مصباح المنهاج - كتاب التجارة المجلد 4

اشارة

مصباح المنهاج - كتاب التجارة

سيد محمد سعيد طباطبايي حكيم

دارالهلال

الطبعة الاولي

1427ه - 2006م

ص: 1

اشارة

مصباح المنهاج

ص: 2

مصباح المنهاج - كتاب التجارة

سيد محمد سعيد طباطبايي حكيم

دارالهلال

ص: 3

مصباح المنهاج - كتاب التجارة

سيد محمد سعيد طباطبايي حكيم

دارالهلال

الطبعة الاولي

1427ه - 2006م

ص: 4

الجزء الرابع

(5)

تذنيب

في أحكام الشرط (1)

(مسألة 63): كما يجب الوفاء بالعقد اللازم يجب الوفاء بالشرط

---------------

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وآله الطاهرين ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين إلي يوم الدين.

(1) المراد بالشرط هنا ما يتضمن جعل شيء من فعل خارجي يفعله المشروط عليه، كخياطة الثوب، أو أمر وضعي يثبت عليه، كملكية ثمرة شجرته واستحقاق الخيار في عقده. لأن ذلك هو القابل للإمضاء بأدلة الشروط الآتية.

أما الأمور التي يبتني عليها من دون أن تكون كذلك فهي: تارة: تكون شرطاً في ترتب مضمون العقد، بحيث يكون المضمون منوطاً بها ومعلقاً عليها نظير تعليق العتق والتمليك علي موت المالك في التدبير والوصية التمليكية. وأخري: يكون العقد بنفسه مبنياً علي تحققها من دون أن يكون مضمونه معلقاً عليها، نظير الداعي لإيقاع العقد.

والأول لا يصلح للإمضاء بنفسه وحده، لكونه طرفاً في النسبة التي يتضمنها العقد، من دون أن يكون بنفسه نسبة قابلة للإمضاء.

نعم، يمكن إمضاء العقد الذي يتضمن النسبة التي يكون الشرط طرفاً لها.

لكن ثبت عدم إمضائه نوعاً. للإجماع علي بطلان التعليق، إلا في موارد خاصة.

ص: 5

الكلام في الشروط

المجعول فيه (1)، كما إذا باعه فرساً بثمن معين واشترط عليه أن يخيط

---------------

أما الثاني فهو غير قابل للإمضاء، لعدم اقتضاء الاشتراط جعله، بل هو مفروض الوجود خارجاً حين العقد.

فإن طابق فرضه الواقع، وإلا لم ينقلب الواقع عما هو عليه. غاية الأمر أن يثبت الخيار بتخلفه.

نعم بناءً علي أن منشأ ثبوت الخيار هو رجوع اشتراط الوصف إلي اشتراط الخيار بتخلفه كما سبق من بعض مشايخنا (قده) فالشرط القابل للإمضاء ليس هو الوصف المشروط في المعاملة، بل الخيار المشروط بتخلفه تبعاً لاشتراطه، وهو الذي يدخل في محل الكلام، لأن الخيار حق قابل للجعل والإمضاء. لكن تقدم منّا في أواخر المسألة الثالثة في فروع خيار المجلس المنع من ذلك. فراجع.

(1) بلا إشكال ظاهر، ويظهر من كلماتهم المفروغية عنه. ويقتضيه ما يستفاد من النصوص الكثيرة من عموم نفوذ الشرط(1). فإن الشرط ضمن العقد متيقن من العموم المذكور. وقد سبق منّا في أول كتاب التجارة تمام الكلام في تحديد الشرط الذي هو موضوع العموم. فراجع.

بل الظاهر نهوض عموم لزوم الوفاء بالعقود به، كما أشار إليه في الجواهر، لأنه جزء مضمون العقد، وإن كان خارجاً عن البيع والإجارة ونحوهما من الخصوصيات الزائدة علي العقد.

ومنه يظهر الإشكال فيما في الجواهر من استفادته من مثل قوله تعالي: (إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ)(2). إلا أن يدعي استفادته منه تبعاً.

فتأمل.

هذا ومقتضي عموم نفوذ الشرط وجوب الوفاء به في ضمن العقد الجائز أيضاً. ومجرد جواز فسخ العقد لا ينافي وجوب الوفاء بالشرط الواقع في ضمنه مادام العقد لم

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 6 من أبواب الخيار، وج: 15 باب: 20، 40 من أبواب المهور، وج: 16 باب: 4، 11 من أبواب المكاتبة وغيرها.

(2) سورة النساء الآية: 29.

ص: 6

(7)

له ثوباً، فإن البائع يملك علي المشتري الخياطة بالشرط (1)، فيجب عليه

---------------

يفسخ، كما تقدم عند الكلام في اشتراط سقوط خيار المجلس.

(1) بناءً علي ما سبق منّا في المسألة الثالثة من الفصل السابق من أن مفاد أدلة نفوذ الشرط ليس مجرد وجوب العمل علي طبق الشرط تكليفاً - كما سبق من بعض مشايخنا (قده) - بل استحقاق المشترط للأمر المشروط، ووجوب العمل عليه تابع لاستحقاقه، كوجوب وفاء الدين. لأن الشرط عرفاً كالعقد يبتني علي جعل الحق، فيكون مفاد دليل نفوذه إمضاء ذلك. ولذا كان للمشترط إسقاط شرطه، ولم يكن ذلك منافياً لأدلة نفوذه. كما كان له إجبار المشروط عليه علي تنفيذ الشرط. بخلاف ما لو كان حكماً تكليفياً محضاً، علي ما يأتي توضيحه في المسألة الرابعة والستين إن شاء الله تعالي.

ومثله في الإشكال ما في اللمعة والتنقيح من عدم وجوب فعل الأمر المشروط علي المشروط عليه، وأن فائدة الشرط هو لزوم الخيار بتخلفه لا غير.

إذ فيه: أن ذلك إن كان لدعوي أن مفاد الاشتراط مجرد جعل الخيار علي تقدير عدم تحقق الأمر المشروط، من دون أن يتضمن جعل الأمر المشروط علي الشارط وإلزامه به. فهو خروج عن محل الكلام وعن ظاهر الاشتراط. بل هو لا يناسب ما ذكراه تبعاً للأصحاب من اعتبار كون الأمر المشروط مقدور أو سائغاً. لظهور أنه لا محذور في اشتراط الخيار وجعله بتخلف الأمر غير المقدور أو غير السائغ.

وإن كان لدعوي: أن مفاد الشرط وإن كان هو جعل الأمر المشروط علي المشروط عليه، إلا أن ذلك لا يكفي في إلزامه به شرعاً، لعدم وجوب طاعة المشروط عليه للمشترط.

ففيه: أنه يكفي في إلزامه به شرعاً بضميمة ظهور أدلة نفوذ الشرط في إمضائه. بل صريح بعضها، كموثق إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه: «إن علي بن أبي

ص: 7

خياطة ثوب البائع ويشترط في وجوب الوفاء بالشرط أمور: منها: أن لا يكون مخالفاً للكتاب والسنة (1)، بأن لا يكون الشرط

---------------

طالب (عليه السلام) كان يقول:

من شرط لامرأته شرطاً فليف لها به، فإن المسلمين عند شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً» (1) .

وأما ما عن بعض تحقيقات الشهيد (قده) من أن الشرط قد علق عليه العقد، والمعلق علي الممكن ممكن، وهو معني قلب اللازم جائزاً.

ففيه: أولاً: أن العقد غير معلق علي الشرط.

وإلا بطل، لما هو المعلوم من إجماعهم علي مبطلية التعليق للعقود. مضافاً إلي ما هو المعلوم من عدم توقف ترتب مضمون العقد علي تحقق الشرط لا في المقام ولا في غيره. إلا أن يريد تعليق لزومه عليه، بمعني ثبوت الخيار بتخلفه، فيرجع لما تقدم من بعض مشايخنا (قده).

وثانياً: أن ذلك يقتضي جواز العقد تبعاً لجواز الشرط، دون العكس، فلا ينافي استحقاق المشترط للأمر المعلق عليه، ووجوبه علي المشروط عليه، تبعاً لمفاد الشرط ودليل إمضائه شرعاً.

(1) كما صرح به غير واحد والظاهر الإجماع عليه، لظهور بعض كلماتهم في المفروغية عنه. ويستدل عليه بوجهين: الأول: أن نفوذ الشرط إن كان مع بقاء الحكم الذي تضمنه الكتاب أو السنة لزم التنافي بين الجعلين.

وإن كان مع ارتفاعه فهو مناف لإطلاق دليل الحكم الذي تضمنه الكتاب والسنة. ودعوي: أن ذلك مقتضي الجمع بين إطلاق أدلة تلك الأحكام وإطلاق أدلة نفوذ الشرط، لظهور أن نفوذ الشرط من سنخ الحكم الثانوي، ومن المعلوم أن أدلة الأحكام الثانوية مقدمة علي أدلة الأحكام الأولية، وحاكمة عليها حكومة عرفية.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 15 باب: 4 من أبواب المهور حديث: 45.

ص: 8

(9)

مدفوعة بأن الحكومة المذكورة إنما تتم في الأحكام الثانوية التي تكون موضوعاتها خارجة عن اختيار المكلف نوعاً، كالضرر والحرج والاضطرار والإكراه والغفلة والجهل والنسيان ونحوها، حيث تكون أدلتها حاكمة عرفاً علي أدلة الإلزام الأولي. ولاسيما مع ورودها مورد التسهيل والامتنان.

وهذا بخلاف ما إذا كان موضوع الحكم الثانوي تابعاً للناس، بحيث يكون بإرادتهم أو جعلهم، كالنذر والعهد واليمين، والوصية والوقف والعقد والشرط والصلح وأمر الوالدين والزوج والتماس المؤمن ونحوها، حيث لا مجال للبناء علي حكومة دليله علي أدلة الأحكام الأولية، بل الأمر بالعكس ارتكازاً، لما هو المعلوم من ابتناء الأحكام الأولية علي مصالح غير مدركة للإنسان، فلو بني علي تحكيم مثل هذه العناوين الثانوية عليها لزم فتح باب الفوضي والتلاعب بأحكام الدين واضمحلاله. وإلي هذا يرجع قوله (عليه السلام) في صحيح محمد بن قيس: «فقضي في ذلك أن شرط الله قبل شرطكم»(1) ونحوه مرسل العياشي(2).

بل النصوص المتضمنة لعدم نفوذ ذلك الشرط المخالف للكتاب والسنة والمتضمنة عدم طاعة المخلوق في معصية الخالق ونحوها تبتني علي المفروغية عن ذلك، لعدم تحقق المخالفة والمعصية إلا في فرض بقاء الحكم الأولي علي إطلاقه بحيث يشمل مورد الشرط وطاعة المخلوق.

ومن الظاهر ارتكازية مضمونها، حيث يكشف ذلك عن ارتكازية ما ذكرناه من تقديم أدلة الأحكام الأولية في مثل ذلك.

وبذلك يظهر أن الأدلة وإن قامت في كثير من موارد هذا القسم علي تقديم عموم الحكم الأولي، إلا أن ارتكازية ذلك تقتضي البناء عليه حتي في الموارد الخالية عن الأدلة الخاصة. والظاهر مفروغية الأصحاب عن ذلك بحسب مرتكزاتهم البدوية، وإن لم يتعرضوا لذلك بتوضيح.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 15 باب: 14 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه حديث: 2.

(2) وسائل الشيعة ج: 15 باب: 20 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه حديث: 6.

ص: 9

نعم ثبت تقديم الحكم الثانوي في بعض موارد هذا القسم علي الحكم الأولي، كما في نذر الصوم في السفر والإحرام قبل الميقات وغيرهما.

لكن ليس لتقديم عموم الحكم الثانوي علي عموم الحكم الأولي، بل للنصوص الخاصة، حيث تكون هي المخصصة لعموم الحكم الأولي في الموارد المذكورة.

ومثله ما قد يدعي من جريان حكم تعارض العامين من وجه من التساقط مع عدم المرجح. كما يناسبه ما عن النراقي في العوائد من أن المرجح في مثل اشتراط شرب الخمر هو الإجماع، وما لم يكن فيه مرجح يعمل فيه بالقواعد والأصول. إذ يظهر وهنه مما سبق من قضاء المرتكزات بتحكيم عمومات الأحكام الأولية. فلاحظ.

الثاني: النصوص الكثيرة المتضمنة لعدم نفوذ الشرط المخالف للكتاب والسنة. كصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: المسلمون عند شروطهم، إلا كل شرط خالف كتاب الله عز وجل، فلا يجوز»(1) ، وصحيحه الآخر: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الشروط في الإماء لا تباع ولا توهب. قال: يجوز ذلك، غير الميراث، فإنها تورث، لأن كل شرط خالف الكتاب باطل»(2). وصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام): «أنه قضي في رجل تزوج امرأة، وأصدقته هي، واشترطت عليه أن بيدها الجماع والطلاق. قال: خالفت السنة، ووليت حقاً ليست بأهله.

فقضي أن عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق.

وذلك السنة»(3) ، ونحوه مرسل ابن بكير(4).

وهو المناسب لما ورد من بطلان اشتراط بائع المملوك أن ولاءه له(5) حيث كان ثبوت الولاء للمعتق مستفاداً من السنة الشريفة.

وقد يستفاد من غيره.

هذا ولا يبعد أن يكون المراد من الكتاب ولو في بعض هذه النصوص كل ما كتبه الله تعالي، لا خصوص القرآن المجيد، كما استظهره شيخنا الأعظم (قده) في

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 6 من أبواب الخيار حديث: 2، 3.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 6 من أبواب الخيار حديث: 2، 3.

(3) وسائل الشيعة ج: 15 باب: 29 من أبواب المهور حديث: 1.

(4) وسائل الشيعة باب: 42 من أبواب مقدمات الطلاق وشروطه حديث: 1.

(5) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 52 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 2.

ص: 10

الجملة. ولا أقل من إلغاء خصوصيته، للقطع بعدم الفرق بين أحكامه تعالي، كما عن بعض مشايخنا (قده). بل هو مقتضي إطلاق قوله (عليه السلام): «شرط الله قبل شرطكم».

ثم إن بعض النصوص قد تضمن أمرين آخرين: الأول: اشتراط موافقة الكتاب في صحة الشرط، كصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام): «سمعته يقول: من اشترط مخالفاً لكتاب الله فلا يجوز له، ولا يجوز علي الذي اشترط عليه.

والمسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب الله»(1).

وقد يستفاد من معتبره عنه (عليه السلام): «في رجل قال لامرأته: إن نكحت عليك أو تسريت فهي طالق.

قال: ليس ذلك بشيء.

إن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: من اشترط شرطاً سوي كتاب الله فلا يجوز ذلك له ولا عليه»(2).

قال شيخنا الأعظم (قده): «ولا يبعد أن يكون المراد بالموافق عدم المخالفة، نظراً إلي موافقة ما لم يخالف كتاب الله بالخصوص لعموماته المرخصة للتصرفات الغير المحرمة في النفس والمال. فخياطة البائع مثلاً موافق للكتاب بهذا المعني». وفيه: أولاً: أنه لم يتضح وجود عموم كتابي يقتضي عموم الحل في غير النكاح بلحاظ المنكوحة.

وثانياً: أن ذلك إنما يقتضي أن كل شرط غير مخالف فهو موافق. لا أن الموافقة بمعني عدم المخالفة، كما نبه لذلك سيدنا المصنف (قده). ويظهر الأثر لذلك عند الشك، حيث يكون المرجع فيه أصالة عدم المخالفة، لا أصالة عدم الموافقة.

ومنه يظهر حال ما عن بعض الأعاظم وبعض مشايخنا (قدس سرهما) من أن الأثر إنما يظهر فيما إذا كان المراد من الكتاب خصوص القرآن المجيد.

أما حيث كان المراد مطلق ما كتبه الله تعالي، فلا واسطة في البين، لاستيعاب أحكامه عز وجل للوقائع، فكل ما لا يخالف يكون موافقاً.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 6 من أبواب الخيار حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 15 باب: 38 من أبواب المهور حديث: 2.

ص: 11

إذ هو لو تم إنما يقتضي التلازم خارجاً بين الموافقة وعدم المخالفة، لا الاتحاد المفهومي، بحيث يراد بالموافقة عدم المخالفة، كي يكون المرجع عند الشك هو أصالة عدم المخالفة.

فالعمدة في المقام: أن الشرط حيث يتضمن استحقاق المشترط علي المشروط عليه فهو جعل مباين للأحكام الشرعية الأولية التكليفية والوضعية، ولا يكون موافقاً لشيء منها.

إلا أن يكون مؤكداً لها، كاشتراط الزوجة الإنفاق.

وحيث يعلم بعدم إرادة خصوص ذلك، فالمتعين حمل الموافقة علي خصوص عدم المخالفة.

ولعله المناسب للجمع بين صدر صحيح عبد الله بن سنان المتقدم وذيله.

حيث قد يكون ظهور الصدر في أن المعيار في صحة الشرط علي عدم المخالفة قرينة علي حمل ما في الذيل من شرطية الموافقة علي ذلك.

بل هو المتعين بلحاظ ما سبق.

ولاسيما مع استفاضة النصوص الظاهرة في أن المعيار فيه علي عدم المخالفة.

الثاني: أنه يعتبر في نفوذ الشرط أن لا يكون محرماً للحلال أو محللاً للحرام.

ففي موثق إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه: «إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يقول: من شرط لامرأته شرطاً فليف لها به، فإن المسلمين عند شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً»(1). وهو بظاهره لا يخلو من إشكال.

إذ الشرط بطبعه محرم للحلال ومانع منه، لأنه يتضمن الإلزام بالأمر المشروط والمنع من تركه مع جواز تركه لولا الشرط. كما أنه لو فرض تعلقه بالحرام فهو ملزم به لا مسوغ له ومحلل. وحمل التحليل في الحديث علي ما يعم ذلك لا يخلو عن تكلف.

ومن هنا كان الظاهر رجوعه لمفاد النصوص المشهورة المتضمنة لمانعية المخالفة للحكم الشرعي من نفوذ الشرط، حيث يشيع عرفاً التعبير بذلك عن المخالفة للحكم الشرعي والخروج عليه.

ولا أقل من لزوم حمله علي ما ذكرناه بقرينة النصوص

********

(1) وسائل الشيعة ج: 15 باب: 4 من أبواب المهور حديث: 4.

ص: 12

(13)

مخالفة الشرط للحكم الشرعي الاقتضايي

علي خلاف الحكم الشرعي الاقتضائي (1) كما إذا استأجره للعمل في نهار

---------------

المشهورة.

ومن جميع ما سبق يظهر أن المعيار في هذا الشرط هو عدم مخالفته للحكم الشرعي، كما تضمنته النصوص الكثيرة.

وما قد يوهم أمراً آخر راجع إليه أو محمول عليه.

(1) بعد الفراغ عن مانعية مخالفة الحكم الشرعي من صحة الشرط، وبعد ما هو المعلوم من أن الشرط يقتضي تبدل حكم الأمر المشروط، واختلاف عمل المكلف بالإضافة إليه.

وقع الكلام بينهم في تمييز الشروط المخالفة للحكم الشرعي عن غيرها.

وقد ذكر شيخنا الأعظم (قده) أن الحكم الشرعي إن ثبت لموضوعه في نفسه مجرداً عن ملاحظة عنوان زائد طارئ عليه لم يكن الشرط منافياً ومخالفاً له.

وإن ثبت له بنحو الإطلاق، لا بقيد التجرد عن العناوين الثانوية الطارئة تعين منافاة الشرط ومخالفته له.

وقد رتب علي ذلك أن الأحكام التكليفية غير الإلزامية من القسم الأول، وغالب الأحكام الإلزامية من القسم الثاني.

وفيه: أولاً: أن مقتضي إطلاق أدلة جميع الأحكام ثبوتها لموضوعاتها ولو مع طروء العناوين الثانوية.

ولذا كان تقديم حكم العنوان الثانوي مبنياً علي الجمع العرفي بين دليله ودليل الحكم الأولي، لا علي قصور دليل الحكم الأولي عن مورد العنوان الثانوي رأساً، من دون فرق في ذلك بين الأحكام الإلزامية وغيرها.

وثانياً: أن المراد بالعنوان الثانوي إن كان هو كل عنوان زائد علي الذات يمكن ثبوتاً أن يرفع حكمها الأولي فالموضوع دائماً معرض لشيء من هذه العناوين ولو مثل رغبة المكلف أو بعض متعلقيه في مخالفته.

فإذا فرض أن الحكم الأولي ثابت للذات بما هي مع قطع النظر عن ثبوت العناوين الثانوية لها لزم عدم إحراز فعليته من الإطلاق، لعدم الدافع لاحتمال ارتفاعه بطروء العناوين المختلفة.

ص: 13

وإن كان المراد بالعنوان الثانوي خصوص العناوين التي ثبت رفعها للأحكام الأولية كالحرج والضرر والشرط ونحوها رجع كلامه (قده) إلي أن الحكم الذي يرتفع بالشرط لا يكون الشرط مخالفاً له، والحكم الذي لا يرتفع به يكون الشرط مخالفاً له.

وهي قضية بديهية أشبه بالقضية بشرط المحمول، لا تصلح لأن تكون ضابطاً عملياً في مقام الشك.

ومن هنا لا يرجع ما ذكره (قده) إلي محصل ينفع في مقام العمل، ويرجع إليه عند الشك.

أما سيدنا المصنف (قده) فقد أشار هنا إلي وجه آخر في ضابط المخالفة للكتاب وذكره في درسه لكتاب المضاربة، كما ذكره في حاشيته القديمة، ونسبه لأستاذه المعاصر.

وحاصله: أن الحكم الشرعي إن كان ناشئاً عن ثبوت المقتضي له كان الشرط المخالف له مخالفاً للكتاب، فيفسد، لمزاحمته بمقضي الحكم الشرعي.

وإن كان ثبوته لمجرد عدم ثبوت المقتضي لغيره من الأحكام الشرعية لم يكن الشرط المخالف له مخالفاً للكتاب، لعدم مزاحمة مقتضي نفوذ الشرط بمقتضي آخر.

وقد ذكر في درسه لكتاب المضاربة أن المرجع في التمييز بين القسمين هو المرتكزات العرفية، لاستفادة حجيتها بالإطلاق المقامي لأدلة بطلان الشرط بمخالفة الكتاب، لأن ورودها في مقام بيان الحكم العملي مع عدم شرحها لمعني المخالفة ظاهر في التحويل علي العرف في معناها وتشخيصها.

والمرتكزات المذكورة تقضي بكون الأحكام الإلزامية ناشئة عن مقتض يقتضيها، بخلاف الأحكام غير الإلزامية، فإنها ناشئة عن عدم المقتضي للإلزام.

ويشكل أولاً: بأن مخالفة الشرط للحكم الشرعي إنما تكون بمخالفته لمقتضاه عملاً، من دون نظر إلي منشأ ثبوت الحكم، وأنه ثبت لوجود المقتضي له، أو لعدم المقتضي لخلافه.

فجعل المعيار في المخالفة وعدمها علي ثبوت المقتضي للحكم وعدم ثبوت المقتضي له غير ظاهر المنشأ، فضلاً عن أن يستفاد من الإطلاق المقامي الإرجاع للعرف في تشخيصه.

ص: 14

وثانياً: بأنه لم يتضح بناء العرف بمرتكزاتهم علي أن الأحكام غير الإلزامية ناشئة عن عدم المقتضي للإلزام، لا عن وجود المقتضي لعدم الإلزام ولو مثل مصلحة التسهيل علي المكلفين.

وثالثاً: بأن لازم ذلك عدم صحة شرط ترك المستحب أو فعل المكروه.

إذ لا إشكال في كون الاستحباب والكراهة ناشئين عن المقتضي، كما اعترف (قده) بذلك.

لكنه قال: «ثم إنه لا ضير في الالتزام ببطلان الشرط إذا اقتضته قاعدة الأخذ بظاهر الأدلة بلا وحشة في ذلك أصلاً، وإن لم أجد من صرح به.

بل لعل ظاهرهم خلافه».

وهو كما تري مما تأباه المرتكزات العرفية التي جعلها (قده) المعيار في تشخيص المخالفة للكتاب بمقتضي الإطلاقات المقامية.

ولعل الأولي أن يقال: لما كان مبني الشرط والعقد علي التصرف بجعل الحقوق الملزمة بين أطرافها فلابد من قصور المخالفة للحكم الشرعي المانعة من نفوذهما عن المخالفة المترتبة علي السلطنة التي جعلها الشارع الأقدس للأطراف، فتمليك الإنسان لماله وعمله وإن كان مخالفاً بدواً لحكمهما الثابت لهما قبل العقد والشرط، إلا أنه حيث كان مستنداً للسلطنة التي جعلها الشارع له علي نفسه وماله فلابد من قصور المخالفة للحكم الشرعي المانعة من نفوذهما عن مثل هذه المخالفة، وإلا لم يبق لنفوذ العقد والشرط مورد.

بل ليست هي مخالفة عرفاً بعد استنادها للشارع نفسه.

ولذا لا يكون الوقف والوصية والعهد والنذر واليمين ونحوها مخالفة للحكم الشرعي، وإن كانت سبباً لتبدله.

ويتعين اختصاص المخالفة المذكورة بما إذا قصرت السلطنة شرعاً عن موضوع العقد والشرط بسبب الحكم الشرعي.

وعلي ذلك فالحكم التكليفي إن كان إلزامياً فحيث كان مانعاً من سلطنة المكلف علي مخالفته ولو بإطلاقه تعين عدم صحة الشرط والعقد المخالفين له.

ص: 15

شهر رمضان بشرط أن يفطر (1)، أو زوجه أمته بشرط أن يكون ولدها

---------------

إلا أن يقوم الدليل الخاص علي نفوذهما، فيكون دالاً علي تقييد إطلاق الحكم الإلزامي في مورد الشرط والعقد وقصوره، بحيث لا يوجب قصور سلطنة المكلف، ولا يكونان مخالفين للحكم الشرعي.

وإن لم يكن إلزامياً فحيث لا يكون مانعاً من سلطنة المكلف يتعين نفوذ الشرط والعقد في مورده.

إلا أن يدل دليل خاص علي عدم نفوذهما، فيكشف عن قصور السلطنة في مورد الحكم غير الإلزامي، ويكونان مخالفين للحكم الشرعي.

وهكذا الحال في الحكم الوضعي، فما كان منه تابعاً للسلطنة كتمليك المال والعمل ينفذ فيه الشرط والعقد.

إلا أن يقوم الدليل الخاص علي عدم نفوذهما، فيكشف عن قصور السلطنة عليه في مورده، ويكون الشرط والعقد مخالفين للحكم الشرعي.

وما لم يكن تحت السلطنة كالميراث والولاء، ونتائج العقود والإيقاعات التابعة لأسبابها، ككون الشيء مبيعاً والمرأة مطلقة يكون العقد والشرط المتعلقان به مخالفين للحكم الشرعي، فلا ينفذان.

إلا أن يقوم الدليل الخاص علي نفوذهما، فيكشف عن كونه مورداً للسلطنة، فلا يكون العقد والشرط المتعلقان به مخالفين للحكم الشرعي.

هذا ما يظهر لنا فعلاً وعليه لا حاجة للتطويل في بعض الصغريات التي وقع الكلام فيها بسبب ورود النصوص الخاصة أو تعارضها فيها.

بل يوكل الكلام فيها لمواردها المناسبة من الفقه.

فلاحظ.

والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

(1) مما سبق يظهر الوجه في بطلان هذا الشرط.

ومثله ما إذا اشترط عليه عملاً مجهداً يتعذر عليه الصوم معه من دون مسوغ للإفطار.

فإن العمل المذكور وإن كان تحت سلطنة من عليه الشرط بالذات، إلا أن وجوب الصوم عليه مستلزم لخروجه

ص: 16

(17)

منافاة الشرط لمقتضي العقد

رقاً (1)، وأمثال ذلك مما دلّ دليل الحكم الشرعي علي كونه اقتضائياً، فإن الشرط علي خلاف مثل هذا الحكم باطل.

ومنها: أن لا يكون منافياً لمقتضي العقد (2)، كما إذا باعه بشرط أن لا يكون له ثمن، أو آجره الدار بشرط أن لا يكون لها أجرة (3).

---------------

عن سلطنته تبعاً لخروج الإفطار عن سلطنته، فيكون الشرط مخالفاً للحكم بوجوب الصوم شرعاً.

(1) يعني: إذا كان الزوج حراً.

للنصوص الكثيرة المتضمنة تبعية الولد للحر من أبويه(1).

نعم ذهب جماعة لصحة الشرط المذكور، لدعوي دلالة النصوص الخاصة عليه.

وهي لو تمت مخصصة لعموم التبعية المتقدم.

وتمام الكلام في محله.

(2) كما هو المصرح به في كلام جماعة كثيرة، وفي الغنية «ومن الشروط ما هو فاسد بلا خلاف... نحو أن يشترط ما يخالف مقتضي العقد»، وادعي شيخنا الأعظم (قده) الإجماع عليه.

(3) ملاحظة كلمات الأصحاب (رضوان الله عليهم) تشهد بأن مرادهم بالشرط المنافي لمقتضي العقد هو المنافي لما يترتب عليه شرعاً، كشرط عدم بيع المبيع، أو عدم هبته، أو ضمان البائع له لو غصبه غاصب، أو عدم عتق العبد، أو عدم وطء الجارية، أو غير ذلك مما يقتضي العقد خلافه لولا الشرط.

وقد وقع الكلام بينهم في صغريات ذلك، حيث لا إشكال عندهم ظاهراً في جواز شرط عدم بعض ما يجوز بمقتضي العقد، كشرط عدم الانتفاع بالمبيع مدة معينة.

وقد اضطربت كلماتهم في تحديد ذلك والفرق بين الصغريات.

ومما سبق يظهر دخول ذلك في الشرط السابق، وهو الشرط المخالف للكتاب والسنة، كما يظهر من بعض كلماتهم أيضاً.

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 14 باب: 30 من أبواب نكاح العبيد والإماء.

ص: 17

ومنها: أن يكون مذكوراً في ضمن العقد (1)

---------------

كما أنه قد يكون نظر بعضهم إلي أن اشتراط عدم ترتيب الآثار المهمة المقصودة نوعاً من العقد يرجع إلي عدم قصد العقد وإن ذكر اللفظ الدال عليه، فهو عقد صوري لا حقيقي، نظير ما قد يدعي من أن العقد المتضمن للحيل الشرعية في الربا ونحوه صوري.

وعقد النكاح علي من هي غير قابلة للاستمتاع، أو لا يقصد منها ذلك، وإنما يراد به المحرمية المسوغة للنظر، صوري، ونحو ذلك.

لكن لا مجال للبناء علي ذلك، بل يمكن قصد مضمون العقد حقيقة في جميع ذلك.

وغاية ما يلزم في المقام مخالفة الشرط لحكم العقد شرعاً.

فيجري فيه الضابط المتقدم.

والأمر المباين له الذي يصلح أن يكون شرطاً في مقابله هو الأمر المخالف لمفهوم العقد وما يقومه عرفاً، كاشتراط عدم الثمن في البيع، وعدم الأجرة في الإجارة، وعدم ملكية المبيع إلي غير ذلك، كما جري عليه سيدنا المصنف (قده).

والوجه في اشتراطه ظاهر، حيث لا يمكن الجمع بين الالتزام بمضمون العقد والالتزام بمضمون الشرط، للتنافي بينهما المانع من صحتهما معاً، لما فيه من الجمع بين المتنافيين، ولا مجال للبناء علي صحة خصوص أحدهما، لعدم المرجح.

وبذلك يتعين بطلان العقد أيضاً، لخلل في الإنشاء.

ولعله لذا قال في الجواهر: «نعم لا ريب في بطلان منافي مقتضي العقد، بمعني عوده عليه بالنقص، كاشتراط عدم الملك في المبيع».

(1) كما يظهر مما تقدم في مقدمة كتاب التجارة عند الكلام في الاستدلال بعموم نفوذ الشرط علي عموم نفوذ العقد.

حيث سبق هناك أن الظاهر توقف صدق الشرط علي ابتناء الالتزام به من أحد الطرفين علي التزام الآخر بشيء آخر.

فلا يصدق علي الالتزام الابتدائي من أحد الطرفين للآخر من دون أن يبتني علي التزام الآخر

ص: 18

(19)

اشراط كونه مذكوراً في ضمن العقد

صريحاً (1)، أو ضمناً (2)، كما إذا قامت القرينة علي كون العقد مبنياً عليه ومقيداً به، إما لذكره قبل العقد، أو لأجل التفاهم العرفي، مثل اشتراط استحقاق التسليم حال التسليم (3).

فلو ذكر قبل العقد ولم يكن العقد مبنياً عليه عمداً أو سهواً لم يجب الوفاء به.

ومنها: أن يكون مقدوراً عليه (4).

بل لو علم عدم القدرة لم يمكن

-

بشيء.

ولا أقل من كون ذلك هو المتيقن منه، وإن ورد إطلاقه في بعض الاستعمالات علي الشرط الابتدائي.

فراجع.

(1) كما هو المتيقن من الأدلة وفتاوي الأصحاب (رضوان الله عليهم).

(2) كما قواه في الجواهر.

وهو ظاهر جواهر القاضي والمختلف في فروع اشتراط سقوط خيار المجلس.

وعليه قد يحمل ما في الخلاف من إطلاق الاكتفاء في سقوط الخيار المذكور باشتراطه قبل العقد.

لعموم حكم العرف بنفوذ الشرط للشرط المذكور.

وصدق الشرط عليه عرفاً، فيشمله عموم نفوذ الشروط.

وقد تقدم في ذيل الكلام في سقوط خيار المجلس باشتراط سقوطه ما ينفع في المقام.

فراجع.

(3) تقدم عند الاستدلال علي ثبوت خيار الغبن تقريب أن الاستحقاق المذكور ليس من جهة الشرط الضمني، بل هو حكم عرفي ارتكازي، فيتعين العمل عليه بعد أن لم يثبت ردع الشارع عنه.

(4) يعني علي الأمر المشروط.

والظاهر عدم الإشكال فيه.

وبه صرح غير واحد، بنحو يظهر من بعض كلماتهم المفروغية عنه.

من دون فرق بين تعذره، كالصعود للسماء، وإمكانه كحمل الدابة.

والوجه فيه ظاهر، لأن المصحح عرفاً لانشغال ذمة الإنسان بالشيء وملكية الغير له عليه هو وجوب تحقيقه له أو استحقاقه المطالبة به، فمع تعذره عليه لا مجال للملكية المذكورة التي هي مفاد الشرط.

وبذلك يظهر قصور عموم نفوذ الشرط لما إذا كان مقدوراً عليه ثم تجدد العجز عنه.

ص: 19

نعم يمكن ترتب الأثر علي الشرط المتعذر رأساً أو بعد سبق القدرة عليه حين الاشتراط، لا من حيثية نفوذه وملكية المشترط له علي المشروط عليه، كما هو مفاد أدلة نفوذ الشرط، بل من حيثية حكم العرف بثبوت الخيار في العقد الذي يقع الشرط فيه، حيث لا فرق فيه بين أنحاء التخلف ومناشئه بعد فرض ابتناء العقد عليه.

وأما ما يظهر من بعض كلماتهم من دعوي الإجماع علي لغوية الشرط مع خروجه عن القدرة، بحيث قد يظهر في عدم ترتب الأثر عليه رأساً حتي مثل الخيار بتخلفه.

فلا مجال للتعويل عليه.

لعدم وضوح حصول الإجماع الحجة في مثل هذه الفروع التي لم يتضح توجه للأصحاب لها، بحيث تعرف فتواهم فيها في العصور السابقة علي تحرير الفتاوي، حيث كان الأصحاب يكتفون في بيان الفتوي علي رواية النصوص.

ولاسيما بعدما في المبسوط وعن جواهر القاضي من أنه لو اشتري الدابة علي أنها تحمل ثبت الخيار إذا لم تحمل، وما يظهر من التذكرة من أنه لو باعه شيئاً بشرط أن يبيعه علي زيد بيعاً تاماً بإيجاب وقبول، فامتنع زيد من شرائه، كان للبائع الفسخ.

ولو تم الإجماع فلا يتضح كونه إجماعاً تعبدياً، بل من القريب اعتمادهم علي المرتكزات العقلائية.

وهو راجع إلي لزوم التعويل علي المرتكزات المذكورة بعد النظر في حدودها سعة وضيقاً.

فإذا لم تقض المرتكزات بلغوية الشرط من حيثية ثبوت الخيار بتخلفه تعين البناء علي ذلك.

ومثلها دعوي بطلان البيع، لكونه غررياً بسبب الجهل بحصول الشرط لو لم يكن تحت قدرة المشروط عليه.

لما سبق عند الكلام في اعتبار العلم بالعوضين وفي اعتبار القدرة علي تسليمها من منع عموم النهي عن بيع الغرر.

ويأتي عند الكلام في مانعية جهالة الشرط من صحته ما ينفع في المقام.

ص: 20

(21)

اشراط القدرة علي الشرط

إنشاء الالتزام به (1).

قيل: ومنها: أن لا يلزم منه محال.

ومثل له بما إذا باعه وشرط عليه أن يبيعه عليه (2).

لكن التمثيل غير ظاهر.

ولو صح

---------------

(1) لابتناء الالتزام به علي التعهد بتحقيقه الذي هو فرع القدرة عليه.

لكن ذلك لا يمنع من الالتزام به تبعاً للبناء علي القدرة عليه مكابرة، ولو لغفلة من له الشرط عن كونه غير مقدور للمشروط عليه، فيترتب عليه حكم العرف بثبوت الخيار في العقد وإن لم يكن موضوعاً لدليل وجوب الوفاء بالشرط.

نعم لو لم يبتن الالتزام به علي القدرة عليه، بل ابتني علي الإقرار بخروجه عن القدرة كان لاغياً، ولم يترتب عليه أثر أصلاً.

إلا أن يرجع الالتزام به إلي محض الالتزام بثبوت الخيار في العقد بتخلفه، فيتعين ترتب ذلك.

(2) قال في التذكرة: «لو باعه شيئاً بشرط أن يبيعه إياه لم يصح... وإلا جاء الدور، لأن بيعه له يتوقف علي ملكيته له المتوقفة علي بيعه، فيدور».

وكأنه يريد أن بيع المشتري له ثانياً يتوقف علي ملكيته له بالبيع الأول، وملكيته له بالبيع المذكور تتوقف علي حصول الشرط، وهو البيع ثانياً.

وهو كما تري، لأن صحة البيع الأول لا تتوقف علي حصول الشرط.

غاية الأمر أن يكون تخلف الشرط موجباً للخيار في البيع الأول وجواز فسخه.

وإلي ذلك يرجع ما في جامع المقاصد، حيث قال: «وفيه نظر، لأن الموقوف علي حصول الشرط هو اللزوم، لا الانتقال».

وربما حمل كلامه علي معني آخر لا يخلو عن تكلف وإشكال لا مجال لإطالة الكلام فيه.

وقد تعرض شيخنا الأعظم (قده) وبعض الأعاظم فيما حكي عنه لذلك.

فراجع.

وفي الدروس: «ولو شرط بيع المبيع علي البائع بطل، لا للدور، بل لعدم قطع نية الملك».

وكأنه راجع إلي دعوي عدم قصد البيع حينئذٍ، لتشبث البائع بالمبيع.

وفيه:

ص: 21

كان اشتراط القدرة كافياً عنه (1).

نعم ربما يستفاد بطلان الشرط في المثال المذكور من بعض الروايات (2)، لكن لا لما ذكر.

---------------

أن تشبث البائع بالمبيع في المقام لا يرجع إلي قصد عدم إخراجه من ملكه، لينافي قصده للبيع، بل إلي قصد عوده إليه ببيع جديد بعد خروجه عنه بالبيع الأول، وهو موقوف علي قصد البيع.

فهو نظير البيع بشروط الخيار للبائع.

(1) لم يتضح الوجه في ذلك. لظهور أن المراد باشتراط القدرة هو القدرة علي الأمر المشروط، ومن لزوم المحال هو لزوم المحال من نفوذ الشرط، لا من نفس الاشتراط، ولا من الأمر المشروط، بحيث يكون خارجاً عن القدرة، بل متعذراً في نفسه

(2) كما في الحدائق. والنصوص المذكورة هي صحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام):

«سألته عن رجل باع ثوباً بعشرة دراهم إلي أجل، ثم اشتراه بخمسة دراهم بنقد، أيحل ؟ قال: إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس» (1) .

ورواه عنه في قرب الإسناد، إلا أنه قال في السؤال:

«سألته عن رجل باع ثوباً بعشرة دراهم ثم اشتراه بخمسة دراهم أيحل».

وخبر يونس الشيباني: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

الرجل يبيع البيع، والبائع يعلم أنه لا يسوي والمشتري يعلم أنه لا يسوي. إلا أنه يعلم أنه سيرجع فيه فيشتريه منه.

قال: فقال: يا يونس إن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قال لجابر بن عبد الله: كيف أنت إذا ظهر الجور وأورثهم الذل ؟ قال: فقال له جابر: لا بقيت إلي ذلك الزمان. ومتي يكون ذلك بأبي أنت وأمي ؟ قال: إذا ظهر الربا.

يا يونس وهذا الربا.

فإن لم تشتره رده عليك ؟.

قال: قلت: نعم. قال: فلا تقربنه، فلا تقربنه»(2).

وخبر الحسين بن المنذر: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يجيئني الرجل، فيطلب العينة، فأشتري له المتاع مرابحة، ثم أبيعه إياه، ثم أشتريه منه مكاني.

قال: إذا كان بالخيار إن شاء باع وإن شاء لم يبع وكنت

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب العقود حديث: 6، 5.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب العقود حديث: 6، 5.

ص: 22

أنت بالخيار إن شئت اشتريت وإن شئت لم تشتر فلا بأس، قلت: إن أهل المسجد يزعمون أن هذا فاسد...»(1).

فإن مقتضي مفهوم صحيح علي بن جعفر كون اشتراط البيع الثاني مانعاً من صحة البيع الأول.

وهو ظاهر خبر يونس الشيباني، لأن ردّ البيع الأول علي تقدير عدم تحقق البيع الثاني يبتني علي كون البيع الثاني شرطاً في البيع الأول ولو ضمناً.

ومثله خبر الحسين بن المنذر، لأن فرض كونهما بالخيار في البيع الثاني ظاهر في عدم اشتراطه في البيع الأول.

وأما ما في الجواهر من أن مقتضي المفهوم في الأول والثالث حصول البأس مع الشرط المذكور، وهو لا يستلزم الحرمة التكليفية، فضلاً عن الوضعية الراجعة للفساد.

فهو في غاية المنع، فإن ظاهر نفي البأس في المعاملات هو الصحة، فيكون مقتضي المفهوم هو الفساد.

بل هو كالصريح من ذيل خبر الحسين، حيث تعرض فيه لحكم العامة بالفساد.

لكن صحيح علي بن جعفر وارد في فرض اختلاف الثمن في البيعين بنحو يؤدي إلي الزيادة بسبب الاختلاف في النقد والنسيئة بين البيعين بنحو يشبه الربا.

وعليه يحمل ما في قرب الإسناد، حيث يصلح الصحيح للقرينية علي ذلك، وعلي أن الاختلاف بينهما حصل بسبب النقل بالمعني.

ولاسيما مع غلبة كون ذلك هو المنشأ غالباً للاختلاف بين الثمنين.

كما أن ذلك هو الظاهر من خبر يونس، بقرينة تطبيق الربا عليه، حيث لا منشأ له إلا ذلك.

فلم يبق إلا إطلاق خبر الحسين بن المنذر.

وهو لا يخلو عن ضعف في السند، لعدم ثبوت وثاقة الحسين بن المنذر.

مع أن من القريب حمله علي ما تضمنه الحديثان الأولان، لأن الداعي لمثل هذين البيعين نوعاً هو إعانة المشتري الأول في أخذ النقد المعجل، وكسب المشتري الثاني الزيادة المؤجلة بين الثمنين.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب العقود حديث: 4.

ص: 23

قيل: ومنها: أن لا يكون مجهولاً (1)،

---------------

بل قد يكون ذلك مقتضي الجمع بينه وبين خبر يونس الشيباني، لإشعار أو ظهور تطبيق الربا فيه، في أن المانع ليس مطلق اشتراط البيع في البيع، بل خصوص ما يؤدي منه إلي مشابهة الربا بسبب الفرق بين الثمنين.

ومن هنا لا مجال للبناء علي عموم مانعية اشتراط البيع في البيع.

وتمام الكلام في ذلك في فصل النقد والنسيئة، حيث يأتي من سيدنا المصنف (قده) التعرض لحكم الشرط المذكور في المسألة الرابعة من الفصل المذكور.

(1) فقد صرح المحقق والعلامة وجماعة بمانعية الجهالة المؤدية إلي جهالة أحد العوضين، وعن أبي العباس نسبته إلي علمائنا.

ونفي في الجواهر الإشكال فيه.

لما ورد من النهي عن بيع الغرر(1) ، قال: «الشامل لمحل الفرض قطعاً».

وقد مثل (قده) له باشتراط تأجيل أحدهما مدة مجهولة.

لكن سبق منّا عند الكلام في اعتبار العلم بالعوضين، واعتبار القدرة علي تسليمهما الإشكال في عموم النهي عن بيع الغرر، بل المنع منه، وأن المتيقن منه غير ذلك.

نعم ذكروا في بيع النسيئة وبيع السلف لزوم تعيين الأجل.

والكلام فيه موكول إلي محله.

وأما الجهالة التي لا تؤدي إلي جهالة أحد العوضين كما لو باعه داره واشترط عليه أن ينزل فيها إذا ورد البلد فقد يدعي مانعيتها أيضاً، للنهي عن بيع الغرر.

ودعوي: اختصاص الغرر المنهي عنه بالعوضين، دون الشرط وإن كان له دخل في زيادتهما ونقصهما، لأنه من سنخ الداعي، من دون أن يكون جزءاً منهما.

ممنوعة، لعدم الوجه في التخصيص بالعوضين بعد نسبة الغرر للبيع نفسه، ولا

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 40 من أبواب آداب التجارة حديث: 3، مستدرك الوسائل ج: 3 باب: 33 من أبواب التجارة حديث: 1.

ص: 24

(25)

إشكال في دخل الشرط في البيع وإن لم يكن دخيلاً في العوضين.

ومثله ما ذكره سيدنا المصنف (قده) من انصراف النهي تبعاً للارتكاز العرفي لخصوص العوضين، لأنهما المقصودان بالأصل في المعاملة.

إذ لا منشأ ظاهر للانصراف المذكور بعد كون الشرط من شؤون البيع.

بل قد يكون أهم من العوضين.

فالعمدة في الإشكال في الاستدلال المذكور ما سبق من منع عموم النهي المزبور.

وأشكل منه ما قد يظهر منهم من مانعية الجهالة من صحة الشرط في جميع العقود، وعدم اختصاصها بالشرط في البيع.

إذ لا وجه له إلا دعوي عموم النهي عن الغرر، وعدم اختصاصه ببيع الغرر.

وقد عرفت المنع من عموم النهي عن بيع الغرر، فضلاً عن النهي مطلق الغرر، وإن ورد مرسلاً في كتاب الضمان من الخلاف وبعض كتب الفقه المتأخرة.

ولاسيما مع ما ذكره بعضهم من عدم العثور عليه في مصادر الحديث، وأن الموجود فيها هو النهي عن بيع الغرر.

وأما نسبة روايته للصدوق فكأن المراد به ما رواه في كتاب معاني الأخبار مسنداً عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): «أنه نهي عن المنابذة والملامسة وبيع الحصاة.

المنابذة يقال: إنها.

.

.

وهذه بيوع كان أهل الجاهلية يتبايعونها، فنهي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عنها، لأنها غرر كلها»(1).

لكن من الظاهر أن ذيل الكلام المتقدم تعليل من الصدوق (قده) لنهي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عن البيوع المذكورة لا من تتمة حديث النبي (صلي الله عليه وآله وسلم).

نعم قد يستفاد العموم المذكور من التعليل في مثل حديث ابن مسعود: «قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: لا تشتروا السمك في الماء، فإنه غرر»(2).

لكنه مع ضعفه، كرواية الصدوق المتقدمة لا مجال للبناء علي عمومه، كما يظهر مما تقدم في

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 12 من أبواب عقد البيع وشروطه حديث: 13.

(2) مسند أحمد ج: 1 ص: 388. سنن البيهقي ج: 5 ص: 340. المعجم الكبير للطبراني ج: 10 ص: 209.

ص: 25

وأن لا يكون معلقاً (1) وفيه نظر لعدم دليل ظاهر عليه وأن كان أحوط.

-

النهي عن بيع الغرر.

بل يظهر منه أنه أولي بالمنع، لأنه أعم منه وأوسع.

هذا وقد منع في الجواهر من صحة الشرط المجهول إذا كان لا يؤول للعلم.

قال (قده): «لأنه مثار النزاع، ولم يعهد نظيره في الشرع.

بل المعلوم خلافه».

لكن لا مجال للبناء علي عموم مانعية الأول.

والثاني لا ينهض بالاستدلال.

علي أنه لا يناسب ما ذكره هو تبعاً للأصحاب من جواز اشتراط الإمام علي أهل الذمة ضيافة من يمرّ بهم من المسلمين.

قال في الجواهر: «كما صرح به غير واحد.

بل في المسالك: هذا هو المشهور في الأخبار والفتاوي.

وهو الذي شرطه النبي (صلي الله عليه وآله وسلم).

بل لا أجد فيه خلافاً، كما اعترف به في المنتهي، بل عن التذكرة الإجماع عليه.

وهو الحجة بعد الأصل...».

ومع ذلك كيف يدعي العلم بعدم صحة الشرط في المقام ؟! ولاسيما مع يأتي من دلالة النصوص عدم مانعية التعليق من صحة الشرط، مع ظهور أن التعليق علي غير معلوم الحصول الذي هو مورد النصوص مستلزم للجهالة.

نعم لا مجال للبناء علي صحة الشرط المبهم المردد الذي لا يتعين مفهوماً ولا مصداقاً، كاشتراط ملكية منفعة إحدي العينين، حيث لا تقرر ولا وجود للمبهم واقعاً، ليكون موضوعاً للإلزام والالتزام والملكية، كما تكرر منا في نظائر المقام.

(1) كما يظهر مما تقدم في مبحث بيع الخيار من الجواهر من منع الاستدلال بعموم نفوذ الشرط علي صحة البيع بشرط الخيار برد الثمن، ونسب أيضاً للمحقق الثاني.

وكأنه للإجماع علي مبطلية التعليق في العقود والإيقاعات عدا الوصية والتدبير.

بل بناء علي أن للشرط قسطاً من الثمن يرجع التعليق إلي أصل البيع، لأن الثمن ركن فيه.

لكن تكرر منا ضعف المبني المذكور، وخروج الشرط عن العوضين.

مع أن

ص: 26

(27)

الدليل علي مبطلية التعليق لما كان منحصراً بالإجماع فاللازم الاقتصار فيه علي المتيقن، وليس منه الشرط التابع لما يقع فيه من عقد أو إيقاع وإن كان له قسط من الثمن، فضلاً عما إذا لم يكن.

هذا مضافاً إلي ظهور بعض النصوص في جواز ذلك، كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام): «في الرجل يقول لعبده: أعتقك علي أن أزوجك ابنتي.

فإن تزوجت عليها أو تسريت فعليك مائة دينار.

فأعتقه علي ذلك، وتسري أو تزوج.

قال: عليه شرطه»(1).

وصحيح علي بن رئاب عن أبي الحسن موسي (عليه السلام) قال: «سئل وأنا حاضر عن رجل تزوج امرأة علي مائة دينار علي أن تخرج معه إلي بلاده.

فإن لم تخرج معه فإن مهرها خمسون ديناراً إن أبت أن تخرج معه إلي بلاده.

قال: إن أراد أن يخرج بها إلي بلاده الشرك فلا شرط له عليها في ذلك، ولها مائة دينار التي أصدقها إياها.

وإن أراد أن يخرج بها إلي بلاد المسملين ودار الإسلام فله ما اشترط عليها...»(2) ، وصحيح سليمان بن خالد المتقدم في المسألة الثالثة الوارد في مكاتبة أعانها ابن زوجها في مكاتبتها علي أن ليس لها الخيار علي أبيه إذا ملكت نفسها(3) وغيرها(4).

هذا كله إذا كان المعلق هو أصل الاشتراط المتضمن لاستحقاق الأمر المشروط.

أما إذا كان الاشتراط فعلياً والتعليق في الأمر المشروط، كاستقبال زيد علي تقدير مجيئه من السفر كما لعله الظاهر من أمثلتهم فلا منشأ للإشكال فيه، بل هو نظير تعليق الأمر الموكل فيه، الذي لا إشكال فيه عندهم.

وقد تقدم في مبحث بيع الخيار ما ينفع المقام.

بقي شيء.

وهو أنه صرح غير واحد بأن من شروط صحة الشرط أن يكون مما فيه غرض للعقلاء.

فعن التذكرة: «لو شرط ما لا غرض للعقلاء فيه، ولا يزيد به

********

(1) وسائل الشيعة ج: 15 باب: 37 من أبواب المهور حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 15 باب: 40 من أبواب المهور حديث: 2.

(3) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 11 من أبواب كتاب المكاتبة حديث: 1.

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 16 باب: 12 من أبواب المهور.

ص: 27

امتناع المشروط عليه من فعل الشرط

(مسألة 64): إذا امتنع المشروط عليه من فعل الشرط كان للمشروط له إجباره عليه (1).

---------------

المالية، فإنه لغو لا يوجب الخيار».

وقال شيخنا الأعظم (قده): «والوجه في ذلك أن مثل ذلك لا يعد حقاً للمشروط له حتي يتضرر بتعذره، فيثبت له الخيار، أو يعتني به الشارع، فيوجب الوفاء به، ويكون تركه ظلماً».

وقد يرجع إليه ما ذكره بعض المحققين وسيدنا المصنف (قدس سرهما) في حاشيته القديمة علي المكاسب من انصراف عموم الوفاء بالعقود والشروط عن مثل ذلك.

لكنه غير ظاهر، بل هو في غاية المنع.

وأما ما ذكره بعض المحققين من أن اعتبار العقلاء بما هم عقلاء للعقد والحق لا يتحقق مع عدم الغرض العقلائي، وإلا كان خلفاً.

ومع عدم تحقق الاعتبار العقلائي للعقد والحق لا يكون في البين حق بنظر العقلاء، ليكون موضوعاً للإمضاء الشرعي المستفاد من دليل إمضاء الشرط.

ففيه: أن عدم تعلق غرض للعقلاء بالأمر المشروط، لا ينافي اعتبارهم للعقد، كما لا ينافي صيرورته حقاً عندهم بسبب العقد والشرط النافذ بمقتضي سلطنة المتعاقدين من ذلك، ولا يلزم الخلف، وإنما يلزم الخلف من فرض تعلق غرضهم به بدون الشروط.

فالمقام نظير التصرف غير المعتد به بنظر العقلاء بمال الغير الذي يكون بنظرهم تعدياً عليه بسبب سلطنته علي ماله.

ومن هنا لا مجال للبناء علي لغوية الشرط المذكور، كما صرح بذلك بعض مشايخنا (قده).

وهو المناسب لإهمال سيدنا المصنف (قده) الإشارة لذلك فضلاً عن الفتوي به هنا، حيث يقرب جداً عدوله عما تقدم منه.

(1) كما صرح به غير واحد.

وهو ظاهر بناءً علي ما سبق منا من أن مقتضي الاشتراط استحقاق المشروط له الأمر المشروط علي المشروط عليه، لوضوح أن

ص: 28

(29)

لصاحب الحق المطالبة بحقه، والإجبار عليه، لقصور سلطنة من عليه الحق عن الامتناع عن أداء الحق، لمنافاته لثبوت الحق عليه، وثبوت سلطنة من له الحق علي استيفاء حقه، فله استيفاؤه ولو بالإجبار بعد سقوط سلطنة من عليه الحق عن الامتناع عن أدائه.

وبذلك يظهر ضعف ما في التذكرة، حيث قال فيما لو اشترط بائع العبد عتقه: «إذا أعتقه المشتري فقد وفي... وإن امتنع أجبر عليه إن قلنا: إنه حق لله تعالي.

وإن قلنا: إنه حق للبائع لم يجبر...».

وأشكل منه ما عن غاية المرام للصيمري، حيث قال: «وعلي القول بأنه حق لله يكون المطالبة للحاكم.

ويجبره مع الامتناع.

ولا يسقط بإسقاط البائع.

وعلي القول بكونه للبائع يكون المطالبة له.

ويسقط بإسقاطه، ولا يجبر المشتري...».

إذ فيه: أن جواز المطالبة للبائع بالشرط فرع سلطنته عليه، ومع سلطنته عليه لا سلطنة للمشتري علي الامتناع، فيتعين جواز إجباره عليه.

ولذا التزم فيما لو كان حقاً لله تعالي بأن للحاكم المطالبة والإجبار معاً.

ودعوي: أن المطالبة والإجبار مع كونه حقاً لله تعالي من باب الأمر بالمعروف، لرجوع كونه حقاً لله عز وجل إلي كونه واجباً شرعياً كسائر التكاليف الشرعية التي يجب الأمر بها مع مخالفة المكلف لها.

مدفوعة: أولاً: بأن الأمر بالمعروف لا يختص بالحاكم.

كما لا يختص بحقوق الله تعالي، بل يعمّ حقوق الناس، لوجوب أدائها شرعاً.

وثانياً: بأن الأمر بالمعروف له شروطه، ومنها تنجز التكليف في حق المأمور، وهو لم يشترط ذلك في المقام.

فإطلاقه الإجبار وتخصيصه بالحاكم لابد أن يبتني علي كون استحقاق الله تعالي له ليس لمجرد تكليفه به، بل هو حكم وضعي، نظير استحقاق الناس، وعلي أن الحاكم يقوم مقام الله تعالي في استيفاء حقه.

وأشكل من ذلك ما ذكره من أن العتق المشروط إذا قلنا بأنه حق للعبد يكون

ص: 29

هو المطالب للمشتري به، ومع امتناعه يرافعه للحاكم، ليجبره عليه.

حيث لم يتضح الوجه في الفرق بين العبد والمشتري بعد فرض استحقاقهما للعتق في جواز المطالبة والإجبار من طريق الحاكم للعبد دون المشتري.

نعم استدل في جامع المقاصد للقول بعدم إجبار البائع للمشتري علي الشرط بأن للبائع طريقاً آخر، وهو الفسخ.

وهو كما تري، فإن الفسخ لا يكون استيفاء لحقه في الشرط، بل هو استيفاء لحق آخر مترتب علي فوت الحق المذكور، وهو حق الخيار، فلا وجه لاقتصاره عليه، ومنعه من استيفاء حقه في الشرط.

ولعله لذا لم يعول في جامع المقاصد علي الوجه المذكور، واستوجه أن للبائع الإجبار علي الشرط، كما عرفت أنه المتعين بناءً علي ما سبق من استحقاق الشارط للشرط.

أما بناءً علي عدم استحقاقه له وأن وجوب قيام المشروط عليه بالشرط تكليف ابتدائي لا يترتب علي استحقاق أحد له عليه، كوجوب وفائه بيمينه فقد أشرنا إلي وجوب المطالبة به بملاك الأمر بالمعروف علي كل أحد بشروطه من دون خصوصية للمشترط.

وأما خصوصية المشترط في المطالبة والإجبار فلا يتضح الوجه فيها بعد عدم استحقاقه للشرط، ومجرد تعلق غرضه به أو انتفاعه به لا يصحح له المطالبة به، فضلاً عن الإجبار عليه، بل هو كمن يُنذر أو يُحلف علي دفع المال له، حيث ليس له المطالبة، فضلاً عن الإجبار للناذر والحالف علي دفع المال له إلا من باب الأمر بالمعروف.

ودعوي: أن لمن له الحكم في الأحكام الخاصة نحو من الامتياز يقتضي جواز مطالبته بتطبيقه والجري عليه والإجبار علي ذلك، كما فيمن تجنب نفقته من الأقارب.

وأظهر من ذلك الزوج بالإضافة إلي جهات الاستمتاع بالزوجة، مع عدم كون ذلك من الحقوق، لعدم قابليته للإسقاط.

مدفوعة: بأنه لا منشأ للامتياز المذكور بعد عدم تميزه عن غيره بالاستحقاق.

ومجرد عود نفعه إليه لا يقتضي ذلك، كما تقدم في النذر والحلف بل حتي اشتراط عتق

ص: 30

العبد المبيع والصدقة علي فقير خاص لا يقتضي ثبوت الحق لنفس العبد وذلك الفقير، بحيث يكون لهما المطالبة به والإجبار وإن كانا ينتفعان به.

بل هما حق للمشترط لا غير، وهو الذي يختص بالمطالبة والإجبار.

وأما الإنفاق والاستمتاع فهما من الحقوق ارتكازاً.

ومجرد عدم قابليتهما للإسقاط لو تم قد يبتني علي كون الحق فيهما انحلالياً، بحيث يكون لكل آن حقه، فلا مجال لإسقاط الحق رأساً، لأنه إسقاط لما لم يجب، وإسقاطه في كل آن مساوق لعدم المطالبة به فيه، الذي يجوز قطعاً، وإن كان الحق يتجدد في الآن اللاحق.

علي أن البناء علي خصوصية هذين الحقين ونحوهما في عدم قابليتهما للإسقاط، للدليل الخاص، أهون من البناء علي عدم كونها من الحقوق.

حيث لا إشكال بنظر العقلاء والمتشرعة في كون التخلف عنهما عدوان في حق الطرف الآخر، ولا يتمحض في كونه معصية للشارع الأقدس، كشرب الخمر وترك الصلاة.

ومثلها دعوي: أن الإجبار مأخوذ في نفس الأمر المشترط، وأن مفاد الشرط عرفاً هو الفرض والتحتم والإرغام والإجبار.

وحينئذ فدليل الإمضاء كما يقتضي نفوذ الشرط من حيثية لزوم الفعل علي المشروط عليه يقتضي نفوذه من حيثية إرغام الشارط له عليه.

إذ فيها أن المراد بالإرغام والإجبار إن كان مجرد كونه مفروضاً علي المشروط عليه، بحث ليس له التخلف عنه فهو عين الإلزام التكليفي.

وإن كان هو أمراً زائداً علي ذلك يرجع إلي أن من حق الشارط إلزامه وإجباره فهو اعتراف بأن الشرط يتضمن جعل شيء زائد علي التكليف.

مع أن ذلك تحكم في مفاد الاشتراط.

كيف والشارط قد يغفل عن فرض تخلف المشروط عليه عن القيام بالشرط، ليحتاج إلي الإرغام والإجبار، أو يحتمله ويعلم من نفسه العجز عن إرغامه وإجباره، فكيف يشترطهما مع ذلك ؟!.

والالتزام باختلاف مفاد الشرط باختلاف أفراد الشرط، من حيثية الالتفات

ص: 31

فإذا تعذر إجباره كان للمشروط له الخيار في الفسخ (1) وليس له الخيار مع

---------------

لفرض التخلف والقدرة علي الإجبار، مما لا يظن بأحد الالتزام به.

ولاسيما أن لازمه عدم جواز الإجبار في حق الغافل عن فرض التخلف، وفي حق من كان يعتقد حين الاشتراط تعذر الإجبار عليه، ويختص جواز الإجبار بالملتفت لفرض التخلف المحتمل للقدرة علي الإجبار.

وهو أبعد.

ومن هنا لا يتضح وجه جواز الإجبار بناءً علي تمحض الشرط في الإلزام بالفعل، نظير اليمين المستلزم لتمحض دليل النفوذ في الحكم التكليفي لا غير.

(1) الذي يبدو بأدني ملاحظة لكلمات الأصحاب المفروغية عن ثبوت الخيار بتخلف الشرط في الجملة، من دون أن يظهر منهم التصدي لوجهه إلا تبعاً للكلام في فروعه، كعمومه لصورة القدرة علي الإجبار وعدمه.

وكيف كان فقد يستدل عليه بوجوه: الأول: ظهور الإجماع عليه.

لكن لا مجال لإحراز كونه إجماعاً تعبدياً في المقام، بحيث يرجع إلي الإطلاع علي دليل شرعي تعبدي خفي علينا.

وغاية ما يمكن دعواه في المقام أن تسالمهم عليه من دون أن يشيروا لدليل ذلك يكشف عن وضوح المرتكزات العقلائية القاضية به لهم، فالمعيار علي المرتكزات المذكورة.

الثاني: قاعدة نفي الضرر، بلحاظ أن في لزوم البيع مع تخلف الشرط ضرراً علي الشارط.

وربما ينسب لشيخنا الأعظم (قده).

لكنه غير ظاهر مما اطلعت عليه من كلامه، حيث قال: «فإن الخيار إنما شرع بعد تعذر الإجبار دفعاً للضرر».

ولا يبعد كون المراد بالضرر فيه هو ضرر تخلف الشرط، ويكن مراده بذلك بيان سبب تشريع الخيار بعد المفروغية عن تشريعه، لا الاستدلال عليه.

وكيف كان فلا مجال للوجه المذكور، لعدم اطراد كون تخلف الشرط مستلزماً لكون البيع ضررياً.

ومجرد كونه تخلفاً لما أقدم عليه البائع لا يستلزم الضرر.

ص: 32

امتناع المشروط عليه من فعل الشرط

مضافاً إلي ما قد يقال من أن الرافع للزوم البيع هو الضرر الحاصل منه، كما في الغبن، علي كلام سبق، والضرر في المقام ليس حاصلاً من نفس البيع، بل من تخلف الشرط بعده، فهو نظير الضرر الحاصل من تصرف البائع في المبيع بعد قبض المشتري له.

اللهم إلا أن يقال: الضرر في المقام لو حصل يستند للزوم العقد بمجموعه في حق الشارط، فيتعين ارتفاعه، وليس هو كالضرر الحاصل من أمر أجنبي عن العقد.

فلاحظ.

الثالث: ما يظهر من السيد الطباطبائي (قده) في حاشيته من رجوع الاشتراط في العقد إلي تعليق لزوم البيع في حق المشترط بتحقق الشرط، وأنه لو لم يتحقق لم يلزم البيع عليه.

وهو راجع إلي اشتراط الخيار بتخلف الشرط، فيكون الدليل علي ثبوته أدلة الخيار المذكور، ومنها عمومات نفوذ الشرط.

وعلي ذلك جري بعض مشايخنا (قده) فيما يظهر من تقرير درسه.

لكن سبق منا عند الكلام في اشتراط عدم فسخ العقد في تتمة الكلام في اشتراط سقوط خيار المجلس أن مفاد الاشتراط يتمحض في جعل الشرط حقاً للشارط علي المشروط عليه بنحو يلزم به من دون نظر لحكم تخلفه.

ولذا سبق أنه لا يلزم التهافت ارتكازاً من اشتراط عدم فسخ العقد، مع أنه لا موضوع معه للخيار عند التخلف.

كما يقع الشرط في العقود التي يعلم المتعاقدان بعدم ثبوت الخيار فيها كالنكاح، مع ظهور أن مفاد الاشتراط فيها لا يختلف عنه في غيرها.

ومن هنا لا يكون ارتباط الشرط بالعقد إلا بلحاظ الارتباطية بينهما في مقام الجعل والإنشاء والإلزام والالتزام، من دون أن يناط العقد بالشرط، لا بلحاظ أصل مضمونه، ولا بلحاظ لزومه.

نعم قد يتوجه المتعاقدان حين الاشتراط إلي إرادة شرط الخيار بتخلف الشرط فقط من دون إلزام بالشرط وجعل علي المشروط عليه، نظير ما تقدم في اشتراط غير

ص: 33

التمكن من الإجبار (1).

-

المقدور، أو مع إلزامه به وجعله عليه.

لكن ذلك خارج عن مقتضي الاشتراط بطبعه، ويحتاج إلي مؤنة خاصة.

ومن هنا كان الظاهر انحصار الوجه في اطراد ثبوت الخيار بتخلف الشرط ببناء العقلاء.

لابتناء لزوم العقود عندهم علي قيام جميع الأطراف بمقتضاها، ومع تخلف أحد الأطراف عن ذلك لا يكون العقد ملزماً للآخرين، بل لهم رفع اليد عنه الراجع لفسخه، وحيث كان الشرط جزءاً من مضمون العقد، ولذا سبق الاستدلال علي نفوذه بعموم نفوذ العقود، تعين بنظرهم جواز الفسخ بتخلفه.

كما أن دليل نفوذ العقد شرعاً وإن كان مطلقاً، إلا أن مفاده لما كان ارتكازياً فهو ينصرف إلي خصوص موارد نفوذه ارتكازاً.

والظاهر أن ما ذكرناه هنا يجري في تخلف الوصف، حيث يظهر منهم المفروغية عنه من دون أن يتعرض المشهور لدليله.

وحينئذ يمكن الاستدلال عليه بالوجوه المتقدمة، ومنها ما ذكرناه، وهو الأظهر، لأن الوصف وإن لم يكن جزءاً من العقد، بل هو كالداعي المقارن، إلا أن ابتناء العقد عليه يقتضي ثبوت الخيار بتخلفه تبعاً للمرتكزات العقلائية، فيجري فيه ما سبق.

نعم قد تقوم القرينة فيه علي ابتناء ذكره علي اشتراط الخيار بتخلفه زائداً علي مفاد التوصيف، ولا إشكال حينئذ في كون خيار تخلفه من صغريات شرط الخيار، نظير ما سبق في الشرط.

(1) كما يظهر من الروضة وعن كفاية السبزواري وعوائد النراقي، ومال إليه في الجواهر، وجزم به شيخنا الأعظم (قده).

وكأنه للاقتصار علي المتيقن في الخروج عن عموم لزوم العقد، كما ذكر ذلك سيدنا المصنف (قده) في حاشيته القديمة.

وفي التذكرة: «لو باعه شيئاً بشرط أن يبيعه آخر، أو يقرضه بعد شهر أو في

ص: 34

الحال، لزمه الوفاء بالشرط.

فإن أخل به لم يبطل البيع.

لكن يتخير المشتري بين فسخه للبيع وبين إلزامه بما شرط».

وقد حاول شيخنا الأعظم (قده) توجيهه بأن فسخ المشروط له مع امتناع المشروط عليه من إنفاذ العقد علي وجهه الذي وقع عليه بفعل الشرط بمنزلة التقايل.

لكن لا وجه للتنزيل المذكور بعد ابتناء التقايل علي اتفاق الطرفين علي الفسخ غير الحاصل في المقام، لعدم استلزام امتناع المشروط عليه من تنفيذ الشرط الرضا بفسخ العقد من أصله.

ولعله لذا لم يعرج (قده) علي ذلك، وذهب إلي توقف الخيار علي تعذر الإجبار.

هذا وقد بني السيد الطباطبائي وبعض مشايخنا (قدس سرهما) جواز الفسخ مع القدرة علي الإجبار علي ما سبق منهما في وجه الخيار من أن لزوم العقد معلق علي تحقيق المشروط عليه للشرط.

لكن إن كان المدعي أن المعلق عليه هو عدم تحقيقه للشرط باختياره لزم ثبوت الخيار مع تحقيقه له عن إكراه وإجبار، ولا يظهر منهم البناء عليه.

وإن كان تحقيقه له في أول أزمنة استحقاقه لزم ثبوت الخيار لو تأخر وإن حققه بعد ذلك.

والذي ينبغي أن يقال: الشرط إن لم يكن موقتاً أصلاً، فإن قلنا بعدم صحته خرج عن محل الكلام، وإن قلنا بصحته فلا ينبغي الإشكال في عدم ثبوت الخيار، وعدم جواز الإجبار عليه، لعدم تعدي المشروط عليه في عدم فعله مهما طال الزمان.

ولعله خارج عن محل كلامهم.

وإن كان موقتاً فلا مجال للإجبار عليه قبل الوقت من أجل تحقيقه أول الوقت، لعدم مخالفته المشروط عليه بعد، وعدم تعديه علي الشارط، ليسوغ له الإجبار عليه.

غاية الأمر أنه قد يجوز إجباره من باب الأمر بالمعروف بشروطه، وهو خارج عن محل الكلام.

ص: 35

أما بعد حلول وقته فإن حققه في أول الوقت اختياراً أو عن إكراه فلا إشكال ظاهراً في عدم الخيار فيما هو الغالب ولعله محل الكلام من كون المشروط هو مطلق الفعل، لا المقيد بالاختيار.

أما لو لم يحققه في أول الوقت فقد تحقق موضوع الخيار، وهو مخالفة الشرط بالإضافة إلي الوقت، فيتعين ثبوت الخيار.

والقدرة علي الإجبار إنما تقتضي إمكان تحقق ذات الشرط، دون خصوصية الوقت المشروط، فلا وجه لمنعها من ثبوت الخيار.

نعم لو كان الوقت مأخوذاً بنحو تعدد المطلوب كما هو الغالب فللشارط غض النظر عن التأخير الذي حصل والمطالبة بتحقيق الشرط، بل الإجبار عليه، لأنه بعض حقه، وله إعمال الخيار الثابت له بسبب فوت الوقت.

هذا مضافاً إلي أن ذلك مقتضي سيرة المتشرعة، بل مطلق العقلاء، تبعاً لمرتكزاتهم التي عليها المعول في ثبوت الخيار.

لما هو الظاهر من توقف الإجبار غالباً علي مؤنة ليس بناؤهم علي تحملها إلا مع اهتمامهم بالحفاظ علي العقد وتحصيل الشرط ولو بعد الوقت.

ومن ذلك يظهر عدم الفرق بين كون الشرط أجنبياً عن العوضين، وكونه من شؤونهما، كالمبادرة بالتسليم والتسلم.

وأما ما يظهر من شيخنا الأعظم (قده) من خصوصية الثاني في تعين الإجبار.

قال (قده): «لأن كلاً منهما قد ملك ما في يد الآخر، ولا يخرج عن ملكه بعدم تسليم صاحبه، فيجبران علي ذلك».

ففيه: أن عدم خروج كل منهما عن ملك من دخل في ملكه بالمعاملة بامتناع الآخر عن تسليم ما عنده لا ينافي ثبوت الخيار لفوت المبادرة بالتسليم المشروطة ضمناً أو صريحاً، وبعد الفسخ يرجع كل منهما لمن كان له قبل المعاملة.

إلا أن يبتني كلامه (قده) علي فرض عدم اشتراط المبادرة بالتسليم صريحاً،

ص: 36

(37)

اذا لم يتمكن المشروط عليه من فعل الشرط

(مسألة 65): إذا لم يتمكن المشروط عليه من فعل الشرط كان للمشروط له الخيار في الفسخ (1).

وليس له المطالبة بقيمة الشرط (2)، سواء كان عدم التمكن لقصور فيه.

كما لو اشترط عليه صوم يوم فمرض فيه، أو كان لقصور في موضوع الشرط، كما لو اشترط عليه خياطة ثوب

---------------

وإنكار اشتراطه ضمناً.

فيخرج عن محل الكلام.

ويأتي الكلام فيه في الفصل السابع إن شاء الله تعالي.

(1) لما سبق.

لكن سبب الخيار عدم تحقق الشرط، سواءً تعذر أم أمكن ولم يحققه المشروط عليه حتي خرج وقته.

بل سبق الاكتفاء في الخيار بعدم المبادرة لتحقيق الشرط بحلول وقته.

(2) تعرض شيخنا الأعظم (قده) لاحتمالين في المقام: الأول: ثبوت الأرش بتخلف الشرط.

وهو فرق ما بين الثمن مع الشرط والثمن بدونه، لكن بنسبته إلي الثمن الذي تضمنه البيع.

قال في التذكرة فيما لو بيع العبد بشرط العتق: «لو قتله المشتري أو مات أو تلف سواءً كان بتفريطه أو لا لم يجب شراء غيره.

لكن يرجع البائع بما يقتضيه شرط العتق، فيقال: كم قيمته لو بيع مطلقاً، وبشرط العتق ؟ فيرجع البائع بالنسبة من الثمن فإذا قيل: إنه يساوي مائة بغير شرط وتسعين بشرط العتق.

زيد علي الثمن تسعة».

ونحوه ما عن الصيمري في شرط التدبير لو امتنع المشتري عن تنفيذ الشرط.

وعليه في الجملة جري السيد الطباطبائي (قده) في حاشيته.

بدعوي: أن للشرط قسطاً من الثمن لباً، فعدم سلامته يوجب الأرش لتبعض الصفقة.

نعم خصه بما إذا انكشف تعذر الشرط من أول الأمر، حيث ينكشف عدم ملكية الشارط له بالعقد، فيبقي له ما يقابله من الثمن، كما في سائر موارد تبعض الصفقة.

أما إذا كان مقدوراً ثم طرأ التعذر بعد البيع فقد ملك الشارط الشرط، ولم

ص: 37

تتبعض الصفقة له، فتعذره بعد ذلك يقتضي ضمان المشروط عليه للشرط بقيمته مهما بلغت، إلا بناءً علي أن التعذر بمنزلة تلف المبيع قبل قبضه يوجب انفساخ البيع فيه، فتتبعض الصفقة ويثبت للشارط الأرش.

وفيه: أن المعاملة متقومة بالمضمون المنشأ، وحيث كان الشرط خارجاً عن طرفي المعاوضة المنشأة فلا وجه لتقسيط الثمن عليه.

ومجرد كونه موجباً لزيادة الثمن لا يوجب تقسيط الثمن عليه بعد عدم مقابلته به.

ولاسيما أن الشرط قد يوجب نقص الثمن، كما هو مورد كلام العلامة والصيمري (قدس سرهما)، وضمانه بالأرش يرجع إلي فرض زيادة الثمن، مع أنها غير مقصودة قطعاً.

غاية الأمر أن المبيع لو بيع بلا شرط لزاد ثمنه.

لكنه لم يبع كذلك ولم يزد ثمنه.

نعم لو رجع الشرط إلي اشتراط الإجارة، كما لو كان ثمن الثوب عشرة، وأجرة الخياطة خمسة، ورجع بيع الثوب علي أن يخيطه بخمسة عشر إلي بيع الثوب بعشرة والاستئجار علي الخياطة بخمسة وإيقاعهما صفقة واحدة اتجه ذلك.

لكنه خروج عن محل الكلام من فرض اشتراط العمل إلي فرض الإجارة عليه.

مع أن اللازم ضمان الأجرة التي وقع الاتفاق عليها، لا الأرش بالمعني المتقدم الذي قد يزيد أو ينقص.

وبالجملة: لا مجال للبناء في محل الكلام علي ضمان الأرش بعد فرض خروج الشرط عن موضوع المعاوضة.

وثبوته في العيب مع خروج وصف السلامة عن موضوع المعاوضة للدليل الخاص لا يقتضي ثبوته في المقام.

ولاسيما أن الشرط قد يوجب نقص الثمن، فضمانه بالأرش يستلزم كونه أمراً زائداً علي الثمن يجب علي المشتري دفعه للبائع، وليس هو نظيراً للأرش في العيب، بل نظير ما لو باعه السالم بثمن المعيب بتخيل كونه معيباً، فإن ضمان وصف السلامة بالأرش يرجع إلي لزوم دفع المشتري للبائع فرق ما بين السالم والمعيب بنسبته من الثمن زيادة عليه، ولا يظن بأحد البناء علي ذلك.

وبذلك يظهر الإشكال فيما تقدم

ص: 38

من العلامة وعن الصيمري.

وأشكل منه ما تقدم عن الصيمري من ثبوت الأرش المذكور بامتناع المشروط عليه من فعل الشرط، لا بتعذر الشرط.

إذ لا وجه لضمان الشرط بالبدل مع إمكانه، بل يتعين استحقاقه لا غير، وعدم الانتقال للبدل إلا باتفاق جديد.

الثاني: ضمان الشرط بقيمته الواقعية.

قال في التذكرة: «لو شرط علي البائع عملاً سائغاً تخير المشتري بين الفسخ والمطالبة به أو بعوضه إن فات وقته وكان مما يتقوم... ولو لم يكن مما يتقوم تخير بين الفسخ والإمضاء مجاناً».

وقال أيضاً: «لو كان الشرط علي المشتري... تخير البائع بين الفسخ والإمضاء بقيمة الفائت إن كان مما له قيمة، وإلا مجاناً».

لكن ذلك منه (قده) لا يناسب ما سبق في شرط العتق من ثبوت الأرش.

لظهور أن العتق إن كان له قيمة فما ذكره هنا يقتضي ضمانه بقيمته لا بالأرش.

وإن لم يكن له قيمة كما هو الظاهر فما سبق منه من ضمان العتق بالأرش لا يناسب ما ذكره هنا من الإمضاء فيما لا قيمة له مجاناً.

وكيف كان فقد يوجه أصل الضمان بأنه مقتضي ملكية العمل علي المشروط عليه بمقتضي الشرط، بناء علي ما سبق من عدم تمحض الشرط في التكليف، والرجوع للقيمة بأنها الأصل في الضمان بعد تعذر تسليم المملوك القيمي.

وفيه: أولاً: أنه لا يتم فيما لو تعذر الشرط رأساً، كما لو شرط عليه أن يعلّم عبده الكتابة في شهر رمضان فمات العبد في شعبان، أو شرط عليه أن يصوم يوماً معيناً فمرض فيه.

لظهور انكشاف عدم ملكية الشرط في ذمة المشروط عليه.

وثانياً: أن المتيقن من بناء العقلاء علي الضمان للأعمال والمنافع هو مورد الاستيفاء.

ولم يتضح بناؤهم عليه في غير ذلك، وبمجرد التعذر.

ولعله لذا كان بناؤهم علي أنه إذا تعذر العمل المستأجر عليه بعد القدرة عليه تنفسخ الإجارة، ويرجع الثمن، من دون أن يضمن العمل بقيمته.

ص: 39

فتلف (1).

وفي الجميع له الخيار لا غير.

-

وذلك وإن أمكن أن يكون نظير تلف المبيع قبل قبضه الموجب لانفساخ البيع يبتني علي عدم استقرار المعاوضة إلا بالتسليم، إلا أنه لا طريق معه لإحراز بناء العرف والعقلاء علي ضمان الأعمال بالقيمة عند التعذر.

وثالثاً: أن الشرط وإن اقتضي استحقاق الأمر المشروط الذي هو نحو من الملكية، إلا أن الأمر المستحق هو الأمر المشروط بما هو بخصوصيته، لا بلحاظ ماليته، ليتعين حفظ ماليته عند تعذر خصوصيته.

وهذا بخلاف المعاوضات، حيث تبتني علي ملكية العوض بما هو مال مقابل بالمال.

وقد يرجع إلي ذلك ما عن بعض الأعاظم (قده) في المقام.

وهو محتاج إلي مزيد من التأمل.

(1) وسواء كان تعذر الشرط قهراً أم بسبب الشارط أم بسبب المشروط عليه ولو تقصداً.

غايته أن المشروط عليه يكون معتدياً في الصورة الأخيرة.

ثم إن سيدنا المصنف (قده) لم يتعرض لكثير من الفروع المتعلقة بأحكام الشرط.

فيحسن بنا التعرض لما هو المهم منها في ضمن مسائل.

المسألة الأولي: بعد ما تقدم في المسألة الثالثة والستين من وجوب الوفاء بالشرط وتحقيقه من قبل المشروط عليه، فالمتعين عدم جواز تصرف المشروط عليه تصرفاً يمنع من تنفيذ الشرط، لما فيه من تعجيز نفسه عن امتثال التكليف بالوفاء بالشرط.

لكن التصرف إذا كان خارجياً فلابد من وقوعه تبعاً لسببه التكويني، كما إذا شرط عليه أن يلبس الثوب فأحرقه.

أما إذا كان اعتبارياً كما إذا باعه أرضاً واشترط عليه أن يوقفها مسجداً أو يبيعها لزيد أو نحو ذلك فهل يقع التصرف ويحرم كالتصرف الخارجي، أو لا يقع لمنافاته للشرط؟ الظاهر وقوعه بناء علي تمحض وجوب الوفاء بالشرط في التكليف.

إذ غاية

ص: 40

(41)

عدم جواز تصرف المشروط عليه ما يمنع من فعل الشرط

الأمر حرمة التصرف المذكور.

وهي لا تقتضي الفساد في المعاملة علي التحقيق.

أما بناءً علي ما تقدم من رجوع وجوب الوفاء بالشرط إلي كونه حقاً للشارط، يجب إنفاذه وأداؤه، فالظاهر عدم صحة التصرف، كما ذهب إليه شيخنا الأعظم (قده).

لقصور سلطنة المشروط عليه عنه بعد منافاته للشرط الذي هو حق الشارط.

وعن بعض مشايخنا (قده) (قده) نفوذ التصرف الواقع علي العين، لأن الحق متعلق بالعقد، وليس هو كحق الرهانة متعلقاً بالعين، ليكون التصرف فيها منافياً للحق الثابت فيها.

وفيه: أن الأمر المشروط الذي يستحقه الشارط وإن كان هو التصرف الخاص المتعلق بالعين من بيع أو وقف أو غيرها، لا نفس العين، إلا أن تعلق التصرف المستحق بالعين يجعلها موضوعاً للحق، بحيث لا يمكن إطلاق السلطنة عليها بنحو تشمل التصرف المانع من تحقق التصرف المستحق بالشرط، فإن المهم في المقام هو قصور السلطنة عليه.

وإلا فتعلق حق الرهانة بالعين ليس من جهة استحقاقه لها، بل من جهة استحقاقه استيفاء دينه منها بنحو يمنع من إطلاق السلطنة عليها، بحيث تشمل التصرف المانع من ذلك.

والحاصل: أنه يتعين البناء علي عدم نفوذ التصرف المنافي لمقتضي الشرط بناءً علي ما سبق منّا من كون الشرط موجباً لاستحقاق الشارط الأمر المشروط.

نعم حيث كان المانع من نفوذ الشرط منافاته لحق الشارط، ولسلطنته علي حقه، تعين صحته إذا وقع بإذن الشارط، أو أجازه بعد وقوعه، لأنه من صغريات عقد الفضولي الذي ينفذ بالإجازة، لأن المعيار فيه منافاة التصرف لسلطنة الغير وإن لم يكن مالكاً، ويكفي فيه إجارته.

خلافاً للمحقق التستري (قده)، فخصه بما إذا كان التصرف منافياً لسلطة المالك، وأنه هو الذي ينفذ بالإجازة.

أما إذا كان منافياً لسلطنة غير المالك كالمرتهن والشارط في المقام فيقع التصرف باطلاً، ولا تصححه الإجازة.

وقد تقدم تفصيل

ص: 41

الكلام في ذلك في المسألة التاسعة من فصل شروط العوضين.

فراجع.

المسألة الثانية: إذا تخلف الشرط وقد تغيرت العين أو تلفت فهل يسقط الخيار، نظير ما تقدم في العيب، أو يثبت ويتعين مع الفسخ الانتقال للبدل من المثل أو القيمة مع تلف العين، ورجوع العين مع ضمان نقصها أو ثبوت حق الآخر فيها مع تغيرها بنقص أو زيادة، علي نحو ما تقدم منهم في خيار الغبن.

وقد تقدم في خيار الغبن أن تلف العين لا يوجب ارتفاع موضوع الخيار، لأن موضوع الخيار هو العقد، لا العين.

غاية الأمر أن أدلة خيار الغبن تقصر عن صورة تلف العين أو تغييرها.

وقد يجري ذلك في المقام، لما سبق من أن دليل الخيار في المقام هو بناء العقلاء، والمتيقن منه صورة عدم تغير العين، فضلاً عن تلفها.

وكذا لو قيل بأن الخيار المذكور من صغريات شرط الخيار، لرجوع الاشتراط إلي اشتراط الخيار بتخلف الشرط، حيث يقرب فيه انصراف اشتراط الخيار إلي صورة عدم تغير العين.

لكن حيث لم يتضح لنا رجوع الشرط إلي اشتراط الخيار فلا يتيسر لنا تشخيص حدود الخيار المشترط.

نعم قد يتضح رجوع الاشتراط إلي ذلك بقرائن زائدة علي مفاد الاشتراط، كما تقدم.

وكذا لو ابتني الاشتراط علي خروج الشرط عن القدرة.

حيث سبق لغوية الشرط بمعني الإلزام والالتزام، وأنه قد يتمحض الاشتراط فيه في اشتراط الخيار بتخلف الشرط.

وحينئذ يكون الخيار المشترط تابعاً سعة وضيقاً للقرائن المحيطة بالمعاملة.

وأما حكم العرف بثبوت الخيار بتخلف الشرط فيصعب البناء علي اختصاصه بصورة بقاء العين علي حالها فيما لو كانت العين عند المشروط عليه، حيث يتيسر له منع الخيار بتغيير العين أو إتلافها ثم مخالفة الشرط.

وفي ذلك إضرار بالشارط.

لكن في كفاية ذلك في البناء علي عموم الخيار إشكال.

ص: 42

(43)

لصاحب الشرط اسقاط شرطه

ثم إنه لو تعذر الشرط وقد خرجت العين عن ملك المشروط عليه بتصرف ناقل من بيع أو هبة أو نحوهما.

فإن قلنا بقصور خيار تخلف الشرط عن صورة تغير العين أو تلفها تعين سقوطه في المقام، لأنه بحكم التلف في تعذر رجوع العين بحالها للبائع.

أما إذا قلنا بعدم سقوطه بذلك فالمتعين الرجوع للبدل، وليس له إلزام المشتري بإرجاع العين لو أمكنه ذلك نظير ما تقدم منهم في خيار الغبن فضلاً عن أن يرجعها هو بفسخ العقد الثاني، لعدم كونه متعلقاً به.

نعم لو كان منشأ خيار تخلف الشرط هو اشتراط الخيار بتخلفه لقرائن خاصة محيطة بالكلام علي ما سبق أمكن رجوع الاشتراط المذكور للمنع من التصرف الناقل في العين قبل تحقيق الشرط، أو علي تقدير عدم تحقيقه، وحينئذ يكون التصرف المذكور منافياً للشرط، فيتوقف نفوذه علي إذن صاحب الشرط أو إجازته، لما تقدم في المسألة السابقة.

المسألة الثالثة: لصاحب الشرط إسقاط شرطه بناءً علي ما سبق من أنه لا يتمحض في التكليف، بل هو حق للشارط، إذ لصاحب الحق التنازل عن حقه ارتكازاً إلا أن يثبت بدليل خاص عدم سقوط الحق بالإسقاط، فيكون رادعاً عن مقتضي الارتكاز المذكور أما بناءً علي تمحض الشرط في التكليف فسقوطه بالإسقاط مناف لإطلاق دليل الإمضاء.

ودعوي: أن موضوع التكليف المستفاد من الإمضاء لما كان هو الشرط فبقاؤه تابع لبقاء الشرط.

ومع فرض إسقاطه وارتفاعه فلا موضوع للتكليف بالشرط، ليكون ارتفاع التكليف منافياً لإطلاق دليله.

مدفوعة بأن موضوع الإمضاء هو الاشتراط بالمعني المصدري، كما هو الحال في إمضاء العقد واليمين والنذر وغيرها، وإلا فالعناوين المذكورة لا بقاء لها، ليكون هو موضوع الإمضاء والأحكام.

وليست هي كالطهارة والنجاسة والملكية والرقية والحرية ونحوها مما يكون له بقاء بالمعني الاسم المصدري، ويكون هو موضوع

ص: 43

الأحكام.

ومن الظاهر أن إسقاط الشرط لا يقتضي ارتفاع الاشتراط بالمعني المصدري، ليرتفع به موضوع الإمضاء، ومع بقاء موضوع الإمضاء، يكون ارتفاع التكليف بالإسقاط منافياً لإطلاقه.

فلاحظ.

هذا وقد استثني في التذكرة والإيضاح والدروس وعن غيرها شرط العتق، فلا يسقط بإسقاط المشتري، وإن كان حقاً له، لأنه حق لله تعالي أيضاً، كما في الإيضاح، أو له تعالي وللعبد، كما في التذكرة والدروس.

وبه صرح في جامع المقاصد.

قال: «والتحقيق في ذلك أن العتق فيه معني القربة والعبادة، وذلك حق لله تعالي، وزوال الحجر، وهو حق العبد، وفوات المالية علي الوجه المخصوص للقربة، وهو حق للبائع».

لكن الموجب لكون الشرط حقاً للبائع ليس هو خسارته لبعض المال من أجله أو انتفاعه به بلحاظ كونه قربياً، بل هو تضمن الاشتراط استحقاقه، وإمضاء ذلك شرعاً، وهو مختص بالبائع، ولا يجري في حق الله سبحانه وإن كان عبادة له، ولا في حق العبد وإن كان ينتفع به.

علي أن جهات القربة والجهات التي ينتفع بها غير المشترط كثيرة، لا يظهر منهم البناء علي تعدد المستحقين لها مع الشرط.

وما الفرق بين العتق ومثل بناء المسجد والمدرسة وصلاة النيابة وتدريس بعض الناس وغير ذلك ؟! وهل يمكن البناء مع اشتراطها علي عدم سلطنة المشترط علي إسقاط الشرط؟!.

والحاصل: أنه يتعين البناء علي عموم سقوط الشرط بالإسقاط بعد كونه حقاً للمشترط.

نعم إذا لم يوجب حقاً للمشترط يتجه عدم سقوطه بالإسقاط، كما نبه لذلك شيخنا الأعظم (قده) قال: «للمشروط إسقاط شرطه إذا كان مما تقدم يقبل الإسقاط، لا مثل اشتراط مال العبد وحمل الدابة».

والوجه في ذلك: أن الإسقاط لا يرفع نفوذ الشرط، كالفسخ، بل يرفع الشرط المملوك في فرض نفوذ الشرط، وذلك إنما يتجه فيما إذا كان مفاد الشرط

ص: 44

(45)

جزيية الشرط من مضمون العقد وعدم انحلاله

متعلقاً بالمشروط عليه، بحيث يقتضي نحواً من الثقل عليه والمسؤولية، كالعمل والعين الذمية وحق الخيار في عقده ونحو ذلك، حيث يرجع الإسقاط إلي رفع الثقل والمسؤولية عنه.

أما إذا كان مفاده ملكية المشترط لعين خارجية، فلا مجال لإسقاطها بعد ملكيتها، لعدم ابتناء ملكيتها علي مسؤولية شخص بها، لترتفع تلك المسؤولية بالإسقاط.

فلاحظ.

المسألة الرابعة: تقدم في المسألة العشرين من فصل شروط المتعاقدين في حكم ما إذا باع الإنسان ماله مع مال غيره أن العقد لا ينحل حقيقة إلي عقود متعددة بانحلال أجزاء مضمونه.

ومقتضي ذلك قصور عموم نفوذ العقد عن تمام مضمون العقد إذا لم ينفذ في بعضه.

كما تقدم في أول الكلام في أحكام الشرط أن الشرط جزء من مضمون العقد.

ومقتضي ذلك أن يكون فساد الشرط مانعاً من عموم النفوذ للعقد المشتمل عليه.

كما لا مجال للاستدلال علي نفوذ البيع وحده في المقام بما دلّ علي نفوذ خصوص البيع.

فإن الشرط وإن كان خارجاً عن البيع، إلا أن دليل نفوذ البيع بخصوصيته ينحصر بقوله تعالي: (إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)(1) ، وهو ظاهر في نفوذها علي النحو الذي وقع عليه الرضا بها، ومن الظاهر أن الرضا بالتجارة في المقام إنما كان مع الشرط، فمع فرض عدم نفوذ الشرط لا مجال لنفوذ البيع وحده.

وأما قوله تعالي: (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (2) فقد سبق في أول كتاب التجارة عدم ثبوت الإطلاق له، لعدم وروده في مقام تشريع نفوذ البيع، بل لاستنكار تشبيه الربا به بعد الفراغ عن حليته في نفسه وحرمة الربا في نفسه.

فراجع.

علي أنه لو تم إطلاقه فهو ينصرف إلي حليته علي النحو الذي وقع عليه، فإذا وقع مبنياً علي الشرط لا مجال للبناء علي صحته مع بطلان الشرط.

وبالجملة: لا مجال

********

(1) سورة النساء الآية: 29.

(2) سورة البقرة الآية: 275.

ص: 45

في المقام للبناء علي نهوض عمومات النفوذ بإثبات صحة العقد مع بطلان الشرط.

نعم تقدم في المسألة المذكورة أن صحة العقد في بعض مضمونه من الأحكام العرفية الارتكازية التي عليها المعول ما لم يثبت الردع عنها.

ولا ينبغي الإشكال في ذلك في المقام فيما إذا كان بطلان الشرط لعدم القدرة عليه إذا أوقع بتخيل القدرة عليه ولو من أحد الطرفين، بحيث تم القصد إلي بناء العقد عليه وربطه به.

إذ ليس بناؤهم في مثله علي بطلان العقد لو انكشف التعذر، بل غايته ثبوت الخيار، كما تقدم من المبسوط ومحكي جواهر القاضي وغيرهما.

أما إذا ابتني العقد علي عدم القدرة علي الشرط، فحيث كان الشرط لاغياً ارتكازاً، إذ لا معني للالتزام بما هو غير مقدور.

فإن رجع الشرط إلي عدم قصدهما للعقد تعين عدم وقوعه.

وإن رجع إلي لغوية الشرط وحده مع القصد لإيقاع العقد مجرداً عنه تعين صحة العقد ولزومه وإن لم يحصل الشرط.

وإن رجع إلي مجرد اشتراط الخيار بتخلفه تعين العمل علي ذلك.

وأظهر من ذلك ما إذا كان بطلان الشرط لعدم ذكره في ضمن العقد صريحاً ولا ضمناً.

لرجوعه في الحقيقة إلي إطلاق العقد، من دون أن يبتني علي الشرط.

ولا إشكال حينئذ في صحة العقد ولزومه.

وأما إذا كان لمخالفته للكتاب والسنة فيكفي في البناء علي صحة العقد النصوص الواردة في من اشترط الولاء لغير المعتق(1) ، أو باع الجارية واشترط أنها لا تورث(2) ، وما ورد في الشروط الفاسدة في النكاح(3) ، وفي المكاتبة(4).

لظهور بعضها وصراحة أكثرها في صحة العقد الذي وقع فيه الشرط.

********

(1) راجع: وسائل الشيعة ج: 14 باب: 52 من أبواب المهور.

(2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 15 من أبواب بيع الحيوان حديث: 1.

(3) راجع: وسائل الشيعة ج: 15 باب: 10، 20، 29، 38، 39، 40 من أبواب المهور، وباب: 13 من أبواب مقدمات الطلاق وشروطه.

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 16 باب: 15 من أبواب كتاب المكاتبة.

ص: 46

(47)

بطلان الشرط بالفسخ او التقايل

نعم إذا كان بطلان الشرط لمخالفته لمقتضي العقد بالمعني المتقدم فلا ينبغي الإشكال في بطلان العقد معه، لخلل في إنشائه، كما تقدم عند الكلام في بطلان الشرط المخالف لمقتضي العقد.

ومثله ما إذا أوجب الشرط محذوراً شرعياً في العقد نفسه، كاشتراط الزيادة في الربويين.

وما ألحق به، مثل ما تقدم في من باع شيئاً بثمن واشترط علي المشتري أن يبيعه عليه بثمن آخر، حيث يظهر من نصوصه المتقدمة بطلان البيع الأول لإلحاقه بالربا.

لكنه خارج عن محل الكلام، لظهور أن الكلام في استناد فساد العقد لفساد الشرط، دون مثل المقام مما كان فساد العقد مستنداً للشرط نفسه مع قطع النظر عن فساد.

هذا وظاهر نصوص الشرط المخالف للكتاب والسنة المتقدمة إليها الإشارة عدم الخيار في العقد بتخلف الشرط لا ببطلانه.

لأن الاقتصار فيها علي بطلان الشرط وجواز مخالفته، من دون تنبيه لتدارك ضرر تخلفه علي صاحبه بالخيار، ظاهر في عدم ثبوت الخيار.

ولاسيما مع ظهورها في المفروغية عن ترتيب آثار العقد من دون تنبيه لاحتمال فسخه.

ومع كون الخيار قد يؤدي مؤدي الشرط الفاسد، كما في اشتراط الطلاق.

المسألة الخامسة: لما كان الشرط من شؤون العقد، ففسخ العقد بالتقايل أو بالخيار لابد أن يستلزم بطلان الشرط.

وعلي هذا جري الأصحاب من غير خلاف يعرف، بل الظاهر مفروغيتهم عنه.

لكن استجدت في عصورنا الشروط الجزائية المبنية علي اشتراط خسارة مالية علي من يتخلف عن مقتضي العقد بتأخير تسليم الثمن أو نحوه أو علي من يفسخه.

ولا إشكال في الأول، إذ بعد عدم فسخ العقد يتعين نفوذ الشرط تبعاً له.

وإنما يقع الكلام في الثاني، حيث قد يدعي أن فسخ العقد مستلزم لبطلان الشرط تبعاً له،

ص: 47

فكيف يترتب أثره بالفسخ ؟!.

لكن الظاهر صحة الشرط المذكور، لأن الفسخ الذي يكون موضوعاً للشرط في ذلك ليس هو فسخ العقد بتمامه، كما في التقايل، أو شرط الخيار إلي أمد معين، الذي قد يجعل حتي في مثل هذه العقود، بل فسخ بعض مضمونه بعد بقاء العقد الذي يجعل فيه الشرط.

فإذا باعه الدار مثلاً، واشترط له الخيار إلي شهر، وأنه فسخ بعد الشهر كان عليه عشرون مثقالاً من الذهب، رجع العقد إلي أمور: الأول: يبيع الدار بالثمن الخاص.

الثاني: اشتراط الخيار في العقد بتمامه إلي شهر للمشتري.

الثالث: اشتراط الخيار في خصوص البيع بعد الشهر له أيضاً، لكن مع دفع عشرين مثقالاً من الذهب علي تقدير الفسخ.

وحينئذ إذا فسخ المشتري في ضمن الشهر بطل العقد بتمامه بما في ذلك الشرط، لارتفاع موضوعه.

وكذا إذا تقايلا في العقد، لما سبق من أن الشرط من جملة العقد.

أما إذا فسخ المشتري بعد الشهر، فالفسخ المجعول له ليس هو فسخ العقد بتمامه، ليبطل معه الشرط، كما لو تقايلا حينئذ، بل هو فسخ خصوص البيع منه.

ولا مانع مع ذلك من لزوم الشرط بعد عدم فسخ العقد بتمامه، بل هو المتعين، عملاً بعموم لزوم الشرط.

ودعوي: أن ذلك لا يناسب ما سبق منّا عند الكلام في بيع الشرط من امتناع التبعيض في فسخ العقد الواحد.

مدفوعة بأن ذلك إنما يتم إذا ابتني العقد علي الارتباطية، كما في بيع جملة بجملة، أو البيع والشرط من دون تصريح بالتفكيك، أما مع تعدد المضمون، والتصريح بالتفكيك بينهما في نفس العقد، فلا محذور في ذلك، لعدم منافاته لوضع العقد.

بل الحال في المقام أظهر، لأن أحد المضمونين مترتب علي فسخ الآخر، فيكون التبعيض

ص: 48

مقتضي نفس العقد.

وإن شئت قلت: العقد المذكور مما لا يستنكره العرف، تبعاً لمرتكزاتهم، وليس هو كلزوم العمل بالشرط مع فسخ العقد من أصله، فلا منشأ لقصور أدلة الإمضاء عنه.

فلاحظ.

والله سبحانه وتعالي العالم.

والحمد لله رب العالمين.

ص: 49

ص: 50

(51) (51)

الفصل الخامس/ في احكام الخيار (1)

اشارة

وفيه مسائل:

---------------

(1) لم يشر سيدنا المصنف (قده) إلي الكلام في أن ترتب أثر العقد وتبادل العوضين في الملكية هل يكون بنفس العقد أو بانقضاء زمن الخيار.

والظاهر مفروغيته تبعاً للمشهور عن الأول.

خلافاً للشيخ في بعض كلماته في المبسوط والخلاف وابن سعيد في الجامع، وحكي عن ابن الجنيد، وتبعهم في الجملة بعض متأخري المتأخرين.

وإن كانت كلمات الشيخ لا تخلو عن اضطراب.

وكذا كلام ابن سعيد، حيث حكم بأن نماء المبيع للمشتري، وهو لا يتناسب مع بقائه علي ملك البائع.

ولا يسعنا فعلاً استقصاء الأقوال ومتابعة كلماتهم، وقد أطال في ذلك في مفتاح الكرامة.

وإنما المهم تحقيق أصل الحكم.

ومن الظاهر أن مقتضي عموم نفوذ العقد والتجارة عن تراض هو حصول الملك بنفس العقد.

وهو المنساق من أدلة الخيار، لأن إعماله ارتكازاً بفسخ البيع والرجوع فيه، وهو فرع نفوذه وترتب الأثر عليه.

ويؤكد ذلك النصوص المتضمنة سقوط الخيار ولزوم البيع بالتصرف،

ص: 51

لظهورها في المفروغية جواز التصرف وترتيب أثر الملك في زمن الخيار، لا أن الملك لا يحصل والتصرف لا يحل حتي يلزم البيع بالرضا بالعقد أو إسقاط الخيار في مرتبة سابقة علي التصرف.

وكذا النصوص الدالة علي أنه إذا اشتري شخص من آخر شيئاً جاز له أن يبيعه منه، بنحو يظهر منه بيعه رأساً، كصحيح بشار بن يسار: «سألت أبا عبد الله عن الرجل يبيع المتاع بنساء فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه.

قال: نعم لا بأس به.

فقلت له: اشتري متاعي.

فقال: ليس هو متاعك ولا بقرك ولا غنمك»(1) وخبر الحسين بن المنذر: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يجيئني الرجل فيطلب العينة، فأشتري له المتاع مرابحة ثم أبيعه إياه ثم أشتريه منه مكاني.

قال: إذا كان بالخيار إن شاء باع وإن شاء لم يبع، وكنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت وإن شئت لم تشتر فلا بأس»(2).

لقوة ظهورهما في تحقق الملك وترتب آثاره بالشراء من دون حاجة إلي مضي زمان خيار المجلس أو سقوطه.

وأظهر من ذلك ما في معتبر إسحاق بن عمار المتقدم في بيع الدار ببيع الخيار: «قلت: فإنها كانت فيها غلة كثيرة فأخذ الغلة، لمن تكون الغلة ؟ فقال: الغلة للمشتري.

ألا تري أنها لو احترقت لكانت من ماله»(3).

وفي معتبر معاوية بن ميسرة الوارد في ذلك أيضاً: «قال أبو الجارود: فإن الرجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين.

قال: هو ماله.

وقال أبو عبد الله (عليه السلام): أرأيت لو أن الدار احترقت من مال من كانت تكون ؟ الدار دار المشتري»(4).

نعم في صحيح عبد الله بن سنان: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري الدابة أو العبد ويشترط إلي يوم أو يومين، فيموت العبد والدابة أو يحدث فيه حدث، علي من ضمان ذلك ؟ فقال: علي البائع حتي ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب العقود حديث: 3، 4.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب العقود حديث: 3، 4.

(3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 8 من أبواب الخيار حديث: 1، 3.

(4) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 8 من أبواب الخيار حديث: 1، 3.

ص: 52

للمشتري»(1).

فإن مقتضي ذيله عدم ملك المشتري للمبيع إلا بعد انقضاء الشرط، الذي يراد به زمن الخيار.

ويناسبه بقية النصوص الآتية في المسألة الخامسة المتضمنة لضمان البائع للمبيع في مدة الخيار.

لكن ضمان البائع المبيع في مدة الخيار لا يستلزم بقاءه علي ملكه، خصوصاً بناء علي ما يأتي من اختصاص ذلك بالحيوان الذي يبتني الخيار فيه علي إعطاء الفرصة للمشتري في اختبار حاله، حيث قد يكون لذلك دخل في تحمل البائع لدرك المبيع.

وأما صحيح ابن سنان فالمتعين حمله علي إرادة الملك المستقر غير المبني علي الخيار والاختبار، بقرينة ما سبق.

ولاسيما بعد مطابقته للمرتكزات التي هي كالقرينة المتصلة الصالحة لتفسير الصحيح، وبعد عدم ورود الصحيح لبيان مالك الحيوان، بل لبيان الضامن له، حيث يسهل حينئذ حمله علي التوسع في استعمال اللام في المقام.

ومن ذلك يظهر الإشكال فيما في الحدائق وعن الكفاية من موافقة المشهور في خيار الشرط، عملاً بالنصوص المتقدمة، والتوقف أو الميل لعدم ملك المشتري للمبيع في مدة خيار الحيوان، من أجل النصوص المذكورة.

إذ فيه مع عدم ظهور القول بالتفصيل المذكور بين الأصحاب: أن ذلك إنما يتجه إذا كان ترتب الملكية علي العقد تعبدياً محضاً، أما حيث كان مطابقاً للمرتكزات الصالحة للقرينية علي تعيين المراد من النصوص فلا مجال لذلك.

ولاسيما مع ظهور جملة من نصوص المشهور المتقدمة في التنبيه للجهة الارتكازية، والردع عن مخالفتها، حيث يصعب جداً الجمود علي مواردها، بل جعلها قرينة علي تفسير صحيح ابن سنان بما سبق أهون كثيراً. فلاحظ.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب الخيار حديث: 2.

ص: 53

كون الخيار من الحقوق

(مسألة 1): الخيار حق من الحقوق (1).

فإذا مات من له الخيار انتقل إلي وارثه (2) ويحرم منه من يحرم من إرث المال بالقتل أو الكفر أو الرق

---------------

(1) كما هو المرتكز عرفاً.

ويناسبه ظهور الاتفاق علي سقوطه بالإسقاط، وما يأتي من اتفاقهم علي أنه يورث.

مضافاً إلي ما سبق عند الكلام في خيار الشرط من أن قبول العقود نوعاً ومنها البيع للتقايل شاهد بكون اللزوم فيها حقياً.

حيث يناسب ذلك كون خياري المجلس والحيوان من الحقوق، حفاظاً علي السنخية بين الحكم السابق علي الغاية واللاحق لها في أدلتهما.

ومثلهما في ذلك خيار التأخير، لأن مفاد الشرطية في نصوصه إناطة في لزوم البيع بعدم تأخير التسليم والتسلم ثلاثة أيام، وحيث كان المراد بالمنطوق فيها هو اللزوم الحقي تعين كون المراد بالمفهوم المصرح به فيها هو الجواز الحقي أيضاً.

وهو المناسب أيضاً لنسبة خياري الحيوان والرؤية في النصوص للمشتري باللام الظاهرة في الملك والحق.

ومثلها في ذلك خيار الشرط، لما سبق من أن مفاد الاشتراط جعل الحق.

كما أن ذلك هو المتعين في بقية الخيارات.

لانحصار الدليل عليها ببناء العقلاء، تبعاً لمرتكزاتهم، وهي تقضي بثبوت الخيار الحقي، دون الحكمي.

والحاصل: أنه لا ينبغي الإشكال في كون الخيارات المتقدمة من الحقوق بعد النظر في أدلتها، ولو بضميمة المرتكزات العرفية الصالحة للقرينية علي تفسير الأدلة اللفظية.

(2) بلا شبهة، كما في المسالك، وبلا كلام، كما عن إيضاح النافع، وبلا خلاف، كما في الرياض.

وظاهر التذكرة الإجماع عليه، بل هو صريح في الغنية في خياري المجلس والشرط.

ص: 54

(55)

وقد يستدل عليه بالنبوي: «ما ترك الميت من حق فهو لوارثه».

لكنه لم يرو مسنداً في كتب الحديث لأصحابنا، بل مرسلاً في غير واحد من الكتب الفقهية.

ولعل أصله ما روي مسنداً في بعض كتب الحديث العامية(1).

علي أنه لم يتضح كون المراد بالحق فيه الحق بالمعني المعروف بين الفقهاء، فإنه مصطلح حادث.

ومثله صحيح أيوب بن عطية الحذاء: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: أنا أولي من كل مؤمن من نفسه.

ومن ترك مالاً فللوارث.»(2)

لظهور أن الحق في المقام لا يصدق عليه المال عرفاً.

نعم لا يبعد إلغاء خصوصية المال عرفاً، والتعدي لكل مملوك.

بل قد يستفاد من إطلاق قوله تعالي: (وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَي بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ)(3) ، والإطلاقات المقامية لأدلة الميراث إذ بعد عدم تحديد الموروث يكون المرجع فيه العرف، وهو لا يفرق بين المال وغيره مما هو من سنخ المملوك.

نعم لابد من إحراز بقاء حق الخيار، لبقاء موضوعه بعد الموت.

إذ مع عدم إحراز ذلك لا يحرز موضوع الميراث، وهو الشيء القابل للانتقال، والذي يصدق عليه أنه مما ترك الميت.

وقد سبق أنه لا مجال للبناء علي ذلك في خيار المجلس، لعدم صدق الاجتماع الذي هو موضوع الخيار مع الموت وإن لم يصدق الافتراق، ومقتضي عمومات اللزوم انتهاء أمد الخيار، ولزوم البيع.

ودعوي قيام اجتماع الوارث مقام اجتماع الموروث.

ممنوعة بعد ظهور الأدلة في أن المدار علي اجتماع المتبايعين.

ومجرد الحكم شرعاً بقيام الوارث مقام الموروث في ملكية ما يملك لا يقتضي قيامه في تحقق موضوع الأمر المملوك.

********

(1) مسند أحمد ج: 2 ص 453، سنن ابن ماجة ج 2 ص 914، 2738.

(2) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 3 من أبواب ميراث ولاء ضمان الجريرة والإمامة حديث: 14.

(3) سورة الأنفال الآية: 75، سورة الأحزاب الآية: 6.

ص: 55

ويحجب عنه ما يحجب عن إرث المال (1).

ولو كان العقد الذي فيه الخيار متعلقاً بمال يحرم منه الوارث كالحبوة المختصة بالذكر الأكبر، والأرض التي لا ترث منها الزوجة ففي حرمان ذلك الوارث من أرث الخيار وعدمه

---------------

ومثله في ذلك خيار الرؤية إذا مات المشتري قبل الرؤية، لعدم الدليل علي قيام رؤية الوارث مقام رؤية المشتري المورث في سببيتها للخيار.

نعم إذا تحققت الرؤية من المشتري فلم يعجبه المبيع، وتحقق موضوع الخيار، ثم مات قبل إعماله بنحو لا ينافي في الفورية بالنحو المتقدم في تحديد الخيار المذكور فالظاهر بقاء موضوع الخيار، لعدم التقييد في دليله بإعمال المشتري له، وإنما يعمله لأنه المالك، فإذا انتقل الخيار للوارث كان هو الذي يعمله.

ومثله خيار الحيوان في ضمن الأيام الثلاثة فإن موضوعه بمقتضي نصوصه بيع الحيوان، من دون خصوصية في إعمال من انتقل إليه بالبيع.

وكذا خيار التأخير، فإن منشأه ارتكازاً خروج المشتري عن وظيفته إزاء البيع، وهو حاصل في حق الوارث.

وكذا الحال في بقية الخيارات الثابتة ببناء العقلاء، كخيار الغبن وتخلف الوصف والشرط.

فإنها موجبة ارتكازاً لنقص في العقد يخرجه عن اللزوم، من دون خصوصية في اعماله لشخص من يعمل الخيار.

نعم خيار الشرط حيث كان تابعاً لجعل المتعاقدين، فالمدار في بقائه سعة الخيار المجعول لهما، بحيث لا يؤخذ في بقائه حياة المشترط، ولا في إعماله شخصه، وهو يختلف باختلاف القرائن المحيطة بالشرط.

غاية الأمر أن سعة الخيار مقتضي إطلاق الاشتراط، والتقييد يحتاج إلي مؤنة زائدة.

(1) لإطلاق أدلة المنع عن الميراث والحجب عنه بعد فرض كون المقام من صغريات الميراث.

ص: 56

أقوال (1)، أقربها حرمانه إذا كان منتقلاً من الميت.

فلو باع الميت أرضاً وكان له الخيار لم ترث منه الزوجة، ولو كان قد اشتري أرضاً وكان له الخيار ورثت منه كغيرها من الورثة.

---------------

(1) المحتمل في المقام بدواً وجوه أربعة: الأول: إرث المحروم من إرث ذلك المال للخيار، سواءً كان ذلك المال منتقلاً للميت أم منتقلاً عنه.

وهو مقتضي إطلاق الأكثر.

وبه صرح في الجواهر وبعض من تأخر عنه ووجهه: أن الخيار لما كان قائماً بالعقد وراجعاً للسلطنة علي حله، وفرض كونه حقاً مستقلاً باقياً بعد الموت، فهو مشمول لإطلاقات الميراث القاضية بميراث الشخص المذكور في غير المال المزبور.

الثاني: عدم إرثه للخيار مطلقاً.

وقد يظهر من جامع المقاصد الميل إليه.

وقد يوجه بأنه حيث لا يرث المال فلا يرث الخيار المتعلق به.

وهو كما تري، لأن الحق المتعلق بالمال غير المال.

مع أنه سبق أن حق الخيار متعلق بالعقد، لا بالمال المفروض كونه لا يورث.

ومثله ما ذكره شيخنا الأعظم (قده) من أن الخيار علاقة لصاحبه فيما انتقل عنه تقتضي رجوعه عليه بعد إحراز سلطنته علي ما انتقل إليه.

والوارث المذكور لا علاقة له بالمال المذكور إذا كان قد انتقل عن الميت، ولا سلطنة له عليه إذا كان قد انتقل إلي الميت، لفرض كونه محروماً منه.

إذ يظهر اندفاعه مما سبق من أن الخيار حق قائم بالعقد.

وأخذ العلقة والسلطنة علي العوضين فيه لا شاهد له.

بل هو لا يناسب ما ذكروه من ثبوت الخيار في الفسخ مع تلف أحد العوضين، أو خروجه عن ملك من دخل له بالعقد.

مضافاً إلي أن عدم ملكية الوارث المذكور للمال المزبور لا ينافي سلطنته عليه في فرض انتقاله للميت بالعقد، وعلقته به في فرض انتقاله عن الميت به.

غايته أن

ص: 57

السلطنة تكون محدودة بالمقدار الذي يقتضيه ثبوت الخيار.

وعن بعض مشايخنا (قده) الاستدلال له بأن الدليل علي ميراث الخيار لما كان هو الإجماع، فالمتيقن منه ما إذا كان الوارث له وارثاً للمال.

وفيه: أولاً: أنه لو تم انحصار الدليل علي الميراث بالإجماع فمرجع ذلك إلي أن الإجماع هو الدليل علي كون الخيار حقاً باقياً بعد الموت فلابد أن ينتقل للوارث.

أما تعيين الوارث فهو تابع لأدلة الميراث، ومقتضي إطلاقها إرث الوارث المذكور منه.

وثانياً: أنه لا متيقن في البين بناء علي ما يأتي من اعتبار اتفاق الورثة في إعمال الخيار، وعدم الاكتفاء بإعمال بعضهم فيه.

إذ الاكتفاء حينئذ في إعمال الخيار باتفاق باقي الورثة دون الشخص المذكور يحتاج إلي دليل بعد احتمال ميراثه للخيار معهم.

اللهم إلا أن يقرب ذلك بأصالة عدم إرثه للخيار.

لكنه لا يخلو عن إشكال إذ هو ليس بأولي من استصحاب عدم استقلال بقية الورثة به.

ولعله لذا ذهب (قده) في فتواه للوجه الأول.

الثالث: ما ذكره سيدنا المصنف (قده) من التفصيل بين ما إذا كان المال الذي يحرم منه الوارث المذكور قد انتقل بالبيع عن الميت وما إذا كان قد انتقل له، فلا يرث الخيار في الأول، ويرثه في الثاني.

وهو ظاهر القواعد، وجعله الأصح في الإيضاح، وقواه شيخنا الأعظم (قده).

لدعوي: أن المال المذكور إذا انتقل للميت فالوارث المذكور وإن كان لا يرث منه، إلا أن للميت حقاً في ثمنه بسبب الخيار، حيث يكون له تملكه بالفسخ، ولا مانع من انتقال هذا الحق للوارث المذكور بعد عدم حرمانه من ميراث الثمن.

أما إذا انتقل هذا المال عن الميت، فالميت وإن ثبت له الحق المذكور فيه، لفرض ثبوت الخيار له، إلا أن هذا الحق لا ينتقل للوارث المذكور بعد حرمانه من ميراث هذا المال.

وفيه: أن سلطنة من له الخيار علي تملك ما خرج عن ملكه بسبب الخيار ليست من الحقوق الفعلية المملوكة القابلة للميراث، بل هي منتزعة من قضية تعليقية ترجع

ص: 58

إلي سلطنته علي فسخ العقد الثابتة له بمقتضي استحقاقه للخيار، ومقتضي إطلاق أدلة الميراث ثبوت هذا الحق للمحروم من المال مطلقاً.

مضافاً إلي ما يأتي من أن سلطنة الوارث ليست علي إرجاع ما خرج عن الميت للوارث، بل علي إرجاعه للميت، ويمكن ثبوت السلطنة المذكورة للوارث المحروم.

وحينئذٍ إن توقف انتقال حق الخيار للوارث علي إمكان رجوع كل من المالين إلي ملك مالك الآخر قبل الفسخ تعين عدم إرث الوارث المحروم للخيار في الصورتين معاً، وإن لم يتوقف علي ذلك كما هو الظاهر تعين إرثه له فيهما أيضاً.

ومثله ما ذكره سيدنا المصنف (قده) في حاشيته القديمة من أن النظر في أدلة الخيار إلي بيان سلطنة صاحب الخيار علي استرداد ما خرج عن ملكه بالعقد الذي هو موضوع الخيار، وحيث يتسلط الوارث المذكور علي ذلك فيما لو كان المال المحروم منه قد خرج عن ملك الميت بالعقد، ويتسلط عليه فيما لو دخل في ملك الميت، لعدم حرمانه من الثمن، تعين عدم ميراثه في الأول وميراثه في الثاني.

وفيه: أولاً: أن نظر أدلة الخيار إلي الاسترداد بحيث تكون مقيدة بإمكانه في غاية المنع، لأن غرض صاحب الخيار كما قد يكون هو استرداد ما خرج عنه لرغبته فيه، قد يكون هو رده لما أخذه بالعقد لرغبته عنه، وقد يكون الغرض كلا الأمرين، وقد لا يكون لشيء منهما، بل لمجرد رغبته عن مضمون العقد، لحصول الحيف عليه، كما قد يحصل في الغبن، والجامع بين الصور الثلاث هو الأخير، والكل من سنخ الداعي من دون أن يكون قيداً في الفسخ، ولا في دليل الخيار.

وثانياً: أن فسخ الوارث المذكور وغيره من الورثة أو الفسخ معه لا يقتضي استرداده المال لنفسه، ولا رده عليه رأساً، بل الاسترداد والرد علي الميت، لأن ذلك هو مقتضي الفسخ بعد كونه هو طرف العقد المفسوخ.

ولذا تكون قسمة المال الراجع بين الورثة علي سهام الميراث، ولا يقسم بينهم بالسوية نتيجة اشتراكهم في سبب الملك، وهو الفسخ المسبب عن ملكهم جميعاً للخيار من دون تفاضل فيه، لبساطته

ص: 59

حكم ما اذا تعدد الوارث للخيار

(مسألة 2): إذا تعدد الوارث للخيار فالظاهر أنه لا أثر لفسخ بعضهم بدون انضمام الباقين إليه لا في تمام المبيع (1)

---------------

وعدم قبوله للقسمة.

وعلي ذلك لا فرق بين الوارث المذكور وغيره من الورثة بعد اشتراكهم جميعاً في الاسترداد والرد بالفسخ علي الميت بالمباشرة لا عليهم رأساً، وثبوت حكم الميراث لهم إنما يكون بعد فرض دخول المال في ملك الميت.

فلاحظ.

الرابع: عكس التفصيل السابق.

وقد يوجه بما قد يستفاد من جامع المقاصد من أن فسخ الوارث المذكور في فرض انتقال المال المذكور للميت مستلزم لتصرفه في مال لا حق له فيه، ولا يلزم ذلك في فرض انتقال المال المذكور عن الميت، لأنه يشترك مع بقية الورثة في الثمن.

وفيه: أنه لا محذور في تصرفه في مال بقية الورثة بسبب الفسخ بعد قضاء إطلاق أدلة الميراث باشتراكه معهم في إرث حق الخيار.

ومن هنا لا مخرج عن الوجه الأول.

(1) كما صرح بذلك غير واحد.

لفرض وحدة الخيار، فإذا صار بالميراث حقاً لجميع الورثة تعين عدم استقلال كل منهم بالسلطنة عليه، بحيث ينفسخ العقد بفسخه، أو يلزم برضاه، أو يسقط الخيار بإسقاطه له.

إلا أن يدل علي ذلك دليل خاص، كما جروا عليه في حق القصاص وحق القذف وحق الشفعة، علي كلام فيها موكول إلي محله.

ودعوي: أن ثبوت الحق الواحد لهم يرجع إلي ثبوته للطبيعة المتشخصة بكل منهم، فأيهم سبق للفسخ أو الإمضاء كان مؤثراً، ولم يبق موضوع لفسخ الآخرين، أو إمضائهم.

مدفوعة بأن ذلك خلاف ظاهر أدلة الميراث، خصوصاً بلحاظ ميراث المال المعلوم عدم استقلال كل منهم به.

ومنه يظهر ضعف ما في الجواهر من أنه يقدم الفاسخ منهم علي الملزم، عملاً

ص: 60

(61)

ولا في حصته (1).

إلا إذا رضي من عليه الخيار فيصح في حصته (2).

-

بالنبوي المتقدم: «ما ترك الميت من حق فهو لوارثه» بعد إمكان تعدد من له الخيار.

إذ فيه: أن ذلك إنما يتم إذا رجع تعدد من له الخيار إلي تعدد حق الخيار، بحيث يثبت لكل منهم خيار مستقل عن خيار الآخر، لسلطنة كل منهم علي إعمال خياره من دون أن يمنع من سلطنة الآخر علي خياره ولا يوجب سقوطه، كما هو الحال في المتبايعين في خيار المجلس.

ولا مجال له في المقام بعد فرض وحدة الخيار الموروث وتعدد الوارث المستحق له، حيث لا وجه لاستقلال كل منهم بالسلطنة عليه، فضلاً عن تقديم الفاسخ منهم علي الملزم مع التقارن أو مطلقاً.

(1) لظهور بساطة الحق وعدم قابليته للقسمة، وليس هو كالمال، فلابد في ثبوته للورثة من ثبوته لهم بنحو المجموعية، لا بنحو الانحلال والتوزيع.

ويأتي الكلام في ذلك.

(2) يظهر منه (قده) في حاشيته القديمة توجيهه بناءً علي انحلال البيع الواحد إلي بيوع متعددة بحسب الحصص بأن تعدد البيوع مستلزم لتعدد الخيار وانحلاله بحسب الحصص أيضاً، فيرث كل منهم الخيار في حصته.

غاية الأمر ثبوت التلازم بين أبعاض الخيار الواحد في مقام الإعمال إرفاقاً بمن عليه الخيار، فإذا رضي بالتفكيك أمكن استقلال كل منهم بإعمال الخيار في حصته.

لكن سبق في المسألة الرابعة عشرة من الفصل السابق المنع من انحلال البيع عرفاً إلي بيوع متعددة بحسب الحصص، وأن ترتيب أثر الصحة مع تبعض الصفقة حكم عرفي لا يبتني علي ذلك.

ولو غض النظر عن ذلك فظاهر دليل الخيار وحدة الخيار وتعلقه بمجموع البيع.

وبعبارة أخري: ليس الخيار كالبيع، لأن البيع تابع لقصد المتبايعين، فقد يدعي المدعي قصدهما له بنحو الانحلال، وأما الخيار فهو تابع للجعل الشرعي المستفاد من

ص: 61

أدلته، ولا ريب في ظهورها في وحدته.

علي أنه لو فرض تعدد الخيار تبعاً للحصص، فحيث كان الخيار مبايناً للأعيان فلا دليل علي استقلال كل منهم بالخيار الثابت في حصته، بل مقتضي القاعدة اشتراكهم في كل خيار يفرض، فلا يمكن إعماله إلا برضا الكل.

نعم أشار (قده) لتوجيه صحة الفسخ في الحصة بأن الفسخ المذكور إذا لم يبتن علي إعمال الخيار، لما سبق، أمكن أن يرجع للتقايل.

وهو لا يخلو عن وجه، حيث لا يبعد مشروعية التقايل مع الوارث، لأن ملكيته ارتكازاً بقاء لملكية المورث، نظير ما تقدم من الاكتفاء بإجازته لبيع الفضولي الواقع في حياة المورث.

وإن تقدم من سيدنا المصنف (قده) التوقف في ذلك.

نعم صحة التقابل حينئذ تبتني علي ما سبق الكلام فيه من إمكان التفكيك في الفسخ بين أجزاء المبيع.

وأظهر من ذلك ما إذا رجع رضاه إلي التصالح بينهما علي المعاوضة بين الحصة وما يخصها من الثمن، حيث لا إشكال فيه حتي بناءً علي امتناع التبعيض في الفسخ.

هذا وما ذكره سيدنا المصنف (قده) هنا قد لا يناسب ما تقدم منه في المسألتين الستين والواحدة والستين من الفصل السابق من إطلاق عدم التبعيض في الفسخ.

وإن كان ما هنا قد يناسب ما تقدم منه في المسألة الرابعة عشرة منه.

غاية الأمر أنهما يفترقان بأن الكلام هناك في خصوص خيار الشرط التابع لجعل المتعاقدين المتفاسخين، والكلام هنا في جميع الخيارات غير التابعة لجعل المتفاسخين حتي خيار الشرط منها، لأنه تابع لجعل المورث، دون الوارث الفاسخ.

ودعوي: أن ملكيتهم للعين لما كانت مترتبة علي ملك الميت فهي بحكم تلف العين، نظير ما إذا خرجت العين عن ملك صاحب الخيار ببيع أو هبة أو نحوهما، حيث لا مجال لرجوعها بالفسخ، بل يتعين الانتقال لبدلها.

مدفوعة بأن ملكية الوارث ارتكازاً بقاء لملكية المورث، وليست ملكية جديدة كملكية المشتري.

ولذا لا ريب بعد النظر في سيرة العقلاء ومرتكزاتهم في أن من باع

ص: 62

(63)

اثر فسخ الورثة بالخيار

(مسألة 3): إذا فسخ الورثة بيع مورثهم فإن كان عين الثمن موجوداً دفعوه إلي المشتري، وإن كان تالفاً أو بحكمه (1) أخرج من تركة الميت (2) كسائر ديونه، فإن لم يكن له تركه سوي المبيع تعلق به (3)، فيباع ويوفي منه.

فإن لم يف بتمام الثمن بقي في ذمته، ولا يجب علي الورثة وفاؤه (4).

---------------

عيناً بشرط الخيار برد الثمن يستحق العين بنفسها إذا رد الثمن في مدة الخيار علي الورثة.

ووضوح ذلك يغني عن إطالة الكلام فيه.

ومن ذلك يظهر الحال فيما إذا لم يكن الخيار للميت كما هو محل الكلام، بل كان الخيار عليه، فإن من له الخيار إذا فسخ بعد موت من عليه الخيار يأخذ عين ماله من الورثة إذا كانت موجودة.

هذا ولا ريب في مشروعية الفسخ لهم إذا لم يكن علي الميت دين.

أما إذا كان عليه دين فقد يشكل فسخهم، لتقدم الدين علي الميراث.

ودعوي: أن تقديم الدين في الآية الشريفة إنما كان علي ميراث المال دون ميراث الحقوق، بل مقتضي إطلاق دليل ميراثه ثبوته ولو مع الدين، بل وإن أضر به، كما لو كان الدين مستغرقاً للتركة وكان الفسخ موجباً لنقصها.

مدفوعة بأنه لو تم إطلاق دليل ميراث الحق، فمن القريب جداً فهم عدم الخصوصية عرفاً لميراث المال في تقديم الدين عليه، وأن الدين باعتبار لزومه علي الميت في حياته مقدم علي الميراث المبتني علي أولوية الوارث بما يتركه الميت بعده.

فلاحظ.

(1) كما إذا كان قد انتقل عن ملك الميت أو الورثة ببيع أو نحوه.

(2) لأنه مضمون علي الميت بضمان المعاوضة، فيخرج من تركته، كسائر ديونه.

(3) لأنه بدل تركة الميت، فيلحقه حكم التركة.

(4) لعدم الدليل علي ذلك بعد عدم كونهم طرفاً في المعاوضة، ليكون مضموناً

ص: 63

(مسألة 4): لو كان الخيار لأجنبي (1) عن العقد فمات فإن كان المقصود من جعل الخيار له مباشرته للفسخ أو كونه بنظره لم ينتقل إلي وارثه (2)،

---------------

عليهم بضمانها، كما لا سبب آخر لضمانهم غير ضمان المعاوضة.

ومجرد فسخهم للبيع لا يكون سبباً لضمانهم.

وأما ما ذكره شيخنا الأعظم (قده) وجهاً لضمانهم من أنهم كما يقومون مقام الميت في الفسخ وفي أخذ المبيع يقومون مقامه في ضمان الثمن.

فلا مجال للبناء عليه، لأن قيامهم مقام الميت في الفسخ ناشئ من إرثهم لحق الخيار منه، وقيامهم مقامه في أخذ المبيع ناشئ من إرثهم للمال.

أما الديون فهم لا يقومون مقام الميت فيها، بل تتعلق بالتركة لا غير، ومع قصور التركة لا يلزمون بها.

نعم لابد من صحة الفسخ في نفسه مع عدم وفاء الثمن.

أما إذا لم يصح فهو خارج عن محل الكلام.

وذلك كما في البيع بشرط الخيار بردّ الثمن، المعبر عنه ببيع الشرط، حيث لا يصح الفسخ فيه إلا مع ردّ الثمن.

بل لا يبعد ذلك في جميع موارد اشتراط الخيار للبائع.

إذ من القريب جداً أخذ ردّ الثمن ولو بعد الفسخ شرطاً ضمنياً، بحيث لا يصح الفسخ مع عدم ترتب الردّ عليه.

وعموم الشرط لما إذا تعذر ردّ الثمن يحتاج إلي عناية.

بل يبعد ذلك أيضاً في الخيارات الشرعية، كخيار المجلس، وأنها مبنية علي جعل حقّ الخيار بنحو لا يفوت علي الآخر ماله.

وإلا فمن البعيد جداً البناء علي بقاء خيار المجلس مثلاً إذا سرق الثمن من البائع قبل الافتراق وليس له بدل عنه.

ويحتاج الأمر لمزيد من التأمل.

(1) بناء علي ما سبق منه (قده) وصرح به جماعة من إمكان جعل خيار الشرط الأجنبي.

لكن تقدم منّا عند الكلام في خيار الشرط المنع من ذلك.

فلا موضوع لهذه المسألة.

فراجع.

(2) لعدم قابلية الخيار حينئذ للبقاء بعد الميت، ليكون موروثاً.

نعم لابد من

ص: 64

(65)

الكلام في خيار الأجنبي اذا مات

وإن جعل مطلقاً انتقل إليه (1).

(مسألة 5): إذا تلف المبيع في زمان الخيار في بيع الحيوان فهو من مال البائع (2).

وكذا إذا تلف قبل انتهاء مدة الخيار في خيار الشرط إذا كان

---------------

رجوع القصد المذكور إلي تقييد الخيار، لا إلي مجرد الداعي لجعله مع إطلاق الخيار المجعول.

(1) إذ بعد فرض قابلية الخيار للميراث، لكونه من جملة ما تركه الميت، يتعين انتقاله للوارث.

(2) كما هو المتيقن من الكبري الآتية في كلماتهم، من دون ظهور خلاف منهم فيها.

بل نفي الإشكال والخلاف فيه شيخنا الأعظم (قده)، ويظهر من الجواهر دعوي الإجماع بقسميه عليه.

لصحيح عبد الله بن سنان: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري الدابة أو العبد، ويشترط إلي يوم أو يومين، فيموت العبد والدابة ويحدث فيه الحدث، علي من ضمان ذلك ؟ فقال علي البائع حتي ينقضي الشرط ثلاثة أيام، ويصير المبيع للمشتري»(1).

كذا رواه في الكافي.

وزاد في التهذيب: «شرط له البائع أو لم يشترط.

قال: وإن كان بينهما شرط أياماً معدودة فهلك في يد المشتري قبل أن يمضي الشرط فهو من مال البائع»(2).

والفقرة الأولي من الزيادة صريحة في خيار الحيوان.

وهي وإن لم تثبت، لظهور الكافي في عدم وجودها، وإلا فمن البعيد عدم روايته لها لو كان قد اطلع عليها، لوضوح دخلها في معني الحديث، فيلزم التعارض بين الكافي والتهذيب في هذه الفقرة الموجب للتساقط، إلا أن دلالة الحديث علي خيار الحيوان لا تتوقف عليها،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب الخيار حديث: 2.

(2) التهذيب ج: 7 ص 24 حديث: 103.

ص: 65

الخيار للمشتري (1)، أما إذا كان للبائع أو تلف في زمان خيار المجلس بعد

---------------

لظهور أن السؤال فيه لما كان عن شرط الخيار اليوم واليومين، فتحديد ضمان البائع في الجواب بثلاثة أيام ظاهر في إرادة خيار الحيوان دون خيار الشرط.

ولاسيما مع التصريح في الفقرة الثانية التي ذكرها في التهذيب بحكم خيار الشرط من دون تحديد خاص بمقدار الأيام، حيث يظهر منه تصدي الإمام (عليه السلام) لبيان حكم الخيارين معاً، وعدم الاقتصار علي بيان حكم أحدهما.

ويؤيده في خيار الحيوان خبر الحسن بن علي بن رباط عمن رواه أو عن زرارة عنه (عليه السلام): «قال: إن حدث بالحيوان حدث قبل ثلاثة أيام فهو من مال البائع»(1).

(1) الظاهر عدم الخلاف فيه، كما صرح بذلك شيخنا الأعظم (قده)، وكلامهم فيه علي نحو ما تقدم في خيار الحيوان.

ويقتضيه ذيل صحيح ابن سنان المتقدم من التهذيب(2) ، وموثق عبد الرحمن بن أبي عبد الله: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشتري أمة بشرط من رجل يوماً أو يومين، فماتت عنده، وقد قطع الثمن، علي من يكون الضمان ؟ فقال: ليس علي الذي يشتري ضمان حتي يمضي شرطه [بشرطه]»(3) ، وخبر الحسن بن زيد عنه (عليه السلام): «قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في رجل اشتري عبداً بشرط ثلاثة أيام فمات العبد في الشرط، قال: يستحلف بالله ما رضيه وهو بريء من الضمان»(4).

وهما وإن وردا في مورد خيار الحيوان، إلا أن ظاهر الشرط فيهما هو شرط الخيار، لأن النصوص وإن تضمنت التعبير عن خيار الحيوان بالشرط، إلا أنه لا ينسب للشراء، بحيث يكون شرطاً فيه، كما تضمنه الحديثان، بل يقوم بنفسه.

نعم هما مختصان بالثلاثة أيام فما دون، فالتعميم لما زاد عليهما يبتني علي فهم

********

(1) تهذيب الأحكام ج: 7 ص: 24 حديث: 5.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 8 من أبواب الخيار حديث: 2.

(3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 6 من أبواب الخيار حديث: 1، 4.

(4) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 6 من أبواب الخيار حديث: 1، 4.

ص: 66

القبض (1) ففي كونه من مال البائع إشكال (2).

-

عدم الخصوصية، وهو في غاية الإشكال بعد ثبوت خيار الحيوان في الأيام المذكورة، لاحتمال اختصاص ضمان البائع بالأيام الثلاثة، التي قد ينفرد فيها خيار الحيوان وقد يجتمع مع خيار الشرط.

فالعمدة في العموم صحيح ابن سنان.

ويأتي تمام الكلام في ذلك إن شاء الله تعالي.

(1) أما إذا كان التلف قبل القبض فلا إشكال في كونه من مال البائع، لأن كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه، علي ما يأتي الكلام فيه في الفصل السابع إن شاء الله تعالي.

ومن ذلك يظهر عدم اختصاص ذلك بخيار المجلس، بل يجري في خيار الشرط إذا كان التلف قبل القبض أيضاً.

(2) لا إشكال في أن مقتضي القاعدة كون التلف من مال المشتري بناءً علي ما سبق من دخوله في ملكه بالعقد قبل انقضاء الخيار.

لأن ضمان غير المالك يحتاج إلي دليل.

بل لا يبعد ذلك حتي بناءً علي عدم دخوله في ملكه قبل انقضاء الخيار، لأنه قد ضمنه بضمان اليد نظير المقبوض بالسوم، أو بضمان المعاوضة نظير ما إذا حصل الفسخ بعد التلف.

وإن شئت قلت: إن المستفاد من الأدلة ضمان صاحب اليد لما تحت يده إذا لم يكن مستأمناً، ولا استئمان في المقام، لابتناء القبض علي البيع، لا علي الاستئمان.

هذا وقد يدعي أنه لابد من الخروج عن مقتضي القاعدة المتقدم فيما إذا كان للبائع وحده خيار الشرط، لما شاع بينهم من أن التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له.

بل في مفتاح الكرامة: «إن قولهم: التلف في مدة الخيار ممن لا خيار له قاعدة لا خلاف فيها».

وهو لو تم جري في خيار المجلس إذا اختص بالبائع، لاشتراط سقوطه في حق المشتري، أو لإسقاطه له بعد العقد.

لكن لم يتضح الوجه في القاعدة المذكورة.

ولا مجال للاستدلال عليها بالإجماع،

ص: 67

أولاً: لعدم ثبوته.

ومجرد استظهار عدم الخلاف منهم، لظهور كلام جملة منهم في البناء عليها من دون ظهور خلاف له، لا يكفي في إحراز الإجماع.

وثانياً: لعدم وضوح كون الإجماع لو تم تعبدياً ينهض بالاستدلال، لقرب استناده للنصوص السابقة مع تتميم دلالتها ببعض الوجوه الاجتهادية أو نحوها.

خصوصاً مع الاضطراب في كلماتهم في المقام وما يتعلق به من أن حصول الملكية بالعقد أو بانقضاء زمان الخيار، كما يظهر بملاحظتها.

ولا يسعنا تعقيبها.

نعم قد يستدل عليها بالنصوص المتقدمة بضميمة أحد أمور: الأول: التعدي عن مواردها لعدم القائل بالفرق، كما في الرياض ومفتاح الكرامة.

ويظهر الجواب عنه مما تقدم في الاستدلال بالإجماع.

ولاسيما أن مقتضي إطلاق النصوص المذكورة عموم الضمان علي البائع لما إذا اشترط الخيار للطرفين، والقاعدة المدعاة لا تناسب ذلك.

الثاني: أن مقتضي إطلاق قوله (عليه السلام) في موثق عبد الرحمن المتقدم: «حتي يمضي شرطه [بشرطه]»، وقوله (عليه السلام) في صحيح عبد الله بن سنان المتقدم: «ينقضي الشرط ثلاثة أيام ويصير المبيع للمشتري» عموم الحكم لكل خيار، لصدق الشرط عليه، كما يظهر من استعماله في النصوص.

وفيه: أن ظاهر الأول إرادة خصوص خيار الشرط، لأنه المتقدم في الجواب.

ولا أقل من كونه المتيقن منه بسبب ذلك.

والثاني كالصريح في خيار الحيوان، لأنه المناسب لتحديده بثلاثة أيام، كما تقدم.

علي أن هذين الوجهين مختصان بالمشتري.

الثالث: لزوم إلغاء خصوصية موارد النصوص والتعدي لجميع الخيارات، لقوله (عليه السلام) في صحيح ابن سنان المتقدم: «ويصير المبيع للمشتري».

إذ بعد أن ثبت تملك المشتري للمبيع بالعقد، فلابد من حمل الفقرة المذكورة علي إرادة لزوم ملكيته، بحيث ليس له فسخ العقد، فيكون ظاهر الفقرة المذكورة توقف ضمان الشخص للمبيع علي لزوم البيع في حقه، وأنه مع عدم لزومه عليه يكون في ضمان من لزم

ص: 68

عليه البيع. وفيه: أولاً: أنه لا ظهور للصحيح في سوق الفقرة المذكورة لتعليل عدم ضمان المشتري، ليتجه التمسك بعمومها في التعدي عن مورد الصحيح، بل لمجرد بيان توقف ضمان المشتري للمبيع في المورد علي لزوم ملكيته.

ولاسيما مع عدم ظهور منشأ عرفي للتعليل بذلك.

وثانياً: أن التعليل لو تم يقتضي بقاء ضمان المال في ملك مالكه قبل البيع حتي تلزم ملكية الآخر، سواء لزم البيع في حق مالكه الأول، أم لم تلزم، لثبوت الخيار له أيضاً.

وهو لا يناسب المدعي لهم من أن الضمان في زمن الخيار علي خصوص من لا خيار له، بحيث يظهر منهم أنه مع ثبوت الخيار للطرفين فكل منهما ضامن لما صار له بالعقد وإن لم تلزم ملكيته له.

والحاصل: أن النصوص المتقدمة لا تنهض بإثبات القاعدة المذكورة بعمومها، كما لا ينهض بذلك الإجماع.

بل يتعين الاقتصار علي موارد النصوص والرجوع في غيرها لما تقتضيه القاعدة من ثبوت الضمان علي من ملك المضمون بالعقد ولو مع ثبوت الخيار له.

كما يناسب ذلك ويؤكده ما في حديثي إسحاق بن عمار ومعاوية بن ميسرة الواردين في بيع الدار بشرط الخيار للبائع برد الثمن.

ففي الأول: «قلت: فإنها كانت فيها غلة كثيرة فأخذ الغلة لمن تكون الغلة ؟ فقال: الغلة للمشتري. ألا تري أنها لو احترقت لكانت من ماله»(1) وفي الثاني: «قال أبو الجارود فإن ذلك الرجل قد أصاب في ذلك المال في ثلاث سنين.

قال: هو ماله.

وقال أبو عبد الله (عليه السلام): أرأيت لو أن الدار احترقت من مال من تكون.

الدار دار المشتري»(2) لظهورهما في المفروغية عن أن كلاً من الغلة والضمان يجري علي طبق القاعدة من تبعيتهما للملكية الفعلية من دون دخل للزوم وعدمه.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 8 من أبواب الخيار حديث: 1، 3.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 8 من أبواب الخيار حديث: 1، 3.

ص: 69

بقي في المقام أمران: الأول: أن الظاهر المفروغية عن أن الضمان في المقام ليس بالقيمة الواقعية مع بقاء البيع بحاله، بل يكون بالثمن، ويرجع إلي انفساخ البيع، نظير ضمان المبيع قبل القبض.

وهو المناسب لقوله (عليه السلام) في صحيح ابن سنان: «ويصير المبيع للمشتري» حيث يستفاد منه عرفاً أن ضمان البائع له بملاك بقاء علقته به، فتكون خسارته عليه مثل سائر أمواله، لا أنه يكون من مال المشتري ويتحمل البائع دركه.

وأظهر من ذلك قوله (عليه السلام) في مرسل الحسن المتقدم: «فهو من مال البائع».

بل السؤال في النصوص عن الضامن، لا عن أصل الضمان، ظاهر في المفروغية عن الضمان بالمعني المذكور مع تردده بين البائع والمشتري.

إذ لو أريد به الضمان بمعني تحمل الدرك مع بقاء البيع بحاله، فحيث لا معني له في حق المشتري، لكان المناسب السؤال عن ضمان البائع وعدمه، لا عن تعيين الضامن.

ولأجل ذلك ينصرف الضمان في الجواب لذلك.

فلاحظ.

الثاني: إن النصوص المتقدمة قد تضمنت موت الحيوان وحدوث الحدث فيه.

والمنصرف من موته موته بنفسه تبعاً لوضعه المزاجي، دون ما إذا كان لأمر خارج عن مقتضي طبعه ومزاجه، كما لو غرق أو سقط عليه جدار، فضلاً عما إذا كان بفعل أحد المتبايعين أو بفعل غيرهما.

وذلك هو المنصرف من الحدث، فيراد به مثل المرض، والكسر الناشئ من عثرته، دون ما إذا حدث ذلك بسبب خارج عنه.

وحينئذٍ لا مجال للبناء علي عموم ضمان البائع لغير مورد النصوص، خصوصاً مع قرب ابتناء ذلك علي أن خيار الحيوان إنما شرع من أجل أن يظهر للمشتري في موته حال الحيوان ومدي سلامته في نفسه، حيث يناسب ذلك اختصاص ضمان البائع له بما إذا كان الحدث والنقص فيه راجعاً لشؤونه المزاجية، دون ما خرج عن ذلك.

بل يتعين فيه الرجوع إلي ما تقتضيه القاعدة من تلفه من مال المشتري.

غايته أن للمشتري الرجوع علي المتلف حتي البائع إذا هو رضي بالحيوان، ولم يفسخ بخيار

ص: 70

الحيوان الثابت له.

ومن هنا يشكل تعميم ذلك في خيار الشرط لغير الحيوان بعد اختصاص النصوص به، حيث يصعب إلغاء خصوصيته عرفاً بعد احتمال ابتناء الحكم علي ما ذكرنا.

بل لا يبعد لأجل ذلك اختصاص خيار الشرط الذي يكون الضمان فيه علي البائع بالخيار المجعول من أجل التعرف علي حال الحيوان، دون المجعول من أجل أمر آخر، كاحتمال الاستغناء عن الحيوان، أو العجز عن القيام بشؤونه.

وإن كان الخروج لأجل ذلك عن إطلاق النصوص في غاية الإشكال.

لكن الأمر قد يهون بلحاظ أن خيار الشرط لما كان تابعاً لجعل المتعاقدين فكثيراً ما تتحكم القرائن المحيطة بالعقد والشرط في تعيين من عليه الضمان في مدته.

فلاحظ.

ص: 71

ص: 72

(73) (73)

الفصل السادس/ فيما يدخل في المبيع

اشارة

(مسألة 1): من باع شيئاً دخل في المبيع ما يقصد المتعاملان دخوله فيه، دون غيره (1).

ويعرف قصدهما بما يدل عليه لفظ المبيع (2) وضعاً أو

---------------

(1) لظهور كون البيع وجميع العقود من الأمور القصدية، فتكون خصوصياتها المأخوذة فيها تابعة للقصد.

نعم إذا دلّ دليل تعبدي علي دخول أمر غير مقصود تعين العمل عليه.

(2) لا ينبغي الإشكال في ذلك، والظاهر الاتفاق عليه.

نعم مقتضي الجمود علي العبارة المذكورة عدم دخول ما خرج عن لفظ المبيع مطلقاً.

لكن لا مجال لذلك إذا استفيد دخوله تبعاً، نتيجة تعارف دخوله، بحيث يحتاج عدم دخوله للتنبيه الخاص، كما يأتي من سيدنا المصنف (قده) التعرض لذلك.

فإن عدم التنبيه علي خروجه وعدم تبعيته يوجب ظهور كلام المتبايعين في دخوله، وهو كاف في البناء علي دخوله، وإن لم يشمله لفظ المبيع لغة ولا عرفاً، إذ لا خصوصية للفظ المبيع في تحديد مراد المتبايعين، وإنما المهم ظهور كلامهما في تحديد مرادهما.

وربما يأتي التنبيه لبعض صغريات ذلك.

ص: 73

بالقرينة العامة (1) أو الخاصة، فمن باع بستاناً دخل فيه الأرض والشجر والنخل (2) والطوف (3) والبئر (4) والناعور (5) والحضيرة ونحوها مما

---------------

(1) من أظهر أفراد القرينة العامة العرف الذي يعيشه المتبايعان.

لكن في المسالك أن العرف الشرعي مقدم علي العرف.

وفي الحدائق: «الواجب هو حمل اللفظ علي الحقيقة الشرعية إن وجدت، وإلا فعلي عرفهم (عليهم السلام)، لأنه مقدم علي عرف الناس إن ثبت، وإلا فعلي ما هو المتعارف في ألسن المتخاطبين والمتبادر في محاوراتهم».

وهو كما تري ضرورة أن المهم لما كان هو تشخيص مراد المتعاقدين فظاهر الإطلاق المقامي لكلامهما هو جريهما علي العرف الذي يعيشانه.

وتقديم العرف الشرعي أو الحقيقة الشرعية إنما هو لتشخيص المراد من كلام الشارع ومن يعيش عرفه، لا مطلقاً.

نعم ورد التحديد التعبدي في بعض المفاهيم التشكيكية، كالقديم والكثير وغيرهما.

لكنه لو تم مختص بمورده، كالوصايا والنذور في فرض عدم وجود عرف في تحديدها.

وقد يأتي نظيره في المقام.

(2) بلا خلاف ولا إشكال، كما في الجواهر وهو المقطوع به من معني البستان.

(3) بلا ريب، كما في الجواهر.

وأطلق في الشرائع دخول الأبنية التي فيه.

وهي وإن لم تؤخذ في مفهوم البستان، إلا أنها في ظرف وجودها فيه تعدّ جزءاً منه عرفاً.

ولا أقل من دخولها تبعاً، بحيث يحتاج عدم شمول البيع لها للتنبيه.

وقد سبق كفاية ذلك في المقام.

(4) الكلام فيه هو الكلام في الأبنية، بل لعله أظهر.

(5) لا ينبغي الإشكال في خروجه عن لفظ البستان بسبب قابليته للنقل.

فلابد في وجه دخوله من دعوي التبعية عادة.

ولا يتيسر لنا إحراز ذلك، خصوصاً بعد أن هجر استعماله في هذه الأيام، وأبدل بوسائل السقي الكهربائية، التي كان الظاهر عدم

ص: 74

هو من أجزائها أو توابعها (1).

أما من باع أرضاً فلا يدخل فيها الشجر والنخل الموجودان (2) وكذا لا يدخل الحمل في بيع الأم (3) ولا الثمرة في

---------------

دخولها في بيع البساتين.

(1) كما يظهر الوجه فيه مما سبق.

(2) كما ذكره غير واحد.

بل قد يظهر من الجواهر عدم الخلاف فيه.

وهو غير بعيد لو كان من شأن الموجود القلع.

أما لو كان من شأنه البقاء فعدم دخوله يستلزم بقاء حق للبائع في الأرض من أجل خدمة الموجود فيها والانتفاع بنمائه.

وهو يحتاج إلي عناية قد يكون معها عدم التنبيه لخروجه قرينة علي دخوله في بيع الأرض تبعاً.

وإن كان الغالب وجود القرائن العامة أو الخاصة حين البيع والشاهدة بأحد الأمرين.

(3) علي الأظهر الأشهر، بل المشهور.

بل ربما أدعي عدم الخلاف فيه، بل في السرائر الإجماع عليه.

كذا في الجواهر.

لكن في الوسيلة أنه يكون للمشتري إلا إذا شرط البائع.

وهو ظاهر المحكي عن ابن الجنيد.

بل في المبسوط وعن المهذب وجواهر القاضي أنه لا يجوز للبائع اشتراطه لنفسه، لأنه يجري مجري عضو من أعضائه.

ولا يتضح الوجه في ذلك، فإن إلحاق الحمل بالأعضاء أشبه بالقياس.

ولاسيما أن الدليل علي عدم جواز استثناء الأعضاء في الجملة هو الإجماع لو تم، وأن الشيخ (قده) نفسه صرح في النهاية بجواز بيع أبعاض الحيوان.

وقال في موضع آخر منها: «وإذا باع الإنسان بعيراً أو بقراً أو غنماً واستثني الرأس والجلد كان شريكاً للمبتاع بمقدار الرأس والجلد».

وفي المبسوط وفي الخلاف وإن منع من الاستثناء المذكور، إلا أنه ذكر أنه لو حصل يكون البائع شريكاً بالنسبة، ونحوه في المهذب.

ومثله الاستدلال له بموثق السكوني عن جعفر عن آبائه (عليهم السلام): «في رجل أعتق أمة وهي حبلي فاستثني ما في بطنها.

قال: الأمة حرة، وما في بطنها حر، لأن ما في

ص: 75

بيع الشجرة (1).

نعم إذا باع نخلاً فإن كان التمر مؤبراً فالتمر للبائع وإن لم

---------------

بطنها منها»(1). إذ فيه: أنه لو تم العمل به في مورده فالمنع من الاستثناء في العتق لا يستلزم المنع منه في البيع.

علي أن بعض النصوص قد تضمن عدم إلحاق الحمل السابق علي تدبير الحامل بها في التدبير(2).

ومن هنا لا ينبغي الإشكال في جواز استثناء الحمل في البيع.

ولعله لذا حمل في السرائر كلام الشيخ في المبسوط علي أنه بيان لمذهب الشافعي لا لمذهبه نفسه، وأن ذلك اشتبه علي ابن البراج، فظنه مذهباً للشيخ نفسه، فتابعه فيه، وأن مذهب الشيخ عدم إلحاق الحمل وبقاءه في ملك البائع كما ذكره في بقية كتبه، وادعي في السرائر إجماع أصحابنا عليه.

وأما إلحاق الحمل بالمبيع فلا مجال له بلحاق اللفظ، لمباينة الحمل لأمه قطعاً.

وكذا بلحاظ التبعية مع عدم تعارف إلحاقه.

لكن قد تختلف الأعراف والأزمنة في ذلك.

وإن كان الظاهر تعارف إلحاقه في عصورنا.

ولذا يعد الحمل مزية في الحيوان المبيع.

بل لما كان الاستثناء يقتضي نحو حق للبائع في المبيع، فإطلاق البيع قد يوجب ظهوره في استقلال المشتري بالمبيع، بنحو يكون قرينة علي الإلحاق، ويحتاج الاستثناء للقرينة المخرجة عن مقتضي الإطلاق، نظير ما تقدم في الشجر والنخل عند بيع الأرض.

فلاحظ.

(1) كما صرح به غير واحد، بل قد يدعي عدم الخلاف فيه، بل قد يظهر من بعضهم الإجماع عليه.

وإن كانت كلمات بعضهم لا تناسب ذلك.

ومقتضي إطلاق بعضهم وصريح آخرين عدم الفرق بين نضجها وعدمه وبدو صلاحها وعدمه.

وهو

********

(1) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 69 من أبواب كتاب العتق حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 5 من أبواب كتاب التدبير حديث: 2، 3.

ص: 76

يكن مؤبراً فهو للمشتري (1).

ويختص هذا الحكم ببيع النخل (2)، إما بنقل النخل بغير البيع، أو بيع غير النخل من سائر الشجر، فالثمر فيه للبائع مطلقاً وإن لم يكن مؤبراً (3).

هذا إذا لم تكن قرينة علي دخول الثمر في بيع الشجر أو الشجر في بيع الأرض أو الحمل في بيع الدابة، أما إذا قامت القرينة علي

---------------

المتعين بلحاظ حاق اللفظ، لمباينة الثمرة للشجرة قطعاً.

أما بلحاظ التبعية فهو موقوف علي عدم تعارف الإلحاق وعدم قيام القرينة عليه.

ولا يتيسر لنا إحراز ذلك، خصوصاً إذا لم يحن جني الثمرة، لما أشرنا إليه فيما سبق من أن إطلاق المبيع قد يظهر في استقلال المشتري بالمبيع، بحيث لا يبقي فيه حق للبائع بسبب النماء أو نحوه من التوابع، بنحو قد يكون قرينة علي الإلحاق.

(1) كما صرح به جمهور الأصحاب، وتكررت فيه دعوي الإجماع.

لغير واحد من النصوص، كصحيح غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من باع نخلاً قد أبره فثمره للبائع، إلا أن يشترط المبتاع.

ثم قال: قضي به رسول الله (1)(صلي الله عليه وآله وسلم)، وغيره.

لظهور القيد فيها في الاحتراز، ودلالته علي المفهوم.

وبذلك يخرج عن مقتضي الإطلاق المتقدم لو تم.

إلا أن تقوم العادة علي الإلحاق بحيث تكون قرينة علي اشتراط الثمرة ضمناً.

ومنه يظهر ضعف ما في الوسيلة من جعل المعيار في التفصيل علي بدو الصلاح وعدمه.

(2) لاختصاص النص به.

ولا وجه معه لما يظهر من جملة كلماتهم من الخلاف في بعض فروع ذلك.

ولا يسعنا استقصاؤها.

(3) بناء علي ما سبق منه (قده) وسبق الكلام فيه.

ومثل ذلك ما إذا لم يكن من شأن الشجر التأبير.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 32 من أبواب الخيار حديث: 3.

ص: 77

ذلك، وإن كانت هي المتعارف عمل عليها وكان جميع ذلك للمشتري (1).

(مسألة 2): إذا باع الشجر وبقي الثمر للبائع واحتاج إلي السقي جاز للبائع سقيه (2)، وليس للمشتري منعه.

وكذلك إذا لم يحتج إلي السقي

---------------

(1) كما يظهر مما سبق.

بقي شيء.

وهو أن ما سبق إنما يجري فيما إذا علم المتبايعان حال البيع بواقع المبيع.

ولو جهل المشتري الحال وعلم به البائع، ولم يقصد ولو إجمالاً بيع الحمل مع الدابة أو بيع الشجر مع الأرض أو الثمر مع الشجر، فالمتعين مع إمكان إزالة الشيء التابع هو إزالته، لأن مقتضي البيع تسليم المبيع غير مشغول بشيء.

ولا يمنع من ذلك لزوم الضرر علي البائع من القلع والإزالة، لاستناد الضرر للبائع نفسه بسبب إقدامه علي البيع من دون استثناء للتابع.

أما مع تعذر القلع والإزالة فالمتعين ثبوت الخيار للمشتري.

لكون ذلك عيباً في المبيع وخارجاً عن مقتضي البيع.

ولو رضي بالبيع فهل له أخذ الأجرة من البائع إن كان للإشغال أجرة عرفاً، لاحترام منفعة العين التي اشتراها، أو لا، لعدم استناد إشغال العين للبائع بعد فرض تعذر القلع والإزالة ؟ لا يخلو الثاني عن قوة.

أما لو جهلا معاً بوجود التابع فالمتعين ثبوت الخيار للمشتري إن امتنع البائع من الإزالة ولو للزوم الضرر منها عليه، لعين ما سبق.

بل لا يبعد ثبوت الخيار للبائع أيضاً، لتخلف الوصف المشترط ضمناً في البيع.

إلا أن يكون التابع من شأنه أن يزال، بحيث لا يكون خلو المبيع منه حين البيع مورداً للغرض، كي يكون مشروطاً ضمناً في البيع، فيتعين لزوم البيع في حقهما معاً، ووجوب التخلية والإزالة علي البائع.

فلاحظ.

(2) قال في الجواهر: «لأنه من حقوقها المستحقة له باستحقاق تبقيتها».

والذي ينبغي أن يقال: استحقاق الإبقاء إن كان مستفاداً من دليل تعبدي كما تقدم في النخل

ص: 78

لم يجب علي البائع سقيه (1) وإن أمره المشتري بذلك (2).

نعم لو تضرر أحدهما بالسقي والآخر بتركه ففي تقديم حق البائع أو المشتري وجهان، بل قولان أرجحهما الثاني (3).

-

المؤبر فظاهر الدليل هو الإبقاء بالوجه المتعارف الذي يستتبع الانتفاع بالثمرة، فإذا كان يتوقف علي السقي كان مقتضي الدليل جوازه مطلقاً.

وإن كان مستفاداً من ظهور حال المتبايعين حين العقد، بحيث يكون من سنخ الشرط الضمني، فهو تابع لما يستفاد من الشرط المذكور، والغالب ابتناؤه علي الوجه المتعارف.

فإن احتاجت الثمرة لما زاد عن المتعارف، لطارئ غير متوقع في الطقس أو نحوه، تعين جريان حكم تزاحم الحقين الذي تقدم في المسألة الثلاثين في حكم فسخ البائع المغبون مع تصرف المشتري في العين بمثل الزرع فراجع.

(1) لعدم المنشأ لوجوبه عليه.

(2) لعدم المنشأ لوجوب استجابة البائع للمشتري.

غاية الأمر أن للمشتري أن يسقي الشجر بنفسه.

نعم لو رجع عدم بيع الثمر إلي اشتراط بقاء الشجر تحت يد البائع إلي حين جني الثمر، وإيكال استصلاح الشجر ورعايته له، تعين عليه سقي الشجر إذا احتاج إلي السقي.

كما أنه لو رجع ذلك إلي اشتراط صيرورة الثمر تحت يد المشتري، واستصلاحه له إلي حين جنيه، تعين سقي المشتري للشجر إذا توقف عليه صلاح الثمر.

(3) كما يظهر من الشرائع.

وفي الجواهر: «كما عن الفاضل والشهيدين، بل نسبه ثانيهما إلي الأشهر.

لأن البائع هو الذي أدخل الضرر علي نفسه، بتسليطه عليه».

وفيه: أنه لم يسلطه عليه مطلقاً، بل مع بقاء الثمرة له بنحو يقتضي أن له استصلاحها ومنع الإضرار بها.

ص: 79

استثناء النخلة في بيع البستان

(مسألة 3): إذا باع بستاناً واستثني نخلة مثلاً فله الممر إليها والمخرج منها (1)

---------------

ومثله ما قد يدعي من قصور قاعدة نفي الضرر في حق البائع بعد لزوم الضرر في حق المشتري من إعمالها، فيكون المرجع قاعدة السلطنة علي الشجر في حق المشتري.

إذ فيه: أن ظاهر حال المتبايعين مع علمهما بوجود الثمر، وعدم بيعه مع الشجر تبعاً له، هو بقاؤه إلي حين جنيه مع خدمته في المدة المذكورة بالوجه المتعارف، وذلك يوجب قصور قاعدة السلطنة في حق المشتري علي الشجر، واستحقاق البائع سقي الشجر لصلاح الثمر بسبب الشرط المذكور.

ولا مجال لإعمال قاعدة نفي الضرر في حق المشتري، لأنه قد أقدم علي الضرر بإقدامه علي البيع بالوجه المذكور.

وبذلك يظهر جواز السقي للبائع حتي لو لم يلزم من تركه الضرر عليه، بل كانت فائدته زيادة جودة الثمرة، لأنه أمر يستحقه بمقتضي الشرط المذكور، وسقوط قاعدة نفي الضرر في حق المشتري بإقدامه علي الشراء، كما ذكرنا.

ولعله لذا احتمل في الدروس تقديم حق البائع.

نعم لو زادت حاجة الثمرة للسقي عن المتعارف لطارئ غير متوقع جري حكم تزاحم الحقين بالنحو المتقدم في المسألة الثلاثين في حكم فسخ البائع المغبون مع تصرف المشتري نظير ما تقدم قريباً.

(1) كما في الشرائع والقواعد والدروس وغيرها.

ولا ينبغي الإشكال فيه، لأنه المستفاد من الإطلاق عرفاً بعد كون المقصود بقاء النخلة وعدم قلعها والانتفاع بها، كما هو مفروض كلامهم ظاهراً.

وأما منع البائع من ذلك وقيام المشتري بخدمة الشجرة ودفع ثمرتها للبائع فهو يحتاج إلي عناية، ولا يفهم من الإطلاق.

مضافاً إلي موثق السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال قضي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)

ص: 80

(81)

ومدي جرائدها (1)

---------------

في رجل باع نخلاً واستثني عليه نخلة، فقضي له رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بالمدخل إليها والمخرج منها ومدي جرائده»(1).

كذا رواه فيما تحت أيدينا من الكافي والتهذيب.

ورواه في الوسائل عنهما هكذا: «واستثني غلة نخلات»(2).

فيدل علي المطلوب بفهم عدم الخصوصية أو بالأولوية العرفية.

(1) كما صرح به من تقدم. ولا مجال للاستدلال عليه بفهم العرف، من إطلاق مقام العقد بالتقريب المتقدم. لعدم وضوح بنائهم عليه بعد عدم اطراد توقف الانتفاع بالشجرة عليه.

نعم يقتضيه موثق السكوني المتقدم مؤيداً بمرسل عقبة بن خالد: «أن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قضي في هوائر [هذا.

يب] النخل أن تكون النخلة والنخلتان للرجل في حائط الآخر، فيختلفون في حقوق ذلك.

فقضي فيها أن لكل نخلة من أولئك النخل من الأرض مبلغ جريدة من جرائدها حين يعدها [حتي بعدها]»(3).

لكن في صحيح الصفار: «كتبت إليه يعني الحسن بن علي العسكري عليهما السلام في رجل باع بستاناً له فيه شجر وكرم، فاستثني شجرة منها، هل له ممر إلي البستان إلي موضع شجرته التي استثناها؟ وكم لهذه الشجرة التي استثناها إلي حولها بقدر أغصانها أو بقدر موضعها التي هي ثابتة [نابتة.

يب] فيه ؟ فوقع: له من ذلك علي حسب ما باع وأمسك.

فلا يتعدي الحق في ذلك إن شاء الله»(4) وهو صريح في عدم ثبوت تحديد تعبدي بقدر خاص، وأن الأمر في ذلك تابع لقصدهما حين البيع.

ومن هنا لا يبعد الجمع بينه وبين ما سبق بقصر ما سبق علي النخل كما هو مورد كلام

********

(1) الكافي ج: 5 ص: 295، تهذيب الأحكام ج: 7 ص: 144.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 3 من أبواب أحكام العقود حديث: 2.

(3) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 10 من أبواب كتاب إحياء الأموات حديث: 1.

(4) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 13 من أبواب أحكام العقود حديث: 1.

ص: 81

ما يدخل في بيع الدار

وعروقها من الأرض (1).

وليس للمشتري منع شيء من ذلك.

(مسألة 4): إذا باع داراً دخل فيها الأرض والبناء الأعلي والأسفل (2)

---------------

من سبق، والعمل علي الصحيح في غيره من الشجر، الذي لو لم يكن هو الظاهر من الشجر عرفاً فلا أقل من لزوم الحمل عليه جمعاً مع ما سبق.

(1) لملازمة ذلك غالباً لبقائها والانتفاع بها المفروض ابتناء الاستثناء للشجرة عليه، فيكون ذلك هو الظاهر من حال المتبايعين عند البيع.

بل لا يبعد استفادة إبقاء ما زاد علي ذلك تبعاً.

إلا أن تبلغ الزيادة حداً خارجاً عن المتعارف، مع عدم إضرار قطعه بالشجرة.

ثم إن ظهور حال المتبايعين إنما يقتضي استحقاق البائع العبور وامتداد العروق من أجل الانتفاع بالنخل والشجر واستصلاحهما ونحو ذلك، دون ملكية الأرض بالمقدار المذكور مع النخل والشجر فإذا يبس النخل والشجر وصارا حطباً من شأنه أن يقلع لا يكون مالكهما مستحقاً لإبقائهما، ولا مالكاً للأرض التابعة لهما، ولا مستحقاً للعبور فيها والانتفاع بها، لارتفاع الحق بارتفاع موضوعه.

والنصوص المتقدمة لا تأبي الحمل علي ذلك، لقرب جريها علي ما يناسب الظهور المذكور.

ويناسب ذلك ما ورد في قضية سمرة بن جندب حين امتنع من الاستئذان من صاحب الحائط عند العبور لعذقه، من ترخيص النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) صاحب الحائط في قلع العذق ورميه إليه لأنه مضار(1).

حيث يظهر من ذلك انقطاع علاقة سمرة بالحائط بذلك، وعدم بقاء حقه في أرضه بالمقدار الذي يقتضيه العبور وفي مدي جرائد العذق.

(2) بلا خلاف ولا إشكال. كذا في الجواهر.

والوجه فيه أن الجميع جزء من الدار عرفاً، فيحتاج خروج بعضه عن المبيع إلي قرينة.

********

(1) الكافي ج: 5 باب: 32 ص 292-294.

ص: 82

(83)

إلا أن يكون الأعلي مستقلاً من حيث المدخل والمخرج فيكون ذلك قرينة علي عدم دخوله (1).

وكذا يدخل في بيع الدار السراديب والبئر والأبواب والأخشاب الداخلة في البناء (2)، وكذا السلم المثبت (3).

بل لا يبعد

---------------

ولا ينافي ذلك ما في مكاتبة الصفار إلي أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام): «في رجل اشتري من رجل بيتاً في داره بجميع حقوقه، وفوقه بيت آخر هل يدخل البيت الأعلي في حقوق البيت الأسفل أم لا؟ فوقع (عليه السلام):

«ليس له إلا ما اشتراه باسمه وموضعه إن شاء الله» (1) ، ونحوها أو عينها مكاتبته الأخري(2).

فإنهما واردتان في البيت الذي في ضمن الدار، ولا إشكال في عدم كون البيت إلا علي جزءاً من البيت الأسفل.

مع أنهما لم تتضمنا عدم دخول البيت الأعلي في المبيع، بل إيكال دخوله وعدمه إلي قصدهما حين البيع، فلا ينافي استظهار قصدهما الدخول في المقام من الإطلاق.

(1) لا يتضح الوجه في قرينته.

بل غاية ما يدعي تعدد البيتين عرفاً، بنحو لا مجال لاستفادة دخوله من الإطلاق.

أو خروج الأعلي عن المتيقن، بحيث يكون عنوان المبيع مجملاً، ويحتاج تحديد المبيع إلي قرينة من عادة أو نحوها.

ولعله لذا قال في الشرائع: «إلا أن يكون الأعلي مستقلاً بما تشهد العادة بخروجه.

مثل أن يكون مساكن متعددة».

(2) لأنها جزء من الدار عرفاً في حال وجودها.

وبه صرح بعضهم في الجملة.

(3) لا ينبغي الإشكال في ذلك إذا كان بناء.

بل وكذا إذا كان خشبياً مثبتاً ببناء.

وأما إذا كان مثبتاً بمسامير ونحوهما مما يقلع من دون تخريب للبناء فلا يخلو عن إشكال.

وأشكل منه ما إذا لم يكن مثبتاً، بل موضوعاً في المحل المناسب للصعود بنحو

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 31 من أبواب أحكام العقود حديث: 1، 2.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 31 من أبواب أحكام العقود حديث: 1، 2.

ص: 83

دخول ما فيها من نخل وشجر (1) وأسلاك كهربائية وأنابيب الماء ونحو ذلك مما يعد من توابع الدار (2)، حتي مفتاح الغلق (3)، فإن ذلك كله داخل في المبيع إلا مع الشرط.

-

الاستمرار.

أما إذا كان من شأنه النقل فلا إشكال في عدم دخوله، ويحتاج إلحاقه إلي قرينة.

(1) كما في المبسوط والمهذب، معللاً فيها بأنه من حقوقها.

ولا يخلو عن غموض.

فالعمدة في ذلك أنه وإن لم يكن جزءاً منها، إلا أنه من توابعها عرفاً، بحيث يفهم دخوله من الإطلاق.

ولاسيما إذا لم يكن من شأنه القلع، لنظير ما تقدم في بيع الأرض من أن بقاءه علي ملك البائع يستلزم ثبوت حق له في الدار من أجل استصلاح النخل والشجر وأخذ ثمره، وهو خلاف إطلاق البيع، بل يحتاج إلي عناية يقطع بعدمها من الإطلاق.

ومنه يظهر ضعف ما يظهر من الغنية من توقف ذلك علي أن يبيعها بحقوقها.

وأضعف منه إطلاق غير واحد عدم الدخول، بل في الجواهر عدم الخلاف فيه.

وفي التذكرة: «ولو كان وسطها أشجار لم تدخل عندنا».

وظاهر بعضهم وصريح آخرين عدم الدخول حتي لو بيعت بحقوقها.

وفي الجواهر بعد أن قرب عدم الدخول حتي لو بيعت الدار بحقوقها قال: «ودعوي: كونه من الحقوق.

ممنوعة في الغالب.

بل لو فرض ذلك في بعض الأشجار والزرع المقصود منها نزهة الدار وحسنها كان خارجاً عن محل النزاع، ويكون من قبيل الدخول بالقرائن، بل لا يحتاج فيه للتصريح بالحقوق».

ولم يتضح الوجه في خروجه عن محل النزاع بعد كونه هو الشايع في شجر الدار.

(2) كما يظهر مما سبق.

(3) كما في الشرائع وغيره.

ولا ينبغي الإشكال فيه، لأن وضع اليد عليه من

ص: 84

(مسألة 5): الأحجار المخلوقة في الأرض والمعادن المتكونة فيها تدخل في بيعها (1)، بخلاف الأحجار المدفونة فيها (2) والكنوز المودعة فيها (3) ونحوها، فإنها خارجة.

-

شؤون وضع اليد علي الدار.

وكذا غير الدار مما له باب وغلق ومفتاح.

(1) لأنها تابعة لها بنحو قد تعد جزءاً منها عرفاً.

(2) كما صرح به غير واحد.

وكأنه لخروجها عنها وعدم تبعيتها لها.

لكن في اطراد ذلك إشكال، حيث قد تعد من أجزائها عرفاً أو توابعها فيما إذا كان من شأنها البقاء فيها.

بل حتي في غير ذلك في بعض الأحوال.

ويجري ذلك في غير الأحجار وحتي في الأمور المثبتة بغير الدفن، كالمغاسل الشايعة في عصورنا.

والمتبع في خصوصيات ذلك العرف والعادة.

فلاحظ.

(3) بلا إشكال لخروجها عنها وعدم تبعيتها لها.

ص: 85

ص: 86

(87) (87)

الفصل السابع/ في التسليم والقبض

اشارة

(مسألة 1): يجب علي المتبايعين تسليم العوضين عند انتهاء العقد (1) إذا لم يشترطا التأخير، ولا يجوز لواحد منهما التأخير مع

---------------

(1) يظهر منهم المفروغية عن ذلك.

وهو المتعين لوجهين: الأول: ملكية كل منهما لما تحت يد الآخر، فيحرم عليه منعه منه، وإبقاؤه عنده من غير إذنه.

بل يكون بذلك ضامناً له بضمان اليد، لكون يده عدوانية، فيجب عليه الخروج عن الضمان بتسليمه له.

نعم ذلك يختص بما إذا كان ما خرج عن ملكه بالعقد تحت يده أو في ذمته، أما في غير ذلك، فلا موضوع للوجوب المذكور، حيث لا حبس منه يقتضي العدوان والضمان، ليجب الخروج عنه.

الثاني: أن مبني البيع، بل جميع المعاوضات عرفاً، علي التسليم والتسلم، والتخلف عن ذلك تخلف عن مقتضي المعاوضة لا يتحقق معه الوفاء بها، اللازم في العقود، بل في الشروط أيضاً، بناءً علي ما سبق في أوائل كتاب التجارة من عمومها لكل التزام من شخص لآخر يبتني علي التزام له في مقابله، حتي لو كان بالالتزامين قوام العقد الواحد من دون زيادة علي مضمونه، كالتزام البائع بالثمن للمشتري في

ص: 87

مقابل التزام المشتري له بالثمن، ولا يعتبر فيه أن يكون زائداً علي مضمون العقد، ليقصر عن محل الكلام.

وهذا الوجه يعمّ ما إذا كان العوض خارجاً عن يد من خرج عن ملكه بالعقد، فيجب عليه بمقتضي العقد السعي لتسليمه لصاحبه.

هذا والمشهور عدم الترتيب بين البائع والمشتري في التسليم.

وبه صرح في السرائر والشرائع والمختلف والتذكرة والدروس وكثير غيرها، وحكاه في المختلف عن ابن الجنيد.

وفي الجواهر: «لا أجد فيه خلافاً بين المتأخرين» والوجه فيه عدم الترتيب بينهما في استحقاق ما عند الآخر.

خلافاً للشيخ في الخلاف والمبسوط، فحكم بوجوب التسليم علي البائع أولاً، ثم علي المشتري.

ووافقه في الغنية ومحكي جواهر القاضي.

وقد علله في المبسوط بأن الثمن تابع للمبيع.

وقريب منه في الغنية.

وقد يرجع إليه ما في الخلاف، قال: «دليلنا علي ما قلنا أن الثمن إنما يستحق علي المبيع، فيجب أولاً تسليم المبيع فيستحق الثمن، فإذا سلم المبيع استحق الثمن».

وإلا فمن المعلوم أن الثمن يستحق بالعقد، لا بتسليم المبيع.

وكيف كان فهذا المقدار من التبعية لا يقتضي تقديم التسليم.

نعم احتمل في مجمع البرهان ومفتاح الكرامة توجيه كلامهم بأن المتعارف بين الناس والمتداول بين التجار وغيرهم هو تسليم المبيع قبل تسلم الثمن.

لكن لم يتضح التعارف المذكور، فضلاً عن بلوغه حداً يوجب انصراف إطلاق البيع إلي ذلك، بحيث يكون شرطاً ضمنياً يجب العمل عليه.

ومثله الاستدلال بمعتبر عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في رجل اشتري متاعاً من رجل وأوجبه، غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه، قال: آتيك غداً إن شاء الله.

فسرق المتاع من مال من يكون ؟ قال: من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتي

ص: 88

يقبض المتاع ويخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يرد إليه ماله»(1).

بدعوي: أنه قد فرّع وجوب تسليم الثمن علي استلام المبيع، فلا يجب قبله.

إذ فيه: إنه لم يتضمن ترتيب وجوب تسليم الثمن علي استلام المبيع، بل ترتيب ضمان الثمن علي ذلك، وحيث لا يراد بضمان الثمن استحقاقه إذ لا ريب في استحقاقه بمجرد العقد، تعين كون المراد به لزومه علي نحو الإطلاق بحيث لا يمكن التخلص منه، علي خلاف ما كان عليه قبل قبض المبيع، حيث كان معرضاً لأن يتخلص منه بتعذر استلام المبيع لسرقة أو نحوها، في مقابل احتمال لزومه حتي لو تعذر تسليم المبيع من دون تفريط من البائع، لكون تلفه من مال المشتري لا من مال البائع، فهو أجنبي عما نحن فيه.

ومن ثم كان الظاهر ما عليه المشهور من عدم ثبوت الترجيح بينهما، بل المتعين مع التشاح الإقباض منهما معاً.

ثم إنه قال في المبسوط: «هذا إذا كان كل واحد منهما باذلاً، فأما إذا كان أحدهما غير باذل أصلاً، وقال: لا أسلم ما علي، أجبره الحاكم علي البذل، فإذا حصل البذل حصل الخلاف في أيهما يدفع علي ما بيناه».

ولكن لا دليل علي وجوب البذل قبل التسليم زائداً علي وجوب التسليم، سواء أريد به الأمر النفسي وهو البناء علي التسليم أم تهيئة العوض مقدمة للتسليم، بل الذي تقتضيه المعاملة هو التسليم لا غير، فيكون هو الواجب.

وحينئذ إذا فرض عدم وجوب التسليم علي المشتري قبل تسلمه المبيع فلا وجه لإجباره علي البذل، بل لابد من إجباره علي تسليم الثمن، لكن بعد تسلمه المبيع، لا قبله.

غاية ما يدعي هو جواز امتناع البائع من تسليم المبيع حتي يتوثق من تحصيل الثمن.

لكن ذلك لا يقتضي إجبار المشتري علي بذل الثمن.

بل عدم الاستجابة لطلبه من البائع تسليم المبيع بحيث يجبر الحاكم البائع عند الترافع إلا بعد أن يقوم هو بتوثيق البائع بتسليمه الثمن بعد تسلمه المبيع منه علي أنه لم يتضح الوجه في ذلك بعد فرض

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 10 من أبواب الخيار حديث: 1.

ص: 89

الإمكان إلا برضا الآخر فإن امتنعا أجبرا (1).

ولو امتنع أحدهما

---------------

عدم ابتناء المبيع علي التسليم والتسلم، بل علي تسليم البائع أولاً ثم تسليم المشتري، فإن استحقاق البائع حينئذٍ التوثق يحتاج إلي دليل.

نظير ما يأتي فيما إذا اشترط أحدهما تأخير التسليم، حيث لا يظهر منهم البناء علي توقف وجوب التسليم علي الآخر علي توثقه من تسلم حقه في وقته.

فلاحظ.

(1) كما صرح بذلك غير واحد.

وفي الجواهر: «كما في كل ممتنع عما وجب عليه».

ولا يخفي أنه بعد استحقاق كل منهما علي الآخر التسليم فامتناع كل منهما عن ذلك إن لم يصل حدّ الترافع للحاكم، فهو لا يزيد علي محرم يكون موضوعاً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي قد يصل إلي ولاية الحسبة علي الإجبار علي فعل الواجب وترك الحرام.

وهو لو تمت شروطه يقتضي بدواً أمر كل منهما بالتسليم أو إجباره عليه.

ومقتضي ذلك إجبار من يمكن إجباره وإن تعذر إجبار الآخر.

لكن يظهر منهم المفروغية عن أن لكل منهما الامتناع من التسليم توثقاً لحقه، وأنه لا يجب عليه التسليم مع امتناع الآخر منه، كما يناسبه ما تقدم من المبسوط، بل في الجواهر أنه لا ينبغي الإشكال في فهم ذلك منهم.

وقد استشكل فيه في مجمع البرهان بأنه لما كان مقتضي العقد ملكية كل منهما لما عند الآخر، فاللازم عدم جواز حبس كل منهما لما عنده من أجل أن يقبض حقه، وجواز أخذ كل منهما حقه من غير إذن الآخر له إذا أمكنه علي أي وجه كان، لأن ذلك هو مقتضي الملك.

ومنع أحدهما حق الآخر وظلمه له لا يستلزم جواز الظلم للآخر ومنعه من حقه.

وفي الحدائق أنه جيد.

وفيه: أولاً: أن مقتضي العقد وإن كان هو تملك كل منهما لما عند الآخر، إلا إنا أشرنا آنفاً إلي أنه يقتضي زائداً علي ذلك تسليم ما عنده للآخر وإن لم يكن تحت يده، بحيث يسعي لتحصيله ثم تسليمه.

وحينئذ لا ينبغي الإشكال في عدم بناء العرف

ص: 90

علي التسليم مطلقاً، بل علي التسليم والتسلم، فلا يعد الحبس عندهم من أجل التسلم تعدياً، ولا خروجاً عن مقتضي العقد.

وقد يظهر من المحقق المذكور الاعتراف بذلك في آخر كلامه.

وثانياً: أنه لو غض النظر عن مقتضي العقد فحبس حق الغير مجازاة ومقاصة أمر مقبول عرفاً وشرعاً، وهو من رد الاعتداء بالمثل الذي دل عليه مثل قوله تعالي: (فَمَنِ اعْتَدَي عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَي عَلَيْكُمْ) (1).

ولذا يجوز في مثل المقام لو تعذر عليه حبس أحد العوضين حبس مالاً آخر للطرف الآخر مقاصة.

نعم لا يجري ذلك مع تعذر تسليم أحد العوضين علي من عنده، فلا يكون معتدياً، ليجوز الاعتداء عليه بالمثل، بل ينحصر الأمر حينئذ بالوجه الأول.

هذا ولكن الظاهر أن محل كلامهم في المقام ليس هو الإجبار بملاك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل إجبار الحاكم في فرض الترافع والخصومة عنده.

وحينئذ لا يتصور الترافع منهما معاً من أجل طلب تسليم كل منهما مع بذل كل منهما وحضورهما للتسليم.

بل غاية الأمر أن يكون الترافع حينئذ من أجل طلب البدأة بالتسليم، والمفروض أن جواب الحاكم حينئذ عدم المرجح لأحدهما بل الواجب عليهما التسليم والتسلم معاً من دون أن يصل الأمر إلي الإجبار.

وأما مع امتناعهما معاً من التسليم فلا مجال لسماع دعوي كل منهما بعد عدم كونه في مقام أداء ما عليه، وعدم قيامه بمقتضي العقد، وجواز مجازاة كل منهما للآخر بالمثل.

ومن هنا لا يتضح توجيه فرض جبرهما معاً، بل ليس في المقام إلا بيان الحاكم لكل منهما عدم استحقاقه سبق التسلم، أو جبرهما معاً علي التسليم من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي سبق استظهار خروجه عن مورد كلامهم

-

(1) سورة البقرة الآية: 194.

ص: 91

مع تسليم صاحبه أجبر الممتنع (1).

ولو اشترط أحدهما تأخير التسليم إلي مدة معينة جاز (2)، وليس لصاحبه الامتناع عن تسليم ما

---------------

(1) قطعاً، لتعديه بعدم تسليمه حينئذ.

بل يكفي في جبره علي التسليم بذل الآخر، بحيث يقع التسليم منهما معاً، كما يظهر مما تقدم.

ثم إنه لا يظهر منهم البناء علي ثبوت الخيار للباذل إذا امتنع الآخر من التسليم، لعدم الإشارة منهم لذلك، بل قد يظهر من بعض كلماتهم المنع منه، ولا يسعنا استقصاؤها.

نعم صرح في المبسوط بثبوت الخيار له مع إعسار الآخر.

وربما يظهر من بعضهم موافقته.

وقد يستفاد ثبوته مع تعذر الإجبار ولو مع عدم الإعسار، لعدم وضوح خصوصية الإعسار، بل من القريب أن يكون المدار عند هؤلاء علي تعذر تحصيل حقه، كما قد يظهر من بعض كلماتهم.

لكن حيث تقدم منا ومنهم ابتناء البيع علي التسليم والتسلم رأساً، فيكون عدم التسليم عقيب البيع بالنحو المتعارف لتعذره، أو للامتناع منه عصياناً خروجاً عن مقتضي البيع، ومخالفة للشرط الضمني الذي يتضمنه، فيتعين ثبوت الخيار بذلك، لنظير ما تقدم في أحكام الشروط من ثبوت الخيار بتخلف الشرط ولو مع إمكان الإجبار.

وهو المناسب لما في الروضة في بيع النسيئة، حيث ذكروا أنه مع تعيين وقت تسليم الثمن يثبت الخيار للبائع بتخلف التسليم عنه، قال: «ولو قيل بثبوته مع الإطلاق أيضاً لو أخل به عن أول وقته كان حسناً، للإخلال بالشرط».

وقد تقدم منا التعرض لذلك عند الكلام في خيار التأخير.

فراجع.

(2) قطعاً لعموم نفوذ الشرط.

وفي اعتبار ضبط المدة كلام تقدم في أواخر الكلام في شروط صحة الشرط.

هذا إذا كان العوض شخصياً، أما إذا كان كلياً فالكلام في وجوب ضبط المدة موكول إلي الكلام في بيع النسيئة والسلف.

ص: 92

عنده (1) حينئذٍ.

كما يجوز أن يشترط البائع لنفسه سكني الدار أو ركوب

---------------

(1) كما صرح به غير واحد والظاهر المفروغية عنه عندهم، لأنه حيث كان مقتضي العقد التسليم من الطرفين، فالخروج عن ذلك في حق المشترط لا يقتضي الخروج عنه في حق الآخر.

بل قد يكون تركه اشتراط التأخير مع اشتراط صاحبه له ظاهراً في التزامه بتعجيل التسليم، بحيث يكون مؤكداً لمقتضي العقد.

نعم لو صادف عدم تسليمه عصياناً أو لعذر حتي حلّ الأجل، فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوب تسليم المؤجل إذا لم يكن الطرف الآخر في مقام التسليم، لأن تأجيله لا يقتضي رفع اليد عما يقتضيه العقد من تسليم الطرف الآخر.

وهل يجب علي الطرف الآخر التسليم إذا امتنع صاحب المؤجل من تسليمه للمؤجل بعد حلول الأجل، أو لا، بل له الامتناع حينئذ من التسليم.

حتي يستلم ماله المفروض حلول أجله ؟ صرح بالأول في التذكرة.

وكأنه لأن رضاه بالتأجيل يرجع إلي رفعه اليد عما يقتضيه العقد من تسلمه لحقه من صاحب الأجل، والتزامه بالتسليم وإن لم يستلم.

لكنه في غاية المنع، لأن رضاه بالتأجيل إنما يقتضي رفعه اليد عن تعجيل التسلم، لا عن أصل التسلم ولو بعد الأجل، فمع فرض امتناع صاحب المؤجل عن التسليم بعد حلول الأجل يكون خارجاً عن مقتضي العقد، فللطرف الآخر الامتناع من التسليم إلا مع التسلم حينئذٍ، عملاً بمقتضي العقد، ومقاصة لصاحبه في حبس حقه.

وعلي ذلك جري بعض مشايخنا فيما حكي عنه.

بل لو كان قد دفع ما عنده بعد العقد، ثم حلّ الأجل ولم يدفع له الطرف الآخر المؤجل كان له استرجاع ما دفعه مع بقاء عينه وحبسه عليه حتي يستوفي حقه، جرياً علي مقتضي العقد، نظير ما يأتي في آخر المسألة.

كما أن له فسخ العقد، لخروج صاحبه عن مقتضاه، كما تقدم في فرض امتناع أحد الطرفين عن التسليم.

ص: 93

الدابة أو زرع الأرض أو نحو ذلك من الانتفاع بالمبيع مدة معينة (1).

-

(1) كما ذكر الأولين في الشرائع والقواعد.

وفي الجواهر: «بلا خلاف ولا إشكال في أصل جواز ذلك»، ويقتضيه عموم نفوذ الشروط.

وفي الجواهر: «وظاهر المصنف عدم استحقاق التسليم عليه حينئذ.

ولعله لاقتضاء العرف.

وإلا فلا منافاة بين استحقاق الركوب والسكني ووجوب التقابض».

وما ذكره متين في نفسه.

وإن كان الظاهر أن القرائن المحيطة بالعقد تتحكم في تعيين أحد الأمرين.

وفي لزوم ضبط مدة الانتفاع ما أشرنا إليه من الكلام في لزوم ضبط مدة تأخير التسليم.

بقي في المقام أمران: الأول: قال في المبسوط: «فأما القبض الصحيح فضربان.

أحدهما: أن يسلم القبض باختياره، فيصح القبض.

والثاني: أن يكون الثمن مؤجلاً أو حالاً إلا أن المشتري أوفاه.

فإذا قبضه المشتري بغير اختيار البائع صح القبض.

فأما إذا كان الثمن حالاً، ولم يوفه الثمن، ثم قبض المبيع بغير اختيار البائع لم يصح القبض، وكان للبائع مطالبته برد المبيع إلي يده، لأن له حق الحبس والتوثق به إلي أن يستوفي الثمن».

وقريب منه في التذكرة ويظهر من شيخنا الأعظم (قده) وغيره الجري علي ذلك.

ولا ينبغي الإشكال في جواز استرداده له بناءً علي ما سبق من أن له المجازاة بالمثل.

لكن ذلك لا ينافي صحة القبض وترتب آثاره من خروج المبيع عن ضمان البائع، بحيث لو تلف لم يبطل البيع، وكان تلفه من مال المشتري.

كما يترتب عليه آثار القبض الصحيح، كجواز بيع المقبوض فيما لا يجوز بيعه قبل القبض.

وأما ما سبق من ابتناء البيع علي التسليم والتسلم، فهو إنما يقتضي جواز امتناع البائع من التسليم إذا امتنع المشتري من التسليم.

بل لا يبعد لأجله جواز استرداده ما سلم، لا عدوان المشتري باستلام المبيع، فضلاً عن عدم ترتب أثر القبض علي

ص: 94

تسلمه.

وبعبارة أخري: يكون المشتري باستلام المبيع من دون إذن البائع ولا تسليم الثمن معتدياً بعدم تسليم الثمن لا غير، من دون أن يكون معتدياً بأخذ المبيع أيضاً، فضلاً عن عدم صحة القبض وعدم ترتب الأثر عليه.

وجواز استرجاع المشتري للمبيع حينئذ مقاصة بالمثل، أو لكون مقتضي البيع التسليم والتسلم معاً، لا ينافي جواز قبض المشتري له وتمسكه به.

نظير جواز أخذ المغصوب منه مال الغاصب مقاصة، حيث لا يستلزم عدوان الغاصب باستيلائه علي ماله وتصرفه فيه، بل يختص عدوانه باستيلائه علي مال المغصوب منه لا غير.

نعم يختص ذلك بقبض العوض الشخصي.

أما الكلي فلابد في صحة قبضه من إذن من يؤخذ منه، لعدم تعينه إلا بذلك.

ولا يسقط اعتبار إذنه إلا فيما إذا كان معتدياً بحبسه، حيث قد يقوم الحاكم مقامه، ويكتفي بإذنه، بناء علي ولايته علي الممتنع ولو من باب ولاية الحسبة.

ومع تعذر الرجوع إليه قد يسقط اعتبار الاستئذان.

وللكلام في ذلك مقام آخر.

الثاني: قال شيخنا الأعظم (قده): «ثم إذا ابتدأ أحدهما بالتسليم إما لوجوبه عليه كالبائع علي قول الشيخ أو لتبرعه بذلك أجبر الآخر علي التسليم.

ولا يحجر عليه فيما عنده من العوض، ولا في مال آخر، لعدم الدليل».

والوجه في ذلك ظاهر بناءً علي ما سبق منّا في الوجه الأول.

أما بناءً علي ما تقدم منهم هناك فهو إنما يتم فيما إذا ابتني تسليم الأول علي رفع اليد عما يقتضيه البيع من التسليم والتسلم.

أما إذا ابتني علي العمل عليه وتمسكه بحقه في التسلم فخروج الطرف الآخر عن ذلك يقتضي ثبوت الحق له في استرجاع ما دفع، نظير ما إذا كان القبض بغير إذنه.

فلاحظ.

ص: 95

(مسألة 2): التسليم والقبض فيما لا ينقل (1) هو التخلية برفع المانع

---------------

(1) قد اضطربت كلماتهم في تحديد القبض وذكر له في كلام غير واحد معان مختلفة باختلاف الأمور المقبوضة، كما يظهر بمراجعة كلام شيخنا الأعظم (قده) وغيره ومنه ما ذكره سيدنا المصنف (قده) من الاختلاف في معناه بين الأمور المنقولة وغيرها.

ولعل بعض ذلك راجع إلي تحديد موضوع الأحكام الشرعية المذكورة للقبض، لا علي تحديد مفهومه العرفي.

وقد يكون منه ما ذكره سيدنا المصنف (قده) من أخذ الإذن في التصرف مع التخلية في غير المنقول، لما هو المعلوم من عدم دخل الإذن في مفهوم القبض، ولذا يتحقق القبض من الغاصب.

وقد تقدم من المبسوط جعل الإذن في القبض شرطاً في صحة القبض في الجملة، لا في مفهومه.

وكيف كان فلا ينبغي الإشكال.

.

أولاً: في أنه ليس للقبض معني شرعي ولا متشرعي في قبال معناه العرفي، لعدم المنشأ لاحتمال ذلك، فضلاً عن البناء عليه.

وثانياً: في أن مفهومه العرفي لا يختلف باختلاف متعلقه، بل غاية الأمر أن يختلف ما يتحقق به باختلاف متعلقه، أو حتي في المتعلق الواحد، نظير ما ذكره سيدنا المصنف (قده) من حصوله في الثوب بأخذه ولبسه، لو تم.

ومن هنا كان الظاهر أن المراد به عرفاً هو أخذ الشيء والاستيلاء عليه.

بل لا يبعد كون أصله لغة هو الاستيلاء علي الشيء بالكف، بحيث تنضم عليه الأصابع، إلا أن شيوع استعماله فيما لا يمكن فيه ذلك أوجب التوسع في مفهومه، وإرادة مطلق الأخذ والاستيلاء منه، كما ذكرنا.

من دون فرق في ذلك بين المنقول وغيره.

ولذا لو كان المنقول في ضمن غير المنقول كالمتاع في الدار كفي في قبضه قبض غير المنقول بالاستيلاء عليه، لأن قبضه والاستيلاء عليه قبض واستيلاء علي ما فيه.

نعم تحديد معني القبض عرفاً أو شرعاً إنما ينفع فيما إذا كان بعنوانه مأخوذاً

ص: 96

(97)

شرعاً في أدلة الأحكام التي ذكرها الفقهاء له.

مع أنه ليس كذلك، لاختلاف مفاد الأدلة المذكورة.

ولا ملزم بإرجاعها لمعني واحد وحمل بعضها علي الآخر بعد إمكان اختلاف موضوعات تلك الأحكام.

ومجرد ذكر جماعة من الفقهاء لها في باب التسليم والقبض لا ينهض بذلك بعد إمكان تسامحهم في التبويب، أو التباس الأمر عليهم.

ولاسيما أن التبويب أمر مستحدث للفقهاء عند تدوين الفتاوي المتحصلة من النصوص، بعد أن كانت سيرتهم علي بيان فتاواهم من طريق النصوص التي يعتمدونها ويثبتونها، وبعد تعرض التبويب منهم للاختلاف والتطوير، وبعد ظهور عدم دقتهم في التبويب في كثير من الموارد.

وعلي ذلك يتعين تحديد موضوع كل حكم من تلك الأحكام بحياله واستقلاله تبعاً لدليله.

وأول هذه الأحكام هو وجوب التسليم علي كل من المتبايعين الذي تقدم التعرض له والاستدلال عليه.

وقد تقدم الاستدلال عليه بوجهين: الأول: حرمة حبس مال كل منهما علي الآخر ووضع يده عليه.

وهو لا يقتضي إلا حرمة حبس العوض ووضع اليد عليه.

ويكفي في الخروج عن ذلك بذله لصاحبه وتمكينه منه، سواء قبضه الآخر أم لم يقبضه.

كما أنه يقصر عما إذا لم يكن العوض تحت يد من خرج عن ملكه بالبيع، فضلاً عما إذا كان تحت يد غيره، وإن كان قادراً علي أخذه وتسليمه لمن دخل في ملكه.

الثاني: ابتناء البيع علي التسليم والتسلم.

والظاهر أن الذي يقتضيه البيع في حق كل منهما، ويكون هو المشروط ضمناً فيه، هو تمكين صاحبه من ماله الذي حصل عليه بالعقد، لا إقباضه له.

نعم لابد من التمكين منه بالمباشرة، بحيث لا يحتاج إلي مؤنة، ولو كانت هي قطع المسافة.

وأما القبض والأخذ فهو يجب علي صاحبه الذي صار له بالعقد، بحيث ليس له تركه عنده وتحميله مسؤولية حفظه.

ولو امتنع من

ص: 97

اذا تلف المبيع بافة سماوية قبل القبض

عنه والأذن لصاحبه في التصرف (1).

أما في المنقول فلابد فيه من الاستيلاء عليه علي نحو خاص فيحصل في الثوب بأخذه وبلبسه (2)، وفي الدابة بركوبها وأخذ لجامها (3)، وفي الدرهم والدينار بأخذه.

(مسألة 3): إذا تلف المبيع بآفة سماوية أو أرضية قبل قبض المشتري انفسخ البيع، وكان تلفه من مال البائع (4)، ورجع الثمن إلي المشتري.

-

الأخذ كان للأول إجباره، ليتخلص من تبعة ضمانه، أو الخيار لخروج صاحبه عن مقتضي العقد، الذي سبق أنه موجب للخيار.

وأما بقية الأحكام المذكورة للقبض فتحديد موضوعاتها تابع لأدلتها التي يتعين الكلام في مفادها عن التعرض لتلك الأحكام إن شاء الله تعالي.

(1) مما سبق يتضح عدم دخل الإذن في القبض بما له من معني عرفي.

ولا في التسليم الواجب بمقتضي البيع، بل يكفي التمكين منه وعدم المنع، بحيث يقدر علي أخذه من دون خوف مانع.

(2) الظاهر عدم صدق قبض الثوب بلبسه إذا لم يتحقق منه الأخذ والاستيلاء، كما لو كان المئزر بيد شخص متمسك به، وفسح المجال لآخر ليأتزر به من دون أن يتركه ويتخلي عنه، حيث لا يصدق قبضه في حق اللابس، بل في حق المتمسك به بيده.

(3) الظاهر عدم صدق قبض الدابة مع كل منهما إذا لم يتحقق به الأخذ والاستيلاء، كما إذا ركب الدابة مع استيلاء غيره عليها بأن يكون لجامها بيد الغير بنحو يكون هو المسيطر عليها والمتحكم فيها.

أو أخذ لجام الدابة من أن يسيطر عليها، لشرودها أو كونها تحت سيطرة شخص آخر راكب لها أو محتضن لها أو نحو ذلك.

(4) بلا خلاف أجده فيه، كما في الجواهر، وإجماعاً كما في الخلاف والسرائر وكشف الرموز وجامع المقاصد والروضة وظاهر التذكرة، كما نفي الريب فيه في جامع المقاصد.

وفي مرآة العقول أنه مقطوع به في كلام الأصحاب.

وقال شيخنا

ص: 98

(99)

الأعظم (قده): «إجماعاً مستفيضاً، بل محققاً».

ولا يظهر الخلاف منهم في ذلك إلا في مورد خيار التأخير، حيث تقدم من المفيد وجماعة أن التلف في الأيام الثلاثة من مال المشتري.

وتقدم ضعفه.

وكيف كان فيقتضيه النبوي: «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه»(1) ، وحديث عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في رجل اشتري متاعاً من رجل وأوجبه، غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه، قال: آتيك غداً إن شاء الله، فسرق المتاع من مال من يكون ؟ قال: من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتي يقبض المتاع ويخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يرد إليه ماله»(2).

وخبر خالد بن حجاج الكرخي في حديث طويل عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال: كل طعام اشتريته من بيدر أو طسوج، فأتي الله عز وجل عليه، فليس للمشتري إلا رأس ماله.

وما اشتري من طعام موصوف ولم يسمّ فيه قرية ولا موضعاً فعلي صاحبه أن يؤديه»(3).

لكن ضعف النبوي مانع من التعويل عليه وإن وصفه شيخنا الأعظم (قده) بالمشهور بعد عدم ذكره في مجاميع الحديث التي يرجع إليها الأصحاب، وإنما حكي عن عوالي اللآلي إرساله عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم).

ولاسيما مع عدم شيوع استدلال الفقهاء به بنحو يظهر منهم التعويل عليه في المقام، ويكون جابراً له.

ومجرد موافقة فتواهم له لا تكفي في جبره، كما تقدم غيره.

فالعمدة في المقام حديث عقبة، مؤيداً بخبر خالد بن الحجاج.

لاعتبار حديث عقبة في نفسه، إذ ليس في سنده من لم ينص علي توثيقه غير محمد بن هلال وعقبة بن خالد، ويكفي في وثاقتهما كونهما من رجال أسانيد كتاب كامل الزيارات.

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 13 باب: 9 من أبواب الخيار حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 10 من أبواب الخيار حديث: 1.

(3) من لا يحضره الفقيه ج: 3 ص 131 من أبواب البيوع حديث: 10.

ص: 99

ولاسيما مع ظهور اعتماد الأصحاب عليهما، واعتضادهما بالإجماع المدعي في مثل هذه المسألة الشائعة الابتلاء، التي يمتنع عادة خفاء حكمها علي الأصحاب.

هذا وعن بعض مشايخنا (قده) الاستدلال بسيرة العقلاء، بدعوي بنائهم علي عدم استحقاق البائع المطالبة بالثمن مع تلف المبيع وتعذر تسلمه.

وقد يتجه ذلك فيما إذا كان عدم التسليم لتقصير البائع.

أما إذا لم يستند له، بل لعدم تصدي المشتري للقبض، فلا يتضح منهم البناء علي عدم استحقاق المطالبة بالثمن، خصوصاً إذا طلب البائع منه القبض، مع أنه لا يظهر منه ولا من غيره البناء علي الخروج عن الضمان حينئذ، إذ غاية ما ذكروا علي كلام بينهم هو الاكتفاء في الخروج عن الضمان بالتخلية غير الحاصلة بذلك.

ومن هنا ينحصر في دليل المسألة بما سبق.

بقي في المقام أمران: الأول: أن المفروغ عنه بينهم في المقام أن ضمان البائع هنا ليس بمعني تحميله درك خسارة المشتري بتلف المبيع من ماله، وذلك بدفع قيمته الواقعية له مع بقاء البيع بحاله بحيث يستحق البائع الثمن، بل هو راجع إلي عدم استحقاق الثمن علي المشتري، كما لو تلف المبيع من ماله قبل أن يخرج عنه بالبيع، المساوق لانفساخ البيع.

وهو كالصريح من قوله (عليه السلام) في حديث عقبة: «فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يرد عليه ماله».

لإناطته وجوب دفع الثمن علي المشتري بما إذا أخرج البائع المبيع عن بيته، وظهوره في أن مرجع كون المبيع في ضمان البائع إلي عدم استحقاقه لثمنه بل هو صريح خالد بن حجاج.

كما أن ذلك هو مقتضي التعبير في حديث عقبة وفي النبوي بأن التلف والسرقة تكون من مال البائع، فكأن التالف والمسروق ماله، مع أنه لو كان علي البائع ضمان قيمة المبيع للمشتري لكان تلفه من مال المشتري وإن وجب ضمانه علي البائع.

ص: 100

(101)

في معني ضمان البايع

بل السؤال في حديث عقبة عمن يتحمل خسارة المال شاهد بالمفروغية عن ثبوت الضمان، والسؤال عن تعيين الضامن، وذلك لا يكون إلا في الضمان بمعني تحمل خسارة المال، لا في الضمان بمعني تحمل الدرك مع بقاء البيع بحاله، بحيث يستحق البائع الثمن، لظهور أنه لا معني لتحمل المشتري درك ماله، بل المناسب حينئذ السؤال عن ضمان البائع لا غير.

نظير ما تقدم في أواخر الفصل الخامس عند الكلام في ضمان البائع للمبيع في مدة خيار الحيوان والشرط فراجع.

ومن هنا عبر سيدنا المصنف وجماعة بانفساخ البيع.

نعم النص لم يتضمن انفساخ البيع، وإنما تضمن أن الخسارة علي البائع، وأن المشتري لا يكون ملزماً بدفع الثمن له.

وهو إنما يستلزم لغوية نفوذ البيع فيما إذا انحصر أثر صحته ونفوذه بوجوب دفع الثمن، كما في تلف المبيع حقيقة، بحيث لا يبقي منه شيء قابل لأن يملك.

ولا دليل علي انفساخ البيع في غير ذلك، مثل سرقة المبيع التي هي مورد حديث عقبة، بحيث ليس للمشتري مطالبة السارق، أو الانتظار برجاء تحصيل المبيع.

غاية الأمر أن يكون له الإعراض عن البيع وفسخه، كما في الشرائع فيما لو غصب المبيع، لعدم تحقق مقتضاه وهو التسليم، وله الانتظار برجاء تحصيل المبيع.

كما أن له حينئذ التصرف فيه بما لا يتوقف علي القبض كالعتق ونحوه كما في المسالك والجواهر فيما لو غصب المبيع.

ويتعين عليه حينئذ دفع الثمن للبائع، لعدم فوت المبيع عليه، كما لو قبضه.

ولا أقل من خروجه عن مفاد النص، خصوصاً حديث عقبة الذي هو عمدة الأدلة في المقام.

ومنه يظهر الإشكال فيما في التذكرة.

قال: «ووقوع الدرة في البحر قبل القبض كالتلف ينفسخ به البيع.

وكذا انفلات الطير والصيد المتوحش... ولو أبق العبد قبل القبض، أو ضاع في انتهاب العسكر، لم ينفسخ البيع، لبقاء المالية ورجاء العود».

حيث ظهر مما سبق أنه لا دليل في جميع ذلك علي انفساخ البيع بحيث يخرج المبيع عن

ص: 101

ملك المشتري.

كما أنه لم يتضح أن المعيار عنده في التفصيل علي تعذر تحصيل المبيع واقعاً ولو مع اعتقاد أو رجاء تحصيله، بحيث لو لم يتيسر بعد ذلك انكشف انفساخ البيع من أول الأمر، المستلزم لانكشاف عدم نفوذ تصرف البائع في الثمن لو كان تحت يده، بل يكون فضولياً.

أو أن المعيار فيه علي اليأس من تحصيله، بحيث لو صادف تحصيله بعد ذلك كان ملكاً للبائع ولا ينكشف عدم انفساخ البيع.

وعلي الثاني فالمعيار علي يأس المشتري، أو يأس البائع أو يأسهما معاً، أو يأس عامة الناس.

الثاني: وقع الكلام بينهم في أنه هل يعتبر في الخروج عن الضمان أخذ المشتري للمبيع واستيلاؤه عليه، أو يكفي فيه تخلية البائع بين المشتري والمبيع، بحيث يقدر علي أخذه وإن لم يأخذه فعلاً، وحيث سبق توقف القبض علي الأخذ والاستيلاء، وعدم الاكتفاء فيه بالتخلية، فلابد في البناء علي الاكتفاء بالتخلية من نهوض الأدلة بالاكتفاء بها في الخروج عن الضمان، وعدم توقفه علي القبض.

فنقول: لا ينبغي الإشكال في أن ضمان البائع في المقام مخالف للقاعدة بعد صحة البيع في نفسه، وخروج المبيع عن ملكه إلي ملك المشتري، فاللازم الاقتصار فيه علي المتيقن.

وحيث سبق أن العمدة في أدلة المسألة حديث عقبة فاللازم النظر في مفاده.

ومقتضي قوله (عليه السلام): «حتي يقبض المتاع ويخرجه من بيته» اعتبار كل من قبض المشتري للمتاع وإخراج البائع له من بيته وحوزته.

ولا يعرف منهم البناء علي ذلك، بل يظهر منهم حمل الجمع بينهما علي التأكيد، وأن المعتبر أحدهما لا غير، وذكر الآخر لملازمته له ولو غالباً، من دون أن يكون دخيلاً في انتقال الضمان.

وهو المناسب لقوله (عليه السلام): «فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتي يرد إليه ماله».

حيث يظهر منه أن المعيار علي إخراج المال من بيته وحوزته، ويكون قرينة علي أن ذكر قبض المشتري في الفقرة الأولي تبعاً له للتلازم بينهما غالباً، لا لكونه دخيلاً معه.

ص: 102

(103)

الكلام في معني الخروج عن الضمان

ودعوي: أنه قد لا يكون إهمال القبض في الفقرة الثالثة لعدم دخله بنفسه، بل للاكتفاء بذكره في الفقرة الأولي.

مدفوعة بأن حمل الجمع بينهما في الفقرة الأولي علي التأكيد أو نحوه بقرينة الفقرة الثانية أقرب عرفاً من حمل تركه في الفقرة الثانية علي الاختصار اعتماداً علي ذكره في الفقرة الأولي، لمناسبة الدخول في الحوزة للضمان، ولأن التكرار والتأكيد في الاستعمالات أشيع من الاختصار.

ومن ثم تكون الفقرة الثانية عرفاً كالشارحة المفسرة للفقرة الأولي.

هذا كله بناءً علي ورود احتمال اعتبار اجتماع الأمرين معاً.

أما بناءً علي ما يظهر منهم من أن المعتبر أحد الأمرين لا غير، فالمتعين البناء علي المعتبر في انتقال الضمان هو إخراج البائع للمبيع عن حوزته، دون قبض المشتري له، لأن ذكر الأمرين في الفقرة الأولي، والاقتصار علي الأول في الثانية، كالصريح في أن الموضوع الحقيقي هو الأول دون الثاني، وأن ذكر الثاني في الفقرة الأولي تبعاً للتلازم بين الأمرين غالباً.

إن قلت: لازم ذلك بقاء المبيع في ضمان البائع إذا لم يخرجه من بيته حتي مع قبض المشتري له، ولا يظن من أحد البناء علي ذلك.

قلت: الظاهر من إخراجه من بيته في الحديث الكناية عن خروجه عن حوزته وسيطرته، بحيث لا يكون مستولياً عليه كما كان مستولياً قبل بيعه وبعده حينما رضي ببقائه عنده.

ومع قبض المشتري له يكون المستولي عليه هو المشتري دون البائع وإن كان المشتري بعد عند البائع ولم يخرج عن بيته.

ومثل ذلك ما إذا قبضه المشتري ثم أودعه عند البائع، فإنه وإن صار حينئذ في حوزة البائع وتحت سيطرته، إلا أن ذلك ليس بقاء لسيطرته عليه عند البيع برضاه واستمراراً لها، ليبقي في ضمانه، بل هو أخذ جديد بعد أن خرج عن ضمانه، ولزم له الثمن علي المشتري، والعود المذكور بعنوان الأمانة التي ثبت عدم الضمان بها.

وإنما يظهر أثر ما ذكرناه فيما لو جاء المشتري، فأخرج البائع المبيع عن حوزته، وخلي بينه وبين المشتري، فامتنع المشتري عن قبضه.

فإنه بناءً علي اعتبار القبض في

ص: 103

انتقال الضمان يتعين بقاء المبيع في عهدة البائع، ويكون تلفه من ماله.

وبناءً علي ما ذكرنا يخرج المبيع عن عهدة البائع، ويكون تلفه من مال المشتري، ويستحق عليه البائع الثمن.

نعم ليس له إخراج المبيع عن حوزته وتركه معرضاً للتلف إذا لم يكن بوسع المشتري أخذه وحفظه، لجهله بذلك أو عجزه عن الوصول إليه وأخذه أو حفظه.

حيث يكون البائع مفرطاً به حينئذ، ويتعين ضمانه له بالثمن أو بقيمته الحقيقية.

هذا كله إذا رضي البائع بترك المبيع عنده من أول الأمر، كما هو المنصرف أو المتيقن من حديث عقبة.

أما إذا امتنع من أول الأمر من ذلك، وطلب من المشتري أخذه فلم يأخذه وأبقاه عنده من دون رضاه، فالمتعين كون تلفه من مال المشتري، عملاً بالقاعدة المشار إليها آنفاً بعد عدم المخرج عنها حينئذ.

ودعوي: أن المستفاد من حديث عقبة بيان الضابط العام للخروج عن الضمان من دون اختصاص بمورد الحديث.

ممنوعة، لعدم الشاهد علي ذلك بعد بيان الضابط المذكور فيه في جواب السؤال عن مورده، لا ابتداءً.

وإنما قد يتجه ذلك في مثل النبوي المتضمن لبيان الضابط في ذلك ابتداءً.

إلا أنه سبق عدم نهوضه بالاستدلال.

نعم سبق أن للبائع الفسخ حينئذٍ، لخروج المشتري عن مقتضي العقد.

لكن إذا لم يفسخ فإن كان التلف من غيره من دون تفريط منه تعين عدم ضمانه له أصلاً، وإن كان التلف مستنداً له تعين ضمانه للمبيع بقيمته الحقيقية، عملاً بالقاعدة.

أما إذا لم يستند إليه لكن كان بتفريط منه، لعدم صونه له وتحفظه عليه، فلا يخلو الأمر عن إشكال.

وإن كان الأنسب بالقواعد عدم ضمانه، لا بالثمن، لخروجه عن مفاد حديث عتبة، ولا بقيمته الحقيقية، لعدم الموجب لضمانه.

ومجرد عدم تحفظه عليه لا دليل علي سببيته للضمان بعد أن لم يكن أميناً عليه، لعدم رضاه ببقائه عنده.

ودعوي: أنه وإن لم يكن أمانة مالكيتة، إلا أنه أمانة شرعية بعد عدم أخذ مالكه له، فلا يجوز التفريط به، ويتعين معه الضمان، نظير اللقطة ومجهول المالك ومال

ص: 104

الغائب وغيرها.

مدفوعة: بأن الأمانة الشرعية هي ما يثبت اهتمام الشارع بها، بحيث يكلف غير المالك بحفظها.

ولا مجال لإحراز ذلك في المقام بعد تسامح المالك في ماله وامتناعه من قبضه.

بخلاف اللقطة ونحوها مما سبق.

ولاسيما أن الأمور المذكورة قد استولي عليها آخذها ولو غفلة عن عدم كونها له، ولم يتعد صاحبها بجعلها عنده، كما في المقام.

كما أنه لا دليل علي مضمنية اليد للبائع بعد عدم استيلائه علي مال الغير من دون إذنه، بل حين كان المال تحت يده في أول الأمر كان له، وبعد أن خرج عن ملكه لم يحبسه عن صاحبه، بل تركه صاحبه عنده عدواناً عليه من دون عذر.

ويجري ذلك في كل مال تركه صاحبه عند غيره من دون رضا ذلك الغير.

فلاحظ.

وإن شئت قلت: بعد أن لم يكن مقتضي البيع التسليم، بل مجرد البذل والتمكين، كما سبق، فحيث كان حديث عقبة مختصاً بصورة رضا البائع ببقاء المبيع عنده، وظاهراً في الاكتفاء في خروجه عن ضمانه بخروجه عن حوزته، فاللازم الاقتصار في الضمان علي مفاده وعدم التعدي عنه.

وبذلك يظهر أنه لا يكفي في خروج البائع عن الضمان التخلية بين المشتري والمبيع وتمكينه منه، بل لابد معه من إخراج البائع له عن حوزته بوجه سائغ، بحيث لا يكون عرفاً مفرطاً في المبيع، لقدرة المشتري علي أخذه.

فلاحظ.

هذا ومن الظاهر أنه لو كان الدليل في المقام هو النبوي فمقتضاه أن المعيار هو قبض المشتري، وعدم كفاية التخلية.

ودعوي: أن ضمان البائع مع التخلية وامتناع المشتري من القبض ضرر علي البائع.

مدفوعة بأن الحكم بضمان البائع ضرري علي كل حال، فدليله أخص من قاعدة نفي الضرر مطلقاً، ولا مجال مع ذلك لتحكيم قاعدة نفي الضرر عليه، بل يتعين التمسك بإطلاق دليله، لأن إطلاق دليل الخاص مقدم علي إطلاق دليل العام.

ص: 105

موارد تحقق القبض

وكذا إذا تلف الثمن قبل قبض البائع (1).

ولو تعذر الوصول إليه كما لو سرق أو غرق أو نهب أو أبق العبد أو أفلت الطائر أو نحو ذلك فهو

---------------

نعم قد يدعي انصراف النبوي عن صورة امتناع المشتري من القبض.

أو لزوم الجمع بينه وبين حديث عقبة بحمل ذكر القبض في النبوي علي مجرد ملازمته لمعيار رفع الضمان، وهو الخروج عن حوزة المشتري من دون أن يكون هو المعيار في رفعه.

وإن كنا في غني عن إطالة الكلام في ذلك بعدما سبق من عدم نهوض النبوي بالاستدلال.

وأما خبر خالد بن حجاج فهو وارد في مقام التفريق بين الكلي في المعين والكلي المطلق، وأن الثاني يجب أداؤه علي كل حال، والأول يضمن بالثمن من دون تعرض لأمد الضمان، وأنه يرتفع بالقبض أو التخلية أو غيرهما، لينفع فيما نحن فيه.

(1) كما في التذكرة.

وقال في المبسوط: «إذا اشتري من رجل عبداً بثوب وقبض العبد ولم يسلم الثوب فباع العبد صح بيعه... وإذا باعه وسلمه المشتري ثم تلف الثوب الذي في يد البائع انفسخ البيع، ولزمه قيمة العبد لبايعه، لأنه لا يقدر علي رده...» ونحوه ما في كلام جماعة كثيرة.

وهو ظاهر في مفروغيتهم عن جريان الحكم المذكور في الثمن.

ولذا استظهر شيخنا الأعظم (قده) عدم الخلاف في ذلك.

وقد بناه بعض مشايخنا (قده) علي كون الدليل في المقام سيرة العقلاء، لعدم الفرق فيها بين العوضين.

لكن سبق الإشكال في الاستدلال بالسيرة.

ومثله ما ذكره شيخنا الأعظم (قده) من إمكان استفادته من قوله (عليه السلام) في حديث عقبة: «فإذا أخرجه من بيته فالمتباع ضامن لحقه حتي يرد إليه ماله».

وفي مفتاح الكرامة أن فيه إيماء للتعميم.

وكأنه لحمل الضمان فيه علي المعني الذي هو محل الكلام وهو كون تلفه من ماله، فيدل علي المطلوب.

إذ فيه: أنه لا ظهور للضمان في المعني المذكور.

بل لا مجال للبناء علي إرادته في

ص: 106

(107)

بحكم التلف (1).

ولو أمر المشتري البائع بتسليمه إلي شخص معين، فقبضه، كان بمنزلة قبض المشتري (2).

وكذا لو أمره بإرساله إلي بلده

---------------

المقام، لأن مقتضاه أن تلف الثمن لا يكون من مال المشتري إلا بعد أن يخرج البائع المبيع من حوزته، فلو تلف قبل ذلك كان من مال البائع، ولا يظن منه ولا من غيره البناء علي ذلك.

ومن ثم كان الظاهر من هذه الفقرة بيان أن المشتري لا يكون مسؤولاً بالثمن وملزماً به علي كل حال إلا بعد إخراج البائع المبيع عن حوزته، أما قبل إخراج البائع المبيع عن حوزته فالمشتري قد لا يلزم بالثمن، لتلف المبيع.

وكذا ما عن بعضهم من عموم النبوي للثمن، لصدق المبيع عليه.

إذ فيه مع ما سبق من عدم نهوض النبوي بالاستدلال في المقام: أن المبيع إن لم يكن مختصاً بالمثمن فلا ريب في انصرافه إليه.

ومن هنا كان الظاهر ابتناء ذلك علي فهمه من النص بإلغاء خصوصية المبيع عرفاً، كما هو غير بعيد، لعدم الفرق بين المتعاقدين ارتكازاً في نحو علاقتهما بالعوضين، وتعهد أحدهما للآخر به، بنحو يغفل عرفاً عن خصوصية أحدهما في الأدلة، كما يناسبه ظهور مفروغية الأصحاب عن العموم من دون أن يتصدوا لبيان وجهه.

(1) كما صرح به غير واحد، بنحو يظهر منهم المفروغية عنه.

ولا ينبغي الإشكال فيه، خصوصاً بناءً علي ما سبق من أن عمدة الأدلة في المسألة حديث عقبة بن خالد، لوروده في سرقة المتاع.

نعم تقدم عند الكلام في حقيقة الضمان في المقام أنه إنما يكون بحكم التلف في كون خسارته علي البائع وعدم وجوب دفع المشتري الثمن له، من دون أن ينفسخ المبيع به.

فراجع.

(2) بلا إشكال ظاهر.

لأن قبض الوكيل بمنزلة قبض الموكل، بل هو قبضه.

وأما بناءً علي ما سبق من أن المعيار في انتقال الضمان الخروج عن حوزة المشتري فالأمر أظهر.

ص: 107

أو غيره، فأرسله، كان بمنزلة قبضه (1)، ولا فرق بين تعيين المرسل معه

---------------

هذا إذا رجع ذلك إلي توكيل الشخص المذكور في القبض عنه.

أما إذا لم يرجع إلي ذلك فالكلام فيه هو الكلام الآتي في الأمر بإرساله المبيع.

(1) لم يتضح الوجه في ذلك، لعدم صدق القبض عليه عرفاً.

نعم هو يشارك قبضه في تحمله المسؤولية عرفاً.

لكن ذلك لا يكفي بعد فرض دلالة الدليل علي اعتبار القبض في انتقال الضمان، من دون أن يدل علي كون العلة في ذلك تحمله للمسؤولية.

ودعوي: رجوعه إلي توكيل البائع في القبض عنه ثم إرساله.

ممنوعة، لاحتياج ذلك إلي مؤنة زائدة علي الأمر بالإرسال غير مفروضة في محل الكلام.

ومثلها دعوي رجوعه إلي توكيله في اختيار من يقبض عنه.

ولاسيما أن الرسول لا يقصد القبض عن المرسل إليه، بل مجرد إيصال المبيع إليه، نظير الرسول في إيصال الهدية.

ولذا لا يظن بأحد البناء علي ترتب بقية آثار القبض بذلك، كجواز بيع ما يحرم بيعه قبل قبضه لو فرض البناء علي ذلك في بعض الموارد.

ودعوي: رجوع الأمر بالإرسال إلي إسقاط حق الضمان، ولو من أجل تعرض المبيع مع الإرسال للتلف، المناسب لعدم رضا البائع بالإرسال وعدم طلب المشتري ذلك منه لولا الإسقاط المذكور.

مدفوعة: أولاً: بعدم كفاية ذلك في ظهور حال المشتري في الإسقاط.

وكما يكون المبيع معرضاً للتلف مع الإرسال يكون معرضاً له مع إبقائه عند البائع، الذي لا إشكال في عدم ابتناء طلبه علي إسقاط الضمان.

ومجرد أقوائية احتمال التلف مع الإرسال منه مع الإبقاء عند البائع مع عدم إطراده لا يكفي في الفرق بينهما.

وثانياً: بعدم وضوح كون الضمان مع عدم القبض من الحقوق القابلة للإسقاط،

ص: 108

بل ظاهر دليله كونه حكماً شرعياً، لا سلطنة عليه لغير الشارع.

ولذا قال في التذكرة: «لو أبرأ البائع المشتري البائع من الضامن لم يبرأ.

وحكم العقد لا يتغير».

ونحوه في الدروس.

وعليه جري شيخنا الأعظم (قده).

نعم لو كان دليل الضمان منحصراً ببناء العقلاء وسيرتهم الارتكازية اتجه عدم ثبوته مع طلب الإرسال، لقصور السيرة عن ذلك قطعاً.

لكن سبق المنع من الاستدلال بها، فضلاً عن انحصار الدليل عليه بها.

ومن هنا كان الظاهر انحصار الوجه فيه بما سبق منا من أن عمدة الدليل في الحكم هو حديث عقبة، وأن مفاده كون المعيار في انتقال الضمان ليس هو القبض، بل إخراج البائع المبيع عن حوزته، لتحقق ذلك في المقام، من دون أن يكون مفرطاً بالمبيع بإخراجه عن حوزته بعد كونه بأمر المشتري.

ومثله في جميع ما تقدم ما إذا أمر المشتري البائع ببيعه عنه، أو إنفاقه في مصارف خاصة، كدفع الطعام للفقراء، وفرش الفراش في المسجد، ونحو ذلك.

(1) لعدم المنشأ للفرق بينهما بعد اشتراكهما في العمل بقول المشتري وعدم تحقق القبض عنه فيهما معاً.

نعم مع تعيين المرسل معه قد يكون الشخص المعين وكيلاً عن المشتري في القبض عنه.

لكنه أمر زائد علي الأمر بالإرسال معه غير مفروض في محل الكلام.

(2) ففي التذكرة والقواعد والدروس والإيضاح وغيرها أنه لا يتعين انفساخ البيع وبقاء الثمن للمشتري، بل يتخير المشتري بين فسخ البيع وأخذ الثمن، وعدم فسخه والرجوع علي المتلف بالبدل.

ولا ينبغي الإشكال في عدم جريان حكم تلف المبيع قبل قبضه في الفرض بناءً علي ما سبق من أن الدليل في المسألة حديث عقبة.

لظهور قصوره عن ذلك، فيرجع فيه للقاعدة.

واستفادته منه بإلغاء خصوصية مورده

ص: 109

أو الأجنبي (1) الذي يمكن الرجوع إليه في تدارك خسارته (2)، بل يصح العقد وللمشتري الرجوع علي المتلف بالبدل (3) من مثل أو قيمة وهل له الخيار في فسخ العقد لتعذر التسليم ؟ إشكال.

والأظهر ذلك (4).

وإذا حصل

---------------

غير ظاهرة الوجه.

أما لو كان الدليل في المسألة النبوي فيتوقف قصوره عن صورة إتلاف البائع علي انصرافه عنها، وعهدته علي مدعيه.

ولعله لذا ذهب إلي عموم الحكم له في المبسوط والشرائع، واحتمله في الجواهر.

للإطلاق.

(1) فقد صرح من تقدم بعدم تعين انفساخ البيع هنا أيضاً، بل يتعين التخيير بالوجه المتقدم.

وسبقهم إليه في المبسوط.

ويتضح الوجه في قصور حكم تلف المبيع عن الفرض مما سبق، لظهور حديث عقبة أو انصرافه إلي صورة تعذر تدارك السرقة باسترجاع المبيع من السارق أو أخذ عوضه.

واحتمل في الجواهر عموم الحكم له للإطلاق.

ويظهر حاله مما سبق.

(2) أما إذا لم يمكن الرجوع إليه في ذلك فهو بحكم التلف السماوي، لأن حديث عقبة وارد في السرقة التي هي فعل الأجنبي، لا في التلف، وحيث لا إشكال في إلحاق التلف الأرضي أو السماوي به، فإلحاق إتلاف الأجنبي الذي لا يمكن تدارك خسارته أولي منه.

(3) لقاعدة الضمان بالتلف بعد فرض كون المبيع باقياً في ملك المشتري.

(4) كما هو مقتضي ما تقدم منهم من تخيير المشتري بين الرجوع علي البائع بالثمن والرجوع علي المتلف بالبدل.

ويظهر من المبسوط تعليله باجتماع السببين سبب الانفساخ وهو تعذر التسليم المقتضي لعدم استحقاق البائع الثمن، وسبب الضمان وهو الإتلاف المقتضي للرجوع علي المتلف بالبدل.

قال: «ويكون القبض في القيمة قائماً مقام القبض في المبيع، لأنها بدله».

ص: 110

وهو لا يخلو من تدافع، إذ المراد بتعذر التسليم الذي هو موضوع الانفساخ عندهم إن كان هو تعذر تسليم المبيع بعينه تعين انفساخ العقد، وضمان المتلف للبائع، وإن كان هو تعذر تسليم الأعم من المبيع وبدله تعين عدم انفساخ البيع، لعدم تعذر تسليم الأعم مع إمكان الرجوع علي المتلف، بل يرجع علي المتلف لا غير، لكونه متلفاً لماله بعد فرض عدم انفساخ البيع.

وعلي كلا الوجهين لا مجال للتخيير المذكور.

مضافاً إلي الإشكال علي الشيخ نفسه بأن وجه التخيير المذكور لو جري مع إتلاف الأجنبي لجري مع إتلاف البائع، حيث يمكن الرجوع عليه بالبدل، ويكون قبض المشتري للبدل منه بمنزلة قبض المبيع، مع أنه التزم معه بانفساخ البيع لا غير، لاستحالة التقبيض.

ومن هنا يتعين توجيه التخيير المذكور بعد ما سبق منّا من خروج المورد عن مفاد النص، الراجع لعدم انفساخ البيع بأن الرجوع علي المتلف من أجل إتلافه لماله، كما سبق، وفسخ البيع لثبوت الخيار بتخلف التسليم الذي يراد به تسليم المبيع بعينه، لابتناء البيع علي تسليمه، بحيث يكون شرطاً ضمنياً يثبت الخيار بتخلفه.

كما ذكرناه آنفاً.

وهو المناسب لما سبق منا في خيار التأخير عن الشيخ نفسه من جواز الفسخ للبائع مع إعسار المشتري وتعذر الثمن، كما سبق عن الشيخ نفسه، بل حتي مع التأخير في إحضاره.

فراجع.

ومن ذلك يظهر ضعف ما في الجواهر من أنه لو فرض قصور النص في المقام وعدم انفساخ البيع فالمتعين لزوم البيع والمطالبة بالبدل لا غير، لعدم ثبوت سببية تعذر تسليم المبيع للخيار.

قال: «وخبر ضرار يدفعه ما وضعه الشارع من الضمان لمن أتلف مال غيره».

حيث ظهر مما ذكرنا أن الخيار ليس لحديث نفي الضرر، بل لتخلف مقتضي البيع.

هذا ولو كان المشتري هو المتلف للمبيع فقد صرحوا باستقرار المبيع وعدم انفساخه، وفي كلام غير واحد أنه بمنزلة القبض.

قال في المبسوط: «ولهذا نقول: إن

ص: 111

للمبيع نماء، فتلف الأصل قبل قبض المشتري، كان النماء للمشتري (1)،

---------------

المشتري إذا اعتق قبل القبض فإنه ينفذ عتقه، ويكون ذلك قبضاً».

لكنه ليس قبضاً قطعاً.

كما لا دليل علي تنزيله منزلة القبض شرعاً.

فالعمدة قصور النص عن صورة إتلاف المشتري عتقه أو بيعه.

أما حديث عقبة الذي هو العمدة فظاهر.

وأما النبوي فلما ذكره في الجواهر من وروده مورد الإرفاق بالمشتري بنحو لا يناسب عمومه لما إذا كان التلف أو نحوه مستنداً إليه.

نعم إذا خدعه البائع وأوهمه فأتلف المبيع بتخيل أنه شيء آخر، فإن كان إتلافه مع قبضه كما لو قدم له الطعام، فأكله بتخيل كونه هدية تعين عدم انفساخ البيع.

وإن كان إتلافه من دون قبض كما لو أشعل الفتيل فاحترق النفط المبيع فحيث كان دليل المسألة حديث عقبة، وهو قاصر عن ذلك، يتعين عدم انفساخ البيع أيضاً.

أما لو كان الدليل النبوي فلا مجال للبناء علي قصوره، لأن وروده مورد الامتنان في حق المشتري لا يمنع من شموله للمقام بعد كون المشتري مغروراً.

إلا أن يفرض انصرافه لا من جهة قرينة الامتنان.

وعلي كل حال لو فرض عدم انفساخ البيع، ولزوم الثمن علي المشتري، فلا مانع من البناء علي رجوعه علي الغار الخادع له بالمثل أو القيمة في هذه الصورة وصورة القبض.

لما دلّ علي عموم ضمان الغار الخادع، وقد تقدم في المسألة التاسعة عشرة من الفصل الثاني في شروط المتعاقدين.

فراجع.

(1) كما في الشرائع، وفي الجواهر أنه لا خلاف فيه بناءً علي أن الملك بالعقد.

وهو المتعين، لأن الظاهر أن الانفساخ إنما يكون من حين التلف.

بل سبق منا أنه لا دليل علي الانفساخ.

غاية الأمر أنه مع التلف لا يجب دفع الثمن، وذلك لا ينافي بقاء بقية آثار صحة العقد إذا تحقق موضوعها، ومنها ملكية النماء.

فلاحظ.

ص: 112

(113)

حدوث العيب قبل القبض

ولو حدث في المبيع عيب قبل القبض كان للمشتري الرد (1).

وفي ثبوت الأرش له قولان كما تقدم (2).

---------------

(1) كما تقدم منه (قده) في المسألة السادسة والخمسين من الفصل الرابع في الخيار، وأشرنا هناك إلي وجهه.

وهو أنه كما يكون مقتضي البيع تسليم المبيع، كذلك مقتضاه تسليمه سالماً علي النحو الذي كان عليه حين البيع.

(2) في المسألة السادسة والخمسين من الفصل الرابع في الخيار.

ومما تقدم في المسألة الخمسين من الفصل المذكور يظهر عدم ابتنائه علي استفادة ذلك من نصوص خيار العيب، لظهورها في العيب الحاصل حين البيع، بل علي ما تقدم في مسألتنا هذه من أن تلف المبيع قبل قبضه من مال البائع، وأنه حيث لا يراد به ضمان البائع للمبيع بالمثل أو القيمة، بل عدم استحقاقه الثمن علي المشتري المساوق عملاً لانفساخ البيع، فهو كما يقتضي تحمل البائع لدرك المبيع بالنحو المذكور مع تلفه بتمامه يقتضي تحمله درك النقص الحاصل فيه مما يوجب نقص ماليته.

واستفادة ذلك عرفاً من النص الوارد في المقام قريبة جداً، لأن النص المذكور وإن ورد في تلف تمام المبيع دون جزئه، فضلاً عن وصفه الذي لا يقابل بجزء من الثمن، إلا أن المستفاد عرفاً من الحكم بأن تلف المبيع قبل القبض من مال البائع عموم ذلك للنقص الوارد عليه بلحاظ أجزائه وصفاته، فبعد فرض كون الصفة ذات مالية، فتحمل البائع لنقصها وصيرورتها في ماله بالنحو الذي يكون مع تلف المبيع بتمامه مستلزم لأن ينقص من الثمن بنسبة قيمة الوصف لقيمة العيب، وهو عين الأرش الثابت في مورد خيار العيب.

فلاحظ.

نعم يختلف عنه بأمور: الأول: أن استحقاق الأرش هنا يكون هو اللازم بدواً، ويكون من عين الثمن، لعدم سلامة بعض المبيع، نظير مورد تبعض الصفقة، بخلافه هناك، حيث

ص: 113

(مسألة 4): لو باع جملة فتلف بعضها قبل القبض انفسخ البيع بالنسبة إلي التالف، ورجع إليه (1) ما يخصه من الثمن (2).

وكان له الخيار

---------------

سبق ملك البائع لتمام الثمن، لعدم مقابلة وصف الصحة والسلامة بشيء منه، وإنما يثبت الأرش بحكم الشارع تعبداً، إما تخييراً بينه وبين الفسخ، كما هو المشهور، أو عند حصول أحد موانع الرد، كما هو المختار.

الثاني: أنه يتعين هنا البناء علي تخيير المشتري بين الاكتفاء بالأرش الثابت له بدواً والفسخ في تمام البيع، لما سبق.

وهذا بخلاف الأرش هناك، حيث سبق أن المشتري لا يستحقه إلا أن يختاره، كما هو المشهور، أو إلا أن يتعذر الرد، كما هو المختار.

الثالث: أن المشتري إذا اختار الأرش كان للبائع الخيار لتبعض الصفقة في حقه بالإضافة إلي الثمن.

بخلاف الأرش في خيار العيب، حيث يظهر من سكوت نصوصه عن الخيار عدم ثبوته.

هذا ولو كان حدوث العيب بفعل البائع، أو بفعل أجنبي يمكن الرجوع إليه، تعين عدم تبعض الثمن، بل ضمان العيب بنسبته للمبيع بلحاظ قيمته الواقعية عملاً بالقاعدة بعد قصور النص في المقام عن ذلك، نظير ما تقدم في إتلاف العين.

كما يكون للمشتري الخيار، لعدم تحقق مقتضي البيع، وهو تسليم المبيع سالماً.

أما لو كان حدوثه بفعل المشتري فلا يمنع من استحقاق البائع لتمام الثمن، لقصور النص في المقام عنه.

كما لا خيار حينئذٍ، لعدم خروج البائع عن مقتضي العقد بعد استناد تعذر تسليم المبيع سالماً للمشتري نفسه.

(1) يعني: إلي المشتري.

(2) كما صرح بذلك جماعة بنحو يظهر من بعضهم المفروغية عنه، ونفي الخلاف والإشكال فيه شيخنا الأعظم (قده).

وقد علل في كلام غير واحد بصدق المبيع علي التالف، فيدخل في إطلاق النص.

ص: 114

(115)

الكلام في تفريغ المبيع

في الباقي (1).

(مسألة 5): يجب علي البائع تفريغ المبيع عما كان فيه (2) من متاع أو غيره، حتي إنه لو كان مشغولاً بزرع حان وقت حصاده وجب إزالته منه (3)، ولو كان للزرع عروق تضر بالانتفاع بالأرض أو كان في الأرض

---------------

لكن المبيع عرفاً هو الجملة التي يقع عليها العقد، وانحلالها إلي أجزائها لا يوجب تعدد البيع ولا المبيع عرفاً، كما تقدم نظيره مكرراً.

ومن هنا لا مجال لدعوي عموم النص، خصوصاً حديث عقبة الذي تقدم أنه عمدة الدليل في المسألة.

ومن ثم يتعين ابتناؤه علي ما تقدم في العيب، فإن تم، وإلا تعين العمل فيه علي مقتضي القاعدة من استحقاق البائع الثمن بتمامه، وعدم ضمانه للتالف مع عدم التفريط منه، ومع تفريطه يضمنه ببدله من المثل أو القيمة.

(1) كما صرح به غير واحد.

لتبعض الصفقة عليه في المبيع.

والظاهر ثبوت الخيار للبائع أيضاً، لتبعض الصفقة عليه في الثمن، نظير ما تقدم في العيب.

نعم الظاهر عدم ثبوت الخيار المذكور في حق كل منهما لو كان هو المتلف.

(2) كما صرح بذلك غير واحد بنحو يظهر منهم المفروغية عنه.

لأن ذلك مقتضي البيع، إذ لما كان الغرض من البيع نوعاً انتفاع المشتري بالمبيع علي أي وجه أراد، وانتفاع البائع بالثمن كذلك، وكان إشغال أحدهما مانعاً من ذلك، فكما كان مقتضي إطلاق البيع تسليم لكل منهما كان مقتضاه تسليمهما مفرغين، ولا يخرج عن ذلك إلا بقرينة خاصة.

ووضوح ذلك يغني عن إطالة الكلام فيه.

ومنه يظهر جريان ذلك في الثمن لو كان مما من شأنه الإشغال.

ولعل عدم تعرضهم لذلك فيه لغلبة كونه من النقد الذي لا يقبل ذلك.

(3) كما في الشرائع.

لعين ما سبق.

ص: 115

حجارة مدفونة وجب إزالتها (1) وتسوية الأرض (2)، ولو كان شيء لا يمكن فراغ المبيع منه إلا بتخريب شيء من الأبنية وجب أصلاحه وتعمير

---------------

(1) كما في الشرائع، وفي المسالك أنه لا ريب فيه.

لكن لم يتضح اقتضاء إطلاق البيع الإزالة، خصوصاً في عروق الزرع التي ليس من شأن البائع الانتفاع بها بل قد يكون مقتضي إطلاق البيع إعراض البائع عنها، وإقدام المشتري علي الرضا بالنقص المذكور.

والمحكّم في ذلك قرائن الأحوال.

(2) كما في الشرائع.

قال في الجواهر: «لوجوب تسليم المبيع إليه متمكناً من الانتفاع به».

وهو كما تري، إذ مع عدم تسوية الأرض يمكن للمشتري الانتفاع بها ولو بأن يسويها هو.

ولذا لو كانت الحفر في الأرض حين البيع لم يجب علي البائع تسويتها.

ولعل الأولي تعليل الحكم بأنه نقص أدخله علي الأرض، فيجب عليه تداركه.

وإن كان ذلك يشكل أيضاً.

.

أولاً: بأن تدارك النقص لا يكون بتسوية الحفر، بل بدفع أرشه، وهو فرق ما بين التام والناقص، كما صرح به في المسالك وذكره في الدروس فيما لو لزم من التفريغ هدم حائط.

نظير ما لو أمرض الدابة أو فتق الخياطة، حيث يجب دفع الأرش المذكور، لا مداواة الدابة وإرجاع الخياطة.

وقد تقدم منا نظير ذلك في المسألة الثلاثين من الفصل الرابع في الخيار.

فراجع.

وأما ما ذكره شيخنا الأعظم (قده) من إلحاق بعض صور تغيير حال المبيع بالمثلي فيجب إرجاعه علي ما كان.

وإلحاق بعض صوره بالقيمي فيجب الأرش.

فلم يتضح وجهه ولعله لذا قال بعد ذلك: «ولو ألحق مطلقاً بالقيمي كان له وجه».

نعم إذا لم يكن الحدث في الملك موجباً لعيب فيه يتدارك بقيمة فقد يكون مقتضي العدل لزوم إزالة أثره إذا أمكن، فمن نقل متاع شخص من مكان لآخر يجب عليه إرجاعه لمكانه الذي كان فيه، ومن نشر ثوباً لغيره كان مطوياً يجب عليه طيه كما كان.

ص: 116

البناء (1).

ولو كان الزرع لم يحن وقت حصاده جاز لمالكه إبقاؤه إلي وقته (2)،

---------------

وثانياً: بأن التدارك بأي وجه كان إنما يجب إذا لم يكن ملك المالك للعين التي حصل النقص فيها مبنياً علي حصول النقص المذكور، كما هو الحال فيمن زرع في ملك غيره عمداً أو خطأ، وفيما إذا فسخ من له الخيار بيع الأرض بعد زرع المشتري فيها كما تقدم في فروع خيار الغبن.

ولا مجال للبناء عليه في مثل المقام، حيث أقدم المشتري علي شراء الأرض المزروعة علي أن للزارع أو عليه قلع زرعه بنحو يوجب حدوث الحفر فيها، فإن إقدامه علي الشراء مستلزم لرضاه بتعرضها لذلك، ولا وجه معه لتحمل البائع درك الحدث الذي يحدث فيها.

إلا أن يشترط ذلك صريحاً حين العقد، فيتعين العمل علي الشرط.

نعم لو لم يكن الحدث متوقعاً، بحيث يبتني البيع عليه، تعين تحمل دركه، علي الكلام المتقدم فيه.

كما لو كانت الدار المبيعة مشغولة بمتاع يتخيل إمكان خروجه منها من دون تخريب فيها توقفه علي التخريب.

غاية الأمر أنه قد يثبت الخيار حينئذٍ للمشتري، لعدم تسلمه للمبيع علي النحو الذي يقتضيه البيع وقد أقدم هو عليه.

بل لا يبعد ثبوت الخيار للبائع أيضاً لو طلب المشتري الدرك، لخروج ذلك عما أقدم عليه وابتني عليه البيع.

(1) يظهر الحال فيه مما سبق.

(2) كما صرح به غير واحد.

قال في الجواهر: «وإن لم يكن قد أحصد وجب الصبر إلي أوانه.

نعم للمشتري الخيار إن لم يكن المشتري عالماً به للضرر».

وسبقه إلي ذلك في المسالك.

وفيه: أن إقدام البائع علي بيع الأرض بنحو الإطلاق من دون اشتراط تأخير الزرع إلي أوان حصاده ملزم له بتحمل ضرر إزالة الزرع قبل أوانه.

ولذا صرح بعض مشايخنا (قده) بوجوب إزالة ما لم يحن وقت حصاده.

نعم إذا كان هو أيضاً جاهلاً بوجود الزرع فحيث لا

ص: 117

البيع قبل القبض

وعليه الأجرة (1).

(مسألة 6): من اشتري شيئاً ولم يقبضه فإن كان مما لا يكال ولا يوزن جاز بيعه قبل قبضه (2).

وكذا إذا كان مما يكال أو يوزن، وكان البيع

---------------

إقدام منه علي تحمل الضرر يتجه إعمال قاعدة نفي الضرر في حقه.

نعم للمشتري الخيار وإن لم يتضرر بتأخير حصاد الزرع، لظهور المبيع علي خلاف ما أقدم عليه.

فإن اختار الفسخ فسخ، وإلا وجب عليه انتظار الزرع، دفعاً لضرر البائع.

فإن أضرّ به أيضاً الانتظار جري حكم تزاحم الضررين الذي تقدم في المسألة الثلاثين من الفصل الرابع في أحكام الخيار.

ومثل ذلك ما إذا اعتقد البائع خطأ بلوغ الزرع وأنه قد آن حصاده، أو اشترط بقاءه مدة معينة لاعتقاد بلوغ الزرع فيها فلم يبلغ.

لعدم إقدامه علي الضرر أيضاً، لتقصر قاعدة الضرر عن الجريان في حقه.

هذا كله إذا كان مقتضي إطلاق البيع هو الإزالة.

أما إذا لم يكن كذلك، خرج عن محل الكلام، كما لو كان علمهما بعدم بلوغ الزرع قرينة علي اشتراط إبقائه إلي أوان بلوغه بعد فرض عدم دخوله في بيع الأرض تبعاً.

وقرائن الأحوال كثيراً ما تتحكم في ذلك.

(1) مما سبق يظهر الحال في ذلك، فإنه مع علم البائع بحال الزرع وجهل المشتري به يتعين حصده وإزالته.

إلا أن يرضي المشتري ببقائه مجاناً أو بأجرة.

ومع علمهما بحاله، بحيث يكون قرينة علي ابتناء البيع علي إبقائه، يتعين إبقاؤه مجاناً، نظير ما سبق فيما لو بيعت الأرض دون الشجر الذي فيها.

إلا أن تشرط الأجرة عند البيع ولو ضمناً.

(2) كما صرح به جمهور الأصحاب.

وفي التحرير والدروس الإجماع عليه، بل في الجواهر: «إجماعاً بقسميه».

ويقتضيه النصوص الكثيرة، كصحيح أبي حمزة عن

ص: 118

(119)

أبي جعفر (عليه السلام):

«سألته عن رجل اشتري متاعاً ليس فيه كيل ولا وزن أيبيعه قبل أن يقبضه ؟ قال: لا بأس» (1) وصحيح الحلبي: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم اشتروا بزاً، فاشتركوا فيه جميعاً ولم يقسموه، أيصلح لأحد منهم بيع بزه قبل أن يقبضه ؟ قال: لا بأس به.

وقال: إن هذا ليس بمنزلة.

إن الطعام يكال»(2) ، وغيرهما مما يأتي بعضه.

ويأتي بعض ما يتعلق بذلك.

هذا وفي التذكرة عن بعض علمائنا المنع من بيع ما لم يقبض مطلقاً.

وإن تمت النسبة فكأنه لإطلاق ما تضمن النهي عن بيع ما لم يقبض، كموثق عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: بعث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) رجلاً من أصحابه والياً، فقال له: إني بعثتك إلي أهل الله يعني: أهل مكة فانههم عن بيع ما لم يقبض، وعن شرطين في بيع، وعن ربح ما لم يضمن»(3).

لكن لابد من الخروج عنه بما تقدم وغيره من النصوص الكثيرة الدالة علي جواز بيع ما لم يقبض في الجملة(4) ، ويأتي بعضها، بنحو يلزم بتخصيصه، أو حمله علي الكراهة.

وربما استدل عليه بما تضمن النهي عن بيع ما ليس عندك(5).

لكن مقتضاه عدم جواز بيع الغائب وإن كان قد قبض ولا بيع السلف ولا بيع الكلي معجلاً إذا لم يكن عنده منه شيء، وحيث لا مجال للبناء علي ذلك تعين حمل المضمون المذكور علي النهي عن بيع ما لم يملك، علي ما تقدم عند الكلام في القدرة علي التسليم من شروط العوضين.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 16 من أبواب أحكام العقود حديث: 8، 10.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 16 من أبواب أحكام العقود حديث: 8، 10.

(3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 10 من أبواب أحكام العقود حديث: 6.

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 16 من أبواب أحكام العقود.

(5) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 12 من أبواب أحكام العقود حديث: 12، وباب: 10 من أبواب أحكام العقود حديث: 2.

ص: 119

برأس المال (1).

---------------

(1) كما صرح في الجملة في التحرير والمسالك.

وهو داخل في إطلاق من أجاز البيع قبل القبض.

لصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: إذا اشتريت متاعاً فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتي تقبضه.

إلا أن توليه. فإذا لم يكن فيه كيل ولا وزن فبعه»، ونحوه بل عينه معتبره عنه (1)(عليه السلام)، وصحيح علي بن جعفر عن أخيه: «أنه سأل أخاه موسي بن جعفر (عليهما السلام) عن الرجل يشتري الطعام أيصلح بيعه قبل أن يقبضه ؟ قال: إذا ربح لم يصلح حتي يقبض.

وإن كان يوليه فلا بأس.

وسألته عن الرجل يشتري الطعام أيحل له أن يولي منه قبل أن يقبضه ؟ قال: إذا لم يربح عليه شيئاً فلا بأس، فإن ربح فلا بيع حتي يقبضه»(2) ، وصحيح معاوية بن وهب: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه.

فقال: ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتي تكيله أو تزنه.

إلا أن توليه الذي قام عليه»(3) ، وغيرها.

وبذلك يظهر الإشكال فيما في المبسوط والخلاف والمهذب والوسيلة وغيرها من إطلاق عدم جواز بيع الطعام قبل أن يقبض مدعياً في الأولين الإجماع عليه وإطلاق جواز بيع غير الطعام قبل القبض.

حيث يظهر منهم: أولاً: أن المعيار في التفصيل علي الطعام وغيره، لا علي المكيل والموزون وغيرهما.

ثانياً: إطلاق المنع من البيع مع عدم القبض ولو مع التولية وعدم الربح.

وكلاهما لا يناسب النصوص المتقدمة.

وإن ذكر في الجواهر أنهما معاً هما المعروفان بين القائلين بالمنع.

ثم إن مقتضي صحيحي منصور ومعاوية وغيرهما اختصاص الجواز بالتولية، فلا يجوز البيع مع المرابحة والمواضعة، بل ولا المساومة مطلقاً برأس المال كان البيع أم بربح أم بوضيعة.

ومقتضي ذيل صحيح علي بن جعفر عموم الجواز لجميع صور عدم

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 16 من أبواب أحكام العقود حديث: 12، 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 16 من أبواب أحكام العقود حديث: 9، 11.

(3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 16 من أبواب أحكام العقود حديث: 9، 11.

ص: 120

أما لو كان بربح ففيه قولان (1)، أحوطهما المنع إذا باعه علي غير البائع،

---------------

الربح من المساومة وغيرها.

ومقتضي الجمع بينه وبينها تحكيم الثاني، لأن السؤال فيه عن التولية، والعدول في الجواب إلي عدم الربح، موجب لقوة ظهوره في عدم خصوصية التولية في الجواز.

نعم في خبر أبي بصير: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشتري طعاماً ثم باعه قبل أن يكيله.

قال: لا يعجبني أن يبيع كيلاً أو وزناً قبل أن يكيله أو يزنه.

إلا أن يوليه كما اشتراه إذا لم يربح فيه أو يضع. وما كان من شيء عنده ليس بكيل ولا وزن فلا بأس أن يبيعه قبل أن يقبضه»(1).

ومقتضاه إلحاق الوضيعة بالربح في المنع.

وصدره وإن تضمن اشتراط الكيل والوزن، إلا أن ذيله شاهد بأن ذكر الكيل والوزن من أجل ملازمتهما للقبض، فيكون مما نحن فيه.

كما أن قوله (عليه السلام): «لا يعجبني» وإن لم يكن ظاهراً في الحرمة، إلا أنه إما أن يحمل عليها بقرينة النصوص الظاهرة فيها، أو تحمل علي الكراهة من أجله وأجل غيره مما يأتي الكلام فيه، وإلا فاحتمال اختلاف الحكم لاختلاف الموضوع من جهة إضافة الوضيعة غير وارد عرفاً.

فلم يبق إلا ضعف سنده، لأن في طريقه علي بن أبي حمزة البطائني، فإنه وإن تكرر منا أن الظاهر رواية الأصحاب عنه قبل انحرافه، لمباينتهم له بعد ذلك، إلا أن ذلك قد لا يجري في مثل هذه الرواية، حيث كان الراوي عنه فيها القاسم بن محمد الجوهري الذي هو واقفي مثله وإن كان ثقة.

وإن كان المظنون قوياً أن رواية أصحابنا إنما كانت لرواياته وكتبه التي عرفت عنه قبل انحرافه حتي لو كانت بتوسط أمثاله من الواقفة، لشدة موقفهم ضده بعد ذلك. فلاحظ.

(1) فالمنع هو المستفاد ممن سبق علي اختلافهم في عموم المنع وخصوصه.

وفي

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 16 من أبواب أحكام العقود حديث: 16.

ص: 121

المقنعة أنه مكروه من دون أن يفسد به البيع.

كما صرح بالكراهية في النهاية والشرائع والدروس واللمعة وغيرها، وفي الجواهر: «بل هو المشهور بين متأخري الأصحاب نقلاً وتحصيلاً».

وكأن ذلك للجمع بين النصوص المتقدمة ونصوص أخر يستفاد منها الجواز، كخبر خالد بن حجاج: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أشتري الطعام من الرجل، ثم أبيعه من رجل آخر قبل أن أكتاله، فأقول: ابعث وكيلك حتي يشهد كيله إذا قبضته.

قال: لا بأس»(1) ، وخبر جميل بن دراج عنه (عليه السلام): «في الرجل يشتري الطعام ثم يبيعه قبل أن يقبضه. قال: لا بأس، ويوكل الرجل المشتري منه بقبضه وكيله.

قال: لا بأس»(2).

ومعتبر الحلبي عنه (عليه السلام): «سألته عن الرجل يشتري الثمرة، ثم يبيعها قبل أن يأخذها. قال: لا بأس به إن وجد بها ربحاً فليبع»(3).

وهو المناسب لقوله (عليه السلام) في خبر أبي بصير المتقدم: «لا يعجبني»، ولصحيح الحلبي عنه (عليه السلام): «أنه قال في الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل أن يكال.

قال: لا يصلح له ذلك»(4) ، ونحوه أو عينه صحيح الآخر(5).

لكن الثلاثة الأخيرة لا ظهور لها في الكراهة، بحيث يخرج بها عن ظهور النصوص الأول في الحرمة، بل قوله (عليه السلام): «لا يصلح» إلي الحرمة أقرب.

غاية الأمر أنها لا تأبي الحمل علي الكراهة لو دل عليه دليل خاص، وليس ذلك محل للكلام.

كما أن معتبر الحلبي وارد في شراء الثمرة، والظاهر منه شراؤها وهي علي الشجر، ولاسيما بملاحظة سياق الحديث في الفقيه، وهي حينئذ من غير المكيل والموزون.

ولا أقل من عدم إحراز كونها من المكيل أو الموزون، لتكون مما نحن فيه.

فلم يبق إلا خبر خالد وجميل، لأن الطعام من المكيل والموزون.

وقد ذكر شيخنا الأعظم (قده) أن حملهما علي التولية جمعاً مع النصوص الأول أولي من حمل

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 16 من أبواب أحكام العقود حديث: 3.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 16 من أبواب أحكام العقود حديث: 6، 4.

(3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 16 من أبواب أحكام العقود حديث: 6، 4.

(4) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 16 من أبواب أحكام العقود حديث: 5، 3.

(5) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 16 من أبواب أحكام العقود حديث: 5، 3.

ص: 122

تلك النصوص لأجلهما علي الكراهة.

ولم يتضح وجه الأولوية.

ولاسيما أن البيع برأس المال من دون زيادة ولا نقيصة أو من دون ربح وإن لم يكن نادراً، إلا أن التقييد به يحتاج إلي عناية، لأن طبيعة البيع في التجارة يبتني علي الاسترباح، فحمل إطلاق البيع في الخبرين علي خصوص صورة عدم الربح بعيد في نفسه، وليس كذلك حمل النهي علي الكراهة.

إلا أن يستبعد في خصوص المقام بلحاظ كثرة النصوص المتضمنة للنهي عن البيع قبل القبض وإن اختلفت في الإطلاق والتقييد، وظهور الاهتمام في بعضها بالحكم المذكور.

ومن هنا كان كلا الجمعين بعيداً في نفسه، وإن لم يبلغ حدّ التعذر عرفاً.

مضافاً إلي ضعف الخبرين سنداً، فالخروج بهما عن ظهور نصوص المنع في الحرمة لا يخلو عن إشكال، كما نبه لذلك في المسالك.

وإن كان ذلك قد يهون بلحاظ ظهور حال الكليني في الاعتماد علي خبر جميل، وظهور حال الصدوق في الفقيه الاعتماد علي خبر خالد بن حجاج، لذكرهما لهما في الباب المناسب، مع بنائهما علي صحة أخبار كتابيهما.

كما أن الصدوق في المقنع وإن أفتي أولاً بتحريم بيع الطعام قبل القبض، إلا أنه قال بعد ذلك: «وروي في حديث أنه لا بأس أن يشتري الطعام ثم يبيعه قبل أن يقبضه» حيث يظهر منه التراجع عن الفتوي المذكورة من أجل الحديث المذكور ولو بالتوقف في المسألة.

كما عرفت من الشيخين في المقنعة والنهاية الفتوي بالكراهة، ولا يبعد كفاية ذلك في جبر ضعف الخبرين.

ولاسيما مع شهرة التعويل عليهما من عصر المحقق إلي عصورنا.

هذا وقد أضاف شيخنا الأعظم (قده) لما سبق أن الحمل علي الكراهة يستلزم ارتفاع الكراهة في التولية بمقتضي نصوص استثنائها، قال: «مع أن الظاهر عدم الخلاف في الكراهة فيها أيضاً بين أرباب هذا القول وإن كانت أخف».

ص: 123

أما إذا باعه علي البائع فالظاهر جوازه مطلقاً (1).

وكذا إذا ملك شيئاً

---------------

وكأنه يشير إلي مثل الشهيد، حيث قال في الدروس: «الأقرب الكراهية في بيع المكيل والموزون.

وتتأكد في الطعام.

وآكد منه إذا باعه بربح».

لكن الجمع بين النصوص بتأكد الكراهة شايع بين الفقهاء، وهو مقبول عرفاً.

وبعبارة أخري: إن حمل النهي في النصوص علي التحريم تعين الجمع بينها بالتخصيص، ولا يبقي دليل علي الكراهة في مورد التخصيص.

أما إذا حمل علي الكراهة بقرينة الخبرين فلا ملزم بالتخصيص، بل يتعين إبقاء النصوص علي إطلاقها والجمع بينها باختلاف مراتب الكراهة.

ومن هنا لا ينهض ما ذكره باستبعاد الكراهة.

والعمدة ما سبق.

(1) فقد استظهر شيخنا الأعظم (قده) أن محل الخلاف هنا هو بيع غير المقبوض علي غير البائع، كما يستفاد من ذكر القائلين بالجواز في السلف والقائلين بالتحريم هنا.

وفي التذكرة أن القائلين بجواز بيع ما لم يقبض علي غير البائع قالوا بجواز بيعه علي البائع، والقائلين بالمنع من بيعه علي غير البائع اختلفوا في جواز بيعه علي البائع.

وقد يستدل علي الجواز: تارة: بانصراف إطلاقات المنع عن بيعه علي البائع.

وأخري: بما تضمن جواز بيع ما يسلف فيه علي بايعه إذا لم يكن عنده حين حلول أجله(1).

ويندفع الأول بأن الانصراف لو تم بدوي ليس له منشأ ارتكازي، فلا مجال لرفع اليد به عن الإطلاق.

والثاني بأن للسلف أحكامه الخاصة به، فيصعب إلغاء خصوصية مورده خصوصاً في مثل هذا الحكم التعبدي المخالف للقاعدة.

نعم يتعين استثناء بيع أحد الشركاء حصته في المبيع لشريكه.

لموثق سماعة: «سألته عن الرجل يبيع الطعام أو الثمرة وقد كان اشتراها ولم يقبضها. قال: لا حتي

********

(1) راجع: وسائل الشيعة ج: 13 باب: 11 من أبواب السلف.

ص: 124

(125)

جواز البيع قبل القبض فيما ملك بغير الشراء

بغير الشراء كالميراث والصداق فإنه يجوز بيعه قبل قبضه (1).

كما لا يبعد

---------------

يقبضها. إلا أن يكون معه قوم يشاركهم، فيخرجه بعضهم من نصيبه من شركته بربح أو يوليه بعضهم فلا بأس»(1).

وهو صريح في الاستثناء المذكور.

ولا يتضح لنا فعلاً الوجه في إهمالهم التعرض لذلك.

وربما يستثني أيضاً تشريك المشتري لغيره فيما اشتراه لخبر إسحاق المدائني: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القوم يدخلون السفينة يشترون الطعام فيتساومون بها، ثم يشتريه رجل منهم، فيسألونه فيعطيهم ما يريدون من الطعام، فيكون صاحب الطعام هو الذي يدفعه إليه ويقبض الثمن.

قال: لا بأس.

ما أراهم إلا وقد شركوه...»(2).

فإنه كالصريح في أن الذي يشتريه رجل واحد، ثم يبيع بعضه عليهم قبل أن يقبضه، وإنما يقبضونه من البائع الأول.

لكنه مع الإشكال في سنده، لعدم توثيق إسحاق، مطلق قابل للحمل علي عدم ربح المشتري الأول عليهم.

بل هو قريب جداً، حيث يقرب في مورده كون شراء الأول مقدمة لإشراكهم معه.

وحينئذ يتعين تحكيم ما تضمن المنع من الربح مع البيع قبل القبض، والاقتصار علي الاستثناء الأول لا غير.

فتأمل.

(1) بلا خلاف أجده، بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه. كذا في الجواهر.

والوجه فيه عمومات نفوذ العقود والتجارة بعد اختصاص النصوص السابقة بالشراء.

نعم تقدم إطلاق النهي عن بيع ما لم يقبض في موثق عمار.

لكن من القريب حمله علي خصوص ما ملك بالشراء بقرينة النصوص المصرحة باختصاص المنع بالمكيل والموزون وبما إذا كان البيع بربح، حيث لا يكون الكيل والوزن شرطاً في غير الشراء، ولا يكون الربح إلا معه.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 13 من أبواب أحكام العقود حديث: 15، 7.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 13 من أبواب أحكام العقود حديث: 15، 7.

ص: 125

هذا وقد استثني في التنقيح ما إذا كان الموروث قد ملكه بالشراء ولم يقبضه.

وقد استشكل فيه في مفتاح الكرامة بظهور النصوص المانعة في منع المشتري من بيع ما لم يقبضه، لا بيع غيره ممن يترتب ملكه علي شرائه، كالوارث، والزوجة إذا كان المشتري قد أصدقها ما اشتراه قبل قبضه، والمختلعة إذا كان المشتري قد جعل ما اشتراه عوض خلعها قبل قبضه، بناءً علي ما يأتي من جواز ذلك.

ولعله لذا قوّي في الإيضاح وغيره الجواز، وظاهر القواعد التردد والإشكال، وإن كان ظاهر التذكرة المفروغية عن عموم المنع لذلك.

وكيف كان فما ذكره في مفتاح الكرامة وإن كان متيناً في الجملة، إلا أن المناسبات الارتكازية قاضية بأن الملكية المتفرعة علي الملكية السابقة لا تقتضي سلطنة زائدة علي ما اقتضته الملكية السابقة، خصوصاً ملكية الوارث التي هي ارتكازاً بقاء لملكية المورث، لا مباينة لها مترتبة عليها.

ولاسيما مع إطلاق النهي عن بيع ما لم يقبض في موثق عمار، فإنه وإن سبق حمله علي خصوص ما ملك بالشراء، إلا أن من القريب عمومه لبيع غير المشتري ممن تترتب ملكيته علي ملكيته إذا لم يتحقق القبض الذي هو من توابع الشراء الأول.

ومن هنا يشكل استفادة البناء علي عدم اعتبار القبض في المقام ممن أطلق عدم اعتبار القبض في صحة بيع ما ملك بغير الشراء كالميراث.

لقرب كون نظرهم للقبض الذي يقتضيه السبب المملك كالميراث من دون نظر للقبض الذي يقتضيه الشراء السابق علي السبب المملك.

وكيف كان فما ذكره في التنقيح لا يخلو عن وجه وعليه جري شيخنا الأعظم (قده).

وإن كان محتاجاً لمزيد من التأمل.

نعم يشكل ما ذكره أيضاً من أنه لو اشتري من مورثه، ثم مات البائع قبل قبضه، والمشتري وارث لجميع ماله، فإنه أيضاً يجوز بيعه قبل قبضه، لأنه بحكم المقبوض.

إذ لم يتضح الوجه في كون الميراث بمنزلة القبض.

ولاسيما أن المال المذكور لم يورث، لسبق ملكه بالشراء، وإنما الموروث غيره.

فلاحظ.

ص: 126

اختصاص المنع حرمة أو كراهة بالبيع (1) فلا بأس بجعله صداقاً أو أجرة قبل قبضه.

-

(1) كما نسبه لظاهر الأصحاب في التنقيح، وقال: «وكاد يكون إجماعاً»، وجعله الأقرب في التذكرة، وهو الظاهر من جامع المقاصد، ونفي الإشكال فيه في الجواهر.

وهو المتعين، عملاً بعمومات الصحة بعد اختصاص أدلة المنع بالبيع.

لكن في المبسوط المنع من الإجارة والمكاتبة، لأنهما نوع من البيوع.

ويشكل أولاً: بمباينتهما للبيع عرفاً.

وثانياً: بأن ما يشبه المبيع فيهما هو المنفعة والعبد، وهما ليسا طعاماً، ولا مكيلاً ولا موزوناً، فيخرجان عن موضوع المنع من بيع ما لم يقبض.

ومثله ما يظهر منه في كتاب الحوالة ومن غيره من تعميم موضوع المنع لمطلق المعاوضة، حيث لا يتضح وجهه بعد اختصاص النصوص بالبيع.

إلا أن يدعي إلغاء خصوصيته عرفاً، وفهم العموم من النصوص.

فتأمل.

بقي في المقام أمور: الأول: إن الظاهر عموم محل الكلام لما إذا كان المبيع كلياً، فيكره أو يحرم علي المشتري بيعه قبل قبضه، لأن الكلي وإن امتنع قبضه بنفسه، إلا أن قبض الفرد منه وفاء له يصحح نسبة القبض له عرفاً، بحيث يكون مشمولاً لنصوص المقام.

الثاني: هل يجري المنع حرمة أو كراهة في الثمن، فيمنع من بيعه قبل قبضه إن كان مكيلاً أو موزوناً، أو لا؟ قد يقال بالثاني، لاختصاص نصوص المنع بالمبيع.

لكن لا يبعد إلحاق الثمن به عرفاً، كما جروا عليه في كثير من الموارد، ومنها ما تقدم من أن تلفه قبل القبض من مال المشتري، لنظير ما تقدم هناك.

فراجع.

الثالث: أن المعيار هنا علي القبض، الذي عرفت أنه الأخذ، لأنه هو الذي تضمنته النصوص السابقة.

نعم تضمن بعض النصوص المنع من بيع المكيل قبل كيله،

ص: 127

كما تقدم في صحاح الحلبي ومعاوية بن وهب ومحمد بن قيس وموثق عبد الرحمن بن أبي عبد الله وخبر أبي بصير.

وقد يظهر من بعضهم حملها علي توقف القبض في المكيل والموزون شرعاً علي كيله أو وزنه، بحيث لا يترتب شيء من أحكام القبض بدونه.

لكن النصوص المذكورة لا ظهور لها في ذلك.

وغاية ما تدل عليه هو توقف جواز بيع المكيل والموزون علي كيله أو وزنه، إما وحده أو مع القبض، من دون أن يكون مأخوذاً في حقيقة القبض شرعاً في هذا الحكم، فضلاً عن سائر أحكام القبض.

وحينئذ يقع الكلام في أن المعتبر هو القبض فقط، وأن ذكر الكيل والوزن في النصوص المذكورة عرضاً لملازمتهما له في المكيل والموزون، من دون أن يكونا شرطين بأنفسهما، أو أن المعتبر كلا الأمرين، أو أن المعتبر هو الكيل والوزن فقط، بحيث لو تحققا جاز البيع قبل القبض.

وقد يستظهر الأخير من صحيح معاوية بن وهب، لأن اقتصار الإمام (عليه السلام) في الجواب علي الكيل والوزن بعد تعرض السائل للقبض وحده ظاهر في أن المعيار في جواز البيع عليهما، دون القبض.

لكن لا مجال للبناء علي ذلك بلحاظ النصوص الكثيرة المقتصرة علي القبض علي اختلافها في العموم والخصوص.

ولاسيما ما تضمن منها تصريحاً أو تلويحاً التفصيل بين المكيل والموزون وغيرهما، كصحيح الحلبي المتقدم الوارد في شراء البز وغيره، إذ لا موضوع للتفصيل المذكور لو كان المعتبر هو الكيل والوزن فقط.

ومن هنا يدور الأمر بين الوجهين الأولين.

ولا يبعد أن يكون الأقرب هو الوجه الأول بلحاظ كثرة النصوص المقتصر فيها علي القبض.

بل صحيح معاوية بن وهب بعد تعذر العمل بظاهره من كون المعتبر هو الكيل والوزن فقط، لما سبق، فحمله علي كون ذكر الكيل والوزن لملازمتهما للقبض المذكور

ص: 128

في السؤال، ليكون الجواب مطابقاً للسؤال، أقرب من حمله علي اعتبار كلا الأمرين، لما يستلزمه من عدم مناسبة الجواب للسؤال، حيث اقتصر فيه علي بيان أمر غير المسؤول عنه مع إهمال الأمر المسؤول عنه من دون إثبات ولا نفي.

وهو مخالف لطريقة أهل اللسان في المحاورات.

علي أنه لا فرق بين الوجهين عملاً بعد ملازمة القبض للكيل والوزن في المكيل والموزون، ليكون الكلام في تعيين أحدهما مثمراً.

ودعوي: ظهور الثمرة فيما لو كان كيل المبيع أو وزنه سابقين علي بيعه، حيث يتوقف بيع المشتري له علي قبضه له فقط علي الوجه الأول، ولابد فيه معه من إعادة كيله أو وزنه علي الثاني.

مدفوعة بأن نصوص المقام المتضمنة للكيل والوزن تنصرف للكيل والوزن الذين يقتضيهما البيع الأول، بنحو يقتضي الاكتفاء بالكيل والوزن السابقين في الفرض المذكور.

فلاحظ.

الرابع: ذكر في الدروس فيما لو كان لشخص علي آخر طعاماً، أنه لو دفع إليه المدين مالاً ليشتري له طعاماً ثم يقبضه لنفسه وفاء عن دينه، ابتني علي الخلاف في المقام.

وهو كما تري، لأن وفاء الدين ليس بيعاً، ليقع الكلام في توقفه علي القبض.

وأما ما ذكره شيخنا الأعظم (قده) من أن عموم المنع لتشخيص الكلي قبل القبض وإن لم يناسب ظاهر النص والفتوي، ولاسيما بلحاظ النصوص المفصلة بين التولية وغيرها، إلا أنه لا يبعد عن سياق مجموع الأخبار.

فهو في غاية المنع.

نعم في صحيح الحلبي: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أسلفه دراهم في طعام، فلما حل طعامي عليه بعث إليّ بدراهم، وقال: اشتر لنفسك طعاماً واستوف حقك.

قال:

أري أن تولي ذلك غيرك، ولا تتولي أنت شراءه»(1).

ونحوه موثق عبد الرحمن بن أبي عبد الله:

«إلا أنه (عليه السلام) قال: يكون معه غيره يوفيه ذلك» (2) .

لكن لم يتضح منهما كون المانع هو عدم قبض المبيع، إذ لو كان هو المانع كفي أن يقبضه الدائن عن صاحب الدراهم أولاً ثم يقبضه لنفسه، بل لعل المانع من مباشرته

-

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 12 من أبواب السلف حديث: 1، 2.

(2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 12 من أبواب السلف حديث: 1، 2.

ص: 129

ذلك بنفسه رفع التهمة عنه.

مضافاً إلي ما في صحيح يعقوب بن شعيب عنه (عليه السلام): «وسألته عن الرجل يكون له علي الآخر أحمال رطب أو تمر، فيبعث إليه فيقتضيه، ثم يعجز الذي له، فيبعث إليه بدنانير، فيقول:

اشتر بهن واستوف بقية الذي لك.

قال: لا بأس إذا ائتمنه» (1) .

ورواه في الوسائل في ذيل صحيح الحلبي المتقدم بنحو يوهم أنه منه حيث يتعين لأجله حمل الأولين علي الكراهة.

هذا وفي المقام فروع أخري ذكر جماعة من الأصحاب ابتناءها علي الخلاف المتقدم أطال شيخنا الأعظم (قده) الكلام فيها لا يسعنا استقصاؤها.

ويظهر الكلام فيها مما سبق من اختصاص النهي ببيع المبيع قبل قبضه، دون غيره من أقسام المعاوضة، فضلاً عن النقل والاستيفاء، ودون بيع المملوك بغير البيع، فضلاً عن الاستيفاء به.

فلاحظ.

والحمد لله رب العالمين.

********

(1) تهذيب الأحكام ج: 7 ص 42 حديث: 180.

ص: 130

(131) (131)

الفصل الثامن/ في النقد والنسيية

اشارة

(مسألة 1): من باع ولم يشترط تأجيل الثمن كان الثمن حالاً (1).

-

(1) الظاهر المفروغية عنه بين الأصحاب، ونفي الخلاف فيه في الغنية والحدائق والرياض.

وعليه يبتني ما تقدم في أول الكلام في القبض من وجوب تسليم العوضين علي كلا المتبايعين عند انتهاء العقد مع عدم اشتراط التأخير.

ويقتضيه ما تقدم هناك من ابتناء البيع علي التسليم والتسلم، وغير ذلك.

مضافاً إلي ما استدل به في الحدائق من موثق عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في رجل اشتري من رجل جارية بثمن مسمي، ثم افترقا.

فقال: وجب البيع والثمن.

إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد»(1).

وبذلك يظهر أن اشتراط التعجيل يكون مؤكداً لمقتضي العقد، من دون أن يترتب عليه أثر آخر، كما صرح بذلك غير واحد.

ودعوي: أن مقتضي اشتراط التعجيل ثبوت الخيار للبائع بالتخلف عنه، ولا كذلك مع الإطلاق.

ممنوعة، لما تقدم هناك من ثبوت الخيار مع الإطلاق أيضاً، بلحاظ تخلف الشرط الضمني المستفاد مع الإطلاق.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 1 من أبواب أحكام العقود حديث: 2.

ص: 131

فللبائع المطالبة به بعد انتهاء العقد (1) كما يجب عليه أخذه إذا دفعه إليه المشتري، وليس له الامتناع من أخذه (2).

وإذا اشترط تأجيل الثمن يكون

---------------

نعم قد يراد باشتراط التعجيل المنع من التأخير بالنحو الذي قد يتعارف في بعض الأزمنة أو الأمكنة، بحيث يكون مقتضي الإطلاق جواز التأخير بالمقدار المذكور وعدم كون البيع حالاً.

فيخرج عن محل الكلام من اقتضاء الإطلاق حلول الثمن.

كما قد يرجع إلي عدم الإذن في التأخير، دفعاً لاحتمال الرضا بالتأخير مع كون البيع حالاً الذي قد يتعارف أيضاً.

فلا يكون مؤكداً لمقتضي الإطلاق، بل أمراً زائداً عليه.

فلاحظ.

(1) لأنه قد ملكه بالعقد، وله المطالبة بملكه، ويحرم حبسه عليه.

وفي وجوب دفعه إليه حين دفعه للمبيع، أو بعده، كلام تقدم في المسألة الأولي من الفصل السابع.

كما أنه يتعين البناء علي وجوب دفعه ولو مع المطالبة به إذا لم يرجع عدم المطالبة إلي الإذن في تأخير الدفع، كما لو نسي البائع المعاملة، أو سقطت سلطنته بإغماء أو جنون، أو مات وجهل الوارث بملكية المورّث للثمن الذي عند المشتري.

لحرمة حبس الحق عن صاحبه من دون إذن منه، لمنافاة ذلك لسلطنته عليه.

(2) كما هو ظاهر الأصحاب، حيث ذكروا ذلك في غير موضع، منها ما إذا حل الأجل في المؤجل، وفي الجواهر هناك: «بلا خلاف أجده فيه»، وفي الرياض الإجماع عليه.

وقد يستدل عليه بعموم نفي الضرر، لأن حفظ الثمن الشخصي علي المشتري، وبقاء انشغال ذمته بالثمن الكلي، ضرر عليه.

لكن ذلك لو تم إنما يقتضي ارتفاع الحكم الضرري، وهو في المقام وجوب الحفظ علي المشتري وانشغال ذمته المذكورين، لا وجوب أخذ الثمن علي البائع الذي

ص: 132

هو حكم يتدارك به الضرر المذكور.

فالعمدة ما أشرنا إليه في ذيل الكلام في تحديد مفهوم القبض من المسألة الثانية من الفصل السابع من أن مقتضي العقد هو القبض من الطرفين، بحيث يكون الامتناع عنه خروجاً عن مقتضي العقد وتخلفاً عن مقتضي الشرط الضمني الذي يتضمنه ارتكازاً.

ولذا يستحق الطرف الآخر به الخيار، ويكون له الفسخ.

هذا ولو امتنع من أخذ الثمن ولم يفسخ المشتري.

فإن كان الثمن شخصياً فتلفه مع عدم التفريط من المشتري يكون من مال البائع، إذ لو تم إلحاق الثمن بالمبيع في كون تلفه قبل القبض من مال من كان له قبل البيع كما تقدم في المسألة الثالثة من الفصل السابع فالمتيقن من ذلك ما إذا كان بقاؤه عنده بإذنه، أما إذا لم يكن بإذنه فالمتعين الرجوع فيه للقاعدة القاضية بكون تلفه من مال من صار إليه بالبيع، كما تقدم منا في المسألة المذكورة، وصرح به هنا غير واحد، ونفي في الجواهر وجدان الخلاف فيه في الجملة.

وقد استدل عليه بأن ضمانه له حينئذ ضرر عظيم.

لكن تقدم منّا هناك عدم نهوض قاعدة نفي الضرر بذلك، وأن العمدة في المقام القاعدة، كما ذكرنا.

نعم وقع الكلام منهم في وجوب تسليمه للحاكم مع تيسره، لأنه ولي الممتنع.

لكن يشكل: أولاً: بعدم الدليل علي وجوب تكلف المشتري إقناع البائع باستلام الثمن بنفسه لو أمكن، فضلاً عن تسليمه لوكيله أو وليه، بل الواجب هو بذله له والحضور لتسليمه إياه لا غير.

وثانياً: بعدم الدليل علي ولاية الحاكم علي أخذ حق الممتنع وحفظه، لعدم وضوح اهتمام الشارع الأقدس بحفظ حق الممتنع من أخذ حقه.

بل يشكل جواز دفعه للحاكم وجواز أخذ الحاكم له بعد عدم إذن صاحبه بذلك.

وغاية ما يدعي هو ولايته علي أخذ الحق منه، لاهتمام الشارع بحفظ الحقوق،

ص: 133

نسيئة لا يجب علي المشتري دفعه قبل الأجل (1) وإن طالبه به البائع (2).

ولا يجب علي البائع أخذه إذا دفعه إليه المشتري قبله (3).

إلا أن تكون

---------------

وسقوط حرمة الممتنع بامتناعه من أداء الحق الذي عليه.

ومن هنا يتعين البناء علي جواز ترك المشتري الثمن المعين عنده إذا امتنع الباع من أخذه.

بل يظهر مما تقدم هناك أنه لا ملزم بالبناء علي وجوب حفظ المشتري له وعدم تفريطه به بعد أن كان البائع معتدياً بتركه عنده من دون رضاه، ممتنعاً من أخذه منه مع بذله له، لعدم كونه أمانة مالكية ولا شرعية.

فراجع.

وإن كان الثمن كلياً فحيث لا يتعين إلا بقبض البائع، فلا مجال لاستقلال المشتري بتعيينه وعزله، وحيث كان بقاؤه في ذمته ضرراً عليه، وعدوان من البائع، يتعين عليه إذا لم يصبر علي الضرر المذكور أن يعلم البائع بأنه إذا أصرّ علي الامتناع فسوف يرجع للحاكم في تعيين الثمن وتشخيصه لعله يضطر إلي تولي ذلك بنفسه، فإن أصر علي الامتناع أو تعذر إخباره بذلك رجع المشتري للحاكم من أجل أن يقوم مقام البائع الممتنع في تعيين الحق وعزله، وتفريع ذمته منه.

فإذا تم تعيينه وعزله أخبر البائع إذا تيسر له لعله يأخذه فإن امتنع جري عليه ما سبق في الثمن الشخصي.

ثم إن جميع ما ذكرنا يجري في حق البائع إذا امتنع المشتري من أخذ المبيع.

بل يجري في حق كل ممتنع بلا حق من أخذ حقه، كالدائن والمستودع وصاحب العارية وغيرهم.

فلاحظ.

(1) لعدم استحقاقه عليه بمقتضي الشرط.

(2) لأن البائع وإن استحق الثمن وملكه بالعقد، إلا أنه لا يستحق تعجيله بمقتضي الشرط، فلا تكون مطالبته بحق، لتتعين الاستجابة له.

(3) بلا خلاف أجده بيننا، كما في الجواهر، وإجماعاً، كما في الرياض.

وفي القواعد بعد أن حكم بعدم وجوب دفع الدين المؤجل قبل الأجل قال: «فإن تبرع

ص: 134

لم يجب أخذه وإن انتفي الضرر».

وظاهر جامع المقاصد الإجماع عليه، لاقتصاره علي نسبة الخلاف للعامة.

ولا ينبغي الإشكال، في عدم دخل الضرر وعدمه في ذلك، إذ لا يجب الاقتصار في تمسك صاحب الحق بحقه علي ما إذا لزم من تنازله عنه الضرر عليه.

نعم ينبغي الكلام في مقامين: الأول: أن الأجل المشترط والدين ونحوهما حق يقبل الإسقاط، كسائر الحقوق أو لا يقبله.

صرح بالثاني في القواعد قال: «لو أسقط المديون أجل الدين الذي عليه لم يسقط، وليس لصاحبه المطالبة في الحال».

قال في جامع المقاصد: «لأن ذلك قد ثبت بالعقد اللازم.

.

.

فلا يسقط بمجرد الإسقاط.

ولأن في الأجل حقاً لصاحب الدين، ولهذا لا يجب عليه قبوله قبل الأجل.

أما لو تقايلا في الأجل، فإنه يصح».

وهو كما تري! لاندفاع الأول بأن ثبوت الأجل بالعقد اللازم لا ينافي كونه حقاً يقبل الإسقاط كسائر الشروط، كما يقبل الثمن الإسقاط والإبراء إذا كان ديناً وإن كان ثابتاً بالعقد اللازم.

لما سبق في المسألة الثالثة من الفصل الرابع وغيرها من أن مبني العقود والشروط علي جعل الاستحقاقات بين أطرافها، ووجوب الوفاء بها متفرع علي ذلك، وليس هو حكماً شرعياً ابتدائياً خارجاً عن سلطنة المتعاقدين.

بل هو لا يناسب ما ذكره (قده) من إمكان تقايلهما في الأجل، لأن التقايل لو تم متفرع علي كون لزوم العقد والشرط حقياً لا حكمياً، وإذا كان حقياً كان قابلاً للإسقاط.

كما سبق عند الكلام في خيار الشرط.

نعم يشكل التقايل في الأجل وحده بناءً علي ما سبق منا في المسألة الرابعة عشرة من الفصل المذكور من امتناع فسخ بعض مضمون العقد.

فراجع.

إلا أن يرجع للإسقاط من كل منهما فيصح، إذ لا مانع من إسقاط بعض مضمون العقد إذا كان حقاً، نظير إبراء الذمة من الثمن، لأن إسقاطه لا يرجع إلي

ص: 135

فسخ العقد بالإضافة إليه بل إلي التصرف فيه في فرض ثبوته بالعقد ونفوذ العقد فيه.

واندفاع الثاني بأنه لو تم ثبوت حق لصاحب الدين في الأجل فذلك لا يقتضي وحدة الحق فيه لهما بحيث لا ينفذ فيه تصرف كل منهما إلا منضماً للآخر، نظير الحق الموروث لأكثر من واحد بل تعدد الحق فيه، مع انفراد كل منهما بحقه وبالسلطنة عليه، نظير خيار المجلس الثابت للمتبائعين معاً، وما إذا اشترط الخيار في العقد لهما معاً.

وحينئذ إذا أسقط المدين في مفروض الكلام حقه في الأجل دون الدائن سقط حقه فيه، وصار للدائن الحق في مطالبته بالدين في الحال وإن لم يسقط حقه في الأجل، بحيث له الامتناع من أخذ الدين قبله.

الثاني: أنه بعد فرض كون الأجل حقاً قابلاً للإسقاط فهل هو في المقام حق للمشتري وحده أو للبائع وحده، أو لهما معاً؟ لا ينبغي الإشكال في إمكان كل من الوجوه الثلاثة ثبوتاً.

ولا أثر في ذلك لكونه صلاحاً لأحدهما أو لكليهما، لا حين البيع ولا بعد ذلك، وإنما المعيار في ذلك قصد المتعاقدين، وكيفية جعل الشرط بينهما، لتبعية الاستحقاق للعقد والشرط المتقومين بالقصد.

وأما في مقام الإثبات فقد يظهر من سيدنا المصنف (قده) أن مقتضي الإطلاق والظهور الأولي للعقد هو كونه حقاً لهما معاً، لظهور الإطلاق في أن الشرط شرط لكل منهما علي الآخر، وأن اختصاص الاشتراط بالمشتري يحتاج إلي قرينة خاصة.

لكن قد يدعي أن انتفاع المشتري نوعاً بالأجل دون البائع يوجب انصراف اشتراطه إلي كونه شرطاً له علي البائع، دون العكس، ودون كونه شرطاً لكل منهما علي الآخر.

ولعله لذا ذكر بعض مشايخنا (قده) أنه يجب علي البائع أخذ الثمن لو دفعه إليه المشتري، إلا أن تقوم قرينة علي كون التأجيل حقاً للبائع أيضاً.

وهو قريب جداً لولا احتمال أن يكون اشتراط المشتري للأجل يحمل البائع علي ترتيب أموره بنحو يتسق مع الشرط المذكور، ويحمله علي جعل الشرط لهما معاً.

ص: 136

إلا أن يقال: الاحتمال المذكور لا ينافي ظهور حال الشرط حين العقد في كونه شرطاً للمشتري فقط، بحيث يحتاج اشتراكهما فيه للقرينة.

بل لا إشكال في ذلك إذا كان الاشتراط بلسان أن للمشتري التأجيل.

ولعله خارج عن فرض التردد بين الوجهين في المتن.

وكيف كان فلابد في فرض كون الشرط للمشتري وحده من البناء علي وجوب أخذ البائع للثمن لو بذله المشتري، عملاً بمقتضي البيع من التسليم والتسلم بعد عدم كون الأجل شرطاً ولاحقاً له.

ومنه يظهر ضعف ما في الرياض من أن مقتضي الأصل عدم وجوب الأخذ عليه، من دون مخرج عنه من نص أو إجماع.

إذ فيه: أنه لا مجال للأصل بعد ابتناء البيع علي التسليم والتسلم، وعدم كون الشرط مخرجاً عنه في حقه.

ومثله ما في الجواهر من لزوم الخروج عن ذلك بالإجماع المدعي علي عدم وجوب الأخذ علي البائع في المقام.

إذ فيه: أنه لا مجال للاستدلال بالإجماع في مثل هذه الفروع التي لم ترد فيها النصوص، ولم يشع الابتلاء بها، بحيث يحرز فيها سيرة متصلة بعصور المعصومين (صلوات الله عليهم)، تكشف مذهبهم، فإن الشايع في فرض تنازل المشتري عن الأجل قبول البائع بالثمن وعدم امتناعه من أخذه ولو لأنه في صالحه، وليس الشايع حينئذ امتناعه من ذلك، لتنعقد به سيرة تكشف عن رأي الإمام يستند لها المجمعون.

ولم تحرر هذه الفروع إلا في عصر تحرير الفتاوي.

والظاهر أن ذهاب المفتين للمنع محض اجتهاد منهم لا يكشف عن رأي المعصومين (صلوات الله عليهم)، ولا ينشأ عن إطلاعهم علي دليل تعبدي مخرج عما تقتضيه القاعدة.

كما تكرر منا التنبيه لذلك في كثير من موارد دعوي الإجماع في مثل هذه الفروع الحديثة التحرير.

فلاحظ.

ص: 137

القرينة علي كون التأجيل حقاً للمشتري دون البائع.

ويجب أن يكون الأجل معيناً لا يتردد فيه بين الزيادة والنقصان (1)، فلو جعل الأجل قدوم زيد أو (الدياس) أو الحصاد أو جذاذ الثمر أو نحو ذلك بطل العقد (2).

ولو

---------------

(1) كما صرح به المفيد (قده) في المقنعة وكثير ممن تأخر عنه، ونفي الخلاف فيه غير واحد، وفي الجواهر «بلا خلاف أجده، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه»، وفي مجمع الفائدة: «وأما دليل كون الأجل مضبوطاً فكأنه الإجماع مستنداً إلي لزوم الغرر المنفي بالخبر... ولأنه قد يؤول إلي النزاع والتشاجر...».

لكن الإجماع لو تم لا ينهض بالاستدلال، كما يظهر مما ذكرناه آنفاً، وتكرر منا غير مرة.

ودليل الغرر وإن أمكن إرجاعه إلي النهي عن خصوص بيع الغرر، لفرض كون الشرط في المقام في البيع، بل من شؤون الثمن الذي هو أحد العوضين، كما يظهر بمراجعة ما تقدم عند الكلام في مانعية الجهالة من صحة الشرط، ويأتي ما يناسبه، إلا أنه سبق منا المنع من الاستدلال به كبروياً وصغروياً، كما يظهر بمراجعة المسألة الثانية من الفصل الثالث، والمسألة العاشرة من الفصل الرابع.

وأما أنه يؤول إلي النزاع والتشاجر فهو ممنوع كبروياً وصغروياً، كما لعله ظاهر.

نعم ورد اعتبار ضبط الأجل في بيع السلف(1) الذي يتقوم بتأجيل المبيع.

وهو وإن أمكن أن يختص بأحكامه، إلا أن من القريب جريان حكمه المذكور في بيع النسيئة الذي يتقوم بتأجيل الثمن، لقرب فهم عدم الفرق بين الثمن والمثمن وإلغاء خصوصيتهما في مثل ذلك، كما تقدم نظيره في غير مورد.

وإن كان في كفاية ذلك في الاستدلال في المقام إشكال.

(2) قطعاً، كما في الجواهر.

وبه صرح المفيد في المقنعة وكثير ممن تأخر عنه، وفي مفتاح الكرامة: «وهذا فرع ما تقدم، فلا خلاف فيه».

وكأنه لا مجال لاحتمال بطلان

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 13 باب: 3 من أبواب السلف.

ص: 138

(139)

لو باع شيياً بثمن نقداً وباكثر نسيية

كانت معرفة الأجل محتاجة إلي الحساب مثل أول الحمل أو الميزان أو عيد اليهود فالظاهر البطلان (1).

نعم لو كان الأجل أو الشهر القابل مع التردد في الشهر الحالي بين الكمال والنقصان فالظاهر الصحة (2).

(مسألة 2): لو باع شيئاً بثمن نقداً وبأكثر منه مؤجلاً بأن قال: بعتك الفرس بعشرة نقداً وبعشرين إلي سنة فقبل المشتري فالمشهور البطلان (3)

---------------

الشرط المتضمن لاستحقاق التأجيل، دون أصل البيع، بل يكون حالاً.

لسريان الغرر للبيع نفسه، لكون الشرط من شؤونه، كما سبق عند الكلام في مبطلية الجهالة للشرط من أحكام الشروط.

ولاسيما بعد كون التأجيل من شؤون أحد العوضين الذين هما ركنا البيع.

كما أنه لو كان الدليل في المقام هو نصوص بيع السلف فهي ظاهرة في بطلان البيع، لا بطلان خصوص شرط التأجيل.

(1) كما هو مقتضي ما في مفتاح الكرامة من تقييد الصحة بما إذا علما ذلك.

والوجه فيه الجهالة المانعة بمقتضي الأدلة السابقة.

لكن قال في الجواهر: «وقد يناقش فيه باحتمال الاكتفاء فيه بانضباطه في نفسه، كأوزان البلدان مع عدم معرفة المصداق.

فله شراء وزنة مثلاً بعيار بلد مخصوص وإن لم يعرف مقدارها.

إلا أن للنظر فيه مجالاً».

وكأن وجه النظر أن المفروض في المقام اعتبار العلم، لا اعتبار الانضباط.

والاكتفاء بالانضباط في الوزن غير المعلوم لأحد المتعاقدين لدليل خاص به كما سبق التعرض له في محله لا يقتضي الاكتفاء به هنا.

نعم لو كان الدليل الإجماع فقد يدعي أن المتيقن منه غير الفرض.

فلاحظ.

(2) لما هو المعلوم من شيوع التقدير في العصور السابقة بالأشهر القمرية.

(3) كما في الحدائق، وفي الرياض أنه الأشهر، بل عليه عامة من تأخر، وفي مجمع الفائدة أنه ظاهر الأكثر.

وبالبطلان الظاهر أو الصريح في لغوية البيع، وعدم ترتب

ص: 139

الأثر عليه رأساً صرح في المبسوط والوسيلة والسرائر والإرشاد والتذكرة والإيضاح والتنقيح وكشف الرموز واللمعتين ومحكي التحرير وغيرها.

واستدل له بوجهين: الأول: ما تضمن النهي عن بيع الغرر، بلحاظ الجهالة بالثمن.

ويشكل بما تكرر منا من عدم ثبوت عموم النهي عن بيع الغرر.

مضافاً إلي أن الجهل بالثمن قد يستلزم الغرر مع كون البيع علي نحو واحد حالاً فقط أو نسيئة فقط، دون محل الكلام، حيث يكون كل من الثمنين معلوماً في الحال الذي جعل فيه ومناسباً له، فلا غرر في حق البائع، لمناسبة الثمن للمبيع علي الحالين، ولا في حق المشتري، لأنه يختار ما يناسبه.

الثاني: ما تضمن النهي عن شرطين في بيع، أو بيعين في بيع، أو صفقتين في واحدة.

كموثق عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال في حديث:

«إن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعث رجلاً إلي أهل مكة، وأمره أن ينهاهم عن شرطين في بيع» (1) ، ومعتبر سليمان بن صالح عنه (عليه السلام)

«قال: نهي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عن سلف وبيع، وعن بيعين في بيع، وعن بيع ما ليس عندك، وعن ربح ما لم يضمن»(2) ، ونحوه خبر الحسين بن زيد(3) ، والنبوي: «لا تحل صفقتان في واحدة»(4).

قال في الجواهر بعد أن ذكر الثاني: «المفسر بذلك أو بما يشمله».

وظاهره كون محل الكلام متيقناً من المضمون المذكور.

ولم يتضح الوجه في ذلك.

ولاسيما مع ما في المبسوط، قال: «ونهي النبي عن بيعتين في بيعة.

وقيل: إنه يحتمل أمرين أحدهما: أن يكون المراد به إذا قال: بعتك هذا الشيء بألف درهم نقداً وبألفين نسيئة بأيهما شئت خذه... والآخر أن يقول: بعتك عبدي هذا بألف علي أن تبيعني دارك هذه بألف...».

وبذلك تكون النصوص المذكورة مجملة لا تنهض بالاستدلال في المقام.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 2 من أبواب أحكام العقود حديث: 3، 4، 5.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 2 من أبواب أحكام العقود حديث: 3، 4، 5.

(3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 2 من أبواب أحكام العقود حديث: 3، 4، 5.

(4) مستدرك الوسائل ج: 13 باب: 2 من أبواب أحكام العقود حديث: 2.

ص: 140

وقيل يصح بأقل الثمنين وأكثر الأجلين (1).

وفيه رواية (2).

-

ولعل الأولي في وجه البطلان هو تردد البيع بين الحال والنسيئة، فلا يصح فعلاً، لامتناع وجود المردد ولو اعتباراً.

نعم يمكن صحته معيناً بأحد الوجهين معلقاً علي اختيار المشتري له.

لكنه يستلزم التعليق المبطل للبيع، بل لجميع العقود عند الأصحاب.

(1) كما يظهر من النهاية حيث قال: «فإن ذكر المتاع بأجلين ونقدين مختلفين، بأن يقول: ثمن هذا المتاع كذا عاجلاً وكذا آجلاً، ثم أمضي البيع، كان له أقل الثمنين وأبعد الأجلين».

وبه صرح في الدروس.

وعن البشري أن العمل بالرواية الدالة علي ذلك قريب ونحوه عن الكفاية.

وقد يظهر من الشرائع الميل إليه، ومن المختلف احتماله، ومن النافع التردد، كما هو ظاهر القواعد.

والقول بذلك هو الظاهر من المقنعة والغنية ومحكي كلام القاضي، للحكم فيها بثبوت أقل الثمنين وأبعد الأجلين.

ولا ينافيه ما في المقنعة من عدم جواز المعاملة المذكورة، وما في الغنية ومحكي كلام القاضي من بطلان المعاملة المذكورة.

حيث يتعين حمل الأول علي الحرمة التكليفية، أو الوضعية الراجعة إلي عدم نفوذ المعاملة علي الوجه الذي وقعت عليه.

وعليها يحمل البطلان في الأخيرين.

(2) ففي صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام): «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من باع سلعته فقال: إن ثمنها كذا وكذا يداً بيد، وثمنها كذا وكذا نظرة، فخذها بأي ثمن شئت، وجعل [واجعل.

يب] صفقتهما واحدة، فليس له إلا أقلهما وإن كانت نظرة.

قال: وقال (عليه السلام):

من ساوم بثمنين أحدهما عاجلاً والآخر نظرة فليسم أحدهما قبل الصفقة»(1).

وفي معتبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام): «أن علياً (عليه السلام) قضي في رجل باع بيعاً واشترط شرطين: بالنقد كذا، وبالنسيئة كذا، فأخذ المتاع علي ذلك

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 2 من أبواب أحكام العقود حديث: 1.

ص: 141

الشرط.

فقال: هو بأقل الثمنين وأبعد الأجلين.

يقول: ليس له إلا أقل النقدين إلي الأجل الذي أجله بنسية»(1).

وما في كلام غير واحد من الإشكال فيهما بضعف سند الأول، لاشتراك محمد بن قيس بين الثقة وغيره، وسند الثاني بضعف السكوني والنوفلي الراوي عنه.

مدفوع بأن محمد بن قيس في الحديث الأول هو الثقة، لرواية عاصم بن حميد عنه، علي ما نبه لذلك غير واحد.

كما أن السكوني في الحديث الثاني وإن كان عامياً، إلا أنه يستفاد من كلام الشيخ (قده) في العدة توثيقه.

مضافاً إلي أنه هو والنوفلي من رجال تفسير القمي وكامل الزيارات.

ومثله ما في المختلف من احتمال الحديثين الحمل علي عقد البيع بالثمن الأقل نقداً، وبعد ذلك جعل البائع للمشتري تأخير الثمن بزيادة.

إذ فيه: أن الاحتمال المذكور مخالف لظاهر الحديثين أو صريحهما.

ولاسيما أن تأخير الدين بالزيادة لا يترتب عليه الأثر أصلاً، لا من حيثية ثبوت الزيادة، ولا من حيثية تأخير الدين، بل يبقي الدين معجلاً، والحديثان صريحان في تأجيل الثمن الأقل.

وكذا ما في الرياض من حمل الصحيح علي إرادة الإيجاب فقط من البيع، وفرض تلف المبيع، فيكون مرجع ذلك إلي أن الإيجاب المذكور لا يتم به العقد غايته أنه يقتضي ضمان المبيع بأقل الثمنين لا بالمثل أو القيمة.

فإنه مخالف لظاهره أو صريحه، بل لا يناسب قوله فيه: «وجعل صفقتهما واحدة».

لظهور أن الصفقة إنما تكون بين المتبايعين.

كما أن حمله علي خصوص فرض تلف المبيع من أبعد البعيد.

مع أنه لا وجه حينئذٍ لتأجيل الثمن الأقل.

وأما ما في ذيل الصحيح من الأمر بتسمية أحدهما قبل الصفقة الظاهر في

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 2 من أبواب أحكام العقود حديث: 2.

ص: 142

توقف ترتب أثر المعاملة علي ذلك.

فهو لا ينافي الحكم الذي تضمنه صدره، لأن الحكم الذي تضمنه الصدر راجع إلي عدم صحة البيع علي الوجه الذي وقع عليه، وترتب الأثر عليه علي خلاف ما وقع عليه.

ويكون المتحصل من الصدر والذيل سواءً كانا حديثاً واحداً أم حديثين أن صحة البيع وترتب أثره علي الوجه الذي يوقع عليه موقوف علي تعيين أحد الوجهين قبل الصفقة، فإن جمعا في صفقة واحدة لم يصح البيع علي الوجه الذي وقع عليه، لكنه لا يلغو رأساً، بل يترتب عليه الأثر علي خلاف ما وقع عليه، فيكون بأقل الثمنين وأبعد الأجلين.

وبذلك يجمع بين الحديثين والنصوص المتقدمة في الاستدلال للقول بالبطلان لو تم الاستدلال بها.

نعم ذلك مخالف لقاعدة السلطنة القاضية بعدم صحة المعاملة وعدم ترتب الأثر عليها علي خلاف الوجه الذي وقعت عليه.

لكنه لا يكفي في طرح الحديثين، إذ هو لا يزيد علي تخصيص العموم الشايع في الأدلة.

لكن قال في المختلف: «ويمكن أن يقال: إنه رضي بالثمن الأقل، فليس له الأكثر في البعيد، وإلا لزم الربا، إذ تبقي الزيادة في مقابلة تأخير الثمن لا غير، فإذا صبر إلي البعيد لم يجب له أكثر من الأقل».

وقال في الدروس: «والأقرب الصحة ولزوم الأقل.

ويكون التأخير جائزاً من جهة المشتري لازماً من طرف البائع.

لرضاه بالأقل فالزيادة ربا.

ولأجلها ورد النهي.

وهو غير مانع من صحة البيع».

وظاهرهما كون لزوم الثمن في الأقل مع الأجل الأبعد مطابقاً للقاعدة، لتحقق الرضا به، وكون الزيادة ربا يبطل اشتراطه.

وهو كما تري!.

أولاً: لعدم الرضا بالأقل علي كل حال، بحيث يكون هو الثمن لا غير، ويجب بمقتضي عقد البيع، وتكون الزيادة عليه ربا، بل الأقل هو الثمن في فرض التعجيل لا غير، وفي فرض التأخير فالأكثر هو الثمن، من دون أن تكون الزيادة شرطاً ربوياً خارجاً عن مقتضي العقد.

ص: 143

وثانياً: لأن الثمن لو كان هو الأقل علي كل حال، بحيث يكون استحقاق الزيادة في مقابل التأخير ربا، ومن أجله ورد النهي، للزم البناء علي وجوب التعجيل، عملاً بمقتضي القاعدة بعد فرض بطلان اشتراط الزيادة في مقابل التأخير.

غاية الأمر أنه لو أخر المشتري تسليم الثمن الأقل عصياناً، أو برضا البائع، لم يجب عليه الزيادة، كما نسبه في كشف الرموز للراوندي.

لكنه لا يناسب ما سبق من الدروس.

ومن هنا لا مخرج عما ذكرنا من مخالفة ذلك للقاعدة، وإن لزم البناء عليه من أجل الحديثين.

ومثله في الإشكال ما عن ابن الجنيد، حيث قال كما في المختلف: «وقد روي عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): أنه قال: لا تحل صفقتان في [بيعة] واحدة.

وذلك أن تقول: إن كان بالنقد فبكذا، وإن كان بالنسيئة فبكذا وكذا.

ولو عقد البائع للمشتري كذلك وجعل الخيار إليه لم أختر للمشتري أن يقوم علي ذلك.

فإن فعل واستهلكت السلعة لم يكن للبائع إلا أقل الثمنين، لإجازته البيع به، وكان للمشتري الخيار في تأخير الثمن الأقل إلي المدة التي ذكرها البائع بالثمن الأوفر من غير زيادة علي الثمن الأقل».

إذ فيه مضافاً إلي ما سبق في تعقيب كلام الدروس -: أن البيع إن صح بالنحو الذي ذكره فلماذا لم ير للمشتري أن يقوم بذلك ؟ وإن لم يصح فاللازم أن يضمن المشتري المبيع مع التلف بالمثل أو القيمة كما في سائر موارد المقبوض بالعقد الفاسد، لا بالثمن المسمي في البيع المذكور.

وإن كان نظره في ذلك الحديثين المتقدمين فحملهما علي خصوص حال التلف بعيد جداً، كما سبق.

بقي شيء، وهو أنه قد يظهر من النهاية والوسيلة والسرائر وغيرها عدم الفرق في محل الكلام بين الترديد بين الحال والمؤجل والترديد بين قصير الأجل وطويله.

وهو صريح المقنعة والتذكرة والمختلف والقواعد والدروس وغيرها.

بل اقتصر في الغنية علي التمثيل بالثاني، بنحو يظهر في المفروغية عن عدم الفرق بينهما.

وهو في محله لو كان المرجع في المقام القاعدة، إما للبناء علي البطلان رأساً، أو

ص: 144

(145)

الكلام في جواز تاخير الثمن الحال

(مسألة 3): لا يجوز تأجيل الثمن الحال، بل مطلق الدين، بأزيد منه (1)، بأن يزيد فيه مقداراً ليؤخره إلي أجل.

وكذا لا يجوز أن يزيد في

---------------

لدعوي اقتضائها الصحة بأقل الثمنين وأبعد الأجلين، كما سبق من الدروس.

أما بناءً علي الصحة بأقل الثمنين وأبعد الأجلين خروجاً عن مقتضي القاعدة من أجل الحديثين المتقدمين كما سبق منّا تبعاً لجماعة فمن الظاهر اختصاص الحديثين بالأول، ولا مخرج عن مقتضي القاعدة في الثاني.

ولعله لذا جزم بالبطلان فيه في الشرائع والنافع، مع ميله أو تردده في الصحة في الأول، كما سبق.

بل عن التحرير أنه يبطل قولاً واحداً، وإن لم يناسب ما سبق منهم.

نعم قد يدعي استفادة الصحة فيه من الحديثين بإلغاء خصوصية موردهما عرفاً، أو تعميم الحكم له بتنقيح المناط.

وكلاهما في غاية الإشكال.

(1) بلا إشكال ظاهر.

ولعل عدم ذكر بعضهم له لوضوحه.

قال في الجواهر: «لأنه ربا محرم كتاباً وسنة وإجماعاً.

فلا يجوز، سواء وقع علي جهة البيع أو الصلح أو الجعالة.

ولو اشترط في عقد آخر فسد وأفسد، إذ هو لا يحلل الحرام».

وفي صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أنهما قالا في الرجل يكون عليه الدين إلي أجل مسمي، فيأتيه غريمه فيقول: أنقدني من الذي لي كذا وكذا وأضع لك بقيته.

أو يقول: انقد لي بعضاً وأمد لك في الأجل فيما بقي عليك.

قال: لا أري بأساً ما لم يزدد علي رأس ماله شيئاً.

يقول الله: (لَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)»(1).

هذا والمتيقن من ذلك ما إذا كانت الزيادة في مقابل التأجيل بنحو الصلح أو

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 7 من أبواب أحكام الصلح حديث: 1.

ص: 145

الثمن المؤجل ليزيد في الأجل (1).

ويجوز عكس ذلك، بأن يعجل المؤجل بنقصان منه (2) علي وجه الصلح أو الإبراء (3)، ولا يصح علي وجه بيع

---------------

الجعالة كما هو مقتضي إطلاق الصحيح المتقدم.

وكذا إذا كان المؤجل مقابل المعجل بنحو البيع في الربوي، لأنه وإن لم يكن قرضاً ربوياً، إلا أنه ربا في البيع.

ومثله ما إذا كان بنحو الصلح المعاوضي بين المعجل والمؤجل، بناءً علي عموم الربا لجميع المعاوضات وعدم اختصاصه بالبيع.

أما إذا لم يكن ربوياً، كالمعدود ومنه النقود في عصورنا فقد يشكل حرمة البيع، فضلاً عن الصلح المعاوضي، بخروجه عن الربا في القرض، لفرض عدم دفع الزيادة في مقابل التأجيل.

وعدم حرمة البيع والمعاوضة مع الزيادة في غير الربويين.

اللهم إلا أن يقال: البيع المذكور إذا كان أحد العوضين أو كلاهما مؤجلاً يؤدي مؤدي القرض الربوي، فمن البعيد جداً مشروعيته، وإلا لورد التنبيه له في النصوص، كما ورد التنبيه لكثير من الطرق التي يتخلص بها من الربا.

وإن كان في كفاية ذلك في الاستدلال علي الحرمة إشكال.

فلاحظ.

(1) لعين ما سبق.

(2) بلا خلاف أجده فيه.

كذا في الجواهر.

ويقتضيه الصحيح المتقدم ومرسل أبان عن أبي عبد الله (عليه السلام): «سألته عن الرجل يكون له علي الرجل دين، فيقول له قبل أن يحل الأجل: عجل لي النصف من حقي علي أن أضع عنك النصف، أيحل ذلك لواحد منهما؟ قال: نعم»(1).

(3) كما ذكره في الجواهر.

ويقتضيه إطلاق الحديثين المتقدمين، وإطلاقات الجعالة فيما إذا كان الإبراء أو البراءة من الدين في مقابل التعجيل، وعمومات الصلح فيما إذا كان بعض الدين في مقابل التعجيل.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 7 من أبواب أحكام الصلح حديث: 2.

ص: 146

(147)

الأكثر المؤجل بالأقل الحال، لأنه ربا (1).

وكذا يجوز في الدين المؤجل أن ينقد بعضه قبل حلول الأجل علي أن يؤجل له الباقي إلي أجل آخر.

(مسألة 4): إذا اشتري شيئاً نسيئة يجوز شراؤه منه (2) قبل حلو

---------------

(1) هذا إنما يتم فيما إذا كان المال المدين به ربوياً.

وكذا الحال في الصلح المبني علي التعاوض بين الأقل المعجل والأكثر المؤجل، بناء علي عموم الربا لجميع المعاوضات.

أما إذا لم يكن المال المدين به ربوياً لعدم كونه من المكيل والموزون فلا وجه لحرمته.

وإذا كان يشبه القرض الربوي مع الزيادة كما تقدم، فهو لا يشبهه مع النقيصة، لتجري الشبهة السابقة في جوازه.

فلاحظ.

(2) كما في المقنعة والنهاية والمبسوط والسرائر وكثير مما تأخر عنها.

ونفي الخلاف فيه في الرياض، كما استظهر ذلك في مجمع الفائدة، وقال: «فكأن دليله الإجماع...».

ويقتضيه عمومات صحة العقود والتجارة، وخصوص بعض النصوص، كصحيح بشار بن يسار: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبيع المتاع بنساء، فيشتريه من صاحبه الذي يبيعه منه.

قال: نعم، لا بأس به.

فقلت له: أشتري متاعي ؟! فقال: ليس هو متاعك ولا بقرك ولا غنمك»(1) ، ومعتبر أبي بكر الحضرمي: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): لي علي الرجل الدراهم فيقول: بعني بيعاً [متاعاً.

يب] أقضيك، فأبيعه المتاع، ثم أشتريه منه وأقبض مالي.

قال: لا بأس»(2).

وإليه يرجع صحيحه: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل تعيّن ثم حلّ دينه، فلم يجد ما يقضي، أيتعين من صاحبه الذي عينه ويقضيه ؟ قال: نعم»(3).

فإن الظاهر أن المراد بالتعين الذي تضمنه هذا الحديث وغيره هو بيع المال

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب أحكام العقود حديث: 3.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 6 من أبواب أحكام العقود حديث: 1، 2.

(3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 6 من أبواب أحكام العقود حديث: 1، 2.

ص: 147

الأجل أو بعده (1)، بجنس الثمن أو بغيره (2)، مساوياً له أو زائداً عليه أو

---------------

مؤجلاً ثم شراؤه بالأقل حالاً، كما يحمل عليه حديثه الأول.

وفي صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر (عليه السلام):

«سألته عن رجل باع ثوباً بعشرة دراهم إلي أجل، ثم اشتراه بخمسة دراهم بنقد أيحل ؟ قال: إذا لم يشترط ورضيا فلا بأس»(1).

ورواه بسنده عنه في قرب الإسناد، إلا أنه قال: «سألته عن رجل باع ثوباً بعشرة دراهم، ثم اشتراه بخمسة دراهم، أيحل ؟»، ونحوها غيرها.

نعم في موثق عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أنه قال: لا تقبض مما تعين.

يقول: لا تعينه ثم تقبضه ممالك عليه»(2).

وربما قيل بمنافاته لما سبق لكن النهي فيه ليس عن البيع المذكور، بل عن أن يستوفي حقه مما حصل بيد الطرف الآخر من ذلك البيع، فلا ينافي صحة البيع في نفسه، كما تضمنته النصوص السابقة.

علي أن حمل هذا الصحيح علي الكراهة أهون من حمل بعض تلك النصوص علي استيفاء حقه من مال آخر.

فلاحظ.

(1) كما صرح به بعضهم، وهو مقتضي إطلاق الآخرين، بل قد يكون بيعه قبل حلول الأجل متيقناً من إطلاقهم.

نعم في المراسم: «فإن باع ما ابتاعه إلي أجل قبل حلول الأجل فبيعه باطل وإن باعه بعده وإن لم يوف ثمنه جاز ذلك».

قال في مفتاح الكرامة بعد أن حكي ذلك: «فليتأمل فإني لم أجد أحداً نقل عنها الخلاف في ذلك».

وكيف كان فيدفعه مضافاً إلي عمومات الصحة إطلاق النصوص السابقة.

بل لعله المتيقن من بعضها، لعدم تأدي الغرض بدونه.

(2) كما صرح جماعة.

ويقتضيه مضافاً إلي عمومات الصحة إطلاق النصوص السابقة.

بل لعل البيع بجنس الثمن متيقن منها.

كما أن البيع بغير الجنس أولي بالصحة،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب أحكام العقود حديث: 6.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 6 من أبواب أحكام العقود حديث: 9.

ص: 148

ناقصاً عنه (1)، حالاً كان البيع الثاني أو مؤجلاً (2).

إلا إذا أشترط البائع علي المشتري في البيع الأول أن يبيعه عليه بعد شرائه، أو شرط المشتري علي البائع في البيع الأول أن يشتريه منه، فإن المشهور البطلان (3) لكن الأظهر صحة

---------------

لأنه أبعد عن مشابهة الربا.

(1) كما صرح به في الجملة غير واحد.

ويقتضيه ما سبق.

(2) كما صرح به في المقنعة والنهاية وغيرهما.

ويقتضيه مضافاً إلي عمومات الصحة إطلاق بعض النصوص السابقة.

نعم في صحيح منصور بن حازم: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون له علي الرجل طعام أو بقر أو غنم أو غير ذلك، فأتي المطلوب الطالب ليبتاع منه شيئاً.

قال: لا يبيعه نسياً.

فأما نقداً فليبعه بما شاء»(1).

لكنه أجنبي عما نحن فيه من فرض تعدد البيع، وظاهر في اعتبار كون البيع الواحد نقداً إذا كان المشتري مديناً للبائع.

ولا يظهر منهم العمل به.

فلاحظ.

(3) بل عن الكفاية: «لا أعلم فيه خلافاً»، ونسبه للأصحاب في الرياض، ونفي خلافهم فيه، واستظهر في مجمع الفائدة ومحكي المفاتيح الاتفاق عليه.

وبه صرح الشيخ (قده) في المبسوط وجماعة كثيرة.

نعم أطلق جواز البيع في المقنعة والنهاية والسرائر.

لكن قد يكون مرادهم جواز أصل البيع من دون نظر للشرط، وإلا فمن البعيد بناؤهم علي جواز الشرط، إهمالاً للنصوص المانعة منه، من دون أن ينصوا علي ذلك، مع تعرضهم للتعميم من الجهات المتقدمة.

وكيف كان فيقتضيه صحيح علي بن جعفر المتقدم، وخبر الحسين بن المنذر:

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 6 من أبواب أحكام العقود حديث: 8.

ص: 149

العقد (1).

---------------

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يجيئني الرجل فيطلب العينة، فأشتري له المتاع مرابحة ثم أبيعه إياه، ثم أشتريه منه مكاني.

قال: إذا كان الخيار إن شاء باع وإن شاء لم يبع، وكنت أنت بالخيار إن شئت اشتريت وإن شئت لم تشتر، فلا بأس...»(1) ، وخبر يونس الشيباني: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يبيع البيع والبائع يعلم أنه لا يسوي، والمشتري يعلم أنه لا يسوي، إلا أنه يعلم أنه سيرجع فيه فيشتريه منه.

قال: فقال: يا يونس إن رسول الله 8 قال لجابر بن عبد الله: كيف أنت إذا ظهر الجور، وأورثهم الذل.

قال: فقال جابر: لا بقيت إلي ذلك الزمان.

ومتي يكون ذلك بأبي أنت وأمي ؟ قال: إذا ظهر الربا.

يا يونس وهذا الربا.

فإن لم تشتره رده عليك ؟ قال: قلت: نعم.

قال: فلا تقربنه.

فلا تقربنه»(2).

(1) لعل ذلك منه (قده) للإشكال في الاستدلال المتقدم.

.

أولاً: لعدم ثبوت صحة الأخبار المذكورة بنظره الشريف.

أما الخبران فلعدم ثبوت وثاقة الحسين بن منذر، ولا يونس الشيباني، بل ولا الراوي عنه في هذا الخبر، وهو صالح بن عقبة، وإن كان هو ثقة بناءً علي ما تكرر منا من وثاقة رجال تفسير القمي وكامل الزيارات.

وأما صحيح علي بن جعفر فلإرسال صاحب الوسائل له، وعدم ذكر سنده له.

وهو وإن ذكر في خاتمة الوسائل أسانيده إلي الكتب التي يروي عنها، إلا أن الأسانيد المذكورة مبنية علي الرواية بالإجازة لمحض التبرك بذكر السند من دون تعيين نسخة خاصة تروي بألفاظها.

كما لم يتضح اعتماد الأصحاب علي النصوص المذكورة، بعد اقتصار بعضهم في وجهه علي لزوم الدور، وبعضهم علي عدم قطع نية الملك، من دون إشارة لهذه النصوص، كما تقدم عند الكلام في شروط صحة الشرط.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب أحكام العقود حديث: 4، 5.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب أحكام العقود حديث: 4، 5.

ص: 150

وثانياً: باختلاف الأخبار في معيار المنع، حيث صرح في الأول بالشرط وهو ظاهر الثاني، أما الثالث فقد تضمن رجوع المشتري في البيع الأول ورده للمبيع، وبينه وبين الشرط عموم من وجه.

لكن ظاهر صاحب الوسائل أن كتاب علي بن جعفر الذي ينقل عنه هو الكتاب الذي رواه عنه بطرقه التي ذكرها في الخاتمة، لا نسخة أخري منه منقطعة السند، إما لاشتهار الكتاب في عصره، أو لأن الأسانيد التي ذكرها تتضمن إسناده لعلي بن جعفر.

كما أن من القريب جداً استناد القدماء للنصوص المذكورة بعد روايتها في كتب الحديث التي هي في متناولهم.

بل من القريب أن يكون تحريرهم للمسألة بفروعها ناشئ من ورود النصوص المطلقة والمفصلة.

ومما سبق يتضح اندفاع الوجه الثاني، إذ بعد صحة حديث علي بن جعفر يتعين كون المعيار في البطلان علي الشرط، دون ما تضمنه خبر الشيباني.

مع أن القريب تنزيل خبر الشيباني علي الشرط بقرينة الحديثين الأولين.

هذا وقد يكون نظره (قده) في البناء علي صحة العقد هو استظهاره من هذه النصوص النهي عن الشرط، دون العقد المتضمن له، فيكون المرجع في صحة العقد هو عمومات الصحة والنصوص الأول المطلقة، مع البناء منه علي عدم مبطلية الشرط المحرم أو المخالف للكتاب والسنة للعقد، ويكون توقفه في صحة الشرط وبطلانه لاحتمال حمل النهي عن الشرط علي النهي التكليفي غير المستلزم للفساد، أو للتوقف في نهوض النصوص بالاستدلال، لما سبق.

لكن ظاهر النصوص المذكورة هو النهي عن البيع المشتمل علي الشرط، لا عن الشرط نفسه.

ولاسيما بلحاظ تطبيق الربا عليه في خبر الشيباني، وظاهر النهي المذكور هو الوضعي الراجع للفساد، كما هو الحال في جميع موارد النهي عما يراد منه ترتيب أثر صحته.

فلاحظ.

ص: 151

وفي صحة الشرط إشكال (1).

-

(1) يتضح مما سبق منشأ إشكاله (قده)، كما يتضح اندفاعه.

بقي في المقام أمران: الأول: أن المتيقن من النصوص الناهية عن البيع مع الشرط ما إذا كان نتيجة البيعين ربح يشبه الربا ويؤدي غرضه، كما يظهر بملاحظة حديثي علي بن جعفر.

بل هو كالصريح من تطبيق عنوان الربا في خبر يونس الشيباني.

بل لا يبعد حمل إطلاق خبر الحسين بن المنذر عليه، لأنه الغرض النوعي من أمثال هذه المعاملة.

مضافاً إلي الإشكال في سنده.

وقد تقدم عند الكلام في شروط صحة الشرط من مباحث الشروط تمام الكلام في ذلك.

الثاني: أن جواز بيع المبيع لبايعه من دون شرط لا يختص بما إذا كان البيع الأول نسيئة، بل يعم ما إذا كان حالاً.

لعمومات الصحة.

مضافاً إلي إطلاق معتبر أبي بكر الحضرمي.

أما بطلانه مع الشرط فعمدة دليله صحيح علي بن جعفر، وهو وإن اختص بما إذا كان البيع الأول نسيئة والثاني حالاً، إلا أن من القريب إلغاء خصوصية ذلك، وفهم العموم منه لجميع صور اشتراط البيع في البيع.

ولاسيما بملاحظة التعليل في خبر الشيباني، الذي هو المنصرف في وجه المنع ومنشئه.

ولعله لذا كان ظاهر المبسوط العموم.

فلاحظ.

ص: 152

(153) (153)

إلحاق فيه

في المساومة والمرابحة والمواضعة والتولية

القول في المساومة والمرابحة والمواضعة والتولية (مسألة 1): التعامل بين البائع والمشتري تارة: يكون بملاحظة رأس المال الذي اشتري به البائع السلعة، وأخري: لا يكون كذلك (1) والثاني يسمي مساومة.

وهذا هو الغالب المتعارف.

والأول تارة: يكون بزيادة علي رأس المال، وأخري: بنقيصة عنه، وثالثة: بلا زيادة ولا نقيصة.

والأول يسمي مرابحة، والثاني مواضعة، والثالث يسمي تولية.

(مسألة 2): لابد في جميع الأقسام الثلاثة من ذكر الثمن تفصيلاً فلو قال بعتك هذه السلعة برأس مالها وزيادة درهم أو بنقيصة درهم أو بلا زيادة ولا نقيصة لم يصح (2) حتي يقول: بعتك هذه السلعة بالثمن الذي

---------------

إما لإهمال رأس المال مع وجوده أو لعدم وجود رأس المال، كما لو كان البائع قد ملك المبيع من دون معاوضة، كالهبة والميراث والمملوك بالحيازة. كما صرح به غير واحد. وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه. بل في التذكرة: لو كان المشتري جاهلاً برأس المال بطل إجماعاً». وهو يبتني علي ما تقدم منهم من لزوم العلم بقدر العوضين. وتقدم الكلام في وجهه في المسألة الثانية من الفصل الثالث في شروط العوضين. ومنه يظهر أن ذكر رأس المال في عقد البيع إنما

ص: 153

اشتريتها به وهو مائة درهم بزيادة درهم مثلاً (1)، أو نقيصته، أو بلا زيادة ولا نقيصة.

(مسألة 3): إذا قال البائع بعتك هذه السلعة بمائة درهم وربح درهم في كل عشرة، فإن عرف المشتري أن الثمن مائة وعشرة دراهم صح البيع (2).

-

يجب مع جهلهما أو جهل أحدهما به، ولا حاجة لذكره مع علمهما به.

(1) لكن في معتبر ميسر بياع الزطي: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنا نشتري المتاع بنظرة، فيجيء الرجل فيقول: بكم تقوم عليك ؟ فأقول: بكذا وكذا، فأبيعه بربح.

فقال: إذا بعته مرابحة كان له من النظرة مثل ما لك.

قال: فاسترجعت فقلت: هكذا [هلكنا.

يب].

فقال: مما؟ فقلت: لأن ما في الأرض ثوب إلا أيبعه مرابحة، فيشتري مني ولو وضعت من رأس المال حتي أقول: بكذا وكذا.

فلما رأي ما شق عليّ قال: أفلا أفتح لك باباً يكون لك فيه فرج ؟ قل: قد قام علي بكذا وكذا وأبيعكه بزيادة كذا وكذا.

ولا تقل بربح»(1).

وظاهره أن المرابحة ذات الأحكام الخاصة لا تنعقد إلا أن تذكر الزيادة علي رأس المال بعنوان الربح.

نعم لا يظهر من الأصحاب الالتفات لذلك، بل في الحدائق: «والظاهر أنه لا قائل به».

وفي كفاية ذلك في الخروج عن ظاهر النص إشكال.

ولاسيما مع توجه المتعاقدين لذلك من أجل الجمع بين نتيجة المرابحة وهي ابتناء الثمن علي رأس المال والتخلص من لازمها، وهو اشتراك البيعين في الأجل.

فلاحظ.

(2) للعلم بمقدار الثمن حين البيع المعتبر عندهم في صحته.

ومنه يظهر اعتبار علم المشتري والبائع معاً بذلك، وعدم الاكتفاء بعلم المشتري.

ولعل اكتفاء سيدنا المصنف (قده) بعلم المشتري للمفروغية عن علم البائع بذلك.

هذا وفي المقنعة: «ولا يجوز أن يبيع الإنسان شيئاً مرابحة مذكورة بالنسبة إلي

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 25 من أبواب أحكام العقود حديث: 1.

ص: 154

أصل المال، كقولهم: أبيعك هذا المتاع بربح العشرة واحداً أو اثنين وما أشبه ذلك.

ولا بأس أن يقول: ثمن هذا المتاع علي كذا وأبيعك إياه بكذا، فيذكر أصل المال والربح، ولا يجعل لكل عشرة منه شيئاً».

وقريب منه في النهاية وعن أبي الصلاح وابن البراج، وعن المراسم أنه لا يصح.

ومقتضي إطلاقهم عدم صحة ذلك حتي مع العلم بقدر المجموع حين البيع.

وقد يستدل لهم بصحيح العلاء: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يبيع البيع، فيقول: أبيعك دوازده، أو ده يازده.

قال: لا بأس إنما هذه المراوضة.

فإذا جمع المبيع جعله جملة واحدة»(1).

لظهوره في أن نسبة الربح لرأس المال إنما يصح قبل العقد مقدمة لتعيين الثمن، ولا يصح حين العقد وقطع البيع، بل يتعين ذكر الثمن بمجموعه.

لكن مقتضي ذيله أن المتعين حين العقد هو ذكر الثمن جملة واحدة من دون تعرض لرأس المال، كما يكون في بيع المساومة.

فيرجع إلي النهي عن بيع المرابحة وتعيين المساومة، كما هو ظاهر صحيح الحلبي عنه (عليه السلام): «قال: قدم لأبي متاع من مصر، فصنع طعاماً ودعا له التجار، فقالوا: نأخذه منك بده دوازده.

قال لهم أبي: وكم يكون ذلك ؟ قالوا في عشرة آلاف ألفين.

فقال لهم أبي: فإني أبيعكم هذا المتاع باثني عشر ألفاً.

فباعهم مساومة»(2).

وقريب منه صحيح الحلبيين في متاع لأبي عبد الله (عليه السلام)، إلا أنه ترك قوله: «فباعهم مساومة»(3) ، ومعتبر محمد: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): إني لأكره بيع عشرة بإحدي عشرة، وعشرة باثني عشر، ونحو ذلك.

ولكن أبيعك بكذا وكذا مساومة.

قال:

وأتاني متاع من مصر، فكرهت أن أبيعه كذلك وعظم علي، فبعته مساومة» (4) ، ومعتبر المدائني:

«قال أبو عبد الله (عليه السلام): إني أكره البيع بده يازده ودوازده، ولكن أبيعه بكذا وكذا» (5) .

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 14 من أبواب أحكام العقود حديث: 5، 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 14 من أبواب أحكام العقود حديث: 5، 1.

(3) من لا يحضره الفقيه ج: 12 ص 135 حديث: 589. التهذيب ج: 7 ص 54 حديث: 234.

(4) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 14 من أبواب أحكام العقود حديث: 4، 2.

(5) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 14 من أبواب أحكام العقود حديث: 4، 2.

ص: 155

ولكنه مكروه (1).

---------------

وحينئذ يتعين حمل النهي في صحيح العلاء علي الكراهة، للنصوص الكثيرة الدالة علي جواز المرابحة(1).

نعم لو كان النهي فيه عن خصوص هذه الصيغة في بيع المرابحة فلا قرينة علي حمله علي الكراهة.

لكنه ليس كذلك.

(1) كما في المبسوط والغنية والشرائع وكثير غيرها.

ونسب للمشهور، بل في الخلاف وظاهر التذكرة الإجماع عليه.

واستدل له بالنصوص المتقدمة.

لكنها ظاهرة كما سبق في كراهة المرابحة في مقابل المساومة، دون خصوص هذه الصورة من المرابحة من بين صورها، كما نبّه لذلك في الحدائق.

وقد اعترف به في الرياض، حيث قال: «وهو كذلك لولا المخالفة لفهم الطائفة».

وفي الجواهر: «وإن لم أجد به قائلاً».

وفي مفتاح الكرامة: «وقد تشعر أخبار الباب بكراهية المرابحة مطلقاً، لا خصوص الكراهية في موضع المسألة.

لكنه مخالف للإجماع المعلوم والمنقول.

وخبر علي بن سعيد».

لكن التعويل في الخروج عن ظاهر النصوص علي فهم الأصحاب لا يخلو عن إشكال، بل منع، خصوصاً في الأحكام غير الإلزامية، لشيوع اضطرابهم في أدلتها علي أن كلام الشيخ في الخلاف والمبسوط لا يأبي الحمل علي العموم.

وأما حديث علي بن سعيد فهو: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل يبتاع ثوباً، فيطلب مني [منه.

يب] مرابحة، تري ببيع المرابحة بأساً إذا صدق في المرابحة وسمي ربحاً دانقين أو نصف درهم ؟ فقال: لا بأس»(2).

لكن تسمية الربح بالنحو المذكور إن لم يشمل تسميته بنحو النسبة لرأس المال الذي هو محل الكلام فنفي البأس يمكن حمله علي نفي الحرمة، ولو بضميمة النصوص المتقدمة.

فلا ينافي كراهة المساومة مطلقاً.

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 14، 13، 21، 24، 25 وغيرها من أبواب أحكام العقود.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 12 من أبواب أحكام العقود حديث: 1.

ص: 156

وإذا لم يعرف المشتري ذلك حال البيع لم يصح (1) وإن كان يعرفه بعد الحساب.

وكذلك الحكم في المواضعة إذا قال: بعتك بمائة درهم مع خسران درهم في كل عشرة، فإن المشتري إذا عرف أن الثمن تسعون صح البيع (2)، وإن لم يعرف ذلك بطل البيع وإن كان يعرفه بعد الحساب.

-

(1) قال في المختلف: «ولو أخبره برأس المال وزاد في كل عشرة درهماً، ولم يعلما وقت العقد كمية الثمن احتمل البطلان للجهالة.

والصحة لإمكان العلم، فإنه يستخرج بالحساب.

والأقوي البطلان، لاشتراط العلم بالثمن وقت العقد».

لكن ترك التنبيه لذلك في كلام جماعة قد يظهر في عموم الصحة مع الكراهة لذلك.

بل هو كالصريح من التذكرة، حيث ذكر في وجه الكراهة أنه قد لا يعلم قدر الثمن حالة العقد، ويحتاج في معرفته إلي الحساب.

وعليه جري بعض مشايخنا (قده).

ولعله لأن المعتبر عنده في صحة البيع أن لا يكون غررياً، والجهل في المقام لا يوجب الغرر بنظره.

ومما سبق منا في شروط العوضين يتضح الإشكال في الاستدلال علي اعتبار العلم في العوضين بالنهي عن بيع الغرر كبروياً وصغروياً.

وحيث كان عمدة الدليل علي اعتبار العلم هو الإجماع لو تم فلا مجال للبناء عليه في أمثال المقام بعد ظهور الخلاف.

(2) وأما الكراهة فإن كان موضوعها خصوص نسبة الربح لرأس المال في المرابحة كما سبق من المشهور فتعديها لنسبة الوضيعة لرأس المال، يحتاج لتنقيح المناط أو إلغاء الخصوصية عرفاً.

وكلاهما مورد للإشكال، خصوصاً الأول.

وإن كان موضوعها مطلق المرابحة كما سبق منّا فتعديها للمواضعة قريب جداً، لظهور النصوص السابقة في أن البديل المطلوب هو المساومة لا غير.

نعم قد يتوقف في عمومها للتولية، بلحاظ ما في صحيح العلاء من كون المطلوب ذكر الثمن جملة واحدة، وهو حاصل مع التولية.

إلا أن يستفاد العموم لها

ص: 157

الكلام في البيع مرابحة اذا كان الشراء بالثمن الموجل

(مسألة 4): إذا كان الشراء بالثمن المؤجل وجب علي البائع مرابحة أن يخبر بالأجل (1) فإن أخفي تخير المشتري بين الرد والإمساك بالثمن (2)، علي إشكال في كونه حالاً أو مؤجلاً بذلك الأجل (3).

---------------

من بقية النصوص.

فلاحظ.

(1) كما في الغنية والنافع والتذكرة والقواعد والإرشاد.

وهو الظاهر ممن علل الخيار بالتدليس، لوضوح حرمة التدليس.

لكن التدليس إنما يحصل إذا لم يثبت الأجل للمشتري، أما إذا ثبت له فلا تدليس في ترك الإخبار بالأجل حين البيع، بل في قبض الثمن معجلاً، فيكون هو المحرم.

(2) كما في المبسوط والخلاف والغنية والتذكرة والقواعد والإرشاد وغيرها، وفي الرياض: «وهو الأشهر بين الطائفة، سيما متأخيرهم».

وهو الذي تقتضيه القاعدة، وعليه العمل، في جميع موارد تخلف ما بني عليه العقد، وهو في المقام ظهور الثمن في المرابحة في التعجيل.

لكن الظهور المذكور إنما يقتضي ثبوت الخيار إذا لم يثبت الأجل للمشتري، حيث يلزم ما يشبه زيادة الربح للبائع.

أما إذا ثبت له الأجل علي ما يأتي الكلام فيه فهو أصلح للمشتري مما أقدم عليه.

ومعه لا وجه للخيار.

(3) قال في النهاية: «ومن اشتري شيئاً بنسيئة فلا يبعه مرابحة.

فإن باعه مرابحة كان للمبتاع من الأجل مثل ماله» ونحوه في الوسيلة.

وحكاه في المختلف عن ابن الجنيد والقاضي، وقد يظهر من الكليني.

كما يظهر من غير واحد التوقف.

ووجه القول المذكور صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في الرجل يشتري المتاع إلي أجل.

قال: ليس له أن يبيعه مرابحة إلا إلي الأجل الذي اشتراه إليه.

وإن باعه مرابحة ولم يخبره كان للذي اشتراه من الأجل مثل ذلك»(1) ، ومعتبر أبي

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 25 من أبواب أحكام العقود حديث: 2.

ص: 158

(159)

محمد الوابشي: «سمعت رجلاً يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشتري متاعاً بتأخير سنة، ثم باعه من رجل آخر مرابحة، أله أن يأخذ منه ثمنه حالاً والربح ؟ قال: ليس عليه إلا مثل الذي اشتري.

إن كان نقد شيئاً فله مثل ما نقد.

وإن لم يكن نقد شيئاً آخر فالمال عليه إلي الأجل الذي اشتراه إليه.

قلت له: فإن كان الذي اشتراه منه ليس علي [بملي.

يب] مثله.

قال: فليستوثق من حقه إلي الأجل الذي اشتراه»(1) ، ومعتبر ميسر بياع الزطي المتقدم في المسألة الثانية.

وقد حملها في المختلف علي ما إذا باعه بمثل ما اشتراه وأخفي عنه النسيئة ولم يشترط النقد، قال: «فإنه والحال هذه يكون له من الأجل مثل ما كان للبائع علي إشكال».

لكن لا شاهد عليه من النصوص المتقدمة.

بل مقتضي صحيح هشام عدم صحة بيعه مرابحة نقداً، بل لا يصح بيعه مرابحة إلا إلي الأجل الذي اشتراه إليه.

ومقتضي ذلك وإن كان هو التنافي بين قصد النقد وقصد المرابحة حينئذ بنحو يستلزم بطلان البيع، إلا أنه يلزم الخروج عن ذلك بالنصوص المتقدمة والحكم بصحته مرابحة إلي الأجل الذي له.

وهي كما تشمل ما إذا كان النقد مقتضي إطلاق البيع تشمل ما إذا نص المتبائعان حين البيع علي النقد، من دون قرينة علي التخصيص بالأول.

بل مقتضي هذه النصوص أنه لا يكفي في صحة بيعه نقداً إخبار البائع للمشتري بأنه قد اشتراه مؤجلاً، بل لابد أن يخرج البيع عن المرابحة بذكر الزيادة بعنوان كونها زيادة، لا بعنوان كونها ربحاً، كما تضمنه معتبر ميسر بياع الزطي.

ومثله ما في السرائر من ردّ النصوص المذكورة بأنها خبر واحد وضعه الشيخ في كتابه ورجع عنه في مبسوطه.

إذ فيه: أنه لا مجال لإهمال هذه النصوص بعد اعتبارها في نفسها وتعددها وظهور عمل من سبق بها وتعويلهم عليها.

ولعل الشيخ قد عدل عما في المبسوط لما في النهاية من أجل هذه النصوص، دون العكس.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 25 من أبواب أحكام العقود حديث: 3.

ص: 159

(مسألة 5): إذا اشتري جملة صفقة بثمن لم يجز له بيع أفرادها مرابحة بالتقويم (1)

---------------

ومجرد مخالفتها للقواعد لا يكفي في التوقف عن العمل بها بعد ذلك، كما سبق من بعضهم، فضلاً عن ردها والفتوي علي خلافها، كما سبق من غير واحد.

بقي في المقام أمران: الأول: إن من القريب جداً جريان نظير ذلك في المواضعة والتولية، لاشتراكها في ملاحظة رأس المال في الثمن، وظهور هذه النصوص في أن للأجل دخلاً في حساب الربح والخسارة علي رأس المال.

إلا أن يكون اقتصار النصوص علي المرابحة مع شيوع غيرها، خصوصاً التولية، موجباً لظهورها في خصوصية المرابحة في الحكم المذكور.

ولاسيما حديثي هشام وميسر، لتضمنهما بيان الحكم من قبل الإمام ابتداء، بخلاف حديث الوابشي المتضمن لذكر الإمام (عليه السلام) ذلك جواباً عن حكم المرابحة.

وحينئذ يتعين الرجوع في المواضعة والتولية للقاعدة المتقدمة.

الثاني: أن ظاهر النصوص المتقدمة هو لزوم البيع في حق المشتري مع ثبوت الأجل له، كما تقدم أن وجه الخيار يقصر عن الفرض المذكور.

ومن هنا لا مجال لاحتمال ثبوت الأجل له مع الخيار، كما يظهر من سيدنا المصنف (قده).

بل لابد إما من البناء علي ثبوت الخيار له بين الفسخ والقبول بالمرابحة نقداً، كما تقدم من غير واحد، أو لزوم البيع عليه مع الأجل، كما تقدم من آخرين، وسبق أنه المتعين، أو الترديد بين الوجهين احتياطاً، كما جري عليه غير واحد علي ما سبق.

(1) صرح به جمهور الأصحاب.

وفي الجواهر: «علي المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً»، بل في الخلاف الإجماع عليه.

ويقتضيه مضافاً إلي ظهور نسبة

ص: 160

(161)

الثمن للشيء في كونه مقابلاً به في شرائه النصوص.

كصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام): «في الرجل يشتري المتاع جميعاً، ثم يقوم كل ثوب بما يسوي حتي يقع علي رأس ماله، يبيعه مرابحة ثوباً ثوباً؟ قال: لا حتي يبين أنه إنما قومه»(1).

وقريب منه صحيحه الآخر(2) ومعتبر أبي حمزة(3).

هذا وعن ابن الجنيد والقاضي جواز البيع مرابحة بما يخصه من الثمن فيما لا تفاضل فيه من نوع واحد.

وكأنه لعدم احتياج تعيين ما يخصه من الثمن إلي التقويم.

واستشكل فيه في المختلف بأن الأغراض تتفاوت بالقلة والكثرة، وتتفاوت بذلك الأثمان، فيجب الإخبار بالحال، لئلا تقع الخيانة.

لكن الصفقة توجب نقصان الثمن غالباً فيما لا تفاضل فيه، لا زيادته، ليلزم الخيانة.

فالأولي في الجواب عن ذلك بعد خروج محل الكلام عن مورد النصوص المتقدمة أن الثمن عرفاً هو المأخوذ عوضاً في عقد البيع، وهو المجموع، دون ما يخص أجزاء المبيع منه.

نعم قد تقوم القرينة العامة أو الخاصة علي عدم إرادة الثمن بالمعني المذكور عند البيع مرابحة، كما في بيع المفرد ممن يعلم أنه يشتري الجملة في عصورنا.

وأظهر من ذلك ما إذا عيّن في البيع لكل جزء من الصفقة ما يخصه، كما لو باعه عشرة ثياب كل ثوب بدينار.

حيث لا إشكال حينئذ في جواز بيع كل منها مرابحة بما يخصه، كما في التنقيح.

إلا أن يكون لاجتماع الصفقة دخل في زيادة الثمن، كما لو تفاضلت الثياب في الفرض، فكانت خمسة جيدة قيمة كل منها اثنا عشر درهماً، وخمسة رديئة قيمة كل منها ثمانية دراهم، فاشتراها صفقة كل واحد بعشرة دراهم.

حيث لا يجوز بيع الرديء بعشرة من دون إعلام بالحال، لأنه تدليس.

وهو خارج عن مفروض كلام التنقيح.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 21 من أبواب أحكام العقود حديث: 1، 2، 5.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 21 من أبواب أحكام العقود حديث: 1، 2، 5.

(3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 21 من أبواب أحكام العقود حديث: 1، 2، 5.

ص: 161

اذا تبين كذب البايع في اخباره براس المال

إلا بعد الإعلام (1).

(مسألة 6): إذا تبين كذب البائع في إخباره برأس المال كما إذا أخبر أن رأس ماله مائة وباع بربح عشرة، وكان في الواقع رأس المال تسعين صح البيع (2)، وتخير المشتري بين فسخ البيع وإمضائه بتمام الثمن المذكور في العقد (3)، وهو مائة وعشرة.

---------------

(1) فقد صرح جمهور الأصحاب بجوازه، وفي التذكرة دعوي الإجماع عليه.

لكن في السرائر: «هذا ليس بيع المرابحة، لأن بيع المرابحة موضوعه في الشرع أن يخبر بالثمن الذي اشتراه به، وهذا ليس كذلك».

فإن أراد بذلك عدم صحة البيع المذكور كما قد يظهر من الروضة فيدفعه النصوص المتقدمة وغيرها.

وإن أراد بذلك عدم وقوعه مرابحة وإن صح كما هو صريح النافع فهو لو تم نزاع لفظي، كما في المختلف.

علي أنه لا يخلو عن إشكال، لخروجه عن ظاهر النصوص المتقدمة وكلام الفقهاء في الفروع المختلفة المبنية علي التقويم دون الثمن الحقيقي، ويأتي بعضها، كما نبّه لذلك في الجواهر.

بقي شيء.

وهو أن ذلك يجري في المواضعة والتولية، كما صرح به في القواعد والتنقيح.

ويظهر الوجه فيه مما سبق من عدم صدق الثمن بالتقويم.

بل قد يستفاد من النصوص المتقدمة إلغاء خصوصية موردها عرفاً.

(2) بلا خلاف علي الظاهر، كما مفتاح الكرامة والجواهر، بل استظهر في الأول الإجماع عليه.

وهو يبتني علي أن تخلف عنوان أحد العوضين المأخوذ حين البيع لا يوجب بطلانه إذا لم يكن مقوماً له، نظير ما إذا باعه العبد علي أنه كاتب فبان غير كاتب.

وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في مبحث حرمة الغش من المكاسب المحرمة وغيره.

(3) كما في الشرائع والقواعد والتذكرة والمختلف والإرشاد والدروس واللمعتين والمسالك وغيرها، ونسبه في مفتاح الكرامة للفاضلين ومن تأخر عنهما.

ص: 162

(163)

واستدل بأن البيع وقع علي الثمن المذكور في العقد، فثبت.

غاية الأمر أن للمشتري الخيار، للغش، أو تخلف الوصف الذي بني عليه العقد.

هذا وعن ابن الجنيد أنه لو أقرّ البائع أو قامت البينة علي أن الثمن أقل لزم الأقل وما يناسبه من الربح دون الأكثر المذكور في العقد.

وهو الصريح من المبسوط والخلاف مع اعتراف البائع بالغلط، بل يظهر من مساق كلامهما العموم لغير الغلط أيضاً.

ويبدو منهما أن ذلك ملازم لفرض كون البيع مرابحة، لابتناء المرابحة علي كون الثمن هو رأس المال الحقيقي مع ما يناسبه من الربح، والمفروض أن رأس المال هو الأقل.

كما قد يظهر من الخلاف التفصيل بين ما إذا قال: بعتك بمائة وعشرة، وما إذا قال: بعتك برأس مالي وزيادة العشرة واحداً، مع الجزم في الثاني بثبوت الأقل.

والذي ينبغي أن يقال: المورد من صغريات ما إذا اختلف العنوانان المأخوذان في موضوع العقد، كما لو باعه هذا العبد الكاتب، فبان غير كاتب، أو باعه هذا الفرس فبان حماراً، أو زوجه بنته الكبري زينب، فظهر أن الكبري هند والصغري زينب.

.

.

إلي غير ذلك، حيث يتعين عندهم تقدم العنوان المقصود بالأصل المقوم لموضوع العقد عرفاً، وترتب الأثر عليه لو سلم، كما في العبد في المثال الأول، وبطلان العقد لو لم يسلم، كما في الفرس في المثال الثاني.

علي ذلك فأخذ المائة دينار مثلاً علي أن تكون هي رأس المال الذي ينسب إليه الربح ثمناً في المرابحة إن رجع إلي كون المقصود بالأصل في الثمنية هي المائة دينار، وكونها رأس المال صفة زائدة مقصودة غير مقومة للموضوع كالكتابة في العبد في المثال السابق تعين صحة العقد وثبوت المائة وما يناسبها من الربح، وهو العشرة في المثال دون رأس المال الحقيقي.

وإن رجع إلي كون المقصود بالأصل هو رأس المال، وكونه المائة دينار صفة زائدة، كان موضوع العقد هو رأس المال الحقيقي وما يناسبه من الربح، دون المائة دينار وما يناسبها.

والظاهر الأول في المقام وفي جميع أخذ المقادير معياراً في المعاوضات.

ولذا

ص: 163

تقدم في المسألة الثالثة من الفصل الثاني أنه لو تبين خطأ البائع في إخباره بمقدار المبيع تعين مع النقيصة تبعض الصفقة للمشتري ورجوع ما يقابلها من الثمن له، ومع الزيادة بقاؤها في ملك البائع وشركته في المبيع بنسبتها.

ومجرد ابتناء البيع علي ملاحظة رأس المال، لا ينافي ذلك، حيث هو لا يزيد عن ملاحظة شخص المبيع المقدر في موضوع العقد، بل ابتناء المبيع علي خصوصية شخصه أظهر.

غاية الأمر أن يثبت به الخيار كما في سائر الأمور التي يبتني عليها العقد من دون أن تكون ركناً فيه.

وأما خصوصية المرابحة فهي غير مقومة للبيع، بل قوامه المعاوضة بين الطرفين، والخصوصية المذكورة يبتني عليها البيع كما يبتني علي كثير من الأمور الخارجة عنه مما يوجب تخلفه الخيار دون البطلان.

علي أنها لو كانت مقومة له تعين البطلان، لتنافي مضمون العقد بملاحظة ما ذكرنا من تقومه بالثمن المعين أيضاً.

أما وقوع العقد علي الثمن الآخر فلا يتضح وجهه بعد عدم ملاحظته في البيع.

ولذا لا يظن بأحد البناء علي أنه لو باعه بمائة مثلاً علي أنها الثمن الذي باع بمثله علي زيد، يكون الثمن تسعين لو كان قد باع علي زيد بها.

فلاحظ.

بقي في المقام أمران: الأول: قال في التذكرة: «وإذا ثبت الخيار فلو قال البايع: لا تفسخ فإني أحط الزيادة سقط الخيار».

وقد تقدم من بعضهم نظيره في خيار الغبن.

وكأنه لارتفاع الضرر بناء علي أنه الدليل علي الخيار في المقام.

لكنه ليس كذلك، ضرورة أن البيع مع الزيادة قد لا يكون ضررياً.

بل منشأ الخيار هو خروج عقد البيع عما ابتني عليه، الموجب ارتكازاً لخلل فيه مانع من لزومه، وبذل الزيادة لا يخرج عقد البيع عن ذلك.

الثاني: لو ظهر خطأ البائع بالنقيصة، وأن الثمن أكثر مما عينه، تعين البناء علي صحة البيع مع ثبوت الخيار للبائع.

لعين ما سبق.

غايته أنه لا يقبل منه دعوي ذلك،

ص: 164

(165)

كيفية معرفة راس مال السلعة

(مسألة 7): إذا اشتري سلعة بثمن معين مثل مائة درهم ولم يعمل فيها شيئاً كان ذلك رأس مالها، وجاز له الإخبار بذلك (1).

أما إذا عمل في السلعة عملاً، فإن كان بأجرة جاز ضم الأجرة إلي رأس المال، فإذا كانت الأجرة عشرة جاز له أن يقول: بعتك السلعة برأس مالها مائة وعشرة (2) وربح كذا، وإن

---------------

لمنافاته لإقراره.

بل قد لا تكفي البينة إذا احتمل خطؤها، حيث لا تسمع البينة مع الإقرار.

فينحصر الأمر بما إذا علم بخطأ الإقرار المسقط له عن الحجية، أو فرض إقرار المشتري بالزيادة، حيث يتساقط الإقراران بالتعارض لو فرض تشاحهما.

ويكون المرجع استصحاب أثر العقد وعدم بطلانه بالفسخ أو ما يخرج عنه من بينة أو نحوها.

فلاحظ.

(1) قطعاً، لأنه الثمن الحقيقي الذي عليه المدار في المرابحة وأختيها.

(2) كما في المختلف والدروس، وحكاه في المبسوط قولاً ومنع منه، كما منع منه في التذكرة وجامع المقاصد وظاهر الوسيلة والشرائع والقواعد والإرشاد وغيرها.

ومبني الخلاف أن رأس المال هل يختص بالثمن أو يعم المؤن المصروفة في صلاح الشيء وما يزيد قيمته ؟ قال في الجواهر: «والظاهر اختلاف ذلك باختلاف الأمكنة والأزمنة».

لكن من البعيد جداً صدق رأس المال علي ذلك حقيقة وصدقه مجازاً يحتاج إلي قرينة، وهي التي تختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة.

هذا وقد صرح غير واحد ممن منع من التعبير برأس المال بأنه يجوز حينئذ بيعه مرابحة، لكن يقول: قد تقوم علي بكذا أو نحو ذلك.

وقد يشكل بخروجه عن وضع المرابحة، لابتناء المرابحة علي إضافة الربح إلي الثمن دون غيره.

ويظهر الجواب عنه مما تقدم في المسألة الخامسة.

ص: 165

كان العمل بنفسه وكان له أجرة لم يجز له أن يضم الأجرة إلي رأس المال (1)، بل يقول: رأس المال مائة، وعملي يساوي كذا (2)، وبعتكها بما ذكر وربح كذا (3).

وإذا اشتري معيباً فرجع علي البائع بالأرش كان الثمن ما بقي

---------------

وأظهر من ذلك ما إذا اقتصر علي ثمن الشراء، وذكر أجرة العمل مع الربح، كما لو قال: اشتريته بكذا وخطته مثلاً بكذا وأبيعه بربح كذا، حيث يرجع ذلك إلي أن الربح علي الثمن الحقيقي كل من أجرة الخياطة والربح المجعول.

فترتفع الشبهة، كما يأتي نظيره من الجواهر.

(1) كما صرح به جماعة، بل الظاهر عدم الإشكال فيه.

قال في الجواهر: «إذ لا ريب في الكذب...».

ومثله ما إذا عمل فيه غيره مجاناً، كما نبّه له غير واحد.

(2) إن رجع ذلك إلي بيان قيمة العمل لزم الاقتصار علي أجرة المثل.

وتعين ثبوت الخيار للمشتري لو ظهر أقل، وللبائع لو ظهر أكثر، لتخلف ما ابتني عليه البيع.

وإن رجع إلي بيان ما يقترحه في مقابل العمل لم يجب الاقتصار علي أجرة المثل، ولا موضوع للخيار، كما نبّه لذلك في الجملة في الجواهر.

(3) كما صرح به غير واحد.

قال في الجواهر: «وقد يشكل بخروجه عن وضع المرابحة، الذي يعتبر فيه ذكر ما يغرمه البائع علي المبيع من حيث التجارة، والفرض عدم الغرامة هنا.

ويندفع بمنع اعتبار الاقتصار علي ذلك فيها.

لإطلاق الأدلة الذي لا ريب في شموله للفرض الذي هو زيادة في الربح في الحقيقة عند التحليل، وإن جعله صورة في مقابل العمل، كما هو واضح».

وقد أشار بذلك إلي نظير ما ذكرناه آنفاً في فرض التصريح بأجرة العمل.

بقي شيء.

وهو أن ذلك قد يجري في غير أجرة العمل في المبيع من النفقات المتعارفة في شؤون التجارة، كأجرة النقل والحراسة وأجرة المكان الذي يحفظ فيه ونحو ذلك، كما نبه له غير واحد.

وإن كان الظاهر توقف ذلك علي تعارف إضافته،

ص: 166

بعد الأرش (1).

ولو أسقط البائع بعض الثمن تفضلاً منه، أو مجازاة علي الإحسان لم يسقط ذلك من الثمن، بل رأس المال هو الثمن في العقد (2).

---------------

بحيث يكون كالقرينة العامة علي دخوله عند الإخبار بأنه قام عليه بكذا، أو التنبيه لإضافته صريحاً.

فلاحظ.

(1) كما في المبسوط والشرائع والتذكرة وغيرها.

لأن الثمن الحقيقي وإن كان هو المجموع بناءً علي ما سبق من استحقاق الأرش تعبداً بحكم الشارع، من دون أن يكون جزءاً من الثمن إلا أنه ينصرف في مثل المقام إلي خصوص ما بقي له بعد الأرش.

هذا ولو لم يأخذ الأرش الذي استحقه لتعذر أخذه عليه لم يبعد صحة الإخبار بالثمن الذي وقع عليه البيع، لعدم سلامة شيء منه له.

أما لو أسقط تفضلاً فإشكال.

والأحوط أن يخبر بالعيب وأنه لم يأخذ أرشه.

نعم لو لم يعلم المشتري بالعيب أو تخيل حدوثه عنده، ثم باعه مرابحة بالثمن الذي وقع عليه العقد، والتفت بعد ذلك للعيب ورجع بالأرش علي البائع لم يجب عليه إرجاع مقداره للمشتري، لعدم التدليس منه، وصحة عقد المرابحة علي الثمن الذي وقع عليه.

غاية الأمر أنه يجري حكم العيب في حق المشتري الثاني.

ونظير ذلك ما إذا عيب المبيع بعد الشراء، فأخذ الأرش أو لم يأخذه، حيث لا يجوز الإخبار بثمن الشراء من دون تنبيه إلي أن الشراء كان قبل حدوث العيب كما نبه لذلك في المبسوط والتذكرة والدروس وغيرها.

لأن المنصرف من الإخبار بالثمن في المرابحة وأختيها هو ثمن المبيع علي النحو الذي هو عليه حين بيعه ثانياً، دون ثمن شرائه قبل تغيره وطروء النقص أو الزيادة عليه.

ولذا سبق إضافة أجرة العمل، حيث يذكر تقومه عليه بالمجموع من ثمنه الحقيقي والأجرة.

(2) كما في الشرائع والقواعد والتذكرة والمختلف حاكياً له عن والده والدروس وغيرها.

لأنه إحسان مستقل عن البيع لا أثر له في تعيين الثمن.

ص: 167

وفصل في المبسوط وظاهر الخلاف والغنية بين الإسقاط قبل لزوم العقد والإسقاط بعد لزومه، فيستثني من الثمن في الأول دون الثاني.

وصرح غير واحد بابتناء ذلك علي حصول النقل بالعقد كما سبق أو بمضي زمان الخيار.

لكنه غير ظاهر فإن توقف الملك علي مضي زمن الخيار لا ينافي كون الثمن هو تمام ما وقع عليه العقد، ولا يقتضي خروج المقدار الذي أسقطه عن كونه ثمناً، كما نبّه لذلك في مفتاح الكرامة وغيره.

نعم الإبراء من الثمن فرع ملكية البائع له، فلا يصح في زمن الخيار بناء علي عدم حصول الملك فيه.

فلاحظ.

وأشكل من ذلك ما حكاه في المختلف عن ابن البراج من أن هبة الثمن بتمامه للمشتري لا تمنعه من بيعه مرابحة بتمام الثمن أما مع هبة بعض الثمن له أو إسقاطه عنه فلا يبعد مرابحة إلا بالباقي.

إذ هو خال عن المنشأ.

نعم لو كان إسقاط البعض في زمن الخيار أو بعده إرضاء للمشتري من أجل أن لا يرجع بالبيع لم يبعد انصراف الثمن في المرابحة وأختيها عن المقدار الذي أسقط.

وكذا إذا تعارف إسقاط بعض الثمن عند تسليمه، بحيث يعد من شؤون المعاملة وتوابعها.

بقي شيء.

وهو أن ما سبق في المسائل الثلاث الأخيرة كما يجري في المرابحة يجري في المواضعة والتولية، لأنها علي نهج واحد في نحو ارتباطها بالثمن، كما نبه لذلك بعضهم في الجملة.

ولعل عدم تنبيه سيدنا المصنف (قده) لذلك لوضوحه.

ص: 168

(169) (169)

الفصل التاسع/ الربا

اشارة

وهو قسمان (1): الأول: ما يكون في المعاملة.

الثاني: ما يكون في القرض.

-

(1) لا إشكال في عموم حرمة الربا للقليل والكثير، كما يظهر بملاحظة الكتاب المجيد والسنة الشريفة وإجماع المسلمين.

وقد ينافي ذلك قوله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(1).

حيث يقرب ظهور التقييد في الآية الشريفة في الحصر، فإن مناسبة كون الربا أضعافاً مضاعفة للتحريم يوجب إشعار التقييد به أو ظهوره في قصر التحريم عليه، حيث لا يظهر وجه التقييد به غير ذلك.

ولاسيما أن الآية قد تضمنت أصل التحريم، لا تأكيده وتشديده، ليكون القيد مناسباً لشدة التحريم من دون أن ينافي عموم أصل التحريم لفاقد القيد.

نظير قوله تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَي ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ

********

(1) سورة آل عمران الآية: 130.

ص: 169

سَعِيرًا)(1).

حيث يكون التقييد باليتيم مناسباً لشدة التحريم الذي يظهر من الآية الشريفة، من دون أن ينافي عموم تحريم أكل مال الغير ظلماً.

ومن هنا يظهر من المفسرين وغيرهم حمل القيد علي بيان ما قد يؤول إليه الربا من التضاعف بطول المدة، أو غير ذلك مما هو خلاف الظاهر جداً، ولا مسوغ له لولا قيام الضرورة علي عموم حرمة الربا.

ولعل الأقرب بعد ملاحظة جميع الآيات الواردة في الربا والمقارنة بينهما هو البناء علي أن تشريع تحريم الربا ابتني علي التدرج، فشرع في أول الأمر تحريم أكل الربا إذا كثر وتضاعف نتيجة طول المدة، بحيث يجحف بالمأخوذ منه، كما تضمنته الآية الشريفة، لأن ذلك أحري بتقبل الناس للتحريم، ثم عمم التحريم لجميع صنوف الربا وأفراده.

كما قد يناسبه قوله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ * وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَي مَيْسَرَةٍ...)(2).

فإن الآية الأولي من هذه الآيات الشريفة كالصريحة في تعميم التحريم للباقي من الربا، لا في تشريع أصل تحريم الربا.

كما أن سياق الآيات يناسب نزولها لبيان حكم المتورط في الربا، لا للنهي عن إيقاعه ابتداءً، وإن كان ذلك يستفاد منها تبعاً.

ويناسب ذلك أن لسان الآيات الشاملة لجميع أقسام الربا لا يناسب تشريع تحريمه، بل تأكيد تحريمه والتشجيع علي تركه، والتشديد في الإنكار علي من يقوم به.

وذلك بطبيعته متأخر عن تشريع التحريم.

فلاحظ قوله تعالي: (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ

********

(1) سورة النساء الآية: 10.

(2) سورة البقرة الآية: 278-280.

ص: 170

تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ)(1) ، وقوله عز وجل: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْْ جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَانتَهَيَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَي اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)(2).

هذا ما يظهر لنا بلحاظ ألسنة الآيات الشريفة، وإن لم يتيسر لنا عاجلاً العثور علي شاهد له من النصوص، ولا من التاريخ، ولا من كلام المفسرين.

والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

ومنه نستمد التوفيق والتسديد.

بقي شيء.

وهو أن الظاهر مفروغية الأصحاب عن اختصاص التحريم بالقسمين المذكورين، كما يشهد به الرجوع لكلماتهم في تعريفه.

ويقتضيه عمومات الصحة وأصالة البراءة من الحرمة التكليفية بعد اختصاص النصوص والفتاوي المانعية بهذين القسمين.

ودعوي: أن الربا لما كان هو الزيادة لغة، فمقتضي الإطلاقات المانعة عنه العموم لكل زيادة ولو في غير القسمين المذكورين.

فلابد في إثبات الجواز فيما خرج عن القسمين من الدليل المخرج عن الإطلاقات المذكورة.

مدفوعة بأن وضوح ابتناء المعاملات علي المماكسة والاسترباح يمنع من انعقاد الظهور للإطلاقات المذكورة في العموم لكل زيادة، ويلزم بحملها علي زيادة خاصة، فتكون مجملة من هذه الجهة، أو يكون ذلك قرينة علي كون المراد بها الزيادة المعهودة، والمتيقن منها ما يكون في هذين القسمين لا غير.

ثم إنه لا إشكال في حرمة القسمين منه تكليفاً، كما هو مقتضي النهي عن الربا في الكتاب المجيد والسنة المستفيضة أو المتواترة، بنحو يظهر في خصوصية الربا في

********

(1) سورة الروم الآية: 39.

(2) سورة البقرة الآية: 275-276.

ص: 171

الكلام في الربا المعاملي

التحريم زائداً علي حرمة أكل مال الغير اللازم من بطلان المعاملة، كما يظهر من مثل صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: درهم ربا [عند الله.

يب] أشد من سبعين زنية كلها بذات محرم»(1) ، وغيره.

ومنه ما تضمن سوق التحريم في حق الآكل والدافع والكاتب والشاهدين في مساق واحد(2) ، مع وضوح أنه لا موضوع فيه لتحريم أكل مال الغير في حق من عدا الأول.

كما لا إشكال في حرمة كلا القسمين منه وضعاً بمعني بطلان المعاملة، لا من جهة النهي التكليفي المذكور.

لما هو التحقيق من عدم اقتضاء النهي في المعاملة الفساد.

بل لصراحة الأدلة في عدم استحقاق الزيادة.

كقوله تعالي: (وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)(3) ، وما ورد من وجوب رد الربا إلي أهله في الجملة(4) ، وغير ذلك.

نعم قد يقع الكلام في أن البطلان هل يختص بالزيادة، أو يسري للمعاملة بتمامها.

حيث قد يدعي أن الربا لما كان هو الزيادة لغة فتحريمه وضعاً إنما يقتضي عدم استحقاقها، ولا ملزم بالبناء علي بطلان المعاملة بتمامها.

فمن اشتري مناً من الحنطة الجيدة بمنين منّ الحنطة الرديئة، ملك من الحنطة الجيدة مقابل منّ من الحنطة الرديئة، ومن اشتري مناً من الحنطة الجيدة بمن من الحنطة الرديئة بشرط أن يطحن الرديئة ملك الحنطة الجيدة بالحنطة الرديئة، ولم يجب عليه طحن الرديئة، لحرمة الشرط وبطلانه، بناءً في الأخير علي ما هو الظاهر من أن الشرط الفاسد لا يفسد العقد.

لكن النظر في نصوص المقام يشهد بأن موضوع النهي ليس هو الزيادة فقط، بل المعاملة المشتملة عليها المتضمنة للبيع أو التبديل أو نحوهما.

والتعبير عنها بالربا في بعض الأدلة إما أن يبتني علي تسمية السبب بالمسبب عرفاً أو شرعاً، أو إطلاقه عليه

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 1 من أبواب أحكام العقود حديث: 1، 4.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 1 من أبواب أحكام العقود حديث: 1، 4.

(3) سورة البقرة الآية: 279.

(4) راجع: وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب الربا.

ص: 172

(173)

أما الأول: فهو بيع أحد المثلين بالآخر مع زيادة عينية في أحدهما (1)،

---------------

توسعاً.

وعدم كون الشرط الفاسد مفسداً إنما يجري فيما إذا كان المحذور في الشرط نفسه، كاشتراط الولاء أو عدم الميراث في البيع، دون ما إذا كان المحذور في المعاملة نفسها، بحيث يخرجها الشرط من معاملة مشروعة إلي معاملة غير مشروعة، كما في المقام.

وأشكل من ذلك بيع الربويين مع الزيادة العينية.

فإن صحة البيع من دون زيادة مما لا مجال له بعد عدم القصد إليه، ولا يقاس بتبعض الصفقة، لابتناء تبعض الصفقة علي تحليل المعاملة ومقابلة كل جزء من المبيع بما يناسبه من الثمن، فإذا صح البيع في بعض المبيع دون بعض ثبت من الثمن ما يقابل ما صح فيه البيع، وسقط ما يقابل الآخر.

أما في المقام فالمدعي هو صحة البيع في تمام أحد العوضين وبعض الآخر.

كما نبّه لذلك كله في الجواهر.

فلاحظ.

نعم لا يبعد جريان ذلك في القرض الربوي، حيث لا يبعد انحلال المعاملة إلي أمرين: القرض المقتضي لتملك المال المقترض في مقابل المثل، واشتراط الزيادة، فيصح القرض، ويملك المال المقترض في مقابل المثل، ويكون المحرم تكليفاً ووضعاً هو اشتراط الزيادة.

لأن ظاهر الأدلة أو المتيقن منها هو النهي عن اشتراط الزيادة، وحرمة الشرط وبطلانه لا يقتضي بطلان العقد في مثل ذلك، كما تقدم في مبحث الشروط.

فلاحظ.

(1) بلا إشكال ظاهر بملاحظة النصوص والفتاوي.

ففي صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث أنه قال: «يا عمر قد أحل الله البيع وحرم الربا.

بع واربح ولا تربه.

قلت: وما الربا؟ قال: دراهم بدراهم مثلين بمثل، وحنطة بحنطة مثلين بمثل»(1).

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 6 من أبواب الربا حديث: 2.

ص: 173

كبيع منّ من الحنطة بمنّين، أو منّ من الحنطة بمنّ ودرهم (1)، أو زيادة

---------------

(1) إذ الظاهر عدم الإشكال ولا الخلاف في عموم حرمة الزيادة العينية لما إذا كانت من غير الجنس، كما في هذا المثال.

لظهور غير واحد من النصوص في انحصار الصحة مع اتحاد الجنس بما إذا كان العوضان متماثلين في المقدار، لا في مجرد مانعية زيادة أحد الجنسين في المقدار علي الآخر.

ففي صحيح أبي بصير وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام):

«قال: الحنطة والشعير رأس برأس لا يزداد واحد منهما علي الآخر» (1) ، وفي صحيح الحلبي عنه (عليه السلام) قال:

«لا يباع مختومان من شعير بمختوم من حنطة، ولا يباع إلا مثلاً [مثل] بمثل.

والتمر [الثمن] مثل ذلك...» (2) ونحوهما غيرهما.

ومن الظاهر عدم صدق المماثلة في المقدار مع الزيادة العينية ولو من غير الجنس.

نعم قد ينافي ذلك ما في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «سألته عن رجل يأتي بالدراهم إلي الصيرفي فيقول له: آخذ منك المائة بمائة وعشرين أو بمائة وخمسة، حتي يرواضه علي الذي يريد.

فإذا فرغ جعل مكان الدراهم الزيادة ديناراً أو ذهباً، ثم قال له: قد زاددتك [راددتك.

يب] البيع، وإنما أبايعك علي هذا، لأن الأول لا يصلح، أو لم يقل ذلك وجعل ذهباً مكان الدراهم.

فقال: إذا كان آخر [إجراء.

يب] البيع علي الحلال فلا بأس بذلك...»(3).

لظهوره في الاقتصار في الجنس الآخر وهو الذهب علي الزيادة مع التماثل بين الدراهم.

لكن لابد من طرحه أو حمله علي عدم الاقتصار في الذهب علي الزيادة، كما يظهر بملاحظة النصوص والفتاوي في الطرق التي يتخلص بها من الربا.

وفي صحيح محمد: «سئل عن السيف المحلي والسيف الحديد المموه بالفضة

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 8 من أبواب الربا حديث: 3، 4.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 8 من أبواب الربا حديث: 3، 4.

(3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 7 من أبواب الصرف حديث: 3.

ص: 174

(175)

حكمية (1) كبيع منّ من حنطة نقداً بمنّ من حنطة نسيئة.

وهل يختص

---------------

نبيعه بالدراهم فقال: نعم، وبالذهب [بع بالذهب].

وقال: إنه يكره أن تبيعه بنسية.

وقال: إذا كان الثمن أكثر من الفضة فلا بأس»(1) ونحوه غيره(2).

(1) الزيادة الحكمية.

.

تارة: يراد بها الزيادة في أحد العوضين بنفسه أو بعمل فيه من دون زيادة في ملكية من صار إليه زائدة علي ملكيته له، ككون احد العوضين جيداً نوعاً أو مطبوخاً أو مطحوناً أو مغسولاً.

ولا إشكال في عدم مانعية الزيادة المذكورة، وخروجها عن محل الكلام فيجوز، بل يجب.

مثلاً بيع الحنطة الجيدة بالحنطة الرديئة مثلاً بمثل، وبيع الحنطة بالدقيق مثلاً بمثل، ونحو لذلك.

وأخري: يراد بها الزيادة في ملكية أحد المتعاقدين بسبب الشرط له علي الآخر كما إذا تبايعا مناً من الحنطة بمن منها، واشتراط تأجيل الثمن أو التصدق بأحد العوضين أو طحنه أو غزله إلي غير ذلك.

فالزيادة في المقام ليست في أحد العوضين، بل فيما يملكه أحد المتبايعين نتيجة الشرط الذي تضمنه البيع.

ويظهر من غير واحد مانعية ذلك ودخوله في الربا.

بل في الجواهر أنه لا خلاف محقق معتد به في ذلك.

وكأنه أشار بنفي الخلاف المحقق إلي ما في الخلاف من كراهة بيع المتماثلين في المقدار من جنس واحد نسيئة، وما في المبسوط من أن الأحوط أن يكون يداً بيد، حيث قال في الدروس: «وأوّل كلامه بإدارة التحريم، لأن المسألة إجماعية».

ولاسيما مع ما في النهاية من عدم جواز بيع غير الربويين كالحيوان والثياب مع اتحاد الجنس متماثلاً نسيئة، ونحوه في المراسم، وسبقه إلي ذلك في المقنعة.

بل مقتضي إطلاق كلامه العموم لصورة التفاصيل، كما هو صريح الخلاف، وكذا الغنية في الحيوان.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 15 من أبواب الصرف حديث: 4.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 15 من أبواب الصرف حديث: 1، وباب: 20 من أبواب الربا حديث: 1.

ص: 175

وكأنه أشار بنفي الخلاف المعتد به إلي ما في السرائر في مسألة بيع درهم بدرهم مع اشتراط صياغة خاتم أو غير ذلك، حيث قال في توجيه الفتوي بالجواز: «إن الربا هو الزيادة في العين إذا كان الجنس واحداً، وههنا لا زيادة في العين... ويمكن أن يحتج بصحته بقوله تعالي: (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا).

وهذا بيع، والربا المنهي عنه غير موجود ههنا، لا حقيقة لغوية ولا حقيقية عرفية شرعية».

وهو صريح في اختصاص الزيادة بالعينية.

نعم ردّ عليه غير واحد بعموم الربا للزيادة الحكمية.

ولعله لذا لم يعتد في الجواهر بخلافه.

هذا والنظر في كلماتهم يشهد بخصوصية النسيئة عندهم في المنع، لا من جهة لزوم الربا، ولذا عمم غير واحد المنع لغير الربويين، كما تقدم منهم آنفاً، ويناسبه بعض النصوص.

ويأتي الكلام في ذلك عند الكلام في شرطية الكيل والوزن في تحقق الربا في المعاملة إن شاء الله تعالي.

وأما ما سبق من غير واحد من عموم الزيادة الربوية للزيادة الحكمية، بل قد يظهر من بعضهم المفروغية عنه، فإن كان الوجه فيه صدق الربا بالزيادة المذكورة، لأن الربا مطلق الزيادة، فقد سبق منّا أن الربا وإن كان هو الزيادة لغة، إلا أنه لا مجال لحمل أدلته علي الإطلاق المذكور، بل لابد من حملها علي خصوص زيادة معهودة تستفاد من النصوص أو غيرها من الأدلة التعبدية، والمتيقن منه هي الزيادة العينية.

ولاسيما مع ما تقدم من عدم مانعية الزيادة الحكمية القائمة بنفس العوضين، كالجودة والرداء والصنعة ونحوها، لصعوبة الفرق بينهما ارتكازاً.

ومع أن الزيادة مع الشرط لو كانت معياراً في الربا كالزيادة العينية لكان المناسب مقابلتها للزيادة العينية في أحد العوضين، فيجوز مثلاً بيع منّ من الحنطة بشرط طحنه بمنين منها من دون شرط، ولا يظهر منه البناء علي ذلك.

بل هو مخالف لإطلاق النصوص المتضمنة اعتبار المماثلة مع اتحاد الجنس.

وأما ما يظهر من بعض كلماتهم من المفروغية عنه، أو دعوي الإجماع عليه، فهو

ص: 176

لا ينهض دليلاً في المقام بعد قرب ابتنائه علي ما عرفت الإشكال فيه من استفادته من إطلاق أدلة الربا أو من كلامهم في النسيئة.

ولاسيما مع ما سبق من السرائر، ومع ما ذكره في النهاية وتبعه جماعة من أنه يجوز أن يبيع درهم بدرهم ويشترط معه صياغة خاتم أو غير ذلك من الأشياء.

نعم يظهر من غير واحد خروج ذلك عن القاعدة، لحديث أبي الصباح الكناني: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقول للصائغ: صغ لي هذا الخاتم، وأبدل لك درهماً طازجاً بدرهم غلة.

قال: لا بأس»(1).

لكن ذلك لا يناسب مساق ما سبق من النهاية وغيره، حيث لم يتقيد بمورد الحديث ولا بمفاده.

لظهور أن مفاد الحديث جعل البيع في مقابل الصياغة، نظير الجعالة عليها، لا جعل الصياغة شرطاً في البيع كما هو موضوع ما سبق من النهاية وغيره.

ونبه لذلك في الدروس.

كما أن مورد الحديث خصوص صياغة الخاتم ومورد كلام النهاية وبعض من وافقه الأعم.

ومثله ما في الجواهر من الاستدلال عليه بالنصوص.

قال: «وفي صحيح عبد الرحمن: إن الناس لم يختلفوا في النسيء أنه الربا، كما في خبره الآخر: جاء الربا من قبل الشروط، وإنما تفسده الشروط».

وقد أشار بالأول إلي صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «سألته عن السيوف المحلاة فيها الفضة تباع بالذهب إلي أجل مسمي.

فقال: إن الناس لم يختلفوا في النساء [النسيء] أنه الربا، وإنما اختلفوا في اليد باليد...»(1).

وهو كما تري وارد في اختلاف الجنس، لفرض كون الحلية فضة، والسيف حديداً وثمن الكل ذهباً، ولا ربا مع ذلك.

ومن ثم لا يخلو عن إجمال.

ولا أقل من كون تطبيقه مع النسيء تعبدياً، لخصوصية في النسيء، كما أشرنا إليه، فلا يتعدي منه(2)

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 13 من أبواب الصرف حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 15 من أبواب الصرف حديث: 1.

ص: 177

لسائر الشروط.

علي أنه معارض بنصوص آخر تتضمن الجواز ومن ثم سبق أن للنسيئة خصوصية في المقام، ويأتي الكلام فيها.

وأما الثاني فلم نعثر علي ما يناسبه إلا صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقترض من الرجل الدراهم فيرد عليه المثقال، أو يستقرض المثقال فيرد عليه الدراهم.

فقال: إذا لم يكن شرط فلا بأس...»(1) ، وخبر لابن الحجاج: «سألته عن الرجل كانت لي عليه مائة درهم عدداً قضانيها مائة وزناً.

قال: لا بأس ما لم يشترط.

قال: وقال: جاء الربا من قبل الشروط.

إنما يفسده الشروط»(2) ، ونحوهما غيرهما.

وهي واردة في الدين الربوي المبني علي الزيادة العينية أو ما يعم الوصف، الذي لا إشكال في دوران الربا فيه مدار الشرط، وهو غير ما نحن فيه من البيع في الربويين المتضمن لشرط خارج عن العوضين مع فرض التماثل بينهما.

ومن هنا يشكل البناء علي عموم الزيادة الموجبة للربا في المعاملة للزيادة الحكمية الحاصلة من الشرط.

ولاسيما مع ورود جواز ذلك في الجملة في الدين، حيث ورد جواز إقراض المال واشتراط وفائه في موضع آخر غير الذي اقترض فيه(3).

بل في صحيح الحلبي: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام): عن الرجل يستبدل الكوفية بالشامية وزناً بوزن، فيقول الصيرفي: لا أبدل لك حتي تبدل لي يوسفية بغلة وزناً بوزن.

فقال: لا بأس به»(4).

فإنه صريح في جواز الشرط في المعاوضة بين الربويين.

ومثله ما تقدم في حديث أبي الصباح بناءً علي كونه مما نحن فيه أو ملحق به حكماً.

وفي صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في حديث: «وكره أن يباع التمر بالرطب عاجلاً بمثل كيله إلي أجل، من أجل أن الرطب ييبس، فينقص

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 12 من أبواب الصرف حديث: 7، 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 12 من أبواب الصرف حديث: 7، 1.

(3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 12 من أبواب الصرف حديث: 7.

(4) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 7 من أبواب الصرف حديث: 1.

ص: 178

تحريمه بالبيع أو يجري في غيره من المعاوضات ؟ قولان (1).

والأظهر

---------------

من كيله»(1).

فإنه مشعر أو ظاهر في جواز النسيئة في الربويين إذا لم يختلفا في الرطوبة والجفاف.

نعم إذا كان الشرط عملاً له مالية كالخياطة، أو تمليكاً لمال، كما لو باع منّاً من الحنطة الجيدة بمنّ من الحنطة الردئية واشترط علي المشتري أن يعطيه درهماً، لم يبعد منافاته للمماثلة عرفاً.

ولعله إلي ذلك يرجع ما ذكره السيد الطباطبائي (قده) من الاقتصار علي شرط الزيادة العينية أو ما بمنزلتها.

فلاحظ.

ثم إنه لو فرض البناء علي العموم المذكور فمقتضاه عدم تحقق الربا مع الشرط من الطرفين، كما لو باع زيد عمراً منّاً من القطن بمنّ منه، واشترط زيد علي عمر أن يندف القطن الثمن، واشترط عمرو علي زيد أن يغزل القطن المثمن.

لكون الزيادة الحكمية في حق كل منهما مقابلة بالزيادة الحكمية في حق الآخر، من دون فرق بين تساوي الأمرين المشروطين في القيمة واختلافها.

لاختلاف الجنس وعدم كونهما من المكيل ولا الموزون.

لكن قال السيد الطباطبائي (قده): «لكنه مشكل، خصوصاً مع تفاوتهما كثيراً».

ولم يتضح وجهه.

ثم إنه إنما يتعين المنع من البيع نسيئة في مفروض الكلام بناءً علي تحقق الزيادة الحكمية إذا كان تأجيل الثمن حقاً لأحدهما فقط.

أما إذا كان حقاً لهما معاً كما سبق فرضه في المسألة الأولي من الفصل الثامن فالمتعين الجواز، نظير ما ذكرناه فيما إذا كان الشرط من الطرفين.

بل هو أولي بالجواز.

(1) فقد صرح بالتعميم في الشرائع والإيضاح والدروس وجامع المقاصد وغيرها.

وهو الظاهر من الشيخ والقاضي.

وصرح بالاختصاص بالبيع في السرائر والمختلف.

وقد يظهر من كل من ذكر أن الربا قسمان في البيع وفي الدين.

وتردد في

********

(1) من لا يحضره الفقيه ج: 3 ص 178. ويأتي تمام الكلام في متنه ومصادره في أواخر المسألة الحادية عشرة.

ص: 179

اختصاصه بما كانت المعاوضة فيه بين العينين (1)، سواء أكانت بعنوان

---------------

ذلك في القواعد في كتابي الصلح والغصب، وكذا في محكي كتاب الصلح من التذكرة.

(1) كما هو ظاهر المعاوضة في كلام من عمم.

وهو الظاهر من إطلاق قوله (عليه السلام) في صحيح عمر بن يزيد المتقدم في بيان الربا: «دراهم بدراهم مثلين بمثل، وحنطة بحنطة مثلين بمثل»(1).

وقريب منه ما تقدم في صحيح أبي بصير وغيره(2).

وفي صحيح منصور: «سألته عن الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين قال: لا بأس ما لم يكن كيلاً أو وزناً»(3) ، ونحوها غيرها.

لظهور الباء في المعاوضة بين الشيئين من دون تقييد بالبيع.

ومجرد كون البيع هو الشايع لا يكفي في التقييد.

وأظهر من ذلك ما تضمن التعبير بالاستبدال، كصحيح سيف التمار: «قلت لأبي بصير: أحب أن تسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل استبدل قوصرتين فيهما بسر مطبوخ بقوصرة فيها تمر مشقق.

قال: فسأله أبو بصير عن ذلك.

فقال: هذا مكروه.

فقال أبو بصير: ولِمَ يكره ؟ فقال: إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يكره أن يستبدل وسقاً من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر، لأن تمر المدينة أدونهما.

ولم يكن علي (عليه السلام) يكره الحلال(4)» وغيره.

لظهور أن الاستبدال أعم من البيع المبني علي كون أحد العوضين ملحوظاً بالأصل والآخر عوضاً عنه وثمناً له.

بل هو كالصريح من ذيل صحيح الحلبي المتقدم، وفيه: «وسئل عن الرجل يشتري الحنطة فلا يجد صاحبها إلا شعيراً أيصلح له أن يأخذ اثنين بواحد؟ قال: لا، إنما أصلهما واحد...»(5) وقريب منه صحيح هشام بن سالم(6).

لظهور أنه لا يرجع إلي

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 6 من أبواب الربا حديث: 2.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 8 من أبواب الربا حديث: 3.

(3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 6 من أبواب الربا حديث: 5.

(4) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب الربا حديث: 1.

(5) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 8 من أبواب الربا حديث: 4، 1.

(6) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 8 من أبواب الربا حديث: 4، 1.

ص: 180

البيع أم بعنوان الصلح (1)، مثل صالحتك علي أن تكون هذه العشرة التي لك بهذه الخمسة التي لي، أما إذا لم تكن المعاوضة بين العينين كالصلح في مثل صالحتك علي أن تهب لي تلك العشرة وأهب لك هذه الخمسة (2)،

---------------

بيع أحدهما بالآخر، بل إلي الوفاء عن الحنطة بالشعير.

وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «سألته عن الرجل يدفع إلي الطحان الطعام، فيقاطعه علي أن يعطي لكل عشرة أرطال اثني عشر دقيقاً.

قال: لا.

قلت: فالرجل يدفع السمسم إلي العصار يضمن له لكل صاع أرطالاً [مسماة] قال: لا»(1).

لظهور أن الضمان المذكور ليس بيعاً.

وبذلك يخرج عن عمومات الصحة التي اعتمد عليها القائل بالاختصاص بالبيع.

(1) أم بعنوان آخر كالإبدال والمقاطعة اللذين تضمنهما صحيحا الحلبي ومحمد بن مسلم المتقدمان.

إلا أن يريدوا بالصلح ما يعم ذلك.

(2) فإن المقابلة بين الهبتين لا بين المالين الموهوبين بنحو تحقق المعاوضة بينهما.

لكن منع في الشرائع والجواهر من هبة الربوي بشرط هبة ما يزيد عليه من جنسه.

قال في الجواهر: «إذا الظاهر كون ذلك من الهبة المعوضة».

وهو لو تم يجري في مفروض المتن من المصالحة علي الهبتين.

وفيه: أنه لا محذور في الهبة المعوضة بالزائد، لأنهما معاملتان لا معاملة واحدة ربوية.

ولذا صرح هو تبعاً للشرائع بجواز تعويض هبة الربوي بهبة الزائد من جنسه من غير شرط، مع أنه هبة معوضة قطعاً.

ومن هنا لم يتضح وجه البطلان مع الشرط، ليجري نظيره في التصالح علي الهبتين، الذي هو مفروض المتن.

ودعوي: رجوع الفرضين ونحوهما إلي المعاوضة بين العينين لبّاً لتحقق غرضها بها وإن لم تكن منها لفظاً وصورة.

مدفوعة بابتناء حرمة الربا علي التعبد المحض،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 10 من أبواب الربا حديث: 3.

ص: 181

أما الأول: فهو بيع أحد المثلين بالآخر مع زيادة عينية في أحدهما (1)، كبيع منّ من الحنطة بمنّين، أو منّ من الحنطة بمنّ ودرهم (1)، أو زيادة حكمية (1) كبيع منّ من حنطة نقداً بمنّ من حنطة نسيئة.

وهل يختص تحريمه بالبيع أو يجري في غيره من المعاوضات ؟ قولان (1).

والأظهر اختصاصه بما كانت المعاوضة فيه بين العينين (1)، سواء أكانت بعنوان البيع أم بعنوان الصلح (1)، مثل صالحتك علي أن تكون هذه العشرة التي لك بهذه الخمسة التي لي، أما إذا لم تكن المعاوضة بين العينين كالصلح في مثل صالحتك علي أن تهب لي تلك العشرة وأهب لك هذه الخمسة (2)، والإبراء في مثل أبرأتك عن الخمسة التي لي عليك بشرط أن تبرئني عن العشرة التي لك علي (1) ونحوها فالظاهر الصحة (2).

-

فاللازم الجمود علي مفاد الأدلة فيه.

ولاسيما مع ما صرحت به النصوص الآتية من الجواز في بعض الفروض المشاركة لذلك في الجهة المذكورة.

فلاحظ.

(1) قد يشكل المثال المذكور بعدم نفوذ الشرط في الإبراء، لكونه إيقاعاً.

نعم يمكن فرض التصالح علي الابرائين، بحيث يبرءان معاً بمجرد الصلح بلا حاجة إلي إبراء بعده.

(2) للعمومات بعد خروجه عن المعاوضة بين الربويين، فلا يدخل في الأدلة المتقدمة.

مضافاً إلي بعض ما ورد في الصلح.

كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): في رجلين اشتركا في مال فربحا فيه وكان في المال دين، وعليهما دين، فقال أحدهما لصاحبه: أعطني رأس المال، ولك الربح وعليك التوي. فقال: لا بأس إذا اشترطا.

فإذا كان شرط يخالف كتاب الله فهو رد إلي كتاب الله عز وجل»(1) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «أنه قال في رجلين كان لكل منهما طعام عند صاحبه، ولا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه، فقال كل واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك، ولي ما عندي.

فقال: لا بأس إذا تراضيا وطابت أنفسهما»(2).

لظهوره في مجرد ملكية كل منهما لما عنده من دون معاوضة بينهما.

نعم لو كان التعبير هكذا: ما لي عندك بما لك عندي، لكان من المعاوضة.

وكذا ما تضمن جواز الصلح عن الدين بأقل منه(3).

فإن الظاهر رجوع المصالحة إلي إسقاط بعض الدين من أجل تعجيل ما يصالح عليه، لا إلي المعاوضة بين الدين والمعجل، ليدخل في القسم الأول، الذي تقدم المنع منه.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 4 من أبواب كتاب الصلح حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 5 من أبواب كتاب الصلح حديث: 1.

(3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 5، 6 من أبواب كتاب الصلح حديث: 1.

ص: 182

(183) (183)

شروط تحقق الربا/ الأول: اتحاد الجنس

اشارة

(مسألة 1): يشترط في تحقق الربا في المعاملة أمران: الأول: اتحاد الجنس (1)

---------------

(1) فيجوز التفاضل مع الاختلاف في الجنس في الجملة بلا خلاف ولا إشكال نصاً وفتوي، وعموماً وخصوصاً.

كذا في الجواهر.

ويقتضيه النبوي: «إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم»(1) ، وموثق منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام): «سألته عن البيضة بالبيضتين.

قال: لا بأس به.

والثوب بالثوبين.

قال: لا بأس به.

والفرس بالفرسين.

فقال: لا بأس به.

ثم قال: كل شيء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد.

فإذا كان لا يكال ولا يوزن فلا بأس به، اثنين بواحد»(2).

وموثق سماعة أو صحيحه: «سألته عن الطعام والتمر والزبيب.

فقال: لا يصلح منه اثنان بواحد.

إلا أن يصرفه نوعاً إلي نوع آخر.

فإذا صرفته فلا بأس اثنين بواحد وأكثر [من ذلك.

فقيه]»(3).

ومثله ما تضمن اشتراط الجواز باختلاف الشيئين، كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في حديث: «الكيل يجري مجري واحد.

قال: ويكره قفيز لوز بقفيزين.

ولكن صاع حنطة بصاعين تمر، وصاع تمر بصاعين زبيب إذا اختلف.

هذا والفاكهة اليابسة تجري مجري واحداً...»(4) وغيره(5).

لظهور أنه لا يراد به مطلق الاختلاف، إذ لا يخلو منه شيئان، بل الاختلاف في الجنس، كما هو المنسبق عرفاً، وتشهد به الأمثلة التي تضمنتها بعض هذه النصوص.

وكذا ما تضمن تعليل عدم جواز التفاضل بين الحنطة والشعير بأن أصلهما واحد، كما في صحيح الحلبي المتقدم وغيره(6).

مضافاً إلي النصوص الواردة في

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 13 باب: 12 من أبواب الربا حديث: 4.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 16 من أبواب الربا حديث: 3.

(3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 13 من أبواب الربا حديث: 5، 3.

(4) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 13 من أبواب الربا حديث: 5، 3.

(5) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 9، 13 من أبواب الربا.

(6) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 8 من أبواب الربا.

ص: 183

والذات عرفاً (1)

---------------

الفروض المختلفة لتعدد الجنس، كالزيت بالسمن، والتمر بالحنطة(1).

(1) لأن ذلك هو المفهوم من نصوص المقام ولو بضميمة إطلاقها المقامي.

والظاهر أن ذلك هو مراد الكل سواء من عبر بالحقيقية النوعية، أم من عبر بما يتناوله لفظ خاص، كما نبه لذلك غير واحد.

حيث لا يراد بالأول النوع المنطقي، لما هو المعلوم وصرح به بعض المناطقة من تعسر الاطلاع علي حقائق الأشياء تعسراً يلحق بالتعذر، ولأن ذلك عرف خاص للمناطقة متأخر عن عصر صدور النصوص.

كما لا يراد بالثاني مطلق الاشتراك في اسم واحد، بنحو يشمل مثل الطعام والفاكهة والطير، بل خصوص اللفظ الحاكي عن حقيقة الشيء عرفاً.

ويؤكد ذلك ما ورد في الحنطة والشعير، حيث يظهر من مجموع نصوصهما أن جريان حكم الجنس الواحد عليهما تعبدي مغفول عنه عرفاً لولا التنبيه عليه وعلي تعليله بوحدة أصلهما.

هذا ومع الشك في الاتحاد والتعدد، فإن كان لعدم وضوح حال الطرفين وأن الخلاف بينهما يبلغ حد الاختلاف في النوع أو لا، فهو راجع في الحقيقة إلي الشبهة المفهومية الراجحة للشبهة الحكمية، للشك في أن المراد باتحاد الجنس وعدم اختلافه هل يشمل مثل الاشتراك الذي بينهما، وهو راجع إلي إجمال المخصص لعمومات الصحة وتردده بين الأقل والأكثر، والمتعين معه الاقتصار علي الأقل في التخصيص، والرجوع في الزائد للعمومات.

وإذا كان للجهل بحقيقة الطرفين بنحو الشبهة الموضوعية كما لو تردد أحد العوضين بين دقيق الحنطة ودقيق الذرة، أو بين دبس التمر وعصير العنب فمقتضي

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 13 من أبواب الربا.

ص: 184

(185)

الكلام في اتحاد الجنس في الربا

وإن اختلفت الصفات (1)، فلا يجوز بيع منّ من الحنطة الجيدة بمنين من الرديئة، ولا بيع منّ من الأرز الجيد كالعنبر بمنين منه أو من الرديء، كالحويزاوي (2)، أما إذا اختلفت الذات فلا بأس (3) كبيع من من الحنطة بمنين من الأرز.

-

استصحاب عدم كون البيع ربوياً بنحو العدم الأزلي صحة البيع.

ودعوي: ظهور بعض النصوص كصحيح الحلبي المتقدم في أن الشرط في الجواز والصحة هو الاختلاف في الجنس، ومقتضي استصحاب عدم كون المبيعين مختلفين بنحو العدم الأزلي هو كون البيع ربوياً محرماً وباطلاً.

مدفوعة بظهور بعض النصوص الأخر كموثق منصور بن حازم المتقدم في أن الشرط في الحرمة والبطلان هو اتحاد الجنس، ومقتضي استصحاب عدمه أزلاً كون البيع حلالاً وصحيحاً، وبعد تساقطهما لعدم المرجح يكون المرجع استصحاب عدم كون البيع ربوياً، كما ذكرنا.

(1) مراده (قده) ما يعم اختلاف الأصناف من الجنس الواحد، كما يظهر بملاحظة مثاليه ودليل المسألة.

(2) بلا إشكال ظاهر بعد فرض اتحاد الجنس.

وهو المتيقن من الفتاوي ومن إطلاق نصوص المنع، ضرورة أن الداعي غالباً للزيادة مع اتحاد الجنس هو اختلاف الصفات، وأهمه ما يرجع للجودة والرداءة.

مضافاً إلي خصوص النصوص الواردة في ذلك كصحيح سيف التمار وغيره مما ورد في التمر(1) وما ورد في الحنطة والدقيق(2).

(3) لا إشكال فيه في الجملة.

والنصوص به مستفيضة إن لم تكن متواترة، وقد تقدم، ويأتي بعضها أيضاً.

وإنما الكلام في إطلاق جواز البيع وتقييده.

حيث لا خلاف

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 15 من أبواب الربا.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 9 من أبواب الربا.

ص: 185

فتوي ونصوصاً في جوازه نقداً.

وأما النسيئة فقد قال في الجواهر: «فإن كان كل من العوضين من الأثمان فهو صرف لا تجوز فيه، كما تعرفه في محله.

وإن كان أحدهما منه والآخر من العروض فلا خلاف أجده في جواز التماثل والتفاضل، بل الإجماع بقسميه عليه، إذ هو إما نسيئة أو سلم.

وكل منهما مجمع علي جوازه، بل لعله من الضروريات المستغني عن الاستناد إلي إطلاق الأدلة ونحوه».

وقريب منه كلام غيره.

وأما إن كانا من العروض فقد صرح المفيد بعدم جواز النسيئة، ووافقه في المراسم والمهذب والتحرير، وهو المحكي عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد.

وتردد في ظاهر الشرائع والقواعد والإرشاد، وفي محكي غاية المرام والمفاتيح.

وصرح بالجواز في المبسوط والنهاية(1) والخلاف والوسيلة والغنية والسرائر والنافع وكشف الرموز والتذكرة والمختلف واللمعتين وغيرها كثير وقد يظهر من الدروس ناسباً إياه للشيخ والمتأخرين، وعن الكفاية أنه المشهور بين المتأخرين.

كما صرح جماعة ممن ذهب إلي الجواز بالكراهة، وفي الغنية والسرائر ومحكي التذكرة الإجماع عليها، بل يظهر من السرائر الإجماع علي الجواز أيضاً.

ثم إن جمعاً من الأصحاب جعلوا مورد النزاع الربويين المختلفين في الجنس.

لكن المفيد عمم المنع في النسيئة لجميع صور بيع العروض بالعروض.

قال بعد أن منع من بيع المكيل والموزون مع اختلاف الجنس نسيئة: «ولا بأس ببيع ما لا يكال ولا يوزن واحد باثنين وأكثر من ذلك نقداً، ولا يجوز نسيئة، كثوب بثوبين وبعير ببعيرين وشاة بشاتين ودار بدارين ونخلة بنخلتين يداً بيد نقداً، وإن باع ذلك نسيئة كان البيع باطلاً...

وتباع الأمتعة والعقارات بالذهب والفضة نقداً ونسيئة، ولا يباع بعضها ببعض نسيئة».

********

(1) وإن كان ذلك لا يناسب ما صرح به في النهاية نفسها من جواز التفاضل في اللحوم المختلفة الجنس نقداً وعدم جوازه نسيئة. ويأتي ذكر كلامه في المسألة الثالثة. ونحوه ما صرح به في المبسوط في الأدهان. فراجع.

ص: 186

كما أنه ذكر في الدروس أن الخلاف المتقدم يجري في المعدود مع التفاضل، من دون أن يخصه بمن ذهب إلي أن المعدودات من الربويات، وفي الوسيلة منع من بيع المعدودات مع اتحاد الجنس متماثلاً ومتفاضلاً مع اتحاد الجنس نسيئة، مع أنها غير ربوية عنده ولذا جاز فيها التفاضل نقداً.

بل تقدم من الخلاف جواز بيع المكيل والموزون مع اختلاف الجنس متفاضلاً نسيئة علي كراهية، كما صرح بجواز بيع المعدودات بعضها ببعض متماثلاً ومتفاضلاً نقداً ونسيئة، ومع ذلك كله قال: «الثياب بالثياب والحيوان بالحيوان.

ولا يجوز بيع بعضه ببعض نسيئة متماثلاً ولا متفاضلاً، ويجوز ذلك نقداً».

وبنحو ذلك صرح في النهاية، وفي الغنية في الحيوان.

وبذلك يظهر أن المنع من بيع النسيئة عندهم لا يختص بالربويات، وأن هذه المسألة بمبحث بيع النسيئة أنسب منها بمبحث الربا.

وقد يستدل للمنع بالنبوي: «إنما الربا في النسيئة»(1) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام)، وفيه: «وقال: إذا اختلف الشيئان فلا بأس مثلين بمثل يداً بيد»(2) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شيء من الأشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يداً بيد.

فأما نظرة فلا يصلح»(3) ، وصحيحه الآخر عنه (عليه السلام) في حديث: «قال وسئل عن الزيت بالسمن اثنين بواحد.

قال: يداً بيد لا بأس به»(4) ، وصحيح عبد الله بن سنان: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام): عن رجل أسلف زيتاً علي أن يأخذ منه سمناً.

قال: لا يصلح»(5) ، وصحيحه الآخر: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا ينبغي إسلاف السمن بالزيت، ولا الزيت بالسمن»(6) ، وموثق سماعة أو صحيحه عنه (عليه السلام): «قال: المختلف مثلان بمثل يداً

********

(1) تهذيب الأحكام ج: 1 ص: 84 حديث: 68.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 9 من أبواب الربا حديث: 1.

(3و4و5و6) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 13 من أبواب الربا حديث: 2، 4، 6، 10.

ص: 187

بيد لا بأس»(1).

وما عن علي بن إبراهيم عن رجاله عمن ذكره قال في حديث طويل: «وما عد أو لم يكل ولم يوزن فلا بأس به اثنان بواحد يداً بيد ويكره نسيئة»(2) ، بناءً علي روايته عن المعصوم، وإن لم يبعد خلافه كما يناسبه ما في بعض فقرات الحديث بطوله فراجعه.

وصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «قال: البعير بالبعيرين والدابة بالدابتين يداً بيد ليس به بأس»(3) ، وموثق عبد الرحمن بن أبي عبد الله (عليه السلام): «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العبد بالعبدين والعبد بالعبد والدراهم.

قال: لا بأس بالحيوان كله يداً بيد»(4) وغيرها.

ثم إن المستفاد من مجموع هذه النصوص النهي عن النسيئة في بيع العروض بالعروض من دون خصوصية للربويين، لورود بعضها في غير الربويين وعموم فرض اختلاف الجنس في بعضها لغير الربويين.

غايته أن ذلك لا يشمل ما إذا كان أحد العوضين من الأثمان لما سبق من الجواهر.

هذا ولكن النبوي لا ينهض بالاستدلال، إذ هو مع عدم روايته من طرقنا لا يخلو عن إجمال، لظهوره في انحصار الربا بالنسيئة، مع تظافر النصوص بأن معيار الربا الزيادة في أحد العوضين في الجملة من دون أن يتوقف علي النسيئة.

وأما بقية النصوص فهي بين ما اقتصر فيه علي تقييد الترخيص بما إذا كان البيع يداً بيد، وما تضمن التعبير بالكراهة أو أنه لا يصلح أو لا ينبغي.

والاستدلال بالأول يبتني علي ظهور القيد في المفهوم، وبالثاني يبتني علي حمل التعابير المذكورة علي الحرمة.

لكن ظهور القيد في المفهوم وإن كان قريباً في المقام، إلا أن المفهوم يفس

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 13 من أبواب الربا حديث: 9.

(2و3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 17 من أبواب الربا حديث: 12، 4.

(4) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 17 من أبواب الربا حديث: 6. كذا روي في الكافي والفقيه والتهذيب. ورواه في الاستبصار هكذا: «ولا بأس بالحيوان كله يداً بيد ونسيئة». والظاهر أنه خطأ. ولا أقل من سقوط رواية الشيخ في التهذيبين بالتعارض. ويكون العمل علي رواية الكافي والفقيه.

ص: 188

القسم الثاني، فالعمدة في الاستدلال هو القسم المذكور.

والتعابير المذكورة فيه قد تكون أقرب إلي الحرمة منها إلي الكراهة، إلا أنه قد يوهن الاستدلال بها علي الحرمة بلحاظ قوة ظهور نصوص شروط الربا في قصر الحرمة علي موردها مع الجواز بدونها.

ولاسيما مع ما في حديث إسحاق بن عمار قال: أظنه عن عبد الله بن جذاعة: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن السيف المحلي بالفضة يباع بنسية.

قال: ليس به بأس، لأن فيه الحديد والسير»(1).

مع قوة ظهوره في عدم خصوصية النسيئة في المنع، وأن المدار في الجواز علي ارتفاع محذور الربا.

مضافاً إلي أمور: الأول: ورود الترخيص في النسيئة في بعض موارد البيع غير الربوي، مع ما سبق من ورود الكراهة.

ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «وقال: لا بأس بالثوب بالثوبين يداً بيد ونسيئة إذا وصفتهما»(2).

وقريب منه صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا بأس بالثوب بالثوبين إذا وصفت الطول والعرض»(3).

لأن الوصف إنما يحتاج إليه في النسيئة والسلف.

وقد تضمن غير واحد من النصوص الترخيص في بيع السيف المحلي نسيئة(4) ، مع النهي عنه في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج(5) المتقدم عند الكلام في الزيادة الحكمية، والتعبير بالكراهة فيها في حديث آخر(6).

كما أن موثق عبد الرحمن المتقدم وإن تضمن تقييد التفاضل في الحيوان بما إذا كان يداً بيد بنحو يشمل ما إذا كان مع أحد العوضين دراهم، إلا أن في صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر (عليه السلام): «سألته عن الحيوان بالحيوان بنسية وزيادة

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 15 من أبواب الصرف حديث: 10.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 17 من أبواب الربا حديث: 1.

(3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 16 من أبواب الربا حديث: 5.

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 15 من أبواب الصرف.

(5و6) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 15 من أبواب الصرف حديث: 1، 4.

ص: 189

دراهم ينقد الدراهم ويؤخر الحيوان قال: إذا تراضيا فلا باس»(1).

الثاني: قوة احتمال التقية في هذه النصوص، كما يناسبه ما تقدم في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج من قوله (عليه السلام): «إن الناس لم يختلفوا في النساء [النسيء] أنه الربا»(2).

وما في معتبر سعيد بن يسار: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البعير بالبعيرين يداً بيد ونسيئة.

فقال: نعم لا بأس إذا سميت الأسنان جذعين أوثنيين.

ثم أمرني فخططت علي النسيئة»(3).

وفي التهذيبين: «ثم قال: خط علي النسيئة».

فإن الجواب فيه كالصريح في حكم النسية، فلا يظهر الوجه في الأمر بالخط عليها إلا التقية.

ولاسيما بلحاظ ما في الفقيه: «ثم أمرني فخططت علي النسيئة، لأن الناس يقولون: لا.

فإنما فعل ذلك للتقية».

وإن لم يبعد كون قوله: «فإنما فعل ذلك للتقية» من كلام الصدوق (قده).

الثالث: أن قولهم (عليهم السلام) في النصوص السابقة: «يداً بيد» ظاهر في اعتبار التقابض في المجلس.

والظاهر عدم القائل به منا.

وإن كانت بعض كلماتهم قد تظهر في ذلك، لكن لا يبعد كون المراد لهم النقد في مقابل النسيئة، كما تناسبه بقية كلماتهم، نعم قد يناسبه ما يأتي من الغنية.

ومن هنا يصعب الخروج بهذه النصوص عن ظهور النصوص الكثيرة في أن المعيار في الحرمة والحل علي تحقق شروط الربا وعدمه.

ولاسيما مع ظهور اضطراب الأصحاب في المسألة.

وبذلك يظهر الحال في صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام):

«قال: لا تبع راحلة عاجلاً بعشر ملاقيح من أولاد جمل في قابل»(4).

فإن النهي وإن كان ظاهراً في الحرمة، إلا أن حمله علي الكراهة أو التقية بلحاظ ما سبق قريب جداً.

مع قرب أن يراد بالملاقيح ما في بطون الأمهات من الأجنة، لأنه أحد معانيه، بل لعله الأقرب في المقام،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 17 من أبواب الربا حديث: 17.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب الصرف حديث: 1.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 17 من أبواب الربا حديث: 7، 5.

ص: 190

(191)

الثاني: ان يكون العوضان من المكيل او الموزون

الثاني: أن يكون كل من العوضين من المكيل أو الموزون (1).

فإن كانا مما يباع بالعد كالبيض والجوز فلا بأس (2)، فيجوز بيع بيضة بيضتين وجوزة بجوزتين.

-

ويكون منشأ النهي عدم إحراز سلامة الثمن، فيخرج عما نحن فيه.

فلاحظ.

(1) كما صرح به غير واحد.

وفي الجواهر أنه المشهور شهرة عظيمة.

بل في ظاهر مجمع البيان الإجماع عليه.

ويشهد به النصوص المستفيضة، كصحيح زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن»(1) ، ونحوه موثق عبيد بن زرارة(2) ، وموثق منصور بن حازم: «سألته عن الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين.

قال: لا بأس ما لم يكن كيلاً أو وزناً(3)»، ونحوها غيرها(4).

هذا وظاهر الأصحاب المفروغية عن عدم اشتراط صحة البيع في الربويين مع عدم التفاضل بالتقابض في المجلس في غير الصرف، لعدم تعرض الأكثر لذلك، بل صرح بعدمه في القواعد والتذكرة، وظاهر الثاني الإجماع عليه.

لكن صرح في الغنية باعتبار التقابض في المجلس في كل مكيل وموزون، بل ظاهره الإجماع عليه.

وهو غريب، لعدم الشاهد عليه من النصوص ولا من كلمات الأصحاب.

وقد يكون نظره إلي ما سبق في فرض اختلاف الجنس، وتعميمه لصورة اتحاد الجنس بتنقيح المناط أو الأولوية.

إلا أنه سبق الإشكال في ذلك في مورد النصوص والفتاوي، فضلاً عن تعميمه لمحل الكلام.

(2) خلافاً لما في المقنعة والمراسم من أن المعدود بمنزلة المكيل والموزون، وهو المحكي عن ابن الجنيد، وقد يستدل لهم.

.

-

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 6 من أبواب الربا حديث: 1، 3، 5.

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 16، 17 من أبواب الربا.

ص: 191

الحنطة والشعير من جنس واحد

(مسألة 2): الحنطة والشعير في باب الربا جنس واحد (1)، فلا يباع

---------------

تارة: بعموم النهي عن الربا، لأنه مطلق الزيادة.

ويظهر الجواب عنه مما سبق في أول الكلام في الربا من إجمال العموم المذكور.

علي أنه لو تم فلابد من الخروج عنه وتخصيصه بما تقدم.

وأخري: بصحيح محمد بن مسلم: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الثوبين الرديين بالثوب المرتفع، والبعير بالبعيرين.

فقال: كره ذلك علي (عليه السلام) فنحن نكرهه، إلا أن يختلف الصنفان.

قال: وسألته عن الإبل والبقر والغنم أو أحدهن [أحد هو] في هذا الباب.

قال: نعم نكرهه»(1) ، وصحيح ابن مسكان عنه (عليه السلام): «أنه سئل عن الرجل يقول: عاوضني بفرسي وفرسك وأزيدك.

قال: لا يصلح.

ولكن يقول: أعطني فرسك بكذا وكذا، وأعطيك فرسي بكذا وكذا»(2).

وفيه: أنه لا مجال للخروج بهما عن النصوص الكثيرة المستفيضة المتقدم بعضها والصريحة في الجواز مطلقاً أو يداً بيد فلابد من حملهما علي الكراهة أو طرحهما.

علي أن ذلك ليس من المعدود.

ومنه يظهر ضعف ما في الفقيه، حيث أفتي بمضمون الثاني.

ولاسيما مع ما تقدم في صحيح علي بن جعفر من التصريح بالجواز في مورده بالخصوص.

(1) كما هو ظاهرا لفقيه.

وبه صرح الشيخان وجماعة كثيرة ممن تأخر عنهما.

بل هو المعروف بين الأصحاب المدعي عليه الإجماع في الخلاف وظاهر الغنية أو صريحها، وعن شرح الإرشاد للفخر أن عليه الفتوي، ونسبه في المبسوط لرواية أصحابنا.

والنصوص به مستفيضة، كصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام): «سئل عن الرجل يبيع الرجل الطعام الأكرار، فلا يكون عنده ما يتم له ما باعه، فيقول له:

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 16 من أبواب الربا حديث: 7.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 17 من أبواب الربا حديث: 16.

ص: 192

(193)

منّ من حنطة بمنين من الشعير، وإن كانا في باب الزكاة جنسين (1)، فلا يضم أحدهما إلي الآخر في تكميل النصاب، فلو كان عنده نصف نصاب

---------------

خذ مني مكان كل قفيز حنطة قفيزين من شعير حتي تستوفي ما نقص من الكيل.

قال: لا يصلح، لأن أصل الشعير من الحنطة...»(1) وصحيحي الحلبي وأبي بصير المتقدمين عند الكلام في عموم الزيادة الربوية لغير الجنس وغيرهما.

وعن ابن أبي عقيل وابن الجنيد أنهما جنسان، مع اعتراف الأول بورود بعض الأخبار بما يناسب القول الأول، ووافقهما في السرائر محتجاً باختلافهما حساً ونطقاً، مدعياً أن النصوص المذكورة أخبار آحاد لا توجب علماً ولا عملاً.

وقد جري في ذلك علي مذهبه في خبر الواحد.

وقد ثبت في محله ضعفه.

علي أن استفاضة النصوص المذكورة ووثاقة رواتها توجب العلم بمضامينها.

وما أكثر ما أفتي هو في مسائل لا تبلغ نصوصها ذلك القدر.

(1) كما هو ظاهر وصريح غير واحد في المقام، بل هو المقطوع به منهم بلحاظ عدم تنبيههم لذلك في الزكاة.

وهو مقتضي الجمع بين عدهما في نصوص الزكاة صنفين فيها من الأصناف التسعة، وظاهر نصوص تحديد النصاب في كل صنف منها.

ولاسيما صحيح زرارة: «قلت لأبي جعفر وابنه (عليهما السلام): الرجل له الغلة الكثيرة من أصناف شتي، أو مال ليس فيه صنف تجب فيه الزكاة، هل عليه في جميعه زكاة واحدة ؟ فقال: لا إنما تجب عليه إذا تمّ، فكان يجب في كل صنف منه الزكاة يجب عليه في جميعه في كل صنف منه الزكاة.

فإن أخرجت أرضه شيئاً قدر ما لا تجب فيه الصدقة أصنافاً شتي لم تجب فيه زكاة واحدة»(2).

بل هو كالصريح من موثق ابن بكير عن أبي جعفر (عليه السلام): «قال: وأما ما أنبتت

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 8 من أبواب الربا حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 2 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.

ص: 193

حنطة ونصف نصاب شعير لم تجب فيهما الزكاة.

والظاهر أن العَلَس ليس من جنس الحنطة، والسلت ليس من جنس الشعير (1).

-

الأرض من شيء من الأشياء فليس فيه زكاة إلا في أربعة أشياء: البر والشعير والتمر والزبيب. وليس في شيء من هذه الأربعة الأشياء شيء حتي تبلغ خمسة أوساق...»(1).

ولا ينافي ذلك ما في نصوص المقام من جريان الربا بينهما معللاً بأن أصلهما واحد، لأن الاكتفاء بوحدة الأصل في الربا لا تستلزم الاكتفاء بها في الزكاة.

(1) قد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ذلك، كما اختلفت فيه كلمات اللغويين.

ولعل الأظهر في كلماتهم أن العَلَس قسم من الحنطة، والسُلت قسم من الشعير.

لكن ليس بحيث يبلغ حد الحجية.

كما لا يتسني لنا إحراز الاتحاد أو التباين عند العرف، لعدم شيوع الابتلاء بهما وإن كان المنقول في كتب اللغة في هيئتها يناسب التباين بينهما وبين الحنطة والشعير عرفاً، وأن الاتحاد بينهما وبين الحنطة والشعير إنما هو بلحاظ المعني اللغوي.

نعم قد يستفاد التباين من بعض النصوص المتضمنة للتعاطف بينهما وبين الحنطة والشعير في تعداد ما يزكي من الحبوب مما يحمل علي الاستحباب أو التقية(2).

وكيف كان فالمتعين عدم إلحاقهما بالحنطة والشعير حكماً ولو بسبب الشك في عموم الحنطة والشعير لهما، كما يظهر مما سبق منّا عند الكلام في اشتراط الجنس في ربا المعاوضة.

نعم لا يبعد استفادة التحريم في كل مورد يعلم فيه باتحاد الشيئين في الأصل، عملاً بعموم التعليل في نصوص الحنطة والشعير، أو استفادة ذلك بالأولوية العرفية، كما هو الحال فيما يعرف عندنا بالدنان مع الرز، حيث إن المسموع أن نبات الرز إذا قلّ

********

(1) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 1 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 6 باب: 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 3، 4، 10.

ص: 194

(195)

الكلام في اختلاف اللحوم والألبان مع اختلاف الحيوان

(مسألة 3): اللحوم والألبان والأدهان تختلف باختلاف الحيوان (1) فيجوز بيع حقه من لحم الغنم بحقتين من لحم البقر وكذا الحكم في لبن الغنم بلبن البقر فإنه يجوز بيعها مع التفاضل.

-

ماؤه وعطش صار دناناً.

وإن كان الظاهر أن العلس مع الحنطة والسُلت مع الشعير ليس من هذا القبيل.

(1) أما اختلاف اللحوم بذلك فقد صرح به الشيخان في المقنعة والنهاية والخلاف والمبسوط، وجري عليه جماعة كثيرة ممن تأخر عنهما، ونفي الخلاف فيه في الجواهر، وفي الغنية والتذكرة الإجماع عليه.

قال في الجواهر: «الاشتراك في اسم اللحم لا يقتضي الاتحاد، كالاشتراك في اسم الحيوان».

لكن القياس في غير محله، لوضوح اختلاف حقائق الحيوانات عرفاً، وليس كذلك الحال في لحومها وعظامها بل وحدة حقيقة اللحم وحقيقة العظم عرفاً قريبة جداً.

ونظير ذلك الأشجار المختلفة حقيقة عند العرف، حيث يصعب البناء علي تعدد حقيقة الخشب أو الحطب المأخوذ منها عرفاً.

وبعبارة أخري: لما كان المعيار في وحدة الحقيقة وتعددها هو العرف، فتعدد حقائق بعض الأمور عند العرف لا يستلزم تعدد حقائق أجزائها ومكوناتها بنظرهم، بل اشتراك بعض أجزائها في حقيقة واحدة غير بعيد عندهم.

نعم قد يتجه اختلاف لحم الحيوان البري مع لحم السمك المعهود لنا في الجنس عرفاً.

كما أن ما ذكرناه في لحم الحيوان البري إذا لم يبلغ حدّ اليقين باتحاد الجنس عرفاً فلا يمنع من التفاضل، لما سبق من أنه يجوز التفاضل مع الشك في الاتحاد.

وأشكل من ذلك ما في التذكرة قال: «أعضاء الحيوان الواحد كلها جنس واحد مع لحمه، كالكرش والكبد والطحال والقلب والرئة، والأحمر والأبيض واحد.

وكذا

ص: 195

الشحوم كلها بعضها مع بعض ومع اللحم جنس واحد، لأن أصلها واحد، وتدخل تحت اسمه».

وعن حواشي الشهيد أن اللحم والكبد والقلب والكرش كله واحد.

إذ فيه: أن الظاهر تباينها عرفاً.

ومجرد وحدة حقيقة الحيوان لا يستلزم وحدة حقيقة أجزائه.

ولذا لا ريب في اختلاف حقيقة اللحم والعظم، فضلاً عن الشعر والصوف.

وأما تعليل جريان الربا في الحنطة والشعير بأن أصلهما واحد، فلا يراد به وحدة المركب منهما، لينفع فيما نحن فيه، بل وحدة أصل كل منهما، بحيث يرجع أحدهما للآخر وهو غير معلوم في المقام.

ولعله لما ذكرنا حكم في المبسوط والتحرير والدروس بأن اللحم والشحم مختلفان.

بل في المبسوط أن الإلية والشحم الذي في الجوف جنسان.

وإن قرب في الدروس أنهما جنس واحد.

ولعل الأقرب الأول.

نعم لا يبعد كون الكرش من سنخ اللحم ودخولهما في حقيقة واحدة عرفاً.

هذا ومراده (قده) من الأحمر والأبيض إن كان هو قسمي اللحم فالظاهر عدم اشتمال حيوان واحد علي القسمين، وإنما يكون كل منهما في حيوان مباين لحيوان آخر في الحقيقة، والالتزام بوحدة حقيقتهما لا يناسب ما ذكره هو وغيره من اختلاف اللحوم باختلاف حيواناتها.

أما بناءً علي ما ذكرناه من قرب عدم اختلافها بذلك فمن القريب عدم اختلاف الأبيض مع الأحمر منها في الحقيقة بنظر العرف.

وإن لم يبعد اختلاف لحم السمك المعهود لنا عن لحم الحيوان البري، كما سبق.

فلاحظ.

وأما اختلاف أجناس الألبان باختلاف جنس الحيوان الذي ينتجها فهو الذي صرح به الشيخان في المقنعة والمبسوط والخلاف، وجري عليه جماعة كثيرة ممن تأخر عنهما.

وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه»، وفي الغنية والتذكرة الإجماع عليه.

ولعل الإشكال فيه أظهر.

قال في الجواهر: «وقد يحتمل اتحاد الجنس في بعضها وإن اختلف اللحمان».

ص: 196

(197)

التمر بانواعه جنس واحد

(مسألة 4): التمر بأنواعه جنس واحد (1)، والحبوب كل واحد منها

---------------

بل يظهر من الشيخ في النهاية أن اللبن بجميع أصنافه جنس واحد، وليس كاللحم.

قال: «ولا بأس ببيع اللبن والسمن والزبد كله مثلاً بمثل، ولا يجوز نسيئة، والتفاضل فيه لا يجوز نقداً ولا نسيئة.

واللحمان إذا اتفق أجناسها جاز بيع بعضها مثلاً بمثل يداً بيد.

ولا يجوز ذلك نسيئة، ولا يجوز التفاضل فيها لا نقداً ولا نسيئة.

وإذا اختلف أجناسها جاز التفاضل فيها نقداً، ولا يجوز نسيئة، مثل رطل من لحم الغنم برطلين من لحم البقر نقداً، ولا يجوز نسيئة».

وأما اختلاف أجناس الدهون باختلاف أجناس الحيوان المأخوذة منه فهو المصرح به في التذكرة والقواعد، وقد يظهر من المبسوط.

بل قد يظهر من بعضهم المفروغية عنه.

لنظير ما سبق في اللحم واللبن.

والأمر فيها أشكل، بل اتحاد حقيقتها عرفاً قريب جداً.

وإن صعب الجزم به.

(1) بلا خلاف أجده فيه.

كذا في الجواهر.

وهو المطابق لما عليه العرف، المعتضد بإطلاق صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: لا يباع مختومان من شعير بمختوم من حنطة، ولا يباع إلا مثلاً بمثل.

والتمر مثل ذلك»(1) ، وموثق سماعة: «سألته عن الطعام والتمر والزبيب.

فقال: لا يصلح شيء منه اثنان بواحد.

إلا أن يصرفه نوعاً إلي نوع آخر»(2) ، وفي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «ويكره قفيز لوز بقفيزين، وقفيز تمر بقفيزين...»(3).

ومثله ما ورد في الرطِب والجاف، كالرطب والتمر والعنب والزبيب(4).

وأظهر من ذلك ما تضمن المنع من التفاضل في التمر تبعاً للاختلاف في الجودة والرداءة(5) ، لأن الغالب في الاختلاف في جودة التمر ورداءته هو

********

(1) الكافي: ج: 5 ص 187، التهذيب: ج: 7 ص 94. وأخرجه في وسائل الشيعة مختلف النسخة ج: 12 باب: 8 من أبواب الربا حديث: 4.

(2و3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 13 من أبواب الربا حديث: 5، 3.

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 14 من أبواب الربا.

(5) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب الربا.

ص: 197

جنس، فالحنطة (1) والأرز والماش والذرة والعدس وغيرها كل واحد جنس (2)، والفلزات من الذهب والفضة والصفر والحديد والرصاص وغيرها كل واحد منها جنس برأسه (3).

-

اختلاف صنفه.

هذا وفي المبسوط: «والتمر والبلح جنسان، فكل جنسين يجوز التفاضل فيهما يداً بيد، والنسيئة علي ما مضي من الكراهية».

وهو غريب جداً.

بل لا يناسب ما في النهاية من عدم جواز بيع البسر بالتمر متفاضلاً، إذ الفرق بين البلح والبسر لو تم لا يعتد به عرفاً.

وما أبعد ما بينه وبين ما في التذكرة من أن الطلع كالثمرة في الاتفاق وإن اختلفت أصولهما، وطلع الفحل كطلع الإناث.

وإن كان ما في التذكرة لا يخلو عن إشكال أيضاً، لأن الطلع مبدأ تكون التمر من دون أن يكون مبدأ وجود حقيقته عرفاً، بخلاف البلح والتمر.

اللهم إلا أن يستفاد التحريم فيه من التعليل في الحنطة والشعير بأن أصلهما واحد.

نظير ما تقدم في الدنان والرز عند الكلام في اتحاد العَلس والسُلت مع الحنطة والشعير.

فلاحظ.

هذا ومن بعض ما سبق يظهر جريان حكم الجنس الواحد علي ثمرة الكرم من حين تصير حصرماً حتي تصير زبيباً.

وأما قبل أن تصير حصرماً فيجري فيها ما سبق في الطلع.

وإن كان الظاهر عدم صلوحها لأن ينتفع بها، لتباع وزناً أو كيلاً.

(1) ويلحق بها الشعير شرعاً، كما سبق.

وسبق أيضاً الكلام في اتحاد العَلس والسُلت مع الحنطة والشعير.

(2) الظاهر عدم الإشكال فيه.

لمطابقته لمقتضي العرف.

(3) بلا إشكال ظاهر.

لعين ما سبق.

ص: 198

(199)

الكلام في اجناس الحيوانات

(مسألة 5): الضأن والمعز جنس واحد (1)، والبقر والجاموس جنس واحد (2)، والإبل العراب والبخاتي جنس واحد (3).

والطيور كل صنف يختص باسم فهو جنس واحد في مقابل غيره (4)، فالعصفور غير الحمام (5)، وكل ما يختص باسم من الحمام جنس في مقابل غيره (6)، فالفاختة والحمام

---------------

(1) بلا خلاف أجده فيه.

كذا في الجواهر.

وفي الغنية والتذكرة الإجماع عليه.

ولا يخلو عن إشكال.

ومجرد عموم لفظ الغنم والشاة لهما لا يكفي في ذلك ما لم يحكم العرف بوحدة حقيقتهما.

والإنصاف أن المعز أقرب عرفاً لمثل الغزال منه للضان، مع عدم الإشكال ظاهراً في مباينة مثل الغزال للضان.

ومجرد اشتراك المعز والضان في كونهما أهليين لا يكفي في اتحاد حقيقتهما عرفاً.

(2) كما هو المعروف بينهم المدعي عليه الإجماع في الغنية والتذكرة.

وقد يشهد له العرف الذي هو المرجع في المقام، علي إشكال.

(3) كما صرح به جماعة، ونفي الخلاف فيه في الجواهر، وادعي الإجماع عليه في الغنية والتذكرة.

ولا يتضح وجهه بعد النظر في اختلاف تركيبهما، فإن الفرق بينهما أظهر من الفرق بين الحمار والفرس، مع عدم الإشكال ظاهراً في اختلاف نوع الأخيرين وحقيقتهما عرفاً.

ومجرد اشتراكهما في اسم الإبل وفي نوع الانتفاع بهما في بلادهما في الجملة لا يكفي في اتحاد حقيقتهما عرفاً.

ولاسيما مع قرب كون المنسبق والمفهوم من إطلاق الإبل هو العراب، وعدم فهم البخاتي منه إلا بتقييده بالخراساني، نظير الماء المضاف.

فلاحظ.

(4) لا مجال للبناء علي ذلك بعمومه، لأن بعض الأسماء قد تخص بعض أصناف الجنس الواحد عرفاًً.

(5) بلا إشكال ظاهر.

لمطابقته لمقتضي العرف.

(6) مما سبق يظهر حال الكبري المذكورة، فإن تحديد الجنس تابع للعرف

ص: 199

المتعارف جنسان (1) والسمك جنس واحد علي قول (2) وأجناس علي قول آخر (3) وهو أقوي.

(مسألة 6): الوحشي من كل حيوان مخالف للأهلي (4) فالبقر الأهلي

---------------

لا للاسم.

(1) كما في الشرائع وعن التحرير وفي المبسوط والتذكرة والدروس أنها جنس واحد، قال في التذكرة: «لشمول اسم الحمام لها وتقاربها في المنافع».

وهو كما تري ليس معياراً في الوحدة والتعدد.

بل المعيار نظر العرف، وهو قاض بالتعدد.

وكذا الحال في أنواع الطيور الصغيرة والكبيرة، كالقبرة والزرزور، والصقر والغراب وغيرها.

(2) اختاره في التذكرة والقواعد وغيرها.

وفي الأول: «لشمول اسم السمك للكل.

والاختلاف بالعوارض لا يوجب الاختلاف في الحقيقة».

ويظهر الإشكال في الأول مما سبق.

وفي الثاني بأن الاختلاف بينها ليس بالعوارض بل بالخصوصيات التابعة للذات.

(3) اختاره في المبسوط والخلاف والشرائع والتحرير وغيرها.

وقد يظهر من بعض كلماتهم أن الوجه فيه اختصاص كل منها باسم ويظهر الإشكال فيه مما سبق أيضاً، فإن الأصناف من كل جنس تختلف باسم يخص أحدها.

كأصناف الحيوان والتمر والعنب وغيرها.

ومن هنا يتعين الرجوع للعرف في التفريق بين الخصوصيات الموجبة لاختلاف الجنس والخصوصيات الزائدة عليها مما يوجب اختلاف أصناف الجنس الواحد.

والإنصاف إن اختلاف أقسام السمك ليس أشد من اختلاف الضان عن المعز، والجاموس عن البقر.

ومن ثم يصعب الجزم بأحد الأمرين.

نعم تقدم أنه مع الشك يجري حكم اختلاف الجنس عملاً بعمومات الصحة.

(4) كما صرح به في الشرائع، ويظهر من بعض كلماتهم.

بل ظاهر التذكرة

ص: 200

يخالف الوحشي (1) فيجوز التفاضل بين لحميهما، وكذا الحمار الأهلي والوحشي (2)، والغنم الأهلي والوحشي (3).

-

الإجماع علي الكبري المذكورة.

لكن لا طريق لإثبات ذلك، لأن الفرق بالأهلية والوحشية ليس معياراً في تعدد الحقيقة عرفاً، بل هو من سنخ الحالات الخارجة عن الذات.

وعلي ذلك يتعين الرجوع للعرف في الصغريات علي اختلافها.

(1) كما صرح به جماعة، وفي الغنية وجامع المقاصد وظاهر التذكرة الإجماع عليه.

والذي يظهر من كلام اللغويين وغيرهم أن البقر الوحشي نوع من الظباء الكبيرة، كالمهاة والوعل واليحمور والأيل.

وعليه لا إشكال في مخالفتها للبقر الأهلي في الجنس عرفاً.

(2) كما هو مقتضي عموم معقد إجماع التذكرة المتقدم.

ولم يتضح الوجه فيه.

لأن تقارب هيئتها تناسب وحدة حقيقتهما عرفاً.

بل لا إشكال في أن الفرق بينهما أقل من الفرق بين الضان والماعز والإبل العراب والبخاتي، بل حتي بين البقر والجاموس.

(3) الظاهر أن حاله حال سابقه أو قريب منه.

ثم إن الأثر للنزاع في اختلاف الحيوانين في الجنس يظهر بناءً علي ما سبق منهم من تبعية اللحم واللبن والدهن في الجنس لحيوانه، حيث لا يجوز التفاضل بين لحميهما ولبنيهما ودهنيهما في البيع.

ولذا تعرضوا لحال الحيوانات من أجل بيان حال الأمور المذكورة.

وقد تقدم منا الكلام في المبني المذكور.

هذا إذا كان البيع بين اللحمين الخالصين، أما إذا كان اللحم مشتملاً علي أو العظم أو الشحم أو غيرهما، فالأثر المذكور يتوقف علي وحدة جنس تمام ما يحويه الحيوان وقد تقدم الكلام في ذلك.

ولا يظهر الأثر في بيع نفس أحد الحيوانين بالآخر إلا فيما إذا كان الحيوان بنفسه يباع كيلاً، أو وزناً كما هو الشايع في السمك.

وربما حصل في عصورنا في بعض

ص: 201

المعيار في الجنس الواحد

(مسألة 7): المشهور أن كل أصل مع ما يتفرع عنه جنس واحد (1)، وكذا الفروع بعضها مع بعض.

ولا يخلو من إشكال.

والأظهر أن تفرع الفرع إن كان من قبيل تبدل الصفة فهما جنس واحد، كالحنطة والدقيق

---------------

الحيوانات الأخر إذا بلغ حداً يكون معه الحيوان من المكيل الموزون عرفاً.

فلاحظ.

(1) كما في القواعد والتذكرة.

ويظهر من المقنعة والمبسوط والنهاية وغيرها الجري عليه في الجملة قال في التذكرة: «الأصل مع كل فرع له واحد.

وكذا فروع كل أصل واحد.

وذلك كاللبن الحليب مع الزبد والسمن والمخيض واللباء والشيراز والأقط والمصل والجبن والترجين والكشك والكامخ، والسمسم مع الشيرج والكُسب مع الراشي، وبزر الكتان مع حبه، والحنطة مع الدقيق والخبز علي اختلاف أصنافه من الرقاق الفرن وغيرهما ومع الهريسة، والشعير مع السويق، والتمر مع السيلان والدبس والخل منه والعصير منه، والعنب مع دبسه وخله، والعسل مع خله، والزيت مع الزيتون، وغير ذلك.

عند علمائنا أجمع.

فلا يجوز التفاضل... ولا فرق في ذلك بين أن يباع الأصل مع نوعه، أو بعض فروعه مع البعض».

قال في الجواهر: «مؤيداً ذلك كله بعدم العثور علي خلاف في شيء من القاعدة المزبورة وفروعها إلا ما عن الأردبيلي...».

لكن ذلك لا يكفي في تأييد الإجماع المدعي بعد عدم التعرض للكبري المذكورة في كلام كثير منهم، خصوصاً القدماء.

غاية الأمر أنهم تعرضوا لبعض صغرياتها، كاللبن مع السمن والزبد، والحنطة والشعير مع الدقيق ومع السويق، والتمر مع دبسه، والعنب والزبيب مع عصيرهما، وغير ذلك، مع نحو من الاضطراب والتردد في بعض الصغريات.

قال في المبسوط: «ويجوز بيع خلّ الزبيب بخلّ العنب مثلاً، ولا يجوز متفاضلاً.

وقال قوم: لا يجوز بيعه أيضاً مثلاً بمثل، لأن في خلّ الزبيب ماء.

وهو قوي».

ص: 202

(203)

وهو كما تري، لأن وجود الماء في خلّ الزبيب يقتضي جواز التفاضل فضلاً عن التماثل، لأن وجود الضميمة من غير الجنس في أحد العوضين مانع من حصول الربا نصاً وفتوي.

كما إنه منع من بيع الحنطة بالفالوذق المتخذ من النشاء متماثلاً.

ثم قال: «أما الفالوذق فيجوز بيعه بالحنطة والدقيق متفاضلاً ما لم يؤد إلي التفاضل في الجنس، لأن فيه غير النشاء».

ومقتضي التعليل عدم جواز بيعه بحنطة أقل مما فيه من النشاء.

وعلي كل حال فهو لا يناسب ما ذكره أولاً، لعدم الفرق في الربا بين كون أحد الصنفين ثمناً ومثمناً.

علي أن الإجماع لا ينهض بالاستدلال في المقام، لما هو المعلوم من استناد المجمعين في تطبيق كبري الاتحاد في الجنس علي الصغريات إلي اجتهادهم رأساً، أو إلي فهمهم ذلك من النصوص الواردة في المقام، وكلاهما غير حجة.

ومثل ذلك الاستدلال علي الكبري المذكورة بعموم تعليل جريان حكم الجنس الواحد علي الحنطة والشعير بأن الشعير من الحنطة، أو بأن أصلهما واحد(1).

إذ فيه: أنه لا يتضح عموم التعليل لبعض صغريات الكبري المذكورة، مثل الجبن مع الحليب الذي هو بعض منه، والفالوذج مع الدقيق المشتمل علي زيادة عليه، بل الظاهر أو المتيقن منه ما يرجع إلي تحول أحد الشيئين للآخر، الذي يكون في مثل اللبن الرائب مع الحليب، والذي يكون وضوح اتحاد الجنس فيه عرفاً مغنياً عن الاستدلال عليه بالتعليل المذكور.

وعلي ذلك يتعين النظر فيما تقتضيه القواعد العامة والنصوص الخاصة.

فنقول: سبق أن المعيار في وحدة الجنس ليس هو الاتحاد في الاسم، بل النظر

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 8 من أبواب الربا حديث: 1، 2، 4.

ص: 203

العرفي كما يظهر مما سبق عند الكلام في اللحوم وغيرها أنه لا مانع عند العرف من اشتمال الجنس الواحد علي أجزاء مختلفة في الجنس، كاللحم والعظم في الحيوان.

وعلي ذلك فالفرع إن بقي حافظاً لأجزاء الأصل، كاللبن الرائب مع الحليب والراشي مع السمسم والدقيق النيء والمحمص مع حبه فالجنس محفوظ عرفاً.

ولابد من التماثل.

بل لا يبعد ذلك في العجين والخبز مع الحب أو الدقيق، لعدم الاعتداد عرفاً بالأجزاء المائية، خصوصاً في الخبز.

وكذا الحال في الفرعين إذا اشتركا في جزء واحد من أجزاء الأصل، كالجبن واللبن الرائب المجفف، الذي هو المراد من الشيراز فيما تقدم من التذكرة، والدهن والزبد، والمائين الذين يفرزان عند التجبين وتجفيف اللبن الرائب.

وإن فقد الفرع بعض أجزاء الأصل بوجه معتد به كالجبن واللبن الرائب المجفف مع الحليب، والدبس مع التمر، والعصير مع العنب، والنشاء مع أصله تعين جريان حكم الضميمة في أحد العوضين الربويين في المعاوضة بين الأصل والفرع، فيجوز التفاضل بينهما إذا نقص ما في الأصل من الجزء المشترك عن الفرع، ليكون الجزء الآخر من الأصل في مقابل الزيادة من الجزء المشترك في الفرع، علي ما يأتي في المسألة الثالثة عشرة إن شاء الله تعالي.

ولو كان الفرع مشتملاً علي إضافة جنس آخر كالفالوذج مع أصله فالأمر بالعكس، حيث يتعين الزيادة في الأصل عند المعاوضة بينه وبين الفرع، لتكون مقابل الجنس الآخر الذي يشتمل عليه الفرع.

ويجري نظير ذلك في الفرعين، كالدبس مع خله، حيث لا يصير الدبس خلّاً إلا بإضافة الماء وبعض الأجزاء إليه.

ولو كان كلا الفرعين مشتملاً علي إضافة أجزاء أجنبية عن الأصل، كالفالوذج وخبز اللحم، جاز التفاضل مطلقاً، لوجود الضميمة في كلا العوضين، علي ما يأتي في المسألة المذكورة إن شاء الله تعالي.

هذا ما تقتضيه القاعدة.

أما النصوص الخاصة فقد تضمن كثير منها النهي عن التفاضل بين الحنطة

ص: 204

والدقيق _(1).

وهو يناسب ما سبق ولا ينافيه.

نعم ورد في بعضها النهي عن التفاضل بين السويق والدقيق(2).

وقد اقتصر غير واحد من اللغويين في تفسير السويق علي أنه أمر معروف.

وذكر بعضهم أنه الناعم من دقيق الحنطة والشعير، وفي مجمع البحرين: «والسويق دقيق مقلو من الحنطة والشعير».

وعلي ذلك فهو مناسب لما سبق أيضاً.

نعم لو كان المراد به ما يضاف إليه شيء يحسّن طعمه ويسهل أكله من عسل أو غيره فقد ينافي ما سبق، حيث تكون الضميمة في أحد العوضين بمقتضي القاعدة رافعة لمحذور الزيادة في الآخر الذي هو من جنسه.

وقد يظهر ذلك من صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «قلت له: ما تقول في البر بالسويق ؟ فقال: مثلاً بمثل لا بأس.

قلت: إنه يكون له ريع أو يكون له فضل.

فقال: أليس له مؤنة ؟ فقلت له: بلي.

قال: هذا بذا»(3).

حيث قد يراد بذلك أنه مع التعاوض بينهما مثلاً بمثل يكون الدقيق أكثر من دقيق السويق في الحقيقة، لأن السويق يزيد حجمه أو وزنه بما يضاف إليه من عسل أو نحوه.

لكن الصحيح نفسه قد تضمن تعليل الحكم بما يناسب كون الزيادة في الدقيق في مقابل المؤنة في السويق الناشئة من إضافة الشيء الأجنبي له، أو من كلفة صنعه، وهو يناسب جواز الزيادة في العوض الآخر وإن كان من الجنس نفسه.

ومن ثم لا يخلو الصحيح عن إجمال أو إشكال.

فلا مجال للخروج به عن مقتضي القاعدة.

ولاسيما مع احتمال عدم الاعتداد بما يضاف له عرفاً لقلته.

غاية الأمر الاقتصار به علي مورده.

كما أنه ورد في صحيح محمد بن مسلم الآخر عنه (عليه السلام): «قلت: فالرجل يدفع السمسم إلي العصار يضمن له لكل صاع أرطالاً [مسماة] قال: لا»(4).

وهو أيضاً لا

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 9 من أبواب الربا.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 9 من أبواب الربا حديث: 1، 4.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 9 من أبواب الربا حديث: 1، 3.

ص: 205

والسويق، وكالحليب واللبن والجبن (1).

وإن كان من قبيل تولد شيء من

---------------

ينافي في ما سبق، لأن المضمون إن كان هو الراشي فهو عين السمسم عرفاً كما سبق، وإن كان هو الدهن فحيث كان هو جزءاً من السمسم فلابد من إحراز عدم زيادة الدهن الذي في السمسم المدفوع عن الدهن المضمون، وكثيراً ما لا يتيسر ضبط ذلك.

علي أنه لم يتضح عموم الصحيح للوجهين معاً أو اختصاصه بالثاني.

إذ لعل المعهود من وظيفة العصار عند الإمام (عليه السلام) والسائل أحد الوجهين أو خصوص الأول، وعليه اتكل السائل فلم يذكر الأمر المضمون، فيكون مجملاً مردداً بينهما.

نعم في معتبر أبي الربيع: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تري في التمر والبسر الأحمر مثلاً بمثل.

قال: لا بأس.

قلت: فالبختج والعنب مثلاً بمثل.

قال: لا بأس»(1).

والبختج هو ماء العنب المطبوخ.

ومقتضي القائدة المتقدمة عدم اعتبار التماثل فيه، لأن البختج في واقعه جزء من العنب، حيث يفقده قشره وحبه بالعصر.

وذلك يقتضي جواز زيادة البختج علي العنب في المعاوضة، مع أن ظاهر الحديث عدم جوازه، لأن التقييد بالمماثلة وإن ورد في كلام السائل، إلا أنه بسبب ارتكاز اعتبار المماثلة في الربويين، فعدم ردع الإمام (عليه السلام) عن ذلك ظاهر في إقراره.

لكن في كفاية ذلك في استفادة الإقرار إشكال.

مع احتمال خصوصية المورد، لعدم الاعتداد عرفاً بالقشر والحب في المعاوضة.

ومن ثم يشكل الخروج عن مقتضي القاعدة المتقدمة.

فلاحظ.

(1) مما سبق يتضح أن الجبن واللبن المجفف متقومان بأحد جزئي الحليب والجزء الآخر هو الماء الذي ينفصل عند التجبين والتجفيف، وهما مختلفا الجنس عرفاً، وللثاني وجوده المعتد به في المعاوضة، فالمعاوضة بين الجبن والحليب مثلاً كالمعاوضة بين العسل والحليب الممزوج بالعسل، حيث لا مجال للبناء علي وجوب التماثل بينهما

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 14 من أبواب الربا حديث: 2.

ص: 206

شيء فهما جنسان (1)، كالحليب والزبد والسمن.

ومن الأول السمسم والراشي، ومن الثاني السمسم والشيرج.

وكذا الحكم في الفروع بعضها مع بعض فالزبد والمخيض جنسان (2)، والسمن والزبد جنس واحد، والبسر والرطب والتمر جنس واحد، والتمر والخل جنسان (3).

والأحوط استحباباً العمل علي المشهور.

-

لاشتراكهما في العسل.

(1) لا إشكال في ذلك كبروياً، بحسب القاعدة، ويتجه العمل عليه في مثل بيع السمك ببيوضه لولا احتمال عموم التعليل في المنع من المعاوضة بين الحنطة والشعير مع التفاضل بأن أصل الشعير من الحنطة.

أما الصغريات التي ذكرها (قده) فلا تخلو عن إشكال، فإن الزبد والسمن جزء من الحليب عرفاً وكذا الشيرج مع السمسم وسائر الزيوت مع ما تستخرج منه.

ومجرد عدم تميزها عن بقية أجزاء الشيء الذي تستخرج منه في الحيز أو في اللون لا يجعلها من سنخ المتولد المباين لما تولد منه جنساً بنظر العرف.

ونظيرها في ذلك العسل مع الحليب الممزوج به لو تيسر فرزه عنه.

(2) ما سبق في الجبن واللبن مع الحليب يجري هنا، كما يظهر مما سبق في السمن والزبد من عدم مباينتهما للحليب، بل هما جزء منه.

نعم المخيض المنزوع منه الزبد مباين للزبد والسمن.

(3) مما سبق يظهر الإشكال في ذلك إذا كان للأجزاء التمرية في الخل وجود معتد به عرفاً، كما هو غير بعيد حيث يتعين حينئذ البناء علي اشتراك كل منهما في بعض أجزاء التمر، وانفراد كل منهما بجزء يختص به.

ويجري عليه حكم وجود الضميمة في كلا العوضين، الذي يجوز معه التفاضل، كما سبق، ويأتي في المسألة الثالثة عشرة إن شاء الله تعالي.

نعم يتجه ذلك لو لم يحمل الخل أجزاء تمرية، بل تكون خلّيته لمجرد

ص: 207

حكم اختلاف الشيء في حال موزوناً وفي حال مكيلاً

(مسألة 8): إذا كان الشيء مما يكال أو يوزن وكان فرعه لا يكال ولا يوزن جاز بيعه مع أصله بالتفاضل (1)، كالصوف الذي هو من الموزون والثياب المنسوجة منه التي ليست منه، فإنه يجوز بيعها به مع التفاضل.

وكذلك القطن والكتان والثياب المنسوجة منهما.

---------------

التفاعل بالتمر.

وأظهر من ذلك الدبس مع خله حيث يتعين جريان حكم وجود الضميمة في أحد العوضين لو كان التعاوض بينه وبين الدبس، ولو كان التعاوض بينه وبين التمر جري حكم وجود الضميمة في كلا العوضين، كما يظهر مما سبق.

نعم يتجه تعدد الجنس لو كان التحول في الخل موجباً لتبدل الحقيقة وتعددها عرفاً، لا بمعني الاستحالة، بل بمعني آخر.

اللهم إلا أن يستفاد من عموم التعليل في الحنطة والشعير بأن أصلهما واحد عدم ترتب الأثر علي اختلاف الحقيقة في مثل ذلك.

فتأمل جيداً.

(1) فقد صرح في النهاية والسرائر والنافع والتذكرة بجواز بيع الثوب بالغزل مع التفاضل.

ومقتضي تعليله في السرائر والتذكرة بعدم كون أحد العوضين ربوياً عموم الجواز لكل ما إذا خرج بالصنعة عن المكيل والموزون، كما هو مقتضي إطلاق الوسيلة والقواعد وصريح الرياض.

ويقتضيه عمومات الصحة بعد ظهور أدلة اشتراط الكيل والوزن في الربا في لزوم كون العوضين معاً مكيلين أو موزونين.

مضافاً إلي صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن بيع الغزل بالثياب المنسوجة والغزل أكثر وزناً من الثياب.

قال: لا بأس»(1).

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 11 من أبواب الربا حديث: 1.

ص: 208

(209)

(مسألة 9): إذا كان الشيء في حال موزوناً أو مكيلاً وفي حال أخري ليس كذلك لم يجز بيعه بمثله متفاضلاً في الحال الأولي وجاز في الحالة الثانية (1).

-

وقد تضمن الكبري المذكورة مرسل علي بن إبراهيم(1) ، بناء علي روايته عن المعصوم.

وإن لم يبعد خلافه، كما سبق في ذيل الكلام في اشتراط اتحاد الجنس في الربا.

هذا وحيث سبق أن الصحة مقتضي العمومات تعين عمومها لعكس الفرض، وهو ما إذا كان الفرع مكيلاً أو موزوناً والأصل غير مكيل ولا موزون، كالجوز مع لبه.

وكذا إذا كان أحد الفرعين مكيلاً أو موزوناً دون الآخر، كالخبز الذي يباع في عصورنا عدداً مع الدقيق أو البرغل الذين يباعان وزناً.

(1) لاختلاف الحالتين في تحقق الربا المحرم وعدمه.

وقد تقدم نظير ذلك في المسألة الثانية من الفصل الثالث عند الكلام في عدم جواز بيع المكيل والموزون جزافاً.

ويترتب علي ذلك وعلي المسألة السابقة جواز بيع الجنس المذكور في الحالة التي لا يكون فيها مكيلاً ولا موزوناً بجنس مثله في الحالة التي يكون فيها مكيلاً أو موزوناً، كبيع الثمرة علي الشجرة بجنسها موزوناً في السوق وإن لزم التفاضل بينهما.

نعم قد ينافي ذلك ما ورد في بيع الأشياء المحلاة بالذهب أو الفضة من اعتبار كون الذهب أو الفضة أكثر من الحلية، كموثق أبي بصير: «سألته عن السيف المفضض يباع بالدراهم.

فقال: إذا كانت فضته أقل من النقد فلا بأس»(2) وغيره.

لكن لم يتضح أن الحلية في مثل ذلك تباع جزافاً.

علي أن من القريب خصوصية الذهب والفضة، لكونهما من الأثمان المبنية علي الضبط، وبيعهما جزافاً حالة شاذة،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 17 من أبواب الربا حديث: 12.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 15 من أبواب الصرف حديث: 8.

ص: 209

الكلام في بيع لحم الحيوان به حياً

(مسألة 10): الأحوط عدم جواز بيع لحم حيوان بحيوان حي بجنسه (1)،

---------------

وليسا كغيرهما مما من شأنه أن يباع جزافاً في بعض الأحوال.

فلاحظ.

(1) فقد منع منه في المبسوط والخلاف والمهذب والغنية والوسيلة والشرائع والدروس وغيرها، وهو المتيقن ممن يأتي منهم إطلاق المنع من بيع الغنم باللحم من دون تقييد منهم بكونه من جنسه.

وفي التذكرة وعن غاية المرام أنه المشهور.

بل في الخلاف والغنية الإجماع عليه، وقد يظهر من محكي إيضاح النافع.

وفي المختلف بعد أن حكي عن ابن إدريس الجواز قال: «وابن إدريس قوله محدث لا يعول عليه، ولا يثلم في الإجماع».

وفي الدروس أنه شاذ.

واستدل له بعد الإجماع المذكور بموثق غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه (عليه السلام): «أن علياً (عليه السلام) كره بيع اللحم بالحيوان»(1) ، والنبوي: «أن النبي نهي عن بيع اللحم بالحيوان»(2) ، ومرسل دعائم الإسلام عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أنه نهي عن بيع اللحم بالحيوان»(3).

لكن ضعف الأخيرين مانع من التعويل عليهما.

فلم يبق إلا حديث غياث.

والاستدلال به مبني علي حمل الكراهة علي الحرمة ولو بضميمة ما تضمن أن علياً (عليه السلام) لا يكره الحلال(4).

هذا وقد ذهب إلي الجواز في السرائر والنافع وكشف الرموز والتذكرة والتحرير ومحكي المفاتيح، ومال إليه في التنقيح ومحكي الكفاية.

وهو ظاهر الوسائل، مع تصريح جماعة منهم بالكراهة.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 11 من أبواب الربا حديث: 1

(2) المستدرك للحاكم ج: 2 ص 35، الموطأ ج: 2 ص 655 وغيرهما.

(3) مستدرك الوسائل ج: 13 باب: 10 من أبواب الربا حديث: 1.

(4) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 15 من أبواب الربا حديث: 1.

ص: 210

(211)

وكأنه لقوة عمومات الصحة بعد عدم تحقق شروط الربا، لكون أحد العوضين غير موزون بنحو يهون لأجلها إهمال حديث غياث، خصوصاً بناءً علي عدم العمل بأخبار الآحاد كما هو مبني ابن إدريس أو حمله علي الكراهة، كما يظهر من النافع وغير واحد ممن بعده، حيث حكموا بها.

وأما ما تضمن أن علياً (عليه السلام) لا يكره الحلال فلا مجال للبناء علي عمومه، إذ لا إشكال في أنه صلوات الله عليه يكره الحلال المكروه، فيكون مجملاً، ويقتصر فيه علي مورده، وهو غير مسألتنا.

لكن في كفاية ذلك في حمل حديث غياث علي الكراهة المصطلحة إشكال.

ولاسيما بعد ذهاب جماعة من قدماء الأصحاب وأعيانهم إلي الحرمة، بنحو يظهر في فهمهم لها من الحديث، أو معروفيتها عندهم ولو من غيره.

ولعله لذا كان ظاهر القواعد والإرشاد وغيرهما التردد.

هذا وفي المختلف بعد أن قرب المنع، واستدل بالإجماع وحديث غياث، قال: «ولو قيل بالجواز في الحيوان الحي دون المذبوح، جمعاً بين الأدلة كان قوياً».

ووافقه في التفصيل المذكور في جامع المقاصد والمسالك والروضة ومحكي تعليق الإرشاد.

وهو كما تري! لظهور أن الجمع المذكور تبرعي.

مع أنه ليس في المقام دليلان متعارضان في المنع والجواز، بل ليس إلا القاعدة المقتضية للجواز، والإجماع والحديث المقتضيان للمنع عنده.

والقاعدة كما تقتضي الجواز في الحي، لعدم كونه موزوناً تقتضيه في المذبوح، إما لعدم كونه موزوناً، وتعارف بيعه جزافاً، كما هو الظاهر، وإما لاشتماله علي أجناس مختلفة.

ولا أقل من اللحم والعظم والجلد والصوف أو الشعر، فجوز بيعه بلحم أكثر من لحمه، وتكون الزيادة في اللحم في مقابل بقية الأجناس، كما يجوز بيعه بلحم وعظم مطلقاً، لارتفاع محذور الربا بالضميمة.

ولو غض النظر عن ذلك فلا تقتضي القاعدة المنع من البيع مطلقاً، بل مع التفاضل لا غير.

ص: 211

بل بغير جنسه أيضاً (1) كبيع لحم الغنم ببقرة وإن كان الأظهر الجواز في الجميع.

(مسألة 11): إذا كان للشيء حالتان حالة رطوبة وحالة جفاف، كالرطب يصير تمراً والعنب يصير زبيباً والخبز اللين يكون يابساً، يجوز بيعه جافاً بجاف منه ورطباً برطب منه متماثلاً (2)، ولا يجوز

---------------

أما الإجماع والحديث، فالمتيقن منهما الحيوان الحي، بل هما مختصان به.

وتعميم المنع للمذبوح لو تم إنما يكون لاستفادته منهما تبعاً بتنقيح المناط أو الأولوية العرفية.

وتنزيلهما علي خصوص المذبوح من أبعد البعيد، بل هو متعذر، خصوصاً في الإجماع، كما لعله ظاهر.

(1) فإن المنع فيه هو مقتضي إطلاق المنع من بيع الغنم باللحم في المقنعة والنهاية والمراسم، وحكي عن ابن الجنيد.

وهو مقتضي إطلاق النصوص المتقدمة.

نعم صرح جماعة بالجواز فيه، بل قطع به بعضهم، وفي الغنية والتنقيح وظاهر الخلاف الإجماع عليه.

بل يظهر من بعضهم حمل إطلاق من أطلق علي ما إذا اتحد الجنس.

وكأنه لابتناء الحكم عندهم في النصوص والفتاوي علي تجنب محذور الربا أو ما يشبهه، الذي لا مجال له مع اختلاف الجنس.

لكنه غير ظاهر بعد عدم لزوم الربا في المورد، لعدم كون أحد العوضين من الموزون.

بل يشكل فيه اتحاد الجنس عرفاً بعد تقوّم الحيوان عرفاً بالحياة.

مضافاً إلي ما سبق منّا في المسألة الثالثة من الإشكال في تعدد الجنس في اللحم عرفاً تبعاً لتعدد جنس الحيوان المأخوذ منه.

فلاحظ.

(2) عند علمائنا كما عن نهاية الأحكام، وقطعاً كما في التحرير.

ويشهد به النظر في كلمات الأصحاب.

وهو المتيقن من النصوص الكثيرة الدالة علي جواز بيع أحد

ص: 212

(213)

متفاضلاً (1).

وأما بيع الرطب منه بالجاف متماثلاً ففيه إشكال (2)،

---------------

فردي الجنسين بالآخر مثلاً بمثل(1).

(1) قطعاً.

وبه صرح جماعة بنحو يظهر في المفروغية عنه.

لأنه ربا.

(2) فقد اختلف في ذلك الأصحاب بل اختلف كلام بعضهم أو اضطرب فقد منع في المبسوط من بيع الخبز اللين باليابس مع التماثل والتفاضل، ووافقه في ذلك في المهذب، كما عد في المبسوط مما لا يجوز بيع بعضه ببعض الرطب بالتمر والعنب بالزبيب، والخبز اليابس بالخبز اللين، ثم ذكر أنه يجوز بيع الرطب بالتمر إذا كان موضوعاً علي الأرض ولم يبق في النخل.

وقال في النهاية: «ولا يجوز أيضاً بيع الرطب بالتمر مثلاً بمثل، لأنه إذا جف نقص»، وقال في موضع آخر: «ولا يجوز بيع البسر بالتمر متفاضلاً».

وظاهره جواز بيعه مثلاً بمثل، وقال في موضع ثالث منها: «ولا يجوز بيع العنب بالزبيب إلا مثلاً بمثل.

وتجنبه أفضل».

وأطلق في الخلاف جواز بيع الخبر بالخبز مثلاً بمثل بنحو قد يظهر في العموم لبيع اليابس بالرطب.

كما صرح باختصاص المنع ببيع الرطب بالتمر، دون العنب بالزبيب وبقية الثمار الرطبة بيابسها.

ومثله في ذلك ما في الغنية والشرائع والنافع وكشف الرموز، وكذا في نكت النهاية محاولاً توجيه الاختلاف المتقدم من النهاية.

وصرح في الاستبصار بحمل النصوص المانعة من بيع التمر بالرطب علي الكراهة دون الحظر.

وصرح في السرائر بالجواز في التمر والرطب، فضلاً عن غيرهما، حيث ادعي الإجماع علي الجواز فيه.

كما ذهب إلي عموم المنع العلامة في جملة من كتبه وفي التنقيح وظاهر الدروس وصريح اللمعتين والمسالك وظاهر جامع المقاصد وغيرها، وحكي عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد وابن البراج وغيرهم.

وذكر غير واحد أنه المشهور.

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 8، 9 من أبواب الربا.

ص: 213

هذا ومن الظاهر أن ظاهر النصوص العامة المانعة من التفاضل بين العوضين في الجنس الواحد هو التفاضل بينهما حين المعاوضة، من دون نظر لما يؤول إليه كل منهما بعدها بنفسه أو بطارئ خارجي.

ولازم ذلك جواز المعاوضة بين الجاف والرطب مع التماثل في المقدار.

وأما النصوص الخاصة فهي علي طائفتين: الأولي: صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: لا يصلح التمر اليابس بالرطب من أجل أن التمر يابس، والرطب رطب، فإذا يبس نقص»(1) ، وموثق داود بن سرحان عنه (عليه السلام): «سمعته يقول: لا يصلح التمر بالرطب.

إن الرطب رطب والتمر يابس، فإذا يبس الرطب نقص»(2) ، وخبر داود الأبزاري عنه (عليه السلام): «سمعته يقول: لا يصلح التمر بالرطب، إن التمر يابس والرطب رطب»(3).

والثانية: موثق سماعة أو صحيحه: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن العنب بالزبيب.

قال: لا يصلح إلا مثلاً بمثل.

قال: والتمر بالرطب مثلاً بمثل»(4) ، ومعتبر أبي الربيع: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تري في التمر والبسر الأحمر مثلاً بمثل ؟ قال: لا بأس.

قلت فالبختج والعنب مثلاً بمثل ؟ قال: لا بأس»(5).

وهو وإن ورد في البسر لا في الرطب.

إلا أن عموم التعليل في الطائفة الأولي شامل له.

إذا عرفت هذا فقد اعتمد المانعون علي الطائفة الأولي.

ولو تم الاستدلال بها

-

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 14 من أبواب الربا حديث: 1، 6، 7.

(4) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 14 من أبواب الربا حديث: 3.

كذا رواه في التهذيب ج: 7 ص: 97 والاستبصار ج: 3 ص: 92.

وظاهر الوسائل روايته في الكافي كما فيهما لأن الموجود في الكافي طبعة دار الكتب الإسلامية: «قلت والتمر والزبيب.

قال: مثلاً بمثل».

ج: 5 ص: 190.

والظاهر التصحيف فيه، لاختلاف التمر والزبيب جنساً.

وقد يظهر من الكليني الالتفات لغرابة الحديث، لأنه قال بعد ذلك: «وفي حديث آخر بهذا الإسناد قال: «المختلف مثلان بمثل يداً بيد لا بأس».

ومن هنا كانت رواية الكافي المذكورة مورداً للريب، فلا يرفع بها اليد عن رواية التهذيبين. ولاسيما مع بُعد الخطأ فيها، لأنها وردت في الاستبصار في باب بيع الرطب بالتمر.

(5) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 14 من أبواب الربا حديث: 5.

ص: 214

فاللازم البناء علي العموم لكل رطب ويابس، عملاً بعموم التعليل.

ولا مجال لما في السرائر من أنه من القياس الباطل.

ومثله ما سبق منه من دعوي الإجماع علي الجواز في غير الرطب والتمر، حيث لا مجال له بعد ما تقدم في نقل أقوالهم.

ويأتي تمام الكلام في ذلك.

أما المجيزون فقد اعتمدوا علي الطائفة الثانية، وحملوا من أجلها الطائفة الأولي علي الكراهة، وعمدتها موثق سماعة الوارد في الرطب والتمر اللذين هما مورد التعليل في الطائفة الأولي.

وقد استشكل فيه في كشف الرموز بجهالة السائل.

ويندفع بأنه لا يقدح في الاستدلال بعد إخبار سماعة به جازماً، حيث يمكن استناده في إخباره للحس أو الحدس القريب منه.

ومثله ما في الوسائل وغيره من احتمال كون المراد بقوله (عليه السلام): «لا يصلح إلا مثلاً بمثل» المماثلة في الصنف يعني: لا يصلح إلا بيع العنب بالعنب وبيع الزبيب بالزبيب، فيرجع إلي عدم جواز الاختلاف في الرطوبة والجفاف.

بل في مجمع الفائدة أن ذلك هو الأظهر.

إذ فيه: أن الشائع في النصوص إطلاق المماثلة بلحاظ المقدار.

ولو كان المراد ذلك لكان المناسب: أن يقول: لا.

فإنه أخصر وأوضح.

علي أن ذلك لا مجال له في ذيل الحديث المتضمن لحكم التمر والرطب.

هذا ويظهر من الشرائع ترجيح الطائفة الأولي لكونها أشهر.

وفيه: أولاً: أنه لم يثبت مرجحية الأشهرية، بل الثابت هو ترجيح المشهور المجمع علي روايته علي الشاذ النادر، وذلك غير حاصل في المقام.

وثانياً: أن الترجيح فرع استحكام التعارض، ولا مجال له مع إمكان الجمع العرفي، كما هو الحال في المقام حيث يسهل حمل الكراهة وعدم الصلاح في الطائفة الأولي علي الكراهة المصطلحة بقرينة الطائفة الثانية.

ص: 215

ودعوي: أن ذلك لا يناسب التعليل في الطائفة المذكورة بلزوم اختلاف المقدار بسبب الجفاف الراجع إلي لزوم الربا المعلوم حرمته.

مدفوعة بأن التعليل المذكور لا يرجع إلي لزوم الربا حقيقة، لما هو المعلوم من نصوص شرح الربا في المعاملة أن المعيار فيه التفاضل الفعلي حين المعاملة غير الحاصل في المقام، لا التفاضل التقديري بلحاظ الطوارئ، ولذا لا إشكال في المقام في عدم جواز الزيادة في الرطب بحيث يساوي الجاف إذا جف.

بل مرجع التعليل إلي حصول ما يشبه الربا، ولا دليل علي النهي عنه ومانعيته من صحة البيع إلا هذه النصوص التي يمكن حملها علي الكراهة بقرينة الطائفة الثانية.

علي أن مقتضي عموم التعليل عدم جواز المعاوضة مع جفاف العوضين معاً أو رطوبتهما كذلك، إذا كان من شأن أحدهما أن يجف بمرتبة زائدة علي جفاف الآخر، بحيث يلزم التفاضل بينهما تقديراً.

ولا يمكن البناء علي ذلك، لعدم انضباطه.

وأما ما في الجواهر من أنه إذا لم يعلم وقت البيع بحصول التفاضل بعد ذلك فلا مخرج عما يقتضي الصحة من النصوص وغيرها بعد عدم التفاضل حين البيع.

ففيه: أنه بعد فرض تقديم التعليل علي النصوص الظاهرة في الاكتفاء بالصحة بعدم التفاضل حين البيع، والبناء علي اعتبار عدم التفاضل مطلقاً ولو بعد البيع، فلابد من إحراز ذلك، ولا طريق لإحرازه غالباً لعدم الانضباط، كما ذكرنا.

ولو فرض إحرازه بالأصل، لدعوي أن مقتضي الاستصحاب بقاء التساوي وعدم حصول التفاضل بعد البيع.

فغايته البناء علي صحة المعاملة ظاهراً حين البيع مع إناطة صحتها واقعاً بعدم حصول التفاضل واقعاً، ولا يظن منهم البناء عليه، بل هو خلاف المقطوع به بعد النظر في النصوص والفتاوي ومرتكزات المتشرعة وعملهم.

ومن هنا قد يدعي إجمال التعليل والاقتصار فيه علي مورده، وهو التمر والرطب، كما سبق من الخلاف والشرائع وغيرهما وإن كان كلامهم لا ينهض بتوجيهه، لأنهم

ص: 216

أغفلوا التعليل، ولم يشيروا للإشكال فيه.

بل عموم التعليل المذكور لا يناسب ما سبق منهم من اعتبار التماثل بين الشيء وفرعه، كالحليب والأقط وغيرها.

وإن سبق الإشكال فيه.

وكيف كان فالتعليل المذكور لا يمنع من حمل الطائفة الأولي علي الكراهة بقرينة الطائفة الثانية، بل يتعين البناء علي ذلك جمعاً بين الطائفتين.

هذا وفي صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال في حديث:

«وكره أن يباع التمر بالرطب عاجلاً بمثل كيله إلي أجل، من أجل أن الرطب ييبس، فينقص من كيله» (1) .

وظاهره تعجيل التمر وتأجيل الرطب.

وحيث كان المراد به أن الرطب ينقص بعد التسليم فلا خصوصية في ذلك للتأجيل، وهو خلاف ظاهر الحديث.

نعم لو كان المراد به تعجيل الرطب وتأجيل التمر أمكن عرفاً خصوصية التأجيل بلحاظ أن التفاضل وإن لم يحصل عند البيع، إلا أنه يحصل حين انتفاع من صار له التمر بالتمر واستفادته منه، لأن الرطب المقبوض سابقاً ينقص حينئذ.

لكن حمل الصحيح علي تعجيل الرطب خلاف ظاهره.

ومن هنا لا يخلو مفاد الصحيح عن إشكال.

وعلي كل حال فهو إن حمل علي الأول كان مفاده مناسباً للطائفة الأولي فيجري فيه ما سبق فيها.

وإن حمل علي الثاني أمكن تخصيصه للطائفة الثانية لكن لا شاهد علي حمله عليه، لينظر في تخصيصه لها.

والحاصل: أن المتعين جواز المعاوضة بين الجاف والرطب في متحد الجنس مع التماثل في المقدار.

ثم إنه لا فرق في ذلك بين الرطوبة الذاتية كما في الرطب والعنب والعرضية كما في الجاف المبلول أو الموضوع في جوّ رطب عملاً في الأول بالعمومات والطائفة

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 14 من أبواب الربا حديث: 2.

كذا رواه في من لا يحضره الفقيه ج: 3 ص: 178.

ورواه في تهذيب الأحكام ج: 7 ص: 96 هكذا: «من أجل أن التمر ييبس فينقص من كيله».

والظاهر أنه تصحيف.

وإن كان هو الذي أثبته في الوسائل، ورواه عن الصدوق والشيخ معاً.

ص: 217

كيفية التخلص من الربا

والأظهر الجواز علي كراهة.

ولا يجوز بيعه متفاضلاً حتي بمقدار الزيادة، بحيث إذا جف يساوي الجاف (1).

(مسألة 12): إذا كان الشيء يباع جزافاً في بلد (2)، وكيلاً (3) في آخر، فلكل بلد حكم نفسه (4)، وجاز بيعه متفاضلاً في الأول، ولا يجوز في الثاني.

-

الثانية، وفي الثاني بالعمومات وحدها.

نعم إذا كان البلل مبايناً عرفاً لموضوعه كالماء المنضوح عليه من دون أن ينفذ فيه ويعد جزءاً منه فالمتعين المنع، لعدم التساوي في المقدار عرفاً.

فلاحظ.

(1) بلا إشكال ظاهر، وفي التحرير إطلاق الاتفاق علي عدم جواز التفاضل.

ويناسبه النظر في كلماتهم، حيث أطلق المانعون المنع من بيع الجاف بالرطب، وقيده المجوزون بصورة التماثل.

كما أنه مقتضي النصوص العامة الدالة علي اشتراط التماثل مع اتحاد الجنس، والطائفة الثانية المصرحة بذلك.

وكذا الطائفة الأولي منها، لأنها أطلقت المنع من بيع الرطب بالتمر، ومرجع التعليل فيها بعد الإطلاق المذكور إلي عموم التفاضل المانع من المعاوضة في الجنس الواحد للتفاضل الشأني بسبب إمكان جفاف الرطب، لا إلي اختصاص التفاضل المانع بالتفاضل بحسب ما يستقر عليه وضع العوضين.

كما لعله ظاهر.

بقي شيء.

وهو أنه ادعي في التحرير الاتفاق علي عدم جواز بيع الرطب بالتمر نسيئة.

ولم أعثر عاجلاً علي خصوصية التمر والرطب في ذلك والمذكور في كلماتهم مانعية شرط التأجيل مطلقاً، إما لكونه مستلزماً للزيادة الحكمية، أو حتي في غير الربويين.

وقد تقدم الكلام في الأمرين في أوائل الفصل.

فراجع.

(2) وكذا لو كان معدوداً في بعض البلدان.

(3) أو موزوناً.

(4) لأن مقتضي الإطلاق المقامي لنصوص اعتبار الكيل والوزن في تحقق الربا

ص: 218

(219)

هو الرجوع للعرف الذي تقع فيه المعاوضة أو البيع، وهو يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة.

وقد تقدم نظير ذلك في المسألة الخامسة من الفصل الثالث في شروط العوضين، وتعرضنا هناك لكلماتهم هنا في مبحث الربا.

وعقبنا عليها بما يناسب المقام.

وبذلك يظهر حال البلد الواحد إذا اختلف الحال فيه باختلاف الأزمنة.

(1) قال في الجواهر بعد أن ذكر أمثلة الفروض المذكورة: «ولا خلاف بيننا في الجميع، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض جداً إن لم يكن متواتراً».

وتقتضيه عمومات صحة العقد والبيع بعد قصور أدلة الربا عن ذلك، لظهورها في فرض كون كل من فردي الجنس الواحد تمام العوض، بحيث يكون التعاوض بين كل منهما بمفرده.

مضافاً إلي النصوص المستفيضة، كصحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال في حديث يتضمن النهي عن صرف الدراهم الجيدة بدراهم رديئة مع التفاضل: «فقلت له: أشتري ألف درهم وديناراً بألفي درهم.

فقال: لا بأس بذلك.

إن أبي كان أجرأ علي أهل المدينة مني، فكان يقول هذا، فيقولون: إنما هذا الفرار.

لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم، ولو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار.

وكان يقول لهم:

نعم الشيء الفرار من الحرام إلي الحلال» (1) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: لا بأس بألف درهم ودرهم بألف درهم ودينارين إذا دخل فيها ديناران أو أقل أو أكثر فلا بأس به».(2)

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 6 من أبواب الصرف حديث: 1، 4.

ص: 219

موارد جواز الربا

(مسألة 14): لا ربا بين الوالد وولده (1)، فيجوز لكل منهما بيع

---------------

ومقتضي إنكار المخالفين علي ذلك بأنه الفرار الاعتراف بعدم حصول حدود الربا فيه مع حصول فائدته، وهو كاف في البناء علي حليته، إذ لا منشأ للبناء علي حرمة ما يحصل به فائدة الحرام إلا القياس المرفوض.

ولاسيما أن تحريم الربا المعاملي حكم تعبدي صرف لا يظهر وجهه للعقلاء ولا للعرف، فيتعين الوقوف عند حدوده المستفادة من الأدلة التعبدية.

(1) إجماعاً محكياً مستفيضاً إن لم يكن متواتراً صريحاً وظاهراً.

بل يمكن تحصيله.

كذا في الجواهر وعده في الانتصار من متفردات الطائفة.

ولم يعرف الخلاف فيه إلا من المرتضي في الموصليات، عملاً بعموم الكتاب، مع حمل النصوص الآتية علي النفي بداعي النهي، نظير قوله تعالي: (فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ)(1) ، كما صرح بذلك في الانتصار، ثم قال فيه: «ثم لما تأملت ذلك رجعت عن هذا المذهب، لأني وجدت أصحابنا مجمعين علي نفي الربا بين من ذكرناه، وغير مختلفين فيه في وقت من الأوقات، وإجماع هذه الطائفة حجة، ويخص بمثله ظواهر الكتاب».

ويشهد به مضافاً إلي ذلك النصوص، كخبر عمرو بن جميع، عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام):

ليس بين الرجل وولده ربا، وليس بين السيد وعبده ربا» (2) ، وخبر زرارة أو محمد بن مسلم الآتي.

ولا يقدح ضعف سندهما بعد ظهور اعتماد الأصحاب عليهما، خصوصاً في مثل هذه المسألة التي كان حكمها مخالفاً لعموم أدلة حرمة الربا، وانفردت به الطائفة عن غيرها، حيث لا يمكن عادة انفرادهم حينئذ إلا تعويلاً علي أدلة واضحة قوية.

ومجرد عدم نصهم علي وثاقة بعض رجال أسانيد نصوص المسألة لا ينافي قوتها

********

(1) سورة البقرة الآية: 197.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 7 من أبواب الربا حديث: 1.

ص: 220

(221)

الآخر مع التفاضل (1).

وكذا بين المولي ومملوكه (2)، وبين الرجل

---------------

في نفسها، ولو بسبب تسالمهم علي روايتها وعلي العمل بها في مثل هذا الحكم المهم العملي من الصدر الأول وفي عصور الأئمة (صلوات الله عليهم).

بل الإنصاف أن اعتمادهم علي هذه النصوص وتسالمهم علي العمل بها في هذا الحكم المهم المخالف للقاعدة كاشف عن وثاقة أسانيد بعضها، لما هو المعلوم من طريقتهم من عدم العمل بخبر غير الثقة.

ولاسيما مع أن السيد المرتضي مع عدم تعويله علي أخبار الآحاد لم يطرح هذه النصوص، بل حاول تأويلها بما سبق، وإن كان بعيداً في نفسه، بل يمتنع حمل النصوص عليه عرفاً بالنظر لقرائن الأحوال، كما يظهر بأدني ملاحظة لها وتدبر فيها.

ومن ثم لا ينبغي التوقف في الحكم.

(1) كما هو مقتضي إطلاق جماعة وصريح آخرين.

لإطلاق معاقد الإجماعات والنصوص.

ولم يعرف الخلاف فيه إلا من ابن الجنيد، حيث قال كما في المختلف: «لا ربا بين الوالد وولده إذا اخذ الوالد الفضل.

إلا أن يكون له وارث، أو عليه دين».

وهو خال عن الدليل بعد ما سبق.

وقد رماه غير واحد بالشذوذ.

(2) إجماعاً بقسميه.

كذا في الجواهر.

وعدّه في الانتصار من متفردات الإمامية علي نحو ما سبق في الوالد وولده.

ويقتضيه مضافاً إلي ما سبق آنفاً صحيح علي بن جعفر المروي في الفقيه: «أنه سأل أخاه موسي بن جعفر عن رجل أعطي عبده عشرة دراهم علي أن يؤدي العبد كل شهر عشرة دراهم أيحل ذلك ؟ قال: لا بأس»(1).

وزاد في صحيحه المروي في كتابه: «وسألته عن رجل أعطي رجلاً مائة درهم يعمل بها علي أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل أو أكثر هل يحل ذلك ؟ قال: هذا الربا محضاً»(2).

ولعل عدم تعرض الشهيدين له في اللمعتين لعدم ملكيته ولو بنظرهما، فهو

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 7 من أبواب الربا حديث: 6، 7.

ص: 221

وزوجته (1)، وبين المسلم والحربي (2)

---------------

خارج عن عموم حرمة الربا موضوعاً، ولا حاجة لذكره، وإلا فمن البعيد خلافهما في ذلك.

ومقتضي إطلاق النص والفتوي جواز أخذ الفاضل لكل منهما نظير ما سبق.

لكن في معتبر الجعفريات عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام): «قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ليس بيننا وبين خدامنا ربا، نأخذ منهم ألف درهم، ولا نعطيهم»(1).

إلا أن الخروج به عن إطلاق النصوص السابقة وإطلاق معاقد الإجماعات لا يخلو عن إشكال.

وإن كان ذلك غير مهم بعد خروج المسألة في عصورنا عن مورد العمل.

(1) إجماعاً أيضاً بقسميه.

كذا في الجواهر.

وعده في الانتصار من متفردات الإمامية علي نحو ما سبق.

ويقتضيه خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «قال: ليس بين الرجل وولده ولا بينه وبين عبده ولا بين أهله ربا...»(2) كذا رواه في الكافي.

ورواه في التهذيب عن زرارة ومحمد بن مسلم عنه(3) وفي الاستبصار عن زرارة عن محمد بن مسلم عنه (4)(عليه السلام)، ومرسل الفقيه: «قال الصادق (عليه السلام): ليس بين المسلم وبين الذمي ربا، ولا بين المرأة وبين زوجها ربا»(5).

ويجري فيهما ما سبق من أن مقتضي إطلاق النص والفتوي جواز أخذ الفاضل لكل منهما.

(2) إجماعاً بقسميه أيضاً إذا أخذ المسلم الفضل.

كذا في الجواهر.

ويقتضيه خبر عمرو بن جميع عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا نأخذ منهم ألف درهم بدرهم، ونأخذ منهم، ولا نعطيهم»(6).

نعم في خبر زرارة أو محمد بن مسلم المتقدم: «قلت: فالمشركون بيني وبينهم

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 13 باب: 7 من أبواب الربا حديث: 2.

(2و3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 7 من أبواب الربا حديث: 3، 4.

(4) الاستبصار ج: 3 ص 71.

(5و6) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 7 من أبواب الربا حديث: 5، 1.

ص: 222

(223)

عدم الفرق في الولد بين الذكر والأنثي

إذا أخذ المسلم الزيادة (1).

(مسألة 15): لا فرق في الولد بين الذكر والأنثي (2) والخنثي (3) علي الأقوي، ولا بين الصغير والكبير (4)، ولا بين الصلبي وولد الولد (5)، ولا

---------------

ربا؟ قال: نعم.

قلت: فإنهم مماليك.

قال: إنك لست تملكهم.

إنما تملكهم مع غيرك، أنت وغيرك فيهم سواء...».

لكن لابد من حمله علي الذميين، أو الكراهة، أو علي النفي المطلق، كما في الأقسام السابقة، فلا ينافي جواز أخذ الفضل منهم مع حرمة إعطائهم.

كل ذلك للجمع مع الخبر السابق والإجماع المتقدم.

(1) كما صرح بذلك جماعة.

وادعي عليه الإجماع في الخلاف والسرائر.

ويقتضيه مضافاً إلي ذلك خبر عمرو بن جميع المتقدم.

ومنه يظهر الإشكال في إطلاق نفي الربا بيننا وبينهم في كلام جماعة، بل هو صريح أو كالصريح من المهذب.

(2) كما نص عليه في التذكرة وجامع المقاصد.

وهو مقتضي إطلاق غيرهما، لعموم الولد لهما.

ومن ثم كان الوجه فيه إطلاق النصوص ومعاقد الإجماعات المتقدمة.

وفي الجواهر: «الأحوط الاقتصار علي الذكر، لأنه المنساق عرفاً».

وهو ممنوع.

إلا أن يريد به الانصراف البدوي غير المعتد به.

(3) لما سبق من عدم اختصاص الولد بالذكر، ليشك في انطباقه عليه في فرض كونه مشكلاً، بل حيث كان يعمّ غيره فهو صادق علي الخنثي قطعاً.

(4) قطعاً لإطلاق النصوص ومعاقد الإجماعات.

(5) كما صرح به في الدروس.

وهو ظاهر من أطلق.

لإطلاق النصوص ومعاقد الإجماعات، حيث يصدق الولد عليه حقيقة.

وتردد فيه في المسالك ومحكي الكفاية، بل قرّب ثبوت تحريم الربا بينهما في التذكرة والتنقيح وجامع المقاصد والروضة ومحكي تعليق الإرشاد وإيضاح المنافع والميسية، اقتصاراً في الخروج عن عموم التحريم علي المتيقن، وهو الولد الأدني.

لكن لا مجال لذلك مع إطلاق دليل التخصيص، كما سبق.

ص: 223

في المملوك بين القن والمدبر (1) والذكر والأنثي ولا في الزوجة بين الدائمة

---------------

وأما ما في التذكرة من أن صدق الولد عليه مجاز، فهو غريب جداً.

نعم لا مجال لتعميم الجواز لولد الرضاع وإن احتمله بعض من تقدم.

لعدم صدق الولد عليه لغة ولا عرفاً.

ولذا لا يطلق الولد عليه إلا مقيداً بالرضاع، كالماء بالإضافة إلي الماء المضاف.

وتعميم حكم الولد له شرعاً في النكاح لا يكفي في الإلحاق به في غيره.

وأما ما يظهر من المسالك من أنه يشترك مع ولد الولد في منشأ احتمال الإلحاق بالولد، وهو إطلاق اسم الولد عليهما، ولذا يجري عليهما حكم الولد في النكاح.

فهو غاية المنع، لصدق الولد علي ولد الولد لغة وعرفاً، وعدم صدقه علي ولد الرضاع، وجريان حكم الولد عليه في النكاح تعبدي شرعي يقتصر فيه علي مورده، كما ذكرنا.

(1) كما صرح جماعة بذلك، وبالتعميم لأم الولد.

وهو مقتضي إطلاق النصوص ومعاقد الإجماعات.

وكذلك الحال في المكاتب إذا لم يتبعض.

لكن استظهر في التحرير والمسالك حرمة الربا معه، وهو المحكي عن نهاية الأحكام.

ومال إليه في الجواهر، لأن المنساق غيره.

ثم قال: «لا أقل من الشك فتبقي حرمة الربا علي عمومها».

وهو كما تري إذ لا إشكال في العموم له، والانسياق لغيره لو تم لا يخرج عن الانصراف البدوي غير المعتد به.

كما لا مجال للتمسك بعموم حرمة الربا مع الشك بعد إطلاق الدليل المخصص وشموله لمورد الشك.

كما سبق في نظيره.

هذا وقد صرح جمع كثير من الأصحاب أولهم ابن الجنيد فيما حكي عنه باختصاص الحل بما إذا كان العبد ملكاً للشخص بتمامه ولم يكن له شريك فيه.

قال في المختلف بعد أن حكي ذلك عن ابن الجنيد: «وباقي أصحابنا أطلقوا.

ومقصودهم ذلك أيضاً، إذ المشترك ليس عبداً».

ص: 224

والمتمتع بها (1) وليست الأم كالأب (2) فلا يصح الربا بينها وبين الولد.

---------------

ولا ينبغي الإشكال في خروجه عن ظاهر النصوص وإلحاقه به لفهم عدم الخصوصية عرفاً، فيجوز لجميع مواليه الاشتراك معه في الربا الواحد.

لا يخلو عن إشكال.

ولو تمّ فلا مجال للبناء علي جواز انفراد كل منهم بالربا معه، لعدم صحة إضافته لكل منهم بانفراده.

كما أشرنا إلي ذلك في خبر زرارة المتقدم.

وأظهر من ذلك المبعض، لعدم صدق العبد أو المملوك عليه.

والتبعيض في الربا الواحد، كما قيل في زكاة الفطرة ونحوها يحتاج إلي دليل.

فلا مخرج عن عموم حرمة الربا فيه.

فلاحظ.

(1) كما في الدروس وجامع المقاصد والمسالك والروضة وعن تعليق الإرشاد والميسية وغيرها.

وقد يستفاد من إطلاق الأكثر.

وفي الحدائق والرياض أنه مذهب الأكثر، وعن الكفاية أنه المشهور.

وكأنه لإطلاق النصوص ومعاقد الإجماعات.

وذهب لتحريم الربا مع المتمتع بها في التذكرة ومجمع البرهان ومحكي إيضاح النافع، ومال إليه في الرياض، وتردد فيه في التنقيح ومحكي غاية المرام.

قال في التذكرة: «لأن التفويض في مال الرجل إنما يثبت في حق الدائم، فإن للزوجة أن تأخذ من مال الرجل المأدوم».

وهو كما تري لو تم لا ينهض بالاستدلال في المقام بل هو بالمقياس أشبه.

ومثله ما في الرياض من منع صدق الزوجة عليها حقيقة.

فإن غريب جداً.

فالعمدة في المقام أن كون الزوجية معياراً في الحلية إنما تضمنه مرسل الصدوق.

أما خبر زرارة أو محمد بن مسلم فقد تضمن عنوان الأهل.

ولا يتضح صدقه علي المتمتع بها.

ويلزم مع ضعف الخبرين الاقتصار علي المتيقن منهما، كما هو اللازم في معقد الإجماع.

وحينئذ يتعين الرجوع في غيره لعموم حرمة الربا.

فلاحظ.

(2) كما صرح به في التنقيح والروضة ومحكي إيضاح النافع والميسية وغيرها.

ص: 225

كما لا فرق بين ربا البيع وربا القرض (1).

(مسألة 16): الأحوط عدم جواز الربا بين المسلم والذمي (2).

وأما الربا في القرض فيأتي حكمه في كتاب القرض إن شاء الله تعالي.

-

وهو ظاهر كل من اقتصر علي ذكر الأب.

ويقتضيه عموم تحريم الربا بعد اختصاص النصوص المحللة ومعاقد الإجماعات بالأب.

(1) يعني: مع جميع من سبق، كما صرح به بعضهم.

لإطلاق النصوص ومعاقد الإجماعات المتقدمة.

وقد تقدم في صحيح علي بن جعفر جواز القرض مع العبد.

بل لعل ربا القرض هو المتيقن من الإطلاقات.

لكن لا بنحو يقتضي قصر الإطلاقات عليه.

(2) فالمنع هو الأشهر، بل المشهور نقلاً وتحصيلاً، بل عليه عامة المتأخرين إلا النادر.

كذا في الجواهر.

وهو المناسب لأكثر معاقد الإجماعات، حيث تضمنت نفيه في الحربي، بنحو ينساب اختصاص الحل به.

وكذا خبر عمرو بن جميع المتقدم(1).

ونقل في السرائر والمختلف عن المفيد جواز الربا معه وإن لم نعثر عليه في المقنعة، كما صرح بذلك غير واحد أيضاً.

وهو مختار الصدوق في المقنع وظاهر الفقيه، وحكاه في المختلف عن الصدوق الأول، كما حكي عن إيضاح النافع، بل هو معقد إجماع المرتضي في الانتصار، حيث اقتصر علي الذمي، وجعله من متفردات الإمامية.

ويشهد له مرسل الصدوق المتقدم: «قال الصادق (عليه السلام): ليس بين المسلم وبين الذمي ربا، ولا بين المرأة وبين زوجها ربا»(2).

لكن معقد الإجماع المذكور لا يناسب الفتاوي، ولا الأدلة، لظهور أن غير الذمي هو المتيقن من أدلة الحلّ، ولو لأنه الأولي بالحل من الذمي.

وأما نصوص المسألة بما فيها المرسل فضعف سندها مانع من التعويل لولا ظهور اعتماد الأصحاب عليها.

وذلك يقتضي الاقتصار علي المتيقن من مفادها، نظير ما تقدم في الزوجة المت

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 7 من أبواب الربا حديث: 2، 5.

ص: 226

(227)

(مسألة 17): الأوراق النقدية لما لم تكن من المكيل والموزون لا يجري فيها الربا (1)، فيجوز التفاضل في البيع بها.

لكن في النفس منه شيء (2) فالأحوط ضم جنس آخر إلي الأقل (3) ولو كان من الدراهم في بيع الدنانير العراقية أو القران في التومان (4).

ومنه يظهر أن تنزيل الأوراق لا بأس به مع الاحتياط المذكور (1).

وأما ما يتعارف في زماننا من إعطاء سند بمبلغ من الأوراق النقدية من دون أن يكون في ذمته شيء، فيأخذه آخر (2)، فينزله عند شخص ثالث بأقل منه، فالظاهر أن مرجعه إلي توكيل من بإمضائه السند للشخص الآخر في إيقاع المعاملة في ذمته (3) علي مقدار مؤجل بأقل منه (4).

وحينئذ يكون حكمه حكم التنزيل المتقدم في الاحتياط المذكور (1) والظاهر أن هذا هو المسمي باصطلاح الفرس (سفته).

-

بها.

وهو يقتضي الاقتصار علي مفاد خبر عمرو بن جميع المقتصر فيه علي أهل الحرب.

بل قد يظهر من اقتصار المشهور علي الحربي عدم التعويل علي المرسل.

وقد قرب في الحدائق كما حكي عن غيره ورود المرسل لبيان خروج الذميين عن شروط الذمة، فيجوز الربا معهم لصيرورتهم حربيين.

ولا بأس به جمعاً مع خبر عمرو بن جميع المشعر أو الظاهر في اختصاص الحل بالحربي.

والأمر سهل بعدما عرفت، وبعد عدم الابتلاء بالذميين في عصورنا.

فلاحظ.

(1) يعني ربا البيع والمعاوضة الذي نحن فيه.

(2) قد تنشأ الشبهة في الأيام السابقة القريبة يوم كانت النقود الورقية مقابلة رسمياً بالذهب والفضة.

أما هذه الأيام حين لم يبق من الأمرين شيء فلا منشأ لذلك.

نعم تقدم منا في المسألة الثالثة من الفصل الثامن نحو من الإشكال في التفاضل في غير المكيل والموزون إذا كانت الزيادة في أحد العوضين مع تأجيله، لأنه يؤدي مؤدي القرض الربوي.

فراجع.

(3) ليتخلص به من الربا، كما تقدم في المسألة الثالثة عشرة.

(4) إنما يتخلص من شبهة الربا بذلك يوم كان للدرهم العراقي والقران وجود في قبال الدينار والتومان، نظير الدرهم والدينار حيث كان الدرهم من الفضة والدينار من الذهب، ولا يصلح ذلك للتخلص اليوم، حيث لا يراد من الدرهم والقران إلا جزء من الدينار والتومان.

ص: 227

لا بأس به مع الاحتياط المذكور (1).

وأما ما يتعارف في زماننا من إعطاء سند بمبلغ من الأوراق النقدية من دون أن يكون في ذمته شيء، فيأخذه آخر (2)، فينزله عند شخص ثالث بأقل منه، فالظاهر أن مرجعه إلي توكيل من بإمضائه السند للشخص الآخر في إيقاع المعاملة في ذمته (3) علي مقدار مؤجل بأقل منه (4).

وحينئذ يكون حكمه حكم التنزيل المتقدم في الاحتياط

---------------

(1) الظاهر أن المراد بتنزيل الأوراق ما تعارف في عصورنا من دفع الدائن وثيقة الدين الذي له علي المدين (المسماة بالكمبيالة) وتسجيلها له، ليقبض بها الدين الذي تضمنته من المدين لنفسه بعد أن يعجل بدفع مبلغ من المال أقل من الدين المذكور للدائن.

ومرجعه إلي بيع الدين الذي له علي الغير بأقل منه نقداً معجلاً، ودفع الضميمة من غير الجنس مع النقد المعجل للتخلص من شبهة الربا التي أشار إليها (قده).

(2) وهو الشخص الذي يتضمن السند كونه دائناً من دون أن يكون دائناً واقعاً.

وهو ما يسمي في عرفهم بالمجاملة.

(3) يعني: مع الشخص الثالث وإن لم يكن معيناً، بل يوكل تعيينه للوكيل الذي يتضمن السند كونه دائناً.

(4) ولازمه صيرورة المعجل الأقل ملكاً لموقع السند فإن أخذه الشخص الذي يتضمن السند كونه دائناً علي أنه قرض لم يجب عليه دفع تمام ما تضمنه السند، لأنه أكثر، فيلزم ربا القرض، وحيث كان مسؤولاً بدفعه بتمامه حسبما تعارف عندهم فلا يصححه إلا شراؤه النقد المعجل من الموقع علي السند بتمام ما تضمنه السند إلي أجله مع الضميمة بناء علي ما ذكره (قده) من الحاجة إليها.

وكان المناسب له (قده) التنبيه علي ذلك.

علي أنه لا يظهر لنا وجه إرجاع المعاملة المذكورة إلي ذلك.

ولاسيما أن الطرف الثالث قد لا يعلم بعدم ثبوت شيء في ذمة موقع السند، بل يتخيل شراءه لدين محقق،

ص: 228

(229)

المذكور (1) والظاهر أن هذا هو المسمي باصطلاح الفرس (سفته).

-

فتبطل المعاملة، لعدم وجود أحد العوضين.

ولو علم بالواقع المذكور فقد لا يقصد إجراء المعاملة بالوجه الذي ذكره سيدنا المصنف (قده)، بل مجرد إقراض من يتضمن السند كونه دائناً للمبلغ الأقل بأكثر منه، ويكون الشخص الذي تضمن السند كونه مديناً بمنزلة الكفيل للدين، حيث يكون ملزماً بدفع المبلغ الذي يتضمنه السند إذا لم يدفعه المقترض له.

وحينئذ ترجع المعاملة إلي القرض الربوي المحرم الباطل، ولا تنفع في تحليله الضميمة.

نعم يمكن إرجاع المعاملة المذكورة إلي الوجه الذي ذكره سيدنا المصنف (قده) إذا اتفق الأطراف الثلاثة علي ذلك.

إلا أنه يحتاج إلي عناية خاصة.

(1) وهو ضم جنس آخر للأقل.

بقي في المقام أمران: الأمر الأول: في وجوب إرجاع المال الربوي لصاحبه حيث سبق في أول هذا الفصل أن المعاوضة الربوية كما تحرم تكليفاً تحرم وضعاً وتبطل، فمقتضي القاعدة أنه يجب علي آخذ الربا رده علي صاحبه أو من يقوم مقامه كالوارث سواءً كان الآخذ هو المرابي، أم من انتقل إليه منه، كمستوهبه منه ومشتريه ووارثه.

وسواء تميز مال الربا، أم اختلط بغيره.

ولو تلف المال الربوي كان مضموناً علي من وقع في يده.

أما لو جهل صاحبه جري عليه حكم مجهول المالك مع تميزه، أو اختلاطه، أو تلفه وانشغال الذمة به.

هذا ما تقتضيه القاعدة، ودلت عليه الأدلة النقلية الواردة في الربا في الجملة.

وعليها العمل والفتوي من دون خلاف ظاهر، إلا في موارد يحسن التعرض لها.

وربما كان عدم تعرض سيدنا المصنف (قده) لها لعدم بنائه عليها.

وإن لم يبعد بناؤه علي الأخير، وعدم تعرضه له لكونه مغفولاً عنه.

ص: 229

الأول: قال في النهاية بعد أن شدد في حرمة الربا: «فمن ارتكب الربا بجهالة ولم يعلم أن ذلك محظور فليستغفر الله تعالي في المستقبل.

وليس عليه فيما مضي شيء.

ومتي علم أن ذلك حرام ثم استعمله فكل ذلك محرم عليه، ويجب عليه رده علي صاحبه...» وهو كالصريح في عدم وجوب الرد مع الجهل.

وعليه جري في النافع وظاهر كشف الرموز وفي الدروس والحدائق والرياض وعن المقنع وفقه القرآن للراوندي وإيضاح النافع وآيات الأحكام للأردبيلي.

ويظهر أيضاً من الكليني والصدوق في الكافي والفقيه، لذكرهما النصوص الدالة علي ذلك في الباب المناسب له.

قال في مفتاح الكرامة: «وكأنه ميل إليه في التحرير وحواشي الشهيد».

وظاهر القواعد والوسائل التردد.

وقد خالف في ذلك في السرائر والتذكرة والمختلف والإيضاح والتنقيح وكنز العرفان وجامع المقاصد ومحكي نهاية الأحكام وغيرها.

بل حمل في السرائر ما سبق من الشيخ (قده) في النهاية علي إرادة نفي العقاب بالجهل لا غير، مع وجوب الرد.

وإن كان ذلك خلاف ظاهر كلامه المتقدم.

ويدل علي الأول من الكتاب المجيد قوله تعالي: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَيَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَي اللهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(1).

وحمله علي نفي العقاب مخالف لظاهره، ولظهور اللام في الملك أو الاختصاص، دون العفو.

غاية الأمر أنه قد يعمم للعفو ونفي العقاب توسعاً في تطبيق الاختصاص الذي هو مفاد اللام، بلحاظ تشبيه عدم عقاب الإنسان علي الشيء بكونه له من أجل التفضل في ذلك عليه.

وأما ما في بعض التفاسير من ورود ذلك في ربا الجاهلية.

فهو لو تم لا ينافي العموم لما نحن فيه.

وليس هو كقوله تعالي: (وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء

********

(1) سورة البقرة الآية: 275.

ص: 230

إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ)(1).

للفرق بينهما بأن الاستثناء في الآية الثانية قد ورد بعد عموم النهي بلحاظ حال ما قبل تشريع التحريم، فيعم النهي من لم يصله التحريم، أما في الآية الأولي فالملحوظ أفراد المكلفين بنحو الانحلال، فكل من جاءته الموعظة ووصله التحريم له ما سلف، ومقتضاه العموم لمن وصله التحريم بعد مدة طويلة.

وحمل مجيء الموعظة علي أصل تشريع التحريم لا علي وصوله له مخالف للظاهر.

ولاسيما بلحاظ ترتيب الانتهاء عليه، لوضوح أن الانتهاء إنما يترتب علي وصول التحريم، لا علي تشريعه.

ومثله دعوي: أن ذلك لا يناسب قوله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)(2).

لدلالته علي عدم استحقاق المرابي بعد التوبة لغير رأس المال.

لاندفاعها بأن الجمود علي سياق هاتين الآيتين الشريفتين يقتضي كون التوبة المفروضة بعد تعمد أخذ الربا بعد التحريم، فيخرج عن موضوع الآية الأولي.

ولو فرض عموم التوبة هنا تعين حمله علي ذلك جمعاً مع تلك الآية.

علي أن من القريب كون المنظور ما يستحقه المرابي بعد التوبة علي المدين من دون نظر إلي ما إذا استوفي دينه وأخذ الربا معه، كما قد يناسبه قوله تعالي بعد ذلك: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَي مَيْسَرَةٍ...)(3).

وأما النصوص ففي صحيح الحلبي: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): كل ربا أكله الناس بجهالة ثم تابوا فإنه يقبل منهم إذا عرف منهم التوبة.

وقال: لو أن رجلاً ورث من أبيه مالاً وقد عرف أن في ذلك المال ربا، ولكنه قد اختلط في التجارة بغيره حلال

********

(1) سورة النساء الآية: 22.

(2) سورة البقرة الآية: 278-279.

(3) سورة البقرة الآية: 280.

ص: 231

[حلالاً] كان حلالاً طيباً فليأكله.

وإن عرف منه شيئاً أنه ربا فليأخذ رأس ماله.

وليرد الربا.

وأيما رجل أفاد مالاً كثيراً قد أكثر فيه الربا، فجهل ذلك ثم عرفه بعد، فأراد أن ينزعه، فما مضي فله ويدعه فيما يستأنف»(1).

ورواه الصدوق مرسلاً.

وفي حديث أبي الربيع: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أربي بجهالة، ثم أراد أن يتركه.

قال: أما ما مضي فله، وليتركه فيما يستقبل»(2).

وفي صحيح محمد بن مسلم: «دخل رجل علي أبي جعفر (عليه السلام) من أهل خراسان قد عمل الربا حتي كثر ماله.

ثم إنه سأل الفقهاء: فقالوا: ليس يقبل منك شيء إلا أن ترده إلي أصحابه.

فجاء إلي أبي جعفر (عليه السلام) فقص عليه قصته.

فقال له أبو جعفر (عليه السلام): مخرجك من كتاب الله (فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَيَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَي اللهِ) والموعظة التوبة»(3).

فإن السؤال فيه عن وجوب الإرجاع يوجب ظهور الاستدلال بالآية الشريفة في إرادة عدم الإرجاع منها، لا مجرد عدم العقاب لو فرض عدم ظهور الآية في نفسها في ذلك.

نعم مقتضي إطلاق التوبة فيه العموم لما إذا كان العمل بالربا عن علم بالحرمة.

لكن يتعين حمله علي ما إذا كان عن جهل بها بقرينة النصوص السابقة.

مضافاً إلي ما عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسي عن أبيه: «إن رجلاً أربي دهراً من الدهر فخرج قاصداً أبا جعفر الجواد (عليه السلام) فقال له: مخرجك من كتاب الله يقول الله: (فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَيَ فَلَهُ مَا سَلَفَ).

والموعظة هي التوبة فجهله بتحريمه ثم معرفته به.

فما مضي فحلال، وما بقي فليستحفظ»(4).

كما ينهض هذان الحديثان بتأكيد ما سبق من ظهور الآية الشريفة في المطلوب.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب الربا حديث: 2. ورواه عن أبي المعزا. إلا أن الموجود في الكافي عن أبي المعزا عن الحلبي.

(2و3و4) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب الربا حديث: 4، 7، 10.

ص: 232

ويصلح ما قبلهما بتأييد ذلك.

وقد يستفاد أيضاً من صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي (عليه السلام): «سألته عن رجل أكل ربا لا يري إلا أنه حلال.

قال: لا يضره حتي يصيبه متعمداً فهو ربا»(1).

فإن قصر الربا فيه علي صورة التعمد ظاهر في قصر أحكامه ومنها حرمة المال ووجوب رده علي صاحبه علي صورة أكله مع العلم بحرمته.

ويبدو أن مخالفة ذلك للقواعد أوجب إحجام غير واحد عن الخروج بما سبق عنها، ومحاولتهم حمله علي خلاف ظاهره أو التشبث ببعض الوجوه الظاهرة الوهن لرده، كما يظهر بملاحظة كلماتهم في المقام.

ولا يسعنا استقصاؤها بعدما سبق بل يتعين العمل علي ذلك والخروج به مقتضي القواعد، فإن الخروج عنه غير عزيز.

هذا وفي كشف الرموز: «ويمكن أن يقال: إن من ادعي اليوم في الإسلام جهالة تحريم الربا لا يسمع منه.

فيحمل الفتوي والنص علي أول الإسلام».

وهو كما تري أولاً: لأن الجهل بالأحكام الظاهرة شايع بين العامة وغير المتفقهين.

وقد ورد أمر التجار بالتفقه وإلا وقعوا في الربا(2).

وكيف يمكن حمل النصوص الواردة عن الصادقين ومن بعدهما من الأئمة (صلوات الله عليهم) وفتاوي مثل الشيخ (قده) ومن بعده علي خصوص أول الإسلام ؟!.

وثانياً: لأن كثيراً من فروع الربا وصغرياته مغفول عنها أو مورد الاختلاف بين الفقهاء، فينفع الحكم المذكور فيها.

وقد يظهر ذلك من صحيح علي بن جعفر المتقدم.

نعم يظهر من الآية الشريفة والنصوص المذكورة توقف حِلّ ما مضي من الربا مع الجهل بالحرمة علي العزم علي ترك الربا والتوبة منه.

فكأنه وارد مورد التشجيع علي التوبة.

وكلام غير واحد لا يأبي ذلك، لتعرضهم للاستغفار أو الانتهاء المناسبين

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب الربا حديث: 9.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 1 من أبواب آداب التجارة.

ص: 233

للتوبة.

وإطلاق غيرهم لو تم محمول علي ذلك أو مستدرك عليه.

ومثله ما يظهر مما عن الراوندي في فقه القرآن من اختصاص الحِلّ بمن تعذر عليه العلم بحرمة الربا.

أما من كان قادراً علي العلم فلم يعلم وأكله بجهالته فيجب عليه الرد.

إذ هو تحكم في إطلاق الأدلة المتقدمة من دون وجه ظاهر.

ومجرد تقصيره في الفحص لا يكفي في التقييد.

علي أنه قد لا يكون مقصراً بسبب الغفلة المطلقة.

الثاني: من ورث مالاً فيه الربا.

فإنه وإن قلّ منهم التعرض لذلك بالعنوان المذكور، إلا أنه قد يستفاد من سياق كلام كثير منهم، واستدلالهم بالنصوص المتضمنة لحكمه، أو روايتهم لها، حيث تضمنت التفصيل بين ما إذا علم المال بعينه وما إذا اختلط بغيره واشتبه، كما في صحيح الحلبي المتقدم.

وفي صحيحه الآخر عنه (عليه السلام): «قال: أتي رجل أبي (عليه السلام) فقال: إني ورثت مالاً، وقد علمت أن صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي، وقد عرفت أن فيه ربا، واستيقن ذلك، وليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه.

وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز فقالوا: لا يحل أكله.

فقال أبو جعفر (عليه السلام): إن كنت تعلم بأن فيه مالاً معروفاً ربا وتعرف أهله فخذ رأس مالك، ورد ما سوي ذلك.

وإن كان مختلطاً فكله هنيئاً، فإن المال مالك.

واجتنب ما كان يصنع صاحبه.

فإن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) قد وضع ما مضي من الربا وحرم ما بقي.

فمن جهل وسعه جهله حتي يعرفه.

فإذا عرف تحريمه حرم عليه، ووجب [وجبت] عليه العقوبة إذا ركبه كما يجب علي من يأكل الربا»(1)

ومقتضي الصحيحين أن المراد بمعرفة الربا بعينه ليس معرفة خصوص الزيادة الربوية، بل المال الذي تضمنته المعاملة الربوية المشتمل علي الربا، فيجب ردّ مقدار الزيادة الربوية منه، وله رأس المال.

ويستفاد من ذلك وجوب رد الزيادة الربوية لو تميزت بنفسها بالأولوية العرفية.

كما أنهما لم يتضمنا حكم ما إذا تميز المال الربوي ولم يعرف صاحبه.

أما الثاني

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب الربا حديث: 3.

ص: 234

فظاهر، لأنه تضمن تقييد وجوب الرد مع تميز المال بما إذا عرف أهله، وتقييد جواز الأكل بما إذا اختلط.

وأما الأول فهو وإن لم يتضمن تقييد وجوب الرد بما إذا عرف أهله، إلا أن وجوب الرد موقوف علي معرفة صاحب المال، فلا يحتاج معه للتقييد.

ولا أقل من عدم ظهوره في العموم للصورة المذكورة.

وحينئذٍ يتعين الرجوع فيها للقواعد القاضية بحرمة أكل المال، وجريان حكم مجهول المالك عليه، من وجوب الفحص عن مالكه، ثم التصدق به مع اليأس عن ذلك.

هذا وقد قال ابن الجنيد - كما في المختلف -: «ومن اشتبه عليه الربا لم يكن له أن يقدم عليه إلا بعد اليقين بأن ما يدخل فيه حلال.

فإن قلد غيره أو استدل فأخطأ، ثم تبين له أن ذلك ربا لا يحل، فإن كان معروفاً رده علي صاحبه، وتاب إلي الله تعالي.

وإن اختلط بماله حتي لا يعرفه، أو ورث مالاً كان يعلم أن صاحبه يربي، ولا يعلم الربا بعينه فيعز له، جاز له أكله والتصرف فيه إذا لم يعلم فيه الربا».

وما ذكره في صدر كلامه من عدم جواز الإقدام مع اشتباه الربا عليه متين جداً، عملاً بما دل علي وجوب الفحص عن الأحكام، خصوصاً ما أشرنا إليه آنفاً مما ورد في التجارة حذراً من الربا(1).

ولاسيما في المعاملات التي يكون مقتضي الأصل فيها عدم ترتب الأثر.

كما أن الظاهر قصور النصوص السابقة المتضمنة حلّ المال الربوي مع الإقدام عليه بجهالة، واختصاصها أو انصرافها لصورة الغفلة عن الحرمة أو اعتقاد الحلية.

فاللازم الرجوع لمقتضي القاعدة المتقدم.

وكذا الحال فيما ذكره في ذيل كلامه في حكم من ورث مالاً فيه الربا من تقييد الحِل بما إذا اختلط المال، كما يظهر مما سبق.

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب التجارة.

ص: 235

إنما الإشكال فيما ذكره في حكم من أربي بجهالة من التفصيل بين تعيين المال واختلاطه، حيث لا وجه مع إطلاق الآية الشريفة والنصوص السابقة.

ولا مجال لتحكيم نصوص من ورث مالاً ربوياً عليها بعد اختلاف الطائفتين مورداً.

ولاسيما مع قضاء المناسبات الارتكازية بابتناء الحكم فيها علي العفو تشجيعاً علي التوبة، وابتناء التفصيل مع الميراث علي التسهيل والتخفيف من أجل اختلاط الحرام بالحلال.

الثالث: ما إذا كان دافع الربا غير محترم المال أو ممن يدين بدين يقضي بحلية الربا.

حيث يتعين حينئذ جواز أكل المال الربوي، لعدم حرمة مال الأول، وإلزاماً للثاني بما يلزمه به دينه، لما دلّ علي أن من دان بدين لزمته أحكامه(1).

نعم يحرم إيقاع المعاملة الربوية معه تكليفاً ووضعاً فلا تصح المعاملة ولا يملك الآخذ المال بالعقد الربوي.

لعموم أدلة حرمة الربا من الجهتين.

ومجرد عدم احترام مال دافعه، أو جواز إلزامه بما ألزم به نفسه، لا يستلزم تخصيص العموم المذكور في حقه، بحيث يجوز إيقاع المعاملة الربوية معه تكليفاً ووضعاً.

لعدم ابتناء حرمة إيقاع المعاملة الربوية المتضمنة لأخذ الزيادة من الغير علي احترامه، لتسقط بسقوط حرمته في نفسه، أو إلزاماً له بمقتضي دينه.

بل المعاملة محرمة في نفسها، كحرمة الكذب والزنا.

غاية الأمر أنه بعد إيقاع المعاملة عصياناً يجوز إلزامه بمضمونها بأخذ المال منه بسبب سقوط حرمته بأحد الوجهين، والموجب لتملك المال هو أخذه بعد العقد، لا العقد بنفسه كما لو كان صحيحاً.

فلاحظ.

والله سبحانه وتعالي العالم.

والحمد لله رب العالمين.

الأمر الثاني: في عدم انسجام حرمة الربا مع الوضع المعاصر.

يتردد الحديث هذه الأيام عن أن تحريم الربا إنما يتجه يوم كان الربا وسيلة لاستغلال حاجة

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 15 باب: 30 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه، وج: 17 باب: 4 من أبواب ميراث الأخوة والأجداد.

ص: 236

(237)

محاولات تبرير الربا في العصر الحاضر ودفعها

المقترض، وجمع الثروة علي حساب الآخرين، من دون جهد يبذله المقرض يستحق به أخذ المال.

فهو أداة للظلم والاستئثار وامتصاص جهد الضعيف وإنهاكه حتي ينتهي الأمر بتدميره.

ولا مبرر لتحريمه في العصر الحديث، حيث ابتني عليه الاقتصاد العالمي، وأصبح من ضروريات المجتمع الإنساني في تنظيم علاقاته الاقتصادية، التي بها يقوم كيانه، وتبتني عليها مصالحه.

بل أصبح الربا وسيلة لإنعاش المحرومين، إذ يستثمرون القرض الربوي في رفع مستواهم الاقتصادي، وتهيئة فرص العمل والإنتاج، من أجل النهوض بالبلاد والعباد وسدّ حاجتهما، وبناء اقتصادهما علي الوجه الأكمل.

فالإصرار علي حرمة الربا مع ذلك لا يتناسب مع كون الإسلام صالحاً للتطبيق، ونظامه وافياً بحلّ مشاكل الإنسان والمجتمع، ونظم أمرهما، في كل عصر، ومع جميع المستجدات.

والحديث المذكور يصدر.

.

تارة: ممن يحاول عزل الإسلام عن المجتمع الإنساني، وبيان عدم صلوحه للاستمرار في تنظيم وضع الإنسان المعاصر وحل مشاكله، وعجزه عن مجاراة التطور والتجديد.

وأخري: ممن يحاول الدفاع عن الإسلام بدعوي: أن الربا المحرم شرعاً لا يشمل مثل ذلك مما يبتني عليه نظام الاقتصاد العالمي، ويكون سبباً لإنعاش المحرومين، ورفع مستوي اقتصاد البلاد والعباد.

ومن هنا يحسن بنا الكلام مع القسمين في مقامين: المقام الأول: مع من يحاول عزل الإسلام عن المجتمع نتيجة أحكامه التي لا تتناسب مع الوضع المعاصر، ومنها الحكم بعموم تحريم الربا.

ومن الظاهر أن نظام الربا المقر عالمياً الآن عام لا يفرق بين الدين الذي ينتفع به المقترض وينعش اقتصاده وينتظم به أمر حياته بنحو يفضل عنده ما يستطيع به وفاء دينه، ويخرجه من مأزق التورط في دفع الفوائد باستمرار، والدين الذي يضطر له المقترض لسد ضرورته ثم

ص: 237

يتورط في مأزق الاستمرار في استحقاق الفوائد بنحو لا يستطيع الخروج منه، بل تزيد ديونه ويتحول معه الربا إلي وسيلة لاستغلال الضعيف وامتصاص جهده وإنهاكه وتكبيله بالقيود.

فالربا اليوم كالربا السابق صالح للوجهين.

ويزيد عليه بأمرين: الأول: أنه قد استحكم في نظم الاقتصاد العالمي بنحو يصعب التخلص منه والخروج عنه.

وإن ظهرت قريباً محاولات لإيجاد بديل، نرجو لها النجاح والتوفيق.

الثاني: أنه قد حفّ بمرغبات ومشجعات تستغل المحتاج والجاهل، وتدفعهما للتوحل فيه والتورط به.

ويكفي في استيضاح ذلك النظر في ديون الدول الفقيرة التي تحولت إلي قيود خانقة لها ولشعوبها، تجعلها أسيرة للدول الدائنة، وأداة لاستغلالها وخضوعها لها اقتصادياً وسياسياً.

ولولا فتح هذا الباب والتشجيع عليه لقنع الضعيف مالياً بما عنده وبما يعينه به ذوو الإحسان والمواساة من الهبات والقروض الحسنة، ورتب أوضاعه بما يتناسب مع ذلك ثم يحاول تحسين وضعه بجدّه وكدّه المضاعف من دون أن يتورط بالقرض الربوي الذي يوهمه بالغني والقدرة المالية، ويغفله عن فقره الذي يحمله علي الاقتصاد والقناعة ويدفعه للكد والعمل، ويجنبه كثيراً من سلبيات التوسع في الإنفاق ومضاعفاته الخطيرة.

ثم يكبله القرض الربوي بالقيود المنهكة بنحو قد يفقده حريته، ويجعله أسيراً للدائن.

وإذا قلنا: إن الإسلام صالح للتعايش مع التجديد والتطور وحلّ مشاكل المجتمع في ضوئهما فمرادنا بذلك أنه يستطيع لو فسح له المجال معالجة مشاكل المجتمع بحلول يضعها هو في ضوء تعاليمه ومفاهيمه، وبمراعاة أهدافه وأولوياته.

ولا نريد به أن الإسلام يعترف بالمعالجات والحلول الواردة من الخارج بسلبياتها ومفارقاتها، ويتكيف معها بالتنازل عن تعاليمه ومفاهيمه، وإغفال أولوياته وأهدافه.

فإن ذلك عين الانهزام والذوبان في خضم التحول العالمي الخطير.

بل يبقي الإسلام مصراً علي موقفه منكراً لذلك حفاظاً علي حدوده، وليبقي

ص: 238

أمل المحرومين والمتضررين من الأوضاع العالمية المتدهورة التي انعكست بسلبياتها حتي علي شعوب المخططين لها، كما حصل في الأزمة الاقتصادية التي ظهرت أخيراً، وبدا تأثيرها السلبي جلياً علي كثير من الشعوب والدول.

ونتيجة لإصرار الإسلام وموقفه المنكر يبقي الكل بانتظار الفرج الإلهي بظهور المصلح الأكبر الإمام المنتظر عجل الله تعالي فرجه الشريف، ليطبق الإسلام القويم بحدوده وأحكامه علي أتم وجه، بعيداً عن التحريف والتشويه والمفارقات والسلبيات.

هذا وقد يحاول بعض أهل المعرفة والاقتصاد في الدفاع عن الربا الاستثماري الذي يشيع عالمياً، وهو ما يدفعه المقترض من الفوائد علي القرض الذي يستغله ويستثمره ويجني أرباحه.

ولاسيما أن المقترض قد يجني أرباحاً طائلة، فلا وجه لاستئثاره بها من دون أن يشاركه فيها صاحب المال الذي أقرضه.

لكن الربا الاستثماري المذكور إن كان علي القرض الذي يضطر له المقترض، ليستثمره ويجني به من الربح ما يقيم به أوده ويسدّ به حاجته في معاشه ومعاش عائلته، فما الفرق بينه وبين الربا غير الاستثماري علي القرض الذي يضطر له المقترض لسدّ حاجته وحاجة عائلته وضروراتهم المعاشية من طعام ولباس وسكن ودواء ونحو ذلك ؟! ولِمَ يكون الأول مقبولاً دون الثاني مع اشتراكهما في كونهما مورداً للحاجة أو الاضطرار؟!.

وإن كان علي القرض الذي يستثمره المقترض لتكديس الأرباح.

فهو الوسيلة الجهنمية التي ظهرت نتيجة التطور العالمي الخطير ليسحب رؤوس الأموال وتكديسها لصالح الشركات والدول الكبري، من أجل فرض سيطرتها الاقتصادية علي العالم، والتحكم فيه، كما نراه عياناً، وتتجرع منه الدول والشعوب الضعيفة الأمرين.

ولو تسني منعه لاتجه أصحاب الأموال لاستثمار أموالهم في بلادهم بأنفسهم، أو بالتعاون مع من لا مال له، إما بنحو المضاربة المبنية صريحاً علي توزيع الربح بين

ص: 239

صاحب المال والعامل، من دون أن يضمن العامل شيئاً من رأس المال ليمنعه فقره من المشاركة في الاستثمار، أو بنحو الاستبضاع ونحوه مما يبتني علي استثمار عمل العامل بأجر مقطوع من دون أن يضمن من رأس المال أيضاً، حيث يساعد ذلك علي القضاء علي البطالة.

ولصارت رقعة استثمار الأموال في البلاد أوسع، وتوزعت الثروات من دون أن تتكدس في مواقع القوة، ولصالح جماعة محدودة تسيطر بسبب التنسيق بينها تدريجياً علي الاقتصاد العالمي وتتحكم فيه وفي السياسة العالمية تبعاً له، كما حصل فعلاً.

نعم مع توزيع الثروات والاستثمار قد تكون الأرباح بمجموعها أقل كمية من الأرباح الحاصلة مع حصر الاستثمار في مواقع القوة، لضعف الخبرات والقدرات من جهة، ولتصاعد نسبة الأرباح مع تضاعف رؤوس الأموال من جهة أخري.

لكن ما الذي يجنيه المجتمع الإنساني من كثرة الأرباح إذا انحصرت بفئة قليلة ؟! ولاسيما أن هذه الفئة همها مصالحها ولو علي حساب المجتمع.

حيث قد تسلك من أجل أن تجني الأرباح الهائلة طرقاً جهنمية مدمرة، كإثارة الحروب، والتشجيع علي الفساد والترف والتبذير والسرف وغير ذلك.

والحاصل: أن الربا الاستثماري إن أخذ من المضطر للاسترباح، من أجل سدّ ضرورته فلا مبرر له، كغيره من أفراد الربا.

وإن أخذ من غير المضطر له ممن يحاول تكديس الأرباح فهو وإن بدا وكأنه مبرر أو مستحسن، إلا أنه من وراء ذلك أداة لسحب رؤوس الأموال وتكديسها في مواقع القوة، لفرض سيطرتها علي الاقتصاد والسياسة العالميين، وحرمان المناطق الضعيفة من الاستفادة بأموالها واستثمارها لصالحها، وما يستتبع ذلك من دفع عجلة العمل في تلك المناطق، واستثمار الطاقات البشرية الكثيرة العاطلة عن العمل.

والإنصاف أن ما انتهي إليه المجتمع الإنساني اليوم من أوضاع مأساوية نتيجة الوسائل الجهنمية التي تخطط لها وتنفذها رؤوس الأموال من أجل تكديس

ص: 240

الأرباح يمنع المتبصر من الركون للطروحات التي يجري عليها العمل الآن، فضلاً عن الاستحسان لها والدفاع عنها، مهما حاولوا تجميلها وتحسين صورتها.

لأن وراء الأكمة ما وراءها.

فكيف بمثل الربا مما أجمعت الأديان السماوية علي تحريمه وتشديد الإنكار عليه.

وبذلك يظهر أن عدم انسجام الإسلام مع الوضع المعاصر والتطور الذي حصل فيه ليس لعجز الإسلام عن تنظيم شؤون الإنسان المعاصر وحلّ مشاكله، بل لتكبيل المجتمع الإنساني من قبل القوي المتنفذة فيه والمسيطرة عليه بأنظمة جهنمية تجعله في دوامة من الشقاء، وتسير به نحو الدمار لا يقرها الإسلام، ولا يسعه القبول بها، والتنسيق معها.

المقام الثاني: مع من يحاول الدفاع عن الإسلام بالمنع من عموم تحريم الربا، وقصره علي خصوص بعض الأقسام أو الحالات التي تكون مضرة بالمجتمع الإنساني.

من الظاهر.

.

أولاً: أن أحكام الإسلام لا تخضع للتعديل والتحوير بما يتناسب مع الظروف المستجدة، بل للإسلام الخاتم للأديان أحكامه الثابتة التي شرعت لتسير بالمجتمع الإنساني نحو الرفاه والسعادة في الدنيا والآخرة مادام يعمر هذه الأرض ويعيش فيها.

وليس الاجتهاد المشروع في الإسلام عند الإمامية الذين استضاؤوا بنور أهل البيت (صلوات الله عليهم) وجروا علي نهجهم إلا استفراغ الوسع في التعرف علي الحكم الشرعي وأخذه من مصادر المعرفة الأصيلة والحفاظ عليه، بعيداً عن التحوير والتطبيع مع الأوضاع المستجدة والمؤثرات الخارجية.

وهو مدعاة فخر هذه الطائفة واعتزازها، حيث حافظت علي الأحكام الشرعية بحدودها هذه المدة الطويلة مع فقد رعاية المعصوم بالمباشرة منذ أحد عشر قرناً، وإن كان يرعاها من وراء ستر رقيق.

كما أنه يقتصر في الاجتهاد المذكور وفي آلية الوصول للحكم الشرعي علي

ص: 241

الطرق التقليدية التي جري عليها السلف الصالح في عصور المعصومين (صلوات الله عليهم) وبتوجيه منهم (عليهم السلام).

وهي تعتز بالتمسك بها وعدم الخروج عنها.

ولا يكون التطوير والتحوير إلا في الموضوعات الشرعية، أو الأحكام الولايتية في حدود الولاية الثابتة شرعاً، حسب اختلاف الأنظار والاجتهادات.

والخلط بين ذلك وبين تطوير الحكم الشرعي، أو طرق الاجتهاد خطأ فظيع يقع فيه أنصاف المتعلمين، ولا يدركه إلا ذوو الاختصاص، وينظرون إليه بأسف بالغ.

وثانياً: أنه لا يفترض أن تتضح للناس علل الأحكام الشرعية وملاكاتها، ليتسني لهم تعميم الأحكام وتخصيصها تبعاً لها، بل يتعين تطويع الحكم للدليل الشرعي، والبناء عليه بعد فرض تحقق موضوعه الذي تضمنه دليله وفق الضوابط المأخوذة من ذلك الدليل.

وبعد ذلك نقول: من الظاهر أن أدلة الربا بقسميه المتقدمين عامة لفظاً.

وهي كما تشمل الربا في صدر الإسلام تشمل الربا في العصر الحاضر.

ومجرد قيام نظام الاقتصاد العالمي علي الربا في عصورنا، لا يوجب قصور أدلة الربا عنه.

ولاسيما مع ظهور سلبيات هذا النظام، كما أشرنا إلي بعضها في المقام الأول.

وغاية ما يمكن أن يدعي قصور الأدلة الشرعية عن بعض ما ظهر في العصر الحديث من أنواع الفوائد.

وما قد يحسن النظر فيه مما يتعلق بذلك دعويان تطرحان بصورة ومبررات قد تقبل بحسب النظر البدوي، نحاول عرضهما بوجه أقرب للحوار الحوزوي منه للمصطلحات الاقتصادية الحديثة.

الدعوي الأولي: خروج الفوائد البنكية عن موضوع الربا.

وذلك بالنظر للتضخم المالي المستمر، حيث تضعف القوة الشرائية للنقد بسبب ذلك، فإذا كانت الفائدة معقولة بنحو تناسب التضخم الحاصل بمعدلاته المتوقعة، فهي ليست ربحاً في الحقيقة، بل موازنة لرأس المال بماله من قوة شرائية وضماناً له بلحاظ ذلك، وإن

ص: 242

زادت عليه صورة.

ومن الظاهر أن ذلك لو تم لا يختص بالفوائد البنكية، بل يجري في كل فائدة مناسبة للتضخم الحاصل بغض النظر عن أطراف المعاملة.

لكنها تشكل أولاً: بعدم انضباط ذلك، بحيث يمكن تحديده مسبقاً عند الاقتراض، لخضوعه لعدة عوامل لا يمكن الإحاطة بها بل قد يستند لعوامل متعمدة من قِبَل أصحاب القرار لمصالح اقتصادية تؤدي إلي ارتفاع القوة الشرائية للعملة النقدية أو انخفاضها عند حاجتهم لذلك.

كما أن من المعلوم عدم ابتناء الفوائد البنكية وغيرها علي ملاحظة هذه الجهة والتقيد بها.

وثانياً: بأن الملحوظ قديماً وحديثاً في التعامل في البيع والشراء والاقتراض وغيرها علي حجم النقد المتعامل به وكميته العددية، لا علي قيمته الشرائية، بحيث يختلف المقدار المستحق عند الدفع عما عيّن عند إيقاع المعاملة، تبعاً لاختلاف قوته الشرائية.

ولذا لا يكتفي بالأقل عند ارتفاع قوة النقد الشرائية، مع أن ضبط نسبة اختلاف القوة الشرائية حين الدفع أيسر نسبياً من ضبطها حين إيقاع المعاملة.

ومن ثم يحتاج استحقاق الفائدة وتحديد مقدارها إلي شرط مسبق، ولا يقتضيه إطلاق المعاملة.

بل يجري ذلك حتي في غير النقد من المواد الاستهلاكية والخدمية، كالطعام واللباس والعقار والأجهزة وغيرها، لظهور أنها تتعرض دائماً لزيادة ماليتها وقلتها نتيجة العوامل المختلفة الدخيلة في العرض والطلب.

ونتيجة لذلك تكون الكمية هي المعيار في الربح والخسارة عرفاً، دون القوة الشرائية وزيادة المالية وحينئذ يكون صدق الربا تابعاً لذلك لا غير.

علي أن أدلة الربا لم تتضمن عنوان الربح، لتجري الشبهة المتقدمة فيه، بل عنوان الزيادة والتفاضل في مقابل التساوي والتمالك، ومن الظاهر صدق الزيادة بذلك، وإن فرض عدم صدق الربح للشبهة المتقدمة.

ص: 243

وثالثاً: بأن ذلك لا يختص بالعصر الحديث، بل هو أمر معرق مع الزمن، ومنه عصر صدور أدلة تحريم الربا، الذي عليه المعول في تحديد مراد الشارع الأقدس والمعايير المنظورة له في الربح والخسارة والتساوي والتماثل والزيادة والتفاضل.

ووضوح ذلك يغني عن إطالة الكلام في ذكر الشواهد عليه.

وإن كان يحسن ذكر بعضها.

ففي حديث يونس بن يعقوب عن أبي الحسن الأول (عليه السلام): «سمعته يقول: إني كفنت أبي في ثوبين شطويين كان يحرم فيهما وفي قميص من قمصه، وعمامة كانت لعلي بن الحسين، وفي برد اشتريته بأربعين ديناراً، لو كان اليوم أربعمائة دينار»(1).

بل تضمنت النصوص المستفيضة تعرض النسبة بين الدينار والدرهم للاختلاف(2).

وقد يكون فاحشاً.

ففي حديث عبد الملك بن عتبة الهاشمي: «سألت أبا الحسن موسي (عليه السلام) عن رجل يكون له عند الرجل الدنانير أو خليط له يأخذ مكانها ورقاً في حوائجه، وهي يوم قبضها سبعة وسبعة ونصف بدينار، وقد يطلبها الصيرفي وليس الورق حاضراً، فيبتاعها له الصيرفي بهذا السعر سبعة وسبعة ونصف، ثم يجيء يحاسبه وقد ارتفع سعر الدينار، فصار باثني عشر كل دينار، هل يصلح له ذلك ؟ وإنما هي بالسعر الأول يوم قبض منه الدراهم، فلا يضره كيف كان السعر.

قال: يحسبها بالسعر الأول فلا بأس به»(3).

بل يأتي في أوائل الكلام في شروط الصرف بعض النصوص المتضمنة شراء الدينار بستة وعشرين درهماً.

ولذا ورد النهي عن البيع بدينار غير درهم، معللاً بأنه لا يعلم كم الدينار من الدرهم(4) ، وفي بعضها: «فلعل الدينار يصير بدرهم»(5).

********

(1) وسائل الشيعة ج: 2 باب: 2 من أبواب التكفين حديث: 15.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 3، 4، 9 من أبواب الصرف وغيرها.

(3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 9 من أبواب الصرف حديث: 4.

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 3 من أبواب أحكام العقود.

(5) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 3 من أبواب أحكام العقود حديث: 2.

ص: 244

ومن المعلوم جريان الربا المحرم بمقتضي أدلته في جميع ذلك بلحاظ الكم لا بلحاظ القيمة الشرائية ومقدار المالية.

وعليه كان العمل في عصر صدور النصوص.

والحاصل: أن أدلة الربا ظاهرة بل صريحة في أن المعيار فيه الزيادة بلحاظ الكمّ الذي هو المعيار فيه عند العرف في عصر الشارع الأقدس وفي جميع العصور.

وأما المعايير الاقتصادية الحديثة التي يجري عليها ذوو الاختصاص فهي غريبة علي العرف وعن مفاد الأدلة.

الدعوي الثانية: أن الربا وإن صدق في المقام، إلا أن الأدلة لا تنهض بعموم حرمة الربا بنحو يشمل أقسام بعض الربا الشايع في عصورنا، لأن الربا إنما شرع بلحاظ كونه ظلماً موجباً لفساد المال وتعطيل التجارات وغير ذلك من المحاذير المهمة، وبذلك يقصر عن مثل الربا الاستثماري الذي يدفعه المنتفع بالقرض والمستثمر له في أرباح طائلة، حيث لا يكون أخذ الفائدة منه ظلماً عند العرف، ولا موجباً لتعطيل التجارات، بل هو موجب للتشجيع عليها، ولا فساداً للمال، بل هو نماء له... إلي غير ذلك.

لكنه يشكل بأن عنوان الظلم والفساد ونحوها مما تقدم قد ورد ذكرها أو ذكر بعضها في موردين: الأول: قوله تعالي: (وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)(1).

وقد يدعي أن التعبير المذكور يوحي بأن الربا المحرم هو الذي يكون ظلماً بنظر العرف، لما فيه من الإنهاك للمقترض، فيقصر عما لا يكون كذلك، كما في محل الكلام.

لكنه يندفع بأن الآية الشريفة لم ترد مورد التعليل للتحريم، ليفترض صدقه في مرتبة سابقة علي التحريم، ليدعي حمله علي الظلم العرفي بالوجه المتقدم، وقصر التحريم علي مورده، كما في سائر موارد التعليل للحكم، حيث لابد من صدق العلة

********

(1) سورة البقرة الآية: 279.

ص: 245

في مرتبة سابقة علي الحكم المعلل.

وإنما تضمنت تطبيق عنوان الظلم علي الربا في موردها ويتعين حينئذ حمله علي الظلم بمعناه الحقيقي، وهو أخذ غير الحق.

إذ بعد فرض تحريم الربا علي الإطلاق، كما في الآية الشريفة، وعدم استحقاق المقرض للزيادة علي المال الذي أقرضه، يكون أخذه للزيادة بعد التوبة ظلماً منه، في جميع أقسام الربا، من دون ملزم بالتقييد، كما يكون منعه من رأس ماله ظلماً له بعد عدم الموجب لخروجه عن ملكه.

الثاني: ما رواه الصدوق (قده) بأسانيده عن محمد بن سنان عن الإمام الرضا (عليه السلام) فيما كتب من جواب مسائله، وفيه: «وعلة تحريم الربا بالنسيئة لعلة ذهاب المعروف وتلف الأموال ورغبة الناس في الربح، وتركهم القرض، والقرض صنايع المعروف.

ولما في ذلك من الفساد والظلم وفناء الأموال»(1).

وقد يدعي أن سوق هذه الأمور بما فيها الظلم والفساد مساق التعليل ملزم بالبناء علي فرض تحققها في رتبة سابقة علي التحريم، بأن يراد تحققها عرفاً، فمع فرض عدم تحققها في بعض الأقسام بنظر العرف يتعين عدم تحريمه.

لكن الحديث كما تري قد تضمن التعليل بجهات كثيرة يعلم بعدم ملازمتها لجميع أفراد الربا في القرض، بحيث يكون تحريمه منوطاً بفعلية ترتبها.

فلابد من كون التعليل بها بلحاظ شأنية ترتبها، بمعني أن فتح باب الربا في القرض قد يؤدي إلي هذه الأمور، فيكون تحريمه احتياطاً ودفعاً لاحتمال حصولها، وهو ما يصطلح عند أهل الاستدلال بالحكمة، التي لا يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً، ولا تمنع من عموم الحكم تبعاً لعموم أدلته.

هذا مضافاً إلي أمور: أحدها: أن صدق الظلم والفساد عرفاً علي الربا إنما هو بلحاظ أن المقترض

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 1 من أبواب الربا حديث: 1.

ص: 246

قد يخطئ في تقدير الأمور، فيحسب حين الاقتراض قدرته علي الوفاء والتخلص من تراكم الفوائد، ويظهر خطؤه بعد ويعجز عن ذلك، وتتراكم عليه الفوائد حتي تنهكه أو تدمره، كما هو المناسب لعطف فناء الأموال علي الظلم في الحديث السابق.

وذلك إنما يجري مع إطلاق أمد استحقاق الفوائد، أما مع تحديده بأمد معين فلا يلزم ذلك.

وإلا فما الفرق عند العرف بالنظر إلي العواقب بين أن يبيع البضاعة بمائة نقداً مثلاً، ويشترط زيادة خمسين إن أجلها إلي خمسة أشهر، من دون أن تزيد لو تأخر عن ذلك، وأن يبيعها بمائة وخمسين نسيئة إلي خمسة أشهر، بحيث يكون الأول ظلماً دون الثاني.

بل الأول أخف علي المدين، إذ لو تيسر له في الأول تعجيل الوفاء لقلت المؤنة عليه، بخلاف الثاني.

ومن المعلوم حرمة الربا مطلقاً حتي في أمثال الفرض المذكور مما يحدد فيه الأمد، بحيث لا يكون ظلماً عرفاً.

ومنه ما سبق في المسألة الثالثة من الفصل الثامن من عدم جواز تأجيل الدين بزيادة عليه، وما تضمنته النصوص الكثيرة التي تقدم بعضها في المسألة الرابعة من الفصل المذكور من محاولة من حلّ دينه التخلص من الربا ببيع شيء ثم شراؤه رأساً ليفي الدين بأحد الثمنين ويكون الثمن الآخر ديناً عليه وإن زاد علي دينه الأول، وهو المعبر عنه في النصوص بالعينة(2) ، حيث يظهر منها المفروغية عن عدم جواز تأخير الدين إلي أجل محدود بزيادة فيه.

وذلك يكشف إما عما ذكرنا من كون التعليل في الحديث المتقدم حكمة، لا علة يدور التحريم مدارها وجوداً وعدماً، أو عن أن تطبيق الظلم علي الربا تعبدي، لا عرفي، فيمكن تعميمه علي جميع أقسام الربا، بل يتعين، عملاً بإطلاق الحديث.

وثانيها: أن الحديث المتقدم كما تضمن التعليل بالظلم تضمن التعليل بترك الناس القرض الذي هو صنايع المعروف.

بل لا يبعد كون المراد بالفساد هو دفع الزيادة من دون مقابل عيني، بقرينة قوله (رحمه الله) قبل ذلك في تعليل منع الربا المعاملي:

-

********

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب العقود.

ص: 247

«لأن الإنسان إذا اشتري الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهماً، وثمن الآخر باطلاً، فبيع الربا وشراؤه وكس علي كل حال علي المشتري وعلي البائع.

فحرم الله عز وجل علي العباد الربا لعلة فساد الأموال، كما حظر علي السفيه أن يدفع إليه ماله لما يتخوف عليه من فساده حتي يؤنس منه رشد».

كما لا يبعد كون المراد بقوله (عليه السلام) فيما تقدم: «ورغبة الناس في الربح» هو ذهاب رغبتهم في الاتجار والاسترباح، واتكالهم في تكثير الأموال علي الربا.

وذلك كله موجود في جميع أقسام الربا، لظهور أن آخذ المال بالربا وإن كان قد يستثمره في الاتجار، إلا أن دافع المال يترك الاتجار به، ويتكل علي فوائده الربوية، فيتعين عموم الحرمة لها وإن لم يصدق عليها الظلم عرفاً، إذ يكفي في التحريم ثبوت بعض علله، ولا يلزم ثبوت جميعها.

وثالثها: أن من يحاول استفادة تحليل بعض أقسام الربا ينظر إما إلي الربا الذي يدفعه من يقترض من أجل الإعمار وإنعاش البلاد والعباد، أو إلي الربا الاستثماري الذي يستغل فيه المقترض القرض للاتجار والاستثمار وتحصيل الأرباح وتكديسها.

وكلا القسمين قد يلزم منهما الظلم عرفاً بالمعني المتقدم، لخطأ حسابات المقترض، وعجزه أخيراً عن وفاء الدين وأداء فوائده حتي يتكبل بالقيود، كما يشيع قروض الدول الضعيفة للإعمار، فضلاً عن أفراد الناس.

وقد يحصل في بعض البنوك التي تشجع ذوي المال علي إيداع أموالهم عندها، وأخذ فوائدها، من أجل استثمار تلك الأموال وتنميتها لصالح أصحابها، حيث قد تعجز أخيراً، فتعلن عن إفلاسها.

هذا كله مضافاً إلي أن الربا في عصورنا هو الربا في العصور السابقة، وإذا كان البعض يحاول أن يبرز الربا المعاصر أو بعض أقسامه بصورة مبررة أو جميلة فذلك موجود بواقعه سابقاً، وإن لم يتصد أحد لتبريره أو تجميل صورته.

ومع ذلك أصر الشارع الأقدس علي عموم حرمة الربا بحدوده الشرعية،

ص: 248

حسبما يفهمه العرف من أدلته، درءاً للفساد، وإهمالاً للمبررات أو المشجعات.

وذلك وحده كاف في الإعراض عنها وعدم التعريج عليها لمن يهمه التعرف علي وجهة نظر الشارع الأقدس، والوقوف عند أحكامه وحدوده.

والله سبحانه وتعالي من وراء القصد.

ونسأله التوفيق والتسديد.

وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ص: 249

ص: 250

(251) (251)

الفصل العاشر / في بيع الصرف

اشارة

وهو بيع الذهب أو الفضة بالذهب أو الفضة.

ولا فرق بين المسكوك منهما وغيره (1).

(مسألة 1): يشترط في صحة بيع الصرف التقابض قبل الافتراق (2)

---------------

(1) كما هو مقتضي إطلاق الذهب والفضة في الوسيلة والغنية.

وقد يظهر الاختصاص بالأول من التعبير بالدراهم والدنانير أو النقدين في كلام بعضهم، ومن التعبير بالأثمان في كلام جماعة، لأن المسكوك من الذهب والفضة كسائر السلع لا خصوصية له في الثمنية.

وما في مفتاح الكرامة من عموم الأثمان لغير المسكوكين غير ظاهر.

ولاسيما مع ما في التذكرة وغيره من أنه إنما سمي صرفاً لأن الصرف لغة هو الصوت وهو يحصل بتقليب العوضين هنا.

نعم قد يستفاد العموم من مساق كلامهم والفروع التي ذكروها، بحيث يفهم منها عدم خصوصية النقدين.

والعمدة في المقام عموم بعض النصوص المتضمنة لحكم الصرف، كما يأتي إن شاء الله تعالي.

(2) كما في المقنعة والنهاية والمبسوط والوسيلة والغنية وجمهور من تأخر عنها.

ونفي الخلاف فيه في الغنية والسرائر والتحرير، كما صرح بالاتفاق عليه ممن عدا

ص: 251

الصدوق في كشف الرموز والتنقيح.

ويشهد به النصوص الكثيرة، كصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام): «قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا يبتاع رجل فضة بذهب إلا يداً بيد، ولا يبتاع ذهباً بفضة إلا يداً بيد»(1).

وصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: إذا اشتريت ذهباً بفضة أو فضة بذهب فلا تفارقه حتي تأخذه منه.

وإن نزا حائطاً فانز معه»(2).

وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «سألته عن الرجل يشتري من الرجل الدراهم بالدينار فيزنها وينقدها ويحسب ثمنها كم هو ديناراً، ثم يقول: أرسل غلاماً معي حتي أعطيه الدنانير.

فقال: ما أحب أن يفارقه حتي يأخذ الدنانير فقلت: إنما هم في دار واحدة وأمكنتهم قريبة بعضها من بعض.

وهذا يشق عليهم.

فقال: إذا فرغ من وزنها وانتقادها [وإنقادها] فليأمر الغلام الذي يرسله أن يكون هو الذي يبايعه ويدفع إليه الورق، ويقبض منه الدنانير حيث يدفع إليه الورق»(3).

وموثق حنان بن سدير: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنه يأتيني الرجل ومعه الدراهم، فأشتريها منه بالدنانير، ثم أعطيه كيساً فيه دنانير أكثر من دراهمه، فأقول: لك من هذه الدنانير كذا وكذا ديناراً ثمن دراهمك، فيقبض الكيس مني ثم يرده عليّ، ويقول: أثبتها لي عندك.

فقال: إن كان في الكيس وفاء بثمن دراهمه فلا بأس»(4).

وكذا ما تضمن وجوب قبض ما يقابل الحلية من ثمن السيف المحلي(5).

وما في مجمع البرهان من أن يداً بيد كأنه كناية عن النقد في مقابل النسيئة لا عن التقابض.

غريب جداً.

ولاسيما أن بعض النصوص وإن اشتمل علي التعبير المذكور، إلا أن باقيها صريح في التقايض.

-

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 2 من أبواب الصرف حديث: 3، 8، 1.

(4) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب الصرف حديث: 1.

(5) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 15 من أبواب الصرف حديث: 3، 6 وغيرها.

ص: 252

(253)

ومثله دعوي: أن اشتمال بعض النصوص علي قوله (عليه السلام): «ما أحب» مشعر أو ظاهر في الكراهة.

إذ ليس المراد بذلك إلا حديثين: الأول: صحيح عبد الرحمن بن الحجاج.

وتتمته شاهدة بحمله علي الوجوب.

الثاني: صحيح الحلبي: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل ابتاع من رجل بدينار، وأخذ بنصفه بيعاً وبنصفه ورقاً.

قال: لا باس.

وسألته هل يصلح أن يأخذ بنصفه ورقاً أو بيعاً ويترك نصفه حتي يأتي بعد، فيأخذ به ورقاً أو بيعاً.

فقال: ما أحب أن أترك منه شيئاً، حتي آخذه جميعاً، فلا تفعله»(1).

وهو أجنبي عن محل الكلام وإن كان ظاهرهم عدّه من نصوص المسألة، إذ ليس المفروض فيه شراء الورق بالنصف الآخر من الدينار، وتأجيل قبض الورق، بل ترك النصف الآخر عند البائع ديناً عليه، حتي ينظر بعد ذلك ما يشتري به منه، والذي لا يكون محبوباً له (عليه السلام) هو ذلك، لا ترك الورق عنده بعد شرائه بالنصف دينار الذي هو محل الكلام.

ولو فرض جدلاً كون الأخير هو المراد من الصحيح فحمل «ما أحب» علي الحرمة بقرينة النصوص الأخر أهون بكثير عرفاً من حمل تلك النصوص علي الكراهة بقرينته.

نعم في موثق عمار: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يبيع الدراهم بالدنانير نسيئة قال: لا بأس»(2) ، وقريب منه خبراه(3) ، وموثقه الآخر عنه (عليه السلام): «عن الرجل هل يحل له أن يسلف دنانير بكذا وكذا درهماً إلي أجل ؟ قال: نعم.

لا بأس.

وعن الرجل يحل له أن يشتري دنانير بالنسيئة ؟ قال: نعم إن الذهب وغيره في الشراء والبيع سواء»(4) ، وخبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «قال: لا بأس أن يبيع الرجل الدنانير نسية بمائة أو أقل أو أكثر»(5) ، وخبر محمد بن عمر [عمرو]: «كتبت إلي أبي الحسن

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب الصرف حديث: 9، 11.

(3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب الصرف حديث: 10، 12.

(4و5) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب الصرف حديث: 14، 13.

ص: 253

الرضا (عليه السلام): إن امرأة من أهلنا أوصت أن يدفع إليك ثلاثين ديناراً.

وكان لها عندي فلم يحضرني.

فذهبت إلي بعض الصيارفة.

فقلت: اسلفني دنانير علي أن أعطيك ثمن كل دينار ستة وعشرين درهماً، فأخذت منه عشرة دنانير بمائتين وستين درهماً.

وقد بعثتها إليك.

فكتب إليّ: وصلت الدنانير»(1).

وربما يجمع بين الطائفتين بوجوه: الأول: ما في التهذيبين من حمل النسيئة في الطائفة الثانية علي أنها صفة للدنانير، لا حالاً للبيع، ويكون المراد أن من كان له علي غيره دنانير نسيئة جاز أن يبيعها عليه في الحال بدراهم ويأخذ الثمن عاجلاً.

وهو كما تري! إذ لو أمكن ذلك في موثق عمار الأول وخبر زرارة فهو متعذر في بقية النصوص.

الثاني: ما في مجمع الفائدة من حمل الطائفة الثانية علي النسيئة بشرط القبض قبل التفرق.

قال: «إذ النسيئة لا يستلزم عدم القبض في المجلس».

وهو كما تري! بعيد جداً، لأنه حمل علي الفرد النادر.

وعدم التلازم عقلاً بين النسيئة وعدم القبض في المجلس، لا ينافي التلازم بينهما عرفاً، بحيث يستفاد من دليل جواز النسيئة عدم وجوب التقابض.

ولاسيما مع قوله (عليه السلام) في موثق عمار الثاني: «إن الذهب وغيره في الشراء والبيع سواء».

الثالث: حمل الطائفة الأولي علي خصوص بيع النقد وأنه لابد فيه من التقابض مع النسيئة.

وفيه أن نصوص الطائفة الأولي مسوقة عرفاً لعدم جواز بيع النسيئة.

ولذا لا يكون الجمع عرفياً.

خصوصاً بلحاظ ما سبق في موثق عمار الثاني من عدم الفرق بين والذهب وغيره في البيع والشراء، فإن مقتضاه عدم وجوب التقابض حتي في بيع النقد، كما في غير الذهب.

علي أن التفصيل المذكور لما كان مغفولاً عنه فلا يحتمل ثبوته في مثل هذه المسألة الشايعة الابتلاء.

الرابع: حمل الطائفة الأولي علي الكراهة بقرينة الثانية، كما ذكره في مجمع الفائدة

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب الصرف حديث: 15.

ص: 254

أيضاً، وهو المتبع نوعاً في الجمع بين دليلي المنع والترخيص.

لكن يأبي ذلك بعض نصوص الطائفة الأولي، كصحيحي عبد الرحمن بن الحجاج ومنصور بن حازم، وما سبق في موثق عمار من الطائفة الثانية من عدم الفرق بين الذهب وغيره في الشراء والبيع.

ومن هنا كان الظاهر استحكام التعارض بين الطائفتين.

وحينئذ يتعين تقديم الأولي، لأنها أكثر رواة وأشهر رواية.

لرجوع الطائفة الثانية إلي ثلاث رواة، والمعتبر منها روايتان لعمار فقط.

مضافاً إلي ظهور الإعراض عنها من قدماء الأصحاب.

غاية الأمر أنه قد يظهر من الصدوق (قده) في الفقيه العمل بموثق عمار الأول، لأنه ذكره في أول باب الصرف.

لكنه ذكر أيضاً موثق حنان بن سدير المتقدم في نصوص لزوم التقابض.

علي أن من الظاهر شيوع الابتلاء بالحكم المذكور في العصور السابقة جداً، وهو مستلزم عادة لظهور الحكم فيه وعدم خفائه علي المشهور.

بل يظهر من بعض النصوص مفروغية السائل عن وجوب التقابض، وإنما يسأل عن فروع ذلك، كموثق حنان بن سدير المتقدم ونحوه مما ورد في قبض أكثر من الحق(1) ، وصحيح إسحاق بن عمار: «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل يأتيني بالورق فأشتريها منه بالدنانير، فأشتغل عن تعيير وزنها وانتقادها وفضل ما بيني وبينه فيها، فأعطيه الدنانير وأقول: إنه ليس بيني وبينك بيع، فإني قد نقضت هذا الذي بيني وبينك من البيع، وورقك عندي قرض، ودنانيري عندك قرض، حتي تأتيني من الغد، وأبايعه.

قال: ليس به بأس»(2) وذلك مناسب لشهرة الحكم بوجوب التقابض وشيوع العمل عليه.

ومن ثم يتعين العمل بالطائفة الأولي، والإعراض عن الطائفة الثانية، ورد

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب الصرف.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 2 من أبواب الصرف حديث: 5.

ص: 255

علمها لأهلها (صلوات الله عليهم)، لكونها مورداً للريب.

والله سبحانه وتعالي العالم.

بقي في المقام أمور: الأول: قال في التذكرة: «لو تعذر عليهما التقابض في المجلس، وأرادا الافتراق لزمهما أن يتفاسخا العقد بينهما.

فإن تفرقا قبله كان ذلك ربا، وجري مجري بيع مال الربا بعضه ببعض نسيئة.

ولا يغني تفرقهما، لأن فساد العقد إنما يكون به شرعاً.

كما أن العقد مع التفاضل فاسد ويأثمان به».

ولا يتضح الوجه في رجوع اشتراط التقابض في الصرف إلي صدق الربا المحرم تكليفاً بدونه.

ولو تم فهما لم يقدما علي الربا بعد عزمهما علي التقابض، وإنما يصير العقد ربوياً قهراً عليهما، ولا دليل علي وجوب الفسخ حذراً من صيرورة العقد ربوياً، لظهور أدلة الربا في حرمة إيقاع العقد الربوي، لا في حرمة إبقاء العقد فراراً من صيرورته ربوياً.

ونظيره في ذلك ما لو فرض حرمة إيقاع عقد الصرف تكليفاً مع عدم التقابض، بحيث يكون الحرام نفس إيقاع العقد فإنه لو أقدما علي ذلك عمداً أو جهلاً فلا دليل علي وجوب التقابض عليهما، فضلاً عن وجوب الفسخ بتعذره.

وأما صحيح إسحاق المتقدم فهو لا يدل علي وجوب الفسخ.

ومجرد فعل إسحاق لذلك وإقرار الإمام (عليه السلام) له لا يدل علي جوبه.

ولاسيما مع قرب كون مراد السائل بالفسخ مجرد تنبيه صاحبه إلي بطلان المعاملة، وأن قبض كل منهما لما أخذه بنحو القرض، لا جرياً علي المعاملة، ويكون إقرار الإمام من أجل ذلك، وبيان أن القبض بنية القرض غير ضائر وإن كان المقصود إيقاع المعاملة بعد ذلك، وإن المدار في البطلان علي إيقاع المعاملة، لا علي القصد لإيقاعها بعد ذلك.

الثاني: أن أكثر نصوص المقام وارد في بيع الذهب بالفضة والفضة بالذهب، ولا يشمل بيع الفضة بالفضة والذهب بالذهب وهو مقتضي ما في الدروس من أن الصرف بيع أحد النقدين بالآخر.

لكن مقتضي تعبير غير واحد عن الصرف ببيع

ص: 256

الأثمان بالأثمان عمومه لذلك ووجوب التقابض فيه.

بل هو صريح الغنية والجامع والقواعد، ويظهر من مفتاح الكرامة المفروغية عنه.

ويشهد به ما ورد في بيع السيف المفضض من لزوم قبض ثمن فضته(1) حيث يصلح قرينة علي عموم حكم الصرف لما إذا اتحد جنس العوضين.

وقد يستفاد من بقية نصوص المقام تبعاً.

فتأمل.

الثالث: الظاهر كفاية التقابض بقبض أكثر من الحق، بحيث يتعين كل من العوضين في المقبوض، ويملكه صاحبه بنحو ملك الكلي في المعين.

ويستفاد ذلك من النهاية والتذكرة والقواعد وظاهر السرائر والدروس.

ويشهد به موثق حنان بن سدير المتقدم وصحيح أبي بصير: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): آتي الصيرفي بالدراهم أشتري منه الدنانير، فيزن لي أكثر من حقي، ثم ابتاع منه مكاني بها دراهم.

قال: ليس به بأس، ولكن لا تزن أقلّ من حقك»(2) وغيرهما.

الرابع: صرح غير واحد من غير إشكال منهم بكفاية قبض الوكيل.

وهو في محله، لابتناء الوكالة علي قيام الوكيل مقام الأصيل.

كما صرحوا أيضاً بأنه لابد من قبض الوكيل قبل افتراق المتبايعين لعموم اعتبار كون التقابض قبل الافتراق.

ولخصوص صحيح عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم.

نعم في موثق عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام):

«سألته عن بيع الذهب بالدراهم، فيقول: أرسل رسولاً فيستوفي لك ثمنه فيقول: هات وهلم، ويكون رسولك معه» (3) .

كذا رواه في الوسائل عن الكليني والشيخ، وهو الموجود في الكافي.

ولا يخلو عن اضطراب.

لعدم وضوح الجواب فيه.

لكن الموجود في التهذيب هكذا: «قال: يقول: هات وهلم، ويكون رسولك معه».

وظاهره الاكتفاء بملازمة

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 15 من أبواب الصرف حديث: 3، 6.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 15 من أبواب الصرف حديث: 4.

(3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 2 من أبواب الصرف حديث: 2.

ص: 257

فلو لم يتقابضا حتي افترقا بطل البيع (1).

ولو تقابضا في بعض المبيع صح فيه وبطل في غيره (2).

ولو باع النقد مع غيره بنقد صفقة واحدة ولم يتقابضا

---------------

رسول البائع ووكيله في القبض للمشتري، وعدم مفارقته له حتي يستوفي الثمن منه بل في الجواهر أنه قد يدعي صدق كون البيع يداً بيد حينئذٍ.

لكن الظاهر عدم صدق ذلك حقيقة.

وأما الموثق فهو لا يناسب صحيح عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم.

والجمع بينهما بالحمل علي الكراهة كما في الجواهر في غاية الإشكال، لقوة ظهور الثاني في الوجوب، وانحصار طريق تصحيح المعاملة بتوكيل الرسول في إجراء المعاملة.

ولعله لذا احتمل في مرآة العقول حمل الموثق علي أن الرسول هو الذي يوقع عقد البيع، و إن اعترف بأنه خلاف ظاهره.

ومن هنا يشكل الخروج بالموثق عن عموم اعتبار التقابض قبل التفرق.

ولاسيما مع ظهور جري الأصحاب علي ذلك، لرجوعه إلي هجر الموثق.

ولذا ذكر في الجواهر أنه لا ينبغي الجرأة بما سبق علي مخالفة الأصحاب.

فلاحظ.

(1) كما عبر بذلك غير واحد.

وقد يظهر منه حصول البطلان بعد الصحة قبل التفرق.

لكن مقتضي ما يأتي في المسألة السادسة هو عدم صحة البيع رأساً، وأن القبض شرط في نفوذ البيع وصحته، فيكون المراد بالبطلان هنا تعذر صحته بعد أن كان قابلاً للصحة بالتقابض.

ويأتي الكلام في ذلك هناك إن شاء الله تعالي.

(2) بلا خلاف فيهما، كما في الجواهر.

وبه صرح في الشرائع والنافع والتذكرة والقواعد والإرشاد والدروس وغيرها.

وكأنه لتحقق الشرط في المقبوض دون غيره، كما في سائر موارد تبعض الصفقة الذي تقدم غير مرة من أنه من الأحكام العرفية.

وأخذ القبض شرطاً في المجموع بنحو الارتباطية يحتاج إلي عناية لا تنهض بها النصوص، فإن الأمر فيها صريحاً أو ظاهراً بالتقابض في الكل قد يكون لبيان توقف صحة المعاملة في تمام مضمونها علي ذلك من دون أن ينافي الصحة في البعض وحده

ص: 258

حتي افترقا صح في غير النقد وبطل في النقد (1).

-

مع التقابض فيه.

وأما دعوي ظهور ذيل صحيح الحلبي المتقدم فيمن اشتري بدينار فأخذ بنصفه بيعاً وبنصفه ورقاً في بطلان المعاملة رأساً.

فيظهر ضعفها مما سبق من أن الصحيح أجنبي عما نحن فيه.

مع أنه كسائر النصوص المتضمنة لاعتبار قبض المجموع قابل للحمل علي بيان اعتبار ذلك في صحة المعاملة في تمام مضمونها.

هذا وقد صرح في التذكرة واللمعة وغيرهما بثبوت خيار تبعض الصفقة لهما في الباقي، كسائر موارد تبعض الصفقة.

نعم استثني في اللمعة من ذلك ما إذا كان أحدهما مفرطاً في تأخير القبض فلا خيار له.

ومقتضاه عدم الخيار لهما معاً إذا كان بتفريط منهما معاً، كما في المسالك والروضة وغيرهما، وفي الجواهر: «كما هو واضح».

واستدل عليه في الرياض باستناد الضرر الموجب للخيار إلي المفرط، فيكون التفريط قادماً عليه، فلا موجب لخياره.

وفيه - مع اختصاصه بما إذا علم المفرط في الإقباض ببطلان المعاملة فيما لم يقبض -: أن ثبوت خيار تبعض الصفقة ليس لقاعدة نفي الضرر، لتقصر عن صورة التفريط بلحاظ ورودها مورد الامتنان، بل للخروج عما أقدم عليه الشخص حين المعاملة.

والتفريط في الإقباض بعد ذلك لا ينافي الإقدام علي تمامية الصفقة حين المعاملة.

نعم لو رجع التفريط في الإقباض إلي الرضا بتبعض الصفقة تعين سقوط الخيار، كما لعله ظاهر.

(1) لنظير ما سبق.

بل لعل الأمر فيه أظهر، لعدم التبعيض في الشرط.

كما في الصورة الأولي، ليجري ما سبق من احتمال منافاته لظهور النصوص في لزوم التقابض في الكل.

بل غاية الأمر تخلف الشرط في النقد فيختص البطلان به.

ويأتي إن شاء الله تعالي في المسألة الثانية عشرة بيان مقدار ما يجب التقابض فيه.

ص: 259

الكلام في اشراط التقابض في الصلح

(مسألة 2): لو فارقا المجلس مصطحبين وتقابضا قبل الافتراق صح البيع (1).

(مسألة 3): لا يشترط التقابض في الصلح الجاري في النقدين، بل تختص شرطيته بالبيع (2).

-

(1) كما صرح به غير واحد، ونفي في الجواهر الخلاف فيه.

والنظر في بعض كلماتهم يشهد بالمفروغية عنه.

ويقتضيه صحيحا عبد الرحمن بن الحجاج ومنصور بن حازم المتقدمان.

(2) كما هو مقتضي أخذهم البيع في مفهوم الصرف وتحريرهم للمسألة بعنوان بيع النقدين وبيع الأثمان من دون تنبيه منهم فيما تيسر لنا من الفحص للتعميم.

ولاسيما مع تعرضهم في الربا للكلام في العموم لغير البيع.

إلا أن يكون عدم تنبيههم لذلك في الصرف لاكتفائهم بما ذكروه في الربا، لظهور كلام بعضهم في أن الكلام في الصرف من تتمة الكلام في الربا ومن فروعه.

وكيف كان فنصوص اعتبار التقابض مختصة بالبيع.

لكن من القريب إلغاء خصوصية البيع عرفاً، والعموم لجميع أنحاء المعاوضة والمبادلة.

ولاسيما بلحاظ صحيح إسحاق بن عمار: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): تكون للرجل عندي الدراهم الوضح، فيلقاني فيقول: كيف سعر الوضح اليوم ؟ فأقول له: كذا.

فيقول: أليس عندك كذا وكذا ألف درهم وضحاً؟ فأقول: بلي، فيقول لي: حولها دنانير بهذا السعر، وأثبتها لي عندك.

فما تري في هذا؟ فقال لي: إذا كنت قد استقصيت له السعر يومئذ فلا بأس بذلك.

قلت: إن لم أوازنه ولم أناقده، إنما كان كلام مني ومنه.

فقال: أليس الدراهم من عندك والدنانير من عندك ؟ قلت: بلي.

قال: فلا بأس بذلك»(1).

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 4 من أبواب الصرف حديث: 1.

ص: 260

(261)

(مسألة 4): لا يجري حكم الصرف علي الأوراق النقدية، كالدينار العراقي والنوط الهندي والتومان الإيراني والدولار والباون ونحوها من الأوراق المستعملة في هذه الأزمنة استعمال النقدين، فيصح بيع بعضها ببعض وإن لم يتحقق التقابض قبل الافتراق (1).

كما أنه لا

---------------

إذ من الظاهر أن تحويل الدراهم إلي دنانير ليس بيعاً مبنياً علي تعويض المثمن بالثمن، بل مبادلة محضة بين الدراهم والدنانير، من دون نظر للمثمن منهما والثمن، ومع ذلك انتبه السائل إلي عدم تحقق التقابض الذي هو الشرط في الصرف، وذلك يكشف عن أن المرتكز له عموم الشرط المذكور للمبادلة المذكورة، وعدم اختصاصه بالبيع، ولم يردعه الإمام (عليه السلام) عن ذلك، بل نبه إلي عدم الحاجة للشرط المذكور بسبب كون كلا طرفي المبادلة عند شخص واحد، فهو نظير الوكيل في تولي كلا طرفي المعاملة.

وقريب من ذلك صحيح عبيد بن زرارة: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون لي عنده دراهم، فآتيه فأقول: حولها دنانير من غير أن أقبض شيئاً.

قال: لا بأس.

قلت: يكون لي عنده دنانير فآتيه فأقول: حولها دراهم وأثبتها عندك، ولم أقبض منه شيئاً قال: لا بأس»(2) فإن قول السائل: «من غير أن أقبض شيئاً» وقوله: «ولم أقبض منه شيئاً» مشعران أو ظاهران في عموم اعتبار القبض للتحويل المذكور، وإلغاء خصوصية البيع فيه.

ومن ثم يقرب عموم الشرط المذكور لجميع أفراد المعاوضة والمبادلة وعدم اختصاصه بالبيع، كما هو المناسب لما يأتي في المسألة السابعة من أن تبديل أحد النقدين بالآخر صرف يجب فيه التقابض.

(1) بلا إشكال ظاهر.

لعدم كونهما ذهباً ولا فضة.

بل ولا دراهم ودنانير وإن

-

********

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 4 من أبواب الصرف حديث: 2.

ص: 261

بيع الدين بنقد اخر

(مسألة 5): إذا كان له في ذمة غيره دين من أحد النقدين، فباعه عليه بنقد آخر وقبض الثمن قبل التفرق صح البيع، ولا حاجة إلي قبض المشتري ما في ذمته (2)، ولو كان له دين علي زيد، فباعه علي عمرو بنقد وقبضه من

---------------

أطلق عليهما اسمهما، لأن الدينار والدرهم في اللغة والعرف في عهد الشارع الأقدس هما الذهب والفضة المسكوكان للتعامل بهما.

وإطلاقهما علي الأوراق النقدية عرف حادث لا عبرة به، ولا يوجب الدخول في موضوع الأدلة.

وحتي في أوائل عهد إنشاء النقود المذكورة حينما كانت تقابل بالمسكوكات الذهبية والفضية لم تكن من سنخ الوثيقة للمسكوكات المذكورة، بحيث يكون التعامل في الحقيقة بنفس تلك المسكوكات، بل كانت صالحة للإبدال بها، مع قيام المالية بالأوراق النقدية بنفسها، وتكون هي الموضوع للتعامل، وحيث لم تكن ذهباً ولا فضة تعين عدم التقابض فيها.

ولو فرض كونها من سنخ الوثيقة، مع كون موضوع التعامل في الحقيقة هو المسكوكات، تعين اعتبار التقابض في المسكوكات بنفسها، ولا يجتزأ بالتقابض في الأوراق النقدية، كما لعله ظاهر.

(1) حيث يظهر مما سبق خروجها عن موضوع أدلتها، وهو الذهب والفضة المسكوكان للتعامل بهما.

(2) الأصحاب بين من لم يتعرض لبيع ما في ذمة الغير عليه، واكتفي بذكر التحويل الآتي في المسألة السابعة، والذي هو مورد النصوص، ومن نزل التحويل علي البيع، ولم أعثر عاجلاً علي من جمع بينهما.

ولا ينبغي الإشكال في عدم رجوع التحويل للبيع، لما أشرنا إليه في المسألة الثالثة من تمحض التحويل في التبديل، وابتناء البيع زائداً علي ذلك علي فرض كون

ص: 262

(263)

أحد طرفي المعاملة هو الأصل في النقل والآخر عوضاً عنه وثمناً له.

وحيث وردت النصوص في التحويل فظاهر سيدنا المصنف الرجوع في البيع للقاعدة القاضية بوجوب التقابض قبل الافتراق.

ولذا يظهر منه وجوب قبض الثمن هنا قبل الافتراق.

وكأن اكتفاءه (قده) بذلك وعدم اعتباره لقبض المشتري للمثمن بعد تعيينه، لكون انشغال ذمته به بمنزلة قبضه له.

لكن ذلك إن رجع إلي دعوي كونه قبضاً حقيقياً بنظر العرف فهو في غاية المنع.

وإن رجع إلي كونه بمنزلة القبض فهو يحتاج إلي دليل.

وأما استفادة ذلك مما ورد في هبة ما في الذمة، حيث يظهر نفوذها من دون حاجة للقبض، مع أن القبض شرط في صحة الهبة.

فلا مجال له.

.

أولاً: لأن ثبوت ذلك في الهبة لا يقتضي ثبوته في غيرها، ومنه المقام.

وثانياً: لرجوع هبة ما في الذمة إلي الإبراء الذي لا يحتاج للقبض، ولذا ورد لزوم الهبة المذكورة(1).

نعم قد يستفاد ذلك من قوله في صحيح عبيد الله بن زرارة الوارد في التحويل والمتقدم في المسألة الثالثة: «من غير أن أقبض شيئاً»، وقوله فيه: «ولم أقبض منه شيئاً».

لظهورهما في مفروغية السائل عن عدم الحاجة لإقباض الدائن للمدين، وإنما السؤال عن الحاجة لإقباض المدين للدائن، وما ذلك إلا لأن انشغال ذمة المدين بمنزلة قبضه.

وكذا الحال في صحيح إسحاق بن عمار المتقدم هناك، بناءً أن المراد بالموازنة والمناقدة فيه خصوص الوزن للمدين وإنقاده الراجع لإقباضه، دون التقابض بينهما معاً.

مضافاً إلي قوله (عليه السلام) في صحيح إسحاق:

«أليس الدراهم من عندك والدنانير من عندك ؟».

فإنه حيث كان وارداً مورد التعليل فهو ظاهر في عموم سقوط التقابض في التبادل بين النقدين مع كون كلا العوضين فيه عند شخص واحد، من دون أن يختص ذلك بالتحويل بعد ما سبق في المسألة الثالثة من ظهور النصوص المذكورة في ارتكاز عموم وجوب التقابض لجميع أنحاء التبادل بين النقدين.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب كتاب الهبات حديث: 1.

ص: 263

اذا باع ما اشراه نقداً قبل القبض

عمرو، ووكل عمرو زيداً علي قبض ما في ذمته (1) ففي صحته بمجرد التوكيل إشكال (2) بل لا يبعد عدم الصحة حتي يقبضه (3) زيد ويعينه في مصداق بعينه (4).

(مسألة 6): إذا اشتري منه دراهم معينة بنقد ثم باعها عليه قبل قبضها لم يصح البيع (5) الثاني، فإذا قبض الدراهم بعد ذلك قبل التفرق

---------------

نعم مقتضاه عدم اعتبار قبض البائع للثمن أيضاً في المقام.

فاللازم البناء علي ذلك، خلافاً لما يظهر من سيدنا المصنف (قده).

(1) يعني: قبضه عن عمرو، بنية ما في ذمته له.

(2) لما سبق من عدم كون انشغال ذمة الشخص بالشيء قبضاً له، ليمكن توكيله في أن ينوي باستمراره القبض عن عمرو المشتري، كما لا يجري فيه التعليل المتقدم في صحيح إسحاق بن عمار.

(3) يعني عن عمرو قبل تفرق عمرو عن البائع.

(4) ليتحقق بذلك القبض عرفاً.

(5) كما في النهاية ونكتها والشرائع والنافع والتذكرة والقواعد والتحرير والمختلف والدروس وعن إيضاح النافع وغيرها.

وهو المشهور، كما في الحدائق والجواهر وعن الكفاية.

وقد استدل له في نكت النهاية بعدم ترتب الأثر علي البيع الأول قبل القبض، فلم يملك المشتري الدراهم ليصح منه بيعها.

وهو يبتني علي أن مرجع اشتراط التقابض في الصرف إلي عدم ترتب الأثر علي العقد قبله.

أما لو قيل بصحة العقد حين وقوعه وترتب أثره عليه وحصول الملك به، إلا أنه يبطل بالتفرق قبل القبض، فالمتعين صحة البيع الثاني حين وقوعه، فإذا تمّ

ص: 264

(265)

التقابض في البيع الأول بعد ذلك لم يبطل، وإلا بطل.

ولا يبعد ظهور النصوص في الأول.

خصوصاً مثل قوله (عليه السلام) في صحيح محمد بن قيس المتقدم:

«لا يبتاع رجل فضة بذهب إلا يداً بيد، ولا يبتاع ذهباً بفضة إلا يداً بيد» (1) .

لظهور النهي عن البيع من دون تقابض في عدم ترتب الأثر عليه، لا في بطلانه بالتفرق بعد ترتب الأثر عليه.

وبذلك يظهر ضعف ما في التنقيح من ردّ ما سبق من نكت النهاية من أنه سبق منه أن المبيع يملك بالعقد، وبطلانه في المقام قبل التفرق لا ينافي حصول الملك المتزلزل الذي يصح معه البيع الثاني، حيث يظهر مما سبق أن البناء علي حصول الملك بالعقد إنما يتجه في غير الصرف، وأنه لا مجال للبناء علي حصول الملك المتزلزل فيه قبل القبض، بحيث يبطل بالتفرق قبله بعد صحته.

هذا وقد استدل في المختلف للشيخ مع قطع النظر عما سبق بأنه (قده) يذهب إلي عدم جواز بيع المكيل والموزون قبل قبضه.

وهو لو تم وجه آخر.

وقد تقدم الكلام فيه جوازاً ومنعاً، وعموماً وخصوصاً، في المسألة السادسة من الفصل السابع.

فراجع.

كما استدل له أيضاً بصحيح إسحاق بن عمار: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يجيئني بالورق يبيعها يريد بها ورقاً عندي، فهو اليقين أنه ليس يريد الدنانير، ليس يريد إلا الورق، فلا يقوم حتي يأخذ ورقي.

فأشتري منه الدراهم بالدنانير، فلا تكون دنانيره عندي كاملة، فاستقرض له من جاري، فأعطيه كمال دنانيره.

ولعلي لا أحرز وزنها.

فقال: أليس تأخذ وفاء الذي له ؟ قلت: بلي.

قال: ليس به بأس»(2).

فإنه وإن ورد لبيان الاجتزاء بالقبض ولو مع عدم الوزن، واحتمال كون المقبوض أكثر من الحق، إلا أنه ظاهر في مفروغية السائل عن وجوب إقباض الثمن وهو الدنانير قبل بيعها ثانياً، وتقرير الإمام (عليه السلام) له علي ذلك، وأنه لابد من إحراز

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 2 من أبواب الصرف حديث: 3.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب الصرف حديث: 3.

ص: 265

صح البيع الأول وبطل الثاني (1)، وإذا لم يقبضها حتي افترقا بطل الأول

---------------

كون الدنانير المدفوعة له تفي بمقدار حقه.

وقريب منه صحيح أبي بصير المتقدم في ذيل الكلام في وجوب التقابض في الصرف.

فلاحظ.

ثم إنه لو تم ما سبق من التنقيح من حصول الملك قبل التقابض، وصحة المعاملة الثانية، فمقتضي القاعدة تعذر تصحيح البيع الأول، لتعذر التقابض فيه بسبب البيع الثاني، وخروج العوض عن ملك من ملكه بالبيع الأول، ويتعين صحة البيع الثاني بالتقابض فيه، وضمان المشتري الأول للبائع الدراهم التي اشتراها منه، نظير ما إذا فسخ ذو الخيار بعد بيع أحد العوضين.

لكن يظهر من السرائر صحة البيعين معاً، بل هو صريح التنقيح، حيث قال: «وصح البيع الأول أيضاً، لأنه وإن لم يقبض الدراهم، لكن قبض عوضها، وهو الدنانير، هو قبض العوض كقبض المعوض».

وفيه: أنه لم يتضح الوجه في التنزيل المذكور بعد ظهور النصوص في اعتبار قبض كل من العوضين بنفسه، لا ما يعمّ بدله.

(1) حيث تقدم منه (قده) بطلانه حين وقوعه فلابد من كون مراده من بطلانه بعد التقابض في البيع الأول، هو بقاؤه علي البطلان وتعذر تصحيحه.

ولعله ناظر إلي ما في جامع المقاصد من كون العقد فضولياً، فيبتني علي مسألة من باع مال غيره ثم ملكه.

بل في المسالك: «وينبغي القول بالصحة مطلقاً إذا تقابضا قبل التفرق.

وغاية ما يحصل في البيع الثاني أن يكون فضولياً، فإذا لحقه القبض صح».

وكأنه يذهب إلي أن من باع مال غيره ثم ملكه نفذ عليه بيعه، غايته أنه يحتاج إلي التراد في القبض، ليتم التقابض للبيع الثاني.

لكن سبق منّا ومن سيدنا المصنف (قده) أنه من باع مال غيره ثم ملكه لم ينفذ بيعه السابق حتي لو أجازه.

ولعله هو الوجه فيما ذكره (قده) هنا.

بل قد يشكل في كون

ص: 266

(267)

والثاني (1).

(مسألة 7): إذا كان له دراهم في ذمة غيره، فقال له حولها دنانير في ذمتك، فقبل المديون، صح ذلك وتحول ما في الذمة إلي دنانير وإن لم يتقابضا.

وكذا لو كان له دنانير في ذمته فقال له حولها دراهم وقبل المديون، فإنه يصح وتتحول الدنانير إلي دراهم (2).

وكذلك الحكم في الأوراق النقدية

---------------

المقام من صغريات ما إذا باع الفضولي ثم ملك، إذ لا معني لبيع ملك الإنسان عليه، فيتعين بطلان البيع رأساً وعدم قابليته للتصحيح حتي لو قلنا بصحة بيع الفضولي إذا ملك بالإجازة أو بدونها.

اللهم إلا أن يقال: إن المفروض في محل الكلام تحقق القصد للبيع ثانياً بسبب الغفلة عن عدم ترتب أثر البيع الأول قبل القبض.

وحيث لم يكن وجه القول بصحة بيع من باع ثم ملك ظاهراً لنا فلا يتيسر لنا تحديده والنظر في شموله لمثل المقام مما يكون فيه البيع بيعاً علي المالك واقعاً.

فلاحظ.

(1) قطعاً، لعدم التقابض في الأول، ولما سبق من عدم الملك حين البيع في الثاني.

(2) كما عبر بنظير ذلك في النهاية والنافع وحكي عن ابن الجنيد.

والأصل في ذلك صحيحا إسحاق بن عمار وعبيد بن زرارة المتقدمان في المسألة الثالثة.

وهما صريحان في عدم اعتبار التقابض، وقد سبق تعليل ذلك في الأول بأن كلا العوضين من شخص واحد.

كما أنه سبق في المسألة المذكورة أن تحويل أحد النقدين للآخر ليس بيعاً، فلا وجه لما يظهر من الشرائع وغيره من حمل النص علي البيع.

وأشكل من ذلك ما في الدروس وغيره من حمل النصوص والفتوي علي البيع وعلي توكيل الشخص للصيرفي في القبض عنه، وما في ذمته مقبوض له.

فإنه تكلف لا شاهد له، بل الظاهر سوق التعليل في صحيح إسحاق لبيان عدم الحاجة للتقابض، فلا يناسب فرض تحقق التقابض بالتوكيل.

ص: 267

الكلام في اقباض المبيع او الثمن

إذا كانت في الذمة فيجوز تحويلها من جنس إلي آخر (1).

(مسألة 8): لا يجب علي المتعاملين بالصرف إقباض المبيع أو الثمن (2)، حتي لو قبض أحدهما لم يجب عليه إقباض صاحبه، ولو كان

---------------

غاية الأمر البناء علي عدم وجوب التقابض في الفرض إما لخروجه عن الصرف، أو تخصيصاً لعموم وجوب التقابض فيه من أجل الصحيحين.

لكن في السرائر منع من ذلك، وصرح ببطلان المعاملة المذكورة مع التفرق قبل التقابض، بل نفي الخلاف في ذلك واستشهد له بما في باب السلم من المبسوط، حيث ذكر جواز التقايل في السلم، وأنه لو حصل وقد تلف الثمن لزم البائع مثله للمشتري ثم قال: «فإن تراضيا بقبض بدله من جنس آخر، مثل أن يأخذ الدراهم بدل الدنانير أو الدنانير بدل الدراهم أو يأخذ عرضا [عوضا] آخر كان جائزاً.

فإن أخذ الدنانير بدل الدراهم، أو الدراهم بدل الدنانير وجب أن يقبضها في المجلس قبل أن يفارقه، لأن ذلك صرف».

لكن إذا توجه منه (قده) البناء علي البطلان، لغفلته عن الصحيحين المتقدمين، أو لعدم تعويله علي أخبار الآحاد، فلا يتجه منه نفي الخلاف في ذلك بعد وجود الصحيحين المذكورين وعمل الشيخ (قده) في النهاية بهما.

ومجرد خروج الشيخ عن ذلك في المبسوط لا يكفي في نفي الخلاف.

علي أنه في غير محله بعد ورود الصحيحين.

(1) بلا إشكال ظاهر.

لأن ذلك وإن خرج عن مفاد الصحيحين، إلا أنه مقتضي عمومات الصحة بعد خروجه عن الصرف، كما سبق في المسألة الرابعة.

(2) لأن الإقباض إنما يجب مع نفوذ البيع عملاً بمقتضاه.

أما حيث كان نفوذ البيع متوقفاً علي الإقباض تخصيصاً لعمومات النفوذ كما سبق في المسألة السادسة فلا ملزم بالإقباض، لعدم نفوذ البيع بعد.

ص: 268

(269)

للمبيع أو الثمن نماء قبل القبض كان لمن انتقل عنه (1)، لا لمن انتقل إليه.

(مسألة 9): الدراهم والدنانير المغشوشة إن كانت رائجة في المعاملة بها يجوز خرجها وإنفاقها والمعاملة بها (2)، سواء أكان غشها مجهولاً أم

---------------

نعم لو اشترطا حين العقد الإقباض لم يبعد وجوبه عملاً بالشرط، لأن عدم نفوذ العقد من حيثية البيع بسبب التقابض لا ينافي نفوذه من حيثية الشرط، كما لا ينافي نفوذ الشرط بنفسه.

وحينئذ إن حصل التقابض قبل التفرق نفذ البيع أيضاً.

وإن تفرقا قبله كان التفرق محرماً تكليفاً، لمنعه من تحقق التقابض المستحق بالشرط، وتعذر معه تصحيح البيع، كما يرتفع موضوع الشرط، لأن المراد به التقابض المصحح للبيع، والمفروض تعذره بالتفرق.

فتأمل.

(1) يعني لمن من شأن البيع أن ينتقل عنه.

لعدم انتقاله عنه بعد، لما سبق في المسألة السادسة من عدم خروجه عن ملكه قبل التقابض، فيتبعه النماء ومن ذلك يظهر أن المعيار في ذلك عدم حصول التقابض منهما معاً.

ولا يكفي في انتقال النماء قبض ذي النماء وحده.

كما قد توهمه عبارة المتن.

وإن كان الظاهر أن المراد بها ما ذكرنا.

هذا وفرض النماء في مثل الذهب والفضة غير متصور.

نعم يمكن فرض المنفعة ذات المالية، كما لو تزين بهما إنسان قبل تفرق المتبايعين، حيث يكون أجر التزين المذكور بناء علي ما سبق لمن كان مالكاً لما يتزين به قبل البيع.

(2) كما في الاستبصار والشرائع والتذكرة والمختلف والدروس وغيرها، وأدعي الإجماع عليه في المختلف.

وفي الجواهر: «بلا خلاف، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، فضلاً عن محكيه.

للسيرة القطعية».

ويشهد به النصوص.

كصحيح أبي العباس البقاق: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الدراهم المحمول عليها.

فقال: إذا أنفقت ما يجوز بين أهل البلد فلا بأس.

وإذا

ص: 269

معلوماً، وسواء أكان مقدار الغش معلوماً أم مجهولاً (1).

وإن لم تكن رائجة فلا يجوز إنفاقها والمعاملة بها إلا بعد إظهار حالها (2).

-

أنفقت ما لا يجوز بين أهل البلد فلا»(1) ، ومعتبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام):

«جاءه رجل من سجستان، فقال له: إن عندنا دراهم يقال لها: الشاهية [الشامية] يحمل علي الدرهم دانقين.

فقال: لا بأس به إذا كانت يجوز [يجوز ذلك]» (2) .

وقريب منه خبر حريز(3).

وفي صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أشتري الشيء بالدراهم، فأعطي الناقص الحبة والحبتين.

قال: لا حتي تبينه.

ثم قال: إلا أن يكون نحو هذه الدراهم الأوضاحية التي تكون عندنا عدداً»(4).

وهو وإن ورد في الناقص لا في المغشوش بجنس آخر، إلا أن النقص نحو من الغش.

علي أن الغش بجنس آخر إنما يرغب عنه لرجوعه إلي نقص الجنس المطلوب بالأصل.

ومنه يظهر الإشكال في إطلاق النهاية عدم جواز إنفاق الدراهم المحمول عليها إلا بعد بيان حالها.

إلا أن يحمل علي ما إذا لم تكن رائجة، لأنها هي تحتاج إلي بيان حالها عرفاً.

(1) كما هو مقتضي إطلاق من سبق، بل صريح بعضهم في الجملة.

ويقتضيه إطلاق النصوص السابقة، بل هو كالصريح من صحيح عبد الرحمن المتقدم، لأن ابتناء الدراهم علي العدد يناسب عدم انضباط الوزن بها.

(2) كما صرح به من سبق.

وهو المتيقن من إطلاق النهاية المتقدم.

وفي الجواهر: «بلا خلاف، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، فضلاً عن محكيه.

لما فيه من الغش المحرم نصاً وإجماعاً».

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 10 من أبواب الصرف حديث: 9، 6.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 10 من أبواب الصرف حديث: 10، 7.

ص: 270

(271)

مضافاً إلي صحيح علي بن رئاب لا أعلمه إلا عن محمد بن مسلم: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس مرة أو غيره ثم يبيعها.

قال: إذا بين [ذلك] فلا بأس(1)»، وصدر صحيح عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم بالتقريب المتقدم، ومعتبر جعفر بن عيسي: «كتبت إلي أبي الحسن (عليه السلام): ما تقول جعلت فداك في الدراهم التي أعلم أنها لا تجوز بين المسلمين إلا بوضيعة تصير إلي من بعضهم بغير وضيعة بجهلي به، وإنما آخذه علي أنه جيد.

أيجوز أن آخذه وأخرجه من يدي علي حدّ ما صار إلي من قبلهم ؟ فكتب: لا يحل ذلك...»(2).

وبذلك يجمع بين إطلاق ما تضمنته النصوص السابقة مفهوماً أو منطوقاً من عدم جواز إنفاق ما لا يجوز بين أهل البلد، وإطلاق صحيح محمد بن مسلم: «سألته عن الدراهم المحمول عليها: قال: لا بأس بإنفاقها»(3).

بقي في المقام طائفتان من النصوص: الأولي: معتبر عمر بن يزيد: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن إنفاق الدراهم المحمول عليها: فقال: إذا جازت الفضة المثلين فلا بأس»(4) ، ومعتبره الآخر عنه (عليه السلام): «في إنفاق الدراهم المحمول عليها.

فقال: إذا كان الغالب عليها الفضة فلا بأس بإنفاقها»(5).

ولا يظهر من الأصحاب التعويل عليها في التحديد المذكور، سواء أريد به تحديد جواز التعامل في الجملة في مقابل تحريم التعامل رأساً، أم تحديد جواز التعامل من دون إعلام بالحال في مقابل لزوم الإعلام بالحال.

وقد حملها في الجواهر علي أن الجائز في ذلك الوقت ما كان كذلك.

لكن لا شاهد علي ذلك.

ومن ثم يتعين الوقوف عندها، ورد علمها لقائلها (عليه السلام).

الثانية: معتبر المفضل بن عمر الجعفي: «كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فألقي

-

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 10 من أبواب الصرف حديث: 2، 8، 1.

(4و5) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 10 من أبواب الصرف حديث: 3، 4.

ص: 271

بين يديه دراهم، فألقي إلي درهماً منها، فقال: أيش هذا؟ فقلت: ستوق.

فقال: وما الستوق ؟ فقلت: طبقتين فضة، وطبقة من نحاس، وطبقة من فضة.

فقال: اكسرها، فإنه لا يحل بيع هذا ولا إنفاقه»(1).

ومعتبر موسي بن بكر:

«كنا عند أبي الحسن (عليه السلام) وإذا دنانير مصبوبة بين يديه، فنظر إلي دينار فأخذه بيده ثم قطعه بنصفين، ثم قال لي: ألقه في البالوعة حتي لا يباع شيء فيه غش» (2) .

لكن ما تضمنه الثاني من الإلقاء في البالوعة يناسب عدم المالية في الدينار المذكور، لعدم اشتماله علي شيء من الذهب، وتسميته بالدينار لمحض المشابهة، وإلا لزم التبذير المحرم.

ومثل النقد المذكور ينحصر التعامل به بالغش، نظير النقود الورقية المزيفة في عصورنا، فيحرم تعريضه لأن يتعامل به، نظير آلات الفساد.

وعلي ذلك يحمل قوله (عليه السلام): «حتي لا يباع شيء فيه غش».

ولعل كسره من أجل ذلك، من دون يكون واجباً في نفسه، لأن فعله (عليه السلام) أعم من ذلك.

وربما يحمل الأول علي ذلك أيضاً، ولو بقرينة النصوص السابقة المصرحة بالجواز، بأن يكون هذا النوع من الدراهم ليس من شأنه أن يتعامل به بما يناسب ماليته القائمة بالفضة ولو مع بيان حاله، بل من شأنه أن يغش به، وينفق بما أنه فضة بتمامه.

فهو وإن كان له مالية في نفسه، إلا أنه يتمحض عرفاً في كونه أداة للغش.

نظير النحاس المطلي بالرصاص لينفق علي أنها دراهم، والفضة المطلية بماء الذهب التي من شأنها أن تنفق علي أنها دنانير، حيث لا تمنع ماليته من تمحضه في كونه أداة الغش عرفاً.

وهذا بخلاف ما سبق من جواز التعامل به مع بيان حاله أو مع رواجه في نفسه، فإنه وإن أمكن الغش به، نظير ما سبق في مكاتبة جعفر بن عيسي، إلا أنه ليس متمحضاً عرفاً لذلك، بل هو صالح للوجهين، فلا يكون تعريضه لأن يتعامل به

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 10 من أبواب الصرف حديث: 5.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 86 من أبواب ما يتكسب به حديث: 5.

ص: 272

(273)

(مسألة 10): لا يجوز تصريف الريال العراقي بأربعة دراهم عراقية إلا مع ضمّ شيء إلي الريال أو إليهما معاً، ليتخلص من الربا، فإن الريال يساوي ثلاثة دراهم تقريباً.

فينبغي الالتفات إلي ذلك عند تصريف المسكوكات من الفضة أو الذهب أو النحاس إلي أبعاضها، مثل تصريف الليرة العثمانية والمجيدي والروبية إلي أرباعها أو أنصافها.

وكذا أمثالها من المسكوكات فإنه لا يجوز مع التفاضل بين الأصل وأبعاضه، كما هو الغالب.

وإن كان المنع المذكور في بعضها لا يخلو من نظر (1).

---------------

محرماً، كسائر الأمور التي قد تستعمل في الحرام من دون أن تتمحض فيه، وتكون آلة له عرفاً.

ولعل ما ذكرنا أولي من حمل معتبر المفضل علي كراهة التعامل بالدراهم المذكورة، أو استحباب كسرها والمنع من التعامل بها، جمعاً بينه وبين النصوص السابقة الصريحة في الجواز في الجملة.

فلاحظ.

(1) للإشكال فيها من جهتين: الأولي: أنها كثيراً ما تكون من المعدود عرفاً.

إلا أن يستشكل في خصوص الذهب والفضة، لأنهما من سنخ الأثمان المبنية علي الضبط، وبيعهما جزافاً حالة شاذة، نظير ما تقدم التنبيه له في المسالة التاسعة من الفصل السابق.

الثانية: أن أجزاء المسكوكات المذكورة قد يغلب فيها الخليط، بحيث لا تعد عرفاً فضة أو ذهباً، بل ممزوجاً منها ومن الخليط، وتكون الفضة فيها أو الذهب أقل من الفضة والذهب في السكة الكاملة، كالريال.

بل خرجت أخيراً الدراهم العراقية ونحوها في البلاد الأخري عن كونها فضة إلي معدن آخر مباين له، بحيث يرتفع الإشكال من أصله، لاختلاف الجنس.

ص: 273

(مسألة 11): يكفي في الضميمة التي يتخلص بها من الربا الغش الذي يكون في الذهب والفضة المغشوشين (1) إذا كان الغش له قيمة في

---------------

نعم توقف صرفها بالمسكوكات الفضية بسبب ذلك، وفقدت نسبتها إليها، وخرجت المسكوكات الفضية والذهبية عن كونها عملة يتعامل بها إلي كونها سلعة تباع وتشري.

(1) كما في التذكرة.

قال: «صرفاً للخالص إلي الغش والغش إلي الخالص».

ويستفاد ذلك من غير واحد ممن جعل الغش من الضميمة المانعة من الربا.

والذي ينبغي أن يقال: الخليط إن كان مستهلكاً في المغشوش بحيث لا وجود له في مقابله عرفاً.

غايته أن يوجب حسن ما يخلط به أو رداءته، كالنحاس الذي يخلط بالذهب علي عيارات مختلفة فهو لا يوجب تعدد الجنس، ولا يصلح لأن يكون ضميمة مانعة من الربا، كما صرح بذلك بعض مشايخنا (قده).

لعدم تعدد الجنس بذلك عند العرف الذي هو المرجع في المقام.

فلا يجوز مثلاً التفاضل بين الذهب من عيار واحد وعشرين والذهب من عيار اثنين وعشرين.

وهو المناسب لما في القواعد من أنه لا اعتبار بالذهب اليسير في جوهر الصفر، ولا بالفضة في جوهر الرصاص.

ولما في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في الأسرب يشتري بالفضة.

قال:

إذا كان الغالب عليه الأسرب فلا بأس به» (1) ، وخبر معاوية بن عمار أو غيره عنه (عليه السلام): «سألته عن جوهر الأسرب وهو إذا خلص كان فيه فضة أيصلح أن يسلم الرجل فيه الدراهم المسماة ؟ فقال: إذا كان الغالب عليه أسلم الأسرب فلا بأس بذلك»(2).

وبذلك يظهر الإشكال فيما في المبسوط في بعض الفروع من عدم الفرق بين

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 17 من أبواب الصرف حديث: 1، 2.

ص: 274

(275)

الكلام في الضميمة التي يتخلص بها من الربا

حال كونه غشاً (1).

ولا يكفي أن يكون له قيمة علي تقدير التصفية (2)، فإذا كان الطرفان مغشوشين كذلك صح مع التفاضل (3).

وإذا كان أحدهما مغشوشاً دون الآخر جاز التفاضل إذا كانت الزيادة في الخالص (4)، ولا

---------------

كون الغش مستهلكاً وعدمه.

إلا أن يريد بالاستهلاك مع آخر.

فراجع.

وكذا الحال إذا لم يكن الخليط مستهلكاً في المغشوش، إلا أنه كان تابعاً من دون أن يكون جزءاً من أحد العوضين، لعدم النظر إليه في المعاملة.

أما إذا لم يكن مستهلكاً في نفسه وكان ملحوظاً في المعاوضة فهو صالح لأن يكون ضميمة يتخلص به من الربا، سواء كان متميزاً عما غش فيه، كالدراهم التي تكون طبقة من فضة أو ذهب وطبقة من نحاس، أم ممتزجاً به، بحيث لا يصدق علي المجموع عرفاً أنه جنس واحد جيد أو رديء، بل هو مركب من الجنسين معاً.

(1) مما سبق يظهر أن المعيار في الصحة كون جزءاً من أحد العوضين منظوراً إليه في المعاوضة، ولا يعتبر كونه ذا مالية، لما تكرر منا من عدم اعتبار المالية في العوضين.

اللهم إلا أن يقال: المنصرف من نصوص الضميمة خصوص ما كان له مالية.

أما غيره فهو وإن أمكن أن يكون طرفاً في المعاوضة بنفسه، إلا أنه لا يصلح لأن يكون ضميمة رافعة لمحذور الربا.

فتأمل.

(2) لأن المعيار في المعاوضة صلوح العوضين حينها لأن يكون طرفاً في المعاوضة.

(3) لأن وجود الضميمة في الطرفين رافع لمحذور التفاضل، لعدم كون الأقل هو تمام العوض وحده.

بل مع الضميمة علي ما تقدم في المسألة الثالثة عشرة من الفصل السابق.

(4) لتكون الزيادة المذكورة مقابل الغش في الطرف الآخر.

ص: 275

بيع الآلات المحلاة بالذهب

يصح إذا كانت الزيادة في المغشوش (1).

لكن في تحقق الفرض نظر (2).

(مسألة 12): الآلات المحلاة بالذهب يجوز بيعها بالذهب إذا كان أكثر من الذهب المحلي (3) بها وإلا لم يجز، نعم لو بيع السيف المحلي بالسيف

---------------

(1) حيث يلزم الزيادة علي الخالص من جنسه ومن غير جنسه وهو الغش، فيلزم الربا المحرم.

(2) لغلبة عدم القيمة ولا الاعتداد بالغش حين الغش به، بل هو من سنخ الوسخ الذي من شأنه الإتلاف والحرق بالتيزاب ونحوه.

(3) كما صرح به غير واحد.

لتكون الزيادة في الذهب الثمن مقابل نفس الآلة المحلاة المفروض كونها غير ذهب أما لو كان الذهب بقدر الحلية لزم الزيادة من غير الجنس في المبيع المثمن.

مضافاً إلي النصوص الخاصة الواردة في ذلك، كموثق أبي بصير:

«سألته عن السيف المفضض يباع بالدراهم فقال: إذا كانت فضته أقل من النقد فلا بأس وإن كانت أكثر فلا يصلح» (1) ، وغيره.

نعم في خبر منصور الصيقل عن أبي عبد الله (عليه السلام):

«قلت له: السيف أشتريه وفيه الفضة تكون الفضة أكثر وأقل قال: لا بأس به» (2) .

وقد يظهر في فرض كون الفضة التي في السيف أكثر من الفضة في الثمن.

لكن لابد من رفع اليد عنه كما يأتي من الاستبصار أو حمله علي ما لا ينافي القاعدة والنصوص الأخر من كون البيع بغير الفضة أو بها مع الضمية كما في الوسائل.

ولاسيما أن في خبر منصور الآخر عنه (عليه السلام): «سألته عن السيف المفضض يباع بالدراهم.

فقال: إذا كانت فضته أقل من النقد فلا بأس، وإن كانت أكثر فلا يصلح»(3).

ومن ثم حمل الأول في الاستبصار علي وهم

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 15 من أبواب الصرف حديث: 8.

(2و3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 15 من أبواب الصرف حديث: 9، 7.

ص: 276

(277)

الراوي عن منصور.

بقي في المقام أمور: الأول: أنه ورد في خبر إبراهيم بن هلال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

جام فيه فضة وذهب أشتريه بذهب أو فضة.

فقال:

إن كان يقدر علي تخليصه فلا، وإن لم يقدر علي تخليصه فلا بأس» (1) .

وهو مع ضعف سنده لا يناسب النصوص الكثيرة المتقدم بعضها، حيث لم يشر فيها لشيء من ذلك.

كما لم يظهر العمل به من الأصحاب.

نعم ذكر في الشرائع والدروس وغيرهما التفصيل بين إمكان النزع وعدمه من أجل اعتبار معرفة الوزن إذا كان مجهولاً، وأنه لا يعفي عن جهالة وزنه إلا إذا تعذر نزعه ولو لكونه مضراً به.

وهو أجنبي عن مفاد الخبر المتقدم.

لظهوره في عدم جواز البيع مع إمكان النزع مطلقاً تعبداً، لا من جهة معرفة الوزن.

كما أن ما ذكروه من محذور جهالة الوزن لا يفرق فيه بين إمكان النزع وعدمه.

مع أنه مندفع بإطلاق النصوص المتقدمة.

مضافاً إلي تعارف بيع الحلية في هذا الحال من دون وزن، وقد سبق في محله أن اعتبار معرفة الوزن يختص بما تعارف وزنه حال البيع.

نعم مقتضي ذلك خروجه عن كونه ربوياً لولا النصوص السابقة.

وقد تقدم في المسألة التاسعة من الفصل السابق احتمال خصوصية الذهب والفضة في ذلك.

فراجع.

ومثله ما ذكره الشيخ وجماعة من أن المصوغ من الجنسين إن أمكن تخليص أحدهما من الآخر قبل بيعه بالنقدين وجب، وإلا جاز بيعه بهما، علي اختلاف بينهم بين من أطلق ومن يظهر منه أن الحاجة لتخليص أحدهما من الآخر من أجل معرفة وزن كل منهما.

فإنه أيضاً أجنبي عن مفاد الخبر المتقدم، لظهور الخبر في المحلي بأحد

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 15 من أبواب الصرف حديث: 5.

ص: 277

الأمرين لا في المصوغ منهما، كما هو مورد كلامهم.

كما أنه لا دليل عليه آخر.

غاية الأمر أنه يتعين التحفظ من الربا باختلاف الجنس أو جعل الضميمة مع الأقل.

الثاني: قد يظهر من ذكر الأصحاب ذلك في مبحث الصرف كونه من صغرياته، فيجب فيه التقابض في المجلس، ولا تشرع فيه النسيئة.

بل هو المصرح به في كلام غير واحد في الجملة.

وقد يستدل له بصحيح محمد بن مسلم: «سئل عن السيف المحلي والسيف الحديد المموه بالفضة نبيعه بالدراهم.

فقال: نعم وبالذهب.

وقال: إنه يكره أن تبيعه نسية.

وقال: إذا كان الثمن أكثر من الفضة فلا بأس»(1) ، بناءً علي حمل الكراهة فيه علي الحرمة.

وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «سألته عن السيوف المحلاة فيها الفضة تباع بالذهب إلي أجل.

فقال: إن الناس لم يختلفوا في النساء [النسيء] أنه الربا، وإنما اختلفوا في اليد باليد»(2).

لكن ظاهر الثاني أن المانع من النسيء الربا، لا وجوب التقابض في الصرف.

وقد تقدم عند الكلام في الزيادة الحكمية في الربا أنه لا يخلو عن إجمال.

كما أن حمل الكراهة في الأول علي الحرمة لا يخلو عن إشكال.

ولاسيما بعدما تقدم في الفصل السابق عند الكلام في بيع العروض بالعروض من الكلام في النسيئة.

فراجع.

فالأولي الاستدلال لذلك بصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام):

«قال: لا بأس ببيع السيف المحلي بالفضة بنساء [نسياً] إذا نقد ثمن فضته.

وإلا جعل ثمنه طعاماً ولينسه إن شاء» (3) وقريب منه صحيح أبي بصير(4).

لكنهما صريحان في الاكتفاء بنقد خصوص ما يقابل الحلية كما يأتي من الاستبصار.

وبه صرح في النافع، وقد ينصرف إليه إطلاق الآخرين لأن الصرف خصوص ما يقابل الحلية.

ولعله لذا قال في الرياض: «بلا خلاف في الظاهر».

وكيف

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 15 من أبواب الصرف حديث: 4، 1.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 15 من أبواب الصرف حديث: 6، 2.

ص: 278

كان فبهذين الصحيحين يخرج عن ظهور الصحيحين الأولين لو تم الاستدلال بهما في المنع من النسيئة في تمام الثمن.

نعم في صحيح إسحاق بن عمار قال: أظنه عن عبد الله بن جذاعة:

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن السيف المحلي بالفضة يباع بنسية.

قال: ليس به بأس، لأن فيه الحديد والسير» (1) .

وقد حمله في الاستبصار علي ما إذا نقد مثل ما فيه من الفضة، جمعاً مع النصوص المتقدمة.

كما احتمل في الوسائل حمله علي ما إذا كان البيع بغير النقدين.

لكن كلا الحملين لا يناسب التعليل فيه بأن فيه الحديد والسير، لظهوره في أن الضميمة تخرج المورد عن الصرف المعتبر فيه التقابض، كما تخرجه عن الربا المعتبر فيه التماثل في المقدار.

ومن ثم قد يكون الأقرب حمل ما تقدم من النصوص لأجله علي الاستحباب.

وإن لم يخل عن إشكال، لقوة ظهور الصحيحين السابقين في تطبيق الصرف في مقدار الحلية، ومن المعلوم وجوب التقابض في الصرف.

ولاسيما مع ضعف سنده بالإرسال وعدم ظهور انجباره بعمل الأصحاب.

بل قد يكون ظاهرهم الإعراض عنه.

ومن هنا لا مجال للخروج عن مقتضي الصحيحين من وجوب التقابض في المقدار المقابل للحلية.

كما أنه يستفاد منهما ولو لإلغاء خصوصية موردهما عرفاً جريان ذلك في جميع موارد الصرف بلحاظ أبعاض المعاملة، كما استظهره في الرياض، فيجب التقابض في خصوص الأجزاء النقدية من الذهب أو الفضة في المعاملة، بحيث يقبض الأقل منها في أحد الطرفين بتمامه، ويقبض بقدره من الآخر، ولا ينقص عن ذلك.

بل من القريب أن يكون ذلك مقتضي عموم بعض نصوص وجوب التقابض في الصرف، كقول أمير المؤمنين (عليه السلام) المتقدم: «لا يبتاع رجل فضة بذهب إلا يداً بيد،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 15 من أبواب الصرف حديث: 10.

ص: 279

المحلي جاز مطلقاً وإن كانت الحلية في أحدهما أكثر من الحلية في الآخر (1).

(مسألة 13): الكلبتون المصنوع من الفضة لا يجوز بيعه بالفضة إلا إذا كانت أكثر منه وزناً والمصنوع من الذهب لا يجوز بيعه بالذهب إلا إذا

---------------

ولا يبتاع ذهباً بفضة إلا يداً بيد»(1).

فتأمل.

الثالث: ظاهر الأصحاب، بل صريح الدروس والروضة، لزوم العلم بزيادة مجانس الحلية في الثمن عليها، لتكون الزيادة في مقابل ذي الحلية الذي هو من جنس آخر، ومع عدم العلم بذلك يجب اشتمال الثمن علي جنس آخر.

كل ذلك للتحفظ من الربا.

وهو مقتضي اشتراط كون الثمن أكثر في النصوص المتقدمة، حيث يلزم إحراز الشرط.

كما أنه كالصريح من النصوص الواردة في بيع المختلط من الجنسين في لزوم بيعه بالجنسين(2).

وكذا صحيح عبد الرحمن بن الحجاج المتقدم: «سألته عن السيوف المحلاة فيها الفضة تباع... فقلت له: يبيعه بدراهم نقد.

فقال: كان أبي يقول: يكون معه عرض أحب إلي.

فقلت له: إذا كانت الدراهم التي تعطي أكثر من الفضة التي فيه.

فقال: وكيف لهم بالاحتياط في ذلك ؟ قلت: فإنهم يزعمون أنهم يعرفون ذلك.

فقال: إن كانوا يعرفون ذلك فلا بأس.

وإلا فإنهم يجعلون معه العرض أحب إلي»(3).

فإن الظاهر أن حبهما (عليهما السلام) لجعل الجنس الآخر للتحفظ من الربا.

لكن مع ذلك اكتفي في اللمعة بغلبة الظن مطلقاً أو تعذر العلم.

ولم يتضح وجهه.

(1) لارتفاع محذور الربا بوجود الضميمة في الطرفين، وهي في المقام السيف

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 1 من أبواب الصرف حديث: 3.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 20 من أبواب الربا، وباب: 11 من أبواب الصرف.

(3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 15 من أبواب الصرف حديث: 1.

ص: 280

(281)

اذا اشري ذهباً او فضة ثم وجدها جنساً اخر

كان أكثر منه وزناً (1).

(مسألة 14): إذا اشتري فضة معينة بفضة أو بذهب، وقبضها قبل التفرق، فوجدها جنساً آخر رصاصاً أو نحاساً أو غيرهما بطل البيع (2).

وليس له المطالبة بالإبدال (3).

ولو وجد بعضها كذلك بطل البيع فيه، وصح في الباقي (4).

وله حينئذ رد الكل لتبعض

---------------

الذي هو من الحديد، وما قد يتبعه من الخشب والقراب والحمائل.

نعم يجب التقابض علي النحو المتقدم.

(1) لتكون الزيادة في مقابل الضميمة، وهي الخيوط في الكلبتون.

(2) بلا خلاف ولا إشكال، كما في الجواهر.

لتخلف عنوان المبيع المقوم له.

ومنه يظهر وقوع البيع باطلاً، وبالوجدان المذكور يظهر ذلك، لا أنه هو المبطل للبيع.

(3) كما صرح به غير واحد.

لعدم تناول المبيع للبدل بعد فرض المبيع شخصياً معيّناً.

بل لا يشرع لأجل ذلك الإبدال.

إلا أن يرجع إلي إيقاع بيع آخر علي البدل.

(4) كما هو صريح الشرائع والإرشاد والمختلف والتحرير والمسالك والروضة وظاهر القواعد والتذكرة والدروس.

لتبعض البيع بتبعض المبيع، نظير ما إذا باع ما يملك وما لا يملك، حيث سبق في المسألة العشرين من الفصل الثاني الكلام في وجه تبعض الصفقة في مثل ذلك.

فراجع.

لكن يظهر من المبسوط والوسيلة أن البيع صحيح بتمامه، وأن لمن دخل عليه النقص الرد، كما لو ظهر أحد العوضين من الجنس نفسه مشتملاً علي عيب كالخشونة في الفضة.

ولم يتضح وجهه.

ولاسيما مع تصريحهما ببطلان البيع في الجملة فيما لو ظهر تمام المبيع من جنس آخر.

ص: 281

الصفقة (1) وإن وجدها فضة معيبة كان بالخيار بين الرد (2) والإمساك بالأرش (3).

ولا فرق بين كون الثمن من جنس المبيع

---------------

ومثله ما يظهر من اللمعة من أنه مع اتحاد العوضين في الجنس كما هو أحد فرضي المتن لو ظهر بعض المبيع مخالفاً في الجنس يبطل البيع من أصله، وأن تبعض الصفقة يختص بما إذا اختلف العوضان في الجنس، كما هو أحد فرضي المتن أيضاً.

وكأن الوجه فيه ما أشار إليه في مفتاح الكرامة وغيره من أن الجزء المخالف في الجنس حيث لا يدخل في المبيع ينصرف الثمن بتمامه للباقي، فيلزم التفاضل في الجنس الواحد بين العوضين، وهو ربا محرم باطل.

وفيه: أنه لا وجه لانصراف الثمن بمجموعه للباقي بعد عدم القصد المعاملي لذلك، بل ليس المقصود إلا جعل الثمن بتمامه مقابل المجموع بما في ذلك الجزء المخالف في الجنس، وبطلان البيع في الجزء المذكور يستلزم بطلانه في الجزء المقابل له من الثمن، فيكون المقابل للباقي من المبيع ما عداه، ولا يلزم التفاضل الموجب للربا الباطل.

غاية الأمر أن يلزم خيار تبعض الصفقة، كما يأتي، لعدم سلامة المبيع بتمامه.

(1) فإنه من أسباب الخيار، كما تقدم غير مرة، وتقدم الكلام في وجهه في المسألة المذكورة.

(2) لثبوت الخيار بسبب العيب.

ولو كان العيب في بعض المبيع فقد صرح في الشرائع بأنه ليس له الاقتصار في الرد عليه، بل له رد الكل لا غير.

وصريح المبسوط والوسيلة والتذكرة أن له الاقتصار علي رد البعض.

قال في الجواهر: «وإن كان ظاهرهم في بحث العيب الإجماع علي عدمه».

وقد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الستين من الفصل الرابع في فروع خيار العيب.

(3) بناءً علي مختاره (قده) من التخيير بينهما في مورد العيب.

لكن تقدم منا في خيار العيب أن المتعين معه بدواً الخيار بين الرد والإمساك لا غير، فإن تعذر الرد

ص: 282

وغيره (1) وكون أخذ الأرش قبل التفرق وبعده (2).

وإذا اشتري فضة في الذمة بفضة أو بذهب، وبعد القبض وجدها جنساً آخر رصاصاً أو نحاساً أو غيرهما، فإن كان قبل التفرق جاز للبائع إبدالها (3)، فإذا قبض البدل قبل التفرق صح البيع.

وإن وجدها جنساً آخر بعد التفرق

---------------

لبعض الأسباب المتقدمة هناك كان له الأرش.

(1) أشار بذلك إلي ما سبق في المسألة الواحدة والخمسين من الفصل الرابع في فروع خيار العيب من المبسوط وغيره بل لعله المعروف بين الأصحاب من سقوط الأرش مع اتحاد الجنس، لئلا يلزم الربا، حيث ينقص الأرش من الثمن، فيلزم التفاضل بين الجنسين.

وقد سبق من سيدنا المصنف (قده) ومنا المنع من ذلك، لعدم كون الأرش جزءاً من الثمن في المعاملة، ليلزم التفاضل، وإنما يستحق بعد ذلك بأمر خارج عن المعاملة.

وقد تقدم هناك تفصيل الكلام في ذلك.

فراجع.

(2) لأنه بعد خروج الأرش عن الثمن فعدم قبضه في المجلس لا يوجب بطلان البيع في الصرف.

لكن كلمات الأصحاب قد اضطربت في المقام جداً، فإنه بعد أن ذكر غير واحد منهم كما سبق اختصاص استحقاق الأرش بما إذا اختلف الجنسان، فقد صرح جمع منهم بأنه يجوز أخذه من الأثمان قبل التفرق، أما بعده فلابد من أخذه من غير الأثمان، وأنه لو أخذ منها بطل فيما يقابله، علي اختلاف منهم في حكم أخذه من جنس المعيب أو من الجنس الآخر.

وقد أطالوا في ذلك، كما يظهر بالرجوع لمفتاح الكرامة والجواهر ولا يسعنا استقصاء كلماتهم، لعدم الثمرة لذلك بعد ما سبق.

(3) بلا خلاف ولا إشكال ظاهر.

نعم لا يجب عليه ذلك، لما سبق في المسألة الثامنة من عدم وجوب الإقباض علي المتبايعين في الصرف تكليفاً، وإن توقفت عليه صحته.

وما في كلام غير واحد أن للمشتري المطالبة بالإبدال، لا ينافي عدم وجوب الاستجابة له.

ص: 283

بطل البيع (1).

ولا يكفي الإبدال في صحته (2).

وإذا وجدها فضة معيبة فالأقوي أن المشتري مخير بين رد المقبوض وإبداله (3) والرضا به من

---------------

(1) بلا خلاف ولا إشكال ظاهر، لعدم التقابض المعتبر في صحة بيع الصرف.

ومن الظاهر أن بطلان البيع إنما يكون بمجرد التفرق، ووجدان المقبوض جنساً آخر كاشف عن ذلك، وليس هو الموجب للبطلان، كما تقدم في نظيره.

(2) إذ لا يتحقق به التقابض قبل تفرق المتبايعين المعتبر في الصرف.

نعم يمكن تجديد البيع حين دفع البدل.

(3) له ذلك قبل التفرق قطعاً، كما في الشرائع، وبه صرح غير واحد.

لعدم المانع منه بعد فرض عدم بطلان البيع، لعدم التفرق، وابتناء البيع علي السلامة من العيب.

وأما بعد التفرق فهو المصرح به في المبسوط والخلاف والوسيلة والتذكرة والإرشاد وغيرها، وفي الجواهر أنه المشهور بين من تعرض له.

والوجه فيه صحة البيع، لحصول التقابض قبل التفرق، لكون المعيب من أفراد المبيع، غايته أن له الإبدال، لبناء العقلاء علي ذلك، ولو لابتناء البيع علي وصف السلامة، وإن لم يكن مقوماً للمبيع، نظير الشرط، والتفرق لا يمنع منه بعد فرض صحة البيع.

لكن تردد في ذلك في الشرائع والقواعد والإيضاح وعن غيرها، بل منع في الدروس من الإبدال.

وقد يظهر منه توجيهه بأن مرجع الإبدال إلي تعيين المبيع في البدل بعد أن كان متعيناً في المبدل، والمفروض أن البدل لم يقبض في مجلس العقد، فيلزم من الإبدال بطلان العقد.

وفيه: أن المبيع لما كان كلياً في الذمة فدفع الفرد عنه لا يقتضي تعين المبيع به، بحيث يكون هو المبيع، لعدم انقلاب البيع عما وقع عليه.

غايته أن يكون المدفوع أداء للمبيع لكفاية أدائه عرفاً، ويجب في الصرف إقباضه قبل التفرق، لأن المراد بالقبض

ص: 284

دون أرش (1).

---------------

اللازم فيه ما يعمّ ذلك.

وحينئذٍ فاعتبار التقابض في الصرف لما كان مخالفاً للقاعدة، لزم الاقتصار فيه علي المتيقن، وهو في المقام قبض المبدل، حيث صدق به التقابض قبل التفرق.

واعتبار التقابض في البدل مع ذلك لا شاهد عليه، بل مقتضي عمومات الصحة عدمه.

وبذلك يظهر أنه لو التفت للعيب قبل التفرق، وأراد الإبدال لم يجب الإبدال وقبض البدل قبل التفرق، لتحقق الشرط بقبض المبدل ونفوذ البيع بذلك، بلا حاجة لقبض البدل.

وأضعف من ذلك ما في الإيضاح من أنه لو قلنا بجواز الإبدال بعد التفرق تعين القبض في مجلس الرد.

إذ فيه مضافاً إلي ما ذكرنا من عدم الدليل علي توقف صحة البيع علي قبض البدل: أن مجلس الرد في مفروض كلامه بعد التفرق عن مجلس العقد، ونصوص الصرف إنما تضمنت وجوب قبض المبيع قبل التفرق عن مجلس العقد لا غير.

(1) كما يظهر من عدم التعرض له في الخلاف والمبسوط والوسيلة، والوجه فيه: أن ثبوت الأرش مع العيب مخالف للقاعدة، وينحصر الوجه فيه بنصوص خيار العيب، وظاهرها أو المتيقن منها ما إذا كان المبيع شخصياً، أما إذا كان كلياً وظهر العيب في المقبوض الشخصي فاللازم الاقتصار فيه علي ما تقتضيه القاعدة من الإبدال دون الفسخ علي ما يأتي فضلاً عن الأرش.

إلا أن يتعذر الإبدال أو يمتنع منه البائع، فيقتصر علي الفسخ، كما يأتي.

ومنه يظهر الإشكال فيما في التذكرة والقواعد والتحرير والدروس وغيرها من ثبوت الأرش مع اختلاف جنس الثمن والمثمن، وعدم ثبوته مع اتحادهما في الجنس، لشبهة لزوم الربا التي تقدم دفعها.

ص: 285

وليس له فسخ العقد من أصله (1).

ولا فرق بين كون الثمن من جنس المبيع وغيره (2)، ولا بين كون ظهور العيب قبل التفرق وبعده (3).

-

نعم قد يقال: لو حدثت في المعيب المقبوض أحد موانع الرد المتقدمة في خيار العيب تعين امتناع الإبدال والفسخ ولزم الأرش، لفهمه من نصوص خيار العيب بضميمة إلغاء خصوصية موردها عرفاً.

لكنه لا يخلو عن إشكال، بل منع.

بل مقتضي القاعدة هو الإبدال أو الفسخ مع جريان حكم تصرف ذي الخيار قبل الفسخ فيما وصل إليه، بناء علي ما تقدم منهم في خيار الغبن.

نعم حيث تقدم منّا الإشكال فيه أيضاً فينحصر الأمر بالصلح.

فلاحظ.

(1) كما في المختلف والتذكرة، وهو ظاهر عدم ذكر الفسخ في التحرير واللمعة.

حيث لا وجه له بعد عدم كون المعيب هو المبيع وإمكان تحصيل السليم بالإبدال حتي مع التفرق.

خلافاً للخلاف والمبسوط والوسيلة والقواعد والإرشاد.

وقد يوجه بأن المبيع يتعين بالمقبوض المفروض كونه معيباً.

ويظهر اندفاعه مما سبق من أن تسليم الفرد وإن كفي في تسليم المبيع الكلي، إلا انه لا يقتضي تعينه به، وانقلاب المبيع عما وقع عليه العقد.

نعم لو امتنع البائع من التبديل ولو لتعذره عليه تعين جواز الفسخ، لعدم القيام بمقتضي العقد من تسليم السليم.

ولعله لذا ذهب في الدروس لجواز الفسخ بعد التفرق، لأنه سبق منه عدم جواز الإبدال حينئذ.

(2) لما سبق من أن عدم استحقاق الأرش لاختصاص أدلته بما إذا كان المبيع معيناً، لا من أجل لزوم الربا، ليختص بما إذا اتحد العوضان في الجنس.

(3) لما سبق من إمكان الإبدال في الحالين.

ص: 286

(287)

استبدال ما في الذمة بثمن اخر

(مسألة 15): لا يجوز أن يشتري من الصائغ أو غيره خاتماً أو غيره من المصوغات من الفضة أو الذهب بجنسه مع زيادة (1) بملاحظة أجرة الصياغة، بل إما أن يشتريه بغير جنسه، أو بأقل من مقداره من جنسه مع الضميمة، ليتخلص من الربا.

(مسألة 16): لو كان له علي زيد دنانير كالليرات الذهبية وأخذ منه دراهم كالروبيات فإن كان الأخذ بعنوان الاستيفاء ينقص من الليرات في كل زمان أخذ فيه بمقدار ما أخذ بسعر ذلك الزمان (2)، فإذا كان الدين خمس ليرات، وأخذ منه في الشهر الأول عشر روبيات، وفي الثاني عشراً، وفي الثالث عشراً، وكان سعر الليرة في الشهر الأول خمس عشرة روبية، وفي

---------------

(1) بلا خلاف ولا إشكال، كما في الجواهر.

إذ لا تكون الزيادة أجرة للصياغة بعد فرض تحقق الصياغة، بل لابد من أن تكون جزءاً من أحد العوضين، فيلزم التفاضل مع اتحاد الجنس، وبه يتحقق الربا.

لكن في الخلاف: «إذا باع خاتماً من فضة بدراهم أكثر مما فيه من الفضة كان ذلك جائزاً».

وهو غريب.

إلا أن يكون المفروض في كلامه اشتمال الخاتم علي غير الفضة، كالحجر الكريم، كما يناسبه ما في المبسوط من اشتراط كون الفضة الثمن أكثر من فضة الخاتم.

نعم لو اشتري غير مصوغ من دون تفاضل جاز دفع الزيادة أجرة لصياغته بلا إشكال.

(2) كما في النهاية والوسيلة والتذكرة والقواعد والدروس وغيرها.

والظاهر عدم الإشكال فيه.

إذ مع تحقق الوفاء به يتعين كونه بسعر حال الوفاء.

مضافاً إلي صحيح إسحاق بن عمار: «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل يكون لي عليه المال، فيقبضني بعضاً دنانير وبعضاً دراهم، فإذا جاء يحاسبني ليوفيني يكون قد تغير سعر

ص: 287

الثاني اثنتي عشرة روبية، وفي الثالث عشر روبيات، نقص من الليرات ثلثا ليرة في الشهر الأول وخمسة أسداس في الثاني وليرة تامة في الثالث وإن كان الأخذ بعنوان القرض كان ما أخذه ديناً عليه لزيد وبقي دين زيد عليه (1).

وفي جواز احتساب أحدهما دينه وفاءً عن الآخر إشكال (2)، كالإشكال في

-

الدنانير، أي السعرين أحسب له، الذي كان يوم أعطاني الدنانير، أو سعر يومي الذي أحاسبه [يوم أحاسبه]؟ قال: سعر يوم أعطاك الدنانير، لأنك حبست منفعتها عنه»(1) ومعتبر يوسف بن أيوب عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال في الرجل يكون له علي الرجل دراهم، فيعطيه دنانير ولا يصارفه، فتصير الدنانير بزيادة أو نقصان، قال: له سعر يوم أعطاه»(2).

وقد يستفاد من غيرهما.

(1) بلا إشكال ظاهر، حيث لا منشأ لاحتمال التهاتر قهراً، ليقع الكلام في وقت التهاتر، وفي السعر الذي يكون التهاتر بلحاظه.

بل يظهر من بعض النصوص المفروغية عن عدم التهاتر، كصحيح عبيد بن زرارة: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون له عند الصيرفي مائة دينار، ويكون للصيرفي عنده ألف درهم، فيقاطعه عليها.

قال: لا بأس»(3).

لصراحته في أن المقاطعة معاملة متأخرة عن انشغال ذمة كل منهما لصاحبه بماله، وعدم حصول التهاتر قبل ذلك.

ونحوه غيره.

وأما التعليل في صحيح إسحاق المتقدم بأنه حبس منفعتها عنه فلابد من حمله علي بيان وجه تحديد سعر الوفاء في فرض قصد الوفاء وتحققه به، كما هو مورده، لا مطلقاً ولو مع قصد القرض دون الوفاء.

فلاحظ.

(2) يبدو ممن تعرض للمسألة رجوعها إلي التصارف بين الدينين الذي هو عندهم من صغريات البيع، والمفروض في كلام سيدنا المصنف (قده) أنه ليس بيعاً،

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 9 من أبواب الصرف حديث: 2، 5.

(3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 4 من أبواب الصرف حديث: 3.

ص: 288

جواز بيع دين أحدهما بدين الآخر (1).

نعم تجوز المصالحة بينهما علي إبراء كل منهما صاحبه مما له عليه (2).

-

لأنه تعرض لبيع أحدهما بالآخر بعد ذلك.

وهو المتعين، لأن الوفاء عرفاً مباين للبيع.

وحينئذ ينحصر الوجه في الإشكال بعد النظر في كلماتهم بعدم التقابض في المقام.

لكنه يندفع أولاً: بأنه لا يناسب ما سبق منه (قده) من اختصاص حكم الصرف ووجوب التقابض بالبيع المفروض خروج المقام عنه.

وثانياً: بما تقدم في المسألة الخامسة من ظهور بعض النصوص في المفروغية عن عدم الحاجة لقبض المدين ما في ذمته وعليه جري سيدنا المصنف (قده) نفسه.

وثالثاً: بما تقدم في معتبر عبيد بن زرارة، لظهوره في عدم الحاجة للتقابض في المقاطعة المذكورة وهي عين الاحتساب المفروض في المقام.

ولعله لذا قرّب بعض مشايخنا (قده) صحة الاحتساب.

نعم لابد من تراضيهما معاً به، والظاهر أنه المفروض في المقام.

(1) لما تضمن عدم جواز بيع الدين بالدين(1) ، بعد كون المتيقن منه ما إذا كان كل من العوضين ديناً قبل البيع، وشمول إطلاقه المذكور لما إذا كان المتبائعان صاحبي الدينين.

ولعل توقفه (قده) عن الجزم بالمنع لاحتمال انصراف الإطلاق عن الصورة المذكورة، أو لاحتمال شمول إطلاق المقاطعة في معتبر عبيد للبيع، فيكون مخرجاً عن مقتضي إطلاق المنع من بيع الدين بالدين لو تم.

لكن لا مجال للأول.

والثاني لا يخلو عن إشكال.

إلا أن يفهم منه العموم، ولو بإلغاء خصوصية المقاطعة.

وهو أيضاً لا يخلو عن إشكال.

(2) من دون فرق بين أن يكون الصلح علي الإبراء بعد الصلح الذي هو فعل

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 5 من أبواب الدين والقرض حديث: 1.

ص: 289

بيع درهم بدرهم بشرط صياغة خاتم

(مسألة 17): إذا أقرض زيداً نقداً معيناً من الذهب أو الفضة، أو أصدق زوجته مهراً كذلك، أو جعله ثمناً في الذمة مؤجلاًَ أو حالاً، فتغير السعر لزمه النقد المعين (1)، ولا اعتبار بالقيمة وقت اشتغال الذمة.

(مسألة 18): لا يجوز بيع درهم بدرهم بشرط صياغة خاتم مثلاً (2).

ويجوز أن يقول له صغ لي هذا الخاتم وأبيعك درهماً بدرهم علي أن يكون البيع جعلاً لصياغة الخاتم (3) كما يجوز أيضاً أن يشتري منه

---------------

لكل منهما، وأن يكون علي براءة كل منهما من دينه بالصلح الذي نظير شرط النتيجة.

كل ذلك لعمومات الصلح والعقود من دون ملزم بالخروج عنها.

(1) بلا إشكال ظاهر، كما هو الحال في الذميات من العروض.

لابتناء المعاملات عرفاً علي ذلك، كما يشهد به سيرتهم.

وفي معتبر إسحاق بن عمار: «قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): الرجل يكون له علي الرجل الدنانير فيأخذ منه الدراهم، ثم يتغير السعر.

قال: فهي له علي السعر الذي أخذها يومئذ.

وإن أخذ الدنانير وليس له دراهم عنده فدنانيره عليه يأخذها برؤوسها متي شاء»(1) لما تقدم في أوائل الفصل السابق منه (قده) ومن جماعة من تحقق الربا بالزيادة الحكمية.

وتقدم من الشيخ في النهاية جواز الشرط المذكور، ووافقه جماعة، وهم بين من خص ذلك بشرط الصياغة، ومن تعدي لغيره، كما يظهر من النهاية.

ويظهر من غير واحد ابتناء ذلك علي النص الآتي مع الاقتصار علي مورده، أو التعدي عنه، لإلغاء خصوصية مورده.

لكن سبق أن النص أجنبي عن ذلك، وأن جواز الشرط المذكور يبتني علي اختصاص الزيادة الموجبة للربا بالزيادة العينية.

دون الحكمية.

فراجع.

(3) كما تضمنه حديث أبي الصباح الكناني: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 9 من أبواب الصرف حديث: 3.

ص: 290

(291)

مثقال فضة مصوغاً خاتماً بمثقال غير مصوغ علي أن تكون الصياغة قيداً للمبيع (1).

-

الرجل يقول للصائغ: صغ لي هذا الخاتم، وأبدل لك درهماً طازجاً بدرهم غلة.

قال: لا بأس»(1).

علي أن مقتضي القاعدة صحة ذلك، حيث لا يلزم محذور الربا حتي بناءً علي حصوله بالزيادة الحكمية بمثل الشرط، لما أشرنا إليه من عدم كون الصياغة شرطاً في البيع، بحيث تلزم به، وتكون زيادة في أحد العوضين، بل البيع هو الذي يلزم بسبب الصياغة، لكونه جعلاً عليها.

والفرق بينهما كالفرق بين الدين بشرط هبة أمر زائد من المدين للدائن، والهبة بشرط الدين، حيث يلزم الربا في الأول دون الثاني.

وبذلك يظهر عدم توقف الحكم المذكور علي صحة سند الحديث، ليستشكل فيها بعدم ثبوت وثاقة محمد بن الفضيل الواقع في سنده لو تم.

كما يظهر جواز التعدي عن مورد الحديث المتقدم في العمل وتعميمه لغير صياغة الخاتم، وفي الإبدال وتعميمه لكل إبدال بين متجانسين مختلفين بالصفات والخصوصيات.

(1) بأن يكون المبيع كلياً مقيداً بالصياغة حيث لا يلزم الزيادة العينية، ولا الحكمية، لأن الذي يقابل بالعوض هو الفضة حال كونها مصوغة لا الفضة بنفسها مع اشتراط صياغتها زائداً علي ذلك.

وأظهر من ذلك ما إذا كان المبيع هو الفضة المشخصة المصوغة، فالمقام نظير ما إذا باعه تمراً جيداً شخصياً أو كلياً بتمر مماثل له وزناً.

نعم لا بد من التقابض قبل التفرق، وكون المقبوض هو المصوغ فعلاً، لا الفضة غير المصوغة علي أن تصاغ بعد ذلك، لعدم تحقق قبض المبيع بقبضها، لفقدها لقيده.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 13 من أبواب الصرف حديث: 1.

ص: 291

(مسألة 19): لو باع عشر روبيات بليرة ذهبية إلا عشرين فلساً صح بشرط أن يعلما قيمة الليرة من الفلوس (1) وإن لم يعلما مقدار نسبة العشرين فلساً إلي الليرة (2).

-

(1) لتحقق العلم بقدر الثمن حينئذٍ بناء علي اعتباره في صحة البيع علي ما تقدم الكلام فيه في شرط العوضين.

(2) من الظاهر أنه مع معرفة قيمة الليرة إلي الفلوس فاستثناء مقدار معين من الفلوس مستلزم لمعرفة نسبة المقدار المستثني من الليرة، وإن لم يتيسر تحديده بكسر عشري أو مئوي لدقته، ولا دليل علي لزوم إمكان الإشارة بالنحو المذكور.

نعم في خبر وهب عن جعفر (عليه السلام) عن أبيه:

«أنه كره أن يشتري الرجل بدينار إلا درهم وإلا درهمين نسبة، ولكن يجعل ذلك بدينار إلا ثلثاً وإلا ربعاً وإلا سدساً أو شيئاً يكون جزءاً من الدينار» (1) .

وهو مع ضعف سنده ليس وارداً لبيان وجوب ذكر النسبة التفصيلية بالكسر العشري، بل لبيان عدم جواز الاقتصار علي استثناء الدرهم من الدينار في النسيئة.

ولعله لاحتمال تبدل نسبة الدرهم للدينار، فيلزم الجهل بالثمن أو التردد فيه، كما تضمن ذلك موثق السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام): «في رجل يشتري السلعة بدينار غير درهم إلي أجل.

قال: فاسد، فلعل الدينار يصير بدرهم»(2).

ولا يمنع من استثناء الدرهم من الدينار مع معرفة النسبة بينهما وتحديدها ولو من طريق آخر غير النسبة العشرية.

ومثلهما في ذلك خبر حماد عنه (عليه السلام):

«قال: يكره أن يشتري الثوب بدينار غير درهم، لأنه لا يدري كم الدينار من الدرهم [الدراهم من الدنانير]» (3) ونحوه خبر

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 23 من أبواب الصرف حديث: 3، 2.

(3) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 23 من أبواب الصرف حديث: 1.

ص: 292

(293)

عدم جواز بيع المصوغ من الذهب والفضة باحدهما الا مع الزيادة

(مسألة 20): المصوغ من الذهب والفضة معاً لا يجوز بيعه بأحدهما بلا زيادة (1)، بل إما أن يباع بأحدهما مع الزيادة أو يباع بهما معاً أو بجنس آخر غيرهما.

-

آخر عنه (1)(عليه السلام)، فإنهما وإن لم يختصا بالنسيئة، إلا أن التعليل فيهما يقصر عن صورة تحديد مقدار الدينار من الدرهم ولو بغير النسبة العشرية.

نعم لو فرض في محل الكلام تعرض نسبة الليرة للفلوس للاختلاف، ولم يرجع استثناء مقدار من الفلوس من الليرة لباً لتحديد المقدار المستثني من الليرة، لإمكان تعرض المقدار المذكور للاختلاف ولو باختلاف زمان التسليم عن زمان إيقاع العقد تعين المنع عنه للجهالة أو التردد، وللنصوص السابقة، خصوصاً موثق السكوني.

ولعل إطلاق جماعة المنع من استثناء الدرهم من الدينار بلحاظ ذلك.

وإلا فكثيراً ما تكون النسبة بينهما معلومة للمتبائعين، فلا وجه للمنع مع تحديدها بوقت خاص وانضباطها.

فلاحظ.

(1) يعني: علي المقدار الموجود منه فقط في المبيع.

فإذا اشتمل المبيع علي مثقالين من الذهب ومثقالين من الفضة لم يجز بيعه مثلاً بمثقالين من الذهب فقط حيث يلزم زيادة الفضة في المبيع من دون مقابل.

أما إذا بيع بلا زيادة علي مجموع المصوغ بأن بيع في الفرض بأربعة مثاقيل من الذهب، فلا إشكال فيه، حيث تكون الزيادة في الذهب علي المثقالين مقابل الفضة الموجودة فيه، وهو داخل في قوله (قده): «بل إما أن يباع بأحدهما مع الزيادة».

هذا وقد تقدم في المسألة الثالثة عشرة الكلام في وجوب تخليص أحد الصنفين من الآخر لو أمكن كما تقدم وجوب إحراز عدم التفاضل في الجنس الواحد.

فراجع.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 23 من أبواب الصرف حديث: 4.

ص: 293

الكلام في تراب الصاغة

(مسألة 21): التراب الذي يجتمع عند الصايغ وفيه الأجزاء من الذهب والفضة وغيرهما يتصدق به عند المالكين (1) لها سواء أكان

---------------

(1) كما في الشرائع والنافع والتذكرة والقواعد والإرشاد والدروس واللمعة وغيرها.

وفي الجواهر: «بل قيل: إنه لا خلاف فيه».

معللاً في كلام غير واحد منهم بجهل أربابه.

وقد يستدل له بعموم وجوب التصدق بمجهول المالك المستفاد من النصوص المتفرقة التي تقدم التعرض لها في مبحث جوائز السلطان من مسائل المكاسب المحرمة.

مضافاً إلي خصوص معتبر علي الصائغ: «سألته عن تراب الصواغين.

وإنا نبيعه.

قال: أما تستطيع أن تستحله من صاحبه ؟ قال: قلت: لا.

إذا أخبرته اتهمني.

قال: بعه.

قلت: بأي شيء نبيعه ؟ قال: بطعام.

قلت: فأي شيء أصنع به ؟ قال: تصدق به، إما لك وإما لأهله [لأهلك]...»(1) وقريب منه خبره عن أبي عبد الله (عليه السلام).

وقد تقدم عند الكلام في جوائز السلطان التعرض لما ذكره في الجواهر من الإشكال في الاستدلال بالمعتبر بأن ظاهره جواز الصدقة مع تعذر استحلال المالك لخوف التهمة، مع أن خوف التهمة لا يبيح التصرف في مال الغير.

وتقدم دفعه بأنه لابد من حمل الاستحلال فيه علي استحلال المالك قبل العمل له، لما قد يسقط من ذهبه أو فضته، لأن ذلك هو الذي يتيسر، دون الاستحلال حين جمع التراب، لما هو المعلوم من طول مدة تجمع التراب عند الصاغة، والجهل بأصحابه بسبب ذلك، خصوصاً مع ظهور قوله (عليه السلام): «إما لك وإما لأهله» في احتمال كون الأجزاء المذكورة ملكاً للصائغ نفسه.

كما أن ذلك هو الموجب للتهمة بحصول التسامح من الصائغ في المال وتفريطه

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 16 من أبواب الصرف حديث: 2

ص: 294

(295)

للجزء مالية عند العرف أم لم يكن (1).

والأحوط مع معرفة صاحبه بعينه الاستئذان منه في ذلك (2).

ولا يبعد اطراد الحكم المذكور في الخياطين

---------------

به من أجل الاستحلال، بخلاف الاستحلال في التراب بعد وقوع شيء مما له فيه، فإنه طبيعي جداً، ولا يكون مثاراً للتهمة.

علي أنه لا موجب للاستحلال، بل يدفع التراب له بعد فرض العلم بكون ما فيه مالاً له، إذ لا موجب لخروج المال عن ملكه، ولا لاستقلال الصائغ بالتصرف فيه حينئذ.

وقد تقدم تمام الكلام في الحديث هناك بما لا يسعنا إعادته.

وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في وجوب التصدق بالمال في فرض الجهل بصاحبه.

كما أنه يكفي التصدق بثمنه بعد بيعه، علي ما تضمنه الحديثان وغيرهما من نصوص مجهول المالك.

نعم لابد من عدم إحراز إعراض المالك، لغفلته عن سقوط شيء من ماله في التراب، وعدم توقعه له.

أما لو توقع ذلك فظاهر سكوته عن المطالبة به إعراضه عنه، فيجوز للصايغ تملكه والاستقلال بالتصرف فيه، ولا يجب عليه التصدق به.

هذا كله فيما كان عليه وضع تراب الصاغة سابقاً حسبما يظهر من الحديثين ومن كلمات الأصحاب.

أما اليوم فالظاهر ملك الصايغ لما في التراب، وأن البناء علي تحمل الصايغ درك الساقط، وتسليمه ذهب الغير أو فضته كاملاً.

فيخرج عن محل الكلام.

(1) لقلته.

حيث لا يوجب ذلك خروجه عن ملكه، ولا عن سلطنته بعد ملكه له، وعدم إعراضه عنه.

(2) بل هو المتعين في فرض عدم إحراز إعراضه.

كما يتعين حينئذ الاستئذان لو عرف بعض المالكين بعينه.

كل ذلك لعدم الموجب لخروجه عن ملك صاحبه، ولا لسقوط اعتبار إذنه في التصرف فيه.

ص: 295

والنجارين والحدادين ونحوهم فيما يجتمع عندهم من الأجزاء المنفصلة من أجزاء الثياب والخشب والحديد (1).

ولا يضمنون شيئاً من ذلك وإن كان له مالية عند العرف إذا كان المتعارف في عملهم انفصال تلك الأجزاء (2).

إلا إذا علم الرضا من المالكين بالتصرف فيها فيجوز ذلك (3)، أو علم منهم المطالبة بها فيجب ردها لهم (4).

-

بل لا ينبغي الإشكال في وجوب استئذان أطراف الشبهة المحصورة مع معرفتهم بأجمعهم، عملاً بمقتضي العلم الإجمالي.

وكذا استئذان بعضهم مع معرفته.

لعموم حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه بعد خروج المورد عن المتيقن من نصوص مجهول المالك.

وحينئذ لو لم يرض البعض بالتصدق يجري حكم المال المردد بين شخصين إذا تعذر الاحتياط فيه.

(1) بل لا ينبغي الإشكال في ذلك في فرض عدم إحراز الإعراض.

لما سبق.

(2) مجرد التعارف لا يكفي في عدم الضمان إذا لم يعلم صاحب المال به ولم يتوقعه.

أما مع علمه به أو توقعه له فظاهر إقدامه عليه إذنه فيه، فيرتفع به الضمان.

كما أن الظاهر من تركه وعدم مطالبته به حينئذ إعراضه عنه، فيجوز لصاحب العمل تملكه، والاستقلال بالتصرف فيه بلا حاجة للتصدق.

(3) يعني: التصرف بأنحائه، ولا يجب التصدق حينئذٍ.

(4) يعني: مع تعيينهم.

أما مع الجهل بهم فيجب التصدق بها.

ويكفي في ذلك الشك في الإعراض، من دون ظهور حال في تحققه من المالك، لأصالة عدم الإعراض.

فيجب حينئذٍ مراجعته فيه مع الإمكان، لحرمة ماله، والتصدق به مع تعذر ذلك، لنصوص مجهول المالك.

والله سبحانه وتعالي العالم.

ومنه نستمد التوفيق والتسديد.

وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ص: 296

(297) (297)

الفصل الحادي عشر/ السلف

اشارة

ويقال له السَّلَم (1) أيضاً.

وهو ابتياع كلي مؤجل (2) بثمن حال، عكس النسيئة.

ويقال للمشتري المسلم (بكسر اللام)، والبائع المسلم إليه، وللثمن المسلم، وللمبيع المسلم فيه (بفتح اللام) في الجميع (3).

(مسألة 1): يجوز في السلف أن يكون المبيع والثمن من غير النقدين (4)

---------------

(1) كما يظهر من النصوص وكلمات الأصحاب.

وفي موثق سماعة: «سألته عن السلم وهو السلف في الحرير والمتاع...»(1).

بل إطلاق السلم عليه أشيع في النصوص والفتاوي.

(2) وليس منه بيع الشخصي ولو اشترط تأجيل تسليمه، ولا بيع الكلي الحال ولو تأخر تسليمه برضا المتبايعين من دون شرط.

لخروجهما عن الظاهر أو المتيقن من معني السلف في النص والفتوي.

(3) يعني: في البائع والثمن والمبيع.

كما يقال للمشتري: المسلِف بكسر اللام.

(4) كما هو مقتضي ما في المبسوط والخلاف من جواز كون الثمن من سنخ المكيل أو الموزون أو المذروع أو غيرها مما يكفي فيه المشاهدة، كالجوهرة.

وبه صرح في

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 3 من أبواب السلف حديث: 8.

ص: 297

الشرائع والمختلف وغيرهما، وفي المختلف أنه المشهور، وفي الناصريات تعقيباً علي ما ذكره الناصر من أن المال إذا كان عرضاً لم يصح سلم قال: «هذا غير صحيح.

ويجوز عندنا أن يكون رأس المال في السلم عرضاً من ثمن سائر المكيلات والموزونات.

ويجوز أن يسلم المكيل في الموزون والموزون في المكيل.

وما أظن في ذلك خلافاً بين الفقهاء.

والدليل علي صحة ما ذهبنا إليه الإجماع المتردد.

.

.

».

وقد استدل له بعد عمومات الصحة بخبر وهب عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام): «قال: لا بأس بالسلف ما يوزن فيما يكال، وما يكال في ما يوزن»(1).

بدعوي: انجباره بالشهرة.

وإن لم يخل عن إشكال، لقرب استناد المشهور للعمومات المذكورة.

لكن عن أبي عقيل: «لا يجوز السلم إلا بالعين والورِق، ولا يجوز بالمتاع».

ولم يتضح الوجه فيه عدا ما تقدم عند الكلام في اعتبار اتحاد الجنس في الربا من النصوص المقتصرة في جواز بيع المختلفين علي ما إذا كان يداً بيد، كما يناسبه النصوص الناهية عن بيع أحدهما بالآخر نسيئة، بإلغاء خصوصية الثمن في المنع من التأجيل.

وقد تقدم هناك ما ينفع في المقام، لأنهما من باب واحد.

فراجع.

وعن ابن الجنيد: «لا يسلم في نوع من المأكول في نوع منه إذا اتفق جنساهما من الكيل والوزن والعدد، وإن اختلفت أسماؤهما، كالسمن في الزيت.

لأنه كالصرف نسيئة».

ولم يتضح وجه القياس، فضلاً عن حجيته.

نعم في صحيح عبد الله بن سنان: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن [في] رجل أسلف زيتاً علي أن يأخذ منه سمناً.

قال: لا يصلح»(2).

وفي صحيحه الآخر: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا ينبغي للرجل إسلاف السمن بالزيت، ولا الزيت بالسمن»(3).

وهما مختصان بالزيت والسمن.

فيقرب حملهما علي الكراهة بلحاظ مشابهة الزيت للسمن، فكأنهما جنس واحد.

-

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 7 من أبواب السلف حديث: 1، 2، 3.

ص: 298

مع اختلاف الجنس، أو عدم كونهما أو أحدهما من المكيل والموزون (1).

كما يجوز أن يكون أحدهما من النقدين والآخر من غيرهما، ثمناً كان (2) أو

---------------

ولاسيما بلحاظ المفروغية ظاهراً عن عدم جريان الربا فيهما، مؤيداً بخبر علي بن جعفر أو معتبره عن أخيه موسي بن جعفر (عليه السلام): «سألته عن رجل اشتري سمناً، ففضل له فضل، أيحل أن يأخذ مكانه رطلاً أو رطلين زيت ؟ قال: إذا اختلفا وتراضيا فلا بأس»(1).

ولو فرض فهم خصوصية الإسلاف في النهي أمكن الخروج عنه بما تقدم عند الكلام في اعتبار اتحاد الجنس من جواز النسيئة مع اختلاف الجنس، لعموم بعض نصوصه للسلف، ولقرب إلغاء خصوصية النسيئة في الباقي وتعميمه عرفاً للسلف.

نعم لو فرض فهم خصوصية الإسلاف في خصوص الزيت والسمن لم ينفع ذلك في الخروج عنه.

لكنه بعيد جداً.

ومثل قوله: «لا أختار أن يكون الثمن فرجاً يوطأ».

محتجاً بأنه قد يتطرق الفسخ إلي العقد، بسبب تعذر المسلم فيه، فيصادف الفسخ الحبل، وهو يوجب انتقال أم الولد.

إذ فيه: أن ذلك مع عدم اطراده لا ينهض بالمنع من البيع والخروج عن عموم أدلة الصحة، بل غاية الأمر رجوع أم الولد للمشتري حينئذٍ، أو رجوع قيمتها، لتعذر خروجها عن ملك أبي الولد، كما هو الظاهر.

(1) وإلا لزم الربا مع التفاضل، بل حتي مع التساوي بناءً علي عموم الزيادة الربوية للزيادة الحكمية، وهي الأجل.

وقد تقدم الكلام في ذلك.

(2) بناءً علي ما تقدم آنفاً من جواز كون العروض ثمناً في السلف.

********

(1) وسائل الشيعة ج 12 باب: 12 من أبواب الربا حديث: 11.

ص: 299

يشرط في السلف امور/ الأول: ضبط الأوصاف

اشارة

مثمناً.

ولا يجوز أن يكون كل من الثمن والمثمن من النقدين (1) اختلفا في الجنس أو اتفقا.

(مسألة 2): يشترط في السلف أمور: الأول: أن يكون المبيع مضبوط الأوصاف التي تختلف القيمة باختلافها (2)، كالجودة والرداءة والطعم والريح واللون وغيرها، كالخضر والفواكه والحبوب والجوز واللوز والبيض والملابس والأشربة والأدوية

---------------

(1) لما تقدم في الفصل السابق من لزوم التقابض في الصرف قبل التفرق.

لكنه يقصر عما إذا كان الأجل قصيراً بحيث يحل قبل التفرق، كما نبه لذلك في المسالك.

وعما إذا رضيا بعد العقد بتعجيل تسليم المبيع وتسلمه ولو من أجل تصحيح العقد.

نعم ذكر في الجواهر أن المستفاد من نصوص الصرف عدم جواز الأجل في النقدين زائداً علي وجوب التقابض قبل التفرق.

وكأنه لاشتمال بعض نصوصه علي اشتراط كون البيع يداً بيد(1).

فإن المستفاد منها عرفاً النهي عن التأجيل، كما يظهر من بعض النصوص أيضاً(2).

وقد تقدم نظير ذلك عند الكلام في وجوب التقابض في الصرف.

فلاحظ.

(2) لم يتعرض كثير من الأصحاب لهذا الشرط صريحاً، وإنما يستفاد من ذكرهم للشرط الثاني، فالكلام فيه يتفرع علي ما يأتي هناك.

وهو المناسب لما في الشرائع من أن كلما يختلف لأجله الثمن فذكره لازم.

وكأنه يبتني علي ما تقدم في المسألة السابعة من فصل شروط العوضين من لزوم ذكر الجنس والصفات التي تختلف القيمة باختلافها.

وقد تقدم الاستدلال له

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 2 من أبواب الصرف حديث: 3، 6، 7.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 13 من أبواب الربا حديث: 2، وباب: 17 من أبواب الربا حديث: 1، 7، 9، 14.

ص: 300

(301)

منهم بالنهي عن بيع الغرر.

بل ذلك هو الظاهر من تتمة كلام سيدنا المصنف (قده).

لكنه لو تم هناك لا مجال له هنا، للفرق بينهما بأنه مع اختلاف صفات المبيع الشخصي الموجبة لاختلاف المالية يكون الجهل بها مستلزماً للجهل بمقدار ماليته، فبيعه وشراؤه حينئذٍ يستلزم الغرر والخطر بلحاظ بعض مراتب المالية، كما تقدم في محله.

أما مع اختلاف أفراد الكلي في الصفات الموجبة لاختلاف المالية فالإقدام علي بيعه من دون وصف وتقييد لا يستلزم الغرر، لأن مالية القدر المشترك لا تردد فيها، بل هي مساوية لمالية أقل أفراده، إذ لا أثر لوجود الفرد الأعلي بعد عدم وجوب دفعه.

مضافاً إلي أمرين: الأول: أن استقصاء الصفات الموجبة لاختلاف مالية الأفراد كثيراً ما يستلزم عزة الوجود بالنحو الموجب لبطلان السلف.

ولاسيما مع كثرة الأفراد المبيعة.

ومجرد إمكان رضا البائع بدفع الأفضل، والمشتري بأخذ الأقل، لا يكفي في تصحيحه بعد خروجهما عن المبيع، وعدم استحقاقهما بالبيع.

الثاني: أن ذلك لا يناسب الاقتصار في النصوص الكثيرة علي وصف الطول والعرض في الثياب، والأسنان في الحيوان، وأرض الحيوان عند بيع جلده، مع وضوح دخل أمور أخر في مقدار ماليتها.

وأشكل من ذلك ما في الإرشاد من لزوم ذكر الأوصاف التي تختلف الأغراض بتفاوتها.

إذ هو أبعد عن النصوص المذكورة وأولي بعزة الوجود، لأن الأغراض قد تتعلق بأوصاف لا دخل لها في المالية.

مضافاً إلي عدم الدليل عليه، حتي شبهة النهي عن الغرر، لما هو معلوم من اختصاص الغرر عندهم بالجهل بمقدار المالية.

وكأنه لما ذكرنا قال في القواعد: «ويجب أن يذكر الوصف الدال علي الحقيقة، كالحنطة مثلاً، ثم يذكر كل وصف تختلف به القيمة اختلافاً ظاهراً لا يتغابن به الناس بمثله في السلم».

علي أنه لا يخلو عن إشكال.

إذ هو مع عدم الدليل عليه غير ظاهر الانطباق

ص: 301

علي شيء من الأوصاف، لظهور أنه مع أخذ الوصف لا يتسامح فيه آخذه غالباً، بحيث يرضي بتركه مجاناً، ومع عدم أخذه فيه لا يرضي البائع غالباً بالالتزام به مجاناً.

إلا أن يريد بما لا يتغابن به خصوص الأوصاف التي يهتم الناس غالباً بذكرها ولا يهملونها عند إيقاع معاملة السلف علي الموصوف بها.

دون غيرها مما لا يهتمون غالباً بضبطه والتنبيه عليه عند إيقاع المعاملة المذكورة.

لكنه مع عدم وضوح انضباطه يبقي محتاجاً للدليل، إذ لا منشأ للبناء علي وجوب متابعة الناس في سيرتهم الغالبية الناشئة من تعلق أغراضهم ومصالحهم، بحيث يلزم بها من لا مصلحة له في الجري عليها.

وليست هي كالسيرة الارتكازية التابعة لمرتكزاتهم الفطرية التي أودعها الله تعالي في نفوسهم مع قطع النظر عن الأغراض والمصالح، التي تكرر منّا لزوم العمل عليها ما لم يثبت ردع الشارع الأقدس عنها.

وكيف كان فلا ينبغي الإشكال في أن مقتضي عمومات صحة البيع ونفوذ العقد عدم لزوم ذكر الوصف، فمع الاقتصار علي الجنس يجب علي البائع تسليمه وإن كان بأقل الأفراد قيمة، كما يجب عليه مع الوصف مهما كثر تسليم أي فرد من أفراد واجد الوصف وإن كان هو الأقل قيمة.

نعم لا ينبغي الإشكال في اعتبار ذكر المقدار كالكيل والوزن والعدد والمساحة فيما يقدر بها.

إذ بعد عدم معلومية إرادة المسمي فلابد من التقدير بها، دفعاً للتردد الممتنع في المبيع والثمن ونحوهما مما يكون مورداً للحق والملك.

بل قد تضمنت النصوص لزوم تقدير الطعام بالكيل.

ومن القريب جداً إلغاء خصوصيته عرفاً والتعدي لجميع المقادير في المقدرات بها.

ويأتي تمام الكلام في ذلك عند التعرض للشرط الرابع إن شاء الله تعالي.

وأما ما لا يقدر بها، بل يباع بالمشاهدة كالثياب والحلل والحيوان وغيرها فقد تقدم أن النصوص تضمنت لزوم ذكر بعض الأوصاف في بعضها، وهي

ص: 302

(303)

الثاني: ذكر الجنس والوصف

وآلات السلاح وآلات النجارة والنساجة والخياطة وغيرها من الأعمال والحيوان والإنسان وغير ذلك، فلا يصح فيما لا يمكن ضبط أوصافه، كالجواهر واللئالي والأراضي والبساتين وغيرها (1) مما لا ترتفع الجهالة والغرر فيها إلا بالمشاهدة.

الثاني: ذكر الجنس والوصف الرافع للجهالة (2).

-

الطول والعرض في الثياب، والأسنان في الحيوان، وأرض الحيوان عند بيع جلده.

ومن القريب جداً أن يستفاد منها لزوم ضبط المبيع ووصفه في الجملة بالنحو الرافع للاختلاف الفاحش، والذي يكون معرضاً للتشاح والتخاصم مع تركه.

ولا ملزم بما زاد عن ذلك بعد ما سبق من أن مقتضي عمومات الصحة عدم وجوبه.

وقد أطال الأصحاب (رضي الله عنهم) في فروع ذلك بما لا مجال لمتابعتهم فيه بعد ما سبق.

(1) لم يتضح تعذر الضبط في جميع ذلك بحيث يختلف عن الأمور السابقة ليمتنع السلف فيه بناءً علي ما سبق.

نعم في خبر جابر عن أبي جعفر (عليه السلام): «سألته عن السلف في اللحم.

قال: لا تقربنه، فإنه يعطيك مرة السمين ومرة التاوي ومرة المهزول.

اشتره معاينة يداً بيد.

وسألته عن السلف في روايا الماء.

فقال: لا تقربنها، فإنه يعطيك مرة ناقصة ومرة كاملة.

ولكن اشترها معاينة يداً بيد، فإنه [فهذا] أسلم لك وله»(1).

لكنه مع ضعفه ظاهر في أن المانع ليس هو عدم الانضباط بل التعرض للتلاعب في مقام التسليم، ويمكن حصوله في جميع ما تضمنت النصوص جواز السلف فيه.

مع أن ظاهر ذيله كون النهي إرشادياً حذراً من التلاعب المذكور، لا من أجل عدم صحة السلف في ذلك.

(2) مقتضي ما سبق منه (قده) في الشرط الأول كون المراد بذلك لزوم ذكر

********

(1) وسائل الشيعة ج 13 باب: 2 من أبواب السلف حديث: 1.

ص: 303

الثالث: قبض الثمن قبل التفرق

الثالث: قبض الثمن قبل التفرق (1).

ولو قبض البعض صح فيه،

---------------

الأوصاف التي تختلف القيمة باختلافها.

(1) كما في المبسوط والخلاف والوسيلة والسرائر والشرائع وغيرها، بل هو المعروف بين الأصحاب، المدعي عليه الإجماع في الغنية والتذكرة والمسالك، وقد يظهر من الدروس ومحكي المهذب البارع، للحكم فيهما بأن قول ابن الجنيد بجواز التأخير ثلاثة أيام متروك.

قال في الخلاف: «دليلنا أنا أجمعنا أنه متي قبض الثمن صح العقد، ولم يدل دليل علي صحته قبل قبض الثمن، فوجب اعتبار ما قلناه».

وقريب منه في المختلف.

وهو كما تري! إذ يكفي في الدليل علي الصحة مع عدم القبض العمومات.

وقال في التذكرة: «لأنه عقد لا يجوز فيه شرط تأخير العوض المطلق، فلا يجوز فيه التفرق قبل القبض، كالصرف ولأن المسلم فيه دين في الذمة، فلو أخر تسليم رأس المال عن المجلس لكان ذلك في معني بيع الكالئ بالكالئ، لأن تأخير التسليم ينزل منزلة الدينية في الصرف وغيره.

ولأن الغرر في المسلم فيه احتمل للحاجة، فيجبر ذلك بتأكيد العوض الثاني بالتعجيل، لئلا يعظم الغرر في الطرفين».

والكل كما تري! لابتناء الأول علي المفروغية عن عدم جواز اشتراط تأخير تسليم الثمن.

وكأنه لأنه يكون من بيع الكالئ بالكالئ.

يعني الدين بالدين.

لكن المتيقن من ذلك ما إذا كان العوضان معاً ديناً قبل العقد، دون ما إذا صار أحدهما أو كلاهما ديناً بالعقد كما في المقام.

مع أن امتناع شرط التأجيل في الثمن لو تم لا يستلزم امتناع تأخير تسليمه من دون شرط.

وثبوت ذلك في الصرف للنص الخاص لا يستلزم ثبوته في المقام.

ومنه يظهر الحال في الثاني.

وأما الثالث فهو أشبه بالاستحسان منه بالاستدلال.

مع أن تأخير الثمن أدفع

ص: 304

(305)

للغرر الحاصل بتأجيل المثمن، كما لعله ظاهر.

ومن هنا ذكر غير واحد أن الدليل في المسألة الإجماع.

وقد يؤيد بظهور اتفاق العامة والخاصة علي عدم جواز اشتراط تأخير الثمن، وإنما الخلاف في وجوب تعجيل التسليم قبل التفرق أو جواز التأخير عنه إلي ثلاثة أيام، كما يظهر مما عن ابن الجنيد، حيث قال: «ولا أختار أن يتأخر الثمن الذي يقع به السلم أكثر من ثلاثة أيام»، أو أكثر من ذلك، كما عن مالك.

وهو يناسب اطلاعهم علي خصوصيته للسلم في ذلك، وحيث كان ما عن ابن الجنيد خالياً عن الدليل فمن القريب ابتناؤه علي وجه اعتباري لا يعول عليه.

لكن في كفاية ذلك في تحقق الإجماع الحجة إشكال.

ولاسيما مع عدم إشارة الشيخ له في الخلاف وإنما اقتصر علي الأصل، مع كثرة استدلاله بالإجماع فيه.

بل لم يذكر في النهاية اشتراط تسليم الثمن، ولا ذكره المفيد في المقنعة.

ومع قرب احتمال أن يكون منشأ دعواه أن السلم والسلف لغة مأخوذان من التسليم، فمع عدمه لا تكون المعاملة سلفاً ولا سلماً.

حيث قد يوجب ذلك وضوح بطلان العقد بنظر بعضهم، لعدم تحقق ركنه، بنحو يناسب تحقق الإجماع عليه.

نظير ما يأتي في الشرط الخامس من أخذ تأجيل المبيع في مفهوم السلف، وحكم جماعة ببطلان العقد مع عدم تأجيله.

مع أن الظاهر حينئذٍ صحته بيعاً وإن لم يكن سلفاً، للقصد إلي البيع، وعنوان كونه سلفاً غير مقوم له، فتخلفه لا يوجب بطلانه.

بل مرجعه في المقام إلي عدم قصد السلف علي حقيقته، بل بلحاظ بعض خواصه، وهو اشتراط تأخير المبيع.

ومن هنا يصعب التعويل علي الإجماع المدعي في البناء علي شرطية قبض الثمن وعدم تأجيله في صحة العقد وترتب الأثر عليه.

ولعله لذا توقف فيه في الحدائق ومحكي البشري.

غاية الأمر أنه لا يصح سلفاً، بحيث تترتب آثاره لو اختص بشيء من الآثار، بل يقع بيعاً مجرداً عن خصوصية السلف.

نعم في مرسل دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام): «أنه قال في رجل

ص: 305

أسلم علي عشرة أقفزة من طعام بعشرة دنانير، فدفع خمسة دنانير علي أن يدفع الخمسة الباقية.

قال: ليس له إلا خمسة حسب ما دفع»(1).

وهو نص في اشتراط تسليم الثمن في صحة المعاملة.

لكنه ضعيف في نفسه، ولم يتعرض له الأصحاب في المقام، فضلاً عن أن يستدلوا به، ويعتمدوا عليه، لينجبر بعملهم به.

فلاحظ.

والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

بقي في المقام أمران: الأول: مقتضي العقد حصول الملك للعوضين حين وقوعه من دون أن يتوقف علي قبض الثمن، لكن تقدم في المسألة السادسة من الفصل السابق أن ظاهر بعض نصوص التقابض في الصرف توقف ترتب مضمون العقد وحصول الملك علي التقابض فلا يحصل الملك ولا تترتب آثاره قبله.

أما هنا فحيث كان الدليل علي التقابض هو الإجماع لو تم فالمتيقن منه توقفه عليه في الجملة، ولو لكون تخلفه موجباً لبطلان العقد وخروج العوضين عن الملك بعد حصوله، تبعاً لصحة العقد وترتب الأثر عليه حين وقوعه.

ولا طريق لحمل المقام علي الصرف كما قد يظهر من الجواهر بعد اختلاف دليليهما.

وما ذكرنا هو المنساق من كلمات كثير منهم هنا، حيث رتبوا البطلان علي التفرق قبل قبض الثمن، بنحو يظهر في ترتبه عليه لا انكشافه به.

بل ذلك صريح التذكرة في بعض فروع المسألة.

وعلي ذلك تترتب آثار الملك في كل من العوضين، كالتهاتر فيه، وجواز الحوالة عليه.

وكذا انعتاق العبد لو كان ثمناً وكان ينعتق علي المشتري.

وحينئذٍ لا يحتاج للقبض، لخروج العوض عن الملك لو كان ثمناً بالأمور المذكورة من التهاتر

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 13 باب: 10 من أبواب السلف حديث: 1.

ص: 306

وبطل في الباقي (1).

-

والانعتاق وغيرهما.

ويخرج الفرض عن المتيقن من الإجماع علي وجوب قبض الثمن.

فلاحظ.

الثاني: قال في التذكرة: «لو كان رأس المال منفعة عبد أو دار مدة معينة صح، وكان تسليم تلك المنفعة بتسليم العين».

ونحوه في القواعد.

قال في جامع المقاصد: «وهذا وإن لم يكن تسليماً للخدمة والسكني حقيقة فهو في حكم التسليم، إذ الممكن من تسليمها ليس شيئاً زائداً علي ذلك».

لكنه إنما يتم لو ورد النص بجواز جعلها ثمناً في السلم، حيث يكشف ذلك عن اكتفاء الشارع الأقدس في تصحيح العقد بذلك، دفعاً للغوية النص المذكور.

أما حيث لا نص بذلك فدليل وجوب تسليم الثمن لو تم صالح لتخصيص العمومات القاضية بصحة جعلها ثمناً في السلف إلا مع استيفائها قبل التفرق.

فالعمدة في المقام: أنه لا إطلاق لدليل اعتبار قبض الثمن حقيقة، بحيث يمنع من جعل الثمن منفعة، لينهض بتخصيص العمومات المذكورة، بل يتعين البناء علي جواز جعلها ثمناً وإن تعذر قبضها.

لكن مقتضي ذلك عدم شرطية قبضها حتي بتسليم العين.

إلا أن يدعي الإجماع علي لزوم ذلك.

ولا يخلو عن إشكال.

(1) كما في الشرائع والنافع والتذكرة والقواعد وغيرها.

لنظير ما تقدم في الصرف.

ويؤيده مرسل دعائم الإسلام المتقدم عند الكلام في اعتبار قبض الثمن.

وحينئذٍ يجري ما تقدم هناك من ثبوت خيار تبعض الصفقة، كما صرح به غير واحد.

وما تقدم هناك من الكلام في التفصيل فيه بين التفريط وعدمه جارٍ هنا.

فراجع.

هذا ولكن صرح في المبسوط بالبطلان في الجميع.

قال: «وإذا أسلم مائة درهم في كر من طعام، وشرط أن يجعل خمسين في الحال وخمسين درهماً إلي أجل، أو عجل خمسين وفارقه، لم يصح السلم في الجميع.

وإن شرط خمسين نقداً وخمسين ديناً له في

ص: 307

ولو كان الثمن ديناً في ذمة البائع فالأقوي الصحة (1)

---------------

ذمة المسلم إليه فلا يصح في الدين، ويصح في النقد».

ولم يتضح الوجه الذي اعتمده في عدم التبعيض في الفرض الثاني الذي هو المتيقن من محل الكلام، وهو ما إذا عجل خمسين وفارقه من دون شرط التأجيل مع التزامه بتبعضها في الفرض الثالث.

وأما عدم تبعضها في الفرض الأول وهو ما إذا شرط تأجيل البعض فهو المصرح به في السرائر والقواعد والتذكرة والتحرير واللمعة وجامع المقاصد.

وقد وجهه غير واحد بأن للتأجيل دخل في زيادة الثمن، فما يقابل المعجل أكثر مما يقابل المؤجل، وحيث كانت النسبة بينهما مجهولة، لزم جهالة مقدار المبيع الذي هو في مقابل المعجل.

وفيه مع أن النسبة قد لا تكون مجهولة: أنه لا يعتبر في تبعض الصفقة العلم حين العقد بالنسبة بين ما يصح العقد فيه وما لا يصح.

ولذا احتمل الصحة وتبعض الصفقة في الدروس والروضة.

وأما ما في الجواهر من احتمال كون الشرط في السلم استحقاق قبض جميع الثمن قبل التفرق، وهو غير قابل للتبعيض، لا مجرد فعلية القبض القابلة له.

فلا شاهد له، بل يدفعه عموم أدلة الصحة في العقود.

فلاحظ.

(1) كما في الشرائع والنافع وشروحه وكشف الرموز والتنقيح والرياض والتحرير وعن محكي إيضاح النافع.

بل حكاه في شروح النافع المتقدمة عن الشيخ (قده)، وإن لم نتحققه.

وهو مقتضي عمومات الصحة.

مضافاً إلي معتبر اسماعيل بن عمر: «أنه كان له علي رجل دراهم، فعرض عليه الرجل أن يبيعه بها طعاماً إلي أجل، فأمر إسماعيل يسأله [من سأله.

يب].

فقال: لا بأس بذلك.

فعاد عليه إسماعيل فسأله عن ذلك، وقال: إني كنت أمرت فلاناً فسألك

ص: 308

عنها.

فقلت: لا بأس.

فقال: ما يقول فيها من عندكم ؟ قلت: يقولون فاسد.

فقال: لا تفعله، فإني أوهمت»(1).

وهو صريح في المطلوب.

ولابد من حمل تراجعه (عليه السلام) عن ذلك علي التقية.

ولاسيما مع سبقه بالسؤال عن فتوي العامة.

ثم إن ظاهرهم المفروغية عن عدم الحاجة لتعيين الدين ثم قبضه، ولو لما ذكر غير واحد من أنه بمنزلة المقبوض، وإن عرفت الإشكال فيه في المسألة الخامسة من الفصل السابق، وأن الدليل عليه النصوص المختصة بالصرف.

نعم قد يستفاد من تلك النصوص العموم للمقام، لظهورها في المفروغية عن عدم الحاجة إلي القبض المناسب لكون ذلك ارتكازياًَ لا يفرق فيه بين جميع موارد الحاجة إلي القبض.

مضافاً إلي أن الدليل في السلف علي وجوب القبض لما كان هو الإجماع فالمتيقن منه غير المقام.

لكن صرح بالإشكال والتوقف في التذكرة والقواعد، وهو ظاهر الإيضاح.

بل قد تقدم من المبسوط المنع من جعل الدين ثمناً.

ونحوه في الخلاف والسرائر والمختلف والدروس واللمعة وجامع المقاصد وعن غيرها.

ونسبه في المسالك للأكثر، وهو الأشهر كما في الرياض، والمشهور كما في الحدائق.

لأنه من بيع الدين بالدين الذي ورد النهي عنه في معتبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله (عليه السلام):

«قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: لا يباع الدين بالدين (2) »، ومرسل دعائم الإسلام قال: «عن رسول الله صلي الله عليه وآله أنه نهي عن الكالئ بالكالئ.

وهو بيع الدين بالدين»(3).

وأضاف إلي ذلك في الرياض صحيح منصور بن حازم: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون له علي الرجل طعام أو بقر أو غنم أو غير ذلك، فأتي المطلوب

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب السلف حديث: 1، 2.

(3) مستدرك الوسائل ج: 13 باب: 15 من أبواب الدين والقرض حديث: 1.

ص: 309

الطالب ليبتاع منه شيئاً.

قال: لا يبيعه نسيئاً.

فأما نقداً فليبعه بما شاء»(1).

ولم يتضح وجه الاستدلال به، فإن النظر في النصوص الواردة في هذا الباب تناسب كون المراد به أن المطلوب لم يكن عنده ما يوفي الطالب ما له عليه من الطعام أو البقر أو الغنم، فأراد أن يشتري منه شيئاً نسيئة ثم يبيعه إياه نقداً، ويشتري بثمنه ما يوفيه، وهو المعبر عنه في النصوص بالعينة.

وهو أجنبي عما نحن فيه.

وقد حاول في الجواهر توجيه الاستدلال به بما اعترف بأنه غير تام.

ولعله لذا أمر في الرياض بعد ذكر الصحيح بالتأمل.

وأما ما تضمن النهي عن بيع الدين بالدين فهو كما ذكر غير واحد ظاهر في فرض كون كلا العوضين ديناً قبل البيع.

وحمله علي ما إذا صارا معاً ديناً بالمعاملة بنحو تقتضي المعاملة التأجيل فيهما، كما في تأجيل ثمن السلف، أو صار أحدهما ديناً بها بحيث تقتضي تأجيله والآخر ديناً قبلها كما في المقام.

مخالف للظاهر ومحتاج للدليل.

وأشكل من ذلك حمله علي الأعم من الكل، كما لا يبعد رجوع كلام من استدل به في المقام وفي مسألة عدم جواز تأجيل الثمن في السلف إلي ذلك، حيث يقرب الاتفاق علي شموله للمعني الذي ذكرناه، فالاستدلال به في الموردين المذكورين لابد أن يبتني علي حمله علي الأعم.

ووجه الإشكال فيه: أنه راجع لاستعماله في أكثر من معني، لعدم الجامع بين المعاني المذكورة عرفاً.

ودعوي: وجود الجامع بينها، بأخذ عنوان الدين بنحو يعم المتلبس به فعلاً والمتلبس به في المستقبل.

مدفوعة: بأن أخذ العنوان بالنحو المذكور يقتضي العموم لما إذا كان العوض كلياً معجلاً، لأنه يصير بالعقد ديناً في الذمة إلي حين التسليم، ولا إشكال في قصور بيع الدين بالدين عنه.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 6 من أبواب أحكام العقود حديث: 8.

ص: 310

(311)

فلابد في إرادة ما نحن فيه والسلف الذي يؤجل فيه الثمن من قصر الدين الذي يترتب علي العقد علي خصوص ما إذا اقتضي العقد تأجيله بحيث يشترط فيه ذلك، ولا جامع عرفي بين الدين الفعلي واشتراط التأجيل.

ومن هنا لا مخرج عما سبق.

ثم إنه صرح غير واحد ممن ذهب إلي الجواز بالكراهة.

وقد يوجه تارة: بأنه يشبه بيع الدين بالدين.

وأخري: بالخروج عن شبهة الخلاف.

والأول أشبه بالاستحسان منه بالاستدلال.

والثاني لا يقتضي الكراهة الحقيقية، بل حسن الاحتياط، كما هو ظاهر.

هذا كله إذا أخذ الدين بنفسه ثمناً، أما إذا أطلق الثمن بعنوان كلي، كمائة درهم، فقد صرح في اللمعة والروضة والمسالك بجواز المحاسبة عليه من الدين الذي للمشتري علي البائع.

بل في الأخيرين أنه إنما يحتاج للمحاسبة مع اختلافهما في الجنس أو الوصف، أما مع اتفاقهما فيهما فالمتعين حصول التهاتر القهري بينهما.

لكن في الدروس: «ويلزم منه كون مورد العقد ديناً بدين.

ويشكل صحته».

وهو كما تري! لفرض كون الثمن هو الكلي الصادق علي غير الدين.

والتهاتر القهري بين الدينين مع الاتفاق في الجنس والوصف حكم عقلائي شرعي ليس من سنخ المعاملة والمعاوضة.

ويؤيد ما ذكرنا في معتبر علي بن جعفر عن أخيه موسي (عليه السلام): «سألته عن السلم في الدين.

قال: إذا قال: اشتريت منك كذا وكذا بكذا وبكذا فلا بأس»(1).

فإنه إن حمل علي كون الثمن الذي تضمنه العقد نفس الدين كان دليلاً علي الجواز في مسألتنا بنحو يغني عن التهاتر القهري، وإن حمل علي كون الثمن المذكور كلياً ينطبق علي الدين كما هو مقتضي الجمود علي حاق العبارة كان مما نحن فيه.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب السلف حديث: 3.

ص: 311

إذا كان الدين حالاً، لا مؤجلاً (1).

وأما المحاسبة بينهما مع الاختلاف فهي ليست بيعاً، ليكون من بيع الدين بالدين، بل هي نحو من الصلح.

علي أن جوازها منصوص عليه في معتبر عبيد بن زرارة: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون له عند الصيرفي مائة دينار، ويكون للصيرفي عنده ألف درهم، فيقاطعه عليها.

قال: لا بأس»(1).

نعم استشكل في ذلك كله في الجواهر بعدم وضوح ملكية ثمن السلف قبل القبض، ليكون مورداً للتهاتر ومورداً للمحاسبة.

وقد يشير إلي ذلك ما في المسالك من أنه معاوضة علي ثمن السلم قبل قبضه.

لكنه قال في دفع ذلك: «ومثل هذا التقاص والتحاسب استيفاء، لا معاوضة».

وهو كما تري! إذ لا ريب في عدم كونهما قبضاً حقيقياً يتحقق به شرط السلم.

بل يتوقف تحققهما علي ملكية الطرفين للدينين، ولا موضوع لهما مع عدم ملكية أحدهما.

فالعمدة في دفع ما ذكره في الجواهر ما تقدم في ذيل الكلام في وجوب قبض الثمن في السلف من أن الظاهر ملكية العوضين فيه بالعقد، والمتيقن من دليل وجوب القبض وهو الإجماع لو تم بطلان العقد بالتفرق قبل القبض بعد صحته وترتب الملكية عليه.

ويؤيد ذلك ظهور جملة من كلماتهم ومنها ما سبق في عدم توقف حصول الملك علي القبض.

ولو فرض حمله علي الصرف في توقف الملك علي القبض فقد سبق أنه لا حاجة للتقابض في الصرف إذا كان كلا العوضين في ذمة شخص واحد.

فلاحظ.

(1) إذ لو كان مؤجلاً يلزم بيع ما يصير ديناً بالبيع بما هو دين قبل البيع مع كونهما معاً مؤجلين.

وقد منع منه (قده) في المسألة السابعة من كتاب الدين.

والكلام في ذلك موكول لكتاب الدين.

ولو تم أمكن التخلص من ذلك بجعل الثمن كلياً

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 4 من أبواب الصرف حديث: 3.

ص: 312

(313)

الخامس: تعيين اجل مضبوط

الرابع: تقدير المبيع ذي الكيل أو الوزن أو العد بمقداره (1).

الخامس: تعيين أجل مضبوط للمسلم فيه بالأيام أو الشهور أو السنين أو نحوها.

ولو جعل الأجل زمان الحصاد أو الدياس أو الحضيرة بطل البيع (2).

ويجوز فيه أن يكون قليلا كيوم ونحوه وأن يكون كثيراً

---------------

معجلاً، ثم المحاسبة عليه بالدين المؤجل، بناءً علي ما سبق آنفاً.

ولا مجال للتهاتر هنا، لعدم جريانه مع الاختلاف في الأجل.

(1) كما هو ظاهر السرائر وحكي عن ابن الجنيد.

ويظهر الوجه فيه مما تقدم في الشرط الثاني.

وتقدم أنه يجب ذكر المساحة فيما يتقدر بها.

وربما يريد (قده) بالمعدود ما يعمّ ذلك.

هذا ولكن في المبسوط: «وكل ما أنبتته الأرض لا يجوز السلم فيه إلا وزناً.

.

.

ويجوز السلف في الجوز والبيض وزناً.

وكذا في اللوز والفستق والبندق وزناً وكيلاً ولا يجوز عدداً».

كما منع في الخلاف من السلف عدداً في الجوز والبيض والبطيخ.

وصرح بعدم جواز السلف في المعدودات عدّاً في الغنية والشرائع والنافع وغيرها.

وخصه في التذكرة والمختلف بما يدخل منها تحت الوزن.

ويظهر من القواعد أن المعيار في المنع والجواز علي كثرة التفاوت وقلته.

ولعله الأنسب بما تقدم في الشرط الثاني.

فلاحظ.

(2) بلا خلاف أجده بيننا، كما في الجواهر، وعن المفاتيح نفي الخلاف فيه.

وادعي الإجماع عليه في الخلاف والغنية وظاهر التذكرة ومجمع الفائدة ومحكي الكفاية.

وعن نهج الحق أنه مذهب الإمامية.

ويقتضيه النصوص الكثيرة الظاهرة في اعتبار كون الأجل معلوماً، كموثق سماعة أو صحيحه: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن السلم وهو السلف في الحرير والمتاع

ص: 313

كعشرين سنة (1).

-

الذي يصنع في البلد الذي أنت به.

قال: نعم إذا كان إلي أجل معلوم»(1).

فإنه حيث كان المتعارف ضبط مقادير الزمن بالأيام والشهور والسنين كان ظاهر اعتبار العلم بالأجل لزوم ضبطه بها وإن اختلفت قليلاً في القدر، بخلاف غيرها من الأحداث الزمانية المرددة الوقت.

مضافاً إلي معتبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لا بأس بالسلم كيلاً معلوماً إلي أجل معلوم، ولا تسلمه إلي دياس ولا إلي حصاد»(2) ، ونحوه مرسلا دعائم الإسلام(3).

وقد استدل غير واحد مضافاً إلي ذلك بلزوم الغرر.

ويظهر الإشكال فيه مما تقدم في المسألة الأولي من الفصل الثامن في النقد والنسيئة.

(1) كما صرح بذلك في الجملة غير واحد، وفي المختلف أنه المشهور، وادعي في الخلاف الإجماع عليه.

ويقتضيه مضافاً إلي عمومات الصحة إطلاق نصوص المقام، ومنها ما تقدم.

وعن ابن الجنيد أنه لابد أن يكون ثلاثة أيام فصاعداً.

قال في المختلف: «احتج ابن الجنيد بأن الأجل لابد وأن يكون له وقع في الثمن، وأقله ثلاثة أيام.

والجواب المنع في المقدمتين».

وعنه أيضاً: «لا أختار أن يبلغ بالمدة ثلاث سنين، لنهي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عن بيع السنين».

لكن النبوي مع عدم وضوح دلالته علي المدعي غير مروي من طرقنا، بل من طرق العامة(4).

نعم في معتبر أحمد بن محمد: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام) إني أريد الخروج إلي الجبال

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 3 من أبواب السلف حديث: 4، 5.

(3) مستدرك الوسائل ج: 13 باب: 3 من أبواب السلف حديث: 1، 2.

(4) عن سنن أبي داود ج: 3 ص: 67 رقم الحديث: 3374. سنن ابن ماجة ج: 2 ص: 747 رقم الحديث: 2218. سنن النسائي ج: 7 ص: 294.

ص: 314

[الجبل].

فقال: ما للناس بد من أن يضطربوا سنتهم هذه.

فقلت له: جعلت فداك إنا إذا بعناهم نسية كان أكثر للربح.

قال: فبعهم بتأخير سنة.

قلت: بتأخير سنتين ؟ قال: نعم.

قلت: بتأخير ثلاث ؟ قال: لا»(1) ، وصحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر المروي عن قرب الإسناد: «أنه قال لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): إن هذا الجبل قد فتح علي الناس منه باب رزق.

فقال: إن أردت الخروج فاخرج، فإنها سنة مضطرب، وليس للناس بد من معاشهم، فلا تدع الطلب.

فقلت: إنهم قوم ملاء ونحن نحتمل التأخير، فنبايعهم بتأخير سنة ؟ قال: بعهم.

قلت: سنتين ؟ قال: بعهم.

قلت: ثلاث سنين ؟ قال: لا يكون لك شيء أكثر من ثلاث سنين»(2).

لكن لا يظهر من الأصحاب (رضي الله عنهم) التعويل علي الحديثين في موردهما وهو النسيئة فضلاً عن التعدي منه للسلف، حتي الإسكافي، لظهور ما تقدم عنه في تعويله علي النبوي لا عليهما.

علي أن النظر في الحديثين يشهد بوحدة الواقعة التي تضمناها، لوحدة الراوي والمروي عنه وخصوصيات السؤال، وليس الاختلاف بينهما إلا في التعبير بسبب النقل بالمعني.

ولا يظهر من الثاني النهي التعبدي الراجع للبطلان، بل المتيقن منه الإرشاد لتعرض المال للضياع بالتأخير ثلاث سنين، ومع ذلك لا مجال للتعويل علي الأول الظاهر في النهي التعبدي بسبب التعارض بينهما في بيان الواقعة الواحدة.

مضافاً إلي أن شيوع الابتلاء بالمسألة المذكورة لا يناسب خفاء حكمها علي جمهور الأصحاب، وتسالمهم علي الخطأ فيه.

ومن هنا لا مخرج عما سبق.

وعلي ذلك قد يدعي أنه لا مانع من طول الأجل في النسيئة والسلف بنحوٍ يوثق أو يعلم بأنهما لا يعيشان إليه، كألف سنة، كما في المسالك ومفتاح الكرامة وعن غيرهما.

قال في المسالك في مبحث النقد والنسيئة: «للعموم، ولأن الوارث يقوم مقامهما.

لكن يحل بموت المشتري».

وهو يشير بذلك إلي ما ذكروه من أن المدين إذا

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 1 من أبواب أحكام العقود حديث: 1، 2.

ص: 315

مات حل دينه.

اللهم إلا أن يكون علمهما بذلك مانعاً من قصدهما اشتراط الأجل الخاص.

إلا أن يرجع لقصد اشتراط التأجيل حتي بعد الموت المستلزم لمخالفة الشرط للحكم الشرعي الموجبة لبطلانه.

علي أن في شمول العموم لذلك إشكالاً، حيث لا يبعد انصرافه عما يعلم بعدم إدراكهما له.

فلاحظ.

بقي في المقام أمور: الأول: الظاهر أن تأجيل المبيع مأخوذ من مفهوم السلف عرفاً.

وما في كلام غير واحد من كونه شرطاً فيه قد يرجع إلي ذلك.

ويشهد به صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده، فيشتري منه حالاً.

قال: ليس به بأس.

قلت: إنهم يفسدونه عندنا.

قال: وأي شيء يقولون في السلم ؟ قلت: لا يرون به بأساً يقولون هذا إلي أجل، فإذا كان إلي غير أجل وليس عند صاحبه فلا يصح.

قال: فإذا كان إلي غير أجل كان أجود [أحق].

..»(1) وقريب منه صحيحه الآخر(2).

بل نصوص اشتراط تعيين الأجل ظاهرة في أنها مسوقة لبيان اعتبار تعين الأجل وتحديده بعد الفراغ عن أصل أخذه في العقد، كما يظهر بسبرها.

وكأنه لأجل ذلك قيل بالبطلان لو كان المبيع حالاً، كما في النهاية والخلاف والسرائر وعن ابن أبي العقيل، بل في الخلاف دعوي الإجماع عليه.

لكن عدم صحته سلفاً لا ينافي صحته بيعاً معجلاً مع قصد التعجيل، لعموم صحة البيع.

ومجرد التعبير بالسلف أو السلم لا يمنع من ذلك، لرجوعه للتسامح في التعبير، وهو غير مانع من صحة العقد علي النحو الذي وقع عليه وقصد.

وإلي ذلك يرجع ما ذكره غير واحد وإن كان ظاهر بعضهم أنه سلم حال.

ولا يأباه كلام الشيخ في المبسوط، حيث قال: «والسلم لا يكون إلا مؤجلاً، ولا يصح أن يكون حالاً.

وإن

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 7 من أبواب أحكام العقود حديث: 1، 3.

ص: 316

كان الشيء موجوداً في الحال، فإنه لا يكون سلماً».

نعم لفظ السلم والسلف لما كان ظاهراً في التأجيل فإرادة الحلول منه تحتاج إلي عناية وقرينة، وبدونهما يكون ظاهر اللفظ إرادة التأجيل إلي أجل غير معين، فيبطل العقد.

وهو أمر آخر غير اشتراط الأجل في صحة العقد.

الثاني: ظاهر النصوص والفتاوي اشتراط تعيين المدة من حيثية المنتهي من دون نظر لتحديدها من حيثية المبدأ، لأن الأجل عرفاً هو منتهي المدة، لا تمامها، ومقتضي ذلك صحة العقد مع الجهل بزمان وقوعه إذا عين زمان الاستحقاق، كما لو أسلفه إلي عيد الفطر مع تردد زمان العقد بين أول شعبان ونصفه، أو مع خطئهما في تعيين زمان وقوعه.

نعم لو كان الوجه في اعتبار تعيين الأجل هو النهي عن بيع الغرر، فقد يتجه اعتبار تحديد المدة من حيثية المبدأ أو المنتهي معاً، حيث قد يكون ذلك دخيلاً في القيمة.

لكن سبق عدم نهوض ذلك بالاستدلال.

فلاحظ.

الثالث: صرح غير واحد بجواز التوقيت بشهور الروم والفرس.

وحيث كان المعيار هو العلم بالأجل فاللازم إناطة الجواز فيها وفي الأشهر العربية بتعارف التوقيت بها، بحيث يكون معلوماً عرفاً، وهو يختلف باختلاف الأمكنة والأعراف والأشخاص.

وكأن ما ذكره الشيخ في المبسوط من لزوم إسنادها إلي سنة هجرية ناشئ من عدم شيوع معرفة عدد سنيها في عصره (قده)، وإن شاع معرفة مواعيدها من السنة الهجرية بسبب ارتباط الفصول والزراعة بها.

أما في عصورنا وبلادنا فلا مجال لذلك، لمعروفية التوقيت بالسنين الرومية وشهورها.

بل قد يكون التوقيت في بعض الأعراف والأمكنة من بلادنا بالشهور والسنين العربية مهجوراً بحيث لا يوجب العلم بالأجل عرفاً، ولا يجزي في المقام.

ص: 317

السادس: امكان الدفع عند حلول الأجل

السادس: إمكان تعهد البائع بدفعه وقت الحلول (1) وفي البلد الذي

---------------

(1) إذ مع تعذر التعهد من البائع لا يتحقق شرط التسليم المعتبر في السلف.

ومن ثم كان هذا الشرط مستغني عنه بما تقدم من بيان معني السلف، وتوقف صحته علي تعيين الأجل المشروط، وإنما ذكره سيدنا المصنف (قده) لبيان عدم اشتراط كون المبيع عام الوجود حين الأجل.

لكن يظهر من بعض مشايخنا (قده) أن الشرط ليس إمكان التعهد بل القدرة علي نفس الأمر المتعهد به.

حيث قال: «السادس: إمكان دفع ما تعهد البائع دفعه وقت الحلول.

.

.

».

وهو المناسب لما في الدروس وعن الكفاية من اشتراط القدرة علي التسليم عند الأجل، وما في القواعد من إمكان وجوده حينه.

وقد جرينا علي ذلك سابقاً.

ورتبنا عليه التفصيل فيما لو تعذر التسليم بحلول الأجل بين ما إذا انكشف عجزه عن التسليم رأساً، وما إذا انكشف قدرته عليه ولو بالقدرة علي تحصيله قبل الأجل أو الاحتفاظ به إلي حين حلوله، وإن تعذر عليه بعد ذلك، لتقصيره بالتفريط به أو لخطئه في التقدير.

وأنه ينكشف بطلان السلف رأساً في الصورة الأولي، وصحته في الثانية وترتب الآثار الآتية عليه.

وتوضيح الكلام في ذلك: أنه لا إشكال في إمكان انشغال ذمة الإنسان وضعاً بما يتعذر عليه أداؤه، كما في الدين وموارد الضمان، وليس هو كالتكليف بالشيء يلغو مع تعذر أدائه، لتقومه بالعمل.

وحينئذٍ حيث كان السلف من صغريات البيع وكان مفاد البيع ملكية المبيع علي البائع في مقابل ملكية الثمن علي المشتري أمكن عقلاً صحته مع تعذر أداء المسلم فيه في وقته.

ومن هنا قد يوجه البطلان مع التعذر في المقام بوجوه: الأول: أخذ القدرة علي التسليم شرطاً في صحة البيع، فمع فرض تعذر التسليم في الوقت المأخوذ في السلم يلزم بطلان العقد بتعذر شرط صحته.

ص: 318

(319)

لكن تقدم في المسألة الخامسة عشرة من الفصل الثالث في شروط العوضين عدم وضوح الدليل علي شرطية القدرة علي التسليم، بحيث يتوقف عليه صحة البيع، بل غايته لزوم الخيار بالتخلف فيما إذا ابتني البيع علي التسليم والتسلم حالاً.

أما في مثل المقام فظاهر الأدلة كفاية تعهد من له الأجل بالتسليم في الأجل(1).

ولذا ليس بناؤهم علي بطلان بيع النسيئة إذا تعذر تسليم الثمن في وقته، مع أن القدرة علي التسليم عندهم شرط في كلا العوضين، كما هو ظاهرهم في المقام أيضاً، علي ما يأتي في المسألة الثامنة إن شاء الله تعالي.

الثاني: أن بيع السلف لا يبتني علي مجرد تمليك المبيع بالعوض، ليتجه ما تقدم من إمكان انشغال الذمة بما يتعذر أداؤه، بل علي تسليم المبيع في الوقت المحدد زائداً علي ذلك، فمع تعذر أدائه في وقته لا مجال لصحة العقد ونفوذه، لتعذر القيام بمقتضاه، فيلغو جعله، كالتكليف بما يتعذر القيام به.

وفيه: أن ابتناء بيع السلف علي تسليم المبيع في الوقت المحدد ليس لكونه مقوماً للعقد والبيع، بحيث يكون ركناً فيه يبطل ببطلانه، بل هو راجع إلي اشتراط ذلك زائداً علي العقد.

ومن الظاهر أن بطلان الشرط لعدم القدرة عليه لا يوجب بطلان العقد، بل ثبوت الخيار فيه.

ومجرد توقف صحة العقد في المقام علي الشرط المذكور لما تقدم من اعتبار تعيين الأجل لا يجعله ركناً في العقد يبطل ببطلانه.

ولذا ليس بناؤهم علي ذلك في النسيئة إذا عجز المشتري عن أداء الثمن في الأجل، مع أنهما علي نهج واحد.

بل سبق أنه ظاهرهم في المقام أيضاً.

الثالث: صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يجيئني يطلب المتاع، فأقاوله علي الربح ثم أشتريه فأبيعه منه.

قال: أليس إن شاء أخذ وإن شاء ترك ؟ قلت: بلي.

قال: فلا بأس به.

قلت: فإن من عندنا يفسده.

قال: ولِمَ؟

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 13 باب: 5 من أبواب السلف وغيرها.

ص: 319

قلت: قد باع ما ليس عنده.

قال: فما يقول في السلم قد باع صاحبه ما ليس عنده.

قلت: بلي.

قال: فإنما صلح من أجل أنهم يسمونه سلماً؟! إن أبي كان يقول: لا بأس ببيع كل متاع تجده في الوقت الذي بعته فيه»(1).

بتقريب أن مقتضي إطلاق ذيله اعتبار وجود المبيع في الوقت الذي يتعهد البائع تسليمه فيه حالاً كان أو مؤجلاً الراجع لاعتبار القدرة علي تسليمه فيه.

وفيه: أن مقتضي الجمود علي حاق عبارة الذيل المذكور فعلية وجدان البائع للمبيع حين البيع، لكن بقرينة المورد والنقض في كلام الإمام (عليه السلام) ببيع السلم يتعين حمله علي اعتبار فعلية القدرة علي المبيع حين البيع، لا حين تعهد البائع بالتسليم، فيختص ببيع الحال الذي هو مورد السؤال.

ومجرد نقض الإمام (عليه السلام) علي العامة ببيع السلف لا يقتضي عموم الذيل له، ليتعين حمل وقت البيع فيه علي الوقت الذي يتعهد البائع بتسليم المبيع فيه.

فهو نظير ما في صحيح عبد الرحمن الآخر عنه (عليه السلام): «قال: لا يسمي له أجلاً إلا أن يكون بيعاً لا يوجد، مثل العنب والبطيخ وشبهه في زمانه، فلا ينبغي شراء ذلك حالاً»(2).

علي أنه لو تم الدليل بدواً علي اعتبار قدرة البائع في السلف علي تسليم المبيع في وقته فلابد من الخروج عنه بالنصوص المتضمنة أنه مع تعذر تسليم البائع المبيع عند حلول الأجل يجوز أخذ بدله من متاع آخر مع التراضي(3) ، والمتضمنة أن له انتظاره(4).

فإنها كالصريحة في عدم بطلان البيع، ولم يفصل فيها بين ما إذا كان تعذر التسليم طارئاً بعد القدرة عليه، وما إذا كان من أول الأمر، بحيث انكشف عجز البائع عن القيام بمقتضي عقد السلف.

بل في صحيح زرارة: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل اشتري طعام قرية

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 7 من أبواب أحكام العقود حديث: 3، 1.

(3) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 11 من أبواب السلف حديث: 5، 6، 8، 11.

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 11 من أبواب السلف حديث: 14.

ص: 320

بعينها، قال: لا بأس.

إن خرج فهو له، وإن لم يخرج كان ديناً عليه»(1).

فإنه وإن لم يصرح فيه بالسلف، إلا أن بيع الثمر قبل خروجه ينحصر بوجهين: الأول: بيعه من دون أن يبتني علي التسليم، كما يأتي في بيع الثمار سنة واحدة.

الثاني: بيع السلف.

وحيث لا مجال لحمله علي الأول، لأنه لو صح يكون تلفه من مال المشتري، ولا يبقي ديناً علي البائع، فيتعين حمله علي الثاني.

وهو حينئذٍ صريح في فرض انكشاف عجز البائع عن تسليم المبيع في وقته، لفرض عدم وجوده، ومع ذلك لم يحكم فيه بانكشاف بطلان البيع واستحقاق المشتري الثمن، بل ببقاء المبيع وهو طعام القرية المذكورة ديناً علي البائع يدفعه في السنين اللاحقة، المستلزم لصحة البيع.

فتأمل.

ومن هنا يتعين عدم اعتبار القدرة علي تسليم المبيع في صحة السلف واقعاً.

نعم مع علم المتبايعين حين العقد بتعذر تسليم المبيع في وقته، أو بخروجه عن قدرة البائع، وإن كان قد يتيسر له صدفة يتعذر منهما القصد لاشتراطه التسليم في الوقت، فيلغو الشرط الذي هو المقوم للسلف، ولا يتيسر منهما القصد لذلك إلا مع البناء علي قدرة البائع عليه عادة ولو مع ندرة وجوده، لما هو المعلوم من بناء العقلاء وسيرتهم علي عدم التعويل في مقام العمل علي احتمال طروء الموانع غير المحتسبة.

وكأنه إلي هذا يرجع ما ذكره سيدنا المصنف (قده) وما ذكره جماعة من اعتبار كون المبيع مأمون الانقطاع حين الأجل.

بل لا يبعد رجوع كلام من اعتبر القدرة أيضاً إلي ذلك، وأن مرادهم اعتقاد تحقق القدرة علي التسليم بحلول الأجل، لا القدرة الواقعية، ولذا لم يظهر منهم عند الكلام فيما لو عجز البائع عن التسليم في الوقت التفصيل الذي أشرنا إليه آنفاً اللازم للقول باعتبار القدرة الواقعية.

بقي شيء.

وهو أنه يكفي في إمكان قصد المتبايعين للشرط تعهد البائع بالتسليم

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 13 من أبواب السلف حديث: 1.

ص: 321

شرط التسليم فيه إذا كان قد شرط ذلك (1).

سواء أكان عام الوجود أم نادره (2) فلو لم يمكن تعهد البائع به لعجزه عنه (3) ولو لكونه في سجن

-

في الأجل حتي مع علمه بالعجز عنه مع عدم علم المشروط له بذلك.

والظاهر الاكتفاء بذلك في صحة السلف.

لعموم أدلة نفوذ العقد، وإطلاق كثير من نصوص المقام، مثل ما تضمن جواز السلف إلي أجل معلوم وكيل معلوم(1) ، وما تضمن جوازه مع ضمان البائع للمبيع في الأجل(2) ، ونحوها.

(1) وإذا لم يشترط بلداً خاصاً لزم إحراز قدرته علي تسليمه في البلد الذي يقتضيه الإطلاق، ويأتي الكلام فيه في المسألة الآتية.

(2) أشار (قده) بذلك إلي ما ذكره جماعة من لزوم كونه عام الوجود أو غالب الوجود عند حلول الأجل، كما في المبسوط والشرائع والنافع وموضع من التذكرة وعن نهج الحق، بل عنه أن ذلك مذهب الإمامية، ونفي الخلاف فيه في التحرير.

وهو المناسب لكلام كثير منهم حتي من لم يذكر الشرط المذكور أو اكتفي بالقدرة أو إمكان الوجود.

وعلي ذلك قال في التحرير: «فلا يجوز السلم في الفواكه إذا جعل الأجل وقت تعذرها.

وكذا لا يجوز إذا جعله إلي محل لا يعم وجودها فيه، كوقت أول العنب فيه أو آخر وقته»، ونحوه كلام غيره.

لكن لم يتضح وجهه.

إلا أن يرجع إلي ما أشرنا إليه من فرض ابتناء العقد علي عدم إحراز قدرة البائع عليه عادة وإن أمكن قدرته عليه صدفة، حيث لا يتأتي من المتبايعين القصد لاشتراط التسليم، كما سبق.

(3) المعيار في تعذر الشرط اعتقادهما العجز، لا العجز الواقعي.

كما أنه سبق أنه يكفي في تعذر القصد إلي الشرط العلم بخروجه عن قدرة البائع بحيث لا يقع

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 13 باب: 3، 6 من أبواب السلف.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 13 باب: 5 من أبواب السلف.

ص: 322

(323)

الكلام في اقتضاء العقد وجوب التسليم في مكان المطالبة

أو في بيداء لا يمكنه الوصول إلي البلد الذي اشترط التسليم فيه عند الأجل بطل.

(مسألة 3): إطلاق العقد يقتضي وجوب تسليم المسلم فيه في مكان المطالبة (1)،

---------------

تحت اختياره وإن كان قد يقدر عليه صدفة.

(1) لم يتضح الوجه في اقتضاء الإطلاق ذلك.

نعم هو مقتضي سلطنة المشتري علي ماله، فله المطالبة به في أي مكان شاء، ولا يجوز حبسه عنه.

وقد يكون ذلك هو مراد سيدنا المصنف (قده)، بأن يرجع كلامه إلي أنه ليس في إطلاق العقد ما يقتضي الخروج عن مقتضي السلطنة.

وهو المناسب لما يأتي منه (قده) من عدم وجوب تعيين مكان التسليم في العقد، إذ لو فرض أن مقتضي الإطلاق هو التسليم في مكان المطالبة لم يبق موضوع لذلك، حيث يتضمن العقد بإطلاقه مكان التسليم.

ثم إنه لو تم ذلك فكما يقتضي وجوب التسليم علي البائع عند مطالبة المشتري في أي مكان كان، كذلك يقتضي وجوب الاستلام والقبض علي المشتري عند بذل البائع في أي مكان كان، لما سبق في أوائل الفصل الثامن في النقد والنسيئة إلي أنه ليس لصاحب الحق الامتناع من أخذ حقه إذا بذله له من عليه الحق.

هذا ويظهر من مساق جملة من كلمات الأصحاب (رضي الله عنهم) أن مقتضي الإطلاق التسليم في بلد العقد إذا لم تكن هناك قرينة صارفة عن ذلك، ونسب إلي ظاهر كلامهم في مجمع الفائدة.

بل هو المصرح به في القواعد والتذكرة والمختلف والتحرير والإرشاد واللمعة ومحكي غاية المرام وغيرها.

وفي مفتاح الكرامة أن عباراتهم قد طفحت بذلك، ونسبه في الإيضاح لنص الأصحاب.

وإن كان ظاهر الإيضاح وجامع المقاصد عدم البناء علي ذلك.

بل هو لا يناسب ما يأتي من جماعة من وجوب تعيين موضع التسليم في العقد.

نعم في المسالك أنه لو لم نقل بوجوب ذلك تعين موضع العقد.

ص: 323

فأي مكان طالب فيه وجب تسليمه إليه فيه (1).

إلا أن تقوم قرينة علي تعيين غيره فيعمل عليها.

والأقوي عدم وجوب تعيينه في العقد (2)، إلا إذا اختلفت الأمكنة في صعوبة التسليم فيها ولزوم الخسارة المالية بحيث يكون الجهل بها غرراً فيجب تعيينه حينئذ (1).

-

وكيف كان فمن القريب جداً كون مقتضي الإطلاق هو موضع العقد.

إذ بعد اختلاف الأغراض في ذلك، واختلاف مؤن النقل كثيراً بنحو لا يناسب الرضا بالإطلاق، المستلزم لجواز المطالبة في أي موضع اختاره المشتري ووجوب الاستلام في أي موضع اختاره البائع، يتعين انصراف الإطلاق إلي موضع خاص، ووقوع العقد في موضع موجب لرجحانه علي غيره بنحو ينصرف الإطلاق إليه بعد ما سبق من عدم كون المراد منه إيكال الأمر للمشتري.

(1) هذا إنما يتجه إذا كان ظرف (فيه) متعلقاً بقوله: «وجب».

لما سبق من أن مقتضي قاعدة السلطنة جواز مطالبة الإنسان بماله في أي موضع شاء وعدم جواز حبسه عنه.

أما إذا كان متعلقاً بقوله: «تسليمه إليه» فلا وجه له.

فإذا طالب فيه في مكان ثم انتقل منه لمكان آخر أو كان له وكيل فيه كفي تسليمه له في المكان الثاني خروجاً عن حرمة حبس المال عن صاحبه.

وليس له المطالبة بتسليمه في المكان الأول، لعدم المنشأ لاستحقاقه ذلك، ليطالب به، ويستجاب له.

وكذا الحال في حق المشتري لو عرض عليه البائع الاستلام.

نعم إذا كان مقتضي الإطلاق التسليم في بلد المطالبة اتجه وجوب التسليم فيه حتي مع فرض الانتقال عنه.

لكن سبق عدم المنشأ لذلك.

فلاحظ.

(2) كما في السرائر والشرائع والإرشاد وجامع المقاصد وظاهر اللمعة.

بل قد يستفاد من كل من لم يذكره في شروط السلف، كما في النهاية والنافع وغيرهما.

ونفي الخلاف فيه في السرائر.

وقد يستدل له بعدم تعرض نصوص السلف لاشتراط ذلك.

ص: 324

وصرح بوجوب ذكره في الخلاف والغنية والدروس، مدعياً في الغنية الإجماع عليه.

وفي المبسوط: «ويجب أن يذكر موضع التسليم.

وإن كان لحمله مؤنة وجب ذكره، وإن لم يكن به مؤنة لا يجب ذلك، وكان ذكره احتياطاً» وظاهره أن ذكر موضع التسليم إنما يجب إذا كان لحمله مؤنة.

وقريب منه في الوسيلة، وفي التحرير: «وهو عندي جيد».

وظاهر التذكرة والقواعد والمختلف والتنقيح وجوب ذكره إذا قامت القرينة علي عدم إرادة مقتضي الإطلاق، الذي هو عندهم موضع العقد.

والذي ينبغي أن يقال: بناءً علي أن الإطلاق يقتضي مكاناً معيناً فلا وجه لوجوب ذكر موضع التسليم، لإغناء الإطلاق عن ذكره من دون فرق بين ما إذا كان حمله أو نقله محتاجاً لمؤنة وعدمه، لإقدام البائع بمقتضي الإطلاق علي تحمل المؤنة.

ومعه لا وجه للتنازع، الذي قد يستدل به لوجوب ذكر موضع التسليم.

إذ هو فرع عدم الإقدام علي الأمر الذي لا يرغب فيه.

وإن علم بعدم إرادة الإطلاق، أو قامت القرينة علي ذلك، لزم تعيين موضع التسليم.

لأن ذلك إن رجع إلي قصد كل منهما أمراً خاصاً، فمع عدم اتفاقهما في المراد يلزم عدم التطابق بين الإيجاب والقبول المبطل للعقد.

وإن رجع إلي الإهمال والغفلة عن تحديد المراد لزم إبهام التسليم المستحق وعدم تحديده واقعاً، وهو مبطل للمعاملة، لامتناع استحقاق المبهم.

ومجرد عدم تعرض النصوص لذلك لا يكفي في البناء علي عدمه بعد قرب صلوح الإطلاق لتعيين مكان التسليم، وغلبة التعيين منهما له عند عدم إرادة مقتضي الإطلاق.

فهو نظير عدم تعرض النصوص لوجوب تعيين الثمن في السلف، حيث لا ينهض شاهداً بعدم وجوب تعيينه.

وبذلك يظهر أن أقوي الأقوال المتقدمة هو الأخير.

ص: 325

المعيار في الشهر المضروب اجلاً

يكون الجهل بها غرراً فيجب تعيينه حينئذ (1).

(مسألة 4): إذا جعل الأجل شهراً أو شهرين، فإن كان وقوع المعاملة في أول الشهر فالمراد الشهر الهلالي (2)، وإن كان في أثناء الشهر فالمراد من الشهر ثلاثون يوماً، ومن الشهرين ستون يوماً، وهكذا (3).

---------------

(1) كأنه لئلا يكون البيع غررياً.

لكن تقدم منّا غير مرة المنع من عموم النهي عن بيع الغرر كبروياً.

كما أنه لو فرض أن مقتضي الإطلاق هو التسليم عند المطالبة فالبائع قد أقدم علي مثل هذا التردد وعين الثمن المناسب له، كما لو صرح بذلك، أو صرح بموضع خاص تختلف مؤنة النقل إليه زيادة ونقيصة تبعاً لاختلاف العوامل المتوقعة من حرّ أو برد أو مطر أو غيرها، وكما تختلف قيمة نفس المبيع المعين في الوقت المعين ومؤنة تحصيله علي البائع باختلاف العوامل المتوقعة كثيراً.

ولا يظن منهم البناء علي مانعية التردد في جميع ذلك من صحة البيع من أجل لزوم الغرر.

(2) الكلام في ذلك بعد الفراغ عن كون المراد بالأشهر في أجل السلف هي الأشهر الهلالية، بسبب شيوع إرادتها والتوقيت بها في البلاد الإسلامية في العصور السابقة.

أما في عصورنا فقد شاع التوقيت بالأشهر الشمسية.

وحينئذٍ يجري فيها نظير الكلام الآتي في الأشهر العربية.

إذا عرفت هذا فما ذكره سيدنا المصنف (قده) من أنه إذا وقعت المعاملة في أول الشهر يتعين الشهر الهلالي دون العددي وهو الثلاثين هو المصرح به في كلام غير واحد، ونفي الخلاف فيه في مفتاح الكرامة، وظاهر خلافهم الآتي المفروغية عنه.

وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه.

بل ظاهرهم أنه المعني الحقيقي للشهر.

بل هو المراد مما في التذكرة من أن الشهر الشرعي ما بين الهلالين.

إذ من المعلوم عدم الحقيقة له شرعاً».

وما ذكره متين جداً.

(3) كما احتمله في القواعد، ولم يستبعده في المختلف.

وقد وجهه السيد عميد

ص: 326

(327)

الدين الأعرجي علي ما في بعض نسخ كنز الفوائد بأن الشهر حقيقة في عدة ما بين هلالين أو ثلاثين يوماً.

وقد تعذر المعني الأول، لأن تتمة كل شهر من الشهر الذي يليه هو المتبادر، فلا يتم شهر هلالي، ويتعين الرجوع للعدد.

وفي الشرائع أن الأشبه هو الرجوع للأشهر الهلالية التامة، ويتم المنكسر ثلاثين يوماً بعدها فإذا كان الأجل ثلاثة أشهر مثلاً ووقع العقد في أثناء الشهر يكون الأجل الشهرين الهلاليين اللذين بعده، وثلاثين يوماً ملفقة من الشهر الذي وقع فيه العقد والشهر الرابع.

وعليه جري في التذكرة والتحرير والإيضاح والدروس والمسالك والروضة وغيرها، ونسبه في المسالك للأكثر.

قال في التذكرة: «لأن الشهر الشرعي هو ما بين الهلالين، إلا أن في الشهر المنكسر لابد من الرجوع إلي العدد، لئلا يؤخر أمد الأجل عن العقد».

لكن تأخير أمد الأجل عن العقد ممكن في نفسه، وقد التزم الأصحاب بنظيره في خيار الحيوان لو وقع العقد ليلاً، وفي حساب مدة الحيض والنفاس لو حاضت المرأة أو ولدت ليلاً، للبناء علي أن المراد بالأيام فيها ما يقابل الليل.

وهو راجع في الحقيقة إلي زيادة الأجل.

نعم هو مخالف للظاهر، بل لا ينبغي الإشكال في عدم البناء عليه في المقام، للقطع بعدم قصد المتعاقدين له.

لكن الخروج عنه بما سبق من التذكرة من التلفيق بعيد في نفسه، لأنه مستلزم لتتميم الشهر الأول المنكسر من الشهر الأخير المنفصل عنه، مع أن الظاهر عرفاً تتميم الشهر المنكسر من الشهر المتصل به، كما تقدم من السيد الأعرجي.

وأما دعوي: أنه يلزم الخروج عن ذلك من أجل الحفاظ علي الشهر الهلالي مهما أمكن.

فهي مندفعة بأنه لا يتضح كون الحفاظ علي الشهر الهلالي أهم من الحفاظ علي تتميم الشهر مما يليه ويتصل به.

وأما ما ذكره في المسالك وغيره من أنه لو وقع العقد في نصف الشهر مثلاً ومضي بعد ذلك شهران هلاليان يصدق عرفاً أنه مضي من الأجل شهران ونصف

ص: 327

حتي لو كانت الأشهر الثلاثة ناقصة، حيث يشهد ذلك ببناء العرف علي الرجوع للشهر الهلالي مهما أمكن، لا للشهر العددي في الجميع.

فهو وإن كان مسلماً، إلا أنه لو مضي في الفرض المذكور نصف من الشهر الثاني يصدق عرفاً أيضاً أنه مضي شهر واحد، لا أنه مضي نصفا شهرين من دون أن يتم شهر، وهذا يشهد أيضاً ببناء العرف علي تتميم الشهر الأول المنكسر من الشهر المتصل به، لا من الشهر المنفصل عنه بالشهرين الهلاليين.

مضافاً إلي الإشكال في القول المذكور بأنه يبتني علي التفريق بين الأشهر، حيث يراد في واحد منها العددي وفي الباقي الهلالي، مع أنها مسوقة في كلام المتعاقدين - الذي عليه المعول في تحديد المراد بالأجل - في مساق واحد.

ومن هنا كان الوجه الأول أوفق بالسياق من هذا الوجه، لما فيه من حمل الشهور علي معني واحد.

وإن شئت قلت: بعد فرض تعذر حمل الشهور في كلام المتعاقدين بأجمعها علي الهلالية الذي هو الأصل الأولي فحملها بأجمعها علي الأشهر العددية كما هو مقتضي الوجه الأول أولي عرفاً من التفكيك بينها كما هو مقتضي هذا الوجه لأنها مسوقة في كلام المتعاقدين في مساق واحد.

نعم مقتضي الوجه الأول أنه لو وقع العقد في اليوم الثاني من الشهر وكان الأجل عشرة أشهر مثلاً لم يتم الأجل إلا في اليوم السادس أو السابع أو الثامن من الشهر الحادي عشر، لنقص ما يقرب من نصف الأشهر المذكورة، مع إباء العرف ذلك جداً.

مضافاً إلي الإشكال في الوجهين معاً بأن تحديد المراد من الشهر في المقام تابع لقصد المتعاقدين ولو ارتكازاً، وليس هو أمراً تعبدياً، كتحديد زمان خيار العيب وأقل الحيض وأكثره ونحو ذلك.

وحينئذٍ حيث سبق الاتفاق علي أنه لو وقع العقد في أول الشهر فالمرجع هو الأشهر الهلالية، لزم اختلاف مراد المتعاقدين من الشهر باختلاف وقت إيقاع العقد، وهو من أبعد البعيد.

ص: 328

ولاسيما أن الفرق بين أول الشهر وأثنائه قد يكون قليلاً جداً، كأول الليلة ونصفها، بل قد يدعي صدق الأثناء بمضي ساعة أو ساعتين منها، مع أن المتعاقدين قد يغفلان عن تحديد وقت العقد ومضي المدة المذكورة حين وقوعه، ليتجه اختلاف مقصودهما من الشهر باختلاف وقت إيقاع العقد.

مع أن ذلك لو جري في الشهر جري في السنة، لأن السنة الهلالية اثنا عشر شهراً هلالياً، تبدأ بمحرم وتنتهي بذي الحجة.

فإذا تعذر حساب السنة كاملة لوقوع العقد في أثناء السنة كيف يكون الحساب، خصوصاً إذا وقع في أثناء شهر هلالي منها، فهل تحسب شهورها عددية أو هلالية أو مختلفة ؟!.

ومن هنا كان التحقيق عدم تمامية مبني كلا الوجهين، وهو اختلاف المراد من الشهر عرفاً، تبعاً لاختلاف وقت العقد، وأنه قد يكون عددياً وقد يكون هلالياً، إذ الظاهر أن الشهر عرفاً ليس إلا الهلالي، كما أن الشهر الفارسي يبتني علي البروج، والشهر الغربي يبتني علي تقسيم مصطلح خاص، وإن كانت الأشهر فيها بأجمعها تختلف في عدد الأيام.

غاية الأمر أن الأصل في الشهر الهلالي أن يكون ثلاثين يوماً، ولا يبني علي النقص فيه إلا بظهور الهلال قبل إكمال الثلاثين يوماً.

وهو أمر آخر غير الاختلاف في المراد من الشهر.

نعم بناء العرف في مقام التوقيت علي الاكتفاء بالتلفيق مع حصول الأمر المؤقت في أثناء الوحدة الزمانية، كالساعة واليوم والأسبوع والشهر والسنة وغيرها، فيتمم الناقص ما بعده بمقدار ما نقص منه.

وهذا بخلاف مقام التوصيف، حيث لابد من قصر الوصف علي تمام المدة أو بعضها علي اختلاف الحال.

فإذا استمر الحر من نصف شهر رجب إلي نصف شهر رمضان صح أن يقال: استمر الحر شهرين.

أما إذا أريد بيان الأشهر الحارة فلا يقال: شهران من هذه السنة حاران، بل الحار هو شهر واحد وهو شعبان ونصفي شهرين وهما رجب ورمضان، كما ذكرنا نظير ذلك

ص: 329

في خيار الحيوان.

وعليه جري الأصحاب هناك في كثير من أبواب الفقه.

وعلي ذلك يتعين أن يكون الأجل في المقام بالشهر الهلالي لا غير، سواء وقع العقد في أول الشهر أم في أثنائه.

غايته أنه في الصورة الثانية يتمم الشهر الذي وقع فيه العقد مما بعده بمقدار ما نقص منه، وهكذا الحال في بقية الشهور مهما كثرت، ولا يكون شيء منها عددياً، فإذا كان الأجل شهراً واحداً أو شهرين أو شهوراً ووقع العقد في اليوم الخامس من الشهر ينتهي باليوم الخامس من الأشهر اللاحقة مهما كان عدد الشهور وإن صادف نقص بعضها أو كثير منها.

والظاهر أن عمل العرف علي ذلك في المقام ونحوه، ومنه الإجارة.

وبه تشهد النصوص في الجملة ففي حديث الفضيل بن عياض: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحج الأكبر، فإن ابن عباس كان يقول: يوم عرفة.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: الحج الأكبر يوم النحر.

ويحتج بقوله عز وجل: (فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) وهي عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من ربيع الآخر.

ولو كان الحج الأكبر يوم عرفة لكان أربعة أشهر ويوماً»(1) ، ونحوه في تحديد أشهر السياحة التي تضمنتها الآية الشريفة غيره(2).

وإلي ذلك انتهي أخيراً في المبسوط.

قال: «وإن قال: إلي خمسة أشهر جاز أيضاً.

.

.

فإن لم يكن مضي من الهلال شيء عدّ خمسة أشهر.

وإن كان قد مضي من الهلال شيء حسب ما بقي ثم عدّ ما بعده بالأهلة، سواء كانت ناقصة أو تامة، ثم أتم الشهر الأخير بالعدد ثلاثين يوماً، لأنه فات الهلال.

وإن قلنا: إنه يعد مثل ما فات من

********

(1) الكافي ج: 4 ص: 290 كتاب الحج باب الحج الأكبر والأصغر حديث: 3.

(2) الكافي ج: 4 ص: 290 كتاب الحج باب أشهر الحج حديث: 3. من لا يحضره الفقيه ج: 2 ص: 278 باب أشهر الحج وأشهر السياحة والأشهر الحرم حديث: 4. وراجع بحار الأنوار ج: 21 باب نزول سورة براءة.

ص: 330

(مسألة 5): إذا جعل الأجل جمادي أو ربيعاً حمل علي أولهما (1) من

---------------

الشهر الهلالي كان قوياً».

ومال إليه في الجواهر، وجري عليه بعض مشايخنا (قده).

وذكره في الشرائع أولاً، وإن عدل عنه وجعل الأشبه الثاني كما تقدم.

وقد يستفاد ممن أطلق أن المعيار في الأشهر هي الهلالية، كما في اللمعة.

بقي شيء.

وهو أن التتميم من الشهر اللاحق ليس بلحاظ الكسر المشاع كالنصف والثلث، بل بلحاظ عدد الأيام، فإذا وقع العقد في آخر اليوم الخامس عشر من الشهر، وكان ذلك الشهر تاماً فلا يتم الشهر الملفق إلا بمضي اليوم الخامس عشر من الشهر اللاحق حتي لو كان اللاحق ناقصاً يتم نصفه قبل ذلك، لأن ذلك هو المفهوم، وعليه العمل عرفاً.

(1) كما في المبسوط والشرائع والتحرير والإرشاد والإيضاح والدروس، ومال إليه في جامع المقاصد، وفي الإيضاح أن الأصحاب نصوا علي ذلك.

لكن تردد فيه في القواعد.

بل ظاهر التذكرة المنع.

وقد يوجه بالاشتراك بينهما لفظاً، والمشترك لا يتعين لأحد معانيه إلا بالقرينة.

ودعوي: أن الأجل لما علق علي الاسم المعين فهو يصدق بالأول.

مدفوعة بأن الأجل لم يعلق علي الاسم، بل علي المسمي، والمفروض تعدده المستلزم لتردد المراد.

لكن منع في الجواهر من الاشتراك اللفظي.

قال: «ضرورة أنهما من المشترك المعنوي، إذ معني الأول كل ثلاثين بين صفر وجمادي في كل سنة، والثاني كل ثلاثين بين ربيع الثاني ورجب في كل سنة».

فإن تم ذلك كان مقتضي الإطلاق هو حصول الأجل بالأول منهما، لتحقق عنوان المطلق به.

وما في الجواهر من عدم رجوعه بعد التأمل إلي محصل يعتمد عليه.

غريب جداً.

نعم الظاهر عدم تماميته، وأن الاشتراك في المقام لفظي، لعدم التفات العرف

ص: 331

تلك السنة (1).

وحلّ بأول جزء من ليلة الهلال (2).

وإذا جعله الجمعة أو الخميس حمل علي الأول من تلك السنة (3).

وحل بأول جزء من نهار

---------------

للجامع الذي ذكره، فضلاً عن أن تكون التسمية بلحاظه.

فالعمدة في المقام هو الانصراف عرفاً للأول في المقام ونظائره مما يستوي فيه أطراف الترديد في الاشتهار والابتلاء في مقام العمل.

وقد يكون منشؤه غلبة كون الأول هو الأسبق في التسمية مدة من الزمن، بحيث انفرد بها من دون أن يحتاج إلي التمييز، وصار هو المفهوم من الإطلاق، بخلاف ما بعده، حيث يحتاج للتمييز من أول الأمر.

وصارت هذه الغلبة هي المنشأ في فهم الأول من الإطلاق دائماً حتي في مثل ما نحن فيه مما لم يكن الأول أسبق في التسمية.

فلاحظ.

(1) الظاهر عدم الإشكال فيه بينهم.

لما يأتي عند الكلام فيما لو جعل الأجل الجمعة أو الخميس.

(2) لدخول الشهر بها عند العرف الذي عليه المعول في تحديد مفاهيم الألفاظ.

وفي خبر عمر بن يزيد: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أن المغيرية يزعمون أن هذا اليوم لهذه الليلة المستقبلة.

فقال: كذبوا.

هذا اليوم لليلة الماضية.

إن أهل بطن نخلة حيث رأوا الهلال قالوا: قد دخل الشهر الحرام»(1).

نعم يكون تعارف مزاولة الأعمال ومنها التجارية في النهار قرينة علي حمل الأجل علي إرادة اليوم الأول من الشهر، وفي الوقت الذي يتعارف مزاولة العمل فيه.

(3) بلا خلاف أجده.

كذا في الجواهر، وفي الإيضاح أن الأصحاب نصوا علي ذلك، وعليه جري في التذكرة والقواعد مع توقفهما في سابقه كما تقدم.

وكأنه للإطلاق، حيث لا ريب في الاشتراك اللفظي هنا.

لكنه يتجه إذا جيء بهما نكرتين، كما إذا قيل: إذا جاء يوم جمعة أو خميس حل

********

(1) وسائل الشيعة ج: 7 باب: 8 من أبواب أحكام شهر رمضان حديث: 7.

ص: 332

(333)

الكلام في جواز بيع ما اشراه سلفاً قبل حلول الأجل

اليوم المذكور (1).

(مسألة 6): إذا اشتري شيئاً سلفاً لم يجز له بيعه قبل حلول الأجل (2)،

-

الأجل.

وهو مع ندرته في المحاورات خارج عن مفروض كلامهم.

وأما مع التعريف فإنما يتم الإطلاق إذا كانت اللام للجنس، وهو بعيد جداً، بل الظاهر أنها للعهد الشخصي.

وحينئذٍ يرجع المدعي إلي أن العهد ينصرف للأقرب.

والوجه فيه: أن المتعاملين بعد أن كانا في مقام تحديد الأجل بالعهد، فإن كان بينهما عهد خاص نحو الفرد القريب أو غيره فالعمل عليه، وإن لم يكن بينهما عهد نحو فرد معين كما هو محل الكلام فالقرب جهة صالحة لترجيح القريب ذهناً بنحو ينصرف العهد إليه، وإلا لم يحصل التحديد.

ولاسيما مع عدم وجود حدّ للبعد صالح لأن يعهد، حيث لا نهاية للأفراد البعيدة.

ومن ذلك يظهر الوجه في انصراف الشهر كمحرم وربيع وجمادي الأولي أو الثانية إلي الأقرب، لأن قرينة التحديد تلزم بإرادة فرد معين، والقرب جهة صالحة للترجيح الموجب للانصراف.

فلاحظ.

(1) لأن عناوين أجزاء الأسبوع أسماء للأيام عرفاً.

وإرادة الليالي تحتاج إلي إضافة الليلة للعنوان، فيقال: ليلة الجمعة مثلاً.

(2) كما في النهاية والمراسم والغنية والسرائر والشرائع والنافع والتذكرة والقواعد والدروس وغيرها.

واقتصر في المقنعة علي المنع من بيعه علي بائعه قبل حلول الأجل بزيادة أو نقصان، من دون تعرض لبقية فروض المسألة.

كما اقتصر في المبسوط علي المنع من بيعه علي غير البائع، حيث قال: «إذا أسلف في شيء فلا يجوز أن يشرك فيه غيره، ولا أن يوليه».

وقريب منه في الخلاف.

بل صرح في الوسيلة بجواز بيعه علي البائع قبل الأجل.

هذا ولا ينبغي الإشكال في أن مقتضي العمومات صحة البيع، ولابد في

ص: 333

الخروج عنها من دليل.

وأما ما يظهر من الرياض من احتمال كون الأجل شرطاً في ملكية المشتري الأول للمبيع، لا في استحقاقه للمطالبة به فقط، ومع عدم ملكيته له لا يصح بيعه له.

ففيه: أن ملكية العوضين بالعقد من الوضوح بحد يغني عن إطالة الكلام فيه.

ومن هنا يتعين النظر في دليل المنع.

وقد يستدل عليه: تارة: بعدم القدرة علي التسليم حين البيع.

بل ولا عند حلول الأجل، لأنه تابع لاختيار البائع الأول، لا لاختيار البائع الثاني.

وأخري: بأنه من بيع ما لم يقبض.

وثالثة: بالنبوي:

«من أسلم في شيء فلا يصرفه إلي غيره» (1) ، والآخر: «من أسلف في شيء فلا يصرفه إلي غيره»(2).

ورابعة: بالإجماع.

قال في الجواهر: «للإجماع المحكي في التنقيح وظاهر الغنية وجامع المقاصد وغيرها وعن كشف الرموز، إن لم يكن محصلاً.

بل لعله كذلك.

ولا يقدح ظاهر ما في الوسيلة...

بعد سبقه بالإجماع ولحوقه به، فضلاً عن خلاف بعض متأخري المتأخرين».

ويندفع الأول مع اختصاصه بالبيع علي غير البائع بأن القدرة علي التسليم حين البيع لو كانت شرطاً فهي شرط في المبيع إذا ابتني البيع علي تعجيل التسليم، دون ما إذا ابتني علي الانتظار إلي حلول الأجل، كما هو محل الكلام.

وأما القدرة علي التسليم عند حلول الأجل فيكفي فيها الوثوق بتسليم البائع الأول، كما صح بيع السلف نفسه بوثوقه بقدرته علي تسليم المبيع في وقته.

كما يندفع الثاني بأن مقتضاه المنع من البيع قبل القبض، لا قبل حلول الأجل.

مضافاً إلي أنه يختص بالمكيل والموزون علي تفصيل وكلام تقدما في أحكام القبض من الفصل السابع.

كما تقدم أنه يختص عند سيدنا المصنف (قده) بالبيع علي غير البائع.

********

(1) سنن الدارقطني ج: 3 ص: 45 رقم الحديث: 187.

(2) السنن الكبري ج: 6 ص: 30.

ص: 334

فراجع.

وأما الثالث فيشكل بأن النبويين المذكورين مع انصرافهما عن البيع علي البائع غير مرويين من طرقنا، بل من طرق العامة.

ولم يتعرض لهما أصحابنا في مقام الاستدلال علي المدعي.

وذكر الشيخ لهما في الخلاف والمبسوط قد يكون للاحتجاج علي المخالف في الحكم من العامة كما هو دأبه كثيراً من دون أن يتضح تعويله عليهما، ليدعي انجبارهما بعمله.

ولاسيما مع استدلاله بوجوه أخر قد يكون تعويله عليها.

نعم قد يظهر من التنقيح الاستدلال بنهي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عن السلم قبل حلوله.

ولا يبعد رجوعه إلي النبويين المذكورين.

إلا أنه لا مجال لدعوي الانجبار بعمله وحده.

ويندفع الرابع بأنه لا يظهر من الغنية دعوي الإجماع علي محل الكلام من حرمة بيع السلف قبل حلول الأجل، بل علي ما ذكره بعد ذلك من جواز بيعه بعد حلول الأجل، حيث قال بعد أن ذكر ذلك: «بدليل إجماع الطائفة وظاهر القرآن ودلالة الأصل.

إلا أن يكون المسلم فيه طعاماً، فإن بيعه قبل قبضه لا يجوز إجماعاً».

كما أن جامع المقاصد لم يتضمن دعوي الإجماع في المقام، بل لم يعلق فيه علي عبارة القواعد أصلاً.

وإنما علق علي حكمه بجواز البيع بعد حلول الأجل بقوله: «سيأتي أن في بعض الصور خلافاً».

واستفادة دعواه الإجماع فيما نحن فيه من ذلك كما تري!.

نعم نسب في الرياض لظاهر المحقق الثاني والأردبيلي في شرحيهما علي الإرشاد دعوي الإجماع.

ولا يحضرني الأول، وليس في الثاني إلا قوله: «فكأن دليله الإجماع.

.

.

» وهو كدعوي الإجماع صريحاً في كشف الرموز والتنقيح لا يكفي في إثبات الإجماع بنحو معتد به.

بل لا مجال للتعويل علي دعوي الإجماع والاستدلال بها في مثل هذه المسألة غير الشائعة الابتلاء، ولم ترد فيها النصوص، ليعلم رأي القدماء ومعاصري الأئمة (عليهم السلام)

ص: 335

لا علي البائع ولا علي غيره، بجنس الثمن الأول أو بغيره، مساوياً أو أكثر أو أقل (1).

أما بعد حلول الأجل فيجوز بيعه علي البائع أو غيره إذا كان بغير جنس الثمن (2).

كما يجوز بيعه علي غير البائع بجنس الثمن بزيادة

---------------

فيها من ذكرهم لها، كما تكرر منّا في نظائر المقام.

ولاسيما مع ما سبق من المقنعة والمبسوط والخلاف والوسيلة، ومع ما في المبسوط من الاستدلال بنهي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عن بيع ما لم يقبض، الذي تقدم حاله، وما في الخلاف من الاستدلال بالأصل وأن الصحة تحتاج إلي دليل، من دون أن يشير للإجماع، مع ما هو المعلوم من سيرته من الإكثار من الاستدلال به فيه، وكذا ما في المهذب من جعل المعيار القبض، المناسب لكون دليله النهي عن بيع ما لم يقبض، ومع عدم تعرض بعضهم للحكم المذكور، كابن سعيد في الجامع.

.

.

إلي غير ذلك مما قد يجده المتتبع.

وبالجملة: لا تنهض دعاوي الإجماع المتقدمة بالخروج به عن العمومات القاضية بالصحة.

نعم لابد من كون الأمر المسلف فيه مما يجوز بيعه قبل قبضه، علي ما تقدم الكلام فيه في أحكام القبض من الفصل السابع.

(1) كأن الوجه في التعميم إطلاق الفتاوي ومعاقد الإجماع المدعي، والتصريح في بعضها بالتعميم من بعض الجهات.

(2) كأنه لعموم أدلة الصحة.

وتقدم من المهذب إطلاق عدم جواز بيعه قبل القبض.

وهو المناسب لما تقدم من المبسوط من الاستدلال للمنع من بيعه قبل حلول الأجل بالمنع من بيع ما لم يقبض.

لكن تقدم في أواخر الفصل السابع في التسليم والقبض اختصاص احتمال ذلك بالمكيل والموزون إذا لم يبع تولية أو إذا بيع بربح.

مع أنه لا مجال له إذا بيع علي البائع.

إما مطلقاً كما تقدم من سيدنا

ص: 336

المصنف (قده) أو في خصوص المقام، لصحيح عيص بن القاسم عن أبي عبد الله

(عليه السلام): «سألته عن رجل أسلف رجلاً دراهم بحنطة، حتي إذا حضر الأجل لم يكن عنده طعام ووجد عنده دواب ومتاعاً ورقيقاً، يحل له أن يأخذ من عروضه تلك بطعامه ؟ قال: نعم يسمي كذا وكذا بكذا وكذا صاعاً» (1) ، وخبر علي بن جعفر أو معتبره عن أخيه (عليه السلام): «وسألته عن رجل له علي آخر كر من حنطة أيصلح أن يأخذها بكيلها شعيراً أو تمراً؟ قال: إذا تراضيا فلا بأس»(2).

وهو وإن لم يصرح فيه بالسلف، إلا أن أظهر أفراد دين العروض هو السلف.

كما أنه وإن لم يصرح فيهما ببيع الحنطة بالعروض، إلا أنه أيضاً من أظهر أفراد إطلاق المبادلة فيهما.

بحيث لو كان البيع محرماً كان اللازم عرفاً التنبيه للمنع منه.

ومن هنا يتعين الخروج بهما عن عموم النهي عن بيع ما لم يقبض حتي بناءً علي عمومه للبيع علي البائع نفسه.

نعم قد يعارض الحديثان بالنصوص الآتية المتضمنة أنه ليس للمشتري إلا رأس ماله.

ويأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالي.

كما أن الظاهر صدق الربح إذا بيع بغير الجنس وكان الثمن أكثر قيمة من ثمن الشراء.

ومن هنا قد يشكل إطلاق سيدنا المصنف (قده) هنا، حيث لا يناسب ما تقدم منه هناك من التوقف في جواز بيع المكيل والموزون قبل القبض علي غير البائع بربح.

بل تقدم منّا الإشكال حتي في بيعه بوضيعة، واحتمال اختصاص جواز البيع قبل القبض بالتولية التي هي البيع برأس المال.

ومن هنا يشكل بيع المكيل والموزون في المقام علي غير البائع بغير الجنس إذا كانت قيمته دون الثمن أيضاً.

بل ربما يشكل مطلقاً، لعدم صدق التولية به وإن كان مساوياً للثمن قيمة.

فراجع وتأمل جيداً.

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 11 من أبواب السلف حديث: 6، 13.

ص: 337

أو نقيصة (1).

أما علي البائع فالظاهر أيضاً جوازه مطلقاً (2)، وإن كان

---------------

(1) مما تقدم آنفاً يظهر الإشكال في إطلاق ذلك.

حيث سبق منه (قده) الإشكال في جواز بيع المكيل والموزون قبل قبضه إذا كان بربح.

بل سبق منّا الإشكال في بيعه حينئذٍ حتي إذا كان بوضيعة.

(2) عملاً بعمومات الصحة.

ولو فرض تخصيصها في المكيل والموزون بما دلّ علي عدم جواز بيعه قبل قبضه بربح أو إلا تولية علي ما تقدم الكلام فيه في أواخر الفصل السابع في التسليم والقبض تعين الخروج عنه في المقام بالنصوص الخاصة الواردة فيه.

كمعتبر الحسن بن علي بن فضال: «كتبت إلي أبي الحسن (عليه السلام): الرجل يسلفني في الطعام، فيجيء الوقت وليس عندي طعام، أعطيه بقيمته دراهم ؟ قال: نعم»(1).

ومعتبر الصفار عن محمد بن عيسي عن علي بن محمد وقد سمعته من علي قال: «كتبت إليه: رجل له علي رجل تمر أو حنطة أو شعير أو قطن، فلما تقاضاه قال: خذ بقيمة ما لك عندي دراهم، أيجوز له ذلك أم لا؟ فكتب: يجوز ذلك عن تراض منهما إن شاء الله»(2).

وصحيح أبان عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام):

«في الرجل يسلم الدراهم في الطعام إلي أجل، فيحل الطعام، فيقول: ليس عندي طعام، ولكن انظر ما قيمته فخذ مني ثمنه. فقال: لا بأس بذلك» (3) .

وهي وإن لم يصرح فيها بالبيع إلا أنه متيقن منها، لأنه أظهر أفراد المبادلة بين المالين، كما سبق نظيره.

نعم تضمنت جملة من النصوص أنه ليس له إلا رأس ماله، كصحيح الحلبي عنه (عليه السلام): «سئل عن الرجل يسلم في الغنم ثنيان وجذعان وغير ذلك إلي أجل مسمي.

قال: لا بأس.

إن لم يقدر الذي عليه الغنم علي جميع ما عليه أن يأخذ صاحب الغنم

-

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 11 من أبواب السلف حديث: 8، 11، 5.

ص: 338

نصفها أو ثلثها أو ثلثيها، ويأخذ رأس مال ما بقي من الغنم دراهم»(1).

وصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام): «قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل أعطي رجلاً ورقاً في وصيف إلي أجل مسمي.

فقال له صاحبه: لا نجد لك وصيفاً، خذ مني قيمة وصيفك اليوم ورقاً.

فقال: لا يأخذ إلا وصيفه أو ورقه الذي أعطاه أول مرة، لا يزاد عليه شيئاً»(2).

وموثق عبد الله بن بكير: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أسلف في شيء يسلف الناس فيه من الثمار، فذهب زمانها [ثمارها] ولم يستوف سلفه.

قال: فليأخذ رأس ماله أو لينظره»(3).

وصحيح يعقوب بن شعيب: «سألت أبا عبد الله [أبا جعفر] (عليه السلام) عن الرجل يسلف في الحنطة والثمرة مائة درهم، فيأتي صاحبه الذي له، فيقول: والله ما عندي إلا نصف الذي لك، فخذ مني إن شئت بنصف الذي لك حنطة وبنصفه ورقاً.

فقال: لا بأس إذا أخذ منه الورق كما أعطاه»(4).

وصحيح محمد بن قيس الآخر عن أبي جعفر (عليه السلام): «قال: قال أمير المؤمنين: من اشتري طعاماً أو علفاً إلي أجل فلم يجد صاحبه وليس شرطه إلا الورق، وإن قال: خذ مني بسعر اليوم ورقاً فلا يأخذ إلا شرطه طعامه أو علفه.

فإن لم يجد شرطه وأخذ ورقاً لا محالة قبل أن يأخذ شرطه فلا يأخذ إلا رأس ماله (لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)»(5).

وهو لا يخلو عن اضطراب في المتن، إلا أنه يدل بمجموعه علي المطلوب.

نعم هكذا رواه في التهذيب ورواه في الاستبصار هكذا: «من اشتري طعاماً أو علفاً فإن لم يجد شرطه وأخذ ورقاً لا محالة قبل أن يأخذ شرطه فلا يأخذ إلا رأس ماله (لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ)» (6) وهو وإن كان غير خال عن الاضطراب أيضاً، إلا أنه

-

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 11 من أبواب السلف حديث: 1، 9، 14.

(4و5) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 11 من أبواب السلف حديث: 16، 15.

(6) الاستبصار ج: 3 ص: 75.

ص: 339

أجنبي عما نحن فيه، لعدم تضمنه البيع لأجل، بل ظاهر الإطلاق فيه البيع الحال.

وقد يتجه حينئذٍ بطلان البيع بتعذر التسليم، نظير التلف قبل القبض، فيتعين عدم جواز بيع المشتري المبيع حينئذٍ علي البائع، لعدم ملكيته له.

غاية الأمر أنه لا يناسب ذكره له في باب تعذر المبيع عند حلول الأجل في السلف.

لكن في كفاية ذلك في ترجيح رواية التهذيب إشكال.

فالعمدة النصوص الأول.

وهي كما تمنع من بيعه بجنس الثمن بزيادة أو نقيصة تمنع من بيعه بغير جنس الثمن.

بل لا يبعد ظهورها في عدم جواز البيع مطلقاً، وأن استحقاق رأس المال يرجع لانحصار الأمر بفسخ البيع، لا لإيقاع بيع جديد بقدره.

لكن لا يبعد ورود هذه النصوص لبيان أن ما يستحقه المشتري عند تعذر التسليم في الأجل ليس إلا الفسخ الموجب لرجوع رأس ماله له أو الانتظار، وليس له المطالبة بالبدل والقيمة الفعلية.

ولا ينافي ذلك ما تضمنته الطائفة الأولي من جواز دفع بدله بتراض منهما من جنس الثمن أو من غيره بعد فرض انشغال ذمة البائع به وعدم بطلان بيع السلف بالتعذر، ولذا يجوز للمشتري الانتظار كما تضمنه موثق ابن بكير من هذه الطائفة.

ولا أقل من إمكان الجمع بينهما عرفاً بذلك.

ودعوي: أن ذلك لا يناسب مثل صحيحي محمد بن قيس الأول ويعقوب بن شعيب المتضمنين عرض البائع نفسه علي المشتري أخذ الثمن، لظهورهما في عدم جواز أخذ سعر وقت الأداء حتي لو رضي البائع بذلك، بل ليس له أن يأخذ إلا رأس المال.

مدفوعة بإمكان حمل ذلك علي ما إذا ابتني عرض البائع أخذ الثمن علي توهم وجوب ذلك عليه، من أجل وجوب تفريغ ذمته من المبيع، إما بدفعه بنفسه، أو بدفع بدله.

فلا ينافي جواز أخذ البدل من دون أن يبتني علي ذلك، بل لمجرد رضاهما بالتبديل بعد فرض عدم استحقاق المشتري إلا الفسخ أو الانتظار.

ص: 340

ولو فرض تعذر الجمع بالوجه المذكور في بعض النصوص تعين الجمع بحمل الطائفة الثانية علي كراهة أخذ البدل الفعلي أو استحباب الاقتصار علي أخذ رأس المال، كما قد يناسبه صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) المروي في الكافي والتهذيب، وفيه:

«قلت: أرأيت إن أوفاني بعضاً وعجز عن بعض، أيصلح لي أن آخذ بالباقي رأس مالي ؟ قال: نعم ما أحسن ذلك» (1) .

وأما ما في التهذيبين من الجمع بينهما بحمل الطائفة الأولي علي دفع رأس المال فهو بعيد جداً، بل متعذر عرفاً.

ولا أقل من كون الجمع بأحد الوجهين الأولين أقرب عرفاً، فيكون متعيناً.

هذا وفي معتبر علي بن جعفر:

«سألته عن رجل له علي آخر تمر أو شعير أو حنطة، أيأخذ بقيمته دراهم ؟ قال: إذا قومه دراهم فسد، لأن الأصل الذي يشتري به دراهم، فلا يصلح دراهم بدراهم» (2) .

وصرح في التهذيب بأنه يفتي بمضمونه.

قال: «لأنه يكون قد باع دراهم بدراهم، وربما كان فيه زيادة أو نقصان، وذلك ربا».

وقد يرجع إليه ما في النهاية من أنه يجوز أن يأخذ القيمة إذا لم تزد علي رأس المال.

لكن التعليل لا يخلو عن إشكال، لفرض تعدد المعاملة، فلا يلزم الربا.

بل لا ريب نصاً وفتوي في جواز بيع الشيء علي شخص بنقد، ثم شراؤه منه بنقد من جنسه بتفاضل.

فلابد من التصرف في التعليل بحمله علي أنه يشبه بيع الدراهم بالدراهم.

وحينئذٍ يسهل حمل النهي علي الكراهة، فيتعين جمعاً مع النصوص الأول، إذ حمل النصوص علي خصوص المساواة لرأس المال بعيد جداً، بل متعذر عرفاً.

هذا تمام الكلام في المسألة.

وقد اضطربت فيها كلمات الأصحاب (رضي الله عنهم) وكثرت أقوالهم.

ولا يسعنا التعقيب عليها بعد ما تقدم.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 5 من أبواب السلف حديث: 3.

(2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 11 من أبواب السلف حديث: 12.

ص: 341

اذا دفع المبيع خالياً من الصفة

الأحوط العدم إذا كان بزيادة أو بنقيصة (1).

والظاهر أنه لا إشكال في جواز أخذ قيمته بعنوان الوفاء (2)، بلا فرق بين النقدين وغيرهما، ولو شرط عليه أن يدفع بدله أكثر من ثمنه إذا لم يدفعه نفسه لم تبعد صحة الشرط (3).

(مسألة 7): إذا دفع البائع المسلم فيه دون الصفة أو أقل من المقدار لم يجب علي المشتري القبول (4).

ولو رضي بذلك صح وبرئت ذمة

---------------

(1) كأنه للخروج عن معتبر علي بن جعفر والخلاف المتقدم من الشيخ (قده).

وإلا فلو كان للخروج عن النصوص الكثيرة المتضمنة أن له رأس ماله تعين الاحتياط بالامتناع حتي عن البيع بغير الجنس.

(2) لم يتضح الوجه في ذلك مع إطلاق النصوص المانعة حتي معتبر علي بن جعفر.

فإذا بني علي العمل بها تعين المنع من أخذ غير رأس المال بأي وجه فرض.

(3) عملاً بعموم نفوذ الشرط بعد ما تقدم منه (قده) ومنّا من البناء علي جواز الأمر المشروط.

ولا ينافيه ما تقدم من حمل النصوص المانعة من أخذ غير رأس المال علي عدم استحقاق المشتري له.

لأن عدم استحقاقه له بمقتضي بيع السلف بطبعه لا ينافي استحقاقه بمقتضي الشرط الذي تضمنه، كما يستحقه بالمعاملة الجديدة التي تضمنت النصوص الأولي جوازها.

(4) أما دفع ما هو دون الصفة فهو المصرح به في كلام غير واحد.

ولا ينبغي الإشكال فيه، لمخالفته للشرط.

مضافاً إلي ظهور المفروغية عنه في النصوص، كصحيح الحلبي: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) في الرجل يسلم في وصف [وصفاً.

يب] أسناناً معلومة ولون معلوم، ثم يعطي دون شرطه أو فوقه.

فقال: إن كان عن طيبة نفس منك ومنه فلا بأس»(1) ، ونحوه غيره.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 9 من أبواب السلف حديث: 1.

ص: 342

(343)

وأما إذا كان دون القدر.

فإن أريد بذلك وفاء تمام المبيع كما هو ظاهر مفروض كلام سيدنا المصنف (قده) فلا إشكال في عدم وجوب القبول أيضاً، إذ لا موجب لتبعض الحق.

وكذا إذا أريد به وفاء مقداره من المبيع وكان المشروط في السلف ولو ضمناً تسليم المبيع جملة واحدة، لمخالفة الشرط.

أما إذا لم يشترط ذلك فالمتعين وجوب القبول.

إلا أن يمتنع من دفع الباقي، فقد صرح غير واحد بأن له الفسخ في الجميع، ونفي في الجواهر وجدان الخلاف فيه.

لتبعض الصفقة.

لكن في صحيح سليمان بن خالد: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يسلف في الغنم ثنيان وجذعان وغير ذلك إلي أجل مسمي.

قال: لا بأس.

إن لم يقدر الذي عليه الغنم علي جميع ما عليه يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثها أو ثلثيها، ويأخذ رأس مال ما بقي من الغنم دراهم.

..»(1) ، ونحوه صحيح الحلبي علي اضطراب فيه(2).

ومقتضي الجمود علي لسانهما انحصار الوظيفة عند عجز البائع عن الكل في التبعيض وعدم جواز الفسخ في الكل.

من دون فرق بين اشتراط تسليم الكل صريحاً، واستفادته من الإطلاق بمقتضي فرض الصفقة.

وحملهما علي بيان جواز التبعيض، كي لا ينافي جواز الفسخ في الكل لتبعض الصفقة، يحتاج إلي قرينة.

اللهم إلا أن يقال: بعد البناء تبعاً للنصوص علي أن له الانتظار، وله بيع ما يستحقه علي البائع بما يتفقان عليه من الثمن، يتعين حمل التبعيض في الصحيحين علي الجواز، فلا ينافي ثبوت خيار تبعض الصفقة.

فتأمل جيداً.

وكيف كان فلا يجري احتمال عدم الخيار المذكور مع قدرة البائع علي دفع الباقي وامتناعه منه، لقصور الصحيحين عنه.

********

(1) تهذيب الأحكام ج: 7 ص: 32.

(2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 11 من أبواب السلف حديث: 1.

ص: 343

البائع (1).

وإذا دفعه علي الصفة والمقدار وجب عليه القبول (2).

وإذا دفع فوق الصفة، فإن كان شرط الصفة راجعاً إلي استثناء ما دونها فقط وجب

---------------

ثم إن كان امتناع البائع من دفع الباقي لتعذره عليه وعجزه عن دفعه فقد تضمنت بعض النصوص السابقة وغيرها أن له أن يسترجع ما يقابله من رأس المال.

وإن كان مع قدرته عليه ولو بشرائه ثم دفعه له فقد يشكل التبعيض وأخذ ما يقابله من رأس المال، بل إما أن يفسخ في الكل أو ينتظر في الباقي، لما سبق في المسألة الرابعة عشرة من الفصل الرابع في الخيارات من عدم مشروعية التبعيض في فسخ العقد.

وقصور نصوص المقام عن إثبات مشروعيته، لعدم وضوح ابتنائها علي الفسخ في البعض مع التعذر، بل قد يبتني علي استحقاق استرجاع ما يقابله من رأس المال تعبداً من دون فسخ، ولا مجال لذلك مع عدم التعذر، لقصور النصوص عنه.

اللهم إلا أن يستفاد العموم لذلك من ترك الاستفصال في صحيح يعقوب بن شعيب المتقدم، لأنه قوله: «ما عندي إلا نصف الذي لك» شامل لما إذا كان قادراً علي شرائه.

فلاحظ.

(1) بلا إشكال ظاهر.

أما مع اختلاف الصفة فللنصوص المتقدمة.

مضافاً إلي أن صفة الجودة حق للمشتري بسبب الشرط الذي تضمنه عقد السلف، فله التنازل عن حقه وإسقاطه.

وأما مع النقص فلرجوعه إلي إسقاط بعض الدين الذي لا إشكال في نفوذه، فإن السلف من أفراد الدين.

ومنه يظهر أنه لو أسقط حقه في الصفة أو في بعض المبيع قبل القبض سقط، وليس له الرجوع في ذلك وإلزام البائع بالحفاظ علي الصفة أو المقدار.

(2) بلا إشكال ظاهر ولا خلاف.

ويظهر الوجه فيه مما تقدم في المسألة الأولي من الفصل الثامن في النقد والنسيئة، لأن المسألتين من باب واحد.

ص: 344

(345)

اذا حلّ الأجل ولم يتمكن البايع من الدفع

القبول أيضاً (1)، وإن كان راجعاً إلي استثناء ما دونها وما فوقها لم يجب القبول (2).

ولو دفع إليه زائداً علي المقدار لم يجب القبول (3).

(مسألة 8): إذا حلّ الأجل ولم يتمكن البائع من دفع المسلم فيه تخير المشتري بين الفسخ والرجوع بالثمن بلا زيادة ولا نقيصة (4) وبين أن ينتظر إلي أن يتمكن البائع من دفع المبيع إليه في وقت آخر (5).

ولو تمكن من دفع بعضه

---------------

(1) لرجوعه إلي تسليم المبيع من دون مخالفة للشرط.

(2) لخروجه عن الشرط، كما لو دفع الأردأ.

(3) لعدم المنشأ له.

وحينئذٍ إن أمكن التبعيض في القبض وجب قبض مقدار الحق لما سبق.

أما إذا تعذر فله الامتناع من قبض الكل، لأن بيع السلف إنما يقتضي بإطلاقه قبض المبيع بعينه، لا مشاعاً بنحو يستلزم الشركة.

(4) من الظاهر أن ذلك مقتضي الفسخ، فهو كالتأكيد له.

(5) قال في مفتاح الكرامة: «ولا ينفسخ العقد إجماعاً منّا.

لأن مورد العقد إنما هو الذمة».

وهو ظاهر علي ما سبق من أن التسليم في الأجل شرط خارج عن المبيع، لأنه المفهوم عرفاً، ولذا كان قابلاً للإسقاط عندهم.

أما بناء علي أنه قيد فيه فلا مجال لانشغال الذمة بغيره، لأنه أمر غير المبيع، ويلغو انشغال الذمة به، إلا أن يرجع إلي المسؤولية بماليته، نظير انشغال الذمة بالأعيان بعد التلف في موارد ضمانها.

ومن هنا فقد يدعي بطلان العقد حينئذٍ، نظير تلف المبيع قبل قبضه.

فتأمل.

لكن حيث سبق ضعف المبني المذكور فالمتعين ما ذكروه من عدم انفساخ العقد.

مضافاً إلي ما تضمن من النصوص تخيير المشتري بين الانتظار واسترجاع رأس المال علي ما يأتي الكلام فيه.

ص: 345

ثم إن المعروف بين الأصحاب هو التخيير المذكور، لتخلف الشرط.

مضافاً إلي موثق ابن بكير المتقدم: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أسلف في شيء يسلف الناس فيه من الثمار، فذهب زمانها [ثمارها.

يه] ولم يستوف سلفه.

فقال: فليأخذ رأس ماله أو فلينظره»(1) ، وصحيح الحلبي عنه (عليه السلام): «قال: لا بأس بالسلم في الحيوان إذا سميت الذي تسلم فيه فوصفته.

فإن وفيته وإلا فأنت أحق بدراهمك»(2).

وقد يستفاد مما تقدم في التبعيض من أن له أن يسترجع ما يقابل الباقي من رأس المال، فإن بعضها وإن كان ظاهراً في صورة رضا الطرفين كما نبّه له في الجواهر إلا أن مقتضي إطلاق الباقي عدم اعتبار رضا البائع، كصحيح عبد الله بن سنان المتقدم، وفيه: «أيصلح أن آخذ بالباقي رأس مالي ؟ قال: نعم، ما أحسن ذلك»(3) ، وقوله (عليه السلام) في صحيح سليمان بن خالد: «إن لم يقدر الذي عليه الغنم علي جميع ما عليه يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثها أو ثلثيها، ويأخذ رأس مال ما بقي من الغنم دراهم.

.

.

»(4) وغيرهما.

وهي وإن وردت في التبعيض، إلا أنه يستفاد منها ما نحن فيه بالأولوية العرفية، أو بفهم عدم الخصوصية.

كما أنها وإن لم تكن نصاً في الفسخ كما تقدم إلا أنها متفقة معه عملاً.

ومن ذلك يظهر ضعف ما في السرائر من منع الفسخ ولزوم الانتظار، محتجاً بعموم نفوذ العقد ولزومه.

ثم إن المفروض في كلام سيدنا المصنف (قده) وإن كان هو صورة عجز البائع عن التسليم، إلا أن الظاهر العموم لما إذا كان قادراً عليه وامتنع منه حتي مرت مدة يصدق معها مخالفته للشرط.

فإن مجرد إمكان مطالبته بالتسليم في الفرض الثاني لا ينافي استحقاق الخيار لتخلف الشرط، كما يظهر مما تقدم في المسألة الرابعة والستين

-

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 11 من أبواب السلف حديث: 14، 17، 2.

(4) تهذيب الأحكام ج: 7 ص: 32.

ص: 346

وعجز عن دفع الباقي كان له الخيار في الباقي بين الفسخ فيه والانتظار (1).

وفي جواز فسخه في الكل حينئذ إشكال (2).

نعم لو فسخ في البعض جاز للبائع الفسخ في الكل (3).

---------------

من مباحث الشرط من الفصل الرابع.

فراجع.

(1) أما الفسخ فيه فلعدم تسليمه.

لكن سبق أن يبتني علي إمكان تبعيض العقد الواحد في الفسخ، وهو ممنوع.

فالعمدة النصوص الكثيرة المتضمنة أن له أخذ رأس مال ما بقي.

وهي مطابقة للفسخ عملاً وإن لم تصلح أن تكون دليلاً عليه، كما تقدم.

وأما الانتظار فهو مقتضي القاعدة عند عدم قبض الدين.

مضافاً إلي موثق ابن بكير.

وهو وإن ورد في تعذر تسليم الكل، إلا أنه يستفاد منه حكم صورة تعذر تسليم البعض بفهم عدم الخصوصية، أو بالأولوية العرفية.

(2) فقد تقدم منهم أن له الفسخ في الكل لتبعض الصفقة.

وكأن الإشكال فيه بلحاظ ما سبق من احتمال مخالفته لصحيحي سليمان بن خالد والحلبي ومعتبر معاوية.

فراجع.

وقد تقدم أنهما مختصان بما إذا عجز البائع عن تسليم الكل، كما هو مورد كلام سيدنا المصنف (قده).

ومن هنا فلا إشكال في ثبوت خيار تبعض الصفقة للمشتري مع قدرة البائع علي تسليم الباقي وامتناعه، كما تقدم.

فراجع.

(3) كما في التحرير والدروس وجامع المقاصد والمسالك والروضة وغيرها.

وفي التنقيح أنه محتمل.

وقيده فيه وفي الدروس وجامع المقاصد والمسالك والروضة ومحكي غيرها بما إذا لم يكن مفرطاً بالتبعيض.

لكن لم يتضح الوجه في ثبوت الخيار حتي مع عدم التفريط منه، لأن الإقدام علي وحدة الصفقة في الثمن تبتني علي وحدة الصفقة في المبيع، فإذا لم تتم الصفقة في

ص: 347

وجود المبيع في غير البلد الذي يجب التسليم فيه

(مسألة 9): لو كان المبيع موجوداً في غير البلد الذي يجب التسليم فيه، فإن تراضيا بتسليمه في موضع وجوده جاز (1).

وإلا فإن أمكن نقله إلي بلد التسليم وجب نقله علي البائع (2)، إلا أن يتوقف علي بذل مال يعجز عنه أو يضر بحاله، فيجري الحكم المتقدم من الخيار بين الفسخ والانتظار (3).

-

المبيع لا يكون تبعض الصفقة في الثمن مخالفاً للشرط الضمني.

ولذا لا يظن منهم البناء علي أنه لو تعذر علي البائع التعجيل بتسليم المبيع، فتأخر المشتري عن تسليم الثمن يكون للبائع الخيار، لعدم تعجيل تسليم الثمن.

علي أن اقتصار صحيحي سليمان بن خالد والحلبي ومعتبر معاوية المتقدمة علي بيان التبعيض من دون تنبيه لخيار البائع يوجب ظهوره في عدمه.

بل هو مقتضي إطلاقها، سواء حملت علي جواز التبعيض في حق البائع أم علي وجوبه، لأن مقتضي إطلاقها ثبوته للمشتري سواء رضي البائع أم لا، بل أراد الفسخ.

ومن الغريب توقف سيدنا المصنف (قده) في ثبوت خيار تبعض الصفقة للمشتري وجزمه بثبوته للبائع، مع أنه هو الأبعد عن المرتكزات، والأولي بأن يحتاج للتنبيه عليه في النصوص المتقدمة بسبب ذلك، ولما عرفت من كون عدم ثبوته مقتضي إطلاقها.

ولعله لذا سكت غير واحد ممن صرح بثبوته للمشتري عن التنبيه لثبوته للبائع، كما في المبسوط والشرائع والقواعد.

بل صرح بعدمه في التذكرة ومحكي إيضاح النافع، معللاً في الأول بأن التبعيض جاء من قبل البائع.

فلاحظ.

(1) لرجوعه إلي تنازل المشتري عن شرط موضع التسليم والذي هو حق قابل للإسقاط ولأن يصالح عليه.

ومنه يظهر جواز اتفاقهما علي التسليم في موضع ثالث.

(2) مقدمة لتحقيق الشرط المفروض نفوذه.

(3) أما مع العجز عن مؤنة النقل فظاهر، لرجوعه إلي العجز عن التسليم

ص: 348

(349)

المشروط، ويدخل في موضوع الأدلة السابقة.

وكذا الحال لو كان موجوداً في البلد لكن عجز عن شرائه، أو كان المانع من التسليم في الموضع المشروط أمراً غير العجز عن المال.

وأما مع كون مؤنة النقل مضرة به فكأنه لقاعدة نفي الضرر.

لكن لا مجال لها إذا لزم من عدم التسليم الإضرار بالمشتري.

لما هو المعلوم من أن ورودها مورد الامتنان مستلزم لقصورها عما إذا لزم من إعمالها الإضرار بالغير.

وأما إذا لم يلزم الإضرار بالمشتري، فقد سبق في الاستدلال لخيار الغبن بقاعدة نفي الضرر احتمال قصور القاعدة عن صورة الإقدام علي الضرر الحاصل بالإقدام علي المعاملة التي يترتب عليها الضرر وإن لم يكن متوقعاً.

بل لا ينبغي الإشكال في قصورها عما إذا كان متوقعاً، كما يمكن فرضه في المقام فيما لو احتمل البائع حين العقد حاجته لنقل المبيع مع المؤنة المذكورة.

ومنه يظهر الحال لو لزم من التسليم المشروط ضرر آخر غير الضرر المالي من دون أن يصل إلي حدّ العجز عرفاً.

هذا وقد أطلق بعض مشايخنا (قده) وجوب النقل علي البائع مع إمكانه وتعارف نقله إلي بلد التسليم.

ولم يتضح الوجه في دخل التعارف في المقام.

نعم قد يراد بذلك ما إذا كان عدم التعارف راجعاً إلي تعارف تنازل المشتري وعدم تكليفه للبائع بالنقل والرجوع معه إلي حكم التعذر.

حيث قد يوجه برجوع ذلك لباً إلي تقييد اشتراط التسليم في الموضع الخاص بصورة تعارف النقل إليه.

لكن ذلك إن رجع إلي دعوي تقييد خصوصية موضع التسليم مع إطلاق اشتراط التسليم فاللازم البناء معه علي وجوب التسليم في غير الموضع المذكور، لا جريان حكم تعذر التسليم من الفسخ أو الانتظار كما ذكره (قده).

بل مقتضي ذلك وجوب القبول علي المشتري، لوجوب قبض صاحب الحق لحقه بعد فرض استحقاقه لأصل التسليم.

دون خصوصية الموضع.

فلاحظ.

ص: 349

وإن رجع إلي دعوي تقييد اشتراط أصل التسليم فالظاهر أن المأخوذ في مفهوم السلف عرفاً والمعتبر في صحته شرعاً هو اشتراط التسليم في الأجل المعين بنحو الإطلاق، كما يظهر بسبر النصوص.

ولاسيما مثل صحيح عبد الله بن سنان: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل أيصلح له أن يسلم في الطعام عند رجل ليس عنده زرع ولا طعام ولا حيوان، إلا أنه إذا جاء الأجل اشتراه فوفاه ؟ قال: إذا ضمنه إلي أجل مسمي فلا بأس به»(1).

وموثق سماعة: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن السلم في الحيوان.

قال: أسنان معلومة وأسنان معدودة إلي أجل لا بأس به»(2) ، وغيرهما.

والتخيير بين استرجاع الثمن والانتظار عند عدم التسليم ليس مأخوذاً في عقد السلف، بل هو حكم مترتب عليه بعد صحته وتمامية أركانه وشروطه، فلا يترتب مع فرض عدم تعذر التسليم.

ومن هنا لا يخلو التقييد المذكور عن إشكال.

فلاحظ.

والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

ومنه نستمد العون والتوفيق.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 5 من أبواب السلف حديث: 3.

(2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب السلف حديث: 7.

ص: 350

(351) (351)

الفصل الثاني عشر/ بيع الثمار

اشارة

(مسألة 1): لا يجوز بيع ثمرة النخل والشجر قبل ظهورها عاماً واحداً (1) بلا ضميمة.

-

(1) قال في الجواهر: «إجماعاً بقسميه، بل المحكي منهما [منه.

ظ] متواتراً كالنصوص.

ولذا نسبه بعضهم إلي الضرورة».

وفي مفتاح الكرامة: «وأما بيعها قبل الظهور عاماً واحداً فعدم جوازه مما لا ريب فيه.

وقد تواتر أو كاد يكون متواتراً نقل الإجماع عليه.

إذ نقل في الغنية والسرائر والتذكرة والتحرير والمختلف والإيضاح وشرح الإرشاد للفخر وتلخيص التلخيص والدروس والتنقيح وغاية المرام وتعليق الإرشاد والروضة.

ونفي عنه الخلاف في غاية المراد والمسالك».

وهو المناسب لما تقدم منّا في المسألة الخامسة عشرة من الفصل الثالث عند الكلام في اعتبار القدرة علي التسليم من أن المستفاد من مجموع النصوص عموم اعتبار إحراز سلامة شيء من المبيع يكون الثمن في مقابله لو لم يسلم باقيه.

مضافاً إلي النصوص الواردة في المقام، كموثق أبي بصير أو صحيحه: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا تشتر النخل حولاً واحداً حتي يطعم.

وإن شئت أن تبتاعه سنتين فافعل»(1).

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 10.

ص: 351

ونحوه صحيح سليمان بن خالد(1) ، علي ما رواه في الاستبصار(2) ورواه في التهذيب هكذا: «لا تشتر النخل حولاً واحداً حتي يطعم.

وإن كان يطعم.

وإن شئت أن تبتاعه سنتين فافعل»(3).

وهو لا يخلو عن اضطراب مسقط له عن الحجية.

ولاسيما مع عدم الإشارة إليه في الوسائل، حيث يظهر منه اتفاق التهذيبين علي ما هو المروي في الاستبصار.

ومعتبر أبي بصير عنه (عليه السلام): «سئل عن النخل والثمرة يبتاعها الرجل عاماً واحداً قبل أن يثمر.

قال: لا حتي تثمر، وتأمن ثمرتها من الآفة...»(4).

وصحيح يعقوب بن شعيب: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شراء النخل.

فقال: كان أبي يكره شراء النخل قبل أن تطلع ثمرة السنة، ولكن السنتين والثلاث...(5).

ونحوهما غيرها.

لكن مال للجواز في مجمع الفائدة ومحكي الكفاية، بل صرح بالجواز في الحدائق.

حملاً لنصوص المنع علي الكراهة أو التقية، لصحيح بريد: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرطبة تباع قطعتين أو ثلاث قطعات.

قال: لا بأس.

قال: وأكثرت السؤال عن أشباه هذا.

فجعل يقول: لا بأس به.

فقلت: أصلحك الله استحياء من كثرة ما سألته وقوله: لا بأس به إن من يلينا يفسدون هذا كله.

فقال: أظنهم سمعوا حديث رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في النخل.

ثم حال بيني وبينه رجل فسكت.

فأمرت محمد بن مسلم أن يسأل أبا جعفر (عليه السلام) عن قول رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في النخل.

فقال أبو جعفر (عليه السلام):

خرج رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فسمع ضوضاء.

فقال: ما هذا؟ فقيل له: تبائع الناس بالنخل، فقعد النخل العام.

فقال (صلي الله عليه وآله وسلم): أما إذا فعلوا فلا تشتروا النخل العام حتي

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 9.

(2) الاستبصار ج: 3 ص: 85.

(3) تهذيب الأحكام ج: 7 ص: 88.

(4و5) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 12، 8.

ص: 352

يطلع فيه الشيء.

ولم يحرمه»(1).

وصحيح الحلبي: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن شراء النخل والكرم والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين.

فقال: لا بأس.

تقول: إن لم يخرج هذه السنة أخرج في قابل.

وإن اشتريته في سنة واحدة فلا تشتره حتي يبلغ.

.

.

وسئل عن الرجل يشتري الثمرة المسماة من أرض فتهلك ثمرة تلك الأرض كلها.

فقال: قد اختصموا في ذلك إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، فكانوا يذكرون ذلك.

فلما رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك البيع حتي تبلغ الثمرة ولم يحرمه، ولكن فعل ذلك من أجل خصومتهم»(2).

ونحوه صحيح عبد الله بن سنان عنه (عليه السلام): «قلت له: الرجل يبيع الثمرة المسماة...» إلي آخر ما تقدم في صحيح الحلبي.

وصحيح ربعي: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن لي نخلاً بالبصرة، فأبيعه وأسمي الثمن، وأستثني الكر من التمر أو أكثر، أو العدد من النخل.

فقال: لا بأس.

قلت: جعلت فداك بيع السنتين.

قال: لا بأس.

قلت: جعلت فداك إن ذا عندنا عظيم.

قال: أما إنك إن قلت ذاك لقد كان رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أحلّ ذلك فتظالموا [فتظلموا.

يب] فقال (عليه السلام):

لا تباع الثمرة حتي يبدو صلاحها» (3) .

هذا وفي الجواهر أن صحيحي الحلبي وربعي محتملان للبيع سنتين بعد الظهور قبل بدو الصلاح، وصحيح بريد لابد من تأويله بإرادة بدو الصلاح فيه من الطلوع، أو حمل العام فيه علي ما كان في ضمن العامين أو طرحه.

وقريب منه كلام غيره.

والذي ينبغي أن يقال: لا ينبغي التأمل في أن حديث النبي في النخل واحد، وأن اختلاف ألفاظه نتيجة النقل بالمعني.

بل هو كالصريح من صحيح بريد، لأن الإمام (عليه السلام) ذكر له أن منشأ منع العامة من البيع المذكور هو حديث النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، ثم

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 2 وذيله.

(3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 4.

ص: 353

بينه لمحمد بن مسلم من دون أن يشير لحديث آخر له (صلي الله عليه وآله وسلم).

وحينئذٍ فإرادة البلوغ أو بدو الصلاح من الطلوع في صحيح بريد وإن كان ممكناً، بأن يراد منه الطلوع حتي يصل إلي أحد الأمرين.

بل هو قريب بلحاظ الجمع مع بقية الصحاح، إلا أنه إنما يحسن إذا كان بيعهم قبل نهي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) كان قبل الطلوع أصلاً، أما إذا كان بيعهم بعد الطلوع قبل بدو الصلاح أو البلوغ فلا يحسن التعبير المذكور.

كما أن ذلك هو المناسب لما في الصحيح المذكور من قولهم: «فقعد النخل العام»، لظهوره في عدم إثماره رأساً، لا في تلف الثمرة بعد طلوعها.

ويترتب علي ذلك أن مقتضي الجمع بين الصحاح المتقدمة هو أنهم كانوا يبيعون الثمرة قبل طلوعها، فلما تخاصموا نهاهم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عن البيع قبل البلوغ أو بدو الصلاح.

وحيث اتفقت الصحاح علي أن نهيه (صلي الله عليه وآله وسلم) ليس تحريمياً لزم كون بيعهم السابق علي النهي قبل الطلوع رأساً صحيحاً في نفسه.

وبذلك يظهر المنع من حمل الصحاح أو بعضها علي السنتين، إذ بعد إشارتها لواقعة واحدة يتعين البناء علي عمومها للبيع عاماً واحداً، كما هو صريح صحيح بريد.

بل هو المستفاد من بقية الصحاح، لظهورها في أن منشأ الشبهة هو عدم سلامة الثمرة المبيعة المستتبع للتخاصم والتظلم.

ولاسيما مع ظهور قوله في صحيح ربعي: «قلت: جعلت فداك بيع السنتين» في كون السؤال السابق عليه عن بيع السنة الواحدة.

وظهور أن ذكره (عليه السلام) لتحليل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) للرد علي استعظام العامة، ومن الظاهر أن البيع سنة واحدة أولي باستعظامهم.

ومن هنا لا ينبغي الإشكال في أن مقتضي هذه الصحاح هو حلّ البيع المذكور.

نعم قد يتوقف في ذلك من أجل الإجماع المدعي في كلام من تقدم.

ويظهر من الحدائق عدم ثبوته عنده بلحاظ تعقيب الشيخ (قده) علي أخبار المسألة، ومحاولته الجمع بينها.

قال في التهذيب: «قال محمد بن الحسن: الأصل في هذا أن الأحوط أن

ص: 354

لا تشتري الثمرة سنة واحدة إلا بعد أن يبدو صلاحها.

فإن اشتريت فلا تشتري إلا بعد أن يكون معها شيء آخر.

فإن خاست كان رأس المال فيما بقي.

ومتي اشتري من غير ذلك لم يكن البيع باطلاً، لكن يكون فاعله قد فعل مكروها.

وقد صرح بذلك في الأخبار التي قدمناها أبو عبد الله (عليه السلام)، ومنها حديث الحلبي، وأن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) نهي عن ذلك لأجل قطع الخصومة الواقعة بين الصحابة، ولم يحرمه.

وكذلك ذكر ثعلبة بن يزيد(1) ، وزاد فيه أنه إنما نهاهم ذلك العام بعينه، دون سائر الأعوام.

وفي حديث يعقوب بن شعيب أن أبي (عليه السلام) كان يكره ذلك، ولم يقل: كان يحرمه.

وعلي هذا الوجه لا تنافي بين الأخبار».

ونحوه في الاستبصار.

لكن قد يستشكل في ذلك كما في كلام غير واحد: تارة: بأن مراده (قده) ما بعد طلوع الثمرة قبل بدو صلاحها.

وأخري: بأن ما ذكره لمجرد الجمع بين النصوص ودفع التنافي بينها، من دون أن يكون في مقام الفتوي.

وثالثة: بأن فتواه بذلك لو تمت فهي شاذة لا تقدح في الإجماع.

والكل كما تري.

إذ الأول لا يناسب استدلاله بحديث بريد الذي عرفت حاله، ولا بحديث يعقوب بن شعيب الذي كان موضوع الكراهة فيه الشراء قبل الطلوع، كما تضمن تعليل الفرق بين السنة والسنتين بقوله (عليه السلام): «إن لم يحمل هذه السنة حمل في السنة الأخري».

والثاني لا يناسب مساق كلامه (قده)، حيث بدأ بالفتوي، ثم استدل عليها.

مع أنه لا فائدة في الجمع بين النصوص بما لا يقول هو به، فكيف يحمل كلامه عليه ؟!.

وإن شئت قلت: حمل كلامه هذا علي مجرد الجمع بين الأخبار أبعد بكثير من حمله علي العدول عما أفتي به في النهاية والمبسوط من عدم جواز بيع الثمرة سنة واحدة قبل بدو الصلاح.

وأما الثالث فلم يتضح وجهه بعد كون دعاوي الإجماع التي وصلت إلينا

********

(1) مراده (قده) بحديث ثعلبة هو حديث بريد، لاضطراب السند عنده. فليلحظ. منه عفي عنه.

ص: 355

في جواز بيع الثمار عامين

ويجوز بيعها عامين فما زاد (1)،

---------------

متأخرة عنه، وأسبقها من ابن زهرة في الغنية المعلوم إكثاره من دعوي الإجماع، ووهن كثير منها، ثم من ابن إدريس بعد البناء منه علي حمل ما سبق من التهذيبين علي صورة طلوع الثمرة قبل بدو صلاحها الذي سبق الإشكال فيه.

وربما يكون ذلك هو منشأ دعوي الإجماع من غيره.

نعم ادعي الإجماع في المبسوط علي عدم جواز البيع قبل بدو الصلاح بشرط التبقية.

بل قد يظهر منه الإجماع علي ذلك عند جميع المسلمين، مع الإجماع عندنا أيضاً إذا كان مطلقاً لا بشرط القطع ولا التبقية.

لكنه لا يناسب ما يأتي من الصدوق من جواز البيع بمجرد الطلوع.

مضافاً إلي ظهور حال الكليني في العمل بصحاح بريد والحلبي وربعي، وظهور حال الصدوق في العمل بصحيح الحلبي، ومع الاقتصار في المقنعة علي كراهة البيع قبل بدو الصلاح من دون تنبيه لحرمة البيع قبل الطلوع.

بل من البعيد جداً إهمال الأصحاب (رضي الله عنهم) الصحاح المذكورة، بل يقرب عملهم بها وإن اختلفوا في تحديد مفادها.

مع قرب كون استحكام مقتضي القاعدة في نفوسهم من بطلان بيع غير الموجود حَمَلهم علي تنزيل هذه النصوص علي صورة طلوع الثمرة أو بدو صلاحها.

وكيف يعتمد حينئذٍ علي دعاوي الإجماع المذكورة، والخروج بها عما يقتضيه الجمع بين النصوص حتي يطعن في فتوي الشيخ (قده) بالشذوذ.

فلاحظ.

والله سبحانه وتعالي العالم.

(1) كما في المقنع وظاهر الفقيه، ويظهر الميل له من الشرائع، بل صرح به في التذكرة أولاً، ثم قال: «ويحتمل قوياً المنع.

.

.

»، وأخذ في الاستدلال عليه وفي المسالك والروضة أنه قوي إن لم يقم الإجماع علي خلافه.

ص: 356

(357)

ولعله يشير إلي ما في السرائر، حيث قال: «وكذا لا يجوز بيعها قبل أن تطلع سنتين بغير خلاف بيننا وبين المخالفين، وإنما يجوز عندنا خاصة بيعها إذا طلعت قبل بدو الصلاح سنتين.

.

.

وقد يشتبه علي كثير من أصحابنا ذلك ويظنون أنه يجوز بيعها سنتين وإن كانت فارغة ولم تطلع بعد وقت العقد.

وهذا بخلاف ما يجدونه في تصانيف أصحابنا وخلاف إجماعهم وأخبار أئمتهم وفتاواهم، لأنهم أجمعوا علي أن الثمرة إذا لم يبد صلاحها فلا بأس ببيعها سنتين من غير كراهة.

.

.

».

وكأنه فهم الإجماع من تحرير كثير منهم الكلام في صورة عدم بدو الصلاح.

وهو كما تري لا يكفي في استفادة إجماعهم علي المنع من البيع قبل بدو الصلاح، خصوصاً مع الاعتراف منه باشتباه كثير منهم وظنهم الجواز قبل الطلوع، ومع ما سبق من الصدوق، كما نبّه لذلك غير واحد.

وكيف كان فيشهد بالجواز ما تقدم من صحيحي يعقوب بن شعيب والحلبي وموثق أبي بصير أو صحيحه وصحيح سليمان بن خالد علي رواية الاستبصار دون ما تقدم من التهذيب.

فراجع.

مضافاً إلي صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر (عليه السلام): «وسألته عن شراء النخل سنتين أيحل ؟ قال: لا بأس، يقول: إن لم يخرج العام شيئاً أخرج العام القابل إن شاء الله»(1).

وذهب جماعة إلي عدم جواز بيعها إلا بعد ظهور الثمرة أو بدو صلاحها في العام الأول.

وفي الجواهر أنه المشهور نقلاً وتحصيلاً بين المتأخرين.

تعويلاً علي القاعدة، لكونه معدوماً، فضلاً عن الغرر والجهالة.

ولمعتبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): «سئل عن النخل والثمرة يبتاعها الرجل عاماً واحداً قبل أن يثمر.

قال: لا.

حتي تثمر وتأمن ثمرتها من الآفة.

فإذا أثمرت فابتعها أربعة أعوام [إن شئت.

التهذيبين] وإن شئت مع ذلك العام أو أكثر

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 21.

ص: 357

من ذلك أو أقل»(1).

وخبر أبي الربيع: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: إذا بيع الحائط فيه النخل والشجر سنة واحدة فلا يباعن حتي تبلغ ثمرته.

وإذا بيع سنتين أو ثلاثاً فلا بأس ببيعه بعد أن يكون فيه شيء من الخضرة [الخضر.

خ]»(2).

وأما الاستدلال له بإطلاق ما تضمن النهي عن بيع النخل أو بيع الثمرة حتي تزهو أو يعقد أو غير ذلك(3) فلا مجال له، لأن مقتضاه عدم جواز بيعها أكثر من سنة واحدة، لأن الثمرة لا تطلع فضلاً عن أن تزهو في الأكثر.

فهو نظير ما صرح به في خبر محمد بن شريح: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشتري ثمرة نخل سنتين أو ثلاثاً، وليس في الأرض غير ذلك النخل.

قال: لا يصلح إلا سنة.

ولا تشتره حتي يبين صلاحه.

قال: وبلغني أنه قال في ثمر الشجر: لا بأس بشرائه إذا صلحت ثمرته.

فقيل له: وما صلاح ثمرته ؟ قال: إذا عقد بعد سقوط ورده»(4).

ولابد من الخروج عن جميع ذلك بالنصوص السابقة بأجمعها.

فيقيد الإطلاق المتقدم بما إذا بيعت عاماً واحداً، ثم العمل بظهوره في التحريم، كما سبق منهم، أو حمله علي الكراهة أو التقية، علي ما سبق الكلام فيه.

وهو المتعين في خبر محمد بن شريح.

وأما معتبر أبي بصير فقد يشكل باشتماله علي اعتبار الأمن من الآفة الذي هو متأخر عن بدو الصلاح، فيلزم حمله علي الاستحباب.

كما أن خبر أبي الربيع قد يشكل بعدم خلوّ الخضرة فيه عن الإجمال.

ولو غض النظر عن ذلك فلابد من الخروج عنهما وعن القاعدة بالنصوص الأول المتضمنة لجواز بيعها أكثر من سنة.

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 12، 7.

(3) راجع وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 2، 5، 6، 14، 15، 16، 17.

(4) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 13.

ص: 358

(359)

في جواز بيع الثمار عاماً واحداً مع الضميمة

وعاماً واحداً مع الضميمة (1) علي الأقوي.

وأما بعد ظهورها، فإن بدا

---------------

وإذا أمكن حمل بعضها علي ما إذا أطعم في السنة الأولي من السنتين فلا مجال له فيما تضمن التعليل بأنه إن لم يحمل في هذه السنة حمل في قابل، إذ هو كالصريح في شرائه قبل أن يحمل.

وحينئذٍ يتعين تخصيص القاعدة، وحمل الحديثين المتقدمين علي الاستحباب أو التقية.

أو تجريد معتبر أبي بصير عن المفهوم، وحمل الخضرة في خبر الربيع لو تم سنده علي أمر غير طلوع الثمرة.

فلاحظ.

(1) كما عن الكفاية.

لكن أطلق في السرائر والتحرير والدروس المنع من بيعها مع الضميمة.

وفصل في التذكرة بين ما إذا كانت الضميمة هي المقصودة بالأصل وما إذا كانت مقصودة بالتبع، فجوّز في الأول، ومنع في الثاني.

وفي المسالك أنه المشهور.

وهو يبتني علي ما ذكروه في شروط العوضين من اغتفار الجهالة في التابع، دون ما هو المقصود بالأصل.

لكن المقام ليس من ضم المجهول للمعلوم، بل من ضم ما يحرز سلامته إلي ما لا يحرز، وقد سبق عند الكلام في اشتراط القدرة علي التسليم اقتصارهم فيه علي بيع العبد الآبق مع الضميمة.

وحيث تقدم منّا هناك عموم الجواز، فيتعين البناء عليه هنا.

ولاسيما مع استفاضة النصوص بذلك في بيع الثمار، كصحيح يعقوب بن شعيب:

«قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعها جميعاً» (1) ، وموثق سماعة أوصحيحه: «سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها؟ فقال: لا، إلا أن يشتري معها شيئاً من غيرها رطبة أو بقلاً، فيقول: أشتري منك هذه الرطبة وهذا النخل وهذا الشجر بكذا وكذا، فإن لم تخرج

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب بيع الثمار حديث: 1.

ص: 359

صلاحها، أو كان البيع في عامين أو مع الضميمة جاز بيعها بلا إشكال (1).

-

الثمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة والبقل»(1) ، وغيرهما.

ومنه ما سبق في حديثي أبي بصير وأبي الربيع المتقدمين والمتضمنين جواز بيع الثمرة أكثر من سنة إذا أثمرت في السنة الأولي أو كانت فيها خضرة، حيث تكون ثمرة السنة الأولي هي الضميمة.

بل ما تقدم من التعليل في حديث سماعة مطابق للتعليل المتقدم في تلك المسألة، بنحو يستفاد منه العموم، وكون الحكم المذكور علي طبق القاعدة.

(1) أما مع بدو الصلاح فقد كاد يكون ضرورياً، كما في مفتاح الكرامة.

ويقتضيه قوله (صلي الله عليه وآله وسلم) في صحيح ربعي المتقدم: «لا تباع الثمرة حتي يبدو صلاحها» وخبر محمد بن شريح المتقدم.

ويأتي الكلام في تحديد بدو الصلاح.

وعليه يحمل الإطعام والبلوغ في غير واحد من النصوص السابقة، أو علي الاستحباب أو التقية أو النهي لدفع الخصومة من دون تحريم، كما صرح به صحيحي الحلبي وعبد الله بن سنان.

كما يتعين لأجل ذلك حمل قوله (عليه السلام) في معتبر أبي بصير السابق: «حتي تثمر وتأمن ثمرتها من الآفة» علي الاستحباب أو التقية.

وأما مع كون البيع في أكثر من عام فهو المعروف بينهم، ونفي الخلاف فيه في كشف الرموز، بل ادعي الإجماع عليه فيما تقدم من السرائر وفي الخلاف والغنية والتذكرة والتنقيح وظاهر المبسوط ومحكي المهذب البارع.

نعم قد يظهر الخلاف فيه ممن لم يذكره في مسوغات البيع قبل الظهور أو قبل بدو الصلاح، كما في الإرشاد.

وكيف كان فيقتضيه إطلاق ما تضمن جواز بيعه أكثر من سنة، سواء بقي علي إطلاقه كما سبق منّا ومن بعضهم أم حمل علي ظهور الثمرة في السنة الأولي، كما تقدم من السرائر وغيره، وتقدم الاستدلال له ببعض النصوص.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 3 من أبواب بيع الثمار حديث: 1.

ص: 360

وأما مع الضميمة فهو المصرح به في كلامهم، وادعي عليه الإجماع في التذكرة والتنقيح.

وقد يناسبه ما في المبسوط من نفي الخلاف في جواز بيعها مع أصولها حينئذٍ.

لكن في الجواهر أنه منسوب للأكثر.

ولم يعرف المخالف في ذلك.

إلا أن يستفاد ممن أطلق عدم جواز بيعها قبل بدو صلاحها.

لكنه منصرف لبيعها وحدها.

وكيف كان فيقتضيه مضافاً إلي القاعدة النصوص المتقدمة في بيعها قبل ظهورها مع الضميمة.

ولا مجال لجريان شبهتهم المتقدمة في عدم جواز ضم المعلوم للمجهول إذا كان المجهول مقصوداً بالأصل، لفرض وجود الثمرة وعدم الجهل بها.

غاية الأمر أنه ورد النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها.

لكنه لو تم منصرف إلي بيعها وحدها.

ولا أقل من لزوم حمله علي ذلك لأجل النصوص المتقدمة.

بقي في المقام أمران: الأول: أن الأصحاب ذكروا أيضاً جواز بيعها بشرط القطع في الحال، وادعي الإجماع عليه في المبسوط والخلاف والغنية والسرائر وكشف الرموز والتذكرة وغيرها.

وهو مقتضي عمومات النفوذ بعد قصور نصوص المقام عن الفرض المذكور، لأن المنساق منها كون المنع من أجل عدم إحراز ترتب الغرض الداعي للشراء، وهو الانتفاع بالثمرة فيما يقصد منها نوعاً، والمفروض في المقام عدم كون الداعي للشراء ذلك، بل الانتفاع بها بوجه آخر يترتب علي حال الشراء.

فلاحظ.

الثاني: قال في القواعد: «لو بيعت علي مالك الأصل أو باع الأصل واستثني الثمرة فلا يشترط إجماعاً».

ومراده عدم اشتراط بدو الصلاح.

والوجه في عدم اشتراطه مع استثناء الثمرة أن دليل اشتراطه لو تم وارد في بيع الثمرة، لا في بيع الأصول.

وأما مع بيع الثمرة علي مالك الأصل فلم يتضح الوجه فيه مع إطلاق دليل اشتراطه لو تم فضلاً عن دعوي الإجماع عليه.

ولاسيما مع ما في المبسوط والخلاف من عموم المنع له تبعاً لعموم الأخبار.

ص: 361

أما مع انتفاء الثلاثة فالأقوي الجواز (1)

---------------

(1) كما تقدم من الشيخ في التهذيبين، سواء حمل كلامه علي ما قبل ظهور الثمرة كما تقدم منّا أم علي ما بعده، كما يظهر منهم.

وبه صرح في السرائر والتذكرة والقواعد والمختلف والإيضاح والدروس واللمعتين والتنقيح وجامع المقاصد والمسالك وعن غيرها.

وإليه قد يرجع ما في المقنعة من كراهة بيعها قبل بدو صلاحها.

وهو مقتضي القاعدة علي مباني الأصحاب، لعدم ورود شبهة الغرر بعد فرض وجود المبيع ورؤيته.

واحتمال تلفه بعد ذلك لا يمنع من صحة المعاملة، كسائر موارد احتمال تعرض المبيع للتلف أو السرقة أو نحوهما، كما نبّه له في السرائر.

مضافاً إلي ما في صحيح ربعي المتقدم من نهي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها من أجل خصومتهم، بل مع التصريح في صحيحي بريد والحلبي بأنه لم يكن تحريمياً.

ومن أجله يتعين حمل البلوغ في الثاني علي بدو الصلاح بعد ما سبق من وحدة الواقعة.

وهو المستفاد أيضاً من صحيح يعقوب بن شعيب، سواء حملت الكراهة فيه علي الكراهة المصطلحة كما سبق من التهذيبين أم علي التحريم، لظهوره في ارتفاع النهي بالطلوع.

وبذلك يظهر حال النصوص الأخر المتضمنة للبلوغ كصحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام): «وسألته عن شراء النخل سنة واحدة أيصلح ؟ قال: لا يشتري حتي يبلغ»(1) ، وصدر صحيح الحلبي وخبر أبي الربيع المتقدمين.

حيث يتعين حمل البلوغ فيها علي بدو الصلاح، أو حملها علي الكراهة أو التقية.

كما يتعين الحمل علي أحد الوجهين في النصوص الناهية عن البيع قبل بدو الصلاح، علي الكلام الآتي في تحديده.

وأما ما تضمن النهي عن البيع قبل الإطعام كصحيحي سليمان بن خالد وأبي

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 22.

ص: 362

بصير المتقدمين فإن حمل الإطعام فيها علي الطلوع بلحاظ كون الطالع من شأنه أن يطعم كان أسبق من بدو الصلاح، فيشهد بعدم اعتبار بدو الصلاح في جواز البيع، كما هو المدعي.

وإن حمل علي فعلية الإطعام بكون الثمرة صالحة للأكل، كان متأخراً عن بدو الصلاح، وتعين حمله علي الاستحباب أو التقية من أجل نصوص بدو الصلاح وغيرها.

هذا وقد صرح بعدم جواز البيع حينئذٍ وبطلانه في المبسوط والنهاية والمهذب والغنية والوسيلة والشرائع والنافع وغيرها، وهو المحكي عن ابن الجنيد وأبي الصلاح والتلخيص، وقد يرجع إليه ما في المقنع من عدم جواز بيع الثمرة حتي تبلغ.

ونسبه في المسالك والروضة للأكثر، بل في المبسوط والخلاف والغنية الإجماع عليه.

عملاً بالنصوص الناهية عن البيع قبل بدو الصلاح.

ويظهر ضعفه مما سبق.

وأشكل منه ما في المراسم من كراهة البيع قبل بدو الصلاح، لكن لو خاست الثمرة نقص من الثمن ما كان في مقابل التالف منها، ولم يبق للبائع إلا بقدر ما سلم منها.

ونسبه في كشف الرموز للمفيد في المقنعة أيضاً، واختاره، مدعياً أنه مقتضي الجمع بين النصوص الواردة بالمنع والناطقة بالجواز.

إذ فيه: لم يتضح وجه الجمع بذلك، لكون المنساق من جميع النصوص هو البيع المبتني علي سلامة تمام الثمن للبائع، وانقطاع علقته بالمبيع، فهو مخالف لجميع نصوص المقام، من دون أن يشهد له شيء.

علي أن المفيد إنما صرح بذلك في البيع قبل الظهور، لا قبل بدو الصلاح، بل اقتصر في البيع قبل بدو الصلاح علي الحكم بالكراهة، كما سبق.

وما في كلام غير واحد من حمل الظهور في كلامه علي بدو الصلاح غير ظاهر الوجه.

نعم هو خال عن الدليل أيضاً، ومخالف لجميع النصوص، لما سبق.

بقي شيء.

وهو أن مقتضي القاعدة جواز البيع بمجرد ظهور عنوان الثمرة من تمر أو عنب أو غيرهما.

بل وإن كان تحوله للثمرة من سنخ تحول الحقيقة لحقيقة أخري، نظير تحول البيضة إلي دجاجة، كالطلع والتمر في المقام.

ص: 363

مع الكراهة (1).

-

نعم لو كان الظاهر أمراً مبايناً لمبدأ تكوينها عرفاً كالورد الذي تنعقد الثمرة بعد سقوطه فلا مجال لتصحيح البيع بمقتضي القاعدة، لأن المبيع إن كان هو الموجود لزم عدم استحقاق ما يخلفه.

وإن كان هو الثمرة فهي غير موجودة فعلاً، لتكون طرفاً في المعاوضة.

كما أنه لو تم الإجماع علي عدم جواز بيع الثمرة قبل طلوعها.

فقد يراد به لزوم صدق الثمرة عليه حين البيع، وعدم كفاية ظهور مبدأ التكوين إذا لم يصدق عليه الثمرة، فيكون مخصصاً للقاعدة.

نعم لا يبعد قصوره عما لو صدق عنوان الثمرة بإطلاقه، وإن لم يصدق بخصوصيته المطلوبة، بل يكون داخلاً فيما نحن فيه من الكلام في جواز بيع الثمرة بعد طلوعها قبل بدو صلاحها.

فلاحظ.

(1) كما تقدم من الشيخ في التهذيبين وبه صرح غيره ممن ذهب إلي الجواز.

وهو مقتضي النصوص المانعة عن البيع قبل بدو الصلاح بعد رفع اليد عن ظهورها في التحريم.

وكذا صحيح يعقوب بن شعيب بناء علي حمله علي الكراهة المصطلحة.

وحملها علي التقية وإن كان ممكناً، إلا أنه خلاف الأصل بعد إمكان الجمع العرفي بالحمل علي الكراهة الشرعية المصطلحة.

وكذا حمله علي النهي الإرشادي أو الولايتي الشخصي لدفع الخصومة.

ومجرد ظهور بعض النصوص المتقدمة في ذلك لا يكفي في حمل غيره من النصوص عليه.

ثم إنه مما سبق يظهر أن الأفضل الانتظار حتي يؤمن علي الثمرة من الآفة كما هو مقتضي معتبر أبي بصير المتقدم.

فلاحظ.

بقي شيء.

وهو بعض نصوص المسألة وكلمات الأصحاب وإن اختصت بثمرة النخل.

إلا أنه يبدو من جملة كلماتهم عدم الفرق بينها وبين ثمرة سائر الأشجار، كما هو مقتضي جعل موضوع المسألة بيع الثمار بإطلاقها أو مع التصريح بالتعميم، كما في

ص: 364

(365)

المعيار في بدو الصلاح

(مسألة 2): بدو الصلاح في التمر احمراره أو اصفراره (1)، وفي غيره

---------------

المقنعة والنهاية والمبسوط والوسيلة والمهذب والسرائر والجامع وغيرها.

وفي التحرير: «الشجر والنخل في الحكم سواء» وصرح بأن الخلاف في بعض فروع بيع ثمر النخل يجري في ثمر بقية الأشجار في التذكرة والإيضاح وجامع المقاصد.

والوجه في ذلك الإطلاق، بل التصريح بالعموم في صحيحي الحلبي ويعقوب بن شعيب وخبر أبي بصير وجملة من نصوص البيع مع الضميمة.

بل يظهر من صحيحي بريد والحلبي الواردين في نهي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عن بيع ثمرة النخل قبل الطلوع أو البلوغ إلغاء خصوصية النخل، وأن المعيار مطلق الثمرة.

ومن هنا لا ينبغي الإشكال في العموم في جميع الأحكام المتقدمة، ولا يخرج عنه إلا بدليل.

(1) كما في النهاية والمبسوط والسرائر والنافع والتذكرة والتحرير والدروس واللمعتين والمسالك وظاهر جامع المقاصد، وفيه أنه المشهور، وفي النافع والقواعد أنه الأشهر.

وفي الجواهر أنه المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً شهرة عظيمة.

لمعتبر الوشا: «سألت الرضا (عليه السلام) هل يجوز بيع النخل إذا حمل ؟ قال: لا يجوز بيعه حتي يزهو.

قلت: وما الزهو جعلت فداك ؟ قال: يحمر ويصفر وشبه ذلك»(1) ، ورواه الصدوق بطريق صحيح، إلا أنه أسقط قوله: «وشبه ذلك».

وحديث علي بن أبي حمزة: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشتري بستاناً فيه نخل ليس فيه غيره [غير بسرٍ] بسراً أخضراً.

قال: لا حتي يزهو.

قلت: وما الزهو؟ قال: حتي يتلون»(2) ويؤيدهما ما في حديث المناهي عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): «ونهي أن يبتاع الثمار حتي تزهو.

يعني تصفر أو تحمر»(3).

وهي كما تري إنما تتضمن تفسير الزهو بذلك، لا تفسير بدو الصلاح به.

-

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 1، 5، 14.

ص: 365

نعم في حديث القاسم بن سلام عنه (صلي الله عليه وآله وسلم): «أنه نهي عن المخاضرة.

وهو أن يبتاع الثمار قبل أن يبدو صلاحها وهي خضر بعد»(1) ، لظهوره في حصول بدو الصلاح بارتفاع الإخضرار، وهو عبارة أخري عن تبدل لونها للصفرة والحمرة ونحوهما.

لكنه مع ضعف سنده ظاهر في كون التفسير من الراوي.

فالعمدة في المقام أن ما تضمن بدو الصلاح من النصوص ينحصر بصحيح ربعي وخبر محمد بن شريح المتقدمين.

والأول لا يظهر في النهي التعبدي بعد التصريح فيه بأن النهي فيه كان من أجل تظلمهم، ولاسيما مع التصريح في صحيحي بريد والحلبي بأن النهي لم يكن تحريمياً، بضميمة ما سبق من وحدة الواقعة في الصحاح الثلاث.

والثاني ضعيف في نفسه، مخالف لما تطابقت عليه النصوص والفتاوي من جواز البيع أكثر من سنة.

ومن هنا يقرب أن يكون بدو الصلاح في كلام الفقهاء مشيراً لما تضمنت النصوص الأخر التحديد به، من دون أن يكون بنفسه حداً ليقع الكلام في شرحه.

وحيث تقدم ذكر الزهو في النصوص السابقة مع شرحها له بالتلون توجه منهم تحديد بدو الصلاح بذلك، وتنزيل ما تضمن الإطعام والبلوغ عليه، أو علي ما لا ينافيه، كما سبق عند الكلام في جواز البيع قبل بدو الصلاح.

هذا وفي صحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام): «سألته عن بيع النخل أيحل إذا كان زهواً؟ قال: إذا استبان البسر من الشيص حلّ بيعه وشراؤه»(2).

وقد يظهر في اعتبار أمر آخر غير الزهو.

لكن الظاهر أن استبانة البسر من الشيص أسبق من الزهو، فيكون ظاهراً في كفاية ذلك في الحلّ، ويتعين لأجله حمل نصوص الزهو علي الاستحباب.

نعم رواه في البحار هكذا: «وسألته عن بيع النخل.

قال: إذا كان زهواً واستبان البسر من الشيص حلّ شراؤه»(3).

ومقتضاه اعتبار الأمرين معاً.

وفي المطبوع من

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 15، 17.

(3) بحار الأنوار ج: 10 ص: 257.

ص: 366

انعقاده بعد تناثر ورده (1).

-

كتاب علي بن جعفر: «قال: إذا كان زهواً أو استبان البسر من الشيص حلّ شراؤه»(1).

ومن ثم لا مجال للخروج به عما سبق.

هذا وقد ذكر بعض مشايخنا (قده) أن بدو الصلاح أن يصير قابلاً للأكل عادة وإن كان في أول أوان أكله.

وكأنه اعتمد علي ما تضمن الإطعام بعد حمله علي فعلية الإطعام.

لكنه لو تم لزم رفع اليد عنه بنصوص المقام، وحمله علي الاستحباب، لأن الظاهر أن التلون أسبق من ذلك.

ولا يتضح الوجه في إهماله لنصوص المقام بعد أن كان فيها الصحيح.

ومثله ما نقل قولاً في المقام وإن لم يعرف قائله من أن بدو الصلاح هو الأمن علي الثمرة من الآفة.

فإنه وإن كان يشهد له قوله (عليه السلام) في معتبر أبي بصير المتقدم: «لا.

حتي تثمر وتأمن ثمرتها من الآفة».

إلا أن من الظاهر أن الأمن علي الثمرة من الآفة متأخر عن بدو الصلاح والزهو بالمعني المتقدم، فلابد من حمله علي الاستحباب من أجل نصوص المقام.

وكذا ما في الشرائع من أن بدو الصلاح هو الاحمرار أو الاصفرار أو أن يبلغ مبلغاً يؤمن عليه العاهة، سواء أريد به التردد أم التخيير.

إذ لا وجه للتردد مع اعتبار دليل الاحمرار والاصفرار، وتعين الجمع بالاستحباب، كما تقدم.

ولا للتخيير مع ظهور كون بدو الصلاح حسبما يظهر من صحيح ربعي حداً عرفياً معروفاً وليس أمراً تشكيكياً ذا مراتب.

فلاحظ.

(1) قد اختلفت كلمات الأصحاب كثيراً في بدو الصلاح في غير التمر.

فقيل: هو انعقاد الحب، وقيل: هو ذلك مع تناثر الورد، وقيل: هو البلوغ.

علي اختلاف بينهم في أن ذلك في الشجر أو في الشجر والسنبل.

********

(1) مسائل علي بن جعفر ص: 122.

ص: 367

وفي المبسوط: «وبدو الصلاح يختلف بحسب اختلاف الثمار، فإن كانت الثمرة مما تحمر أو تسود أو تصفر فبدو صلاحها فيها الحمرة أو السواد أو الصفرة، وإن كانت مما تبيض فهو أن يتموه، وهو أن ينمو فيه الماء الحلو ويصفر لونه.

وإن كان مما لا يتلون مثل التفاح والبطيخ فبأن يحلو أكله، وإن كان مثل البطيخ فبأن يقع فيه النضج، لأن له نضجاً كنضج الرطب.

وقد روي أصحابنا أن التلون يعتبر في ثمرة النخل خاصة.

فأما ما يتورد فبدو صلاحه أن ينتشر الورد وينعقد.

وفي الكرم أن ينعقد الحصرم.

وإن كان مثل القثاء والخيار الذي لا يتغير طعمه ولا لونه، فإن ذلك يؤكل صغاراً، فبدو صلاحه فيه أن يتناهي عظم بعضه».

هذا وقد سبق أن مقتضي القاعدة جواز بيع الثمرة من دون ضميمة بمجرد طلوعها بحيث يكون هناك شيء له وجود يشار له عرفاً وإن لم يصدق عليه الثمرة، بل كان مبدأ لتكوينها، حتي علي ما جروا عليه من المنع عن بيع الغرر.

فاللازم البناء علي ذلك في المقام ما لم يثبت النهي عنه، واعتبار شيء زائد علي ذلك.

وقد ثبت ذلك في التمر، كما تضمنته نصوص الزهو السابقة.

أما في غيره فلم يرد إلا ما تقدم في خبر محمد بن شريح عن أبي عبد الله (عليه السلام) من قوله: «وبلغني أنه قال في ثمر الشجر: لا بأس بشرائه إذا صلحت ثمرته.

فقيل له: وما صلاح ثمرته ؟ قال: إذا عقد بعد سقوط ورده(1)».

وما في موثق عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): «سألته عن الكرم متي يحل بيعه ؟ قال: إذا عقد وصار عروقاً».

كذا في الكافي.

وفي التهذيب: «قال: إذا عقد وصار عقوداً.

والعقود اسم الحصرم بالنبطية»(2).

أما الأول فهو ضعيف السند، وخصوصاً هذه الفقرة منه، لظهور كلام الراوي في عدم سماعه لها بنفسه من الإمام (عليه السلام)، بل قد بلغته عنه، فهي مرسلة منه عنه (عليه السلام).

مع أن ظاهره إرادة انعقاد الثمرة الملازم لسقوط الورد، وهو أول انعقادها وظهورها،

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 13، 6.

ص: 368

(مسألة 3): يعتبر في الضميمة المجوزة لبيع التمر قبل بدو صلاحه أن تكون مما يجوز بيعها منفردة (1)،

---------------

لا بعده بمدة طويلة بعد أن تنمو نمواً معتداً به، فإنه ليس انعقاداً، بل يكون بعد الانعقاد.

ومن الظاهر أن الانعقاد المذكور عبارة أخري عن ظهور الثمرة وبدو تكوينها الذي سبق أن اعتباره مقتضي القاعدة من دون حاجة للنص.

وأما الثاني فهو وإن تم سنده، إلا أنه سبق الاختلاف في متنه، فعلي رواية الكافي يكون ظاهراً في اعتبار بروز الشعب في زهره، بحيث يبدأ تكون العنقود له، وبه يكون مبدأ انعقاد حبه.

وعلي رواية التهذيب يكون المراد بلوغه حداً يصير حصرماً.

لكن الثاني موقوف علي أن يكون التفسير من الإمام (عليه السلام)، وهو غير ظاهر، بل بعيد.

فإن تعبيره بالحصرم رأساً أولي.

بل يكاد يقطع بعدمه بملاحظة رواية الكافي، حيث يبعد جداً حذفه للتفسير المذكور لو كان جزءاً من الرواية، بخلاف الاختلاف في رسم الكلمة الواحدة فإنه أمر مألوف شائع.

ولا أقل من عدم ثبوت كون التفسير المذكور من الإمام، وحينئذٍ لا يكون حجة.

بل هو لا يخلو عن بعد في نفسه، حيث لا يظهر الوجه لتعبير الإمام (عليه السلام) بالنبطية ما لم تكن الكلمة شائعة في العرف بحيث لا تحتاج للتفسير.

ومن هنا لا يبعد حمل رواية التهذيب علي بدء انعقاد الحب، فتقارب رواية الكافي.

ولاسيما بملاحظة ما في المنجد من أن عقد الزهر انضمام أجزائه بحيث يصير ثمراً، وهو راجع إلي بدء ظهور الثمرة الذي عرفت أنه مقتضي القاعدة، نظير ما تقدم في خبر محمد بن شريح.

هذا وأما ما عدا ذلك كالخضر فالمتعين الرجوع فيه للقاعدة التي سبق تحديد مفادها.

ولا ملزم باعتبار بدو الصلاح فيه، ليقع الكلام في تحديده.

فلاحظ.

(1) بأن تكون ذات قيمة معتد بها، كما تقدم منه (قده) نظير ذلك في بيع الآبق

ص: 369

وكونها مملوكة للمالك (1)، وكون الثمن لها وللمنضم علي الإشاعة (2).

ولا يعتبر فيها أن تكون متبوعة (3) علي الأقوي، فيجوز كونها تابعة (4).

-

مع الضميمة، وتقدم الوجه فيه، فإن المقامين من باب واحد.

ومنه يظهر عدم الوجه لتنظر صاحب الجواهر فيه.

(1) كما ذكره في الجواهر بدواً، وإن تنظر فيه أخيراً.

وهو المنصرف من نصوص المقام.

بل هو صريح موثق سماعة أوصحيحه: «سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها؟ فقال: لا.

إلا أن يشتري معها شيئاً من غيرها رطبة أو بقلاً، فيقول: أشتري منك هذه الرطبة وهذا النخل وهذا الشجر بكذا وكذا، فإن لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة والبقل.

..»(1).

ونحوه سبق في مبحث القدرة علي التسليم في مثل بيع الآبق مع الضميمة، لأنهما علي نهج واحد.

(2) كما ذكره في الجواهر بدواً، وإن تنظر فيه أخيراً أيضاً.

وهو المستفاد من النصوص انصرافاً أو ظهوراً.

ولاسيما ما تضمن التعليل بأنه إن لم يخرج كان رأس المال في الضميمة، إذ هو كالصريح في وحدة رأس المال فيهما معاً، إذ لو لم يكن بنحو الإشاعة كان لكل منهما رأس ماله، ولم يبق في مقابل رأس مال الثمرة شيء.

(3) خلافاً لما سبق من التذكرة.

وتقدم وجهه ودفعه عند الكلام في جواز بيع الثمرة قبل ظهورها عاماً واحداً مع الضميمة.

(4) كأغصان الشجر الحاصلة للثمرة.

والوجه فيه إطلاق الشيء في حديث سماعة المتقدم.

مضافاً إلي عموم التعليل الذي تضمنه هو وبعض النصوص المتقدمة عند الكلام في اشتراط القدرة علي التسليم في العوضين.

ومنه يظهر الجواز فيما إذا كانا معاً مقصودين بالأصل من دون تبعية.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 3 من أبواب بيع الثمار حديث: 1.

ص: 370

(371)

جواز بيع التمر مع ظهور بعضه

(مسألة 4): يكفي في الضميمة في تمر النخل مثل السعف والكرب والشجر اليابس الذي في البستان (1).

(مسألة 5): لو بيعت الثمرة قبل بدو صلاحها مع أصولها جاز (2) بلا إشكال.

(مسألة 6): إذا ظهر بعض ثمر البستان جاز بيع المتجدد في تلك السنة معه وإن لم يظهر (3)،

---------------

(1) يظهر وجهه مما سبق.

ومنه يظهر عدم خصوصية التمر.

ولعله (قده) ذكره لمجرد التمثيل.

(2) كما في الشرائع والنافع والتذكرة وغيرها.

وفي التذكرة والتنقيح الإجماع عليه.

ويقتضيه إطلاق دليل جواز البيع مع الضميمة.

ولاسيما مع كون الضميمة في المقام هي المبيعة أصالة، والثمرة تابعة عرفاً، كحمل الدابة.

مضافاً إلي صحيح غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): من باع نخلاً قد أبره فثمره للبائع، إلا أن يشترط المبتاع.

ثم قال: قضي به رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)» (1)، ونحوه غيره.

(3) صرح غير واحد بالاكتفاء في جواز بيع جميع الثمرة بظهور بعضها أو بدو صلاحه، علي الخلاف في معيار الجواز.

بل هو المدعي عليه الإجماع صريحاً في الخلاف والمسالك، وظاهراً في الغنية والتذكرة.

ويقتضيه مضافاً إلي ما سبق من عموم جواز البيع مع الضميمة النصوص الخاصة، كصحيح يعقوب بن شعيب، قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعها جميعاً» (2).

-

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 32 من أبواب أحكام العقود حديث: 3.

(2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب بيع الثمار حديث: 1.

ص: 371

اتحد الجنس أم اختلف (1)، اتحد البستان أم تكثر (2) علي الأقوي.

-

ومعتبر إسماعيل بن الفضل عنه (عليه السلام): «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن بيع الثمرة قبل أن تدرك.

قال: إذا كان له في تلك الأرض بيع له غلة قد أدركت فبيع ذلك كله حلال»(1).

وصحيح الحلبي عنه (عليه السلام): «قال: تقبل الثمار إذا تبين لك بعض حملها سنة، وإن شئت أكثر.

وإن لم يتبين لك ثمرها فلا تستأجر»(2).

وحديث علي بن أبي حمزة: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشتري بستاناً فيه نخل وشجر منه ما قد أطعم ومنه ما لم يطعم.

قال: لا بأس فيه إذا كان فيه ما قد أطعم...»(3)

ويحمل علي شراء ثمر البستان بقرينة الجواب.

(1) للعموم المتقدم، وإطلاق بعض النصوص المتقدمة، وخصوص صحيح يعقوب بن شعيب منها.

وبه يخرج عما يأتي في موثق عمار، ويتعين حمله علي الكراهة.

(2) كما جعله في النافع الأشبه، وجزم به في كشف الرموز والمختلف والدروس والتنقيح والمسالك ومحكي غيرها.

للعموم المتقدم.

وقد يستدل له أيضاً بمعتبر إسماعيل المتقدم، بدعوي شمول قوله (عليه السلام): «في تلك الأرض» لما إذا تعددت البساتين.

ولا يخلو عن إشكال، حيث لا يبعد كون مصحح العهد والإشارة مناسبة الأرض للثمرة المفروضة في السؤال، بلحاظ كونها بستاناً لها.

فالعمدة العموم المتقدم.

لكن في المبسوط: «وإن كان بستانان، فبدا صلاح الثمرة في أحدهما، ولم يظهر في الآخر، لم يجز بيع ما لم يبن صلاحه، لأن لكل بستان حكم نفسه، سواء كان من جنس ما ظهر صلاحه أم من غير جنسه.

وفيه خلاف».

وعليه جري في الخلاف ويظهر منه دعوي الإجماع عليه.

وقد يظهر من الاستبصار إيضاً، لأنه احتمل حمل موثق عمار الآتي علي ما إذا كانت الأنواع المختلفة في أماكن متفرقة.

-

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب بيع الثمار حديث: 2، 4، 3.

ص: 372

هذا ويظهر من المختلف والدروس أن دليله علي التفصيل المذكور هو موثق عمار المذكور عن أبي عبد الله (عليه السلام): «سئل عن الفاكهة متي يحل بيعها؟ قال: إذا كانت فاكهة كثيرة في موضع واحد فأطعم بعضها فقد حل بيع الفاكهة كلها.

فإذا كان نوعاً واحداً فلا يحل بيعه حتي يطعم.

فإن كان أنواع متفرقة فلا يباع شيء منها حتي يطعم كل نوع منها واحدة، ثم تباع تلك الأنواع»(1).

وقد حمله في المختلف علي ما إذا تعددت العقود.

وجعله في الدروس معارضاً بصحيح إسماعيل بن الفضل المتقدم.

ويشكل الأول بأن الحمل المذكور تبرعي لا شاهد عليه، بل هو مخالف للظاهر جداً.

والثاني بما سبق من الإشكال في عموم صحيح إسماعيل لما إذا تعددت البساتين.

مع أنه لو تم له إطلاق يقتضي ذلك تعين حمله علي وحدة البستان، جمعاً مع موثق عمار لو تمت دلالته علي المنع من الضميمة إذا تعددت البساتين.

فالعمدة في المقام عدم ظهور الموثق في التفصيل بين وحدة البستان وبين تعدده، بل بين وحدة نوع الفاكهة وتعدده.

غايته أن التفصيل المذكور يكون مستدركاً علي إطلاق الجواز الذي تضمنه صدره، ويتعين كونه تعقيباً عليه كالشرح له، كما احتمل ذلك في مفتاح الكرامة.

بل هو المتعين وإن استلزم نحواً من الاضطراب في متنه.

وهو غير عزيز في النصوص.

ولا مجال لحمله علي تعدد البساتين، كما تقدم احتماله من الاستبصار، لعدم المنشأ فيه لاحتمال ذلك.

ومن هنا يتعين حمله علي الكراهة، جمعاً مع صحيح يعقوب بن شعيب الصريح في جواز الضميمة مع تعدد الأنواع، كما أشرنا إليه آنفاً.

وأما ما سبق من المبسوط من أن لكل بستان حكم نفسه، فلا شاهد له ليخرج به عن الجواز مع الضميمة.

ومن هنا يتعين البناء علي عموم الجواز في المقام، عملاً بالعموم المذكور.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب بيع الثمار حديث: 5.

ص: 373

(مسألة 7): إذا كانت الشجرة تثمر في السنة الواحدة مرتين ففي جريان حكم العامين عليهما إشكال (1).

(مسألة 8): إذا باع الثمرة سنة أو سنتين أو أكثر ثم باع أصولها علي شخص آخر لم يبطل بيع الثمرة (2)، بل تنقل الأصول إلي المشتري مسلوبة المنفعة في المدة المعينة (3).

وله الخيار في الفسخ مع الجهل (4).

ولا يبطل

---------------

(1) حيث قد يوجه الإلحاق بإلغاء خصوصية السنة عرفاً، وفهم أن المدار علي تعدد الإنتاج بنحو يبعد تخلف الإنتاجين معاً.

ولعله لذا جري عليه بعض مشايخنا (قده).

كما قد يوجه عدمه باحتمال خصوصية السنة في غلبة عدم التخلف مع التعدد.

وهو المتعين.

فالمقام نظير إلحاق تعدد البستان بتعدد السنة، لأن التخلف معه أبعد من التخلف في البستان الواحد، الذي لا مجال له قطعاً.

(2) بلا إشكال ظاهر.

لعدم الموجب للبطلان بعد إمكان اختلاف مالك الأصل مع مالك الثمرة، ولذا أمكن بيعها وحدها، كما هو المفروض في المقام.

(3) لأن ذلك هو الذي يملكه البائع وله السلطنة علي بيعه.

والمراد بالمنفعة ما يعم النماء، كما هو ظاهر.

(4) لأنه نحو من النقص في المبيع ينافيه إطلاق البيع عرفاً.

ولا مجال للبناء علي ثبوت الأرش له تخييراً مع الفسخ، أو بشرط تغير وضع البستان، كما سبق في خيار العيب.

لعدم كون ذلك عيباً عرفاً.

بل يتعين له الفسخ وإرجاع العين، أو جريان حكم تغيير العين في غير العيب من موارد الخيار.

فلاحظ.

ثم إن ذلك إنما يتجه إذا كانت الثمرة من سنخ المنفعة المملوكة تبعاً من دون أن تكون مقابلة بجزء من الثمن، كما لو لم تكن موجودة حين البيع.

أما إذا كانت موجودة حين البيع ولو بوجود مبدأ تكوينها.

فإن قصد بيع الأصول وحدها أو حكم شرعاً

ص: 374

(375)

تلف التمر قبل القبض

بيع الثمرة بموت بائعها، بل تنتقل الأصول إلي ورثة البائع بموته مسلوبة المنفعة (1).

وكذا لا يبطل بيعها بموت المشتري، بل تنتقل إلي ورثته (2).

(مسألة 9): إذا اشتري ثمرة فتلفت قبل قبضها، انفسخ العقد، وكانت الخسارة من مال البائع (3)، كما تقدم ذلك في أحكام القبض، وتقدم أيضاً إلحاق السرقة ونحوها بالتلف، وحكم ما لو كان التلف من البائع والمشتري والأجنبي.

-

بذلك كما في بيع النخل بعد التأبير، علي ما تقدم عند الكلام فيما يدخل في المبيع فلا موجب للخيار.

وإن كانت جزءاً من المبيع كان من صغريات مسألة بيع ما يملك وما لا يملك، حيث يتوزع الثمن علي الأصل والثمرة.

فإن أجاز مالك الثمرة نفذ البيع في الكل، وكان له ما يخصها من الثمن.

وإن لم يجز نفذ البيع في خصوص الأصل بما يخصه من الثمن، ورجع ما يقابل الثمرة للمشتري، وكان له الخيار، لتبعض الصفقة.

(1) لنظير ما سبق.

(2) بلا إشكال ظاهر، لأنها وإن لم تكن مملوكة للمورث حين موته، لعدم وجودها، إلا أنها مستحقة له بالبيع، فينتقل الحق لوارثه.

(3) كما ذكره في المبسوط فيما إذا كانت الثمرة علي رؤوس الشجر، وفي الشرائع فيما إذا كانت الثمرة قد بدا صلاحها، وفي التذكرة فيما إذا كانت طالعة وإن لم يبد صلاحها.

لكن المتيقن من ذلك ما إذا بيعت بعد وجودها صالحة للقطف.

وكذا إذا بيعت قبل ذلك، وكان البيع مبتنياً علي تعهد البائع بتسليمها صالحة للأكل.

وأما إذا ابتني البيع علي عدم تعهد البائع بذلك كما هو الشائع في بيع الثمار في محل

ص: 375

الكلام فالظاهر عدم ضمان البائع بتلفها قبل القبض إذا تسبب عن نقص داخلي فيها كالمرض أو خارجي طبيعي، كالزوابع والأمطار والحر والبرد ونحوها مما يتعارف تعرض الثمرة له وتلفها به.

وكذا لا ضمان بعدم ظهور الثمرة حينئذٍ، ولا بعدم بلوغها ونضجها حتي تتلف.

كل ذلك لعدم ابتناء البيع علي التسليم والتسلم حينئذٍ، بل علي إقدام البائع علي الخطر، فيقصر دليل ضمان البائع للمبيع قبل قبضه عن ذلك، كما يظهر بالرجوع لمبحث التسليم والقبض.

وكذا إذا كان التلف مستنداً للمشتري علي ما سبق هناك أيضاً.

وأما إذا كان مستنداً للبائع فلا إشكال في جواز رجوع المشتري عليه بالمثل أو القيمة، عملاً بالقاعدة، بناءً علي ما سبق في مبحث القبض والتسليم من قصور دليل انفساخ البيع بالتلف قبل القبض عن ذلك.

وكذا إذا كان المتلف هو الأجنبي وكانت الثمرة تحت يد البائع أمانة وكان مفرطاً في تمكين الأجنبي من ذلك.

كما يجوز للمشتري الرجوع بذلك علي المتلف نفسه.

وفي جواز رجوعه بالثمن المسمي علي البائع إشكال، لانحصار الوجه فيه هناك كما سبق بابتناء البيع علي اشتراط التسليم، فيثبت الخيار بتخلفه، ولا يجري ذلك هنا، لعدم ابتناء البيع فيه علي ذلك بعد ما هو المعلوم من تعرض المبيع هنا لعدم الوجود أو التلف.

إلا أن يدعي ابتناؤه علي التسليم في فرض سلامة الثمرة وصلوحها للقطف.

لكنه لا يخلو عن إشكال، لعدم وضوح كونه شرطاً يبتني البيع عليه مع قطع النظر عن وجوب تسليم مال الغير إليه شرعاً.

واللازم الرجوع في ذلك للعرف المعاملي الخاص بهذه المعاملة.

فلاحظ.

ص: 376

(377)

في استثناء ثمرة شجرات

(مسألة 10): يجوز لبائع الثمرة أن يستثني ثمرة شجرات أو نخلات بعينها (1)، وأن يستثني حصة مشاعة (2)، كالربع والخمس، وأن يستثني مقداراً معيناً (3)، كمنّ ووزنة.

لكن في الصورتين الأخيرتين لو خاست

---------------

(1) بلا خلاف ولا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه.

كذا في الجواهر.

ويقتضيه مضافاً إلي عمومات النفوذ والصحة صحيح ربعي المتقدم: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن لي نخلاً بالبصرة، فأبيعه وأسمي الثمن، وأستثني الكر من التمر أو أكثر، أو العدد من النخل.

فقال: لا بأس.

..»(1).

نعم لابد من تعيين النخل المستثني وعدم إبهامه، كما في المقنعة والنهاية والتذكرة وغيرها، بل في التذكرة الإجماع عليه.

لامتناع الإبهام في الأمر المستحق.

وأما ما في الجواهر من التعليل بالجهالة فهو إنما يتجه مع تعيينه واقعاً والجهل به حين العقد، كما لو استثني الشجر المغروس قبل عشر سنين المجهول لهما أو لأحدهما حين العقد، والظاهر عدم إرادتهم ذلك، بل ما ذكرنا من الإبهام.

(2) بلا خلاف ولا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه، كما في الجواهر.

والوجه فيه عمومات الصحة والنفوذ.

(3) كما هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، كما في الجواهر، بل في الخلاف وظاهر التذكرة الإجماع عليه.

ويقتضيه صحيح ربعي المتقدم، وصحيحه الآخر عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في الرجل يبيع الثمرة، ثم يستثني كيلاً وتمراً.

قال: لا بأس به.

قال: وكان مولي له عنده جالساً، فقال المولي: إنه ليبيع ويستثني أوساقاً يعني أبا عبد الله (عليه السلام).

قال: فنظر إليه ولم ينكر ذلك من قوله»(2).

هذا وفي المقنعة والمبسوط والنهاية والسرائر بعد الحكم بالجواز أن استثناء

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 4.

(2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 15 من أبواب بيع الثمار حديث: 1.

ص: 377

الثمرة وزع النقص علي المستثني والمستثني منه علي النسبة (1).

وطريق

---------------

الحصة المشاعة أحوط.

وعلله في المبسوط بأن في الأول خلافاً.

وفي المختلف نسب الخلاف لأبي الصلاح.

لكن عن الكافي لأبي الصلاح الحكم بالجواز.

وكيف كان فلا يتضح الوجه في المنع إلا ما عن بعض العامة مما لا مجال للخروج به عما تقتضيه الأدلة الشرعية العامة والخاصة المتقدم التعرض لها.

(1) كما في المقنعة والنهاية والشرائع والنافع والتذكرة والقواعد والتحرير والإرشاد والدروس واللمعتين وجامع المقاصد والمسالك وغيرها، وفي الجواهر: «لا أجد فيه خلافاً بينهم».

ومقتضي إطلاق بعض من تقدم جريان ذلك حتي في الصورة الأولي.

ومن البعيد جداً بناؤهم علي ذلك، لتميز المبيع عن المستثني خارجاً، فلا منشأ لتحميل التلف من أحدهما علي الآخر، ولذا قد يظهر من المسالك والجواهر حمل المراد من الإطلاق المذكور علي الصورتين الأخيرتين لا غير.

هذا ولا ينبغي الإشكال في التوزيع في الصورة الثانية، لأن الظاهر ابتناء استثناء الجزء المشاع عرفاً علي اشتراك الجزئين المشاعين في السلامة والتلف وغيرهما من الطوارئ.

علي أن من القريب كون الاستثناء في المقام إنما هو من الثمرة الناضجة الصالحة للاستعمال، لأنها مورد غرض المستثني، كما يأتي في الصورة الثالثة.

أما في الصورة الثالثة فقد يظهر منهم ابتناء التوزيع علي حمل المستثني علي الإشاعة، وأنه راجع إلي استثناء جزء مشاع من الثمرة نسبته لمجموعها بقدر نسبة الأرطال لمجموع الثمرة في واقعها لو سلمت، كالربع أو السدس أو العشر أو غيرها، فيتعين جريان حكم الإشاعة المتقدم.

ومن هنا ذكر في الدروس أنه قد يفهم من هذا التوزيع تنزيل شراء صاع من الصبرة علي الإشاعة.

وكأنه لاشتراك الصاع من الصبرة والمستثني في المقام في كونهما

ص: 378

قدراً معيناً من مجموع خارجي موجود أو مقدر الوجود، فحيث فهمت الإشاعة في المقام تعين البناء عليها هناك.

لكن لا ينبغي الإشكال في أنه ليس المراد من بيع الصاع من الصبرة الإشاعة، لابتنائها علي عناية يعلم بعدم قصد المتبايعين لها.

ومن هنا يتعين حمله علي الكلي في المعين.

وتمام الكلام في محله.

ومن هنا ذكر في الروضة أنه يبقي في المقام السؤال عن الفرق بين المقامين.

وقد أطال شيخنا الأعظم (قده) وجماعة ممن عقب علي كلامه في بيان ذلك بما لا يسعنا استقصاؤه، فضلاً عن التعقيب عليه.

نعم الظاهر أنه لا فرق بين المقامين في عدم الإشاعة، لما سبق من ابتناء الإشاعة علي عناية يعلم بعدم قصد المتبايعين لها، بل هما معاً من الكلي في المعين.

بل لو فرض انحصار الوجه في التوزيع بالبناء علي الإشاعة، تعين البناء علي عدم التوزيع بعدم قصد المتبايعين لها.

إلا أن الظاهر عدم انحصار الأمر بها، لأن ثبوت الحق المالي في العين يقتضي بطبعه ورود النقص عليه تبعاً لورود النقص عليها، كما في الوصية والزكاة وغيرهما.

وذلك حكم عرفي أشبه بقاعدة العدل والإنصاف.

فيجري ذلك في المقام.

وإنما لا يجري في البيع لعدم ابتناء البيع علي مجرد استحقاق المبيع وهو الكلي في المقام بل علي تعهد البائع به زائداً علي ذلك، ولذا لا يمنع البائع من بيع بعض الصبرة اكتفاء بالتعهد المذكور.

ومن الظاهر أن النقص لا يمنع من تنفيذ التعهد المذكور بعد بقاء موضوعه.

ولذا لو كان استحقاقه من غير طريق البيع كالوصية لحقه النقص إذا تجاوز الثلث بعد حصول النقص.

كما أنه لو لم يبتن الاستثناء في المقام علي قصور المبيع عن المستثني، بل علي تعهد المشتري للبائع بالمقدار المستثني، نظير الشرط مع كون المبيع تمام الثمرة تعين عدم دخول النقص.

لكنه أمر غير الاستثناء، ويحتاج إلي عناية، وهو خارج عن محل الكلام.

هذا ما يظهر لنا عاجلاً في وجه الفرق.

ص: 379

في استثناء ثمرة شجرات

نعم الظاهر أن ذلك إنما يتم إذا كان التلف بعد بلوغ الثمرة وصلوحها للقطف والأكل.

وقد يناسبه ما في بعض كلمات من سبق من التعبير بهلاك الثمرة.

أما إذا رجع إلي حصول الآفة المانعة من ظهور الثمرة في بعض الأشجار أو من بلوغها ونضجها، أو حصول ما يوجب سقوطها قبل نضجها كالأعاصير فالظاهر عدم استثنائها.

لابتلاء الثمار نوعاً بذلك، بحيث يفوت منها مقدار لا يستهان به، مع غفلة العرف عن توزيعها علي الثمرة المستثناة.

ولاسيما مع ما يأتي من توقف معرفة مقدار النقص الوارد علي المستثني علي تخمين مقدار الفائت من الثمرة، مع ما هو المعلوم من تعرض التخمين للخلاف، خصوصاً مع غلبة اختلاف مقدار الناتج مع عدم الآفة باختلاف السنين، حيث يستوجب ذلك كثيراً من المشاكل ليس بناء العرف عليها في المقام، ولا علي الإقدام علي المعاملة نوعاً لو كانت مستلزمة لها.

وحينئذٍ يكون السكوت عن التنبيه للتوزيع مع ذلك في الصحيحين ظاهر في عدمه.

هذا مضافاً إلي قرب كون مورد الصحيحين، بل قصد المتبايعين نوعاً، هو الاستثناء من الثمرة البالغة الصالحة للأكل، لا من الثمرة الشأنية التي يقع البيع عليها، فلا موضوع للتوزيع إلا بعد البلوغ.

وأما ما في الجواهر عن التذكرة هنا من أنه لو صرح بإرادة الاستثناء مما يسلم من الثمرة أمكن بطلان البيع.

فلم يتضح الوجه فيه.

ومجرد الجهل بمقدار السالم لا يكفي في البطلان، إذ هو كالجهل بمقدار الثمرة المتوقعة لو لم تصبها علة، فإن الجهل في بيع الثمار مغتفر قطعاً.

علي أن الموجود في التذكرة لا ظهور له في ذلك.

قال: «أما لو استثني مائة رطل مثلاً من الثمرة ومما يتخلف منها احتمل بطلان البيع».

وإن كان هو لا يخلو عن غموض.

إلا أن يريد بذلك الاستثناء من كل من السالم والتالف، لبيان أن ذلك وإن

ص: 380

(381)

الكلام في بيع الثمرة مع الأصول

معرفته (1) تخمين الفائت (2) بالثلث أو الربع مثلاً، ثم تنسب الأرطال (3) إلي المجموع، ويسقط منها بالنسبة.

فإن كان الفائت الثلث يسقط منها الثلث، وإن كان الربع يسقط الربع، وهكذا.

(مسألة 11): يجوز بيع ثمرة النخل وغيره في أصولها بالنقود وبغيرها (4)، كالأمتعة والحيوان والطعام، وبالمنافع والأعمال وغيرها، كغيره

-

رجع عملاً للتوزيع، إلا أنه يحتمل بطلانه، للغوية الاستثناء من التالف.

وهو مع عدم خلوه عن الإشكال غير ما نسبه له في الجواهر، وأجنبي عن المقام.

ومثله دعوي: أن ذلك لا يناسب كلماتهم في المقام.

إذ هي لو تمت لا تنفع في الخروج عما عليه العرف، وأكده الصحيحان، لعدم بلوغ ذلك منهم حدّ الإجماع التعبدي الصالح للاستدلال، بل من القريب جداً ابتناؤه علي الاجتهاد غفلة عما عليه العرف.

فلاحظ.

والله سبحانه وتعالي العالم.

(1) يعني: في الصورة الثالثة.

أما في الثانية فالمتعين استحقاق البائع مقدار الجزء المشاع من الثمرة السالمة، كما هو ظاهر.

(2) يعني: مع اتفاق الطرفين ولو بعد الرجوع لأهل الخبرة، الذي هو نحو من الصلح بينهما.

ومع التشاح والتنازع لابد من رفع الأمر للحاكم الشرعي.

والظاهر أن الأصل مع البائع، لتبعية الثمرة للأصول في الملكية، فيقتصر في الخروج عنها علي المتيقن بسبب البيع.

(3) يعني: إذا كان المستثني محدداً بالرطل.

(4) بلا خلاف ولا إشكال، كما في مفتاح الكرامة والجواهر.

لعمومات الصحة والنفوذ.

ولا فرق بين أن يبيعه بطعام من جنسه وأن يبيعه بغيره، لعدم لزوم الربا بعد كون الثمر علي الشجر ليس من المكيل ولا من الموزون، كما تقدم نظيره في المسألة الثامنة والتاسعة من الفصل التاسع في الربا.

ص: 381

نعم في موثق سماعة أو صحيحه: «سألته عن الزرع، فقلت: جعلت فداك رجل زرع زرعاً مسلماً كان أو معاهداً أنفق فيه نفقة، ثم بدا له في بيعه لنقله [لنقلة.

يب] ينتقل من مكانه أو لحاجة.

قال: يشتريه بالورق، فإن أصله طعام»(1) ، وقريب منه موثقه الآخر أو صحيحه(2).

ومناسبة التعليل تقتضي حمله علي صورة اتحاد الجنس.

وإلا كان مجملاً.

ودعوي: أن الزرع مباين للطعام، ولم يفرض في السؤال أنه صار فيه الحب الذي هو الطعام.

مدفوعة بأن التعليل قد يبتني علي جريان الربا فيما إذا رجع الجنسان إلي أصل واحد، كما ورد نظيره في الحنطة والشعير.

وإن كان من البعيد جداً تعميم الأصل لمثل ذلك، كيف ولازمه عدم جواز بيع التبن بالطعام، ولا بيع خشب الشجر الذي أصله البذر بثمره.

ومن هنا لا يخلو التعليل عن غموض.

هذا مضافاً إلي النصوص المصرحة بجواز بيعه، كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: «قال: لا بأس أيضاً أن يشتري زرعاً قد سنبل وبلغ بحنطة»(3) ، وصحيحه الآخر: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) في رجل قال لآخر: بعني ثمرة نخلك هذا الذي فيها بقفيزين من تمر أو أقل أو أكثر يسمي ما شاء فباعه.

فقال: لا بأس به.

وقال: التمر والبسر من نخلة واحدة لا بأس به.

فأما أن يخلط التمر العتيق و [أو.

في] البسر فلا يصلح.

والعنب والزبيب مثل ذلك»(4).

وقد يستفاد من غيرهما.

ومن هنا يتعين حمل حديثي سماعة علي الكراهة، كما قد يناسبه صحيح يعقوب بن شعيب: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون له علي الآخر مائة كر تمر، وله نخل، فيأتيه فيقول: اعطني نخلك هذا بما عليك.

فكأنه كرهه»، ونحوه صحيح

-

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 13 من أبواب بيع الثمار حديث: 3، 4، 1.

(4) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 6 من أبواب بيع الثمار حديث: 1.

ص: 382

(383)

الكلام في المزابنة

من أفراد البيع.

نعم لا تجوز المزابنة (1).

وهي بيع ثمرة النخل - تمراً كانت

---------------

الحلبي(1).

ويأتي تمام الكلام في ذلك إن شاء الله تعالي.

(1) لا إشكال نصاً وفتوي في حرمة المزابنة والمحاقلة.

ودعوي الإجماع علي ذلك مستفيضة، وإنما الكلام في تحديدهما.

قال في المبسوط: «بيع المحاقلة والمزابنة محرم بلا خلاف، وإن اختلفوا في تأويله.

فعندنا أن المحاقلة بيع السنابل التي انعقد فيها الحب واشتد بحب من ذلك السنبل.

ويجوز بيعه من جنسه علي ما روي في بعض الأخبار.

والأحوط أن لا يجوز بحب من جنسه علي كل حال، لأنه لا يؤمن أن يؤدي إلي الربا.

والمزابنة هي بيع التمر علي رؤوس النخل بتمر منه.

فأما بتمر موضوع علي الأرض فلا بأس به.

والأحوط أن لا يجوز ذلك لمثل ما قلناه في بيع السنبل سواء».

وهو كالصريح في اختصاص المحاقلة والمزابنة عندنا بما إذا كان الثمن من عين المثمن، وإن الاحتياط بالتعميم لشبهة الربا، لا لعموم المزابنة والمحاقلة.

وقريب منه في المهذب وكذا في الوسيلة والنافع لكن مع البناء علي عموم التحريم.

واقتصر في النهاية علي تحريم الأول، وصرح بجواز الثاني، من دون أن يشير للاحتياط المذكور.

وعليه جري في التذكرة وحكي عن الراوندي وأبي الصلاح وابن البراج في الكامل.

وعلي ذلك جري في الخلاف في المحاقلة تعريفاً وتحريماً مع التصريح بالتحليل في البيع بحنطة من غير ذلك السنبل، مدعياً ورد رواية أصحابنا به، وإن نبّه لخلاف بعضهم.

مستنداً في التحليل للأصل بعد قصور إجماع أصحابنا عنه.

أما المزابنة فقد قال في تعريفها: «بيع الثمر علي رؤوس الشجر بثمر موضوع علي الأرض.

وهو محرم بلا خلاف.

ومن أصحابنا من قال: إن المحرم هو أن يبيع ما

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 6 من أبواب بيع الثمار حديث: 2 وذيله.

ص: 383

علي الرؤوس من النخل بتمر منه، فأما بتمر آخر فلا بأس به.

والخبر الذي قدمناه يدل علي ذلك».

لكن أطلق في المقنعة تحريم بيع الثمرة في رؤوس النخل وتحريم بيع الزرع بالحنطة، ثم قال: «وهذه هي المحاقلة التي نهي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عنها وحظرها في شريعة الإسلام» وقريب منه في المراسم وأصر علي العموم في السرائر، ونسبه لجماعة من أصحابنا، كما صرح بالعموم في الغنية والشرائع ونكت النهاية وكشف الرموز والمختلف والتحرير والقواعد والإرشاد علي ما في بعض نسخه والدروس واللمعتين والتنقيح وجامع المقاصد والمسالك وعن غيرها، وفي مفتاح الكرامة أنه المشهور المعروف، وفي الجواهر أنه المشهور نقلاً وتحصيلاً.

ويدل عليه صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: نهي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عن المحاقلة والمزابنة.

قلت: وما هو؟ قال: أن يشتري حمل النخل بالتمر والزرع بالحنطة»(1).

وقريب منه موثقه، إلا أنه قال فيه:

«المحاقلة النخل بالتمر، والمزابنة السنبل بالحنطة...» (2) .

وعن أبي عبيدة القاسم بن سلام بأسانيد عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): «أنه نهي عن بيع المحاقلة والمزابنة.

فالمحاقلة بيع الزرع وهو في سنبله بالبر، والمزابنة بيع التمر في رؤوس النخل بالتمر»(3).

لكن الظاهر أن التفسير ليس منه (صلي الله عليه وآله وسلم)، فلا ينفع في المقام.

فالعمدة الأولان.

نعم هما معارضان بصحيحي الحلبي المتقدمين.

وحيث يتعذر الجمع بينها بالكراهة، للإجماع علي حرمة المزابنة والمحاقلة، تعين إما البناء علي التساقط والاقتصار علي المتيقن من المزابنة والمحاقلة، وهو الأخص.

أو حمل حديثي عبد الرحمن علي العهد، فإن التمر والحنطة وإن لم يتقدما بلفظهما، إلا أنهما تقدما بمعناهما عند ذكر حمل النخل والزرع.

وحينئذٍ يكونان أخص من صحيحي الحلبي لو تم عمومهما لما إذا كان

-

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 13 من أبواب بيع الثمار حديث: 1، 2، 5.

ص: 384

الثمن ثمر النخل وحنطة الزرع المبيعين، ولم ينصرفا عن ذلك بلحاظ ارتكاز التباين بين الثمن والمثمن.

ويؤيد ذلك أو يعضده صحيح الحسن بن علي، يعني الوشا: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل اشتري من رجل أرضاً جرباناً معلومة بمائة كر علي أن يعطيه من الأرض.

فقال: حرام.

فقلت: جعلت فداك فإني أشتري الأرض بكيل معلوم وحنطة من غيرها.

قال: لا بأس بذلك»(1).

بناء علي عدم الجمود علي لفظه من شراء نفس الأرض، لعدم المنشأ لاحتمال التحريم في شرائها بزرع منها، ليقع السؤال عنه، وعدم بناء الأصحاب علي حرمته، ليناسب الجواب، حيث قد يصلح ذلك قرينة علي حمله علي شراء زرع الأرض.

وموثق الكناني: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)، يقول: إن رجلاً كان له علي رجل خمسة عشر وسقاً من تمر، وكان له نخل، فقال له: خذ ما في نخلي بتمرك.

فأبي أن يقبل.

فأتي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم)، فقال: يا رسول الله لفلان عليّ خمسة عشر وسقاً من تمر، فكلمه يأخذ ما في نخلي بتمره، فبعث النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) إليه، فقال: يا فلان خذ ما في نخله بتمرك.

فقال: يا رسول الله لا يفي، وأبي أن يفعل.

فقال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) لصاحب النخل: اجذذ نخلك، فجذه، فكاله، فكان خمسة عشر وسقاً.

فأخبرني بعض أصحابنا عن ابن رباط، ولا أعلم إلا أني قد سمعته منه أن أبا عبد الله (عليه السلام) قال: إن ربيعة الرأي لما بلغه هذا عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: هذا ربا.

قلت: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين.

قال: صدقت»(2).

وهو وإن لم يصرح فيه بالبيع، إلا أن سكوت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) والإمام (عليه السلام) من بعده، وعدم تنبيههما إلي أنه يجب أن لا يقع علي وجه البيع، موجب لظهوره في عموم الجواز لما إذا وقع علي وجه البيع، لأنه الوجه الشائع، فينفع في المطلوب.

وعلي ذلك

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 12 من أبواب بيع الثمار حديث: 2.

(2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 6 من أبواب بيع الثمار حديث: 3.

ص: 385

يصلح الحديثان شاهدين علي حمل حديثي عبد الرحمن علي العهد.

نعم في موثق السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: رخص رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في العرايا بأن يشتري بخرصها تمراً.

قال: والعرايا جمع عرية.

وهي النخلة تكون للرجل في دار رجل آخر، فيجوز له أن يبعها بخرصها تمراً.

ولا يجوز ذلك في غيره»(1).

ومقتضي إطلاقه كون الثمن في العرية مطلق التمر لا خصوص التمر منها.

كما أن مقتضي ذيله اختصاص الترخيص بها، والمنع من ذلك في غيرها.

لكن يمكن بقرينة النصوص السابقة حمل إطلاق التمر فيه علي خصوص التمر منها، لكون ذلك هو المعهود في العرية، والمناسب للغرض من بيعها، وهو تجنب دخول مالك النخلة لدار من هي في داره من دون أن يحرم من ثمرها.

علي أن من البعيد جداً كون التفسير وما بعده من الإمام (عليه السلام)، حيث لا يعهد منهم (عليهم السلام) إرجاع الجمع للمفرد، وإنما ذلك نهج مستحدث للمؤلفين، فيقرب كونه من بعض من هو في سلسلة السند قد أثبته في كتابه تعقيباً علي الحديث وشرحاً له.

فلا يكون ما تضمنه الذيل من اختصاص الترخيص بالعرية حجة.

ولعل وجه التنبيه للترخيص في العرية شيوع الابتلاء بها، فورد السؤال عنها من أجل شبهة الربا، وورد الترخيص فيها لذلك من دون أن ينافي عموم الترخيص لغيرها.

ثم إنه مما تقدم يظهر أنه لا مجال لشبهة الربا الذي يظهر من غير واحد كونها منشأ الحرمة.

ومن ثم لو تمت الحرمة فهي مخالفة للقاعدة يقتصر فيها علي مفاد أدلتها.

كما أن بيع ثمرة النخل بتمر منها وإن كان هو المتيقن من المزابنة المتفق علي تحريمها، إلا أنه قد ينافيه قوله في ذيل صحيح الحلبي الثاني المتقدم: «التمر والبسر من نخلة واحدة فلا بأس به».

بدعوي ظهوره في جواز بيع البسر بالتمر من نخلة واحدة.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 14 من أبواب بيع الثمار حديث: 1.

ص: 386

لكنه لا يخلو عن إجمال، لعدم وضوح كون المراد بيع أحدهما بالآخر، ولاسيما مع احتمال كونه كلاماً مستقلاً للإمام (عليه السلام)، لا من تتمة الكلام الأول المسوق جواباً عن السؤال عن البيع.

بل لعل المراد كون أحد العوضين مخلوطاً منهما.

كما قد يناسبه قوله: «فأما أن يخلط التمر العتيق والبسر فلا يصلح».

علي أنه لا مجال للتعويل عليه بعد ظهور اتفاق النص والفتوي علي حرمة المزابنة وكون ذلك هو المتيقن منها.

بقي شيء.

وهو أنه قد يدعي امتناع بيع حمل النخل بثمرة منها في نفسه، لاتحاد الثمن والمثمن، فيكون النهي عنه مطابقاً للقاعدة، ويتعدي منه لغيره من موارد بيع حمل الشجر والزرع بثمر منه.

لكن من الظاهر أن بيع الثمر في نفسه لا يبتني علي تملك الثمر حين البيع، حيث قد لا يكون موجوداً فلابد أن يبتني علي التمليك معلقاً علي وجود الثمر، ولا يكون أثر البيع حين وقوعه إلا ثبوت الحق في الأصول بنحو يقتضي ملكية الثمرة حين ظهورها.

وحينئذٍ يمكن فرض ذلك في بيع الثمرة بثمرة منها فيما لو اختلف زمان ملكية الثمن مع زمان ملكية المثمن، كما لو كان الثمر المبيع غير ظاهر أصلاً، وكان الثمر الثمن هو الثمر بعد جذاذه، حيث يرجع البيع إلي ثبوت حق في الأصول يقتضي ملكية المشتري للثمر بمجرد ظهوره، في مقابل حق للبائع في الثمر يقتضي جذ قسم منه وتملكه بعد الجذ.

وأما لو بيع الثمر بعد ظهوره قبل نضجه أو بعده، فيرجع إلي ملكية المشتري للثمر فعلاً في مقابل ثبوت حق للبائع فيه يقتضي جذ قسم منه وتملكه بعد الجذ.

نعم ثبوت صحة البيع المذكور يتوقف علي شمول عموم صحة البيع لذلك.

وهو لا يخلو عن إشكال، لأن البيع المعهود عرفاً هو البيع المقتضي لملكية المتبايعين كلا من العوضين فعلاً الموقوف علي تباين العوضين.

كما إن إطلاقات جواز بيع الثمار قد تنصرف لما هو المتعارف المعهود من بيعها

ص: 387

أو رطباً أو بسراً أو غيرها (1) - بالتمر، دون الرطب والبسر أو غيرهما (2)،

---------------

بثمن مباين لها، فيتوقف تصحيح بيعها بجزء منها علي الدليل الخاص، ويتعين البناء علي البطلان بدونه.

اللهم إلا أن يتمسك لصحته بعموم نفوذ العقود، وإن قصرت عنه إطلاقات البيع أو بيع الثمار.

فإنه عقد عرفي قد سبق إمكان صحته في نفسه، فيكفي العموم المذكور في البناء علي صحته.

وأظهر من ذلك ما إذا رجعت المعاملة إلي الاتفاق بين الطرفين علي أن يكون الزائد من الثمرة علي المقدار المتفق عليه لغير صاحب الشجر في مقابل خدمته أو خدمة الثمرة بقطفها في أوانها وتسليم المقدار المتفق عليه منها لصاحب الشجر، من دون أن يتكلف هو ذلك.

فلاحظ.

والله سبحانه وتعالي العالم.

(1) إذ بعد البناء علي عموم المزابنة عملاً بحديثي عبد الرحمن المتقدمين فموضوع المنع في صحيحه هو بيع حمل النخل الشامل لجميع ذلك.

وعليه يحمل المنع عن بيع النخل في موثقه.

ولو كان البيع في المقام قبل ظهور الثمر تعين بطلانه تعدياً عن مورد الصحيح، لفهم عدم الخصوصية أو بالأولوية العرفية.

بل قد يستفاد من إطلاق الموثق.

هذا بناءً علي جواز بيع الثمر قبل طلوعه في غير المقام، أما بناءً علي عدم جوازه فالأمر أظهر.

فلاحظ.

(2) لاختصاص الصحيحين بالتمر فالتعدي لغيره يبتني علي كون علة التحريم الربا، أو فهم عدم الخصوصية.

والأول قد سبق المنع منه.

والثاني لا يخلو عن إشكال.

نعم مقتضي إطلاق سيدنا المصنف (قده) جواز بيع ثمرة النخل بغير التمر حتي إذا كان من نفس الثمرة.

وهو لا يناسب ما يأتي منه من المنع من بيع ثمر غير النخل

ص: 388

(389)

الكلام في العموم لغير النخل

سواء من ثمره أم من غيره (1)، في الذمة أم معيناً في الخارج (2).

وفي عموم المنع لثمر غير النخل إشكال.

والأظهر الجواز (3)، إلا إذا كان بيعها بمقدار

---------------

بثمر منه.

فإن وجهه عنده (قده) ينحصر بما سبق الكلام فيه من محذور اتحاد الثمن والمثمن، وهو يجري في المقام.

ومن ثم لا يبعد عدم إرادته (قده) ذلك من الإطلاق.

(1) مما سبق يظهر الإشكال في عموم المنع لما إذا كان من غيره، بل الأظهر فيه الجواز.

(2) كما هو مقتضي إطلاق التمر في الحديثين.

(3) لقصور الحديثين عنه، والتعدي عن موردهما يبتني إما علي إلغاء خصوصية النخل والتمر عرفاً وفهم العموم لبيع كل ثمر في شجره بثمر من جنسه منفصل عنه، أو علي لزوم الربا من البيع المذكور.

والأول مخالف لظاهر النص جداً بعد وروده في مقام التحديد.

كما لا مجال للثاني علي ما سبق.

ومن هنا ذكر في التذكرة أن العموم هو المتعين لو كان لوجه في منع المزابنة والمحاقلة هو لزوم الربا والاقتصار علي النصوص هو المتعين لو لم يكن الوجه في المنع ذلك.

لكن صرح بعموم المنع في الدروس واللمعتين وجامع المقاصد والمسالك ومحكي شرح الإرشاد والميسية، وفي الروضة أنه المشهور.

وينحصر الوجه فيه بشبهة الربا، أو التعدي عن مورد حديثي عبد الرحمن، أو المنع من بيع الرطب بالجاف.

وقد عرفت عدم جريان الأول، والمنع من الثاني، كما سبق في المسألة الحادية عشرة من الفصل التاسع في الربا المنع من الثالث.

مع أنه لو تم فالظاهر اختصاصه بالمكيل والموزون، ورجوعه لمحذور الربا الذي سبق عدم جريانه في المقام.

وما يظهر من جامع المقاصد وغيره من كونه محذوراً مستقلاً عن محذور لزوم الربا غريب جداً.

ص: 389

منها فالأظهر عدم جوازه (1).

(مسألة 12): يجوز أن يبيع ما أشتراه من الثمر بثمن زائد علي ثمنه الذي اشتراه به أو ناقص أو مساو، سواء أباعه قبل قبضه أم بعده (2).

-

علي أن ذلك يختص ببيع الرطب بالجاف أو العكس ولا يجري في بيع الجاف بالجاف والرطب بالرطب.

مع أن الظاهر منهم عموم المنع في المقام لذلك.

(1) كما في الجواهر.

وكأنه لوجوب التباين بين الثمن والمثمن الذي تقدم الكلام فيه آنفاً.

(2) بلا خلاف ولا إشكال، كما في الجواهر، وفي المسالك أن المسألة محل وفاق.

ويقتضيه عموم أدلة الصحة والنفوذ بعد عدم كون المبيع من المكيل والموزون، ليجري فيه ما سبق في المسألة السادسة من الفصل السابع من الكلام في بيعه قبل قبضه.

مضافاً إلي النصوص، كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «سألته عن الرجل يشتري الثمرة ثم يبيعها قبل أن يأخذها.

قال: لا بأس به.

وإن وجد ربحاً فليبع»(1).

وقريب منه صحيح محمد بن مسلم(2).

بناء علي ما هو الظاهر، وجري عليه الأصحاب، من انصراف بيع الثمرة إلي بيعها في أصولها.

ولا أقل من كون ذلك هو المتيقن، أو لزوم حمله عليه بقرينة النصوص المانعة من بيع المكيل والموزون قبل قبضه.

ومعتبر إبراهيم الكرخي: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) قلت له: إني كنت بعت رجلاً نخلاً كذا وكذا نخلة بكذا وكذا درهماً، والنخل فيه تمر، فانطلق الذي اشتراه مني، فباعه من رجل آخر بربح، ولم يكن نقدني ولا قبضته.

فقال: لا بأس بذلك.

أليس كان قد ضمن لك الثمن ؟ قلت: نعم.

قال: فالربح له»(3) ، بناء علي حمل بيع النخل فيه علي بيع ثمره، كما هو غير بعيد.

وصرح في النافع بكراهة البيع المذكور.

وفي مفتاح الكرامة: «ولم نجد له

-

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 7 من أبواب بيع الثمار حديث: 2، 3، 1.

ص: 390

(391)

الكلام في بيع الزرع قبل ظهوره

(مسألة 13): لا يجوز بيع الزرع قبل ظهوره (1).

ويجوز الصلح

---------------

موافقاً».

وربما استدل له بإطلاق النهي عن بيع ما لم يقبض.

لكن ظاهره في باب القبض اختصاص كراهة بيعه بالمكيل والموزون.

(1) يظهر منهم المفروغية عنه جرياً علي ما تقدم منهم في بيع ثمر الشجر.

لكن من الظاهر الفرق بأن ثمر الشجر لا وجود له قبل ظهوره، فيرجع بيعه إلي ملكيته معلقاً علي ظهوره.

وهو وإن كان ممكناً في بيع الثمار في الجملة كما تقدم إلا أنه مخالف للقاعدة التي سبق منّا التنبيه لها في أول الكلام في بيع الثمار، وتقدم تفصيل الكلام فيها عند الكلام في اعتبار القدرة علي التسليم من لزوم إحراز سلامة بعض المبيع عند البيع، فينحصر وجه الجواز فيه في النصوص المتقدمة، علي الكلام السابق في دلالتها أولاً، وفي مخالفتها للإجماع ثانياً.

أما في المقام فلا مجال للقاعدة المذكورة، لأن الزرع قبل ظهوره علي وجه الأرض بل وإن كان بذراً بعد لم ينفلق له وجود عرفي صالح للتملك فعلاً، كما أن له مالية بلحاظ توقع نموه.

غايته أنه معرض للخطر، وهو ليس محذوراً، كما سبق عند الكلام في بيع الثمرة بعد ظهورها قبل بدو صلاحها.

والذي يشبه بيع الثمرة قبل ظهورها هو بيع ثمرة الزرع من الحب ونحوه قبل ظهورها، بحيث ينفرد المبيع بها من دون أن يكون الزرع في جملة المبيع، ولا مملوكاً للمشتري.

وهو خارج عن مفروض كلامهم من بيع الزرع نفسه.

علي أنه يشهد بجوازه معتبر زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في زرع بيع وهو حشيش ثم سنبل.

قال: لا بأس إذا قال: ابتاع منك ما يخرج من هذا الزرع، فإذا اشتراه وهو حشيش، فإن شاء أعفاه، وإن شاء تربص به»(1).

حيث تضمن جواز شراء الحب قبل ظهوره وظهور السنبل.

نعم هو مختص بما إذا ظهر الزرع الذي ينتج

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 11 من أبواب بيع الثمار حديث: 9.

ص: 391

عليه.

كما يجوز بيعه تبعاً للأرض لو باعها معه (1).

أما بعد ظهوره فيجوز

---------------

الحب، ولا يعم شراؤه قبل ذلك.

اللهم إلا أن يقال: ظاهر الحديث شراء نفس الحشيش، حيث صرح بذلك في السؤال والجواب، ولاسيما مع التصريح بأن له أن يعفيه الذي يراد به جزّه وهو حشيش، إذ هو كالصريح في ملكية المشتري للحشيش قبل ظهور الزرع فيه.

فيتعين حمل الشرط فيه علي كون المراد هو شراء الحشيش بنحو له إبقاؤه حتي يسنبل وينتج الحب، فالحب غير الموجود حين البيع ليس هو تمام المبيع، كما هو محل الكلام، بل ناتج المبيع الموجود فعلاً وهو الحشيش.

فلاحظ.

وكيف كان فمما سبق يظهر ضعف الاستدلال لحرمة شراء البذر بلزوم الغرر، كما في الجواهر.

نعم قد يستدل لحرمة شرائه البذر والزرع قبل ظهوره علي وجه الأرض بمعتبر المعلي بن خنيس: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أشتري الزرع ؟ قال: إذا كان قدر شبر»(1).

لكن لا مجال للبناء علي اشتراط بلوغ الحد المذكور بعد إطلاق النصوص الكثيرة بجواز شراء الزرع وظهور جري الأصحاب عليها من دون تقيد بهذا الحد، حيث يتعين حمله علي الاستحباب أو غيره مما لا ينافي الإطلاق المذكور، كما أشار إلي ذلك في الجواهر.

فلم يبق في المقام إلا ظهور الإجماع الذي يصعب التعويل عليه في الثمرة قبل ظهورها كما سبق فضلاً عن المقام.

ولعله لذا كان ظاهر بعض مشايخنا (قده) التوقف في المسألة.

فلاحظ.

(1) قال في الجواهر: «وفي الصلح وجه، كالوجه لو شراه تبعاً للأرض».

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 11 من أبواب بيع الثمار حديث: 4.

ص: 392

بيعه مع أصله (1)، بمعني بيع المقدار الظاهر مع أصوله الثابتة.

فإن شاء

---------------

وكأن وجه الصلح خروجه عن المتيقن من الإجماع المدعي، لأن كلامهم في البيع.

إلا أن يفهم منه العموم.

لكنه في غاية الإشكال، بل المنع.

وأما البيع تبعاً للأرض فلا ينبغي الإشكال في جوازه.

لما سبق من جواز بيع ما لا يحرز سلامته مع الضميمة، خصوصاً إذا كانت الضميمة هي المقصودة بالأصل، كما في المقام.

بل الظاهر قيام سيرة المتشرعة علي ذلك، لشيوع وجود البذر المقصود وغير المقصود حين بيع الأرض الزراعية فيها، مع بناء المتبايعين علي انقطاع علقة البائع بها.

(1) قال في الجواهر: «وأما شراء الزرع قبل أن يسنبل فلا إشكال، بل ولا خلاف معتد به، في جواز شرائه مع اشتراط التبقية أو القصل أو بدونهما».

ويقتضيه مضافاً إلي عمومات الصحة النصوص المستفيضة، كصحيح الحلبي: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): لا بأس بأن يشتري زرعاً أخضر، ثم تتركه حتي تحصده إن شئت أو تعلفه [تقلعه. صا] من قبل أن يسنبل وهو حشيش...»(1).

وصحيح بكير بن أعين: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أيحل شراء الزرع الأخضر؟ قال: نعم لا بأس به»(2) ، ونحوه صحيح زرارة: «وقال: لا بأس أن تشتري الزرع والقصيل أخضر، ثم تتركه إن شئت حتي يسنبل ثم تحصده.

وإن شئت أن تعلف دابتك قصيلاً فلا بأس به قبل أن يسنبل.

فأما إذا سنبل فلا تعلفه رأساً [تقطعه رأساً رأساً.

صا] فإنه فساد»(3) ، وغيرها.

هذا ولم يعرف الخلاف في ذلك إلا ما نسب للصدوق في باب المزارعة من المقنع من منع بيع الزرع قبل السنبل إلا مع القصل يعلفه للدواب.

لكن ملاحظة كلامه بتمامه لا تشهد بذلك.

قال (قده): «وسئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن شراء القصيل يشتريه الرجل فلا يقصله ويبدو له في تركه حتي يخرج سنبله شعيراً

-

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 11 من أبواب بيع الثمار حديث: 1، 2، 3.

ص: 393

المشتري فصله، وإن شاء أبقاه (1).

-

أو حنطة، وقد اشتراه من أصله، وعلي أربابه خراج.

فقال: إن كان اشترط حين اشتراه إن شاء قطعه قصيلاً وإن شاء تركه كما هو حتي يصير سنبلاً، وإلا فلا ينبغي له أن يتركه حتي يكون سنبلاً.

ولا يجوز أن يشتري زرع الحنطة والشعير وهو حشيش إلا أن يشتريه للقصيل تعلفه الدواب».

وصدره يشهد بأن المراد بذيله خصوص صورة ما إذا لم يشترط أن له الإبقاء، لا مطلقاً، بحيث لا يجوز شراؤه إلا للقصل، كما هو ظاهر ما نسب له.

وكيف كان فقد يستدل للقول المذكور كما في مفتاح الكرامة بمعتبر أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام): «سألته عن الحنطة والشعير أشتري زرعه قبل أن يسنبل وهو حشيش.

قال: لا، إلا أن يشتريه لقصيل يعلفه الدواب، ثم يتركه إن شاء حتي يسنبل»(1).

لكن كلام الصدوق المتقدم لا يناسب ذيل الحديث.

ومن هنا كان من القريب حمل الزرع فيه علي نفس الحب، لبيان أنه لا يجوز شراؤه قبل انعقاده، وأنه يمكن تحصيل نتيجة ذلك بشراء الأصل وهو قصيل يصلح لعلف الدواب، ثم يتركه حتي يسنبل وينعقد الحب فيه، فيكون الحب له، لأنه نماء ملكه.

نظير ما ذكره (قده) في حديث معاوية بن عمار: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا تشتر الزرع ما لم يسنبل.

فإذا كنت تشتري أصله فلا بأس بذلك.

..»(2).

وعلي كل حال لا مجال للخروج عن النصوص الكثيرة المتقدمة بمعتبر أبي بصير، بل لابد إما من طرحه، أو حمله علي ما ذكرنا، أو علي الاستحباب كما في مفتاح الكرامة أو غير ذلك.

(1) لا ينبغي الإشكال في جواز الإبقاء مع اشتراطه، وفي وجوب القلع مع

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 11 من أبواب بيع الثمار حديث: 10، 5.

ص: 394

اشتراطه.

وإنما الإشكال مع عدم الشرط.

ففي السرائر والتحرير أنه يجب علي البائع الإبقاء، وفي مفتاح الكرامة أنه ظاهر إطلاق الفتاوي وجملة من النصوص.

وكأنه يريد صحيحي الحلبي وزرارة المتقدمين والمصرح فيهما بتخيير المشتري بين الإبقاء حتي يسنبل وعلف الدواب به، ومعتبر سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: لا بأس بأن يشتري زرعاً أخضر.

فإن شئت تركته حتي تحصده، وإن شئت فبعه حشيشاً»(1).

وبذلك يخرج عما تقتضيه القاعدة من وجوب قبض المبيع وأخذه، وعدم إشغال أرض البائع به، لابتناء البيع علي ذلك.

لكن يظهر مما تقدم من المقنع عدم جواز إبقائه إلا مع الشرط، عملاً بموثق سماعة أو صحيحه الذي أشار إليه في صدر كلامه: «سألته عن شراء القصيل يشتريه الرجل فلا يقصله، ويبدو له في تركه حتي يخرج سنبله شعيراً أو حنطة، وقد اشتراه من أصله.

وما كان علي أربابه من خراج فهو علي العلج.

قال: إن كان اشترط حين اشتراه إن شاء قطعه وإن شاء تركه كما هو حتي يكون سنبلاً.

وإلا فلا ينبغي له أن يتركه حتي يكون سنبلاً»(2).

وزاد في بعض طرقه: «فإن فعل فإن عليه طسقه ونفقته، وله ما خرج منه»(3).

وفي مفتاح الكرامة أنه ظاهر في الكراهة دون التحريم.

وهو كما تري، فإن (لا ينبغي) إن لم تكن ظاهرة في التحريم، فلا أقل من عدم ظهورها في الكراهة، بل هي صالحة للوجهين، ويتعين حملها علي التحريم هنا بلحاظ ظهور صدر الحديث في السؤال عن الجواز، فتعليقه علي الشرط حين الشراء ظاهر في الحرمة مع عدم الشرط.

ولاسيما مع ما سبق من ابتناء البيع علي الإسراع بأخذ المبيع وتفريغ أرض البائع منه.

ومثله ما في الجواهر من لزوم حملها علي الكراهة، لما هو المعلوم من النص والفتوي من أن للمشتري الإبقاء مع عدم اشتراط القطع صريحاً أو ضمناً.

إذ فيه: أن حمل النصوص المتقدمة علي قيام القرينة حين العقد علي كون شراء

-

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 11 من أبواب بيع الثمار حديث: 6، 7، 8.

ص: 395

فإن أبقاه حتي يسنبل كان له السنبل (1)،

---------------

الزرع الأخضر من أجل الحصول علي ناتجه الراجع لاشتراط الإبقاء ضمناً أقرب عرفاً من حمل حديث سماعة علي الكراهة.

بل لعل ذلك هو منصرف النصوص المذكورة بدواً، حيث يقرب جداً ورودها من أجل الشبهة في شراء الحب قبل ظهوره وانعقاده، فيراد التخلص من ذلك بشراء نفس الزرع الذي من شأنه أن ينتجه.

ومن هنا لا مخرج عن ظاهر حديث سماعة المطابق لمقتضي القاعدة، والمعتضد بحديث زرارة الذي سبق الكلام فيه عند الكلام في حرمة بيع الزرع قبل ظهوره.

فراجع.

وأما الفتوي فهي ليست من الوضوح بحيث تبلغ حدّ الإجماع التعبدي الصالح لإثبات الحكم الشرعي، لقلة من صرح بذلك، وقرب انصراف إطلاق غيرهم إلي صورة ظهور حال المتبايعين في فرض شراء الزرع من أجل ما ينتجه، نظير ما تقدم في النصوص التي هي دليلهم.

ولاسيما مع ما سبق من المقنع.

ومع ما في المقنعة والنهاية والشرائع والنافع من أنه إذا باع الزرع قصيلاً كان علي المشتري قطعه.

وحمله كما في السرائر والجواهر علي صورة اشتراط القطع خالٍ عن الشاهد.

فلاحظ.

(1) لأنه نماء ملكه.

ومجرد تعديه في إبقائه لو لم يكن مشروطاً بناءً علي ما سبق لا يمنع من جريان قاعدة تبعية النماء للأصل في الملكية.

مضافاً إلي ما سبق في حديث سماعة.

غايته أن للبائع إرغامه علي الإزالة.

بل قد يكون له الإزالة بنفسه لو تعذر عليه إرغامه.

كما لا يبعد أن يكون للبائع الفسخ، لخروج المشتري عن مقتضي العقد، نظير ما إذا امتنع المشتري من استلام المبيع.

ص: 396

وعليه أجرة الأرض (1).

وإن فصله قبل أن يسنبل فنمت الأصول الثابتة في الأرض حتي سنبل كان له أيضاً (2)، وعليه أجرة

---------------

نعم في الجواهر أن ظاهر الأصحاب عدم الخيار مع اشتراط القطع صريحاً، مع أنه أولي بالخيار من المقام.

لكن لو تم ظهور كلامهم في ذلك فلا مجال للخروج به عما تقتضيه القاعدة.

ودعوي: ظهور بعض النصوص في عدم الخيار، لعدم التنبيه فيها له.

ممنوعة.

إذ ليس في النصوص ما تضمن حكم اشتراط القصل.

وحديث سماعة إنما ورد في فرض كون القصل مقتضي إطلاق العقد، وهو ناظر لحكم النماء مع المخالفة، وأنه يصير للمشتري، لا لبيان تمام الوظيفة عند المخالفة، ليكون عدم التنبيه فيه للخيار موجباً لظهوره في عدمه.

فتأمل.

(1) لم يتضح الوجه في ذلك إذ الإبقاء إن كان مستحقاً بالشرط أو تعبداً من أجل النصوص المتقدمة فلا وجه لضمان الأجرة.

ولاسيما مع عدم التنبيه لذلك في النصوص، وهو مما يحتاج للتنبيه.

وإنما يتجه ثبوت الأجرة مع جواز الإبقاء فيما إذا كان إشغال الأرض غير مستحق علي صاحبها من دون أن يكون المشغل لها معتدياً، كما تقدم في خيار الغبن من فرض إشغال الأرض المبيعة قبل الفسخ.

وكذا إذا زرع الأجنبي الأرض باعتقاد استحقاقه لذلك، ونحوهما.

نعم لو ابتني اشتراط الإبقاء علي إبقائه بأجرة لا مجاناً تعين استحقاق الأجرة.

لكنه محتاج إلي عناية خاصة.

ولا يبعد خروجه عن مفروض كلام سيدنا المصنف (قده).

(2) كما في التذكرة والقواعد والدروس.

وكأنه لأنه نماء ملكه.

لكن من الظاهر أن إبقاء الأرض مشغولة بالأصول بحيث تصلح للاستنماء مخالف لظهور اتفاق

ص: 397

الأرض (1) علي الأحوط.

-

المتبايعين حين العقد.

وحينئذٍ إذا ابتني إبقاؤها علي إذن صاحب الأرض، لإعراض المشتري عنها وتركه لها تعين ملكية صاحب الأرض لها بوضع يده علي الأرض وما فيها، فيكون نماؤها له، لا للمشتري.

وإذا ابتني علي إغفال صاحب الأرض أو إرغامه فالنماء وإن كان للمشتري حينئذٍ، إلا أن لصاحب الأرض قلعها قبل ظهور الحب وبعده، حيث لا حرمة لعرق ظالم.

وإذا لم يقلعها حينئذٍ ورضي ببقائها أو غفل عنها حتي أنتجت فلا يبعد استحقاق الأجرة لكن لا يبعد خروجه عن مفروض كلام سيدنا المصنف (قده).

وإذا ابتني علي اتفاقهما علي الإبقاء من أجل الاستنماء للمشتري تعين علي البائع الصبر، ويكون استحقاقه للأجرة تابعاً لكيفية اتفاقهما علي الإبقاء، وأنه مجاناً أو بأجرة.

والظاهر خروجه أيضاً عن مفروض كلام سيدنا المصنف (قده).

نعم لو كان الإبقاء غفلة من المشتري أو قهراً عليه أو نحوهما من الأعذار من دون إعراض عن الأصول، ولا إرغام للمالك، ولا اتفاق معه، فصادف نموها كان النماء له، وتعين علي المالك الصبر إذا لم يلزم عليه الضرر بذلك، لعدم كون المشتري معتدياً حينئذٍ علي تفصيل تقدم في المسألة الثلاثين من الفصل الرابع في الخيارات.

ولعل ذلك هو المنظور لسيدنا المصنف (قده).

(1) لإشغاله لها بملكه واستيفاء منفعتها بذلك.

ومجرد وجوب الصبر علي البائع دفعاً لضرر المشتري، أو جواز القلع له علي ما تقدم في الصورة الرابعة والثانية لا يسقط حرمة ماله، وهو منفعة الأرض.

وليس هو كاستحقاق الإبقاء بالشرط أو تعبداً.

ومن هنا لم يتضح وجه توقف سيدنا المصنف (قده) واكتفاؤه بالاحتياط.

ومما ذكرنا يظهر استحقاقه الأجرة بالإبقاء حتي لو لم يطالب بها غفلة عن حقيقة الحال.

وأنها لا تسقط إلا إذا رضي بإبقائه مجاناً.

ص: 398

ويجوز بيعه لا مع أصله، بل قصيلاً (1) إذا كان قد بلغ أو أن قصله، أو قبل ذلك علي أن يبقي حتي يصير قصيلاً (2) أو قبل ذلك (3).

فإن قطعه ونمت الأصول حتي صارت سنبلاً كان السنبل للبائع (4)، وإن لم يقطعه كان لصاحب الأرض قطعه (5).

وله إبقاؤه والمطالبة بالأجرة (6).

فلو

-

(1) كما في التذكرة والقواعد والدروس وغيرها.

لعمومات النفوذ والصحة.

والمراد به كون المبيع هو الزرع الظاهر دون أصله.

(2) يعني: باع الزرع قبل أن يصير قصيلاً علي أن يبقي حتي يصير قصيلاً ثم يقصله، من دون أن تكون الأصول داخلة في المبيع.

(3) يعني: علي أن له قطعه قبل أن يصير قصيلاً، إما تنازلاً عن شرطه وإبقاءه حتي يصير قصيلاً، أو لأن المشترط حين البيع هو قطعه قبل أن يصير قصيلاً.

(4) كما في التذكرة والقواعد والدروس وغيرها.

لأنه نماء الأصول المفروض بقاؤها في ملكه.

(5) كما في النهاية والشرائع والنافع مع ما سبق منها من إطلاق وجوب القطع علي المشتري والسرائر وغيرها.

لكن المتيقن من ذلك ما إذا كان المشتري معتدياً في عدم قطعه والخروج عن مقتضي الشرط، كما أشرنا إليه آنفاً في فرض شراء الأصول وعدم قلعها.

أما إذا لم يكن معتدياً فلابد من استئذانه، فإن تعذر تعين استئذان الحاكم الشرعي وملاحظة مصلحة المشتري لئلا يضر به القطع، لعدم المصرف له.

ومع تزاحم الضررين يجري ما سبق في المسألة الثلاثين من الفصل الرابع في الخيارات.

(6) كما في الشرائع والدروس.

وعليه اقتصر في التذكرة، ولم يذكر أن للبائع القطع.

لنظير ما سبق في فرض شراء الأصول وعدم قلعها.

ولم يتضح وجه الفرق بين الموردين بنحو يكون منشأ لتوقف سيدنا المصنف (قده) هناك وجزمه باستحقاق الأجرة هنا.

ص: 399

أبقاه فنمي حتي سنبل فالوجه اشتراك البائع والمشتري فيه (1).

وفي كونهما علي السوية إشكال (2)، والأحوط التصالح (3).

وكذا الحال لو اشتري نخلاً، لكن هنا لو اشتري الجذع بشرط القلع، فلم يقلعه ونمي كان النماء للمشتري لا غير (4).

---------------

(1) كما في التذكرة وغيره.

لأنه عرفاً نماء المجموع المركب من الأصول المملوكة للبائع والزرع المملوك للمشتري.

(2) لعدم وضوح مقدار تأثير كل من الأصول والقصيل في حصول السنبل.

وعدم إطلاق لدليل الشراكة هنا، ليحمل علي التساوي.

(3) كما جزم به في التذكرة.

وهو المتعين بعد ما سبق، لعدم وضوح حلّ آخر للإشكال الحاصل في المقام.

(4) كما في المقنع والنهاية والسرائر والتذكرة وعن ابني الجنيد والبراج، وغيرهم.

ونفي الخلاف فيه في السرائر، كما نفي الريب فيه في الجواهر.

واستدل له بمعتبر هارون بن حمزة: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري النخل يقطعه للجذوع، فيغيب الرجل، فيدع النخل كهيئته لم يقطع، فيقدم الرجل وقد حمل النخل.

فقال: له الحمل يصنع به ما شاء.

إلا أن يكون صاحب النخل كان يسقيه ويقوم عليه»(1).

وقريب منه معتبره الآخر، إلا أن فيه: «هو له، إلا أن يكون صاحب النخل ساقاه وقام عليه»(2).

كذا في الوسائل عن التهذيب.

لكن في الطبعة الحديثة من التهذيب: «هو له، إلا أن يكون صاحب الأرض سقاه وقام عليه»(3).

ورواه هكذا في التذكرة والمختلف.

ولا مجال للاستدلال عليه بالقاعدة بدعوي: أن الحمل نماء النخل الذي اشتراه،

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 9 من أبواب بيع الثمار حديث: 1، 2.

(3) تهذيب الأحكام ج: 7 ص: 90.

ص: 400

كما قد يظهر من الشرائع، حيث جعله نظير شراء الزرع بشرط القطع.

لاندفاعها بأن ذلك إنما يتم في شراء النخل بتمامه مع أصوله، أما شراؤه ليقطعه جذوعاً فظاهره شراء الجذع دون الأصل الذي يقوم عليه، بل يبقي الأصل في ملك البائع، نظير شراء الزرع الظاهر دون أصوله، الذي سبق أن النماء معه يكون مشتركاً بين البائع والمشتري.

فالحكم مخالف للقاعدة، وينحصر الدليل عليه بالحديثين.

هذا وفي النهاية: «فإن كان صاحب الأرض ممن قام بسقيه ومراعاته كان له أجرة المثل».

واستظهر في الجواهر كون ذلك هو المراد من الاستثناء في الحديثين.

بل في السرائر نسب ذلك للرواية.

وقيده كالتحرير بما إذا كان المشتري قد طلب ذلك منه، وإلا فهو متبرع لا أجرة لعمله، وإنما له أجرة الأرض لو أخر قطعه بغير إذنه.

وكأنه طرح منه للرواية، لعدم عمله بأخبار الآحاد، أو تنزيل لها علي مقتضي القاعدة، كما جري عليه في الجواهر أولاً، ثم قال: «اللهم إلا أن يدعي عدم الحاجة هنا إلي الإذن باعتبار احتياج صاحب الأرض السقي لبستانه، والفرض تضرره بشرب النخل المزبور الماء.

فتأمل جيداً».

لكنه كما تري! فإن تضرره بذلك لو تم لا يقتضي استحقاقه أجرة المثل لسقي النخل والقيام عليه.

بل غاية الأمر استحقاق قيمة الماء الذي شربه النخل.

علي أنه لا يخلو أيضاً عن إشكال، لأنه هو الذي أقدم علي الضرر المذكور من دون أن يستند للمشتري.

ومثله ما في المختلف، قال: «وليس في كلام الشيخ ولا الرواية ذكر التبرع، فتحمل علي ما إذا كان العمل بإذنه، أو تحمل الأجرة علي أجرة الأرض، لا العمل».

لظهور أن كلا الحملين بعيد في نفسه، فإن فرض غيبة صاحب النخل يناسب إهماله له، وعدم الاتفاق مع صاحب الأرض علي سقيه.

كما أن فرض سقي النخل والقيام عليه يناسب أجرة العمل لا أجرة الأرض.

بل أجرة الأرض لو استحقت فهي تستحق وإن لم يعمل، لأنها تستند إلي إبقاء المشتري للنخل في الأرض، وإشغاله لها به.

ص: 401

وأوهن من ذلك حمل الرواية كما في التذكرة علي جريان عقد المساقاة بين المشتري والبائع.

فإن ظهور وهنه يغني عن إطالة الكلام فيه.

ودعوي: أن ذلك هو الظاهر من الخبر الثاني علي رواية الوسائل.

ممنوعة، فإن الظاهر وحدة مرجع الضميرين في قوله (عليه السلام): «ساقاه وقام عليه»، وحيث كان مرجع الثاني هو الشجر تعين كونه هو مرجع الأول، وتعين حمل المساقاة علي السقي.

ولاسيما مع مناسبة ما تضمنه من فرض ترك المشتري للنخل لإهماله له.

ومع ظهور وحدة الواقعة في الحديثين، والاختلاف في ألفاظهما بسبب النقل بالمعني، والأول صريح في إرادة سقي النخل.

علي أن ما في الوسائل لم يثبت بعد ما سبق من الطبعة الحديثة للتهذيب وغيرها.

فالعمدة في المقام أنه لا ظهور للرواية في ثبوت أجرة المثل، بل في ملكية صاحب الأرض للحمل إذا كان قد تعاهد النخل وسقاه.

لأن المستثني منه هو ملكية صاحب الجذوع للحمل، فيكون مقتضي الاستثناء عدم ملكيته له إذا كان صاحب الأرض قد سقي النخل وقام عليه، فعدم ذكر المالك له حينئذٍ ظاهر في كون صاحب الأرض هو المالك له، لأنه حصل بجهده.

وإلا كان الجواب غير مستوفٍ لحكم السؤال، وهو مخالف للظاهر جداً.

ومخالفة ذلك للقاعدة لا يمنع من العمل بالرواية، لأنها أخص منها، فتكون مخصصة لها.

ودعوي: ظهور إعراض الأصحاب عنها.

ممنوعة، لأن ظاهر الكليني العمل بالرواية.

بل عبارة الصدوق (قده) في المقنع تطابق لسانها، وكلام ابني الجنيد والبراج لا يحضرنا، وحكاية العلامة في المختلف موافقتهما للشيخ لا مجال للتعويل عليها بعد أن نقل ذلك عن الصدوق أيضاً.

علي أنه لم يتضح من الشيخ (قده) الإعراض عن الرواية، بل لعل ذلك منه يبتني علي الاجتهاد في مفادها بسبب أنس ذهنه الشريف بالقاعدة، كما هو الظاهر من السرائر.

فلاحظ.

والله سبحانه وتعالي العالم.

ص: 402

(403)

الكلام في المحاقلة

(مسألة 14): يجوز بيع الزرع محصوداً (1).

ولا يشترط معرفة مقداره بالكيل أو الوزن (2).

بل تكفي فيه المشاهدة (3).

(مسألة 15): لا تجوز المحاقلة.

وهي بيع سنبل الحنطة أو الشعير بالحنطة (4).

-

(1) كما ذكره الأصحاب بنحو يظهر من بعضهم المفروغية عنه، ونفي الخلاف فيه في مفتاح الكرامة.

ويقتضيه مضافاً إلي عمومات النفوذ والصحة موثق إسماعيل بن الفضل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في حديث: «وسألته عن بيع حصاد الحنطة والشعير وسائر الحصائد.

فقال: حلال، فليبعه بما شاء(1)».

(2) لأنه ليس من المكيل والموزون في هذا الحال، كما لو كان قبل الحصاد.

(3) بل لابد منها بناء علي ما ذكروه من اعتبار العلم بالعوضين، علي ما سبق الكلام فيه في فصل شروط العوضين، وفي مبحث خيار الرؤية.

وإن سبق منّا في الموضعين الإشكال في ذلك.

فراجع.

(4) تقدم في المسألة الحادية عشرة الكلام في المحاقلة من حيثية اختصاصها بما إذا كان الثمن من عين المثمن أو عمومها لما إذا كان من غيره.

أما من حيثية جنس المثمن فكلمات الأصحاب (رضي الله عنهم) تختلف بين التعبير ببيع السنبل بحنطة، وببيع الزرع بالحنطة، وببيع السنبل بجنس من جنسه، وببيع الزرع بالحب.

.

.

إلي غير ذلك.

والنظر في النصوص وكلمات الأصحاب يقضي باعتبار اتحاد الجنس بين الثمن والمثمن فيها، لذكر المحاقلة فيها في سياق المزابنة التي هي بيع حمل النخل بالتمر، ولأن الأصحاب حرروا الخلاف فيهما معاً في اعتبار كون الثمن فيها من عين المثمن أو يكفي كونه من جنسه، من دون أن يظهر منهم احتمال العموم لغير الجنس مما يصدق عليه الحب مثلاً.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 9 من أبواب إحياء الموات حديث: 2.

ص: 403

المذكور غشير ظاهر مع عموم السنبل للدخن والأرز وغيرهما، كما نبّه له في المسالك.

ولو تم فما سبق في وجه اعتبار اتحاد الجنس في المحاقلة صالح لحمل الزرع والسنبل في الحديثين علي خصوص سنبل الحنطة.

وأشكل من ذلك قوله في الجواهر بعد ذلك: «وما ذاك إلا لاتحاد الجنس هنا كما في الربا.

بل يستفاد منه حينئذٍ أيضاً بيع سنبل الحنطة بالشعير، بل والشعير بالشعير، فتتم دلالة الخبرين علي الصور الأربع».

وقد يرجع إليه ما في التحرير من أن المحاقلة

ومجرد التعبير عن المثمن بالزرع أو السنبل في النصوص وكلماتهم، وعن الثمن بالحنطة أو الحب في كلماتهم، لا يوجب التوقف في ذلك، كالتعبير في بعض كلماتهم عن المزابنة ببيع الثمرة بالتمر، حيث لا يتوهم منه إرادة بيع أي ثمرة بالتمر.

ولذا لا إشكال ظاهراً في جواز بيع سنبل الحنطة بمثل العدس والماش، مع تعبير بعضهم كما سبق أيضاً عنها ببيع الزرع بالحب.

كما أنه قد عرف في التذكرة المحاقلة ببيع الزرع بالحب، ثم قال: «قد عرفت أن المحاقلة هي بيع الحنطة في سنبلها بالحنطة الصافية.

.

.

» إلي غير ذلك مما يشهد بما ذكرنا.

وحينئذٍ حيث تقدم في حديثي عبد الرحمن اللذين هما عمدة الدليل في المسألة، كما سبق التعبير عن الثمن بالحنطة، تعين كون المراد بالمثمن فيهما زرع الحنطة وسنبلها.

ولاسيما بناء علي ما سبق منّا من أن مقتضي الجمع بين الحديثين وصحيحي الحلبي حمل الألف واللام في الحنطة علي العهد، وأن المراد بحنطته، كما هو ظاهر.

لكن في الجواهر أن الذي يظهر بتتبع نصوص المقام وغيره أن إطلاق الزرع والسنبل فيها منصرف إلي الشعير والحنطة.

ولعله لأن المتعارف في ذلك الزمان والمكان فلا ريب في شمول لفظ الزرع والسنبل في حديثي عبد الرحمن لسنبل الحنطة والشعير، فيكون مقتضاهما أن بيع سنبل الحنطة والشعير بالحنطة محاقلة.

وكأن هذا هو المنشأ لما ذكره سيدنا المصنف (قده) من تعميم المبيع لسنبل الشعير.

وفيه: أن الانصراف

ص: 404

بيع الزرع بحنطة أو شعير، بأن تكون (أو) في كلامه للترديد والتعميم، والمراد بيع الزرع سواء كان للحنطة أم للشعير بالحنطة أو الشعير، وفي الجواهر أنه حكي عن ابن المتوج.

بخلاف ما لو كانت للتقسيم بأن يكون المراد بيع زرع الحنطة بالحنطة وزرع الشعير بالشعير، فلابد أن يبتني علي أمر آخر.

وكيف كان فيرد عليه أن عموم الحكم للحنطة والشعير للوجه الذي ذكره أولاً يبتني علي ظهور السنبل أو الزرع في العموم لهما وإن اختلفا في الجنس.

ولذا لو فرض ظهور السنبل أو الزرع في الأعم منهما تعين كون بيع الأعم بالحنطة محاقلة وإن اختلف الجنس.

وقضية اتحاد الجنس إن رجعت إلي أن علة تحريم المحاقلة هي اتحاد الجنس، كما في الربا.

فهي كما تقتضي التعميم للصور الأربع تقتضي التعميم لجميع الثمار، فيحرم بيع الثمرة في أصولها بثمرة من جنسها منفصلة عن الأصول.

ولذا سبق أنه لو كان ملاك تحريم المزابنة الربا تعين التعدي لجميع الثمار.

مع أنه (قده) صرح بقصور الحديثين عن ذلك، وعدم الدليل عليه من غيرهما.

وإن رجعت إلي دعوي جريان حكم الحنطة في المقام علي الشعير، كما جري حكمها عليه في الربا وإن لم تكن العلة في المقام هي لزوم الربا.

فهي أشبه بالقياس.

وعلي كلا الوجهين لا يكون الاستدلال بها مبتنياً علي تقريب استفادة العموم من الحديثين بالوجه المتقدم، بل هي وجه قائم بنفسه.

وبالجملة: لا مخرج عما ذكرنا من ابتناء المحاقلة كالمزابنة علي اتحاد الجنس في الثمن والمثمن، وأن اختصاص الثمن في الحديثين بالحنطة ملزم بحمل المثمن فيهما علي سنبلها وزرعها لا غير.

نعم لو فرض إلغاء خصوصيتي النخل والتمر والسنبل والحنطة عرفاً، والتعدي لبيع كل ثمر في أصوله بثمر منفصل عن الأصول منه أو من جنسه تعين عموم المنع لجميع الثمار، وكذا لو كان منشأ التحريم في المزابنة والمحاقلة هو لزوم

ص: 405

سواء أكانت منه أو في الذمة أم موضوعة علي الأرض (1).

وكذا بالشعير علي الأحوط (2).

والأظهر جواز بيع الزرع قبل أن يسنبل بالحنطة (3)، فضلاً عن الشعير.

وكذا بيع سنبل غير الحنطة والشعير من الحبوب بحب

---------------

الربا، كما ذكرناه آنفاً.

غايته أنه علي الثاني يحرم بيع سنبل الحنطة بالشعير وبالعكس، لما سبق من أنهما جنس واحد في الربا، وعلي الأول لا يحرم ذلك.

لكن لا مجال لكلا الوجهين، لأن الأول لا يناسب ظهور النصوص في شرح العنوانين وتحديدهما، وحملها علي مجرد التمثيل مخالف لظاهرها جداً.

كما سبق أنه لا مجال للثاني، لعدم تحقق شرط الربا وهو الكيل والوزن في أحد العوضين.

(1) تقدم الكلام في التعميم المذكور في المسألة الحادية عشرة.

(2) لعله لاحتماله (قده) تمامية ما سبق من الجواهر من جريان حكم اتحاد الجنس في المقام بناء علي التقريب الثاني له، والذي سبق منّا أنه أشبه بالقياس.

أو لأن من البعيد جداً عدم جواز بيع سنبل الشعير بحنطة وجواز بيعه بالشعير، وحينئذٍ يقرب جريان حكم اتحاد الجنس هنا.

فتأمل.

(3) كما في التذكرة، معللاً بأنه حشيش وليس مطعوماً، ونحوه في مفتاح الكرامة.

وقد ينافي ذلك إطلاق بعضهم كما سبق تعريف المحاقلة بأنها بيع الزرع بالحنطة.

لكن في المسالك: «ويظهر من كلامهم الاتفاق علي أن المراد به السنبل، وإن عبروا بالأعم».

وكيف كان فحديثا عبد الرحمن قد اختلفا، ففي صحيحه أنه بيع الزرع، وفي موثقه أنه بيع السنبل، ومن القريب أن يكونا حديثاً واحداً والاختلاف بينهما بسبب النقل بالمعني، فيتعين الاقتصار في مفادهما علي المتيقن، وهو السنبل.

بل حتي لو كانا حديثين، فحيث كانا واردين في مقام التحديد وشرح المفهوم، لا مجرد بيان الحكم كانا متعارضين، وتعين أيضاً الاقتصار في مفادهما علي المتيقن.

ص: 406

(407)

الكلام في بيع بعض الخضر قبل ظهورها

من جنسه (1) في الذمة أو موضوعة علي الأرض، ولا يجوز بحب منه (2).

(مسألة 16): الخضر كالخيار والباذنجان والبطيخ لا يجوز بيعها قبل ظهورها (3).

-

كما أنه لو كان علة تحريمها لزوم الربا لم تجر في المقام، لأن الزرع قبل أن يسنبل حشيش وليس من جنس الحنطة عرفاً.

(1) تقدم أن تحريمه يبتني إما علي إلغاء خصوصية السنبل والحنطة والتعميم لبيع كل ثمر في أصوله بثمر من جنسه منفصل عن الأصول أو علي أن علة تحريم المحاقلة لزوم الربا، وأنه لا مجال لكلا الأمرين.

نظير ما تقدم في تعميم حكم المزابنة لغير النخل من الشجر.

(2) كأنه لوجوب التباين بين الثمن والمثمن، الذي تقدم الكلام فيه في ذيل الكلام في المزابنة.

كما أنه تقدم منه (قده) نظيره هناك.

(3) كما صرح به غير واحد، بل هو المعروف بينهم واستظهر في الحدائق عدم الخلاف فيه، وفي مفتاح الكرامة الإجماع عليه.

نعم قد يظهر من إطلاق الوسيلة الجواز، حيث قال: «ويجوز أيضاً بيع الرطبة وأمثالها الجزة الأولي أو الثانية أو الثالثة أو جميعاً».

فإن ظاهرهم أن المراد بالجزة الأولي جزة ما هو الموجود، فيكون المراد بما بعدها جزة ما لم يوجد بعد.

كما أنه صرح في المقنعة والمراسم بكراهة بيع ما لم يبدو صلاحه من الخضروات.

وصريح الأول وظاهر الثاني عدم فساد البيع المذكور.

فإن كان مرادهما ببدو الصلاح انعقاد الثمرة وتناثر الورد كما يأتي من السرائر كانا مخالفين في المسألة.

وإن كان مرادهما به أمراً زائداً علي ذلك كما يأتي من المبسوط كانا موافقين للمشهور.

وكيف كان فالوجه في المنع عدم إحراز سلامة شيء من المبيع، وقد سبق عند الكلام في اعتبار القدرة علي التسليم اعتباره في صحة البيع.

وأما بناءً علي ما ذكروه

ص: 407

من أن مقتضي القاعدة اعتبار القدرة علي تسليم تمام المبيع فالأمر أظهر.

وزاد علي ذلك في الجواهر بأن المبيع معدوم.

لكن ذلك إنما يكون محذوراً إذا ابتني البيع علي ملكية المبيع فعلاً، وهو غير مراد في المقام، بل المراد ملكيته علي تقدير وجوده، كما هو المراد في كثير من صور بيع الثمرة التي جوزها الأصحاب.

وحيث كان ذلك ممكناً في نفسه أمكن تصحيحه في المقام بالعمومات لولا ما سبق.

ومن ثم كان هو العمدة في المقام.

وقد استدل مضافاً إلي ذلك بوجهين: الأول: فحوي النصوص المتقدمة المتضمنة للمنع من بيع ثمر النخل والأشجار قبل ظهورها، كما في الجواهر.

لكن المراد بالفحوي إن كان هو فهم المنع هنا بضميمة الأولوية فلم يتضح منشؤها في المقام.

وإن كان هو فهمه بإلغاء خصوصية مواردها عرفاً، وفهم أن المنع بلحاظ عدم وجود المبيع وعدم إحراز سلامته، فهو غير بعيد، وإن كان محتاجاً لمزيد من التأمل.

الثاني: موثق سماعة أو صحيحه: «وسألته عن ورق الشجر هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات أو أربع خرطات ؟ قال: إذا رأيت الورق في شجره فاشتر منه ما شئت من خرطة»(1).

لظهوره في عدم جواز شرائه قبل ظهور شيء منه.

وبه يقيد إطلاق بعض نصوص الجواز، كصحيح بريد: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرطبة تباع قطعتين أو ثلاث قطعات.

فقال: لا بأس.

..»(2).

نعم الاستدلال به موقوف علي التعدي عن مورده وهو ورق الشجر للخضر، كما تقدم في نصوص ثمر النخل والشجر.

فالوجهان راجعان في الحقيقة إلي فهم العموم من النصوص الواردة في الموارد المتفرقة، وكلما كانت الموارد أكثر كان فهم العموم منها أيسر.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 4 من أبواب بيع الثمار حديث: 2.

(2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 1 من أبواب بيع الثمار حديث: 1.

ص: 408

ويجوز بعد ظهورها (1)

---------------

هذا ولكن ذلك لو تم كما هو غير بعيد فهو كما يقتضي استفادة العموم من النصوص المذكورة يقتضي حملها علي الكراهة لم تم حمل بعضها عليها، كما تقدم تقريبه في نصوص ثمر النخل والشجر.

ولاسيما بملاحظة صحيح بريد المتقدم، لما تضمنه ذيله من عدم كون نهي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عن بيع النخل قبل طلوعه تحريمياً، مع ظهوره في عدم الفرق بين الرطبة والنخل، لجعله (عليه السلام) فيه نهي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) المذكور منشأ لشبهة المنع في الرطبة، ودفعها بعدم كونه تحريمياً.

فلاحظ.

ثم إن الظاهر أن محل الكلام في الخضر هو بيع نفس الخضرة والثمرة قبل ظهورها دون الأصول.

أما لو بيعت الأصول حينئذٍ فلا ينبغي الإشكال في الجواز كما تقدم في الزرع، لعمومات الصحة والنفوذ من دون مخرج عنها، لاختصاص ما تقدم لو تم ببيع الثمرة نفسها، كما هو ظاهر.

(1) كما هو مقتضي إطلاق جماعة.

وإليه قد يرجع ما في السرائر من عدم جواز بيعه قبل بدو صلاحه، لأن مراده من بدو الصلاح فيما يتورد انعقاده وانتثار ورده.

أما في النهاية والوسيلة فقد اعتبر في جواز بيعها بدو صلاحها، ولم يتضح منهما المراد من بدو الصلاح فيها.

وما في النهاية من أن بدو الصلاح هو الانعقاد وتناثر الورد إنما ذكره في ثمر الفواكه، لا في كل ما يتورد، بل تقدم في المسألة الثانية من المبسوط أن بدو صلاح المعتبر في صحة بيع القثاء والخيار مما لا يتغير طعمه ولا لونه، بل يؤكل صغاراً أن يتناهي عظم بعضه، وفي مثل البطيخ أن ينضج ويحلو ويطيب أكله.

نعم تقدم هناك أنه لا ملزم بذلك، بل يتعين البناء علي جواز بيع الثمرة بمجرد ظهورها في غير ما ورد النهي عنه بالخصوص، ومنه المقام.

ولعله لذا أطلق جماعة كما سبق، وقد تقدم احتماله فيما سبق من المقنعة والمراسم.

بل صرح في التذكرة بعدم

ص: 409

مع المشاهدة (1) لقطة واحدة أو لقطات (2).

والمرجع في تعيين اللقطة عرف الزراع (3).

ولو كانت الخضرة مستورة - كالشلجم والجزر ونحوهما - لم يجز بيعها (4).

-

اعتبار ما زاد علي الظهور من تغير لون أو طعم أو غيرهما، وفي الدروس والروضة ومحكي شرح الإرشاد للكركي وغيرها بعدم اعتبار تناهي العظم فيها.

(1) بناءً علي ما تقدم منهم من اعتبار العلم بالعوضين، نظير ما سبق في المسألة الرابعة عشرة.

اللهم إلا أن يرفع اليد عنه في خصوص المقام بما تضمن الاكتفاء في جواز المعدوم من الثمرة بالضميمة، وأنه يكفي العلم بسلامة بعض المبيع، حيث يناسب ذلك عدم اعتبار المشاهدة لتمام الموجود، بل يكفي العلم بوجود شيء صالح للبيع.

ويأتي عند الكلام في بيع المستور كالجزر ما ينفع في المقام.

فلاحظ.

(2) كما صرح به الأصحاب بنحو يظهر منهم التسالم عليه.

ويقتضيه ما تقدم من القاعدة.

مضافاً إلي النصوص المتقدمة الواردة في بيع الثمرة مع الضميمة، وموثق سماعة المتقدم المتضمن بيع ورق الشجر خرطات، وقريب منه غيره، حيث لا يبعد استفادة العموم منها بإلغاء خصوصية مواردها.

(3) والظاهر أنه المراد من العرف في الدروس والروضتين والمسالك وغيرها.

والوجه فيه ظاهر.

نعم لابد من التفات المتبايعين لمقتضي العرف المذكور ولو ارتكازاً.

وإلا تعين بطلان البيع إذا اختلف قصدهما، لعدم التطابق بين الإيجاب والقبول.

كما أنه إذا اتفقا علي ضابط آخر تعين العمل عليه.

(4) قال في التذكرة: «إذا كان المقصود مستوراً في الأرض لم يجز بيعه إلا بعد قلعه، كالجزر والثوم والبصل.

.

.

للجهالة لانتفاء المشاهدة والوصف».

وقريب منه في القواعد والتحرير، بل حكاه في الدروس عن جماعة.

لكن حكي فيه عن ابن الجنيد الجواز، واختاره تحكيماً للعرف.

ولم يتضح

ص: 410

نعم يجوز الصلح عليها (1) علي الأظهر.

ولو كان ورقه بارزاً وأصله

---------------

الوجه في الرجوع للعرف في الأحكام.

إلا أن يرجع لسيرة المتشرعة المستمرة من عهد المعصومين (صلوات الله عليهم)، والكاشفة عن حكمهم علي طبقها.

وليس من السهل إثبات ذلك.

فالعمدة في المقام: أنه لو سلم عموم مانعية الجهالة، إلا أن المستفاد من النصوص عدم مانعيتها من بيع الثمار إذا أدرك بعضها، فضلاً عما إذا بيع ما هو المدرك وحده.

ولاسيما بملاحظة التعليل في موثق سماعة أو صحيحه: «سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها؟ قال: لا، إلا أن يشتري معها شيئاً من غيرها رطبة أو بقلاً، فيقول: أشتري منك هذه الرطبة وهذا النخل وهذا الشجر بكذا وكذا، فإن لم تخرج الثمرة كان رأس المال المشتري في الرطبة والبقل»(1).

بل هو مقتضي إطلاق صحيح يعقوب بن شعيب: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة فأدرك بعضها فلا بأس ببيعها جميعاً»(2).

فإن مقتضاه جواز بيع البستان بإدراك مثل هذه الثمار، وهو يقتضي جواز بيعها وحدها بالأولوية العرفية.

نعم لابد من العلم بإدراكها إذا بيع المقصود المستور منها وحده، أما إذا بيع الزرع بتمامه مع أصله فلا ملزم بذلك.

ومجرد عدم كون الورق في مثل الجزر والشلجم مقصوداً بالأصل لا يمنع من بيع الكل بعد كون الكل مقصوداً بنفسه ولو بلحاظ توقع بلوغه وإمكان الانتفاع بالورق ولو بوجه غير مقصود.

(1) لإطلاق أدلة نفوذ الصلح، وعدم الملزم باعتبار المشاهدة أو مانعية الجهالة فيه، إلا بلحاظ عموم النهي عن الغرر، وعدم اختصاصه ببيع الغرر، وهو غير ثابت،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 3 من أبواب بيع الثمار حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب بيع الثمار حديث: 1.

ص: 411

مستوراً كالبصل جاز بيعه (1) والصلح عليه.

(مسألة 17): إذا كانت الخضرة مما يجز كالكراث والنعناع واللفت (2) ونحوها يجوز بيعها بعد ظهورها جزة وجزات، ولا يجوز بيعها قبل ظهورها (3).

والمرجع في تعيين الجزة عرف الزراع، كما سبق.

وكذا

---------------

كما تقدم في مباحث الشرط عند الكلام في مانعية الجهالة من صحة الشرط.

(1) من الظاهر أن الثمار المذكورة ذات أوراق ظاهرة، ولا يختص ذلك بالبصل.

نعم قد يتميز البصل بأن الظاهر منه مقصود كالأصل المستور.

قال في التحرير بعد الحكم بعدم جواز بيع ما المقصود منه مستور: «ولو كان الظاهر مقصوداً كالبصل فالظاهر جوازه منفرداً ومع أصوله.

وكذا لو كان معظم المقصود مستوراً علي إشكال».

لكن من الظاهر أن البصل إذا تكامل نموه يجف الظاهر منه، ولا ينتفع به، فلا يكون مقصوداً.

مع أن مشاهدة بعض المبيع والعلم به لا يكفي عندهم، بل لابد من مشاهدته بتمامه، لأنه هو الرافع للغرر عندهم.

فالتفصيل غير ظاهر الوجه.

ولا مخرج عما تقدم.

(2) صرح غير واحد من اللغويين بأن اللفت هو الشلجم.

نعم ذكر بعض المتأخرين منهم أن الشلجم نوع من اللفت صالح لتغذية الحيوانات، فقد يكون مراد سيدنا المصنف (قده) ذلك، وأنه يجز ورقه مرة بعد أخري لعلف الحيوانات.

(3) يظهر الحال فيها مما تقدم في الخضر، فإن الكلام فيهما علي نهج واحد.

بل النصوص قد وردت هنا، ومنها صحيح بريد المتقدم ومعتبر معاوية بن ميسرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) وفيه: «قلت: فالرطبة يبيعها هذه الجزة وكذا بكذا جزة بعدها؟ قال: لا بأس به.

ثم قال: قد كان أبي يبيع الحناء كذا وكذا خرطة»(1).

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 4 من أبواب بيع الثمار حديث: 3.

ص: 412

(413)

الكلام في كيفية بيع المشرك بين اثنين

الحكم فيما يخرط، كورق الحناء والتوت، فإنه يجوز بيعه بعد ظهوره خرطة وخرطات (1).

(مسألة 18): إذا كان نخل أو شجر أو زرع مشتركاً بين اثنين جاز أن يتقبل أحدهما حصة صاحبه بعد خرصها بمقدار معين، فيتقبلها بذلك المقدار (2).

فإذا خرص حصة صاحبه بوزنة مثلاً جاز أن يتقبلها

---------------

(1) الكلام فيه كما في سابقه.

ويستفاد الحكم فيه من معتبر ميسرة المتقدم هناك وموثق سماعة المتقدم عند الكلام في بيع الخضر.

(2) كما هو المعروف بين الأصحاب، ونفي في مفتاح الكرامة الخلاف فيه إلا من الحلي في السرائر.

للنصوص الكثيرة، كصحيح يعقوب بن شعيب: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في الرجلين يكون بينهما النخل، فيقول أحدهما لصاحبه: إما أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيل مسمي، وتعطيني نصف هذا الكيل إما زاد أو نقص، وإما أن آخذه أنا بذلك.

قال: نعم لا بأس به»(1).

وموثق محمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام): «سألته عن الرجل يمضي فأخرص عليه في النخل.

قال: نعم.

قلت: أرأيت إن كان أفضل مما يخرص عليه الخارص أيجزيه ذلك ؟ قال: نعم»(2).

وقريب منهما صحيح محمد بن عيسي عن بعض أصحابه عن أبي الحسن (3)(عليه السلام).

إلا أنه تضمن اعتبار بلوغ الثمر.

وصحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه السلام) الوارد في المزارعة والمتضمن مزارعة النبي (صلي الله عليه وآله) يهود خيبر، وفيه: «فلما بلغ الثمر أمر عبد الله بن رواحة فخرص

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 10 من أبواب بيع الثمار حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 14 من أبواب المزارعة حديث: 3.

(3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 10 من أبواب بيع الثمار حديث: 4.

ص: 413

عليهم النخل، فلما فرغ منه خيّرهم، فقال: قد خرصنا هذا النخل بكذا وكذا صاعاً، فإن شئتم فخذوه وردوا علينا نصف ذلك، وإن شئتم أخذناه وأعطيناكم نصف ذلك.

فقالت اليهود: بهذا قامت السماوات والأرض»(1).

ونحوه في قضية خيبر صحيحا الحلبي(2) وأبي الصباح(3) ، ومعتبر الجعفريات(4) ، وما عن أمالي أبي علي بسنده عن سليمان بن بلال عن الإمام الرضا (5)(عليه السلام)، وما عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسي عن محمد بن مسلم عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله (6)(عليه السلام).

ومن هذه النصوص يظهر أن المعيار هو الاشتراك في الثمر، سواء كان للاشتراك في الأصول أم لمثل المزارعة والمساقاة.

لاختصاص بعض النصوص بالأول، كصحيح يعقوب بن شعيب الأول، وبعضها بالثاني، كنصوص خيبر، وإطلاق بعضها، كموثق محمد بن مسلم.

كما أن أكثر هذه النصوص وإن اختص بالنخل، إلا أن ورود بعضها في المزارعة يقتضي العموم للزرع والشجر، كما ذكره في مفتاح الكرامة وغيره وسبق من سيدنا المصنف (قده).

بل لا يبعد إلغاء خصوصية مواردها عرفاً.

ولاسيما بملاحظة صحيح يعقوب بن شعيب الثاني، حيث ورد في المزارعة، واستشهد الإمام (عليه السلام) فيه بخرص النخل في خيبر.

كما أن ما فيه وفي غيره من أن السماوات قامت بذلك يناسب العموم، لرجوعه إلي صحة المعاملة ارتكازاً، لابتنائها علي الإنصاف، المناسب لعدم الفرق بين الموارد، كما لعله ظاهر.

هذا وقد تعرض في السرائر لنصوص خيبر، وما يأتي من الأصحاب في تعقيبها من أنه لو تلفت الثمرة لم يلزم المخروص عليه شيء.

ثم استشكل فيها بأن ذلك إن

-

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 10 من أبواب بيع الثمار حديث: 5، 2، 3.

(4و5و6) مستدرك الوسائل ج: 13 باب: 12 من أبواب المزارعة حديث: 1، 2، 3.

ص: 414

بتلك الوزنة زادت عليها في الواقع أو نقصت عنها أو ساوتها (1).

---------------

كان بيعاً فهو محاقلة ومزابنة، وكلاهما باطل، وإن كان صلحاً علي أن يكون بغلة من تلك الأرض فهو غرري باطل، لعدم كونه مضموناً، وإن كان بغلة في الذمة لزم وكان لازماً وإن هلكت الثمرة، وهو خارج عن مفروض كلامهم.

ثم قال: «فليلحظ ذلك فهو الذي تقتضيه أصول مذهبنا، وتشهد به الأدلة.

فلا يرجع عنها بأخبار الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً وإن كررت في الكتب».

وهو كما تري! بعد كثرة هذه النصوص، وعمل الأصحاب بها.

وإذا التزم برد مثلها لم يبق له أخبار يبني عليها فقهه.

بل هي أكثر وأظهر من نصوص النهي عن المزابنة والمحاقلة والغرر.

ومن هنا لا ينبغي الإشكال في المسألة.

(1) كما هو ظاهرهم في المقام، بل صرح به غير واحد، كما في النهاية والوسيلة والتحرير.

وهو ظاهر النصوص، لابتناء الخرص علي ذلك، بل هو صريح موثق محمد بن مسلم المتقدم، وما يأتي في مرسل محمد بن عيسي.

كما أن ظاهرهم أيضاً بل صريح الوسيلة هو لزوم العقد، فليس لأحدهما الرجوع عنه ولو قبل ظهور الحال، فإنهم وإن عبروا بالجواز، إلا أنه لبيان مشروعية العقد المذكور، ومع مشروعيته يتعين لزومه.

وكيف كان فاللزوم هو المنساق من نصوص المقام، لما ذكرنا من أنه الأصل في العقود.

ولاسيما ما تضمن نفوذه وإن لم يطابق الخرص الواقع، كالموثق والمرسل.

ومن هنا لا مجال لما في التذكرة من الإشكال في لزوم المعاملة المذكورة، بل ظاهر التنقيح ومحكي إيضاح النافع والميسية الجزم بعدمه، وكلام المسالك لا يخلو عن اضطراب.

فإنه خروج عن ظاهر النصوص من دون وجه.

نعم في ذيل مرسل محمد بن عيسي المتقدم له الإشارة: «قلت: إنه يجيء بعد ذلك فيقول: إن الحرز لم يجئ كما حرزت وقد نقص.

قال: فإذا زاد يرد عليكم ؟

ص: 415

والظاهر عدم الفرق بين كون الشركاء اثنين أو أكثر (1)، وكون المقدار المتقبل به منها وفي الذمة (2).

نعم إذا كان منها فتلفت الثمرة

---------------

قلت: لا.

قال: فلكم أن تأخذوه بتمام الحرز.

كما أنه إن زاد كان له كذلك إن نقص كان عليه».

ومقتضاه أنه يمكن وقوع المعاملة بنحو يبتني علي تدارك النقص.

لكنه مع ضعفه يرجع إلي عدم وقوع العقد الملزم بين الطرفين، وبقاء الأمر كما لو لم يقع العقد.

(1) كما في مفتاح الكرامة.

فإن بعض النصوص وإن تضمن الشركة بين اثنين، إلا أن نصوص خيبر قد تضمنت الشركة بين المسلمين واليهود، وإذا أمكن إرجاع حصة المسلمين لواحد، بلحاظ أن المالك هو الجهة من دون أن يملكوا أشخاصهم فلا مجال لذلك في اليهود، لملكية العاملين في الأرض بأشخاصهم.

هذا مضافاً إلي إلغاء خصوصية وحدة الشريك وتعدده عرفاً، خصوصاً بلحاظ ما تضمنته نصوص خيبر من أن السماوات والأرض قامت بذلك، لما تقدم من رجوع ذلك إلي أن المعاملة مقبولة ارتكازاً بلحاظ ابتنائها علي الإنصاف، ومن الظاهر أنه لا خصوصية في ذلك لعدد الشركاء.

وليس ذلك مثل حق الشفعة التعبدي الذي يمكن فيه خصوصية عدد الشركاء.

(2) قد يظهر مما ذكره جماعة كثيرة، بل نسبه في جامع المقاصد للأصحاب، من أن التلف بآفة سماوية أو أرضية يقع علي الجميع، أن المفروض في المقام كون الخرص بحصة من الثمرة نفسها، لا في الذمة.

نعم في الروضة أن ذلك مشروط بما إذا التقبيل علي الإشاعة، ويأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالي.

وكيف كان فالعموم للصورتين مقتضي عموم صحيح يعقوب بن شعيب الأول وموثق محمد بن مسلم المتقدمين المستفاد من ترك الاستفصال فيهما.

وأما قضية خيبر فهي قضية في واقعة صالحة للوجهين.

ص: 416

فلا ضمان علي المستقبل (1)، بخلاف ما لو كان في الذمة، فإنه باق علي

---------------

اللهم إلا أن يقال: المتيقن من السيرة في أمثال ذلك هو كونه من نفس الثمرة.

بل لعل ذلك هو المعهود منها، وليس فائدة الخرص إلا تعيين الحصة بالقدر الخاص لا غير، لأن ذلك هو مفاد الخرص.

ولذا ليس بناء الطرفين ظاهراً علي دفع الحصة من غير الثمرة.

ولاسيما مع اختلاف الأصناف في الجودة والرداءة كثيراً.

ومن هنا يشكل استفادة العموم لكون الخرص بما في الذمة من حديثي يعقوب بن شعيب ومحمد بن مسلم المتقدمين، لقرب الإشارة فيهما للمعاملة المعهودة الشائعة بين الناس.

وينحصر الوجه في صحة الخرص بما في الذمة بالعمومات، بناء علي ما سبق في المزابنة والمحاقلة من أن المتيقن منهما ما إذا كان الثمن جزءاً من المثمن، أو علي ما هو الظاهر من النص والفتوي من اختصاصهما بالبيع، وعدم جريانهما في غيره من المعاملات كالصلح، ومنه ما نحن فيه.

(1) كما صرح به في الوسيلة والقواعد والإرشاد والدروس واللمعة، ونسب للنهاية، وإن كان كلامه لا يخلو عن غموض.

وفي جامع المقاصد أن الأصحاب ذكروا ذلك.

وتردد في التذكرة وعن تعليق الإرشاد الاستشكال فيه.

وفي المسالك والروضة أنه غير واضح الوجه.

قال في الروضة: «وتوجيهه بأن المتقبل لما رضي بحصة معينة في العين صار بمنزلة الشريك.

فيه أن العوض غير لازم كونه منها وإن جاز ذلك فالرضا بالقدر، لا به مشتركاً.

إلا أن ينزل علي الإشاعة».

لكن من القريب كون مفروض كلامهم أن المقدار المستحق من الثمرة نفسها، كما يظهر مما سبق.

نعم كونه علي الإشاعة بعيد جداً، لاحتياج الإشاعة مع تعيين المقدار المستحق بغير الشقص إلي عناية، نظير ما سبق في المسألة العاشرة في صورة

ص: 417

ضمانه (1).

والظاهر أنه معاملة مستقلة (2)، لا بيع ولا صلح.

ويكفي فيها كل لفظ دال علي المقصود (3).

-

الاستثناء، ولقرب ابتناء الخرص علي استقلال آخذ الثمرة بالتصرف بها.

وذلك يناسب استحقاق المقدار المعين في الثمرة بنحو الكلي في المعين.

ويتعين كون الوجه في ثبوت النقص عليه ما سبق منّا في صورة الاستثناء من بناء العرف علي ورود النقص علي الحق الثابت في العين تبعاً للنقص الوارد عليها.

غاية الأمر أن ذلك لا يجري في المبيع لابتنائه علي تعهد البائع بتسليم المبيع للمشتري زائداً علي استحقاقه له، أما الخرص في المقام، فلا يبتني علي ذلك، لتمحضه في تعيين المقدار المستحق.

فلاحظ.

(1) لعدم الموجب لدخول النقص عليه بعد تعلقه بالذمة وانقطاع علقة صاحبه بالعين التي لحقها، فهو نظير ما لو باع حقه من الثمرة أو استبدله بشيء من غير جنس الثمرة.

(2) ففي المسالك أنه معاوضة مستقلة.

لكن لم يتضح كونها معاوضة، بل مفادها محض الاتفاق علي تعيين مقدار الحق.

فهي معاملة مستقلة، كما نسبه في مفتاح الكرامة لظاهر الأصحاب.

وهي أشبه بالصلح، وإن لم يتضح كونها منه، والأمر سهل.

ولا إشكال في عدم كونها بيعاً، فلا تجري عليها أحكامه.

نعم قد تشبهه أو ترجع إليه إذا كانت الحصة في الذمة، لا في العين.

فلاحظ.

(3) كما هو مقتضي إطلاق نصوص المقام وعموم نفوذ العقود.

وقد يرجع إليه ما في مزارعة جامع المقاصد من أنه لابد من إيجاب وقبول بلفظ الصلح أو التقبيل أو ما أدي هذا المعني.

لكن عن الميسية أنه لابد من وقوعها بلفظ التقبيل.

ولم يتضح الوجه فيه بعد ما سبق.

وأما ما في مفتاح الكرامة من أنه المتيقن في الخروج عن استصحاب بقاء

ص: 418

(419)

الكلام في حق المارة

بل تجري فيها المعاطاة (1)، كما في غيرها من العقود.

(مسألة 19): إذا مرّ الإنسان (2)

---------------

الملك علي ما كان عليه.

ففيه: أنه يكفي في الخروج عن الاستصحاب المذكور الإطلاق والعموم المتقدمين، كما هو الحال في جميع العقود.

(1) لما سبق من الإطلاق والعموم.

لكن سبق من جامع المقاصد أنه لابد من اللفظ.

وقد يظهر من غيره.

بل في الجواهر أنه لا ريب في اعتبار الصيغة في لزومها.

وكأنه مبني علي الخلاف المعروف في المعاطاة.

(2) هذا الحكم في الجملة قد ذكره جماعة من الأصحاب (رضوان الله تعالي عليهم) وفي الجواهر أنه المشهور بينهم نقلاً وتحصيلاً، ويظهر من المسالك ندرة الخلاف فيه قبل عصر المحقق (قده).

بل ادعي الإجماع عليه في الخلاف وفي أطعمة السرائر وفي مكاسبها، وإن قال في الأخير: «ولا يعتد بخبر شاذ أو خلاف من يعرف اسمه ونسبه».

ويقتضيه النصوص الكثيرة، كصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر (عليه السلام): «سألته عن الرجل يمر علي ثمرة، فيأكل منها.

قال: نعم.

قد نهي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أن تستر الحيطان برفع بنائها»(1) ، وصحيح ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام):

«سألته عن الرجل يمر بالنخل والسنبل والثمر، فيجوز له أن يأكل منها من غير إذن صاحبها من ضرورة أو غير ضرورة ؟ قال: لا بأس» (2) ، وصحيح يونس عن بعض رجاله عنه (عليه السلام): «سألته عن الرجل يمر بالبستان وقد حيط عليه أو لم يحط عليه هل يجوز له أن يأكل من ثمره، وليس يحمله علي الأكل من ثمره إلا الشهوة، وله ما يغنيه عن الأكل من ثمره ؟ وهل له أن يأكل من جوع ؟ قال: لا بأس أن يأكل ولا يحمله ولا يفسده»(3) ، وصحيح عبد الله بن سنان

-

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب بيع الثمار حديث: 2، 3، 5.

ص: 419

عنه (عليه السلام): «قال: لا بأس بالرجل يمر علي الثمرة ويأكل منها، ولا يفسد.

قد نهي رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن تبني الحيطان بالمدينة لمكان المارة...»(1) ، وغيرها(2).

وحكي في المسالك عن المرتضي في المسائل الصيداوية المنع.

لكن في كشف اللثام أنه احتاط فيها.

وهو المناسب لما في مفتاح الكرامة من أن المنقول من عبارتها قوله: «الأحوط والأولي أن لا يأكل».

وكيف كان فقد قرب المنع في متاجر المختلف والتنقيح وجامع المقاصد، وحكي عن حواشي المحقق الثاني الثلاثة وعن الفاضل الميسي.

وقد يظهر الميل إليه من الروضة.

كما يظهر من الإرشاد وأطعمة المختلف والتحرير والدروس ومحكي التلخيص التردد فيه.

وفي الإيضاح بعد أن أشار إلي وجه الجواز قال: «والأولي عصمة مال المسلم».

وقد يستدل للمنع بعموم حرمة مال المسلم، وصحيح علي بن يقطين: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يمر بالثمرة من الزرع والنخل والكرم والشجر والمباطخ وغير ذلك من الثمر، أيحل له أن يتناول منه شيئاً ويأكل بغير إذن صاحبه ؟ وكيف حاله إن نهاه صاحبه [صاحب الثمرة أو أمره القيم فليس له.

وكم الحد الذي يسعه أن يتناول منه ؟ قال: لا يحل له أن يأخذ منه شيئاً»(3).

وصحيح مروك عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قلت له: رجل يمر علي قراح الزرع ويأخذ منه السنبلة.

قال: لا.

قلت: أي شيء سنبلة ؟! قال: لو كان كل من يمر به يأخذ سنبلة كان لا يبقي شيء»(4).

وما عن نوادر أحمد بن محمد بن عيسي عن ابن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام)

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب بيع الثمار حديث: 12.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 6 باب: 17 من أبواب زكاة الغلات. وج: 13 باب: 8 من أبواب بيع الثمار، وج: 18 باب: 23 من أبواب حد السرقة.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب بيع الثمار حديث: 7، 6.

ص: 420

أنه قال: «وليس للرجل أن يتناول من ثمرة بستان أو أرض إلا بإذن صاحبه، إلا أن يكون مضطراً.

قلت: فإنه يكون في البستان الأجير والمملوك.

قال: ليس له أن يتناوله إلا بإذن صاحبه»(1).

لكن عموم حرمة مال المسلم قابل للتخصيص، والنصوص الأول كافية في تخصيصه.

وأما النصوص الأخيرة فلا مجال للخروج بها عن النصوص الأول مع كثرتها واشتهارها، وظهور عمل الأصحاب بها، خصوصاً في مثل هذه المسألة الشائعة الابتلاء والمخالفة للقاعدة ولما عليه المخالفون من المنع، حيث يبعد جداً، بل يمتنع عادة خطأ المشهور فيها.

ومن هنا قد يحمل صحيح علي بن يقطين علي الكراهة كما في الاستبصار جمعاً مع النصوص الأول.

ولعله أولي مما فيه أيضاً وفي التهذيب من حمله علي أخذه الثمرة وحملها معه من دون أن يأكلها.

لما يستلزمه من عدم استيفاء الجواب للسؤال.

نعم يقرب ذلك في حديث مروك، لأن السؤال فيه عن الأخذ، لا عن الأكل.

ولاسيما مع ظهور ذيل الحديث في أن منشأ السؤال الاستهوان بالسنبلة لقلتها، لا لحلية الأخذ في نفسه.

كما يقرب حمل حديث ابن مسلم إما علي غير من يمرّ علي الثمرة، أو علي الأخذ من دون أكل، أو علي كراهة الأكل للمار.

وقد يناسب الأخير استثناء الاضطرار، حيث لا يبعد كون المراد به الاضطرار العرفي الذي يكفي فيه الحاجة بنحو معتد به، المعلوم عدم كفايته في الترخيص في التصرف في مال الغير بغير إذنه لو كان المراد به الأخذ من دون أكل، أو الأكل لغير المار.

ولاسيما مع عدم التنبيه فيه للضمان، مع وضوح أن الاضطرار لا يرفع الضمان فيما من شأنه أن يضمن.

ومن هنا يقرب جداً حمله علي النهي عن الأكل للمار مع عدم الاضطرار العرفي.

********

(1) مستدرك الوسائل ج: 13 باب: 5 من أبواب بيع الثمار حديث: 4.

ص: 421

بشيء من النخل (1)

---------------

وحينئذٍ لا مجال للبناء علي الحرمة مع عدم الاضطرار المذكور، عملاً بظاهر النهي في الحديث.

لإباء النصوص الأول له جداً، خصوصاً ما تضمن منها نهي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عن بناء الحيطان من أجل المارة، بل هو خلاف صريح حديثي ابن أبي عمير ويونس.

وعليه يكون المتحصل من ذلك أنه يكره الأكل لغير المحتاج حاجة معتداً بها.

وعلي ذلك أيضاً يحمل صحيح مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمد (عليه السلام): «أنه سئل عما يأكل الناس من الفاكهة والرطب مما هو لهم حلال.

فقال: لا يأكل أحد إلا من الضرورة.

ولا يفسد إذا كان عليها فناء محاط.

ومن أجل الضرورة نهي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يبني علي حدائق النخل والثمار بناء، لكي يأكل منها كل أحد»(1).

ويظهر الوجه فيه مما سبق.

هذا وأما ما في المختلف من الجمع بين النصوص بحمل نصوص الجواز علي ما إذا علم بشاهد الحال إباحة المالك لذلك.

فهو مع كونه جمعاً تبرعياً خالياً عن الشاهد بعيد جداً لا يناسب مساق النصوص المذكورة، ولا ما سبق في وجه لزوم العمل بها.

ولاسيما أن من جملة النصوص التي استدل بها للجواز خبر محمد بن مروان: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أمر بالثمرة فآكل منها.

قال: كل ولا تحمل.

قلت: جعلت فداك إن التجار اشتروها ونقدوا أموالهم.

قال: اشتروا ما ليس لهم»(2).

فإنه صريح في ثبوت الحق في الثمرة للمار، وعدم سلطنة المالك بنحو يقتضي منعه من الأكل.

(1) وعليه اقتصر في أطعمة الشرائع وفي متاجر النافع وأطعمته وحكي عن الحائريات للشيخ.

ولم يتضح الوجه فيه بعد إطلاق الثمر في بعض النصوص

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب بيع الثمار حديث: 10، 4.

ص: 422

أو الشجر (1) أو الزرع (2) جاز أن يأكل من ثمره بلا إفساد (3) للثمر (4)

---------------

والتصريح في بعضها بالعموم لغير النخل.

هذا وقد اقتصر في باب بيع الثمار من النهاية علي الفواكه، وهو المحكي عن ابن البراج، ومن البعيد أن يريدا بها خصوص ثمرة غير النخل، لأن حيطان النخل هي الشائعة في عصور المعصومين (صلوات الله عليهم)، والمصرح بها في جملة من النصوص.

ولاسيما أن الرطب عدّ من الفاكهة في بعض النصوص(1).

ولا أقل من أن يستفاد منه الجواز في ثمرة النخل، بل في جميع الثمار بالأولوية العرفية، لأن الفاكهة أولي بأن يستغني عنها ويمنع من الأخذ منها عرفاً.

فتأمل.

(1) وقد اقتصر في مكاسب القواعد علي ثمر النخل والفواكه، كما حكي عن غيره.

وقد يظهر في الاقتصار علي النخل والشجر.

وكأنه لانصراف الثمرة إليهما، دون الزرع الأخضر.

لكنه غير ظاهر.

(2) التعميم للثلاثة هو المصرح به في بيع الثمار من الشرائع والتذكرة واللمعة وغيرها، وهو مقتضي إطلاق البستان أو الثمار أو نحوها في المقنع والمبسوط ومكاسب النهاية وجماعة كثيرين.

وعن المقتصر أن الأصحاب لم يفرقوا بين النخل وغيره من الشجر وغيره من المباطخ والزرع.

وعن المهذب البارع: «إن أكثر الأصحاب لم يفرقوا بين النخل وغيره».

وهو المتعين بالنظر للنصوص المتقدمة وغيرها.

(3) بلا خلاف أجده فيه، كما في الجواهر.

بل إجماعاً، كما في القواعد وعن نهاية الأحكام.

ويأتي الكلام في وجهه إن شاء الله تعالي.

(4) الإفساد له قد يراد به أحد وجوه: الأول: الإفساد لا بسبب الأكل عبثاً بالثمرة، كقطفها قبل وقتها، أو شقها أو ثقبها.

ولا ينبغي الإشكال في حرمته، لعموم احترام مال المسلم، وحرمة التبذير،

********

(1) بحار الأنوار ج: 66 ص: 122.

ص: 423

ونحو ذلك، من دون مخرج عنه من نصوص المقام وغيرها.

بل تقدم في حديث يونس قوله (عليه السلام): «ولا يحمله ولا يفسده».

وقوله (عليه السلام) في صحيح مسعدة بن زياد: «ولا يفسد إذا كان عليها فناء محاط» بناء علي أن المراد به إفساد الثمرة.

لكن من القريب أن يكون المراد به إفساد السياج من أجل الوصول للثمرة والأكل منها، فيكون أجنبياً عما نحن فيه.

الثاني: الإفساد بسبب الأكل، كأكل بعض الثمرة وترك بعضها فيفسد.

ومقتضي العمومات المتقدمة تحريمه من دون أن تنهض نصوص المقام بالترخيص فيه، لأن حلية الأكل لا تستلزم حلية الإفساد، إلا إذا كان ملازماً له نوعاً، وليس هو كذلك في المقام.

بل الظاهر عموم النهي عن الإفساد في حديث يونس المتقدم له.

وإن كان هو غير مهم بعد كفاية العمومات المتقدمة في المطلوب.

الثالث: الإفساد بنفس الأكل، قال في الرياض: «بأن يكون منه كثيراً، بحيث يؤثر فيها أثراً بيّناً.

ويصدق معه مسماه عرفاً.

ويختلف ذلك بكثرة الثمرة والمارة وقلتهما جداً».

لكن في صدق الإفساد بذلك إشكال بل منع، لأن الإفساد عرفاً هو الخروج بالشيء عما وضع له بحيث لا ينتفع به، وهو غير حاصل بذلك.

ومقتضي إطلاق النصوص المتقدمة جوازه.

ولاسيما بلحاظ ما في ذيل كلامه المتقدم من اختلافه بكثرة الثمرة والمارة وقلتهما، لظهور أنه مع استناده لكثرة المارة فكل واحد منهم لا يتحقق منه الإفساد بالمعني الذي ذكره.

والبناء علي حرمة الأكل علي الجميع لاستناد الإفساد الواحد لهم بمجموعهم لا يناسب النصوص المتقدمة جداً.

كيف ولازمه قصرها علي الثمار الواقعة في الطريق التي تقل فيها المارة.

مضافاً إلي أن ظاهر النصوص والفتاوي إرادة الفساد في ثمرة الشجر التي يكون المرور عليها والتي يجوز الأكل منها، لا ثمرة البستان بتمامه، ومن الظاهر قلة الثمرة التي تقع علي الطريق فيؤثر أكل القليل من الناس فيها أثراً بيّناً.

ص: 424

أو الأغصان أو الشجر (1) أو غيرها (2).

والظاهر جواز الأكل وإن كان قاصداً له من أول الأمر (3).

نعم لو كان لمقصده طريقان فرجح العبور من الطريق الذي يمر بالشجر لأجل الأكل ففي جواز الأكل حينئذ

---------------

ومن هنا يتعين حمل الإفساد في النص والفتوي علي المعنيين الأولين.

ودعوي: أن وضوح التحريم فيهما لا يناسب التنبيه عليه في النص والفتوي.

مدفوعة بأنه قد يكون سبب التنبيه تعارف تسامح المارة من عامة الناس فيهما.

نعم قد يدعي انصراف الأكل المرخص فيه للقليل الذي يتعارف من الإنسان حال مروره سداً للحاجة أو الشهوة، دون الإكثار والتملي.

وهو لو تم يقتضي تحريم الإكثار حتي لو لم يتحقق به الإفساد بالمعني المتقدم.

فلاحظ.

(1) كما ذكره في الجملة غير واحد.

ولا ينبغي الإشكال فيه بالنظر للعمومات، سواء كان الإفساد ملازماً للأكل أم لم يكن.

ومجرد جواز الأكل في الأول لا يستلزم جواز الإفساد بعد أن لم يكن ملازماً له نوعاً، ليستفاد من دليل جواز الأكل جوازه تبعاً، نظير ما سبق في إفساد نفس الثمرة.

(2) كالسياج، لما سبق من العمومات.

وتقدم عند الكلام في إفساد الثمرة قرب إرادته من صحيح مسعدة بن زياد.

(3) كما يظهر من الجواهر.

وهو الذي يقتضيه إطلاق النصوص والفتاوي.

قال في مفتاح الكرامة: «ثم إن اشتراط عدم القصد مما لا ريب فيه.

وإن ترك التصريح به جماعة من القدماء فهو مستفاد من تعبيرهم بالمرور، ومقطوع به من كلام غيرهم ومن النصوص المبيحة.

.

.

».

هذا والكلام.

.

تارة: في اعتبار عدم كون تمام المقصود بقطع المسافة هو الوصول للثمرة من دون أن يكون هناك مقصود آخر وراءها.

وأخري: في أنه بعد الفراغ عن ذلك فهل يعتبر عدم القصد قبل المرور علي

ص: 425

الثمرة للأخذ منها حين الوصول إليها.

أما الأول فالظاهر عدم الإشكال فيه بالنظر للنصوص والفتاوي، لأن ظاهر المرور بالشيء أو عليه عدم كونه هو المقصود بالأصل الذي إليه ينتهي القاصد، بل هو الواقع في طريق المقصد، فالمرور علي المكان مساوق للعبور عليه، لا للوصول إليه.

ولا أقل من كون ذلك هو المتيقن من المرور في خصوص المقام، خصوصاً بلحاظ ما تضمن نهي النبي (صلي الله عليه وآله) عن بناء الحيطان أو رفعها من أجل المارة، حيث لا إشكال في كون المراد به العابرين عليها في مقاصدهم.

وأما قوله (عليه السلام) في صحيح عبد الله بن سنان المتقدم: «لا بأس بالرجل يمر علي الثمرة ويأكل منها، ولا يفسد».

فالظاهر منه ليس هو نفي البأس عن كل من المرور والأكل، ليكون ظاهره إطلاق جواز الأكل ولو مع عدم المرور، إذ لا منشأ لتوهم ثبوت البأس في المرور، ليكون مسوقاً لدفعه، بل هو نفي البأس عن خصوص الأكل المتعقب للمرور، فالواو في المقام ليست عاطفة، بل حالية، والمرخص فيه هو مدخولها فقط، فلا يكون له إطلاق يشمل أكل غير المار.

فلاحظ.

نعم يأتي في موثق السكوني أن من سرق الثمار في كمه فما أكل منه فلا إثم عليه.

ومقتضي إطلاقه جواز الأكل لكل من يصل إلي الثمرة وإن كان قاصداً لها غير عابر عليها إلي مقصد آخر.

لكن لا يظهر منهم البناء علي ذلك.

وحينئذٍ قد يحمل علي من يسرق حال مروره وعبوره.

فلاحظ.

وأما الثاني فقد يناسبه ما في الشرائع من تقييد المرور بالاتفاق، قال: «إذا مرّ الإنسان بشيء من النخل أو شجر الفواكه أو الزرع اتفاقاً جاز أن يأكل».

وقد يرجع إليه ما في النافع والقواعد من مانعية القصد.

فإن الجمود عليه وإن كان يقتضي اعتبار عدم القصد للعبور علي الأمور المذكورة، إلا أنه حيث لا منشأ لاحتمال ذلك، بل يقطع بعدم إرادته، فقد يحمل علي اعتبار عدم القصد للأكل منها.

لكن لا يبعد كون المراد لهما المعني الأول الراجع إلي عدم كونها مقصداً بالأصل،

ص: 426

إشكال (1).

وأشكل منه ما لو لم يكن له مقصد إلا الأكل (2).

وكذا إذا كان للبستان جدار أو حائط (3)،

---------------

بل لابد من وقوعها في طريق المقصد، كما يظهر من بعض شراح كلامهما، فيخرج عما نحن فيه.

نعم في شرح القواعد لكاشف الغطاء اعتبار عدم القصد لخصوص تلك الثمرة ولو في أثناء الطريق.

وقد يظهر في المطلوب.

لكنه خروج عن إطلاق النصوص والفتاوي المتضمنة لعنوان المرور من دون وجه.

ومجرد خروجه مع القصد المذكور عن المتيقن من دليل الجواز لو تم لا يكفي في المنع منه بعد الإطلاق المذكور، كما في الجواهر.

ومن ثم كان ما ذكره سيدنا المصنف (قده) هو المتعين.

(1) بل يظهر من الرياض المنع منه.

لكن لم يتضح الوجه فيه بعد إطلاق النص والفتوي، لصدق المرور بلا إشكال.

(2) إن كان المراد به كون الوصول للثمرة تمام المقصد، بحيث ينتهي السير عندها، فالمتعين المنع من جواز الأكل، كما سبق.

وإن كان المراد به كون الغرض من قصد ما بعد الثمرة هو استحلال الثمرة وأكلها، من دون أن يكون له غرض آخر في الوصول للمكان المذكور، فقد يتجه الإشكال في جواز الأكل بانصراف المرور في النصوص والفتاوي إلي ما إذا تعلق له غرض بالوصول للمنتهي، ويكون تحليل الأكل من سنخ الفائدة المترتبة علي ذلك، لا أن تكون هي تمام المطلوب.

(3) إن كان السياج مانعاً من الوصول إلي الثمرة، بحيث يتوقف الوصول إليها علي اختراقه فالاختراق المذكور يحرم في نفسه لحرمة الدخول في أرض الغير إذا كانت محجوبة غير مكشوفة.

فلو عصي ودخل حتي مرّ بالثمرة لم يبعد حرمة الأكل، لانصراف المرور في النصوص والفتاوي عن المرور العدواني المنهي عنه.

ص: 427

أو علم بكراهة المالك (1).

---------------

نعم لو أذن له صاحب البستان في العبور حتي مرّ بالثمرة تعين جواز الأكل.

إلا أن يكون الإذن في العبور مقيداً بعدم الأكل، فيشكل الأكل حينئذٍ، لاستلزامه حرمة العبور.

أما إذا لم يكن السياج مانعاً من الوصول للثمرة، لإشرافها علي الطريق تعين جواز الأكل عملاً بإطلاق النصوص والفتاوي بعد تحقق المرور السائغ غير العدواني.

ودعوي: لزوم الخروج عنه بقوله (عليه السلام) في صحيح مسعدة بن زياد المتقدم: «لا يأكل أحد إلا من الضرورة، ولا يفسد إذا كان عليها فناء محاط».

مدفوعة بأنه لو تم وروده فيمن يمر بالثمرة، علي ما سبق الكلام فيه، إلا أنه لم يتضح رجوع الشرط للنهي عن الأكل في غير حال الضرورة، بل سبق قرب رجوعه للإفساد، لبيان أنه لا يجوز إفساد السياج من أجل الوصول للثمرة.

ولا أقل من احتمال ذلك بنحو يمنع من الخروج به عن الإطلاق.

فلاحظ.

(1) فعن المهذب البارع المنع مع العلم أو الظن بكراهة المالك.

لكن من الظاهر دلالة نصوص المقام علي عدم حرمة المال من هذه الجهة.

ولذا لا يعتبر إذن المالك.

بل تقدم أن صريح حديث محمد بن مروان ثبوت الحق للمار في الثمرة، بنحو يمنع من سلطنة المالك علي المنع.

وحينئذٍ فالمنع مع العلم بكراهة المالك لا يناسب إطلاق النصوص.

ولاسيما أن المدعي إن كان هو مانعية كراهة المالك وعدم تنجزها إلا بالعلم، لزم حرمة الأكل واقعاً مع ثبوتها من دون أن يعلم بها، ولزم حمل النصوص علي الحل الظاهري لا الواقعي، وهو مخالف لظاهرها جداً.

وإن كان هو مانعية الكراهة الواقعية من الحل بشرط العلم بها، أو مانعية القطع

ص: 428

وإذا حمل معه شيئاً حرم ما حمل (1)، ولم يحرم ما أكل (2).

---------------

بها وإن لم يصادف الواقع، فهو بعيد في نفسه لا نعهد له نظيراً في فروع الفقه.

كما لا شاهد له من القواعد، لأن القاعدة إنما تقتضي شرطية الرضا أو الإذن في جواز الأكل.

ومن هنا لا مخرج عن الإطلاق.

ومن ذلك يظهر جواز الأكل حتي مع نهي المالك، كما لعله ظاهر.

(1) بلا إشكال ظاهر، بل هو مقطوع به بين الطائفة، كما في الرياض.

ويقتضيه مضافاً إلي العمومات النهي عنه صريحاً في بعض النصوص المتقدمة وغيرها.

(2) لإطلاق النصوص المرخصة في الأكل.

لكن يظهر من المسالك وعن غير واحد من المتأخرين عنه شرطية عدم الحمل في حلّ الأكل، بحيث لو حمل حرم ما أكل.

ونسبه في الرياض لظاهر الأصحاب.

وكأنه لحمل النهي عن الحمل في النصوص علي مانعيته من حلّ الأكل.

وهو غير ظاهر، كما صرح به غير واحد.

كيف ؟! ولو كان مسوقاً لبيان الشرطية لم يدل علي الحرمة التكليفية، لعدم الجامع بينهما، مع عدم الإشكال ظاهراً في دلالته عليها.

ولو فرض إجمال النهي في النصوص المذكورة، وصلوحه للوجهين، فهو إنما يمنع من استفادة إطلاق حلّ الأكل منها، ولا يمنع من العمل بإطلاق بقية نصوص الحل، لعدم ثبوت المقيد لها.

هذا مضافاً إلي موثق السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: قضي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في من سرق الثمار في كمه فما أكل منه فلا إثم عليه، وما حمل فيعزر ويغرم قيمته مرتين»(1) ، بناءً علي حمله علي ما إذا مرّ بها، لعدم بنائهم ظاهراً علي جواز الأكل لغير المار.

وإن كان الأمر أظهر من ذلك.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 8 من أبواب بيع الثمار حديث: 1.

ص: 429

الكلام في العرية

(مسألة 20): يستثني من حرمة المزابنة (1) بيع العرية (2).

وهي النخلة الواحدة (3) لشخص في دار غيره أو بستانه (4)

---------------

(1) تقدم في المسألة الحادية عشرة تحديد المزابنة والدليل علي حرمة بيعها.

فراجع.

(2) حيث لا إشكال في جوازه، وفي الجواهر أنه لا خلاف فيه بيننا، بل وبين سائر المسلمين عدا أبي حنيفة، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه في أعلي مراتب الاستفاضة.

ويقتضيه موثق السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: رخص رسول الله في العرايا بأن تشتري بخرصها تمراً.

قال: والعريا جمع عرية.

وهي النخلة تكون للرجل في دار رجل آخر، فيجوز له أن يبيعها بخرصها تمراً، ولا يجوز ذلك في غيره»(1).

وفي خبر القاسم بن سلام بسنده عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): «أنه رخص في العرايا»(2).

(3) كما صرح به جماعة كثيرة، وعن بعض شراح القواعد أنه لم يجد فيه مخالفاً.

لكن التقييد بالوحدة لم يرد في موثق السكوني، وإنما هو مقتضي إفراد النخل فيه.

ومن هنا يقرب التعدي للأكثر إلغاءً لخصوصية الوحدة عرفاً.

إلا أن تكون مخالفة الحكم للقاعدة عندهم تلزم بالاقتصار علي المتيقن، خصوصاً مع ما تقدم عند الكلام في المزابنة من قرب عدم كون التفسير في الموثق من المعصوم، فيلزم الاقتصار فيها علي المتيقن من كلمات الأصحاب وأهل اللغة، وهي النخلة الواحدة.

(4) كأنه للاعتماد علي تعريف بعض أهل اللغة لها بالأعم من الدار والبستان وثوقاً بالتعريف المذكور، ولو بسبب ذكر جماعة من الفقهاء له، ودعوي الإجماع عليه في الغنية.

وبه يخرج عن خصوصية الدار في موثق السكوني، ولو لإهماله بلحاظ ما

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 14 من أبواب بيع الثمار حديث: 1، 2.

ص: 430

(431)

ويشق عليه دخوله عليها (1)، فيبيعها منه بخرصها تمراً من غيرها، أو كلياً في الذمة (2).

ويجوز له حينئذٍ أعطاؤه من تمرها (3).

-

سبق من قرب عدم كونه من المعصوم.

ولا مجال لما عن المهذب البارع من التعميم لغير الدار والبستان، كمعصرة الغير وخانه وبزارته ودباسته.

لخروجه عن المتيقن بعد فرض كون الترخيص المذكور مخالفاً للقاعدة.

بل الإنصاف أن التعدي للبستان أيضاً خروج عن المتيقن.

ولعله لذا اقتصر بعضهم علي الدار.

(1) الظاهر أن المشقة تكون هي الداعي نوعاً للبيع، من دون أن تكون قيداً في معني العرية، أو في الترخيص في بيعها بالنحو المذكور.

(2) ولا يكون بخرصها تمراً منها بناء علي لزوم التباين بين الثمن والمثمن علي ما سبق الكلام فيه في ذيل الكلام في المزابنة والمحاقلة.

وإنما يكون ذلك مستثني بناء علي عموم المزابنة والمحاقلة المنهي عنهما لبيع ثمر النخل والشجر بجنسه، أما بناء علي جوازه واختصاص المزابنة والمحاقلة ببيعه بثمر منه كما تقدم منّا فلا يكون مستثني، بل يكون علي طبق القاعدة، ولا تكون العرية مستثناة إلا إذا رجعت إلي بيع ثمر النخلة بخرصها تمراً منها، كما تقدم منّا هناك احتماله في موثق السكوني، جمعاً مع نصوص جواز بيع الثمرة بجنسها، وتقدم أيضاً احتمال إبقائه علي ظاهره في عموم الثمن للجنس مع عدم ابتناء الترخيص فيه علي الاستثناء.

فراجع.

(3) لأن الوفاء منه لا يجعله ثمناً، ليلزم اتحاد الثمن والمثمن، بل ثمنية الثمن تابعة لجعله في العقد، والمفروض أن المجعول ثمناً في العقد هو الكلي لا الشخصي المدفوع وفاء.

ص: 431

هذا ولو اشترط الوفاء من تمرها، فإن رجع إلي تقييد الثمن به رجع إلي كون الثمن منها.

وإن رجع إلي كونه شرطاً زائداً في المعاملة مع إطلاق الثمن، فلا يلزم المحذور المذكور، ويتجه صحته.

إلا أن يكون الحكم مخالفاً للقاعدة ومستثني منها، فيجب الاقتصار فيه علي المتيقن، وهو غير صورة الشرط المذكور، لانصراف الموثق عنه.

فلاحظ.

والله سبحانه وتعالي العالم.

ص: 432

(433) (433)

الفصل الثالث عشر / في بيع الحيوان

اشارة

(مسألة 1): يجوز استرقاق الكافر الأصلي (1) إذا لم يكن معتصماً

---------------

(1) بلا خلاف، كما في الجواهر.

ويظهر بسبر كلماتهم المفروغية عنه.

وكفي بذلك دليلاً في مثل هذه المسألة الشائعة الابتلاء من صدر الإسلام إلي عصورنا القريبة.

مضافاً إلي دلالة النصوص عليه في الجملة.

كصحيح رفاعة النخاس: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إن الروم يغزون علي الصقالبة والروم فيسرقون أولادهم من الجواري والغلمان، فيعمدون إلي الغلمان فيخصونهم، ثم يبعثون بهم إلي بغداد إلي التجار، فما تري في شرائهم، ونحن نعلم أنهم قد سرقوا، وإنما أغاروا عليهم من غير حرب كانت بينهم ؟ قال: لا بأس بشرائهم.

إنما أخرجوهم من الشرك إلي دار الإسلام»(1).

وحديث زكريا بن آدم عن الإمام الرضا (عليه السلام) وفيه: «وسألته عن سبي الديلم يسرق بعضهم من بعض، ويغير المسلمون عليهم بلا إمام، أيحل شراؤهم ؟ قال: إذا أقروا لهم بالعبودية فلا بأس بشرائهم»(2).

ونحوه معتبر المرزبان بن عمران(3).

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 2 من أبواب بيع الحيوان حديث: 1، 2.

(3) وسائل الشيعة ج: 11 باب: 50 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث: 2.

ص: 433

وصحيح العيص: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم مجوس خرجوا علي ناس من المسلمين في أرض الإسلام هل يحلّ قتالهم ؟ قال: نعم وسبيهم»(1).

وغيرها.

هذا وقوله (عليه السلام) في صحيح رفاعة: «إنما أخرجوهم من الشرك إلي دار الإسلام» غير ظاهر في التعليل الذي يدور الحكم مداره وجوداً أو عدماً، ليقصر الحكم عما إذا كان الكافر في بلاد الإسلام أو لم يخرجه الآخذ عن دار الكفر، ويكون مقتضاه أنه لا يملك بالحيازة والاستيلاء إلا بعد وصوله إلي دار الإسلام.

بل المتيقن ورود ذلك لبيان أن الحكم المذكور سبب لخيره وتقريب وسائل الهداية له.

نعم حديثا زكريا والمرزبان ظاهران في توقف جواز الشراء علي إقرار المبيع للبائع بالعبودية، وعدم كفاية استيلائه عليه وقهره له، بحيث يكون تحت يده.

لكنه راجع إلي مقام الإثبات من دون أن ينافي حصول الملك بالقهر والاستيلاء ثبوتاً، فيخرج عن محل الكلام.

وربما يأتي الكلام في ذلك.

هذا وظاهر النصوص المتقدمة أن الملك والاسترقاق لا يحصل بمجرد وضع اليد، بل بالقهر والاستيلاء، لأن ذلك هو الظاهر من السرقة والمعهود في الغزو اللذين تضمنتهما النصوص.

وهو الظاهر من السبي في كلام غير واحد.

بل الظاهر المفروغية عن ذلك.

وهو المتعين بعد كونه المتيقن من أدلة المقام وهي الإجماع والنصوص حيث يتعين الرجوع في غيره لاستصحاب عدم حصول الملك.

ثم إنه ورد في بعض النصوص أن المشركين في أنفسهم مماليك(2).

ولو تم العمل بظاهره من كونهم فعلاً مماليك، ولم يحمل علي أنه قابل لأن يملك، فهو إنما يدل علي كونهم مماليك لعموم المسلمين، ولا ينافي توقف اختصاص شخص المسلم بملكه علي استيلائه عليه.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 11 باب: 50 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه حديث: 3.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 7 من أبواب الربا حديث: 3.

ص: 434

(435)

الكلام في شروط الاسرقاق

بعهد (1) أو ذمام (2) سواء أكان في دار الحرب أم في دار الإسلام (3)،

---------------

(1) بلا خلاف، كما في الجواهر.

ويناسبه التقييد في كلام بعضهم بالحربي.

بل يظهر منهم المفروغية عنه.

لمنافاته للعهد المفروض إمضاؤه.

ولخروجه عن المتيقن من دليل الاسترقاق.

هذا ولا يبعد الاكتفاء بالعهد الشخصي، كما لو أذن أولياء أمور المسلمين ممن ثبت إمضاء تصرفهم للكافر في دخول بلاد الإسلام علي أن لا يهاج ولا يعتدي عليه ولا يستملك.

بل لا يبعد ذلك في الدول الكافرة، حيث كانت هي طرف التعاهد والتعاقد مع المسلمين قديماً.

وحينئذٍ يجري ذلك في عصورنا، كما لو أخذ عدم استملاك الأفراد شرطاً من قبل الدول الكافرة في فسح المجال لدخول أفراد المسلمين لبلادها، أو التجنس بجنسيتها أو نحو ذلك.

ومنه ما إذا اشترط العمل بقانون البلاد وعدم الخروج عنه.

(2) الكلام فيه هو الكلام في سابقه.

مضافاً إلي ما في ذيل حديث زكريا بن آدم المتقدم: «وسألته عن أهل الذمة أصابهم جوع فأتاه رجل بولده، فقال: هذا لك أطعمه وهو لك عبد.

فقال: لا تبتع حراً، فإنه لا يصلح لك، ولا من أهل الذمة»(1).

فإن الجواب فيه وإن تضمن النهي عن الابتياع، إلا أن السؤال لم يتضمن ذلك، بل مجرد دفع الولد للعجز عن نفقته.

ومن هنا لا يبعد أن يستفاد منه التلازم في المقام بين عدم جواز الابتياع وعدم جواز الاسترقاق.

ولا أقل من استفادة ذلك بضميمة ظهور المفروغية عن عدم الفصل بين الأمرين.

فلاحظ.

(3) كما هو مقتضي إطلاق الأصحاب.

وقد وردت النصوص بالأمرين، وقد تقدم بعضها.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 3 من أبواب بيع الحيوان حديث: 1.

ص: 435

وسواء أكان بالقهر والغلبة أم بالسرقة أم بالغيلة (1).

ويسري الرق في أعقابه (2) وإن كان قد أسلم (3).

-

(1) تقدم آنفاً أنه لابد في الاسترقاق والتملك من قهر المملوك والاستيلاء عليه.

ومن هنا لا يبعد أن يكون مراد سيدنا المصنف (قده) من التقسيم بيان مناشئ الاستيلاء المذكور، وأنه تارة: يكون بمواجهة وقهر في حرب أو نحوها.

وأخري: بسرقته من أهله من دون مقاومة منه ولا منهم.

وثالثة: يكون بخديعته واستدراجه حتي يقع تحت السيطرة، فإن الخديعة من معاني الغيلة.

(2) بلا خلاف كما في الجواهر.

ويظهر منهم المفروغية عنه، تبعاً للسيرة المستمرة التي هي أقوي من قاعدة تبعية النماء للأصل في الملك التي قد استدل بها في المقام، لعدم العموم أو الإطلاق لدليل القاعدة المذكورة، بل هي من القواعد العقلائية، وعموم حكم النماء فيها لولد الإنسان الذي هو بطبعه حرّ لا يخلو عن غموض.

وليس هو كالحيوان من شأنه أن يملك، ويكون بنظرهم نماء للأم تابعاً لها.

نعم يمكن استفادته من النصوص المتضمنة لتبعيته للحر من أبويه(1) ، لظهورها في المفروغية عن رقيته مع رقبة أبويه معاً.

بل هو مقتضي المفهوم في صحيح ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام): «سألته عن الرجل الحر يتزوج بأمة قوم، الولد مماليك أو أحرار؟ قال: إذا كا أحد أبويه حراً فالولد أحرار»(2).

مضافاً إلي النصوص الكثيرة في الموارد المتفرقة.

(3) بلا خلاف كما في الجواهر.

ويظهر منهم المفروغية عنه.

وهو المقطوع به من السيرة، وتشهد به في الجملة النصوص الواردة في عتق العبد الصالح(3) ، والمؤمن(4) ،

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 14 باب: 30 من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(2) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 30 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 5.

(3) راجع وسائل الشيعة ج: 16 باب: 28 من أبواب كتاب العتق.

(4) راجع وسائل الشيعة ج: 16 باب: 33 من أبواب كتاب العتق.

ص: 436

أما المرتد الفطري والملي فلا يجوز استرقاقهما علي الأقوي (1).

ولو قهر

---------------

ومنها ما ورد في الكفارة من الآيات والنصوص الكثيرة.

(1) كما صرح به غير واحد، وهو مقتضي التقييد في الشرائع والقواعد والتذكرة وغيرها الكفر بالأصلي.

وفي الجواهر: «لأصالة الحرية بعد اختصاص الفتاوي والنصوص ولم بحكم التبادر في غيره».

لكن لو سلم اختصاص النصوص بالكافر الأصلي، إلا أن التعدي لغيره بإلغاء خصوصيته قريب جداً بعد كون المتبادر منها سقوط حرمته، لعدم الإسلام العاصم له.

ووجوب قتل المرتد الأصلي لا ينافي جواز استرقاقه قبله.

نعم لو جاز تملكه لبقي رقاً حتي بعد توبته، ولو كان البناء علي ذلك لظهر، لكونه مورداً للعمل.

بل ورد في التاريخ أن معقل بن قيس لما أرسله أمير المؤمنين (عليه السلام) لقتال الخريت الخارجي وقتله، وأسر جماعته وفيهم مرتدين ونصاري قد نقضوا العهد، عرض علي المرتدين الإسلام فمن أسلم أطلقه، وقتل رجلاً منهم لم يسلم، ولم يسترق إلا النصاري، فاشتراهم مصقلة بن هبيرة وأعتقهم ودفع بعض المال، ولما طولب بالباقي هرب إلي معاوية(1) ، في قضية مشهورة.

بل قد يقال: إن وجوب قتل المرتد الفطري وإن لم يناف جواز استرقاقه، إلا أنه قد يستفاد من أدلة وجوب قتله وبقية أحكامه المذكورة هو أن ذلك تمام ما يترتب علي الارتداد الفطري من الأحكام، ولا يوجب ذلك استرقاقه زائداً علي ذلك، كما لم يوجب الارتداد الملي ذلك زائداً علي أحكامه التي تضمنتها أدلته.

لكن في معتبر أبي الطفيل: «أن بني ناجية قوماً كانوا يسكنون الأسياف، وكانوا قوماً يدعون في قريش نسباً وكانوا نصاري، فأسلموا ثم رجعوا عن الإسلام فبعث أمير المؤمنين (عليه السلام) معقل بن قيس التميمي، فخرجنا معه.

فلما انتهينا إلي القوم جعل

********

(1) الكامل في التاريخ ج: 3 ص: 369.

ص: 437

حربي حربياً آخر فباعه ملكه المشتري (1) وإن كان أخاه أو زوجته أو ممن ينعتق عليه، كأبيه وأمه.

وفي كونه بيعاً حقيقة وتجري عليه أحكامه إشكال وإن كان أقرب (2).

-

بيننا وبينه أمارة.

فقال: إذا وضعت يدي علي رأسي فضعوا فيهم السلاح.

فأتاهم فقال: ما أنتم عليه ؟ فخرجت طائفة فقالوا: نحن نصاري [فأسلمنا] لا نعلم ديناً خيراً من ديننا فنحن عليه.

وقالت طائفة: نحن كنا نصاري، ثم أسلمنا، ثم عرفنا أنه لا خير عن الدين الذي كنا عليه، فرجعنا إليه.

فدعاهم إلي الإسلام ثلاث مرات، فأبوا.

فوضع يده علي رأسه.

قال: فقتل مقاتليهم وسبي ذراريهم.

قال: فأتي بهم علياً (عليه السلام) فاشتراهم مصقلة بن هبيرة بمائة ألف درهم فأعتقهم، ثم حمل إلي علي عليه الصلاة والسلام خمسين ألفاً، فأبي أن يقبلها.

قال: فخرج بها فدفنها في داره، ولحق بمعاوية.

قال: فخرب أمير المؤمنين (عليه السلام) داره، وأجاز عتقهم»(1).

ونحوه مختصراً في تاريخ اليعقوبي(2).

وهو صريح في استرقاق المرتد الملي.

ولا يناسب ما ذكره الأصحاب.

ومن ثم يشكل الحال حتي في المرتد الفطري، حيث لا شاهد حينئذٍ علي كون قتله وعدم قبول توبته تمام آثار الارتداد، بحيث لا يوجب سقوط حرمته وجواز استرقاقه زائداً علي ذلك.

فلاحظ.

(1) كما هو مقتضي إطلاق الشرائع وغيره وصريح العلامة وغيره، وفي شرح القواعد لكاشف الغطاء دعوي الإجماع بقسميه عليه.

والظاهر المفروغية عنه بينهم تبعاً للسيرة.

وتشهد به في الجملة النصوص المتقدمة.

(2) كما هو مقتضي إطلاق بعض النصوص المتقدمة في الاسترقاق بالقهر،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 18 باب: 3 من أبواب حد المرتد حديث: 6.

(2) تاريخ اليعقوبي ج: 2 ص: 181-182. طبع النجف الأشرف.

ص: 438

الشامل لما إذا كان المقهور ممن ينعتق علي القاهر، وهي قد تضمنت التعبير بالبيع والشراء.

لكن قد يرفع اليد عنه بإطلاق نصوص انعتاق الأقارب، الشامل لما إذا كانا معاً كافرين، ومع عدم تملكه لابد من كون بيعه صورياً، لا حقيقياً.

ودعوي: أن النصوص المذكورة لا تمنع من حصول الملك بأسبابه، وإلا لم يحصل العتق تبعاً لحصول سبب الملك من البيع والميراث ونحوهما، وإنما يقتضي ارتفاع الملك بعد حصوله بأسبابه، فلا مانع في المقام من تملك القاهر للمقهور بالقهر ثم انعتاقه عليه ثم تملكه له باستمرار القهر ثم انعتاقه عليه، وهكذا حتي يحصل البيع.

مدفوعة بأن اعتبار الملكية آناً ما للرق بحصول سببها لا يلغو عرفاً بلحاظ ترتب الانعتاق عليه.

أما حصول الملكية علي الحر بالقهر بهذا النحو فهو لاغٍ عرفاً.

وبعبارة أخري: المستفاد عرفاً من النصوص المذكورة أن القرابة كما تمنع من بقاء الملك بعد حصوله تبعاً لسببه تمنع من حدوث الملك للحرّ بحصول سببه.

وحينئذٍ يتعين إما البناء علي تقييد إطلاق نصوص انعتاق الأقارب في المقام، أو علي عدم كون البيع حقيقياً، بل هو صوري بلحاظ ترتب الملك عليه تعبداً.

وتحقيق أحد الأمرين ليس مهماً بعد عدم ترتب أثر مهم عليه.

ولاسيما مع عدم الابتلاء بالمسألة في عصورنا.

هذا وفي خبر عبد الله اللحام: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يشتري من رجل من أهل الشرك ابنته فيتخذها.

قال: لا بأس»(1) ، وفي خبره الآخر: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يشتري امرأة رجل من أهل الشرك يتخذها.

فقال: لا بأس»(2).

ويظهر مما تقدم في خبر زكريا بن آدم جواز شراء الولد من غير أهل الذمة.

لكن لا يظهر من النصوص المذكورة تملك الحربي قبل بيعه لما يبيعه بالقهر

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 3 من أبواب بيع الحيوان حديث: 2، 3.

ص: 439

عدم ملك بعض المحارم

(مسألة 2): يصح أن يملك الرجل كل أحد (1) غير الأب والأم والجد (2) وإن علا، لأب كان أو لأم، والولد وإن نزل ذكراً كان أو أنثي، والمحارم.

وهي الأخت والعمة والخالة وإن علون (3)، وبنات الأخ وبنات الأخت وإن نزلن (4).

-

والاستيلاء، بل مجرد بيعه له لقدرته علي تسليمه.

وحينئذٍ يتعين حمله علي كون البيع صورياً، ولا يملك المبيع إلا باستيلاء المشتري بعد البيع.

ويترتب علي ذلك أنه لو امتنع المبيع علي البائع بعد البيع، ثم أسلم قبل أن يستولي عليه المشتري، امتنع تملك المشتري له، بخلاف ما إذا كان قد ملكه البائع بالاستيلاء والقهر ثم باعه.

فلاحظ.

(1) بلا خلاف ظاهر، بل في الخلاف وعن غيره الإجماع عليه.

بل الظاهر مفروغيتهم عنه.

ويقتضي حدوث التملك له عموم أدلة سببية أسباب التملك بعد فرض قابليته في نفسه للتملك، كما يقتضي بقاء ملكيته له بعد حصولها بأسبابها الاستصحاب.

وإن كان الأمر أظهر من ذلك بلحاظ ما سبق.

(2) كان المناسب ذكر الجدة هنا أو في المحارم.

(3) كعمة وخالة الأب أو الأم أو الجد أو الجدة، دون عمة العمة أو خالة الخالة أو نحوهما، إذ قد لا يكن من المحارم.

(4) قال في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه نصاً وفتوي.

إذ اقتصار البعض علي ذكر البعض ليس خلافاً في المقام قطعاً، كما لا يخفي علي من لاحظ.

بل الإجماع بقسميه علي ذلك».

ويقتضيه المروي بأسانيد فيها الصحيح والموثق عن أبي بصير وأبي العباس وعبيد كلهم عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو عمته أو خالته أو بنت أخيه أو بنت أخته، وذكر أهل هذه الآية من النساء عتقوا جميعاً.

ويملك

ص: 440

(441)

عمه وابن أخيه وابن أخته والخال.

ولا يملك أمه من الرضاعة ولا أخته ولا عمته ولا خالته.

إذا ملكن عتقن.

وقال: ما يحرم من النسب فإنه يحرم من الرضاع.

وقال: لا يملك الذكور ما خلا والداً أو ولداً.

ولا يملك من النساء ذات رحم محرم.

قلت: يجري في الرضاع مثل ذلك ؟ قال: نعم يجري في الرضاع مثل ذلك»(1).

ورواه الشيخ والصدوق في الموثق عن أبي بصير وزاد في آخره: «وقال: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب(2)».

وهناك نصوص أخر قد يأتي الكلام فيها.

والتعميم فيه لمن علا من الآباء ومن نزل من الأبناء إن لم يفهم من الوالدين اللذين قد يظهران في المباشرين بإلغاء خصوصيتهما عرفاً، فلا أقل من استفادته من قوله (عليه السلام) بعد ذلك: «ما خلا والداً أو ولداً» لصدق الوالد والولد علي الجميع.

ولاسيما مع استفادة العموم في النساء لمن علا من ذكر من في الآية المقتصر فيها علي الأم والبنت والأخت وبنتها وبنت الأخ والعمة والخالة مع المفروغية عن إرادة العموم فيها لمن علا ونزل، حيث يناسب ذكر إرادة العموم في الباقي.

ومن هنا كان الظاهر المفروغية عن العموم من هذه الجهة.

هذا وقد اقتصر في المقنعة علي الأبوين والولد والأخت والعمة والخالة مع تصريحه بجواز تملك من عدا ذلك.

وإذا أمكن حمل كلامه ككلام غيره علي الأبوين والعمة والخالة وإن علوا والولد وإن نزل، فلا إشكال في عدم ذكره لبنتي الأخ والأخت، بل مقتضي ذيل كلامه جواز تملكها.

ولم يتضح الوجه فيه بعد ما تقدم من النصوص، فإنه وإن أهمل في بعض النصوص ذكرهما، إلا أنه قد أهمل في بعضها أيضاً بعض من ذكره، كالأخت والولد.

ولم أعثر علي نص يقتصر فيه علي تمام ما ذكره.

مع أنه إن بني علي حمل النصوص علي الحصر لزم الاقتصار علي ما أجمعت عليه، وحمل ما انفرد به بعضها علي الكراهة، وليس مما أجمعت عليه الولد ولا الأخت لعدم ذكرهما في بعض النصوص.

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 4 من أبواب بيع الحيوان حديث: 1، 2.

ص: 441

ففي صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر الأول (عليه السلام): «قال: إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو خالته أو عمته عتقوا.

ويملك...»(1).

وفي صحيحه الآخر عنه (عليه السلام): «قال: لا يملك الرجل والده ولا والدته ولا عمته ولا خالته.

ويملك أخاه وغيره من ذوي قرابته من الرجال»(2).

وفي موثق عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: إذا ملك الرجل والديه أو أخته أو عمته أو خالته عتقوا.

ويملك...»(3).

ونحوها غيرها.

وإن لم تحمل علي الحصر لزم الأخذ بما تضمن الأكثر، مثل ما تقدم.

وهو المتعين.

ولعله لذا سبق من الجواهر حمل كلام من اقتصر علي بعض ما تقدم علي عدم كونه مخالفاً فيه.

فلاحظ.

هذا وفي معتبر سدير: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): هل يجزي الولد أباه ؟ قال: ليس له جزاء إلا في خصلتين: أن يكون الوالد مملوكاً فيشتريه ابنه فيعتقه، أو يكون عليه دين فيقضيه عنه»(4).

ونحوه خبر سالم الحناط إن لم يكن عينه(5).

وظاهرهما بدواً استقرار ملك الولد للوالد، وأن انعتاقه يستند لعتقه له.

لكنهما محمولان بقرينة ما سبق علي انعتاقه بنفس الشراء، ونسبة العتق فيه للولد بلحاظ فعله لسببه الشرعي وهو الشراء، لا بلحاظ إيقاعه له بعده، كما هو ظاهره بدواً.

بقي شيء.

وهو أن النصوص في المقام تختلف في بيان الحكم المذكور، حيث تضمن بعضها عدم ملك المذكورين، وتضمن جملة منها أنهم إذا ملكوا أعتقوا.

والظاهر أن تنزيل الأول علي الثاني بحمله علي عدم استقرار الملك أقرب عرفاً من حمل الثاني علي الأول بحمله علي إرادة حصول أسباب الملك من الشراء أو الميراث أو غيرهما من دون أن يترتب عليها الملك.

-

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 7 من أبواب كتاب العتق حديث: 1، 2، 4.

(4) وسائل الشيعة ج: 15 باب: 106 من أبواب أحكام الأولاد حديث: 5.

(5) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 30 من أبواب الدين حديث: 2.

ص: 442

ولا فرق في المذكورين بين النسبيين والرضاعيين (1).

وإذا وجد السبب

---------------

ولاسيما أن الملك قد يكون مقوماً للسبب، كالبيع المتقوم بالمعاوضة وتملك المشتري للمبيع والبائع للثمن، والهبة المتقومة بتملك الموهوب له للموهوب.

فالبناء علي عدم حصول الملك رأساً مستلزم إما لعدم قصد السبب بحقيقته، أو لتخلف الأمر الواقع للمقصود.

والثاني بعيد جداً.

كما لا مجال للبناء علي الأول، حيث لا ريب في ترتب الأثر مع قصد السبب.

ولاسيما أن القريب قد يكون جزءاً من المبيع أو الموهوب لبيعه أو هبته مع غيره في صفقة واحدة.

ومن هنا يتعين البناء علي حصول الملك في رتبة متأخرة عن حصول سببه سابقة علي الانعتاق.

وقد سبق أن اعتبار الملكية بالنحو المذكور مقبول عرفاً بلحاظ ترتب الأثر المذكور، ولا يكون لاغياً.

(1) كما في النهاية والتهذيبين والخلاف والوسيلة وكشف الرموز والجامع والتذكرة والمختلف والتحرير والدروس واللمعتين وجامع المقاصد وغيرها.

وفي بيع الشرائع أنه الأشهر، وفي عتقه وعتق النافع أنه الأشهر رواية.

وقد يظهر من اقتصاره علي ذلك تردده فيه، كما هو ظاهر القواعد والإرشاد.

بل صرح بعدم سريان المانعية من التملك بالرضاع في المقنعة والمراسم والسرائر وهو ظاهر الغنية، كما حكي عن ابن أبي عقيل وابن الجنيد وأبي الصلاح.

وفي السرائر أنه قول المحصلين من أصحابنا.

هذا ومقتضي جملة من النصوص هو إلحاق الرضاع بالنسب، مثل ما تقدم، وموثق عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: لا يملك الرجل أخاه من النسب، ويملك ابن أخيه، ويملك أخاه من الرضاعة.

قال: وسمعته يقول: لا يملك ذات محرم من النساء، ولا يملك أبويه ولا ولده.

وقال: إذا ملك والديه أو أخته أو عمته أو خالته أو بنت أخيه، وذكر أهل هذه الآية من النساء أعتقوا.

ويملك ابن أخيه

ص: 443

وخاله.

ولا يملك أمه من الرضاعة(1)»، وقوله (عليه السلام) في صحيحه: «ولا يملك أمه من الرضاعة»(2).

.

.

إلي غير ذلك.

ولا إشكال في نهوضها بالخروج عما تقتضيه القاعدة من جواز التملك من الرضاع.

نعم في معتبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: إذا اشتري الرجل أباه وأخاه فملكه فهو حر، إلا ما كان من قبل الرضاع»(3) ، وفي موثق الحلبي عنه (عليه السلام): «في بيع الأم من الرضاعة.

قال: لا بأس بذلك إذا احتاج»(4).

ومقتضاهما عدم الانعتاق بعلقة الرضاع.

وأما ما في التهذيبين من احتمال حمل الحديثين علي ما إذا لم يبلغ الرضاع الحد المحرم.

فهو من أبعد البعيد، لعدم صدق عنوان الأب والأخ والأم معه، والمفروض فيهما صدقه.

ومثله ما فيهما من حمل (إلا) في الأول علي معني الواو، وحمل تحليل البيع في الثاني علي تحليله لأبي المرتضع إذا ملك المرضعة لا للمرتضع نفسه، فيكون وارداً لبيان أن حكم أم الولد يختص بأمومتها بالولادة، دون أمومتها بالرضاع.

إذ فيه: أن استعمال (إلا) بمعني الواو لم يثبت، وإنما ادعاه بعض النحويين في بعض الاستعمالات، وأنكره عليهم آخرون، وأولوها في تلك الاستعمالات بوجه آخر، كما يظهر بمراجعة مغني اللبيب ومجمع البيان في تفسير قوله تعالي: (لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ) (5) وغيره.

ولا يسعنا إطالة الكلام في ذلك بعد عدم الإشكال في عدم كون ذلك مألوفاً، بل هو غير مقبول عرفاً، بحيث يحمل عليه الخبر.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 7 من أبواب كتاب العتق حديث: 7.

(2) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 7 من أبواب كتاب العتق حديث: 5.

(3) تهذيب الأحكام ج: 8 ص: 245 رقم الحديث: 885.

(4) تهذيب الأحكام ج: 8 ص: 245 رقم الحديث: 886.

(5) سورة البقرة الآية: 150.

ص: 444

كما أن حمل جواز البيع في الثاني علي جوازه لأبي المرتضع لا للمرتضع نفسه بعيد جداً، حيث يفهم مع عدم التعرض فيه لمن يحل له البيع إرادة الولد نفسه الذي هو طرف إضافة الأمومة المصرح بها في الحديث، وهو المطرد في نظائر الاستعمال المذكور، كقولنا: تكرم الأم، ويواسي الأخ، ويستشار العم.

.

.

إلي غير ذلك.

وكأن الملزم له (قده) بذلك هو البناء علي استحكام التعارض بين الحديثين والنصوص الأول، فلا تنهض بمعارضتها.

قال: «لأنها أكثر عدداً وأشد موافقة بعضها لبعض، فلا يجوز ترك تلك والعمل بهذه.

.

.

».

فيكون ذكر الاحتمالات المتقدمة في الحديثين تجنباً لطرحهما، كما هو دأبه عند الاضطرار لترك العمل بالنصوص.

لكن الظاهر عدم استحكام التعارض بين الطائفتين، وأن الأقرب عرفاً الجمع بينهما بحمل النصوص الأول علي كراهة إبقاء الاسترقاق، أو استحباب العتق بسبب الرضاع.

كما قد يناسبه صحيح الحلبي وابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في امرأة أرضعت ابن جاريتها.

قال: تعتقه»(1) فإن حمله علي الأمر بعتقه استحباباً أقرب بكثير من حمله علي الانعتاق القهري.

وقريب منه معتبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله بل صحيحه: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتخذ أباه أو أمه أو أخاه أو أخته عبيداًً.

قال: أما الأخت فقد عتقت حين يملكها، وأما الأخ فيسترقه، وأما الأبوان فقد عتقا حين يملكهما.

قال: وسألته عن المرأة ترضع عبدها أتتخذه عبداً؟ قال: تعتقه وهي كارهة»(2).

فإن حمله علي الاستحباب المؤكد للعتق أهون من حمله علي الانعتاق القهري.

ولاسيما مع اختلاف التعبير بين الصدر والذيل.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 8 من أبواب كتاب العتق حديث: 1.

(2) الكافي ج: 6 ص: 178. تهذيب الأحكام ج: 8 ص: 240. الاستبصار ج: 4 ص: 14. أورد صدره في وسائل الشيعة ج: 16 باب: 7 من أبواب كتاب العتق حديث: 6 وذيله في باب: 8 من أبواب كتاب العتق حديث: 2.

ص: 445

عدم ملك بعض المحارم

المملك اختيارياً كان - كالشراء - أو قهرياً - كالإرث - (1) انعتق قهراً.

ولو ملك أحد الزوجين صاحبه ولو بعضاً منه استقر الملك (2)، وبطل

---------------

هذا وقد تحمل الطائفة الثانية علي التقية، لما حكاه في الخلاف من ذهاب جميع فقهاء العامة إلي عدم الانعتاق مع الرضاع.

وربما يؤيد بموثق عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (عليه السلام): «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة ترضع غلاماً لها من مملوكة حتي تفطمه، يحل لها بيعه ؟ قال: لا، حرم عليها ثمنه.

أليس قد قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ؟ أليس قد صار ابنها؟! فذهبت أكتبه.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ليس مثل هذا يكتب»(1).

بدعوي: أن النهي عن كتابته يناسب منافاته للتقية.

لكن من المعلوم أن الحمل علي التقية إنما يكون مع تعذر الجمع العرفي، وقد سبق إمكانه.

والموثق لا يخلو عن غموض، لما هو المعلوم من سيرة الرواة من أصحابهم (عليهم السلام) علي كتابة أحاديثهم حتي ما خالف منها التقية.

ولاسيما أنه لم يتضمن النهي عن كتابة الحديث المذكور، بل أنه ليس من شأنه أن يكتب.

ولعله بلحاظ أن مضمونه من الظهور والوضوح بحيث ليس من شأنه أن ينسي ليكتب.

ومن هنا كان الأنسب هو الجمع بين الطائفتين بحمل الأولي علي استحباب العتق.

اللهم إلا أن يدعي أن ذلك لا يناسب مساق النصوص، لسوق كثير منها علقة الرضاع مساق علقة النسب، والتنبيه في جملة منها لكبري أن ما يحرم من الرضاع يحرم من النسب، بنحو يناسب تحريم البيع أو امتناع الاسترقاق بحكم الشارع قهراً علي المكلف كتحريم النكاح.

فالأمر في غاية الإشكال.

والله سبحانه وتعالي العالم.

(1) بلا إشكال ظاهر لأطلاق النصوص المتقدمة وغيرها، وصراحة بعضها في كل من القسمين.

(2) الظاهر مفروغيتهم عنه، كما يظهر مما يأتي.

والوجه فيه مضافاً إلي

********

(1) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 8 من أبواب كتاب العتق حديث: 3.

ص: 446

النكاح (1).

-

القاعدة النصوص الآتية.

نعم في خبر أبي حمزة: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة ما تملك من قرابتها؟ فقال: كل أحد إلا خمسة: أبوها وأمها وابنها وابنتها وزوجها»(1).

وظاهره خصوصاً بضميمة السياق عدم استقرار ملكها للزوج.

لكن لابد من حمله علي مجرد منافاة الزوجية للملك، بحيث لا يجتمعان مستقرين ولو ببطلان الزوجية، لما يأتي.

(1) إجماعاً بقسميه، كما في الجواهر.

والنصوص به في الجملة مستفيضة، كصحيح إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال في امرأة لها زوج مملوك، فمات مولاه فورثته.

قال: ليس بينهما نكاح»(2).

وموثق عبيد بن زرارة عنه (عليه السلام): «في امرأة لها زوج مملوك فورثته فأعتقته، هل يكونان علي نكاحهما الأول ؟ قال: لا، ولكن يجددان نكاحاً آخر»(3).

وصحيح عبد الله بن سنان: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في رجل زوج أم ولد له مملوكه، ثم مات الرجل فورثه ابنه، فصار له نصيب في زوج أمه، ثم مات الولد أترثه أمه ؟ قال: نعم.

قلت: فإذا ورثته كيف تصنع وهو زوجها؟ قال: تفارقه، وليس له عليها سبيل [وهو عبدها]»(4).

.

.

إلي غير ذلك مما ورد في ملكية المرأة لزوجها.

ومن الأخير يظهر العموم لما إذا ملكت بعضه.

نعم النصوص المذكورة واردة في ملكية الزوجة لزوجها، دون العكس.

ويبدو منهم المفروغية عن عدم الفرق.

وقد يستدل له مضافاً إلي ذلك بما في الجواهر من أن ظاهر التفصيل في أسباب

********

(1) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 9 من أبواب كتاب العتق حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 49 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 4.

(3) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 50 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 1.

(4) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 49 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 1.

ص: 447

ويكره أن يملك غير هؤلاء من ذوي قرابته (1)، كالأخ والعم والخال

---------------

حل الاستمتاع في الكتاب والسنة بين الزوجية وملك اليمين عدم الشركة بينهما، وحيث لا إشكال في تأثير أسباب التمليك تعين بطلان الزواج.

وفيه: أنه لم يتضح الوجه في ظهور التفصيل في السبب في عدم الشركة، بحيث لا يمكن اجتماع السببين في شخص واحد.

نعم قد يتجه ذلك في التقسيم، كما لو قال: هؤلاء النساء قسمان زوجات وإماء، لظهوره في تباين القسمين، ولا كذلك في الأسباب، لإمكان اجتماع السببين، وتأكد المسبب إن كان قابلاً للتأكد، وإلا استند للأسبق.

ومجرد اختلاف الأحكام كوجوب القسمة في النكاح وعدمه في ملك اليمين لا يكفي في التنافي، بل يتعين جريان أحكام التزاحم في نفس الأحكام.

ولعل الأولي الاستدلال بموثق سماعة: «سألته عن رجلين بينهما أمة فزوجاها من رجل، ثم إن الرجل اشتري بعض السهمين.

فقال: حرمت عليه»(1).

وفي موثقه الآخر: «حرمت عليه باشترائه إياها.

وذلك أن بيعها طلاقها.

إلا أن يشتريها من جميعهم».

وفي طريقه الآخر: «إلا أن يشتريها جميعاً»(2) ، حيث لا منشأ لتحريمها بمجرد الشراء إلا بطلان النكاح، كما صرح به في الثاني.

ولا ينافي ذلك الحكم فيه بالحل مع شرائها بتمامها، حيث تحل حينئذٍ بملك اليمين.

ولاسيما مع عمومه لما إذا كان شراؤها بتمامها تدريجياً، حيث لا يحتمل عود النكاح بعد بطلانه بشراء البعض.

نعم هو مختص بشراء البعض، ولا يشمل شراء الكل دفعة واحدة.

لكن يستفاد منه العموم بإلغاء خصوصية مورده، أو بالأولوية العرفية.

(1) كما في النهاية والاستبصار والشرائع والنافع والتذكرة والقواعد وغيرها.

ومرادهم كراهة إبقائهم في ملكه وإجراء أحكام الملك عليهم من البيع وغيره عدا

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 46 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 1، 2.

ص: 448

العتق، بل يبادر لعتقهم.

ويقتضيه في الجملة قوله (عليه السلام) في معتبر ابن سنان المتقدم: «إذا اشتري الرجل أباه وأخاه فملكه فهو حر...»(1) ، وقوله (عليه السلام) في موثق عبيد بن زرارة المتقدم أيضاً: «لا يملك الرجل أخاه من النسب، ويملك ابن أخيه ويملك أخاه من الرضاعة»(2).

ومعتبر سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في رجل يملك ذا رحم هل يصلح له أن يبيعه أو يستعبده ؟ قال: لا يصلح له بيعه ولا يتخذه عبداً، وهو مولاه وأخوه في الدين.

وأيهما مات ورثه صاحبه إلا أن يكون له وارث أقرب إليه منه»(3).

ولابد من حمل الحكم في ذيله بالتوارث بينهما علي فرض عتقه له جرياً علي ما تضمنه صدره من النهي عن اتخاذه عبداً.

وقد يستدل له أيضاً بموثقه أو صحيحه: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يملك ذا رحم، يحل له أن يبيعه أو يستعبده ؟ قال: لا يصلح له أن يبيعه، وهو مولاه وأخوه، فإن مات ورثه دون ولده، وليس له أن يبيعه ولا يستعبده»(4).

لكنه ظاهر في بقاء ملكه له، ولذا يرثه دون ولده.

فلابد من حمل النهي عن استعباده علي النهي عن معاملته معاملة العبد في الاستخدام ونحوه، فيكون أجنبياً عن المدعي.

فالعمدة ما قبله.

ويتعين حملها علي الكراهة جمعاً مع النصوص المتقدمة المصرح في بعضها بملك الأخ.

هذا وقد صرح في النافع والتذكرة بتأكد الكراهة فيمن يرثه، ونفي في مفتاح الكرامة وجدان الخلاف فيه.

وكأن مرادهم الأقرب الذي يرثه فعلاً لو كان حراً، وإلا فجميع الأقرباء يصلحون للميراث، ويرثون لو فقد الأقرب منهم.

وكأنه لحديث علي بن جعفر عن أخيه موسي بن جعفر (عليه السلام): «سألته عن رجل

********

(1) تهذيب الأحكام ج: 8 ص: 245 رقم الحديث: 885.

(2) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 7 من أبواب كتاب العتق حديث: 7.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 13 من أبواب كتاب العتق حديث: 5، 1.

ص: 449

وأولادهم.

وتملك المرأة كل أحد غير الأب والأم والجد والجدة والولد وإن نزل (1).

-

زوج جاريته أخاه أو عمه أو ابن عمه أو ابن أخيه فولدت، ما حال الولد؟ قال: إذا كان الولد يرث من ملكه شيئاً عتق»(1).

وحيث كان من المعلوم عدم ميراث العبد فلابد من حمله علي أنه من شأنه أن يرث منه، لعدم وجود من هو أقرب منه إليه.

كما لابد من حمله علي استحباب عتقه، لا فعلية انعتاقه بقرينة ما سبق من الإجماع والنصوص علي عدم انعتاق غير من سبق.

فلاحظ.

(1) بلا خلاف أجده فيه نصاً وفتوي في المستثني، كذا في الجواهر.

ويقتضيه - مضافاً إلي ظهور الإجماع الذي يبعد الخطأ فيه في مثل هذا الحكم الشائع الابتلاء - خبر أبي حمزة المتقدم: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة ما تملك من قرابتها؟ فقال: كل أحد إلا خمسة: أبوها وأمها وابنها وابنتها وزوجها»(2).

والخدش في سنده، لعدم ثبوت وثاقة أسد بن أبي العلاء الواقع فيه، غير ضائر بعد ظهور عمل الأصحاب به، بل انحصار دليلهم به في المقام.

مضافاً إلي موثق عبد الله بن سنان المتقدم في حكم الرضاع وغيره مما ورد في الرضاع، لظهوره في المفروغية عن سببية العنوان النسبي للانعتاق.

وقد يستفاد منه عدم ملك الأبوين بالأولوية، لما هو المعلوم من أولوية الآباء من الأبناء بالتكريم بنظر الشارع الأقدس.

هذا ويستفاد مما سبق حكم من علا من الآباء ومن نزل من الأبناء.

ولاسيما بضميمة الإجماع، وما سبق في الرجل، حيث يناسب جداً عدم الفرق من هذه الجهة.

فلاحظ.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 13 من أبواب كتاب العتق حديث: 2.

(2) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 9 من أبواب كتاب العتق حديث: 1.

ص: 450

(451)

الكلام في عدم ملك الكافر للمسلم

ذكراً كان أو أنثي (1)، نسبيين كانوا أو رضاعيين (2).

(مسألة 3): الكافر لا يملك المسلم ابتداء (3) ولو أسلم عبد الكافر

---------------

هذا وقد أضاف في المقنعة للمذكورين الأخ والعم والخال فحكم بعدم ملك المرأة لهم.

ولم يتضح الوجه في ذلك بعد قضاء العمومات بالملك وعدم ورود ما يخرج عن ذلك.

إلا أن يفهم مما سبق في الرجل من عدم ملك المحارم بإلغاء خصوصيته في ذلك.

لكن المعيار في الانعتاق إذا كان هو المحرمية فلا وجه لعدم ذكره ابنتي الأخ والأخت في الرجل كما تقدم وابني الأخ والأخت في المرأة.

مضافاً إلي أن إلغاء خصوصية الرجل والتعدي للمرأة في ذلك غير ظاهر، مع ما هو المعلوم من ابتناء التشريع في كثير من الموارد علي تحميل الرجل مزيداً من المسؤولية.

خصوصاً بعد ورود خبر أبي حمزة المتقدم الصريح في الحصر، وظهور العمل به من الأصحاب.

إذ لو فرض عدم ثبوت حجيته عنده فلا أقل من أن يوجب التوقف وعدم الجزم بإلغاء خصوصية الرجل في النصوص السابقة.

فلاحظ.

(1) كما هو مقتضي إطلاق الأصحاب وصريح الخبر المتقدم.

(2) الحال هنا كما تقدم في الرجل نصاً وفتوي.

(3) أما إذا كان المسلم حراً فظاهر، لأن المسلم الحر غير قابل لأن يسترق من قبل المسلم فضلاً عن الكافر.

وأما إذا كان رقاً فملكه إنما يتصور بأسباب الملك الاختيارية كالشراء والاستيهاب أو القهرية كالميراث.

أما الأسباب الاختيارية فيظهر حالها مما ذكروه في البيع من اشتراط كون المشتري مسلماً إذا كان العبد المبيع مسلماً.

وقد صرح به جمهور الأصحاب، وفي الجواهر: «علي المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً».

وفي الغنية الإجماع عليه.

وقد استدل عليه في كلام غير واحد بقوله تعالي: (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ

ص: 451

الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)(1).

لكن نبّه في الحدائق إلي ما في خبر أبي الصلت الهروي عن الإمام الرضا (عليه السلام) في حديث طويل في دفع شبهة من يتمسك بهذه الآية الشريفة لإثبات أن الإمام الحسين (عليه السلام) لم يقتل، بل ألقي شبهه علي من قتل ورفع هو (عليه السلام) إلي السماء، حيث قال (عليه السلام): «وأما قول الله عز وجل: (وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً).

فإنه يقول: لن يجعل الله لكافر علي مؤمن حجة.

ولقد أخبر الله عز وجل عن كفار قتلوا النبيين بغير الحق، ومع قتلهم إياهم لن يجعل الله لهم علي أنبيائه سبيلاً من طريق الحجة»(2).

وذلك هو المناسب للسياق، حيث سيق نفي السبيل تعقيباً علي حكم الله تعالي بين المؤمنين والكافرين يوم القيامة.

وقد أجاب عن ذلك في مفتاح الكرامة بأن ذلك يكفي في الاستدلال بالآية الشريفة علي منع البيع، لأن إمضاء البيع شرعاً يكون حجة للكافر من قبل الله تعالي في تملكه للمسلم، وليس هو كالظلم والقتل مما يفعله الكافر بالمسلم من دون حجة من الله تعالي.

وفيه: أن ظاهر الآية الشريفة بلحاظ السياق هو نفي الحجة للكافر في خصومته مع المؤمن وإبطال الحق الذي هو عليه، دون ما يتعلق بالحقوق الثابتة للكافر تبعاً للأدلة الشرعية.

قال الله عز وجل: (إِنَّ اللهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا * الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن.)(3).

ولذا لا إشكال ظاهراً في جواز مثل بيع الدين المالي الذي في ذمة المسلم علي الكافر، مع أنه يوجب نحواً من الحق للكافر علي المسلم.

********

(1) سورة النساء الآية: 141.

(2) عيون أخبار الرضا ج: 2 ص: 204 طبع النجف الأشرف.

(3) سورة النساء الآية: 140-141.

ص: 452

هذا مضافاً إلي أمرين: الأول: أن مقتضي الخبر المتقدم والسياق كون المراد بالكافر المنافق أو ما يعمه والكافر، وليس بناؤهم علي ذلك في المقام.

الثاني: أن السبيل لا يكون بمجرد الملكية، بل بالسلطنة، فلو تمت دلالة الآية الشريفة دلت علي نفي السلطنة لا علي نفي الملكية.

وهو المناسب لما يأتي من أنه لو أسلم عبد الكافر لم يخرج عن ملكه، بل بيع قهراً عليه.

ويأتي بعض الكلام في ذلك إن شاء الله تعالي.

هذا وقد يستدل أيضاً بما أرسله في الفقيه من قوله (عليه السلام): «الإسلام يعلو ولا يعلي عليه»(1) ء.

وروي مسنداً إلي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من طرق العامة(2).

بتقريب أن ملكية الكافر للمسلم لا تناسب علو الإسلام وعدم علو الكفر عليه.

لكنه مع ضعفه حيث لا يمكن البناء علي عمومه لجميع جهات العلو يتعين إجماله أو الاقتصار فيه علي المتيقن من علو الحجة.

ولاسيما مع ما أشرنا إليه ويأتي منهم من أن إسلام الكافر لا يخرجه عن ملك الكافر، بل يجبر علي بيعه.

ودعوي: أن المتعين البناء علي عمومه لجميع جهات العلو والاقتصار في الخروج عن ذلك علي المتيقن، ومنه ما سبق.

مدفوعة بأن لسانه بسبب ارتكازيته آب عن التخصيص، فيتعين كون المراد به ما لا يلزم منه التخصيص المستلزم لإجماله أو الاقتصار فيه علي المتيقن، كما سبق.

ولعل الأولي الاستدلال للمدعي مضافاً إلي المرتكزات بما يظهر منهم الاتفاق عليه من أن العبد الكافر إذا أسلم بيع علي مسلم.

فإن المستفاد منه عرفاً عدم جواز بيع المسلم ابتداءً علي الكافر، لأن شرعية بيعه عليه بنحو الاستقرار ينافي الغرض المطلوب، بل هو وقوع فيما فرّ منه، وبيعه عليه علي أن لا يبقي عنده، بل يباع قهراً عليه

********

(1) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 1 من أبواب موانع الإرث من الكفر والقتل والرق حديث: 11.

(2) فتح الباري ج: 9 ص: 370.

ص: 453

بيع علي مسلم وأعطي ثمنه (1).

-

أيضاً، وهكذا كلما تكرر بيعه علي الكافر لغو وعبث عرفاً، نظير ما تقدم عند الكلام في ملكية الكافر من ينعتق عليه بالحيازة والقهر.

وذلك كافٍ في استفادة المدعي من دليل تلك المسألة.

ومنه يظهر وهن ما قيل وإن لم يعرف قائله من جواز بيعه علي الكافر، لكن يجبر علي بيعه من مسلم.

نعم الظاهر قصور المنع للمرتكزات والوجه المتقدم عن البيع علي من ينعتق قهراً عليه، لعدم منافاته للغرض المذكور، بل يتحقق به ما هو الأفضل للمسلم، وهو التحرر والانعتاق.

وبذلك صرح في الشرائع والتذكرة والدروس وغيرها.

خلافاً للمبسوط وغيره تمسكاً بعموم عدم ملك الكافر للمسلم الذي عرفت عدم الدليل عليه.

بل لا يبعد قصور المنع أيضاً عما لو اشترط عليه المبادرة لعتقه، بحيث لا يبقي في ملكه وتحت سلطنته مدة معتد بها، كما قربه في الدروس.

فلاحظ.

وأما ملك الكافر للمسلم بالأسباب القهرية فالمعروف منها الميراث، ولا يتضح تحققه إلا فيما إذا أسلم عبد الكافر ومات مالكه قبل أن يباع قهراً عليه.

والظاهر قصور ما سبق منّا في وجه المنع عن ذلك، بل مقتضي عموم أدلة الميراث انتقاله لوارثه الكافر.

وبه صرح في التذكرة وجامع المقاصد وغيرهما.

وظاهرهم، بل صريح جامع المقاصد أنه اتفاقي.

غاية الأمر أن يجبر علي بيعه كالمورث علي ما يأتي إن شاء الله تعالي حيث يفهم ذلك من دليله عرفاً، بل هو مقتضي إطلاقه، كما يظهر بملاحظته.

(1) كما صرح به غير واحد وظاهرهم الاتفاق عليه، لعدم تنبيههم للخلاف فيه.

ويشهد به مرفوع محمد بن يحيي عن حماد بن عيسي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أن أمير

ص: 454

المؤمنين (عليه السلام) (عليه السلام) (عليه السلام) أتي بعبد لذمي قد أسلم.

فقال: اذهبوا فبيعوه من المسلمين، وادفعوا ثمنه إلي صاحبه، ولا تقروه عنده»(1).

وحكي عن نوادر أحمد عن أبي جعفر عن أبيه (عليهما السلام): «أن علياً أتي....»(2).

وضعف سنده - لو تم - مجبور بظهور عمل الأصحاب به وتسالمهم علي مضمونه.

هذا وفي الإيضاح: «والأقوي عندي أن الكافر إذا أسلم يباع علي سيده من مسلم، لأنه قد زال ملك السيد عنه، وبقي له حق استيفاء ثمنه في رقبته، لا بمعني انه يملكه، لأن الملك سبيل، وهو منفي لعموم الآية.

فهذا البيع بالنسبة إلي الكافر استنقاذ، وإلي المشتري كالبيع».

وهو مبني علي نهوض آية نفي السبيل بعدم ملكية الكافر للمسلم.

وقد سبق المنع من ذلك.

مضافاً إلي أمرين: الأول: أن ثبوت حق الكافر في رقبة العبد المسلم بنحو يقتضي استيفاء ثمنه منه من سنخ تملكه له من حيثية جعل السبيل.

الثاني: أنه إن اعتمد في وجوب البيع علي الإجماع أو الخبر المتقدم فظاهرهما بقاؤه علي ملك الكافر إلي حين البيع، وأن البيع حقيقي في المقام، والغرض منه دفع محذور بقاء المسلم تحت سلطنة الكافر.

وإن لم ينهضا بالحجية عنده في المقام فلا منشأ لثبوت حق الكافر في استيفاء ثمن العبد من رقبته بعد فرض خروجه عن ملكه بمقتضي آية نفي السبيل.

ثم إن المفهوم عرفاً من الخبر أن البيع علي خصوص المسلمين من أجل التخلص من محذور بقائه تحت يد الكافر.

وذلك يقتضي جواز بيعه علي من ينعتق عليه من الكفار أو بشرط عتقه له، نظير ما سبق في بيع المسلم ابتداء عليهم.

وللأصحاب في المقام فروع لا يسعنا إطالة الكلام فيها.

فلاحظ.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 17 باب: 73 من أبواب كتاب العتق حديث: 1.

(2) النوادر ص: 62 كما ذكره محقق الوسائل تعقيباً علي الحديث المذكور.

ص: 455

(مسألة 4): كل من أقر علي نفسه بالعبودية حكم عليه بها (1) مع الشك (2)

---------------

(1) بلا خلاف أجده.

كذا في الرياض والجواهر.

لما هو المعلوم من بناء العقلاء علي نفوذ إقرار الإنسان علي نفسه.

مؤيداً بالمرسل عن النبي (صلي الله عليه وآله وسلم): «أنه قال: إقرار العقلاء علي أنفسهم جائز»(1).

والآخر عنه (صلي الله عليه وآله وسلم): «لا إنكار بعد الإقرار»(2).

ويعضده النصوص الكثيرة الدالة علي نفوذ الإقرار في الموارد المتفرقة، حيث يقرب استفادة العموم منها بإلغاء خصوصية مواردها عرفاً.

مضافاً إلي النصوص الدالة علي إلزام المقر بالرقية، كصحيح عبد الله بن سنان: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: الناس كلهم أحرار، إلا من أقر علي نفسه بالعبودية وهو مدرك من عبد أو أمة، ومن شهد عليه بالرق صغيراً كان أو كبيراً»(3) ، وصحيح الفضل: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل حرّ أقرّ أنه عبد.

قال: يؤخذ بما أقرّ به»(4) ، وغيرهما.

لكن منع ذلك في السرائر من قبول إقرار اللقيط بالرق إذا كبر ونسبه لمحصلي أصحابنا.

قال: «لأن الشارع حكم عليه بالحرية».

وفيه: أن المناسبات الارتكازية قاضية بأن حكم الشارع الأقدس بحرية اللقيط(5) ظاهري من صغريات أصالة الحرية التي يخرج عنها بالإقرار.

وليس هو حكماً واقعياً راجعاً إلي جعل حرمته ثبوتاً.

ولذا لا إشكال ولا خلاف ظاهراً في الحكم برقيته لو قامت البينة عليها.

(2) كما صرح به غير واحد، بل لا إشكال فيه ظاهراً.

لما هو المعلوم من أن الإقرار من الحجج التي يعول عليها في مقام الإثبات الذي هو فرع الشك، وليس هو

-

********

(1و2) مستدرك الوسائل ج: 16 باب: 2 من أبواب كتاب الإقرار حديث: 1، 2.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 29 من أبواب كتاب العتق حديث: 1، 2.

(5) راجع وسائل الشيعة ج: 17 باب: 22 من أبواب كتاب اللقطة.

ص: 456

(457)

الكلام في دعوي العبد الحرية

إذا كان عاقلاً بالغاً (1) مختاراً (2) ولم يكن مشهور الحرية (3).

(مسألة 5): لو اشتري عبداً فادعي الحرية لم يقبل قوله إلا بالبينة (4).

-

سبباً لتحقق مضمونه ثبوتاً.

(1) فقد ذكروا ذلك في شروط قبول الإقرار.

ولا ينبغي الإشكال فيه لما هو المعلوم من رفع القلم عن الصبي والمجنون.

وقد ذكرنا في فصل شروط المتعاقدين وغيره أن المراد من رفع القلم رفع تبعة العمل وعدم تحمل مسؤولية، وإلزام المقر بالإقرار نحو من تحميله تبعته والمسؤولية من أجله.

مضافاً إلي قصور أدلة نفوذ الإقرار المتقدمة عن غير البالغ.

بل ظاهر التقييد بالإدراك في صحيح عبد الله بن سنان أنه احترازي، فيكون مقتضي مفهومه عدم نفوذ إقرار غير المدرك.

(2) بلا إشكال ظاهر.

لما تضمن رفع الإكراه.

نظير ما تقدم في فصل شروط المتعاقدين من عدم نفوذ عقد المكره.

فراجع.

(3) كما في الشرائع والتحرير.

لكن لا يبعد كون مرادهما ما إذا علم بحريته بسبب الشهرة، فيرجع إلي ما سبق من اشتراط الشك، نظير ما في الرياض من قوله: «ما لم يعلم حريته سابقاً بشياع ونحوه».

نعم لا مجال لذلك في المتن والجواهر، حيث جعل الشك فيهما شرطاً آخر.

ولا يتضح الوجه في ذلك بعد عموم أدلة حجية الإقرار.

بل يصعب حمل صحيح الفضل المتقدم علي خصوص من لم يكن مشهور الحرية، لأن فرض السائل حرية المقر وعدم تردده فيها يناسب ظهور حريته بدواً المناسب لاشتهارها جداً.

(4) بلا خلاف، كما في الرياض.

عملاً بمقتضي اليد مع عدم البينة، وعموم حجية البينة المقدم علي اليد بلا إشكال.

مضافاً إلي موثقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام): «سمعته يقول: كل شيء هو لك حلال حتي تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك.

وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، والمملوك عندك

ص: 457

في استبراء الأمة

(مسألة 6): يجب علي مالك الأمة إذا أراد بيعها وقد وطئها أن يستبرئها قبل بيعها (1)

---------------

لعله حرّ قد باع نفسه أو خدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك.

والأشياء كلها علي هذا حتي يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة»(1).

ويناسبه صحيح العيص بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه السلام): «سألته عن مملوك ادعي أنه حرّ ولم يأت ببينة علي ذلك أشتريه ؟ قال: نعم»(2).

ومعتبر حمزة بن حمران: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أدخل السوق وأريد [أن.

الكافي] أشتري الجارية، فتقول: إني حرّة.

فقال: اشترها إلا أن يكون لها بينة»(3).

(1) كما هو المعروف بين الأصحاب، ونفي الخلاف فيه في الحدائق والرياض، وظاهر الخلاف أو صريحه دعوي الإجماع عليه، وفي السرائر أنه مقتضي الدليل القاطع وأخبار أصحابنا المتواترة وتصانيفهم المجمع عليها.

وربما يظهر من المقنعة في باب ابتياع الحيوان عدم الوجوب، حيث قال: «ينبغي للبائع أن يستبرئ الأمة قبل بيعها».

لكنه قال في باب لحوق الأولاد من كتاب النكاح وما يلحق به: «ولا يجوز لأحد أن يبيع جارية قد وطئها حتي يستبرئها.

.

.

».

ومن ثم يصعب نسبة الخلاف له.

ويقتضيه النصوص، كصحيح حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في الرجل يبيع الأمة من رجل.

قال: عليه أن يستبرئ من قبل أن يبيع(4)».

وموثق عمار: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): الاستبراء علي الذي يبيع الجارية واجب إن كان يطأها.

وعلي الذي يشتريها الاستبراء أيضاً.

قلت: فيحل له أن يأتيها دون

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 4 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.

(2و3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 5 من أبواب بيع الحيوان حديث: 1، 2.

(4) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 18 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 1.

ص: 458

(459)

بحيضة إن كانت تحيض (1)، وبخمسة وأربعين يوماً من حين الوطء إن

---------------

الفرج ؟ قال: نعم قبل أن يستبرئها»(1) ، وغيرهما مما قد يأتي بعضه.

نعم في خبر علي بن جعفر المحكي عن قرب الإسناد عن أخيه موسي (عليه السلام): «سألته عن الرجل يشتري الجارية فيقع عليها أيصلح بيعها من الغد؟ قال: لا بأس»(2).

لكن ضعف سنده، وظهور إعراض الأصحاب عنه، وتسالمهم علي خلافه، تمنع من التعويل عليه والخروج به عن ظاهر النصوص الكثيرة، بحيث تحمل لأجله علي الاستحباب.

ولاسيما مع أن الموجود في الطبعة الحجرية من قرب الإسناد: «أيصلح بيعها من الجد؟»(3).

وقد حمل علي بيعها علي الشيخ الذي يستخدمها ولا يتسراها، وفي طبعة مؤسسة آل البيت لإحياء التراث: «أيصلح أن يبيعها مرابحة ؟»(4).

وهو الموجود في مسائل علي بن جعفر(5).

فيحمل علي بيان أن الانتفاع بها بالاستمتاع لا يمنع من بيعها مرابحة.

فلاحظ.

(1) تحديد الاستبراء بحيضة فيمن تحيض هو المشهور من دون خلاف يعرف، كما في الحدائق ومفتاح الكرامة.

بل في الخلاف دعوي الإجماع عليه.

وهو وإن ذكر أنها تعتد بقرئين، إلا أنه قال: «وروي حيضة بين الطهرين.

والمعني متقارب»، حيث يظهر من ذلك أن مراده بالقرئين طهري المواقعة من البائع والمشتري، لأنهما هما اللذان تكون بينهما حيضة واحدة.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 18 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 5.

(2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 10 من أبواب بيع الحيوان حديث: 7.

(3) قرب الإسناد ص: 113 الطبعة الحجرية.

(4) قرب الإسناد ص: 264 طبعة مؤسسة آل البيت لإحياء التراث.

(5) مسائل علي بن جعفر ص: 123. طبعة مؤسسة آل البيت لإحياء التراث.

ص: 459

وكيف كان فيقتضيه ما في صحيح الحلبي عنه (عليه السلام): «وسألته عن رجل اشتري جارية وهي حائض.

قال: إذا طهرت فليمسها إن شاء»(1) ، وموثق سماعة: «سألته عن رجل اشتري جارية وهي طامث، أيستبرئ رحمها بحيضة أخري أو تكفيه هذه الحيضة ؟ قال: لا، بل تكفيه هذه الحيضة.

فإن استبرأها بحيضة أخري فلا بأس، هي بمنزلة فضل»(2).

وغيرهما.

لكن في السرائر في باب السراري: «والأظهر الصحيح وجوب الاستبراء بقرئين».

وكأنه لصحيح محمد بن إسماعيل: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الجارية يشتري من رجل مسلم يزعم أنه قد استبرأها، أيجزي ذلك أم لابد من استبرائها؟ قال: يستبرئها بحيضتين.

قلت: يحل للمشتري ملامستها؟ قال: نعم، ولا يقرب فرجها»(3).

وصحيح سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): «سألته عن رجل يبيع جارية كان يعزل عنها، عليه فيها استبراء؟ قال: نعم.

وعن أدني ما يجزي للمشتري والبائع ؟ قال: أهل المدينة يقولون حيضة.

وكان جعفر (عليه السلام) يقول: حيضتان»(4).

وقد حملهما الشيخ علي الاستحباب جمعاً مع النصوص الأخر، مؤيداً بالتصريح بذلك في موثق سماعة المتقدم، وجري علي ذلك غير واحد.

ودعوي: أن ذلك لا يناسب نسبة القول بالحيضة الواحدة في الثاني لأهل المدينة، لظهور أن مرادهم وجوبها، بل المناسب لذلك صدور نصوص الحيضة الواحدة تقية.

مدفوعة بما أشار إليه بعضهم من احتمال ذهاب أهل المدينة إلي عدم استحباب

********

(1) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 10 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 2.

(3) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 5.

(4) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 10 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 1.

ص: 460

كانت لا تحيض (1)

---------------

الثانية.

مضافاً إلي أن مثل هذا الحكم الشائع الابتلاء في العصور السابقة يبعد جداً خفاؤه علي المشهور وخطؤهم فيه، بحيث يجرون فيه علي فتوي العامة.

ولاسيما أن الأول قد فرض فيه إخبار البائع باستبرائها، الذي يأتي الاكتفاء به مع أمانته، والثاني قد تضمن ثبوت الاستبراء المذكور في البكر، وأظهر أفرادها غير المدخول بها التي لا يجب استبراؤها.

فلاحظ.

(1) كما هو المعروف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) المدعي عليه الإجماع في الخلاف.

ولم يعرف الخلاف فيه إلا من المقنعة في باب بيع الحيوان فجعله ثلاثة أشهر، مع أنه وافق المشهور في باب لحوق الأولاد بالآباء.

وكيف كان فيشهد للمشهور النصوص، كالصحيح المروي بطرق عن الحلبي ومحمد بن مسلم وسماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في رجل اشتري جارية لم يكن صاحبها يطؤها يستبرئ رحمها؟ قال: نعم.

قلت: جارية لم تحض كيف يصنع بها؟ قال: أمرها شديد، غير أنه إن أتاها فلا ينزل عليها حتي يستبين له إن كان بها حبل.

قلت: وفي كم يستبين ؟ قال: في خمسة وأربعين ليلة»(1).

معتبر منصور بن حازم: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن عدة الأمة التي لم تبلغ المحيض وهو يخاف عليها.

فقال: خمسة وأربعون ليلة»(2) ، ونحوهما غيرهما.

نعم في صحيح عبد الله بن سنان: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري الجارية ولم تحض.

قال: يعتزلها شهراً إن كانت قد مست»(3).

كذا رواه في الكافي بسنده عن عبد الله بن سنان.

وفي الاستبصار بسند آخر عنه.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 10 من أبواب بيع الحيوان حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 5.

(3) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 2.

ص: 461

وهي في سن من تحيض (1).

-

لكن رواه في التهذيب بالسند الثاني هكذا: «إن كانت قد يئست» فيخرج عما نحن فيه.

إلا أنه لا مجال للتعويل عليه بعد ظهور تعقيب الشيخ علي الحديث في التهذيب في وروده في غير اليائس.

ولا أقل من أن يكون اختلاف الشيخ في نقله في التهذيبين، موجباً لسقوط كلتا روايتيه بالمعارضة، ويكون المعول علي رواية الكافي.

هذا وقد حمل في التهذيب والوسائل الحديث علي من تحيض في الشهر، فيخرج عن محل الكلام.

لكنه لا يناسب فرض عدم حيض الجارية في السؤال.

ومثله حمله في الوسائل علي غير البالغة، وفي الجواهر علي مجهولة البلوغ، ليكون الأمر بالاستبراء للندب.

إذ هما مع عدم الشاهد عليهما لا يناسبان فرض مسها في الحديث.

ومن هنا قد يكون الأنسب حمل نصوص الخمسة والأربعين لأجله علي الاستحباب، لولا ظهور إعراض الأصحاب (رضي الله عنهم) عن الحديث المذكور، بنحو يوجب سقوطه عن الحجية.

مضافاً إلي كثرة نصوص الخمسة والأربعين بنحو يصعب حملها بأجمعها علي الاستحباب، وخصوصاً الأول المتضمن تحديد مدة احتمال الحمل.

فلاحظ.

(1) أما إذا لم تكن في السن المذكور فالظاهر عدم الإشكال في عدم وجوب استبرائها، كما صرح به غير واحد، ونفي وجدان الخلاف فيه في الجواهر، بل نفي الخلاف فيه في الرياض، وفي الحدائق ادعي الإجماع علي عدم الاستبراء في الصغيرة، كما ادعاه في مفتاح الكرامة فيها وفي اليائسة.

ويقتضيه إطلاق ما تضمن عدم العدة علي من لا تحبل، مثل معتبر محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «قال: التي لا تحبل مثلها لا عدة لها»(1).

********

(1) وسائل الشيعة ج: 15 باب: 3 من أبواب العدد حديث: 2.

ص: 462

ولو باعها بدون الاستبراء صح البيع (1)، ووجب علي المشتري استبراؤها (2)، فلا يطؤها إلا بعد حيضة أو مضي المدة المذكورة.

-

مضافاً إلي النصوص الخاصة، كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أنه قال في رجل ابتاع جارية ولم تطمث.

قال: إن كانت صغيرة لا يتخوف عليها الحبل فليس عليها عدة، وليطأها إن شاء، وإن كانت بلغت ولم تطمث فإن عليها العدة...»(1).

ومعتبر منصور بن حازم: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجارية التي لا يخاف عليها الحبل.

قال: ليس عليها عدة»(2).

وخبر عبد الله بن عمر: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أو لأبي جعفر (عليه السلام): الجارية الصغيرة يشتريها الرجل وهي لم تدرك، أو قد يئست من المحيض.

قال: فقال: لا بأس بأن لا يستبرئها»(3).

وغيرها.

(1) كما هو الظاهر من كلام الأصحاب علي ما في الحدائق.

وعلله في المسالك برجوع النهي لأمر خارجي.

لكن قد يدعي أن المنصرف من الأمر والنهي في المعاملات الإرشاد للشرطية والمانعية، دون النهي التكليفي.

فالعمدة في المقام: أنه حيث يأتي عدم وجوب الاستبراء علي المشتري إذا كان البائع قد استبرأها، فأمر المشتري بالاستبراء في النصوص الكثيرة لابد أن يحمل علي الأمر الطريقي احتياطاً مراعاة لاحتمال عدم استبراء البائع.

وهو مستلزم لصحة البيع مع عدم استبراء البائع، إذ لو كان البيع باطلاً حينئذٍ لا يكون الاستبراء منه مشروعاً، لعدم كونه مالكاً، ليحل له الوطء بعده.

وبعبارة أخري: يعلم بعدم وجوب الاستبراء عليه، إما لكون البائع مستبرئاً لها، أو لعدم كونه مالكاً لها بالشراء.

(2) بلا إشكال ظاهر، كما يظهر مما يأتي فيما إذا شك في استبراء البائع لها.

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 3 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 1، 2.

(3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 11 من أبواب الحيوان حديث: 1.

ص: 463

وإذا لم يعلم أن البائع استبرأها أو وطئها وجب عليه الاحتياط في استبرائها (1).

وإذا علم أن البائع لم يطأها أو أنه استبرأها لم يجب عليه استبراؤها (2).

وكذا إذا أخبره صاحبها بأنه قد استبرأها أو أنه لم يطأها إذا كان أميناً (3).

-

(1) من غير خلاف يعرف فيه، بل الإجماع بقسميه عليه.

كذا في الجواهر.

ويقتضيه نصوص تحديد الاستبراء، وقد سبق بعضها.

وكذا النصوص الآتية في تصديق البائع إذا كان ثقة، وما سبق في صحيح الحلبي.

.

.

إلي غير ذلك.

(2) كما ذكر ذلك غير واحد.

ويقتضيه ما يأتي في تصديق البائع بذلك، لأن حجية قوله إثباتاً فرع سقوط الاستبراء بتحقق ما قاله ثبوتاً، كما هو ظاهر.

(3) كما هو المعروف بين الأصحاب، وإن اختلفوا في أن المعيار الثقة أو العدالة.

ونسب للأكثر في الرياض وللمشهور في الجواهر.

ويقتضيه في الجملة معتبر محمد بن حكيم عن العبد الصالح: «قال: إذا اشتريت جارية فضمن لك مولاها أنها علي طهر فلا بأس بأن تقع عليها»(1).

وصحيح حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في الرجل يشتري الأمة من رجل، فيقول: إني لم أطأها.

فقال: إن وثق به فلا بأس أن يأتيها...(2)».

وصحيح أبي بصير: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يشتري الجارية وهي طاهر ويزعم صاحبها أنه لم يمسها منذ حاضت.

قال: إن ائتمنه فمسها»(3).

والظاهر نهوض الأخيرين بتقييد الأول بالأمانة والثقة الراجعين لمعني واحد.

ومثلهما في ذلك ما في صحيح عبد الله بن سنان عنه (عليه السلام): «قلت: أفرأيت إن ابتاعها وهي طاهر، وزعم صاحبها أنه لم يطأها منذ طهرت.

فقال: إن كان عندك أميناً

-

********

(1و2و3) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 3، 1، 4.

ص: 464

[وإن كان عدلاً أميناً.

خ ل.

كافي] فمسها.

وقال: إن ذا الأمر شديد.

فإن كنت لابد فاعلاً فتحفظ لا تنزل عليها»(1).

ولابد من حمل ذيله علي استحباب التحفظ المذكور بقرينة السكوت عنه في الصحيحين، لقوة ظهورهما في عدم وجوبه.

وذهب في السرائر لوجوب الاستبراء علي المشتري مطلقاً.

وكأنه لإهمال النصوص والرجوع لإطلاق نصوص وجوب الاستبراء علي المشتري.

وهو غير ظاهر الوجه بعد اعتبار أسانيد النصوص المذكورة وتعاضدها.

ومثله ما في الإيضاح من متابعة السرائر، لأن الاحتياط في الفروج أولي.

لظهور أن أولوية الاحتياط المذكور لا تمنع من البناء علي جواز تركه اعتماداً علي النصوص السابقة.

نعم قد تعارض النصوص المذكورة بما دلّ علي وجوب الاستبراء، كصحيح محمد بن إسماعيل: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الجارية يشتري من رجل مسلم يزعم أنه قد استبرأها، أيجزي ذلك أم لابد من استبرائها؟ قال: يستبرئها بحيضتين»(2).

وخبر عبد الله بن سنان: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أشتري الجارية من الرجل المأمون فيخبرني أنه لم يمسها منذ طمثت عنده وطهرت.

قال: ليس جائزاً أن تأتيها حتي تستبرئها بحيضة.

ولكن يجوز ذلك [لك.

فقيه] ما دون الفرج.

إن الذين يشترون الإماء ثم يأتونهن قبل أن يستبرئوهن فأولئك الزناة بأموالهم»(3).

لكن الأول ظاهر في عدم كفاية إسلام البائع في قبول خبره، فلا ينافي النصوص الأول الظاهرة في قبول قول الثقة المأمون.

ولو غضّ النظر عن ذلك أمكن الجمع بينه وبينها بحمله علي الاستحباب.

ولاسيما مع ما تضمنه من كون الاستبراء بحيضتين.

وهو المتعين في الثاني.

علي أن تطبيق الزنا في ذيله ظاهر في انطباقه واقعاً حتي في فرض تحقق الاستبراء من البائع.

ومرجعه إلي وجوب الاستبراء علي المشتري واقعاً

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 6 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 2، 5.

(3) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 11 من أبواب بيع الحيوان حديث: 5.

ص: 465

ولا يجب الاستبراء في أمة المرأة (1)،

---------------

حتي مع استبراء البائع.

فيكون نظير صحيح الحلبي عنه (عليه السلام): «في رجل اشتري جارية لم يكن صاحبها يطؤها يستبرئ رحمها؟ قال: نعم» (1)، وخبر ربيع بن القاسم: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجارية التي لم تبلغ المحيض ويخاف عليها الحبل.

قال: يستبرئ رحمها الذي يبيعها بخمسة وأربعين ليلة، والذي يشتريها بخمسة وأربعين ليلة» (2)، وموثق عمار (3) المتقدم في أول المسألة.

ولابد من رفع اليد عنها أو حملها علي الاستحباب من أجل النصوص السابقة المتضمنة الاكتفاء بخبر البائع المأمون، وما تقدم في الاكتفاء في الاستبراء بالحيضة الواحدة المتضمنة الاكتفاء في استبراء الحائض حين الشراء بخروجها عن الحيض.

مؤيداً بما يأتي من عدم وجوب استبراء الأمة المشتراة من المرأة.

لما هو المعلوم من أن خصوصية المرأة إنما تناسب رفع الاستبراء الواحد الذي يجب علي البائع.

ولاسيما مع ظهور تعويل الأصحاب علي النصوص المذكورة واشتهار العمل بها.

(1) علي المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً شهرة عظيمة.

كذا في الجواهر.

لصحيح رفاعة: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الأمة تكون لامرأة فتبيعها.

قال: لا بأس أن يطأها من غير أن يستبرئها».

ونحوه حديث حفص عن أبي عبد الله (4) (عليه السلام).

وخبر زرارة: «اشتريت جارية بالبصرة من امرأة فخبرتني أنه لم يطأها أحد، فوقعت عليها ولم أستبرئها، فسألت عن ذلك أبا جعفر (عليه السلام)، فقال: هوذا أنا قد فعلت ذلك.

وما أريد أن أعود» (5).

-

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 10 من أبواب بيع الحيوان حديث: 1.

(2 و 3) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 18 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 2، 5.

(4) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 7 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 1 وذيله.

(5) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 7 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 2.

ص: 466

إلا أن يعلم أنها موطوءة (1)

---------------

وفي السرائر أن الأولي وجوب الاستبراء، ووافقه في الأيضاح، لأولوية الاحتياط في الفرج.

لكن لا مجال لذلك بعد ما سبق من النصوص.

وإذا كان ذلك متجهاً من ابن إدريس علي مبانيه في أخبار الآحاد، فلا مجال لذلك من فخر المحققين، لوضوح أن أولوية الاحتياط في الفروج لا تنهض بالخروج عن النص المعتبر.

(1) كما يظهر من الرياض ومفتاح الكرامة والجواهر.

وذكر في الرياض وغيره أنه يشعر بذلك في الجملة خبر زرارة المتقدم.

بل هو المتعين بلحاظ الحكمة من الاستبراء وهي لزوم الفساد باختلاط الأنساب.

لكن الخبر المذكور ظاهر في استحباب الاستبراء أو كراهة تركه، ولا إشعار فيه بما ذكروه.

وأما الحكمة فهي مع عدم اطرادها، حيث قد يعلم بعدم ترتب الحمل علي وطء المشتري لا تنهض دليلاً في المقام وغيره.

فالعمدة في المقام أن ما تضمن احترام الوطء يقتضي وجوب الاستبراء منه، مثل ما روي بطريقين عن مسمع كردين عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيان جملة من المحرمات، حيث عدّ منها أمتك وقد وطئت حتي تستبرأ بحيضة(1).

ولا ينافيه ما تضمن عدم استبراء الأمة المشتراة من المرأة، لأنه راجع إلي عدم وجوب استبرائها ظاهراً احتياطاً لاحتمال الوطء المحترم، تعويلاً علي استصحاب عدم الوطء المذكور، بخلاف الأمة المشتراة من الرجل، فإنه يجب فيها الاحتياط المذكور، ولا يجوز فيها التعويل علي الاستصحاب المزبور.

وهو لا ينافي وجوب الاستبراء واقعاً مع تحقق الوطء المذكور المفروض العلم به، كما لا ينافي وجوب استبراء الأمة المشتراة من الرجل عدم وجوبه واقعاً مع عدم

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 14 باب: 8 من أبواب ما يحرم بالرضاع حديث: 4، وباب: 19 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 2.

ص: 467

وطئاً محترماً (1)، ولا في الصغيرة ولا في اليائسة (2)، ولا في الحائض حال البيع (3).

نعم لا يجوز وطؤها حال الحيض.

ولا استبراء في الحامل (4).

نعم لا يجوز وطؤها في القبل إلا بعد مضي أربعة أشهر وعشرة أيام (5).

-

الوطء المذكور، فيعمل عليه مع العلم بعدم الوطء.

فلاحظ.

(1) يعني: بنكاح أو ملك يمين ولو بالتحليل بشبهة، دون الزنا، حيث لا حرمة له فلا عدة له ولا استبراء.

نعم يستحب استبراء المزني بها من ماء الفجور، خصوصاً إذا كان الزاني بها هو الذي يريد التزويج بها، علي ما يذكر في محله من مبحث العدد.

(2) لما سبق من عدم وجوب استبراء من هي خارج سن الحيض.

(3) علي المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة.

كذا في الجواهر.

وفي الخلاف دعوي الإجماع عليه.

وقد يستفاد من غيرهما بلحاظ استدلالهم علي الاكتفاء في الاستبراء بحيضة واحدة بصحيح الحلبي وموثق سماعة المتقدمين هناك المتضمنين لذلك.

وكفي بهما دليلاً عليه.

ومنه يظهر ضعف ما في السرائر من عدم كفاية ذلك.

وهو يبتني علي ما سبق منه من وجوب الاستبراء بقرئين.

وسبق الكلام فيه.

فراجع.

(4) كما صرح به غير واحد.

وكأنه لعدم الموضوع له، لأن الاستبراء من أجل احتمال ظهور الحمل، ولا موضوع له مع العلم به.

أما لو كان الاستبراء مجرد ترك الوطء فاللازم البناء علي ثبوته عند من يقول بحرمة الوطء.

والأمر سهل.

(5) كلمات الأصحاب في المقام في غاية الاضطراب والاختلاف، إلا أن ما في المتن هو المصرح به في الشرائع والإرشاد والتحرير والإيضاح، وقد يظهر من التهذيبين.

وفي الدروس أنه المشهور.

وقد سبقهم إليه في النهاية والوسيلة من دون تقييد بالقبل.

ص: 468

لصحيح رفاعة بن موسي: «سألت أبا الحسن موسي بن جعفر (عليهما السلام) قلت: أشتري الجارية.

.

.

قلت: فإن كان حمل فما لي منها إن أردت ؟ قال: لك ما دون الفرج إلي أن تبلغ في حملها أربعة أشهر وعشرة أيام، فإذا جاز حملها أربعة أشهر وعشرة أيام فلا بأس بنكاحها في الفرج.

قلت: إن المغيرة وأصحابه يقولون: لا ينبغي للرجل أن ينكح امرأته وهي حامل قد استبان حملها، حتي تضع، فيغذو ولده.

قال: هذا من فعال اليهود»(1).

وبه يخرج عن إطلاق النصوص الكثيرة المانعة من الوطء، كصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام): «قال في الوليدة يشتريها الرجل وهي حبلي.

قال: لا يقربها حتي تضع ولدها»(2).

وصحيح أبي بصير عنه (عليه السلام): «قلت له: الرجل يشتري الجارية وهي حبلي ما يحل له منها؟ فقال: ما دون الفرج...»(3) ، وغيرهما.

ومنه يظهر عدم الوجه للاقتصار في المدة في كلام جماعة علي أربعة أشهر.

وأشكل منه ما يظهر من المقنعة وغيره من اشتراط الجواز بعد أربعة أشهر بما إذا عزل، وما يظهر من الغنية من اشتراط التحريم في الأربعة بما إذا لم يعزل.

إذ فيه: إن العزل إنما جعل في النصوص دخيلاً في حكم الولد، دون النهي عن الوطء، بل صريح بعضها عموم النهي عن الوطء لصورة العزل، كصحيح إسحاق بن عمار: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل اشتري جارية حاملاً قد استبان حملها فوطأها.

قال: بئس ما صنع.

فقلت: ما تقول فيها؟ قال: عزل عنها أم لا؟ قلت: أجبني في الوجهين.

قال: إن عزل عنها فليتق الله ولا يعد.

وإن كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك الولد، ولا يورثه، ولكن يعتقه، ويجعل له شيئاً من ماله يعيش به، فإنه قد

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 8 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 3، 1.

(3) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 5 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 3.

ص: 469

غذاه بنطفته»(1).

كما يظهر مما سبق أيضاً ضعف إطلاق المنع من وطء الحامل حتي تضع ولدها في اللمعة.

وإطلاق جوازه علي كراهة في السرائر.

ومثله ما في الخلاف من كراهة وطئها حتي يمضي لها أربعة أشهر وعشراً.

مستدلاً عليه بالإجماع والأصل.

حيث يظهر منه حمل الصحيح علي الكراهة.

إذ هو خالٍ عن الشاهد، بل مخالف لظاهره جداً.

ولاسيما مع ثبوت الكراهة بعد المدة المذكورة بمقتضي إطلاق بقية النصوص، خصوصاً مثل صحيح محمد بن قيس.

هذا وقد أشار غير واحد إلي أن مقتضي القاعدة أن الحمل إن كان من زنا فلا حرمة له، تبعاً لعدم حرمة سببه، وإن كان من نكاح صحيح أو شبهة فاللازم حرمة وطئها حتي تضع وتنقضي عدتها.

ومن ثم ذهب بعضهم للتفصيل المذكور، إما مع إهمال النصوص جميعاً، كما في التذكرة وظاهر الدروس.

أو حمل التفصيل الذي تضمنه صحيح رفاعة علي خصوص الحمل من الزنا مع حمله علي التحريم، كما في الإيضاح وعن غيره، أو علي الكراهة كما في المختلف.

أما في غير الزنا فيحرم وطؤها حتي تضع.

أو حمل التفصيل المذكور في الصحيح علي خصوص غير الزنا مع جواز الوطء مطلقاً في الزنا، كما في الروضة، واستحسنه في المسالك.

لكن الجميع اجتهاد في مقابل النصوص من دون شاهد له منها.

ولو فرض عموم القاعدة للمقام فتخصيصها بالنصوص غير عزيز.

نعم قد يوجه الأخير بدعوي انصراف نصوص المقام للوطء المحترم، لأن اعتزال المرأة من صغريات العدة التي هي من لواحق الوطء المذكور، ومع قصورها عن الزنا يتعين الرجوع معه للقاعدة القاضية بجواز الوطء.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 9 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 1.

ص: 470

فإن وطئها وقد استبان حملها عزل استحباباً (1)، فإن لم يعزل فالأحوط لو لم يكن أقوي عدم جواز بيع الولد، بل وجوب عتقه (2)، وجعل شيء له من

---------------

لكن لم يتضح كون الاعتزال المذكور من صغريات العدة التي هي من لواحق الوطء المحترم، فلا مخرج عن عموم النص.

ثم إن التقييد في كلام من عرفت بالقبل يبتني علي اختصاص النهي عن القرب والغشيان والنكاح والفرج ونحوها مما تضمنته نصوص المقام بالوطء في القبل، ولا يظهر منهم البناء علي ذلك في سائر الموارد.

والأمر لا يخلو عن إشكال.

وقد تقدم منّا بعض الكلام في ذلك عند الكلام في سببية الوطء في الدبر للجنابة والغسل من كتاب الطهارة.

فراجع.

(1) كما صرح به غير واحد، بل يظهر من بعضهم أنه المشهور.

ولم يتضح الوجه فيه.

وفي الجواهر: «لولا التسامح في أدلة السنن لأمكن الإشكال في ثبوت استحبابه».

(2) كما ذكر ذلك في الجملة في المقنعة والنهاية والوسيلة والغنية، وما عن التقي الحلبي وادعي في الغنية الإجماع عليه.

ويشهد له معتبر إسحاق المتقدم.

وموثق غياث بن إبراهيم أو صحيحه عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: من جامع أمة حبلي من غيره فعليه أن يعتق ولدها ولا يسترق، لأنه شارك فيه الماء(1).

وموثق السكوني عنه (عليه السلام): «إن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) دخل علي رجل من الأنصار، وإذا وليدة عظيمة البطن تختلف، فسأل عنها، فقال: اشتريتها يا رسول الله وبها هذا الحبل.

قال: أقربتها؟ قال: نعم.

قال: اعتق ما في بطنها.

قال: يا رسول الله بِمَ استحق العتق ؟ قال: لأن نطفتك غذت سمعه وبصره ولحمه ودمه»(2).

ولكن صرح في الشرائع والنافع بكراهة بيعه، وتبعه العلامة في جملة من كتبه

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 9 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 2، 3.

ص: 471

ماله يعيش به (1).

-

وجماعة ممن تأخر عنه، وفي الدروس أنه المشهور.

وفي مفتاح الكرامة: «لعل ذلك من هؤلاء لضعف الأخبار، مع أصالة البراءة».

وفيه: أن الظاهر اعتبار النصوص المذكورة في نفسها.

ولاسيما مع ظهور عمل من سبق بها.

ومثله ما أشار إليه في الجواهر وإن لم يظهر منه التعويل عليه من ظهور التعليل في الكراهة، لرجوعه إلي أنه يكون بذلك كالولد.

إذ فيه: أن ذلك لا ينهض شاهداً علي الكراهة، بل يجتمع مع الحرمة.

نظير تنزيل الرضاع منزلة النسب.

ومن هنا يتعين البناء علي الوجوب عملاً بظاهر النصوص المتقدمة.

هذا وصريح المقنعة عدم الفرق في جريان الحكم المذكور بين الوطء قبل مضي المدة السابقة والوطء بعد مضيها، وقد يظهر من إطلاق ما عن التقي الحلبي.

وصريح النهاية اختصاصه بما إذا كان الوطء قبل مضي المدة، أما بعد مضيها فيجوز بيع الولد علي كل حال، وهو المتيقن من الغنية والوسيلة.

كما أن ظاهر المتن اختصاصه بما إذا كان بعد استبانة الحمل.

ومن الظاهر عموم حديثي غياث والسكوني.

وأما صحيح إسحاق فقد ورد في فرض الوطء بعد استبانة الحمل، والمتيقن منه بعد مضي المدة المذكورة.

لكن التقييد فيه لما كان في كلام الراوي فهو لا ينهض بالخروج عن إطلاق الحديثين الأولين، كما لعله ظاهر.

(1) كما في النهاية والوسيلة والغنية وعن التقي.

ويقتضيه صحيح إسحاق.

لكن عدم ذكر ذلك في حديثي إبراهيم والسكوني مع ظهورهما في بيان تمام ما يجب في الفرض المذكور قد تنهض بالقرينة علي حمل الأمر به في صحيح إسحاق علي الاستحباب.

نظير ما ورد من الأمر بالإنفاق علي المعتق الذي لا حيلة له(1).

********

(1) وسائل الشيعة ج: 16 باب: 14 من أبواب كتاب العتق حديث: 1.

ص: 472

(473)

وجوب الاستبراء في غير البيع

(مسألة 7): وجوب استبراء البائع للأمة قبل البيع يثبت لكل مالك يريد نقلها إلي غيره ولو بسبب غير البيع (1).

وكذلك وجوب استبراء المشتري قبل الوطء يثبت لكل من تنتقل إليه الأمة بسبب (2) وإن كان إرثاً أو استرقاقاً أو نحوهما، فلا يجوز له وطؤها إلا بعد الاستبراء.

-

ولاسيما أن التعليل المذكور في النصوص الثلاثة يناسب تشبيهه بالولد، والولد لا يجب ذلك في حقه، وأن عزل مثل هذا المال قد يصعب أو يتعذر علي الواطئ.

هذا وفي المقنعة: «وينبغي له أن يجعل له من ماله بعد وفاته قسطاً ويعوله في حياته».

وهو وإن كان غير آب عن الحمل علي الاستحباب، إلا أن مفاده مخالف لمفاد الصحيح، لانصرافه إلي عزل المال حين العتق بلحاظ حاجته إليه بعد عدم وجوب نفقته علي أحد بسبب عتقه.

ومثله ما في الشرائع والقواعد وغيرهما من استحباب عزل شيء له من ميراثه.

(1) المذكور في كلام الأصحاب هو ما يأتي من إلحاق غير الشراء من أسباب التملك بالشراء في وجوب الاستبراء.

أما إلحاق غير البيع من أسباب النقل عن الملك بالبيع في ذلك فلم يتعرضوا له.

ومن الصعب البناء عليه بعد اختصاص النصوص بالبيع.

ولاسيما مع كون وجوب الاستبراء من البائع تعبدياً محضاً، لأنه ليس احتياطاً لنفسه، بل للمشتري، لأنه هو الذي يحرم عليه وطء الأمة الموطوءة قبل الاستبراء.

(2) كما هو المشهور نقلاً وتحصيلاً، علي ما في الجواهر.

وفي الخلاف دعوي الإجماع علي وجوب الاستبراء علي من ملك أمة بابتياع أو هبة أو إرث أو استغنام.

ولم يعرف الخلاف في ذلك إلا من السرائر في كتاب البيع، مع موافقته لهم في باب السراري.

وقد استدل علي عدم وجوب الاستبراء بعموم قوله تعالي: (أَوْ مَا مَلَكَتْ

ص: 473

الكلام في جواز شراء بعض الحيوان

(مسألة 8): يجوز شراء بعض الحيوان مشاعاً (1)، كنصفه وربعه.

ولا يجوز شراء بعض معين منه كرأسه وجلده إذا لم يكن المقصود منه الذبح (2)،

---------------

أَيْمَانُكُمْ)(1).

ويظهر ضعفه مما سبق في الأمة المشتراة من المرأة من أن العموم المذكور مخصص بما دلّ علي احترام الوطء، فالتمسك به مع الشك فيه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

وجواز الوطء مع الشك ليس مقتضي العموم المذكور، بل مقتضي استصحاب عدم تحقق الوطء المحترم.

ومرجع دليل الاستبراء إلي عدم جواز التعويل علي الاستصحاب المذكور احتياطاً للنسب.

وحينئذٍ فإلغاء خصوصية المشتري في النصوص السابقة عرفاً قريب جداً.

ويؤيده خبر الحسن بن صالح عن أبي عبد الله (عليه السلام):

«قال: نادي منادي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يوم أوطاس أن استبرئوا سباياكم بحيضة (2) ».

بل قد يستدل به بدعوي انجباره بعمل الأصحاب، ويستفاد منه العموم بضميمة عدم الفصل.

لكنه لا يخلو عن إشكال.

.

أولاً: لعدم وضوح اعتمادهم عليه، ومجرد موافقته لفتواهم لا يكفي في ذلك.

وثانياً: لعدم كفاية مجرد عدم الفصل في التعميم، ما لم يرجع للإجماع علي عدم الفصل، وهو غير ثابت في المقام.

فالعمدة ما سبق.

فلاحظ.

والله سبحانه وتعالي العالم.

(1) بلا خلاف ولا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه.

كذا في الجواهر.

لعمومات الصحة واللزوم، كما هو الحال في سائر موارد شراء الجزء المشاع.

(2) كما ذكره غير واحد، بل في شرح القواعد لكاشف الغطاء: «للإجماع بقسميه».

وقد يستدل عليه مضافاً إلي ذلك.

.

تارة: بالجهالة، لعدم تعيين موضع

********

(1) سورة النساء الآية: 3.

(2) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 17 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 1.

ص: 474

(475)

القطع.

وأخري: بعدم القدرة علي التسليم.

وثالثة: بعدم إمكان الانتفاع به.

ورابعة: بأن ذلك قد يؤدي إلي النزاع والتشاجر، للاختلاف في إرادة ذبح الحيوان وإبقائه حياً.

ويشكل الأول بما تكرر منّا من عدم وضوح عموم مانعية الجهالة.

مضافاً إلي أنه مع الإطلاق وعدم تحديد موضع القطع يتعين الاقتصار فيه علي منتهي العضو، إلا مع تعارف ما زاد عليه، فيحمل عليه الإطلاق.

والثاني في غاية المنع لإمكان تسليمه بتسليم الحيوان.

ومجرد الاتفاق بين المتبايعين علي عدم فصله، للبناء علي عدم ذبح الحيوان، لا يمنع من تحقق التسليم.

ومثله الثالث، لظهور أن الانتفاع بالحيوان مستلزم للانتفاع بأجزائه وإن اختلف نحو الانتفاع بكل منها.

غايته أن يتفق الشريكان علي مقدار انتفاع كل منهما به أو حصة كل منهما من قيمة منفعته بتمامه.

علي أنه لا وجه لاعتبار فعلية الانتفاع بالمبيع في صحة البيع.

ومنه يظهر ضعف الرابع، حيث لا دليل علي مانعية التعرض للنزاع من صحة البيع.

ولاسيما بلحاظ حصول ذلك في الشركة نوعاً.

مع أنه يمكن التخلص من ذلك بالاتفاق علي وقت خاص للذبح أو نحو ذلك.

وأما الإجماع فقد تكرر منّا عدم نهوضه بالاستدلال في مثل هذا الحكم الخالي عن النصوص وغير الشائع الابتلاء.

ومن القريب أن يكون ذهاب من ذهب للمنع مبتنياً علي بعض الوجوه الاعتبارية المتقدمة أو غيرها، من دون أن يبتني علي إجماع تعبدي.

علي أنه لم يتضح حصول الإجماع بعد عدم تعرض غير واحد له، خصوصاً مع تعرض بعضهم لحكم استثناء الرأس والجلد.

بل في المقنعة: «ولا بأس بابتياع أبعاض الحيوان، كما يبتاع ذلك من غيره، كالمتاع والعقار».

وقريب منه في النهاية.

ومقتضي إطلاق كلامهما جواز الشراء بالنحو المذكور وإن لم يكن المقصود بالحيوان الذبح.

ومن هنا لا مخرج عما تقتضيه العمومات من الصحة.

ص: 475

بل كان المقصود منه الإبقاء للركوب أو الحمل أو نحوهما.

ولو كان المقصود منه الذبح جاز شراء بعض معين منه (1)، لكن لو لم يذبح لمانع كما إذا كان في ذبحه ضرر مالي كان المشتري شريكا بنسبة ماله، لا بنسبة الجزء (2).

-

كما يتعين العموم لما إذا لم يكن الحيوان مأكول اللحم لو فرض تعلق الغرض بشراء بعض أجزائه.

وربما يأتي في تتمة المسألة ما ينفع في المقام.

(1) يظهر من غير واحد المفروغية عن ذلك.

وتقتضيه عمومات الصحة بناء علي ما سبق من عدم نهوض شيء من الوجوه السابقة بالمنع.

مضافاً إلي معتبر الغنوي الآتي الذي قد يستفاد منه العموم بإلغاء خصوصية مورده عرفاً.

(2) كما صرح به جماعة، واحتمل بعضهم كونه إجماعياً.

لمعتبر هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في رجل شهد بعيراً مريضاً وهو يباع فاشتراه رجل بعشرة دراهم، وأشرك فيه رجلاً بدرهمين بالرأس والجلد.

فقضي أن البعير برئ، فبلغ ثمانية دنانير.

قال: فقال: لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ.

فإن قال: أريد الرأس والجلد فليس له ذلك.

هذا الضرار.

وقد أعطي حقه إذا أعطي الخمس»(1).

هكذا رواه الشيخ(2).

ولكن رواه الكليني هكذا: «فجاء وأشرك فيه رجلاً بدرهمين بالرأس والجلد، فقضي أن البعير برئ فبلغ ثمنه دنانير.

قال: فقال لصاحب الدرهمين: خذ خمس ما بلغ فأبي.

قال: أريد الرأس والجلد.

فقال: ليس له ذلك.

هذا الضرار، وقد أعطي حقه إذا أعطي الخمس»(3).

ومقتضاه إجزاء الخمس في الخروج عن حقه، لا تعين حقه في الخمس.

نعم يمكن حينئذٍ الاستدلال علي تعين حقه في الخمس بأنه حيث كان مقتضي

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 22 من أبواب بيع الحيوان حديث: 1.

(2) تهذيب الأحكام ج: 7 ص: 82.

(3) الكافي ج: 5 ص: 293.

ص: 476

القاعدة أن له المطالبة بالرأس والجلد، وكان الاجتزاء بغير ذلك مخالفاً للقاعدة، تعين الاقتصار علي الخمس، تبعاً للنص المتقدم في جواز الخروج عنها.

علي أن الكليني والشيخ (قدس سرهما) وإن اختلفا في متن الحديث في رواية محمد بن يحيي له بسنده عن الغنوي، إلا أن الشيخ رواه بسند آخر معتبر بالوجه الأول(1).

فيكون هو الحجة بعد سقوط رواية محمد بن يحيي له بالتعارض بسبب اختلافهما في نقلها.

فلاحظ.

بقي في المقام أمور: الأول: أن الحديث صريح في أنه ليس للشريك المنع من بيع الحيوان، والمتيقن من ذلك ما إذا كان منعه منه من أجل أن يذبح ويأخذ الرأس والجلد، دون ما إذا كان من أجل توقع زيادة الثمن، فيتعين الاستجابة له حينئذٍ إلي أن يتضح الحال.

الثاني: أن المتيقن من الحديث ما إذا بيع الحيوان، وانتهي الأمر للثمن.

أما إذا لم يبع وبقي حتي ذبح فلا ملزم بالخروج عما تقتضيه القاعدة من ملكية كل من الشريكين للجزء الذي كان له حين الشراء من دون أن يتبدل الحال بالإشاعة.

الثالث: حيث سبق أن مقتضي القاعدة جواز الشراء بالنحو المذكور، فالظاهر التعدي عن مورد الحديث إلي بقية أجزاء الحيوان، لإلغاء خصوصيته عرفاً، فيكون الاشتراك في ثمن بيع الحيوان ثانياً بنسبة ما دفعه كل منهما ثمناً في بيعه أولاً.

إلا أن يذبح، فينفرد كل منهما بماله من الأجزاء.

الرابع: أن الحديث مختص بما إذا حصل ملك الشريكين له معاً بالشراء حين إرادة الذبح.

أما إذا سبق ملك أحدهما له واشتري الآخر منه العضو حين إرادة الذبح، فإن كان ملك الأول له مجاناً بهبة أو ميراث أو غيرهما فلا موضوع للشركة بينهما بنسبة المال.

وإن كان بشراء فالشركة بنسبة المال وإن كانت ممكنة، إلا أنه لا مجال للبناء عليها

********

(1) تهذيب الأحكام ج: 7 ص: 79.

ص: 477

ولو باع الحيوان واستثني الرأس والجلد، أو اشترك اثنان أو جماعة وشرط أحدهم لنفسه الرأس والجلد، فإنه يكون شريكاً بنسبة الرأس والجلد (1)، لا بنسبة المال.

-

عد خروجها عن مورد الحديث.

كيف! وقد يلزم منها الحيف علي أحدهما.

كما لو كان الأول قد اشتراه صحيحاً بمائة درهم مثلاً، فلما مرض وأراد ذبحه اشتري الآخر العضو منه بدرهمين، ثم برئ وأرادوا بيعه.

أو اشتراه الأول صغيراً بعشرة دراهم فلما كبر وأراد ذبحه اشتري الآخر العضو منه بعشرة دراهم، ثم عرض ما أوجب عدولهم عن ذبحه.

وحينئذٍ يتعين الجري علي مقتضي القاعدة من ملكية كل منهما للجزء الذي له حين شراء الثاني، فإذا انتهي الأمر أخيراً للذبح أخذ كل منهم ما يختص به، نظير ما سبق في مورد الحديث، وإذا انتهي الأمر أخيراً للبيع تعين شركة كل منهما في الثمن بنسبة الجزء الذي له، نظير ما يأتي في فرض الاستثناء.

نعم قد يستفاد من الحديث المتقدم أنه لو حدث أمر غير متوقع عند بيع العضو أوجب عدم المصلحة في الذبح فليس لمشتري العضو التعنت وطلب الذبح، بحيث يكون مضاراً عرفاً، لقضاء المناسبات الارتكازية بإلغاء خصوصية المورد عرفاً في ذلك.

وإن كان الأمر محتاجاً لمزيد من التأمل.

والله سبحانه وتعالي العالم العاصم.

(1) أما مع استثناء البائع فهو المصرح به في النهاية والمبسوط والمهذب وظاهر الشرائع، بل النافع أيضاً، ومحكي التلخيص.

ويقتضيه موثق السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: اختصم إلي أمير المؤمنين (عليه السلام) رجلان اشتري أحدهما من الآخر بعيراً واستثني البيع [البائع.

خ ل] الرأس أو الجلد، ثم بدا للمشتري أن يبيعه.

فقال للمشتري: هو شريكك في البعير علي قدر الرأس والجلد»(1).

وقريب منه خبر العيون

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 22 من أبواب بيع الحيوان حديث: 2.

ص: 478

بأسانيده عن الإمام الرضا (عليه السلام)، إلا أن فيه: «ثم بدا له أن ينحره».

وظاهر المقنعة والانتصار والغنية وغيرها ممن اقتصر علي بيان صحة الاستثناء بقاء المستثني في ملك البائع، وينفرد كل منهما بماله من دون شركة.

وهو صريح السرائر.

والذي ينبغي أن يقال: لا ينبغي الإشكال في أن ذلك مقتضي الاستثناء.

ولا ينافيه موثق السكوني، لأن ما تضمنه من الشركة إنما هو في فرض البيع، ومن الظاهر أن بيع ملك شخصين صفقة يقتضي اشتراكهما في الثمن بنسبة قيمة مال كل منهما لقيمة المجموع.

نعم قد ينافي ذلك رواية العيون، لأن المفروض فيها هو نحر البعير، فالحكم فيها بالشركة مع ذلك يناسب رجوع الاستثناء إلي الإشاعة علي خلاف قصد المتبايعين.

لكن الرواية مع عدم خلوها عن الضعف في السند لا يخلو مضمونها عن إشكال، لظهورها في أن إرادة النحر أمر طارئ علي خلاف ما كان عليه البناء حين البيع والاستثناء، مع وضوح أن إرادة النحر هي الأمر الطبيعي حين إيقاع مثل هذا البيع والاستثناء.

ومن هنا لا يبعد حمل قوله: «ثم بدا له أن ينحره» علي البداء في النحر، بمعني العدول عنه، فيناسب موثق السكوني.

ولا أقل من التوقف في رواية العيون لاضطراب متنها، وانفراد موثق السكوني في المقام الذي سبق أن المتيقن من الشركة فيه هو الشركة في الثمن في صورة البيع، فيلزم البناء مع عدمه بامتياز كل منهما بماله من دون شركة.

وذلك كالصريح من الدروس، حيث قال: «ولو استثني الرأس والجلد فالمروي الصحة، فإن ذبحه فذاك، وإلا كان البائع شريكاً بنسبة القيمة».

وعليه جري في الجواهر.

نعم قد يدعي أن الاستثناء لا يصح، بل يبطل البيع علي الوجه الذي قصده المتعاقدان، ويحمل النص علي حصول الشركة تعبداً.

كما يناسب ذلك ما في المبسوط

ص: 479

والخلاف من المنع من الاستثناء المذكور، وما في المهذب من التصريح ببطلان البيع حينئذٍ، مع ما سبق منهم من حصول الشركة.

وكأن الوجه فيه ما في الخلاف من أن الاستثناء المذكور استثناء من غير الجنس، أو ما تقدم في بيع عضو خاص من الحيوان الذي لا يراد منه الذبح من الجهالة، أو عدم القدرة علي التسليم أو غيرهما.

وحينئذٍ تكون الشركة التي تضمنها الحديثان المتقدمان حكماً تعبدياً راجعاً إلي حصول ما لم يقصده المتعاقدان، فاللازم البناء عليه حتي مع الذبح.

لكن تقدم دفع محذور الجهالة وعدم القدرة علي التسليم وغيرهما.

فراجع.

وأما دعوي أن الاستثناء المذكور من غير الجنس فهي تبتني علي كون المستثني هو الجزء حال الذبح، لا حال الحياة، ولا ملزم بالبناء علي ذلك، بل لا محذور في استثناء الجزء حال الحياة، عملاً بظاهر الاستثناء.

وعلي ذلك لا مخرج عما سبق.

ومنه يظهر ضعف ما ذكره العلامة وجماعة ممن تأخر عنه من بطلان الاستثناء مطلقاً أو في غير المذبوح أو في غير ما يراد ذبحه، من دون بناء علي الشركة، استضعافاً للحديثين السابقين، أو طرحاً لهما، لمخالفتهما لما تضمنه الكتاب المجيد من وجوب الوفاء بالعقد المتعذر في المقام.

حيث يظهر مما سبق أنه لا موجب لبطلان العقد، وكما لا وجه لاستضعاف الحديثين بعد كون حديث السكوني من الموثق، وظهور عمل الأصحاب به.

كما ظهر إمكان الوفاء بالعقد علي الوجه الذي أوقع عليه.

وغاية ما يلزم تخصيصهما لقاعدة السلطنة القاضية بأن للبائع المستثني للعضو الامتناع من البيع والإلزام بالذبح، كما يلزم ذلك في معتبر الغنوي المتقدم، وهو ليس محذوراً.

كما يظهر أيضاً أن الحكم لا يختص بالرأس والجلد، بل يصح استثناء سائر الأعضاء، كما لا يأباه كلام من سبق.

فلاحظ.

هذا كله فيما إذا استثني البائع العضو من الحيوان.

وأما إذا اشترك جماعة في شراء

ص: 480

(481)

لو قال لآخر: اشر حيواناً بشركتي

(مسألة 9): لو قال شخص لآخر: اشتر حيواناً بشركتي صح (1)، ويثبت البيع لهما علي السوية مع الإطلاق (2)، ويكون علي كل واحد منهما نصف الثمن.

ولو قامت القرينة علي كون المراد الاشتراك علي التفاضل كان العمل عليها.

ولو دفع المأمور عن الآمر ما عليه من جزء الثمن، فإن كان الأمر بالشراء علي وجه الشركة قرينة علي الأمر بالدفع عنه رجع الدافع عليه

---------------

الحيوان وشرط بعضهم لنفسه عضواً من الحيوان الذي هو الفرض الثاني المذكور في المتن فجريان ذلك فيه يبتني علي إلحاقه بصورة استثناء البائع للجزء.

وقد يدعي أن ذلك ليس بأولي من إلحاقه بما إذا اشتري شخص الجزء الذي تقدم في معتبر الغنوي أن المشتري يكون شريكاً بنسبة ماله، بل لعل الثاني أقرب عرفاً.

ولعله لذا ذهب إلي صيرورته شريكاً بنسبة ماله في الشرائع والنافع وغيرهما.

لكن من الظاهر أنه خارج عن مورد نصوص المسألتين، فلا وجه لإلحاقه بإحداهما، بل يلزم الرجوع فيه للقاعدة.

وقد سبق أنها تقتضي اختصاص كل منهما بماله من دون شركة، وأن الشركة إنما تثبت في الثمن علي تقدير البيع، وأن موثق السكوني منزل علي ذلك، فيتعين البناء عليه في الفرض المذكور.

(1) بلا إشكال ولا خلاف ظاهر.

لرجوعه إلي التوكيل له في الشراء، فيترتب عليه الأثر، كما في سائر موارد التوكيل.

(2) بلا خلاف ولا إشكال، كما في الجواهر.

لأن إطلاق الشركة وإن لم يختص بصورة التساوي، إلا أن إطلاق الأمر بالتشريك ينصرف إليها، لما هو الغالب من عدم تعلق الغرض بمطلق التشريك علي اختلاف مراتبه، فعدم تعيين مرتبة خاصة منه يوجب الانصراف لصورة التساوي بين الشريكين، بحيث لا يترجح أحدهما علي الآخر.

فلاحظ.

ص: 481

ظهور الأمة بعد الوطء انها ملك لغير البايع

بما دفعه عنه (1)، وإلا كان متبرعاً (2)، وليس له الرجوع عليه به (3).

(مسألة 10): لو اشتري أمة فوطئها فظهر أنها ملك لغير البائع كان للمالك انتزاعها منه (4)، وله علي المشتري عشر قيمتها إن كانت بكراً، ونصف العشر إن كانت ثيباً (5).

-

(1) لرجوع ذلك إلي إذنه له في إقراضه ما يدفعه عنه.

(2) من الظاهر أن التبرع أمر قصدي، ولا يستلزم عدم الأمر بالدفع عنه، فضلاً عن عدم قيام القرينة علي الأمر، حيث قد يقصد حينئذٍ الدافع الرجوع علي المدفوع عنه من دون أن يتبرع عنه.

غايته أن قصد الرجوع لا يكون ملزماً للمدفوع عنه مع عدم أمره بالدفع، فيتعين عدم الرجوع عليه، كما لو قصد التبرع.

(3) إذ لا منشأ له بعد عدم إذنه له في ذلك.

نعم لو كان الدفع عنه منوطاً بضمانه له ومعلقاً عليه، تعين عدم ترتب الأثر عليه، فيكون له استرجاعه، وتبقي ذمة الشريك مشغولة للبائع بقسطه من الثمن.

لكنه يحتاج إلي عناية.

مع أن التعليق في الوفاء لا يخلو عن إشكال.

نعم يمكن الدفع بنحو الإقراض علي أن يكون له الاستيفاء به إذا عوض الشريك شريكه عنه.

(4) بلا خلاف ولا إشكال، كما في الجواهر.

لعدم خروجها بذلك عن ملكه، فله أخذها بمقتضي سلطنته علي ملكه.

مضافاً للنصوص الواردة في المقام ونظائره، كمعتبر زرارة: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): الرجل يشتري الجارية من السوق، فيولدها، ثم يجيء الرجل، فيقيم البينة علي أنها جاريته لم تبع ولم تهب.

فقال: يرد إليه جاريته، ويعوضه بما انتفع...»(1) ، وغيره مما قد يأتي بعضه.

(5) كما هو المشهور نقلاً وتحصيلاً شهرة عظيمة، علي ما في الجواهر.

بل في الخلاف دعوي الإجماع عليه.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 2.

ص: 482

(483)

ويقتضيه صحيح الوليد بن صبيح عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في رجل تزوج امرأة حرة، فوجدها أمة قد دلست نفسها له.

قال: إن كان الذي زوجه إياها من غير مواليها فالنكاح فاسد.

.

.

ولمواليها عليه عشر ثمنها إن كانت بكراً.

وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها، بما استحل من فرجها...»(1).

وصحيح الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) الوارد في تحليل الشخص جاريته لغيره.

وفيه: «قلت: أرأيت إن أحل له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضها.

قال: لا ينبغي له ذلك.

قلت: فإن كان فعل أيكون زانياً؟ قال: لا، ولكن يكون خائناً، ويغرم لصاحبها عشر قميتها إن كانت بكر، وإن لم تكن فنصف عشر قيمتها»(2).

ونحوه صحيح رفاعة(3).

وموثق طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام): «أن علياً (عليه السلام) قال: إذا اغتصبت أمة فافتضت فعليه عشر ثمنها.

فإذا كانت حرة فعليه الصداق»(4).

وهي وإن وردت في غير ما نحن فيه، إلا أن إلغاء خصوصية مواردها عرفاً قريب جداً.

بل هو المتعين بلحاظ التعليل بقوله (عليه السلام) في صحيح الوليد بن صبيح: «بما استحل من فرجها» لظهوره في أن الغرامة المذكورة من أجل حرمة الفرج، نظير حرمة المنفعة المستوفاة، وذلك يقتضي التعميم لكل وطء للجارية غير مستحق.

ويؤيد ذلك ما ورد فيمن اشتري جارية حبلي وهو لا يعلم من أنه يردها ويرد نصف عشر قيمتها(5).

بل في مرسلة الكليني: «إن كانت بكراً فعشر ثمنها، وإن لم تكن بكراً فنصف عشر ثمنها»(6).

نعم في بعضها: «يردها ويرد معها شيئاً»(7) وفي آخر: «يردها ويكسوها»(8).

********

(1) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 1.

(2و3) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 35 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 1، 2.

(4) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 82 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 1.

(5) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب أحكام العيوب.

(6و7و8) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 5 من أبواب أحكام العيوب حديث: 4، 5، 6.

ص: 483

ولو حملت منه كان عليه قيمة الولد يوم ولد حياً (1) ويرجع علي البائع بما

---------------

ولا يبعد تنزيلهما علي ما يساوي نصف العشر، لثيبوبة الحبلي غالباً.

والعمدة الصحاح السابقة.

هذا وقد يشكل بعدم ذكر ذلك في نصوص كثيرة واردة في الجارية الموطوءة شبهة، كالمشتراة من غير المالك(1) وغيرها(2).

ولعله لذا لم يذكره في المقنعة والنهاية.

نعم حكي عن النهاية ذكره في كتاب الحدود وإن لم أعثر عليه.

لكن لابد من حملها بقرينة النصوص المتقدمة علي عدم كونها في مقام استيفاء الأحكام.

وذهب الشيخ في كتاب الغصب من المبسوط إلي وجوب المهر إذا لم تكن زانية.

ولأجل ذلك نسب له غير واحد وجوب مهر المثل.

لكن قد يكون مراده بالمهر العشر ونصف العشر، كما فسره به في أحكام تفريق الصفقة من كتاب البيع.

نعم صرح بذلك ابن إدريس وجماعة في باب الغصب، وذكر في السرائر أن ما تضمن العشر ونصف العشر وارد فيمن اشتري جارية فوطئها ثم ظهرت حاملاً فأراد ردّها، فلا يقاس عليه ما نحن فيه.

لكن عرفت أن العمدة الصحاح السابقة التي يجب التعدي عن موردها.

كما أن وجوب مهر المثل إنما ورد في الحرة إذا وطئت شبهة، وليس من شأنها التقويم.

فحمل الأمة عليها قياس.

ومن هنا لا مخرج عما سبق.

(1) ظاهره كون الولد حراً، كما ادعي الإجماع عليه في الخلاف والمبسوط.

لكن في المقنعة: «كان لمالكها انتزاعها من يد المبتاع واسترقاق ولدها، إلا أن يرضيه الأب بشيء عن ذلك».

وفي النهاية: «كان لمالكها انتزاعها من يد المبتاع وقبض ولدها.

إلا أن يرضيه الأب بشيء عن ذلك».

وفي المهذب: «كان الولد رقاً لسيدها.

وعلي سيدها

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 14 باب: 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(2) راجع وسائل الشيعة ج: 14 باب: 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء.

ص: 484

اغترمه للمالك (1) إن كان جاهلاً (2).

-

تسليم الولد لسيدها بالقيمة».

والأول هو المناسب لما تضمن عدم ملكية ولد الحر.

وحينئذٍ تكون القيمة هي قيمته حين يولد حياً، إذ هو بعد ذلك حر فلا معني لتقييمه.

ودعوي: أن اللازم تقييمه حين انعقاد نطفته، لأنه محكوم بالحرية حينئذٍ.

مدفوعة بأن مقتضي نسبة القيمة للولد في النصوص تقييمه وهو ولد، وهو لا يكون إلا حين ولادته.

لكن الإنصاف أن النصوص في المقام في غاية الاضطراب من هذه الجهة، حيث اختلفت في حرية الولد ورقيته.

نعم يتعين الجمع بينها، إما بأنه حرّ بحكم الرق في ضمانه لصاحب الجارية بالقيمة حين سقوطه حياً، وإما بأن من شأنه أن يتحرر بدفع قيمته لصاحب الجارية، بقرينة موثق سماعة: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مملوكة أتت قوماً وزعمت أنها حرة فتزوجها رجل منهم وأولدها ولداً، ثم إن مولاها أتاهم فأقام عندهم البينة أنها مملوكة، وأقرت الجارية بذلك.

فقال: تدفع إلي مولاها هي وولدها.

وعلي مولاها أن يدفع ولدها إلي أبيه بقيمته يوم يصير إليه....(1).

نعم لم يتضمن الموثق ضمان قيمة الولد حين سقوطه حياً، بل قيمته حين يصير للأب.

ومن هنا لا يخلو الأمر عن إشكال.

وإن لم يكن مهماً بعد عدم الابتلاء بالمسألة في عصورنا.

(1) لقاعدة الضمان بالتغرير التي تقدم تفصيل الكلام فيها في المسألة التاسعة عشرة من الفصل الثاني في شروط المتعاقدين في تتمة أحكام عقد الفضولي.

فراجع.

(2) الظاهر أن مراده (قده) جهل المشتري، ليكون بذلك مغروراً من البائع ويستحق الرجوع.

لكنه إذا كان عالماً بالحال كان زانياً، إلا أن يجهل اعتبار إذن المالك،

********

(1) وسائل الشيعة ج: 14 باب: 67 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث: 5.

ص: 485

(مسألة 11): الأقوي أن العبد يملك (1)، فلو ملّكه مولاه شيئاً ملكه.

وكذا لو ملّكه غيره أو حاز لنفسه شيئاً إذا كان بإذن المولي (2).

ولا ينفذ تصرفه فيما ملكه بدون إذن مولاه (3).

---------------

ومع الزنا يكون الولد رقاً، علي ما يذكر في محله.

(1) كما هو ظاهر الأكثر علي ما في الدروس.

لظهور جملة من النصوص المتضمنة لإضافة المال للعبد(1) في المفروغية عن ذلك.

وهي وإن لم يكن لها إطلاق، إلا أنها حيث دلت علي قابلية العبد للملكية فمقتضي إطلاق أدلة أسباب الملك عمومها للعبد.

بل قد يكون ذلك مقتضي الإطلاقات المقامية لأدلة الأسباب المذكورة، حيث يستفاد منها التحويل في تشخيص القابلية للعرف، وهو يري قابلية العبد للتملك.

ولا ينافي ذلك كونه مملوكاً فضلاً عن كونه محجوراً عليه.

ودعوي: أن ملكيته لغيره فرع ملكيته لنفسه.

ممنوعة فإن ملكية الإنسان لنفسه ليست من سنخ ملكيته لغيره، بل هي عبارة عن محض السلطنة عليها، وهي وإن لم تتحقق في العبد، إلا أنها ليست شرطاً في ملكية الغير، حيث لا إشكال في عدم مانعية الحجر من الملك.

هذا وقد ذهب جماعة كثيرة إلي عدم ملك العبد مطلقاً كما نسبه في المسالك للأكثر، بل ربما ادعي الإجماع عليه أو في الجملة علي اختلاف وجوه التفصيل.

لوجوه ضعيفة لا يسعنا إطالة الكلام فيها بعد خروج المسألة عن محل الابتلاء.

(2) لأن التملك نحو من التصرف الذي يمنع منه العبد بغير إذن المولي.

(3) قطعاً لما أشرنا إليه من عموم الحجر عليه، ومنعه من التصرف بغير إذن المولي.

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 16 باب: 24 من أبواب كتاب العتق وغيرها.

ص: 486

(487)

اذا اشري كل من العبدين صاحبه من مولاه

(مسألة 12): إذا اشتري كل من العبدين المأذونين من مولاهما بالشراء صاحبه من مولاه، فإن اقترن العقدان وكان شراؤهما لأنفسهما بطلا (1)،

---------------

(1) كما صرح به جماعة.

لامتناع ملك كل منهما لصاحبه وعدم المرجح بعد فرض التقارن.

مضافاً إلي صحيح أبي خديجة [سلمة] عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال في رجلين مملوكين مفوض إليهما يشتريان ويبيعان بأموالهما، فكان بينهما كلام، فخرج هذا يعدو إلي مولي هذا، وهذا إلي مولي هذا.

وهما في القوة سواء، فاشتري هذا من مولي هذا العبد، وذهب هذا فاشتري من مولي هذا العبد الآخر، وانصرفا إلي مكانهما، وتشبث كل منهما بصاحبه، وقال له: أنت عبدي قد اشتريتك من سيدك.

قال: يحكم بينهما من حيث افترقا بذرع الطريق، فأيهما كان أقرب فهو الذي سبق الذي هو أبعد.

وإن كانا سواء فهما ردا علي مواليهما، جاءا سواء وافترقا سواء.

إلا أن يكون أحدهما سبق صاحبه، فالسابق هو له، إن شاء باع وإن شاء أمسك.

وليس له أن يضربه»(1).

نعم قال الكليني (قده): «وفي رواية أخري: إذا كانت المسافة سواء يقرع بينهما، فأيهما وقعت القرعة به كان عبده»(2).

وقريب منه في التهذيب(3).

ومقتضي إطلاقه الإقراع حتي مع العلم بالاقتران.

ولعله لذا قال في النهاية: «فإن اتفق أن كان العقدان في حالة واحدة أقرع بينهما فمن خرج اسمه كان البيع له.

ويكون الآخر مملوكه.

وقد روي أنه إذا اتفق العقدان في حالة واحدة كانا باطلين.

والأحوط ما قدمناه».

لكن لم يتضح وجه الاحتياط في ذلك.

مع أن الإقراع إن كان لعمومات القرعة فهي لو تمت إنما تقتضي تعيين المجهول بالقرعة، ولا جهالة في المقام، بل مقتضي القاعدة بطلانهما معاً.

علي أنها غير تامة علي ما ذكرناه في المسألة التاسعة والثلاثين من

********

(1) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 18 من أبواب بيع الحيوان حديث: 1.

(2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 18 من أبواب بيع الحيوان حديث: 2. الكافي ج: 5 ص: 218.

(3) تهذيب الأحكام ج: 7 ص: 73.

ص: 487

وإن كان شراؤهما للسيدين فالأقوي الصحة (1).

وإن ترتبا صح

---------------

مقدمة كتاب التجارة من هذا الشرح.

وإن كان للمرسل المتقدم، فهو وإن كان ممكناً في نفسه كمرجح تعبدي، نظير ما ورد فيمن قال: أول مملوك أملكه فهو حر، فورث سبعة جميعاً(1) ، ومن أوصي بعتق ثلث مماليكه(2) ، إلا أن المرسل مع ضعفه في نفسه، وقرب انصرافه عن صورة العلم بتقارن العقدين، لندرتها جداً حتي مع تساوي الطريقين لا ينهض بالاستدلال في قبال صحيح أبي خديجة الصريح في الحكم ببطلان العقدين معاً مع تساوي الطريقين إلا مع العلم بسبق أحدهما بعينه.

هذا وقد أهمل سيدنا المصنف (قده) ما تضمنه الصحيح من أمارية اختلاف الطريقين علي تقدم عقد من كان طريقه أقرب.

وكأنه لعدم تعرض الأكثر لذلك بنحو قد يظهر في هجرهم للصحيح.

لكنه في غاية الإشكال، حيث قد يظهر التعويل عليه في ذلك من الكليني والشيخ في التهذيب، بل صرح بالحكم المذكور في النافع وفي كشف الرموز أنه يدل عليه النظر والأثر، وحكاه عن صاحب البشري.

فلاحظ.

(1) كما في جامع المقاصد، لكون كل منهما مأذوناً في الشراء إلي حين خروجه عن ملك صاحبه بتمام العقد، ولا يخرج عن ملك صاحبه وإذنه إلا بعد إكمال العقد وترتب الأثر عليه.

وأما ما يظهر من المختلف من خروج كل منهما عن الإذن بإقدام بائعه علي بيعه، وحيث كان إقدام بائع كل منهما مقارناً لوقوع العقد من كل منهما تعين عدم نفوذ عقد كل منهما، لكونه فضولياً واحتاج للإجازة.

فهو غير ظاهر، بل غاية ما يمكن أن يدعي أن ظاهر حال الإذن استمراره مادام مملوكاً للآذن، والإقدام علي بيعه لا يستلزم الرجوع عن الإذن.

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 18 باب: 13 من أبواب كيفية الحكم وأبواب الدعوي حديث: 15، 10.

ص: 488

(489)

وطء الشريك جارية الشركة

السابق (1).

وأما اللاحق إن كان الشراء لنفسه فهو باطل (2).

وإن كان الشراء لسيده توقف علي إجازته (3).

(مسألة 13): لو وطئ الشريك جارية الشركة حدّ بنصيب غيره (4).

فإن حملت قوّمت عليه (5)،

---------------

(1) بلا إشكال ظاهر.

وبه صرح غير واحد.

لعمومات نفوذ العقد ولزومه بعد فرض وقوعه من أهله في محله.

مضافاً إلي صحيح أبي خديجة المتقدم فيما إذا كان شراؤهما لأنفسهما.

(2) لانتهاء الإذن له ببيعه، وعدم ترتب الأثر بعده حتي لو فرض استمراره، ولامتناع ملكه لمالكه.

(3) لانتهاء إذنه له بخروجه عن ملكه، لانصرافه لذلك، فلا ينفذ تصرفه وشراؤه له إلا بإجازته.

(4) للإجماع المحكي إن لم يكن المحصل، كما في الجواهر.

وللنصوص المستفيضة، كمعتبر عبد الله بن سنان: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قوم اشتركوا في شراء جارية، فائتمنوا بعضهم وجعلوا الجارية عنده، فوطئها.

قال: يجلد الحد، ويدرأ عنه من الحد بقدر ما له فيها، وتقوم الجارية، ويغرم ثمنها للشركاء...»(1).

ونحوه معتبره الآخر(2) ، بل لعله عينه، وغيرهما من النصوص.

(5) لا إشكال في تقويم الجارية علي الواطئ بسبب الوطء في الجملة، فيجب عليه أن يأخذ حصص الشركاء بالقيمة، وتصير الجارية بتمامها له.

وإنما الكلام في أن ذلك يثبت بمجرد الوطء أو باحتمال الحمل أو بتحقق الحمل.

ظاهر النهاية الأول.

ويشهد له معتبر ابن سنان المتقدم.

********

(1) وسائل الشيعة ج: 18 باب: 22 من أبواب حد الزنا حديث: 4.

(2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 17 من أبواب بيع الحيوان حديث: 1.

ص: 489

لكن في ذيل معتبره الثاني: «قلت: فإن أراد بعض الشركاء شراءها دون الرجل.

قال: ذلك له.

وليس له أن يشتريها حتي تستبرأ.

.

.

».

وهو صريح في عدم وجوب شرائه لها إذا لم تكن حاملاً.

ويناسبه ما في موثق إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (عليه السلام): «في رجلين اشتريا جارية، فنكحها أحدهما دون صاحبه.

قال: يضرب نصف الحد، ويغرم نصف القيمة إذا أحبل»(1).

وحينئذٍ يتعين حمل الإطلاق في معتبر عبد الله بن سنان الأول وصدر معتبره الثاني تخلصاً من التدافع علي صدوره لدفع توهم عدم وجوب احتسابها عليه إذا حملت، لعدم النظير له، بل إما أن يجوز بيع حصته منها، لعدم ملكها بتمامها، لتكون أم ولد، أو لا يجب شراء بقية الحصص التي لم تكن في ملكه حين الوطء، كما لا يجب علي الواطئ زانياً أو عن شبهة شراء موطوءته لو حملت منه.

ولعله لذا ذهب في السرائر والشرائع وكثير غيرهما إلي عدم التقويم عليه إلا بالحمل، بل في مفتاح الكرامة: «لم أجد للشيخ موافقاً، والموجود في السرائر وما تأخر عنها أنها إنما تقوم عليه إذا حملت».

وأما احتمال وجوب تقويمها عليه بمجرد احتمال الحمل الذي ذكره سيدنا المصنف (قده) في آخر كلامه فلم أعرف بعد النظر في كلماتهم قائلاً به، وإن قيل بندرته.

وكأن وجهه صحيح عمرو بن عثمان عن عدة من أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: سئل عن رجل أصاب جارية من الفيء، فوطأها قبل أن يقسم.

قال: تقوم الجارية، وتدفع إليه بالقيمة، ويحط له منها ما يصيبه من الفيء، ويجلد الحد، ويدرأ له من الحد بقدر ما كان له فيها.

فقلت: وكيف صارت الجارية تدفع إليه هو بالقيمة دون غيره ؟ قال: لأنه وطأها، ولا يؤمن أن يكون ثَم حبل»(2).

لكنه لا يناسب موثق إسماعيل المتقدم المتضمن إناطة التقويم بنفس الحبل، لا باحتماله، ومثله ذيل معتبر ابن سنان المتقدم المتضمن جواز شراء أحد الشركاء لها بعد

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 18 باب: 22 من أبواب حد الزنا حديث: 8، 6.

ص: 490

وانعقد الولد حراً (1)، وعليه قيمة حصص الشركاء من الولد عند سقوطه حياً (2).

بل يحتمل تقويمهم لها عليه بمجرد الوطء مع احتمال

---------------

الاستبراء، لظهور أن الاستبراء يكون نوعاً مع احتمال الحبل.

ومن هنا يقرب اختصاصه بمورده ونحوه مما يتعذر فيه الانتظار لاستكشاف الحال، لأن من شأن الفيء التعجيل بقسمته، وتفرق الغانمين بعد أخذ حصصهم منه.

وعلي ذلك لا مخرج عما عليه المشهور واقتضاه الجمع بين النصوص من اختصاص التقويم بصورة الحمل في غير مورد الصحيح المتقدم.

(1) كما صرح بذلك جماعة من دون خلاف ظاهر، بل يظهر من بعض كلماتهم المفروغية عنه.

لكن ذلك لا يناسب كلامهم فيمن اشتري جارية مستحقة لغير البائع، أو تزوج جارية علي أنها حرة، فظهرت مملوكة، حيث يظهر من بعضهم أنه مملوك يجب علي أبيه فكه بدفع القيمة، وقد تقدم في المسألة العاشرة ما يناسب ذلك من النصوص.

نعم لا ينبغي الإشكال في عدم معاملة الولد معاملة ولد الزنا، بل هو كالمولود بوطء المملوكة، لأن ما تضمنته نصوص المقام من تقييم الجارية علي الواطئ يبتني علي صيرورتها بسبب الحمل أم ولد، بحيث يلزم بقاؤها عنده وعدم خروجها عن ملكه، وهو يناسب صيرورة الولد شرعياً بسبب ملك أبيه لبعض أمه.

(2) كما في السرائر والشرائع والنافع والتذكرة والدروس وكثير غيرها.

ويظهر منهم أن ذلك يستفاد من نصوص استيلاد الجارية المستحقة المتقدمة في المسألة العاشرة والمتضمنة ضمانه قيمة الولد لصاحب الجارية، ومن النصوص الواردة في الجارية التي يقع عليها أكثر من واحد فتجيء بولد يدعيه كل منهم، المتضمنة أنه يقرع بينهم فمن خرج الولد له ضمن قيمته للباقين(1).

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 14 باب: 57 من أبواب نكاح العبيد والإماء.

ص: 491

في مستحبات شراء المملوك

الحمل (1).

(مسألة 14): يستحب لمن اشتري مملوكاً تغيير اسمه (2) وإطعامه شيئاً

---------------

لكن الطائفة الأولي إنما وردت في الجارية المستحقة للغير التي تبقي علي ملك صاحبها بعد الاستيلاد، وتكون قيمة الولد نظير قيمة المنفعة المستوفاة منها، لا في المشتركة التي تقوّم علي صاحبها مع الحمل فتكون له بسبب الحمل، والتي هي محل الكلام.

ولعله لذا خصّ ضمان قيمة الولد للشركاء بما إذا لم تقوم وهي حامل في مجمع الفائدة والحدائق والرياض وغيرها، وإلا دخلت قيمة الولد معها.

لكنه يشكل أيضاً مضافاً إلي أن النصوص إنما تضمنت تقويم الجارية، وإلحاق الحمل بالحيوان عند بيعه لو تم لا يستلزم إلحاقه به عند تقويمه علي الشخص قهراً عليه بأن نصوص تقويم الولد مختصة بما إذا كانت الموطوءة مملوكة للغير حين الوطء، وكان الوطء شبهة جهلاً بملكيته، ولم يجب شراؤها علي الواطئ بسبب الحمل، والمفروض في المقام العدوان في الوطء مع العلم بملكية الشركاء لها، وحكم الشارع بتقويمها عليه بسبب الحمل تعبداً.

وأما الطائفة الثانية فلم يتضح ورود شيء منها في وطء الشريك.

ولاسيما مع عدم التعرض في الطائفتين لتقويم الجارية علي الواطئ، ولا في نصوص المقام لضمان قيمة الولد للشركاء، مع ظهور جميع الطوائف في استيفاء أحكام مواردها.

ولعله لذا لم يذكر في النهاية في المقام ضمان قيمة الولد للشركاء.

فلاحظ.

(1) سبق التعرض لمنشأ الاحتمال المذكور، وتمام الكلام فيه.

(2) كما ذكره غير واحد.

ويقتضيه صحيح زرارة: «كنت جالساً عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فدخل عليه رجل ومعه ابنه.

فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): ما تجارة ابنك ؟ فقال: التنخس.

فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لا تشتر شيناً ولا عيباً [سبياً ولا غبياً.

يب].

وإذا اشتريت رأساً فلا ترين ثمنه في كفة الميزان.

فما من رأس يري ثمنه في كفة

ص: 492

(493)

من الحلاوة (1)، والصدقة عنه بأربعة دراهم (2)، ولا يريه ثمنه في الميزان (3).

والأحوط عدم التفرقة بين الأم والولد قبل الاستغناء عن الأم (4).

-

الميزان فأفلح.

وإذا اشتريت رأساً فغير اسمه، وأطعمه شيئاً حلواً إذا ملكته، وصدق [وتصدق.

خ ل] عنه بأربعة دراهم»(1).

(1) كما ذكره غير واحد.

وفي النافع وأن يطعمه شيئاً حلواً، وهو أعم من الحلاوة.

ويناسبه ما تقدم في صحيح زرارة.

(2) كما في التذكرة والدروس.

وقد تقدم في صحيح زرارة.

وأطلق في الشرائع والقواعد والإرشاد الصدقة عنه.

ولم يتضح وجهه.

(3) كما ذكره جماعة كثيرة.

ويشهد به ما تقدم في صحيح زرارة، وفي معتبر ميسر عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قال: من نظر إلي ثمنه وهو يوزن لم يفلح»(2).

(4) فقد اختلف الأصحاب في تحريمه وكراهته، فالمشهور كما في التذكرة الحرمة، وفي الخلاف الإجماع عليه.

وذهب جماعة للكراهة، بل عن إيضاح النافع أنه الأظهر بين الأصحاب.

واختلف كلام بعضهم باختلاف كتبهم أو باختلاف أبواب الفقه في الكتاب الواحد.

وكيف كان فقد يستدل للتحريم بصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام): «أنه قال في الرجل يشتري الغلام أو الجارية وله أخ أو أخت أو أب أو أم بمصر من الأمصار.

قال: لا يخرجه إلي مصر آخر إذا كان صغيراً، ولا يشتريه.

وإن كانت له أم فطابت نفسها ونفسه فاشتره إن شئت»(3) ، وموثق سماعة أو صحيحه: «سألته عن أخوين مملوكين هل يفرق بينهما، وبين المرأة وولدها؟ قال: لا هو حرام إلا أن يريدوا ذلك»(4) ، وصحيح عمرو بن أبي نصر: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الجارية

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 6 من أبواب بيع الحيوان حديث: 1، 2.

(3و4) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 13 من أبواب بيع الحيوان حديث: 1، 4.

ص: 493

أما البهائم فيجوز فيها ذلك (1) ما لم يؤد إلي إتلاف المال المحترم.

-

الصغيرة يشتريها الرجل.

فقال: إن كانت قد استغنت عن أبويها فلا بأس»(1).

لكن لا مجال لحمل الأولين علي التحريم بعد اشتمالهما علي الإخوة، وجعل معيار الحل في الأول طيب نفس الطرفين، وفي الثاني إرادتهما أو رضاهما، لا استغناء أحدهما عن الآخر الذي هو محل الكلام.

نعم قد ينهض بالاستدلال عليه الثالث، مؤيداً بالمرتكزات المتشرعية، وبصحيح معاوية بن عمار: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: أتي رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بسبي من اليمن، فلما بلغوا الجحفة نفدت نفقاتهم فباعوا جارية من السبي كانت أمها معهم.

فلما قدموا علي النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) سمع بكاءها.

فقال: ما هذه ؟ قالوا: يا رسول الله احتجنا إلي نفقة فبعنا ابنتها، فبعث بثمنها فأتي بها.

وقال: بيعوهما جميعاً، أو أمسكوهما جميعاً»(2) ، حيث يمكن حمله علي وقت حاجتها إليها.

(1) الظاهر عدم الخلاف فيه ولا الإشكال.

وهو المقطوع به من السيرة.

والحمد لله رب العالمين.

-

********

(1و2) وسائل الشيعة ج: 13 باب: 13 من أبواب بيع الحيوان حديث: 5، 2.

ص: 494

(495)

خاتمة في الإقالة

اشارة

وهي فسخ العقد من أحد المتعاملين (1) بعد طلبه من الآخر (2).

-

(1) وليست بيعاً جديداً، كما حكي عن العامة، علي اختلاف منهم في عمومه وخصوصه.

لظهور التباين بينهما مفهوماً.

ولما يأتي من أنها تكون في غير البيع أيضاً.

ولعدم وقوعها ابتداءً، بل لابد من تعقبها لعقد سابق بنحو تقتضي حلّه وفسخه، بخلاف البيع وسائر العقود.

ووضوح ذلك يغني عن إطالة الكلام فيه.

ويترتب علي ذلك أمران: الأول: أنه يجوز الإقالة في بيع الربويين المتماثلين لو نقص أحد العوضين بجفاف أو زاد أحدهما برطوبة، ولو كانت بيعاً حرمت حينئذٍ للزوم الربا، كما هو ظاهر.

الثاني: أنه لا تثبت في الإقالة الشفعة كما نبّه لذلك في الشرائع والتذكرة والقواعد وغيرها، وفي مفتاح الكرامة أن عباراتهم قد طفحت به، بل ظاهر التذكرة الإجماع عليه، فلو باع أحد الشريكين فلم يأخذ شريكه بالشفعة، ثم حصل التقايل في بيع الحصة لم يكن للشريك الشفعة، لاختصاص الشفعة بالبيع، ولو كانت بيعاً لكان له الشفعة.

وهناك آثار أخر تظهر للمتتبع.

(2) الظاهر عدم أخذ الطلب المذكور في مفهومها عرفاً، بل يكفي رغبة الآخر فيه بحيث يكون الفسخ عن اتفاق منهما.

كما أن نفوذ الفسخ من المرغوب إليه ليس

ص: 495

والظاهر جريانها في عامة العقود اللازمة (1) غير النكاح (2).

وفي

---------------

انفراده بالسلطنة علي حلّ العقد، كما لو كان له حق الخيار، بل لرجوع رغبة الطرف الآخر أو طلبه إلي رضاه بالفسخ، فيرجع الأمر حقيقة إلي التقايل.

ولذا لو سقطت سلطنة الطرف الآخر علي حلّ العقد بسفه أو نحوه لم تنفذ الإقالة وإن رغب فيها أو طلبها.

نعم لا يجعلها ذلك عقداً، بل هي حلّ العقد وفسخه، وهما متقابلان مفهوماً ومتباينان خارجاً.

(1) تقدم في الفصل الرابع في الخيارات عند الكلام في شرط الخيار في البيع أن الإقالة واشتراط الخيار إنما يشرعان فيما إذا كان لزوم العقد حقياً، حيث يكون لذي الحق التنازل عن حقه، أما إذا كان اللزوم حكمياً، فيكون الفسخ بالتقايل واشتراط الخيار منافياً للحكم الشرعي.

وقد تقدم هناك أن لزوم العقود نوعاً حقي، وأنه لذلك يشرع فيها التقايل واشتراط الخيار، إلا ما قام الدليل علي عدم مشروعيتهما فيه، لكون لزومه حكمياً.

كما تقدم هناك الكلام في بعض العقود، وفي كون لزومها حقياً أو حكمياً.

فراجع.

هذا والظاهر جريان الإقالة في العقود غير اللازمة أيضاً.

ومجرد سلطنة كل من الطرفين علي فسخها لا يمنع من صدق الإقالة فيما لو لم يرغب أحد الطرفين في المبادرة إلي فسخ العقد، ورغب من الآخر أن يعفيه منه ويقيله، فأقاله استجابة لرغبته.

وإذا سبق منهم الإشكال في اشتراط الخيار في العقود الجائزة، لدعوي لغوية نفوذ الشرط، فلا مجال لذلك هنا بعد عدم ابتناء الإقالة علي شرط ليقع الكلام في لغوية نفوذه وعدمها.

غاية الأمر أن الإقالة في العقد الجائز لا ترجع إلي التقايل وإن أمكن أن تجتمع معه، حيث يكفي فيها سلطنة أحد الطرفين علي الفسخ.

فلاحظ.

(2) فقد تقدم في المسألة الحادية عشرة من الفصل الرابع في الخيارات تقريب كون لزومه حكمياً، وعدم مشروعية التقايل فيه.

ص: 496

جريانها في الهبة اللازمة والضمان إشكال (1)، وتقع بكل لفظ يدل علي المراد وإن لم يكن عربياً (2).

بل تقع بالفعل كما تقع بالقول (3)، فإذا طلب أحدهم الفسخ من صاحبه، فدفع إليه (4) كان فسخاً وإقالة، ووجب علي الطالب إرجاع ما في يده إلي صاحبه.

-

(1) للإشكال في كون اللزوم فيهما حقياً.

وقد سبق في المسألة المذكورة منشأ الإشكال في الهبة.

أما الضمان فقد تقدم منه (قده) مشروعية اشتراط الخيار فيه.

وهو يناسب مشروعية التقايل فيه.

نعم تقدم منّا تقريب توقف ذلك علي إذن المدين فيه.

كما أنه تقدم منه (قده) الإشكال في مشروعية اشتراط الخيار في الصدقة.

وهو لو تم يقتضي عدم مشروعية التقايل فيها.

والعمدة فيه ما تضمن أن ما كان لله عز وجل فلا رجعة فيه(1).

(2) بلا إشكال ظاهر، بل لعله لا خلاف فيه.

لتحقق الإقالة به عرفاً، فتجري معه أحكامها.

(3) لنظير ما تقدم في سابقه، وللسيرة المستمرة، كما في الجواهر.

وفي خبر هذيل: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري المتاع أو الثوب، فينطلق به إلي منزله، ولم ينقد شيئاً، فيبدو له فيرده، هل ينبغي له ذلك ؟ قال: لا، إلا أن تطيب نفس صاحبه»(2).

فإنه صريح في كفاية طيب النفس في تحقق الإقالة، ومن الظاهر كفاية الفعل في الكشف عن طيب النفس، كما يكفي في الكشف عنه مطلق القول من دون ملزم بتقييده بشيء.

(4) يعني: دفع المطلوب منه ما أخذه من العوضين إلي الطالب وأرجعه إليه.

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 6 باب: 24 من أبواب الصدقة. وج: 13 باب: 3، 5 من كتاب الهبات. وباب: 11 من أبواب كتاب الوقوف والصدقات، وغيرها.

(2) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 3 من أبواب آداب التجارة حديث: 3.

ص: 497

(مسألة 1): لا تجوز الإقالة بزيادة عن الثمن أو المثمن أو نقصان (1).

فلو أقال كذلك بطلت (2)، وبقي كل من العوضين علي ملك مالكه.

وإذا جعل له مالاً في الذمة أو في الخارج ليقيله، بأن قال له: أقلني ولك هذا المال،

---------------

(1) قال في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيهما إلا ما حكاه الشهيد في حواشيه عن الإسكافي.

قال: ولو اصطلح المتبايعان بزيادة أو نقيصة صحّ عند ابن الجنيد.

والأصحاب علي خلافه، لأنها فسخ لا بيع».

ومرجعه أن الفسخ يقتضي حلّ البيع ورجوع العوضين إلي ما كانا عليه قبله.

فاشتراط الزيادة أو النقيصة خروج عن مقتضي الإقالة، ولا يجتمع مع قصدها، نظير اشتراط ما يخالف مقتضي العقد.

لكن هذا إنما يتم في اشتراط الوضيعة، لأن عدم رجوع بعض أحد العوضين ينافي الفسخ المقتضي لرجوع تمام كل من العوضين لصاحبه الأول، أما الزيادة فاشتراط استحقاقها بالفسخ لا ينافي مقتضي الفسخ إلا إذا قصد بالشرط استحقاقها علي نحو استحقاق العوض، بحيث تكون جزءاً منه راجعاً برجوعه، ومن المعلوم عدم القصد لذلك، بل المراد استحقاقها مع العوض كأمر خارج عنه بسبب الشرط.

وحينئذٍ يجري فيه الكلام الآتي في الشرط.

(2) لا ينبغي الإشكال في ذلك في اشتراط الوضيعة.

للتنافي بين الإقالة والشرط، المانع من نفوذهما معاً، نظير ما تقدم في الشرط المخالف لمقتضي العقد من مباحث الشروط، كما أشرنا آنفاً.

مضافاً إلي صحيح الحلبي: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشتري ثوباً [ولم يشترط علي صاحبه شيئاً فكرهه] ثم رده علي صاحبه، فأبي أن يقيله [يقبله] إلا بوضيعة.

قال: لا يصلح أن يأخذه بوضيعة.

فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه ردّ علي صاحبه الأول ما زاد»(1).

********

(1) وسائل الشيعة ج: 12 باب: 17 من أبواب أحكام العقود حديث: 1.

ص: 498

(499)

جواز الإقالة بزيادة الثمن

أو: أقلني ولك عليّ كذا.

نظير الجعالة، ففي الصحة وجه (1).

ولو أقال بشرط مال عين أو عمل كما لو قال للمستقيل: أقلتك بشرط أن تعطيني كذا، أو تخيط ثوبي فقبل، ففي الصحة إشكال (2).

---------------

وأما اشتراط الزيادة فقد ذكرنا جريان ما يأتي في الشرط فيه.

(1) لعدم منافاة ذلك للإقالة، بل هو مترتب عليها بعد وقوعها علي الوجه الذي تضمنته من حلّ العقد ورجوع كل من العوضين إلي ما كان عليه قبل العقد، فيتعين استحقاقه، كما في سائر موارد الجعالة.

وأظهر من ذلك ما إذا دفع إليه الجعل علي أن يقيله، بحيث تكون الإقالة هي الجزاء علي الجعل.

(2) حيث قد يدعي استفادته من الصحيح، لإلغاء خصوصية الوضيعة فيه عرفاً، أو لعدم الفصل، أو لأن اشتراط الوضيعة وعدم رجوع بعض الثمن أعم من عدم رجوعه بالفسخ ورجوعه به ثم استحقاق البائع له بالشرط.

وبعبارة أخري: لا يراد باشتراط الوضيعة في الصحيح إلا عدم أخذ المشتري لتمام الثمن، سواء كان لعدم رجوعه بتمامه بالفسخ، أم لاستحقاق البائع لبعضه بعد الفسخ بالشرط.

وحينئذٍ يستفاد منه عدم صحة الإقالة بنحو يستفيد بها أحد الطرفين.

لكن الجميع في حيز المنع.

وقد أطال في الجواهر في ذلك.

فراجع.

ودعوي: أن الإقالة حيث كانت حلاً للعقد ولم تكن عقداً فهي لا تقبل الشرط، لأن الشرط إنما يكون في ضمن العقد.

ومرجع ذلك إلي عدم الدليل علي نفوذ الشرط المذكور وإن لم يثبت مانع من نفوذه.

مدفوعة بأن كون الإقالة حلاً للعقد السابق، لا عقداً قائماً بنفسه، لا ينافي كونها طرفاً لعقد مستقل مركب منها ومن الشرط المذكور، فتكون مشمولة لعموم نفوذ العقود.

كما يكون الشرط فيها مشمولاً لعموم نفوذ الشروط، بناء علي ما سبق في أول

ص: 499

(مسألة 2): لا يجري في الإقالة فسخ أو إقالة (1).

(مسألة 3): في قيام وارث المتعاقدين مقام المورِّث في صحة الإقالة إشكال، وإن كان أقرب (2).

(مسألة 4): تصح الإقالة في جميع ما وقع عليه العقد وفي بعضه (3).

---------------

كتاب التجارة من صدق الشرط علي أحد طرفي الالتزام العقدي.

ولعله لذا ذهب بعض مشايخنا (قده) إلي صحة الشرط المذكور.

فلاحظ.

(1) قد يظهر من الجواهر المفروغية عنه، لعدم معهودية تزلزل الفسخ.

والعمدة فيه أن الإقالة في العقد اللازم وإن توقفت علي رضا الطرفين، إلا أنها ليست عقداً، بل هي حلّ للعقد، وبعد حلّه لا يتصور عرفاً فسخ الحلّ ورجوع العقد الأول، بل لابد من عقد جديد.

(2) كما في التذكرة.

كأنه لأن ملكية الوارث عرفاً بقاء لملكية المورث، فهي ملكية واحدة تواردا عليها، وليست هي كملكية الموهوب أو المشتري مباينة لملكية الواهب والبائع.

ولذا تقدم منّا تقريب قيام الوارث في مقام المورث في إجازة العقد الفضولي، وإن تقدم منه (قده) التوقف في ذلك الذي هو لا يناسب ما هنا.

هذا وقد منع بعض مشايخنا (قده) من كون الوارث مقيلاً، وأجاز كونه مستقيلاً.

ولم يتضح لنا وجه التفصيل المذكور بعد ما سبق من رجوع الإقالة إلي التقايل من الطرفين.

(3) كما في الشرائع والتذكرة والقواعد وغيرها كثير، وعن شرح الإرشاد للفخر الإجماع عليه.

واستدل له في الجواهر بإطلاق أدلة الإقالة.

لكن لم أعثر علي نصوص شارحة لكيفية الإقالة، وإنما ينحصر الأمر بما تضمن استحباب الإقالة، أو إقالة النادم في البيع(1) ، وما تقدم من عدم جواز الإقالة بوضيعة، وهي لا تنهض بشرح الإقالة.

********

(1) راجع وسائل الشيعة ج: 12 باب: 3 من أبواب آداب التجارة.

ص: 500

(501)

تلف احد العوضين لا يمنع من الإقالة

ويتقسط الثمن حينئذٍ علي النسبة (1).

وإذا تعدد البائع أو المشتري تصح الإقالة بين أحدهما والطرف الآخر بالنسبة إلي حصته (2).

ولا يشترط رضي الآخر (3).

(مسألة 5): تلف أحد العوضين أو كليهما لا يمنع من صحة الإقالة (4)

---------------

غاية الأمر أن مقتضي إطلاقها المقامي التحويل علي العرف في شرحها، وحيث كانت الإقالة فسخاً للعقد فقد سبق منّا في المسألة الرابعة عشرة من الفصل الرابع في الخيار المنع من التبعيض في فسخ العقد الواحد عرفاً.

فيتعين المنع من التبعيض في الإقالة.

من دون فرق بين تعدد أحد طرفي العقد وعدمه.

خلافاً لما صرحوا به من إمكان التبعيض فيها مطلقاً، وما عن ابن المتوج من إمكان التبعيض فيها مع تعدده فقط.

(1) علي نحو ما تقدم في تبعيض الصفقة في المسألة الواحدة والعشرين من الفصل الثاني في شروط المتعاقدين، لأن المقامين من باب واحد لو صح التبعيض في المقام.

(2) بناءً علي ما سبق منه من إمكان التبعيض في الإقالة.

(3) لانفراد كل منهما بالسلطنة علي حصته، والشركة إنما تمنع من انفراد كل منهما بالسلطنة علي المجموع، والمفروض عدم اقتضاء الإقالة التصرف فيه، بل في خصوص الحصة.

كما لا مجال لشفعة الآخر في الحصة التي هي مورد الإقالة بعد اختصاص الشفعة بالبيع، وعدم كون الإقالة منه، علي ما ذكرناه في أول الكلام في الإقالة.

(4) لأن الإقالة حيث كانت فسخاً فموضوع الفسخ هو العقد بما له من وجود استمراري، دون العوضين بشخصهما ليرتفع موضوع الإقالة والفسخ بتلف أحدهما.

وأما ما سبق منّا من الإشكال في بقاء بعض الخيارات مع تلف أحد العوضين فهو لا يبتني علي امتناع الفسخ مع تلف أحد العوضين، بل علي قصور دليل ثبوت حق الخيار عن صورة تلفه، فلا ينافي إمكان التقايل من دون استحقاق للخيار.

ص: 501

فإذا تقايلا رجع كل عوض إلي صاحبه الأول (1).

فإن كان موجوداً أخذه (2)، وإن كان تالفاً رجع بمثله إن كان مثلياً وبقيمته إن كان قيمياً (3).

-

نعم حيث لم يرد من الشارع شرح للإقالة وبيان حدودها وكان مقتضي الإطلاقات المقامية الرجوع للعرف في تحديدها فلابد من إحراز بناء العرف علي مشروعيتها، والمتيقن من بنائهم عليها ما إذا كان أحد العوضين موجوداً وكان هناك غرض عقلائي يقتضي الاهتمام برجوعه، لكونه من القيميات التي يتعلق الغرض نوعاً بتحصيلها.

أما مع عدم ذلك، بحيث لا يكون فائدة التقايل إلا رجوع بدله الذي قد يكون أكثر من الثمن أو أقل، فلا يتضح بناؤهم علي التقايل، بل لعله بنظرهم لا يرجع إلا إلي الاهتمام بتحصيل فرق ما بين الثمن المجعول في المعاملة وقيمة التالف الذي يتيسر لمن يرضي بدفعه ابتداء بلا حاجة إلي التقايل، وليس التقايل إلا تكلفاً مستغني عنه حينئذٍ.

وإن كان الأمر محتاجاً لمزيد من التأمل، لاحتمال كون عدم بنائهم علي الفسخ لعدم الفائدة فيه لا ينافي بناءهم علي صحته لو وقع، لكون لزوم العقد حقياً تابعاً لهما وتحت سلطنتهما.

فتأمل جيداً.

(1) يعني: بلحاظ مفاد الإقالة والفسخ.

أما الرجوع الفعلي فهو موقوف علي إمكان تملكه له، علي ما يتضح مما يأتي.

(2) قطعاً لأنه ملكه.

بل يجب علي الأول تسليمه له لو احتاج إلي مؤنة، لأنه مسؤول بتسليمه، كما يجب علي البائع تسليم المبيع، لكونه مضموناً عليه بضمان المعاوضة، علي ما يأتي.

(3) أما أصل الضمان والانتقال للبدل فلضمان التالف بضمان المعاوضة بسبب العقد، كما سبق نظيره في المسألة التاسعة والعشرين من الفصل الرابع في الخيار.

وأما كيفية الضمان والانتقال للمثل والقيمة فلأن ذلك مقتضي الأصل في الضمان، كما تقدم

ص: 502

وتتعين قيمة زمان التلف (1).

والخروج عن الملك بيع أو هبة أو نحوهما بمنزلة التلف (2).

وتلف البعض كتلف الكل يستوجب الرجوع بالبدل عن البعض التالف (3).

والعيب في يد المشتري يستوجب الرجوع عليه

---------------

في المسألة الثالثة عشرة من الفصل الأول في شروط العقد.

فراجع.

(1) تقدم منه (قده) نظير ذلك في المسألة الخامسة والثلاثين من الفصل الرابع في الخيار فيما لو فسخ المغبون بعد تلف ما في يد الغابن.

وتقدم منّا المنع من ذلك، وتقريب لزوم قيمة زمان الفسخ، مع احتمال لزوم قيمة زمان الأداء.

وقد أطلنا الكلام هناك في المسألة بما لا يسعنا إعادته هنا.

فراجع.

(2) لتعذر رجوع العوض إلي ملك مالكه الأول بالفسخ، فيتعين الانتقال لبدله.

ومثل ذلك ما إذا حصل الملزم ببقائه في ملكه، كاستيلاد الجارية، كما هو ظاهر.

وقد تقدم نظير ذلك مع بعض فروعه فيما لو فسخ المغبون من المسألة التاسعة والعشرين من الفصل الرابع.

(3) لكونه مضموناً بضمان المعاوضة، كما لو تلف الكل.

ولو كان للاجتماع دخل في زيادة القيمة كان النقص في الباقي مضموناً بعين ملاك ضمان العيب بالأرش، فتنسب قيمة الباقي لقيمة المجموع ويضمن الفرق، فيدفع.

أما إذا كان الاجتماع موجباً لنقصها ففي جبر الزيادة الحاصلة في الباقي بسبب قلته لنقص التالف إشكال، فإذا كان قيمة المجموع اثني عشر وقيمة النصف ثمانية، وكان الفسخ بعد تلف النصف، أشكل الاكتفاء بدفع ثلث الثمن، من أجل أن قيمة الباقي ثلثا قيمة المبيع.

إذ الثمن مقابل في العقد بإجزاء المجموع بالتساوي، فنصف الثمن مقابل لنصف المثمن.

غاية الأمر أن الباقي قد زاد بسبب النقص، والزيادة المذكورة ليست ناشئة من صفة فيه مملوكة للمشتري، كما لو صبغ الثوب، ليدعي جبر نقص التالف بها، بل هي

ص: 503

بالأرش (1).

والحمد لله رب العالمين.

---------------

نظير الزيادة السوقية لا تصلح لجبر النقص الحاصل بالتلف.

وبذلك يظهر أنه لا مجال لدعوي: أن اللازم ضمان التالف بسبب قلته بالقيمة الزائدة، وهي ثلثا قيمة المجموع في الفرض الأول، لا بنصف قيمة المجموع.

لاندفاعها بأن التلف لما ورد عليه وهو في ضمن المجموع لا منفرداً فقيمته حين التلف هي القليلة بسبب الاجتماع، وهي نصف قيمة المجموع في الفرض المذكور، لا ثلثا قيمة المجموع، ويتعين أن يكون مقابله نصف الثمن لا غير، كمقابل النصف الباقي فلاحظ.

(1) لكون النقص الحاصل بالعيب مضموناً بضمان المعاوضة.

وقد تقدم بعض الكلام في ذلك في المسألة التاسعة والعشرين من الفصل المذكور آنفاً.

والحمد لله رب العالمين.

انتهي الكلام في كتاب البيع شرحاً لكتاب (منهاج الصالحين) تأليف سيدنا الأستاذ الجد آية الله العظمي المرجع الأعلي للطائفة (السيد محسن الطباطبائي الحكيم (قده).

وكان ذلك ليلة السبت الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ألف وأربعمائة وثلاثين للهجرة النبوية علي صاحبها وآله أفضل الصلوات وأزكي التحيات.

في النجف الأشرف ببركة الحرم المشرف علي مشرفه الصلاة والسلام.

بقلم العبد الفقير (محمد سعيد) عفي عنه، نجل سماحة آية الله (السيد محمد علي) الطباطبائي الحكيم دامت بركاته.

ونسأل الله سبحانه وتعالي التوفيق والتسديد، وقبول الأعمال وصلاح الأحوال.

إنه أرحم الراحمين وولي المؤمنين.

وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ص: 504

فهرست تفصيلي

(5)في أحكام الشروط5

(7)الكلام في الشروط7

(9)الكلام في الشرط المخالف للكتاب والسنة9

(13)مخالفة الشرط للحكم الشرعي الاقتضائي13

(17)منافاة الشرط لمقتضي العقد17

(19)اشتراط كونه مذكوراً في ضمن العقد19

(21)اشتراط القدرة علي الشرط1)2

(25)أن لا يكون الشرط مجهولاً25

(27)الكلام في الشرط المعلق27

(29)امتناع المشروط عليه من فعل الشرط29

(37)إذا لم يتمكن المشروط عليه من فعل الشرط37

(41)عدم جواز تصرف المشروط عليه ما يمنع من فعل الشرط41

(43)لصاحب الشرط إسقاط شرطه43

(45)جزئية الشرط من مضمون العقد وعدم انحلاله45

(47)بطلان الشرط بالفسخ أو التقايل47

(51)الفصل الخامس51

ص: 505

(51)في أحكام الخيار51

(55)كون الخيار من الحقوق55

(61)حكم ما إذا تعدد الوارث للخيار61

(63)أثر فسخ الورثة بالخيار63

(65)الكلام في خيار الأجنبي إذا مات65

(73)الفصل السادس73

(73)فيما يدخل في المبيع73

(81)استثناء النخلة في بيع البستان81

(83)ما يدخل في بيع الدار83

(87)الفصل السابع87

(87)في التسليم والقبض87

(97)كيفية التسليم والقبض فيما لا ينتقل97

(99)إذا تلف المبيع بآفة سماوية قبل القبض99

(101)في معني ضمان البائع101

(103)الكلام في معني الخروج عن الضمان103

(107)موارد تحقق القبض107

(113)حدوث العيب قبل القبض113

(115)الكلام في تفريغ المبيع115

(119)البيع قبل القبض119

(125)جواز البيع قبل القبض فيما ملك بغير الشراء125

(131)الفصل الثامن131

(131)في النقد والنسيئة131

(139)لو باع شيئاً بثمن نقداً وبأكثر نسيئة139)

ص: 506

(145)الكلام في جواز تأخير الثمن الحال145

(147)الكلام في شراء المشتري نسيئة قبل حلول الأجل147

(153)إلحاق فيه153

(153)في المساومة والمرابحة والمواضعة والتولية153

(159)الكلام في البيع مرابحة إذا كان الشراء بالثمن المؤجل159

(161)الكلام في جواز البيع مرابحة لما اشتراه صفقة161

(163)إذا تبين كذب البائع في إخباره برأس المال163

(165)كيفية معرفة رأس مال السلعة165

(169)الفصل التاسع169

(169)في الربا169

(173)الكلام في الربا المعاملي173

(175)الكلام في حكم الزيادة الحكمية175

(183)شروط تحقق الربا183

(183)الأول: اتحاد الجنس183

(185)الكلام في اتحاد الجنس في الربا185

(191)الثاني: أن يكون العوضان من المكيل أو الموزون191

(193)الحنطة والشعير من جنس واحد193

(195)الكلام في اختلاف اللحوم والألبان مع اختلاف الحيوان195

(197)التمر بأنواعه جنس واحد197

(199)الكلام في أجناس الحيوانات199

(203)المعيار في الجنس الواحد203

(209)حكم اختلاف الشيء في حال موزوناً وفي حال مكيلاً209

(211)الكلام في بيع لحم الحيوان به حياً211

ص: 507

(213)الكلام في بيع الرطب بالجاف213

(219)كيفية التخلص من الربا219

(221)موارد جواز الربا221

(223)عدم الفرق في الولد بين الذكر والأنثي223

(227)عدم الربا في الأوراق النقدية227

(229)وجوب إرجاع المال الربوي لصاحبه229

(237)محاولات تبرير الربا في العصر الحاضر ودفعها237

(251)الفصل العاشر251

(251)في بيع الصرف251

(253)اشتراط التقابض في بيع الصرف253

(261)الكلام في اشتراط التقابض في الصلح261

(263)بيع الدين بنقد آخر263

(265)إذا باع ما اشتراه نقداً قبل القبض265

(267)إذا قال له: حوّل ما في الذمة إلي دنانير267

(269)الكلام في إقباض المبيع أو الثمن269

(271)الدراهم والدنانير المغشوشة271

(273)الكلام في تصريف العملة المعدنية273

(275)الكلام في الضميمة التي يتخلص بها من الربا275

(277)بيع الآلات المحلاة بالذهب277

(281)إذا اشتري ذهباً أو فضة ثم وجدها جنساً آخر281

(287)استبدال ما في الذمة بثمن آخر287

(291)بيع درهم بدرهم بشرط صياغة خاتم291

(293)عدم جواز بيع المصوغ من الذهب والفضة بأحدهما إلا مع الزيادة293

(295)الكلام في تراب الصاغة295

ص: 508

(297)الفصل الحادي عشر في السلف297

(297)يشترط في السلف أمور297

(301)الأول: ضبط الأوصاف301

(303)الثاني: ذكر الجنس والوصف303

(305)الثالث: قبض الثمن قبل التفرق305

(311)الرابع: تقدير المبيع ذي الكيل أو الوزن311

(313)الخامس: تعيين أجل مضبوط313

(319)السادس: إمكان الدفع عند حلول الأجل319

(323)الكلام في اقتضاء العقد وجوب التسليم في مكان المطالبة323

(327)المعيار في الشهر المضروب أجلاً327

(333)الكلام في جواز بيع ما اشتراه سلفاً قبل حلول الأجل333

(343)إذا دفع المبيع خالياً من الصفة343

(345)إذا حلّ الأجل ولم يتمكن البائع من الدفع345

(349)وجود المبيع في غير البلد الذي يجب التسليم فيه349

(351)الفصل الثاني عشر351

(351)في بيع الثمار351

(357)في جواز بيع الثمار عامين357

(359)في جواز بيع الثمار عاماً واحداً مع الضميمة359

(365)المعيار في بدو الصلاح365

(371)جواز بيع التمر مع ظهور بعضه371

(375)تلف التمر قبل القبض375

(377)في استثناء ثمرة شجرات377

ص: 509

(381)الكلام في بيع الثمرة مع الأصول381

(383)الكلام في المزابنة383

(389)الكلام في العموم لغير النخل389

(391)الكلام في بيع الزرع قبل ظهوره391

(403)الكلام في المحاقلة403

(407)الكلام في بيع بعض الخضر قبل ظهورها407

(413)الكلام في كيفية بيع المشترك بين اثنين13)4

(419)الكلام في حق المارة419

(431)الكلام في العرية431

(433)الفصل الثالث عشر433

(433)في بيع الحيوان433

(435)الكلام في شروط الاسترقاق435

(441)عدم ملك بعض المحارم441

(451)الكلام في عدم ملك الكافر للمسلم451

(457)الكلام في دعوي العبد الحرية457

(459)في استبراء الأمة459

(473)وجوب الاستبراء في غير البيع473

(475)الكلام في جواز شراء بعض الحيوان475

(481)لو قال لآخر: اشتر حيواناً بشركتي481

(483)ظهور الأمة بعد الوطء أنها ملك لغير البائع483

(487)إذا اشتري كل من العبدين صاحبه من مولاه487

(489)وطء الشريك جارية الشركة489

(493)في مستحبات شراء المملوك493

ص: 510

(495)خاتمة في الإقالة495

(499)جواز الإقالة بزيادة الثمن499

(501)تلف أحد العوضين لا يمنع من الإقالة501

ص: 511

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.