موسوعة أهل البيت عليهم السلام المجلد 13

اشارة

موسوعه اهل البيت عليهم السلام

نويسنده: السيد علي عاشور

دارالنظير عبود - بيروت - لبنان

مشخصات ظاهري: 20 ج

1427ه - 2006م

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 3

ص: 4

الجزء الثالث عشر

هو جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم قال المفيد رحمه الله في الإرشاد:و كان الصادق جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين من بين إخوته،خليفة أبيه محمّد بن علي و وصيّه القائم بالإمامة من بعده و برّز علي جماعتهم بالفضل،و كان أنبههم ذكرا و أعظمهم قدرا و أجلهم في العامّة و الخاصّة،و نقل النّاس عنه من العلوم ما سارت به الركبان و انتشر ذكره في البلدان،و لم ينقل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نقل عنه،و لا لقي أحد منهم من أهل الآثار و نقلة الأخبار و لا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد الله فإنّ أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات علي اختلافهم في الآراء و المقالات،فكانوا أربعة آلاف رجل و كان له من الدلائل الواضحة في إمامته ما بهرت القلوب،و أخرست المخالف عن الطعن فيها بالشبهات.إلي أن قال:و الأخبار فيما حفظ عنه من العلم و الحكمة و البيان،و الحجّة و الزهد و الموعظة و فنون العلم كله أكثر من أن تحصي بالخطاب أو تحوي بالكتاب (1).

و قال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي فيه في كتابه:جعفر بن محمّد الصادق بن أبي محمّد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب هو من عظماء أهل البيت و ساداتهم،ذو علوم جمّة و عبادة موقورة و أوراد متواصلة،و زهادة بيّنة و تلاوة كثيرة،تتّبع معاني القرآن الكريم،و استخرج من بحر جواهره و استنتج عجائبه،و قسم أوقاته علي أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليه نفسه،رؤيته تذكرة الآخرة،و استماع كلامه تزهد في الدنيا،و الإقتداء بهديه يورث الجنّة،نور قسماته شاهد أنّه من سلالة النّبوّة،و طهارة أفعاله تصدع بأنه من ذرية الرسالة،نقل الحديث و استفاد منه العلم جماعة من أعيان الأئمة،و أعلامهم مثل يحيي بن سعيد الأنصاري،و ابن جريح،و مالك بن أنس، و الثوري،و ابن عيينة،و أبي حنيفة،و شعبة،و أيّوب السجستاني و غيرهم و عدّوا أخذهم عنه منقبة شرّفوا بها،و فضيلة اكتسبوها (2).

و قال القاضي عبد الرحمن بن أحمد العضد الأيجي الشافعي فيه في مبحث الإمامة من المواقف:الثامن:اختصاصه(يعني عليّا)بصاحبه كفاطمة و ولدين كالحسن و الحسين و هما سيّدا شباب أهل الجنّة،ثمّ أولاد أولاده ممن اتفق الأنام علي فضلهم علي العالمين،حتّي كان أبو يزيد سقّاء في دار جعفر الصادق و معروف الكرخي بوّاب دار علي بن موسي الرضا (3).

ص: 5


1- الارشاد:179/2،و سير أعلام النبلاء:403/4.
2- كشف الغمة:368/2.
3- كتاب الاربعين:431.

و قال الشيخ العارف محيي الدين الأعرابي أو المغربي فيه في المناقب:صلوات الله و ملائكته و حملة عرشه،و جميع خلقه من أرضه و سمائه علي أستاذ العالم و سند الوجود،مرتقي المعارج و منتهي الصعود،البحر الموّاج الأزلي،و السرّاج الوهّاج الأبدي ناقد خزائن المعارف و العلوم،محتد العقول،نهاية الفهوم،عالم الأسماء،دليل طرق السماء،الكون الجامع الحقيقي،و العروة الوثقي الوثيقي،برزخ البرازخ،و جامع الأضداد،نور الله بالهداية و الإرشاد،المستمع القرآن من قائله، الكاشف لأسراره و مسائله،مطلع شمس الأبد جعفر بن محمّد عليه صلوات الله الملك الأحد (1).

و قال أبي يزيد البسطامي:قال القاضي الشهيد نور الله نورّ الله مرقده،في المجلس السادس من مجالس المؤمنين:قال المولي نور الدين جعفر البدخشي رحمه الله في كتاب الأحباب:إنّ السلطان طيفور المعروف بأبي يزيد البسطامي قدس سره قد صحب كثيرا من المشائخ ثم جاء إلي حضرة الإمام الصادق و صحبه مستفيضا من الصادق فقال:لو لم أصل إلي الصادق لمتّ كافرا مع أنه كان بين الأولياء كجبرئيل بين الملائكة،و كانت هدايته نهاية السالكين (2).

و قال ابن حجر العسقلاني:روي عن جعفر الصادق الأئمة و خلق لا يحصون (3).

و قال القاضي أحمد بن خلكان الأربلي الشافعي الأشعري في وفيات الأعيان المعروف بتاريخ ابن خلّكان:أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمّد الباقر،أحد الأئمة الإثني عشر علي مذهب الإماميّة،كان من سادات أهل البيت و لقّب بالصّادق لصدقه في مقالته،و فضله أشهر من أن يذكر،و له كلام في صنعة الكيميا و الزجر و الفأل،و كان تلميذه أبو موسي جابر بن حيّان الصوفي الطرطوسي،قد ألف كتابا يشتمل علي ألّف ورقة يتضمن رسائل جعفر الصادق و هي خمسمائة رسالة (4).

و قال ابن طلحة:هو من عظماء أهل البيت و ساداتهم عليهم السّلام ذو علوم جمة،و عبادة موفرة، و أوراد متواصلة،و زهادة بينة،و تلاوة كثيرة،يتتبع معاني القرآن الكريم،و يستخرج من بحره جواهره،و يستنتج عجائبه،و يقسم أوقاته علي أنواع الطاعات،بحيث يحاسب عليها نفسه،رؤيته تذّكر الآخرة،و استماع كلامه يزهد في الدنيا،و الإقتداء بهديه يورث الجنة،نور قسماته شاهد أنّه من سلالة النبوة،و طهارة أفعاله تصدع أنّه من ذريّة الرسالة.

نقل عنه الحديث،و استفاد منه العلم جماعة من الأئمة و أعلامهم مثل:يحيي بن سعيد الأنصاري،و ابن جريح،و مالك بن أنس،و الثوري،و ابن عيينه،و شعبة،و أيوب السجستاني، و غيرهم و عدّوا أخذهم عنه منقبة شرّفوا بها و فضيلة اكتسبوها (5).4.

ص: 6


1- رياض الأبرار للجزائري،مخطوط.
2- رياض الأبرار للجزائري،مخطوط.
3- رياض الأبرار للجزائري،مخطوط.
4- مناقب آل أبي طالب:269.
5- انظر ترجمته في التاريخ الكبير 2:2183/198،حلية الأولياء 3:199،تهذيب التهذيب 7:/268 521،صفة الصفوة 2:174.

لقب الإمام الصادق عليه السّلام و كنيته

جعفر،و كنيته أبو عبد الله،و قيل:أبو إسماعيل (1).

و له ألقاب أشهرها الصادق،و منها:الصابر،و الفاضل،و الطاهر (2).

***

نقش خاتمه عليه السّلام

الأمالي،عن الرضا عليه السّلام كان نقش خاتم جعفر بن محمّد عليهما السّلام:الله وليّي و عصمتي من خلقه (3).

و في الفصول المهمّة:نقش خاتمه ما شاء الله لا قوّة إلاّ بالله أستغفر الله (4).

و في الكفعمي:نقش خاتمه:الله خالق كلّ شيء (5).

و في المكارم،عن أبي الحسن عليه السّلام:كان نقشه:أنت ثقتي فاعصمني من خلقك (6).

و عن إسماعيل بن موسي:يا ثقتي قني شرّ جميع خلقك.

و في الكافي عن الصادق عليه السّلام قال:في خاتمي مكتوب:الله خالق كلّ شيء.

و عن إبراهيم بن عبد الحميد:أنت ثقتي فقني شرّ خلقك.

و في الكافي عن الرضا عليه السّلام:أنت ثقتي فاعصمني من الناس (7).

و قيل غير ذلك و لا منافاة،لأنّ خواتيمه عليه السّلام كانت متعدّدة علي تعداد الخواتيم المسنونة بل يوجد منها ما هو مكرّر.

***

وصف الإمام الصادق عليه السّلام

اشارة

في المناقب،كان الصادق عليه السّلام ربع القامة أزهر الوجه حالك الشعر يعني أسوده أشمّ الأنف أي أحسنه و هو ارتفاع قصبة الأنف و حسنها،رقيق البشرة،علي خدّه خال أسود و علي جسده حبلان

ص: 7


1- تاريخ ابن الخشاب:188.
2- تاريخ ابن الخشاب:187.
3- أمالي الصدوق:543 ح 5،و الكافي:474/6 ح 8.
4- مكارم الأخلاق:91،و الفصول المهمة:209.
5- مصباح الكفعمي:522،و البحار:10/47 ح 8.
6- مكارم الأخلاق:89،و البحار:10/47 ح 8.
7- الكافي:473/6 ح 4،و البحار:11/47 ح 11.

حمرة و كان اسمه جعفرا و يكنّي أبا عبد الله و أبا إسماعيل و الخاص أبو موسي،و ألقابه الصادق و الفاضل و الطاهر و القائم و الكافل و المنجي،و إليه تنسب الشيعة الجعفرية و مسجده في الحلّة (1).

و وصفه البعض بقوله:كشاف أسرار العلوم و بحر الحقائق أبو عبد الله جعفر بن محمّد الصّادق صلوات الله عليه.

قد تحيرت العقول دونه و أخرست الألسن فيه،كيف لا و هو شمس سماء العلم و المعرفة و التوحيد،قد استنار الكلّ من نور وجوده،و استفادوا من رشحات فيضه و استمطروا سحاب علمه، و استدروا سماء جوده و اغترفوا من بحر معارفه،و استضاؤا من مشكاة حقائقه،أشرقت أضواء علومه عالم الإنسانية،و أثمرت شجرة عنصرة الطيبة ما ملأت الآفاق من الأصول الكليّة الحكميّة،و العلوم الغريبة المكنونة القيمة و القواعد الرصينة الفقهية،و المطالب النورية لتزكية الباطن و تهذيب النّفس، و المسائل الجامعة الإجتماعية لحفظ نظام الحوزة البشرية،حتّي بلغ عدد الآخذين عنه و المتعلمين من حضرته إلي أربعة آلاف رجل من أهل الحجاز و الشام و العراق و الخراسان و الفارس و غيرها، و دوّنت في مجلسه الشريف أربعمائة مصنف في العلوم،هي المسماة بالأصول الأربعمائة،فراجع أصول الكافي و كتاب التوحيد للصدوق،و الإحتجاج للطبرسي و غيرها من الكتب الحاوية للحقائق الصادرة عنه حتّي يتّضح لك أنه كيف أسّس قواعد التوحيد،و شيّد أركانه و قلع الشبهات الناشئة من الآراء السخيفة المعوجّة،و أظهر أسرار الآيات القرآنية و بطونها،مما كلّت عندها الألسن و ألهت لديها الأحلام،فهو عيش العلم و موت الجهل و دعامة الإسلام (2).

***

وصفه من مالك بن أنس

و في الخصال للشيخ الصدوق قال مالك بن أنس فقيه المدينة:كنت أدخل علي الصّادق جعفر بن محمّد فيقدم لي مخدة و يعرف لي قدرا و يقول:يا مالك إنّي أحبك فكنت أسرّ بذلك و أحمد الله عليه،و كان لا يخلو من إحدي ثلاث خصال:إمّا صائما و إمّا قائما و إمّا ذاكرا،و كان من عظماء العبّاد و أكابر الزهّاد الذين يخشون الله عزّ و جلّ،و كان كثير الحديث طيب المجالسة كثير الفوائد فإذا قال:قال رسول الله اخضرّ مرة و اصفرّ أخري،حتّي ينكره من يعرفه،و لقد حججت معه سنة فلمّا استوت راحلته عند الاحرام،كان كلّما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه،و كاد يخرّ من راحلته فقلت:قل يا ابن رسول الله فلا بدّ لك أن تقول فقال:يا ابن أبي عامر كيف أجسر أن أقول لبيك اللّهم لبيك،و أخشي أن يقول عزّ و جلّ لا لبّيك و لا سعديك.

ص: 8


1- البحار:9/47 ح 5،و المناقب:400/3.
2- نهج البلاغة:32/2.

و قال مالك بن أنس:ما رأت عين و لا سمعت أذن و لا خطر علي قلب بشر أفضل من جعفر الصّادق،فضلا و علما و عبادة و ورعا.و كان مالك كثيرا ما يدعي سماعه و ربّما قال:حدثني الثقة يعنيه (1).

***

مولد أبي عبد الله الصادق عليه السّلام

ولد أبو عبد الله عليه السّلام سنة ثلاث و ثمانين و مضي في شوّال من سنة ثمان و أربعين و مائة و له خمس و ستّون سنة و دفن بالبقيع في القبر الّذي دفن فيه أبوه و جدّه و الحسن بن عليّ عليهم السّلام و امّه امّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر و امّها أسماء بنت عبد الرّحمن بن أبي بكر (2).

و عن إسحاق بن جرير قال:قال أبو عبد الله عليه السّلام:«كان سعيد بن المسيّب و القاسم بن محمّد بن أبي بكر و أبو خالد الكابلي من ثقات عليّ بن الحسين عليهما السّلام قال:و كانت أمّي ممّن آمنت و اتّقت و أحسنت،و الله يحبّ المحسنين.

قال:و قالت أمّي:قال أبي:يا أمّ فروة إنّي لأدعو الله لمذنبي شيعتنا في اليوم و اللّيلة ألف مرّة،لأنّا نحن فيما ينوبنا من الرزايا نصبر علي ما نعلم من الثواب و هم يصبرون علي ما لا يعلمون» (3).

و في الدروس:ولد بالمدينة يوم الإثنين سابع عشر شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث و ثمانين (4).

و في مصباح الكفعمي:ولد عليه السّلام بالمدينة يوم الإثنين سابع عشر شهر ربيع الأوّل سنة ثلاث و ثمانين و كانت ولادته زمن عبد الملك بن مروان (5).

و كانت إمامته عليه السّلام أربعا و ثلاثين سنة أقام مع جدّه اثنتي عشرة سنة و مع أبيه تسع عشرة سنة.

الخرائج:عن عليّ بن الحسين عليهما السّلام إنّه قال:إذا ولد ابني جعفر بن محمّد فسمّوه الصادق فإنّ الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدّعي الإمامة كاذبا،فقال عليّ بن الحسين عليهما السّلام:كأنّي بجعفر الكذّاب و قد حمل طاغية زمانه علي تفتيش أمر وليّ الله و المغيّب في حفظ الله فكان كما ذكر.

***

ص: 9


1- شرح الاخبار:291/1،و البحار:47/50.
2- الكافي:472/1 ح 6،و البحار:1/47 ح 1.
3- شرح أصول الكافي:245/7 ح 1.
4- الدروس:12/2.
5- البحار:2/47 ح 4،و مصباح الكفعمي:523.

ذكر أمّه عليهما السّلام

أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد.و قال الجعفي:إسمها فاطمة و كنيتها امّ فروة.

و امّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.

***

وصية الإمام الصادق عليه السّلام لابنه

و ذكر بعض أصحابه عليه السّلام قال:دخلت علي جعفر و موسي ولده بين يديه و هو يوصيه بهذه الوصية و كان مما حفظت منها أن قال عليه السّلام:يا بني إقبل وصيتي و احفظ مقالتي فإنّك إن حفظتها تعش سعيدا و تمت حميدا.يا بني إنّه من قنع بما قسم له إستغني و من مدّ عينه إلي ما في يد غيره مات فقيرا و من لم يرض بما قسم الله عزّ و جلّ له إتهم الله تعالي في قضائه،و من استصغر زلّة نفسه استعظم زلة غيره و من استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه.

يا بني من كشف حجاب غيره إنكشف عورات نفسه،و من سلّ سيف البغي قتل به و من احتفر لأخيه بئرا سقط فيها،و من داخل السفهاء حقر و من خالط العلماء وقر و من دخل مداخل السوء اتهم.

يا بني قل الحق لك و عليك و إياك و النميمة فإنّها تزرع الشحناء في قلوب الرجال يا بني إذا طلبت الجود عليك بمعادنه فإنّ للجود معادنا و للمعادن اصولا و للأصول فروعا و للفروع ثمرا و لا يطيب ثمر إلاّ بفرع و لا فرع إلاّ بأصل و لا أصل ثابت إلاّ بمعدن طيب.

يا بني إذا زرت فزر الأخيار و لا تزر الفجار فإنّهم صخرة لا يتفجر ماؤها و شجرة لا يخضر ورقها و أرض لا يظهر عشبها.

قال علي بن موسي عليهما السّلام:فما ترك أبي هذه الوصية إلي أن مات (1).

***

شهادة الإمام الصادق عليه السّلام

توفي في شوال من سنة ثمان و أربعين و مائة و قيل في النصف من رجب و له خمس و ستون سنة و دفن بالبقيع و كانت إمامته أربعا و ثلاثين سنة.

و أقام مع جده إثني عشرة سنة و مع أبيه واحد و ثلاثين سنة.

ص: 10


1- حلية الأولياء 3:195،صفة الصفوة 2:170.

و في مصباح الكفعمي:توفّي عليه السّلام يوم الإثنين في النصف من رجب سنة ثمان و أربعين و مائة مسموما في عنب (1).

و في الدروس:قبض في شوّال،و قيل:في منتصف رجب يوم الإثنين سنة ثمان و أربعين و مائة عن خمس و ستّين سنة (2).

في الكافي:مضي عليه السّلام في شوّال من سنة ثمان و أربعين و مائة و له خمس و ستّون سنة و دفن بالبقيع (3).

و في المناقب عن الجوزي قال:بعث إلي أبو جعفر المنصور في جوف الليل فدخلت عليه و في يده كتاب فرمي الكتاب إليّ و هو يبكي و قال:هذا كتاب محمّد بن سليمان يخبرنا أنّ جعفر بن محمّد قد مات فإنّا لله و إنّا إليه راجعون ثلاثا،و أين مثل جعفر؟ثمّ قال لي:أكتب إن كان قد أوصي إلي رجل بعينه فقدّمه و اضرب عنقه فرجع الجواب إليه إنّه أوصي إلي خمسة أحدهم أبو جعفر المنصور و محمّد بن سليمان و عبد الله و موسي ابني جعفر و حميدة.

فقال المنصور:ليس إلي قتل هؤلاء سبيل (4).

و في بشائر المصطفي عن الصادق عليه السّلام قال:لمّا حضرت أبي الوفاة قال:يا جعفر أوصيك بأصحابي خيرا.

قلت:جعلت فداك و الله لأدعنّهم-و الرجل منهم يكون في المصر-فلا يسأل أحدا (5).

و عن عليّ بن قادم عن عيسي بن داب قال:لمّا حمل أبو عبد الله جعفر بن محمّد عن سريره و أخرج إلي البقيع ليدفن قال أبو هريرة الشاعر العجلي:

أقول و قد راحوا به يحملونه علي كاهل من حامليه و عاتق

أتدرون ماذا تحملون إلي الثري ثبيرا ثوي من رأس علياء شاهق

غداة حثا الحاثون فوق ضريحه ترابا و أولي كان فوق المفارق

أيا صادق بن الصادقين الية (6)بآبائك الأطهار حلفة

صادق لحقا بكم ذو العرش أقسم في الوريا.

ص: 11


1- مصباح الكفعمي:523،و البحار:2/47 ح 6.
2- مناقب آل أبي طالب:399/3،و البحار:4/47.
3- الكافي:472/1 ح 6.
4- مناقب آل أبي طالب:434/3.
5- الكافي:306/1 ح 2،و الارشاد:180/2.
6- الآلية:القسم و جمعها ألايا.

فقال تعالي ربّ المشارق نجوم هي اثنا عشرة

كن سبقا إلي اللّه في علم من اللّه سابق (1)

قال الصدوق(رحمه الله):سمّه أبو جعفر المنصور الدوانيقي فقتله (2).

و عن المفضّل بن عمر قال:وجّه أبو جعفر المنصور إلي الحسن بن زيد و هو و اليه علي الحرمين أن أحرق علي جعفر بن محمّد داره.فألقي النّار في دار أبي عبد الله عليه السّلام فأخذت النّار في الباب و الدّهليز،فخرج أبو عبد الله عليه السّلام يتخطّي النّار و يمشي فيها و يقول:«أنا ابن أعراق الثري (3)، أنا ابن إبراهيم خليل الله عليه السّلام» (4).

و عن رفيد مولي يزيد بن عمرو بن هبيرة قال:سخط عليّ ابن هبيرة و حلف عليّ ليقتلني فهربت منه و عذت بأبي عبد الله عليه السّلام فأعلمته خبري،فقال لي:«انصرف و أقرئه منّي السّلام و قل له:إنّي قد أجرت عليك مولاك رفيدا فلا تهجه بسوء».

فقلت له:جعلت فداك شاميّ خبيث الرأي فقال:اذهب إليه كما أقول لك،فأقبلت فلمّا كنت في بعض البوادي استقبلني أعرابيّ فقال:أين تذهب إنّي أري وجه مقتول.

ثمّ قال لي:أخرج يدك،ففعلت فقال:يد مقتول،ثمّ قال لي:أبرز رجلك فأبرزت رجلي، فقال:رجل مقتول،ثمّ قال لي:أبرز جسدك؟ففعلت.

فقال:جسد مقتول،ثمّ قال لي:أخرج لسانك،ففعلت،فقال لي:إمض،فلا بأس عليك فإنّ في لسانك رسالة لو أتيت بها الجبال الرّواسي لانقادت لك.

قال:فجئت حتّي وقفت علي باب ابن هبيرة،فاستأذنت،فلمّا دخلت عليه قال:أتتك بحائن رجلاه يا غلام النطع و السيف ثمّ أمر بي فكتّفت و شدّ رأسي و قام عليّ السيّاف ليضرب عنقي.

فقلت:أيّها الأمير لم تظفر بي عنوة و إنّما جئتك من ذات نفسي و ههنا أمر أذكره لك ثمّ أنت و شأنك.

فقال:قل.8.

ص: 12


1- شرح الاخبار:308/3،و البحار:333/47.
2- شرح أصول الكافي:245/7،و البحار:215/27.
3- جمع عرق و هو الأصل و الثري الأرض يعني أنا ابن أصول الأرض أو أصول أهلها علي حذف المضاف، و المراد بالأصول الأنبياء،منهم خاتم الأنبياء و إبراهيم و إسماعيل صلوات الله عليهم.فقد شبه الأرض و أهلها بالأشجار و الأنبياء بالأصول في أن بقاءها و ثباتها بهم كما أن بقاء الأشجار و ثباتها بالأصول.ثم خص إبراهيم عليه السّلام بالذكر لأنّ وقوعه في النار و عدم تأثيرها فيه مشهور و في القرآن الكريم مذكور.
4- الكافي:473/1 ح 2،و مديند المعاجز:296/5 ح 58.

فقلت:أخلني فأمر من حضر فخرجوا فقلت له:جعفر بن محمّد يقرئك السلام و يقول لك:

«قد آجرت عليك مولاك رفيدا فلا تهجه بسوء».

فقال:الله لقد قال لك جعفر بن محمّد هذه المقالة و أقرأني السلام فحلفت له فردّها عليّ ثلاثا ثمّ حلّ أكتافي.

ثمّ قال:لا يقنعي منك حتّي تفعل لي ما فعلت بك.

قلت:ما تنطلق يدي بذاك و لا تطيب به نفسي.

فقال:و الله ما يقنعني إلاّ ذاك،ففعلت به كما فعل بي و أطلقته فناولني خاتمه و قال:أموري في يدك فدبّر فيها ما شئت (1).

و عن أبي بصير قال:قبض أبو عبد الله جعفر بن محمّد عليهما السّلام و هو ابن خمس و ستّين سنة،في عام ثمان و أربعين و مائة و عاش بعد أبي جعفر عليه السّلام أربعا و ثلاثين سنة.

و عن يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام قال:سمعته يقول:«أنا كفّنت أبي في ثوبين شطويّين،كان يحرم فيهما و في قميص من قمصه و في عمامة كانت لعليّ بن الحسين عليهما السّلام و في برد اشتراه بأربعين دينارا» (2).

***

فضل زيارة جعفر الصادق عليه السّلام

الكليني،عن أبي علي الأشعري،عن عبد الله بن موسي،عن الحسن بن علي الوشاء قال:

سمعت الرضا عليه السّلام يقول:إنّ لكل إمام عهدا في عنق أوليائه و شيعته و إنّ من تمام الوفاء بالعهد و حسن الأداء زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم و تصديقا بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة (3).

الكليني،عن محمّد بن يحيي،عن محمّد بن الحسين،عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع،عن صالح بن عقبة،عن زيد الشحام،قال:قلت لأبي عبد الله عليه السّلام:ما لمن زار أحدا منكم؟

قال:كمن زار رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم (4).

الصدوق رفعه إلي الصادق عليه السّلام أنّه قال:من زار واحدا منّا كان كمن زار الحسين عليه السّلام (5).

ص: 13


1- الكافي:473/1 ح 3،و مدينة المعاجز:298/5 ح 60.
2- الذكري:48،و الكافي:76/1 ح 8.
3- الكافي:567/4 ح 2.
4- الكافي:579/4 ح 1.
5- ثواب الأعمال:123.

الطوسي بإسناده،عن محمّد بن أحمد بن داود،عن أحمد بن محمّد بن سعيد،عن أحمد بن يوسف،عن هارون بن مسلم،عن أبي عبد الله الحراني قال:قلت:لأبي عبد الله عليه السّلام ما لمن زار قبر الحسين عليه السّلام؟

قال:من أتاه و زاره و صلّي عنده ركعتين كتب له حجة مبرورة فإن صلّي عنده أربع ركعات كتب له حجة و عمرة،قلت:جعلت فداك و كذلك لكلّ من زار اماما مفترضة طاعته؟

قال:و كذلك كلّ من زار إماما مفترضة طاعته (1).

و روي الطوسي رفعه إلي الصادق عليه السّلام أنّه قال:من زارني غفرت له ذنوبه و لم يمت فقيرا (2).

و روي عن أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليهما السّلام انّه قال:من زار جعفرا أو أباه عليهما السّلام لم يشتك عينه و لم يصبه سقم و لم يمت مبتلي (3).

***

أسرار الإمام الصادق عليه السّلام

من ذلك ما رواه محمد بن سنان أنّ رجلا قدم عليه من خراسان و معه صرر من الصدقات معدودة مختومة،و عليها أسماء أصحابها مكتوبة،فلما دخل الرجل جعل أبو عبد اللّه يسمّي أصحاب الصرر،و يقول:«أخرج صرة فلان فإنّ فيها كذا و كذا»،ثم قال:«أين صرّة المرأة التي بعثتها من غزل يدها أخرجها فقد قبلناها؟».

ثم قال للرجل:«أين الكيس الأزرق»،و كان فيما حمل إليه كيس أزرق فيه ألف درهم،و كان الرجل قد فقده في بعض طريقه،فلمّا ذكره الإمام استحيي الرجل و قال:يا مولاي إنّي فقدته في بعض الطريق،فقال له الإمام عليه السّلام:«تعرفه إذا رأيته؟».

فقال:نعم،فقال:«يا غلام،أخرج الكيس الأزرق»،فأخرجه،فلمّا رآه الرجل عرفه،فقال الإمام:«إنّا احتجنا إلي ما فيه فأحضرناه قبل وصولك إلينا»،فقال الرجل:يا مولاي إنّي ألتمس الجواب بوصول ما حملته إلي حضرتك،فقال له:«إنّ الجواب كتبناه و أنت في الطريق» (4).

و من ذلك ما رواه عبد الله بن الكاهلي قال:قال لي الصادق عليه السّلام:«إذا لقيت السبع فاقرأ في وجهه آية الكرسي،و قل:عزمت عليك بعزيمة الله و عزيمة رسوله،و عزيمة سليمان بن داود، و عزيمة علي أمير المؤمنين و الأئمة من بعده،فإنه ينصرف عنك».

قال:فخرجت مع ابن عم لي قادما من الكوفة فعرض لنا السبع فقرأت عليه ما علّمني مولاي

ص: 14


1- التهذيب:79/6 ح 4.
2- التهذيب:78/6.
3- التهذيب:78/6.
4- بحار الأنوار:155/47 ح 218.

فطأطأ رأسه و رجع عن الطريق،فلما قدمت إلي سيدي من قبل أن أعلمه بالخبر،فقال:«أتراني لم أشهدكم إنّ لي مع كل ولي أذن سامعة،و عين ناظرة،و لسان ناطق،ثم قال:يا عبد الله أنا و الله صرفته عنكما و علامة ذلك أنكما كنتما علي شاطيء النهر» (1).

قال رجب البرسي:في هذا الحديث أسرار غريبة،الأوّل إطاعة الوحوش لهم عيانا و سماعا، و الثاني إخباره أنه لم يغب عنهم و أنه يشهد سائر أوليائه لأن الإمام مع الخلق كلّهم لم يغب عنهم، و لم يحتجبوا عنه طرفة عين،و لكن أبصارهم محجوبة عن النظر إليه،و إنّ الدنيا بين يدي الإمام كالدرهم بين يدي الرجل يقلّبه كيف شاء،و الثالث أنه أنكر عليه و قال:أتراني لم أشهدكم؟حيث إنه حسب أنّ الحجّة لا يشهد لمحجوج عليه بعد أن يثبت أنهم عين الله الناظرة في عباده،و يده المبسوطة بالفضل في بلاده،و لسانه المترجم عنه،و أنّ قلوب الأولياء مكان مشيئة الله و خزائن أسراره و باب حكمته.

و من ذلك ما رواه أبو بصير قال:قال أبو عبد الله عليه السّلام:«إنّ المعلي بن خنيس ينال درجتنا، و إن المدينة من قابل يليها داود بن عروة،و يستدعيه و يأمره أن يكتب له أسماء شيعتنا فيأبي فيقتله و يصلبه،فينال بذلك درجتنا».

فلمّا ولي داود المدينة من قابل أحضر المعلّي و سأله عن الشيعة فقال:أعرفهم،فقال:أكتبهم لي و إلاّ ضربت عنقك،فقال:بالقتل تهدّدني و الله لو كانوا تحت قدمي ما رفعتها عنهم،فأمر بضرب عنقه و صلبه،فلمّا دخل عليه الصادق عليه السّلام قال:«يا داود قتلت مولاي و وكيلي،و ما كفاك القتل حتي صلبته،و الله لأدعونّ الله عليك كما قتلته».

فقال له داود:أتهدّدني بدعائك؟أدع الله لك فإذا استجاب لك فادعه عليّ،فخرج أبو عبد الله عليه السّلام مغضبا،فلما جنّ الليل إغتسل و استقبل القبلة.

ثم قال:«يا ذا يا ذي يا ذو إرم داود سهما من سهام قهرك تبلبل به قلبه»،ثم قال لغلامه:«اخرج و اسمع الصائح».

فجاء الخبر أن داود قد هلك،فخرّ الإمام ساجدا و قال:«لقد دعوت الله عليه بثلاث كلمات لو أقسمت علي أهل الأرض لزلزلت بمن عليها» (2).

و من كراماته عليه السّلام:أنّ المنصور يوما دعاه،فركب معه إلي بعض النواحي،فجلس المنصور علي تلال هناك و إلي جانبه أبو عبد الله،فجاء رجل و همّ أن يسأل المنصور ثم أعرض عنه،و سأل الصادق عليه السّلام فحثاله من رمل هناك ملء يديه ثلاث مرّات،فقال:إذهب و أغل،فقال له بعض حاشية المنصور:خرجت عن الملك و سألت فقيرا لا يملك شيئا،فقال الرجل و قد عرق وجهه خجلا ممّا.-

ص: 15


1- بحار الأنوار:95/47 ح 108.
2- بحار الأنوار:181/47 ح 27 و تصويب العبارة منه\..-

أعطاه:إنّي سألت من أنا واثق بعطائه،ثم جاء بالتراب إلي بيته،فقالت له زوجته:من أعطاك هذا؟

فقال:جعفر،فقالت:و ما قال؟

قال:قال لي:أغل،فقالت:إنّه صادق،فاذهب بقليل منه إلي أهل المعرفة فإنّي أشمّ منه رائحة الغني،فأخذ الرجل منه جزءا و مرّ به إلي بعض اليهود فأعطاه فيما حمل منه إليه عشرة آلاف درهم،و قال له:آتيني بباقيه علي هذه القيمة (1).

و من ذلك:أنّ المنصور لمّا أراد قتل أبي عبد الله عليه السّلام إستدعي قوما من الأعاجم يقال لهم البعرعر (2)لا يفهمون و لا يعقلون،فخلع عليهم الديباج المثقل،و الوشي المنسوج،و حملت إليهم الأموال،ثم استدعاهم و كانوا مائة رجل،و قال للترجمان:قل لهم:إنّ لي عدوا يدخل عليّ الليلة فاقتلوه إذا دخل،فأخذوا أسلحتهم و وقفوا ممتثلين لأمره،فاستدعي جعفرا عليه السّلام و أمره أن يدخل وحده،ثم قال للترجمان:قل لهم هذا عدوّي فقطعوه،فلمّا دخل الإمام تعاووا عوي الكلاب، و رموا أسلحتهم،و كتّفوا أيديهم إلي ظهورهم،و خرّوا له سجدا،و مرغوا وجوههم علي التراب، فلمّا رأي المنصور ذاك خاف،و قال:ما جاء بك؟

قال:أنت،و ما جئتك إلاّ مغتسلا محنطا.

فقال المنصور:معاذ الله أن يكون ما تزعم،إرجع راشدا،فخرج جعفر عليه السّلام و القوم علي وجوههم سجدا،فقال للترجمان:قل لهم:لم لا قتلتم عدو الملك؟

فقالوا:نقتل وليّنا الذي يلقانا كل يوم و يدبر أمرنا كما يدبّر الرجل أمر ولده و لا نعرف وليا سواه،فخاف المنصور من قولهم فسرّحهم تحت الليل،ثم قتله بعد ذلك بالسمّ (3).

و من كراماته عليه السّلام أنّ فقيرا سأله فقال لعبده:ما عندك؟

قال:أربعمائة درهم،فقال:أعطه إياها،فأعطاه،فأخذها و ولّي شاكرا،فقال لعبده:

أرجعه،فقال:يا سيدي سألت فأعطيت،فماذا بعد العطاء،فقال له:قال رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم:خير الصدقة ما أبقت غني،و إنّا لم نغنك فخذ هذا الخاتم فقد أعطيت فيه عشرة آلاف درهم،فإذا احتجت فبعه بهذه القيمة (4).

و من ذلك من كتاب الراوندي عن أبي عبد الله عليه السّلام أنه قال:«علمنا غابر و مزبور،و نكت في القلوب،و نقر في الأسماع،و عندنا الجفر الأبيض و الجفر الأحمر،و مصحف فاطمة و الجامعة، فأمّا الغابر فعلم ما كان،و أمّا المزبور فعلم ما يكون،و أما النكت في القلوب فهو الإلهام،و أمّا6.

ص: 16


1- بحار الأنوار:155/47 ح 218.
2- كذا بالأصل و هي غير موجودة في البحار مع أنه ينقله عن المشارق.
3- بحار الأنوار:181/47 ح 27.
4- بحار الأنوار:60/47 ح 116.

النقر في الأسماع فهو حديث الملائكة،و أما الجفر الأحمر ففيه سلاح رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم،و أما الجفر الأبيض فوعاء فيه التوراة و الإنجيل و الزبور و الكتب الأولي،و أمّا مصحف فاطمة ففيه ما يكون من الحوادث،و اسم من يملك إلي يوم القيامة،و أمّا الجامعة ففيها جميع ما يحتاج الناس إليه حتي أرش الخدش،و عندنا صحيفة فيها اسم من ولد و من يولد،و اسم أبيه و أمّه من الذر إلي يوم القيامة، ممّن هو من أعدائنا،ذلك فضل الله علينا و علي الناس (1).

***

النص علي الإمام جعفر الصادق عليه السّلام

اشارة

و ذلك من طرق:

الطريق الأول:أنه كان أفضل أهل الأرض بعد أبيه و أعلمهم و أزهدهم و أورعهم و أشجعهم

*الطريق الأول:أنه كان أفضل أهل الأرض بعد أبيه و أعلمهم و أزهدهم و أورعهم و أشجعهم صلوات الله عليه (2).

و قد ثبت بدلالة العقول تقديم الأفضل علي المفضول و العالم علي الجاهل.

قال فيه المنصور هو من أعلم الناس في زمانه (3).

و قال طاهر كنت عنده-عليه السّلام-فأقبل جعفر عليه السّلام فقال أبو جعفر عليه السّلام:هذا خير البريّة (4).

و قال طاهر كنت عنده-عليه السّلام-فأقبل جعفر عليه السّلام فقال أبو جعفر عليه السّلام:هذا خير البريّة (4).

و قال مالك بن انس:ما رأت عين و لا سمعت أذن و لا خطر علي قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلا و علما و عبادة و ورعا (5).

و قال:و كان من عظماء البلاد و أكابر الزهّاد الذين يخشون ربهم،و كان كثير الحديث طيب المجالسة (6).

و قال فيه أبا شاكر الديصاني:إنك لأحد النجوم الزواهر و كان أباؤك بدورا بواهر،و أمّهاتك عقيلات عباهر،و عنصرك من اكرم العناصر و اذا ذكر العلماء فبك تثني الخناصر فخبّرنا ايها البحر الخضم الزاخر (7).

ص: 17


1- الإرشاد للمفيد:186/2 كلام الصادق حول ميراث الرسول،و أصول الكافي:238/1.
2- اسعاف الراغبين:246،و شرح الشمائل المحمدية:155/1 باب ما جاء في تختم الرسول،و نهج الحق: 257.258،و تاريخ اليعقوبي:381/2 وفاة أبي عبد الله جعفر بن محمد،و روضة الواعظين:207، و الصواعق المحرقة:201 ط.مصر و ط.بيروت 305،و اخبار الدول:112،و صفة الصفوة:94/2، و الفصول المهمة:211.
3- اثبات الوصية:160.
4- الارشاد:181/2.
5- مناقب آل أبي طالب:248/4.
6- مناقب ابن شهر آشوب:275/4.
7- اعلام الوري:282.

قال السمهودي:و كان أبو جعفر الباقر و ابنه كثير المكاشفات (1).

و كان دعاؤه مستجاب (2).

و مناظراته العلمية تثبت علمه و فضله علي من دونه (3).

و نظم في حقه العوني:

يا صادقا شهد الإله بصدقه فكفي مهابة ذي الجلال الأمجد

يا ابن الهدي و أبا الهدي أنت الهدي يا نور حاضر سرّ كل موّحد

يا ابن النبي محمد أنت الذي أصبحت قصد ولاء آل محمد

يا سادس الأنوار يا علم الهدي ضل امرؤ بولائكم لم يهتد (4)

و صلي عليه ابن عربي بقوله:

([صلوات الله..]علي أستاذ العالم و سيد الوجود مرتقي المعارج و منتهي الصعود الموّاج الازلي و السّراج الوهاب الأبديّ،ناقد خزائن المعارف و العلوم،محتد العقول و نهاية الفهوم معلم علوم الأسماء،و دليل طرق السماء الكون الجامع الحقيقي) (5).

الطريق الثاني:وجوب الإمامة في كل زمان عقلا و نقلا

*الطريق الثاني:وجوب الإمامة في كل زمان عقلا و نقلا و فساد دعوي كل من ادعي الإمامة دونه لعدم أهلية سواه لها.

علي أنه يشرط في الإمام العصمة و لم يثبت عصمة من سواء.

أمّا عصمته فثابتة بنص آية التطهير كما تقدم في الكتاب الاول.

الطريق الثالث:النص عليه من أبيه عليهما السّلام:

قال أبو الصبّاح الكناني:نظر أبو جعفر الي أبي عبد الله فقال:تري هذا؟

هذا من الذين قال الله عزّ و جلّ عنهم: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ 6.

ص: 18


1- جواهر العقدين:445 الباب الخامس عشر.
2- جواهر العقدين:44.445 الباب الخامس عشر.
3- الارشاد:199/2،و المناقب لابن شهر آشوب:252/4.254.260.267،و اعلام الوري:282، و الصواعق المحرقة:201 ط.مصر و ط.بيروت 305،و الاحتجاج:371/2-374-365-133.
4- مناقب آل أبي طالب:278/4.
5- وسيلة الخادم الي المخدوم:295.

و في رواية جابر الجعفي قال:سئل أبو جعفر عليه السّلام عن القائم بعده فضرب بيده علي أبي عبد الله و قال:هذا و الله قائم آل محمد (1).

و نحو ذلك من النصوص (2).

***

علم الإمام الصادق عليه السّلام بالغيب

عن أبي بصير قال:كان لي جار يتبع السلطان فأصاب مالا،فأعدّ قيانا و كان يجمع الجميع إليه و يشرب المسكر و يؤذيني،فشكوته إلي نفسه غير مرّة،فلم ينته فلمّا أن ألححت عليه فقال لي:يا هذا أنا رجل مبتلي و أنت رجل معافي،فلو عرضتني لصاحبك رجوت أن ينقذني الله بك،فوقع ذلك له في قلبي فلمّا صرت إلي أبي عبد الله عليه السّلام ذكرت له حاله،فقال لي:«إذا رجعت إلي الكوفة سيأتيك فقل له:يقول لك جعفر بن محمّد دع ما أنت عليه و أضمن لك علي الله الجنّة»».

فلمّا رجعت إلي الكوفة أتاني فيمن أتي،فاحتبسته عندي حتّي خلا منزلي ثمّ قلت له:يا هذا إنّي ذكرتك لأبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليهما السّلام فقال لي:«إذا رجعت إلي الكوفة سيأتيك فقل له:يقول لك جعفر بن محمّد:دع ما أنت عليه و أضمن لك علي الله الجنّة».

قال:فبكي ثمّ قال لي:بالله لقد قال لك أبو عبد الله هذا؟

قال:فحلفت له أنّه قد قال لي ما قلت،فقال لي:حسبك و مضي،فلمّا كان بعد أيّام بعث إليّ فدعاني و إذا هو خلف داره عريان،فقال لي:يا أبا بصير لا و الله ما بقي في منزلي شيء إلاّ و قد أخرجته و أنا كما تري.

قال:فمضيت إلي إخواننا فجمعت له ما كسوته به ثمّ لم تأت عليه أيّام يسيرة حتّي بعث إليّ إنّي عليل فأتني فجعلت أختلف إليه و أعالجه حتّي نزل به الموت فكنت عنده جالسا و هو يجود بنفسه،فغشي عليه غشية ثمّ أفاق،فقال لي:يا أبا بصير قد وفي صاحبك لنا،ثمّ قبض رحمة الله عليه.

فلمّا حججت أتيت أبا عبد الله عليه السّلام فاستأذنت عليه فلمّا دخلت قال لي ابتداء من داخل البيت و إحدي رجلي في الصحن و الأخري في دهليز داره:«يا أبا بصير قد وفينا لصاحبك» (3).

ص: 19


1- الارشاد:181/2،و البحار:13/47،و اثبات الوصية:155،و اعلام الوري:268.
2- الكافي:306/1،و مناقب آل أبي طالب:224/4-278،و أعلام الوري:267،و كفاية الاثر:253، و الفصول المهمة:211 و روضة الواعضين:207.
3- الكافي:475/1 ح 5،و البحار:146/47 ح 199.

و عن جعفر بن محمّد بن محمّد بن الأشعث قال:قال لي:أتدري ما كان سبب دخولنا في هذا الأمر و معرفتنا به و ما كان عندنا منه ذكر و لا معرفة شيء عند النّاس؟

قال:قلت له:ما ذاك؟

قال:إنّ أبا جعفر-يعني أبا الدّوانيق-قال لأبي،محمّد بن الأشعث:يا محمّد إبغ لي رجلا له عقل يؤدّي عنّي فقال له أبي:قد أصبته لك هذا فلان بن مهاجر خالي،قال:فأتني به.

قال:فأتيته بخالي فقال له أبو جعفر:يا ابن مهاجر خذ هذا المال و أت المدينة و أت عبد الله بن الحسن بن الحسن و عدّة من أهل بيته فيهم جعفر بن محمّد فقل لهم:إنّي رجل غريب من أهل خراسان و بها شيعة من شيعتكم وجّهوا إليكم بهذا المال،و ادفع إلي كلّ واحد منهم علي شرط كذا و كذا،فإذا قبضوا المال فقل:إنّي رسول و احبّ أن يكون معي خطوطكم بقبضكم ما قبضتم،فأخذ المال و أتي المدينة فرجع إلي أبي الدّوانيق و محمّد بن الأشعث عنده.

فقال له أبو الدّوانيق ما وراءك قال:أتيت القوم و هذه خطوطهم بقبضهم المال خلا جعفر بن محمّد،فإنّي أتيته و هو يصلّي في مسجد الرسول صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فجلست خلفه و قلت حتّي ينصرف فأذكر له ما ذكرت لأصحابه،فعجّل و انصرف،ثمّ التفت إليّ فقال:«يا هذا اتّق الله و لا تغرّ أهل بيت محمّد فإنّهم قريبوا العهد بدولة بني مروان،و كلّهم محتاج».

فقلت:و ما ذاك أصلحك الله؟

قال:فأدني رأسه منّي و أخبرني بجميع ما جري بيني و بينك حتّي كأنّه كان ثالثنا.

قال:فقال له أبو جعفر:يا ابن مهاجر أعلم أنّه ليس من أهل بيت نبوّة إلاّ و فيه محدّث و إنّ جعفر بن محمّد محدّثنا اليوم و كانت هذه الدّلالة سبب قولنا بهذه المقالة (1).

و في الكافي عن إسماعيل القرشي قال:أتي إلي الصادق عليه السّلام رجل فقال:رأيت في منامي كأنّي خارج من الكوفة و كأنّ رجلا منحوتا من خشب يلوح بسيفه و أنا اشاهده فزعا مرعوبا فقال عليه السّلام:أنت رجل تريد اغتيال رجل في معيشته فاتّق الله.

فقال الرجل:أشهد أنّك اوتيت علما من معدنه؛إنّ رجلا من جيراني جاءني و عرض عليّ ضيعته فهممت أن أملكها بوكس كثير يعني بنقص عن قيمتها لما عرفت أنّه ليس لها طالب غيري.

فقال عليه السّلام:و صاحبك يتولاّنا و يبرأ من عدوّنا؟

فقال:نعم،لو كان ناصبيا حلّ لي اغتياله؟

فقال:أدّ الأمانة لمن ائتمنك و أراد منك النصيحة و لو إلي قاتل الحسين عليه السّلام (2).9.

ص: 20


1- الكافي:475/1 ح 6،و البحار:74/47 ح 39.
2- شرح أصول الكافي:408/12،و البحار:155/47 ح 219.

و عن حفص التمّار قال:دخلت علي أبي عبد الله عليه السّلام أيّام صلب المعلّي بن خنيس فقال:يا حفص إنّي أمرت المعلّي بن خنيس بأمر فخالفني فابتلي بالحديد؛إنّي نظرت إليه يوما و هو كئيب حزين فقلت له:كأنّك ذكرت أهلك و ولدك؟

قال:أجل،قلت:ادن منّي فمسحت وجهه فقلت:أين تراك؟

فقال:أراني في بيتي و هذه زوجتي و هذا ولدي فتركته حتّي تملّي منهم و استترت عنهم حتّي نال منها ما ينال الرجل من أهله ثمّ قلت له:يا معلّي إنّ لنا حديثا من حفظ علينا حفظ الله دينه و دنياه و من كتم الصعب من حديثنا جعله الله نورا بين عينيه و رزقه الله العزّة في الناس و من أذاع الصعب من حديثنا لم يمت حتّي يعضه السلاح،يا معلّي و أنت مقتول فاستعدّ (1).

و عن عثمان بن عيسي قال:جاء رجل إلي أبي عبد الله عليه السّلام فقال:ضيّق عليّ اخوتي و بنو عمّي الدار فلو تكلّمت قال:إصبر سيجعل الله لك فرجا فانصرفت من سنتي و عدت من قابل فشكوتهم إليه فقال:اصبر،ثمّ عدت في السفرة الثالثة فماتوا كلّهم فقال:ما فعل أهل بيتك؟

قلت:ماتوا.

قال:بما صنعوا لك و لعقوقهم إيّاك و قطعهم رحمك (2).

أقول لأن قطيعة الرحم تقصر الأعمار كما في الأحاديث.

و فيه عن أبي الصلت الهروي عن الرّضا عليه السّلام قال:قال لي أبي موسي عليه السّلام:كنت جالسا عند أبي إذ دخل عليه بعض أوليائنا فقال:في الباب ركب كثير يريدون الدخول عليك.

فقال لي:أنظر،فإذا جمال كثيرة عليها صناديق و رجل ركب فرسا فقال:أنا رجل من الهند أردت الإمام جعفر بن محمّد.فأعلمت والدي بذلك،فقال:لا تأذن للخائن فلم يدخل مدّه حول حتّي تشفّع له يزيد بن سليمان و محمّد بن سليمان فدخل وجثا بين يديه فقال:أنا رجل من الهند من قبل ملكها بعثني إليك بكتاب مختوم و كنت بالباب حولا لم تأذن لي فما ذنبي هكذا يفعل أولاد الأنبياء؟

فقال:و لتعلمنّ نبأه بعد حين.

قال موسي عليه السّلام:فأمرني أبي بأخذ الكتاب و فكّه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم إلي جعفر بن محمّد الطاهر من كلّ نجس من ملك الهند؛أمّا بعد فقد هداني الله علي يديك و أنّه أهدي إلي جارية لم أر أحسن منها و لم أجد أحدا يستأهلها غيرك،فبعثتها إليك مع شيء من الحليّ و الجوهر و الطيب،ثمّ جمعت وزرائي فاخترت منهم ألف رجل يصلحون للأمانة و اخترت من الألف مائة و من4.

ص: 21


1- الاختصاص:321،و البحار:72/2 ح 34.
2- الخرائج و الجرائح:638/2 ح 41،و البحار:107/47 ح 134.

المائة عشرة و اخترت من العشرة واحدا و هو ميزاب بن حبّاب لم أر أوثق منه فبعثت علي يده هذه.

فقال جعفر عليه السّلام:إرجع أيّها الخائن فما أقبلها لأنّك خنت فيها فحلف أنّه ما خان.

فقال عليه السّلام:إن شهد بعض ثيابك بما خنت تشهد أن لا إله إلاّ الله و أنّ محمّدا رسول الله؟

قال:أو تعفيني من ذلك؟

قال:أكتب إلي صاحبك بما فعلت.

قال الهندي:إن علمت شيئا فاكتب،فكان عليه فروة فأمره بخلعها فقام و ركع ركعتين ثمّ سجد و دعا اللّه تعالي بأن يأذن لفرو الهندي أن ينطق بفعله بلسان عربيّ مبين ثمّ قال:أيّها الفرو تكلّم بما تعلم من الهندي،فانقبضت الفرو و صارت كالكبش و قالت:يابن رسول الله إئتمنه الملك علي هذه الجارية و ما معها حتّي إذا صرنا إلي بعض الصحاري أصابنا المطر و ابتلّ جميع ما معنا ثمّ طلعت الشمس فنادي خادما كان مع الجارية يخدمها يقال به بشر فقال له:لو دخلت هذه المدينة فأتيتنا بما فيها من الطعام،فلمّا مضي أمر ميزاب هذه الجارية أن تخرج من قبّتها إلي مضرب ضرب في الشمس فخرجت و كشفت عن ساقيها إذ كان في الأرض و حل فنظر هذا الخائن إليها فراودها عن نفسها فأجابته و فجر بها و خانك فخرّ الهندي فقال:إرحمني فقد أخطأت و أقرّ بذلك ثمّ صارت فروة كما كانت و أمره أن يلبسها،فلمّا لبسها انضمّت في حلقه و خنقته حتّي اسودّ وجهه فقال عليه السّلام:أيّها الفرو خلّ عنه حتّي يرجع إلي صاحبه فيكون هو أولي به منّا،فانحلّ الفرو و قال الهندي:الله الله فيّ فإنّك إن رددت الهدية خشيت أن ينكر ذلك عليّ.

فقال:أسلم أعطك الجارية فأبي.فقبل الهدية وردّ الجارية فلمّا رجع الجواب إلي أبي بعد أشهر فيه مكتوب:بسم اللّه الرحمن الرحيم إلي جعفر بن محمّد الإمام من ملك الهند؛أمّا بعد فقد أهديت إليك جارية فقبلت منّي ما لا قيمة له ورددت الجارية فأنكر ذلك قلبي و علمت أنّ الأنبياء و أولاد الأنبياء معهم فراسة فنظرت إلي الرسول بعين الخيانة فاخترعت كتابا و أعلمته أنّه أتاني منك الخيانة و حلفت أنّه لا ينجيه إلاّ الصدق فأقرّ بما فعل و أقرّت الجارية و أخبرت بما كان من الفروة فتعجّبت من ذلك و ضربت عنقيهما و أنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له و أنّ محمّدا عبده و رسوله و اعلم أنّي في أثر الكتاب فترك ملك الهند و أسلم و حسن إسلامه (1).

و عن ابن أبي كثير الكوفي قال:كنت لا أختم صلاتي و لا أستفتحها إلاّ بلعنهما فرأيت في منامي طائرا معه تور (2)من الجوهر فيه شيء أحمر شبه الخلوق فنزل إلي بيت رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم ثمّ أخرج شخصين من الضريح فخلقهما بذلك الخلوق في عوارضهما ثمّ ردّهما إلي الضريح و عاد مرتفعا فسألت:من هذا الطائر و ما هذا الخلوق؟و.

ص: 22


1- البحار:114/47 ح 150.
2- في المناقب:نور،و لعلها سهو.

فقيل:هذا ملك يجيء في كلّ ليلة جمعة يخلّقهما فأزعجني ما رأيت و أصبحت لا تطيب نفسي بلعنهما فدخلت علي الصادق عليه السّلام فلمّا رآني ضحك و قال:رأيت الطائر؟فقلت:نعم يا سيّدي، فقال:اقرأ إِنَّمَا النَّجْوي مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ (1)فإذا رأيت شيئا تكرهه فاقرأها و الله ما هو ملك موكّل بهما لإكرامهما بل هو ملك موكّل بمشارق الأرض و مغاربها إذا قتل قتيل ظلما أخذ من دمه فطوقهما به في رقابهما لأنّهما سبب كلّ ظلم مذ كانا (2).

داود الرقي قال:خرج أخوان يريدان مزار قبر أمير المؤمنين أو الحسين عليه السّلام فعطش أحدهما عطشا شديدا حتّي سقط عن الحمار فقام الآخر و صلّي و دعا الله سبحانه و محمّدا و الأئمّة واحدا واحدا إلي جعفر بن محمّد فلم يزل يدعوه و يلوذ به،فإذا هو برجل قد قام عليه فناوله قطعة عود و قال:ضع هذا بين شفتيه ففعل ذلك فإذا هو قد فتح عينيه و استوي جالسا و لا عطش به،فمضي حتي زار القبر،فلمّا انصرفا إلي الكوفة أتي صاحب الدّعاء المدينة فدخل علي الصادق عليه السّلام فقال له:ما حال أخيك،أين العود؟

فقال:يا سيّدي نسيت العود من الفرح فقال عليه السّلام:أتاني الخضر فبعثت إليك علي يديه قطعة عود من شجرة طوبي ثمّ التفت إلي خادم له فأتاه بسفط ففتحه و أخرج منه قطعة العود بعينها فعرفها ثمّ ردّها إلي السّفط (3).

كتاب الدلائل للحميري عن أبي بصير قال:كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام إذ قال:هل تعرف إمامك؟

قلت:إي و الله أنت هو.

فقال:صدقت فاستمسك به.

قلت:أريد أن تعطيني علامة الإمام لأزداد يقينا.

قال:ترجع إلي الكوفة و قد ولد لك عيسي و من بعد عيسي محمّد و من بعدهما ابنتان و اعلم أنّ ابنيك مكتوبان عندنا في الصحيفة الجامعة مع أسماء شيعتنا و أسماء آبائهم و امّهاتهم و أجدادهم و أنسابهم و ما يلدون إلي يوم القيامة و أخرجها فإذا هي صفراء مدرجة (4).

و روي الكشي بإسناده إلي داود الرقي قال:دخلت علي الصادق عليه السّلام فسألته عن الطهارة فقال:واحدة و أضاف إليها رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم واحدة لضعف الناس و من يتوضّأ ثلاثا ثلاثا فلا صلاة له.ثمّ دخل داود بن زربي فسأله عن عدّة الطهارة فقال:ثلاثا ثلاثا من نقض فلا صلاة له فارتعدت فرائصي و كاد يدخلني الشيطان،فقال عليه السّلام:أسكن يا داود هذا هو الكفر أو ضرب الأعناق.5.

ص: 23


1- سورة المجادلة:10.
2- البحار:237/30 ح 104.
3- المناقب:366/3،و البحار:139/47.
4- دلائل الامامة:263 ح 29،و مدينة المعاجز:436/5.

فخرجنا من عنده و كان ابن زربي إلي جوار بستان المنصور العبّاسي و كان ألقي إليه أنّ ابن زربي رافضي يختلف إلي جعفر بن محمّد.

فقال المنصور:إنّي مطّلع إلي طهارته فإن توضّأ وضوء جعفر بن محمّد قتلته فاطّلع و هو يتهيّأ للصلاة من حيث لا يراه فأسبغ الوضوء ثلاثا ثلاثا من حيث لا يراه فما تمّ وضوءه حتّي بعث إليه المنصور فلمّا دخل عليه قال:يا داود قيل فيك شيء باطل إنّي اطّلعت علي طهارتك و ليست طهارة الرافضة فاجعلني في حلّ و أمر له بمائة ألف درهم فقال الرقي:لقيت ابن زربي عند أبي عبد الله عليه السّلام فقال:جعلت فداك حقنت دماءنا في دار الدّنيا و نرجوا أن ندخل ببركتك الجنّة،فقال:فعل الله ذلك بك و بإخوانك من المؤمنين فقال:يا داود بن زربي حدّث داود الرقي بما مرّ عليك حتّي تسكن روعته فحدّثه بالأمر كلّه،فقال عليه السّلام:لهذا أفتيته لأنّه كان أشرف علي القتل من يد هذا العدوّ،ثمّ قال:يا داود بن زربي توضّأ مثني مثني و لا تزد عليه فإنّك إن زدت عليه فلا صلاة لك.

و في الأمالي،عن سدير الصيرفي قال:رأيت رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فيما يري النائم و بين يديه طبق مغطّي بمنديل فدنوت منه و سلّمت عليه فردّ عليّ السلام ثمّ كشف المنديل عن الطبق فإذا فيه رطب فجعل يأكل منه فدنوت منه فقلت:يا رسول الله ناولني رطبة فناولني واحدة فأكلتها.

ثمّ قلت:يا رسول الله ناولني اخري فناولنيها فأكلتها و جعلت كلّما أكلت واحدة سألته اخري حتّي أعطاني ثمان رطبات فأكلتها ثمّ طلبت منه اخري فقال:حسبك،فانتبهت من منامي،فلمّا كان من الغد دخلت علي الصادق عليه السّلام و بين يديه طبق مغطّي بمنديل كأنّه الذي رأيته في المنام بين يدي رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام ثمّ كشف عن الطبق فإذا فيه رطب،فجعل يأكل منه فعجبت من ذلك و قلت:جعلت فداك ناولني رطبة فناولني فأكلتها ثمّ طلبت اخري فناولني فأكلتها حتّي أكلت ثماني رطبات ثمّ طلبت اخري.

فقال:لو زادك جدّي رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم لزدناك،فأخبرته الخبر فتبسّم تبسّم عارف بما كان (1).

و عن الحارث الأزدي قال:قدم رجل من أهل الكوفة إلي خراسان فدعا الناس إلي ولاية جعفر بن محمّد ففرقة أجابت و فرقة ورعت و وقفت فخرج من كلّ فرقة رجل حتّي دخلوا علي أبي عبد الله عليه السّلام و كان المتكلّم منهم الذي ورع و وقف،قد كان مع بعض القوم جارية فخلا بها الرجل و وقع عليها فلمّا تكلّم قال عليه السّلام:أنت من أيّ فرقة؟

قال:أنا من الفرقة التي ورعت و وقفت.

قال:فأين كان ورعك ليلة كذا و كذا؟فارتاب الرجل (2).7.

ص: 24


1- مستدرك الوسائل:374/12،و أمالي المفيد:336.
2- بصائر الدرجات:265 ح 5،و دلائل الامامة:276 ح 47.

و عن أبي عمير الدياري قال:جاء رجل إلي أبي عبد الله عليه السّلام و كان له أخ جارودي فقال له أبو عبد الله عليه السّلام:كيف أخوك؟

قلت:هو مرضي في جميع حالاته إلاّ أنّه لا يقول بكم،قال:و ما يمنعه؟

قلت:يتورّع من ذلك.

فقال:إذا رجعت إليه فقل له:أين ورعك ليلة نهر بلخ أن تتورّع.

فرجعت و قلت لأخي ما كانت قصّة ليلة نهر بلخ أن تتورّع من أن تقول بإمامة جعفر عليه السّلام و لا تتورّع من ليلة نهر بلخ.

قال:و من أخبرك؟

قلت:أبو عبد الله عليه السّلام.

فقال:يا أخي كلّمه لا يجوز أن تذكر،و الله ما علم به أحد من خلق الله و ذلك إنّي لمّا فرغت من تجارتي و أنا أريد نهر بلخ صحبني رجل معه جارية حسناء حتّي عبرنا نهر بلخ ليلا،فذهب مولي الجارية يحصل لنا شيئا و يقتبس لنا نارا،فأخذت الجارية إلي غيضة (1)كانت هناك و واقعتها و انصرفت إلي موضعي.ثمّ أتي مولاها و قدمنا العراق و ما علم به أحد.ثمّ حججنا من قابل فأدخلته عليه فقال:تستغفر الله و لا تعود فاستقامت طريقته (2).

عمر بن يزيد قال:دخلت علي أبي عبد الله عليه السّلام فبسط رجليه و قال:اغمزهما،فأضمرت في نفسي أن أسأله عن الإمام بعده فقال:يا عمر لا أخبرك عن الإمام بعدي (3).

و في الخرائج:روي أنّ أبا عمارة قال:قلت لأبي عبد الله عليه السّلام:رأيت في النوم كأنّ معي فتاة،قال:كان فيها زج؟

قلت:لا،قال:لو رأيت فيها زجّا لولد لك غلام لكنّه يولد لك جارية ثمّ مكث ساعة ثمّ قال:كم في الفتاة من كعب؟

قلت:إثنا عشر كعبا،قال:تلد الجارية اثنتي عشرة بنتا فحدّثت بهذا الحديث العبّاس بن الوليد فقال:أنا من واحدة منهنّ (4).

***7.

ص: 25


1- عيضة:أي مجتمع الشجر في مغيض الماء.
2- بصائر الدرجات:270.
3- بصائر الدرجات:256،و مدينة المعاجز:346/5 ح 116.
4- الخرائج و الجرائح:649/2 ح 43،و البحار:22/47.

علم الإمام الصادق عليه السّلام بالجفر

قال ابن طلحة:قيل أنّ كتاب الجفر الذي بالمغرب و يتوارثه بنو عبد المؤمن هو من كلامه عليه السّلام،و إنّ في هذه المنقبة سنيّة،و درجة في مقام الفضائل عليّة،و هي نبذة يسيرة ممّا نقل عنه.

و قال عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري المتوفّي 272 ه صاحب التصانيف الكثيرة كما في الفهرست لابن النديم،في كتاب أدب الكاتب:و كتاب الجفر كتبه الإمام جعفر الصّادق بن محمّد الباقر فيه كل ما يحتاجون إلي علمه إلي يوم القيامة.

قال الشّيخ العلامة البهائي في شرح الأربعين:قد تظافرت الأخبار بأنّ النّبي أملي علي أمير المؤمنين كتابي الجفر و الجامعة،و أنّ فيهما علم ما كان و ما يكون إلي يوم القيامة.

و في الكافي عن أبيه أبي شيبة قال:سمعت أبا عبد الله يقول:ضلّ علم ابن شبرمة عند الجامعة،إملاء رسول الله و خط عليّ بيده أن الجامعة لم تدع لأحد كلاما،فيها علم الحلال و الحرام الحديث (1).

و في الكافي و الإرشاد و ينابيع المودّة للشيخ سليمان(ص 162 الطبع الناصري)عن أبي عبد الله أنه كان يقول:علمنا غابر و مزبور و نكت في القلوب و نقر في الأسماع،و أن عندنا الجفر الأحمر و الجفر الأبيض،و مصحف فاطمة و أن عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج.

فسأل عن تفسير هذا الكلام فقال:أمّا الغابر فالعلم بما كان.

و أمّا المزبور فالعلم بما يكون.

و أمّا النكت في القلوب فهو الإلهام،و النقر في الأسماع حديث الملائكة نسمع كلامهم و لا نري أشخاصهم.

و أمّا الجفر الأحمر فوعاء فيه سلاح رسول الله و لن يخرج حتّي يقوم قائمنا أهل البيت،و أمّا الجفر الأبيض فوعاء فيه توراة موسي و إنجيل عيسي و زبور داود و كتب الله الأولي.

و أمّا مصحف فاطمة عليها السّلام ففيه ما يكون من حادث و أسماء كلّ من يملك إلي أن تقوم الساعة.

و أما الجامعة فهي كتاب طوله سبعون ذراعا إملاء رسول الله من فلق فيه و خط عليّ بن أبي طالب بيده،فيه و الله جميع ما يحتاج النّاس إليه إلي يوم القيامة حتّي أن فيه أرش الخدش و الجلدة و نصف الجلدة (2).

ص: 26


1- الكافي:57/1 ح 14،و الفصول المهمة:488/1.
2- الارشاد:186/2،و كشف الغمة:384/2.

غزارة علم الإمام الصادق عليه السّلام

اشارة

موسي بن أشيم قال:كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام فسأله رجل عن آية من كتاب اللّه عزّ و جلّ فأخبره بها ثمّ دخل عليه داخل فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبر الأوّل فدخلني من ذلك ما شاء الله،فقلت في نفسي:تركت أبا قتادة بالشام لا يخطئ في الواو و شبهه و جئت إلي هذا يخطئ هذا الخطأ كلّه.فبينا أنا كذلك إذ دخل عليه آخر فسأله عن تلك الآية فأخبره بخلاف ما أخبرني و أخبر صاحبي فسكنت نفسي و علمت أنّ ذلك تقيّة ثمّ التفت إليّ فقال:يابن أشيم إنّ الله عزّ و جلّ فوضّ إلي سليمان بن داود عليهما السّلام فقال: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ و فوّض إلي نبيّه صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقال: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (1)فما فوّض إلي رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فقد فوّضه إلينا (2).

و في المناقب عن مسند أبي حنيفة قال الحسن بن زياد سمعت أبا حنيفة و قد سئل من أفقه من رأيت؟

قال:جعفر بن محمّد،لمّا أقدمه المنصور بعث إليّ فقال:يا أبا حنيفة إنّ النّاس قد فتنوا بجعفر بن محمّد فهييء له من مسائلك الشداد،فهيّأت له أربعين مسألة،ثمّ بعث إليّ أبو جعفر(يعني المنصور)و هو بالحيرة،فأتيته فدخلت عليه و جعفر جالس عن يمينه،فلمّا بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر فسلّمت عليه فأومي إليّ،فجلست ثمّ التفت إليه فقال:يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة.

قال:نعم أعرفه.

ثمّ التفت إليّ فقال:يا أبا حنيفة ألق علي أبي عبد اللّه من مسائلك فجعلت ألقي عليه فيجيبني فيقول:أنتم تقولون كذا و أهل المدينة يقولون كذا و نحن نقول كذا،فربّما تابعنا و ربّما تابعهم و ربّما خالفنا جميعا،حتّي أتيت علي الأربعين مسألة فما أخلّ منها بشي.

ثمّ قال أبو حنيفة:أليس أنّ أعلم النّاس أعلمهم باختلاف النّاس (3).

روايته عن اللّه تعالي مباشرة

ابن أبي حفصة قال:لمّا مات الباقر عليه السّلام قلت لأصحابي:انتظروني حتّي أدخل علي جعفر بن محمّد فأعزّيه فدخلت عليه فعزّيته فقلت:إنّا لله و إنّا إليه راجعون ذهب و اللّه من كان يقول:قال

ص: 27


1- سورة الحشر:7.
2- الكافي:266 ح 2،و البحار:7/17 ح 7.
3- البحار:218/47،و مناقب آل أبي طالب:379/3.

رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم فلا يسأل عمّن بينه و بين رسول الله،فسكت ساعة.

ثمّ قال عليه السّلام:قال الله عزّ و جلّ:إنّ من يتصدّق بشقّ تمرة فأربيها له كما يربّي أحدكم فلوه حتّي أجعلها له مثل أحد فخرجت إلي أصحابي.

فقلت:ما رأيت أعجب من هذا كنّا نستعظم قول أبي جعفر عليه السّلام قال رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم بلا واسطة فقال لي أبو عبد الله:قال الله عزّ و جلّ بلا واسطة (1).

***

مدرسة الإمام الصادق عليه السّلام

اشارة

قال الشيخ أحمد عليّ البوني (2):قد ذكرنا أنّ المستضيئين من نبراس وجوده و المغترفين من بحر جوده بلغوا إلي أربعة آلاف رجل.

و صنّف ابن عقدة كتاب الرّجال لأبي عبد الله عدّدهم فيه.

***

تلامذة الإمام الصادق عليه السّلام

شعبة بن الحجّاج،و عبد الله بن عمرو و روح بن القاسم و سليمان بن بلال و إسماعيل بن جعفر و حاتم بن إسماعيل و عبد العزيز بن المختار و وهيب بن خالد و إبراهيم بن طهمان،و الحسن الصالح و عمر بن دينار و أحمد بن حنبل و محمّد بن الحسن.

و كان أبو يزيد البسطامي طيفور السقاء،خدمه و سقاه ثلاث عشرة سنة.

و قال أبو جعفر الطوسي:كان إبراهيم بن أدهم و مالك بن دينار من غلمانه.

و منهم أبان بن تغلب و إسحاق بن عمار الصيرفي و بريد بن معاوية العجلي و أبي حمزة الثّمالي و حريز بن عبد الله السجستاني،و حمران بن أعين الشيباني و أخوه زرارة و صفوان بن مهران الجمّال و عبد الله بن أبي يعفور،و عمران بن عبد الله القمي و فضيل بن يسار البصري و فيض بن المختار الكوفي و ليث بن البختري و محمّد بن مسلم و معاذ بن كثير،و معلّي بن خنيس و أبي المنذر هشام بن محمّد السائب الكلبي و يونس الظبيان الكوفي و مؤمن الطاق.

و منهم أبو سعيد يحيي بن سعيد القطان و محمّد بن إسحاق صاحب المغازي و السير و غيرهم.

و كان أبو يزيد البسطامي خدمه و سقاه ثلاث عشرة سنة.

ص: 28


1- أمالي المفيد:/354و البحار:27/47 ح 27.
2- شمس المعارف الكبري:306-316 طبع مصر.

و دخل إليه سفيان الثوري يوما فسمع منه كلاما أعجبه فقال:هذا و الله يابن رسول الله الجوهر.

فقال له:بل هذا خير من الجوهر و هل الجوهر إلاّ حجر (1).

***

طب الإمام الصادق عليه السّلام

اشارة

الكافي،عن بعض أصحابنا قال:شكوت إلي أبي عبد الله عليه السّلام الوجع فقال:إذا آويت أخلي فراشك فكل سكّرتين ففعلت ذلك فبرئت فأخبرت بعض المتطببين و كان أعرف أهل بلادنا فقال:من أين عرف أبو عبد الله عليه السّلام هذا؟هذا من مخزون علمنا،أمّا إنّه صاحب كتب فينبغي أن يكون أصابه في بعض كتبه.

و كان عليه السّلام يعجبه الجبن و قال عليه السّلام:نعم الطعام الأرز يوسع الأمعاء و يقطع البواسير و انّا لنغبط أهل العراق علي الارز و البسر فإنّهما يوسّعان الأمعاء و يقطعان البواسير (2).

و روي أنه شكي رجل إلي أبي عبد الله عليه السّلام شقاقا في يديه و رجليه فقال له:خذ قطنة و اجعل فيها نارا وضعها في سرّتك فقال إسحاق بن عمّار:جعلت فداك يجعل البان في قطنة و يجعلها في سرّته؟

فقال:أمّا أنت يا إسحاق فصب البان في سرّتك فإنّها كبيرة.

قال ابن أذينة:لقيت الرجل بعد ذلك فأخبرني إنّه فعله مرّة واحدة فذهب عنه (3).

فوائد العطسة و أسبابها

عن رجل من العامّة قال:قال لي أبو عبد الله عليه السّلام:من أين تخرج العطسة؟

قلت:من الأنف،فقال لي:أصبت الخطأ،فقلت:جعلت فداك من أين تخرج؟

قال:من جميع البدن كما أنّ النطفة تخرج من جميع البدن و مخرجها من الإحليل،أما رأيت الإنسان إذا عطس نفض أعضاؤه و صاحب العطسة يأمن الموت سبعة أيّام (4).

قال السيد الجزائري:ورد في الأخبار عن السادة الأطهار صلوات الله عليهم أنّ الإنسان إذا

ص: 29


1- شرح الأخبار:299/3،و البحار:29/47 ح 28.
2- المحاسن:504/2 ح 634،و الكافي:341/6 ح 2.
3- الكافي:523/6 ح 2،و البحار:47 48 ح 75.
4- الكافي:657/2،و البحار:47/47 ح 71.

غفل عن ربّه و عن حمده بعث الله عزّ و جلّ ملكا يدخل في جوفه و يسوق الرياح المعقدة الفاسدة المضرّة بالأبدان فإذا خرجت ذكر الله و حمده علي تلك النّعمة و صلّي علي محمّد و أهل بيته فيكون في العطسة فوائد متعدّدة؛منها:إخراج ما فيه إضرار بالبدن كالريح.

و منها:تذكّر الربّ عزّ جلاله و حمده علي ذلك.

و منها:أنّها علامة صدق الكلام المقارنة له كما جاء في الرواية.

و منها:إخبار الإنسان بامتداد عمره إلي سبعة أيّام و إلاّ فالموت متوقّع في كلّ طرفة عين كما قال عليه السّلام:لا غائب أقرب من الموت (1).

***

تصدّق الإمام الصادق عليه السّلام علي الفقراء

و عن معلّي بن خنيس قال:خرج أبو عبد الله عليه السّلام في ليلة قد رشت السماء و هو يريد ظلّة بني ساعدة فاتّبعته فإذا هو قد سقط منه شيء،فقال:بسم الله اللّهم ردّه علينا فأتيته فسلّمت عليه فقال معلي.

قلت:نعم،جعلت فداك،فقال:إلتمس بيدك فما وجدت من شيء فادفعه إليّ فإذا أنا بخبز منتشر فجعلت أدفع إليه ما وجدت فإذا أنا بجراب من خبز فقلت:جعلت فداك أحمله عنك.

فقال:لا،أنا أولي به منك و لكن إمض معي فأتينا ظلة بني ساعدة فإذا نحن بقوم نيام فجعل يدسّ الرغيف و الرغيفين تحت ثوب كلّ واحد حتّي أتي علي آخرهم ثمّ انصرفنا.

فقلت:جعلت فداك يعرف هؤلاء الحقّ.

فقال عليه السّلام:لو عرفوا لواسيناهم بالدقّة يعني الملح المدقوق (2).

و عن هشام بن سالم قال:كان أبو عبد الله عليه السّلام:إذا ذهب من الليل شطره أخذ جرابا فيه خبز و لحم و دراهم فحمله علي عاتقه ثمّ ذهب إلي أهل الحاجة من أهل المدينة فقسّمه فيهم و لا يعرفونه فلمّا مضي أبو عبد الله عليه السّلام فقدوا ذلك فعلموا أنّه كان أبو عبد الله عليه السّلام.

و عن هارون بن خارجة قال أبو عبد الله عليه السّلام لمحمّد ابنه:يا بني كم فضل معك من تلك النفقة؟

قال:أربعون دينارا،قال:أخرج فتصدّق بها قال:إنّه لم يبق معي غيرها قال:إنّ الله

ص: 30


1- البحار:263/68 ح 2،و ميزان الحكمة:2958/4.
2- الحداق الناظرة:272/22،و البحار:21/47 ح 17.

يخلفها،أما علمت أنّ لكلّ شيء مفتاحا و مفتاح الرزق الصدقة فتصدّق بها ففعل فما لبث أبو عبد الله عليه السّلام عشرة حتّي جاءه من موضع أربعة آلاف دينار.

فقال:يا بني أعطينا لله أربعين دينارا فأعطانا الله أربعة آلاف دينار.

و قال الليث بن سعد:حججت سنة ثلاث عشرة و مائة فأتيت مكة،فلما أن صليت العصر رقيت أبا قبيس،و إذا برجل و هو يدعو،فقال:يا رب يا رب حتي انقطع نفسه.

ثم قال:يا رب ي ارب حتي انقطع نفسه.

ثم قال:يا الله يا الله حتي انقطع نفسه.

ثم قال:يا حيّ ي احيّ حتي انقطع نفسه.

ثم قال:يا رحيم يا رحيم حتي انقطع نفسه،ثم قال:يا أرحم الراحمين حتي انقطع نفسه ثم قال:يا حيّ يا حيّ حتي انقطع نفسه،ثم قال:يا الله يا الله يا الله سبع مرات،ثمّ قال:اللّهم إنّي أشتهي من هذا العنب فاطعمنيه.

الّلهم و إنّ برديّ قد أخلقا.

قال الليث:فو الله ما استتم كلامه حتي نظرت إلي سلّة مملوءة عنبا و ليس علي الأرض يومئذ عنب و بردين جديدين موضوعين،فأراد أن يأكل فقلت:أنا شريكك.

فقال لي:و لم؟

فقلت:لأنك كنت تدعو و أنا اؤمن.

فقال لي:تقدم فكل،و لا تخبئ شيئا.

فتقدّمت فأكلت شيئا لم آكل مثله قط،و إذا عنب لا عجم له،فأكلت حتي شبعت و السلّة لم تنقص،ثم قال لي:خذ أحب البردين إليك.

فقلت:أما البردان فأنا غني عنهما.

فقال لي:توار عني حتي ألبسهما.

فتواريت عنه فإتزر بالواحد و إرتدي بالآخر،ثم أخذ البردين اللذين كانا عليه فجعلهما علي يده،و نزل فاتّبعته حتي إذا كان بالمسعي لقيه رجل فقال:إكسني كساك الله يابن رسول الله.

فدفعهما إليه.

فلحقت الرجل فقلت:من هذا؟

فقال:هذا جعفر بن محمد.

ص: 31

قال الليث:فطلبته لأسمع منه فلم أجده (1).

و عنه عليه السّلام إنّه كان يتصدّق بالسكّر قال:إنّه ليس شيء أحبّ إليّ منه فأنا أحبّ أن أتصدّق بأحبّ الأشياء إليّ (2).

***

كرم أخلاق الإمام الصادق عليه السّلام

في الكافي،عن حفص قال:بعث أبو عبد الله عليه السّلام غلاما له في حاجة فأبطأ فخرج عليه السّلام في أثره فوجده نائما فجلس عند رأسه يروحه حتّي انتبه فقال له:يا فلان و الله ما ذلك لك تنام الليل و النهار،لك الليل و لنا منك النهار (3).

و في الكافي،عن أبي حنيفة سائق الحاج قال:مرّ بنا المفضّل و أنا و ختني نتشاجر في ميراث فقال لنا:تعالوا إلي المنزل فأتيناه فأصلح بيننا بأربعمائة دراهم فدفعها من عنده و قال:أما أنّها ليست من مالي و لكن أبو عبد الله عليه السّلام أمرني إذا تنازع رجلان من أصحابي في شيء أن أصلح بينهما و أفتديهما من ماله فهذا من مال أبي عبد الله عليه السّلام (4).

و في كتاب الروضة:دخل سفيان الثوري علي الصادق عليه السّلام فرآه متغيّر اللون فسأله عن ذلك.

فقال:كنت نهيت أن يصعدوا فوق البيت فدخلت فإذا جارية من جواري ممّن تربّي بعض ولدي قد صعدت في سلّم و الصبي معها فلمّا أبصرت بي ارتعدت و تحيّرت و سقط الصبي إلي الأرض فمات، فما تغيّر لوني لموت الصبي و إنّما تغيّر لوني لما أدخلت عليها من الرعب.

فقال لها:أنت حرّة لوجه الله تعالي لا بأس عليك مرّتين (5).

***

دعاء الإمام الصادق عليه السّلام المستجاب

في بعض كتب أصحابنا المتقدّمين و كتب بعض المتأخّرين حديث رووه بأسانيد متعدّدة تنتهي كلّها إلي بشّار المكاري قال:دخلت علي الصادق عليه السّلام الكوفة و قد تقدّم له طبق رطب و هو يأكل فقال:يا بشّار أدن فكل.

ص: 32


1- مناقب آل أبي طالب 4:253،صفة الصفوة 2:171،المجتبي:10.
2- الكافي:61/4 ح 3.
3- الكافي:122/2 ح 7،و البحار:56/47 ح 97.
4- الكافي:209/2 ح 4،و مستند الشيعة:127/17.
5- مناقب آل أبي طالب:395/3.

فقلت:هنأك الله و جعلني فداك.

قالت:أخذتني الغيرة من شيء رأيته في طريقي أوجع قلبي و بلغ منّي فقال لي:بحقّي لما دنوت فأكلت فقال لي:حديثك.

قلت:رأيت جلوازا (1)يضرب رأس امرأة و يسوقها إلي الحبس و هي تنادي بأعلي صوتها المستغاث بالله و رسوله و لا يغيثها أحد.

قال:و لم فعل بها ذلك؟

قال:سمعت الناس يقولون:إنّها عثرت.

فقالت:لعن الله ظالميك يا فاطمة فارتكب منها ما ارتكب.

قال:فقطع الأكل و لم يزل يبكي حتّي ابتلّ منديله و لحيته و صدره بالدموع.

ثمّ قال:يا بشّار قم بنا إلي مسجد السهلة فندعوا الله عزّ و جلّ و نسأله خلاص هذه المرأة، و وجّه بعض الشيعة إلي باب السلطان ليأتي بالخبر فصرنا إلي مسجد السهلة و صلّي كلّ واحد منّا ركعتين ثمّ رفع الصادق عليه السّلام يده إلي السماء و قال:أنت الله...إلخ،فخرّ ساجدا فرفع رأسه ثمّ قال:أطلقت المرأة.فخرجنا ثمّ أتانا الرجل الذي وجّهناه إلي باب السلطان و قال:أطلق عنها لأنّه خرج حاجب السلطان و قال لها:ما الذي تكلّمت؟

قالت:عثرت.

فقلت:لعن الله ظالميك يا فاطمة ففعل بي ما فعل.

قال:فأخرج مائتي درهم و قال:خذي هذه و اجعلي الأمير في حلّ فأبت أن تأخذهما،فلمّا رأي ذلك منها قال:إنصرفي إلي بيتك فانصرفت.و قال:إذهب أنت بهذه إلي منزلها فأقرئها منّي السلام و ادفع إليها هذه الدنانير فذهبنا فأقرأناها السلام فقالت:بالله أقرأني جعفر بن محمّد السلام.

فقلت لها:و الله نعم.فشقّت جيبها و وقعت مغشيّة عليها فصبرنا حتّي أفاقت و قالت:أعدها عليّ فأعدناها عليها حتّي فعلت ذلك ثلاثا.ثمّ قلنا لها خذي ما أرسل إليك فأخذته منّا و قالت:

سلوه أن يستوهب أمته من الله فما أعرف أحدا أتوسّل به إلي الله أكثر منه و من آبائه و أجداده عليهم السّلام.

قال:فرجعنا إلي أبي عبد الله عليه السّلام فجعلنا نحدّثه بما كان منها فجعل يبكي و يدعو لها ثمّ قلت:ليت شعري متي أري فرج آل محمّد عليهم السّلام؟

قال:يا بشّار إذا توفّي وليّ الله و هو الرابع من ولدي في أشدّ البقاع بين أشرار العباد فعندة.

ص: 33


1- الجلواز:أعوان الظلمة.

ذلك يصل إلي ولد بني فلان مصيبة سوداء فإذا رأيت ذلك التقت حلقة البطان و لا مردّ لأمر الله (1).

و في الخرائج،روي أنّ حمّاد بن عيسي سأل الصادق عليه السّلام أن يدعو الله ليرزقه ما يحجّ به كثيرا و أن يرزقه ضياعا حسنة و دارا حسناء و زوجة من أهل البيوتات صالحة و أولادا أبرارا، فقال عليه السّلام:اللّهم ارزق حمّاد بن عيسي ما يحجّ به خمسين حجّة و ارزقه ضياعا و دارا حسناء و زوجة صالحة من قوم كرام و أولادا أبرارا.

قال بعض من حضره:دخلت علي حمّاد بن عيسي بعد سنين في داره بالبصرة فقال لي؛أتذكر دعاء الصادق عليه السّلام لي؟

قلت:نعم.

قال:هذه داري ليس في البلد مثلها و ضياعي أحسن الضياع و زوجتي تعرفها من كرام الناس و أولادي تعرفهم و قد حججت ثمانيا و أربعين حجّة.

قال:فحجّ حمّاد بعد ذلك حجّتين فلمّا حجّ في الحادية و الخمسين و وصل إلي الجحفة و أراد أن يحرم دخل واديا ليغتسل فأخذه السيل و مرّ به فتبعه غلمانه فأخرجوه من الماء ميّتا فسمّي حمّاد غريق الجحفة.

و قال الليث بن سعد:حججت سنة ثلاث عشرة و مائة فأتيت مكة،فلما أن صليت العصر رقيت أبا قبيس،و إذا برجل و هو يدعو.

فقال:يا رب يا رب حتي انقطع نفسه.

ثم قال:يا رب يا رب حتي انقطع نفسه،ثم قال:يا الله يا الله حتي انقطع نفسه.

ثم قال:يا حيّ ي احيّ حتي انقطع نفسه.

ثم قال:يا رحيم ي ارحيم حتي انقطع نفسه.

ثم قال:يا أرحم الراحمين حتي انقطع نفسه ثم قال:يا حيّ يا حيّ حتي انقطع نفسه.

ثم قال:يا الله يا الله يا الله سبع مرات،ثم قال:الّلهم إنّي أشتهي من هذا العنب فأطعمنيه، الّلهم و إنّ برديّ قد أخلقا.

قال الليث:فو الله ما استتم كلامه حتي نظرت إلي سلّة مملوءة عنبا و ليس علي الأرض يومئذ عنب و بردين جديدين موضوعين،فأراد أن يأكل فقلت:أنا شريكك.

فقال لي:و لم؟

فقلت:لأنك كنت تدعو و أنا أؤمن.2.

ص: 34


1- البحار:443/97 ح 12.

فقال لي:تقدم فكل،و لا تخبئ شيئا.

فتقدّمت فأكلت شيئا لم آكل مثله قط،و إذا عنب لا عجم له،فأكلت حتي شبعت و السلّة لم تنقص.

ثم قال لي:خذ أحب البردين إليك.

فقلت:أمّا البردان فأنا غني عنهما.

فقال لي:توار عني حتي ألبسهما.

فتواريت عنه فإتزر بالواحد و إرتدي بالآخر،ثم أخذ البردين اللذين كانا عليه فجعلهما علي يده،و نزل فاتبعته حتي إذا كان بالمسعي لقيه رجل فقال:إكسني كساك الله يابن رسول الله.

فدفعهما إليه.

فلحقت الرجل فقلت:من هذا؟

فقال:هذا جعفر بن محمد.

قال الليث:فطلبته لأسمع منه فلم أجده (1).

***

رحمة الإمام الصادق عليه السّلام بعبيده

الكافي،عن حفص قال:بعث أبو عبد الله عليه السّلام غلاما له في حاجة فأبطأ فخرج عليه السّلام في أثره فوجده نائما فجلس عند رأسه يروحه حتّي انتبه فقال له:يا فلان و الله ما ذلك لك تنام الليل و النهار،لك الليل و لنا منك النهار (2).

***

عطف الإمام الصادق عليه السّلام علي شيعته

الكافي عن جعفر البجلي:قال:شكوت إلي أبي عبد الله حالي فقال لي:إذا قدمت الكوفة فبع وسادة من بيتك بعشرة دراهم و ادع إخوانك و أعدّ لهم طعاما و سلهم يدعون الله لك.

قال:ففعلت و ما أمكنني ذلك حتي بعت وسادة و اتّخذت طعاما كما أمرني و سألتهم أن يدعوا

ص: 35


1- مناقب آل أبي طالب 4:253،صفة الصفوة 2:171،و المجتبي:10.
2- الكافي:112/2 ح 7.

الله تعالي،فو الله ما مكثت إلاّ قليلا حتي أتاني غريم لي و صالحني من مال كثير كنت أحسبه نحوا من عشرة آلاف درهم قال:ثمّ أقبلت الأشياء إليّ (1).

و عن سعيد الجعفي قال:خرجت إلي مكّة و أنا من أشدّ الناس حالا فشكوت إلي أبي عبد الله عليه السّلام فلمّا خرجت من عنده وجدت علي بابه كيسا فيه سبعمائة دينار فرجعت إليه فأخبرته فقال:يا سعيد إتّق الله و عرفه في المشاهد،و كنت رجوت أن يرخص لي فخرجت و أنا مغتمّ فأتيت مني و تنحّيت عن الناس في بيت بعيد.

ثمّ قلت:من يعرف الكيس فأوّل صوت صوته إذا رجل علي رأسي يقول:أنا صاحب الكيس، فقلت في نفسي:أنت فلا كنت،و أخبرني بعلامة الكيس فدفعته إليه ثمّ أعطاني سبعين دينارا و قال:

خذها حلالا خير من سبعمائة حراما فأخذتها ثمّ دخلت علي الصادق عليه السّلام فأخبرته كيف تنحّيت و كيف صنعت؟

فقال:أمّا أنّك حين شكوت إليّ أمرنا لك بثلاثين دينارا.يا جارية هاتيها فأخذتها و أنا من أحسن الناس حالا (2).

***

كرم الإمام الصادق عليه السّلام

قال الهياج بن بسطام:كان جعفر بن محمّ يطعم حتي لا يبقي لعياله شيء (3).

و كان يقول عليه السّلام:(لا يتم المعروف إلاّ بثلاثة:تعجيله و تصغيره و ستره) (4).

و سئل عليه السّلام لم حرّم الله الربا فقال عليه السّلام:لئلا يتمانع الناس المعروف (5).

و عن معمر بن خلاّد قال:سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول:إنّ رجلا أتي جعفرا عليه السّلام ناصحا له فقال:يا أبا عبد الله كيف صرت اتّخذت الأموال قطعا متفرّقة و لو كانت في موضع واحد كان أيسر لمنفعتها.

فقال عليه السّلام:اتّخذتها متفرّقة فإن أصاب هذا المال شيء سلم هذا و الصرّة تجمع هذا كلّه (6).

ص: 36


1- الكافي:314/5 ح 42.
2- الكافي:138/5 ح 6،و البحار:385/47.
3- حلية الأولياء 3:194،صفة الصفوة 2:169.
4- حلية الأولياء 3:198،صفة الصفوة 2:169،تهذيب الكمال 5:98،سير اعلام النبلاء 6:263.
5- علل الشرائع 2:236،باب 236،حلية الأولياء 3:194،صفة الصفوة 2:169.
6- الكافي:91/5 ح 1،و وسائل الشيعة:69/17 ح 2.

الفضل بن أبي قرّة قال:كان أبو عبد الله عليه السّلام يبسط رداءه و فيه صرر الدنانير فيقول للرسول اذهب بها إلي فلان و فلان من أهل بيته و قلّ لهم هذه بعث بها إليكم من العراق،فيذهب بها الرسول إليهم فيقول ما قال فيقولون:أمّا أنت فجزاك الله خيرا بصلتك قرابة رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم،و أمّا جعفر فحكم الله بيننا و بينه.

قال:فيخرّ أبو عبد الله عليه السّلام ساجدا و يقول:اللّهم أذلّ رقبتي لولد أبي (1).

مشارق الأنوار:إنّ رجلا سأل الصادق عليه السّلام فقال لعبده ما عندك؟

قال:أربعمائة درهم قال:أعطه إيّاها فأخذها و ولّي شاكرا فقال لعبده:أرجعه،فقال:يا سيّدي سألت فأعطيت فماذا بعد العطاء؟

فقال له:قال رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم:خير الصدقة ما أبقت غني و إنّا لم نغنك فخذ هذا الخاتم فقد أعطيت فيه عشرة آلاف درهم فإذا احتجت فبعه بهذه القيمة (2).

و قال رجل لأبي عبد الله عليه السّلام:جعلت فداك بلغني أنّك تفعل في غلّة عين زياد (3)شيئا و أنا أحبّ أن أسمعه منك.

فقال لي:نعم كنت آمر إذا أدركت الثمرة أن يثلم في حيطانها الثلم ليدخل الناس و يأكلوا، و كنت آمر في كلّ يوم أن يوضع عشرة قداح يقعد علي كلّ قدح عشرة كلّما أكل عشرة جاء عشرة اخري يلقي لكلّ نفس منهم مدّ من رطب،و كنت أمرّ بجيران الضيعة كلّهم الشيخ و العجوز و الصبي و المريض و المرأة و من لا يقدر أن يجيء فيأكل منها لكلّ إنسان منهم مدّ،فإذا كان الجداد وفّيت القوّام و الوكلاء و الرجال أجرتهم و أحمل الباقي إلي المدينة ففرعت في أهل البيوتات و المستحقّين الراحلتين و الثلاثة و الأقلّ و الأكثر علي قدر استحقاقهم و حصل لي بعد ذلك أربعمائة دينار و كان غلّتها أربعة آلاف دينار (4).

و عن مسمع بن عبد الملك قال:كنّا عند أبي عبد الله عليه السّلام بمني و بين أيدينا عنب نأكله فجاء سائل فسأله فأمر له بعنقود فأعطاه فقال السائل:لا حاجة لي في هذا.

قال:يسع الله عليك فذهب ثمّ رجع.

فقال:ردّوا العنقود فقال:يسع الله لك و لم يعطه شيئا ثمّ جاء سائل آخر فأخذ أبو عبد الله عليه السّلام ثلاث حبّات عنب فناولها إيّاه فأخذها السائل من يده ثمّ قال:الحمد لله ربّ العالمين،فقال عليه السّلام:2.

ص: 37


1- البحار:60/47 ح 114.
2- مستدرك الوسائل:178/7 ح 4،و البحار:61/47 ح 116.
3- كذا،و لعله اسم المحل.
4- الحدائق الناظرة:15/12،و الكافي:569/3 ح 2.

مكانك فحثا مل كفّيه عنبا فناولها إياه فأخذها السائل من يده ثمّ قال:الحمد لله ربّ العالمين.

فقال عليه السّلام:مكانك يا غلام أيّ شيء معك من الدراهم فإذا معه نحو عشرين درهما فناولها إيّاه فأخذها.

ثمّ قال:الحمد لله هذا منك وحدك لا شريك لك.

فقال عليه السّلام:مكانك فخلع قميصا كان عليه فقال:إلبس هذا فلبسه فقال:الحمد لله الذي كساني و سترني يا أبا عبد الله جزاك الله خيرا ثمّ انصرف و ذهب قال:فظننا أنّه لو لم يدع له لم يزل يعطيه لأنّه كلّما كان يعطيه حمد الله و أعطاه (1).

و في كتاب الفنون:نام رجل من الحاجّ في المدينة فتوهّم أنّ هميانه سرق فخرج فرأي جعفر الصادق عليه السّلام مصلّيا و لم يعرفه فتعلّق به و قال له:أنت أخذت همياني قال:ما كان فيه؟

قال:ألف دينار فحمله إلي منزله و وزن له ألف دينار و عاد إلي منزله و وجد هميانه فعاد إلي جعفر عليه السّلام معتذرا بالمال فأبي قبوله.

قال:شيء خرج من يدي لا يعود إليّ فسأل الرجل عنه فقيل:هذا جعفر الصادق.

قال:لا جرم هذا فعال مثله (2).

و دخل السلمي علي الصادق عليه السّلام فوجده عليلا فدعا له فأعطاه أربعمائة.و سأله سائل حاجة فقضاها فجعل الرجل يشكر،فقال عليه السّلام،شعر:

إذا ما طلبت خصال الندي و قد عضك الدهر من جهده

فلا تطلبنّ إلي كالح أصاب اليساره من كدّه

و لكن عليك بأهل العلي و من ورث المجد عن جدّه (3)

و عن محمّد بن راشد قال:حضرت عشاء جعفر بن محمّد عليهما السّلام الصيف فأتي بخوان عليه خبز و أتي بجفنة فيها ثريد و لحم يفور فوضع يده فيها فوجدها حارّة ثمّ رفعها و هو يقول:نستجير بالله من النار نعوذ بالله من النار نحن لا نقوي علي هذا فكيف النار،فجعل يكرّر هذا الكلام حتّي أمكنت القصعة فوضع يده فيها و وضعنا أيدينا فأكلنا ثمّ إنّ الخوان رفع فقال عليه السّلام:يا غلام إئتنا بشيء فأتي بتمر في طبق فمددت يدي فإذا هو تمر.

فقلت:أصلحك الله هذا زمان الأعناب و الفاكهة.7.

ص: 38


1- الكافي:49/4 ح 12،و البحار:43/47 ح 56.
2- البحار:24/47.
3- مناقب آل أبي طالب:395/3،و البحار:24/47.

فقال:إنّه تمر.

ثمّ قال:إرفع هذا و أتنا بشيء فأتي بتمر في طبق فمددت يدي.

فقلت:هذا تمر.

فقال عليه السّلام:إنّه طيّب (1).

***

زهد الإمام الصادق عليه السّلام

حمّاد بن عثمان قال:قال رجل للصادق عليه السّلام:ذكرت أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام كان يلبس الخشن و يلبس القميص بأربعة دراهم و ما أشبه ذلك و نري عليك اللباس الجديد فقال:إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر و لو لبس مثل ذلك اليوم شهر به فخير لباس كلّ زمان لباس أهله غير أنّ قائمنا أهل البيت عليهم السّلام إذا قام لبس ثياب عليّ عليه السّلام و سار بسيرة عليّ عليه السّلام (2).

قال السيد الجزائري:جاء في حديث دخول الصوفيّة عليه و اعتراضهم بمثل هذا جوابات كثيرة،منها:إنّ المسلمين في صدر الإسلام كانوا في ضيق من العيش و الآن قد اتّسع الوقت و طابت المعيشة و أحقّ الناس بها الأبرار،و نحن قوم إذا وسّع الله علينا وسّعنا علي أنفسنا و إذا ضيّق علينا ضيّقنا علي أنفسنا.

و منها:إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام كان خليفة و سلطانا و سلك في وقته مثل فقراء رعيّته و نحن إذا جاءنا الأمر كنّا مثله كما ذكره في هذا الحديث من قوله:غير أنّ قائمنا أهل البيت.

و منها:امتثال قوله تعالي: وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ أنّ المراد كما جاء في الحديث التحديث بالفعل بأن يري الله تعالي و يري الخلق آثار نعمة الله سبحانه علي عبده و من أعطاه الله سبحانه نعمة و لم ير من آثارها عليه كان كعبد يشكو من مولاه عدم العطاء و كان عليه السّلام يلبس ثوبا خشنا تحت ثيابه الجديدة و يقول:هذا تواضعا لله تعالي و هذا إظهار النعمة.

و عن محمّد بن الحسين الخزّاز عن أبيه قال:رأيت أبا عبد الله عليه السّلام و عليه قميص غليظ خشن تحت ثيابه و فوقه جبّة صوف و فوقها قميص غليظ فقلت:جعلت فداك إنّ الناس يكرهون لباس الصوف فقال:كلاّ،كان أبي محمّد بن عليّ عليهما السّلام يلبسها و كان عليّ بن الحسين صلوات الله عليه يلبسها و كانوا عليهم السّلام يلبسون أغلظ ثيابهم إذا قاموا إلي الصلاة و نحن نفعل ذلك (3).

ص: 39


1- الكافي:164/8 ح 174،و البحار:38/47 ح 39.
2- الكافي:411/1 ح 4،و البحار:336/40 ح 18.
3- الكافي:450/6 ح 4،و البحار:42/47 ح 55.

و عن أبي عبد الله عليه السّلام قال:دخل عليه بعض أصحابه فرأي عليه قميصا فيه قبّ أي رقعة فجعل ينظر إليه فقال عليه السّلام:ما لك تنظر؟

فقال:قب في قميصك.

فقال عليه السّلام:لا إيمان لمن لا حياء له و لا مال لمن لا تقدير له و لا جديد لمن لا خلق له (1).

و عن عبد الأعلي قال:أكلت مع أبي عبد الله عليه السّلام فدعي و أتي بدجاجة محشوّة و بخبيص فقال أبو عبد الله عليه السّلام:هذه أهديت لفاطمة ثمّ قال:يا جارية ائتينا بطعامنا المعروف،فجاءت بثريد خلّ وزيت (2).

و عن أبي الهياج قال:كان جعفر بن محمّد يطعم حتّي لا يبقي لعياله شيء (3).

***

عبادة الإمام الصادق عليه السّلام

قال الليث بن سعد:حججت سنة ثلاث عشرة و مائة فأتيت مكة،فلما أن صليت العصر رقيت أبا قبيس،و إذا برجل و هو يدعو،فقال:يا رب يا رب حتي إنقطع نفسه،ثم قال:يا رب يا رب حتي انقطع نفسه،ثم قال:يا الله يا الله حتي انقطع نفسه،ثم قال:يا حيّ يا حيّ حتي انقطع نفسه.

ثم قال:يا رحيم يا رحيم حتي انقطع نفسه،ثم قال:يا أرحم الراحمين حتي انقطع نفسه ثم قال:يا حيّ يا حيّ حتي انقطع نفسه،ثم قال:يا الله يا الله سبع مرات،ثم قال:الّلهم إنّي أشتهي من هذا العنب فاطعمنيه،الّلهم و إنّ برديّ قد أخلقا.

قال الليث:فو الله ما استتم كلامه حتي نظرت إلي سلّة مملوءة عنبا و ليس علي الأرض يومئذ عنب و بردين جديدين موضوعين،فأراد أن يأكل فقلت:أنا شريكك.

فقال لي:و لم؟

فقلت:لأنك كنت تدعو و أنا أؤمن.

فقال لي:تقدم فكل،و لا تخبئ شيئا.

فتقدمت فأكلت شيئا لم أكل مثله قط،و إذا عنب لا عجم له،فأكلت حتي شبعت و السلّة لم تنقص،ثم قال لي:خذ أحب البردين إليك.

ص: 40


1- الكافي:317/5 ح 52،و البحار:45/47 ح 63.
2- المحاسن للبرقي:400/2 ح 85.
3- مناقب آل أبي طالب:394/3،و البحار:23/47 ح 26.

فقلت:أما البردان فأنا غني عنهما.

فقال لي:توار عني حتي ألبسهما.

فتواريت عنه فإتزر بالواحد و إرتدي بالآخر،ثم أخذ البردين اللذين كانا عليه فجعلهما علي يده،و نزل فاتبعته حتي إذا كان بالمسعي لقيه رجل فقال:إكسني كساك الله يابن رسول الله.

فدفعهما إليه.

فلحقت الرجل فقلت:من هذا؟

فقال:هذا جعفر بن محمد.

قال الليث:فطلبته لأسمع منه فلم أجده (1).

و عن حمزة بن حمران قال:دخلت علي أبي عبد الله عليه السّلام و هو يصلّي فعددنا له في ركوعه سبحان ربي العظيم و بحمده أربعا و ثلاثين أو ثلاثا و ثلاثين مرّة (2).

و روي أنّه عليه السّلام كان يتلو القرآن في صلاته فغشي عليه فلمّا أفاق سئل ما الذي أوجب هذا؟

فقال:ما زلت أكرّر آيات القرآن حتّي كأنّني سمعتها مشافهة ممّن أنزلها (3).

و روي أنّه عليه السّلام كان يقرأ سورة فاتحة الكتاب في صلاته فلمّا بلغ إيّاك نعبد ما زال يكرّرها حتّي قال بعد ذلك ما زلت أكرّرها حتّي سمعتها من قائلها (4).

و عن ابن أبي يعفور قال:سمعت أبا عبد الله عليه السّلام يقول و هو رافع يده إلي السماء:ربّ لا تكلني إلي نفسي طرفة عين أبدا لا أقلّ من ذلك و لا أكثر و تحدّرت دموعه علي لحيته.

فقال:يابن أبي يعفور إنّ يونس بن متي و كله الله عزّ و جلّ إلي نفسه أقلّ من طرفة عين و أحدث ذلك الذنب،قلت:فبلغ به كفرا؟

قال:لا،و لكن الموت علي تلك الحال هلاك (5).

و في بصائر الدرجات،عن معاوية بن وهب قال:كنت مع أبي عبد الله عليه السّلام بالمدينة و هو راكب حماره فنزل و قد كنّا صرنا إلي السوق فنزل و سجد و أطال السجود و أنا أنتظره ثمّ رفع رأسه فقلت:جعلت فداك رأيتك نزلت فسجدت؟6.

ص: 41


1- مناقب آل أبي طالب 4:253،صفة الصفوة 2:171،المجتبي:10.
2- الكافي:329/3 ح 3،و البحار:50/47 ح 81.
3- مستدرك الوسائل:107/4،ح 4،و البحار:58/47 ح 108.
4- تفسير القرآن الكريم:46/2،و المحجة البيضاء:352/1.
5- الكافي:581/2 ح 15،و البحار:387/14 ح 6.

قال:إنّي ذكرت نعمة الله عليّ،قلت:قرب السوق و الناس يجيئون و يذهبون؟

قال:إنّه لم يرني أحد (1).

و في الكافي عن حفص بن غياث قال:رأيت أبا عبد الله عليه السّلام يتخلّل بساتين الكوفة فانتهي إلي نخلة فتوضّأ عندها ثمّ ركع و سجد فأحصيت في سجوده خمسمائة تسبيحة ثمّ استند إلي النخلة فدعا بدعوات ثمّ قال:يا حفص إنّها و الله النخلة التي قال الله جلّ ذكره لمريم عليها السّلام (2)وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (3).

و في الأمالي،عن محمّد الأزدي قال:سمعت مالك بن أنس فقيه المدينة يقول:كنت أدخل إلي الصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام فيقدّم لي مخدّة و يعرف لي قدرا و كان لا يخلو من أحد ثلاث خصال؛إمّا صائما و إمّا قائما و إمّا ذاكرا،و لقد حججت معه سنة فلمّا استوت به راحلته عند الإحرام كان كلّما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه و كاد أن يخرّ من راحلته فقلت:قل يابن رسول الله و لا بدّ أن تقول.

فقال:يابن أبي عامر كيف أجسر أن أقول لبّيك اللّهم لبّيك و أخشي أن يقول عزّ و جلّ:لا لبّيك و لا سعديك (4).

***

في أن أعمال الناس تعرض علي الصادق عليه السّلام

اشارة

و عن داود الرقي قال:كنت جالسا عند أبي عبد الله عليه السّلام إذ قال لي مبتدئا من قبل نفسه:يا داود لقد عرضت عليّ أعمالكم يوم الخميس فرأيت فيما عرض عليّ من عملك صلتك لابن عمّك فلان فسرني ذلك،إنّي علمت أنّ صلتك له أسرع لفناء عمره و قطع أجله،قال داود:و كان لي ابن عمّ معاندا خبيثا بلغني عنه و عن عياله سوء حال فكتبت له نفقة قبل خروجي إلي مكّة فلمّا صرت بالمدينة خبّرني أبو عبد الله عليه السّلام بذلك (5).

و في بصائر الدرجات عن المفضّل بن عمر قال:حمل إلي أبي عبد الله عليه السّلام مال من خراسان رجلان من أصحابه حتي مرّا بالرّي فدفع إليهما رجل كيسا فيه ألفا درهم،فلمّا قربا من المدينة فقدا

ص: 42


1- وسائل الشيعة:21/7،و البحار:/47ح 19.
2- الكافي:143/8 ح 11،و البحار:208/14 ح 5.
3- سورة مريم:25.
4- أمالي الصدوق:234 ح 3،و البحار:16/47 ح 1.
5- أمالي الطوسي:413 ح 77،و البحار:339/23 ح 12.

الكيس فقال أحدهما:ما نقول لأبي عبد الله عليه السّلام فلمّا دخلا المدينة دخلا عليه بالمال فقال لهما:

أين كيس الرازي فأخبراه بالقصّة فقال لهما:إن رأيتما الكيس تعرفانه؟

قالا:نعم،قال:يا جارية عليّ بكيس كذا و كذا فأخرجت الكيس فقالا:هو ذاك،قال:إنّي احتجت في جوف الليل إلي مال فوجّهت رجلا من الجنّ من شيعتنا فأتاني بهذا الكيس من متاعكما (1).

و عن ابن أبي حمزة قال:خرجت بأبي بصير إلي باب أبي عبد الله عليه السّلام فلمّا دخلنا فإذا سفط بين يديه مفتوح فجعلت أرتعد فكلّما نظر في الصحيفة ازدادت رعدتي فلمّا خرجنا حكيت لأبي بصير فضرب يده علي جبهته و قال:ويحك ألا أخبرتني قبل ذلك و الله الصحيفة التي فيها أسماء الشيعة و لو أخبرتني لسألته أن يريك إسمك فيها (2).

و عن بن سنان قال:كنّا بالمدينة حين بعث داود بن علي إلي المعلي بن خنيس فقتله فجلس أبو عبد الله عليه السّلام في بيته شهرا لم يأته فبعث إليه خمس نفر من الحرس فقال:ائتوني به و إلاّ فبرأسه فدخلوا و نحن نصلّي معه الزوال فقالوا:أجب و إلاّ أمرنا أن نأتيه برأسك،فقال:ما أظنّكم تقتلون ابن رسول الله،قالوا:ما ندري و ما نعرف إلاّ الطاعة،ثمّ لمّا رآهم لا يرجعون رفع يديه فوضعهما علي منكبيه ثمّ بسطهما ثمّ دعا بسبّابته فسمعناه يقول:الساعة الساعة فسمعنا صراخا عاليا فقال لهم:

أما إنّ صاحبكم قد مات و هذا الصراخ عليه فبعثوا رجلا و رجع فقال:قد مات صاحبكم فانصرفوا، فقلت له:جعلنا الله فداك ما حاله؟

قال:قتل مولاي المعلي بن خنيس و بعث إلي الآن ليضرب عنقي فدعوت الله باسمه الأعظم فبعث إليه ملكا بحربة فطعنه في مذاكيره فقتله،فقلت له:فرفع اليدين ما هو؟

قال:الإبتهال،فقلت:فوضع يديك و جمعهما؟

فقال:التضرّع،قلت:فرفع الإصبع؟

قال:البصبصة (3).

و عن الحارث الأزدي قال:قدم رجل من أهل الكوفة إلي خراسان فدعا الناس إلي ولاية جعفر بن محمّد ففرقة أجابت و فرقة ورعت و وقفت فخرج من كلّ فرقة رجل حتّي دخلوا علي أبي عبد الله عليه السّلام و كان المتكلّم منهم الذي ورع و وقف،قد كان مع بعض القوم جارية فخلا بها الرجل و وقع عليها فلمّا تكلّم قال عليه السّلام:أنت من أيّ فرقة؟8.

ص: 43


1- مدينة المعاجز:322/5،و البحار:20/27 ح 10.
2- دلائل الامامة:293 ح 83،و بصائر الدرجات:5/192.
3- جواهر الكلام:370/10،و بصائر الدرجات:238.

قال:أنا من الفرقة التي ورعت و وقفت.

قال:فأين كان ورعك ليلة كذا و كذا؟فارتاب الرجل (1).

و عن أبي عمير الدياري قال:جاء رجل إلي أبي عبد الله عليه السّلام و كان له أخ جارودي فقال له أبو عبد الله عليه السّلام:كيف أخوك؟

قلت:هو مرضي في جميع حالاته إلاّ أنّه لا يقول بكم،قال:و ما يمنعه؟

قلت:يتورّع من ذلك،فقال:إذا رجعت إليه فقل له:أين ورعك ليلة نهر بلخ أن تتورّع.

فرجعت و قلت لأخي ما كانت قصّة ليلة نهر بلخ أن تتورّع من أن تقول بإمامة جعفر عليه السّلام و لا تتورّع من ليلة نهر بلخ.

قال:و من أخبرك؟

قلت:أبو عبد الله عليه السّلام.

فقال:يا أخي كلّمه لا يجوز أن تذكر و الله ما علم به أحد من خلق الله و ذلك إنّي لمّا فرغت من تجارتي و أنا اريد نهر بلخ صحبني رجل معه جارية حسناء حتّي عبرنا نهر بلخ ليلا فذهب مولي الجارية يحصّل لنا شيئا و يقتبس لنا نارا فأخذت الجارية إلي غيضة كانت هناك و واقعتها و انصرفت إلي موضعي ثمّ أتي مولاها و قدمنا العراق و ما علم به أحد ثمّ حججنا من قابل فأدخلته عليه فقال:

نستغفر الله و لا نعود فاستقامت طريقته (2).

***

عرض الأعمال علي محمد و آل محمد صلي الله عليهم

و يشهد بما ذكرنا روايات عرض الأعمال علي محمد و آل محمد:

فعن علي بن موسي الرضا عليه السّلام قال لمن سأله أن يدعو له:«أو لست أفعل؟و الله إن أعمالكم لتعرض علي في كل يوم و ليلة» (3).

و عن أبي عبد الله الصادق عليه السّلام«تعرض الأعمال علي رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم كل صباح».

و في رواية: وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ قال عليه السّلام:«هم الائمة» (4)

ص: 44


1- البحار:73/47 ح 33،و بصائر الدرجات:265 ح 5.
2- بصائر الدرجات:270.
3- اصول الكافي:219/1 عرض الاعمال علي النبي ح 4.
4- أصول الكافي:219/1 عرض الاعمال علي النبي ح 2.1.

و أخرج عبد الرزاق عن رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم:«أنتم تعرضون علي بأسمائكم و سيمائكم» (1).

و أخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي ذر أنه قال:قال رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم:

«عرضت علي أعمال امتي-حسنها و سيئها-فوجدت محاسن أعمالهم» (2).

و أخرج الحارث و البزار عن رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم:«حياتي خير لكم تحدّثون و نحدّث لكم و موتي خير لكم تعرض علي أعمالكم» (3).

*أقول:الروايات في عرض الأعمال كثيرة و في مصادرها مستفيضة (4).

و يؤيد ذلك ما روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام عندما قال:«سلوني قبل أن تفقدوني،سلوني عن طرق السموات،فإني أعرف بها مني بطرق الأرض».

فقام رجل من القوم فقال يا أمير المؤمنين أين جبرائيل هذا الوقت؟

فقال:«دعني أنظر،فنظر إلي فوق و الي الأرض يمنة و يسرة،فقال عليه السّلام:«أنت جبرائيل».

فطار من بين القوم شق سقف المسجد بجناحه،فكبر الناس و قالوا:الله اكبر يا أمير المؤمنين من أين علمت أن هذا جبرائيل.

فقال:«إني لما نظرت إلي السماء بلغ نظري ما فوق العرش و الحجب،و لما نظرت إلي الأرض خرق بصري طبقات الأرض إلي الثري،و لما نظرت يمنة و يسرة رأيت ما خلق و لم أر جبرائيل في هذه المخلوقات،فعلمت أنه هو» (5).

و هذا يدل علي إمكان إحاطة الأمير بالكون بأجمعه في لحظة واحدة.

و قال الإمام الصادق في حق الإمام الكاظم عليهما السّلام:«بلغ ما بلغه ذو القرنين و جازه بأضعاف مضاعفه،فشاهد كل مؤمن و مؤمنة» (6).

***9.

ص: 45


1- المصنف:214/2 ح 3111 عن مجاهد.
2- الأدب المفرد:80 ح 231 باب إماطة الاذي(116).
3- المطالب العالية:22/4 ح 3853.
4- راجع جامع الاصول:648/6 ح 4936،و الرسائل العشرة للسيوطي:198،و السنن الكبري:249/3، و الفردوس بمأثور الخطاب:138/2 ح 2701،و صلح الاخوان:75.
5- لأنوار النعمانية:32/1.
6- الهداية الكبري:270 باب 9.

معاجز الإمام الصادق عليه السّلام

اشارة

في الأمالي،عن سدير الصيرفي قال:رأيت رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم فيما يري النائم و بين يديه طبق مغطّي بمنديل فدنوت منه و سلّمت عليه فردّ عليّ السلام ثمّ كشف المنديل عن الطبق فإذا فيه رطب فجعل يأكل منه فدنوت منه فقلت:يا رسول الله ناولني رطبة فناولني واحدة فأكلتها.

ثمّ قلت:يا رسول الله ناولني اخري فناولنيها فأكلتها و جعلت كلّما أكلت واحدة سألته اخري حتّي أعطاني ثمان رطبات فأكلتها ثمّ طلبت منه اخري فقال:حسبك،فانتبهت من منامي،فلمّا كان من الغد دخلت علي الصادق عليه السّلام و بين يديه طبق مغطّي بمنديل كأنّه الذي رأيته في المنام بين يدي رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام ثمّ كشف عن الطبق فإذا فيه رطب،فجعل يأكل منه فعجبت من ذلك و قلت:جعلت فداك ناولني رطبة فناولني فأكلتها ثمّ طلبت اخري فناولني فأكلتها حتّي أكلت ثماني رطبات ثمّ طلبت اخري.

فقال:لو زادك جدّي رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم لزدناك،فأخبرته الخبر فتبسّم تبسّم عارف بما كان (1).

و عن سليمان بن خالدن عن أبي عبد الله عليه السّلام قال:كان أبو عبد الله البلخي معه فانتهي إلي نخلة خاوية فقال:أيّتها النخلة السامعة المطيعة لربّها أطعمينا ممّا جعل الله فيك،قال:فتساقط علينا رطب مختلف ألوانه فأكلنا حتّي شبعنا فقال البلخي:جعلت فداك سنّه فيكم كسنّة مريم (2).

و عن أبي بصير قال:حججت مع أبي عبد الله عليه السّلام فلمّا كنّا في الطواف قلت:يابن رسول الله يغفر الله لهذا الخلق؟

فقال:يا أبا بصير أكثر من تري قردة و خنازير،فقلت:أرينيهم،فتكلّم بكلمات ثمّ مرّ يده علي بصري فرأيتهم قردة و خنازير فهالني ذلك ثمّ مرّ يده علي بصري فرأيتهم كما كانوا في المرّة الاولي ثمّ قال:يا أبا محمّد أنتم في الجنّة تحبرون و بين أطباق النار تطلبون فلا توجدون و الله لا يجتمع في النار منكم ثلاثة لا و الله و لا إثنان لا و الله و لا واحد (3).

و عن ابن أبي فاختة قال:كنّا عند أبي عبد الله عليه السّلام فقال لنا:خزائن الأرض و مفاتيحها لو شئت أن أقول بإحدي رجلي أخرجي ما فيك من الذهب و قال بإحدي رجليه و خطّها في الأرض فانفجرت الأرض فأخرج سبيكة ذهب قدر شبر فتناولها فقال:أنظروا فيها حتّي لا تشكّوا فنظروا في الأرض فإذا سبائك في الأرض كثيرة بعضها علي بعض تتلألأ فقال له بعضنا:جعلنا فداك أعطيتم كلّ هذا و شيعتكم محتاجون؟

ص: 46


1- مستدرك الوسائل:374/12،و أمالي المفيد:336.
2- دلائل الامامة:268 ح 35،و البحار:76/47 ح 49.
3- بصائر الدرجات:290 ح 4،و البحار:79/47 ح 58.

فقال:إنّ الله سيجمع لنا و لشيعتنا الدّنيا و الآخرة يدخلهم جنان النعيم و يدخل عدوّنا الجحيم (1).

عبد الله بن سنان قال:سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن الكوثر،فقال:حوض ما بين بصري و صنعاء يعني الشام و اليمن،أتحبّ أن تراه؟

قلت:نعم،فأخرجني إلي ظهر المدينة ثمّ ضرب برجله فنظرت إلي نهر يجري لا يدرك حافتيه إلاّ الموضع الذي أنا فيه فإنّه شبيه بالجزيرة يجري جانبه ماء أبيض من الثلج و من جانبه لبن أبيض من الثلج و في وسطه خمر أحسن من الخمر بين الماء و اللّبن،فقلت:من أين يخرج هذا؟

فقال:هذه العيون التي ذكرها الله في كتابه أنهار في الجنّة عين من ماء و عين من لبن و عين من خمر تجري في هذا النهر،و رأيت علي حافّته شجرا فيهنّ حور معلّقات و بأيديهنّ آنية لم ير أحسن منها في الدّنيا،فأومي إلي إحداهنّ لتسقيه فمالت لتغرف من النهر فمالت الشجر معها فاغترفت و ناولته فشرب،ثمّ أومي إليها فاغترفت و ناولته فناولني فشربت و ما رأيت مثله فنظرت في الكأس و إذا فيه ثلاثة ألوان من الشراب.

فقال عليه السّلام:هذا أقلّ ما جعله الله لشيعتنا إنّ المؤمن إذا توفّي صارت روحه إلي هذا النهر ورعت في رياضه و شربت من شرابه،و إنّ عدوّنا إذا توفّي صارت روحه إلي برهوت فأخلدت في عذابه و أطعمت من زقّومه و اسقيت من حميمه فاستعيذوا بالله من ذلك الوادي.

كتاب الإختصاص للمفيد عن أبي بصير قال:كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام و عنده رجل من أهل خراسان و هو يكلّمه بلسان لا أفهمه ثمّ رجع إلي شيء أفهمه فسمعته يقول:أركض برجلك الأرض فإذا نحن بتلك الأرض علي حافّتيها فرسان قد وضعوا رقابهم علي قرابيس سروجهم فقال عليه السّلام:

هؤلاء من أصحاب القائم عليه السّلام.

و عن الحسن بن عطية قال:كان أبو عبد الله عليه السّلام واقفا علي الصفا فقال له عبّاد البصري:أنت قلت:حرمة المؤمن أعظم من حرمة هذه البلية؟

قال:قد قلت ذلك إنّ المؤمن لو قال لهذه الجبال اقبلي أقبلت قال:فنظرت إلي الجبال قد أقبلت فقال لها:قفي علي رسلك إنّي لم أردك (2).

و في الإختصاص و البصائر عن جابر عن أبي عبد الله عليه السّلام قال:سألته عن قول الله عزّ و جلّ:

وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فقال لي:إرفع رأسك فنظرت إلي السماء قد انفجر حتّي خلص بصري إلي نور ساطع حار بصري دونه فقال:هكذا رأي إبراهيم ملكوت5.

ص: 47


1- بصائر الدرجات:394 ح 1،و الكافي:474/1 ح 4.
2- الاختصاص للمفيد:325.

السماوات و الأرض هكذا،ثمّ قال لي:أطرق فأطرقت فقال:إرفع رأسك فإذا السقف علي حاله ثمّ أدخلني بيتا آخر و لبس ثيابا غير ثيابه و قال لي:غمّض بصرك فغضضت طرفي ساعة فقال لي:أنت في الظلمة التي دخلها ذو القرنين،فقال لي:إفتح عينك فإذا أنا في ظلمة لا أبصر فيها شيئا.

فقال:أنت واقف علي عين الحياة التي شرب منها الخضر عليه السّلام و خرجنا من ذلك العالم إلي عالم آخر فرأينا كهيئة عالمنا في بنائه و ساكنه و أهله ثمّ خرجنا إلي عالم ثالث كهيئة الأوّل و الثاني حتّي وردنا خمس عوالم فقال:هذه ملكوت الأرض و لم يرها إبراهيم و إنّما رأي ملكوت السماوات و هو اثنا عشر عالما في كلّ عالم كهيئة ما رأيت كلّما مضي منّا إمام سكن أحد هذه العوالم حتّي يكون آخرهم القائم في عالمنا الذي نحن ساكنوه.

فقال:غضّ بصرك فغمضت بصري فأخذ بيدي فإذا نحن في البيت الذي خرجنا منه فنزع تلك الثياب و لبس التي كانت عليه وعدنا إلي مجلسنا فقلت:جعلت فداك كم مضي من النهار؟

فقال عليه السّلام:«ثلاث ساعات» (1).

البصائر عن أبي بصير قال:كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام فركض برجله الأرض فإذا بحرفيه سفن من فضة فركب و ركبت معه حتي انتهي إلي موضع فيه خيام من فضّة فدخلها ثمّ خرج فقال:رأيت الخيمة التي دخلتها أوّلا؟

فقلت:نعم.

قال:تلك خيمة رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم و الاخري خيمة أمير المؤمنين و الثالثة خيمة فاطمة و الرابعة خيمة الحسن و الخامسة خيمة الحسين و السادسة خيمة عليّ بن الحسين و السابعة خيمة أبي و الثامنة خيمتي و ليس أحد منّا يموت إلاّ و له خيمة يسكن فيها (2).

الخرائج عن جابر قال:كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام فإذا نحن برجل قد أضجع جديا ليذحبه فصاح الجدي فقال عليه السّلام:كم تثمّن هذا الجدي؟

فقال:أربعة دراهم فحلّها من كمه و دفعها إليه و قال:خلّ سبيله.قال:فسرنا فإذا الصقر قد انقضّ علي درّاجة فصاحت فأومي عليه السّلام إلي الصقر بكمه فرجع عن الدراجة،فقلت:لقد رأينا عجبا من أمرك قال:إنّ الجدي لمّا أضجعه الرجل و بصر بي قال:أستجير بالله و بكم أهل البيت ممّا يراد منّي و كذلك قالت الدرّاجة و لو أنّ شيعتنا استقامت لأسمعتكم منطق الطير (3).

و عن محمّد بن مسلم قال:كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام فدخل عليه المعلّي بن خنيس باكيا، قال:و ما يبكيك؟8.

ص: 48


1- بصائر الدرجات:425 ح 4،و الاختصاص:323.
2- البصائر:425.
3- الخرائج و الجرائح:616/2،و البحار:99/47 ح 118.

قال:بالباب قوم يزعمون أنّه ليس لكم علينا فضل و إنّكم و هم شيء واحد.

فدعا بطبق من تمر فأخذ تمرة فشقّها نصفين و أكل التمر و غرس النوي في الأرض فنبتت فحملت بسرا و أخذ منها واحدة فشقّها و أخرج منها رقا و دفعه إلي المعلّي و قال:إقرأ:فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليّ المرتضي الحسن و الحسين و عليّ بن الحسين واحدا واحدا إلي الحسن بن عليّ و ابنه (1).

و روي أنّ إبراهيم المدني قال:خرجت إلي الحجّ و كنت أسير تحت محمل أبي عبد الله عليه السّلام فرآني كثير الإختلاف فقال:أبك بطن؟

قلت:نعم،قال:أكلت البارحة سمكا؟

قلت:نعم،قال:فأتبعتها بتمرات؟

قلت:لا.

قال:أمّا إنّك لو أتبعتها بتمرات ما ضرّك،فسرنا حتّي إذا كان وقت الزوال نزل و توضّأ فإذا هو بجذع نخلة فقال:يا جذع أطعمنا ممّا خلق الله فيك.

قال:رأيت الجذع يهتزّ ثمّ اخضرّ ثمّ أطلع ثمّ اصفرّ فأكل منه و أطعمني كلّ ذلك أسرع من طرفة عين (2).

و روي عن سيفا بني العبّاس قال:لمّا جاء أبو الدوانيق بأبي عبد الله و إسماعيل يعني ابنه أمر بقتلهما و هما في بيت محبوسان فأتي إلي أبي عبد الله عليه السّلام فأخرجه و ضربه بسيفه حتّي قتله ثمّ أخذ إسماعيل ليقتله فقاتله ساعة ثمّ قتله فجاء إليه و قال:قتلتهما أرحتك منهما فلمّا أصبح وجد أبا عبد الله و إسماعيل جالسان فاستأذنا،فقال أبو الدوانيق للرجل:ألست زعمت أنّك قتلتهما؟

قال:بلي أنا أعرفهما كما أعرفك،قال:فاذهب إلي موضع قتلهما،فجاء فإذا جزورين منحورين فبهت و رجع و حكي له فنكس رأسه و قال:لا يسمعن منك هذا أحد فكان كقوله تعالي في عيسي: وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ (3)(4).

و روي أنّ عيسي بن مهران قال:كان رجل من أهل خراسان موسرا و كان محبّا لأهل البيت و كان يحجّ في كلّ سنة و قد قرّر من ماله لأبي عبد الله عليه السّلام ألف دينار و كان تحته ابنة عمّ له مثله في اليسار و الديانة فتجهّزت معه في بعض السنين للحجّ،و حملت لعيال أبي عبد الله عليه السّلام هدايا كثيرة7.

ص: 49


1- الخرائج و الجرائح:625/2 ح 25،و البحار:411/5 ح 146.
2- الخرائج و الجرائح:605/2،و مدينة المعاجز:170/5 ح 129.
3- النساء:157.
4- الثاقب في المناقب:218،الخرائج و الجرائح:626/2 ح 27.

و جعلت ألف دينار في كيس لأبي عبد الله عليه السّلام،فورد علي المدينة و أعلمه عليه السّلام أنّه حجّ بأهله و سأله الإذن لأهله علي أهله عليه السّلام فصارت إليهم و فرّقت عليهم،فلمّا خرجت قال لها زوجها:احضري الألف دينار التي لأبي عبد الله عليه السّلام فقالت:في موضع كذا،فأتي فلم يجدها فاستقرض ألف دينار و رهن حليّ أهله و صار إلي أبي عبد الله عليه السّلام،فقال:وصلت إلينا الألف وجّهنا إليها من أتي بها من شيعتنا من الجنّ فاسترجع الحليّ ممّن رهنه.

ثمّ انصرف إلي منزله فوجد أهله في سكرات الموت فقالوا:أصابها وجع في فؤادها فغمّضها و سجّاها و تقدّم في إحضار الكفن و الكافور و أتي إليه عليه السّلام للصلاة عليها فصلّي عليه السّلام ركعتين و دعا ثمّ قال:إنصرف إلي رحلك فإنّ أهلك لم تمت و ستجدها تأمر و تنهي،فرجع فوجدها كما وصف عليه السّلام.ثمّ خرج يريد مكّة.و خرج أبو عبد الله عليه السّلام للحجّ فبينما المرأة تطوف بالبيت إذ رأت أبا عبد الله عليه السّلام يطوف فقالت لزوجها:من هذا الرجل؟

قال:أبو عبد الله.قالت:هذا و الله الرجل الذي رأيته يشفع لي إلي الله حتّي ردّ روحي إلي جسدي (1).

عليّ بن أبي حمزة قال:خرجت مع الصادق عليه السّلام فجلسنا في بعض الطريق تحت نخلة يابسة فحرّك شفتيه و قال:يا نخلة أطعمينا،فتمايلت إليه و عليها أوراقها و فيها الرطب فأكلنا فإذا نحن بأعرابي يقول:ما رأيت سحرا أعظم من هذا.

فقال عليه السّلام:نحن ورثة الأنبياء ليس فينا ساحر بل ندعوا الله فيجيب فإن أحببت أن أدعو الله فيمسخك كلبا تهتدي إلي منزلك و تدخل عليهم و تبصبص لأهلك.

فقال بجهله:فادع،فصار كلبا في وقته و مضي علي وجهه.

فقال عليه السّلام:إتبعه،فصار إلي منزله فجعل يبصبص لأهله و ولده فأخذوا له عصا فأخرجوه فأخبرت الصادق عليه السّلام فبينما نحن في حديثه إذ أقبل حتّي وقف بين يديه و جعلت دموعه تسيل و تمرّغ في التراب و يعوي فرحمه فدعا الله فعاد أعرابيّا فقال:هل آمنت يا أعرابي؟

قال:نعم ألفا و ألفا (2).

و عن أبي الصامت الحلواني قال:قلت للصادق عليه السّلام:أعطني شيئا ينفي الشكّ عن قلبي، قال عليه السّلام:هات المفتاح الذي في كمّك فناولته فإذا المفتاح أسد فخفت قال:خذ لا تخف فأخذته فعاد مفتاحا كما كان (3).1.

ص: 50


1- الثاقب في المناقب:179،و البحار:103/47.
2- البحار:111/47 ح 147،و الثاقب في المناقب:199.
3- البحار:117/47 ح 154،و الخرائج و الجرائح:306/1.

و في كتاب المناقب عن مأمون الرقّي قال:دخل سهل بن الحسن الخراساني علي الصادق عليه السّلام فقال:أنتم أهل بيت الإمامة ما الذي يمنعك عن حقّك و أنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بالسيف.

فقال:إجلس يا خراساني فقال لجاريته:أسجري التنوّر فسجرته حتتي صار كالجمر و علا لهبه فقال:يا خراساني قم فاجلس في التنوّر.

فقال:يا سيّدي لا تعذّبني بالنار،إعفني،فقال:أعفيتك.فأقبل هارون المكّي و نعله في سبّابته فقال عليه السّلام:إلق النعل و اجلس في التنوّر فجلس في التنوّر فأقبل عليه السّلام يحدّث الخراساني.

ثمّ قال:يا خراساني أنظر ما في التنوّر فنظر فإذا الرجل متربّع فخرج إلينا و سلّم علينا فقال:

كم تجد بخراسان مثل هذا،فقلت:و لا واحدا،فقال:أما إنّا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا (1).

و عن أبي حمزة الثمالي قال:كنت مع أبي عبد الله عليه السّلام بين مكّة و المدينة إذ التفت عن يساره فرأي كلبا أسود فقال:ما لك قبّحك الله ما أشدّ مسارعتك فإذا هو شبيه الطائر فقال:هذا عثم بريد الجنّ مات هشام الساعة و هو يطير ببغاه في كلّ بلد.

و في حديث آخر أنّ رجلا من همدان كان يأتي الصادق عليه السّلام في حجّة كلّ سنة فينزله عليه السّلام في دار من دوره بالمدينة و طال حجّه و نزوله فأعطي أبا عبد الله عليه السّلام عشرة آلاف درهم ليشتري له دارا و خرج إلي الحجّ فلمّا انصرف قال:جعلت فداك اشتريت لي الدار؟

قال:نعم و أتي بصك فيه:بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اشتري جعفر بن محمّد لفلان بن فلان الجبلي اشتري له دارا في الفردوس حدّها الأوّل دار رسول الله و الحدّ الثاني دار أمير المؤمنين و الحدّ الثالث دار الحسن بن عليّ و الرابع دار الحسين بن عليّ،فلمّا قرأ الرجل ذلك قال:قد رضيت جعلني الله فداك.

فقال عليه السّلام:إنّي أخذت ذلك المال ففرّقته في ولد الحسن و الحسين و أرجو أن يتقبّل الله ذلك و يثيبك به الجنّة فانصرف الرجل إلي منزله و كان الصكّ معه ثمّ اعتلّ علّة الموت فلمّا حضرته الوفاة جمع أهله و حلّفهم أن يجعلوا الصكّ معه ففعلوا ذلك فلمّا أصبح القوم غدوا إلي قبره فوجدوا الصّك علي ظهر القبر مكتوب عليه:وفي لي و الله جعفر بن محمّد بما قال (2).

و عن عليّ بن أبي حمزة قال:كان لي صديق من كتّاب بني اميّة فقال لي:استأذن لي علي أبي عبد الله فاستأذنت له فدخل و سلّم و جلس و قال:جعلت فداك إنّي كنت في ديوان هؤلاء القوم7.

ص: 51


1- مدينة المعاجز:115/6،و البحار:123/47 ح 176.
2- مدينة المعاجز:62/6 ح 274،و البحار:134/47.

فأصبت من دنياهم مالا كثيرا أغمضت في مطالبه،فقال أبو عبد الله:لو لا أنّ بني اميّة وجدوا من يكتب لهم و يجبي لهم الفيء و يقاتل عنهم و يشهد جماعتهم لما سلبونا حقّنا.

فقال الفتي:جعلت فداك فهل لي من مخرج منه؟

قال:إن قلت لك تفعل؟

قال:أفعل،قال:أخرج من جميع ما كسبت في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله و من لم تعرفه تصدّقت به و أنا أضمن لك علي الله الجنّة،فأطرق الفتي طويلا فقال:فعلت جعلت فداك،قال ابن أبي حمزة:فرجع الفتي معنا إلي الكوفة فما ترك شيئا إلاّ خرج منه حتّي ثيابه التي كانت علي بدنه فقسّمنا له قسمة و اشترينا له ثيابا و بعثنا له بنفقة فما أتي عليه أشهر قلائل حتّي مرض فكنّا نعوده،فدخلت عليه يوما و هو في السياق ففتح عينيه ثمّ قال:يا علي وفي لي و الله صاحبك،ثمّ مات فولّينا أمره فخرجت حتّي دخلت علي أبي عبد الله عليه السّلام فلمّا نظر إليّ قال:يا عليّ وفينا و الله لصاحبك،فقلت:صدقت جعلت فداك هكذا قال لي و الله عند موته (1).

داود النيلي قال:خرجت مع أبي عبد الله عليه السّلام إلي الحجّ فلمّا كان الظهر قال:إعدل بنا عن الطريق للصلاة،فقلت:إنّها أرض قفر لا ماء فيها،فقال:أسكت فعدلنا و نزلنا فركض الأرض برجله فنبع منها عين ماء فصلّينا فلمّا أردنا المسير إلتفت فإذا بجذع نخل فهزّه فاخضرّ من أسفله إلي أعلاه فأطعمنا إثنين و ثلاثين نوعا من أنواع الرطب ثمّ قال:عد نخرا بإذن الله تعالي فعاد كسيرته الاولي (2).

و في أمالي أبي الفضل قال أبو حازم:قدم إبراهيم بن أدهم الكوفة و أنا معه علي عهد المنصور و قدمها جعفر بن محمّد عليهما السّلام فخرج جعفر يريد الرجوع إلي المدينة فشيّعه العلماء من أهل الكوفة و كان فيهم سفيان الثوري و إبراهيم بن أدهم فتقدّم المشيّعون له فإذا هم بأسد علي الطريق فقال لهم إبراهيم:قفوا حتّي يأتي جعفر فننظر ما يصنع فجاء جعفر عليه السّلام فدنا من الأسد فأخذ بإذنه فنحّاه عن الطريق فقال:أما إنّ الناس لو أطاعوا الله حقّ طاعته لحملوا عليه أثقالهم (3).

و في مشارق الأنوار روي أنّ المنصور العبّاسي دعاه عليه السّلام يوما فركب معه إلي بعض النواحي فجلس المنصور إلي تلّ هناك و هو عليه السّلام إلي جانبه فجاء رجل و همّ أن يسأل المنصور ثمّ أعرض عنه و سأل الصادق عليه السّلام فحثي له من رمل هناك ملء يده ثلاث مرّات و قال له:إذهب و أغل فقال له بعض حاشية المنصور:أعرضت عن الملك و سألت فقيرا لا يملك شيئا؟8.

ص: 52


1- الكافي:106/5 ح 4،و البحار:138/47.
2- مناقب آل أبي طالب:366/3.
3- مدينة المعاجز:120/6 ح 325،و البحار:191/68 ح 58.

فقال الرجل:إنّي سألت من أنا واثق بعطائه فجاء بالتراب إلي بيته فقالت له زوجته:من أعطاك هذا؟

فقال:جعفر و قال لي:أغل.

فقالت:إنّه صادق فاذهب بقليل منه إلي أهل المعرفة فإنّي أشمّ منه رائحة الغني،فأخذ الرجل جزءا و مرّ به إلي بعض اليهود فأعطاه فيه عشرة آلاف درهم و قال:ائتني بباقيه علي هذه القيمة (1).

و في عيون المعجزات للسيّد المرتضي طاب ثراه عن داود الرقي قال:كنّا في منزل أبي عبد الله عليه السّلام و نحن نتذاكر فضائل الأنبياء فقال مجيبا لنا؛ما خلق الله نبيّا إلاّ و محمّد صلي اللّه عليه و آله و سلّم أفضل منه، ثمّ خلع خاتمه و وضعه علي الأرض و تكلّم بشيء فانشقّت الأرض بقدرة الله تعالي فإذا نحن ببحر عجاج في وسطه سفينة خضراء من زبرجدة خضراء في وسطها قبّة من درّة بيضاء حولها دار خضراء مكتوب عليها:لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله عليّ أمير المؤمنين،بشّر القائم فإنّه يقاتل الأعداء و ينصره الله بالملائكة عدد نجوم السماء،ثمّ تكلّم بكلام فقال:أدخلوا القبّة التي في وسط السفينة فدخلناها فإذا فيها أربعة كراسي من ألوان الجواهر فقعد هو علي أحدها و أجلس موسي و إسماعيل كلّ واحد علي كرسيّ.

ثمّ قال للسفينة:سيري بقدرة الله تعالي،فسارت في بحر عجاج بين جبال الدرّ و الياقوت ثمّ أدخل يده في البحر و أخرج دررا و ياقوتا و قال:يا داود إن كنت تريد الدّنيا فخذ حاجتك،فقلت:لا حاجة لي في الدّنيا فرمي به في البحر و سارت السفينة حتّي انتهينا إلي جزيرة عظيمة و إذا فيها قباب من الدرّ الأبيض مفروشة بالسندس و الإستبرق محفوفة بالملائكة فأقرّوا له بالولاية،فقلت:لمن هذه القباب؟

قال:للأئمّة من ذرّية محمّد صلي اللّه عليه و آله و سلّم كان إذا قبض إمام صار إلي هذا الموضع إلي الوقت المعلوم،ثمّ قال:قوموا بنا فقمنا و وقفنا بباب إحدي القباب المزيّنة و هي أجلّها و أعظمها و سلّمنا علي أمير المؤمنين عليه السّلام و هو قاعد فيها ثمّ عدل بنا إلي قبّة اخري فسلّمنا علي الحسن بن عليّ عليهما السّلام و عدلنا إلي قبّة بإزائها فسلّمنا علي الحسين بن عليّ عليهما السّلام ثمّ علي عليّ بن الحسين ثمّ علي محمّد بن عليّ ثمّ عدل إلي بيته بالجزيرة و إذا فيها قبّة عظيمة من درّة بيضاء مزيّنة بفنون الفرش و الستور و إذا فيها سرير من ذهب مرصّع بأنواع الجواهر،فقلت:يا مولاي لمن هذه القبّة؟

فقال:للقائم منّا أهل البيت صاحب الزمان عليه السّلام ثمّ تكلّم بشيء فإذا نحن فوق الأرض بالمدينة في منزله عليه السّلام و أخرج خاتمه و ختم الأرض بين يديه فلم أر فيها صدعا (2).7.

ص: 53


1- البحار:156/47 ح 219.
2- مدينة المعاجز:306/5 ح 55،و البحار:160/47.

المعجزة الكبري

و فيه عن أبي الصلت الهروي عن الرّضا عليه السّلام قال:قال لي أبي موسي عليه السّلام:كنت جالسا عند أبي إذ دخل عليه بعض أوليائنا فقال:في الباب ركب كثير يريدون الدخول عليك.

فقال لي:أنظر،فإذا جمال كثيرة عليها صناديق و رجل ركب فرسا فقال:أنا رجل من الهند أردت الإمام جعفر بن محمّد فأعلمت والدي بذلك،فقال:لا تأذن للخائن فلم يدخل مدة حول حتّي تشفّع له يزيد بن سليمان و محمّد بن سليمان فدخل و جثا بين يديه فقال:أنا رجل من الهند من قبل ملكها بعثني إليك بكتاب مختوم و كنت بالباب حولا لم تأذن لي فما ذنبي؟هكذا يفعل أولاد الأنبياء؟

فقال:و لتعلمنّ نبأه بعد حين.

قال موسي عليه السّلام:فأمرني أبي بأخذ الكتاب و فكّه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم إلي جعفر بن محمّد الطاهر من كلّ نجس من ملك الهند؛أمّا بعد فقد هداني الله علي يديك و أنّه أهدي إلي جارية لم أر أحسن منها و لم أجد أحدا يستأهلها غيرك فبعثتها إليك مع شيء من الحليّ و الجوهر و الطيب ثمّ جمعت وزرائي فاخترت منهم ألف رجل يصلحون للأمانة و اخترت من الألف مائة و من المائة عشرة و اخترت من العشرة واحدا و هو ميزاب بن حبّاب لم أر أوثق منه فبعثت علي يده هذه.

فقال جعفر عليه السّلام:إرجع أيّها الخائن فما أقبلها لأنّك خنت فيها فحلف أنّه ما خان.

فقال عليه السّلام:إن شهد بعض ثيابك بما خنت تشهد أن لا إله إلاّ الله و أنّ محمّدا رسول الله؟

قال:أوتعفيني من ذلك؟

قال:اكتب إلي صاحبك بما فعلت.

قال الهندي:إن علمت شيئا فاكتب،فكان عليه فروة فأمره بخلعها فقام و ركع ركعتين ثمّ سجد و دعا الله تعالي بأن يأذن لفرو الهندي أن ينطق بفعله بلسان عربيّ مبين ثمّ قال:أيّها الفرو تكلّم بما تعلم من الهندي،فانقبضت الفرو و صارت كالكبش و قالت:يابن رسول الله ائتمنه الملك علي هذه الجارية و ما معها حتّي إذا صرنا إلي بعض الصحاري أصابنا المطر و ابتلّ جميع ما معنا ثمّ طلعت الشمس فنادي خادما كان مع الجارية يخدمها يقال به بشر فقال له:لو دخلت هذه المدينة فأتيتنا بما فيها من الطعام،فلمّا مضي أمر ميزاب هذه الجارية أن تخرج من قبّتها إلي مضرب ضرب في الشمس فخرجت و كشفت عن ساقيها إذ كان في الأرض وحل فنظر هذا الخائن إليها فراودها عن نفسها فأجابته و فجر بها و خانك فخرّ الهندي فقال:إرحمني فقد أخطأت و أقرّ بذلك ثمّ صارت فروة كما كانت و أمره أن يلبسها،فلمّا لبسها انضمّت في حلقه و خنقته حتّي اسودّ وجهه فقال عليه السّلام:أيّها الفرو خلّ عنه حتّي يرجع إلي صاحبه فيكون هو أولي به منّا فانحلّ الفرو و قال الهندي:الله الله فيّ فإنّك إن رددت الهدية خشيت أن ينكر ذلك عليّ.

ص: 54

فقال:أسلم أعطك الجارية فأبي فقبل الهدية وردّ الجارية فلمّا رجع الجواب إلي أبي بعد أشهر فيه مكتوب:بسم الله الرحمن الرحيم إلي جعفر بن محمّد الإمام من ملك الهند؛أمّا بعد فقد أهديت إليك جارية فقبلت منّي ما لا قيمة له و رددت الجارية فأنكر ذلك قلبي و علمت أنّ الأنبياء و أولاد الأنبياء معهم فراسة فنظرت إلي الرسول بعين الخيانة فاخترعت كتابا و أعلمته أنّه أتاني منك الخيانة و حلفت أنّه لا ينجيه إلاّ الصدق فأقرّ بما فعل و أقرّت الجارية و أخبرت بما كان من الفروة فتعجّبت من ذلك و ضربت عنقيهما و أنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له و أنّ محمّدا عبده و رسوله و اعلم أنّي في أثر الكتاب فترك ملك الهند و أسلم و حسن إسلامه (1).

***

قدرة الإمام الصادق عليه السّلام

عن يونس بن ظبيان و مفضّل بن عمر و أبي سلمة السرّاج و الحسين بن ثوير بن أبي فاختة قالوا:

كنّا عند أبي عبد الله عليه السّلام فقال:«عندنا خزائن الأرض و مفاتيحها و لو شئت أن أقول بإحدي رجليّ أخرجي ما فيك من الذّهب لأخرجت».

قال:ثمّ قال بإحدي رجليه فخطّها في الأرض خطّا فانفجرت الأرض ثمّ قال بيده،فأخرج سبيكة ذهب قدر شبر ثمّ قال:«أنظروا حسنا»،فنظرنا فإذا سبائك كثيرة بعضها علي بعض يتلألأ فقال له بعضنا:جعلت فداك اعطيتم ما اعطيتم و شيعتكم محتاجون؟

قال:فقال:«إنّ الله سيجمع لنا و لشيعتنا الدّنيا و الآخرة و يدخلهم جنّات النعيم و يدخل عدوّنا الجحيم» (2).

***

إحياء الصادق عليه السّلام للأموات

الكافي عن جميل بن درّاج قال:كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام فدخلت عليه امرأة فذكرت أنّها تركت ابنها بالملحفة علي وجهه ميّتا.

قال عليه السّلام لها:لعلّه لم يمت فقومي فاذهبي إلي بيتك فاغتسلي و صلّي ركعتين و ادعي و قولي:يا من وهبه لي و لم يك شيئا جدّد لي هبته ثمّ حرّكيه و لا تخبري بذلك أحدا قال:ففعلت فجاءت فحرّكته فإذا هو قد بكي (3).

ص: 55


1- مدينة المعاجز:400/5،و البحار:114/47 ح 150.
2- بصائر الدرجات:394 ح 1،و الكافي:474/1 ح 4.
3- الكافي:479/3 ح 11،و بصائر الدرجات:292 ح 1.

و عن داود الرقي قال:حجّ رجل من أصحابنا فدخل علي أبي عبد الله عليه السّلام فقال:فداك أبي و امّي إنّ أهلي قد توفّيت و بقيت وحيدا،فقال عليه السّلام:أفكنت تحبّها؟

قال:نعم،قال:إرجع إلي منزلك فإنّك سترجع إلي المنزل و هي تأكل،فلمّا رجعت من حجّتي و دخلت منزلي رأيتها و بين يديها طبق عليه تمر و زبيب و هي تأكل (1).

و روي أنّ عيسي بن مهران قال:كان رجل من أهل خراسان موسرا و كان محبّا لأهل البيت و كان يحجّ في كلّ سنة و قد قرّر من ماله لأبي عبد الله عليه السّلام ألف دينار و كان تحته ابنة عمّ له مثله في اليسار و الديانة فتجهّزت معه في بعض السنين للحجّ و حملت لعيال أبي عبد الله عليه السّلام هدايا كثيرة و جعلت ألف دينار في كيس لأبي عبد الله عليه السّلام فورد علي المدينة و أعلمه عليه السّلام أنّه حجّ بأهله و سأله الإذن لأهله علي أهله عليه السّلام فصارت إليهم و فرّقت عليهم،فلمّا خرجت قال لها زوجها:أحضري الألف دينار التي لأبي عبد الله عليه السّلام فقالت:في موضع كذا،فأتي فلم يجدها فاستقرض ألف دينار و رهن حليّ أهله و صار إلي أبي عبد الله عليه السّلام فقال:وصلت إلينا الألف وجّهنا إليها من أتي بها من شيعتنا من الجنّ فاسترجع الحليّ ممّن رهنه.

ثمّ انصرف إلي منزله فوجد أهله في سكرات الموت فقالوا:أصابها وجع في فؤادها فغمّضها و سجّاها و تقدّم في إحضار الكفن و الكافور و أتي إليه عليه السّلام للصلاة عليها فصلّي عليه السّلام ركعتين و دعا ثمّ قال:إنصرف إلي رحلك فإنّ أهلك لم تمت و ستجدها تأمر و تنهي،فرجع فوجدها كما وصف عليه السّلام ثمّ خرج يريد مكّة و خرج أبو عبد الله عليه السّلام للحجّ فبينما المرأة تطوف بالبيت إذا رأت أبا عبد الله عليه السّلام يطوف فقالت لزوجها:من هذا الرجل؟

قال:أبو عبد الله قالت:هذا و الله الرجل الذي رأيته يشفع لي إلي الله حتّي ردّ روحي إلي جسدي (2).

و روي أنّ داود الرقّي قال:كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام إذ دخل شاب يبكي و يقول:إنّي نذرت علي أن أحجّ بأهلي،فلمّا أن دخلت المدينة ماتت قال:إذهب فإنّها لم تمت فخرج و رجع ضاحكا قال:دخلت عليها و هي جالسة قال:يا داود أو لم تؤمن؟

قال:بلي و ليطمئن قلبي (3).

و في الخرائج،عن الفضل بن عمر قال:كنت أمشي مع الصادق عليه السّلام بمكّة أو مني إذ مررنا بامرأة بين يديها بقرة ميّتة و هي مع صبيّة لها تبكيان فقال عليه السّلام:ما شأنك؟7.

ص: 56


1- دلائل الامامة:279 ح 51،و مدينة المعاجز:371/5 ح 151.
2- الثاقب في المناقب:180 ح 8،و مدينة المعاجز:388/5.
3- البحار:104/47.

قالت:و كنت و صبيتي نعيش من هذه البقرة و قد ماتت،قال:أفتحبّين أن يحييها الله لك؟

قالت:أو تسخر منّي مع مصيبتي؟

قال:ما أردت ذلك ثمّ دعا بدعاء ثمّ ركضها برجله و صاح بها فقامت البقرة مسرعة سويّة فقال:عيسي ابن مريم و ربّ الكعبة فدخل الصادق بين الناس فلم تعرفه المرأة (1).

و عن محمّد بن راشد عن جدّه قال:قصدت إلي جعفر بن محمّد عليهما السّلام أسأله عن مسألة فقالوا في جنازة الحميري فمضيت إلي المقابر و قلت له:أنت إمام هذا الزمان؟

قال:نعم.

قلت:فدليل أو علامة.

قال:سلني عمّا شئت أخبرك إن شاء الله،قال:إنّي أصبت بأخ لي قد دفنته في هذه المقابر فأحيه لي بإذن الله تعالي قال:ما أنت بأهل لذلك و لكن أخوك كان مؤمنا و كان عندنا اسمه أحمد ثمّ دنا من قبره فانشقّ عنه قبره و خرج إليّ و هو يقول:يا أخي إتبعه و لا تفارقه ثمّ عاد إلي قبره و استحلفني علي أن لا أخبر أحدا (2).

***

إحياء الطيور الأربعة

و في الخرائج أيضا عن يونس بن ظبيان قال:كنت عند الصادق عليه السّلام مع جماعة فقلت:قول الله لإبراهيم: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ أ كانت أربعة من أجناس مختلفة أو من جنس؟

قال:تحبّون أن أريكم مثله؟

قلنا:بلي،قال:يا طاووس فإذا طاووس طار إلي حضرته ثمّ قال:يا غراب فإذا غراب بين يديه ثمّ قال:يا بازي فإذا بازي بين يديه ثمّ قال:يا حمامة فإذا حمامة بين يديه ثمّ أمر بذبحها كلّها و بتقطيعها و نتف ريشها و أن يخلط ذلك كلّه بعضه ببعض ثمّ أخذ برأس الطاووس فرأينا لحمه و عظامه و ريشه يتميّز من غيرها حتّي ألصق ذلك كلّه برأسه و قام الطاووس بين يديه حيّا ثمّ صاح بالغراب كذلك و بالبازي و الحمامة كذلك فقامت كلّها أحياء بين يديه (3).

***

ص: 57


1- الخرائج و الجرائح:294/1 ح 1،و مدينة المعاجز:394/5 ح 154.
2- الخرائج و الجرائح:743/2 ح 60،و البحار:118/47 ح 160.
3- الخرائج و الجرائح:297/1 ح 4:و البحار:111/47 ح 148.

علم الإمام الصادق عليه السّلام باللغات

و عن محمّد بن أحمد قال:دخل قوم من أهل خراسان علي أبي عبد الله عليه السّلام فقال:ابتدأ من جمع مالا من مهاوش أذهبه الله في نهابر.

فقالوا:جعلنا فداك لا نفهم هذا الكلام.

فقال عليه السّلام:هر مال كه از باد ايد بدم شود.

المهاوش ما غصب و سرق و النهاير المهالك،و حاصل المعني كلّ مال حصل ظلما و تعدّيا يذهب من غير فائدة ينتفع بها منه كما هو واقع في التجارب (1).

***

معرفة الإمام الصادق عليه السّلام لغة الطيور و الحيوانات

و عن فضيل عن أبي عبد الله عليه السّلام قال:كنت قاعدا عنده إذ نظرت إلي زوج حمام عنده فهدر الذكر علي الانثي فقال لي:أتدري ما يقول؟

قلت:لا.

قال:يقول يا سكني و عرسي ما خلق أحبّ إليّ منك إلاّ أن يكون مولاي جعفر بن محمّد عليهما السّلام (2).

سليمان بن خالد قال:كنّا عند أبي عبد الله عليه السّلام فإذا بظبي يثغو و يحرّك ذنبه.

فقال عليه السّلام:أفعل إن شاء الله تعالي.

فقال عليه السّلام:يقول الظبي إنّ بعض أهل المدينة نصب شبكة لانثاه فأخذها و لها خشفان لم يقويا للرعي فيسألني أن أسألهم أن يطلقوها و ضمن لي إنّها إذا أرضعت خشفيها حتّي يقويا أن يردّها عليهم فاستحلفته فقال:برئت من ولايتكم أهل البيت إن لم أف و أنا فاعل به ذلك إن شاء الله.

فقال البلخي:سنّة فيكم كسنّة عيسي ابن مريم عليهما السّلام (3).

و عن العلاء بن سيابة قال:جاء رجل إلي أبي عبد الله عليه السّلام و هو يصلّي فجاء هدهد حتّي وقع عند رأسه حتّي فرغ فقال:جاءني الهدهد فشكي إلي حيّة تأكل فراخه فدعوت الله عليها فأماتها، قلت:يا مولاي إنّي لا يعيش لي ولد.

ص: 58


1- مناقب آل أبي طالب:347/3،و البحار:84/47 ح 77.
2- دلائل الامامة:283 ح 65،و بصائر الدرجات:362 ح 4.
3- بصائر الدرجات:274 ح 5،و الخرائج و الجرائح:718/2 ح 20.

قال:هذا ليس من ذلك الجنس و لكن إذا رجعت إلي منزلك فإنّه تدخل كلبة إليك فتريد امرأتك أن تطعمها فقل للكلبة:إنّ أبا عبد الله أمرني أن أقول:أميطي عنّا لعنك الله فإنّه يعيش ولدك إن شاء الله فعاش أولادي و خلّفت غلمانا ثلاثة (1).

و عنه عليه السّلام قال:يقول الورشان لأهل ذلك البيت قدّستم قدّستم (2).

***

رسالة الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام

محمّد بن يعقوب الكليني،قال:حدّثني علي بن ابراهيم،عن أبيه،عن ابن فضال،عن حفص المؤذن،عن أبي عبد الله عليه السّلام و عن محمّد بن اسماعيل بن بزيع،عن محمّد بن سنان،عن اسماعيل بن جابر،عن أبي عبد الله عليه السّلام انّه كتب بهذه الرسالة إلي أصحابه و أمرهم بمدارستها و النظر فيها و تعاهدها و العمل بها فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها.

قال:و حدثني الحسن بن محمّد،عن جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي،عن القاسم بن الربيع الصحّاف،عن اسماعيل بن مخلّد السّراج،عن أبي عبد الله عليه السّلام قال:خرجت هذه الرسالة من أبي عبد الله عليه السّلام إلي أصحابه:

بسم الله الرحمن الرحيم أمّا بعد فاسألوا ربكم العافية و عليكم بالدعة و الوقار و السكينة و عليكم بالحياء و التنزه عمّا تنزه عنه الصالحون قبلكم و عليكم بمجاملة أهل الباطل،تحمّلوا الضيم منهم و إيّاكم و مماظّتهم،دينوا فيما بينكم و بينهم إذا أنتم جالستموهم و خالطتموهم و نازعتموهم الكلام فانّه لا بدّ لكم من مجالستهم و مخالطتهم و منازعتهم الكلام بالتقية التي أمركم الله أن تأخذوا بها فيما بينكم و بينهم،فإذا ابتليتم بذلك منهم فإنهم سيؤذونكم و تعرفون في وجوههم المنكر و لو لا انّ الله تعالي يدفعهم عنكم لسطوا عليكم و ما في صدورهم من العداوة و البغضاء أكثر مما يبدون لكم،مجالسكم و مجالسهم واحدة و أرواحكم و أرواحهم مختلفة لا تأتلف،لا تحبّونهم أبدا و لا يحبّونكم غير أنّ الله تعالي أكرمكم بالحق و بصّركموه و لم يجعلهم من أهله فتجاملونهم و تصبرون عليهم و هم لا مجاملة لهم و لا صبر لهم علي شيء و حيلهم وسواس بعضهم إلي بعض فإنّ أعداء الله إن استطاعوا صدّوكم عن الحق فيعصمكم الله من ذلك فاتّقوا الله و كفوا ألسنتكم إلاّ من خير.

و إيّاكم أن تزلقوا ألسنتكم بقول الزور و البهتان و الإثم و العدوان فإنكم إن كففتم ألسنتكم عمّا

ص: 59


1- الخرائج و الجرائح:644/2 ح 51،و البحار:109/47 ح 141.
2- مناقب آل أبي طالب:346/3،و البحار:125/47.

يكرهه الله مما نهاكم عنه كان خيرا لكم عند ربكم من أن تزلقوا ألسنتكم به فإنّ زلق اللسان فيما يكره الله و ما ينهي عنه مرادة للعبد عند الله و مقت من الله و صمّ و عمي و بكم يورثه الله إيّاه يوم القيامة فتصيروا كما قال الله صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (1)يعني لا ينطقون و لا يؤذن لهم فيعتذرون.

و إيّاكم و ما نهاكم الله عنه أن تركبوه و عليكم بالصمت إلاّ فيما ينفعكم الله به من أمر آخرتكم و يأجركم عليه و أكثروا من التهليل و التقديس و التسبيح و الثناء علي الله و التضرع إليه و الرغبة فيما عنده من الخير الذي لا يقدر قدره و لا يبلغ كنهه أحد،فأشغلوا ألسنتكم بذلك عمّا نهي الله عنه من أقاويل الباطل التي تعقب أهلها خلودا في النار من مات عليها و لم يتب إلي الله و لم ينزع عنها،و عليكم بالدعاء فإنّ المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء و الرغبة إليه و التضرع إلي الله و المسألة له فارغبوا فيما رغبكم الله فيه و أجيبوا الله إلي ما دعاكم إليه لتفلحوا و تنجوا من عذاب الله و إيّاكم أن تشره أنفسكم إلي شيء ممّا حرم الله عليكم فإنّه من انتهك ما حرّم الله عليه ههنا في الدنيا حال الله بينه و بين الجنة و نعيمها و لذتها و كرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنة أبد الآبدين.

و اعلموا أنّه بئس الحظ الخطر لمن خاطر الله بترك طاعة الله و ركوب معصيته فاختار أن ينتهك محارم الله في لذات دنيا منقطعة زائلة عن أهلها علي خلود نعيم في الجنة و لذاتها و كرامة أهلها، ويل لأولئك ما أخيب حظهم و أخسر كرّتهم و أسوأ حالهم عند ربّهم يوم القيامة،إستجيروا الله أن يجيركم في مثالهم أبدا و أن يبتليكم بما ابتلاهم به و لا قوّة لنا و لكم إلاّ به فاتقوا الله أيتها العصابة الناجية إن أتمّ الله لكم ما أعطاكم به فانّه لا يتم الأمر حتّي يدخل عليكم مثل الذي دخل علي الصالحين قبلكم و حتي تبتلوا في أنفسكم و أموالكم و حتّي تسمعوا من أعداء الله أذي كثيرا فتصبروا و تعركوا بجنوبكم و حتي يستذلوكم و يبغضوكم و حتي يحملوا عليكم الضيم فتحملوا منهم تلتمسون بذلك وجه الله و الدار الآخرة و حتي تكظموا الغيظ الشديد في الأذي في الله يجترمونه إليكم،و حتي يكذبوكم بالحق و يعادوكم فيه و يبغضوكم عليه فتصبّروا علي ذلك منهم و مصداق ذلك كلّه في كتاب الله الذي أنزله جبرئيل عليه السّلام علي نبيكم صلي اللّه عليه و آله و سلّم سمعتم قول الله تعالي لنبيكم صلي اللّه عليه و آله و سلّم فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ لا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ (2).

ثمّ قال: وَ لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلي ما كُذِّبُوا وَ أُوذُوا (3)فقد كذب نبي الله و الرسل من قبله و اوذوا مع التكذيب بالحق فإن سركم أمر الله فيهم الذي خلقهم له في الأصل أصل الخلق من الكفر الذي سبق في علم الله أن يخلقهم له في الأصل و من الذين سماهم4.

ص: 60


1- سورة البقرة:18.
2- سورة الأحقاف:35.
3- سورة الأنعام:34.

الله في كتابه في قوله وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَي النّارِ (1)فتدبروا هذا و اعقلوه و لا تجهلوه فانّه من يجهل هذا و أشباهه مما افترض الله عليه في كتابه مما أمر الله به و نهي عنه ترك دين الله و ركب معاصيه فاستوجب سخط الله فأكبه الله علي وجهه في النار،الحديث (2).

***

حديث الإمام الصادق عليه السّلام في حوض الكوثر

و في كامل الزيارة بإسناده عن مسمع كردين عن أبي عبد الله عليه السّلام قال:إنّ الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال في قلبه حتّي يرد علينا الحوض و أنّ الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه حتّي أنّه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه،و من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا و هو في برد الكافور و ريح المسك و طعم الزنجبيل،أحلي من العسل و ألين من الزبد و أصفي من الدمع و أذكي من العنبر،يخرج من تسنيم و يمرّ بأنهار الجنان يجري علي رضراض الدرّ و الياقوت فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء يوجد ريحه من مسيرة ألف عام قدحانه من الذهب و الفضّة و ألوان الجوهر يفوح في وجه الشارب منه كلّ فايحة حتّي يقول الشارب منه ليتني تركت هاهنا لا أبغي بهذا بدلا و لا عنه تحويلا.

أما أنّك يا كردين ممّن تروي منه و ما من عين بكت لنا إلاّ نعمت بالنظر إلي الكوثر و سقيت منه من أحبّنا و أنّ الشارب منه ليعطي من اللذّة و الطعم و الشهوة له أكثر ممّا يعطاه من هو دونه في حبّنا و أنّ علي الكوثر أمير المؤمنين عليه السّلام و في يده عصا من عوسج يحطّمن بها أعداءنا فيقول الرجل منهم:إنّي أشهد الشهادتين فيقول:إنطلق إلي إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك فيقول:تبرّأ منّي إمامي الذي تذكره فيقول:إرجع وراءك فقل للذي كنت تتولاّه و تقدّمه علي الخلق فاسأله إذ كان عندك خير الخلق أن يشفع لك فإنّ خير الخلق حقيق أن لا يرد إذا شفع فيقول:إنّي أهلك عطشا فيقول:زادك الله ظمأ و عطشا،قلت:جعلت فداك و كيف يقدر علي الدنوّ من الحوض و لم يقدر عليه غيره؟

قال:ورع عن أشياء قبيحة و كفّ عن شتمنا إذا ذكرنا و ترك أشياء اجترأ عليها غيره و ليس ذلك لحبّنا و لا لهوي منه لنا و لكن ذلك لشدّة اجتهاده في عبادته و لما قد شغل به نفسه من ذكر الناس فأمّا قلبه فمنافق و دينه النصب و اتّباعه أهل النصب و ولاية الماضين و تقديمه لهما علي كلّ واحد (3).

و في حديث آخر عنه عليه السّلام:أنّ الكوثر نهر في الجنّة عمقه في الأرض سبعون ألف فرسخ (4).

ص: 61


1- سورة القصص:41.
2- الكافي:2/8 ح 1.
3- كامل الزيارات:206 ح 7،و البحار:24/8 ح 17.
4- الكافي:230/8،و البحار:25/8 ح 23.

و عن حمران بن أعين عن أبي عبد الله عليه السّلام قال:إنّ رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم صلّي الغداة ثمّ التفت إلي عليّ عليه السّلام فقال:يا علي ما هذا النور الذي أراه قد غشيك؟

قال:يا رسول الله أصابتني جنابة في هذه الليلة فأخذت بطن الوادي و لم أصبّ الماء فلمّا ولّيت ناداني مناد يا أمير المؤمنين فالتفتّ فإذا إبريق مملؤ من ماء فاغتسلت فقال رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم:يا علي أمّا المنادي فجبرئيل و الماء من نهر الكوثر عليه إثنا عشر ألف شجرة كلّ شجرة لها ثلاثمائة و ستّون غصنا فإذا أراد أهل الجنّة الطرب هبّت ريح فما من شجرة و لا غصن إلاّ و هو أحلي صوتا من الآخر و لو لا أنّ الله كتب علي أهل الجنّة أن لا يموتوا لماتوا فرحا من شدّة حلاوة تلك الأصوات و هذا النهر في جنّة عدن و هو لي و لك و لفاطمة و الحسن و الحسين و ليس لأحد فيه شيء (1).

و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب أنّ الكوثر نهر في الجنّة طوله و عرضه ما بين المشرق و المغرب (2).

قيل:إختلفت الأخبار في تحديده و الجمع بوجوه:

منها:أن يكون كلّها كناية عن السّعة كما أنّ السبعين عندهم كناية عن الكثرة.

و منها:أنّ نهر الكوثر يجري علي أمكنة لا تحصي لأنّه يجيء من أرض القيامة جاريا إلي أن يدخل الجنّة فيكون له في كلّ مكان يجري فيه نوع من التحديد.

و منها:أن يكون المراد من العرض أقصر الإمتدادات فيكون طوله أطول من عرضه فاختلاف التحديد لذلك أيضا.

و منها:ما قيل:إنّ لكلّ واحد من الشيعة حظّا منه و يختلف ذلك باختلاف الأعمال فيختلف تحديده باختلاف العاملين له.

و منها:أن يراد بالعرض الجانب و يكون له جوانب شتّي متفاوتة.

***

حديث الإمام الصادق عليه السّلام في قضاء حاجة المؤمن

أعلام الوري للديلمي روي عن الحسن بن عليّ بن يقطين عن أبيه عن جدّه قال:ولّي علينا بالأهواز رجل من كتّاب يحيي بن خالد و كان عليّ بقايا من خراج كان فيها زوال نعمتي و خروجي من ملكي فقيل له:إنّه ينتحل هذا الأمر فخشيت أن ألقاه مخافة أن لا يكون ما بلغني حقّا فيكون فيه زوال نعمتي فهربت و أتيت إلي الصادق عليه السّلام مستجيرا فكتب إليه رقعة صغيرة فيها:بسم الله الرحمن

ص: 62


1- البحار:26/8 ح 27،و تأويل الآيات:857/2.
2- مناقب آل أبي طالب:12/2.

الرحيم إنّ لله في ظلّ عرشه ظلالا لا يسكنه إلاّ من نفّس عن أخيه كربة و أعانه بنفسه أو صنع إليه معروفا و لو بشقّ تمرة و هذا أخوك المسلم ثمّ ختمها و دفعها إليّ و أمرني أن أوصلها إليه.

فلمّا رجعت إلي بلدي استأذنت عليه و قلت:رسول الصادق بالباب فإذا أنا به و قد خرج إليّ حافيا فلمّا بصر بي سلّم عليّ و قبّل ما بين عينيّ،ثمّ قال:يا سيّدي أنت رسول مولاي؟فقلت:

نعم.

فقال:هذا عتقي من النار إن كنت صادقا فأخذني و أجلسني مجلسه و قعد بين يدي ثمّ قال:يا سيّدي كيف خلفت مولاي؟فقلت:بخير،قال:الله الله ثمّ ناولته الرقعة فقرأها و قبّلها و وضعها علي عينيه ثمّ قال:يا أخي مر بأمرك فقلت:في ديوانك عليّ كذا و كذا ألف درهم و فيها هلاكي فدعي بالدفتر و محي عنّي كلّما كان عليّ فيه و أعطاني براءة منها ثمّ دعي بصناديق ماله فناصفني عليها ثمّ دعي بدوابه فجعل يأخذ دابّة و يعطيني دابّة ثمّ دعي بغلمانه فجعل يعطيني غلاما و يأخذ غلاما ثمّ دعي بكسوته فجعل يأخذ ثوبا و يعطيني ثوبا حتّي شاطرني جميع ما يملك و يقول:هل سررتك؟ و أقول:إي و الله وزدت علي السرور.

فلمّا كان في الموسم،قلت:و الله لا كان جزاء هذا الفرج بشيء أحبّ إلي الله و إلي رسوله من الخروج إلي الحجّ و الدّعاء له و المسير إلي مولاي الصادق عليه السّلام و شكره عنده و أسأله الدّعاء له فخرجت إلي مكّة و جعلت طريقي إلي مولاي فدخلت عليه و رأيت السرور في وجهه فقلت:يا سيّدي هل سررت بما كان منه إليّ؟

فقال عليه السّلام:إي و الله سرّني،إيّ و الله لقد سرّ آبائي،إي و الله لقد سرّ أمير المؤمنين،إي و الله لقد سرّ رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم،إي و الله لقد سرّ الله في عرشه (1).

***

حديث الإمام الصادق عليه السّلام في سبب الضحك

كتاب النصوص عن محمّد بن مسلم قال:كنت عند الباقر عليه السّلام إذ دخل ابنه جعفر و علي رأسه ذؤابة و في يده عصا يلعب بها فأخذه الباقر عليه السّلام و ضمّه إليه ثمّ قال:بأبي أنت و امّي لا تلهو و لا تلعب.

ثمّ قال:يا محمّد هذا إمامك بعدي فاقتد به و اقتبس من علمه و هو الصادق الذي وصفه لنا رسول الله و أنّ شيعته منصورون و أعداءه ملعونون علي لسان كلّ نبيّ،فضحك جعفر عليه السّلام و احمرّ وجهه فالتفت إليّ أبو جعفر عليه السّلام و قال لي:سله.

ص: 63


1- البحار:208/47 ح 49،و عدة الداعي:136

قلت:يابن رسول الله من أين الضحك؟

قال:يا محمّد العقل من القلب و الحزن من الكبد و النفس من الرئة و الضحك من الطحال، فقمت و قبّلت رأسه (1).

***

حديث الإمام الصادق عليه السّلام عن الشيعة

كتاب التمحيص عن فرات بن أحنف قال:كنت عند أبي عبد الله عليه السّلام إذ دخل عليه رجل من هؤلاء الملاعين.

فقال:و الله لأسؤنّه في شيعته.

فقال:يا أبا عبد الله أقبل إليّ فلم يقبل إليه قالها ثلاثا.

فقال:قل و لن تقول خيرا.

فقال:إنّ شيعتك يشربون النبيذ المسكر.

فقال:إنّ شيعتنا أزكي و أطهر من أن يجري للشيطان في أمعائهم شيء و إن فعل ذلك المخذول بهم فيجدوا ربّا رؤوفا عطوفا و وليّا وكوفا و أصحابك ببرهوت (2)مكوفا يعني مجموعون فيه فأفحم الرجل و سكت (3).

***

مواعظ الإمام الصادق عليه السّلام

نقل أنه كان رجل من أهل السواد يلزم جعفرا ففقده فسأل عنه فقال له رجل-يريد أن يستنقص به-إنّه لنبطي.

فقال جعفر عليه السّلام:أصل الرجل عقله،و حسبه دينه،و كرمه تقواه،و الناس في آدم مستوون، فاستحي ذلك القائل (4).

و قال سفيان الثوري:سمعت جعفر الصادق عليه السّلام يقول:عزّت السلامة حتي لقد خفي مطلبها

ص: 64


1- كفاية الاثر:254،و البحار:15/47 ح 12.
2- برهوت:واد في حضر موت فيه بئر يتصاعد منها لهيب الاسفلت مع صوت الغليان و روائح كريهة.
3- البحار:381/47.
4- صفة الصفوة 2:171،تذكرة الخواص:343.

فإن تكن في شيء فيوشك أن تكون في الخمول،فإن طلبت في الخمول و لم توجد فيوشك أن تكون في الصمت،فإن طلبت في الصمت فلم توجد فيوشك أن تكون في التخلي،فإن طلبت في التخلّي فلم توجد فيوشك أن تكون في كلام السلف الصالح،و السعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها (1).

و قال عليه السّلام لأصحابه:أشدّكم حبّا لنا أحسنكم أكلا عندنا.

و نهي عليه السّلام عن استخدام الضيف و كان يقول:الخلّ و الزيت طعامنا و طعام الأنبياء (2).

و عن الإمام موسي بن جعفر عليهما السّلام قال:نعي إلي الصادق عليه السّلام إبنه إسماعيل و هو أكبر أولاده و هو يريد أن يأكل و قد اجتمع ندماؤه فتبسّم ثمّ دعي بطعامه و قطع ندماءه و جعل يأكل أحسن من أكله سائر الأيّام و يحثّ ندماءه و يضع بين أيديهم و يعجبون منه أن لا يروا للحزن أثرا،فلمّا فرغ قالوا:

يابن رسول الله لقد رأينا عجبا أصبت بمثل هذا الإبن و أنت كما تري؟

قال:و ما لي لا أكون كما ترون و قد جاءني خبر أصدق الصادقين إنّي ميّت و إيّاكم،إنّ قوما عرفوا الموت فجعلوه نصب أعينهم و لم ينكروا من يخطفه الموت منهم و سلّموا الأمر لخالقهم (3).

و دخل محمّد بن بشر الوشاء علي أبي عبد الله عليه السّلام فسأله أن يكلّم شهابا أن يخفّف عنه حتّي ينقضي الموسم،و كان له عليه ألف دينار لم تذهب في بطن و لا فرج و إنّما ذهبت دينا علي الرجال و وضائع وضعها،و أنا أحبّ أن تجعله في حلّ فقال:لا أجعله في حلّ فقال:لعلّك ممّن يزعم أنّه يقتصّ من حسناته فتعطاها فقال:كذلك في أيدينا.

فقال عليه السّلام:الله أكرم و أعدل من أن يتقرّب إليه عبده فيقوم في الليلة الباردة أو يصوم في اليوم الحار أو يطوف بهذا البيت ثمّ يسلبه ذلك فتعطاه و لكن لله فضل كثير يكافئ المؤمن.

فقال فهو في حلّ (4).

و روي الشيخ محمّد بن الحسن بإسناده إلي أبي الطيّار قال:قلت لأبي عبد الله عليه السّلام:إنّه كان في يدي شيء فتفرّق فقال لي:ألك حانوت في السوق؟فقلت:نعم و قد تركته،قال:إذا أردت أن تخرج إلي سوقك فصلّ ركعتين أو أربع ركعات ثمّ قل في دبر صلاتك:توجّهت بلا حول منّي و لا قوّة و لكن بحولك يا ربّ و قوّتك و أبرأ من الحول و القوّة إلاّ بك فأنت حولي و منك قوّتي اللّهمّ فارزقني من فضلك الواسع رزقا كثيرا طيّبا و أنا خافض في عافيتك فإنّه لا يملكها أحد غيرك.

قال:ففعلت ذلك و كنت أخرج إلي دكّاني حتّي خفت أن يأخذني الجابي بأجرة دكّاني و ما0.

ص: 65


1- صفة الصفوة 2:171،تذكرة الخواص:343.
2- مستدرك سفينة البحار:529/6.
3- البحار:18/47.
4- الكافي:36/4 ح 2،و البحار:364/47 ح 80.

عندي شيء قال:فجاء حالب بمتاع فقال لي:تكريني نصف بيتك فأكريته نصف بيتي بكري البيت كلّه قال:و عرض متاعه فأعطي به شيئا لم يبعه فقلت له:هل لك أن تبيعني عدلا من متاعك هذا أبيعه و آخذ فضله و أدفع إليك ثمنه؟

قال:خذ عدلا منها فأخذته و جاء برد شديد فبعث المتاع من يومي و دفعت إليه الثمن فأخذت الفضل فما زلت آخذ عدلا و أبيعه و آخذ فضله و أردّ عليه رأس المال حتّي ركبت الدواب و اشتريت الرقيق و بنيت الدور (1).

و في الكافي عن محمّد بن جمهور قال:كان النجاشي و هو رجل من أهل الدهاقين عاملا علي الأهواز و فارس فقال بعض أهل عمله لأبي عبد الله عليه السّلام إنّ في ديوان النجاشي عليّ خراج و هو مؤمن يدين بطاعتك فإن رأيت أن تكتب لي إليه كتابا فكتب إليه عليه السّلام:بسم الله الرحمن الرحيم سرّ أخاك يسرّك الله فدخل عليه و هو في مجلسه و قال:هذا كتاب أبي عبد الله عليه السّلام فقبّله و وضعه علي عينيه و قال له:ما حاجتك؟

قال:خراج عليّ في ديوانك فقال:و كم هو؟

قال:عشرة آلاف درهم فدعا كاتبه و أمره بأدائها عنه ثمّ أخرجه منها و أمره أن يثبتها له لقابل ثمّ قال:سررتك؟

فقال:نعم جعلت فداك ثمّ أمر بمركب و جارية و غلام و أمر له بتخت ثياب في كلّ ذلك يقول:هل سررتك؟فيقول:نعم،فكلّما قال نعم زاده زاده حتّي فرغ ثمّ قال له:إحمل فرش هذا البيت الذي كنت جالسا فيه حين دفعت إلي كتاب مولاي الذي ناولتني فيه و ارفع إليّ حوائجك ففعل و خرج الرجل فصار إلي أبي عبد الله عليه السّلام بعد ذلك فحدّثه بالحديث علي جهته فجعل يسرّ بما فعل.

فقال الرجل:يابن رسول الله كأنّه قد سرّك ما فعل بي؟

فقال:إي و الله لقد سرّ الله و رسوله (2).

و في الكافي عن زكريا بن إبراهيم قال:كنت نصرانيا فأسلمت و حججت فلمّا دخلت علي أبي عبد الله عليه السّلام قلت:كنت علي النصرانية و أسلمت فقال:أيّ شيء رأيت في الإسلام؟

قلت:قول الله عزّ و جلّ: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لاَ الْإِيمانُ وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ (3)

فقال:لقد هداك الله ثمّ قال:اللّهم اهده ثلاثا سل عمّا شئت يا بني.2.

ص: 66


1- الكافي:474/3 ح 3،و البحار:368/47 ح 84.
2- الكافي:191/2 ح 9،و البحار:371/47 ح 89.
3- سورة الشوري:52.

فقلت:إنّ أبي و امّي علي النصرانية و أهل بيتي و امّي مكفوفة البصر فأكون معهم و آكل في آنيتهم؟

فقال:يأكلون لحم الخنزير؟

فقلت:لا و لا يمسّونه،فقال:لا بأس فانظر أمّك فبرّها فإذا ماتت فلا تكلها إلي غيرك كن أنت الذي تقوم بشأنها و لا تخبر أنّك أتيتني حتّي تأتيني بمني إن شاء الله تعالي،قال:فأتيته بمني و الناس حوله كأنّه معلّم صبيان هذا يسأله و هذا يسأله،فلمّا قدمت الكوفة لطفت لأمّي و كنت أطعمها و أفلي ثوبها و رأسها و أخدمها فقالت لي:يا بني ما كنت تصنع بي هذا و أنت علي ديني فما الذي أري منك منذ هاجرت فدخلت في الحنيفيّة؟

فقلت:رجل من ولد نبيّنا أمرني بهذا.

فقالت:هذا الرجل هو نبيّ؟

فقلت:لا،و لكنّه ابن نبي.

فقالت:يا بني هذه وصايا الأنبياء.

فقلت:يا اماه إنّه ليس يكون بعد نبيّنا نبيّ و لكنه ابنه.

فقالت:يا بني دينك خير دين أعرضه عليّ فعرضته عليها فدخلت في الإسلام و علّمتها فصلّت الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة ثمّ عرض لها عارض في الليل فقالت:يا بني أعد عليّ ما علّمتني فأعدته عليها فأقرّت به و ماتت فلمّا أصبحت كان المسلمون الذين غسّلوها و كنت أنا الذي صلّيت عليها و نزلت في قبرها (1).

***

ما نسب للإمام الصادق عليه السّلام

دخل السلمي علي الصادق عليه السّلام فوجده عليلا فدعا له فأعطاه أربعمائة و سأله سائل حاجة فقضاها فجعل الرجل يشكر،فقال عليه السّلام،شعر:

إذا ما طلبت خصال الندي و قد عضك الدهر من جهده

فلا تطلبنّ إلي كالح أصاب اليساره من كدّه

و لكن عليك بأهل العلي و من ورث المجد عن جدّه (2)

ص: 67


1- الكافي:161/2 ح 11،و البحار:375/47 ح 97.
2- مناقب آل أبي طالب:395/3،و البحار:24/47.

و له عليه السّلام،شعر:

علم المحبّة واضح لمريده و أري القلوب عن المحجّة في عمي

و لقد عجبت لهالك و نجاته موجودة و لقد عجبت لمن نجا

و قال عليه السّلام،شعر:

اعمل علي مهل فإنّك ميّت و اختر لنفسك أيّها الإنسانا

فكأنّما قد كان لم يك إذ مضي و كأنّما هو كائن قد كانا

و له عليه السّلام،شعر:

في الأصل كنّا نجوما يستضاء بنا و للبرية نحن اليوم برهان

نحن البحور التي فيها لغائصكم درّ ثمين و ياقوت و مرجان

مساكن القدس و الفردوس نملكها و نحن للقدس و الفردوس خزّان

من شذّ عنّا فبرهوت مساكنه و من أتانا فجنّات و ولدان (1)

***

زوجة الإمام الصادق عليه السّلام

عن عيسي بن عبد الرّحمن،عن أبيه قال:دخل ابن عكاشة بن محصن الأسدي علي أبي جعفر عليه السّلام و كان أبو عبد الله عليه السّلام قائما عنده،فقدّم إليه عنبا فقال:«حبّة حبّة يأكله الشيخ الكبير و الصبيّ الصغير و ثلاثة و أربعة يأكله من يظنّ أنّه لا يشبع و كله حبّتين حبّتين فإنّه يستحبّ».

فقال لأبي جعفر عليه السّلام:لأيّ شيء لا تزوّج أبا عبد الله فقد أدرك التزويج؟

قال:و بين يديه صرّة مختومة،فقال:«أما إنّه سيجيء نخّاس من أهل بربر (2)فينزل دار ميمون،فنشتري له بهذه الصرّة جارية».

قال:فأتي لذلك ما أتي،فدخلنا يوما علي أبي جعفر عليه السّلام فقال:«ألاّ اخبركم عن النخّاس الّذي ذكرته لكم قد قدم،فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرّة منه جارية».

قال:فأتينا النخّاس فقال:قد بعت ما كان عندي إلاّ جاريتين مريضتين إحديهما أمثل من الأخري.

ص: 68


1- مناقب آل أبي طالب:397/3،و البحار:26/47.
2- النخاس بياع الرقيق و الدواب و دلالها و البربر قوم بالمغرب حفاة كالأعراب في رقة الدين و قلة العلم،كذا في المغرّب.

قلنا:فأخرجهما حتّي ننظر إليهما فأخرجهما فقلنا:بكم تبيعنا هذه المتماثلة؟

قال:بسبعين دينارا.

قلنا:أحسن.

قال:لا أنقص من سبعين دينارا.

قلنا له:نشتريها منك بهذه الصرّة ما بلغت و لا ندري ما فيها و كان عنده رجل أبيض الرأس و اللّحية.

قال:فكّوا و زنوا،فقال النخّاس:لا تفكّوا فإنّها إن نقصت حبّة من سبعين دينارا لم أبايعكم.

فقال الشيخ:ادنوا فدنونا و فككنا الخاتم و وزنّا الدنانير فإذا هي سبعون دينار لا تزيد و لا تنقص،فأخذنا الجارية فأدخلناها علي أبي جعفر عليه السّلام و جعفر قائم عنده فأخبرنا أبا جعفر بما كان، فحمد الله و أثني عليه ثمّ قال لها:ما اسمك؟

قالت:حميدة،فقال:«حميدة في الدّنيا،محمودة في الآخرة،أخبريني عنك أبكر أنت أم ثيّب»؟

قالت:«بكر».

قال:«و كيف و لا يقع في أيدي النخّاسين شيء إلاّ أفسدوه».

فقالت:قد كان يجيئني فيقعد منّي مقعد الرّجل من المرأة فيسلّط الله عليه رجلا أبيض الرأس و اللّحية فلا يزال يلطمه حتّي يقوم عنّي،ففعل بي مرارا و فعل الشيخ به مرارا فقال:«يا جعفر خذها إليك».فولدت خير أهل الأرض موسي بن جعفر عليهما السّلام (1).

***

أحوال أولاد الإمام الصادق عليه السّلام

اشارة

و كانوا سبعة؛ستة ذكور و بنت واحدة،و قيل أكثر من ذلك.

في كتاب كشف اليقين عن محمّد بن طلحة؛و أمّا أولاده فكانوا سبعة ستّة ذكور و بنت واحدة (2).

و قيل أكثر من ذلك (3).

ص: 69


1- الكافي:477/1.
2- تاريخ ابن الخشاب:187.
3- مناقب آل أبي طالب 4:302،الشجرة المباركة للرازي:75،تذكرة الخواص:347.

و أسماء أولاده:موسي و هو الكاظم و إسماعيل و محمّد و علي و عبد الله و إسحاق و امّ فروة.

و قيل في أسمائهم:و هم إسماعيل و عبد الله و ام فروة و موسي و اسحاق و محمد و العباس و علي و أسماء و فاطمة،و قيل و عبد الله.

و قال عبد العزيز بن الأخضر:ولد جعفر بن محمّد إسماعيل الأعرج و عبد الله و امّ فروة و امّهم فاطمة بنت الحسين الأثرم بن حسن بن علي بن أبي طالب،و موسي بن جعفر الإمام و امّه حميدة امّ ولد و إسحاق و محمّد و فاطمة امّهم امّ ولد و يحيي و العبّاس و أسماء و فاطمة الصغري و هم لامّهات أولاد شتّي (1).

و في كتاب بشائر المصطفي كان لأبي عبد الله عليه السّلام عشرة أولاد إسماعيل و عبد الله و امّ فروة امّهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السّلام و موسي و إسحاق و محمّد لامّ ولد و العبّاس و علي و أسماء و فاطمة لأمّهات أولاد شتّي (2).

و كان إسماعيل أكبر اخوته و كان أبوه شديد المحبّة له و كان قوم من الشيعة يظنّون أنّه القائم بعد أبيه إذ كان أكبر اخوته سنّا و لإكرام أبيه له،فمات في حياة أبيه بالعريض و حمل علي رقاب الرّجال إلي المدينة و دفن بالبقيع و جزع عليه أبوه جزعا شديدا و تقدّم سريره بغير حذاء و لا رداء و أمر بوضع سريره علي الأرض مرارا كثيرة و كان يكشف عن وجهه و ينظر إليه يريد بذلك تحقيق أمر وفاته عند الظانّين خلافته له من بعده و إزالة الشبهة عنه في حياته،و لمّا مات إسماعيل(رحمه الله)إنصرف عن القول بإمامته بعد أبيه من كان يظنّ به ذلك و أقام علي حياته شرذمة لم تكن من خاصّة أبيه و لا من الرواة عنه بل كانوا من الأباعد و الأطراف.

فلمّا مات الصادق عليه السّلام إنتقل فريق منهم إلي القول بإمامة موسي عليه السّلام و افترق الباقون فرقتين فريق منهم رجعوا إلي حياة إسماعيل و قالوا بإمامة ابنه محمّد بن إسماعيل بظنّهم أنّ الإمامة كانت في أبيه و أنّ الإبن أحقّ بها من الأخ،و فريق ثبتوا علي حياة إسماعيل و هم اليوم شذاذ لا يعرف أحد منهم و هذان الفريقان يسمّيان الإسماعيلية و المعروف أنهم الآن من يزعم أنّ الإمامة بعد إسماعيل في ولده و ولد ولده إلي آخر الزمان.

و كان عبد الله بن جعفر أكبر إخوته بعد إسماعيل و لم يكن له منزلة عند أبيه مثل اخوته و كان متّهما بالخلاف علي أبيه في الإعتقاد فيقال إنّه كان يخالط الحشوية و يميل إلي مذاهب المرجئة و ادّعي بعد أبيه الإمامة و احتجّ بأنّه أكبر اخوته الباقين فتابعه جماعة من أصحاب أبيه ثمّ رجع أكثرهم بعد ذلك إلي القول بإمامة موسي عليه السّلام لقوّة برهانه و أقام نفر يسير منهم و هم الملقّبة بالفطحية،لأنّ عبد الله كان أفطح الرجلين،أو لأنّ داعيهم إلي إمامة عبد الله رجل يقال له عبد الله بن أفطح.2.

ص: 70


1- كشف الغمة:374/2.
2- البحار:241/47 ح 2.

و كان إسحاق بن جعفر من أهل الفضل و الصلاح يقول بإمامة أخيه موسي.

و كان محمّد بن جعفر سخيّا شجاعا يصوم يوما و يفطر يوما و يري رأي الزيدية بالخروج بالسيف و قالت زوجته:ما خرج من عندنا محمّد يوما في ثوب فرجع به حتّي يكسوه و كان يذبح في كلّ يوم كبشا لأضيافه و خرج علي المأمون بمكّة و اتّبعته الزيدية الجارودية فظفر به المأمون ثمّ بعد ذلك أكرمه و احترمه و كان معه في خراسان،و توفي محمّد بن جعفر في خراسان مع المأمون فخرج المأمون في جنازته و صلّي عليه و دفنه و بني عليه و قضي دينه و هو خمسة و عشرون ألف دينار و أوصي إلي ابنه يحيي.

و كان علي بن جعفر رضي اللّه عنه راوية للحديث شديد الورع كثير الفضل و لزم موسي أخاه و روي عنه.

و كان العبّاس بن جعفر فاضلا.

و أمّا موسي عليه السّلام فكان هو الإمام و فيه اجتمعت براهين الإمامة (1).

و في عيون الأخبار عن عمير بن بريد قال:كنت عند أبي الحسن الرضا عليه السّلام فذكر محمّد بن جعفر فقال:إنّي جعلت علي نفسي أن لا يظلّني و إيّاه سقف بيت،فقلت في نفسي:هذا يأمرنا بالبرّ و الصلة و يقول هذا لعمّه فنظر إليّ فقال:هذا من البرّ و الصلة إنّه متي يأتيني و يدخل عليّ فيقول فيّ فيصدّقه الناس و إذا لم يدخل عليّ و لم أدخل عليه لم يقبل قوله إذا قال (2).

***

ذكر حال إسماعيل ابن الإمام الصادق عليه السّلام

و عن عنبسة بن بجاد قال:لمّا مات إسماعيل بن جعفر و فرغنا من جنازته جلس الصادق عليه السّلام و جلسنا حوله و هو مطرق ثمّ رفع رأسه فقال:أيّها الناس إنّ هذه الدّنيا دار فراق و دار التواء لا دار استواء علي أنّ لفراق المألوف حرقة لا تدفع و لوعة لا تردّ و إنّما يتفاضل بحسن العزاء و صحّة الفكرة فمن لم يثكل أخاه ثكله أخوه و من لم يقدم ولدا كان هو المقدّم ثمّ تمثّل بقول أبي خراش الهذلي يرثي أخاه مرثية:

و لا تحسبي إنّي تناسيت عهده و لكنّ صبري يا اميم جميل (3)

و عن الوليد بن صبيح قال:جاءني رجل فقال لي:تعال اريك ابن الرجل فذهبت معه فجاء بي

ص: 71


1- البحار:245/47 ح 2.
2- عيون أخبار الرضا:221/1 ح 1،و البحار:246/47 ح 4.
3- أمالي الصدوق:309 ح 4،و البحار:246/47 ح 3.

إلي قوم يشربون فيهم إسماعيل بن جعفر فخرجت مغموما فجئت إلي الحجر فإذا إسماعيل بن جعفر متعلّق بالبيت يبكي قد بلّ أستار الكعبة بدموعه فرجعت أشتدّ فإذا إسماعيل جالس مع القوم فرجعت فإذا هو آخذ بأستار الكعبة قد بلّها بدموعه،قال:فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه السّلام فقال:لقد ابتلي ابني بشيطان يتمثّل في صورته (1).

و عن الحسن بن راشد قال:سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن إسماعيل فقال:عاص لا يشبهني و لا يشبه أحدا من آبائي (2).

قيل:أراد عليه السّلام بهذا الكلام نفي الإمامة عنه لا ذمّه يعني إنّه ممّن يصدر عنه العصيان كغيره فلا يشبهني أنا و لا يشبه آبائي الأئمّة عليهم السّلام في العصمة من الذنوب.

و عن سعيد الأعرج قال:قال أبو عبد الله عليه السّلام:لمّا مات إسماعيل أمرت به و هو مسجّي بأن يكشف عن وجهه فقبّلت جبهته و ذقنه و نحره و أمرت به فغطّي ثمّ قلت:إكشفوا فقبّلت أيضا جبهته و ذقنه و نحره ثمّ أمرتهم فغطّوه ثمّ أمرت به فغسّل ثمّ دخلت عليه و قد كفّن فقلت:إكشفوا عن وجهه فقبّلت جبهته و ذقنه و نحره و عوّذته بالقرآن.

ثمّ قلت:أدرجوه (3).

قال الصدوق طاب ثراه:قوله عليه السّلام:أمرت به فغسّل يبطل إمامة إسماعيل،لأنّ الإمام لا يغسله إلاّ امام إذا حضره (4).

و روي أنّه عليه السّلام كتب في حاشية الكفن:إسماعيل يشهد أن لا إله إلاّ الله (5).

و في كتاب إكمال الدّين عن الحسن بن زيد قال:ماتت إبنة لأبي عبد الله عليه السّلام فناح عليها سنة ثمّ مات له ولد آخر فناح عليه سنة ثمّ مات إسماعيل فجزع عليه جزعا شديدا فقطع النوح فقيل لأبي عبد الله عليه السّلام:أصلحك الله يناح في دارك فقال:إنّ رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم قال:لكن حمزة لا بواكي عليه (6).

و لمّا حضر إسماعيل الوفاة جزع أبو عبد الله عليه السّلام جزعا شديدا فلمّا أن غمّضه دعي بقميص جديد فلبسه ثمّ تشرّح و خرج يأمر و ينهي فقال له بعض أصحابه:لقد ظننا أنّا لا ننتفع بك زمانا لما4.

ص: 72


1- الخرائج و الجرائح:637/2 ح 40.
2- كمال الدين و تمام النعمة:70،و البحار:247/47 ح 8.
3- من لا يحضره الفقيه:161/1 ح 449،و البحار:248/47.ح 10.
4- كمال الدين و تمام النعمة:71.
5- مختلف الشيعة:407/1،و البحار:248/47 ح 11.
6- الحدائق الناظرة:166/4.

رأينا من جزعك،قال:إنّا أهل بيت نجزع ما لم تنزل المصيبة فإذا نزلت صبرنا (1).

و روي أنّ الصادق عليه السّلام تقدّم سرير إسماعيل بلا حذاء و لا رداء (2).

و روي الكشي عن علي بن جعفر قال:قال لي رجل أحسبه من الواقفة:ما فعل أخوك أبو الحسن؟

قال:قد مات و نطق الناطق من بعده.

قال:و من الناطق من بعده؟

قلت:إبنه علي،قال:فما فعل؟

قلت:قد مات و نطق الناطق من بعده،قال:و من الناطق؟

قلت:أبو جعفر ابنه فقال:أنت في سنّك و قدرك و أبوك جعفر بن محمّد تقول هذا القول في هذا الغلام؟

قال:قلت:ما أراك إلاّ شيطانا؟؟ثمّ أخذ بلحيته فرفعها إلي السماء ثمّ قال:فما حيلتي إن كان الله رآه أهلا لهذا و لم ير هذه الشيبة أهلا لهذا يعني الإمامة.

و روي أنّ الطبيب أتي إلي أبي جعفر عليه السّلام يفصده و كان علي بن جعفر عنده فقال:يا سيّدي الطبيب يبدأ بي ليكون حدّة الحديد فيّ قبلك ففصده قبله (3).

و في الكافي في الصحيح عن حريز قال:كانت لإسماعيل بن أبي عبد الله عليه السّلام دنانير و أراد رجل من قريش أن يخرج إلي اليمن فقال إسماعيل:يا أبه إنّ فلانا يريد الخروج إلي اليمن و عندي كذا و كذا دينارا أفتري أن أدفعها إليه يبتاع لي بها بضاعة من اليمن؟

فقال عليه السّلام:أما بلغك إنّه يشرب الخمر؟

فقال إسماعيل:هكذا يقول الناس،فقال:يا بنيّ لا تفعل،فعصي إسماعيل أباه و دفع إليه دنانيره فاستهلكها و لم يأته بشيء منها،فخرج إسماعيل.و قضي أنّ أبا عبد الله عليه السّلام حجّ و حجّ إسماعيل تلك السنة فجعل يطوف بالبيت و يقول:اللّهم أجرني و اخلف عليّ فلحقه أبو عبد الله عليه السّلام فهمزه بيده من خلفه و قال له:مه يا بني فلا و الله ما لك علي الله هذا و لا لك أن يأجرك و لا يخلف عليك و قد بلغك أنّه يشرب الخمر،فقال له:يا أبه إنّي لم أره يشرب الخمر إنّما سمعت الناس يقولون،فقال:يا بني إنّ الله عزّ و جلّ يقول في كتابه: يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ (4)يقول:5.

ص: 73


1- كمال الدين و تمام النعمة:73،و البحار:249/47 ح 14.
2- من لا يحضره الفقيه:177/1 ح 524.
3- وسائل الشيعة الاسلامية:259/20،و مواقف الشيعة:158/3.
4- سورة النساء:5.

يصدق لله و يصدق للمؤمنين فإذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم و لا تأتمن شارب الخمر فإنّ الله عزّ و جلّ يقول: وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ (1)أيّ سفيه أسفه من شارب الخمر إنّ شارب الخمر لا يزوّج إذا خطب و لا يشفّع إذا شفع و لا تأتمن علي أمانة فاستهلكها لم يكن للذي ائتمنه علي الله أن يأجره و لا يخلف عليه (2).

و في كتاب التمحيص عن عبد الله بن سنان قال:سمعت معتبا يحدّث أنّ إسماعيل بن أبي عبد الله عليه السّلام حمّ حمّي شديدة فأعلموا أبا عبد الله عليه السّلام بحماه فقال:آتيه فسله أيّ شيء عملت اليوم من سوء فجعل الله عليك العقوبة؟

قال:فأتيته فإذا هو موعوك فسألته عمّا عمل فسكت و قيل لي:إنّه ضرب بنت زلفي اليوم بيده فوقفت علي دراعة الباب فعقر وجهها فأتيت أبا عبد الله عليه السّلام فأخبرته بما قالوا،فقال:الحمد لله إنّا أهل بيت يعجّل لأولادنا العقوبة في الدّنيا ثمّ دعي بالجارية فقال:إجعلي إسماعيل في حلّ فوهب لها أبو عبد الله عليه السّلام شيئا ثمّ قال لي:إذهب فانظر ما حاله،فأتيته و قد تركته الحمّي (3).

***

إدّعاء عبد الله بن الإمام الصادق الإمامة

الخرائج عن الفضل بن عمر قال:لمّا مات الصادق عليه السّلام كانت وصيّته في الإمامة إلي موسي الكاظم عليه السّلام فادّعي أخوه عبد الله الإمامة و كان أكبر ولد جعفر في وقته ذلك و هو المعروف بالأفطح فأمر موسي عليه السّلام بجمع حطب كثير في وسط داره فأرسل إلي أخيه عبد الله يسأله أن يصير إليه فلمّا صار عنده و مع موسي جماعة من وجوه الإمامية فلمّا جلس إليه أخوه عبد الله أمر موسي أن يجعل النار في ذلك الحطب فاحترق كلّه و لا يعلم الناس السبب فيه حتّي صار الحطب جمرا ثمّ قام موسي و جلس بثيابه في وسط النار و أقبل يحدّث الناس ساعة ثمّ قام فنفض ثوبه و رجع إلي المجلس فقال لأخيه عبد الله:إن كنت تزعم أنّك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس،قالوا:فرأينا عبد الله قد تغيّر لونه فقام يجرّ رداؤه حتّي خرج من دار موسي (4).

روي أنّ رجلا من صوفية المخالفين ممّن تعوّد دخول النار افتخر علي رجل من الإمامية و أنّ مذهبه هو الصحيح بسبب دخول النار فأوقدوا نارا و دخلوها فاحترق المخالف و بقي المؤمن فيها

ص: 74


1- سورة التوبة:62.
2- جواهر الكلام:56/40،و الكافي:299/5.
3- البحار:268/47 ح 39،و كتاب التمحيص:37 ح 32.
4- الخرائج و الجرائح:309/1،و البحار:251/47 ح 22.

حتّي خرج و النار عليه برد و سلام و ذلك لأنّه كان الغرض من ذلك الدخول تمييز الأديان لا مفارقة الأبدان.

***

أحوال زوجات الإمام الصادق عليه السّلام

التهذيب في الصحيح عن محمّد بن مسلم قال:دخلت علي أبي عبد الله عليه السّلام فسطاطه و هو يكلّم امرأة فأبطأ عليه فقال:أدن هذه امّ إسماعيل جاءت و أنا أزعم أنّ هذا المكان الذي احبط الله فيه حجّها عام أوّل،كنت أردت الإحرام فقلت:ضعوا لي الماء في الخباء فذهبت الجارية بالماء فوضعته فاستخففتها فأصبت منها فقلت:إغسلي رأسك و امسحيه مسحا شديدا لا تعلم به مولاتك فإذا أردت الإحرام فاغسلي جسدك و لا تغسلي رأسك فتستريب مولاتك فدخلت فسطاط مولاتها فذهبت تتناول شيئا فمسّت مولاتها رأسها فإذا لزوجة الماء فحلقت رأسها و ضربتها فقلت لها:هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجّك (1).

***

الملوك الذين عاصرهم الإمام الصادق عليه السّلام

اشارة

و هم هشام بن عبد الملك و الوليد بن يزيد بن عبد الله و يزيد بن الوليد بن عبد الملك-الناقص -و إبراهيم بن الوليد و مروان بن محمد الحمار و السفّاح و توفي في ملك المنصور.

و كان في سنّي إمامته ملك إبراهيم بن الوليد و مروان الحمار ثمّ صارت المسودة في أرض خراسان مع أبي مسلم سنة اثنين و ثلاثين و مائة و انتزعوا الملك من بني اميّة و قتلوا مروان الحمار.

ثمّ ملك أبو العبّاس السفّاح أربع سنين و ستّة أشهر و أيّاما ثمّ ملك أخوه أبو جعفر المنصور إحدي و عشرين سنة و أحد عشر شهرا و أيّاما.

و قبض بعد مضيّ سنتين من ملكه و قيل عمره خمسون سنة و قيل:ثمان و ستّون سنة و قيل:

إحدي و سبعون سنة و في أدعية شهر رمضان و ضاعف العذاب علي من أشرك في دمه و هو المنصور.

***

ص: 75


1- تهذيب الاحكام:134/1،و البحار:266/47.

أعمال المنصور و حاله

عيون الأخبار عن محمّد النيشابوري ذكر بسنده أنّه لمّا بني المنصور الأبنية ببغداد و جعل يطلب العلوية طلبا شديدا و يحمل من ظفر به منهم في الإسطوانات المجوّفة من الجص و الآجر فظفر بغلام منهم حسن الوجه من أولاد الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السّلام فسلّمه إلي البنّاء الذي كان يبني له و أمره أن يجعله في جوف إسطوانة و يبني عليه و وكّل به من ثقاته من يراعي ذلك حتّي يجعله في جوف إسطوانة بمشهد،فجعله البنّاء في الاسطوانة فدخلته رقّة عليه و رحمة له فترك في الإسطوانة فرجة يدخل منها الروح.

و قال للغلام:لا بأس عليك فاصبر فإنّي سأخرجك من جوف هذه الإسطوانة إذا جنّ الليل، و لمّا جنّ الليل جاء البنّاء و أخرج ذلك العلوي من جوف تلك الإسطوانة و قال له:اتّق الله في دمي و دم الفعلة الذين معي و غيّب شخصك فإنّي إنّما أخرجتك لأنّي خفت إن تركتك يكون رسول الله يوم القيامة خصمي ثمّ أخذ من شعره و قال له:أنج بنفسك و لا ترجع إلي امّك.

قال الغلام:فإن كان هذا هكذا فعرّف امّي إنّي قد نجوت و هربت لتطيب نفسها و يقلّ جزعها و بكاؤها و إن لم يكن لعودي إليها وجه،فهرب الغلام و لا يدري أين قصد من أرض الله و لا إلي أي بلد وقع،قال ذلك البنّاء و قد كان الغلام عرّفني مكان امّه و أعطاني العلامة من شعره فانتهيت إليها في الموضع الذي كان دلّني عليه فسمعت دويّا كدويّ النحل من البكاء فعلمت أنّها امّه فدنوت منها و عرّفتها خبر ابنها و أعطيتها شعره و انصرفت (1).

و روي صاحب كتاب الإستدراك بإسناده إلي الأعمش أنّ المنصور حيث طلبه فتطهّر و تكفّن و تحنّط قال له:حدّثني بحديث سمعته أنا و أنت من جعفر بن محمّد في بني حمان،قال:قلت له:

أي الأحاديث؟

قال:حديث أركان جهنّم،قال:قلت:أو تعفيني؟

قال:ليس إلي ذلك سبيل.

قال:قلت:حدّثنا جعفر بن محمّد عن آبائه عليهم السّلام أنّ رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم قال:لجهنّم سبعة أبواب و هي الأركان السبعة فراعنة ثمّ ذكر الأعمش نمرود بن كنعان فرعون الخليل و مصعب بن الوليد فرعون موسي و أبا جهل بن هشام و الأوّل و الثاني و السادس يريد قاتل ولدي،ثمّ سكت فقال لي الفرعون السابع؟

قلت:رجل من ولد العبّاس يلي الخلافة يلقّب بالدوانيقي إسمه المنصور قال:فقال لي:

ص: 76


1- البحار:307/47 ح 2.

صدقت هكذا حدّثنا جعفر بن محمّد قال:فرفع رأسه و إذا علي رأسه غلام أمرد ما رأيت أحسن وجها منه فقال:إن كنت أحد أبواب جهنّم فلم أستبق هذا و كان الغلام علويا حسينيا.

فقال له الغلام:سألتك يا أمير المؤمنين بحقّ آبائي ألا عفوت عنّي فأبي ذلك و أمر المرزبان به فلمّا مدّ يده حرّك شفتيه بكلام لم أعلمه فإذا هو كأنّه طير قد طار عنه.

قال الأعمش:فمرّ عليّ بعد أيّام فقلت:أقسمت عليك بحقّ أمير المؤمنين لمّا علّمتني الكلام.

قال:ذاك دعاء المحنة لنا أهل البيت و هو الذي دعا به أمير المؤمنين عليه السّلام لمّا نام علي فراش رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم ثمّ ذكر الدعاء.

قال الأعمش:و أمر المنصور في رجل بأمر غليظ فحبس في بيت لينفّذ فيه أمره ثمّ فتح عنه فلم يوجد.

فقال المنصور:أسمعتموه يقول شيئا؟

فقال الموكّل:سمعته يقول:يا من لا إله غيره فأدعوه و لا ربّ سواه فأرجوه نجّني الساعة، فقال:و الله لقد استغاث بكريم فنجّاه (1).

و في الأمالي عن العسكري عليه السّلام إنّ أشجع السلمي دخل علي الصادق عليه السّلام و مدحه بأشعار و أجازه ثمّ قال له السلمي:يا سيّدي قد أغنيتني و أنا كثير الأسفار و أحصل في المواضع المفزعة فتعلّمني ما آمن به علي نفسي.

قال:فإذا خفت أمرا فاترك يمينك علي امّ رأسك و اقرأ برفيع صوتك أَ فَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (2).

قال أشجع:فحصلت في واد تعبث فيه الجنّ فسمعت قائلا يقول؛خذوه فقرأتها فقال قائل:

لا تأخذوه و قد احتجزنا بآية طيّبة (3).

***

بين الإمام الصادق عليه السّلام و المنصور

و قال أحمد بن عمرو بن المقدام الرازي وقع الذباب علي المنصور فذبه عنه فعاد فذبه حتي أضجره فدخل عليه جعفر بن محمد فقال له المنصور:يا أبا عبد الله لم خلق الله تعالي هذا الذباب؟

ص: 77


1- البحار:309/47 ح 29.
2- سورة آل عمران:83.
3- مستدرك الوسائل:145/8.

فقال عليه السّلام:ليذل به الجبابرة (1).

و حدّث عبد الله بن الفضل بن الربيع عن أبيه قال:حجّ أبو جعفر المنصور سنة سبع و أربعين و مائة فقدم المدينة و قال للربيع:إبعث إلي جعفر بن محمد من يأتينا به متعبا،قتلني الله إن لم أقتله.

فتغافل الربيع عنه لينساه ثم أعاد ذكره للربيع و قال:إبعث من يأتي به متعبا.

فتغافل عنه ثم أرسل إلي الربيع رسالة قبيحة أغلظ فيها و أمره أن يبعث من يحضر جعفرا ففعل،فلما أتاه قال له:يا أبا عبد الله أذكر الله فإنّه أرسل إليك إلي ما لا دافع له غير الله.

قال جعفر:(لا حول و لا قوة إلاّ بالله العلي العظيم)ثمّ إنّ الربيع أعلم المنصور بحضوره، فلمّا دخل جعفر عليه أوعده و أغلظ و قال:أي عدو الله إتخذك أهل العراق إماما يجبون إليك زكاة أموالهم و تلحد في سلطاني و تبغيه الغوائل،قتلني الله إن لم أقتلك.

فقال له:(يا أمير المؤمنين إنّ سليمان عليه السّلام أعطي فشكر و إنّ أيوب عليه السّلام إبتلي فصبر و إنّ يوسف عليه السّلام ظلم فغفر فأنت من ذلك السنخ).

فلمّا سمع المنصور كلامه قال له:إليّ و عندي أبا عبد الله أنت البريء الساحة،السليم الناحية،القليل الغائلة،جزاك الله من ذي رحم أفضل ما جزي ذوي الأرحام عن أرحامهم.ثم تناول يده،فأجلسه معه علي فراشه ثم قال:عليّ بالطيب فأتي بالغالية (2)،فجعل يغلّف لحية جعفر بيده حتي تركها تقطر ثم قال:في حفظ الله و كنفه،ثم قال:يا ربيع إلحق أبا عبد الله جائزته و كسوته.

إنصرف أبا عبد الله في حفظه،فانصرف.

قال الربيع:و لحقته فقلت له:إنّي رأيت قبلك ما لم تره،و رأيت بعدك ما رأيته،فما قلت يا أبا عبد الله حين دخلت؟

قال:قلت:الّلهم احرسني بعينك التي لا تنام،و أكنفني بركنك الذي لا يرام،و اغفر لي بقدرتك عليّ،فلا أهلك و أنت رجائي،الّلهم إنّك أكبر و أجلّ مما أخاف و أحذر،الّلهم بك أدفع في نحره،و أستعيذ بك من شرّه،ففعل الله بي و لي ما رأيت (3).

و في كتاب الإستدراك:بإسناده عن الحسين بن محمد بن عامر بإسناده أن أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه الصلاة و السلام إستحضره المنصور في مجلس غاص بأهله فأمره بالجلوس،3.

ص: 78


1- حلية الأولياء 3:198،مناقب آل أبي طالب 4:272،صفة الصفوة 2:170،تهذيب الكمال 5:98، تذكرة الخواص:343.
2- الغالية:هو نوع من الطيب،مركب من مسك و عنبر و عود و دهن.لسان العرب 15:134.
3- العقد الفريد 2:34 و 3:179،مناقب آل أبي طالب 4:252،صفة الصفوة 2:173.

فأطرق مليا ثم رفع رأسه و قال له:يا جعفر إنّ النبي صلي الله عليه و آله قال لأبيك علي بن أبي طالب عليه السّلام يوما:(لو لا أن تقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النصاري في المسيح لقلت فيك قولا لا تمر بملأ إلا أخذوا من تراب قدميك يستشفون به)و قال علي عليه السّلام:(يهلك في اثنان:محب مفرط،و مبغض مفرط)فالإعتذار منه أن لا يرضي بما يقول فيه المفرط،و لعمري أن عيسي بن مريم عليهما السّلام لو سكت عما قالت فيه النصاري لعذّبه الله،و قد نعلم ما يقال فيك من الزور و البهتان، و إمساكك عمن يقول ذلك فيك و رضاك به سخط الديان،زعم أوغاد الشام و أوباش العراق أنك حبر الدهر و ناموسه،و حجة المعبود و ترجمانه،و عيبة علمه (1)و ميزان قسطه،و مصباحه الذي يقطع به الطالب عرض الظلمة إلي فضاء النور،و إن الله تبارك و تعالي لا يقبل من عامل جهل حقك في الدنيا عملا،و لا يرفع له يوم القيامة وزنا،فنسبوك إلي غير حدك،و قالوا فيك ما ليس فيك،فقل فإن أول من قال الحق لجدك،و أول من صدقه عليه أبوك عليه السّلام،فأنت حري بأن تقتص آثارهما،و تسلك سبيلهما.فقال أبو عبد الله عليه السّلام:أنا فرع من فروع الزيتونة،و قنديل من قناديل بيت النبوة،و سليل الرسالة،و أديب السفرة،و ربيب الكرام البررة،و مصباح من مصابيح المشكاة التي فيها نور النور، و صفوة الكلمة الباقية في عقب المصطفين إلي يوم الحشر.فالتفت المنصور إلي جلسائه فقال:قد أحالني علي بحر مواج لا يدرك طرفه،و لا يبلغ عمقه،تغرق فيه السبحاء و يحار فيه العلماء،و يضيق بالسامع عرض الفضاء،هذا الشجا (2)المعترض في حلوق الخلفاء الذي لا يحل قتله،و لا يجوز نفيه،و لو لا ما تجمعني و إياه من شجرة مباركة طاب أصلها و بسق فرعها و عذب ثمرها بوركت في الذر و تقدست في الزبر لكان مني إليه ما لا يحمد في العواقب،لما يبلغني من شدة عيبه لنا،و سوء القول فينا.

فقال أبو عبد الله عليه السّلام:لا تقبل في ذي رحمك و أهل الدعة من أهلك قول من حرم الله عليه الجنة و جعل مأواه النار،فإن النمام شاهد زور،و شريك إبليس في الإغراء بين الناس،و قد قال الله تبارك و تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ الآية،و نحن لك أنصار و أعوان، و لملكك دعائم و أركان ما أمرت بالمعروف و الإحسان،و أمضيت في الرعية أحكام القرآن،و أرغمت بطاعتك أنف الشيطان،و إن كان يجب عليك في سعة فهمك و كرم حلمك و معرفتك بآداب الله أن تصل من قطعك و تعطي من حرمك،و تعفو عمن ظلمك،فإن المكافئ ليس بالواصل،إنما الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها،فصل يزد الله في عمرك و يخفف عنك الحساب يوم حشرك.فقال أبو جعفر المنصور:قد قبلت عذرك لصدقك،و صفحت عنك لقدرك،فحدثني عن نفسك بحديث أتعظ به،و يكون لي زاجر صدق عن الموبقات.فقال أبو عبد الله عليه السّلام:عليك بالحلم فإنه ركن العلم،ه.

ص: 79


1- الغلوة المرة من غلا:الغاية و هي رمية سهم أبعد ما تقدر عليه.
2- الشجا:ما اعترض في الحلق من عظم و غيره.

و أملك نفسك عند أسباب القدرة،فإنك إن تفعل كل ما تقدر عليه كنت كمن شفي غيظا،أو أبدي حقدا،أو يحب أن يذكر بالصولة،و اعلم أنك إن عاقبت مستحقا لم يكن غاية ما توصف به إلا العدل،و لا أعلم حالا أفضل من حال العدل،و الحال التي توجب الشكر أفضل من الحال التي توجب الصبر.فقال أبو جعفر المنصور:و عظت فأحسنت و قلت فأوجزت،فحدثني عن فضل جدك علي بن أبي طالب عليه الصلاة و السلام حديثا لم تروه العامة.فقال أبو عبد الله عليه السّلام:حدثني أبي، عن جدي أن رسول الله صلي الله عليه و آله قال:ليلة أسري بي إلي السماء فتح لي في بصري غلوة كمثال ما يري الراكب خرق الإبرة مسيرة يوم،و عهد إلي ربي في علي ثلاث كلمات،فقال:يا محمد،فقلت:لبيك ربي فقال:إن عليا إمام المتقين،و قائد الغر المحجلين و يعسوب المؤمنين، و المال يعسوب الظلمة،و هو الكلمة التي ألزمتها المتقين،و كانوا أحق بها و أهلها فبشره بذلك، قال:فبشره النبي صلي الله عليه و آله بذلك فقال:يا رسول الله و إني اذكر هناك؟

فقال:نعم إنك لتذكر في الرفيع الأعلي.فقال المنصور:ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء (1).

و في الأمالي،قال:بعث المنصور الدوانيقي إلي الصادق عليه السّلام فقال:حديث حدّثتنيه في صلة الرحم أذكره يسمعه المهدي.

قال:نعم حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليهم السّلام قال:قال رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم:إنّ الرجل ليصل رحمه و قد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيّرها الله ثلاثين سنة و يقطعها و قد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيّرها الله ثلاثة سنين ثمّ تلا قوله تعالي: يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ.

قال:هذا حسن يا أبا عبد الله و ليس إيّاه أردت،قال:نعم حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليهم السّلام قال:قال رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم:صلة الرحم تعمّر الديار و تزيد في الأعمار و إن كان أهلها غير أخيار.

قال:هذا أحسن يا أبا عبد الله و ليس هذا أردت،فقال:نعم،حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن عليّ عليهم السّلام قال:قال رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم:صلة الرحم تهوّن الحساب و تقي ميتة السوء،قال:نعم، هذا أردت (2).

و عن الربيع قال:دعاني المنصور يوما فقال:يا ربيع أحضر جعفر بن محمّد و الله لأقتلنّه، فوجّهت إليه فلمّا وافي قلت:يابن رسول الله إن كان لك وصيّة أو عهد تعهده فافعل فقال:إستأذن لي عليه،فلمّا دخل علي المنصور رأيته يحرّك شفتيه فقام إليه المنصور و اعتنقه و قال له:إرفع1.

ص: 80


1- بحار الأنوار-العلامة المجلسي 220/10.
2- البحار:94/71 ح 21.

حوائجك فأخرج رقاعا لأقوام و قضيت حوائجه فقال له المنصور:إرفع حوائج نفسك،فقال:لا تدعني حتّي أجيئك،فقال:ما لي إلي ذلك سبيل و أنت تزعم للناس أنّك تعلم الغيب فقال:من أخبرك بهذا؟

قال:هذا الشيخ القاعد،فقال عليه السّلام:أنت سمعتني أقول هذا؟

قال:نعم،قال جعفر للمنصور:أيحلف؟

فقال له المنصور:إحلف فلمّا بدأ الشيخ في اليمين قال عليه السّلام للمنصور:حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن أمير المؤمنين عليهم السّلام أنّ العبد إذا حلف باليمين التي ينزّه الله عزّ و جلّ فيها و هو كاذب إمتنع الله عزّ و جلّ عن عقوبته عليها في عاجلته لما نزّه الله عزّ و جلّ و لكنّي أنا أستحلفه.

فقال المنصور ذلك لك.

فقال عليه السّلام للشيخ:قل أبرأ إلي الله من حوله و قوّته و ألجأ إلي حولي و قوّتي إن لم أكن أسمعك تقول هذا القول فتلكّأ الشيخ فرفع المنصور عمودا كان في يده فقال:لئن لم تحلف لأعلونّك بهذا العمود فحلف الشيخ فما أتمّ اليمين حتّي دلع لسانه كما يدلع الكلب و مات لوقته و نهض جعفر.

قال الربيع:فقال لي المنصور:ويلك أكتمها الناس لا يفتتنون.

فقلت:يابن رسول الله إنّ المنصور كان قد همّ بأمر عظيم فلمّا رآك زال ذلك،فقال:إنّي رأيت البارحة رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم في النوم فقال لي:يا جعفر خفته؟

قلت:نعم يا رسول الله،فقال:إذا وقعت عينك عليه فقل ببسم الله أستفتح و ببسم الله أستنجح و بمحمّد صلي اللّه عليه و آله و سلّم أتوجّه،اللّهمّ ذلّل إلي صعوبة أمري و كلّ صعوبة و سهّل حزونة أمري و كلّ حزونة و اكفني مؤونة أمري و كلّ مؤونة (1).

و روي الصدوق في كتاب صفات الشيعة بإسناده قال:قال أبو جعفر الدوانيقي بالحيرة للصادق عليه السّلام:يا أبا عبد الله ما بال الرجل من شيعتكم يستخرج ما في جوفه في مجلس واحد حتّي يعرف مذهبه؟

قال عليه السّلام:ذلك لحلاوة الإيمان في صدورهم من حلاوته يبدو تبديا.

و عن الربيع صاحب المنصور قال يوما المنصور لأبي عبد الله عليه السّلام و قد وقع علي المنصور ذباب فذبه عنه ثمّ وقع عليه و هكذا ثلاثا فقال:يا أبا عبد الله لأيّ شيء خلق الله عزّ و جلّ الذباب؟

قال:ليذلّ به الجبّارين (2).6.

ص: 81


1- أمالي الطوسي:461،و مدينة المعاجز:151/6.
2- علل الشرائع:496/2 ح 1،و البحار:166/47 ح 6.

قيل:سمّي الذباب لأنّه كلّما ذب آب.

و في الخرائج عن صفوان الجمّال قال:كنت بالحيرة مع أبي عبد الله عليه السّلام إذ أقبل الربيع و قال:

أجب أمير المؤمنين فلم يلبث أن عاد.

قلت:أسرعت الإنصراف؟

قال:إسأل الربيع فخرجت إلي الربيع و سألته فقال:أخبرك العجب إنّ الأعراب خرجوا يجتنون الكمأة فأصابوا في البرّ خلقا ملقي فأتوني به فأدخلته علي الخليفة فلمّا رآه قال:نحه و ادع جعفرا فدعوته فقال:يا أبا عبد الله أخبرني عن الهواء ما فيه؟

قال في الهواء موج مكفوف قال:فيه سكّان؟

قال:نعم،قال:فما سكّانه؟

قال:خلق أبدانهم كأبدان الحيتان و رؤوسهم رؤوس الطيور و لهم أعراف كأعراف الديكة و بغابغ كبغابغ الديكة و أجنحة كأجنحة الطير من ألوان أشدّ بياضا من الفضّة المجلوّة.

فقال الخليفة:هلم الطشت،فجئت بها و فيها ذلك الخلق و إذا هو و الله كما وصفه جعفر فلمّا نظر إليه جعفر قال:هذا هو الخلق الذي يسكن الموج المكفوف.فأذن له بالإنصراف فلمّا خرج قال:ويلك يا ربيع هذا الشجي المعترض في حلقي من أعلم الناس (1).

و في كتاب المهج حديث طويل و فيه:أنّ المنصور العبّاسي أشخص الصادق عليه السّلام من المدينة إلي العراق قاصدا قتله فدخل عليه و هو يدعو فلمّا وصل إليه سكن غضبه و أجلسه معه علي السرير و قال له:يا أبا عبد الله إنّما أحضرتك لأشكو إليك أهلك قطعوا رحمي و ألّبوا الناس عليّ،فقال جعفر:يا أمير المؤمنين فأين يعدل بك عن سلفك الصالح؛إنّ أيّوب عليه السّلام إبتلي فصبر و أنّ يوسف ظلم فغفر و أنّ سليمان أعطي فشكر.

فقال المنصور:قد صبرت و غفرت و شكرت ثمّ قال:يا أبا عبد الله حدّثنا حديثا كنت سمعته منك في صلة الأرحام،قال:نعم حدّثني أبي عن جدّي أنّ رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم قال:البرّ و صلة الأرحام عمارة الدّنيا و زيادة الأعمار.

قال:ليس هذا هو قال:قال رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم:من أحبّ أن ينسأ في أجله و يعافي في بدنه فليصل رحمه قال:ليس هذا،قال:إنّ رسول الله صلّي اللّه عليه و اله و سلّم قال:رأيت رحما متعلّقة بالعرش تشكو إلي الله تعالي قاطعها،فقلت:يا جبرئيل كم بينهم؟

قال:سبعة آباء،قال:ليس هذا قال:إنّ رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم قال:إحتضر بار و في جواره رجل عاق فقال الله عزّ و جلّ لملك الموت:كم بقي من أجل العاق؟2.

ص: 82


1- البحار:170/47،و كشف الغمة:413/2.

قال:ثلاثون سنة قال:حوّلها إلي هذا البار.

فقال المنصور:يا غلام ائتني بالغالية يعني الطيب فعطّره بيده و أركبه دابّته و سرّحه إلي منزله و الدّعاء موجود في ذلك الكتاب (1).

و عن محمّد بن الربيع الحاجب قال:قعد المنصور يوما في قصره في القبّة الخضراء و كانت قبل قتل محمّد و إبراهيم تدعي الحمراء و كان له يوم يقعد فيه يسمّي يوم الذبح و قد كان أشخص جعفر بن محمّد من المدينة فلم يزل في الحمراء نهاره كلّه حتي مضي أكثر الليل فدعي أبي الربيع فقال:يا ربيع إنّك تعرف موضعك منّي و أنّي يكون لك الخير فسر الساعة إلي جعفر بن محمّد فائتني به علي الحال الذي تجده عليه لا تغيّر شيئا ممّا هو عليه.

فقلت:إنّا لله و إنّا إليه راجعون و إن أتيت به علي ما أراه من غضبه قتله و ذهبت الآخرة و إن لم آت به قتلني و قتل نسلي فمالت نفسي إلي الدّنيا.

قال محمّد بن الربيع:فدعاني أبي و كنت أغلظ أولاده قلبا،فقال:إمض إلي جعفر بن محمّد فتسلّق علي حائطه و لا تستفتح عليه بابا فيغيّر بعض ما هو عليه فأت به علي الحال التي هو فيها فأتيته و قد ذهب الليل إلاّ أقلّه فأمرت بنصب السلالم و تسلّقت الحائط فوجدته قائما يصلّي و عليه قميص و منديل قد ائتزر به فلمّا سلّم من صلاته قلت:أجب أمير المؤمنين.

فقال:دعني أدعو و ألبس ثيابي.

فقلت:ليس إلي ذلك سبيل،قال:فأدخل المغتسل فأتطهّر،قلت:لا،فأخرجته حافيا حاسرا في قميصه و منديله و كان قد جاوز السبعين فلمّا مضي بعض الطريق ضعف فرحمته و نعلته نعل رجل كان معنا ثمّ صرنا إلي الربيع فسمعته و هو يقول له:ويلك يا ربيع قد أبطأ الرجل فلمّا أن وقعت عين الربيع علي جعفر بن محمّد بكي و كان الربيع يتيشّيع فقال له عليه السّلام:يا ربيع أعلم ميلك إلينا فدعني اصلّي ركعتين و أدعو،قال:شأنك و ما تشاء،فصلّي ركعتين خفّفهما ثمّ دعا بعدهما بدعاء لم أفهمه فلمّا فرغ أخذ الربيع بذراعيه فأدخله علي المنصور فلمّا صار في صحن الإيوان حرّك شفتيه فقال له:

يا جعفر ما تدع حسدك و إفسادك علي بني العبّاس.

فقال:يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئا من هذا و لقد كنت في ولاية بني أميّة و أنت تعلم أنّهم أعدي الخلق لنا و لكم و لا حقّ لهم في هذا الأمر فما بغيت عليهم و كيف أصنع الآن و أنت ابن عمّي و أكثر الناس بي عطاء و برّا؟فأطرق المنصور ساعة و كان تحت لبدها (2)سيف كان لا يفارقه إذا قعد في القبّة فأخرجه و أخرج إليه كتبا و قال:هذه كتبك إلي أهل خراسان تدعوهم إلي نقض بيعتي.د.

ص: 83


1- مستدرك الوسائل:176/13 ح 6،و البحار:194/47.
2- اللبد:الصوف المتلبد.

فقال عليه السّلام:ما فعلت و لا أستحلّ ذلك و إنّي لمن يعتقد طاعتك علي كلّ حال و قد بلغت من السنّ ما أضعفني عن ذلك لو أردته فصيّرني في بعض جيوشك حتّي يأتيني الموت فهو منّي قريب.

فقال:لا و لا كرامة ثمّ ضرب يده إلي السيف و سلّ منه مقدار شبر و أخذ بمقبضه فقلت:إنّا لله ذهب و الله الرجل ثمّ ردّ السيف ثمّ قال:يا جعفر أما تستحي مع هذه الشيبة أن تنطق بالباطل و تشقّ عصا المسلمين و تطرح الفتنة بين الرعية و الأولياء؟

فقال:ما فعلت و لا هذه كتبي و لا خطّي فانتضي من السيف ذراعا.

فقلت في نفسي:إن أمرني بقتله عصيته و ضربت المنصور و إن أتي ذلك عليّ و علي ولدي، فأقبل يعاتبه و جعفر يعتذر ثمّ انتضي السيف و أطرق ساعة ثمّ رفع رأسه و قال:أظنّك صادقا:يا ربيع هات الطيب فطيّبه و أعطاه عشرة آلاف درهم و قال لي:شيّعه إلي منزله مكرّما و خيّره بين المقام عندنا فنكرمه و بين الإنصراف إلي مدينة جدّه،فخرجنا من عنده و أنا مسرور بسلامة جعفر عليه السّلام و متعجّب مما أراده به و ما صار إليه من كفايته،فلمّا صرنا في الصحن قلت له:يابن رسول الله إنّي لأعجب ممّا صار إليه أمرك و قد سمعتك تدعو عقيب الركعتين و رأيتك قد حرّكت شفتيك في الصحن.

فقال:أمّا الأوّل فدعاء الكرب و الشدائد،و أمّا الذي حرّكت به شفتي فهو دعاء رسول الله يوم الأحزاب،فسرت معه إلي المنزل فأملي عليّ الدّعاء الأوّل و الثاني و وهبني أرضا بالمدينة أعطي بها عشرة آلاف دينار.

قال الربيع:فلمّا كان بعد أيّام وجدت خلوة من المنصور قلت:يا أمير المؤمنين رأيت غضبك علي جعفر حتّي هممت بقتله ثمّ انجلي عنك ذلك كلّه حتّي طيّبته بالغالية التي لا يتطيّب بها إلاّ أنت؟

فقال:ويحك يا ربيع لا أحبّ أن يبلغ هذا ولد فاطمة فيفتخرون به علينا و لكن لا أكتمك شيئا.أخرج من في الدار فأخرجتهم فقال:لئن ألقيت ما أقول لك إلي أحد لأقتلنّك و ولدك و أهلك.

قلت:أعوذ بالله.

قال:كنت مصرّا علي قتل جعفر و أن لا أسمع له قولا و لا أقبل له عذرا و كان أمره و إن كان ممّن لا يخرج بسيف أغلظ عندي و أهمّ عليّ من أمر عبد الله بن الحسن و قد كنت أعلم هذا منه و من آبائه علي عهد بني أميّة فلمّا هممت به في المرّة الاولي فإذا أنا برسول الله متمثّلا لي حائلا بيني و بينه باسطا كفّيه حاسرا عن ذراعيه قد عبس و قطب في وجهي،ثمّ هممت به في المرّة الثانية و انتضيت من السيف أكثر ممّا انتضيت منه في المرّة الاولي فإذا أنا برسول الله قد قرب منّي و همّ بي أن لو فعلت لفعل ثمّ تجاسرت و قلت:هذا بعض أفعال الجنّ،ثمّ انتضيت السيف في الثالثة فتمثّل لي رسول الله باسطا ذراعيه حتّي كاد أن يضع يده عليّ فخفت و الله لو فعلت لفعل و كان منّي ما

ص: 84

رأيت و هؤلاء من بني فاطمة لا يجهل حقّهم إلاّ جاهل لا حظّ له في الشريعة فإيّاك أن يسمع هذا منك أحد.

قال محمّد بن الربيع:فما حدّثني به أبي حتي مات المنصور و ما حدّثت أنا به حتّي مات المهدي و موسي و هارون و قتل محمّد،انتهي ملخّصا بألفاظه (1).

و في ذلك الكتاب أيضا عن محمّد الكندر قال:كنت من جملة ندماء المنصور و خواصّه فرأيته يوما مغتّما فقلت:ما هذه الفكرة يا أمير المؤمنين؟

فقال:لقد هلك من أولاد فاطمة مقدار مائة و قد بقي سيّدهم و إمامهم جعفر الصادق.

فقلت:إنّه رجل أنحلته العبادة و اشتغل بالله عن طلب الخلافة،فقال:يا محمّد و قد علمت أنّك تقول به و بإمامته و لكنّ الملك عقيم و قد آليت علي نفسي أن لا أمسي عشيّتي هذه حتّي أقتله.

قال محمّد:و الله لقد ضاقت عليّ الأرض برحبها.ثمّ دعي سيّافا و قال له:إذا أنا أحضرت الصادق و شغلته بالحديث و وضعت قلنسوتي علي رأسي فهي العلامة بيني و بينك فاضرب عنقه،ثمّ حضر أبو عبد الله عليه السّلام في تلك الساعة و لحقته بالدار و هو يحرّك شفتيه فرأيت القصر يموج كأنّه سفينة في لجج البحار فرأيت المنصور و هو يمشي بين يديه حافيا مكشوف الرأس قد اصطكّت أسنانه و ارتعدت فرائصه يحمرّ ساعة و يصفرّ أخري و أخذ بعضد أبي عبد الله عليه السّلام و أجلسه علي سرير ملكه و جثا بين يديه كالعبد بين يدي مولاه.

ثمّ قال:يابن رسول الله ما الذي جاء بك في هذه الساعة؟

قال:جئتك يا أمير المؤمنين طاعة لله عزّ و جلّ و لرسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم و لأمير المؤمنين أدام الله عزّه.

قال:ما دعوتك و الغلط من الرسول ثمّ قال:سل حاجتك.

قال:أن لا تدعوني لغير شغل.

قال:لك ذلك و غير ذلك.

ثمّ انصرف و حمدت الله كثيرا فنام المنصور إلي نصف الليل،فلمّا انتبه قال أحدّثك:لمّا أحضرت الصادق و هممت بقتله رأيت تنينا قد حوي بذنبه جميع داري و قد وضع شفته العليا في أعلاها و السفلي في أسفلها و هو يكلّمني بلسان عربيّ:يا منصور إنّ الله تعالي بعثني إليك إن أنت أحدثت في أبي عبد الله عليه السّلام حدثا فأنا أبتلعك و من في دارك،فطاش عقلي و ارتعدت فرائصي.

قال محمّد:قلت:هذا ليس بعجب يا أمير المؤمنين و عنده من الأسماء و الدعوات التي لو قرأها علي الليل لأنار و لو قرأها علي النهار لأظلم و لو قرأها علي الأمواج في البحور لسكنت.6.

ص: 85


1- البحار:196/47-198،و وفيات الائمة:236.

قال محمّد:فقلت له بعد أيّام:أتأذن لي في زيارة الصادق؟

فأجاب،فدخلت عليه و قلت:سألتك بالله يا مولاي أن تعلّمني الدّعاء الذي كنت تقرأه عند دخولك إلي المنصور.

قال:ذلك لك،فعلّمه الدّعاء،و هو مذكور في ذلك الكتاب (1).

و عن الربيع الحاجب قال:دعاني المنصور يوما فقال:ما تري ما يبلغني عن جعفر بن محمّد و الله لأقتلنّه فدعي بقائد من قوّاده فقال:إنطلق إلي المدينة في ألف رجل فاهجم علي جعفر بن محمّد و خذ رأسه و رأس ابنه موسي،فخرج القائد حتّي قدم المدينة فأخبر جعفر بن محمّد فأمر فأتي بناقتين فأوثقهما علي باب البيت و دعي بأولاده موسي و إسماعيل و محمّد و عبد الله فجمعهم و قعد في المحراب و جعل يهمهم.

قال أبو نصر:فحدّثني سيّدي موسي بن جعفر أنّ القائد هجم عليه و هو يدعو فقال:خذوا رأسيّ هذين القائمين ففعلوا و انطلقوا إلي المنصور فلمّا دخلوا عليه اطّلع المنصور إلي المخلاة التي كان فيها الرأسان فإذا هما رأسا ناقتين،فقال:أيّ شيء هذا؟

قال:يا سيّدي ما كان بأسرع من أنّي دخلت البيت الذي فيه جعفر فرأيت شخصين قائمين خيّل لي أنّهما جعفر و موسي فأخذت رأسيهما.

فقال المنصور:أكتم علي.فما حدّث به أحدا حتّي مات.

قال الربيع:فسألت موسي بن جعفر عليهما السّلام عن الدّعاء فقال:هو دعاء الحجاب و ذكر الدعاء (2).

***

بين الإمام الصادق عليه السّلام و زنديق

عن سليمان بن الخصيب قال:حدثني الثقة قال:حدثنا أبو جمعة رحمة بن صدقة،قال:أتي رجل من بني أمية و كان زنديقا جعفر بن محمد عليهما السّلام فقال:قول الله عز و جل في كتابه المص أي شي أراد بهذا؟و أي شي فيه من الحلال و الحرام؟و أي شي فيه مما ينتفع به الناس؟

قال:فاغتاظ من ذلك جعفر بن محمد عليه السّلام فقال:أمسك ويحك،الألف واحد،و اللام ثلاثون،و الميم أربعون،و الصاد تسعون،كم معك؟

فقال الرجل:أحد و ثلاثون و مائة.

ص: 86


1- عيون المعجزات:82،و البحار:203/47 ح 42.
2- البحار:205/47 ح 46.

فقال له جعفر بن محمد عليهما السّلام:إذا انقضت سنة إحدي و ثلاثين و مائة إنقضي ملك أصحابك.

قال:فنظرنا فلما انقضت سنة إحدي و ثلاثين و مائة يوم عاشوراء دخل المسودة (1)الكوفة و ذهب ملكهم (2).

قال العلامة المجلسي في البحار:هذا الخبر لا يستقيم إذا حمل علي مدة ملكهم لعنهم الله، لأنه كان ألف شهر،و لا علي تاريخ الهجرة مع بعد ابتنائه عليه لتأخر حدوث هذا التاريخ عن زمن الرسول صلي الله عليه و آله،و لا علي تاريخ عام الفيل لأنه يزيد علي أحد و ستين و مائة،مع أن أكثر نسخ الكتاب أحد و ثلاثون و مائة،و هو لا يوافق عدد الحروف،و قد أشكل علي حل هذا الخبر زمانا حتي عثرت علي اختلاف ترتيب الأباجاد في كتاب عيون الحساب،فوجدت فيه أن ترتيب أبجد عند المغاربة هكذا:أبجد،هوز،حطي،كلمن،صعفص،قرست،ثخذ،ظغش،فالصاد المهملة عندهم ستون،و الضاد المعجمة تسعون،و السين المهملة ثلاثمائة،و الظاء المعجمة ثمان مائة، و الغين المعجمة تسعمائة،و الشين المعجمة ألف،فحينئذ يستقيم ما في أكثر النسخ من عدد المجموع،و لعل الإشتباه في قوله:و الصاد تسعون من النسّاخ لظنهم أنه مبني علي المشهور،و حينئذ يستقيم إذا بني علي البعثة،أو علي نزول الآية كما لا يخفي علي المتأمل،و الله يعلم (3).

و من أسئلة الزنديق الذي سأل أبا عبد الله عليه السّلام عن مسائل كثيرة:أن قال:كيف يعبد الله الخلق و لم يروه؟

قال عليه السّلام:رأته القلوب بنور الإيمان،و أثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان،و أبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب و إحكام التأليف،ثم الرسل و آياتها و الكتب و محكماتها،و اقتصرت العلماء علي ما رأت من عظمته دون رؤيته،قال:أليس هو قادرا أن يظهر لهم حتي يروه و يعرفوه فيعبد علي يقين؟

قال:ليس للمحال جواب،قال:فمن أين أثبت أنبياء و رسلا؟

قال عليه السّلام:إنّا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا و عن جميع ما خلق و كان ذلك الصانع حكيما لم يجز أن يشاهده خلقه و لا أن يلامسوه و لا أن يباشرهم و يباشروه و يحاجهم و يحاجوه ثبت أن له سفراء في خلقه و عباده يدلونهم علي مصالحهم و منافعهم و ما به بقاؤهم و في تركه فناؤهم، فثبت الآمرون و الناهون عن الحكيم العليم في خلقه،و ثبت عند ذلك أن له معبرين و هم الأنبياء و صفوته من خلقه،حكماء مؤدبين بالحكمة،مبعوثين عنه،مشاركين للناس في أحوالهم علي0.

ص: 87


1- أي أصحاب الدعوة العباسية،سمي بها لأنهم كانوا يلبسون ثيابا سودا.
2- معاني الاخبار:ص 13.
3- بحار الأنوار،العلامة المجلسي 165/10.

مشاركتهم لهم في الخلق و التركيب،مؤدين من عند الحكيم العليم بالحكمة و الدلائل و البراهين و الشواهد:من إحياء الموتي،و إبراء الاكمه و الابرص،فلا تخلو الأرض من حجة يكون معه علم يدل علي صدق مقال الرسول و وجوب عدالته.ثم قال عليه السّلام بعد ذلك:نحن نزعم أن الأرض لا تخلو من حجة،و لا تكون الحجة إلا من عقب الأنبياء،ما بعث الله نبيا قط من غير نسل الأنبياء، و ذلك أن الله تعالي شرع لبني آدم طريقا منيرا،و أخرج من آدم نسلا طاهرا طيبا،أخرج منه الأنبياء و الرسل،هم صفوة الله،و خلص الجوهر،طهروا في الأصلاب،و حفظوا في الأرحام،لم يصبهم سفاح الجاهلية و لا شاب أنسابهم،لأن الله عز و جل جعلهم في موضع لا يكون أعلي درجة و شرفا منه فمن كان خازن علم الله و أمين غيبه و مستودع سره و حجته علي خلقه و ترجمانه و لسانه لا يكون إلا بهذه الصفة،فالحجة لا يكون إلا من نسلهم يقوم مقام النبي في الخلق بالعلم الذي عنده و ورثه عن الرسول،إن جحده الناس سكت،و كان بقاء ما عليه الناس قليلا مما في أيديهم من علم الرسول علي اختلاف منهم فيه،قد أقاموا بينهم الرأي و القياس،إن هم أقروا به و أطاعوه و أخذوا عنه ظهر العدل،و ذهب الإختلاف و التشاجر،و استوي الأمر،و أبان الدين،و غلب علي الشك اليقين،و لا يكاد أن يقر الناس به أو يحقوا له بعد فقد الرسول،و ما مضي رسول و لا نبي قط لم تختلف أمّته من بعده،و إنما كان علة اختلافهم خلافهم علي الحجة و تركهم إياه قال:فما يصنع بالحجة إذا كان بهذه الصفة؟

قال:قد يقتدي به و يخرج عنه الشي بعد الشي مما فيه منفعة الخلق و صلاحهم،فإن أحدثوا في دين الله شيئا أعلمهم،و إن زادوا فيه أخبرهم،و إن نقصوا منه شيئا أفادهم ثم قال الزنديق:من أي شيء خلق الأشياء؟

قال عليه السّلام:لا من شيء.

فقال:فكيف يجئ من لا شيء شيء؟

قال عليه السّلام:إن الأشياء لا تخلو أن تكون خلقت من شيء أو من غير شيء فإن كانت خلقت من شيء كان معه فإن ذلك الشي قديم،و القديم لا يكون حديثا و لا يفني و لا يتغير،و لا يخلو ذلك الشيء من أن يكون جوهرا واحدا و لونا واحدا،فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة و الجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتي؟و من أين جاء الموت إن كان الشي الذي أنشئت منه الاشياء حيا؟أو من أين جاءت الحياة إن كان ذلك الشيء ميتا؟و لا يجوز أن يكون من حي و ميت قديمين لم يزالا،لأن الحي لا يجئ منه ميت و هو لم يزل حيا،و لا يجوز أيضا أن يكون الميت قديما لم يزل بما هو به من الموت،لأن الميت لا قدرة له و لا بقاء قال:فمن أين قالوا أنّ الأشياء أزلية؟

قال:هذه مقالة قوم جحدوا مدبر الأشياء فكذبوا الرسل و مقالتهم و الأنبياء و ما أنبؤوا عنه،

ص: 88

و سموا كتبهم أساطير الأولين،و وضعوا لأنفسهم دينا بآرائهم و استحسانهم،إنّ الأشياء تدل علي حدوثها من دوران الفلك بما فيه و هي سبعة أفلاك،و تحرك الأرض و من عليها،و انقلاب الأزمنة و إختلاف الوقت و الحوادث التي تحدث في العالم من زيادة و نقصان و موت و بلي و اضطرار النفس إلي الاقرار بأنّ لها صانعا و مدبرا،أما تري الحلو يصير حامضا و العذب مرا،و الجديد باليا،و كل إلي تغير و فناء؟

قال:فلم يزل صانع العالم عالما بالاحداث التي أحدثها أن يحدثها؟

قال:لم يزل يعلم فخلق ما علم.

قال:أمختلف هو أم مؤتلف؟

قال:لا يليق به الإختلاف و لا الاتلاف،إنما يختلف المتجزئ،و يأتلف المتبعض،فلا يقال له:مؤتلف و لا مختلف.قال:فكيف هو الله الواحد؟

قال:واحد في ذاته،فلا واحد كواحد،لأن ما سواه من الواحد متجزئ،و هو تبارك و تعالي واحد لا متجزئ و لا يقع عليه العد.

قال:فلأي علّة خلق الخلق و هو غير محتاج إليهم،و لا مضطر إلي خلقهم،و لا يليق به العبث بنا؟

قال:خلقهم لإظهار حكمته،و إنفاذ علمه،و إمضاء تدبيره.

قال:و كيف لا يقتصر علي هذه الدار فيجعلها دار ثوابه و محتبس عقابه؟

قال:إن هذه الدار دار ابتلاء،و متجر الثواب،و مكتسب الرحمة،ملئت آفات،و طبقت شهوات ليختبر فيها عبيده بالطاعة،فلا يكون دار عمل دار جزاء قال:أفمن حكمته أن جعل لنفسه عدوا و قد كان و لا عدو له؟

فخلق كما زعمت إبليس فسلطه علي عبيده يدعوهم إلي خلاف طاعته،و يأمرهم بمعصيته، و جعل له من القوة كما زعمت يصل بلطف الحيلة إلي قلوبهم فيوسوس إليهم فيشككهم في ربهم و يلبس عليهم دينهم،فيزيلهم عن معرفته حتي أنكر قوم لما وسوس إليهم ربوبيته و عبدوا سواه،فلم سلط عدوه علي عبيده و جعل له السبيل إلي إغوائهم؟

قال:إن هذا العدو الذي ذكرت لا يضره عداوته،و لا ينفعه ولايته،عداوته لا تنقص من ملكه شيئا،و ولايته لا تزيد فيه شيئا،و إنما يتقي العدو إذا كان في قوة يضر و ينفع،إن هم بملك أخذه،أو بسلطان قهره فأما إبليس فعبد خلقه ليعبده و يوحده،و قد علم حين خلقه ما هو و إلي ما يصير إليه،فلم يزل يعبده مع ملائكته حتي امتحنه بسجود آدم فامتنع من ذلك حسدا و شقاوة غلبت عليه فلعنه عند ذلك و أخرجه عن صفوف الملائكة،و أنزله الأرض ملعونا مدحورا،فصار عدو آدم

ص: 89

و ولده بذلك السبب،و ماله من السلطنة علي ولده إلا الوسوسة و الدعاء إلي غير السبيل،و قد أقر مع معصيته لربه بربوبيته.

قال:أفيصلح السجود لغير الله؟

قال:لا قال:فكيف أمر الله الملائكة بالسجود لآدم؟

قال:إن من سجد بأمر الله فقد سجد لله،فكان سجوده لله إذا كان عن أمر الله.

قال:فمن أين أصل الكهانة؟و من أين يخبر الناس بما يحدث؟

قال:إن الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل،كان الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الأمور بينهم فيخبرهم بأشياء تحدث و ذلك في وجوه شتي:من فراسة العين،و ذكاء القلب،و وسوسة النفس،و فطنة الروح مع قذف في قلبه،لأن ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة فبذلك يعلم الشيطان و يؤديه إلي الكاهن و يخبره بما يحدث في المنازل و الأطراف،و أما أخبار السماء فإن الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك و هي لا تحجب و لا ترجم بالنجوم،و إنما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سبب يشاكل الوحي من خبر السماء و لبس علي أهل الأرض ما جاءهم عن الله لإثبات الحجة و نفي الشبه،و كان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من الله في خلقه فيختطفها ثم يهبط بها إلي الأرض فيقذفها إلي الكاهن،فإذا قد زاد من كلمات عنده فيختلط الحق بالباطل،فما أصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به فهو ما أداه إليه شيطانه مما سمعه،و ما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه،فمذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة،و اليوم إنما تؤدي الشياطين إلي كهانها أخبار الناس مما يتحدثون به و ما يحدثونه،و الشياطين تؤدي إلي الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث من سارق سرق،و قاتل قتل،و غائب غاب،و هم بمنزلة الناس أيضا صدوق و كذوب فقال:كيف صعدت الشياطين إلي السماء و هم أمثال الناس في الخلقة و الكثافة،و قد كانوا يبنون لسليمان بن داود من البناء ما يعجز عنه ولد آدم؟

قال غلظوا لسليمان كما سخروا،و هم خلق رقيق غذاؤهم التنسم،و الدليل علي ذلك صعودهم إلي السماء لاستراق السمع،و لا يقدر الجسم الكثيف علي الارتقاء إليها إلا بسلم أو سبب.

قال:فأخبرني عن السحر ما أصله؟و كيف يقدر الساحر علي ما يوصف من عجائبه و ما يفعل؟

قال إن السحر علي وجوه شتي:وجه منها بمنزلة الطب كما أن الاطباء وضعوا لكل داء دواء فكذلك علم السحر احتالوا لكل صحة آفة،و لكل عافية عاهة،و لكل معني حيلة.و نوع منه آخر خطفة و سرعة و مخاريق و خفة.و نوع منه ما يأخذ أولياء الشياطين عنهم.

قال:فمن أين علم الشياطين السحر؟

ص: 90

قال:من حيث عرف الأطباء الطب،بعضه تجربة،و بعضه علاج.

قال:فما تقول في الملكين هاروت و ماروت و ما يقول الناس بأنهما يعلمان الناس السحر؟

قال:إنهما موضع ابتلاء و موقف فتنة،تسبيحهما:اليوم لو فعل الإنسان كذا و كذا لكان كذا، و لو يعالج بكذا و كذا لصار كذا،أصناف سحر،فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما فيقولان لهم:إنما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم و لا ينفعكم.

قال:أفيقدر الساحر أن يجعل الإنسان بسحره في صورة الكلب و الحمار أو غير ذلك؟

قال:هو أعجز من ذلك و أضعف من أن يغير خلق الله،إن من أبطل ما ركبه الله و صوره و غيره فهو شريك لله في خلقه،تعالي عن ذلك علوا كبيرا،لو قدر الساحر علي ما و صفت لدفع عن نفسه الهموم و الآفة و الامراض،و لنفي البياض عن رأسه و الفقر عن ساحته،و إن من أكبر السحر النميمة،يفرق بها بين المتحابين،و يجلب العداوة علي المتصافيين،و يسفك بها الدماء،و يهدم بها الدور،و يكشف الستور،و النمام أشر من وطئ علي الأرض بقدم،فأقرب أقاويل السحر من الصواب أنه بمنزلة الطب،إن الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء،فجاء الطبيب فعالجه بغير ذلك العلاج فأبرئ.

قال:فما بال ولد آدم فيهم شريف و وضيع؟

قال:الشريف:المطيع،و الوضيع:العاصي،قال:أليس فيهم فاضل و مفضول؟

قال:إنما يتفاضلون بالتقوي.

قال:فتقول:إن ولد آدم كلهم سواء في الأصل لا يتفاضلون إلا بالتقوي؟

قال:نعم إني وجدت أصل الخلق التراب،و الاب آدم،و الام حواء،خلقهم إله واحد و هم عبيده،إن الله عز و جل اختار من ولد آدم اناسا طهر ميلادهم،و طيب أبدانهم،و حفظهم في أصلاب الرجال و أرحام النساء،أخرج منهم الأنبياء و الرسل،فهم أزكي فروع آدم فعل ذلك لا لامر استحقوه من الله عز و جل،و لكن علم الله منهم حين ذرأهم أنهم يطيعونه و يعبدونه و لا يشركون به شيئا، فهؤلاء بالطاعة نالوا من الله الكرامة و المنزلة الرفيعة عنده،و هؤلاء الذين لهم الشرف و الفضل و الحسب،و سائر الناس سواء،ألا من اتقي الله أكرمه و من أطاعه أحبه،و من أحبه لم يعذبه بالنار.

قال:فأخبرني عن الله عزّ و جلّ كيف لم يخلق الخلق كلهم مطيعين موحدين و كان علي ذلك قادرا؟

قال عليه السّلام:لو خلقهم مطيعين لم يكن لهم ثواب،لأن الطاعة إذا ما كانت فعلهم،لم تكن جنة و لا نار،و لكن خلق الخلق فأمرهم بطاعته و نهاهم عن معصيته،و احتج عليهم برسله و قطع عذرهم بكتبه ليكونوا هم الذين يطيعون و يعصون و يستوجبون بطاعتهم له الثواب و بمعصيتهم إياه العقاب.

قال:فالعمل الصالح من العبد هو فعله؟و العمل الشر من العبد هو فعله؟

ص: 91

قال:العمل الصالح العبد يفعله و الله به أمره،و العمل الشر العبد يفعله و الله عنه نهاه.

قال:أليس فعله بالآلة التي ركبها فيه؟

قال:نعم و لكن بالآلة التي عمل بها الخير قدر بها علي الشر الذي نهاه عنه.

قال:فإلي العبد من الأمر شيء؟

قال:ما نهاه الله عن شيء إلا و قد علم أنه يطيق تركه،و لا أمره بشيء إلا و قد علم أنه يستطيع فعله،لأنه ليس من صفته الجور و العبث و الظلم و تكليف العباد ما لا يطيقون.

قال:فمن خلقه الله كافرا يستطيع الإيمان و له عليه بتركه الإيمان حجة؟

قال عليه السّلام:إن الله خلق خلقه جميعا مسلمين،أمرهم و نهاهم،و الكفر إسم يلحق الفعل حين يفعله العبد،و لم يخلق الله العبد حين خلقه كافرا،إنه إنما كفر من بعد أن بلغ وقتا لزمته الحجة من الله تعالي،فعرض عليه الحق فجحده،فبإنكار الحق صار كافرا.

قال:فيجوز أن يقدر علي العبد الشر و يأمره بالخير و هو لا يستطيع الخير أن يعمله و يعذبه عليه؟

قال:إنه لا يليق بعدل الله و رأفته أن يقدر علي العبد الشر و يريده منه،ثم يأمره بما يعلم أنه لا يستطيع أخذه و الإنتزاع عما لا يقدر علي تركه،ثم يعذبه علي تركه أمره الذي علم أنه لا يستطيع أخذه.

قال:فبماذا استحق الذين أغناهم و أوسع عليهم من رزقه الغني و السعة؟و بماذا استحق الفقراء التقتير و الضيق؟

قال:إختبر الأغنياء بما أعطاهم لينظر كيف شكرهم،و الفقراء إنما منعهم لينظر كيف صبرهم.

و وجه آخر أنه عجل لقوم في حياتهم،و لقوم آخر ليوم حاجتهم إليه،و وجه آخر أنه علم احتمال كل قوم فأعطاهم علي قدر احتمالهم،و لو كان الخلق كلهم أغنياء لخربت الدنيا و فسد التدبير و صار أهلها إلي الفناء،و لكن جعل بعضهم لبعض عونا،و جعل أسباب أرزاقهم في ضروب الأعمال و أنواع الصناعات،و ذلك أدوم في البقاء و أصح في التدبير،ثم اختبر الأغنياء باستعطاف الفقراء كل ذلك لطف و رحمة من الحكيم الذي لا يعاب تدبيره.

قال:فبما استحق الطفل الصغير ما يصيبه من الأوجاع و الأمراض بلا ذنب عمله و لا جرم سلف منه؟

قال:إن المرض علي وجوه شتي:مرض بلوي،و مرض عقوبة،و مرض جعل عليه الفناء و أنت تزعم أن ذلك من أغذية رديئة،و أشربة و بيئة،أو من علة كانت بأمه،و تزعم أن من أحسن

ص: 92

السياسة لبدنه و أجمل النظر في أحوال نفسه و عرف الضار مما يأكل من النافع لم يمرض،و تميل في قولك إلي من يزعم أنه لا يكون المرض و الموت إلا من المطعم و المشرب،قد مات أرسطاطاليس معلم الأطباء،و أفلاطون رئيس الحكماء،و جالينوس شاخ و دق بصره،و ما دفع الموت حين نزل بساحته،و لم يألوا حفظ أنفسهم و النظر لما يوافقها،كم من مريض قد زاده المعالج سقما!و كم من طبيب عالم و بصير بالأدواء و الأدوية ماهر مات،و عاش الجاهل بالطب بعده زمانا!فلا ذاك نفعه علمه بطبه عند انقطاع مدته و حضور أجله،و لا هذا ضره الجهل بالطب مع بقاء المدة و تأخّر الأجل.

ثم قال عليه السّلام:إن أكثر الأطباء قالوا:إن علم الطب لم يعرفه الأنبياء،فما نصنع علي قياس قولهم بعلم زعموا ليس تعرفه الأنبياء الذين كانوا حجج الله علي خلقه،و امناءه في أرضه،و خزان علمه و ورثة حكمته،و الأدلاّء عليه،و الدعاة إلي طاعته؟

ثم إني وجدت أكثرهم يتنكب في مذهبه سبل الأنبياء و يكذب الكتب المنزلة عليهم من الله تبارك و تعالي،فهذا الذي أزهدني في طلبه و حامليه.

قال فكيف تزهد في قوم و أنت مؤد بهم و كبيرهم؟

قال:إني لما رأيت الرجل منهم الماهر في طبه إذا سألته لم يقف علي حدود نفسه،و تأليف بدنه و تركيب أعضائه،و مجري الأغذية في جوارحه و مخرج نفسه،و حركة لسانه،و مستقر كلامه، و نور بصره،و انتشار ذكره،و اختلاف شهواته،و انسكاب عبراته،و مجمع سمعه،و موضع عقله، و مسكن روحه،و مخرج عطسته،و هيج غمومه،و أسباب سروره،و علة ما حدث فيه من بكم و صمم و غير ذلك لم يكن عندهم في ذلك أكثر من أقاويل استحسنوها و علل فيما بينهم جوزوها.

قال:فأخبرني عن الله عز و جل أله شريك في ملكه،أو مضاد له في تدبيره؟

قال:لا،قال:فما هذا الفساد الموجود في هذا العالم من سباع ضارية،و هوام مخوفة، و خلق كثير مشوهة،و دود و بعوض و حيات و عقارب،و زعمت أنه لا يخلق شيئا إلا لعلة لأنه لا يعبث؟

قال:ألست تزعم أن العقارب تنفع من وجع المثانة و الحصاة،و لمن يبول في الفراش،و أن أفضل الترياق ما عولج من لحوم الافاعي،و أن لحومها إذا أكلها المجذوم لشبت (1)نفعه،و تزعم أن الدود الاحمر الذي يصاب تحت الأرض نافع للآكلة؟

قال:نعم.

قال عليه السّلام:فأما البعوض و البق فبعض سببه أنه جعل أرزاق الطير،و أهان بها جبارا تمرد عليي.

ص: 93


1- في هامش البحار(173/10):في نسخة:بشبت،و الشبت:نبات كالتمرة يقال له(رز الدجاج)،و في نسخة:بسبب ينفعه،و في نسخة ثالثة:بشب و السب،ملح معدني.

الله و تجبر و أنكر ربوبيته،فسلط الله عليه أضعف خلقه ليريه قدرته و عظمته و هي البعوض فدخلت في منخره حتي وصلت إلي دماغه فقتلته.و اعلم أنا لو وقفنا علي كل شيء خلقه الله لم خلقه و لأي شيء أنشأه لكنا قد ساويناه في علمه،و علمنا كل ما يعلم و استغنينا عنه و كنا و هو في العلم سواء.

قال:فأخبرني هل يعاب شيء من خلق الله و تدبيره؟

قال:لا.

قال:فإن الله خلق خلقه غرلا،أذلك منه حكمة أم عبث؟قال:بل حكمة منه؟

قال:غيرتم خلق الله و جعلتم فعلكم في قطع القلفة أصوب مما خلق الله لها و عبتم الاقلف (1)،و الله خلقه،و مدحتم الختان و هو فعلكم،أم تقولون:إن ذلك من الله كان خطأ غير حكمة؟!قال عليه السّلام:ذلك من الله حكمة و صواب غير أنه سن ذلك و أوجبه علي خلقه،كما أن المولود إذا خرج من بطن امه وجدنا سرته متصلة بسرة أمه كذلك خلقها الحكيم،فأمر العباد بقطعها و في تركها فساد بين للمولود و الأم،و كذلك أظفار الإنسان أمر إذا طالت أن تقلم،و كان قادرا يوم دبر خلقة الإنسان أن يخلقها خلقة لا تطول،و كذلك الشعر من الشارب و الرأس يطول فيجز،و كذلك الثيران خلقها فحولة و إخصاؤها أوفق،ليس في ذلك عيب في تقدير الله تعالي.

قال:ألست تقول:يقول الله:(أدعوني أستجب لكم)و قد نري المضطر يدعوه فلا يستجاب له،و المظلوم يستنصره علي عدوه فلا ينصره.

قال عليه السّلام:ويحك ما يدعوه أحد إلا استجاب له،أما الظالم فدعاؤه مردود إلي أن يتوب إليه،و أما المحق فإنه إذا دعاه استجاب له و صرف عنه البلاء من حيث لا يعلمه،و ادخّر له ثوابا جزيلا ليوم حاجته إليه،و إن لم يكن الأمر الذي سأل العبد خيرة له إن أعطاه أمسك عنه،و المؤمن العارف بالله ربما عز عليه أن يدعوه فيما لا يدري أصواب ذلك أم خطأ،و قد يسأل العبد ربه إهلاك من لم ينقطع مدته،و يسأل المطر وقتا،و لعله أوان لا يصلح فيه المطر لأنه أعرف بتدبير ما خلق من خلقه،و أشباه ذلك كثيرة،فافهم هذا.

قال:فأخبرني أيها الحكيم ما بال السماء لا ينزل منها إلي الأرض أحد،و لا يصعد من الأرض إليها بشر،و لا طريق إليها و لا مسلك؟

فلو نظر العباد في كل دهر مرة من يصعد إليها و ينزل لكان ذلك أثبت في الربوبية،و أنفي للشك،و أقوي لليقين و أجدر أن يعلم العباد أن هناك مدبرا،إليه يصعد الصاعد،و من عنده يهبط الهابط!

قال عليه السّلام:إن كل ما تري في الأرض من التدبير إنما هو ينزل من السماء و منها ما يظهر،أماف.

ص: 94


1- هو الاغلف.

تري الشمس منها تطلع،و هي نور النهار،و فيها قوام الدنيا،و لو حبست حار من عليها و هلك؟ و القمر منها يطلع،و هو نور الليل،و به يعلم عدد السنين و الحساب و الشهور و الأيام،و لو حبس لحار من عليها و فسد التدبير؟و في السماء النجوم التي يهتدي بها في ظلمات البر و البحر،و من السماء ينزل الغيث الذي فيه حياة كل شيء من الزرع و النبات و الأنعام،و كل الخلق لو حبس عنهم لما عاشوا،و الريح لو حبست أياما لفسدت الأشياء جميعا و تغيرت،ثم الغيم و الرعد و البرق و الصواعق كل ذلك إنما هو دليل علي أن هناك مدبرا يدبر كل شيء و من عنده ينزل،و قد كلم الله موسي عليه السّلام و ناجاه،و رفع الله عيسي بن مريم،و الملائكة تنزل من عنده غير أنك لا تؤمن بما لم تره بعينك،و فيما تراه بعينك كفاية أن تفهم و تعقل.

قال:فلو أن الله رد إلينا من الأموات في كل مائة عام لنسأله عمن مضي منا إلي ما صاروا و كيف حالهم و ما ذا لقوا بعد الموت و أي شي صنع بهم ليعمل الناس علي اليقين اضمحل الشك و ذهب الغل عن القلوب قال:إن هذه مقالة من أنكر الرسل و كذبهم،و لم يصدق بما جاؤوا به من عند الله إذا أخبروا و قالوا:إن الله أخبر في كتابه عز و جل علي لسان الأنبياء حال من مات منا، أفيكون أحد أصدق من الله قولا و من رسله؟و قد رجع إلي الدنيا ممن مات خلق كثير،منهم أصحاب الكهف أماتهم الله ثلاث مائة عام و تسعة ثم بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث ليقطع حجتهم و ليريهم قدرته و ليعلموا أنّ البعث حق،و أمات الله ارميا (1)النبي الذي نظر إلي خراب بيت المقدس و ما حوله حين غزاهم بخت نصر فقال:أني يحيي هذه الله بعد موتها،فأماته الله مائة عام ثم أحياه و نظر إلي أعضائه كيف تلتئم و كيف تلبس اللحم و إلي مفاصله و عروقه كيف توصل،فلما استوي قاعدا قال:أعلم أن الله علي كل شي قدير،و أحيا الله قوما خرجوا عن أوطانهم هاربين من الطاعون لا يحصي عددهم فأماتهم الله دهرا طويلا حتي بليت عظامهم و تقطعت أوصالهم و صاروا ترابا،فبعث الله تعالي في وقت أحب أن يري خلقه قدرته نبيا يقال له حزقيل فدعاهم فاجتمعت أبدانهم و رجعت فيها أرواحهم،و قاموا كهيئة يوم ماتوا لا يفتقدون من أعدادهم رجلا فعاشوا بعد ذلك دهرا طويلا،و أن الله أمات قوما خرجوا مع موسي حين توجه إلي الله فقالوا:أرنا الله جهرة، فأماتهم الله ثم أحياهم.

قال:فأخبرني عمن قال بتناسخ الأرواح من أي شي قالوا ذلك؟و بأي حجة قاموا علي مذاهبهم؟

قال:إن أصحاب التناسخ قد خلفوا وراءهم منهاج الدين و زينوا لأنفسهم الضلالات،ق.

ص: 95


1- قال الطبرسي قدس سره في البيان في تفسير قوله تعالي: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلي قَرْيَةٍ): و هو عزير،عن قتادة و عكرمة و السدي و هو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام،و قيل:هو ارميا عن وهب،و هو المروي عن ابي جعفر عليه السلام،و قيل:هو الخضر،عن ابن اسحاق.

و أمرجوا أنفسهم في الشهوات،و زعموا أن السماء خاوية ما فيها شيء مما يوصف،و أن مدبر هذا العالم في صورة المخلوقين بحجة من روي أن الله عز و جل خلق آدم علي صورته،و أنه لا جنة و لا نار و لا بعث و لا نشور،و القيامة عندهم خروج الروح من قالبه و ولوجه في قالب آخر،إن كان محسنا في القالب الأول أعيد في قالب أفضل منه حسنا في أعلي درجة الدنيا و إن كان مسيئا أو غير عارف صار في بعض الدواب المتعبة في الدنيا أو هوام مشوهة الخلقة،و ليس عليهم صوم و لا صلاة و لا شيء من العبادة أكثر من معرفة من تجب عليه معرفته،و كل شيء من شهوات الدنيا مباح لهم من فروج النساء و غير ذلك من نكاح الأخوات و البنات و الخالات و ذوات البعولة،و كذلك الميتة و الخمر و الدم،فاستقبح مقالتهم كل الفرق و لعنهم كل الأمم،فلما سئلوا الحجة زاغوا و حادوا، فكذب مقالتهم التوراة،و لعنهم الفرقان،و زعموا مع ذلك أن إلههم ينتقل من قالب إلي قالب،و أن الأرواح الأزلية هي التي كانت في آدم،ثم هلم جرا تجري إلي يومنا هذا في واحد بعد آخر،فإذا كان الخالق في صورة المخلوق فبما يستدل علي أن أحدهما خالق صاحبه؟و قالوا:إن الملائكة من ولد آدم،كل من صار في أعلي درجة في دينهم خرج من منزلة الامتحان و التصفية فهو ملك،فطورا تخالهم نصاري في أشياء،و طورا دهرية يقولون:إن الأشياء علي غير الحقيقة،قد كان يجب عليهم أن لا يأكلوا شيئا من اللحم،لأن الدواب عندهم كلها من ولد آدم حولوا من صورهم،فلا يجوز أكل لحوم القرابات.

قال:و من زعم أن الله لم يزل و معه طينة مؤذية فلم يستطع التفصي منها إلا بامتزاجه بها و دخوله فيها،فمن تلك الطينة خلق الاشياء قال:سبحان الله و تعالي ما أعجز إلاها يوصف بالقدرة لا يستطيع التفصي من الطينة؟إن كانت الطينة حية أزلية فكانا إلهين قديمين فامتزجا و دبرا العالم من أنفسهما،فإن كان ذلك كذلك فمن أين جاء الموت و الفناء؟و إن كانت الطينة ميتة فلا بقاء للميت مع الازلي القديم،و الميت لا يجئ منه حي،هذه مقالة الديصانية أشد الزنادقة قولا و أهملهم مثلا، نظروا في كتب قد صنفتها أوائلهم و حبروها لهم بألفاظ مزخرفة من غير أصل ثابت و لا حجة توجب إثبات ما ادعوا،كل ذلك خلافا علي الله و علي رسله و تكذيبا بما جاؤوا به عن الله،فأما من زعم أن الابدان ظلمة و الارواح نور و أن النور لا يعمل الشر و الظلمة لا تعمل الخير فلا تجب عليهم أن يلوموا أحدا علي معصية،و لا ركوب حرمة و لا إتيان فاحشة،و أن ذلك علي الظلمة غير مستنكر، لأن ذلك فعلها،و لا له أن يدعو ربا و لا يتضرع إليه،لأن النور رب،و الرب لا يتضرع إلي نفسه و لا يستعيذ بغيره،و لا لأحد من أهل هذه المقالة أن يقول:أحسنت أو أسأت،لأن الإساءة من فعل الظلمة و ذلك فعلها،و الإحسان من النور و لا يقول النور لنفسه:أحسنت يا محسن،و ليس هناك ثالث فكانت الظلمة علي قياس قولهم أحكم فعلا و أتقن تدبيرا و أعز أركانا من النور،لأنّ الأبدان محكمة،فمن صور هذا الخلق صورة واحدة علي نعوت مختلفة؟و كل شي يري ظاهرا من الزهر و الاشجار و الثمار و الطير و الدوات يجب أن يكون إلها،ثم حبست النور في حبسها و الدولة لها.

ص: 96

و أما ما ادعوا بأن العاقبة سوف تكون للنور فدعوي،و ينبغي علي قياس قولهم أن لا يكون للنور فعل لأنه أسير،و ليس له سلطان فلا فعل له و لا تدبير،و إن كان له مع الظلمة تدبير فما هو بأسير بل هو مطلق عزيز،فإن لم يكن كذلك و كان أسير الظلمة فإنه يظهر في هذا العالم إحسان و خير مع فساد و شر فهذا يدل علي أن الظلمة تحسن الخير و تفعله كما تحسن الشر و تفعله،فإن قالوا محال ذلك فلا نور يثبت و لا ظلمة و بطلت دعواهم و رجع الامر إلي أن الله واحد و ما سواه باطل،فهذه مقالة ماني الزنديق و أصحابه،و أما من قال:النور و الظلمة بينهما حكم،فلا بد من أن يكون أكبر الثلاثة الحكم،لأنه لا يحتاج إلي الحاكم إلا مغلوب أو جاهل أو مظلوم،و هذه مقالة المدقونية،و الحكاية عنهم تطول.

قال:فما قصة ماني؟

قال:متفحص أخذ بعض المجوسية فشابها ببعض النصرانية،فأخطأ الملتين و لم يصب مذهبا واحدا منهما،و زعم أن العالم دبّر من إلهين:نور و ظلمة،و أن النور في حصار من الظلمة علي ما حكينا منه،فكذبته النصاري و قبلته المجوس.

قال:فأخبرني عن المجوس أبعث الله إليهم نبيا؟

فإني أجد لهم كتبا محكمة و مواعظ بليغة و أمثالا شافية يقرون بالثواب و العقاب و لهم شرائع يعملون بها.

قال:ما من امة إلا خلافيها نذير و قد بعث إليهم نبي بكتاب من عند الله فأنكروه و جحدوا لكتابه.

قال:و من هو؟فإن الناس يزعمون أنه خالد بن سنان؟

قال عليه السّلام:إن خالدا كان عربيا بدويا ما كان نبيا و إنما ذلك شي يقوله الناس قال:أ فزردشت؟

قال:إن زردشت أتاهم بزمزمة (1)و ادعي النبوة فآمن منهم قوم و جحده قوم فأخرجوه فأكلته السباع في برية من الأرض.

قال:فأخبرني عن المجوس كانوا أقرب إلي الصواب في دهرهم أم العرب؟

قال:العرب في الجاهلية كانت أقرب إلي الدين الحنيفي من المجوس و ذلك أن المجوس كفرت بكل الأنبياء و جحدت كتبها و أنكرت براهينها و لم تأخذ بشي من سننها و آثارها،و أني.

ص: 97


1- قال الفيروز آبادي:الزمزمة:تراطن المجوس عند أكلهم و هم صموت لا يستعملون اللسان و لا الشفة في كلامهم لكنه صوت تديره في خياشيمها و حلوقها فيفهم بعضها عن بعض.و في النهاية:في حديث قباب بن اشيم:و الذي بعثك ما تحرك به لساني و لا تزمزمت به شفتاي.الزمزمة:صوت خفي لا يكاد يفهم و منه حديث عمر:كتب إلي بعض عماله في أمر المجوس و أنههم عن الزمزمة و هي كلام يقولونه عند أكلهم بصوت خفي.

كيخسرو ملك المجوس في الدهر الاول قتل ثلاثمائة نبي،و كانت المجوس لا تغتسل من الجنابة و العرب كانت تغتسل و الإغتسال من خالص شرائع الحنيفية و كانت المجوس لا تختتن و هو من سنن الأنبياء،و أن أول من فعل ذلك إبراهيم خليل الله و كانت المجوس لا تغسل موتاهم و لا تكفنها و كانت العرب تفعل ذلك،و كانت المجوس ترمي الموتي في الصحاري و النواويس (1)و العرب تواريها في قبورها و تلحد لها و كذلك السنة علي الرسل إن أول من حفر له قبر آدم أبو البشر و ألحد له لحد،و كانت المجوس تأتي الأمهات و تنكح البنات و الأخوات و حرمت ذلك العرب،و أنكرت المجوس بيت الله الحرام و سمته بيت الشيطان و العرب كانت تحجه و تعظمه و يقول:بيت ربنا،و تقر بالتوراة و الإنجيل و تسأل أهل الكتاب و تأخذ عنهم،و كانت العرب في كل الأسباب أقرب إلي الدين الحنيفي من المجوس.

قال:فإنهم احتجوا بإتيان الأخوات أنها سنة من آدم.قال:فما حجتهم في إتيان البنات و الأمهات و قد حرم ذلك آدم و نوح و إبراهيم و موسي و عيسي و سائر الأنبياء عليهم السّلام و كل ما جاء عن الله عز و جل.

قال:فلم حرم الله تعالي الخمر و لا لذة أفضل منها؟

قال:حرمها لأنها أم الخبائث أو ليس كل شي يأتي علي شاربها ساعة يسلب لبه و لا يعرف ربه و لا يترك معصية إلا ركبها و لا حرمة إلا انتهكها و لا رحما ماسة إلا قطعها و لا فاحشة إلا أتاها، و السكران زمامه بيد الشيطان إن أمره أن يسجد للأوثان سجد و ينقاد حيث ما قاده.

قال:فلم حرم الدم المسفوح؟

قال:لأنه يورث القساوة،و يسلب الفؤاد رحمته،و يعفن البدن،و يغير اللون،و أكثر ما يصيب الإنسان الجذام يكون من أكل الدم.

قال:فأكل الغدد؟

قال:يورث الجذام.

قال:فالميتة لم حرمها؟

قال عليه السّلام:فرقا بينها و بين ما يذكر عليه اسم الله و الميتة قد جمد فيها الدم و تراجع إلي بدنها فلحمها ثقيل غير مري لأنها يؤكل لحمها بدمها.

قال:فالسمك ميتة؟

قال:إن السمك ذكاته إخراجه حيا من الماء ثم يترك حتي يموت من ذات نفسه و ذلك أنه ليس له دم و كذلك الجراد.ت.

ص: 98


1- جمع الناووس و الناؤوس:مقبرة النصاري.و يطلق علي حجر منقور تجعل فيه جثة الميت.

قال:فلم حرم الزنا؟

قال:لما فيه من الفساد و ذهاب المواريث و انقطاع الأنساب لا تعلم المرأة في الزنا من أحبلها و لا المولود يعلم من أبوه و لا أرحام موصولة و لا قرابة معروفة.

قال:فلم حرم اللواط؟

قال:من أجل أنه لو كان إتيان الغلام حلالا لاستغني الرجال عن النساء،و كان فيه قطع النسل و تعطيل الفروج و كان في إجازة ذلك فساد كثير.

قال:فلم حرم إتيان البهيمة؟

قال عليه السّلام:كره أن يضيع الرجل ماءه و يأتي غير شكله و لو أباح ذلك لربط كل رجل أتانا يركب ظهرها و يغشي فرجها فكان يكون في ذلك فساد كثير فأباح ظهورها و حرّم عليهم فروجها و خلق للرجال النساء ليأنسوا بهن و يسكنوا إليهن و يكن موضع شهواتهم و أمهات أولادهم.

قال:فما علة الغسل من الجنابة و إن ما أتي حلال و ليس في الحلال تدنيس؟

قال عليه السّلام:إن الجنابة بمنزلة الحيض،و ذلك أن النطفة دم لا تستحكم،و لا يكون الجماع إلا بحركة شديدة و شهوة غالبة،و إذا فرغ تنفس البدن و وجد الرجل من نفسه رائحة كريهة فوجب الغسل لذلك،و غسل الجنابة مع ذلك أمانة ائتمن الله تعالي عليها عبيده ليختبرهم بها.

قال:أيها الحكيم فما تقول فيمن زعم أن هذا التدبير الذي يظهر في هذا العالم تدبير النجوم السبعة؟

قال:يحتاجون إلي دليل أن هذا العالم الأكبر و العالم الأصغر من تدبير النجوم التي تسبح في الفلك و تدور حيث دارت متعبة لا تفتر،و سائرة لا تقف.

ثم قال:و إن كل نجم منها موكل مدبر فهي بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين،فلو كانت قديمة أزلية لم تتغير من حال إلي حال.

قال:فمن قال بالطبائع؟

قال:من لم يملك البقاء و لا صرف الحوادث و غيرته الأيام و الليالي لا يرد الهرم و لا يدفع الأجل ما تصنع به؟

قال:فأخبرني عمن زعم أن الخلق لم يزل يتناسلون و يتوالدون،و يذهب قرن و يجي قرن، تفنيهم الأمراض و الأعراض و صنوف الآفات،يخبرك الآخر عن الأول و ينبئك الخلف عن السلف و القرون عن القرون أنهم وجدوا الخلق علي هذا الوصف بمنزلة الشجر و النبات،في كل دهر يخرج منه حكيم عليم بمصلحة الناس بصير بتأليف الكلام و يصنف كتابا قد حبره بفطنته،و حسنه بحكمته، قد جعله حاجزا بين الناس،يأمرهم بالخير و يحثهم عليه،و ينهاهم عن السوء و الفساد و يزجرهم

ص: 99

عنه،لئلا يتهاوشوا (1)و لا يقتل بعضهم بعضا.

قال عليه السّلام:ويحك إن من خرج من بطن أمه أمس و يرحل عن الدنيا غدا لا علم له بما كان قبله و لا ما يكون بعده،ثم إنه لا يخلو الإنسان من أن يكون خلق نفسه،أو خلقه غيره،أو لم يزل موجودا،فما ليس بشي لا يقدر علي أن يخلق شيئا و هو ليس بشي،و كذلك ما لم يكن فيكون شيئا يسأل فلا يعلم كيف كان ابتداؤه،و لو كان الإنسان أزليا لم تحدث فيه الحوادث،لأن الأزلي لا تغيره الأيام و لا يأتي عليه الفناء،مع أنا لم نجد بناء من غير بان،و لا أثرا من غير مؤثر،و لا تأليفا من غير مؤلف،فمن زعم أن أباه خلقه قيل:فمن خلق أباه؟و لو أن الأب هو الذي خلق ابنه لخلقه علي شهوته،و صوره علي محبته،و لملك حياته،و لجار فيه حكمه،مرض فلم ينفعه،و مات فعجز عن رده،إن من استطاع أن يخلق خلقا و ينفخ فيه روحا حتي يمشي علي رجليه سويا يقدر أن يدفع عنه الفساد.

قال:فما تقول في علم النجوم؟

قال:هو علم قلت منافعه و كثرت مضراته لأنه لا يدفع به المقدور،و لا يتقي به المحذور،إن أخبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز من القضاء،و إن أخبر هو بخير لم يستطع تعجيله،و إن حدث به سوء لم يمكنه صرفه،و المنجم يضاد الله في علمه بزعمه أنه يرد قضاء الله عن خلقه.

قال:فالرسول أفضل أم الملك المرسل إليه؟

قال:بل الرسول أفضل.

قال:فما علة الملائكة الموكلين بعباده يكتبون عليهم و لهم،و الله عالم السر و ما هو أخفي؟

قال:استعبدهم بذلك و جعلهم شهودا علي خلقه،ليكون العباد لملازمتهم إياهم أشد علي طاعة الله مواظبة،و عن معصيته أشد انقباضا،و كم من عبد يهمّ بمعصية فيذكر مكانها فارعوي (2)و كف،فيقول:ربي يراني و حفظتي علي بذلك تشهد،و أن الله برأفته و لطفه أيضا و كلهم بعباده يذبون عنه مردة الشياطين،و هوام الأرض،و آفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن الله إلي أن يجي أمر الله عز و جل.

قال:فخلق الخلق للرحمة أم للعذاب؟

قال:خلقهم للرحمة و كان في علمه قبل خلقه إياهم أن قوما منهم يصيرون إلي عذابه بأعمالهم الرديئة و جحدهم به؟.ع.

ص: 100


1- هاش القوم:اختلطوا و اضطربوا و وقعت بينهم الفتنة.تهاوشوا:اختلطوا.و في بعض المصادر:تهارشوا، من تهارشت الكلاب أي يتقاتلون و يتواثبون.
2- ارعوي من المعصية أي كف عنه و رجع.

قال:يعذب من أنكر فاستوجب عذابه بإنكاره،فبم يعذب من وحده و عرفه؟

قال:يعذب المنكر لإلهيته عذاب الابد،و يعذب المقرّ به عذابا عقوبة لمعصيته إياه فيما فرض عليه،ثم يخرج و لا يظلم ربك أحدا.

قال:فبين الكفر و الإيمان منزلة؟قال:لا.

قال:فما الإيمان و ما الكفر؟

قال:الإيمان أن يصدق الله فيما غاب عنه من عظمة الله لتصديقه بما شاهد من ذلك و عاين، و الكفر الجحود.

قال:فما الشرك و ما الشك؟

قال:الشرك أن يضم إلي الواحد الذي ليس كمثله شي آخر،و الشك ما لم يعتقد قلبه شيئا.

قال:أفيكون العالم جاهلا؟

قال:عالم بما يعلم،و جاهل بما يجهل.

قال:فما السعادة و ما الشقاوة؟

قال:السعادة سبب خير تمسك به السعيد فيجره إلي النجاة،و الشقاوة سبب خذلان تمسك به الشقي فجره إلي الهلكة،و كل بعلم الله تعالي.

قال:أخبرني عن السراج إذا انطفأ اين يذهب نوره؟

قال:يذهب فلا يعود.

قال:فما أنكرت أن يكون الإنسان مثل ذلك إذا مات و فارق الروح البدن لم يرجع إليه أبدا كما لا يرجع ضوء السراج إليه أبدا إذا انطفأ؟

قال:لم تصب القياس،إن النار في الأجسام كامنة و الأجسام قائمة بأعيانها،كالحجر و الحديد،فإذا ضرب أحدهما بالآخر سطعت من بينهما نار يقتبس منهما سراج له الضوء،فالنار ثابتة في أجسامها و الضوء ذاهب،و الروح جسم رقيق قد ألبس قالبا كثيفا،و ليس بمنزلة السراج الذي ذكرت،إن الذي خلق في الرحم جنينا من ماء صاف و ركّب فيه ضروبا مختلفة من عروق و عصب و أسنان و شعر و عظام و غير ذلك هو يحييه بعد موته و يعيده بعد فنائه.

قال:فأين الروح؟

قال:في بطن الأرض حيث مصرع البدن إلي وقت البعث.

قال:فمن صلب أين روحه؟

قال:في كف الملك الذي قبضها حتي يودعها الأرض.

ص: 101

قال:فأخبرني عن الروح أغير الدم؟

قال:نعم الروح علي ما و صفت لك مادته من الدم،و من الدم رطوبة الجسم،و صفاء اللون، و حسن الصوت،و كثرة الضحك،فإذا جمد الدم فارق الروح البدن.

قال:فهل يوصف بخفة و ثقل و وزن؟

قال:الروح بمنزلة الريح في الزق إذا نفخت فيه امتلأ الزق منها فلا يزيد في وزن الزق و لوجها فيه و لا ينقصها خروجها منه،كذلك الروح ليس لها ثقل و لا وزن.

قال:فأخبرني ما جوهر الريح؟

قال:الريح هواء إذا تحرّك سمي ريحا،فإذا سكن سمي هواء،و به قوام الدنيا،و لو كفت الريح ثلاثة أيام لفسد كل شيء علي وجه الأرض و نتن،و ذلك أن الريح بمنزلة المروحة تذب و تدفع الفساد عن كل شيء و تطيبه،فهي بمنزلة الروح إذا خرج عن البدن نتن البدن و تغير،تبارك الله أحسن الخالقين.

قال:أفيتلاشي الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟

قال:بل هو باق إلي وقت ينفخ في الصور،فعند ذلك تبطل الاشياء و تفني فلا حس و لا محسوس،ثم أعيدت الأشياء كما بدأها مدبّرها،و ذلك أربعمائة سنة تسبت فيها الخلق و ذلك بين النفختين.

قال:و أنّي له بالبعث و البدن قد بلي،و الأعضاء قد تفرقت،فعضو ببلدة يأكلها سباعها، و عضو بأخري تمزقه هوامها،و عضو قد صار ترابا بني به مع الطين حائط؟

قال:إنّ الذي أنشأه من غير شيء و صوره علي غير مثال كان سبق إليه قادر أن يعيده كما بدأه.

قال:أوضح لي ذلك.

قال:إن الروح مقيمة في مكانها:روح المحسن في ضياء و فسحة،و روح المسي في ضيق و ظلمة،و البدن يصير ترابا منه خلق،و ما تقذف به السباع و الهوام من أجوافها مما أكلته و مزقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض،و يعلم عدد الأشياء و وزنها،و أن تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب،فإذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور فتربو الأرض ثم تمخض مخض السقاء فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء،و الزبد من اللبن إذا مخض فيجتمع تراب كل قالب فينقل بإذن القادر إلي حيث الروح،فتعود الصور بإذن المصور كهيئتها و تلج الروح فيها،فإذا قد استوي لا ينكر من نفسه شيئا.

قال:أخبرني عن الناس يحشرون يوم القيامة عراة؟

ص: 102

قال:بل يحشرون في أكفانهم.

قال:أني لهم بالاكفان و قد بليت؟

قال:إن الذي أحيا أبدانهم جدد أكفانهم.

قال:فمن مات بلا كفن؟

قال:يستر الله عورته بما شاء من عنده.

قال:فيعرضون صفوفا؟قال:نعم هم يومئذ عشرون و مائة ألف صف في عرض الأرض.

قال:أو ليس توزن الأعمال؟

قال عليه السّلام:لا،إن الأعمال ليست بأجسام،و إنما هي صفة ما عملوا،و إنما يحتاج إلي وزن الشي من جهل عدد الأشياء و لا يعرف ثقلها و خفتها،و إن الله لا يخفي عليه شيء.

قال:فما الميزان؟

قال:العدل.

قال:فما معناه في كتابه:(فمن ثقلت موازينه)؟

قال:فمن رجح عمله.

قال:فأخبرني أو ليس في النار مقنع أن يعذب خلقه بها دون الحيات و العقارب؟

قال:إنما يعذّب بها قوما زعموا أنها ليست من خلقه،إنما شريكه الذي يخلقه،فيسلّط الله تعالي عليهم العقارب و الحيات في النار ليذيقهم بها و بال ما كانوا عليه فجحدوا أن يكون صنعه.

قال:فمن أين قالوا:إن أهل الجنة يأتي الرجل منهم إلي ثمرة يتناولها،فإذا أكلها عادت كهيئتها؟

قال:نعم ذلك علي قياس السراج يأتي القابس فيقتبس منه فلا ينقص من ضوئه شيء و قد امتلأت الدنيا منه سرجا.

قال:أليسوا يأكلون و يشربون و تزعم أنه لا تكون لهم الحاجة؟

قال:بلي لأن غذاءهم رقيق لا ثفل له،بل يخرج من أجسادهم بالعرق.

قال:فكيف تكون الحوراء في كل ما أتاها زوجها عذراء؟

قال:لأنها خلقت من الطيب لا تعتريها عاهة،و لا تخالط جسمها آفة،و لا يجري في ثقبها شي،و لا يدنسها حيض،فالرحم ملتزقة،إذ ليس فيه لسوي الإحليل مجري.

قال:فهي تلبس سبعين حلة و يري زوجها مخ ساقها من وراء حللها و بدنها؟

قال:نعم كما يري أحدكم الدراهم إذا القيت في ماء صاف قدره قيد رمح.

ص: 103

قال:فكيف ينعم أهل الجنة بما فيها من النعيم و ما منهم أحد إلا و قد افتقد إبنه أو أباه أو حميمه أو أمه؟

فإذا افتقدوهم في الجنة لم يشكوا في مصيرهم إلي النار،فما يصنع بالنعيم من يعلم أنّ حميمه في النار يعذب؟

قال عليه السّلام:إن أهل العلم قالوا:إنهم ينسون ذكرهم،و قال بعضهم:إنتظروا قدومهم و رجوا أنّ يكونوا بين الجنة و النار في أصحاب الأعراف.

قال:فأخبرني عن الشمس أين تغيب؟

قال:ان بعض العلماء قالوا:إذا انحدرت أسفل القبة دار بها الفلك إلي بطن السماء صاعدة أبدا إلي أن تنحط إلي موضع مطلعها-يعني أنها تغيب في عين حامئة ثم تخرق الأرض راجعة إلي موضع مطلعها-فتحير تحت العرش حتي يؤذن لها بالطلوع،و يسلب نورها كل يوم و يتجلل نور آخر.

قال:فالكرسي أكبر أم العرش؟

قال:كل شي خلقه الله تعالي في جوف الكرسي خلا عرشه فإنه أعظم من أن يحيط به الكرسي.

قال:فخلق النهار قبل الليل؟

قال:نعم خلق النهار قبل الليل،و الشمس قبل القمر،و الأرض قبل السماء،و وضع الأرض قبل الحوت،و الحوت في الماء،و الماء في صخرة مجوفة،و الصخرة علي عاتق ملك،و الملك علي الثري،و الثري علي الريح العقيم،و الريح علي الهواء،و الهواء تمسكه القدرة،و ليس تحت الريح العقيم إلا الهواء و الظلمات و لا وراء ذلك سعة و لا ضيق و لا شي يتوهم،ثم خلق الكرسي فحشاه السماوات و الأرض،و الكرسي أكبر من كل شي خلق،ثم خلق العرش فجعله أكبر من الكرسي (1).

***8.

ص: 104


1- بحار الأنوار،العلامة المجلسي 194/10،و للحديث قطعات اخري لم يخرجها الطبرسي و أخرجها الكليني باسناد سبق ذكره في كتاب الكافي في باب حدوث العالم و باب اطلاق القول بانه شي،و باب آخر من صفات الذات،و باب الارادة انها من صفات الفعل.راجع الاصول ج 1 ص 80 و 83 و 108 و 110. و أخرجها الصدوق بأسانيده في كتاب التوحيد في باب انه تبارك و تعالي شي،و في باب صفات الذات و الافعال،و في باب معني رضاه و سخطه،و في باب الرد علي الزنادقة راجع التوحيد ص 92 و 134 و 160 و 248.

بين الإمام الصادق عليه السّلام و الزنديق

و عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتي أبا عبد الله عليه السّلام فكان من قول أبي عبد الله عليه السّلام له:لا يخلو قولك:إنهما إثنان من أن يكونا قديمين قويين أو يكونا ضعيفين،أو يكون أحدهما قويا و الآخر ضعيفا،فإن كانا قويين فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه و ينفرد بالتدبير؟ و إن زعمت أن أحدهما قوي و الآخر ضعيف ثبت أنه واحد كما نقول،للعجز الظاهر في الثاني،و إن قلت إنهما إثنان لم يخل من أن يكونا متفقين من كل جهة،أو مفترقين من كل جهة،فلما رأينا الخلق منتظما و الفلك جاريا و اختلاف الليل و النهار و الشمس و القمر دل علي صحة الأمر و التدبير و ائتلاف الأمر علي أن المدبر واحد،ثم يلزمك إن ادعيت اثنين فلا بد من فرجة بينهما حتي يكونا إثنين فصارت الفرجة ثالثا بينهما قديما معهما فيلزمك ثلاثة،و إن ادعيت ثلاثة لزمك ما قلنا في الإثنين حتي يكون بينهما فرجتان فيكون خمسة،ثم يتناهي في العدد إلي ما لا نهاية في الكثرة.

قال هشام:فكان من سؤال الزنديق أن قال:فما الدليل عليه؟

قال أبو عبد الله عليه السّلام:وجود الأفاعيل التي دلت علي أن صانعا صنعها،ألا تري أنك إذا نظرت إلي بناء مشيد مبني علمت أنّ له بانيا و إن كنت لم ترالباني و لم تشاهده؟

قال:فما هو؟

قال:هو شي بخلاف الأشياء،إرجع بقولي:شي إلي إثبات معني و أنه شي بحقيقة الشيئية، غير أنه لا جسم و لا صورة،و لا يحس و لا يجس،و لا يدرك بالحواس الخمس،لا تدركه الأوهام، و لا تنقصه الدهور،و لا يغيّره الزمان.قال السائل فتقول:إنه سميع بصير؟

قال:هو سميع بصير،سميع بغير جارحة،و بصير بغير آلة،بل يسمع بنفسه،و يبصر بنفسه، ليس قولي:إنه يسمع بنفسه و يبصر بنفسه أنه شي و النفس شي آخر،و لكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولا،و إفهاما لك إذ كنت سائلا،و أقول:يسمع بكله،لا أن الكل منه له بعض،و لكني أردت إفهامك و التعبير عن نفسي،و ليس مرجعي في ذلك إلا إلي أنه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات و لا اختلاف المعني.

قال السائل:فما هو؟

قال أبو عبد الله عليه السّلام:هو الرب،و هو المعبود،و هو الله،و ليس قولي:(الله)إثبات هذه الحروف:ألف،لام،لاه و لكني أرجع إلي معني هو شي خالق الأشياء و صانعها،وقعت عليه هذه الحروف،و هو المعني الذي يسمي به الله و الرحمن و الرحيم و العزيز و أشباه ذلك من أسمائه،و هو المعبود عزّ و جلّ.قال السائل:فإنا لم نجد موهوما إلا مخلوقا.

قال أبو عبد الله عليه السّلام:لو كان ذلك كما تقول لكان التوحيد عنا مرتفعا،لأنا نكلف أن نعتقد

ص: 105

غير موهوم،و لكنا نقول:كل موهوم بالحواس مدرك فما تحده الحواس و تمثله فهو مخلوق،و لا بد من إثبات صانع للأشياء خارج من الجهتين المذمومتين:إحداهما النفي إذ كان النفي هو الإبطال و العدم،و الجهة الثانية التشبيه من صفة المخلوق الظاهر التركيب و التأليف،فلم يكن بد من إثبات الصانع لوجود المصنوعين،و الإضطرار منهم إليه ثبت أنهم مصنوعون،و أن صانعهم غيرهم و ليس مثلهم إذ كان مثلهم شبيها بهم في ظاهر التركيب و التأليف و فيما يجري عليهم من حدوثهم بعد أن لم يكونوا،و تنقّلهم من صغر إلي كبر و سواد إلي بياض و قوة إلي ضعف و أحوال موجودة لا حاجة بنا إلي تفسيرها لثباتها و وجودها.

قال السائل:فقد حددته إذ أثبت وجوده.

قال أبو عبد الله عليه السّلام:لم أحدده و لكن أثبته،إذ لم يكن بين الإثبات و النفي منزلة.

قال السائل:فله إنية و مائية؟

قال:نعم لا يثبت الشي إلا بإنية و مائية.

قال السائل:فله كيفية؟

قال:لا،لأن الكيفية جهة الصفة و الإحاطة،

و لكن لا بد من الخروج من جهة التعطيل و التشبيه،لأن من نفاه أنكره و دفع ربوبيته و أبطله، و من شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين الذين لا يستحقون الربوبية،و لكن لا بد من إثبات ذات بلا كيفية لا يستحقها غيره لا يشارك فيها و لا يحاط بها و لا يعلمها غيره.

قال السائل:فيعاني الأشياء بنفسه؟

قال أبو عبد الله عليه السّلام:هو أجل من أن يعاني الأشياء بمباشرة و معالجة،لأن ذلك صفة المخلوق الذي لا تجي الأشياء إليه إلا بالمباشرة و المعالجة،و هو تعالي نافذ الارادة و المشية،فعال لما يشاء.

قال السائل:فله رضي و سخط؟

قال أبو عبد الله عليه السّلام:نعم،و ليس ذلك علي ما يوجد في المخلوقين،و ذلك أن الرضي و السخط دخال يدخل عليه فينقله من حال إلي حال،و ذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، و هو تبارك و تعالي العزيز الرحيم لا حاجة به إلي شي مما خلق،و خلقه جميعا محتاجون إليه،و إنما خلق الأشياء من غير حاجة و لا سبب اختراعا و ابتداعا.

قال السائل:فقوله: اَلرَّحْمنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوي (1)؟5.

ص: 106


1- سورة طه:5.

قال أبو عبد الله عليه السّلام:بذلك وصف نفسه،و كذلك هو مستول علي العرش،بائن من خلقه، من غير أن يكون العرش حاملا له،و لا أن يكون العرش حاويا له،و لا أن العرش محتاز له،و لكنا نقول:هو حامل العرش،و ممسك العرش،و نقول من ذلك ما قال: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ (1)فثبتنا من العرش و الكرسي ما ثبته،و نفينا أن يكون العرش أو الكرسي حاويا له،و أن يكون عزّ و جلّ محتاجا إلي مكان أو إلي شي مما خلق،بل خلقه محتاجون إليه.

قال السائل:فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلي السماء و بين أن تخفضوها نحو الأرض؟

قال أبو عبد الله عليه السّلام:ذلك في علمه و إحاطته و قدرته سواء،و لكنه عزّ و جلّ أمرأ ولياءه و عباده برفع أيديهم إلي السماء نحو العرش لأنه جعله معدن الرزق،فثبتنا ما ثبته القرآن و الأخبار عن الرسول صلي الله عليه و آله حين قال:(إرفعوا أيديكم إلي الله عزّ و جلّ)و هذا يجمع عليه فرق الأمة كلها.

قال السائل:فمن أين أثبت أنبياء و رسلا؟

قال أبو عبد الله عليه السّلام:إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا و عن جميع ما خلق و كان ذلك الصانع حكيما لم يجز أن يشاهده خلقه و لا يلامسوه،و لا يباشرهم و لا يباشروه،و يحاجهم و يحاجوه فثبت أن له سفراء في خلقه و عباده يدلونهم علي مصالحهم و منافعهم و ما به بقاؤهم و في تركه فناؤهم:فثبت الآمرون و الناهون عن الحكيم العليم في خلقه،و ثبت عند ذلك أن له معبرين و هم الأنبياء و صفوته من خلقه،حكماء مؤدبين بالحكمة،مبعوثين بها،غير مشاركين للناس في أحوالهم علي مشاركتهم لهم في الخلق و التركيب،مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة و الدلائل و البراهين و الشواهد:من إحياء الموتي،و إبراء الأكمه و الأبرص،فلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل علي صدق مقال الرسول و وجوب عدالته (2).

***

بين الإمام الصادق عليه السّلام و الهندي

عن الربيع صاحب المنصور قال:حضر أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السّلام مجلس المنصور يوما و عنده رجل من الهند يقرأ كتب الطب،فجعل أبو عبد الله الصادق جعفر بن محمد عليهما السّلام ينصت لقراءته،فلما فرغ الهندي قال له:يا أبا عبد الله أتريد مما معي شيئا؟

قال:لا،فإن ما معي خير مما معك.

ص: 107


1- سورة البقرة:255.
2- الكافي:168/1 ح 1،و البحار:164/10.

قال:و ما هو؟

قال:أداوي الحار بالبارد،و البارد بالحار،و الرطب باليابس،و اليابس بالرطب،و أرد الامر كله إلي الله عزّ و جلّ،و أستعمل ما قاله رسول الله صلي الله عليه و آله:(و اعلم أنّ المعدة بيت الداء و الحمية هي الدواء)و أعوّد البدن ما اعتاد.فقال الهندي:و هل الطب إلا هذا؟

فقال الصادق عليه السّلام:أفتراني عن كتب الطب أخذت؟

قال:نعم،قال:لا و الله ما أخذت إلا عن الله سبحانه،فأخبرني:أنا أعلم بالطب أم أنت؟

فقال الهندي:لا بل أنا.

قال الصادق عليه السّلام:فأسألك شيئا،قال:سل،قال:أخبرني يا هندي كم كان في الرأس شؤون؟

قال:لا أعلم.

قال:فلم جعل الشعر عليه من فوقه؟

قال:لا أعلم.

قال:فلم خلت الجبهة من الشعر؟

قال:لا أعلم.

قال:فلم كان لها تخطيط و أسارير؟

قال:لا أعلم.

قال:فلم كان الحاجبان من فوق العينين؟

قال:لا أعلم.

قال:فلم جعلت العينان كاللوزتين؟

قال:لا أعلم.

قال:فلم جعلت الأنف فيما بينهما؟

قال لا أعلم.

قال:فلم كان ثقب الأنف في أسفله؟

قال:لا أعلم.

قال:فلم جعلت الشفة و الشارب من فوق الفم؟

قال:لا أعلم.

قال:فلم احتدّ السن،و عرض الضرس،و طال الناب؟

قال:لا أعلم.

ص: 108

قال:فلم جعلت اللحية للرجال؟

قال:لا أعلم.

قال:فلم خلت الكفان من الشعر،قال:لا أعلم.

قال:فلم خلا الظفر و الشعر من الحياة؟

قال:لا أعلم.

قال:فلم كان القلب كحب الصنوبر؟

قال:لا أعلم.

قال:فلم كانت الرئة قطعتين،و جعل حركتها في موضعها؟

قال:لا أعلم.

قال:فلم كانت الكبد حدباء؟

قال:لا أعلم.

قال:فلم كانت الكلية كحب اللوبيا؟

قال:لا أعلم.

قال:فلم جعل طي الركبتين إلي خلف؟

قال لا أعلم.

قال:فلم تخصرت القدم؟

قال:لا أعلم.فقال الصادق عليه السّلام:لكني أعلم،قال:فأجب.

قال الصادق عليه السّلام:كان في الرأس شؤون لأن المجوف إذا كان بلا فصل أسرع إليه الصداع، فإذا جعل ذا فصول كان الصداع منه أبعد.و جعل الشعر من فوقه لتوصل بوصوله الأدهان إلي الدماغ،و يخرج بأطرافه البخار منه،و يرد الحر و البرد الواردين عليه.

و خلت الجبهة من الشعر لأنها مصب النور إلي العينين.و جعل فيها التخطيط و الأسارير ليحتبس العرق الوارد من الرأس عن العين قدر ما يميطه الإنسان عن نفسه،كالأنهار في الأرض التي تحبس المياه.و جعل الحاجبان من فوق العينين ليرد عليهما من النور قدر الكفاف،ألا تري يا هندي أن من غلبه النور جعل يده علي عينيه ليرد عليهما قدر كفايتهما منه؟و جعل الأنف فيما بينهما ليقسم النور قسمين إلي كل عين سواء.و كانت العين كاللوزة ليجري فيها الميل بالدواء و يخرج منها الداء، و لو كانت مربعة أو مدورة ما جري فيها الميل،و ما وصل إليها دواء،و لا خرج منها داء.

و جعل ثقب الأنف في أسفله لتنزل منه الأدواء المنحدرة من الدماغ،و يصعد فيه الأرابيح إلي المشام،و لو كان في أعلاه لما أنزل داء،و لا وجد رائحة.و جعل الشارب و الشفة فوق الفم لحبس

ص: 109

ما ينزل من الدماغ عن الفم لئلا يتنغص علي الإنسان طعامه و شرابه فيميطه عن نفسه.و جعلت اللحية للرجال ليستغني بها عن الكشف في المنظر و يعلم بها الذكر من الانثي.و جعل السن حادا الأن به يقع العض.و جعل الضرس عريضا لأن به يقع الطحن و المضغ.

و كان الناب طويلا ليسند الأضراس و الأسنان كالأسطوانة في البناء.

و خلا الكفان من الشعر لأن بهما يقع اللمس،فلو كان فيهما شعر مادري الإنسان ما يقابله و يلمسه.و خلا الشعر و الظفر من الحياة لأن طولهما سمج و قصهما حسن،فلو كان فيهما حياة لألم الإنسان لقصهما.

و كان القلب كحب الصنوبر لأنه منكس فجعل رأسه دقيقا ليدخل في الرئة فتروح عنه ببردها، لئلا يشيط الدماغ بحره.و جعلت الرئة قطعتين ليدخل بين مضاغطها فيتروح عنه بحركتها.

و كانت الكبد حدباء لتثقل المعدة و يقع جميعها عليها فيعصرها ليخرج ما فيها من البخار.

و جعلت الكلية كحب اللوبيا لأن عليها مصب المني نقطة بعد نقطة،فلو كانت مربعة أو مدورة احتبست النقطة الأولي إلي الثانية فلا يلتذ بخروجها الحي،إذا المني ينزل من فقار الظهر إلي الكلية،فهي كالدودة تنقبض و تنبسط،ترميه أولا فأولا إلي المثانة كالبندقة من القوس.و جعل طي الركبة إلي خلف لأن الإنسان يمشي إلي ما بين يديه فتعتدل الحركات،و لو لا ذلك لسقط في المشي، و جعلت القدم مخصرة لأن الشي إذا وقع علي الأرض جميعه ثقل ثقل حجر الرحي،فإذا كان علي حرفه دفعه الصبي و إذا وقع علي وجهه صعب نقله علي الرجال.فقال له الهندي:من أين لك هذا العلم؟

فقال عليه السّلام:أخذته عن آبائي عليهم السّلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله،عن جبرئيل،عن رب العالمين جل جلاله الذي خلق الأجساد و الأرواح.

فقال الهندي:صدقت و أنا أشهد أن لا إله إلا الله،و أنّ محمدا رسول الله و عبده،و أنك أعلم أهل زمانك (1).

***

بين الإمام الصادق عليه السّلام و أبي حنيفة

روي الشيخ المفيد قدس الله روحه بإسناده إلي محمد بن السائب الكلبي قال:لما قدم الصادق عليه السّلام العراق نزل الحيرة فدخل عليه أبو حنيفة و سأله عن مسائل و كان مما سأله أن قال له:

جعلت فداك ما الأمر بالمعروف؟

ص: 110


1- بحار الأنوار-العلامة المجلسي 208/10.

فقال عليه السّلام:المعروف يا أبا حنيفة المعروف في أهل السماء المعروف في أهل الأرض و ذاك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام.

قال:جعلت فداك فما المنكر؟

قال:اللذان ظلماه حقه و ابتزاه أمره،و حملا الناس علي كتفه.

قال:أليس هو أن تري الرجل علي معاصي الله فتنهاه عنها؟

فقال أبو عبد الله عليه السّلام:ليس ذاك أمر بمعروف و لا نهي عن منكر إنما ذاك خير قدمه.

قال أبو حنيفة:أخبرني جعلت فداك عن قول الله عز و جل: (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) قال:فما هو عندك يا أبا حنيفة؟

قال،الأمن في السرب،و صحة البدن،و القوت الحاضر.

فقال:يا أبا حنيفة لئن وقفك الله أو أوقفك يوم القيامة حتي يسألك عن كل أكلة أكلتها و شربة شربتها ليطولن وقوفك.

قال:فما النعيم جعلت فداك؟

قال:النعيم نحن،الذين أنقذ الله الناس بنا من الضلالة،و بصرهم بنا من العمي،و علمهم بنا من الجهل.

قال:جعلت فداك فكيف كان القرآن جديدا أبدا؟

قال:لأنه لم يجعل لزمان دون زمان فتخلقه الأيام،و لو كان كذلك لفني القرآن قبل فناء العالم (1).

و ذكروا أن أبا حنيفة أكل طعاما مع الإمام الصادق جعفر بن محمد عليهما الصلاة و السلام فلما رفع الصادق عليه السّلام يده من أكله قال:الحمد لله رب العالمين،اللهم هذا منك و من رسولك صلي الله عليه و آله،فقال أبو حنيفة:يا أبا عبد الله أ جعلت مع الله شريكا؟!فقال عليه السّلام له:ويلك إن الله تبارك يقول في كتابه: وَ ما نَقَمُوا إِلاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ (2)و يقول عزّ و جلّ في موضع آخر: وَ لَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ قالُوا حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ فقال أبو حنيفة:و الله لكأني ما قرأتهما قط من كتاب الله و لا سمعتهما إلا في هذا الوقت.

فقال أبو عبد الله عليه السّلام:بلي قد قرأتهما و سمعتهما و لكن الله تعالي أنزل فيك و في أشباهك:

أَمْ عَلي قُلُوبٍ أَقْفالُها و قال تعالي: كَلاّ بَلْ رانَ عَلي قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ. (3)(4).7.

ص: 111


1- بحار الأنوار-العلامة المجلسي 211/10.
2- سورة التوبة:74.
3- سورة المطففين:14.
4- وسائل الشيعة الاسلامية:482/16،و البحار:216/10 ح 17.

و روي أبو جعفر الطوسي في الأمالي و أبو نعيم في الحلية و صاحب الروضة بالإسناد-و الرواية يزيد بعضها علي بعض-عن محمد الصيرفي،و عن عبد الرحمن بن سالم أنه دخل ابن شبرمة و أبو حنيفة علي الصادق عليه السّلام فقال لأبي حنيفة:إتّق الله و لا تقس الدين برأيك،فإن أول من قاس إبليس،إذ أمره الله تعالي بالسجود فقال:أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين،ثم قال:هل تحسن أن تقيس رأسك من جسدك؟

قال:لا.

قال:فأخبرني عن الملوحة في العينين،و المرارة في الأذنين،و البرودة في المنخرين، و العذوبة في الشفتين لأي شي جعل ذلك؟

قال:لا أدري.

فقال عليه السّلام:إن الله تعالي خلق العينين فجعلهما شحمتين،و جعل الملوحة فيهما منا علي بني آدم،و لو لا ذلك لذابتا،و جعل المرارة في الأذنين منا منه علي بني آدم و لو لا ذلك لقحمت الدواب فأكلت دماغه،و جعل الماء في المنخزين ليصعد النفس و ينزل و يجد منه الريح الطيبة و الرديئة، و جعل العذوبة في الشفتين ليجد ابن آدم لذة مطعمه و مشربه.ثم قال له:أخبرني عن كلمة أولها شرك و آخرها إيمان.

قال:لا أدري.

قال:(لا إله إلا الله)ثم قال:أيما أعظم عند الله تعالي القتل أو الزنا؟

فقال:بل القتل.

قال:فإن الله تعالي قد رضي في القتل بشاهدين و لم يرض في الزنا إلا بأربعة.ثم قال:إن الشاهد علي الزنا شهد علي إثنين،و في القتل علي واحد،لأن القتل فعل واحد،و الزنا فعلان.ثم قال:أيما أعظم عند الله تعالي:الصوم أو الصلاة؟

قال:لا بل الصلاة،قال:فما بال المرأة إذا حاضت تقضي الصوم و لا تقضي الصلاة؟ثم قال:لأنها تخرج إلي صلاة فتداومها و لا تخرج إلي صوم.ثم قال:المرأة أضعف أم الرجل؟

قال:المرأة.

قال:فما بال المرأة و هي ضعيفة لها سهم واحد،و الرجل قوي له سهمان.ثم قال:لأن الرجل يجبر علي الإنفاق علي المرأة،و لا تجبر المرأة علي الإنفاق علي الرجل.ثم قال:البول أقذر أم المني؟

قال:البول.

قال:يجب علي قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني،و قد أوجب الله تعالي الغسل

ص: 112

من المني دون البول.ثم قال:لأن المني اختيار و يخرج من جميع الجسد و يكون في الأيام،و البول ضرورة و يكون في اليوم مرات.

قال أبو حنيفة:كيف يخرج من جميع الجسد و الله يقول:(يخرج من بين الصلب و الترائب).

قال أبو عبد الله عليه السّلام:فهل قال:لا يخرج من غير هذين الموضعين؟ثم قال عليه السّلام:لم لا تحيض المرأة إذا حبلت؟

قال:لا أدري.

قال عليه السّلام و الصلاة:حبس الله تعالي الدم فجعله غذاء للولد.ثم قال عليه السّلام:أين مقعد الكاتبين؟

قال:لا أدري،قال:مقعدهما علي الناجدين،و الفم الدواة،و اللسان القلم،و الريق المداد.ثم قال:لم يضع الرجل يده علي مقدم رأسه عند المصيبة و المرأة علي خدها؟

قال:لا أدري.

فقال عليه السّلام:اقتداء بآدم و حواء حيث أهبطا من الجنة،أما تري أن من شأن الرجل الإكتآن عند المصيبة،و من شأن المرأة رفعها رأسها إلي السماء إذا بكت.ثم قال عليه السّلام:ما تري في رجل كان له عبد فتزوج و زوّج عبده في ليلة واحدة ثم سافرا و جعلا امرأتيهما في بيت واحد فسقط البيت عليهم فقتل المرأتين و بقي الغلامان،أيهما في رأيك المالك؟و أيهما المملوك؟و أيهما الوارث؟و أيهما الموروث؟ثم قال:فما تري في رجل أعمي فقأ عين صحيح،و أقطع قطع يد رجل كيف يقام عليهما الحد؟ثم قال عليه السّلام:فأخبرني عن قول الله تعالي لموسي و هارون حين بعثهما إلي فرعون:(لعله يتذكر أو يخشي لعل منك شك؟

قال:نعم،قال:و كذلك من الله شك إذ قال:(لعلّه)؟

ثم قال أخبرني عن قول الله تعالي: وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ أي موضع هو؟

قال:هو ما بين مكة و المدينة.

قال عليه السّلام:نشدتكم بالله هل تسيرون بين مكة و المدينة لا تأمنون علي دمائكم من القتل،و علي أموالكم من السرق؟ثم قال:و أخبرني عن قول الله تعالي: (وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) أي موضع هو؟

قال:ذاك بيت الله الحرام،فقال:نشدتكم بالله هل تعلمون أن عبد الله بن الزبير و سعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل؟

قال:فاعفني يا ابن رسول الله.

ص: 113

قال:فأنت الذي تقول:سأنزل مثل ما أنزل الله،قال:أعوذ بالله من هذا القول،قال:إذا سئلت فما تصنع؟

قال:أجيب عن الكتاب،أو السنة،أو الإجتهاد،قال:إذا اجتهدت من رأيك وجب علي المسلمين قبوله؟

قال:نعم،قال:و كذلك وجب قبول ما أنزل الله تعالي،فكأنك قلت:سأنزل مثل ما أنزل الله تعالي (1).

و في حديث محمد بن مسلم أن الصادق عليه السّلام قال لأبي حنيفة:أخبرني عن هاتين النكتتين اللتين في يدي حمارك،ليس ينبت عليهما شعر؟

قال أبو حنيفة:خلق كخلق أذنيك في جسدك و عينيك.فقال له:تري هذا قياسا،إن الله تعالي خلق أذني لأسمع بهما،و خلق عيني لأبصر بهما،فهذا لما خلقه في جميع الدواب و ما ينتفع به؟

فانصرف أبو حنيفة معتبا.

فقلت:أخبرني ما هي؟

قال:إن الله تعالي يقول في كتابه: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (2)يعني منتصبا في بطن امه،غذاؤه من غذائها مما تأكل و تشرب امه،ههنا ميثاقه بين عينيه،فإذا أذن الله عز و جل في ولادته أتاه ملك يقال له حيوان،فزجره زجرة انقلب و نسي الميثاق،و خلق جميع البهائم في بطون أمهاتهن منكوسة مؤخرة إلي مقدم أمه،كما يأخذ الإنسان في بطن امه،فهاتان النكتتان السوداوان اللتان تري ما بين الدواب هو موضع عيونها في بطن أمهاتها،فليس ينبت عليه الشعر،و هو لجميع البهائم ما خلا البعير،فإن عنق البعير طال فتقدم رأسه بين يديه و رجليه (3).

قال العلامة المجلسي:قوله عليه السّلام:(لأنها تخرج إلي صلاة)لعله مبني علي وجهين:أحدهما أن الصلاة فعل و الصوم ترك،و الثاني أن الصلاة تكون دائما و الصوم يكون في في السنة مرة، و يمكن أن يقرأ يحرج بالحاء المهملة،قوله عليه السّلام:(فما بال الناس يغتسلون من الجنابة)لما حكم أبو حنيفة بأرجسية البول بناء علي ما زعمه من طهارة محل المني بالفرك ألزم عليه السّلام عليه ذلك،و إلا فالمني أرجس عندنا.

قوله عليه السّلام:(أما تري أن من شأن الرجل)أي علة هذا أيضا مثل علة تلك،أي أكب آدم عليه السّلام0.

ص: 114


1- مناقب آل أبي طالب:377/3.
2- سورة البلد:4.
3- مناقب آل أبي طالب:28/2-330.

عند هبوطه،و رفع حواء رأسها عند خروجها.و سيأتي شرح تلك العلل في مواضعها إن شاء الله تعالي (1).

و في البحار عن خط الشهيد رفع الله درجته قال:قال أبو حنيفة النعمان بن ثابت جئت إلي حجام بمني ليحلق رأسي،فقال:أدن ميامنك،و استقبل القبلة،و سم الله،فتعلمت منه ثلاث خصال لم تكن عندي،فقلت له:مملوك أنت أم حر؟

فقال:مملوك،قلت:لمن؟

قال:لجعفر بن محمد العلوي عليه السّلام،قلت:أشاهد هو أم غائب؟

قال:شاهد،فصرت إلي بابه و استأذنت عليه فحجبني،و جاء قوم من أهل الكوفة فاستأذنوا فأذن لهم،فدخلت معهم،فلما صرت عنده قلت له:يا ابن رسول الله لو أرسلت إلي أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب محمّد صلي الله عليه و آله فإني تركت بها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم،فقال:لا يقبلون مني،فقلت:و من لا يقبل منك و أنت ابن رسول الله صلي الله عليه و آله؟

فقال:أنت ممن لم تقبل مني،دخلت داري بغير إذني و جلست بغير أمري،و تكلمت بغير رأيي،و قد بلغني أنك تقول بالقياس،قلت:نعم به أقول،قال:ويحك يا نعمان أول من قاس لله تعالي إبليس حين أمره بالسجود لآدم عليه السّلام و قال:خلقتني من نار و خلقته من طين،أيما أكبريا نعمان القتل أو الزنا؟

قلت:القتل،قال:فلم جعل الله في القتل شاهدين،و في الزنا أربعة؟أينقاس لك هذا قلت:لا.

قال:فأيما أكبر البول أو المني؟

قلت:البول،قال:فلم أمر الله في البول بالوضوء،و في المني بالغسل؟أينقاس لك هذا؟

قلت:لا.

قال:فأيما أكبر الصلاة أو الصيام؟

قلت:الصلاة،قال:فلم وجب علي الحائض أن تقضي الصوم و لا تقضي الصلاة؟أينقاس لك هذا؟

قلت:لا.

قال:فأيما أضعف المرأة أم الرجل؟0.

ص: 115


1- بحار الأنوار-العلامة المجلسي:215/10.

قلت:المرأة،قال:فلم جعل الله تعالي في الميراث للرجل سهمين،و للمرأة سهما؟أينقاس لك هذا؟

قلت:لا.

قال:فلم حكم الله تعالي فيمن سرق عشرة دراهم بالقطع،و إذا قطع رجل يد رجل فعليه ديتها خمسة آلاف درهم؟أينقاس لك هذا؟

قلت:لا.

قال:و قد بلغني أنك تفسر آية في كتاب الله و هي ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ أنه الطعام الطيب و الماء البارد في اليوم الصائف.

قلت:نعم،قال له:دعاك رجل و أطعمك طعاما طيبا،و أسقاك ماء باردا،ثم امتنّ عليك به ما كنت تنسبه إليه؟

قلت:إلي البخل،قال:أفيبخل الله تعالي؟!قلت:فما هو؟

قال:حبنا أهل البيت (1).

و في دعائم الاسلام:روينا عن جعفر بن محمد صلوات الله عليهما أنه قال لأبي حنيفة و قد دخل عليه فقال له:يا نعمان ما الذي تعتمد عليه فيما لم تجد فيه نصا في كتاب الله و لا خبرا عن الرسول صلي الله عليه و آله؟

قال:أقيسه علي ما وجدت من ذلك،قال له:أول من قاس إبليس،فأخطأ إذ أمره الله عزّ و جلّ بالسجود لآدم عليه السّلام.فقال:أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين،فرأي أن النار أشرف عنصرا من الطين فخلده ذلك في العذاب المهين،يا نعمان أيهما أطهر المني أو البول؟

قال:المني،قال:فقد جعل الله عز و جل في البول الوضوء،و في المني الغسل و لو كان يحمل علي القياس لكان الغسل في البول.و أيهما أعظم عند الله الزنا أم قتل النفس؟

قال:قتل النفس،قال:فقد جعل الله عزّ و جلّ في قتل النفس الشاهدين،و في الزنا أربعة، و لو كان علي القياس لكان الأربعة الشهداء في القتل،لأنه أعظم.و أيهما أعظم عند الله الصلاة أم الصوم؟

قال:الصلاة،قال:فقد أمر رسول الله صلي الله عليه و آله الحائض بأن تقضي الصوم و لا تقضي الصلاة،و لو كان علي القياس لكان الواجب أن تقضي الصلاة،فاتق الله يا نعمان و لا تقس فإنا نقف غدا نحن و أنت و من خالفنا بين يدي الله عزّ و جلّ فيسألنا عن قولنا و يسألهم عن قولهم0.

ص: 116


1- بحار الأنوار-العلامة المجلسي 222/10.

فنقول:قلنا:قال الله و قال رسول الله صلي الله عليه و آله،و تقول أنت و أصحابك:رأينا و قسنا، فيفعل الله بنا و بكم ما يشاء (1).

و روي عن بعض الأئمة الطاهرين عليهم السّلام و الصلاة أنه قال:أتي أبو حنيفة إلي أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه أفضل الصلاة و السلام،فخرج إليه يتوكأ علي عصا فقال له أبو حنيفة:ما هذه العصا يا أبا عبد الله؟ما بلغ بك من السن ما كنت تحتاج إليها،قال:أجل و لكنها عصا رسول الله صلي الله عليه و آله فأردت أن أتبرك بها،قال:أما إني لو علمت ذلك و أنها عصا رسول الله صلي الله عليه و آله لقمت و قبلتها.

فقال أبو عبد الله عليه الصلاة و السلام:سبحان الله و حسر عن ذراعه و قال:و الله يا نعمان لقد علمت أن هذا من شعر رسول الله صلي الله عليه و آله و من بشره فما قبلته!فتطاول أبو حنيفة ليقبل يده فاستل كمه و جذب يده و دخل منزله (2).

و قال أبو حنيفة لأصحابه ان جعفر بن محمّد الصادق ذكر كلمات حيرتني يقول أنّ الله لا يري لا دنيا و لا آخرة و كيف الموجود لا يري.و إن إبليس يعذب بالنار مع أنه مخلوق منها فكيف يعذب بما خلق منه و إن أفعال العباد تنسب إليهم مع أنّ القرآن ينبسها إلي الله.

-و كان بهلول حاضرا فضربه بقطعة من طين يابسة فسالت الدم من رأسه و هرب.

-فاشتكي أبو حنيفة عليه و أرادوا محاكمته فقال بهلول.

-لقد اعترض علي الإمام الصادق بثلاثة اعتراضات فأجبته عليها بذلك-ضربه-.

1-إنه يقول أن الموجود لا بد أن يري و الآن يدعي الألم في رأسه فليرني الألم.و إلاّ كاذب.

2-و يقول إنّ الشيطان من نار كيف يعذب بالنار و الطينة من تراب و هو من تراب فكيف يتألم.

3-و يقول إن فعل العبد ينسب إلي الله فلماذا اشتكي عليّ إذن؟-فأطلق سراحه (3).

و في الإحتجاج أنّ الصّادق قال لأبي حنيفة لمّا دخل عليه:من أنت؟

قال:أبو حنيفة.

قال:مفتي أهل العراق.

قال:نعم،قال:بم تفتيهم؟

قال:كتاب الله،قال:فأنت العالم بكتاب الله؟ناسخه و منسوخه و محكمه و متشابهه،قال:

نعم.8.

ص: 117


1- مستدرك الوسائل:253/17،و البحار:221/10 ح 22.
2- بحار الأنوار-العلامة المجلسي 222/10-230.
3- راجع البحار:175/48.

قال:فأخبرني عن قول الله عزّ و جل وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ (1).

أي موضع هو؟

قال أبو حنيفة:هو ما بين مكّة و المدينة،فالتفت أبو عبد الله إلي جلسائه و قال:نشدتكم بالله هل تسيرون بين مكّة و المدينة و لا تؤمنون علي دمائكم من القتل و علي أموالكم من السّرق؟

فقالوا اللهمّ نعم.

قال:ويحك يا أبا حنيفة إن الله لا يقول إلا حقّا،أخبرني عن قول الله: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً (2).

أي موضع هو؟

قال:ذاك بيت الله الحرام،فالتفت أبو عبد الله إلي جلسائه و قال لهم:نشدتكم بالله هل تعلمون أنّ عبد الله بن الزبير و سعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل؟

قالوا:اللهم نعم،فقال:أبو عبد الله:ويحك يا أبا حنيفة إنّ الله لا يقول إلاّ حقا.

فقال أبو حنيفة:ليس لي علم بكتاب الله عزّ و جلّ إنّما أنّا صاحب قياس.

قال أبو عبد الله:فانظر في قياسك إن كنت مقيسا أيّما أعظم عند الله القتل أو الزنا؟

قال:بل القتل،قال:فكيف رضي الله في القتل بشاهدين و لم يرض في الزّنا إلاّ بأربعة؟ثمّ قال له:الصّلاة أفضل أم الصّيام؟

قال:بل الصّلاة أفضل،قال:فيجب علي قياس قولك علي الحائض قضاء ما فاتها من الصّلاة في حال حيضها دون الصّيام،و قد أوجب الله عليها قضاء الصّوم دون الصّلاة،ثم قال:

البول أقذر أم المني؟

قال:البول أقذر،قال:يجب علي قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني،و قد أوجب الله الغسل علي المني دون البول.

قال:إنّما أنا صاحب رأي،قال:فما تري في رجل كان له عبد فتزوج و زوّج عبده في ليلة واحدة فدخلا بامرأتيهما في ليلة واحدة ثم سافرا و جعلا امرأتيهما في بيت واحد فولدتا غلامين فسقط البيت عليهم فقتلت الإمرأتان و بقي الغلامان أيهما في رأيك المالك و أيهما المملوك و أيهما الوارث و أيهما الموروث؟

قال:إنّما أنا صاحب حدود،فقال:فما تري في رجل أعمي فقأ عين صحيح،و أقطع يد و رجل كيف يقام عليهما الحد؟7.

ص: 118


1- سورة سبأ:18.
2- سورة آل عمران:97.

قال:إنّما أنا رجل عالم بمباعث الأنبياء،قال:فأخبرني عن قول الله تعالي لموسي و هارون حين بعثهما إلي دعوة فرعون: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشي (1)منه شكّ؟

قال:نعم،قال:ذلك من الله شك إذ قال لعلّه؟

قال أبو حنيفة:لا أعلم.قال:إنّك تفتي بكتاب الله و لست ممّن ورثه،و تزعم أنك صاحب قياس و أوّل من قاس إبليس و لم بين دين الإسلام علي القياس،و تزعم أنك صاحب رأي و كان الرّأي من رسول الله صوابا و من دونه خطأ،لأنّ الله قال: إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (2)و لم يقل ذلك لغيره،و تزعم أنك صاحب حدود و من أنزلت عليه أولي بعلمها منك،و تزعم أنّك عالم بمباعث الأنبياء و خاتم الأنبياء أعلم بمباعثهم منك،لو لا أن يقال:دخل علي ابن رسول الله فلم يسأله من شي ما سألتك عن شي،فقس إن كنت مقيسا،قال:لا تكلّمت بالرّأي و القياس في دين الله بعد هذا المجلس،قال:كلا إنّ حبّ الرّئاسة غير تاركك كما لم يترك من كان قبلك الخبر (3).

و في المناقب عن مسند أبي حنيفة قال الحسن بن زياد سمعت أبا حنيفة و قد سئل من أفقه من رأيت؟

قال:جعفر بن محمّد،لما أقدمه المنصور بعث إليّ فقال:يا أبا حنيفة إنّ النّاس قد فتنوا بجعفر بن محمّد فهييّ له من مسائلك الشداد،فهيّأت له أربعين مسألة،ثمّ بعث إليّ أبو جعفر(يعني المنصور)و هو بالحيرة،فأتيته فدخلت عليه و جعفر جالس عن يمينه،فلمّا بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر فسلّمت عليه فأومي إليّ،فجلست ثمّ التفت إليه فقال:يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة قال:نعم أعرفه ثمّ التفت إليّ فقال:يا أبا حنيفة ألق علي أبي عبد الله من مسائلك فجعلت ألقي عليه فيجيبني فيقول:أنتم تقولون كذا و أهل المدينة يقولون كذا و نحن نقول كذا،فربّما تابعنا و ربّما تابعهم و ربّما خالفنا جميعا،حتّي أتيت علي الأربعين مسألة فما أخلّ منها بشي ثمّ قال أبو حنيفة:أليس أنّ أعلم النّاس أعلمهم باختلاف النّاس (4).

و عن عيسي بن عبد الله القرشي قال:دخل أبو حنيفة علي أبي عبد الله فقال له:يا أبا حنيفة بلغني أنّك تقيس قال:نعم،قال:لا تقس فإن أوّل من قاس إبليس حين قال:خلقتني من نار و خلقته من طين،فقاس ما بين النّار و الطين،و لو قاس نوريّة آدم بنورية النّار عرف فضل ما بين النّورين و صفاء أحدهما علي الآخر (5).0.

ص: 119


1- سورة طه:44.
2- سورة النساء:105.
3- الصراط المستقيم:212/3،و البحار:288/2 ح 4.
4- البحار:218/47،و مناقب آل أبي طالب:379/3.
5- البحار:288/2،و الكافي:58/1 ح 20.

و في كتاب القضاء من الوسائل:إنّ ابن شبرمة قال دخلت أنا و أبو حنيفة علي جعفر بن محمّد فقال لأبي حنيفة:اتّق الله و لا تقس في الدّين برأيك فإن أوّل من قاس إبليس،إلي أن قال:ويحك أيّهما أعظم قتل النّفس أو الزّنا؟

قال:قتل النفس.

قال:فإنّ الله عزّ و جلّ قد قبل في قتل النفس شاهدين و لم يقبل في الزنا إلا أربعة.ثمّ أيّهما أعظم الصّلاة أم الصّوم؟

قال:الصّلاة.

قال:فما بال الحائض تقضي الصّيام و لا تقضي الصّلاة،فكيف يقوم لك القياس فاتق الله و لا تقس.

قال:فأيّهما أكبر البول أو المني؟

قلت:البول،قال:فلم أمر الله تعالي في البول بالوضوء و في المني بالغسل.

قال:فأيّما أضعف المرأة أو الرّجل؟

قلت:المرأة،قال:فلم جعل الله تعالي في الميراث للرجل سهمين و للمرأة سهم أفيقاس لك هذا؟

قلت:لا.

قال:فبم حكم الله فيمن سرق عشر دراهم القطع و إذا قطع الرّجل يد رجل فعليه ديتها خمسة آلاف درهم أفيقاس لك هذا؟

قلت:لا.الحديث (1).

و في الاحتجاج،قال أبو حنيفة لأبي عبد الله عليه السّلام:كم بين المشرق و المغرب؟

قال:مسيرة يوم بل أقلّ من ذلك فاستعظمه فقال:يا عاجز لم تنكر هذا إنّ الشمس تطلع من المشرق و تغرب من المغرب في أقلّ من يوم (2).

و عن محمّد بن مسلم قال:دخلت علي أبي عبد الله عليه السّلام و عنده أبو حنيفة فقلت:جعلت فداك رأيت رؤيا عجيبة فقال:يابن مسلم هاتها فإنّ العالم بها جالس يعني أبا حنيفة فقلت:رأيت كأنّي دخلت داري و إذا أهلي قد خرجت عليّ فكسرت جوزا كثيرا و نثرته عليّ فتعجبت من هذه الرؤيا فقال أبو حنيفة:أنت رجل تخاصم و تجادل في مواريث أهلك فبعد تعب شديد تنال حاجتك إن شاء الله تعالي فقال أبو عبد الله عليه السّلام:أصبت و الله يا أبا حنيفة ثمّ خرج أبو حنيفة من عنده فقلت:جعلت1.

ص: 120


1- البحار:220/10 ح 20.
2- البحار:213/47 ح 1.

فداك إنّي كرهت تعبير هذا الناصب،فقال:يابن مسلم لا يسؤك فما يوافق تعبيرهم تعبيرنا و لا تعبيرنا تعبيرهم و ليس التعبير كما عبّره فقلت له:جعلت فداك فقولك أصبت و تحلف عليه و هو مخطئ؟

قال:نعم،حلفت أنّه أصاب الخطأ،فقلت:فما تأويلها؟

قال:إنّك تتمتّع بامرأة فتعلم بها أهلك فتخرق عليك ثيابا جددا فإنّ القشر كسوة اللبّ.

قال:فو الله ما كان بين تعبيره و تصحيح الرؤيا إلاّ صبيحة الجمعة،فلمّا كان غداة الجمعة أنا جالس بالباب إذ مرّت بي جارية فأعجبتني فأمرت غلامي فردّها ثمّ أدخلها داري فتمتّعت بها فأحسّت بي و بها أهلي فدخلت علينا البيت فبادرت الجارية نحو الباب فبقيت أنا فمزّقت عليّ ثيابا جددا كنت ألبسها في الأعياد (1).

و في كتاب الاختصاص للمفيد عن سماعة قال:سأل رجل أبا حنيفة عن اللاّ شيء و عن الذي لا يقبل الله غيره فعجز عن لا شيء فقال:اذهب بهذه البغلة إلي إمام الرافضة فبعها منه بلا شيء و اقبض الثمن فأخذ بعذارها و أتي بها أبا عبد الله عليه السّلام فقال عليه السّلام له:هل استأمرت أبا حنيفة في بيع هذه البغلة؟

قال:نعم،أمرني ببيعها،قال:بكم؟

قال:بلا شيء،قال:اشتريتها منك بلا شيء،فأمر غلامه أن يدخلها المربط،فقال:إذا كان الغداة من غد فتعال لقبض الثمن فرجع إلي أبي حنيفة فأخبره و سرّ بذلك،فلمّا كان من الغد أتي أبو حنيفة فقال عليه السّلام:جئت تقبض ثمن البغلة؟

قال:نعم،فركب عليه السّلام البغلة و ركب أبو حنيفة بعض الدواب فتصحرا جميعا فلمّا ارتفع النهار نظر أبو عبد الله عليه السّلام إلي السراب يجري قد ارتفع كأنّه الماء الجاري فقال أبو عبد الله عليه السّلام:يا أبا حنيفة ما هذا الذي عند الميل كأنّه يجري؟

قال:ذاك الماء يابن رسول الله،فلمّا وافيا الميل و جداه أمامهما فتباعد فقال أبو عبد الله عليه السّلام:اقبض ثمن البغلة قال الله تعالي: كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتّي إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَ وَجَدَ اللّهَ عِنْدَهُ (2)قال:فخرج أبو حنيفة إلي أصحابه حزينا فقالوا له:ما لك يا أبا حنيفة؟

قال:ذهبت البغلة هدرا و كان قد اعطي بالبغلة عشرة آلاف درهم (3).

***4.

ص: 121


1- الكافي:293/8 ح 448 7 و البحار:224/47 ح 11.
2- سورة النور:39.
3- مستدرك الوسائل:324/13 ح 6،و البحار:240/47 ح 24.

بين الإمام الصادق عليه السّلام و الزنادقة

عن علي بن إبراهيم،عن أبيه،عن العباس بن عمر و الفقيمي أن ابن أبي العوجاء و ابن طالوت و ابن الأعمي و ابن المقفع في نفر من الزنادقة كانوا مجتمعين في الموسم بالمسجد الحرام،و أبو عبد الله جعفر بن محمد عليهما السّلام فيه إذ ذاك يفتي الناس،و يفسر لهم القرآن،و يجيب عن المسائل بالحجج و البينات.

فقال القوم لابن أبي العوجاء:هل لك في تغليظ هذا الجالس و سؤاله عما يفضحه عند هؤلاء المحيطين به؟

فقد تري فتنة الناس به،و يفسر لهم القرآن و يجيب عن المسائل به،و هو علامة زمانه،فقال لهم ابن أبي العوجاء:نعم،ثم تقدم ففرق الناس و قال:يا أبا عبد الله إن المجالس أمانات،و لا بد لكل من كان به سعال أن يسعل،فتأذن لي في السؤال؟

فقال أبو عبد الله عليه السّلام:سل ما شئت.

فقال ابن أبي العوجاء:إلي كم تدوسون هذا البيدر،و تلوذون بهذا الحجر،و تعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب و المدر،و تهرو لون حوله هرولة البعير إذا نفر؟من فكر في هذا و قدر علم أنه فعل غير حكيم و لا ذي نظر،فقل فإنك رأس هذا الأمر و سنامه،و أبوك أسّه و نظامه.

فقال له الصادق عليه السّلام:إن من أضله الله و أعمي قلبه استوخم الحق و لم يستعذبه،و صار الشيطان وليه و ربه،و يورده موارد الهلكة و لا يصدره،و هذا بيت استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه،فحثهم علي تعظيمه و زيارته،و جعله قبلة للمصلين له،فهو شعبة من رضوانه،و طريق يؤدي إلي غفرانه،منصوب علي استواء الكمال،و مجمع العظمة و الجلال،خلقه الله تعالي قبل دحو الأرض بألفي عام،فأحق من أطيع فيما أمر و انتهي عما زجر الله المنشي للأرواح و الصور.

فقال له ابن أبي العوجاء:ذكرت يا أبا عبد الله فأحلت علي غائب.فقال الصادق عليه السّلام:كيف يكون يا ويلك غائبا من هو مع خلقه شاهد،و إليهم أقرب من حبل الوريد،يسمع كلامهم،و يعلم أسرارهم،لا يخلو منه مكان،و لا يشغل به مكان،و لا يكون من مكان أقرب من مكان،يشهد له بذلك آثاره،و يدل عليه أفعاله،و الذي بعثه بالآيات بالمحكمة و البراهين الواضحة محمد صلي الله عليه و آله جاءنا بهذه العبادة فإن شككت في شي من أمره فسل عنه أوضحه لك.

قال:فأبلس ابن أبي العوجاء و لم يدرما يقول،و انصرف من بين يديه،فقال لأصحابه:

سألتكم أن تلتمسوا لي جمرة فألقيتموني علي جمرة.

فقالوا له:أسكت فو الله لقد فضحتنا بحيرتك و انقطاعك،و ما رأينا أحقر منك اليوم في مجلسه.

ص: 122

فقال:ألي تقولون هذا؟إنه ابن من حلق رؤوس من ترون-و أومأ بيده إلي أهل الموسم- (1).

***

بين الإمام الصادق عليه السّلام و أبي شاكر الديصاني

روي أن أبا شاكر الديصاني وقف ذات يوم في مجلس أبي عبد الله عليه السّلام فقال له:إنك لأحد النجوم الزواهر،و كان آباؤك بدورا بواهر،و أمهاتك عقيلات عباهر (2)و عنصرك من أكرم العناصر، و إذا ذكر العلماء فعليك تثني الخناصر،خبرنا أيها البحر الزاخر:ما الدليل علي حدوث العالم؟.

فقال أبو عبد الله عليه السّلام:من أقرب الدليل علي ذلك ما أذكره لك،ثم دعا ببيضة ثم وضعها في راحته و قال:هذا حصن ملموم داخله غرقئ (3)رقيق يطيف به كالفضة السائلة و الذهبة المائعة،أتشك في ذلك؟

فقال أبو شاكر:لا شك فيه.

قال أبو عبد الله عليه السّلام:ثم إنه تنفلق عن صورة كالطاووس،أدخله شي غير ما عرفت؟قال:

لا.قال:فهذا الدليل علي حدوث العالم قال أبو شاكر:دللت أبا عبد الله فأوضحت و قلت فأحسنت،و ذكرت فأوجزت،و قد علمت أنا لا نقبل إلا ما أدركناه بأبصارنا،أو سمعناه بآذاننا،أو ذقناه بأفواهنا،أو شممناه بآنافنا،أو لمسناه ببشرتنا.

فقال أبو عبد الله عليه السّلام:ذكرت الحواس الخمس و هي لا تنفع في الإستنباط إلا بدليل،كما لا تقطع الظلمة بغير مصباح.

يريد به عليه السّلام أن الحواس بغير عقل لا يوصل إلي معرفة الغائبات،و أن الذي أراه من حدوث الصورة معقول بني العلم به علي محسوس (4).

***

بين الإمام الصادق عليه السّلام و النصاري

عن أبي خنيس الكوفي قال:حضرت مجلس الصادق عليه الصلاة و السلام و عنده جماعة من النصاري فقالوا:فضل موسي و عيسي و محمد عليهم السّلام سواء لأنهم صلوات الله عليهم أصحاب الشرائع و الكتب.

ص: 123


1- بحار الأنوار-العلامة المجلسي 211/10.
2- العقيلة من النساء:الكريمة المخدرة قال الفيروز آبادي في القاموس:العباهر:المتلئ الجسم و العظيم. و الناعم الطويل من كل شي.و العبهرة:الجامعة للحسن في الجسم و الخلق.
3- الملموم:المجتمع المتسدير.الغرقئ:القشرة الملتصقة ببياض البيض،و بياض البيض الذي يؤكل.
4- بحار الأنوار-العلامة المجلسي:213/1.

فقال الصادق عليه السّلام:إن محمدا صلي الله عليه و آله أفضل منهما و أعلم و لقد أعطاه الله تبارك و تعالي من العلم ما لم يعط غيره،فقالوا آية من كتاب الله تعالي نزلت في هذا؟

قال عليه السّلام:نعم قوله تعالي: وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (1)و قوله تعالي لعيسي:

وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ.

و قوله تعالي للسيد المصطفي صلي الله عليه و آله: وَ جِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلي هؤُلاءِ وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ (2).

و قوله تعالي: لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَ أَحْصي كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً (3)فهو و الله أعلم منهما و لو حضر موسي و عيسي بحضرتي و سألاني لأجبتهما و سألتهما ما أجابا (4).

***

بين الإمام الصادق عليه السّلام و الخوارج

عن داود الرقي قال:سألني بعض الخوارج عن قول الله تبارك و تعالي: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ الآية،ما الذي أحلّ الله من ذلك؟و ما الذي حرّم؟

قال:فلم يكن عندي في ذلك شي،فحججت فدخلت علي أبي عبد الله عليه السّلام فقلت:جعلت فداك إنّ رجلا من الخوارج سألني عن كذا و كذا.

فقال عليه السّلام:إنّ الله عزّ و جلّ أحلّ في الأضحية بمني الضأن و المعز الأهلية،و حرم فيها الجبلية،و ذلك قوله عز و جل: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ (5)و إن الله عزّ و جلّ أحلّ في الأضحية بمني الإبل العراب (6)،و حرم فيها البخاتي (7)،و أحلّ فيها البقر الأهلية،و حرّم فيها الجبلية،و ذلك قوله عز و جل: وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ (8).

قال:فانصرفت إلي صاحبي فأخبرته بهذا الجواب،فقال:هذا شي حملته الإبل من الحجاز (9).

ص: 124


1- سورة الاعراف:145.
2- سورة النحل:89.
3- الجن:28.
4- مناقب آل أبي طالب:385/3،و البحار:215/1 ح 15.
5- سورة الانعام:143.
6- العراب:الإبل العربية.
7- البخاتي:جمع البخت:و هي الابل الخراسانية.
8- سورة الانعام:144.
9- الاختصاص:54،و الكافي:492/4.

بين الإمام الصادق عليه السّلام و ابن أبي العوجاء

عن حفص بن غياث قال:كنت عند سيد الجعافر جعفر بن محمد عليهما السّلام لما أقدمه المنصور فأتاه ابن أبي العوجاء و كان ملحدا فقال له:ما تقول في هذه الآية: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها (1)؟هب هذه الجلود عصت فعذّبت فما بال الغير يعذّب؟

قال أبو عبد الله عليه السّلام:ويحك هي هي،و هي غيرها.

قال:أعقلني هذا القول.

فقال له:أ رأيت لو أنّ رجلا عمد إلي لبنة فكسرها ثم صب عليها الماء و جبلها ثم ردها إلي هيئتها الأولي،ألم تكن هي هي و هي غيرها؟

فقال:بلي أمتع الله بك (2).

***

بين الإمام الصادق عليه السّلام و طاوس اليماني

و روي في البحار قال:دخل طاوس علي الصادق صلوات الله عليه فقال له:يا طاوس ناشدتك الله هل علمت أحدا أقبل للعذر من الله تعالي؟

قال:اللهم لا.

قال:هل علمت أحدا أصدق ممن قال:لا أقدر و هو لا يقدر؟

قال:اللهم لا.

قال:فلم لا يقبل من لا أقبل للعذر منه ممن لا أصدق في القول منه؟

فنفض ثوبه فقال:ما بيني و بين الحق عداوة (3).

***

بين الإمام الصادق عليه السّلام و الخضر

الخرائج:روي أنّ الباقر عليه السّلام كان في الحجّ و معه ابنه جعفر عليه السّلام إذ أتاه رجل فسلّم عليه و قال:اريد أن أسألك.

ص: 125


1- النساء:56.
2- بحار الأنوار-العلامة المجلسي 220/10.
3- البحار:221/10 ح 21.

فقال:سل ابني جعفرا،فتحوّل إليه و قال:أسألك عن رجل أذنب ذنبا عظيما.

فقال عليه السّلام:أفطر يوما في شهر رمضان متعمّدا قال أعظم من ذلك؟

قال:زنا في شهر رمضان.

قال:أعظم من ذلك؟

قال:قتل النفس قال:نعم،قال:إن كان من شيعة عليّ عليه السّلام مشي إلي بيت الله الحرام و حلف أن لا يعود و إن لم يكن من شيعته فلا بأس.

فقال له الرجل:رحمكم الله يا ولد فاطمة ثلاثا هكذا سمعته من رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم،ثمّ إنّ الرجل ذهب فالتفت أبو جعفر عليه السّلام فقال:عرفت الرجل ذلك الخضر إنّما أردت أن أعرفكه (1).

***

بين الإمام الصادق عليه السّلام و عالم النجوم

عن أبي عبد الله عليه السّلام قال:كان بيني و بين رجل قسمة أرض و كان الرجل صاحب نجوم و كان يتوخّي ساعة السعود فيخرج فيها و أخرج أنا في ساعة النحوس فاقتسمنا فخرج لي خير القسمين فضرب الرجل بيده اليمني علي اليسري.

ثمّ قال:ما رأيت كاليوم قط إنّي أخرجتك في ساعة النحوس و خرجت أنا في ساعة السعود فاقتسمنا فخرج لك خير القسمين.

فقلت:حدّثني أبي قال:قال رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم:من سرّه أن يدفع الله عنه نحس يوم فليفتتح يومه بصدقة يذهب الله بها عنه نحس يومه،و من أحبّ أن يذهب الله عنه نحس ليلته فليفتتح ليلته بصدقة يدفع الله عنه نحس ليلته.فقلت:إنّي افتتحت خروجي بصدقة فهذا خير لك من علم النجوم (2).

***

بين الإمام الصادق عليه السّلام و نصراني

روي سالم الضرير أنّ نصرانيّا سأل الصادق عليه السّلام عن تفصيل الجسم فقال عليه السّلام:إنّ الله تعالي خلق الإنسان علي إثني عشر وصلا و علي مائتين و ستّة و أربعين عظما و علي ثلاثة مائة و ستّين عرقا،

ص: 126


1- الخرائج و الجرائح:632/2 ح 32،و البحار:31/6 ح 37.
2- الكافي:7/4 ح 9،و البحار:52/47 ح 84.

فالعروق هي التي تسقي الجسد كلّه و العظام تمسكها و اللحم يمسك العظام و العصب يمسك اللحم و جعل في يديه إثنين و ثمانين عظما في كلّ يد أحد و أربعون عظما منها في كفّه خمسة و ثلاثون عظما و في ساعده إثنان و في عضده واحد و في كتفه ثلاثة،فذلك أحد و أربعون عظما،و كذلك في الاخري،و في رجله ثلاثة و أربعون عظما منها في قدمه خمسة و ثلاثون،و في ساقه اثنان و في ركبتيه ثلاثة و في فخذه واحد و في وركه اثنان و كذلك في الاخري و في صلبه ثماني عشرة فقارة و في كلّ واحد من جنبيه تسعة أضلاع و في و قصته ثمانية و في رأسه ستّة و ثلاثون عظما و في فيه ثمانية و عشرون و إثنان و ثلاثون (1).

و وري أنه قال عليه السّلام قال:الطبائع أربع:الدم و هو عبد و ربّما قتل العبد سيّده و الريح و هو عدوّ إذا سددت له بابا أتاك من آخر،و البلغم و هو ملك يداري،و المرّة و هي الأرض إذا رجفت رجفت بمن عليها.

فقال:أعد عليّ فو الله ما يحسن جالينوس أن يصف هذا الوصف (2).

***

بين الإمام الصادق عليه السّلام و ابن شبرمة

الكافي عن عبد الله بن سنان قال:لمّا قدم الصادق عليه السّلام علي أبي العبّاس و هو بالحيرة خرج يومما يريد عيسي بن موسي فاستقبله بين الحيرة و الكوفة و معه ابن شبرمة القاضي فقال له ابن شبرمة:

ما تقول يا أبا عبد الله في شيء سألني عنه الأمير فلم يكن عندي فيه شيء؟

قال:و ما هو؟

قال:سألني عن أوّل كتاب كتب في الأرض،قال:نعم إنّ الله عزّ و جلّ عرض علي آدم ذرّيته عرض العين في صور الذرّ نبيّا فنبيّا و ملكا فملكا و مؤمنا فمؤمنا و كافرا فكافرا فلمّا انتهي إلي داود عليه السّلام قال:من هذا الذي نبّأته و كرّمته و قصّرت عمره؟فأوحي الله عزّ و جلّ إليه هذا ابنك داود عمره أربعون سنة و إنّي كتبت الآجال و قسّمت الأرزاق و أنا أمحو ما أشاء و أثبت و عندي امّ الكتاب فإن جعلت له شيئا من عمرك ألحقته له.

قال:يا ربّ قد جعلت له من عمري ستّين سنة تمام المائة فقال الله عزّ و جلّ لجبرئيل و ميكائيل و ملك الموت:اكتبوا عليه كتابا فإنّه سينسي،فكتبوا عليه كتابا ختموه بأجنحتهم من طينة علّيين فلمّا حضرت آدم الوفاة أتاه ملك الموت.

ص: 127


1- البحار:218/47،و مستدرك سفينة البحار:283/7.
2- البحار:219/47.

فقال آدم:ما جاء بك؟

قال:جئت أقبض روحك.

قال:قد بقي من عمري ستّون سنة فقال:إنّك جعلتها لابنك داود و نزل جبرئيل و أخرج له الكتاب.

فقال أبو عبد الله عليه السّلام:فمن أجل ذلك إذا خرج الصّك علي المديون ذلّ المديون فقبض روحه (1).

***

بين الإمام الصادق عليه السّلام و هشام

للكشي عن عمر بن يزيد قال:كان ابن أخي و هو هشام يذهب في الدين مذهب الجهمية خبيثا فيهم فسألني أن أدخله علي أبي عبد الله عليه السّلام ليناظره فاستأذنته عليه السّلام فأذن فقمت و خطوت خطوات و رجعت فذكرت رداءته و خبثه فانصرفت إلي أبي عبد الله عليه السّلام فحدّثته برداءته و خبثه فقال عليه السّلام:يا عمر تتخوّف عليّ فخجلت من قولي و علمت أنّي قد عثرت فخرجت مستحثّا لهشام فبادر هشام فدخل عليه فسأله عليه السّلام عن مسألة فحار فيها هشام و سأله أن يؤجّله فخرج و اضطرب في طلب الجواب أيّاما فلم يقف عليه فرجع فأخبره عليه السّلام بها و سأله عن مسائل اخري فيها فساد دينه و عقد مذهبه فخرج هشام من عنده مغتّما متحيّرا قال:فبقيت أيّاما لا أفيق من حيرتي.

قال عمر بن يزيد:فسألني هشام أن أستأذن له علي أبي عبد الله عليه السّلام فدخلت فقال عليه السّلام:

لينتظرني في موضع سمّاه بالحيرة لألتقي معه غدا،فأخبرت هشام فسبقه إلي الموضع ثمّ رأيت هشاما فسألته بعد ذلك فأخبرني أنّه كان في ذلك الموضع فإذا أبو عبد الله عليه السّلام علي بغلة قال:فلمّا قرب منّي هالني منظره و أرعبني حتّي بقيت لا أجد شيئا أتكلّم به و لا انطلق لساني لمّا أردت مناطقته و وقف عليه السّلام طويلا ينتظر ما اكلّمه و كان وقوفه لا يزيدني إلاّ هيبة و تحيّرا فلمّا رأي ذلك منّي ضرب بغلته و سار و تيقّنت أنّ ما أصابني من هيبته لم يكن إلاّ من قبل الله عزّ و جلّ من عظم موقعه و مكانه من الربّ الجليل.

قال عمر:فانصرف هشام إلي أبي عبد الله عليه السّلام و ترك مذهبه ودان بالحقّ وفاق أصحاب أبي عبد الله عليه السّلام كلّهم.

و اعتلّ هشام ابن الحكم علّته التي مات فيها و كان يقول للأطبّاء علّتي قرع القلب ممّا أصابني من الخوف و قد كان قدّم ليضرب عنقه ففزع قلبه من ذلك حتّي مات (2).

ص: 128


1- الكافي:379/7 ح 1،و البحار:258/11 ح 1.
2- البحار:195/48.

بين الإمام الصادق عليه السّلام و هشام و ابن أبي العوجاء

و روي نوح بن شعيب قال:سأل ابن أبي العوجاء هشام بن الحكم فقال:أليس الله حكيما؟

قال:بلي أحكم الحاكمين.

قال:فأخبرني عن قوله فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْني وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أ ليس هذا فرض؟

قال:بلي،قال:فأخبرني عن قول الله عزّ و جلّ: وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ أي حكيم يتكلّم بهذا فلم يكن عنده جواب فرحل إلي المدينة إلي أبي عبد الله عليه السّلام فقال:يا هشام في غير وقت حجّ و لا عمرة؟

قال:نعم جعلت فداك لأمر أهمّني؛إنّ ابن أبي العوجا سألني عن مسألة لم يكن عندي فيها شيء،فأخبره بالقصّة.

فقال عليه السّلام:أمّا قوله: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْني وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً (1)يعني في النفقة،و أمّا قوله: لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ يعني في المودّة،فلمّا قدم هشام بهذا الجواب أخبره قال:و الله ما هذا من عندك (2).

***

بين الإمام الصادق عليه السّلام و زياد الحارثي

و عن أبي عبد الله عليه السّلام قال:إنّي لذات يوم عند زياد بن عبيد الله الحارثي إذ جاء رجل يستعدي علي أبيه فقال:أصلح الله الأمير أبي زوّج ابنتي بغير اذني.

فقال زياد لجلسائه:ما تقولون؟

قالوا:نكاحه باطل ثمّ سألني فقلت للذين أجابوه:أليس فيما تروون أنتم عن رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم إنّ رجلا جاء يستعدي علي أبيه في مثل هذا فقال رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم:أنت و مالك لأبيك؟

فقالوا:بلي.

فقلت لهم:كيف يكون هذا و هو و ماله لأبيه و لا يجوز نكاحه؟

قال:فأخذ بقولهم و ترك قولي.

ص: 129


1- سورة النساء:3.
2- البحار:225/47 ح 13.

بين الإمام الصادق عليه السّلام و الصوفية

الكافي عن مسعدة بن صدقة قال:دخل سفيان الثوري علي أبي عبد الله عليه السّلام فرأي عليه ثيابا بيضاء كأنّها غرقيء البيض يعني قشره الأسفل،فقال له:إنّ هذا اللباس ليس من لباسك،فقال له:

اسمع ما أقول لك فإنّه خير لك عاجلا و آجلا إن أنت متّ علي السنّة و الحقّ و لم تمت علي بدعة أخبرك أنّ رسول الله صلّي اللّه عليه و آله و سلّم كان في زمان جدب مقفر فأمّا إذا أقبلت فأحقّ أهلها بها أبرارها لا فجّارها و مؤمنوها لا منافقوها و مسلموها لا كفّارها فما أنكرت يا ثوري فو الله إنّني لمع ما تري ما أتي عليّ مذ عقلت صباح و لا مساء و لله في مالي حقّ أمرني أضعه موضعا إلاّ وضعته.

قال:و أتاه قوم ممّن يظهر التزهّد و يدعو الناس أن يكونوا علي مثل الذي هم عليه من التقشّف فقالوا له:إنّ صاحبنا حصر عن كلامك و لم تحصره حججه فقال لهم:فهاتوا حججكم؟

فقالوا:إنّ حججنا من كتاب الله يقول الله تبارك و تعالي مخبرا عن قوم من أصحاب النبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلّم: وَ يُؤْثِرُونَ عَلي أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (1)فمدح فعلهم.

و قال في موضع آخر: وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلي حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً (2)فنحن نكتفي بهذا،فقال رجل من الجلساء:إنّا رأيناكم تزهدون في الأطعمة و مع ذلك تأمرون الناس بالخروج من أموالهم حتّي تمتّعوا أنتم منها.

فقال عليه السّلام:دعوا عنكم ما لا ينتفع به أخبروني أ لكم علم بناسخ القرآن من منسوخه و محكمه من متشابهه الذي في مثله هلك من هلك من هذه الامّة؟

قالوا:بعضه فأمّا كلّه فلا،فقال لهم:فمن هاهنا أتيتم و كذلك أحاديث رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم فأمّا ما ذكرتم من أخبار الله أمانا في كتابه عن القوم الذين أخبر عنهم بحسن فعالهم فقد كان مباحا جائزا و لم يكونوا نهوا عنه و ثوابهم منه علي الله عزّ و جلّ و ذلك أنّ الله سبحانه أمر بخلاف ما عملوا فصار أمره ناسخا لفعلهم و كان نهي الله تبارك و تعالي رحمة للمؤمنين لئلا يضرّوا بأنفسهم و عيالاتهم منهما لضعفة الصغار و الولدان و الشيخ الفاني و العجوز الكبيرة الذين لا يصبرون علي الجوع فإن تصدّقت برغيفي و لا رغيف لي غيره ضاعوا و هلكوا جوعا فمن ثمّ قال رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم خمس ثمرات أو خمس قرص أو دنانير أو دراهم يملكها الإنسان و هو يريد أن يمضيها فأفضلها ما أنفقه الإنسان علي والديه ثمّ الثانية علي نفسه و عياله ثمّ الثالثة علي قرابته الفقراء ثمّ الرابعة علي جيرانه الفقراء ثمّ الخامسة في سبيل الله و هو أخسّها أجر.

ص: 130


1- سورة الحشر:9.
2- سورة الإنسان:8.

و قال صلي اللّه عليه و آله و سلّم للأنصاري حين أعتق عند موته خمسة أو ستّة من الرقيق و لم يكن يملك غيرهم و له أولاد صغار لو أعلمتموني أمره ما تركتكم تدفنوه مع المسلمين يترك صبية صغارا يتكفّفون الناس.

ثمّ قال:حدّثني أبي أنّ رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم قال:إبدأ بمن تعول الأدني فالأدني ثمّ هنا ما نطق به الكتاب ردّا لقولكم و نهيا عنه مفروضا من العزيز الحكيم قال: وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً أفلا ترون أنّ الله تبارك و تعالي قال غير ما أراكم تدعون الناس إليه من الإثرة علي أنفسهم و سمّي من فعل ما تدعون إليه مسرفا،و في غير آية من كتاب الله يقول إنّ الله لا يحبّ المسرفين،فنهاهم عن الإسراف و نهاهم عن التقتير و لكن أمر بين أمرين لا يعطي جميع ما عنده ثمّ يدعو الله أن يرزقه فلا يستجيب له.للحديث الذي جاء عن النبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلّم:إنّ أصنافا من امّتي لا يستجاب دعاؤهم؛رجل يدعو علي والديه،و رجل يدعو علي غريم ذهب له بمال فلم يكتب عليه و لم يشهد عليه و رجل يدعو علي امرأته و جعل الله عزّ و جلّ تخلية سبيلها بيده،و رجل يقعد في بيته و يقول:ربّ ارزقني و لا يخرج و لا يطلب الرزق فيقول الله عزّ و جلّ له:عبدي ألم أجعل لك السبيل إلي الطلب و الضرب في الأرض بجوارح صحيحة فيكون قد أعذرت فيما بيني و بينك في الطلب لاتّباع أمري و لكيلا تكون كلاّ علي أهلك فإن شئت رزقتك و إن شئت قتّرت عليك و أنت غير معذور عندي،و رجل رزقه الله عزّ و جلّ رزقا فأنفقه كلّه فيدعو فيقول الله سبحانه ألم أرزقك رزقا واسعا فهلاّ اقتصدت فيه كما أمرتك و لم تسرف كما نهيتك عن الإسراف،و رجل يدعو في قطيعة رحم،ثمّ علم الله سبحانه نبيّه صلي اللّه عليه و آله و سلّم كيف ينفق و ذلك أنّه كانت عنده أوقية من الذهب فكره أن تبيت عنده فأصبح و ليس عنده شيء و جاءه من يسأله فلم يكن عنده ما يعطيه و كان رحيما رفيقا فأدّب الله نبيّه صلي اللّه عليه و آله و سلّم بأمره فقال: وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلي عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (1)يقول:إنّ الناس قد يسألونك و لا يعذرونك فإذا أعطيت جميع ما عندك من المال كنت قد حسرت عن المال،فهذه أحاديث رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم يصدّقها الكتاب و الكتاب يصدّقه أهله من المؤمنين.

و قال أبو بكر عند موته حيث قيل له:أوص.

فقال:أوصي بالخمس و الخمس كثير فإنّ الله قد رضي بالخمس و هو كثير فأوصي بالخمس و قد جعل الله عزّ و جلّ له الثلث عند موته و لو علم أنّ الثلث خير له أوصي به ثمّ من قد علمتم بعده في فضله و زهده سلمان و أبو ذرّ رضي الله عنهما.

فأمّا سلمان فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته حتّي يحضر عطاؤه من قابل فقيل له:يا أبا عبد الله أنت في زهدك تصنع هذا و أنت لا تدري لعلّك تموت اليوم أو غدا؟9.

ص: 131


1- سورة الإسراء:29.

فكان جوابه أن قال:ما لكم لا ترجون لي البقاء كما خفتم عليّ الفناء أما علمتم يا جهلة أنّ النفس قد تلتاث علي صاحبها إذا لم يكن لها من العيش ما تعتمد عليه فإذا هي أحرزت معيشتها اطمأنت.

و أما أبو ذر فكانت له نويقات و شويهات يحلبها و يذبح منها إذا اشتهي أهله اللحم،أو نزل به ضيف لو رأي بأهل الماء الذين هم معه خصاصة يجزّ لهم الجزور أو الشاة علي قدر ما يحتاجون من اللحم فيقسمه بينهم و يأخذ هو كنصيب واحد منهم،و من أزهد من هؤلاء و قد قال فيهم رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم ما قال و لم يبلغ من أمرهما أن صارا لا يملكان شيئا البتة،كما تأمرون الناس بإلقاء أمتعتهم و يؤثرون علي أنفسهم و عيالاتهم،و اعلموا أنّي سمعت أبي يروي عن آبائه عليهم السّلام أنّ رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم قال يوما:ما عجبت من شيء كعجبي من المؤمن إن قرض جسده في دار الدّنيا بالمقاريض كان خيرا له و إن ملك مشارق الأرض و مغاربها كان خيرا له،و كلّ ما يصنع الله عزّ و جلّ به فهو خير له فليت شعري هل يحق فيكم ما قد شرحت لكم أم أزيدكم.

أما علمتم أنّ الله عزّ و جلّ قد فرض علي المؤمنين في أوّل الأمر أن يقاتل الرجل منهم عشرة من الكافرين ليس له أن يولّي وجهه عنهم و من ولاّهم يومئذ دبره فقد تبوأ مقعده من النار،ثمّ حوّلهم عن حالهم رحمة منه لهم فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل رجلين من المشركين تخفيفا من الله عزّ و جلّ للمؤمنين فنسخ الرجلان العشرة،و أخبروني أيضا عن القضاة أجورة هم حيث يقضون علي الرجل منكم نفقة امرأته إذا قال إنّي زاهد و إنّي لا شيء لي،فإن قلتم جورة ضلّلكم أهل الإسلام، و إن قلتم بل عدول خصمتم أنفسكم و حيث يردّون صدقه من تصدّق علي المساكين عند الموت بأكثر من الثلث،أخبروني لو كان الناس كلّهم زهادا كالذين تريدون لا حاجة لهم في متاع غيرهم فعلي م من كان يصدّق بكفّارات الإيمان و النذور و الصدقات من فرض الزكاة من الذهب و الفضّة و التمر و الزبيب و سائر ما وجب فيه الزكاة من الإبل و البقر و الغنم و غير ذلك،إذا كان الأمر كما تقولون لا ينبغي لأحد أن يحبس شيئا من عرض الدّنيا إلاّ قدّمه و إن كان به خصاصة،فبئس ما ذهبتم فيه و حملتم الناس عليه من الجهل بكتاب الله عزّ و جلّ و سنّة نبيّه صلي اللّه عليه و آله و سلّم و أحاديثه التي يصدّقها الكتاب المنزل و ردّكم إيّاها بجهالتكم،و ترككم النظر في غرائب القرآن من التفسير بالتاريخ من المنسوخ و المحكم و المتشابه و الأمر و النهي.

و أخبروني أين أنتم عن سليمان بن داود عليهما السّلام حيث سأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأعطاه الله عزّ و جلّ و كان يقول الحق و يعمل به ثمّ لم نجد الله عزّ و جلّ عاب عليه ذلك و لا أحدا من المؤمنين،و داود النبي قبله في ملكه و شدّة سلطانه ثمّ يوسف النبي عليه السّلام حيث قال لملك مصر:

اِجْعَلْنِي عَلي خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (1) فكان من أمره الذي كان أن اختار مملكة الملك5.

ص: 132


1- سورة يوسف:55.

و ما حولها إلي اليمن و كانوا يمتارون الطعام من عنده لمجاعة أصابتهم و كان يقول الحقّ و يعمل به فلم نجد أحدا عاب ذلك عليه.

ثمّ ذو القرنين عبد أحبّ الله فأحبّه طوي له الأسباب و ملّكه مشارق الأرض و مغاربها و كان يقول الحقّ به و يعمل به فتأدّبوا أيّها البقر بآداب الله عزّ و جلّ للمؤمنين و اقتصروا علي أمر الله و نهيه و دعوا عنكم ما اشتبه عليكم ممّا لا علم لكم به و ردّوا العلم إلي أهله تؤجروا و تعذروا عند الله تبارك و تعالي و كونوا في طلب علم ناسخ القرآن من منسوخه و محكمه من متشابهه و ما أحلّ الله فيه ممّا حرّم فإنّه أقرب لكم من الله و أبعد لكم من الجهل،و دعوا الجهالة لأهلها فإنّ أهل الجهل كثير و أهل العلم قليل و قد قال الله عزّ و جلّ: وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (1).

و روي في آخر هذا الحديث من طريق آخر أنّه عليه السّلام لمّا ألزم سفيان و أصحابه الحجّة كشف ردن جبّته فإذا تحتها جبّة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل و الردن عن الردن و قال:يا ثوري لبسنا هذا لله تعالي و هذا لكم و ما كان لله أخفيناه و ما كان لكم أبديناه.

ثمّ إنّه عليه السّلام جذب سفيان إليه فأخرج من تحت ثيابه الخشنة ثوبا ناعما رقيقا يلي بدنه فقال:ما هذا يا ثوري؟و كان ذلك الثوب لا يري من تحت ثيابه.

فقال:أخفيت هذا لتنعم بذلك و أظهرت هذه الثياب الخشنة جلبا لقلوب العوام ففضحه الله تعالي علي يدي خيار خلقه (2).

***

بين الإمام الصادق عليه السّلام و رجل جاهل

الاحتجاج عن الصادق عليه السّلام قال:اهدنا الصراط المستقيم يقول:ارشدنا للزوم الطريق المؤدّي إلي محبّتك و المبلغ إلي جنّتك من أن نتّبع أهواءنا فنعطب فإنّ من اتّبع هواه و أعجب به كان كرجل سمعت غثاء الناس تعظمه و تصفه،فأحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لأنظر مقداره و محلّه فرأيته في موضع قد أحدق به خلق من غثاء العامّة فوقفت متغشيا بلثام أنظر إليه و إليهم فما زال يراوغهم حتّي خالف طريقهم و فارقهم فتفرّقت العوام عنه،و تبعته أقتفي أثره فلم يلبث أن مرّ بخبّاز فتغفّله فأخذ من دكّانه رغيفين مسارقة فتعجّبت منه ثمّ قلت في نفسي لعلّه معاملة ثمّ مرّ من بعده بصاحب رمّان فما زال به حتّي تغفّله فأخذ من عنده رمّانتين مسارقة فتعجّبت منه ثمّ قلت في نفسي لعلّه معاملة،ثمّ لم أزل أتبعه حتّي مرّ بمريض فوضع الرغيفين و الرمّانتين بين يديه و مضي و تبعته حتّي استقرّ في بقعة من صحراء.

ص: 133


1- سورة يوسف:76.
2- البحار:221/47،و تهذيب الكمال:86/5.

فقلت له:يا عبد الله لقد سمعت بك و أحببت لقاءك فلقيتك لكنّي رأيت منك ما شغل قلبي و أنّي سائلك عنه ليزول شغل قلبي،فقال:ما هو؟

قلت:رأيتك مررت بخبّاز فسرقت منه رغيفين ثمّ بصاحب الرمّان فسرقت منه رمّانتين،فقال لي:قبل كلّ شيء حدّثني من أنت؟

قلت:رجل من ولد آدم من امّة محمّد صلي اللّه عليه و اله و سلّم،قال:حدّثني ممّن أنت؟

قلت:رجل من أهل بيت رسول الله صلي اللّه عليه و اله و سلّم،قال:أين بلدك؟

قلت:المدينة،قال:لعلّك جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب؟

قلت:بلي،قال:فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به و تركك علم جدّك و أبيك، لأنّ لا شكر لما يجب أن يحمد و يمدح فاعله،قلت:فما هو؟

قال:القرآن،قلت:و ما الذي جهلت؟

قال:قول الله عزّ و جلّ: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزي إِلاّ مِثْلَها (1).

و إنّي لمّا سرقت الرغيفين كانت سيّئتين و لمّا سرقت الرمّانتين كانت سيّئتين فهذه أربع سيّئات فلمّا تصدّقت بكلّ واحد منها كانت أربعين حسنة فانتقص من أربعين حسنة أربع سيّئات بقي لي ستّ و ثلاثون.

قلت:ثكلتك امّك أنت الجاهل بكتاب الله أما سمعت الله عزّ و جلّ يقول: إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (2)إنّك لمّا سرقت الرغيفين كانت سيّئتين و لمّا سرقت الرمّانتين كانت سيّئتين و لمّا دفعتهما إلي غير صاحبهما بغير أمر صاحبهما كنت إنّما أضفت أربع سيّئات و لم تضف أربعين حسنة إلي أربع سيّئات فجعل يلاحظني فانصرفت و تركته (3).

***

بين الإمام الصادق عليه السّلام و عبد الله بن الحسن

الكافي عن معتب قال:بعث عبد الله بن الحسن إلي أبي عبد الله عليه السّلام يقول لك أبو محمّد أنا أشجع منك و أنا أسخي منك و أنا أعلم منك.

فقال لرسوله:أمّا الشجاعة فما كان لك موقف يعرف به جبنك من شجاعتك و أمّا السخي فهو الذي يأخذ الشيء فيضعه في حقّه،و أمّا العلم فقد أعتق أبوك عليّ بن أبي طالب ألف مملوك فسم

ص: 134


1- سورة الأنعام:140.
2- سورة المائدة:27.
3- معاني الأخبار:35،و البحار:239/47 ح 23.

لنا خمسة منهم و أنت عالم فعاد إليه فأعلمه ثمّ عاد إليه فقال:ما يقول إنّك رجل صحفي.

فقال عليه السّلام:قل:أي و الله صحف إبراهيم و موسي و عيسي ورثتها عن آبائي عليهم السّلام (1).

قال السيد الجزائري في رياض الأبرار:الذين خرجوا علي المنصور العبّاسي من آل الحسن نهاهم الصادق عليه السّلام النهي البليغ و حملوا نهيه لهم تارة علي الحسد و اخري علي التقية،و منهم من آذاه عليه السّلام حتّي أنّهم حبسوه عندهم لمّا لم يوافقهم علي الخروج و لم يبايع لمحمّد بن عبد الله بن الحسن لمّا أراد الخروج علي المنصور و نهبوا أكثر أمواله و مع ذلك فإنّه عليه السّلام لمّا وقع الحرب و أخذهم جنود المنصور و حملوهم علي العامل كالاسراء بكي عليه السّلام علي أحوالهم و لعن الأنصار حيث لم يعاونوهم و حمّ بعد رجوعه إلي منزله عشرين يوما و كتب إليهم كتابا في الصبر و التعزية علي حكم القضاء و وصفهم بأوصاف الأولياء و الصالحين.

و بالجملة فلا يجوز لنا الخوض في أعراضهم و لا الكلام فيها إلاّ بالتي هي أحسن و من أقلّ من تتبّع الأحاديث أكثر في الطعن عليهم و هو جرأة علي أهل بيت رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم.

و من الأخبار الدالّة عليه ما رواه أبو الفرج الاصفهاني عن يحيي بن عبد الله الذي سلم من الذين تخلّفوا في الحبس من بني الحسن.

فقال:حدّثنا عبد الله بن فاطمة الصغري عن فاطمة عن أبيها عن جدّتها فاطمة بنت رسول الله قالت؛قال لي رسول الله صلي اللّه عليه و اله و سلّم:يدفن من ولدي سبعة بشط الفرات لم يسبقهم الأوّلون و لم يدركهم الآخرون.

فقلت:نحن ثمانية.

فقال:هكذا سمعت فلمّا فتحوا الباب وجدوهم موتي و أصابوني و بي رمق و سقوني ماء و أخرجوني فعشت (2).

***

بين الإمام الصادق عليه السّلام و السيّد الحميري

روي الكشّي عن محمّد بن النعمان قال:دخلت علي السيّد الحميري و هو لما به قد اسودّ وجهه و زرقت عيناه و عطش كبده و هو يؤمئذ يقول بمحمّد بن الحنيفة و كان ممّن يشرب المسكر و جئت و قد قدم أبو عبد الله عليه السّلام الكوفة فدخلت عليه فقلت:جعلت فداك قد فارقت السيّد الحميري قد اسودّ وجهه و عطش كبده و سلب الكلام فإنّه كان يشرب المسكر فقال عليه السّلام:أسرجوا حماري،

ص: 135


1- مسائل علي بن جعفر:332،و البحار:364/8 ح 553.
2- دلائل الإمامة:72 ح 11،و البحار:302/47.

فركب و مضيت معه حتّي دخل علي السيّد فقال:يا سيّد،ففتح عينه ينظر إليه و لا يمكنه الكلام قد اسودّ وجهه فحرّك عليه السّلام شفتيه فنطق السيّد فقال:جعلني الله فداك بأوليائك يفعل هذا؟

فقال عليه السّلام:يا سيّد قل بالحقّ يكشف الله ما بك و يدخلك الجنّة،فقال في ذلك:تجعفرت باسم الله و الله أكبر،فلم يبرح عليه السّلام حتّي قعد السيّد (1).

و روي أنّ أبا عبد الله عليه السّلام لقي السيّد الحميري فقال:سمّتك امّك سيّدا و وقفت في ذلك و أنت سيّد الشعراء ثمّ أنشد السيّد في ذلك شعر:

و لقد عجبت لقائل لي مرّة علامة فهم من الفقهاء

سمّتك أمّك سيّدا صدقت به أنت الموفّق سيّد الشعراء

ما أنت حين تخصّ آل محمّد بالمدح منك و شاعر بسواء

مدح الملوك ذوي الغني لعطائهم و المدح منك لهم بغير عطاء

فابشر فإنّك فائز في حبّهم لو قد وردت عليهم بجزاء

ما يعدل الدّنيا جميعا كلّها من حوض أحمد شربة من ماء (2)

و روي ابن بابويه طاب ثراه عن أبي عبد الله عليه السّلام أنّه قال:أربعة أحبّ الناس إليّ أحياء و أمواتا:بريد العجلي و زرارة بن أعين و محمّد بن مسلم و الأحول،أحبّ الناس إلي أحياء و أمواتا (3).

و عن الحسين بن أبي حرب قال:دخلت علي السيّد الحميري عائدا في علّته التي مات فيها فوجدته يساق به و وجدت عنده جماعة من جيرانه كانوا عثمانية،و كان السيّد جميل الوجه فبدت في وجهه نكتة سوداء مثل النقطة من المداد ثمّ لم تزل تزيد و تنمي حتّي طبقت وجهه سوادا فاغتمّ لذلك من حضره من الشيعة و ظهر من الناصبية سرور و شماتة فلم يلبث بذلك إلاّ قليلا حتّي بدت في ذلك المكان في وجهه لمعة بيضاء فلم تزل تزيد أيضا حتّي أسفر وجهه و أشرق و افترّ السيّد ضاحكا و أنشأ يقول شعر:

كذب الزاعمون أنّ عليّا لن ينجي محبّه من هنات

قد و ربّي دخلت جنّة عدن و عفا لي الإله عن سيّئاتي

فابشروا اليوم أولياء عليّ و تولّوا عليّ حتّي الممات3.

ص: 136


1- البحار:328/47.
2- البحار:328/47،و الغدير:232/2.
3- البحار:340/47 ح 23.

ثمّ من بعده تولّوا بنيه واحدا بعد واحد بتلك الصفات

ثمّ أتبع قوله هذا:أشهد أن لا إله إلاّ الله حقّا حقّا أشهد أنّ محمّدا رسول الله حقّا حقّا أشهد أنّ عليّا أمير المؤمنين حقّا حقّا أشهد أن لا إله إلاّ الله ثمّ غمض عينه لنفسه فكأنّما كانت روحه ذبالة طفئت فانتشر هذا القول في الناس فشهدوا جنازته (1).

قيل:السبب في اسوداد وجهه فيما رواه ابن بابويه في عيون الأخبار عن السيّد الحميري قال:

كنت أقول بالغلوّ و أعتقد غيبة محمّد بن الحنفية قد ضللت في ذلك زمانا فمنّ الله عليّ بالصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام و أنقذني به من النار حتّي قال قصيدة أوّلها،شعر:

فلمّا رأيت الناس في الدين قد غووا استجعفرت باسم الله و الله أكبر

القصيدة.

و روي في المناقب عن داود الرقي أنّه ذكر عند الصادق عليه السّلام فقال:السيّد كافر فأتاه و قال:يا سيّدي أنا كافر مع شدّة حبّي لكم و معاداتي الناس فيكم؟

قال عليه السّلام:و ما ينفعك و أنت كافر بحجّة الدهر و الزمان ثمّ أخذ بيده و أدخله بيتا و إذا في البيت قبر فصلّي ركعتين ثمّ ضرب بيده علي القبر فصار القبر قطعا فخرج شخص من قبره ينفض التراب عن رأسه و لحيته فقال له الصادق عليه السّلام:من أنت؟

قال:أنا محمّد بن علي المسمّي بابن الحنفية،فقال:فمن أنا؟

قال:جعفر بن محمّد حجّة الدهر و الزمان،فخرج السيّد يقول:تجعفرت باسم الله فيمن تجعفرا (2).

و روي أيضا أنّه كان يشرب الخمور لكنّه تاب بعد ذلك.

و عن فضيل الرسان قال:دخلت علي أبي عبد الله عليه السّلام بعد ما قتل زيد بن علي فقال لي:يا فضيل قتل عمّي زيد(رحمه الله)أما أنّه كان مؤمنا و لو ملك لعرف كيف يضعها.

قلت:يا سيّدي ألا أنشدك شعرا؟

قال:أمهل ثمّ أمر بستور فسدلت و بأبواب ففتحت ثمّ قال:أنشد،فأنشدته:

لامّ عمر باللوي مربع طامسة أعلامه بلقع...

إلي آخرها..

فلمّا بلغت إلي قوله:وراية قائدها حيدر كأنّه الشمس إذا تطلع،سمعت نحيبا من وراء الستر قال:من قال هذا الشعر؟1.

ص: 137


1- مناقب آل أبي طالب:24/3،و البحار:313/47 ح 4.
2- مناقب آل أبي طالب:370/3،و البحار:320/47 ح 11.

قلت:السيّد الحميري قال:رحمه الله.

فقلت:إنّي رأيته يشرب النبيذ.

قال:رحمه الله.

قلت؛إنّي رأيته يشرب نبيذ الرستاق.

قال:يعني الخمر،قلت:نعم.

قال:رحمه الله و ما ذلك علي الله أن يغفر لمحبّ علي (1).

و في كتاب بحار الأنوار وجدت في بعض تأليفات أصحابنا أنّه روي بإسناده عن سهيل بن ذبيان قال:دخلت علي الإمام علي بن موسي الرضا عليه السّلام فقال لي:مرحبا بك الساعة أراد رسولنا أن يأتيك.

فقلت:لماذا يابن رسول الله؟

فقال:المنام رأيته البارحة و قد أزعجني و أرّقني.

قلت:خيرا يكون إن شاء الله فقال:يابن ذبيان رأيت كأنّي قد نصب لي سلّم فيه مائة مرقاة فصعدت إلي أعلاه.

فقلت:يا مولاي أهنيك بطول العمر و ربما تعيش مائة سنة لكلّ مرقاة سنة.

فقال عليه السّلام:ما شاء الله كان.

ثمّ قال:فلمّا صعدت إلي أعلي السلّم رأيت كأنّي دخلت في قبّة خضراء يري ظاهرها من باطنها و رأيت جدّي رسول الله صلي اللّه عليه و اله و سلّم جالسا فيها و إلي يمينه و شماله غلامان حسنان يشرق النور من وجهيهما و رأيت امرأة بهيّة الخلقة و رأيت بين يديه شخصا بهيّ الخلقة جالسا عنده و رأيت رجلا واقفا بين يديه و هو يقرأ هذه القصيدة:لامّ عمرو باللوي مربع،فلمّا رآني النبيّ صلي اللّه عليه و اله و سلّم قال:مرحبا بك يا ولدي يا علي بن موسي الرضا سلّم علي أبيك عليّ فسلّمت عليه ثمّ قال:سلّم علي امّك فاطمة الزهراء فسلّمت عليها ثمّ قال لي:سلّم علي أبويك الحسن و الحسين فسلّمت عليهما ثمّ قال لي:

و سلّم علي شاعرنا و مادحنا في دار الدّنيا السيّد إسماعيل الحميري فسلّمت عليه و جلست فالتفت النبيّ إلي السيّد إسماعيل و قال له:عد إلي ما كنّا فيه من إنشاد القصيدة فأنشد يقول:

لامّ عمرو باللوي مربع طامسة أعلامه بلقع

فبكي النبيّ صلي الله عليه و اله و سلّم فلمّا بلغ إلي قوله:و وجهه كالشمس إذ تطلع،بكي النبيّ و فاطمة عليهما السّلام و من معه،فلمّا بلغ إلي قوله قالوا له لو شئت أعلمتنا إلي من الغاية و المفزع رفع النبيّ صلي اللّه عليه و اله و سلّم يديه و قال:0.

ص: 138


1- البحار:326/47،و مستدرك الوسائل:391/10.

إلهي أنت الشاهد عليّ و عليهم إنّي أعلمتهم بأنّ الغاية و المفزع عليّ بن أبي طالب و أشار بيده إليه و هو جالس بين يديه.

قال الرضا عليه السّلام:فلمّا فرغ السيّد الحميري من إنشاد القصيدة التفت النبيّ صلي اللّه عليه و اله و سلّم إليّ و قال:يا علي بن موسي احفظ هذه القصيدة و مر شيعتنا بحفظها و أعلمهم أنّ من حفظها و أدمن قراءتها ضمنت له الجنّة علي الله تعالي.

قال الرضا عليه السّلام:و لم يزل يكرّرها عليّ حتّي حفظتها منه و القصيدة هذه:

لامّ عمرو باللوي مربع طامسة أعلامه بلقع

تروح عنه الطير و حشية و الأسد من خيفته تفزع

برسم دار ما بها مؤنس إلاّ صلال في الثري وقع

رقش يخاف الموت نفثاتها و السمّ في أنيابها منقع

لمّا وقفنا العيس في رسمها و العين من عرفانه تدمع

ذكرت من كنت ألهو به فبتّ و القلب شج موجع

كأنّ بالنار لمّا شفني من حبّ أروي كبد تلذع

عجبت من قوم أتوا أحمدا بخطبة ليس لها موضع

قالوا له لو شئت أعلمتنا إلي من الغاية و المفزع

إذا توفّيت و فارقتنا و فيهم في الملك من يطمع

فقال لو أعلمتكم مفزعا كنتم عسيتم فيه أن تصنعوا

صنيع أهل العجل إذ فارقوا هارون فالترك له أودع

و في الذي قال بيان لمن كان إذن يعقل أو يسمع

ثمّ أتته بعد ذا عزمة من ربّه ليس لها مدفع

أبلغ و إلاّ لم تكن مبلّغا و الله منهم عاصم يمنع

فعندها قام النبي الذي كان بما يأمره يصدع

يخطب مأمورا و في كفّه كفّ عليّ ظاهر يلمع

رافعها أكرم بكفّ الذي يرفع و الكفّ الذي ترفع

يقول و الأملاك من حوله و الله فيهم شاهد يسمع

من كنت مولاه فهذا له مولي فلم يرضوا و لم يقنعوا

ص: 139

فاتّهموه و خبت فيهم علي خلاف الصادق الأصلع

و ضلّ قوم غاظهم فعله كأنّما آنافهم تجدع

حتّي إذا واروه في قبره و انصرفوا عن دفنه ضيّعوا

ما قال بالأمس و أوصي به و اشتروا الضرّ بما ينفع

و قطعوا أرحامه بعده فسوف يجزون بما قطعوا

و أزمعوا غدرا بمولاهم تبّا بما كان به أزمعوا

لا هم عليه يردوا حوضه غدا و لا هو فيهم يشفع

حوض له ما بين صنعا إلي أيلة و العرض به أوسع

ينصب فيه علم للهدي و الحوض من ماء له مترع

يفيض من رحمته كوثر أبيض كالفضّة أو أنصع

حصاه ياقوت و مرجانة و لؤلؤ لم تجنه إصبع

بطحاؤه مسك و حافاته يهتزّ منها مونق مربع

أخضر ما دون الوري ناضر و فاقع أصفر أو أنصع

فيه أباريق و قدحانه يذبّ عنها الرجل الأصلع

يذبّ عنها ابن أبي طالب ذبك كجربا إبل شرّع

و العطر و الريحان أنواعه ذاك و قد هبّت به زعزع

ريح من الجنّة مأمورة ذاهبة ليس لها مرجع

إذا دنوا منه لكي يشربوا قال لهم تبّا لكم فارجعوا

دونكم فالتمسوا منهلا يرويكم أو مطمعا يشبع

هذا لمن و الي بني أحمد و لم يكن غيرهم يتبع

فالفوز للشارب من حوضه و الويل و الذلّ لمن يمنع

و الناس يوم الحشر راياتهم خمس فنهاها لك أربع

فرايته العجل و فرعونها و سامري الامّة المشنع

و راية يقدمها أدلم عبد لئيم لكع أكوع

و راية يقدمها حبتر للزور و البهتان قد أبدعوا

و راية يقدمها نعثل لا برّد الله له مضجع

ص: 140

أربعة في سقر أودعوا ليس لهم من قعرها مطلع

و راية يقدمها حيدر و وجهه كالشمس إذ تطلع

غدا يلاقي المصطفي حيدر و راية الحمد له ترفع

مولي له الجنّة مأمورة و النار من إجلاله تفزع

إمام صدق له شيعة يرووا من الحوض و لم يمنعوا

بذاك جاء الوحي من ربّنا يا شيعة الحقّ فلا تجزع

الحميري مادحكم لم يزل و لو يقطع إصبع إصبع

و بعدها صلّوا علي المصطفي و صنوه حيدر الأصلع (1)

قيل:امّ عمرو يكنّي به عن مطلق الحبيبة:

يا امّ عمرو جزاك الله مكرمة ردّي عليّ فؤادي أينما كانا

و اللوي ما استدقّ من الرمل و المربع منزل القوم في الربيع و الطموس الدروس و الإنمحاء و البلقع الأرض القفراء،و كنّي بامّ عمرو هنا عن أهل البيت عليهم السّلام فإنّهم معشوق الأنام و بالمربع و اللوي و ما في البيت عن منازلهم و مدارس علومهم التي كانت مهبطا للوحي و محلاّ لنزول الملائكة و ما كان لهم من الملك و السلطان و وجوب الطاعة علي الخاص و العام فيكون هذا من باب قول دعبل:مدارس آيات خلت من تلاوة..البيت،و قوله:يروا فيأهم في غيرهم متقسّما و أيديهم من فيئهم صفرات،و من أجل هذا بكي النبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلّم عند إنشاد السيّد هذا البيت تذكّرا لما جري علي أولاده و أهل بيته من بعده.

و قوله:تروح عنه الطير وحشية البيت فالرواح هو الوقت من زوال الشمس إلي الليل سمّي به لاستراحة الناس فيه عن الأعمال غالبا و اتّسع فيه فقيل راح القوم و تروّحوا إذا ساروا أيّ وقت كان.

و قوله:وحشية حال عن الطير أي حال كونها مستوحشة منه فيكون المراد كلّ الطيور،لأنّ الطير جمع محلّي باللاّم جمع طائر كصحب و صاحب و يجوز أن يكون حالا بمعني الصفة أي الطير الوحشية التي لا تسكن إلاّ الحّراب دائما كالبوم و نحوه فإذا كانت الطيور الوحشية لا تألفه فالطيور الإنسية بالطريق الأولي فيكون أبلغ في القفار و الخلوّ،قيل:و يحتمل أن يراد بالطير الملائكة فإنّها قد نفرت عن مهابط الوحي و منازل لرسول صلي اللّه عليه و آله و سلّم و أهل بيته لما نزلها و تمكن فيها أئمّة الجور و غاصبوا الخلافة فيكون الألف و اللاّم في الطير للعهد الخارجي.

و قوله:و الأسد أي و كذلك الأسد تفزع من خيفته مع كونها غاية في الجرأة،قيل:و يحتمل أن3.

ص: 141


1- البحار:332/47 ح 23.

يراد بالأسد الأئمّة عليهم السّلام أو هم مع خيار شيعتهم فإنّهم كانوا يتّقون من أعدائهم الغاصبين للخلافة و استمرّ الحال إلي هذا الآن و جملة هذا البيت صفة اخري لمربع.

و قوله:برسم دار ما بها مؤنس،البيت الباء إمّا للمصاحبة أو للظرفية أي أنّ ذلك المربع الخالي مصاحبا لما بقي من رسوم الدار و آثارها أو أنّ ذلك المربع كائنا في تلك الدار التي لم يبق إلاّ رسومها.

و قوله:الإصلال يجوز فيه الاتّصال و الإنقطاع و الصلال جمع صل بالكسر و هو الحيّة الرقيقة الصفراء أو التي لا ينفع فيها الرقي و هي شديدة الفساد و تحرق كلّما مرّت عليه و لا ينبت حول حجرها شيء من الزرع و إذا حاذي مسكنها طائر سقط و تقتل بصفيرها علي غلوة سهم و من وقع عليه بصرها و لو من بعد هلك و يحكي أنّ فارسا ضربها برمحه فمات هو و فرسه و يقال:إنّها كثيرة في بلاد الترك.

و في حياة الحيوان أنّها الملكة و هي حيّة طولها شبر علي رأسها خطوط بيض يشبه التاج إذا صفرت يموت من صفيرها كلّ حيوان يسمع ذلك بعد ما ينتفخ و يسيل منه الصديد.

قال جالينوس:إنّها حيّة شعراء علي رأسها ثلاث قنازع كالتاج و هي قليلة الظهور للناس، و الثري الأرض الندية و وقع جمع واقع أي أنّ الحيات ساقطة في تلك الأرض لا تدخل إلي جحورها لأمنها من مرور الناس عليها.و قيل:المراد أنّها من جوعها ساقطة علي الأرض لا تقدر علي دخول الأجحار أو أنّها واقعة علي الأرض للوثوب علي من يمرّ عليها و لعلّه أشار بذلك إلي من غصب الخلافة من الامويّة و العبّاسية و حكّامهم و عمّالهم الذين كان ضررهم علي الدّين و أهله أشدّ من ضرر سموم الحيات علي من قرب منها.

و قوله:رقش يخاف الموت نفثاتها البيت رقش جمع أرقش الحيّة المنقطعة خصّها لكثرة السمّ فيها،و النفث النفخ مع الريق القليل و منه النفاثات في العقد يعني أنّ الموت الذي يهلك الناس و يخافه كلّ أحد يخاف من السمّ الناقع في أنيابها،و هذا منطبق علي شرار أهل الخلاف الذين توفّي شرّهم مولانا أمير المؤمنين عليه السّلام مع أنّه كان في حروبه هو الموت الأحمر و ما دخل في حرب إلاّ كان ملك الموت في ركابه.

و قوله:لمّا وقفت العيس في رسمها البيت وقفت من وقف يتعدّي و لا يتعدّي يقال:وقفته وقفا و التاء ضمير المتكلّم و العيس بالكسر الإبل البيض التي يخالط بياضها شيء من الشقرة.

و قوله:و العين أي عيني أي أنّ عيني تبكي من معرفة حال ذلك الرسم.

و قوله:ذكرت من قد كنت ألهو به البيت أي ذكرت الحبيب الذي كان في تلك الدار و كان مورد شغلي و سروري.

و قوله:كان بالنار لما شفني البيت أي كأن قلبي يحرق بالنار لما شفني أي أحزنني من تذكّر

ص: 142

الحبيبة التي اسمها أروي و أروي هنا مثل أمّ عمرو كناية عن كلّ معشوقة و إن أردت تطبيقه علي الحقيقة فليكن المراد بأروي أهل البيت عليهم السّلام لأنّهم المحبوب الحقيقي.

و قوله:عجبت من قوم أتوا أحمد البيت أحمد من أعلام النبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلّم و هو منقول من أفعل الذي هو إسم تفضيل من الفعل المجهول أي أكثر محمودية لكثرة خصاله الحميدة أو المعلوم أي أكثر حمدا لله سبحانه أو بمعني أكسب للحمد لكثرة الخصال المحمودة.

و قوله:بخطبة بالضم بمعني الكلام الطويل أي أنّ ذلك الكلام الذي كلّموا به النبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلّم من تعيين الخليفة و النصّ عليه ممّا لا يحتاج إليه لأنّهم سمعوا منه صلي اللّه عليه و آله و سلّم في مدّة عمره الشريف النصّ عليه بالخلافة و غيرها،و لأنّ صفات الخلافة التي ورد بها النصّ من الكتاب و السنّة ما كانت موجودة إلاّ فيه و إن كان مرادهم من ذلك الكلام النصّ علي أحدهم فأعجب لأنّه لم يكن فيهم من صفات الخلافة و لوازمها شيء فكيف يسألونه تعيين أحدهم لها.

و في قوله بخطبة إشارة إلي سوء أدبهم،لأنّ الخطبة ما اشتمل علي المواعظ و النصائح.

و قوله:كنتم عسيتم فيه أن تصنعوا أي كنتم عسيتم أي أتوقّع أمركم أن تصنعوا في شأن ذلك الملجأ مثل صنيع عبدة العجل حين فارقوا هارون الذي جعله موسي خليفة له و جعله مفزعهم ففارقوه إلي عبادة العجل و هذه الامّة فعلت مثل ما فعله بنوا إسرائيل فإنّهم التجأوا بعد مفارقة موسي إلي صاحب العجل و هو السامريّ و تركوا أخاه و وصيّه هارون و هذه الامّة تركت وصيّه عليه السّلام و التجأوا إلي أبي الفصيل و هو أبو بكر،لأنّ البكر الفصيل من الإبل أعني الجمل الصغير فذاك أبو الثور الصغير و هذا أبو الجمل الصغير.

و قوله:فالترك له أودع من الدعة بمعني الخفض و السعة أي إذا كان الأمر كذلك فترك الإعلام أوسع لكم من الإعلام إن فرض فيه سعة و ذلك أنّ تارك الخليفة المنصوص عليه كافر مرتدّ كما وقع ذلك الأمر بعد رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم فإنّ الناس كلّهم ارتدّوا ما خلا ثمانية أو خمسة.

و قوله:و في الذي قال بيان لمن البيت حاصله أنّه صلي اللّه عليه و آله و سلّم ردّهم بما يتضمّن النصّ علي ما سألوه عنه من المفزع بعده و ذلك لأنّه لمّا قال إنّي أخاف عليكم أن تصنعوا بخليفتي ما صنعت عبدة العجل بهارون دلّ علي أنّ خليفته من هو من النبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلّم بمنزلة هارون من موسي و ما هو إلاّ عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه و النصوص عليه متواترة بين الطرفين،لكن إبليس أغواهم و صيّرهم عميا و بكما فلا سمعا و لا بصرا.و حديث أنت منّي بمنزلة هارون من موسي متواتر لفظا و معني.

و قوله:ثمّ أتته بعد ذا عزمة البيت؛العزم و العزيمة الإرادة المتأكّدة لفعل و عقد القلب عليه و المراد هنا الكلام المشتمل عليها و بمعناه قوله في قصيدته البائية التي شرحها المرتضي قدّس الله ضريحه شعر:

و نجم إذ قال الإله بعزمه قم يا محمّد بالولاية فاخطب

ص: 143

و العزمة هنا هي قوله تعالي في حكاية غدير خمّ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ (1)في عليّ الآية،و هكذا نزلت.

و قوله:ليس لها مدفع إشارة إلي أنّه أتاه عزمة و تأكيد و قد كان دفعه جائزا له.

و قوله:لم تجنه من جني الثمرة و المراد هنا إخراج اللؤلؤ من الصدف و مونق من أنق بمعني أعجب و مربع أي مخصب يقال:ربع فلان إذا أخصب أي نال الخصب.

و قوله:أخضر ما دون ما هنا موصولة أو موصوفة و دون يقال هذا دون فلان أي أدني مكانا منه و الوري الخلق و النضر الحسن و البهاء و الفقوع شدّة الصفرة و الصلع محرّكة انحسار شعر مقدّم الرأس و المراد به هنا عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.و عنه عليه السّلام:إذا أراد الله بعبد خيرا رماه بالصلع فتحات الشعر عن رأسه و ها أنا ذا.

و قال عليه السّلام:لا تجد في أربعين كوسجا رجلا صالحا و لا تجد في أربعين أصلعا رجل سوء و أصلع سوء أحبّ إليّ من كوسج صالح.

و قال عليه السّلام:و أمّا صلع رأس فمن إدمان الحديد و مجالدة الأقران و الزعزعة تحريك الريح الشجرة،و قوله:أخضر صفة اخري لمونق أو لمربع و ما دون الوري تأكيد الضمير المستكن في أخضر فإنّه بمعني كلّه و دون الوري ظرف مستقرّ صلة أو صفة لما و ما إن كانت موصوفة كانت في التقدير مضافا إليها لكلّ و نحوه أي كلّ شيء يكون دون الوري و لا بدّ من تقدير ضمير يرجع إلي ما رجع إليه ضمير أخضر أي ما دون الوري منه إذ لا بدّ في التأكيد ممّا يرجع إلي المأكد.

و قوله:ذاك إسم إشارة مبتدأ محذوف الخبر أي ذاك كذلك و الإشارة إلي ما ذكر من أوصاف الحوض.

و معني قوله:بطحاؤه مسك البيت و ما بعده أنّ مسيله مسك و أطرافه كذلك حال كونها تتحرّك من الغضارة مبتدئا منها أو عندها نبات أو مكان معجب موقع للخلق في الخصب أي خصيب أخضر كلّه غضّ حسن أو شديد الخضرة و شديد الصفرة أو خالص اللون أصفر فاقع أي أنّه من الخلوص أو الشدّة بحيث لا يشبه الصفر من الأشياء بل ربّما يتوهّم أنّه من جنس آخر.

و قوله:ليس لها مرجع أي لا ترجع عمّا أمرت به و قيل:إنّه إشارة إلي سعة المكان فإنّه إذا ضاق المكان الذي تهب فيه الريح رجعت إذا وصلت إلي منتهاها إلاّ إذا سكنت فكأنّه قال:إنّه لا منتهي لذلك المكان فإنّها مع أنّها ذاهبة لا يعرض لها سكون لا ترجع.

و قوله:فالتمسوا منهلا البيت،المنهل المورد و في البيت دلالة علي أنّ ماء الكوثر يشبع و يروي كما جاء في الأخبار.7.

ص: 144


1- سورة المائدة:67.

و قوله:و الويل في الحديث عن النبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلّم قال:الويل واد في جهنّم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا ثمّ يهوي فيه كذلك أبدا.

و قوله:و الناس يوم الحشر راياتهم إلي قوله و وجهه كالشمس إذ تطلع و المراد بالعجل كما قاله جماعة من أهل الحديث أبو بكر لأنّه خالف الوصي أوّلا و هو عجل و ثور في الحمق و الجهالة فهو كالعجل الذي اتّخذه السامري.

و قوله:المشنع علي صيغة الفاعل من أشنعت الناقة إذا أسرعت في السير أي المسرع في الفساد و الشرّ أو بمعني الداخل في الشناعة و القباحة أو علي صيغة المفعول بمعني المشنع عليه و المنسوب إلي القبح و الشناعة.

و الأدلم الطويل الشديد السواد و اللكع كصرد اللئيم البخيل.

و الأكوع المعوج و يراد به هنا الإعوجاج في الدّين لا في الجوارح و الأعضاء و هو في اللغة بمعني المعوج كوعه أي طرف الزند منه،قيل:و لعلّ المراد به هنا زياد بن أبيه الذي ذكره الحسين عليه السّلام لمعاوية في كتاب كتبه إليه و أنّه سلّطه علي أهل الكوفة فقتل و أفسد و ظلم.

و قوله:حبتر،الحبتر الثعلب و هو معروف بالمكر و الحيلة و الجبن فسمّي به من يشابهه قيل:

الظاهر أنّ المراد به هنا أبو موسي الأشعري للخبر الناصّ علي أنّ إحدي الرايات رايته.

و النعثل الذكر من الضباع و الشيخ الأحمق و أسلم يهودي كان بالمدينة فأسلم،طويل اللحية و المراد به في البيت عثمان لأنّه كان يقال له ذلك إذا عيّر و كانت عائشة تسمّيه به و تقول:أقتلوا نعثلا قتله الله،شبّهته بذلك اليهودي في طول لحيته و حمقه و في الأغلب أنّهما مثلان لعظم بطنه لأنّه كان يأكل أموال المسلمين و لا يشبع حتّي قتل.

و المضجع مكان الإضطجاع و المراد القبر و ينبغي أن يكون منصوبا و رفعه للضرورة.

و قوله:في سقر قيل:إسم لجهنّم نار خاصّة و قيل:إسم للنار ثمّ قيل:إنّه إسم أعجمي فلم يصرف للعجمية و العلمية و قيل:بل عربي من سقرته النار إذا لوحته فعدم الإنصراف للتأنيث و العلمية.

و عن الصادق عليه السّلام:إنّ في جهنّم لواديا للمتكبّرين يقال له سقر شكي إلي الله شدّة حرّه و سأله أن يأذن له أن يتنفّس فتنفّس فأحرق جهنّم.

و في حديث آخر عن الباقر عليه السّلام:إنّ في جهنّم لجبلا يقال له الصعدي و أنّ في صعدي لواديا يقال له سقر و أنّ في سقر لجبّا يقال له هبهب كلّما كشف غطاء ذلك الجبّ ضجّ أهل النار من حرّه و ذلك منازل الجبّارين.

و قوله:و راية يقدمها حيدر الحيدير و الحيدرة الأسد و هو من أسماء أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

ص: 145

و في معاني الأخبار معناه الحازم الرأي الحبر النقّاب النظّار في دقائق الأشياء.

و قوله:و راية الحمد له ترفع أي لأمير المؤمنين عليه السّلام أو للنبيّ صلي اللّه عليه و آله و سلّم و حاملها علي التقديرين هو عليّ بن أبي طالب عليه السّلام.

و قوله:مولي له الجنّة مأمورة البيت يعني أنّ الجنّة و النار يوم القيامة مأمورتان بإطاعته (1).

***

بين الإمام الصادق عليه السّلام و كميت

روي الكشي عن الكميت الشاعر الأسدي قال:دخلت علي أبي جعفر عليه السّلام فقال:و الله يا كميت لو كان عندنا مالا لأعطيناك منه و لكن لك ما قال رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم لحسّان:لا يزال معك روح القدس ما ذبيت عنّا (2).

قال:دخل الكميت علي الصادق عليه السّلام فقال:يا سيّدي أسألك عن مسألة،فقال:سل.

فقال:أسألك عن الرجلين.

فقال:يا كميت بن زيد ما اهريق في الإسلام محجمة من دم و لا اكتسب مال من غير حلّه و لا نكح فرج حرام إلاّ و ذلك في أعناقهم إلي يوم القيامة حتّي يقوم قائمنا و نحن معاشر بني هاشم نأمر كبارنا و صغارنا بسبّهما و البراءة منهما (3).

و قيل في سبب أنّ ما وقع في الدّنيا من عظائم الذنوب فهو في أعناقهما وجوه:

الأوّل:إنّهما السبب في وقوع هذه الامور،لأنّ الخلافة لو بقيت لأهلها لاستقام الناس علي طريق الهداية و انتظم نظام الإسلام علي قانون العدل و ارتفع الفسوق و العصيان فلمّا غصبا الخلافة و شاع الظلم و الجهل كانا هما السبب في كلّ ما يقع من الفساد.

الوجه الثاني:إنّ الله سبحانه قرّر عذابا لمن غصب الخلافة بازاء غصبه لها و ذنبا آخر بشراكة المذنبين و أسمعهما ذلك علي لسان النبي صلي اللّه عليه و آله و سلّم فمن ثمّ كان ما يقع من الذنوب عقابه عليهما من غير أن ينقص الفاعل لشيء و بهذا يجاب عمّا ورد من الإشكال في أنّه كيف يكون سببا لزيادة عذابه، و حاصله أنّه سبحانه قرّر لهم عذابين عذابا بإزاء ظلمهم و عذابا بإزاء لعن اللاّعنين لهم فليس هاهنا ظلم و لا جور،و جواب آخر و هو أنّ كلّ من يلعنهم فقد ظلموه بأنواع متعدّدة منها استتار الإمام عليه السّلام و شيوع الجهل و ترك من يرجع إليه في الأحكام حتّي حصل الخلاف و الإختلاف في أكثر المسائل و بقي الناس حياري في سكرات الجهل فلعن اللاّعن لهم من باب دعاء المظلوم علي ظالمه فلم يكن

ص: 146


1- ملخصا عن رياض الأبرار،مخطوط.
2- الكافي:102/8 ح 75،و البحار:266/30 ح 132.
3- البحار:323/47 ح 17.

هنا جور و لا وزر غيرهم لحقهم بل تحمّلوا وزر أنفسهم و يدخل تحت هذا الكلام الجواب عمّا روي من أنّ المهدي عليه السّلام إذا ظهر أخرجهما من قبريهما و ألزمهما بقتل قابيل هابيل و برمي إبراهيم عليه السّلام في النار و طرح أخوة يوسف له في الجب إلي غير ذلك ممّا جري علي الأنبياء و الأئمّة و الأولياء و الصلحاء و ذلك لأنّهم سمعوا أنّ من وثب علي حقوق آل محمّد صلي اللّه عليه و آله و سلّم جري عليه مثل هذا فهو قد كان مقترفه و كان السبب في تحصيله و إنّ ليس للأنسان إلاّ ما سعي.

الوجه الثالث:إنّهم نصبوا خلفاء و حكّاما و قضاة و عمّالا و أئمّة جور كمعاوية و عثمان و أضرابهم هتكوا حجاب الله،أحلّوا المحارم و حرّموا المحللات،ثمّ تتابعت بدائعهم حتّي حصل منها الفقهاء الأربعة أبو حنيفة و الشافعي و مالك و ابن حنبل الذين خرّبوا الدّين بآرائهم و اجتهادهم خصوصا أبي حنيفة في قياساته و تلوّنه في ضروب الإجتهاد حتّي قيل إنّ قوله و بوله سواء و قد تتبّعت في بلاد المخالفين كبغداد و البصرة أنواع الظلم و الفساد الذي يجري من حكّامهم فما كان من واقعة ظلم إلاّ و كانت منوطة بفتوي من فتاوي أبي حنيفة و ناهيك بأبي حنيفة إنّه كان يفتي في مسجد الكوفة يقول:قال عليّ و أنا أقول يعني الخلاف عليه،و لا ريب أنّ قول عليّ عليه السّلام هو قول الله سبحانه فإذن أبو حنيفة شريك لله سبحانه في الأحكام الإلهية.

و من ثمّ جاء في الآيات و الأخبار إطلاق الشرك علي المخالفين و انّهم يحشرون يوم القيامة معهم.و وجه آخر لإطلاق الشرك عليهم ورد في الأخبار عن الأئمّة الأطهار صلوات الله عليهم و هو أنّهم عزلوا الإمام الذي نصّبه النبي صلي اللّه عليه و اله و سلّم بالوحي و نصبوا أئمّة من عند أنفسهم فهم قد أشركوا في الإمامة و بهذا المعني ورد إطلاق المشركين علي سائر فرق المخالفين (1).

***

بين الإمام الصادق عليه السّلام و داود بن علي

و توفّي مولي لرسول الله صلي اللّه عليه و اله و سلّم لم يخلف وارثا فخاصم فيه ولد العبّاس أبا عبد الله عليه السّلام و كان هشام بن عبد الملك حجّ في تلك السنة فجلس لهم فقال داود بن علي الولاء لنا و قال أبو عبد الله عليه السّلام:بل الولاء لي.

فقال داود بن علي:إنّ أباك قاتل معاوية فقال:إن كان أبي قاتل معاوية فقد كان حظّ أبيك فيه الأوفر ثمّ فرّ بجنايته.

فقال:لأطوّقنّك و الله غدا طوق الحمامة فقال له داود بن علي:كلامك هذا أهون عليّ من بعرة في وادي الأزرق.

فقال:أمّا أنّه واد ليس لك و لا لأبيك فيه حقّ.

ص: 147


1- رياض الأبرار للجزائري،مخطوط.

قال هشام:إذا كان غدا جلست لكم،فلمّا أن كان من الغد خرج أبو عبد الله عليه السّلام و معه كتاب في كرباسة و جلس لهم هشام فوضع أبو عبد الله عليه السّلام الكتاب بين يديه فلمّا قرأه قال:ادعوا جندل الخزاعي و عكاشة الضميري و كانا شيخين قد أدركا الجاهلية فرمي الكتاب إليهما فقال:تعرفان هذه الخطوط؟

قالا:نعم هذا خطّ العاص بن اميّة و هذا خط فلان و فلان من قريش و هذا خط حرب بن اميّة.

فقال هشام:يا أبا عبد الله أري خطوط أجدادي عندكم.

فقال:نعم،قال:قد قضيت بالولاء لك،قال:فخرج و هو يقول:إن عادت العقرب عدنا لها و كانت النعل لها حاضرة.

قال:فقلت:ما هذا الكتاب جعلت فداك؟

قال:فإنّ نثيلة كانت أمة لامّ الزبير و لأبي طالب و عبد الله فأخذها عبد المطّلب و أولدها فلانا يعني العبّاس.

فقال له الزبير:هذه الجارية ورثناها من امّنا و ابنك هذا عبد لنا فتحمل عليه ببطون قريش قال:فقال:قد أجبتك علي خلّة علي أن لا يتصدّر ابنك هذا في مجلس و لا يضرب معنا بسهم فكتب عليه كتابا و أشهد عليه فهو هذا الكتاب (1).

***

بين الإمام الصادق عليه السّلام و سدير الصيرفي

و عن سدير الصيرفي قال:دخلت علي أبي عبد الله فقلت له:و الله ما يسعك القعود لكثرة مواليك و شيعتك و لو كان لأمير المؤمنين عليه السّلام ما لك من الأنصار ما طمع فيه تيم و لا عدي فقال:يا سدير و كم عسي أن تكونوا؟

قلت:مائة ألف و مائتي ألف و نصف الدّنيا فسكت ثمّ قال:يخف عليك أن تبلغ معنا إلي ينبع؟

قلت:نعم،فأمر بحمار و بغل أن يسرجا فبادرت فركبت الحمار فقال:يا سدير تري أن تؤثرني بالحمار؟

قلت:البغل أزيت.

قال:الحمار أرفق بي،فركب الحمار و ركبت البغل و مضينا فسرنا إلي أرض حمراء و نظر إلي

ص: 148


1- الحار:270/22.

غلام يرعي جداء فقال:و الله يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود،و نزلنا و صلّينا فلمّا فرغنا من الصّلاة عطفت إلي الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر (1).

***

بين الإمام الصادق عليه السّلام و سفيان الثوري

قال مالك بن أنس:قال جعفر يوما لسفيان الثوري:(يا سفيان إذا أنعم الله تعالي عليك بنعمة فأحببت بقاءها فأكثر من الحمد و الشكر عليها،فإن الله عزّ و جلّ قال في كتابه لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ (2)و إذا استبطأت الرزق فأكثر من الإستغفار،فإنّ الله عزّ و جلّ قال في كتابه اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفّاراً* يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ (3)يعني في الدنيا وَ يَجْعَلْ لَكُمْ جَنّاتٍ في الآخرة.

يا سفيان إذا أحزنك أمر من سلطان أو غيره فأكثر من قول لا حول و لا قوة إلاّ بالله العلي العظيم فإنّها مفتاح الفرج،و كنز من كنوز الجنة) (4).

و قال ابن أبي حازم:كنت عند جعفر بن محمد إذ جاء آذنه فقال:سفيان الثوري بالباب.

فقال:إئذن له،فدخل فقال له جعفر عليه السّلام:يا سفيان إنّك رجل يطلبك السلطان و أنا أتّقي السلطان،قم فاخرج غير مطرود.

فقال سفيان:حدّثني حتي أسمع و أقوم.

فقال جعفر عليه السّلام:حدثني أبي عن جدي إنّ رسول الله صلي اللّه عليه و آله و سلّم قال:(من أنعم الله عليه نعمة فليحمد الله و من إستبطأ الرزق فليستغفر الله،و من حزنه أمر فليقل لا حول و لا قوة إلاّ بالله العلي العظيم).

فلما قام سفيان قال جعفر:خذها يا سفيان ثلاث و أيّ ثلاث (5).

و قال سفيان:دخلت علي جعفر بن محمد و عليه جبّة خزّ دكناء و كساء خز فجعلت أنظر إليه تعجبا فقال لي:يا ثوري مالك تنظر إلينا،لعلك تعجب مما تري.

قال:فقلت له:يابن رسول الله ليس هذا من لباسك و لا لباس آبائك.

قال:يا ثوري:كان ذلك زمان إفتقار و إقتار و كانوا يعملون علي قدر اقتاره و افتقاره و هذا زمان

ص: 149


1- البحار:373/47 ح 93.
2- سورة إبراهيم 14:7.
3- نوح 71:11-12.
4- حلية الأولياء 3:193،صفة الصفوة 2:186،العدد القوية:149.
5- شعب الإيمان 4:4446/108،العقد الفريد 3:175،مناقب آل أبي طالب 4:270،صفة الصفوة 2: 169،تهذيب الكمال 5:85،سير اعلام النبلاء 6:261.

أسبل كل شيء عزّ إليه،ثم حسر ردن جبته فإذا تحتها جبة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل و الردن عن الردن.

و قال:يا ثوري لبسنا هذا لله و هذا لكم فما كان لله أخفيناه و ما كان لكم أبديناه (1).

***

احتجاجات أصحاب الصادق عليه السّلام علي المخالفين

بين الفضال بن الحسن الكوفي و أبي حنيفة

روي في البحار قال:مر الفضّال بن الحسن بن فضال الكوفي بأبي حنيفة و هو في جمع كثير يملي عليهم شيئا من فقهه و حديثه،فقال لصاحب كان معه:و الله لا أبرح أو أخجل أبا حنيفة.

قال صاحبه:إن أبا حنيفة ممن قد علت حاله و ظهرت حجته.

قال:مه هل رأيت حجة كافر علت علي مؤمن؟ثم دنا منه فسلّم عليه فردّ وردّ القوم السلام بأجمعهم،فقال:يا أبا حنيفة رحمك الله إنّ لي أخا يقول:إن خير الناس بعد رسول الله صلي الله عليه و آله علي بن أبي طالب عليه السّلام،و أنا أقول:إن أبا بكر خير الناس و بعده عمر،فما تقول أنت رحمك الله؟

فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال:كفي بمكانهما من رسول الله صلي الله عليه و آله كرما و فخرا،أما علمت أنهما ضجيعاه في قبره،فأي حجة أوضح لك من هذه؟

فقال له فضال:إني قد قلت ذلك لأخي،فقال:و الله لئن كان الموضع لرسول الله صلي الله عليه و آله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حق،و إن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله صلي الله عليه و آله فقد أساءا و ما أحسنا إذ رجعا في هبتهما و نكثا عهدهما.

فأطرق أبو حنيفة ساعة ثم قال له:لم يكن له و لا لهما خاصة،و لكنهما نظرا في حق عائشة و حفصة فاستحقّا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما،فقال له فضال قد قلت له ذلك فقال:أنت تعلم أنّ النبي صلي الله عليه و آله مات عن تسع حشايا،و نظرنا فإذا لكل واحدة منهن تسع الثمن، ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك؟و بعد فما بال حفصة و عائشة ترثان رسول الله صلي الله عليه و آله و فاطمة بنته تمنع الميراث؟

فقال أبو حنيفة:يا قوم نحوّه عني فإنه و الله رافضي خبيث (2).

***

ص: 150


1- حلية الأولياء 3:193.
2- بحار الأنوار-العلامة المجلسي:232/1.

بين سوار و السيد الحميري

و في البحار:قال الحارث بن عبد الله الربعي:كنت جالسا في مجلس المنصور و هو بالجسر الأكبر و سوار القاضي عنده،و السيد الحميري ينشده:

إنّ الا له الذي لا شي يشبهه آتاكم الملك للدنيا و للدين

آتاكم الله ملكا لا زوال له حتي يقاد إليكم صاحب الصين

و صاحب الهند مأخوذ برمته و صاحب الترك محبوس علي هون

حتي أتي علي القصيدة و المنصور مسرور.

فقال سوار:إن هذا و الله يا أمير المؤمنين يعطيك بلسانه ما ليس في قلبه،و الله إن القوم الذين يدين بحبهم لغيركم،و إنه لينطوي علي عداوتكم.

فقال السيد:و الله إنه لكاذب،و إنني في مدحتك لصادق،و إنه حمله الحسد إذ رآك علي هذه الحال،و إن انقطاعي إليكم و مودتي لكم أهل البيت لمعرق فيها من أبوي،و إن هذا و قومه لأعداؤكم في الجاهلية و الإسلام،و قد أنزل الله عز و جل علي نبيه عليه الصلاة و السلام في أهل بيت هذا: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (1).

فقال المنصور:صدقت.

فقال سوار:يا أمير المؤمنين إنه يقول بالرجعة،و يتناول الشيخين بالسب و الوقيعة فيهما.

فقال السيد:أما قوله:إني أقول بالرجعة فإني أقول بذلك علي ما قال الله تعالي: وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (2).

و قد قال في موضع آخر: وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (3)فعلمنا أن ههنا حشرين:

أحدهما عام،و الآخر خاص،و قال سبحانه: رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلي خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (4)و قال تعالي: فَأَماتَهُ اللّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ (5)و قال تعالي: أَ لَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ (6)فهذا كتاب الله تعالي،و قد قال رسول الله صلي الله عليه و آله:يحشر المتكبرون في صور الذر يوم القيامة.

و قال صلي الله عليه و آله:لم يجر في بني إسرائيل شي إلا و يكون في امتي مثله حتي الخسف و المسخ و القذف.

و قال حذيفة:و الله ما أبعد أن يمسخ الله عز و جل كثيرا من هذه الأمة قردة و خنازير.

ص: 151


1- سورة الحجرات:4.
2- سورة النمل:83.
3- سورة الكهف:47.
4- سورة غافر:11.
5- سورة البقرة:259.
6- سورة البقرة:243.

فالرجعة التي أذهب إليها ما نطق به القرآن و جاءت به السنة،و إني لاعتقد أن الله عز و جل يرد هذا-يعني سوارا-إلي الدنيا كلبا أو قردا أو خنزيرا أو ذرة،فإنه و الله متجبر متكبر كافر!

قال:فضحك المنصور.

و أنشأ السيد يقول:

جاثيت سوارا أبا شملة (1) عند الإمام الحكم العادل

فقال قولا خطلا كله عند الوري الحافي و الناعل

ما ذبّ عما قلت من وصمة في أهله بل لجّ في الباطل

و بان للمنصور صدقي كما قد بان كذب الأنوك الجاهل

يبغض ذا العرش و من يصطفي من رسله بالنير الفاضل

و ينشأ الحبر الجواد الذي فضل بالفضل علي الفاضل

و يعتدي بالحكم في معشر أدّوا حقوق الرسل للراسل

فبين الله تزاويقه فصار مثل الهائم الهامل

فقال المنصور:كفّ عنه.

فقال السيد:يا أمير المؤمنين البادئ أظلم،يكف عني حتي أكف عنه.

فقال المنصور لسوار:قد تكلم بكلام فيه نصفة،كف عنه حتي لا يهجوك (2).

***

بين مؤمن الطاق و الخوارج

الكشي عن الأحمسي قال:خرج الضحّاك من الخوارج فحكم و تسمّي بإمرة المؤمنين فأتاه مؤمن الطاق فقال:إنّي علي بصيرة من ربّي و سمعتك تصف العدل فأحببت الدخول معك.

فقال الضحّاك لأصحابه:إن كان هذا معكم نفعكم ثمّ أقبل مؤمن الطاق علي الضحّاك فقال:

لم تبرّأتم من عليّ بن أبي طالب و استحللتم قتله و قتاله و البراءة منه.

قال:نعم بسبب التحكيم يوم صفّين.

قال:فأخبرني عن الدّين الذي جئت أناظرك عليه لأدخل معك فيه إن غلبت حجّتي حجّتك أو حجّتك حجّتي من يوقف المخطئ علي خطئه و يحكم للمصيب بصوابه فلا بدّ لنا من إنسان يحكم بيننا.

قال:فأشار الضحّاك إلي رجل من أصحابه فقال:هذا الحكم بيننا فهو عالم بالدّين.

ص: 152


1- في بعض النسخ:أبا سملة.
2- البحار:234/10،و الغدير:259/2.

قال:و قد حكّمت هذا في الدين الذي جئت اناظرك فيه؟

قال:نعم،فأقبل مؤمن الطاق علي أصحابه.

فقال:إنّ هذا صاحبكم قد حكم في دين الله فشأنكم به فضربوا الضحّاك بأسيافهم حتّي سكت (1).

***

بين مؤمن الطاق و أبي حنيفة

عن ابن أبي عمير قال:قال أبو حنيفة لأبي جعفر مؤمن الطاق:ما تقول في الطلاق الثلاث؟

قال:أعلي خلاف الكتاب و السنة؟

قال:نعم،قال أبو جعفر:لا يجوز ذلك،قال أبو حنيفة:و لم لا يجوز ذلك؟

قال:لأن التزويج عقد عقد بالطاعة فلا يحل بالمعصية،و إذا لم يجز التزويج بجهة المعصية لم يجز الطلاق بجهة المعصية،و في إجازة ذلك طعن علي الله عزّ و جلّ فيما أمر به و علي رسوله فيما سن،لأنه إذا كان العمل بخلافهما فلا معني لهما،و في قولنا من شذ عنهما رد إليهما و هو صاغر.

قال أبو حنيفة:قد جوز العلماء ذلك،قال أبو جعفر:ليس العلماء الذين جوزوا للعبد العمل بالمعصية،و استعمال سنة الشيطان في دين الله،و لا عالم أكبر من الكتاب و السنة فلم تجوزون للعبد الجمع بين ما فرق الله من الطلاق الثلاث في وقت واحد و لا تجوزون له الجمع بين ما فرق الله من الصلوات الخمس؟و في تجويز ذلك تعطيل الكتاب و هدم السنة،و قد قال الله عز و جل: (وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) .ما تقول يا أبا حنيفة في رجل قال:إنه طلّق امرأته علي سنة الشيطان؟ أيجوز له ذلك الطلاق؟

قال أبو حنيفة:فقد خالف السنة،و بانت منه امرأته،و عصي ربه.

قال أبو جعفر:فهو كما قلنا،إذا خالف سنة الله عمل بسنة الشيطان،و من أمضي بسنّته فهو علي ملته ليس له في دين الله نصيب.

قال أبو حنيفة:هذا عمر بن الخطاب و هو من أفضل أئمة المسلمين قال:إن الله جل ثناؤه جعل لكم في الطلاق أناة فاستعجلتموه،و أجزنا لكم ما استعجلتموه.

قال أبو جعفر:إن عمر كان لا يعرف أحكام الدين،قال أبو حنيفة:و كيف ذلك؟

قال أبو جعفر:ما أقول فيه ما تنكره،أما أول ذلك فإنه قال:لا يصلي الجنب حتي يجد

ص: 153


1- البحار:423/33 ح 629،و مواقف الشيعة:337/1.

الماء و لو سنة!و الأمة علي خلاف ذلك،و أتاه أبو كيف العائذي فقال:يا أمير المؤمنين إني غبت فقدمت و قد تزوجت امرأتي،فقال:إن كان قد دخل بها فهو أحق بها،و إن لم يكن دخل بها فأنت أولي بها،و هذا حكم لا يعرف و الأمة علي خلافه.و قضي في رجل غاب عن أهله أربع سنين أنها تتزوج إن شاءت،و الأمة علي خلاف ذلك،إنها لا تتزوج أبدا حتي تقوم البينة أنه مات أو طلقها، و أنه قتل سبعة نفر من أهل اليمن برجل واحد،و قال:لو لا ما عليه أهل صنعا لقتلتهم به،و الأمة علي خلافه،و أتي بامرأة حبلي شهدوا عليها بالفاحشة فأمر برجمها،فقال له عليّ عليه السّلام:إن كان لك السبيل عليها فما سبيلك علي ما في بطنها؟

فقال:لو لا علي لهلك عمر،و اتي بمجنونة قد زنت فأمر برجمها،فقال له علي عليه السّلام:أما علمت أن القلم قد رفع عنها حتي تصح؟

فقال:لو لا علي لهلك عمر،و إنه لم يدر الكلالة فسأل النبي صلي الله عليه و آله عنها فأخبره بها فلم يفهم عنه،فسأل ابنته حفصة أن تسأل النبي عن الكلالة فسألته،فقال لها:أبوك أمرك بهذا؟

قالت:نعم،فقال لها:إن أباك لا يفهمها حتي يموت!فمن لم يعرف الكلالة كيف يعرف أحكام الدين؟ (1).

و قال أبو حنيفة يوما لصاحب الإمام الصادق عليه السّلام مؤمن الطاق إنكم تقولون بالرجعة.

فاعطني الآن ألف درهم حتي أعطيك ألف دينار إذا رجعنا.

فقال الطاقي:فأعطني كفيلا بأنك ترجع إنسانا و لا ترجع خنزيرا (2).

عند ما مات الإمام الصادق عليه السّلام قال أبو حنيفة:لقد مات إمامك.

فقال مؤمن الطاق:أمّا إمامك فمن المنظرين إلي يوم الوقت المعلوم (3).

قال أبو حنيفة لمؤمن الطاق:ما تقول في المتعة؟

قال:حلال.

قال:أفيسرّك أن تكون أخواتك و بناتك يمتّع بهنّ؟

قال:شي قد أحلّه الله تعالي أن كرهته مما خبلني،و لكن ما تقول أنت في النبيذ؟

قال:حلال.

قال:أ فيسرّك أن تكون أخواتك و بناتك نباذات هن؟م.

ص: 154


1- الاختصاص:111،و البحار:231/10 ح 1.
2- الاحتجاج:148/2،و البحار:399/47.
3- بحار الأنوار:399/47 و الاحتجاج ص 205،كشكول الشيخ البهائي:110/1(مطبعة الحكمة قم)و فيه زيادة:فضحك المهدي و أمر لمؤمن الطاق بعشرة آلاف درهم.

و قال له أبو حنيفة يوما:ألسنا صديقين؟

قال:بلي.

قال:و أنت تقول بالرجعة؟

قال:إي أيم الله فإني شديد الحاجة و أنت متمكّن فلو أنّك أقرضتني خمسمائة درهم أتسع بها و أردّها عليك في الرجعة كنت قد قضيت حقي و وصلت إلي غفل.

قال:أنا أقول إنّ النّاس يرجعون (1).

و روي أن مؤمن الطاق كان بينه و بين أبي حنيفة مزاح و كان يمشي معه يوما فنادي رجل:من يدلّني علي صبيّ ضال؟

فقال مؤمن الطّاق أمّا الصبي الضّالّ فلا أدري و إن كنت تبغي الشيخ الضّال فهو هذا،و أشار إلي أبي حنيفة (2).

و قيل إن أبا حنيفة كان جالسا مع أصحابه فجاء مؤمن الطاق فقال أبو حنيفة لأصحابه:جاءكم الشيطان و سمعه مؤمن الطّاق فقرأ: أَ لَمْ تَرَ أَنّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَي الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (3)(4).

و روي أنّه قال يوما:إنّكم تقولون بالرجعة؟

قال:نعم.

قال أبو حنيفة:فاعطني الآن ألف درهم حتّي أعطيك ألف دينار إذا رجعت.

فقال الطاقي:أعطني كفيلا بأنّك ترجع إنسانا و لا ترجع خنزيرا (5).

و قال له يوما آخر:لم لم يطالب عليّ بن أبي طالب عليه السّلام بحقّه بعد وفاة رسول الله صلي اللّه عليه و اله و سلّم إن كان له حقّ؟

فقال مؤمن الطاق:خاف أن يقتله الجنّ كما قتلوا سعد بن عبادة بسهم المغيرة بن شعبة (6).

و كان أبو حنيفة يمشي مع مؤمن الطاق في سكّ من سكك الكوفة إذا بمنادي ينادي من يدلّني علي صبيّ ضال فقال مؤمن الطاق:أمّا الصبيّ الضال فلم نره و إن أردت شيخا مضلاّ فخذ هذا يعني أبا حنيفة (7).

روي في الكافي أنّه سأل أبو حنيفة مؤمن الطاق قال:يا أبا جعفر ما تقول في المتعة تزعم أنّها حلال؟

قال:نعم.1.

ص: 155


1- البحار:411/47.
2- الاحتجاج:149/2،و مواقف الشيعة:332/1.
3- سورة مريم:83
4- أنظر طرائف المقال للبروجردي:550/2.
5- الاحتجاج:148/2،و البحار:399/47 ح 1.
6- البحار:442/29.
7- الاحتجاج:149/2،و مواقف الشيعة:332/1.

قال:فما منعك أن تأمر نسائك أن يستمتعن و يكتسبن عليك؟

قال:ليس كلّ الصناعات يرغب فيها و إن كانت حلالا و للناس أقدار و مراتب يرفعون أقدارهم و لكن ما تقول يا أبا حنيفة في النبيذ أتزعم أنّه حلال؟

قال:نعم.

قال:فما يمنعك أن تقعد نساءك في الحوانيت نباذات فيكسبن عليك؟

قال أبو حنيفة:واحدة بواحدة و سهمك أنفذ (1).

***

بين مؤمن الطاق و ابن أبي العوجاء

و عن مؤمن الطاق قال:قال ابن أبي العوجاء مرّة:أ ليس من صنع شيئا و أحدثه حتّي يعلم أنّه من صنعته فهو خالقه.

قلت:بلي،قال:فأجّلني شهرا أو شهرين ثمّ تعال حتّي أريك.

فحججت فدخلت علي أبي عبد الله عليه السّلام فقال:أمّا أنّه قد هيّأ لك شاتين و هو جاء معه بعده من أصحابه ثمّ يخرج لك الشاتين قد امتلئا دودا و يقول لك هذا الدود يحدث من فعلي فقل له:إن كان من صنعك و أنت أحدثته فميّز ذكوره من إناثه.و أخرج إلي الدود فقلت له:ميّز الذكور من الإناث.

فقال:هذه و الله ليست من إبزارك هذه التي حملتها الإبل من الحجاز،الحديث (2).

***

بين الأعمش و أبي حنيفة

و عن شريك القاضي قال:حضرت الأعمش في علّته التي قبض فيها فبينا أنا عنده إذ دخل ابن شبرمة و ابن أبي ليلي و أبو حنيفة فسألوه عن حاله فذكر ضعفا شديدا و أدركته رقّة من الذنوب فبكي فقال له أبو حنيفة:يا أبا محمّد اتّق الله فإنّك في آخر يوم من أيّام الدّنيا و قد كنت تحدّث في علي بن أبي طالب بأحاديث لو رجعت عنها كان خيرا لك.

قال الأعمش:مثل ماذا يا نعمان؟

قال:مثل حديث أنا قسيم النار.

قال:أو لمثلي تقول هذا يا يهودي أقعدوني سنّدوني؛حدّثني موسي بن طريف عن جارية بن ربعي قال:سمعت عليّا أمير المؤمنين يقول:أنا قسيم النار أقول هذا وليّي دعيه و هذا عدوّي خذيه.

ص: 156


1- الكافي:450/5 ح 8،و البحار:411/47 ح 17.
2- البحار:406/47.

و عن أبي سعيد الخدري قال:قال رسول الله صلي اللّه عليه و اله و سلّم:إذا كان يوم القيامة أقعد أنا و عليّ علي الصراط و يقال لنا:أدخلا الجنّة من آمن بي و أحبّكما و أدخلا النار من كفر بي و أبغضكما.

فجعل أبو حنيفة إزاره علي رأسه و قال:قوموا بنا لا يجيبنا أبو محمد بأطم من هذا (1).

***

بين أبي عبيدة المعتزلي و هشام بن الحكم

في كتاب المناقب:قال أبو عبيدة المعتزلي لهشام بن الحكم:الدليل علي صحّة معتقدنا و بطلان معتقدكم ككثرتنا و قلّتكم مع كثرة أولاد علي و ادّعائهم.

فقال هشام:لست إيّانا أردت بهذا القول إنّما أردت الطعن علي نوح عليه السّلام حيث لبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاما يدعوهم إلي النجاة ليلا و نهارا و ما آمن معه إلاّ قليل (2).

***

بين هشام بن الحكم و المتكلمين

و سأل هشام بن الحكم جماعة من المتكلّمين فقال:أخبروني حين بعث الله محمّدا بعثه بنعمة تامّة أو بنعمة ناقصة؟

فقالوا:بنعمة تامّة،قال:فأيّما أهمّ أن يكون في أهل بيت واحد نبوّة و خلافة أو يكون نبوّة بلا خلافة؟

قالوا:بل يكون نبوّة و خلافة قال:فلماذا جعلتموها في غيرهم فإذا صارت في بني هاشم ضربتم وجوههم بالسيوف،فأفحموا (3).

***

بين محمد بن نوفل و أبي حنيفة

و عن محمّد بن نوفل قال:دخل علينا أبو حنيفة فدار بيننا الكلام في أمير المؤمنين فقال أبو حنيفة:قد قلت لأصحابنا لا تقرّوا لهم بحديث غدير خمّ فيخصموكم.

فقال الهيثم:يا نعمان أما هو عندك؟

قال:هو عندي و قد رويته لكنّك تعلم أنّ الناس قد غلا فيهم قوم.

فقال الهيثم:يقوله رسول الله صلي اللّه عليه و اله و سلّم و يخطب به و ننفيه نحن لغلوّ غال أو قول قائل.فقطع الحديث (4).

ص: 157


1- مناقب أمير المؤمنين:529/2،و البحار:197/39 ح 7.
2- البحار:401/47 ح 3،و المناقب:236/1.
3- مناقب آل أبي طالب:237/1.
4- البحار:401/47،و المناقب:236/1.

بين بهلول و أبي حنيفة

روي أنّ بهلول وقت جنونه مرّ يوما علي باب دار أبي حنيفة فوقف عند الباب ساعة فسمع أبا حنيفة يحدّث أصحابه و يقول:إنّ جعفر بن محمّد الصّادق يقول:إنّ الله لا يمكن رؤيته و محال عليه الرؤية،و أيضا إنّ العبد فاعل مختار يفعل فعله بالإختيار،و يقول:إنّ الشّيطان يعذّب بالنار و هذه الأقوال الثّلاثة غير معقولة عندي.

أمّا الأوّل:فلأنّ الله تعالي موجود و كلّ موجود يمكن رؤيته،و الثّاني إنّ العبد لا اختيار له، و الثالث إنّ الشّيطان خلق من النّار فلا يعذّب إذ النّار لا يعذّب بعضها بعضا.

فلمّا سمع البهلول ذلك الكلام إغتاظ و أخذ مدرا من الأرض فضرب أبا حنيفة فأصاب رأسه و أوجعه و مضي يعدو،فتلاحقه أصحاب أبي حنيفة و جاؤوا به إليه و لأجل قرابته من المنصور الخليفة لم يقدروا أن يصلوا إليه بشي من الضرب.قال أبو حنيفة:إذهبوا به إلي الخليفة و أخبروه بما فعل، فلما أخبر المنصور بالقصّة عاتبه و قال له:لم فعلت ذلك و طلب أبا حنيفة يعتذر إليه بحضرة البهلول،فطلب البهلول الرخصة منه في التّكلم مع أبي حنيفة فأذن له.

فقال:يا أبا حنيفة ما أصابك منّي؟

قال:ضربتني بالمدر فوجع رأسي.

فقال البهلول:أرني الوجع حتي أنظر إليه،فقال أبو حنيفة:يا مجنون الوجع كيف يري؟ و كيف يمكن أن تنظر إليه؟

فقال بهلول:يا معلون الوجع موجود أم لا؟

قال:بل موجود،قال بهلول:إنّك ادّعيت أنّ الله يري لأنّه موجود و الوجع أيضا موجود فلم لا يري؟

فلمّا سمع أبو حنيفة ذلك أطرق رأسه و أفحم.

ثمّ قال:يا أبا حنيفة ينبغي أن لا يوجع المدر رأسك لأنّك خلقت من التّراب و هو تراب،ثمّ قال:يا أبا حنيفة العبد لا فعل له و لا اختيار حسب ما زعمت فلأيّ شي تؤاخذني بما صدر منّي و لا قدرة لي عليه؟

فلما سمع الخليفة أقواله استحسن مقاله و رخّصه في الإنصراف بغير عتاب (1).

***

ص: 158


1- مواقف الشيعة:294/2،و روضة المؤمنين:6.

المحتويات

هو جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام 5

لقب الإمام الصادق عليه السّلام و كنيته 7

نقش خاتمه عليه السّلام 7

وصف الإمام الصادق عليه السّلام 7

وصفه من مالك بن أنس 8

مولد أبي عبد الله الصادق عليه السّلام 9

ذكر أمّه عليهما السّلام 10

وصية الإمام الصادق عليه السّلام لابنه 10

شهادة الإمام الصادق عليه السّلام 10

فضل زيارة جعفر الصادق عليه السّلام 13

أسرار الإمام الصادق عليه السّلام 14

النص علي الإمام جعفر الصادق عليه السّلام 17

علم الإمام الصادق عليه السّلام بالغيب 19

علم الإمام الصادق عليه السّلام بالجفر 26

غزارة علم الإمام الصادق عليه السّلام 27

روايته عن الله تعالي مباشرة 27

مدرسة الإمام الصادق عليه السّلام 28

تلامذة الإمام الصادق عليه السّلام 28

طب الإمام الصادق عليه السّلام 29

فوائد العطسة و أسبابها 29

تصدّق الإمام الصادق عليه السّلام علي الفقراء 30

كرم أخلاق الإمام الصادق عليه السّلام 32

دعاء الإمام الصادق عليه السّلام المستجاب 32

رحمة الإمام الصادق عليه السّلام بعبيده 35

عطف الإمام الصادق عليه السّلام علي شيعته 35

كرم الإمام الصادق عليه السّلام 36

زهد الإمام الصادق عليه السّلام 39

عبادة الإمام الصادق عليه السّلام 40

في أن أعمال الناس تعرض علي الصادق عليه السّلام 42

عرض الأعمال علي محمد و آل محمد 44

معاجز الإمام الصادق عليه السّلام 46

المعجزة الكبري 54

قدرة الإمام الصادق عليه السّلام 55

إحياء الصادق عليه السّلام للأموات 55

إحياء الطيور الأربعة 57

علم الإمام الصادق عليه السّلام باللغات 58

معرفة الإمام الصادق عليه السّلام لغة الطيور و الحيوانات 58

رسالة الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام 59

حديث الإمام الصادق عليه السّلام في حوض الكوثر 61

حديث الإمام الصادق عليه السّلام في قضاء حاجة المؤمن 62

حديث الإمام الصادق عليه السّلام في سبب الضحك 63

حديث الإمام الصادق عليه السّلام عن الشيعة 64

مواعظ الإمام الصادق عليه السّلام 64

ما نسب للإمام الصادق عليه السّلام 67

زوجة الإمام الصادق عليه السّلام 68

أحوال أولاد الإمام الصادق عليه السّلام 69

ذكر حال إسماعيل ابن الإمام الصادق عليه السّلام 71

إدّعاء عبد الله بن الإمام الصادق الإمامة 74

أحوال زوجات الإمام الصادق عليه السّلام 75

الملوك الذين عاصرهم الإمام الصادق عليه السّلام 75

أعمال المنصور و حاله 76

بين الإمام الصادق عليه السّلام و المنصور 77

بين الإمام الصادق عليه السّلام و زنديق 86

بين الإمام الصادق عليه السّلام و الزنديق 105

ص: 159

بين الإمام الصادق عليه السّلام و الهندي 107

بين الإمام الصادق عليه السّلام و أبي حنيفة 110

بين الإمام الصادق عليه السّلام و الزنادقة 122

بين الإمام الصادق عليه السّلام و أبي شاكر الديصاني 123

بين الإمام الصادق عليه السّلام و النصاري 123

بين الإمام الصادق عليه السّلام و الخوارج 124

بين الإمام الصادق عليه السّلام و ابن أبي العوجاء 125

بين الإمام الصادق عليه السّلام و طاوس اليماني 125

بين الإمام الصادق عليه السّلام و الخضر 125

بين الإمام الصادق عليه السّلام و عالم النجوم 126

بين الإمام الصادق عليه السّلام و نصراني 126

بين الإمام الصادق عليه السّلام و ابن شبرمة 127

بين الإمام الصادق عليه السّلام و هشام 128

بين الإمام الصادق عليه السّلام و هشام و ابن أبي العوجاء 129

بين الإمام الصادق عليه السّلام و زياد الحارثي 129

بين الإمام الصادق عليه السّلام و الصوفية 130

بين الإمام الصادق عليه السّلام و رجل جاهل 133

بين الإمام الصادق عليه السّلام و عبد الله بن الحسن 134

بين الإمام الصادق عليه السّلام و السيّد الحميري 135

بين الإمام الصادق عليه السّلام و كميت 146

بين الإمام الصادق عليه السّلام و داود بن علي 147

بين الإمام الصادق عليه السّلام و سدير الصيرفي 148

بين الإمام الصادق عليه السّلام و سفيان الثوري 149

احتجاجات أصحاب الصادق عليه السّلام علي المخالفين بين الفضال بن الحسن الكوفي و أبي حنيفة 150

بين سوار و السيد الحميري 151

بين مؤمن الطاق و الخوارج 152

بين مؤمن الطاق و أبي حنيفة 153

بين مؤمن الطاق و ابن أبي العوجاء 156

بين الأعمش و أبي حنيفة 156

بين أبي عبيدة المعتزلي و هشام بن الحكم 157

بين هشام بن الحكم و المتكلمين 157

بين محمد بن نوفل و أبي حنيفة 157

بين بهلول و أبي حنيفة 158

ص: 160

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.