أنباء الحجة عجل الله فرجه

اشارة

أنباء الحجة عجل الله فرجه

الشيخ إبراهيم خازم العاملي

دارالحجه البيضاء

الطبعة الأولي: 1426 هجرية قمرية

خيرانديش ديجيتالي : انجمن مددكاري امام زمان (عج) اصفهان

ص: 1

اشارة

ص: 2

أنباء الحجةعجل الله فرجه

ص: 3

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 4

ص: 5

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الأولي: 1426 هجرية قمرية

حارة حريك - شارع الشيخ راغب حرب - قرب نادي السلطان

ص.ب: 5479 / 14- هاتف: 03/287179 - تلفاكس:01/002867

E-mail:almahajja@terra.net.lb

www.daralmahaja.com

ص: 6

يا حجة الله ...

أيها المهدي المنتظرالموعود ...

لو تطاولت الدهور ، وتمادت الأعمار، لم أزدد فيك إلا يقينا ، ولك إلا حبة ، ولظهورك إلا متوقعة ومنتظرة ،ولجهادي بين يديك مترقبا ، فأبذل نفسي ومالي وولدي وأهلي وجميع ما خولني ربي بين يديك...

يا بقية الله ...

امامي وسيدي ومولاي ومقتدي ...

إن أدركني الموت قبل ظهورك جاني نتوسل بك وبابائك الطاهرين إلي الله ربيأن يجعل لي كرة في ظهورك ، ورجعة في أيامك ، قنبلغ من طاعتك مرادي ، واشفي من أعدائك فؤادي...

أقل خدمة بقية الله في أرضه

ابراهيم خازم العاملي

ص: 7

ص: 8

الديباجة

بسم الرحمن الرحيم

بسم الله العزيز ذي السلطان، المعروف بالإحسان والإمتنان، الظاهربلا مشافهة ، والباطن بلا ملامسة، الأول بغير غاية ، والآخر بغير نهاية .

له الحمد قصرت عن وصفه ألسنة الواصفين، وانقطعت عن إدراك كنهه أفكار العارفين، فسبحانه إلهنا ومعبودنا رب العالمين .

ثم الصلاة وأتم التسليم علي سيد المرسلين وتمام عدة النبيين، صاحب الرتبة العلية، والنبوة الختمية، وعلي وصيه خير البرية ، وبضعته المطهرة النقية، وعلي الذرية من نسلهما من الحسن الزكي إلي الخلف المهدي عجل الله فرجهالشريف، وخروجه المنيف.

وبعد...

فقد هجمت نيتي، ونهضت قوتي لإخراج هذا التأليف وإبداع هذا التصنيف وهو البحث الذي أسميته ب «أنباء الحجة عجل الله فرجه) بعد أن مضت عشر سنين علي شروعي فيه، وبعد أن طال الأمل، وقل العمل، وتدافعت الأيام، وتكاثرت الأوهام، وبعد أن كانت نفسي تنازعني في طبعه، وتسوفني وتسوفني إلي أن شاء الحق سبحانه خروجه إلي الملأ ، وله الحمد والمنة في ذلك كله.

هذا وقد أوضحت فيه أحوال الإمام الثاني عشر من أئمتي الحجة بن الحسن المهدي الغائب المنتظر، إمامي وسيدي ومولاي ومقتداي أرواحنا فداه، وأوردت ما فيه الكفاية من الأخبار المعتبرة والمعول عليها، دونما

ص: 9

النوادر التي لا تصمد أمام النقد من مولده - عجل الله فرجه - وحتي ظهوره وقيام دولته .

واتصلت بالبحث جملة من التعليقات النافعة، والتحقيقات الجامعة، فأتي مغنية عن أكثر كتب الغيبة، شافية لمن أراد التثبت من العقيدة بالقائم من آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .

وفي حديث علامات الظهور حاولت الفصل عملية بينها وبين علامات القيامة، وبين علامات آخر الزمان، فقد وقع خلط ذريع بين مصنفي كتب الغيبة حول التفرقة بين الأصناف الثلاثة، ونحن تعرضنا لعلائم الظهور خاصة،ولم نعرض لعلائم القيامة وآخر الزمان في سياقها منعا لهذا اللبس .

وقد احتوت أنباء البحث - كما التمهيد والخاتمة - علي الكثير من الآراء المستنبطة، والأفكار المستجدة من خلال فهمنا للنصوص، وجرينا فيها علي طريقة المجتهدين وأرباب التحقيق والتدقيق قدر الإستطاعة، علما بأن المنهجية الإستدلالية لم تغب عن أكثر مطالب البحث، وهذا سيجعل هذا البحث فريدة من نوعه إن شاء الله جل جلاله، وهو وإن كان في عنوانه ومحتواه الإجمالي من البحوث التقليدية، إلا أن ما تضمنه من تفاصيل في فهم الأخبار ومستجدات كشف الأسراريما من القول بأنه أضاف جديدة إلي المكتبة الإسلامية في هذا الجانب إلي حد كبير .

وألفت لمن أراد المراقبة بأن كثيرا من الطروحات في هذا البحث سبق وسمعت مني من خلال مجالسي الحسينية ومنابري في طول و عرض خدمتي للمنابر، وألفت نظر المحبين والمخلصين أن عقيدتي كانت ولا تزال ثابتة وراسخة منذ ارتقيت منبر سيد الشهداء عليه السلام الي للمرة الأولي وحتي الآن، وبعد أن مضي عقدان من الزمن لا زلت أطرح ما في جعبتي من أدلة الإعتقاد، وأقوالي هي هي، وإن تطورت أساليب المقال والإستدلال كثمرة من ثمار عشرين سنة من الدراسة قضيتها في الحوزات العلمية .

ص: 10

وفي الحديث حول مصادر هذا البحث أشير بأنني قد أخرجت منها في الهوامش ما أمكنني بما أعاني عليه الوقت، وضمن منها ما ضمن في متنالبحث، وأما ما لم يسعفني الوقت لإخراجه فإني أتركه لنباهة القاريء المثقف.

وقد بوبت البحث علي هيئة تمهيد وفيه عشرة مقاصد، ومن ثم أنباء عشرون تليها خاتمة جامعة تحتوي مطالب ثلاثة، وفي التمهيد تطرقت لأدلة الإمامة، أما في الأنباء فتناولت أمهات المطالب المرتبطة بضروريات العقيدة في الحجة عجل الله فرجه، وأتممت في الخاتمة جهدي برد دعوي المهدوية وعقائد الفرقة البابية وما يتصل بذلك من مطالب نافعة وضرورية الصحة الإعتقاد بالحجة أرواحنا فداه ، سيما التحقيق في إمكانية المشاهدة الطلعته الرشيدة وغرته الحميدة في غيبته عجل الله تعالي فرجه .

وإني إذ أخرج هذا الجهد لشيعته - عجل الله تعالي فرجه . أسأل الله عز وجل أن يمن علي برضاه، وأن يجعل جل جلاله رزقي به - عجل الله فرجه - مبسوطة، وحوائجي به مقضية، وذنوبي به مغفورة، وعملي به مقبولا، ودعائي به مستجابة ، وأسأله سبحانه أن يكتبني من جملة أنصاره وأعوانه وخدامه ومقوية سلطانه والذابين عنه والمفتقدين من فرشهم النصرته، والمخرجين من قبورهم للشهادة بين يديه لو كل قدري المحتوم قبل ظهوره روحي وعقلي وقلبي وكل ما ملكته يداي له الفداء .

وأخيرة، كنت أستحث الخطي ليخرج كتابي هذا إلي عالم النور والوجود فتراه أمي الحاجة المؤمنة المجاهدة الزاهدة العابدة الصابرة المحتسبة التي ربتني صغيرة علي محبة النبي صلي الله عليه وآله ومحبة عترته عليهم السلام از وأرضعتني حبهم وولائهم عليهم السلام باللبن، ورعتني كبيرة لأتفرغ لخدمتهم وخدمة علومهم عليهم السلام ، لكن أبت مشيئة الله عز وجل إلا أن تفارق الحياة في ليلة الخامس من شهر الله لعامنا هذا فالمني وأفجعني فقدها ، لكن قت عيني وهدأ سري برقادها بجوار مولي المتقين وأمير المؤمنين عليه السلام في نجف

ص: 11

الكوفة الأشرف رزقنا الله مجاورته في الحياة وبعد الممات، وإني لأسعد بأن أهدي ثواب عملي هذا لروحها حشرها الله عز وجل في زمرة محمد وآله الأطيبين الأطهرين، وآخر دعوانا أن ربنا اغفر وارحم وأنت خير الراحمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

10 ذو القعدة 1425 هجرية إبراهيم خازم العاملي

ص: 12

التمهيد وفيه عشرة مقاصد تحتوي علي الضروريات العقائدية الكلامية المباحث الإمامة

المقصد الأول: في معني الإمامة.

المقصد الثاني: في وجوب الإمامة.

المقصد الثالث: في بعض أدلة الإمامية علي وجوب الإمامة بالنص عقلا علي الله سبحانه.

المقصد الرابع: في شرائط الإمامة.

المقصد الخامس: في بيان طرق معرفة الإمام.

المقصد السادس: فيمن مات ولم يعرف إمامه.

المقصد السابع: في جملة من صفات الإمام.

المقصد الثامن: في عدم مدخلية البلوغ في الإمامة.

المقصد التاسع: في أن الإمامة في الأعقاب.

المقصد العاشر: في أن الأرض لا تخلو من حجة، وأن الحجج أثنتا عشرة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

ص: 13

ص: 14

المقصد الأول: في معني الإمامة

الإمامة لغة(1) تقدم فرد علي غيره ليقتدي به، ويسمي المتقدم إماما والمتقدم عليه مأمومة، وقد يكون المأموم فردا وقد يكون جماعة ، والإمامة قد تكون من جهة أو أكثر، وقد تكون من جميع الجهات .

والإمامة اصطلاحا - عند علماء العقيدة والمتكلمين - هي رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن رسول الله صلي الله عليه وآله .

وقد اتفق علماء الإمامية علي هذا التعريف في مضمونه، وإن اختلفوافي صياغته أو تفسيره، أو في إضافة بعض القيود إليه .

وكلمة الرياسة - الواردة في هذا التعريف - هي جنس منطقي قريب في مقابل الأجناس البعيدة المستهجن استعمالها في التعريفات عند علماء المعقول، وكلمة عامة - وهي صفة للرياسة - هي فصل منطقي لتمييز نوع هذه الرياسة عن غيرها مما قد يتبادر إلي الأذهان عند الإطلاق البدوي للكلمة، فإنها غالبا ما تنصرف إلي المعني الخاص، بل الأخص في المخاطبات العرفية، وأما كلمة لشخص - الواردة في التعريف . فهي تفيد التعيين للام العهد الملصقة بها في أولها، فاللام العهدية تفيد كون هذا الشخص المقصود معهودة، والمراد به من عينه الله جل جلاله لهذا المنصب الإلهي والمقام الرباني، والتعبير عن الشخص بصياغة المفرد

ص: 15


1- لسان العرب لابن منظور، ج 1، ص 213، وص 214، وص 215، طبعة دار إحياء التراث العربي الجديدة الملونة في بيروت.

يفهم منه لزوم كونه فردا واحدة لا جماعة، ويؤيده المعني اللغوي للإمامة الآنف ذكره، وإن كان تصور وجود جماعة في مقام الإمامة ممكنة، ولكنه لا يكون جامعة لمعني الإمامة علي التفصيل الذي قصده الشارع الأقدس من هذا المنصب والمقام، فالتفت .

وأما كلمة نيابة عن رسول الله صلي الله عليه وآله - المذكورة في تعريف الإمامة الإصطلاحي - فإن هذه الكلمة علي إطلاقها قيد إحترازي لإفادة النيابة عنه صلي الله عليه وآله بالأصالة من كل الجهات لا خصوص جهة معينة أو تكليف خاص كما هو حال من كانوا ينوبونعنه في حياته صلي الله عليه وآله في ولاية البلدان، وقيادة سرايا الحرب، فإن هذه النيابة المقصودة في هذا التعريف الإصطلاحي تسد مسدصلي الله عليه وآله بعد وفاته صلي الله عليه وآله في كل شيء، وإطلاق هذه الكلمة وهذا القيد وعدم تقييدها بشيء يوضح هذا المعني، فتأمل.

وقد تعبر بعض الفرق الإسلامية عن الإمامة بالخلافة وإمرة المؤمنين ونحوه، وقد تؤيده بعض الأخبار، ولكن ذلك - كما تري - لا ينفك عن معني الإمامة المذكورة في التعريف المتقدم، وهو إرادة الرياسة العامة الدينية والدينوية علي التفصيل الذي بيناه.

وقد ورد تعريف الإمامة في خبر عبد العزيز بن مسلم المروي عن الإمام أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام

يقول فيه عليه السلام قال : ... إن الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء ، إن الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول صلي الله عليه وآله وسلم، ومقام أميرالمؤمنين عليه السلام، وميراث الحسن والحسين عليهما السلام، إن الإمام زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا، وعز المؤمنين، إن الإمامة أس الإسلام النامي وفرعه السامي... الخبر. (1)

أقول: وتعريفه عليه السلام هذا هو تعريف بالحد التام الجامع للأفراد

ص: 16


1- الكافي، للكليني، الأصول، ج 1، ص 200، طبعة دار الأضواء في بيروت .

المانع لأغيار، وبه تتضح لك أهمية وجود الإمام بعد النبي صلي الله عليه وآله ليسد مسده صلي الله عليه وآله لا في قضاء ما يحتاجه الناس في أمور المعاش والمعاد، فحاجة الناسللإمام بعد النبي صلي الله عليه وآله و هي كحاجتهم للنبي صلي الله عليه وآله ، وهذه الحاجة لما كانت دائمة باقية مستمرة علي مدي الدهور والعصور كان من الضروري أن لا يخلو عصر وزمان من حجة تقوم بالأمر بعد النبي صلي الله عليه وآله، لذا كانت الإمامة باقية ومتمرة في عقيدة الطائفة الإسلامية الشيعية الإمامية الإثني عشرية في كل زمان وأوان إما أصالة أو نيابة كما هو حال الفقهاء في زمان الغيبة الكبري، مع ملاحظة أن الفقهاء لا يسدون مسده - عجل الله فرجه - من كل الجهات لوجود الأصيل وإن كان خفية عن النواظر، ودلت الأخبار علي أن الناس ينتفعون بوجوده في بقية الجهات حال غيبته كانتفاعهم به حال ظهوره - عجل الله فرجه - إلا ما خرج بالدليل من خصوصيات حكومته ومملكته - عجل الله فرجه - في آخر الزمان، ومن مجموعه - أي ما تقدم في الجملة - تتضت لك ضرورة وجود الحجة المنتظر - عجل الله فرجه - كضرورة عقلية، فتأمل .

والإمام بعد النبي صلي الله عليه وآله فضلا عن كونه قد دلت الأدلة علي أنه يسد مسده صلي الله عليه وآله، منه فإنه به - أيضا - تحفظ تعاليم النبوة من التحريف والضياع، ومن أقوال المبطلين والمشككين، كما به تبقي تلكم التعاليم ولا تنسي، فدوره في التذكير مما لا يخفي، ولقد أراد الله عز وجل بوجود الأئمة الإثني عشر عليهم السلام و بعد رسول الله صلي الله عليه وآله ،أراد سبحانه بهم عليهم السلام أن يبقي دين الإسلام دينا خالدة لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لمن أخذه عنهم عليهم السلام ، فكان ما كان من حادثة الغدير الشهيرة في محلة خم(1)، وكانت الأخبار المروية عنه صلي الله عليه وآله بأسانيد صحيحة ومعتبرة في النص علي الأئمة عليهم السلام غل من بعده صلي الله عليه وآله، فهم عليهم السلام المطبقون للأحكام، العالمون

ص: 17


1- الغدير في القرآن للمؤلف، ص 79، وص 128، طبعة دار المحجة البيضاء في بيروت .

بالحلال والحرام، والمديرون لشؤون الأمة، ولهم السلطة والولاية كإمتداد طبيعي للرسول صلي الله عليه وآله، ولهم أن يقيموا الحدود، وأن يقضوا بين الخلائق، وأن ينتصفوا للمظلوم، وأن يحاكموا الظالم علي ظلمه وجوره، وبأيديهم عليهم السلام قرار الجهاد الإبتدائي ومسائل الدفاع، وبهم يقوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل كل ما به صلاح العباد والبلاد، وهم في كل ذلك عليهم السلام لا يشرعون عن الله عز وجل وعن رسول الله صلي الله عليه وآله وغيرهم يشرع عن هواه، ولهم العلم الإلهامي اللدني الذي هو إرادي لو أرادوا العلم بشيء أعلمهم الله سبحانه به، وهو - أي العلم الإلهامي - عذل العلم الذي بطريق الوحي الممل علي رسول الله صلي الله عليه وآله، وقد ورد عنه صلي الله عليه وآله، قوله : الوحي لي والإلهام لعلي، وكذا هو حال الأئمة عليهم السلام جميعا من ولد علي صلوات الله وسلامه عليه أجمعين، وقد بحثت مسألة علم الإمام غل في كثير من الكتب العقائدية والكلامية، ومن الذين بحثوها بشكل مستقل مع أدلتها الشيخ محمد حسين المظفر - أعلي الله مقامه - في كتابه علم الإمام، وقد أفاض العلماء المتقدمون والمتأخرون في بيان صفات الإمام بعد النبي صلي الله عليه وآله وسيأتي المزيد إن شاء الله تعالي.

ص: 18

المقصد الثاني: في وجوب الإمامة

إتفق المسلمون علي وجوب الإمامة، وقالوا : هي واجبة في كل زمان، وقالت الطائفة الحقة والفرقة الإمامية المحقة بأن الإمام عليه السلام هو حجة الله علي عباده المكلفين .(1)

وعن شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي - أعلي الله مقامه - قال :وقال نفر شذوذ : إنها ليست واجبة.

أقول: ومن هؤلاء الشذوذ الحشوية وهم فرقة من المرجئة وأصحاب الحديث، وقد سموا بالحشوية لأنهم ذهبوا إلي حشوا الكلام، ومن هذا الحشو تجويزهم عدم وجود الإمام، وكذا تجويزهم الذنوب علي أنبياء الله عليهم السلام، وكذا علي أوصياء الأنبياء عليهم السلام، وغير ذلك من المبتدعات من الآراء التي ما أنزل الله بها من سلطان، بل كل الأدلة تخالفها.

وجوز بعض الخوارج - المنسوبون إلي نجدة بن عمير الحنفي القائم باليمامة - جوزوا أن لا يكون في العالم إمام أصلا.(2)

ووافق هؤلاء بعض المعتزلة كعبد الرحمان بن كيسان الأصم المكني بأبي بكر، حيث قال: لو تكاف الناس عن التظالم لاستغنوا عن الإمام.

أقول: ولا يخفي أن قوله هذا ناظر إلي الإمامة من جهة، وهو قاصر عن معني الإمامة التشريعية المنظورة من كل الجهات، وهو إن لم يقصد .

ص: 19


1- شرح تجريد الاعتقاد للعلامة الحلي، ص 284، وأوائل المقالات للمفيد، ص 45.
2- الفصل لابن حزم،ج4،ص 87.

هذا المعني فقد جهل معني الإمامة المبحوث عنها، هذا من جهة، ومن جهة أخري، حتي لو نظرنا إلي الإمامة من الوجه الذي أراد، فإن الواقع والوجدان يشهدان - فضلا عن العيان - بعدم إمكانية تكاف الناس عن التظالم، وهوبقوله الفرضي الإحتمالي المحض اللاواقعي يجعل الإمامة - من حيث لم يشعر وبطريق غير مباشر - يجعل الإمامة ضرورة لازمة علي كل حال بالنظر إلي هذا الواقع وبملاحظة الوجدان والعيان وكنتيجة بديهية الكلامه ودعواه ففرضيته يراد لها أن يكون الناس كلهم معصومين، وهذا محال شرعا وعقلا .

ونسب الشهرستاني إلي جماعة من الخوارج القول بأن الإمامة بالإختيار(1)، وقوله هذا يلزم منه الفوضي والهرج والمرج لعدم إمكانية اجتماع رأي البشر جميعا علي رجل واحد بالإختيار حتي ولو كان الأصلح والأعلم والأتقي والأورع، فهم مختلفون علي كل حال، ولو جعلت الإمامة بالإختيار لتعدد الأئمة في كل زمان بطبيعة الحال، لذا كان الإختيار باطلا غير راجح، هذا لو فهمنا الإختيار بمعناه الإيجابي، أي إختيار إمام للخلق من قبل الخلق، أما لو فهمناه بمعناه السلبي أي إختيار الخلق لعدم الرجوع الإمام فيرد نفس ما أشكلناه علي بعض المعتزلة فيما قدمنا من مناقشة قول بعضهم.

وقال الأشعري: لا يجوز أكثر من إمام في وقت واحد، ولا يجوزالخلو من إمام عندنا وجوزه غيرنا .(2)

أقول: وبعد أن أوضحنا هذه الأقوال المدعاة نشير إلي أن هناك عدة مبان في وجه وجوب الإمامة ذهب إليها المسلمون علي تفصيل ما ذكره المتكلمون نعرض - فيما يلي - لها وللرأي المختار للفرقة الناجية .

ص: 20


1- الملل والنحل للشهرستاني، ج 1، ص 107.
2- مقالات الإسلاميين للأشعري، ج 2، ص 133.

فالبعض يري وجوب الإمامة علي الله كالنبوة، والبعض يري وجوبها عقلا علي الناس، وقال آخرون : علي العقلاء، والبعض يري وجوبها سمعة ، وآخر يري وجوبها إثباتا لا عقلا ولا سمعة، وثالث يري وجوبها سمعة وعقلا .

وهذه هي أهم وأبرز الأقوال التي ذهبت إليها فرق المسلمين، وهي خليط بين حق وباطل كما سنوضحه إن شاء الله سبحانه .

أما الحق منها فما ذهبت إليه الطائفة الإسلامية الشيعية الإمامية الإثني عشرية من وجوب الإمامة علي الله سبحانه عقلا ، فنحن نعتقد بوجوبها نصت علي الله بالعقل، أي بوجوبها بالنص عقلا عليه جل جلاله ممبر بما شئت ، ولنا عليه أدلة لا مجال للتعرض لكلها في هذا التمهيد، وقد بحثها جميع علماء الإعتقاد والكلام في الكتب المبسوطة والمطولة، ولا يخلو منها كتاب عقائدي لعلمائنا الأعلام أعز الله بهم دوحة الإسلام، وسنذكر - فيما سيأتي - بعض الأدلة العقلية والنقلية علي ما تعتقده الفرقة الناجية الطائفة الإسلامية الشيعية الإمامية الإثني عشرية في وجوب الإمامة، علي أن التعرض هنا لجميع الأدلة يخرجنا عن القصد من هذا التمهيد، علما بأن فيما سنذكره الكفاية ، ومن الله العناية .

وأما بالنسبة للقائل بوجوب الإمامة عقلاة علي الناس فهو أبو الحسين البصري، وهو أبو الحسين عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط، ووافقه فيه جماعة، وفساد هذا القول واضح مما تقدم، فإن إيكال أمر الإمامة إلي اختيار الناس يؤدي إلي الإختلاف فيما لا يتحمل الخلاف، حيث أن التشريع بحلاله وحرامه - الذي هو من وظائف الإمام - لا يجوز جعله عرضة للآراء واختلاف الأهواء، فضلا عما في مثله من ضياع الحقوق والأموال وسفك الدماء وانتهاك الأعراض مما يتفق كثيرة بسبب اختلاف الأقوال، فمثل هذا الرأي لا يرجح.

ص: 21

وقال البغداديون بوجوب الإمامة عقة علي العقلاء(1)، وفيه ما فيه حيث أن الإختلاف كما هو بين عامة الناس، فهو حاصل بين خصوص العقلاء، فإن العقول متفاوتة، ومتباينة، واجتماع العقلاء علي رأي واحد غير حاصل في كل المسائل وإن حصل في بعضها كالمستقلات العقلية ومصادر الأدلة العقلية الأخري التي يعتمدها الفقهاء عند فقد الأدلة الشرعية، ولكننا لم نجد مسألة الإمامة الإصطلاحية مما أجمعوا عليه فيما وصلنا عنهم كما هو حال إجماعهم علي المستقلات العقلية ، علما بأن رجوع الفقهاء والعلماء للأدلة العقلية هو من ضرورات زمن الغيبة الكبري للحجة القائم بالحق عجل الله فرجه ، فإنه عند ظهوره - عجل الله فرجه - لا يحتاج عند فقد الدليل الشرعي إلا للرجوع إليه والسؤال منه عجل الله فرجه، وليس معني ذلك إلغاء الأحكام العقلية بل أحكامه –عجل الله فرجه - هي من قبيل المعقولات التي لا خلاف فيها إلا ما خرج بالدليل من الأحكام التي لا يمكن أن تصاب بالعقول العجز العقول البشرية عن تفهمها، علي أن بيان المعصوم عليه السلام في هذه الأحكام يستند إلي العقل لكن لا من جهتها بل من جهة تعقل لزوم التعبد بقول الله عز وجل وقول نبيه صلي الله عليه وآله وأوصيائه عليهم السلام ، وباب الإجتهاد يمكن أن يبقي مفتوحة بعد الظهور فيما وافق فيه رأي المجتهدين قوله عجل الله فرجه، ويمكن القول بأن الأدلة العقلية المعتمدة من الفقهاء عند فقد الأدلة الشرعية في زمن الغيبة الكبري، يمكن القول بأنها أدلة ثانوية في مقابل الأدلة الأولية والتي هي الأدلة الشرعية، وإن كان ملاكها مستفاد من الأدلة الأولوية، أي ملاك الأدلة الثانوية، وفي التعبير مسامحة، وقد جري المعصومون عليهم السلام ومن بعدهم الأصوليون علي القول بأن ما حكم به الشرع حكم به العقل، وما حكم به العقل حكم به الشرع، أو القول بأن الشرع عقل من ظاهر والعقل

ص: 22


1- الملل والنحل للشهرستاني، ج 1، ص 97، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي، ج2، ص 308.

شرع من باطن، والمراد أن الشرع يؤيد حجة العقل كما أن العقل يحتج به المعرفة أوجه الحكمة من أحكام الشريعة، وهم إنما يقصدون بالعقل والعقول هنا العقول المتوسطة لا الإفراطية ولا التفريطية ، فليس كل عقل حجة في الشريعة، وليس كل من له عقل يأخذ بقوله في أمور الدين، ومن جهة أخري تواتر عن سيد الموحدين وأمير المؤمنين عليه السلام في مسألة نصاب الزكاة قوله عليه السلام: إن دين الله لا يصاب بالعقول، وتحكي مناسبة النص وواقعته مراده عليه السلام لي من أن إصابة الدين بالعقل فيه تكون عند وجود نص عن الله عز وجل أو عن المعصومين عليهم السلام بحيث يكون في قباله حتي ولو كان من العقول المتوسطة، فإنها - أي العقول المتوسطة - غالبا ما تعجز عن إدراك الحكم والمصالح الخفية للأحكام الشرعية ، والله عز وجل إنما جعلها عند فقد الأدلة الشرعية حجة في موازاة النصوص الإلهية والمعصومية لكي يكون الله جل جلاله علي الناس حجة بعد الرسل، علي أن الإهتداء إلي الرسل وتعاليم السماء وعلوم الأنبياء عليهم السلام لا يتم بدون الرجوع إلي حجة العقل الذي جعل الله سبحانه الإثابة والعقاب علي أساسه فقد ورد في الخبر أنه سبحانه بالعقل يثيب وعليه يعاقب، لذلك ترفع القلم عن المجنون حال جنونه، وعن غيره علي ما هو مقرر في حديث الرفع في بحث البراءة الشرعية من مباحث الأصول العملية في علم أصول الفقه .

وعلي كل حال فالعقلاء لم يتفقوا في كل المسائل، ولم يرد عنهم إجماع قولهم بلزوم الإمامة الإصطلاحية، بل الظاهر حال كل منهم الإعتقاد بإمامة نفسه في كثير من الجهات لا الإقرار بإمامة غيره، وهم لم يجمعوا علي تقديمفرد منهم للإئتمام به، ولم يثبت انحصار العقلاء بالفرد الواحد في زمن من الأزمة بدليل الإستقراء، وإن كان إمكان انحصار أعقل العقلاء بالفرد الواحد وارد وشاهده المعصوم عليه السلام في زمانه الذي يخلو من غيره من المعصومين عليهم السلام ، وإن الإستدلال علي هذا الأمر في عقائدنا يطول في هذا المورد، حيث أن العقل الكامل عندنا هو ما عبد به الرحمان واكتسب به الجنان علي حد قول رسول الله صلي الله عليه وآله، ثم الأتم من بين العقول

ص: 23

الكاملة من كان الأعبد الرحمان والأكثر اكتسابا للجنان، فتأمله فإنه دقيق .

وبالعودة إلي الأقوال التي ذهبت إليها المذاهب في أدلة وجوب الإمامة ذهب الجبائيان إلي القول بوجوب الإمامة سمعة، والجبائيان هما محمد بن عبد الوهاب وإبنه أبو هاشم عبد السلام، وكذا قال به أصحاب الحديث والأشعرية فقالوا : إنه - أي الإمام - واجب سمعة لا عقلا. (1)

أقول: ويرد عليه بأن حصرها بالسمع مطلقا فيه تعطيل لحجة العقل وكذا حصرها بالعقل مطلقا فيه إبطال لحجة الحجج وهي قول الله سبحانه من خلال وحيه، وقول وفعل وإقرار رسوله صلي الله عليه وآله وعترته عليهم السلام التي هي عمدة الأدلة السمعية في أمور الشريعة جميعا، فالجمع علي ما ذهبت إليه الفرقة الناجية الطائفة الإسلامية الشيعية الإمامية الإثنا عشرية أتم، فتأمل .

وكذا قال بقية المعتزلة بهذا القول الأخير، أي وجوب الإمامة سمعا لا عقلا (2)، مع أن فيه ما فيه من مخالفة مبناهم في الإحتجاج بالعقل وترجيحه علي كل حال، والعجب كل العجب من اعتبار بعض المعتزلة مثل هذا القول من مدرستهم، فإنه واضح التناقض والمغالطة مع مباديء الإعتزال الذي هم عليه .

وقال الكعبي والجاحظ بوجوب الإمامة سمعة، وعقلا(3)، وهذا القول قريب لما عليه الإمامية من بعض الجهات، إلا أنه في عدم إسناده حجية السمع إلي العقل يخالف رأي الإمامية، فإن الدليل السمعي لا استقلال له عند الإمامية في هذه المسألة بل العقل يدل علي لزومه، وهذه المسألة أشبه ما تكون بمسألة : لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين .

ص: 24


1- شرح تجريد الاعتقاد للعلامة الحلي، ص 284، والملل والنحل للشهرستاني ،ج1، ص 107، ومقالات الإسلاميين للأشعري، ج 1، ص 41، والمواقف للإيجي، ص 395.
2- تلخيص الشافي، ج 1، ص 18.
3- المواقف للإيجي، ص 395.

أقول: ومن جملة الأقوال التي قيلت : لزوم الإثبات في الإمامة الوجوبها وهذا القول كما بقية الأقوال تهافتت بأدلة قاطعة، ولم يبقي من مجموعها إلا القليل، ونحن نكتفي بهذا المقدار من المناقشة في هذا البحث لئلا نخرج عن القصد من هذا التمهيد، وفيما ذكرنا وسنذكر من الأدلة علي رد قول الخلاف وترجيح الرأي المختار - وهو قول الإمامية - كفاية، والله المسدد.

ويظهر أنه لم يبقي من كل الأقوال المتقدمة إلا قولان، الأول : القول بوجوب الإمامة علي الناس بالإختيار من المسلمين، ومعناه أنه يجب علي الناس اختيار إمام من أنفسهم ينشر العدل ويرفع الظلم ويدفع الضرر والخلاف، وقالوا: لايلزم اتصافه بشيء سوي وقوع الإختيار عليه، وقد أوضحنا تهافت مستند هذا القول من أساسه فضلا عن كونه يتنافي مع أساس القول بالإمامة بمعناها اللغوي والاصطلاحي حيث تقديم فرد علي غيره بدون ثبوت الأفضلية للإمام ترجيح بلا مرجح.

والقول الثاني من القولين المتبقيين المشار إليهما أعلاه هو قول الإمامية، ولأهمية الخوض فيه سنفرد له بحثا مستقلا لبيان بعض الأدلة الإضافية من العقل والنقل عليه، والله الموفق.

ص: 25

المقصد الثالث: في بعض أدلة الإمامية علي وجوب الإمامة بالنص عقلا علي الله سبحانه

وقد استدل علماء الإمامية علي وجوب الإمامة نصا بالعقل عليه جل جلاله بجملة من الأدلة نذكر بعضها في هذه العجالة من طريق العقل والنقل .

فمن الأدلة العقلية قاعدة اللطف وقاعدة الحكمة وقاعدة الأصلحية .

أما قاعدة اللطف فإن العقل يقض بأن التكاليف الشرعية لطف من الله عز وجل، واللطف واجب عليه سبحانه، وتركه سبحانه وتعالي له إخلال بالغرض ويؤدي إلي إنتفاء الغاية والفائدة من التشريع، والأخير بحاجة لمن يقيمه في كل زمان، لذلك كانت الإمامة ضرورة عقلية لاستمرار رسالات الأنبياء صلي الله عليه وآله ، ولبقاء تعاليم السماء، ووجوب وجود الإمام ليقيم الدين بعد النبي صلي الله عليه وآله لطف منهجل جلاله، وفيه ما فيه من جلب منافع ودفع ضرر، وقد أشرنا لهذا المعني فيما أسلفنا فالتفت.

وأما قاعدة الحكمة فالحق جل جلاله حكيم، بل هو أحكم الحكماء، فلا يجوز عليه ترك الأمة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله و بلا إمام تحفظ به الشريعة من شكوك وأوهام المبطلين، ولا يجوز عقلا علي الحكيم ترك الرعية بلا راع، فمقتضي حكمته عز وجل، بل مقتضي حكمة الأحكم سبحانه أن لا يترك الأمة والرعية بلا إمام بعد النبي صلي الله عليه وآله لما تقدم، ولا شك أن عدم تنصيبه سبحانه وتعالي لمن يحفظ الشرع والشريعة سوف يؤدي إلي الضياع علي كل صعيد، ولا يخفي ظهور البدع والآراء والمستجدات والمحدثات في كل زمان وأوان مما يحتاج له وجود إمام عالم يصد عنه

ص: 26

ويحفظ الدين من عواقب مثل هذه المحدثات والمبتدعات، والإمام كما هو ضروري لحفظ التشريع فهو ضروري لبيان أحكام المسائل المستجدة ، والفصل في موارد التعارض، والتعليم بالإفهام والتفهيم لما جاء في رسالة النبي صلي الله عليه وآله، إلي غير ذلك من المهمات الواضحات التي لا ينكرها ذو لب بصير خبير، فتأمل .

وأما قاعدة الأصلحية فبمقتضاها لا يفعل الله تبارك اسمه بعباده إلا الأصلح، ولا شك من أن وجود الإمام بعد النبي صلي الله عليه وآله هو الأصلاح لشؤون العباد والبلاد علي التفصيل المذكور في طي القاعدتين السابقتين، وعدم وجود إمام فيه ما فيه مما يؤدي إلي اختلال النظام، وضياع الأحكام من الحلال والحرام، ولما كان الله سبحانه هو العالم بالإمام الأصلح لكونه عز وجل هو العالم بالسرائر وماتخفي الصدور، كان اختياره سبحانه وتعالي للإمام هو الأصلح، فلو دار الأمر بين أن يختار الناس الأصلح لهم وأن يختار الله جل جلاله الأصلح لهم كان اليقين في أصلحية اختياره عز وجل، بل كان ح حق اليقين في ذلك، لذا كان الأصلح أن يعين الإمام بنص من الله جل جلاله كما دل عليه العقل بقاعدة الأصلحية من الوجوه التي ذكرت .

أقول: بعد هذا البيان هذه هي أهم الأدلة والقواعد العقلية التي يستدل بها علماء الإمامية علي وجوب الإمامة، ويضاف إليها الدليل الفطري، فإن الفطرة السليمة تقض بأن ينصب النبي صلي الله عليه وآله من يخلفه بعد مماته في إدارة شؤون الرسالة والرعية، والسيرة شاهد علي أنه صلي الله عليه وآله فعل ذلك في حياته حين استخلف عليا عليه السلام علي الفواطم قبل خروجه صلي الله عليه وآله إلي غزوة تبوك، كما تشهد السيرة بنصبه صلي الله عليه وآله و من ينوب عنه في ولاية البلدان في أطراف الدولة الإسلامية ، وفي هذه الدولة - وإن كان صلي الله عليه وآله كان هو الحاكم المطلق فيها - إلا أنه كان لا يباشر الحكم بتفاصيله بنفسه صلي الله عليه وآله في كل أطرافها ، بل كان يعين الولاة والحكام من قبله صلي الله عليه وآله ، كما كان يوكل القيادة المباشرة البعض الحروب إلي غيره من قادة جيشه وعسكره ممن كان يري فيه أهلية

ص: 27

يا محمد إن الله تعالي يطلع في هذه الليلة فيغفر لكل مؤمن قائم يصلي، وقاعد يسبح، وراكع وساجد وذاكر، وهي ليلة لا يدعو فيها داع إلا استجيب له، ولا سائل إلا أعطي، ولا مستغفر إلا غفر له، ولا تائب إلا يتوب عليه، من حرم خيرها يا محمد فقد حرم... الحديث.(1)

وكذا ذكر شيخ الطائفة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي في كتابه مصباح المتهجد»خبرة عن أبي يحيي الصنعاني، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، قال : سئل الباقر - عليه السلام - عن فضل ليلة النصف من شعبان.

فقال : هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر ، فيها يمنح الله العباد فضله ، ويغفر لهم بمنه، فاجتهدوا في القربة إلي الله تعالي فيها ، فإنها ليلة إلي الله عز وجل علي نفسه لا يرد سائلا فيها ما لم يسأل الله معصية، وإنها الليلة التي جعلها الله لنا أهل البيت بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبينا صلي الله عليه وآله وسلم، فاجتهدوا في الدعاء والثناء علي الله فإنه من سبح الله تعالي فيها مائة مرة، وحمده مائة مرة، وكبره مائة مرة، غفر الله له ما سلف من معاصيه ، وقضي له حوائج الدنيا والآخرة ما التمسه وما علم حاجته إليه وإن لم يلتمسه منه وتفضلا علي عباده ... الخبر.(2)

وفيه عن علي بن الحسن بن فضال (3)، إن أباه سأل الإمام أبا الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام عن ليلة النصف من شعبان،

ص: 28


1- إقبال الأعمال لابن طاووس، ص 212، الطبعة الجديدة لمؤسسة الأعلمي في بيروت .
2- مصباح المتهجد للطوسي، ص 575، الطبعة الجديدة لمؤسسة الأعلمي في بيروت .
3- من بني فضال، وقد ذكر الرجاليون في بني نضال عن المعصوم عليه السلام قوله : خذوا ما رووا وذروا ما رأوا ... الخبر، وفي بعض كتب الأعمال ذكر خبر الإمام الرضا عليه السلام المذكور أعلاه عن علي بن الحسين بن فضال، ولعل فيه تصحيف في أحد الخبرين بين الحسن والحسين.

القيادة، وهذا ما كان يتفق في السرايا في مقابل الغزوات ، ففي الغزوات كان يقوم صلي الله عليه وآله بشؤون القيادة فيها بنفسه صلي الله عليه وآله ، أما في السرايا فكان له يرسل نائبا عنه في قيادتها، وكان يرسل صلي الله عليه وآله من ينوب عنه في إبلاغ الدعوة الإلهية إلي الأكاسرة والقياصرة وهكذا، وإذا كان صلي الله عليه وآله قد أناب عنه في حياته، فمن باب أولي بل الأولي أن ينيب عنه صلي الله عليه وآله بعد مماته ، فإن خطر غيابه بموته صلي الله عليه وآله أشد من خطر غيابه في حياته عن بعض الوقائع والأحداث، وإن الضرورة العقلية والنقلية تفرض لزوم اختيار الأعصم والأعلم لسد مسده بعد موته صلي الله عليه وآله ، وهذا ما حصل بالنسبة لأمير المؤمنين عليه السلام ، فالكل شهد أنه أفضل من الكل بعد النبي ، وأفضليته لة علي الكل من صحابة وغير صحابة ليست من جهة واحدة بل من كل الجهات بعد رسول الله صلي الله عليه وآله، وهذا مما شهد به المؤالف والمخالف .

ويضاف إلي ما سبق القاعدة العقلية في وجوب دفع الضرر المحتمل التي هي من المستقلات العقلية، فالعقل بمقتضاها يقضي بأن يوصي الإنسان العاقل بعد موته فيما يخاف عليه ويحذر لمن يخلفه فيه، وهل يعقل أن لا يكون النبي صلي الله عليه وآله- وهو أعقل العقلاء - هل يعقل أن لا يكون قد التفت أو طبق هذه القاعدة العقلية؟ أو يكون قد غفل عنها؟ أو يكون قد جهل بما يجري علي رسالته من بعده من الأخطار؟ وهو صلي الله عليه وآله الذي تكرر منه التحذير من انقسام الأمة ثلاث وسبعين فرقة فرقة ناجية والباقون في النار علي حد قوله صلي الله عليه وآله كما في حديث انقسام الأمة الشهير، وهو صلي الله عليه وآله الذي تكرر منه - أيضا - التحذير والتخوف علي الأمة من يهود الأمة ، وهكذا، فهل الضرر علي الرسالة من المتخلفين وغيرهم من بعده صلي الله عليه وآله لم يكن بحسبانه ؟ أو لم يكن يعلم به ؟ صلي الله عليه وآله بعلمه اللدني الإرادي؟

لهذا كانت قاعدة دفع الضرر المحتمل من الأدلة العقلية علي لزوم نصب الرسول صلي الله عليه وآله بل نصب الله سبحانه لمن يسد مسده صلي الله عليه وآله، وإذا كان الرسول صلي الله عليه وآله لا يمكن أن يهمل مثل هذه القاعدة العقلية فمن باب أولي بل

ص: 29

الأولي أن لا يهملها الله عز وجل الذي هو واهب العقول لذوي العقول .

ويؤيد هذا الكلام من الشريعة والنقل قاعدة نفي الضرر وقاعدة نفي الحرج، ومسألة الإمامة بعد النبي صلي الله عليه وآله ليس من الحكمة أن نتركها للتجربة، فتطبيق المذهب التجريبي لا يسعه المقام، فإن في التجربة ضياع الأموال والأعراض والنفوس، لأن الإمام بعد النبي صلي الله عليه وآله بيده الأموال والأعراض والنفوس، وفيها - أي الإمامة - مهام تشريعية لا يجوز وضعها أو إيكالها إلي الهواة، بل لا بد أن توكل إلي من يشرع عن الله جل جلاله ، وإلي الأصلح، والناس في كثير من الأحيان - بل أكثرها - لا يهتدون إلي الأصلح والعيان شاهد علي ذلك، كما أن معرفة الناس بالمعصوم فضلا عن الأعصم غير ممكنة لأن العصمة من الصفات النفسانية التي لا يعلمها إلا علام الغيوب، لذا كان حصر الإختيار للإمام بالله جل جلاله مما يقرر العقل لزومه وكذا الشريعة بأدني تأمل .

وأما الأدلة النقلية علي وجوب الإمام بالنص عقلا عليه سبحانه ، فمنها خبر عبد العزيز بن مسلم عن الإمام أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام - والذي تقدمت بعض فقراته - وفيه يقول عليه السلام :

هل تعرفون قدر الإمامة، ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟ إن الإمامة أجل قدرة، وأعظم شأنا، وأعلي مكانة، وأمنع جانبا، وأبعد غورة من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماما باختيارهم، إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل - عليه السلام - بعد النبوةوالخلة مرتبة ثالثة، وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره، فقال :«وَإِذِ ابتَلَي إِبرَهِمَ رَبُّهُ بِكَلِمَتٍ فَاَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا»(1)، فقال الخليل - عليه السلام - سرورابها : «وَمِن ذُرِيَّتِي»(2)، قال الله تبارك وتعالي : «لَا يَنَالُ عَهِدي الظَّلِمِينَ»(3)، فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم

ص: 30


1- سورة البقرة، الآية : 124.
2- نفس السورة والآية .
3- نفس السورة والآية .

إلي يوم القيامة، وصارت في الصفوة، ثم أكرمه الله تعالي بأن جعلها في ذرية أهل الصفوة والطهارة، فقال : «وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ»(72)«وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ »(1)

فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض، قرنا فقرنا، حتي ورثها الله تعالي النبي صلي الله عليه وآله وسلم، فقال جل وتعالي:«إِنَّ أَوْلَي النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ۗ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ»(2)، فكانت له خاصة فقلدها - صلي الله عليه وآله وسلم - علية - عليه السلام - بأمر من الله تعالي علي رسم ما فرض الله ، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله تعالي : «وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَي يَوْمِ الْبَعْثِ ۖ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ »(3) فهي في ولد علي - عليه السلام - خاصة إلي يوم القيامة ، إذ لا نبي بعد محمد صلي الله عليه وآله وسلم، فمن أين تختار هؤلاء الجهال؟... الخبر.(4)

وقد استدل العلماء بجملة من الآيات والأخبار علي المطلوب يطولالمقام بعرضها والنقاش فيها ، ونكتفي من أدلة النقل بهذا الخبر .

علي أن أهم دليل نقلي علي أن الإمامة من الله سبحانه آية التبليغ، خصوصا قيد قوله تعالي فيها : (مَا أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَّبِّكَ) (5)، وقد بحثنا هذه الآية وما فيها من دلالات وظواهر وما قيل فيها بما لا مزيد عليه في كتاب مستقل(6)، فراجعه.

ص: 31


1- سورة الأنبياء، الآية : 72 و 73.
2- سورة آل عمران: الآية 68.
3- سورة الروم، الآية : 56.
4- الكافي للكليني، الأصول، ج 1، ص 199.
5- سورة المائدة، الآية : 17.
6- الغدير في القرآن للمؤلف، طبعة دار المحجة البيضاء في بيروت، وسبق أن أشرنا إليه في الهوامش السابقة .

المقصد الرابع: في شرائط الإمامة

ذكر علماء العقيدة والمتكلمون جملة من الشروط للإمام بعد النبي صلي الله عليه وآله، وقد اختلفت المذاهب والفرق في بعض هذه الشروط، وأجمعت علي بعض، ومنجملة هذه الشروط التي ذكروها للإمامة :

أولا: النسب، فقالت الأشاعرة وأكثر المعتزلة : لا يجوز في غير قريش، وقالت الخوارج، وبعض المعتزلة : يجوز في أي صنف من الناس.

والفرقة الناجية الطائفة الإمامية الإثنا عشرية تقول: هي في علي عليه السلام وولده من فاطمة عليها السلام لا علي أساس النسب، بل علي أساس النص من الله جل جلاله .

وقالت الزيدية : هي لزيد، وبعده لكل فاطمي خرج وهو عالم زاهد شجاع سخي.(1)

ولكن المتواتر بين أرباب السير هو أن زيدة لم يدعي الإمامة لنفسه ، وهو الشهيد الذي ترحم عليه الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، فكيف يدعي هؤلاء إمامته؟ ثم إن قيد لكل فاطمي غير واقعي، والقيود الملحقة به غير تامة وتدل علي بعض صفات الإمام ولكن دلالتها ناقصة غير تامة، وكان الأحق أن يقال : الأعلم الأزهد الأشجع الأسخي وهكذا، ثم إن كان قولهم : هي لزيد يستلزم إنكار إمامة الأربعة من الأئمة عليهم السلام وهم أمير المؤمنين عليه السلام والحسنان عليه السلام وزين

ص: 32


1- الملل والنحل للشهر ستاني، ج 1، ص 28، وص 29.

العابدين عليه السلام ، إن كان قولهم يستلزم ذلك فلازمه خلو الأمة من الإمام في عصر ما بين وفاة النبي صلي الله عليه وآله وإمامة زيد علي الفرض وهو فساد محض، ولكن الواقع يشهد بخلافه حيث إنهم يقصدون بإمامة زيد إمامته بعد الأئمة الأربعة عليهم السلام ولكن لا يدل عليه ظاهر ما نقله عنهم الشهرستاني في كتابه الملل والنحل، ولو قيل بأنها لكل فاطمي مطلقة وصد ولد فاطمة عليها السلام فقط ، فهذا يعني خروج علي عليه السلام لأنه ليس من نسل فاطمة عليه السلام، وهذا محال لما دلت عليه أدلة النقل والعقل من القرآن والأخباروغيرها الدالة علي إمامته عليه السلام ، طبعا هذا إن قصد بقيد فاطمي أنه من ولد فاطمة عليه السلام، وأما لو قصد بالفاطمي أنه مولود من الفواطم، فهذا يدخل عليا عليه السلام في المقام لأنه مولود من إحدي الفواطم وهي فاطمة بنت أسد بن هاشم عليه السلام ، ويظهر أن الزيدية أرادوا بالفاطمي بعد زيد كون من يخلفه في الإمامة فاطمية ، ولكن جعل زيد إمامة هو الإشكال بعينه لما تقدم فضلا عن تعميم الخلافة من بعده لكل فاطمي خرج فلازمه سريانها إلي ما لا نهاية، وعلي كل حال قيد فاطمي يحتمل وجوها ، فهو والقيود الملحقة به فيما ذهب إليه الزيدية غير تامة في مجموعها لعدم اشتمالها علي كل ما يلزم للإمام بعد النبي صلي الله عليه وآله ، ولن نغوص أكثر في مناقشة تلك القيود.

ومن جهة أخري رويت أخبار توضح بأن الأئمة عليهم السلام بعد النبي صلي الله عليه وآله كلهم من قريش، لكن الظاهر - والله العالم - هو أن هذا الأمر هو أمر اتفاقي، فليست القرشية هي الملاك في ثبوت إمامة الأئمة عليهم السلام، خصوصا أن النبي صلي الله عليه وآله صرح في كثير من الأحاديث بعدم وجود خصوصية للقرشية، ورد دعوي من كانوا يتهمونه بالميل إلي علي عليه السلام لأنه صهره وابن عمه، وقد صرح صلي الله عليه وآله بأن الله خلق الجنة حين خلقها ولو لعبد حبشي، وخلق النار حين خلقها ولو لسيد قرشي مما يفهم منه بأن الأساس في معاملاته صلي الله عليه وآله لم يكن قومية، وأما أمر الله له بإنذار الأقربين فهو من باب تمام الحجة علي الأبعدين ، ولئلا يقول قائل : إذا كان أقرب الناس منه رحما ونسبا، وهم قومه من قريش، إذا كان هؤلاء لم

ص: 33

يؤمنوا به فكيف نؤمن؟ وكيف يلزمنا بالإيمان؟ ونظائر ذلك مما جري عليه الناس في الإحتجاج لرد الحق ونهج الصدق وما هو بحجة بل تسول لهم أنفسهم فيه، ولكن الله أراد بإنذاره صلي الله عليه وآله لمن هم أقرب منه رحمة ونسبة أراد أن يقطع سبحانه عذر المعتذرين، وليس من لوازم إنذاره صلي الله عليه وآله أن پؤمنوا له كلهم أو بعضهم، فقد حصل أن آمنت منهم طائفة وكفرت طائفة ، فالحجة في إنذارهم قطع العذر للأبعدين بمجرد الإنذار دون النظر إلي عواقبه ونتائجه إيجابا وسلبا .

وسوف نذكر في آخر مباحث هذا التمهيد بعض الأخبار من طرق العامة والخاصة في كون القرشية هي مما يعرف به الإمام بعد النبي صلي الله عليه وآله، والظاهر أنها علامة من العلامات علي إمامة علي عليه السلام والأئمة من ولده وولد فاطمة عليهم السلام ، فالظاهر أن القرشية علامة علي الإمامة وليست شرطة ، أي علامة علي الإمامة الخاصة المنصوصة التي دلت عليها الأدلة، وليست القرشية هي الدليل، فهي قرينة في عالم الثبوت وليس في عالم الإثبات .

ثانيا: العصمة، وهي شرط في الإمام بعد النبي صلي الله عليه وآله عند الإمامية الإثني عشرية، وبعض الإسماعيلية، وخالفهم باقي الفرق، واستدل علي وجوب عصمة الإمام ببعض أدلة عصمة النبي صلي الله عليه وآله، وبعد الفراغ من ثبوت عصمة النبي صلي الله عليه وآله،من كل الجهات، لا بد من أن يكون الذي يسد مسده من كل الجهات، وذلك بعد موته صلي الله عليه وآله، لا بد أن يكون من يسد مسده صلي الله عليه وآله معصوما من كل الجهات، لكي يصلح أن يكون خليفة ونائبة من كل الجهات .ونقصد بأن أدلة عصمة الإمام هي بعض أدلة عصمة النبي صلي الله عليه وآله نقصد بالبعض هذا بعض الأدلة العقلية، أما الأدلة النقلية فأدلة عصمة النبي صلي الله عليه وآله من النقل هي في الجملة غير أدلة عصمة الإمام من النقل، وقد يشتركان في بعض هذه الأدلة النقلية كما في بعض الأدلة العقلية فلاحظه في مظانه.

ومن جملة الأدلة علي عصمة الإمام بعد النبي صلي الله عليه وآله هو ان الحاجه

ص: 34

الوجود الإمام بعده صلي الله عليه وآله هي أن يردع عن الظلم الواقعي، وأن ينتصف للمظلوم واقعة، كما هو حال النبي صلي الله عليه وآله في حياته، ولو لم يكن الإمام من بعده صلي الله عليه وآله معصوما لما أمكنه تحقيق هذه الغاية وسد هذه الحاجة لاحتمال خطأ من لا يدرك الواقعيات في أموره جميعا، وانكشاف خطأه في الظاهر عند ثبوت عدم موافقة ما أظهره لما هو في الواقع في كثير من الأحيان يفقد الثقة فيه عند العقلاء، فلو قضي بشيء وخالف ظاهر ما قضي به لما هو في الواقع والوجدان سقطت درجته بين أهل الحق والصدق، وتقييدنا الظلم بالواقعي لأن الردع عن الظلم الظاهري مقدور من غير المعصوم وليس هو محل البحث، ولو كان حال الإمام كذلك أي الخلط بين الواقعي والظاهري في أحكامه لكان مفتقرة إلي من يأتم به من هذه الجهات، وللزم منه التسلسل وهو محال باطل لعدم إفادته علما قطعية ولا ظنية، ولو فعل الإمام بعد النبي صلي الله عليه وآله معصية لكان من الواجب الإنكار عليه، وهذا يسقط منزلته من القلوب وبين الناس، ويؤدي إلي امتناع الإقتداء به، وهذا مما تباني عليه العقلاء، وأقرته الأعراف والسيرةالإجتماعية للبشر في كل آن وأوان، وإنه وإن كان الواقع قد فرض غير المعصوم إماما بعد النبي صلي الله عليه وآله من الناحية التنفيذية، بل والتشريعية والقضائية في كثير ، بل أكثر الأحيان، وإن كان الأمر الواقع فرض أمثال هؤلاء ممن تحلفوا بعد رسول الله صلي الله عليه وآله ، أو تخلفوا في العصرين الأموي والعباسي، وما لحقهما من الحاكمين العثمانيين، ومن أئمة الجور من الرؤوساء والملوك في بلاد المسلمين في زماننا المعاصر، وإن كان الواقع قد فرض أمثال هؤلاء أئمة ولو من بعض الجهات، ولكن أهل الحل والعقد والحاكمين الشرعيين من العدول، بل عدول المؤمنين من الملة لم يقبلوا هؤلاء، ولم يرجعوا إليهم إلا عند الضرورات مكرهين، ولم يؤخذ من هؤلاء الحق دائمة بل غالبا، ولا انتصفوا للمظلوم دائما بل غالبا ، ولم يحلوا حلال الله ويحرموا حرامه في أكثر الأحيان، فلا يقال إن إمامتهم إمامة حق، بل لا تقاس إما منهم بمن ينبغي أن تكون له الإمامة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله ، بل هي من نوع الإمامة

ص: 35

الإضطرارية الإكراهية الإستثنائية، وفيما ضربناه من المثال مسامحة لا تخفي غايتها عند أهل النظر وأصحاب الفكر.

وقد أجمعت الطائفة الحقة والملة المحقة علي أن العصمة لا تكون بالكسب، بل هي ذاتية تكوينية بالنسبة للإمام بعد النبي صلي الله عليه وآله، كما هي للنبي صلي الله عليه وآله، وأجمعوا علي أنها تكون من حين ولادته ، ويمكن أن يستدل علي لزوم هذه العصمة في العموم بجملة من الأدلة النقلية، منها قوله تعالي : «وَإِذِ ابْتَلَي إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ »(1)حيث المقصود بالعهد الإمامة في الآية، وهي الإمامة التي أعطاها الله الشيخ النبيين إبراهيم خليل الرحمان عليه السلام الحيث قال له سبحانه : «إِنّيِ جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَامًا »فيكون دليلا علي أن الإمامة جعلية تكوينية من الله جل جلاله، وكذا يكون دليلا علي لزوم أن لا يعهد بالإمامة إلي الظالمين من ذرية إبراهيم عليه السلام، وهذا ظاهر في لزوم العصمة فيمن يراد له أن يكون إمامة من ذرية إبراهيم عليه السلام ، ومن جهة أخري فإن الله سبحانه آتي إبراهيم عليه السلام غالي الإمامة بعد أن كان نبيا، وقد استدل منه علماء العقيدة والمتكلمون علي علو درجة الإمامة علي درجة النبوة بأدلة مبحوثة في محلها، وقد فسرت رواية عبد العزيز بن مسلم المتقدمة معني العهد في الآية من قوله سبحانه : «لَا يَنَالُ عَهدِي»، وبعد هذا التقريب يكون وجه الإستدلال بالآية علي العصمة النفي الوارد في الآية من أن عهد الله عزوجل وهو الإمامة لا يناله الظالمون، والعصيان من مصاديق الظلم الظاهرة التي لا يختلف في جوهرها اثنان، فتأمل .

ومن جملة الأدلة النقلية - أيضا - علي لزوم العصمة في الإمام بعد النبي صلي الله عليه وآله رواية إسماعيل بن جابر عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام في جملة خبر له :

والإمام المستحق للإمامة له علامات، فمنها أن يعلم أنه

ص: 36


1- سورة البقرة، الآية : 124.

معصوم من الذنوب كلها صغيرها وكبيرها، لا يزل في الفتيا، ولا يخطيء في الجواب، ولا يسهو ولا ينسي، ولا يلهو بشيء من أمر الدنيا ... الخبر .

إلي أن يقول عليه السلام: العصمة من جميع الذنوب وبذلك يتميز عن المأمومين الذين هم غير معصومين، لأنه لو لم يكن معصوما لم يؤمن عليه أن يدخل فيما يدخلالناس فيه من موبقات الذنوب المهلكات، والشهوات واللذات، ولو دخل في هذه الأشياء لاحتاج إلي من يقيم عليه الحدود فيكون حينئذ إماما مأمومة، ولا يجوز أن يكون الإمام بهذه الصفة ... الخبر.(1)

وعن الإمام أبي محمد علي بن الحسين زين العابدين غل قال :

الإمام منا لا يكون إلا معصومة، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، لذلك لا يكون إلا منصوصا... الخبر.(2)

ثالثا: العلم، وهي صفة أساسية في الإمام بعد النبي صلي الله عليه وآله ، لكونه لو لم يكن عالما لاحتاج للرجوع إلي أحد للسؤال منه، فيكون المسؤول منه إماما له - أي للسائل - من هذه الجهة، وهكذا المسؤول منه إن لم يكن عالما لزم أن يسأل فينتهي بنا الأمر إلي التسلسل المنفي عقلا ، فالدليل علي لزوم العالمية اقتضاء عدمها وجود التسلسل وهو محال باطل عقلا .

وفي رواية هشام بن الحكم عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال قال عليه السلام :

لا يحتج الله تبارك وتعالي علي خلقه بحجة لا يكون عنده كل ما يحتاجون إليه ... الخبر. (3)

رابعا: أن يكون أفضل أهل زمانه في كل الصفات حتي يصح تقدمه عليهم للإقتداء به.

وقال أبو الحسن الأشعري : يجب أن يكون الإمام أفضل أهل زمانه .(4)

ص: 37


1- بحار الأنوار للمجلسي، ج20، ص 164.
2- نفس المصدر.
3- الكافي للكليني، الأصول، ج 1، ص 262.
4- مقالات الإسلاميين للأشعري، ج 2، ص 134.

وعن النظام إبراهيم صاحب المدرسة النظامية ببغداد، وعن الجاحظ قولهما في مستحق الإمامة بأنه لا يستحقها إلا الأفضل.(1)

والإماميةالفرقة الناجية الإثنا عشرية تشترط الأفضلية - كما قدمنا - فنحن نقول بوجوب أن يكون الإمام بعد النبي صلي الله عليه وآله و أفضل أهل زمانه ، ويمكن أن نستدل علي ذلك - إضافة لما قدمناه - بقاعدة : قبح تقدم المفضول والفاضل علي الأفضل عقلا، وهي من القواعد العقلية الثابتة عند العقلاء .

خامسا: النص، بمعني أنه لا بد أن يكون الإمام بعد النبي صلي الله عليه وآله و منصوص عليه إما في القرآن، أو علي لسان النبي صلي الله عليه وآله، وذلك للعلة المذكورة فيما سبق، بل للعلل المذكورة في طيات المباحث المتقدمة، ولا نريد الإعادة لئلا يضيق المجال فنخرج عن غاية هذا التمهيد، فراجع ما استدلينا به علي لزوم النص من طيات المباحث السابقة.

وبالجملة فقد ذكر المحقق الخواجة نصير الدين الطوسي للإمامة ثمانية شروط هي: العصمة، والعلم، وكونه أشجع الأمة، وأفضل من كل رعاياه في جميع الصفات، وأن يكون مبرءة من العيوب الموجبة لنفرة الناس سواء في خلقه أو لقيم، وأن يكون أزهد الناس، وأن تظهر منه المعجزات الدالة علي إمامته من الله عز وجل، وأن يقدر علي إمامة الناس من كل الجهات .

أقول: هذا ما استخلصناه من الكتب الكلامية والعقائدية التي صنفها المحقق الخواجة نصير الدين الطوسي، وذكر في جملة العيوب المانعة من الإمامةكون الإمام غير طاهر المولد، فإن الإمامة لا تكون في إبن الزني، وهذا ما عليه إجماع الملة وعلماء الإعتقاد.

وعلي أي حال هذه هي أهم الشروط التي ذكرت مما هو لازم في الإمام بعد النبي صلي الله عليه وآله ، ومن أراد معرفة المزيد من الشروط والأدلة فعليه بالعودة إلي الكتب العقائدية والكلامية المطولة، والله المؤيد.

ص: 38


1- مقالات الإسلاميين للأشعري، ج 2، ص 134.

المقصد الخامس: في بيان طرق معرفة الإمام

ذكر علماء العقيدة والمتكلمون طرقة لمعرفة الإمام في كل زمان، ونذكر علاوة علي ما يمكن إستفادته من الشروط المتقدمة لمعرفة الإمام في كل زمان، نذكر أهم الطرق لمعرفته بإعادة صياغة مستقلة، وأهم هذه الطرق:

أولا: النص عليه، وقد تقدم بيانه والنص يكون من الله من خلال آياته الدالة علي إمامة الأئمة بعد النبي صلي الله عليه وآله، ومن خلال النبي صلي الله عليه وآله، ومن خلال إعلام الأئمة عليهم السلام في حق بعضهم البعض بعد النبي صلي الله عليه وآله بالمطلق، وهذا الطريق هو أنسب الطرق وأسهلها .

ثانية: إظهار المعجزة علي يده الدالة علي إمامته، فمن يقول بإمامة نفسه عليهالبينة، وتكون بالدليل السمعي وهو النص، والعقلي كقاعدة الأفضلية، وكذا تكون بإظهار المعجزة الخارقة للعادة كما ألفه البشر، وتكرر المعجزات يذهب بالشكوك والأوهام والخيالات، بل يزيد في القطع بصدق إمامة من ظهرت له المعجزة المؤيدة لإمامته، وأئمة الحق عليهم السلام بعد رسول الله صلي الله عليه وآله أظهروا من المعجزات ما أظهروا ، وإن اختلف البعض في تسميتها بالمعجزات فسموها بالكرامات، ولكنهم متفقون في جوهرها ومضمونها وعلي ثبوت وجود مثل تلكم الخوارق لهم عليهم السلام ، وقد ظهرت مثل هذه الخوارق لهم عليهم السلام في كثير من المواطن ، بل امتلأت بمثلها كتب الأحاديث والأخبار من طرق العامة والخاصة، وإن كثرة ما رواه الرواة والمحدثون الثقاة من هذه الأحاديث ينفي احتمال التواطيء علي نقل ما هو خلاف الواقع أو ما هو من الغلو، وقد بحثت هذه

ص: 39

الأخبار في الكتب المعدة لبحث ثبوت الولاية التكوينية بعد رسول الله صلي الله عليه وآله العترته عليهم السلام بعد التسليم بثبوتها له ، وقد ذكروا بأن للأئمة ، بل لأهل البيت عليهم السلام عامة، لهم ولاية تكوينية تخضع لها جميع ذرات هذا الكون، وهذه غير الولاية التشريعية المتعلقة بالشريعة، وقد أسهبوا في الحديث عن هذه الولاية في الكتب العقائدية والكلامية بما لا مزيد عليه .

ثالثا: أفضليته في الأمة، وقد قدمنا البحث حول قاعدة الأفضلية التي تعتبر من القواعد العقلية بل من المستقلات العقلية، وكما دل عليها العقل صرحت بها النصوص المعتبرة والصحيحة من طرق كل الفرق.

هذه هي أهم الطرق وأشهرها لتعيين الإمام بعد النبي صلي الله عليه وآله، أما من قالوا : هي بالبيعة، فقولهم مردود لكون الإمامة خلافة عن النبي صلي الله عليه وآله بالمعني الأخص، وهيلا تكون إلا بالنص، وقد ذكرنا في محله بأن البيعة غير مشرعة من يكون إماما بعد النبي صلي الله عليه وآله بل هي من باب الإمضاء، وذكرنا ما أورده بعض المحققين حول نظرية البيعة علي هذا الأساس .(1)

وأما قول الزيدية بأنها في كل فاطمي، فإطلاق الكلام وعمومه يلزم منه أن يدعيها كل فاطمي أو أن يكون كل فاطمي أهلا لها، وهذا يفضي إلي تعدد الأئمة في عرض واحد، وهذا خلاف المصلحة واللطف، وقد مر المزيد في مناقشة هذا القول علي إطلاقه وعمومه وإجماله، وقد رددناه بالحجة البالغة في المباحث السابقة، والله المسدد .

ص: 40


1- الغدير في القرآن للمؤلف، ص 97، طبعة دار المحجة البيضاء في بيروت .

المقصد السادس: فيمن مات ولم يعرف إمامه

الأخبار متظافرة علي لزوم معرفة إمام الزمان، وأن في ذلك صلاح العباد والبلاد، وأن التكاليف لا تصح بل لا تقبل بدون معرفته، وأن عدم معرفته هو باب الضلال والكفر، وفي معرفته ولوج باب الحق والأخذ بأسباب الهدي، وفي مشايعته ومتابعته الفوز برضوان الله، وهو الصراط المستقيم، ونور الله في الظلمات.

والمراد بالإمام إمام العدل مما لا ريب فيه، وهو الإمام المنصوص عليه والثابتة إمامته بألوان الأدلة المتقدمة، وهو الإمام من الله عزوجل ومن رسول الله صلي الله عليه وآله ، وقد دلت علي لزوم معرفته جملة من الأخبار المعتبرة .

منها: ما روي عن محمد بن مسلم، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام ، قال : من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحير، والله شانيء لأعماله ، فمثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها، فهجمت ذاهبة وجائية يومها ، فلما جنها الليل بصرت بقطيع غنم بغير راعيها فحنت إليها، واغترت بها، فباتت معها في ربضتها، فلما أن أساق الراعي قطيعه أنكرت راعيها وقطيعها، فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها وبصرت بغنم مع راعيها فحنت إليها ، واغترت بها، فصاح بها الراعي: إلحقي براعيك وقطيعك فأنت تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك، فهجمت زعرة متحيرة نافرة، ولا راعي لها يرشدها إلي مرعاها أو يردها، فبينما هي كذلك إذ اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها وكذلك ،والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله جل وعز ظاهرة عادة أصبح ضالا تائها وإن مات علي هذه الحالة مات ميتة كفر و نفاق .

ص: 41

واعلم يا محمد أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله، قد ضلوا وأضلوا فأعمالهم التي يعملونها «كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ۖ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَي شَيْءٍ ۚ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ»(1)... الخبر. (2).

ومنها: ما روي عن عبد الله بن أبي يعفور، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لايتولونكم ويتولون فلان وفلانا لهم أمانة وصدق ووفاء، وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء ولا الصدق.

قال: فاستوي أبو عبد الله - عليه السلام - جالسا ، فأقبل علي كالغضبان، ثم قال عليه السلام: لا دين لمن دان الله بولاية إمام جائر ليس من الله، ولا عتب علي من دان ولاية إمام عادل من الله ؟

قلت : لا دين لأولئك ولا عتب علي هؤلاء؟

قال عليه السلام: نعم لا دين لأولئك ولا عتب علي هؤلاء .

ثم قال عليه السلام: ألا تسمع لقول الله عز وجل «اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَي النُّورِ»(3)، يعني ظلمات الذنوب إلي نورالتوبة والمغفرة لولايتهم كل إمام عادل من الله عز وجل.

وقال : «وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَي الظُّلُمَاتِ »(4)، إنما عني بهذا أنهم كانوا علي نور الإسلام فلما أن تولوا كل إمام جائر ليس من الله خرجوا بولايتهم إياه من نور الإسلام إلي ظلمات الكفر، فأوجب الله لهم النار مع الكفارو«أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ »(5)... الخبر.(6).

ص: 42


1- سورة إبراهيم، الآية : 18.
2- إلزام الناصب للحائري، ج 1، ص 7,وص8، طبعة دار التوحيد في بيروت.
3- سورة البقرة ، الآية: 257.
4- نفس السورة والآية.
5- نفس السورة والآية.
6- إلزام الناصب للحائري، ج 1,ص8، طبعة دار التوحيد في بيروت.

ومنها: ما روي عن فضيل بن يسار قال : إبتدأنا أبو عبد الله - عليه السلام - يوما ، وقال : قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة جاهلية.

قلت : قال ذلك رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟

فقال عليه السلام: إي والله قد قال.

قلت : فكل من مات وليس له إمام فميته ميتة جاهلية؟

قال عليه السلام: نعم ... الخبر.(1)

ومنها: ما روي عن ابن أبي يعفور - أيضا . قال : سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن قول رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم: من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية.

قال : فقلت ميتته كفر؟

قال عليه السلام: ميتته ضلال.

قلت : فمن مات اليوم وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية؟

قال عليه السلام: نعم... الخبر.(2)

أقول: هذه الروايات ونظائرها ناظرة إلي إمام العدل بعد النبي صلي الله عليه وآله و المنصوص عليه من الله عزوجل ورسوله صلي الله عليه وآله وذلك من خلال القرآئن المتصلة بهذه النصوص، والقرآئن المنفصلة عنها وهي عديدة ليس هنا مجال تحليلها ، ثم إن فرض من نقاشات في بعض الأخبار المتقدمة وغيرها مما لم نذكر، إن فرض من نقاشات وتحليلات فيها جميعا فإن بعضها قرينة علي الأخري، وغيرها يفسر ما فيها، وليس هنا مجال طرح كل ذلك بالتفصيل .

وأما ما رواه بعضهم من أنه لا بد للناس من إمام بر أو فاجر، فهو إن فرضناصحته محمول علي الإمامة بالمعني الأعم، لا الإمامة بالمعني

ص: 43


1- الكافي للكليني، الأصول، ج 1، ص 376.
2- إلزام الناصب للحائري، ج 1، ص 9 ،طبعة دار التوحيد في بيروت .

الأخص، فالإمامة بالمعني الأخص لا تكون إلا للإمام البر العادل المنصوص عليه علي التفصيل الذي بيناه، ولعل مثل تلك الأخبار - إن صحت - ناظرة إلي طبيعة البشر فإنهم يقدمون أحدهم في طبعهم للإمامة سواء أدركوا لزوم النص أو لم يدركوا، وسواء كانوا من أهل الأديان أو لا، فالسيرة الإجتماعية للبشر جارية علي أنهم يعينون من يأمهم في كثير من المجالات، بل أكثرها، وذلك بالفطرة، وقد نستدل علي لزوم الإمام في كل زمان ومكان بمجموعة من الأخبار المعتبرة، سيما قول أمير المؤمنين عليه السلام في خبر له، قال عليه السلام : ألا وإن لكل مأموم إمام يقتدي به ... الخبر، وقد يستدل بأية قوله تعالي : (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ).(1)

ومن جانب آخر لا تعني أخبار الإمام الفاجر الذي لا بد منه الرخصة في إمامته، أو إمضاء لمشروعية إمامته، كما لا يجوز بالضرورة العقلية والنقلية حملها علي ذلك، فهذه الأخبار تريد بيان طبيعة حال الناس في احتياجهم للإمام مما قد يؤدي لوصول الإمام الفاجر لمنصب الإمامة فيما لو لم ينهض بالإمامة أهلها، أو لم يؤذن لأهل الحق والعدل بالنهوض بها حين يغتصبها الغاصبون المتخلفون، فافهم تغنم .

ص: 44


1- سورة الإسراء، الآية : 71

المقصد السابع: في جملة من صفات الإمام

تقدمت في مجموع المباحث السابقة جملة من الصفات اللازمة في الإمام بعد النبي صلي الله عليه وآله، وعلاوة عليه نعرض لبعض الروايات الدالة علي أهم هذه الصفات في الجملة .

روي عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن الصادق عليه السلام قال : إن الله أكرم وأحكم وأجمل وأعظم وأعدل من أن يحتج بحجة ثم يغيب عنه شيئا من أمورهم... الخبر.(1)

أقول: وهذه الرواية تدل علي حدود علم الإمام الإلهامي اللدني الإرادي، فهو يعلم حينما يريد أن يعلم لذا سمي علمه بالإرادي، وهو يعلم العلم اللدني أي أن علمه ليس من أقسام العلم الحصولي المصطلح عليه عند علماء المعقول، فهو ليس بإمعان النظر والفكر والمراجعة ونحوه، ولم يدل دليل علي أن أحدة من الأئمة عليه السلام سئل وكان بحاجة لتأمل أو تفكير أو مراجعة بل يكون حاضر الجواب بالبداهة، واستمهال النبي صلي الله عليه وآله قومه في بعض المسائل حتي ينزل فيها وحي قرآني يخرج بالدليل لعلمه صلي الله عليه وآله بأن الوحي القرآني سينزل في بعض الوقائع، لذلك كان صلي الله عليه وآله يبطأ عن الإجابة فيها لحين إنزال القرآن فيها ، ولا يعني ذلك عدم علمه صلي الله عليه وآله بها، فقد دلت الأدلة علي إنزال القرآن علي قلبه صلي الله عليه وآله جملة واحدة مرة حيث أحكمت آياته ، ومرة أخري أنزل علي قلبه صلي الله عليه وآله حيث فصلت آياته، ومرة ثالثة أنزل إلي السماء الدنيا في ليلة القدر، ورابعة أنزل في الوقعات علي امتداد مدة

ص: 45


1- إلزام الناصب للحائري، ج 1، ص 13، طبعة دار التوحيد في بيروت .

بعثته صلي الله عليه وآله فهوصلي الله عليه وآله خصوصية في هذا الجانب بخلاف الأئمة عليهم السلام من بعده الذين كانوا لا يستمهلون القوم في الإجابة عما يسألون، ولا يستبطئونهم في أجوبة ما كانوا يستفهمون، وقد ورد أن مملكة أعظم من الملائكة العاديين يقال له الروح يلازم الأئمة عليهم السلام ويعلمهم من الله سبحانه ما لا يعلمون، كما ورد أن الأئمة عليهم السلام كانوا يدعون الله سبحانه بإسمه الأعظم ليعلموا فيعلمهم الله جل جلاله .

وليس معني هذا أن علم الإمام مطلق كعلم الله عز وجل، فعلمه نسبي قياسا علي الله تبارك وتعالي، وعلمه قابل للزيادة كعلم النبي صلي الله عليه وآله ودلت علي قابلية علم النبي صلي الله عليه وآله للزيادة آية قوله تعالي :«وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا »

(1)،وعلم الإمام - كذلك - قابل للزيادة فهو متعلم قياسا علي الله سبحانه، وعالم قياسا علي المأمومين، وقد يستفاد ذلك من قول الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ،قال عليه السلام: نحن العلماء وشيعتنا المتعلمون.

ومن أدلة قابلية علم الإمام للزيادة ما جاء في حديث أمير المؤمنين عليه السلام حيث تواتر عنه قوله عليه السلام : علمني رسول الله ألف باب من العلم، من كل باب ينفتح لي ألف باب، ويظهر أن تعليمه عليه السلام العلي عليه السلام لم يكن كحال العلم الحصولي المصطلح عليه عند علماء المعقول، فإن قرينة المقام دلت علي أن تعليمه صلي الله عليه وآله كان بهمسه صلي الله عليه وآله في أذن علي عليه السلام ، وهذا ليس شأن من يتكلف التعلم بالحصول المصطلح عليه ، فتعلم ألف باب من العلم من خلال همس الأذن مما لا يناسبه حال العلم الحصولي الاصطلاحي، وقد اتفق تعليمه صلي الله عليه وآله للأبواب الألف في مجلس واحد، ولعله - والله العالم - كان بهمسة واحدة، بل هو كذلك كما دل عليه الخبر في بيان حال النبي صلي الله عليه وآله عند احتضاره صلي الله عليه وآله، فالظاهر هو أن المسألة إعجازية.

ص: 46


1- سورة طه، الآية: 114.

ومن جهة أخري علم النبي صلي الله عليه وآله و ليس واجبة كوجوب علم الله عز وجل لذا قال تعالي : «مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ »(1)، فعدم علمه صلي الله عليه وآله قبل أن يعلمه الله جل جلاله حاصل وهو ليس بمحال، وقد دلت علي ذلك السيرة النبوية بمقارنة حاله صلي الله عليه وآله قبل بعثته بحاله صلي الله عليه وآله و بعد بعثته وهكذا، ثم إن كثيرا من القضايا كانت محصورة بلزوم إبلاغه صلي الله عليه وآله وحي الله القرآني فيها ، ولم يسوغ له أن يتكلم فيها من عنده صلي الله عليه وآله و مما يصلح أن نسميه ونصطلح عليه بوحي الله النبوي من حديثه صلي الله عليه وآله في قبال حديث الله الذي سميناه وحي الله القرآني، وهو الذي لا ينطق عن الهوي «إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَي»(2)، فكل كلامه صلي الله عليه وآله و دو وحي من الله عزوجل،سواء كان من عنده صلي الله عليه وآله أو عن لسان الحق سبحانه، وليس هناك اختلاف في أن وحي الله عز وجل سواء كان من القرآن أو حديثه صلي الله عليه وآله فهو بنفس الحجة من جهة لزوم عمل المكلفين به، وهذا مما لا شك فيه ، فالتفت .

ومن الروايات الدالة علي صفات الإمام قول الإمام أبي عبد الله جعفربن محمد الصادق عليه السلام، قال عليه السلام:

من زعم أن الله يحتج بعبده في بلاده ثم يستر عنه جميع ما يحتاج إليه فقد افتري علي الله ... الخبر.(3)

وعنه عليه السلام قال : أي إمام لا يعلم ما يصيبه، وإلي ما يصير فليس ذلك بحجة الله علي خلقه ... الخبر.(4)

وعنه عليه السلام قال: قال : إن علمنا غابر وزبور ونكت في القلوب ونقر في الأسماع، ثم قال عليه السلام : أما الغابر فما تقدم من علمنا، وأما الزبور فما

ص: 47


1- سورة الشوري، الآية : 52.
2- سورة النجم، الآية : 4.
3- إلزام الناصب للحائري، ج 1، ص 13، 13، طبعة دار التوحيد في بيروت.
4- نفس المصدر، ج 1، ص 18.

يأتينا، وأما النكت في القلوب فإلهام، وأما النقر في الأسماع فأمر الملك ... الخبر .(1)

أقول: وأما قوله : عليه السلام : فأمر الملك، فالمقصود به الملك الذي سبقت الإشارة إليه، ويسمي بالروح وهو ملازم لجميع الأئمة عليهم السلام يعلمهم من الله عز وجل ما لا يعلمون، وهو المقصود في آية قوله تعالي : «تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا»(2)، وهو ملك أعظم من الملائكة العاديين، ودلت علي ذلك أخبار عدة، وفي خبرسعد بن عبد الله بسنده عن أبي بصير قال : كنت مع أبي عبد الله - عليه السلام - فذكر شيئا من أمر الإمام إذا ولد فقال : إستوجب زيادة الروح في ليلة القدر فقلت : جعلت فداك أليس الروح هو جبرئيل؟ فقال : جبرئيل من الملائكة والروح أعظم من الملائكة، أليس إن الله عز وجل يقول:«تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ »(3)... الخبر.(4)

وفي صفات الإمام وعلاماته ورد عن الإمام أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام قال عليه السلام:

للإمام علامات : يكون أعلم الناس، وأحكم الناس، وأتقي الناس، وأحلم الناس، وأشجع الناس، وأسخي الناس، وأعبد الناس، ويولد مختونة، ويكون مطهرة... الخبر.(5)

أقول: وكل ما يقال في صفة الإمام مما دون الربوبية أو صفات الربوبية فله وجوه لقبوله، وليس معني ذلك أن نقول فيه كل ما دون الربوبية أو صفاتها فإن الدليل دل علي نفي النبوات بعد النبي صلي الله عليه وآله من حديث : لا نبي

ص: 48


1- إلزام الناصب للحائري، ص 19، طبعة دار التوحيد في بيروت .
2- سورة القدر ، الآية : 4.
3- نفس السورة والآية.
4- الميزان في تفسير القرآن للطباطبائي، ج20، ص 335، طبعة مؤسسة الأعلمي في بيروت، ونقلا عن البرهان في تفسير القرآن للبحراني.
5- إلزام الناصب للحائري، ح 1، ص 269، طبعة دار التوحيد في بيروت .

بعدي ونظائره، كما نفت أدلة النقل والعقل جملة من الصفات نزه الله عزوجل عنها الأئمة عليهم السلام ، فحديث : نزهونا عن الربوبية، ليس معناه أن ندعي أنهم عليهم السلام أنبياء، وليس معني: وقولوا فينا ما شئتم، أن نتجاوز ما خرج بالدليل من النقل والعقل مما لا يجوز نسبته إلي ساحة قدسهم عليهم السلام من الصفات والأقوال والأفعال، فهذا معني حديث : نزهونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم، ومن جهة أخري إن حديثهم عليهم السلام صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، والله أعلم حيث يجعل رسالته، فلا ينكرن البعض بعض الصفات لأن عقله لم يحتملها ، فإنها مما لا تصاب بالعقول العادية البسيطة، أو بعبارة أخري هي لا تصاب بعقل كل من له عقل فإن العقول متفاوتة في مدركاتها وقوة إدراكها، والذي يتمكن من هضم ما نعتقده في ذلك فهو من أهل أكمل العقول، بل من أعقل العقلاء، علي أن الإستدلال علي ترجيح كل مفردة من مفردات صفات الامام مما أوردناه ومما لم نورده في الأخبار المتقدمة في هذا المقصد، الإستدلال علي ذلك - علاوة علي ما كر في هذا التمهيد - هذا الإستدلال يطول بحثه ويدق النظر فيه، فمن أراده فما له إلا العودة إلي الكتب والموسوعات المخصصة لذلك، والله من وراء القصد.

ص: 49

المقصد الثامن: في عدم مدخلية البلوغ في الإمامة

ومما يدل علي ذلك جملة من الأخبار المعتبرة رواها جماعة من المحدثين ،ومنهم المحدث الثقة الكليني - أعلي الله مقامه - في كتابه الكافي .

فعن صفوان بن يحيي قال : قلت للرضا عليه السلام: قد كنا نسألك أن يهب لك أبا جعفر فكنت تقول: يهب لي غلاما ، فقد وهب الله لك فقر عيوننا فلا أرانا الله يومك فإن كان كون فإلي من؟ فأشار بيده إلي أبي جعفر وهو قائم بين يديه ، فقلت : جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين ، قال : وما يضره من ذاك بشيء، قد قام عيسي بالحجة وهو ابن ثلاث سنين.(1)

وعن بعض الأصحاب قال : قلت : لأبي جعفر الثاني عليه السلام : إنهم يقولون في حداثة سنك فقال عليه السلام: إن الله تعالي أوحي إلي داوود أن يستخلف سليمان وهو صبي يرعي الغنم فأنكر ذلك عباد بني إسرائيل وعلماؤهم، فأوحي الله إلي داوود - عليه السلام - أن خذ عصا المتكلمين وعصا سليمان واجعلهما في بيت واختم عليهما بخواتيم القوم فإذا كان من الغد من كانت عصاه قد أورقت فأثمرت فهو الخليفة، فأخبرهم داوود - عليه السلام - فقالوا : رضينا وسلمنا.(2)

وعن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألت أبا جعفر - عليه السلام - عن شيء من أمر الإمام فقلت : يكون الإمام ابن أقل من سبع سنين؟

ص: 50


1- إلزام الناصب للحائري، ج 1، ص 49، طبعة دار التوحيد في بيروت .
2- نفس المصدر .

فقال : نعم وأقل من خمس سنين.(1)

وعن الخبراني، عن أبيه قال : كنت واقفة بين يدي أبي الحسن بخراسان، قال له قائل : يا سيدي إن كان كون فإلي من؟ قال : إلي أبي جعفر إبني، فكأنالقائل استصغر سن أبي جعفر عليه السلام، فقال أبو الحسن عليه السلام : إن الله تبارك وتعالي بعث عيسي بن مريم رسولا نبيا صاحب شريعة مبتدئة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر عليه السلام .(2)

أقول: وبمضمون هذه الأخبار وردت أخبار عديدة ، وما دمنا قد سلمنا بالأدلة المتقدمة أن الإمامة من الله، فلا يرد أي إشكال بعد ذلك علي من ينصبه الله تبارك وتعالي سواء كان بالغة أو لا، ثم لا يرد الإشكال بعد ثبوت الكرامة المعجزة والخوارق لهم عليهم السلام، وهو ما ذكرناه في جملة ما ذكرنا من طرق ثبوت إمامتهم عليهم السلام في المباحث المتقدمة في هذا التمهيد ، والله المؤيد.

ص: 51


1- إلزام الناصب للحائري، ج 1، ص 49، وص 50،طبعه دار التوحيد في بيروت .
2- نفس المصدر، ص 50.

المقصد التاسع: في أن الإمامة في الأعقاب

ويدل علي ذلك خبر الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، قال : لا تعود الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين أبدا، إنما جرت من علي بن الحسين كما قال الله تعالي: «وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَي بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ »،(1)فلا تكون بعد علي بن الحسين إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب .(2)

وعنه عليه السلام قال : لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين،إنما هي في الأعقاب وأعقاب الأعقاب .(3)

أقول: المراد بالأعقاب ما ورد النص عليه من الأعقاب، وإلا انجر ليحتج به علي إمامة الأعقاب الأموية والمروانية والعباسية والعثمانية وغيرها، وما هو في الأنظمة الملكية الوراثية ونحوها .

وفي خبر محمد بن يعقوب البلخي ، قال : سألت أبا الحسن الرضا - عليه السلام - قلت : لأي علة صارت الإمامة في ولد الحسين - عليه السلام - ولم يجعلها في ولد الحسن عليه السلام؟

قال عليه السلام: لأن الله عز وجل جعلها في ولد الحسين ولم يجعلها في ولد الحسن، والله لا يسأل عما يفعل .(4)

ص: 52


1- سورة الأنفال، الآية : 75.
2- إلزام الناصب للحائري، ج 1، ص 45، طبعة دار التوحيد في بيروت .
3- نفس المصدر.
4- نفس المصدر، ص 47.

المقصد العاشر: في أن الأرض لا تخلو من حجة وأن الحجج إثنتا عشرة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله

في أن الأرض لا تخلو من حجة

لقد دلت جملة من الأخبار المعتبرة علي لزوم الحجة بعد النبي صلي الله عليه وآله و في كل آن ما دامت السماوات والأراضون، وذلك لأن الرسالة الخاتمة محفوظة لقيام الساعة ولا يعرض لها ما عرض لرسالات الأنبياء عليهم السلام از قبل رسول الله صلي الله عليه وآله ، ولولا هذه الحجة في كل زمان ولولا وجودها وبقائها لما بقيت رسالة سيد المرسلين صلي الله عليه وآله و سالمة محفوظة لكثرة ما يعرض من شكوك وأوهام وخيالات وضلالات ومبتدعات علي أحكامها وتشريعاتها وحدودها من الضالين والمبدعين والمنحرفين والمبطلين والمعاندين من أبناء النحل المتعددة والمذاهب المختلفة، فالضرورة النقلية علي لزوم

حفظ الرسالة من قبل الحق جل جلاله لقوله سبحانه:«وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ »(1)، والحفظ له أسبابه ، وسببه هو الوسيلة المتصلة بين الأرض والسماء ألا وهي الحجة في كل زمان بعد النبي صلي الله عليه وآله ، وكذلك الضرورة العقلية تقضي بوجود الحجة لما تقدم في مقاصد هذا التمهيد، وهذه الحجة تتمثل بعد النبي صلي الله عليه وآله بالأئمة الإثني عشر عليهم السلام ، وبعد شهادة الحادي عشر منهم عليهم السلام ، وهو الإمام أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام، تتمثل الحجة بولده الإمام الحجة المهدي الموعود المنتظر - عجل الله تعالي فرجه الشريف وخروجه المنيف - حيث يخرج حين تمتلأ الأرض بالظلم والجور ليملأها بالعدل والقسط.

ص: 53


1- سورة الحجر، الآية: 9.

ومن الأخبار الدالة علي أن الأرض لا تخلو من حجة رواية سليمان بن جعفر الجعفري، قال : سألت الرضا - عليه السلام - فقلت: تخلو الأرض من حجة؟ فقال عليه السلام: لو خلت الأرض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها.

(1). ومنها: رواية أبي حمزة، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام ، قال : والله ما ترك الله الأرض منذ قبض الله آدم إلا وفيها إمام يهتدي به إلي الله، وهو حجة الله علي عباده، ولا تبقي الأرض بغير حجة علي عباده. (2)

ومنها: ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام ، قال عليه السلام : لا تخلو الأرض من قائم بحجة الله إما ظاهر مشهور، وإما خائف مغمور لئلا تبطل حجج الله وبيناته .

ومنها: ما في خبر سليمان بن مهران الأعمش، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، عن أبيه ، عن الإمام أبي محمد علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام - في جملة خبرله . قال عليه السلام : ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة الله فيها ، ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلو إلي أن تقوم الساعة من حجة الله فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله، قال سليمان: فقلت للصادق عليه السلام: فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟ قال عليه السلام: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب .(3)

ومنها: ما عن زرارة، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، عن آبائه ، عن الإمام أبي عبد الله الحسين بن علي سيد

ص: 54


1- عيون أخبارالرضا عليه السلام للصدوق، ص 100، ص 101، وعلل الشرائع للصدوق، ص77
2- بحار الأنوار للمجلسي، ج 23، ص22.
3- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص120، والأمالي للصدوق، ص 112.

الشهداء عليه السلام - في جملة خبر له - قال عليه السلام: ولولا علي الأرض من حجج الله لضت الأرض بما فيها، وألقت ما عليها ،إن الأرض لا تخلو ساعة من الحجة.(1)

ومنها: ما عن إبراهيم بن أبي محمود قال : قال الرضا عليه السلام: نحن حجج الله في خلقه ، وخلفاؤه في عباده، وأمناؤه علي سره، ونحن كلمة التقوي، والعروة الوثقي، ونحن شهداء الله وأعلامه في بريته، بنا يمسك الله السماوات والأرض أن تزولا، وبنا ينزل الغيث، وينشر الرحمة، لا تخلو الأرض من قائم منا ظاهر أو خاف ،ولو خلت يوما بغير حجة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله.(2)

ومنها: ما في رواية عبد الله بن سليمان العامري، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : ما زالت الأرض إلا ولله تعالي ذكره فيها حجة يعرف الحلال والحرام، ويدعو إلي سبيل الله ، ولا تنقطع الحجة من الأرض إلا أربعين يوما قبل يوم القيامة ، فإذا رفعت الحجة أغلقت أبواب التوبة ولا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أن ترفع الحجة، أولئك شرار من خلق الله ، وهم الذين يقوم عليهم القيامة .(3)

أقول: والأخبار الواردة بهذا المضمون كثيرة، ونكتفي بهذا المقدار، علي أن كلمة الحجة هي مما يصح إطلاقه علي جميع الأئمة عليهم السلام، ومعني كلمة الحجة لغة هو ما يكون سببا للغلبة علي الخصم، وتعرضت هذه الأخبار لبيانوجه الإنتفاع بالحجة حال كونها مستورة أو مغمورة أو خافية في إشارة إلي غياب المهدي عجل الله فرجه، كما تعرضت بالإشارة إلي فترة ما بين شهادته - عجل الله فرجه - مسمومة وقيام القيامة،

ص: 55


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص 116، ص 117.
2- نفس المصدر، ص 177.
3- نفس المصدر، ص 133.

حيث صرحت أخبار أخر أنه بعد قتله - عجل الله فرجه - بأربعين يوما تكون القيامة الكبري.

في أن الحجج إثنتا عشرة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله

روي مجاهد، عن عبد الله بن عباس حبر الأمة والمفسر الشهير،روي أن يهودية يقال له: نعثل،(1) ويكني بأبي عمارة سأل النبي صلي الله عليه وآله في جملة أسئلة عديدة قال : فأخبرني عن وصيك من هو فما من نبي إلا وله وصي، وإن نبينا موسي بن عمران أوصي إلي يوشع بن نون؟

فقال صلي الله عليه وآله : إن وصيي علي بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين .

قال : يا محمد فسمهم لي؟

قال صلي الله عليه وآله : إذا مضي الحسين فإبنه علي، فإذا مضي علي فإبنه محمد، فإذا مضي محمد فإبنه جعفر، فإذا مضي جعفر فإبنه موسي، فإذا مضي موسي فإبنه علي ، فإذا مضي علي فإبنه محمد، فإذا مضي محمد فإبنه علي، فإذا مضي علي فإبنه الحسن، فإذا مضي الحسن فإبنه الحجة محمد المهدي، فهؤلاء إثنا عشر... الحديث .(2)

إلي أن قال صلي الله عليه وآله: ... وإن الثاني عشر من ولدي يغيب حتي لا يري ويأتي علي أمتي بزمن لا يبقي من الإسلام إلا إسمه ولا يبقي من القرآن إلا رسمه، فحينئذ يأذن الله تبارك وتعالي له بالخروج، فيظهر الله الإسلام به ويجدده ... الحديث.(3)

ص: 56


1- نعثل وهو إسم آلهة من آلهة قريش، وورد أن عائشة زوجة رسول الله صلي الله عليه وآله لقبت عثمان بن عفان بهذا الإسم في حديثها الشهير عندما حرضت علي قتله، قالت : أقتلوا نعثلا - تقصد عثمان - قتل الله نعثلا ، فقد أبلي سنة رسول الله وهذه ثيابه لا تبلي بعد... الخبر .
2- ينابيع المودة للقندوزي، ص 440.
3- نفس المصدر.

وفي حديث له صلي الله عليه وآله ؟ قال : الأئمة عليهم السلام من بعدي إثنا عشر، تسعة من صلب الحسين، والتاسع قائمهم، وهم أهل بيتي وعترتي من لحمي ودمي ... الحديث.(1)

وقال صلي الله عليه وآله : إن خلفائي وأوصيائي، وحجج الله علي الخلق بعدي الإثنا عشر، أولهم علي وآخرهم المهدي.(2)

وقال صلي الله عليه وآله : ألأئمة بعدي إثنا عشر، بعدد نقباء بني إسرائيل، وبعدد الأسباط، وبعدد حواري عيسي، من خالفهم فقد خالفني، ومن ردهم وأنكرهم فقد ردني، ومن أحبهم واقتدي بهم فاز ونجا، ومن تخلف عنهم ضل وهوي، فطوبي لمن أحبهم، والويل لمن أبغضهم... الحديث .(3)

وقال صلي الله عليه وآله: إثنا عشر من أهل بيتي، أعطاهم الله فهمي وعلمي وحكمتي، وخلقهم من طينتي، فويل للمتكبرين عليهم بعدي، القاطعين فيهم صلتي، ما لهم؟ لا أنالهم الله شفاعتي، هؤلاء هم خلفائي وأوصيائي، وأولادي وعترتي، منأطاعهم فقد أطاعني، ومن عصاهم فقد عصاني، ومن أنكرهم أو أنكر واحدة منهم فقد أنكرني، بهم يمسك الله السماء أن تقع علي الأرض إلا بإذنه، وبهم يحفظ الله الأرض أن تميد بأهلها ... الحديث .(4)

أقول: وبهذه الباقة من الأحاديث النبوية الدالة علي الحجج الإثنتي عشرة عليهم السلام بعد رسول الله صلي الله عليه وآله نختم هذا التمهيد لنشرع في أول نبأ من أنباء الكتاب ، ومن الله عز وجل نستلهم الصواب .

ص: 57


1- منتخب الأثر للكلبايكاني، ص 51، وص 82، والمهدي - عجل الله فرجه - اللصدر، ص104.
2- ينابيع المودة للقندوزي، ج 3، ص 108.
3- بحار الأنوار للمجلسي، ج 52، ص378.
4- منتخب الأثر للكلبايكاني، ص 32، وعيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق، ج 1، ص 53، والمحجة البيضاء للكاشاني، ج 1، ص243،وص244.

الأنباء العشرون وتتضمن العديد من المباحث القرآنية والروائية والكلامية والتاريخية

اشارة

ص: 58

ص: 59

النبأ الأول: في جملة من النصوص القرآنية الدالة علي الحجة عجل الله فرجه وفيه جملة من الآيات المنزلة والمؤولة

توطئة

إعلم - أيدك الحق - أن أدلة إنزال جملة من آيات القرآن فيه - عجلالله فرجه - مستفادة من الأخبار والتواريخ، وكذا الآيات المؤولة فيه - عجل الله فرجه - دلت عليها الأخبار والتواريخ، وهناك طائفة ثالثة من الآيات مطبقة ومفسرة فيه لم نتعرض لها لعدم إمكان حصرها، ولأن التعرض لكل الآيات يخرجنا عن المقصود بهذا النبأ، وذكر جميع الآيات المنزلية والمؤولة والمطبقة والمفسرة فيه - عجل الله فرجه - بحاجة إلي كتاب مستقل، لذا سنعرض لأهمها بحسب فهمنا، والله المؤيد.

جملة من الآيات المنزلة فيه عجل الله فرجه

الآية الأولي: آية قوله تعالي:«فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا »(1)، فقد روي النعماني بسنده إلي أبي بصير، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في قوله سبحانه : «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا »، قال عليه السلام : نزلت في القائم - عليه السلام - وأصحابه يجتمعون علي غير ميعاد.(2)

ص: 60


1- سورة البقرة ، الآية:148
2- الغيبية للنعماني، ص 127.

الآية الثانية: آية قوله تعالي:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ »(1)، فقد روي شيخنا الثقة الصدوق بسنده إليجابر بن عبد الله الأنصاري، عن رسول الله صلي الله عليه وآله، إنه لما أنزلت آية قوله سبحانه : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ »، سأل جابر رسول الله صلي الله عليه وآله عن نزول قوله سبحانه : «وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ »، فقال له صلي الله عليه وآله : إنهم الأئمة الاثنا عشر عليهم السلام... الحديث، إلي أن قال في تعدادهم بالترتيب: ... ثم سمي وكنيي حجة الله في أرضه، وبقيته في عباده إبن الحسن بن علي، ذاك الذي يفتح الله تعالي ذكره مشارق الأرض ومغاربها علي يديه ، ذاك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها علي القول بإمامته إلا من امتحن الله قلبه للإيمان.

قال جابر: فقلت له : يا رسول الله فهل يقع لشيعته الإنتفاع به في غيبته؟

فقال صلي الله عليه وآله: إي والذي بعثني بالنبوة، إنهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجللها سحاب، يا جابر هذا من مكنون سر الله ومخزون علمه، فاكتمه إلا من أهله. (2)

أقول: قوله صلي الله عليه وآله: وإن تجللها سحاب، أي غطاها سحاب، ومنه يقال : جلل الشيء أي غطاه، وجلل المطر الأرض أي غطاها ونحو ذلك .

الآية الثالثة: آية قوله تعالي:«هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»(3)

فقد ذكر علي بن إبراهيم في مناسبة نزول الآية أنها أنزلت في القائم من آل محمد صلي الله عليه وآله... الخبر.(4)

ص: 61


1- سورة النساء، الآية: 59.
2- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 1، ص 253.
3- سورة التوبة، الآية : 33.
4- تفسير القمي، ج 1، ص 290، طبعةمؤسسة الأعلمي في بيروت.

أقول: لا شك أن المرسل بالهدي ودين الحق هو النبي الأعظم محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله، ولكن ما ذكره القمي في تفسيره ومفاده أن ظهور الهدي ودين الحق علي الدين كله يكون علي يد الحجة - عجل الله فرجه - يكاد يكون تامة لكونه يعاضده ما رواه الطبرسي عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام في معني الآية، حيث قال فيه عليه السلام: إن ذلك - أي ظهور الدين والهدي علي الدين كله - يكون عند خروج المهدي من آل محمد، فلا يبقي أحد إلا أقر بمحمد . (1)

وكذا يؤيد مضمون ما ذكره علي بن إبراهيم ما رواه المحدث الثقة الكليني بسنده إلي محمد بن الفضيل، عن الإمام أبي الحسن الماضي موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام في الآية الكريمة، قال صلي الله عليه وآله: يظهره علي جميع الأديان عند قيام القائم عليه السلام.(2)

والبعض حمل هذه الأخبار المؤيدة علي أنها من أدلة تأويل الآية في الحجة - عجل الله فرجه - وليست من أدلة إنزالها فيه عجل الله فرجه ، والقرائن وإن كانت تدل علي إنزالها في رسول الله صلي الله عليه وآله لكن تأويلها في الحجة - عجل الله فرجه - ممكن أيضا ، فمن وجود ظهور الهدي ودين الحق علي الدين كله ما أظهره النبي صلي الله عليه وآله من أدلة القرآن وأحاديثه صلي الله عليه وآله مما أقر به وأفحم به أهل جميع الأديان في عصره صلي الله عليه وآله ، ومن وجوه هذا الظهور حال ما وصلت إليه دعوته صلي الله عليه وآله في حياته، واتساع المقام - أيضا - لتأويل الآية في الحجة - عجل الله فرجه - مما يمكن ويحتمل حيث لا مانع من ظهور الهدي ودين الحق مرتين، مرة في عهد النبي صلي الله عليه وآله وأخري في عهد ولي آخر الزمان عجل الله فرجه، وهذا الفهم أتم، حيث إن عدم ظهور الهدي ودين الحق علي يد صاحب الرسالة مما قد يفضي إلي النقص في

ص: 62


1- مجمع البيان للطبرسي، ج 5، ص 45 ، طبعة مؤسسة الأعلمي في بيروت.
2- الكافي للكليني، الأصول، ج 1، ص 432.

تأدية الرسول لمهامه الرسالية، وهو الذي أكمل الدين وأتم الله به النعمة عند نصبه لعلي عليه السلام في يوم الغدير، وعدم ظهور الهدي ودين الحق علي يديه صلي الله عليه وآله ينافي كمال الدين وتمام النعمة عند وداعه للأمة في حجة الوداع، والأحق أن يقال: إنه صلي الله عليه وآله أظهر الهدي وأتم دين الحق علي الدين كله ببلاغه صلي الله عليه وآله في حق علي عليه السلام في غدير خم وبإخباره عن ظهور القائم عجل الله فرجه، فيكون ظهور الدين والهدي علي يدي النبي صلي الله عليه وآله هو بإبلاغه الأمة ما أنزل في غدير خم وبإخباره عن ظهور القائم - عجل الله فرجه - بحيث يكون الظهور الفعلي للهدي ولدين الحق علي الدين كله علي يديه - عجل الله فرجه - وذلك عند خروجه وظهوره أرواحنا فداه، فمن هنا قد يكون حمل نزول الآية علي ظهور الدين والهدي علي يد النبي صلي الله عليه وآله مرة، وحمل تأويلها علي ما يكون علي يد الحجة - عجل الله فرجه - مرة أخري في آخر الزمان بعد أن تملأ الأرض بالضلال والطغيان، هذا الحمل قد يكون أتم وأكمل، فلا مانع من شمول الآية لظهور الهدي ودين الحق علي يد صاحب الرسالة صلي الله عليه وآله كل مرة، وأخري علي يد محيي الرسالة بعد دروسها وضياع السنن في آخر الزمان - أرواحنا فداه -علي النحو الذي فصلناه، وبعد ذلك لا حاجة للأخذ بأقوال القائلين بأن الأخبار تحمل الآية علي التأويل فقط دون التنزيل فإن التنزيل مما يستوجه منها كذلك علي النحو الذي بيناه ، والله العالم.

الآية الرابعة: آية قوله تعالي :«لَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا »(1)، فقد روي العياشي بسنده إلي إبن بكير،عن الإمام أبي الحسن عليه السلام في نزول الآية، قال عليه السلام : أنزلت في القائم عليه السلام ... الخبر.(2)

الآية الخامسة: آية قوله تعالي : «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا

ص: 63


1- سورة آل عمران، الآية : 83.
2- تفسير العياشي، ج 1، ص 183.

وَإِنَّ اللَّهَ عَلَي نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ»،(1) فقد روي علي بن إبراهيم بسنده إلي إبن مسكان، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال عليه السلام : إن العامة يقولون نزلت في رسول الله - صلي الله عليه وآله وسلم - لما أخرجته قريش من مكة، وإنما هي للقائم - - عليه السلام - - إذا خرج يطلب بدم الحسين عليه السلام... الخبر .(2)

الآية السادسة: آية قوله تعالي : «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَي لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا »(3).

فقد روي النعماني بسنده إلي أبي بصير، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في الآية الكريمة، قال عليه السلام : نزلت في القائم وأصحابه .(4)

الآية السابعة: آية قوله تعالي :«إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ».(5)

روي صاحب كتاب «تأويل الآيات الظاهرة في العترة الطاهرة»بسنده إلي أبي بصير، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام ، قال :

ص: 64


1- سورة الحج، الآية: 39.
2- تفسير القمي، ج 2، ص59 ، طبعة مؤسسة الأعلمي في بيروت، وبحار الأنوارللمجلسي، ج51، ص 67، وتفسير البرهان للبحراني، ج 3، ص 94، الحديث العاشر.
3- سورة النور، الآية : 55.
4- الغيبة للنعماني، ص 126، وينابيع المودة للقندوزي، ص 425روي مثله ،والغيبة للطوسي، ص120 كذا روي مثله.
5- سورة الشعراء، الآية : 4

سألته عن قول الله عز وجل : «إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ»،

قال عليه السلام: نزلت في قائم آل محمد - عليه السلام - ينادي بإسمه من السماء.(1)

الآية الثامنة: آية قوله تعالي :«أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ».(2)

روي علي بن إبراهيم بسنده إلي صالح بن عقبة، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في الآية الكريمة، قال عليه السلام: نزلت في القائم من آل محمد عليهم السلام، هو والله المضطر إذا صلي في المقام ركعتين ودعا الله فأجابه، ويكشف السوء ويجعله خليفة في الأرض .(3)

وكذا روي النعماني بسنده إلي إسماعيل بن جابر ، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام في جملة خبر يذكر فيه القائم عجل الله فرجه ، قال عليه السلام: وهو والله المضطر الذي يقول الله فيه :«أَمَّن يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكشِفُ السُّوءَ وَيَجعَلُكُم خُلَفَاالأَرضِ »فيه نزلت . (4)

الآية التاسعة: آية قوله تعالي : «يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ ».(5)

روي النعماني بسنده إلي أبي بصير، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في الآية الكريمة، قال عليه السلام: الله يعرفهم ولكن نزلت في القائم - عليه السلام - يعرفهم بسيماهم فيخبطهم بالسيف هو وأصحابه خبطا.(6)

ص: 65


1- بحار الأنوار للمجلسي، ج13، ص 177 روي مثله ، والغيبة للطوسي، ص 121 كذا روي مثله .
2- سورة النمل، الآية : 62
3- تفسير القمي، ج 2، ص 105، طبعة مؤسسة الأعلمي في بيروت.
4- الغيبة للنعماني، ص 95.
5- سورة الرحمن، الآية : 41.
6- الغيبة للنعماني، ص127.

الآية العاشرة: آية قوله تعالي : «وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ».(1)

روي شيخنا الثقة الصدوق المولود بدعاء الحجة عجل الله فرجه، روي بسنده إلي سماعة وغيره، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في الآية الكريمة ، قال عليه السلام : نزلت هذه الآية في القائم عليه السلام... الخبر. (2)

وفي خبر رواه النعماني بسنده عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام،في معني الأمد في الآية الكريمة، قال عليه السلام: إنما الأمد أمد الغيبة. (3)

الآية الحادية عشر: آية قوله تعالي : «الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ».(4)

ففي خبر أبي الجارود، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام في الآية الكريمة، قال عليه السلام: هذه الآية نزلت في المهدي وأصحابه يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها، ويظهر الله بهم الدين حتي لا يري أثر من الظلم والبدع.(5)

الآية الثانية عشرة: آية قوله تعالي : «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ».(6)

ص: 66


1- سورة الحديد، الآية : 16.
2- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 2، ص 668.
3- الغيبة للنعماني، ص 6.
4- سورة الحج، الآية: 41.
5- ينابيع المودة للقندوزي، ص 25،والمهدي - عجل الله فرجه - للزهيري، ص163.
6- سورة الزخرف، الآية : 11.

فقد روي مقاتل بن سليمان، ومن تبعه من المفسرين في الآية الكريمة، قالوا : إن هذه الآية نزلت في المهدي.(1)

أقول: هذه جملة من الآيات التي صرحت الروايات المتقدمة بإنزالها فيه عجل الله فرجه، وقد ذكر بطرق أخر إنزالها فيه عجل الله فرجه، كما ذكرت آيات أخر أنزلت فيه - عجل الله فرجه - في التفاسير والبحوث القرآنية ، والظاهر كون بعضها في غاية الإعتبار من الناحية السندية ، وذكرها الكثير من أصحاب كتب الغيبة، والمفسرون، وعولوا عليها في مقام الإستدلال، وإلي الله المال .

جملة من الآيات المؤولة فيه عجل الله فرجه

الآية الأولي: آية قوله تعالي:«أَلَمْ تَرَ إِلَي الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ۚ وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَي أَجَلٍ قَرِيبٍ ».(2)

روي العياشي بسنده إلي إدريس - مولي عبد الله بن جعفر - عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق في الآية الكريمة ، قال عليه السلام في قوله تعالي :« إِلَي أَجَلٍ قَرِيبٍ »، قال : إلي خروج القائم عليه السلام ... الخبر.(3)

أقول: وقد روي المحدث الخبير الثقة الكليني نظيره بسنده إلي محمد ابن مسلم - من أصحاب الإجماع - عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام.

ص: 67


1- الصواعق المحرقة للعسقلاني، ص96، وإسعاف الراغبين، ص156.
2- سورة النساء، الآية : 77.
3- تفسير العياشي، ج 1، ص 257.

الآية الثانية: آية قوله تعالي :«وَأُخْرَي تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ».(1)

روي علي بن إبراهيم، عن أبي الجارود عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام في الآية الكريمة، وفي قوله تعالي :«وَفَتْحٌ قَرِيبٌ».قال عليه السلام : يعني في الدنيا بفتح القائم ... الخبر. (2)

الآية الثالثة: الآية الأولي من قوله تعالي:«وَالْعَصْرِ(1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ».(3)

روي شيخنا الثقة الصدوق بسنده إلي المفضل بن عمر ، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في العصر في الآية الكريمة ، قال عليه السلام : عصر خروج القائم عليه السلام، وفي الإنسان في الآية الأخري قال عليه السلام : يعني أعداءنا ... الخبر.(4)

الآية الرابعة: آية قوله تعالي : «قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ ».(5)

روي شيخنا الثقة الصدوق، بسنده إلي أبي بصير، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في الآية الكريمة، قال عليه السلام: يعني خروج القائم - عليه السلام - المنتظر منا، ثم قال : يا أبا بصير طوبي لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته والمطيعين له في ظهوره، أولئك أولياء اللهالا خوف عليهم ولا هم يحزنون .(6).

الآية الخامسة: آية قوله تعالي :«وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ».(7)

ص: 68


1- سورة الصف، الآية : 13.
2- تفسير القمي، ج 2، ص347 ، طبعة مؤسسة الأعلمي في بيروت.
3- سورة العصر، الآيتان: 1 و 2.
4- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 2، ص 656.
5- سورة الأنعام، الآية : 158.
6- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج2، ص 357
7- سورة إبراهيم، الآية: 5.

روي الصدوق بسنده إلي مثني الحناط، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام في الآية الكريمة، قال الحناط : سمعت أبا جعفر - عليه السلام- يقول: أيام الله عز وجل ثلاثة : يوم يقوم القائم عليه السلام، ويوم الكرة، ويوم القيامة. (1)

الآية السادسة: آية قوله تعالي :«وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا ».(2)

روي اين قولويه بسنده إلي محمد بن سنان، عن رجل قال : سألت أبا عبد الله - عليه السلام - عن قوله تعالي: وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا ».قال عليه السلام : ذلك قائم آل بيت محمد - عليه السلام- يخرج فيقتل بدم الحسين عليه السلام ... الخبر.(3).

أقول: وقد ذكر بعض المفسرين الروائيين أن الآية الكريمة مؤولة في

الحسين عليه السلام ، وأن المقصود بوليه عليه السلام قال : ولي دمه عليه السلام ، وأن ولي دمه عليه السلام هو الحجة عجل الله فرجه ، ولو صح لأمكن اعتبار الآية من الآيات المؤولة فيهما معا عليه السلام .

الآية السابعة: آية قوله تعالي :«بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا».(4)

روي العياشي بسنده إلي حمران، عن الإمام أبي جعفر محمد بن عليه السلام الباقرأنه كان عليه السلام لا يقرأ الآية الكريمة، فقال عليه السلام : هو القائم وأصحابه «أُولِي بَأسٍ شَدِيد... الخبر.(5)

ص: 69


1- الخصال للصدوق، ص 108، وروي مثله بطريق آخر إلي مثني الحناط في معاني الأخبار، ص 365.
2- سورة الإسراء، الآية : 33.
3- كامل الزيارات لابن قولوية ، ص63.
4- سورة الإسراء، الآية : 5.
5- تفسير العياشي، ج 2، ص 281.

وكذا ورد في خبر عبد الله بن القاسم البطل، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال في قوله تعالي: «وَكَانَ وَعدًا مَّفعُولًا»، قال عليه السلام : خروج القائم عليه السلام... الخبر(1).

الآية الثامنة: آية قوله تعالي : «أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ».(2)

روي علي بن إبراهيم بسنده عن عمرو بن أبي شيبة ، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام في الآية الكريمة، قال عليه السلام: القائم - عليه السلام - وأصحابه .(3)

الآية التاسعة: آية قوله تعالي : «وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ».(4)

ورد في خبر عن أمير المؤمنين عليه السلام في الآية الكريمة، قال عليه السلام : هم آل محمد، يبعث الله مهديهم بعد جهدهم، فيعزهم، ويذل عدوهم .(5)

الآية العاشرة: آية قوله تعالي : «وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ».(6)

روي المحدث الخبير الثقة الكليني بسنده إلي أبي حمزة، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام ، في قول الله عز وجل :«وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ».قال عليه السلام : عند خروج القائم عليه السلام .(7)

أقول: هذه مجموعة من الآيات التي لم يصرح فيها بقيود دالة علي إنزالها في القائم - عجل الله فرجه - كالآيات السابقة مما اخترناه في حديث الآيات المنزلة فيه عجل الله فرجه، ولذا، ولعدم ظهور ما يدل علي الإنزال

ص: 70


1- الكافي للكليني، الروضة، ص 250
2- سورة الأنبياء، الآية : 105.
3- تفسير القمي، ج 2، ص 51، طبعة مؤسسة الأعلمي في بيروت.
4- سورة القصص، الآية : 5.
5- بحار الأنوار للمجلسي، ج13، ص 16، والغيبة للطوسي، ص 122.
6- سورة ص، الآية: 88.
7- الكافي، الروضة، ص 287.

فيه - عجل الله فرجه - في مجموع هذه الآيات المختارة من خلال ظواهر الأخبار المذكورة تبعة لها، لذا يمكننا اعتبارها من الآيات المؤولة في الحجة - عجل الله فرجه - إلا إذا اشترطنا التصريح بإرادة التأويل في أخبار التأويل وهذا مما لم يقل به أحد من علماء التفسير، فالظاهر أن معرفة التأويل إنما تكون بالقرآئن لاحتمال إنصراف الآيات عند عدم التصريح بإرادة بيان مناسبة الإنزال، إحتمال إنصراف الآيات إلي ما هو أعم من التأويل، فيشمل حال عدم التصريح بمناسبة الإنزال إحتمال الحمل علي التأويل والتفسيروالتطبيق، وقد يفهم مما في بعض أخبار الآيات المتقدمة كونها من الآيات المطبقة أوالمفسرة في الحجة عجل الله فرجه ، وهذا يحتاج إلي مؤونة زائدة للتفريق بين ما إذا أريد بها التأويل أم التطبيق أم التفسير، ونحن اعتبرناها من المؤولة علي أساس ما استفدناه من القرآئن المتصلة الغير مصرحة بالتنزيل أو الإنزال أو النزول، وما استفدناه من القرائن المنفصلة المانعة من قصرها علي التطبيق أو التفسير في الحجة عجل الله فرجه، ولو اشترطنا في أخبار تأويل الآيات الدلالة الصريحة فيها علي التأويل لما أمكن الإستدلال بكل ما ذكر من الآيات المؤولة لعدم تصريح الأخبار بالتأويل فيحتمل التطبيق والتفسير ، وحتي يحتمل التنزيل لو الم نشترط في التنزيل الدلالة الصريحة عليه في أخبار التنزيل، ومن هذا وذاك لا بد لنا من تأسيس قاعدة للتفرقة بين التنزيل والتأويل والتفسير والتطبيق حتي يمكن التفرقة بين دلالات الأخبار بنحو من الدقة العلمية.

التفرقة بين التنزيل والتأويل والتفسير والتطبيق

من الممكن تأسيس تفرقة تكون كالضابطة الكلية المطبقة علي جميع جزئياتهاكمدخل لفهم الآيات والنصوص القرآنية للتمييز بين المنزل والمؤول منها في الحجة عجل الله فرجه، ولا بد من توضيح ذلك، علما أننا لم نفرغ عنوانا لبحث الآيات المفسرة أو المطبقة فيه عجل الله فرجه ، لأن ذلك - وكما قدمنا - يخرج هذا النبا عن الغاية التي لاجلها قصرنا

ص: 71

عرضه عليها في هذه المقدمة، ولأن الآيات المفسرة والمطبقة يصعب حصرها من جهة أخري، فها هو نتاج المفسرين في كل يوم يخرج لنا وجوه جديدة واجتهادات مستجدة في تفسير الآيات وتطبيقها، لذا ليس المراد بشكل أولي من تأسيس ضابطة الدلالة علي الآيات المفسرة أو المطبقة علي الحجة أرواحنا فداه، بل المراد بشكل أولي في مقامنا التمييز بين الآيات المنزلة والمؤولة بحسب ما يفهم من أخبار أهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

والمقصود بالتنزيل هو مناسبة الإنزال، أي الحادثة التي أدت إلي إنزال الآية .

ويمكن التفرقة بين التنزيل والإنزال بأن الأول يكون تدريجيا دفعاتية والثاني يكون دفعة واحدة أي دفعية ، وقد يعبر عن التنزيل بالإنزال وعن الإنزال والنزول بالتنزيل من باب المسامحة في الإستعمال، وإلا فالمداقة العرفية بحسب الوضع تستلزم التفرقة.

والمناسبة للإنزال لا تتعدد، لكن أسبابها قد تتراكم فتنزل الآية، أو بتعبير أوضح قد تتكرر الأحداث وتتعدد فتنزل الآية، لكن الإنزال حين الإنزال لا يكون إلا إذا اتحدت المناسبة للإنزال، وقد يكون مجموع الأحداث المفضية إليالإنزال مشتركة في جوهره أو متحدة في مضمونه مع اختلاف ظاهري، فلا بد من الموافقة بين مضمون تلكم الأحداث المتفقة في جوهرها ومضمونها والمختلفة في ظاهرها وهيئتها ، ولا بد من الموافقة بين هذه الأحداث وبين مضامين الآيات ، فلو لم تشترك الأحداث والآيات في موضوعها كانت الأحداث غير صالحة لتكون مناسبة للإنزال، فاتفاق حدث مضمونه الزني لا يصلح مناسبة لإنزال آيات تحريم الخمر وهكذا،وهذا الإتفاق المضموني هو من المسلمات والبديهيات .

وأما التأويل فيكون فيه المعني غير ظاهر ولكن يحتمله الباطن، فلا يتناقض المعني بين الظاهر والمؤول عليه الظاهر الذي هو من المعني

ص: 72

الباطن أو من بطون الآية علي حد ما ورد في الخبر الدال علي وجود بطون وراء ظواهر القرآن، فثمة اشتراك موضوعي بين المعني الظاهر والمعني المؤول، ولا بد من أن يتسع اللفظ في دائرته أو في ظهوره لحمل المعني المؤول عليه ، فلا يكون أجنبية مطلقة وإلا كان غريبة بل من مضروبات الرأي المنهي عن حمل ألفاظ الكتاب عليه، ولا ينبغي - كذلك - المطابقة بين الظهور والمعني الذي حمل عليه الباطن وإلا كان تفسيرة، ولا بد من النص علي المعني التأويلي لقوله تعالي :«وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ».(1)، والنص علي التأويل لا بد أن يفهم منه إرادة التأويل لا التنزيل والتفسير والتطبيق، وقد يشترط البعض أن يصرح في النص المعصومي بإرادة المعني المؤول ولكن هذا مما لم يدل عليه دليل، وعليه فكل معني في النص المعصومي تحمل عليه الآية خلاف الظاهر منها دون التصريح بكونه تنزيل هو مورد للحمل علي التأويل ما لم تتحقق فيه المطابقة بين المعني الظاهريوالمعني الذي ورد في الخبر المعصومي وإلا كان تفسيرة، وكل من التأويل والتفسير يحتمله المعني إلا أنه في التفسير أظهر وفي التأويل أخفي، لذلك اشترطوا في التأويل النص المعصومي عن الراسخين في العلم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وإلا ضل الناس بل العلماء في إدراك المعاني التأويلية ولذهبت بهم المذاهب، وإن البعد عن النص المعصومي في تأويل القرآن هو الذي أوقع الفرق والنحل فيما وقعوا فيه من ضروب اجتهادات الرأي في القرآن هداهم الحق سبحانه سواء السبيل.

والتفسير هو تظهير المعاني من الألفاظ أي استخراج المعاني الظاهرة ودليل حجيته حجية الظهور العرفية عند اللغويين والمناطقة والأصوليين، والتفسير تارة يكون لغوية وأخري عرفانية يستند إلي مصطلحات العرفان وثالثة بلاغية يستند إلي وجوه البلاغة ومباني البلغاء ورابعة يكون فلسفية تطبق فيه قواعد الفلاسفة وهكذا، فالتفسير قابل للتنوع

ص: 73


1- سورة آل عمران، الآية : 7.

بحسب الوجهة التي ينظر منها إليه ، وقد يرد نص فيه، وإلا أخضع للقواعد العامة المقررة عند المفسرين والتي هي بدورها مستفادة من ظواهر الكتاب والأخبار المروية عن المعصومين عليهم السلام

والتطبيق يجري مجري الحجر والمدر والشمس والقمر فهو قابل للتجدد والتعدد بحسب تجدد وتعدد مصاديق الآيات الخارجية المنطبقة علي مفاهيم القرآنعبر الزمان والمكان، فالآية الواحدة قابلة لتطبق في كل الأزمنة والأمكنة، وعلي كل الأشخاص إذا ما توفرت أهلية التطابق والملائمة بحسب ما عليه العرف والسير، فلو قال سبحانه في القرآن : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا »ويتأيها الذين امواه لكان - في عالم التطبيق - المخاطب بالذين آمنوا كل من آمن من لدن إنزال الآية إلي قيام الساعة، ولم يكن المعني حصر الخطاب الذين آمنوا زمن الإنزال، ولا بطائفة منهم زمان ومكان الإنزال فهذا معني التطبيق والجريان للقرآن الذي أشارت إليه الأخبار بحسب فهمنا القاصر.

وبعد هذا البيان أمكننا أن نؤسس ضابطة للتفرقة بين الأخبار المروية في بيان التنزيل من التأويل ومن غيرهما وذلك في حديثنا حول الآيات المرتبطة بالحجة أرواحنا فداه ، ويمكن الإستعانة بهذه الضابطة في تمييز بقية الآيات والأخبار المروية في الحجة - عجل الله فرجه - مما لم نذكره في هذه العجالة.

ويمكن لحصر تلك الآيات والأخبار الإستفادة من مصنف المحدث الخبير والعالم النحرير السيد هاشم البحراني، وهو كتاب «المحجة فيما نزل في القائم الحجة عجل الله فرجه »، علما بأنه - أعلي الله مقامه - طرح الآيات علي رسلها ، وترك التمييز بينها لمن أراد ذلك من أهل التحقيق والتدقيق ، وقد ذكر - رضوان الله عليه - مئة وإثنتين وثلاثين آية بين منزلة ومؤولة فيه عجل الله فرجه، ولسنا في معرض بيان الرأي المختار في مروياته من حيث الوثاقة أو عدمها في كتابه هذا لأن الخوض فيه يخرجنا عن الغاية ، والله المؤيد.

ص: 74

النبأ الثاني : في مولده عجل الله فرجه وبيان فضل ليلته وفضل زيارة الحسين صلوات الله عليه فيها

تحقيق في مولده عجل الله فرجه

كانت ولادته - عجل الله فرجه . في يوم الجمعة، في الخامس عشرمن شهر شعبان المعظم، وهذا هو المشهور .

ويستظهر من رواية المفيد في الإرشاد، والكليني في الكافي ، والكراجكي في كنز الفوائد، والكفعمي في الجنة الواقية، وجماعة آخرين، يستظهر أن الولادة الميمونة كانت في ليلة الجمعة، ولكنه خلاف الشهرة المتقدمة

وقيل : كانت الولادة في الثامن من شهر شعبان المعظم، وقد روي ذلك الحسن بن محمد بن حسن القمي في كتابه تاريخ قم، وهو قول ضعيف لضعف مستنده، والله العالم، ثم هو خلاف الشهرة الروائية التي تعتبر قرينة علي الواقع والوجدان.

وقد ورد عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق علي عند تعارض الخبرين كضابطة كلية قوله ظل : خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر، واستدل البعض بهذا علي حجية الشهرة الروائية ، واختلفوا في حجية الشهرة العملية والشهرة الفتوائية، بل والشهرة الروائية كذلك، فرد البعض حجيتها - أي الشهرة مطلقة - لكونه رب مشهور لا أصل له، وفيها كلام يطول في الكتب الأصولية، ولا مانع من الأخذ بالشهرة الروائية

ص: 75

إن أمكن تأصيلها من الأدلة، علي أنه لا يصح الأخذ بها إذا لم يثبت لها أصل بين الأدلة، وتكون حال تأصيلها قرينة علي الحجية وليست حجة مستقلة، والله العالم .

وقد ادعي جماعة الإجماع علي أن الولادة له - عجل الله فرجه - كانت في يوم الجمعة، وقال به كثيرون منهم الشهيد الأول في الدروس، وابن صباغ المالكي في الفصول المهمة في معرفة الأئمة عليهم السلام ، وكذا استظهر من مرويات الشيخ في المصباح، ورواه صاحب تاريخ قم المتقدم ذكره، وجماعة آخرون .

ويستفاد من خبر السيدة حكيمة - رضوان الله عليها - أن الولادة كانت بعد طلوع الفجر الأول ليوم الجمعة أي الفجر الكاذب، وكذا دلت علي أن الولادة اتفقت في يوم النصف من شهر شعبان المعظم، ولم يقع خلاف بين العلماء علي أن الولادة كانت في شهر شعبان، وكذا اتفقوا علي أنها كانت في سامراء في دار أبيه عليه السلام، وقد ذكره جماعة كثر منهم الشيخ في مصباحه .

أما بالنسبة لسنة مولده - عجل الله فرجه - فالأشهر بين المؤرخين والمحدثين أنها كانت في السنة الخامسة والخمسين والمئتين من الهجرة النبوية علي مهاجرها وآله آلاف الصلوات والسلام والتحية.

وممن ذكر ذلك شيخنا الثقة المفيد في الإرشاد، والمجلسي في جلاءالعيون، والكراجكي في كنز الفوائد، والكليني في الكافي، والشهيد الأول في الدروس، والشيخ في مصباح المتهجد، وابن صباغ المالكي في فصوله ، والكفعمي في الجنة الواقية، وغيرهم جماعة كثر من المتقدمين والمتأخرين .

وذكر المسعودي في إثبات الوصية أنها كانت سنة ست وخمسين وهو معارض للشهرة المتقدمة .

وقيل : كانت سنة ثمان وخمسين كما عن أحمد بن محمد الفريابي ،(1)

ص: 76


1- وقيل : الفاريابي بالألف بعد الفاء، وهو من رواة تواريخ الأئمة عليهم السلام.

عن نصر بن علي الجهضمي، وهو - أي الجهضمي - ممن أدرك الحجة - عجل الله فرجه - عند مولده عجل الله فرجه، وذكر الفريابي هذا التاريخ المولده - عجل الله فرجه - في كتابه حول تاريخ مواليد الأئمة عليهم السلام، وقد ضعف العلماء هذا القول لمعارضته للشهرة المتقدمة .

وهناك قول آخر للمفيد في كتابه مسار الشيعة، يذكر أن الولادة كانت سنة أربع وخمسين، وهو خلاف ما ذهب إليه في كتابه الإرشاد، ويظهر أنه كان يقول بالرابعة والخمسين ولكنه عدل في الإرشاد إلي الشهرة.

وعلي رغم وقوع الخلاف في سنة مولده - عجل الله فرجه - لكن دلت علي الشهرة الروائية جملة من الأخبار.

منها: صحيحة السيدة حكيمة المروية في كتب الصدوق، والشيخ، وفيها : ... بعث إلي أبو محمد - عليه السلام - سنة خمس وخمسين ومائتين في النصف من شعبان ... إلي آخر الصحيحة .

ومنها: حسنة الفضل بن شاذان، وهو ممن أدرك ولادته عجل الله فرجه، وتوفي قبل أبيه العسكري عليه السلام، وهذه الحسنة مروية في كتابه الغيبة بسند عن محمد بن حمزة بن الحسن بن عبد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، قال : سمعت أبا محمد - عليه السلام - يقول:

قد ولد ولي الله ، وحجته علي عباده، وخليفتي من بعدي، مختونة ليلة النصف من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين عند طلوع الفجر .. إلي أخر الحسنة.

ومنها: رواية المسعودي الأخري في كتابه إثبات الوصية والموافقة لما عليه الشهرة الروائية المتقدمة، وقد ذكرها ولكن لم يأخذ بها بل خالف الشهرة في رأيه المختار .

ويوافق تاريخ مولده - عجل الله فرجه - سنة ثمان وستين وثمانمئة ميلادية .

ص: 77

في فضل ليلة مولده عجل الله فرجه

إعلم - أيدك الحق بروح منه - أن ليلة مولده - عجل الله فرجه - هي من الليالي العظيمة والجليلة، وجاءت بفضلها أخبار علماء الفريقين، وبعضها وردت بطرق معتبرة، وذكر جماعة من المفسرين الروائيين أنها هي الليلة المقصودة بآية قوله سبحانه:«إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ».(1)، حيث حققنا في محله (2) أن للقرآن أربعة أنواع من الإنزال، أنزل مرة دفعة واحدة علي قلب النبي صلي الله عليه وآله، ومرة دفعاتيا علي قلبه صلي الله عليه وآله ، ودلت عليه آية قوله تعالي : «كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ».(3) ، ثم الإنزال الثالث كان دفعية إلي السماء الدنيا في ليلة القدر ، والإنزال الرابع دفعاتية في طول وعرض مدة بعثته لحين وفاته صلي الله عليه وآله، ويستفاد من مضمون الأخبار و كلمات علمائنا أن أحد أنواع الإنزال كان في ليلة مولد الحجة عجل الله فرجه، أي في مثل ليلة مولده عجل الله فرجه ، ففضل هذهالليلة بإنزال القرآن أحد الإنزالات الأربعة، والظاهر أنه الإنزال الدفعي علي قلب النبي صلي الله عليه وآله مما يستوحي من ظاهر الآية في قوله تعالي : «أَنزَلْنَاهُ»، فهي توحي بالإنزال الدفعي، أي دفعة واحدة، ففضل ليلة النصف بإنزال القرآن فيها علي هذا النحو أولا، وبمولده - عجل الله فرجه - فيها ثانية، أي في مثلها حيث أن الولادة متأخرة علي الإنزال كما هو ثابت بالبداهة بلا خلاف.

وذكر السيد ابن طاووس في حديث عن رسول الله صلي الله عليه وآله في كتابه

ص: 78


1- سورة الدخان، الآية: 3.
2- الغدير في القرآن للمؤلف، من ص47الي ص50، طبعة دار المحجة البيضاء في بيروت.
3- سوره هود،الايه:1.

إقبال الأعمال»(1)، قال : كنت نائمة ليلة النصف من شعبان، فأتاني جبرئيل - عليه السلام - فقال لي: يا محمد أتنام في هذه الليلة؟

فقلت : يا جبرئيل وما هذه الليلة؟

قال : هي ليلة النصف من شعبان، قم يا محمد، فأقامني، ثم ذهب بي إلي البقيع، فقال : إرفع رأسك فإن هذه ليلة تفتح فيها أبواب السماء فيفتح فيها أبواب الرحمة وباب الرضوان وباب المغفرة وباب الفضل وباب التوبة وباب النعمة وباب الجود وباب الإحسان، يعتق الله فيها بعدد شعور النعم وأصوافها ، يثبت الله فيها الآجال، ويقسم فيها الأرزاق من السنة إلي السنة، وينزل ما يحدث في السنة كلها .

يا محمد من أحياها بتسبيح وتهليل وتكبير ودعاء وصلاة وقراءة وتطوع واستغفار كانت الجنة له منزلا ومقيلا وغفر الله له ما تقدم وما تأخر.

يا محمد من صلي فيها مائة ركعة يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب مرة .وقل هو الله أحد عشر مرة، فإذا فرغ من الصلاة قرأ آية الكرسي عشر مرات وفاتحة الكتاب عشرة، وسبح الله مائة مرة غفر الله له مائة كبيرة موبقة موجبة للنار، وأعطي بكل سورة وتسبيحة قصرة في الجنة ، وشفعه الله في مائة من أهل بيته وشركه في ثواب الشهداء، وأعطاه الله ما يعطي صائمي هذا الشهر وقائمي هذه الليلة من غير أن ينقص من أجورهم شيء.

فأحيها يا محمد وأمر أمتك بإحيائها، والتقرب إلي الله تعالي بالعمل فيها فإنها ليلة شريفة، وقد أتيتك يا محمد وما في السماء ملك إلا وقد صف قدميه في هذه الليلة بين يدي الله تعالي فهم بين راكع وقائم وساجد وداع و مكبر ومستغفر ومسيح .

ص: 79


1- يقول شيخنا العارف آية الله العظمي الشيخ محمد تقي بهجت روحي فداه: كتاب الإقبال أقبل عليه جميع العلماء، ويقول روحي فداه : كتب السيد سادة الكتب ،يقصد السيد ابن طاووس.

فقال عليه السلام : هي ليلة يعتق الله فيها الرقاب من النار ويغفر فيها الذنوب الكبائر... الخبر.(1)

وفيه عن الإمام أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام في أعمال هذه الليلة قال عليه السلام للحسن بن فضال : وأكثر فيها من ذكرالله تعالي، ومن الإستغفار، والدعاء ... الخبر.(2)

وفيه روي إسماعيل بن الإمام أبي الحسن موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام، عن أبيه عليه السلام قال عليه السلام : كان علي بن أبي طالب - عليه السلام - يقول:

يعجبني أن يفرغ الرجل نفسه في السنة أربع ليال : ليلة الفطر، وليلة الأضحي، وليلة النصف من شعبان، وأول ليلة من رجب .(3)

وفيه روي الحارث بن عبد الله عن أمير المؤمنين عليه السلام قال عليه السلام: إن استطعت أن تحافظ علي ليلة الفطر، وليلة النحر، وأول ليلة من المحرم، وليلة عاشوراء، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان فافعل، وأكثر فيهن من الدعاء والصلاة وتلاوة القرآن.(4)

وفيه روي سعيد بن سعد عن الإمام أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام قال عليه السلام : كان أمير المؤمنين - عليه السلام - لا ينام ثلاث ليال : ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، وليلة الفطر، وليلة النصف من شعبان، وفيها تقسم الأرزاق والآجال وما يكون في السنة .(5)

وفيه روي زيد بن علي عليه السلام ، قال : كان علي بن الحسين - عليهما

ص: 80


1- مصباح المتهجد للطوسي، ص 580 ، الطبعة الجديدة المؤسسة الأعلمي في بيروت.
2- نفس المصدر .
3- نفس المصدر، ص 589.
4- نفس المصدر، ص 590.
5- نفس المصدر.

السلام - يجمعنا جميعة ليلة النصف من شعبان، ثم يجي الليل أجزاء ثلاثة فيصلي بنا جزء، ثم يدعو ونؤمن علي دعائه، ثم يستغفر الله ونستغفره،ونسأله الجنة حتي ينفجر الصبح .(1)

وروي السيد ابن طاووس في كتابه «إقبال الأعمال»، روي خبر كميل ابن زياد النخعي صاحب الدعاء الشهير، وهو من أصحاب علي عليه السلام، قال كميل بن زياد:

كنت جالسا مع مولاي أمير المؤمنين - عليه السلام - في مسجد البصرة، ومعه جماعة من أصحابه .

فقال بعضهم: ما معني قول الله عز وجل: «فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ».(2)

قال - عليه السلام - : هي ليلة النصف من شعبان، والذي نفس علي بيده إنه ما من عبد إلا وجميع ما يجري عليه من خير وشر مقسوم له في ليلة النصف من شعبان إلي آخر السنة في مثل تلك الليلة المقبلة، وما من عبد يحييها ويدعو بدعاء الخضر - عليه السلام - إلا أجيب له... الخبر.(3)

في فضل زيارة الحسين صلوات الله عليه ليلة النصف من شعبان

ذكر الشيخ الطوسي في مصباحه في فضل ليلة النصف من شعبان أن أفضل الأعمال فيها زيارة الإمام أبي عبد الله الحسين بن علي سيد الشهداء عليه السلام، وذكر جملة من الأخبار في ذلك .

ص: 81


1- مصباح المتهجد للطوسي، ص 590، طبعة مؤسسة الأعلمي في بيروت .
2- سورة الدخان، الآية: 4.
3- إقبال الأعمال لابن طاووس، ص 220، الطبعة الجديدة المؤسسة الأعلمي في بيروت، والمراد من دعاء الخضر عليه السلام دعاء كميل الشهير.

منها: ما رواه خداش، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، قال : من زار قبر الحسين بن علي - عليهما السلام - ثلاث سنين متواليات لا يفصل بينهن في النصف من شعبان غفرت له ذنوبه البتة.(1)

ومنها: ما رواه محمد بن مارد التميمي ، قال : قال لنا أبو جعفر عليه السلام : من زار قبر الحسين - عليه السلام - في النصف من شعبان غفرت له ذنوبه، ولم تكتب عليه سيئة في سنته حتي يحول عليه الحول، فإن زاره في السنة الثانية غفرت له ذنوبه.(2)

ومنها: ما رواه أبو بصير ، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : من أحب أن يصافحه مائة ألف وعشرون ألف نبي فليزر قبر الحسين - عليه السلام - في نصف شعبان فإن أرواح النبيين تستأذن الله تعالي في زيارته فيؤذن لهم .(3)

ومنها: ما رواه هارون بن خارجة عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : إذا كان النصف من شعبان نادي مناد من الأفق الأعلي : زائري الحسين ارجعوا مغفورة لكم، ثوابكم علي ربكم ومحمدنبيكم.(4)

أقول: ولقد ذكر أصحاب كتب الأعمال ومنهم الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد، والسيد ابن طاووس في إقبال الأعمال، والشيخ الكفعمي في كتابه المصباح، وغيرهم كثيرون ذكروا مجموعة من الأعمال من أدعية وصلوات وأوراد وأذكار تستحب في ليلة مولد الحجة عجل الله فرجه، ومن أراد الإطلاع والعمل فليرجع إلي تلك المصادر، والله المسدد .

ص: 82


1- مصباح المتهجد للطوسي،ص574،الطبعة الجديدة لمؤسسة الأعلمي في بيروت .
2- نفس المصدر .
3- نفس المصدر .
4- نفس المصدر .

النبأ الثالث :في حديث حمله ووضعه عجل الله فرجه والتحقيق فيه

تحقيق في طرق حديث حمله ووضعه عجل الله فرجه

روي المؤرخون والمحدثون علي السواء حديث حمله ووضعه عجل الله فرجه، وذلك بكيفيات متعددة متفقة في المضمون والجوهر، وقد روي

حديث حمله ووضعه - عجل الله فرجه - بطرق عديدة ، ورواه القدماء أمثال الطبري في تاريخه، والفضل بن شاذان، والحسين بن حمدان الخصيبي، والمسعودي، وكذا رواه شيخنا المفيد، ونقله عنهم كل من تعرض للموضوع من مصنفي كتب الغيبة من المتقدمين والمتأخرين.

وقد روي الحديث بسند صحيح إلي السيدة حكيمة بنت الإمام أبي جعفر محمد بن علي الجواد عليه السلام، وممن رواه بسند غاية في الإعتبار شيخنا الصدوق، ورواه بطريقين في غاية الإعتبار في كتابه كمال الدين وتمام النعمة، الطريق الأول عن موسي بن محمد بن القاسم بن حمزة بن الإمام أبي الحسن موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام، عن حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام، والطريق الثاني عن محمد بن عبد الله، عن حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام.

وممن روي حديث حمله ووضعه - عجل الله فرجه - الشيخ الطوسي شيخ الطائفة، ومؤسس الحوزة العلمية في النجف الأشرف تلميذ الشيخ المفيد والسيد المرتضي، رواه مع اختلاف بسيط لا يخل بمضمونه ،

ص: 83

ورواه في كتابه الغيبة بطريق إلي محمد بن عبد الله المطهري عن السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام، وقد روي شيخنا الصدوق الحديث بعين السند الذي رواه الشيخ الطوسي كذلك كما تقدمت الإشارة إليه في طريقي حديث الصدوق.

وزاد بعض رواة الحديث عليه بعض القيود التي لا يضر حذفها لذلك لم نعتبر ذلك نقصا فيما سنرويه في الآتي، وأعرضنا عن ذكر تلك الزيادات، وممن زاد عليه رجب البرسي في كتابه مشارق أنوار اليقين، وابن شهر آشوب في مناقبه، وغير هؤلاء، لكنهم لم يطرحوا الحديث بتمامه من جهات أخر، وسنذكر في الآتي الحديث في أكمل صوره من كتب المؤرخين والمحدثين.

وفي الجملة رواية أبي جعفر الطبري، والفضل بن شاذان، والمفيد،والطوسي، والبرسي، وابن شهر آشوب كلها متفقة وبعضها قرينة علي الأخري، ولا تعارض بينها، وكذا ذكر الحديث بتمامه العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي في كتابه بحار الأنوار حيث يعتبر كتابه في أجزاء الغيبة أكبر ما كتب بين القدماء من كتب الغيبة، ولكننا وجدنا بين متأخري المتأخرين من فاق المجلسي في سعة ما كتب.

حديث حمله ووضعه عجل الله فرجه

وحديث حمله ووضعه - عجل الله فرجه - علي رواية الصدوق -بسنده عن محمد بن عبد الله المطهري، قال :

قصدت حكيمة(1)

بنت محمد - عليه السلام - بعد مضي أبي محمد - عليه السلام - أسألها عن الحجة، وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة

ص: 84


1- وهي مدفونة ممايلي رجلي الإمامين العسكريين عليه السلام في سامراء متصلا بضريحهما .

التي فيها ، فقالت لي: إجلس فجلست .

ثم قالت لي: يا محمد، إن الله تبارك وتعالي لا يخلي الأرض من حجة ناطقة أو صامتة، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين تفضيلا الحسن والحسين عليهما السلام، وتميزة لهما أن يكون في الأرض عديلهما، إلا أن الله تبارك وتعالي خص ولد الحسين بالفضل علي ولد الحسن كما خص ولد هارون علي ولد موسي، وإن كان موسي حجة علي هارون، والفضل لولده(1) إلي يوم القيامة، ولا بد للأمة من حيرة يرتاب فيها المبطلون، ويخلص فيها المحقون، لئلا يكون للناس علي الله حجة بعد الرسل، وإن الحيرة لا بد واقعة بعد مضي أبي محمد الحسن عليه السلام.

فقلت : يا مولاتي هل كان للحسن - عليه السلام - ولد؟

فتبسمت ثم قالت لي: إذا لم يكن للحسن - عليه السلام - عقب فمن الحجة من بعده؟ وقد أخبرتك أن الإمامة لا تكون الأخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام.

فقلت : يا سيدتي حدثيني بولادة مولاي وغيبته عليه السلام؟

قالت : نعم، كانت لي جارية يقال لها نرجس، فزارني ابن أخي - عليه السلام - وأقبل يحد النظر إليها ، فقلت له : يا سيدي، لعلك هويتها فأرسلها إليك؟

فقال : لا يا عمة، لكني أتعجب منها ،

فقلت: وما أعجبك؟

فقال عليه السلام:

سيخرج منها ولد كريم علي الله عز وجل الذي يملا الله الأرض به عدة وقسطا كما ملئت جورة وظلما،

فقلت : فأرسلها إليك يا سيدي؟

ص: 85


1- أي الفضل لولد الحسين عليه السلام إلي يوم القيامة والمراد التسعة من ذريته عليه السلام.

فقال : إستأذني في ذلك أبي

قالت : فلبست ثيابي، وأتيت منزل أبي الحسن، فسلمت وجلست ،فبدأني - عليه السلام - وقال :

يا حكيمة أبعثي بنرجس إلي إبني أبي محمد،

فقلت : يا سيدي، علي هذا قصدتك أن أستأذنك في ذلك ، فقال : يا مباركة، إن الله تبارك وتعالي أحب أن يشركك في الأجر، ويجعل لك في الخير نصيبا .

قالت حكيمة : فلم ألبث أن رجعت إلي منزلي وزينتها ووهبتها لأبي محمد عليه السلام، وجمعت بينه وبينها في منزلي، فأقام عندي أياما ، ثم مضي إلي والده، ووجهت بها معه .

قالت حكيمة : فمضي أبو الحسن عليه السلام، وجلس أبو محمد - عليه السلام - مكان والده، وكنت أزوره كما كنت أزور والده، فجاءتني نرجس يوما تخلع خفي، وقالت: يا مولاتي، ناوليني خفك ، فقلت : بل أنت سيدتي ومولاتي، والله لا دفعت إليك خفي لتخلعيه ولا خدمتيني بل أخدمك علي بصري، فسمع أبو محمد - عليه السلام - ذلك، فقال :

جزاك الله خيرا يا عمة، فجلست عنده إلي وقت غروب الشمس، فصحت بالجارية وقلت : ناوليني ثيابي لأنصرف، فقال عليه السلام: يا عمتاه، بيتي الليلة عندنا فإنه سيولد الليلة المولود الكريم علي الله عز وجل، الذي يحيي الله عز وجل به الأرض بعد موتها، قلت : ممن يا سيدي ولست أري بنرجس شيئا من أثر الحمل؟

فقال : من نرجس لا من غيرها.(1) .قالت: فوثبت إليها فقبلتها ظهرا

ص: 86


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص 427، أقول: وقد رويت إلي هنا بسند الصدوق إلي المطهري، وما سياتي برواية الصدوق - أيضا - علي ما أفدناه من مجموع مروياته وبنفس السند المتقدم، وتممناه بما رواه غيره مما سبق أن أشرنا إليه في مقدمة هذا النبا، فراجعه

البطن، فلم أر بها أثر حبل، فعدت إليه - عليه السلام - فأخبرته بما فعلت، فتبسم ثم قال عليه السلام :إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل، لأن مثلها مثل أم موسي - عليه السلام - لم يظهر بها الحبل، ولم يعلم بها أحد إلي وقت ولادتها ، لأن فرعون كان يشق بطون الحبالي في طلب موسي عليه السلام، وهذا نظير موسي عليه السلام، قالت حكيمة : فعدت إليها فأخبرتها بما قال، وسألتها عن حالها ، فقالت : يا مولاتي ما أري بي شيئا من هذا.

ثم قالت حكيمة رضوان الله عليها : فلما أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعي، فلما أن كان في جوف الليل قمت إلي الصلاة، ففرغت من صلاتي وهي نائمة لا تقلب جنبا إلي جنب ، ثم إن نرجس وثبت فزعة.

قالت حكيمة : فضممتها إلي صدري وسميت عليها، فصاح أبومحمد - عليه السلام - وقال :إقرئي عليها : «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ»(1)

، فأقبلت أقرأ عليها وقلت لها: ما حالك؟

قالت : ظهر الأمر الذي أخبرك به مولاي، فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني .... الخبر.

إلي أن قالت السيدة حكيمة - رضوان الله عليها - في جملة كلامها :... فلم يستتم الكلام - أي الإمام العسكري عليه السلام - حتي غيب عني نرجس فلم أرها ، كأنه ضرب بيني وبينها حجاب، فعدوت نحو أبي محمد - عليه السلام - وأنا صارخة،

فقال لي: إرجعي يا عمة فإنك ستجدينها في مكانها .

ص: 87


1- سورة القدر، الآية : 1، و مراد الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام سورة القدر، لا الآية الأولي منها فحسب كما يستظهر من كلامه عليه السلام .

قالت : فرجعت، فلم ألبث أن كشف الحجاب بيني وبينها، وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشي بصري، وإذا أنا بصبي - عليه السلام - ساجدة علي وجهه، جاثية علي ركبتيه، رافعا سبابتيه نحو السماء... الخبر .(1)

تقول السيدة حكيمة رضوان الله عليها : فصاح أبو محمد الحسن - عليه السلام - فقال : يا عمة، تناوليه وهاتيه، فتناولته وأتيت به نحوه ... الخبر(2).

وفي رواية أن الإمام أبا محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام تناوله، وأخرج لسانه فمسحه علي عينيه ففتحهما، ثم أدخله في فيه فحنكه، ثم أدخله في أذني هوأجلسه في راحته اليسري، فاستوي ولي الله جالسا ، فمسح يده علي رأسه ... الخبر.(3)

وفي رواية عن الحسن بن محمد، عن حكيمة بنت الإمام أبي جعفر محمد بن علي الجواد عليه السلام ، قالت: فجئت به إلي الحسن - عليه السلام - فمسح يده الشريفة علي وجهه ... الخبر.(4)

وروي الحسن بن منذر، عن حمزة بن أبي الفتح، قال : جائني يوما ، فقال لي : البشارة، ولد البارحة في الدار مولود لأبي محمد - عليه السلام - وأمربكتمانه(5).

وفي رواية أنه عند ولادته - عجل الله فرجه - دعا أبو محمد صلي الله عليه وآله عثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه، وقال عليه السلام :

إشتر عشرة آلاف رطل خبز، وعشرة آلاف رطل لحم، وفرقه حسبة علي بني هاشم.(6)

ص: 88


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص 428، وص429.
2- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص 428، وص429
3- الغيبة للطوسي، ص 141، وص 142.
4- مشارق أنوار اليقين للبرسي، ص101، وص 102.
5- كمال الدين وتمام النعمة للصدرق، ص433.
6- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص 431.

أقول: وكما قدمت فإني نقلت الخبر برواية الصدوق عن المطهري، وأضفت إليه ما زاده الآخرون، كما حاولت المحافظة علي خصوصية كل خبر متمم لخبر المطهري قدر الإمكان، ومن مجموع هذا وذاك يمكن للمتتبع الإحاطة بأحوال حمله ووضعه عجل الله فرجه .

ص: 89

النبأ الرابع :في نسبه وتحديد أبيه وفيه جملة من الأدلة من كتب العامة علي نسبه عجل الله فرجه

معالجة جملة من الأقوال في نسبه عجل الله فرجه

لا خلاف بين علماء الطائفة الإسلامية الشيعية الإمامية الإثني عشرية في نسبه وأمه وأبيه عجل الله فرجه، ووافقهم أكثر علماء الأديان والفرق ، وشذ عن ذلك جماعة.

وقد ادعي بعض المخالفين جملة من الأقوال في نسبه خلاف ما عليه الشهرة والتواتر والأخبارالصحيحة، وهذه الأقوال نادرة والنادر كالمعدوم ويمكننا أن نعرضها فيما يلي:

قيل : إنه من ولد العباس بن عبد المطلب (1)، والدليل علي خلافه وهو مجرد دعوي وقيل : هو محمد بن الحنفية (2)رضي الله عنه، وادعاه الفرقة الكيسانية، وهي من الفرق الضالة، وقد انقرضوا في زماننا، وانقسمت الفرقة الكيسانية في عهدها فيه - عجل الله فرجه - إلي عدة فرق وادعت كل فرقة نسب له - عجل الله فرجه - غير الحق، وكلها آراء لم يدل عليها دليل، بل ادعيت من باب اجتهاد الرأي، ومن أقوال فرق الكيسانية أنه

ص: 90


1- ذخائر العقبي للطبري، ص 206.
2- فرق الشيعة للنوبختي، ص26،وص27.

عبد الله بن محمد بن الحنفية المكني بأبي هاشم(1)، وسواء دعواهم بأنه الأب أو الإبن فإن هذه الدعوي باطلة بدليل أن محمد بن الحنفية - رضي الله عنه - ما ادعي الإمامة لنفسه، بل بايع الإمام أبا محمد علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، وولده مات قبل أن يملأ الأرض قسطا وعدلا ، وسيأتي مزيد فيه عند حديث خلاف الفرق.

وقيل : هو من ولد الإمام أبي محمد الحسن بن علي المجتبي عليه السلام(2)، وهو قول شاذ، ولم يسلم ناقل هذا القول من وضع الحديث فلا حجة بنقله وقوله لعدم وثاقته .

وقيل : هو نبي الله عيسي بن مريم عليه السلام، وهذا القول أوهن من بيت العنكبوت،ولقد رواه العامة من بعض طرقهم، وعلماء رجال الحديث حكموا بضعف ناقله وشذوذه، بل قال البعض هو خلط بين عقيدة المسلمين والمسيحيين .

أقول: والحق هو كذلك، فإن المسيحيين يعتقدون بعودة مصلح آخر الزمان، ويظنونه عيسي بن مريم عليه السلام، وإن فكرتهم في المصلح تتفق مع عقيدتنا في كونه لابد من المصلح، ولكننا نفترق معهم في نسبه وهويته.

وقيل : هو نبي الله موسي بن عمران الكليم عليه السلام، وهذا القول كسابقه، وهو من عقائد اليهودية فإنهم يعتقدون بعودة مصلح آخر الزمان ، ويظنونه موسي بن عمران عليه السلام، وهو قول كسابقه في البطلان والوهن .

وقيل : هو الإمام أبو الحسن موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام، وهذا قول الواقفية الذين وقفوا في الإمامة عند الإمام الكاظم عليه السلامفقالوا بأنه آخر الأئمة عليهم السلام ، وهذه الفرقة الضالة انقرضت كالكيسانية .

وهناك أقوال مشابهة في الديانات الضالة كالزرادشتية الذين ادعوا أن

ص: 91


1- فرق الشيعة للنوبختي ص29.
2- سنن أبي داوود، ج4، ص 108.

مصلح آخر الزمان هو زرادشت، وكبعض أصحاب العقائد الباطنية الذين يدعون أنه سلمان المحمدي الفارسي رضي الله عنه .

وهذه الأقوال جميعة تخالفها الشهرة الروائية المعاضدة بالتواتر الروائي والتاريخي الذي هو أقوي في الحجية، وجميع هذه الأقوال المدعاة باطلة في مستندها، بل الدليل علي خلافها ، وهي لا تعدو أن تكون من ضروب اجتهادات الرأي أو الدعاوي بلا بينة ، والله المسدد .

جملة من الأدلة من كتب العامة علي نسبه عجل الله فرجه

منها: ما رواه أبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي، قال : نظر علي بن الحسين، فقال : إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلي الله عليه وسلم، سيخرج من صلبه رجل بإسم نبيكم يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلم وجورا.(1)

ومنها: ما رواه أبو هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري في جملة

حديث رواه عن رسول الله صلي الله عليه وآله ، قال فيه صلي الله عليه وآله :

.... ومنا مهدي الأمة الدي يصلي عيسي خلفه، ثم ضرب علي منكب الحسين ، فقال : من هذا مهدي الأمة.(2)

ومنها: ما رواه عبد الله بن مسعود، عن رسول الله صلي الله عليه وآله قال : لا تذهب الدنيا حتي يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ إسمه إسمي .(3)

ومنها: ما في حديث عنه صلي الله عليه وآله اشتهر بين كتب العامة ، قال صلي الله عليه وآله: المهدي من ولدي، إسمه إسمي وكنيته وكنيتي ... الحديث .

ص: 92


1- عقد الدرر للسلمي، ص 23،وص24.
2- البيان في أخبار صاحب الزمان عجل الله فرجه - للگنجي الشافعي، ص 501،وص 503.
3- نفس المصدر، ص 481.

ومنها: ما روي عن ابن الأثير في تاريخه الكامل في التاريخ»عنه صلي الله عليه وآله قال : خلفائي من بعدي إثنا عشر أولهم علي وآخرهم المهدي المنتظر .

أقول: وقد امتلأت كتب العامة بما يوضح نسبه الشريف عجل الله فرجه، وكلها دلت علي أن إسمه هو إسم النبي صلي الله عليه وآله ،وكنيته كنيته .

أما إسم أبيه فالخلاف كما تقدم، وقيل إنه من ولد النبي صلي الله عليه وآله وأن إسم أبيه هو إسم أبي النبي صلي الله عليه وآله، وهو قول نادر وضعيف، وإن كان لا مانع أن يكون الإمام أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام له إسم من أسماء أبي النبي صلي الله عليه وآله، فإن الأئمة عليهم السلام عرف بعضهم بأكثر من إسم واحد.

والخلاصة: إن نسبته - عجل الله فرجه - إلي أبيه العسكري عليه السلام مما لم يقع فيه خلاف بين علماء الإمامية، وأكثر من وافقهم الرأي من علماء فرق المسلمين، وبالنسبة لأبيه العسكري عليه السلام لن نذكر شيئا من تفاصيل سيرته وأحواله عليه السلام، بل نرجا ذلك إلي كتب السير لكون الخوض فيه يخرجنا عن الغاية، فإن تناول سيرته عليه السلام الي بحاجة إلي كتاب مستقل، وأما أمه عليهم السلامفسنفرد للحديث عنها النبأ التالي مستقلا، علما بأنه سوف يأتي المزيد في حديث نسبه - عجل الله فرجه - عند التعرض لذكر خلاف الفرق فيه - عجل الله فرجه - في النبأ السادس إن شاء الله سبحانه .

ص: 93

النبأ الخامس في جملة من أحوال أمه عجل الله فرجه وفيه خبر وصولها للعسكري صلوات الله عليه

جملة من أحوال أمه عجل الله فرجه

لقد مر في أثناء حديث حمله ووضعه - عجل الله فرجه - مر الكثيرمن أحوال وصفات أمه السيدة نرجس عليها السلام ، وعلاوة علي ذلك سوف نتطرق إلي جملة من أحوالها بحسب ما دل التواتر التاريخي والروائي .

فقد دلت الأدلة أنها بنت ابن قيصر ملك الروم، وروي ذلك الفضل بن شاذان في كتابه الغيبة بسنده إلي الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام، وذلك في جوابه لمن سأله، قال عليه السلام:

إن الإمام من بعدي إبني سمي رسول الله وكنيه- صلي الله عليه وآله وسلم - الذي هو خاتم حجج الله، وآخر خلفائه .

فقال السائل - وهو محمد بن عبد الجبار من مشيخة الفضل بن شاذان - قال للإمام العسكري عليه السلام: ممن هو يا ابن رسول الله؟

قال عليه السلام: من ابنة ابن قيصر الروم... الخبر.(1)

وقد جاء المؤرخون والمحدثون بكثير من الثناء علي السيدة نرجس عليها السلام وذلك عن لسان الأئمة عليهم السلام ، ودلت علي ذلك جملة من الأخبار.

ص: 94


1- إثبات الهداة للحر العاملي، ج7، ص 138، وكشف الحق، ص 15.

منها: ما رواه المحدث القندوزي في كتابه ينابيع المودة من أن أمير المؤمنين عليه السلام بعد انتهائه من حربه ضد الخوارج في معركة النهروان خطب عليه السلام خطبة ذكر فيها القائم عجل الله فرجه، وكان من جملة ما خاطب علي عليه السلام به حفيده الحجة عجل الله فرجه، قال عليه السلام:

يابن خيرة الإماء، متي تنتظر؟... الخبر .

أقول: ولا يخفي ما في كلمته عليه السلام هذه من إظهار رفعة درجة السيدة نرجس عليهاالسلام وعلو شأنها بين الإماء، ومعلوم أن أكثر من إمام معصوم من الأئمة عليهم السلام كانت أمهاتهم من الإماء، فكأنه عليه السلام فضل أم المهدي - عجل الله فرجه - علي أمهات بعض الأئمة عليهم السلام ، ممن ولدوا من إماء، فعلي عليه السلام لم يقل : يابن من هي من خيرة الإماء، بل جعلها غال خيرتهم علي الإطلاق في كلامه عليه السلام ، وفيه ما فيه من الدلالة علي تقديمها علي أمهات بعض الأئمة عليهم السلام ممن ولدوا من إماء علي تفصيل ما ذكره أرباب السير.

منها: ما رواه شيخنا الثقة الصدوق في كتابه كمال الدين وتمام النعمة بسنده إلي أبي بصير، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ذكر عليه السلام القائم - عجل الله فرجه . فقال عليه السلام في الإشارة إليه عجل الله فرجه : ذلك ابن سيدة الإماء.

وقد روي نظير هذا الخبر في كتاب الغيبة للنعماني بسنده عن أبي بصير عنهم عليهم السلام .

وأما بالنسبة لإسم أبيها عليها السلام فقد ذكر جماعة من المؤرخين والمحدثين أن إسمه يشوع، وقيل : يشوعا ولعله خطأ في التصحيف ، وذكروا أن نسبها عليها السلام لجهة جدها لأمها ينتهي إلي شمعون، وشمعون هذا من أوصياء عيسي عليه السلام،(1).وهو جدها الأعلي ،وشمعون هذا كان من

ص: 95


1- بحارالأنوار للمجلسي، ج13، ص 5، الطبعة الحجرية

الحواريين الذين قالوا لعيسي عليه السلام كما حكاه القرآن الكريم قالوا :«وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ».(1)، وقيل : إنها بنت قيصر ملك الروم، ولكن خبر بشر بن سليمان النخاس الآتي يدل بوضوح علي أنها حفيدته وليست ابنته ، إلا أللهم إذا تسامحنا في إطلاق لفظة البنت علي الحفيدة وهو ممكن.

ومن جملة أحوال السيدة نرجس عليها السلام ذكرها عن جماعة من المؤرخين والمحدثين بأوصاف عديدة علاوة علي مديح الأئمة عليهم السلام في حقها ، ومن هذه الأوصاف وصفت بالعفة والإيمان والنقاء والطهارة، وهذا مجموع ما استقرأناه من كلماتهم، ويكفيها فخرا أنها حملت في بطنها حجة الله - عجل الله فرجه - الذي يظهر الله به دين محمد صلي الله عليه وآله علي الدين كله .

وكان الإمام أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام يتشدد في إكرامها، وكذا كانت السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام تتشرف بخدمتها لما علمت من أن آخر الحجج سيخرج من نسلها عليها السلام.(2)

وبالعودة للحديث عن اسمها عليها السلام نقول: لقد وقع فيه خلاف بين الأخبار والتواريخ، وذكر لها عدة أسماء، ولا مانع من أن تكون لها أسماء متعددة جمعا بين كل ما ذكر، وقد ذكر العلامة المجلسي في بحار الأنوار رواية عن صاحب كتاب مطالب السؤول في مناقب آل الرسول صلي الله عليه وآله، ذكر رواية أن إسمها سوسن، وكذا روي العلامة في بحار الأنوار تسميتها بريحانة، وأما ابن خلكان في وفيات الأعيان فقد ذكر إسمها نرجس، وكذا الشيخ المفيد في كتابه الإرشاد، وأما صاحب كتاب مرآة الزمان فقد ذكر فيه أن من أسمائها صقيل، وكذا ذكرأن إسمها خمط ورواه العلامة المجلسي في بحار الأنوار وذكره صاحب مرآة الزمان كذلك، وقالوا بأن علة تسميتها بخمط هو أنها اعتراها النور عند حملها بالحجة عجل الله فرجه، وفي خبر

ص: 96


1- سورة آل عمران، الآية : 52.
2- بحار الأنوار للمجلسي، ج 13، ص5 ، الطبعة الحجرية .

رواه الفضل بن شاذان يظهر كونها تسمي مليكة، وكذا يظهر فيه - أي الخبر - أنها كانت تعرف بأسماء متعددة ، فقد روي الفضل بن شاذان في كتابه الغيبة ، بسنده إلي الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام في جوابه لمن سأله عن اسم أم القائم عجل الله فرجه، قال عليه السلام:

و أمه مليكة التي يقال لها بعض الأيام : سوسن، وفي بعضها : ريحانة ، وكان صقيل ونرجس أيضا من أسمائها .

أقول: وقد ذكر لها المؤرخون هذه الأسماء جميعا، والبعض ذكر صيقل بدل من صقيل مما يوحي بوجود إسم آخر لها، ولعله من خطأ المصحفين، وعلي كل حال فهي مشتهرة بإسم نرجس، وتعرف بين الفرس بنرجس خاتون عليها السلام ، ولم يقع خلاف بين المؤرخين والمحدثين من أنها سليلة ملك الروم.

خبر كيفية وصول السيدة نرجس للعسكري عليه السلام

وهذا الخبر رواه شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي بسند معتبرإلي بشر بن سليمان النخاس، إلي الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام ، وبشر بن سليمان النخاس هو من ولد أبي أيوب الأنصاري، وأبو أيوب هذا هو أحد موالي الإمامين الهمامين العسكريين عليه السلام، وكان جاءهما عليه السلام في سامراء

وروي الطوسي بسنده إلي بشر بن سليمان النخاس، قال : أتاني كافور الخادم، فقال : مولانا أبو الحسن علي بن محمد العسكري - عليهما السلام - يدعوك إليه فأتيته، فلما جلست بين يديه قال لي : يا بشر إنك من ولد الأنصار، وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، وأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بها، بسر أطلعك عليه، وأنقذك في ابتياع أمة، فكتب كتابة لطيفة بخط رومي، ولغة رومية وطبع عليه خاتمه، وأخرج شقيقة صفراء فيها

ص: 97

مائتان وعشرون دينارة ، فقال خذها وتوجه بها إلي بغداد وأحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا ، فإذا وصلت إلي جانبك زواريق السبايا وتري الجواري فيها ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العباس، وشرذمة من فتيان العرب فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد علي المسمي عمر بن يزيد النخاس عامة نهارك إلي أن تبرز للمتباعين جارية صفتها كذا وكذا لابسة حريرين صفيقين تمتنع من العرض ولمس المعترض والإنقياد لمن يحاول لمسها وتسمع صرخة رومية من وراء ستر رقيق - فاعلم - أنها تقول: وأهتك ستراه، فيقول بعض المبتاعين: علي ثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول له بالعربية : ولو برزت في زي سليمان بن داوود وعلي شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق علي مالك، فيقول النخاس: فما الحيلة ولا بد من بيعك؟ فتقول الجارية : وما العجلة ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلي وفائه وأمانته، فعندذلك قم إلي عمر بن يزيد النخاس وقل له: إن معك كتابة ملصقا لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية وخط رومي ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه ، فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.

قال بشر بن سليمان: فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبو الحسن - عليه السلام - في أمر الجارية، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديدة، وقالت لعمر بن يزيد: بعني لصاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرجة والمغلظة إنه متي امتنع من بيعها منه قتلت نفسها ، فما زلت أشاحه في ثمنها حتي استقر الأمر فيه علي مقدار ما كان أصحبنيه مولاي - عليه السلام - من الدنانير فاستوفاه مني، وتسلمت الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلي الحجيرة التي كنت آوي إليها ببغداد فما أخذها القرار حتي أخرجت كتاب مولانا - عليه السلام - من جيبها، وهي تلثمه وتطبقه علي جفنها وتضعه علي خدها وتمسحه علي بدنها، فقلت تعجبا منها : تلثمين كتابا لا تعرفين صاحبه؟

فقالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء أعرني

ص: 98

سمعك وفرغلي قلبك ، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمي من ولد الحواريين تنسب إلي وصي المسيح شمعون أنبأك بالعجب: إن جدي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد وقواد العسكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهي ملكه عرشة مصنوعة من أصناف الجوهر إلي صحن القصر، ورفعه فوق أربعين مرقاة، فلما صعد ابن أخيه وأحدقت الصلب وقامت الأساقفة عكفة ونشرت أسفار الإنجيل تسافلت الصلب من الأعلي فلصقت بالأرض وتقوضت أعمدة العرش فانهارت إلي القرار، وخر الصاعد من العرش مغشيا عليه فتغيرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم.

فقال كبيرهم لجدي : أيها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة علي زوال دولة هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني، فتطير جدي من ذلك تطيرة شديدة، وقال للأساقفة : أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان واحضروا أخا هذا المدير العاثر المنكوس جده الأزوجه هذه الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده، فلما فعلوا ذلك حدث

علي الثاني مثل ما حدث علي الأول، وتفرق الناس، وقام جدي قيصر مغتم فدخل منزل النساء، وأرخيت الستور، وأريت في تلك الليلة كأن المسيح وشمعون وعدة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدي ونصبوا فيه منبرة من نور يباري السماء علوة وارتفاعا في الموضع الذي كان نصب جدي فيه عرشه، ودخل عليهم محمد وختنه ووصيه وعدة من أبنائه، فتقدم المسيح إليه فاعتنقه، فيقول له محمد: يا روح الله إني جئتك خاطبة من وصيك شمعون فتاته مليكة لإبني هذا - وأومأ بيده إلي أبي محمد ابن صاحب هذا الكتاب - فنظر المسيح إلي شمعون وقال اله: قد أتاك الشرف فصل رحمك رحم آل محمد قال : قد فعلت، فصعد ذلك المنبر فخطب محمد وزوجني من ابنه وشهد المسيح، وشهد

ص: 99

أبناء محمد والحواريون... إلي آخر الخبر.(1)

أقول: وقد روي هذا الخبر جماعة من أرباب الرواية كالصدوق في كمال الدين، والطبري في دلائل الإمامة وغيرهم بعبارات متفاوتة لا تخل بالمضمون، واكتفينا برواية الشيخ لأن بها الكفاية، ولم ننقل الخبر بتمامه لأنه فيما لم نذكر منه مناقشة تطول بين الأديان و علماء الكلام، بل اقتصرنا عليمقدار الشاهد منه ، وقد ثبت في تتمة الخبر أن السيدة نرجس للار كانت قد تعلمت العربية لذلك خاطبت بشر بن سليمان بها ولم تخاطبه بالرومية، وكذا خاطبت غيره بالعربية فتأمله في مظانه مراعيا الدراية في بعض مفرداته ، والله المسدد .

ص: 100


1- الغيبة للطوسي، من ص124 إلي ص 128.

النبأ السادس : في خلاف الفرق فيه عجل الله فرجه

معالجة المزيد من أقوال الخلاف فيه عجل الله فرجه

لقد سبق وأشرنا لبعض وجوه هذا الخلاف ونضيف هنا بالقول: إن المسلمين متفقون علي أن رسول الله صلي الله عليه وآله قد بشر به عجل الله فرجه، ولم يخالف فيه إلا الشاذ النادر، ولكن وقع الخلاف بين الفرق في نسبه وفي وجوده عجل الله فرجه، وقد قالت بعض الفرق: إنه لم يولد، والبعض قالوا : ولد ومات وسيحيي من جديد ليملأ الأرض قسطا وعدلا ، والحق ما عليه الإمامية من أنه - عجل الله فرجه - ولد ولا يزال غائبة حتي يأذن الله له ، وهذا من مظاهر الإعجاز الإلهي، وقد تقدم ما ادعاه البعض من الأقوال في نسبه - عجل الله فرجه - مما هو خلاف الحق الحقيق، وما عليه التصديق، وتلك الأقوال مجعولة، وروي بعضها عن أبي هريرة، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن عباس، وهي من المختلقات، ونسبت إلي رسول الله صلي الله عليه وآله كذبة وزورة، وقد نقلها الطبري في بعض كتبه.(1)

وهذه الأقوال مخالفة للتواتر التاريخي والروائي، ومن جملتها دعوي أنه - عجل الله فرجه - من ولد العباس بن عبد المطلب، وقد سبقت الإشارة إليه، ومن جملتها أنه من ولد أمير المؤمنين عليه السلام وقد يصح لو

ص: 101


1- ذخائر العقبي للطبري، ص 206.

قصدنا بالولد أحفاده عليه السلام ولكن فيه ما فيه من التكلف الذي هو خلاف ظاهر مرادهم.

وقالت الكيسانية - علي ما قدمناه - هو محمد بن الحنفية ، ولما مات محمد بن الحنفية افترقوا فيه فرقة، فرقة قالت بألوهيته، وأخري قالت : إنه لم يمت بل هو حي غائب وإنه هو مهدي آخر الزمان، وقالت فرقة أخري منهم: إنه ولده عبد الله بن محمد بن الحنفية، وعلي كل حال قولهم مردود بما سبق بيانه، مضافة إلي أن عبد الله وأبوه ليسا من ذرية رسول الله صلي الله عليه وآله ، والأدلة دلت علي أنه - عجل الله فرجه - من ذرية رسول الله صلي الله عليه وآله ، ومن فرق الكيسانية من قال: إنه عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وقالوا : يظهر بعد غيابه ليملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورة، وهو - أي عبد الله - بالتالي ليس من ذرية الرسول صلي الله عليه وآله

وقيل : هو من ولد الإمام أبي محمد الحسن بن علي المجتبي عليه السلام - كما قدمناه - وقواه ابن حجر العسقلاني (1)وجماعة، ومستندهم ما رواه أبو داوود في سننه بهذا المضمون،(2) وإنه لمن الواضحات التعارض بين مرويات أبي داوود في هذا الصدد، فضلا عن معارضتها لما ورد في كتب غيره من الصحاح الدالة علي أنه - عجل الله فرجه - من ولد الحسين عليه السلام.

وقالت جماعة هو محمد بن عبد الله بن الحسن المثني بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام، ومشي في ركابه الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور الدوانيقي قاتل إمامنا الصادق عليه السلام، وكان اللعين يقول: هذا مهدينا أهل البيت، وكذاكان أبو حنيفة يقول به ويدعوا إليه، ولكنه قتل في المدينة ولم يملأ الأرض قسطا وعدلا .

ص: 102


1- الصواعق المحرقة للعسقلاني، ص167.
2- سنن أبي داوود، ج4، ص 108.

ومن الأخبار المروية بطرق العامة والدالة علي أنه - عجل الله فرجه - من ولد الحسين عليه السلام ما رواه أبو وائل شقيق بن سلمة الأسدي، وتقدم ذكر هذا الخبر، وكذا خبر أبو سعيد الخدري المذكور سابقا، ولا نريد تكرار ذلك، علما بأن بعض الأقوال التي نقوم بعرضها هنا تقدمت ، ولكننا أضفنا هنا إليها جملة من التحقيقات النافعة .

ومما قيل في إسم أبيه قالوا : عبدالله وليس الحسن عليه السلام ، وهذا كذلك أشرنا إليه، وهو مخالف للتواتر التاريخي والروائي فضلا عن مخالفته للشهرة بكل أقسامها، وممن روي أن أباه - عجل الله فرجه - إسمه عبد الله رواه مولي عثمان بن عفان، وإسمه زائدة بن أبي الرقاد الباهلي وهو من أهل البصرة، وعرف برواية المنكرات من الأحاديث، وقد ذكروا أنه اعتاد الزيادة في الأحاديث سيما الموارد التي تسيء إلي معتقدات الإمامية .

ومن الفرق الضالة فيه المغيرية،(1) وهم أتباع المغيرة بن سعيد، وقد قالوا: إنه محمد بن عبد الله بن الحسن المثني بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام،واحتجوا عليه بخبر زائدة بن أبي الرقاد الباهلي وهو كما تري، وقالوا : هو حي ولم ويمت ومقيم في بعض جبال مكة حتي يأذن الله له بالخروج، وقد ظهرت هذه الفرقة بعد وفاة الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام، ولكن محمد بن عبد الله بن الحسن المثني خرج وقتل في المدينة، وانقرضت بقتله المغيرية .

ومن الفرق الضالة فيه - عجل الله فرجه - الناووسية،(2) وهم القائلون: إنه الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، وقد أنكروا موته عليه السلام، وقالوا : إنه حي وأنه هو المهدي الموعود

ص: 103


1- عقد الدرر السلمي، ص 23، وص24.
2- فرق الشيعة للنوبختي، ص 62.

وقالت الإسماعيلية الخالصة(1) هو إسماعيل ابن الإمام الصادق عليه السلام، وأنكروا موته، وادعوا أنه حي، وأنه هو المهدي القائم عجل الله فرجه .

وقالت المباركية(2)، وهم فرقة من الإسماعيلية، قالوا : هو محمد بن إسماعيل بن الإمام الصادق عليه السلام، ويعتقدون فيه بأنه ينسخ بشريعته شريعة محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله.

وقالت الواقفية(3) - كما قدمنا : - إنه الإمام أبو الحسن موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام، وافترقوا فيه فرقتين، فرقة قالوا بوفاته وإنه يحيي من جديد ليملأ الأرض قسطا وعدلا ، وفرقة قالوا: إنه خرج من سجن السندي ابن شاهك ولم يره أحد.

وقالت المحمدية : هو السيد محمد ابن الإمام الهادي عليه السلام وقالوا :إنه لم يمت وهو حي غائب، وإنه هو المهدي المنتظر .

وقالت العسكرية : هو الإمام أبو محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام ، وهو غائب لم يمت، وإنه هو القائم من آل محمد صلي الله عليه وآله، واختلفوا فيه فقال البعض: إنه مات وسيحيي من جديد ليحكم العالم كما وعده الله جل جلاله .

وقد ظهرت فرقة البابية وضلت فيه عجل الله فرجه، كما ظهر الكثير في القرون الأخيرة ممن ادعوا مهدوية أشخاص من الضالين المضلين، وكذا ادعي بعض الكذابين الضالين أنه هو المهدي عجل الله فرجه ، وسنعرض لشيء من هذه الدعاوي في الخاتمة إن شاء الله عز وجل بما يوضح المزيد من الرؤيا في هذا المجال .

ص: 104


1- فرق الشيعة للنوبختي، ص 67.
2- نفس المصدر، ص67،وص68.
3- نفس المصدر، ص 73.

هوقد قدمنا في حديث نسبه وتحديد أبيه - عجل الله فرجه الكثير مما لم نعرض له هنا، كما ذكرنا فكرة الأديان في مصلح آخر الزمان ولم نتعرض لها هنا تجنبا للتكرار قدر الإمكان، وهذه الأقوال المقررة هنا - مما يخالف الإمامية - لم يرد عليها من الأدلة ما يحسن الإعتماد عليه والإستناد إليه، بل هي مخالفة للتواتر التاريخي والروائي الوارد بطرق المسلمين كما لا يخفي علي من كان له قلب بصير .

ص: 105

النبأ السابع : في جملة من أسمائه عجل الله فرجه

اشارة

لقد ذكرت له - عجل الله فرجه - جملة من الأسماء مستفادة من الآيات والأخبار نعرض لأشهرها وأبرزها في هذه العجالة .

الأول: محمد

وهو إسمه الأصلي - عجل الله فرجه - الذي سمي به، ودلت عليه الأخبار المتواترة من طرق الفريقين، منها قوله صلي الله عليه وآله : المهدي من ولدي إسمه إسمي(1)، وقد ذكره الصدوق - أعلي الله مقامه - عند ذكره لإسمه - عجل الله فرجه . قال : أبو القاسم محمد بن الحسن، هو حجة الله تعالي علي خلقه القائم، أمه جارية إسمها نرجس ... إلي آخر كلامه رفع الله مقامه .(2)

وذكر الطوسي رواية جاء فيها: ... والخلف محمد يخرج في آخر الزمان علي رأسه غمامة بيضاء تظله من الشمس، ينادي بلسان فصيح يسمعه الثقلان والخافقان، وهو المهدي من آل محمد يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورة ... إلي آخر الرواية . (3)

وفي خبر اللوح الذي رواه جابر الجعفي، عن الإمام أبي جعفر

ص: 106


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص 286، ص 287.
2- نفس المصدر، ص 307.
3- الأمالي للطوسي، ص 298.

محمد ابن علي الباقر عليه السلام ، عن فاطمة عليها السلام، ويمر فيه أن الله جل جلاله أهدي هذا اللوح إلي محمد صلي الله عليه وآله، وقد وجد مكتوبا فيه من جملة ما كتب أسماء خلفائه صلي الله عليه وآله ومن جملة ما فيه يقول صلي الله عليه وآله : فرأيت محمد محمد محمدة في ثلاثة مواضع، وعليةوعليا في أربعة مواضع ... الخبر.(1)

الثاني: أحمد

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في جملة خبر له : ... له إسمان إسم يخفي، وإسم يعلن، فأما الذي يخفي فأحمد... الخبر. (2)

وعن حذيفة أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وآله ذكر المهدي فقال صلي الله عليه وآله : إنه يبايع بين الركن والمقام، إسمه أحمد وعبد الله والمهدي فهذه أسماؤه ثلاثتها .(3)

الثالث: عبد الله

وقد دل عليه خبر حذيفة السابق .

الرابع: المهدي

وقد دل عليه - كذلك . خبر حذيفة السابق، وفي خبر آخر عن أبي سعيد الخراساني، قال : قلت لأبي عبد الله - عليه السلام - لأي شيء سمي المهدي ؟

قال : لأنه يهدي إلي كل أمر خفي.(4)

وفي خبر : ... وإنما سمي القائم مهدية لأنه يهدي إلي أمر قد ضلوا عنه ... الخبر.(5)

ص: 107


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص 310.
2- نفس المصدر، ج 2، ص653.
3- الغيبة للطوسي، ص 274.
4- نفس المصدر، ص 282.
5- الإرشاد للمفيد، ج 2، ص 383.

الخامس: المنصور

روي فرات الكوفي - وهو فرات بن إبراهيم صاحب التفسير - روي في تفسيره عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلامأنه قال في تفسير قوله تعالي:«وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا »(1)، قال عليه السلام

بأن الذي قتل مظلومة في الآية هو الحسين عليه السلام، ووليه هو المهدي عجل الله فرجه، إلي أن قال عليه السلام: سمي الله المهدي منصورة كما سمي أحمد ومحمد محمودة، وكما سمي عيسي المسيح. (2)

أقول: وقد ورد في دعاء الندبة هذا الإسم، وكذا أشارت إليه زيارة عاشوراء، ففي الدعاء : أين المنصور علي من جار عليه واعتدي، وفي الزيارة : مع إمام منصور من أهل بيت محمد ... إلي آخر الزيارة .

السادس: المؤمل

وقد سماه به أبوه عليه السلام عند ولادته عجل الله فرجه، ففي خبر الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلامحين مولد الحجة - عجل الله فرجه - قال العسكري عليه السلام : زعم الظلمة أنهم يقتلونني ليقطع هذا النسل، فكيف رأوا قدرة الله، وسماه المؤمل .(3)

السابع: المنتظر

وهو من أشهر أسمائه عجل الله فرجه، وفي خبر عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الجواد عليه السلام سيل عليه السلام عن علة تسميته - عجل الله فرجه - بالمنتظر، فقال لي : لأن له غيبة يكثر أيامها، ويطول أمدها، فينتظر

ص: 108


1- سورة الإسراء، الآية : 33.
2- تفسير فرات الكوفي، ص 240.
3- الغيبة للطوسي، ص 138.

خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيهاالمسلمون. (1)

الثامن: القائم

وهو من أسمائه التي تواترت علي لسان الأئمة عليهم السلام ، حتي ورد أن الإمامين الهمامين أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، وأبو الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام، كانا إذا ذكر القائم - عجل الله فرجه - بهذا الإسم كانا يقفان ويضعان يدهما اليمني علي رأسيهما احتراما لذكره وإجلالا لقدره، وقد شيل الإمام الصادق عليه السلام عن ذلك فقال عليه السلام: ولو أدركته لخدمته أيام حياتي .

وقد روي عن الإمام أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام - في جملة خبر له - أنه شئل عن علة تسمية القائم بالقائم - عجل الله فرجه - فقال عليه السلام: وسمي القائم لقيامه بالحق . (2)

وروي أنه سمي - عجل الله فرجه - بالقائم لأنه يقوم بعد موت ذكره .(3)

وفي خبر الصقر بن أبي دلف ، قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا - عليهما السلام - يقول :

إن الإمام بعدي ابني علي، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه ، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثم سكت.

فقلت له: يا ابن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن؟

ص: 109


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 2، ص 278.
2- الإرشاد للمفيد، ج 2، ص383.
3- معاني الأخبار للصدوق، ص 65.

فبكي - عليه السلام - بكاء شديدة، ثم قال : إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر.

فقلت له : يابن رسول الله لم سمي القائم؟

قال : لأنه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته .(1)

وفي خبر أبي حمزة الثمالي - صاحب الدعاء الشهير في وقت السحر . قال : سألت الإمام الباقر - صلوات الله عليه . فقلت : يا ابن رسول الله فلستم كلكم قائمين بالحق؟

قال : بلي.

قلت : فلم سمي القائم قائما؟

قال : لما قتل جدي الحسين - عليه السلام - ضجت عليه الملائكة إلي الله تعالي بالبكاء والنحيب، وقالوا: إلهنا وسيدنا أغفل عمن قتل صفوتك، وابن صفوتك، وخيرتك من خلقك؟

فأوحي الله عز وجل إليهم:

قروا ملائكتي فوعزتي وجلالي لأنتقمن منهم ولو بعد حين، ثم كشف الله عز وجل عن الأئمة من ولد الحسين - عليه السلام - للملائكة، فسرت الملائكة بذلك ، فإذا أحدهم قائم يصلي، فقال الله عز وجل : بذلك القائم أنتقم منهم. (2)

أقول: هذه هي أكثر أسمائه - عجل الله فرجه - شهرة بين أهل الأرض، وعلي لسان الأخبار خاصة، علما بأن له أسماء أخر بين أهل ا السماء. وذكرت له - عجل الله فرجه - في كتب المحدثين والمؤرخين أسماء غير هذه التي كز كما ذكرت له - عجل الله فرجه - أسماء بغير العربية يطول المقام بعرضها جميعا .

ص: 110


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص378.
2- علل الشرائع للصدوق، ص 160، ج1، باب 129.

ويظهر أن أسماء المعصومين عليهم السلام - النبي صلي الله عليه وآله وعترته عليهم السلام- يظهر أنها مظاهر أسماء الله سبحانه ، ويؤيده خبر الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال عليه السلام : نحن أسماء الله الحسني

أقول: ولما كانت أسمائه عز وجل لا حصر لها إلا ما سمي به نفسه الخلقه، فيظهر أن عدد أسماء أوليائه المعصومين عليهم السلام مرتبط بأسمائه سبحانه في جهة الكم والله العالم، وقد حاول أحد العلماء المعاصرين - رضوان الله عليه - أن يجمع في كتاب ما ذكر لعلي غلي من أسماء في الكتب السماوية، وعلي لسان الأنبياء عليه السلام، وفي أخبار أهل البيت عليهم السلام ناز فانتهي إلي ثلاثة آلاف إسم لعلي عليه السلام .

ونحن في حديثنا عن أسماء الحجة - عجل الله فرجه - ذكرنا أكثرها شهرة، وسوف يأتي في الأنباء التالية في تسميته وتكنيته، والله المؤيد.

ص: 111

النبا الثامن في جمله من القابهعجل الله فرجه

اشارة

وقد ذكر له المؤرخون والمحدثون ألقابة عدة، دلت عليها جملة من الأخبار، وسنعرض لأشهر هذه الألقاب، وذلك اعتمادا علي ما عللته الأخبار المروية بطرق معتبرة.

الأول: بقية الله

روي الفضل بن شاذان في كتابه الغيبة عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في جملة إخباره عن القائم عجل الله فرجه ، قال عليه السلام:

فإذا خرج أسند ظهره إلي الكعبة، واجتمع ثلاثمائة وثلاثة عشررجلا، وأول ما ينطق به هذه الآية : «بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ »(1)، ثم يقول : أنا بقية الله، وحجته، وخليفته عليكم، فلا يسلم عليه مسلم إلا قال : السلام عليك يا بقية الله في أرضه.(2)

وروي شيخنا الثقة الصدوق المولود بدعاء الحجة عجل الله فرجه ، روي عن الإمام الحجة عجل الله فرجه - أنه قال لأحمد بن إسحاق :

أنا بقية الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه .(3)

ص: 112


1- سورة هود، الآية : 89.
2- كشف الحق، ص184.
3- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 2، ص384.

وفي خبر عمر بن زاهر قال: قال رجل لجعفر بن محمد عليهما السلام: نسلم علي القائم بإمرة المؤمنين؟

قال: لا، ذلك إسم سمي الله به أمير المؤمنين - عليه السلام - لايسمي به أحد قبله ولا بعده إلا كافر.

و قال : فكيف نسلم عليه؟

قال : تقول: السلام عليك يا بقية الله، قال: ثم قرأ جعفر:«بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ »(1)

.... الخبر. (2)

الثاني: خليفة الله

فقد روي عن رسول الله ؟ أنه قال : يخرج المهدي وعلي رأسه غمامة فيها مناد ينادي : هذا المهدي خليفة الله .(3)

الثالث: حجة الله

وهو من أشهر ألقابه عجل الله فرجه، وورد أنه منقوش علي خاتمه الشريف الذي سوف يحكم به الأرض، ورد أنه منقوش عليه : أنا حجة الله .

وفي رواية أخري: أنا حجة الله وخالصته .

وهذا اللقب من الألقاب التي أطلقت علي جميع الأئمة عليهم السلام فإنهم حجج الله علي الخلق أجمعين علي ما صرحت به الأخبار المتواترة المعتبرة.

وروي الصدوق، والطوسي، وعلي بن محمد الخراز، رووا عن أبي

ص: 113


1- سورة هود، الآية : 89.
2- تفسير فرات الكوفي، ص193.
3- كشف الغمة في معرفة الأئمة عليهم السلام للأربلي، ج2، ص486.

هاشم الجعفري، عن الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام قال عليه السلام:

الخلف من بعدي ابني الحسن، فكيف بكم بالخلف من بعد الخلف؟

فقلت - أي أبو هاشم الجعفري - : ولم حعلني الله فداك؟

فقال عليه السلام: لأنكم لا ترون شخصه، ولا يحل لكم ذكره بإسمه .

قلت: فكيف نذكره؟

قال عليه السلام: قولوا: الحجة من آل محمد صلي الله عليه وآله وسلم.(1)

أقول: وقد يقال بأن لقب حجة الله هو غير الحجة من آل محمد صلي الله عليه وآله، فيمكن اعتبارهما لقبان، لكن الحال في جريان إطلاق اللقبين بمعني واحد في كثير من الأحيان ولكن هذا الإطلاق لا ينفي الفرق، وأما القيد المذكور في خبر الجعفري عن الإمام الهادي عليه السلام ، في أنه : ولا يحل لكم ذكره بإسمه ، فسوف يأتي التحقيق فيه عند التحقيق في تسميته وتكنيته عجل الله فرجه ، علما بأن بعض العلماء حمله علي كراهية ذكره بإسمه عجل الله فرجه ، والمشهور الحرمة بين القدماء، وبعضهم قيدها بزمان الغيبة الصغري، والبعض بزمان ما قبل الغيبة الصغري، والبعض أطلق القول بالحرمة قبلها وبعدها حتي في الغيبة الكبري، وقد علل القائلون بالحرمة قولهم بهذا الخبر ونحوه، وسيأتي مزيد كلام فيه عند التحقيق في تسميته وتكنيته عجل الله فرجه، فتأمله في محله.

والحال أن الله عز وجل قد سماه في خبر اللوح المتقدم، وكذا سماه رسول الله صلي الله عليه وآله، وكذا وردت أخبار عديدة مصرحة بإسمه - عجل الله فرجه - عن النبي صلي الله عليه وآله وعترته عليهم السلام ، وهذا دليل علي أن الحرمة المدعاة ليست مطلقة ، والله العالم.

ص: 114


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص 381، والغيبة للطوسي، ص و 122، وكفاية الأثر للخراز، ص 284، وص 285.

الرابع: نور الله

روي جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: دخلت إلي مسجد الكوفة وأمير المؤمنين - صلوات الله وسلامه عليه - يكتب بإصبعه ويبتسم، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ما الذي يضحكك؟

فقال عليه السلام: عجبت لمن يقرأ هذه الآية ولم يعرفها حق معرفتها !

فقلت له : وأي آية يا أمير المؤمنين؟

فقال عليه السلام: قوله تعالي : «الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكوه»المشكاة محمد صلي الله عليه وآله وسلم،

«فيها مصباح »،أنا المصباح، «المصباح في الزجاجة»الزجاجةالحسن والحسين،«الجاجه كأنها كوكب »وهو علي بن الحسين، «دري يوقد من الشجره مباركه »محمد بن علي، «زيتونه»جعفر بن محمد، «لا شرقيه»موسي بن جعفر ، «لا غربية »علي بن موسي، «يكاد زيتها يضي »محمد بن علي، «لو لم تمسسه نار»علي بن محمد، «نور علي نور»الحسن بن علي،

«يهدي الله النوره من يشا»القائم المهدي عليهم السلام. (1)

أقول: وخبر جابر هذا من الأخبار الغريبة التي يرد علمها إلي أهلها ، والظاهر أن الآية من الآيات المؤولة فيهم عليهم السلام، وما في الآية من ألقاب يصح إطلاقها علي جميع المعصومين من النبي صلي الله عليه وآله وعترته عليهم السلام، فكلهم نور الله، وانصراف هذا اللقب للحجة - عجل الله فرجه - كانصرافه لهم عليهم السلام، وحاله كحال تسميته - عجل الله فرجه - بالمهدي وكل أهل البيت عليهم السلام هداة مهديون، وكحال إطلاق لقب الصادق علي الصادق عليه السلام وكلهم صادقون وهكذا، فلا مانع من اشتراكهم في الأسماء والألقاب

ص: 115


1- المحجة فيما نزل في القائم الحجة - عجل الله فرجه - للبحراني، ص147،وتفسير البرهان له أيضا ، ج3، ص 136، وص 137 ، الطبعة الحجرية

والكني إلا ما دل الدليل علي اختصاص أحدهم عليه السلام به كاختصاص علي عليه السلام بلقب أمير المؤمنين ونحوه، وهذا هو واقع الحال، علي أن كثرة الإستعمال قد توجب أو تكون قرينة علي انصراف بعض الأسماء والألقاب والكني الخاصة لبعضهم عليه السلام ، وهذا الأمر عيانه يغني عن بيانه .

الخامس: ولي الله

وقد أطلق علي الحجة - عجل الله فرجه - كما أطلق علي جده أمير المؤمنين عليه السلام ، كما أطلق علي غيرهم من العترة المطهرة عليه السلام، وحاله كحال اللقب السابق كما أسلفنا ، وقد ورد إطلاقه علي الحجة - عجل الله فرجه - مكررة في الأخبار، ودل عليه الحديث القدسي في حديث ليلة المعراج حيث قال عز وجل : ذلك ولي الله حقا. (1)

وفي حديث روي عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، عن آبائه عليه السلام ، عن رسول الله قال - في جملة

حديث له - قال صلي الله عليه وآله :

فإذا حان وقت خروجه يكون له سيف معقود، ناداه السيف : قم يا ولي الله فاقتل أعداء الله .(2)

السادس: أمير الأمرة

وهذا لقب لقبه به - عجل الله فرجه - جده أمير المؤمنين عليه السلام في حديث ذكره فيه، فقد روي الفضل بن شاذان في كتابه الغيبة عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام، عند ذكره الخروجه - عجل الله فرجه - في جملة خبر يخاطب به ولده الإمام أبا عبد الله الحسين بن علي سيد الشهداء عليه السلام، قال أميرالمؤمنين عليه السلام:

ص: 116


1- الأمالي للصدوق، ص 505.
2- كفاية الأثر للخراز، ص 263.

... ثم يظهر أمير الأمرة، وقاتل الكفرة، السلطان المأمول، الذي تحير في غيبته العقول، وهو التاسع من ولدك يا حسين، يظهر بين الركنين ، يظهر علي الثقلين ... الخبر.(1)

السابع: الحق

وهذا اللقب مستفاد من الآيات المؤولة فيه عجل الله فرجه، فقد روي عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقرعليه السلام في آية قوله تعالي : «وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا »(2)، قال عليه السلام : إذا قام القائم أذهب دولة الباطل.(3)

أقول: طبقت الآية عليه - عجل الله فرجه - لقب الحق كما دلت عليه رواية الإمام الباقر عليه السلام ، ويؤيده زيارته - عجل الله فرجه - حيث ورد فيها :السلام علي الحق الجديد، وما في دعاء الإفتتاح المروي بطرق أحد سفرائه - عجل الله فرجه - عن لسانه - عجل الله فرجه - وجاء فيه : اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه ، فقد ذكر العلماء أن المراد بالحق في الدعاء الحجة بن الحسن عجل الله فرجه، ويوضح ذلك تتمة الدعاء بعد هذه العبارة التي تدل بوضوح علي إرادته - عجل الله فرجه - بكلمة الحق، سيما قوله عجل الله فرجه : اللهم المم به شعثنا، واشعب به صدعنا وارتق به فتقنا، وكثر به قلتنا ، وأعزز به ذلتنا ... إلي آخر الدعاء.

الثامن: خاتم الأوصياء

فقد روي أبو نصر طريف - خادم الإمام أبي محمد الحسن بن علي

ص: 117


1- كشف الأستار للنوري، ص 222.
2- سورة الإسراء، الآية: 81.
3- البرهان في تفسير القرآن للبحراني ، ج 2، ص 441، الطبعة الحجرية .

العسكري عليه السلام - قال أبو نصر : دخلت علي صاحب الزمان عليه السلام، فقال : علي بالصندل الأحمر، فأتيته به .

ثم قال : أتعرفني؟ قلت: نعم، فقال : من أنا؟

فقلت : أنت سيدي وابن سيدي.

فقال : ليس عن هذا سألتك .

قال طريف: جعلني الله فداك فبين لي؟

قال : أنا خاتم الأوصياء، وبي يدفع الله عز وجل البلاء عن أهلي وشيعتي.(1)

التاسع: الخلف الصالح

دل عليه ما روي عن الإمام أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام، قال: الخلف الصالح من ولد أبي محمد الحسن بن علي، وهو صاحب الزمان، وهو المهدي.(2)

وكذا دلت عليه رواية الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، قال : الخلف الصالح من ولدي المهدي إسمه محمد، وكنيته أبو القاسم، يخرج في آخر الزمان. (3)

العاشر: صاحب الزمان

وهو أشهر ألقابه علي الإطلاق عجل الله فرجه، ودلت عليه أخبارعدة .

منها: خبر الريان بن الصلت، قال : سمعت الرضا علي بن موسي - عليهما السلام - يقول:

ص: 118


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص 441.
2- كشف الغمة في معرفة الأئمة علي للأربلي، ج3، ص265.
3- نفس المصدر، ج 3، ص 265.

القائم المهدي - عليه السلام - إبن إبني الحسن، لا يري جسمه ، ولا يسمي بإسمه بعد غيبته أحد حتي يراه ويعلن بإسمه فيتسمه كل الخلق .

فقلنا له: يا سيدنا فإن قلنا صاحب الغيبة، وصاحب الزمان،والمهدي؟

و قال : هو كله جايز مطلقا ، وإنما نهيتكم عن التصريح باسمه الخفي عن أعدائنا فلا يعرفوه.(1)

أقول: ويستفاد من هذا الخبر أن من ألقابه - عجل الله فرجه - صاحب الغيبةأيضا ، وقد يقال : الصاحب تخفيفة من صاحب الزمان ومن صاحب الغيبة ومن صاحب العصر، وقد يستفاد من هذا الخبر عدم إمكانية مشاهدته قبل ظهوره من الغيبة لكل الخلق وفيه مناقشة ، وكذا يستفاد أن علة المنع من تسميته هي أن لا يعرفه الأعداء، وسوف نناقش خبر الريان بن الصلت، وما ذكر فيه من قيود عند تعرضنا للتحقيق في تسميته وتكنيته عجل الله فرجه .

وأما عدم إمكانية المشاهدة فالظاهر أنها للملا دون ما دل عليه دليل وهذا الأمر سوف نبحثه في الخاتمة إن شاء الله سبحانه .

الحادي عشر: يعسوب الدين

وهذا اللقب مشترك بينه - عجل الله فرجه - وبين جده أمير المؤمنين عليه السلام، وقد لقبه به جده أمير المؤمنين عليه السلام، فقد روي عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول:

و لا يزال الناس ينقصون حتي لا يقال الله ، فإذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه فيبعث الله قوما من أطراف الأرض يجيئون قزعة كقزع الخريف، والله إني لأعرفهم وأعرف أسماءهم وقبائلهم وإسم أميرهم،

ص: 119


1- مستدرك الوسائل للنوري، ج 2، ص 380، الطبعة الحجرية .

وهم قوم يحملهم الله كيف شاء من القبيلة الرجل والرجلين، حتي بلغ - عليه السلام - تسعة، فيتوافون من الآفاق ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة أهل بدر، وهو قول الله :«أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَي كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ »(1)، حتي أن الرجل ليحتبي فلا يحل حبوته حتي يبلغه الله ذلك .(2)

وقد روي هذا الخبر السيد المرتضي علم الهدي في نهج البلاغة مع تفاوت بسيط لا يعتد به ،(3) ونقل نظير هذا الخبر عن ابن الأثير الجزري في كتابه النهاية، وعن الزمخشري وجماعة من المؤرخين والمحدثين، وذكروا جميعا بأن المراد بيعسوب الدين في الخبر هو الحجة القائم المهدي - عجل الله فرجه - ولا مانع من اجتماع هذا اللقب له - عجل الله فرجه - ولجده أمير المؤمنين عليه السلام، وقد ذكرنا في محله) نقلا عن الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتابه تاج العروس من كتب اللغة ، نقلنا في معني اليعسوب لغة أنه ذكر النحل وأميرها، وقلنا بأنه من ألقاب أمير المؤمنين عليه السلام، وذكرنا وجه إطلاقه عليه عليه السلام.

وفسر السيد المرتضي معني اليعسوب بالسيد العظيم المالك الأمور الناس،(4) وكلامه هذا يظهر أنه حمل علي مصاديقه المجازية لا المعني الحقيقي الذي وضع له، بل الظاهر إرادته المعاني الإعتبارية الإستعمالية المأخوذة علي نحو الاستعارة بالكناية كما هو مقرر عند البلغاء، والله العالم.

أقول: وكذا ذكروا من ألقابه - عجل الله فرجه - حجاب الله، ودلت عليه زيارته وفيها : السلام علي حجاب الله الأزلي القديم، ومن ألقابه

ص: 120


1- سورة البقرة، الآية: 148.
2- الغيبة للطوسي، ص 284، وص 285.
3- نهج البلاغة للشريف الرضي، ج 4، ص 57، شرح الشيخ محمد عبده .
4- نهج البلاغة للشريف الرضي، ج4، ص 57، شرح الشيخ محمد عبده .

عجل الله فرجه - داعي الله ، وورد في زيارته بعبارة: السلام عليك يا داعي الله، وذكر الميرزا النيشابوري في كتابه الذخيرة بأن منها برهان الله ، وذكر أن منها الحاشر وهو المذكور في صحف شيخ الأنبياء إبراهيم خليل الرحمن ال ، ومن أشهر ألقابه - عجل الله فرجه - علي ألسنة شيعته لقب الغائب، وهو مستفاد من ظواهر الأخبار، سيما أخبار الغيبة، وكذا ذكر المؤرخون والمحدثون ألقابا له - عجل الله فرجه - غير هذه ومنها ذكر بالعبرية والسريانية يطول المقام بعرضها، وفيما ذكرناه الكفاية ومن الله الهداية .

وقد يصعب التفرقة بين ما اعتبر إسما له - عجل الله فرجه - وبين ما اعتبر من ألقابه عجل الله فرجه، ونحن اعتبرنا من الأسماء ما صرحت به الأخبار أنه من الأسماء، وما عداه اعتبرناه من الألقاب وإن اعتبره غيرنا من الأسماء، وهذا مما يلحظه المتتبع، ولو أردنا من جهة أخري أن نستنبط ألقابه - عجل الله فرجه - ونعوته التي نعت بها في الكتب السماوية والصحف المنزلة والأحاديث والأخبار والزيارات والأدعية لأنتهي بنا المقام إلي مئات الألقاب والنعوت ولأخرجنا ذلك عن الغاية ، ومن الله العناية ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .

ص: 121

النبأ التاسع في جملة من كناه عجل الله فرجه والتحقيق فيها وفي أخبارها

اشارة

لقد اشتهرت له - عجل الله فرجه - كنيته بأبي صالح، ولم نقف علي مستند لها في الأخبار، علما بأننا نرد إلي أهله العلم بوجود الأزواج والذرية له عجل الله فرجه ، فلم نجد دليلا علي أن صالح من أبنائه عجل الله فرجه ، هذا لوحصرنا تكنيته بأبي صالح علي أساس التكنية بأكبر الولد، وإلا فالوجوه الأخري الآتية في التحقيق التالي تحل مثل هذا الإشكال، ومن جهة أخري دلت الأحاديث النبوية علي وجود كنيتين له عجل الله فرجه، وعموم بعض الأحاديث يدل علي أنه يكني بكل ما كني به رسول الله صلي الله عليه وآله ، لقوله صلي الله عليه وآله في الحديث الشهير: وكنيته كنيتي، وسوف نتطرق إلي الكنيتين اللتين تطرقت لهما الأحاديث النبوية، وإلي أدلتها في المباحث الآتية .

الأولي: أبو القاسم

وهي من مصاديق تكنيته - عجل الله فرجه - بكني رسول الله صلي الله عليه وآله، فإن من الكني المتواترة لرسول الله صلي الله عليه وآله: أبو القاسم، وهذه الكنية هي من الكني المعروفة له عجل الله فرجه، ويدل عليها عموم حديثه صلي الله عليه وآله: المهدي من ولدي، إسمه إسمي وكنيته كنيتي(1)، والذي رواه علماء الفريقين .

وفي كتاب تاريخ ابن الخشاب روي عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن

ص: 122


1- بحار الأنوار للمجلسي، ج51، ص 72.

محمد الصادق عليه السلام أنه قال : الخلف الصالح من ولدي وهو المهدي، إسمه محمد، وكنيته أبو القاسم.(1)

الثانية: أبو عبد الله

اشارة

فقد روي عن حذيفة أنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله فيه رجلا إسمه إسمي، ولقه خلقي، يكني أبا عبد الله .(2)

أقول: وقد ذكر بعض المحدثين بأنه - عجل الله فرجه - يكني بجميع كني آبائه وأجداده الطيبين الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولكننا لم نقفعلي مستند قوله من الأخبار المروية عن أهل البيت عليهم السلام، وبعض ما اشتهر له من الكني لا أصل له، بل هو من مبتدعات أهل البادية وأصحاب الحوائج والمستغيثين به في الظلمات وعند الشدائد والنكبات، وقد ذكرت قصص كثيرة تواترت علي ألسنة عوام الناس، بل العلماء كذلك، في إدراكه - عجل الله فرجه - الهلكي والمستغيثين به عند المحنة والشدة، وهو الأهل لذاك والحري بما هناك .

وقد وردت جملة من الأخبار تفيد أنه - عجل الله فرجه - يكني بعمه، وفي بعضها : بعمه جعفر، وتكنيته - عجل الله فرجه - بعمه لو حملناه علي عمه جعفر في الأخبار العامة علي فرض عدم تمامية الخاصة يلزم منه أن يكون من كناه : أبو جعفر، أما لو حملنا المراد بعمه علي عمه السيد محمد (3)صاحب الكرامات المدفون علي طريق مرقد الإمامين

ص: 123


1- كشف الغمة في معرفة الأئمة له للأربلي، ج2، ص 470.
2- البيان في أخبار صاحب الزمان - عجل الله فرجه - للگنجي، ص 30.
3- وهو الملقب بسبع الدجيل، وكان يكتشف عند مرقده - رضي الله عنه - كذب الكاذب، والنذر له ولقبره وعند قبره - رضي الله عنه - من المجربات قديمة وحديثا، ولقد وفقنا الله لزيارته وزيارة مرقده - رضي الله عنه - مرارة علي طريق سامراء في المحلة المشتهرة بإسمه.

العسكريين عليه السلام، فيلزم أن تكون من كناه عجل الله فرجه : أبو محمد، ولو حملنا المراد بعمه علي عمه الحسين فيلزم أن تكون من كناه عجل الله فرجه: أبو الحسين، والحال أن الإمام أبا الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام أنجب خمسة أولاد، أربعة من الذكور هم إمامنا العسكري عليه السلام ومحمد والحسين وجعفر .

ويمكن تقوية احتمال كون المراد بعمه السيد محمد - رضي الله عنه -

لأنه أكثر من اشتهر من أولاد إمامنا الهادي عليه السلام بعد إمامنا العسكري عليه السلام إلي درجة أن الشيعة كانت تعتقد بأنه هو الإمام بعد أبيه ، ولكن موته في حياة أبيه الهادي عليه السلام صرف وجوه الشيعة إلي أخيه العسكري عليه السلام ، ولما توفي السيد محمد - رضي الله عنه - وفرغوا من غسله، توجه الإمام أبو الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام إلي ابنه الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام وقال له: يا بني أحدث لله شكرة فقد أحدث فيك أمرا ! فبكي إمامنا العسكري عليه السلام، وحمد الله واسترجع، قائلا : الحمد لله رب العالمين، وإنا لله وإنا إليه راجعون.(1)

أقول: وكل هذا يدلك علي ما للسيد محمد - رضي الله عنه - من رفيع الدرجة وعلو المنزلة عند الأئمة عليهم السلام، فقد استرجع إمامنا العسكري عليه السلام ساعة وفاته - رضي الله عنه - مما يوحي بأن فقده - رضي الله عنه - من المصائب علي قلوب أهل البيت عليهم السلام.

ومن جملة الأخبار الدالة علي أنه - عجل الله فرجه - يكني بعمه ما روي عن عبد الأعلي بن حصين الثعلبي ، عن أبيه ، قال : لقيت أبا جعفر محمد بن علي - عليهما السلام - في حج أو عمرة، فقلت له : كبرت سني، ودق عظمي، فلست أدري يقضي لي لقاؤك أم لا؟ فاعهد إلي عهدة، وأخبرني متي الفرج؟

ص: 124


1- الدروس البهية للواساني، ص 116، طبعة مؤسسة عز الدين في بيروت .

فقال : إن الشريد الطريد الفريد الوحيد، الفرد من أهله، الموتوربوالده، المكني بعمه هو صاحب الرايات، واسمه إسم نبي .

فقلت : أعد علي؟

فدعا بكتاب أديم أو صحيفة فكتب لي فيها.(1)

ومن جملة هذه الأخبار ما روي عن أبي الجارود، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام أنه قال : صاحب هذا الأمر هو الطريد الفريد، الموتور بأبيه، المكني بعمه، المفرد من أهله، إسمه إسم نبي. (2)

أقول: ووجوه تكنيته - عجل الله فرجه - بعمه في هذه الأخبار العامة هي التي ذكرت من الإحتمالات الأربعة بناء علي أن المشهور في أن أولاد الإمام الهادي عليه السلام الذكور هم الأربعة الذين ذكرت، وقد يقال بأن العمومة تطلق علي الأعمام البعيدين أي أعمام الآباء والأجداد، ولكن حمل المراد بالحديث عليه فيه ما فيه من التكلف، ثم هو خلاف الظاهر، ثم لم تدل قرينة عليه لا من القرائن المتصلة، ولا من القرائن المنفصلة سيما إذا أعملنا قاعدة أن الأقرب يمنع الأبعد التي هي من القواعد المقررة في واللغة كما في المواريث.

وقد ذكر العلامة المجلسي في بحار الأنوار كون المراد من خبر التكنية بعمه - عجل الله فرجه - عمه السيد محمد - رضوان الله عليه - وذلك في جملة ما أحتمله من الوجوه، كما ذكر أن من هذه الوجوه المحتملة أن يكون المراد بعمه الإمام أبا محمد الحسن بن علي المجتبي عليه السلام، أي عمه البعيد، لا عمه القريب، وفيه ما فيه مما قدمنا من وجوه الخدش عليه .

وهناك خبر رواه حمزة بن أبي الفتح ضير فيه بأنه - عجل الله فرجه - يكني بأبي جعفر، وقد ألمحنا إليه عند ذكر بعض گناه الخاصة

ص: 125


1- الغيبة للنعماني، ص 178، الباب العاشر، ح22
2- نفس المصدر، ص 179، الباب العاشر، ح 24.

عجل الله فرجه، ومما جاء في هذا الخبر :... قال حمزة : ولد البارحة في الدار مولود لأبي محمد - عليه السلام - وأمر بكتمانه .

فسأله الحسن بن المنذر : ما إسمه؟

قال : سمي بمحمد، وكني بجعفر.(1)

أقول: فيفهم من قوله عليه السلام: وكني بجعفر، أنه يكني بأبي جعفر ، وهذا من أفصح اللغات أن تقول: كني بجعفر بدلا من قولك : كني بأبي جعفر علي ما ذكره الفراء من علماء اللغة،(2) ولو ضممنا هذا الخبر إلي أخبار التكنية بعمه - عجل الله فرجه - يمكن القول بأن المراد بعمه عمه جعفر، خلافا لما احتملناه من الأوجه الأربعة سابقة وخلافا لما ذكره العلامة في بحار الأنوار، فتكون أخبار التكنية بعمه - عجل الله فرجه - هي العام، ومخصصه خبر حمزة بن أبي الفتح علي قاعدة ما من عام إلا وقد خص ، والله العالم .

تحقيق في أخبار كناه عجل الله فرجه

قد يستظهر البعض من وجود كني له - عجل الله فرجه - وجود ولد له علي أساس أن التكنية في أعراف العرب تكون بأكبر ولد المرء، أو بالولد عموما، وهذا ما جرت عليه السيرة فعلا، لكن التكنية لا تكون حصرة بالولد أو بأكبر الولد، فقد ذكر علماء اللغة(3)أن التكنية قد تكون بإسم للرجل توقيرة وتعظيمة ، وقد تقوم الكنية مقام الإسم فيعرف صاحبها

ص: 126


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص 432.
2- لسان العرب لابن منظور، ج12، ص 175، طبعة دار إحياء التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي، الطبعة الملونة في بيروت.
3- نفس المصدر، ج12، ص174، طبعة دار إحياء التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي، الطبعة الملونة في بيروت.

بها كما عرف أبو لهب - لعنه الله - واسمه عبد العي، عرف بكنيته فسماه الله بها في القرآن في آية قوله تعالي : «تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ »(1)، وقد ترد التكنية بمعني التستر فيقال: فلان تكئي أي تجي بمعني تستر، ويقال : تكني بغير إسمه اي اظهرالكنيه ليخفي إسمه

أي أظهر الكنية ليخفي إسمه. : وقد تطلق علي الفرد الواحد أكثر من كنية كما دلت عليه المسموعات، وقد تكون التكنية علي غير أساس الولد فيكي المرء بأبوة ما هو أصله ومبدأه كما گئي رسول الله صلي الله عليه وآله عليا عليه السلام بأبي تراب .(2)

ويقال عند العرب لكل من ساد فنا من الفنون أو علما من العلوم: هو أبوه، ويقال: فلان أبو الهيجاء لكثرة خبرته بالحرب، وفلان أبو الكرم والشجاعة لكثرة كرمه وشجاعته وهكذا .

كل هذا في فهم أهل اللغة، والأخذ بقولهم في ذلك مبني علي حجية الرجوع إلي قول أهل الخبرة فيما هم أهل خبرة فيه، وقد يفرقون بين كل المعاني المتقدمة فيحملون البعض منها علي الحقيقة والبعض الآخر علي المجاز .

وقد يقال : لو طبقنا قاعدة التبادر - التي يأخذ بها المتشرعة في كون التبادر علامة الحقيقة - أمكننا ادعاء كون الأبوة التبادرية هي الأبوة التي يكي فيها المرء علي أساس أكبر ولده، فإن المعني المتبادر من إطلاق الكنية علي المرء هو تكنيته بأكبر ولده، وهذا المعني مستفاد من مفاهيم المخاطبات العرفية بين العرب بوجه العموم، وذلك ما لم يكن هناك ما يصرف الذهن عن هذا التبادر من القرائن الدالة علي المعاني الخاصة الأخري للتكنية مما ذكرناه ، فما لم ترد قرينة متصلة أو منفصلة تدل علي غير المعني المتبادر كان

ص: 127


1- سورة المسد، الآية: 1.
2- مقتل أمير المؤمنين للمؤلف، ص39، الطبعة الأولي، طبعة مؤسسة الغدير في بيروت.

التبادر هو الحجة عند الإطلاق، وعليه تكون الكنية مبنية علي أساس الولد أو أكبر الولد، قد يقال هذا ، إلا أن المعني التبادري عند إطلاق الكنية حصره بإرادة التكنية بأبوة الولد أو أكبر الولد هو من الأمور التي تحتاج إلي ما يتممها ، فإنه وإن تبادرت هذه الأبوة في بعض المقامات، إلا أن غير هذه الأبوة قد يتبادر في مقامات أخري، فالتبادر يختلف بحسب اختلاف الإعتبارات والمناسبات التي تدل عليها القرآئن في الجملة، علي أن القرائن لا تصلح دليلا مستقلا علي تخصيص التبادر بأحد الوجهين، هذا وبالعودة إلي أخبار كناه - عجل الله فرجه - فإنها مصرحة بالتكنية بعمه عجل الله فرجه، وقد يقال : إن ذلك يصرف الذهن عند إطلاق تلك التي عن إرادة أكبر الولد، ولذا لا يصح الإستدلال بأخبار الكني في الجملة علي وجود الولد له - عجل الله فرجه - لعدم تمام ظهورها في ذلك، إلا أن ظهورها يحتمل حملها علي ذلك من بعض الوجوه من خلال أحد وجهي التبادر التي سبقت الإشارة إليها في موارد اختلاف المقامات، لكن مثل هذا الحمل علي أحد الوجهين تخصيص بلا مخصص، فلا دليل علي تخصيص الحمل بأحد الوجهين، ولا يمكن الإعتماد علي القرآئن للتخصيص فإنها ليست حجة مستقلة بل قوي بها الحجة إن وجدت، وقد يتضح لك الأمر أكثر عند التعرض لرأينا المختار في طيات التحقيقات الآتية، وقد يقال: التكنية بعمه - عجل الله فرجه - هي علي أساس وجود ولد من أولاده يسمي بإسم عمه جعفر، إلا أن ذلك موقوف علي ثبوت وجود الولد له عجل الله فرجه، وهو ما نحاول إقامة الدليل عليه ، فيلزم منتوقف صحة حمل خبر التكينة بعمه علي وجود ولد له - عجل الله فرجه - يسمي بجعفر، وتوقف ثبوت وجود وي له - عجل الله فرجه - إسمه جعفر علي حمل أخبار التكنية بعمه علي وجود الولد، يلزم من ذلك الدور الباطل عقلا وعرفة لعدم إفادته علما ظنية ولا قطعيا.

وعليه فقد يقال : إن إطلاق الكني عليه - عجل الله فرجه - أقرب إلي معني التعظيم والتوقير، خصوصا تكنيته بكنية رسول الله صلي الله عليه وآله فإنها تستبطن

ص: 128

معني التعظيم والتوقير لشأنه - عجل الله فرجه - وإن كانت تحتمل كونها علي أساس الولد كذلك ، وأما حمل التكنية علي معني التستر فإنه يصح في موارد العمل بالتقية وهي خاصة بمرحلة زمنية معينة فلا يمكن تعميمها وانسحابها علي كل الأزمنة، لذلك يستبعد حمل التكنية علي هذا المعني ما لم يقيد بظروف التقية في موارد وجوبها .

ويؤيد عدم صحة الإستدلال بأخبار الثني علي وجود الولد أو الأولاد ما ذهب إليه جماعة من أعيان العلماء من القول بعدم وجود ما يصح الإستدلال به خصوص بالقطع والثبات علي وجود الولد، ومن القائلين بذلك شيخنا المفيد، والطبرسي، والبياضي وآخرون.

ومن الأخبار التي تؤيد ما ذكروه ما روي عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن سليمان بن رشيد، عن الحسن بن علي الخزاز، قال:

دخل علي بن أبي حمزة علي أبي الحسن الرضا عليه السلام، فقال له : أنت إمام؟

قال: نعم.

فقال له : إني سمعت جدك جعفر بن محمد - عليه السلام - يقول:لا يكون الإمام إلا وله عقب.

فقال : أنسيت يا شيخ، أو تناسيت، ليس هكذا قال جعفر، إنما قال جعفر : لا يكون الإمام إلا وله عقب، إلا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن علي عليه السلام، فإنه لا عقب له.

فقال له : صدقت، جعلت فداك، هكذا سمعت جدك يقول. (1)

وقد دلت أخبار الرجعة علي أن الإمام أبا عبد الله الحسين بن علي

ص: 129


1- الغيبة للطوسي، ص134، وص 135، ودلائل الإمامة للطبري، ص131.

سيد الشهداء عليه السلام يخرج عند وفاة الحجة - عجل الله فرجه - ليلي أمره لأن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله ، فمعني خروج الإمام أبي عبد الله الحسين بن علي سيد الشهداء عليه السلام في خبر بن أبي حمزة توضحة أخبار الرجعة.(1)

وهذا الخبر - أي خبر ابن أبي حمزة - يدل علي عدم وجود الولد، ويكون الحجة - عجل الله فرجه - خارجة عن لزوم العقب بهذا الدليل لو تم الإستدلال به وخلا من المعارض.

وقد اختلف العلماء في إثبات وجود الولد له - عجل الله فرجه - فقال البعض به ونفاه البعض الآخر، ولو تم التعارض بين خبر الحسن بن علي الخزاز المتقدم وغيره من الأخبار التي قد يستدل بها علي ثبوت وجود الولد له - عجل الله فرجه - لو تم هذا التعارض فالتساقط هو ما تؤول إليه الأخبار المتعارضة ما لم يمكن الجمع العرفي أو الأخذ بما اشتهر العمل به بين الأصحاب لو قلنا بحجة الشهرة .

وروي الشيخ الطوسي - أعلي الله مقامه - بسنده عن المفضل بن عمر، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال في جملة خبر له عليه السلام حول الحجة - عجل الله فرجه :

لا يطلع علي موضعه أحد من ولده، ولا غيره، إلا المولي الذي يلي أمره .(2)

أقول: وهو خبر معتبر، وسيأتي بتمامه في الخاتمة عند بحث إمكانية المشاهدة إن شاء الله تعالي، فهذا الخبر ونظائره ظاهر من خلال قوله عليه السلام : أحد من ولده، ظاهر في أن له ولد، وما حمله بعض المحققين

ص: 130


1- عليك بمراجعة كتاب الرجعة لمؤلفه العلامة الشهيد الشيخ ميرزا محمد مؤمن بن دوست محمد الحسيني الأسترآبادي، الطبعة المحققة لأنتشارات أنوار الهدي في قم المشرفة مع التحقيق في أخباره من الناحيتين السندية والمضمونية .
2- الغيبة للطوسي، ص 102.

من ظاهر الخبر علي كون المراد بولده - عجل الله فرجه - من سيولد له من الولد بعد ظهوره - عجل الله فرجه - هذا الحمل غير صحيح لعدم تناسبه مع الظرف الزماني للخبر، فإنه - أي الخبر - يتناول حاله - عجل الله فرجه - في زمان الغيبة التي لا يطلع علي موضعه فيها أحد إلا من نص عليه، فالحمل علي زمان ما بعد الظهور تحكم لا دليل عليه.

ثم إن رواية النعماني (1)لنفس الخبر بعين سنده مع اختلاف في نصه في قوله عليه السلام : لا يطلع علي موضعه أحد من ولي، ولا غيره، بدلا من قوله عليه السلام: أحد من ولده ، هذه الرواية لا تمنع الجمع بأن يكون من لا يطلع علي موضعه ولده ووليه في آن معا ، فالقضية ليست مانعة جمع، وأما أن يقال : كيف لا يعرف ولده ووليه موضعه عجل الله فرجه؟ فجوابه أن الخبر لم يدل علي عدم معرفتهم لشخصه عجل الله فرجه ، بل علي موضعه ، ومن المقبول المعرفة بالشخص دون المعرفة بموضعه عند العقلاء، فدلالة الخبر يمكن قبولها من وجه وجيه، ولكن تبقي الدلالة عرضة للخدش والإشكال من وجوه أخر، ومن جهة أخري توحيد النصين - أي نص ولده ونص وليه - بدعوي الخطأ في التصحيف أو التحريف يفتقر إلي دليل، ولا يعقل إسقاط النصين من الجنية لمجرد هذا التفاوت الذي له وجه في قبوله فإن التورع يأبي إسقاط النصين لمجرد هذه العلة، وهذا التفاوت ليس تعارضا فقيد: ولا غيره في النص الأول يتسع لشمول: أحد من ولي من النص الثاني ، وفي النص الثاني يتسع لشمول: أحد من ولده من النص الأول وهكذا، ولا يكتفي للإسقاط بدعوي اتحاد الروايتين في كل شيء سوي قيد: من ولده، فإنه من الممكن أن تتحدا في السند والمتن سوي القيد المذكور دون اللجوء إلي الإسقاط، وله نظائر كثيرة في الأخبار، ولا مانع منه في علم الدراية فقد تروي الرواية بعين السند مع اختلاف المتن بإضافة قيود و قيود، وهذا هو شأن أرباب الفن في الجمع بين قيود الأخبار

ص: 131


1- الغيبة للنعماني، ص172.

المتفاوتة وذلك أثناء إجراء عملية الإستنباط والإجتهاد، نعم يمكن إسقاط الخبرين بترجيح خبر إسحاق بن عمار الآتي في النبأ الثالث عشر والدال علي أن خواص شيعته - عجل الله فرجه - في الغيبة الأولي وخواص مواليه في الثانية يعلمون بموضعه عجل الله فرجه، فمن باب أولي إطلاع ولي أو أولاده وزوجته أو أزواجه عجل الله فرجه ، من باب أولي إطلاعهم علي موضعه - عجل الله فرجه - لو ثبت الولد أو الأولاد أو الزوجة أو الزوجات، وكل هذا موقوف علي تمامية ترجيح خبر إسحاق بن عمار من الناحية السندية ، وموقوف علي ثبوت وجود الولد أو الأولاد والزوجة أو الزوجات لنحكم بإمكانية إطلاعهم علي موضعه . عجل الله فرجه - خلاف للنصين المتقدمين الذي هو المطلوب.

ومن جملة ما قد يستدل به علي وجود الولد أو الأولاد والزوجة أو الزوجات مجملات ما ورد عن النبي صلي الله عليه وآله من الدعوة إلي تثقيل الأرض بلا إله إلا الله من خلال النسمة والنسمتين، وحثه صلي الله عليه وآله علي تكثير الأمة وأبتغاء الولد ونحو ذلك من أخبار السنن، فهل يعقل من المنتظر لإحياء سننه صلي الله عليه وآله أن لا يكون عاملا بها أو مطبقا لها؟ فقد يقال ذلك في مقام الإستدلال علي وجود الولد أو الولد أو الزوجة أو الزوجات له عجل الله فرجه .

لكل هذا نحن لا نتبني أدلة النافين وإن عرضناها ولكننا لا ندعي وجود الولد أو الأولاد والزوجة أو الزوجات له - عجل الله فرجه - فلو كان البان، ونحن بالرغم من هذا إن لم نرجح أدلة المتبنين لوجود الولد أو الأولاد والزوجة والزوجات له عجل الله فرجه، إن لم نرجحها إستنادا إلي المجملات التي يمكن الإعتماد عليها من بعض الوجوه ولكنها لا تفيد القطع بالمطلوب، إن لم نرجح بهذه المجملات فإننا نرد علم المسألة إلي أهلها فتكون غيبة من غيبه - عجل الله فرجه - مما هو من نفيب الله عز وجل علي حد ما سيأتي في خبر أحمد بن إسحاق في النبأ الثالث عشر إن شاء الله تعالي.

وقبل أن يخاض في إثبات وجود الولد أو الأولاد له - عجل الله فرجه - فلتثبت وجود الزوجة أو الزوجات.

ص: 132

وقد يقال تطبيقا للخبر الوارد من أنه عند ظهوره - عجل الله فرجه - ما من مؤمن إلا ويقول: رأيته، ولكنه لم يعرفه ، فقد يقال تطبيقا لهذا الخبر قد يكون له من الزوجة أو الزوجات والول أو الأولاد ممن لا يعرفونه، ولكن هل يمكن ذلك أو لا يمكن لما تستلزمه ظروف المعاشرة للزوجة أو للزوجات والتربية للأولاد؟ في المسألة تأمل، وقد يستدل علي وجود الزوجة أو الزوجات بالأدلة الإجمالية . أيضا . كما هو حال ما تقدم في مسألة الولد أو الأولاد، ومن هذه الأدلة الإجمالية حديث رسول الله صلي الله عليه وآله قال : لا رهبانية في الإسلام، وقال صلي الله عليه وآله : ما بني بيت في الإسلام أحب إلي الله من التزويج، وقال صلي الله عليه وآله لشاب عازب: تزوج وإلا فأنت من إخوان الشياطين، وقال صلي الله عليه وآله: ألعجلة من الشيطان في كل شيء إلا في التزويج، وقال صلي الله عليه وآله: إن الأرض لتضج من بول العازب، وقال صلي الله عليه وآله: تناكحوا تناسلوا فإني أباهي بكم حتي السقط فإنه يأتي محبنطئة يوم القيامة ، ويقف علي باب الجنة ويقول: لا أدخل حتي يدخل والداي، وقال صلي الله عليه وآله: النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني، إلي غير ذلك من الأحاديث المتواترة، فهذه الأحاديث ونحوها تدل علي أن الزواج هو من السنن المؤكدة في الإسلام، فهل يعقل لمحيي السنن والشريعة والمتوقع لإقامة الأمن والعوج - عجل الله فرجه - أن لا يطبق السيئة علي نفسه؟ وهل يعقل الوارث علوم النبيين والمرسلين والأئمة الهداة المهديين عليهم السلام، هل يعقل له - عجل الله فرجه - أن لا يعمل بما يعلم؟ فهذا دليل إجمالي علي لزوم وجود الزوجة أو الزوجات له عجل الله فرجه، ولكن تبقي هذه المجملات ظنية في الدلالة علي ذلك حيث إنها لا تفيد القطع بإختصاصه - عجل الله فرجه - بالزوجة أو الزوجات، كما هو حال الأدلة الإجمالية التي قد يستدلبها فيما سبق علي مسألة وجود الولد أو الولد له عجل الله فرجه، فهذا الموضوع - أي الإستدلال بالمجملات علي مسألتي الزوجة أو الزوجات أو الولد أو الولد يرد علمه إلي أهله، والله العالم بحقائق الأمور .

علي أنه - علاوة علي ما قدمنا في مسألة الولد والولد - وردت بعض

ص: 133

المراسل الدالة علي الزوجة أو الزوجات من خلال عبارة : وأهله ... في الدعاء المرسل الآتي، ويدل هذا الدعاء المرسل بصراحة علي الولد أو الولد بحسب اختلاف قرآئتنا لها بالمفرد أو الجمع حيث تحتمل الوجهين، في هذا الدعاء المرسل الذي نقله سيد العلماء السيد ابن طاووس عن الإمام أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام يقول عليه السلام للحجة عجل الله فرجه :

أللهم اعطه في نفسه وأهله وولده وذريته، وجميع رعيته ما تقر به عينه ، وتسر به نفسه ، وتجمع له ملك المملكات كلها، قريبها وبعيدها ، وعزيزها وذليلها، حتي يجري حكمه علي كل حكم، ويغلب بحقه علي كل باطل... الدعاء. (1)

ولكن كما قلت لم يثبت كل ذلك بدليل قطعي، لا وجود الزوجة ولا الزوجات ولا الولد ولا الأولاد، فإرسال هذا الدعاء الذي نقله ابن طاووس عن الإمام الرضا عليه السلام لا يجعله صالحة للإحتجاج، فمن الناحية السندية لا يصح الإستدلال به، والأدلة الإجمالية التي احتملنا الترجيح بها الأدلة المثبتين علي وجود الولد أو الولد أو الزوجة أو الزوجات لا تفيد القطع، وحتي لو طبقنا الأصول العملية في جريان الإستصحاب في الشبهات الموضوعية بأن قلنا : الأصل اليقيني هو عدم وجود الولد أو الولد أو الزوجة أو الزوجات والمشكوك هو وجودهم فنستصحب الأصل، فحتي لو أجرينا مثل هذا الإستدلال فإنه يبقي ظنية، والظن لا يغني من الحق شيئا في المسائل العقائدية، ومحل كلامنا منالمسائل العقائدية كما لا يخفي.

ص: 134


1- جمال الأسبوع لابن طاووس، ص510.

النبأ العاشر : في التحقيق في تسميته عجل الله فرجه وفيه مناقشة لجملة من الأقوال والأخبار وبيان للرأي المختار

توطئة

بعد هذا العرض لأسمائه وألقابه وكناه - عجل الله فرجه - لا بد من التعريج علي أقوال الفقهاء والعلماء فيما ورد من المنع من ذكره بإسمه عجل الله فرجه، وهو ما صرحت به بعض الأخبار المتقدمة وسيأتي مزيد منها، وقد تعرضنا لبعض أقوال الفقهاء فيما سبق وستعرض المزيد في هذا النبأ إن شاء الله تعالي فنقول : إعلم أن بعض الفقهاء حمل المنع من تسميته - عجل الله فرجه - علي الكراهة، والبعض حمله علي الحرمة في عصر الغيبة مطلقة، والبعض في عصر الغيبة الصغري خاصة، والبعض مطلقة ، وهو مخالف - أي القولبحرمة ذكره بإسمه - عجل الله فرجه - مطلقا سواء في عصر الغيبة أو قبلها، هذا القول مخالف لما عليه سيرة أهل البيت عليهم السلام من ذكرهم له بإسمه - عجل الله فرجه - في أخبار كثيرة، فضلا عن ذكر الله عز وجل له بإسمه - عجل الله فرجه - كما في خبر اللوح.

وقيد بعض القائلين بالحرمة التحريم بتحريم ذكره - عجل الله فرجه - بإسم من أسمائه خاصة، أي بإسم محدد معين مخصوص، وتعدي آخرون إلي تحريم ذكره بكل أسمائه عجل الله فرجه ، وهو عجيب غريب فإن القول بحرمة ذكره بأسمائه - عجل الله فرجه - من بعض الجهات ينافي ظهور حديث : من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، فإن عدم إباحة ذكره - عجل الله فرجه - بكل أسمائه هو فرع التجهيل به في جزء

ص: 135

المعرفة ، وهذا التجهيل مانع من معرفة إمام الزمان في جزء المعرفة، وقد ذكر علماء المعقول في أن انتفاء الجزء يؤدي إلي انتفاء الكل فإن الكل يفتقر في وجوده إلي أجزائه(1) ثم إن من مصاديق - بل أتم مصاديق - المعرفة بإمام الزمان أن تعرفه بإسم من أسمائه ، ولما كان التحريم بحسب مدعي هذه الطائفة من الفقهاء، لما كان التحريم منصبة علي كل أسمائه عجل الله فرجه، فمؤداه أن لا يقدر المكلفون علي تحصيل جزء من أجزاء المعرفة بإمام الزمان، وهو المعرفة بإسمه عجل الله فرجه، وإن من أبرز دلائل معرفته عجل الله فرجه ، بل من أبرز الدلائل عليه - عجل الله فرجه - ظهور إسمه - عجل الله فرجه - والمعرفة بإسمه ، فالإسم هو مما يدل علي المسمي بحسب ما عليه النحاة والعقلاء وذلك في المعرفة البدوية التبادرية الدالة علي حقائق الأشياء عموما، وكيف يقال بأن فلانا يعرف فلانا حق المعرفة وهو لا يعرف إسمه؟ إلا أن يقال بأن المعرفة بالأوصاف والآثار تغني في المقام، أو أن يقال بأنالمعرفة المقصودة في حديث : من مات ولم يعرف إمام زمانه ، هي المعرفة في مرتبة علم المعرفة، وليس في مرتبة عين المعرفة أو حق المعرفة أو حق حق المعرفة، ويكفي في علم المعرفة أن يعرف الإمام عليه السلام بأوصافه وآثاره، فقد يقال ذلك، إلا أننا سوف نعرض لمزيد من الأدلة المؤيدة لرأينا المختار في سياق المباحث الآتية في هذا النبا إن شاء الله تعالي .

ونحن في طرحنا للإشكال إنما طرحناه علي المنع من ذكره بكل أسمائه - عجل الله فرجه - الذي هو ما ذهب إليه بعض القائلين من الفقهاء بالتحريم، فالتحريم لذكره - عجل الله فرجه - بكل أسمائه قد يرد عليه هذا ا الإشكال، أما القول بحرمة ذكره بإسم من أسمائه - عجل الله فرجه - وهو إسمه الخاص، فإن الإشكال المذكور لا يرد فيه لعدم المانعية من معرفة إمام الزمان من خلال المعرفة ببقية الأسماء، وقد يقال - كما أشرنا إليه -

ص: 136


1- رفع الغاشية الحاشيةللمدرس الأفغاني ،ص135،طبعة دارالكتاب في فم المشرفة .

:إن المعرفة من خلال المعرفة بصفاته - عجل الله فرجه - وآثاره وكراماته وعلائم ظهوره - عجل الله فرجه - وعلومه وأخباره كلها تنفي إشكال المعرفة عن تحريم ذكره بأسمائه مطلقة فضلا عن إسمه الخاص بأن يقال : إن المعرفة بالأسماء هي من كمال المعرفة، وهذا ممكن في رد هذا الإشكال، ولكنه لا ينهض في مواجهة بقية وجوه الإشكالات الأخري الواردة في طيات هذا النبأ.

ولقد اختلف الفقهاء القائلون بتحريم ذكره - عجل الله فرجه - بإسمه،اختلفوا بين ما سماه به الله عز وجل، وما سماه به رسول الله صلي الله عليه وآله، وما سمته به العترة عليهم السلام ، وما سمته به شيعته حتي شاع وصار يدل عليه، وعلق البعض الحرمة علي أن تكون التسمية مفضية إلي إلحاق الأذي به عجل الله فرجه، وسوف نعرض لأقوال العلماء والفقهاء المشهورة في عرض مجمل، والله المؤيد .

جملة من أقوال العلماء في تحريم تسميته عجل الله فرجه

من القائلين بالحرمة وأطلق القول بالتحريم، من القدماء - أي قدماء علماء الإمامية - الشيخ الأقدم أبو محمد الحسن بن موسي النوبختي، وهو من علماء الغيبة الصغري، وقد ذكر قوله بالحرمة في كتابه الفرق والمقالات، قال :

ولا يجوز ذكر إسمه، ولا السؤال عن مكانه حتي يؤمن بذلك. (1)وكذا قال بالحرمة المطلقة شيخنا الثقة الصدوق فقد أفتي به في كتابه كمال الدين وتمام النعمة، قال : والذي أذهب إليه ما روي في النهي من تسميته. (2)

ص: 137


1- فرق الشيعة للنوبختي، ص 110.
2- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 1، ص 307.

ومن القائلين بالحرمة مطلقة الشيخ المفيد، والشيخ الطبرسي صاحب التفسير، بل تعديا للقول بحرمة تكنيته فضلا علي تحريمهما التسمية مطلقا.

وقال المعلم الثالث المحقق الداماد في رسالته شرعة التسمية بالحرمة لتسميته وتكنيته عجل الله فرجه، وادعي عليه الإجماع، ولكنه قيد الحرمة بالغيبة مطلقة أي الصغري والكبري كما قيد القول بالحرمة أن تكون التسمية أو التكنية أمامالملأ بحيث يفضي ذلك إلي كشف سره - عجل الله فرجه - وإظهار أمره.

ونسب القول بالحرمة إلي أكثر العلماء المحدث الخبير السيد نعمة الله الجزائري في شرحه علي كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق.

وحكي عدم الخلاف في القول بالحرمة بين علماء الإمامية إلي عصر المحقق الخواجة نصير الدين الطوسي، وعنه القول بالجواز، وعن المحدث علي بن عيسي الأربلي نظيره، وحكي عن الشيخ البهائي القول بالخلاف، وعن الشيخ سليمان الماحوزي في رسالته تحريم التسمية القول بالحرمة، وعن المحدث الأكبر الشيخ محمد الحر العاملي صاحب تفصيل وسائل الشيعة إلي مسائل الشريعة القول بالحرمة ، وقال بالحرمة من غير هؤلاء كثير يطول المقام بعرض أسمائهم وأقوالهم ومصنفاتهم، ونسب منهم القول بالحرمة إلي جمهور علماء الإمامية .

الأخبار التي استدل بها علي حرمة تسميته عجل الله فرجه

ولقد استدل القائلون بالحرمة علي ذلك بمجموعة من الأخبار، من خلال ما ورد فيها من النهي واللعن.

منها: خبر جابر بن عبد الله الأنصاري وفيه : إن جندل بن جنادة اليهودي من خيبر دخل علي رسول الله صلي الله عليه وآله، وبعد عدة أسئلة سأله عن أوصيائه صلي الله عليه وآله، فذكرهم صلي الله عليه وآله و إسم إسمة إلي أن وصل إلي الإمام أبي

ص: 138

محمد الحسن بن علي عليه السلام ، فقال صلي الله عليه وآله: ثم يغيب عن الناس إمامهم.

قال جندل : يا رسول الله يغيب الحسن منهم؟

قال: لا، ولكن ابنه الحجة يغيب عنهم غيبة طويلة .

قال جندل : يا رسول الله فما إسمه؟

قال : لا يسمي حتي يظهره الله.(1)

وقد روي الفضل بن شاذان هذا الخبر في كتابه الغيبة بسنده إلي جابر بن عبد الله الأنصاري كذلك، وقوله صلي الله عليه وآله: لا يبني حتي يظهره الله، يحتمل فيه المنع من التسمية في مرحلة ما قبل مولده - عجل الله فرجه - في جملة الوجوه التي قد يحمل عليها هذا المنع فيما قد يستظهر منه ، فظهوره - عجل الله فرجه . أو إظهار الله جل جلاله بتعبير أدق، إظهاره سبحانه له - عجل الله فرجه - كما يصدق علي معني الغيبة العرفية الإصطلاحية، أي كما يصدق علي الظهور بعد الغيبة الكبري ويصدق علي الظهور بعد الغيبة الصغري، فإنه يصدق علي الظهور من عالم الأرحام إلي عالم الأبدان، أو بعبارة أخري يصدق هذا الإظهار من الله له - عجل الله فرجه - علي الإظهار بالمولد، ولكننا قد لا نجد حكمة في حمل معني الظهور علي هذا ليكون دليلا علي تخصيص المنع بمرحلة ما قبل مولده عجل الله فرجه، وقد يستوجه حمل مراده صلي الله عليه وآله علي المنع لحين الظهور بعد الغيبة الكبري ويؤيده ما قد يفهم من الأخبار الآتية، فهذا المنع الذي في خبر جابر المتقدم قد بالمنع لحين الظهور، وهو بذلك يحكي إرادة الظهور بعد الغيبة الطويلة كما قد يفهم من متن الخبر والأخبار الآتية، ولنا علي هذا الكلام تعليق وتحقيق سنوضحه عند التعرض لرأينا المختار .

ومنها: معتبر عبد العظيم الحسني، وفيه أنه عرض عقائده ومعالم دينه علي الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام، ثم عد أئمته عليهم السلام إلي أن وصل إلي الإمام الهادي عليه السلام،

ص: 139


1- كشف الحق، ص 117، وص 118.

فقال الإمام الهادي عليه السلام:

ومن بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده؟

قال : فقلت : وكيف ذاك يا مولاي؟

قال : لأنه لا يري شخصه، ولا يحل ذكره بإسمه، حتي يخرج فيملأالأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.(1)

ومنها: خبر إبراهيم بن فارس النيسابوري، فإنه دخل علي الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام ورأي الحجة - عجل الله فرجه - جالسة إلي جنبه وأخبره - عجل الله فرجه - فيما في ضميره، فسأل عنه عجل الله فرجه، فقال له الإمام العسكري عليه السلام :

هو ابني وخليفتي من بعدي ...، إلي أن قال عليه السلام: هو سمي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وكنيه ، ولا يحل لأحد أن يسميه بإسمه أو يكنيه بكنيته إلي أن يظهر الله دولته وسلطنته.(2)

وروي هذا الخبر بطريق الفضل بن شاذان في كتابه الغيبة كذلك .

ومنها: خبر الإمام أبي جعفر محمد بن علي الجواد عليه السلام- وهو خبر طويل - وروي الإمام الجواد عليه السلام فيه عن أمير المؤمنين عليه السلام في أن الخضر عليه السلام حضر مجلس أمير المؤمنين عليه السلام وشهد الله والرسول و وللأئمة عليهم السلام واحدة واحدة، حتي وصل إلي القائم عليه السلام فقال :

وأشهد علي رجل من ولد الحسن بن علي لا يسمي ولا يكني حتي يظهر أمره فيملأها عدلا كما ملئت جورة، إنه القائم بأمر الحسن بن علي ... الخبر.(3)

ص: 140


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 2، ص 379.
2- كشف الحق، ص 44 ، وص 45.
3- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص 313، وعيون أخبار الرضا عليه السلام اللصدوق، ج 1، ص 65، والغيبة للطوسي، ص 98، وعلل الشرائع للصدوق، ص 96، والإحتجاج للطبرسي، ج 1، ص 395.

وهذا الخبر لم نروه بتمامه بل اقتصرنا علي موضع الشاهد منه، وهو من الأخبار الطوال المشهورة الصحيحة، والمنع الوارد فيه تقيده بقيةالأخبار.

ومنها: خبر أبي هاشم الجعفري داوود بن القاسم، وهذا الخبر مر ذكره في نبأ ألقابه عجل الله فرجه، وفيه قول الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام، قال: الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟

فقلت : لم جعلني الله فداك؟

قال : لأنكم لا ترون شخصه، ولا يحل لكم ذكره بإسمه ... الخبر.(1)

ومنها: خبر الريان بن الصلت، ومر ذكره في نبأ ألقابه عجل الله

فرجه، فقد روي الريان عن الإمام أبي الحسن علي بن موسي الرضا غل قال : سمعت الرضا علي بن موسي - عليهما السلام - يقول : القائم المهدي - عليه السلام - ابن ابني الحسن، لا يري جسمه، ولا يسمي بإسمه بعد غيبته أحد حتي يراه ويعلن بإسمه فيتسمه كل الخلق.

فقلنا له: يا سيدنا فإن قلنا صاحب الغيبة، وصاحب الزمان، والمهدي؟

ص: 141


1- (1) الكافي للكليني، الأصول، ج 1، ص 332، وص 333، وكمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص 381، ح ه، وعلل الشرائع للصدوق، ص 245، ج 1، ح ه، وشرعة التسمية للداماد، ص 58، وبحار الأنوار للمجلسي، ج51، ص 31، وإثبات الوصية للمسعودي، ص 208، وكفاية الأثر للخراز، ص 284، والإرشاد للمفيد، ص 338، وص 349، وإعلام الوري للطبري، ص 351، وكشف الغمة في معرفة الأئمة عليهم السلام للأربلي، ج3، ص 196، وروضة الواعظين اللفتال النيسابوري، ج 2، ص262.

قال : هو كله جايز مطلقا، وإنما نهيتكم عن التصريح بإسمه الخفي عن أعدائنا فلا يعرفوه .(1)

أقول: ويحتمل من خلال هذا الخبر أن يكون الإسم المنهي عن ذكره - عجل الله فرجه - به هو إسم خاص، ويشعر به قوله عليه السلام : وإنما نهيتكم عن التصريح بإسمه الخفي، فهذا وجه، ووجه آخر احتمال أن يكون المقصود من النهي النهي عن ذكره بالإسم الذي يمكن الأعداء منه بحيث يعرفونه ويصله منهم الأذي ، ويشعر به قوله عليه السلام : فلا يعرفوه، فإن الحكمة من النهي أن لا يعرفوه، وهذا يفهم منه عدم اختصاص ذلك بإسم معين، بل كل إسم يمكن أن يمن الأعداء منه - عجل الله فرجه - فهو منهي عن ذكره به ، وهذا سيتضح أكثر في بث رأينا المختار، وقد مر شيء من المعالجة فيه، وسيأتي المزيد إن شاء سبحانه .

ومنها: خبر صفوان بن مهران، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قيل له عليه السلام : يا ابن رسول الله فمن المهدي من ولدك؟

و قال - في جملة جوايه - عليه السلام : الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه، ولا يحل لكم تسميته ... الخبر.(2)

والمقصود بالخامس في هذا الخبر الحجة - عجل الله فرجه - والسابع هو سابع الأئمة عليهم السلام وهو الإمام أبو الحسن موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام.

وروي الصدوق هذا الخبر بطريق آخر كما في بعض نسخ كتابه كمال الدين وتمام النعمة، وكذا رواه بطريق آخر العلامة المجلسي في بحار الأنوار، ورواية المجلسي عن ابن أبي يعفور، أما رواية الصدوق الأخري

ص: 142


1- مستدرك الوسائل للنوري، ج 2، ص 380، الطبعة الحجرية، والكافي للكليني،الأصول، ج 1، ص 332، ح3، وكمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 2، ص37، ح 2، وفيه ج 2، ص648، ح 2.
2- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 2، ص 333، وفيه، ج2، ص 11.

فعن عبد الله بن يعقوب، وكذا رواه الصدوق بسند ثالث عن أبي يعقوب، والله العالم، حيث احتمل بعض علماء رجال الحديث أن يكون قد وقع تصحيف في النقل بين أسماء هؤلاء الرواة ، فالتفت .

ومنها: صحيحة الهمداني، عن الإمام أبي الحسن موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام ، فقد روي عنه عليه السلام أحمد بن تناد بن جعفر الهمداني أنه ذكر القائم عجل الله فرجه ، فقال عليه السلام في جملة الخبر : الذي تخفي علي الناس ولادته ، ولا يحل لهم تسميته حتي يظهره الله عز وجل، فيملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورة وظلما .(1)

وهذه الرواية رواها علي بن إبراهيم القني في تفسيره بسنده إلي ابن أبي عمير ، وقد صحح سندها علماء رجال الحديث .

ومنها: توقيعه عجل الله فرجه ، قال :

ملعون ملعون من سماني في محفل من الناس (2).

ومنها: توقيعه - عجل الله فرجه - برواية محمد بن عثمان العمري، قال : خرج توقيع بخط أعرفه : من سماني في مجمع من الناس بإسمي فعليه لعنة الله.(3)

ومنها: خبر الإمام أبي جعفر محمد بن علي الجواد عليه السلام قال عليه السلام: القائم منا هو الذي تخفي علي الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه ، ويحرم عليهم تسميته ، وهو سمي رسول الله - صلي الله عليه وآله وسلم - وكنيه .(4)

ومنها: خبر الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام ، عن أمير

ص: 143


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 2، ص 398، وص369.
2- نفس المصدر، ج 2، ص 482، ح 1.
3- نفس المصدر، ج 2، ص 483، ح 3.
4- نفس المصدر، ج 2، ص 378، وكفاية الأثر للخراز، ص 278.

المؤمنين عليه السلام أن عمر بن الخطاب سأله عن المهدي، فقال : يا ابن أبي طالب أخبرني عن المهدي ما إسمه؟

قال عليه السلام : أما إسمه فلا، إن حبيبي وخليلي عهد إلي أن لا أحدث بإسمه حتييبعثه الله عز وجل، وهو مما استودع الله عز وجل رسوله في علمه.(1)

ومنها: خبر الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام روي عليه السلام أومأ إلي ابنه الإمام أبي الحسن موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام وقال عليه السلام :

والخامس من ولده يغيب شخصه، ولا يحل ذكره بإسمه.(2)

الرأي المختار

إن الأخبار المتقدمة بعضها قيد الحرمة إلي حين يظهره الله كما في خبر جابر بن عبد الله الأنصاري، ويحتمل أن يكون المراد بإظهار الله له - عجل الله فرجه - إظهار إسمه لا إظهار شخصه عجل الله فرجه، وهو يمكن أن يتسع لعصر ما قبل ظهوره عجل الله فرجه، والمعني يحتمله فيكون الضمير المتصل في قوله صلي الله عليه وآله: يظهره متعلق بإسمه لا بشخصه أرواحنا فداه ، لذلك فقد يظهر الله إسمه - عجل الله فرجه - قبل خروجه وظهوره عجل الله فرجه، وهذا ما حصل بالفعل فإن رسول الله صلي الله عليه وآله سماه في أكثر من حديث، كما سماه الله عز وجل في أكثر من حديث، ومن جهة أخري لا يمكن حمل خبر جابر علي التقية لأن المرحلة الزمنية لا تسمح بهذا فإن التقية لم تكن مشيرة إلا لبعض أصحابه صلي الله عليه وآله وذلك في مرحلة زمنية خاصة قبل بعثته صلي الله عليه وآله، وحمل المنع في هذا الخبر علي المنع من التسمية لحين يزول عنه خطر الأعداء والمتربصين لقتله عجل الله فرجه ، هذا الحمل أقرب إلي طبيعة الحال وإلي ظاهر النصوص الأخري التي تقيد هذا المنع،

ص: 144


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 2، ص 648.
2- بحار الأنوار للمجلسي، ج26، ص 309.

فإطلاق لمنع من التسمية في خبر جابر مقيد بالأخبار الأخري، ولعل جوابه صلي الله عليه وآله لجابر بن عبد الله الأنصاري مما يناسب حال السائل والسامع فيكون كالقضية في واقعة.

ودلت أخبار أخر علي عدم حلية تسميته - عجل الله فرجه - لحين خروجه، ويمكن تقييد الحرمة بالتحريم أمام الأعداء كما دلت عليه أخبار أخري فقد قيد خبر الريان بن الصلت الحرمة بأن تكون التسمية أمام أعداء أهل البيت عليهم السلام ، والغاية في هذا الخبر من منع التسمية أن لا يعرفوه عجل الله فرجه، فلو أمكن أن لا يعرفوه - عجل الله فرجه - مع التسمية فالظاهر ارتفاع علة التحريم.

وكذا قيدت التوقيعات المتقدمة المنع من التسمية ولعن من يسميه - عجل الله فرجه - بالتسمية أمام الملأ ، فلو لم تكن التسمية أمام الناس فلا مانع منها بحسب ما يفهم من التوقيعات المتقدمة، ويظهر منها أن الغاية من منع التسمية أمام الناس حتي يأمن - عجل الله فرجه - من كيد الأعداء، فلو أمكن الأمان مع التسمية فيظهر ارتفاع علة اللعن والمنع كذلك .

ويمكن حمل اللعن الوارد علي لعن الكراهة ، فإن الفقهاء في المباني الأصولية قسموا اللعن إلي لعن كراهة ولعن حرمة ، فإطلاق اللعن مما لا يناسب طبيعة الحال، وقد صدرت تسميته أمام الملأ من قبل المعصومين عليهم السلام، فلا بد من تأويل هذا اللعن ومن حمله علي خلاف الظاهر جمعة بين الأخبار التي سماه فيها رسول الله صلي الله عليه وآله عترته عليهم السلام وبين هذا اللعن والمنع، والأقرب اللعن والمنع في موارد مخصوصة وهي موارد الضرر عليه عجل الله فرجه ، بل الأقرب منه حمل اللعن في غير موارد الضرر الو تمت دلالة الأخبار الغير محمولة علي التقية من أخبار اللعن علي لعن الكراهة لا الحرمة جمعا بين الأخبار التي كان المعصومون غالي يسمونه ۔ عجل الله فرجه - فيها وبينالأخبار المصرحة باللعن علي فرض القول بصحة سند هذه الأخبار

ص: 145

وبعض الأخبار المتقدمة أطلقت المنع من التسمية ، وقد تقدمت عليه المناقشة في الإشكال التمهيدي المذكور في بداية هذا النبأ فإن إطلاق المنع تقيده بقية الأخبار المذكورة والدالة علي أن علة المنع أن لا يعرفه الأعداء ، وأن المنع هو من التسمية أمام الناس في الملا ونحوه، وأما الأخبار الأخر فدلت علي المنع من تسميته بإسمه الخاص الذي عبر عنه خبر الريان بن الصلت عن الإمام أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام حيث أشار إلي أن المقصود بإسمه إسمه الخفي عن الأعداء، فتقييد خبر الإمام الرضا عليه السلام الإسم الممنوع منه بالخفي عن الأعداء بحيث لا يعرفوه عجل الله فرجه ، هذا التقييد يزيد من توكيد مبدأ اختصاص مورد التحريم بمورد التقية لا في كل الموارد، فلو أمكن منعه - عجل الله فرجه - من الأعداء بحيث لا يعرفوه - عجل الله فرجه - بوسيلة أخري غير تحريم ذكره بإسمه الخفي الأغني ذلك عن القول بتحريم التسمية بحسب ما يمكن استظهاره من هذه الأخبار في الجملة، وعليه يمكن القول بأن التحريم مقيد في موارد الضرر والتقية، إلا أن يقال بأن تلك العلل الواردة في أخبار المنع هي معرفات تكشف عن بعض جوانب الحكمة من المنع وليست الملاك في تحريم التسمية، فيبقي المنع علي إطلاقه في مثل هذه الحالة، قد يقال ذلك، إلا أن هذا الجواب لا يسد باب الإشكال بالكلية فقد سماه النبي صلي الله عليه وآله ، كما في خبر اللوح، وسماه سائر المعصومين عليهم السلام في كثير من الأخبار.

والخلاصة: لو كانت حرمة التسمية مطلقة لما سماه الله عز وجل في خبر اللوح، ولما سماه رسول الله صلي الله عليه وآله، والنبي صلي الله عليه وآله كما أشار إلي إسمه فقد أشار إلي كنيته عجل الله فرجه، وعين ما تقيد به التسمية تقيد به التكنية هذا إذا لم نحمل أقوال الفقهاء في النهي عن التكنية بأنها أرادت من التكنية التسمية فقد تقدمفي نبأ كناه - عجل الله فرجه - جواز إطلاق الإسم علي الكنية في المسامحات اللغوية .

والكلام هو الكلام في الأخبار التي قيدت النهي عن التسمية بعصر الغيبة سواء الصغري أو الكبري، أو النهي إلي حين يظهر الله عز وجل دولته

ص: 146

وسلطنته عجل الله فرجه ، فإن هذه الأخبار تقيد بحال الضرر والتقية جمعة بينها وبين القيود الواردة في سائر الأخبار وبين الأخبار المروية عن الرسول صلي الله عليه وآله وعن العترة عليهم السلام المصرحة بإسمه عجل الله فرجه .

فالتسمية المحرمة هي التي تفضي إلي معرفة أعدائه به عجل الله فرجه ، والتي تؤدي إلي كشف سره وأمره، وإلحاق الأذي والضرر به، ولكن بعد تمام الغيبة لا شك أن مثل هذه الأمور مرتفعة حكمة وموضوعة، فلا مانع من تسميته - عجل الله فرجه - بعد ارتفاع علة التحريم، أو في موارد ارتفاع علة الحرمة، وإن التسمية وحلية التسمية هي الأصل، والحرمة عارضة فترتفع بارتفاع سببها بحسب القواعد.

ولقد كان من الممكن حمل جميع أخبار النهي والمنع واللعن علي التقية لولا أن بعضها ورد عن رسول الله صلي الله عليه وآله وعن أمير المؤمنين عليه السلام فإن التقية بدأت بعد قتل الإمام أبي عبد الله الحسين بن علي سيد الشهداء عليه السلام ولم تشرع قبل مقتل الإمام الحسين عليه السلام إلا لأصحاب النبي صلي الله عليه وآله و قبل البعثة في موارد مخصوصة ، فلا يمكن حمل أحاديث النبي صلي الله عليه وآله علي التقية وكذا أخبار أهل البيت عليهم السلام في الجملة في مرحلة ما قبل مقتل الإمام الحسين عليه السلام، ولو أمكن لسهل ذلك علينا مؤونة الإستدلال، أما الأخبار التي يستدل بها علي حرمة تسميته - عجل الله فرجه - للأمن من الضرر، فالقول بورودها علي نحو التقية ينفي الحرمة مطلقة جمعة بينها وبين الأخبار المصرحة بإسمه عجل الله فرجه ، فإن خبر التقية الظاهر في التحريم ليس دليلا علي القول بالحرمة كما هو المعروف فيما بينهم، وأما أخبار ما قبل عصر التقية المانعة من التسمية فيناقضها الأخبار المصرحة بإسمه - عجل الله فرجه - والواردة في غير عصر التقية أيضا، ولو تم التعارض بينها فسقوطها هو ما تؤول إليه بحسب القواعد فيرجع القول الفصل الأخبار زمان التقية المتأخرة في الجملة، أو لأصالة حلية التسمية وأخبار زمان التقية الظاهرة في التحريم والمنع المقيد بحال التقية .

ص: 147

ومن الوجوه التي يمكن أن نقوي بها الرأي المختار في انحصار الحرمة في موارد التقية والضرر، أي الموارد التي يخشي فيها عليه - عجل الله فرجه - من كيد الأعداء، من الوجوه التي يستعان بها علي القول بعدم إمكان الحرمة مطلقة أن الله عز وجل أمرنا بأن ندعوه عز وجل بأسماء أهل البيت عليهم السلام وذلك في قوله تعالي : «وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَي فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(1)، فقد ورد في التفسير الروائي أن المراد بالأسماء الحسني في الآية هم أهل البيت عليهم السلام ، وقد ورد عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قوله : نحن أسماء الله الحسني، فكيف بعد هذا يكون من الممكن الدعاء بإسم الحجة - عجل الله فرجه - الذي هو أحد أهل البيت عليهم السلام، وإسمه أحد الأسماء الحسني المأمور بالدعاء بها في الآية علي ما في التفسير الروائي، كيف يكون ذلك لو قلنا بحرمة تسميته مطلقا؟

وبعض النواهي الواردة في بعض الأخبار التي لم تصرح بعدم الحلية ، ولم تصرح بالحرمة، بل صرحت بالمنع والنهي فقط، بعض هذه النواهي يمكنحملها علي النواهي الإرشادية دون المولوية جمعا بين هذه النواهي والأخبار المصرحة بإسمه عجل الله فرجه، أما الأخبار التي يمكن ورودها علي نحو التقية من الأخبار المصرحة بالحرمة وعدم الحلية فحملها علي وجه التقية علي ما تقدم أوجه علي التفصيل الذي ذكرناه ، أما التي لا يمكن ورودها علي نحو التقية فلو تم التعارض بينها وبين الأخبار المصرحة بإسمه - عجل الله فرجه - للزم منه التساقط، ومن ثم الرجوع إلي الأصل وهو حلية التسمية ، أما لو لم يتم التعارض فلو رجحنا الأخبار المصرحة بإسمه - عجل الله فرجه - لكان هو المطلوب، وأما لو رجحنا الأخبار المصرحة بالحرمة الكانت الأخبار المقيدة بالضرر هي الحاكمة عليها علي بناء قاعدة تقييد المطلق جمعة بين الأخبار المصرحة بالحرمة والمقيدة بموارد الضرر، لكن

ص: 148


1- سورة الأعراف، الآية : 180.

هذا الجمع يقتضي الأخذ بأصالة عدم الحمل علي التقية في خصوص الأخبار المقيدة بالضرر.

ومن العجيب الغريب أن بعض القائلين بالحرمة مطلقة لم تخلو مصنفاتهم وكلماتهم من ذكره بأسمائه - عجل الله فرجه - بل ذكر إسمه الخاص به عجل الله فرجه ، بل ذكر كناه عجل الله فرجه، وهذا دليل وهن هؤلاء في العمل بما يقولون، بل قرينة علي عدم إمكان العمل بما يفتون لأن التسمية والتكنية من الأمور التي تقتضيها أساليب الخطاب ونقل الأخبار .

وعليه فإن ذكره - عجل الله فرجه - في مجالس أوليائه وأحبائه وتسميته بإسمه الخاص بل أسمائه وكناه وألقابه - عجل الله فرجه - جميعا هو من أفضلالقربات إلي الله عز وجل بل بما تزدان وتزهو به المجالس، وقد حدثني شيخنا الأستاذ بهجة العارفين وقدوة المجتهدين آية الله العظمي الشيخ محمد تقي بهجت روحي فداه ، حدثني يوما بأن ذكره - عجل الله فرجه - هو ذكر عملي الله عز وجل، بل ذكر جميع أهل البيت عليهم السلام وتذاكر علومهم عليهم السلام هو ذكر عملي لله عز وجل.

ومن الذين قيدوا حرمة تسميته - عجل الله فرجه - بالموارد التي يخشي فيها من وصول الأعداء إليه - عجل الله فرجه - وفاقا لنا النوبختي، وعلل الحرمة حتي يؤمن عليه عجل الله فرجه، والنوبختي من علماء الغيبة الصغري كما هو المعلوم وقد سبقت الإشارة إليه.

ولا يدعي أن بعض أخبارهم عليهم السلام لم تصرح بإسمه الخاص - عجل الله فرجه - بل عبرت عنه بأوصافه وألقابه - عجل الله فرجه - فيكون دليلا من السيرة علي المنع، فإن مثل هذه السيرة يسقط الإحتجاج بها في مواجهة الأخبار التي صرحت بإسمه - عجل الله فرجه - عنهم عليهم السلام ، ثم إن عدم التصريح بإسمه في كل مورد قد يكون لتعظيم شأنه، وليس للمحظور من التصريح، فإن الأئمة عليهم السلام كانوا يعظمونه قبل مولد عجل الله فرجه، وقد

ص: 149

ورد عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، قوله : ولو أدركته لخدمته أيام حياتي .(1)

ثم إن، عدم وجود إسم له شيء وعدم جواز تسميته شيء آخر، فإنه ليس من لوازم تحريم تسميته - عجل الله فرجه - أن لا يكون له إسم، لأن عدم تحديد إسمه وهويته - عجل الله فرجه - قد يفتح الباب علي مصرعيه للخلاف فيه ،وقد يستغله دعاة المهدوية في كل عصر وزمان في ادعاء الإمامة زورا وبهتانا، وهذا ما حصل بالفعل كما سنشير له في الخاتمة، فإن بعض دعاة المهدوية استغلوا هذه الثغرة لتدعيم دعواهم، ولقد دلت جملة من الأخبار علي إسمه كما في خبر اللوح المروي عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وخبر الصدوق في كتاب كمال الدين وتمام النعمة وكتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام، وفي خبر الطوسي في كتابه الأمالي، وذلك مما تعرضنا له في نبأ أسمائه - عجل الله فرجه - فراجعه.

ومما يؤكد كلامنا من أن حرمة التسمية ليس في ذكر إسمه بما هو ذكر الإسمه ، فالتحريم ليس لذكره - عجل الله فرجه - بإسمه بما هو هو، بل بما يترتب علي ذلك من الآثار، مما يؤكد هذا الرواية الصحيحة المروية عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، قال : صاحب هذا الأمر رجل لا يسميه بإسمه إلا كافر .(2)

فهل مجرد ذكر إسمه بما هو ذكر إسمه هو الذي يفضي إلي الكفر؟ أم أن الذي يفضي إلي الكفر التسمية المستبعة للأذية والضرر، ونيل الأعداء منه ووقوعه في الخطر، فإن الكفر المراد من الخبر هو كفر نصب العداء فمن يسميه - عجل الله فرجه - بهدف إيقاعه في الخطر ونيل العدو منه هو الكافر الناصبي الذي ينصب العداء لأهل البيت عليهم السلام، ولا يمكن أن تستلزم

ص: 150


1- الغيبة للنعماني، ص 240، ح 46.
2- الكافي للكليني، الأصول، ج 1، ص 333.

تسميته - عجل الله فرجه - للكفر إلا إذا كانت نصبة للعداء، فوجه الكفر في خبر الإمام الصادق عليه السلام هو في كفر نصب العداء وهو في التسميةطمعا في أن ينال منه الأعداء علي التفصيل المذكور وإلي الله ترجع الأمور.

ص: 151

النبأ الحادي عشر : في جملة من صفاته عجل الله فرجه

لقد صرحت الأخبار بمجموعة من صفاته وشمائله عجل الله فرجه ،ورويت بطرق علماء الفريقين، وسنعرض لجملة منها في هذا النبأ .

فمنها: ما روي عن رسول الله صلي الله عليه وآله و عند ذكره للحجة عجل الله فرجه ، قال صلي الله عليه وآله:أشبه الناس بي خلقا و خلقا.(1)

وعنه صلي الله عليه وآله قال : وشمائله شمائلي .(2)

ومنها: ما روي بسند معتبرعنه صلي الله عليه وآله قال : أشبه الناس بي في شمائله، وأقواله، وأفعاله .(3)

وروي هذا الحديث الفضل بن شاذان في كتابه الغيبة .

وعنه صلي الله عليه وآله في ذكره لصفاته - عجل الله فرجه - قال صلي الله عليه وآله: أجلي الجبين. (4)

أقول: ومعني أنه - عجل الله فرجه - أجلي الجبين، أي خفيف الشعر ما بين النزغتين من الصدغين كما ورد ذلك في كتاب مجمع البحرين من كتب اللغة للطريحي.

ص: 152


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 1، ص 289، ح 1.
2- نفس المصدر، ج2، ص 411، ح6.
3- الأربعين للخاتون آبادي، ص 108.
4- عقد الدرر للسلمي، ص 38، والغيبة للنعماني، ص 215.

ومنها: ما روي عنه صلي الله عليه وآله قال في وصفه له عجل الله فرجه : علي خده الأيمن خال كأنه كوكب دري. (1)

وعنه صلي الله عليه وآله قال في وصفه عجل الله فرجه : كأن وجهه كوكب دري في خده الأيمن خال أسود، أفرق الثنايا .(2)

ومنها: ما روي عنه صلي الله عليه وآله قال : المهدي طاووس أهل الجنة، وجهه كالقمر الدري، عليه جلابيب نور.(3)

ومنها: ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في ذكره لأوصافه - عجل الله فرجه - قال لي : أبيض مشرب حمرة . (4)

وعنه عليه السلام قال : شاب مربوع. (5)

وعنه عليه السلام قال : حسن الوجه، ونور وجهه يعلو سواد لحيته وراسه.(6)

أقول: ويظهر من حديث أمير المؤمنين عليه السلام هذا ما أكده غير هذا الحديث من الأخبار وهو أنه - عجل الله فرجه - علي هيئة شابة فلا تعجزه الليالي والدهور، ولا يغزو الشيب رأسه وسواد لحيته علي طول غيبته ، بل ورد - كما سيأتي - أنه يبقي علي هيئة شابة لحين انقضاء أجله عجل الله فرجه .

ص: 153


1- الغيبة للنعماني، ص215.
2- .عقد الدرر للسلمي، ص 34، وكشف الغمة في معرفة الأئمة علي للأربلي، ج2، ص 470،والبيان في أخبار صاحب الزمان - عجل الله فرجه - للگنجي، ص 95.
3- كشف الغمة في معرفة الأئمة عليهم السلام للأربلي، ج 2، ص 481، ونور الأبصار للشبلنجي، ص187،ونور الأبصار للمازندراني، ص 376، ومنتهي الآمال اللقمي، ج 2، ص 481.
4- بحار الأنوار للمجلسي، ج51، ص 30، وكمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج2، ص 453.
5- الغيبة للطوسي، ص 281، ح 487.
6- نفس المصدر، ص 281.

ومنها: ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام - كذلك - في وصفه له ۔ عجل الله فرجه - قال عليه السلام: عظيم مشاش المنكبين، بظهره شامتان شامة علي لون جلده، وشامة علي شبه شامة النبي صلي الله عليه وآله وسلم. (1)

أقول: والمقصود بالمشاش رؤوس العظام علي ما في كتب اللغة .

ومنها: ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام- كذلك - في وصفه عجل الله فرجه ، قال عليه السلام: كث اللحية، أكحل العينين، براق الثنايا ، في وجهه خال، أقني، أجلي، في كتفه علائم نبوة النبي صلي الله عليه وآله وسلم .(2)

ومنها: ما روي عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عند ذكره لشمائله - عجل الله فرجه . قال عليه السلام: مقرون الحاجبين .(3)

وعنه عليه السلام قال في وصفه له - عجل الله فرجه - : أقني الأنف .(4)

أقول: والمراد بأنه - عجل الله فرجه - أقني الأنف أي طويل الأنف مع دقة عرنينه، وحدب في وسطه، كما أفدناه من كتاب مجمع البحرين للطريحي .

ومنها: ما روي عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في وصفه له عجل الله فرجه، قال عليه السلام : شامة في رأسه.(5)

ص: 154


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 2، ص 653.
2- البيان في أخبار صاحب الزمان عجل الله فرجه - للگنجي، ص 516.
3- نور الأبصار للمازندراني، ص 374، وفلاح السائل لابن طاووس، ص 200،وبحار الأنوار للمجلسي، ج86، ص 81.
4- نور الأبصار للمازندراني، ص 374.
5- نفس المصدر.

وقال عليه السلام : بعيد ما بين المنكبين .(1)

وقد ورد في بعض كتب السير أنه - عجل الله فرجه - علي خده الأيمن خال أسود، وعلي يده اليمني خال، وأنه - عجل الله فرجه - ممتليء الجثة وطويل القامة .(2)

وورد عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله صلي الله عليه وآله أنه قال صلي الله عليه وآله: ليبعثن الله من عترتي رجلا أفرق الثنايا ، أجلي الجبهة ، يملأ الأرض عدلا ،ويفيض المال فيضا .(3)

وورد عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام بسنده ، عن آبائه عليه السلام، عن جده أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال وهو علي منبره متحدثا عن الحجة عجل الله فرجه :

يخرج رجل من ولدي في آخر الزمان، أبيض اللون، مشرب بالحمرة .. الخبر.(4)

وروي السيد ابن طاووس في كتابه الملاحم والفتن عن أبي صالح السليلي في كتاب الفتن، عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنه قال في وصفه له عجل الله فرجه :

أشبه الناس خلقا وخلقا وحسنا برسول الله صلي الله عليه وآله .

وذكر وصفه - عجل الله فرجه - في الجملة بعض المعاصرين فقال : ناصح اللون، واضح الجبين، أبلج الحاجب، مسنون الخد، أقني الأنف، أشم، أروع، كأنه غصن بان، وكأن صفحة غرته كوكب دري، بخده الأيمن خال كأنه فتاتة مسك علي بياض الفضة، برأسه وفرة سمحاء سبطة

ص: 155


1- إلزام الناصب للحائري، ج 1، ص 475، وفلاح السائل لابن طاووس، ص 200،وبحار الأنوار للمجلسي، ج86، ص 81.
2- الدروس البهية للواساني، ص 184 ، طبعة مؤسسة عز الدين في بيروت.
3- ينابيع المودة للقندوزي، ص 460.
4- عقد الدرر للسلمي، ص 101.

تطالع شحمة أذنه، له سمت، ما رأت العيون أقصد منه، ولا أعرف حسنة وحياء. (1)

أقول: وشرحه فقال : أبلج الحاجب أي مفترق الحاجب، ومسنون الخد أي طويل الخد، وأقني الأنف أي مستوي الأنف، وأشم أي مرفوع الرأس، وأروع أي يعجبك بحسنه، والوفرة ما سال من الشعر علي الأذن، ولنعم ما جمعه هذا الجليل في ذكره لأوصافه عجل الله فرجه .

ص: 156


1- الإمام المهدي عليه السلام لدخيل، ص10، طبعة دار المرتضي في بيروت .

النبأ الثاني عشر : في جملة من خصائصه عجل الله فرجه

من جملة الخصائص التي اختصه الله عز وجل بها أنه سبحانه أطلع أمره - عجل الله فرجه - علي جميع أنبيائه عليهم السلام من لدن آدم أبي البشر الأول عليه السلام إلي محمد خاتم النبيين صلي الله عليه وآله، وكان - عجل الله فرجه - موضع اهتمامهم جميعا وعنايتهم جميعا كما دلت عليه الأخبار.

ولقد أمله - عجل الله فرجه - كل الأنبياء المظلومين عليه السلام في أن ينتصر لهم من ظالميهم والمنكرين لفضائلهم، والمضطهدين لهم في دار الدنيا ، ووعدهم الله عز وجل أن ينتصر لهم عليهم السلام علي يديه - عجل الله فرجه - في الرجعة، ومن الأحاديث النبوية الجامعة لجملة من خصائصه - عجل الله فرجه - حديث خطبة النبي صلي الله عليه وآله و في غدير خم في حجة الوداع، وذلك أنه صلي الله عليه وآله ذكر فيها الحجة - عجل الله فرجه -فقال :

ألا إن خاتم الأئمة منا القائم المهدي صلوات الله عليه ، ألا إنه فاتح الحصون وهادمها، ألا إنه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك ، ألا إنه المدرك بكل ثار لأولياء الله عز وجل، ألا إنه الناصر لدين الله عز وجل، ألا إنه الغراق في بحر عميق، ألا إنه يسم كل ذي فضل بفضله، وكل ذي جهل بجهله، ألا إنه خيرةالله ومختاره، ألا إنه وارث كل علم والمحيط به، ألا إنه المخبر عن ربه عز وجل والمنبه بأمر إيمانه ، ألا إنه الرشيد السديد، ألا إنه المفوض إليه ، ألا إنه قد بشر به من سلف بين يديه ، ألا إنه الباقي حجة ولا حجة بعده ولا حق إلا معه ولا نور فوز إلا عنده ، ألا إنه لا غالب له

ص: 157

ولا منصور عليه، ألا وإنه ولي الله في أرضه وحكمه في خلقه وأمينه في سره وعلانيته ... إلي آخر الخطبة.(1)

ومن جملة خصائصه - عجل الله فرجه - أن الملائكة حملته يوم مولده - عجل الله فرجه - إلي سرادق العرش، وخاطبه الحق عز وجل قائلا : مرحبا بك عبدي لنصرة ديني، وإظهار أمري، ومهدي عبادي، آليت أني بك آخذ وبك أعطي، وبك أغفر، وبك أعذب ... الخبر.(2)

ومن خصائصه - عجل الله فرجه - أن الله جل جلاله أمر نبيه صلي الله عليه وآله ليلة معراجه بمحبته، وبمحبة من يحبه عجل الله فرجه، فقال الحق سبحانه لمحمد صلي الله عليه وآله عند ذكره له عجل الله فرجه :

وهذا القائم، يحل حلالي، ويحرم حرامي، وينتقم من أعدائي، يا محمد أحببه فإني أحبه، وأحب من يحبه .(3)26

ومن خصائصه - عجل الله فرجه - أنه عند ظهوره يبدو للناظر وكأنه ابن ثلاثين سنة، فلا تؤثر عليه عوامل الزمان، ولا يبدو عليه الهرم والشيخوخة، وقد رويت في ذلك جملة من الأخبار.

منها: خبر أبي الصلت الهروي، قال : قلت للرضا عليه السلام : ما علامات القائم منكم إذا خرج؟

قال: علامته أن يكون شيخ السن، شاب المنظر، حتي أن الناظر إليه اليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها، وإن من علاماته ألا يهرم بمرور الأيام والليالي حتي يأتيه أجله.(4)

ص: 158


1- الإحتجاج للطبرسي، ج 1، ص 80، واليقين باختصاص مولانا علي عليه السلام بإمرة المؤمنين لابن طاووس،ص357، الطبعة المحققة بادني تفاوت .
2- بحار الأنوار للمجلسي، ج51، ص 27.
3- نفس المصدر، ج36، ص 323، ومقتضي الأثر، ص 23، وص
4- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص 652، ح 12.

ومنها: ما عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال : ويظهر في صورة فتي موفق ابن ثلاثين سنة. (1)

و وعنه عليه السلام - أيضا - في جملة خبر له ذكر خروجه - عجل الله فرجه - قال لي : ... يرجع إليهم شابا موفقة ... الخبر.(2)

ومنها: ما عن الإمام أبي محمد الحسن بن علي المجتبي عليه السلام أنه ذكر القائم - عجل الله فرجه . فقال :

يطيل الله عمره في غيبته ، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أن الله علي كل شيء قدير.(3)

وورد أنه - عجل الله فرجه - يصلي علي جنازته بسبع تكبيرات كما صلي عمه الإمام أبو محمد الحسن بن علي المجتبي عليه السلام علي أمير المؤمنين عليه السلام .(4)

ومن جملة خصائصه - عجل الله فرجه - أن الله عز وجل ينصره علي أعدائه بالرعب، فقد ورد في الدعاء: وانصره بالرعب.

وهذا من جملة ما نصر الله به جده رسول الله صلي الله عليه وآله حيث ورد عنه صلي الله عليه وآله أنه قال : أنا المنصور بالرعب.

ومن خصائصه - عجل الله فرجه - أنه تقلد الإمامة في سن الخامسة من عمره الشريف، وبذلك يكون أصغر الأئمة عليهم السلام عمرة عند استلامه مقاليد الإمامة بعد وفاة أبيه الإمام العسكري عليه السلام .

ومن خصائصه - عجل الله فرجه - أن له غيبتين، الغيبة الصغري وكانت بين سنة مئتين وستين للهجرة وحتي سنة ثلاثمائة وتسع وعشرين

ص: 159


1- الغيبة للطوسي، ص 259.
2- نفس المصدر.
3- الإحتجاج للطبرسي، ج 2، ص 10.
4- بحار الأنوار للمجلسي، ج 2، ص292.

للهجرة، والغيبة الكبري وبدأت بانتهاء الغيبة الصغري إلي أن يشاء الله عز وجل.

ومن خصائصه - عجل الله فرجه - أنه يقيم دولة العدل في كل البلاد، وورد أن دين الله يظهر في كل القري في زمانه عجل الله فرجه ، فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال في خبر له يحدث بالمهدي - عجل الله فرجه - ودولته، قال عليه السلام في جملة هذا الخبر : ... حتي لا تبقي قرية إلا ونودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله بكرة وعشية ... الخبر.(1)

وعن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : إذا قام القائم المهدي لا تبقي أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .(2)

ومن أهم خصائصه - عجل الله فرجه - التي تواترت بها الأخبار من طرق الفريقين أنه يملأ الأرض قسطا وعدلا مثلما ملأت جورة وظلمة، وقد تقدمت بمضمونه أخبار كثيرة، وسنأتي علي مزيد منها، كما سنورد الكثير من خصائصه - عجل الله فرجه . عند التعرض لشؤون دولته وما يجري في عصر ما بعد الظهور في طي بحث العلامات وأنبائها وملحقاتها ، والله المؤيد.

ص: 160


1- بحار الأنوار للمجلسي، ج18، ص 231.
2- نفس المصدر، ج52، ص 360.

النبأ الثالث عشرفي أن له غيبتين عجل الله فرجه وفيه رد إشكالية مضللة وشواهد علي إمكانية الغيبة العرفية الإصطلاحية

اشارة

لقد اصطلح المتكلمون وعلماء الإعتقاد وعامة المؤرخين والمحدثين علي تسمية غيبته الأولي بالغيبة الصغري، والثانية بالغيبة الكبري .

ولقد دلت جملة من الأخبار المروية عن أهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، دلت علي أن له غيبتين عجل الله فرجه .

منها: خبر إسحاق بن عمار، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : للقائم غيبتان إحداهما قصيرة، والأخري طويلة، الأولي لا يعلم بمكانه إلا خاصة شيعته، والأخري لا يعلم بمكانه إلا خاصة مواليه في دينه.(1)

وسوف يمر هذا الخبر ونظيره في أخبار الخاتمة فالتفت، كما مر بمضامينه و مضامين ما سيأتي من أخبار الغيبتين مر الكثير في الأنباء المتقدمة .

ومنها: خبر المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول: إن لصاحب هذا الأمر غيبتين في إحداهما يرجع إلي أهله، والأخري يقال : هلك في أي واد سلك ، قلت : فكيف نصنع إذا كان ذلك؟

قال: إن ادعي مدع فاسألوه عن تلك العظائم التي يجيب فيها مثله.(2)

أقول: ويظهر من خبر المفضل بن عمر المتقدم أنه سيظهر من يدعي

ص: 161


1- الغيبة للنعماني، ص 89.
2- نفس المصدر، ص 90.

أنه المهدي في غيبته عجل الله فرجه، وقد أمر الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، أمر الشيعة بامتحان من يدعي المهدوية بالسؤال منه، وأن يكون السؤال في المسائل العظائم التي لا يجيب عنها إلا الحجة عجل الله فرجه، ولعله أراد عليه السلام سؤال من يدعي المهدوية أن يظهر المعجز من الأمور، لأنه لو أراد المسائل العلمية المحضة لأمكن تضليل الشيعة حيث أن تعلم مثلهذه المسائل هو من الصناعات التي من الممكن في الجملة أن يقدر علي مثلها من له لب، ثم إن عوام الشيعة عاجزون عن التمييز من خلال محض المسائل العلمية التي هي صناعة من الصناعات، إلا اللهم أن يقيد كلامه عليه السلام بأنه أراد من العلماء وأهل الخبرة أن يسألوا من يدعي المهدوية علي وجه امتحانه القدرة مثل هؤلاء علي تمييز المحق من المبطل، وكلا الوجهين يحتملهما تأويل الخبر، والله العالم.

ومنها: خبر المفضل بن عمر الجعفي أيضا، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال عليه السلام:

إن لصاحب هذا الأمر غيبتين إحداهما تطول حتي يقول بعضهم : مات، وبعضهم يقول: قتل، وبعضهم يقول : ذهب، فلا يبقي علي أمره إلا نفر يسير، ولا يطلع علي موضعه أحد من ولي، ولا غيره، إلا المولي الذي يلي أمره.(1)

ومنها: ما روي بسنده عن زرارة، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، يقول زرارة : سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول: إن للقائم غيبتين يرجع في إحداهما، والأخري لا يدري أين هو، يشهد المواسم، يري الناس ولا يرونه. (2)

أقول: بعد هذا العرض الموجز للأخبار الدالة علي الغيبتين، نلفت أن الغيبة الأولي المسماة بالصغري بدأت من حين صلاته - عجل الله

ص: 162


1- الغيبة للنعماني، ص 89.
2- نفس المصدر .

فرجه - علي أبيه الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام ، وكان له من العمر خمس سنوات علي المشهور سنة مائتين وستين للهجرة ،(1) وانتهت هذه الغيبة بموت آخر سفرائه الأربعة سنة ثلاثمائة وتسع وعشرين للهجرة، وبانتهاء الغيبة الصغري التي هي الغيبة الأولي من الغيبتين المنصوص عليها في الأخبار المتقدمة، بانتهاء هذه الغيبة بدأت الغيبة الثانية الأطول أمد ، وهي الغيبة المسماة بالكبري في اصطلاح علماء الكلام والتاريخ والحديث ، وهي الغيبة الثانية من الغيبتين المنصوص عليها في الأخبار المتقدمة، وبناء عليه تكون مدة الغيبة الصغري تسعة وستين سنة ، وقد ضم إليها البعض السنوات الخمس من حين مولده - عجل الله فرجه - وهذا اشتباه يتضح الرد عليه من ردنا علي الإشكالية المضللة الآتية، وفي أمد غيبته الكبري - عجل الله فرجه - صرحت بها أخبار عدة تقدم بعضها، ومنها - مما لم يتقدم بيانه - خبر أحمد بن إسحاق وهو من الأخبار المطولة روي بسنده عنه، عن الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام ، أنه سأله أحمد بن إسحاق من جملة ما في هذا الخبر، سأله عن مدة غيبته - عجل الله فرجه . فقال له السائل : يا ابن رسول الله، وإن غيبته لتطول؟... فقال عليه السلام : إي وربي، حتي يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، ولا يبقي إلا من أخذ الله عز وجل منه عهدا لولا يتنا، وكتب في قلبه الإيمان، وأيده بروح منه ، يا أحمد هذا أمر من الله، وسر من سر الله ، وغيب من غيب الله ، فخذ ما آتيتك ، واكتمه ، وكن من الشاكرين تكن معنا في عليين ... الخبر(2).

رد إشكالية مضللة

قد يسلم البعض بأخبار الغيبتين المتقدمة، ولكن يلتبس عليه أمر تطبيقها فيدعي أن الغيبة الأولي منها كانت عند غيابه وهو حمل في بطن أمه

ص: 163


1- مرآة الجنان، ج 2، ص 462، وتاريخ الخميس، ج 2، ص 347، وتاريخ ابن الوردي، ج 1، ص 319.
2- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص 216، ص 217.

- عجل الله فرجه - حيث أخفي الله عز وجل حمله وهو في بطنها علي تفصيل ما ورد في أخبار نبأ حمله ووضعه - عجل الله فرجه - المتقدمة ، فقد يدعي أن هذا الخفاء لحمله هو نوع من أنواع الغيبة ، بل قد يطبق البعض الغيبة الأولي عليه لينتهي إلي الكفر بغيبة ما بين صلاته - عجل الله فرجه - علي أبيه عليهم السلام وموت آخر سفرائه الأربعة وبداية غيبته المستمرة إلي أن يأذن الله عز وجل له بالخروج والظهور، فقد يعتبر البعض غيبة خفائه - عجل الله فرجه - وهو حمل - عجل الله فرجه - هي الغيبة الأولي من الغيبتين المنصوصتين .

هذا من جانب، ومن جانب آخر، قد يعتبر هذا البعض الغيبة الثانية هي غيبة ما بين مولده - عجل الله فرجه - وظهوره للصلاة علي أبيه ظل ، لتكون هذه الغيبة في جانب هذا البعض ثانية الغيبتين المنصوصتين في الأخبار، وكل ذلك حتي ينكر هذا البعض الضروريات الإعتقادية المرتبطة بالغيبة العرفية الإصطلاحية ، أو سائر تفاصيل شؤون الغيبتين، وهذا حال من لا دراية له ولا مراقبة منه للأخبار المعتبرة والتواريخ المتواترة.

ويجاب عن مثل هذه الدعاوي أن خفائه - عجل الله فرجه - لا يصدق عليه غيبة بحسب ما يفهمه العرف من معني الغيبة ، وبحسب ما عليه اصطلاح الأخبار والقائلين بالغيبة، فإن الغيبة العرفية والإصطلاحية تستدعي ظهوره بداية، حتي يغيب أخري، فالغيبة تكون لمن سبق منه الظهور والشهود، ولما كان - عجل الله فرجه - في عالم رحم أمه عليهم السلام لم يظهر حتي يصدق علي خفائه وهو حمل أنه غاب بحسب ما يفهمه العرف ، فتطبيق مثل هذا المعني علي حال حمله - عجل الله فرجه - لا يصدر إلا ممن ليست له خبرة بفهم الأخبار، ولا يقول به إلا من لم يطلع علي معني الغيبة الملحوظة عند أهل العرف والمصطلحين من المعصومين عليهم السلام وغيرهم، وعليه فلا يصح أن يسمي خفائه - عجل الله فرجه - في رحم أمه غيبة، ولا أن يقال إن استتارهوهو حمل هو أحد الغيبتين الملتوظتين في أخبار الغيبتين المتقدمة .

ص: 164

هذا من جهة، ومن جهة أخري فإن غيابه . عجل الله فرجه - عن الأنظار بعد مولده - عجل الله فرجه . لحين صلاته علي أبيه عليه السلام ، هذا الغياب لم يكن غيبة تامة ، فإنه - عجل الله فرجه - في هذه المرحلة بقي علي اتصال بشيعته وأصحابه - عجل الله فرجه - بالمباشرة، وبقي في دار أبيه عليه السلام وفي أحضان أمه عليه السلام وخدمه وأرحامه كعمته السيدة حكيمة ، وبقي يستقبل بعض الوافدين علي دار أبيه عليه السلام من خواص الشيعة كما دلت عليه الأخبار المصرحة باطلاع مثل هؤلاء علي موضعه عجل الله فرجه، فلا يمكن أن يدعي أنه غاب في هذه المرحلة بالمعني الذي يراد عرفا للغيبة، أو بمعني الغيبة الإصطلاحية التي لوحظت في أخبار الغيبتين المتقدمة .

ولا يقاس اتصاله في هذه المرحلة، أي مرحلة ما بين مولده - عجل الله فرجه - وصلاته علي أبيه عليه السلام ، لا يقاس اتصاله بشيعته ومواليه وأصحابه وأرحامه وخدامه عجل الله فرجه، لا يقاس هذا الإتصال باتصاله بهم بواسطة سفرائه الأربعة في حال غيبته الصغري، فإن اتصاله بشيعته ومواليه وأصحابه وأرحامه وخدامه - عجل الله فرجه - في مرحلة ما بين مولده - عجل الله فرجه - وصلاته علي أبيه عليه السلام كان بالمباشرة، أما في مرحلة الغيبة الصغري فلم يكن بالمباشرة بل عن طريق التوقيعات بواسطة السفراء الأربعة الذين كانوا يحظون بدرجة التشرف بلقائه عجل الله فرجه ، علما بأنه -- عجل الله فرجه - في مرحلة الغيبة الكبري اتفقت له - عجل الله فرجه - العديد من التوقيعات لخواص العلماء ولبعض الأولياء من شيعته - عجل الله فرجه - وذلكبواسطة من كانوا لا يعرفونه أنه الحجة - أرواحنا فداه - إلا بعد غيابه عن الأنظار وتواريه عن الأبصار، وهذا لا ينافي إمكانية مشاهدة بعض أخص الخواص لطلعته - عجل الله فرجه - في الغيبة الكبري، وفي الجملة فإن حال كل هذه المشاهدات ليس كحال مشاهدته في مرحلة ما قبل الغيبة الصغري الإصطلاحية، وهي مرحلة ما بين مولده وصلاته علي أبيه عليه السلام.

ص: 165

وعليه فلا يمكن تطبيق أخبار الغيبتين المتقدمة علي مرحلتي ما بين حمله ووضعه عجل الله فرجه، وبين مولده وصلاته علي أبيه عليه السلام، لما قدمناه من التقريب، ولأن ذلك يستلزم امتلاء الأرض بالقسط والعدل بعد ظهوره - عجل الله فرجه - للصلاة علي أبيه عليه السلام وهذا مما لم يتفق بالبداهة، فادعاء مثل هذا التطبيق لمعني الغيبتين لا يتوافق مع القرآئن المروية في أخبار الغيبتين المتقدمة ومع القرائن المروية في غير أخبار الغيبتين الدالة علي طول عمره عجل الله فرجه، وعلي شؤون دولته وعصر ظهوره وعلائم ذلك إلي ما هنالك من الأمور، وبناء علي هذا يبقي الكلام هو الكلام في أن غيبته الأولي الموسومة بالصغري بدأت بصلاته - عجل الله فرجه - علي أبيه ، وانتهت بموت آخر سفرائه الأربعة، وغيبته الثانية الموسومة بالكبري بدأت بموت آخر سفرائه الأربعة وتمتد إلي أن بأذن الله عز وجل له بظهور الأمر، ومن أبرز الأدلة علي بطلان فهم كون الغيبتين الأولي في مرحلة حمله - عجل الله فرجه - والثانية مرحلة ما قبل صلاته علي أبيه عليه السلام، من أبرز أدلة بطلان هذا الفهم للغيبتين هو كون أخبار الغيبتين صرحت بأنه بعد انتهاء أمدهما يملا ۔ عجل الله فرجه - الأرض قسطا وعدلا ، وهذا ما لا يمكن أن يتحقق بهذا الفهم كما أشرنا ، فالتفت، والله المسدد .

شواهد علي إمكانية الغيبة

لقد قدمنا بأن معني الغيبة في أخبار الغيبتين هو الغيبة العرفية والإصطلاحية علي نحو ما فسرناه في طيات هذا النبأ، وهناك شواهد تاريخية عديدة تلاحظ مع الفارق، وسنطرح بعضها في هذه العجالة لتقريب المعني، وهي تضرب ولا تقام، بل ليست دليلا علي الغيبة العرفية الإصصلاحية في الجملة، وإنما نطرحها من باب الجري علي ما هو مذكور في كتب الغيبة .

منها: ما ورد في قصة نبي الله إدريس عليه السلام، فقد ورد أنه غاب عليه السلام

ص: 166

عن قومه، ثم ظهر ليبشرهم بالفرج بقيام نوح عليه السلام.

ومنها: ما ورد في قصة نبي الله صالح عليه السلام من أنه غاب عن قومه زمانا ، ولما عاد إليهم لم يعرفوه لطول مدة غيابه .

ومنها: ما روي عن شيخ الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام فإن الحجة - عجل الله فرجه - شابهه في كثير من أحواله، فقد أخفي الله عز وجل حمل إبراهيم عليه السلام وهو في بطن أمه كما أخفي حمل الحجة عجل الله فرجه، وهذا ليس محلا للشاهد، ولكن محل الشاهد ما روي أن الله عز وجل غيب إبراهيم عليه السلام بعد ولادته، وأنه غاب عليه السلام مرة أخري حين هاجر إلي بلاد الشام، وأحواله عليه السلام في كل ذلك مشابهة لما عليه القائم عجل الله فرجه .

ومنها: ما روي عن نبي الله موسي بن عمران الكليم عليه السلام، فقد غاب الغيبة الأولي بعد ولادته عليه السلام، والغيبة الثانية في التيه.

ومنها: ما ورد في قصة نبي الله يونس عليه السلام من أنه غاب حين التقطه الحوت.

ومنها: ما ورد في قصة سليمان بن داوود عليه السلام فقد غاب حين أخذ الماء خاتمه.

ومنها: ما ورد في أحوال مريم بنت عمران عليه السلام، فإنها لما هربت بنبي الله عيسي روح الله عليه السلام، لما هربت به من اليهود، قالوا: غابت في مصر اثنتي عشرة سنة.

ومنها: ما ورد في قصة نبي الله إلياس عليه السلام، فإنه غاب عن الملك سبع سنين في الجبل إلي أن رفعه الله إليه .

ومنها: ما في قصة نبي الله يوسف عليه السلام، فإنه غاب عشرين سنة وهو بمصر، وكان يعقوب لي حينها في فلسطين.

ومنها: ما عن عيسي بن مريم عليه السلام، فإن الله أخفي ولادته وغيب شخصه بعد ولادته عليه السلام، وذلك أثناء سياحته في الأرض، وقد تكرر غياب

ص: 167

شخصه علي هذا النحو مرارة، حيث ورد بأن قومه وشيعته كانوا لا يعرفون خبره أثناء سياحته في الأرض.

ومنها: ما ورد عن آصف بن برخيا عليه السلام فقد غاب عن قومه مدة طال أمدها، ثم رجع إليهم.

ومنها: ما ورد عن نبي الله دانيال عليه السلام فقد ذكروا له غيبته كذلك . ومنها: ما عن نبي الله غير غل فقد ذكروا له غيبته عن قومه كذلك.

وذكروا أن بعض أوصياء نبي الله موسي الكليم عليه السلام كانت له غيبة عن قومه، كما اعتبر و غياب رسول الله صلي الله عليه وآله في حصار شعب أبي طالب عليه السلام والذي استمر ثلاث سنين ، إعتبروه من مصاديق الغيبة حيث كان صلي الله عليه وآله لا يعرف مكانه إلا خواص أهل بيته وأصحابه ومواليه.

وقد تعرض لذكر هذه الشواهد جماعة من المحدثين ،(1)

ولكننا لو تأملنا في بعض ما ذكر فإنا لا نجده من مصاديق الغيبة العرفية الإصطلاحية المقصودة في أخبار غيبة الحجة عجل الله فرجه، وإن كان الكثير منها يصلح مع الفارق شاهدة علي ذلك، ونحن ذكرنا بعض هذه الشواهد مما قد يصلح بعضه من بعض الوجوه شاهدة علي الغيبة العرفية الإصطلاحية المقصودة في أخبار الغيبتين، وكل ما طرحناه هنا في هذا المجال هو من باب الجري علي ما في كتب الغيبة ، والله المسدد.

ص: 168


1- إلزام الناصب للحائري، ج 1، من ص273،273 إلي ص283.

النبأ الرابع عشر : في جملة من أحوال نواب الغيبة الصغري وفيه مناقشة مضمونية تمهيدية في خبر السمري

توطئة

اشارة

لقد اشتهر أن نوابه - عجل الله فرجه - في مرحلة الغيبة الصغري هم أربعة، وهذا هو المشهور، وخالفه البعض حيث ادعي بأن نوابه في هذه المرحلة المشهورون أربعة، أما غير المشهورين فيصلون إلي الأربعين، وهذا مما نقله سيدنا الأستاذ في منهجية التحقيق آية الله الفقيه المحقق السيد مصطفي الحسيني الخوانساري أعلي الله مقامه ، وهو من الأقوال النادرة والمخالفة للشهرة الروائية وما عليه السالم بين عامة المؤرخين والمحدثين، بل بين كل من كتب حول شؤون الغيبة، بل لم نقف علي دليل عليه في كتب الغيبة، وهو عندنا مجرد دعوي بدون مستند.

وعلي كل حال و عملا بالشهرة والمتسالم فإن نوابه الأربعة - عجل الله فرجه - في الغيبة الصغري كانوا يمثلون المرجعية العليا كل بحسب ما عنده ، ولكنهم لم يتصدوا للإفتاء والإجتهاد، بل كان دورهم النقل عنه - عجل الله فرجه - والإستفتاء منه في مسائل شيعته، لذا كان اختيارهم من الأمناء علي حلال الله وحرامه، وقرر علماء رجال الحديث ذكر أحوالهم علي التفصيل، وكان البعض منهم يتصدي لشؤون القضاء، وفي الجملة كانوا كوكلاء ينقلون المسائل ويقسمون الأموال علي طريقة وكلاء مراجع تقليد زماننا، وإن كان القياس مع الفارق جلي للبصير بأحوال العصر والزمان، وإليك بعض ما ورد في أحوال النواب الأربعة في هذه العجالة .

ص: 169

النائب الأول : الشيخ أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري الأسدي

هو الشيخ المكني بأبي عمرو، وإسمه عثمان بن سعيد، ويلقب بالمانوالزيات لأنه كان يتجر بالسمن، وقد ذكروا بأنه كان يتظاهر بتجارة السمن تقية من الخلفاء العباسيين خصوصا المتوكل، حيث كان المتوكل يمنع من وصول الحقوق الشرعية إلي الأئمة ال فكان أبو عمرو يضع تلك الحقوق في أوعية الزيت والسمن ويخفيها بذلك وينقلها عبر الأسواق إلي الأئمة عليهم السلام ومنهم عليهم السلام كانت تصل إلي الشيعة، وكان أبو عمرو يلقب - أيضا - بالعسكري لأنه كان يسكن في محلة العسكر بسامراء، وكان من أصحاب الإمام أبي جعفر محمد بن علي الجواد عليه السلام، بل كان بابا إليه ، وذكر علماء رجال الحديث أنه قام بخدمة الإمام الجواد عليه السلام وله من العمر إحدي عشرة سنة ، وله إليه عهد معروف، (1)وكذا ذكروا أنه صاحب الإمامين الهمامين العسكريين عليه السلام. (2)

ويظهر من مجموع كلمات علماء رجال الحديث أنه عاصر أربعة من الأئمة ، لذلك ذكر الشيخ المفيد أن نيابته للحجة - عجل الله فرجه - لم تمتد طويلا، وهذا قرينة تقوي صحة معاصرته لأربعة من أئمة أهل البيت .

وقد صرحت جملة من الأخبار بوثاقته وأمانته، منها خبر أحمد بن إسحاق بن سعد، قال : دخلت علي أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام، فقلت : يا سيدي، أنا أغيب، وأشهد، ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت، فقول من نقبل؟ وأمر من نمتثل؟

ص: 170


1- مناقب ابن شهر آشوب، ج4، من ص 469 إلي ص 483، ومعجم رجال الحديث للخوئي، ج 11، ص120 .
2- رجال الطوسي، ص 240، الطبعة الأولي في النجف الأشرف.

فقال لي صلوات الله عليه : هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعني يقوله، وما أداه إليكم فعني يؤديه ... الخبر.(1)

وفيه يقول أحمد بن إسحاق بن سعد - أي في تتمة الخبر - : فلما مضي أبو الحسن عليه السلام، وصلت إلي أبي محمد ابنه الحسن العسكري - عليه السلام - ذات يوم فقلت له مثل قولي لأبيه - عليه السلام - فقال لي: هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي، وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعني يقوله، وما أدي إليكم فعني يؤديه ... الخبر.(2)

وفي خبر آخر لابن إسحاق، عن الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام قال أحمد بن إسحاق : سألت أبا الحسن علي الهادي عليه السلام: من أعامل، وعمن آخذ، وقول من أقبل؟ فقال عليه السلام : العمري ثقتي، فما أدي إليك عني فعني يؤدي، وما قال عني فعني يقول، فاستمع له وأطع فإنه الثقة المأمون... الخبر.(3)

وروي جعفر بن محمد بن مالك الفزاري البزاز بسنده عن جماعة ، عن الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام، في حق أبي عمرو عثمان بن سعيد العمري الأسدي، قال عليه السلام: فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا إلي أمره، واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه.(4).

ومن جملة كتاب الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام الإسحاق بن إسماعيل النيسابوري، قال له عليه السلام فيه :

فلا تخرجن من البلد حتي تلقي العمري رضي الله عنه برضائي عنه ، فتسلم عليه ، وتعرفه، ويعرفك ، فإنه الطاهر الأمين العفيف القريب منا وإلينا ،

ص: 171


1- الغيبة للطوسي، ص 210، وبحار الأنوار للمجلسي، ج51، ص 344، ومعجم رجال الحديث للخوئي، ج 11، ص 120.
2- نفس المصدر .
3- تنقيح المقال للمامقاني، ج 2، ص 245.
4- الغيبة للطوسي، ص 217

فكل ما يحمله إلينا من النواحي فإليه يصير آخر أمره ليوصل ذلك إلينا.(1)

ولم أجد تأريخ لمولده، كما اختلفت كلمات علماء رجال الحديث فيه، فإن الشيخ الطوسي في رجاله ذكر أن خدمته في سن الحادية عشرة من العمر لم تكن للإمام أبي جعفر محمد بن علي الجواد عليه السلام بل كانت للإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي ، ويمكن أن يكون قد قام بخدمة الإمام الجواد عليه السلام قبل هذه السن، أو خدم الإمام الهادي عليه السلام في حياة أبيه الإمام الجواد عليه السلام ، ويكفي لجلالة قدره ما ورد من الثناء عليه من الإمامين العسكريين عليه السلام .

وروي بسنده عن محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسنيين ،

قالا بأنهما قد دخلاعلي الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام في سامراء وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته، فدخل عليه في تلك الحال خادمة وكان يسمي بدر فقال بدر له عليه السلام : إن بالباب قومة شعثا غبرة، فقال عليه السلام لمن كان في مجلسه: هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن، ثم أمر عليه السلام بدرة أن يأتيه بعثمان بن سعيد العمري، فلما جاء عثمان، قال عليه السلام له : إمض يا عثمان، فإنك الوكيل، والثقة المأمون علي مال الله ، واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال... الخبر.(2)

وبعد كلام له عليه السلام قال الحسنيان: ثم قلنا بأجمعنا : يا سيدنا ، والله إن عثمان لمن خيار شيعتك، ولقد زدتنا علما بموضعه من خدمتك ، وإنه وكيلك، وثقتك علي مال الله تعالي.

قال عليه السلام : نعم، واشهدوا علي أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي،وأن ابنه محمد وكيل ابني مهديكم . (3)

ص: 172


1- رجال الكشي، ص 485، الطبعة النجفية الأولي، وقد ذكر بعض من كتب في الغيبة في سند هذا الكتاب أن الإمام العسكري عليه السلام أرسله إلي إبراهيم بن عبدهالنيسابوري، ولم أقف علي مستنده، ولم يذكر مصدره.
2- الغيبة للطوسي، ص 216، وبحار الأنوار للمجلسي، ج 51، ص 345، ص 346.
3- نفس المصدر.

أقول: والأخبار التي تشهد بوثاقته وعلو مرتبته كثيرة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليه السلام ، ونحن ذكرنا نماذج منها لا كلها، ويظهر أنه كان من وكلاء الإمامين العسكريين عليه السلام لسنوات عدة قبل أن يعينه الحجة - عجل الله فرجه - نائبا عنه في غيبته الصغري، وعندما توفي - رضوان الله عليه - تلقي ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان التوقيع وفيه تعزية الحجة - عجل الله فرجه - به، ومما جاء في التوقيع المبارك عنه - عجل الله فرجه - قال: ... إنا لله وإنا إليه راجعون، تسليمة لأمره، ورضا بقضائه ، عاش أبوك سعيدة ، ومات حميدة، فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه عليهم السلام، فلم يزل مجتهدة في أمرهم، ساعية في ما يقربه إلي الله عز وجل وإليهم تر الله وجهه، وأقاله عثرته ... الخبر .(1)

إلي أن قال عجل الله فرجه :

أجزل الله لك الثواب، وأحسن لك العزاء، رزيت ورزينا ،وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسره الله في منقلبه ... الخبر.(2)

وقد دفن - رضي الله عنه - في بغداد بجانب الرصافة ، وله قبة ومزار، وروي عن الشيخ الطوسي قوله : وكنا ندخل إليه ونزوره مشاهدة وكذلك من وقت دخولي إلي بغداد وهي سنة ثمان وأربعمائة هجرية إلي نيف وثلاثين وأربعمائة ، وقال : وعمل الرئيس أبو منصور بن محمد بن فرج عليهصندوق، ويتبرك جيران المحلة بزيارته .(3)

النائب الثاني : أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري الأسدي

دلت الأخبار علي نيابته كما في توقيعه - عجل الله فرجه - معزية إياه

ص: 173


1- الغيبة للطوسي، ص219، وص220، وبحار الأنوار للمجلسي، ج51، ص 349 ، وكمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص 474.
2- نفس المصدر.
3- مراقد المعارف، ج2، ص 92.

بموت أبيه، ومما جاء في هذه التعزية علاوة علي ما قدمناه، وفي حديثه - عجل الله فرجه - عن أبي عمرو عثمان بن سعيد، يقول عجل الله فرجه :

كان من كمال سعادته أن رزقه الله ولدة مثلك يخلفه بعده، ويقوم مقامه ويترحم عليه ... الخبر.(1)

فقوله عجل الله فرجه : يخلفه بعده، ويقوم مقامه ، دليل بين علي ثبوت نيابته بعد أبيه رضوان الله عليهما

وروي بسنده عن محمد بن إبراهيم بن مهزيار أنه بعد وفاة أبي عمرو خرج لمحمد بن إبراهيم بن مهزيار توقيعه - عجل الله فرجه - يقول فيه في حق أبي جعفر محمد بن عثمان :

والإبن وقاه الله لم يزل ثقتنا في حياة الأب - رضي الله عنه وأرضاه ونضر وجهه - يجري عندنا مجراه، ويسد مسده، وعن أمرنا يأمر الإبن وبه يعمل تولاه الله، فانته إلي قوله، وعرف معاملتنا ذلك.(2)

وروي بسنده عن محمد بن يعقوب، عن إسحاق بن يعقوب أنه تلقي التوقيع بخطه عجل الله فرجه، وفيه:

وأما محمد بن عثمان العمري - رضي الله عنه وعن أبيه - فإنه ثقتي وكتابه كتابي .(3)

وروي بسنده عن عبد الله بن جعفر الحميري قال: سألت محمد بن عثمان - رضي الله عنه . فقلت له: هل رأيت صاحب هذا الأمر؟ قال : نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام، وهو - عليه السلام - يقول: أللهم أنجز لي ما وعدتني.(4)

ص: 174


1- الغيبة للطوسي، ص219، وص 220، وبحار الأنوارللمجلسي، ج51، ص 349،وكمال الدين وتمام النعمة للصدوق،ص 474.
2- الغيبة للطوسي، ص 220، وبحار الأنوار للمجلسي، ج51، ص 349.
3- الغيبة للطوسي، ص 220، وبحار الأنوار للمجلسي، ج9، ص 350.
4- الغيبة للطوسي، ص 222.

أقول: وفي خبر آخر أنه - رضي الله عنه - راه - عجل الله فرجه - متعلقة بأستار الكعبة من جهة المستجار، وأنه - رضي الله عنه - سمعه - عجل الله فرجه - يقول أيضا : اللهم انتقم بي من أعدائك ... الخبر.(1)

وروي عن الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام أن رجلا سأله عليه السلام عن العمري، فقال عليه السلام له: العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك فعني يؤديان، وما قالا لك فعني يقولان، فاسدمع لهما وأطعهما فهما الثقتان المأمونان ... الخبر.(2)

وإني لم أقف علي تاريخ دقيق لمولد أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد، ولكنني وجدت في بعض الكتب أن وفاته - رضوان الله عليه - كانت بين سنة ثلاثمائة وأربع وثلاثمائة وخمس هجرية قمرية، وذكر بعض الأجلاء أنها اتفقت في آخر شهر جمادي الأولي سنة أربع وثلاثمائة أو خمس وثلاثمائة، وأن أيام نيابته تقريبا كانت خمسين سنة،(3) ويظهر أنه كان وكيلا للحجة - عجل الله فرجه - في حياة أبيه ونائبا له - عجل الله فرجه - بعد وفاة أبيه، وهذا ما يستشف من عبائر بعض المؤرخين، وفي خبر وفاته - رضي الله عنه - روي عن أبي الحسن علي بن أحمد الدلال القمي، قال: دخلت علي أبي جعفر محمد بن عثمان - رضي الله عنه - يوما لأسلم عليه ، فوجدته وبين يديه ساجة ونقاش ينقش عليها ويكتب آية من القرآن وأسماء الأئمة - عليهم السلام - فقلت : يا سيدي ما هذه الساجة؟

فقال لي : هذه لقبري تكون فيه ، وقال : وأنا في كل يوم أنزل فيه فأقرأ جزء من القرآن، وأخذ بيدي فأرانيه .

ص: 175


1- بحار الأنوار للمجلسي، ج13، ص 97، الطبعة الحجرية .
2- مراقد المعارف، ج 2، ص 63.
3- الغيبة للطوسي، ص 223، وبحار الأنوار للمجلسي، ج51، ص 352.

فإذا كان كذا وكذا، من شهر كذا وكذا، من سنة كذا وكذا صرت إلي الله عزوجل ودفنت فيه، وهذه الساجة معي، فلما خرجت من عنده أثبت ما ذكره، ولم أزل مترقبا به ذلك، فما تأخر الأمر حتي اعتل جعفر - رحمه الله - فمات في اليوم الذي ذكره من الشهر الذي قاله من السنة التي ذكرها ودفن فيه. (1)

وقد ذكر بعض المؤرخين أن أبا جعفر محمد بن عثمان بن سعيد ألف العديد من الكتب الفقهية والحديثية ، حيث جمع الأحاديث التي كان يسمعها من الإمامين الإمام العسكري عليه السلام والإمام الحجة عجل الله فرجه، وكذا صنف كتبأ فيما سمعه من أبيه رضي الله عنه ، وقد ذكر المؤرخون والمحدثون أن هذه الكتب وصلت جميع إلي النائب الثالث الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي رضي الله عنه .(2)

النائب الثالث : الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي

هو أحد الرجال العشرة الذين كان يعتمد عليهم أبو جعفر محمد بن عثمان في قضاء حوائجه، وذكر ابن قولويه أن الشيعة كانت تتوقع أن يقوم جعفر بن أحمد بن متيل مقام النائب الثاني في النيابة الثالثة، وذلك لما اشتهر عن جعفر بن أحمد من المكانة وعلو المنزلة، ولكنهم لم ينكروا الحسين بن روح النوبختي عندما وقع عليه اختيار أبي جعفر محمد بن عثمان، بل لازموه إلي حين وفاته.(3)

وذكر المؤرخون والمحدثون وعلماء رجال الحديث أن الحسين بن

ص: 176


1- الغيبة للطوسي، ص 222، وبحار الأنوار للمجلسي، ج51، ص 301.
2- بحار الأنوار للمجلسي، ج13، ص97، الطبعة الحجرية.
3- الغيبة للطوسي، ص 225، وبحار الأنوار للمجلسي، ج 51، ص 353، وص 354.

روح كان علي جانب كبير من التقوي، ومن العلماء، وقد احترمه العامة كما الخاصية، ولما مرض أبو جعفر محمد بن عثمان وعاده في مرضه أشراف الشيعة وأعيانها سألوه :

إن حدث بك أمر فمن يكون مكانك؟

فقال لهم : هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي، والثقة الأمين فارجعوا له في أموركم، وعولوا عليه في مهماتكم، فبذلك أمرت وقد بلغت.(1)

وعن أم كلثوم بنت أبي جعفر محمد بن عثمان قالت :

كان أبو القاسم الحسين بن روح - رضي الله عنه - وكي لأبي جعفر - رضي الله عنه - سنين كثيرة ينظر له في أملاكه، ويلقي بأسراره الرؤساء من الشيعة، وكان خصيصا به حتي أنه كان يحدثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه به، وأنسه به .... الخبر.(2)

وقالت: وكان يدفع إليه في كل شهر ثلاثين دينارا رزقا له...الخبر.(3)

وقالت: وحل في أنفس الشيعة محلا جليلا لمعرفتهم باختصاص أبي إياه، وتوثيقه عندهم، ونشر فضله ودينه، وما كان يحتمله من هذا الأمر، فمهدت له الحال في طول حياة أبي إلي أن انتهت الوصية إليه بالنص عليه، فلم يختلف في أمره، ولم يشك فيه أحد... الخبر.(4)

وفي خبر أبي جعفر محمد بن علي الأسود، قال : كنت أحمل الأموال التي تحصل في باب الوقف إلي أبي جعفر محمد بن عثمان

ص: 177


1- منتخب الأثر للكلبايكاني، ص 397.
2- الغيبة للطوسي، ص227، وبحار الأنوار للمجلسي، ج51، ص 355.
3- نفس المصدر .
4- نفس المصدر.

العمري - رحمه الله - فيقبضها مني، فحملت إليه يوما في آخر أيامه قبل موته بسنتين، أو ثلاث سنين، فأمرني بتسليمها إلي أبي القاسم الروحي رضي الله عنه ، قال : وكنت أطالبه بالقبوض فشكاني إليه - أي إلي أبي جعفر محمد بن عثمان - فأمرني - أي أبو جعفر محمد بن عثمان - أن لا أطالبه بها ، وقال :

كل ما وصل إلي أبي القاسم فقد وصل إلي، وكتب : إحمل بعد ذلك أموالك إليه، ولا تطالبه بالقبوض .

(1)

وروي نظيره في قصة أبي عبد الله جعفر بن عثمان المدائني المعروف بابن قزدا ، فقد كان يحمل المال لأبي جعفر محمد بن عثمان، فلما صار آخر عهده قال لابن قزدا في جملة خبر مفصل أمره فيه بدفع الأموال إلي الحسين بن روح، قال:

قم عافاك الله ، فقد أقمت أبا القاسم الحسين بن روح مقامي،ونصبته منصبي، فسأله ابن قزدا قائلا : بأمر الإمام عليه السلام؟

فقال : قم عافاك الله كما أقول لك... الخبر.(2)

وفي خبر أبي علي محمد بن همام قال : جمعنا أبو جعفر محمد بن عثمان العمري - قدس الله روحه - قبل موته وكنا وجوه الشيعة وشيوخها ، فقال لنا:

إن حدث علي الموت فالأمر إلي أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد أمرت أن أجعله موضعي بعدي، فارجعوا إليه وعولوا في أموركم عليه .(3)

ص: 178


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص 466، والغيبة للطوسي، ص 225، وبحار الأنوار للمجلسي، ج51، ص 354.
2- الغيبة للطوسي، ص 223، وص 224، وبحار الأنوار للمجلسي، ج51، ص352، وص 353.
3- الغيبة للطوسي، ص 227، وبحار الأنوار للمجلسي، ص 355.

وفي خبر علي بن أحمد بن متيل، عن عمه جعفر بن أحمد بن متيل، قال : لما حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري - رضي الله عنه - الوفاة، كنت جالسا عند رأسه أسأله، وأحدثه وأبو القاسم بن روح عند رجليه.

فالتفت إلي، ثم قال: أمرت أن أوصي إلي أبي القاسم الحسين بن روح، قال رحمه الله : فقمت من عند رأسه، وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني، وتحولت إلي عند رجليه ...(1).

وفي خبر أبي نصر هبة الله بن محمد، وهو ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر محمد بن عثمان، يقول أبو نصر:

حدثني خالي أبو إبراهيم جعفر بن أحمد النوبختي قال : قال لي أبي أحمد بن إبراهيم وعمي أبو جعفر عبد الله بن إبراهيم وجماعة من أهلنا : إن أبا جعفر العمري لما اشتدت حاله، إجتمع جماعة من وجوه الشيعة ، منهم أبو علي بن همام، وأبو عبد الله بن محمد، الكاتب، وأبو عبد الله الباقطاني، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي، وأبو عبد الله بن الوجناء، وغيرهم من الوجوه والأكابر، فدخلوا علي أبي جعفر فقالوا له :

إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟

فقال لهم : هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر، والوكيل، والثقة الأمين، فارجعوا إليه في أموركم، وعولوا عليه في مهماتكم، فبذلك أمرت وقد بلغت .(2)

وروي عن أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي أنه شئل عن اختيار الحسين بن روح لنيابة الحجة - عجل الله فرجه - النيابة الخاصة ، فقال أبو سهل :

ص: 179


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص (2) الغيبة للطوسي، ص 226.
2- الغيبة للطوسي، ص 227.

لو كان الحجة - عليه السلام - تحت ذيله ، وقرض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه، واعترف أنه لا يحرز من نفسه مثل ذلك. (1)

وقد ذكروا لحسين بن روح كرامات عدة، وكلها تدل علي علو شأنه ومحله من الحجة عجل الله فرجه، وصدرت العديد من التوقيعات بواسطته إلي الشيعة، وقد استمرت نيابته من حين وفاة النائب الثاني أبي جعفر محمد بن عثمان التي اتفقت - علي ما ذكره البعض - ما بين سنة ثلاثمائة وأربع أو خمس هجرية قمرية في آخر شهر جمادي الأولي، وإلي حين وفاته - رضي الله عنه . وكانت في شعبان المعظم لسنة ثلاثمائة وست وعشرين هجرية قمرية، أي دامت ما يزيد عن عشرين سنة، وقد أوصي بأمر من الحجة - عجل الله فرجه - أوصي بالنيابة من بعده إلي أبي الحسن علي بن محمد السمري، ولمادنت منه المنية - أي من النائب الثالث - تمرض مرضا شديدا ، ولما توفي جهز وشيع ودفن في سوق الشورجة ببغداد، وغدي مرقده مزارا للشيعة إلي زماننا .

النائب الرابع : أبو الحسن علي بن محمد السمري

لقد أوصي الحسن بن روح بالنيابة إليه بأمر من الحجة عجل الله فرجه، ويقول الشيخ الطوسي أعلي الله مقامه : أخبرني محمد بن محمد النعمان، والحسين بن عبيد الله أحمد بن محمد الصفواني، قال : أوصي الشيخ أبو القاسم إلي أبي الحسن علي بن محمد السمري، فقام بما كان إلي أبي القاسم. (2)

وروي الشيخ الطوسي - أعلي الله مقامه - ذلك - أيضا - بسنده عن أبي عبد الله محمد بن خليلان، قال: حدثني أبي عن جده عتاب من

ص: 180


1- الغيبة للطوسي، ص 240.
2- نفس المصدر، ص 242.

ولد عتاب بن أسد... ثم ذكر الخبر في وصية أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي إلي أبي الحسن علي بن محمد السمري(1) ، ويقول الشيخ الطبرسي - أعلي الله مقامه - في حديثه عن النواب الخواص في الغيبة الصغري يقول:

وأما الأبواب المرضيون والسفراء الممدوحون في زمان الغيبة ، فأولهم الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري ... إلي آخركلامه .

إلي أن يقول: فلما مضي لسبيله قام ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه، وناب منابه في جميل ذلك.

فلما مضي هو قام بذلك أبو القاسم حسين بن روح من بني نوبخت ، فلما مضي هو قام مقامه أبو الحسن علي بن محمد السمري، ولم يقم أحد منهم إلا بنص عليه من قبل صاحب الأمر - عليه السلام - ونصب صاحبه الذي تقدم عليه ، ولم تقبل الشيعة قولهم إلا بعد ظهور آية ومعجزة تظهر علي يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر - عليه السلام - تدل علي صدق مقالتهم، وصحة نيابتهم.(2)

أقول: وقد ذكر المؤرخون والمحدثون وعلماء رجال الحديث ، ذكروا لأبي الحسن علي بن محمد السمري، ذكروا جملة من الكرامات التي أظهرها الله عز وجل علي يديه ليقطع الشكوك فيه من الشيعة، كما ظهر الغيره من النواب الخواص الآخرين، وقد أخبره الحجة - عجل الله فرجه - بتاريخ وفاته في أحد التوقيعات لو تم الإستدلال به والإعتماد عليه، وأمره - عجل الله فرجه - في هذا التوقيع بعدم الوصية بالنيابة الخاصة إلي أحد من بعده، ولنا في الخاتمة علي هذا التوقيع إشكال سيطول عرضه من

ص: 181


1- الغيبة للطوسي، ص 241.
2- الإحتجاج للطبرسي، ج 2، ص 296، وبحار الأنوار للمجلسي، ج15، ص362.

الناحيتين السندية والمضمونية، ونحن نشير له هنا لموضع شاهد لو صح الإستدلال به والإعتماد عليه كما قدمنا، وسنعرض لذكر هذا التوقيع علي هذا الأساس في الآتي فلا يمين أحد كلامنا هنا مع ما سيأتي في الخاتمة، لا يؤمن أحد كلامنا هذا بالتهافت والضعف لعدم قطعنا هنا بصحة الإستدلال بهذا التوقيع والإعتماد عليه من الناحيتين السندية والمضمونية ، وقد أورده علي عتيه كل من كتب حول الغيبة، وأكثرهم من الأجلة، ولعل الله يكشف الحق فيه علي يدنا في الخاتمة بما تكون الحجة فيه أتم ، علما بأن من أعلام المحققين من وافق رأينا فراجعه .

وأورد هذا التوقيع شيخنا الثقة الصدوق - المولود بدعاء الحجة عجل الله فرجه - قال: حدثنا أبو محمد أحمد بن الحسن المكتب، قال:

كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري قدس سره، فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج توقيعة نسخته :

بسم الله الرحمن الرحيم

يا علي بن محمد السمري، عظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك، ولا توصي إلي أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية، (1)فلا ظهورإلا بعد إذن الله تعالي ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جورة، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

قال : فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده ،فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه ، فقيل له : من وصيك من بعدك؟

ص: 182


1- ونقله الطوسي في كتابه «الغيبة»، وذكر فيه بدل عبارة الغيبة الثانية ، ذكر عبارة الغيبة التامة فتأمله .

فقال : الله أمر هو بالغه ... الخبر.(1)

أقول: هذا آخر كلام سمع منه رضي الله عنه ، وكانت وفاته فيالنصف من شعبان سنة ثلاثمائة وتسع وعشرين هجرية قمرية .

وقد ذكر الشيخ الطوسي - أعلي الله مقامه - في كتابه الغيبة تاريخ وفاته سنة ثلاثمائة وثمان وعشرين هجرية قمرية بدلا من ثلاثمائة وتسع وعشرين هجرية قمرية، لكن النجاشي في رجاله - من علماء رجال الحديث - ذكر التاريخ الذي ذكرناه ، وكذا ذكره الشيخ الطوسي نفسه في كتابه الرجالي، وذكره العلامة الحلي في خلاصته الرجالية، ويظهر منه رجحان ما ذكرناه في تاريخ وفاته رضي الله عنه، وقد اتفقت في سنة وفاته وفاة المحدث الشيخ محمد بن يعقوب الكليني صاحب كتاب الكافي الذي ورد فيه التوقيع في الغيبة الصغري عنه - عجل الله فرجه - قال: الكافي كافي لشيعتنا، وقد عاصر المحدث الكليني - أعلي الله مقامه - النواب الخواص الأربعة جميعا، وجمع في كتابه الكافي في أصوله وفروعه وروضته ، جمع فيه الأصول الحديثية الأربعمئة المروية عن أهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وكان بعض الفقهاء يقول بصحة كل مرويات الكافي ما خلا ثمان روايات، والله العالم.

مناقشة مضمونية تمهيدية في خبر السمري

ورد في توقيعه - عجل الله فرجه - لآخر نوابه الخواص قبل وقوع الغيبة الكبري تكذيب المشاهدة، وسوف نتعرض لأكثر من هذه المناقشة المضمونية التمهيدية وذلك في الخاتمة إن شاء الله تعالي، ولكن لا بأس هنا بذكر هذه المناقشة المض ونية التمهيدية في توقيعه هذا عجل الله فرجه ، فقد ذكر جماعة من الفضلاء حمل التكذيب في هذا التوقيع علي تكذيب من

ص: 183


1- سفينة البحار للقمي، ج 2، ص 249، ومعجم رجال الحديث للخوئي، ج13، ص 186، وص 187.

يدعي المشاهدة علي نحو ما كان لنوابه الخواص في الغيبة الصغري، وليس بنحو مطلق، فقد اتفقت لجماعة من الفقهاء والأولياء والعرفاء وخواص الشيعة، اتفقت المشاهدة وتواترت بطرق الثقاة بل العدول بما لا ينمضي إلي الشك في مثل ما رووه من قصص المشاهدات في زمن الغيبة الكبري .

ولكن الحمل علي هذا المعني من دعوي المشاهدة المقصودة في التوقيع أي الحمل علي أن تكون علي نحو ما لنوابه الخواص، هذا الحمل موقوف علي ثبوت التوقيع من جهة السند، ولو صح بسنده فإننا نلاحظ عبارة : وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، فإنها - علي فرض التسليم بالورود بهذه الصيغة - ظاهرة في رد دعوي المشاهدة التي يدعيها غير الشيعي وقبول دعوي المشاهدة من الشيعي، فإن المأتي بدعوي المشاهدة هو شيعته - عجل الله فرجه - مما يعني في الفهم العرفي أن الآتي بدعوي المشاهدة هو من غير شيعته عجل الله فرجه، فيظهر أن غير الشيعي لا يشاهده قبل خروج السفياني والصيحة ، فمن قوله عجل الله فرجه : وسيأتي شيعتي نستظهر أن الشيعة يأتون بمعي المشاهدة المأمور بتكذيبه وليس هم من سيأتون بها أي دعوي المشاهدة المأمور بتكذيبها ، وقد نفهم منه من بعض الوجوه أن دعوي المشاهدة ممن هم من شيعته - عجل الله فرجه - غير مشمولة للأمر بالتكذيب، فلا يمكن تكذيبها، وهذا يوافق أدلة إمكانية المشاهدة التي سنسوقها في أخبار الخاتمة إن شاء الله تعالي، لكن يجاب عنه بالقول خلافا لما استظهرناه : إنه لا وجه لتخصيص دعوي المشاهدة المأمور بتكذيبها بغير الشيعي لإمكانية صدور الدعوي الكاذبة من الشيعي، فإن بعض الشيعة ادعوا ذلك والعيان يغني عن البيان، وغاية ما يستوجب ادعاء المشاهدة المحضة الفسق ما لم يفض إلي إدخال ما ليس من الدين في الدين، ولا يمكن إخراج أمثال هؤلاء عن التشيع لمجرد هذه الدعوي فاعتبارهم من فساق الشيعة أوجه، إلا إذا قلنا : إن منشروط التشيع عدم ادعاء المشاهدة المحضة، فحينئذ لا يقال لمدعي المشاهدة المحضة أنه شيعي، وله وجه في قبوله، إلا أن أحدا لم يلتزم به، وعليه فاعتبار

ص: 184

مدعي المشاهدة المحضة من فساق الشيعة أوجه، والله العالم، علما بأن المشاهدة المدعاة قد تكون مفضية لإدخال ما ليس من الدين في الدين بنحو تنكر فيه بعض الضرورات، فلو كانت المشاهدة المدعاة كذلك فهي مع الإصرار وعدم الندم والتوبة والرجوع تكون مما يخرج المدعي عن ربقة الشيعة، ويكون من مصاديق ما استظهرناه من قوله - عجل الله فرجه - في التوقيع: وسيأتي شيعتي .

وقد التوقيع من الناحية الزمنية الدعوي المأمور بتكذيبها بدعوي المشاهدة في مرحلة ما قبل خروج السفياني والصيحة، وهاتان العلا متان وإن كانتا من العلامات الحتمية قبل ظهوره عجل الله فرجه، لكن ثمة فترة زمنية تفصل بين ظهوره - عجل الله فرجه - والعلا متين، وقد تطول هذه الفترة إن شاء الله سبحانه أن يشملهما بالبداء، فإن إمكانية أن يبدو له عز وجل في هاتين العلامتين واردة علي ما سنستدل عليه في نبأ العلامات الحتمية، فهذا التقييد في التوقيع بهذه المرحلة دليل علي إمكانية المشاهدة من غير من هو من الشيعة في هذه المرحلة، أي ما بين العلا متين والظهور بناء علي الفهم الذي قدمناه ، وإذا كان هذا القيد دليلا علي ذلك - أي إمكانية مشاهدة غير الشيعي في هذه المرحلة . فمن باب أولي أن يكون دليلا علي إمكانية المشاهدة من الشيعي في هذه المرحلة، وعلي كل حال هذه مناقشة مضمونية تمهيدية فيخبر السمري، وسيأتي مزيد عليها في الخاتمة إن شاء الله تعالي.

وبالعودة إلي الحديث حول نوابه - عجل الله فرجه - نقول: إن العلماء والفقهاء اصطلحوا علي تسمية نيابة النواب الأربعة بالنيابة الخاصة له - عجل الله فرجه - في مقابل النيابة العامة التي تكون للفقهاء العدول الأمناء علي حلال الله وحرامه في زمن الغيبة الكبري، ونحن لم نجد ما يمكن الإعتماد عليه لإثبات النيابة الخاصة لغير هؤلاء الأربعة، وإن سبقت الإشارة لما نقله المحقق الخوانساري أعلي الله مقامه ، ولكننا لم نقف علي مستنده، وهو من الأقوال النادرة، وسوف نذكر في الخاتمة أحوال بعض

ص: 185

من أدعوا النيابة الخاصة له - عجل الله فرجه - في الغيبة الصغري، وأما بالنسبة لنوابه العامين في زمن الغيبة الكبري وحدود نيابتهم فقد بحثها الفقهاء في الكتب الفقهية الإستدلالية، وأكثروا فيها الكلام، ولما كان الخوض في بحثها في هذا البحث يخرجنا عن مقصدنا تركنا لمن أراد الإطلاع علي ذلك أن يعود إلي ما صنفوه من المصنفات في هذه المسألة.

والخلاصة: بدأت غيبته الكبري - عجل الله فرجه - بموت السمري، وقد مد الله عمره الشريف - عجل الله فرجه - لحين الإذن له بالخروج والظهور، وسنبحث في النبأ التالي الوجه في ذلك، والله المسدد.

ص: 186

النبأ الخامس عشر : الوجه في طول عمره عجل الله فرجه وفيه كلام العلماء الطبيعيين في تأكيد إمكانية إطالة العمر

اشارة

أجمعت الفرقة الحقة والطائفة المحقة أنه ولد - عجل الله فرجه - وتفصيل مولده بيناه في نبأ مولده عجل الله فرجه، كما أجمعت علي أنه لا زال حية، وقد ألفت المؤلفات للرد علي المعاندين الذين ينكرون بقائه - عجل الله فرجه - حية هذه المدة المديدة، والتطور العلمي الذي وصل إليه العصر يعين علي إثبات إمكانية البقاء لهذه المدة من الزمن، بل لأزيد منها بكثير، وذلك فضلا عن الشواهد التاريخية المتواترة التي تستفاد من قصص النبيين والمرسلين والصالحين وغيرهم عبر الزمن، وكل هذا إنما نحتاجه للإستدلال علي العمر الطويل فيما لو لم يشأ المعاندون الإذعان لقدرة الله جل جلاله الإعجازية في هذا المجال .

الأخبار الدالة علي طول عمره عجل الله فرجه

روي عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، روي أنه عليه السلام رأي أحد أصحابه يتعجب من طول الغيبة ، فقال عليه السلام:

إن الله تعالي أدار في القائم منا ثلاثة أدارها لثلاثة من الرسل : قدر مولده تقدير مولد موسي، وقدر غيبته تقدير غيبة عيسي، وقدر إبطاءه تقدير

ص: 187

إبطاء نوح، وجعل له من بعد ذلك عمر العبد الصالح دليلا علي عمره ...الخبر.(1)

أقول: ومقصوده عليه السلام من العبد الصالح الخضر عليه السلام ، وقد ورد في خبر آخر عنه عليه السلام قال عليه السلام:

وأما العبد الصالح الخضر فإن الله تبارك وتعالي ما طول عمره لنبوة قدرها له، ولا لكتاب ينزل عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء، ولا لإمامة يلزم عباده الإقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له، بل إن الله تبارك وتعالي لما كان في سابق علمه أن يقدر في عمر القائم في أيام غيبته، وعلم من إنكار عباده المقدار ذلك العمر في الطول، طول عمر العبد الصالح من غير سبب، فما أوجب ذلك إلا لعلة الإستدلال علي عمر القائم، وليقطع بذلك حجة المعاندين، «ِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَي اللَّهِ حُجَّةٌ»(2)... الخبر . (3)

وروي عنه عليه السلام قال عليه السلام :

ما تنكرون أن يمد الله لصاحب هذا الأمر في العمر كما مد لنوح - عليه السلام - في العمر؟!!(4)

وفي خبر بسنده عن سعيد بن جبير ، قال : سمعت سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليه السلام - يقول:

في القائم سنة من سبعة أنبياء : سنة من أبينا آدم، وسنة من نوح،

ص: 188


1- الغيبة للطوسي، ص 105، وبحار الأنوار للمجلسي، ج51، ص 220، وينابيع المودة للقندوزي، ج 3، ص 116، و ص 117، ومنتخب الأثر للكلبا يكاني، 259، وبشارة الإسلام للكاظمي، ص 146.
2- سورة النساء، الآية : 165.
3- الغيبة للطوسي، ص 108، وإعلامالوري للطبرسي، ص406،وبشارة الإسلام للكاظمي، ص 148، ومنتخب الأثر للكلبايكاني، ص 261.
4- الغيبة للطوسي، ص 295.

وسنة من إبراهيم، وسنة من موسي، وسنة من عيسي، وسنة من أيوب ، وسنة من محمد صلوات الله عليهم.

فأما من آدم ونوح فطول العمر، وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس، وأما من موسي فالخوف والغيبة، وأما من عيسي فاختلاف الناس فيه ، وأما من أيوب فالفرج بعد البلوي، وأما من محمد فالخروج بالسيف.(1)

أقوال العلماء الإلهيين في طول عمره عجل الله فرجه

عن الشيخ الطوسي - أعلي الله مقامه - في جوابه لمن ادعي من المخالفين بأن طول عمره - عجل الله فرجه - هو أمر خارق للعادة، وأن الخوارق لا تكون إلا علي يد الأنبياء - عليهم السلام، أجاب الشيخ الطوسي - أعلي الله مقامه - عن ذلك بقوله بعدم كون ذلك من الخوارق لجميع العادات ، وقال:بل العادات فيما تقدم جرت بمثلها ، وذكر - أعلي الله مقامه - أمثلة كالخضر عليه السلام، وأصحاب الكهف ، ونوح عليه السلام الذي لبث يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاما عدا بقية عمره الشريف ، وقال : وإن العالم مصنوع، وله صانع أجري العادة بقصر الأعمار وطولها، وإنه قادر علي إطالتها وعلي إفنائها، فإذا بين ذلك سهل الكلام، وإذا كان المخالف ممن يسلم بذلك غير أنه يقول : هذا خارج عن العادات ، فقد بينا أنه ليس بخارج عن جميع العادات، فإن قيل : خارج عن عاداتنا، قلنا: وما المانع منه؟

فإن قيل : ذلك لا يجوز إلا في زمن الأنبياء عليهم السلام، قلنا: نحن ننازع في ذلك، وعندنا يجوز خرق العادات علي يد الأنبياء والأئمة والصالحين، وأكثر أصحاب الحديث يجوزون ذلك، وكثير من المعتزلة والحشوية وإن سموا ذلك كرامات كان خلافة في العبارة .(2)

ص: 189


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص 314.
2- الغيبة للطوسي، ص 78، وص 86.

وعن المحقق الخواجة نصير الدين الطوسي، وهو من أعيان الفلاسفة والمتكلمين، قال بثبوت الإمكان العقلي من الناحية العلمية في إمكان إطالة عمر الإنسان، وقال:

وإن ذلك قد تحقق لغير الإمام المهدي - عليه السلام - أيضا ، فإن استبعاد طول عمر صاحب الأمر - عجل الله تعالي فرجه . هو جهل محض.(1)

وصدر المتألهين الملا صدر الدين الشيرازي - صاحب الأسفارالأربعة - يحيل إطالة العمر إلي العامل الروحي فيقول:

إن إدارة وحفظ الجسم أمر تقوم به الروح، فمتي ما كانت الروح تري أنها بحاجة إلي الجسم تسعي للحفاظ عليه، وإذا قلت هذه الحاجة تقل محافظتها له مما يؤدي إلي الإصابة بالأمراض، وإذا وصلت الروح إلي حالة الكمال المطلوب بشكل يظهر لها عدم الحاجة التامة إلي الجسم تتركه وتعيش عالمها الخاص، فيؤدي ذلك إلي حلول الموت الطبيعي. (2)

بعض الكتب التي تعرضت لذكر المعمرين

ذكر علماء الإمامية العديد من الشواهد علي المعمرين في الكتب الكلامية والتاريخية، ومن الكتب المتعرضة لذكر المعمرين عبر التاريخ كتاب المعمرون لهشام بن محمد بن السائب الكلبي المتوفي سنة مئتين وأربع هجرية قمرية، وكتاب المعمرون والوصايا لأبي حاتم سهل بن محمد السجستاني المتوفي سنة مئتين وخمسين هجرية قمرية، وكتاب المعارف الابن قتيبة الدينوري المتوفي سنة مئتين وسبع وستين هجرية قمرية، وكتاب مروج الذهب لعلي بن الحسين المسعودي المتوفي سنة ثلاثمائة وثلاث

ص: 190


1- الفصول، ص 38.
2- الحكمة المتعالية لصدر المتألهين، ج9، ص 239.

وثلاثين هجرية قمرية، وكتاب كمال الدين وتمام النعمة لشيخنا الصدوق المتوفي سنة ثلاثمائة وواحدة وثمانين هجرية قمرية، وكتاب الفصول الأربعةللشيخ المفيد المتوفي سنة أربعمائة وواحدة وأربعين هجرية قمرية ، وكتاب البرهان علي طول عمر الإمام صاحب الزمان لمحمد بن علي الكراجكي المتوفي سنة أربعمائة وتسع وأربعين هجرية قمرية، وكتاب الغيبة للشيخ محمد بن الحسن الطوسي مؤسس الحوزة العلمية في النجف الأشرف، والمتوفي سنة أربعمائة وستين هجرية قمرية، وكتاب بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار للعلامة المحدث الخبير الشيخ محمد باقر المجلسي، وكتاب البرهان علي وجود صاحب الزمان للسيد محسن الأمين العاملي، وكتاب منتخب الأثر للشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني، وكتاب المهدي الموعود المنتظر للشيخ نجم الدين جعفر بن محمد العسكري، وكتاب تفسير الجواهر للشيخ الطنطاوي، وغير هذه الكتب كثير تعرضت لذكر المعمرين، بل تعرضت لذكرهم أكثر كتب الغيبة، وحتي الكثير من كتب العامة المصنفة في الغيبة تناولت ذكر المعمرين في حديث الشواهد علي إمكانية إطالة العمر كدليل علي طول عمر الحجة عجل الله فرجه .

شواهد من المعمرين

ان من جملة الشواهد ما ذكره القرآن الكريم في قصة نبي الله نوح عليه السلام حيث البث عليه السلام في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلي رسالة ربه سبحانه ، وذكر المؤرخون والمحدثون وأصحاب كنب قصص الأنبياء عليهم السلام أن عمره الشريف جاوز الألفي سنة ، ووردت جملة من الأخبار تدل علي ذلك .

منها: ما روي عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال عليه السلام: عاش نوح ألفين وخمسمئة سنة ، منها ثمانمئة وخمسين سنة قبل أن يبعثه الله، وتسعمئة وخمسين سنة في قومه يدعوهم، وسبعمئة سنة بعدما نزل من السفينة ونضب الماء، ومصر الأمصار، وأسكن ولده

ص: 191

البلدان، ثم إن ملك الموت جاءه وهو في الشمس، فقال له : السلام عليك، فرد عليه السلام - فقال له : ما جاءك يا ملك الموت؟فقال : جئت الأقبض روحك، فقال له: تدعني أدخل من الشمس إلي الظل؟فقال له : نعم، فتنحي نوح - عليه السلام - ثم قال :

يا ملك الموت فإن ما مر بي من الدنيا مثل تحولي من الشمس إلي الظل، فامض لما أمرت به، فقبض روحه .(1)

ومن جملة الشواهد علي المعمرين الخضر عليه السلام، فقد ذكر أبو مخنف لوط بن يحيي في أول كتابه المعمرين، قال : أجمع أهل العلم بالأحاديث والجمع لها أن الخضر أطول آدمي عمر عليه السلام، (2)وقال : هو الخضر بن قابيل بن آدم عليه السلام، وروي عن الحسن البصري أنه قال : وكل إلياس بالفيافي، ووكل الخضر بالبحور، وقد أعطيا الخلد في الدنيا إلي الصيحة الأولي، وإنهما يجتمعان في موسم كل عام، وقد نسب إلي العامة قولهم إن إلياس لا يزال حية، ورووا أخبارة في ذلك ضعفها علماء الإمامية. (3)

وذكر الثعلبي في قصصه عن الأنبياء عليهم السلام از قال : إن الخضر لا يموت إلا في آخر الزمان عند رفع القرآن.

وعن النووي في تهذيبه قال : قال الأكثرون من العلماء هو حي موجود بين أظهرنا.

وقال أبو عمرو بن الصلاح في فتاويه : هو حي عند جماهير العلماء والصالحين والعامة منهم، وإنما شذ بإنكاره بعض المحدثين .(4)

ص: 192


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 2، ص 202.
2- لقد وقع الخلاف في نسب الخضر غل لجهة أبيه، فالبعض قال : هو ابن آدم ظ بلا واسطة، والبعض الآخر قال : هو حفيده كما نقلناه، ورواه الطبريفي تاريخه، ج1، ص416، حيث ذهب إلي أنه الخضر بن قابيل بن آدم لك .
3- الميزان في تفسير القرآن للطباطبائي، ج17، ص 160.
4- الإصابة، ج 1، ص 431.

وقال ابن جرير الطبري : الخضر وإلياس باقيان يسيران في الأرض . (1)

ويعتقد اليهود بحياة إدريس عليه السلام ، وبأن الله عزوجل عرج به إلي السماء، ووافقهم العامة في بعض أخبارهم، أما علماء الإمامية فقد نفوا ذلك واعتبروه من الإسرائيليات.(2)

وعن الشيخ الطوسي قال : وهذا الخضر - عليه السلام - موجود قبل زماننا من عهد موسي - عليه السلام - عند أكثر الأمة إلي وقتنا هذا باتفاق أهل السير لا يعرف مستقره، ولا يعرف أحد له أصحابة إلا ما جاء به القرآن الكريم من قصته مع موسي عليه السلام .(3)

ويذكر المؤرخون عادة الكبير وأنه عاش ثلاثة آلاف وخمسمائة سنه .(4)

ويذكرون أن ذا القرنين عاش ثلاثة آلاف سنة كما في التوراة.(5)

ويذكرون أن عوج بن عناق عاش ثلاثة آلاف وستمائة سنة، وقال محمد بن إسحاق: عاش عوج بن عناق ثلاثة آلاف سنة وستمائة سنة ولد في حجر آدم وعناق أمه، وقتله موسي بن عمران. (6)

ويذكرون لقمان بن عاد المعروف بلقمان الحكيم فقد عاش ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة .(7)

ص: 193


1- بحار الأنوار للمجلسي، ج13، ص 27، الطبعة الحجرية .
2- الميزان في تفسير القرآن للطباطبائي، ج14، ص71.
3- الغيبة للطوسي، ص83.
4- كشف الغمة في معرفة الأئمة عليهم السلام للأربلي، ج3، ص 333، والمهدي - عجل الله فرجه - للزهيري، ص 102.
5- تذكرة خواص الأمة في معرفة الأئمة عليهم السلام لابن الجوزي، ص204.
6- نفس المصدر، ص 205.
7- المهدي - عجل الله فرجه - للزهيري، ص 103،والغيبة للطوسي، ص 86، وكمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 2، ص 246.

وذكروا دومغ وهوجدعزيزمصر الذي كان في ايام نبي الله يوسف عليه السلام ،ودومخ هو والدالريان بن دومغ،والاخير هووالدعزيزمصر،فقدذكروا لومغ من المر ثلاثه آلاف وخمسمائة سنه(1)،وذكروا ان الريان ولده عاش الفا وسبعمائة سنه.(2)

هذه طائفة من الشواهد علي المعمرين مما ذكره المؤرخون، والشواهد أكثر مما ذكرنا بكثير، ولكننا ذكرنا أطول الشواهد عمرة ، والدليل السمعي النقلي هو الحجة في إثبات ما ذكرنا وما ذكروه، بل التواتر في ذلك هو الحجة ، وقد ذكروا هذه الشواهد وغيرها من جملة المعمرين من الإنس، أما من الجن فذكروا من أنه من مصاديق المعمرين من الجن إبليس - لعنه الله - الذيأنذره الله سبحانه إلي يوم الوقت المعلوم كما صرحت بذلك الآيات القرآنية .

وقد روي العامة حياة الدجال من جملة المعمرين من الإنس، ورووا بأن الله سبحانه حبسه إلي آخر الزمان .

وذكر علماء علم النبات وعلم الحيوان شواهد علي طول عمر بعض النباتات والحيوانات التي تصلح دليلا علي إثبات إمكانية طول العمر لبعض الكائنات الحية غير الإنسان، ولن نتطرق لذكر كلماتهم لخروج ذلك عن موردنا ، والله المسدد.

العلماء الطبيعيون يؤكدون إمكانية إطالة العمر

لقد قام العلماء البيولوجيون وعلماء البكتريولوجيا بالعديد من التجارب لإطالة عمر الإنسان، وأسسوا علمأ سموه بعلم الموت للبحث

ص: 194


1- المهدي - عجل الله فرجه - للزهيري، ص 103، وإلزام الناصب للحائري، ج 1، ص 289.
2- نفس المصدر .

عن أسباب الموت وعوامل تأخيره، واكتشفوا مجموعة من الأدوية قد تساعد علي إطالة العمر، ودرأ الأمراض، والعرب في الطب القديم كانوا يبحثون عن اكسير الحياة وهو الدواء الذي بزعمهم يخلد بقاء الإنسان، وذكر ذلك كل من كتب عن تاريخ العلوم عند العرب.

ويقول عالم البكتريولوجيا متشينكوف، وهو تلميذ پاستور عدوالجراثيم،يقول:

إن مما يعاضد عوامل الفناء في الإنسان وجود ميكروبات كثيرة تنشأفي أمعائه تمتص قوته الحيوية امتصاصا تدريجيا فتسرع به إلي الهلاك.(1)

ويقول هنري اسميس، وهو بروفسور من الغرب، يقول:

إن حد عمر الإنسان يشبه حاجز الصوت، فكما أن حاجز الصوت قد اخترق في عصرنا الحاضر، فسياتي اليوم الذي يخترق فيه حاجز العمر.(2)

ويقول هاتس سلي وأنجل هارت، مديرا قسم البيئة في أكاديمية العلوم السوفياتية :

إن أمل البشر في إطالة العمر اقترب من مرحلة التحقق .(3)

وأما البروفسور الفرنسي شبس فيقول في كتابه الأمل بحياة طويلة يقول: يستطيع الإنسان بالإستفادة من مواهبه الطبيعية، وقدراته التمدنية أن يعيش حياة أطول وأكثر فعالية، ويؤخر الشيخوخة سنوات أخري .(4)

وأما الدكتور كيلورد هاورز فيقول:

إستطاع الطب أن يرفع القيود والحدود المانعة من طول عمر الإنسان بمساعدة علم التغذية، ونستطيع في هذا اليوم أن نكون آملين بعمر طويل

ص: 195


1- دائرة معارف القرن العشرين.
2- صحيفة إطلاعات الإيرانية، العدد 11805.
3- نفس المصدر، العدد 12631.
4- نفس المصدر، العدد 11731.

خلافا لما كان عليه آباؤنا وأجدادنا. (1)

وقد أجري جماعة من العلماء الطبيعيين أمثال الدكتور الكسيس كارل، والدكتور جاك لوك، والدكتور ورن لويس وزوجته، أجروا عدة تجارب في معهد روكفلر بنيويورك علي أجزاء لأنواع مختلفة من النبات والحيوان والإنسان، وكان من بين هذه التجارب ما أجري علي قطع من أعضاءالإنسان وعضلاته وقلبه وجلده وكليتيه فرأوا أن هذه الأجزاء تبقي حية نامية ما دام الغذاء اللازم موقرة لها ولم يعرض لها عارض خارجي، وأن خلاياها تنمو وتتكاثر ولا تشيخ أبدا، ومنه يمكن القول بعدم حتمية الموت بالأعمار المتعارفة في زماننا .(2)

وأما العالم الروسي يوري فيالكوف فيقول :

إن الإنسان يجب أن يبقي خالدة لأن خلايا بدنه خالدة، ويضيف: إن الخلية - وهي الوحدة الأساس في بناء أجسام الأحياء - لا تموت أبدأ إذا توفر لها الغذاء اللازم ولم تتعرض إلي حرارة أو برودة شديدتين .(3)

أقول: ومن كلام متشينكوف المتقدم يفهم أننا لو تمكنا من التغلب علي المكروبات فإنه سيكون من الممكن أن يعيش الإنسان لمدة أطول من الأعمار المتعارفة في زماننا .

أما كلام فيالكوف فإنه علاوة علي إمكانية الإستدلال به علي إطالة العمر، فإنه يصلح لتوكيد النظرية القرآنية في مسألة الخلود في الجنة في عالم الآخرة بغض النظر عن عقيدتنا في كون البعث من الموت والخلود تارة أخري هما من المسائل الإعجازية المرتبطة بقدرة الله عز وجل التي لا تقاس بأمثال هذه الآراء والأبحاث، ولكن مثل هذه الآراء والأبحاث قد تصلح قرينة في مقام الإحتجاج علي الماديين من المنكرين لهذه الأوجه من

ص: 196


1- الطريق نحو حياة جديدة، ص14.
2- في انتظار الإمام علي للفضلي، ص50، طبعة دار الأندلس .
3- مجلة خواندنيها الإيرانية، السنة 28، العدد 38.

197الإعجاز المتعلقة بعقيدة المسلمين في عالم الآخرة، بل كل كلامنا في الحديث عن أدلة العلماء الطبيعيين هنا هو في مقام الإحتجاج بالدرجة الأولي علي هؤلاء.

وفي الجملة فإن هذه عينات من ثمرات أبحاث العلماء التجريبيين في مسألة إطالة العمر، وقد بثت إحدي الوسائل الإعلامية البريطانية أثناء كتابتي لهذا الفصل، بثت نبأ اكتشاف علمي يساهم في تجديد خلايا الإنسان بعد سن الأربعين ويساعد علي إطالة عمره لمدة عشر سنوات إضافية وذلك عن طريق تناول حبة من الدواء، ومنه نفهم أن العلماء الطبيعيون يشهدون علي إمكانية إطالة عمر الإنسان بالوسائل التجريبية العلمية، وهذا إذا لم نسلم بالمسائل الإعجازية التي تظهرها القدرة الإلهية في كل حين.

ومن جانب آخر، وردت في أخبار أهل البيت عليهم السلام أحاديث تفوق الحصر، تشير إلي جملة من الأمور تؤدي إلي إطالة العمر من بينها بعض الآداب والعبادات والمعاملات، وفي المقابل تبين أمورة أخري تؤدي إلي قصر العمر، والشواهد علي ذلك من أخبارهم عليهم السلام كثيرة، والعلم الحديث ساهم ويساهم يوما بعد يوم في تفسير مثل هذه الأخبار التي كانت العقول الا تهضمها منذ زمن قريب.

والخلاصة هي في أننا لا نقيس طول عمره - عجل الله فرجه - بمثل هذه الأسباب لأننا مذعنون لقدرة الله عز وجل في ذلك، ولكن طرح مثل هذه الأدلة إنما يكون لتقريب المسألة إلي أذهان المعاندين وإلي عقول غير المؤمنين، وإلا فالثابت أنه لا يقاس بآل محمد عليه السلام أحد من الناس، ثم إننا في مقام تعليل طول عمره - عجل الله فرجه - لو لم نرجعه إلي الأسباب الإعجازية المحضة، وأرجعناه إلي الأسباب الطبيعية فيمكن تعليله بسبب التغذية الصحيحة، فإنه - عجل الله فرجه - لا شك ولا ريب أعلم الناس بأسباب التغذية الصحيحة، وبولايته التكوينية وعلمه اللدني ومعرفته بالمغيبات في حدود ما علمه الله عز وجل، بهذا هو أقدر علي

ص: 197

تجنب المهلكات، وهو أعلم بطريق تلافي الوقوع في الضرورات، وأما لو أحلنا التعليل إلي سبب السموم الوراثية، فأني يكون له - عجل الله فرجه - مثل هذه السموم في تركيبته العضوية وقد ولدته الأصلاب الشامخة، فافهم تغنم.

وبالنسبة للأدلة النقلية السمعية من أخبار أهل البيت عليهم السلام والدالة علي طول عمره الشريف - عجل الله فرجه . قدرها بعض المحققين بثلاثمائة وثمانية عشر خبرة، وبعضها دل بالإضافة إلي طول عمره علي طول غيبته الكبري وذلك لحين من الزمان لا يثبت علي الإعتقاد به إلا خواص أوليائه وشيعته عجل الله فرجه .

ص: 198

النبأ السادس عشر : في العلامات الحتمية لظهوره عجل الله فرجه وفيه تحقيق في معني الحتمية وبيان لمعني البداء عند الإمامية

تحقيق في معني الحتمية

لقد دلت جملة من الأخبار المروية عن أهل البيت عليهم السلام والتي هي من الأخبار المعتبرة من الناحية السندية، والتي لا مجال للنقد علي ما في متونها ، دلت هذه الأخبار علي وجود علامات حتمية لظهور الحجة -عجل الله فرجه - لا بد من حدوثها قبل الظهور، وقد يفسر الحتم بحتمية حدوث العلامة، وقد يفسر بحتمية ظهوره - عجل الله فرجه - بعد حدوث العلامة ، وقد يقال بأن المعني الأول هو المراد ذلك أن ظهوره - عجل الله فرجه - جعل قسيمة للعلامات الحتمية ونص عليه من الحتميات في بعض أخبار العلامات الحتمية كما في خبر أبي حمزة الثمالي الآتي المروي عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام ، فقد جعلت هذه الأخبار ما سمي بالعلامات الحتمية من المحتوم وظهوره وخروجه - عجل الله فرجه - من المحتوم كذلك في سياق واحد مما قد يفهم ويستظهر منه أن حتمية العلامات وحتمية الظهور مستقلان، ولولا ورود الأخبار الأخري الحاكمة علي غيرها والدالة علي أن العلامات الحتمية هي للظهور، لولا هذه الأخبار لقلنا - بناء علي هذا الفهم - بأن المحتوم هو محتوم لنفسه لا لغيره فيكون القول بأن العلامات الحتمية هي للظهور فيه مسامحة، وقد يقال بأن تفسير الحتم بحتمية الظهور بعد حدوث المحتومات بلا فاصل زمني فيه ما فيه من التحكم في فهم الأخبار في نصوص المحتومات من العلامات، أما

ص: 199

تفسيره بأنه ناظر لحتمية العلامة سواء رافقها الظهور أو لحقها مباشرة أو تأخر عنها بفاصل زمني فهو أوفق لانسجامه مع الإعتقاد بالبداء، وهو ينفي وجود تهافت وتناقض في عقيدتنا ومعتقداتنا، فلا يتوجه حينها تفسير الحتمبالحتم في ظهوره - عجل الله فرجه - بعد حدوث العلامات المحتومات بالمطلق بل يكون مشروطة بعدم طروء البداء للعلامة المحتومة من حيث ما سنقيده به في الآتي، فقد فسر بعض الأخبار الآتية في بيان الحتميات بما يدل علي أن بعض العلائم من الحتميات وظهوره - عجل الله فرجه . من الحتميات بوجه لا يفهم منه التلازم بين المحتوم والظهور بلا فاصل زمني، وكل الكلام في الفاصل الزمني بعد المحتومات، بينها وبين الظهور، حيث إن عقيدة البداء هي التي تفرض مثل هذا التفسير لتمام العقيدة وعدم الإيراد والخدش عليها من هذا الوجه، وقد يقال : إن العلامات الحتمية ليست إلا للظهور فلا بد أن تكون مقدمة للظهور، لكن قد يجاب عنه بأن العلامات الحتمية دل خبر الجعفري الآتي علي عروض البداء لها فلا يقطع بلزوم الظهور ولا بعدمه بعد حدوثها ، وقد يقال: بما أن الحتم هو حدوثها فيكون عروض البداء للمحتوم سببة للتناقض فيلم لرفع التناقض حينها أن لا يكون المحترم عرضة للبداء بما هو محتوم في نفسه ، وإلا كان المحتوم وغير المحتوم سواء، أو أن يقال : إن البداء لا يعرض للمحتوم بما هو هو، بل لمتعلقه ، وهو الفاصل الزمني بينه وبين الظهور، وهنا لا يكون تناقض في فهم البداء للمحتوم، وهذا رأي في تفسير الحتمية، وعليه تكون حتمية العلامات بما هي هي من الثوابت، والمخو بالبداء إنما هو للفاصل الزمني بين العلامة المحتومة وبين الظهور، مما يعني امتداد الفاصل الزمني بالبداء بحيث لا يتحقق الظهور بعد المحتوم الممو بالبداء، فالذي يقع عليه المحو والبداء هو الفاصل الزمني لا خصوص العلامة المحتومة بما هي هي، وبناء علي هذا التفسير يكون ما أخبر الله عز وجل عنه من العلامات الحتمية إنما يمحو الله جل جلاله فيها بالبداء الفاصل الزمني فحسب وهو الذي يكون بين حدوث العلامة

ص: 200

والظهور لطلعته الرشيدة وغرته الحميدة أرواحنا فداه، وهذا مما قد يقر به البداء في العلامات الحتمية ، والله العالم.

وبالنسبة لبيان الفرق بين العلامة الحتمية وغير الحتمية قد يقال : إن الفرق هو أن الأولي لا بد من حدوثها ، أما غير الحتمية فقد لا تحدث أصلا، أو تحدث ولا يكون لها علاقة أساسا بالظهور من حيث تسلسل الأحداث الدالة عليه - أي الظهور - فتكون من الوقائع العادية والإعتيادية التي قد تحصل في غير عصر الظهور، ونحن في حديثنا عن المحتوم الذي يشمله المحو والبداء في ظرفه الزمني نقول: إن المحتوم هو من الأحداث المرتبطة بتسلسل الوقائع المتصلة بالظهور، أي بعبارة أخري، المحتوم من الأحداث هي التي تدل علي الظهور دلالة واضحة واختصاصية بعالم الظهور بحيث يفرق بينها وبين الأحداث العامة التي لا ربط لها بهذا العالم لا من قريب ولا من بعيد، وإلا لما كانت تصلح علامة حتمية عليه، أي علي ظهوره أرواحنا فداه

وقد فسر البعض الحتمية بأنها التي لا يعرض لها الداء، وغير الحتمية التي يعرض لها البداء، ولكن دل خبر الجعفري علي أن البداء يعرض لما صرحت الأخبار بكونه من العلامات الحتمية باستثناء الظهور والخروج فإن البداء لا يعرض له علي ما في صريح الخبر، وعليه فلا يكون كلام هذا البعض في تفسيره لمعني الحتمية ، لا يكون حجة تامة من الوجه الذي ذكرنا.

ونحن قد نذهب إلي أكثر مما تقدم، وهو القول بأن خبر الجعفري قد يفهم منه بأن البداء قد يعرض لأصل وجود العلامات من حتمية وغير حتمية، فقد يقال : إن ظهوره - عجل الله فرجه - لا يرتبط - لو تحقق البداء - لا يرتبط بنحو القطع - إعمالا للبداء - بشيء من كل ما ذكر من العلامات، فقد يظهر - عجل الله فرجه - بتحقق علامات وبدون تحقق علامات، وهذا مما قد يستفاد من خبر الجعفري المصرح بإمكانية عروض البداء للمحتوم مطلقة دون أنيكون عروضه مقيدة بالفاصل الزمني علي

ص: 201

النحو الذي قررناه آنفا، فقد أطلق خبر الجعفري القول بإمكانية البداء في المحتوم وعدم إمكانه في الظهور الذي هو - أي الظهور - من ضروريات الإعتقاد عند الإمامية بلا منازع، وهذا التحرر من قيود العلامات الذي قد يفهم من خبر الجعفري، هذا التحرر أظهر لقدرة الله سبحانه في شأن الحجة أرواحنا فداه ، بل أظهر لقدرته عز وجل في الشؤون الكونية، إلا أن يقال بأن وجود علامات للظهور فيه شيء من وجوه الحكمة ليتنبه به أوليائه عجل الله فرجه، وفي ذلك يجاب بأن فيه لزوم ما لا يلزم، بل قد يبرر به بعض المنحرفين والضالين تشجيع الفساد في البر والبحر، أو ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكي يزداد انتشار الفساد كعلامة علي الظهور أو لازم للظهور كما هو حال الحجتية هداهم الله.

وعليه فلو قلنا بعدم تقييد الظهور بشيء من العلامات فإن ذلك قد تبرره عقيدة البداء الثابتة في القرآن وأخبار أهل البيت عليهم السلام ، والثابتة بين الضروريات الإعتقادية عند الإمامية والقول بعدم تقييد الظهور بالعلامات علي التفصيل المذكور قد يخفف عنا مؤونة الخوض في استقصاء العلامات من التواريخ وكتب الأخبار، ويرفع مؤونة تجشم التحديد والتوقيت الذي ابتلي به أكثر العلماء، ثم إن تقييد الظهور بالعلامات قد يدخل تحت عنوان التوقيت المأمور بتكذيبه علي ما سيأتي في النبأ الأخير، فتحديد الظهور بالعلامات هو توقيت من بعض جوانبه ومعلوم أن توقيت ظهوره - عجل الله فرجه - مرتبط بتوقيت الساعة التي علمها عند ربي فلا يجليها لوقتها إلا هو عز وجل، فإن الأخبار دلت بوضوح علي الفاصلة الزمنية بين خروجه - عجل الله فرجه - وبين قيام الساعة، فظهوره من أسباب معرفة أوان القيامة ، لذلكفنحن نرجح المنع من القطع بربط ظهوره - عجل الله فرجه - بالعلامات من حتمية وغير حتمية بل نحيل ذلك إلي العقيدة بالبداء الذي هو من أمر الله جل جلاله ، بل قد نعتبر القطع بربط خروجه - عجل الله فرجه - بالعلامات هو من مصاديق التوقيت المأمور بتكذيبه ، بل هو - أي القطع - من الإخبار بحلول الساعة من بعض الوجوه الذي هو من

ص: 202

أمر الله سبحانه ومختصات علمه تعالي، والله العالم .

فمن مجموع ما تقدم نفهم بأن خبر الجعفري هو حاكم علي سائر أخبار العلامات الحتمية التي سوف يأتي بعضها في طيات هذا النبأ إن شاء الله تعالي.

وأما ما قد يدعيه البعض من أن عدم ربط الظهور بشيء من العلامات قد يفضي إلي أن يدعي في كل يوم مدع بأنه هو الحجة - عجل الله فرجه - ويكثر بذلك الهرج والمرج، وتعم الفوضي ويكثر الكذابون والضالون، فجوابه : إننا إن لم نربط الظهور بشيء من العلامات سواء علي نحو القطع أو علي نحو غير القطع، فإن نفس الظهور تلازمه علامات تدل علي الحجة أرواحنا فداه، فإن الكثير من الخوارق الطبيعية والمعجزات والكرامات الإلهية تلازم ظهوره أرواحنا فداه ، وعليه فكل من يدعي أنه الحجة - أرواحنا فداه - يلزم بتلكم الخوارق والمعجزات والكرامات وإلا حكمنا بأنه من الضالين المكذبين، وقد دلت علي هذه العلامات الملازمة من الخوارق والمعجزات والكرامات عشرات الأخبار المعتبرة من طرق الفريقين، ثم إن لنفس الحجة - أرواحنا فداه - صفات وعلامات في خلقه ولقير يعرف بها بأبي هو وأمي، وقد تواترتبها الأخبار، وهي مما يمكن أن يعرف بها إمام الزمان بأدني عناية، ومن الله الهداية .

ثم نحن كما لم نقطع بربط العلامات بالظهور، أو الظهور بالعلامات فإننا لم نقطع بعدم ربط الظهور بالعلامات، ولا بعدم ربط العلامات بالظهور، سواء العلامات الحتمية أو غير الحتمية، بل أحلنا ذلك إلي البداء، فقد يبدو لله سبحانه في ذلك، وقد لا يبدو لله عز وجل في ذلك، فله الأمر جل جلاله من قبل ومن بعد، وعليه فيكون أصل الإشكال علي ما استوجهناه غير وارد، بل باطل عاطل.

وقد يبقي الإشكال من جهة أخري فيقال، فما يكون الفرق بين

ص: 203

الحتمي وغير الحتمي لو لم نربط الظهور بالعلامات مطلقا، فإن لازم ذلك ما سبق وأشرنا إليه وأشار إليه العلامة صاحب بحار الأنوار كذلك ، لازم ذلك أن يصبح الحتمي وغير الحتمي سواء، والحال أن الأخبار استفيد منها التفرقة بين الحتمي وغير الحتمي؟

جوابه : إنه قد يفرق حينها بين الحتمي وغير الحتمي بالقول: إن غير الحتمي هو ما يمكن القطع بعدم لزوم الظهور عند حدوثه ، أما الحتمي فهو ما لا يمكن القطع بلزوم الظهور ولا عدم الظهور عند حدوثه، فأمره متروك الأمر الله جل جلاله فيما لو بدا له فيه شيء، والله العالم.

ونحن لكثرة حديثنا عن البداء يقتضي الحال أن نوضح معتقد الإمامية فيه، والأدلة عليه بإيجاز حتي لا يتهمنا المغرضون، ويتحامل علينا المبطلون، وهذا ما ستقرره في الآتي إن شاء الله تعالي.

معني البداء عند الإمامية

البداء اصطلاحا عند الإمامية معناه بقاء اختيار الله عزوجل بعد حدوث الأشياء كثبوت الإختيار له سبحانه عند حدوثها ، فكما أنه سبحانه قبل إيجاد الأشياء له أن يختار الإيجاد وله أن يختار العدم، فكذا بعد الإيجاد له أن يختار الإبقاء وله اختيار عدم البقاء، فله عز وجل الإيجاد بالنسبة إلي ما لم يوجد بعد والإبقاء بالنسبة إلي ما وجد، وبعبارة أخري البداء هو بقاء اختياره عز وجل في مرحلة البقاء أو الإبقاء كما له الإختيار في مرحلة الإيجاد والحدوث.

ومثاله تقدير الله جل جلاله للحجة - عجل الله فرجه - أن يظهر بعد حدوث علامة من علامات الظهور ومن ثم اختياره جل جلاله عدم الظهور بعد حدوث العلامة.

وفي أدلة البداء نقول: إنه يمكن الإستدلال عليه بالقرآن والأخبار والعقل في الجملة، وقد تقدمت الأدلة العقلية، أما الآيات القرآنية فمنها

ص: 204

قوله تعالي : «لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ».(1)

ومنها: قوله سبحانه :«كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ».(2)

ومنها: قوله جلا جلاله : «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ».(3)

ومنها: قوله عز وجل : «يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ».(4)

ومنها: قوله تعالي : «اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ».(5)

وهناك غير هذه الآيات -أيضا - مما يدل علي عقيدة البداء، وقد تعرض المتكلمون في الكتب العقائدية لمجموع الآيات ولوجه الإستدلال بها مما يطول الحديث عنه لو أردنا بيانه في هذا المورد .

أما الأخبار الدالة علي عقيدة البداء، فمنها ما روي عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال :

ما عظم الله عز وجل بمثل البداء. (6)

ومنها: ما روي عنه عليه السلام قال : من زعم أن الله عز وجل يبدو له فيشيء لم يعلمه أمس فابرؤوا منه.(7)

ومنها: ما روي عنه عليه السلام - أيضا - قال عليه السلام :

ما تنبأ نبي قط حتي يقر الله بخمسة منها البداء... الخبر.

ومنها: ما روي - أيضا . عنه عليه السلام قال:

لو يعلم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه ... الخبر .

ص: 205


1- سورة الأنبياء، الآية : 23.
2- سورة الرحمن، الآية : 29.
3- سورة الرعد، الآية : 39.
4- سورة فاطر، الآية :
5- سورة الروم، الآية : 11.
6- بحار الأنوار للمجلسي، ج 4، ص107.
7- نفس المصدر، ج 4، ص 111.

ومنها: خبر هشام عنه عليه السلام - أيضا . قال عليه السلام:

اما عظم الله وما عبد الله بشيء بمثل البداء.

وهذه الأخبار المذكورة نقلها المحدث الخبير الثقة الكليني في كتابه الكافي ونقلت نظائرها في العديد من مصادر الأخبار المعتبرة، ففي كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام نقل شيخنا الثقة الصدوق - أعلي الله مقامه - عن الريان بن أبي الصلت، عن الإمام أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام ، قال عليه السلام :

ما بعث الله نبيا إلا بتحريم الخمر، وأن يقر له بأن الله يفعل ما يشاء ... الخبر.

وعن سليمان المروزي، عن الإمام أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام كذلك، قال عليه السلام لسليمان : ما أنكرت من البداء يا سليمان والله تعالي يقول: «أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا »(1)، ويقول :«وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ »(2)، ويقول: «َزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ»(3)، ويقول:«وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ»(4)، ... الخبر.

وفي تفسير القمي في خبر ياسر عن الإمام أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام كذلك، قال عليه السلام:

ما بعث الله نبيا إلا بتحريم الخمر، وأن يقول بالبداء أن يفعل الله ما يشاء... الخبر.

وغير هذه الأخبار المعتبرة والواضحة الدلالة ورد الكثير في المصادر الموثق ، وقد نسب بعض الجهلة بعض الأخبار الضعيفة كشواهد علي

ص: 206


1- سورة مريم، الآية : 17.
2- سورة الروم، الآية : 27 .
3- سورة فاطر، الآية: 1.
4- سورة السجدة ، الآية : 7.

البداء بكلمات افتري بها علي أهل البيت علي فليحذر الذين يخافون من مخالفة أمر الله جل جلاله، فليحذروا من قبول مثل تلك الأخبار، وهي واضحة الفساد متنا وسندة عند أهل العلم والخبرة فليرجع إليهم.

وليس معني البداء عند الإمامية عدم إحاطة الله سبحانه من جميع الجهات بالشيء الذي يبدو له ما يبدو له فيه جل جلاله، ولا معني البداء جهله عز وجل بهذا الشيء في بعض الجهات بحيث يكون هذا الجهل الجزئي علة لكي يبدو له سبحانه فيه فيمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء، فتعالي الله جل جلاله عن هذا المعني للبداء علوا كبيرة، فليس هذا هو معني البداء، بل في هذا المعني القاصر نسبة القصور والجهل وعدم القدرة والسلطة لساحة قدس اللهتبارك وتعالي، فالله عز وجل هو المحيط إحاطة تامة مطلقة بما سواه من كل الجهات، وإحاطته إحاطة واقعية وليست ظاهرية لكي تخفي عليه العواقب، فهو الذي لا تخفي عليه خافية لا في الأراضين ولا في السموات، يعلم خائنة الأعين وما تكن الصدور وما في الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده تعالي بمقدار، فهو سبحانه وتعالي علي علمه الواقعي يبدل القضاء بقدر جديد، وتمضي علي إرادته عز وجل جميع الأشياء فهي بأمره مأتمرة.

ويعجبني أن أنقل هنا كلاما بتمامه للشيخ محمد رضا المظفر - أعلي الله مقامه . ذكره في كتابه عقائد الإمامية، وذلك حول عقيدة الإمامية في مسألة البداء، يقول أعلي الله مقامه :

البداء في الإنسان أن يبدو له رأي في الشيء لم يكن له ذلك الرأي سابقة، بأن يتبدل عزمه في العمل الذي كان يريد أن يصنعه إذ يحدث عنده ما يغير رأيه وعلمه به، فيبدو له تركه بعد أن كان يريد فعله، وذلك عن جهل بالمصالح وندامة علي ما سبق منه .

والبداء بهذا المعني يستحيل علي الله تعالي لأنه من الجهل والنقص،وذلك محال عليه تعالي ولا تقول به الإمامية .

ص: 207

قال الصادق عليه السلام: «من زعم أن الله تعالي بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافربالله العظيم».

وقال - أيضا -: «من زعم أن الله بدا له شيء ولم يعلمه أمس فأبرأ منه».

غير أنه وردت عن أئمتنا الأطهار - عليهم السلام - روايات توهم القول بصحة البداء بالمعني المتقدم، كما ورد عن الصادق عليه السلام : «ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني»، ولذلك نسب بعض المؤلفين في الفرق الإسلامية إلي الطائفة الإمامية القول بالبداء طعنة في المذهبوطريق آل البيت، وجعلوا ذلك من جملة التشنيعات علي الشيعة .

والصحيح في ذلك أن نقول كما قال الله تعالي في محكم كتابه المجيد : «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ »(1)، ومعني ذلك أنه تعالي قد يظهر شيئا علي لسان نبيه أو وليه أو في ظاهر الحال لمصلحة تقتضي ذلك الإظهار، ثم يمحوه فيكون غير ما قد ظهر أولا، مع سبق علمه تعالي بذلك، كما في قصة إسماعيل لما رأي أبوه إبراهيم أنه يذبحه، فيكون معني قول الإمام - عليه السلام - أنه ما ظهر لله سبحانه أمر في شيء كما ظهر له في إسماعيل ولده إذ اخترمه قبله ليعلم الناس أنه ليس بإمام، وقد كان ظاهر الحال أنه الإمام بعده لأنه أكبر ولده .

وقريب من البداء في هذا المعني نسخ أحكام الشرائع السابقة بشريعة نبينا صلي الله عليه وآله وسلم، بل نسخ بعض الأحكام التي جاء بها نبينا صلي الله عليه وآله وسلم ... إلي هنا انتهي كلامه رفع مقامه.

أقول: نكتفي بهذا المقدار من البيان في حقيقة البداء محيلين من أراد المزيد إلي الكتب الكلامية العقائدية المنتشرة في كل مكان، وفي تقريب البداء من معني النسخ لا بد من أن يلحظ بأن البداء إنما يكون في الأمور التكوينية ، في حال أن النسخ إنما يكون في الأمور التشريعية ، ثم إن البعض

ص: 208


1- سورة الرعد، الآية : 39.

تحامل علي الشيعة في اعتقادهم بالبداء لعدم فهمه لما هو من صريح معتقدات القرآن، وقد أكثر العلماء الرد علي مثل هذا البعض بما لا مزيد عليه، ونحنأعرضنا عن ذكر آراء الخلاف في هذه المسألة لنعرض عن مناقشتها خوفا من الإطالة من جهة، وإعمالا لحديث الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام من جهة أخري، حيث يقول عليه السلام: أميتوا الباطل بترك ذكره .

بعض أخبار العلامات الحتمية

من المؤكد أن ظهوره - عجل الله فرجه - هو من الأمور التي لا يطرأ عليها البداء، وقد دل علي ذلك خبر أبي هاشم داوود بن القاسم الجعفري، قال :

كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا - عليهما السلام - فجري ذكر السفياني وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر عليه السلام : هل يبدو لله في المحتوم؟

قال: نعم.

قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم؟

فقال : إن القائم من الميعاد، والله لا يخلف الميعاد. (1)

ومن الأخبار المعتبرة التي تعرضت صريحة لذكر العلامات الحتمية ، ما روي بسنده عن الفضيل بن يسار، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال : إن من الأمور أمورة موقوفة، وأمورة محتومة، وإن السفياني من المحتوم الذي لا بد منه .(2)

ص: 209


1- الغيبة للنعماني، ص 302، وص 303، باب 18، ح10، وبحار الأنوار للمجلسي، ج52، باب 25، ح138، ص 250، وإثبات الهداة للحر العاملي ،ج3، ص 544.
2- الغيبة للنعماني، ص 301، وص 282.

ومنها: ما روي بسنده عن معلي بن خنيس ، قال : سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول:

من الأمر محتوم، ومنه ما ليس محتوم، ومن المحتوم خروج السفياني في رجب.(1)

ومنها: ما روي بسنده عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام في قوله تعالي : «ثُمَّ قَضَي أَجَلًا ۖ وَأَجَلٌ مُّسَمًّي عِندَهُ »(2)قال عليه السلام :

إنهما أجلان: أجل محتوم، وأجل موقوف، فقال له حمران: ما المحتوم؟ قال : الذي لله فيه مشيئة ، قال حمران : إني لأرجو أن يكون أجل السفياني من الموقوف، فقال أبو جعفر عليه السلام:

لا والله، إنه لمن المحتوم .(3)

ومنها: ما روي بسنده عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن أبا جعفر - عليه السلام - كان يقول : إن خروج السفياني من الأمر المحتوم؟

قال: نعم، واختلاف ولد العباس من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم...الخبر.(4)

ومنها: ما روي بسنده عن عمر بن حنظلة ، قال : سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول: قبل قيام القائم خمس علامات محتومات : اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء.(5)

ص: 210


1- الغيبة للنعماني، ص300.
2- سورة الأنعام، الآية : 2.
3- الغيبة للنعماني، ص 301.
4- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 2، ص652 ، والغيبة للطوسي، ص 282، وبحار الأنوار للمجلسي، ج 52، ص 206، ومنتخب الأثر للكلبايكاني، ص 457.
5- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 2، ص 650، وبحار الأنوار للمجلسي، ج52، ص 204.

ومنها: ما روي بسنده عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن أبا جعفر كان يقول: خروج السفياني من المحتوم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من المغرب من المحتوم، وأشياء كان يقولها من المحتوم.

فقال أبو عبد الله عليه السلام: واختلاف بني فلان من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم... الخبر.(1)

ومنها: ما روي بسنده عن ابن أسباط ، قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام: جعلت فداك، إن ثعلبة بنت ميمون حدثتني عن علي بن المغيرة ، عن زيد العمي، عن علي بن الحسين، قال : يقوم قائمنا لموافاة الناس سنه.

قال: يقوم القائم بلا سفياني؟! إن أمر القائم حتم من الله، وأمرالسفياني حتم من الله، ولا يكون قائم إلا بسفياني. (2)

ومنها: ما روي بسنده عن عبد الملك بن أعين ، قال : كنت عند أبي جعفر عليه السلام، فجري ذكر القائم، فقلت له : أرجو أن يكون عاجلا ، ولا يكون سفياني.

فقال : لا والله، إنه من المحتوم الذي لا بد منه .(3)

ومنها: ما روي بسنده عن عبد الله بن سنان، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، أنه قال :

النداء من المحتوم، والسفياني من المحتوم، واليماني من المحتوم،وقتل النفس الزكية من المحتوم، وكف يطلع من السماء من المحتوم.

قال: وفزعة في شهر رمضان، توقظ النائم، وتفزع اليقظان، وتخرج

ص: 211


1- الغيبة للطوسي، ص 299.
2- بحار الأنوار للمجلسي، ج52، ص 182.
3- الغيبة للنعماني، ص 301.

الفتاة من خدرها .(1)

ومنها: ما روي بسنده عن زياد القندي، عن غير واحد من أصحابه ، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال: قلنا له : السفياني من المحتوم؟

فقال: نعم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، والقائم من المحتوم،وخسف البيداء من المحتوم، وكف تطلع من السماء من المحتوم.

فقلنا له : وأي شيء يكون النداء؟

فقال : مناد ينادي بإسم القائم وإسم أبيه.(2)

ومنها: ما روي بسنده عن حمران بن أعين، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، أنه قال :

من المحتوم الذي لا بد أن يكون قبل قيام القائم: خروج السفياني، وخسف البيداء، وقتل النفس الزكية، والمنادي من السماء .(3)

ومنها: ما روي بسنده عن خلاد الصائغ، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال :

السفياني لا بد منه، ولا يخرج إلا في رجب . (4)

ومنها: ما روي بسنده عن محمد بن علي الحلبي، قال : سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول:

اختلاف بني العباس من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم.

قلت : وكيف النداء؟

قال : ينادي مناد من السماء أول النهار ... الخبر.(5)

ص: 212


1- الغيبة للنعماني، ص 252.
2- الغيبة للنعماني، ص 207، ومنتخب الأثر للكلبايكاني، ص 455.
3- الغيبة للنعماني، ص 264، ومنتخب الأثر للكلبايكاني، ص 455.
4- الغيبة للنعماني، ص203.
5- بحار الأنوار للمجلسي، ج 12، ص 300، ومنتخب الأثر للكلبايكاني، ص 458.

ومنها: ما روي عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: خروج السفياني من المحتوم؟

قال: نعم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من مغربها من المحتوم، واختلاف بني العباس في الدولة من المحتوم، وقتل النفس الزكية محتوم، وخروج القائم من آل محمد محتوم... الخبر.(1)

ص: 213


1- الإرشاد للمفيد، ص 358، وإعلام الوري للطبرسي، ص 405، ومنتخب الأثر للكلبايكاني، 457.

النباالسابع عشر في العاملات غيرالحتميه لظهوره عجل الله فرجه وفيه تحقيق في معني غير الحتمية وذكر لبعض أخبار العلامات غير الحتمية

تحقيق في معني غير الحتمية

إعلم - أيدك الله - أن العلامات غير الحتمية أكثر من أن تحصي في أخبار أهل البيت عليهم السلام ، ولما كان البداء يعرض للعلامات الحتمية بالمعني الذي قدمناه ، فمن باب أول عروضه للعلامات غير الحتمية، وعروضه للعلامات غير الحتمية يمكن أن يكون في بعدين :

الأول: هو عروضه لأصل وجود العلامة، فلا تحدث العلامة أصلا

الثاني: عروضه للفاصل الزمني بين العلامة وبين الظهور، فلايكون الظهور لاحقا بالعلامة بالرغم من حدوثها.

أما البعد الأول وهو عروض البداء - والمعبر عنه بالمخو - لأصل وجود العلامة غير الحتمية فهذا هو من لوازم اصطلاح غير الحتمي في علامات الظهور، وهذا هو الذي يميز بالدرجة الأولي العلامة الغير حتمية عن العلامة الحتمية، وإلا لتساوي المحتوم وغير المحتوم فلا يكون هناك من معني لهذا التقسيم أصلا، والحق أن أخبار أهل البيت عليهم السلام التي قد دلت علي التفرقة بين المحتوم وبين غير المحتوم في حديث العلامات جميعا ، ولو لميكن هذا التقسيم المستفاد من أخبار أهل البيت عليهم السلام لكانت العلامات كلها علامات وكفي دون إضافة قيد الحتم وغير الحتم فيها ،

ص: 214

ولولا التفريق المستفاد من أخبار أهل البيت عليهم السلام بين المحتوم وغير المحتوم لأمكن علماء الإعتقادات والمتكلمين حساب جميع علامات الظهور برسم واحد دونما تفرقة، وأمكن معالجة عدم الظهور رغم حدوث العلامات، لأمكن معالجة ذلك بعقيدة البداء فتأمل.

از ونحن ملانيا في تقسيم العلامات إلي حتمية وغير حتمية وعمدتنا في ذلك كله ما يستفاد من أخبار أهل البيت عليهم السلام الدالة علي ذلك وإن كنا قد نختلف في معني الحتمية من غير الحتمية .

أما البعد الثاني لعروض البداء للعلامات غير الحتمية فهو عروضه المتعلق العلامة غير الحتمية وهو الفاصل الزمني بين العلامة غير الحتمية وبين الظهور لا عروضه لنفس الظهور، فعروضه يكون لظرف الظهور الزمني ذلك أن الله عز وجل لا يبدو له في نفس الظهور بما هو هو بل يبدو له سبحانه فيه في ظرفه الزمني، وبهذا تشترك في هذا الفهم العلامات غير الحتمية حال حدوثها وعروض البداء لها، تشترك مع العلامات الحتمية في حال عروض البداء لها ، ويكون متعلق العلامة هو المنفعل بالبداء في محو الفاصل الزمني واستبداله بزمن جديد وفاصل جديد علي نحو ما تقتضيه المشيئة الإلهية في ذلك، فالعلامة الغير حتمية التي لم يعرض لأصل وجودها البداء - بل تم حدوثها - عروض البداء المتعلقها هو كعروض البداء المتعلق العلامات الحتمية، أي عروض الداء للفاصل الزمني الذي يفصل بين العلامة وبين الظهور، وعروض البداء للفاصل الزمني يخفف عنا مؤونة تكلف الإستدلالعلي وجوه الفرق بين العلامة الحتمية وغير الحتمية فيما لو لم نقطع بالربط بين الظهور و بين العلامات مطلقا لإمكان أن يبدو لله عز وجل في ذلك علي نحو ما قررناه في النبأ السابق، وهذا الفاصل الزمني قبل خوو بالبداء قد يكون منصوص عليه في الأخبار، وهذا - أي القول بالبداء في الفاصل الزمني - يما من الجمع بين الأزمنة المتفاوتة الواردة في الأخبار، وقد يكون هو الوجه في رفع التفاوت الموجود في الأخبار المتعرضة لذكر مدد زمنية متفاوتة ومتعددة لبعض الأحداث السابقة أو المرافقة أو اللاحقة

ص: 215

بالظهور، فإنه من الملاحظ وجود تفاوت و اختلاف كبير بين الأخبار جميعا في تحديد هذه المدد الزمنية، مخو بعضها لصالح بعض بعقيدة البداء يح به مثل هذه الإشكالات هذا إذا لم نقرر ما قرره علماء أصول الفقه في بحث المفاهيم الستة من القول بعدم حجية مفهوم العدد، والله العالم بحقائق الأمور.

بعض أخبار العلامات غير الحتمية

إعلم - أيدك الله - إنه من السهل الحكم علي العلامة بأنها من العلامات الحتمية وذلك من خلال تصريح الأخبار بالحتمية أو أن يرد في أخبار أهل البيت عليهم السلام ما يدل علي حتميتها من القرائن المتصلة والمنفصلة كقوله عليهم السلام: هي من المحتوم، أو قوله عليهم السلام : لا بد منها ، ونحوه من القيود الصارفة إلي اللزوم والحتم، فما لم يرد ذلك امتنع إمكان اعتبار العلامة من المحتومات ، وهذا هو الأرجح بحسب فهمنا .

أما العلامات غير الحتمية فالإصطلاح عليها ورد علي لسان المتشرعة، وهو مأخوذ علي نحو قاعدة المنطوق والمفهوم المنطقية العقلية ، فوجودالمحتوم في المنطوق أو في دلالة المنطوق دليل علي وجود غير المحتوم في المفهوم، أو يفهم من المنطوق المصرح أو الدال علي المحتوم، يفهم منه وجود غير المحتوم، وعليه فيمكننا أن نجعل الميزان لمعرفة غير المحتوم هو عدم التصريح أو الدلالة في الأخبار علي كون العلامة حتمية علي النحو الذي قررناه ، فكل علامة لم يرد التصريح أو ما يدل علي أنها من المحتومات أمكن اعتبارها من غير المحتومات، ولو ورد التصريح بعدم الحتم لكفانا مؤونة تكلف الأدلة لتمييز غير المحتوم، علي أن حال الكثير من العلماء في الجري العملي في كتب الغيبة في مبني التمييز بين المحتوم وغير المحتوم، حالهم هو اعتبار الأخبار المصرحة بالحتم من المحتوم وسواها من غير المحتوم، لذلك فإن أغلب الأخبار عندهم - بحسب اطلاعي - التي ملت علي أنها غير حتمية هي التي لم يرد التصريح فيها بأنها حتمية علي

ص: 216

النحو الذي قررناه ولم يلحظ عملية عندهم الفرق بين التصريح بالحتم والدلالة علي الحتم من خلال قيود الأخبار التي يستفاد من ظهورها الحتم علي تفصيل ما ذكرناه، وإن كان البعض قد ضعف بعض أخبار المحتومات الصريحة فحصر المحتومات بخمس كالشيخ المفيد في كتابه الإرشاد، والأرجح أن أخبار العلامارت، تحمل علي العلامات غير الحتمية ما لم يرد فيها التصريح أو التلميح بحتميتها من خلال القرائن والقيود والمخصصات والمبينات المتصلة والمنفصلة ، وهذا المبني هو الأرجع بحسب فهمنا في أخبار العلامات الغير حتمية، وما سنذكره من أخبار العلامات غير الحتمية الذي جعلنا نعتبر بعضها من غير المحتومات هو موافقة ما عليه الكثير من العلماء في هذا الجانب من حيث السيرة العملية فيما صنفوه في كتب الغيبة ، ولو لاحظناالمبني الآخر الذي يعتبر التصريح بالحتم والدلالة التي تفهم الحتم هما الملاك في ثبوت الحتم لأمكن اعتبار الكثير منها من المحتومات، فالتفت

ومن العلامات التي لم يرد الخبر صريحة بحتميتها، ما روي بسنده عن علي بن علي الهلالي، عن أبيه، في خبر له عن رسول الله صلي الله عليه وآله، قال فيه رسول الله صلي الله عليه وآله في جملة كلامه لفاطمة عليهم السلام:

ومنا سبطا هذه الأمة ... إلي أن قال صلي الله عليه وآله: ... يا فاطمة، والذي بعثني بالحق، إن منهما مهدي هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرج و مرج ، وتظاهرت الفتن، وتقطعت السبل، وأغار بعضهم علي بعض، فلا كبير يرحم صغيرة، ولا صغير يوقر كبيرة ... الحديث . (1).

ومنها: ما روي بسنده عن محمد بن مسلم، وأبي بصير قالا : سمعنا أبا عبد الله الصادق - عليه السلام - يقول:

ص: 217


1- (1) قلائد الدرر للسلمي، ص 225، ومجمع الزوائد للهيثمي، ج29، ص 165، وبحار الأنوار للمجلسي، ج52، ص266

لا يكون هذا الأمر حتي يذهب ثلثا الناس .

فقلنا : إذا ذهب ثلثا الناس فمن يبقي؟

فقال عليه السلام : أما ترضون أن تكونوا في الثلث الباقي(1).

ومنها: ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال :

لا يخرج المهدي حتي يقتل ثلث ويموت ثلث ويبقي ثلث .(2)

ومنها: ما روي عن رسول الله صلي الله عليه وآله قال :

لا تقوم الساعة حتي يخرج المهدي من ولدي، ولا يخرج المهدي حتي يخرج ستون كذابة كلهم يقول : أنا نبي. (3)

ومنها: ما روي بسنده عن جابر الجعفي، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: متي يكون فرجكم؟

فقال عليه السلام: هيهات هيهات، لا يكون فرجنا حتي تغربلوا، ثم تغربلوا، ثم تغربلوا - يقولها ثلاثا - حتي يذهب الله الكدر ويبقي الصفو.(4)

ومنها: ما روي بسنده عن أبي بصير، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال :

لا يقوم القائم إلا علي خوف شديد من الناس، وزلازل، وفتنة، وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك، وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد في الناس، وتشتيت في دينهم، وتغير من حالهم، حتي يتمني المتمي الموت صباحا ومساء من عظم ما يري من گلب الناس، وأكل بعضهم بعضاء فخروجه إذا خرج يكون عند اليأس والقنوط ... الخبرة.(5)

ص: 218


1- الغيبة للطوسي، ص209، وبحار الأنوار للمجلسي، ج52، ص 113، وص207.
2- قلائد الدرر للسلمي، ص 132.
3- الإرشاد للمفيد، ص 405.
4- الغيبة للطوسي، ص 206.
5- الغيبة للنعماني، ص 135.

ومنها: ما روي بسنده عن عميرة بنت نفيل، عن إحدي بنات الإمام أبي محمد الحسن بن علي المجتبي عليه السلام، عنه عليه السلام قال:

لا يكون هذا الأمر الذي تنتظرون حتي يبرأ بعضكم من بعض، ويلعن بعضكم بعضا، ويتفل بعضكم في وجه بعض، وحتي يشهد بعضكم بالكفر علي بعض ... إلي أن يقول عليه السلام : عند ذلك يقوم قائمنا فيرفع ذلك كله ... الخبر.(1)

ومنها: ما روي عن الإمام أبي عبد الله الحسين بن علي الشهيد عليه السلام، قال :

إذا رأيتم نارا من المشرق ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمد إن شاء الله ... إلي أن قال عليه السلام:

ثم ينادي من السماء مناد بإسم المهدي، فيسمع من بالمشرق والمغرب حتي لا يبقي راقد إلا استيقظ، ولا نائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام علي رجليه فزعا من ذلك الصوت، وهو صوت جبرئيل الروح الأمين .(2)

ومنها: ما روي عن كميل بن زياد النخعي، عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال :

ومن علائم الظهور خروج ابن الحسن من مكة، وقتل رجل من أولاد فاطمة الزهراء عند جسر الكوفة، وتغير السنن النبوية، وتخريب قبور الأئمة .... الخبر. (3)

ومنها: ما روي بسنده عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي

ص: 219


1- بحار الأنوار للمجلسي، ج52، ص 211.
2- عقائد الإمامية الإثني عشرية للزنجاني، ج 1، ص 250، طبعة مؤسسة الأعلمي في بيروت .
3- نفس المصدر، ص 252.

الباقرعليه السلام ،قال: إذا دار الفلك، وقالوا : مات أو هلك، وبأي واي سلك، وقال الطالب له : أني يكون ذلك وبليت عظامه؟ فعند ذلك فارتجوه.(1)

ومنها: ما ورد في حديث صلي الله عليه وآله معراجه من الحديث القدسي ، يقول الله عز وجل فيه عند ذكره سبحانه لعلي أمير المؤمنين عليه السلام : أخرج من صلبه أحد عشر مهدية ... الخبر. (2)

إلي أن يقول سبحانه وتعالي :

... وآخر رجل منهم يصلي خلفه عيسي بن مريم، يملأ الأرض عدة، كما ملئت ظلم وجورة، أنجي به من الهلكة، وأهدي به من الضلالة، وأبرئ به الأعمي، وأشفي به المريض .

فقلت - يقول رسول الله صلي الله عليه وآله - : إلهي وسيدي متي يكون ذلك؟

فأوحي الله عز وجل : يكون ذلك إذا رفع العلم، وظهر الجهل، وكثر القراء، وقل العمل، وكثر القتل، وقل الفقهاء الهادون، وكثر فقهاء الضلالة والخونة، وكثر الشعراء، واتخذ أمتك قبورهم مساجد، وحليت المصاحف، وزخرفت المساجد، وكثر الجور والفساد، وظهر المكر وأمر أمتك به، ونهي عن المعروف، واكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وصار الأمراء كفرة، وأولياؤهم فجرة، وأعوانهم ظلمة، وذووا الرأي منهم فسقه ... إلي آخر الخبر . (3)

ومنها: روي عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال :

ص: 220


1- الغيبة للنعماني، ص154.
2- (2) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 1، ص 264، وبحار الأنوار للمجلسي، ج13، ص 19، الطبعة الحجرية.
3- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 1، ص 264.

ليس بين قيام القائم وبين قتل النفس الزكية إلا خمس عشرة ليلة. (1)

ومنها: ما روي عنه عليه السلام كذلك قال :

خروج الثلاثة : الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، وليس فيها راية بأهدي من راية اليماني، تهدي إلي الحق. (2)

ومنها: ما روي بسنده عن محمد بن مسلم، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام في جملة خبر يأتي بعضه في النبأ ما قبل الأخير ، وبعد أن سأله محمد بن مسلم بقوله : يا ابن رسول الله متي يخرج قائمكم؟

فقال عليه السلام: إذا تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، واكتفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء، وركبت ذوات الفروج السروج، وقبلت شهادات الزور، وردت شهادات العدل، واستخف الناس بالدماء وارتكاب الزني، وأحل الربا، واتقي الأشرار مخافة ألسنتهم... الخبر. (3)

ومنها: ما روي عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق الا قال : يزجر الناس قبل قيام القائم - عليه السلام - عن معاصيهم بنار تظهر في السماء، وخسف ببغداد، وخسف بلدة البصرة ، ودماء تسفك بها وخراب دورها وفناء يقع في أهلها ، وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار.(4)

ومنها: ما روي عن جابر قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : متي يكون هذا الأمر؟ فقال : أن يكون ذلك يا جابر ولما تكثر القتلي بين الحيرة والكوفة.(5)

أقول: والعلامات في الجملة يمكن أن تقسم - علاوة علي الحتمية

ص: 221


1- الغيبة للطوسي، ص 286.
2- نفس المصدر
3- (3) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 1، ص448.
4- منتخب الأثر للكلبايكاني، ص 442.
5- الغيبة للطوسي، ص286.

وغير الحتمية - يمكن أن تقسم باعتبار ولحاظ آخر إلي علامات تسبق الظهور وأخري تصاحب الظهور وثالثة تلحق الظهور، كما يمكن تقسيمها إلي علامات عامة وأخري خاصة بلحاظ واعتبار ثالث، وتكون العامة التي تتصل بزمان الظهور وغير زمان الظهور، كتلك التي اتفقت في زمان النبوات السابقة أو في مقدمة بعثة نبينا صلي الله عليه وآله أو بعد البعثة أو في عصر الأئمة عليهم السلام قبل مولده - عجل الله فرجه - مما تناولته الأخبار علي أنه من العلامات للظهور وهو مشترك بين زمان الظهور وغيره ، ومن هذه العلامات العامة الفتن والحروب وظهور الجهل والقتل بكثرة، وتولي الفجرة والكفرة، وانتشار المنكرات ونحو ذلك مما يناسب عصر الظهور وغير عصر الظهور، وأما العلامات الخاصة فهي الأكثر وضوحا في اختصاصها بالحجة عجل الله فرجه، ويستدل علي هذا الإختصاص بظواهر الأخبار من خلال القيود الواردة فيها .

ومن جملة العلامات التي ذكرت في الجملة للظهور خروج الرايات السود من خراسان إلي الكوفة، (1)واختلاف أهل الشام بينهم،(2) والفزعة في شهر رمضان(3) وهي نداء من السماء يوقظ النائم ويفزع اليقظان ويخرج الفتاة من خدرها ويسمعه الناس كلهم،(4) وقد فسر القزعة علي أنها هي الصيحة المقصودة في جملة العلامات الحتمية لكن عدم التصريح في أخبار الفزعة بكونها من الحتمية يجعل احتمال كون الصيحة التي ورد التصريح بحتميتها غير الفزعة فتأمل.ومن العلامات نار بالحجاز(5)، وجريان الماء بالنجف،(6) وتعطيل

ص: 222


1- نفس المصدر، ص289.
2- كشف الأسرار للنوري، ص 135.
3- نفس المصدر.
4- كشف الأسرار للنوري، ص135.
5- الزام الناصب للحائري، ج2، ص125.
6- نفس المصدر.

المساجد(1)، وانقطاع الحاج (2)، وطلوع الكوكب المذنب(3)، ويبعث السفياني جيشا إلي الكوفة قوامه سبعون ألفا فيصيبون من أهل الكوفة قتلا وصلبة وسبيا فبينا هم كذلك تقبل رايات خراسان تطوي المنازل طية حثيثة معهم نفر من أصحاب القائم عجل الله فرجه(4)، ويبعث السفياني جيشا في أثر الحجة - عجل الله فرجه - إلي مكة وينزل أمير الجيش البيداء فينادي مناد من السماء : يا بيداء أبيدي القوم، فيخسف بهم، فلا يفلت منهم إلا ثلاثة نفره)، ولعل هذا الخسف هو خسف البيداء الذي ذكر في جملة العلامات الحتمية وإن كان إطلاق ما في أخبار خسف البيداء يسع لهذا ولغيره فتأمل .

وذكروا غير هذه العلامات مما يطول المقام بعرضه، ومما يهون الخطب إمكان طروء البداء في هذه العلامات مما خفف علينا مؤونة استقصائها بتمامها، ومن أراد استقصائها فها هي الموسوعات بالعشرات ، بل بالمئات قد تناولتها وإن كانت أكثر هذه الكتب بحاجة إلي تحقيق بعض مروياتها أكثر فأكثر، والله المؤيد.

ص: 223


1- مشارق أنوار اليقين للبرسي، ص219.
2- نفس المصدر.
3- نفس المصدر .
4- الغيبة للنعماني، ص 152.

النبا الثامن عشر في ذكر اصحابه عجل الله فرجه والتحقيق في ذلك

اشارة

لقد دلت الأخبارالمعتبرة علي أن له - عجل الله فرجه - عددا من الأصحاب يخرجون إليه عند خروجه ، وتواترت في ذلك الأخبار، وسيأتي التحقيق فيه، ودلت بعض الأخبار علي أسماءهم وصفاتهم ومن أي البلاد يخرجون، بل دلت بعضها علي أسماء آباءهم، بل علي صنعة كل واحد منهم، ولكننا لن نتوسع في ذكر هذه التفاصيل ولنذكر ما يسعه المجال في هذه العجالة.

جملة من الأخبار الدالة علي عددهم وأنهم يفتقدون من فرشهم

روي بسنده عن أبي خالد الكابلي، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام ، في جملة خبر ذكر فيه عليه السلام أصحاب الحجة عند خروجه عجل الله فرجه، قال عليه السلام:

... فيكون أول من يبايعه جبرئيل، ثم الثلاثمائة والثلاثة عشر رجلا ، فمن كان ابتلي بالمسير وافاه ، ومن لم يبتل بالمسير فقد عن فراشه وهو قول أمير المؤمنين : هم المفقودون عن فرشهم، وذلك قول الله :

«فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا»(1) ، قال : الخيرات :الولاية، وقال في موضع آخر : «وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَي أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ »(2)

ص: 224


1- سورة البقرة، الآية : 148.
2- سورة هود، الآية :8 .

وهم - والله - أصحاب القائم - عليه السلام - يجتمعون - والله - إليه في ساعة واحدة، فإذا جاء إلي البيداء يخرج إليه جيش السفياني، فيأمر الله الأرض فتأخذ أقدامهم، وهو قوله :«وَلَوْ تَرَي إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ (51) وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ »(1) يعني بالقائم من آل محمد... الخبر.(2)

وروي بسنده عن أبي خالد الكابلي - كذلك - عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، عن أبيه عليه السلام في آية قول الله عز وجل :«فَاسْتَبِقُوا »(3)، قال عليه السلام :الخيرات : الولاية، وقوله تبارك وتعالي : «أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا »(4) يعني أصحاب القائم - عليه السلام - الثلاثمائة والبضعة عشر رجلا، قال عليه السلام : وهم والله الأمة المعدودة ، قال عليه السلام: يجتمعون - والله - في ساعة واحدة قزع كقزع الخريف . (5)

وروي بسنده عن أبي خالد الكابلي - كذلك - عن الإمام أبي محمد علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ،وعن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام أنهما قالا عليه السلام:

الفقداء قوم يفقدون من فرشهم فيصبحون بمكة، وهو قول الله عز وجل : «أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا»(6) وهم أصحاب القائم عليه السلام .(7)

وروي بسنده عن أبي خالد الكابلي - كذلك - عن الإمام أبي محمد علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام قوله : المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة

ص: 225


1- سورةسبأ، الآية: 51، و52.
2- تفسير القمي، ج 2، ص 180، طبعة مؤسسة الأعلمي في بيروت.
3- سورة البقرة، الآية: 148.
4- نفس المصدر.
5- الكافي للكليني، الروضة، ص 313.
6- سورة البقرة، الآية: 148.
7- الغيبة للنعماني،ص168.

وثلاثة عشر رجلا عدة أهل بدر، فيصبحون بمكة، وهو قول الله عز وجل : «أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا»(1)وهم أصحاب القائم عليه السلام .(2)

في جملة من الأخبار الدالة علي جملة من صفاتهم

ومن جملة هذه الأخبار ما روي بسنده عن أبي بصير، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال :

ما كان قول لوط - عليه السلام - لقومه:«أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَي رُكْنٍ شَدِيدٍ »(3)إلا تمنية لقوة القائم عليه السلام، ولا الركن إلا شدة أصحابه ، فإن الرجل منهم ليعطي قوة أربعين رجلا، وإن قلبه لأشد من زبر الحديد، ولو مروا بجبال الحديد لقلعوها، ولا يكفون سيوفهم حتي يرضي الله عز وجل .(4)

ومنها: ما روي بسنده عن صالح بن سعيد، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في قول الله : «قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَي رُكْنٍ شَدِيدٍ »(5)، قال عليه السلام: قوة القائم عليه السلام، والركن الشديد الثلاثمائة وثلاثة عشر أصحابه.(6) وفي خبر بسنده عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال: كأني أنظر إلي القائم وأصحابه في نجف الكوفة، كأن علي رؤوسهم

ص: 226


1- سورة البقرة، الآية : 148.
2- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 2، ص 654.
3- سورة هود، الآية : 80 .
4- (4) كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 2، ص 673، ونظيره في ينابيع المودة للقندوزي، ص424.
5- سورة هود، الآية :80
6- تفسير العياشي، ج 2، ص 156.

الطير ، قد فنيت أزوادهم وخلقت أثوابهم، قد أثر السجود بجباههم، ليوث بالنهار رهبان بالليل، كأن قلوبهم زبر الحديد، يعطي الرجل منهم قوة أربعين رجلا .(1)

في أنهم يبايعونه بين الركن والمقام

روي بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام- في جملة خبر له عليه السلام في علامات الظهور - قال عليه السلام :

فيجمع الله له أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا ، ويجمعهم الله له علي غير ميعاد قزع كقزع الخريف، وهم يا جابر الآية التي ذكرها الله في كتابه : «أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا »(2)،فيبايعونه بين الركن والمقام، ومعه عهدمن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وقد توارثه الأبناء عن الآباء .(3)

في أن بعضهم أفضل من بعض

روي بسنده عن المفضل بن عمر، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في جملة خبر له يذكر فيه أصحاب الحجة - عجل الله فرجه - الثلاثمائة والثلاثة عشر، قال عليه السلام:

... فهم أصحاب الألوية، منهم من يفتقد عن فراشه ليلا فيصبح بمكة، ومنهم يري يسير في السحاب نهارة يعرف بإسمه وإسم أبيه وحليته ونسبه .

ص: 227


1- بحار الأنوار للمجلسي، ج52، ص 386.
2- سورة البقرة، الآية : 168.
3- الغيبة للنعماني، ص 150.

قلت: جعلت فداك أيهم أعظم إيمانا؟

قال عليه السلام: الذي يسير في السحاب نهارة، وهم المفقودون وفيهم نزلت الآية : «أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا»(1)... الخبر.(2)

وروي بسنده إلي أبان بن تغلب، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام- في جملة خبر له عليه السلام يذكر صفات أصحاب الحجة عجل الله فرجه - قال عليه السلام :

... فيحضر القائم - عليه السلام - فيصلي عند مقام إبراهيم - عليه السلام - ركعتين، ثم ينصرف وحواليه أصحابه وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، إن فيهم لمن يسري من فراشه ليلا فيخرج ومعه الحجر فيلقيه فتعشب الأرض ... الخبر.(3)

تحقيق في أصحابه عجل الله فرجه

يظهر من مجموع الأخبار التي استقرأناها . وذكرنا بعضها- أن الثلاثمائة والثلاثة عشر هم أصحابه الخواص عند خروجه عجل الله فرجه ، ويظهر أنهم غير أنصاره من الرجعة، أو أنصاره عموما من الرجعة وغير الرجعة، فالظاهر أن هؤلاء ليس فيهم واحد من أهل الرجعة في القيامة الصغري، وأنهم قادة جيشه، وأنهم غير أصحابه بعد الظهور، وأنهم غير عامة شيعته ومواليه، وأنهم غير أخص مواليه الذين يطلعون علي موضعه - عجل الله فرجه - في زمان الغيبة كما جاءت به الأخبار، وظواهر الأخبار تشعر بخصوصية للثلاثمائة والثلاثة عشر تؤكد ملازمة خروجهم الخروجه - عجل الله فرجه - بوجه يفهم منه أن خروجهم هو من الأحداث

ص: 228


1- سورة البقرة، الآية: 148.
2- الغيبة للنعماني، ص168.
3- دلائل الإمامة للطبري، ص 252.

المستجدة عند الظهور، وهم علي ذلك ليسوا من الغائبين فيحضرون ولا من المجهولين فيعرفون علي ما ورد في وصفهم في الأخبار، فحالهم حال بقية الناس يعيشون بينهم ويتقلبون في أسباب المعاش والحياة كبقية البشر، ولكن الناس يجهلون أنهم من الثلاثمائة والثلاثة عشر، وقد يحتمل خروج جميع مواليه المطلعين علي موضعه وغيبته - عجل الله فرجه - في جملة الأنصار عمومة وجملة الثلاثمائة والثلاثة عشر خصوصأ ، فيكون خروجهم جميعهم بحيث يكون من مات منهم من جملة الراجعين بين أهل الرجعة فيكونون في جملة الأنصار عموما، أو يكون الأموات والأحياء منهم في جملة الأنصار عموما، أو من كان حيا - فقط - عند الظهور من جملة الأنصار عمومة أو من جملة الخارجين من الثلاثمائة والثلاثة عشر خصوصا، وهذا الكلام قد يكون تاما لو قلنا بأن الموالي المطلعون عليموضعه - عجل الله فرجه - في زمان الغيبة يخرجون من جملة الأنصار عموما سواء من يموت منهم قبل الظهور ومن يكون حيا منهم عند الظهور، لكنه لا يكون تامة لو قلنا بأن من يكون حيا منهم يخرجون في جملة الثلاثمائة والثلاثة عشر حيث إن دلالة الأخبار الحاكية عن المطلعين علي موضعه . عجل الله فرجه - في زمان الغيبة يفهم منها أن هؤلاء يكونون من المشهورين المعروفين بدرجة التشرف بلقائه أرواحنا فداه، في حال أن الثلاثمائة والثلاثة عشر يخفي علي الناس حالهم، ولعل هذه السرية في قادة جيشه هي من العوامل الضرورية لنجاح نهضته عجل الله فرجه ، بل لعل هذا هو مما يظهر به بعض جوانب حكمة غيابه عن الأبصار وتواريه عن الأنظار - أرواحنا فداه - بحيث يكون غيابه وتواريه - عجل الله فرجه - عام مساعدة علي نجاح النهضة المهدوية في آخر الزمان، وقد تخفي هذه الحكمة في أول زمان الغيبة بداية ، ولكنها قد تتجلي في آخر مرحلة من مراحل الغيبة بوضوح قبل الظهور وعند الظهور، والسرية هي مما لا شك في أنها من أهم عوامل نجاح النهضات والثورات والحركات في كل زمان، فتأمل .

وقد دلت بعض الأخبار علي أنه يخرج من مكة في جيش قوامه عشرة

ص: 229

آلاف رجل أو أكثر، ففي خبر الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام، قال : ... ثم يخرج من مكة حين يكون في مثل الحلقة عشرة آلاف رجل ...(1)ومن خبر أمير المؤمنين عليه السلام

- الآتي - يظهر أن عدد الذين يخرجون معه له حد أدني وحد أقصي، ويستظهر منه ومن خبر الإمام الباقر عليه السلام أن عدد الخارجين معه من مكة غير عدد من يخرج معه من بقية البلدان، فقد قيد خبر الإمام الباقر عليه السلام خروج العشرة آلاف رجل بأنهم يخرجون من مكة، في حين أطلقت في خبر أميرالمؤمنين عليه السلام عبارة الخارجين بدون قيد من مكة وبينت عددا آخر له حد أدني وأقصي، ففي خبر أمير المؤمنين عليه السلام يقول عليه السلام: يخرج المهدي في اثني عشر ألفا إن قلوا، وخمسة عشر ألفا إن كثروا ... الخبر، (2)وهذا الفهم قد يحل لنا مشكلة التفاوت في عدد من يخرج في الأخبار.

ويظهر أن الذين يخرجون بهذا العدد هم أول أنصاره عجل الله فرجه، وهم أول الخارجين معه عجل الله فرجه، وهم غير من سيجتمعون معه ليملأها عدلا ، ويظهر أنه لا حصر لعدد مجموع أنصاره - عجل الله فرجه - ممن يكونون قبل الرجعة وممن يخرجون في الرجعة، فإنه - في خصوص من يرجعون - وإن دلت الأخبار علي رجوع أفراد معينين ذكروا في أخبار الرجعة بالخصوص لكن دلت أخبار الرجعة من ناحية أخري علي أن كل من يواظب علي دعاء العهد بشرطه وشروطه في زمن الغيبة أربعين صباحا يكتب من أنصاره عجل الله فرجه، فإن مات قبل خروجه - عجل الله فرجه - يخرجه الله عز وجل من قبره في الرجعة ليقاتل بين يديه .

وقد دل خبر المفضل بن عمر المتقدم بوضوح علي أن الثلاثمائة والثلاثة عشر هم أصحاب الألوية، مما يؤكد الفارق جلية بين أصحابه الخواص وأنصاره عموما عجل الله فرجه، ويظهر أن هؤلاء الثلاثمائة

ص: 230


1- بحار الأنوار للمجلسي، ج51، ص 157.
2- لاحم والفتن لابن طاووس، الباب المائة والثلاثين .

والثلاثة عشر كلهم من الرجال، وشذ من ذكر منهم خمسين من النساء (1)،وهو خلاف ظاهر الأخبار جميعا، والدليل علي خلافه واضح من الفقه والسيرة المعصومية، فالنساء ليس عليهن قتال، وجهاد المرأة حسن التبعل، والفقهاء أجازوا قتالها عند فقد الرجال، علي أنه لا مانع من مشاركة النساء في شؤون الحرب الأخري غير القتال وحمل ألوية الحرب مما هو من مهام هؤلاء الثلاثمائة والثلاثة عشر، فلا مانع من أن تشارك النساء في تضميد الجرحي وإسعاف الجند بالغذاء والدواء ونحوه، وقد اتفق بعض ذلك في غزوات النبي صلي الله عليه وآله.

ومن الأدلة التي يقوي بها القول بعدم الحصر لأنصاره - عجل الله فرجه - في الجملة خبر أبي الطفيل عن أمير المؤمنين عليه السلام قال :

إذا قام قائم أهل محمد - صلي الله عليه وآله وسلم - جمع الله له أهل المشرق، وأهل المغرب، فيجتمعون كما يجتمع قزع الخريف، فأما الرفقاء فمن أهل الكوفة، وأما الأبدال فمن أهل الشام. (2)

وهذا لا ينافي الأمة المعدودة في خبر أبي خالد الكابلي المتقدم الذي دل بوضوح علي أن أصحابه الثلاثمائة والثلاثة عشر - عجل الله فرجه - هم الأمة المعدودة ، فقوله : هم الأمة المعدودة، في خبر الكابلي واضح في إرادة الثلاثمائة والثلاثة عشر، وهو واضح في الإخبار عن خواص أصحابه - عجل الله فرجه - عند خروجه أرواحنا فداه، في حين لسان خبر أبي الطفيل هو الإخبار عن الأنصار عمومة أو عن الأصحاب الخواص والأنصار عموما وهو ليس مانعة في ظهوره من هذا الجمع الذي هو أولي من الطرح مهما أمكن، علما بأن إطلاق عبارة الأمة المعدودة علي الأنصار عموما هو

ص: 231


1- الغيبة للنعماني، ص 150، وبحار الأنوار للمجلسي، ج52، ص 223.
2-

مما يمكن أن نقبله من بعض الوجوه وإن لم نستظهره من مجموع الخبرين، فإنه يصح أن يقال في الأصحاب والأنصار عموما : إنهم أمة معدودة وذلك قياسا علي بقية الأمم أو في قبال بقية الأمم، فالأمة التي تخرج لنصرة الحجة - أرواحنا فداه - هي أمة معدودة في مقابل غيرها من أمم العالم، أو في مقابل من سيخرجون عليه بالحرب عجل الله فرجه، وفي القول بشمول خبر أبي الطفيل للأصحاب والأنصار في آن معا علي قاعدة الجمع الذي هو أولي كما تقدمت الإشارة إليه ، نقول : إن دائرة خبر أبي الطفيل تتسع لذلك حيث إن الثلاثمائة والثلاثة عشر هم من أهل المشرق والمغرب كذلك، ودلت الأخبار الأخر علي أنهم يجتمعون كقزع الخريف، وفيهم من أهل الكوفة والشام.

ومن ناحية أخري ورد أن عدد الأبدال سبعون، أربعون في بلاد الشام، وثلاثون في بقية البلاد، وقد سموا بالأبدال لأن الله عز وجل كلما مات منهم واحد يبدله بآخر، ولا تخلو منهم الأرض في كل زمان، ومن الواضح في أخبار الثلاثمائة والثلاثة عشر كون أبدال الشام من جملة الثلاثمائة والثلاثة عشر، وقد صرح به حديث رسول الله صلي الله عليه وآله الوارد في المديح والثناء والبيان لبعض خصوصيات أصحابه الثلاثمائة والثلاثة عشر عجل الله فرجه، ففي حديث رسول الله صلي الله عليه وآله قال :

يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف رجل عدة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام، والأخبار من أهل العراق.(1)

ومن أخبار أنصاره - عجل الله فرجه - كذا ورد المديح لأهل طالقان - من بلاد إيران - الشأن من يخرج منها من أنصار الحجة عجل الله فرجه ، فقد روي عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : (2)

ص: 232


1- بحار الأنوار للمجلسي، ج52، ص 339، وكشف الغمة في معرفة الأئمة عليهم السلام للأربلي، ج3، ص 229، والغيبة للطوسي، ص 286، وبشارة الإسلام للكاظمي، ص 206.
2- بحار الأنوار للمجلسي، ج52، ص 334، وكشف الغمة في معرفة الأئمة عليهم السلام للأربلي، ج3، ص 229، والغيبة للطوسي، ص 284، وبشارة الإسلام للكاظمي، ص 204.

ويحا لطالقان! فإن لله فيها كنوزا ليست من ذهب ولا فضة، ولكن بها رجال عرفوا الله حق معرفته، وهم أنصار المهدي في آخر الزمان.(1)

وجاء في بعض الأخبار أن من جملة المبايعين له بعد الرجعة أصحاب الكهف، حيث تكون بيعتهم له - عجل الله فرجه - عند بلوغه محلة عكا حيث كان الكهف وأصحاب الكهف، وورد في بعض الأخبار أن أصحاب الكهف يكونون من وزراء الحجة عجل الله فرجه، وورد أنهم لا يتكلمون إلا العربية (2)، وورد أنهم يبايعونه - عجل الله فرجه - هم وخمسة عشر من قوم نبي الله موسي الكليم عليه السلام من الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون (3)، كما سيأتي في أخبار الرجعة.

وقد ورد أن بعض الذين يخرجون معه من أصحاب البشرة السوداء وهذه بشارة للعبيد وللذين يعانون من التمييز العنصري، خصوصا في أميركا وأوروبا وأفريقيا، فقد روي بسنده عن أبي الربيع الشامي، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال عليه السلام للشامي:

لا تشر من السودان أحدة ... إلي أن قال عليه السلام :

وسيخرج مع القائم منا عصابة منه ... الخبر.(4)

وروي أن أصحابه - عجل الله فرجه - يبتلون كما ابتلي أصحاب طالوت، فقد روي بسنده إلي أبي بصير، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، قال : إن أصحاب طالوت ابتلوا بالنهر الذي قال الله تعالي: « قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ»(5)، وإن أصحاب القائم يبتلون

بمثل ذلك .(6)

ص: 233


1- بحار الأنوار للمجلسي، ج51، ص 87، والحاوي للفتاوي، ج 2، ص 161.
2- السيرة الحلبية، ج 1، ص 22 .
3- الإرشاد للمفيد، ص 344.
4- عيون أخبار الرضاعليه السلام للصدوق، ص 101.
5- سورة البقرة الآية : 249.
6- الغيبة للنعماني، ص 316.

النبأ التاسع عشر في بيان بعض ما يجري بعد ظهوره عجل الله فرجه وفيه خطبته عند الظهور وبيان معني الرجعة عند الإمامية

اشارة

لقد وردت أخبار كثيرة تظهر ما يصل إليه الناس من الرخاء والنعمة بعد ظهوره عجل الله فرجه، وذلك مقتضي أن تمتلأ الأرض بالعدل والقسط

فقد روي بسنده عن ابن مسكان قال : سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول:

إن المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليري أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يري أخاه الذي في المشرق. (1)

وروي بسنده عن أبي الربيع الشامي ، قال : سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول : إن قائمنا إذا قام مد الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتي لا يكون بينهم وبين القائم بريد، يكلمهم فيسمعون، وينظرون إليه وهو في مكانه .(2)

أقول: وتقرب إلي الأذهان وسائل الإتصالات والتلفزة الفضائية المعاصرة عبر الأقمار الصناعية، تقرب ما في هذين الخبرين، وإن كان كون ذلك بالمعجز أوجه وأكثر انسجاما مع روح مثل هذه الأخبار.

ص: 234


1- بحار الأنوار للمجلسي، ج52، ص 391، وحق اليقين للسيد شبر، ج1، ص 314، ومنتخب الأثر للكلبايكاني، ب 12، ص483.
2- الكافي للكليني، الروضة، ص201، وبحار الأنوار للمجلسي، ج 52، ص 336.

وروي بسنده عن محمد بن مسلم، قال : سمعت أبا جعفر - عليه السلام - يقول:

القائم منصور بالرعب، مؤيد بالنصر، تطوي له الأرض، وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر الله عز وجل به دينه ولو گره المشركون.(1)

وروي بسنده عن أبي بكير قال : سألت أبا الحسن - عليه السلام - عن قوله :«وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا »(2)،قال عليه السلام:

أنزلت في القائم إذا خرج باليهود والنصاري والصابئين والزنادقة وأهل الردةوالكفار في شرق الأرض وغربها فعرض عليهم الإسلام فمن أسلم طوعا أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب لله عليه، ومن لم يسلم ضرب عنقه.

قلت : جعلت فداك، إن الخلق أكثر من ذلك .

فقال عليه السلام:

إن الله إذا أراد أمرة قلل الكثير، وكثر القليل .(3)

وروي بسنده عن أبي المقدام عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تعالي : «لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ »(4) قال عليه السلام : لا يبقي أحد إلا أقر بمحمده.(5)

وروي بسنده عن حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلي الله عليه وآله - في جملة حديث له سبقت الإشارة إليه في الأنباء - يقول صلي الله عليه وآله :

ص: 235


1- بحار الأنوار للمجلسي، ج52، ص 191.
2- سورة آل عمران، الآية : 83.
3- بحارالأنوار للمجلسي، ج52، ص 471.
4- سورة براءة ، الآية : 33.
5- بحار الأنوار للمجلسي، ج 52، ص 346.

فلا يبقي علي وجه الأرض إلا من يقول : لا إله إلا الله.(1)

وروي بسنده عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلي الله عليه وآله ، قال :

يخرج المهدي في أمتي يبعثه الله غياثة للناس، تنعم الأمة، وتعيش الماشية، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحا. (2)

وروي بسنده عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال :

إذا قام وضع يده علي رؤوس العباد فجمع بها عقولهم، وأكمل بها احلامهم.(3)

وروي بسنده عن حمران بن أعين، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام - كذلك -قال:

وتؤتون الحكمة في زمانه، حتي أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالي وسنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.(4)

وروي بسنده عن محمد بن عجلان، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، قال :

إذا قام القائم دعا الناس إلي الإسلام جديدة ، وهداهم إلي أمر قد ثر، فضل عنه الجمهور، وإنما سمي القائم مهدية لأنه يهدي إلي أمر مضلول عنه ، وسمي القائم لقيامه بالحق .(5)

وروي بسنده عن الحسين بن خالد، عن الإمام أبي الحسن علي بن موسي الرضا عليه السلام، قال عليه السلام:

ص: 236


1- قلائد الدرر للسلمي، ص 95، وص 134.
2- نفس المصدر، ص 228.
3- بحارالأنوار للمجلسي، ج52، ص 336، وص 338.
4- الغيبة للنعماني، ص 126.
5- الإرشاد للمفيد، ص 411.

فإذا خرج أشرقت الأرض بنور ربها، ووضع ميزان العدل بين الناس، فلا يظلم أحد أحدا.(1)

وروي بسنده عن أبي هاشم الجعفري قال : كنت عند أبي محمد - عليه السلام - يقصد الإمام أبا محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام فقال عليه السلام:

إذا قام القائم أمر بهدم المنائر والمقاصير التي في المساجد.

قلت في نفسي : لأي معني هذا؟

فأقبل علي، فقال : معني هذا أنها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي ولا حجة.(2)

وروي بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام ،قال:

إذا قام قائم آل محمد ضرب فساطيط لمن يعلم القرآن علي ما أنزل الله تعالي .(3)

وروي بسنده عن جعفر بن يحيي، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، قال:

كيف أنتم لو ضرب أصحاب القائم الفساطيط في مسجد كوفان ... الخبر.(4)

وروي أنه - عجل الله فرجه . يبني في الغري مسجدة له ألف باب (5)، ويبني في الحيرة مسجدة له خمسمائة باب يصلي فيه

ص: 237


1- الغيبة للنعماني، ص 128، وص126، وبحار الأنوار للمجلسي، ج 52، ص 322.
2- بحار الأنوار للمجلسي، ج52، ص 323.
3- نفس المصدر، ج52، ص 325.
4- نفس المصدر، ج 2، ص 365.
5- الإرشاد للمفيد، ص 409، والغيبة للطوسي، ص281،وبحار الأنوارللمجلسي، ج52، ص 330، وص 331.

نوابه(1)، وروي أن طعامه الشعير والجشب، ولباسه الغليط .(2)

وعن أمير المؤمنين عليه السلام - في جملة خبر له يبين أحوال ظهوره عجلالله فرجه .. يقول عليه السلام:

... ويذهب الزنا وشرب الخمر، ويقبل الناس علي العبادات والشرع والديانة والصلاة في الجماعات، وتطول الأعمار، وتؤدي الأمانات، وتضاعف البركات، وتهلك الأشرار، وتبقي الأخيار، ولا يبقي من يبغض أهل البيت عليهم السلام... الخبر.(3)

وعن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام يصف إقامته - عجل الله فرجه - للحدود، يقول عليه السلام في جملة خبر له :

... الزاني المحض يرجمه ، ومانع الزكاة يضرب عنقه ... الخبر.(4)

أقول: قد يستظهر من هذا الخبر أنه ناظر إلي عالم ما قبل إقامته الدولته عجل الله فرجه، وأن الخبر الذي قبله ناظر إلي زمان دولته، حيث في هذا نص علي رجمه للزاني، وفي الذي قبله نص علي ذهاب الزني، فهذا الإستظهار يرفع التناقض، علي أنه لا يعني أن الناس يصبحون معصومين في دولته عجل الله فرجه، فيمكن أن يحمل حديث رجم الزاني ونحوه علي عصر وزمان دولته فيكون حديث ذهاب الزني في دولته - عجل الله فرجه - ناظر إلي الحال الأعم الأغلب، والله العالم .

وروي بسنده عن عبد الله بن أبي يعفور، قال : قال أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام:

ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء إلا يظهر الله تبارك

ص: 238


1- بحار الأنوار للمجلسي، ج52، ص 376.
2- نفس المصدر، ص 355.
3- منتخب الأثر للكلبايكاني، ص 474.
4- بحار الأنوار للمجلسي، ج52، ص 325.

وتعالي مثلها علي يد قائمنا لإتمام الحجة علي الأعداء.(1)

وعن رسول الله صلي الله عليه وآله أنه قال :

يكون في أمتي المهدي، إن طال عمره أو قصر، ملك سبع سنين، أو ثمان سنين، أو تسع سنين .(2)

وروي أبو العباس بن الماهيار في كتابه «تأويل الآيات الظاهرة في العترة الطاهرة»روي بسنده إلي عبد الله بن بكر، مرفوعة إلي الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام في قوله تعالي : «إِذَا تُتْلَي عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ »(3)، قال عليه السلام : يعني يكذب بالقائم إذ يقول له : لسنا زمرفك، ولست من ولد فاطمة، كما قال المشركون لمحمد صلي الله عليه وآله وسلم.

وروي بسنده عن أبان بن تغلب ، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، قال :

إن أول من يبايع القائم جبرئيل عليه السلام، ينزل في صورة طير أبيض فيبايعه ثم يضع رجلا علي بيت الله الحرام ورج" علي بيت المقدس، ثم ينادي بصوت ذلق طلق (4)تسمعه الخلائق : «أَتَي أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ »(5)... الخبر. (6)»

وروي بسنده عن عبد الرحمان بن كثير، عن الإمام أبي عبد الله جعفر ابن محمد الصادق عليه السلام - في جملة خبر له يذكره عجل الله فرجه - قال عليه السلام :

ص: 239


1- كشف الحق ونهج الصدق للعلامة الحلي، ص 67.
2- الحاوي للفتاوي، ج 2، ص 157،
3- سورةالمطففين، الآية : 13.
4- قوله عليه السلام : ذلق طلق معناه بليغ فصيح كما في مجمع البحرين للطريحي .
5- سورة النحل، الآية: 1.
6- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج 2، ص 671.ج2،ص254.

... يؤيده بثلاثة أجناء: الملائكة، وبالمؤمنين، وبالرعب، وخروجه كخروج رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم... الخبر.(1)

وروي بسنده عن معاذ بن كثير، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام- في جملة خبر له - يقول عليه السلام:

فإذا قام قائمنا حرم علي كل ذي كنز كنزه حتي يأتيه به فيستعين به علي عدوه... الخبر.(2)

وورد عن الإمام أبي محمد الحسن بن علي المجتبي عليه السلام قال فيه عجل الله فرجه :

أسعد الناس به أهل الكوفة ... الخبر.(3)

وورد عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام- قال فيه عجل الله فرجه :

يرفع المذاهب فلا يبقي إلا الدين الخالص... الخبر.(4)

وعنه عليه السلام في ذكره لموضعه - عجل الله فرجه - بعد الظهور - يقول عليه السلام :

دار ملكه الكوفة، ومجلس حكمه جامعها، وبيت سكنه و بيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة ... الخبر.(5)

وعنه عليه السلام قال :

ص: 240


1- الغيبة للنعماني، ص 128.
2- تفسير العياشي، ج 2، ص 87.
3- كشف الغمة في معرفة الأئمة ليللأربلي ج3، ص 274 و ص 273، وصحيح مسلم، ج8، ص 197، وص 198، وص 260، والبداية والنهاية ، ج9، ص155 ، وص 156، والبرهان في تفسير القرآن للبحراني، ج 2، ص 406.
4- ينابيع المودة للقندوزي، ج 3، ص 62، والمهدي - عجل الله فرجه - للصدر، ص229.
5- الكافي للكليني، ج 4، ص 576.

كأني أري نزول القائم في مسجد السهلة بأهليه وعياله ... الخبر .(1)

وعنه عليه السلام في ذكره لزمان القيامة من حين شهادته - عجل الله فرجه - يقول عليه السلام:

بين وفاة القائم وبين القيامة أربعون يوما .(2)

وفي الدلالة علي شهادته - عجل الله فرجه - يقول عليه السلام :

فإذا تم الأمر أتي الحجة الموت، فقتلته امرأة من بني تميم... الخبر .(3)

وفي بيان الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام السنوات ملكه - عجل الله فرجه - يقول عليه السلام :

يمكث علي ذلك سبع سنين، تطول له الأيام والليالي حتي تكون السنة من سنه عشر سنين من سنيكم هذه، فيكون سن ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه، ثم يفعل الله مايشاء.(4)

أقول: لقد ورد تفاوت كبير في أخبار أهل البيت عليهم السلام الدالة علي سنوات ملكه عجل الله فرجه، ولعل سبب ذلك - إن صحت كل الأخبار بمجموعها - لعلسببه في بعضها هو إمكان طروء البداء لمدة ملكه عجل الله فرجه بحسب ما يستفاد من قيد خبر الإمام الباقر عليه السلام في قوله عليه السلام في ذيل الخبر : ... ثم يفعل الله ما يشاء، وطروء البداء في علامات ما بعد

ص: 241


1- بحار الأنوار للمجلسي، ج 52، ص 317، وص 376، وص381، وبشارة الإسلام للكاظمي، ص 257.
2- الإرشاد للمفيد، ص 345، وينابيع المودة للقندوزي، ج 3، ص 62.
3- إلزام الناصب للحائري، ص 190.
4- الإرشاد للمفيد، ص 342وص344، وبحار الأنوار للمجلسي، ج 52، ص 337 وص 386، والمهدي - عجل الله فرجه - للصدر ص 198 وص 234، والمحجة البيضاء للكاشاني، ج 4، ص 337.

الظهور ليس عامة بل يقتصر فيه علي ما دل الدليل عليه وإلا ضاعت ثوابت عالم ما بعد الظهور بالقول بطروء البداء لها بنحو مطلق دون الإلزام بالنص علي ذلك، وموردنا هو من الموارد المنصوصة كما هو واضح، ويظهر أن الشهرة علي كون سني ملكه - عجل الله فرجه - سبع سنين كما في خبر الإمام الباقرعليه السلام ، وكما في أحد التقديرات الثلاثة في حديث النبي صلي الله عليه وآله الذي تقدم في هذا النبأ .

خطبته عند ظهوره عجل الله فرجه

روي بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام ، في جملة خبر له قال عليه السلام:

ثم يظهر المهدي بمكة عند العشاء ومعه راية رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وقميصه وسيفه رعلامات ونور وبيان، فإذا صلي العشاء نادي بأعلي صوته يقول:

أذكركم الله، أيها الناس، ومقامكم بين يدي ربكم وقد أكد الحجة، وبعث الأنبياء، وأنزل الكتاب، يأمركم أن لا تشركوا به شيئا، وأن تحافظوا علي طاعته وطاعة رسوله صلي الله عليه وآله وسلم، وأن تحيوا ما أحيا القرآن ، وتميتوا ما أمات، وتكونوا أعوانة علي الهدي، ووزراء علي التقوي ، فإن الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها، وآذنت بالوداع، وإني أدعوكم إلي الله والرسول والعمل بكتابه، وإماتة الباطل، وإحياء السنة.(1)

وفي خبر آخر يقول - عجل الله فرجه - بعد ظهوره في مكة، وإسناد ظهره إلي بيت الله الحرام مستجيرة، يقول منادية :

ص: 242


1- (1) الملاحم والفتن لابن طاووس،ص51، الطبعة الثالثة، المطبعة الحيدرية في ص النجف الأشرف.

أيه، الناس إنا نستنصر الله ومن أجابنا ، فإنا أهل بيت نبيكم محمد، ونحن أولي الناس بالله ومحمد صلي الله عليه وآله وسلم، فمن حاجني في آدم فأنا أولي الناس بآدم، ومن حاجني في نوح فأنا أولي الناس بنوح، ومن حاجني في إبراهيم فأنا أولي الناس بإبراهيم، ومن حاجني في محمد فأنا أولي الناس بمحمد، ومن حاجني في النبيين فأنا أولي الناس بالنبيين ... الخبر.(1)

إلي أن يقول عجل الله فرجه :

أليس الله يقول في محكم كتابه : «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَي آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَي الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ».(2)

فأنا بقية من آدم، وذخيرة من نوح، ومصطفي من إبراهيم، وصفوة من محمد صلي الله عليه وآله وسلم.

ألا ومن حاجني في كتاب الله فأنا أولي الناس بكتاب الله، ألا ومن حاجني في سنة رسول الله - صلي الله عليه وآله وسلم - فأنا أولي الن رسول الله ... الخبر.(3)

جملة من أخبار الرجعة

صرحت أخبار عديدة برجعة جماعة من الأخبار عند ظهوره عجل الله فرجه، فقد روي عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، قال عليه السلام:

يخرج للقائم من ظهر الكعبة سبعة وعشرون رجلا ، خمسة عشر من قوم موسي الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أصحاب الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان، وأبو دجانة الأنصاري، والمقداد بن

ص: 243


1- الغيبة للنعماني، ص150.
2- سورة آل عمران، الآية : 33 و 34.
3- الغيبة للنعماني، ص150.

الأسود، ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصارا وحكاما .(1)

وروي بسنده عن المفضل بن عمر، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، قال عليه السلام، :

إذا قام قائم آل محمد استخرج من ظهر الكعبة سبعة وعشرين رجلا ، خمسة عشر من قوم موسي الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أصحاب الكهف، ويوشع وصي موسي، ومؤمن آل فرعون، وسلمان الفارسي، وأبادجانة الأنصاري، ومالك الأشتر.(2)

وصرحت الأخبار بأن الإمام أبا عبد الله الحسين بن علي الشهيد عليه السلام يرجع عند وفاته - عجل الله فرجه - ليغسله ويكفنه ويحنطه، ويبلغه حفرته، ويلحده. (3)

أقول: هذه شمة من أخبار ما يجري بعد ظهوره عجل الله فرجه، وإن كان عرض كل ما ورد في هذا المجال يضيق به المورد، ونكتفي بهذا المقدار الذي حوي جوامع الكلم والأخبار، ثم إن الذين يرجعون في الرجعة ليسوا منحصرين بمن تقدم في أخبار الرجعة المذكورة، فقد دلت أخبار كثيرة - مما لم يذكر - علي رجوع غير هؤلاء، ولسنا في صدد التعرض لكل تلك الأخبار(4)، ولكنه من تمامية هذا النبأ أن نتعرض المزيد من الأدلة علي عقيدة الرجعة علاوة علي ما قدمناه من أخبارها ، علما بأن هذه العقيدة هي من مختصات عقائد الشيعة الإمامية الإثني عشرية حيث

ص: 244


1- روضة الواعظين للنيسابوري، ص 228.
2- تفسير العياشي، ج 2، ص 32.
3- الإيقاظ من الهجعة للحر العاملي، ص 310، وص 368.
4- نقلت أكثر هذه الأخبار في كتاب الرجعة للمحدث الشيخ ميرزا محمد مؤمن بن دوست محمد الحسيني الأسترابادي الشهيد بمكة سنة ألف وثمان وثمانين هجرية قمرية، ولكن أكثرها بحاجة إلي ملاحظة الأسانيد وإلي التحقيق في متونها وهذا يخرجنا عن حد هذا النبا علما بأن عقيدة الرجعة أشبعت بحثا في جميع كتبنا العقائدية .

أنكرها غيرهم من أبناء الفرق، وسنأتي علي موجز لبيان المزيد من أدلتها - سيما القرآنية - في الآتي إن شاء الله تعالي .

معني الرجعة عند الإمامية

دلت الأدلة القرآنية والحديثية والروائية المعتبرة علي ثبوت الإعتقاد بعقيدة الرجعة التي سميت في بعض كلمات المتكلمين من علماء الإمامية بالقيامة الصغري، كما سميت في كلمات الفلاسفة من علماء الإمامية بالحشر الجزئي، وسميت في الأحاديث والروايات بالرجعة وبالكرة.

وذكر الشيخ المفيد - أعلي الله مقامه - قوله :

الرجعة عندنا تختص بمن ممض الإيمان ومحض الكفر، دون ما سوي هذين الفريقين، فإذا أراد الله تعالي علي ما ذكرناه أوهم الشيطان أعداء الله عز وجل إنما ردوا إلي الدنيا لطغيانهم علي الله، فيزدادوا عتواي فينتقم الله تعالي منهم بأوليائه المؤمنين، ويجعل لهم الكرة عليهم، فلا يبقي منهم أحد إلا وهو مغموم بالعذاب والنقمة والعقاب، وتصفو الأرض من الطغاة، ويكون الدين الله تعالي ... إلي آخر كلامه . (1)

أقول: وقد يناقش في بعض تفاصيل بقية كلامه لذلك أعرضنا عن ذكر كلامه بتمامه، واكتفينا منه بموضع الشاهد، والخلاف الإجتهادي في الجملة واقع عند بعض علماء الإمامية في بعض تفاصيل عقيدة الرجعة من حيث من هم الذين يرجعون؟ ولكن الإجماعات المحصلة والمنقولة منعقدة عند الكل علي ثبوت أصل الإعتقاد بالرجعة فيما بينهم أيدهم الله وأعلي كلمتهم.

ويقول المحدث الأكبر الشيخ محمد الحر العاملي - أعلي الله مقامه - عند تعرضه لأدلة الرجعة، يقول:

ص: 245


1- المسائل السروية للمفيد، ص 35، ضمن موسوعة سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد، ج 7، طبعة دار المفيد الثانية في بيروت.

مما يدل علي ذلك كثرة المصنفين الذين رووا أحاديث الرجعة في مصنفات خاصة بها أو شاملة لها ، وقد عرفت من أسماء الكتب التي نقلنا منها ما يزيد علي سبعين كتابا، قد صنفها عظماء علماء الإمامية، كثقة الإسلام الكليني، ورئيس المحدثين ابن بابويه، ورئيس الطائفة أبي جعفر الطوسي، والسيد المرتضي، والنجاشي، والكشي، والعياشي، وعلي بن إبراهيم ، وسليم الهلالي، والشيخ المفيد، والكراجكي، والنعماني، والصفار، وسعد ابن عبد الله ، وابن قولويه، وعلي بن عبد الحميد، و...، فقد صرحوا بصحة الرجعة ونقلوا أحاديثها ...، وقد نقل جماعة منهم الإجماع علي ذلك ، ولم يظهر مخالف .(1)

أقول: ويتلخص معني الرجعة عند الإمامية بالقول برجعة بعض المؤمنين إلي الدنيا بعد الموت وذلك عند ظهور الحجة - أرواحنا فداه - وقيام دولته في آخر الزمان، فيري الذين يرجعون دولة الحق، ويفرحوا بها ، وينتقم الله عز وجل لهم من أعدائهم بسيف الحجة عجل الله فرجه .

وقال بعض علماء الإمامية برجوع بعض أنبياء الله وبعض رسله ن ، وقد يستدل علي ذلك بآية قوله تعالي :«إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ»(2)،فقد دلت هذه الآية في ظهورها علي أن نصرة الله عز وجل لرسله وللذين آمنوا إنما هي معدة لهم في الحياة الدنيا مع أن أكثر رسل الله وأكثر المؤمنين - إن لم نقل كل رسل الله - خرجوا من الدنيا مظلومينمقهورين مضطهدين معذبين، فمتي تكون النصرة التي وعد الله بها لهؤلاء في الحياة الدنيا ؟ إذا لا بد من أن يفي الله سبحانه بوعده في نصر هؤلاء في الحياة الدنيا ، وقد يقال : إنما يكون ذلك عند رجوعهم في الرجعة عند ظهور الحجة - عجل الله فرجه - في آخر الزمان وهذا الفهم

ص: 246


1- الإيقاظ من الهجعة للحر العاملي، ص 45.
2- سورة غافر، الآية: 51.

للآية يتسع ليشمل لزوم رجوع جميع الذين ظلموا ولم ينصرهم الله عز وجل في الحياة الدنيا من رسل الله صلي الله عليه وآله ومن المؤمنين عموما ، إلا أن يقال بأن انتصار الله عز وجل لهم بسيف الحجة - عجل الله فرجه - لا يلزمه رجوعهم جميعا، وحتي لا يلزمه رجوع بعضهم، فانتصار الله عز وجل لهم في الحياة الدنيا بسيف الحجة - عجل الله فرجه - كما يتحقق عند رجوعهم وبرجوعهم إلي الحياة الدنيا كذا يتحقق في الحياة الدنيا بسيفه - عجل الله فرجه - بدون رجوعهم، لكل هذا فنحن في عقيدة الرجعة نقتصر فيها علي القول برجعة ما دلت النصوص المعتبرة علي رجوعه وهو القدر المتيقن المخصص للعمومات المستفادة من بقية الأدلة ، وقد ورد بأنه يرجع مع الإمام الحسين عليه السلام سبعون نبيا من أنبياء الله عليهم السلام ، فهؤلاء السبعون من الأنبياء عليهم السلام ممن ورد فيهم النص، لكن رجوعهم مع الإمام الحسين عليه السلام يحول دون القول بأنهم يرجعون لكي ينتصر الله عز وجل لهم في الحياة الدنيا حيث أن النصرة المعدة للأنبياء عليهم السلام فرض الكلام أنها تكون بسيف الحجة عجل الله فرجه، ومعلوم أن خروج الإمام الحسين قال إنما يكون بعد شهادة الحجة - عجل الله فرجه - وذلك لكييقوم الإمام الحسين عليه السلام بتجهيزه والصلاة عليه علي ما ورد في الأخبار المعتبرة، وعليه فلا يدخل مثل هذا النص في جملة المخصصات لعموم الآية الأخيرة، بل يكون رجوع هؤلاء الأنبياء عليهم السلام مع الإمام الحسين عليه السلام داخل تحت عنوان الرجعة بوجه العموم لا علي أساس الرجعة لينتصر الله عز وجل لهم بسيف الحجة أرواحنا فداه .

جملة من الآيات الدالة علي الرجعة

إستدل علماء الإمامية علي عقيدة الرجعة بجملة من الآيات المستفادة دلالتها من جملة من أخبار الرجعة الواردة عن أهل البيت عليهم السلام عموما تعرض لها بتمامها المحدث الأسترآبادي في كتابه الرجعة وقد ذكرنا كتابه في هوامش كتابنا هذا مرارة .

ص: 247

ومن جملة الآيات الدالة علي الرجعة قوله تعالي : «وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ».(1)

وهذه الآية يمكن الإستدلال بها من ظهورها علي رجوع من ليسوا من أمة محمد صلي الله عليه وآله، فظهور قوله تعالي : ومن كل أو يسع لشمول الآية لكل من سيرجعون من الأمم السالفة، كما يسع لشمولها لبعض من هم من أمة محمد صلي الله عليه وآله.

ثم إن وجه الإستدلال بالآية علي الرجعة هو كلمة : «ومن »التبعيضية، فإن من التبعيضية تدل علي الحشر الجزئي ولا تدل علي الحشر الكلي، بمعني أنها تدل علي القيامة الصغري لا القيامة الكبري حيث أن الحشر في القيامة الكبري لا يكون جزئية بل يكون كلية، فلا يحشر في القيامة الكبري بعض الناس، أي لا يحشر فوج من كل أمة، بل يحشر كل الناس، أي تحشر كل الأمم،والله تعالي يقول في حشر القيامة الكبري : «وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا »(2)، فحشر القيامة الكبري لكل الناس لا يستثني منهم أحد، في حين أن الآية التي سبقت - في دلالة أداة التبعيض فيها - تدل علي حشر ثلة من الناس من كل أمة بمعني أن هناك من يستثني من هذا الحشر فلا تدل علي القيامة الكبري، وعليه انسجاما مع أخبار الرجعة فإن دلالة هذه الآية علي القيامة الصغري هي من الأمور الواضحات.

ومن الآيات التي استدل بها علي الرجعة قوله تعالي :«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَي لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ »(3)

ص: 248


1- سورة النمل، الآية : 83.
2- سورة الكهف، الآية : 47.
3- سورة النور، الآية : 55.

ومنها: قوله تعالي :«وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ».(1)

ومنها: قوله تعالي :«إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْه»(2)

إلي غير ذلك من الآيات، وقد تعرض المتكلمون لوجه الإستدلال بها علي معني الرجعة ، كما تعرضوا لجملة من الآيات في القرآن كشواهد عليإمكانية الرجعة الإصطلاحية المبحوث عنها هنا من خلال القصص القرآنية التي صرحت باتفاق الرجعة إلي الحياة الدنيا لبعض من اختصهم الله عز وجل بالكرامة والمعجزة، وذلك شاهد علي حصول الرجعة في غير زمان ظهور الحجة عجل الله فرجه، ودليل واضح في القرآن علي إمكانية الرجعة في زمان الظهور .

ومن جملة هذه القصص القرآنية قصة أصحاب الكهف وغيرها، ومن أراد التوسع في معرفة مثل هذه القصص القرآنية فليرجع إلي التفاسير والكتب المختصة.

ومن أهم الأخبار وأشهرها مما صرح فيه أئمة أهل البيت عليهم السلام بكون الرجعة من الضروريات الإعتقادية للموالين للعترة عليهم السلام بعد رسول الله صلي الله عليه وآله، من أهم هذه الأخبار وأشهرها خبر الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، يقول عليه السلام:

ليس منا من لم يقل بمتعتنا، ويؤمن برجعتنا .(3)

ص: 249


1- سورة القصص، الآية: 5 و6.
2- سورة غافر، الآية: 51.
3- من لا يحضره الفقيه للصدوق، ج 3، ص 458، ح 4583، وتفصيل وسائل الشيعة إلي مسائل الشريعة للحر العاملي، ج 14، ص 438، ج 10، والإيقاظ من الهجعة للحر العاملي، ص 300، ح 1، وبحار الأنوار للمجلسي، ج 53، ص 92، ح 101، ومستدرك الوسائل للنوري، ج 14، ص 451، ح 14.

وقد نقل هذا الخبر نصة في أكثر من مصدر، كما نقل مضمونة وبإضافة بعض القيود فيه أحيانا، نقل في أكثر من مصدر كذلك، سيما ما رواه المحدثالخبير الشيخ عباس القمي - أعلي الله مقامه - في كتابه الشهير سفينة البحار.

ص: 250

النبأ الأخير في تكذيب الوقاتين والحث علي انتظار الفرج وفيه تحقيق في معني التوقيت

جملة من أخبار تكذيب الوقاتين

اشارة

أكدت أخبار أهل البيت عليهم السلام علي تكذيب الوقا تين، كما مدحت أخبار أخر المنتظرين لفرجه عجل الله فرجه، ونحن سنعرض لجملة من هذه الأخبار ونعالج ما أمكننا ووسعنا منها في هذه العجالة .

فمن جملة أخبار تكذيب التوقيت ما روي بسنده عن أبي بصير، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، قال أبو بصير : قلت له : جعلت فداك متي خروج القائم عليه السلام؟

فقال عليه السلام: يا أبا محمد، إنا أهل البيت لا نوقت، وقد قال محمد صلي الله عليه وآله وسلم: كذب الوقاتون. (1)

ومنها: ما روي بسنده عن محمد بن مسلم، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، قال محمد بن مسلم : قال أبو عبد الله عليه السلام:

يا محمد، من أخبرك عنا توقيت فلا تهب أن تكذبه ، فإنا لا نوقت الأحد وقتا .(2)

ومنها: ما روي بسنده عن عبد الله بن سنان، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال :

ص: 251


1- الغيبة للنعماني، ص 156.
2- نفس المصدر، ص 155.

أبي الله إلا أن يخلف وقت الموقتين.(1)

ومنها: ما روي بسنده عن الفضيل بن يسار، عن الإمام أبي جعفرمحمد بن الباقر عليه السلام ، قال الفضيل بن يسار : قلت إن لهذا الأمر وقتا؟

فقال عليه السلام: كذب الوقاتون، كذب الوقاتون، إن موسي لما خرج وافدة إلي ربه واعدهم ثلاثين يوما ، فلما زاده الله علي الثلاثين عشرة ، قال قومه :

قد أخلفنا موسي، فصنعوا ما صنعوا ... الخبر.(2)

وورد في توقيعه - عجل الله فرجه - إلي إسحاق بن يعقوب بواسطة ثاني سفرائه في الغيبة الصغري أبي جعفر محمد بن عثمان العمري، قال : وأما ظهور الفرج فإنه إلي الله وكذب الوقاتون.(3)

تحقيق في معني التوقيت

فيما قدمنا ذكرنا شمة من الأخبار المكذبة للموقتين لخروجه عجل الله فرجه، وقد يقال بأن هناك فرق بين أن يكون التوقيت منه - عجل الله فرجه - كما لو شاهده بعض خواص أوليائه وأحبره - عجل الله فرجه - بوقت ما لخروجه، علي ما ستثبت من إمكان المشاهدة له - عجل الله فرجه - في الخاتمة، قد يقال هناك فرق بأن يكون التوقيت منه - أرواحنا فداه - وبين أن يكون التوقيت من غيره من الذين ليسوا من أهل البيت عليهم السلام ، فقد يقال ذلك فيكون توقيته - عجل الله فرجه - هو الحجة ، وتوقيت غيره - ممن ليسوا من أهل البيت عليهم السلام - هو التوقيت المأمور بتكذيبه في أخبارهم عليهم السلام، وهذه التفرقة بين توقيته - عجل الله فرجه - وتوقيت غيره من غير المعصومين عليهم السلام، نسبت إلي بعض أعيان فضلاء

ص: 252


1- الغيبة للنعماني، ص 155.
2- نفس المصدر، ص 108.
3- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص 451، وص 452،والإحتجاج للطبرسي، ج 2، ص 281.

الحوزة العلمية في قم المشرفة أثناء دراستنا هناك، وقد نوقشت هذه التفرقة مناقشة تكاد تكون تامة، وقد يقال بأن من الوجوه المحتملة في مسألة التوقيت عموما، منها أن يكون هناك فرق بين توقيته - عجل الله فرجه - وتوقيت بقية المعصومين عليهم السلام فيكون المنع من التوقيت شاملا للمنع من ورود توقيت من بقية المعصومين عليهم السلام ، ويكون الأمر بالتكذيب هو تكذيب من ينسب التوقيت لبقية المعصومين عليهم السلام، ويكون التوقيت ممكنا منه - عجل الله فرجه - علي نحو يكون من التكاليف الخاصة به والمشرعة له - عجل الله فرجه - دون غيره من المعصومين عليهم السلام، ويجاب عن هذا الإحتمال في التفرقة بين توقيته - عجل الله فرجه - وتوقيت بقية المعصومين عليهم السلام، يجاب عن هذا الاحتمال بعدم ورود شيء من الأدلة الدالة عليه في أخبار أهل البيت عليهم السلام ،فيكون اختصاصه - عجل الله فرجه - بمثل هذا التكليف، أو تخصيص مشروعية هذا التكليف به - عجل الله فرجه - دون سائر المعصومين عليهم السلام، هذا التخصيص يكون بدون مخصص من النقل، فتبقي أدلة المنع علي عمومها في شمولها للمنع من صدور التوقيت منه - عجل الله فرجه - ومن سائرالمعصومين عليهم السلام عموما، علي أن بين توقيته - عجل الله فرجه - وتوقيت سائر المعصومين عليهم السلام يمكن تكلف الدليل العقلي اجتهادة عليها ، إلا أن مثل هذا الإجتهاد يخالف عمومات الأخبار الدالة علي المنع من أن يوقت المعصومون عليهم السلام جميعة.

ومن الأخبار التي يرد بها الإحتمال المذكور فيما ادعي من التفرقة بين توقيته - عجل الله فرجه - وتوقيت سائر المعصومين عليهم السلام خبر أبي بصير عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام - وهو الخبر المتقدم - وذلك في قوله عليه السلام : ... إنا أهل البيت لا نوقت... الخبر، فقوله عليه السلام : لا نوقت، يدل في ظهوره وعمومه علي نفي احتمال صدور التوقيت من المعصومين عليهم السلام جميعا، ومنهم الحجة أرواحنا فداه، فلا يمكن - بناء عليه - أن يوقت الحجة عجل الله فرجه، ولولا عمومات الأخبار المانعة من توقيتهم عليهم السلام لقبلنا الوجه الإحتمالي المذكور آنفا .

ص: 253

وعليه فيكون التوقيت مأمورة بتكذيبه سواء نسب إليه - أرواحنا فداه - أو إلي غيره من المعصومين عليهم السلام إعمالا للعموم المستفاد من خبر أبي بصير وغيره من الأخبار. ولا يمكن القول بوجود فرق بين توقيت الله عز وجل وبين توقيته عجل الله فرجه ، فتوقيته - لو تم - هو عين توقيت الله سبحانه ، فقولهم عليهم السلام هو قول الله جل جلاله بلا تردد، ولما كان أمر خروجه - عجل الله فرجه - مرتبطة ارتباطا وثيقة من الناحية الزمنية - ولو احتمالية - بزمان القيامة والساعة امتنع إمكان التوقيت، حيث دلت الأخبار المعتبرة في مجموعها علي المدة الزمنية الفاصلة بين خروجه ومقتله - عجل الله فرجه - وبين قيام القيامة وحلول الساعة، ولما كان أمر القيامة والساعة وعلمها عند ربي سبحانه فيكتاب لا يجليها لوقتها غيره عز وجل، لما كان كذلك كان توقيت خروجه - عجل الله فرجه - كذلك عند ربي في كتاب حتي يأذن له سبحانه بالخروج والظهور، علي أن ارتباط خروجه - عجل الله فرجه - بالقيامة هو احتمالي - كما قدمنا - لإمكان طروء البداء لمدة ملكه - عجل الله فرجه - علي تفصيل ما تقدم بيانه في النبأ السابق .

جملة من أخبار الحث علي انتظار الفرج

لقد مدحت أخبار أهل البيت عليهم السلام المنتظرين لخروجه عجل الله فرجه، وبينت شروط هذا الإنتظار، كما بينت كيفية هذا الإنتظار، كما بينت تكاليف المنتظرين في زمن الغيبة الكبري، وتحدثت عن المراتب العلية التي اختص الله عز وجل بها من يوفق ليؤدي حق الحجة - أرواحنا فداه - في غيبته، ومن يلتزم بالتكاليف الإلهية في مرحلة انتظار الفرج.

ومن جملة هذه الأخبار ما روي بسنده عن الحرث بن المغيرة، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام، قال عليه السلام:

العارف منكم هذا الأمر، المنتظر له، المحتسب فيه، كمن جاهد - والله - مع قائم آل محمد بسيفه .

ثم قال : بل - والله - كمن استشهد مع رسول الله صلي الله عليه وآله

ص: 254

وسلم في فسطاطه.(1)

ومنها: ما روي بسنده عن أبي بصير، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، قال عليه السلام :

إن لنا دولة يجيء الله بها إذا شاء .

ثم قال عليه السلام:

من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر منأدركه .(2)

ومنها: ما روي بسنده عن أبي بصير، عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، قال عليه السلام، ذات يوم :

ألا أخبركم بما لا يقبل الله عز وجل عملا إلا به؟

فقلت - يقول أبو بصير - : بلي.

فقال عليه السلام:

شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، والإقرار بما أمر الله، والولاية لنا، والبراءة من أعدائنا، والسليم لأمرنا، والورع، والإجتهاد، والطمأنينة، والإنتظارللقائم .(3)

ومنها: ما روي بسنده عن علي بن حاتم، عن أبيه، عن الإمام أبي جعفر عليه السلام، قال عليه السلام:

ما ضر من مات منتظرة لأمرنا ألا يموت في وسط فسطاط المهدي وعسكره .(4)

ص: 255


1- منتخب الأثر للكلبايكاني، ص 498، ومكيال المكارم للموسوي، ص 408.
2- مكيال المكارم للموسوي، ص 410.
3- مكيال المكارم للموسوي، ص 410، وفي منتخب الأثر للكلبا يكاني، نظيره بسنده عن أبي الجارود، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقرعليه السلام، ص499.
4- منتخب الأثر للكلبايكاني، ص 498.

ومنها: ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال عليه السلام:

إنتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله ، فإن أحب الأعمال إلي الله عزوجل انتظار الفرج.(1)

وقال عليه السلام:

الأخذ بأمرنا معنا في حظيرة القدس، والمنتظر لأمرنا كالمتشحط بدمه في سبيل الله .(2)

وورد عنه - عجل الله فرجه . قوله : وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإنه فرجكم . (3)

ومنها: ما ورد في الدعوة للتثبت علي ولايته والإعتقاد بإمامته - عجل الله فرجه - في عصر الغيبة، فقد جاء بسنده عن أبي حمزة الثمالي، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام ، عن رسول الله عليه السلام ، قال عليه السلام :

طوبي لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو يأتم به في غيبته قبل قيامه ، ويتولي أوليائه ويعادي أعدائه، ذلك من رفقائي، وذوي مودتي، وأكرام أمتي علي يوم القيامة.(4)

أقول: ولم نتعرض لشرح هذه الأخبار ولا لغيرها لوضوحها، ولم نتكلف ما تكلفه غيرنا ممن كتب حول الغيبة في تأويل الأخبار، بل تعدي البعض في تأويله بعض ما قاله المعصومون عليهم السلام ، ونحن لم نتكلف التأويل بل اكتفينا برواية ما هو واضح الدلالة فكفانا ذلك مؤونة

ص: 256


1- منتخب الأثر للكلبايكاني، ص 498.
2- نفس المصدر .
3- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص452، والإحتجاج للطبرسي، ج 2، ص 284.
4- منتخب الأثر للكلبايكاني، ص 511.

التأويل بلا طائل، والشرح والتوضيح بلا نائل ، والله نسأل أن يجعل عملنا واقعا موقع الرضي من ولي العصر أرواحنا فداه، وأن يشفعنا في الثبات علي الإعتقادات في غيبته - عجل الله فرجه - إنه قريب مجيب .

روي بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري، عن رسول الله صلي الله عليه وآله - في جملة حديث له صلي الله عليه وآله ذكر فيه الأئمة عليه السلام إلي أن وصل إلي القائم عجل الله فرجه . فقال صلي الله عليه وآله :

طوبي للصابرين في غيبته، طوبي للمقيمين علي محبتهم، أولئك من وصفهم الله في كتابه فقال : «الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ »(1)، ثم قال : صلي الله عليه وآله:

أولئك حزب الله ألا إن الله هم الغالبون ... الخبر.(2)

ص: 257


1- سوره بقره ايه 3
2- المحجة فيما نزل في القائم الحجة - عجلالله فرجه - للبحراني، ص217، طبعة مؤسسة النعمان، طبعة بيروت المحققة .

ص: 258

الخاتمة وتحتوي علي ثلاثة مطالب

اشارة

المطلب الأول: في بيان حرمة ادعاء المهدوية

المطلب الثاني: في بيان حرية ادعاء البابية

المطلب الثالث: في إثبات إمكانية المشاهدة

ص: 259

ص: 260

المطلب الأول في بيان حرمة ادعاء المهدوية
اشارة

المقصود بادعاء المهدوية، أن يدعي المرء أنه هو الإمام المهدي الموعود المنتظر - عجل الله فرجه - الذي بشر به رسول الله صلي الله عليه وآله، وفيه ما فيه من الكذب البين، والتكذيب لصريح آيات الله عز وجل في قرآنه ، والأخبار النبي صلي الله عليه وآله وعترته عليهم السلام ، ومعناه ادعاء الإمامة ، وقد أفتي فقهاء الإمامية قاطبة بحرمة ادعاء الإمامة وأشرنا لكونه من كبائر الذنوب العقائدية في محله فراجعه في مظانه .(1)

وادعاء المهدوية حرام بدليل مخالفته للنصوص المصرحة بصفات الحجة - عجل الله فرجه - والدالة علي إمامته من الله عز وجل، فالإمامة عندنا تثبت بالنصوص لكونها منصب إلهي ورياسة في الدين والدنيا كما أوضحنا تفاصيله في التمهيد.

ودل علي حرمة ادعاء المهدوية ما يستفاد من ظواهر القرآن، والأخبار، والعقل، والإجماعات المنقولة والمحصلة لو سلمنا بحجية الإجماعات علي نحو الإستقلال، وحذرت أخبار أهل البيت عليهم السلام من مدعي المهدوية، وأشارت إلي أنه يدعيها قبل ظهور الحجة - عجل الله فرجه - جماعة من الضالين المضلين، ولكن بفضل وجود علماء الشيعة الذين هم حصون سور الديانة والشريعة، بفضل هؤلاء لا زال زيف مدعي المهدوية يفتضح في كل زمان يظهر فيه من يدعيها من الضالين المضلين .

ولا يخفي ما يمكن أن تلعبه في زماننا الأيدي الصهيونية وعملاء هذه الحركة المعادية للأديان الحقة، لا يخفي ما يمكن أن تلعبه من الأعيب

ص: 261


1- نزهة البصائر في معرفة الكبائر للمؤلف، ص 177، طبعة دار المرتضي في بيروت .

لتشويه العقيدة الحقة للطائفة المحقة، فقد يظهر في كل يوم من يقول : أنا مهدي آخر الزمان، من عبدة الشيطان وأعداء الرحمان، والفضيحة كل الفضيحة لهؤلاء في التفاف أبناء الطائفة الحقة حول علمائها الأعلام و مراجعها العظام ليسلموا من كيد أمثال هؤلاء اللثام، المفسدين في عقيدة الإسلام، والأرض لن تخلو من حجة ظاهرة أو باطنة علي ما صرحت به الأخبار، والنبي صلي الله عليه وآله في خطبة حجة الوداع يقول:

يوشك أن أدعي فأجيب، وقد حان مني خفوق من بين أظهركم ، وإني مخلت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدأ كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض يوم القيامة.

فكلمة : لن تفيد النفي التأبيدي، فالضلال منفي أبدا إذا تمسكت الأمة بقر آنها وعترة رسولها صلي الله عليه وآله، وما دام العالمون بالقرآن وعلومه وبأخبار أهل البيت عليهم السلام، ما داموا بين ظهرانينا فلا خوف علي العقائد من الضياع، ولا خوف علي أبناء الأمة من الضلال والتيه عن تبصر العقيدة .

وفقهاء الإمامية يحكمون بكفر مدعي المهدوية، وهذا من نوع الكفرالأصلي الذي يستوجب حده القتل لو كانت يد الشريعة مبسوطة.

ويحاول دعاة المهدوية غواية البسطاء، والتأثير علي القوي الواهمة عند هؤلاء، وقد يستعملون أساليب السحر وفنون الشعوذة وأنواع التسخيرات والتحضيرات مما أفتي الفقهاء بحرمته، وغالبا ما يقع في حبائل دعاة المهدوية من لا معرفة له بالدين والعقيدة، أو من تقل لديه هذه المعرفة بحيث لا يملك الحجة لمقاومة تأثيرات أفعال هؤلاء اللعناء.

ويظهر جليا عند دعاة المهدوية مخالفتهم للضروريات الدينية العقائدية والإعتقادية فيما يحملونه من صفات وملكات تتعارض مع ما ينبغي للمعصومين من أئمة الهدي ومصابيح الدجي صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وسيأتي في بحث حرمة ادعاء البابية أن ادعاء المهدوية قد يكون ثمرة من ثمار ادعاء البابية، أو نتيجة من نتائج ادعاء البابية، بل قد

ص: 262

ينتهي دعاة البابية إلي ادعاء النبوة وادعاء الربوبية والألوهية علي ما سيأتي بيانه .

جماعة اشتهروا بدعوي المهدوية

ومن الذين اشتهروا بدعوي المهدوية في مختلف البلاد الإسلامية ، مهدي السودان، واسمه محمد المهدي، واسم أبيه عبد الله، وهو من أشهر دعاة المهدوية بين المتقدمين والمتأخرين جميعا، ومن أبرز هؤلاء اللعناء علي الإطلاق، وهو عامي المذهب، ونسبه لجهة أبيه يعود إلي الإمام أبي محمد الحسن بن علي المجتبي عليه السلام ،ولجهة أمه إلي العباس بن عبد المطلب عم النبي صلي الله عليه وآله، وهذا بحسب ما قاله هو وبعض من ترجمه من علماء التراجم، وكان هدفه من دعوي المهدوية هدفا سياسية محضة، حيث استغل ظروف الإحتلال العثماني التركي للسودان، وصار يبشر أهلها بالخلاص من الظلم والإضطهاد الذي كانوا يعانون منه بفعل الدولة العثمانية، وجعل يقنعهم بأنه هو المهدي المنتظر الذي بشر به رسول الله صلي الله عليه وآله، وأنه هو المعد ليحييهم الحياة الكريمة المرتقبة في آخر الزمان، وقد أعانه علي أمره جماعة من المنجمين والمشعوذين والمكذبين ومن علماء السوء الذين ورد التحذير منهم علي لسان النبي صلي الله عليه وآله وعترته عليهم السلام.

وبدأ مهدي السودان - لعنه الله - دعوته بالمهدوية سنة 1881ميلادية، وكان - لعنه الله - له تلامذة أظهروا أمره في كل أطراف السودان، وكان يغدق عليهم الأموال الطائلة مما أدي إلي تسابقهم وتهالكهم في سبيل نشر دعوته الضالة، وكان لهذا الضال المنمس مناشير كانت توزع في طول البلاد وعرضها كانت تدعو إلي طاعته وامتثال أوامره ونواهيه، وتحث الناس علي التصديق به والإيمان بما جاء به والعمل بتعاليمه ورسالته، وقد حوت هذه المناشير التي هي عين كتب الضلال، حوت تقول أقاويل كذب وافتراء علي رسول الله صلي الله عليه وآله، وتضمنت تأويل كاذبة لكلمات كتاب الله ولآيات القرآن،واشتملت علي اجتهادات بالرأي

ص: 263

لم يسبق إليها أحد من الذين ابتدعوا المذاهب ومدارس الرأي في العصور الأولي فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل، ولقد تبعهم هذا اللعين بل فاقهم في بعض أضاليله فكان من الغاوين، ولقد ذكر الأستاذ نعوم شقير في كتابه تاريخ السودان القديم والحديث»ذكر طائفة من تلك المناشير المضللة،ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

واستطاع مهدي السودان - لعنه الله - السيطرة والإستيلاء علي السودان كله، وغدا حاكمة عامة للبلاد، وأطاح بالحكم العثماني في السودان، وهزمت الجيوش المصرية التي حاولت القضاء علي حكمه، وذكروا أن ثلاثة جيوش مصرية بأمرة تركية حاولت القضاء علي ملكه ولكنها انهزمت أمام السودانيين من أنصار وجنود جيشه من الذين ضلوا معه ، وأدي كل ذلك إلي أن تنقاد له السودان بأسرها، وأصبح محل إقامته مدينة أم درمان، ودارت بينه وبين ملكة بريطانيا و بينه وبين حكام البلاد العربية ، دارت بينه وبينهم مراسلات عديدة كان يخبرهم فيها بما آلت إليه الأمور .

وبقي مهدي السودان دون أن يملأ الأرض قسطا وعدلا ودون أن يظهر في مكة ويسند ظهره إلي الكعبة، ودون أن يكون من نسل الإمام أبي عبد الله الحسين بن علي الشهيد عليه السلام ، أو أن يكون من أولاد الإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام ، ودون أن يكون معصومة ، بقي دون علائم المهدي - عجل الله فرجه - بقي مدع لهذا المنصب إلي أن أصيب بحمي التيفوس في ليلة الأربعاء لأربع ليال خلون من شهر رمضان سنة 1302 هجرية قمرية، واستمر مرضه إلي أن كانت وفاته يوم الإثنين التاسع من شهر رمضان، واستخلف من بعده رجلا أميا هو عبد الله التعايشي.(1)

وقد تعرضت لأكثر من هذا في ذكر أحوال مهدي السودان - لعنه

ص: 264


1- المهدية في الإسلام، ص 234، وحاضر العالم الإسلامي، ج 2، ص 195و196.

الله - في كتاب «البلاد العربية والدولة العثمانية»المخطوط، وهو من الكتب التي قمت بتأليفها في سن الخامسة عشر من العمر أثناء دراستي للمرحلة الثانوية من الدراسة العصرية في مدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت.

ومن الذين اشتهروا بدعوي المهدوية، مهدي تهامة من بلاد اليمن، وقد ظهر حوالي سنة 1109 ميلادية، وادعي أنه هو المهدي الموعود المنتظر الذي بشر به رسول الله صلي الله عليه وآله، وقد تبعه جماعة من الأعراب في اليمن، واستطاع أن يبلغ من النفوذ والسلطة مبلغة عظيمة، فخاض حروبا عدة لتوسعة رقعة حكمه، واستطاع القضاء علي الدولة الحمدانية في مدينة صنعاء، وعلي الدولة النجاحية في مدينة زبيد، ولما مات خلفه حفيده عبد النبي سنة 1192 ميلادية، وقد حمل الأيوبيون علي ملكه بأمر من صلاح الدين الأيوبي، وتمكنوا من إزالة دولته .(1)

وادعي في السنغال من البلدان الأفريقية، ادعي رجل أنه هو المهدي الموعود المنتظر وذلك سنة 1828 ميلادية، وحمل راية الثورة علي الحكم في بلاده، ولكن دعوته فشلت، وانتهي الأمر إلي قتله .(2)

وفي المغرب العربي ظهر في مدينة السويس رجل ادعي أنه هو المهدي، وتبعه قوم كثيرون، وأثارت دعوته غوغاء عارمة في بلاد المغرب العربي، ولكنه قبل أن يتم دعوته، وقبل أن ينهض بنشر مبادئه وتعاليمه وقبل أن يحقق أهدافه تم اغتياله، وقضي علي آثار دعوته من الجذور(3).

وكذا ظهر في الصومال رجل يقال له : محمد بن عبد الله ، ادعي المهدوية وذلك سنة 1899 ميلادية ، واستطاع من خلال نفوذه علي قبيلته ، استطاعأن يجيش هذه القبيلة، وأسس منها جيشا قام بمحاربة البريطانيين

ص: 265


1- تاريخ الشعوب الإسلامية، من ص 324، ص 325، وص 326.
2- حاضر العالم الإسلامي، ج 2، ص 195.
3- تاريخ الشعوب الإسلامية ، ص 640.

والإيطاليين والأحباش لمدة عشرين سنة إلي أن كانت وفاته سنة 1920 ميلادية(1).

واعلم - أيدك الله - أنه لولا وجود العلماء والفقهاء في كل عصر وزمان لادعي هذا الأمر في كل يوم من يدعيه، ولكانت سفكت الدماء وهتكت الأعراض ونهبت الأموال في كل يوم بسبب دعاة المهدوية لما يشكله موقع الإمامة من الأهمية علي الصعيد المالي والإجتماعي، فالإمام بيده دماء الناس وأعراضهم وأموالهم، ولله البيئة أن جعل العلماء والفقهاء أدلاء علي طاعته في عصر الغيبة ولولا ذلك لض الناس ضلالا بعيدة في شأن إمام زمانهم ولجر ذلك الويلات علي الأمة علي كل الأصعدة كما لا يخفي .

ص: 266


1- تاريخ الشعوب الإسلامية، ص 640.
المطلب الثاني في بيان حرمة ادعاء البابية
اشارة

والمقصود من ادعاء البابية أن يدعي المرء بأنه باب إلي الحجة - عجل الله فرجه - سواء كان ذلك علي نحو السفارة أو النيابة أو الوكالة أو الولاية وما شابه ، وسواء كان علي نحو ما كان للسفراء الأربعة في الغيبة الصغري أو ما يكون لبعض خلص أولياء الله عز وجل ممن اختصوا بالمشاهدة في الغيبة الكبري من فقهاء وعرفاء أو غيرهم علي نحو ما سنوضحه في بحث إثبات إمكانية المشاهدة إن شاء الله تعالي.

والكلام هو الكلام بين جميع فقهاء الإمامية في الإفتاء بحرمة ادعاء البابية سواء أدي إلي دعوي المهدوية فالألوهية أو لم يؤدي إليها علي نحو ما جري عليه أدعياء البابية كما سيأتي بيانه، ولو أفضت دعوي البابية إلي ادعاء المهدوية فالنبوة فالألوهية كانت محض الكفر علي ما سيأتي، وكذا لو اقتصرت علي ادعاء المهدوية أو النبوة، وقد حكم فقهاء الإمامية بفسق من يدعي البابية - لو لم تنتهي لادعاء المهدوية أو النبوة أو الألوهية - الاستلزامها بهذا المعني الكذب الذي هو من كبائر الذنوب المنصوصة الموجبة للفسق كما قررناه في محله (1)، خصوصا إذا تبعه نسبة شيء إلي الحجة - عجل الله فرجه - كما لو تقول مدعي البابية عليه - عجل الله فرجه - الأقاويل، كأن ينسب إليه - عجل الله فرجه . ما لم يقله أو لم يفعله أو لم يقرره، فيكون بذلك منينسب هذا مرتكبا لأكبر ألوان الكذب لكونه كذب علي الإمام عليه السلام، والكذب علي الإمام عليه السلام،كذب علي

ص: 267


1- نزهة البصائر في معرفة الكبائر للمؤلف، ص104، طبعة دار المرتضي في بيروت .

النبي ، والكذب علي النبي و كذب علي الله جل جلاله .

ولا عبرة في حرمة ادعاء البابية بمضمون ما ينقله عن الحجة - عجل الله فرجه . فقد يوافق الحق والصدق، وقد يكون لما يدعيه نظائر في كلمات الفقهاء وأقوال العلماء، فلا يكون ادعائه جائزة لو أتي بما يوافق أقوال الفقهاء والعلماء ونسبه إلي الحجة عجل الله فرجه .

وعلي فرض اتفاق المشاهدة لبعض الفقهاء والعلماء، وعلي فرض أن الحجة - عجل الله فرجه - قد بله ما يتصل بأمور الشريعة من الأحكام، فإن مثل هذا العلم المتحصل بطريق المشاهدة قد يقال : إنه لا يكون حجة إلا عليه، فليس له أن يفتي بمضمونه، بل عليه بالرجوع إلي المصادر المقررة للإجتهاد والإستنباط والتي أرجع الحجة - عجل الله فرجه - الفقهاء إليها في زمن الغيبة الكبري، فقد يقال : لو جاز الأخذ بما يفتي به عن طريق المشاهدة الأمكن الإتيان في كل يوم بمصدر من مصادر الشريعة غير ما أحال إليه الحجة -عجل الله فرجه - قبل غيبته الكبري في الحوادث الواقعة، وذلك يؤدي إلي الهرج والمرج والضياع، ويؤدي لظهور أحكام مستجدة في كل يوم، ويفضي إلي دعوي المشاهدة المحرمة، حيث إن القول بحجية قول المشاهد تدعو لكثرة ادعاء المشاهدة حتما، كما أكثروا من دعوي الإجماعات التي لا أساس لها ، قد يقال كل ذلك، وقية مناقشة .

والخلاصة: إن دعوي البابية المحرمة هي ادعاء الصلة بالحجة . عجل الله فرجه - في غيبته سواء الصغري أو الكبري، علي نحو يدعي أنه يتلقي منه الأحكام الشرعية والمسائل الفقهية، سواء وافقت هذه الأحكام والمسائل الحق والصدق مما يفتي به الفقهاء العدول الأمناء علي حلا الله وحرامه أو لم توافق.

وللبابية معني خاص عند دعاة البابية لعنهم الله(1)، وقد تحولوا إلي

ص: 268


1- البابيون والبهائيون للدكتور همايون همتي، طبعة معاونية العلاقات الدولية في منظمة الإعلام الإسلامي في طهران سنة 1410 هجرية قمرية .

فرقة من الفرق، وظهر من دعاة البابية دعاة المهدوية ودعاة الألوهية ، حيث يعتقدون بنظرية الاتحاد والحلول التي جاء بها الصوفية الذين ورد اللعن عليهم من الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، كما في خبر سفينة البحار للمحدث القمي أعلي الله مقامه .

الرد علي نظرية الإتحاد والحلول أو الوحدة المطلقة عند الفرقة البابية

ويعتقد دعاة الفرقة البابية بنظرية الاتحاد والحلول والتيتسمي عند الصوفية بنظرية الوحدة المطلقة، ومعني الوحدة المطلقة وحدة الوجود والموجود، وبعبارة أخري وحدة الواجب والمسكن، وهذا باطل لأن واجب الوجود ذاتي الوجود، أما ممكن الوجود فعرضي الوجود، وواجب الوجود غير محدود فلا حد له، وعليه فهو ليس بمركب، أما ممكن الوجود فمحدود ومركب، وواجب الوجود مجهول الماهية، بل لا ماهية له، أما ممكن الوجود فمعلوم الماهية وهو مفتقر في وجود ذاته إلي غيره، أما واجب الوجود فقوامه بذاته .

ومن هنا كانت استحالة الإتحاد والحلول أو الوحدة المطلقة بين واجب الوجود وبين ممكن الوجود، ويظهر لك مما تقدم الإمتناع العقلي من تداخل الواجب والممكن علي النحو الذي قدمناه، فواجب الوجود وممكن الوجود ممتنع عقلا تداخلهما في ذات واحدة، أو وجود واحد .

وادعاء الفرقة البابية لنظرية الإتحاد والحلول أو الوحدة المطلقة كثمرة من ثمرات تطور ادعاء البابية، من البابية إلي المهدوية، حيث يتحد الباب بمهديهم، ومن المهدوية إلي الألوهية حيث يتحد مهديهم بالذات الألوهية، وهو باطل بل محض الكفر علي تفصيل ما بيناه .

ويشترط البابيون في مهديهم أن يكون قد وصل إلي ما اصطلحوا عليه بمرحلة الفناء أو درجة الولاية الكبري، وبعد أن يكون قد طوي مراحل

ص: 269

الأسفارالأربعة بحسب فهمهم لا بحسب فهم الفلاسفة الإلهيين المسلمين .

ومعلوم أن كل ما اصطلح عليه البابيون في هذا المجال من اصطلاحات المعقول التجريدية لا أساس له من العقل والنقل، وقد ادعوا مراتب عليا لأدعيائهم مازجين بين فكر الغلاة والمتصوفة والإسماعيلية ، خصوصا من يعتقد منهم بوجود الإمام الكوني الذي هو اصطلاح مشابه الاصطلاح القطب عند الصوفية، وكل هذا من الكفر المحض، ومن تسويلات الشيطان، والأوهام والخيالات التي ما أنزل الله بها من سلطان .

من اشتهر من دعاة البابية

إعلم - أيدك الله - أن البعض من دعاة البابية ادعوها علي نحو النيابة والسفارة عن الحجة - عجل الله فرجه - والبعض علي نحو الوكالة والولاية، ونحن سنذكر جملة من هؤلاء الدعاة الذين اشتهروا ونبين وجه دعواهم عند التعرض لذكر أحوالهم في هذه العجالة.

فمن الذين اشتهروا بدعوي البابية في الغيبة الصغري علي نحو النيابة والسفارة له - عجل الله فرجه - الحسن الشريعي، وكان من أصحاب الإمامين العسكريين عليه السلام ، لكنه ارتد علي عقبه ، وادعي النيابة عن الحجة - عجل الله فرجه - واشتهر بالكذب والدجل، ونسب إلي الأئمة عليهم السلام ما الا يليق بحالهم، وخرج التوقيع بلعنه والبراءة منه(1)، وقد ذكره الشيخ الطوسي - أعلي الله مقامه - في جملة دعاة البابية المذمومين في كتابه الغيبة ضمن ذكره للمذمومين الذين ادعوا البابية، وذكر - أعلي الله مقامه - بأن الشريعي كان أول دعاة البابية في الغيبة الصغري، ومما قاله أعلي الله مقامه :

أخبرنا جماعة عن أبي محمد التلعكبري، وهو هارون بن موسي ، عن أبي علي محمد بن همام، قال:

كان الشريعي يكني بأبي محمد.

ص: 270


1- معجم رجال الحديث للخوئي، ج 5، ص 266.

وقال هارون بن موسي :

وأظن اسمه كان الحسن، وكان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد، ثم الحسن بن علي من بعده عليهم السلام، وهو أول من ادعي مقامة لم يجعله الله فيه، ولم يكن أهلا له، وكذب علي الله وعلي حججه عليهم السلام، ونسب إليهم ما لا يليق بهم وما هم منه براء، فلعنته الشيعة وتبرأت منه، وخرج توقيع الإمام - عليه السلام - بلعنه والبراءة منه .

ومن الذين اشتهروا - أيضا ۔ بدعوي البابية علي نحو النيابة والسفارة عن الحجة - عجل الله فرجه - في الغيبة الصغري أحمد بن هلال الكرخي، ولقد كان من أصحاب إمامنا أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام ، وبعد وفاة الإمام العسكري عليه السلام وتقلد محمد بن عثمان النيابة أظهر الكرخي حسده نمحمد بن عثمان فرفض نيابته ولم يذعن لها ، فقالت له الشيعة : ألا تقبل أمر أبي جعفر محمد بن عثمان وترجع إليه ، وقد نص عليه الإمام المفترض الطاعة؟

فقال لهم : لم أسمعه ينص عليه بالوكالة، وليس أنكر أباه .

فقالوا له: قد سمعه غيرك.

فقال لهم : أنتم وما سمعتم.(1)

وقد صدرت منه مقولات عدة استلزمت خروجه عن الدين، وجحوده بالضروريات الإعتقادية ، وشاعت منه المنكرات فتبرأ منه الحجة - عجل الله فرجه - وخرج توقيعه - عجل الله فرجه - للعمري وفيه اللعن والبراءة من الكرخي، يقول عجل الله فرجه :

ونحن نبرأ إلي الله تعالي من ابن هلال - لا رحمه الله - وممن لا يبرأ منه، فأعلم الإسحاقي وأهل بلده مما أعلمناك من حال هذا الفاجر وجميع ما كان سألك ويسألك عنه...(2).

ص: 271


1- معجم رجال الحديث للخوئي، ج2، ص 369.
2- نفس المصدر .

ومن الذين اشتهروا - كذلك - بادعاء البابية علي نحو النيابة والسفارة في الغيبة الصغري محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر والمكني بأبي جعفر علي ما ذكره الشيخ الطوسي - أعلي الله مقامه - في كتابه الغيبة.

ولقد كان الشلمغاني مستقيم الطريقة، ولكن حسده للشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ثالت نوابه وسفرائه - عجل الله فرجه - في الغيبة الصغري، هذا الحسد دفع الشلمغاني إلي ترك طريقة أهل البيت عله واعتناق مذاهب الإنحراف والتيه الرديئة، فكان منه أن دعا إلي ترك العبادات كلها، وأباح الفجور فأجاز الزواج بالمحارم من ذوي الأرحام وغير الأرحام.(1)

ومن بدعه في معتقداته - لعنه الله - دعواه بأن رسول الله صلي الله عليه وآله في أبي جعفر محمد بن عثمان العمري ثاني سفراء الغيبة الصغري، ودعواه أن علي بن أبي طالب عليه السلام حل في أبي القاسم الحسين بن روح ثالث السفراء الأربعة في الغيبة الصغري، ودعواه أن فاطمة الزهراء علي حلت في أم كلثوم بنت السفير الثاني، والملاحظ أن دعواه أشبه بالتقمص منه من الإتحاد والحلول، والتقمص من عقائد الباطنية وهو باطل شرعة وعقلا .

وقد لعنه الله وصدر التوقيع من الحجة - عجل الله فرجه - بلعنه والبراءة منه، وذلك في توقيعه - عجل الله فرجه - علي يد النائب الثالث الشيخ الحسينبن روح، وجاء في توقيعه - عجل الله فرجه . قوله : و عرف - أطال الله بقاك، وعرفك الله الخير كله، وختم به عملك - من تثق بدينه، وتسكن إلي نيته من إخواننا أدام الله سعادتهم بأن محمد بن علي المعروف بالشلمغاني عجل الله له النقمة ولا أمهله، قد ارتد عن الإسلام وفارقه، وألحد في دين الله، وادعي ما كفر معه بالخالق جل

ص: 272


1- الكني والألقاب للقمي، ج 2، ص 366.

وتعالي، وافتري كذبة وزورة، وقال بهتانا وإثمة عظيمة، كذب العادلون بالله ، وضلوا ضلالا بعيدة، وخسروا خسرانة مبينا .

وإنا برئنا إلي الله تعالي، وإلي رسوله - صلوات الله عليه وسلامه ورحمته وبركاته وعلي آله - منه، ولعناه، عليه لعائن تتري في الظاهر منا والباطن، في السر والجهر، وفي كل وقت، وعلي كل حال، وعلي كل من شايعه وبلغه هذا القول منا فأقام علي توليه بعده.(1)

ولما ظهرت بدع الشلمغاني - لعنه الله - أخذه السلطان، وقتله،وصلبه، ببغداد(2)، وكان هلاكه سنة 323 هجرية قمرية.(3)

ومن دعاة البابية المشهورين الحسين بن منصور الحلاج، واتفقت دعواه - أيضا - في ضمن الغيبة الصغري، وادعي أنه نائب الحجة - عجل الله فرجه - وأخذ يراسل الشيعة بذلك، ومن جملة الذين راسلهم أبا سهل النوبختي وطلب منه الإنضمام إليه، ووعده بما يريد من المال، لكن النوبختي أجابه لدعواه ومراسلاته وعداته بالقول: إني رجل أحب الجواري، وأصبو إليهن، ولكن الشيب يبعدني عنهن، وأحتاج أن أخضب في كل جمعة، ولكنأتحمل بذلك مشقة، وجهدة عسيرة، وأريد أن تغنيني عن الخضاب، وتكفيني مؤنته، وتجعل لحيتي سوداء، فإذا فعلت ذلك صرت طوع إرادتك ، وصدقت مقالتك، وكنت من أعظم أنصارك، وداعية إليك، فبهت الحلاج، وأمسك عنه، وانتشرت قصته، فصار أضحوكة الجميع، وبان أمره وانكشف دجله وضلاله وكذبه وانحرافه عن الحق للناس جميعا.(4)

ولقد بدأ الحسين بن منصور الحلاج - لعنه الله - دعواه بالبابية، ثم

ص: 273


1- الإحتجاج للطبرسي، ج 2، ص 290.
2- الكني والألقاب للقمي، ج 2، ص 366.
3- بحار الأنوار للمجلسي، ج13، ص 105، الطبعة الحجرية .
4- نفس المصدر، ص 103، الطبعةالحجرية .

المهدوية فادعي أنه هو المهدي الموعود المنتظر الذي بشر به رسول الله صلي الله عليه وآله، ثم ادعي النبوة، وانتهي به الأمر إلي ادعاء الربوبية علي أساس نظرية الإتحاد والحلول التي جاء بها المتصوفة لعنهم الله، وأوضحنا فيما سبق فسادها، ودعواهم بالإتحاد والحلول تعني - إضافة لما قدمناه - تعني ظهور المطلق في المقيد، والحلاج من أشهر القائلين بهذه النظرية - أي نظرية ظهور المطلق في المقيد - ولعلهم - الحلاج ومن يدعي مقالته - لعلهم تأثروا بالفكر الكنسي المسيحي المحدث، حيث يقول المسيحيون بأن التمثل لمريم بنت عمران غي كان علي هيئة بشر سوي من باب الإتحاد والحلول وظهور المطلق في المقيد، وهذا الإتحاد والحلول ليس فيه بزعمهم اثنينية، وقد أوضحنا تهافته فيما سبق .

ولقد ذكر المؤرخون والمحدثون الكثير من مخاريق الحلاج ومن حيله وخزعبلاته محاولا ادعاء المعجزة لنفسه، وذكروا له أقوالا ضالة في تشريعه لعبادات جديدة تغني بحسب دعواه عن الصلاة والصيام والحج والعبادات الدينية الإسلامية عموما، ولما شاعت منكراته رفع أمره إلي الخليفة العباسي المقتدر، فرفع المقتدر أمره إلي مدير شرطته ليضربه ألف سوط فإن مات وإلا فيضربه ألف سوط حتي يموت، وإن لم يمت يضرب عنقه ، ويقطع يديه ورجليه، ويحز رأسه، ويحرق جثته، وينصب رأسه علي الجسر، ففعل ذلك، وكان ذلك سنة 309 هجرية قمرية.(1)

وذكر الشيخ الطوسي - أعلي الله مقامه - في كتابه الغيبة في باب ذكره للمذمومين الذين ادعوا البابية في عصر الغيبة الصغري ذكر غير هؤلاء الذين ذكرت ممن ادعي البابية علي نحو النيابة والسفارة كمحمد بن نصير النميري، وأبو ظاهر محمد بن علي بن بلال وغيرهم، وقد صدرت التوقيعات من

ص: 274


1- سفينة البحار للقمي، ج 1، ص 296، والكني والألقاب للقمي، ج 2، من ص 183 إلي ص 187، وبحار الأنوار للمجلسي، ج13، ص 102، و ص103، الطبعة الحجرية .

الناحية المقدسة بلعن هؤلاء والبراءة منهم، والملاحظ والمراقب يجد أن أكثر هؤلاء، بل كلهم ادعوا البابية إما حسدة للسفراء الأربعة، أو طمعا في سرقة الحقوق الشرعية المالية من الأخماس والزكوات وغيرها، فضلوا وأضلوا كثيرة، وإنما هو حب الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة، والذي يعمي ويصم عن الحق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

ولم يقتصر أمر دعاة البابية علي زمان الغيبة الصغري، بل امتد إلي عصر الغيبة الكبري، ونمت هذه الفكرة حتي اعتنقتها الفرقة المسمون بالبابية إليزمن غير بعيد من زماننا ، وقد سبقت الإشارة إلي أن ادعاء البابية يفضي إلي الفسوق ما لم يصل إلي مرحلة ادعاء المهدوية والنبوة والألوهية، وإلا استوجب فاعله الحكم بكفره ووجوب حده بالقتل بعد تفصيل من الإثبات بالبينة إما بالشهود أو الإقرار، وبعد مراجعة الحاكم الشرعي في عصر الغيبة الكبري، وهم الفقهاء العدول الأمناء علي حلال الله وحرامه، أما في زمن الغيبة الصغري فالأمر في الحاكمية الشرعية بيد الحجة - عجل الله فرجه - بواسطة سفرائه الأربعة رضوان الله عليهم، فله أن يصدر الحكم كما يراه عجل الله فرجه .

ومن أقوال العلماء في دعاة البابية في عصر الغيبة الكبري يقول ابن قولويه (1) أعلي الله مقامه : إن عندنا أن كل من ادعي الأمر بعد السمري فهو كافر منمس ضال مضل . (2)

اقول:والمنمس هو المحتال لغه.

ص: 275


1- إبن قولويه هو الشيخ أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه، صاحب كتاب «كامل الزيارات»، ومن أساتذة الشيخ المفيد في الفقه ، وقال عنه النجاشي في رجاله : من ثقاة أصحابنا وأجلائهم في الحديث والفقه، قرأ عليه شيخنا أبو عبد الله الفقه ،ومنه حمل، كلما يوصف به الناس من جميل وفقه فهو فوقه.
2- الغيبة للطوسي، ص 255.

وعن أبي محمد هارون بن موسي التلعكبري، وهو من مشايخ شيخنا المفيدأعلي الله مقامه ، وقد كان التلعكبري من مشايخ الطائفة الأعلام في زمانه ، ويقول في دعاة البابية علي نحو السفارة الخاصة :

وكل هؤلاء المدعين إنما يكون كذبهم أولا علي الإمام وأنهم وكلاؤه ...

إلي أن يقول: كما اشتهر من أبي جعفر الشلمغاني ونظرائه عليهم جميعة لعائن الله تتري.

وعن شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي - أعلي الله مقامه - قال : إن كل هؤلاء المدعين إنما يكون كذبهم أولا علي الإمام - عليه السلام - وأنهم وكلاؤه ... إلي آخركلامه(1).

ويظهر حمل كلام ابن قولويه في القول بكفر دعاة البابية أن ادعاء البابية كفر لو أفضي لإنكار ضرورة من ضروريات الدين، والشهرة علي القول بفسق دعاة البابية في المبدأ علي نحو ما أوضحناه، أي لو كان علي نحو دعوي أنه باب إلي الحجة - عجل الله فرجه - فحسب، أما لو انتهي إلي ادعاء المهدوية أو النبوة أو الألوهية فهو الكفر كما فهمناه ، والله العالم .

والبابيون الذين شكلوا فرقة من الفرق في العهود المتأخرة، وظهروا خصوصا في إيران أخذوا ما رأوه من معتقدات وكلمات دعاة البابية الأوائل وصهروا ذلك في عقيدة كفر لهم، ولهم أقوال شاذة كثيرة كعدم اشتراطهم في المهدي صفات محددة من النسب والآباء والأمهات خلافا لما قررته أخبار أهل البيت عليهم السلام ، وعندهم أن كل عارف سالك علي طريقتهم يصل بزعمهم إلي مرتبة الولاية الكبري فهو المهدي المنتظر، ولا يخفي ما في ذلك من الضلال البعيد عن القرآن وأهل البيت عليهم السلام ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

واعلم - أيدك الله - أن ادعاء البابية من أكبر الفتن وأعظم الدواهي

ص: 276


1- الغيبة للطوسي، ص 255

في عصر الغيبة الكبري حيث قد يصعب تكذيب هؤلاء أمام البسطاء والسذج من الناس الضعفاء، فقد يظهر من وقت لآخر من يدعي السفارة والنيابة والوكالة الخاصة والولاية من المهدي عجل الله فرجه، وقد يستعمل هؤلاء اللعناء بعض المصطلحات الخداعة كادعاء التشرف بلقاء الحجة عجل الله فرجه، وادعاء الفوز بعنايته الخاصة بهم، ونحوه من الكلمات التي تخدع البسطاء والضعفاء، وغالبا ما يظهر دعاة البابية بمظهر المتقين والزاهدين والعارفين وأهل السير إلي الله والسلوك إلي معرفة الحق سبحانه وأرباب الرياضات الروحية والمعنوية بل قد يتشددون في بداية الأمر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حين يتعدون في ذلك حد المألوف، وقد يمارسون أفعال المتصوفة بدعوي أنها من السنن والمستحبات والمكرمات فيبيحون بعض المنكرات بحجة أنها من القربات، ويدعون أن الله يأيدهم بالكرامة وخوارق العادات، ومن يراهم قد يظنهم من الأوتاد والأبدال لكثرة عنايتهم بمظاهر الأولياء والعباد الصالحين، وقد يستعمل هؤلاء الشياطين الإنسيون ألوان التسخيرات والتحضيرات والشعوذات والسحر في بعض الأحيان، ويدعون المشاهدات والمكاشفات، ويكثرون من الحديث عن الغيبيات، وطرح المنامات، وقد يسمون في نظر بعض البسطاء والضعفاء بالروحانيين وما بالقوم من روحانية، ولكن أمرهم لا يخفي علي من كان من أهل العلم والبصيرة، أو لجأ إلي أهل العلم والبصيرة.

ومن الذين ادعوا البابية في القرنين الأخيرين علي بن محمد رضا الشيرازي الذي عرف بالباب - لعنه الله - وصدرت فتاوي فقهاء الإمامية بقتله سنة 1293 هجرية قمرية، ومن ثمار فكره الضال ظهرت الفرقة البهائية التي لا زالت ذيولها إلي الآن في بعض البلاد، وعقائدها خليط من اليهوديةوالنصرانية والعقيدة الإسلامية، وكذا الحال في فقه هذه الفرقة، وعلي بن محمد رضا الشيرازي تطورت دعواه - لعنه الله - من البابية إلي المهدوية فقال : أنا عين ذلك المهدي الشخصي، أنا الرجل الذي تنتظرونه منذ الف

ص: 277

عام، وكان اللعين يدعي تقدم مقامه علي مقام رسول الله صلي الله عليه وآله، ويقول بأن مقامه النقطة ومقام محمد الألف، وأتي بكتاب من عنده سماه البيان ادعي بأنه معجزته، وادعي بأنه يفوق القرآن، وقد أعلن أتباعه الحرب علي الشريعة الإسلامية ودعوا إلي الإباحية، وعرف من نساء الدعارة عندهم امرأة يقال لها : زارين تاج سموها الطاهرة وقرة العين (1)، وعقدوا مؤتمردعوا فيه إلي الإباحية عرف بمؤتمر بيداء بديشت، فلعنهم الله ولعن أتباعهم، ولا يخفي من أن الصهيونية هي المحركة لهم في الوقت المتأخر، فلا يوجد في العالم دعوي إلي الإباحية إلا وتتغذي بمدد الحركة الصهيونية، ويؤكد ذلك بروتوكولات حكماء صهيون البغيضة، ومثل هذه الدعاوي لا تنطلي علي أهل العلم المتمسكين بالقرآن وبالنبي صلي الله عليه وآله وعترته عليه السلام .

وفي نهاية هذا المطلب لا بد من الإشارة إلي أن حكم ادعاء البابية من الناحية الفقهية واحد، سواء كان علي نحو السفارة أو النيابة أو الوكالة أو الولاية، فالتفت .

ص: 278


1- البابيون والبهائيون للدكتور همايون همتي، وقد سبقت الإشارة إليه .
المطلب الثالث : في اثبات امكانية المشاهدة
اشارة

تواترت الأخبار بين المؤرخين والمحدثين علي اتفاق المشاهدة الطلعته الرشيدة وغرته الحميدة - عجل الله فرجه - عند مولده وبعد ولادته الحين وفاة أبيه عليه السلام، وعند صلاته علي أبيه عليه السلام رآه كل الملا، وأما إمكان المشاهدة في الغيبة الصغري، فمن أظهر أدلة ذلك ما اتفق لسفرائه الأربعة ، وهذا الكلام تام في حدود الغيبة الصغري، فما بال الكلام في إمكانية المشاهدة في الغيبة الكبري؟

إنقسمت أقوال العلماء في ذلك بين قائل بإمكانية المشاهدة في الغيبة الكبري وقائل بعدم إمكانية ذلك، واستدل المانعون من إمكانية المشاهدة في الغيبة الكبري بخبر السمري رابع السفراء الأربعة، وهو الذي ذكرناه في أنباء ما قد سبق والذي أخبر الحجة - عجل الله فرجه - فيه السمري بدنو أجله رضوان الله عليه، وكان آخر توقيعاته - عجل الله فرجه - للسمري، وجاء فيه :

يا علي بن محمد السمري إسمع أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وما بين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توصي إلي أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة (1) ،فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالي ذكره، وذلك بعد الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جورة ، وسيأتي من شيعتي(2) من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعي المشاهدة قبل

ص: 279


1- وفي بعض كتب الغيبة وردت عبارة : الغيبة الثانية، بدلا من عبارة: الغيبة التامة .
2- وقع خلاف ذريع في هذا القيد بين مرويات كتب الغيبة، فالبعض رواه بصيغة :وسيأتي شيعتي، وهو الراجح، وقد رويناه آنفا، والبعض رواه بصيغة : لشيعتي، والبعض: في شيعتي، والبعض - وهو المروي هنا - من شيعتي ولعله تصحيف من النساخ والله العالم .

خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.(1)

سند خبر السمري

قيل : هو من المراسيل، أي لا سند له، والواضح خلاف ذلك لأن شيخنا الثقة الصدوق - أعلي الله مقامه - رواه بسنده عن شيخه أبي محمد الحسين بن أحمد المكتب، عن أبي الحسن علي بن محمد السمري، وكذا رواه بنفس الإسناد الشيخ الطوسي - أعلي الله مقامه - في كتابه الغيبة ، وعليه فالقول بأنه من الأخبار المرسلة ليس صحيحا.

وقيل : هو من الصحاح كما عن المحقق الأصفهاني(2)، وسوف يأتي الجواب عن هذا المدعي في التحقيق الآتي إن شاء الله سبحانه .

ولقد وقع الخلاف بين علماء رجال الحديث في راوي هذا الخبر (3)بعد التسليم بوجود سند له علي ما قدمناه .

فالبعض من علماء رجال الحديث قال بأن راويه هو أبو محمد الحسين، واعتبره هذا البعض هو الأصح في أقوال إسم راوية الخبر، واعتبر أن ما أسنده الصدوق - أعلي الله مقامه - في نقله للخبر، ما أسند فيه روايته إلي الحسين هو الصحيح، والحال أن الصدوق - أعلي الله

ص: 280


1- الغيبة للطوسي، ص 395، الطبعة المحققة، وكمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ج2، ص 516، والإحتجاج للطبرسي، ج 2، ص297، وبحار الأنوارللمجلسي، ج51، ص260، ح 3، وإثبات الهداة للحر العاملي، ج3، ح 112ص 693، والخرائج للراوندي، ج3، ص 1128، الطبعة المحققة، وجنة المأوي للنوري، ص 318، وكشف الغمة في معرفة الأئمة عليهم السلام للأربلي، ج 2، ص 230،وإعلام الوري للطبرسي، ص 417، وثانب المناقب لابن حمزة، ص464، الطبعة المحققة.
2- مكيال المكارم للموسوي، ص 542، وص543.
3- تهذيب المقال للأبطحي، ج 2، ص 373، وص374.

مقامه - رواه عن الحسين، لكن الشيخ الطوسي - أعلي الله مقامه - بعد نقله للخبر عن الصدوق - أعلي الله مقامه - بصيغة راويه الحسين ، استنسب أن يكون إسمه الحسن لكون اسم الحسن أكثر ملائمة مع تكنيته بأبي محمد بن أحمد المكتب.

ويرد علي ما استنسبه الشيخ الطوسي - أعلي الله مقامه - بعدم وجود ملازمة بين التكنية بأبي محمد والتسمية بالحسن، واتفاق ذلك للإمام أبي محمد الحسن بن علي المجتبي عليه السلام، وللإمام أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام، ليس دليلا علي لزوم تسمية الحسن لكل من يكني بأبي محمد، ولا علي التكنية بأبي محمد لكل من سمي بالحسن، وشاهده أعراف الناس التي تنفي مثل هذه الملازمة، وعليه فيكون ما استنسبه الشيخ الطوسي - أعلي الله مقامه - تحكم لا دليل عليه، ومنه يبقي الخلاف قائمة في تسمية راوي هذا الخبر، وإن كان الأصل ما رواه الصدوق - أعلي الله مقامه - لكونه من مشايخه، وسماه بأبي محمد الحسين كما في إسناده للخبر في نقله له .وكما وقع الخلاف في تسمية راوي الخبر فيما بينهم، وقع الخلاف في لقبه ، فقيل : المكتب نقلا عن الصدوق - أعلي الله مقامه - في كتابيه الخصال، وعيون أخبار الرضا عليه السلام ، وقيل : المؤدب نقلا عن الصدوق كذلك - أعلي الله مقامه - في كتبه معاني الأخبار، ومشيخة الفقيه، وعيون أخبار الرضا عليه السلام حيث ذكره فيه بلقب المؤدب أيضا ، وكذا استند القائلون بأن لقبه المؤدب بما نقله الصدوق - أعلي الله مقامه - في كتابه كمال الدين وتمام النعمة، وما نقله الطوسي - أعلي الله مقامه - في كتابه الغيبة ، وما نقله صاحب كتاب لسان الميزان.

والأمر كما تري فإن الصدوق - أعلي الله مقامه - ذكره بلقبين في كتاب واحد، ولا مانع من تعدد ألقابه فيكون ملقبة بالمكتب والمؤدب في آن معا، فالقضية كما يقول علماء المنطق ليست مانعة جمع ، فلا تكون مثل هذه المنقولات هي السبب للخلاف في راوية الخبر، بل أساس الخلاف ما نقوله في اسمه علي نحو ما قدمناه .

ص: 281

وقد أورد الرجاليون له أكثر من إسم، وقالوا: تعدد أسمائه كان من باب التقية، وذكروا له أكثر من كنية ومن لقب كذلك لنفس الغاية، ومنه يمكن الدفع للخلاف فيه أصلا لو أمكن إثبات مورد التقية، وإن كان الحال لا يسمح بالقول بالتقية في مثل هذا المورد لخطورة الموقف كونه تمهيد الغيبة الحجة - عجل الله فرجه - الكبري لو صح ما في الخبر .

ووثقه بعض علماء رجال الحديث كونه من مشايخ الصدوق أعلي الله مقامه، ولأن الصدوق - أعلي الله مقامه - روي عنه كثيرا في كتبه مترضية ومترجمة ، وقال أحد علماء رجال الحديث عنه : كان مقيمة بقم، وله كتاب فيالفرائض أجاد فيه ، وإن أبا جعفر محمد بن علي بن بابويه كان يعظمه ، وإن حضوره عند السمري لرواية مثل هذا التوقيع يشعر بالخصوصية .

لكن البعض الآخر من علماء رجال الحديث اعتبره من المجاهيل ، وقال علي ما فهمناه من كلامه بأن مجرد رواية الصدوق - أعلي الله مقامه - عنه لا تثبت الوثاقة، فإن الصدوق - أعلي الله مقامه - روي عن غير الثقاة أخبارا عديدة، وترحمه عليه وترضيه عنه لا يفيد الوثاقة في نقل الأخبار، فالترحم والترضي يجوز علي غير الثقاة من الشيعة كما يجوز علي غير العدول، فهو نوع من الدعاء والطلب من الله عز وجل لكي يرضي ويرحم المدعو له، وأما كونه قد أجاد في كتابه الفرائض فإنه ليس من لوازم مثل هذه الإجادة الحكم بالوثاقة، فإن الإجادة هنا مبهمة ليس فيها ما يدل علي الوجه فيها في قول من قال بأنه أجاد في كتابته عن الفرائض، ثم إن أريد من الإجادة القدرة العلمية المحضة ، فإن القدرة العلمية المحضة هي صناعة من الصناعات وقد تتفق لغير الثقاة في الرواية ونقل الأخبار .

ومن جهة أخري فإن مجرد حضوره عند السمري ليس دليلا علي وثاقته، فقد حضر عند السمري لعناء بني العباس من الذين كانوا يطاردون الحجة - عجل الله فرجه - بغية قتله، وحتي حضر غيرهم من اللعناء عنده ، فلا يكون مجرد حضوره عند السمري دليلا علي الوثاقة كما ادعاه البعض، ومن جملة الذين كانوا يحضرون عند السمري البابية لعنهم الله، الذين

ص: 282

ادعوا السفارة والنيابة الخاصة لأنفسهم علي نحو ما فصلناه آنفا، وكان هؤلاءيحضرون عند السمري ويروون بعض أخبار الحجة - عجل الله فرجه - لشيعته .

هذا ما فهمناه من ردود بعض علماء رجال الحديث علي ما ادعاه آخرون في راويه، وأما حمل خبر السمري علي التقية فوارد جدة لولا المحذور الذي ذكرناه فيما سبق، حيث أن الحال وخطورة الموقف لا يسمحان بإيراد مثل هذا الخبر علي نحو التقية، إلا إذا فهمنا من أن الحجة ۔ عجل الله فرجه - كذب مدعي المشاهدة من باب التقية علي نفس المشاهد حتي يدفع بذلك عنه الأذي والعدوان، وهو من الرجحان بمكان لو تم إمكان الحمل علي التقية في المورد، والله العالم.

ومن مجموع كل ما ذكرناه في سند الخبر لا يتم الإستدلال به علي المنع من إمكانية المشاهدة، ويبقي الخلاف في راويه قائمة، وستأتي أدلة إمكانية المشاهدة من الأخبار المعتبرة متنا وسندا .

وأما ما ورد -علاوة علي ما تقدم - ما ورد من أن الصدوق - أعلي الله مقامه - كان يعظم راوي هذا الخبر، فإن مجرد التعظيم لا يدل علي الوثاقة في نقل الأخبار، فإن التعظيم قد يكون لمن لا اختصاص له بالرواية والدراية ونقل أحاديث أهل البيت عليهم السلام، وغاية ما يفيد التعظيم حسن الراوي وكونه من الممدوحين لا من الثقاة الرواة، نعم لو كانت الممدوحية والتعظيم في الرواية أمكن اعتبارها دليلا علي الوثاقة ولا ختلف الحال حينها، ولكن لا يوجد ما يدل علي هذه الخصوصية في كلام الصدوق أعلي الله مقامه ، فتخصيص تعظيمه له بتعظيمه في الرواية هو تخصيص بغير مخصص فالتفت .

ثم علي فرض القول بتمامية الخبر، وبأن راويه ثقة، وعدم ورود أي إشكال علي متنه من الحمل علي التقية وعدمها، فإن تعارضه مع أخبار إمكانية المشاهدة الآتية المعتبرة التي هي أكثر من الخبر والخبرين، تعارضه يمنع من

ص: 283

الإستدلال به ، ثم هو خبر واحد علي القول بحجيته يكون حجة من باب إفادة الظن لو تم من الناحية السندية بإثبات وثاقة راويه ، وكونه خبرة واحدة لا ينهض في مقابل معارضه من أخبار إمكانية المشاهد الآتية فإنها مضافا لاعتبارها من الناحية السندية والدلالتية ، فإنها معاضدة بقصص وحكايات العدول والثقاة من علماء وغير علماء، فتكون بهذا التعاضد مفيدة للوجدان القطعي، ومورثة للجزم والقطع بإمكانية المشاهدة لطلعته الرشيدة وغرته الحميدة - عجل الله فرجه - لمن كان له عقل أو ألقي السمع وهو شهيد.

دلالة خبر السمري

لقد تقدم الوجه في حمل دلالة خبر السمري علي التقية، وأوضحنا بأن المورد لا يسمح بمثل هذا الحمل الخطورة المقام، ولأهمية ما يترتب عليه من آثار سيما كونه خاتمة لمرحلة وبداية للغيبة الكبري، ومناقشة مثل هذا الحمل إنما تكون بعد التسليم بوثاقة راوي الخبر، وهذا - أي التسليم بوثاقة الراوي - مما لم ننتهي إليه من خلال ما تقدم، ولو انتهينا إلي وثاقة الرواي فحينها قد يرد احتمال الحمل علي التقية بوجه يدرأ بها الأذي والعدوان عن الحجة - عجل الله فرجه - في مرحلة الغيبة الكبري، أو يضاف وجه درأ الخطر عن نفس المشاهد أو مدعي المشاهدة، ولكن - كما ذكرنا - مثل هذا الحمل موقوف علي إثبات وثاقة راوي الخبر من أساسه فتأمل .

وعلي فرض القول بعدم التقية لعدم احتمال المورد لإمكانية الحمل عليها - بعد فرض التسليم بوثاقة الراوي - فإن في دلالة الخبر الكلام الكثير، فإن الحجة - عجل الله فرجه - كذب مدعي المشاهدة، وقيد: مدعي المشاهدة يحتمل ادعاء المشاهدة بحق وادعاء المشاهدة بغير حق، ومع إمكان الجمع بينوجوه ما يستفاد من ظاهر دلالة الخبر، فإن حمل المشاهدة المدعاة علي المشاهدة المدعاة بغير حق أوجه وأولي في المقام، فيكون المراد من الخبر تكذيب من يدعي المشاهدة بلا بينة من الله وبغير

ص: 284

حق، وبالفعل هذا ما نسب إلي العلامة المجلسي - أعلي الله مقامه - في بحار الأنوار(1) حيث حمل المشاهدة في الخبر، المشاهدة مع ادعاء النيابة، وبأنه يوصل الأخبار منه - عجل الله فرجه .. إلي شيعته علي نحو ما كان لسفرائه الأربعة، والخبر نفسه دليل - لو سلمنا به سندة ومتنا - هو دليل علي إمكانية المشاهدة، حيث إنه - عجل الله فرجه - لم ينفي فيه إمكانيتها بالمطلق، بل قيد إمكانية المشاهدة بخروج السفياني وبالصيحة ، وقد يقال من خلال سياق الخبر بأن المقصود بالمشاهدة مشاهدة الظهور النهائي وظهور الخروج المطلق بقيد ربطها بالعلامات الحتمية للظهور وهذا ممكن، غير أن عروض البداء للعلامات الحتمية كالسفياني والصيحة علي نحو ما قررناه في أنباء البحث، عروض البداء لهذه العلامات يحول دون الأخذ بمثل هذا القول، علي أنه لا مانع من اعتماد هذا التوجيه علي فرض أن البداء ليس لزاما للعلامات الحتمية، فقد يبدو لله فيها وقد لا يبدو، فيكون غرض الإمام - عجل الله فرجه - هو تكذيب مدعي المشاهدة التي تسبق الظهور النهائي والخروج الأخير له - عجل الله فرجه - علي أساس أن البداء غير لزومي للعلامات الحتمية فقد يبدو وقد لا يبدو، فقد يكون الأخذ بهذا الوجه علي فرض التسليم بالخبر سند و متنا، قد يكون الأخذ به هو أقرب الوجوه التي تنفي التعارض بينه وبين أخبار إمكانية المشاهدة المعتبرة الآتية، والله العالم.

وأخيرا في بحث دلالة الخبر، هل المقصود من أن من يدعي المشاهدة هو كذاب من باب عدم إمكانية المشاهدة؟ أم المقصود به من باب ما قد تستلزمه المشاهدة المدعاة بغير حق من الإخبار عنه عجل الله فرجه؟

الظاهر الوجه الثاني لما تستلزمه المشاهدة المدعاة بغير حق من الإخبار عنه - عجل الله فرجه - لما فيه من الإفتراء عليه ، مما يفضي إلي الإفتراء علي الرسول صلي الله عليه وآله بل علي الله عز وجل .

ص: 285


1- بحار الأنوار للمجلسي، ج52، ص 151.

والظاهر أن القول بكذب مدعي المشاهدة هدفه حفظ مصادر الشريعة في عصر الغيبة، وحصر الرجوع إلي: رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم، علي حد ما جاء في توقيعه عجل الله فرجه، والله المؤيد.

الرأي المختار

الثابت هو إمكانية مشاهدة طلعته الرشيدة وغرته الحميدة عجل الله فرجه، وأثبت ذلك العلماء والمحدثون بأدلة كثيرة، ودلت علي ذلك أخبار معتبرة عديدة عن أهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، بل تواترت الحكايات والقصص بطرق الثقاة والعدول علي ذلك، وشاهده ثلة من فقهاء الإمامية فدلهم علي حل معضلات المسائل العلمية، وظهر علي جماعة من العلماء لينجي شيعته من الهلكة في مواطن عديدة ، سيما ما تواتر من قصة ظهوره علي يد أحد علماء البحرين ونحوه، ولست في معرض طرح ما جاء من حكايات وقصص، أو تواتر منها بطرق الثقاة والعدول لأن ذلك يخرجنا عن المقصد، ومن أراد الإطلاع عليها فقد أعدت لبيانها كتب كثيرة.

أما الأخبار المعتبرة التي يمكن الإستدلال بها علي الرأي المختار في إمكانية المشاهدة لطلعته الرشيدة وغرته الحميدة - عجل الله فرجه - فعديدة .

منها: ما رواه الخصيبي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال :

يظهر صاحب الأمر وليست في عنقه بيعة لأحد ولا عهد ولا عقد ولا ذمة ، يغيب عن الخلق إلي وقت ظهوره، قال الراوي : يا أمير المؤمنين ألا پري قبل ظهوره؟ قال عليه السلام :

بل پري وقت مولده وتظهر براهين ودلائل، وتراه عيون العارفين بفضله الشاكرين الكاملين، ويبشر به من شك فيه.(1)

ص: 286


1- النجم الثاقب للنوري، ج 2، ص 407، الطبعة المحققة .

أقول: فمورد السؤال الرؤيا له قبل ظهوره، وجوابه عليه السلام بأنه تراه عيون العارفين بفضله الشاكرين الكاملين، وعلل عليه السلام مثل هذه المشاهدات له أنها لكي يبشر به أهل الشك فيه، فالغاية من حصول المشاهدة دفع الشكوك عن وجوده المقدس عجل الله فرجه، وزيادة اليقين بحياته وبقائه عجل الله فرجه، وهذه ثمرة المشاهدة كما أشار إليه كلام أمير المؤمنين عليه السلام.

والرؤيا التي تنفي الشك فيه هي الرؤيا التي تكون بالعيان، ومن هنا فلا يمكن حمل كلام أمير المؤمنين عليه السلام عن الرؤيا، لا يمكن حمله علي الرؤيا في عالم المنامات، فإن مثل هذه الرؤيا لا تنفي الشك فيه.

وافتتاح أمير المؤمنين عليه السلام كلامه عن إمكانية الرؤيا من حين مولده - عجل الله فرجه - يوحي بأن الرؤيا مستمرة طوال زمن حياته وممكنة طوال ذلك، والجواب من أمير المؤمنين عليه السلام هو عن السؤال حول إمكانية الرؤيا قبل الظهور عمومة بحسب ما يفهم منه، لذلك فالجواب يشمل إمكانية الرؤيا في فترة ما قبل الظهور كلها ، وتخصيصها بمرحلة منها دون أخريتخصيص بدون مخصص.

ومنها: ما روي بسند معتبر عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، قال :

لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولا بد له في غيبته من عزلة، وما بثلاثين من وحشة.(1)

أقول: قوله عليه السلام : وما بثلاثين من وحشة يثبت إمكانية مشاهدة

ص: 287


1- الغيبة للطوسي، ص 162، ح 121، والكافي للكليني، الأصول، ج1، ص 340، ح16، وبحار الأنوار للمجلسي، ج52، ص 153، ح6 ، وص157،ح20، والغيبة للنعماني، ص 188، باب 10، ح41، وإثبات الهداة للحر العاملي، ج3، ص 445، باب 32، ح 27، وجنة المأوي للنوري، ص 320، وهذه المصادر روت هذا الخبر جميعا بأدني تفاوت فراجعه .

هؤلاء الثلاثين له عجل الله فرجه، وهو دليل علي أن المشاهدة حاصلة له علي الدوام، ومن سياق الخبر يفهم أن عزلته - عجل الله فرجه - ترتفع بوجود هؤلاء الثلاثين من حوله.

ومنها: معتبرة المفضل بن عمر، قال : سمعت أبا عبد الله - عليه السلام - يقول:

إن لصاحب هذا الأمر غيبتين، إحداهما تطول حتي يقول بعضهم مات، ويقولبعضهم قتل، ويقول بعضهم ذهب، حتي لا يبقي علي أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع علي موضعه أحد من ولده ولا غيره إلا المولي الذي يلي أمره.(1)

أقول: قوله عليه السلام : إلا المولي الذي يلي أمره دليل علي حصول المشاهدة من المولي الذي يلي أمره لطلعته الرشيدة وغرته الحميدة عجل الله فرجه ، وقوله عليه السلام: لا يطلع علي موضعه أحد من ولده دليل علي أن له ولد، فهذه المعتبرة تدل علي أن ولده - عجل الله فرجه - لا يطلعون علي موضعه، وقد مر في نبأ كناه - عجل الله فرجه - التحقيق في مسألة الولد فراجعه .

ومن يلي أمره - عجل الله فرجه - من مواليه لا يمكن حصره بالفرد الواحد، فإن الدليل لم يدل علي أن للمولي الذي يلي أمره ما هوله - عجل الله فرجه - من طول العمر، فلا شك أن هناك موالي تعاقبوا علي تولي أمره في طول هذه القرون المديدة لغيبته عجل الله فرجه، وتخصيص المولي الذي يلي أمره بسفرائه الأربعة في زمن الغيبة الصغري لا يساعده ظهور المعتبرة، فإن الحديث فيها عن كلا الغيبتين ، وليس الحديث عن مرحلة

ص: 288


1- (1) الغيبة للطوسي، ص 102، وص 162، الطبعة المحققة، والغيبة للنعماني، ص 171، وإثبات الهداة للحر العاملي، ج3، ص 500، ح 280، وبحار الأنوار للمجلسي، ج52، ص 152.

الغيبة الصغري فحسب، وقيد اطلاع المولي مقرون بالمرحلة التي لا يثبت فيها علي العقيدة فيه - عجل الله فرجه - سوي نفر يسير، وهذا واضح في إرادة مرحلة الغيبة الكبري.

ومنها: ما روي بسنده عن إسحاق بن عمار، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام: للقائم غيبتان إحداهما قصيرة والأخري طويلة ، الغيبة الأولي لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته، والأخري لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه.(1)

ومنها: ما روي بسنده عن إسحاق بن عمار - أيضا . قال : قال أبو عبد الله عليه السلام: للقائم غيبتان إحداهما قصيرة، والأخري طويلة، الغيبة الأولي لا يعلم بمكانه إلا خاصة شيعته، والأخري لا يعلم

بمكانه فيها إلا خاصة مواليه في دينه.(2)

أقول: ويظهر من الخبرين إمكانية مشاهدته - عجل الله فرجه - ممن ذكر فيهما، فالخواص في الغيبتين يتشرفون بلقائه - عجل الله فرجه - وتكون لهم الحظوة بمشاهدته، وكلا الخبرين يدلان علي إمكانية المشاهدة في الغيبة الكبري دلالة واضحة، وعلي أن هذه المشاهدة ميسورة الخواص مواليه أرواحنا فداه، وقد مر خبر إسحاق بن عمار الثاني في أخبار النبأ الثالث عشر .

ولو تبنينا التعبير بالغيبة التامة بدلا من التعبير بالغيبة الثانية في خبر السمري - حيث ورد بالتعبيرين في كتب الغيبة - فإن ذلك - أي الأخذ بعبارة الغيبة التامة - يزيد من إشكال الأخذ بمضمونه ، فإن الغيبة التامة لا تكون لمن يشاهده العارفون بفضله والشاكرون الكاملون، والثلاثون، ومن يلوون أمره، وخواص مواليه.

ص: 289


1- الكافي للكليني، الأصول، ج 1، ص 340، كتاب الحجة، باب في الغيبة ،ح19.
2- الغيبة للنعماني، ص 170،ح1.

وإن قلت: إن إطلاع خواص مواليه علي مكانه كما يكون بالمشاهدة يكونبغير المشاهدة، كإخبار أهل البيت عليهم السلام للخواص عن مكانه بنحو الإجمال أو التفصيل من خلال الأخبار المتلقاة بالوسائط عبر اختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فأما إخبارهم عليهم السلام بنحو الإجمال كأن يطلعوا شيعتهم علي مكانه - عجل الله فرجه - بدون تحديد الزمان المعين الخاص لحضوره - عجل الله فرجه - في المكان المعين، كأن يخبروا عليهم السلام بتواجده - عجل الله فرجه - في جنائز المؤمنين وفي تشييعهم وأنه - عجل الله فرجه - يصلي عليهم، فمثل هذا الإخبار الإجمالي بمكانه - أرواحنا فداه - قد صدر من أهل البيت عليهم السلام عموما، ودلت عليه أخبار عدة عنهم عليهم السلام رواها ثلة من المؤرخين والمحدثين كابن شهر آشوب(1)، والقطب الراوندي(2)، وابن حمزة الطوسي(3)، وغيرهم حيث رووا أخبارة عدة عن أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة عليهم السلام يذكر فيها حضور المعصومين عليهم السلام عموما عند جنائز المؤمنين لتشييعهم والصلاة عليهم ونحوه، وكذا وردت أخبار عن حضوره - عجل الله فرجه - موسم الحج في كل عام، وفي مسجد السهلة في كل ليلة أربعاء، ونحو ذلك، فمثل هذا الإخبار الإجمالي تحقق من أهل البيت عليهم السلام عموما في مكانه عجل الله فرجه، أما الإخبار التفصيلي فلم يثبت شيء منه عنهم عليهم السلام ..

وعليه فاطلاع خواص مواليه علي مكانه - عجل الله فرجه - بغير طريق المشاهدة ممكن عن طريق الإخبار الإجمالي الغير محدد بالزمان والمكان المعين بالخصوص، أما إطلاعهم عن طريق الإخبار التفصيلي فهذا مما لم

ص: 290


1- مناقب آل أبي طالب، ج 4، ص 291.
2- الخرائج والجرائح، ج 1، ص 328، وص 331.
3- 331.مدينة المعاجز للبحراني، ص 460، وص 106من الطبعة الحجرية، وإثبات الهداة للحر العاملي، ج 5، ص 575، ح 144، وبحار الأنوار للمجلسي، ج47، ص 251، ح 23، وج 8، ص 73، ح 100.

يدل عليه دليل فيكون إطلاعهم بدون سبق الإخبار التفصيلي من أهل البيت عليهم السلام عموما، وعليه فحمل معني اطلاع خواص مواليه في خبري إسحاق بن عمار المتقدمين علي معني الإخبار التفصيلي - علي النحو الذي بيناه - يكون علي خلاف ما يمكن أن تظهر من بطون هذين الخبرين، أو بعبارة أخري تخصيص معني الخبرين بهذا الحمل تخصيص بغير مخصص ، وهو في معني الإخبار الإجمالي يحتمل فتتسع له دائرة بطون الخبرين، أما في معني الإخبار التفصيلي فلم يدل عليه دليل من أخبار أهل بيت العصمة عليهم السلام، ثم إن مثل هذا الإخبار التفصيلي لو كان منهم عليهم السلام لتنافي مع شروط الغيبة ، فلا يمكن اجتماع غيبته - عجل الله فرجه - مع مثل هذا الإخبار التفصيلي، وكيف يكون غائبا من كان شيعته علي علم تفصيلي بموضعه؟

إلا أن يقال : إن اطلاع خواص مواليه - عجل الله فرجه - علي موضعه بالعلم التفصيلي الخاص بهم دون سواهم لا ينافي الغيبة ، أما في حال العلم التفصيلي عند عموم شيعته . عجل الله فرجه - فالمنافاة هي من المسلمات، ويجاب عنه بالقول: إن مثل هذا العلم التفصيلي الخاص بالمطلعين علي موضعه - عجل الله فرجه - لم يثبت بدليل يحسن السكوت عليه، فإن الإخبار التفصيلي لم يثبت لالخواص مواليه - عجل الله فرجه - ولا لعموم الشيعة .

ومن جملة الأدلة التي يمكن الإستدلال بها علي إمكانية المشاهدة إتصافه - عجل الله فرجه - بأنه مجيب المضطر، ومغيث الملهوف، ومقتضاه مشاهدته لكي تحصل الإجابة والإغاثة في كثير من الأحوال، علي أنه - عجل الله فرجه . من الممكن أن يجيب المضطر ويغيث الملهوف بدون تحقق المشاهدة في كثير من الأحوال أيضا ، وقد يقال : إن الولاية التكوينية الثابتة عندنا وعند المشهور له - عجل الله فرجه - تعين علي إمكانية الإجابة والإغاثة بدون المشاهدة، وقد تتفق المشاهدة من الداعي المضطر، والمستغيث الملهوف، قد تتفق هذه المشاهدة منه ولكن دون أن

ص: 291

يعرفه عجل الله فرجه، كما هو حال الكثير ممن تواترت قصصهم من الذين أجيبوا وأدركوا وأغيثوا ممن يجهلون.

ومن جملة الأدلة علي إمكانية المشاهدة عموم خبر أبي المغرا، عن الإمام أبي الحسن موسي بن جعفر الكاظم عليه السلام ، قال أبو المغرا : سمعته يقول:

من كانت له إلي الله حاجة، وأراد أن يرانا، وأن يعرف موضعه من الله ، فليغتسل ثلاث ليال يناجي بنا فإنه يرانا ،ويغفر له بنا،ولا يخفي عليه موضعه. (1)

أقول: وقد روي هذا الخبر عن أبي المغرا وهو حميد بن المثني الصيرفي، وقد ذكره النجاشي في رجاله قال : حميد بن المثني أبو المغرا العجلي، وقال : كوفي تقي ثقة ، وذكره الطوسي في الفهرست فقال : حميد بن المثني العجلي الكوفي يكني أبا المغرا الصيرفي ثقة له أصل.

وذكر بأنه روي عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أيضا .

وقد أفتي السيد بحر العلوم - أعلي الله مقامه - باستحباب الغسل الوارد في خبر أبي المغرا، وعموم ما فيه استدل به علي إمكانية مشاهدة الحجة - عجل الله فرجه - في جملة أهل البيت عليهم السلام، واستدلوا به علي الرؤيا في عالمي اليقظة والمنام.

جملة من أقوال بعض فقهاء الإمامية في إمكانية المشاهدة

منها: ما قاله السيد المرتضي علم الهدي في جواب من سأله عن إمكانية المشاهدة في عصر الغيبة الكبري، قال - أعلي الله مقامه - :

ص: 292


1- الإختصاص المنسوب للمفيد، ص90، الطبعة المحققة .

أول ما نقوله : إنا غير قاطعين علي أن الإمام لا يصل إليه أحد، ولا يلقاه بشر، فهذا أمر غير معلوم، ولا سبيل إلي القطع عليه ....

وقال أعلي الله مقامه : - أيضا - : إنه غير ممتنع أن يكون الإمام - عليه السلام - يظهر لبعض أوليائه ممن لا يخشي من جهته شيئا من أسباب الخوف، فإن هذا مما لا يمكن القطع علي ارتفاعه وامتناعه، وإنما يعلم كل واحد من شيعته حال نفسه، ولا سبيل له إلي العلم بحال غيره....(1).

ومنها: ما عن الشيخ الطوسي - أعلي الله مقامه - في أجوبة المسائل يقول :

إنا أولا لا نقطع علي استتاره عن جميع أوليائه بل يجوز أن يبرز الأكثرهم،ولا يعلم كل إنسان إلا حال نفسه، فإن كان ظاهرة له فعلته مزاحة، وإن لم يكن ظاهرة علم أنه إنما لم يظهر له لأمر يرجع إليه ، وإن لم يعلمه مفصلا لتقصير من جهته ...(2).

ومنها: ما جاء في وصية السيد ابن طاووس لولده محمد في جملة حديثه فيها عن القائم - عجل الله فرجه - يقول أعلي الله مقامه :

والطريق مفتوحة إلي إمامك - عليه السلام - لمن يريد الله جل شأنه عنايته به وتمام إحسانه إليه ...

(3).

ومنها: ما ذكره المحقق الآخوند صاحب كفاية الأصول - أعلي الله مقامه - في حديثه في الكفاية عن الإجماعات المنقولة بالخبر الواحد - بناء علي القول بحجيتها - ذكر من أقسامها الإجماعات التشرفية ، ومفادها التشرف بلقاء الحجة - عجل الله فرجه - وأخذ

ص: 293


1- تنزيه الأنبياء عليهم السلام للسيد المرتضي، ص 182، وص184.
2- الغيبة للطوسي، ص 99 الطبعة المحققة، وص 68، وص69، الطبعة غيرالمحققة .
3- كشف المحجة لابن طاووس، ص154.

الأحكام عنه، وقال أعلي الله مقامه :

وربما يتفق لبعض الأوحدي وجه آخر من تشرفه برؤيته عليه السلام،وأخذ الفتوي من جنابه، وإنما لم ينقل عنه، بل يحكي الإجماع لبعض دواعي الإخفاء...(1).

أقول: ولسنا في مورد مناقشة كلامه رفع مقامه ، ولكن تقدم بأن مثل هذه الإجماعات تكون حجة علي المتشرف دون سواه، ومحل الشاهد من كلامه هو قوله بإمكانية اتفاق المشاهدة لمن له مثل هذه الإجماعات التشرفية.

ومن جملة أقوال فقهاء الإمامية علي إمكانية المشاهدة ما ذكره المحقق التستري - أعلي الله مقامه - في بحثه لوجوه الإجماعات، قال :

الثاني عشر من وجوه الإجماع - وهو ملحق بها - صورة أن يحصل البعض حملة أسرار الأئمة - عليهم السلام - العلم بقول الإمام الغائب بعينه بنقل أحد سفرائه وخدمته سرة علي وجه يفيد اليقين، أو بتوقيعه و مكاتبته كذلك، أو سماعه منه مشافهة علي وجه لا ينافي امتناع رؤيته في زمن الغيبة فلا يسعه التصريح بما اطلع عليه والإعلان بنسبة القول إليه ولا يجد في سائر الأدلة الموجودة العلمية ما ينهض إثبات ذلك...(2).

أقول: وله كلام طويل - أعلي الله مقامه - أعرضنا عن ذكره لكفاية ما كر علي المقصود.

ومن أقوال فقهاء الإمامية في إمكانية المشاهدة ما ذكره السيد بحرالعلوم - أعلي الله مقامه - في بحثه مسألة الإجماعات حيث يقول:

ص: 294


1- كفاية الأصول، المقصد السادس في بحث الأمارات، بحث الإجماع المنقول، ص 288، وص289، طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث في بيروت، الطبعة المحققة .
2- كشف القناع، بحث وجوه الإجماع، ص 230، وص231، الطبعة الحجرية .

وربما يحصل لبعض حفظة الأسرار من العلماء الأبرار العلم بقول الإمام - عليه السلام - بعينه علي وجه لا ينافي امتناع الرؤية في مدة الغيبة ، فلا يسعه التصريح بنسبة القول إليه - عليه السلام - فيبرزه في صورة الإجماع جمع بين الأمر بإظهار الحق والنهي عن إذاعة مثله بقول مطلق ... (1).

أقول: وفي نقلنا لبعض هذه الأقوال غايتنا منه موضع الشاهد وهو إمكانية المشاهدة، ولم نذكر أدلتهم لكوننا اكتفينا بما طرحنا في مقام الإستدلال علي الرأي المختار، كما أننا لم نناقش في أقوالهم في الجملة، للسبب الذي ذكرناه .

اللهم إني أسألك بحق وليك وحجتك، صاحب الزمان إلا أعنتني به علي جميع أموري، وكفيتني به مؤنة كل مؤذ، وطاغ، وباغ، وأعنتني به، فقد بلغ مجهودي، وكفيتني كل عدو وهم وغم ودين وولدي، وجميع أهلي، وإخواني، ومن يعنيني أمره، وخاصتي، آمين رب العالمين.

أللهم كن لوليك القائم بأمرك الحجة بن الحسن المهدي في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا، وحافظة، وقائدة، وناصرة، ودليلا ، ومؤيدة ، حتي تسكنه أرضك طوعة، وتمتعه فيها طولا وعرضا، برحمتك يا أرحم الراحمين .

وأنا المنتظر الولهان أقل خدمة بقية الله في أرضه إبراهيم بن أحمد بن عباس بن حسين بن علي بن محمد آل خازم العاملي عامله الله ووالديه بلطفه بشفاعة النبي وعترته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وآخر دعوانا أن ربنا اغفر وارحم وأنت خير الراحمين، والحمد لله رب العالمين .

ص: 295


1- الفوائد الرجالية، ج 3، ص 321.

ص: 296

الفهرس

الديباجة ...9

التمهيد وفيه عشرة مقاصد تحتوي علي الضروريات العقائدية الكلامية لمباحث الإمامة ...13

المقصد الأول: في معني الإمامة...15

المقصد الثاني : في وجوب الإمامة ...19

المقصد الثالث: في بعض أدلة الإمامية علي وجوب الإمامة بالنص عقلا علي الله سبحانه ...26

المقصد الرابع : في شرائط الإمامة ...31

المقصد الخامس: في بيان طرق معرفة الإمام ...38

المقصد السادس : فيمن مات ولم يعرف إمامه ...40

المقصد السابع : في جملة من صفات الإمام ...44

المقصد الثامن: في عدم مدخلية البلوغ في الإمامة ......... 49

المقصد التاسع: في أن الإمامة في الأعقاب ...51

المقصد العاشر: في أن الأرض لا تخلو من حجة وأن الحجج إثنتا عشرة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله ... 52

ص: 297

الأنباء العشرون وتتضمن العديد من المباحث القرآنية والروائية والكلامية والتاريخية ...57

النبأ الأول : في جملة من النصوص القرآنية الدالة علي الحجة عجل الله فرجه وفيه جملة من الآيات المنزلة والمؤولة ...59

توطئة ...59

جملة من الآيات المنزلة فيه عجل الله فرجه ...59

جملة من الآيات المؤولة فيه عجل الله فرجه...66

التفرقة بين التنزيل والتأويل والتفسير والتطبيق ...70

النبأ الثاني : في مولده عجل الله فرجه وبيان فضل ليلته وفضل زيارة الحسين صلوات الله عليه فيها ...74

تحقيق في مولده عجل الله فرجه ...74

في فضل ليلة مولده عجل الله فرجه ...77

في فضل زيارة الحسين صلوات الله عليه ليلة النصف من شعبان ...81

النبأ الثالث: في حديث حمله ووضعه عجل الله فرجه والتحقيق فيه تحقيق في طرق حديث حمله ووضعه عجل الله فرجه ...83

حديث حمله ووضعه عجل الله فرجه ...84

النبأ الرابع : في نسبه وتحديد أبيه وفيه جملة من الأدلة من كتب العامة علي نسبة عجل الله فرجه...90

معالجة جملة من الأقوال في نسبة عجل الله فرجه ...90

جملة من الأدلة من كتب العامة علي نسبة عجل الله فرجه ...92

النبأ الخامس: في جملة من أحوال أمه عجل الله فرجه وفيه خبر وصولها للعسكري صلوات الله عليه ...94

ص: 298

جملة من أحوال أمه عجل الله فرجه ...94

خبر كيفية وصول السيدة نرجس للعسكري عليه السلام ...97

النبأ السادس: في خلاف الفرق فيه عجل الله فرجه ...101

معالجة المزيد من أقوال الخلاف فيه عجل الله فرجه ...101

النبأ السابع : في جملة من أسمائه عجل الله فرجه...106

الأول : محمد ...106

الثاني : أحمد ...107

الثالث: عبد الله ...107

الرابع : المهدي ...107

الخامس: المنصور...108

السادس: المؤمل ...108

السابع : المنتظر...108

الثامن : القائم ...109

النبأ الثامن: في جملة من ألقابه عجل الله فرجه ...112

الأول: بقية الله ...112

الثاني: خليفة الله...113

الثالث : حجة الله ...113

الرابع : نور الله ...115

الخامس: ولي الله ...116

السادس: أمير الأمرة ...116

السابع : الحق ...117

ص: 299

الثامن : خاتم الأوصياء...117

التاسع: الخلف الصالح...118

العاشر: صاحب الزمان... 118

الحادي عشر : يعسوب الدين...119

النبأ التاسع: في جملة من كناه عجل الله فرجه والتحقيق فيها وفي أخبارها ...122

الأولي : أبو القاسم ... 122

الثانية : أبو عبد الله ...123

تحقيق في أخبار كناه عجل الله فرجه ...126

النبأ العاشر: في التحقيق في تسميته عجل الله فرجه وفيه مناقشة لجملة من الأقوال والأخبار وبيان للرأي المختار ...135

توطئة ...135

جملة من أقوال العلماء في تحريم تسميته عجل الله فرجه .... 137

الأخبار التي استدل بها علي حرمة تسميته عجل الله فرجه ... 138

الرأي المختار ...144

النبأ الحادي عشر: في جملة من صفاته عجل الله فرجه ...152

النبأ الثاني عشر: في جملة من خصائصه عجل الله فرجه ...157

النبأ الثالث عشر: في أن له غيبتين عجل الله فرجه وفيه ترد إشكالية مضللة وشواهد علي إمكانية الغيبة العرفية الإصطلاحية ...161

رد إشكالية مضللة ...163

شواهد علي إمكانية الغيبة ...166

ص: 300

النبأ الرابع عشر: في جملة من أحوال نواب الغيبة الصغري وفيه مناقشة مضمونية تمهيدية في خبر السمري ...169

توطئة ...169

النائب الأول : الشيخ أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري الأسدي ...170

النائب الثاني: أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري الأسدي ...173

النائب الثالث: الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي ...176

النائب الرابع: أبو الحسن علي بن محمد السمري ...180

مناقشة مضمونية تمهيدية في خبر السمري ...183

النبأ الخامس عشر: الوجه في طول عمره عجل الله فرجه وفيه كلام العلماء الطبيعيين في تأكيد إمكانية إطالة العمر ... 187

الأخبار الدالة علي طول عمره عجل الله فرجه ...

أقوال العلماء الإلهيين في طول عمره عجل الله فرجه ...189

بعض الكتب التي تعرضت لذكر المعمرين ...190

شواهد من المعمرين ...191

العلماء الطبيعيون يؤكدون إمكانية إطالة العمر...194

النبأ السادس عشر: في العلامات الحتمية لظهوره عجل الله فرجه وفيه تحقيق في معني الحتمية وبيان لمعني البداء عند الإمامية ...199

تحقيق في معني الحتمية...199

معني البداء عند الإمامية ...204

ص: 301

بعض أخبار العلامات الحتمية ...209

النبأ السابع عشر: في العلامات غير الحتمية لظهوره عجل الله فرجه وفيه تحقيق في معني غير الحتمية وذكر لبعض أخبارالعلامات غير الحتمية ...214

تحقيق في معني غير الحتمية ...214

بعض أخبار العلامات غير الحتمية ...216

النبأ الثامن عشر: في ذكر أصحابه عجل الله فرجه والتحقيق في ذلك ...224

جملة من الأخبار الدالة علي عددهم وأنهم يفتقدون من فرشهم ...224

في جملة من الأخبار الدالة علي جملة من صفاتهم...226

في أنهم يبايعونه بين الركن والمقام ...227

في أن بعضهم أفضل من بعض ...227

تحقيق في أصحابه عجل الله فرجه ...228

النبأ التاسع عشر: في بيان بعض ما يجري بعد ظهوره عجل الله فرجه وفيه خطبته عند الظهور وبيان معني الرجعة عند الإمامية ...234

خطبته عند ظهوره عجل الله فرجه ...242

جملة من أخبار الرجعة ...243

معني الرجعة عند الإمامية ...245

جملة من الآيات الدالة علي الرجعة ...247

النبأ الأخير: في تكذيب الوقاتين والحث علي انتظار الفرجوفيه تحقيق في معني التوقيت ...251

ص: 302

جملة من أخبار تكذيب الوقاتين ...251

تحقيق في معني التوقيت ...252

جملة من أخبار الحث علي انتظار الفرج ...254

الخاتمة: وتحتوي علي ثلاثة مطالب ...259

المطلب الأول: في بيان حرمة ادعاء المهدوية ...261

جماعة اشتهروا بدعوي المهدوية ...263

المطلب الثاني: في بيان حرمة ادعاء البابية ...267

الرد علي نظرية الإتحاد والحلول أو الوحدة المطلقة عند الفرقة

البابية ...269

من اشتهر من دعاة البابية ...270

المطلب الثالث: في إثبات إمكانية المشاهدة ...279

سند خبر السمري ...280

دلالة خبر السمري ...284

الرأي المختار ...286

جملة من أقوال بعض فقهاء الإمامية في إمكانية المشاهدة...292

الفهرس ...297

ص: 303

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.