرَ بخِلافِ ما هو عليه مِن الصفاتِ، عَلِمنا - علَى الجُملةِ - أنّ لهذه الآياتِ وجوهًا صحيحةً (3) بخِلافِ ظاهرِها تُطابِقُ (4) مدلولَ أدلّةِ العقلِ، و إن غابَ عنّا العِلمُ بذلكَ مُفَصَّلاً؛ فإنّه لا حاجةَ بنا(5) إليه، و يَكفينا العِلمُ على سَبيلِ الجُملةِ بأنّ المُرادَ بها خِلافُ الظاهرِ، و أنّه مُطابِقُ العقلِ (6). فكذلكَ لا يَلزَمُنا و لا يَتعيَّنُ علينا العِلمُ بسببِ الغَيبةِ، و الوجهِ في فَقدِ ظُهورِ الإمامِ علَى التفصيلِ و التعيينِ، و يَكفينا في ذلكَ عِلمُ الجُملةِ التي تَقدَّمَ ذِكرُها. فإن تَكلَّفنا و تَبرَّعنا بذِكرِه فهو فَضلٌ مِنّا، كما أنّهُ (7) مِن جماعتِنا فَضلٌ و تَبرُّعٌ إذا تَكلَّفنا ذِكرَ وجوهِ المُتَشابِهِ و الأغراضِ فيه علَى التعيينِ.».
ص: 107
ثُمَّ يُقالُ للمُخالِفِ في الغَيبةِ: أتُجوِّزُ(1) أن يَكونَ للغَيبةِ (2) وجهٌ صحيحٌ اقتَضاها، و وجهٌ مِن الحِكمةِ استَدعاها، أم لا تُجوِّزُ(3) ذلكَ؟
فإن قالَ: أنّا لذلكَ مُجوِّزٌ(4)؛ قيلَ له: فإذا كنتَ له مُجوِّزاً، فكَيفَ جَعَلتَ وجودَ الغَيبةِ دليلاً على أنّه لا إمامَ في الزمانِ، مع تجويزِكَ (5) أن يَكونَ للغَيبةِ سببٌ (6) لا يُنافي وجودَ الإمامِ؟!
و هَل(7) تَجري(8) في ذلكَ إلّامَجرى مَن تَوصَّلَ بإيلامِ الأطفالِ إلى نفيِ حِكمةِ الصانعِ تَعالى، و هو مُعتَرِفٌ بأنّه يَجوزُ أن يَكونَ في إيلامِهم وجهٌ صحيحٌ لا يُنافي الحِكمةَ؛ أو مَجرى مَن تَوصَّلَ بظَواهرِ الآياتِ المُتَشابِهاتِ إلى أنّه تَعالى مُشبِهٌ (9)للأجسامِ، و خالقٌ لأفعالِ العبادِ، مع تجويزِه أن يَكونَ لهذه الآياتِ وجوهٌ صحيحةٌ لا تُنافي(10) العَدلَ و التوحيدَ و نفيَ التشبيهِ؟!
و إن قال: لا أُجوِّزُ أن يَكونَ للغَيبةِ سببٌ صحيحُ مُوافِقٌ للحِكمةِ، و كَيفَ أُجوِّزُ ذلكَ و أنا أجعَلُ الغَيبةَ دليلاً على نفيِ الإمامِ الذي تَدَّعونَ غَيبتَه؟!
ص: 108
قُلنا: هذا تَحجُّرٌ مِنكَ شَديدٌ فيما لا يُحاطُ بعِلمِه و لا يُقطَعُ على مِثلِه؛
فمِن أينَ قُلتَ: إنّه لا يَجوزُ أن يَكونَ للغَيبةِ سببٌ صحيحٌ يَقتَضيها؟!
و مَن هذا الذي يُحيطُ عِلماً بجميعِ الأسبابِ و الأغراضِ، حتّى يَقطَعَ علَى انتفائها؟!
و ما الفَرقُ بَينَكَ و بَينَ مَن قالَ: لا يَجوزُ أن يَكونَ للآياتِ المُتَشابِهاتِ وجوهٌ صحيحةٌ تُطابِقُ أدِلّةَ العقلِ، و لا بُدَّ مِن أن تَكونَ (1) على ما اقتَضَته ظواهرُها؟!
فإن قُلتَ: الفَرقُ بَيني و بَينَ مَن ذَكرتم أنّني أتَمكَّنُ مِن أن أذكُرَ وجوهَ هذه الآياتِ المُتَشابِهاتِ و مَعانيَها الصحيحةَ، وأنتم لا تَتمكَّنونَ مِن ذِكرِ سببٍ صحيحٍ للغَيبةِ!
قُلنا: هذه المُعارَضةُ إنّما وَجَّهناها على مَن يَقولُ: إنّه غيرُ مُحتاجٍ إلَى العِلمِ علَى التفصيلِ بوُجوهِ الآياتِ المُتَشابهاتِ و أغراضِها، و إنّ التعاطيَ لذِكرِ هذه الوجوهِ فَضلٌ و تَبرُّعٌ، و إنّ الكِفايةَ واقعةٌ بالعِلمِ بحِكمةِ القَديمِ تَعالى، و إنّه لا يَجوزُ أن يُخبِرَ عن نفسِه بخِلافِ ما هو عليه. و المعارَضةُ على هذا المَذهَبِ لازمةٌ.
فأمّا مَن جَعَلَ الفَرقَ بَينَ الأمرَينِ ما حَكَيناه في السؤالِ مِن «تَمكُّنِه مِن ذِكرِ وجوهِ الآياتِ المُتَشابهاتِ، فإنّا لا نَتمكَّنُ مِن ذلكَ» فجوابُه أن يُقالَ له: قد تَرَكتَ بما صِرتَ إليه مَذاهِبَ شُيوخِكَ، و خَرَجتَ عمّا اعتَمَدوه، و هو الصحيحُ الواضحُ اللائحُ. و كفى بذلكَ عَجزاً و نُكولاً.
و إذا قَنَعتَ لنَفسِك بهذا الفَرقِ - مع بُطلانِه و مُنافاتِه لأُصولِ الشُّيوخِ - كِلنا عليكَ مِثلَه، و هو: أنّا نَتمكَّنُ أيضاً أن نَذكُرَ في الغَيبةِ الأسبابَ الصحيحةَ و الأغراضَ الواضحةَ، التي لا تُنافي الحِكمةَ، و لا تَخرُجُ عن حَدِّها. و سنَذكُرُ».
ص: 109
ذلكَ فيما يأتي مِن الكلامِ، بمَشيئةِ اللّهِ و عَونِه، فقَد ساوَيناكَ و ضاهَيناكَ بَعدَ أن نَزَلنا علَى اقتراحِكَ و إن كانَ باطلاً.
ثُمَّ يُقالُ له: كَيفَ يَجوزُ أن تَجتَمِعَ (1) صحّةُ إمامةِ ابنِ الحَسَنِ عليهما السلام - بما بيّنّاه مِن سياقةِ الأُصولِ العقليّةِ إليها - مع القولِ بأنّ الغَيبةَ لا يَجوزُ أن يَكونَ لها سببٌ صحيحٌ يَقتَضيها؟!
أو لَيسَ هذا تناقُضاً ظاهراً، و جارياً في الاِستحالةِ مَجرَى اجتماعِ القولِ بالعَدلِ و التوحيدِ مع القَطعِ على أنّه لا يَجوزُ أن يَكونَ للآياتِ - الواردةِ ظواهرُها بما يُخالِفُ العدلُ و التوحيدُ - تأويلٌ صحيحٌ و مَخرَجٌ سَديدٌ يُطابِقُ ما دَلَّ عليه العقلُ؟!
أوَ لا تَعلَمُ: أنّ ما دَلَّ عليه العقلُ و قَطَعَ به على صحّتِه يَقودُ و يَسوقُ إلى القَطعِ على أنّ للآياتِ مَخرَجاً صحيحاً و تأويلاً للعقلِ مُطابِقاً و إن لَم نُحِطْ عِلماً به، كما يَقودُ و يَسوقُ إلى أنّ للغَيبةِ وجوهاً و أسباباً صحيحةً و إن لَم نُحِطْ بعِلمِها؟!
فإن قالَ: أنا(2) لا أُسلِّمُ (3) ثُبوتَ إمامةِ ابنِ الحَسَنِ و صحّةَ طريقِها، و لَو سَلَّمتُ ذلكَ لَما خالَفتُ في الغَيبةِ؛ لكنّني أجعَلُ الغَيبةَ - و أنّه لا يَجوزُ أن يَكونَ لها سببٌ صحيحٌ - طريقاً إلى نفيِ ما تَدَّعونه مِن إمامةِ ابنِ الحَسَنِ.
قُلنا: إذا لَم تَثبُتْ (4) لنا إمامةُ ابنِ الحَسَنِ عليه السلام فلا كلامَ لنا في الغَيبةِ؛ لأنّا
ص: 110
إنّما نَتكلَّمُ في سببِ غَيبةِ مَن ثَبَتَت(1) إمامتُه و عُلِمَ وجودُه، و الكلامُ في وجوهِ غَيبةِ مَن لَيسَ بموجودٍ هَذَيانٌ.
و إذا لَم تُسلِّموا إمامةَ ابنِ الحَسَنِ، جَعَلنا الكلامَ معكم في صحّةِ إمامتِه، و اشتَغَلنا بتَثبيتِها و إيضاحِها، فإذا زالَت الشُّبهةُ فيها ساغَ الكلامُ حينَئذٍ في سببِ الغَيبةِ، و إن لَم تَثبُتْ لنا إمامتُه و عَجَزنا عن الدَّلالةِ على صحّتِها، فقَد بَطَلَ قولُنا بإمامةِ ابنِ الحَسَنِ عليهما السلام، و استُغني - معنا - عن كُلفةِ الكلامِ في سببِ الغَيبةِ.
و يَجري هذا المَوضِعُ مِن الكلامِ مَجرى مَن سَألَنا عن إيلامِ الأطفالِ، أو وجوهِ الآياتِ المُتَشابهاتِ، و جِهاتِ المَصالحِ في «رَميِ الجِمارِ، و الطوافِ بالبَيتِ، و ما أشبَهَ ذلكَ مِن العباداتِ» علَى التفصيلِ و التعيينِ.
و إذا عَوَّلنا في الأمرَين على حِكمةِ القَديمِ تَعالى، و أنّه لا يَجوزُ أن يَفعَلَ قَبيحاً، و لا بُدَّ مِن وجهِ حُسنٍ في جميعِ ما فَعَلَه، و إن جَهِلناه بعَينِه، و أنّه تَعالى لا يَجوزُ أن يُخبِرَ بخِلافِ ما هو عليه، و لا بُدَّ فيما ظاهرُه يَقتَضي خِلافَ ما هو تَعالى عليه مِن أن يَكونَ له وجهٌ صحيح، و إن لَم نَعلَمْه مُفصَّلاً؛ قال لَنا: و مَن سَلَّمَ لكُم حِكمةَ القَديمِ، و أنّه لا يَفعَلُ القَبيحَ، و إنّا إنّما جَعَلنا الكلامَ في سببِ إيلامِ الأطفالِ و وجوهِ الآياتِ المُتَشابِهاتِ و غيرِها طريقاً إلى نفيِ ما تَدَّعونه مِن نفيِ القَبيحِ عن أفعالِه تَعالى؟!
فكما أنّ جوابَنا له: أنّكَ إذا لَم تُسلِّمْ حِكمةَ القَديمِ تَعالى دَلَلنا عليها، و لَم يَجُز أن نَتخطّاها إلَى الكلامِ في أسبابِ أفعالِه. فكذلكَ الجوابُ لِمَن كَلَّمَنا في الغَيبةِ و هو لا يُسلِّمُ إمامةَ صاحبِ الزمانِ و صحّةَ أُصولِها.».
ص: 111
فإن قيلَ: ألا كانَ السائلُ بالخَيارِ بَينَ أن يَتكلَّمَ في إمامةِ ابنِ الحَسَنِ عليهما السلام ليَعرِفَ (1) صحّتَها مِن فَسادِها، و بَينَ أن يَتكلَّمَ في سببِ الغَيبةِ، فإذا بانَ أنّه لا سببَ صحيحاً لها انكَشَفَ بذلكَ بُطلانُ إمامتِه؟
قُلنا: لا خَيارَ في مِثلِ ذلكَ؛ لأنّ مَن شَكَّ في إمامةِ ابنِ الحَسَنِ عليهما السلام يَجِبُ أن يَكونَ الكلامُ معه في نفسِ إمامتِه، و التشاغُلُ في جوابِه بالدَّلالةِ عليها.
و لا يَجوزُ مع هذا الشكِّ - و قَبلَ ثُبوتِ هذه الإمامةِ أن يَتكلَّمَ في سببِ الغَيبةِ؛ لأنّ الكلامَ في الفُروعِ لا يَسوغُ إلّابَعدَ إحكامِ الأُصولِ.
ألا تَرى: أنّه لا يَجوزُ أن يُتكلَّمَ في سببِ إيلامِ الأطفالِ إلّابَعدَ الدَّلالةِ على حِكمتِه تَعالى، و أنّه(2) لا يَفعَلُ القَبيحَ؟! و كذلكَ القولُ (3) في الآياتِ المُتَشابِهاتِ.
و لا خَيارَ لنا في هذه المَواضِعِ (4).
و ممّا يُبيِّنُ صحّةَ هذه الطريقةِ و يوضِّحُها(5): أنّ الشُّيوخَ كُلَّهم لمّا عَوَّلوا في إبطالِ «ما تَدَّعيه اليهودُ مِن تأبيدِ شَرعِهم و أنّه لا يُنسَخُ ما دامَ الليلُ و النهارُ - على ما يَرَونَه - و يَدَّعونَ أنّ موسى عليه السلام قالَ أنّ شَريعتَه لا تُنسَخُ» على أنّ نَبيَّنا
ص: 112
- عليه و آلِه أفضَلُ الصلاةِ و السلامِ، و قد قامَت دلائلُ نُبوّتِه، و وَضَحَت(1) بيِّناتُ صِدقِه - أكذَبَهم في هذه الروايةِ، و ذَكَرَ أنّ شَرْعَه ناسخٌ لكُلِّ شَريعةٍ تَقدَّمَته؛ سَأَلوا(2)نُفوسَهم - لليَهودِ - فقالوا: أيُّ فَرقٍ بَينَ أن تَجعَلوا دليلَ النبوّةِ مُبطِلاً لخبرِنا في نفيِ النَّسخِ للشرعِ، و بَينَ أن نَجعَلَ (3) صحّةَ «الخبرِ بتأبيدِ الشرعِ و أنّه لا يُنسَخُ» قاضياً على (4) بُطلانِ النبوّةِ؟!
و لِمَ تَنقُلونَنا عن الكلامِ في الخبرِ و طُرُقِ صحّتِه إلَى الكلامِ في مُعجِزِ النبوّةِ، و لَم يَجُز(5) أن نَنقُلَكم عن الكلامِ في النبوّةِ و مُعجِزِها إلَى الكلامِ في الخبرِ و صحّتِه؟!
أوَ لَيسَ كُلُّ واحدٍ مِن الأمرَينِ إذا ثَبَتَ قَضى على صاحبِه؟!
فأجابوهم عن هذا السؤالِ بأنّ الكلامَ في مُعجِزِ النبوّةِ أَولى من الكلامِ في طريقِ صحّةِ الخبرِ؛ لأنّ المُعجِزَ معلومٌ وجودُه ضرورةً، و هو القُرآنُ، و معلومٌ صفتُه في الإعجازِ بطريقٍ عَقليٍّ، لا يُمكِنُ دخولُ الاحتمالِ فيه و التَّجاذُبِ و التَّنازُعِ، و لَيسَ كذلكَ الخبرُ الذي تَدَّعونَه؛ لأنّ صحّتَه تَستَنِدُ إلى أُمورٍ(6) غيرِ معلومةٍ، و لا ظاهرةٍ، و لا طريقَ إلى عِلمِها؛ لأنّ الكَثرةَ التي لا يَجوزُ عليهم التواطؤُ لا بُدَّ مِن إثباتِهم(7) في روايةِ هذا الخبرِ، في أصلِه و فرعِه، و فيما بَينَنا و بَينَ موسى عليه السلام، حتّى».
ص: 113
يُقطَعَ على أنّهم ما انقَرَضوا في وقتٍ مِن الأوقاتِ و لا قَلّوا، و هذا مع بُعدِ العهدِ و تراخي الزمانِ مُحالٌ إدراكُه و العِلمُ بصحّتِه؛ قَضَوا حينَئذٍ على أنّ الكلامَ في مُعجِزِ النبوّةِ - حتّى إذا صَحَّ قُطِعَ به على بُطلانِ الخبرِ - أَولى مِن الكلامِ في الخبرِ و التشاغُلِ به.
و هذا الفَرقُ يُمكِنُ أن يُستَعمَلَ بَينَنا و بَينَ مَن قالَ: كَلِّموني في سببِ إيلامِ الأطفالِ قَبلَ الكلامِ في حِكمةِ القَديمِ تَعالى، حتّى إذا بانَ أنّه لا وجهَ يُحسِّنُ هذه الآلامَ بَطَلَت الحِكمةُ. أو قالَ بمِثلِه في الآياتِ المُتَشابِهاتِ.
و بَعدُ، فإنّ حِكمةَ القَديمِ تَعالى في «وجوبِ تَقدُّمِ الكلامِ فيها على أسبابِ الأفعالِ و وجوهِ تأويلِ الكلامِ» بخِلافِ ما قد بيّنّاه في نَسخِ الشريعةِ و دَلالةِ (1)المُعجِزِ؛ لأنّ حِكمةَ القَديمِ تَعالى أصلٌ في نفيِ القَبيحِ عن أفعالِه، و الأصلُ لا بُدَّ مِن تَقدُّمِه لفَرعِه(2).
و لَيسَ كذلكَ الكلامُ في النبوّةِ و الخبرِ؛ لأنّه لَيسَ أحَدُهما أصلاً لصاحبِه، و إنّما رَجَّحَ الشُّيوخُ الكلامَ في النبوّةِ (3) علَى الخبرِ و طريقِه مِن الوجهِ الذي ذَكرناه، و بَيَّنوا أنّ أحَدَهما مُحتَمِلٌ مُشتَبِهٌ، و الآخَرَ واضحٌ يُمكِنُ التوَصُّلُ بمُجرَّدِ دليلِ العقلِ إليه.
و الكلامُ في الغَيبةِ مع الكلامِ في(4) إمامةِ صاحبِ الزمانِ عليه السلام يَجري - في
ص: 114
أنّه أصلٌ و فَرعٌ - بمَجرَى(1) الكلامِ في «إيلامِ الأطفالِ، و تأويلِ المُتَشابِهِ» و الكلامِ في حِكمةِ القَديمِ تَعالى، فواجبٌ تَقدُّمُ الكلامِ في إمامتِه علَى الكلامِ في سببِ غَيبتِه، مِن حَيثُ الأصلُ و الفَرعُ اللذانِ ذَكرناهما في سببِ إيلامِ الأطفالِ و غيرِه.
ثُمَّ يَجِبُ تَقدُّمُه مِن وجهِ الترجيحِ و المَزيّةِ - على ما ذَكره الشُّيوخُ في الفَرقِ بَينَ الكلامِ في النبوّةِ و الكلامِ في طريقِ خبرِ(2) نفيِ النسخِ؛ لأنّه مِن المعلومِ -؛ لأنّ (3)الكلامَ في سببِ الغَيبةِ و وجهِها فيه مِن الاِحتمالِ و التجاذُبِ ما لَيسَ في الطريقةِ (4)التي ذَكرناها في إمامةِ ابنِ الحَسَنِ عليهما السلام، لأنّها مَبنيّةٌ (5) علَى اعتبارِ العقلِ (6)و سَبرِ(7) ما يَقتَضيه. و هذا بيِّنٌ لِمَن تأمَّلَه.
و بَعدُ، فلا تَنسَوا ما لا يَزالُ شُيوخُكم يَعتَمِدونَه، مِن: رَدِّ المُشتَبِهِ مِن الأُمورِ إلى واضحِها، و بِناءِ المُحتَمِلِ منها على ما لا يَحتَمِلُ، و القضاءِ بالواضحِ علَى الخَفيِّ، حتّى أنّهم يَستَعمِلونَ ذلكَ و يَفزَعون إليه في أُصولِ الدينِ و فُروعِه فيما طريقُه
ص: 115
العقلُ و فيما طريقُه الشرعُ. فكَيفَ تَمنَعونَنا في الغَيبةِ خاصّةً ما هو دأبُكم و دينُكم، و عليه اعتمادُكم و اعتضادُكم؟!
و لَو(1) لا خَوفُ التطويلِ لَأشَرنا إلَى المَواضِعِ و المَسائلِ التي تُعوِّلونَ (2) فيها على هذه الطريقةِ، و هي كثيرةٌ، فلا تَنقُضوا - بدَفعِنا في الغَيبةِ عن النهجِ الذي سَلَكناه - أُصولَكم بفُروعِكم، و لا تَبلُغوا في العَصَبيّةِ إلَى الحَدِّ الذي لا يَخفى على أحَدٍ.
و إذا كُنّا قد وَعَدنا بأن نَتبرَّعَ (3) بذِكرِ سببِ الغَيبةِ علَى التفصيلِ - و إن كانَ لا يَلزَمُنا، و لا يُخِلُّ (4) الإضرابُ عن ذِكرِه بصحّةِ مَذاهِبنا(5) - فنَحنُ نَفعَلُ ذلكَ، و نُتبِعُه بالأسئلةِ التي تُسألُ (6) عليه(7) و نُجيبُ (8) عنها. فإن(9) كانَ كُلُّ هذا فَضلاً مِنّا اعتَمَدناه استظهاراً في الحُجّةِ، و إلّافالتمسُّكُ بالجُملةِ المُتَقدِّمةِ مُغنٍ كافٍ.
أمّا سببُ الغَيبةِ فهو: إخافةُ الظالِمينَ له عليه السلام، و قَبضُهم يَدَه عن التصرُّفِ فيما جُعِلَ إليه التصرُّفُ (10) و التدبيرُ له؛ لأنّ الإمامَ إنّما يُنتَفَعُ به إذا كانَ مُمكَّناً(11)
ص: 116
مُطاعاً، مُخَلًّى بَينَه و بَينَ أغراضِه؛ ليُقوِّمَ الجُناةَ (1)، و يُحارِبَ البُغاةَ، و يُقيمَ الحدودَ، و يَسُدَّ الثُّغورَ، و يُنصِفَ المظلومَ مِن الظالمِ. و كُلُّ هذا لا يَتِمُّ إلّامع التمكينِ، فإذا حيلَ بَينَه و بَينَ مُرادِه سَقَطَ عنه فرضُ القيامِ بالإمامةِ، فإذا خافَ على نفسِه وَجَبَت غَيبتُه و لَزِمَ استتارُه.
و مَن هذا الذي يُلزِمُ خائفاً أعداءَه عليه و هُم حَنِقونَ أن يَظهَرَ لهم، و أن يَبرُزُ بَينَهم؟!
و التحَرُّزُ مِن المَضارِّ واجبٌ عقلاً و سَمعاً، و قد استَتَرَ النبيُّ صلّى اللّه عليه و آله في الشِّعبِ مَرّةً، و أُخرى في الغارِ(2)، و لا وجهَ لذلكَ إلّاالخَوفُ مِن المَضارِّ الواصلةِ إليه.
فإن قيلَ: إنّ (3) النبيَّ صلّى اللّه عليه و آله ما استَتَرَ عن قومِه إلّابَعدَ أدائه إليهم ما وَجَبَ أداؤه، و لَم تَتعلَّقْ (4) بِهم إليه(5) حاجةٌ، و قولُكم في الإمامِ بخِلافِ ذلكَ؛ و إنّ (6) استتارَه صلّى اللّه عليه و آله ما تَطاوَلَ و لا تَمادى، و استتارُ إمامِكم قد مَضَت عليه العُصورُ، و انقَضَت دونَه الدُّهورُ!
قُلنا: لَيسَ الأمرُ على ما ذَكرتم؛ لأنّ النبيَّ صلّى اللّه عليه و آله إنّما استَتَرَ
ص: 117
في الشِّعبِ و الغارِ بمَكّةَ و قَبلَ (1) الهِجرةِ، و ما كانَ أدّى صلّى اللّه عليه و آله جميعَ الشريعةِ؛ فإنّ أكثَرَ الأحكامِ و مُعظَمَ القُرآنِ نَزَلَ بالمَدينةِ، فكَيفَ ادَّعَيتم أنّه كانَ بَعدَ الأداءِ؟!
و لَو كانَ الأمرُ على ما(2) زَعَمتم مِن تكامُلِ الأداءِ قَبلَ الاِستتارِ، لَما كانَ ذلكَ رافعاً للحاجةِ إلى تدبيرِه عليه السلام و سياستِه و أمرِه في أُمّتِه و نهيِه.
و مَن هذا الذي يَقولُ: «إنّ النبيَّ صلّى اللّه عليه و آله بَعدَ أداءِ الشرعِ غيرُ مُحتاجٍ إليه، و لا مُفتَقَرٍ إلى تدبيرِه» إلّامُعانِدٌ مُكابِرٌ(3)؟!
و إذا جازَ استتارُه عليه السلام - مع تَعلُّقِ الحاجةِ إليه - لخَوفِ الضرَرِ، و كانَت التبِعةُ في ذلكَ لازمةً لمُخيفيهِ و مُحوِجيهِ إلَى التغيُّبِ، سَقَطَت عنه اللائمةُ، و تَوجَّهَت إلى مَن أحوَجَه إلَى الاِستتارِ و ألجأَه إلَى التغَيُّبِ. و كذلكَ القولُ في غَيبةِ إمامِ (4) الزمانِ عليه السلام.
فأمّا(5) التفرقةُ بِطولِ الغَيبةِ و قِصَرِها فغَيرُ صحيحةٍ؛ لأنّه لا فَرقَ في ذلكَ:
بَينَ القَصيرِ المُنقَطِعِ و(6) المُمتَدِّ المُتَمادي، لأنّه إذا لَم يَكُن في الاِستتارِ لائمةٌ (7) علَى المُستَتِرِ إذا أُحوِجَ إليه جازَ أن يَتَطاوَلَ سببُ الاِستتارِ، كما جازَ أن يَقصُرَ زمانُه.».
ص: 118
فإن قيلَ: إن كانَ الخَوفُ أحوَجَه إلَى الاِستتارِ، فقَد كانَ آباؤه عليهم السلام عندَكم في تَقيّةٍ و خَوفٍ مِن أعدائهم، فكَيفَ لَم يَستَتِروا؟!
قُلنا: ما كانَ على آبائه(1) عليهم السلام خَوفٌ مِن أعدائهم مع لُزومِهم التقيّةَ و العُدولَ عن التظاهُرِ بالإمامةِ و نفيَها عن نُفوسِهم. و إمامُ الزمانِ كُلُّ الخَوفِ عليه؛ لأنّه يَظهَرُ بالسَّيفِ، و يَدعو إلى نفسِه، و يُجاهِدُ مَن خالَفَ عليه. فأيُّ نسبةٍ بَينَ خَوفِه مِن الأعداءِ و خَوفِ آبائه عليهم السلام منهم لَولا قِلّةُ التأمُّلِ (2)؟!
فإن قيلَ: أيُّ فَرقٍ بَينَ وجودِه غائباً لا يَصِلُ إليه أحَدٌ و لا يَنتَفِعُ به بَشَرٌ و بَينَ عدمِه؟!
و ألا جازَ أن يُعدِمَه(3) اللّهُ تَعالى، حتّى إذا عَلِمَ أنّ الرعيّةَ تُمكِّنُه و تُسلِّمُ له أَوجَدَه، كما جازَ أن يُبيحَه الاِستتارَ(4) حتّى يَعلَمَ منهم التمكينَ له فيُظهِرَه؟! و إذا(5) جازَ أن يَكونَ الاِستتارُ سببُه إخافةُ الظالمينَ، فألا جازَ أن يَكونَ الإعدامُ سببُه ذلكَ بعَينِه؟!
قيلَ: ما يُقطَعُ - قَبلَ أن نُجيبَ عن سؤالِكَ - على أنّ (6) الإمامَ لا يَصِلُ إليه أحَدٌ(7) و لا
ص: 119
يَلقاه؛ لأنّ هذا الأمرَ مُغيَّبٌ عنّا، و هو موقوفٌ علَى الشكِّ و التجويزِ.
و الفَرقُ بَعدَ(1) هذا بَينَ (2) وجودِه غائباً مِن أجلِ (3) التقيّةِ و خَوفِ الضرَرِ مِن أعدائه - و هو في أثناءِ ذلكَ مُتوقِّعٌ أن يُمكِّنوه و يُزيلوا خيفَتَه فيَظهَرَ و يَقومَ بما فُوِّضَ إليه مِن أُمورِهم - و بَينَ أن يُعدِمَه اللّهُ تَعالى جَليٌّ واضحٌ؛ لأنّه إذا كانَ معدوماً كانَ (4) ما يَفوتُ العِبادَ مِن مَصالِحِهم و يُعدَمونَه مِن مَراشِدِهم(5) و يُحرَمونَه مِن لُطفِهم و انتفاعِهم به(6) منسوباً إليه تَعالى و معضوباً(7)، لا حُجّةَ فيه علَى العبادِ، و لا لَومَ يَلزَمُهم و لا ذَمَّ (8). و إذا كانَ موجوداً مُستَتِراً بإخافتِهم له كانَ ما يَفوتُ مِن المَصالحِ و يَرتَفِعُ مِن المَنافعِ منسوباً إلَى العبادِ، و هُم المَلومونَ عليه المؤاخَذونَ به. فأمّا الإعدامُ، فلا يَجوزُ أن يَكونَ سببُه إخافةَ الظالمينَ؛ لأنّ العبادَ قد يُلجئُ بعضُهم بعضاً إلى أفعالِه.».
ص: 120
على أنّ هذا يَنقَلِبُ عليهم في استتارِ النبيِّ - صلّى اللّه عليه و آله و سلّم - فيُقالُ لهم: أيُّ فَرقٍ بَينَ و جودِه مُستَتِراً و بَينَ عدمِه؟! فأيُّ شَيءٍ قالوا في ذلكَ أَجَبناهم بمِثلِه.
و لَيسَ لهم أن يُفرِّقوا بَينَ الأمرَينِ بأنّ النبيَّ صلّى اللّه عليه و آله ما استَتَرَ مِن كُلِّ أحَدٍ، و إنّما استَتَرَ مِن أعدائه؛ و إمامُ الزمانِ عليه السلام مُستَتِرٌ من الجميعِ!
و ذلكَ أنّ النبيَّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا استَتَرَ في الغارِ كانَ مُستَتِراً مِن أوليائه و أعدائه، و لَم يَكُن معه إلّاأبو بَكرٍ وَحدَه. و قد كانَ يَجوزُ عندَنا و عندَكم أن يَستَتِرَ بحَيثُ لا يَكون معه أحَدٌ مِن وَليٍّ و لا عَدُوٍّ إذا اقتَضَت المَصلحةُ ذلكَ.
و إذا رَضوا لأنفُسِهم بهذا الفَرقِ قُلنا مِثلَه؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ الإمامَ يَجوزُ أن يَلقاه في حالِ الغَيبةِ جماعةٌ مِن أوليائه، و أنّ ذلكَ ممّا لا يُقطَعُ على فَقدِه.
فإن قيلَ: إن كانَ خَوفُ ضَرَرِ الأعداءِ هو الموجِبُ للغَيبةِ، أفَلا(1) أظهَرَه اللّهُ تَعالى في السحابِ و بحَيثُ (2) لا تَصِلُ إليه أيدي أعدائه، فيَجمَع الظهورَ و الأمانَ مِن الضرَرِ؟!
قُلنا: هذا سؤالُ مَن لا يُفكِّرُ فيما يورِدُه؛ لأنّ الحاجةَ مِن العبادِ إنّما تَتعلَّقُ بإمامٍ:
يَتولّى عِقابَ جُناتِهم، و قِسمةَ أموالِهم، و سَدَّ ثُغورِهم، و يُباشِرُ تدبيرَ أُمورِهم، و يَكونُ بحَيثُ يَحُلُّ و يَعقِدُ، و يَرفَعُ و يَضَعُ؛ و هذا لا يَتِمُّ إلّامع المُخالَطة و المُلابَسةِ. فإذا جُعِلَ بحَيثُ لا وصولَ إليه ارتَفَعَت جهة الحاجةُ إليه، فصارَ
ص: 121
ظهورُه للعَينِ كظهورِ النجومِ الذي لا يَسُدُّ مِنّا خَلَلاً و لا يَرفَعُ زَلَلاً. و مَن احتاجَ في الغَيبةِ إلى مِثلِ هذا السؤالِ فقَد أفلَسَ و لَم تَبقَ فيه مُسكةٌ (1).
فإن قيلَ: فالحدودُ في حالِ الغَيبةِ ما حُكمُها؟ فإن سَقَطَت عن فاعِلي ما يوجِبُها، فهذا اعترافٌ بنَسخِ الشريعةِ! و إن كانَت ثابتةً، فمَن يُقيمُها مع الغَيبةِ؟!
قُلنا: الحدودُ المُستَحَقّةُ ثابتةٌ في جُنوبِ الجُناةِ بما يوجِبُها مِن الأفعالِ، فإن ظَهَرَ الإمامُ و المُستَحِقُّ لهذه الحدودِ باقٍ أقامَها عليه بالبيّنةِ أو الإقرارِ، و إن فاتَ ذلكَ بمَوتِه(2) كانَ الإثمُ في تفويتِ إقامتِها على مَن أخافَ الإمامَ و ألجَأَه إلَى الغَيبةِ.
و لَيسَ هذا بنَسخٍ لإقامةِ الحدودِ؛ لأنّ الحَدَّ إنّما تَجِبُ إقامتُه مع التمَكُّنِ و زوالِ المَوانِعِ، و يَسقُطُ مع الحَيلولةِ. و إنّما يَكونُ ذلكَ نَسخاً لَو سَقَطَ فرضُ إقامةِ الحَدِّ مع التمَكُّنِ و زَوالِ الأسبابِ المانعةِ مِن إقامتِه.
ثُمَّ يُقلَبُ هذا عليهم، فيُقالُ لهم: كَيفَ قولُكم في الحدودِ التي تَستَحِقُّها الجُناةُ في الأحوالِ التي لا يُمكَّنُ فيها أهلُ الحَلِّ و العَقدِ مِن اختيارِ الإمامِ و نَصبِه؟! فأيّ شَيءٍ قالوه في ذلكَ قيلَ لهم مِثلُه.
فإن قيلَ: كَيفَ السبيلُ مع غَيبةِ الإمامِ إلى إصابةِ الحَقِّ؟! فإن قُلتم: لا سَبيلَ إليه، فقَد جَعَلتم الناسَ في حَيرةٍ و ضَلالةٍ و رَيبٍ في سائرِ أُمورِهم، و إن قُلتم: يُصابُ الحَقُّ بأدِلّتِه، قيلَ لكم: هذا تصريحٌ بالاِستغناءِ عن الإمامِ بهذه الأدِلّةِ و رُجوعٌ إلَى الحَقِّ!
ص: 122
قُلنا: الحَقُّ على ضربَينِ: عقليٍّ، و سَمعيٍّ. فالعقليُّ يُصابُ بأدِلّتِه، و يُدرَكُ بالنظَرِ فيها. و السمعيُّ عليه أدِلّةٌ منصوبةٌ، مِن أقوالِ النبيِّ صلّى اللّه عليه و آله و نُصوصِه و أقوالِ الأئمّةِ مِن وُلدِه عليهم السلام. و قد بَيَّنوا ذلكَ و أوضَحوه، و لم يَترُكوا مِنه شَيئاً لا دليلَ عليه. غيرَ أنّ هذا - و إن كانَ على ما قُلناه - فالحاجةُ إلَى الإمامِ ثابتةٌ لازمةٌ؛ لأنّ جهةَ الحاجةِ إليه - المُستَمِرّةَ في كُلِّ زمانٍ و على كُلِّ وجهٍ - هي كَونُه لُطفاً لنا في فِعلِ الواجبِ و تَجنُّبِ القَبيحِ، و هذا ممّا لا يُغني عنه شَيءٌ، و لا يَقومُ مَقامَه فيه غيرُه.
فأمّا الحاجةُ إليه المُتعلِّقةُ بالسمعِ و الشرعِ، فهيَ أيضاً ظاهرةٌ؛ لأنّ النقلَ و إن كانَ وارداً عن الرسولِ صلّى اللّه عليه و آله و عن آباءِ الإمامِ عليهم السلام بجميعِ ما يُحتاجُ إليه في الشريعةِ، فجائزٌ علَى الناقلينَ أن يَعدِلوا عن النقلِ - إمّا اعتماداً، أو اشتباهاً - فيَنقَطِعَ النقلُ، أو يَبقى فيمَن لَيسَ نَقلُه حُجّةً، فيُحتاجُ حينئذٍ إلَى الإمامِ؛ ليَكشِفَ ذلكَ، و يوضِّحَه، و يُبيِّنَ مَوضِعَ التقصيرِ فيه.
فقَد بانَ: أنّ الحاجةَ ثابتةٌ على كُلِّ حالٍ، و إن أمكَنَت إصابةُ الحَقِّ بأدِلّتِه.
فإن قيلَ: أرأَيتم إن كَتَمَ (1) الناقلونَ بعضَ مُهِمِّ الشريعةِ و احتيجَ إلى بيانِ الإمامِ، و لَم يُعلَمِ الحَقُّ إلّامِن جهتِه، و كانَ خَوفُه القتلَ مِن أعدائِه(2) مُستَمِرّاً؛ كَيفَ يَكونُ الحالُ؟ فأنتم بَينَ أن تَقولوا: إنّه يَظهَرُ و إن خافَ القتلَ. فيَجِبُ على هذا أن
ص: 123
يَكونَ خَوفُ القتلِ غيرَ مُبيحٍ للغَيبةِ، و يَجِبُ ظهورُه على كُلِّ حالٍ! أو تَقولوا:
لا يَظهَرُ، و يَسقُطُ التكليفُ في ذلكَ الشيءِ المكتومِ عن الأُمّةِ. فتَخرُجوا بذلكَ مِن الإجماعِ؛ لأنّ الإجماعَ مُنعَقِدٌ على أنّ كُلَّ شَيءٍ شَرَّعَه النبيُّ صلّى اللّه عليه و آله و أَوضَحَه فهو لازمٌ للأُمّةِ إلى أن تَقومَ (1) الساعةُ. و إن قُلتم: إنّ التكليفَ لا يَسقُطُ، صَرَّحتم بتكليفِ ما لا يُطاقُ، و إيجابِ العِلمِ بما لا طريقَ إليه.
قُلنا: قد أجَبنا عن هذا السؤالِ و فَرَّعناه إلى غايةِ ما يَتفرَّعُ في كتابِنا الشافي(2)، و جُملتُه: أنّ اللّهَ تَعالى لَو عَلِمَ أنّ النقلَ لبعضِ الشريعةِ المفروضةِ يَنقَطِعُ - في حالٍ تَكونُ تَقيّةُ الإمامِ فيها مُستَمِرّةً، و خَوفُه مِن الأعداءِ باقياً - لَأسقَطَ ذلكَ التكليفَ عمّن لا طريقَ له إليه. و إذا عَلِمنا - بالإجماعِ الذي لا شُبهةَ فيه - أنّ تكليفَ الشرائعِ مُستَمِرٌّ ثابتٌ على جميعِ الأُمّةِ إلى أن تَقومَ الساعةُ، يُنتِجُ لنا هذا العِلمُ أنّه لَو اتَّفَقَ أن يَنقَطِعَ النقلُ بشيءٍ مِن الشرائعِ لَما كانَ ذلكَ إلّافي حالٍ يَتمكَّنُ فيها الإمامُ مِن الظهورِ و البُروزِ و الإعلامِ و الإنذارِ.
فإن قيلَ: إذا كانَت العِلّةُ في غَيبتِه عن أعدائه خَوفَه منهم، فما بالُه لا يَظهَرُ لأوليائه، و هذه العِلّةُ زائلةٌ فيهم؟! فإذا لَم يَظهَرْ للأولياءِ - و قد زالَت عنهم عِلّةُ استتارِه - بَطَلَ قولُكم في عِلّةِ الغَيبةِ!
قُلنا: قد أجابَ أصحابُنا عن هذا السؤالِ بأنّ عِلّةَ غَيبتِه عن أوليائه لا تُمنَعُ أن يَكونَ خَوفَه مِن أن يَلقاهم فيُشيعوا خبرَه، و يَتحدَّثوا، سُروراً باجتماعِه معهم،
ص: 124
فيؤدّي ذلكَ - و إن كانَ ذلكَ غيرَ مقصودٍ - إلَى الخَوفِ مِن الأعداءِ.
و هذا الجوابُ غيرُ مَرضيٍّ؛ لأنّ عُقَلاءَ شيعتِه لا يَجوزُ أن يَخفى عليهم ما في إظهارِ اجتماعِهم معه مِن الضرَرِ عليه و عليهم، فكَيفَ يُخبِرونَ بذلكَ مع العِلمِ بما فيه مِن المَضَرّةِ الشاملةِ؟! و إن جازَ هذا الذي ذَكروه علَى الواحدِ و الاِثنَينِ لَم يَجُز على جماعةِ شيعتِه الذينَ لا يَظهَرُ لهم. على أنّ هذه العِلّةَ توجِبُ أنّ شيعتَه قد عُدِموا الانتفاعَ به على وجهٍ لا يَتمكَّنونَ مِن تَلافيهِ و إزالتِه؛ لأنّه إذا عُلِّقَ الاستتارُ بما يُعلَمُ مِن حالِهم أنّهم يَفعَلونَه فلَيسَ في مقدورِهم الآنَ ما(1) يَقتَضي ظهورَ الإمامِ، و هذا يَقتَضي سقوطَ التكليفِ - الذي الإمامُ لُطفٌ فيه - عنهم.
و قد أجابَ بعضُهم عن هذا السؤالِ: بأنّ سببَ الغَيبةِ عن الجميعِ هو فِعلُ الأعداءِ؛ لأنّ انتفاعَ جماعةِ الرعيّةِ - مِن وَليٍّ و عَدُوٍّ - بالإمامِ (2) إنّما يَكونُ بأن يَنفُذَ أمرُه، و تَنبَسِطَ(3) يدُه، و يَكونَ ظاهراً مُتصرِّفاً بلا دافِعٍ و لا(4) مُنازِعٍ، وهذا مِن(5)المعلومِ أنّ الأعداءَ قد حالوا دونَه، و مَنَعوا منه. قالوا: و لا فائدةَ في ظهورِه سِرّاً لبعضِ أوليائه؛ لأنّ النفعَ المُبتَغى مِن تدبيرِ الأئمّةِ عليهم السلام لا يَتِمُّ إلّابالظهورِ للكُلِّ و نُفوذِ الأمرِ، فقَد صارَت العِلّةُ في استتارِ الإمامِ و فَقدِ ظهورِه - علَى الوجهِ الذي هو لُطفٌ و مَصلحةٌ للجميعِ - واحدةً.
و هذا أيضاً جوابٌ غيرُ مَرضيٍّ؛ لأنّ الأعداءَ إن كانوا حالوا بَينَه و بَينَ الظهورِ».
ص: 125
على وجهِ التصرُّفِ و التدبيرِ، فلَم يَحولوا بَينَه و بَينَ مَن شاءَ (1) مِن أوليائه على جهةِ الاِستتارِ. و كَيفَ لا يَنتَفِعُ به مَن يَلقاه مِن أوليائه على سَبيلِ الاِختصاصِ، و هو يَعتَقِدُ طاعتَه و فرضَ اتّباعِ أوامرِه، و يُحكِّمُه في نفسِه؟! و إن كانَ لا يَقَعُ هذا اللقاءُ لأجلِ اختصاصِه، و لأنّ الإمامَ معه(2) غيرُ نافذِ الأمرِ في الكُلِّ، و لا مُفوَّضٌ إليه تدبيرُ الجميعِ، فهذا تصريحٌ بأنّه لا انتفاعَ للشيعةِ الإماميّةِ (3) بلِقاءِ أئمّتِها مِن لَدُن وفاةِ أميرِ المؤمنينَ عليه السلام إلى أيّامِ الحَسَنِ بنِ عليٍّ أبي القائمِ عليهم السلام؛ للعِلّةِ التي ذُكِرَت، و يوجِبُ (4) أيضاً أنّ أولياءَ أميرِ المؤمنينَ عليه السلام و شيعتَه لَم يَكُن لهم بلِقائه انتفاعٌ قَبلَ انتقالِ الأمرِ إلى تدبيرِه و حصولِه في يدِه! و هذا بلوغٌ مِن قائلِه إلى حَدٍّ لا يَبلُغُه مُتأمِّلٌ. على (5) أنّه إذا سَلِمَ لهم(6) ما ذَكروه - مِن أنّ الانتفاعَ بالإمامِ لا يَكونُ إلّامع ظهورِه لجميعِ الرعيّةِ، و نُفوذِ أمرِه فيهم - بَطَلَ قولُهم مِن وجهٍ آخَرَ، و هو: أنّه يؤدّي إلى سقوطِ التكليفِ الذي الإمامُ لُطفٌ فيه عن شيعتِه؛ لأنّه(7) إذا لَم يَظهَرْ لهم لعِلّةٍ لا تَرجِعُ (8) إليهم، و لا كانَ في قُدرتِهم و إمكانِهم إزالةُ ما يَمْنَعُهُم مِن الظهورِ، فلا بُدَّ مِن سقوطِ التكليفِ عنهم. و لا يَجرونَ في ذلكَ مَجرى أعدائه؛ لأنّ الأعداءَ و إن لَم يَظهَرْ لهم فسببُ ذلكَ مِن جهتِهم، و في إمكانِهم أن يُزيلوا المَنعَ».
ص: 126
مِن ظهورِه فيَظهَرَ، فلَزِمَهم التكليفُ الذي تدبيرُ الإمامُ لُطفٌ فيه، و لَو لَم يَلزَم ذلكَ شيعتَه على هذا الجوابِ.
و لَو جازَ أن يَمنَعَ قومٌ مِن المُكلَّفينَ غيرَهم مِن لُطفِهم، و يَكونَ التكليفُ - الذي ذلكَ اللطفُ لُطفٌ فيه - مُستَمِرّاً عليهم، لَجازَ أن يَمنَعَ بعضُ المُكلَّفينَ غيرَه - بقَيدٍ أو ما أشبَهَه - مِن المَشيِ على وجهٍ لا يَتمكَّنُ ذلكَ المُقيَّدُ مِن إزالتِه، و يَكونَ المشيُ مع ذلكَ مُستَمِرّاً علَى المُقيَّدِ!
و لَيسَ لهم أن يُفرِّقوا بَينَ القَيدِ و فَقدِ اللطفِ، مِن حَيثُ كانَ القَيدُ يَتعذَّرُ معه الفعلُ و لا يُتوهَّمُ وقوعُه، و لَيسَ كذلكَ فَقدُ اللطفِ؛ لأنّ المَذهَبَ الصحيحَ - الذي نَتَّفِقُ نَحنُ عليه - أنّ فَقْدَ اللطفِ يَجري مَجرى فَقدِ القُدرةِ و الآلةِ، و أنّ التكليفَ مع فَقدِ اللطفِ - في مَن له لُطفٌ - معلومٌ قُبحُه، كالتكليفِ مع فَقدِ القُدرةِ و الآلةِ و وجودِ المانعِ، و أنّ مَن لَم يُفعَلْ به اللطفُ - ممّن له لُطفٌ معلومٌ - غيرُ مُتمكِّنٍ مِن الفعلِ، كما أنّ الممنوعَ غيرُ مُتمكِّنٍ.
والذي يَجِبُ أن يُجابَ به عن هذا السؤالِ الذي قَدَّمنا ذِكرَه في عِلّةِ الاستتارِ مِن أوليائه، أن نَقولَ أوّلاً - غيرَ(1) قاطعينَ على أنّه لا يَظهَرُ لجميعِ أوليائه؛ فإنّ هذا مُغيَّبٌ عنّا، و لا يَعرِفُ كُلُّ واحدٍ مِنّا إلّاحالَ نفسِه دونَ حالِ غيرِه. و إذا كُنّا نُجوِّزُ ظُهورَه لهم كما نُجوِّزُ خِلافَه، فلا بُدَّ مِن ذِكرِ العِلّةِ فيما نُجوِّزُه(2) مِن غَيبتِه عنهم - و أَولى ما قيلَ في ذلكَ و أقرَبُه إلَى الحَقِّ - و قد بيّنّا فيما سَلَفَ أنّ هذا البابَ ممّا لا يَجِبُ العِلمُ به على سَبيلِ التفصيلِ، و أنّ العِلمَ على وجهِ الجُملةِ فيه كافٍ أن نَقولَ: لا بُدَّ مِن أن تَكونَ عِلّةُ الغَيبةِ عن الأولياءِ مُضاهيةً لِعلّةِ الغَيبةِ عن الأعداءِ، في أنّها لا».
ص: 127
تَقتَضي(1) سقوطَ التكليفِ عنهم، و لا تُلحِقُ (2) اللائمةَ بمُكلِّفِهم تَعالى، و لا بُدَّ مِن أن يَكونوا مُتمكِّنينَ مِن رَفعِها و إزالتِها فيَظهَرَ لهم. و هذه صفاتٌ لا بُدَّ مِن أن تَحصُلَ لِما تُعلَّلُ به الغَيبةُ، و إلّاأدّى إلى ما تَقدَّمَ ذِكرُه مِن الفَسادِ.
و إذا ثَبَتَت هذه الجُملةُ، فأَولى ما عُلِّلَ به التغيُّبُ عن الأولياءِ أن يُقالَ: قد عَلِمنا أنّ العِلمَ بإمامِ الزمانِ على سَبيلِ التعيينِ و التمييزِ لا يَتِمُّ إلّابالمُعجِزِ؛ فإنّ النصَّ - في إمامةِ هذا الإمامِ خاصّةً - غيرُ كافٍ في تَعيُّنِه، و لا بُدَّ مِن المُعجِزِ الظاهرِ على يدِه حتّى نُصدِّقَه في أنّه ابنُ الحَسَنِ عليهما السلام. و العِلمُ بالمُعجِزِ و دَلالتِه علَى الظهورِ طريقُه الاِستدلالُ الذي يَجوزُ أن تَعتَرِضَ فيه الشُّبهةُ. و مَن عارَضَته شُبهةٌ في مَن ظَهَرَ على يدِه مُعجِزٌ، فاعتَقَدَ أنّه زُورٌ و مَخرَقةٌ (3)، و أنّ مُظهِرَه كَذّابٌ مُتقوِّلٌ، لَحِقَ بالأعداءِ في الخَوفِ مِن جهتِه.
فإن قيلَ: فأيُّ تقصيرٍ وَقَعَ مِن الوليِّ الذي لَم يَظهَرْ له الإمامُ لأجلِ هذا المعلومِ مِن حالِه؟
و أيُّ قُدرةٍ له على فِعلِ ما يَظهَرُ له الإمامُ معه؟
و إلى أيِّ شَيءٍ يَفزَعُ في تَلافي سببِ غَيبتِه عنه؟
قُلنا: ما أحَلنا - في سببِ الغَيبةِ عن الأولياءِ - إلّاعلى معلومٍ (4) يَظهَرُ مَوضِعُ (5) التقصيرِ فيه و إمكانُ تَلافيهِ؛ لأنّه غيرُ(6) مُمتَنِعٍ أن يَكونَ مِن المعلومِ مِن حالِه أنّه متى».
ص: 128
ظَهَرَ له الإمامُ قَصَّرَ في النظَرِ في مُعجِزِه، و أنّما أُتيَ في ذلكَ لتقصيرِ الناظرِ في العِلمِ بالفَرقِ بَينَ المُعجِزِ و المُمكِنِ و الدليلِ مِن ذلكَ و ما لَيسَ بدليلٍ، و لَو كانَ مِن هذا الأمرِ على قاعدةٍ صحيحةٍ و طريقةٍ مُستَقيمةٍ لَم يَجُز أن يَشتَبِهَ عليه مُعجِزُ الإمامِ عندَ ظُهورِه له. فيَجِبُ عليه تَلافي هذا التقصيرِ و استدراكُه، حتّى يَخرُجَ بذلكَ مِن حَدِّ مَن يَشتَبِهُ عليه المُعجِزُ بغَيرِه.
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ: هذا تكليفُ (1) ما لا يُطاقُ، و حَوالةٌ على غَيبٍ لا يُدرَكُ؛ لأنّ هذا الوليَّ لَيسَ يَعرِفُ ما قَصَّرَ فيه بعَينِه مِن النظَرِ و الاستدلالِ فيَستَدرِكُه حتّى يَتمهَّدَ في نفسِه و يَتقرَّرَ، و نَراكُم تُلزِمونَه على ما لا يَلزَمُه!
و الجوابُ عن هذا الاعتراضِ: أنّ ما يَلزَمُ في التكليفِ قد يَتميَّزُ و يَنفَرِدُ(2)، و قد يَشتَبِهُ بغَيرِه و يَختَلِطُ، و إن كانَ التمكُّنُ مِن الأمرَينِ حاصلاً ثابتاً. فالوليُّ على هذا إذا حاسَبَ نفسَه و رأى إمامَه لا يَظهَرُ له، و أفسَدَ(3) أن يَكونَ السببُ في الغَيبةِ ما ذَكرناه مِن الوجوهِ الباطلةِ و أجناسِها، عَلِمَ أنّه لا بُدَّ مِن سببٍ يَرجِعُ إليه. و إذا رأى أنّ أقوَى الأسبابِ ما ذَكرناه، عَلِمَ أنّ تقصيراً واقعاً مِن جهتِه في صفاتِ المُعجِزِ و شُروطِه، فعَلَيه حينئذٍ مُعاوَدةُ النظَرِ في ذلكَ، و تخليصُه مِن الشوائبِ، و تَصفيَتُه ممّا يَقتَضي(4) الشُّبهةَ و يوجِبُ الالتباسَ؛ فإنّه متَى اجتَهَدَ في ذلكَ حَقَّ الاجتهادِ، و وَفَّى النظَرَ نصيبَه غيرَ مبخوسٍ و لا منقوصٍ، فلا بُدَّ له مِن وقوعِ العِلمِ بالفَرقِ (5)بَينَ الحَقِّ و الباطلِ. و إذا وَقَعَ العِلمُ بذلكَ، فلا بُدَّ مِن زوالِ سببِ الغَيبةِ عن الوليِّ.».
ص: 129
و هذه المَواضِعُ الإنسانُ فيها على نفسِه بَصيرةٌ، و لَيسَ يُمكِنُ أن يؤمَرَ فيها بأكثَرَ مِن التناهي في الاجتهادِ و البحثِ و الفحصِ و الاستسلامِ للحَقِّ.
و ما للمُخالِفِ لنا في هذه المَسألةِ إلّامِثلُ ما عليه؛ لأنّه يَقولُ: إنّ النظَرَ في الدليلِ إنّما يوَلِّدُ العِلمَ على صفاتٍ مخصوصةٍ و شُروطٍ كثيرةٍ معلومةٍ، متَى اختَلَّ شَرطٌ منها لَم يَتولَّدِ العِلمُ بالمنظورِ فيه.
فإذا قالَ لهم مُخالِفوهم(1): قد نَظَرنا في الأدِلّةِ - كما تَنظُرونَ - فَلم يَقَعْ لنا العِلمُ بما تَذكُرونَ أنّكم عالِمونَ به! كانَ جوابُهم: أنّكم ما نَظَرتم علَى الوجهِ الذي نَظَرْنا فيه(2)، و لا تَكامَلَت لكم شُروطُ توليدِ النظَرِ العِلمَ؛ لأنّها كثيرةٌ مُختَلِفةٌ مُشتَبِهةٌ.
فإذا قالَ لهم مُخالِفوهم: ما تُحيلونَنا في الإخلالِ بشُروطِ(3) توليدِ النظَرِ إلّاعلى سَرابٍ، و ما تُشيرونَ إلى شرطٍ مُعيَّنٍ أخلَلنا به و قَصَّرنا فيه! كانَ جوابُهم: لا بُدَّ - متى لَم تَكونوا عالِمينَ كما عَلِمنا - مِن تقصيرٍ وَقَعَ منكم في بعضِ شُروطِ النظَرِ؛ لأنّكم لَو كَمَّلتم الشروطَ و استَوفَيتموها لَعَلِمتم كما عَلِمنا، فالتقصيرُ منكم على سَبيلِ الجُملةِ واقعٌ، و إن لَم يُمكِنّا الإشارةُ إلى ما قَصَّرتم فيه بعَينِه. و أنتم مع هذا مُتمكِّنونَ مِن أن تَستَوفوا شُروطَ النظَرِ و تَستَسلِموا للحَقِّ و تَخلُوَ قُلوبُكم مِن الاِعتقاداتِ و الأسبابِ المانعةِ مِن وقوعِ العِلمِ، و متى فَعَلتم ذلكَ فلا بُدَّ مِن أن تَعلَموا، و الإنسانُ على نفسِه بَصيرةٌ.
و إذا كانَ هذا الجوابُ منهم صحيحاً، فبمِثلِه أجَبناهم.».
ص: 130
فإن قيلَ: فيَجِبُ على هذا أن يَكونَ كُلُّ وليٍّ لَم يَظهَرْ له الإمامُ يَقطَعُ على أنّه على كبيرةٍ عظيمةٍ تَلحَقُ (1) بالكُفرِ؛ لأنّه مُقصِّرٌ - على ما فَرَضتموه - فيما يوجِبُ غَيبةَ الإمامِ عنه، و يَقتَضي تفويتَه ما فيه مَصلَحتُه(2)، فقَد لَحِقَ الوليُّ على هذا بالعَدُوِّ!
قُلنا: لَيسَ يَجِبُ في التقصيرِ - الذي أشَرنا إليه - أن يَكونَ كُفراً و لا ذَنباً عظيماً؛ لأنّه في هذه الحالِ الحاضرةِ ما اعتَقَدَ في الإمامِ أنّه لَيسَ بإمامٍ، و لا أخافَه على نفسِه، و إنّما قَصَّرَ في بعضِ العلومِ تقصيراً، كانَ كالسببِ في أنّه عُلِمَ مِن حالِه أنّ ذلكَ يؤدّي إلى أنّ الشكَّ في الإمامةِ يَقَعُ منه مُستَقبَلاً و الآنَ لَيسَ بواقعٍ. فغَيرُ لازمٍ في هذا التقصيرِ أن يَكونَ بمَنزِلةِ ما يُفضي إليه ممّا المعلومُ أنّه سيَكونُ. غيرَ أنّه و إن لَم يَلزَمْ أن يَكونَ كُفراً، و لا جارياً مَجرى تكذيبِ الإمامِ و الشكِّ في صِدقِه، فهو ذَنبٌ و خَطأٌ، لا(3) يُنافيانِ الإيمانَ و استحقاقَ الثوابِ، و أن(4) يَلحَقَ الوَليُّ بالعَدُوِّ على هذا التقديرِ؛ لأنّ العَدُوَّ في الحالِ مُعتَقِدٌ في الإمامةِ ما هو كُفرٌ و كَبيرةٌ، و الوليَّ بخِلافِ ذلكَ.
و الذي يُبيِّنُ ما ذَكرناه - مِن أنّ ما هو كالسببِ في الكُفرِ لا يَلزَمُ أن يَكونَ في الحالِ كُفراً - أنّه: لو اعتَقَدَ مُعتَقِدٌ في القادرِ مِنّا بقُدرةٍ أنّه يَصِحُّ أن يَفعَلَ في غيرِه مِن الأجسامِ مِن غيرِ مُماسّةٍ، فهذا خطأٌ و جهلٌ لَيسَ بكُفرٍ. و لا يَمتَنِعُ أن يَكونَ
ص: 131
المعلومُ مِن حالِ المُعتَقِدِ أنّه لَو ظَهَرَ نبيٌّ يَدعو إلى نُبوّتِه، و جَعَلَ مُعجِزَه أن يَفعَلَ اللّهُ على يَدَيه فِعلاً بحَيثُ لا تَصِلُ (1) إليه أسبابُ البَشَرِ - و هذا لا مَحالةَ عَلَمٌ مُعجِزٌ -:
أنّه كانَ يُكذِّبُه، فلا يؤمِنُ به، و يَجوزُ أن يُقدَّرَ أنّه كانَ يَقتُلُه، و ما سَبَقَ مِن اعتقادِه في مقدورِ القادرِ كالسببِ في هذا، و لَم يَلزَمْ أن يَجريَ مَجراه في الكِبَرِ و العِظَمِ.
و هذه جُملةٌ مِن الكلامِ في الغَيبةِ يُطَّلَعُ بها على أُصولِها و فُروعِها، و لا يَبقى
بَعدَها إلّاما هو كالمُستَغنى عنه.
و مِن اللّهِ (2) نَستَمِدُّ المَعونةَ و حُسنَ التوفيقِ لِما وافَقَ الحَقَّ و طابَقَه و خالَفَ الباطلَ و جانَبَه، و هو(3) السميعُ المُجيبُ بلُطفِه و رحمتِه، و حَسبُنا اللّهُ و نِعمَ الوكيلُ.
تَمَّ كتابُ المُقنِعِ، و الحمدُ لِلّهِ أوّلاً و آخِراً و ظاهراً و باطناً.».
ص: 132
ص: 133
ص: 134
بِسمِ اللّهِ الرحمنِ الرحيمِ.
قالَ السيِّدُ المُرتَضى عَلَمُ الهُدى (1) - قَدَّسَ اللّهُ روحَه، و رَضيَ عنه، و أرضاه -:
قد ذَكرنا في كتابِنا الشافي في الإمامةِ ثُمَّ في كتابِنا المُقنِعِ في الغَيبة السببَ في استتارِ إمامِ الزمانِ عليه السلام عن أعدائه و أوليائه، و خالَفْنا بَينَ السببَينِ. و بيّنّا أنّ عدمَ الانتفاعِ مِن الجميعِ به: لشَيءٍ يَرجِعُ إليهم، لا إليه، و استَقصَينا ذلكَ، و بَلَغْنا فيه أبعَدَ غايةٍ.
ثُمَّ استأنَفنا في المُقنِعِ طريقةً غريبةً لَم نُسبَقْ إليها، و دَلَّلنا على أنّه لا يَجِبُ علينا بيانُ السببِ في غَيبتِه علَى التعيينِ؛ بَل يَكفي في العِلمِ بحُسنِ الغَيبةِ منه عِلمُنا بعِصمتِه، و أنّه ممّن لا يَفعَلُ قَبيحاً، و لا يَترُكُ واجباً. و ضَرَبنا لذلكَ الأمثالَ في الأُصولِ، و أنّ مِثلَ ذلكَ مُستَعمَلٌ في مَواضِعَ كثيرةٍ.
و خَطَرَ ببالِنا الآنَ ما لا بُدَّ مِن ذِكرِه ليُعرَفَ، فهو قَويٌّ سَليمٌ مِن الشُّبَهِ و المَطاعِنِ.
و جُملتُه: أنّ أولياءَ إمامِ الزمانِ عليه السلام و شيعتَه و مُعتَقِدي إمامتِه يَنتَفِعونَ به في حالِ غَيبتِه النفعَ الذي نَقولُ: إنّه(2) لا بُدَّ في التكليفِ منه؛ لأنّهم مع عِلمِهم
ص: 135
بوجودِه بَينَهم و قَطعِهم على وجوبِ طاعتِه عليهم و لُزومِها لهم لا بُدَّ مِن أن يَهابوه و يَخافوه في ارتكابِ القَبائحِ، و يَخشَوا تأديبَه و انتقامَه و مؤاخَذتَه و سَطوَتَه، فيَكثُرَ منهم فِعلُ الواجبِ، و يَقِلَّ ارتكابُ القَبيحِ. أو يَكونَ ذلكَ أقرَبَ و أليَقَ.
و هذه هي(1) جهةُ الحاجةِ العقليّةِ إلَى الإمامِ.
و كأنّي بمَن سَمِعَ هذا مِن المُخالِفينَ رُبَّما عَجِبَ و قالَ: أيُّ سُطوَةٍ لِغائبٍ مُستَتِرٍ خائفٍ مذعورٍ؟! و أيُّ انتقامٍ يُخشى ممّن لا يَدٌ له باسطةٌ، و لا أمرٌ نافذٌ، و لا سُلطانٌ قاهرٌ؟! و كَيفَ يُرهَبُ مَن(2) لا يُعرَفُ و لا يُميَّزُ و لا يُدرى مكانُه؟!
و الجوابُ عن هذا: أنّ التعَجُّبَ بغَيرِ حُجّةٍ تَظهَرُ و بيِّنةٌ تُذكَرُ هو الذي يَجِبُ العَجَبُ منه، و قد عَلِمنا أنّ أولياءَ الإمامِ، و إن لَم يَعرِفوا شَخصَه و يُميِّزوه بعَينِه، فإنّهم يُحقِّقونَ وجودَه، و يَتيقَّنونَ (3) أنّه معهم بَينَهم، ولا يَشُكّونَ في ذلكَ، و لا يَرتابونَ به؛ لأنّهم إن لَم يَكونوا على هذه الصفةِ لَحِقوا بالأعداءِ، و خَرَجوا عن مَنزِلةِ الأولياءِ، و ما فيهم إلّا مَن يَعتَقِدُ أنّ الإمامَ بحَيثُ لا تَخفى عليه أخبارُه، و لا تَغيبُ عنه سَرائرُه فَضلاً عن ظواهرِه، و أنّه يَجوزُ أن يَعرِفَ ما يَقَعُ منهم مِن قَبيحٍ و حَسَنٍ، فلا يأمَنونَ أن يُقدِموا علَى القَبائحِ، فيؤدِّبَهم عليها.
و مَن الذي يَمتَنِعُ منهم - إن ظَهَرَ(4) له الإمامُ، و أظهَرَ له مُعجِزةً يَعلَمُ بها أنّه إمامُ
ص: 136
الزمانِ، و أرادَ تقويمَه و تأديبَه وإقامةَ حَدٍّ عليه - أن يَبذُلَ ذلكَ مِن نفسِه، و يَستَسلِمَ (1) لِما يَفعَلُه إمامُه به، و هو يَعتَقِدُ إمامتَه و فرضَ طاعتِه؟!
و هَل حالُه مع شيعتِه غائباً إلّاكحالِه ظاهراً فيما ذَكرناه خاصّةً و في وجوبِ طاعتِه و التحرُّزِ مِن معصيتِه و التزامِ مُراقَبتِه و تَجنُّبِ مُخالَفتِه؟!
و لَيسَ الحَذَرُ من السَّطوةِ و الإشفاقُ مِن النِّقمةِ بمَوقوفَينِ على مَعرفةِ العَينِ و تمييزِ الشخصِ و القَطعِ على مكانِه بعَينِه؛ فإنّ كَثيراً مِن رعيّةِ الإمامِ الظاهرِ لا يَعرِفونَ عَينَه، و لا يُميِّزونَ شَخصَه، و في(2) كَثيرٍ مِن الأحوالِ لا يَعرِفونَ مكانَ حُلولِه، و هُم خائفونَ متى فَعَلوا قَبيحاً أن يؤدِّبَهم و يُقوِّمَهم. و يَنتَفِعونَ بهذه الرَّهبةِ حتّى يَكُفّوا عن كَثيرٍ مِن القَبائحِ، أو يَكونوا أقرَبَ إلَى الاِنكفافِ.
و إذا كانَ الأمرُ على ما أوضَحناه، فقَد سَقَطَ عنّا السؤالُ المُتضمِّنُ لأنّ الإمام إذا لَم يَظهَرْ لأعدائه لِخَوفِه منهم و ارتيابِه بهم فألا ظَهَرَ لأوليائه؟! و إلّافكَيفَ حُرِمَ الأولياءُ مَنفَعتَهم و مَصلَحتَهم بشَيءٍ جَرَّه الأعداءُ عليهم؟! و أنّ هذا شَيءٌ يُنافي العَدلَ مع استمرارِ تكليفِ شيعتِه ما الإمامُ لُطفٌ فيه.
لأنّا قد بيّنّا أنّهم بإمامِهم عليه السلام مع الغَيبةِ مُنتَفِعونَ، و أنّ الغَيبةَ لا تُنافي الاِنتفاعَ الذي تَمَسُّ الحاجةُ إليه في التكليفِ. و بيّنّا أنّه لَيسَ مِن شَرطِ الاِنتفاعِ الظهورُ و البُروزُ، و بَرِئنا مِن عُهدَة هذا السؤالِ القَويِّ الذي يَعتَقِدُ مُخالِفونا أنّه لا جوابَ عنه و لا مَحيصَ منه.
ص: 137
و مع هذا، فما نَمنَعَ (1) مِن ظُهورِه عليه السلام لبعضِهم؛ إمّا لتقويمٍ، أو تأديبٍ، أو وعظٍ و تنبيهٍ و تعليمٍ. غيرَ أنّ ذلكَ كُلَّه غيرُ واجبٍ، فيُطلَبَ في فَوتِه العِلَلُ، و تُتمحَّلَ (2) له الأسبابُ. و إنّما يَصعُبُ الكلامُ و يَشتَبِهُ إذا كانَ ظُهورُه للوَليِّ واجباً؛ مِن حَيثُ لا يَنتَفِعُ أو يَرتَدِعُ إلّامع الظهورِ. و إذا كانَ الأمرُ على خِلافِ ذلكَ سَقَطَ وجوبُ الظهورِ للوَليِّ؛ لِما دَلَّلنا عليه مِن حصولِ الاِنتفاعِ و الاِرتداعِ مِن دونِه، فلَم تَبقَ شُبهةٌ.
فإن قيلَ: و مِنَ أينَ يَعلَمُ الإمامُ في حالِ الغَيبةِ و الاستتارِ بوقوعِ القَبائحِ مِن شيعتِه حتّى يَخافوا تأديبَه عليها، و هو في حالِ الغَيبةِ ممّن لا يُقِرُّ عندَه مُقِرٌّ، و لا يَشهَدُ لَدَيه شاهدٌ، و هَل هذا إلّاتعليلٌ بالباطِلِ؟!
قُلنا: ما المُتعلِّلُ (3) بالباطِلِ إلّامَن لا يُنصِفُ مِن نفسِه، و لا يَلحَظُ ما عليه كما يَلحَظُ ما له! فأمّا مَعرِفةُ الإمامِ بوقوعِ القَبائحِ مِن بعضِ أوليائه فقَد يَكونُ مِن كُلِّ الوجوهِ التي يُعلَمُ منها وقوعُ ذلكَ منهم، و هو ظاهرٌ نافذُ الأمرِ باسطُ اليَدِ.
فمنها: أنّه قد يَجوزُ أن يُشاهِدَ ذلكَ فيَعرِفَه بنفسِه، و حالُ الظهورِ في هذا الوجهِ كحالِ الغَيبةِ، بَل حالُ الغَيبةِ فيه أقوى؛ لأنّ الإمامَ إذا لم تُعرَفْ عَينُه و يُميَّزْ شَخصهُ، كانَ التحَرُّزُ مِن مُشاهَدتِه لنا على بعضِ القَبيحِ أضيَقَ و أبعَدَ، و مع المَعرِفةِ له بعَينِه
ص: 138
يَكونُ التحَرُّزُ أوسَعَ و أسهَلَ.
و معلومٌ لكُلِّ عاقلٍ الفَرقُ بَينَ الأمرَينِ؛ لأنّا إذا لَم نَعرِفْه جَوَّزنا في كُلِّ مَن(1) نَراه و لا نَعرِفُ نَسَبَه أنّه هو، حتّى أنّا لا نأمَنُ أن يَكونَ بعضَ جيرانِنا أو أضيافِنا أو الداخلينَ (2) و الخارجينَ إلينا. و كُلُّ ذلكَ مُرتَفِعٌ مع المعرفةِ و التمييزِ.
و إذا شاهَدَ الإمامُ مِنّا قَبيحاً يوجِبُ تأديباً و تقويماً أدَّبَ عليه و قَوَّمَ، و لَم يَحتَجْ إلى إقرارٍ و بيِّنةٍ؛ لأنّهما يَقتَضيانِ غَلَبةَ الظنِّ، و العِلمُ أقوى مِن الظنِّ.
و مِن الوجوهِ أيضاً: «البيّنةُ». و الغَيبةُ أيضاً لا تَمنَعُ مِن استماعِها و العملِ بها؛ لأنّه يَجوزُ أن يَظهَرَ على بعضِ الفَواحِشِ مِن أحَدِ شيعتِه العَدَدُ الذي تَقومُ به الشهادةُ عليها، و يَكونَ (3) هؤلاءِ (4) العَدَدُ ممّن يَلقَى الإمامَ و يَظهَرُ له - فقَد قُلنا: إنّا لا نَمنَعُ مِن ذلكَ، و إن كُنّا لا نوجِبُه -، فإذا شَهِدوا عندَه بها، و رأى إقامةَ حَدِّها، تَوَلّاه بنفسِه أو بأعوانِه؛ فلا مانِعَ له مِن ذلكَ، و لا وجهَ يوجِبُ تَعذُّرَه.
فإن قيلَ: رُبَّما لَم يَكُن مَن شاهَدَ هذه الفاحشةَ ممّن يَلقَى الإمامَ، فلا يَقدِرُ على إقامةِ الشهادةِ!
قُلنا: نَحنُ في بيانِ الطُّرُقِ المُمكِنةِ المُقدَّرةِ في هذا البابِ، لا في وجوبِ حصولِها، و إذا كانَ ما ذَكرناه مُمكِناً فقَد وَجَبَ الخَوفُ و التحَرُّزُ، و تَمَّ اللطفُ.
على أنّ هذا بعَينِه قائمٌ مع ظُهورِ الإمامِ و تَمكُّنِه؛ لأنّ الفاحشةَ يَجوزُ - أوّلاً - أن لا يُشاهِدَها مَن يَشهَدُ بها، ثُمَّ يَجوزُ أن يُشاهِدَها مَن لا عَدالةَ له فلا يَشهَدَ، و إن شَهِدَ».
ص: 139
لَم تُقبَلْ شَهادتُه، و إن شاهَدَها مِن العُدولِ مَن تُقبَلُ مِثلُ شَهادتِه يَجوزُ أن لا يَختارَ الشهادةَ. و كأنّنا نَقدِرُ على أن نُحصيَ الوجوهَ التي تَسقُطُ معها إقامةُ الحدودِ!
و مع ذلكَ كُلِّه فالرَّهبةُ قائمةٌ، و الحَذَرُ ثابتٌ، و يَكفي التجويزُ دونَ القَطعِ.
فأمّا الإقرارُ، فيُمكِنُ أيضاً مع الغَيبةِ؛ لأنّ بعضَ الأولياءِ الذينَ رُبَّما ظَهَرَ لهم الإمامُ قد يَجوزُ أن يواقِعَ فاحشةً فيَتوبَ منها، و يؤثِرَ التطهيرَ له بالحَدِّ الواجبِ فيها، فيُقِرَّ بها عندَه.
فقَد صارَت الوجوهُ التي تَكونُ مع الظهورِ ثابتةً في حالِ الغَيبةِ.
فإن قيلَ: ألَيسَ ما أحَدٌ مِن شيعتِه إلّاو هو يُجوِّزُ أن يَكونَ الإمامُ بَعيدَ الدارِ منه، و أنّه يَحِلُّ إمّا المَشرِقَ أو المَغرِبَ؟ فهو آمِنٌ مِن مُشاهَدتِه له على معصيتِه، أو أن يَشهَدَ بها عليه شاهدٌ(1). و هذا لا يَلزَمُ مع ظُهورِ الإمامِ و العِلمِ ببُعدِ دارِه؛ لأنّه لا يَبعُدُ مِن بَلَدٍ إلّاو يَستَخلِفُ فيه مَن يَقومُ مَقامَه؛ ممّن يُرهَبُ و يُخشى و يُتَّقَى انتقامُه.
قُلنا: كما لا أحَدَ مِن شيعتِه إلّاو هو يُجوِّزُ بُعدَ مَحَلِّ الإمامِ عنه، فكذلكَ لا أحَدَ منهم إلّاو هو يُجوِّزُ كَونَه في بَلَدِه و قَريباً مِن دارِه و جِوارِه، و التجويزُ كافٍ في وقوعِ الحَذَرِ و عدمِ الأمانِ.
و بَعدُ، فمَعَ (2) ظُهورِ الإمامِ و انبساطِ يدِه و نُفوذِ أمرِه في جميعِ الأُمّةِ لا أحَدَ مِن
ص: 140
مُرتَكِبي القَبائحِ (1) إلّاو هو يُجوِّزُ خَفاءَ ذلكَ علَى الإمامِ و لا يَتَّصِلَ به، و مع هذا فالرَّهبةُ قائمةٌ، و اللطفُ بالإمامِ ثابتٌ. فكَيفَ يَنسى هذا مَن يُلزِمُنا بمِثلِه مع الغَيبةِ؟!
فأمّا ما مضى في السؤالِ مِن: أنّ الإمامَ إذا كانَ ظاهراً مُتميِّزاً، و غابَ عن بَلَدٍ، فلَن يَغيبَ عنه إلّابَعدَ أن يَستَخلِفَ عليه مَن يُرهَبُ كرَهبَتِه، فقَد ثَبَتَ أنّ التجويزَ في حالِ الغَيبةِ لِأن يَكونَ قَريبَ الدارِ مِنّا، مُخالِطاً لنا، كافٍ في قيامِ الهَيبةِ و تَمامِ الرَّهبةِ؛ لكنّنا نَنزِلُ على هذا الحُكمِ فنَقولُ: و مَن الذي يَمنَعُ مَن قالَ بغَيبةِ الإمامِ مِن مِثلِ ذلكَ؟ فنَقولَ (2): إنّ الإمامَ لا يَبعُدُ في أطرافِ الأرضِ إلّابَعدَ أن يَستَخلِفَ مِن أصحابِه و أعوانِه، فلا بُدَّ مِن أن يَكونَ له و في صُحبَتِه أعوانٌ و أصحابٌ على كُلِّ بَلَدٍ يَبعُدُ عنه مَن يَقومُ مَقامَه في مُراعاةِ ما يَجري مِن شيعتِه، فإن جَرى ما يوجِبُ تقويماً و يَقتَضي تأديباً تَوَلّاه هذا المُستَخلَفُ كما يَتولّاه الإمامُ بنفسِه.
فإذا قيلَ: و كَيفَ يُطاعُ هذا المُستَخلَفُ؟!
و مِن أينَ يَعلَمُ الوليُّ الذي يُريدُ تأديبَه أنّه خَليفةُ الإمامِ؟!
قُلنا: بمُعجِزٍ يُظهِرُه اللّهُ تَعالى على يدِه؛ فالمُعجِزات على مَذاهبِنا تَظهَرُ على أيدي الصالحينَ، فَضلاً عمّن يَستَخلِفُه الإمامُ و يُقيمُه مَقامَه.
فإن قيلَ: إنّما يُرهَبُ خَليفةُ الإمامِ مع بُعدِ الإمامِ إذا عَرَفناه و مَيَّزناه!
قيلَ: قد مَضى مِن هذا الزمانِ (3) ما فيه كِفايةٌ. و إذا كُنّا نَقطَعُ على وجودِ الإمامِ في
ص: 141
الزمانِ و مُراعاتِه لأُمورِنا، فحالُه عندَنا مُنقَسِمةٌ إلى أمرَينِ، لا ثالثَ لهما: إمّا أن يَكونَ مَعَنا في بَلَدٍ واحدٍ، فيُراعيَ أُمورَنا بنفسِه، و لا يَحتاجَ إلى غيرِه؛ أو بَعيداً عنّا، فلَيسَ يَجوزُ مع حِكمتِه أن يَبعُدَ إلّابَعدَ أن يَستَخلِفَ مَن يَقومُ مَقامَه، كما يَجِبُ أن يَفعَلَ لَو كانَ ظاهرَ العَينِ مُتميِّزَ الشخصِ. و هذه غايةٌ لا شُبهةَ بَعدَها.
فإن قيلَ: هذا تصريحٌ منكم بأنّ ظُهورَ الإمامِ كاستتارِه في الاِنتفاعِ به و الخَوفِ منه و نَيلِ المَصالحِ مِن جهتِه، و في ذلكَ ما تَعلَمونَ!
قُلنا: إنّا لا نَقولُ: إنّ ظُهورَه في المَرافِقِ به و المَنافِعِ كاستتارِه. و كَيفَ نَقولُ ذلكَ و في ظُهورِه و انبِساطِ يدِه و قُوّةِ سُلطانِه انتفاعُ الوَليِّ و العَدُوِّ و المُحِبِّ و المُبغِضِ، و لَيسَ يَنتَفِعُ به في حالِ الغَيبةِ - الانتفاعَ الذي أشَرنا إليه - إلّاوَليُّه دونَ عَدُوِّه؟! و في ظُهورِه و انبساطِه أيضاً مَنافِعُ جَمّةٌ لأوليائه و غيرِهم؛ لأنّه يَحمي بَيضَتَهم، و يَسُدُّ ثُغورَهم، و يؤمِنُ سُبُلَهم، فيَتمكَّنونَ (1) مِن التجاراتِ و المَكاسِبِ و المَغانِمِ، و يَمنَعُ مِن ظُلمِ غيرِهم لهم، فتَتوفَّرُ أموالُهم، و تَدِرُّ مَعايِشُهم، و تَتضاعَفُ مَكاسِبُهم. غيرَ أنّ هذه مَنافِعُ دُنياويّةٌ لا يَجِبُ (2) - إذا فاتَت بالغَيبةِ - أن يَسقُطَ التكليفُ معها، و المَنافِعُ الدينيّةُ الواجبةُ في كُلِّ حالٍ بالإمامةِ قد بيّنّا أنّها ثابتةٌ مع الغَيبةِ، فلا يَجِبُ سقوطُ التكليفِ لها.
و لَو قُلنا - و إن كانَ ذلكَ لَيسَ بواجبٍ -: إنّ انتفاعَهم به على سَبيلِ اللطفِ في فِعلِ الواجبِ، و الاِمتناعِ مِن القَبيح - و قد بيّنّا ثُبوتَه في حالِ الغَيبةِ - يَكونُ أقوى في
ص: 142
حالِ الظهورِ للكُلِّ و انبساطِ اليدِ في الجميعِ، لَجاز؛ لأنّ اعتراضَ (1) ما يُفوِّتُ قُوّةَ اللطفِ مع ثُبوتِ أصلِه لا(2) يَمنَعُ مِن الاِنتفاعِ به علَى الوجهِ الذي هو لُطفٌ فيه، و لا(3) يوجِبُ سقوطَ التكليفِ.
فإن قيلَ: ألا جَوَّزتم أن يَكونَ أولياؤه غيرَ مُنتَفِعينَ به في حالِ الغَيبةِ، إلّاأنّ اللّهَ تَعالى يَفعَلُ لهم مِن اللطفِ في هذه الأحوالِ ما يَقومُ في تكليفِهم مَقامَ الانتفاعِ بالإمامِ، كما قالَه جماعةٌ مِن الشُّيوخِ في إقامةِ الحدودِ إذا فاتَت؛ فإنّ اللّهَ تَعالى يَفعَلُ ما يَقومُ مَقامَها في التكليفِ؟!
قُلنا: قد بيّنّا أنّ أولياءَ الإمامِ يَنتَفِعونَ به في أحوالِ الغَيبةِ على وجهٍ لا مَجالَ للرَّيبِ عليه، وبهذا القَدرِ يَسقُطُ السؤالُ.
ثُمَّ يَبطُلُ مِن وجهٍ آخَرَ، و هو: أنّ تدبيرَ الإمامِ و تَصرُّفَه و اللطفُ لرَعيّتِه به ممّا لا يَقومُ عندَنا شَيءٌ مِن الأُمورِ مَقامَه. و لَولا أنّ الأمرَ على ذلكَ لَما وَجَبَت الإمامةُ على كُلِّ حالٍ، و في كُلِّ مُكلَّفٍ، و لَكانَ تجويزُنا قيامَ غيرِها مَقامَها في اللطفِ يَمنَعُ مِن القَطعِ على وجوبِها في كُلِّ الأزمانِ.
و هذا السؤالُ طَعنٌ في وجوبِ الإمامةِ، فكَيفَ نَتقبَّلُه(4) و نُسألُ عنه في عِلّةِ الغَيبةِ؟!
و لَيسَ كذلكَ الحدودُ؛ لأنّها إذا كانَت لُطفاً، و لَم يَمنَعْ دليلٌ عقليٌّ و لا سَمعيٌّ
ص: 143
مِن جوازِ نظيرٍ لها و قائمٍ في اللطفِ مَقامَها، جازَ أن يُقالَ: إنّ اللّهَ تَعالى يَفعَلُ عندَ فَوتِها ما يَقومُ مَقامَها. و هذا على ما بيّنّاه لا يَتأتّى في الإمامةِ.
فإن قيلَ: إذا عَلَّقتم ظُهورَ الإمامِ بزَوالِ خَوفِه مِن أعدائه و أمنِه مِن جهتِهم، فكَيفَ يَعلَمُ ذلكَ؟ و أيُّ طريقٍ له(1) إليه؟ و ما يُضمِرُه أعداؤه أو يُظهِرونَه - و هُم في الشرقِ و الغَربِ و البَرِّ و البَحرِ - لا سَبيلَ له إلى معرفتِه علَى التحديدِ و التفصيلِ!
قُلنا: أمّا الإماميّةُ، فعندَهم أنّ آباءَ الإمامِ - عليه و عليهم السلامُ - عَهِدوا إليه، و أنذَروه، و أطلَعوه على ما عَرَفوه مِن توقيفِ الرسولِ صلّى اللّه عليه و آله على زمانِ الغَيبةِ و كَيفيّتِها و طولِها و قِصَرِها، و علاماتِها و أماراتِها، و وقتِ الظهورِ، و الدلائلِ على تيسيرِه و تسهيلِه.
و على هذا لا سؤالَ علينا؛ لأنّ زمانَ الظهورِ إذا كان منصوصاً على صفتِه و الوقتِ الذي يَجِبُ أن يَكونَ فيه، فلا حاجةَ إلَى العِلمِ بالسرائرِ و الضمائرِ.
و غيرُ مُمتَنِعٍ - مُضافاً إلى ما ذَكرناه - أن يَكونَ هذا البابُ موقوفاً على غَلَبةِ الظنِّ و قُوّةِ الأماراتِ و تَظاهُرِ الدَّلالاتِ.
و إذا كانَ ظُهورُ الإمامِ إنّما هو بأحَدِ أُمورٍ - إمّا بكَثرةِ أعوانِه و أنصارِه(2)، أو قُوّتِهم و نَجدتِهم، أو قِلّةِ أعدائه، أو ضَعفِهم و جَورِهم، و هذه أُمورٌ عليها أماراتٌ يَعرِفُها مَن نَظَرَ فيها و راعاها و قَرُبَت مُخالَطتُه لها - فإذا أحَسَّ الإمامُ عليه السلام بما ذَكرناه - إمّا مُجتَمِعاً أو مُتفرِّقاً - و غَلَبَ في ظنِّه السلامةُ، و قَويَ عندَه بلوغُ الغرضِ
ص: 144
و الظفَرُ بالأرَبِ (1)، تَعيَّنَ عليه فرضُ الظهورِ، كما يَتعيَّنُ على أحَدِنا فرضُ الإقدامِ و الإحجامِ عندَ الأماراتِ المؤمِنةِ و المُخيفةِ.
فإن قيلَ: إذا كانَ مَن غَلَبَ عندَه ظنُّ السلامةِ، يُجوِّزُ خِلافَها، و لا يأمَنُ أن يُحقَّقَ ظنُّه، فكَيفَ يَعمَلُ إمامُ الزمانِ و مَهديُّ الأُمّةِ علَى الظنِّ في الظهورِ و رفعِ التقيّةِ، و هو مُجوِّزٌ أن يُقتَلَ و يُمنَعَ؟!
قُلنا: أمّا غَلَبةُ الظنِّ، فتَقومُ مَقامَ العِلمِ في تَصرُّفِنا و كَثيرٍ مِن أحوالِنا الدينيّةِ و الدنياويّةِ مِن غيرِ عِلمٍ بما تَئولُ إليه العَواقِبُ، غيرَ أنّ الإمامَ خَطْبُه يُخالِفُ خَطْبَ غيرِه في هذا البابِ، فلا بُدَّ فيه مِن أن يَكونَ قاطعاً علَى النصرِ و الظفَرِ.
و إذا سَلَكنا في هذه المسألةِ الطريقَ الثانيَ مِن الطريقَينِ اللذَينِ ذَكرناهما، كانَ لنا أن نَقولَ: إنّ اللّهَ تَعالى قد أعلَمَ إمامَ الزمانِ - مِن جهةِ وَسائطِ عِلمِه، و هُم آباؤه و جَدُّه رسولُ اللّهِ صلى اللّه عليه و آله - أنّه متى غَلَبَ في ظنِّه الظفَرُ و ظَهَرَت له أماراتُ السلامةِ فظُهورُه واجبٌ و لا خَوفَ عليه مِن أحَدٍ، فيَكونُ الظنُّ هاهُنا طريقاً إلَى(2) العِلمِ، و باباً إلَى القَطعِ.
و هذا كما يَقولُه أصحابُ القياسِ إذا قالَ لهم نافوه في الشريعةِ و مُبطِلوه:
كَيفَ يَجوزُ أن يُقدِمَ مَن يَظُنُّ أنّ الفَرعَ مُشبِهٌ للأصلِ في الإباحةِ و مُشارِكٌ له في عِلّتِها علَى الفِعلِ، و هو يُجوِّزُ أن يَكونَ الأمرُ بخِلافِ ظنِّه؟ لأنّ الظنَّ لا قَطْعَ
ص: 145
معه، و التجويزُ بخِلافِ ما تَناوَلَه ثابتٌ، أوَ لَيسَ هذا موجِباً أن يَكونَ المُكلَّفُ مُقدِماً على ما لا يأمَنُ كَونَه قَبيحاً؟! و الإقدامُ على ما لا يؤمَنُ قُبحُه كالإقدامِ على ما يُعلَمُ قُبحُه.
لأنّهم يَقولونَ: تَعبُّدُ الحكيمِ سُبحانَه بالقياسِ يَمنَعُ مِن هذا التجويزِ؛ لأنّ اللّهَ تَعالى إذا تَعبَّدَ بالقياسِ فكأنّه - عزّ و جلّ - قالَ: «مَن غَلَبَ على ظَنِّه بأماراتٍ، فظَهَرَ له في فَرعٍ أنّه يُشبِهُ أصلاً مُحلَّلاً، فيَعمَلْ على ظنِّه، فذلكَ فرضُه، و المشروعُ له»، فقَد أمِنَ بهذا الدليلِ و مِن هذه الجهةِ الإقدامَ علَى القبيحِ، و صارَ ظنُّه - أنّ الفَرعَ يُشبِهُ الأصلَ في الحُكمِ المخصوصِ - طريقاً إلَى العِلمِ بحالِه و صفتِه في حقِّه و فيما يَرجِعُ إليه، و إن جازَ أن يَكونَ حُكمُ غيرِه في هذه الحادثةِ بخِلافِ حُكمِه إذا خالَفَه في غَلَبةِ الظنِّ.
و مَن هذه حُجّتُه، و عليها عُمدتُه، كَيفَ يَشتَبِهُ عليه ما ذَكرناه في غَلَبة الظنِّ للإمامِ (1) بالسلامةِ و الظفَرِ؟! و الأَولى بالمُنصِفِ أن يَنظُرَ لخَصمِه كما يَنظُرُ لنفسِه، و يَقنَعُ به مِن نفسِه.
فإن قيلَ: كَيفَ يَكونُ الإمامُ لُطفاً لأوليائه في أحوالِ غَيبتِه(2) و زاجراً لهم عن فِعلِ القَبيحِ و باعِثاً على فِعلِ الواجبِ، علَى الحَدِّ الذي يَكونُ عليه مع ظُهوره - و هو: إذا كانَ ظاهراً مُتصرِّفاً، عُلِمَ ضَرورةً، و خيفَت سَطوَتُه و عِقابُه مُشاهَدةً؛ و إذا كانَ غائباً
ص: 146
مُستَتِراً، عُلِمَ ذلك بالدلائلِ المُتطرِّقِ عليها ضُروبُ الشُّبُهاتِ -؟ و هَل الجَمعُ بَينَ الأمرَينِ إلّادَفعاً للعِيانِ (1)؟!
قُلنا: هذا سؤالٌ لَم يَصدُرْ عن تأمُّلٍ؛ لأنّ الإمامَ و إن كانَ مع ظُهورِه نَعلَمُ وجودَه ضَرورةً، و نَرى تَصرُّفَه مُشاهَدةً، فالعِلمُ بأنّه الإمامُ المُفتَرَضُ الطاعةِ المُستَحِقُّ للتدبيرِ و التصَرُّفِ لا يُعلَمُ إلّابالاِستدلالِ الذي يَجوزُ اعتراضُ الشُّبهةِ فيه. و الحالُ - في العِلمِ بأنّه(2) الإمامُ المفروضُ الطاعةِ، و أنّ الطريقَ إليه لدليلٌ - في الغَيبةِ و الظهورِ واحدةٌ (3). فقَد صارَت المُشاهَدةُ و الضرورةُ لا تُغني في هذا البابِ شَيئاً؛ لأنّهما ممّا لا يَتعلَّقانِ إلّابوُجودِ عَينِ الإمامِ، دونَ صحّةِ إمامتِه و وجوبِ طاعتِه.
و اللطفُ إنّما هو - على هذا - يَتعلَّقُ بما هو غيرُ مُشاهَدٍ و لا مَعلومٌ ضَرورَةً، بَل طَريقُه الدّليلُ؛ فقدِ اسْتَوَت حالُ الغَيبَةِ (4)، و حالُ الظهورِ - في كَونِ الإمامِ عليه السلام لُطفاً لِمَن يَعتَقدُ(5) إمامتَه و فَرضَ طاعتِه، و سَقَطَت الشُّبهةُ.
و الحَمدُ للّهِ وَحدَه، و صَلَّى اللّهُ على محمّدٍ و آلِه و سَلَّمَ.».
ص: 147
ص: 148
ص: 149
ص: 150
تعرّض الشريف المرتضى في اثني و عشرين مصنَّفٍ (بين كتاب و رسالة) إلى الأبحاث المهدويّة و المسائل المرتبطة بها، كما مضت الإشارة إلى ذلك في مقدّمة الكتاب، من بين هذه الموارد استقلّت ثلاث مصنّفات بصورة مستقلّة بالأبحاث المهدويّة، و 19 منها في ضمن كتب أو رسائل عامّة.
و قد سعينا في هذه الملحقات أن نتمّم كتاب المقنع و تكملته باستخراج هذه الأبحاث المهدويّة و ترتيبها و تنظيمها حسب الترتيب التاريخي.
أشرنا في مقدّمة الكتاب إلى خلاصة هذه الأبحاث و فهرستها، فلا موجب لتكرارها، و لكن نشير في هذه المقدّمة إلى ملاحظات في كيفيّة جمع هذه الملحقات:
1. نصوص هذه الأبحاث محقّقة حسب التحقيق المنثور في أعمال مؤتمر الشريف المرتضى، و لكن تحاشياً للاستثقال حذفنا اختلافات النسخ و التعليقات و اكتفينا بهوامش التخريج.
2. جعلنا للنصوص المطوّلة عناوين لموضوعاتها بين معقوفين، للفصل بين مطالب الكتاب.
3. في أبحاث الرجعة و الإجماع اكتفينا بما يرتبط بالإمام المهدي عليه السلام و المهدويّة خاصّة، و لم ننقل سائر الموارد.
و أمّا النصوص الواردة في الملحقات، فقد استقيناها من المصادر التالية حسب
ص: 151
الترتيب التاريخي، و هي:
1. الشافي (سنة 398 ه).
2. الديوان (سنة 403 ه).
3. تنزيه الأنبياء و الأئمّة (بعد سنة 406 ه)
4. المسائل التبّانيّات (بعد سنة 406 ه).
5. الفصول المختارة (قبل سنة 413 ه).
6. الأمالي أو غرر الفوائد (سنة 413 ه).
7. رسالة في غيبة الحجّة عليه السلام (قبل المقنع).
8. الذخيرة (بعد سنة 415 ه).
9. جمل العلم و شرح جمع العلم (بعد سنة 415 ه).
10. أجوبة مسائل متفرّقة (بعد سنة 415 ه).
11. المسائل الرازيّة (بعد سنة 415 ه).
12. الطرابلسيّات (بعد سنة 415 ه).
13. شرح القصيدة المذهّبة (قبل سنة 417 ه).
14. الموصليّات الثالثة (420 ه).
15. الانتصار (420-427 ه).
16. رسالة في الردّ على أصحاب العدد (بعد سنة 427 ه).
17. إبطال العمل بأخبار الآحاد (بعد سنة 427 ه).
18. المسائل الرسيّة الأولى (429 ه).
19. الذريعة (430 ه).
20. الميّافارقيّات (غير معلوم).
ص: 152
قد تعرّض صاحب المغني في مواضع من كتابه لما يتعلّق بالإمام الثاني عشر فنقضه الشريف، و هي ستّة مواضع، نقتصر على نقل موضع الحاجة منها:
قالَ صاحبُ الكتابِ:
ثُمّ يُقالُ لهم: قد عَلِمنا أنّ الإمامَ لا يَصِحُّ أن يُغيِّرَ حالَهم في القدرةِ و الآلةِ و العقلِ و سائرِ وجوهِ التمكينِ، فلا بُدَّ مِن كَونِها حاصلةً (1)، و كذلكَ فالأدلّةُ على ما كُلِّفوه منصوبةٌ مع فَقدِ الحُجّةِ؛ فإذا صَحَّ ذلكَ فما الذي يَمنَعُ مِن أن يَستَدِلّوا بها فيَعلَموا ما كُلِّفوه و يَقوموا به مع فَقدِ الإمامِ؟ و هَلّا كانَ حالُهم مع فَقدِه كحالِهم مع وجودِه؟ لأنّه مع وجودِه إنّما يَستَفيدونَ بالنظَرِ في الأدلّةِ، و ذلك مُمكِنٌ مع عَدَمِه....(2)
فيُقالُ له: هذا توَهُّمٌ مِنكَ عَلَينا «إيجابَ الإمامةِ و وجودَ الإمامِ في كُلِّ زمانٍ؛ لِيُعلَمَ عندَ وجودِه ما لا يَصِحُّ أن يُعلَمَ عندَ فَقدِه، و إن كانَت الأدلّةُ علَى المعلومِ
ص: 153
موجودةً في الحالَينِ». و قد تَقدَّمَ أنّا لا نَذهَبُ إلى ذلكَ و لا نَعتَمِدُه، و بيّنّا كَيفَ القولُ فيه.
فأمّا قولُكَ: «فما الذي يَمنَعُ مِن أن يَستَدِلّوا و يَعلَموا و يَقوموا بما كُلِّفوا؟» فقَد ذَكَرنا ما في العِلمِ. فأمّا القيامُ بجميعِ ما كُلِّفوه، فهو و إن كانَ مقدوراً - على ما ذَكرتَ - فالإمامُ لُطفٌ في وقوعِه على ما دَلَّلنا عليه، و مُحالٌ إذا كانَ لُطفاً أن يَكونَ حالُهم مع وجودِه كحالِهم مع فَقدِه في القيامِ بما كُلِّفوه مِن العباداتِ التي بيّنّا أنّ وجودَ الإمامِ لُطفٌ في وقوعِها و فَقدَه داعٍ إلَى ارتفاعِها.
ثُمّ يُقالُ له: هكذا يَقولُ لكَ نافي اللُّطفِ: قد عَرَفنا أنّ جميعَ الألطافِ لا تُغيِّرُ حالَ المكلَّفِ في قدرةٍ و آلةٍ إلى سائرِ وجوهِ التمكينِ؛ لأنّ المكلَّفَ متمكِّنٌ مِن الفِعلِ مع عَدَمِ اللُّطفِ كما أنّه متمكِّنٌ مِنه مع وجودِه، فألّا جازَ الاستغناءُ عن الألطافِ و الاقتصارُ بالمكلَّفينَ على قُدَرِهم و تَمكُّنِهم؟ و جميعُ ما يَبطُلُ به هذا القولُ و يوجِبُ - مع القدرةِ و التمكُّنِ - الحاجةَ إلَى الألطافِ، بمِثلِه يَبطُلُ قولُكَ.
قال صاحبُ الكتابِ:
ثُمّ يُقالُ لهم: فيَجِبُ على زَعمِكم إذا لَم يَظهَرِ الإمامُ حتّى يَزولَ (1) النقصُ به، أن يَكونَ الحالُ فيه كالحالِ و لا حُجّةَ في الزمانِ؛ لأنّ النقصَ لا يَزولُ بوجودِ الإمام، و إنّما يَزولُ بما يَظهَرُ مِنه و يُعلَمُ مِن قِبَلِه. و هذا يوجِبُ عَلَيهم في هذا الزمانِ و في كثيرٍ مِن الأزمنةِ أن يَكونَ المُكلَّفُ معذوراً، أو التكليفُ ساقِطاً....(2)8.
ص: 154
فيُقالُ له: لَيسَ يَجِبُ إذا لَم يَظهَرِ الإمامُ ففاتَ النفعُ به أن يَكونَ الحالُ عندَ عَدَمِ ظُهورِه كالحالِ عندَ عَدَمِ عَينِه(1)؛ لأنّه إذا لَم يَظهَرْ لإخافةِ الظالِمينَ له و لأنّهم أحوَجوه إلَى الغَيبةِ و الاستتارِ، كانَت الحُجّةُ في فَوتِ المَصلَحةِ به عَلَيهم، فكانوا هُم المانِعينَ أنفسَهم مِن الانتفاعِ به، و إذا عُدِمَت عَينُ الإمامِ ففاتَ المكلَّفينَ الانتفاعُ به، كانَت الحُجّةُ في ذلكَ على مَن فَوَّتَهم النفعَ به و هو القَديمُ تَعالى، و إذا أُوجِبَت(2) إزاحةُ عِلَلِ المكلَّفينَ علَيه تَعالى، عَلِمنا أنّه لا بُدَّ مِن أن يوجِدَ الإمامَ و يأمُرَ بطاعتِه و الانقيادِ له؛ سَواءٌ عَلِمَ وقوعَ الطاعةِ مِن المكلَّفينَ، أو عَلِمَ أنّهم يُخيفونَه و يُلجِئونَه إلَى الغَيبةِ. و هذا بخِلافِ ما ظَنَّه مِن كَونِ المكلَّفينَ مَعذورينَ، أو سقوطِ التكليفِ عنهم.
فإن قالَ: إن كانَ المكلَّفونَ غيرَ معذورينَ و قد أخافوا الإمامَ على دعواكم، و أحوَجوه إلى الكَونِ (3) بحَيثُ لا يَنتَفِعونَ به، و لا يَصِلونَ إلى مَصالحِهم مِن جهتِه، فيَجِبُ أن يَسقُطَ عنهم التكليفُ الذي أمْرُ الإمامِ و نهيُه و تصرُّفُه لُطفٌ فيه؛ لأنّهم بما فَعَلوه قد مُنِعوا(4) مِن هذا اللُّطفِ (5)، و جَرَوا في هذا الوجهِ مَجرى مَن قَطَعَ رِجْلَ نَفسِه في أنّ تكليفَه بالصلاةِ قائماً لا يَلزَمُه و يَجِبُ سقوطُه عنه. و لا يَفْتَرِقُ في سقوطِ التكليفِ عنه حالُ قَطعِه لرِجْلِ نَفسِه، و قَطعِ اللّهِ تَعالى لها.
قيلَ له: لَيسَ يُشبَّهُ حالُ المكلَّفينَ المانِعينَ للإمامِ مِن الظهورِ و القيامِ بأمرِه.
ص: 155
الإمامةِ بحالِ القاطعِ لرِجْلِ نَفسِه في سقوطِ تكليفِ الصلاةِ مع القيامِ عنه؛ لأنّ مَن قَطَعَ رِجْلَ نَفسِه قد أخرَجَ نَفسَه عن التمكُّنِ مِن الصلاةِ قائماً؛ لأنّه لا وصولَ له إلى هذه الصلاةِ بشَيءٍ مِن أفعالِه و مقدوراتِه. و لَيسَ كذلكَ حالُ الظالِمينَ المُخيفينَ للإمامِ؛ لأنّهم قادرونَ و متمكِّنونَ مِن إزالةِ إخافتِه و ما أحوَجَه إلَى الغَيبةِ، و يَجرونَ في هذا الوجهِ مَجرى مَن شَدَّ رِجْلَ نَفسِه في أنّ تكليفَه للصلاةِ قائماً لا يَسقُطُ عنه و إن كانَ في حالِ شَدِّها غيرَ متمكِّنٍ مِن الصلاةِ؛ لأنّه قادرٌ على إزالةِ الشَّدِّ، فيَصِحُّ مِنه فِعلُ الصلاةِ.
فإن قالوا: فما هذا الأمرُ الذي فَعَلَه الظالمونَ فمَنَعوا به الإمامَ مِن الظهورِ؟ بَيِّنوه لنَعلَمَ صحّةَ ما ادَّعَيتموه مِن تمكُّنِهم مِن إزالتِه و الانصِرافِ عنه.
قيلَ له: المانعُ في الحقيقةِ عندَنا مِن ظهورِه هو: إعلامُ اللّهِ تَعالى له أنّ الظالِمينَ متى ظَهَرَ أقدَموا على قَتلِه و سَفكِ دَمِه، فبَطَلَ الحُجّةُ بمَكانِه. و لَيسَ يَجوزُ أن يَكونَ المانعُ مِن الظهورِ إلّاما ذَكَرناه؛ لأنّ مجرَّدَ الخَوفِ مِن الضرَرِ و ما يَجري مَجرَى الضرَرِ - ممّا لا يَبلُغُ إلى تَلَفِ النفسِ - لَيسَ يَجوزُ أن يَكونَ مانعاً(1)؛ لأنّا قد رَأَينا مِن الأئمّةِ عليهم السلامُ [ممّن] تَقَدَّمَ (2) ظَهَرَ مع جميعِ ذلكَ.
و لَيسَ يَجوزُ أن يُجعَلَ المانعُ مِن الظهورِ عِلمَ اللّهِ تَعالى مِن حالِ بَعضِ المكلَّفينَ أو أكثَرِهم أنّهم يَفسُدونَ عندَ ظهورِه في بعضِ الأحوالِ؛ لأنّه إن قيلَ أنّه يَعلَمُ ذلكَ على وجهٍ يَكونُ ظهورُه مؤثِّراً فيه(3)، وَجَبَ سقوطُ ما عَوَّلنا عليه في أصلِ الإمامةِ مِن كَونِها لُطفاً في الواجباتِ و ارتفاعِ المُقَبَّحاتِ، و لَزِمَ فيها ما نأباهم.
ص: 156
مِن كَونِها استفساداً في حالٍ مِن الأحوالِ. و إن لَم يَكُن ظهورُه مؤثِّراً فيما يَقَعُ مِن الفَسادِ، لَم يَلزَمِ الاستتارُ لأجلِه، كما لَم يَلزَمِ استتارُ مَن تَقدَّمَه مِن الأئمّةِ عليهم السلامُ و لا تَركُ بِعثةِ كثيرٍ مِن الرُّسُلِ لأجلِ ما وَقَعَ مِن بعضِ المكلَّفينَ مِن الفَسادِ في حالِ الإمامةِ لهؤلاءِ و النبوّةِ لأولئكَ. و هذا يبيِّنُ أنّ الوجهَ الصحيحَ الذي ذَكَرناه، دونَ غيرِه.
فإن قالَ: إذا كانَ المانعُ هو ما ذَكَرتُموه، فيَجِبُ في كُلِّ مَن كانَ في المعلومِ أنّ رَعيّتَه تَقتُلُه مِن إمامٍ أو نَبيٍّ أن يوجِبَ اللّهُ تَعالى عليه الاستتارَ و الغَيبةَ، و يَحظُرَ(1) عليه الظهورَ، و إلّافإن جازَ أن يُبيحَ اللّهُ تَعالى لبَعضِ مَن يَعلَمُ أنّه يُقتَلُ مِن حُجَجِه الظهورَ، جازَ مِثلُ ذلكَ في كُلِّ إمامٍ؛ فبَطَلَ أن يَكونَ المانعُ ما ذَكَرتموه.
قيلَ له: إنّما أوجَبنا أن يَكونَ ما بيّنّاه مانعاً بشَرطِ أن يَكونَ مصلحةُ المكلَّفينَ مقصورةً على ذلكَ الإمامِ بعَينِه، و يَكونَ في معلومِ اللّهِ تَعالى أنّ أحَداً مِن البَشَرِ لا يَقومُ في مصلحةِ الخَلقِ بإمامتِه مَقامَه، و مَن أباحَه اللّهُ تَعالَى الصَّبرَ علَى القَتلِ مِن حُجَجِه و أنبيائه لَم يُبِحْهُ ذلكَ إلّامع العِلمِ بأنّه إذا قُتِلَ قامَ مَقامَه غيرُه مِن الحُجَجِ.
و هذا واضحٌ لِمَن تأمَّلَه.
فإن قالَ: إذا كانَ المانعُ للإمامِ مِن الظهورِ ما بَيَّنتموه ممّا هو معلومٌ أنّ الظالِمينَ هُم المخصوصونَ به، فما قولُكم في أوليائه و معتَقِدي إمامتِه و هُم متميِّزونَ مِن أعدائه في المنعِ الذي ذَكَرتموه؟ فيَجِبُ عَلَيكم أحَدُ أُمورٍ: إمّا أن تَقولوا أنّ التكليفَ الذي الإمامُ لُطفٌ فيه ساقطٌ عنهم كون ظهور الإمام لطفاً في طاعته و مقرّباً منها يمكن بدونه أداؤها بمشقّة، و التبعة في ذلك على من ألجأه إلى الاستتار؛ ألا ترى أنّ تسلّط المخالفين على مكّة و المشاهد المقدّسة أوجب مشقّة التقيّة على الحجيج و الزائرين، و لا يسقط بها عنهم الحجّ و رجحان الزيارة، بل يتضاعف بذلك أجرهم؟ فتدبَّر (ح. س)».
(2)، و هذا خروجٌ عن الدِّينِ. أو تَرتكبوا القولَ مع
ص: 157
بظُهورِ الإمامِ لهم(1)، و تَدَّعونَ ما تَعلَمونَ أنتم و كُلُّ أحَدٍ خِلافَه. أو تُشرِّكوا بَينَهم و بَينَ الأعداءِ في المنعِ الذي ادَّعَيتموه، فيَلزَمُكم مساواتُهم لِحالِهم و خروجُهم مِن جُملةِ الوَلايةِ إلَى العَداوةِ؛ و قد عَلِمنا و عَلِمتم أنّ جميعَ الناسِ لَيسَ بأعداءٍ للإمامِ الذي تَدَّعونَه، بَل فيهم مَن يَعتقدُ إمامتَه و يَنتظرُ ظهورَه.
قيلَ له: قد أجابَ أصحابُنا عن هذا السؤالِ بأن قالوا: إنّ العِلّةَ في استتارِ الإمامِ في غَيبتِه عن أوليائه غيرُ العِلّةِ في استتارِه عن أعدائه؛ و هي خَوفُه مِن الظهورِ لهم(2) لئلّا يَنشُروا خَبَرَه و يُجروا ذِكرَه، فيَسمَعَ به الأعداءُ و يَظهَروا عليه، فيَؤولُ الأمرُ إلَى الغايةِ الموجِبةِ للاستتارِ من الأعداءِ؛ و هذا قريبٌ.
و ممّا يُمكِنُ أن يُجابَ به عن هذا السؤالِ (3)، أن يُقالَ: قد عَلِمنا أنّ الإمامَ إذا ظَهَرَ
ص: 158
لجميعِ رعيّتِه أو لبعضِهم و لَيسَ يُعلَمُ صدقُه في ادّعائه أنّه الإمامُ بنَفسِ دعواه، بَل لا بُدَّ مِن آيةٍ يُظهِرُها تَدُلُّ على صدقِه، و ما يُظهِرُه مِن الآياتِ لَيسَ يُعلَمُ ضرورةً كَونُه آيةً و دَلالةً، بل يُعلَمُ ذلكَ بضُروبِ الاستدلالِ التي تَدخُلُ في طُرُقِها الشكوكُ و الشبُهاتُ، و إذا صَحَّ هذا فمَن لَم يَظهَر له الإمامُ مِن أوليائه لا يَمتَنِعُ أن يَكونَ المعلومُ مِن حالِه أنّ ما يُظهِرُه الإمامُ مِن المُعجِزِ يَدخُلُ عليه في طريقِه الشُّبُهاتُ، فلا يَصِلُ إلَى العِلمِ بكَونِه آيةً مُعجِزةً، و إذا لَم يَصِلْ إلى ما ذَكَرناه و اعتَقَدَ في المُظهِرِ له ما يُعتَقَدُ في المُحتالينَ (1) المُخرِّفينَ (2)، لَم يَمتَنِعْ أن يَكونَ في المعلومِ مِنه أن يُقدِمَ مع هذا الاعتقادِ على سَفكِ دَمِه أو فِعلِ ما يؤدّي إلى ذلكَ مِن تنبيهِ بعضِهم عليه - أعني بَعضَ الأعداءِ - فيَؤولُ الحالُ إلَى العِلّةِ التي مَنَعنا لها مِن ظهورِه لأعدائه.
و إن كانَ بَينَ الأعداءِ و الأولياءِ فَرقٌ مِن وجهٍ آخَرَ؛ لأنّ الأعداءَ قَبلَ ظهورِه معتقِدونَ أنّه لا إمامَ في العالَمِ، و أنّ مَن ادَّعَى الإمامةَ مُبطِلٌ كاذبٌ، فهُم عندَ ظهورِ).
ص: 159
مَن يَدَّعي الإمامةَ علَى الوجهِ الذي نَذهَبُ إليه لا يَنظُرونَ فيما يُظهِرُه ممّا يَدَّعي أنّه آيةٌ؛ لتَقدُّمِ اعتقادِهم أنّ كُلَّ ما يَدَّعيه مِن نَسَبِ الإمامةِ المخصوصةِ إلى نَفسِه مِن الآياتِ باطلٌ لا دَلالةَ فيه، فيُقدِمونَ لهذه الاعتقاداتِ علَى المكروهِ فيه. و لَيسَ كذلكَ حالُ الأولياءِ؛ لأنّهم يَنتظرونَ ظهورَ الإمامِ الذي يَدَّعي هذا النسَبَ المخصوصَ، فهُم يَنظرونَ فيما يُظهِرُه مِن آيةٍ، [و] إنّما يَستَحِلُّ بعضُهم فيه المحرَّمَ لدُخولِ الشُّبهةِ عليه فيما يُظهِرُه حتّى يَعتقِدَ أنّه لَيسَ بآيةٍ و لا مُعجِزةٍ.
و علَى الجوابَينِ جميعاً لسنا نَقطعُ على أنّ الإمامَ لا يَظهَرُ لبعضِ أوليائه و شيعتِه، بل يَجوزُ ذلكَ، و يَجوزُ أيضاً أن لا يَكونَ ظاهراً لأحَدٍ مِنهم، و لَيسَ يَعرِفُ كُلُّ واحدٍ منّا إلّاحالَ نَفسِه، فأمّا حالُ غيرِه فغَيرُ معلومةٍ له؛ و لأجلِ تجويزِنا أن لا يَظهَرَ لبعضِهم أو لجميعِهم ما ذَكَرنا العِلّةَ المانعةَ مِن الظهورِ.(1)
قال صاحبُ الكتابِ:
ثُمّ نَعودُ إلى ما ذَكَروه مِن التفصيلِ، و هو قولُهم: إنّ السَّهوَ يَعُمُّ الجميعَ، فلا بُدَّ مِن حُجّةٍ.
فنَقولُ لهم: جوازُ السَّهوِ عَلَيهم لا يَمنَعُ مِن صحّةِ قيامِهم بما كُلِّفوه.
إلى قولِه:
و يَمنَعُ (2) مِن التكليفِ في وقتٍ لا يُمكِنُ الوصولُ إلَى الحُجّةِ (3)، و يوجِبُ في نَفسِ الحُجّةِ أنّه لا يُمكِنُه القيامُ بما كُلِّفَ إلّابحُجّةٍ....(4)9.
ص: 160
فنَقولُ له: كلامُكَ في هذا الفصلِ مَبنيٌّ على توهُّمِكَ عَلَينا إيجابَ الحُجّةِ لأجلِ جوازِ السَّهوِ علَى الخَلقِ في طريقِ النظَرِ و الاستدلالِ و التوصُّلِ إلَى المَعارفِ، و قد بيّنّا أنّ الأمرَ بخِلافِ ما ظنَنتَه، و رَتَّبنا التعلُّقَ بالسَّهوِ في وجوبِ الحاجةِ إلَى الإمامِ.
فأمّا تكليفُ المكلَّفينَ في وقتٍ لا يَتمكَّنونَ فيه مِن الوصولِ إلَى الحُجّةِ، فإنّما كان يَقبُحُ لَو امتَنَعَ وصولُهم إليه لشَيءٍ يَرجِعُ إلَى المكلِّفِ - جَلَّت عظمتُه - أو كانوا في الأحوالِ التي لا يَصِلونَ إليه فيها غيرَ متمكِّنينَ مِن أفعالٍ إذا وَقَعَت مِنهم وَصَلوا إليها لا مَحالةَ، و قد بيّنّا أنّهم متمكِّنونَ ممّا إذا فَعَلوه زالَت تقيّةُ الإمامِ و خَوفُه و وَجَبَ عليه الظهورُ(1).
فأمّا قولُكَ: «و يَجِبُ في نَفسِ الحُجّةِ أن لا يُمكِنَه القيامُ بما كُلِّفَ إلّابحُجّةٍ» فطَريفٌ (2)؛ لأنّ الحُجّةَ عندَ خُصومِكَ لا يَجوزُ عليه السَّهوُ و لا شَيءٌ ممّا احتاجَت الأُمّةُ مِن أجلِه إليه؛ فكَيفَ تَظُنُّ أنّه يَلزَمُ خُصومَكَ إذا أوجَبوا حاجةَ الخَلقِ إلَى الإمامِ لأجلِ جوازِ السَّهوِ عَلَيهم لَزِمَهم حاجةُ الإمامِ نَفسِه إلى إمامٍ، و هو عندَهم لا يَجوزُ عليه السَّهوُ؟!
قالَ صاحبُ الكتابِ:
و بَعدُ، فإن كانَ الحُجّةُ يبيِّنُ لنا ما لَولاه لَم يَتنَبَّهِ (3) المكلَّفُ؛ فمِن أينَ أنّه
ص: 161
لا بُدَّ مِنه في كُلِّ زمانٍ؟ و هَلّا جازَ أن يَستغنيَ المكلَّفونَ في كثيرٍ مِن الأعصارِ بما يَتَواتَرُ عن الرسولِ صلَّى اللّهُ عليه و آلِه و سَلَّمَ و الحُجّةِ (1)و الإمامِ؟ فإن(2) امتَنَعوا مِن ارتفاعِ النقصِ و السَّهوِ بالتواتُرِ مع أنّه يوجِبُ العِلمَ الضَّروريَّ (3)، لَزِمَهم أن لا يَرتَفِعا بالحُجّةِ الذي غايةُ ما يأتيه هو البيانُ (4) الذي لا يَستَقِلُّ بنَفسِه، و يُحتاجُ معه إلَى النظَرِ و الاستدلالِ....(5)
فيُقالُ له: هَبْ أنّ التواتُرَ يوجِبُ العِلمَ الضروريَّ على ما اقتَرَحتَ، ألَيسَ إنّما يَجِبُ العِلمُ الضروريُّ عندَ ما يُنقَلُ و يُتَواتَرُ به مِن الأخبارِ؟
فإذا قالَ: بَلى، قيلَ له: فإذا جازَ علَى الناقلِ العُدولُ عن النقلِ لسَهوٍ أو غيرِه - على ما بيّنّاه فيما تَقدَّمَ - لَم يَنفَعْنا حصولُ العِلمِ الضَّروريِّ لنا بما نُقِلَ، و وَجَبَ أن لا نَكونَ واثقينَ بأنّ جميعَ الشرعِ قد تَضمَّنَه النقلُ (6)، و لَزِمَت الحاجةُ إلَى الإمامِ.
ثُمّ يُقالُ له: لَو سَلَّمتُ لكَ أيضاً أنّ الناقِلينَ لا يَجوزُ أن يَعدِلوا عن النقلِ و لا [أن] يُخِلّوا به، مُضافاً إلى أنّ تسليمَنا أنّ نَقلَهم يوجِبُ العِلمَ الضَّروريَّ، لَم يَجِبْ ما».
ص: 162
تَوهَّمتَه مِن الاستغناءِ عن الإمامِ؛ لأنّا قد بيّنّا فيما تَقدَّمَ أنّ وجودَ الإمامِ لُطفٌ في فِعلِ كثيرٍ مِن الواجباتِ و ارتفاعِ كثيرٍ مِن المُقبَّحاتِ، و ما هذه حالُه تَلزَمُ الحاجةُ إليه. و إن كان الأمرُ في النقلِ على ما تَدَّعيه و تَقتَرِحُه؛ فكَيفَ يَصِحُّ إطلاقُكَ أنّ التواتُرَ إذا أوجَبَ العِلمَ الضَّروريَّ ارتَفَعَت الحاجةُ إلَى الحُجّةِ في كُلِّ زمانٍ؟
ثُمّ أَورَدَ صاحبُ الكتابِ كلاماً في السهوِ يَجري مَجرى ما تَقدَّمَ في بِنائه علَى التوَهُّمِ عَلَينا إيجابَ وجودِ الإمامِ لجوازِ السهوِفي طُرُقِ المَعارفِ».(1)
قالَ صاحبُ الكتابِ:
و تَعلُّقُهم بكُلِّ ذلكَ يَبطُلُ؛ لأنّه يوجِبُ أن لا يَقتَصِروا على حُجّةٍ واحدةٍ (2)[و يَلزَمُهم أن لا يُجوِّزوا الغَيبةَ عليه و خَفاءَ المَوضعِ و الشخصِ و](3) يَلزَمُهم أن يَكونَ كُلُّ مكلَّفٍ متمكِّناً مِنه في كُلِّ وقتٍ....(4)
فيُقالُ له: أمّا إلزامُكَ أن لا يُقتَصَرَ على حُجّةٍ واحدةٍ، فقَد مضى ما فيه مكرَّراً.
فأمّا الغَيبةُ: فإنّا لَم نُجوِّزها مع الاختيارِ، بَل مع الإلجاءِ و الاضطِرارِ، و الحُجّةُ فيها علَى الظالِمينَ الذينَ أخافوا الإمامَ و أحوَجوه إلَى الاستتارِ و الغَيبةِ، و لا حُجّةَ فيها علَى اللّهِ تَعالى و لا علَى الإمامِ عليه السلامُ.
فأمّا تَمكُّنُ كُلِّ واحدٍ مِن الوصولِ إليهِ: فقَد تَقدَّمَ أنّه مُمكِنٌ؛ مِن حَيثُ تَمكَّنوا مِن مُفارَقةِ ما أحوَجَ الإمامَ إلَى الاستتارِ.(5)4.
ص: 163
قالَ صاحبُ الكتابِ:
و يَلزَمُهم على هذه العِلّةِ (1) وجودُ الإمامِ و ظُهورهُ و التمَكُّنُ مِن مُلاقاتِه لإزالةِ هذا الاختلافِ، و يَلزَمُهم وجودُ الحُجّةِ في كُلِّ بَلَدٍ و عندَ كُلِّ فَريقٍ، و يَلزَمُهم إبطالُ الفَتاوى مِن العلماءِ؛ لجَوازِ الغَلَطِ عَلَيهم أو على كثيرٍ مِنهم، و أن يوجِبوا أن لا يُقيمَ الحدودَ(2) إلّاالإمامُ، و لا يَحكمَ إلّا هو. و في ذلكَ خروجٌ عن دينِ المُسلِمينَ (3).
فيُقالُ له: أمّا وجودُ الإمامِ و ظُهورُه في كُلِّ بَلَدٍ، فقَد مضَى الكلامُ فيه دُفعةً بَعدَ أُخرى.
فأمّا الفَتاوى فلا تَبطُلُ كما ادَّعَيتَ بَل يَتَوَلّاها مَن استُودِعَ حُكمَ الحَوادِثِ، و هُم الشيعةُ بما نَقَلوه عن أئمّتِهم عليهم السلام، و مَن عَدَلَ عن هذا المَعدِنِ الذي بيّنّاه لَم يَكُن له أن يُفتيَ؛ لأنّه لا يُفتي في الأكثرِ إلّابما هو عاملٌ فيه على الظَّنِّ و الترجيمِ (4).
فإن قالَ: هذا تصريحٌ مِنكم باستغناءِ الشيعةِ بما عَلِمَته عن إمامِ الزمانِ عليه السلامُ؛ لأنّها إذا كانَت قد استفادَت عِلمَ الحوادِثِ عمّن تَقدَّمَ ظُهورُه مِن الأئمّةِ عليهم السلام، فأيُّ حاجةٍ بها إلى هذا الإمامِ؟
قيلَ له: إنّما كانَ يَجِبُ ما ظَنَنتَه لَو كانَ ما استفادَته مِن هذه العلومِ و وَثِقَت).
ص: 164
به لا يَفتقِرُ إلى كَونِ الإمامِ مِن ورائهم، و قد عَلِمنا خِلافَ ذلكَ؛ لأنّه لَولا وجودُ الإمامِ مع جوازِ تَركِ النَّقلِ علَى الشيعةِ و العُدولِ عنه، لَم نأمَنْ أن يَكونَ ما أدَّوه إلينا بعضَ ما سَمِعوه، و لَيسَ نأمَنُ وقوعَ ما هو جائزٌ عَلَيهم ممّا أشَرنا إليه إلّابالقَطعِ على وجودِ معصومٍ مِن ورائهم.
قالَ صاحبُ الكتابِ:
و بَعدُ، فقَد عَلِمنا أنّ مَن يَعتَرِفُ بالإمامِ (1) و الحُجّةِ قد اختَلَفوا في مَذاهِبَ (2)، فيَلزَمُهم الحاجةُ إلى إمامٍ آخَرَ يَقطَعُ اختلافَهم، و ما يوجِبُ الغِنى عن ذلكَ في اختلافِهم يَنقُضُ ما ذَكَروه مِن عِلّتِهم(3).
يُقالُ له: لَيسَ نُنكِرُ اختلافَ مَن اعتَرَفَ بالحُجّةِ في مَذاهِبَ، إلّاأنّهم لَم يَختَلِفوا إلّا فيما عليه دليلٌ ذَهَبَ عن طريقِه بعضٌ و وَصَلَ إليه بعضٌ، و لَيسَ كذلك اختلافُ مخالِفيهم فيما لا دليلَ عليه مِن الشرعيّاتِ، و مَن شَكَّ فيما ذَكَرناه كانَت المِحنةُ (4)بَينَنا و بَينَه في ذلكَ.(5)
ثمّ ذكر الشريف ما ادّعاه صاحب المغني من أنّ أمير المؤمنين عليه السلام و غيره ممنّ عبّر عنهم بالأئمّة - كانوا يعتمدون على الاجتهاد و يفتون به، فأجاب عنه بإنكار ذلك كلّه، و ذكر عنه بعد ذلك شبهةً خامسةً - أضافها إلينا - و ردّ هذه النسبة و الإضافة و نسب الشبهة إلى بعض أصحابنا فرَدَّها و لم يُقِرَّ بها، ثمّ قال:8.
ص: 165
قالَ صاحبُ الكتابِ:
شُبهةٌ أُخرى لهم:
و رُبَّما سألوا فقالوا: ما يوجِبُ الحاجةَ إلَى الرسولِ و النبيِّ - مِن بيانِ الشرائعِ و الدُّعاءِ إلَى الطاعةِ، إلى غيرِ ذلكَ - يوجِبُ الحاجةَ إلى مَن يَقومُ مَقامَه في حِفظِ شريعتِه، و يَسُدُّ مَسَدَّه؛ لأنّا قد عَلِمنا أنّه لا أحَدَ مِن أُمّتِه إلّاو قد يَجوزُ أن لا يَحفَظَ البعضَ أو الكُلَّ، و حالُ جميعِهم كحالِ كُلِّ واحدٍ مِنهم، فلا بُدَّ ممّن يَقومُ بحِفظِ ذلكَ، و أن يَكونَ معصوماً يؤمَنُ مِنه الغَلَطُ و السَّهوُ و الكِتمانُ؛ لأنّ تجويزَ ذلكَ عليه يَنقُضُ القولَ بأنّ الشريعةَ لا بُدَّ مِن أن تَكونَ محفوظةً. و في ذلكَ إثباتُ الحاجةِ إلى إمامٍ في كُلِّ زمانٍ؛ إذ لا فَرقَ بَينَ وجوبِ حِفظِ الشريعةِ حتّى لا تَندَرِسَ و بَينَ وجوبِ مَورِدِها(1) أوّلاً. فإذا لَم يَتِمَّ حِفظُ ذلك إلّا بوجودِ إمامٍ معصومٍ، فلا بُدَّ مِن القولِ به.
قالَ:
و اعلَمْ أنّ التعَلُّقَ بذلكَ في أنّه لا بُدَّ مِن حُجّةٍ في كُلِّ زمانٍ لا يَصِحُّ؛ لأنّه قد يَجوزُ عندَنا أن يَخلُوَ التكليفُ (2) العقليُّ مِن الشرعيِّ على ما بيّنّاه مِن قَبلُ، فإذا لَم يَكُن شَرعٌ لَم تَجِبِ الحاجةُ إلى حُجّةٍ في الزمانِ.
و إنّما يُمكِنُ التعَلُّقُ بذلكَ في أنّه لا بُدَّ مِن حُجّةٍ بَعدَ وجودِ الرُّسُلِ، و هذا أيضاً لا يَصِحُّ؛ لأنّ في الرُّسُلِ مَن يَجوزُ أن يُكلَّفَ أداءَ الشريعةِ».
ص: 166
إلى مَن شاهَدَه و لا تَكونَ شريعتُه مؤبَّدةً، بل تَكونَ مخصوصةً بزمانِه و قَومِه [فمِن أَينَ بَعدَ الرُّسُلِ أنّه لا بُدَّ مِن إمامٍ و حُجّةٍ؟]... إلى آخِرِ كلامِه(1).
يُقالُ له: ما نَراكَ تَخرُجُ فيما تَحكيهِ مِن طُرُقِنا و أدلّتِنا عن إيرادِ ما لا نَعتَمِدُه جُملةً و لا نَرتَضيهِ دَلالةً و طريقةً، أو إيرادِ ما يَتعَلَّقُ به بعضُنا و لا يَرتَضيهِ أكثَرُنا و لا المحقِّقونَ مِنّا، أو تحريفِ المعتَمَدِ و تَنحيَتِه و إزالتِه عن نَظمِه و ترتيبِه، أو حكايةِ لفظٍ رُبَّما عَبَّرَ به بعضُ أصحابِنا و تفسيرِه على خِلافِ المُرادِ و ضِدِّ الغَرَضِ.
فأمّا هذه الطريقةُ التي حَكَيتَها آنِفاً، فترتيبُ الاستدلالِ بها على خِلافِ ما رَتَّبتَه؛ و هو أن يُقالَ: قد عَلِمنا أنّ شريعةَ نبيِّنا عليه السلامُ مؤبَّدةٌ غيرُ منسوخةٍ، و مستمِرّةٌ غيرُ منقَطِعةٍ، و أنّ التعبُّدَ بها غيرُ منقَطِعٍ لازمٌ للمكلَّفينَ إلى أوانِ قيامِ الساعةِ، و لا بُدَّ لها مِن حافظٍ؛ لأنّ تَركَها بغيرِ حافظٍ إهمالٌ لأمرِها، و تكليفٌ لِمَن تُعُبِّدَ بها ما لا يُطيقُ.
و لَيسَ يَخلو أن يَكونَ الحافظُ معصوماً، أو غيرَ معصومٍ.
فإن لَم يَكُن معصوماً لَم يؤمَنْ تغييرُه و تبديلُه(2) و في جوازِ ذلكَ عليه - و هو الحافظُ لها - رُجوعٌ إلى أنّها غيرُ محفوظةٍ في الحقيقةِ؛ لأنّه لا فَرقَ بَينَ أن تُحفَظَ بمَن جائزٌ عليه التغييرُ و التبديلُ و الزلَلُ و الخطأُ، و بَينَ أن لا تُحفَظَ جُملةً إذا كان ما يؤدّي إليه القولُ بتجويزِ تَركِ حِفظِها يؤدّي إليه حِفظُها بمَن لَيسَ بمعصومٍ.
و إذا ثَبَتَ أنّ الحافظَ لا بُدَّ أن يَكونَ معصوماً، استَحالَ أن تَكونَ محفوظةً بالأُمّةِ و هي غيرُ معصومةٍ، و الخطأُ جائزٌ على آحادِها و جَماعَتِها، و إذا بَطَلَ أن يَكونَ م.
ص: 167
الحافظُ هو الأُمّةَ، فلا بُدَّ مِن إمامٍ معصومٍ حافظٍ لها.
و هذا على خِلافِ ما ظَنَّه صاحبُ الكتابِ؛ لأنّ مَن أحسَنَ الظَّنَّ بأصحابِنا لا يَجوزُ أن يَتوَهَّمَ عَلَيهم الاستدلالَ بهذه الطريقةِ - مع تصريحِهم في إثباتِها بما يوجِبُ الاختصاصَ بشريعتِنا هذه - على وجوبِ الإمامةِ في كُلِّ عصرٍ و أوانٍ و قَبلَ ورودِ الشرعِ.
فإن قال: و أيُّ فائدةٍ في الاستدلالِ على وجوبِ الإمامةِ بَعدَ نبيِّنا صلَّى اللّهُ عليه و آلِه و سَلَّمَ و نَحنُ متَّفِقونَ على وجوبِها بَعدَه؟
قيلَ له: ليس الاتّفاقُ بَينَنا و بَينَكَ يوجِبُ رَفعَ الخِلافِ مِن جميعِ فِرَقِ الأُمّةِ، و قد عَلِمنا أنّ في الأُمّةِ مَن يُخالِفُ في وجوبِ الإمامةِ بَعدَ النبيِّ صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه(1)؛ فلَيسَ يَمتَنِعُ أن نُحاجَّه بما ذَكَرناه.
و بَعدُ، فلَو كانَ الوِفاقُ مِن جميعِ الأُمّةِ ثابتاً في وجوبِ الإمامةِ، لَم يَكُن وِفاقاً على طريقتِنا التي ذَكَرناها؛ لأنّا نوجِبُ الإمامةَ بهذه الطريقةِ مِن جهةِ حِفظِ الشريعةِ، و هذا يُخالِفُنا فيه الكُلُّ.
قالَ صاحبُ الكتابِ:
فعندَ ذلكَ يُقالُ لهم: إنّ شريعةَ النبيِّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إن كانَ لا بُدَّ مِن أن تَكونَ محفوظةً؛ فِمن أَينَ أنّها لا تَحصُلُ محفوظةً إلّا1.
ص: 168
بالإمامِ المعصومِ؟ و هَل عَوَّلتم في ذلكَ إلّاعلى دَعوىً فيها تُخالَفونَ؟
و يُقالُ لهم: هَلّا(1) جَوَّزتم أن تَصيرَ محفوظةً بالتواتُرِ، كما صارَت واصلةً (2) إلى مَن غابَ عن الرسولِ في زَمَنِه بطريقِ التواتُرِ؟ فإن مَنَعوا مِن ذلكَ، لَزِمَهم إثباتُ حُجّةٍ و هو عليه السلامُ حَيٌّ كما يَقولونَ بإثباتِه بَعدَ وفاتِه؛ إذ العِلّةُ واحدةٌ. و متى قالوا في حالِ حياتِه: إنّه يَصِلُ (3) إلى مَن غابَ عنه بالتواتُرِ، فكذلكَ مِن بَعدُ [و متى طَعَنوا في التواتُرِ، بَطَلَ عِلّتُهم في ذلكَ في الوجهَينِ](4).
يُقالُ له: أمّا قولُكَ: «و هَل عَوَّلتم إلّاعلى دَعوىً فيها تُخالَفونَ؟» فقَد بيّنّا أنّ الحافظَ لَيسَ يَخلو مِن أن يَكونَ الأُمّةَ أو الإمامَ، و أبطَلنا أن تَكونَ الأُمّةُ هي الحافظةَ، فلا بُدَّ مِن ثُبوتِ الحِفظِ بالإمامِ، و إلّاوَجَبَ أن تَكونَ الشريعةُ مُهمَلةً.
فأمّا إلزامُكَ لنا تجويزَ حِفظِها بالتواتُرِ، على حدِّ ما كانَت تَصِلُ الأخبارُ في حياةِ الرسولِ صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه إلى مَن غابَ عنه، فقَد رَضينا بذلكَ، و قَنِعنا بأن نوجِبَ في وصولِ الشريعةِ إلينا بَعدَ وفاةِ الرسولِ صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه ما نوجِبُه في وصولِها إلى مَن غابَ عنه في حياتِه؛ لأنّا نَعلَمُ أنّها كانَت تَصِلُ إلى مَن بَعُدَ عنه صَلَواتُ اللّهِ عليه و آلِه بنَقلٍ هو عليه السلامُ مِن وَرائه، و قائمٌ بمُراعاتِه، و تَلافي ما ثَلِمَ فيه مِن غَلَطٍ و زَلَلٍ، و تَركِ الواجبِ، فيَجِبُ أن يَكونَ مِن وَراءِ ما يُنقَلُ إلينا بَعدَ وفاتِه عليه السلامُ مِن شريعتِه معصومٌ يَتَلافى ما يَجري في الشريعةِ مِن زَلَلٍ ر.
ص: 169
و تَركِ الواجبِ، كما كانَ ذلكَ في حياتِه، و إلّافقَد اختلَف الحالانِ، و بَطَلَ حَملُكَ إحداهُما علَى الأُخرى.
فأمّا قولُكَ: «لَزِمَهم إثباتُ حُجّةٍ و هو عليه السلامُ حَيٌّ» فعجيبٌ؛ و أيُّ حُجّةٍ هو أكبرُ مِن النبيِّ المعصومِ المؤيَّدِ بالمَلائكةِ و الوحيِ صَلَواتُ اللّهِ عليه؟!
و كَيفَ تَظُنُّ أنّا إذا أَوجَبنا أن يَكونَ وَراءَ المتواتِرينَ حُجّةٌ، أن لا نَكتفيَ بالنبيّ صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه و هو سيّدُ الحُجَجِ في ذلكَ؟!
قالَ صاحبُ الكتابِ:
ثُمّ يُقالُ لهم: خَبِّرونا عن الحُجّةِ و الإمامِ الذي يَحفَظُ الشرعَ؛ أيؤدّيهِ (1)كُلَّه(2) إلَى الكُلِّ أو إلَى البعضِ؟ و لا يُمكِنُ أن يَلقاه الكُلُّ، فلا بُدَّ مِن أن يؤدّيَ إلَى البعضِ.
قيلَ لهم: أفلَيسَ الشرعُ يَصِلُ إلَى الباقينَ (3) بالتواتُرِ؟ فهَلّا جَوَّزتم وصولَ شرعِه عليه السلامُ إلينا بمِثلِ هذه الطريقةِ، و يُستَغنى عن الحُجّةِ كما يُستَغنى عن حُجَجٍ يَنقُلونَ الشرعَ عن الحُجّةِ؟(4)
يُقالُ له: الإمامُ عندَنا مؤدٍّ للشرعِ إلَى الكُلِّ؛ فبعضُه مشافهةً، و بعضُه بالنقلِ الذي هو مِن ورائه، فمتى لم يؤدَّ و وَقَعَ تفريطٌ فيه مِن الناقلينَ تَلافاه بنَفسِه أو بناقلٍ سِواهم، فإن أَلزَمتَ في نقلِ الشريعةِ مِثلَ هذا فما نأباه، بل هو الذي نَدعو إليه1.
ص: 170
و نَحدو(1) علَى اعتقادِه، و هو أن تَكونَ الشريعةُ منقولةً، و وَراءَ الناقلينَ حافظٌ لها، و مُراعٍ لِما يَعرِضُ فيها، و مُتَلافٍ لِما يُفرِّطُ فيه الناقلونَ و يَعدِلونَ عن الواجبِ عَلَيهم في أدائه.(2)
قالَ صاحبُ الكتابِ:
ثُمّ يُقالُ لهم: يَجِبُ على هذه العِلّةِ (3) في هذا الزمانِ - و الإمامُ مفقودٌ أو غائبٌ - أن لا نَعرِفَ الشريعةَ. ثُمّ لا يَخلُوَ حالُنا مِن وجهَينِ:
إمّا أن نَكونَ مَعذورينَ و غيرَ مكلَّفينَ لذلك، فإن جازَ ذلكَ فينا ليَجوزَنَّ في كُلِّ عصرٍ بَعدَ الرسولِ صلَّى اللّهُ عليه و آلِه و سَلَّمَ، و ذلكَ يُغني عن الإمامِ و يُبطِلُ عِلّتَهم(4).
و إن قالوا: بل نَعرِفُ الشريعةَ لا مِن قِبَلِ الإمامِ.
قيلَ لهم: فبأيِّ وجهٍ يَصِحُّ أن نَعرِفَها، يَجِبُ جوازُ مِثلِه في سائرِ الأعصارِ، و في ذلكَ الغِنى عن الإمامِ في كُلِّ عصرٍ [و لا يُمكِنُهم القولُ بأنّا لا نَعرِفُ الشرعَ و لا يُمكِنُنا معرفتُه و مع ذلكَ لا نُعذَرُ؛ لأنّ ذلكَ يَجري مَجرى تكليفِ ما لا يُطاقُ](5).
يُقالُ له: قد بيّنّا أنّ الفِرقةَ المُحِقّةَ القائلةَ بوجودِ الإمامِ الحافظِ للشريعةِ هير.
ص: 171
عارفةٌ بما نُقِلَ مِن الشريعةِ عن النبيِّ صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه و سلم، و ما لَم يُنقَلْ عنه فبما نُقِلَ عن الأئمّةِ القائمينَ بالأمرِ بَعدَه - صَلَواتُ اللهِ عَلَيهم - و واثقةٌ بأنّ شيئاً مِن الشريعةِ يَجِبُ معرفتُه لَم يُخَلَّ به؛ مِن أجلِ كَونِ الإمامِ مِن ورائها. و بيّنّا أنّ مَن خالَفَ الحقَّ و ضَلَّ عن دينِ اللّهِ تَعالَى الذي ارتَضاه لا يَعرِفُ أكثرَ الشريعةِ؛ لعُدولِه عن الطريقِ الذي يوصِلُ إلَى العِلمِ بها، و لا يَثِقُ بأنّ شيئاً ممّا يَلزَمُه معرفتُه لَم يَنطَوِ عنه و إن أظهَرَ الثِّقةَ مِن نَفسِه، و لا يَجِبُ أن يَكونَ مَن هذا حُكمُه معذوراً؛ لتمَكُّنِه مِن الرجوعِ إلَى الحقِّ.
فأمّا قولُكَ: «إن قالوا: بل نَعرِفُها لا مِن قِبَلِ الإمامِ» فإن أرَدتَ إمامَ زمانِنا، فقَد بيّنّا أنّا قد عَرَفنا أكثرَ الشريعةِ ببَيانِ مَن تَقدَّمَ مِن آبائه عليهم السلام، غيرَ أنّه لا يَقتَضي الغِنى عنه في الشريعةِ مِن الوجهِ الذي قد تَردَّدَ في كلامِنا مِراراً.
و إن أرَدتَ أنّا نَعرِفُ الشريعةَ لا مِن قِبَلِ إمامٍ في الجُملةِ بَعدَ الرسولِ صَلَّى اللّهُ عليه و آله و سلّم فقَد دَلَّلنا على بُطلانِ ذلكَ، و تَقدَّمَ أنّ أكثَرَ ما اختُلِفَ فيه مِن الشريعةِ لَولا ما نُقِلَ عن الأئمّةِ مِن آلِ الرسولِ صَلَواتُ اللّه عليه و عَلَيهم فيه مِن البيانِ لَما عُرِفَ الحقُّ مِنه، و أنّ مَن عَوَّلَ في الشريعةِ علَى الظَّنِّ فقَد خَبَطَ(1) و ضَلَّ عن القَصدِ. و بيّنّا أيضاً أنّ جميعَ الشريعةِ لَو كانَ منقولاً عن النبيِّ صلّى اللّه عليه و آلِه و سَلَّمَ و لَم يَقِفْ مِنها شيءٌ على بيانِ الأئمّةِ عليهم السلام لغيرِه، لَكانَت الحاجةُ إليهم فيها قائمةً؛ مِن حَيثُ كانَ يَجوزُ على مَن نَقَلَها فعَلِمناها أن لا يَنقُلَها، و بَعدَ أن نَقَلَها أن يَعدِلَ عن نَقلِها فلا يُعلَمَ في المستقبَلِ (2).ل.
ص: 172
و قد تَكرَّرَ هذا المَعنى مِنّا دُفعةً بَعدَ أُخرى، و العُذرُ فيه لنا ما استَعمَلَه صاحبِ الكتابِ مِن تَردادِ التعَلُّقِ بالشيءِ الواحدِ و تَكرارِه مِراراً.
قالَ صاحبُ الكتابِ:
فإن قالوا: لَيسَ كُلُّ ما شَرَّعَه(1) النبيُّ صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه و سَلَّمَ ثابتاً بالتواتُرِ، فكَيفَ يَصِحُّ ما تَعلَّقتم به؟(2)
قيلَ لهم: إنّا أرَدنا أن نبيِّنَ أنّ حِفظَ ذلكَ مُمكِنٌ بالتواتُرِ، و أنّ ذلكَ يُسقِطُ عِلّتَهم؛ لأنّ قولَهم بالحاجةِ إلَى الإمامِ إنّما يُمكِنُ متى ثَبَتَ لهم أنّ حِفظَ الشريعةِ لا يُمكِنُ إلّابه، فإذا أرَيناهم أنّه يُمكِنُ بغيرِه فقَد بَطَلَت العِلّةُ.
فأمّا أن نَقولَ في جميعِ الشريعةِ (3) أنّه محفوظٌ بالتواتُرِ، فبعيدٌ(4)، بل فيها(5)ما نُقِلَ بالتواتُرِ، و فيها ما تَلقَّته الأُمّةُ بالقبولِ (6) و أجمَعَت عليه، و قد عَلِمنا بالدليلِ أنّهم لا يُجمِعون على خَطَإٍ، و فيها ما يَثبُتُ (7) بالكتابِ المنقولِ بالتواتُرِ، و فيها ما يَثبُتُ بخبرٍ يُعلَمُ صحّتُه باستدلالٍ (8) على ما بيّنّاه مِن قَبلُ، و فيها ما يَثبُتُ بطريقَةِ الاجتهادِ مِن قياسٍ و خبرِ واحدٍ.».
ص: 173
و كُلُّ ذلكَ يُستَغنى فيه عن الإمامِ (1).
يُقالُ له: لَيسَ يَنفَعُكَ إمكانُ التواتُرِ بجميعِ الشريعةِ إذا أقرَرتَ بأنّ أكثرَها أو بعضَها لا تواتُرَ فيه، و لا يَكونُ ذلكَ معتَرِضاً للطريقةِ التي نَحنُ في نُصرتِها و أنتَ في نَقضِها، و لا قادحاً في استمرارِها؛ لأنّا في الاستدلالِ بهذه الطريقةِ أَوجَبنا الحاجةَ إلَى الإمامِ في الشريعةِ لأمرٍ يَخُصُّها، و لأحوالٍ هي عَلَيها، تَقتَضي الحاجةَ إليه فيها، و إذا لَم يَكُن جميعُ ما يُحتاجُ إليه مِنها متواتِراً فقَد ثَبَتَت الحاجةُ إلى حُجّةٍ، و لا اعتبارَ بإمكانِ التواتُرِ في جميعِها. على أنّا قد بيّنّا أنّ التواتُرَ لا يَجوزُ أن تُحفَظَ به الشريعةُ، و استَقصَيناه و أَحكَمناه.
فأمّا الإجماعُ: فلا حُجّةَ فيه إذا لَم يُقطَعْ على أنّ في جُملةِ المُجمِعينَ معصوماً يؤمَنُ غَلَطُه و زَلَلُه؛ لأنّ الخطأَ يَجوزُ على آحادِ الأُمّةِ و جَماعاتِها، و لَيسَ يَجوزُ أن يَكونَ اجتماعُها عاصماً لها، و لا مؤمِّناً مِن وقوعِ الخَطَإ مِنها، و مَن هذه حالُه لا يَجوزُ أن يَحفَظَ اللّهُ تَعالى به شَرعاً.
فأمّا الكتابُ: فلَيسَ يَجوزُ الاقتصارُ عليه في حِفظِ الشرعِ (2)؛ لأنّ أكثرَ الشرائعِ (3) لَيسَ في صريحِه بيانُها علَى التفصيلِ و التحديدِ، و هو مع ذلك لا يُتَرجِمُ (4) عن نَفسِه، و لا يُنبئُ عن معناه و تأويلِه، و لا بُدَّ له مِن مترجِمٍ و مبيِّنٍ؛ فإن قيلَ: إنّه).
ص: 174
الرسولُ صلّى اللّه عليه و آلِه، لَم يُدفَعْ ذلكَ، إلّاأنّه لا بُدَّ لِمَن لَم يُشاهِدِ الرسولَ مِن أن يَتَّصِلَ ذلكَ به، و يَكونَ له طريقٌ إلى معرفتِه؛ فإن كانَ الطريقُ هو التواتُرَ أو الإجماعَ فقَد مضى ما فيهما، و هذا يوجِبُ الرجوعَ إلى أنّه لا بُدَّ مِن حُجّةٍ مبلِّغٍ لِما يَقَعُ مِن بيانِ الرسولِ صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه للكتابِ.
فأمّا الاجتهادُ و القياسُ: فقَد دَلَّلنا على بُطلانِهما في الشريعةِ و أنّهما لا يُنتِجانِ عِلماً و لا فائدةً، فَضلاً عن أن يُحفَظَ بهما الشريعةُ.
و حالُ أخبارِ الآحادِ في فَسادِ حِفظِ الشريعةِ بها أظهَرُ مِن كثيرٍ ممّا تَقدَّمَ؛ لأنّها لا توجِبُ عِلماً.
و هي أيضاً متكافئةٌ متقابِلةٌ، و واردةٌ بالمختلِفِ مِن الأحكامِ و المتضادِّ. و ما يُعتَمَدُ في قرائِنها إمّا أن يَكونَ على طريقةِ خُصومِنا الإجماعَ أو القياسَ، و لَيسَ مطابَقةُ شيءٍ مِن ذلكَ لها بموجِبٍ لصحّتِها و القَطعِ عَلَيها.
قالَ صاحبُ الكتابِ:
فإن قالوا: إنّ أهلَ التواتُرِ و إن كانوا حُجّةً، فقَد يَصِحُّ عَلَيهم السَّهوُ عمّا يَنقُلونَ في بعضِ الأحوالِ، أو في كُلِّ حالٍ؛ فلا بُدَّ مِن حافظٍ يُزيلُ سَهوَهم، و ينبِّهُ على كِتمانِهم، و لا يَجوزُ عليه ما يَجوزُ عَلَيهم.
قيلَ لهم: إنّ (1) أهلَ التواتُرِ عِلمُهم به ضَروريٌّ لا يَزولُ بفِعلِهم، بل القَديمُ تَعالى يَفعَلُه فيهم، و كمالُ العقلِ في الجَمعِ العظيمِ يَقتَضي أن لا يَنسَواما حَلَّ هذا المَحَلَّ. و لو جازَ السَّهوُ في ذلكَ لَم نأمَنْ (2) مِن حُصولِ السَّهوِ في عِلمِهم بالمُشاهَداتِ، و هذا يُحيلُ (3) معرفتَنا بالبُلدانِ و المُلوكِ، و».
ص: 175
فَسادُ ذلكَ يُبطِلُ ما قالوه. و يَجِبُ أن لا يؤمَنَ فيمَن لا يَعرِفُ الإمامَ أن لا يَعرِفَ الصلاةَ و الصيامَ و الأُمورَ الظاهرةَ في الشريعةِ. بل كانَ يَجِبُ تجويزُ الإخلالِ في نَقلِ القُرآنِ، و نَقلِ كَونِ الرسولِ في الدُّنيا و ثُبوتِ أعلامِه. [و بُطلانُ ذلكَ يبيِّنُ فَسادَ هذا القولِ].(1)
يُقالُ له: لَيسَ كُلُّ ما عُلِمَ ضَرورةً لا يَصِحُّ أن يُسهى عنه، و إنّما يُستَبعَدُ سَهوُ العاقلِ و العقلاءِ في العلومِ التي هي مِن كمالِ عقولِهم، كالعِلمِ بأنّ الاثنَينِ أكثرُ مِن الواحدِ، و أنّ الشِّبرَ لا يطابِقُ الذِّراعَ، و الموجودَ لا يَخلو مِن أن يَكونَ قَديماً أو مُحدَثاً، إلى ما شاكَلَ هذه العلومَ و هي كثيرةٌ، أو فيما تَكَرَّرَ عِلمُهم به و مشاهَدتُهم له مِن جُملةِ المشاهَداتِ، كامتناعِ سَهوِ العاقلِ عن اسمِه، و ما يَتكَرَّرُ عِلمُه به و إدراكُه له مِن لِباسِه و أعضائه.
و لَيسَ بمُنكَرٍ أن يَسهُوَ العاقِلُ في أشياءَ مخصوصةٍ و إن عَلِمَها ضَرورةً إذا كانَت خارجةً عمّا ذَكَرناه؛ لأنّا نَعلَمُ أنّ الإنسانَ قد يَسهو عمّا أكَلَه في أمسِه، و صَنَعَه في عُمُرِه، و إن كانَ عِلمُه بذلكَ عندَ حُصولِه ضَروريّاً؛ فكَيفَ أحَلتَ (2) على أهلِ التواتُرِ السَّهوَ مِن حَيثُ عَلِموا ما تواتَروا به ضَرورةً؟!
فإن عَنَيتَ بما ذَكَرتَه إحالةَ السَّهوِ على جميعِهم أو علَى الجَمعِ العظيمِ مِنهم، فهو ممّا لا نأباه و لا يَنفَعُكَ، و قد تَقدَّمَ في كلامِنا أنّ العاداتِ قاضيةٌ بامتناعِ السَّهوِ علَى الأُمَمِ العظيمةِ في الشيءِ الواحدِ في الوقتِ الواحدِ، غيرَ أنّ ذلكَ و إن كانَ باطلاً لَم يُسقِطْ عنكَ ما بيّنّا لُزومَه؛ لأنّه و إنِ امتَنَعَ السَّهوُ علَى المتواتِرينَ جميعاً في حالةٍ واحدةٍ عمّا نَقَلوه، فغيرُ مُمتَنِعٍ أن يَسهُوَ بعضُهم عنه في حالٍ، و بعضٌ فيً.
ص: 176
حالٍ أُخرى، إلى أن يَخرُجَ الخبرُ مِن أن يَكونَ متواتِراً، و هذا أيضاً ممّا قد تَقدَّمَ.
و هَبْ أنّ السَّهوَ لا يَجوزُ علَى المتواتِرينَ في جَماعاتِهم و لا في آحادِهم - حَسَبَ ما ادَّعَيتَ - ما المانعُ مِن عُدولِهم عن النقلِ تعمُّداً لبعضِ الأغراضِ و الدَّواعي؟ و قد بيّنّا فيما سَلَفَ مِن كتابِنا جَوازَ ذلكَ عَلَيهم، و أنّ في جَوازِه بُطلانَ كَونِهم حُجّةً، و صِحّةَ ما نَذهَبُ إليه مِن وجودِ إمامٍ حافظٍ للشريعةِ.
فأمّا المعرفةُ بالبُلدانِ و المُلوكِ: فمخالِفةٌ لِما ذَكَرناه، و إلزامُكَ لنا الشَّكَّ في أمرِها لا يَلزَمُنا.
أمّا السَّهوُ عن البُلدانِ و الظاهرِ الشائعِ مِن أخبارِ المُلوكِ، فإنّا لا نُجيزُه؛ لِما قَدَّمناه في كلامِنا آنِفاً مِن استحالةِ السَّهوِ علَى العقلاءِ فيما تَكرَّرَ عِلمُهم به و إدراكُهم له. و لَحِقَ هذا القِسمُ - مِن حَيثُ تَكرَّرَ العِلمُ به - بالقِسمِ الذي أَحَلنا سَهوَ العقلاءِ عنه.
و أمّا تعمُّدُ العقلاءِ كِتمانَ أمرِ البُلدانِ - قياساً على جَوازِ كِتمانِ العباداتِ و الشرائعِ علَى الأُمّةِ - فيَستَحيلُ؛ لأنّه لا داعيَ للعقلاءِ - إلى كِتمانِ أمرِ البُلدانِ و ما أشبَهَها - يُعرَفُ و لا غَرَضَ (1)، بل كُلُّ داعٍ معقولٍ يَدعو إلى نَقلِها و نَشرِ خبرِها؛ لأنّ تصرُّفَ الناسِ في تجاراتِهم و أسفارِهم و كثيرٍ مِن مَعايشِهم يَقتَضي نَقلَ ذلكَ، و يوجِبُ أنّ بِهم إليه أمَسَّ حاجة، و ما كانَت دواعي الإذاعةِ فيه قائمةً و عُلِمَ استمرارُها في كُلِّ زمانٍ لا يَجوزُ كِتمانُه؛ لأنّ الكِتمانَ لا يَقَعُ إلّابِداعٍ قويٍّ و غَرَضٍ ظاهرٍ، و كُلُّ ذلكَ مفقودٌ في أمرِ البُلدانِ، مع ما بيّنّاه مِن ثُبوتِ الدَّواعي إلى نَقلِ خبرِها و إشاعتِه.ن.
ص: 177
فأمّا ما نُقِلَ مِن كَونِ الرسولِ في الدُّنيا(1): فهو جارٍ مجرى ما تَقدَّمَ مِن أحوالِ البُلدانِ مِن وجهٍ؛ لأنّه لا غَرَضَ لعاقلٍ في كِتمانِ دُعاءِ داعٍ إلى نَفسِه على وجهِ الظُّهورِ، يَجوزُ أن يَكونَ مُحِقّاً و يَجوزُ أن يَكونَ مُبطِلاً، و لأنّ مَن اعتَقَدَ تَكذيبَه لا يَمنَعُه هذا الاعتقادُ مِن نَقلِ خبرِه؛ لأنّ العقلاءَ قد يُخبِرونَ عن حالِ الصادقِ و الكاذبِ، و المُحِقِّ و المُبطِلِ.
فأمّا نَقلُ القُرآنِ، و نَقلُ وجودِ الأعلامِ (2) سِوَى القُرآنِ: فهو ممّا لا يَمتَنِعُ حُصولُ الدَّواعي إلى كِتمانِه، و قد كانَ يَجوزُ مِن طريقِ الإمكانِ وقوعُ الإخلالِ به(3) لَيسَ على أن يُقدَّرَ أنّ الحالَ في المصدِّقينَ به صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه في الكَثرةِ و الظُّهورِ هذه، بل بأن يُقدَّرَ أنّ المُصدِّقَ في الدَّعوَةِ كانَ في الأصلِ واحداً أو اثنَينِ و كانَ مَن عَداه مُكذِّباً مُعادياً، فلا يَمتَنِعُ مع هذا التقديرِ الإخلالُ بنَقلِ الأعلامِ بأن يَدعُوَ المكذِّبينَ دَواعي الكِتمانِ إليه، و يُعرِضَ المصدِّقونَ لضَعفِ أمرِهم. غيرَ أنّ هذا ممّا يؤمَنُ وقوعُه؛ لقيامِ الدَّلالةِ عندَنا على أنّ للّهِ تَعالى حُجّةً في كُلِّ زمانٍ، حافظاً لدِينِه، مُبيِّناً له، مُتَلافياً لِما يَجري فيه مِن زَلَلٍ و غَلَطٍ لا يُمكِنُ أن يَستَدرِكَه غيرُه.
فأمّا الصلاةُ و الصيامُ و الأُمورُ الظاهرةُ في الشريعةِ: فلَيسَ يَلزَمُ على هذه الطريقةِ أن لا يَعرِفَها إلّامَن عَرَفَ الإمامَ، و إلزامُ صاحبِ الكتابِ ذاكَ ظُلمٌ أو سَهوٌ؛ لأنّه لا عِلّةَ له توجِبُه.
و قد بيّنّا أنّه لا يَمتَنِعُ أن يَعرِفَ الصلاةَ و الصيامَ و ما أشبَهَهما بالتواتُرِ مَنل.
ص: 178
لا يَعرِفُ الإمامَ، غيرَ أنّه و إن عَرَفَ ذلكَ لا يَكونُ واثقاً بأنّ شيئاً ممّا يَجري مَجرى هذه العبادةِ مِن العباداتِ لَم يَنطَوِ عنه، و أنّه و إن أظهَرَ الثِّقةَ بذلكَ فهو غيرُ واثقٍ في الحقيقةِ و لا متيَقِّنٍ.
فأمّا ما لا يَزالُ يُعارِضُنا به الخُصومُ في هذا المَوضِعِ مِن قولِهم: «جوِّزوا أن يَكونَ القُرآنُ قد عورِضَ بمعارَضةٍ هي أبلَغُ مِنه و أفصَحُ، فكَتَمَ ذلكَ المسلمونَ؛ لغَلَبَتِهم و قوَّتِهم، و خَوفِ المخالِفينَ مِنهم»(1).
فهو ساقطٌ بما أَصَّلناه في كلامِنا؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ ما دَواعي النَّقلِ فيه ثابتةٌ لا يَلزَمُنا تجويزُ كِتمانِه، و قد عَلِمنا أنّ لكُلِّ مَن خالَفَ المِلّةَ مِن الدَّواعي إلى نَقلِ معارَضةِ القرآنِ - لَو كانَت(2) - ما لا يَجوزُ أن يَقعُدَ معه عن نَقلِها لخَوفٍ أو لغَيرِه، و لأنّ فيهم مَن لا يَخافُ جُملةً؛ لحُصولِه في بِلادِ عِزِّه و مَملَكَتِه كالرُّومِ و مَن جَرى مَجراهم، و لأنّ الخَوفَ أيضاً لا يَمنَعُ مِن النَّقلِ كما لَم يَمنَعْهم مِن نَقلِ كثيرٍ ممّا يُسخِطُ المسلمينَ و يُغضِبُهم، مِن سَبِّ النبيِّ صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه و قَذفِه و هِجائه، و لأنّ الخَوفَ إنّما يَمنَعُ - إن مَنَعَ - مِن التظاهُرِ بالنَّقلِ، و لا يَمنَعُ مِن الاستِسرارِ به، و في نَقلِه على جهةِ الاستِسرارِ ما يوجِبُ اتّصالَه بنا.
و في إفسادِ هذه المعارَضةِ و إبطالِها وجوهٌ كثيرةٌ، و لَعلَّنا نَستَقصيها فيما يأتي مِن الكتابِ عندَ الكلامِ في النَّصِّ على أميرِ المؤمِنينَ عليه السلامُ.
و جُملةُ ما يُعقَدُ عليه هذا البابُ: أنّ كُلَّ شيءٍ كانت الدَّواعي إلى نَقلِه للعقلاءِ أو).
ص: 179
لبعضِهم ثابتةً معلومةً لَم يَجُز كِتمانُه، و كُلَّ شيءٍ جازَ أن يَدخُلَ فيه دَواعي النَّقلِ و دَواعي الكِتمانِ مَعاً جَوَّزنا فيه الكِتمانَ، فاعتَبِرْ كُلَّ ما يَرِدُ عَلَيكَ مِن أعيانِ المَسائلِ هذا الاعتبارَ؛ فما لَحِقَ بما يَسوغُ فيه دواعي الكِتمانِ أجَزتَه، و ما لَم يَسُغْ فيه أحَلتَه.
إلّا أنّ ما يَسوغُ فيه الكِتمانُ و حُصولُ الدَّواعي إليه على ضَربَينِ:
مِنه ما يَجِبُ إذا كُتِمَ أن يُبيِّنَه إمامُ الزمانِ و يُظهِرَه لتَقومَ الحُجّةُ به؛ و هو ما كانَ مِن قَبيلِ العباداتِ و الفرائِض، و ما يَجِبُ علَى المكلَّفينَ العِلمُ به.
و مِنه ما لا يَجِبُ فيه ذلك و إن كُتِمَ، كأكثرِ الحوادثِ التي تَجري مِن الناسِ في مُتَصرَّفاتِهم التي لا تَعلُّقَ لها بشرعٍ و لا دِينٍ.(1)
قالَ صاحبُ الكتابِ:
يُقالُ (2) لهم: إنّ هذه الحُدودَ و الأحكامَ إنّما تَجِبُ إقامتُها إذا كانَ إمامٌ، فأمّا إذا لَم يَكُنْ فلا تَجِبُ (3) إقامةُ ذلكَ، بَل لا بُدَّ مِن سُقوطِ الحُدودِ كما تَسقُطُ بالشُّبُهاتِ، و مِن العُدولِ في بابِ الأحكامِ إلى صُلحٍ و تَراضٍ و غيرِ ذلكَ؛ فمِن أينَ أنّه لا بُدَّ مِن إمامٍ مع إمكانِ ذلكَ؟
فإن قالوا: نَقولُ في ذلكَ كما تَقولونَ (4).
قيلَ لهم: إنّا نَقولُ: إنّ إقامةَ الإمامِ واجبةٌ، و لَسنا نَقولُ: إنّ
ص: 180
كَونَ الإمامِ (1) في كُلِّ زَمانٍ واجبٌ (2) لا بُدَّ مِنه، و طريقتُنا في ذلكَ مُخالِفةٌ لطريقتِكم، و إنّما وَجَّهنا الإلزامَ على عِلّتِكم، و نَحنُ مُخالِفونَ لكم فيها(3).
يُقالُ له: ما ذَكرتَه في هذا الفصلِ يَنقُضُ ما كنتَ اعتَمَدتَه في الاستدلالِ على وجوبِ الإمامةِ مِن طريقِ السمعِ؛ لأنّكَ تَعلَّقتَ بأمرِ اللّهِ تَعالى بإقامةِ الحُدودِ، و قُلتَ: إنّها إذا كانَت مِن فُروضِ الإمامِ وَجَبَت عَلَينا إقامتُه؛ لأنّ الأمرَ بالشيءِ أمرٌ بما لا يَتِمُّ إلّابه(4)، و أنتَ الآنَ قد أَلزمتَ علَى الطريقةِ التي حَكَيتَها ما هو لازمٌ لكَ؛ لأنّكَ أَلزَمتَ أن تَكونَ الحُدودُ و الأحكامُ تَجِبُ إقامتُها عندَ حُصولِ الإمامِ، و لا تَجِبُ إقامتُه ليَقومَ بها، و هذا بِعَينِه لازمٌ لك.
و لَيسَ يَفتَرِقُ الأمرانِ مِن حَيثُ كانَ خُصومُكَ يوجِبونَ إقامةَ الإمامِ علَى اللّهِ تَعالى و توجِبُها أنتَ علَى العِبادِ؛ لأنّ لِقائلٍ أن يَقولَ لكَ: إذا كانَ اللّهُ تَعالى قد أمَرَ بإقامةِ الحُدودِ و الأحكامِ، و عَلِمنا أنّه لا يَقومُ بِهما إلّاالإمامُ، وَجَبَ عليه تَعالى إقامتُه؛ لأنّ ما أَمَرَ به مِن إقامةِ الحُدودِ لا يَتِمُّ إلّابإقامةِ الإمامِ مِن جهتِه؛ لأنّ اختيارَه و هو معصومٌ - على ما رَتَّبتَ في الطريقةِ التي ناقَضْتَها - لا يُمكِنُ، فإن جازَ أن يأمُرَ بإقامةِ الحُدودِ - و يَكونَ الأمرُ مُتَوجِّهاً إلَى الأئمّةِ مَتى أقامَهم، و لا تَجِبَ عليه إقامتُهم و إن كانَت إقامةُ الحُدودِ لا تَتِمُّ إلّابذلكَ - جازَ أيضاً أن يأمُرَ بإقامةِ الحُدودِ الأئمّةَ في حالِ إمامتِهم، و لا يَكونَ الخِطابُ مُتَوجِّهاً إليهم قَبلَ أن يَكونوا أئمّةً 4.
ص: 181
فيَلزَمَهم مع غيرِهم التَوصُّلُ إلى إقامةِ الإمامِ، و إن كانَت إقامةُ الحُدودِ لا يُمكِنُ إلّا بإقامةِ الإمامِ. و لا فَصلَ بَينَ الأمرَينِ.
قالَ صاحبُ الكتابِ:
ثُمّ يُقالُ لهم: خَبِّرونا عن هذه الحُدودِ و الأحكامِ في هذه الأزمِنةِ (1)، ما حالُهما(2)و لَسنا(3) نَجِدُ إماماً ظاهراً يَقومُ بذلك و يُمكِنُ الرجوعُ إليه؟
فإن قالوا: إنّهما يَسقُطانِ، و يُرجَعُ (4) فيهما إلى ما ذَكَرناه(5).
قيلَ لهم: جَوِّزوا مِثلَه في سائرِ الأزمان؛ [فمِن أينَ أنّه لا بُدّ من إمام؟](6)
يُقالُ له: لَيسَ تَسقُطُ الحُدودُ في الزمانِ الذي لا يَتمكَّنُ الإمامُ فيه مِن الظهورِ و إقامتِها، بل هي ثابتةٌ في جُنوبِ (7) مُستَحِقّيها، فإن أدرَكَهم ظهورُه أقامَها عَلَيهم، و إن لَم يُدرِكْهم ظهورُه فإنّ اللّهَ تَعالَى المُتَولّي في القيامةِ الجَزاءَ بها أو العفوَ عنها، و الإثمُ في تأخيرِ إقامتِها و المنعِ مِن استعمالِ الواجبِ فيها لازمٌ لِمَن أخافَ الإمامَ و ألجأَه إلَى الغَيبةِ و الاستتارِ.
و لَيسَ يَلزَمُ قياساً على هذا أن لا يُقيمَ اللّهُ تَعالى إماماً؛ لأنّه إذا لَم يُقِمْه و سَقَطَت
ص: 182
الحُدودُ التي تَقتَضيها المَصلَحةُ، كانَ تَعالى هو المانعَ للعِبادِ ما فيه المصلحةُ.
ثُمّ يُقالُ له: خَبِّرنا عن الحُدودِ في هذه الأحوالِ التي لا يَتَمكَّنونَ فيها مَعشَرُ أهلِ الاِختيارِ مِن الاِختيارِ؛ ما القَولُ فيها؟ أتَسقُطُ أم هي ثابتةٌ؟
فإن قالَ: هي ثابتةٌ على مُستَحِقّيها، و الإثمُ في تأخيرِ إقامتِها على مَن مَنَعَ أهلَ الاختيارِ مِن إقامةِ الإمامِ، فمتى تَمكَّنوا مِن إقامتِه و قامَت عِندَه البيّنةُ بشَيءٍ تَقدَّمَ مِمّا يُستَحَقُّ عليه الحُدودُ أقامَها على مُستَحِقّيها، و إلّاكانَ أمرُها إلَى اللّهِ تَعالى.
قيلَ له: بمِثلِ هذا الاختيارِ أَجَبنا.
و إن قالَ: إنّ الحُدودَ تَسقُطُ إذا لَم يَكُنْ إمامٌ يُقيمُها، كما تَسقُطُ بالشُّبُهاتِ.
قيلَ له: أفيَلزَمُ على ذلكَ سُقوطُها في كُلِّ حالٍ و مع التمَكُّنِ؟
فإن قالَ: لا؛ لأنّها إنّما سَقَطَت في الأحوالِ التي لا يَتمكَّنُ العاقِدونَ فيها مِن العَقدِ.
قيلَ له: فما المانعُ لنا مِن جَوابِكَ هذا، و أن نَقولَ: إنّ الحُدودَ تَسقُطُ في غَيبةِ الإمامِ كما تَسقُطُ بالشُّبُهاتِ؛ لأنّ حالَ الغَيبةِ حالُ ضَرورةٍ، و لا يَجِبُ أن تَسقُطَ في كُلِّ حالٍ حتّى يَلزَمَنا تجويزُ خُلوِّ الزمانِ مِن إمامٍ يُقيمُ الحُدودَ جُملةً؛ قياساً على ما فاتَ مِن إقامتِها في حالِ غَيبَتِه. فكُلُّ شيءٍ يَفصِلُ به خُصومُنا بَينَ أحوالِ التمَكُّنِ مِن عَقدِ الإمامةِ و اختيارِ الإمامِ و أحوالِ التعَذُّرِ في معنى سُقوطِ الحُدودِ و ثُبوتِها، هو ما فَصَلنا بعَينِه بَينَ حالِ غَيبةِ الإمامِ و حالِ فَقدِه(1).».
ص: 183
قالَ صاحبُ الكتابِ:
ثُمّ يُقالُ لهم: إنّ وقوعَ الشيءِ على وجهٍ يَجوزُ أن يَكونَ خَطأً و فاسداً فيما يَتعلَّقُ بالدِّينِ لَيسَ بأكثَرَ مِن عدمِه، فإذا جَوَّزتم أن لا تُقامَ الحُدودُ في هذا الزمانِ و في غَيرِه مِن الأزمنةِ التي لَم يَظهَرْ فيها الإمامُ لَو كانَ معلوماً و لا يوجِبَ ذلكَ فَساداً في الدِّينِ، فما الذي يَمنَعُ مِن إثباتِ إمامٍ غيرِ معصومٍ جميلِ الظاهرِ، يَجوزُ عليه الخطأُ فيما يُقيمُه مِن الحُدودِ و الأحكامِ [و لا يوجِبَ ذلكَ فَساداً في الدِّينِ؟](1).
يُقالُ له: قد بيّنّا أنّ عدمَ إقامةِ الحُدودِ في هذا الزمانِ اللَّومُ فيه علَى الظالِمينَ المُخيفينَ للإمامِ، و لَيسَ يَلزَمُ - قياساً على عدمِها مِن قِبَلِ الظَّلَمةِ - أن تُعدَمَ، أو تَقَعَ على وجهٍ يوجِبُ فَساداً في الدِّينِ مِن قِبَلِ اللّهِ تَعالى. و الفَصلُ بَينَ الأمرَينِ ظاهرٌ؛ لأنّ الحُجّةَ في أحَدِهما للّهِ تَعالى، لا عليه، و في الآخَرِ عليه، لا له؛ تَعالى عن ذلكَ عُلوّاً كَبيراً(2).
قال صاحبُ الكتابِ:
و لا بُدَّ لهم مِن ذلكَ (3) مِن وجهٍ آخَرَ؛ و ذلكَ أنّهم زَعَموا أنّ الإمامَ الذي يَحفَظُ الشَّرعَ لا يَلقى كُلَّ المكلَّفينَ، و لا يَلقاه جميعُهم، فلا بُدَّ فيما
ص: 184
يَحفَظُه أن يُبلِغَه المُحتاجَ إليه مِنهم بطريقِ التواتُرِ. فإذا صَحَّ فيما يَحفَظُه أن يَنتَهيَ إلَى المكلَّفينَ بهذا الوجهِ، لَم يَمتَنِعْ مِثلُه في شَريعةِ الرسولِ عليه السلامُ، و يُستَغنى عن إثباتِ المعصومِ، [كما استُغنيَ عن إبلاغِ المعصومِ ما يَحفَظُه إليهم عن معصومٍ آخَرَ](1).
و هذا ممّا قد تَكلَّمنا عليهِ، و بيّنّا أنّ الشَّرعَ و إن كانَ واصِلاً إلى مَن نأى عن الإمامِ بالتواتُرِ، فإنّه محفوظٌ بالإمامِ (2)؛ لِكَونِه مُراعياً له، و مُراقِباً لِتَلافي ما يَعرِضُ فيه مِن خطإٍ و إخلالٍ بواجبٍ.
فإن ألزَمَنا مُخالِفونا القَولَ بوُصولِ شَريعةِ الرسولِ صلَّى اللّهُ عليهِ و آلِه إلينا على هذا الوجهِ التَزَمناه؛ لأنّا لا نأبى أن يَكونَ الشريعةُ واصلةً إلينا بنَقلٍ متَواتِرٍ يَكونُ مِن وَرائِه مَعصومٌ يُراعيهِ و يَتَلافى ما يَعرِضُ فيه، بَل هذا هو نَصُّ مَذهَبِنا.
و إن أرادوا إلزامَنا كَونَ الشريعةِ منقولةً إلينا و لا معصومَ وراءَها، لَم يَكُن هذا مُشبِهاً لِما نَقولُه فيما يُنقَلَ عن الإمامِ و هو حَيٌّ إلى مَن نأى عنه في أطرافِ البلادِ، و صارَ قَولُهم لنا: «قولوا في هذا ما قُلتُموه في ذلكَ» لا معنى له.
قالَ صاحبُ الكتابِ:
و لا بُدَّ لهم مِن ذلكَ مِن وجهٍ آخَرَ؛ لأنّ الإمامَ عندَهم قد يَكونُ مغلوباً بالخَوارِجِ و غَيرِهم، و لا بُدَّ - مع إثباتِ التكليفِ - مِن معرفةِ الشرائعِ، فإذا صَحَّ أن يَعرِفوها و الحالُ هذه لا مِن جهةِ الإمامِ، فلا يَمتَنِعُ في سائرِ الأحوالِ مِثلُه، و يُستَغنى عن الإمامِ المعصومِ.».
ص: 185
و لا بُدَّ مِن ذلكَ مِن وجهٍ آخَرَ؛ لأنّ الإمامَ مُنذُ زَمانٍ غَيرُ معلومٍ عَينُه، و إن كانَ له عَينٌ فغَيرُ معلومٍ مَكانُه، و غَيرُ متميِّزٍ على وجهٍ يَصِحُّ أن يُقصَدَ، و قد صَحَّ مع ذلكَ أن نَعرِفَ الشرائعَ و نَقومَ بها؛ فغَيرُ مُمتَنِعٍ مِثلُه في سائرِ الأزمِنةِ (1).
يُقالُ له: أمّا غَلَبةُ الخَوارِجِ فغَيرُ مانِعةٍ مِن حِفظِ الشرعِ، و أمّا معرفتُه في هذه الأحوالِ - يَعني أحوالَ غَلَبتِهم - فيَكونُ بالنَّقلِ عن صاحبِ الشرعِ، أو عمّن تَقدَّمَ إمامَ الزمانِ مِن الأئمّةِ، و يَكونُ ذلكَ النَّقلُ محفوظاً بإمامِ الزمانِ. و لَيسَ يَجوزُ أن يَنتَهيَ غَلَبةُ الخَوارِجِ إلى حَدٍّ يَمنَعُ الإمامَ مِن بَيانِ ما ضاعَ مِنَ الشرعِ و أخَلَّ به الناقِلونَ؛ لأنّ ذلكَ لَو عُلِمَ لَما كلَّفَنا اللّهُ تعَالَى العملَ بالشرعِ و الثقةَ به و القَطعَ على وصولِه إلينا، و في العِلمِ بأنّا مكلَّفونَ بما ذَكرناه دليلٌ على أنّ الإمامَ لا يَجوزُ أن يَنتَهيَ به غَلَبةُ الخَوارِجِ إلى حَدٍّ يَمنَعُه مِن بَيانِ ما يَضيعُ مِن الشرعِ.
فأمّا حالُ الغَيبةِ فغَيرُ مانِعةٍ مِن المعرفةِ بالشرعِ، و مِن حِفظِه أيضاً علَى الوجهِ الذي بيّنّاه، و لَم نَقُلْ: إنّا نَحتاجُ إلَى الإمامِ في كُلِّ حالٍ لنَعرِفَ الشرعَ، بَل لنَثِقَ بوُصولِه إلينا، و نحنُ نَثِقُ بذلكَ في حالِ الغَيبةِ؛ لعِلمِنا بأنّه لَو أخَلَّ الناقِلونَ مِنه بشَيءٍ يَلزَمُنا معرفتُه لَظهَرَ الإمامُ، و بيَّنَ بنفسِه عنه.
قالَ صاحبُ الكتابِ:
و قد قال شَيخُنا أبو عليٍّ (2): إن كانَ الغرضُ إثباتَ إمامٍ في الزمانِ، و إن لَم يُبلِّغْ (3) و لَم يَقُمْ بالأُمورِ، و صَحَّ ذلكَ، فما الأمانُ مِن أنّه جَبرَئيلُ أوف.
ص: 186
بعضُ الملائكةِ في السماءِ، و يُستَغنى عن إمامٍ في الأرضِ؛ لأنّ المعنَى الذي لأجلِه يُطلَبُ (1) الإمامُ عندَكم يَقتَضي ظُهورَه، فإذا لَم يَظهَرْ كان وُجودُه كعدمِه، و كانَ كَونُه في الزمانِ بمنزِلةِ كَونِ جَبرَئيلَ في السماءِ [بَل إثباتُ جَبرَئيلَ مُتَيقَّنٌ، و إثباتُ هذا الإمامِ مشكوكٌ فيه...](2).
يُقالُ له: لا شَكَّ في أنّ الغرضَ لَيسَ هو وُجودَ الإمامِ فقط، بَل أمرُه و نهيُه و تَصرُّفُه؛ لأنّ بهذه الأُمورِ ما يَكونُ المكلَّفونَ مِن القَبيحِ أبعَدَ، و إلى فِعلِ الواجبِ أقرَبَ، غَيرَ أنّ الظالِمينَ مَنَعوه ممّا هو الغرضُ، فَاللَّومُ فيه عليهِم، و اللّهُ المُطالِبُ لهُم.
و لَمّا كانَ ما هو الغرضُ لا يَتِمُّ إلّابوُجودِه أَوجَدَه اللّهُ تَعالى، و جعَلَه بحَيثُ لَو شاءَ المكلَّفونَ أن يَصِلوا إليه و يَنتَفِعوا به لَوصَلوا و انتَفَعوا، بأن يَعدِلوا عمّا أَوجَبَ خَوفَه و تَقيّتَه، فيقَعَ منه الظهورُ الذي أَوجَبَه اللّهُ تَعالى عليهِ مع التمكُّنِ.
و لَمّا كانَ المانعُ مِن تصرُّفِه و أمرِه و نهيِه غَيرَ مانعٍ مِن وُجودِه، لَم يَجِبْ مِن حَيثُ امتنَعَ عليه التصرُّفُ بفِعلِ الظلَمةِ أن يُعدِمَه اللّهُ تَعالى، أو أن لا يوجِدَه في الأصلِ؛ لأنّه لَو فعَلَ ذلكَ لَكانَ هو المانِعَ حينَئذٍ للمكلَّفينَ لُطفَهم، و لَكانوا إنّما أُتوا في فَسادِهم و ارتفاعِ صَلاحِهم مِن جهتِه؛ لأنّهم غَيرُ مُتَمكِّنينَ مع عدمِ الإمامِ مِن الوصولِ إلى ما فيه لُطفُهم و مصلحتُهم. فجميعُ ما ذَكرناه يُفرِّقُ بَينَ وجودِ الإمامِ مع الاستتارِ و بَينَ عدمِه.
و بما تَقدَّمَ يُعلَمُ أيضاً الفَرقُ بَينَه و بَينَ جَبرَئيلَ في السماءِ؛ لأنّ الإمامَ إذا كانَ موجوداً مُستَتِراً كانَت الحُجّةُ لِلّهِ تَعالى علَى المكلَّفينَ به ثابتةً؛ لأنّهم قادِرونَ على 1.
ص: 187
أفعالٍ تَقتَضي ظُهورَه، و وُصولَهم مِن جهتِه إلى مَنافعِهم و مَصالحِهم، و كُلُّ هذا غَيرُ حاصلٍ في جَبرَئيل عليه السلامُ؛ فالمعارِضُ به ظاهرُ الغَلَطِ.
قالَ صاحبُ الكتابِ:
و متى قالوا بأنّ الإجماعَ حقٌّ لِكَونِ الإمامِ فيه، أَرَيناهم أنّه لا فائدةَ تَحتَ هذا القَولِ؛ لأنّ الحُجّةَ هي قَولُ الإمامِ، فضَمُّ سائرِهم إليه لا وجهَ له، كَما لا يَجوزُ أن يُقالَ (1): إنّ (2) إجماعَ النَّصارى حقٌّ إذا كانَ عيسى فيهم، و قَولَ اليَهودِ حقٌّ إذا كانَ موسى فيهم، و كَما لا يَجوزُ أن يُقالَ (3):
إنّ إجماعَ الكُفّارِ حقٌّ إذا كانَ رسولُ اللّهِ (4) عليه السلامُ فيهم؛ فقَد بيّنّا مِن قَبلُ أنّه لا بُدَّ مِن مُحقِّينَ في الأُمّةِ مِن الشَّهَداءِ و غَيرِهم، على ما يَقولُه شَيخُنا أبو عليٍّ.
فإن رَجَعوا بهذا الكلامِ عَلَينا في الشُّهَداءِ لَم يَكُن لازِماً؛ لأنّا لا نُعيِّنُهم، و لا يَمتَنِعُ لفَقدِ التعيينِ أن يُجعَلَ (5) الإجماعُ الذي هو حُجّةٌ إجماعَ المؤمنينَ، و لَو تَميَّزوا لَجعَلنا إجماعَهم هو الحُجّةَ. و لَيسَ كذلكَ ما قاله القَومُ؛ لأنّ الإمامَ عندَهم متميِّزٌ، فالذي أَلزَمناه(6) متوجِّهٌ، و هو عنّا زائلٌ.(7)1.
ص: 188
يُقالُ له: قَولُ الإمامِ و إن كانَ بانفرادِه حقّاً، و لا تأثيرَ لضَمِّ غَيرِه إليه، فلا بُدَّ مِن أن يَكونَ جوابُ مَن سَألَ عن الإجماعِ الذي الإمامُ في جُملتِه أنّه حقٌّ، كما يَكونُ مِثلُ ذلكَ الجوابِ لِمَن سَألَ عن عَشرةٍ في جُملتِهم نَبيٌّ.
فأمّا الفائدةُ في ذِكرِ غَيرِ الإمامِ معه، و الحُجّةُ هي قَولُه بعَينِه، فإنّما يُسألُ عنها مَن استَعمَلَ هذه اللفظةَ مُبتَدِئاً مع تَميُّزِ قَولِ الإمامِ، و نحنُ لا نَكادُ نَستَعمِلُها في مِثلِ هذه الحالِ، و إنّما نُجيبُ بالصحيحِ عندَنا فيه عندَ سؤالِ المُخالِفِ عنه.
و إن كانَ لا يَمتَنِعُ أن يَكونَ لذلك فائدةٌ، و هي أنّ قَولَ الإمامِ قد يَكونُ غَيرَ متميِّزٍ في بعضِ الأحوالِ؛ كأحوالِ الغَيبةِ و الخَوفِ التي لا يُعرَفُ قَولُ الإمامِ فيها على سَبيلِ التفصيلِ، فلا يَمتَنِعُ في مِثلِ هذه الأحوالِ أن يُعتبَرَ الإجماعُ؛ لعِلمِنا بدُخولِ الإمامِ فيه، كما يَقولُ خُصومُنا في الشُّهَداءِ و المؤمِنينَ؛ لأنّ إجماعَ هؤلاءِ عندَهم هو الحُجّةُ، و لا تأثيرَ لضَمِّ غَيرِه إليه، و مع ذلكَ فنَحنُ نَراهُم يَعتَبِرونَ إجماعَ الأُمّةِ؛ مِن حَيثُ لَم يَتميَّزْ عندَهم أقوالُ الشُّهَداءِ و المؤمِنينَ، و عَلِموا دُخولَها في جُملةِ أقوالِ الأُمّةِ.
و بهذا الجوابِ الذي ذَكرناه يَجِبُ أن يُجيبَ مَن سلَّمَ الخبرَ(1) - المَرويَّ في الإجماعِ الذي هو قَولُه: «لا تَجتَمِعُ أُمّتي على ضَلالٍ» إذا تأوَّلَه على أنّ إجماعَهم حقٌّ لِمَكانِ الإمامِ المعصومِ و دُخولِه في جُملتِهم - متى سُئلَ فقيلَ له: إذا كانَ قَولُ الإمامِ هو الحُجّةَ بانفرادِه، فأيُّ معنىً لضَمِّ غَيرِه إليه؟! لأنّا قد بيّنّا الوجهَ في حُسنِ استعمالِ ذلكَ ابتداءً، و نَبَّهنا على وجهِ الفائدةِ فيه في الأحوالِ التي لا يَتميَّزُ قَولُ الإمامِ فيها، و بيّنّا أيضاً الفَرقَ بَينَ ما يَبتدئُ المستَعمِلُ باستعمالِه مِن الكلامِ فَيلزَمُه المطالَبةُ بفائدتِه، و بَينَ ما يَتَناوَلُه مِن سؤالِ خَصمِه و يُخرِجُ له الوجوهَ.ش.
ص: 189
و لَيسَ يَمتَنِعُ أن يُجيبَ مَن سُئلَ عن إجماعِ النَّصارى إذا كانَ عيسى عليه السلامُ فيهِم بأنّه حقٌّ، و كذلكَ القَولُ في إجماعِ اليَهودِ إذا كانَ قَولُ موسى عليه السلامُ في جُملةِ أقوالِهم؛ لأنّا إن لم نَقُلْ أنّه حقٌّ فلا بُدَّ مِن أن يَكونَ باطلاً؛ و كيفَ يَكونُ باطلاً و في جُملتِهم نَبيٌّ مقطوعٌ على صِدقِه؟!
اللّهُمّ إلّاأن يُسألَ عن الفائدةِ في الابتداءِ بهذا القَولِ (1)، فقد قُلنا: إنّه لا فائدةَ فيه إذا كانَ قَولُ عيسى عليه السلامُ منفَرِداً متميِّزاً، و لَو عُدِمَ تميُّزُه في بعضِ الأحوالِ لَحَسُنَ استعمالُه، كما حَسُنَ ذلكَ في الإمامِ عندَ الغَيبةِ على مَذهبِنا، و في الشُّهَداءِ و المؤمنينَ على مَذاهِبِ خُصومِنا.
فأمّا تَعاطيهِ (2) الفَرقَ بَينَ قَولِنا في الإمامِ و قَولِه في الشُّهَداءِ؛ لأنّ الإمامَ متميِّزٌ و الشُّهداءَ غَيرُ متميِّزينَ.
فقَد بيّنّا أنّ قَولَ الإمامِ قد يَكونُ غَيرَ متميِّزٍ في بعضِ الأحوالِ، فيَجِبُ أن يَسوغَ لنا فيه ما ساغَ له في الشُّهَداءِ.
ثُمّ يُقالُ له: لَو تعيَّنَ الشُّهَداءُ عندَكم و تمَيَّزوا و سُئلتَ عن إجماعِ الأُمّةِ هل هو حقٌّ، بأيِّ شيءٍ كُنتَ تُجيبُ؟
فإذا قالَ: أُجيبُ بأنّه حقٌّ.
قُلنا: فلِمَ عِبتَ عَلَينا أن نُجيبَ بمِثلِ ذلك إذا سُئلنا عن إجماعِ الأُمّةِ؟ و ألا منَعكَ مِن الجوابِ بأنّه حقٌّ تميُّزُ الشُّهَداءِ و تعيُّنُهم، و أنّه لا تأثيرَ لضَمِّ غَيرِهم إليهم؟
فإن قالَ: كُلُّ هذا لا يَمنَعُ مِن الجوابِ بأنّه حقٌّ إذا سُئلتُ عن ذلكَ؛ لأنّه لا بُدَّ أن يَكونَ حقّاً إذا فَرَضنا هذا الفَرضَ، و إنّما العَيبُ أن أضُمَّ مُبتدِئاً إلَى الشُّهَداءِ مع).
ص: 190
تعيُّنِهم و تميُّزِهم غَيرَهم، ثُمّ أقضيَ بأنّ في قَولِهم الحقَّ.
قُلنا: أَصَبتَ في هذا التفصيلِ، و بمِثلِه أَجَبنا.
قالَ صاحبُ الكتابِ:
شُبهةٌ أُخرى لهم:
قالوا: إذا كانَ لا بُدَّ في شريعةِ محمّدٍ صلَّى اللّهُ عليه و آله - و هو خاتَمُ الأنبياءِ - مِن حافِظٍ و مبلِّغٍ، و كانَ لا يَصِحُّ أن يقَعَ ذلكَ بالتواتُرِ، فلا بُدَّ مِن إثباتِ إمامٍ معصومٍ يَكونُ في كُلِّ حالٍ بمَنزلةِ الرسولِ في أنّه يُبلِّغُ و يُعلِّمُ و يُرجَعُ إليه في المُشكِلِ، و يؤخَذُ عنه الدِّينُ. و كَما لا يَجوزُ أن لا يَكونَ الرسولُ في كُلِّ حالٍ (1) مع الحاجةِ إلى معرفةِ الشرعِ (2)، فكذلكَ لا يَجوزُ أن لا يَكونَ الإمامُ في كُلِّ حالٍ مع الحاجةِ إلى ذلكَ.
و قَدَحوا في التواتُرِ بوُجوهٍ قد قَدَّمنا ذِكرَها في بابِ الأخبارِ(3)؛ واحِدُها: أنّ كُلَّ واحدٍ مِنهم إذا جازَ أن يَكتُمَ النقلَ و يَكذِبَ و يُغيِّرَ، فيَجِبُ جَوازُ ذلكَ على جميعِهم، و أن لا يَصِحَّ القَطعُ على صِحّةِ خبرِهم.(4)
يُقالُ له: هذه الطريقةُ صحيحةٌ معتمَدةٌ، و يؤيِّدُها ما دَلَّلنا عليه مِن قَبلُ مِن أنّ التواتُرَ لا يَجوزُ أن يُقتصَرَ عليهِ في حِفظِ الشرعِ و أدائه، و أنّه لا بُدَّ مِن كَونِ معصومٍ وَراءَه.
فأمّا القَدحُ في التواتُرِ: فمَعاذَ اللّهِ أن نَراه أو نَذهَبَ إليه. فإن كان يَظُنُّ أنّا إذا مَنَعنا2.
ص: 191
مِن أن يُحفَظَ الشرعُ به فقَد قَدَحنا فيه، فقَد أبعَدَ؛ لأنّ القَدحَ فيه إنّما يَكونُ بالطعنِ في كَونِه حُجّةً، و طريقاً إلَى العِلمِ عند وُرودِه على شَرائطِه، فأمّا لِما ذَكرناه فلا.
و قَولُه في الحكايةِ عنّا: «إنّ كُلَّ واحدٍ مِنهم إذا جازَ أن يَكتُمَ و يَكذِبَ، فيَجِبُ جوازُ ذلكَ على جميعِهم، و أن لا يَصِحَّ القَطعُ على صِحّةِ خبرِهم» غلطٌ طَريفٌ؛ لأنّا لا نُجيزُ الكَذِبَ على جَماعتِهم علَى الحَدِّ الذي أَجَزناه على آحادِهم، و لَو كُنّا نُجيزُ ذلكَ لَلَحِقنا بمُنكِري الأخبارِ و الذاهِبينَ إلى أنّها لا توجِبُ عِلماً، و المعلومُ مِن مَذهَبِنا خِلافُ هذا.
و أمّا الكِتمانُ: فإذا جازَ على آحادِهم و جَماعاتِهم، فلَيسَ يَجِبُ أن يَكونَ مانِعاً مِن القَطعِ على صِحّةِ خبرِهم إذا ورَدَ علَى الشرائطِ المخصوصةِ. و إنّما يَكونُ مانِعاً مِن كَونِهم حافِظينَ للشرعِ؛ لأنّه إذا جازَ ذلكَ عليهِم لَم نَثِقْ بأنّه لَم يقَعْ مِنهم إلّا بأن يُقطَعَ على وُجودِ معصومٍ يَكونُ وَراءَهم متى وقَعَ مِنهم الكِتمانُ الجائزُ عليهِم تَلافاه و بيَّنَ عنه، فلَيسَ يَجِبُ أن يَخلِطَ صاحبُ الكتابِ جَوازَ الكِتمانِ بجَوازِ الكَذِبِ، و إخراجَهم مِن أن يَكونوا حافِظينَ للشرعِ بإخراجِهم مِن أن يَكونوا حُجّةً فيما يَتَواتَرونَ به؛ فإنّ ذلكَ لا يَختَلِطُ إلّاعندَ مَن لا معرفةَ عندَه.(1)
بكلامِه و لا ضَرورةَ، فما الّذي يَمنَعُ مِن مِثلِه في كُلِّ زمانٍ؟ و لا يُمكِنُه التخلُّصُ مِن ذلكَ إلّابأن يوجِبَ أنّ كُلَّ أحَدٍ جاهلٌ بمُرادِ اللّهِ تَعالى ذاهبٌ عن الحقِّ: في هذا الزمانِ، و في كُلِّ زمانٍ كانَ الإمامُ مغلوباً عليه فيه؛ فيَجِبُ مِن ذلكَ الشهادةُ علَى الكُلِّ بالجَهلِ و الكُفرِ، و أن يَلزَمَه أن لا يَكونَ هو مُحِقّاً.(1)
يُقالُ له: ما قدَّمتَه في هذا الفصلِ يدُلُّ على أنّكَ ظَنَنتَ عَلَينا أنّ المُرادَ بالكلامِ إذا لَم يُعلَمْ ضَرورةً لَم يَصِحَّ أن يُعلَمَ، و أنّا نُفصِّلَ بَينَ القُرآنِ في العِلمِ بالمُرادِ مِنه و بَينَ كلامِ الإمامِ، بأنّ كلامَ الإمامِ يُعلَمُ مُرادُه باضطرارٍ، و لَيسَ كذلكَ القُرآنُ. و هذا ظَنٌّ بعيدٌ و غلطٌ شديدٌ؛ لأنّ الذي قُلناه و ذَهَبنا إليه هو غَيرُ ما ظَنَنتَه، و إنّما أَوجَبنا في كَثيرٍ مِن القُرآنِ و السُّنّةِ الحاجةَ إلى مُتَرجِمٍ للاحتمالِ و الاشتباهِ و فَقدِ الدليلِ المقطوعِ به علَى المُرادِ، لا لفَقدِ العِلمِ الضروريِّ. و لَو كانَ جميعُ القُرآنِ و السُّنّةِ مُحكَماً غَيرَ متشابِهٍ، و مفصَّلاً غَيرَ مُجمَلٍ، لَصَحَّ أن يُعلَمَ المُرادُ بهِما.
فأمّا الأوّلُ الذي عرَفَ مِن جهةِ الإمامِ أو الرسولِ و كيفيةُ عِلمِه بمُرادِ اللّهِ تَعالى، فيَصِحُّ أن يَعلَمَ مُرادَه - جَلَّ اسمُه -: بأن يُخاطبَه بلُغةٍ لا مَجازَ فيها و لا احتمالَ، أو يُخاطِبَه بما ظاهرُه مُطابِقٌ لحقائقِ اللغةِ و يُعلِمَه أنّه لَم يُرِدْ إلّاالظاهرَ. و لَيسَ يُمكِنُ أن يُدَّعى في جميعِ الكتابِ و السُّنّةِ مِثلُ ذلكَ.
فأمّا زمانُ الغَيبةِ فلَيسَ يَجِبُ الجَهلُ بمُرادِ اللّهِ تَعالى كما أَلزَمتَ؛ لأنّا قد عَلِمنا تأويلَ مُشكِلِ القُرآنِ و الدِّينِ ببيانِ مَن تَقدَّمَ مِن الأئمّةِ صلَواتُ اللّهِ عَلَيهم، الذينَ لَقِيَتهم الشيعةُ و أخَذَت عنهم الشريعةَ، فقَد بَثّوا مِن ذلكَ و نَشَروا ما دَعَت الحاجةُ 9.
ص: 193
إليه، و نحنُ آمِنونَ مِن أن يَكونَ مِن ذلكَ شيءٌ لَم يتَّصِلْ بنا؛ لكَونِ إمامِ الزمانِ مِن ورَاءِ الناقِلينَ، على ما بيّنّاه و فَصَّلناه.(1)
فأمّا الخبرُ الذي يَتضمَّنُ أنّهما سَيِّدا كُهولِ أهلِ الجَنّةِ، فمَن تأمَّلَ أصلَ هذا الخبرِ بعَينِ إنصافٍ عَلِمَ أنّه موضوعٌ في أيّامِ بَني أُمَيّةَ؛ مُعارَضةً لِما رُويَ مِن قولِه صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه في الحَسَنِ و الحُسَينِ عليهما السلامُ: «إنّهما سَيِّدا شَبابِ أهلِ الجَنّةِ، و أبوهما خَيرٌ منهما».
... على أنّهم قد رَوَوا عن النبيِّ صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه ما يُخالِفُ فائدةَ هذا الخبرِ و يُناقِضُها؛ لأنّهم رَوَوا عن النبيِّ صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه أنّه قالَ: «بَنو عبدِ المُطَّلِبِ سادةُ أهلِ الجَنّةِ: أنا، و عَليٌّ و جعفرُ ابنا أبي طالِبٍ، و حَمزةُ بنُ عبدِ المُطَّلِبِ، و الحَسَنُ و الحُسَينُ، و المَهديُّ»(2).(3)
ص: 194
قالَ (1) صاحبُ الكتابِ:
و اعلَمْ أنّ أحَدَ ما يَبطُلُ به(2) طَريقةُ الإماميّةِ أن يُقالَ لهم: إنّ مَذهبَكم في النصِّ علَى الإمامِ يَقتَضي أن يَكونَ إمامُ كُلِّ زمانٍ بمَنزِلةِ أميرِ المؤمنينَ عليه السلامُ في أنّه لا بُدَّ في النصِّ عليه(3) مِن أن يَظهَرَ ظُهورَ الحُجّةِ القاطعةِ؛ لأنّ الإمامةَ مِن أعظَمِ أركانِ الدينِ عندَكم على ما تَقدَّمَ القولُ فيه، فكَيفَ السبيلُ إلى أن نَعلَمَ أنّه عليه السلامُ نَصَّ علَى الحَسَنِ و الحُسَينِ، أو نَصَّ الحَسَنُ علَى الحُسَينِ، و كذلكَ سائرُ الأئمّةِ؟ و قد عَلِمنا أنّ الوجوهَ التي يُمكِنُهم ذِكرُها في النصِّ على أميرِ المؤمنينَ عليه السلامُ - علَى اختلافِها - لا يُمكِنُ ادّعاءُ مِثلِها في النصِّ على إمامِ كُلِّ زمانٍ.
و لا يُمكِنُهم أن يَدَّعوا في ذلكَ طَريقةَ العقلِ؛ لأنّا قد بيّنّا أنّها لا تَدُلُّ، و لَو دَلَّت لَكانَت لا تَدُلُّ (4) على واحدٍ مُعيَّنٍ. و لا يُمكِنُهم أن يَدَّعوا إثباتَها في الولدِ؛ لأنّها لَيسَت مُتوارَثةً (5) فيَصِحَّ ذلكَ فيها، و لأنّ ذلكَ يوجِبُ أن لا يُنتَقَلَ مِن الحَسَنِ إلى أخيه، بَل يُنتَقَلَ إلى ولدِه، و يوجِبُ أن لا يَكونَ بعضُ أولادِ الحُسَينِ و عليِّ بنِ الحُسَينِ و مُحمّدِ بنِ عَليٍّ و جعفرِ بنِ مُحمّدٍ أَولى مِن غيرِهم؛ لأنّهم خَلَّفوا أكثَرَ مِن واحدٍ.».
ص: 195
و هذا يُبيِّنُ أنّه(1) لا بُدَّ لهُم مِن إثباتِ إمامةِ كُلِّ واحدٍ بنَصٍّ ظاهرٍ، و ذلكَ ممّا لا يُمكِنُ إثباتُه.
و قد بيّنّا أنّ إثباتَ النصِّ للإمامِ فرعٌ على إثباتِ عَينِه، و ذلكَ لا يُمكِنُ في إمامِ هذا الزمانِ؛ فكَيفَ يُدَّعى هذا النصُّ فيه؟
و قد سَألَهم أصحابُنا في الغَيبةِ؛ و أنّ سببَها إن كانَ الخَوفَ مِن الظهورِ، فقَد كانَ يَجِبُ أن تَحصُلَ غَيبةُ الأئمّةِ في أيّامِ بَني أُميّةَ؛ لأنّ خَوفَهم كانَ أكثَرَ، و كذلكَ في كَثيرٍ مِن أيّامِ بَني العَبّاسِ، ثُمّ لَم يَمنَعْ ذلكَ مِن ظهورِهم؛ فكَيفَ وَجَبَت الغَيبةُ في هذه الأيّامِ و الخَوفُ لا يَزيدُ فيها على ما قد كانَ مِن قَبلُ؟ و كَيفَ تَصِحُّ الغَيبةُ مع شِدّةِ الحاجةِ إلَى الإمامِ فيما يَتَّصِلُ بالتكليفِ؟ و لَئن جازَ ذلكَ لِيَجوزَنَّ لبعضِ الأعذارِ أن لا يَنصِبَ - جَلَّ و عَزَّ - أدِلّةَ المُكلَّفِ (2) و أن لا يُمكِّنَه و التكليفُ قائمٌ! و هَلّا وَجَبَ على مَذهبِهم حِراسةُ إمامِ الزمانِ مِن جِهةِ اللّهِ تَعالى، و أن يَعصِمَه مِن كُلِّ مَخافةٍ لِما يَتعلَّقُ به مِن صِحّةِ الشريعةِ؟ و ذلكَ يَقتَضي بُطلانَ الغَيبةِ.
و قد ألزَمَهم واصِلُ بنُ عَطاءٍ على قولِهم هذا أن يَكونَ قَبلَ بِعثةِ الرسولِ في الزمانِ حُجّةٌ مِن رسولٍ أو إمامٍ، و لَو كانَ كذلكَ لَما صَحَّ قولُه تَعالى: (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَ لا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَ نَذِيرٌ) ؛(3) لأنّ 9.
ص: 196
على قولِهم لَم يَخلُ الزمانُ مِن بَشيرٍ و نَذيرٍ، و ادُّعيَ (1) إجماعُ علماءِ المُسلِمينَ و ظهورُ الأخبارِ عن أهلِ الكُتُبِ أنّ الفَتَراتِ بَينَ الرُّسُلِ قد كانَت، و لَم يَكُن فيها أنبياءُ و لا مَن يَجري مَجراهم.
ثُمّ قالَ:
و هذه الوجوهُ إنّما يُقصَدُ بها تقويةُ ما قَدَّمناه؛ لأنّ ذلكَ هو المُعتَمَدُ(2).
يُقالُ له: لا شُبهةَ في أنّه يَجِبُ على مَن ادَّعَى النصَّ على إمامِ كُلِّ زمانٍ أن يَذكُرَ فيه حُجّةً قاطعةً و طَريقةً واضحةً، فمِن أينَ حَكَمتَ بأنّنا لا نَتمكَّنُ مِن ذلكَ في النصِّ علَى الحَسَنِ و الحُسَينِ و مَن بَعدَهما مِن الأئمّةِ عليهم السلامُ إلى وقتِنا هذا؟ و قد كانَ أقَلُّ ما يَجِبُ أن تَذكُرَ ما يُتعلَّقُ به في هذا البابِ و تَتعاطى إفسادَه، ثُمّ تَحكُمَ بالحُكمِ الذي اعتَمَدتَ عليه.
و أمّا قولُكَ: «إنّ الوجوهَ التي يُمكِنُهم ذِكرُها في النصِّ على أميرِ المؤمنينَ عليه السلامُ لا يُمكِنُ ذِكرُها و ادّعاءُ مِثلِها في النصِّ على إمامِ كُلِّ زمانٍ».
فإن أرَدتَ بقَولِكَ «مِثلِها» ما يَجري مَجراها في الدلالةِ و الحُجّةِ و قَطعِ العُذرِ و إزالةِ الرَّيبِ، فنَحنُ بحَمدِ اللّهِ تَعالى نَتمكَّنُ مِن ذلكَ، و سَنَذكُرُه.
و إن أرَدتَ أنّا لا نَتمكَّنُ في باقي الأئمّةِ عليهم السلامُ مِن نَصٍّ يَرويهِ المُوافِقُ و المُخالِفُ، و يُجمِعُ على نَقلِه جماعةُ المُسلِمينَ - و إن اختَلَفوا في تأويلِه - كالنُّصوصِ على أميرِ المؤمنينَ عليه السلامُ، فهو صَحيحٌ، إلّاأنّ فَقْدَ التمكُّنِ مِن ذلكَ لا يُخِلُّ بصِحّةِ المَذهبِ، الذي إنّما قَصَدتَ إلى إفسادِه، و شَرَعتَ في الاستدلالِ على أنّه لا دليلَ للّهِ تَعالى عليه.7.
ص: 197
و لا مَنفَعةَ لكَ و لِمَن وافَقَكَ في أن يَكونَ بعضُ الأدِلّةِ و الطرُقِ مفقوداً في هذا المَوضِعِ، إذا قامَ مَقامَه ما يَجري في الحُجّةِ مَجراه، و يَقطَعُ العُذرَ كقَطعِه.
على أنّ النصوصَ على أميرِ المؤمنينَ عليه السلامُ غيرُ مُتَّفِقةِ الطرُقِ؛ لأنّ فيها ما يَرويهِ جميعُ الرواةِ، و يُسلِّمُ صحّتَه جميعُ الأُمّةِ؛ كخبرِ الغَديرِ، و قولِه: «أنتَ مِنّي بمَنزِلةِ هارونَ مِن موسى»، و ما يَجري مَجراهما. و فيها ما يَشتَرِكُ العامّةُ و الخاصّةُ في نَقلِه، و إن كانَ مِن جِهةِ الخاصّةِ و مِن طُرُقِ الشيعةِ مُتَواتِراً ظاهراً، و مِن طُرُقِ العامّةِ يَرويهِ الآحادُ و يَذكُرُه الأفرادُ، كخبرِ يَومِ الدارِ(1)، و ما أشبَهَه. و فيها ما يَختَصُّ الشيعةُ بنَقلِه، و لا يُشارِكُها فيه مُخالِفُها، كألفاظِ النصِّ الصريحةِ (2). و مِثلُ هذا القِسمِ (3) موجودٌ في النصوصِ على سائرِ الأئمّةِ عليهم السلامُ، و إن لَم يوجَدْ فيهار.
ص: 198
مِثلُ القِسمَينِ الأوّلَينِ؛ و قد بيّنّا أنّ ذلكَ لا يُخِلُّ بالحُجّةِ.
و لنا في الاستدلالِ على إمامةِ الحَسَنِ، و مَن بَعدَه مِن الأئمّةِ عليهم السلامُ إلى عصرِنا هذا، طَريقانِ:
أحَدُ هما: الرجوعُ إلَى النقلِ الظاهرِ بَينَ الشيعةِ، الواردِ مَورِدَ الحُجّةِ، بنَصِّ النبيِّ صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه مُجمَلاً و مُفصَّلاً، و كذلكَ ما وَرَدَ عن أميرِ المؤمنينَ عليه السلامُ في ذلكَ؛ لأنّ الأخبارَ مُتَظاهِرةٌ عنه بَينَ الشيعةِ، يَنقُلُها خَلَفٌ عن سَلَفٍ، بنَصِّه بالإمامةِ علَى الحَسَنِ عليه السلامُ في مَقاماتٍ كَثيرةٍ، و بإشارتِه إلَى الأئمّةِ مِن ولدِ الحُسَينِ بأعيانِهم و صِفاتِهم، و كذلكَ القولُ في نَصِّ الحَسَنِ علَى الحُسَينِ عليهما السلامُ، و نَصِّ كُلِّ واحدٍ على مَن بَعدَه. و لَو لا أنّ كتابَنا يَضيقُ عن استقصاءِ الرواياتِ في هذا البابِ، لَذَكرنا ما وَرَدَ مِن النصوصِ في إمامةِ كُلِّ واحدٍ مِن الأئمّةِ عليهم السلامُ بألفاظِه و طُرُقِه. و مَن أرادَ الوقوفَ على ذلكَ فعَلَيه بكُتُبِ حَديثِ الشيعةِ (1)؛ فإنّه يَقِفُ مِن ذلكَ على ما لا يَستَجيزُ معه أن يُطلِقَ القولَ بأنّه لا يُمكِنُ في إمامتِهم عليهم السلامُ ما أمكَنَ في إمامةِ أبيهِم أميرِ المؤمنينَ عليه السلامُ.
و لَيسَ يُمكِنُ الطعنُ في هذه الأخبارِ بأنّها آحادٌ، و أنّ شُروطَ الأخبارِ المُتَواتِرةِ مفقودةٌ فيها؛ و ذلكَ أنّ الشيعةَ في هذا الوقتِ لا شُبهةَ في كَثرتِها، و استحالةِ اتّفاقِ الكَذِبِ منها و التواطؤِ عليه؛ و هي تَدَّعي أنّها أخَذَت هذه الرواياتِ عن سَلَفِها، و أنّ سَلَفَها أخبَرَها بمِثلِ ذلكَ عن سَلَفِها، حتّى يَنتَهيَ الخبرُ إلى أصلِه.
و قد بيّنّا فيما تَقدَّمَ - عندَ الكلامِ في النصِّ الصريحِ على أميرِ المؤمنينَ عليها.
ص: 199
السلامُ - صحّةَ هذه الطريقةِ، و أجَبنا عن الأسئلةِ و الزياداتِ عليها؛ فلا حاجةَ بنا إلَى استقصائها هاهُنا.
و أمّا الطريقةُ الثانيةُ: فهو أن يُعتَمَدَ في إمامةِ كُلِّ واحدٍ منهم على طَريقةِ الاعتبارِ، و البِناءِ علَى الأُصولِ المُتقرِّرةِ في العقولِ، مِن غيرِ رجوعٍ إلَى النقلِ؛ فنَقولُ في إمامةِ الحَسَنِ عليه السلامُ: إنّ الناسَ، لمّا قَبَضَ اللّهُ تَعالى أميرَ المؤمنينَ عليه السلامُ إلى جَنبِه، كانوا في بابِ الإمامةِ على ضُروبٍ:
فمنهم مَن نَفاها و ادَّعى أنّه لا إمامَ في العالَمِ، و هُم الخَوارجُ (1) و مَن وافَقَهم.
و قولُهم يُبطِلُه قيامُ الدلالةِ العقليّةِ على وجوبِ الإمامةِ، و قد تَقدَّمَت.
و منهم مَن قالَ بإمامةِ مُعاويةَ بنِ أبي سُفيانَ. و يُبطِلُ قولَ هؤلاءِ: ما يَعتَرِفونَ مَعَنا به مِن فَقْدِ عِصمتِه، التي قد تَقدَّمَت دَلالتُنا على وجوبِ اعتبارِها في الإمامِ.
و هذا كافٍ في إبطالِ إمامتِه، و إن كانَ لنا أن نَتخطّى ذلكَ إلى ما ظَهَرَ مِن كُفرِه و فِسقِه و مُجاهَرتِه بما يَنفي العَدالةَ و يَرفَعُ حُكمَ الإسلامِ.
و منهم مَن قالَ بإمامةِ مُحمّدِ بنِ الحَنَفيّةِ - رِضوانُ اللّهِ عليه - و هؤلاءِ أحَدُ فِرَقِ الكَيسانيّةِ (2).
و يَبطُلُ قولُ هؤلاءِ، إذا ادَّعَوا في مُحمّدِ بنِ الحَنَفيّةِ ما نوجِبُه للأئمّةِ مِن العصمةِ و غيرِها، و حَمَلوا أنفسَهم - أعني هؤلاءِ القومَ مِن الكَيسانيّةِ - على هذه المَقالةِ.
و قد بيّنّا على ذلكَ أنّ ابنَ الحَنَفيّةِ ما زالَ تابعاً لأخَوَيه عليهما السلامُ، مُقدِّماً3.
ص: 200
لهُما على نفسِه، راجعاً إليهما(1)، و مُعوِّلاً عليهما. و المفضولُ لا يَكونُ إماماً، و حالُهما عليهما السلامُ في العِلمِ و الفَضلِ عليه ظاهرةٌ لا تَخفى على مَن سَمِعَ الأخبارَ.
و بَعدُ، فإنّه حَضَرَ البَيعةَ لهُما بالإمامةِ، و كانَ راضياً بِهما غيرَ مُنازِعٍ و لا مُنكِرٍ، و التقيّةُ منهما عنه زائلةٌ؛ فكَيفَ يَكونُ مع كُلِّ ذلكَ إماماً دونَهما؟
و أيضاً: فإنّ هؤلاءِ الكَيسانيّةَ، و مَن وافَقَهم في إمامةِ مُحمّدِ بنِ الحَنَفيّةِ اختَلَفوا:
فادَّعى بعضُهم أنّها كانَت له بَعدَ أخَوَيه؛ بَعدَ تَشتُّتِ أهوائهم، و تَفرُّقِ آرائهم.
و ادَّعى بعضُهم حياةَ محمّدٍ، و أنّه بَينَ أسَدٍ و نَمِرٍ في جِبالِ رَضوى، إلى غيرِ ذلكَ مِن المَذاهبِ التي أَلجأَتهم الحَيرةُ إليها. و قد انقَرَضوا، فلا عَينَ لهُم و لا أثَرَ مُنذُ السِّنينَ الطِّوالِ، و ما رأَينا أحَداً منهم، و لا مَن كانَ قَبلَنا بمُدَدٍ بَعيدةٍ؛ فلَو كانَ قولُهم حَقّاً لَما جازَ أن يَنقَرِضوا حتّى لا يَقولَ قائلٌ به مِن الأُمّةِ في زمانٍ بَعدَ زمانٍ، و لا في زمانٍ واحدٍ؛ لأنّ الحَقَّ لا يَخرُجُ عن أقوالِ جميعِ الأُمّةِ.
فلَم يَبقَ إلّاقولُ مَن قالَ بإمامةِ الحَسَنِ، و هُم على ضَربَينِ:
منهم مَن ذَهَبَ إليها مِن طريقِ الاختيارِ(2)، و قولُ هؤلاءِ يَفسُدُ بما دَلَّلنا عليه مِن وجوبِ النصِّ.
فلَم يَبقَ إلّاقولُ مَن أوجَبَها بالنصِّ عليه. و هو الحَقُّ المُبينُ؛ لأنّه لَو ساوى 5.
ص: 201
هذا القولُ ما تَقدَّمَ مِن الأقوالِ في الفَسادِ، لَاقتَضى ذلكَ خُروجَ الحَقِّ مِن الأُمّةِ؛ و قد بيّنّا ذلكَ.
و أنتَ إذا اتَّبَعتَ هذه الطريقةَ و سَلَكتَها في إمامةِ الحُسَينِ عليه السلامُ و مَن بَعدَه مِن الأئمّةِ، وَجَدتَها نَهجاً واضحاً و طَريقاً جَدَداً(1)؛ لأنّ كُلَّ مَن ذَهَبَ في الإمامةِ إلى غيرِ مَذهبِنا في إمامِ كُلِّ زمانٍ بعَينِه إمّا أن يَنفيَ وجوبَها، أو يُثبِتَها لِمَن يَعتَرِفُ بنَفيِ صفاتِ الأئمّةِ - التي أوجَبناها بحُجَجِ العقولِ - عنه، أو يَدَّعيَ حياةَ مَيّتٍ قد عُلِمَ ضَرورةً مَوتُه(2)، أو يُثبِتَها بطَريقٍ مِثلِ الاختيارِ، أو الدعوةِ على مَذهبِ الزيديّةِ؛ و قد دَلَّت العقولُ أيضاً على أنّ الطريقَ إليها لا يَكونُ إلّاالنصَّ و المُعجِزَ.
و هذه الطريقةُ إذا سُلِكَت في إمامةِ صاحبِ زمانِنا هذا عليه السلامُ كانَت أوضَحَ مِن غيرِها، و أحسَمَ لكُلِّ شُبهةٍ، و أقطَعَ لكُلِّ شَغْبٍ؛ لأنّ الإمامَ إذا وَجَبَت عِصمتُه و النصُّ عليه، فلَم يَبقَ في أقوالِ المُختَلِفينَ في إمامِ هذا الزمانِ ما يَجوزُ أن يَكونَ مُطابِقاً لهذه الأدِلّةِ إلّاقولانِ:
قولُ الإماميّةِ، الذاهبينَ إلى إمامةِ ابنِ الحَسَنِ عليه السلامُ.
و قولُ شُذّاذٍ لَم يَبقَ منهم إلّاصُبابةٌ (3)، قد كادَ الانقراضُ يأتي عليهم كَما أتى على أمثالِهم، و هُم الواقفةُ على موسَى بنِ جعفرٍ عليه السلامُ. و هؤلاءِ يُبطِلُ قولَهم - و إن كانَت الشُّبهةُ به زائلةً في وقتِنا هذا - ما يَعلَمُه جميعُ الأُمّةِ ضَرورةً؛ مِن وفاةِ موسَى بنِ جعفرٍ عليه السلامُ، و مُشاهَدةِ كَثيرٍ مِن الناسِ له مَيّتاً على حَدٍّ إن لَم يَزِدْ).
ص: 202
في الوضوحِ على مَوتِ آبائه عليهم السلامُ لَم يَنقُصْ عنه.
فلَم يَبقَ ما يَجوزُ أن يَكونَ صَحيحاً إلّاقولُ مَن ذَهَبَ إلى إمامةِ ابنِ الحَسَنِ؛ فيَجِبُ أن يَكونَ صَحيحاً، و إلّاأدّى ذلكَ إلى أنّ الحَقَّ مفقودٌ مِن أقوالِ الأُمّةِ.
و هذه الجُملةُ تُبيِّنُ أنّ ما ادَّعى صاحبُ الكتابِ تَعذُّرَه علينا مُمكِنٌ مُتَسهِّلٌ، بحَمدِ اللّهِ و مَنِّه.
فأمّا قولُه: «إنّ الغَيبةَ إن كانَ الخَوفُ سببَها فقَد كانَ يَجِبُ أن يَحصُلَ غَيبةُ الأئمّةِ في أيّامِ بَني أُمَيّةَ و كَثيرٍ مِن أيّامٍ بَني العَبّاسِ؛ لأنّ الخَوفَ كانَ هُناكَ أظهَرَ و أكثَرَ».
فأوّلُ ما نَقولُه في ذلكَ: أنّ الأمرَ بخِلافِ ما ظَنَّه مِن زيادةِ الخَوفِ في تلكَ الأيّامِ على غيرِها؛ لأنّا نَعلَمُ أنّ مَن عَدا إمامَ زمانِنا عليه السلامُ مِن آبائه عليهم السلامُ لَم يَكُن أحَدٌ منهم يُدَّعى له و يُحكَمُ فيه و يُنتَظَرُ منه إظهارُ العَدلِ في مَشارقِ الأرضِ و مَغارِبِها، و ابتزازُ الأمرِ مِن أيدي الجائرينَ و المُتغلِّبينَ؛ و لا(1) أنّه صاحبُ الزمانِ، و المَهديُّ المُنتَظَرُ لإصلاحِ ما فَسَدَ مِن الأُمورِ، و ارتجاعِ ما غُصِبَ مِن الحقوقِ.
و هذا كُلُّه موجودٌ في إمامةِ صاحبِ الزمانِ، مفقودٌ في إمامةِ مَن تَقدَّمَه مِن آبائه عليهم السلامُ أجمَعينَ؛ و لهذا كُتِمَت وِلادتُه، و أُخفيَ في الابتداءِ أمرُه. و كَيفَ لا يَكونُ الحالُ كذلكَ، و لمّا ماتَ الحَسَنُ عليه السلامُ جَمَعَ جَواريَه و سَراريَه(2)).
ص: 203
و احتاطَ عليهم المُتملِّكُ في ذلكَ الوقتِ للأمرِ؛ ليَظهَرَ له ميلادُ القائمِ عليه السلامُ - الذي يُنتَظَرُ منه العَجائبُ، و قَلبُ الدُّوَلِ و المَمالكِ - و لَم يَعلَمْ أنّ ميلادَه قد تَقدَّمَ، و أنّه عليه السلامُ وُلِدَ قَبلَ وفاةِ أبيه بزَمانٍ طويلٍ؟ فكَيفَ يَجمَعُ مُنصِفٌ بَينَ أحوالِ صاحبِ الزمانِ مع ما ذَكرناه، و أحوالِ مَن تَقدَّمَ مِن آبائه عليهم السلامُ، فيما يَقتَضي الخَوفَ و الغَيبةَ و الاستتارَ و الأمنَ؟
و كَيفَ يُضَمُّ - في بابِ الخَوفِ و التقيّةِ مِن المُتملِّكينَ للأُمورِ و المُستَبِدّينَ بالدُّوَلِ - بَينَ مَن لا يَخافونَه على ما في أيديهِم و لا يُنازِعُهم شَيئاً مِن أُمورِهم و لا يُقضى له و لا يُدَّعى فيه أنّه المنصورُ عليهم، و السالبُ لنِعمتِهم، و بَينَ مَن يَجتَمِعُ فيه هذه الصفاتُ؟ و الفَرقُ بَينَ هذَينِ الأمرَينِ فيما يَدعو إلَى الخَوفِ و التقيّةِ أوضَحُ مِن أن يُطنَبَ فيه، و هو بالعكسِ ممّا قَضى به صاحبُ الكتابِ!
على أنّ احوالَ الخائفِ إنّما يُرجَعُ فيها إلَى اعتقاداتِه و ظُنونِه، و اعتقاداتُه و ظُنونُه بحَسَبِ ما يَظهَرُ له مِن الأماراتِ التي تَقتَضي الخَوفَ أو الأمنَ، و لا مَرجِعَ في أحوالِ الإنسانِ - مِن خَوفٍ و أمنٍ - إلى غيرِه؛ و لهذا نَجِدُ كَثيراً مِن العقلاءِ يُقدِمُ في بعضِ المَجالسِ التي يَلزَمُ فيها الخَوفُ و التقيّةُ في الظاهرِ على أفعالٍ و أقوالٍ لا نَراه يُقدِمُ على مِثلِها في غيرِ ذلكَ المَجلسِ ممّا لا يَظهَرُ لنا فيه قُوّةُ أماراتِ الخَوفِ، و لا يَلزَمُ أن نَنسِبَه إلَى السَّفَهِ مِن حَيثُ لَم يَظهَرْ لنا ما ظَهَرَ له؛ لأنّه يَجوزُ أن يَختَصَّ بأماراتٍ تَقتَضي شِدّةَ الخَوفِ في المَوضِعِ الذي يَظهَرُ لنا فيه ضَعفُ الخَوفِ، و يَختَصَّ بأماراتٍ تَقتَضي ضَعفَ الخَوفِ في المَوضِعِ الذي يَظهَرُ لنا قُوّتُه، و العاداتُ تَشهَدُ بِما ذَكرناه شَهادةً لا يُحتاجُ معها إلَى الإكثارِ فيه.
فأمّا قولُه: «و كَيفَ تَصِحُّ الغَيبةُ مع شِدّةِ الحاجةِ إلَى الإمامِ فيما يَتَّصِلُ
ص: 204
بالتكليفِ؟ و لَئن جازَ ذلكَ لِيَجوزَنَّ أن لا يَنصِبَ [جلَّ و عَزَّ](1) الأدِلّةَ للمُكلَّفِ مع قيامِ التكليفِ».
فقَد مضَى الكلامُ في هذا المعنى مُستَقصىً، و تَكرَّرَ في أثناءِ نَقضِنا عليه. و بيّنّا أنّ سببَ الغَيبةِ هو فِعلُ الظالمينَ، و تقصيرُهم فيما يَلزَمُ مِن تمكينِ الإمامِ فيه، و الإفراجِ بَينَه و بَينَ التصرُّفِ فيهم. و بيّنّا أنّهم مع الغَيبةِ مُتمكِّنونَ مِن مَصلَحتِهم بأن يُزيلوا السببَ الموجِبَ للغَيبةِ؛ ليَظهَرَ الإمامُ و يَنتَفِعوا بتدبيرِه و سياستِه.
و فَرَّقنا بَينَ ذلكَ و بَينَ أن لا يَنصِبَ اللّهُ تَعالَى الأدِلّةَ للمُكلَّفِ، أو لا يُمكِّنَه، بأن قُلنا: لَو فَعَلَ ذلكَ - تَعالى عنه عُلوًّا كَبيراً - لَكانَ مُكلِّفاً لِما لا يُطاقُ، و لَكانَ فَقدُ العِلمِ و الانتفاعِ به مِن قِبَلِه تَعالى خاصّةً، و لا مَدخَلَ للمُكلَّفِ فيه، و لا أُتيَ فيه مِن تقصيرِه. و غَيبةُ الإمامِ بخِلافِ ذلكَ؛ لأنّ التمكُّنَ مِن المَصالحِ معها ثابتٌ، و ما فُقِدَ مِن المَنافعِ بالغَيبةِ مَرجِعُه إلَى الظالمينَ الذين سَبَّبوها و أَلجَئوا إليها.
فأمّا قولُه: «و هَلّا وَجَبَ على مَذهبِهم حِراسةُ إمامِ الزمانِ مِن جِهةِ اللّهِ تَعالى، و أن يَعصِمَه مِن كُلِّ مَخافةٍ؟».
فإنّا نَقولُ له في ذلكَ: الحِراسةُ و العصمةُ مِن المَخافةِ على ضَربَينِ:
فمنها: ما لا يُنافي التكليفَ، و لا يُخرِجُ المُكلَّفَ إلى حَدِّ الإلجاءِ. و هذا القِسمُ قد فَعَلَه اللّهُ تَعالى على أبلَغِ الوجوهِ، و حَرَسَ الإمامَ بالحُجّةِ، و أيَّدَه و نَصَرَه بالأدِلّةِ.
و أمّا القِسمُ الآخَرُ: فهو ما نافَى التكليفَ، و أخرَجَ مِن استحقاقِ الثوابِ و العِقابِ. و إلزامُنا هذا القِسمَ مِن عَجيبِ الأُمورِ؛ لأنّ الإمامَ إنّما يُحتاجُ إليهة.
ص: 205
للمَصلَحةِ في التكليفِ، فكَيفَ يُجمَعُ بَينَه و بَينَ ما نافاه التكليفُ؟ و هَل هذا إلّا مُناقَضةٌ مِن المُلزِمِ، أو قِلّةُ تأمُّلٍ لِما يَقولُه خُصومُه؟!
فأمّا ما حَكاه عن واصِلِ بنِ عَطاءٍ مِن ذِكرِ الفَترةِ و الاستشهادِ بالقُرآنِ و إجماعِ علماءِ المُسلِمينَ عليها: فمِن بَعيدِ الكلامِ عن مَوقِعِ الحُجّةِ؛ لأنّ قولَه تَعالى:
(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَ لا نَذِيرٍ) (1) صَريحٌ في أنّ الفَترةَ تَختَصُّ الرسُلَ، و أنّها عِبارةٌ عن الزمانِ الذي لا رسولَ فيه. و هذا إنّما يَلزَمُ مَن ادَّعى أنّ في كُلِّ زمانٍ حُجّةً هو رسولٌ، فأمّا إذا لَم يَزِد علَى ادّعاءِ حُجّةٍ و جَوازِ أن يَكونَ رسولاً و غيرَ رسولٍ، فإنّ هذا الكلامَ لا يَكونُ حِجاجاً عليه.
فأمّا ادّعاؤه إجماعَ علماءِ المُسلِمينَ علَى الفَتَراتِ بَينَ الرسُلِ: فإن أرادَ بالفَتَراتِ خُلوَّ الزمانِ مِن رسولٍ، فهو صَحيحٌ، و لا فائدةَ في صِحّتِه. و إن أرادَ خُلوَّه مِن رسولٍ و حُجّةٍ، فلا إجماعَ في ذلكَ، و كُلُّ مَن يَقولُ بوجوبِ الإمامةِ في كُلِّ زمانٍ و عَصرٍ يُخالفُ في ذلكَ؛ فكَيفَ يُدَّعَى الإجماعُ فيه؟
و هذه الجُملةُ تُبيِّنُ فَسادَ جميعِ ما أورَدَه في الفَصلِ الذي حَكَيناه إلى آخِرِه.(2)
ز: تأويل آية: (وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) .(3)
قد ذكر الشريف كلاماً في هذه الآية في كتابه الشافي، و قال بعد ذكر الآية و حكاية كلام عن مجاهد و ابن عبّاس و غيرهما - من أنّ المراد من «اَلَّذِينَ
ص: 206
آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ» هم أُمّة محمّد (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) أو ما يقرب من هذا - ما هذا لفظه:
و قد تأوَّلَ هذه الآيةَ علماءُ أهلِ البَيتِ عليهم السلامُ، و حَمَلوها على وجهٍ معروفٍ، فقالوا: هذا التمكينُ و الاستخلافُ و إبدالُ الخوفِ بالأمنِ إنّما يَكونُ عندَ قيامِ المهديِّ عليه السلامُ (1). الشافى في الإمامة، ج 4، ص 306.(2)؛ فلَيسَ على تأويلِكَ إجماعٌ مِن المُفسِّرينَ، و قولُ بعضِهم لَيسَ بحُجّةٍ.(2)6.
ص: 207
ص: 208
قال في رثاء جدّه الحسين عليه السلام و استنهاض الإمام المهدي عليه السلام:
قِفْ بِالدِّيارِ المُقْفِراتِ لَعِبَتْ بِها أَيْدي الشَّتاتِ
فَكَأَنَّهُنَّ هَشائِمٌ بِمُرورِ هُوجِ العاصِفاتِ (1)
فإِذا سَأَلْتَ فَلَيْسَ تَس ْ أَلُ غَيْرَ صُمٍّ صامِتاتِ
خُرْسٍ يُخَلْنَ مِنَ السُّكُو تِ بِهِنَّ هامُ المُصْغياتِ
عُجْ بِالمَطايا النَّاحِلا تِ عَلَى الرُّسُومِ الماحِلاتِ
الدّارِساتِ الفانِيا تِ شَبيهَةً بِالباقِياتِ
و اسأَلْ عَنِ القَتْلَى الأُ لى طُرِحوا عَلى شَطِّ الفُراتِ
شُعْثٌ، لَهُمْ جُمَمٌ عَصَيْ نَ عَلى أَكُفِّ الماشِطاتِ
و عُهودُهُنَّ بَعِيدَةٌ بِدِهانِ أَيْدٍ داهِناتِ
نَسَجَ الزَّمانُ بِهِمْ سَرا بيلاً بِحَوْكِ الرّامِساتِ (2)
تُطوى و تُحْمى عَنْهُمُ مَحْواً بِهَطْلِ المُعْصِراتِ (3)
ص: 209
فَهُمُ لِأَيْدٍ كاسِيا تٍ تارَةً أَوْ مُعْرَياتِ
و لَهُمْ أَكُفٌّ ناضِرا تٌ بَيْنَ صُمٍّ يابِساتِ
ما كُنَّ إِلّا بِالعَطا يا و المَنايا جارِياتِ
كَمْ ثَمَّ مِنْ مُهَجٍ سَقَيْ - نَ الحَتْفَ لِلقَوْمِ السَّراةِ (1)
و مُثَقَّفٍ مِثْلِ القَنا ةِ أَتَى المَنِيَّةَ بِالقَناةِ
أَو مُرْهَفٍ ساقَتْ إِليْ هِ رَدًى «شِفارُ» المُرْهَفاتِ (2)
كَرِهوا الفِرارَ و هُمْ عَلى «أَقْتادِ نُجْبٍ» ناجِياتِ (3)
يَطْوِينَ طَيَّ الأتْحَم ِيِّ لَهُنَّ أَجْوازَ الفَلاتِ (4)
وَ تَيَقَّنوا أَنّ الحَيا ةَ مَعَ المَذَلَّةِ كَالمَماتِ
و رَزِيَّةٍ لِلدِّينِ لَيْسَ تْ كالرَّزايا الماضِياتِ
تَرَكَتْ لَنا مِنْها الشَّوى و مَضَتْ بِما تَحْتَ الشَّواةِ (5)
يا آلَ أَحْمَدَ و الَّذي نَ غَداً بِحُبِّهِمُ نَجاتي
وَ مَنِيَّتي في نَصْرِهِم ْ أَشْهى إِليَّ مِنَ الحَياةِ ً.
ص: 210
حَتّى مَتى أَنْتُمْ عَلى صَهَواتِ حُدْبٍ شامِصاتِ؟(1)
و حُقوقُكُمْ دُونَ البَر يَّةِ في أَكُفٍّ عاصِياتِ
و سُروبُكُمْ مَذْعُورَةٌ و أَديمُكُمْ للفارِياتِ (2)
و وَلِيُّكُمْ يُضْحي و يُمْ سِي في أُمُورٍ مُعْضِلاتِ
يَلْوي و قَدْ خَبَطَ الظَّلا مُ عَلَى اللّيالي المُقْمِراتِ
فإِذا اشْتَكى فإِلى قُلو بٍ لاهِياتٍ ساهياتِ
و إلى عَصائِبَ سارِيا تٍ في الدَّآدِي عاشِياتِ (3)
غَرْثانَ إِلّا مِنْ جَوًى عُرْيانَ إِلّا مِنْ أَذاةِ
و إِذا اسْتَمَدَّ فَمِنْ أَكُ فٍّ بِالعَطايا باخِلاتِ
و إِذا اسْتَعانَ عَلى خُطو بٍ أَوْ كُروبٍ كارِثاتِ
فَبِكُلِّ مَغْلُولِ اليَدَيْ نِ هُناكَ مَفْلُولِ الشَّباةِ (4)
قُلْ لِلأُلى حادُوا و قَدْ ضَلُّوا الطَّريقَ عَنِ الهُداةِ
و سَرَوْا عَلى شُعَبِ الرَّكا ئِبِ في الفَلاةِ بِلا حُداةِ
نامَتْ عُيونُكُمُ و ل كِنْ عَنْ عُيونٍ ساهِراتِ
و ظَنَنْتُمُ طُولَ المَدى يَمْحو القُلوبَ مِنَ التِّراتِ (5)ر.
ص: 211
هَيْهاتَ إنّ الضِّغْنَ تُو قِدُهُ اللَّيالي بِالغَداةِ (1)
لاتَأْمَنوا غَضَّ النَّوا ظِرِ «مِنْ قُلوبٍ» مُرْصِداتِ (2)
إِنَّ السُّيوفَ المُعْرَيا تِ مِنَ السُّيوفِ المُغْمَداتِ
و المُثْقِلاتِ المُعْيِيا تِ مِنَ الأُمورِ الهَيِّناتِ
و المُصْمِياتِ مِنَ المَقا تِلِ هُنَّ نَفْسُ المُخْطِئاتِ (3)
و كَأَنَّني بالكُمْتِ تَرْ دي في البَسيطَةِ بِالكُماةِ (4)
و بِكُلِّ مِقدامٍ عَلَى ال أَهْوالِ مَرْهوبِ الشَّذاةِ (5)
قَرِمٍ فَلا شِبَعٌ لَهُ إِلّا بِأَرْواحِ العُداةِ (6)
و كَأَنَّهُ مُتَنَمِّراً صَقْرٌ تَشَرَّفَ مِنْ عَلاةِ (7)
و الرُّمْحُ يَفْتُقُ كُلَّ نَجْ لاءٍ كَأَرْدانِ الفَتاةِ (8)
تَهْمِي نَجيعاً كاللُّغا مِ عَلى شُدوقِ اليَعْمَلاتِ (9)ة.
ص: 212
تُؤْسى و لكِنْ كَلْمُها أَبَداً يُبَرِّحُ بِالأُساةِ (1)
حَتّى يَعودَ الحقُّ يَقْ ظاناً لَنا بَعْدَ السِّناتِ (2)
و لَكَمْ أَتى مِنْ فُرجَةٍ قَدْ كانَ يُحْسَبُ غَيْرَ آتِ
يا صاحِبي في يَوْمِ عا شُوراءَ و الحَدِبِ المُواتي
لا تَسقِني بِاللّهِ في هِ سِوى دُموعِ الباكِياتِ
ما ذاكَ يَوْماً صَيِّباً فاسْمَحْ لَنا بِالصَّيِّباتِ (3)
و إِذا ثَكِلْتَ فَلا تَزُرْ إِلّا دِيارَ الثّاكِلاتِ
و تَنَحَّ في يَوْمِ المُصي بةِ عَنْ قُلوبٍ سالِياتِ
و مَتى سَمِعْتَ فَمِنْ عَوي لٍ لِلنِّساءِ المُعْوِلاتِ
و تَداوَ مِنْ حُزْنٍ بِقَلْ بِكَ بِالمَراثِي المُحْزِناتِ
لا عُطِّلَتْ تِلْكَ الحَفا ئِرُ مِنْ سَلامٍ أَو صَلاةِ
و سُقِينَ مِنْ وَكْفِ التَّح ِيَّةِ عَنْ وَكِيفِ السّارِياتِ (4)
و نُفِحْنَ مِنْ عَبَقِ الجِنا نِ أَريجُهُ بالذّاكِياتِ (5)
فَلَقَدْ طَوَيْنَ شُموسَنا و بُدُورَنا في المُشْكِلاتِ (6)م.
ص: 213
ص: 214
قد ذكر الشريف المرتضى في هذا الكتاب كلاماً في الغيبة و ما يتعلّق بها:
مسألةٌ: إن قالَ قائلٌ: ما الوجهُ في غَيبَتِه عليه السلام و استتارِه علَى الاِستمرارِ و الدوام حتّى أنّ ذلكَ قد صارَ سبباً لنفيِ وِلادتِه و إنكارِ وجودِه؟
و كَيفَ يَجوزُ أن يَكونَ إماماً للخَلقِ و هو لَم يَظهَرْ قَطُّ لأحَدٍ منهم، و آباؤه عليهم السلام - و إن كانوا غيرَ آمِرينَ فيما يَتعلَّقُ بالإمامةِ و لا ناهينَ - فقَد كانوا ظاهرينَ بارزينَ يُفتونَ في الأحكامِ و يُرشِدونَ عندَ المُعضِلاتِ، لا يُمَكَّنُ أحدٌ نَفيَ وجودِهم و إن نَفى إمامتَهم؟!
الجوابُ: قُلنا: أمّا الاِستتارُ و الغَيبةُ، فسببُهما إخافةُ الظالمينَ له عليه السلام على نفسِه، و مَن أُخيفَ على نفسِه فقَد احوِجَ إلَى الاِستتارِ.
و لَم تَكُنِ الغَيبةُ مِن ابتدائها على ما هي عليه الآنَ؛ فإنّه عليه السلام في ابتداءِ الأمرِ كانَ ظاهراً لأوليائه غائباً عن أعدائه، و لمّا اشتَدَّ الأمرُ و قَوِيَ الخوفُ و زادَ الطلَبُ استَتَرَ عن الوليِّ و العدُوِّ؛ فلَيسَ ما ذَكَرَه السائلُ مِن أنّه لَم يَظهَرْ لأحَدٍ مِن الخَلقِ صحيحاً.
ص: 215
فأمّا كَونُ ذلكَ سبباً لنَفيِ وِلادتِه عليه السلام، فلَم يَكُن سبباً لشَيءٍ مِن ذلكَ إلّا بالشُّبهةِ و ضَعفِ البَصيرةِ و التقصيرِ عن النظَرِ الصحيحِ. و ما كانَ التقصيرُ داعياً إليه و الشُّبهةُ سببَه مِن الاِعتقاداتِ، و علَى الحقِّ فيه دليلٌ واضحٌ بادٍ لمَن أرادَه ظاهرٌ لِمَن قَصَدَه، لَيسَ يَجِبُ المنعُ في دارِ التكليف و المِحنةِ منه؛ ألا تَرى أنّ تكليفَ اللّهِ تَعالى مَن عَلِمَ أنّه يَكفُرُ قد صارَ سبباً لاِعتقاداتٍ كثيرةٍ باطلةٍ؛ فالمُلحِدونَ جَعَلوه طريقاً إلى نَفيِ الصانعِ، و المُجْبِرةُ جَعَلَته طريقاً إلى أنّ القَبيحَ مِنّا لا يَقبُحُ مِن فِعلِه تَعالى، و آخَرونَ جَعَلوه طريقاً إلَى الشكِّ و الحَيرةِ و الدفعِ عن القَطعِ على حِكمةِ القَديمِ تَعالى. و كذلكَ فِعلُ الآلامِ بالأطفالِ و البَهائمِ قد شَكَّكَه كثيرٌ مِن الناسِ؛ منهم: الثنَويّةُ، و أصحابُ التناسُخِ، و البَكريّةُ، و المُجبِرةُ. و لَم يَكُن دخولُ الشُّبهةِ بهذه الأُمورِ على مَن قَصَّرَ في النظَرِ و انقادَ للشُّبهةِ مع وضوحِ الحقِّ له لو أرادَه موجِباً علَى اللّهِ تَعالى دَفْعَها؛ حتّى لا يُكلِّفَ إلّاالمؤمنينَ، و لا يؤلِمَ إلّا البالغينَ. و لهذا البابِ في الأُصولِ نظائرُ كثيرةٌ ذِكرُها يَطولُ، و الإشارةُ إليها كافيةٌ.
فأمّا الفَرقُ بَينَه و بَينَ آبائه عليهم السلام فواضحٌ؛ لأنّ خوفَ مَن يُشارُ إليه بأنّه القائمُ المَهديُّ الذي يَظهَرُ بالسيفِ و يَقهَرُ الأعداءَ و يُزيلُ الدُّوَلَ و المَمالِكَ لا يَكونُ كخَوفِ غيرِه ممّن يَجوزُ له مع الظهورِ التقيّةُ و مُلازَمةُ مَنزِلِه، و لَيسَ من تكليفِه و لا ممّا سَبَقَ أنّه يَجري على يدِه الجهادُ و استئصالُ الظالمينَ.
مسألةٌ: إن قيلَ: إذا كانَ الخوفُ قد اقتَضى أنّ المَصلحةَ في استتارِه و تباعُدِه، فقَد تَغيَّرَت الحالُ إذَن في المَصلحةِ بالإمامِ، و اختَلَفَت، و صارَ ما توجِبونَه مِن كَونِ المَصلحةِ مُستَمِرّةً بوجودِه و أمرِه و نهيِه مُختَلِفاً على ما تَرَونَ، و هذا خِلافُ مَذهَبِكم!
ص: 216
الجوابُ: قُلنا: المَصلحةُ التي توجِبُ استمرارَها علَى الدوامِ بوجودِه و أمرِه و نهيِه إنّما هي للمُكلَّفينَ، و هذه المَصلحةُ ما تَغيَّرَت و لا تَتغيَّرُ، و إنّما قُلنا: إنّ الخوفَ مِن الظالمينَ اقتَضى أن يَكونَ مِن مَصلحتِه هو في نفسِه عليه السلام الاِستتارُ و التباعُدُ، و ما يَرجِعُ إلى مَصلحةِ المُكلَّفينَ به لَم يَختَلِفْ، و مَصلحتُنا و إن كانَت لا تَتِمُّ إلّابظُهورِه و بُروزِه، و قد قُلنا: إنّ مَصلحتَه الآنَ في نفسِه في خِلافِ الظهورِ، فذلكَ غيرُ مُتَناقِضٍ؛ لأنّ مَن أخافَ الإمامَ و أحوَجَه إلَى الغَيبةِ و إلى أن يَكونَ الاِستتارُ مِن مَصلحتِه قادرٌ على أن يُزيلَ خوفَه فيَظهَرَ و يَبرِزَ و يَصِلَ كُلُّ مُكلَّفٍ إلى مَصلحتِه به، و التمكُّنُ ممّا يُسهِّلُ سَبيلَ المَصلحةِ تَمكُّنٌ مِن المَصلحةِ. فمِن هذا الوجهِ لَم يَزَلِ التكليفُ الذي الإمامُ لُطفٌ فيه عن المُكلَّفينَ بالغَيبةِ منه و الاِستتارِ.
على أنّ هذا يَلزَمُ في النبيِّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا استَتَرَ في الغارِ و غابَ عن قومِه بحَيثُ لا يَعرِفونَه؛ لأنّا نَعلَمُ أنّ المَصلحةَ بظهورِه و بيانِه كانَت ثابتةً غيرَ مُتغيِّرةٍ، و مع هذه الحالِ فإنّ المَصلحةَ له في الاِستتارِ و الغَيبةِ عندَ الخوفِ. و لا جوابَ عن ذلكَ - و بيانَ أنّه لا تَنافيَ فيه و لا تَناقُضَ - إلّابمِثلِ ما اعتَمَدناه بعَينِه.
مسألةٌ: فإن قيلَ: فإذا كانَ الإمامُ عليه السلام غائباً بحَيثُ لا يَصِلُ إليه أحَدٌ مِن الخَلقِ و لا يَنتَفِعُ به، فما الفَرقُ بين وجودِه و عدمِه؟
و إذا جازَ أن يَكونَ إخافةُ الظالمينَ سبباً لغَيبتِه بحَيثُ لا نَصِلُ إلى مَصلحتِنا به حتّى إذا زالَت الإخافةُ ظَهَرَ، فلِمَ لا جازَ أن تَكونَ إخافتُهم له سبباً لأن يُعدِمَه اللّهُ تَعالى، فإذا انقادوا و أذعَنوا أوجَدَه لهم؟!
ص: 217
الجوابُ: قُلنا: أوّلُ ما نَقولُه أنّا غيرُ قاطعينَ على أنّ الإمامَ لا يَصِلُ إليه أحَدٌ، و لا يَلقاه بَشَرٌ؛ فهذا أمرٌ غيرُ معلومٍ، و لا سَبيلَ إلَى القطعِ عليه. ثُمَّ الفرقُ بَينَ وجودِه غائباً عن أعدائه للتقيّةِ و هو في خِلالِ ذلكَ مُنتَظِرٌ أن يُمكِّنوه فيَظهَرَ و يَتصرَّفَ و بَينَ عدمِه واضحٌ لا خَفاءَ به، و هو الفَرقُ بَينَ أن تَكونَ الحُجّةُ فيما فاتَ مِن مَصالِحِ العبادِ لازمةً للّهِ تَعالى و بَينَ أن تَكونَ لازمةً للبَشَرِ؛ لأنّه إذا أُخيفَ فغُيِّبَ شخصُه عنهم كانَ ما يَفوتُهم مِن مَصلحةٍ عَقيبَ فِعلٍ سَبَّبوه و ألجأوا إليه، فكانَت العُهدة فيه عليهم و الذمُّ لازماً لهم؛ و إذا أعدَمَه اللّهُ تَعالى - و معلومٌ أنّ العَدَمَ لا يُسبِّبُه الظالمونَ بفِعلِهم، و إنّما يَفعَلُه اللّهُ تَعالَى اختياراً - كانَ ما يَفوتُ بالإعدامِ مِن المَصالِحِ لازماً له تَعالى و منسوباً إليه.
مسألةٌ: فإن قيلَ: فالحدودُ التي تَجِبُ علَى الجُناةِ في حالِ الغَيبةِ كَيفَ حُكمُها؟ و هل تَسقُطُ عن أهلِها؟ و هذا إن قُلتموه صَرَّحتم بنَسخِ شريعةِ الرسولِ صلّى اللّه عليه و آله، و إن أثبَتُّموه فمَن الذي يُقيمُها و الإمامُ غائبٌ مُستَتِرٌ؟
الجوابُ: قُلنا: أمّا الحدودُ المُستَحَقّةُ بالأعمالِ القبيحةِ فواجبةٌ في جُنوبِ مُرتَكِبي القبائحِ، و إن تَعذَّرَ علَى الإمامِ في حالِ الغَيبةِ إقامتُها فالإثمُ فيما تَعذَّرَ مِن ذلكَ على مَن سَبَّبَ الغَيبةَ و أوجَبَها بفِعلِه، و لَيسَ هذا نَسخاً للشريعةِ؛ لأنّ المُتقرِّرَ بالشرعِ وجوبُ إقامةِ الحَدِّ مع التمَكُّنِ و ارتفاعِ المَوانِعِ، و سُقوطُ فَرضِ إقامتِه مع المَوانِعِ و ارتفاعِ التمَكُّنِ لا يَكونُ نَسخاً للشرعِ المُتقرِّرِ؛ لأنّ الشرطَ في الوجوبِ لَم يَحصُلْ، و إنّما يَكونُ ذلكَ نَسخاً لَو سَقَطَ فَرضُ إقامةِ الحدودِ عن الإمامِ مع تَمكُّنِه.
ص: 218
على أنّ هذا يَلزَمُ مُخالِفينا في الإمامةِ إذا قيلَ لهم: كَيفَ الحُكمُ في الحدودِ التي تُستَحَقُّ في الأحوالِ التي لا يَتمكَّنُ فيها أهلُ الحَلِّ و العَقدِ مِن نَصبِ إمامٍ و اختيارِه؟ و هل تَبطُلُ الحدودُ أو تُستَحَقُّ مع تَعذُّرِ إقامتِها؟ و هل يَقتَضي هذا التعذُّرُ نَسخَ الشريعةِ؟ فأيُّ شيءٍ اعتَصَموا به مِن ذلكَ فهو جوابُنا بعَينِه.
مسألةٌ: فإن قيلَ: فالحقُّ مع غَيبةِ الإمام كَيفَ يُدرَكُ، و هذا يَقتَضي أن يَكونَ الناسُ في حَيرةٍ مع الغَيبةِ؟ فإن قلتم: إنّه يُدرَكُ مِن جهةِ الأدِلّةِ المنصوبةِ عليه. قيلَ لكم:
فهذا يَقتَضي الاستغناءَ عن الإمامِ بهذه الأدِلّةِ.
الجوابُ: قُلنا: أمّا العِلّةُ المُحوِجةُ إلَى الإمامِ في كُلِّ عصرٍ و على كُلِّ حالٍ فهي كَونُه لُطفاً فيما وَجَبَ علينا فِعلُه مِن العقليّاتِ - مِن: الإنصافِ، و العدلِ، و اجتنابِ الظلمِ و البغيِ -؛ لأنّ ما عَدا هذه العِلّةِ مِن الاُمورِ المُستَنِدةِ إلَى السمعِ و العِبادةِ به جائزٌ ارتفاعُها؛ لجوازِ خُلوِّ المُكلَّفينَ مِن العباداتِ الشرعيّةِ كُلِّها، و ما يَجوزُ على حالِ ارتفاعِه لا يَجوزُ أن يَكونَ عِلّةً في أمرٍ مُستَمرٍّ لا يَجوزُ زوالُه. و قد استَقصَينا هذا المعنى في كتابِنا الشافي في الإمامة و أوضَحناه.
ثُمَّ نَقولُ مِن بَعدِ ذلكَ: إنّ الحقَّ في زمانِنا هذا على ضربَينِ: عقليٍّ، و سمعيٍّ.
فالعقليُّ نُدرِكُه بالعقلِ، و لا يؤثِّرَ فيه وجودُ الإمامِ و لا فَقدُه. و السمعيُّ إنّما يُدرَكُ بالنقلِ الذي في مِثلِه الحُجّةُ. و لا حقَّ يَجِبُ علينا العِلمُ به مِن الشرعيّاتِ إلّاو عليه دليلٌ شرعيٌّ، و قد وَرَدَ النقلُ به عن النبيِّ صلّى اللّه عليه و آله أو الأئمّةِ مِن ولدِه - صَلَواتُ اللّهِ عليهم -، فنحنُ نُصيبُ الحقَّ بالرجوعِ إلى هذه الأدِلّةِ و النظَرِ فيها.
و الحاجةُ مع ذلكَ كُلِّه إلَى الإمامِ فيها ثابتةٌ؛ لأنّ الناقلينَ يَجوزُ أن يُعرِضوا عن
ص: 219
النقلِ؛ إمّا لشُبهةٍ أو اعتمادٍ، فيَنقَطِعَ النقلُ، أو يَبقى فيمَن لَيسَ نَقلُه حُجّةً و لا دليلاً، فيَحتاجُ حينئذٍ المُكلَّفونَ إلى دليلٍ هو قولُ الإمامِ و بيانُه، و إنّما يَثِقُ المكلَّفونَ بما نُقِلَ إليهم، و أنّه جميعُ الشرعِ؛ لعِلمِهم بأنّ وراءَ هذا النقلِ إماماً متى اختَلَّ استَدْرَكَه و بَيَّنَ عمّا شَذَّ منه. فالحاجةُ إلَى الإمامِ ثابتةٌ مع إدراكِ الحقِّ في أحوالِ الغَيبةِ مِن الأدِلّةِ الشرعيّةِ، على ما بيّنّاه.
مسألةٌ: فإن قيلَ: إذا كانَت العِلّةُ في استتارِ الإمامِ خوفَه مِن الظالمينَ و اتّقاءَه مِن المُعانِدينَ، فهذه العِلّةُ زائلةٌ في أوليائه و شيعتِه، فيَجِبُ أن يَكونَ ظاهراً لهم، أو يَجِبُ أن يَكونَ التكليفُ الذي أوجَبَ إمامتُه لُطفاً فيه ساقطاً عنهم؛ لأنّه لا يَجوزُ أن يُكلَّفوا ما فيه لُطفٌ ثُمَّ يُحرَموه لجِنايةِ غيرِهم.
الجوابُ: قُلنا: قد أجابَ أصحابُنا عن هذا بأن العِلّةَ في استتارِه مِن الأعداءِ هي الخوفُ منهم و التقيّةُ، و عِلّةَ استتارِه مِن الأولياءِ لا يَمتَنِعُ أن تَكونَ لئلّا يُشيعوا خبرَه و يَتحدَّثوا عنه بما يؤدّي إلى خوفِه، و إن كانوا غيرَ قاصدينَ به ذلكَ.
و قد ذَكرنا في كتابِ الإمامةِ جواباً آخَرَ، و هو: أنّ الإمامَ عليه السلام عندَ ظهورِه مِن الغَيبةِ إنّما يُعلَمُ شخصُه و يُميَّزُ عينُه مِن جهةِ المُعجِزِ الذي يَظهَرُ على يدِه؛ لأنّ النصَّ المُتقدِّمَ مِن آبائه عليهم السلام لا يُميِّزُ شخصَه مِن غيرِه كما مَيَّزَ النصُّ أشخاصَ آبائه عليهم السلام لمّا وَقَعَ على إمامتِهم، و المُعجِزُ إنّما يُعلَمُ أنّه دَلالةٌ و حُجّةٌ بضربٍ مِن الاِستدلالِ، و الشُّبَهُ مُعتَرِضةٌ لذلكَ و داخلةٌ فيه. فلا يَمتَنِعُ على هذا أن يَكونَ كُلُّ مَن لَم يَظهَرْ له مِن أوليائه، فلأنّ المعلومَ مِن حالِه أنّه متى ظَهَرَ له قَصَّرَ في النظَرِ في مُعجِزِه، و ألحَقَ هذا التقصيرَ عند دخولِ الشُّبهةِ بمَن يُخافُ منه مِن الأعداءِ.
ص: 220
و قُلنا أيضاً: غيرُ مُمتَنِعٍ أن يَكونَ الإمامُ يَظهَرُ لبعضِ أوليائه ممّن لا يَخشى من جهتِه شَيئاً مِن أسبابِ الخوفِ؛ فإنّ هذا ممّا لا يُمكِنُ القَطعُ علَى ارتفاعِه و امتناعِه، و إنّما يَعلَمُ كُلُّ واحدٍ مِن شيعتِه حالَ نفسِه، و لا سَبيلَ له إلَى العِلمِ بحالِ غيرِه.(1)
و لَو لا أنّ استقصاءَ الكلامِ في مَسائلِ الغَيبةِ يَطولُ و يَخرُجُ عن الغرضِ بهذا الكتابِ لَأشبَعناه هاهنا، و قد أورَدنا منه الكثيرَ في كتابِنا في الإمامةِ، و لَعلَّنا نَستَقصي الكلامَ فيه و نأتي على ما لَعلَّه لَم نورِدْه في كتابِ الإمامةِ في مَوضِعٍ نُفرِدُه له، إن أخَّرَ اللّهُ تَعالى في المُدّةِ، و تَفضَّلَ بالتأييدِ و المَعونةِ؛ فهو المسئولُ ذلكَ، و المأمولُ لكُلِّ فَضلٍ و خَيرٍ؛ قُرباً مِن ثوابِه، و بُعداً مِن عِقابِه.
تَمَّ الكتابُ، و الحمدُ للّهِ ربِّ العالَمينَ، و صَلَواتُه على خِيَرَتِه مِن خَلقِه.(2)5.
ص: 221
ص: 222
قد تعرّض الشريف المرتضى في موضعين من هذه الرسالة لهذا المقال:
و هاهُنا طريقٌ أُخرى تَجري في وقوعِ العِلمِ مَجرَى التواتُرِ و المُشافَهةِ؛ و هو:
أن يَعلَمَ - عندَ عدمِ تمييزِ عَينِ الإمامِ و انفرادِ شخصِه - إجماعَ جماعةٍ على بعضِ الأقوالِ، يَثِقُ بأنّ قولَه داخلٌ في جُملةِ أقوالِهم.
فإن قيلَ: هذا القِسمُ أيضاً لا يَخرُجُ عن المُشافَهةِ أو التواتُرِ؛ لأنّ إمامَ العَصرِ إذا كانَ موجوداً، فإمّا أن يُعرَفَ مذهبُه و أقوالُه مُشافَهةً و سَماعاً منه، أو بالتواتُرِ عنه.
قُلنا: الأمرُ على ما تَضمَّنَه السؤالُ، غيرَ أنّ الرسولَ أو الإمامَ إذا كانَ مُتميِّزاً مُتعيِّناً، عُلِمَت مذاهبُه و أقوالُه بالمُشافَهةِ له و بالتواتُرِ عنه. و إذا كانَ مُستَتِراً غيرَ مُتميِّزِ العَينِ - و إن كانَ مقطوعاً على وجودِه و اختلاطِه بنا - عُلِمَت أقوالُه بإجماعِ «الطائفةِ» التي نَقطَعُ على أنّ قولَه في جُملةِ أقوالِهم، و إن كانَ العِلمُ بذلكَ مِن أحوالِه لا يَعدو إمّا المُشافَهةَ أو التواتُرَ؛ و إنّما تَختَلِفُ الحالانِ: بالتمييزِ و التعيينِ في حالٍ، و فَقدِهما في أُخرى.
فإن قيلَ: مِن أينَ يَصِحُّ العِلمُ بقَولِ الإمامِ، إذا لَم يَكُن مُتعيِّناً مُتميِّزاً؟ و كَيفَ يُمكِنُ أن يُحتَّجَّ بإجماعِ الفِرقةِ «المُحِقّةِ» في أنّ قولَه داخلٌ في جُملةِ أقوالِهم؟
ص: 223
أوَ لَيسَ هذا يَقتَضي أن تَكونوا قد عَرَفتم كُلَّ «مُحِقٍّ» في سَهلٍ و جَبَلٍ و بَرٍّ و بَحرٍ، و حَزنٍ و وَعرٍ، و لَقيتُموه حتّى عَرَفتم أقوالَه و مذاهبَه، أو أخبَرتم بالتواتُرِ عن ذلكَ؟ و معلومٌ لكُلِّ عاقلٍ استحالةُ هذا و تَعذُّرُه.
و لَيسَ يُمكِنُكم أن تَجعَلوا إجماعَ مَن عَرَفتموه مِن الطائفةِ المُحقّةِ هو الحُجّةَ؛ لأنّكم لا تأمَنونَ أن يَكونَ قولُ الإمامِ - الذي هو الحُجّةَ علَى الحقيقةِ - خارجاً عنه.
قُلنا: هذه شُبهةٌ معروفةٌ مشهورةٌ، و هي التي عَوَّلَ عليها و اعتَمَدَها مَن قَدَحَ في الإجماعِ؛ مِن جهةِ أنّه لا يُمكِنُ معرفةُ حصولِه و اتّفاقِ الأقوالِ كُلِّها علَى المذهبِ الواحدِ. و الجوابُ عن ذلكَ سَهلٌ واضحٌ؛ و جُملتُه: أنّه لا يَجِبُ دفعُ حصولِ العِلمِ الذي لا ريبَ فيه و لا شَكَّ، لفَقدِ العِلمِ بطريقِه على سَبيلِ التفصيلِ؛ فإنّ كثيراً مِن العلومِ قد تَحصُلُ مِن غيرِ أن تَتفصَّلَ العالِم طُرُقُها.
ألا تَرى أنّ العِلمَ بالبُلدانِ و الأمصارِ و الحَوادثِ الكِبارِ و المُلوكِ العِظامِ يَحصُلُ لكُلِّ عاقلٍ مُخالِطٍ للناسِ، حتّى لا يُعارِضَه شَكٌّ فيه؛ و لَو طالَبتَه بطريقِ ذلكَ على سَبيلِ التفصيلِ لَتعذَّرَ عليه ذِكرُه و الإشارةُ إليه؟!
و لَو قيلَ لِمَن عَرَفَ البصرةَ و الكوفةَ و هو لَم يُشاهِدْهما، و قَطَعَ على بَدرٍ و حُنَينٍ و الجَمَلِ و صِفّينَ و ما أشبَهَ ذلكَ: «أَشِرْ إلى مَن خَبَّرَكَ بهذا، و عَيِّنْ مَن أَنبأَكَ به، و كَيفَ حَصَلَ لكَ العِلمُ به؟» لَتعذَّرَ عليه تفصيلُ ذلكَ و تمييزُه، و لَم يَقدَحْ تَعذُّرُ التمييزِ و التفصيلِ عليه في عِلمِه بما ذَكرناه؛ و إن كانَ عندَ التأمُّلِ يَعلَمُ علَى الجُملةِ أنّه عَلِمَ ذلكَ بالأخبارِ، و إن لَم يَتفصَّلْ له كُلُّ مُخبِرٍ علَى التعيينِ.
و إذا كانَت مَذاهبُ الأُمّةِ مُستقِرّةً - على طُولِ العهدِ، و تَداوُلِ الأيّامِ، و كثرةِ الخَوضِ و البَلوى، و تَوفُّرِ الدَّواعي و قُوّتِها - فما خَرَجَ عن المعلومِ منها نقطَعُ على أنّه: لَيسَ مَذهباً لها، و لا قولٌ مِن أقوالِها.
ص: 224
و كذلكَ إذا كانَت مَذاهبُ فِرَقِ الأُمّةِ علَى اختلافِها مُستَمِرّةً مُستَقِرّةً - على طُولِ الأزمانِ، و تَردُّدِ الخِلافِ، و وقوعِ التناظُرِ و التجادُلِ - جَرَى العِلمُ بإجماعِ كُلِّ فِرقةٍ على مَذاهبِها المعروفةِ المألوفةِ و تَميُّزِه ممّا بايَنَه و خالَفَه، مَجرَى العِلمِ بمذاهبِ جميعِ الأُمّةِ و ما وافَقَه و خَرَجَ عنه.
و مَن هذا الذي يَشُكُّ في أنّ تحريمَ الخمرِ و لحمِ الخنزيرِ و الربا لَيسَ مِن مَذهبِ أحَدِ المُسلِمينَ، و إن كُنّا لَم نَلقَ كُلَّ مُسلِمٍ في البَرِّ و البَحرِ و السَّهلِ و الوَعرِ(1)؟!
و أيُّ عاقلٍ مِن أهلِ العِلمِ يَرتابُ في أنّ أحَداً مِن الأُمّةِ لَم يَذهَبْ في الجَدِّ و الأخِ إذا انفَرَدا في الميراثِ «أنّ المالَ للأخِ دونَ الجَدِّ» و «أنّ الإخوةَ مع الأُمِّ يَرِثونَ مع الجَدِّ»؟
و إذا كانَت أقوالُ الأُمّةِ - علَى اتِّساعِها و انتشارِها - تَنضَبِطُ لنا، حتّى لا نَشُكُّ فيما دَخَلَ فيها و ما خَرَجَ عنها؛ فكَيفَ يُستَبعَدُ انحصارُ أقوالِ الشيعةِ الإماميّةِ - الذينَ نَذكُرُ أنّ قولَ الحُجّةِ فيهم، و مِن جُملةِ أقوالِهم - و هُم أقَلُّ عَدَداً و أقرَبُ انحصاراً؟!
أ وَ لَيسَ أقوالُ أبي حَنيفةَ و أصحابِه و الشافعيِّ و المُختَلِفِ مِن أقوالِه قد انحَصَرَت؛ حتّى لا يُمكِنُ أحَدًا أن يَدَّعيَ أنّ حَنَفيّاً أو شافعيّاً يَذهَبُ إلى خِلافِ ما عُرِفَ و ظَهَرَ و سُطِرَ؛ و إن لَم تُجْبَ البِحارُ و تُحَلَّ الأَمصارُ و تُشافَهَ كُلُّ حَنَفيٍّ و شافعيٍّ؛ فما المُنكَرُ مِن مِثلِ ذلكَ في أقوالِ الشيعةِ الإماميّةِ؟!).
ص: 225
و إن أظهَرَ مُظهِرٌ الشكَّ في جميعِ ما ذَكَرنا منه القَليلَ، و هو الكَثيرُ الغَزيرُ(1)، و قالَ: «إنّني لا أقطَعُ على شَيءٍ ممّا ذَكَرتم أنّه مقطوعٌ عليه؛ لِفَقدِ طريقِ العِلمِ؛ الذي هو المُشاهَدةُ أو التواتُرُ» لَحِقَ بالسُّمَنيّةِ (2) جاحِدي الأخبارِ، و قَرُبَ مِن السُّوفِسْطائيّةِ مُنكِري المُشاهَداتِ.
و لا فَرقَ البَتّةَ عندَ العُقَلاءِ: بَينَ تجويزِ مَذهبٍ للأُمّةِ لَم نَعرِفْه و لَم نألَفْه و لَم يُنقَلْ إلينا - مع كَثرةِ البحثِ و استمرارِ الخَوضِ -، و بَينَ تجويزِ بَلَدٍ عَظيمٍ في أقرَبِ المَواضِعِ مِنّا لَم يُنقَلْ خبرُه إلينا، و حادثةٍ عظيمةٍ لَم نُحِطْ بها عِلماً.
و قيلَ لِمَن تَعلَّقَ بذلكَ: إن كُنتَ تَدفَعُ العِلمَ عن نفسِكَ و السكونَ إلى ما ذَكرناه، فأنتَ مُكابِرٌ؛ كالسُّمَنيّةِ و السُّوفِسْطائيّةِ.
و إن كُنتَ تَقولُ: «طريقُ العِلمِ مفقودٌ؛ لأنّه المُشاهَدةُ و التواتُرُ، و قد ارتَفَعا».
قُلنا لكَ ما تَقدَّمَ مِن: أنّ التفصيلَ قد يَتعذَّرُ مع حُصولِ العِلمِ، و التواتُرُ و المُشاهَدةُ في الجُملةِ طريقٌ إلى كُلِّ ما ذَكرناه؛ غيرَ أنّه رُبَّما تَجلّى و تَعيَّنَ، و رُبَّما التَبَسَ و اشتَبَهَ. و لَن يَلتَبِسَ الطريقُ و يَتعذَّرَ تفصيلُه إلّاعندَ قُوّةِ العِلمِ و امتناعِ دَفعِه.
ألا تَرى أنّ العالِمَ بالبُلدانِ و الحوادثِ الكِبارِ علَى الوجهِ القويِّ الجَليِّ، لَو قيلَ له: مِن أينَ عَلِمتَ؟ و مَن خَبَّرَكَ و نَقَلَ إليكَ؟ لَتعذَّرَ عليه الإشارةُ إلَى الطريقِ.).
ص: 226
و لَيسَ هكذا مَن عَلِمَ شَيئاً بنَقلٍ خاصٍّ مُتعيِّنٍ؛ لأنّه يَتمكَّنُ متى سُئلَ عن طريقِ عِلمِه أن يُشيرَ إليه.
فقَد صارَ تَعذُّرُ التفصيلِ للطريقِ عَلَماً على قُوّةِ العِلمِ و شِدّةِ اليَقينِ، فلهذا استُغنيَ عن تفصيلِ طريقِه.
و إنّما يُحتاجُ إلى تعيينِ الطريقِ فيما لَم يَستَو [فِ] العِلمُ بالطريقِ المعلومِ؛ فأمّا ما يَستَوفيهِ قُوّةُ المعلومِ - بوضوحِه و تَجلّيهِ و ارتفاعِ الريبِ و الشكِّ فيه - فأيُّ حاجةٍ إلَى العِلمِ بتعيينِ طريقِه؟
و بَعدُ، فالإجماعُ الموثوقُ به في الفِرقةِ المُحِقّةِ هو إجماعُ الخاصّةِ دونَ العامّةِ، و العلماءِ دونَ الجُهّالِ. و معلومٌ أنّ الحَصرَ أقرَبُ إلى ما ذَكرناه؛ ألا تَرى أنّ علماءَ أهلِ كُلِّ نِحلةٍ و مِلّةٍ في العلومِ و الآدابِ معروفونَ محصورونَ مُتميِّزونَ؟
و إذا كانَت أقوالُ العلماءِ في كُلِّ مَذهبٍ مضبوطةً، و الإمامُ لا يَكونُ إلّاسيّدَ العلماءِ و أوحَدَهم، فلا بُدَّ مِن دخولِه في جُملتِهم، و القَطعِ على أنّ قولَه كقَولِهم.
و هَل الطاعنُ علَى الطريقةِ التي ذَكرناها بأنّا لَم نَلقَ كُلَّ إماميٍّ و لا عَرَفناه، إلّا كالطاعنِ في إجماعِ النحويّينَ و اللُّغَويّينَ على ما أجمَعوا عليه في لُغاتِهم و طُرُقِهم، بأنّا لَم نَلقَ كُلَّ نحويٍّ و لُغويٍّ في الأقطارِ و الأمصارِ، و يَلزَمُنا الشكُّ في قولٍ زائدٍ على ما عَرَفناه مِن أقوالِهم المسطورةِ المشهورةِ؟
فإن قيلَ: لَم يَبقَ إلّاأن تَدُلّوا على أنّ قولَ الإمامَ - مع عدمِ تميُّزِه و تعيُّنِه - في جُملةِ أقوالِ الشيعةِ الإماميّةِ خاصّةً دونَ سائرِ الفِرَقِ؛ حتّى تَقَعَ الثقةُ بما يُجمِعونَ عليه و يَذهَبون إليه. و لا يَنفَعُ أن يَكونَ قولُه موجودًا في جُملةِ أقوالِ الأُمّةِ، مِن غيرِ أن تَتعيَّنَ لنا الفِرقةُ التي قولُه فيها و لا يَخرُجُ عنها.
ص: 227
قُلنا: إذا دَلَّ الدليلُ القاهرُ على أنّ الحَقَّ في قولِ هذه الفِرقةِ دونَ غيرِها، فلا بُدَّ مِن أن يَكونَ الإمامُ الذي نَثِقُ بأنّه لا يُفارِقُ الحَقَّ و لا يَعتَمِدُ سِواه، مَذهبُه مَذهبُ هذه الفِرقةِ؛ إذ لا حَقَّ سِواه.
و كما نَعلَمُ - مع غَيبتِه عليه السلامُ و تَعذُّرِ تَميُّزِه - أنّ مَذهبَه مَذهبُ أهلِ العَدلِ و التوحيدِ، ثُمَّ مَذهبُ أهلِ الإسلامِ مِن جُملتِهم؛ مِن حَيثُ عَلِمنا أنّ هذه المذاهبَ هي التي دَلَّ الدليلُ على صوابِها و فَسادِ ما عَداها. فكذلكَ القولُ في [أنّ مَذهبَ] الإمامِ [مَذهبُ الإماميّةِ].
و إذا فَرَضنا أنّ الإمامَ إماميُّ المَذهبِ، عَلِمنا - بالطريقِ الذي تَقدَّمَ - في مَذهبٍ مخصوصٍ أنّ كُلَّ إماميٍّ عليه، و زالَ الريبُ في ذلكَ.
فقَد بانَ أنّ إجماعَ الإماميّةِ على قولٍ أو مَذهبٍ لا يَكونُ إلّاحَقّاً؛ لأنّهم لا يُجمِعونَ إلّاو قولُ الإمامِ داخلٌ في جُملةِ أقوالِهم، كما أنّهم لا يُجمِعونَ إلّاو قولُ كُلِّ عالِمٍ منهم داخلٌ في جُملةِ أقوالِهم.
فإن عادَ السائلُ إلى أن يَقولَ: فلَعلَّ قولَ الإمامِ عليه السلامُ - و إن كانَ مُوافِقاً للإماميّةِ في مَذاهبِها - فيما لَم(1) تَعرِفوه و لَم تَسمَعوا به؛ لأنّكم ما لَقيتُموه و لا تَواتَرَ عنه الخبرُ علَى التمييزِ و التعيينِ.
فهذا: رجوعٌ إلَى الطعنِ في كُلِّ إجماعٍ، و تشكيكٌ في الثقةِ بإجماعِ كُلِّ فِرقةٍ على مَذهبٍ مخصوصٍ؛ و لَيسَ بطَعنٍ يَختَصُّ ما نحنُ بسَبيلِه.
و الجوابُ عنه قد تَقدَّمَ مُستَقصًى، و أوضَحنا أنّ التشكيكَ في ذلكَ دَفعٌ للضروريّاتِ و لُحوقٌ بأهلِ الجَهالاتِ.خ.
ص: 228
و إذ قد قَدَّمنا ما أرَدنا تقديمَه ممّا هو جوابٌ عندَ التأمُّلِ عن جميعِ ما تَضمَّنَه الفَصلُ الأوّلُ، فنحنُ نُشيرُ إلَى المَواضعِ التي يَجِبُ الإشارةُ إليها، و التنبيهُ علَى الصوابِ فيها مِن جُملةِ الفَصلِ:
أمّا ما مَضى في الفَصلِ مِن: أنّكم إذا طَعَنتم على طُرُقِ مُخالِفيكم التي يَتوصَّلونَ بها إلَى الأحكامِ الشرعيّةِ، لا بُدَّ مِن ذِكرِ طريقٍ لا يَلحَقُه تلكَ الطعونُ، توضِحونَ أنّه موصِلٌ إلَى العِلمِ بالأحكامِ.
فلَعَمري إنّه لا بُدَّ مِن ذلكَ؛ و قد بيّنّا فيما قَدَّمناه كَيفَ الطريقُ إلَى العِلمِ بالأحكامِ، و شَرَحناه، و أوضَحناه. و لَيسَ رجوعُنا إلى عملِ الطائفةِ و إجماعِها في ترجيحِ أحَدِ الخبرَينِ المَرويَّينِ على صاحبِه أمراً يَختَصُّ هذا المَوضِعَ حتّى يَظُنَّ ظانٌّ أنّ الرجوعَ إلى إجماعِ الطائفةِ إنّما هو في هذا الضربِ مِن الترجيحِ؛ بَل نَرجِعُ إلى إجماعِهم في كُلِّ حُكمٍ لَم نَستَفِدْه بظاهرِ الكتابِ، و لا بالنقلِ المُتَواتِرِ الموجِبِ للعِلمِ عن الرسولِ أو الإمامِ عليهما السلامُ؛ سَواءٌ وَرَدَ بذلكَ خبرٌ مُعيَّنٌ، أو لَم يَرِدْ؛ و سَواءٌ تَقابَلَت فيه الرواياتُ، أو لَم تَتقابَلْ؛ لأنّ العملَ بخبرِ الواحدِ المُتجرِّدِ لَيسَ بحُجّةٍ عندَهم على وجهٍ مِن الوجوهِ؛ انفَرَدَ مِن مُعارِضٍ، أو قابَلَه غيرُه على سَبيلِ التعارُضِ.
فأمّا ما مضى في الفَصلِ مِن ذِكرِ طَوفِ المَشارقِ و المَغاربِ و السُّهولِ و الوُعورِ، و أنّ ذلكَ إذا تَعذَّرَ لَم يَقَعِ الثقةُ بعمومِ المَذهبِ لكُلِّ واحدٍ مِن الفِرقةِ؛
فقَد مضَى الجوابُ عنه مُستَوفًى مُستَقصًى؛ و بيّنّا أنّ العِلمَ بذلكَ حاصلٌ ثابتٌ بالمُشافَهةِ و التواتُرِ، و إن لَم نَجُبِ البلادَ و نَعرِفْ كُلَّ ساكنٍ لها.
فأمّا التقسيمُ الذي ذُكِرَ؛ أنّه لا يَخلو القائلُ بأنّ «الفِرقةَ أجمَعَت» مِن أن: يُريدَ كُلَّ مُتديِّنٍ بالإمامةِ و مُعتَقِدٍ لها، أو يُريدَ البعضَ. و تعاطي إفسادِ القِسمِ الأوّلِ بما تَقدَّمَ
ص: 229
ذكِرُه. و الكلامُ علَى الثاني بالمطالَبةِ بالدليلِ المُميِّزِ لذلكَ البعضِ مِن غيرِهم، و الحُجّةِ الموجِبةِ لكَونِ الحقِّ فيه، ثُمّ بإقامةِ الدَّلالةِ على أنّ قولَ الإمامِ المعصومِ - الذي هو الحُجّةُ علَى الحقيقةِ عليه السلامُ - في جُملةِ أقوالِ ذلكَ البعضِ دونَ ما عَداهم مِن أهلِ المذاهب.
فالكلامُ عليه: أيضاً مُستَفادٌ ممّا(1) تَقدَّمَ بيانُه و إيرادُنا له، غيرَ أنّا نَقولُ: لَيسَ المُشارُ بالإجماعِ - الذي نَقطَعُ على أنّ الحُجّةَ فيه - إلى إجماعِ العامّةِ و الخاصّةِ و العلماءِ و الجُهّالِ. و إنّما المُشارُ بذلكَ إلى إجماعِ العلماءِ الذينَ لهم في الأحكامِ الشرعيّةِ أقوالٌ مضبوطةٌ معروفةٌ، فأمّا مَن لا قولَ له فيما ذَكرناه - و لَعلَّه لا يَخطُرُ ببالِه - أيُّ إجماعٍ له يَعتَبِرُ؟
فأمّا الدليلُ على أنّ قولَ الإمامِ في هذا البعضِ الذي عيّنّاه دونَ غيرِه؛ فواضحٌ؛ لأنّه إذا كانَ الإمامُ عليه السلامُ أحَدَ العلماءِ بل سيّدَهم، فقَولُه في جملةِ أقوالِ العلماءِ.
و إذا عَلِمنا في قولٍ مِن الأقوالِ أنّه مَذهبٌ لكُلِّ عالِمٍ مِن الإماميّةِ، فلا بُدَّ مِن أن يَكونَ الإمامُ عليه السلامُ داخلاً في هذه الجُملةِ، كما لا بُدَّ مِن أن يَكونَ كُلُّ عالِمٍ إماميٍّ - و إن لَم يَكُن إماماً - يَدخُلُ في الجُملةِ...(2).
[فأمّا قولُه:]
«... قرينةً للخبرِ، لا يَخلو مِن أن يُعتَبَرَ فيه العِلمُ بعملِ المعصومِ في جُملةِ عملِهم» إلى آخِرِ الفَصلِ؛ فالكلامُ عليه: أنّ عملَ المعصومِ هو الحُجّةُ، دونَ عملِ ر.
ص: 230
غيرِه ممّن انضَمَّ إليه. و لا حُجّةَ في عملِ الجماعةِ التي لا يُعلَمُ دخولُ المعصومِ فيها، و لا هو أيضاً إذا خَرَجَ المعصومُ منه «إجماعُ جميعِ أهلِ الحقِّ». و لَو انفَرَدَ لنا عملُ المعصومِ و تَميَّزَ، لَما احتَجنا إلى سِواه، و إنّما راعَينا عندَ فَقدِ التمييزِ دخولَه في جُملةِ غيرِه؛ لنَثِقَ بأنّ قولَه في جُملةِ تلكَ الأقوالِ.
و لا معنى لقَولِ مَن يَقولُ: «فإذا كانَ عملُه مُستَقِّلاً بنفسِه في كَونِه حُجّةً و دَلالةً، فلا اعتبارَ بغَيرِه»؛ لأنّا ما اعتَبَرنا غيرَه إلّاعلى وجهٍ مخصوصٍ، و هو حالُ الالتباسِ، و ما كانَ اعتبارُنا لغَيرِه إلّاتَوصُّلاً إليه، و لنَثِقَ لأجلِه بما نَعلَمُه.
فأمّا مُطابَقةُ «فائدةِ الخبرِ» بعملِ المعصومِ، فلا شُبهةَ في أنّها لا تَدُلُّ على صدقِ الراوي فيما رَواه، و مَن هذا الذي جَعَلَ - فيما رَواه - المُطابَقةَ دليلاً على صدقِ الراوي؟
و الذي يَجِبُ تحصيلُه في هذا: أنّ الفِرقةَ المُحِقّةَ إذا عَمِلَت بحُكمٍ مِن الأحكامِ أو ذَهَبَت إلى مَذهبٍ مِن المَذاهبِ، و وَجَدنا روايتَه مُطابِقةً لهذا العملِ، لا نَحكُمُ بصحّتِها و نَقطَعُ على صدقِ رُواتِها؛ لكِنّا نَقطَعُ على وجوبِ العملِ بذلكَ الحُكمِ المُطابِقِ للروايةِ؛ لا لأجلِ الروايةِ، لكِنْ بعملِ المعصومِ، الذي قَطَعنا على دخولِه في جُملةِ عملِ القائلينَ بذلكَ الحُكمِ.
اللّهمَّ إلّاأن تُجمِعَ الفِرقةُ المُحِقّةُ على صحّةِ خبرٍ مخصوصٍ و صدقِ راويه، فيُحكَمُ حينَئذٍ بذلكَ مُضافاً إلَى العملِ.
فإن قيلَ: و كَيفَ تُجمِعُ الفِرقةُ المُحِقّةُ على صدقِ بعضٍ أخبارِ الآحادِ؟ و أيُّ طريقٍ لها إلى ذلكَ؟
قُلنا: يُمكِنُ أن تَكونَ عَرَفَت ذلكَ بأمارةٍ أو علامةٍ علَى [الخبرِ] الصادقِ مِن طريقِ الجُملةِ. و يُمكِنُ أيضاً أن يَكونوا عَرَفوا في راوٍ بعَينِه صِدقَه على سَبيلِ
ص: 231
التمييزِ و التعيينِ؛ لأنّ هؤلاءِ المُجمِعينَ مِن الفِرقةِ المُحِقّةِ قد كانَ لهُم سَلَفٌ قَبلَ سَلَفٍ يَلقَونَ الأئمّةَ الذينَ كانوا في أعصارِهم عليهم السلام و هُم ظاهرونَ بارزونَ؛ تُسمَعُ أقوالُهم، و يُرجَعُ إليهم في المُشكِلاتِ.
و في الجُملةِ: إجماعُ الفِرقةِ المُحِقّة - لأنّ المعصومَ فيه - حُجّةٌ، فإذا أجمَعوا على شَيءٍ قَطَعنا على صحّتِه، و لَيسَ علينا أن نَعلَمَ دليلَهم الذي أجمَعوا لأجلِه: ما هو بعَينِه؟ فإنّ ذلكَ عنّا موضوعٌ؛ لأنّ حُجّتَنا التي عليها نَعتَمِدُ هي إجماعُهم، لا ما لأجلِه كانَ إجماعُهم.
و مُخالِفونا في مسألةِ الإمامةِ بمِثلِ هذا الجوابِ يُجيبونَ إذا سُئلوا عن عِلَلِ الإجماعِ و طُرُقِه و أولويّتِه.
فإن قيلَ: فما تَقولونَ في خبرَينِ واردَينِ مِن طُرُقِ الآحادِ تَعارَضا و تَنافيَا، و لَم تَعمَلِ الفِرقةُ المُحِقّةُ بما يُطابِقُ فائدةَ أحَدِهما، و لا أجمَعوا في واحدٍ منهما على صحّةٍ و لا فَسادٍ؟
قُلنا: لا نَعمَلُ بشَيءٍ مِن هذَينِ الخبرَينِ، بَل يَكونانِ عندَنا مُطَّرَحَينِ و بمَنزلةِ «ما لَم يَرِدْ»، و نَكونُ على ما تَقتَضيهِ الأدلّةُ الشرعيّةُ في تلكَ الأحكامِ التي تَضَمَّنَتها الأخبارُ الواردةُ مِن طريقِ الآحادِ؛ و إن لَم يَكُن لنا دليلٌ شرعيٌّ في ذلكَ، استَمرَرنا على ما يَقتَضيهِ العقلُ.(1)
و على هذا التقريرِ الذي أَوضَحناه يَجِبُ أن نَقولَ: إنّه تَعالى لا يوصِلُ إلَى العِلمِ بصِدقِ الرسولِ في دَعواه إلّابأقصَرِ الطرُقِ و أخصَرِها، و أنّه إذا كانَ للعِلمِ بصِدقِه
ص: 232
طريقانِ، أحَدُهما أبعَدُ مِن الآخَرِ، دَلَّ بالأقرَبِ دونَ الأبعَدِ. و لم يُظهِرْ على يَدِه إلّا ما لا يُمكِنُ العِلمُ بصِدقِه مِن طريقٍ هو أخصَرُ منه.
و إنّما قُلنا ذلكَ حتّى لا يَفوتَ المكلّفَ العِلمُ بغَيرِ جِنايتِه؛ لأنّه قد تَفوتُه مَصالِحُه بجِنايتِه، مِثلُ أن يُعرِضَ عن النظَرِ في المُعجِزِ، أو يَنظُرَ لا مِن جِهةِ حصولِ العِلمِ، أو يُدخِلَ على نفسِه شُبُهاتٍ تَمنَعُ مِن العِلمِ.
فإن قيلَ: نَراكم بهذا الكلامِ الذي حَصَّلتموه قد نَقَضتم مُعتَمَدَ الإماميّةِ في حِفظِ النبيِّ و الأئمّةِ للشرائعِ؛ لأنّهم يَقولونَ: إنّ المؤَدّينَ عن النبيِّ شَريعتَه في حياتِه يَجوزُ أن يَكتُموها و يُخِلّوا بنَقلِها حتّى يَجِبَ علَى النبيِّ التلافي و الاستدراكُ. و يَجوزُ علَى الأُمّةِ بَعدَ مَوتِ النبيِّ عليه السلامُ أن يَكتُموا كَثيراً مِن الشريعةِ، حتّى يَقِفَ عِلمُ ذلكَ على بَيانِ الإمامِ؛ فإن كانَ ظاهراً آمناً مِن ذلكَ استَدرَكَه، و إن كانَ غائباً فلا بُدَّ مِن ظهورِه، و الحالُ هذه.
حتّى قُلتم: لَو عَلِمَ اللّهُ تَعالى أنّ أسبابَ الغَيبةِ تَستمِرُّ في الأحوالِ التي تَكتُمُ فيها الأُمّةُ شَرعاً، حتّى لا يُعلَمَ إلّامِن جِهةِ الإمامِ، لَما بَقيَ التكليفُ علَى المُكلَّفينَ؛ لأنّ تَبقيةَ التكليفِ مع فَقدِ الاطّلاعِ علَى المَصالِحِ فيه و المَفاسِدِ قَبيحةٌ.
فإن خَشيتم ما استأنَفتُموه في هذا الكلامِ و عَطَفتم عليه؛ بأن تَقولوا: إنّما يوجِبُ أصحابُنا ظهورَ الإمامِ مِن الغَيبةِ و رَفعَ التقيّةِ، إذا اجتَمَعَت الأُمّةُ على خَطإٍ، كأنّهم يَذهَبونَ على طريقِ التأويلِ في بعضِ الشريعةِ إلى مَذهبٍ باطلٍ و يُجمِعونَ عليه، فيَجِبُ علَى الإمامِ ردُّهم إلَى الحقِّ فيه.
قيلَ لكم: ما تَذهَبونَ فيه إلى باطلٍ على طريقِ التأويلِ و الشُّبهةِ و غيرِها، لا يَكونُ طريقُ الحقِّ فيه مسدوداً و لا موقوفاً على بَيانِ الإمامِ، حتّى يُقالَ: «إنّه يَجِبُ
ص: 233
عليه الظهورُ إن كانَ غائباً، و يَخرُجُ أسبابُ التقيّةِ»؛ لأنّه يُمكِنُ أن يُعلَمَ الحقُّ بالدليلِ الذي هو غيرُ قولِ الإمامِ.
و إنّما يَجِبُ ظهورُ الإمامِ حتّى يُبيِّنَ ما لا طريقَ إلى عِلمِه إلّاقولُه و بيانُه.
و هذا لا يَتِمُّ إلّابأن يَعدِلوا عن نَقلِ بعضِ الشرائعِ و يَكتموه، حتّى يَصِحَّ القولُ بأنّه لا جِهةَ لعِلمِه إلّابيانُ الإمامِ.
و الجوابُ عن ذلكَ: أنّ أداءَ الشريعةِ إلى مَن بَعُدَ في أطرافِ البِلادِ لا بُدَّ منه و لا غِنى عنه؛ للوجهِ الذي أَوضَحناه، و بيّنّا أنّ إزاحةَ العِلّةِ في التكليفِ العقليِّ لا يَتِمُّ إلّا معه، غيرَ أنّ مَن أُدِّيَ ذلكَ إليهم و عَلِموه يَجوزُ أن يَكتُموه و يَعدِلوا عن نَقلِه؛ إمّا لشُبهةٍ، أو غيرِها.
و إذا استَمَرَّ ذلكَ منهم، لَم يُفصَّلْ - بمَن يأتي مِن الخَلَفِ و يوجَدُ فيما بَعدُ مِن المكلَّفينَ - ما لا يَتِمُّ مَصلَحتُه إلّابه مِن هذه الشريعةِ، فحينَئذٍ يَجِبُ علَى النبيِّ إن كانَ موجودًا أو الإمامِ القائمِ مَقامَه أن يُبيِّنَ ذلكَ و يوضِحَه و يُسمَعَ منه فيه ما يؤدِّي إلى ظهورِه و إتّصالِه بكُلِّ مُكلَّفٍ - موجودٍ و مُنتَظَرٍ -، فلهذا أوجَبنا حِفظَ الإمامِ للشريعةِ، و الثقةَ بها لأجلِه و مِن جهةِ مُراعاتِه.
و لا تَنافيَ بَينَ هذا القولِ و بَينَ ما قَدَّمناه مِن أنّ شَريعةَ النبيِّ لا بُدَّ مِن اتّصالِها بكُلِّ مُكلَّفٍ موجودٍ؛ و الفَرقُ بَينَ الأمرَينِ: أنّ المنعَ مِن فَوتِ العِلمِ بالمَصلحةِ واجبٌ، و الاستظهارَ في ذلكَ حتّى لا يَقصُرَ العِلمُ عمّن يَلزَمُه لا بُدَّ منه؛ و لَيسَ كذلكَ استدراكُ الأمرِ بَعدَ فواتِه، و قُصورُ عِلمِه في حالِ الحاجةِ إليه؛ لأنّه يؤَدّي إلى ما ذَكرناه مِن قُبحِ التكليفِ في تلكَ الأحوالِ التي لَم يَتَّصِلْ فيها العِلمُ بصِفاتِ هذه الأفعالِ.
ص: 234
و قد بيّنّا في كتابِ الشافي في الإمامةِ: ما يَتطرَّقُ عليه الكِتمانُ مِن الأُمورِ الظاهرةِ و ما لا يَتطرَّقُ ذلكَ عليه، و ما جَرَت العادةُ بأن تَدعوَ الدواعي العقلاءَ إلى كِتمانِه و ما لَم تَجرِ بذلكَ فيه؛ فمَن أرادَ ذلكَ مُستَقصًى مبسوطاً فليأخُذْه مِن هُناكَ (1).
فإن قيلَ: إذا مَنَعتم مِن كِتمانِ شَرعِ النبيِّ عليه السلامُ عمّن بَعُدَ عنه في أطرافِ البِلادِ، و ادَّعَيتم أنّه لا بُدَّ أن يَكونَ المعلومُ مِن حالِ الناقلينَ لذلكَ أن يَنقُلوه و لا يَكتُموه، و ذَكرتم أنّ التكليفَ و إزاحةَ العِلّةِ فيه يوجِبُ ذلكَ، فألّا جَعَلتم البابَ واحدًا و قُلتم: «إنّ الذي يَنتَهي جميعُ الشرعِ إليهم و يَتَساوَون في عِلمِه، لا يَجوزُ أن يَعدِلوا كُلُّهم عن نَقلِه و يَكتُموه، حتّى لا يَتَّصِلَ بمَن يوجَدُ مُستأنَفاً مِن المُكلَّفينَ» لِمِثلِ العِلّةِ التي رَوَيتموها في إزاحةِ العِلّةِ في التكليفِ؟ و ألّا كانَ كُلُّ ناقلٍ للشرعِ و مؤدِّ له إلى غيرِه - مِن موجودٍ حاضرٍ و مفقودٍ مُنتظَرٍ - في هذا الحُكمِ الذي ذَكرتموه متساويَينِ، و لا حاجةَ مع ذلكَ إلى إمامٍ حافظٍ للشريعةِ؟
قُلنا: قد أجبنا عن هذا السؤالِ بعَينِه في جوابِ مسألةٍ وَرَدَت مِن المَوصِلِ (2)، و أوضَحنا أنّ ذلكَ كانَ جائزًا عقلاً و تقديرًا، و إنّما مَنَعنا منه إجماعاً؛ لأنّ كُلَّ مَن قال: «إنّ الأُمّةَ بأَسرِهم يَجوزُ عليهم أن يَكتُموا شَيئاً مِن الشرعِ، حتّى لا يَذكُرَه ذاكرٌ» لا يَجعَلُ المؤمِنَ مِن ذلكَ إلّابيانَ إمامِ الزمانِ له و إيضاحَه و استدراكَه، دونَ غيرِه ممّا يَجوزُ فرضاً و تقديراً أن يَكونَ الثقةُ له و مِن أجلِه.
و كُلُّ مَن جَوَّزَ أن يَنحَفِظَ الشرعُ بإمامِ الزمانِ و يوثَقَ بأنّه لَم يَفُت شَيءٌ منه لأجلِه، كما يَجوزُ أن يَنحَفِظَ و يوثَقَ بوصولِ جميعِه بأن يَكونَ المعلومُ مِن حالِ ب.
ص: 235
المؤدِّينَ أنّهم لا يَكتُمونَ، فيَقطَعُ على أنّ حِفظَ الشرعِ و الثقةَ به مقصورانِ علَى الإمامِ و حِفظِه؛ لأنّ الأُمّةَ بَينَ مُجوِّزٍ علَى الأُمّةِ الكِتمانَ و غيرِ مُحيلٍ له عليهم و بَينَ مُحيلٍ له و مُعتَقِدٍ أنّ العاداتِ تَمنَعُ منه؛ فمَن أجازَه و لَم يُحِلْه - و هُم الإماميّةُ خاصّةً - لا يُسنِدونَ الثقةَ و الحفظَ إلّاإلَى الإمامِ دونَ غيرِه، و إنّما يُسنِدُ الثقةَ إلى غيرِ الإمامِ مَن يُحيلُ الكتمانَ علَى الأُمّةِ.
و إذا بانَ بالأدلّةِ القاهرةِ جوازُ الكِتمانِ عليهم، فبالإجماعِ يُعلَمُ أنّ الثقةَ إنّما يَصِحُّ استنادُها إلَى الإمامِ، دونَ ما أشاروا إليه مِن المعلومِ.
و هذه الجُملةُ التي ذَكرناها إذا حُصِّلَت و ضُبِطَت، بانَ مِن أثنائها جوابُ كُلِّ شُبهةٍ اشتَمَلَ عليها الفَصلُ الذي حَكَيناه و زيادةٌ كَثيرةٌ عليه.(1)6.
ص: 236
قد تعرّض الشريف المرتضى في أربعة مواضع من هذه الكتاب لهذا المقال:
و مِن حكاياتِ الشيخِ و كلامِه في الغَيبةِ؛ قالَ الشيخُ (1): قالَ لي شيخٌ مِن حُذّاقِ المعتزلةِ و أهلِ التَّدَيُّنِ بمذهَبِه مِنهم: أُريدُ أن أسألَكَ عن مسألةٍ كانَت خَطَرَت بِبالي، و قد سألتُ عنها جماعةً ممّن لقيتُ مِن متكلّمي الإماميّةِ بخراسانَ و فارِسَ و العراقِ، فلَم يُجيبوا فيها بجوابٍ مُقنِعٍ.
فقلتُ له: سَلْ علَى اسمِ اللّهِ إن شئتَ.
فقالَ: أخبِرْني عنِ الإمامِ عندكمُ الغائبِ؛ أ هو في تَقيّةٍ منكَ، كما هو في تَقيّةٍ مِن أعدائِه، أم هو في تَقيّةٍ مِن أعدائِه خاصّةً؟
فقلتُ له: الإمامُ عندي في تَقيّةٍ مِن أعدائِهِ لا مَحالةَ، و هو أيضاً في تقيّةٍ مِن كثيرٍ مِن الجاهلينَ به ممَّن لا يعرفُه و لا سَمِعَ بهِ فَيُعادِيَه أو يُوالِيَه. هذا على غالبِ الظنِّ
ص: 237
و العُرْفِ، و لَستُ أُنكِرُ أن يكونَ في تقيّةٍ مِن جماعةٍ تعتقدُ إمامتَه الآنَ؛ فأمّا أنا، فإنّه لا تقيّةَ عليه مِنّي بَعدَ معرفتِه بي على حقيقةِ المعرفةِ، و الحمدُ للّهِ.
فقالَ: هذا - وَ اللّهِ - جوابٌ طَريفٌ لَم أسمَعْه مِن أحدٍ قَبلَكَ، فاُحِبُّ أن تُفَصِّلَ لِيَ وجوهَه؛ و كيفَ صارَ في تقيّةٍ ممّن لا يعرفُه، و في تقيّةٍ مِن جماعةٍ تعتقدُ إمامتَه الآنَ، و لَيسَ هو في تقيّةٍ منكَ إذ عَرَفَكَ؟!
فقلتُ له: أمّا تقيّتُه مِنْ أعدائِهِ، فلا حاجةَ إلَى الكلامِ فيها؛ لِظُهورِ ذلكَ.
و أمّا تقيّتُه ممّن لا يعرفُه، فإنّما قلتُ ذلكَ على غالِب الظنِّ و ظاهرِ الحالِ؛ و ذلكَ أنّه لَيسَ يَبعُدُ أن لَو ظَهَرَ لهم لَكانوا بَينَ أُمورٍ: إمّا أن يَسفِكوا دمَه بأنفسِهم لِيَنالوا بذلكَ المنزلةَ عندَ المتغلِّبِ علَى الزمانِ و يَحوزوا به المالَ و الرئاسةَ، أو يَسعَوا به إلى مَن يُحِلُّ هذا الفِعلَ به، أو يَقْبِضُوا عليه و يُسَلِّموه إليه.
فيكونَ في ذلكَ عَطَبُه(1)، و في عَطَبِه و هلاكِه عظيمُ الفَسادِ.
و إنّما غلَبَ في الظنِّ ذلكَ؛ لأنّ الجاهلَ بحَقِّه ليسَ يكونُ معهُ المعرفةُ التي تَمنَعُه مِن السَّعيِ على دَمِه، و لا يعتقدُ في الكفِّ عنه ما يعتقدُه المتديِّنُ بوَلايَتِه، و هو يَرَى الدُّنيا مُقبِلةً إلى مَن أوقَعَ الضررَ به، فلَم يَبعُدْ منه ما وَصفناه؛ بَل قَرُبَ، و بَعُدَ مِنه خِلافُه.
و أمّا وجهُ تقيَّتِه مِن بعضِ مَن يعتقدُ إمامتَه الآنَ، فإنّ المعتقدينَ لذلكَ لَيسوا بِمعصومينَ مِن الغَلَطِ، و لا مأموناً عليهم الخَطأُ؛ بَل لَيسَ مأموناً عليهم العنادُ و الارتدادُ، فلا يُنكَرُ أن يكونَ المعلومُ مِنهم أنّه لَو ظَهَرَ لهم الإمامُ عليه السلام أو عَرَفُوا مَكانَه أن تَدعُوَهم دَواعي الشيطانِ إلَى الإغراءِ به، و السَّعيِ عَلَيه،).
ص: 238
و الإخبارِ بمكانِه؛ طَمَعاً في العاجِلةِ، و رَغبةً فيها، و إيثاراً لها علَى الآجِلةِ؛ كما دَعَت دواعي الشيطانِ أُمَمَ الأنبياءِ إلَى الارتدادِ عن شَرائعِهم حتّى غَيَّرَها جماعةٌ منهم و بَدَّلَها أكثرُهم، و كما عانَدَ قَومُ موسى نَبيَّهم وَ إمامَهم هارونَ، و ارتَدّوا عن شَرعِه الذي جاءَ به هو و أخوه موسى عليه السلام، وَ اتَّبَعوا السامِريَّ، و لَم يَلتَفِتوا إلى أمرِ هارونَ و نَهيِه، وَ لا فَكَّروا في وَعظِه و زَجرِه، و إذا كانَ ذلكَ على ما وصفتُ لم يُنكَرْ أن تكونَ هذه حالَ جماعةٍ مِن مُنتَحِلي الحَقِّ في هذا الزمانِ؛ لارتفاعِ العصمةِ عنهم.
فأمّا حُكمي لنَفْسي، فإنّه لَيسَ يختصُّني؛ لأنّه يعمُّ كُلَّ مَن شارَكَني في المعنَى الذي مِن أجلِه حَكمتُ، و إنّما خَصَصْتُ نَفْسي بالذِّكرِ؛ لأنّني لا أعرفُ غَيري عَيناً علَى اليقينِ مُشاركاً لِيَ في الباطنِ، فأُدخِلَه مَعي في الذِّكرِ.
و المعنَى الذي مِن أجلِه نَفَيتُ أن يَكونَ صاحبُ الأمرِ عليه السلام متّقياً مِنّي عندَ المعرفةِ بِحالي؛ لأنّني أعلَمُ أنّي عارفٌ باللّهِ تعالى و برسولِه صلّى اللّه عليه و آله و بالأئمّةِ عليهم السلام، و هذه المعرفةُ تَمنَعُني مِن إيقاعِ كُفرٍ غَيرِ مغفورٍ، و السعيِ على دمِ الإمامِ عليه السلام؛ بل إخافتُه عِندي كفرٌ غيرُ مغفورٍ.
و إذا كنتُ على ثقةٍ تَعصِمُني من ذلكَ لِما أذهبُ إليه في المُوافاةِ فقد أمِنتُ أن يكونَ الإمامُ في تقيّةٍ مِنّي أو مِمّن شارَكَني فيما وصفتُ مِن إخواني إذا تحقّقَ أُمورُنا على ما ذكرتُ؛(1) إذ التقيّةُ إنّما هي الخَوفُ علَى النَّفْسِ، و الإخافةُ للإمامِ لا تَقَعَ مِن عارفٍ باللّهِ تعالى على ما قَدَّمتُ.
قالَ: فكأنّكَ إنّما جَوَّزتَ تقيّةَ الإمامِ مِن أهلِ النفاقِ مِن الشيعةِ، فأمّا المعتقدونَ».
ص: 239
للتشيّعِ ظاهراً و باطناً فحالُهُم كحالِكَ، و هذا يؤَدّي إلَى المناقَضةِ؛ لأنّ المنافقَ لَيسَ بمعتقدٍ للتشيّعِ في الحقيقةِ، و أنتَ فقَد أجَزتَ ذلكَ على بعضِ الشيعةِ في الحقيقةِ؛ فكيفَ يكونُ هذا؟!
فقلتُ له: ليسَ الأمرُ كما ظننتَ؛ و ذلكَ أنّ جماعةً مِن مُعتقدي التشيّعِ عندي غيرُ عارفينَ في الحقيقةِ، و إنّما يعتقدونَ الديانةَ على ظاهرِ القَولِ و التقليدِ و الاسترسالِ دونَ النظرِ في الأدلّةِ و العملِ عَلَى الحُجّةِ، و مَن كانَ بهذه المنزلةِ لَم يَحصُلْ له الثوابُ الدائمُ المستَحَقُّ للمعرفةِ المانعُ بدَلالةِ الخبرِ به عن إيقاعِ كفرٍ مِن صاحِبِه يستحقُّ به الخُلودَ في الجَحيمِ. فتأمَّلْ ذلكَ.
قالَ: فقَدِ اعتَرَضَ الآنَ هاهُنا سؤالٌ في غيرِ الغَيبةِ أحتاجُ إلى معرفةِ جوابكَ عنه ثُمّ أرجِعُ إلَى المسألةِ في الغَيبةِ: خَبِّرني عن هؤلاءِ المقلّدينَ مِن الشيعةِ؛ أ تقولُ:
إنّهم كفّارٌ يَستحقّونَ الخلودَ في النارِ؟
فإن قلتَ ذلكَ، فلَيسَ في الجَنّةِ مِن الشيعةِ الإماميّةِ إذَنْ غيرُكَ؛ لأنّا لا نَعرفُ أحَداً مِنهم على تحقيقِ النظرِ سِواكَ، بَل إن كانَ فيهم فلعلّهم لا يكونونَ عشرينَ نَفْساً في الدنيا كلِّها. و هذا لا أظنُّكَ تذهبُ إليه.
و إن قلتَ: إنّهم لَيسوا بكفّارٍ، و هُم يعتقدونَ التشيّعَ ظاهراً و باطناً، فهُم مِثلُكَ، و هذا مُبطِلٌ لِما قَدَّمتَ.
فقلتُ له: لستُ أقولُ: إنّ جميعَ المُقَلِّدةِ كفّارٌ؛ لأنّ فيهم جماعةً لَم يُكلَّفوا المعرفةَ و لا النظرَ في الأدلّةِ؛ لنُقصانِ عقولِهم عن الحدِّ الذي به يَجِبُ تكليفُ ذلكَ، و إن كانوا مكلَّفينَ عندي للقَولِ و العَمَلِ، و هذا مَذهَبي في جماعةٍ مِن أهلِ السَّوادِ و البَوادي و الأعرابِ و العَجَمِ و العامّةِ، فهؤلاءِ إذا قالوا و عَمِلوا كانَ ثوابُهم على ذلكَ كعِوَضِ البَهائمِ و الأطفالِ و المَجانينِ، و كانَ ما يَقَعُ مِنهم مِن عِصيانٍ
ص: 240
يَستحقّونَ عَلَيه العِقابَ في الدنيا و في يومِ المَآبِ طولَ زمانِ الحسابِ أو في النارِ أحقاباً، ثُمَّ يَخرجونَ إلى مَحَلِّ الثَّوابِ.
و جماعةٌ مِن المُقَلِّدةِ عندي كُفّارٌ؛ لأنّ معهم مِن القوّةِ علَى الاستدلالِ ما يَصِلونَ به إلَى المَعارفِ، فإذا انصَرَفوا عن النظرِ في طُرُقِها فقَد استَحَقّوا الخُلودَ في النارِ.
و أمّا قولُكَ: إنّه لَيسَ في الدنيا أحدٌ مِن الشيعةِ ينظرُ حقّ النظرِ إلّاعشرونَ نَفْساً أو نَحوُهم؛ فإنّه لَو كنتَ صادقاً في هذا المَقالِ، ما مَنَعَ أن يكونَ جُمهورُ الشيعةِ عارفينَ؛ لأنّ طُرُقَ المعرفةِ قريبةٌ يَصِلُ إليها كلُّ مَن استَعملَ عقلَه، و إن لَم يَتمكّنْ مِن العبارةِ عن ذلكَ و يَتَسهَّلْ عَلَيه الجَدَلُ و يَكُنْ مِن أهلِ التحقيقِ في النظرِ، و لَيسَ عدمُ الحِذْقِ (1) في الجَدَلِ و إحاطةِ العِلمِ بحُدودهِ و المعرفةِ بغَوامضِ الكلامِ و دَقيقِه و لطيفِ القَولِ في المسائلِ دليلاً علَى الجَهلِ باللّهِ تعالى.
فقالَ: لَيسَ أرى أن أصِلَ معكَ الكلامَ في هذا البابِ الآنَ؛ لأنَّ الغرضَ هوَ القولُ في الغَيبةِ؛ و لكنْ لمّا تَعَلَّقَ بمَذهبٍ غَريبٍ أحببتُ أن أقِفَ عَلَيه، و أنا أعودُ إلى مسألتِيَ الأُولى، و أُكلِّمُكَ في هذا المذهبِ يَوماً آخَرَ؛ أخبِرْنِي الآنَ: إذا لَم يَكُنِ الإمامُ في تقيّةٍ منكَ فما بالُه لا يَظهَرُ لكَ فيُعَرِّفَكَ نفسَهُ بالمشاهَدةِ، و يُرِيَكَ مُعجِزةً، وَ يُبَيّنَ لكَ كثيراً مِن المشكلاتِ، وَ يؤنِسَكَ بقُربِه، وَ يُعَظّمَ قَدْرَكَ بقَصدِه، و يُشَرّفَكَ بمَكانِه إذا كانَ قد أمِنَ منكَ الإغراءَ به، و تَيَقَّنَ ولايتكَ لهُ ظاهرةً و باطنةً؟!
فقلتُ لهُ: أوّلُ ما في هذا البابِ أنّني لا أقولُ: إنّ الإمامَ عليه السلام يَعلَمُ السرائرَ، و إنّه ممَّن لا يخفى عَلَيه الضَّمائرُ، فتكونَ قد أخذتَ رَهْني بأنّهُ يَعلَمُ مِنّي ما أعرفُه مِن نَفْسي. و إذا لَم يكُنْ ذلكَ مَذهَبي، و كنتُ أقولُ: إنّه يَعلَمُ الظواهرَ كما يَعلَمُها).
ص: 241
البَشَرُ، و إن عَلِمَ باطناً فبإعلامِ اللّهِ - عزَّ وَ جلَّ - له خاصّةً على لسانِ نبيّه صلّى اللّه عليه و آله بما أودَعَه إيّاه مِن النُّصوصِ على ذلكَ، أو بالمَنامِ الذي يَصْدُقُ و لا يُخلفُ أبداً، أو بسببٍ أذكُرُه غيرِ هذا، فقد سَقَطَ سؤالُكَ مِن أصلِه؛ لأنَّ الإمامَ إذا فَقَدَ عِلمَ ذلكَ مِن جهةِ اللّهِ تَعالى أجازَ عَلَيَّ ما يُجيزُ على غَيري ممّن ذَكرتُ، فأوجبَتِ الحكمةُ تقيّتَهُ (1) مِنّي و إنّما تقيّتُهُ مِنّي علَى الشرطِ الّذي ذَكرتُ آنِفاً، و لم أقطَعْ على حُصولِه لا مَحالةَ.
و لم أقُلْ: إنّ اللّهَ تَعالى قد أطلَعَ الإمامَ على باطِني، و عَرّفَهُ حقيقةَ حالي قطعاً، فَتُفرِغَ الكلامَ عليهِ. على أنَّني لَو قَطعتُ على ذلكَ لَكانَ لِتَرْكِ ظُهورِه لي و تَعَرُّفِه إلَيَّ وجهٌ واضحٌ غيرُ التقيّة؛ و هو أنّه صلّى اللّه عليه و آله قد عَلِمَ أنّني و جميعَ مَن شارَكني في المعرفةِ لا نَزولُ عن معرفتِه، و لا نَرجِعُ عن اعتقادِ إمامتِهِ، و لا نَرتابُ في أمرِه ما دامَ غائبا، و عَلِمَ أنّ اعتقادَنا ذلكَ مِن جهةِ الاستدلالِ و مَعَ عدمِ ظهورِه لِحَواسّنا أصلَحُ لَنا في تَعاظُمِ الثوابِ و عُلُوّ المنزلةِ باكتسابِ الأعمالِ؛ إذ كانَ ما يَقَعُ مِن العملِ بالمَشاقّ الشديدةِ أعظمَ ثواباً ممّا يَقَعُ بالسهولةِ و مَعَ الراحةِ. فلمّا عَلِمَ عليه السلام ذلكَ مِن حالِنا وَجَبَ عَلَيه الاستتارُ عَنّا؛ لِنَصِلَ إلى معرفتِه و طاعتِه على حدّ يَكسِبُنا مِنَ المَثوبةِ أكثرَ ممّا يَكْسِبُنا العِلم به و الطاعةُ له مَعَ المُشاهَدةِ و ارتفاعِ الشُّبهةِ التي تَكونُ في حالِ الغَيبةِ و الخَواطرِ، و هذا ضِدُّ ما ظَننتَ.
مَعَ أنّ أصلَكَ في اللطفِ يؤيّدُ ما ذَكرناه، و يوجبُ ذلكَ، و إن عُلِمَ أنَّ الكفرَ يكونُ مَعَ الغَيبةِ، و الإيمانَ مَعَ الظهورِ؛ لأنّكَ تقولُ: إنّه لا يَجِبُ عَلَى اللّهِ تعالى فِعلُ اللطفِ الذي يَعلمُ أنَّ العبدَ إن فَعَلَ الطاعةَ مَعَ عدمِهِ كانت أشرفَ منهاه.
ص: 242
إذا فَعَلَها مَعَه، فلذلكَ يَمنعُ الإمامَ مِن الظهورِ إذا عَلِمَ أنّ الطاعة للإمامِ تكونُ عندَ غَيبتِه أشرفَ منها عندَ ظُهوره، و لَيسَ يَكفُرُ القَومُ به في كِلاَ الحالَينِ. و هذا بَيّنٌ لا إشكالَ فيه.
فلمّا وَرَدَ عَلَيه هذا الجوابُ سَكتَ هُنَيئةً ثُمّ قالَ: هذا لَعَمري جوابٌ يَستمِرُّ علَى الأُصولِ التي ذَكرتَها، و الحَقُّ أَولى ما استُعمِلَ.
فقلتُ لهُ: فأنا اجيبُكَ بَعدَ هذا بجوابٍ آخَرَ أظنُّه ممّا قد سَمِعتَهُ؛ لأنظُرَ كلامَكَ عليه.
فقالَ: هاتِ ذلكَ؛ فإنّي أحبُّ أن أستوفِيَ ما في هذه المسألةِ.
فقلتُ له: إن قلتُ لَكَ: إنَّ الإمامَ في تقيّةٍ مِنّي و في تقيّةٍ مِمَّن خالَفَني، ما يكونُ كلامُكَ عليه؟
قالَ: أ فتُطلقُ أنّه في تقيّةٍ مِنكَ كما هوَ في تقيّةٍ مِمَّن خالَفَكَ؟
قلتُ: لا. قالَ: و ما الفرقُ بَينَ القَولَينِ؟
فقلتُ: الفرقُ بَينَهما أنّني إذا قلتُ: إنّه في تقيّةٍ مِنّي كما هو في تقيّةٍ مِمَّن خالَفَني، أوهمتُ أنّ خَوفَه مِنّي على حَدّ خَوفِه مِن عدوّه، و أنّ الذي يَحْذَرُه مِنّي هو الذي يَحْذَرُه مِنه، أو مِثله في القُبحِ. فإذا قلتُ: إنّه يَتَّقي مِنّي و مِمَّنْ خالَفَني، ارتَفَعَ هذا الإيهامُ.
قالَ: فمِنْ أيّ وَجهٍ اتَّقى مِنكَ؟ و مِن أيّ وَجهٍ اتَّقى مِن عدوّه؟ فَصّلْ لِيَ الأمرَينِ حتّى أعرِفَهما.
فقلتُ له: تقيّتُه مِن عدوّه هي لأجلِ خَوفِه مِن ظُلمهِ له، و قَصدِه الإضرارَ به، و حَذَرِه مِن سَعيِه على دَمِه. و تقيّتُه مِنّي لأجلِ خَوفِه مِن إذاعَتي على سَبيلِ السهوِ، أو للتجمُّلِ و التشرُّفِ بمعرفتِه بالمشاهَدةِ، أو علَى التقيّةِ مِنّي بمَن أوعِزُه
ص: 243
إليه مِن إخواني في الظاهرِ، فيُعقِبُه ذلكَ ضرراً عَلَيه. فبانَ الفرقُ بَينَ الأمرَينِ.
فقالَ: ما أنكرتَ أن يكونَ هذا يوجبُ المساواةَ بَينَكَ و بَينَ عدوِّه؛ لأنّه لَيسَ يَثِقُ بكَ كما لا يَثِقُ بعدوِّه؟
فقلتُ له: قد بيّنتُ الفَرقَ و أَوضَحتُهُ، و هذا سؤالٌ قد سَلَفَ جوابُه، و تَكرارُهُ لا فائدةَ فيه. على أنّني أقْلِبُهُ عَلَيكَ فأقولُ لكَ: أ ليسَ قد هَربَ رسولُ اللّهِ صلّى اللّه عليه و آله مِن أعدائِه و اسْتَتَرَ عنهم في الغارِ خَوفاً على نَفسِه مِنهم؟
قالَ: بلى.
قلتُ له: فهَل عَرَفَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ حالَ هَرَبِه و مُستَقَرَّه و مَكانَه كمَا عَرَفَ أبو بَكرٍ ذلكَ بكَونِه مَعَه؟
قالَ: لا. أدري.
قلتُ: فهَبْ عَرَفَ عمرُ ذلكَ؛ أ عَرَفَ ذلكَ جميعُ أصحابِه و المؤمِنينَ به؟
قالَ: لا.
قلتُ: فأيُّ فرقٍ كانَ بَينَ أصحابِه الذينَ لَم يَعلَمُوا بهَرَبِه و لا عَرَفوا مَكانَه و بَينَ أعدائِه الذينَ هَرَبَ مِنهم؟ و هَلَّا أبانَهم مِنَ المشرِكينَ بإيقافِهم على أمرِه، و لَم يَستُرْ ذلكَ عنهم كما سَتَرَه عن أعدائِه؟ و ما أنكرتَ أن يكونَ لا فَرقَ بَينَ أوليائِه و أعدائِه، و أن يكونَ قد سَوّى بَينَهم في الخوفِ منهم و التقيَّةِ، و إلّافما الفَصلُ؟
فلَم يأتِ بشيءٍ أكثَرَ مِن أنّه جَعَلَ يومئُ إلى مُعتمَدي في الفَرقِ، بَينَما أُلزِمَ و لَم يأتِ به على وَجههِ، و عَلِمَ مِن نَفسِه العَجزَ عن ذلكَ.
قالَ الشريفُ أبو القاسمِ عليُّ بنُ الحسينِ الموسويُّ: و استزدتُ الشيخَ - أدامَ اللّهُ عِزَّهُ - على هذا الفصلِ مِن هذا المجلسِ حيثُ اعتَلَّ بأنّ غَيبةَ الإمامِ عن
ص: 244
أوليائِه إنّما هي لُطفٌ لهُم في وقوعِ الطاعةِ مِنهم على وَجهٍ يكونُ به أشرفَ منها عند مشاهَدَتِه.
فقلتُ لهُ: فكيفَ يكونُ حالُ هؤلاءِ الأولياءِ عندَ ظُهورِه عليه السلام؟ أليسَ يَجِبُ أن يكونَ القديمُ تعالى قد مَنَعَهم اللطفَ في شَرَفِ طاعاتِهم و زيادةِ ثوابِهم؟
فقالَ الشيخُ - أدامَ اللّهُ عِزَّه -: لَيسَ في ذلكَ مَنعٌ لهُم مِنَ اللطفِ؛ على ما ذَكرتُ - مِن قَبلُ - أنّه: لا يُنْكَرُ أن يَعلَمَ اللّهُ سُبحانَه مِنهم أنّهُ لَو أدامَ سَترَهُ عنهم و أباحَه الغَيبةَ في ذلك الزمانِ بَدَلاً مِن الظهورِ لَفَسَقَ هؤلاءِ الأولياءُ فِسقاً يَستحِقّونَ به مِن العِقابِ ما لا يَفي به أضعافُ ما يَفوتُهم مِن الثوابِ، فأظهَرَه سُبحانَه لهذه العِلّةِ، و كانَ ما يَقتطِعُهم به عنه مِن العذابِ أردَّ(1) عَلَيهم و أنفعَ لهم مِمّا كانُوا يكتسبونَهُ مِن فضلِ الثوابِ، على ما تقدَّمَ به الكلامُ.
قالَ الشيخُ: و وجهٌ آخَرُ، و هو: أنّه لا يَستَحيلُ أن يكونَ اللّهُ تَعالى قد عَلِمَ مِن حالِ كثيرٍ مِن أعداءِ الإمامِ عليه السلام أنّهم يؤمِنونَ عندَ ظُهورِه، وَ يَعتَرفونَ بالحقِّ عندَ مُشاهَدَتِه، و يُسلِّمونَ له الأمرَ، و أنّه إن لم يَظهَرْ في ذلكَ الزمانِ أقاموا على كفرِهم، و ازدادوا طُغياناً بزيادةِ الشُّبهةِ عليهم، فوَجَبَ في حِكمتِه تعالى إظهارُه لعمومِ الصَّلاحِ.
و لَو أباحَه الغَيبةَ لَكانَ قد خَصَّ بالصَّلاحِ، و مَنَعَ مِن اللطفِ في تَركِ الكفرِ، و لَيسَ يجوزُ على مَذهبِنا في الأصلحِ أن يَخُصَّ اللّهُ تعالى بالصَّلاحِ، و لا يَجوزُ أيضاً أن يَفعلَ لطفاً في اكتسابِ بعضِ خَلقِه مَنافعَ تزيدُ على منافِعِه، إذا كانَ في فِعلِ ذلكَ اللطفِ رفعُ لطفٍ لجماعةٍ في تركِ القَبيحِ و الانصرافِ عن الكفرِ به.
ص: 245
تعالى و الاستخفافِ بحقوقِ أوليائِه عليه السلام؛ لأنَّ الأصلَ و المَدارَ عَلى إنقاذِ العبادِ مِن المَهالكِ، و زَجرِهم عَن القَبائحِ، و لَيسَ الغرضُ زيادتَهم في المنافعِ خاصَّةً؛ إذْ كانَ الاقتطاعُ بالألطافِ عمّا يوجِبُ دوامَ العقابِ أولى مِن فِعلِ اللطفِ فيما يُستزادُ بهِ الثوابُ؛ لأنّه لَيسَ يَجِبُ علَى اللّهِ تَعالى أن يَفعلَ بعَبدِه ما يَصِلُ مَعَه إلى نفعٍ يَمنعُه مِن أضعافِه مِن النفعِ.
فَكذلكَ لا يَجِبُ عَلَيه أن يَفعلَ اللطفَ لهُ في النفعِ بما يَمنَعُ غَيرَه مِن أضعافِ ذلكَ النفعِ، و هو إذا سَلَبَهُ هذا اللطفَ لَم يستدرجْه به إلى فِعلِ القبيحِ، و متى فَعَلَه حالَ بَينَ غَيرِه و بَينَ منافِعِه، و مَنَعَه مِن لطفِ ما يَنصرِفُ به عَن القبيحِ، و إذا كانَ الأمرُ على ما بَيَّنّاه كانَ هذانِ الفصلانِ يُسقِطانِ هذه الزيادةَ.(1)
و مِن كلامِ الشَّيخِ - أيَّدَه اللّهُ - في الرَّجعةِ و جوابِ سؤالٍ فيها سَألَه المخالفونَ؛ قالَ الشَّيخُ: سَألَ بعضُ المعتزِلةِ شَيخاً مِن أصحابِنا الإماميّةِ - و أنا حاضرٌ - في مَجلسٍ قد ضَمَّ جَماعةً كثيرةً مِن أهلِ النظرِ و المتفَقِّهةِ، فقالَ له: إذا كانَ مِن قولِكَ:
إنَّ اللّهَ - عزَّ و جلَّ - يَرُدُّ الأمواتَ إلى دارِ الدُّنيا قَبلَ الآخرةِ عندَ قيامِ القائمِ عليه السلام ليَشفِيَ المؤمنينَ كما زعمتم مِن الكافرينَ، و يَنتقِمَ لهم مِنهم كما فَعَلَ ببني إسرائيلَ فيما ذَكرتم حَيثُ تَتعلَّقونَ بقَولِه تَعالى: (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً) (2)، فخَبِّرْني ما الذي يُؤمِنُكَ أنْ
ص: 246
يَتوبَ يَزيدُ و شَمِرٌ و عبدُ الرحمنِ بنُ مُلْجَمٍ، و يَرجِعوا عن كُفرِهم و ضَلالِهم، و يَصيروا في تلكَ الحالِ إلى طاعةِ الإمامِ؟ فيجِبُ عليكَ وَلايتُهم و القطعُ بالثوابِ لهم، و هذا نقضُ مَذاهبِ الشيعةِ.
فقالَ الشَّيخُ المسؤولُ: القولُ في الرَّجعةِ إنّما قُلتُه مِن طريقِ التوقيفِ، و لَيسَ للنظرِ فيهِ مَجالٌ، و أنا لا أُجيبُ عَن هذا السؤالِ؛ لأنّه لا نَصَّ عندي فيه، و لَيسَ يَجوزُ لي أن أَتكلّفَ مِن غيرِ جهةِ النصِّ الجوابَ، فشَنَّعَ السائلُ و جماعةُ المعتزلةِ عَلَيه بالعجزِ و الانقطاعِ.
فَقالَ الشيخُ - أيَّدَهُ اللّهُ -: فأقولُ: إنّ لنا عن هذا السؤالِ جوابَينِ:
أحدُهما: أنّ العقلَ لا يَمنَعُ مِن وقوعِ الإيمانِ ممّن ذَكرَه السائلُ؛ لأنّه يكونُ إذ ذاكَ قادراً عليهِ و متمكِّناً منه، لكنّ السمعَ الواردَ عن أئمّةِ الهُدى عليهم السلام بالقطعِ عليهم بالخُلودِ في النارِ و التديُّنِ بلَعنِهم و البَراءةِ مِنهم إلى آخر الزمانِ مَنَعَ مِن الشكّ في حالِهم، و أَوجَبَ القطعَ على سوءِ اختيارِهم، فجَرَوا في هذا البابِ مَجرى فِرعَونَ و هامانَ و قارونَ، و مجَرى مَن قَطَعَ اللّهُ على خُلودِه في النار، و دَلَّ بالقطعِ على أنّهم لا يَختارونَ أبداً الإيمانَ مِمَّن قالَ اللّهُ تعالى في جُملتِهم: (وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَ كَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَ حَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْ ءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ) (1)، يُريدُ إلّاأن يُلجِئَهُم اللّهُ.
و الذينَ قالَ اللّهَ - عزّ و جلَّ - فيهم: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ * وَ لَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ) .(2)
ثُمّ قالَ - جَلَّ مِن قائلٍ - في تفصيلِهم، و هو يوجّهُ القولَ إلى إبليسَ: (لَأَمْلَأَنَّ 3.
ص: 247
جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) (1) . و قولُه: (وَ إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ) (2)، و قولُه: (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ * ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَ ما كَسَبَ * سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) (3)، فقَطَعَ عليهِ بالنارِ، و أمِنَ مِن انتقالِه إلى ما يوجِبُ لهُ الثوابَ.
و إذا كانَ الأمرُ على ما وَصَفناه بَطَلَ ما تَوَهَّموه على هذا الجوابِ.
و الجوابُ الآخَرُ: أنَّ اللّهَ سُبحانَه إذا رَدَّ الكافرينَ في الرَّجعةِ ليَنتَقِمَ مِنهم لَم يَقبَلْ لهم تَوبةً. و جَرَوا في ذلكَ مَجرى فِرعَونَ؛ لمّا (أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (4)، قالَ اللّهُ تَعالى: (آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (5)، فَرَدَّ اللّهُ عليهِ إيمانَه، و لَم يَنفَعْه في تلكَ الحالِ نَدَمُه و إقلاعُه. و كأهلِ الآخِرةِ الذينَ لا تُقبَلُ لهم تَوبة، و لا يَنفَعُهم نَدَمٌ؛ لأنّهم كالمُلْجَئينَ إذ ذاكَ إلَى الفِعلِ. و لأنّ الحكمةَ تَمنَعُ مِن قبولِ التَّوبةِ أبداً، و توجِبَ اختصاصَ بعضِ الأوقاتِ بقبولِها دونَ بعضٍ.
و هذا هو الجوابُ الصحيحُ على مذهبِ أهلِ الإمامةِ، و قد جاءَت بهِ آثارٌ متظاهرةٌ عن آلِ محمّدٍ عليهم السلام، فَرُويَ عنهم في قولِهِ تَعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ) (6)، فقالوا: إنَّ هذه الآيةَ هي القائمُ عليه السلام، فإذا ظَهَرَ لَم تُقبَلْ تَوبةُ المخالفِ. و هذا يُسقِطُ ما اعتَمَدَه السائلُ.8.
ص: 248
فإن قالوا في هذا الجوابِ: ما أنكرتم أن يَكونَ اللّهُ سُبحانَه على ما أصَّلتُموه قد أغرى عبادَه بالعِصيانِ، و أباحَهم الهَرْجَ و المَرْجَ (1) و الطُّغيانَ؟ لأنَّهم إذا كانوا يَقدرونَ علَى الكفرِ و أنواعِ الضلالِ، و قد يَئِسوا مِن قبولِ التَّوبةِ، لَم يَدْعُهم داعٍ إلَى الكفّ عمّا في طِباعِهم، و لا انزَجَروا عن فعلِ قبيحٍ يَصِلونَ به إلَى النفعِ العاجلِ، و مَن وَصَفَ اللّهَ تَعالى بإغراءِ خَلقِه بالمَعاصي و إباحتِهم الذنوبَ، فقد أعظَمَ الفِريَةَ (2) عَلَيه.
قيلَ لهم: لَيسَ الأمرُ على ما ظَنَنتُموه؛ و ذلكَ أنّ الدَّواعِيَ لهم إلَى المعاصي تَرتفِعُ إذ ذاكَ، و لا يحصُلُ لهم داعٍ إلى قبيحٍ على وجهٍ مِن الوُجوهِ، و لا سببٍ مِن الأسبابِ؛ لأنّهم يَكونونَ قد عَلِموا بما سَلَفَ لهم مِن العذابِ إلى وقتِ الرَّجعةِ على خِلافِ أئمّتِهم عليهم السلام، و يَعلَمونَ في الحالِ أنّهم مُعذَّبونَ على ما سَبَقَ لهم مِن العِصيانِ، و أنّهم إن راموا فِعلَ قبيحٍ تَزايَدَ عَلَيهم العِقابُ، و لا يكونُ لهم عندَ ذلكَ طَبعٌ يَدعوهم إلى ما يَتزايَدُ عليهم به العذابُ؛ بَل تَتوفَّرُ لهم دَواعي الطِّباعِ و الخَواطرِ كلُّها على إظهارِ الطاعةِ و الانتقالِ عن العصيانِ. و إن لَزِمَنا هذا السؤالُ لَزِمَ جميعَ أهلِ الإسلامِ مِثلُه في أهلِ الآخِرةِ و حالِهم في إبطالِ تَوبتِهم و كونِ نَدَمِهم غيرَ مقبولٍ، فمَهما أجابَ الموحِّدون لمَن ألزَمَهم ذلكَ فهو جوابُنا بعَينِه.
ص: 249
و إن سَألوا علَى المذهبِ الأوّلِ و الجوابِ المتقدِّمِ فقالوا: كيفَ يُتَوَهَّمُ مِن القومِ الإقامةُ علَى العِنادِ و الإصرارُ على الخِلافِ، و قد عايَنوا فيما تَزْعُمونَ عقابَ القبورِ، و حَلَّ بِهم عندَ الرَّجعةِ العذابُ على ما تَعلَمونَ ممّا زعمتُم أنّهم مُقيمونَ عَلَيه؟ و كيفَ يَصِحُّ أن تَدْعُوَهم الدَّواعي إلى ذلكَ، و تخطُرَ لهم في فِعلِه الخَواطِرُ؟ و ما أنكرتُم أن تَكونوا في هذه الدَّعوى مُكابِرينَ؟!
قيلَ لهم: يَصِحُّ ذلكَ على مذهبِ مَن أجابَ بما حَكيناه مِن أصحابِنا بأن يقولَ:
إنّ جميعَ ما عَدَدتُموه لا يَمنَعُ مِن دخولِ الشُّبهةِ عَلَيهم في استحسانِ الخِلافِ؛ لأنّ القومَ يَظُنّونَ أنّهم إنّما بُعِثوا بَعدَ الموتِ تكرمةً لهم، و لِيَلوا الدُّنيا كما كانوا، أوّلاً، و يَظُنّونَ أنّ ما اعتقَدوه في العذابِ السالفِ لهم كانَ غَلَطاً مِنهم. و إذا حَلَّ بهم العقابُ ثانيةً توَهَّموا قَبلَ مفارَقةِ أرواحِهم أجسادَهم أنَّ ذلكَ ليسَ مِن طريقِ الاستحقاقِ، و أنّه مِن اللّهِ تَعالى لكنّه كما تكونُ الدُّوَلُ و كما حَلَّ بالأنبياءِ.
و لأصحابِ هذا الجوابِ أن يَقولوا: لَيسَ ما ذَكرناه في هذا البابِ بأعجَبَ مِن كفرِ قومِ موسى و عبادتِهم العِجلَ، و قد شاهَدوا مِنه الآياتِ، و عايَنوا ما حَلَّ بفِرعَونَ و ملئه علَى الخِلافِ، و لا هو بأعجَبَ مِن إقامةِ أهلِ الشركِ على خِلافِ رسولِ اللّهِ صلّى اللّه عليه و آله و هم يَعلَمونَ عجزَهم عن مِثلِ ما أتى به القرآنُ، و يَشهَدونَ مُعجِزاتِه و آياتِه، و يَجِدونَ مُخبَراتِ أخبارِه على حقائقِها؛ مِن قولِه تَعالى: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (1)، و قولِه: (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ) (2)،
ص: 250
و قولِه: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) (1)، و ما حَلَّ بهم مِن العقابِ بسَيفِه صلّى اللّه عليه و آله و هلاكِ كلِّ مَن توعَّدَه بالهَلاكِ، هذا و فيمن أظهَرَ الإيمانَ به المنافقونَ يَنضافونَ في خِلافه إلى أهل الشركِ و الضَّلالِ.
على أنّ هذا السؤالَ لا يَسوغُ لأصحابِ المَعارفِ مِن المعتزلةِ؛ لأنّهم يَزعُمونَ أنّ أكثرَ المخالفينَ علَى الأنبياءِ كانوا مِن أهلِ العِنادِ، و أنَّ جُمهورَ المُظهِرينَ الجهلَ باللّهِ تَعالى يَعرفونَه علَى الحقيقةِ، و يَعرفونَ أنبياءَهُ و صِدقَهم؛ و لكنّهم في الخلافِ علَى اللَّجاجةِ و العِنادِ، فلا يَمتنعُ أن يكونَ الحكمُ في الرَّجعةِ و أهلِها على هذا الوصفِ الذي حَكيناه. و قد قالَ اللّهُ تَعالى: (وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (2)، فأخبَرَ سُبحانَه أنّ أهلَ العقابِ لَو رَدَّهم إلَى الدُّنيا لَعادوا إلَى الكفرِ و العِنادِ، مَعَ ما شاهَدوا في القبورِ و في المَحشَرِ مِنَ الأهوالِ، و ما ذاقوا مِن أليمِ العذابِ.(3)
قالَ الشَّيخُ - أدامَ اللّهُ عِزَّه -: و لمّا تُوُفِّيَ أبو محمّدٍ الحسنُ بنُ عليِّ بنِ محمّدٍ عليهم السلام افترَق أصحابُه بَعدَه - على ما حَكاه أبو محمّدٍ الحسنُ بنُ موسَى النَّوبَختيُّ رضي اللّه عنه - أربعَ عشرةَ فرقةً؛ فقالَ الجُمهورُ منهم بإمامةِ ابنِه القائمِ
ص: 251
المنتظَرِ عليه السلام، و أثبَتوا ولادتَه، و صَحَّحوا النصَّ عليه، و قالوا: هو سَميُّ رسولِ اللّهِ صلّى اللّه عليه و آله و مهديُّ الأنامِ، و اعتَقَدوا أنّ له غَيبَتَينِ؛ إحداهما أطوَلُ مِن الأُخرى، و الأُولى منهما هي القُصْرى، و له فيها الأبوابُ و السُّفَراءُ.
و رووا عن جماعةٍ مِن شُيوخِهم و ثِقاتِهم أنّ أباه الحسنَ عليه السلام أظهَرَه لهم، و أراهم شَخصَه.
و اختَلَفوا في سنِّه عندَ وفاةِ أبيه، فقالَ كثيرٌ منهم: كانَ سنُّه إذ ذاكَ خَمسَ سنينَ؛ لأنّ أباه تُوُفِّيَ سنةَ ستّينَ و مائتَينِ، و كانَ مَولِدُ القائمِ عليه السلام سنةَ خَمسٍ و خَمسينَ و مائتَينِ. و قالَ بعضُهم: بل كانَ مَولِدُه سنةَ اثنتينِ و خَمسينَ و مائتَينِ، و كانَ سنُّه عندَ وفاةِ أبيه ثَمانيَ سنينَ.
و قالوا: إنّ أباهُ لَم يَمُتْ حتّى أكمَلَ اللّهُ عقلَه، و علَّمَه الحِكمةَ و فَصلَ الخِطابِ، و أبانَه مِن سائرِ الخَلقِ بهذه الصفةِ؛ إذ كانَ خاتَمَ الحُجَجِ و وصيَّ الأوصياءِ و قائمَ الزمانِ عليه السلام.
و احتَجّوا في جَوازِ ذلكَ بدليلِ العقلِ؛ مِن حيثُ ارتفَعَت إحالتُه، و دخَل تَحتَ القُدرةِ. و بقَولِه تعالى في قِصّةِ عيسى عليه السلام: (وَ يُكَلِّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَ كَهْلاً) (1)، و في قِصّةِ يَحيى عليه السلام: (وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) (2).
و قالوا: إنّ صاحبَ الأمرِ عليه السلام حيٌّ لَم يَمُتْ و لا يَموتُ و لو بَقِيَ ألفَ عامٍ حتّى يَملأَ الأرضَ عَدلاً و قِسطاً كما مُلئَت ظُلماً و جَوراً، و إنّه يكونُ عندَ ظهورِه شابّاً قويّاً في صورةِ ابنِ نَيِّفٍ و ثلاثينَ سنةً، و أثبَتوا ذلكَ في مُعجزاتِه،2.
ص: 252
و جَعَلوه في جُملةِ دلائلِه و آياتِه عليه السلام.
و قالت فرقةٌ ممّن دانَت بإمامةِ الحسنِ عليه السلام: إنّه حيٌّ لَم يَمُتْ، و إنّما غابَ، و هو القائم المنتظَرُ.
و قالت فرقةٌ أُخرى: إنّ أبا محمّدٍ عليه السلام ماتَ و عاشَ بَعدَ موتِه، و هو القائمُ المهديُّ. و اعتَلّوا في ذلكَ بخبرٍ رووه: أنّ القائمَ إنّما سُمِّيَ بذلكَ لأنّه يَقومُ بَعدَ الموتِ.
و قالت فرقةٌ أُخرى: إنّ أبا محمّدٍ عليه السلام قد تُوُفِّيَ لا مَحالةَ، و إنّ الإمامَ مِن بَعدِه أخوه جعفرُ بنُ عليٍّ. و اعتَلّوا في ذلكَ بالروايةِ عن أبي عبدِ اللّهِ عليه السلام:
«أنّ الإمامَ هو الذي لا يوجَدُ منه مَلجأٌ إلّاإليه».(1)
قالوا: فلمّا لَم نَرَ للحسنِ عليه السلام ولداً ظاهراً التَجأنا إلَى القولِ بإمامةِ جعفرٍ أخيه.
و رجَعَت فرقةٌ ممّن كانت تقولُ بإمامةِ الحسنِ عليه السلام عن إمامتِه عندَ وفاتِه، و قالوا: لَم يَكُنْ إماماً، و كانَ مدّعياً مُبطَلاً، و أنكَروا إمامةَ أخيه محمّدٍ، و قالوا: الإمامُ جعفرُ بنُ عليٍّ بنصِّ أبيه عليهِ؛ قالوا: و إنّما قُلنا بذلكَ؛ لأنّ محمّداً ماتَ في حياةِ أبيه، و الإمامُ لا يَموتُ في حياةِ أبيه. و الحسنُ عليه السلام، فلَم يَكُنْ له عَقِبٌ، و الإمامُ لا يَخرُجُ مِن الدُّنيا حتّى يَكونَ له عَقِبٌ.
و قالَت فرقةٌ أُخرى: إنّ الإمامَ محمّدُ بنُ عليٍّ أخو الحسنِ بن عليٍّ عليه السلام، و رَجَعوا عن إمامةِ الحسنِ عليه السلام، و ادَّعَوْا حياةَ محمّدٍ بَعدَ أن كانوا يُنكِرونَ ذلكَ.ر.
ص: 253
و قالت فرقةٌ أُخرى: إنّ الإمامَ بَعدَ الحسنِ عليه السلام ابنُه المنتظَرُ، و إنّه عليُّ بنُ الحسنِ، و ليس كما تَقولُ القَطعيّةُ: إنّه محمّدُ بنُ الحسنِ. و قالوا بَعدَ ذلكَ بمقالةِ القَطعيّةِ في الغَيبةِ و الانتظارِ حرفاً بحرفٍ.
و قالت فرقةٌ أُخرى: إنّ القائمَ ابنَ الحسنِ عليه السلام وُلِدَ بَعدَ أبيه بثَمانيةِ أشهُرٍ، و هو المنتظَرُ، و أكذَبوا مَن زعَم أنّه وُلِدَ في حياةِ أبيه.
و قالت فرقةٌ أُخرى: إنّ أبا محمّدٍ عليه السلام ماتَ عن غيرِ ولدٍ ظاهرٍ؛ و لكن عن حَبَلٍ مِن بعضِ جَواريهِ، و القائمُ مِن بَعدِ الحسنِ محمولٌ به و ما ولدته أُمُّه بَعدُ، و إنّه يَجوزُ أنّها تَبقى مائةَ سَنةٍ حاملاً به، فإذا ولدَته ظهَرَت ولادتُه.
و قالت فرقةٌ أُخرى: إنّ الإمامةَ قد بطَلَت بَعدَ الحسنِ عليه السلام، و ارتفَعَت الأئمّةُ، و ليس في الأرضِ حُجّةٌ مِن آلِ محمّدٍ عليهم السلام، و إنّما الحُجّةُ الأخبارُ الواردةُ عن الأئمّةِ المتقدِّمينَ عليهم السلام، و زعَموا أنّ ذلكَ سائغٌ إذا غَضِبَ اللّهُ علَى العبادِ، فجعَله عقوبةً لهم.
و قالت فرقةٌ أُخرى: إنّ محمّدَ بنَ عليٍّ أخَا الحسنِ بنِ عليٍّ عليهما السلام كانَ الإمامَ في الحقيقةِ مع أبيه عليٍّ عليه السلام، و إنّه لما حضَرَته الوفاةُ وَصّى إلى غلامٍ له - يقالُ له: نَفيسٌ، و كانَ ثقةً أميناً - و دفَع إليه الكُتبَ و السِّلاحَ، و وَصّاه أن يُسلِّمَه إلى أخيه جعفرٍ، فسَلَّمَه إليه، و كانت الإمامةُ في جعفرٍ بَعدَ محمّدٍ على هذا الترتيبِ.
و قالت فرقةٌ أُخرى: قد عَلِمنا أنّ الحسنَ عليه السلام كانَ إماماً، فلمّا قُبِضَ التبَس الأمرُ علينا؛ فلا نَدري: أ جعفرٌ كانَ الإمامَ بَعدَه، أم غيرُه؟ و الذي يَجِبُ علينا
ص: 254
أن نَقطَعَ على أنّه لا بُدَّ مِن إمامٍ، و لا نُقدِمَ علَى القولِ بإمامةِ أحدٍ بعَينهِ حتّى يَتبيَّنَ لنا ذلكَ.
و قالت فرقةٌ أُخرى: إنّ الإمامَ بَعدَ الحسنِ ابنُه محمّدٌ، و هو المنتظَرُ، غيرَ أنّه قد ماتَ، و سَيَحْيا و يَقومُ بالسيفِ، فيَملَأُ الأرضَ قِسطاً و عَدلاً كما مُلئَت ظُلماً و جَوراً.
و قالتِ الفرقةُ الرابعةَ عَشَرَ منهم: إنّ أبا محمّدٍ عليه السلام كانَ الإمامَ بَعدَ أبيه، و إنّه لمّا حضَرَته الوفاةُ نَصَّ على أخيه جعفرِ بنِ عليِّ بنِ محمّدِ بنِ عليٍّ، و كانَ الإمامَ مِن بَعدِه بالنصِّ عليه و الوراثةِ له، و زَعَموا أنّ الذي دَعاهم إلى ذلكَ ما يَجِبُ في العقولِ مِن وجوبِ الإمامةِ مع فَقدِهم لِوَلدِ الحسنِ عليه السلام و بُطلانِ دَعوى مَن ادَّعى وجودَه - فيما زعَموا - مِن الإماميّةِ.
قالَ الشَّيخُ - أدامَ اللّهُ عِزَّه -: و ليس مِن هؤلاءِ الفِرَقِ التي ذكرناها فرقةٌ موجودةٌ في زَمانِنا هذا - و هو مِن سنةِ ثلاثٍ و سَبعينَ و ثَلاثمائةٍ - إلّاالإماميّةُ الاثنا عشريّةُ القائلةُ بإمامةِ ابنِ الحسنِ المسمّى باسمِ رسولِ اللّهِ صلّى اللّه عليه و آله القاطعةُ على حياتِه و بقائه إلى وقتِ قيامِه بالسيفِ - حَسَبَ ما شرحناه فيما تقدَّمَ عنهم - و هُم أكثرُ فِرَقِ الشيعةِ عدداً و علماءُ و متكلّمونَ نُظّارٌ و صالحونَ عُبّادٌ متفقِّهةٌ و أصحابُ حديثٍ و أُدباءُ و شُعراءُ، و هُم وجهُ الإماميّةِ و رُؤَساءُ جماعتِهم و المعتمَدُ عليهم في الديانةِ.
و مَن سِواهم مُنقرِضونَ، لا يُعلَمُ أحدٌ مِن جُملةِ الأربعَ عَشرَةَ فرقةً - التي قدَّمْنا ذِكرَها - ظاهراً بمقالةٍ، و لا موجوداً على هذا الوصفِ مِن ديانتِه، و إنّما الحاصلُ منهم حكايةٌ عمّن سَلَفَ و أراجيفُ بوجودِ قومٍ منهم لا تَثبُتُ.
ص: 255
و أمّا الفرقةُ القائلةُ بحياةِ أبي محمّدٍ عليه السلام، فإنّه يُقالُ لها: ما الفصلُ بَينَكم و بَينَ الواقفةِ و الناوُسيّةِ؟ فلا يَجِدونَ فصلاً.
و أمّا الفرقةُ التي زعَمَت أنّ أبا محمّدٍ عليه السلام عاشَ مِن بَعدِ موتِه و هو المنتظَرُ، فإنّه يُقالُ لها: إذا جازَ أن تَخلُوَ الدُّنيا مِن إمامٍ حيٍّ يوماً، فلِمَ لا يَجوزُ أن تَخلوَ منه شهراً، و إذا جازَ أن تخلوَ منه شهراً فلِمَ لا يجوزُ أن تخلوَ منه سَنةً؟ و ما الفرقُ بَينَ ذلكَ و بَينَ أن تَخلو أبداً مِن إمامٍ؟ و هذا خروجٌ عن مذهبِ الإماميّةِ، و قولٌ بمذهبِ الخوارجِ و المعتزلةِ، و مَن صارَ إليه مِن الشيعةِ كُلِّمَ كلامَ الناصبةِ، و دُلَّ على وجوبِ الإمامةِ.
ثُمّ يُقالُ لهم: ما أنكرتم أن يَكونَ الحسنُ عليه السلام ميّتاً لا مَحالةَ و لَم يَعِشْ بَعدُ و سَيَعيشُ؟ و هذا نقضُ مذاهبِهم.
فأمّا ما اعتَلّوا به مِن أنّ القائمَ إنّما سُمِّيَ بذلكَ؛ لأنّه يَقومُ بَعدَ الموتِ، فإنّه يُحتملُ أن يَكونَ أُريدَ به بَعدَ موتِ ذِكرِه، دونَ أن يَكونَ المرادُ به موتَه في الحقيقةِ بعدمِ الحياةِ منه. على أنّهم لا يَجِدونَ بهذا الاعتلالِ بَينَهم و بَينَ الكَيسانيّةِ فَرقاً، مع أنّ الروايةَ قد جاءت بأنّ القائمَ إنّما سُمِّيَ بذلكَ؛ لأنّه يَقومُ بدِينٍ قد اندَرَسَ، و يَظهَرُ بحقٍّ كانَ مخفيّاً، و يَقومُ بالحقِّ مِن غيرِ تقيّةٍ تَعتَريهِ في شيءٍ منه. و هذا يُسقِطُ ما ادَّعَوه.
و أمّا الفرقةُ التي زعَمَت أنّ جعفرَ بنَ عليٍّ هو الإمامُ بَعدَ أخيه الحسنِ عليه السلام، فإنّهم صاروا إلى ذلكَ مِن طريقِ الظنِّ و التوهُّمِ، و لَم يورِدوا خبراً و لا أثراً
ص: 256
يَجِبُ النظرُ فيه. و لا فصلَ بَينَ هؤلاءِ القومِ و بَينَ مَن ادَّعَى الإمامةَ بَعدَ الحسنِ عليه السلام لبعضِ الطالبيّينَ، و اعتمَدَ علَى الدَّعوَى المُتعرِّيةِ مِن بُرهانٍ.
فأمّا ما اعتَلّوا به مِن الحديثِ عن أبي عبدِ اللّهِ عليه السلام: «إنّ الإمامَ هو الّذي لا يوجَدُ منه مَلجأٌ إلّاإليهِ»(1)، فإنّه يُقالُ لهم فيه: و لِمَ زَعَمتم أنّه لا مَلجأَ إلّاإلى جعفرٍ؟ و ما أنكَرتم أن يَكونَ المَلجأُ هو ابنَ الحسنِ عليه السلام الذي نقَلَ جُمهورُ الإماميّةِ النصَّ عليه؟
فإن قالوا: لا يَجِبُ أن نُثبِتَ وجودَ مَن لَم نُشاهِدْه. قُلنا لهم: و لِمَ لا يَجِبُ ذلكَ إذا قامتِ الدَّلالةُ على وجودِه؟ مع أنّه لا يَجِبُ علينا أن نُثبِتَ الإمامةَ لِمَن لا نصَّ عليه و لا دليلَ على إمامتِه. على أنّ هذه العلّةَ يُمكنُ أن يَعتَلَّ بها كلُّ مَن ادَّعَى الإمامةَ لرجلٍ مِن آلِ أبي طالبٍ بَعدَ الحسنِ عليه السلام و يَقولَ: إنّما قلتُ ذلكَ لأنَّني لَم أجِدْ مَلجأً إلّاإليه.
و أمّا الفرقةُ الراجعةُ عن إمامةِ الحسنِ عليه السلام و المُنكِرةُ لإمامةِ أخيه محمّدٍ، فإنّها يُحتَجُّ عليها بدليلِ إمامةِ الحسنِ عليه السلام مِن النصِّ عليه و التَّواتُرِ عن أبيه به، و يُطالَبُ بالدَّلالةِ على إمامةِ عليِّ بنِ محمّدٍ عليهما السلام، فكلُّ شيءٍ اعتَمَدوه في ذلكَ فإنّه العُمدةُ عليهم فيما أبَوْه مِن إمامةِ الحسنِ عليه السلام.
فأمّا إنكارُهم لإمامةِ محمّدِ بنِ عليٍّ أخي الحسنِ عليه السلام، فقد أصابوا في ذلكَ، و نحنُ مُوافِقوهم على صحَّتِه.
و أمّا اعتِلالُهم لصَوابِهم في الرجوعِ عن إمامةِ الحسنِ عليه السلام و أنّه ممّن مَضى و لا عَقِبَ له، فهو اعتمادٌ علَى التوهُّمِ؛ لأنّ الحسنَ عليه السلام قد أعقَبَ ق.
ص: 257
المنتظَرَ عليه السلام، و الأدلّةُ على إمامتِه أكثرُ مِن أن تُحصى، و ليس إذا لَم يُشاهَدِ الإمامُ بطَلَت إمامتُه، و لا إذا لَم يُدرَكْ وجودُه حِسّاً و اضطراراً أو لَم يَظهَرْ للخاصّةِ و العامّةِ كانَ ذلكَ دليلاً على عدمِه.
و أمّا الفرقةُ الأُخرَى الراجعةُ عن إمامةِ الحسنِ عليه السلام إلى إمامةِ أخيه محمّدٍ، فهي كالتي قَبلَها، و الكلامُ عليها نحوُ ما سَلَفَ. مع أنّهم أشدُّ بَهْتاً و مُكابَرةً؛ لأنّهم أنكَروا إمامةَ مَن كانَ حيّاً بَعدَ أبيه، و ظهَرَت عنه مِن العلومِ ما يَدُلُّ على فضلِه علَى الكلِّ، و ادَّعَوْا إمامةَ رجلٍ ماتَ في حياةِ أبيه، و لَم يَظهَرْ منه عِلمٌ و لا مِن أبيهِ عليه السلام نصٌّ عليه، بَعدَ أن كانوا يَعتَرفونَ بموتِه. و هؤلاءِ سُقّاطٌ(1) جدّاً.
و أمّا الفرقةُ التي اعترَفَت بولدِ الحسنِ عليه السلام و أقرَّت بأنّه المنتظَرُ إلّاأنّها زعَمَت أنّه عليٌّ، و لبس بمحمّدٍ، فالخلافُ بَينَنا و بَينَ هؤلاءِ في الاسمِ دونَ المعنى، و الكلامُ لهم فيه خاصّةً، فيَجِبُ أن يُطالَبوا بالأثرِ في الاسمِ؛ فإنّهم لا يَجِدونَه، و الأخبارُ منتشرةٌ في أهلِ الإمامةِ و غيرِهم أنّ اسمَ القائمِ عليه السلام اسمُ رسولِ اللّهِ صلّى اللّه عليه و آله، و لَم يَكُنْ في أسماءِ رسولِ اللّهِ صلّى اللّه عليه و آله عليٌّ. و لو ادَّعَوْا أنّه «أحمَدُ» لَكانَ أقربَ إلَى الحقِّ. و هذا المقدارُ كافٍ فيما يُحتَجُّ به على هؤلاءِ.
و أمّا الفرقةُ التي زعَمَت أنّ القائمَ ابنُ الحسنِ عليه السلام، و أنّه وُلِدَ بَعدَ أبيه بثَمانيةِ أشهُرٍ، و أنكَروا أن يَكونَ وُلِدَ في حياةِ أبيه، فإنّه يُحتَجُّ عليهم بوجوبِ الإمامةِ مِن جهةِ العُقولِ، و كلُّ شيءٍ يَلزَمُ المعتزلةَ و أصنافَ الناصبةِ يَلزَمُ هذهِ الفرقةَ فيما ذهبوا إليه مِن جوازِ خُلُوِّ العالَمِ مِن وجودِ إمامٍ حيٍّ كاملٍ ثَمانيةَ أشهُرٍ؛ لأنّه لا فَرقَ بَينَ الثَّمانيةِ و الثَّمانينَ.).
ص: 258
على أنّه يُقالُ لهم: لِمَ زعَمتم ذلكَ؟ أ بالعقلِ قُلتموه، أم بالسمعِ؟ فإنِ ادَّعَوُا العقلَ أحالوا في القَولِ؛ لأنّ العقلَ لا مَدخَلَ له في ذلكَ. و إنِ ادَّعَوُا السمعَ طولِبوا بالأثرِ فيه، و لن يَجِدوه. و إنّما صاروا إلى هذا القولِ مِن جهةِ الظنِّ و التَّرجيمِ بالغيبِ، و الظنُّ لا يُعتَمَدُ عليه في الدِّينِ.
و أمّا الفرقةُ الأُخرَى التي زعَمَت أنّ الحسنَ عليه السلام تُوُفِّيَ عن حَمْلٍ بالقائمِ عليه السلام، و أنّه لَم يولَدْ بَعدُ، فهيَ مُشارِكةٌ للفرقةِ المتقدّمةِ لها في إنكار الوِلادةِ، و ما دَخَلَ على تلكَ داخلٌ على هذه، و يَلزَمُها مِن التجاهُلِ ما يَلزَمُ تلكَ؛ لقَولِها: إنّ حَمْلاً يَكونُ مائةَ سَنةٍ، إذ كانَ هذا ممّا لَم تَجرِ بهِ عادةٌ، و لا جاءَ به أثرٌ في أحدٍ مِن سائرِ الأُمَمِ، و لَم يَكُنْ له نَظيرٌ، و هو و إن كانَ مقدوراً للّهِ تعالى فليس يَجوزُ أن يَثبُتَ إلّابَعدَ الدليلِ الموجِبِ لِثُبوتِه.
و مَن اعترَفَ به مِن حَيثُ الجوازِ فأَوجَبَه، يَلزَمُه إيجابُ وجودِ كلِّ مقدورٍ، حتّى لا يأْمَنَ لعلَّ المياهَ قد استَحالَت ذَهَباً و فضّةً، و كذلكَ الأشجارُ، و لعلَّ كلَّ كافرٍ في العالَمِ إذا نامَ مَسَخَهُ اللّهُ تَعالى قِرْداً أو كلباً أو خنزيراً مِن حَيثُ لا يُشعَرُ به، ثُمّ يُعيدُه إلَى الإنسانيّةِ. و لعلَّ بالبلادِ القُصوى ممّا لا نَعرِفُ خَبَرَه نساءً يَحبَلنَ يوماً و يَضَعنَ من غَدِه. و هذا كلُّه جهلٌ و ضلالٌ فَتَحَه على نفسِه مَن اعترَفَ بخَرْقِ العادةِ مِن غيرِ حُجّةٍ، و اعتمَدَ على جَوازِ ذلكَ في القُدرةِ.
و أمّا الفرقةُ التي زعَمَت أنّ الإمامةَ قد بطَلَت بَعدَ الحسنِ عليه السلام، فإنّ وجوبَ الإمامةِ بالعقلِ يُفسِدُ قَولَها، و قولَ اللّهِ عزَّ و جلَّ: (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) (1)، و قَولَ النّبيِّ صلّى اللّه عليه و آله: «مَن ماتَ وَ لم يَعرِفْ إمامَ زَمانِه1.
ص: 259
ماتَ مِيتةً جاهِليّةً»(1)،
و قَولَ أميرِ المؤمنينَ عليه السلام: «اللّهُمَّ إنّكَ لا تُخلي الأرضَ مِن حُجّةٍ لَكَ على خَلقِكَ؛ إمّا ظاهراً مشهوراً، أو خائفاً مغموراً؛ كيلا تَبطُلَ حُجَجُكَ وَ بَيِّناتُكَ».(2)
و قَولَ النّبيِّ صلّى اللّه عليه و آله أيضاً: «في كُلِّ خَلَفٍ مِن أُمَّتي عَدلٌ مِن أهلِ بَيتي؛ يَنفي عن هذَا الدِّينِ تَحريفَ الغالِينَ و انتِحالَ المُبطِلينَ».(3)
فأمّا تعلُّقُهم بقَولِ الصّادقِ عليه السلام: «إنّ اللّهَ لا يُخلي الأرضَ مِن حُجّةٍ إلّاأن يَغضَبَ على أهلِ الدُّنيا»(4)، فالمعنى في ذلكَ: أنّه لا يُخليها مِن حُجّةٍ ظاهرةٍ؛ بدلالةِ ما قدَّمناه.
و أمّا الفرقةُ التي زعَمَت أنّ محمّدَ بنَ عليٍّ عليهما السلام كانَ إماماً بَعدَ أبيه، و أنّه وَصّى إلى غلامٍ يُقالُ له: «نَفيسٌ»، و أعطاه السلاحَ و الكُتبَ، و أمَره أن يَدفَعَه إلى جعفرٍ، فإنّ الذي قدَّمناه علَى الإسماعيليّةِ مِن الدليلِ على بُطلانِ إمامةِ إسماعيلَ بوفاتِه في حياةِ أبيه يَكسِرُ قولَ هذه الفرقةِ. و نَزيدُه بياناً أنّ وصيَّ الإمامِ لا يَكونُ إلّا إماماً، و «نفيسٌ» غلامُ محمّدٍ لَم يَكُن إماماً. و يُبطِلُ إمامةَ جعفرٍ عدمُ الدَّلالةِ على إمامةِ محمّدٍ، و دليلُ بُطلانِ إمامتِه أيضاً ما ذكرناه مِن وفاتِه في حياةِ أبيه.
و أمّا الفرقةُ التي أقَرَّت بإمامةِ الحسنِ عليه السلام و وقَفَت بَعدَه و اعتقَدَت أنّه لا بُدَّ مِن إمامٍ، و لَم يُعَيِّنوا على أحَدٍ، فالحُجّةُ عليهِم النقلُ الصادقُ بإمامةِ المنتظَرِ عليه السلام، و النصُّ مِن أبيه عليه، و ليس هذا مَوضِعَه فنذكرَه علَى النظامِ.7.
ص: 260
و أمّا الفرقةُ التي أقَرَّت بالمنتظَرِ و أنّه ابنُ الحسنِ عليه السلام و زعَمَت أنّه قد ماتَ و سَيَحْيا و يَقومُ بالسيفِ: فإنّ الحُجّةَ عليها ما يَجِبُ مِن وجودِ الإمامِ و حياتِه و كمالِه و كَونِه بحيثُ يَسمَعُ الاختلافَ و يَحفَظُ الشرعَ، و بدَلالةِ أنّه لا فرقَ بَينَ موتِه و عدَمِه.
و أمّا الفرقةُ التي اعترَفَت بأنّ أبا محمّدٍ الحسنَ بنَ عليٍّ عليهما السلام كان الإمامَ بَعدَ أبيه، و ادَّعَت أنّه لمّا حضَرَته الوفاةُ نَصَّ على أخيه جعفرِ بنِ عليٍّ، و اعتَلّوا في ذلك بأن زعَموا أنّ دَعوى مَن ادَّعَى النصَّ علَى ابنِ الحسنِ عليه السلام باطِلةٌ، و العقلَ يوجِبُ الإمامةَ، فلذلكَ اضطُرّوا إلَى القولِ بإمامةِ جعفرٍ، فإنّه يُقالُ لهم: لِمَ زعَمتم أنّ نقلَ الإماميّةِ النصَّ مِن الحسنِ عليه السلام علَى ابنِه باطلٌ؟ و ما أنكَرتم أن يَكونَ حقّاً؟ لقيامِ الدَّلالةِ على وجوبِ الإمامةِ، و ثِقَةِ الناقلينَ، و علامةِ صِدقِهم بصفاتِ الغَيبةِ، و الخبرِ فيها عمّا يَكونُ قَبلَ كَونِه، و تكونُ النَّقَلةُ لذلكَ خاصّةً أصحابُ الحسنِ عليه السلام و السفراءُ بَينَه و بَينَ شيعتِه.
و لفَسادِ إمامةِ جعفرٍ؛ لِما كانَ عليه في الظاهرِ مِمّا يُضادُّ صفاتِ الإمامةِ؛ مِن:
نُقصانِ العِلمِ، و قلّةِ المعرفةِ، و ارتكابِ القَبائحِ، و الاستخفافِ بحُقوقِ اللّهِ - عزَّ و جَلَّ - في مُخلَّفي أخيه، مع عدمِ النصِّ عليه؛ لفَقْدِ أحدٍ مِن الخَلقِ يَروي ذلكَ، أو يأثُرُه عن أحدٍ مِن آبائه، أو مِن أخيه خاصّةً. و إذا كانَ الأمرُ على ما ذكرناه فقد سقَط ما تعلَّقَ به هذا الفريقُ أيضاً.
على أنّه لا فَصلَ بَينَ هؤلاءِ القومِ و بَينَ مَن ادَّعى إمامةَ بعضِ الطالبيّينَ و اعتَلَّ بعلَّتِهم في وجوبِ الإمامةِ و فَسادِ قولِ الإماميّةِ و زَعمِهِم فيما يَدَّعونَه مِن النصِّ علَى ابنِ الحسنِ عليه السلام. و إذا كانَ لا فَصلَ بَينَ القَولَينِ، و أحدُهما باطلٌ بلا خِلافٍ، فالآخَرُ في البُطلانِ و الفَسادِ مِثلُه.
ص: 261
فهذه - وفَّقَكم اللّهُ - جُملةٌ كافيةٌ فيما قَصَدناه، و نحنُ نَشرَحُ هذه الأبوابَ و القَولَ فيها علَى الاستقصاءِ و البيانِ في كتابٍ نُفرِدُه بَعدُ، و اللّهُ وليُّ التوفيقِ، و إيّاه نَستَهدي إلى سَبيلِ الرَّشادِ.
سُئِلَ الشَّيخُ - أدامَ اللّهُ عِزَّه - فقيلَ لهُ: أ ليس رسولُ اللّهِ صلّى اللّه عليه و آله قد ظهَر قَبلَ استتارِه، و دَعا إلى نَفْسِه قَبلَ هِجرتِه؟ و كانت وِلادتُه معروفةً، و نسبُه مشهوراً، و دارُه معلومةً؟ هذا مع الخبرِ عنه في الكُتبِ الأُولى و البشارةِ به في صُحُفِ إبراهيمَ و موسى و إدراكِ قريشٍ و أهلِ الكتابِ علاماتِه و مشاهدتِهم لدلائلِ نبوّتِه و أعلامِ عواقبِه، فكيفَ لَم يَخَفْ مع ذلكَ على نفْسِه، و لا أمَرَ اللّهُ أباه بسَترِ وِلادتِه، و فرَض عليه إخفاءَ أمرِه؟ كما زعَمتم أنّه فرَض ذلكَ على أبي الإمامِ، لمّا كانَ المنتظَرَ عندَكم مِن بَينِ الأئمّةِ و المشارَ إليه بالقيامِ بالسيفِ دونَ آبائِه، فأَوجَبَ ذلكَ على مَا ادَّعَيتموه و اعتَلَلتم به في الفَرقِ بَينَ آبائه و بَينَه في الظهورِ على خبرِه و كَتْمِ وِلادتِه و السَّترِ عن الأنامِ شَخصَه؟
و هل قولُكم في الغَيبةِ مع ما وَصَفناه مِن حالِ النبيِّ صلّى اللّه عليه و آله إلّا فاسدٌ متناقِضٌ؟
جَوابٌ: يُقالُ: أنّ المصلحةَ لا تُدرَكُ مِن جهةِ القياسِ، و لا تُعرَفُ أيضاً بالتوهُّمِ، و لا يُتوصَّلُ إليها بالنَّظائِر و الأمثالِ، و إنّما تُعلَمُ مِن جهةِ علّامِ الغُيوبِ المُطَّلِع علَى الضمائرِ العالِمِ بالعواقبِ الذي لا تَخفى عليه السرائرُ. فليس يُنكَرُ أن يَكونَ
ص: 262
سُبحانَه قد عَلِمَ مِن حالِ رسولِه صلّى اللّه عليه و آله مع جميعِ ما شَرَحتم أنّه لا يُقدِمُ عليه أحدٌ و لا يؤثَرُ ذلكَ منه؛ إمّا لخوفٍ مِن الإقدامِ على ذلكَ، أو لشَكٍّ فيما قد سَمِعوه مِن وصفِه، أو لشُبهةٍ عرَضَت لهم في الرأيِ فيه، فدَبَّرَه اللّهُ سبحانَه في الظهورِ على خلافِ تدبيرِ الإمامِ المنتظَرِ؛ لاختلافِ الحالَينِ على ما بيّنّاه.
بَيانٌ: و يوضِحُ عمّا ذَكرناه أنّه لَم يَتعرَّضْ أحدٌ مِن عبدةِ الأَوثانِ و لا أهلِ الكتابِ و لا أحدٌ مِن مُلوكِ العربِ و الفُرسِ مع ما قد اتَّصل بهم مِن البِشارةِ بالنبيِّ صلّى اللّه عليه و آله لأحدٍ مِن آباءِ رسولِ اللّهِ صلّى اللّه عليه و آله بالإخافةِ، و لا لاستبراءِ واحدةٍ مِن امَّهاتِه لمعرفةِ الحملِ به، و لا قَصَدوا الإضرارَ به في حالِ الوِلادةِ، و لا طولَ زمانِه إلى أن صَدَعَ بالرسالةِ.
و لا خِلافَ أنّ المُلوكَ مِن وُلْدِ العبّاسِ لَم يَزالوا علَى الإخافةِ لآباءِ الإمامِ، و خاصّةً ما جَرى مِن أبي جعفرٍ مع الصادقِ عليه السلام، و ما صنَعه هارونُ بأبي الحسنِ موسَى بنِ جعفرٍ الكاظمِ عليه السلام حتّى هلَك في حَبْسِه ببَغدادَ، و ما قصَد به المتوكِّلُ أبا الحسنِ العسكريَّ عليه السلام جَدَّ الإمامِ حتّى أشخَصَه مِن الحجازِ، فحبَسه عندَه بسُرَّ مَن رأى، و كذلكَ جَرى أمرُ أبي محمّدٍ الحسنِ عليه السلام بَعدَ أبيه إلى أن قبَضه اللّهُ عزَّ و جلَّ.
ثُمّ كانَ مِن أمرِ المعتمِدِ بَعدَ وفاةِ أبي محمّدٍ عليه السلام ما لَم يَخْفَ على أحدٍ؛ مِن حَبْسِه لجَواريهِ، و المُساءَلةِ عن حالِهنّ في الحَمْلِ، و استبراءِ أمْرِهنّ؛ عندَ ما اتَّفَقَت كلمةُ الإماميّةِ على أنّ القائمَ هو ابنُ الحسنِ عليه السلام، فظنَّ المعتمِدُ أنّه يَظفَرُ به فيَقتلُه، و يُزيلُ طمعَهم في ذلكَ، فلَم يَتمكَّنْ مِن مرادِه، و بَقِيَ بعضُ جَواري أبي محمّدٍ عليه السلام في الحبسِ أشهُراً كثيرةً، فدلَّ بذلكَ علَى الفَرقِ
ص: 263
بَينَ حالِ النبيِّ صلّى اللّه عليه و آله في مَولدِه و بَينَ الإمامِ عليه السلام على ما قدَّمناه بما ذكرناه و شَرَحناه.
و شيءٌ آخَرُ، و هو: أنّ الخوفَ قد كانَ مأموناً على رسولِ اللّهِ صلّى اللّه عليه و آله مِن بَني هاشمٍ و بَني عبدِ المُطَّلِبِ و جميعِ أهلِ بَيتِه و أقارِبِه؛ لأنّ الشرفَ المتوقَّعَ له بالنبوّةِ كانَ شرفَهم، و المنزلةَ التي تَحصُلُ له بذلكَ فهي تَختَصُّ بهم، و عِلمَهم بهذه الحالِ يَبعَثُهم على صيانتِه و حفظِه و كَلاءَتِه ليَبلُغَ الرتبةَ التي يَرجونَها له، فيَنالونَ بها أعلَى المَنازلِ، و يَملِكونَ بها جميعَ العالَمِ.
و أمّا البُعَداءُ منهم في النَّسَبِ، فيَعجِزونَ عن إيقاعِ الضررِ به؛ لموضعِ أهلِ بيتِه، و مَنعِهم منه، و عِلمِهم بحالِهم، و أنّهم أمنَعُ العربِ جانباً، و أشدُّهم بأساً، و أعَزُّهم عشيرةً، فيَصُدُّهم ذلكَ عن التعرُّضِ له، و يَمنَعُ مِن خُطورِه ببالِهم.
و هذا فَصلٌ بَينَ حالِ النبيِّ صلّى اللّه عليه و آله فيما يوجِبُ ظهورَه مع انتشارِ ذِكرِه و البِشارةِ به و بيَنَ الإمامِ عليه السلام فيما يُجوِّزُ استتارَه و كَتْمَ وِلادتِه، و هذا بَيِّنٌ لِمَن تدبَّرَه.
و شيءٌ آخَرُ، و هو: أنّ مُلوكَ العَجَمِ في زمانِ مولدِ النبيِّ صلّى اللّه عليه و آله لَم يَكونوا يَكرَهونَ مَجيءَ نبيٍّ يَدعو إلى شرعٍ مستأنَفٍ، و لا يَخافونَ بمَجيئه على أنفُسِهم، و لا على مُلكِهم؛ لأنّهم كانوا يَنوونَ الإيمانَ به و الاتّباعَ له، و قد كانَتِ اليَهودُ تَستفتِحُ به علَى العربِ، و تَرجو ظهورَه، كما قالَ اللّهُ عزَّ و جلَّ: (فَلَمّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) (1)، و إنّما حصَل للقومِ الخِلافُ عليه و الإباءُ له بنيّةٍ تَجدّدَت لهم عندَ مَبعثِه.9.
ص: 264
و لَم يَجرِ أمرُ الإمامِ المنتظَرِ عليه السلام هذا المَجرى؛ بلِ المعلومُ مِن حالِ جَميعِ مُلوكِ زمانِ مولدِه و مولِد آبائه خِلافُ ذلكَ، مِن اعتقادِهم فيمن ظهَر منهم يَدعو إلى إمامةِ نفسِه أو يَدعو إليه داعٍ سَفْكَ دَمِه و استئصالَ أهلِه و عشيرتِه. و هذا أيضاً فَرقٌ بَينَ الأمرَينِ.
و شيءٌ آخَرُ، و هو: أنّ رسولَ اللّهِ صلّى اللّه عليه و آله مَكَثَ ثلاثَ عَشْرةَ سَنةً يَدعو بمكّةَ إلى دينِه و الاعترافِ بالوحدانيّةِ و بنُبوّتِه، و يُسَفِّهُ جميعَ مَن خالَفَه، و يُضَلِّلُهم، و يَسُبُّ آلهَتَهم، فلَم يُقدِمْ أحدٌ منهم على قتلِه، و لا رامَ ذلكَ، و لا استَقامَ لهم نفيُه عن بلادِهم و لا حبسُه و لا منعُهُ مِن دَعوَتِه، و نحنُ نَعلَمُ عِلماً يقيناً لا يَتَخالَجُنا فيه الشكُّ بأنّه لَو ظنَّ أحدٌ منِ مُلوكِ هذه الأزمانِ ببعضِ آلِ أبي طالبٍ أنّه يُحدِّثُ نفسَه بادِّعاءِ الإمامةِ بَعدَ مدّةٍ طويلةٍ لَسفَك دمَه دونَ أن يَعلَمُ ذلكَ و يَتحقَّقَه، فضلاً عن أن يَراه و يَجِدَه.
و قد عَلِمَ أهلُ العِلمِ كافّةً أنّ أكثرَ مَن حُبِسَ في السُّجونِ مِن وُلْدِ رسولِ اللّهِ صلّى اللّه عليه و آله و قُتِلَ بالغِيلةِ (1) إنّما فُعِلَ به ذلكَ علَى الظِّنّةِ و التُّهَمةِ دونَ اليقينِ و الحقيقةِ، و لو لَم يَكُنْ أحدٌ منهم حَلَّ به ذلكَ إلّاموسَى بنُ جعفرٍ عليه السلام لَكانَ كافياً.
و مَن تأمَّلَ هذه الأُمورَ و عرَفَها، و فكَّر فيما ذكرناه و تبيَّنَه، انكشَفَ له الفرقُ بَينَ النبيِّ و بَينَ الإمامِ فيما سألَ عنه هؤلاءِ القومُ، و لَمْ يَتَخالَجْه فيه ارتيابٌ، و اللّهُ المُوفِّقُ للصوابِ.
و بهذا النحوِ يَجِبُ أن يُجابَ مَن سأَل فقالَ: أ ليس الرسولُ صلّى اللّه عليه و آله).
ص: 265
قد ظهَر في أوّلِ أمرِه، و عرَفَتِ العامّةُ و الخاصّةُ وجودَه، ثُمّ استتَر بَعدَ ذلكَ عندَ الخوفِ على نَفْسِه؟ فقد كانَ يَجِبُ أن يَكونَ تدبيرُ الإمامِ في ظُهورِه و استتارِه كذلكَ، معَ أنّ الاتّفاقاتِ ليس عليها قياسٌ، و الألطافُ و المصالحُ تَختلفُ في أنفُسِها، و لا تُدرَكُ حقائقُها إلّابسمعٍ يَرِدُ عن عالِمِ الخفيّاتِ جلَّت عظَمتُه، فلا يَجِبُ أن يُسْلَكَ في معرفتِها طريقَ الاعتبارِ.
و ليس يَستِترُ هذا البابُ إلّاعلى مَن قَلَّ عِلمُه بالنظَرِ، و بَعُدَ عنِ الصوابِ، و اللّهَ نَستَهدي إلى سَبيلِ الرَّشادِ.(1)6.
ص: 266
قد ذكر الشريف المرتضى هناك كلاماً في الإجماع، و الكلام طويل اقتصرنا منه على موضع الحاجة:
الحَمدُ لِلّهِ رَبِّ العالَمينَ، و الصَّلاةُ و السَّلامُ على مُحَمَّدٍ و آلِهِ الطَّيِّبينَ الطاهِرينَ، و سَلَّمَ تَسليماً(1).
اعلَم أنَّهُ لا طَريقَ مِن جِهَةِ العَقلِ إلَى القَطعِ بِفَضلِ مُكَلَّفٍ على آخَرَ؛ لأنَّ الفَضلَ المُراعى في هذَا البابِ هُوَ زيادَةُ استِحقاقِ الثَّوابِ، و لا سَبيلَ إلى مَعرِفَةِ مَقاديرِ الثَّوابِ مِن ظَواهِرِ فِعلِ الطاعاتِ؛ لأنَّ الطاعَتَينِ قَد تَتساوى في ظاهِرِ الأمرِ حالُهُما، و إن زادَ ثَوابُ واحِدَةٍ عَلَى الأُخرى زيادَةً عَظيمَةً. و إذا لَم يَكُن لِلعَقلِ في ذلِكَ مَجالٌ فَالمَرجِعُ فيهِ إلَى السَّمعِ. فَإن دَلَّ سَمعٌ مَقطوعٌ بِهِ مِن ذلِكَ على شَيءٍ عُوِّلَ عَلَيهِ، و إلّاكانَ الواجِبُ التَّوَقُّفَ عَنهُ و الشَّكَّ فيهِ.
و لَيسَ في القُرآنِ و لا في سَمعٍ مَقطوعٍ على صِحَّتِهِ ما يَدُلُّ على فَضلِ نَبيٍّ على مَلَكٍ، و لا مَلَكٍ على نَبيٍّ، و سَنُبَيِّنُ أنَّ آيَةً واحِدَةً مِمّا يُتَعَلَّقُ بِهِ في تَفضيلِ الأنبياءِ عَلَى المَلائكَةِ عليهم السلام يُمكِنُ أن يُستَدَلَّ بِها على ضَربٍ مِنَ التَّرتيبِ نَذكُرُهُ.
ص: 267
و المُعتَمَدُ في القَطعِ على أنَّ الأنبياءَ أفضَلُ مِنَ المَلائكَةِ عليهم السلام إجماعُ الشيعَةِ الإماميَّةِ على ذلِكَ؛ لأَنَّهُم لا يَختَلِفونَ في هذا، بَل يَزيدونَ عَلَيهِ، و يَذهَبونَ إلى أنَّ الأئمَّةَ أفضَلُ مِنَ المَلائكَةِ - عَلَيهِم أجمَعينَ السَّلامُ -، و إجماعُهُم حُجَّةٌ؛ لأنَّ المَعصومَ في جُملَتِهِم.
و قَد بَيَّنّا في مَواضِعَ مِن كُتُبِنا كَيفيَّةَ الاستِدلالِ بِهذِهِ الطَّريقَةِ، و رَتَّبناهُ، و أجَبنا عَن كُلِّ سُؤالٍ يُسألُ عَنهُ فيها، و بَيَّنّا كَيفَ الطَّريقُ مَعَ غَيبَةِ الإمامِ إلَى العِلمِ بِمَذاهِبِهِ و أقوالِهِ، و شَرَحنا ذلِكَ، فَلا مَعنى لِلتَّشاغُلِ بِهِ هاهُنا.
و يُمكِنُ أن يُستَدَلَّ على ذلِكَ بِأمرِهِ تَعالى لِلمَلائكَةِ بِالسُّجودِ لآدَمَ عليه السلام، و أنَّهُ يَقتَضي تَعظيمَه عَلَيهِم، و تَقديمَهُ و إكرامَهُ، و إذا كانَ المَفضولُ لا يَجوزُ تَعظيمُهُ و تَقديمُهُ عَلَى الفاضِلِ عَلِمنا أنَّ آدَمَ عليه السلام أفضَلُ مِنَ المَلائكَةِ، و كُلُّ مَن قالَ: «إنَّ آدَمَ عليه السلام أفضَلُ مِنَ المَلائكَةِ» ذَهَبَ إلى أنَّ جَميعَ الأنبياءِ عليهم السلام أفضَلُ مِن جَميعِ المَلائكَةِ، و لا أحَدَ مِنَ الأُمَّةِ فَصَلَ بَينَ الأمرَينِ.(1)3.
ص: 268
بسمِ اللّهِ الرحمنِ الرحيمِ. الحَمدُ للّهِ حَمدَ مُرتَبِطٍ للنِّعَمِ، مُستَدفِعٍ للنِّقَمِ، و صَلَّى اللّهُ على خَيرِ العَرَبِ و العَجَمِ، المبعوثِ إلى سائرِ الأُمَمِ، محمّدٍ، و على آلِه الطاهري النَّسَمِ، الظاهري الفَضلِ و الكَرَمِ.
و بَعدُ، فإنّ المُخالِفينَ لنا في الاِعتقادِ يَتوهَّمونَ صُعوبةَ الكلامِ علينا في الغَيبةِ و سُهولتَه عليهم، و لَيسَ بأوّلِ اعتقادِ جَهلٍ اعتَقَدوه، و عندَ التأمُّلِ يَبينُ عَكسُ ما تَوهَّموه.
بيانُ ذلكَ: أنّ الغَيبةَ فَرعٌ لأُصولٍ إن صَحَّت، فالكلامُ في الغَيبةِ أسهَلُ شَيءٍ و أوضَحُه؛ إذ هي مَبنيّةٌ عليها. و إن كانَت غيرَ صحيحةٍ، فالكلامُ في الغَيبةِ لَعَمري صَعبٌ غيرُ مُمكِنٍ.
بيانُ هذه الجُملةِ: أنّ العقلَ يَقتَضي بوُجوبِ الرئاسةِ في كُلِّ زمانٍ و أنّ الرئيسَ لا بُدَّ مِن كَونِه معصوماً مأموناً منه كُلُّ فِعلٍ قَبيحٍ.
و إذا ثَبَتَ هذانِ الأصلانِ لَم تَبقَ إلّاإمامةُ مَن نُشيرُ إلى إمامتِه؛ لأنّ الصفةَ التي اقتَضاها العقلُ و دَلَّ على وجوبِها لا توجَدُ إلّافيه، و تَنساقُ الغَيبةُ بهذا سَوقاً ضَروريّاً لا يَقرُبُ منه شُبههٌ.
فيُحتاجُ أن نَدُلَّ على صحّةِ الأصلَينِ المذكورَينِ، فنَقولَ: أمّا الذي يَدُلُّ على
ص: 269
وجوبِ الإمامةِ في كُلِّ زمانٍ، فهو أنّا نَعلَمُ عِلماً لا طَريقَ للشكِّ عليه أنّ وجودِ الرئيسِ المُطاعِ المَهيبِ المُنبَسِطِ اليدِ أدعى إلى فِعلِ الحَسَنِ و أردَعُ عن فِعلِ القَبيحِ، و أنّ التظالُمَ بَينَ الناسِ إمّا أن يَرتَفِعَ عندَ وجودِ مَن وَصَفناه، أو يَقِلَّ.
و أنّ الناسَ عند الإهمالِ و فَقدِ الرؤساءِ يُتابِعونَ في القَبيحِ، و تَفسُدُ أحوالُهم، و يَختَلُّ نِظامُهم، و الأمرُ في ذلكَ أظهَرُ مِن أن يَحتاجَ إلى دليلٍ، و الإشارةُ إليه كافيةٌ، و استقصاؤه في مَظانِّه.
و أمّا الذي يَدُلُّ على وجوبِ عِصمةِ الرئيسِ المذكورِ، فهو أنّ عِلّةَ الحاجةِ هي أن تَكونَ لُطفاً للرعيّةِ في الاِمتناعِ مِن فِعلِ القَبيحِ و في اعتمادِ فِعلِ الحَسَنِ؛ فإن كانَت علّةُ الحاجةِ إليه موجودةً فيه، وَجَبَ أن يَحتاجَ إلى رئيسٍ و إمامٍ كما احتيجَ إليه، و الكلامُ في الإمامةِ كالكلامِ فيه، و هذا يَقتَضي إمّا القولَ بأئمّةٍ لا نِهايةَ لهم، و هو مُحالٌ؛ أو القولَ بوجودِ إمامٍ تَرتَفِعُ عنه عِلّةُ الحاجةِ.
و إذا ثَبَتَ ذلكَ لَم يَبقَ إلّاالقولُ بإمامٍ معصومٍ لا يَجوزُ عليه القَبيحُ، و هو الذي قَصَدناه، و شَرحٌ ذلكَ و بَسطُه مذكورٌ في أماكنِه.
و إذا ثَبَتَ هذانِ الأصلانِ، فلا بُدَّ مِن القولِ بأنّه صاحبُ الزمانِ بعَينِه، ثُمَّ لا بُدَّ مع فَقدِ تَصرُّفِه و ظُهورِه مِن القَولِ بغَيبتِه؛ لأنّه إذا بَطَلَت إمامةُ مَن أُثبِتَت له الإمامةُ بالاِختيارِ، لفَقدِ الصفةِ التي دَلَّ العقلُ عليها.
و بَطَلَ قولُ مَن خالَفَ مِن شُذّاذِ الشيعةِ بما صاحَبَنا - كالكَيسانيّةِ، و الناووسيّةِ، و الواقفيّةِ -؛ لانقراضِهم و شُذوذِهم، و لِعَودِ الضرورةِ إلى فَسادِ قولِهم، و لا مَندوحةَ عن مَذهَبِنا، فلا بُدَّ مِن صحّتِه، و إلّاخَرَجَ الحَقُّ عن الاُمّةِ.
و إذا عَلِمنا بالسياقةِ التي ساقَ الأصلانِ إليها أنّ الإمامَ هو ابنُ الحَسَنِ عليه السلام دونَ غيرِه، و رأيناه غائباً عن الأبصارِ، عَلِمنا أنّه لَم يَغِبْ - مع عِصمتِه و
ص: 270
تَعيُّنِ فَرضِ الإمامةِ فيه و عليه - إلّالسببٍ اقتَضى ذلكَ، و مَصلَحةٍ استَدعَته، و حالٍ أوجَبَته.
و إن لَم نَعلَمْ وجهَ ذلكَ مُفصَّلاً؛ لأنّ ذلكَ ممّا لا يَلزَمُ عِلمُه، و إن تَكلَّفناه و تَبرَّعنا بذِكرِه كان تَفضُّلًا، كما إذا تَبرَّعنا بذِكرِ وُجوهِ المُتَشابِهِ مِن الآيِ بَعدَ العِلمِ بحِكمةِ اللّهِ تَعالى سُبحانَه كانَ ذلكَ تَفضُّلاً.
فنَقولُ: السببُ في الغَيبةِ هو إخافةُ الظالِمينَ له، و مَنعُهم يَدَه مِن التصرُّفِ فيما جُعِلَ إليه التصرُّفُ فيه؛ لأنّ الإمامَ إنّما يُنتَفَعُ به النفعَ الكُلّيَّ إذا كانَ مُتمكِّناً مُطاعاً، مُخَلًّى بَينَه و بَينَ أغراضِه؛ ليُقوِّمَ الجُناةَ، و يُحارِبَ البُغاةَ، و يُقيمَ الحدوَد، و يَسُدَّ الثُّغورَ، و يُنصِفَ المظلومَ: و كُلُّ ذلكَ لا يَتِمُّ إلّامع التمَكُّنِ، فإذا حيلَ بَينَه و بَينَ أغراضِه مِن ذلكَ سَقَطَ عنه فَرضُ القيامِ بالإمامةِ.
و إذا خافَ على نفسِه وَجَبَت غَيبتُه، و التحَرُّزُ مِن المَضارِّ واجبٌ عقلاً و سَمعاً، و قد استَتَرَ النبيُّ صلّى اللّه عليه و آله في الشِّعبِ، و أُخرى في الغارِ، و لا وجهَ لذلكَ إلّاالخَوفُ و التحرُّزُ مِن المَضارِّ.
فإن قيلَ: النبيُّ صلّى اللّه عليه و آله ما استَتَرَ عن قومِه، إلّابَعدَ أداءِ ما وَجَبَ عليه أداؤه، و قولُكم في الإمامِ يُخالِفُ ذلكَ؛ و لأنّ استتارَه عليه السلام لَم يَتَطاوَلْ و لَم يَتَمادَ، و استتارُ إمامِكم قد مَضَت عليه الدهورُ، و انقَرَضَت دونَه العُصورُ.
قُلنا: لَيسَ الأمرُ على ما ذَكرتم؛ لأنّ استتارَ النبيِّ صلّى اللّه عليه و آله كانَ قَبلَ الهِجرةِ، و لَم يَكُن عليه السلام أدّى جميعَ الشريعةِ؛ فإنّ مُعظَمَ الأحكامِ و أكثَرَها نَزَلَ بالمَدينةِ، فكَيفَ ادَّعَيتم ذلكَ؟!
على أنّه لَو كانَ الأمرُ على ما ادَّعَيتم مِن الأداءِ الكاملِ قَبلَ الاِستتارِ، لَما كانَ ذلكَ
ص: 271
رافعاً للحاجةِ إلى تدبيرِه و سياستِه و أمرِه و نهيِه.
و مَن الذي يَقولُ: إنّ النبيَّ صلّى اللّه عليه و آله غيرُ مُحتاجٍ إليه بَعدَ أداءِ الشرعِ؟ و إذا جازَ استتارُ النبيِّ صلّى اللّه عليه و آله مع تَعلُّقِ الحاجةِ به لخَوفِ الضرَرِ، و كانَت التَّبِعةُ في ذلكَ لازمةً لِمَن أخافَه و أحوَجَه إلَى الاِستتارِ و ساقطةً عنه، فكذلكَ القولُ في استتارِ إمامِ الزمانِ.
فأمّا التفرقةُ بطولِ الغَيبةِ و قِصرَها ففاسدةٌ؛ لأنّه لا فَرقَ بَينَ القَصيرِ و المُمتَدِّ، و ذلكَ موقوفٌ على عِلّتِه و سببِه، فتَطولُ بِطولِ السببِ، و تَقصُرُ بقِصَرِه، و تَزولُ بزَوالِه.
و الفَرقُ بَينَه و بَينَ آبائه عليهم السلام ظاهرٌ؛ لأنّه يَظهَرُ بالسَّيفِ، و يَدعو إلى نفسِه، و يُجاهِدُ مَن خالَفَه، و يُزيلُ الدُّوَلَ؛ فأيُّ نسبةٍ بَينَ خَوفِه مِن الأعداءِ و خَوفِ آبائه عليهم السلام لَولا قِلّةُ التأمُّلِ؟!
فإن قيلَ: فأيُّ فَرقٍ بين وُجودِه غائباً لا يَصِلُ إليه أحَدٌ و لا يَنتَفِعُ به بَشَرٌ، و بَينَ عدمِه؟ و ألا جازَ إعدامُه إلى حينِ عِلمِ اللّه سُبحانَه بتَمكينِ الرعيّةِ له، كما جازَ أن يُبيحَه الاِستتارَ حتّى يَعلَمَ منهم التمكينَ له فَيظهَرَ؟
قيلَ له أوّلًا: نَحنُ نُجوِّزُ أن يَصِلَ إليه كَثيرٌ مِن أوليائه و القائلينَ بإمامتِه فيَنتَفِعونَ به، و مَن لا يَصِلُ إليه منهم و لا يَلقاه مِن شيعتِه و مُعتَقِدي إمامتِه فهُم يَنتَفِعونَ به في حالِ الغَيبةِ النفعَ الذي نَقولُ: إنّه لا بُدَّ في التكليفِ منه؛ لأنّهم مع عِلمِهم بوُجودِه بَينَهم و قَطعِهم على وجوبِ طاعتِه عليهم و لُزومِها لهم لا بُدّ مِن أن يَخافوه و يَهابوه في ارتكابِ القَبائحِ، و يَخشَوا تأديبَه و مؤاخَذَتَه، فيَقِلَّ منهم فِعلُ القَبيحِ و يَكثُرَ فِعلُ الحَسَنِ، أو يَكونَ ذلكَ أقرَبَ.
ص: 272
و هذه جهةُ العقليّةِ إلَى الإمامِ، فهو و إن لَم يَظهَرْ لأعدائه؛ لخَوفِه منهم، و سَدِّهم على أنفُسِهم طُرُقَ الانتفاعِ به، فقَد بيّنّا في هذا الكلامِ الانتفاعَ به لأوليائه علَى الوجهَينِ المذكورَينِ.
على أنّا نَقولُ: الفَرقُ بَينَ وجودِ الإمامِ غائباً مِن أجلِ الخَوفِ مِن أعدائه - و هو يَتوقَّعُ في هذه الحالةِ أن يُمكِّنوه فيَظهَرَ و يَقومَ بما فُوِّضَ إليه - و بَينَ عدمِه جَليٌّ واضحٌ؛ لأنّه إذا كانَ معدوماً. كانَ ما يَفوتُ العبادَ مِن مَصالِحِهم و يُعدَمونَه مِن مَراشِدِهم و يُحرَمونَه مِن لُطفِهم منسوباً إلَى اللّهِ سُبحانَه، لا حُجّةَ فيه علَى العبادِ و لا لَومَ. و إذا كانَ موجوداً مُستَتِراً بإخافتِهم إيّاه كانَ ما يَفوتُهم مِن المَصالحِ و يَرتَفِعُ عنهم مِن المَنافعِ منسوباً إليهم، و هُم المَلومونَ عليه المؤاخَذونَ به.
على أنّ هذا يَنعَكِسُ عليهم في استتارِ النبيِّ صلّى اللّه عليه و آله؛ فأيُّ شَيءٍ قالوه فيه أجَبناهم بمِثلِه هُنا.
و القولُ في الحدودِ في حالِ الغَيبةِ ظاهرٌ، و هو أنّها في جُنوبِ فاعِليها و جُناتِها؛ فإن ظَهَرَ الإمامُ و المُستَحِقُّ للحدودِ باقٍ، و هي ثابتةٌ عليه بالبيِّنةِ أو الإقرارِ، استَوفاها منه. و إن فاتَ ذلكَ بمَوتِه، كانَ الإثمُ على مَن أخافَ الإمامَ و ألجَأَه إلَى الغَيبةِ.
و لَيسَ بنَسخِ الشريعةِ في إقامةِ الحدود؛ لأنّه إنّما يَكونُ نَسخاً لَو سَقَطَ فَرضُ إقامتِها مع التمكينِ و زَوالِ الأسبابِ المانعةِ مِن إقامتِها، فأمّا و الحالُ ما ذَكرناه فلا.
و هذه جُملةٌ مُقنِعةٌ في الكلامِ في هذه المسألةِ، و اللّهُ المُستَعانُ، و به التوفيقُ.(1)8.
ص: 273
ص: 274
قد ذكر الشريف المرتضى في هذا الكتاب كلامين في الغيبة:
الذي يَدُلُّ على إمامةِ الأئمّةِ عليهم السلامُ مِن لَدُن حَسَنِ بنِ عَليِّ بنِ أبي طالِبٍ إلَى الحُجّةِ بنِ الحَسَنِ المُنتَظَرِ صَلَواتُ اللّهِ عليهم: نَقلُ الإماميّةِ - و فيهم شُروطُ الخَبَرِ المُتَواتِرِ - النُّصوصَ عَلَيهم بالإمامةِ، و أنّ كُلَّ إمامٍ منهم لَم يَمضِ حَتّى يَنُصَّ على مَن يَليهِ بِاسمِه و يُعَيِّنَه. و يَنقُلونَ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللّهُ عليه و آله نُصوصاً في إمامةِ الاثنَي عَشَرَ - صَلَواتُ اللّهِ عليهم - و يَنقُلونَ زَمانَ غَيبةِ المُنتَظَرِ - صَلَواتُ اللّهِ عليه و صِفةَ هذه الغَيبةِ عن كُلِّ مَن تَقدَّمَ مِن آبائه. و كُلُّ شَيءٍ دَلَّلنا به على صِحّةِ نَقلِهم لِما انفَرَدوا به مِن النَّصِّ الجَليِّ على أميرِ المؤمِنينَ عليه السلامُ يَدُلُّ على صِحّةِ نَقلِهم لهذه النُّصوصِ؛ فالطَّريقةُ واحِدةٌ.
و من قَويِّ ما يُعتَمَدُ في ذلك: أنّ عِصمةَ الإمامِ واجِبةٌ في شَهادةِ العُقولِ، كما أنّ ثُبوتَ الإمامةِ في كُلِّ عَصرٍ واجِبٌ. و إذا اعتَبَرنا زَمانَ كُلِّ واحِدٍ مِن
ص: 275
هؤلاءِ الأئمّةِ - صَلَواتُ اللّهِ عليهم - وَجَدنا كُلَّ مَن تُدَّعَى الإمامةُ له غَيرَه في تِلك الحالِ: إمّا غَيرَ مَقطوعٍ به على عِصمتِه، فلا يَكونُ إماماً؛ لفَقدِ الشَّرطِ الذي لابُدَّ مِنه. أو تُدَّعَى الإمامةُ لِمَيِّتٍ ادُّعِيَت حياتُه - كدَعوَى الكَيسانيّةِ (1) في مُحَمّدِ بنِ الحَنَفيّةِ، و الناووسِيّةِ (2) في الصادِقِ عليه السلامُ، و الذاهِبينَ إلى إمامةِ إسماعيلَ بنِ جَعفرٍ عليه السّلامُ و ابنِه مُحمّدِ بنِ إسماعيلَ،(3) و الواقِفةِ على موسى
ص: 276
عليه السلامُ (1) - فيَقودُ الضَّرورةُ و الاِنقِيادُ للأدلّةِ إلى إمامةِ مَن عيَّنّاه في كُلِّ زَمانٍ.
و الذي يُبطِلُ - زائداً على ما ذَكَرناه - قَولَ مَن خالَفَنا في أعيانِ الأئمّةِ ممّن يُوافِقُنا علَى الأُصولِ المُقدَّمِ ذِكرُها: شُذوذُ كُلِّ فِرقةٍ منهم و انقِراضُها، و خُلُوُّ الزمانِ مِن قائلٍ بذلك المَذهَبِ؛ و إن وُجِدَ ذاهبٌ إليه فشاذٌّ جاهِلٌ لا يَجوزُ في مِثلِه أن يَكونَ على حَقٍّ.
و قد دَخَلَ الرَّدُّ علَى الزَّيديّةِ (2) في جُملةِ كلامِنا؛ لفَقدِ القَطعِ على
ص: 277
عِصمةِ صاحِبِهم، و هي الصِّفةُ التي لابُدَّ منها في كُلِّ إمامٍ؛ فلا مَعنى لِاختِصاصِهم بكلامٍ مُفرَدٍ.
و إذا بَطَلَت الأُصولُ، بَطَلَ ما يُبنى عَلَيها مِن الفُروعِ.(1)
قد ذكر الشريف المرتضى في نفس الكتاب باباً في الإمامة، فذكر فيه فصلاً في الدلالة على وجوب الرئاسة في كلّ زمان، ثمّ ذكر كلاماً في ادّعاء كفاية الأُمراء عن الإمام عليه السلام و في أنّ وجود الرئيس في كلّ زمان لطف(2)، ثمّ قال:
و يُمكنُ أيضاً أن نَقولَ: إنّ الإمامةَ إنّما يُمكِنُ كَونُها لُطفاً و رافِعاً للقَبيحِ فيمَن يَجوزُ مِنه فِعلُ القَبيحِ و يُشَكُّ في وُقوعِه مِنه، فأمّا مَن قَطَعنا بالدليلِ على أنّ القَبِيحَ لا يَقَعُ البَتّةَ مِنه فلا يُمكِنُ رَفعُ ما هو مُرتَفِعٌ، فجَرَت الإمامةُ في هذا الوَجهِ مَجرَى المَعرِفةِ.
و قد بيّنّا الجَوابَ عن هذا السؤالِ و عن أكثَرِ ما أَورَدناه هاهُنا في كِتابِنا «الشافي»،(3) و استَقصَيناهُ بحَسَبِ اقتِضاءِ ذلك المَوضِعِ له. و فيما اقتَصَرنا عليه هاهُنا كفايةٌ.
فإن قيلَ: هذا يوجِبُ أن يَكونَ الإمامُ في كُلِّ حالٍ ظاهِراً مُتَصرِّفاً حَتّى يَقَعَ
ص: 278
الاِنزِجارُ عن القَبائِحِ به؛ فإنّ الزاجِرَ هو تَدبيرُه و تَصرُّفُه، لا وُجودُ عَينِه. و هذا يَقتَضي أن يَكونَ الناسُ في حالِ الغَيبةِ غيرَ مُزاحِي العِلّةِ (1) في تَكليفِهم.
قُلنا: لا شُبهةَ في أنّ تَصرُّفَ الإمامِ في الأُمّةِ هو اللُّطفُ، و فيه المَصلَحةُ لهُم في الدِّينِ، و إن كانَ ذلكَ لا يَتِمُّ إلا بإيجادِ الإمامِ و النَّصِّ على عَينِه.
و الذي يَتِمُّ به لُطفُنا في الإمامةِ و تَتَعلَّقُ به مَصلَحَتُنا هو مَجموعُ أُمورٍ، بَعضُها يَتَعلَّقُ باللّهِ سُبحانَه و يَختَصُّ به، فعَلَيه تَعالى إزاحةُ العِلّةِ فيه، و بَعضٌ آخَرُ يَتَعلَّقُ بنا، و لا يَتِمُّ إلّابفِعلِنا، فعَلَيه عَزَّو جَلَّ أن يوجِبَه علَينا، و علَينا أن نُطيعَ فيه، فإذا عَصَينا و فَرَّطنا كانَت الحُجّةُ علَينا، و بَرِئَ عَزَّو جَلَّ مِن عُهدةِ إزاحةِ عِلّتِنا؛ ألا تَرى أنّ المَعرِفةَ التي أَجمَعنا - مع المُحصِّلينَ مِن مُخالِفينا في الإمامةِ - على أنّ جِهةَ وُجوبِها اللُّطفُ، لا يَتِمُّ الغَرَضُ فيها إلّابأُمورٍ مِن فِعلِ اللّهِ تَعالى و أُمورٍ مِن فِعلِنا؟ و الذي يَتَعلَّقُ باللّهِ عَزَّو جَلَّ أن يُعلِمَنا وُجوبَها، و يُقدِرَنا علَى السَّبَبِ المُوَلِّدِ لها، و يُخَوِّفَنا مِن التَّفريطِ في فِعلِها، و الَّذي يَتَعلَّقُ بنا أن نَفعَلَها بأن نَفعَلَ سَبَبَها.
و قد فَعَلَ اللّهُ تَعالى كُلَّ ما يَتَعلَّقُ به في هذا البابِ، و لَيسَ عليه أن لا يَفعَلَ المُكلَّفُ ما يَتَعلَّقُ به، و لا يُخرِجُه مِن أن يَكونَ مُزيحاً لِعِلّتِه في تَكليفِه.
و قد خَلَقَ اللّهُ سُبحانَه إمامَ الزَّمانِ - عليه و على آبائِه السَّلامُ - و نَصَّ بِالإمامةِ على عَينِه، و دَلَّ علَى اسمِه و نَسَبِه بالأدِلّةِ القاطِعةِ، و حَثَّ على طاعَتِه، و تَوَعَّدَ(2)على مَعصيَتِه.
فأمّا الأُمورُ التي لا تَتِمُّ مَصلَحَتُنا بالإمامِ إلّابها و هي راجعةٌ إلى أفعالِنا، فهي).
ص: 279
تَمكينُ الإمامِ و التَّخليةُ بَينَه و بَينَ وِلايتِه، و العُدولُ عن تَخويفِه و إرهابِه، ثُمّ طاعتُه و امتِثالُ أَوامِرِه.
فإذا لَم يَقَعْ مِنّا تَمكينُ الإمامِ و أخَفناهُ فأَحوَجْناهُ (1) إلَى الاستِتارِ تَحرُّزاً مِن المَضَرّةِ، لَم نَخرُجْ مِن أن نَكونَ مُزاحِي العِلّةِ في تَكليفِنا، و كانَ فَقدُ انتِفاعِنا بهذا الإمامِ مَنسوباً إلَينا، و وِزرُه عائداً علَينا؛ لأنّا لَو شِئنا لَمَكّنّاه و آمَنّاه، فتَصرَّفُ فينا التَّصَرُّفَ الذي يَعودُ بالنَّفعِ علَينا.
وَ لَيسَ يَجِبُ إذا لَم نُمَكِّنْه و حُلْنا بَينَه و بَينَ التَّصَرُّفِ أن يَسقُطَ عنّا التَّكليفُ الذي الإمامةُ لُطفٌ فيه، و أن يَجرِيَ ذلك مَجرى مَن قَطَعَ رِجلَ نَفسِه؛ فإنّ التَّكليف المُتَعلِّقَ بها يَسقُطُ عنه، و لا فَرقَ بَينَ أن يَكونَ هو القاطِعَ لها أو غَيرُه.
و ذلك أنّا في أحوالِ غَيبةِ الإمامِ عنّا مُتَمكِّنونَ مِن إزالةِ خَوفِه و أن نؤمِنَه لِيَظهَرَ و يَتَصرَّفَ، فلَم يَخرُجْ عن أيدِينا التَّمكُّنُ مِن الانتِفاعِ بهذا الإمامِ، و لا كانَ ما فَعَلْنا مِن إخافَتِه يَجري مَجرى قَطعِ الرِّجلِ؛ لأنّ قَطعَها لا يَبقى معه تَمكُّنٌ مِن الأفعالِ التي لا تَتِمُّ إلّابالرِّجلِ. و جَرى فِعلُنا لِما أَحوَجَ الإمامَ إلَى الغَيبةِ مَجرى شَدِّ أحَدِنا رِجلَ نَفسِه، في أنّه لا يَسقُطُ عنه تَكليفُ القِيامِ؛ لقُدرتِه على إزالةِ هذا الشَّدِّ، و جَرى قَطعُ الرِّجلِ مَجرى قَتلِ الإمامِ.
فإن قيلَ: إذا جازَ أن يَغيبَ إمامُ الزَّمانِ بحَيثُ لا نَصِلُ إليه فيه و لا نُميِّزُه مِن غَيرِه حَتّى إذا أمِنَ مِنَ الخَوفِ ظَهَرَ، فأيُّ فَرقٍ بَينَ ذلك و بَينَ أن يُعدِمَه اللّهُ تَعالى أو يُميتَه، حتّى إذا أمِنَ علَيه أوجَدَه أو أَحياه إن كانَ مَيِّتاً؟0.
ص: 280
فإن قُلتُم: إنّا لا نَقدِرُ علَى الانتِفاعِ [به](1) إذا كان مَعدوماً أو مَيِّتاً، و نَحنُ نَقدِرُ علَى الانتِفاعِ به إذا كانَ مَوجوداً بَينَنا.
قيلَ لكُم: و نَحنُ لا نَقدِرُ علَى الانتِفاعِ به و هو غَيرُ مُتَميِّزِ الشَّخصِ، و لا مَعروفِ العَينِ.
فإذا قُلتُم: في أَيدينا و تَحتَ مَقدورِنا ما إذا فَعَلناه مِن إيمانِه و إزالةِ خَوفِه تَعرَّفَ إلينا و تَميَّزَ لنا.
قيلَ لكُم: و في أَيدينا أيضاً ما إذا فَعَلناه أوجَدَه اللّهُ سُبحانَه لنا. و على كِلا الوَجهَينِ لَيسَ انتِفاعُنا به ممّا يَتِمُّ بمَقدورِنا خالِصاً دونَ أن يَنضَمَّ إليه فِعلٌ واقعٌ باختيارِ مُختارٍ؛ فأيُّ فَرقٍ بَينَ أن يَغيبَ عنّا حَتّى إذا أَزَلنا خَوفَه مِن جِهَتِنا و اعتَقَدنا فيه الجَميلَ ظَهَرَ لنا و تَعرَّفَ إلينا - و تَعرُّفُه و ظُهورُه مِن فِعلِه و بِاختِيارِه -، و بَينَ أن يُعدِمَه اللّهُ تَعالى، فإذا اعتَقَدنا الجَميلَ له و فيه و أزَلنا أسبابَ خَوفِه مِنّا أَوجَدَه؟ و هَل إيجادُه أو إحياؤه إن كانَ مَيِّتاً في تَعلُّقِه باختيارِ مُختارٍ هو غَيرُنا، إلّاكظُهورِه إلينا و إعلامِنا أنّه الإمامُ في أنّه مُتَعلِّقٌ باختيارِ مُختارٍ هو غَيرُنا؟
على أنّ انتِفاعَنا و إمكانَ طاعتِنا للإمامِ على كِلا الوَجهَينِ مُتَعلِّقٌ بفِعلِ اللّهِ تَعالى لابُدَّ منه؛ لأنّه إذا أمِنَ مِنّا و أرادَ الظُّهورَ، فلا بُدّ مِن أن يَدَّعِيَ أنّه الإمامُ، و لابُدَّ مِن أن يُصَدِّقَه اللّهُ سُبحانَه في هذه الدَّعوَى التي لا نَعلَمُ صِحّتَها بمُجَرَّدِها إلّابمُعجِزٍ يُظهِرُه على يَدِه، فقَد بانَ أنّ انتِفاعَنا بالإمامِ لا يَتِمُّ إلّابفِعلٍ يَختارُه اللّهُ تَعالى على كِلا الوَجهَينِ؛ فأيُّ فَرقٍ بَينَ أن يَكونَ ذلك الفِعلُ المُعجِزَ الذي يُظهِرُه على يَدِه، و بَينَ أن يَكونَ إيجادَه نفسَه؟ق.
ص: 281
فإن قُلتُم: لَو أَعدَمَه لَكانَ فَوتُ انتفاعِنا بالإمامِ مَنسوباً إليه سُبحانَه، و لَيسَ كذلك إذا كان مَوجوداً مُستَخفِياً.
قيلَ لكُم: بَل يَكونُ مَنسوباً إلى مَن أَخافَ الإمامَ و لَم يؤمِنْه على نَفسِه فيَظهَرَ و يُنتَفَعَ به؛ لأنّه إذا أُخيفَ فلَيسَ غَيِرُ الامتناعِ مِن الظُّهورِ. ثُمّ حينَئذٍ لا فَرقَ إذا لَم يَتَمكَّنْ مِن الظُّهورِ بَينَ أن يُعدَمَ إلى أن يُمكِنَ إيجادُه، أو يَستَتِرَ إلى أن يُمكِنَ إظهارُه؛ فأيُّ الأمرَينِ وَقَعَ فالعِلّةُ مِنَ اللّهِ تَعالى مُزاحةٌ، و اللَّومُ على مَن أَخافَ الإمامَ و لَم يُمَكِّنْه مِن الظُّهورِ.
و لا فَرقَ في لُحُوقِ الذَّمِّ لَنا بَينَ أن نُفَوِّتَ أنفُسَنا مَنافِعَ تَجِبُ عن أسبابٍ نَفعَلُها - كوُجوبِ العِلمِ عندَ النَّظَرِ -، و بَينَ أن نُفوِّتَها مَنافِعَ لا تَجِبُ عن أسبابٍ، بَل مَعلومٌ حُصولُها بالعادةِ أو ما جَرى مَجراها عندَ غَيرِها مِن أفعالِنا، كنَحوِ الشِّبَعِ عِندَ الأكلِ، و الرَّيِّ عِندَ الشُّربِ. و إذا كُنّا قاطِعينَ عَلى أنّ اللّهَ سُبحانَه يوجِدُ الإمامَ و يُظهِرُه لا مَحالةَ إذا أَزَلنا أسبابَ خَوفِه، فقَد صِرنا مُتَمكِّنينَ و قادِرينَ على ما يَقتَضي ظُهورَه، فإذا لَم نَفعَلْ فنَحنُ المَلومونَ.
و ما حَقَّقنا هذا السؤالَ في شَيءٍ مِن كلامِنا في الغَيبةِ هذا التَّحقيقَ، و لا انتَهَينا فيه إلى هذه الغايةِ، و هو مِن أشَدِّ ما نُسأَلُ عنه اشتِباهاً و إشكالاً.
و الجَوابُ: أنّ المَقصَدَ بهذا السؤالِ إلزامُنا تَجويزَ كَونِ إمامِ زَمانِنا هذا عليه السلامُ مَعدوماً بَدَلاً مِن كَونِه غائباً، و هذا غَيرُ لازِمٍ؛ لأنّه يَنتَفِعُ به في حالِ غَيبَتِه جَميعُ شيعَتِه و القائلِينَ بإمامَتِه، و يَنزَجِرونَ بمَكانِه و هَيبَتِه عن القَبائِحِ؛ فهو لُطفٌ لهم في حالِ الغَيبَة كَما يَكونُ لُطفاً في حالِ الظُّهورِ. و سَنُبَيِّنُ ذلك أَفضَلَ
ص: 282
بَيانٍ عِندَ الكَلامِ في عِلّةِ غَيبَتِه.(1)
و هُم أيضاً مُنتَفِعونَ به مِن وَجهٍ آخَرَ؛ لأنّه يَحفَظُ عليهم الشرعَ، و بمَكانِه يَثِقونَ بأنّه لَم يُكتَمْ مِن الشرعِ ما لَم يَصِلْ إليهم، و إذا كانَ مَعدوماً فإن هذا كُلَّه مُرتَفِعٌ.
و هذه الجُملةُ تُسقِطُ مَقصودَ المُخالِفينَ في هذا السؤالِ.
لكِنّا نُجيبُ عنه على كُلِّ حالٍ. إذا بُنيَ علَى التقديرِ و قيلَ: أَجيزوا في زَمانٍ غَيرِ هذا الزَّمانِ أن يُعدَمَ الإمامُ إذا لَم يَكُن مُتَمكِّناً مِن الظُّهورِ و التدبيرِ، و نَفرِضُ أنّ أحَداً لَم يُقِرَّ بإمامتِه فيَنتَفِعَ به و إن كانَ غَيرَ ظاهرِ الشخصِ له.
فنَقولُ: انتِفاعُ الأُمّةِ بالإمامِ لا يَتِمُّ إلّابأُمورٍ مِن فِعلِه تَعالى فعَلَيه عَزَّ و جَلَّ أن يَفعَلَها، و أُمورٍ مِن جِهةِ الإمامِ عليه السلامُ فلابُدَّ أيضاً مِن حُصولِها، و أُمورٍ مِن جِهَتِنا فيَجِبُ علَى اللّهِ تَعالى أن يُكَلِّفَنا فِعلَها و تَجِبُ علينا الطاعةُ فيها.
فالذي مِن فِعلِه تَعالى هو إيجادُه للإمام، و تَمكينُه - بالقُدَرِ و الآلاتِ و العُلومِ - مِن القيامِ بما فُوِّضَ إليه، و النَّصُّ على عَينِه، و إلزامُه القيامَ بأَمرِ الأُمّةِ.
و ما يَرجِعُ إلَى الإمامِ هو قَبولُ هذا التكليفِ، و تَوطينُه نَفسَه علَى القيامِ به.
و ما يَرجِعُ إلَى الأُمّةِ هو تَمكينُ الإمامِ مِن تَدبيرِهم، و رَفعُ الحَوائلِ و المَوانعِ عن ذلك بطاعتِه و الاِنقيادِ له و التصرُّفِ على تَدبيرِه.
فما يَرجِعُ إلَى اللّهِ تَعالى هو الأصلُ و القاعدةُ فلابُدَّ مِن تَقدُّمِه و تَمهُّدِه، و يَتلوه ما يَرجِعُ إلَى الإمامِ، و يَتلو الأمرَينِ ما يَرجِعُ إلَى الأُمّةِ؛ فمَتى لَم يَتَقدَّمِ الأصلانِ الراجِعانِ إليه عَزَّو جَلَّ و إلَى الإمامِ نَفسِه، لَم يَجِبْ علَى الأُمّةِ ما قُلنا أنّه يَجِبُ».
ص: 283
عليهم ممّا هو فَرعٌ للأصلَينِ. و لَيسَ يُخرِجُ ما ذَكَرناه - و قُلنا: إنّه أصلٌ في هذا البابِ، و واجبٌ فِعلُه - مِن كَونِه أصلاً و مِن وجوبِ التقديمِ إخلالُ الأُمّةِ بما يَجِبُ عليها، و العِلمُ بأنّها تُطيعُ أو تَعصي.
فَيجِبُ على كُلِّ حالٍ أن يَكونَ الإمامُ مَوجوداً مُزاحَ العِلّةِ في القُدَرِ و العُلومِ و ما جَرى مَجراها، مُوَطِّناً نَفسَه على تَدبيرِ الأُمّةِ إذا أَمِنَ و زالَ خَوفُه؛ و لَم يَجُز أن يَقومَ العَدَمُ في هذا البابِ مَقامَ الوجودِ.
على أنّ الإمامَ بهذا الفَرضِ الذي فَرَضوه - و إن كانَ مَعدوماً - في حُكمِ المَوجودِ؛ لأنّه تَعالى إذا أعلَمَ الأُمّةَ و دَلَّها على أنّه يوجِدُ الإمامَ لا مَحالةَ مَتى مَكَّنوه و أزالوا خَوفَه، و إن كانوا مُكلَّفينَ لِشَريعتِة ثُمّ انطَوى عَنهُم منها شَيءٌ أَوجَدَه في الحالِ لِيُتَرجِمَ عنه، فالإمامُ كالمَوجودِ؛ بَل مع هذه العِنايةِ مِنه عَزَّو جَلَّ. و التقديرِ المفروضِ الإمامُ هو تَعالى.
و إنّما نوجِبُ وجودَ حُجّةٍ في كُلِّ زَمانٍ إذا كُنّا على ما نَحنُ الآنَ عليه، و مع الفَرضِ الذي ذَكَروه قد تَغيَّرَتِ الحالُ.
و رُبَّما قيلَ لنا: أيُّ فَرقٍ بَينَ رَفعِ الإمامِ إلَى السَّماءِ حَتّى يأمَنَ فيَهبِطَ منها، و بَينَ الغَيبةِ في الأرضِ؛ مِن حَيثُ لا نَقِفُ على مَكانِه؟
و الجَوابُ: أنّا إن فَرَضنا أنّه في السماءِ يَعرِفُ أخبارَ رَعيّتِه في طاعةٍ و معصيةٍ و لا يَخفى عليه مِن أحوالِهم ما يَجِبُ معه الظُّهورُ و استِمرارُ الغَيبةِ، فالسماءُ كالأرضِ في المَعنَى المَقصودِ، و القُربُ كالبُعدِ.
فإن قيلَ: فما السَّبَبُ المانِعُ مِن ظُهورِه، و المُقتَضي لغَيبَتِه، علَى التحقيقِ؟
قُلنا: يَجِبُ أن يَكونَ السَّبَبُ في ذلك هو الخَوفَ علَى المُهجةِ؛ فإنّ الآلامَ
ص: 284
و ما دونَ القَتلِ يَتَحمَّلُه الإمامُ و لا يَترُكُ الظُّهورهَ له، و إنّما عَلَت مَنزِلةُ الأنبياءِ عليهم السلامُ و الأئمّةُ عليهم السلامُ لأنّهم يَتَحمَّلونَ كُلَّ مَشَقّةٍ عَظيمةٍ في القيامِ بما فُوِّضَ إليهم.
فإذا قيلَ: كَيفَ يأمَنُ القَتلَ؟
قُلنا: عندَ الإماميّةِ أنّ الإمامَ في هذا الزمانِ قد عَرَفَ مِن آبائِه عليهم السلامُ - بتَوقيفِ الرسولِ صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه - حالَ الغَيبةِ، و الفَرقَ بَينَ الزمانِ الذي يَجِبُ أن يَكونَ الإمامُ عليه السلامُ فيه غائباً للخَوفِ، و بَينَ الزمانِ الذي يَجِبُ فيه الظُّهورُ. و هذا وَجهٌ لا تَتَطرَّقُ فيه شُبهةٌ.
و غَيرُ مُمتَنِعٍ - زائداً على ذلكَ - أن يَكونَ خَوفُه و أمنُه مَوقوفَينِ علَى الظُّنونِ و الأماراتِ؛ فإذا ظَنّ العَطَبَ (1) استَتَرَ، و إذا ظَنَّ السَّلامةَ ظَهَرَ؛ و للسَّلامةِ و ضِدِّها أماراتٌ مُميِّزاتٌ.
و لَيسَ لأحَدٍ أن يَقولَ: كَيفَ يَعمَلُ الإمامُ عليه السلامُ علَى الأماراتِ و الظُّنونِفي ظُهورِه، و قد يَجوزُ أن يَكذِبَ (2) الظَّنُّ و يَقَعَ خِلافُ المَظنونِ؟ أوَ لَيسَ يَجِبُ على هذا أن يَكونَ مُجوِّزاً لأِنْ يُقتَلَ و إن ظَنَّ السَّلامةَ؟
و ذلك أنّه غَيرُ مُمتَنِعٍ أن يَكونَ اللّهُ تَعالى تَعبَّدَ الإمامَ بأن يَظهَرَ عندَ قُوّةِ ظَنِّه بالسَّلامةِ، و عِلمُه بإيجابِ الظُّهورِ عليه مُؤمِنٌ له مِن القَتلِ؛ فَصارَ الظَّنُّ طَريقاً إلَى العِلمِ.).
ص: 285
فإن قيلَ: إذا كان الغَرَضُ في إقامةِ الرَّئيسِ الاِنزِجارَ عن القَبيحِ، فقَد يَكونُ ذلكَ عندَ رِياسَةِ كافِرٍ؛ فهَل تُجيزونَ ذلك؟
قُلنا: رِياسةُ الكافِرِ فيها وَجهٌ مِن وُجوهِ القُبحِ؛ و هو الأمرُ بتَعظيمِ الكافِرِ و تَقديمِه، و هذا وَجهُ قُبحٍ، و إن كانَ الصلاحُ المَقصودُ قد يَتِمُّ بوِلايَتِه.
فإن قيلَ: فلَو عَلِمَ تَعالى أنّ الأُمّةَ لا تَنزَجِرُ عن القَبائحِ إلّابرِياسةِ كافِرٍ، أو برِياسةِ مَن لَيسَت له الصِّفاتُ التي توجِبونَها في الأئمّةِ؟
قُلنا: إذا كانَ لُطفُ المُكلَّفِ في فِعلِ قَبيحٍ، فالأصَحُّ مِن المَذهَبَينِ أن لا يُكلَّفَ ما ذلك القَبيحُ لُطفٌ فيه، و لا يَجري مَجرى مَن لا لُطفَ له.
و كذلك إذا قَدَّرنا أنّ اللّهَ تَعالى يَعلَمُ أنّ أحَداً مِن الأُمّةِ كُلِّها لا يَتَقبَّلُ تكليفَ الإمامةِ و لا يَتَكفَّلُ برِياسةِ الأُمّةِ، أو يَعلَمُ أنّه لا يَتَقبَّلُ ذلك إلّامَن لا تَتَكامَلُ فيه الشرائطُ التي نوجِبُها في الإمامِ؛ فإنّا نَقولُ في هذا المَوضِعِ:
إنّ اللّهَ تَعالى كانَ يُسقِطُ عن الأُمّةِ تَكليفَ ما الرِّئاسةُ لُطفٌ فيه، و يَجري ذلك مَجرى ما نَقولُه كُلُّنا فيمَن كانَ لُطفُه في فِعلِ غَيرِه مِن المُكلَّفينَ، و عَلِمَ اللّهُ عَزَّو جَلَّ أنّ ذلك الغَيرَ لا يَختارُ ذلك الفِعلَ الذي فيه لُطفُه؛ فإنّا مُجمِعونَ علَى القَولِ بأنّ التكليفَ الذي ذلك الفِعلُ لُطفٌ فيه يَسقُطُ عنه، و لا يَجري مَجرى مَن لا لُطفَ لَه في حُسنِ تَكليفِه.
فإن قيلَ: ألّاحَرَسَ اللّهُ تَعالَى الإمامَ مِن الأعداءِ و أظهَرَه لتَدبيرِ أمرِهم؟ و هَل تَضيقُ قُدرتُه تَعالى عن حِفظِه منهم حَتّى لا يَنالوهُ بسُوءٍ؟
قُلنا: اللّهُ تَعالى قادرٌ على كُلِّ شَيءٍ، و ما لَيسَ بَمقدورٍ في نَفسِه لا يوصَفُ بالقُدرةِ عليه، و قد مَنَعَ اللّهُ تَعالى إمامَ الزمانِ عليه السلامُ و حَفِظَه مِن الأعداءِ بكُلِّ ما لا يُنافي التكليفَ؛ مِن النَّهيِ و الأمرِ، و الوَعظِ و الزَّجرِ. فأمّا ما يُنافي التكليفَ
ص: 286
و يوجِبُ الإلجاءَ فلا يَجوزُ أن يَفعَلَه و الحالُ حالُ تكليفٍ.
فإن قيلَ: العِلّةُ في غَيبةِ إمامِ الزمانِ عليه السلامُ مِن أعدائه مَعروفةٌ؛ فما العِلّةُ في غَيبَتِه عن أوليائِه و شيعَتِه؟ و كَيفَ فاتَ هؤلاءِ الانتفاعُ به لِما جَناه غَيرُهم؟ و هَل يَسوغُ في التكليفِ مِثلُ هذا؟
قُلنا: قد بيّنّا في كِتابِنا «المُقنِعِ في الغَيبةِ»(1) الكلامَ في هذا الفَصلِ مُستَقصىً، و المُختارُ مِن الوُجوهِ المَذكورةِ أَنّا إنَّما نُطالَبُ بعِلّةِ استِتارِه مِن شيعَتِه إذا كانوا غَيرَ مُنتَفِعينَ به في حالِ الغَيبةِ الانتفاعَ الذي لا يَزيدُ عليه ظُهورُه. و بيّنّا أنّ شيعتَه مُنزَجِرونَ به عن القَبائحِ و هو غائبٌ عن أعيُنِهم بِهَيبتِهِ و رَهبَتِه، خائفونَ مِن انتِقامِه و سَطوَتِه و تأديبِه و عُقوبَتِه كَما لَو كانَ ظاهِراً؛ لأنّهم قاطِعونَ على وُجودِه بَينَهم، و أنّه [يَتَعَرَّفُ](2) أخبارَهُم، و يَعرِفُ حالَ المُخطِئِ و المُصيبِ و الطائعِ و العاصي؛ فَهُم يَترُكونَ المَعاصِيَ أو يَكونونَ أقرَبَ إلى مَن تَرَكَها حَياءً مِنه، و مُحاباةً له، و إشفاقاً مِن مُعالَجَتِه بالحَدِّ و العُقوبةِ؛ و فيهم مَن(3) لَو ظَهَرَ له الإمامُ، و أرادَ أن يُقيمَ عليه الحَدَّ، أو يُعاقِبَه بجِنايَتِه، ما امتَنَعَ عليه؛ فالانتِفاعُ الدِّينيُّ بالأئمّةِ حاصلٌ به عليه السلامُ لِشيعَتِه في حالِ الغَيبةِ.
و إنّما يَنتَفِعونَ به في حالِ الظُّهورِ في انتِقامِه لهُم مِن أعدائِهِم و أخذِ حُقوقِهم مِنهُم، و هذه مَنافِعُ دُنيَويّةٌ يَجوزُ تأخيرُها و فَوتُها، و لا يَجري ذلك مَجرى تِلك المَنافِعِ الدِّينيّةِ التي يَقتَضيها التكليفُ.
و بيّنّا أيضاً(4) أنّا غَيرُ قاطِعينَ على أنّ أحَداً مِن شيعَتهِ لا يَلقاهُ في حالِ غَيبَتِه كَما نَقطَعُ على ذلكَ في أعدائِه، و أنّا نُجَوِّزُ أن يَلقاهُ الكَثيرُ مِنهُم.7.
ص: 287
و بيّنّا هُناكَ أيضاً(1) أنّه لا وَجهَ لِاستِبعادِ مَعرِفةِ إمامِ الزمانِ عليه السلامُ بجِناياتِ شيعَتِه مع الغَيبةِ، و أنّ مَعرِفتَه بذلك و هو غائبٌ كمَعرِفَتِه به و هو ظاهِرٌ؛ لأنّ المَعرِفةَ بذلك في حالِ الظُّهورِ إنّما تَكونُ بِالمُشاهَدةِ، أو بالبَيِّنةِ، أو بالإقرارِ.
و المُشاهَدةُ مُمكِنةٌ في حالِ الغَيبةِ، و الخَوفُ منها و هو غائبٌ أقوى (2) مِنه مع ظُهورِه؛ لأنّ التحَرُّزَ مِن مُشاهَدَتِه للجِناياتِ و هو غائبٌ أشَدُّ و أضيَقُ تَعَذُّراً منه و هو ظاهِرٌ مُتَميِّزُ الشَّخصِ؛ لأنّه إذا كانَ معروفَ العَينِ أُمِنَ مع بُعدِه مِن المُشاهَدةِ لِجِنايةٍ تَجري مِن بَعضِ شيعَتِه، و إذا لَم يَتَميَّزْ شَخصُه لَم يؤمَنْ في كُلِّ حالٍ مِن مُشاهَدَتِه، و جُوِّزَ في كُلِّ من يُرى و لا يُعرَفُ أنّه الإمامُ.
و أمّا البَيِّنةُ فيَجوزُ أن تَقومَ عندَه و هو غائبٌ؛ بأن يَتَّفِقَ كَونُ مَن شاهَدَ تِلك الفاحِشةَ مِمَّن يَلقَى الإمامَ فيَشهَدُ بها عِندَه. و التجويزُ في هذا البابِ كافٍ، و لا يُحتاجُ في الخَوفِ و حُصولِه إلَى القَطعِ.
و كذلك الإقرارُ مُمكِنٌ في الغَيبةِ على هذا الوَجهِ.
و إذا سَلَكنا هذه الطريقةَ رَبِحنا الجَوابَ عن كُلِّ شُبهةٍ تورَدُ في عِلّةِ استِتارِ إمامِ الزمانِ - عليه و على آبائِه الصلاةُ و السلامُ - مِن أوليائه فهِيَ كثيرةٌ، و يَكفينا(3) مَؤُونةَ ما تَعَسَّفَه(4) قَومٌ مِن أصحابِنا في جَوابِ ذلك مِن طُرُقٍ ضَعيفةٍ لا تُثمِرُ فائدةً.(5)4.
ص: 288
قد ذكر الشريف المرتضى في كتابه الجمل كلاماً في إمامة الأئمّة الاثني عشر، ثمّ تعرّض لغيبة الإمام المهدى عليه السلام و ما يتعلّق بها و شَرَحَها في الشرح، و نحن مقتصرون على بعض ما ذكره في الشرح، و هو مشتمل على كلامه في الجمل أيضاً:
مَسألةٌ: قالَ السيّدُ (رَضيَ اللّهُ عنه): «و الإمامةُ مُنساقةٌ في أبنائه عليه و عليهم السلامُ مِن الحَسَنِ ابنِه إلى مُحمّدِ بنِ الحَسَنِ المُنتَظَرِ عليه السلامُ.
و الوجهُ الواضحُ في ذلكَ اعتبارُ العِصمةِ، التي لَم تَثبُتْ فيمَن ادُّعيَت له الإمامةُ طولَ هذه الأزمانِ إلّافيمَن ذَكَرناهم. و مَن اتَّفَقَ ادّعاءُ العصمةِ له ممّن تُنفى إمامتُه بَينَ معلومِ الموتِ و قد ادُّعيَت حياتُه، و بَينَ مَن انقَرَضَ القولُ بإمامتِه و انعَقَدَ الإجماعُ على خِلافِها».
شَرحُ ذلكَ: الطريقةُ التي ذَكَرناها مِن اعتبارِ القَطعِ على عِصمةِ الإمامِ، يُمكِنُ اعتبارُها في إمامةِ إمامٍ إمامٍ إلى صاحبِ الزمانِ عليه السلامُ. و ترتيبُها أن نَجيءَ إلى أهلِ كُلِّ عَصرٍ، فنَعتَبِرَ أقوالَهم، فنَجِدَها بَينَ نافٍ للإمامةِ، و بَينَ موجِبٍ لها و نافٍ للعِصمةِ، وبَينَ قائلٍ بها و مُدّعٍ لإمامةِ مَن قد عُلِمَ مَوتُه. فإذا بَطَلَت هذه الأقاويلُ ثَبَتَت إمامةُ مَن نَذهَبُ إلى إمامتِه.
أ لا تَرى أنّا لمّا اعتَبَرنا في إمامةِ أميرِ المؤمنينَ عليه السلامُ الأقوالَ الثلاثةَ
ص: 289
و أبطَلنا قولَينِ منها، ثَبَتَ لنا الثالثُ، و هو القولُ بإمامتِه؟
و وَجَدنا الأُمّةَ بَعدَ أميرِ المؤمِنينَ عليه السلامُ بَينَ أقوالٍ:....
و بهذه السياقةِ التي سُقناها ثَبَتَت إمامةُ الباقينَ، و هُم مُحمّدُ بنُ عليٍّ، و عليُّ بنُ مُحمّدٍ، و الحَسَنُ بنُ عليٍّ (على جميعِهم السلامُ)؛ لأنّه لَم يَحدُثْ قولٌ زائدٌ علَى الأقوالِ التي أبطَلناها.
فأمّا القولُ في سببِ غَيبتِه عليه السلامُ فسيَجيءُ فيما بَعدُ إن شاءَ اللّهُ تَعالى.
مَسألةٌ: قالَ السيّدُ المُرتَضى (رَضيَ اللّهُ عنه): «و غَيبةُ ابنِ الحَسَنِ عليهما السلامُ سببُها الخَوفُ علَى النفسِ، المُبيحُ للغَيبةِ و الاستتارِ. و ما ضاعَ مِن حَدٍّ و تأخَّرَ مِن حُكمٍ، يَبوءُ بإثمِه مَن هو سبَّبَ الغَيبةَ و أحوَجَ إليها».(1)
شَرحُ ذلكَ: لا سببَ للغَيبةِ يَجوزُ لأجلِه الاستتارُ إلّاخَوفُه عليه السلامُ على نفسِه.
فأمّا خَوفُه على مالِه و علَى الأذى في نفسِه، فإنّه يَجِبُ أن يَتحمَّلَ ذلكَ كُلَّه؛ لتَنزاحَ عِلّةُ المُكلَّفينَ في تكليفِهم. كما يَقولُ مَن خالَفَنا في النبيِّ صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه في أنّه يَجِبُ عليه أن يَتحمَّلَ كُلَّ أذىً في نفسِه دونَ القَتلِ، حَتّى يَصِحَّ منه الأداءُ إلَى الخَلقِ ما هو لُطفٌ لهُم.
فإن قيلَ: فهَلّا أوجَبتم الظهورَ و إن أدّى إلى قَتلِه، كَما أظهَرَ اللّهُ تَعالى كَثيراً مِن الأنبياءِ و الأوصياءِ، و إن قَتَلوهُم؟
قُلنا: إنّما جازَ ذلكَ في الأنبياءِ و الأوصياءِ لمّا كانَ مِن معلومِ اللّهِ تَعالى أنّ هُناكَ
ص: 290
مَن يَقومُ مَقامَ المقتولِ في تَحمُّلِ أعباءِ النبوّةِ، أو يَعلَمُ تَغيُّرَ المَصالحِ التي كانَ يؤَدّيها. فأمّا إذا عَلِمَ تَعالى أنّه لَيسَ هُناك مَن يَقومُ مَقامَه و لا تَتغيَّرُ المَصلَحةُ، فلا يَجوزُ ظهورُه إذا أدّى إلى قَتلِه.
و هذه حالةُ الإمامِ المُنتَظَرِ عليه السلامُ؛ فإنّه تَعالى قد عَلِمَ أنّه لَيسَ بَعدَه مَن يَقومُ مَقامَه في بابِ الإمامةِ، و الشريعةُ على ما كانَت عليه، و اللطفُ بمَكانِه لَم يَتغيَّرْ و لا يَصِحُّ تَغيُّرُه، فلا يَجوزُ ظهورُه إذا أدّى إلى قَتلِه. و إذا كانَ كذلكَ فقَد صَحَّ السببُ الذي ذَكَرناه.
فإن قالوا: هَلّا مَنَعَ اللّهُ تَعالى مِن قَتلِه، و ظَهَرَ فلا يُتمكَّنُ مِن قَتلِه؟
قُلنا: كُلُّ مَنعٍ لا يؤَدّي إلى زوالِ التكليفِ و الإلجاءِ، فإنّ اللّهَ تَعالى قد فَعَلَ به، مِن الأمرِ بطاعتِه و إيجابِ نُصرتِه و امتثالِ أمرِه و نَهيِه. فأمّا ما يَمنَعُ مِن التكليفِ مِن الحَيلولةِ بَينَه و بَينَهم و ما يَجري مَجراه فإنّ ذلكَ يَمنَعُ التكليفَ منهم.
فإن قالوا: هَلّا ظَهَرَ عليه السلامُ لأوليائه، إن كانَت العِلّةُ في استتارِه خَوفَه على نفسِه؟ فإنّا نَعلَمُ أنّه لا يَخافُ مِن أوليائه، كما يَخافُ مِن أعدائه.
قُلنا: عن ذلكَ أجوبةٌ مِن أصحابِنا:
ففيهم مَن قالَ: إنّه إذا ثَبَتَت إمامتُه و عِصمتُه، ثُمّ عَلِمنا غَيبتَه و استتارَه، عَلِمنا أنّه لَم يَستَتِرْ إلّالوجهٍ لا يُنافي عِصمتَه غَيبتُه، [و هو وجهُ] استتارٍ يوجَدُ في الوَليِّ و العَدوِّ، و إن لَم نَعلَمْه على سَبيلِ التفصيلِ، كالنبيِّ عليه السلامُ استَتَرَ في الغارِ مِن الوَليِّ و العَدوِّ. كَما أنّا إذا عَلِمنا حِكمةَ القَديمِ تَعالى، عَلِمنا أنّ ما أمَرَ به مِن الشرائعِ و ما يَفعَلُه مِن آلامِ الأطفالِ و خَلقِ المؤذياتِ له وجهٌ لا يُنافي حِكمتَه تَعالى، و إن لَم نَعلَمْه على سَبيلِ [التفصيلِ]. و هذا القَدرُ كافٍ في الجوابِ عن عِلّةِ استتارِ الإمامِ.
ص: 291
و منهم مَن قالَ: إنّ عِلّة استتارِه عن أوليائه عِلّةُ استتارِه عن أعدائه. فِعلّةُ استتارِه عن أعدائه خَوفُه منهم، و عِلّةُ استتارِه عن أوليائه هو أنّه إذا ظَهَرَ لا يُمكِنُ مَعرِفتُه بعَينِه إلّابالمُعجِزِ، و يَجوزُ على مَن شاهَدَ ذلكَ المُعجِزَ أن تَدخُلَ عليه شُبهةٌ، فيَعتَقِدَ فيه أنّه مُدَّعٍ لِما لَيسَ له، و يَعتَقِدَ أنّه مُبطِلٌ، و يُشيعَ خبرَه، فيؤدّيَ إلى هَلاكِه.
على أنّا لا نَقطَعُ على أنّ جميعَ أوليائه لا يَرَونَه، و إنّما يَعلَمُ كلُّ إنسانٍ حالَ نفسِه، غَيرَ أنّا إذا جَوَّزنا استتارَه عن بعضِهم أمكَنَ أن تَكونَ العِلّةُ ما ذَكَرناه.
فأمّا ما يَضيعُ مِن الحُدودِ و الأحكامِ في حالِ غَيبةِ الإمامِ فإنّه باقٍ في جَنبِ مُستَحِقّيه، و الذنبُ في ذلكَ على مَن أوجَبَ غَيبةَ الإمامِ، و كانَ سبباً فيها.
و يَجري ذلكَ مَجرى ما يَقولُ أصحابُ الاختيارِ: إنّه إذا مُنِعَ أهلُ الحَلِّ و العَقدِ مِن اختيارِ مَن يَصلُحُ [للإمامةِ] فإنّ الحُدودَ التي تَفوتُ في ذلكَ الوقتِ تَكونُ باقيةً في جَنبِ مَن يَستَحِقُّها، و يَكونُ الذنبُ على مَن حالَ بَينَهم و بَينَ الاختيارِ، و لا يَلزَمُهم أن تَكونَ الحدودُ قد سَقَطَت، فيؤَدّيَ ذلكَ إلى نَسخِ الشريعةِ. فكذلكَ قولُنا في حالِ غَيبةِ إمامِنا سَواءٌ.
و الكلامُ في هذا الفَصلِ بيّنّاه مُستَوفىً في كتابِ «المُقنِعِ في الغَيبةِ» و غَيرِه.(1)
مَسألةٌ: قالَ السيّدُ المُرتَضى (رَضيَ اللّهُ عنه): «و الشرعُ محفوظٌ [في زمنِ] الغَيبةِ؛ لأنّه لَو جَرى فيه ما لا يُمكِنُ العِلمُ به لِفَقدِ أدِلّتِه و انسدادِ الطريقِ إليه لَوَجَبَ
ص: 292
ظهورُ الإمامِ لبَيانِه و استدراكِه».(1)
شَرحُ ذلكَ: إن قيلَ: إذا كانَ الإمامُ غائباً لا يوصَلُ إليه، و عندَكم أنّ أحَدَ ما يُحتاجُ إليه فيه أن يَحفَظَ الشريعةَ، فما الذي يؤمِنُكم أن يَكونَ شَيءٌ مِن الشريعةِ لَم يَصِلْ إليكم و لَم يُنقَلْ؟ و هذا يؤَدّي إلَى الشكِّ في فَوتِ كَثيرٍ مِن الشرائعِ.
قُلنا: نَحنُ [لا نُجوِّزُ] أنّ شَيئاً مِن الشريعةِ لَم يَصِلْ إلينا و [لا] نَتمكَّنُ نَحنُ مِن الوصولِ إليه؛ لأنّا إذا عَلِمنا أنّ شَريعةَ النبيِّ صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه لازمةٌ لنا إلى يَومِ القيامةِ، و عَلِمنا أنّ التكليفَ لَم يَسقُطْ عنّا في حالٍ مِن الأحوالِ، عَلِمنا أنّ ما فَرَضوه مِن ضَياعِ بعضِ الشريعةِ و تَركِ نَقلِه و إن كانَ مُمكِناً لَم يَتَّفِقْ؛ لأنّه لَو اتَّفَقَ ذلكَ لَكانَ إمّا أن يَسقُطَ مِن التكليفِ عنّا ما ذلكَ الشيءُ لُطفٌ فيه، و قد عَلِمنا أنّ شَيئاً مِن التكليفِ لَم يَسقُطْ؛ أو كانَ يَجِبُ أن يَظهَرَ الإمامُ و يؤيِّدَه اللّهُ تَعالى بالمَلائكةِ، فيؤَدّيَ إلينا ما ضاعَ مِنّا و لَم يَصِلْ إلينا. فلمّا لَم يَسقُطِ التكليفُ عنّا و [لَم يَظهَرْ] هو، عَلِمنا أنّ ذلكَ لَم يَتَّفِقْ.
على أنّ الذي جَوَّزناه أخيراً، إن جَوَّزنا أن يَكونَ بعضُ الشريعةِ لَم يَصِلْ إلينا و يَكونَ عندَه عليه السلامُ، فلا يَجِبُ إسقاطُ التكليفِ عنّا، مِن حَيثُ أُتينا مِن قِبَلِ نُفوسِنا؛ لفِعلِنا ما أَوجَبَ استتارَه و غَيبتَه. و جَرى ذلكَ مَجرى ما يَفوتُنا مِن تَصرُّفِه و تأديبِه و الانتفاعِ بمكانِه، في أنّ ذلكَ لا يوجِبُ إسقاطَ التكليفِ عنّا، مِن حَيثُ كُنّا السببَ في استتارِه و غَيبتِه. و على هذا السؤالِ لا جوابَ علينا في ذلكَ.0.
ص: 293
مَسألةٌ: قالَ السيّدُ المُرتَضى (رَضيَ اللّهُ عنه): «و طولُ الغَيبةِ [كقِصَرِها](1) لأنّها مُتعلِّقةٌ بزَوالِ الخَوفِ الذي رُبَّما تَقدَّمَ أو تأخَّرَ.
و زيادةُ عُمُرِ الغائبِ علَى المُعتادِ لا قَدحَ به؛ لأنّ العادةَ قد تَنخَرِقُ للأئمّةِ، بَل للصالحينَ».(2)
شَرحُ ذلكَ: إذا كانَ السببُ في استتارِه و غَيبتِه ما بيّنّاه مِن خَوفِه على نفسِه، جازَ أن يَطولَ زمانُ غَيبتِه؛ لاستمرارِ أسبابِها التي أَوجَبَتها؛ لأنّها مُتعلِّقةٌ بها. فلا يَجوزُ ظهورُه مع ثُبوتِ السببِ الموجِبِ للغَيبةِ؛ لأنّه يؤَدّي ذلكَ إلى تغريرهِ بنَفسِه. و لا يَنبَغي أن يُستَبعَدَ استمرارُ أسبابِ الغَيبةِ؛ لأنّ ذلكَ مُمكِنٌ غيرُ مُمتَنِعٍ.
فأمّا طولُ الغَيبةِ و خروجُه عن العادةِ فلا اعتراضَ به أيضاً؛ لأمرَينِ:
أحَدُهما: أنّا لا نُسلِّمُ أنّ ذلكَ خارِقٌ للعادةِ؛ لأنّ مَن قَرأَ الأخبارَ، و نَظَرَ في أحوالِ مَن تَقدَّمَ، و وَقَفَ على ما سُطِرَ في الكُتُبِ مِن ذِكرِ المُعمَّرينَ، عَلِمَ أنّ ذلكَ قد جَرَت العادةُ بمِثلهِ، و قد نَطَقَ القُرآنُ ببعضِ ذلكَ. قالَ اللّهُ تَعالى إخباراً عن نوحٍ النبيِّ عليه السلامُ: (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عاماً) (3). فأخبَرَ بمُقامِه بَينَ أظهُرِهم هذه المُدّةَ، و هو أضعافُ ما وَجَدنا مِن عُمرِ صاحبِ الزمانِ عليه السلامُ. و ما ذُكِرَ مِن أخبارِ المُعمَّرينَ مِن العَرَبِ و العَجَمِ قد صُنِّفَت فيه الكُتُبُ (4)، و قد
ص: 294
أوردَنا طَرَفاً منه في كتابِ «الغُرَرِ و الدُّرَرِ»(1)، لا يَتحمَّلُ هذا المَوضِعُ إيرادَه.
و الوجهُ الأخيرُ: أنّا لَو سَلَّمنا أنّ ذلكَ خارِقٌ للعاداتِ كُلِّها، عادتِنا و غيرِها، كانَ أيضاً جائزاً عندَنا؛ لأنّ أكثَرَ ما في ذلكَ أن يَكونَ مُعجِزاً، و إظهارُ المُعجِزاتِ عندَنا يَجوزُ على [مَن] لَيسَ بنَبيٍّ مِن إمامٍ أو صالحٍ، و هو مَذهبُ أكثَرِ الأُمّةِ غيرَ المُعتَزِلةِ و الزيديّةِ و الخَوارجِ. و إن سَمّى بعضُهم ذلكَ كَراماتٍ، لا مُعجِزاتٍ، و لا اعتبارَ بالأسماءِ، بَل المُرادُ خَرقُ العاداتِ.
و قد دَلَّلنا على هذا المَذهبِ في كَثيرٍ مِن المَواضعِ، ذكَرناه في «الشافي» و «الذخيرةِ»(2)، و لَيسَ هذا مَوضِعَ ذِكرِه.
و [هذه] جُملةٌ مُقنِعةٌ في هذا البابِ إن شاءَ اللّهُ تَعالى.(3)5.
ص: 295
ص: 296
قد ذَكَرَ الشريف المرتضى هناك كلماتٍ متفرّفةً، و في ثنتَيْن منها علاقةٌ بما استدركناه هنا، فنذكرهما بحسب تقديمه رحمه اللّه و تأخيره:
اعلَمْ أنّ الذي تَقولُه الإماميّةُ مِن الرَّجعةِ، لا خِلافَ بَينَ المُسلِمينَ - بَل بَينَ المُوحِّدينَ - في جَوازِه، و أنّه مقدورٌ للّهِ تَعالى. و إنّما الخِلافُ بَينَهم في أنّه سيوجَدُ لا مَحالةَ، أو لَيسَ كذلكَ؟
و لا يُخالِفُ في صِحّةِ رَجعةِ الأمواتِ إلّامُلحِدٌ و خارجٌ عن أقوالِ أهلِ التوحيدِ؛ لأنّ اللّهَ تَعالى قادرٌ على [إعادةِ] الجَواهرِ بَعدَ إعدامِها. و إذا كانَ عليها قادرًا، جازَ أن يوجِدَها متى شاءَ.
و الأعراضُ التي بها يَكون أحَدُنا حَيّاً مخصوصاً على ضَربَينِ:
أحَدُهما: لا خِلافَ في أنّ إعادتَه بعَينِه غيرُ واجبةٍ؛ كالكَونِ، و الاعتمادِ، و ما يَجري مَجرى ذلكَ.
و الضربُ الآخَرُ: اختُلِفَ في وجوبِ إعادتِه بعَينِه، و هو الحياةُ و التأليفُ. و قد بيّنّا في كتابِ «الذخيرة»(1) أنّ إعادتَهما بعَينِهما غيرُ واجبةٍ، إن ثَبَتَ أنّ الحياةَ
ص: 297
و التأليفَ مِن الأجناسِ الباقيةِ؛ ففي ذلك شَكٌّ.
فالإعادةُ جائزةٌ صَحيحةٌ على كُلِّ حالٍ.
و قد اجتَمَعَت الإماميّةُ على أنّ اللّهَ تَعالى عندَ ظُهورِ القائمِ صاحبِ الزمانِ عليه السلامُ يُعيدُ قوماً مِن أوليائه لنُصرتِه و الابتهاجِ بدَولتِه، و قوماً مِن أعدائه ليَفعلَ بِهم بعضَ ما يَستَحِقّونَه مِن العَذابِ. و إجماعُ هذه الطائفةِ قد بيّنّا في غيرِ مَوضِعٍ مِن كُتُبِنا أنّه حُجّةٌ؛ لأنّ المعصومَ فيهم. فيَجِبُ القَطعُ على ثُبوتِ الرَّجعةِ، مُضافاً إلى جَوازِها في القُدرةِ.
و لَيسَت الرَّجعةُ ممّا يُنافي التكليفَ و يُحيلُ الإجماعَ معه؛(1) و ذلكَ أنّ الدواعيَ مع الرَّجعةِ مُتردِّدةٌ، و العِلمَ باللّهِ تَعالى في تلكَ الحالِ لا يَكونُ إلاّ مُكتَسَباً غيرَ ضَروريٍّ؛ كَما أنّ العِلمَ به تَعالى [في هذه الحالِ] يَكونُ مُكتَسَباً غيرَ ضَروريٍّ، و الدواعيَ إلَى [الكُفرِ] ثابتةً، مع تَواتُرِ المُعجِزاتِ و تَرادُفِ باهِرِ الآياتِ.
و مَن هَرَبَ مِن أصحابِنا مِن القولِ بثَباتِ التكليفِ على أهلِ الرَّجعةِ - لِاعتقادِه أنّ التكليفَ في تلكَ الحالِ لا يَصِحُّ، [و أنّ] القولَ بالرَّجعةِ إنّما هي على طَريقِ الثوابِ و إدخالِ المَسَرّةِ علَى المؤمنينَ ممّا يُشاهَدُ مِن ظُهورِ كلمةِ الحَقِّ - فهو غيرُ مُصيبٍ؛ لأنّه لا خِلافَ بَينَ أصحابِنا في أنّ اللّهَ تَعالى [إنّما] يُعيدُ مَن سَبَقَت وفاتُه مِن المؤمنينَ ليَنصُروا الإمامَ و ليُشارِكوا إخوانَهم مِن ناصِريه و مُحارِبي أعدائه، و أنّهم بالرجعةِ أدرَكوا مِن نُصرتِه و مَعونَتِه ما كان يَقوتُهم لَولاها؛ و مَن أُعيدَ للثوابِ المَحضِ، لا يَجِبُ عليه نُصرةُ الإمامِ عليه السلامُ و القِتالُ عنه و الدفاعُ.
و قد أغنَى اللّهُ تَعالى عن القولِ بما لَيسَ بصَحيحٍ هَرَباً ممّا هو غيرُ لازمٍ و لا مُشتَبِهٍ.ً.
ص: 298
فإن قيلَ: فإذا كانَ التكليفُ ثابتاً على أهلِ الرجعةِ، فجَوِّزوا ثُبوتَ تكليفِ الكُفّارِ الذينَ أعيدوا لنُزولِ استحقاقِ العِقابِ.
أحَدهما: أنّ مَن أُعيدَ مِن الأعداءِ للنَّكالِ و العِقابِ، لا تكليفَ عليه. و إنّما قُلنا: إنّ التكليفَ باقٍ علَى الأولياءِ؛ لأجلِ النُّصرةِ و الدفاعِ و المَعونةِ.
و الجوابُ الآخَرُ: أنّ التكليفَ و إن كانَ ثابتاً عليهم، فيَجوزُ أن يَعلَمَ اللّهُ تَعالى أنّهم لا يَختارونَ التوبةَ؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ الرجعةَ غيرُ مُلجِئةٍ إلى تَركِ (1) القَبيحِ و فعلِ الواجبِ، و أنّ الدواعيَ مُتردِّدةٌ. و يَكونُ وجهُ القَطعِ على أنّهم لا يَختارونَ ذلكَ (2) ما عَلِمنا و قَطَعنا عليه مِن أنّهم مُخَلَّدونَ لا مَحالةَ في النارِ.
و بمِثلِ ذلك نُجيبُ مَن يَقولُ: جَوِّزوا في بعضِ هؤلاءِ الأعداءِ أو كُلِّهم أن يَكونِ قَبلَ مَوتِه بساعةٍ تابَ، فأَسقَطَت التوبةُ عِقابَه، و لا تَقطَعوا - لأجلِ هذا التجويزِ - على أنّهم لا مَحالةَ مُخلَّدونَ في النارِ.
فإن قيلَ: فما عندَكم فيما تَستَدِلُّ به الإماميّةُ على ثُبوتِ الرجعةِ - مِن قولِه تَعالى (وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) ،(3) و [مِن أنّ] ظاهرَ هذا الكلامِ يَقتَضي الاستقبالَ، فلا يَجوزُ أن يُحمَلَ على أنّ المُرادَ به موسى عليه السلامُ و شيعتُه. و إذا حَمَلنا فِرعَونَ و هامانَ على
ص: 299
أنّهما الرجّلانِ المعروفانِ اللذانِ كانا في عَهدِ موسى عليه السلامُ و شيعتِه، فيَجِبُ أن يُعادا لِيَرَيا ما مَنَّ اللّهُ تَعالى به على مَن ذَكرَه مِن المُستَضعَفين؛ و هذا يوجِبُ الرجعةَ إلى ما بيّنّاه لا مَحالة -؟
قُلنا: لَيسَ الاستدلالُ بذلكَ مَرضيّاً، و لا دليلَ يَقتَضي ثُبوتَ الرجعةِ إلّاما بيّنّاه مِن إجماعِ الإماميّةِ. و إنّما قُلنا أنّ ذلكَ لَيسَ بصَحيحٍ؛ إذ لفظُ الاستقبالِ في الآيةِ لا يَدُلُّ على أنّ ذلكَ ما وَقَعَ؛ لأنّ اللّهَ تَعالى تَكلَّمَ بالقُرآنِ عندَ جَميعِ المُسلِمينَ قَبلَ خلَقِ آدمَ عليه السلامُ فَضلًا عن موسى عليه السلامُ، و الألفاظُ التي تَقتَضي المُضيَّ في القُرآنِ هي التي نَحتاجُ [إلى] أن نَتأوَّلَها إذا كانَ إيجادُه مُتقدِّماً.
و إذا سَلَّمنا أنّ ذلكَ ما وَقَعَ إلَى الآنَ و أنّه مُنتَظَرٌ مِن أينَ (1) اقتضاؤه للرجعةِ في الدنيا؟ و لَعلَّ ذلكَ خبرٌ عمّا يَكونُ في الآخِرةِ و عندَ دخولِ الجَنّةِ و النارِ؛ فإنّ اللّهَ تَعالى لا مَحالةَ يَمُنُّ على مُستَضعَفي أوليائه المؤمنينَ في الدنيا، بأن يورِثَهم الثوابَ في الجَنّةِ، و يُمكِّنَ لهُم في أرضِها، و يَجعَلَهم أئمّةً و أعلاماً بما يوصِلُه إليهم مِن صُنوفِ التعظيماتِ و فُنونِ الكَراماتِ. و يُعلِمُ فِرعونَ و هامانَ و جُنودَهما في النارِ ذلكَ مِن حالِهم؛ ليَزدادوا حَسرةً و غَمّاً و أسَفاً.
و قولُ اللّهِ تَعالى: (ما كانُوا يَحْذَرُونَ) صَحيحٌ، لا يَنبو عن التأويلِ الذي ذَكرناه؛ لأنّ فِرعَونَ و هامانَ و شيعتَهما [كانوا] يَحذَرونَ و يَكرَهونَ وصولَ الثوابِ و المَسارِّ و التعظيمِ و التبجيلِ إلى أعدائهما مِن موسى و أنصارِه و شيعتِه، و مُشاهَدتُهم لذلكَ أو عِلمُهم به زائدٌ في عِقابِهم و مُقوٍّ لعَذابِهم و مُضاعِفٌ لإيلامِهم. و هذا ممّا لا يَخفى صِحّتُه و اطّرادُه على مُتأمِّلٍ.(2)ت.
ص: 300
و قد ذَكَرَ فيه كلامين: كلاماً في الغيبة و كلاماً في الإمامة بعده عليه السلام، فقال رحمه اللّه:
قالَ - رَضيَ اللّهُ عنه -:
إن قالوا: إن قَبلتم أنّ الإمامَ موجودٌ، و أنّه يَظهَرُ و يَفعَلُ و يَصنَعُ، فأيُّ شَيءٍ يَمنَعُ مِن ظهورِه؟ بيِّنوا ما الموجِبُ لِاستتارِه و غَيبتِه؟!
قُلنا: قد ثَبَتَ وجوبُ الإمامِ، و أنّ مِن صفتِه أن يَكونَ معصوماً لا يَجوزُ أن يَقَعَ منه الفعلُ القَبيحُ؛ و إذا كانَ كذلكَ، و قد بيّنّا أنّ الإمامَ يَجِبُ كَونُه موجودًا، و الآنَ ما بَقيَ إلّا ظهورُه و غَيبتُه.
فنَقولُ: إذا ثَبَتَ عِصمتُه ثُمّ استَتَرَ و لَم يَظهَرْ، وَجَبَ أن يَكونَ ذلكَ لعُذرٍ؛ لأنّ القَبيحَ لا يَجوزُ وقوعُه منه. و لَيسَ يَجِبُ علينا بيانُ ذلك العُذرِ و إنّه «ما هو؟» بوجهٍ مِن الوجوهِ.
و هذا مِثلُ ما نَقولُ [كلُّنا لمُخالِفينا] و هُم المُلحِدةُ حينَ يَقولونَ: ما الحِكمةُ في رَميِ الحِجارةِ و الهَروَلةِ و استلامِ الحَجَرِ [و نَحنُ] لا نَعلَمُ شَيئاً [مِن حِكمتِه]؟ إلى غيرِ ذلكَ ممّا يَسألونَ عنه.
أ لَسنا نَقولُ لهُم: إنّ صانعَ العالَمِ قد ثَبَتَت حِكمتُه بالدليلِ الباهرِ القاهرِ؛ و مع حِكمتِه إذا أُمِرنا بمِثلِ هذه الأشياءِ، عَلِمنا أنّ الحِكمةَ أَوجَبَت ذلكَ الأمرَ؟
فإذا قالوا: ما ذلكَ الأمرُ؟
قُلنا: لا يَجِبُ علينا بيانُه؛ مِن حَيثُ عَلِمنا أنّ القَبيحَ لا يَحصُلُ منه تَعالى.
ص: 301
و الطريقانِ واحدٌ على ما تَرى؛ و هذا هو سَدُّ البابِ على مُخالِفينا، و قَطعُ التطويلاتِ عنهم و الإسهاباتِ. و بهذا يَنبَغي أن يُستَعمَلَ معهم.
سؤالٌ لهُم: إذا قالوا: إنّ نَصَب الإمامِ إذا كانَ لُطفاً للمُكلَّفينَ في فعلِ الواجباتِ و تَجنُّبِ المُقبَّحاتِ، فإنّ استتارَه و غَيبتَه يَنقُضانِ هذا البِناءَ، و يُبطِلانِ هذا الغرضَ.
قُلنا لهُم: لا يَمتَنِعُ أن يَقَعَ هذا اللطفُ مع غَيبتِه في هذا البابِ أقوى؛ لأنّ المُكلَّفَ إذا لِم يَعلَمْ مكانَه، و لَم يَقِفْ على مَوضِعِه، و يُجوِّزُ فيمن لا يَعرِفُه أنّه الإمامُ، يَكونُ إلى أن لا يَفعَلَ القَبيحَ و لا يُقصِّرَ في فعلِ الواجبِ أقرَبَ منه لَو عَرَفَه و لَم يُجوِّزْ فيه كَونَه إماماً.
و هذا جوابٌ ظاهرٌ لَيسَ لأحَدٍ مِن أصحابِنا هذا الجوابُ.
قالَ - رَضيَ اللّهُ عنه -: العصمةُ في صِفاتِ الإمامِ من أكبَرِ الأُصولِ في الإمامةِ؛ إن ثَبَتَت يَكفي كَثيرًا مِن المؤَنِ. فالواجبُ أن يَكونَ الاشتغالُ بتصحيحِها أكثَرَ.
و سُئلَ - رَضيَ اللّهُ عنه - عن الحالِ بَعدَ إمامِ الزمانِ عليه السلامُ في الإمامةِ فقالَ: إذا كانَ مِن المَذهبِ المعلومِ أنّ كُلَّ زمانٍ لا يَجوزُ أن يَخلوَ مِن إمامٍ يَقومُ بإصلاحِ الدينِ و مَصالحِ المُسلِمينَ، و لَم يَكُن لنا [معلوماً] بالدليلِ الصحيحِ أنّ خروجَ القائمِ يُطابِقُ زوالَ التكليفِ، فلا يَخلو الزمانُ بَعدَه عليه السلامُ مِن أن يَكونَ فيه إمامٌ مُفتَرَضُ الطاعةِ، أو لَيسَ يَكونُ.
فإن قُلنا بوجود إمامٍ بَعدَه، خَرَجنا مِن القولِ بالاِثنَي عَشرَيّةِ.
و إن لَم نَقُلْ بوجودِ إمامٍ بَعدَه، أبطَلنا الأصلَ الذي هو عِمادُ المَذهبِ؛ و هو قُبحُ خُلوِّ الزمانِ مِن إمامٍ.
ص: 302
فأجابَ - رَضيَ اللّهُ عنه - و قالَ: إنّا لا نَقطَعُ على مُصادَفةِ خروجِ صاحبِ الزمانِ مُحمّدِ بنِ الحَسَنِ عليهما السلامُ زوالَ التكليفِ؛ بَل يَجوزُ أن يَبقَى العالَمُ بَعدَه زماناً كَثيرًا، و لا يَجوزُ خُلوُّ الزمانِ بَعدَه مِن الأئمّةِ.
و يَجوزُ أن يَكونَ بَعدَه عِدّةُ أئمّةٍ يَقومونَ بحِفظِ الدينِ و مَصالحِ أهلِه، و لَيسَ يَضُرُّنا ذلكَ فيما سَلَكناه من طُرُقِ الإمامةِ؛ لأنّ الذي كُلِّفنا إيّاه و تُعُبِّدنا منه أن نَعلَمَ إمامةَ هؤلاءِ الاِثنَي عَشَرَ، و نُبيِّنَه بياناً شافياً؛ إذ هو مَوضِعُ الخِلافِ و الحاجةِ.
و لا يُخرِجُنا هذا القولُ عن التسَمّي بالاِثنَي عَشَريّةِ؛ لأنّ هذا الاِسمَ عندَنا يُطلَقُ على مَن يُثبِتُ إمامةَ اثنَي عَشَرَ إماماً. و قد أثبَتنا نَحنُ؛ و لا مُوافِقَ لنا في هذا المَذهبِ، فانفَرَدنا نَحنُ بهذا الاِسمِ دونَ غيرِنا.(1)6.
ص: 303
ص: 304
قد ذكر الشريف المرتضى في هذه الرسالة كلاماً في الرجعة:
ما حقيقةُ الرجعة؟ لأنّ شُذّاذَ الإماميّةِ يَذهَبونَ إلى أنّ الرجعةَ رجوعُ دَولِتهم في أيّامِ القائمِ عليه السلامُ، مِن دونِ رجوعِ أجسامِهم.
اعلَمْ أنّ الذي تَذهَبُ الشيعةُ الإماميّةُ إليه: أنّ اللّهَ تَعالى يُعيدُ عندَ ظهورِ إمامِ الزمانِ - المَهديِّ عليه السلامُ - قوماً ممّن كانَ قد تَقدَّمَ مَوتُه من شيعتِه؛ ليَفوزوا بثَوابِ نُصرتِه و مَعونتِه و مُشاهَدةِ دَولتِه. و يُعيدُ أيضاً قوماً من أعدائه؛ ليَنتَقِمَ منهم، فيَهتَزّوا بما يُشاهِدونَ مِن ظهورِ الحقِّ و عُلوِّ كلمةِ أهلِه.
و الدَّلالةُ على صحّةِ هذا المَذهبِ أنّ الذي ذَهَبوا إليه ممّا لا شُبهةَ على عاقلٍ في أنّه مقدورٌ للّهِ تَعالى غيرُ مُستَحيلٍ في نفسِه؛ فإنّا نَرى كَثيراً مِن مُخالِفينا يُنكِرونَ الرجعةَ إنكارَ مَن يَراها مُستَحيلةً غيرَ مقدورةٍ.
و إذا ثَبَتَ جوازُ الرجعةِ و دخولُها تَحتَ المقدورِ، فالطريقُ إلى إثباتِها إجماعُ الإماميّةِ على وقوعِها؛ فإنّهم لا يَختَلِفونَ في ذلكَ. و إجماعُهم قد بيّنّا - في مَواضِعَ مِن كُتُبِنا - أنّه حُجّةٌ؛ لدخولِ قولِ الإمامِ عليه السلامُ فيه، و ما يَشتَمِلُ على قولِ
ص: 305
المعصومِ مِن الأقوالِ لا بُدَّ فيه مِن كَونِه صَواباً.
و قد بيّنّا أنّ الرجعةَ لا تُنافي التكليفَ، و أنّ الدواعيَ مُتردِّدةٌ معها؛ حَتّى لا يَظُنُّ ظانٌّ أنّ تكليفَ مَن يُعادُ باطلٌ. و ذَكَرنا أنّ التكليفَ كما يَصِحُّ مع ظهورِ المُعجِزاتِ الباهرةِ و الآياتِ القاهرةِ، فكذلكَ مع الرجعةِ؛ لأنّه لَيسَ في جميع ذلكَ مُلجئٌ إلى فِعلِ الواجبِ و الامتناعِ مِن فِعلِ القَبيحِ.
فأمّا مَن تأوَّلَ الرجعةَ مِن أصحابِنا على أنّ معناها «رجوعُ الدولةِ و الأمرِ و النهيِ، مِن دونِ رجوعِ الأشخاصِ و إحياءِ الأمواتِ»، فإنّ قوماً مِن الشيعةِ لمّا عَجَزوا عن نُصرةِ الرجعةِ و بيانِ جوازِها و أنّها [لا] تُنافي التكليفَ، عوَّلوا على هذا التأويلِ للأخبارِ الواردةِ بالرجعةِ.
و هذا منهم غيرُ صَحيح؛ لأن الرجعةَ لَم تَثبُتْ بظواهرِ الأخبارِ المنقولةِ، فتَتطرَّقَ التأويلاتُ عليها؛ فكَيفَ يَثبُتُ ما هو مقطوعٌ على صحّتِه بأخبارِ آحاد لا توجِبُ العِلمَ؟
و إنّما المُعوَّلُ في إثباتِ الرجعةِ على إجماعِ الإماميّةِ على معناها، فإنّ اللّهَ تَعالى يُحيي أمواتاً عندَ قيامِ القائم عليه السلام - مِن أوليائه و أعدائه - على ما بيّناه؛ فكَيفَ تَطرُّقُ التأويلِ على ما هو معلومٌ، فالمعنى غيرُ مُحتَمِلٍ.(1)6.
ص: 306
قد ذَكَرَ الشريف المرتضى في بداية المسائل الطرابلسيّات الثانية سؤالاتٍ يتعلّق بالإمام الثاني عشر عليه السلام و غيبتِه، فأجاب عنها:
بِسمِ اللّهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
ذَكَرَ(1) - أعلَى اللّهُ ذِكرَه وَ رَفَعَ في الدّارَينِ كِلتَيهِمَا قَدرَه - فيمَا قَدَّمَه أمَامَ جَوابِ المَسأَلَةِ الأُولى مِنَ الأدِلَّةِ التي لا يَدخُلُهَا احتِمالٌ وَ لا مَجازٌ، وُجُوبَ جِنسِ الإمَامَةِ مِن الرِّئاسَةِ في كُلِّ زَمَانٍ؛ فَقالَ: «الذي يَدُلُّ على ذلك(2)، أنّا نَعلَمُ ضَرُورَةً [و](3) بِاختِبارِ العَاداتِ أنَّ النَّاسَ مَتى خَلَوا مِن رَئيسٍ مُهَذَّبٍ (4)، نافِذِ الأمرِ، باسِطِ اليَدِ، يُقَوِّمُ (5) الجانيَ، وَ يُؤدِّبُ المُذنِبَ، فَشَا بَينَهُم التَّظالُمُ
ص: 307
وَ التَّغاشُمُ (1) و الأفعالُ القَبيحَةُ؛ وَ أنَّه مَتى رَعاهُم مَن هذهِ صِفَتُه، كانُوا إلَى الاِرتداعِ وَ الاِنزِجارِ وَ لُزومِ المَحَجَّةِ المُثلى (2) أقرَبَ. وَ مَن كَلَّفَهم وَ أرادَ منهُم فِعلَ الواجِبِ وَ كَرِهَ فِعلَ القَبيحِ لا بُدَّ أنْ يَلطُفَ لهُم بِما هو مُقَرِّبٌ مِن مُرادِه، مُبَعِّدٌ مِن مَسخُوطِه(3)، فيَجِبُ ألّا يُخليهُم مِن إمامٍ في كُلِّ زَمانٍ».
فَمَا جَوابُ مَن قالَ: «كُلُّ عِلّةٍ لكُم في هذا وَ نحوِه، يقتَضي إعزَازَه و كَفَّ أيدِي الظَّلَمَةِ عنهُ ليظهَرَ و يصِحَّ الاِنتِفَاعُ بهِ مِن سَائِرِ وجُوهِ الاِنتِفاعِ التي ذَكَرتُمُوها؛ وَ إلّافَإنْ أجَزْتُم أنْ يتَأَخَّرَ ظُهُورُه وَ إصراخُه المَظلُومَ وَ مَعونَتُه الضَّعيفَ وَ إرشادُه الضُّلّالَ وَ تَعلِيمُه الجُهّالَ، وَ تَكونَ حُجَّةُ اللّهِ ثابِتةً، وَ له في تِلكَ الحَادِثةِ حُكمٌ مَعَ غَيبتِه خِلافَ الحُكمِ مَعَ ظُهُورِه، فَأَلّا أجَزتُمْ أنْ يَتَأَخَّرَ الحُكمُ فيهَا إلى يَومِ القيامَةِ لِيتوَلَّى اللّهُ - تَعالى - حُكمَها وَ نَحنُ نَعلَمُ أنَّ هذهِ الأحكامَ لا تُتَلافى وَ لا تَحتَمِلُ الاِنتِظارَ؛ لأنَّه يَموتُ الظالِمُ وَ المَظلُومُ، وَ يَبطُلُ الحَقُّ المَطلُوبُ، وَ يَنقَرِضُ النَّاسُ وَ لَم يَزُلْ (4) اختِلافُهم و لا انتَصَفُوا مِمَّن ظَلَمَهم. فَقَد أدّاكُم اعتِلالُكم إلى إيجابِ ظُهُورِه بِإعزَازِه وَ الشَّدِّ(5) مِنهُ وَ كَفِّ أيدِي الظَّلَمَةِ عَنه، أو).
ص: 308
تَجويزِ الاِستِغنَاءِ عنه - عَلى مَا بَيّنّاه.
اعلمْ أنَّ كُلَّ مَسألَةٍ تَتَعَلَّقُ بالغَيبَةِ مِن هذهِ المَسائلِ، فجَوابُها مَوجودٌ في كتابِنا المُقنِع في الغَيبةِ وَ في الكتابِ الشافي الذي هو نَقضُ كتابِ الإمَامَةِ مِن الكتابِ المَعروفِ ب «المُغني»(1) -، وَ مَن تأمَّلَ ذلكَ وَجَدَه إمّا في صَريحِهما أو فَحواهما.
فَأمَّا إلزامُنا عَلى عِلَّتِنا في الحاجَةِ إليه، وجوبَ إعزَازِه وَ كَفِّ أيدي الظَّلَمَةِ عنه ليَظهَرَ وَ يَقَعَ الاِنتفاعُ بهِ؛ فَالإعزَازُ وَ كَفُّ أيدِي الظَّلَمةِ على ضَربَينِ: أحَدُهما لا يُنافي التكليفَ وَ يكونُ التكليفُ معَه ثابِتاً؛ وَ الضَّربُ الآخَرُ يُنافي التكليفَ.
فَالضَّربُ الأوَّلُ، قَد فَعَلَ اللّهُ منه كُلَّ ما يحتاجُ إليهِ؛ لأنَّ الإعزَازَ الذي لا مُنافاةَ بَينهُ وَ بَينَ التَّكليفِ إنَّما يَكونُ بإقامَةِ الحُجَجِ وَ البَراهينِ وَ الأمرِ وَ النَّهيِ وَ الوَعظِ وَ الزَّجرِ وَ الألطافِ المُقَوِّيَةِ لِدَواعِي الطَّاعةِ الصَّارِفَةِ عَنِ المَعصيةِ، وَ قَد فَعَلَ اللّهُ - تَعالى - ذلك أجمَعَ عَلى وَجهٍ لا مَزيدَ عَليه.
وَ أمّا الضَّربُ الثَّاني - وَ هو المُنافي للتكليفِ، كالقَهرِ وَ القَسرِ وَ الإكراهِ وَ الإلجَاءِ -، فَالثَّوابُ الذي الغَرَضُ بِالتَّكليفِ هو التَّعريضُ لَه، يَسقُطُ معَ ذلكَ؛ فكَيفَ يُفعَلُ لأجلِ التكليفِ مَا يُسقِطُ الغَرَضَ به وَ يَنقُضُه؟
وَ الذي مَضى في خِلال السُّؤالِ مِنَ الحِكايَةِ عَنّا القولَ بِأنَّ: «في الحَوَادِثِ ما الحُكمُ فيه عَن غَيبَةِ الإمامِ - عليه السَّلامُ - يُخالِفُ الحُكمَ معَ ظُهورِه»(2)، باطِلٌ، لا نَذهبُ إليه، وَ لا قالَ مِنّا بِه قَائلٌ. وَ حُكمُ اللّهِ في الحَوَادثِ الشَّرعيَّةِ معَ غَيبةِ الإمامِ -
ص: 309
عَليهِ السَّلامُ - وَ ظُهُورِه واحِدٌ غَيرُ مُختَلِفٍ.
فَإنْ قيلَ: ألا جَازَ أنْ يَكونَ الحَقُّ في بَعضِ المَسائلِ أو الحَوادِثِ عِندَ الإمامِ - عَلَيهِ السَّلامُ - وَ النّاسُ في حَالِ الغَيبةِ في ذلكَ الأمرِ عَلى باطِلٍ، وَ لَو زَالَتِ التَّقيّةُ عَنه لَبَيَّنَ الحَقَّ وَ أوضَحَه؟!
قُلنَا: قَد أجَبنَا عَن هذا السؤالِ - في كِتابِنا في الغَيبَةِ وَ الشّافي وَ الذَّخيرةِ وَ كُلِّ كَلامٍ أملَينَاهُ فيمَا يَتَعَلَّقُ بِالغَيبةِ - بِأنَّ الحَقَّ في بَعضِ الأُمُورِ لَو خَفِيَ عَلينَا وَ كانَتْ مَعرِفَتُه عِندَ الإمامِ الغائِبِ، لَوَجَبَ أنْ يَظهَرَ وَ يُوضِحَ ذلكَ الحَقَّ، وَ لا تَسَعُهُ التَّقيّةُ وَ الحَالُ هذه. وَ قُلنا: إنَّ ذلكَ لَو لَمْ يَجِبْ، لَكُنّا مُكَلَّفينَ مَا لا طَريقَ لَنا إلى عِلمِه؛ وَ ذلكَ لاحِقٌ بِتكليفِ مَا لا يُطاقُ في القُبحِ. وَ جَرَينا في الجَوابِ بِذلكَ عَلى طَريقَةِ أصحَابِنَا؛ فَإنَّهم عَوَّلُوا في الجَوابِ عَن هذا السؤالِ عَلى هذهِ الطَّريقَةِ.
وَ الذي يَقوَى الآنَ في نَفسي وَ يَتَّضِحُ عِندي: أنَّهُ غَيرُ مُمتَنعٍ أنْ يَكونَ عندَ إمَامِ الزمانِ - عَليهِ السَّلامُ - غَائباً كانَ أو حاضِراً، مِنَ الحَقِّ في بَعضِ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ مَا لَيسَ عندَنا، لا سِيَّمَا مَعَ قَولِنا بِأنَّهُ يَجُوزُ أنْ يكتُمَ الأُمَّةَ كُلَّها شَيئاً مِنَ الدِّينِ حَتّى لا يَرَونَه مِنَ الحُجَّةِ في رِوايَتِه.
وَ لا يَكونُ تَكليفُنَا مَعرِفَةَ ذلِكَ الحَقِّ تَكليفاً لِمَا لا يُطاقُ؛ لأنَّا نُطيقُ مَعرِفةَ ذلِكَ الحَقِّ الذي استَبَدَّ(1) بِمَعرِفتِه الإمامُ؛ مِن حَيثُ قَدَرنَا - إذا كانَ غائِباً لِخَوفِه - عَلى إزَالَةِ خَوفِه؛ فَإنَّه كَانَ حينئذٍ يَظهَرُ وَ يُبَيِّنُ ذلكَ الحَقَّ. وَ إذَا كُنّا مُتَمَكِّنينَ مِن ذلكَ، فَهوَ تَمَكُّنٌ مِن مَعرِفةِ الحَقِّ.
ألا تَرى أنَّا نَقُولُ: إنَّ اللّهَ - تَعالى - قَد كَلَّفَ الخَلقَ طَاعَةَ الإمَامِ وَ الاِنقيادَ لَه).
ص: 310
وَ الاِنتِفَاعَ بِه، وَ ذلِكَ كُلُّه مُنتَفٍ في حَالِ الغَيبَةِ فَالتَّكليفُ لَه مَعَ ذلِكَ ثَابِتٌ؛ لأنَّ التَّمَكُّنَ مِنه فينَا قَائِمٌ؛ مِن حَيثُ تَمَكَّنَّا مِن إزَالَةِ تَقيَّةِ الإمَامِ وَ مَخَافَتِه. فَأيُّ فَرقٍ بَينَ الأمرَينِ؟!
فَإن قيلَ: فَإذا كُنتُم تُجَوِّزونَ أن يَكونَ الحَقُّ عِندَه في بَعضِ المَسائلِ و هو خَافٍ عَنّا، وَ لَم تُوجِبوا ما أوجَبَه أصحَابُكم - مِن أنَّ ذلكَ لَو جَرى، لَوَجَبَ ظُهُورُ الإمامِ عَلى كُلِّ حَالٍ وَ لَم تُبَح التَّقيَّةُ، أو سُقوطُ التكليفِ في ذلكَ الأمرِ المُعَيَّنِ - فمَا الأمانُ لَكم مِن أنَ يَكونَ الحَقُّ في أُمُورٍ كَثيرةٍ خَافياً عنكُم و مُستَبِدّاً بِمَعرِفَتِه الإمامُ، و يَكونَ التكليفُ عَلينَا فيه ثابِتاً لِلمَعنى الذي ذَكَرتُمُوه، وَ هو التَّمَكُّنُ مِن إزَالَةِ خَوفِ مُبيِّنِ هذا الحَقِّ لَنا؟
قُلنا: يَمنَعُ مِن تَجويزِ ذلكَ إجماعُ طائِفَتِنا، و فيه الحُجَّةُ؛ بَل إجماعُ الأُمَّةِ عَلى أنَّ كُلَّ شَيءٍ كُلِّفنَاه مِن أحكامِ الشَّريعَةِ، عَلَيه دَليلٌ، و إليه طَريقٌ، نَقدِرُ - و نَحنُ عَلى ما نَحنُ عَلَيه - على إصَابَتِه، و نَتَمَكَّنُ مَعَ غَيبَةِ الإمامِ و ظُهُورِه مِن مَعرِفَتِه. و لَولا هذا الإجمَاعُ لَكانَ مَا قُلتُموه مُجَوَّزاً.
وَ هذا الإجماعُ الذي أَشَرنَا إليهِ لا شُبهَةَ فيه؛ لأنَّ أصحَابَنا الإِماميَّةَ لَمّا مَنَعوا مِن كَونِ حَقٍّ في حَادثةٍ كُلِّفنَا مَعرِفَةَ حُكمِها خَفِيَ عنَّا وَ هو عِندَ إِمامِ الزَّمانِ - عَلَيهِ السَّلامُ - و عَلَّلوا ذلِكَ بِأنَّ: «هذا التقديرَ مُزيلٌ لِتكليفِ العِلمِ بِحُكمِ تلكَ الحادِثةِ»، قد اعتَرَفوا بِأنَّ: «ذلكَ لَم يَكُنْ» و إنَّما عَلَّلوه بِعِلَّةٍ غَيرِ مَرضِيَّةٍ، فَالاتِّفاقُ مِنهم حَاصِلٌ عَلى الجُملَةِ التي ذَكَرناها، مِن أنَّ أحكامَ الحَوَادثِ و العِلمَ بالحَقِّ منها مُمكِنٌ معَ غَيبَةِ الإِمامِ - عليه السَّلامُ -، كَمَا هو مُمكِنٌ معَ ظُهُورِه.
فَأمَّا إلزامُنَا تَأخُّرَ حُكمِ بَعضِ الحَوَادِثِ بِاستِمرارِ تَقيَّةِ الإِمَامِ المُتوَلِّي لَها إلى يَومِ
ص: 311
القيامَةِ، فَلا شُبهَةَ في جَوازِ ذلكَ. و طُولُ زَمَانِه كَقِصَرِه في أنَّ الحُجَّةَ فيهِ عَلى الظَّالمِ المانِعِ لِلإِمامِ مِنَ الظُّهُورِ لِاستيفاءِ ذلكَ الحَقِّ و إِزالَةِ تلكَ المَظلِمَةِ، و الإثمَ مُحيطٌ بِهِ؛ و لا حُجَّةَ عَلى اللّهِ - تَعالى - و لا عَلَى الإِمَامِ المَنصُوبِ.
فَأمَّا مَوتُ الظَّالِمِ قَبلَ الانتِصافِ مِنه، و هَلاكُ مَن الحَدُّ في جَنبهِ قَبلَ إِقامَتِه عَلَيهِ:
فَجَائِزٌ. و إذا جَرى ذلكَ بِمَا عرضَ مِن مَنعِ الظَّالِمينَ مِن ظُهُورِ مَن يَقُومُ بِهذِهِ الحُقُوقِ، فهُم المُؤاخَذونَ بِإثمِ ذلِكَ. و اللّهُ - تَعالى - يَنتَصِفُ لِلمَظلُومِ في الآخِرَةِ، و يَستَوفي العِقابَ - الذي ذلكَ الحَدُّ مِن جُملَتِه - في القيامَةِ كَمَا يَشاءُ.
وَ لا بُدَّ لِمُخَالِفينَا في هذهِ المَسألَةِ مِن مِثلِ جَوابِنا إذَا قيلَ لَهُم: «مَا تَقولُونَ في هذهِ الحُقُوقِ و الحُدُودِ التي لا يَستَوفيهَا إلّاالإمَامُ إذا قَصَّرَ أهلُ الحَلِّ و العَقدِ في العَقدِ لإِمامٍ يَقُومُ بِها، أو أقَامُوا إِمَاماً فَلَم يُمكَّنْ مِنَ التصَرُّفِ و حِيلَ بينَه و بينَه أَوَ لَيسَ هذا يُوجِبُ عَلَيكُم فَوتَ هذهِ الحُقُوقِ و تَعَطُّلَ هذهِ الحُدُودِ إلى يَومِ القيامَةِ؟!»؛ فَلا بُدَّ لَهُم مِن مِثلِ جَوابِنا.
فَأمَّا إلزامُنَا إعزَازَ الإمَامِ و كَفَّ الأيدِي عَنهُ، فَقَد قُلنَا فيه مَا وَجَبَ. ثُمَّ نَعكِسُ هذا السُّؤالَ عَلَى المُخَالِفِ، فَنَقُولُ لَهُم: «كُلُّ عِلَّةٍ لَكُم في وُجُوبِ الإِمَامَةِ مِن طَريقِ السَّمعِ، فَإنّه لا بُدَّ مِنهَا و لا غِنىً عَنهَا، يُوجِبُ عَلَيكم إِعزَازَ الإِمامِ حَتّى لا يُضَامُ و لا يُمنَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ و التَّدبيرِ، و كَفَّ الأيدي الظّالِمَةِ عَنه، و مَا رَأَينَاه - تَعالى - فَعَلَ ذلكَ عِندَ مَنعِ الأئمَّةِ مِنَ التصَرُّفِ»؛ فَلا بُدَّ لَهُم مِن مِثلِ جَوابِنا.
وَ مَا جَوابُه أيضاً إنْ قَالَ - ناصِراً لِمَا تَقَدَّمَ منهُ في تَجويزِ الاستِغناءِ عَن الإِمَامِ -:
«مَا حُجَّةُ اللّهِ - تَعالى - عَلى مَن جَهِلَ الإِمَامَ و اشتَبَهَ عَلَيهِ مَوضِعُ النَّصِّ؟»، وَ قالَ:
ص: 312
«فَإنْ قُلتُم: حُجَّةُ العَقلِ و النقلِ - و لا بُدَّ لَكُم مِنَ الاعتِرافِ بِذلِكَ - قيلَ لكُم: أَوَ ذلِكَ كَافٍ بِنَفسِه غَيرُ مُحتَاجٍ إلى إمَامٍ؟!».
ثُمَّ قَالَ: «فَلا بُدَّ مِن نَعَم. فَيُقالُ لهُم: فَلِمَ. كانَ ذلِكَ في كُلِّ ضَالٍّ عَن حَقٍّ كائِناً مَا كانَ؟
فَإنْ قالُوا: النَّقلُ مُختَلِفٌ و الحُجَجُ مُعارَضَةٌ.
قيلَ لهُم: أنتم تَعلَمُونَ أنَّكُم مَتى قُلتُم أنَّكُم تَقدِروُنَ عَلى إجَابَةِ هذا السَّائِلِ المُستَرشِدِ عن النصِّ و عن الإِمامِ بِحُجَجٍ فيهِ و لا مُخَالِفَ فيها و بِنَقلٍ مُتَّفَقٍ عَلَيهِ لا تَنازُعَ فيه، تَجَاهَلتُم، و سُئلتُم في ذلكَ، فَلا تَجِدونَ إلَيهِ سَبيلاً.
و إنْ قالُوا: و لكِن لا يَتَسَاوَى الحَقُّ و الباطِلُ.
قيلَ لهُم: فقُولوا ذلِكَ في كُلِّ مُختَلَفٍ فيه، و استَغنُوا عَن إمامٍ».
الجَوابُ - و بِاللهِ التَّوفيقُ -:
اعلَمْ أنَّ هذا الاعتِراضَ دالٌّ عَلى أنَّ المُعتَرِضَ بِهِ لَم يُحصِّلْ عَنّا عِلَّةَ الحَاجَةِ العَقليَّةَ إلَى الإِمَامِ؛ و إنَّما يَحُوجُ (1) النَّاسُ في كُلِّ زَمانٍ و عَلى كُلِّ وَجهٍ إلى رَئيسٍ، لِيَكونَ لُطفاً لَهُم في العُدُولِ عَنِ القَبَائحِ العَقليّةِ و القيامِ بِالواجِباتِ العَقليَّةِ، و أنَّهم معَ تَدبيرِه و تَصَرُّفِه يَكونونَ أقرَبَ إلى مَا ذَكَرنَاه؛ و لَم يُحوِجْهم إليهِ لِيَعلَمُوا مِن جِهَتِهِ الحَقَّ فيمَا عَلَيهِ دَليلٌ مَنصُوبٌ، إمّا عَقليٌّ أو سَمعيٌّ. فَمَن اشتَبَهَ عَلَيهِ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالإِمَامَةِ، فَالحُجَّةُ عَلَيهِ مَا نَصَبَهُ اللّهُ - تَعالى - عَلى ذلِكَ الحَقِّ، مِن دَليلٍ يُوصِلُ إلَى العِلمِ بهِ، إمّا عَقليٌّ أو شَرعيٌّ. و هكَذا نَقُولُ في كُلِّ حَقٍّ كَائِناً مَا كانَ: «إنَّ عَلَيهِ دَليلاً، و إليهِ طَريقاً».).
ص: 313
وَ لَيسَ الحُجَجُ في ذلِكَ مُتَكافِئَةً كَمَا مَضى في الكَلامِ، كَمَا أنَّه لَيسَ في أدِلَّةِ العُقُولِ عَلى التوحيدِ و العَدلِ و النُّبُوّاتِ الحُجَجُ مُتَقابِلَةً مُتَكافِئَةً. و الحَقُّ في كُلِّ ذلِكَ مُدرَكٌ لِكُلِّ مَن طَلَبَه مِن وَجهِهِ و سَلَكَ إليهِ مِن طَريقِه.
و قَد بَيَّنَّا في كِتابِنا الشافي(1) أنَّ هذا القولَ لا يُوجِبُ الاستِغنَاءَ عَن الإِمَامِ في أحكامِ الشَّريعةِ؛ لأنَّ أحكامَ الشَّريعةِ المَنقُولةَ يَجُوزُ أنْ يُعرِضَ ناقِلُوهَا أو أكثَرُهم عن نَقلِها، إمَّا اعتِماداً(2) أو شُبهَةً، فَتَكونُ الحُجَّةُ حِينَئِذٍ في بَيانِ الإِمامِ لِذلِكَ الحُكمِ. و تَجري الإِمَامَةُ - و الحَالُ هذهِ - مَجرَى النُّبُوَّةِ في أنّا نَستَفيدُ مِن الإِمَامِ مَا لا يُمكِنُ استِفَادَتُه إلّامِن جِهَتِه.
وَ مَا جَوابُه إنْ قَالَ:
«و يُقالُ لَهم: مَا الحُكمُ في صاحِبِ حَقٍّ يَعلَمُ مِن نَفسِه أنَّه لَيسَ يَنوي للإِمامِ
ص: 314
سوءاً و أنَّه مُطيعٌ لَه مَتى قَامَ و ظَهَرَ؛ و حَقُّه مُشكِلٌ، يَعرِفُه هو و يَجهَلُه مَن عَلَيهِ الحَقُّ؛ و قَولُ الأُمَّةِ مُختَلِفٌ فيه؛ و مَن عَلَيهِ الحَقُّ أيضاً حَسَنُ الرأيِ في الإِمَامِ، عَازِمٌ عَلى طاعَتِه؛ و لَيسَ يَصِحُّ لَه أنَّ عَلَيهِ حَقّاً؛ و لَو صَحَّ لَه، لأدّاهُ. و هو لا يَحتَمِلُ التأخيرَ؛ لأنَّ بَقيَّةَ الغُرَمَاءِ يُطالِبونَه بِتوزيعِ مَالِهِ عَليهِم، و لا مَالَ لهُ غَيرُه. أَ صَحَّ حَقُّ هذا أم بَطَلَ؟».
و قالَ:
فَإن قالُوا: «يُمكِنُه أنْ يَصِلَ إلَى الإِمامِ و يَسألَهُ فَيَرجِعَ إلى قولِه»؛ أُشبِعَ (1) هذا عَنهم، و عُلِمَ بُطلانُ ذلِكَ مِن قَولِهم بِتَعَذُّرِ قُدرَتِهم عَلَيهِ في المُدَّةِ الطَّويلَةِ مِن الزَّمانِ فَضلاً عَن حَالٍ يَضِيقُ فيها الخِنَاقُ (2) و يَلِجُّ الغُرَماءُ.
و إنْ قَالُوا: «يُمكِنُه أنْ يَعرِفَ الحَقَّ: أ لَهُ أم عَلَيهِ؟»؛ قيلَ لَهُم: «إذا كَانَ هذا مُمكِناً بِحُجّةٍ سَمعيَّةٍ و إنِ اختُلِفَ فيهَا، فَلِمَ لا جَازَ مِثلُه في سائرِ الشَّرائِعِ و المَسائلِ؟».
و إنْ قَالُوا: «يَتَأخَّرُ حُكمُ هذهِ المَسألَةِ عَن دارِ التَّكليفِ و يَلزَمُ صَاحِبَ الحَقِّ الكَفَّ عَنهُ، و لا شَيءَ على مَن مَنَعَهُ، و يَكونُ العِوَضُ عَلَى اللّهِ - سُبحَانَه -».
قيلَ لَهُم: «فَجَوِّزوا مِثلَ ذلِكَ أيضاً فيمَا أشكَلَ أمرُه(3)، و يَكُونُ كُلُّ مَا لَم تَتَّضِحِ الحُجَجُ السَّمعيَّةُ فيه بِمَنزِلَةِ مَا لَم يَرِدْ فيه سَمعٌ».
الجَوابُ - وَ بِاللهِ التَّوفيقُ -:
جَوابُ هذِه المَسأَلَةِ مُستَفَادٌ مِن جَوابِنا فِي المَسألَتَين المُتَقَدّمَتين عَلَيها. و قَد».
ص: 315
بَيَّنَّا أنَّه لا حُكمَ للّهِ - تَعالى - في الحَوادِثِ الشَّرعيةِ إلّاو عَلَيهِ دَليلٌ، إمَّا عَلى جُملَةٍ أو تَفصيلٍ. و فَرضُ هذهِ المَسألَةِ عَلى الأصلِ الذي بَيَّنَّاه بَاطِلٌ؛ لأنَّه فُرِضَ فيهَا أنَّ مَن عَلَيهِ الحَقُّ لا طَريقَ لَه إلَى العِلمِ بِأنَّ الحَقَّ عَلَيهِ؛ و قَد بَيَّنَّا أنَّ الأمرَ بِخِلافِ ذلِكَ.
فَإذا قيلَ لنا: «هذه مُكابَرَةٌ؛ لأنَّا نَعلَمُ أنَّ الحَوادِثَ غَيرُ مُتَنَاهِيَةٍ، فَأحكامُها إذاً غَيرُ مُتَناهيةٍ، و نُصُوصُ القُرآنِ مَحصُورَةٌ مُتَناهِيَةٌ، و مَا تَروونَه عَن أيمَّتِكُم(1) - عَلَيهِم السَّلامُ - الغَالِبُ عَلَيه، بَل أكثَرُه و جُمهُورُه، الورودُ مِن طَريقِ الآحادِ التي لا تُوجِبُ عِلماً. و عِندَكم خَاصَّةً أنَّ العَمَلَ تَابِعٌ لِلعِلمِ دونَ الظَّنِّ. و فيكُم مَن يَتَجَاوَزُ هذهِ الغَايَةَ فَيَقولُ: إنَّ أخبَارَ الآحَادِ مُستَحيلٌ في العُقُولِ أنْ يتَعبّدَ اللّهُ - تَعالى - بِالعَمَلِ بِها. و لَو كَانَتْ أيضاً هذهِ الأخبَارُ أو بَعضُهَا مُتَواتِراً، لَكانَتْ أيضاً مَحصُورَةً مُتَنَاهِيَةً، فَكَيفَ يُستَفادُ مِنها العِلمُ بِأحكامِ حَوادِثَ لا تَتَناهى؟».
قُلنَا: نُصُوصُ القُرآنِ و إنْ كَانَتْ مُتَنَاهِيَةً، فَقَد يدُلُّ مَا يَتَنَاهى في نَفسِه عَلى حُكمِ حَوادِثَ لا تَتَناهى.
ألا تَرى أنَّ النَّصَّ إذا وَرَدَ بِأنَّهُ: «لا يَرِثُ مَعَ الوالِدَينِ و الوَلَدِ أحَدٌ مِنَ الوُرّاثِ إلّا الزوجَ و الزوجَةَ»؛ فَقَد دَلَّ هذا النصُّ - و هو مَحصُورٌ - عَلى مَا لا يَنحَصِرُ مِن الأحكامِ؛ لأنَّه يَدُلُّ على نَفيِ ميراثِ كُلِّ نَسِيبٍ (2) أو قَريبٍ تَعَدّى مَن ذَكَرنَاه، و هُم لا يَتَناهونَ؟).
ص: 316
و لَمّا قَالَ اللّهُ - تَعالى -: (وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ) (1)، استَفَدنا مِن هذا اللَّفظِ وجوبَ الميراثِ للأقارِبِ دونَ الأباعِدِ؛ و الأباعِدُ لا يَتَناهونَ. فَقَد استَفَدنا مِن مُتَنَاهٍ مَا لا يَتَناهى.
و عَلى هذا مَعنَى الخَبَرِ الذي يُروى عَن أَمِيرِالْمُؤْمِنِينَ - صَلَواتُ اللهِ عَلَيهِ - أنَّه قَالَ: «عَلَّمَنِي رَسُولُ اللّهِ - صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ و عَلى آلِه - أَلْفَ بَابٍ، فَتَحَ لِي كُلُّ بَابٍ مِنها أَلْفَ بَابٍ».(2)
فَعَلى هذهِ الجُملَةِ لا تَخلُو الحادِثَةُ الشَّرعيّةُ التي تَحدُثُ مِن أنْ يَكونَ حُكمُها مُستَفَاداً مِن نُصُوصِ القُرآنِ - إمّا عَلى جُملَةٍ أو تَفصيلٍ -، أو مِن خَبَرٍ مُتَواتِرٍ يُوجِبُ العِلمَ - و قَلَّمَا يُوجَدُ ذلِكَ في الأحكامِ الشَّرعيَّةِ -، أو مِن إجمَاعِ الطَّائِفَةِ المُحِقَّةِ التي هِيَ الإمَامِيَّةُ، فَقَد بَيَّنَّا في مَواضِعَ (3) أنَّ إجمَاعَها حُجَّةٌ.
فَإنْ فَرَضنَا أنَّه لا يُوجَدُ حُكمُ هذهِ الحادِثَةِ في كُلِّ شَيءٍ ذَكَرنَاه، كُنّا فيها عَلى حُكمِ الأصلِ في العَقلِ؛ و ذلِكَ حُكمُ اللّهِ - تَعالى - فيهَا إذا كَانَتِ الحَالُ هذهِ.
و قَد بَيَّنَّا في جَوابِ المَسائلِ الحَلَبيّاتِ هذا البَابَ و شَرَحنَاه و أوضَحنَاه، و انتَهَينَا فيهِ إلى أبعَدِ غَاياتِه، و بَيَّنَّا كَيفَ السَّبيلُ إلَى العِلمِ بِأحكَامِ المَسَائلِ الحَادِثَةِ التي اتَّفَقَتْ عَلَيهَا الإمَاميةُ و اختَلَفَتْ؛ و كَيفَ السَّبيلُ إلَى العِلمِ بِأحكَامِ مَا لَم يَجرِ لَهُ ع.
ص: 317
ذِكرٌ في كُتُبِهَا، مِمّا لَم تَتَّفِقْ فيهِ و لا اختَلَفَتْ و لا خَطَرَ بِبالِها، مِمَّا هو مَوجُودٌ في كُتُبِ المُخَالِفينَ أو مِمَّا لَيسَ بِمَوجودٍ في كُتُبِهم، فهو أيضاً كَثيرٌ.
و هذهِ الجُملَةُ التي عَقَدنَاهَا تُنَبِّهُ عَلى مَا يُحتَاجُ إليهِ في هذا البَابِ و يزيلُ الشُّبهَةَ المُعتَرِضَةَ.
و مَا جَوابُه إنْ قَالَ:
«و يُقَالُ لَهُم: أنتُم شيعَةُ الإِمامِ و خَواصُّه، و لا حَذَرَ عَلَيهِ مِنكُم؛ فَكَيفَ تَعمَلُونَ الآنَ إذَا حَدَثَتْ حَادِثَةٌ تَختَلِفُ فيهَا الأُمَّةُ و أشكَلَ الأمرُ(1) عَلَيكُم أ تَصِلُونَ إلى الإِمَامِ و تَسئَلُونَه معَ تَحَقُّقِ مَعرِفَتِه و عِصمَتِه؟».
فَإنْ قَالُوا: «نَعَم!»؛ كانَ مِن الحَديثِ الأوَّلِ؛ و عُرِفَ حَالُ مَن ادَّعى هذا؛ و زَالَ اللَّبسُ في أمرِه.
و إنْ قَالُوا: «نَعمَلُ عَلى قَولِ مَن يَروي لَنَا عَنِ الأئمَّةِ المُتَقَدِّمينَ.».
قيلَ لَهُم: «فَإنْ لَم تَكُن تلكَ الحَادِثَةُ فيمَا فيهِ نَصٌّ عَنهُم؟».
فَإنْ قَالُوا: «لا يَكُونُ ذلكَ؛ لأنَّ لَهُم في كُلِّ حَادِثَةٍ نَصّاً»؛ كَانَ مَن عَرَفَ قَدرَ فُروعِهم و كُتُبِ فِقهِهم عَالِماً بِبُطلانِ هذِه الدَّعوى؛ لأنَّ كُتُبَ أصحَابِ أبي حَنيفَةَ (2)
ص: 318
مَعلُومٌ حَالُها، و دائِماً يحدُثُ مَسائِلُ غَيرُ مُسَطَّرَةٍ لَهُم، حَتَّى يُحتَاج إلى القياسِ عَلى مَا فَرَّعُوا.
و إنْ قَالُوا: «نَقِيسُ عَلى مَا رُوِيَ لَنا عَنهُم»؛ تَرَكوا أصلَهُم و قَولَهُم في إبطالِ القياسِ؛ و قيلَ لهُم: فنَحنُ نَقِيسُ عَلى مَا رُوِيَ لَنا عَن نَبيِّنا - عَلَيه السَّلامُ - فَنَستَغني - إنِ اختَلَفنَا - عَن إِمامٍ.
و قيلَ لَهُم مَعَ ذلكَ: أَ لَيسَ النَّقَلَةُ إلَيكُم لَيسُوا مَعصُومينَ فَإذا جَازَ أنْ تَعمَلُوا بِخَبَرِ مَن لَيسَ بِمَعصُومٍ و تَثِقُوا بِنَقلِهم، فَأَلّا جَازَ أنْ يعلَمَ صِحَّةُ مَا رُوِي لنَا عَن رَسولِ اللّهِ - صَلَّى اللّهُ عَلَيهِ و آلِه - بِنَقلِ مَن نَثِقُ بهِ، فَنَستَغني عَن إِمامٍ؟.
و كَذلِكَ إنْ قَالوا: «نُراسِلُ الإِمامَ بِالحَادِثَةِ و نَستَعلِمُ مَا عِندَه.».
قيلَ لهُم: أَ لَيسَ إنَّما نُراسِلُ بِمَن لَيسَ بِمَعصُومٍ فَإذَا جَازَ أنْ تَقُومَ الحُجَّةُ بِقَولِ (1)مَن لَيسَ بِمَعصُومٍ، فَلِمَ لا جَازَ ذلكَ في سَائرِ أمرِ الدِّينِ؛ و لا فَصلَ؟.
الجَوابُ - وَ بِاللهِ التَّوفيقُ -:
قَد مَضى جَوابُ هذهِ المَسألَةِ مُستَقصىً في جَوابِ التي قَبلَها، و قَد بَيَّنَّا كَيفَ يَجِبُ أنْ تَعمَلَ الشيعَةُ في أحكَامِ الحَوادِثِ فيمَا اتَّفَقَتِ الطائِفَةُ عَلَيهِ أو اختَلَفَتْ، و كَانَ عَلَيهِ نَصٌّ أو لَم يَكُن؛ فَأغنى مَا ذَكرنَاهُ عَمَّا حُكِي عَنَّا مِمّا لا نَقُولُه و لا نَذهَبُ إلَيهِ مِن استِعمَالِ القياسِ أو مُراسَلَةِ المَعصُومِ. وَ إذَا كُنّا قَد بَيَّنَّا كَيفَ الطَّريقُ إلى مَعرِفَةِ الحَقِّ في الحَوَادِثِ، فَمَا عَداهُ بَاطِلٌ لا نَقُولُه و لا نَذهَبُ إلَيه.».
ص: 319
وَ مَا جَوابُه إنْ قَالَ قَائِلٌ:
إنَّ اللّهَ - تَعالى - قَد أبَاحَ كَثيراً مِن أنبيائِهِ - عَلَيهِمُ السَّلامُ - الاستِتارَ مِن أعدائِه حَسبَ مَا عَلِمَه مِنَ المَصلَحَةِ في ذلِكَ، و لَم تَقتَضِ حِكمَتُه إظهارَهُم إذ ذاكَ بِالقَهرِ(1) و الإعزَازِ، و لا التَّخلِيَةَ بَينهُم و بَينَ أعدائِهم الضُّلَّالِ؛ فَكانَ سَبَبُ مَا فَاتَ مِن الانتِفاعِ بِهم مِن قِبَلِ الظَّالِمينَ لا مِن قِبَلِ اللّهِ - سُبحَانَهُ.
[و] قيلَ لكُم: و لا سَوَاءٌ غَيبَةٌ مِن غَيرِ شَريعَةٍ تَقَرَّرَتْ، يَجِبُ تَنفيذُهَا و إمضَاؤُهَا و إزَالَةُ الشُّبَهِ عَنهَا و الإِبَانَةُ عَن حَقَائِقِهَا، و كَونُ هذهِ الغَيبَةِ بَعدَ ظُهُورٍ شَائِعٍ ذَائِعٍ قد ارتَفَعَ الرَّيبُ فيهِ، و انقَطَعَ العُذرُ بهِ لِلمَعلومِ بهِ ضَرورَةً و حِسّاً؛ و غَيبَةٌ بَعدَ شَريعَةٍ تَقَرَّرَتْ، يَجِبُ فيهَا مَا تَقَدَّمَ ذِكرُه، مِن غَيرِ ظُهُورٍ يشَاكِلُ ذلِكَ الظُّهُورَ في حُكمِه لِيَنقَطِعَ العُذرُ بِه. فَكَيفَ يَجُوزُ أنْ يُبِيحَ اللّهُ - تَعالى - الإمَامَ التَّقيةَ و الاستِتارَ كَمَا أبَاحَ مَن قَبلَهُ، و يمسِكَ عَن تَأييدِه كَمَا أمسَكَ عَن تَأييدِهِم، و الصِّفَاتُ مُختَلِفَةٌ، و الأسبَابُ مُتَضَادَّةٌ و قَد رَأَينَاكُم رَفَعتُم عُذرَ الإِمَامِ و ضَيَّقتُمُوهُ في الاستِتَارِ لَو أطبَقَتْ شيعَتُه و النَّقَلَةُ عَن آبائِه عَلَى الضَّلالِ، و أوجَبتُم عَلَيه إذ ذاكَ الظُّهُورَ لِيَصدَعَ بِالحَقِّ (2) عَلى كُلِّ حَالٍ. و ذلِكَ قَولُكُم عِندَ إِلزَامِكُم استِغنَاءَ خُصُومِكم بِالنَّقَلَةِ، و إنْ كَانُوا غَيرَ مَعصُومينَ، كَاستِغنَائِكُم بِنَقَلتِكُم إذا كَانُوا كَذلِكَ. و مَا ذاكَ إلّالاختِلافِ الأسبَابِ - عَلى مَا بَيَّنَّاه. و لَولا ذلِكَ لَوَجَبَ مِثلُه عَلَى الأنبياءِ المُستَتِرينَ - عَلَيهِم
ص: 320
السَّلامُ - في حَالِ استِتارِهم عَنِ الأنَامِ، و قَد كَانوا إذ ذاكَ مُطبِقينَ عَلَى الضَّلالِ.
و بَعدُ، فَكَيفَ أوجَبتُم ظُهُورَه و رَفَعتُم عُذرَه عِندَ ذاكَ أَ عَلى شَرطِ التَّأييدِ لَه مِنَ اللّهِ - تَعالى -، و المَنعِ لأعدَائِه مِنَ الوُصُولِ، أم عَلى وَجهِ التَّخلِيَةِ بَينَه و بَينَهم؟
فَإنْ كَانَ عَلى شَرطِ التَّأييدِ، فَكَيفَ أوجَبتُم تَأييدَه عِندَ ذلِكَ و لَم تُوجِبُوه عِندَ استِمرارِ الظُّلمِ و عَدَمِ حَقيقَةِ الحُكمِ، و ارتِفَاعِ العِلمِ بِه و النَّصِّ عَلَيهِ عَلى وَجهٍ يَنقَطِعُ بِه العُذرُ، و يَرتَفِعُ الخِلافُ فيه بَينَ الكُلِّ، و تَعطيلِ الحُدودِ و حُدُوثِ المُعضِلاتِ و المُشكِلاتِ؟!
و إنْ كَانَ عَلى وَجهِ التَّعزيزِ(1) مِنهُ بِنَفسِه، فَكَيفَ وَجَبَ تَعزيزُه بِها في ذلِكَ، و لَم يَجِبْ في هذا و كَيفَ يَجِبُ عَلَيهِ مِن ذلِكَ مَا لَم يَجِبْ عَلَى الأنبياءِ - عَلَيهم السَّلامُ - في حَالِ الإطباقِ عَلَى الضَّلالِ، و هُم عَلى جُملَةِ التَّقيّةِ و الاستِتارِ؟
قَالوا: و لا مَهرَبَ مِنَ الذي أورَدنَاه إلّاإلى مَا قُلنَاهُ أوّلاً. جَوَّزنَاه.
فَقُولوا مَا عِندَكم فيهِ، و أقرِنُوه بِالدَّليلِ الذّي يُتَمَيَّزُ مِنَ الشُّبهَةِ، و بَيانِها في المَعنى و الصِّفَةِ؛ لِنَسمَعَهُ مِنكُم - إنْ شَاءَ اللّهُ تَعالى.
الجَوابُ - وَ بِاللهِ التَّوفيقُ -:
أمَّا الفَرقُ بَينَ تَسويغِ استِتارِ نَبيٍّ لِخَوفٍ مِن أُمَّتِه، و بَينَ استِتارِ إِمَامِ الزَّمانِ - عَلَيهِ السَّلامُ -، بِأنَّ: «النَّبيَّ قَد بَيَّنَ شَريعَتَه و أدّاهَا و أوضَحَهَا و مَهَّدَها في النُّفُوسِ، فَاستِتارُه غَيرُ قَادِحٍ في طَريقِ العِلمِ بِالحَقِّ؛ و لَيسَ كَذلِكَ استِتارُ الإِمَامِ؛ لأنَّ الأمرَ في الأحكامِ في حَالِ غَيبَتِه مُشكِلٌ غَيرُ مُتَمَهِّدٍ و لا مُتَقَرِّرٍ»؛ فَغَيرُ صَحيحٍ، و الأمرُ).
ص: 321
بِالعَكسِ مِنه؛ لأنَّ إِمامَ الزَّمانِ الغائِبَ - عَلَيه السَّلامُ - لَم يَغِبْ إلّاو شَريعَةُ الرَّسُولِ - صَلّى اللّهُ عَلَيهِ و عَلى آلِه - قَد أُدِّيَتْ و مُهِّدَتْ و تَقرَّرَتْ، و أدّى الرَّسُولُ - عَلَيه السَّلامُ - مِن ذلِكَ مَا وَجَبَ عَلَيه، و بَيَّنَ الأئمَّةُ بَعدَه مِن لَدُنْ وَفاتِه إلى زَمانِ الإِمامِ الغَائِبِ - عَلى جَمَاعَتِهم الصَّلوةُ و السَّلامُ - مِنَ الشَّريعَةِ مَا وَجَبَ بَيانُه، و أوضَحُوا المُشكِلَ و كَشَفوا الغَامِضَ؛ فَاستَوَى الأمرانِ في جَوازِ الغَيبَةِ معَ الخَوفِ عَلى النَّفسِ.
و أرى كَثيراً مِنَ المُعتَزِلَةِ يَذهَبونَ إلى أنَّ اللّهَ - تَعالى - لَو عَلِمَ أنَّ النَّبيَّ - الذِي بَعَثَهُ لِيُؤَدِّيَ مِنَ الشَّريعَةِ مَا لا يُمكِنُ عِلمُه إلّامِن جِهَتِه - تُخِيفُه(1) أُمَّتُه عَلى نَفسِه، و يَقتُلُونَه إنْ أدّى إلَيهم مَا حَمَلَه، و عَلِمَ أنَّه لَيسَ في المَقدُورِ مَا يَصرِفُهم عَن قَتلِه - مِن لُطفٍ و مَا يَجري مَجراهُ مِمّا لا يُنافي التَّكليفَ -؛ فَإنَّ اللّهَ - تَعالى - يُسقِطُ عَن أُمَّتِه التَّكليفَ الَّذي ذلِكَ الشَّرعُ لُطفٌ فيه، و يجرونَ ذلِكَ مَجرى أنْ يَعلَمَ - تَعالى - أنَّ النَّبيَّ المَبعوثَ يَكتُمُ الرِّسَالَةَ و لا يُؤدِّيها.
و لَيسَ الأمرُ عَلى مَا ظَنُّوه. و بَينَ الأمرَينِ فَرقٌ وَاضِحٌ لا يَخفى عَلى مُتَأمِّلٍ؛ لأنَّ بِعثَةَ مَن لا يُؤَدِّي و يُعلَمُ مِن جِهَتِه أنَّه يَكتُمُ الرِّسَالَةَ يسُدُّ عَلَى الأُمَّةِ طَريقَ العِلمِ بِمَا هو مَصلَحَةٌ لَها مِن الشَّرائِع. و لَيسَ كَذلِكَ إذا أخَافُوه عَلى نفسِه فَاستَتَرَ و هو مُقيمٌ بَينَ أظهُرِهِم(2)؛ لأنَّهُم - و الحَالُ هذِه - يَتَمَكَّنُونَ مِن مَعرِفَةِ مَا هو لُطفٌ لَهُم مِن الشَّرائعِ، بِأنْ يُزيلوا خَوفَه و يُؤمِنُوه، فَيَظهَرَ لَهُم و يُؤَدِّيَ إلَيهم. فَفَوتُ المَعرِفَةِ ههُنَا).
ص: 322
مِن جِهَتِهم، و في القِسمِ الأوَّلِ مِن جِهَةِ غَيرِهِم عَلى وَجهٍ لا يَتَمَكَّنونَ مِن إزَالَتِه.
فَما النُّبُوَّةُ في هذهِ المَسألَةِ إلّاكَالإمَامَةِ؛ و مَن فَرَّقَ بَينَهُما فَقَد ضَلَّ عَنِ الصَّوابِ.
و كَيفَ يَذهَبُ عَمَّا ذَكَرنَاه ذَاهِبٌ و قَد عَلِمنَا أنَّ النَّبيَّ إذَا حَمَلَ الرِّسَالَةَ، و لَم تُنعِمْ أُمَّتُه النَّظَرَ(1) في مُعجِزِه، و اشتَبَهَ عَلَيهِم الأمرُ في صِدقِه، فَكَذَّبُوه، لا يَقُولُ أحَدٌ:
«إنَّ اللّهَ - تَعالى - يُسقِطُ عَن أُمَّتِه التَّكليفَ فيمَا كَانَ مَا يُؤَدِّيهِ لُطفاً فيه»؛ و يَعتَلُّونَ في أنَّ إسقَاطَهُ غَيرُ واجِبٍ بِأنَّ اشتِبَاهَ الحَقِّ عَلَيهِم في صِدقِه لا يُخرِجُهم مِن أنْ يَكُونوا مُتَمَكِّنينَ مِن العِلمِ بِمَا فيه مَصلَحَتُهم مِن جِهَتِه، و إنَّما أُتُوا(2) مِن قِبَلِ تَقصيرِهم، و لَو شَاؤُوا لأصَابُوا الحَقَّ و عَرَفوا مِن جِهَتِه المَصلَحَةَ.
و هذَا الاعتِلالُ صَحيحٌ، و هو قَائِمٌ في المَسأَلَةِ التي ذَكَرنَاهَا؛ لأنَّ الأُمَّةَ مَعَ استِتارِ النَّبيِّ عَنهُم لِخَوفِه عَلى نَفسِه، يَتَمَكَّنونَ مِن مَعرِفَةِ مَا يَحتَاجُونَ إلَيهِ مِن جِهَتِه، بِأنْ يُؤمِنُوه و يُزيلُوا مَخافَتَه. و لِهذا يَقولُ أهلُ الحَقِّ: «إنَّ اليَهودَ و النَّصارى مُخاطَبونَ بِشَريعَتِنا مَأمُورونَ بِكُلِّ شَيءٍ أُمِرنَا بِه مِنها.».
فَإذَا قيلَ لَنا: كَيفَ يَصِحُّ مِنَ اليَهودِيِّ أو النَّصرانِيِّ - و هو عَلى مَا هو عَلَيه مِن الكُفرِ - الصَّلوةُ و الصِّيامُ؟!
كَانَ جَوابُنا: أنَّه يَقدِرُ عَلَى الإِيمَانِ و المَعرِفَةِ بِصِدقِ الرَّسولِ - عَلَيهِ السَّلامُ -، فَيَعلَمُ مِن ذلِكَ صِحَّةَ الشَّريعَةِ و وُجُوبَهَا عَلَيه، فَيَفعَلُ مَا أُمِرَ بِفِعلِه.
و لا نَقولُ: «إنَّ تَكليفَ الشَّريعَةِ سَقَطَ عَنه مَعَ الكُفرِ»؛ لِلتَّمَكُّنِ الذي أَشَرنَا إلَيه، و هو قَائِمٌ في المَوضِعِ الذي اختَلَفنَا فيه.أ.
ص: 323
و عَلى هذا الذي ذَكَرنَاه هاهُنا يَجِبُ الاعتِمَادُ؛ فَهو المُحَقَّقُ المُحَصَّلُ.
و مَا مَضى في آخِرِ المَسأَلَةِ - مِنَ الكَلامِ في كَيفيَّةِ التَّأيِيدِ لِلإمَامِ - عَلَيهِ السَّلامُ - و مَنعِ أعدَائِه مِنه، و هَل يَجِبُ القَطعُ عَلى وُجُوبِ ظُهُورِه عَلى كُلِّ حَالٍ إذَا أطبَقَ الخَلقُ عَلى ضَلالٍ، إلى آخِرِ مَا خُتِمَتْ بِه المَسأَلَةُ -، قَد مَضى بَيَانُ الحَقِّ فيهِ في كَلامِنَا، و الفَرقُ بَينَ الصَّحيحِ مِنه و البَاطِلِ؛ فَلا وَجهَ لإعَادَتِه.(1)4.
ص: 324
قد ذَكَرَ هناك الشريفُ المرتضى بعد ذكر البيت الخامس و السبعون - و هو: «رجلٌ كلا طَرَفَيهِ مِن سامٍ و ما * حامٌ له بأبٍ و لا بأبي أبِ» - كلاماً حول أُمّهات بعض الأئمّة (عليهم السلام) و منهنّ أُمّ صاحب الزمان (عليهما السلام):
و أمّا قولُه:
رجلٌ كِلَاَ طَرفَيْهِ مِنْ سَامٍ وَمَا حَامٌ لَهُ بِأَبٍ وَلَا بِأَبِي أَبِ
فإنّما يُريدُ أنّ أميرَالمؤمنينَ عليه السلام ما وَلَدَه مِن كلا طرفَيْهِ حامٌ؛ لأنَّ حاماً والدُ السودان، وسامُ والدُ البيضان.
و أُمُّ أَميرِالمؤمنينَ عليهما السلام فاطمةُ بنتُ أسدِ بنِ هاشمِ بنِ عبدِ منافٍ، و هُوَ أوّلُ هاشميٍّ منَ المسلمينَ وُلدَ لهاشميَّيْنِ،(1) و ليسَ في أُمّهاتِه عليهِ السلامُ، و إنْ بعدنَ وَعَلونَ - مَنْ هيَ مِنْ وُلدِ حام.
و عرّضَ السيّدُ رحمه اللّه في قولِه هذا بعمرِ بنِ الخّطابِ؛ لأنَّ صَهاكَ أُمَّهُ حَبشيَّةٌ، وطِئَها عبدُ العزّى بنُ رباحِ بنِ عبدِاللّه بنِ قُرطِ بنِ رِزاحِ بنِ عَدِيِّ بنِ كعبِ
ص: 325
بنِ لؤيِّ بنِ غالبِ، فجاءَتْ بِنُفَيلِ بنِ عبدِ العُزّى (1).
هذا في روايةِ الهيثمِ بنِ عَديّ الطائيّ (2)، و أَبي عبيدِ مُعْمَرِ بنِ المُثنّى (3)، و غيرِهما.(4)
و قالَ قومٌ آخرون: إِنّ صهاكَ أُمَّ الخطّابِ بنِ نُفيل.
و خالفَ آخرونَ فِي أُمِّ الخطّابِ، و ذكروا أنّها مِن فهمِ بنِ قيسِ (5) غيلان(6).
و أرادَ السيّدُ رحمه اللّه تفضيلَ أَميرِالمؤمنينَ عليه السلام في نسبِه على نسبِ مَن ذكرَهُ.
فإنْ قيلَ: إنْ كانَ في ولادةِ حام معيرةٌ و منقصةٌ، فكيفَ تطرَّقَ ذلك على كثيرٍ من أئمّتكم، فقد ولدتهُم الإماءُ مِنْ أَبي الحسن موسى، إلى صاحبِ الزمان، على جماعتِهُم السلامُ؟6.
ص: 326
قلنا: ما عيَّرَ السيّدُ رحمهُ اللّهُ بولادةِ الإماءِ، و إنّما عيَّرَ بولادَةِ حام، و ليسَ كلُّ أَمَةٍ من وُلْدِ حام.
و أُمّهاتُ مَن ذُكِر مِن أئمّتِنا - صلواتُ اللّهِ عليهم - و إنْ كنّ إماءً، فلسْنَ منْ أولادِ حام.
فأُمُّ أَبي الحسنِ موسى عليه السلام بربريّة، و قيلَ: إنّها أَندلسيَّةٌ، واسمُها حميدة(1).
و أُمّ عليِّ بنِ موسى عليهما السلام مريسيّة، تُسمَّى الخيزُرانُ (2).
و أُمُّ أَبي جعفر عليه السلام قيلَ: إنّها أيضاً مريسيّةٌ، تُسمّى سُكينة، و قيلَ: إنّها بربريّة(3).
و أُمَّهاتُ العسكريَّيْنِ عليهما السلام، و القائم - عجّلَ اللّهُ فرجَه - مولّدات، لسنَ مِن وُلدِ حام(4).
على أَنّه لو كانَ على أصعبِ الوجوهِ في أُمّهاتِ بعضِ أئمّتِنا عليهم السلام مَن هيَ من وُلدِ حام، لمَا كانَ في ذلكَ نقضٌ و لا عاب؛ لأنّ السيّدَ رحمهُ اللّهُ فضّلَ أميرَ المؤمنينَ عليه السلام على من لمْ يلدهُ حام. و ما ألحقَ نقصاً في الّذين من ولدِ حام.
و ليسَ كلُّ فضيلةٍ تتعلّقُ بالدينِ يكونُ فقدُها نُقصاناً فيهِ.
و نحنُ نعلمُ أَنّ للحسنِ و الحسينِ عليهما السلام الفضيلةُ العظمى؛ لأنّ 6.
ص: 327
أُمَّهما الدنيا فاطمةُ عليهما السلام بنتِ رسولِ اللّهِ صلّى اللّهُ عليهِ و آلهِ، و ليسَ هذا لغيرِهما منَ الأئمّةِ عليهم السلام، و إنْ كانَ لا نقصَ يلحقُ بفقدِ هذهِ الفضيلةِ.(1)9.
ص: 328
قد ذكر الشريف المرتضى هناك كلاماً في الإجماع:
و هاهُنا طريقٌ آخَرُ يُتوصَّلُ به إلَى الحَقّ و الصحيحِ مِن الأحكامِ الشرعيّةِ عندَ فَقدِ ظهورِ الإمامِ و تَميُّزِ شخصِه، و هو إجماعُ الفِرقةِ المُحِقّةِ مِن «الإماميّةِ» التي قد عَلِمنا أنّ قولَ الإمامِ - و إن كانَ غيرَ مُتميِّزِ الشخصِ - داخلٌ في أقوالِها و غيرُ خارجٍ عنها.
فإذا أطبَقوا على مَذهبٍ مِن المَذاهبِ، عَلِمنا أنّه هو الحَقُّ الواضحُ و الحُجّةُ القاطعةُ؛ لأنّ «قولَ الإمامِ» الذي هو الحُجّةُ في جُملةِ أقوالِها، فكانَ الإمامُ قائلَه و مُنفَرِداً به.
و معلومٌ أنّ قولَ الإمام - و هو غيرُ مُتميِّزِ العَينِ و لا معروفِ الشخصِ - في جُملةِ أقوالِ الإماميّةِ؛ لأنّا إذا كُنّا نَقطَعُ على وجودِ الإمامِ في زَمانِ الغَيبةِ بَينَ أظهُرِنا، و لا نَرتابُ بذلكَ، و نَقطَعُ أيضاً على أنّ الحَقَّ في الأُصولِ كُلِّها مع الإماميّةِ دونَ مُخالِفيها، و كانَ الإمامُ لا بُدَّ أن يَكونَ مُحِقّاً في جميعِ الأُصولِ؛ وَجَبَ أن يَكونَ الإمامُ على مَذاهبِ الإماميّةِ في جميعِ الأُصولِ.
و إذا عَرَفنا إجماعَ الإماميّةِ جَميعِها على مَذهبٍ مِن المَذاهبِ في فُروعِ
ص: 329
الشريعةِ، فلا بُدَّ مِن أن يَكونَ الإمامُ، و هو سَيِّدُ الإماميّةِ و أعلَمُها و أفقَهُها، في جُملةِ هذا الإجماعِ.
فكما لا يَجوزُ فيما أجمَعَت عليه الإماميّةُ أن يَكونَ بعضُ علماءِ الإماميّةِ غيرَ قائلٍ به و لا ذاهبٍ إليه، فكذلكَ لا يَجوزُ مِثلُه في الإمامِ.
فإن قيلَ: هذا جَحدٌ عظيمٌ منكم، يَقتَضي أنّكم قد عَرَفتم كُلَّ مُحِقٍّ في بَرٍّ و بَحرٍ و سَهلٍ و جَبَلٍ، حتّى مَيَّزتم أقوالَهم و مَذاهِبَهم؛ إمّا بأن لقَيتموهم، أو بأن تواتَرَت عنهم إليكم الأخبارُ بمَذاهبِهم(1)؛ و معلومٌ بُعدُ هذه الدعوى عن الصحّةِ.
قلنا: قد أجَبنا عن هذه المسألةِ بما فَرَّعناه و استَوفَيناه و جَعَلناه كالشمسِ الطالعةِ في الوضوحِ و الجَلاءِ في مَسائلَ سَألَنا عنها أبو عَبدِ اللّهِ مُحمّدُ بنُ عَبدِ المَلِكِ التُّباينُ (2) (رَحِمَه اللّهُ) مقصورةٍ (3) على أخبارِ الآحادِ و طريقِ العِلمِ بالآحادِ، أجهَدَ فيها نفسَه، و أتعَبَ بها عُمُرَه، و ما قَصَّرَ فيما أَورَدَه مِن الشُّبهةِ. فالجوابُ عن هذه المَسائلِ موجودٌ في يَدِ الأصحابِ - أيَّدَهم اللّهُ - و هو يُقارِبُ مِائةَ وَرَقةٍ.
و إذا اطُّلِعَ عليه عُرِفَ منه الطريقُ الصحيحُ إلَى العِلمِ بأحكامِ الشريعةِ على مَذاهبِ أصحابِنا، مع نَفيِهم القياسَ و العملَ بأخبارِ الآحادِ، و وُجِدَ في جوابِ هذه المَسائلِ - مِن تقريرِ المَذهبِ و تأسيسِه، و الجَمعِ بَينَ أُصولِه و فُروعِه - ما لا يوجَدُ في شَيٍ ء مِن الكُتُبِ المُصنَّفةِ.ث.
ص: 330
ثُمَّ لا نُخلي السؤالَ الذي ذَكَرَه مِن جوابٍ على كُلِّ حالٍ، فنَقولُ: هذه الطريقةُ المذكورةُ في السؤالِ هي طريقةُ مَن نَفى إجماعَ الأُمّةِ، و ادَّعى أنّه لا سَبيلَ إلَى العِلمِ بإجماعِها على قولٍ مِن الأقوالِ، مع تَباعُدِ الديارِ و تَفرُّقِ الأوطانِ و فَقدِ المَعرفةِ بكُلِّ واحدٍ منهم علَى التعيينِ و التمييزِ.
و قد عَلِمنا - مع طُولِ المُجالَسةِ و المُخالَطةِ، و امتدادِ العُصُرِ، و استمرارِ الأزمانِ تَقرُّرَ مَذاهبِ المُسلِمينَ و حَصرَ أقاويلِهم، و فَرَّقنا بَينَ ما يَختَلِفونَ فيه و يَجتَمِعونَ عليه؛ و مَن شكَّكَنا في ذلكَ كَمَن شكَّكَنا في البُلدانِ و الأمصارِ و الأحداثِ العظيمةِ، التي يَقَعُ بها العِلمُ و يَزولُ الريبُ فيها بالأخبارِ المُتَواتِرةِ.
و أيُّ عاقلٍ يَشُكُّ في أنّ جميعَ المُسلِمينَ في بَرٍّ و بَحرٍ، و سَهلٍ و جَبَلٍ، و قُربٍ و بُعدٍ يَذهبونَ إلى تحريمِ الزنا و الخَمرِ؟ و أنّ أحَداً منهم لَم يَذهَبْ في الجَدِّ و الأخِ إذا انفَرَدا بالميراثِ إلى أنّ المالَ للأخِ دونَ الجَدِّ؟ و أنّهم لا يَختَلِفونَ (1)الآنَ - و إن كانَ في هذه المَسألةِ خِلافٌ قَديمٌ بَينَ الأنصارِ، في أنّ التقاءَ الخِتانَينِ لا يوجِبُ الغُسلَ.
و لَو شكَّكَنا في هذا مُشكِّكٌ، فقالَ: لَعلَّ في فقهاءِ الأُمّةِ و علمائها مَن يَذهبُ إلى مَذهبِ الأنصارِ «أنّ الماءَ مِن الماءِ». لَعنَّفناه و بَكَّتناه، و إن كُنّا لا نَعرِفُ فقهاءَ الأُمّةِ و علماءَها في الأمصارِ على سَبيلِ التعيينِ و التمييزِ.
و كما أنّ مَذاهِبَ الأُمّةِ بأجمَعِها محصورةٌ معلومةٌ، فكذلكَ مَذاهِبُ كُلِّ فِرقةٍ مِن فقهائها و طائفةٍ مِن علمائها؛ فإنّ مَذاهِبَ أبي حَنيفةَ محصورةٌ بالرواياتِ المُختَلِفةِ عنه مضبوطةٌ، و كذلكَ مَذاهِبُ الشافعيِّ، و إن كانَت له أقوالٌ مُختَلِفةٌ في بعضِ ن.
ص: 331
المَسائلِ؛ فقَد فَرَّقَ أصحابُه و العارفونَ بمَذهبِه: بَينَ المَذاهبِ التي له فيها أقوالٌ، و بَينَ ما لَيسَ له فيه إلّاقولٌ واحدٌ.
فلَو أنّ قائلاً قالَ لنا: إذا كنتم لا تَعرِفونَ أصحابَ أبي حَنيفةَ - في البَرِّ و البَحرِ، و السَّهلِ (1) و الجَبَلِ، و السَّهلِ (2) و الوَعرِ -، فلَعلَّ فيهم مَن يَذهبُ إلى ما يُخالِفُ مَن اجتَمَعَ - ممّن تَعرِفونَ - عليه، و كذلكَ لَو قالَ في مَذاهبِ الشافعيِّ، لَكُنّا لا نَلتَفِتُ إلى قولِه، و نَقولُ:
قد عَلِمنا ضرورةً خِلافَ ما تَذكُرونه، و قَطَعنا على أنّ أحَداً مِن علماءِ أصحابِ أبي حَنيفةَ أو أصحابِ الشافعيِّ لا يَذهبُ - قَريباً كانَ، أو بَعيداً - إلى خِلافِ ما عَرَفناه، و وقَعَ الإطباقُ عليه مِن هذه المَذاهبِ؛ و أنّ التشكيكَ في ذلكَ كالتشكيكِ في سائرِ الأُمورِ المعلومةِ.
و إذا استَقرَّت هذه الجُملةُ، و كانَ مَذهبُ الإماميّةِ أشَدُّ انحِصاراً و انضِباطاً مِن مَذهبِ جميعِ الأُمّةِ، و كُنّا نَعلَمُ أنّ الأمّةَ مع كَثرةِ عَدَدِها و انتشارِها في أقطارِ الأرضِ قد أجمَعَت على شَيءٍ بعَينِه نأمَنُ أن يَكونَ لها قولٌ سِواه، فأَحرى أن يَصِحَّ في الإماميّةِ - و هي جُزءٌ مِن كُلِّها و فِرقةٌ مِن فِرَقِها - أن نَعلَمَ مَذاهبَهم على سَبيلِ الاستقرارِ و التعيينِ، و إجماعَهم على ما أجمَعوا عليه؛ حتّى يَزولَ عَنّا الريبُ في ذلكَ و الشكُّ فيه، كما زالَ فيما هو أكثَرُ منه و أَنشَرُ.
و إذا كانَ الإمامُ في زمانِ الغَيبةِ موجوداً بَينَهم، و غيرَ مفقودٍ مِن جُملتِهم، فهو واحدٌ مِن جَماعتِهم. و إذا عَلِمنا - بالسَّبرِ(3)، و المُخالَطةِ، و طولِ المُباحَثةِ أنّ كُلَّ).
ص: 332
عالِمٍ مِن علماءِ الإماميّةِ قد أجمَعَ على مَذهبٍ بعَينِه، فالإمامُ و هو واحدٌ مِن العلماءِ - بَل أَوحَدُ العلماءِ - داخلٌ في ذلكَ، و غيرُ خارجٍ عنه.
و لَيسَ يُخِلُّ بمَعرفةِ مَذهبِه عدمُ المَعرفةِ بعَينِه، لأنّا لا نَعرِفُ كُلَّ عالِمٍ مِن علماءِ الإماميّةِ و فقيهٍ مِن فقهائها في البِلادِ المتفرِّقةِ، و إن عَلِمنا على سَبيلِ الجُملةِ إجماعَ كُلِّ عالِمٍ - عَرَفناه، أو لَم نَعرِفْه - على مَذهبٍ بعَينِه؛ فالإمامُ في هذا البابِ كمَن لَم نَعرِفْه مِن علماءِ الإماميّةِ.
و إذا لَم يَعرِضْ لنا شَكٌ في مَذهبِ مَن لا نَعرِفُه مِن الإماميّةِ، لَم يَجُزْ أن يَعرِضَ أيضاً شَكٌّ في قولِ الإمامِ و أنّه في جُملةِ أقوالِ الإماميّةِ، و إن كُنّا لا نُميِّزُ شَخصَه، و لا نَعرِفُ عَينَه.
و اعلَمْ أنّ الطريقَ المُعتَمَدَ(1) الجَدَدَ(2) إلى صِحّةِ مَذاهِبنا في فُروعِ الأحكامِ الشرعيّةِ هو هذا الذي بيّنّاه و أَوضَحناه؛ سَواءٌ كانَت المَسائلُ ممّا تَنَفَرِدُ الإماميّةُ بها، أو ممّا يُوافِقُها فيها بعضُ خُصومِها.
و رُبَّما اتَّفَقَ في بعضِ المَسائلِ غيرُ هذه الطريقةِ، و هي: أن يَكونَ عليها دليلٌ؛ مِن ظاهرِ كتابِ اللّهِ تَعالى، أو مِن سُنّةِ رسولِ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه مقطوعٍ بها معلومٍ صِحّتُها.
و رُبَّما اتَّفَقَ في بعضِ الأحكامِ أن تَكونَ معلومةً مِن مَذاهبِ أئمّتِنا المُتقدِّمينَ للإمامِ الغائبِ صَلواتُ اللّهِ عليهم، الذينَ ظَهَروا و عُرِفوا، و سُئلوا و أجابوا، و أَفتَوا و عَلَّموا الأحكامَ؛ فقَد عَلِمنا ضَرورةً أنّ مِن مَذاهبِ أبي جَعفَرٍ مُحمّدِ بنِ عليٍّ).
ص: 333
الباقرِ صَلَواتُ اللّهِ عليهما: تحريمَ كُلِّ شَرابٍ مُسكِرٍ، و مَسْحَ الرِّجلَينِ، و تحريمَ المَسحِ علَى الخُفَّينِ، و أنّ تكبيراتِ الصلاةِ علَى الميّتِ خَمسٌ، و أنّ الطلاقَ الثلاثَ بلَفظٍ واحدٍ لا يَقَعُ، و ما جَرى مَجرى هذه المَسائلِ من الأُمورِ التي ظَهَرَت عليهم و اشتَهَرَت.
و إذا عُلِمَت مَذاهِبُهم، و كانوا عندَنا حُجّةً معصومينَ، كَفى ذلكَ في وقوعِ العِلمِ بها، و القَطعِ على صِحّتِها؛ و لا اعتبارَ بمَن خالَفَنا في العملِ بشَيءٍ ممّا عَدَّدناه عنهم، و دَفَعَ أن يَكونَ مُشارِكاً في المَعرفةِ بذلكَ، لأنّ المُخالِفَ في هذا: إمّا أن يَكونَ مُعانِداً، أو مُكابِراً، أو يَكونَ ممّن لَم تَكثُرْ خِلْطتُه لنا، أو تَصفُّحُه لأخبارِنا و سَماعُه مِن رجالِنا؛ لأنّ العِلمَ الضروريَّ رُبَّما وَقَفَ على أسبابٍ؛ مِن: مُخالَطةٍ، أو مُجالَسةٍ، و سَمعِ أخبارٍ مخصوصةٍ.
و على هذا لا يُنكَرُ أن يَكونَ مَن لَم تَتَّفِقْ خِلْطتُه بأصحابِ أبي حَنيفةَ و سَماعُ أخبارِهم عن صاحبِهم لا يَعلَمونَ مِن مَذاهبِ أبي حَنيفةَ ما يَعلَمُ أصحابُه ضَرورةً.
فإن قيلَ: فما تَقولونَ في مَسألةٍ شَرعيّةٍ اختَلَفَ فيها قولُ الإماميّةِ، و لَم يَكُن عليها دليلٌ من كتابٍ أو سُنّةٍ مقطوعٍ بها؟ كَيفَ الطريقُ إلَى الحقِّ فيها؟
قلنا: هذا الذي فَرَضتموه قد أَمِنّا وقوعَه؛ لأنّا قد عَلِمنا أنّ اللّهَ تَعالى لا يُخلي المُكلَّفَ مِن حُجّةٍ و طريقٍ للعِلمِ بما كُلِّفَ، و هذه الحادثةُ التي ذَكرناها إذا كانَ للّهِ تَعالى فيها حُكمٌ شَرعيٌّ، و اختَلَفَت الإماميّةُ في وقتِنا هذا فيها، فلَم يُمكِنِ الاعتمادُ على إجماعِهم - الذي نَثِقُ بأنّ الحُجّةَ فيه؛ لأجلِ وجودِ الإمامِ في جُملتِهم - فلا بُدَّ مِن أن يَكونَ على هذه المَسألةِ دليلٌ قاطعٌ مِن كتابٍ أو سُنّةٍ مقطوعٍ بها، حتّى لا يَفوتَ المُكلَّفَ طريقٌ للعِلمِ يَصِلُ به إلى تكليفِه.
ص: 334
اللّهُمَّ إلّاأن نَفرِضَ وجودَ حادثةٍ لَيسَ للإماميّةِ فيها قولٌ، على سَبيلِ اتّفاقٍ، أو اختلافٍ؛ فَقد يَجوزُ عندَنا في مِثلِ ذلكَ - إن اتَّفَقَ - أن لا يَكونَ للّهِ تَعالى فيها حُكمٌ شَرعيٌّ، إذا لَم نَجِدْ في الأدِلّةِ الموجِبةِ للعِلمِ طريقاً إلى عِلمِ حُكمِ هذه الحادثةِ، كُنّا فيها على ما يوجِبُ العقلُ و حُكمُه.(1)0.
ص: 335
ص: 336
قد ذكر الشريف المرتضى هناك كلاماً في الإجماع:
و مِمّا يَجِبُ عِلمُه أنّ حُجَّةَ الشيعةِ الإماميّةِ في صَوابِ جميعِ مَا انفَرَدَت به أو شارَكَت فيه غَيرَها مِن الفقهاءِ هي إجماعُها عليه؛ لأنَّ إجماعَها حُجَّةٌ قاطعةٌ، و دلالةٌ موجِبَةٌ للعِلمِ، فإنِ انضافَ إلى ذلك ظاهرُ كِتابِ اللّهِ تعالى أو طريقَةٌ أُخرى تُوجِبُ العِلمَ و تُثمِرُ اليَقينَ، فهي فَضيلَةٌ و دَلالَةٌ تَنضافُ إلى أُخرى، و إلّاففي إجماعِهم كِفايَةٌ (1).
و إنّما قلنا: إنّ إجماعَهم حُجَّةٌ؛ لأنّ في إجماعِ الإماميّةِ قولَ الإمامِ الذي دَلَّتِ العُقولُ على أَنَّ كُلَّ زَمانٍ لا يَخلو منه، و أنّه معصومٌ لا يَجوزُ عليه الخَطَأُ في قولٍ و لا فِعلٍ، فمِن هذَا الوجهِ كان إجماعُهم حُجَّةً و دليلاً قاطعاً.
و قد بَيَّنّا صحّةَ هذه الطريقةِ في مواضِعَ مِن كُتُبِنا، و خاصَّةً في جَوابِ مَسائِلِ أبي عَبدِ اللّهِ ابنِ التُّبّانِ (2) رحمه اللّه، و في جَوابِ مَسائِلِ أهلِ الموصِلِ
ص: 337
الفقهيّةِ (1) الوارِدَةِ في سَنَةِ عِشرينَ و أربَعِمِائةٍ، و في غَيرِ هذينِ المَوضِعَينِ مِن كُتُبِنا(2)؛ فإنّا فَرَّعنا ذلك و أشبَعناه و استَقصَيناه، و أجَبنا عن كُلِّ سُؤالٍ يُسأَلُ عنه، و حَسَمنا كُلَّ شبهةٍ تَعْتَرِضُ فيه.
و بَيَّنّا كيف الطريقُ إلى العِلمِ بأنَّ قولَ الإمامِ المعصومِ في جُملَةِ أقوالِ الإماميّةِ؟ و كيف السبيلُ إلى أن نَعرِفَ مَذاهِبَه، و نحن لا نُمَيِّزُ شَخصَه و عَينَه في أحوالِ غَيبَتِه؟ و أسقَطنا عَجَبَ مَن يَقولُ: مَن لا أعرِفُه كيف أعرِفُ مَذهَبَه؟
و لا فائدةَ في شَرحِ ذلك هاهنا؛ لأنّ التَّشاغُلَ في هذا الكتابِ بغيرِه. و مَن أرادَ التناهِيَ في معرفةِ صِحَّةِ هذا الأصلِ، رَجَعَ إلى حَيثُ أرشَدناه؛ فإنّه يَجِدُ ما يُوفِي على حاجَتِه، و يَتَجاوَزُ قَدرَ كِفايتِه.
ص: 338
و إذا كانتِ الجملةُ التي أشَرنا إليها هي الحُجَّةَ في جَميعِ مَذاهِبِ الشيعةِ الإماميّةِ في أحكامِ الفِقهِ، فعلى مَن شَكَّ في شيءٍ مِن مَذاهِبِهم و ارتابَ بصِحَّتِه أن يَسأَلَ عن صِحَّةِ ذلك، فإذا أُقيمَت فيه عليه الحجَّةُ بالطريقةِ التي أشَرنا إليها، وَجَبَ زَوالُ رَيبِهِ و حُصولُ عِلمِه، و بَرِئَت عُهدَةُ القَومِ فيما ذَهَبوا إليه ببَيانِ الحُجَّةِ فيه و الدلالةِ عليه، و ما يَضُرُّهُم بعدَ ذلك خلافُ مَن خالَفَهم؛ كما لا يَنفَعُ وِفاقُ مَن وافَقَهم.
و لوِ اقتَصَرنا على هذه الجُملةِ في تَمامِ الغَرَضِ لَكُفِينا و مَا افتَقَرنا إلى زِيادَةٍ عليها، و لا احتَجنا إلى تَفصيلِ المَسائِلِ و تَعيينِها؛ فإنّ الحُجَّةَ في صِحَّةِ الجَميعِ واحدةٌ.
لكِنّا نُفَصِّلُ المَسائِلَ و نُعَيِّنُها، و نُبَيِّنُ ما فيه مُوافِقٌ للشيعةِ الإماميّةِ مِن غَيرِهم و إن ظَنَّ مُخالِفوهم أنّه لا مُوافِقَ لهم فيها، ثمّ نُبَيِّنُ مَا انفَرَدوا به مِن غيرِ موافقٍ مِن مُخالِفيهم.
و نُضيفُ إلى هذه الطريقةِ - التي أشَرنا إليها في صِحَّتِه على جهةِ الجُملةِ - ما لعلّه يُمكِنُ فيه أن يُستَدَلَّ بِه مِن ظاهرِ كِتابِ اللّهِ جَلَّ ثَناؤُه، أو طريقةٍ تُوجِبُ العِلمَ، و كُلَّ ما تَيَسَّرَ مِن تَقوِيَتهِ و تَقريبِه و تَسهيلِ مَرامِه، لِتَكونَ الفائدةُ بذلك أكثَرَ و أغزَرَ، و على اللّهِ تَوَكَّلنا، و هو حَسبُنا و نِعمَ الوَكيلُ.(1)2.
ص: 339
ص: 340
قد ذكر الشريف المرتضى في بداية الرسالة كلاماً في الإجماع:
وقفتُ (أحسن اللّه توفيقك) على ما أنفذتَه من الكلام المجموع في نصرة العدد في الشهور، و الطعن على مَن ذهب إلى الرؤية و اعتمدها، و لم يلتفت إلى ما سواها.
و أنا أُجيب مسألَتك و أشفعُكَ بطلبتك، و أُملي في هذا الباب كلاماً وجيزاً تقع بمثله الكفاية، فإنّ من طوّل من أصحابنا الكلام في هذه المسألة تكلّف ما لا يحتاج إليه، و الأمر فيها أقرب و أهون من أن يَحُوجَ إلى التدقيق و التطويل. و اللّه الموفّق للصواب في جميع الأُمور.
و اعلم أنّ هذه مسألة إذا تُؤمِّلَتْ عُلم أنّها مسألة إجماع من جميع المسلمين، و الإجماع عليها هو الدليل المعتمد؛ لأنّ الخلاف فيها إنّما ظهر من نفر من أصحاب الحديث المنتمين إلى أصحابنا، و قد تقدّمهم الإجماع و سبقهم، و لا اعتبار بالخلاف الحادث؛ لأنّه لو كان به اعتبار لما استقرّ إجماع، و لا قامت الحجّة به.
و قد علمنا ضرورة أنّ أحداً من أهل العلم لم يخالف قديماً في هذه المسألة، و لا جرى بين أهل العلم فيها متقدّماً كلام، ولا نظر ولا جدال، حتّى ظهر من بين أصحابنا فيها هذا الخلاف.
ص: 341
ثمّ لا اعتبار بهذا الخلاف، سابقاً كان أم حادثاً متأخّراً؛ لأنّ الخلاف إنّما يعتدّ به إذا وقع ممّن بمثله اعتبار في الإجماع من أهل العلم و الفضل و الدراية و التحصيل.
و الذين خالفوا من أصحابنا في هذه المسألة عدد يسير ممّن ليس قوله بحجّة في الأُصول ولا في الفروع، و ليس ممّن كُلِّف النظر في هذه المسألة، و لا فيما هو أجلى منها؛ لقصور فهمه و نقصان فطنته.
و ما لأصحاب الحديث - الذين لم يعرفوا الحقّ في الأُصول، ولا اعتقدوها بحجّة و لا نظر، بل هم مقلّدون فيها - و الكلام في هذه المسائل، و ليسوا بأهل نظر فيها و لا اجتهاد، و لا وصول إلى الحقّ بالحجّة، و إنّما تعويلهم على التقليد و التسليم و التفويض.
فقد بان بهذه الجملة أنّ هذه المسألة مسألة إجماع، و الإجماع عندنا حجّة؛ لأنّ الإمام المعصوم - الذي لا يخلو الزمان منه - قوله داخل فيه، و هو حجّة؛ لدخول قول من هو حجّة فيه.
وقد بيّنّا في مواضعَ كثيرةٍ من كتبنا صحّةَ هذه الطريقة، وكيفيّة العلم بالطريق إلى أنّ قول الإمام داخل في أقوال الشيعة وغير منفصل عنها في زمان الغَيْبة، الذي يخفى عنّا فيه قول الإمام على التحقيق.
منها: في جواب مسائل أبي عبدالله بن التبّان رحمه اللّه. و قد مضى الكلام هناك في هذه المسألة أيضاً فيما هو جواب مسائل أهل المَوْصِل الواردة أخيراً. و مَن أراد استيفاء الكلام في هذا الباب رجع إلى ما أشرنا إليه من هذه الكتب(1).(2)9.
ص: 342
قد ذكر الشريف المرتضى هناك كلاماً في الإجماع:
فاعلَمْ أنّ مُعظَمَ الفقهِ تُعلَمُ ضَرورةً مَذاهِبُ أئمّتِنا عليهم السلامُ فيه بالأخبارِ المُتَواتِرةِ. فإن وَقَعَ شَكٌّ في أنّ الأخبارَ توجِبُ العِلمَ الضروريَّ، فالعِلمُ الّذي لا شُبهةَ فيه و لا رَيبَ يَعتَريهِ حاصلٌ، كالعِلمِ بالأُمورِ الظاهرةِ كُلِّها التي يَدَّعي قومٌ أنّ العِلمَ بها ضَروريٌّ؛ فإنّ الإماميّةَ كُلَّها تَعلَمُ أنّ مِن مَذهَبِ أبي عبدِ اللّهِ جعفرِ بنِ محمّدٍ الصادقِ عليهما السلامُ و آبائه و أبنائه مِن الأئمّةِ عليهم السلامُ إنكارَ غَسلِ الرِّجلَينِ، و إيجابَ مَسحِهما، و إنكارَ المَسحِ على الخُفَّينِ، و أنّ َ الطلاق بالثلاثِ لا يَقَعُ، و أنّ كُلَّ مُسكِرٍ حَرامٌ، و ما جَرى مَجرى ذلكَ مِن الأُمورِ التي لا يَختَلِجُ شَكٌّ في أنّها مَذاهِبُهم عليهم السلامُ.
و ما سِوى ذلكَ - و لَعلَّه الأقَلُّ - يُعوَّلُ فيه على إجماعِ الإماميّةِ؛ لأنّا نَعلَمُ أنّ قولَ إمامِ الزمانِ المعصومِ عليه السلامُ في جُملةِ أقوالِهم، و كُلُّ ما أجمَعوا عليه مقطوعٌ على صحّتِه. و قد فَرَّعنا هذه الجُملةَ في مَواضِعَ و بَسَطناها.
فأمّا ما اختَلَفَ الإماميّةُ فيه، فهو على ضَربَينِ:
ضَربٌ يَكونُ الخِلافُ فيه مِن الواحدِ و الاِثنَينِ، اللذَينِ عَرَفناهما بأعيانِهما و أنسابِهما، و قَطَعنا على أنّ إمامَ الزمانِ لَيسَ بواحدٍ منهما. فهذا الضربُ يَكونُ
ص: 343
المُعوَّلُ فيه على أقوالِ باقي الشيعةِ الذين هُم الجُلُّ و الجُمهورُ، و لأنّا نَقطَعُ على أنّ قولَ الإمامِ في تلكَ الجِهةِ دونَ قولِ هذا الواحدِ و الاِثنَينِ.
و الضربُ الآخَرُ مِن الخِلافِ: أن تَقولَ طائفةٌ كثيرةٌ لا تَتميَّزُ بعَدَدٍ و لا معرفةِ الأعيانِ و الأشخاصِ بمَذهَبٍ و الباقونَ بخِلافِه، فحينئذٍ لا يُمكِنُ الرجوعُ إلَى الإجماعِ و الاِعتمادُ عليه، و يُرجَعُ في الحقِّ مِن ذلكَ إلى نصِّ كتابٍ أو اعتمادٍ على طريقةٍ تُفضي إلَى العِلمِ، كالتمسُّكِ بأصلٍ مّا في العقلِ و نَفيِ ما يَنقُلُ عنه، و ما أشبَهَ ذلكَ مِن الطُّرُقِ التي قد بيّنّاها في مَواضِعَ و في كتابِ «نُصرةِ ما انفَرَدَت به الإماميّةُ في المَسائلِ الفقهيّةِ»(1).
فإن قَدَّرنا أنّه لا طريقَ إلى قَطعٍ علَى الحقِّ فيما اختَلَفوا فيه و بَعُدَ ذلكَ، كُنّا مُخيَّرينَ في تلكَ المسألةِ بَينَ الأقوالِ المُختَلِفةِ؛ لفَقدِ دليلِ التخصيصِ و التعيينِ.
و كذلكَ القولُ في أحكامِ الحَوادثِ التي تَحدُثُ و لا قولَ للإماميّةِ فيها على وِفاقٍ و لا خِلافٍ.(2)3.
ص: 344
قد ذكر الشريف المرتضى هناك كلاماً في الإجماع، بعد ذكر مسائلَ و جواباتٍ عنها:
إذا كانَ طريقُ مُعظَمِ الأحكامِ الشرعيّةِ إجماعَ علماءِ الفِرقةِ المُحِقّةِ - لِكَونِ الإمامِ المعصومِ الذي لا يَجوزُ عليه الخَطأُ أحَداً مِن علمائهم، دونَ عامّتِهم و علماءِ غيرِهم، و كانَ العلماءُ مِن هذه الفِرقةِ محصورينَ؛ بدليلِ عدمِ التجويزِ لوجودِ عالِمٍ منهم -: تُعرَفُ فُتياه، مع تَعذُّرِ مَعرِفتِه بعَينِه و اسمِه و نَسَبِه.
و وجوبُ هذه القضيّةِ يوجِبُ أحَدَ أُمورٍ، كُلٌّ منها لا يُمكِنُ القولُ به:
إمّا كَونُ فُتيا الإمام الغائبِ - المُرتَفِعةِ مَعرفتُه بعَينِه - خارجةً عن إجماعِ علماءِ الإماميّةِ؛ و هذا يَمنَعُ مِن الثقةِ بإجماعِهم.
أو كَونُ فُتياه داخلةً فيهم؛ فهذا يوجِبُ تَعيُّنَه و تَميُّزَ فُتياه، و هذا مُتعذِّرُ الآنَ مع غَيبتِه.
أو حَصولُ فُتياه في جُملة فتياهم، مع تَعذُّر معرفةِ شَخصِه، فهذا يؤدّي إلى تجويزِ عِدّةِ علماءَ لا سَبيلَ إلَى العِلم بتَميُّزِهم؛ لأنّه إذا جازَ في فُتيا الإمامِ و هو سيِّدُ
ص: 345
العلماءِ و رَئيسُ المِلَّةِ، أن تَتعذَّرَ مَعرفتُه على سَبيلِ التفصيلِ - مع حُصولِها في جُملةِ فُتيا شيعتِه - فذلكَ في علماءِ شيعتِه أجوَزُ. و ذلكَ يَمنَعُ مِن القَطعِ عَلى حُصولِ إجماعِهم علَى الحُكمِ الواحدِ.
أو يُقالُ: إنّ إمساكَه عن النَّكيرِ دَلالةٌ على رِضاه بالفُتيا.
فهذه طريقةُ المُتقدِّمينَ مِن شُيوخِنا، و قد رَغِبنا عنها، و صَرَّحنا بخِلافِها؛ لأنّ فيها الاعترافَ بأنّ «الإمساكَ يَدُلُّ علَى الرضا» مع احتمالِه لغَيرِه؛ مِن «الخَوفِ» المعلومِ حُصولُه للغائبِ.
الجوابُ - و باللّهِ التوفيقُ -:
اعلَمْ أنّ قولَ إمامِ الزمانِ و فُتياه في كُلِّ حادثةٍ مِن الشرائعِ لا بُدَّ أن يَكونا في جُملةِ أقوالِ علماءِ الفِرقةِ الإماميّةِ.
و لَيسَ كُلُّ عالِمٍ مِن علماءِ الفِرقةِ الإماميّةِ يَعلَمُ بعَينِه و اسمِه و نَسَبِه على سَبيلِ التمييزِ، و إنّما يُعلَمُ على سَبيلِ التفصيلِ بالعَينِ و الاِسمِ و النَّسَبِ مِن علماءِ هذه الطائفةِ مَن اشتَهَرَ باشتهارِ كُتُبِه و تصنيفاتِه و رئاستهِ و أحوالٍ له مخصوصةٍ؛ و إلّا فمَن نَعلَمُه على سَبيلِ الجُملةِ - و إن لَم نَعلَمْه على سَبيلِ التفصيلِ التعيينِ - أكثَرُ ممّن عَرَفناه بِاسمِه و نَسَبِه. و مَن هذا الذي يَدَّعي مَعرفةَ كُلِّ عالِمٍ مِن علماءِ كُلِّ فِرقةٍ مِن فِرَقِ المُسلِمينَ بعَينِه و اسمِه و نَسَبِه في كُلِّ زمانٍ و على كُلِّ حالٍ؟
فعَلى هذا الذي قَرَّرناه، لا يَجِبُ القَطعُ على أنّ مَن لَم نَعرِفْه بعَينِه و اسمِه و نَسَبِه مِن علماءِ الإماميّةِ؛ يَجِبُ نفيُه و القَطعُ على فَقدِه.
و لَيسَ إذا كُنّا لا نَعلَمُ عَينَ كُلِّ عالِمٍ مِن الإماميّةِ و اسمَه و نَسَبَه وَجَبَ أن لا نَكونَ عالِمينَ علَى الجُملةِ بمَذهبهِ، و أنّه مُوافِقٌ لِمَن عَرَفنا عَينَه و اسمَه و نَسَبَه؛ لأنّ العِلمَ بأقوالِ الفِرَقِ و مَذاهبِها يُعلَمُ ضَرورةً على سَبيلِ الجُملةِ؛ إمّا باللُّقيا
ص: 346
أو بالمُشافَهةِ أو بالأخبارِ المُتَواتِرةِ، و إن لَم يَفتَقِرْ هذا العِلمُ إلى تمييزِ الأشخاصِ و تعيينِهم و تَسميَتِهم؛ لأنّا نَعلَمُ ضَرورةً أنّ كُلَّ عالِمٍ مِن علماءِ الإماميّةِ يَذهَبُ إلى أنّ الإمامَ يَجِبُ أن يَكونَ معصوماً منصوصاً عليه، و إن لَم يُعلَمْ كُلَّ قائلٍ بذلكَ و ذاهبٍ إليه بعَينِه و اسمِه و نَسَبِه.
و هكذا القولُ في العِلمِ بإجماعِ علماءِ كُلِّ فِرقةٍ مِن فِرَقِ المُسلِمينَ: أنّ الجُملةَ فيه مُتميِّزةٌ مِن التفصيلِ، و لَيسَ العِلمُ بالجُملةِ مُفتَقِراً إلَى العلم بالتفصيلِ.
و قد عَلِمنا أنّه لا إماميَّ لَقيناه و عاصَرناه و شاهَدناه إلّاو هو عندَ المُناظَرة و المُباحَثةِ يُفتي بمِثلِ ما أجمَعَ علماؤنا. عليه؛ و سَواءٌ عَرَفناه بنسَبِه و بَلدتِه أو لَم نَعرفْه بهما.
و كذلكَ كُلُّ اماميٍّ خُبِّرنا عنه - في شَرقٍ و غَربٍ، و سَهلٍ و جَبَلٍ؛ عَرَفناه بنَسَبه و اسمِه أو لَم نَعرفْه - قد عَرَفنا - بالأخبارِ المُتَواترةِ الشائعةِ الذائعةِ التي لا يُمكِنُ إسنادُها إلى جماعةٍ بأعيانِهم؛ لظُهورِها و انتشارِها - أنّهم كُلَّهم قائلونَ بهذه المَذاهبِ المعروفةِ المألوفةِ، حتّى أنّ مَن خالَفَ منهم في شَيءٍ مِن الفروعِ عُرِفَ خِلافُه، و ضُبِطَ، و مُيِّزَ عن غيرِه.
و قد استَقصَينا هذا الكلامَ في «جوابِ المَسائلِ التُّبانيّاتِ»، و انَتَهينا فيه إلى أبعَدِ الغاياتِ.
فإذا قيلَ لنا: فلَعلَّ الإمامَ، لأنّكم لا تَعرِفونَه بعَينِه يُخالِفُ علماءَ الإماميّةِ فيما اتَّفَقوا عليه.
قُلنا: لَو خالَفَهم لَما عَلِمنا ضَرورةً اتّفاقَ علماءِ الإماميّةِ - الذينَ هو واحدٌ منهم - على هذه المَذاهبِ المخصوصةِ؛ و هَل الإمامُ إلا أحَدُ علماءِ الإماميّةِ، و كَواحدٍ مِن العلماءِ الذين لا نَعرفُهم بنَسَبٍ و لا اسمٍ؟!
ص: 347
و نَحنُ إذا ادَّعَينا إجماعَ الإماميّةِ أو غيرِها على مَذهبٍ مِن المَذاهبِ، فما نَخُصُّ بهذه الدعوى مَن عَرَفناه بِاسمِه و نَسَبِه دونَ مَن لَم نَعرِفْه؛ بَل العِلمُ بالاِتّفاقِ عامٌّ لِمَن عَرَفناه مُفصَّلا و لِمَن لَم نَعرِفْه على هذا الوجهِ.
و لَيسَ يَجِبُ إذا كانَ إمامُ الزمانِ غيرَ مُتميِّز الشخصِ و لا معروفَ العَينِ أن لا يَكونَ معروفَ المَذهبِ مُتميِّزَ المَقالةِ؛ لأنّ هذا القولَ يَقتَضي أنّ كُلَّ مَن لَم نعَرِفْه مِن علماءِ الإماميّة أو علماءِ غيرِهم مِن الفرق، فإنّا لا نَعرِفَ مَذهبَه، و لا نَتحقَّقَ مقالتَه؛ و هذا حَدٌّ لا يَبلُغُه مُتأمِّلُ.
فإن قيلَ: أتُجوِّزونَ أن يَكونَ في جُملةِ الإماميّةِ عالِمٌ يُخالِفُ هذه الطائفةَ في بعضِ المَسائِل، لَم يَنتَهِ إليكم خبرُه؛ لأنّه ما اشتَهَرَ كاشتهارِ غيرِه، و لا له تصنيفاتٌ سارَت و انتَشَرَت؟
فإنْ أَجَزتم ذلكَ فلَعلَّ الإمامَ هو ذلكَ العالِمُ. و هذا يَقتَضي ارتفاعَ الثقةِ بأنّ (1)قولَ إمامِ الزمانِ داخلٌ لا مَحالةَ في جُملةِ أقوالِ علماءِ الإماميّةِ، و يُبطِلُ ما تَدَّعونَه مِن أنّ الحُجّةَ في إجماعِهم.
و إن مَنَعتم مِن كَونِ عالِمٍ مِن علمائهم يَخفى خبرُ خِلافِه لهم في بعضِ المَذاهبِ، كابَرتم.
قُلنا: لا يَجوزُ أن يَكونَ في علماءِ الإماميّةِ مَن يُخالِفُ أصحابَه في مَذهبٍ مِن مَذاهبِهم، و يَستَمِرُّ ذلكَ و تَمضيَ عليه الدُّهورُ، فيَنطويَ خبرُ خِلافِه؛ لأنّ العاداتِ ما جَرَت بمِثلِ ذلكَ، لأنّ ما دَعا هذا العالِمَ إلَى الخِلافِ في ذلكَ المَذهبِ يَدعوه إلى إعلانِه و إظهارِه؛ ليُتَّبَعَ فيه و يُقتَدى به في اعتقادِه.ه.
ص: 348
و ما هذه سبيلَه يَجِبُ بحُكمِ العادةِ ظُهورَه و نَقلُه و حُصولُ العِلمِ به، لا سِيَّما مع استمرارِه و كُرورِ الدُّهورِ عليه.
و ما تجويزُ عالِمٍ يَخفى خبرُ خِلافِه إلّاكتجويزِ جماعةٍ مِن العلماءِ يُخالِفونَ مَن عَرَفنا مَذاهبَه مِن العلماءِ - إمّا في أُصولِ الدينِ، أو في فُروعِه، أو في عِلمِ العربيّةِ و النحوِ، و اللُّغةِ - فيَخفى خِلافُهم و يَنطَوي أمرُهم؛ و تجويزُ ذلكَ يؤدّي مِن الجَهالاتِ إلى ما هو معروفٌ مسطورٌ.
على أنّ لإمامِ الزمانِ عليه السلامُ في هذا البابِ مَزيّةٌ معلومةٌ؛ فلَو جازَ هذا الذي سُئلنا عنه في غيرِه، لَم يَجُز مِثلُه فيه؛ لأنّ الإمامَ قولُه حُجّةٌ، و الجماعةَ التي تُوافِقُه في مَذهبِه إنّما كانَت مُحِقّةً لأجلِ مُوافَقتِها، فلا بُدَّ مِن أن يُظهِرَ ما يَعتَقِدُه و يَذهَبُ إليه حتّى يُعرَفَ مَن يُوافِقُه ممّن يُخالِفُه. و لَيسَ إظهارُه لاعتقادِه و تصريحُه لمَذهبِه ممّا يَقتَضي أن يُعرَفَ هو بنَسَبِه؛ لأنّا قد نَعرِفُ مَذاهبَ مَن لا نَعرِفُ نَسَبَه و لا كَثيراً مِن أحوالِه.
و كَيفَ يَجوزُ أن يَكونَ للإمامِ مَذهبٌ - أو مَذاهبُ - يُخالِفُ مَذاهبِ الإماميّةِ لا يَكونُ معروفاً مشهوراً بَينَ الإماميّةِ، و هو يَعلَمُ أنّ المَرجِعَ في أنّ «إجماعُ هذه الطائفةِ حُجّةٌ» إلى أنّ قولَه في جُملة أقوالِها؟! فإذا أَجمَعوا على قولٍ هو مُخالِفٌ فيه، هَل له مَندوحةٌ عن إظهارِ خِلافِه و إعلانِه، حتّى يَزولَ الاغترارُ بأنّ إجماعَ الإماميّةِ على خِلافِه؟!
و لهذا قُلنا في مَواضِعَ مِن كتُبِنا: إنّ ما اختَلَفَ قولُ الإماميّةِ فيه مِن الأحكامِ، لا يَجوزُ أن يُحتَجَّ فيه بإجماعِ الطائفةِ؛ لأنّها مُختَلفةٌ، و نَحنُ غيرُ عالِمينَ بجِهةِ قولِ الإمام و لِمَن هو مُوافِقُ مِن هؤلاءِ المُختَلِفينَ؟ فلا بُدَّ في مِثلِ ذلكَ مِن الرجوعِ إلى
ص: 349
دليلٍ غيرِ الإجماعِ، يُعلَمُ به الحقُّ ممّا اختَلَفوا فيه؛ فإذا عَلِمنَا قَطَعنا على أنّ قولَ الإمامِ مُوافِقٌ له؛ لأنّ قولَه لا يُخالِفُ الحقَّ و ما تَدُلُّ عليه الأدلّةُ.(1)0.
ص: 350
قد ذكر الشريف المرتضى هناك باباً في الإجماع يشتمل على فصول، فذكرنا من الباب ما له علاقة بالمقام:
اختَلَفَ الناسُ في هذه المسألةِ:
فقالَ أكثَرُ المُتكلِّمينَ و جميعُ الفقهاءِ: إنّ إجماعَ أُمّةِ النبيِّ صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه حُجّةٌ، و إنّهم لا يَجوزُ أن يُجمِعوا على باطلٍ.(1)
و خالَفَ النظّامُ و مَن تابَعَه في ذلكَ، و نَفى كَونَ الإجماعِ حُجّةً. و حُكيَ عن قومٍ مِن الخَوارجِ مِثلُ ذلكَ (2).
ص: 351
و حُكيَ أيضاً عن بعضِهم أنّه أحالَ كَونَ الإجماعِ حُجّةً، و ذَهَبَ إلى أنّه لا يَجوزُ في جماعةٍ يَجوزُ الخَطأُ على كُلِّ واحدٍ منها أن يَنتَفيَ عن جماعتِها(1).
و آخَرونَ نَفَوا كَونَه حُجّةً بأن قالوا: إن أجمَعوا علَى الشيءِ تبخيتاً(2) فذلكَ لا يَجوزُ اتّباعُه، و إن كانَ توقيفاً عن نَصٍّ فيَجِبُ ظهورُ الحُجّةِ بذلكَ و يُغني عن الإجماعِ، و إن كانَ عن قياسٍ فلَن يَجوزَ مع اختلافِ الهِمَمِ و تَبايُنِ الآراءِ و اختلافِ وجوهِ القياسِ أن يَتَّفِقوا على ذلكَ.(3)
و في الناسِ مَن نَفَى الإجماعَ لتَعذُّرِ العِلمِ باتّفاقِ الأُمّةِ، مع أنّها غيرُ معروفةٍ على مَذهبٍ مِن المَذاهبِ.(4)
و الصحيحُ الذي نَذهَبُ إليه أنّ قولَنا: «إجماعٌ» إمّا أن يَكونَ واقعاً على جميعِ الأُمّةِ، أو علَى المؤمِنينَ منهم، أو علَى العلماءِ فيما يُراعى فيه إجماعُهم. و على كُلِّ الأقسامِ لا بُدَّ مِن أن يَكونَ قولُ الإمامِ المعصومِ داخلاً فيه؛ لأنّه مِن الأُمّةِ و مِن أجَلِّ7.
ص: 352
المؤمِنينَ و أفضَلِ العلماءِ، فالاِسمُ مُشتَمِلٌ عليه، و ما يَقولُ به المعصومُ لا يَكونُ إلّا حُجّةً و حَقّاً.
فصارَ قولُنا مُوافِقاً لقَولِ مَن يَذهَبُ إلى أنّ الإجماعَ حُجّةٌ في الفتوى، و إنّما الخِلافُ بَينَنا في مَوضِعَينِ إمّا في التعليلِ، أو الدلالةِ؛ لأنّا نُعلِّلُ كَونَ الإجماعِ حُجّةً بأنّ العِلّةَ فيه اشتمالُه على قولِ معصومٍ قد عَلِمَ اللّهُ سُبحانَه أنّه لا يَفعَلُ القَبيحَ مُنفَرِداً و لا مُجتَمِعاً، و أنّه لَو انفَرَدَ لَكانَ قولُه الحُجّةَ، و إنّما نُفتي بأنّ قولَ الجماعةِ التي قولُه فيها مُوافِقٌ لها حُجّةٌ لأجلِ قولِه، لا لشَيءٍ يَرجِعُ إلَى الاجتماعِ معهم، و لا يَتعلَّقُ بِهم.(1) و مَن خالَفَنا يُعلِّلُ مَذهبَه بأنّ اللّهَ تَعالى عَلِمَ أنّ جميعَ هذه الأُمّةِ لا تَتَّفِقُ على خَطإٍ، و إن جازَ الخَطأُ على كُلِّ واحدٍ منها بانفرادِه، فللإجماعِ تأثيرٌ بخِلافِ قولِنا: إنّه لا تأثيرَ له.
فأمّا نَحنُ فنَستَدِلُّ على صحّةِ الإجماعِ و كَونِه حُجّةً في كُلِّ عَصرٍ بأنّ العقلَ قد دَلَّ على أنّه لا بُدَّ في كُلِّ زمانٍ مِن إمامٍ معصومٍ، لكَونِ ذلكَ لُطفاً في التكليفِ العقليِّ - و هذا مذكورٌ مُستَقصىً في كُتُبِ الإمامةِ،(2) فلا معنى للتعرُّضِ له هاهُنا - و ثُبوتُ هذه الجُملةِ يَقتَضي أنّ الإجماعَ في كُلِّ عَصرٍ حُجّةٌ. و هذه الطريقةُ مِن الاستدلالِ لا تُوافِقُ مَذاهِبَ مُخالِفينا؛ لأنّ الأصلَ الذي بَنَينا عليه هُم يُخالِفونَ فيه، و لَو تَجاوَزوا عنه لَكانَ ثُبوتُ الحُجّةِ بالإجماعِ على هذا الوجهِ يُنافي مَذاهِبَهم في9.
ص: 353
أنّ لاجتماعِ الأُمّةِ تأثيراً في كَونِه حُجّةً، و أنّ بعضَهم في هذا الحُكمِ بخِلافِ كُلِّهم.
فأمّا ما يَستَدِلّونَ هُم به على كَونِ الإجماعِ حُجّةً فإنّما نَطعَنُ فيه نَحنُ لأنّه لا يَدُلُّ على ما ادَّعَوه، و لَو دَلَّ على ذلكَ لَم يَضُرَّنا، و لا يُنافي مَذهَبنا؛ لأنّ شَهادةَ القُرآنِ أو الآياتِ بأنّ الأُمّةَ لا تَجتَمِعُ على ضَلالٍ نَحنُ نَقولُ بفَحواه و معناه، و لَيسَ في الشهادةِ بذلكَ تعليلٌ يُنافي مَذهبَنا، كَما كانَ ذلكَ في تعليلِ قولِنا: «إنّ الإجماعَ حُجّةٌ» و استدلالِنا عليه.
فبانَ بهذا الشرحِ الذي أطَلناه هاهُنا ما يُحتاجُ إليه في هذا البابِ. و إذا كُنّا قد دَلَلنا على كَيفيّةِ كَونِ الإجماعِ حُجّةً على مَذهبِنا، فيَنبَغي أن نَعطِفَ إلى ما تَعلَّقَ به مُخالِفونا فنورِدَه، ثُمّ نَتكلَّمَ عليه، و نَحنُ لذلكَ فاعلونَ.(1)
ثمّ قال بعد صفحات:
و أمّا قولُ مَن نَفَى الإجماعَ لتَعذُّرِ الطريقِ إليه فجَهالةٌ؛ لأنّا قد نَعلَمُ اجتماعَ الخَلقِ الكثيرِ علَى المَذهبِ الواحدِ و تَرتَفِعُ عنّا الشبهةُ في ذلكَ إمّا بالمُشاهَدةِ أو النقلِ، و نَعلَمُ مِن إجماعِهم و اتّفاقِهم علَى الشيءِ الواحدِ ما يَجري في الجَلاءِ و الظهورِ مَجرَى العِلمِ بالبُلدانِ و الأمصارِ و الوقائعِ الكِبارِ. و نَحنُ نَعلَمُ أنّ المُسلِمينَ كُلَّهم مُتَّفِقونَ على تحريمِ الخَمرِ و وَطيِ الأُمَّهاتِ و إن لَم نَلقَ كُلَّ مُسلِمٍ في الشرقِ و الغَربِ و السهلِ و الجَبَلِ. و نَعلَمُ أيضاً أنّ اليَهودَ و النصارى مُتَّفِقونَ علَى القولِ بقَتلِ المَسيحِ و صَلبِه و إن كُنّا لَم نَلقَ كُلَّ يَهوديٍّ و نَصرانيٍّ في الشرقِ و الغَربِ.
و مَن دَفَعَ العِلمَ بما ذَكرناه كانَ مُكابِراً مُباهِتاً. و قد استَقصَينا الكلامَ على هذه الشبهةِ في الجوابِ عن المسائلِ التبّانيّاتِ،(2) و بَلَغنا فيه الغايةَ، و فيما أشَرنا إليه كِفايةٌ.2.
ص: 354
و أَرى كَثيراً مِن مُخالِفينا يَعجَبونَ مِن قولِنا: «إنّ الإجماعَ حُجّةٌ»، مع أنّ المَرجِعَ في كَونِه حُجّةً إلى قولِ الإمامِ مِن غيرِ أن يَكونَ للإجماعِ تأثيرٌ، و يَنسُبونَنا في إطلاقِ هذه اللفظةِ إلَى اللغوِ و العَبَثِ،(1) و قد بيّنّا في الكِتابِ الشافي في هذه النكتةِ ما فيه كِفايةٌ.(2)
و في الجُملةِ فلَيسَ نَحنُ المُبتَدئينَ بالقولِ بأنّ الإجماعَ حُجّةٌ،(3) لكِنّا إذا سُئلنا و قيلَ لنا: ما تَقولونَ في إجماعِ المُسلِمينَ على أمرٍ مِن الأُمورِ؟ فلا بُدَّ مِن أن نَقولَ: إنّه حَقٌّ و حُجّةٌ لأنّ قولَ الإمامِ المعصومِ الذي لا يَخلو كُلُّ زمانٍ منه لا بُدَّ مِن أن يَكونَ داخلاً في هذا الإجماعِ، فجوابُنا بأنّه حَقٌّ و حُجّةٌ صحيحٌ، و إن كانَت عِلّتُنا في أنّه حُجّةٌ غيرَ عِلّتِهم. و لَو أنّ سائلاً سألَنا كُلَّنا عن جماعةٍ فيهم نَبيٌّ: هَل قولُ هذه الجماعةِ حَقٌّ و حُجّةٌ؟ لَما كانَ لنا كُلِّنا بُدٌّ مِن أن نَقولَ: إنّه حُجّةٌ لأجلِ قولِ النبيِّ صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه، و لا نَمتَنِعُ مِن القولِ بذلكَ لأجلِ أنّه لا تأثيرَ لقَولِ باقي الجماعةِ.
و قد بيّنّا في الكِتابِ الشافي أنّه غيرُ مُمتَنِعٍ أن يَلتَبِسَ في بعضِ الأحوالِ قولُ إمامِ الزمانِ إمّا لغَيبتِه أو لغَيرِها، فلا نَعرِفَ قولَه علَى التعيينِ، فنَفزَعُ في هذا المَوضِعِ إلى إجماعِ الأُمّةِ أو إجماعِ علمائها لِنَعلَمَ دخولَ الإمامِ المعصومِ فيه، و إن كُنّا لا نَعرِفُ شَخصَه و عَينَه، ففي مِثلِ هذا المَوضِعِ نَفتَقِرُ إلى مَعرِفةِ الإجماعِ علَى القولِ لنَعلَمَ دخولَ الحُجّةِ فيه، إذا كانَ قولُ الإمامِ هو الحُجّةُ مُلتَبِساً أو مُشتَبِهاً.1.
ص: 355
و هذا يَجري مَجرى قولِ المُحصِّلينَ مِن مُخالِفينا: إنّ الإجماعَ الذي هو الحُجّةُ هو إجماعُ المؤمِنينَ مِن الأُمّةِ دونَ غيرِهم، لكِنَّ قولَ المؤمِنينَ لمّا لَم يَكُن مُتميِّزاً، وَجَبَ اعتبارُ إجماعِ الكُلِّ ليَدخُلَ ذلكَ فيه.(1)
اعلَمْ أنّ كُلَّ شَيءٍ أجمَعَت عليه الأُمّةُ فلا بُدَّ مِن كَونِه غيرَ خَطإٍ، و إذا لَم يَكُن خَطأً فلا بُدَّ مِن كَونِه صَواباً. و ما هو صَوابٌ على ضَربَينِ: فمنه ما يَصِحُّ أن يُعلَمَ بإجماعِهم، و هذا القِسمُ هو الذي يَكونُ إجماعُهم حُجّةً فيه. فأمّا ما لا يُمكِنُ أن يُعلَمَ بإجماعِهم فقَولُهم لَيسَ بحُجّةٍ فيه، و إن كانَ صَواباً، و كَونُ الشيءِ حُجّةً كالمُنفَصِلِ مِن كَونِه صَواباً؛ لأنّ كَونَه صَواباً يَرجِعُ إليه، و كَونَه حُجّةً يَرجِعُ إلى غيرِه.(2)
فأمّا الذي يَكونُ إجماعُهم حُجّةً فيه فهو كُلُّ أمرٍ صَحَّ أن يُعلَمَ بإجماعِهم، و الذي لا يَصِحُّ أن يُعلَمَ بإجماعِهم ما يَجِبُ أن تَتقدَّمَ مَعرِفتُه على مَعرِفةِ صحّةِ
ص: 356
الإجماعِ كالتوحيدِ و العَدلِ و ما أشبَهَهما(1).
و إذا كُنّا إنّما نَرجِعُ في كَونِ الإجماعِ حُجّةً إلى قولِ الإمامِ المعصومِ الذي لا يَخلو كُلُّ زمانٍ منه فيَجِبُ أن نَقولَ: كُلُّ شَيءٍ تَقدَّمَت مَعرِفةُ وجوبِ وجودِ الإمامِ المعصومِ في كُلِّ زمانٍ له فقَولُ الإمامِ حُجّةٌ فيه، و الإجماعُ الذي يَدخُلُ هذا القولُ فيه أيضاً حُجّةٌ في مِثلِه. فأمّا ما لا يُمكِنُ المَعرِفةُ بوجودِ الإمامِ المعصومِ قَبلَ المَعرِفةِ به فقَولُه لَيسَ بحُجّةٍ فيه، كالعقليّاتِ كُلِّها.
و الذي يُمكِنُ على أُصولِنا المَعرِفةُ به مِن طريقِ الإجماعِ أَوسَعُ و أكثَرُ ممّا يُمكِنُ أن يُعلَمَ بالإجماعِ على مَذهبِ مُخالِفينا؛ لأنّهم إنّما يَعلَمونَ بالإجماعِ الأحكامَ الشرعيّةَ خاصّةً،(2) و نَحنُ نَتمكَّنُ مِن أن نَعلَمَ بالإجماعِ زائداً على ذلكَ فَرضاً و تقديراً النبوّةَ و القُرآنَ و ما شاكَلَ ذلكَ مِن الأُمورِ التي يَصِحُّ أن يَتقدَّمَها العِلمُ بوجوبِ الإمامةِ، فلَو أجمَعَت الأُمّةُ في شَخصٍ بعَينِه أنّه نَبيُّهم، و في كلامٍ بعَينِه أنّه كلامُ اللّهِ سُبحانَه لَعَلِمنا صحّتَهما لسَلامةِ الأصلِ الذي أشَرنا إليه، و صحّةِ تَقدُّمِه على هذه المَعرِفةِ.
و على هذا يَصِحُّ على مَذاهبِنا أن يَعلَمَ صحّةَ الإجماعِ و كَونَه حُجّةً مَن يَجهَلُ 3.
ص: 357
صحّةَ القُرآنِ و نُبوّةَ نَبيِّنا صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه؛ لأنّ أصلَ كَونِه حُجّةً لا يَفتَقِرُ إلَى العِلمِ بالنبوّةِ و القُرآنِ، و على مَذهبِ مُخالِفينا لا يَصِحُّ ذلكَ؛ لأنّ الكِتابَ و السنّةَ عندَهم هُما أصلُ كَونِ الإجماعِ حُجّةً.(1)
و اختَلَفوا في إجماعِهم على ما يَرجِعُ إلَى الآراءِ في الحُروبِ و ما جَرى مَجراها؛ فذَهَبَ قومٌ إلى أنّ خِلافَهم في ذلكَ لا يَجوزُ أيضاً، و اعتَمَدوا على أنّ الأدلّةَ حَرَّمَت مُخالَفتَهم عموماً،(2) و جَوَّزَ آخَرونَ أن يُخالَفوا فيه، و قالوا: لَيسَ يَزيدُ حالُهم على حالِ الرسولِ صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه و سَلَّمَ.(3)
و الصحيحُ أنّ كُلَّ ما لا يَجوزُ خِلافُ الرسولِ أو الإمامِ فيه لا يَجوزُ خِلافُ الإجماعِ أيضاً فيه؛ لأنّ المَرجِعَ في أنّ الإجماعَ حُجّةٌ لا تَجوزُ مُخالَفتُه إلى أنّه مُشتَمِلٌ على قولِ الحُجّةِ مِن الإمامِ أو مَن جَرى مَجراه، و خِلافُ النبيِّ صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه في آراءِ الحُروبِ لا يَجوزُ؛ لأنّها صادرةٌ عن وَحيٍ، و لها تَعلُّقٌ قويٌّ بالدينِ. و لَو رَجَعَت إلى آرائه في نفسِه لَم يَجُز مُخالَفَتُه فيها لأجلِ التنفيرِ.
و كذلكَ آراءُ الإمامِ فيما يَتعلَّقُ بالسياساتِ الدينيّةِ و الدنيويّةِ لا يَجوزُ مُخالَفتُها لأنّها تُنفِّرُ عنه، و تَضَعُ منه.(4)).
ص: 358
و يَنقَسِمُ الإجماعُ إلى أقسامٍ؛ و هي أن يُجمِعوا علَى الشيءِ قولاً، أو فعلاً، أو اعتقاداً، أو رِضاً به. و قد يَنفَرِدُ كُلُّ واحدٍ مِن هذه الأقسامِ، و قد يَجتَمِعُ مع غيرِه.(1)
و لا يَجوزُ أن يُجمِعوا علَى الذهابِ عن عِلمِ ما يَجِبُ أن يَعلَموه، و الوجهُ في ذلكَ أنّ إخلالَهم بالواجبِ يَجري في استحقاقِ الذمِّ و العِقابِ به مَجرى فعلِ القَبيحِ، و إذا كانَ المعصومُ لا يَجوزُ عليه الأمرانِ مَنَعنا ذلكَ في كُلِّ جماعةٍ يَكونُ هذا المعصومُ فيها. فأمّا مَن استَدَلَّ مِن مُخالِفينا على صحّةِ الإجماعِ بالخبرِ، و طَعَنَ في دَلالةِ الآياتِ، فيَلزَمُه تجويزُ الذهابِ عمّا يَجِبُ عِلمُه عليهم؛ لأنّ الخبرَ إنّما نَفى أن يُجمِعوا على خَطإٍ، و لَم يَتضمَّنْ نَفيَ الإخلالِ بالواجبِ، و لفظُه لا يَقتَضيه.(2)
فأمّا ما لا يَجِبُ أن يَعرِفوه، و لَم يُنصَبْ لهُم دليلٌ عليه، فيَجوزُ ذَهابُهم عن عِلمِه.
و لا يَجوزُ أن تَجتَمِعَ الأُمّةُ علَى الخَطإ في مسألتَينِ، كَما لا يَجوزُ أن تَجتَمِعَ علَى الخَطإ في مسألةٍ واحدةٍ. و دليلُ هذه المسألةِ على مَذهبِنا واضحٌ؛ لأنّ تجويزَ ذلكَ يؤَدّي إلى خَطإ المعصومِ، لأنّه إذا كانَ لا بُدَّ مِن أن يَكونَ إمّا في هذه الطائفةِ أو في الأُخرى، و كُلُّ واحدةٍ منهما مُخطئةٌ، فهو مُخطئٌ. فأمّا مُخالِفونا في عِلّةِ الإجماعِ فإنّما يَعتَمِدونَ في نَفيِ الخَطإ عن الأُمّةِ - و إن كانَ في مسألتَينِ - على أن يَقولوا: إنّ النبيَّ صَلَّى اللّهُ عليه و آلِه نَفَى الخَطأَ عن أُمّتِه نَفياً عامّاً، و لَم يُفرِّقْ بَينَ المسألةِ و المسألتَينِ، فيَجِبُ نَفيُ الكُلِّ.(3)».
ص: 359
اعلَمْ أنّ الكلامَ في هذه المسألةِ - على أُصولِنا في عِلّةِ كَونِ الإجماعِ حُجّةً - كالمُستَغنى عنه؛ لأنّ الإجماعَ إذا كانَ عِلّةُ كَونِه حُجّةً كَونَ الإمامِ فيه، فكُلُّ جماعةٍ - كَثُرَت أو قَلَّت - كانَ قولُ الإمامِ في جُملةِ أقوالِها فإجماعُها حُجّةٌ؛ لأنّ الحُجّةَ إذا كانَ هو قولَه، فبأيِّ شَيءٍ اقتَرَنَ لا بُدَّ مِن كَونِه حُجّةً لأجلِه، لا لأجلِ الإجماعِ.
و قد اختَلَفَ قولُ مَن خالَفَنا في هذه المسألةِ:(1)
فمنهم مَن قالَ: إنّ الإجماعَ الذي هو حُجّةٌ هو إجماعُ جميعِ الأُمّةِ المُصدِّقةِ بالرسولِ عليه السلامُ (2).
ص: 360
و منهم مَن قالَ: بَل هو إجماعُ المؤمِنينَ خاصّةً.(1)
و فيهم مَن ذَهَبَ إلى أنّ الإجماعَ الذي هو حُجّةٌ هو إجماعُ الفقهاءِ.(2)
و لا معنى لخَوضِنا في هذا الخِلافِ؛ لأنّ أُصولَنا تَقتَضي سِواه، و قد بيّنّا ما يَجِبُ أن يُعتَمَدَ.
و اختَلَفوا في الواحدِ و الاِثنَينِ إذا خالَفا ما عليه الجماعةُ؛ فمنهم مَن قالَ: لا يُعتَدُّ بخِلافِ واحدٍ و اثنَينِ لأنّه شاذٌّ خارجٌ عن قولِ الجماعةِ.(3) و منهم مَن قالَ: إنّ خِلافَ الواحدِ و الاِثنَينِ يُخرِجُ القولَ مِن أن يَكونَ إجماعاً.(4)2.
ص: 361
و هذا القولُ الثاني أشبَهُ بالصوابِ على مَذاهبِهم؛ لأنّ الإجماعَ الذي هو حُجّةٌ إذا كانَ هو إجماعَ الأُمّةِ أو المؤمِنينَ فخروجُ بعضِهم عنه يُخرِجُه مِن تَناوُلِ الاِسمِ.(1)
و الذي يَجِبُ أن يُعوَّلَ عليه في هذه المسألةِ أن نَقولَ: لَيسَ يَخلو الواحدُ و الاِثنانِ المُخالِفانِ لِما عليه الجماعةُ مِن أن يَكونَ إمامُ الزمانِ المعصومُ أحَدَهما قَطعاً أو تجويزاً، أو أن يُعلَمَ أنّه لَيسَ بأحَدِهما قَطعاً و يَقيناً. و القِسمُ الأوّلُ يَقتَضي أن يَكونَ قولُ الجماعةِ و إن كَثُرَت هو الخَطأَ، و قولُ الواحدِ و الاِثنينِ لأجلِ اشتمالِه على قولِ الإمامِ هو الحَقَّ و الحُجّةَ. فأمّا القِسمُ الثاني فإنّا لا نَعتَدُّ فيه بقَولِ الواحدِ و الاِثنَينِ؛ لعِلمِنا بخروجِ قولِ الإمامِ عن قولِهما و أنّ قولَه في أقوالِ تلكَ الجماعةِ، بَل نَقطَعُ على أنّ إجماعَ تلكَ الجماعةِ - و إن لَم تَكُن جميعَ الأُمّةِ - هو الحَقُّ و الحُجّةُ، لكَونِ الإمامِ فيه و خروجِه عن قولِ مَن شَذَّ عنها و خالَفَها.
و مَن تأمَّلَ كلامَنا في هذا الفَصلِ و ما حَقَّقناه و فَصَّلناه مِن سببِ كَونِ الإجماعِ حُجّةً و عِلّتِه، عَلِمَ استغناءَنا عن الكلامِ فيما تَكلَّمَ مُخالِفونا عليه في كُتُبِهم مِن أقسامِ الإجماعِ، و ما يُراعى فيه إجماعُ الأُمّةِ كُلِّها أو العلماءِ أو الفقهاءِ، و ما بَينَهم في ذلكَ مِن الخِلافِ،(2) فإنّ خِلافَهم في ذلكَ إنّما ساغَ لأنّ أُصولَهم في عِلّةِ كَونِ الإجماعِ حُجّةً غيرُ أُصولِنا، ففَرَّعوا الكلامَ بحَسَبِ أُصولِهم، و نَحنُ مُستَغنونَ عن الكلامِ في تلكَ الفُروعِ لأنّ أُصولَنا لا تَقتَضيها، و قد بيّنّا مِن ذلكَ ما يَرفَعُ الشبهةَ.(3)3.
ص: 362
قد تعرّض الشريف المرتضى في موضعين من هذه الرسالة لهذا المقال:
الجوابُ: لَيسَ يُمكِنُ نَعتُ الوقتِ الذي يَظهَرُ فيه صاحبُ الزمانِ عليه السلامُ، و إنّما يُعلَمُ على سَبيلِ الجُملةِ أنّه يَظهَرُ في الوقتِ الذي يأمَنُ فيه المَخافة، و تَزولُ عنه التقيّةُ.
و هو عليه السلامُ مُشاهِدٌ لنا، و مُحيطٌ لنا، و غيرُ خافٍ عليه شَيءٌ مِن أحوالِنا.(1)
الجوابُ: معنَى الرَّجعةِ أنّ اللّهَ تَعالى يُحيي قَوماً ممّن تُوفّيَ قَبلَ ظُهورِ القائمِ عليه السلامُ مِن مَواليه و شيعَتِه؛ ليَفوزُوا بمُباشَرةِ نُصرَتِه و طاعتِه و قِتالِ أعدائه،
ص: 363
و لا يَفوتَهم ثَوابُ هذه المَنزِلةِ الجَليلةِ التي لَم يُنكِروها؛ حتّى لا يُستَبدَلَ عليهم بهذه المنزلة غيرُهم.
و اللّهُ تَعالى قادرٌ على احياءِ المَوتى؛ فلا معنى لتَعجُّبِ المُخالِفينَ لهذه الحالِ و استبعادِهم.(1)ن.
ص: 364
اشارة
1. فهرس الآيات... 367
2. فهرس الأحاديث... 370
3. فهرس الأشعار... 371
4. فهرس الأعلام... 372
5. فهرس الأماكن... 376
6. فهرس الأديان، و الفرق و المذاهب... 377
7. فهرس الجماعات و القبائل... 379
8. فهرس الأيّام و الوقايع... 383
9. فهرس الأشياء و الحيوانات... 385
10. فهرس الكتب الواردة في المتن... 386
11. فهرس مصادر التحقيق... 387
12. فهرس المطالب... 401
ص: 365
ص: 366
الآية\رقم الآية\ الصفحة
البقرة (2)
(فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) 89 264
آل عِمران (3)
(وَ يُكَلِّمُ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ وَ كَهْلاً) 46 252
المائدة (5)
(يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى...) 19 196، 206
الأنعام (6)
(وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا...) 27 251
(بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَ...) 28 251
(وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَ...) 111 247
(يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ آياتِ رَبِّك لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها...) 158 248
ص: 367
الأنفال (8)
(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ...) 22 247
(وَ لَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأََسْمَعَهُمْ وَ...) 23 247
(وَ أُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِى كِتابِ اللّهِ) 75 317
يونُس (10)
(أدْرَكَهُ الغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِى...) 90 248
(آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) 91 248
الإسراء (17)
(ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ...) 6 246
(يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) 71 259
مريم (19)
(وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) 12 252
نور (24)
(وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ...) 55 206
القَصص (28)
(وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِى الأَرْضِ وَ...) 5 299
(وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِى الأَرْضِ وَ نُرِىَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ...) 6 299
(ما كانُوا يَحْذَرُونَ) 6 300
ص: 368
العنكبوت (29)
(فَلَبِثَ فيهِمْ ألْفَ سَنَةٍ إلّا خَمْسينَ عاماً) 14 294
الروم (30)
(الم) 1 251
(غُلِبَتِ الرُّومُ) 2 251
(فِى أَدْنَى الأَْرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) 3 251
ص (38)
(وَ إِنَّ عَلَيْك لَعْنَتِى إِلى يَوْمِ الدِّينِ) 78 248
(لأََمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْك وَ مِمَّنْ تَبِعَك مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) 85 247
الفتح (48)
(لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ) 27 250
القمر (54)
(سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ) 45 250
المسد (111)
(تَبَّتْ يَدا أَبِى لَهَبٍ وَ تَبَّ) 1 248
(ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَ ما كَسَبَ) 2 248
(سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) 3 248
ص: 369
النبيّ صلى الله عليه و آله
أنتَ مِنّي بمَنزِلةِ هارونَ مِن موسى 198
إنّهما سَيِّدا شَبابِ أهلِ الجَنّةِ، و أبوهما خَيرٌ منهما 194
بَنو عبدِ المُطَّلِبِ سادةُ أهلِ الجَنّةِ: أنا، و عَليٌّ و جعفرُ... 194
في كُلِّ خَلَفٍ مِن أُمَّتي عَدلٌ مِن أهلِ بَيتي؛ يَنفي... 260
لا تَجتَمِعُ أُمّتي على ضَلالٍ 189
مَن ماتَ وَ لم يَعرِفْ إمامَ زَمانِه ماتَ مِيتةً جاهِليّةً 259
امير المؤمنين عليه السلام
اللّهُمَّ إنّكَ لا تُخلي الأرضَ مِن حُجّةٍ لَكَ على خَلقِكَ... 260
الإمام الصادق عليه السلام
أنّ الإمامَ هو الذي لا يوجَدُ منه مَلجأٌ إلّاإليه 253، 257
إنّ اللّهَ لا يُخلي الأرضَ مِن حُجّةٍ إلّاأن يَغضَبَ... 260
ص: 370
الشطر الأول\ القافية\ الشاعر\ الصفحة
رجلٌ كِلَاَ طَرفَيْهِ مِنْ سَامٍ وَمَا \أَبِ \السيّد الحميري \ 325
قِفْ بِالدِّيارِ المُقْفِراتِ\ الشَّتاتِ\ سيّد مرتضى\ 209
ص: 371
الف: المعصومون و الأنبياء عليهم السلام
محمّد = النبي = نبيّنا = خاتم الأنبياء = رسول اللّه = رسول صلى الله عليه و آله، 97، 112، 117، 118، 121، 123، 124، 144، 145، 147، 162، 167، 168، 169، 170، 171، 172، 173، 175، 176، 179، 185، 188، 191، 192، 193، 194، 199، 217، 218، 219، 223، 229، 233، 234، 235، 239، 242، 244، 250، 252، 258، 259، 260، 262، 263، 264، 265، 267، 269، 271، 272، 273، 275، 285، 290، 291، 293، 317، 319، 322، 323، 333، 351، 355، 358، 359، 360
عَلي ابن أبي طالب = أمير المؤمنين عليه السلام، 126، 179، 194، 195، 197، 198، 199، 200، 260، 275، 290، 317، 325، 326، 327
فاطمة بنت رسول اللّه عليها السلام، 328
حَسَن بن عَليّ بن أبي طالِب = الحَسَن عليه السلام، 194، 195، 197، 199، 200، 201، 275، 289، 327
الحُسَين عليه السلام، 194، 195، 197، 199، 202، 327
علي بن الحُسَين عليه السلام، 195
أبو جَعفَر مُحمّد بن عليّ الباقر = مُحمّد بن عَلي = أَبو جعفر عليه السلام، 195، 260، 263، 327، 333
أبو عَبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق = جعفر بن مُحمّد = أبو عبد اللّه = الصّادق عليه السلام، 104، 195، 253، 257، 260، 263، 276، 343
ص: 372
أبو الحسن موسَى بن جعفر الكاظم = أَبو الحسن موسى = موسَى بن جعفر = موسى عليه السلام، 104، 202، 263، 265، 276، 326، 327
عليّ بن موسى عليه السلام، 327
مُحمّدُ بنُ عليّ عليه السلام، 290
عليّ بن محمّد = عليّ عليه السلام، 254، 257، 290
الحَسَن بن عليّ أبي القائم = الحسن بن عليّ = الحسن = أبو محمّد الحسن بن عليّ بن محمّد = أبو محمّد الحسن بن عليّ = أبو محمّد الحسن = أبو محمّد = أبو الحسن العسكري عليه السلام، 126، 203، 251، 252، 253، 254، 255، 256، 257، 258، 259، 260، 261، 263، 290
العسكريَّيْن، 327
مُحمّد بن الحَسَن المُنتَظَر = محمّد بن الحسن = محمّد = الحُجّة بن الحَسَن = ابن الحسن = الإمام الغائب = الإمام المُنتَظَر = المُنتَظَر المَهديّ = المنتظَر = القائم = إمام الزمان = إِمام الزَّمان الغائِب = إمام زماننا = صاحب الزمان مُحمّد بن الحَسَن = صاحب الزمان = صاحب زماننا = صاحب الأمر = صاحبنا = مَهديّ الأُمّة = وصيّ الأوصياء = خاتَم الحُجَج = قائم الزمان عليه السلام، 101، 103، 104، 105، 106، 110، 111، 112، 114، 115، 118، 119، 121، 128، 135، 136، 145، 164، 172، 180، 186، 194، 196، 202، 203، 204، 205، 207، 215، 216، 235، 239، 248، 251، 252، 253، 254، 255، 256، 257، 258، 259، 260، 261، 263، 265، 270، 272، 275، 279، 280، 282، 286، 287، 288، 289، 290، 291، 294، 298، 302، 303، 305، 306، 310، 311، 321، 322، 326، 327، 333، 343، 345، 346، 348، 349، 355، 362، 363
آدم، 268، 300
نوح النبيّ عليه السلام، 294
يَحيى عليه السلام، 252
إبراهيم عليه السلام، 262
موسى عليه السلام، 112، 113، 188، 190، 239، 250، 262، 299، 300
هارون عليه السلام، 239، 263
عيسى = المَسيح عليه السلام، 188، 190، 252، 354
جَبرَئيل، 186، 187، 188
ب: الأعلام
إبليس، 247
ابن الحَنَفيّة، 104
أبو بَكر، 121، 244
إسماعيل، 260
ص: 373
إسماعيل بن جَعفر، 276
الإماء، 326، 327
أبو حَنيفة، 225، 318، 331، 332
أبو عَبد اللّه مُحمّد بن عَبد المَلِك التُّباين، 330
أَبو عبيد مُعْمَر بن المُثنّى، 326
أبو علي، 186، 188
أبو محمّد الحسن بن موسَى النَّوبَختيّ، 251
أحمَد، 258
البيضان، 325
جعفر ابن أبي طالِب، 194
جعفر بن عليّ بن محمّد بن عليّ، جعفرُ بنُ علي، جعفر، 253، 254، 255، 256، 257، 261
حام، 325، 326، 327
حَمزة بن عبد المُطَّلِب، 194
حميدة، 327
الخطّاب بن نُفيل، 326
الخيزُران، 327
سام، 325
السامِري، 239
سُكينة، 327
السودان، 325
السيِّد المُرتَضى عَلَم الهُدى، السيّد المُرتَضى، السيّد، 135، 289، 290، 292، 294، 325، 326، 327
الشافعي، 225، 331، 332
شُذّاذ، 202
الشريف أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي، 244
شَمِر، 247
الشيخ، 237، 244، 245، 246، 247، 251، 255، 262
الشيطان، 238، 239
صاحب الكتاب، 153، 154، 160، 161، 163، 164، 165، 166، 168، 171، 173، 175، 178، 180، 182، 184، 185، 186، 188، 191، 192، 195، 203، 204
صَهاك، 325، 326
العبّاس، 263
عبد الرحمن بن مُلْجَم، 247
عبدُ العزّى بن رباح بن عبد اللّه بن قُرط بن رِزاح بن عَدِيّ بن كعب بن لؤيّ بن غالب، 325
عبد المُطَّلِب، 194
علي، 258
عليّ بن الحسن، 254
عُمَر بن الخَطّاب، 244، 325
فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، 325
فِرعَون، 247، 248، 250، 299، 300
فهم بن قيس غيلان، 326
ص: 374
قارون، 247
المتوكِّل، 263
محمّد، 253، 257، 258
مُحمّد بن إسماعيل، 276
محمّد بن الحَنَفيّة، 103، 200، 201، 276
محمّد بن عليّ، 253، 254، 257
مُعاوية بن أبي سُفيان، 200
المعتمِد، 263
نَفيس، 260
نُفَيل بن عبد العُزّى، 326
واصِل بن عَطاء، 196، 206
الوزير السيِّد، 97
هامان، 247، 299، 300
الهيثم بن عَديّ الطائيّ، 326
يَزيد، 247
ص: 375
البصرة، 224
بَغداد، 263
البَيت، 111
جِبال رَضوى، 201
جَبَل رَضوى، 104
الحجاز، 263
خراسان، 237
سُرّ مَن رأى، 263
شَطّ الفُرات، 209
الشِّعب، 117، 118، 271
العراق، 237
الغار، 117، 118، 121، 217، 244، 271، 291
فارِس، 237
الكوفة، 224
المَدينة، 118، 271
مَكّة، 118، 265
ص: 376
الاِثنَي عَشَريّة، 303
الإسلام، 200، 228
الإسماعيليّة، 260
الإماميّة، 101، 104، 106، 144، 195، 202، 228، 230، 233، 236، 237، 246، 255، 256، 257، 261، 263، 275، 285، 297، 298، 299، 300، 305، 306، 311، 317، 329، 330، 332، 333، 334، 335، 337، 338، 343، 344، 345، 346، 347، 348، 349
الإماميّة الاثنا عشريّة، 255
البَكريّة، 216
التشيّع، 240
الثنَويّة، 216
حَنَفيّ، 225
الخاصّة، 198، 230، 258، 266
الزيديّة، 202، 277، 295
السُّمَنيّة، 226
السُّوفِسْطائيّة، 226
شافعيّ، 225
شريعتنا، 168، 323
شَريعة الرسول، 185، 218، 322
شريعة النبي، 168، 234، 293
شريعة محمّد، 191
شريعة نبيّنا، 167
الشيعة، 101، 164، 165، 193، 198، 199، 239، 240، 241، 247، 255، 256، 270، 306، 319، 342، 344
الشيعة الإماميّة، 103، 126، 225، 227، 240، 268، 305، 337، 339
طائِفَتنا، 311
الطائفة، 223، 229، 298، 319، 345، 346، 348، 349، 359
الطائفة المُحقّة، 224، 317
العامّة، 198، 227، 230، 258، 266
الفِرقة المُحِقّة، 223، 227، 231، 232، 329
ص: 377
الكَيسانيّة، 103، 105، 200، 201، 256، 270، 276
المُجْبِرة، 216
مَذاهِب أئمّتِنا، 343
مَذاهب أئمّتنا المُتقدِّمين، 333
مَذاهب أبي جَعفَر مُحمّد بن عليّ الباقر، 333
مَذاهِب أبي حَنيفة، 331، 334
مَذاهب أصحابِنا، 330
مَذاهب الإماميّة، 349
مَذاهِب الشافعي، 331، 332
مَذاهِب الشيعة الإماميّة، 339
مَذاهِب مُخالِفينا، 353
مَذاهِبنا، 116، 141، 357
مَذهَب أبي عبدِ اللّهِ جعفرِ بنِ محمّدٍ الصادق، 343
مَذهب الإماميّة، 332
مَذهب مُخالِفينا، 357
مَذهَبنا، 106، 185، 190، 354، 359
المعتزلة، 237، 246، 247، 251، 256، 258، 295، 322
المُلحِدة، 301
الناصبة، 256، 258
الناووسيّة، 104، 105، 256، 270، 276
النَّصارى، 188، 190، 323، 354
الواقفة، 104، 105، 256
الواقفيّة، 270
اليَهود، 112، 113، 188، 190، 264، 323، 354
ص: 378
آباء رسول اللّه، 263
آل أبي طالب، 257، 265
آل الرسول، 172
آل أَحْمَد، 210
آل محمّد، 248، 254
أئمّتنا، 327، 333، 343
أئمّتهم، 249
الأئمّة، 123، 125، 156، 157، 164، 172، 181، 186، 193، 195، 196، 197، 198، 199، 200، 202، 203، 219، 232، 233، 239، 254، 262، 268، 275، 276، 277، 285، 286، 287، 294، 300، 303، 312، 318، 322، 328، 343
أئمّة الهُدى، 247
الأئمّة مِن ولد الحُسَين، 199
الأصحاب، 330
أصحاب أبي حَنيفة، 332، 334
أصحاب أبي حَنيفَة، 318
أصحاب الاختيار، 292
أصحاب التناسُخ، 216
أصحاب الحديث، 341، 342
أصحاب الحسن، 261
أصحاب الشافعيّ، 332
أصحاب القياس، 145
أصحاب حديث، 255
أصحابنا، 124، 158، 168، 196، 220، 233، 288، 298، 302، 306، 311
أصحابنا، 246، 250، 291، 310، 341، 342
الأطفال، 108، 111، 112، 114، 115، 240، 291
الأعداء، 119، 121، 124، 125، 126، 127، 128، 136، 137، 158، 159، 216، 220، 245، 272، 286، 299
الأعراب، 240
الأُمّة، 106، 124، 140، 145، 161، 167، 168، 169، 173، 177، 188، 189، 190،
ص: 379
198، 201، 202، 203، 224، 225، 226، 227، 233، 235، 236، 268، 270، 279، 283، 284، 286، 295، 310، 311، 331، 332، 352، 353، 354، 355، 356، 357، 359، 360، 362
الأنبياء، 157، 197، 239، 250، 251، 267، 268، 285، 290، 291، 320، 321
الأنصار، 331
الأوصياء، 290، 291
أولاد الحُسَين، 195
أولاد حام، 327
الأولياء، 124، 127، 128، 136، 137، 140، 159، 160، 220، 245، 299
أولياء الإمام، 136
أولياء إمام الزمان، 135
أولياء أمير المؤمنين عليه السلام، 126
أهل الاِختيار، 183
أهل الآخِرة، 248، 249
أهل الإسلام، 228، 249
أهل الإمامة، 248، 258
أهل البَيت، 207
أهل التَّدَيُّن، 237
أهل التواتُر، 175، 176
أهل التوحيد، 297
أهل الجَهالات، 228
أهل الحَقّ، 323
أهل الحَلّ و العَقد، 219، 292، 312
أهل الرَّجعة، 298، 299
أهل الشرك، 250
أهل الشرك و الضَّلال، 251
أهل العَدل و التوحيد، 228
أهل العقاب، 251
أهل العِلم، 225، 265، 341
أهل العِناد، 251
أهل الكتاب، 262، 263
أهل الكُتُب، 197
أهل المذاهب، 230
أهل النظر و المتفَقِّهة، 246
أهل النفاق، 239
أُدباء، 255
أُمّة النبيّ، 351
البالغون، 216
بعض أصحابنا، 167
البُغاة، 117، 271
بنو إسرائيل، 246
بنو العَبّاس، 196، 203
بنو أُمَيّة، 194، 196، 203
بنو عبدِ المُطَّلِب، 194، 264
بَنو هاشم، 264
الجائرون، 203
الجاهلون، 237
الجماعة، 361
ص: 380
جميع المُقَلِّدة، 240
الجُناة، 117، 121، 122، 218، 271
جَواري أبي محمّد عليه السلام، 263
الجُهّال، 227، 230
حُذّاق المعتزلة، 237
الخُصوم، 179
خُصومنا، 175، 183، 189، 190
الخَوارِج، 185، 186، 200، 256، 295، 351
الرُّسُل، 157، 166، 167، 197، 206
الرواة، 198
الرؤساء، 102، 270
شُعراء، 255
الشُّيوخ، 109، 112، 114، 115، 143
شُيوخنا، 346
الصالحون، 141، 294
صالحون عُبّاد متفقِّهة، 255
الطالبيّون، 257، 261
الظالِمون، 116، 119، 120، 155، 156، 157، 163، 184، 187، 205، 215، 216، 217، 218، 220، 271، 312، 320
الظَّلَمة، 184، 187، 308، 309
عالِمون، 130، 346
العباد، 108، 120، 121، 181، 183، 218، 246، 254، 273
العَجَم، 240، 269، 294
العَرَب، 264، 269، 294
العقلاء، 125، 176، 177، 178، 179، 204، 226، 235
العلماء، 106، 164، 227، 230، 255، 331، 345، 349، 352، 353، 362
علماء أصحاب أبي حَنيفة، 332
علماء الإماميّة، 330، 333، 345، 347، 348
علماء الفِرقة الإماميّة، 346
علماء الفِرقة المُحِقّة، 345
علماء المُسلِمين، 206
علماء أهل البَيت عليهم السلام، 207
الغُرَمَاء، 315
غير مكلَّفين، 171
الفِرقة المُحِقّة، 171
الفقهاء، 333، 337، 351، 361، 362
فقهاء الأُمّة، 331
قريش، 262
قَوم موسى، 239، 250
الكافرون، 246، 248
الكُبَراء، 102
الكُفّار، 188، 299
اللُّغَويّون، 227
المُتغلِّبون، 203
المُتكلِّمون، 351
متكلّمون نُظّار، 255
المُتملِّكون، 204
المَجانين، 240
ص: 381
المُحتالون، 159
المحقِّقون، 167
المُخالِفون، 136، 179، 181، 246، 251، 269، 283، 318، 364
مُخالِفونا، 99، 106، 107، 137، 185، 219، 232، 279، 301، 302، 305، 312، 353، 354، 355، 356، 357، 359، 362
المُخرِّفون، 159
المُستَبِدّون، 204
المُستَضعَفون، 300
المُسلِمون، 164، 179، 197، 206، 225، 297، 300، 302، 325، 331، 341، 346، 347، 354، 355
المشرِكون، 244
المصدِّقون، 178
المُصنِّفون، 106
المُعانِدون، 220
مُعتقدي التشيّع، 240
مَعصُومون، 319
المُعمَّرون، 294
المُفسِّرون، 207
المقلّدون، 240
المكذِّبون، 178
المُكلَّفون، 100، 127، 154، 155، 156، 157، 161، 162، 167، 180، 184، 185، 186، 187، 219، 220، 233، 234، 235، 240، 284، 286، 290، 302، 310
المَلائكة، 170، 187، 267، 268، 293
المُلحِدون، 216
مُلوك، 265
مُلوك العَجَم، 264
مُلوك العرب و الفُرس، 263
المُلوك مِن وُلْد العبّاس، 263
المنافقون، 251
الموحِّدون، 249، 297
المؤمنون، 188، 189، 190، 216، 244، 246، 298، 300، 352، 353، 356، 361، 362
الناقلون، 123، 162، 170، 171، 186، 194، 219، 235
النحويّون، 227
وُلد حام، 325، 327
وُلْد رسول اللّه، 265
هاشميَّيْن، 325
ص: 382
استلام الحَجَر، 301
أيّام الحَسَن بن عليّ أبي القائم عليهم السلام، 126
أيّام القائم، 305
أيّام بَني العَبّاس، 196، 203
أيّام بَني أُمَيّة، 194، 196، 203
بَدر، 224
بِعثة الرسول، 196
الجَمل، 224
حُنَين، 224
حياة الرسول، 169
الرَّجعة، 246، 247، 248، 251، 297، 298، 299، 300، 305، 306، 363
رَمي الحِجارة، 301
زمان مولد النبيّ، 264
سنة اثنتين و خَمسين و مائتَين، 252
سنة ثلاث و سَبعين و ثَلاثمائة، 255
سنة خَمس و خَمسين و مائتَين، 252
سنة ستّين و مائتَين، 252
سَنَة عِشرين و أربَعِمِائة، 338
صِفّين، 224
عَهد موسى، 300
الغَيبة، 97، 98، 99، 100، 101، 103، 106، 107، 108، 109، 110، 111، 112، 114، 115، 116، 117، 118، 121، 122، 124، 125، 127، 128، 129، 131، 132، 135، 137، 138، 139، 140، 141، 142، 143، 144، 146، 147، 155، 156، 157، 163، 182، 183، 186، 189، 190، 193، 196، 203، 204، 205، 215، 217، 218، 219، 220، 221، 228، 233، 237، 240، 241، 242، 243، 244، 245، 254، 261، 262، 269، 270، 271، 272، 273، 275، 279، 280، 282، 283، 284، 285، 287، 288،
ص: 383
290، 291، 292، 293، 294، 301، 302، 308، 309، 310، 311، 320، 322، 329، 332، 342، 355
قيام المهديّ عليه السلام، 207
مَوت النبي، 233
وفاة الرسول، 169
وفاة الصادق عليه السلام، 104
وفاة أمير المؤمنين عليه السلام، 126
وفاة أبي محمّد، 263
وفاة محمّد (الباقر) عليه السلام، 104
وفاة موسَى بن جعفر عليه السلام، 202
وفاة موسى عليه السلام، 104
ولادة صاحبنا عليه السلام، 105
الهِجرة، 118، 271
الهَروَلة، 301
يَوم عاشُوراء، 213
ص: 384
أسد، 201
الأشجار، 259
الخمر، 225، 331، 354
الخنزير، 225، 259
ذَهَب، 259
شَراب، 334
العِجل، 250
فضّة، 259
قِرْد، 259
كلب، 259
ص: 385
القُرآن = كتاب اللّه = الكتاب، 107، 113، 118، 174، 175، 176، 178، 179، 193، 206، 229، 250، 267، 294، 300، 316، 317، 333، 337، 339، 354، 357، 358
تنزيه الأنبياء و الأئمّة عليهم السلام، 97
جواب المَسائل التُّبّانيّات، 347
جَواب المَسائل الحَلَبيّات، 317
الجواب عن المسائل التبّانيّات، 354
جَواب مَسائِل أبي عَبد اللّه ابن التُّبّان، 337
جَواب مَسائِل أهل الموصِل الفقهيّة، 337
جواب مسائل أبي عبدالله بن التبّان، 342
جواب مسائل أهل المَوْصِل الواردة، 342
جواب مسألة وَرَدَت مِن المَوصِل، 235
الذخيرة، 295، 297، 310
الشافي، 102، 124، 235، 278، 295، 309، 310، 314
الشافي في الإمامة، 97، 135، 219
صُحُف إبراهيم و موسى، 262
الغُرَر و الدُّرَر، 295
كتاب الإمامة، 220، 221
الكِتاب الشافي، 355
كِتابنا في الغَيبَة، 310
كُتُب الإمامة، 353
كُتُب المُخَالِفين، 318
كُتُب أصحَاب أبي حَنيفَة، 318
كُتُب حَديث الشيعة، 199
المُغني، 309
المُقنِع، 132
المُقنِع في الغَيبة، 135، 287، 292، 309
نُصرة ما انفَرَدَت به الإماميّة في المَسائل الفقهيّة، 344
ص: 386
1. إثبات الهداة بالنصوص و المعجزات، محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ (م 1104 ه)، قم: المطبعة العلميّة.
2. أساس البلاغة، أبو القاسم جار اللّه محمود بن عمر الزمخشري الخوازمي (467-538 ه)، القاهرة - مصر: دار و مطابع الشعب، الطبعة الأُولى، 1960 م.
3. أُصول الايمان، عبد القاهر بن محمّد بن عبد اللّه التميمي الشافعي، شرح و مراجعه: ابراهيم محمّد رمضان، بيروت: دار و مكتبة الهلال، 1409 ه.
4. أعيان الشيعة، محسن الأمين (ت 1371 ه)، تحقيق: حسن الأمين، بيروت: دار التعارف للمطبوعات.
5. الاحتجاج، أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب الطبرسي (548 ه)، تحقيق: السيّد محمّد باقر الخرسان، النجف: مكتبة النعمان، 1386 ه / 1966 م.
6. الاحكام في أُصول الأحكام، الشيخ عليّ بن محمّد الآمدي، علّق عليه: الشيخ عبد الرزاق عفيفي، بيروت: المكتب الإسلاميّ، الطبعة الثانية، 1402 ه.
7. الإحكام في أُصول الأحكام، أبو محمّد عليّ بن حزم الأندلسي الظاهري (456 ه)، تحقيق: أحمد شاكر، الناشر: زكريّا عليّ يوسف، القاهرة: مطبعة العاصمة.
8. الإذاعة، محمّد صديق حسن القنوجي البخاري، تحقيق: عبد القاهر الارنووط، دمشق: دار ابن كثير، 1420 ه.
ص: 387
9. الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد، محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (الشيخ المفيد) (م 413 ق)، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام، قم: مؤسسة آل البيت عليهم السلام، الطبعة الثانية، 1414 ه.
10. الاستيعاب في أسماء الأصحاب، أبو عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمّد بن عبد البرّ القرطبي المالكي (م 363 ه)، تحقيق: عليّ محمّد معوّض و عادل أحمد عبد الموجود، بيروت:
دار الكتب العلميّة، 1415 ه.
11. الأعلام، خير الدين الزركليّ (م 1410 ه)، بيروت: دار العلم للملايين، الطبعة الأُولى، 1990 م.
12. الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان (الشيخ المفيد) (م 413 ه)، قم: مؤسّسة البعثة، الطبعة الأُولى، 1412 ه.
13. الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد، محمّد بن حسن الطوسي، بيروت: دار الأضواء، 1406 ه.
14. الأمالي، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي (381 ه)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلاميّة مؤسّسة البعثة، مركز الطباعة و النشر في مؤسّسة البعثة قم المقدّسة، الطبعة الأُولى 1417 ه.
15. الأمالي، الشريف المرتضى علم الهدى، عليّ بن الحسين العلوي الموسويّ (355-436 ه)، تعليق: السيّد محمّد بدر الدين النعساني الحلبي، مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، الطبعة الأُولى، 1325 ش / 1907 م، [بالأُفست].
16. الإمامة و التبصرة من الحيرة، أبو الحسن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي والد الشيخ الصدوق (م 329 ه)، تحقيق و نشر: مدرسة الإمام المهدي عليه السلام - قم، 1404 ه.
17. الإنتصار، الشريف المرتضى عليّ بن الحسين الموسوي البغدادي المعروف بعلم الهدى (م 436 ه)، تحقيق: مؤسّسة النشر الإسلامي - قم، 1415 ه.
18. الأنساب الأشراف، عبد الكريم بن محمّد السمعاني (م 562 ه)، تحقيق: عبد اللّه عمر البارودي، بيروت: دار الجنان، الطبعة الأُولى 1408 ه.
19. إمام مهدي موجود موعود، عبد اللّه جوادي آملي، تحقيق و تنظيم: سيد محمّد حسن مخبر، قم: مركز نشر اسراء، 1387.
ص: 388
20. أمل الآمل في علماء جبل عامل، الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (1104 ه)، تحقيق السيّد احمد الحسيني، مكتبة الأندلس بغداد، مطبعة الآداب - النجف الأشرف، 1104 ه.
21. إيضاح المكنون في الذيل على الكشف الظنون عن أسامي الكتب و الفنون، إسماعيل پاشا البغدادي، تصحيح: محمّد شرف الدين يالتقايا، رفعت بيلگه الكليسي، بيروت: دار احياء التراث العربى، 1413 ه / 1992 م.
22. بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، بيروت: مؤسّسة الوفاء، الطبعة الثانية، 1403 ه - 1983 م.
23. بحث حول المهدي، السيّد محمّد باقر الصدر، بيروت: دار التعارف، 1410 ه.
24. البحر المحيط، أبو عبداللّه محمّد بن يوسف الأندلسي (ت 745 ه)، تحقيق و نشر: دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الأُولى، 1422 ه.
25. بحوث في الملل و النحل، جعفر السبحاني، بيروت: دار الاسلاميّة، الطبعة الثانية، 1411 ه.
26. بصائر الدرجات، أبو جعفر محمّد بن الحسن الصفّار القمّي المعروف بابن فروخ (م 290 ه)، قم: مكتبة آية اللّه المرعشي، الطبعة الأُولى، 1404 ه.
27. بغية الطلب في تاريخ حلب، ابن العديم الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد بن أبي جرادة (660 ه)، تحقيق: سهيل زكّار، بيروت: مؤسّسة البلاغ، طبعة دمشق 1408 ه / 1988 م.
28. البيان فى أخبار صاحب الزمان عليه السلام، محمّد بن يوسف الگنجي (م 658 ه)، تحقيق:
محمّد هادي الأميني، طهران: دار إحياء تراث أهل البيت عليهم السلام، الطبعة الثالثة، 1404 ه.
29. تاج العروس من جواهر القاموس، السيّد محمّد المرتضى بن محمّد الحسيني الزَّبيدي (م 1205 ه)، تحقيق: علي شيري، بيروت: دار الفكر، الطبعة الاُولى، 1414 ه.
30. تاريخ الأئمّة، بيوك آقا واعظ التبريزي، 1376 ه.
31. تاريخ الإسلام، محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (748 ه)، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، بيروت: دار الكتاب العربي، الطبعة الثانية، 1409 ه / 1998 م.
32. تاريخ الطبري (=تاريخ الاُمم والملوك)؛ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري (م 310 ه)، تحقيق و نشر: مؤسّسة الأعلمي - بيروت، الطبعة الرابعة، 1403 ه.
ص: 389
33. تاريخ اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي (ت 284 ه)، تحقيق و نشر: دار صادر، بيروت، 1405 ه.
34. تاريخ أهل البيت عليهم السلام، نصر بن علي الجهضمي، قم: دليل ما، 1426 ه.
35. تاريخ بغداد، أبو بكر أحمد بن عليّ الخطيب البغدادي (463 ه)، القاهرة: مطبعة السعادة، 1349 ه.
36. تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر أبو القاسم عليّ بن الحسن بن هبة اللّه بن عبد اللّه الشافعي (499-571 ه)، تحقيق: عليّ شيري، بيروت: دار الفكر، 1415 ه / 1995 م.
37. التبيان في تفسير القرآن، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه)، تحقيق: أحمد حبيب قصير العاملي، مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأُولى، 1409 ه.
38. تذكرة الخواصّ (تذكرة خواصّ الاُمّة في خصائص الأئمّة عليهم السلام)، يوسف بن فُرغليّ بن عبداللّه المعروف بسبط ابن الجوزي (م 654 ه)، تقديم: السيّد محمّد صادق بحر العلوم، طهران:
مكتبة نينوى الحديثة.
39. التذكرة باُصول الفقه، محمّد بن محمّد بن نعمان المعروف بالشيخ المفيد (م 413 ه)، تحقيق: مهدي النجفي، قم: مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 14134 ه.
40. تفسير الرازى: تفسير الكبير (مفاتيح الغيب)، فخر رازي (544-606 ه)، تحقيق: محمّد رضوان الدايه، بيروت: دار الفكر، 1414 ه.
41. تفسير غرائب القرآن و رغائب الفرقان، نظام الدين الحسن بن محمّد بن حسين القمّي النيسابوري (قرن 8)، به كوشش: زكريا عميرات، بيروت: دار الكتب العلميّة، 1416 ه.
42. تفسير، نقد و تحليل مثنوي، جلال الدين محمّد البلخي، شرح: محمّد تقي الجعفري، تهران، 1349.
43. تلخيص الشافي، ابو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (الشيخ الطوسي) (م 460 ه)، تحقيق:
السيّد حسين بحر العلوم، قم: دار الكتب الاسلاميّة، الطبعة الثالثة، 1394 ه.
44. تلخيص المحصّل، خواجه نصير الدين محمّد بن محمّد بن الحسن الطوسي، تحقيق: عبد اللّه نوراني، تهران: مركز مطالعات اسلامى دانشگاه مك گيل (فرع تهران).
45. تمهيد الأُصول في علم الكلام، الشيخ الطوسي، تحقيق: عبد الحسين مشكوة الديني، تهران:
ص: 390
مؤسسه انتشارات و چاپ دانشگاه تهران (مؤسّسة منشورات و طباعة جامعة طهران)، 1362 ش.
46. تنزيه الأنبياء و الأئمّة عليهم السلام، أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسويّ السيّد المرتضى (م 436 ه)، قم: دار الشريف الرضي، 1250 ه.
47. تنقيح المقال في علم الرجال، عبداللّه المامقاني (1290-1355 ه)، تحقيق: محيي الدين المامقاني (1340-1429 ه) و محمّدرضا المامقاني، قم: مؤسّسة آل البيت لاحياء التراث، 1423-1431 ه.
48. تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385-460 ه)، تحقيق:
السيّد حسن الموسوي الخرسان، طهران: دار الكتب الإسلاميّة، الطبعة الثالثة، 1364 ش.
49. جامع الرواة و ازاحه الاشتباهات، محمّد بن علي اردبيلي، بيروت: دار الاضواء، 1403 ه.
50. جمل العلم و العمل، أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسويّ السيّد المرتضى (م 436 ه)، نجف:
مطبعة الآداب، الطبعة الأُولى، 1387 ه.
51. جمهرة اللغة، أبو بكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزدي (321 ه)، تحقيق: رمزي منير بعلبكي، بيروت: دار العلم للملايين، الطبعة الأُولى، 1987 م.
52. جواهر العقدين في فضل الشرفين، عليّ بن عبد اللّه السمهودي (م 911 ه) تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، بيروت: دار الكتب العلميّة، 1415 ه.
53. دائرة المعارف بزرگ اسلامي، كاظم موسوي بجنوردي، تهران، مركز دائرة المعارف بزرگ اسلامي، 1373 ش.
54. الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، صدر الدين عليّ بن أحمد المدنيّ الشيرازي (سيّد عليخان) (م 1130 ه.)، نجف: المطبعة الحيدريّة، 1382 ه.
55. ديوان الشريف المرتضى، عليّ بن الحسين الموسوي (السيّد المرتضى علم الهدى)، شرح:
محمّد التونجي، بيروت: دار الجيل، الطبعة الأُولى، 1997 م.
56. ديوان شمس تبريزي، شمس تبريزي، كتابفروشي أدبيه، 1335.
57. ديوان عطّار، محمّد بن ابراهيم عطّار، تهران: الهام، 1388.
ص: 391
58. الذخيرة في علم الكلام، الشريف المرتضى أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي (436 ه)، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الأُولى، 1411 ه.
59. الذريعة إلى أُصول الشريعة، الشريف المرتضى، تحقيق: د. أبو القاسم كرجي، الناشر: جامعة طهران، 1346 ش.
60. الذريعة إلى تصانيف الشيعة، العلّامة الشيخ آقا بزرگ الطهراني، بيروت: دار الأضواء، الطبعة الثالثة، 1403 ه - 1983 م.
61. رجال النجاشي، أبو العبّاس أحمد بن عليّ النجاشي (ت 450 ه)، تحقيق: السيّد موسى الشبيري، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي، 1413 ه.
62. رسائل الشريف المرتضى، تقديم و إشراف: السيّد أحمد الحسيني، إعداد: السيّد مهدي الرجائي، دار القرآن الكريم - قم، الطبعة الأُولى، 1405 ه.
63. روضة الواعظين، محمّد بن الحسن بن عليّ الفتّال النيسابوري (م 508 ه)، تحقيق: حسين الأعلمي، بيروت: مؤسّسة الأعلمي، الطبعة الأُولى، 1406 ه.
64. رياض العلماء و حياض الفضلاء، المولى عبد اللّه الأفندي الإصفهاني (من أعلام القرن الحادي عشر)، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، قم: مطبعة الخيّام، 1401 ه.
65. ريحانة الأدب، محمّدعليّ المدرّس التبريزي، تهران: خيّام، 1369.
66. سرّ السلسلة العلويّة، أبو نصر سهل بن عبد اللّه البخاري (ت 431 ه)، نجف: مكتبة الحيدريّة، 1381.
67. سنن ابن ماجة، محمّد بن يزيد القزويني (ابن ماجَة) (م 275 ه)، تحقيق: محمّد فؤاد عبد الباقي، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1395 ه.
68. السنن الكبرى، أبو بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي (458 ه)، بيروت: دار الفكر.
69. سير أعلام النبلاء، أبو عبداللّه محمّد بن أحمد الذهبيّ (م 748 ه)، تحقيق: شُعيب الأرناؤوط، بيروت: مؤسّسة الرسالة، الطبعة العاشرة، 1414 ه.
70. الشافي في الإمامة، أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسويّ السيّد المرتضى (م 436 ه)، تحقيق: سيّد عبد الزهراء حسينى خطيب، تهران: مؤسسة الصادق، الطبعة الثانية، 1410 ه.
ص: 392
71. شذرات الذهب في أخبار من ذهب، أبو الفلاح عبد الحيّ بن أحمد بن محمّد بن العماد العَكريّ الحنبليّ (ت 1089 ه)، تحقيق: محمود الأرناؤوط، خرج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، بيروت: دار ابن كثير، الطبعة الأُولى، 1406 ه / 1986 م.
72. شرح اصول الكافي، لصدر الدين محمّد بن إبراهيم الشيرازيّ المعروف بملّا صدرا (م 1050 ه.)، تحقيق: محمّد الخواجويّ، طهران: مؤسّسة المطالعات و التحقيقات الثقافيّة، الطبعة الاُولى، 1366.
73. شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار عليهم السلام، قاضي نعمان بن محمّد التميمي المغربي (ت 363 ه)، تحقيق: السيّد محمّد الحسيني الجلالي، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، 1414 ه.
74. شرح المواقف، عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد الايجي (م 756 ه)، تحقيق: عبدالرحمن عميره، بيروت: دار الجيل، الطبعة الأُولى، 1417 ه.
75. شرح جمل العلم والعمل، السيد المرتضى علي بن الحسين علم الهدى (م 436 ه)، تحقيق:
كاظم مدير شانه جي، مشهد: دانشگاه مشهد، 1352.
76. شواهد النبوّة، عبد الرحمن الجامي، به كوشش: حسن أمين، تهران - قم: ميركسرى - طيب، 1379.
77. الصحاح (=تاج اللغة العربيّة)، إسماعيل بن حمّاد الجوهري (ت 393 ه)، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطّار، بيروت: مؤسّسة دار العلم للملايين، 1407 ه.
78. الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم، زين الدين أبو محمّد عليّ بن يونس العاملى البياضي النباطي (م 877 ه)، تحقيق: محمّد باقر البهبودي، طهران: المكتبة المرتضويّة، الطبعة الأُولى، 1384 ه.
79. الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البدع والزندقة، أحمد بن حجر الهيثمي الكوفي (م 974 ه)، إعداد: عبدالوهّاب بن عبداللطيف، مصر: مكتبة القاهرة، الطبعة الثانية، 1385 ه.
80. طبقات أعلام الشيعة، الشيخ آقا بزرك الطهراني (1293-1389 ه)، تحقيق: علينقي المنزوي، بيروت: دار الكتاب العربي، الطبعة الأُولى، 1975 م.
ص: 393
81. الطبقات الكبرى، محمّد بن سعد كاتب الواقدي (م 230 ه)، تحقيق و نشر: دار صادر - بيروت.
82. طبقات المعتزلة، أحمد بن يحيى بن المرتضى، بيروت: دار المنتظر، 1988 م.
83. الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، السيّد عليّ بن موسى بن طاوس الحلّي (ت 664 ه)، تحقيق و نشر: مطبعة الخيّام، قم، الطبعة الأُولى، 1399 ه.
84. العدّة في أُصول الفقه، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (385-460 ه)، تحقيق: محمّد رضا الأنصاري القمّي، قم: مطبعة ستاره، الطبعة الأُولى، 1417 ه.
85. العروة لأهل الخلوة و الجلوة، أحمد بن محمّد علاء الدوله سمناني، تهران: مولى، 1404 ه.
86. عقد الدرر في أخبار المنتظر، يوسف بن يحيى بن عليّ المقدّسيّ الشافعيّ السلميّ (من أعلام ق 7 ه)، تحقيق: عدّة من العلماء، بيروت: دار الكتب العلميّة، الطبعة الأُولى، 1403 ه.
87. عمدة القارئ، محمود بن أحمد العيني (855 ه)، بيروت: دار إحياء التراث العربي.
88. الغيبة، أبو جعفر محمّد بن الحسن الشيخ الطوسي (ت 460 ه)، تحقيق: الشيخ عبد اللّه الطهراني و أحمد عليّ الناصح، قم: مؤسّسة المعارف الإسلامي، الطبعة الأُولى، 1411 ه.
89. الغيبة، أبو عبد اللّه محمّد بن إبراهيم بن جعفر الكتّاب النعماني (ت 350 ه)، تحقيق: عليّ أكبر الغفاري، طهران: مكتبة الصدوق، 1355 ه.
90. الفتوحات المكّيّة، محمّد بن عليّ بن العربي (م 638 ه)، تحقيق: عثمان يحيى و إبراهيم مدكور، بيروت: دار صادر، 1392 ه.
91. فِرَق الشيعة، أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختي (ت 317 ه)، طهران: المكتبة المرتضويّة.
92. الفرق بين الفِرق، عبد القاهر البغدادي، تحقيق: نعيم حسين زرزور، صيدا - بيروت: المكتبة العصريّة، الطبعة الأُولى، 1430 ه / 2009 م.
93. فصوص الحكم، محيي الدين محمّد بن عليّ بن العربي (م 638 ه)، تحقيق: أبو العلاء العفيفي، طهران: الزهراء، 1370.
ص: 394
94. الفصول العشرة في الغيبة، الشيخ المفيد، تحقيق: فارس الحسّون، بيروت: دار المفيد، 1414 ه.
95. الفصول المختارة من العيون و المحاسن، أبو عبداللّه محمّد بن محمّد نعمان العكبري البغدادي، (413 ه) اختار منه أبو القاسم عليّ بن الحسين الموسوي (الشريف المرتضى و علم الهدى) (م 463 ه)، تحقيق: نور الدين الجعفريان و يعقوب الجعفري و محسن الأحمدي، قم: المؤتمر العالمي الألفيّة الشيخ المفيد، الطبعة الاُولى، 1413 ه.
96. فقه القرآن، أبو الحسين سعيد بن هبة اللّه الراوندي (قطب الدين راوندي) (م 573 ه)، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، قم: مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي، الطبعة الثانيه، 1405 ه.
97. الفوائد الرجاليّة، العلّامة السيّد محمّد مهدي بحر العلوم، تحقيق: السيّد محمّد صادق بحر العلوم، السيّد حسين بحر العلوم، الناشر: مكتبة الصادق - طهران، الطبعة الأُولى، 1363 ش.
98. الفهرست، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (م 460 ه)، تحقيق: الشيخ جواد القيّومي، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الأُولى، 1417 ه.
99. الفهرست، أبو الفرج محمّد بن أبي يعقوب إسحاق النديم (م 438 ه)، تحقيق: رضا تجدّد، طهران: الطبعة الأُولى.
100. فهرست (رجال) النجاشيّ، أبو العبّاس أحمد بن عليّ النجاشي الأسدي، تحقيق: آية اللّه السيّد موسى الشبيري الزنجاني، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، الطبعة الثامنة، 1427 ه.
101. فهرستگان نسخه هاى خطّي حديث و علوم حديث، علي صدرايي خويي (المعاصر)، قم: دار الحديث، 1384.
102. قاموس الرجال، الشيخ محمّد تقي التستري (1320-1415 ه)، تحقيق و نشر: مؤسسّة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم، قم - إيران، الطبعة الأُولى، 1419 ه.
103. القاموس المحيط، أبو طاهر محمّد بن يعقوب الفيروز آبادي (م 814 ه)، تحقيق: نصر الهوريني، بيروت: دار الفكر، الطبعة الأُولى، 1403 ه.
104. قرب الإسناد، الشيخ أبو العبّاس عبد اللّه بن جعفر الحميري (ق 3 ه)، تحقيق مؤسّسة آل
ص: 395
البيت عليهم السلام لإحياء التراث، الطبعة الأُولى، 1413 ه.
105. قواطع الأدلّة في أُصول الفقه، منصور بن محمّد السمناني (426-489 ه)، رياض: مكتبة نزار مصطفى، 1418 ه.
106. الكافي، ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (329 ه)، تحقيق: عليّ أكبر الغفّاري، دار الكتب الإسلاميّة، الطبعة الثالثة، 1367 ش.
107. كتاب العين، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (100-175 ه)، تحقيق: الدكتور مهدي الخزومي و الدكتور إبراهيم السامرائي، قم: مؤسّسة دار الهجرة، الطبعة الثانيّة، 1409 ه، [بالأُفست].
108. كتابنامه حضرت مهدي عليه السلام [ما كتب عن الإمام المهدي عليه السلام]، علي اكبر مهدي پور، 1417 ه.
109. كشف الظنون عن أسامي الكتب و الفنون، المولى مصطفى بن عبداللّه القسطنطيني الرومي الحنفي، المعروف بحاجي خليفة، و الملّا كاتب چلبي (م 1067 ه)، بيروت - لبنان: دار إحياء التراث العربي، غير مؤرّخة، [بالأُفست].
110. كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر، أبو القاسم عليّ بن محمّد بن عليّ الخزّاز القمّيّ (القرن الرابع الهجري)، تحقيق: السيّد عبداللطيف الحسينيّ الكوه كمره اي، قم:
منشورات بيدار، 1401 ه.
111. كمال الدين و تمام النعمة، أبو جعفر محمّدبن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي (الشيخ الصدوق) (م 381 ه)، تحقيق: عليّ أكبر الغفّاري، قم: مؤسّسة النشر الإسلامي، الطبعة الأُولى، 1405 ه.
112. كنز العمّال، على بن حسام الدين المتّقي الهندي (ت 975 ه)، تصحيح: صفوة السقّا، بيروت: مكتبة التراث الإسلامي، 1397 ه.
113. كنز الفوائد، أبو الفتح محمّد بن عليّ بن عثمان الكراجكيّ (ت 449 ه)، تحقيق و نشر:
مكتبة المصطفوي، قم، 1410 ه.
114. لسان العرب، أبو الفضل محمّد بن مكرّم المصري (ابن منظور) (م 711 ه)، قم: أدب الحوزة، 1405 ه.، بيروت: دار صادر، الطبعة الأُولى، 1410 ه.
ص: 396
115. لسان الميزان، أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (852 ه)، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات بيروت لبنان، الطبعة الثانية، 1390 ه.
116. اللمع، أبي نصر عبد اللّه بن علي الطوسي (م 378 ه)، تحقيق: عبد الحليم محمود و طه عبد الباقي سرور، قاهره: مكتبة الثقافيّة الدينيّة.
117. اللوامع الإلهيّة في المباحث الكلاميّة، جمال الدين مقداد بن عبد اللّه الأسدي السيوري الحلّي، تحقيق: السيّد محمّدعليّ القاضي الطباطبائي، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الثانية، 1422 ه.
118. المتبقّى من التراث المفقود للشريف المرتضى، جمع و تحقيق: حيدر البياتي، إشراف:
محمّدحسين الدرايتي، قم: دار الحديث.
119. مثنوي معنوي، جلال الدين محمّد مولوي (م 672 ه)، تهران: طلوع.
120. مجلّة تراثنا، مؤسسة آل البيت، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم: العدد الأوّل، السنة الثانية محرّم الحرام، 1407 ه.
121. مجمع البحرين و مطلع النيّرين، فخر الدين الطريحي (ت 1085 ه)، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني الإشكوري، طهران: مكتبة النشر الثقافيّة الإسلاميّة، الطبعة الثانية، 1408 ه.
122. مجمع البيان في تفسير القرآن، أمين الإسلام أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسي (ق 6 ه)، تحقيق: لجنة من العلماء و المحقّقين مع تقديم السيّد محسن الأمين العاملي، بيروت:
مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الأُولى 1415 ه / 1995 م.
123. مجمع الرجال في معرفة أحوال الرجال، عناية اللّه بن عليّ بن محمود القهپائي (ح 1019 ه)، تحقيق و نشر مؤسّسة إسماعيليان - قم، 1364.
124. مجمع الزوائد، عليّ بن أبي بكر الهيثمي (ت 807 ه)، تحقيق: عبد اللّه محمّد الدرويش، بيروت: دار الفكر، 1412 ه.
125. المحصول، فخر الرازي (544-606 ه)، بيروت: مؤسّسة الرسالة، 1418 ه.
126. المحكم و المحيط الأعظم في اللغة، أبو الحسن عليّ بن إسماعيل ابن سيدة (ت 458 ه)، القاهرة: مطبعة مصطفى البابي.
ص: 397
127. المحيط في اللغة، أبو القاسم إسماعيل الصاحب بن عبّاد الطالقاني (م 385 ه)، تحقيق:
محمّد حسن آل ياسين، بيروت: عالم الكتب، الطبعة الأُولى، 1414 ه.
128. مختار الصحاح، محمّد بن أبي بكر بن عبدالقادر الرازي، ضبط و تصحيح: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلميّة، بيروت - لبنان، الطبعة الأُولى، 1415 ه / 1994 م.
129. المستدرك على الصحيحين، أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الحاكم النيسابوري (ت 405 ه)، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، بيروت، الطبعة الأُولى، 1411 ه.
130. مسند أبي داود الطيالسي، سليمان بن داود بن الجارود الفارسي البصري الشهير بأبي داود الطيالسي (204 ه)، بيروت: دار المعرفة.
131. المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، أحمد بن محمّد بن عليّ المقريّ الفيّومي (ت 770 ه)، قم: دار الهجرة، 1405 ه.
132. معالم العلماء، محمّد بن عليّ بن شهر آشوب السروي المازندراني (م 588 ه)، تحقيق:
السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم، قمّ: [بالأُفست عن طبعة النجف].
133. المعتمد في أُصول الفقه، أبو الحسين محمّد بن عليّ بن الطيّب البصري المعتزلي (426 ه)، تحقيق: خليل الميس، بيروت: دار الكتب العلميّة، الطبعة الثالثة 1426 ه / 2005 م.
134. معجم الأُدباء (إرشاد الأديب إلى معرفة الأديب)، شهاب الدين أبو عبد اللّه ياقوت بن عبد اللّه الحموي، بيروت: دار الفكر، الطبعة الثالثة، 1400 ه.
135. معجم البلدان، أبو عبد اللّه ياقوت بن عبد اللّه الحموي (م 626 ه)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، الطبعة الأُولى، 1399 ه.
136. المعجم الكبير، أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني (م 360 ه)، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، بيروت: دار إحياءالتراث العربي، الطبعة الثانيّة، 1404 ه.
137. معجم المؤلّفين، عمر رضا كحّالة (معاصر)، بيروت: دار إحياء التراث العربى، 1376 ه.
138. المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة: إبراهيم مصطفى و أحمد الزيّات و حامد عبد القادر و محمّد النجّار، دار الدعوة.
139. معجم أُمّهات الأفعال، أحمد عبد الوهّاب بكير، بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1997 م.
ص: 398
140. معجم رجال الحديث، السيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئي (ت 1411 ه)، منشورات مدينة العلم، الطبعة الثالثة، 1403 ه.
141. المغرّب في ترتيب المعرّب، أبو الفتح ناصر بن عبد السيّد بن عليّ المطرزي (ت 616 ه)، بيروت: دار الكتاب العربي.
142. المغني، أبو محمّد عبد اللّه بن أحمد بن محمّد بن قدامة (620 ه)، بيروت: دار الكتاب العربي.
143. المفردات في غريب القرآن، محمّد حسين الراغب الإصفهاني، تهران: كتاب فروشي مرتضوي، 1362.
144. الملل و النحل، أبو الفتح محمّد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت 548 ه)، تحقيق: صلاح الدين الهوّاري، بيروت: نشر مكتبة الهلال، الطبعة الأُولى، 1989 م.
145. المناقب، أبو عبداللّه محمّد بن عليّ بن شهر آشوب السروي المازندراني (م 588 ه)، تحقيق و نشر: المكتبة الحيدريّة، النجف الأشرف، 1376 ه.
146. منتخب الأثر في الإمام الثاني العشر، شيخ لطف اللّه الصافيّ الگلپايگانيّ (معاصر)، مكتبة الصدر - طهران.
147. منهج المقال فى تحقيق احوال الرجال، محمّد بن عليّ الاسترآبادي، قم: مؤسسۀ آل البيت عليهم السلام، 1422 ه.
148. الموضح عن جهة إعجاز القرآن (الصرفة)، عليّ بن الحسين الموسوي (علم الهدى) (355 - 436 ه)، تحقيق: عدّة من المحقّقين، قم: دار الحديث.
149. نجم الثاقب، حسين بن محمّدتقي النوري، تحقيق: ياسين الموسوي، قم: أنوار الهدى، 1415 ه.
150. النعيم المقيم لعترة النبأ العظيم، عمر بن محمّد الموصلي، قم: دار الكتاب الإسلامى، 1423 ه.
151. النهاية، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه)، تحقيق و نشر انتشارات قدس - قم.
ص: 399
152. النهاية في غريب الحديث، المبارك بن محمّد الشيباني الجزري المعروف بابن الأثير (م 606 ه)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، قم: مؤسّسة إسماعيليان، الطبعة الرابعة، 1364 ش.
153. نهج البلاغة، جمع و تدوين: محمّد بن الحسين الموسوي (الشريف الرضي) (م 406 ه)، ترجمة: السيّد جعفر الشهيدي، طهران: علمى و فرهنگى، الطبعة الرابعة عشر، 1378 ش.
154. الوافي بالوفيات، صلاح الدين خليل بن ايبك الصفدي (764 ه)، تحقيق: أحمد الأرناؤوط و تركي مصطفى، بيروت: دار إحياء التراث، 1420 ه.
155. وفيات الأعيان وانباء ابناء الزمان، أبو العبّاس أحمد بن محمّد البرمكي (ابن خلّكان) (م 681 ه)، تحقيق: إحسان عبّاس، بيروت: دار صادر، الطبعة الأُولى، 1397 ه.
156. هديّة العارفين أسماء المؤلّفين و آثار المصنّفين، إسماعيل پاشا البغدادي (م 1339 ه)، بيروت - لبنان: دار إحياء التراث العربي، [بالأُفست عن طبعة إسطانبول بتاريخ 1951 م].
157. اليواقيت و الجواهر، عبد الوهّاب بن أحمد الشعراني، قاهره: مكتبة مصطفى البابي و أولاده، 1378 ه.
ص: 400
الفهرس الإجمالي... 5
مقدّمة التحقيق... 7
الفصل الأوَّل: الدراسات المهدويّة بين المسلمين؛ تاريخها و مناهجها... 8
المصنّفات المهدويّة في القرن الثالث... 9
المصنَّفات المهدويَّة في القرن الرابع... 16
الف) المصنَّفات الموجودة... 16
ب) المصنَّفات المفقودة... 18
المصنّفات المهدويّة في القرن الخامس... 23
الف) المصنّفات الموجودة... 23
ب) المصنّفات المفقودة... 25
المناهج في الدراسات المهدويّة... 28
الأوّل: المنهج النقلي... 29
الكتاب الأوّل: كتاب الغيبة للنعماني... 29
الكتاب الثاني: كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق... 31
الثاني: المنهج النقلي - العقلي... 34
الثالث: المنهج العرفاني - الصوفي... 42
إيماء العرفاء إلى روايات المهدويّة... 47
الفصل الثاني: الشريف المرتضى و منهجه في الأبحاث المهدويّة... 50
ص: 401
فهرسة الأبحاث المهدويّة في مصنّفات الشريف المرتضى... 61
منهج الشريف المرتضى في الأبحاث المهدويّة... 61
الفصل الثالث: التعريف بكتاب المقنع... 66
اسمه و نسبته... 66
ترجمة الوزير المغربي... 68
تاريخ تأليفه... 70
حول تكملة المقنع... 72
بين المقنع و رسالة في الغيبة... 72
جهود حول الكتاب... 73
أ) الردود... 73
ب) الترجمة... 73
ج) المقالات... 74
د) الرسائل الجامعيّة... 74
ه) جهود أُخرى... 74
طبعاته... 75
مخطوطاته... 75
مخطوطات الزيادة المكمّلة... 78
عملنا في التحقيق... 78
كلمة الشكر... 79
نماذج من تصاوير النسخ... 81
المقنع في الغيبة
[دلالة العقل على وجود الإمام و اتّصافه بالعصمة]... 100
[تفصيل دلالة العقل على وجوب الإمامة]... 102
[دلالة العقل على وجوب عصمة الإمام]... 102
[طريق تمييز الإمام الغائب عن غيره ممّن يدَّعي الإمامة]... 103
ص: 402
[علّة غيبة الإمام و الوجه الذي يحسِّنها]... 106
[الجهل بحكمة الغيبة لا ينافي صحَّتها]... 108
[تقدُّم الكلام في الأُصول على الكلام في الفروع]... 110
[لا خيار في الاستدلال على الفروع قبل الأُصول]... 112
[اعتماد شيوخ المعتزلة على هذه الطريقة]... 112
[الكلام في الإمامة أصلٌ للكلام في الغيبة]... 114
[مزيّةٌ في استعمال تلك الطريقة في بحث الغيبة]... 115
[التأكيد على المحافظة على المنهج الموضوعيِّ للبحث]... 115
[بيان سبب الغيبة و حكمتها على التفصيل]... 116
[الفرق بين استتار النبيِّ و غيبة الإمام]... 117
[علّة عدم استتار الأئمّة السابقين عليهم السلام]... 119
[الفرق بين الغيبة و عدم الوجود]... 119
[إمكان ظهور الإمام بحفْظ اللّه تعالى له من الآفات]... 121
[كيفيّة إقامة الحدود في زمن الغيبة]... 122
[الحال فيما لو احتيج إلى بيان الإمام الغائب]... 123
[علّة عدم ظهور الإمام عليه السلام لأوليائه]... 124
[عدم الظهور ليس دليلاً على كفر المكلَّف و فساده]... 131
الزيادة المكمَّل بها كتاب «المقنع»
[استلهام الأولياء من وجود الإمام و لو في الغيبة]... 135
[هل الغيبة تمنع الإمام من التأثير و العمل؟]... 136
[لا فرق في الاستلهام من وجود الأئمّة بين الغيبة و الظهور]... 137
[الظهور للأولياء ليس بواجبٍ]... 138
[طرق علم الإمام حال الغيبة بما يجري]... 138
[الإقرار عند الإمام]... 140
[احتمال بعد الإمام و قربه]... 140
ص: 403
[إمكان استخلاف الإمام لغيره في الغيبة و الظهور]... 141
[الفرق بين الغيبة و الظهور في الانتفاع بوجود الإمام]... 142
[هل يقوم شيءٌ مقام الإمام في أداء دوره؟]... 143
[كيف يعلم الإمام بوقت ظهوره؟]... 144
[هل يعتمد الإمام على الظنِّ في أسباب ظهوره؟]... 145
[كيف يساوى بين حكم الظهور و الغيبة مع أنّ...]... 146
الملحقات
المقدّمة... 151
1 - ما ذكره في كتابه «الشافي في الإمامة»... 153
ألف: ما ذكره في وجه الانتفاع به عليه السلام في زمن الغيبة و ما يتعلّق به... 153
[نفي السهو عن الإمام]... 161
ب: ما ذكره في حكم الحدود و الأحكام في زمن الغيبة و ما يتعلّق بهما... 180
[موقف الإمام من الحدود و الأحكام]... 180
[حال الحدود في زمن الغيبة]... 182
[إشارة إلى الفرق بين عدم إقامة الحدود من قبل الظلمة، و من قبله تعالى]... 184
ج: ما ذكره في حفظ الشريعة بالإمام عليه السلام في زمن الغيبة، و وجود الإمام... 184
د: ما ذكره من كون امام الزمان عليه السلام وراء الناقلين للشريعة... 192
ه: ما ذكره من الحديث بأنّ بني عبد المطّلب - و منهم المهدي عليه السلام -... 194
و: كيفيّة النصّ على الإمام عليه السلام مع غيبته و أنّ الخوف هل يكفي للغيبة... 194
ز: تأويل آية: (وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الْأَرْضِ)... 206
2 - ما ذكره في الديوان... 209
3 - ما ذكره في كتاب «تنزيه الأنبياء»... 215
القائم المهديّ عليه السلام... 215
[الوجه في غيبته عليه السلام]... 215
[المصلحة بوجوده عليه السلام]... 216
ص: 404
[حكمة وجود الإمام و هو غائبٌ عن الناس]... 217
[حكم الحدود في الشريعة في زمن الغيبة]... 218
[طريق كشف الحقّ مع غيبة الإمام]... 219
[علّة عدم كونه عليه السلام ظاهراً لأوليائه و شيعته مع عدم خوفه منهم]... 220
4 - ما ذكره في رسالة «جواب المسائل التبّانيّات»... 223
ألف: كلامه في أنّ الإمام عليه السلام داخل في الإجماع... 223
ب: كلامه في فلسفة الغيبة و حفظ الشريعة بوجود الإمام عليه السلام... 232
5 - ما ذكره في كتاب «الفصول المختارة من العيون و المحاسن»... 237
ألف: تقيّة الإمام من العدوّ و الوليّ و لطف الغيبة في حقّ الأولياء... 237
الفصل الثامن و الأربعون [مناظرةٌ في الغيبة للإمام المهديِّ عليه السلام]... 237
ب: حكايته مناظرة الشيخ المفيد في الرجعة... 246
الفصل الثامن و الخمسون [مناظرةٌ في الرَّجعة]... 246
ج: حكايته عن المفيد افتراق الشيعة بعد الإمام أبي محمّد العسكري عليه السلام... 251
الفصل الرابع و التسعون [في افتراق الشيعة بعد وفاة الإمام الحسن العسكريِّ عليه السلام]... 251
الفصل الخامس و التسعون [في الردِّ على الفرق الضالّة عن طريق الهدى]... 256
د. فلسفة الغيبة... 262
الفصل السادس و التسعون [في الغيبة]... 262
6 - ما ذكره في كتاب «الأمالي»... 267
7 - رسالةٌ في غيبة الحجّة... 269
8 - ما ذكره في كتاب «الذخيرة في علم الكلام»... 275
ألف: نقل الغيبة عن الأئمّة الماضين عليه السلام... 275
فصلٌ: في الدَّلالة على صحّة إمامة باقي الأئمّة الاثني... 275
ب: فلسفة الغيبة و فائدة وجوده عليه السلام... 278
9 - ما ذكره في كتاب «جمل العلم و العمل» و شرحه... 289
[سبب غيبة الإمام الثاني عشر]... 290
ص: 405
[عدم ضياع الشرع مع الغيبة]... 292
[طول غيبته عليه السلام و زيادة عمره]... 294
10 - ما ذكره في «أجوبة مسائل متفرّقة من الحديث و غيره»... 297
ألف: كلامه في الرجعة... 297
قلنا: عن هذا جوابان... 299
ب: كلامه في الغيبة... 301
فصلٌ في الغيبة... 301
فصلٌ (في الإمامة بعد قائمنا عليه السلام)... 302
11 - ما ذكره في رسالة «جوابات المسائل الرازية»... 305
المسألة الثامنة... 305
12 - ما ذكره في رسالة «جواب المسائل الطرابلسيّات الثانية»... 307
المسألة الثّانية... 312
المسألة الثّالثة... 314
المسألة الرّابعة... 318
المسألة الخامسة... 320
13 - ما ذكره في رسالة «شرح القصيدة المذهّبة للسيّد الحميري»... 325
14 - ما ذكره في رسالة «جوابات المسائل الموصليّات الثالثة»... 329
15 - ما ذكره في مقدّمة كتاب «الانتصار»... 337
16 - ما ذكره في رسالة «الردّ على أصحاب العدد»... 341
17 - ما ذكره في «رسالة في إبطال العمل بأخبار الآحاد»... 343
18 - ما ذكره في رسالة «جوابات المسائل الرسية الأولى»... 345
المسألة الحادية و العشرون: إثبات حجيّة إجماع الطائفة... 345
19 - ما ذكره في كتاب «الذريعة إلى أُصول الشريعة»... 351
باب الكلام في الإجماع... 351
فصلٌ: في الإجماع هل هو حجّةٌ في شيءٍ مخصوصٍ أو في كلِّ شيءٍ؟... 356
فصلٌ: في ذكر من يدخل في الإجماع الذي هو حجّةٌ... 360
ص: 406
20 - ما ذكره في رسالة «جواب المسائل الميّافارقيات»... 363
ألف: تعيين يوم الظهور و أنّه عليه السلام هل يشاهدنا أم لا؟... 363
مسألةٌ ثانيةٌ و عشرون: لصاحب الزمان عليه السلام يومٌ معلومٌ يظهر فيه؟... 363
ب: الكلام في الرجعة... 363
المسألة الستّون: الاعتقاد في الرجعة عند ظهور القائم عليه السلام و ما في الرجعة... 363
الفهارس العامّة
1. فهرس الآيات... 367
2. فهرس الأحاديث... 370
3. فهرس الأشعار... 371
4. فهرس الأعلام... 372
5. فهرس الأماكن... 376
6. فهرس الأديان و الفرق و المذاهب... 377
7. فهرس الجماعات و القبائل... 379
8. فهرس الأيّام و الوقائع... 383
9. فهرس الأشياء و الحيوانات... 385
10. فهرس الكتب الواردة في المتن... 386
11. فهرس مصادر التحقيق... 387
ص: 407