مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي عليه السلام
سيد محمد ميرلوحي اصفهاني
ترجمه و تحقيق: سيد ياسين موسوي
تقديم: مركز الدراسات التخصصيه في الامام المهدي
نجف اشرف 1427 ه
ص: 1
مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهدي عليه السلام
سيد محمد ميرلوحي اصفهاني
ترجمه و تحقيق: سيد ياسين موسوي
تقديم: مركز الدراسات التخصصيه في الامام المهدي
نجف اشرف 1427 ه
ص: 2
اَللَّهُمَّ أَرِنِي اَلطَّلْعَةَ اَلرَّشِيدَةَ، وَ اَلْغُرَّةَ اَلْحَمِيدَةَ، وَ اُكْحُلْ نَاظِرِي بِنَظِرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ، وَ عَجِّلْ فَرَجَهُ، وَ سَهِّلْ مَخْرَجَهُ، وَ أَوْسِعْ مَنْهَجَهُ، وَ اُسْلُكْ بِي مَحَجَّتَهُ، وَ أَنْفِذْ أَمْرَهُ، وَ اُشْدُدْ أَزْرَهُ، وَ اُعْمُرِ اَللَّهُمَّ بِهِ بِلاَدَكَ، وَ أَحْيِ بِهِ عِبَادَكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ اَلرَّاحِمِينَ.
ص: 3
ص: 4
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربّ العالمين، و صلي اللّه علي سيّدنا محمّد و آله الطاهرين.
الإعتقاد بالمهدي المنتظر عليه السّلام من الأمور المجمع عليها بين المسلمين، بل من الضروريّات التي لا يشوبها شك.(1)
و قد جاءت الأخبار الصحيحة المتواترة عن الرسول الأكرم صلّي اللّه عليه و آله أنّ اللّه تعالي سيبعث في آخر الزمان رجلا من أهل البيت عليهم السّلام يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا، و جاء أنّ ظهوره من المحتوم الذي لا يتخلّف، حتّي لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل اللّه عزّ و جلّ ذلك اليوم حتّي يظهر.
و كيف و أنّي يتخلّف وعد اللّه عزّ و جلّ في إظهار دينه علي الدين كلّه و لو كره المشركون؟ و كيف لا يحقّق تعالي وعده للمستضعفين المؤمنين باستخلافهم في الأرض، و بتمكين دينهم الذي ارتضي لهم، و إبدالهم من بعد خوفهم أمنا، ليعبدوه تعالي لا يشركون به شيئا.
و قد أجمع المسلمون علي أنّ المهديّ المنتظر عليه السّلام من أهل البيت عليهم السّلام، و أنّه من ولد فاطمة عليها السّلام. و أجمع الإماميّة - و معهم عدد من علماء السنة - أنّه عليه السّلام من ولد الإمام الحسن العسكري عليه السّلام، فأثبتوا اسمه و نعته و هويّته الكاملة.
هكذا فقد إعتقد الإمامية - و معهم بعض علماء السنّة - أنّ المهدي
ص: 5
المنتظر قد ولد فعلا، و أنّه حيّ يرزق، لكنّه غائب مستور. و ماذا تنكر هذه الأمّة أن يستر اللّه عزّ و جلّ حجّته في وقت من الأوقات؟ و ماذا تنكر أن يفعل اللّه تعالي بحجّته كما فعل بيوسف عليه السّلام: أن يسير في أسواقهم و يطأ بسطهم و هم لا يعرفونه، حتّي يأذن اللّه عزّ و جلّ له أن يعرّفهم بنفسه كما أذن ليوسف قالُوا أَ إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَ هذا أَخِي. (1)
أو لم يخلّف رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في أمّته الثقلين: كتاب اللّه و عترته، و أخبر بأنّهما لن يفترقا حتّي يردا عليه الحوض؟ أو لم يخبر صلّي اللّه عليه و آله أن سيكون بعده إثنا عشر خليفة كلّهم من قريش، و أنّ عدد خلفائه عدد نقباء موسي عليه السّلام؟ و إذا كان اللّه تعالي لم يترك جوارح الإنسان حتّي أقام لها القلب إماما لتردّ عليه ما شكّت فيه، فيقرّ به اليقين و يبطل الشكّ، فكيف يترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم و شكّهم و اختلافهم لا يقيم لهم إماما يردّون إليه شكّهم و حيرتهم؟(2) و حقّا لا تَعْمَي الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَي الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ .(3)
و لا ريب أنّ للعقيدة الشيعيّة في المهدي المنتظر عليه السّلام - و هي عقيدة قائمة علي الأدلّة القويمة العقليّة - رجحانا كبيرا علي عقيدة من يري أنّ المهدي المنتظر لم يولد بعد، يقرّ بذلك كلّ من ألقي السمع و هو شهيد إلي قول الصادق المصدّق عليه السّلام: من مات و لم يعرف إمام زمانه، مات ميتة جاهليّة.(4)2.
ص: 6
ناهيك عن أنّ من معطيات الاعتقاد بالإمام الحيّ أنّها تمنح المذهب غناء و حيويّة لا تخفي علي من له تأمّل و بصيرة.(1)
و لا ريب أنّ إحساس الفرد المؤمن أنّ إمامه معه يعاني كما يعاني، و ينتظر الفرج كما ينتظر، سيمنحه ثباتا و صلابة مضاعفة، و يستدعي منه الجهد الدائب في تزكية نفسه و تهيئتها و دعوتها إلي الصبر و المصابرة و المرابطة، ليكون في عداد المنتظرين الحقيقيّين لظهور مهديّ آل محمد عليه و عليهم السّلام. خاصّة و أنّه يعلم أنّ اليمن بلقاء الإمام لن يتأخّر عن شيعته لو أنّ قلوبهم اجتمعت علي الوفاء بالعهد، و أنّه لا يحبسهم عن إمامهم إلاّ ما يتّصل به ممّا يكرهه و لا يؤثره منهم.(2)
و لا يماري أحد في فضل الإمام المستور الغائب - غيبة العنوان لا غيبة المعنون - في تثبيت شيعته و قواعده الشعبية المؤمنة و حراستها، كما لا يماري في فائدة الشمس و ضرورتها و إن سترها السحاب. كيف، و لو لا مراعاته و دعائه عليه السّلام لاصطلمها الأعداء و نزل بها اللأواء، و لا يشكّ أحد من الشيعة أنّ إمامه أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء.(3)
و قد وردت روايات متكاثرة عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام تنصبّ في مجال ربط الشيعة بإمامهم المنتظر عليه السّلام، و جاء في بعضها أنّه عليه السّلام يحضر الموسم فيري الناس و يعرفهم، و يرونه و لا يعرفونه،(4) و أنّه عليه السّلام يدخل عليهم2.
ص: 7
و يطأ بسطهم،(1) كما وردت روايات جمّة في فضل الانتظار، و في فضل إكثار الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ فيه فرج الشيعة.
و قد عني مركز الدراسات التخصّصيّة في الإمام المهديّ عجل اللّه تعالي فرجه الشريف بالاهتمام بكلّ ما يرتبط بهذا الإمام الهمام عليه السّلام، سواء بطباعة و نشر الكتب المختصّة به عليه السّلام، أو إقامة الندوات العلميّة التخصصيّة في الإمام عجل اللّه تعالي فرجه الشريف و نشرها في كتيبات أو من خلال شبكة الإنترنيت، و من جملة نشاطات هذا المركز نشر سلسلة التراث المهدويّ، و يتضمّن تحقيق و نشر الكتب المؤلّفة في الإمام المهديّ عجل اللّه تعالي فرجه الشريف، من أجل إغناء الثقافة المهدويّة، و رفدا للمكتبة الإسلاميّة الشيعيّة، نسأله - عزّ من مسؤول - أن يأخذ بأيدينا، و أن يبارك في جهودنا و مساعينا، و أن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم، و الحمد للّه رب العالمين.
و الكتاب الماثل بين يديك عزيزي القارئ هو مجموعة نادرة و قيّمة من الأحاديث الخاصة حول الإمام المهدي عليه السّلام برواية الفضل بن شاذان المعاصر للإمام العسكري عليه السّلام و التي يمكن اعتبارها مصدرا مهما من المصادر التي اعتمد عليها الأوائل في إثبات الكثير من الخصوصية حول الحجة بن الحسن عليه السّلام.
و المركز إذ يقدم للمكتبة الإسلامية و للإخوة القرّآء هذا السفر القيم يتقدم بالشكر الجزيل لسماحة السيد ياسين الموسوي دام ظله لجهده في ترجمة و تحقيق هذا الكتاب القيم، كما يتقدم بالشكر إلي قسم الكمبيوتر، و نخص بالذكر الأخ الفاضل مسؤول قسم الكمبيوتر و التنضيد ياسر الصالحي.
السيد محمّد القبانچي
مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي عجل اللّه تعالي فرجه الشريف
النجف الأشرف
ص: 8
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربّ العالمين، و الصلاة و السلام علي محمّد و آله الطاهرين، و اللعنة الدائمة علي أعدائهم أجمعين، و منكري فضائلهم من الأولين و الآخرين إلي قيام يوم الدين.
بغض النظر عن الدواعي التي دفعت المؤلف رحمه اللّه لكتابته هذا الكتاب، و التي أشار إليها في المقدّمة، و إن كان قد ركزّ هو علي فكرة جمع أربعين حديثا، و استشهد له بالروايات، و الأقوال؛ و لم يفصّل القول في الموضوع العقائدي الذي ابتنت عليه أصول و قواعد جمعه لأحاديث كتابه؛ و لعل السبب يعود: إلي أنّه أو كل ذلك إلي نفس القارئ عندما يطلّع علي درر المعاني و الأفكار بما يقرأه من روايات و أحاديث الكتاب.
و في الواقع أنّ الكتاب لم يأت بشيء جديد يستحق كلّ هذا الاهتمام: من ترجمة، و تحقيق، و متابعة، بل كاد أن يكون تكرارا لكتب كثيرة جمعت الروايات، و الأخبار التي اختصّت موضوعها بالمهدي عليه السّلام، أو اشتملت عليه، مثل: كمال الدين، و غيبة الطوسي، و غيبة النعماني، و عشرات غيرها؛ إلاّ إنّه تميّز عنها بشيء جديد استحقّ كلّ هذا الاهتمام و الرعاية، و هو: انّه جمع في كتابه هذا عشرات الأحاديث التي رواها الشيخ الفضل بن شاذان (المتوفي سنة 257 للهجرة، أي بعد ولادة الإمام المهدي عجل اللّه تعالي فرجه الشريف بسنتين فقط) في كتابه الغيبة، و إثبات الرجعة؛ و التي طالما نقل عنهما الشيوخ الأوائل
ص: 9
الأقدمون مثل الكليني و الصدوق و المفيد و الطوسي و غيرهم، و امتلأت كتبهم بتلك الروايات الصحيحة.
و لكنّهم و لأسباب موضوعيّة اختصروا تلك الكتب فلم ينقلوا جميع ما فيها، و اكتفوا بنقل بعضها، و ربما يكون السبب الكبير لسلوكهم هذا المنهج في الجمع و التبويب: انّ تلك الكتب كانت متوفرة من حيث الكمّ، و متواترة أو مشهورة بما يقارب التواتر من حيث الإسناد.
و مهما تكن الأسباب، و الدواعي التي اقتضت هذا الاختصار، و مع إننا نعذرهم بذلك، و لكن ما مرّت به الطائفة المحقة من غارات، و اعتداءات، و حروب عنصرية أدّت إلي ضياع كثير من تراثنا، أو ما زال يعيش في خفايا و مجاهيل المكتبات و غيرها، و من جملة ذلك التراث المقدّس كتب الشيخ ابن شاذان قدّس سرّه، فضاعت كثير من تلك النفائس و لم يبق منها إلاّ قليل.
فلو كان المتقدمون قد نقلوا ما في تلك الكتب فلربّما كانت قد وصلت إلينا كما وصلت باقي الأخبار التي نقلوها في مختلف الأبواب و المواضيع.
و يبقي استغراب ماثل أمامنا و هو: إننا نجد كثيرا من الأصحاب قد أكثروا من النقل عن كتابي الشيخ ابن شاذان: (إثبات الرجعة، و الغيبة)، و منهم من المتأخرين، بل قد يظهر من آراء بعض المحققين أنّ الشيخ الحرّ العاملي المتوفّي سنة 1104 ه قد اختصر كتابه إثبات الرجعة، و ما زالت النسخة المخطوطة بخط يده موجودة و محفوظة. و لكنّه يصرح فيها أن الاختصار كان لغيره، و قام هو قدّس سرّه بمقابلة نسخ ذلك الاختصار، حيث قال في خاتمة النسخة:
«هذا ما وجدناه منقولا عن رسالة إثبات الرجعة للفضل بن شاذان بخط بعض فضلاء المحدّثين، و قد قوبل بأصله. حرره محمّد الحر». و قد ختمه بختمه الشريف و كتب فوقه: مالكه؛ و النسخة موجودة في مكتبة الإمام الحكيم العامة في النجف الأشرف.
ص: 10
و من جملة أولئك العلماء الذين نقلوا مباشرة عنهما مؤلف هذا الكتاب، و العالم الجليل آقا مير محمّد صادق الخاتون آبادي: (المتولد سنة 1207، و المتوفّي ليلة 14 من شهر رجب سنة 1272 ه ق) في كتابه الأربعون (كشف الحق).(1)
و لذلك تعيّن علي من يريد الحصول علي الأثر المتبقي من هذا التراث أن يراجع هذه الكتب التي نقلت عنه مباشرة و بدون واسطة.
و من هذه النقطة بالذات تظهر أهميّة كتاب كفاية المهتدي حيث حفظ لنا كثيرا من روايات الشيخ الفضل بن شاذان.
و تظهر أهميّة روايات هذين الكتابين لأنّهما يتحدّثان عن تفاصيل كثيرة تتعلق بالإمام المهدي عجل اللّه تعالي فرجه الشريف لم يألفها الشيعة و لا غيرهم في عصر صدورها و روايتها، و لم يتعرّفوا عليها إلاّ بعد مدّة ليست بالقصيرة.
أما لماذا؟
و ذلك لأنّ الإمام المهدي لم يكن قد ولد آنذاك؛ فإنّه كان قد كتب كثيرا من روايات كتابيه هذين إما قبل ولادته عليه السّلام، أو بعد ولادته و قبل وفاة الإمام العسكري عليه السّلام كروايته خبر ولادة الإمام المهدي عليه السّلام، بمعني: أنّه كان قد تحدّث عن الغيبة قبل حدوث الغيبة الصغري؛ لأنّ وفاة الشيخ الفضل بن شاذان كانت قبل وفاة الإمام العسكري عليه السّلام و كان عليه السّلام قد ترحّم عليه، فهو قد توفّاه اللّه تعالي قبل حدوث الغيبة الصغري.
و أما كيف استطاع أن يتحدّث عن كلّ تلك الأمور قبل وقوعها؟
فإنّه في الواقع لم يخبر من عنده شيئا، و إنما كلّ ما أخبر عنه إنّما كان
ص: 11
رواية عن أهل بيت النبوة عليهم السّلام؛ و يكفي هذا دلالة علي إمامتهم عليهم السّلام، حيث كانوا قد أخبروا عن الشيء قبل وقوعه.
و ملخص البحث:
تكفي روايات الفضل لدحض شبهات و خزعبلات البعض الذين يقولون بأنّ عقيدة الشيعة بالإمام المهدي إنّما ظهرت متأخرة عن زمان وفاة الإمام العسكري عليه السّلام بكثير، حتي كابر فادعي أنّها ظهرت علي يد متكلمي الإمامية كالشيخ المفيد، و الشيخ الطوسي كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ .(1)
فهذه كتب و روايات الفضل كلّها كانت قبل وفاة الإمام العسكري عليه السّلام.
1 - كان الكتاب قد كتب باللغة الفارسيّة، فقمنا بترجمته إلي اللغة العربية، و قد راعينا أقصي ما يمكن الالتزام بالنّص الفارسي، و عدم تجاوزه و الخروج عنه إلاّ ببعض الكلمات القليلة جدا إقتضته فروقات أساليب الكلام العربي و الفارسي.
2 - التزمنا بنقل الروايات الشريفة إلي اللغة العربية بالنّص المروي في مصادره، و مع إننا نظن أنّ ترجمة المؤلف لم تكن دقيقة في بعض الأحيان لكننا التزمنا بنقل النّص كما هو في الترجمة، منبّهين في الهامش إلي الاختلافات الموجودة في مصادر النّص؛ و قد آلينا أن نسلك هذا الأسلوب لاحتمال أن يكون المؤلف قد اعتمد في الترجمة علي نسخة بدل أخري؛ رعاية منّا للاحتياط الذي هو سبيل النّجاة.
3 - وجدنا المؤلف قد ينجرّ قلمه للحديث عن بعض الأكابر كالعلامة المجلسي قدّس سرّه بما لا يتناسب و البحث العلمي، فارتأينا حذف تلك المقاطع من الكتاب؛ و لذلك عدلنا من تسميّة الكتاب باسمه الأصلي إلي تسميّته بمختصر كفاية المهتدي رعاية لأمانة النقل.
ص: 12
4 - قمنا بتحقيق نصّ الكتاب و رواياته غير المطبوعة و التي نقلها المؤلف قدّس سرّه من الكتب المفقودة علي نسختين مهمتين:
أ) النسخة الأولي: المخطوطة الموجودة في كتابخانة مجلس - طهران - إيران.
تحت رقم 833؛ و قد كتب في آخرها: «قد فرغ كتابته في يوم السبت من عشرة الثالث من شهر الحادي عشر في سنة الإحدي من عشر الثاني من مائة الثانية بعد الألف الأوّل من الهجرة النبوية المصطفوية عجل اللّه تعالي فرجه الشريف...».
و كان قد كتب علي الورقة الأولي منها: «كتاب أربعين از فاضل متتبع، و أديب محدّث، مولانا محمّد لوحي حسيني موسوي سبزواري عليه الرحمة موسوم بكفاية المهتدي» و عدد صفحات هذه النسخة 252 صفحة.
و جعلنا هذه النسخة النسخة الأصل.
ب) النسخة الثانية: المطبوعة تحت عنوان: گزيده كفاية المهتدي.
تصحيح و گزينش: سازمان چاپ و انتشارات گروه احياي تراث فرهنگي. الطبعة الأولي: 7 بهمن 1373 هجرية شمسية.
و ذكر في المقدمة أن هذه النسخة قد صححت علي ثلاث نسخ و هي:
أولها: نسخة مكتبة الوزيري تحت رقم 512، بخط إسماعيل بن شاه قلي.
تاريخ النسخ في عاشر محرم الحرام سنة 1106 هجرية قمرية.
و ثانيتها: نسخة مكتبة الأستاذ الفقيد المرحوم المحدّث الأرموي.
و ثالثتها: نسخة المكتبة المركزية جامعة طهران، و هي من جملة الكتب المهداة من المرحوم الأستاذ السيد محمّد مشكوة. تحت رقم 619.
و استظهرت المجموعة المصححة أن هذه النسخة هي نفس النسخة التي كان قد رآها الشيخ آقا بزرك الطهراني (في خزانة كتب السيد آغا بن الحاج سيد أسد اللّه بن السيد حجة الإسلام الأصفهاني، و هو فارسي، و رأيت نسخة منه
ص: 13
بخط محمّد مؤمن بن الشيخ عبد الجواد، كتبها في عصر المصنّف، و فرغ منها في سابع ربيع الثاني 1085).(1)
ثمّ قال بعد حديث طويل: «... و يظهر من أثنائه أنّه شرع فيه في 1081 ه، و فرغ منه في 1083 ه، و يوجد بهذه الخصوصيات نسخة في موقوفة مدرسة السيد البروجردي في النجف».(2)
كما إننا حققنا بعض روايات الكتاب مع تلك الروايات الموجودة في مختصر إثبات الرجعة الذي أشرنا إليه و سبق أن نبهنا إلي أنه بخط بعض فضلاء المحدّثين و عليه ختم العلامة المرحوم الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة، و عندنا نسخة مصورة عنه، و الأصل موجود في مكتبة الإمام الحكيم قدّس سرّه العامة.
و نظرا إلي أن الكتاب كتاب رواية، و قد أقرّ مؤلفه بهذه الحقيقة، و لذلك سمّاه بالأربعين، فيلزمنا أن نتعرف علي المصادر التي اعتمدها المؤلف، و بالإضافة إلي معرفة مؤلفي تلك الأحوال و أحوالهم من حيث الوثاقة و الاعتبار لنطمئن علي صحة تلك الأحاديث و اعتبارها، و سلامتها من الطعون، و لكن بما أنّه قد نقل عن المصادر المشهورة و المعروفة عند الشيعة و السنة مثل الاحتجاج للطبرسي، و كمال الدين، و عيون أخبار الرضا للصدوق، و الإرشاد للمفيد، و الأربعين لأبي نعيم، و مسند أحمد بن حنبل و غيرها من المصادر المهمة التي لا تحتاج إلي بحث فيها و لا في مؤلفيها لشهرتها و معروفيتها؛ فإننا قد أعرضنا الحديث عنها و عن مؤلفيها، و قصرنا الحديث عن المصادر المفقودة لسببين:
ص: 14
أولهما: التعريف بتلك المصادر و مؤلفيها، ليعرف القارئ أهمية مصدر الحديث الذي يقرأه، و قوّة اعتباره، و صحته، و سلامته، و بذلك يتضح بطلان كلام أصحاب الشبهات الباطلة و الدعاوي الكاذبة.
و ثانيهما: لأنّه قد أكثر النقل عنها حتي صار الكتاب كأنّه ملخص شريف لتلك الكتب، بحيث قال المحقق العلامة الشيخ آغا بزرك الطهراني: «و هذا الأربعين فارسي، و ترجمة و شرح للأحاديث التي رواها الفضل بن شاذان و غيره».(1)
و لعله كان يقصد من كلمة (و غيره) ما نقله عن أستاذه و شيخه النوري حيث قال في أول كتابه (جنّة المأوي): «إنّي كلّما انقل في هذا الكتاب عن غيبة الفضل بن شاذان، و عن غيبة الحسن بن حمزة المرعشي، و عن كتاب الفرج الكبير لمحمّد بن هبة اللّه بن جعفر الطّرابلسي، فإنّما أنقلها عن كتاب المير لوحي هذا، لأنّها كانت موجودة عنده، و ينقل عنها في كتابه هذا».(2)
أقول: هكذا هو الموجود في عبارة الطهراني قدّس سرّه حيث نسب الكلام لأستاذه في بداية كتابه (جنة المأوي) و لكننا قرأنا الكتاب عدّة مرات فلم نجده فيه، و إنما هو موجود في كتاب النجم الثاقب لأستاذه النوري قدّس سرّه، حيث قال الشيخ النوري الطبرسي قدّس سرّه في مقدمة كتابه (النجم الثاقب) عند عدّه مصادر كتابه ما تعريبه:
«كتاب كفاية المهتدي في أحوال المهدي عليه السّلام للسيد محمّد بن محمّد لوحي الحسيني الموسوي السبزواري الملقّب بالمطهّر و المتخلص بالنقيبي، تلميذ المحقق الدّاماد، و أكثر ما في هذا الكتاب نقله من كتاب الفضل بن شاذان حيث ينقل الخبر سندا و متنا أوّلا، و من ثمّ يترجمه.
و كان عنده (غيبة) الشيخ الطّرابلسي، و (غيبة) الحسن بن حمزة المرعشي أيضا.ه.
ص: 15
و ما ننقله عن هذه الكتب الثلاثة فإنّما ننقله بالواسطة عن هذا الكتاب».(1)
و لذلك نري من المهمّ أن نخصص مقاما من الحديث عن هذه الكتب الثلاثة و مؤلفيها خصوصا الأوّل منها، أعني ما سمّي بغيبة الفضل بن شاذان، ثمّ إلحاق الحديث عن أحوال الكتب الأخري غير الموجودة حاليا مثل كتاب الأنوار لأبي عليّ محمّد بن همام، و كتاب التاريخ الكبير للثقفي في هوامش الكتاب القادمة إن شاء اللّه تعالي، تخفيفا لحجم المقدمة و لأن هذين الكتابين و أمثالهما لم يكثر المؤلف رحمه اللّه النقل منهما، و إنّما ربّما نقل عن كلّ منهما مرة أو مرتين في كتابه هذا؛ و لهذا السبب ارتأينا تأجيل الكلام عنهما و عن أمثالهما إلي محله الموجز دون المحلّ المفصّل.
للشيخ الأقدم الفضل بن شاذان النيسابوري رضوان اللّه تعالي عليه.
و قد عدّ الشيخ النجاشي و غيره أن له أكثر من كتاب في القضية المهدوية منها:
1 - كتاب إثبات الرجعة.
2 - كتاب الرجعة.
3 - كتاب القائم عليه السّلام.
4 - كتاب الملاحم.
5 - كتاب حذو النعل بالنعل.(2)
و للأسف الشديد فإن جميع تلك الكتب قد عدت عليها كوارث الزمن و لم يبق منها إلا أسماؤها و بعض الروايات المتشتتة في بطون الكتب مما نقلها
ص: 16
الأوائل في مجاميعهم مثل كتب الكليني و الصدوق و الطوسي؛ غير أنه بقي من المتأخرين من نقل مجموعة أخري من الروايات مما لم ينقله المتقدمون من هذه الكتب؛ و كاد ينحصر هذا النقل الجديد بكتاب المير لوحي (كفاية المهتدي) و التي نقل عنه الخاتون آبادي في (كشف الحق) و (مختصر إثبات الرجعة) الذي أمضاه الحر العاملي.
و لكن ظهر سؤال جديد و هو: أن هذا الموجود، هل هو من كتاب (إثبات الرجعة) أو كتاب الرجعة؟ و هل أن كتاب إثبات الرجعة هو كتاب الغيبة، أم أن كتاب الرجعة هو كتاب الغيبة؟
و الشيء المتفق عليه هو أنه كان للفضل كتابان أحدهما باسم: إثبات الرجعة.
و الآخر باسم: الرجعة؛ و الثاني هو غير الأوّل كما نصّ عليه النجاشي و غيره.
قال شيخ الإجازة و خاتمة الرواة آقا بزرك الطهراني: «كتاب الغيبة للحجة الشيخ المتقدم أبي محمّد الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري، الراوي عن الجواد عليه السّلام، و قيل عن الرضا عليه السّلام، و المتوفي 260. و هو غير كتاب (إثبات الرجعة) له كما صرّح بتعددهما النجاشي، بل هذا الذي عبّر عنه النجاشي بعد ذكره (إثبات الرجعة) بكتاب (الرجعة الحديث). فهذا مقصور علي أحاديث الرجعة، و ظهور الحجة، و أحواله، و لذا اشتهر بكتاب الغيبة، و كان موجودا عند السيد محمّد بن محمّد مير لوحي الحسيني الموسوي السبزواري، المعاصر للمولي محمّد باقر المجلسي علي ما يظهر من نقله عنه في كتابه الموسوم كفاية المهتدي في أحوال المهدي، و ينقل شيخنا النوري في النجم الثاقب في أحوال الإمام الغائب، عن كتاب الغيبة هذا بتوسط المير لوحي المذكور...».(1)5.
ص: 17
قال النجاشي: «الفضل بن شاذان بن الخليل أبو محمّد الأزدي النيشابوري (النيسابوري) كان أبوه من أصحاب يونس.
و روي عن أبي جعفر الثاني، و قيل عن الرضا عليهما السّلام.
و كان ثقة. أحد أصحابنا الفقهاء المتكلمين. و له جلالة في هذه الطائفة.
و هو في قدره أشهر من أن نصفه.
و ذكر الكنجي أنه صنّف مائة و ثمانين كتابا...».(1)
و قد روي الكشي في رجاله عن محمّد بن الحسين بن محمّد الهروي، عن حامد بن محمّد الأزدي البوشنجي، عن الملقّب بفورا [بخوراء خ. ل] من أهل البوزجان من نيسابور:
إن أبا محمّد الفضل بن شاذان رحمه اللّه كان وجّهه إلي العراق إلي حيث به أبو محمّد الحسن بن عليّ صلوات اللّه عليهما؛ فذكر أنّه دخل علي أبي محمّد عليه السّلام، فلمّا أراد أن يخرج سقط منه كتاب في حضنه ملفوف في رداء له؛ فتناوله أبو محمّد عليه السّلام، و نظر فيه، و كان الكتاب من تصنيف الفضل، و ترحّم عليه، و ذكر أنه قال:
«أغبط أهل خراسان بمكان الفضل بن شاذان و كونه بين أظهرهم».(2)
و روي عن سعد بن جناح الكشّي، قال: «سمعت إبراهيم الورّاق السمرقندي يقول: خرجت إلي الحجّ، فأردت أن أمرّ علي رجل كان من أصحابنا المعروف بالصّدق، و الصّلاح، و الورع، و الخير، يقال له: بورق البوشنجاني (قرية من قري هرات)، و أزوره، و أحدث عهدي به.
قال: فأتيته، فجري ذكر الفضل بن شاذان رحمه اللّه.
ص: 18
قال بورق: كان الفضل به بطن، شديد العلّة، و يختلف في الليلة مائة مرّة، إلي مائة و خمسين مرّة.
فقال له بورق: خرجت حاجّا، فأتيت محمّد بن عيسي العبيدي، و رأيته شيخا فاضلا، في أنفه عوجه (و هو القنا)، و معه عدّة؛ رأيتهم مغتمّين، محزونين، فقلت لهم: ما لكم؟
قالوا: إن أبا محمّد عليه السّلام قد حبس.
قال بورق: فحججت، و رجعت، ثمّ أتيت محمّد بن عيسي، و وجدته قد انجلي عنه ما كنت رأيت به؛ فقلت: ما الخبر؟
قال: قد خلّي عنه.
قال بورق: فخرجت إلي سرّ من رأي، و معي كتاب يوم و ليلة؛ فدخلت علي أبي محمّد عليه السّلام، و أريته ذلك الكتاب، فقلت له: جعلت فداك إن رأيت أن تنظر فيه.
فلما نظر فيه، و تصفحه ورقة ورقة، قال: هذا صحيح، ينبغي أن يعمل به.
فقلت له: الفضل بن شاذان شديد العلة، و يقولون أنّه من دعوتك بموجدتك عليه، لما ذكروا عنه أنّه قال: إنّ وصيّ إبراهيم خير من وصيّ محمّد عجل اللّه تعالي فرجه الشريف؛ و لم يقل جعلت فداك هكذا، كذبوا عليه.
فقال: نعم. رحم اللّه الفضل.
قال بورق: فرجعت، فوجدت الفضل قد توفّي في الأيام التي قال أبو محمّد عليه السّلام: رحم اللّه الفضل».(1)
و عن علمه و فضله روي الكشيّ عن جعفر بن معروف قال: «حدّثني سهل بن بحر الفارسي، قال: سمعت الفضل بن شاذان آخر عهدي به، يقول:
أنا خلف لمن مضي، أدركت محمّد بن أبي عمير، و صفوان بن يحيي، و غيرهما. و حملت عنهم خمسين سنة.3.
ص: 19
و مضي هشام بن الحكم رحمه اللّه، و كان يونس بن عبد الرحمن رحمه اللّه خلفه كان يردّ علي المخالفين. ثمّ مضي يونس بن عبد الرحمن و لم يخلف خلفا غير السكّاك، فردّ علي المخالفين حتي مضي رحمه اللّه. و أنا خلف من بعدهم رحمهم اللّه».(1)
لأبي محمّد الحسن بن حمزة بن عليّ بن عبد اللّه بن محمّد بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام المتوفي سنة 358 ه.
قال النجاشي: «أبو محمّد، الطبري يعرف بالمرعش، كان من أجلاء هذه الطائفة و فقهائها، قدم بغداد، و لقيه شيوخنا في سنة ست و خمسين و ثلاثمائة، و مات في سنة ثماني و خمسين و ثلاثمائة.
له كتب... كتاب في الغيبة».(2)
و قال الشيخ الطهراني: «و كان عند الميرلوحي المعاصر للمولي محمّد باقر المجلسي، كما يظهر من نقله عنه...».(3)
و قال الشيخ النوري الطبرسي رحمه اللّه في خاتمة المستدرك: «... كان عند مير لوحي المعاصر للمجلسي، الساكن معه في أصبهان كتب نفيسة جليلة ككتاب الرجعة للفضل بن شاذان، و الفرج الكبير في الغيبة لأبي عبد اللّه محمّد بن هبة اللّه بن جعفر الورّاق الطرابلسي، و كتاب الغيبة للحسن بن حمزة المرعشي، و غيرها، و لم يطلع عليها المجلسي رحمه اللّه».(4)
ص: 20
للشيخ أبي عبد اللّه محمّد بن هبة اللّه بن جعفر الوراق الطرابلسي.
قال الشيخ منتجب الدين في الفهرست: «فقيه ثقة، قرأ علي الشيخ أبي جعفر الطوسي رحمهما اللّه كتبه و تصانيفه.
و له تصانيف؛ منها: كتاب (الزهد) كتاب (النيات)، كتاب (الفرج).
أخبرنا بها الفقيه أحمد بن محمّد بن أحمد القمي الشاهد العدل، عنه».(1)
و قال الطهراني: «و هو كتاب كبير، و كان عند المير لوحي الموسوي السبزواري المعاصر للمولي محمّد باقر المجلسي، علي ما صرح به في (خاتمة المستدرك) و (النجم الثاقب) و غيرهما. و المير لوحي ينقل عنه في أربعينه الموسوم ب (كفاية المهتدي في أحوال المهدي)».(2)
اسمه: السيد محمّد بن محمّد بن أبي محمّد بن محمّد المصحفي الحسيني السبزواري الملقّب بالمطهّر، و المتخلّص ب (النقيبي). ينتهي نسبه إلي إبراهيم الأصغر بن الإمام موسي بن جعفر عليهما السّلام.
و كان جدّه الأعلي السيد محمّد المصحفي من أعاظم علماء سبزوار، و قد قرأ عليه المير محمّد سعيد بن مسعود الرضوي.
و كان والده محمّد ابن أبي محمّد منبع أسرار معارف التوحيد، و مطلع أنوار معالم التحقيق، عالما، زاهدا، تقيا، جامعا للكمالات الصورية و المعنوية.
و كان والده قد هاجر من سبزوار إلي كربلاء، ثم هاجر منها إلي إيران، و نزل
ص: 21
بأصفهان، و تزوج هناك بابنة بعض مادحي أهل البيت عليهم السّلام الملقّب في شعر ب (لوحي).
و لمّا أولدت بنت لوحي صاحب الترجمة لقّبته بلقب أبيها فعرف بالمير لوحي.
و كان قد تصدي لظاهرة التصوف التي كانت قد خيّمت علي كثير من جوانب الحياة العامة في بدايات العصر الصفوي تحت اسم النقطوية قبل نكبتهم علي يد الشاه عباس و مجزرة قزوين التي حدثت في سنة 1002 هجرية، و قد ذكرنا لمحة في كتابنا (حياة بحر العلوم) أن قضية التصوف التي كانت قد تصدت القضايا في العهد الصفوي الأوّل، و قضي عليها في العصر الصفوي العباسي كانت لها أبعادا سياسية غطيت بالبحوث الشرعية الدينية الرافضة للفكر الصوفي و المحاربة له.
و مع كل ذلك فلم يكن الشارع العام يستجيب بسهولة للإرادة الملكية و يرفض مواقع شيوخ الصوفية و معتقداته بهم، فلذلك كانت الردود القاسية من العامة تجاه أهل الفضل و القلم. و من ذلك ما تحدث عنه المير محمّد زمان في كتابه (صحيفة الرشاد) الذي ألّفة دفاعا عن أستاذه المير لوحي، حيث نقل عنه أنه كتب في كتابه المذكور و هو يتحدث عنه و تاريخ علاقته به إلي أن قال: «و كان ولده المير لوحي يقرأ علي والدي (تهذيب الأحكام) إلي أن رجعا إلي اصفهان، و انقطع عنّي خبر المير لوحي إلي سنين كثيرة حتي سافرت لزيارة العتبات، فصادفني في الطرق بعض الموثقين من أهل اصفهان، فرأيته كثير الهمّ و الحزن لابتلاء عالم جليل في اصفهان بيد جهالها، و إيذاء هؤلاء العوام إيّاه بأنواع الأذي. فلمّا تحققت تبيّن أنّه المير لوحي المذكور، و أن سبب إيذائهم له تبرؤه عن أبي مسلم. و لمّا رجعت عن زيارة العتبات ألّفت هذا الكتاب لأرسله إلي أهل أصفهان، إرشادا لهم، و دفعا لإيذاء جهّالهم عن المير لوحي».(1)
و أمّا محمّد زمان مؤلف صحيفة (الرشاد) فقد قال عنه الحر العاملي في (أمل الآمل): «كان فاضلا، عالما، فقيها، حكيما، متكلما، له كتب منها: شرح0.
ص: 22
القواعد، و قرأ عليه شيخنا زين الدين بن محمّد بن الحسن بن الشهيد الثاني.
و كان يثني عليه بالفضل».(1)
و عن السلافة أنه: «كان من عظماء عصره، توفي 1041 ه».(2)
و لم يكن المير زمان هو الوحيد الذي ألّف كتابا في نصرة المير لوحي و إنما هناك مجموعة كتب ألّفت بيد ثلّة من الفضلاء لنصرته ذكر العلامة الطهراني جملة منها في موسوعته، كما ذكر أن هناك سبعة عشر كتابا قد ألّفت من قبل المناصرين المعاصرين للمير لوحي في اصفهان.(3)
و عدّد الطهراني السبعة عشر كتاب هذه في مكان آخر من موسوعته عن بعض معاصري المير لوحي علي النحو التالي:
1 - إزهاق الباطل.
2 - أسباب طعن الحرمان.
3 - إظهار الحق و معيار الصدق.
4 - أنيس الأبرار. صغير.
5 - أنيس الأبرار. وسيط.
6 - أنيس الأبرار. كبير.
7 - إيقاظ العوام.
8 - خلاصة الفوائد.
9 - درج اللئالي.
10 - صحيفة الرشاد.
11 - صفات المؤمن و الكافر.5.
ص: 23
12 - علة افتراق الأمة.
13 - فوائد المؤمنين.
14 - مثالب العباسية.
15 - مخلصة المؤالفين من سمّ حبّ المخالفين.
16 - مرآة المنصفين.
17 - النور و النار.(1)
و قد أثير أمام نظرنا سؤال أراد أن يجرّنا إلي البحث عن موضوع أبي مسلم الخراساني المروزي مؤسس الخلافة العباسية المولود سنة (100) للهجرة و المقتول علي يد الخليفة المنصور العباسي سنة (137) للهجرة، الذي نبع فجأة في اصفهان بعد ما يقارب الألف سنة من ولادته أو مقتله، و يؤسس منهجا و مدرسة يخشاها العلماء و الفضلاء و يؤلفوا فيها الكتب العديدة، و ينبعث ذلك الهجوم المفتعل من العوام ضدّهم؛ فما هي أسس هذه الظاهرة؟ و من هم أبطالها و شخوصها؟ و ما هي عقائدهم؟ و لماذا أبو مسلم الخراساني بالخصوص المقتول و الميت قبل هذه المئات من السنين؟ و هل كان هناك بالفعل وجود فكري أو عقائدي يحمل ذلك الطابع من التفكير، أم هو من هلوسة الانجرار وراء الطريقة الحشوية بالفكر؟
هذه الأسئلة و غيرها تحتاج إلي أجوبة تنبعث من دراسة الواقع الفكري و العقائدي لمجتمع اصفهان في ذلك العصر.
كما إننا رأينا المير لوحي قد ظهر واضحا في بعض مجلدات الذريعة و هو يحمل بجولاته وصولاته ضد الصوفية و التصوّف الذي كان يحكم الأمة، و كان له موقعه المتنفذ في البلاط الصفوي في ذلك الحين؛ و لم نجد بموقف المير لوحي أية غضاضة لاتجاهه بهذا الاتجاه، و إنما الذي لفت الانتباه معركته الضروس في عدّة5.
ص: 24
كتب ضد العلامة المجلسي الثاني و أبيه المجلسي الأوّل الشيخ محمّد تقي مقصود، و لو اقتصر الأمر علي الحوار و المناقشة لانتهي الموضوع إلي هذا الحدّ، و لكننا وجدنا عدّة كتب يشكك المحققون في مؤلفيها أصرّ اللوحي بنسبتها إلي المجلسي الأوّل، مثل كتاب (الرد علي الصوفية) للمولي محمّد طاهر بن محمّد حسين الشيرازي النجفي القمي المتوفي 1098 ه، حيث نسبه إليه المير لوحي، و ادعي أن المولي محمّد تقي كتب ردّا عليه. و قد أنكر الرد ولده العلامة المجلسي، و علق علي هذه القضية المملوءة بالألغاز و الاستفهامات العلامة الطهراني، فكتب: «و في غاية البعد أن يكتب المولي محمّد طاهر العالم العارف الذي مات بعد المجلسي بما يقرب من ثلاثين سنة ردّا علي المجلسي و يجيب عنه في حال حياته، و يتجاسر عليه بما في هذه الأجوبة من نسبة الغلط، و الكذب، و دعوي الباطل، و إيجاد البدعة، و أمثال ذلك من السّب، و الشتم الذي هو من أعمال السوقيين».(1)
و هكذا بالنسبة إلي كتاب (أصول فصول التوضيح) المختصر من (توضيح المشربين) للمولي محمّد تقي بن مقصود عليّ المجلسي الاصفهاني المتوفي سنة 1070 ه، نسبه إليه معاصره السيد محمّد بن محمّد الحسيني السبزواري المطهر النقيبي الشهير بالمير لوحي، و ذكر أنه رجح المجلسي في (توضيح المشربين) و مختصره هذا مشرب التصوف علي غيره.
و لكنّ العلامة الطهراني صاحب الذريعة علّق علي ادّعاء اللوحي بأن قال: «و لكن يأتي في توضيح المشربين: أن الشيخ عليّ صاحب (الدر المنثور) الذي ألف السهام المارقة في ردّ الصوفية؛ عدّ كتاب توضيح المشربين، و مختصره الأصول المذكور من كتب الردود علي الصوفية».(2)1.
ص: 25
و ذكر الطهراني كتاب (توضيح المشربين) مفصلا في المجلد الرابع من الذريعة، و ملخصه أن الكتاب مؤلف باللغة الفارسية، و رتبه مؤلفه علي ثلاثة و عشرين بابا، و عقد لكل باب أربعة فصول؛ يذكر في الفصل الأوّل كلمات من أبطل طريقة الصوفية وردّ عليهم. كما يذكر في الفصل الثاني كلمات من دافع عن الصوفية و انتصر لهم، و زعم المؤلف أنها من حواشي العلامة المجلسي الأوّل الشيخ محمّد تقي بن مقصود عليّ، و في الفصل الثالث ينقل المؤلف كلمات من يردّ علي المولي المجلسي.
و لم يذكر المؤلف في ذلك الكتاب اسم أحد من المؤلفين له مع كثرة نقولاتهم عنهم إلا ما زعمه أنه من كلام المولي محمّد تقي المجلسي، فمؤلف الكتاب مجهول الاسم و الوصف، و هو ينقل عن كتاب (توضيح المشربين) و هو مجهول الاسم و الوصف أيضا. و لم يذكر إلا المجلسي، مما حفز العلامة الطهراني رحمه اللّه ان يقول:
«فالعدول عنه إلي التصريح باسمه فقط مع التعمية عن أسماء الباقين أشعر بأعمال غرض في هذا التأليف؛ و أن السبب الوحيد الباعث لتأليفه هو انتساب مطالب الحواشي إلي المولي المجلسي، و انتشارها عنه، مع نزاهة ساحته عن نسبة تلك المطالب إليه، بشهادة تصانيفه، و بإخبار ولده العلامة المجلسي، و بعلمنا بأحواله من تفانيه في علم الحديث و بثّه، و شروح الأحاديث و نشرها، و من كونه ملتزما بتهذيب النفس بالتخلية و التحلية، و المجاهدة مع النفس في السير إلي اللّه تعالي علي ما هو مأمور به في الشرع الأقدس لا علي طريقة الصوفية... الخ».(1)
و ينفتح من هذا الباب الحديث عن علاقة اللوحي مع المجلسي الثاني، و هجومه العنيف عليه في كتبه و خصوصا كتابه كفاية المهتدي؛ فما كانت الدوافع و الأغراض من تلك المعركة... هل هي بالفعل تملك الدواعي العلمية و العقائدية؟ مما قد يثير8.
ص: 26
الجواب إذا كان ما يوصلنا إليه البحث العلمي بنعم، أن نؤسس دراسات و أبحاث عن منهج المجلسي في جميع اتجاهاته العلمية، و البحثية... أو قد نصل إلي نتيجة موضوعية أخري تثبت أن هناك أخطاء غير مقصودة كانت في منهج المجلسي لا سامح اللّه تعالي... مما يفتح أمامنا مجالا واسعا للبحث عن الإجابة لسؤال: ما هو؟
و أما إذا قلنا بأن الصراع الذي كان من اللوحي مع المجلسي إنما هو صراع شخصي و من طرف واحد.
فأما كونه من طرف واحد فلم نجد أيّة ردّ فعل من المجلسي تجاه اللوحي، و لم نجد أي ذكر له في جميع ما كتبه المجلسي، و الموجود منها مئات المجلدات من الكتب... بعكس ما وجدناه قد خرج من قلم اللوحي، حيث وجدنا أن أكثر ما كتبه إنما كان موجها أما بالذات، أو بالعرض ضد المجلسي رضي اللّه عنه.
و لكن يبقي السؤال الأخير بدون إجابة، و هو: هل أنّ هناك أغراض و دواعي شخصية للّوحي أنشبت تلك الحرب؟
و أخال أن ضرورة البحث العلمي تفرض علي الباحث الموضوعي أن يدرس الظاهرة كلا غير متجزءة، حيث يدخل فيها الدور السياسي و الإرادة السلطانية للنظام الصفوي، و صراع الإرادات المتنوعة التي وجّهت المعركة بجهتها تلك، و هو موضوع دراسة التصوف في العصر الصفوي و تأثيره علي تطور الفكر الشيعي السلفي و الفلسفي الذي حاول أن يجمعها نفسه العلامة المجلسي الثاني، ففي الوقت الذي يؤلف كتابه البحار فيجمع أحاديث الشيعة فيه، فهو يؤلف مرآة العقول الذي امتلأ بالمطالب الفلسفية و النقولات لأقوال الملا صدرا و صهره الشيخ محمّد صالح المازندراني.
حفظت لنا المكتبات العظيمة جملة من كتبه و مؤلفاته، و بقي القسم الآخر أسماءا مذكورة في تلك الكتب و غيرها من كتب العلماء و المؤلفين الذين ذكروها... و منها:
ص: 27
1 - إدراء العاقلين، و اخزاء المجانين.
ذكره في (كفاية المهتدي) في ذيل الحديث 17.
و موضوعه ردّ علي الصوفية.
و توجد نسخة منه في مكتبة آية اللّه العظمي السيد المرعشي قدّس سرّه في قم المقدسة تحت رقم 389. و قد ذكره الشيخ الطهراني في الذريعة.(1)
2 - أعلام المحبين.
في الرد علي الصوفية أيضا.
و توجد نسخة منه في مكتبة مجلس الشوري في طهران - إيران، في الفهرست: الجزء الثالث: الصفحة 61.
3 - ترجمة أبي مسلم المروزي.
ذكره الطهراني في الذريعة تحت رقم: (735)، و قال: «(ترجمة أبي مسلم المروزي) و هو عبد الرحمن بن مسلم الخراساني صاحب الدعوة، و مؤسس الدولة العباسية... إلي أن يقول: كما ذكره السيد عبد الحسيب ابن السيد أحمد بن زين العابدين العلوي في ظهر كتاب والده السيد أحمد تلميذ المحقق الداماد و صهره الموسوم كتابه ب (اظهار الحق و معيار الصدق) في بيان أحوال أبي مسلم الذي ألّفه (1043) لتأييد المير لوحي المذكور و نصرته... و ملخص ما كتبه بخطه السيد عبد الحسيب علي ظهر الكتاب المذكور هو أنّه لما بين مير لوحي أحوال أبي مسلم من أنّه كان صاحب الدعوة، و مؤسس الدولة العباسية الغاشمة، و لم يكن مواليا للأئمّة الطاهرين، و ذكر الاختلاف في نسبه، و الخلاف في أصله من أنه خراساني مروزي، أو اصفهاني، و ذكر أنه اخذ بسوء عمله فقتله من هو شرّ منه (المنصور) في أوان شبابه سنة (137)، فعظم ذلك علي بعض الناس، فبادروا إلي إيذاء السيد مير لوحي بكلّ جدّ2.
ص: 28
و قوّة، فقام جمع من العلماء المعاصرين له في تقويته لدفع شرّ العوام عنه، و ألّفوا كتبا و رسائل في ذلك... إلي آخر كلامه».(1)
و لكن عبارة الطهراني لا توحي أن الكتاب (ترجمة أبي مسلم) هو من تأليف المير لوحي، بل صريحة بأنه «... لجمع من العلماء المعاصرين للسيد محمّد ابن السيد محمّد الموسوي السبزواري الشهير بمير لوحي نزيل اصفهان، المعاصر للمولي محمّد تقي المجلسي و كان حيا في سنة 1063».(2)
و لكن عدّ في مقدمة كتاب (گزيده كفاية المهتدي) من مؤلفاته.
4 - تنبيه الغافلين.
ردّ علي الصوفية أيضا.
ذكره في كتابه كفاية المهتدي.
5 - ديوان مير لوحي.
ذكر الطهراني رحمه اللّه أنه نسب إليه في تذكرة النصر آبادي، و لكنه لم يره.
6 - رياض المؤمنين و حدائق المتقين.
ذكره في كفاية المهتدي في ذيل الحديث 17، و الحديث 38.
و قيل أنه توجد منه نسخة في المكتبة (وزيري) في يزد - إيران، تحت رقم 953.
7 - زاد العقبي.
أربعون حديثا في فضائل الأئمّة الأطهار عليهم السّلام. و قد ذكره في كفاية المهتدي.
8 - كفاية المهتدي لمعرفة المهدي عليه السّلام.
و قد تقدم الحديث عنه.ق.
ص: 29
9 - مناظرة السيد و العالم.
قال الطهراني رحمه اللّه: «للمير لوحي، و هو السيد محمّد بن محمّد لوحي الموسوي السبزواري الملقب بالمطهر، و المتخلّص بالنقيبي، و المعاصر للمولي محمّد تقي المجلسي، و الجسور عليه.
أوّله: [بخاطر فاتر ميرسد كه تمهيد بساط مناظرة نمايد...].
و النسخة عند السيد محمّد عليّ هبة الدين.
و لعلّ مراده من السيد نفسه، و من العالم المولي المجلسي، و لعلّه (مناظره دانشمند و سيّد) السابق ذكرها».(1)
و كان قد قال قبل ذلك: (مناظره دانشمند و سيّد) فارسي في مكتبة راجه فيض آبادي.
و لعلّه عين (مناظرة السيد و العالم) الآتي.(2)
و من الواضح ان العلامة الطهراني لم ير الكتاب الذي في راجه فيض آبادي في الهند، و لذلك احتمله؛ كما من الواضح أيضا أن منشأ احتماله كان بسبب الاسم و ذلك لأن كلمة دانشمند فارسية بمعني العالم؛ فيكون حينئذ الاسم واحدا.
و مع ذلك فإن مجرد اتحاد الاسم غير كاف لوحدة الكتاب إلاّ بعد المراجعة و التحقق من الموضوع؛ و سوف يبقي ما ذكره تخمينا وظنا (و الظن لا يغني من الحق شيئا).
و آخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين.
السيد ياسين الموسوي5.
ص: 30
صورة
صورة الفصحة الأولي من النسخة المخطوطة (أ) و عليها اسم الكتاب و المؤلف و خطوط بعض العلماء
ص: 31
صورة
صورة الصفحة الأولي من الكتاب النسخة المخطوطة (أ)
ص: 32
صورة
صورة الصفحة الأخيرة من النسخة المخطوطة (أ)
ص: 33
صورة
صورة الصفحة الأولي من النسخة المخطوطة في (كتابخانه مركزي دانشكاه طهران)
ص: 34
صورة
صورة الصفحة الأخيرة من النسخة المخطوطة (ب) في (كتابخانه مركزي دانشكاه طهران)
ص: 35
ص: 36
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام علي أشرف حججه محمّد و آله أجمعين.
أما بعد فيقول المحتاج لرحمة الباري محمّد بن محمد لوحي الحسيني الموسوي السبزواري الملقب بالمطهر و المتخلص بالنقيبي.
لا يخفي علي الضمير المنير لأرباب المعرفة و أصحاب النظر أن حديث:
«من حفظ علي أمّتي أربعين حديثا مما يحتاجون إليه في أمر دينهم بعثه اللّه عزّ و جلّ يوم القيامة فقيها عالما»،(1) من الأحاديث المشهورة و المستفيضة، و يزعم بعض العلماء أنه من الأخبار المتواترة، و لكن علماء الخاصة و العامة قد سجلوه و كتبوه في مصنفاتهم و مؤلفاتهم.
و قد اختلف في بعض ألفاظه؛ فقد ذكر بعض الرواة المؤالفين و النقلة المخالفين بدل [علي أمتي] [عن أمتي]،(2) و كما سطر في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السّلام - باب - ما جاء عن الرضا عليه السّلام من الأخبار المجموعة أنه ذكر [من أمتي].(3)
و قد روي السيد الجليل الحسن بن حمزة العلوي الطبري عليه الرحمة (و هو
ص: 37
الملقب بمرعش، و الذي ينتسب إليه السادة المرعشيون) في كتاب الغيبة بسند صحيح عن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام، عن الرسول المكي المدني صلّي اللّه عليه و آله: [لأمتي].(1)
و يبدو أن حرف [علي] و [من] و [عن] التي دخلت في الروايات المذكورة علي لفظة [أمتي] أنها كانت جميعها بمعني اللاّم الذي ورد في نقل السيد المذكور، و عليه فسوف يكون معني الحديث: كل من يهتم و يحفظ لأمتي أربعين حديثا من الأحاديث التي يحتاجون إليها في أمر دينهم يبعثه اللّه تعالي الموصوف بالعز و الجلال يوم القيامة فقيها و عالما، و هم حجج محمّد و آله أجمعين.
و قد روي جماعة من العلماء في هذا الحديث بدل فيما يحتاجون إليه:
و فيما ينفعهم، كما أن شيخنا الشيخ بهاء الملة والدين محمّد العاملي غفر اللّه له، قال في كتاب الأربعين: «و في بعض الروايات فيما ينفعهم في أمر دينهم، و في بعضها: أربعين حديثا ينتفعون بها، من غير تقييد بأمر الدين».(2)
و قد أورد عدّة من علماء الشيعة و السنة المنسوبين إلي بيهق في كتبهم لفظة [بعثه اللّه] عوضا للفظة [ينشره اللّه].
و قال أسعد بن إبراهيم بن علي الأربيلي - و هو من فضلاء علماءق.
ص: 38
المخالفين - في أربعينه: «كنت سمعت من كثير من مشايخ الحديث أن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: من حفظ علي أمتي أربعين حديثا بعثه اللّه تعالي يوم القيامة فقيها عالما، و من روي عنّي أربعين حديثا كنت شفيعا له يوم القيامة».(1)
و قد تقدم معني هذا الحديث سابقا، و أما بقيته فهي: من روي عني أربعين حديثا كنت شفيعه يوم القيامة.(2)
و قال أسعد بن إبراهيم المذكور - بعد أن نقل الحديث المزبور: قد حفظت من الأحاديث ما شاء اللّه، و لم أعلم إلي أي من تلك الأحاديث هي التي أشار إليها رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إلي أن التقيت بأبي الخطاب بن دحية بن خليفة الكلبي، و سألته، و قال لي في الجواب: أن مراده هي الأحاديث الواردة في حق أهل البيت عليهم السّلام.
و روي ابن دحية المذكور عن أحمد بن حنبل أنه قال: لم أعلم و لم أعرف أحد في زمان الشافعي أعظم منة علي الإسلام من الشافعي، و أنا أطلب من اللّه تعالي في أوقات صلواتي أن يرحمه، فإني قد سمعت منه من ذلك الحين أنه قال: أراد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله من هذه الأربعين المذكورة في هذا الحديث: أربعين حديثا في مناقب أهل بيته.
ثم قال أحمد بن حنبل: فقلت في نفسي من أين صحّ عند الشافعي أن مقصود النبي صلّي اللّه عليه و آله من هذه الأربعين هي الواردة في مناقب أهل البيت الطاهرين؟ فرأيت النبي صلّي اللّه عليه و آله في المنام أنه قال:
يا أحمد لا تشك في قول ابن إدريس، يعني الشافعي.(3)ط.
ص: 39
فمع أن الشافعي و أحمد بن حنبل من الأئمّة الأربعة للنواصب فإنهما يقولان بهذا المعني: أن من حفظ أربعين حديثا من أحاديث الرسول صلّي اللّه عليه و آله التي جاءت في مناقب الأئمّة الطاهرين صلوات اللّه عليهم فإنه يبعث يوم القيامة من الفقهاء و العلماء، و يحشر مع قوم مداد دواتهم مفضلة علي دماء الشهداء.
و كل من روي أربعين حديثا مما وردت في شأن أولئك المنتجبين من الملك المنان فإنه ينال شفاعة الرسول صلّي اللّه عليه و آله في يوم القيامة.
و من الطبيعي فإنه لا يوجد عند شيعة و محبي أمير المؤمنين في هذا المعني أي شك أو شبهة.
و أوضح حجة عند البرايا إذا كان الشهود هم الخصوم
و نجد كثيرا من مخالفي المعصومين عليهم السّلام أنهم اتفقوا معهم في هذا المعني، و مع ما عندهم من تمام عدم الإنصاف فإنهم قطعوا في هذا الباب عدة مراحل من مراحل الإنصاف.
و بالجملة فقد وصلت إلي مرأي هذا الأحقر الصغير رواية الحديث المذكور من طرق مختلفة، و أسانيد متنوعة، و هي موجودة في الكتب المعتبرة، و كذلك ما سمعه من مشايخه رحمهم اللّه بحيث لو سجلت جميعها فسوف يتعدي الكلام حد الإطناب، فيولد ملل للقراء و المستمعين.
و من الواضح أنه لا يشك أحد من شيعة إمام المتقين في أن معرفة و محبة الأئمّة الطاهرين عليهم السّلام، و الإطلاع علي فضائلهم و مناقبهم هي من أمر الدين. و أنّ جميع أمة سيد الأنبياء، بل جميع العالم محتاج إليهم و ينتفع بهم.
و علي كل حال، فعلي أي عبارة كان نقل الحديث المذكور فإنه يرجع إلي المعني المسفور، و لهذا فقد كان أوّل أربعين أقدم هذا الضعيف علي جمعها هو الأربعين حديث الموسومة ب (زاد العقبي في مناقب الأئمّة الأوصياء)، و قد جعلته ذخيرة للمعاد، و واسطة أمل يوم التناد.
ص: 40
و مع أن ذلك الكتاب لم يخل من مناقب و فضائل و خصائص و خصال خاتم الأوصياء و آخر حجج اللّه تعالي عليه التحية و الثناء، فقد طلب منّي حفظ و تأليف و ترديف و ترصيف أربعين مستقلة في صفات و سمات و براهين و معجزات و أحوال حسن المآل لمنتجب الملك المتعال، لتسر بمطالعته و قراءته و سماعه القلوب السليمة لمحبي أهل البيت، و هم من العامة الذين لم يدروا و لم يقسم لهم من علو معرفة ذلك الإمام ذو المقام العالي، بحيث يتصورون أنه عليه السّلام...(1) عند بعض الملالي؛ ليعرضوا حضرته عليه السّلام و يقفوا علي علو رتبته و سمو درجة هذا السيد العظيم حتي لا يكون موتهم موتة جاهلية، لأن في المشهور بل المتواتر عن الرسول الأعظم صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «من مات و لم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية».(2)
يعني: أن حكمه حكم من لم يعاصر الإسلام و زمان الإسلام، و يعد ضمن من مات كافرا.
فأوقعت هجومات علائق و عوائق الزمان و مصائب و نوائب الدهر غير الدائم تلك الإرادة في حيز التأخير إلي أن سألني في هذه الأيام الشريفة بعض من خواص و عوام الشيعة عن غيبة و رجعة ذلك الملك مركز الإمامة و الخلافة عليه السّلام، و التمس جمع من صلحاء المؤمنين، بل ألحّوا بحروف الاقتراح علي رقاع إلحاح من هذا الغريق في بحر الاضطراب عدد كلمات من مخزون ذهنه الخامل أو من بطون سواد الدفاتر فتصل بإعانة زبدة الخضاض إلي رياض البياض...
ص: 41
و لما كانت الموانع كثيرة فقد تأخر هذا الضعيف المنكسر في القيام بهذا الأمر، و من جملة تلك الموانع أن هذا الحقير معدم و فقير، و قد قال الحكماء: إذا كان الرجل عديم المال و مفلس الحال فلو أنه نثر الدر عند تكلمه فسوف يحسب العوام كلامه بلا فائدة و يعدون فضائله رذائل، بل يعرّفونها بأقبح الخصائل؛ بينما الغني له المرتبة العالية حتي و لو كان خال من الغنا، و إن قال كلاما لا معني له فإنهم يؤولونه و يضعون له تعليلا جميلا و مقبولا، و يرون عيوبه كمالا و قبائحه مرغوبا فيها، و قالوا في هذا المقام تأكيدا للمرام:
إن سعل الموسر في مجلس قيل له يرحمك اللّه
لو عطس المعسر في مجمع سب و قيل فيه ما ساه
فمهما كان الغني جاهلا فإن كلامه مقبول و معتبر عند الناس، فلو رأوا عند شخص الثروة و التفكر فبطريق أولي أن كلامه عندهم سوف يكون ذا رتبة عالية، و معتبرا.
و بالخصوص عندما يكون العامة معتقدين بمثل هذا الموسر، و متنفرين عن مثل هذا الفقير المعسر لقوله الحق، فسوف يكون من الصعب قبول كلام هذا الوضيع، و الالتفات إلي تأليف هذا الضعيف.
و قال العرفاء: و لا يغفل أن العامة تقول بقول من تحب و لو كان قوله و عمله غير صائب، و يردّون علي كل من يعرضون عنه كلما قال و فعل.
و قال هذا الضعيف المنكسر في هذا المعني شعرا:
إذا مال العوام إلي خطيب فكل سخيف قال قيل لطيف
و من رغبوا عنه، كل لطيف روي قالوا هو قول سخيف
و قد اشتهر أن جناب المرحوم المغفور له الملاّ خزاني (و هو من فصحاء الشعراء و من مشاهير مدّاحي ملك الأولين) كان يبالغ بلا حدود في التجمل و زينة الجسم و يهتم بتزويق البدن، فكان إذا مشي في الأزقة و السوق
ص: 42
فإنه يركب الدابة السريعة و كان يكثر الالتفات إلي سائق الدابة و مرافقيه و أتباعه؛ فحينها قال له العالم الرباني أعني المحقق المؤيد بتأييد حضرة ذي الجلال الشيخ علي بن عبد العال رحمه اللّه: حضرة مولانا! إنك تعلم أن مولانا و مولاكم كان يلبس الثوب المرقع، و يساوي في لبس قميصه غلامه قنبر، و لا تظن أن مرادي من هذا الكلام أن لبس الألبسة الفاخرة غير جائز، أبدا، و إنما موضوع التحقق هو: ألم يكن هذا التزين خارجا عن الحدّ المعفو عنه في الزينة، و من التشبه بأهل التجبر و التعالي، فلماذا كل هذا؟!
فقال الملاّ الموما إليه في جواب الشيخ المحترم: إنما هذا من أجل دفع شماتة أعداء اللّه، و هو ميزان التقدير و الاهتمام في نظر الناس في باطنهم الأعمي؛ و أنشأ بديهة هذين البيتين من الذهن المعطر بلسان البلاغة و أنشد علي ذلك المقدم في محافل المعارف.
خلق ظاهر بين اكر بينند بشمين مي نمايندم كه باب سارباني آمده
با عصاي نقره و با كش و فشهر مي جهند از جا كه مولانا خزاني
و من هذا كان رسم و عادة أكثر العالم أن ينظروا إلي الظاهر، فيتبع بعضهم البعض الآخر في الأوامر.
و لا شك في هذا، و الدليل عليه حكاية الشيخ محمد علي المشهدي و عبد اللّه المتجنن، فإنها كافية للعاقل.
ففي الواقع أنه لم يكن في أصفهان أفضل، و أعبد، و أعلم، و أزهد، من الشيخ محمّد علي المذكور، فهذا التعلق للعامة به، لماذا لم يكن لأي أحد من فضلاء و علماء و زهاد و عبّاد عصره؟
و إن جماعة من أهل الخبرة المطّلعين علي حال رائد قافلة الضلالة و يعلمون أن مركز ذلك مخرب الدين يقوم علي الافتراء علي اللّه تعالي و المصطفي و الأئمّة المعصومين، و الغناء و الإنشاد في المسجد.
ص: 43
و مع أن مجموعة كبيرة من عدول المؤمنين و ثقات أهل الدين قد نظّموا ضبطا في كفره، فإنه لم يرجع أحد من المخدوعين عنه، بل ازداد حبهم لذلك الشيطان الإنسي علي المقدار السابق، فما هي علاقة العامة بأقوال علماء الدين و المضبطة؟
إنهم ينظرون إلي قطيع الإبل، و إسطبل الخيل و البغال.
جه توان كرد تا جهان بوده اين طريق جهانيان بوده
إنهم أوقعوا أنواع الأذي علي نوح النبي عليه السّلام، و اعتقدوا و آمنوا بعجل السامري، و نسبوا حبيب اللّه للجنون و أنه شاعر و كذاب و ساحر، و ساوّوه مع مسيلمة الكذاب.
جه كنم ديده جهان كور است جون زيم كوش روزكار كر است
شكر و قند را رواجي نيست روز بازار شغلم و كزر است
و عندما رأي أهل الزمان ملا مكّارا، أو أحد العامة منحرف الفكر، و منحرف العمل مالوا إلي عبد اللّه المتجنن، و ارتضوا هذا الملعون صانع مقالات الكفر الذي هو أخس من الجيفة، و الحيوانات الميتة، و من كلب الكافر و التتار، لمقام الولاية و القطبية، و العوام ينخدعون كالأنعام، و لذلك فقد عدوا سيء الحظ الفاسد العقيدة المحتال من الأولياء.
جه توان كرد قحط إنسان است عرصه دهر برز كاو و خر است
خر و كوهر شناختن هيهات بيش خر كاه و جو، به از كهر است
خر به تعليم مي شود انسان؟ لا نسلم خر كاه هميشه خر است
ما تريده الدنيا أن يكون يكون، فهو محتال خداع مكّار؛ و كل ذكي يريد الاطلاع علي حال ذلك الشيخ الشيطان فليطالع كتاب (نصيحة الكرام أو فضيحة اللئام لسماحة المفيد المفيض واحد الأيام محمّد بن نظام الدين
ص: 44
محمّد المشهور بعصام الذي انتخبه من كتاب جناب مرجع العدل و المؤيد بالتأييدات سماحة المقتدر الملاّ محمّد طاهر)، و قد أضاف إليه مقدارا يسيرا.
و إذا أراد أحد أن يعرف هذا المتجنن الملحد فليراجع رسالة (إدراء العاقلين و إخزاء المجانين) فإنها أقل ما كتب بما أراه النظر.
و بالإجمال فإن العوام كالأنعام بعدم تمييزهم بين الحنظل عن حلاوة العسل، و بين الأهداب و الشوك و من الخفاش معرفة الشمس، و يقاس الماء بالغربال.
و لهذا تهاملت في كتابة هذه الرسالة إلي أن رأيت في ليلة الرابع عشر من شهر شعبان سنة ألف و واحد و ثمانين رؤية حصلت علي تأويلها في أوائل النهار المتصل بتلك الليلة، و أمرت بكتابة هذه الرسالة؛ فكان أكثر توجهي منصبا علي حفظ أربعين حديثا، و ألزمت نفسي علي قدر الوسع و الإمكان أن أنقل كل حديث انفرد به الفضل بن شاذان عليه الرحمة و الغفران و لا يوجد له مؤيدا لذلك الحديث.
و سميت هذه الأربعين بكفاية المهتدي في معرفة المهدي.
و التوكل علي اللّه المجيد
***
ص: 45
قال الشيخ الكامل العادل العابد الزاهد المتكلم الخبير الفقيه النحرير النبيل الجليل أبو محمّد الفضل بن شاذان بن الخليل - برد اللّه مضجعه و جعل في الفردوس إلي الأئمّة الطاهرين مرجعه - في كتابه الموسوم بإثبات الرجعة:
حدثنا محمد بن إسماعيل بن بزيع رضي اللّه عنه قال: حدثنا حماد بن عيسي، قال: حدثنا إبراهيم بن عمر اليماني، قال: حدثنا أبان بن أبي عياش، قال:
حدثنا سليم بن قيس الهلالي، قال:
قلت لأمير المؤمنين عليه السّلام: إني سمعت من سلمان و المقداد و أبي ذر شيئا من تفسير القرآن و الأحاديث عن النبي صلّي اللّه عليه و آله غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعته منهم، و رأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن و الأحاديث عن النبي صلّي اللّه عليه و آله و أنتم تخالفونهم فيها و تزعمون أن ذلك كله باطل، أفتري الناس يكذبون علي اللّه و رسوله صلّي اللّه عليه و آله متعمدين، و يفسرون القرآن بآرائهم؟
قال: فقال علي عليه السّلام: قد سألت فافهم الجواب، إن في أيدي الناس حقا و باطلا، و صدقا و كذبا، و ناسخا و منسوخا، و خاصا و عاما، و محكما و متشابها، و تحفظّا و توهمّا، و قد كذب علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في عهده حتي قام خطيبا، فقال: أيّها الناس قد كثر الكذب عليّ، فمن كذب عليّ متعمدا
ص: 46
فليتبوأ مقعده من النار، ثم كذب عليه من بعده أكثر مما كذب عليه في زمانه، و إنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس:
رجل منافق يظهر للإيمان، متصنّع بالإسلام، لا يتأثّم و لا يتحرّج أن يكذب علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله متعمّدا، فلو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه و لم يصدقوه، و لكنهم قالوا: هذا رجل من أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله رآه و سمع منه، فأخذوا عنه و هم لا يعرفون حاله، و قد أخبر اللّه عن المنافقين بما أخبر، و وصفهم بما وصف، فقال عزّ و جلّ: وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ ،(1) ثمّ تقربوا بعده إلي الأئمّة الضّالة، و الدعاة إلي النار بالزور و الكذب و البهتان، فولّوهم الأعمال و حملوهم علي رقاب الناس و أكلوا بهم الدنيا، و إنما الناس مع الملوك و الدنيا إلا من عصمه اللّه تعالي، فهذا أحد الأربعة.
و رجل آخر سمع من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله شيئا و لم يحفظه علي وجهه، و وهم فيه، و لم يتعمد كذبا، فهو في يده، يقول به و يعمل به و يرويه، و يقول:
أنا سمعته من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فلو علم المسلمون أنّه وهم لم يقبلوه، و لو علم هو أنه وهم لرفضه.
و رجل ثالث سمع من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله شيئا أمر به ثم نهي عنه، أو سمعه نهي عن شيء ثم أمر به و هو لا يعلم، فحفظ منسوخه و لم [يعلم](2) الناسخ، فلو علم أنّه منسوخ لرفضه، و لو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.
و رجل رابع لم يكذب علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و هو مبغض للكذب خوفا من اللّه تعالي و تعظيما لرسوله صلّي اللّه عليه و آله [لم ينس]،(3) بل حفظ ما سمع عليه.
ص: 47
وجهه، فجاء به لم يزد فيه و لم ينقص منه، و علم الناسخ و المنسوخ، فعمل بالناسخ و رفض المنسوخ، و يعلم أن أمر النبي صلّي اللّه عليه و آله كأمر القرآن، و فيه كما في القرآن ناسخ و منسوخ، و خاص و عام، و محكم و متشابه، و قد كان يكون من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الكلام له وجهان، كلام عام و كلام خاص مثل القرآن، قال اللّه تبارك و تعالي: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ،(1) فاشتبه علي من لم يعرف و لم يدر ما عني اللّه به و رسوله صلّي اللّه عليه و آله.
و ليس كل أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله كان يسأله عن الشيء، و كل من يسأله عن الشيء فيفهم، و كل من يفهم يستحفظ، و قد كان فيهم قوم لم يسألوه عن شيء قط، و كانوا يحبّون أن يجيء الأعرابي الطارئ أو غيره فيسأل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و هم يستمعون.
و كنت أدخل عليه صلّي اللّه عليه و آله في كل يوم دخلة، و في كل ليلة دخلة، فيخليني فيها يجيبني بما أسأل، و أدور معه حيث دار، قد علم أصحاب رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري، و ربما كان يأتيني رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله في بيتي، و كنت إذا دخلت عليه في بعض منازله أخلاني و أقام عني نساءه فلا يبقي عنده غيري، و إذا أتاني للخلوة لم يقم عني فاطمة و لا أحد من بنيّ، و كنت إذا سألته أجابني، و إذا سكتّ و نفدت مسائلي ابتدأني، فما نزلت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله آية من القرآن إلا أقرأنيها و أملاها عليّ فكتبتها بخطي و علمني تأويلها و تفسيرها و ناسخها و منسوخها و محكمها و متشابهها و خاصها و عاما و ظهرها و باطنها، و دعا اللّه أن يعطيني فهمها و حفظها، فما نسيت آية من كتاب اللّه و لا علما أملاه علي، و ما ترك شيئا علّمه اللّه من حلال أو حرام أو أمر أو نهي أو طاعة أو معصية أو شيء كان أو يكون و لا كتاب7.
ص: 48
منزل علي أحد من قبله إلا علّمنيه، و حفظته فلم أنس حرفا واحدا منها، و كان رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله إذا أخبرني بذلك كله وضع يده علي صدري و دعا اللّه لي أن يملأ قلبي علما و فهما و حكما و نورا، و كان يقول: اللهم علمّه و حفّظه و لا تنسه شيئا مما أخبرته و علّمته.
فقلت له ذات يوم: بأبي أنت و أمي يا رسول اللّه! منذ دعوت اللّه بما دعوت لم أنس شيئا، و لم يفتني شيء مما علّمتني، و كلما علّمتني كتبته، أفتتخّوف عليّ النسيان؟
فقال: يا أخي لست أتخوّف عليك النسيان، إني أحب أن أدعو لك، و قد أخبرني اللّه تعالي أنه قد أجابني فيك و في شركائك، الذين قرن اللّه عزّ و جلّ طاعتهم بطاعته و طاعتي، و قال فيهم: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ .(1)
قلت: من هم يا رسول اللّه؟
قال: الذين هم الأوصياء بعدي، و الذين لا يضرهم خذلان من خذلهم، و هم مع القرآن و القرآن معهم، لا يفارقونه و لا يفارقهم حتي يردوا عليّ الحوض، بهم تنصر أمتي و بهم يمطرون، و بهم يدفع البلاء، و بهم يستجاب الدعاء.
قلت: سمّهم لي يا رسول اللّه!
قال: «أنت يا عليّ أولهم، ثم ابني هذا، و وضع يده علي رأس الحسن، ثم ابني هذا، و وضع يده علي رأس الحسين، ثم سميك ابنه علي زين العابدين، و سيولد في زمانك يا أخي فاقرأه مني السلام، ثم ابنه محمّد الباقر، باقر علمي و خازن وحي اللّه تعالي، ثم ابنه جعفر الصادق، ثم ابنه موسي الكاظم، ثم ابنه علي الرضا، ثم ابنه محمّد التقي، ثم ابنه علي النقي، ثم ابنه9.
ص: 49
الحسن الزكي، ثم ابنه الحجة القائم، خاتم أوصيائي و خلفائي، و المنتقم من أعدائي، الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما».
ثم قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «و اللّه إني لأعرفه يا سليم حين يبايع بين الركن و المقام، و أعرف أسماء أنصاره و أعرف قبائلهم».
قال محمّد بن إسماعيل: ثم قال حماد بن عيسي: قد ذكرت هذا الحديث عند مولاي أبي عبد اللّه عليه السّلام، فبكي و قال: قد صدق سليم، فقد روي لي هذا الحديث أبي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن عليّ عليهم السّلام أنه قال: قد سمعت هذا الحديث عن أبي أمير المؤمنين عليه السّلام حين سأله سليم بن قيس.(1)
روي الشيخ المذكور في الكتاب المزبور بسند خال عن الخلل الذي هو في الحقيقة سند صحيح عال، عن سليم بن قيس الهلالي.
و روي أكثر هذا الحديث الشريف محمّد بن يعقوب الكليني قدّس سرّه في كتاب الكافي،(2) كما رواه بتمامه ابن بابويه رحمه اللّه في أواخر كتاب الاعتقادات(3) مع قليل من الزيادة و النقص و الاختلاف في بعض عباراته.
و قد حصل لزمرة المؤمنين و كافة الموقنين من هذا الحديث الشريف فوائد، بل يمكن لسائر المذاهب أن يحصلوا علي هذه الفوائد إذا توجهوا بالإنصاف و تركوا التعصب و الباطل جانبا.ه.
ص: 50
و من تلك الفوائد: أن يصم أهل الخلاف، و يزيد يقين أرباب اليقين بأن خلفاء حضرة سيد المرسلين منحصرون بالأئمّة المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين.
و الفائدة الثانية: أن في القرآن و أحاديث الرسول صلّي اللّه عليه و آله ناسخ و منسوخ، و خاص و عام و محكم و متشابه.
و الفائدة الثالثة: أن للقرآن ظاهرا و باطنا، و ليعلم أنه يقال للمعاني الباطنية للقرآن تأويل، و علمه مخصوص باللّه تبارك و تعالي و النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمّة الإثني عشر عليهم السّلام، ليس لغيرهم أن يطلع عليه، و يكفي شاهدا علي هذا المدعي الآية الكريمة: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ .(1)
***7.
ص: 51
قال الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه رحمة اللّه عليه و علي والديه في كتاب كمال الدين و تمام النعمة:
حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي اللّه عنه عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول:
أنشدت مولاي الرضا علي بن موسي عليه السّلام قصيدتي التي أولها:
مدارس آيات خلت من تلاوة و مهبط وحي مقفر العرصات
فلما انتهيت إلي قولي:
خروج إمام لا محالة خارج يقوم علي اسم اللّه و البركات
يميز فينا كل حق و باطل و يجزي علي النعماء و النقمات
بكي الرضا عليه السّلام بكاءا شديدا، ثم رفع رأسه إليّ فقال [لي]: يا خزاعي نطق روح القدس علي لسانك بهذين البيتين، فهل تدري من هذا الإمام و متي يقوم؟
فقلت: لا يا مولاي إلا أني سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد و يملأها عدلا.
فقال: يا دعبل، الإمام بعدي محمّد ابني، و بعد محمّد ابنه عليّ، و بعد عليّ ابنه الحسن، و بعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل اللّه عزّ و جلّ ذلك اليوم حتي يخرج فيملأها عدلا كما ملئت جورا.
ص: 52
و أما متي فإخبار عن الوقت، و قد حدثني أبي، عن أبيه، عن آبائه عليهم السّلام أن النبي صلّي اللّه عليه و آله قيل له: يا رسول اللّه! متي يخرج القائم من ذريتك؟
فقال صلّي اللّه عليه و آله: «مثله مثل الساعة التي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً (1)».(2)
و هناك أحاديث كثيرة في هذا المعني غير هذا الحديث؛ كما إن ظهور حضرة صاحب الزمان عليه السّلام لا يعلمه أحد إلا رب العالمين جلّ جلاله، و قد أورد محمّد بن يعقوب الكليني رحمة اللّه عليه في كتاب الكافي بابا من هذا الموضوع بأنه لا يعلم وقت ظهور حضرة خاتم الأوصياء أحد إلا اللّه تعالي، و سمّي هذا الباب (باب كراهية التوقيت).(3)
و قد وضع ابن شاذان عليه الرحمة و الغفران في كتاب (إثبات الرجعة) بابا مشتملا علي هذا النحو من الأحاديث سماه باب (شدّة النهي عن التوقيت).
و أحد تلك الأحاديث التي رواها الشيخ الجليل القدر، قال: حدثنا محمّد بن أبي عمير رضي اللّه عنه عن حماد بن عيسي عن أبي شعبة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه محمّد بن عليّ عن أبيه عليّ بن الحسين عن عمه الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام.
قال: سألت جدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن الأئمّة بعده، فقال صلّي اللّه عليه و آله: «الأئمّة بعدي عدد نقباء بني إسرائيل إثني عشر، أعطاهم اللّه علمي و فهمي، و أنت منهم يا حسن». فقلت: يا رسول اللّه فمتي يخرج قائمنا أهل البيت؟
قال: «يا حسن إنما مثله مثل الساعة أخفي اللّه علمها علي أهل السموات و الأرض لا تأتي إلا بغتة».(4)).
ص: 53
يعني كما أنه لا يعلم متي تقوم القيامة أحد إلا اللّه رب العالمين، فكذلك لا يعلم أحد إلا الملك المنان متي سوف يكون وقت ظهور صاحب الزمان عليه السّلام.
و قال الشيخ أبو جعفر الطوسي (رضوان اللّه عليه) في كتاب الغيبة: أمّا وقت خروجه فليس بمعلوم لنا علي التفصيل، بل هو مغيّب عنا إلي أن يأذن اللّه بالفرج.(1)
و نقل عدّة أحاديث في هذا الباب قد انتهت أسانيدها إلي ابن شاذان (رحمة اللّه عليه) المذكور.
و هي موجودة مع أحاديث أخري في هذا المعني في كتاب إثبات الرجعة، و من جملتها قال الشيخ أبو جعفر:
أخبرنا الحسين بن عبيد اللّه عن أبي جعفر محمّد بن سفيان البزوفري عن عليّ بن محمّد عن الفضل بن شاذان عن أحمد بن محمّد و عبيس [بن هشام] عن كرام عن الفضيل قال:
سألنا أبا جعفر عليه السّلام: هل لهذا الأمر وقت؟
فقال عليه السّلام: «كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون».(2)
و روي أيضا عن ابن شاذان بهذا الطريق: الفضل بن شاذان، عن الحسين بن يزيد الصحاف، عن منذر الجوّاز، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كذب الموقّتون، ما وقتنا فيما مضي، و لا نوقت فيما يستقبل».(3)
و روي ابن شاذان هذا الحديث بعدّة أسانيد صحيحة.
و قال الشيخ الطوسي بعد أن ذكر هذا الحديث: و بهذا الإسناد عن عبد الرحمن بن كثير قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام إذ دخل عليه مهزم الأسدي، فقال: أخبرني جعلت فداك متي هذا الأمر الذي تنتظرونه، فقد طال؟2.
ص: 54
فقال: «يا مهزم! كذب الوقّاتون، و هلك المستعجلون، و نجا المسلّمون، و إلينا يصيرون».(1)
و قد روي الشيخ أبو محمّد بن شاذان في هذا الباب عدة روايات.
كما وقع في توقيعين أن حجة الرحمن عليه السّلام نفسه قد قال بأن التوقيت كذب.
أحدهما: قال ابن بابويه رحمة اللّه عليه في كتاب كمال الدين: حدثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق [الطالقاني] رضي اللّه عنه قال: سمعت أبا علي [محمّد] بن همام، يقول:
سمعت محمّد بن عثمان العمري قدس اللّه روحه يقول: خرج التوقيع بخط أعرفه يقول: «من سمّاني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة اللّه».
قال أبو عليّ [محمّد] بن همام: و كتبت أسأله عن [ظهور] الفرج متي يكون؟
فخرج التوقيع: «كذب الوقّاتون».(2)
و قال سماحة سيد المجتهدين الأمير محمّد باقر الداماد رحمه اللّه بعد أن نقل هذا الحديث في كتاب (شرعة التسمية): (و هذه الرواية بعينها قد رواها شيخنا الإمام المفيد، و شيخنا الأعظم الطوسي، و الشيخ المفسر الطبرسي قدس اللّه أسرارهم بأسانيدهم الصحيحة).(3)
و المحل الثاني الذي وقع فيه التوقيع ما رواه: ابن شاذان و ابن بابويه و الشيخ الطوسي و الشيخ الطرابلسي رضوان اللّه عليهم أجمعين بأسانيدهم، و نحن نكتفي بسند واحد و نقل فقرة منه رعاية للاختصار هنا.
روي ابن بابويه رحمة اللّه عليه عن محمّد بن محمّد بن عصامم.
ص: 55
الكليني رضي اللّه عنه قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمّد بن عثمان العمري رحمه اللّه(1) أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ، فورد التوقيع(2) الجواب، و بالإجمال فكان من جملة تلك المسائل أنه سأل عن وقت ظهوره عليه السّلام، فكتب عليه السّلام في جواب هذا السؤال: «و أمّا ظهور الفرج فإنه إلي اللّه تعالي و كذب الوقّاتون».(3)
يعني: أمّا ظهور الفرج فإنه متعلق بإرادة و مشيئة الحق تعالي و كذب الوقّاتون.
و قد ذكرنا قبل هذا أن ابن شاذان عليه الرحمة و الغفران قد روي أحاديثا في هذا الباب غير تلك التي رواها الشيخ أبو جعفر الطوسي قدّس سرّه.
و أحدها: قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أبي نجران رضي اللّه عنه عن عاصم بن حميد عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لأمير المؤمنين عليه السّلام: «يا عليّ إن قريشا ستظهر عليك ما استبطنته، و تجتمع كلمتهم علي ظلمك و قهرك، فإن وجدت أعوانا فجاهدهم، و إن لم تجد أعوانا فكف يدك و أحقن دمك، فإن الشهادة من ورائك، فاعلم أن ابني ينتقم من ظالميك و ظالمي أولادك و شيعتك في الدنيا، و يعذبهم اللّه في الآخرة عذابا شديدا.
فقال سلمان الفارسي: من هو يا رسول اللّه؟
فقال: التاسع من ولد ابني الحسين الذي يظهر بعد غيبته الطويلة، فيعلن2.
ص: 56
أمر اللّه و يظهر دين اللّه و ينتقم من أعداء اللّه و يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملأت جورا و ظلما.
قال: متي يظهر يا رسول اللّه؟
قال صلّي اللّه عليه و آله: لا يعلم ذلك إلا اللّه، و لكن لذلك علامات، منها نداء من السماء، و خسف بالمشرق، و خسف بالمغرب، و خسف بالبيداء.
و السلام علي من اتبع الهدي».(1)
و قال ابن بابويه رحمة اللّه عليه في كتاب (كمال الدين و تمام النعمة):
حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطار، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النيشابوري، عن حمدان بن سليمان، قال: حدّثنا الصقر بن أبي دلف، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الرضا عليهما السّلام يقول:
«إن الإمام بعدي ابني عليّ، أمره أمري و قوله قولي و طاعته طاعتي، و الإمام بعده ابنه الحسن، أمره أمر أبيه، و قوله قول أبيه، و طاعته طاعة أبيه، ثم سكت.
فقلت له: يا ابن رسول اللّه فمن الإمام بعد الحسن؟
فبكي عليه السّلام بكاءا شديدا، ثم قال: إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر.
فقلت له: يا ابن رسول اللّه لم سمّي القائم؟
قال: لأنه يقوم بعد موت ذكره، و ارتداد أكثر القائلين بإمامته.
فقلت له: و لم سمّي المنتظر؟
قال: لأنّ له غيبة تكثر أيامها، و يطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، و ينكره المرتابون، و يستهزئ بذكره الجاحدون، و يكذب فيها الوقّاتون، و يهلك فيها المستعجلون، و ينجو فيها المسلّمون».(2)3.
ص: 57
و نقل ابن شاذان هذا الحديث بلا واسطة عن الإمام عليه السّلام باختلاف قليل ببعض ألفاظه، مع أحاديث أخري، ثم قال:
قد تحقق من هذه الأخبار و أمثالها أن وقت ظهوره مغيّب عن الخلق و لا يعلمه إلا اللّه.
و قال الحسن بن حمزة العلوي الطبري في كتاب الغيبة: قال أبو عليّ محمّد بن همام رضي اللّه عنه في كتابه (نوادر الأنوار): حدّثنا محمّد بن عثمان بن سعيد الزيات رضي اللّه عنه، قال: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمّد عليه السّلام عن الخبر الذي روي عن آبائه عليهم السّلام: «أن الأرض لا تخلو من حجة للّه تعالي علي خلقه إلي يوم القيامة، فإن من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.
فقال: إن هذا حقّ كما أن النهار حقّ.
فقيل له: يا ابن رسول اللّه فمن الحجة و الإمام بعدك؟
قال: ابني هو الإمام و الحجة بعدي، من مات و لم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما أنّ له غيبة يحار فيها الجاهلون، و يهلك فيها المبطلون، و يكذب فيها الوقّاتون، ثم يخرج كأني انظر إلي الأعلام التي تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة».(1)ث.
ص: 58
فيعلم من هذه الأحاديث أن الشيخ الطوسي و ابن بابويه و محمّد بن يعقوب الكليني و الشيخ النيشابوري(1) (و هو متقدم عليهم لأنهم من العلماء المتأخرين عنه) و النبي صلّي اللّه عليه و آله و الأئمّة الإثني عشر عليهم السّلام لم يدروا وقت ظهور صاحب الزمان عليه السّلام، و لا يعلم به نفس صاحب الأمر صلوات اللّه عليه أيضا.
***ن.
ص: 59
قال الصدوق رحمه اللّه في كتاب كمال الدين و تمام النعمة: حدثنا [محمّد بن](1) موسي بن المتوكل قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفي، قال:
حدّثنا موسي بن عمران النخعي، عن عمّه الحسين بن يزيد [النوفلي]،(2) عن الحسن بن عليّ بن حمزة، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمّد، [عن أبيه](3)
عن آبائه [عن أمير المؤمنين عليهم السّلام](4) قال:
قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: حدثني جبرئيل، عن رب العزّة جلّ جلاله أنه قال: من علم أن لا إله إلا أنا وحدي، و أن محمّدا عبدي و رسولي، و أن عليّ بن أبي طالب خليفتي، و أن الأئمّة من ولده حججي، أدخلته(5) الجنّة برحمتي، و نجّيته من النار بعفوي، و أبحت له جواري، و أوجبت له كرامتي، و أتممت عليه نعمتي، و جعلته من خاصّتي و خالصتي، إن ناداني لبيته، و إن دعاني أجبته، و إن سألني أعطيته، و إن سكت ابتدأته، و إن أساء رحمته، و إن فرّمني دعوته، و إن رجع إليّ قبلته، و إن قرع بابي فتحته.
ص: 60
و من لم يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي، أو شهد بذلك و لم يشهد أنّ محمّدا عبدي و رسولي، أو شهد بذلك و لم يشهد أن عليّ بن أبي طالب خليفتي، أو شهد بذلك و لم يشهد أن الأئمّة من ولده حججي، فقد جحد نعمتي، و صغّر عظمتي، و كفر بآياتي، و كتبي، و رسلي؛ إن قصدني حجبته، و إن سألني حرمته، و إن ناداني لم أسمع نداءه، و إن دعاني لم أستجب دعاءه، و إن رجاني خيّبته، و ذلك جزاؤه منّي و ما أنا بظلام للعبيد.
فقام جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ فقال: يا رسول اللّه، و من الأئمّة من ولد عليّ بن أبي طالب؟
قال: الحسن و الحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، ثمّ سيّد العابدين في زمانه عليّ بن الحسين، ثمّ الباقر محمّد بن عليّ، و ستدركه يا جابر، فإذا أدركته فاقرئه منّي السّلام، ثم الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ الكاظم موسي بن جعفر، ثمّ الرّضا عليّ بن موسي، ثمّ التقي محمّد بن عليّ، ثمّ النقي عليّ بن محمّد، ثم الزّكيّ الحسن بن عليّ، ثم ابنه القائم بالحق مهدي أمتي الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.
هؤلاء يا جابر خلفائي، و أوصيائي، و أولادي، و عترتي، من أطاعهم فقد أطاعني، و من عصاهم فقد عصاني، و من أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد أنكرني؛ بهم يمسك اللّه عزّ و جلّ السماء أن تقع علي الأرض إلا بإذنه، و بهم يحفظ اللّه الأرض أن تميد بأهلها.(1)
و روي هذا الحديث الشيخ أبو محمّد بن شاذان عليه الرحمة بسند صحيح عن الإمام الهمام حضرة الإمام جعفر عليه السّلام وعدّه من جملة نصوص اللّه علي الأئمّة الإثني عشر عليهم السّلام.3.
ص: 61
و يستفاد من آخر هذا الحديث أن السماء قائمة في هذا الزمان ببركة وجود فائض الجود حضرة صاحب الزمان عليه السّلام، و أن الأرض ثابتة و قائمة و لم تمد ببركته عليه السّلام.
و إذا أراد أحد النواصب لأهل الحقّ أن يناقش في هذا المعني، و يكابر في نقاشه الطائفة الناجية فماذا سوف يعمل مع جملة الأحاديث التي ثبتت في كتب أهل الخلاف المعتبرة، و رويت من طرقهم، و التي تدل بمجموعها أن بقاء هذا العالم متعلق ببقاء حضرة صاحب الزمان عليه صلوات اللّه الملك المنان، و سوف تذكر بعضها بعد ذلك في أواخر هذه الأربعين إن شاء اللّه تعالي.
و السلام علي من اتبع الهدي.
***
ص: 62
قال الفضل بن شاذان عليه الرحمة و الغفران: حدّثنا صفوان بن يحيي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا أبو أيّوب إبراهيم بن أبي زياد الخزاز، قال: حدّثنا أبو حمزة الثمالي، عن أبي خالد الكابلي، قال:
دخلت علي مولاي عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام، فرأيت في يده صحيفة كان ينظر إليها و يبكي بكاءا شديدا.
فقلت: فداك أبي و أمي يا ابن رسول اللّه! ما هذه الصحيفة؟
قال عليه السّلام: هذه نسخة اللوح الذي أهداه اللّه تعالي إلي رسوله صلّي اللّه عليه و آله الذي كان فيه اسم اللّه تعالي، و رسوله، و أمير المؤمنين، و عمّي الحسن بن عليّ، و أبي عليهم السّلام و اسمي، و اسم ابني محمّد الباقر، و ابنه جعفر الصادق، و ابنه موسي الكاظم، و ابنه عليّ الرضا، و ابنه محمّد التقي، و ابنه عليّ النقي، و ابنه الحسن الزكي، و ابنه حجة اللّه القائم بأمر اللّه المنتقم من أعداء اللّه، الذي يغيب غيبة طويلة، ثم يظهر فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.
و لهذا الحديث مؤيّدات كثيرة، و لكننا نقتصر علي هذا الخبر المختصر طلبا للإيجاز في هذه الرسالة.
قال حضرة سيد المجتهدين الأمير محمد باقر الداماد في كتابه (شرعة التسمية) في باب هذا الحديث الموسوم ب (حديث اللوح): هو مما علي
ص: 63
روايته تواطؤ الخاصة و العامة من طرق متلونة مختلفة و أسانيد متشعبة متكثرة.(1)
و كان تأليف هذا الكتاب في زمن تتلمذ و تعلم هذا الضعيف عند النحريرين عديمي النظير، أعني الشيخ بهاء الملة والدين محمّد العاملي، و الآية محمّد الداماد - عليهما الرحمة - فجرت بينهما مناظرة و بحث حول جواز التسمية و حرمتها في زمن الغيبة، و طالت مدة المباحثة بينهما، و لهذا ألف السيد المشار إليه الكتاب المذكور، فرحمة اللّه عليهما.
و السلام علي من اتبع الهدي.
***4.
ص: 64
قال الصدوق رضوان اللّه عليه في كتاب كمال الدين: حدّثنا غير واحد من أصحابنا، قالوا: حدّثنا محمّد بن همام، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مالك الفزاري، قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن سماعة، قال: حدّثني أحمد بن الحارث، قال: حدّثني المفضل بن عمر عن يونس بن ظبيان، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت جابر بن عبد اللّه الأنصاري يقول:
لما أنزل اللّه عزّ و جلّ علي نبيّه محمّد صلّي اللّه عليه و آله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (1) قلت: يا رسول اللّه عرفنا اللّه و رسوله، فمن أولو الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك؟
فقال عليه السّلام: هم خلفائي يا جابر و أئمّة المسلمين من بعدي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر، و ستدركه يا جابر، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام، ثم الصادق جعفر بن محمّد، ثم موسي بن جعفر، ثم علي بن موسي، ثم محمّد بن عليّ، ثم عليّ بن محمّد، ثم الحسن بن عليّ، ثم سمييّ و كنييّ حجة اللّه في أرضه و بقيته في عباده ابن الحسن بن عليّ، ذاك الذي يفتح اللّه تعالي ذكره علي يديه مشارق الأرض و مغاربها.
ص: 65
ذاك الذي يغيب عن شيعته و أوليائه غيبة لا يثبت فيها علي القول بإمامته إلا من امتحن اللّه قلبه للإيمان.
قال جابر: فقلت له: يا رسول اللّه [فهل] تنتفع الشيعة به في غيبته؟
فقال عليه السّلام: أي و الذي بعثني بالنبوة إنهم ليستضيئون بنوره و ينتفعون بولايته في غيبته، كانتفاع الناس بالشمس و إن تجللها سحاب.
يا جابر! هذا من مكنون سرّ اللّه، و مخزون علمه، فاكتمه إلا عن أهله، إلي آخر الحديث.(1)
و ليعلم أنّ لهذا الحديث تتمة إنما ترك هذا الترابي ذكره روما للاختصار.
و السلام علي من اتبع الهدي.
***3.
ص: 66
قال الشيخ الجليل الفضل بن شاذان بن الخليل رحمه اللّه حدّثنا محمّد بن سنان عن المفضّل بن عمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن سعيد بن المسيب، عن عبد الرحمن بن سمرة، قال:
قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لما خلق اللّه تعالي إبراهيم الخليل عليه السّلام كشف عن بصره فرأي نورا إلي جنب العرش، فقال: إلهي ما هذا النور؟
قال: يا إبراهيم هذا نور محمّد، صفوتي من خلقي.
و رأي نورا إلي جنبه، فقال: إلهي ما هذا النور؟
قال: هذا نور عليّ ناصر ديني.
و رأي في جنبهما ثلاثة أنوار، فقال: إلهي ما هذه الأنور؟
فقال: نور فاطمة بنت محمّد، و الحسن، و الحسين ابنيها و ابني عليّ.
قال: إلهي إني أري تسعة أنوار قد أحدقوا بالخمسة؟
قال: هذه أنوار عليّ بن الحسين، و محمّد بن عليّ، و جعفر بن محمّد، و موسي بن جعفر، و عليّ بن موسي، و محمّد بن عليّ، و عليّ بن محمّد، و الحسن بن عليّ، و الحجة بن الحسن الذي يظهر بعد غيبته عن شيعته و أوليائه.
فقال إبراهيم: إلهي إني أري أنوارا قد أحدقوا بهم لا يحصي عددهم إلا أنت؟
ص: 67
قال: يا إبراهيم هذه أنوار شيعتهم، شيعة عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين!
فقال إبراهيم: فبما تعرف شيعته؟
قال: بصلاة إحدي و خمسين، و الجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم، و القنوت قبل الركوع، و تعفير الجبين، و التختم باليمين.
فقال إبراهيم: اللهمّ اجعلني من شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب.
قال تبارك و تعالي: يا إبراهيم قد جعلتك منهم.
فلهذا أنزل اللّه فيه في كتابه الكريم: وَ إِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ .(1)
قال المفضل بن عمر: قد روينا أنّ إبراهيم عليه السّلام لمّا أحس بالموت روي هذا الخبر لأصحابه و سجد، فقبض في سجدته صلوات اللّه و سلامه عليه.
الحمد للّه الذي شرّف شيعة أمير المؤمنين عليه السّلام بهذه الفضيلة، و السلام علي من اتبع الهدي.
***3.
ص: 68
قال الشيخ الفقيه أبو الحسن بن محمّد بن أحمد بن عليّ بن الحسن بن شاذان القمي رحمه اللّه في المائة التي جمعها من العامة:
حدّثنا أحمد بن محمّد بن عبيد اللّه الحافظ، قال: حدّثنا عليّ بن سنان الموصلي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن صالح، قال: حدّثنا سليمان بن أحمد، قال: حدّثنا ريان بن مسلم، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدّثنا سلامة عن أبي سليمان راعي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله [قال]:
قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لمّا أسري بي إلي السماء قال لي الجليل جلّ جلاله: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ،(1) قلت: و المؤمنون، قال: صدقت يا محمّد؛ من خلّفت في أمتك؟
قلت: خيرها.
قال: عليّ بن أبي طالب؟
قلت: نعم يا ربي.
قال: يا محمّد إنّي اطلعت علي الأرض [إطلاعة] فاخترتك منها، فشققت لك اسما من أسمائي، فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي، فأنا المحمود و أنت محمّد، ثم اطلعت ثانية فاخترت منها عليا و شققت [له] اسما من أسمائي فأنا الأعلي و هو عليّ، يا محمّد إني خلقتك و خلقت عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمّة من ولد الحسين من سنخ نور من نوري، و عرضت ولايتكم علي أهل السماوات و أهل الأرض، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، و من جحدها كان من الكافرين.
ص: 69
يا محمّد! لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتي ينقطع و يصير كالشنّ البالي، ثمّ أتاني جاحدا بولايتكم ما غفرت له حتي يقر بولايتكم.
يا محمّد تحب أن تراهم؟
قلت: نعم يا ربي.
فقال لي: التفت عن يمين العرش؛ فالتفتّ فإذا بعليّ، و فاطمة، و الحسن، و الحسين، و عليّ بن الحسين، و محمّد بن عليّ، و جعفر بن محمّد، و موسي بن جعفر، و عليّ بن موسي الرضا، و محمّد بن عليّ، و عليّ بن محمّد، و الحسن بن عليّ، و المهدي في ضحضاح من نور قيام يصلّون، و في وسطهم يضيء المهدي كأنه كوكب دري.
فقال: يا محمّد! هؤلاء الحجج، و هو الثائر من عترتك، و عزتي و جلالي إنه الحجة الواجبة لأوليائي، و المنتقم من أعدائي.
و هذا الشيخ الجليل من كبار علماء الطائفة الناجية أيضا، و روي بالسند المزبور من طرق العامة، عن أبي سليمان راعي سيد العالمين.(1)
و نقل ابن بابويه رحمة اللّه عليه هذا الحديث بسند آخر عن أبي سليمان الراعي في كتاب كمال الدين و تمام النعمة مع اختلاف بالعبارات، و كان في آخره:
«فيخرج اللاّت و العزي طريين فيحرقهما، فلفتنة الناس يومئذ بهما أشد من فتنة العجل و السامري».(2)
و المقصود من اللاّت و العزي الواقعين في هذا الحديث هما أبو بكر و عمر عليهما ما عليهما.
و السلام علي من اتبع الهدي.
***2.
ص: 70
قال الشيخ الصدوق الجليل الفضل بن شاذان بن الخليل قدّس سرّه: حدّثنا عبد الرحمن بن أبي نجران، قال: حدّثنا عاصم بن حميد، قال: حدّثنا أبو حمزة الثمالي:
و قال رحمه اللّه: حدّثنا الحسن بن محبوب، قال: حدّثنا أبو حمزة الثمالي، قال: حدّثنا سعيد بن جبير، قال: حدّثنا عبد اللّه بن عباس قال:
قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لما عرج بي إلي السماء بلغت سدرة المنتهي، ناداني ربي جل جلالة، فقال: يا محمّد! فقلت: لبيك لبيك يا ربي!
قال: ما أرسلت رسولا فانقضت أيامه إلا أقام بالأمر بعده وصيه، فأنا جعلت عليّ بن أبي طالب خليفتك و إمام أمتك ثم الحسن و الحسين، ثم عليّ بن الحسين، ثم محمّد بن عليّ، ثم جعفر بن محمّد، ثم موسي بن جعفر، ثم عليّ بن موسي الرضا، ثم محمّد بن عليّ، ثم عليّ بن محمّد، ثم الحسن بن عليّ، ثم الحجة بن الحسن.
يا محمد ارفع رأسك.
فرفعت رأسي، فإذا بأنوار عليّ، و الحسن، و الحسين، و تسعة من أولاد الحسين، و الحجة في وسطهم يتلألأ كأنه كوكب درّيّ، فقال اللّه تعالي: يا محمّد هؤلاء خلفائي، و حججي في الأرض، و أوصياءك من بعدك، فطوبي لمن أحبهم، و الويل لمن أبغضهم.
ص: 71
و قد أشار اللّه رب العالمين في غير هذين الحديثين المتقدمين؛ في عدّة أحاديث من الأحاديث المعراجية إلي سيد الإنس و الجن بخلافة العترة الطاهرة.
فإذا قال قائل: لماذا كان كل هذه الأنواع من التنبأ و الأخبار في ليلة واحدة؟ فجوابه: لعل كل ذلك لم يقع في ليلة واحدة؟ فهناك حديث ينص علي أن قضية المعراج قد وقعت مرتين، و هذا الحديث ذكره إبراهيم بن هاشم في تفسيره. و قد توقفنا عن ذكره لأنه لم يخل عن التطويل، فمن يريد الإطلاع فعليه الرجوع إلي ذلك الكتاب.(1)
و روي ابن بابويه رحمة اللّه عليه في كتاب الخصال حديثا جاء فيه أنه وقع العروج برسول اللّه إلي السماء و الارتقاء إلي عرش الحق تعالي مائة و عشرين مرة، و هذا الحديث هو:
عرج بالنبي صلّي اللّه عليه و آله مائة و عشرين مرة، ما من مرّة إلا و قد أوصي اللّه تعالي فيها النبي صلّي اللّه عليه و آله بالولاية لعليّ بن أبي طالب و الأئمّة عليهم السّلام أكثر مما أوصاه بالفرائض.(2)
و يمكن أن يكون المقصود من الولاية في هذا الحديث هو تولية حضرت سلطان الولاية علي الأمّة، و كان التكرار بالتوصية للتأكيد عليها، كما أن الرسول صلّي اللّه عليه و آله قد بين كرارا في باب إمامته و خلافته بالنصوص الجلية و الخفية.
سبحان اللّه! مع كل هذه التوصيات من الحق تعالي و المصطفي في حق عليّ المرتضي صلوات اللّه عليهما و آلهما فلم يتأثر المنافقون أولاد الحرام بها أبدا.3.
ص: 72
و أبدلوا المحبة بالعداوة، و امتنعوا قبول خلافته و ولايته عليه السّلام، و لم يكتفوا بذلك بل استعلوا و استولوا علي رئيس الدين و معلمه، و لم يقتنعوا بذلك حتي أباحوا ظلمه عليه السّلام و ظلم أولاده عليهم السّلام، و لم يعلموا أن صاحب الزمان عليه السّلام سوف ينتقم منهم في هذه الدنيا، و إنهم سوف يحل عليهم العذاب المخلد في العالم الآخر.
***
ص: 73
قال أبو محمّد بن شاذان جعل اللّه الفردوس مثواه و حشره مع من تولاه:
حدّثنا محمّد بن أبي عمير و أحمد بن محمّد بن أبي نصر رضي اللّه عنهما جميعا عن أبان بن عثمان الأحمر، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة عن ابن عباس، قال:
قدم يهودي إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يقال له نعثل، فقال: يا محمّد إني أسألك عن أشياء تتلجلج في صدري منذ حين، فإن أجبتني عنها أسلمت علي يديك.
قال صلّي اللّه عليه و آله: سل يا أبا عمارة.
قال: يا محمّد صف لي ربك.
فقال صلّي اللّه عليه و آله: إن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، كيف يوصف الخالق الواحد الذي تعجز الحواس أن تدركه، و الأوهام أن تناله، و الخطرات أن تحده، و البصائر أن تحيط قدرته؟! أجلّ عمّا يصفه الواصفون؛ نأي في قربه، و قرب في نأيه، كيّف الكيف فلا يقال كيف، أيّن الأين فلا يقال أين. تنقطع الأفكار عن معرفته. و ليعلم أن الكيفية منه و الأينونية، و هو الأحد الصمد كما وصف نفسه، و الواصفون لا يبلغون نعته، لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد.
ص: 74
قال: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن قولك (إنه واحد لا شبه له) أليس اللّه واحدا و الإنسان واحد؟ و وحدانيته قد أشبهت وحدانية الإنسان؟
فقال صلّي اللّه عليه و آله: اللّه واحد و أحديّ المعني، و الإنسان واحد ثنوي؛ جسم عرض [و بدن](1) و روح، و إنما التشبيه في المعاني لا غير.
قال: صدقت يا محمّد، فأخبرني عن وصيك، من هو؟ فما من نبي إلا و له وصي، إن نبينا موسي بن عمران أوصي إلي يوشع بن نون.
فقال: نعم، إن وصييّ و الخليفة من بعدي عليّ بن أبي طالب، و بعده سبطاي الحسن و الحسين، يتلوه تسعة من صلب الحسين، أئمّة أبرار.
قال: فسمهم لي يا محمّد!
قال: نعم، إذا مضي الحسين فابنه عليّ، فإذا مضي عليّ فابنه محمّد، فإذا مضي محمّد فابنه جعفر، فإذا مضي جعفر فابنه موسي، فإذا مضي موسي فابنه عليّ، فإذا مضي عليّ فابنه محمّد، فإذا مضي محمّد فابنه عليّ، فإذا مضي عليّ فابنه الحسن، و بعد الحسن الحجة بن الحسن عليّ، فهذه إثنا عشر إماما علي عدد نقباء بني إسرائيل.
قال: فأين مكانهم في الجنّة؟
قال: معي و في درجتي.
قال: أشهد أن لا إله إلا اللّه و أنك رسول اللّه و أنهم الأوصياء بعدك، و لقد وجدت هذا في الكتب المتقدمة، فأخبرني يا رسول اللّه عن الثاني عشر من أوصيائك.
قال صلّي اللّه عليه و آله: يغيب حتي لا يري، و يأتي علي أمتي زمان لا يبقي من الإسلام إلا اسمه، و من القرآن إلا رسمه، فحينئذ يأذن اللّه له بالخروج.).
ص: 75
فانتفض نعثل، و قام من بين يدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و يقول: صلوات اللّه عليك يا سيد المرسلين و علي أوصيائك الطاهرين، و الحمد للّه رب العالمين.
و في بعض الروايات زيادة في أواخر هذا الحديث مع شعر أنشده نعثل في مدح خير البشر و الأئمّة الإثني عشر عليهم صلوات اللّه الملك الأكبر؛ و إذا كان في الأجل تأخير فسوف اكتب في شرح هذا الحديث كتابا مستقلا إن شاء اللّه تعالي.
و السلام علي من اتبع الهدي.
***
ص: 76
قال أبو محمّد بن شاذان عليه رحمة اللّه الملك المنان: حدّثنا فضالة بن أيوب رضي اللّه عنه قال: حدّثنا أبان بن عثمان، قال حدّثنا محمّد بن مسلم، قال: قال أبو جعفر عليه السّلام:
قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله لعليّ بن أبي طالب عليه السّلام: أنا أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثم أنت يا عليّ أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثم الحسن أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثم الحسين أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثم عليّ بن الحسين أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثم محمّد بن عليّ أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثم جعفر بن محمّد أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثم موسي بن جعفر أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثم عليّ بن موسي أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثم محمّد بن عليّ أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثم عليّ بن محمّد أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثم الحسن بن عليّ أولي بالمؤمنين من أنفسهم، ثم الحجّة بن الحسن الذي تنتهي إليه الخلافة و الوصاية، و يغيب مدة طويلة، ثم يظهر و يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما.
الحمد للّه الذي جعل أصفياءه موالينا.
و السلام علي من اتبع الهدي.
***
ص: 77
قال أبو محمّد بن شاذان عليه الرحمة و الغفران: حدّثنا محمّد بن الحسن الواسطي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا زفر بن الهذيل، قال: حدّثنا سليمان بن مهران الأعمش، قال:
حدّثنا مورّق، قال: حدّثنا جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال:
دخل جندل بن جنادة اليهودي من خيبر علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقال: يا محمّد أخبرني عمّا ليس للّه، و عمّا ليس عند اللّه، و عمّا لا يعلمه اللّه؟
فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: أما ما ليس للّه، فليس للّه شريك؛ و أما ما ليس عند اللّه، فليس عند اللّه ظلم؛ و أما ما لا يعلمه اللّه، فذلكم قولكم معاشر اليهود إن عزيرا ابن اللّه، و اللّه لا يعلم له ولدا.
فقال جندل: أشهد أن لا إله إلا اللّه، و أنّك رسول اللّه حقا، ثمّ قال: يا رسول اللّه إني رأيت البارحة في النوم موسي بن عمران عليه السّلام فقال لي: يا جندل أسلم علي يد محمّد، و استمسك بالأوصياء من بعده، فقد أسلمت و رزقني اللّه ذلك، فأخبرني بالأوصياء [من] بعدك لأستمسك بهم.
فقال: يا جندل أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل.
فقال: يا رسول اللّه! إنهم كانوا اثني عشر، هكذا وجدنا في التوراة.
قال: نعم، الذين هم أوصيائي من بعدي إثني عشر.
فقال: يا رسول اللّه كلهم في زمن واحد؟
قال: لا، خلف بعد خلف، فإنك لن تدرك إلا ثلاثة.
ص: 78
قال: سمّهم لي يا رسول اللّه!
قال: نعم، إنّك تدرك سيد الأوصياء و وارث علم الأنبياء، و أبا الأئمّة الأتقياء عليّ بن أبي طالب بعدي، ثمّ ابنيه الحسن، و الحسين، فاستمسك بهم بعدي، فلا يغرّنك جهل الجاهلين، فإذا كان وقت ولادة ابني عليّ بن الحسين زين العابدين يقضي اللّه عليك، و يكون آخر زادك من الدنيا شربة لبن تشربه.
فقال: يا رسول اللّه أسامي الأوصياء الذين يكونون أئمّة المسلمين بعد عليّ بن الحسين؟
قال صلّي اللّه عليه و آله: فإذا انقضت مدة عليّ قام بالأمر محمّد ابنه، يدعي بالباقر، فإذا انقضت مدّة محمّد قام بالأمر بعده جعفر ابنه، يدعي بالصادق، فإذا انقضت مدّة جعفر قام بالأمر بعده موسي ابنه، يدعي بالكاظم، فإذا انقضت مدّة موسي قام بالأمر بعده عليّ ابنه يدعي بالرضا، فإذا انقضت مدّة عليّ قام بالأمر بعده محمّد ابنه، يدعي بالتقي، فإذا انقضت مدّة محمّد قام بالأمر بعده عليّ ابنه، يدعي بالنقي، فإذا انقضت مدّة عليّ قام بالأمر بعده الحسن ابنه، يدعي بالزكي، ثم يغيب عن الناس إمامهم.
قال: يا رسول اللّه يغيب الحسن منهم؟
قال: لا، و لكن ابنه الحجة يغيب عنهم غيبة طويلة.
قال: يا رسول اللّه فما اسمه؟
قال: لا يسمّي حتي يظهره اللّه، فقال جندل: قد بشّرنا موسي بن عمران بك و بالأوصياء من ذريتك.
ثم تلا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضي لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً .(1)5.
ص: 79
قال جندل: فممن خوفهم؟
قال: يا جندل في زمن كل واحد منهم شيطان يعتريه و يؤذيه، فإذا أذن اللّه للحجّة خرج، و طهّر الأرض من الظالمين، فيملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما، طوبي للصابرين في غيبته، طوبي للسالكين في محجته و الثابتين في موالاته و محبته، أولئك ممّن وصفهم اللّه في كتابه، فقال: اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ،(1) و قال: أُولئِكَ حِزْبُ اللّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ .(2)
ثم قال جابر: عاش جندل بن جنادة إلي أيام الحسين بن عليّ عليهما السّلام، ثمّ خرج إلي الطائف، فمرّ فدعا بشربة من لبن فشربه، و قال: كذا عهد إليّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله أنّه يكون آخر زادي من الدنيا شربة من لبن، ثم مات، و دفن بالطائف في الموضع المعروف بالكوداء، رحمه اللّه تعالي.
يقول المؤلف:
إن حكاية جندل و سبب مجيئه من خيبر إلي أمير المؤمنين عليه السّلام و حضوره معه عليه السّلام في حروبه في صفين و غيرها مع مخالفيه، طويلة، فمن أراد الإطلاع عليها فليرجع إلي (التاريخ الكبير للثقفي عليه الرحمة)، و إذا لم يحصل عليه فليطالعها في كتاب (رياض المؤمنين و حدائق المتقين) من مؤلفات هذا الحقير.
اللهم ارزقنا جرعة من الكوثر من كفّ وليّك المرتضي.
و السلام علي من اتبع الهدي.
***2.
ص: 80
قال أبو محمّد بن شاذان أمطر اللّه عليه شآبيب الغفران: حدّثنا الحسن بن عليّ بن سالم، عن أبيه، عن أبي حمزة الثمالي، عن سعيد بن جبير، عن عبد اللّه بن عباس، قال:
قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لمّا خلق اللّه الدنيا اطلع علي الأرض إطلاعة فاختارني منها فجعلني نبيا، ثم اطلع ثانية فاختار منها عليا فجعله إماما، ثمّ أمرني أن أتخذه أخا و وصيا و خليفة و وزيرا، فعلي مني و أنا من عليّ، و هو زوج ابنتي، أبو سبطيّ الحسن و الحسين، ألا إن اللّه تبارك و تعالي جعلني و إياهم حججا علي عباده، و جعل من صلب الحسين أئمّة يقومون بأمري و يحفظون وصيتي، التاسع منهم قائم أهل بيتي و مهدي أمتي، أشبه الناس بي في شمائله و أقواله و أفعاله، يظهر بعد غيبة طويلة و حيرة مضلّة، فيعلن أمر اللّه، و يظهر دين اللّه، و يؤيد بنصر اللّه، و ينصر بملائكة اللّه، فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.
(و قد علّق المؤلف علي قول الرسول الأكرم صلّي اللّه عليه و آله الذي جاء في الحديث: و جعل من صلب الحسين أئمّة يقومون بأمري و يحفظون وصيتي).(1)
ص: 81
يقول جامع هذه الأربعين: إنّ هذا هو المعني الذي أقل ما ذكر في كتاب (رياض المؤمنين) أن كلما كان النبي صلّي اللّه عليه و آله يقوم به فهو ما يقوم به الإمام عليه السّلام أيضا، و الفرق بينهما أنه لا واسطة من البشر بين النبي صلّي اللّه عليه و آله و بين اللّه تعالي، بينما توجد واسطة من البشر و هو النبي صلّي اللّه عليه و آله بين الإمام عليه السّلام و اللّه تعالي.
و هذا المعني ظاهر و واضح في كثير من الأحاديث: أن أمر النبي صلّي اللّه عليه و آله يتعلق من بعده بالأئمّة الهداة صلوات اللّه عليهم أجمعين.
و السلام علي من اتبع الهدي.
***
ص: 82
قال أبو محمّد بن شاذان عليه الرحمة و الغفران: حدّثنا عليّ بن الحكم رضي اللّه عنه عن جعفر بن سليمان الضبعي عن سعيد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن سلمان الفارسي رضوان اللّه عليه قال: خطبنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فقال: معاشر الناس إنّي راحل عن قريب و منطلق إلي المغيب، أوصيكم في عترتي خيرا، إيّاكم و البدع، فإن كل بدعة ضلالة، و لا محالة أهلها في النار.
معاشر الناس! من فقد الشمس فليستمسك بالقمر، و من فقد القمر فليستمسك بالفرقدين، فإذ فقدتم الفرقدين فتمسكوا بالنجوم الزاهرة بعدي، أقول لكم فاعلموا أنّ قولي قول اللّه فلا تخالفوه فيما آمركم به، و اللّه يعلم أنّي بلغت إليكم ما أمرني به فأشهد اللّه عليّ و عليكم.
قال: فلمّا نزل عن المنبر تبعته حتي دخل بيت عائشة، فدخلت عليه و قلت: بأبي أنت و أمي يا رسول اللّه سمعتك تقول: إذا فقدتم الشمس فتمسكوا بالقمر، و إذا فقدتم القمر فتمسكوا بالفرقدين، و إذا فقدتم الفرقدين فتمسكوا بالنجوم، فقد ظننت أن يكون في هذه الإبانة إشارة؟
قال: قد أصبت يا سلمان.
فقلت: بيّن لي يا رسول اللّه: ما الشمس و القمر، و ما الفرقدان، و ما النجوم الزاهرة؟
فقال: أنا الشمس، و عليّ القمر، فإذا فقدتموني فتمسكوا به بعدي، و أما
ص: 83
الفرقدان فالحسن و الحسين، فإذا فقدتم القمر فتمسكوا بهما، و أما النجوم الزاهرة فهم الأئمّة التسعة من صلب الحسين، و التاسع مهديّهم.
ثم قال صلّي اللّه عليه و آله: إنّهم هم الأوصياء و الخلفاء بعدي، أئمّة أبرار، عدد أسباط يعقوب و حواريي عيسي.
فقلت: فسمّهم لي يا رسول اللّه.
قال: أوّلهم و سيّدهم عليّ بن أبي طالب، و بعده سبطاي الحسن و الحسين، و بعدهما عليّ بن الحسين زين العابدين، و بعده محمّد بن عليّ باقر علم النبيين، و بعده الصادق جعفر بن محمّد، و بعده الكاظم موسي بن جعفر، و بعده الرضا عليّ بن موسي الذي يقتل بأرض الغربة، ثم ابنه محمّد، ثم ابنه عليّ، ثم ابنه الحسن، ثم ابنه الحجّة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، فإنّهم عترتي من لحمي و دمي، علمهم علمي و حكمهم حكمي، من آذاني فيهم فلا أناله اللّه شفاعتي.
و السلام علي من أتبع الهدي.
***
ص: 84
قال ابن شاذان عليه رحمة اللّه الملك المنان: حدّثنا عثمان بن عيسي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا أبو حمزة الثمالي، قال: حدّثنا أسلم، قال: حدّثنا أبو الطفيل، قال: حدّثنا عمار بن ياسر، قال:
لما حضرت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله الوفاة دعا بعليّ بن أبي طالب عليه السّلام فسارّه طويلا، ثمّ رفع صوته و قال: يا عليّ أنت وصيّي و وارثي، قد أعطاك اللّه تعالي علمي و فهمي، فإذا متّ ظهرت لك ضغائن في صدور قوم و غصب علي حقك.
فبكت فاطمة عليها السّلام، و بكي الحسن و الحسين عليهما السّلام، فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لفاطمة: يا سيّدة النّساء ممّ بكاؤك؟
قالت: يا أبت أخشي الضيعة بعدك.
قال أبشري يا فاطمة فإنك أوّل من يلحقني من أهل بيتي، لا تبكي و لا تحزني، فإنّك سيدة نساء أهل الجنة، أباك سيد الأنبياء، و ابن عمك سيد الأوصياء، و ابنيك سيدا شباب أهل الجنّة، و من صلب الحسين يخرج اللّه الأئمّة التسعة المطهرين المعصومين، و منّا مهدي هذه الأمّة.
الحمد للّه الذي جعل سادتي و قادتي هؤلاء الأصفياء.
و السلام علي من اتبع الهدي.
***
ص: 85
قال ابن شاذان عليه الرحمة و الغفران: حدّثنا الحسن بن علي بن فضال رضي اللّه عنه عن عبد اللّه بن بكير، عن عبد الملك بن إسماعيل الأسدي، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، قال: قيل لعمار بن ياسر: ما حملك علي حبّ عليّ بن أبي طالب؟ قال: قد حملني اللّه و رسوله، و قد أنزل اللّه تعالي فيه آيات جليلة، و قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فيه أحاديث كثيرة.
فقيل له: هلاّ تحدّثنا بشيء عمّا قال فيه رسول اللّه؟
قال: و لم لا أحدّث، و لقد كنت بريئا من الذين يكتمون الحق و يظهرون الباطل، ثم قال:
كنت مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فرأيت عليّا عليه السّلام في بعض الغزوات قد قتل عدة من أصحاب ألوية قريش، فقلت لرسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: يا رسول اللّه إن عليا قد جاهد في اللّه حقّ جهاده.
فقال: و ما يمنعه عنه؟ إنّه منّي و أنا منه، إنّه وارثي، و قاضي ديني، و منجز وعدي، و خليفتي من بعدي، و لولاه لم يعرف المؤمن المحض في حياتي و بعد وفاتي. حربه حربي، و حربي حرب اللّه، و سلمه سلمي، و سلمي سلم اللّه، و يخرج اللّه من صلبه الأئمّة الراشدين، فاعلم يا عمار! أن اللّه تبارك و تعالي عهد إلي أن يعطيني إثني عشر خليفة، منهم عليّ، و هو أوّلهم و سيدهم.
فقلت: و من الآخرون يا رسول اللّه؟
ص: 86
قال: الثاني منهم الحسن بن عليّ بن أبي طالب، و الثالث منهم الحسين بن عليّ بن أبي طالب، و الرابع منهم عليّ بن الحسين زين العابدين، و الخامس منهم محمّد بن عليّ، ثم ابنه جعفر، ثم ابنه موسي، ثم ابنه عليّ، ثم ابنه محمّد، ثم ابنه عليّ، ثم ابنه الحسن، ثم ابنه الذي يغيب عن الناس غيبة طويلة، و ذلك قول اللّه تبارك و تعالي: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ ،(1)
ثم يخرج و يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.
يا عمار! سيكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فاتبع عليا و حزبه فإنه مع الحقّ و الحقّ معه، و إنك ستقاتل الناكثين و القاسطين معه، ثمّ تقتلك الفئة الباغية، و يكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه.
قال سعيد بن جبير: فكان كما أخبره رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله.
صدق اللّه العظيم و صدق رسوله الكريم و صلّي اللّه عليه و آله النجباء.
و السلام علي من اتبع الهدي.
***0.
ص: 87
قال أبو محمّد بن شاذان أسكنه اللّه في أعلي درجات الجنان: حدّثنا محمّد بن عمير رضي اللّه عنه عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ عليه السّلام قال:
سئل أمير المؤمنين عليه السّلام عن معني قول رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي» من العترة؟
فقال: أنا و الحسن و الحسين و الأئمّة التسعة من ولد الحسين، تاسعهم مهديهم، لا يفارقون كتاب اللّه عزّ و جلّ و لا يفارقهم حتّي يردوا علي رسول اللّه حوضه.
روي ابن بابويه رحمة اللّه عليه في كتاب (كمال الدين) حديث: «إني تارك فيكم الثقلين» بأسانيد كثيرة،(1) و قد ضبط هذا الحديث الصحيح و إنه من الأحاديث المتواترة في كتب أخري.(2)
و السلام علي من اتبع الهدي.
***
ص: 88
قال أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسي بن بابويه رحمة اللّه عليه في كتاب كمال الدين: حدّثنا أبي و محمّد بن الحسن رحمهما اللّه قالا: حدّثنا سعد بن عبد اللّه و عبد اللّه بن جعفر الحميري و محمّد بن يحيي العطار و أحمد بن إدريس جميعا، قالوا:
حدّثنا أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي، قال: حدّثنا أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر الثاني محمّد بن عليّ عليهما السّلام، قال: أقبل أمير المؤمنين عليه السّلام ذات يوم و معه الحسن بن عليّ، و سلمان الفارسي رضي اللّه عنه، و أمير المؤمنين عليه السّلام متكئ علي يد سلمان، فدخل المسجد الحرام، فجلس إذ أقبل رجل حسن الهيئة و اللباس، فسلّم علي أمير المؤمنين عليه السّلام فردّ عليه السلام فجلس، ثمّ قال: يا أمير المؤمنين أسألك عن ثلاث مسائل إن أجبتني بهنّ علمت أنّ القوم ركبوا من أمرك ما أقضي عليهم أنّهم ليسوا بمأمونين في دنياهم و لا في آخرتهم، و إن تكن الأخري علمت أنّك و هم شرع سواء.
فقال له أمير المؤمنين عليه السّلام: سلني عمّا بدا لك، فقال: أخبرني عن الرّجل إذا نام أين تذهب روحه؟ و عن الرّجل كيف يذكر و ينسي؟ و عن الرّجل كيف يشبه ولده الأعمام و الأخوال؟
[قال:](1) فالتفت أمير المؤمنين عليه السّلام [إلي أبي محمّد الحسن](2) فقال:
يا أبا محمّد أجبه.
ص: 89
فقال: أمّا ما سألت عنه من أمر الإنسان إذا نام أين تذهب روحه، فإنّ روحه متعلّقة بالريح، و الرّيح متعلّقة بالهواء إلي وقت ما يتحرك صاحبها لليقظة، فإن أذن اللّه عزّ و جلّ بردّ تلك الرّوح إلي صاحبها جذبت الرّوح الرّيح، و جذبت تلك الرّيح الهواء، فرجعت الرّوح إلي صاحبها فأسكنت في بدنه؛(1)
و إن لم يأذن اللّه [عزّ و جلّ](2) بردّ تلك الرّوح إلي صاحبها جذب الهواء الرّيح، و جذبت الرّيح الرّوح، فلم تردّ إلي صاحبها إلي وقت ما يبعث.
و أمّا ما ذكرت من أمر الذّكر و النسيان: فإنّ قلب الرّجل في حقّ، و علي الحقّ طبق، فإن صلّي الرّجل عند ذلك علي محمّد و آل محمّد صلاة تامّة انكشف ذلك الطّبق عن ذلك الحقّ فأضاء القلب [مما يلي القلب خ. ل]، و ذكر الرّجل ما كان نسيه.
و إن هو لم يصلّ علي محمّد و آل محمّد، أو نقص من الصّلاة عليهم انطبق ذلك الطّبق علي ذلك الحقّ فأظلم القلب، و نسي الرّجل ما كان ذكر.
و أمّا ما ذكرت من أمر المولود الّذي يشبه أعمامه و أخواله، فإنّ الرّجل إذا أتي أهله فجامعها بقلب ساكن، و عروق هادئة، و بدن غير مضطرب، فأسكنت تلك النطفة في جوف الرّحم خرج الولد يشبه أباه و امّه. و إن هو أتاها بقلب غير ساكن، و عروق غير هادئة، و بدن مضطرب، اضطربت تلك النطفة فوقعت في حال اضطرابها علي بعض العروق. فإن وقعت علي عرق من عروق الأعمام أشبه الولد أعمامه؛ و إن وقعت علي عرق من عروق الأخوال أشبه الرّجل أخواله.
فقال الرّجل: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و لم أزل أشهد بها، و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه، و لم أزل اشهد بها؛ و أشهد أنّك وصيّه، و القائم بحجّته [بعده]، و أشار [بيده] إلي أمير المؤمنين عليه السّلام، و لم أزل أشهد بها.
و أشهد أنّك وصيّه، و القائم بحجّته، و أشار [بيده] إلي الحسن عليه السّلام.ة.
ص: 90
و أشهد أنّ الحسين بن عليّ وصيّ أبيك، و القائم بحجّته بعدك.
و أشهد علي عليّ بن الحسين أنّه القائم بأمر الحسين بعده.
و أشهد علي محمّد بن عليّ أنّه القائم بأمر عليّ بن الحسين.
و أشهد علي جعفر بن محمّد أنّه القائم بأمر محمّد بن عليّ.
و أشهد علي موسي بن جعفر أنّه القائم بأمر جعفر بن محمّد.
و أشهد علي عليّ بن موسي أنّه القائم بأمر موسي بن جعفر.
و أشهد علي محمّد بن عليّ أنّه القائم بأمر عليّ بن موسي.
و أشهد علي عليّ بن محمّد أنّه القائم بأمر محمّد بن عليّ.
و أشهد علي الحسن بن عليّ أنّه القائم بأمر عليّ بن محمّد.
و أشهد علي رجل من ولد الحسن بن عليّ لا يكنّي، و لا يسمّي حتّي يظهر أمره فيملأ الأرض [قسطا خ. ل] و عدلا، كما ملئت جورا، و السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة اللّه و بركاته. ثمّ قام، فمضي.
فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: يا أبا محمّد اتبعه، فانظر أين يقصد.
فخرج الحسن عليه السّلام في أثره. قال: فما كان إلاّ أن وضع رجله خارج المسجد، فما دريت أين أخذ من أرض اللّه عزّ و جلّ.
فرجعت إلي أمير المؤمنين عليه السّلام، فأعلمته، فقال: يا أبا محمّد أتعرفه؟
فقلت: اللّه، و رسوله، و أمير المؤمنين أعلم.
فقال: هو الخضر عليه السّلام.(1)
و قد روي هذا الحديث الشريف عماد الدين محمّد بن بابويه رحمة اللّه عليه في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السّلام،(2) و في عدّة كتب أخري من مؤلفاته.(3) و ثبته ثقة6.
ص: 91
الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني رضي اللّه عنه في كتاب الكافي،(1) و الشيخ الطبرسي طيب اللّه رمسه في كتاب الاحتجاج،(2) كما سجّل عدّة آخرين من أكابر علماء الإمامية هذا الخبر المعتبر بأسانيد صحيحة في مؤلفاتهم، كما هو ظاهر للمتتبع الماهر.(3)
و قد نثر شيخنا الشيخ بهاء الدين محمّد العاملي غفر اللّه له عند شرحه هذا الحديث جواهر عجيبة.
وعدّ سيدنا الأمير محمّد باقر الداماد روّح اللّه روحه في كتاب (شرعة التسمية) هذا الحديث من مؤيدات النهي عن التسمية و تكنية الإمام الحجة عليه السّلام في زمان الغيبة، و قد أفاد عدة كلمات عاليات في شرح هذا الحديث إلاّ أنه لم يبين علاقة الأعمام و الأخوال.(4)
أما من النكات الموجودة في هذا الحديث و قد تركت مغطاة لم يكشف عنها فقد ذكر هذا الفقير (الذي هو من أقل قطاف عناقيد محصول هذين النحريرين عديمي النظير) في تعريف الروح كلمة وجيزة في رسالة (إدراء العاقلين و إخزاء المجانين)، و قد توسع في تعريف الروح في كتاب (رياض المؤمنين و حدائق المتقين).
و السلام علي من اتبع الهدي.
***ن.
ص: 92
قال ابن شاذان عامله اللّه بالفضل و الإحسان: حدّثنا عبد اللّه بن جبلة، عن عبد اللّه بن المستنير، عن المفضل بن عمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن عبد اللّه بن العباس قال: دخلت علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و الحسن علي عاتقه، و الحسين علي فخذه، يلثمهما و يقبلهما و يقول: اللهم وال من والاهما، و عاد من عادهما. ثم قال: يا ابن عباس كأنّي أنظر إلي شيبة ابني الحسين، تخضب من دمه، يدعو فلا يجاب، فيستنصر فلا ينصر.
قلت: و من يعمل ذلك؟
قال: أشرار أمتي، لا أنالهم اللّه شفاعتي.
ثم قال: يا ابن عباس من زاره عارفا بحقه كتب اللّه له ثواب ألف حجة و ألف عمرة، ألا و من زاره فقد زارني، و من زارني فكأنما قد زار اللّه، و حق الزائر علي اللّه أن لا يعذبه بالنار، ألا و إن الإجابة تحت قبته، و الشفاء في تربته، و الأئمّة من ولده.
قال: قلت يا رسول اللّه فكم الأئمّة بعدك؟
قال: بعدد أسباط يعقوب، و نقباء بني إسرائيل، و حوارييّ عيسي.
قال: قلت يا رسول اللّه فكم كانوا؟
قال: كانوا اثني عشر و الأئمّة [بعدي] اثنا عشر، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، و بعده سبطاي الحسن و الحسين، فإذا انقضي الحسين فابنه عليّ، فإذا انقضي عليّ فابنه محمّد،
ص: 93
فإذا انقضي محمّد فابنه جعفر، فإذا انقضي جعفر فابنه موسي، فإذا انقضي موسي فابنه عليّ، فإذا انقضي عليّ فابنه محمّد، فإذا انقضي محمّد فابنه عليّ، فإذا انقضي عليّ فابنه الحسن، فإذا انقضي الحسن فابنه الحجة.
قال: قلت: يا رسول اللّه أساميّ لم أسمع بهنّ قط؟
قال: هم الأئمّة بعدي و إن قهروا؛ أمناء، معصومون، نجباء، أخيار.
يا ابن عبّاس! من أتي يوم القيامة عارفا بحقهم أخذت بيده فأدخلته الجنة.
يا ابن عباس! من أنكرهم؛ أو ردّ واحدا منهم فكأنما قد أنكرني و ردّني؛ و من أنكرني وردّني فكأنما قد أنكر اللّه وردّه.
يا ابن عباس! سوف يأخذ الناس يمينا و شمالا، فإذا كان ذلك فاتبع عليا و حزبه، فإنه مع الحق و الحق معه فلا يتفرقان حتي يردا عليّ الحوض.
يا ابن عباس! ولايتهم ولايتي، و ولايتي ولاية اللّه، و حربهم حربي، و حربي حرب اللّه، و سلمهم سلمي، و سلمي سلم اللّه.
ثم تلا صلّي اللّه عليه و آله: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ يَأْبَي اللّهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ .(1)
اللهم احشرنا مع أحبائهم بحرمة حبيبك المصطفي و آله الأئمّة النجباء.
و السلام علي من اتبع الهدي.
***2.
ص: 94
قال ابن شاذان نوّر اللّه مرقده: حدّثنا الحسن بن محبوب رضي اللّه عنه عن مالك بن عطية، عن أبي صفية ثابت بن دينار، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام لأصحابه قبل أن يقتل بليلة واحدة: إن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال لي: يا بني! إنك ستساق إلي العراق، و تنزل في أرض يقال لها عمورا، و كربلا، و إنك تستشهد بها و يستشهد معك جماعة.
و قد قرب ما عهد إليّ رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و إنّي راحل إليه غدا، فمن أحبّ منكم الانصراف فلينصرف في هذه الليلة، فإنّي قد أذنت له و هو منّي في حل.
و أكد فيما قاله تأكيدا بليغا، فلم يرضوا، و قالوا: و اللّه ما نفارقك أبدا حتي نرد موردك.
فلما رأي ذلك قال: فابشروا بالجنة، فو اللّه إنّما نمكث ما شاء اللّه تعالي بعد ما يجري علينا، ثمّ يخرجنا اللّه و إياكم حين يظهر قائمنا فينتقم من الظالمين، و أنا و أنتم نشاهدهم في السلاسل و الأغلال و أنواع العذاب و النكال.
فقيل له: من قائمكم يا ابن رسول اللّه؟
قال: السابع من ولد ابني محمّد بن عليّ الباقر، و هو الحجّة بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسي بن جعفر بن محمّد بن عليّ ابني، و هو الذي يغيب مدّة طويلة، ثمّ يظهر و يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.
و السلام علي من اتبع الهدي.
***
ص: 95
قال أبو محمّد بن شاذان طيّب اللّه مضجعه: حدّثنا صفوان بن يحيي رضي اللّه عنه عن إبراهيم بن أبي زياد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي خالد الكابلي، قال: دخلت علي سيدي عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام، فقلت:
يا ابن رسول اللّه أخبرني بالذين فرض اللّه تعالي طاعتهم، و مودتهم، و أوجب علي عباده الإقتداء بهم بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله.
فقال: يا كابلي! إنّ أولي الأمر الذين جعلهم اللّه عزّ و جلّ أئمّة الناس، و أوجب عليهم طاعتهم:
أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن عمّي، ثمّ الحسين أبي، ثمّ انتهي الأمر إلينا.
و سكت، فقلت له: يا سيدي! روي لنا عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّ الأرض لا تخلو من حجة للّه عزّ و جلّ علي عباده، فمن الحجّة و الإمام بعدك؟
فقال: ابني محمّد، و اسمه في الصحف الأولي باقر، يبقر العلم بقرا، هو الحجّة بعدي، و من بعد محمّد ابنه جعفر، و اسمه عند أهل السماء الصادق.
قلت: يا سيدي؛ و كيف صار اسمه الصادق و كلكم صادقون؟
قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله قال: إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام فسمّوه الصادق، فإن الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدّعي الإمامة اجتراء علي اللّه و كذبا
ص: 96
عليه، فهو عند اللّه جعفر الكذاب المفتري علي اللّه جلّ جلاله، و المدعي ما ليس له بأهل، المخالف لأبيه، و الحاسد لأخيه، و ذلك الذي يروم كشف سر اللّه عزّ و جلّ عند غيبة ولي اللّه.
ثم بكي عليّ بن الحسين بكاء شديدا، ثم قال: كأني بجعفر الكذاب و قد حمل طاغية زمانه علي تفتيش أمر وليّ اللّه، و المغيب في حفظ اللّه، و التوكيل بحرم اللّه، جهلا منه برتبته، و حرصا علي قتله إن ظفر به، و طمعا في ميراث أخيه، حتي يأخذه بغير حقّ.
فقال أبو خالد: فقلت: يا ابن رسول اللّه و أنّ ذلك لكائن؟
فقال: إي و ربي إنّ ذلك لمكتوب عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله.
فقال أبو خالد: فقلت: يا ابن رسول اللّه ثمّ يكون ماذا؟
قال: ثمّ تمتد الغيبة بوليّ اللّه الثاني عشر من أوصياء رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و الأئمّة بعده.
يا أبا خالد! إنّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته، و المنتظرين لظهوره أفضل من أهل كل زمان، فإن اللّه تبارك و تعالي أعطاهم من العقول و الإفهام و المعرفة ما صارت به الغيبة [عندهم] بمنزلة المشاهدة، و جعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بالسيف، أولئك المخلصون حقا، و شيعتنا صدقا، و الدعاة إلي دين اللّه عزّ و جلّ سرا و جهرا.
و قال عليه السّلام: انتظار الفرج من أفضل الفرج.
نرجو الحق تعالي أن يكرّم جميع الشيعة الأجر العظيم في هذا الانتظار.
و السلام علي من اتبع الهدي.
***
ص: 97
قال الشيخ الفقيه عماد الدين أبو جعفر ابن بابويه رحمه اللّه في كتاب كمال الدين: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني [رضي اللّه عنه]،(1) قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن بسطام بن مرّة، عن عمرو بن ثابت قال: قال عليّ بن الحسين سيد العابدين [عليهما السّلام]:(2) من ثبت علي موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه اللّه عزّ و جلّ أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر و أحد.(3)
و السلام علي من اتبع الهدي.
***
قال الشيخ المذكور عليه رحمة اللّه الملك الغفور في الكتاب المزبور:
حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد [رضي اللّه عنه]،(4) قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقيّ، عن أبيه، عن المغيرة، عن
ص: 98
المفضّل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام أنّه قال: يأتي علي الناس زمان يغيب عنهم إمامهم، فطوبي(1) للثابتين علي أمرنا في ذلك الزّمان، إنّ أدني ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم البارئ جلّ جلاله، فيقول: عبادي و إمائي! آمنتم بسرّي، و صدّقتم بغيبي فأبشروا بحسن الثواب منّي، فأنتم عبادي الغيث، و أدفع عنهم البلاء، و لولاكم لأنزلت عليهم عذابي.
قال جابر: فقلت: يا ابن رسول اللّه! فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان؟
قال: حفظ اللّسان، و لزوم البيت.(2)
و السلام علي من اتبع الهدي.
***5.
ص: 99
قال أبو محمّد ابن شاذان أسكنه اللّه في أعلي درجات الجنان: حدّثنا عليّ بن الحكم رضي اللّه عنه، عن سيف بن عميرة، عن علقمة بن محمّد الحضرمي، عن الصادق عليه السّلام قال: الأئمّة اثنا عشر.
قلت: يا ابن رسول اللّه فسمّهم لي فداك أبي و أمي.
قال: من الماضين عليّ بن أبي طالب، و الحسن، و الحسين، و عليّ بن الحسين، و محمّد بن عليّ، ثم أنا.
قلت: من بعدك يا ابن رسول اللّه؟
فقال: إنّي أوصيت إلي ولدي موسي، و هو الإمام [من] بعدي.
قلت: فمن بعد موسي؟
قال: عليّ ابنه يدعي الرّضا، يدفن في أرض الغربة من خراسان، ثم من بعد عليّ ابنه محمّد، و بعد محمّد ابنه عليّ، و بعد عليّ الحسن ابنه، و بعد الحسن المهدي ابنه، و إنّه إذا خرج يجتمع عليه ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا عدد رجال بدر، و إذا كان وقت خروجه يكون له سيف مغمود خرج من غمده، فناداه: قم يا وليّ اللّه! أقتل أعداء اللّه.
و السلام علي من اتبع الهدي.
***
ص: 100
قال ابن بابويه رحمة اللّه عليه في كتاب كمال الدين: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن صالح بن السندي، عن يونس بن عبد الرحمن، قال: دخلت علي موسي بن جعفر عليهم السّلام فقلت له: يا ابن رسول اللّه أنت القائم بالحق؟
فقال: أنا القائم بالحق، لكن القائم الذي يطهّر الأرض من أعداء اللّه عزّ و جلّ و يملؤها عدلا كما ملئت جورا و ظلما، و هو الخامس من ولدي؛ له غيبة يطول أمدها خوفا علي نفسه، يرتد فيها قوم، و يثبت فيها آخرون.
ثم قال عليه السّلام: طوبي لشيعتنا، المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين علي موالاتنا و البراءة من أعدائنا؛ أولئك منّا، و نحن منهم، قد رضوا بنا أئمّة، و رضينا بهم شيعة، فطوبي لهم، ثمّ طوبي لهم، و اللّه إنّهم معنا في درجتنا يوم القيامة.(1)
و السلام علي من اتبع الهدي.
***
ص: 101
قال ابن بابويه رحمة اللّه عليه في كتاب كمال الدين: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه اللّه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عليّ بن معبد، عن الحسين بن خالد، قال: قال عليّ بن موسي الرّضا عليه السّلام: لا دين لمن لا ورع له، و لا إيمان لمن لا تقية له؛ و إن أكرمكم عند اللّه أعملكم بالتقية.
فقيل له: يا ابن رسول اللّه إلي متي؟
قال: إلي يوم الوقت المعلوم، و هو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا.
فقيل له: يا ابن رسول اللّه و من القائم منكم أهل البيت؟
قال: الرابع من ولدي، ابن سيّدة الإماء، يطهّر اللّه عزّ و جلّ به الأرض من كل جور، و يقدّسها من كلّ ظلم، و هو الذي يشكّ الناس في ولادته، و هو صاحب الغيبة قبل خروجه؛ فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره، و وضع ميزان العدل بين النّاس فلا يظلم أحد أحدا، و هو الّذي تطوي له الأرض، و لا يكون له ظل، و هو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدّعاء إليه، يقول: ألا إنّ حجّة اللّه قد ظهر عند بيت اللّه فأتّبعوه، فإنّ الحقّ معه و فيه، و هو قول اللّه عزّ و جلّ: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (1).(2)
اللهم أرزقنا لقاء حجّتك خاتم الأوصياء.
و السلام علي من اتبع الهدي.
ص: 102
قال الشيخ الصدوق عماد الدين أبو جعفر بن بابويه رحمة اللّه عليه: حدّثنا محمّد بن أحمد الشيباني، عن محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفي، عن سهيل بن زياد الآدميّ، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّ، قال: قلت لمحمّد بن عليّ بن موسي عليهم السّلام: إنّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد صلّي اللّه عليه و آله الذي يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما.
فقال عليه السّلام: يا أبا القاسم ما منّا إلا و هو قائم بأمر اللّه عزّ و جلّ، و هاد إلي دين اللّه تعالي، و لكنّ القائم بأمر اللّه الذي يطهّر اللّه تبارك و تعالي به الأرض من أهل الكفر و الجحود و يملؤها عدلا و قسطا، هو الذي تخفي علي الناس ولادته و يغيب عنهم شخصه، و يحرم عليهم تسميته، و هو سمي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و كنيّه، و هو الذي تطوي له الأرض، و يذلّ له كلّ صعب، يجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض، و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ:
أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلي كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ .(1)
فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر اللّه أمره، فإذا
ص: 103
كمل له العقد و هو عشرة آلاف رجل، خرج بإذن اللّه عزّ و جلّ، فلا يزال يقتل أعداء اللّه حتي يرضي اللّه عزّ و جلّ.
قال عبد العظيم: فقلت يا سيدي! و كيف يعلم أن اللّه عزّ و جلّ قد رضي؟
قال: يلقي في قلبه الرحمة، فإذا دخل المدينة أخرج اللاّت و العزّي فأحرقهما.(1)
و المقصود من اللاّت و العزّي أبا بكر و عمر عليهما...
و السلام علي من اتبع الهدي.
***2.
ص: 104
ما رواه أيضا أبو محمّد بن شاذان عن سهل بن زياد الآدميّ، عن عبد العظيم المشار إليه سلام اللّه عليه قال: دخلت علي سيدي عليّ بن محمّد عليه السّلام، فلمّا بصرني قال لي: مرحبا بك يا أبا القاسم! أنت وليّنا حقا.
فقلت له: يا ابن رسول اللّه إني أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضيا ثبتّ عليه حتي ألقي اللّه عزّ و جلّ.
فقال: هات يا أبا القاسم!
فقلت: إنّي أقول: إنّ اللّه تبارك و تعالي واحد ليس كمثله شيء، خارج عن الحدّين حدّ الإبطال، و حدّ التشبيه، و إنّه ليس بجسم، و لا صورة، و لا عرض، و لا جوهر؛ بل هو مجسّم الأجسام، و مصوّر الصور، و خالق الأعراض و الجواهر، و ربّ كلّ شيء، و مالكه، و جاعله، و محدثه.
و أنّ محمّدا عبده و رسوله خاتم النبيين، فلا نبي بعده إلي يوم القيامة، [و أن شريعته خاتمة الشرائع فلا شريعة بعدها إلي يوم القيامة].
و أقول: إن الإمام و الخليفة و ولي الأمر بعده أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، ثم بعده ولداه الحسن و الحسين، ثم عليّ بن الحسين، ثم محمّد بن عليّ، ثم جعفر بن محمّد، ثم موسي بن جعفر، ثم عليّ بن موسي، ثم محمّد بن علي، ثم أنت يا مولاي.
فقال عليه السّلام: و من بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من بعده؟
ص: 105
قال: فقلت و كيف ذاك يا مولاي؟
قال: لأنّه لا يري شخصه، و لا يحلّ ذكره باسمه حتي يخرج فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.
قال: فقلت: أقررت إنّ وليّهم وليّ اللّه، و عدوّهم عدو اللّه، و طاعتهم طاعة اللّه، و معصيتهم معصية اللّه.
و أقول: إنّ المعراج حق، و المساءلة في القبر حق، و أنّ الجنّة حقّ، و أنّ النار حقّ، و الصراط حقّ، و الميزان حقّ، و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها و أنّ اللّه يبعث من في القبور.
و أقول: إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية: الصلاة، و الزكاة، و الصوم، و الحج، و الجهاد، و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
فقال عليّ بن محمّد عليهما السّلام: يا أبا القاسم هذا و اللّه دين اللّه الذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه ثبّتك اللّه بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة.(1)
لهذا الحديث شرح مفصل إذا اخّر بالأجل، و أعانني اللّه تعالي فسوف أكتب كتابا مفصلا في شرح هذا الحديث إن شاء اللّه تعالي.
و السلام علي من اتبع الهدي.
***ث.
ص: 106
قال أبو محمّد ابن شاذان عليه الرحمة و الغفران: حدّثنا محمّد بن عبد الجبار رضي اللّه عنه قال: قلت لسيدي الحسن بن عليّ عليهما السّلام، يا ابن رسول اللّه جعلني اللّه فداك، أحب أن أعلم من الإمام، و حجة اللّه علي عباده من بعدك؟
قال عليه السّلام: إنّ الإمام، و الحجّة بعدي ابني سمّي رسول اللّه، و كنّيه صلّي اللّه عليه و آله الذي هو خاتم حجج اللّه و آخر خلفائه.
فقلت: ممّن [يتولد] هو يا ابن رسول اللّه؟
قال: من ابنة ابن قيصر ملك الروم، ألا إنه سيولد فيغيب عن الناس غيبة طويلة، ثمّ يظهر، و يقتل الدجال فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما، فلا يحل لأحد أن يسمّيه أو يكنّيه باسمه و كنيته قبل خروجه صلوات اللّه عليه.
يقول المترجم:(1) إنّي أتعجب من كلام صاحب كتاب كشف الغمة للشيخ الفاضل العادل عليّ بن عيسي الأربلي عليه الرحمة حيث يقول: من العجيب أنّ الشيخ الطبرسي، و الشيخ المفيد رحمهما اللّه قالا: أنّه لا يجوز ذكر اسمه و لا كنيته، ثمّ يقولان: اسمه اسم النبي، و كنيته كنيته عليهما الصلاة و السلام، و هما يظنان أنهما لم يذكرا اسمه و لا كنيته، و هذا عجيب، انتهي.(2)
ص: 107
و من العجيب جدا أن هذا الرجل العالم مع كمال وسع معرفته فإنه قد غفل أنّ الإشارة إلي الاسم و الكنية شيء، و التلفظ بالاسم و الكنية شيء آخر.
و الحال أن عدّة من الأحاديث من تلك الأحاديث المشتملة علي النهي عن التسمية و التكنية مثل الحديث السادس و العشرين من أحاديث هذه الأربعين، قد ذكر فيها أن خاتم الأوصياء يشترك مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بالاسم و الكنية مثل الحديث المذكور.
و السلام علي من اتبع الهدي.
و ليعلم أنه و بسبب طولانية حديث والدة صاحب الأمر عليه السّلام الماجدة فإننا نقتصر في هذا المقام علي ترجمته رعاية للاختصار.(1)
روي الفضل بن شاذان(2) و ابن بابويه(3) و الشيخ الطوسي(4) و الشيخ الطبرسي(5) و الشيخ الطرابلسي(6) و غيرهم كثيرا جدا من علماء الإمامية رضي اللّه عنهم جميعا في كتبهم بعبارات مختلفة و معاني متّفقة.
أما الشيخ الطوسي عليه الرحمة فقد نقل علي النحو التالي بسنده عنة.
ص: 108
بشر بن سليمان النخاس و هو من ولد أبي أيوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن، و أبي محمّد عليهما السّلام و جارهما بسرّ من رأي:
أتاني كافور الخادم، فقال: مولانا أبو الحسن عليّ بن محمّد العسكري عليهما السّلام يدعوك إليه؛ فأتيته، فلمّا جلست بين يديه قال لي:
يا بشر! إنّك من ولد الأنصار، و هذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، و أنتم ثقاتنا أهل البيت، و إنّي مزكّيك و مشرّفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بسرّ اطلعك عليه، و انفذك في ابتياع أمة.
فكتب كتابا لطيفا بخطّ روميّ، و لغة روميّة، و طبع عليه خاتمه، و أخرج شقيقة صفراء فيها مائتان و عشرون دينارا، فقال: خذها، و توجّه بها إلي بغداد، و احضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فإذا وصلت إلي جانبك زواريق السبايا، و تري الجواري فيها ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العباس و شرذمة من فتيان العرب، فإذا رأيت ذلك فاشرف من البعد علي المسمّي عمر بن يزيد النخّاس عامّة نهارك إلي أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا و كذا، لابسة حريرين صفيقين تمتنع من العرض، و لمس المعترض، و الانقياد لمن يحاول لمسها، و تسمع صرخة روميّة من وراء ستر رقيق، فاعلم أنها تقول و اهتك ستراه.
فيقول بعض المبتاعين: عليّ ثلاثمائة دينار، فقد زادني العفاف فيها رغبة.
فتقول له بالعربية: لو برزت في زيّ سليمان بن داود، و علي شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة، فأشفق علي مالك.
فيقول النخّاس: فما الحيلة و لا بدّ من بيعك.
فتقول الجارية: و ما العجلة و لا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه، و إلي وفائه، و أمانته.
فعند ذلك قم إلي عمر بن يزيد النخّاس و قل له: إنّ معك كتابا ملصقا لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية، و خط رومي و وصف فيه كرمه، و وفاءه،
ص: 109
و نبله، و سخاءه، فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه، و رضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.
قال بشر بن سليمان: فامتثلت جميع ما حدّه لي مولاي أبو الحسن عليه السّلام في أمر الجارية، فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاءا شديدا، و قالت لعمر بن يزيد:
بعني من صاحب هذا الكتاب. و حلفت بالمحرّجة، و المغلّظة إنه متي امتنع من بيعها منه قتلت نفسها.
فما زلت أشاحه في ثمنها حتيّ استقّر الأمر فيه علي مقدار ما كان أصحبنيه مولاي عليه السّلام من الدنانير، فاستوفاه (منّي) و تسلمت الجارية ضاحكة مستبشرة، و انصرفت إلي الحجيرة التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتي أخرجت كتاب مولانا عليه السّلام من جيبها و هي تلثمه و تطبقه علي جفنها و تضعه علي خدّها و تمسحه علي بدنها.
فقلت تعجبا منها: تلثمين كتابا لا تعرفين صاحبه.
فقالت: أيها العاجز، الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء، أعرني سمعك، و فرّغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، و أمّي من ولد الحواريين تنسب إلي وصي المسيح شمعون، أنبئك بالعجب:
إنّ جدّي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه، و أنا من بنات ثلاثة عشرة سنّة، فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيسين و الرهبان ثلاثمائة رجل، و من ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل، و جمع من أمراء الأجناد، و قواد العسكر، و نقباء الجيوش، و ملوك العشائر أربعة آلاف، و أبرز من بهي ملكه عرشا مصنوعا من أصناف الجوهر (إلي صحن القصر)، و رفعه فوق أربعين مرقاة، فلمّا صعد ابن أخيه، و أحدقت الصلب، و قامت الأساقفة عكّفا، و نشرت أسفار الإنجيل، تسافلت الصلب من الأعلي فلصقت بالأرض و تقوّضت أعمدة العرش، فانهارت إلي القرار، وخّر الصاعد من العرش مغشيا عليه.
ص: 110
فتغيّرت ألوان الأساقفة، و ارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم (لجدّي):
أيها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس، الدّالة علي زوال دولة هذا الدين المسيحي، و المذهب الملكاني.
فتطيّر جدّي من ذلك تطيّرا شديدا، و قال للأساقفة:
أقيموا هذه الأعمدة، و ارفعوا الصلبان، و احضروا أخا هذا المدبر العاثر، المنكوس جدّه لأزوجه هذه الصبية، فيدفع نحوسه عنكم بسعوده.
فلمّا فعلوا ذلك حدث علي الثاني (مثل) ما حدث علي الأوّل، و تفرق الناس.
و قام جدّي قيصر مغتما فدخل منزل النساء، و ارخيت الستور، و أريت في تلك الليلة كأنّ المسيح و شمعون و عدّة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدّي و نصبوا فيه منبرا من نور يباري السماء علوا و ارتفاعا في الموضع الذي كان نصب جدّي فيه عرشه، و دخل عليهم محمّد صلّي اللّه عليه و آله و ختنه و وصيه عليه السّلام و عدة من أبنائه عليهم السّلام.
فتقدم المسيح إليه، فاعتنقه، فيقول له محمّد صلّي اللّه عليه و آله: يا روح اللّه إني جئتك خاطبا من وصيّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، و أومأ بيده إلي أبي محمّد عليه السّلام ابن صاحب هذا الكتاب.
فنظر المسيح إلي شمعون و قال (له): قد أتاك الشرف، فصل رحمك رحم آل محمّد عليهم السّلام.
قال: قد فعلت.
فصعد ذلك المنبر، فخطب محمّد صلّي اللّه عليه و آله، و زوّجني من ابنه، و شهد المسيح عليه السّلام، و شهد أبناء محمّد عليهم السّلام، و الحواريّون.
فلما استيقظت أشفقت أن أقصّ هذه الرؤيا علي أبي و جدّي مخافة القتل، فكنت أسرّها و لا أبديها لهم، و ضرب صدري أبي محمّد عليه السّلام حتّي امتنعت من الطعام و الشراب، فضعفت نفسي، ودّق شخصي، و مرضت مرضا شديدا، فما بقي في مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدّي، و سأله عن دوائي.
ص: 111
فلما برح به اليأس قال:
يا قرة عيني! و هل يخطر ببالك شهوة فازودكها في هذه الدنيا؟
فقلت: يا جدي! أري أبوابا عليّ مغلقة، فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أساري المسلمين، و فككت عنهم الأغلال، و تصدّقت عليهم، و منّيتهم الخلاص رجوت أن يهب (لي) المسيح و أمّه عافية.
فلما فعل ذلك تجلدت في إظهار الصّحة من بدني قليلا، و تناولت يسيرا من الطعام، فسّر بذلك، و أقبل علي إكرام الأساري و إعزازهم.
فأريت (أيضا) بعد أربع عشرة ليلة كأنّ سيدة نساء العالمين فاطمة عليها السّلام قد زارتني، و معها مريم ابنة عمران و ألف من وصائف الجنان، فتقول لي مريم:
هذه سيدة نساء العالمين أمّ زوجك أبي محمّد عليه السّلام، فأتعلق بها، و أبكي، و أشكو إليها امتناع أبي محمّد عليه السّلام من زيارتي.
فقالت سيّدة النساء عليها السّلام: إن ابني أبا محمّد لا يزورك، و أنت مشركة باللّه علي مذهب النصاري، و هذه أختي مريم بنت عمران تبرأ إلي اللّه تعالي من دينك، فان ملت إلي رضي اللّه و رضي المسيح و مريم عليهما السّلام و زيارة أبي محمّد إياك فقولي: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أن أبي محمّدا رسول اللّه.
فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمّتني إلي صدرها سيدة نساء العالمين عليها السّلام، و طيبت نفسي و قالت: الآن توقعي زيارة أبي محمّد، فإني منفذته إليك.
فانتبهت و أنا أنول،(1) أتوقع لقاء أبي محمّد عليه السّلام.
فلما كان في الليلة القابلة رأيت أبا محمّد عليه السّلام و كأنّي أقول له:
جفوتني يا حبيبي بعد أن أتلفت نفسي معالجة حبّك.ا.
ص: 112
فقال: ما كان تأخري عنك إلا لشركك، فقد أسلمت و أنا زائرك في كل ليلة إلي أن يجمع اللّه تعالي شملنا في العيان.
فما قطع عنيّ زيارته بعد ذلك إلي هذه الغاية.
قال بشر: فقلت لها: و كيف وقعت في الأساري؟
فقالت: أخبرني أبو محمّد عليه السّلام ليلة من الليالي أن جدّك سيّسير جيشا إلي قتال المسلمين يوم كذا و كذا، ثمّ يتبعهم، فعليك باللحاق بهم متنكرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا.
ففعلت ذلك، فوقعت علينا طلائع المسلمين، حتي كان من أمري ما رأيت، و شاهدت، و ما شعر بأنّي ابنة ملك الروم إلي هذه الغاية أحد سواك، و ذلك باطلاعي إيّاك عليه، و لقد سألني الشيخ الذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته و قلت: نرجس، فقال: اسم الجواري.
قلت: العجب انّك رومية، و لسانك عربي؟
قالت: نعم! من ولوع جدّي، و حمله إياي علي تعلم الآداب أن أوعز إلي امرأة ترجمانة لي في الاختلاف إليّ، و كانت تقصدني صباحا و مساءا، و تفيدني العربية حتي استمرّ لساني عليها و استقام.
قال بشر: فلما انكفأت بها إلي سرّ من رأي دخلت علي مولاي أبي الحسن عليه السّلام فقال: كيف أراك اللّه عزّ الإسلام، و ذلّ النصرانية، و شرف محمّد و أهل بيته عليهم السّلام؟
قالت: كيف أصف لك يا ابن رسول اللّه ما أنت أعلم به منّي؟!
قال: فانّي أحببت أن أكرمك؛ فما أحبّ إليك، عشرة آلاف دينار، أم بشري لك بشرف الأبد؟
قالت: بشري بولد لي.
ص: 113
قال لها: أبشري بولد يملك الدنيا شرقا و غربا، و يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.
قلت: ممّن؟
قال: ممّن خطبك رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله له ليلة كذا، في شهر كذا، من سنة كذا بالرومية.
قالت: من المسيح و وصيّه؟
قال لها: ممّن زوجك المسيح عليه السّلام و وصيه؟
قالت: من ابنك أبي محمّد عليه السّلام.
فقال: هل تعرفينه؟
قالت: و هل خلت ليلة لم يرني فيها منذ الليلة التي أسلمت علي يد سيدة النساء صلوات اللّه عليها.
قال: فقال مولانا: يا كافور ادع أختي حكيمة.
فلمّا دخلت قال لها: ها هيه. فاعتنقتها طويلا، و سرّت بها كثيرا.
فقال لها أبو الحسن عليه السّلام: يا بنت رسول اللّه! خذيها إلي منزلك، و علّميها الفرائض و السنن؛ فإنها زوجة أبي محمّد، و أمّ القائم عليه السّلام.(1)
و السلام علي من اتبع الهدي.
***ر.
ص: 114
قال أبو محمّد ابن شاذان عليه رحمة اللّه الملك المنّان: حدّثنا أحمد بن إسحاق بن عبد اللّه الأشعري رضي اللّه عنه قال: سمعت أبا محمّد الحسن بن عليّ العسكري عليهما السّلام يقول: الحمد للّه الذي لم يخرجني من الدنيا حتي أراني الخلف بعدي، أشبه الناس برسول اللّه خلقا و خلقا، يحفظه اللّه تبارك و تعالي في غيبته، ثم يظهره فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.(1)
و بما أن حديث ولادة صاحب الأمر عليه السّلام طويل أيضا فسوف نقتصر علي ذكر الترجمة إن شاء اللّه تعالي.(2)
روي كثير من محدّثينا، و نقل ابن بابويه رحمة اللّه عليه بسنده عن موسي بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسي بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام قال:
حدّثتني حكيمة بنت محمّد بن عليّ بن موسي بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام، قالت:
بعث إليّ أبو محمّد الحسن بن عليّ عليهما السّلام فقال: يا عمّة اجعلي إفطارك
ص: 115
[هذه] الليلة عندنا، فإنها ليلة النصف من شعبان، فإن اللّه تبارك و تعالي سيظهر في هذه الليلة الحجة و هو حجته في أرضه.
قالت: فقلت له: و من أمّه؟
قال لي: نرجس.
قلت له: جعلني اللّه فداك ما بها أثر؟
فقال: هو ما أقول لك.(1)
و نقل ابن شاذان عليه الرحمة في هذا المقام عن لسان السيدة حكيمة هذه العبارات (فجئت إليها) يعني جئت إلي نرجس، و قد رأيت كلمة (إليها) في بعض نسخ كمال الدين، و لكني لم أرها في أكثر نسخ هذا الكتاب.
و علي الإجمال: تقول السيدة حكيمة:
فلما سلّمت و جلست جاءت تنزع خفيّ، و قالت لي: يا سيدتي [و سيدة أهلي] كيف أمسيت؟
فقلت: بل أنت سيّدتي و سيّدة أهلي.
قالت: فأنكرت قولي و قالت:
ما هذا يا عمّة؟
قالت: فقلت لها: يا بنيّة! إن اللّه تعالي سيهب لك في ليلتك هذه غلاما سيّدا في الدنيا و الآخرة.
قالت: فخجلت و استحيت.
فلمّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت و أخذت مضجعي، فرقدت، فلمّا أن كان في جوف اللّيل قمت إلي الصلاة، ففرغت من صلاتي و هي نائمة ليس بها حادث، ثمّ جلست معقبّة، ثمّ اضطجعت، ثمّ انتبهت فزعة و هي راقدة؛ ثمّ قامت فصلّت و نامت.4.
ص: 116
قالت حكيمة: و خرجت أتفقد الفجر، فإذا أنا بالفجر الأوّل كذنب السرحان و هي نائمة، فدخلني الشكوك، فصاح بي أبو محمّد عليه السّلام من المجلس فقال: لا تعجلي يا عمّة! فهاك الأمر قد قرب.
قالت: فجلست و قرأت آلم السجدة و يس، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة، فوثبت إليها فقلت: اسم اللّه عليك؛ ثمّ قلت لها: أتحسّين شيئا؟
قالت: نعم يا عمّة.
فقلت لها: اجمعي نفسك، و اجمعي قلبك، فهو ما قلت لك.
قالت [حكيمة]:(1) فأخذتني فترة، و أخذتها فترة، فانتبهت بحسّ سيدي، فكشفت الثوب عنه فإذا أنا به عليه السّلام ساجدا يتلقي الأرض بمساجده، فضممته إليّ فإذا أنا به نظيف متنظف.(2)
و يفهم من بعض الأحاديث أنه كلما كانت تقرأ السيدة حكيمة من القرآن حين الولادة فكان عليه السّلام يقرأ مثلها و هو في بطن أمه.(3)ث.
ص: 117
و يعلم من حديث آخر أنه عليه السّلام قد ولد مختونا.(1)
و يستفاد من هذا الحديث، و من حديث آخر أن الملائكة قد غسلته بماء الكوثر و السلسبيل ليكون طاهرا مطهرا.(2)
تقول السيدة حكيمة عليها السّلام:
فصاح بي أبو محمّد عليه السّلام: هلمّي إليّ ابني يا عمّة!
فجئت به إليه، فوضع يديه تحت إليته و ظهره، و وضع قدميه علي صدره، ثمّ أدلي لسانه في فيه، و أمرّ يده علي عينيه و سمعه و مفاصله، ثمّ قال: تكلم يا بني!
فقال: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، و أشهد أن محمّدا رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، ثمّ صلّي علي أمير المؤمنين، و علي الأئمّة عليهم السّلام إلي أن وقف علي أبيه، ثمّ أحجم.
ثمّ قال أبو محمّد عليه السّلام: يا عمّة! اذهبي به إلي أمّه ليسلّم عليها، و ائتني به.
فذهبت به، فسلّم عليها، ورددته فوضعته في المجلس ثمّ قال: يا عمّة! إذا كان يوم السابع فأتينا.
قالت حكيمة:
فلمّا أصبحت جئت لاسلّم علي أبي محمّد عليه السّلام، و كشفت الستر لأتفقّد سيدي عليه السّلام فلم أره؛ فقلت: جعلت فداك ما فعل سيّدي؟
فقال: يا عمّة! استودعناه الذي استودعته أمّ موسي موسي عليه السّلام...
ص: 118
قالت حكيمة:
فلما كان في اليوم السابع جئت فسلّمت و جلست، فقال: هلمّي إليّ ابني.
فجئت بسيدي عليه السّلام و هو في الخرقة، ففعل به كفعلته الأولي، ثمّ أدلي لسانه في فيه كأنّه يغذّيه لبنا أو عسلا، ثمّ قال: تكلم يا بنيّ.
فقال: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وثّني بالصلاة علي محمّد، و علي أمير المؤمنين، و علي الأئمّة الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين حتي وقف علي أبيه عليه السّلام، ثمّ تلا هذه الآية: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَي الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ * وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (1).(2)
و نقل القطب الراوندي رحمه اللّه مسندا، كما هو موجود أيضا في الكتب المعتبرة أنه عليه السّلام قال بعد أن قرأ الآية: و صلّي اللّه علي محمّد المصطفي و علي المرتضي و فاطمة الزهراء و الحسن و الحسين و عليّ بن الحسين و محمّد بن عليّ و جعفر بن محمّد و موسي بن جعفر و عليّ بن موسي و محمّد بن عليّ و عليّ بن محمّد و الحسن بن عليّ و أبي.(3)
و موسي بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسي بن جعفر عليهم السّلام هو من مشاهير أولاد الحمزة بن الإمام موسي عليه السّلام.
و قال راوي هذا الخبر المعتبر: فسألت عقبة الخادم عن هذه، فقالت:
صدقت حكيمة.(4)
رحمة اللّه عليها، و رحمة اللّه عليهما.
و السلام علي من اتبع الهدي.1.
ص: 119
قال أبو محمّد بن شاذان رحمه اللّه: حدّثنا محمّد بن عليّ بن حمزة بن الحسين بن عبيد اللّه بن عباس بن عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه قال: سمعت أبا محمّد عليه السّلام يقول: قد ولد وليّ اللّه و حجته علي عباده و خليفتي من بعدي مختونا ليلة النصف من شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين عند طلوع الفجر.
و كان أوّل من غسله رضوان خازن الجنان مع جمع من الملائكة المقربين بماء الكوثر، و السلسبيل؛ ثم غسلّته عمتي حكيمة بنت محمّد بن عليّ الرضا عليهما السّلام، فسئل محمّد بن عليّ بن حمزة رضي اللّه عنه عن أمه عليها السّلام.
قال: أمه مليكة التي يقال لها في بعض الأيام (سوسن)، و في بعضها (ريحانة)، و كان صقيل و نرجس أيضا من أسمائها سلام اللّه عليها.
و السلام علي من اتبع الهدي.
و قال ابن بابويه رحمة اللّه عليه: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني [رضي اللّه عنه]،(1) قال: حدّثنا الحسن بن عليّ بن زكريا بمدينة السلام، قال: حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن جليلان،(2) قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن غياث بن أسيد، قال:
سمعت محمّد بن عثمان العمري قدّس اللّه روحه يقول:
لما ولد الخلف المهديّ (صلوات اللّه عليه) سطع نور من فوق رأسه إلي عنان
ص: 120
السماء، ثم سقط لوجهه ساجدا لربّه عزّ و جلّ، ثم رفع رأسه و هو يقول: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .(1)
قال: و كان مولده يوم الجمعة.(2)
و قال ابن بابويه رحمه اللّه أيضا: حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس العطّار، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري، عن حمدان بن سليمان عن محمّد بن الحسين بن زيد، عن أبي أحمد [محمّد] بن زياد الأزديّ، قال:
سمعت أبا الحسن موسي بن جعفر عليهما السّلام يقول لما ولد الرضا عليه السّلام:
إن ابني هذا ولد مختونا طاهرا مطهّرا، و ليس من الأئمّة أحد إلا و يولد مختونا طاهرا مطهّرا، و لكنّا سنمرّ الموسي عليه لإصابة السّنة و اتباع الحنيفية.(3)
***5.
ص: 121
قال الشيخ الصدوق أبو جعفر بن بابويه رحمة اللّه عليه و علي أبويه: حدّثنا محمّد بن عليّ ماجيلويه رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا محمّد بن يحيي العطار، قال: حدّثنا أبو عليّ الخيزرانيّ عن جارية له كان أهداها لأبي محمّد عليه السّلام، فلما أغار جعفر الكذّاب علي الدار جاءته فارّة من جعفر، فتزوج بها.
قال أبو عليّ: حدّثتني أنّها حضرت ولادة السيّد عليه السّلام و أنّ اسم أمّ السيّد عليه السّلام صقيل، و أنّ أبا محمّد عليه السّلام حدّثها بما يجري علي عياله، فسألته أن يسأل(1) اللّه عزّ و جلّ أن يجعل ميتتها(2) قبله، فماتت في حياة أبي محمّد عليه السّلام، و علي قبرها لوح مكتوب عليه: (هذا قبر أمّ محمّد).
قال أبو عليّ: و سمعت هذه الجارية تقول:(3) إنّه لمّا ولد السيّد عليه السّلام رأت له(4) نورا ساطعا قد ظهر منه، و بلغ أفق السماء، و رأت طيورا بيضاء تهبط من السماء و تمسح أجنحتها علي رأسه، و وجهه و سائر جسده، ثم تطير.
ص: 122
فأخبرنا أبا محمّد عليه السّلام بذلك، فضحك، فقال: تلك الملائكة نزلت [من السماء](1) للتبرّك بهذا المولود، و هي أنصاره إذا خرج.(2)
عليه و علي آبائه المعصومين صلوات اللّه تبارك و تعالي.
و السلام علي من اتبع الهدي.
***7.
ص: 123
قال الشيخ الصدوق أبو جعفر ابن عليّ بن الحسين قدس اللّه سرّهما:
حدّثنا محمّد بن عليّ ماجليويه، و أحمد بن محمّد بن يحيي العطار رضي اللّه عنهما، قالا:
حدّثنا محمّد بن يحيي، قال: حدّثنا الحسن بن علي النيسابوري، عن إبراهيم بن محمّد بن عبد اللّه بن موسي بن جعفر بن محمّد عليه السّلام، عن السيّاري قال:
حدّثتني نسيم و مارية قالتا:
لمّا سقط صاحب الزمان عليه السّلام من بطن أمّه، [سقط](1) جاثيا علي ركبتيه، رافعا سبّابته(2) إلي السماء، ثم عطس، فقال: الحمد للّه ربّ العالمين، و صلّي اللّه علي محمّد و آله، زعمت الظلمة أنّ حجّة اللّه داحضة، لو أذن اللّه لي في الكلام لزال الشكّ.
قال إبراهيم بن محمّد بن عبد اللّه: و حدّثتني نسيم خادمة(3) أبي محمّد عليه السّلام قالت:
قال لي صاحب الزمان عليه السّلام و قد دخلت عليه بعد مولده بليلة، فعطست عنده، فقال لي: يرحمك اللّه!
قالت نسيم: ففرحت بذلك.
ص: 124
فقال [لي](1) عليه السّلام: ألا أبشرك في العطاس؟
فقلت: بلي [بلي يا مولاي].(2)
فقال: هو أمان من الموت ثلاثة أيام.(3)
و روي ابن بابويه رحمة اللّه عليه هذا الحديث في كتابه في محل ثان عن إبراهيم بن محمّد العلويّ، حيث قال هناك: و بهذا الإسناد عن إبراهيم بن محمّد العلويّ قال: حدّثني طريف أبو نصر قال: دخلت علي صاحب الزمان عليه السّلام [و هو في المهد]،(4) فقال: عليّ بالصندل الأحمر، فأتيته به، ثمّ قال:
أتعرفني؟ قلت: نعم. فقال: من أنا؟
فقلت: أنت سيّدي و ابن سيّدي.
فقال: ليس عن هذا سألتك.
قال طريف: فقلت: جعلني اللّه فداك، فبيّن لي.
قال: أنا خاتم الأوصياء، بي يدفع اللّه عزّ و جلّ البلاء عن أهلي و شيعتي.(5)
و قال الشيخ الجليل محمّد بن الحسن الطوسي نور اللّه مرقده:
و في رواية أخري عن جماعة من الشيوخ: أن حكيمة حدّثت بهذا الحديث (أي حديث ولادة الصاحب عليه السّلام)، و ذكرت أنه كان ليلة النصف2.
ص: 125
من شعبان، و أن أمّه نرجس، و ساقت الحديث إلي قولها: فإذا أنا بحسّ سيّدي، و بصوت أبي محمّد عليه السّلام و هو يقول: يا عمتي! هاتي ابني إليّ.
فكشفت عن سيّدي، فإذا هو ساجد متلقيا الأرض بمساجده، و علي ذراعه الأيمن مكتوب: جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً .(1)
فضممته إليّ، فوجدته مفروغا منه، فلففته في ثوب، و حملته إلي أبي محمّد عليه السّلام.
و ذكروا الحديث إلي قوله: أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه، و أنّ عليّا أمير المؤمنين حقّا، ثمّ لم يزل يعدّ السادة، و الأوصياء إلي أن بلغ إلي نفسه و دعا لأوليائه بالفرج علي يديه، ثمّ أحجم.
و قالت: ثم رفع بيني و بين أبي محمّد عليه السّلام كالحجاب، فلم أر سيّدي، فقلت لأبي محمّد عليه السّلام: يا سيدي أين مولاي؟
فقال: أخذه من هو أحقّ منك و منّا.
[ثم](2) و ذكروا الحديث بتمامه و زادوا فيه:
فلما كان بعد أربعين يوما دخلت علي أبي محمّد عليه السّلام فإذا مولانا الصاحب عليه السّلام يمشي في الدار، فلم أر وجها أحسن من وجهه، و لا لغة أفصح من لغته، فقال أبو محمّد عليه السّلام: هذا المولود الكريم علي اللّه عزّ و جلّ.
فقلت: سيّدي أري من أمره ما أري و له أربعون يوما؟!
فتبسّم و قال: يا عمّتي! أما علمت إنّا معاشر الأئمّة ننشؤ في اليوم ما ينشؤ غيرنا في السنة؟!
فقمت و قبّلت رأسه، و انصرفت، ثمّ عدتّ و تفقدته فلم أره؛ فقلت لأبي محمّد عليه السّلام: ما فعل مولانا؟ر.
ص: 126
فقال: يا عمّة! استودعناه الذي استودعت أمّ موسي عليه السّلام.(1)
و كان الهدف من كتابة هذا الحديث شيئين:
أوّلهما: أنه عند ما ولد عليه السّلام فكان مكتوبا علي ذراعه بقلم القدرة:
جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً .(2)
ثانيهما: أن السيّدة حكيمة قالت: فلمّا كان بعد أربعين يوما دخلت علي أبي محمّد عليه السّلام فإذا مولانا الصاحب عليه السّلام يمشي في الدار، فلم أر وجها أحسن من وجهه، و لا لغة أفصح من لغته؛ فقال أبو محمّد عليه السّلام: هذا المولود الكريم علي اللّه عزّ و جلّ فقلت: سيدي أري من أمره ما أري و له أربعون يوما! فتبسّم، و قال: يا عمّتي؛ أما علمت إنّا معاشر الأئمّة ننشؤ في اليوم ما ينشؤ غيرنا في السنة. فقمت، و قبلت رأسه، و انصرفت، ثمّ عدت و تفقدته فلم أره، فقلت لأبي محمّد عليه السّلام: ما فعل مولانا؟ فقال:
يا عمّة استودعناه الذي استودعت أمّ موسي عليه السّلام.
و جاء في رواية أخري ما خلاصته: أن الإمام الحادي عشر أمر روح القدس الذي ظهر علي صورة الطير أن يأخذه عليه السّلام، و كان باقي الملائكة تنزّلت علي صورة الطيور، فاتبعته، فبكت السيدة نرجس، فسلاّها الإمام عليه السّلام فقال لها: اسكتي، فإن الرضاع [محرّم] عليه إلا من ثدييك، و سيعاد إليك كما ردّ موسي عليه السّلام إلي أمه، و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: فَرَدَدْناهُ إِلي أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ .(3)
و من أراد تفصيل هذا الحديث فليرجع إلي كتاب كمال الدين و تمام النعمة، و كتاب الفرج الكبير.(4)ف.
ص: 127
قال الشيخ الصدوق أبو جعفر بن بابويه رحمه اللّه: حدّثنا محمّد بن عليّ ماجليويه، و محمّد بن موسي المتوكّل، و أحمد بن محمّد بن يحيي العطّار رضي اللّه عنهم قالوا: حدّثنا محمّد بن يحيي العطّار، قال: حدّثني إسحاق بن روح البصري، عن أبي جعفر العمري قال:
لما ولد السّيّد عليه السّلام قال أبو محمد صلوات اللّه عليه: ابعثوا إليّ بأبي عمرو.(1)
فبعث إليه، فصار إليه، فقال له: اشتر عشرة آلاف رطل خبزا، و عشرة آلاف رطل لحما و فرّقه.
قال: أحسبه قال: علي بني هاشم، و عقّ عنه بكذا و كذا شاة.(2)
قال الفضل بن شاذان: حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن فارس النيسابوري، قال:
لما همّ الوالي عمرو بن عوف بقتلي، و هو رجل شديد النصب، و كان مولعا بقتل الشيعة، فاخبرت بذلك، و غلب عليّ خوف عظيم، فودّعت أهلي، و أحبائي، و توجهت إلي دار أبي محمّد عليه السّلام لأودّعه، و كنت أردت الهرب، فلما دخلت عليه رأيت غلاما جالسا في جنبه، و كان وجهه مضيئا كالقمر ليلة البدر، فتحيّرت من نوره و ضيائه، و كاد أن أنسي ما كنت فيه من الخوف و الهرب، فقال: يا إبراهيم! لا تهرب، فإنّ اللّه تبارك و تعالي سيكفيك شره.
فازداد تحيري، فقلت لأبي محمّد عليه السّلام: يا سيّدي! جعلني اللّه فداك، من هو، و قد أخبرني بما كان في ضميري؟
فقال: هو ابني و خليفتي من بعدي، و هو الذي يغيب غيبة طويلة، و يظهر بعد امتلاء الأرض جورا و ظلما، فيملؤها عدلا و قسطا.
فسألته عن اسمه؛ قال: هو سمّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و كنّيه، لا يحل لأحد6.
ص: 128
أن يسمّيه باسمه، أو يكنّيه بكنيته إلي أن يظهر اللّه دولته و سلطنته، فاكتم يا إبراهيم ما رأيت و سمعت عنّا اليوم إلا عن أهله.
فصلّيت عليهما و آبائهما، و خرجت مستظهرا بفضل اللّه تعالي، واثقا بما سمعته من الصاحب عليه السّلام، فبشّرني عمّي علي بن فارس بأن المعتمد قد أرسل أبا أحمد أخاه، و أمره بقتل عمرو بن عوف، فأخذه أبو أحمد في ذلك اليوم و قطّعه عضوا عضوا، و الحمد للّه رب العالمين.
و بما أنه أشير في الحديث العشرين و الحادي و الثلاثين إلي قبائح جعفر الكذّاب، فلذلك نذكر في هذا المقام بعد حديث وفاة الإمام الحسن بن عليّ العسكري عليهما السّلام نبذة من الصفات الذميمة لجعفر المذكور.
نقل الشيخ أبو عبد اللّه محمّد بن هبة اللّه الطرابلسي في كتاب (الفرج الكبير) و روي بسنده عن أبي الأديان و كان خادم الإمام عليه السّلام أنه قال:(1) «...
ص: 129
دخلت [علي الإمام عليه السّلام] في علّته التي توفي فيها صلوات اللّه عليه، فكتب معي كتبا و قال: أمض بها إلي فلان و فلان و كثير من أصحابنا، و اعلم أنكن.
ص: 130
ستصل إلي هذه البلدة بعد خمسة عشر يوما و تسمع الناعية في داري و تجدني علي المغتسل.
قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي و مولاي: فإذا كان هذا الحدث العظيم فمن هو حجة اللّه و إمامنا؟
قال: من طالبك بجوابات كتبي.
فقلت: زدني.
فقال: من يصلّي عليّ فهو حجّة اللّه، و الإمام، و المهدي القائم بعدي.
فطلبت منه عليه السّلام علامة أزيد علي ذلك، فقال: من أخبر بما في الهميان.
ثمّ منعتني هيبته أن أساله عمّا في الهميان. فخرجت من سرّ من رأي و وصلت إلي المدائن، و أخذت جوابات تلك الكتب، و رجعت إلي سرّ من رأي يوم الخامس عشر كما ذكر لي عليه السّلام علي نحو الإعجاز، و سمعت الناعية من داره، و رأيت نعش حجة اللّه علي المغتسل، فرأيت جعفر أخاه بباب الدار و الناس حوله يعزونه. فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام بعد الإمام الحسن عليه السّلام فقد بطلت الإمامة، لأنّي كنت أعرفه يشرب النبيذ، و يلعب بالطنبور، و يقامر في الجوسق، فتقدمت و عزيته، فلم يسألني عن شيء، و لم يطالبني بجوابات الكتب. ثم خرج عقيد الخادم و قال: يا سيدي قد كفّن أخوك فقم و صلّ عليه.
فقام و دخل الدار، و دخل الشيعة و هم يبكون، و كان الإمام قد كفّن و قد وضع علي النعش، فتقدم جعفر ليصلي، فلما همّ بالتكبير رأيت صبيا قد خرج أسمر بشعره قطط صلوات اللّه عليه، فأخذ رداءه و جذبه و قال: تأخر يا عمّ فأنا أحق بالصلاة علي أبي.
فتأخر جعفر و قد أربدّ وجهه. و قد صلّي منتخب الملك الغفار علي أبيه ذي الشأن العالي. و دفن عليه السّلام إلي جنب قبر أبيه الإمام عليّ النقي عليهما السّلام. ثمّ خاطبني ذلك الصبي الصغير بالسن، و ولي اللّه المتعال: يا بصري! هات جوابات الكتب.
ص: 131
فدفعت إليه جوابات الكتب. فقلت في نفسي: هذه بينتان، بقي الهميان و علامة الهميان.
ثم خرجت إلي جعفر و هو يزفر، فقال له حاجز الوشاء - و كان أحد الحضّار: يا سيدي من هذا الصبي؟ و كان هذا السؤال لإقامة الحجّة علي جعفر.
فقال جعفر في الجواب: و اللّه ما رأيته قط و لا أعرفه.
و نحن جلوس إذ قدم نفر من قم، فسألوا عن الإمام عليه السّلام، فعرفوا موته عليه السّلام، فقالوا: فمن هو خليفته؟ فأشاروا إلي جعفر. فسلمّوا عليه و عزّوه، و قالوا:
إنّ معنا كتب و مالا قالوا لنا أن نوصلها إليه عليه السّلام، فما نفعل؟
فقال جعفر: أعطوها لخدمي.
فقالوا: فقل لنا ممن الكتب، و كم المال؟
فقام جعفر غاضبا ينفض أثوابه و يقول: تريدون منّا أن نعلم الغيب؟!
و كانت الجماعة قد تحيرت، فخرج خادم فقال: يا أهل قم! و سمّانا واحدا واحدا، معكم كتب فلان و فلان، و هميان فيه ألف دينار و عشرة منها مطلية.
فدفعوا إليه مع ذلك الهميان إلي الخادم، و قالوا: الذي وجّه به هو الإمام.
و أما جعفر؛ فدخل علي المعتمد باللّه العباسي و هو أحد خلفاء بني العباس و كشف له ذلك، فبعث المعتمد جماعة، فدخلوا الدار، فلم يجدوا صبيا و لم تكن السيدة نرجس في الحياة، فقبضوا علي جارية تسمي ماريّة لتدلهم علي الصبي، فأنكرت مارية وجود صبيّ في الدار.
و بغتهم موت عبيد اللّه بن يحيي بن خاقان، و خروج صاحب الزّنج بالبصرة، فشغلوا بتلك الأخبار عن الجارية فخرجت من أيديهم، و لم يفكر بها أحد.
الحمد للّه تبارك و تعالي.
و السلام علي من اتبع الهدي.
ص: 132
و ذكر هذا الحديث المتقدم ابن بابويه رحمه اللّه في كتاب كمال الدين و تمام النعمة مع اختلافات قليلة.
و روي بعد هذا الحديث الرواية التالية: لما قبض سيدنا أبو محمّد الحسن بن علي العسكري صلوات اللّه عليهما وفد من قم و الجبال وفود بالأموال التي كانت تحمل علي الرّسم و العادة، و لم يكن عندهم خبر وفاة الحسن عليه السّلام، فلما أن وصلوا إلي سرّ من رأي سألوا عن سيّدنا الحسن بن علي عليهما السّلام، فقيل لهم: إنّه قد فقد.
فقالوا: و من وارثه؟
قالوا: أخوه جعفر بن عليّ.
فسألوا عنه، فقيل لهم: إنّه قد خرج متنزّها، و ركب زورقا في الدجلة، يشرب، و معه المغنّون.
قال: فتشاور القوم، فقالوا: هذه ليست من صفة الإمام.
و قال بعضهم لبعض: امضوا بنا حتي نردّ هذه الأموال علي أصحابها.
فقال أبو العبّاس محمّد بن جعفر الحمّيري القمّي: قفوا بنا حتّي ينصرف هذا الرجل، و نختبر أمره بالصحّة.
قال: فلما انصرف دخلوا عليه، فسلّموا عليه، و قالوا: يا سيّدنا نحن من أهل قم، و معنا جماعة من الشيعة، و غيرها، و كنّا نحمل إلي سيدنا أبي محمّد الحسن بن عليّ الأموال.
فقال: و أين هي؟ قالوا: معنا.
قال: احملوها إليّ.
قالوا: لا؛ إنّ لهذه الأموال خبرا طريفا.
فقال: و ما هو؟
قالوا: إن هذه الأموال تجمع، و يكون فيها من عامّة الشيعة الدّينار
ص: 133
و الديناران، ثمّ يجعلونها في كيس و يختمون عليه، و كنّا إذا وردنا بالمال علي سيدنا أبي محمّد عليه السّلام يقول: جملة المال كذا و كذا دينارا؛ من عند فلان كذا، و من عند فلان كذا حتي يأتي علي أسماء الناس كلّهم، و يقول ما علي الخواتيم من نقش.
فقال جعفر: كذبتم، تقولون علي أخي ما لا يفعله، هذا علم الغيب، و لا يعلمه إلا اللّه.
قال: فلّما سمع القوم كلام جعفر جعل بعضهم ينظر إلي بعض، فقال لهم: احملوا هذا المال إليّ.
قالوا: إنا قوم مستأجرون وكلاء لأرباب المال، و لا نسلّم المال إلا بالعلامات التي كنّا نعرفها من سيّدنا أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السّلام، فإن كنت الإمام فبرهن لنا، و إلاّ رددناها إلي أصحابها يرون فيها رأيهم.
قال: فدخل جعفر علي الخليفة - و كان بسرّ من رأي - فاستعدي عليهم؛ فلمّا احضروا قال الخليفة: احملوا هذا المال إلي جعفر.
قالوا: أصلح اللّه أمير المؤمنين إنّا قوم مستأجرون وكلاء لأرباب هذه الأموال، و هي وداعة لجماعة، و أمرونا بأن لا نسلّمها إلا بعلامة و دلالة، و قد جرت هذه العادة مع أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السّلام.
فقال الخليفة: فما كانت العلامة التي كانت مع أبي محمّد؟
قال القوم: كان يصف لنا الدنانير، و أصحابها، و الأموال، و كم هي؟ فإذا فعل ذلك سلّمناها إليه، و قد وفدنا إليه مرارا فكانت هذه علامتنا معه و دلالتنا، و قد مات، فإن يكن هذا الرجل صاحب هذا الأمر فليقم لنا ما كان يقيمه لنا أخوه، و إلاّ رددناها إلي أصحابها.
فقال جعفر: يا أمير المؤمنين، إنّ هؤلاء القوم كذّابون، و يكذبون علي أخي، و هذا علم الغيب.
ص: 134
فقال الخليفة: القوم رسل، و ما علي الرّسول إلا البلاغ المبين.
قال: فبهت جعفر، و لم يرد جوابا.
فقال القوم: يتطوّل أمير المؤمنين بإخراج أمره إلي من يبدرقنا(1) حتي نخرج من هذه البلدة.
قال: فأمر لهم بنقيب فأخرجهم منها، فلمّا أن خرجوا من البلد خرج إليهم غلام أحسن النّاس وجها، كأنه خادم، فنادي: يا فلان بن فلان، و يا فلان بن فلان، أجيبوا مولاكم.
قال: فقالوا: أنت مولانا؟
قال: معاذ اللّه، أنا عبد مولاكم، فسيروا إليه.
قالوا: فسرنا [إليه] معه حتي دخلنا دار مولانا الحسن بن عليّ عليهما السّلام، فإذا ولده القائم سيّدنا عليه السّلام قاعد علي سرير كأنه فلقة قمر، عليه ثياب خضر، فسلّمنا عليه، فردّ علينا السلام، ثم قال: جملة المال كذا و كذا دينارا، حمل فلان كذا، [و حمل] فلان كذا، و لم يزل يصف حتّي وصف الجميع.
ثم وصف ثيابنا و رحالنا و ما كان معنا من الدّوابّ.
فخررنا سجّدا للّه عزّ و جلّ شكرا لما عرّفنا، و قبلّنا الأرض بين يديه، و سألناه عمّا أردنا فأجاب؛ فحملنا إليه الأموال، و أمرنا القائم عليه السّلام أن لا نحمل إلي سرّ من رأي بعدها شيئا من المال، فإنّه ينصب لنا ببغداد رجلا يحمل إليه الأموال، و يخرج من عنده التوقيعات.
قالوا: فانصرفنا من عنده، و دفع إلي أبي العبّاس محمّد بن جعفر القمي الحميري شيئا من الحنوط و الكفن، فقال له: أعظم اللّه أجرك في نفسك.
قال: فما بلغ أبو العباس عقبة همدان حتّي توفّي رحمه اللّه.ة.
ص: 135
و كان بعد ذلك نحمل الأموال إلي بغداد إلي النوّاب المنصوبين بها و يخرج من عندهم التوقيعات.(1)
ثمّ قال ابن بابويه بعد نقل هذا الحديث: هذا الخبر يدلّ علي أن الخليفة كان يعرف هذا الأمر كيف هو، [و أين هو]، و أين موضعه، فلهذا كفّ عن القوم عمّا معهم من الأموال، و دفع جعفرا الكذاب عن مطالبتهم، و لم يأمرهم بتسليمها إليه، إلا انه كان يحبّ أن يخفي هذا الأمر و لا ينشر، لئلا يهتدي إليه الناس فيعرفونه.
و قد كان جعفر الكذاب حمل إلي الخليفة عشرين ألف دينار لمّا توفي الحسن بن عليّ عليهما السّلام، و قال: يا أمير المؤمنين تجعل لي مرتبة أخي الحسن و منزلته.
فقال الخليفة: اعلم أن منزلة أخيك لم تكن بنا، إنّما كانت باللّه عزّ و جلّ، و نحن كنّا نجتهد في حطّ منزلته، و الوضع منه؛ و كان اللّه عزّ و جلّ يأبي إلا أن يزيده كلّ يوم رفعة لما كان فيه من الصيانة و حسن السّمت و العلم و العبادة؛ فإن كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا، و إن لم تكن عندهم بمنزلته و لم يكن فيك ما كان في أخيك لم نغن عنك في ذلك شيئا».(2)
يقول هذا المنكسر الحزين، يعني محرر [جامع] و مترجم هذه الأربعين:
إنّ ما يستفاد من بعض الأخبار أنّ جعفرا جهد لطلب هذا الأمر قبل هذه القضية، و لكن سهمه اصطدم بالصخرة حينما سمع ذلك الجواب، و مع ذلك استمرّ لسوء عاقبته في طلبه.
و لمناسبة قدحت في ذهن القاصر أن من الأحسن عدم خلو هذا المختصر من هذا الخبر: قد ذكر في كتاب كشف الغمة و عدّة كتب أخري من الكتب المعتبرة ما مضمونه:9.
ص: 136
قال أحمد بن عبيد اللّه بن خاقان: «ما رأيت و لا عرفت بسرّ من رأي رجلا من العلوية مثل الحسن بن عليّ بن محمّد بن الرضا في هديه، و سكونه، و عفافه، و نبله، و كبرته عند أهل بيته و بني هاشم كافّة، و تقديمهم إيّاه علي ذوي السن منهم و الخطر، و كذلك كانت حاله عند القوّاد، و الوزراء، و عامّة الناس، فأذكر إني كنت يوما قائما علي رأس أبي و هو يوم(1) مجلسه للناس؛ إذ دخل حجّابه فقالوا: أبو محمّد بن الرضا بالباب.
فقال بصوت عال: ائذنوا له.
فعجبت مما سمعت منهم، و من جسارتهم أن يكنّوا رجلا بحضرة أبي، و لم يكن يكنّي عنده إلا خليفة، أو ولي عهد، أو من أمر السلطان أن يكنّي عنده.
فدخل رجل أسمر اللون، حسن القامة، جميل الوجه، جيّد البدن، حديث السن، له جلالة، و هيبة حسنة.
فلمّا نظر إليه أبي قام فمشي إليه خطوات، و لا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم و القوّاد؛ فلما دنا منه عانقه، و قبّل وجهه و صدره، و أخذ بيده، و أجلسه علي مصلاّه الذي كان عليه، و جلس إلي جنبه، مقبلا عليه بوجهه يكلّمه و يفدّيه بنفسه، و أنا متعجب مما أري منه، إذ دخل الحاجب فقال:
الموفق قد جاء، و كان الموفق إذا دخل علي أبي يقدمه حجابه و خاصّة قواده، فقاموا بين مجلس أبي و بين باب الدار سماطين إلي أن يدخل و يخرج، فلم يزل أبي مقبلا علي أبي محمّد يحدّثه حتي نظر إلي غلمانه الخاصّة، فقال حينئذ: إذا شئت جعلني اللّه فداك، ثم قال لحجّابه: خذوا به من خلف السماطين لا يراه هذا - يعني الموفق - فقام، و قام أبي، و عانقه، و مضي.ة.
ص: 137
فقلت لحجّاب أبي و غلمانه: ويلكم من هذا الذي كنيتموه بحضرة أبي، و فعل به هذا الفعل؟
فقال: هذا علوي يقال له: الحسن بن عليّ، يعرف بابن الرضا.
فازددت تعجبا، و لم أزل يومي ذلك قلقا متفكرا في أمره، و أمر أبي و ما رأيته منه، حتي كان الليل، و كانت عادته أن يصلّي العتمة ثمّ يجلس فينظر ما يحتاج إليه من المؤامرات، و ما يرفعه إلي السلطان.
فلما صلّي و جلس جئت فجلست بين يديه و ليس عنده أحد، فقال: يا أحمد! ألك حاجة؟
قلت: نعم يا أبه؛ فإن أذنت سألتك عنها.
قال: قد أذنت.
قلت: يا أبه من الرّجل الذي رأيتك الغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال و الكرامة و التبجيل، و فدّيته بنفسك و أبويك؟
فقال: يا بني ذاك إمام الرافضة الحسن بن عليّ المعروف بابن الرضا. ثم سكت ساعة و أنا ساكت؛ ثمّ قال: يا بنيّ لو زالت الإمامة عن خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غيره لفضله، و عفافه، و هديه، و صيانته، و زهده، و عبادته، و جميل أخلاقه، و صلاحه؛ و لو رأيت أباه رأيت رجلا جزلا، نبيلا، فاضلا.
فازددت قلقا، و غيضا، و تفكرا علي أبي، و ما سمعت منه فيه، و رأيته من فعله؛ فلم تكن لي همّة بعد ذلك إلاّ السؤال عن خبره، و البحث عن أمره، فما سألت أحدا من بني هاشم و القوّاد، و الكتّاب، و القضاة، و الفقهاء، و سائر الناس إلا وجدته عنده في غاية الإجلال، و الإعظام، و المحل الرفيع، و القول الجميل، و التقديم له علي جميع أهل بيته و مشايخه؛ فعظم قدره عندي، و لم أر له وليا و لا عدوا إلاّ و هو يحسن القول فيه و الثناء عليه.
ص: 138
فقال له بعض من حضر مجلسه من الأشعريين: فما خبر أخيه جعفر، و كيف كان في المحل؟
فقال: و من جعفر، فيسأل عن خبره، أو يقرن إلي الحسن؟! جعفر معلن بالفسق، فاجر، شرّيب للخمور، أقلّ من رأيته من الرجال، و أهتكهم لنفسه، خفيف، قليل في نفسه؛ و لقد ورد علي السلطان و أصحابه في وقت وفاة الحسن بن عليّ ما تعجبت منه، و ما ظننت أنه يكون منه، و ذلك أنه لما اعتلّ بعث إلي أبي أن ابن الرضا قد اعتل، فركب من ساعته إلي دار الخلافة، ثمّ رجع مستعجلا و معه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلهم من ثقاته و خاصته، و فيهم نحرير، و أمرهم بلزوم دار الحسن، و تعرّف خبره و حاله، و بعث إلي نفر من المتطببين و أمرهم بالاختلاف إليه و تعهده صباحا و مساءا؛ فلما كان بعد ذلك بيومين أو ثلاثة اخبر أنه قد ضعف، فركب حتّي بكّر إليه، فأمر المتطببين بلزوم داره، و بعث إلي قاضي القضاة فأحضره مجلسه، و أمره أن يختار عشرة ممن يوثق به بدينه و ورعه و أمانته، فأحضرهم فبعث بهم إلي دار الحسن، و أمرهم لزومه ليلا و نهارا، فلم يزالوا حتّي توفي عليه السّلام.
فلما ذاع خبر وفاته صارت سرّ من رأي ضجة واحدة، و عطّلت الأسواق، و ركب بنو هاشم، و القوّاد، و الكتّاب، و القضاة، و المعدلون و سائر الناس إلي جنازته، فكانت سرّ من رأي يومئذ شبيها بالقيامة، فلما فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلي أبي عيسي بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه، فلما وضعت الجنازة للصلاة عليه دنا أبو عيسي منه فكشف عن وجهه فعرضه علي بني هاشم من العلويّة، و العباسيّة، و القوّاد، و الكتّاب، و القضاة، و المعدلين، و قال: هذا الحسن بن عليّ بن محمّد بن الرضا مات حتف أنفه علي فراشه، و حضره من خدم أمير المؤمنين و ثقاته فلان و فلان، و من القضاة فلان و فلان، و من المتطببين فلان و فلان؛ ثمّ غطّي وجهه و صلّي عليه، و أمر بحمله.
ص: 139
و لما دفن جاء جعفر أخوه إلي أبي فقال له: اجعل لي مرتبة أخي و أنا أوصل إليك في كل سنة عشرين ألف دينار؛ فزبره أبي و أسمعه ما كره، و قال له: يا أحمق! السلطان أطال اللّه بقاءه، جرّد سيفه في الذين يزعمون أن أباك و أخاك أئمّة ليردوهم عن ذلك، فما تهيأ له ذلك، فإن كنت عند شيعة أبيك و أخيك إماما فلا حاجة بك إلي سلطان يرتّبك مراتبهم، و لا غير سلطان؛ و إن لن تكن عندهم بهذه المنزلة لا تنالها بنا.
فاستقلّه أبي عن ذلك، و استضعفه، و أمر أن يحجب عنه؛ فلم يأذن له في الدخول عليه حتي مات أبي.(1)
و يعلم من مضمون هذا الخبر: أنه مع ما كان يتمتع به جعفر من عظيم النسب فإنه كان خاليا من شرف الأدب و الحسب، كما يستفاد أيضا من الحديث العشرين أن سيد الساجدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام أنه أخبر أبا خالد الكابلي عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بسوء جعفر و أعماله الرديئة.(2)
و السلام علي من اتبع الهدي.
***3.
ص: 140
قال الصدوق عليه رحمة اللّه الملك الغفور في كتابه المزبور: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه الورّاق، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، قال:
دخلت علي أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السّلام و أنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدءا: يا أحمد بن إسحاق! إنّ اللّه تبارك و تعالي لم يخل الأرض منذ خلق آدم عليه السّلام، و لا يخليها إلي أن تقوم الساعة من حجّة للّه علي خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، و به ينزّل الغيث، و به يخرج بركات الأرض.
قال: فقلت له: يا ابن رسول اللّه! فمن الخليفة و الإمام بعدك؟
فنهض عليه السّلام مسرعا، فدخل البيت، ثمّ خرج و علي عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء الثلاث سنين، فقال: يا أحمد بن إسحاق! لو لا كرامتك علي اللّه عزّ و جلّ و علي حججه ما عرضت عليك ابني هذا؛ إنه سمّي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و كنّيه، يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.
يا أحمد بن إسحاق مثله في هذه الأمّة كمثل الخضر عليه السّلام، و مثله مثل ذي القرنين؛ و اللّه ليغيبنّ غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبّته اللّه عزّ و جلّ علي القول بإمامته، و وفقه للدّعاء بتعجيل فرجه.
ص: 141
قال(1) أحمد بن إسحاق: قلت:(2) يا مولاي! هل(3) من علامة يطمئن إليها قلبي؟
فنطق الغلام عليه السّلام بلسان عربي فصيح، فقال: أنا بقيّة اللّه في أرضه، و المنتقم من أعدائه؛ فلا تطلب أثرا بعد عين يا أحمد بن إسحاق!
[فقال أحمد بن إسحاق]:(4) فخرجت فرحا مسرورا،(5) فلمّا كان من الغد عدت إليه، فقلت:(6) يا ابن رسول اللّه لقد عظم سروري بما مننت [به] عليّ، فما السنة الجارية فيه من الخضر و ذي القرنين؟
فقال: طول الغيبة، يا أحمد!
فقلت [له]:(7) يا ابن رسول اللّه! و إن غيبته لتطول؟
قال: إي، و ربّي؛ حتّي يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، فلا يبقي إلا من أخذ اللّه عهده بولايتنا، و كتب في قلبه الإيمان، و أيده بروح منه.
يا أحمد بن إسحاق! هذا أمر من [أمر] اللّه جلّت عظمته، و سرّ من سرّ اللّه، و غيب من غيب اللّه، فخذ ما آتيتك، و اكتمه، و كن من الشاكرين تكن معنا [غدا] في عليين.(8)
اللهم ارزقنا جوار أصفيائك الطاهرين برحمتك يا أرحم الراحمين.
و السلام علي من اتبع الهدي.1.
ص: 142
قال أبو محمّد بن شاذان عليه رحمة اللّه الملك المنان:
حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن الحسين بن سعد الكاتب رضي اللّه عنه قال: قال أبو محمّد عليه السّلام:
قد وضع بنو أمية و بنو العباس سيوفهم علينا لعلتين:
إحداهما: أنّهم كانوا يعلمون أنه ليس لهم في الخلافة حقّ، فيخافون من إدعائنا إياها و تستقر في مركزها.
و ثانيتهما: أنّهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة علي أن زوال ملك الجبابرة و الظلمة علي يد القائم منّا، و كانوا لا يشكّون أنّهم من الجبابرة و الظلمة، فسعوا في قتل أهل بيت رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و إبادة نسله، طمعا منهم في الوصول إلي منع تولّد القائم عليه السّلام أو قتله، فأبي اللّه أن يكشف أمره لواحد منهم إلا أن يتم نوره و لو كره المشركون.
و من مؤيدات هذا الحديث ما نقله الشيخ الطوسي(1) و الشيخ الطرابلسي و الشيخ الراوندي(2) و كثير غيرهم(3) عن رشيق المادرائي ما مضمونه بما يوافق
ص: 143
نقل بعضهم أنه حدّث رشيق حاجب المادراني قال: «بعث إلينا المعتضد و أمرنا أن نركب و نحن ثلاثة نفر، و نخرج مخفّين علي السروج و نجنب أخري، و قال: الحقوا بسامراء، و اكبسوا دار الحسن بن عليّ فانه توفي، و من رأيتم في داره فأتوني برأسه.
فكبسنا الدار كما أمرنا، فوجدناها دارا سريّة كأن الأيدي رفعت عنها في ذلك الوقت، فرفعنا الستر و إذا سرداب في الدار الأخري، فدخلناها و كأن بحرا فيها و في أقصاه حصير، و قد علمنا أنه علي الماء، و فوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي، فلم يلتفت إلينا و لا إلي شيء من أسبابنا؛ فسبق أحمد بن عبد اللّه ليتخطي، فغرق في الماء، و ما زال يضطرب حتي مددت يدي إليه فخلصته و أخرجته، فغشي عليه و بقي ساعة.
و عاد صاحبي الثاني إلي فعل ذلك، فناله مثل ذلك.
فبقيت مبهوتا، فقلت لصاحب البيت: المعذرة إلي اللّه و إليك، فو اللّه ما علمت كيف الخبر و إلي من نجئ، و أنا تائب إلي اللّه.
فما التفت إليّ بشيء مما قلت؛ فانصرفنا إلي المعتضد، فقال: اكتموه و إلاّ ضربت رقابكم.(1)
«فما جسرنا أن نحدث به إلا بعد موته».(2)
الحمد للّه الذي يصون حجته من شرّ الأعداء.
و السلام علي من اتبع الهدي.
***0.
ص: 144
قال عماد الدين أبو جعفر بن بابويه رحمة اللّه عليه في كتاب كمال الدين: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي اللّه عنه قال:
حدّثنا أبو القاسم عليّ بن أحمد الخديجي الكوفي، قال: حدّثنا الأودي قال:
بينا أنا في الطواف و قد طفت ستا و أنا أريد أن أطوف السابع، فإذا بحلقة عن يمين الكعبة و شابّ حسن الوجه، طيّب الرائحة، هيوب، و مع هيبته متقرّب إلي الناس يتكلم؛ فلم أر أحسن من كلامه، و لا أعذب من منطقه، و حسن جلوسه، فذهبت أكلمّه، فزبرني الناس، فسألت بعضهم: من هذا؟
فقالوا: هذا ابن رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يظهر للناس في كل سنة يوما لخواصّه يحدّثهم.
فقلت: يا سيدي! أتيتك مسترشدا، فأرشدني هداك اللّه عزّ و جلّ، فناولني عليه السّلام حصاة، فحوّلت وجهي.
فقال لي بعض جلسائه: ما الّذي دفع إليك؟
فقلت: حصاة، و كشفت يدي عنها؛ فإذا أنا بسبيكة ذهب، فذهبت فإذا أنا به عليه السّلام قد لحقني، فقال لي: ثبتت عليك الحجّة، و ظهر لك الحقّ، و ذهب عنك العمي، أتعرفني؟
ص: 145
قلت: لا.
فقال عليه السّلام: أنا المهدي، و أنا قائم الزمان، أنا الّذي أملأها عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما؛ إنّ الأرض لا تخلو من حجّة، و لا يبقي الناس في فترة، فهذه أمانة تحدث بها إخوانك(1) من أهل الحقّ.(2)
و السلام علي من اتبع لهدي.
***8.
ص: 146
قال الحسن بن حمزة العلوي الطبري قدّس سرّه في كتابه الموسوم بكتاب الغيبة:
حدّثنا رجل صالح من أصحابنا قال: خرجت سنة من السنين حاجّا إلي بيت اللّه الحرام، و كانت سنة شديدة الحر، كثيرة السموم؛ فانقطعت عن القافلة، و ضللت الطريق، فغلب عليّ العطش حتي سقطت، و أشرفت علي الموت، فسمعت صهيلا، ففتحت عيني، فإذا بشاب حسن الوجه، حسن الرائحة، راكب علي دابة شهباء، فسقاني ماءا أبرد من الثلج، و أحلي من العسل، و نجّاني من الهلاك.
فقلت: يا سيدي من أنت؟
قال: أنا حجّة اللّه علي عباده، و بقية اللّه في أرضه، أنا الذي أملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.
أنا ابن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسي بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام.
ثم قال: أخفض عينيك. فخفضتهما. ثم قال: افتحهما. ففتحتهما، فرأيت نفسي في قدام القافلة؛ ثم غاب عن نظري.
صلوت اللّه عليه و علي جميع الأنبياء و الأوصياء.
و السلام علي من أتبع الهدي.
***
ص: 147
قال أبو محمّد ابن شاذان رفع اللّه رتبه في الجنان: حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا حماد بن عيسي، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي يعفور، قال: قال أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السّلام: ما من معجزة من معجزات الأنبياء و الأوصياء إلا يظهر اللّه تبارك و تعالي مثلها علي يد قائمنا لإتمام الحجّة علي الأعداء.
و السلام علي من اتبع الهدي.
انقدح في ذهن القاصر أن أذكر في ضمن هذا الحديث بعض من وفّق بشرف رؤية الحجة عجّل اللّه تعالي فرجه الشّريف مع قليل من المعجزات الباهرات لمنتجب خالق الأرض و السماوات.
قال الشيخ الجليل محمّد بن محمّد بن النعمان الملقب بالمفيد عليه رحمة اللّه الملك المجيد في كتاب الإرشاد (باب ذكر من رأي الإمام الثاني عشر عليه السّلام و طرف من دلائله و بيناته): و بعد ذكر سند روايته عن محمّد بن إسماعيل بن موسي بن جعفر عليهما السّلام قال: «و كان أسنّ شيخ من ولد رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله بالعراق»، ثم نقل قوله أنه قال:
«رأيت ابن الحسن بن عليّ بن محمّد عليهم السّلام بين المسجدين و هو غلام».(1)
ص: 148
و قال الشيخ رحمة اللّه عليه أيضا ما ملخّصه: أنّ حكيمة بنت محمّد بن عليّ قد رأت القائم عليه السّلام ليلة مولده و بعد ذلك، و روي الشيخ ما مجمله أن حكيمة بنت محمّد بن عليّ قد رأته عليه السّلام ليلة مولده و بعد ذلك.(1)
و عن عليّ بن محمّد، عن حمدان القلانسي أنه قال: قلت لأبي عمرو العمري: قد مضي أبو محمّد؟
فقال لي: قد مضي، و ذلكن قد خلّف فيكم من رقبته مثل هذه - و أشار بيده -.(2)
و قال فتح مولي الزراري قال: سمعت أبا عليّ بن مطهّر يذكر أنه رآه، و وصف له قدّه.(3)
و روي محمّد بن شاذان بن نعيم النيسابوري، عن خادمة لإبراهيم بن عبدة النيشابوري - و كانت من الصالحات - أنها قالت: كنت واقفة مع إبراهيم علي الصفا، فجاء صاحب الأمر عليه السّلام حتي وقف معه و قبض علي كتاب مناسكه، و حدّثه بأشياء.(4)
و روي عن أبي عبد اللّه بن صالح: أنه رآه بحذاء الحجر و الناس يتجاذبون عليه، و هو يقول: «ما بهذا امروا».(5)
ص: 149
و روي عن أحمد بن إبراهيم بن إدريس، عن أبيه أنه قال: رأيته عليه السّلام بعد مضيّ أبي محمّد حين أيفع، و قبّلت يده و رأسه.(1)
و روي عن القنبري قال: جري حديث جعفر بن علي فذّمه، فقلت:
فليس غيره؟
قال: بلي.
قلت: فهل رأيته؟
قال: لم أره، و لكن غيري رآه.
قلت: من غيرك؟
قال: قد رآه جعفر مرّتين.(2)
و رآه عليه السّلام أبو نصر طريف الخادم أيضا.
و أمثال هذه الأخبار في هذا المعني كثيرة، و هو كاف لما رمناه من الاختصار، لأنّنا ذكرنا قبل هذا أهمّ المطالب في باب وجوده و إمامته عليه السّلام، و ما سوف يأتي بعد هذا فهو زيادة في التأكيد.
ثمّ ذكر الشيخ رحمة اللّه عليه بعد ذلك بعض معجزاته عليه السّلام، و من جملة معاجزه عليه السّلام، التي رواها الشيخ عليه الرحمة و غيره:
أن محمّد بن أبي عبد اللّه السياري قال: أوصلت أشياء للمرزباني الحارثي فيها سوار ذهب، فقبلت وردّ عليّ السوار، و امرت بكسره فكسرته، فإذا في وسطه مثاقيل حديد و نحاس و صفر، فأخرجته و أنفذت الذهب بعد ذلك فقبل.(3)
و الرواية الأخري: أوصل رجل من أهل السواد مالا، فردّ عليه، و قيل له:
«أخرج حقّ ولد عمّك منه، و هو أربعمائة درهم».2.
ص: 150
و كان الرجل في يده ضيعة لولد عمّه، فيها شركة قد حبسها عنهم، فنظر فإذا الذي لولد عمّه من ذلك المال أربعمائة درهم، فأخرجها، و أنفذ الباقي فقبل.(1)
و الرواية الأخري: عن القاسم بن العلاء قال: ولد لي عدّة بنين، فكنت أكتب، و أسأل الدّعاء لهم فلا يكتب إليّ بشيء من أمرهم، فماتوا كلهم؛ فلّما ولد لي الحسين - ابني - كتبت أسأل الدعاء له، فاجبت فبقي و الحمد للّه.(2)
و الرواية الأخري: عن أبي عبد اللّه بن صالح قال: خرجت سنة من السنين إلي بغداد، و استأذنت في الخروج فلم يؤذن لي، فأقمت اثنين و عشرين يوما بعد خروج القافلة إلي النهروان، ثم أذن لي بالخروج يوم الأربعاء؛ و قيل لي: «اخرج فيه»، فخرجت و أنا آيس من القافلة أن ألحقها، فوافيت النهروان و القافلة مقيمة، فما كان إلا أن علفت جملي حتّي رحلت القافلة فرحلت، و قد دعي لي بالسلامة، فلم ألق سوءا و الحمد للّه.(3)
و الرواية الأخري: عن محمّد بن يوسف الشاشي قال: خرج بي ناسور فأريته الأطباء، و أنفقت عليه مالا عظيما فلم يصنع الدواء فيه شيئا، فكتب رقعة أسأل الدعاء، فوقّع إليّ: «ألبسك اللّه العافية، و جعلك معنا في الدنيا و الآخرة».
فما أتت عليّ جمعة حتي عوفيت و صار الموضع مثل راحتي، فدعوت طبيبا من أصحابنا و أريته إيّاه، فقال: ما عرفنا لهذا دواء، و ما جاءتك العافية إلا من قبل اللّه بغير احتساب.(4)
و الرواية الأخري: عن عليّ بن الحسين اليماني قال: كنت ببغداد،8.
ص: 151
فتهيأت قافلة لليمانيين، فأردت الخروج معهم، فكتبت ألتمس الإذن في ذلك، فخرج: «لا تخرج معهم، فليس لك في الخروج معهم خيرة، و أقم بالكوفة».
قال: فأقمت، و خرجت القافلة، فخرجت عليهم بنو حنظلة فاجتاحتهم.
قال: و كتبت أستأذن في ركوب الماء فلم يؤذن لي، فسألت عن المراكب التي خرجت تلك السنة في البحر، فعرفت أنه لم يسلم منها مركب، خرج عليها قوم يقال لهم: البوارج، فقطعوا عليها.(1)
و الرواية الأخري: عن عليّ بن الحسين أيضا قال: وردت العسكر، فأتيت الدرب مع المغيب، و لم أكلّم أحدا و لم أتعرف إلي أحد، فأنا اصلّي في المسجد بعد فراغي من الزيارة، فإذا بخادم قد جاءني فقال لي: قم.
فقلت له: إلي أين؟
فقال: إلي المنزل.
قلت: و من أنا! لعلّك ارسلت إلي غيري.
فقال: لا، ما ارسلت إلا إليك؛ (أنت علي بن الحسين، و كان معه غلام فسارّه)، فلم أدر ما قال حتي أتاني بجميع ما أحتاج إليه، و جلست عنده ثلاثة أيام، و استأذنته في الزيارة من داخل الدار، فأذن لي فزرت ليلا.(2)
و الرواية الأخري: عن الحسين بن الفضل أيضا أنه قال: كتب أبي بخطه كتابا، فورد جوابه، ثم كتب بخطي، فورد جوابه، ثم كتب بخطّ رجل جليل من فقهاء أصحابنا فلم يرد جوابه، فنظرنا فإذا ذلك الرجل قد تحوّل قرمطيا.(3)
و الرواية الأخري: عن الحسين بن الفضل أيضا أنه قال: وردت العراق،9.
ص: 152
و عملت علي ألا أخرج إلا عن بيّنة من أمري، و نجاح من حوائجي، و لو أحتجت أن أقيم بها حتي أتصدّق.
قال: و في خلال ذلك يضيق صدري بالمقام، و أخاف أن يفوتني الحج، قال: فجئت يوما إلي محمّد بن أحمد - و كان السفير يومئذ - أتقاضاه، فقال لي: صر إلي مسجد كذا و كذا، فإنه يلقاك رجل.
قال: فصرت إليه، فدخل عليّ رجل، فلما نظر إليّ ضحك و قال لي: لا تغتم، فإنّك ستحج في هذه السنة و تنصرف إلي أهلك و ولدك سالما.
قال: فاطمأننت و سكن قلبي، و قلت: هذا مصداق ذلك.
قال: ثمّ وردت العسكر، فخرجت إليّ صرة فيها دنانير و ثوب، فاغتممت و قلت في نفسي:
جدّي(1) عند القوم هذا! و استعملت الجهل فرددتها، ثمّ ندمت بعد ذلك ندامة شديدة، و قلت في نفسي: كفرت بردّي علي مولاي؛ و كتبت رقعة أعتذر من فعلي، و أبوء بالإثم، و أستغفر من زللي، و أنفذتها، و قمت أتطهّر للصلاة و أنا إذ ذاك افكّر في نفسي و أقول: إن ردّت عليّ الدنانير أحلل شدّها، و لم احدث فيها شيئا حتي أحملها إلي أبي فإنّه أعلم منّي.
فخرج إليّ الرسول الذي حمل الصّرة و قال: قيل لي: «أسأت إذ لم تعلم الرجل، إنّا ربّما فعلنا ذلك بموالينا ابتداءا، و ربّما سألونا ذلك يتبركون به».
و خرج إليّ: «أخطأت في ردّك برّنا، فإذا استغفرت اللّه فاللّه يغفر لك، و إذا كانت عزيمتك و عقد نيّتك فيما حملناه إليك ألا تحدث فيه حدثا إذا رددناه إليك، و لا تنتفع به في طريقك فقد صرفناه عنك، فأمّا الثوب فخذه لتحرم فيه».(2)1.
ص: 153
و روي عنه أيضا: إنّه قال: و كتبت في معنيين، و أردت أن أكتب في الثالث فامتنعت منه، مخافة أن يكره ذلك، فورد جواب المعنيين و الثالث الذي طويت مفسّرا.(1)
و روي عنه أيضا: أنّه قال: و كنت واقفت جعفر بن إبراهيم النيسابوري - بنيسابور - علي أن أركب معه إلي الحجّ و ازامله، فلمّا وافيت بغداد بدا لي و ذهبت أطلب عديلا، فلقيني ابن الوجناء و كنت قد صرت إليه و سألته أن يكتري لي فوجدته كارها، فلما لقيني قال لي: أنا في طلبك، و قد قيل لي: «إنّه يصحبك فأحسن عشرته و اطلب له عديلا و اكتر له».(2)
و روي أيضا: عن الحسن بن عبد الحميد أنه قال: شككت في أمر حاجز، فجمعت شيئا ثم صرت إلي العسكر، فخرج إليّ: «ليس فينا شكّ و لا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا، فردّ ما معك إلي حاجز بن يزيد».(3)
و روي عن محمّد بن صالح أنّه قال: لمّا مات أبي و صار الأمر إليّ، و كان لأبي علي الناس سفاتج من مال الغريم، يعني صاحب الأمر عليه السّلام.(4)
و قال الشيخ المفيد رحمه اللّه: و هذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديما بينها، و يكون خطابها عليه للتقية.
قال محمّد بن صالح: فكتبت إليه أعلمه؛ فكتب إليّ.
«طالبهم و استقض عليهم».
فقضاني الناس إلا رجلا واحدا، و كانت عليه سفتجة بأربعمائة دينار،2.
ص: 154
فجئت إليه أطلبه، فمطلني و استخفّ بي ابنه و سفه عليّ، فشكوته إلي أبيه، فقال: و كان ماذا؟!
فقبضت علي لحيته و أخذت برجله، و سحبته إلي وسط الدار، فخرج ابنه مستغيثا بأهل بغداد و هو يقول: قميّ رافضي قد قتل والدي.
فاجتمع عليّ منهم خلق كثير، فركبت دابّتي و قلت: أحسنتم - يا أهل بغداد - تميلون مع الظالم علي الغريب المظلوم، أنا رجل من أهل همذان من أهل السنة، و هذا ينسبني إلي قم و يرميني بالرّفض ليذهب بحقّي و مالي، قال: فمالوا عليه و أرادوا أن يدخلوا إلي حانوته حتّي سكّنتهم، و طلب إليّ صاحب السفتجة أن آخذ مالها، و حلف بالطلاق أن يوفّني مالي في الحال، فاستوفيته منه.(1)
و روي أيضا: عن أحمد بن الحسن أنه قال: وردت الجبل و أنا لا أقول بالإمامة، احبّهم جملة، إلي أن مات يزيد بن عبد اللّه، فأوصي في علّته أن يدفع (الشهري السمند) و سيفه و منطقته إلي مولاه، فخفت إن لم أدفع الشهري إلي أذكوتكين نالني منه استخفاف، فقوّمت الدّابّة و السيف و المنطقة سبعمائة دينار في نفسي، و لم اطلع عليه أحدا، و دفعت الشهري إلي أذكوتكين، و إذا الكتاب قد ورد عليّ من العراق أن وجه السبع مائة دينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري و السيف و المنطقة.(2)
و روي أيضا: عن عليّ بن محمّد قال: حدّثني بعض أصحابنا قال: ولد لي ولد، فكتبت أستأذن في تطهيره يوم السابع، فورد: (لا تفعل). فمات يوم السابع، أو الثامن.
ثم كتبت بموته، فورد: (ستخلف غيره و غيره، فسمّ الأوّل أحمد، و من بعد أحمد جعفرا). فجاء كما قال.(3)2.
ص: 155
و روي أيضا: انّه قال: و تهيأت للحجّ و ودّعت الناس و كنت علي الخروج، فورد: (نحن لذلك كارهون، و الأمر إليك).
فضاق صدري، و اغتممت و كتبت: أنا مقيم علي السمع و الطاعة، غير أنّي مغتمّ بتخلفي عن الحجّ، فوقّع: (لا يضيقنّ صدرك، فانّك ستحج قابلا إن شاء اللّه).
قال: فلمّا كان من قابل كتبت أستأذن، فورد الإذن، و كتبت: إنّي قد عادلت محمّد بن العبّاس، و أنا واثق بديانته و صيانته، فورد: (الأسدي نعم العديل، فإن قدم فلا تختر عليه).
فقدم الأسدي و عادلته...(1)
و الرواية الأخري عن الحسن بن عيسي العريضي قال: لمّا مضي أبو محمّد الحسن بن عليّ عليهما السّلام ورد رجل من مصر بمال إلي مكّة لصاحب الأمر، فاختلف عليه، و قال بعض الناس: إنّ أبا محمّد قد مضي عن غير خلف؛ و قال آخرون: الخلف من بعده جعفر؛ و قال آخرون: الخلف من بعده ولده. فبعث رجلا يكني أبا طالب إلي العسكر يبحث عن الأمر و صحته و معه كتاب، فصار الرّجل إلي جعفر و سأله عن برهان، فقال له جعفر: لا يتهيّأ لي في هذا الوقت.
فصار الرجل إلي الباب، و أنفذ الكتاب إلي أصحابنا المرسومين بالسفارة، فخرج إليه: (آجرك اللّه في صاحبك فقد مات، و أوصي بالمال الذي كان معه إلي ثقة يعمل فيه بما يجب و اجيب عن كتابه).
و كان الأمر كما قيل له.(2)
و الرواية الأخري عن عليّ بن محمّد قال: حمل رجل من أهل آبة(3)ن.
ص: 156
شيئا يوصله، و نسي سيفا كان أراد حمله، فلّما وصل الشيء كتب إليه بوصوله، و قيل في الكتاب: (ما خبر السيف الذي انسيته؟).(1)
و الرواية الأخري: عن الحسن بن محمّد الأشعري قال: كان يرد كتاب أبي محمّد عليه السّلام في الإجراء علي الجنيد - قاتل فارس بن حاتم بن ماهويه - و أبي الحسن، و أخي، فلمّا مضي أبو محمّد عليه السّلام ورد استئناف من الصّاحب عليه السّلام بالإجراء لأبي الحسن و صاحبه، و لم يرد في أمر الجنيد شيء.
قال: فاغتممت لذلك، فورد نعي الجنيد بعد ذلك.(2)
و قال صاحب كتاب كفاية المؤمنين و هو ترجمة (الخرائج و الجرائح).(3)
ص: 157
و قد روي عن محمّد بن يوسف الشاشي أنه قال: إنّي لما انصرفت إلي العراق و وصلت إلي مرو، فرأيت رجلا يقال له محمّد بن الحصين الكاتب، و كنت اعرفه قبل أن أراه، كثير الاعتناء بزينته و غنيا جدا و قد جمع مالا للإمام عليه السّلام من أمواله، فعندما رآني سألني: هل تعرف طريقة لأبرأ ذمتي؟ فقلت:
نعم، شاب علوي ابن الإمام الحسن العسكري، و قد رأيت و سمعت عنه كثيرا من الدلائل الباهرات، و المعجزات الظاهرات، و إنّي علي يقين أنه هو الإمام و خليفة الرحمن في هذا الزمان.
قال محمد بن الحصين: هل أقدر أن أصل إليه؟
فقلت: إنه لا يمكن أن يراه أحد، فقد اختفي خوفا من الأعداء، و لكن حاجز يقوم بشؤونه، و تخرج توقيعاته عليه السّلام أيضا إلي الشيخ أبي القاسم بن روح، و تحل في تلك الرسائل مشكلات الخلق.
قلت: أنا لا أعرف به عليه السّلام، و أثق بكلامك، فإذا كنت قد قلت خلاف الواقع فسوف ألزمك يوم القيامة.
فقلت: ليكون ذلك ما تقول، فليس عندي شك أن الإمام بالحق و الخليفة المطلق هو ابن الحسن عليهما السّلام.ز.
ص: 158
و افترقنا بعد هذا الحديث، و عندما انقضت سنتان من هذا التاريخ التقيت مرة أخري بمحمّد بن الحصين حينما كنت متوجها إلي العراق.
فقلت: كيف حالك و ما عملت بذلك المال؟
فقال: بعثت بمأتي دينار علي يد عابد بن كعكي الفارسي و أحمد بن عليّ الكشوفي، و كتبت إليه بذلك و سألته الدعاء، فخرج الجواب: إنه وصلت المائتي دينار التي أرسلتها، من الألف دينار الذي في ذمتك من حقنا.
فعندما قرأت توقيعه الشريف عليه السّلام هذا فتذكرت أنه كان له قبلي ألف دينار، و كنت قد نسيته.
و كان قد كتب عليه السّلام أيضا: إن أردت أن تؤدي الباقي فلا تخرج عن رأي أبي الحسن الأزدي الذي يسكن حاليا في الري.
و بعد ورود هذا التوقيع عليّ تيقنت أنه إمام الزمان و خليفة الرحمن.
يقول الراوي: قلت لمحمّد بن الحصين الكاتب: هل كان صحيحا أنك أرشدته إلي ذلك الطريق؟
قال: أي و اللّه.
و في أثناء هذه الحكاية جاءنا من يخبرنا بموت حاجز.
فاغتم محمّد بن الحصين لموت حاجز كثيرا.
فقلت: لا تغتم كثيرا، فإن موت حاجز كان معلوما له عليه السّلام و لذلك فوضك بالاسترشاد و بهذا الأمر إلي أبي الحسن الأزدي.
و قال أيضا صاحب الكفاية: روي أن مسرور الطباخ قال:
كتبت إلي الحسن بن راشد لضيقة أصابتني رجاء مساعدته في هذا الاضطراب، و قبل أن أرسل هذا الكتاب صرت في الرحبة، فإذا بي أري شابا أسمر لم أر أحدا بحسنه و صورته، فقبض علي يدي و دس
ص: 159
فيها صرة بيضاء، فإذا عليها كتابة فيها: إثنا عشر دينار، و كتب علي الجانب الآخر: مسرور الطباخ.(1)
و قال الشيخ الطرابلسي في كتاب الفرج الكبير: إنه كان دائما كلما يصل إليه عليه السّلام من الخمس و الهدية و غيرها فإنه كان عليه السّلام يصرفه.
و قال صاحب الكفاية أيضا: روي عن جعفر بن حمدان عن حسن بن حسين الأستر آبادي قال: كنت في الطواف، فشككت فيما بيني و بين نفسي في الطواف [هل أتممت طوافي أم لا](2) فإذا شاب قد استقبلني، حسن الوجه، قال: طف أسبوعا آخر [و غاب عن ناظري، فعلمت أن طوافي كان تاما، و كنت قد شككت بعد ما أكملت الشوط السابع].(3)
و قال أيضا: و قد روي عن الراوي السابق: حدّثنا علاء بن أحمد أنه روي عن أبي الرجاء المصري و كان أحد كبار الصالحين و قد ولد بالمدائن و نشأ بمصر، قال:
خرجت في طلب وصيه عليه السّلام بعد مضي أبي محمّد - يعني الإمام الحسن العسكري - و قد بحثت في البلاد و الأمصار لمعرفة خليفته و علمت أن خلفه الصدق هو الحجة بن الحسن عليهما السّلام، و لكني قلت: إنني ما لم أره فلا يطمئن قلبي، فقلت في نفسي يوما: إنه من المحتمل أن يظهر أثر لمطلوبي بعد سنتين أو ثلاث سنوات، فإذا بي أسمع صوتاا.
ص: 160
و لم أر شخصا: يا نصر بن عبد ربه! قل لأهل مصر: هل رأيتم رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله فآمنتم به؟ أم أنكم أوقفتم إيمانكم به إلي أن تروه؟
قال: فتعجبت كثيرا من سماع هذا الكلام، و قلت: من أين علم هذا أن اسم أبي عبد ربه مع أن أبي توفي في المدائن و قد كنت رضيعا، و جاء بي إلي مصر أبو عبد اللّه النوفلي و كنت صغيرا، حتي عرفني الجميع بأني ابنه، فعلمت أن هذا الصوت كان لشكي بالحجة بن الحسن عليهما السّلام فارتفع مني، فتوجهت من ساعتي إلي مصر فأخبرت أهل تلك الديار بذلك، فأقرّ جمع كثير بإمامته عليه السّلام.(1)
و قال صاحب الكفاية أيضا: روي عن عليّ بن محمّد الرازي المشهور بالكليني أنه قال: حدّثنا جماعة من أصحابنا أنه بعث صاحب الزمان عليه صلوات الرحمن إلي أبي عبد اللّه بن الجنيد غلاما لثمن بعض الأمتعة التي كانت عند أبي عبد اللّه، و كان أبو عبد اللّه قد باع المتاع و قد نقصت ثمانية عشر قيراطا و حبة، فوزن أبو عبد اللّه ذلك المقدار من ماله، فأنفذ جميع ذلك المال بتمامه و كماله مع الغلام إليه عليه السّلام، فحينما سلّم الغلام ذلك المال لأحد خدمته عليه السّلام و أحضر الخادم المال إليه عليه السّلام، و أشار عليه السّلام إلي دينار و قال:
ابعث بهذا الدينار إلي أبي عبد اللّه، لأنه أكمله من ماله بثمانية عشر قيراطا6.
ص: 161
و حبة، فعند ما وزن ذلك الدينار، فكان ثمانية عشر قيراطا و حبة. و أرجع بأمره عليه السّلام إلي أبي عبد اللّه الجنيد.(1)
و روي ابن بابويه رحمة اللّه عليه حديثا أورده في كتابه، و قد ترجمه أحد علماء الإمامية، و أنا أنقله علي الوجه الذي رواه هذا العالم الشيعي رعاية للاختصار: قد ترجم هذا المرجع الديني الحديث علي هذا النحو الذي ثبته في كتابه، قال سعد بن عبد اللّه ابن أبي خلف الأشعري القمي عليه الرحمة:
اتفق يوما أن جري الحديث بيني و بين أحد المخالفين حول الإمامة، و وصلت المناظرة إلي أن قال ذلك المخالف: أسلم أبو بكر و عمر في الإسلام طوعا أو كرها؟
ففكرت في ذلك، فقلت: إن قلت كرها فقد كذبت [خفت خ ل] إذ لم يكن حينئذ سيف مسلول؛ و إن قلت: طوعا، فالمؤمن لا يكفر بعد إيمانه، فدفعته عني دفعا بالراح لطيفا، و خرجت من ساعتي إلي دار أحمد بن إسحاق أسأله عن ذلك، فقيل لي إنه خرج إلي سر من رأي اليوم [للقاء الإمام عليه السّلام]. فانصرفت إلي بيتي و ركبت دابتي و خرجت خلفه حتي وصلت إليه في المنزل، فسألني عن حالي، فقلت: أجيء إلي حضرة أبي محمّد عليه السّلام، فعندي أربعون مسألة قد أشكلت عليّ.
فقال: خير صاحب و رفيق.
فمضينا حتّي دخلنا سرّ من رأي، و أخذنا بيتين في خان و سكن كل واحد منّا في بيت، و خرجنا إلي الحمام و اغتسلنا غسل الزيارة و التوبة، فلما رجعنا أخذ أحمد بن إسحاق جرابا و لفه بكساء طبري، و جعله علي كتفه، و مشينا و كنّا نسبح اللّه و نكبره و نهلله و نستغفره و نصلي علي محمّد و آله0.
ص: 162
الطاهرين إلي أن وصلنا إلي باب الدار، و استأذن أحمد بن إسحاق فأذن له بالدخول، فلما دخلنا فإذا أبو محمّد عليه السّلام علي طرف الصفة قاعد، و كان علي يمينه غلام قائم كأنه فلقة قمر، فسلّمنا فأحسن الجواب و أكرمنا و أقعدنا، فجعل أحمد الجراب بين يديه، و كان أبو محمّد عليه السّلام ينظر في درج طويل في الاستفتاء قد ورد عليه من ولاية، فجعل يقرأ و يكتب تحت كل مسألة جوابها، فالتفت إلي الغلام و قال: هذه هدايا موالينا، و أشار إلي الجراب فقال الغلام: هذا لا يصلح لنا لأن الحلال مختلط بالحرام. فقال أبو محمّد عليه السّلام:
أنت صاحب الإلهام أفرق بين الحلال و الحرام. ففتح أحمد الجراب و أخرج صرة، فنظر إليها الغلام و قال: هذا بعثه فلان بن فلان [و فيه ثلاثة دنانير ذهب أحدها من فلان بن فلان و هو معيب، و الآخر سرقه فلان بن فلان].(1)
و ذكر علي هذا المنوال أسماء الأشياء الباقية في الكيس و ميّز حلالها عن حرامها، و هكذا أخرج أحمد الصرر واحدة واحدة و ذكر عليه السّلام عيب كل واحدة منها، إلي أن قال في الأخير أحملها إلي أصحابها].(2)
ثمّ قال: هات الثوب الذي بعثت العجوز الصالحة، و كانت امرأة بقم قد غزلته بيدها و نسجته.
[فأخرجه أحمد، و قبل ذلك الثوب. فنظر الإمام عليه السّلام إليّ و قال: سل ولدي عن مسائلك فإنه يجيبك بالصواب.ا.
ص: 163
فعندما أردت أن أقولها]،(1) فقال لي الغلام إبتداءا، هلاّ قلت للسائل ما أسلما طوعا و لا كرها، و إنما أسلما طمعا، فقد كانا يسمعان من أهل الكتاب منهم من يقول:
[إن محمدا صلّي اللّه عليه و آله سوف](2) يملك المشرق و المغرب و تبقي نبوته إلي يوم القيامة، و منهم من يقول: يملك الدنيا كلها ملكا عظيما و تنقاد له الأرض، فدخلا كلاهما في الإسلام طمعا في أن يجعل محمّد صلّي اللّه عليه و آله كل واحد منهما والي ولاية، فلما آيسا من ذلك دبّرا مع جماعة في قتل محمّد صلّي اللّه عليه و آله ليلة العقبة، فكمنوا له، و جاء جبرئيل عليه السّلام و أخبر محمّدا صلّي اللّه عليه و آله بذلك، فوقف علي العقبة و قال: يا فلان يا فلان يا فلان اخرجوا فإني لا أمرّ حتي أراكم كلكم قد خرجتم، و قد سمع ذلك حذيفة؛ و مثلهما طلحة و الزبير فهما بايعا عليا بعد قتل عثمان طمعا في أن يجعلهما كليهما عليّ بن أبي طالب عليه السّلام واليا علي ولاية، لا طوعا و لا رغبة و لا إكراها و لا إجبارا، فلما آيسا من ذلك من عليّ عليه السّلام نكثا العهد و خرجا عليه و فعلا ما فعلا، و أجاب عن مسائلي الأربعين.
قال: و لما أردنا الانصراف، قال أبو محمّد عليه السّلام لأحمد بن إسحاق:
إنك تموت السنة.
فطلب منه الكفن، فقال عليه السّلام: يصل إليك عند الحاجة.
[فعندما وصل أحمد إلي حلوان حمّ، و في الليلة التي مات فيها أحمد](3) فجاء إثنان من عند أبي محمّد عليه السّلام و معهما أكفانه، فغسلاّه و كفناه وصليا عليه.(4)4.
ص: 164
و قال هذا المرجع الديني بعد أن نقل هذا الخبر: إن هذه الحكاية طويلة و قد اختصرناها.
يقول مترجم هذه الأربعين: إن الذي دعا هذا الرجل الديني علي الاكتفاء بهذا المقدار القليل و الاختصار بالنقل هو أن جناب الآخوند قد ذكر تفصيل ترجمة هذا الحديث في كتابه الذي ألّفه عن الرجعة.
إذن فلا يذهب بفكر بعض الأحباب إلي أن سبب الإجمال هو ما ذكره بعض علماء الرجال في باب هذا الحديث.(1)
و السلام علي من اتبع الهدي.م.
ص: 165
و كان ممن رآه أيضا أبو محمّد العجلي، حيث دفع إليه أحد الشيعة ذهبا ليحج عن صاحب الأمر عليه السّلام و كانت هذه عادة الشيعة، و كان أبو محمّد هذا شيخا كبير السن من صلحاء الشيعة، و كان له ولدان، أحدهما عابد صالح، و الآخر فاسق و فاجر، فأعطي أبو محمد شيئا من ذلك الذهب لولده الفاسق أيضا.
فحكي قائلا: عندما وصلت إلي عرفات رأيت شابا حسن الوجه، أسمر اللون، مقبلا علي شأنه في الابتهال و الدعاء و التضرع؛ فلمّا قرب نفر الناس التفت إليّ و قال: يا شيخ أما تستحي من اللّه؟
قلت: من أي شيء يا سيدي و مولاي؟
قال: يدفع إليك حجة عمن تعلم، فتدفع منها إلي فاسق يشرب الخمر فينصرف ذلك الذهب في الفسق، و لا تخاف أن تذهب عينك، و أومأ إلي أحد عيني، فخجلت و جريت، و عندما رجعت إلي نفسي فأطلت النظر فلم أره، و أنا من ذلك اليوم إلي الآن علي و جل و مخافة علي عيني.
روي الأستاذ شيخ الطائفة - أعني محمّد بن محمّد بن النعمان - الملقب بالمفيد أنه قال: فما مضي عليه أربعون يوما بعد مورده حتي خرج في عينه التي أومأ إليها قرحة فذهبت.
فعلم أنه كان ذلك الشاب هو الصاحب عليه السّلام و لم يعرفه.(1)
و الرواية الأخري، عن أحمد بن أبي روح قال: وجّهت إليّ امرأة من أهل دينور، فأتيتها، فقالت: يا ابن أبي روح أنت أوثق من في ناحيتنا دينا و ورعا، و إني أريد أن أودعك أمانة أجعلها في رقبتك تؤديها و تقوم بها.
فقلت: أفعل إنشاء اللّه تعالي.
ص: 166
فقالت: هذه دراهم في هذا الكيس المختوم؛ لا تحله، و لا تنظر فيه حتّي تؤديه إلي من يخبرك بما فيه؛ و هذا قرطي يساوي عشرة دنانير، و فيه ثلاث حبات لؤلؤ تساوي عشرة دنانير، ولي إلي صاحب الزمان حاجة أريد أن يخبرني بها قبل أن أسأله عنها.
فقلت: و ما الحاجة؟
قالت: عشرة دنانير استقرضتها أمّي في عرسي لا أدري ممّن استقرضتها، و لا أدري إلي من أدفعها، فإن أخبرك بها، فادفعها إلي من يأمرك بها.
قال: و كنت أقول بجعفر بن عليّ، فقلّت هذه المحبة بيني و بين جعفر.
فحملت المال و خرجت حتي دخلت بغداد، فأتيت حاجز بن يزيد الوشّاء، فسلّمت عليه و جلست، فقال: ألك حاجة؟
قلت: هذا مال دفع إليّ، لا أدفعه إليك حتي تخبرني كم هو، و من دفع إليّ؟ فإن أخبرتني دفعته إليك.
قال: لم أؤمر بأخذه، و هذه رقعة جاءتني بأمرك. فإذا فيها:
(لا تقبل من أحمد بن أبي روح، توجه به إلينا إلي سرّ من رأي).
فقلت: لا اله إلا اللّه؛ هذا أجلّ شيء أردته.
فخرجت و وافيت سامراء، فقلت أبدأ بجعفر، ثم تفكّرت فقلت: أبدأ بهم فإن كانت المحبة من عندهم و إلا مضيت إلي جعفر.
فدنوت من دار أبي محمّد عليه السّلام فخرج إليّ خادم فقال: أنت أحمد بن أبي روح؟ قلت: نعم.
قال: هذه الرقعة اقرأها.
فقرأتها، فإذا فيها:
بسم اللّه الرحمن الرحيم
«يا ابن أبي روح! أودعتك عاتكة بنت الديراني كيسا فيه ألف درهم بزعمك،
ص: 167
و هو خلاف ما تظن، و قد أديت فيه الأمانة، و لم تفتح الكيس و لم تدر ما فيه، و فيه ألف درهم و خمسون دينارا صحاح، و معك قرط زعمت المرأة أنه يساوي عشرة دنانير، صدقت، مع الفصّين اللّذين فيه، و فيه ثلاث حبّات لؤلؤ شراؤها بعشرة دنانير، و هي تساوي أكثر، فادفع ذلك إلي جاريتنا فلانة فإنّا قد وهبناه لها، و صر إلي بغداد و ادفع المال إلي حاجز، و خذ منه ما يعطيك لنفقتك إلي منزلك.
و أما العشرة دنانير التي زعمت أن أمها استقرضتها في عرسها، و هي لا تدري من صاحبها، بل هي تعلم لمن، و هي لكلثوم بنت أحمد، و هي ناصبيّة، فتحيّرت أن تعطيها إياها، و أوجبت أن تقسمها في إخوانها، فاستأذنتنا في ذلك، فلتفرقها في ضعفاء إخوانها.
و لا تعودن يا ابن أبي روح إلي القول بجعفر و المحبة له، و ارجع إلي منزلك فإن عدوك قد مات، و قد ورّثك اللّه أهله و ماله».
فرجعت إلي بغداد، و ناولت الكيس حاجزا فوزنه فإذا فيه ألف درهم و خمسون دينارا، فناولني ثلاثين دينارا، و قال: امرت بدفعها إليك لنفقتك.
فأخذتها و انصرفت إلي الموضع الذي نزلت فيه، (فإذا أنا بفيج و قد جاءني من منزلي يخبرني بأن حموي) قد مات و أهلي يأمرونني بالانصراف إليهم.
فرجعت فإذا هو قد مات، و ورثت منه ثلاثة آلاف دينار، و مائة ألف درهم.(1)6.
ص: 168
و نقل أيضا شيخ الطائفة الشيخ أبو جعفر الطوسي نور اللّه مرقده في كتاب الغيبة بإسناده إلي حبيب بن يونس بن شاذان الصنعاني أنه قال: دخلت إلي عليّ بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي، فسألته عن آل أبي محمّد عليه السّلام، فقال:
«يا أخي لقد سألت عن أمر عظيم، حججت عشرين حجّة كلاّ أطلب به عيان الإمام فلم أجد إلي ذلك سبيلا، فبينا أنا ليلة نائم في مرقدي إذ رأيت قائلا يقول: يا عليّ بن إبراهيم! قد أذن اللّه لك في الحجّ.
فلم أعقل ليلتي حتّي أصبحت، فأنا مفكر في أمري أرقب الموسم ليلي و نهاري؛ فلما كان وقت الموسم أصلحت أمري، و خرجت متوجها نحو المدينة، فما زلت كذلك حتّي دخلت يثرب، فسألت عن آل أبي محمّد عليه السّلام، فلم أجد له أثرا و لا سمعت له خبرا، فأقمت مفكّرا في أمري حتّي خرجت من المدينة اريد مكّة، فدخلت الجحفة و أقمت بها يوما، و خرجت منها متوجها نحو الغدير، و هو علي أربعة أميال من الجحفة، فلما دخلت المسجد و عفّرت و اجتهدت في الدعاء و ابتهلت إلي اللّه لهم، و خرجت أريد عسفان، فما زلت كذلك حتّي دخلت مكّة، فأقمت بها أياما أطوف البيت و اعتكفت؛ فبينا أنا ليلة في الطواف، إذ أنا بفتي حسن الوجه، طيّب الرائحة، يتبختر في مشيته طائف حول البيت، فحسّ قلبي به، فقمت نحوه فحككته، فقال لي: من أين الرجل؟
فقلت: من أهل العراق.
فقال: من أي العراق؟
قلت: من الأهواز.
فقال لي: تعرف بها الخصيب؟
فقلت: رحمه اللّه، دعي فأجاب.
ص: 169
فقال: رحمه اللّه، فما كان أطول ليلته و أكثر تبتله و أغزر دمعته؛ أفتعرف عليّ بن إبراهيم بن المازيار؟
فقلت: أنا علي بن إبراهيم.
فقال: حيّاك اللّه أبا الحسن، ما فعلت بالعلامة التي بينك و بين أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السّلام؟ فقلت: معي.
قال: أخرجها.
فأدخلت يدي في جيبي فاستخرجتها، فلمّا أن رآها لم يتمالك أن تغرغرت عيناه بالدموع، و بكي منتحبا حتي بلّ أطماره؛ ثم قال: اذن لك الآن يابن مازيار، صر إلي رحلك و كن علي أهبّة من أمرك، حتّي إذا لبس الليل جلبابه، و غمر الناس ظلامه، سر إلي شعب بني عامر، فإنك ستلقاني هناك.
فسرت إلي منزلي؛ فلما أن أحسست بالوقت أصلحت رحلي و قدّمت راحلتي و عكمته شديدا، و حملت و صرت في متنه، و أقبلت مجدّا في السيّر حتي وردت الشعب، فإذا أنا بالفتي قائم ينادي يا أبا الحسن إليّ، فما زلت نحوه، فلّما قربت بدأني بالسّلام و قال لي: سر بنا يا أخ، فما زال يحدّثني و أحدثه حتي تخرّقنا جبال عرفات، و سرنا إلي جبال مني، و انفجر الفجر الأوّل و نحن قد توسطنا جبال الطائف.
فلمّا أن كان هناك أمرني بالنزول، و قال لي: انزل فصلّ صلاة الليل، فصلّيت، و أمرني بالوتر فأوترت، و كانت فائدة منه، ثم أمرني بالسجود و التعقيب، ثم فرغ من صلاته و ركب، و أمرني بالركوب، و سار و سرت معه حتّي علا ذروة الطائف، فقال: هل تري شيئا؟
قلت: نعم! أري كثيب رمل عليه بيت شعر يتوقّد البيت نورا.
فلمّا أن رأيته طابت نفسي، فقال لي: هناك الأمل و الرجاء.
ثم قال: سر بنا يا أخ.
ص: 170
فسار، و سرت بمسيره إلي أن انحدر من الذروة و سار في أسفله، فقال:
انزل، فهاهنا يذلّ كلّ صعب، و يخضع كل جبار، ثم قال: خلّ عن زمام الناقة.
قلت: فعلي من اخلّفها؟
فقال: حرم القائم عليه السّلام لا يدخله إلا مؤمن، و لا يخرج منه إلا مؤمن.
فخليت من زمام راحلتي، و سار و سرت معه إلي أن دنا من باب الخباء، فسبقني بالدّخول و أمرني أن أقف حتي يخرج إليّ.
ثم قال لي: أدخل، هنّأك السلامة، فدخلت فإذا أنا به جالس قد اتّشح ببردة، و اتزر بأخري، و قد كسر بردته علي عاتقه، و هو كأقحوانة ارجوان قد تكاثف عليها الندي، و أصابها ألم الهوي، و إذا هو كغصن بان، أو قضيب ريحان، سمح سخيّ تقيّ نقيّ، ليس بالطويل الشامخ، و لا بالقصير اللازق، بل مربوع القامة، مدوّر الهامة، صلت الجبين، أزجّ الحاجبين، أقني الأنف، سهل الخدين، علي خدّه الأيمن خال كأنه فتات مسك علي رضراضة عنبر.
فلمّا أن رأيته بادرته بالسلام، فردّ عليّ أحسن ما سلّمت عليه، و شافهني و سألني عن أهل العراق، فقلت: سيدي قد البسوا جلباب الذلّة، و هم بين القوم أذلاء، فقال لي: يا ابن المازيار لتملكونهم كما ملكوكم، و هم يومئذ أذلاّء.
فقلت: سيدي لقد بعد الوطن و طال المطلب.
فقال: يا ابن المازيار أبي أبو محمّد عهد إليّ أن لا اجاور قوما غضب اللّه عليهم و لعنهم و لهم الخزي في الدنيا و الآخرة و لهم عذاب أليم.
و أمرني أن لا أسكن من الجبال إلا و عرها، و من البلاد إلا عفرها، و اللّه مولاكم أظهر التقية فوكّلها بي فأنا في التقية إلي يوم يؤذن لي فأخرج.
فقلت: يا سيدي متي يكون هذا الأمر؟
فقال: إذا حيل بينكم و بين سبيل الكعبة، و اجتمع الشمس و القمر و استدار بهما الكواكب و النجوم. فقلت: متي يا ابن رسول اللّه؟
ص: 171
فقال لي: في سنة كذا و كذا تخرج دابة الأرض من بين الصفا و المروة، و معه عصا موسي و خاتم سليمان، يسوق الناس إلي المحشر.
قال: فأقمت عنده أياما، و أذن لي بالخروج بعد أن استقصيت لنفسي و خرجت نحو منزلي، و اللّه لقد سرت من مكة إلي الكوفة و معي غلام يخدمني فلم أر إلا خيرا».(1)
و هذا الحديث يؤيد المعني الذي يقول بأن وقت ظهور صاحب الأمر عليه السّلام لا يعلمه إلاّ اللّه تعالي، فإنه قد ذكر عليه السّلام في جواب عليّ بن إبراهيم بن مهزيار: متي يكون هذا الأمر؟ عدّة علامات، مع أنه لا يعلم وقت ظهور تلك العلامات أيضا، بل إن وقت تلك العلامات مخفية عليه عليه السّلام أيضا.
و هناك الكثير ممن سعي لذلك في حياة والد الإمام الحجة عليه السّلام للحصول علي هذه السعادة، يعني أن يتشرف برؤية رئيس الأخيار، مثل يعقوب بن منقوش، فقد روي ابن بابويه بإسناده عن يعقوب المذكور أنه قال: دخلت علي أبي محمّد الحسن بن عليّ عليهما السّلام و هو جالس علي دكان في الدار، و عن يمينه بيت و عليه ستر مسبل، فقلت له: يا سيدي من صاحب هذا الأمر؟
فقال: ارفع الستر.
فرفعته، فخرج إلينا غلام خماسيّ له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، دريّ المقلتين، شثن الكفين، معطوف الركبتين، في خده الأيمن خال، و في رأسه ذؤابة؛ فجلس علي فخذ أبي محمّد عليه السّلام، ثمّ قال لي: هذا هو صاحبكم.
ثم وثب، فقال له: يا بني! أدخل إلي الوقت المعلوم.
فدخل البيت و أنا أنظر إليه؛ ثم قال لي: يا يعقوب! انظر إلي من في البيت.7.
ص: 172
فدخلت فما رأيت أحدا.(1)
و روي أيضا عن [محمّد بن](2) معاوية بن حكيم و محمّد بن أيوب بن نوح، و محمّد بن عثمان العمري أنهم قالوا: عرض علينا أبو محمّد الحسن بن عليّ عليهما السّلام و نحن في منزله، و كنّا أربعين رجلا فقال: هذا إمامكم من بعدي، و خليفتي عليكم، أطيعوه و لا تتفرقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا، أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا.(3)
و أما معجزاته عليه السّلام التي ظهرت من حين ولادته إلي هذا اليوم فهي كثيرة، سوي ما سوف تظهر من زماننا إلي حين ظهوره عليه السّلام، و من ذلك الوقت إلي أوان وفاته عليه السّلام.
و نحن نكتفي في هذا المختصر بنقل القليل من معجزاته التي قد ظهرت منه عليه السّلام من قبل، و قد رواها قطب الملة والدين الراوندي عليه الرحمة في كتاب الخرائج و الجرائح، و قد نقل مضمون عباراتها صاحب كفاية المؤمنين، كما ذكرها الشيخ المفيد و غيره في كتبهم.
قال صاحب كتاب الخرائج: روي عن يعقوب بن يوسف الضّراب الغساني في منصرفه من أصفهان، قال: حججت في سنة إحدي و ثمانين و مائتين، و كنت مع قوم مخالفين من أهل بلدنا، فلمّا قدمنا مكة نزلنا دارا في سوق الليل تسمي دار الرضا عليه السّلام، و فيها عجوز سمراء، فسألتها: ما تكونين من أصحاب هذه الدار؟
ص: 173
قالت: أنا من مواليهم [و عبيدهم] أسكننيها الحسن بن عليّ عليهما السّلام.
فكنّا إذا انصرفنا من الطواف تغلق الباب.
فرأيت غير ليلة ضوء السراج، و رأيت الباب قد انفتح و لا أري أحدا فتحه من أهل الدار، و رأيت رجلا ربعة أسمر يميل إلي الصفرة، ما هو قليل اللحم، يصعد إلي غرفة في الدار حيث تكون العجوز تسكن، و كانت تقول لنا: إن لي في الغرفة ابنة لا تدعوا أحدا يصعد إليها.
فأحببت أن أقف علي خبر الرجل، فقلت للعجوز: إني أحب أن أسألك.
قالت: و أنا أريد أن اسرّ إليك، فلم يتهيأ من أجل أصحابك.
فقلت: ما أردت أن تقولي؟
فقالت: يقول لك - يعني صاحب الدار - و لم تذكر أحدا [باسمه]: لا تخاشننّ أصحابك و شركاءك، و لا تلاحّهم، فإنهم أعداؤك، و دارهم.
فلم أجسر أن أراجعها؛ فقلت: أي أصحابي؟
قالت: شركاؤك الذين في بلدك، و في الدار معك.
و قد كان جري بيني و بين من معي في الدار عنت في الدين، فسعوا بيّ حتي هربت و استترت بذلك السبب، فوقفت علي أنها عنت أولئك.
و كنت نذرت أن القي في مقام إبراهيم عشرة دراهم ليأخذها من أراد اللّه، فأخذت عشرة دراهم فيها ستة رضوية و قلت لها: ادفعي هذه إلي الرجل.
فأخذت [الدراهم] و صعدت، و بقيت ساعة ثم نزلت؛ فقالت: يقول لك:
ليس لنا فيها حق، اجعلها في الموضع الذي نذرت و نويت، و لكن هذه الرضوية خذ منّا بدلها و ألقها في الموضع الذي نويت.
ففعلت.(1)8.
ص: 174
و روي أيضا عن يوسف بن أحمد الجعفري أنه قال: حججت سنة ست و ثلاثمائة، ثم جاورت بمكة ثلاث سنين، ثم خرجت عنها منصرفا إلي الشام، فبينا أنا في بعض الطريق، و قد فاتتني صلاة الفجر، فنزلت من المحمل و تهيأت للصلاة، فرأيت أربعة نفر في محمل، فوقعت أعجب منهم، فقال لي أحدهم: ممّ تعجب؟ تركت صلاتك.
فقلت: و ما علمك بذلك منّي؟
فقال: تحب أن تري صاحب زمانك؟
قلت: نعم، فأومأ إليّ أحد الأربعة، فقلت: إن له دلائل و علامات؟
فقال: أيّما أحب إليك: أن تري الجمل صاعدا إلي السماء، أو تري المحمل صاعدا؟
فقلت: أيّهما كان فهي دلالة، فرأيت الجمل و ما عليه يرتفع إلي السماء، و لكن الرجل أومأ إلي رجل به سمرة، و كأن لونه الذهب، بين عينيه سجّادة.(1)
و روي أيضا عن محمّد بن إبراهيم بن مهران أنه قال: أعطي جماعة من الشيعة إلي أبي عدة بدرات من الدنانير و الدراهم ليوصلها إلي الإمام أبي محمّد العسكري صلوات اللّه عليه، فخرجت معه مشيعا له عدة مراحل حتي بعدنا عن وطننا منزلين أو ثلاثة، فإذا به ليلا يتغير تغيرا شديدا و تظهر علي وجهه علامات الموت، فطلبني و أوصاني و قال: عندي دنانير و دراهم كثيرة، و هي أمانات من شيعة أهل البيت، فسلّمها لو كلاء الإمام الحسن العسكري، و أنا أري الموت يحوم حولي و أنا أعلم أنه لا يبرئ ذمتي أحد غيرك من هذه
ص: 175
الأمانات، و وصيتي إليك أن تأخذ هذا المال و توصله إلي الإمام عليه السّلام فتطيب خاطري من هذا الغم.
فاستجبت لأمر أبي في أن أوصل هذا المال لو كلاء الإمام الحسن العسكري صلوات اللّه عليه، فمات أبي بعد أن أدي الوصية.
فتوجهت إلي العراق بعد موت أبي، و بعد أن قطعت المنازل و طويت المراحل فإذا بي يوما أسمع أثناء سفري خبر المحنة و هو وفاة صاحب العسكر و الإمام الحادي عشر عليه صلوات اللّه الملك الأكبر، ففكرت في نفسي: أن أبي أوصي أن أوصل هذا المال إليه عليه السّلام و قد توفي و لا أعرف من هو خليفته و وصيه، و لم يوصني أبي بشيء غير ذلك، فما هو الحل لهذا؟ فانقدح في ذهني أخيرا أن أحمل هذا المال إلي العراق، و لا أخبر أحدا، فإن وضح لي شيء أنفذته، و إلا أنفقته و تصدقت به و قصفت به.
فقدمت العراق، فاكتريت دارا علي الشط و بقيت أياما، فإذا أنا برسول معه رقعة فيها: يا محمّد بن إبراهيم معك عدة صرر ذهبا عددها كذا و في جوف كل واحدة من تلك الصرار العدد الفلاني من الدنانير و الدراهم، فإذا أردت أن تؤدي وصية أبيك فعليك أن تسلّم جميع ذلك المال إلي رسولنا.
فعندما سمعت هذا الخبر الصحيح، و الدليل الصريح، فلم أجد بدا غير تسليم ذلك المال و كل ما كان معي إلي رسول مجمع المفاخر و المحامد عليه السّلام.
و بقيت منتظرا أن أحصل علي خبر منه بوصول المال، كما كنت أرجو أن أصل إليه، و أطلب منه أن أقوم بما كان يقوم به أبي ببعض أموره.
و بعد عدة أيام من إرسال ذلك المال جاءتني رقعة مضمونها: يا محمّد قد وصل جميع ما كنت قد أرسلته، و قد أقمناك مقام أبيك، فعليك ألا تخرج عن جادة الشريعة الغرّاء، و طريق الملّة البيضاء.
ص: 176
و حينما قرأت هذا التوقيع ابتهجت و فرحت كثيرا، و رجعت عن دار السلام بغداد إلي بيتي.(1) -
ص: 177
و روي أيضا أبو عقيل عيسي بن نصر: أن علي بن زياد الصيمري كتب يلتمس كفنا.
فكتب: إنك تحتاج إليه في سنة ثمانين.
فمات في سنة ثمانين، و بعث إليه بالكفن قبل موته.(1)
و قد ذكر في الدفاتر الصحيحة، و في كتب الآثار الصريحة؛ أنه قد خرجت التوقيعات في زمن الغيبة الصغري من عند صاحب الزمان عليه صلوات الملك المنان، و قد اختص جماعة بإظهار تلك التوقيعات، و كان يتمّ إعلان تلك التوقيعات العظيمة البركات بأمره عليه السّلام إلي كثير من شيعته فيحذّر8.
ص: 178
الخلق من المنهيّات و يحرّضهم علي الأوامر، و تعلم جميع مصالح العباد من توقيعاته كعبة أرباب السداد.
و يعدّ كل توقيع من تلك التوقيعات بنفسه معجزة؛ و هي كثيرة لا يسع مجموعها هذا المختصر، و قد تقدم قليل منها في هذه السطور، و سوف يأتي بعضها إنشاء اللّه تعالي في هذا السفر.
روي عن محمّد بن يعقوب بن عليّ بن محمّد قال: خرج نهي عن زيارة مقابر قريش [و المقصود من مقابر قريش مرقد الإمامين الكاظمين عليهما السّلام المنور] و قبر الحسين عليه السّلام، فلما كان بعد أشهر [زارها رجلان من الشيعة فدعاهما] الوزير الباقطاني و زجرهما، فقال [لخادمه]: لاق بني الفرات و البرسيّين و قل لهم: لا تزوروا مقابر قريش، فقد أمر الخليفة أن يقبض علي كلّ من زار.(1)
و بعد حدوث هذه الواقعة علم سبب منعه لزيارة مقابر قريش الذي ورد في توقيعه عليه السّلام.
و الرواية الأخري: روي الشيخ المفيد عن أبي عبد اللّه الصفواني قال: رأيت القاسم بن العلاء و قد عمّر مائة سنة، و سبع عشرة سنة، منها ثمانون سنة صحيح العينيين لقي العسكريّين عليهما السّلام و حجب بعد الثمانين، وردّت عليه عيناه قبل وفاته بسبعة أيام؛ و ذلك إني كنت بمدينة (أرّان) من أرض آذربيجان، و كان لا تنقطع توقيعات صاحب الأمر عليه السّلام عنه علي يد أبي جعفر العمري، و بعده علي يد أبي القاسم بن روح، فانقطعت عنه المكاتبة نحوا من شهرين، و قلق لذلك.
فبينا نحن عنده نأكل إذ دخل البواب مستبشرا، فقال له: فيج العراق
ص: 179
ورد - و لا يسمي بغيره - فسجد القاسم، ثم دخل كهل قصير يري أثر الفيوج عليه، و عليه جبّة مضرّبة، و في رجله نعل محاملي، و علي كتفه مخلاة.
فقام إليه القاسم فعانقه، و وضع المخلاة، و دعا بطشت و ماء، و غسل يده، و أجلسه إلي جانبه، فأكلنا و غسلنا أيدينا، فقام الرجل و أخرج كتابا أفضل من نصف الدرج، فناوله القاسم، فأخذه و قبّله و دفعه إلي كاتب له يقال له (أبو عبد اللّه بن أبي سلمة) ففضّه و قرأه و بكي حتي أحس القاسم ببكائه، فقال: يا أبا عبد اللّه خير، خرج فيّ شيء مما يكره؟
قال: لا. قال: فما هو؟
قال: ينعي الشيخ إلي نفسه بعد ورود هذا الكتاب بأربعين يوما، و أنه يمرض اليوم السابع بعد وصول الكتاب، و أن اللّه يردّ عليه عينيه بعد ذلك، و قد حمل إليه سبعة أثواب.
فقال القاسم: علي سلامة من ديني؟
قال: في سلامة من دينك.
فضحك؛ و قال: و ما أؤمل بعد هذا العمر؟!
فقام الرجل الوارد، فأخرج من مخلاته ثلاثة أزر، و حبرة يمانية حمراء، و عمامة، و ثوبين و منديلا، فأخذه القاسم، و كان عنده قميص خلعه عليه عليّ النقي عليه السّلام.
و كان للقاسم صديق في أمور الدنيا، شديد النصب، يقال له (عبد الرحمن بن محمد الشيزي) وافي إلي الدار، فقال القاسم: اقرؤا الكتاب عليه، فإنّي أحب هدايته.
قالوا: هذا لا يحتمله خلق من الشيعة، فكيف عبد الرحمن؟!
فأخرج إليه القاسم الكتاب و قال: اقرأه.
ص: 180
فقرأه عبد الرحمن إلي موضع النعي، فقال للقاسم: يا أبا عبد اللّه! اتّق اللّه، فإنّك رجل فاضل في دينك، و اللّه يقول:
وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ .(1)
و قال: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلي غَيْبِهِ أَحَداً .(2)
قال القاسم: فأتم الآية: إِلاّ مَنِ ارْتَضي مِنْ رَسُولٍ (3) مولاي هو المرضيّ من الرسول.
ثمّ قال: أعلم أنك تقول هذا، و لكن أرخ اليوم، فإن أنا متّ بعد هذا اليوم، أو متّ قبله، فاعلم إني لست علي شيء، و إن أنا متّ في ذلك اليوم فانظر لنفسك.
فورّخ عبد الرحمن اليوم و افترقوا، و حمّ القاسم يوم السابع، و اشتدّت العلّة به إلي مدّة، و نحن مجتمعون يوما عنده، إذ مسح بكمّه عينيه، و خرج من عينه شبه ماء اللحم، ثم مدّ بطرفه إلي ابنه، فقال: يا حسن! إليّ، و يا فلان! إليّ.
فنظرنا إلي الحدقتين صحيحتين.
و شاع الخبر في النّاس، فانتابه الناس من العامّة ينظرون إليه.
و ركب القاضي إليه و هو: أبو السائب عتبة بن عبيد اللّه المسعودي، و هو قاضي القضاة ببغداد، فدخل عليه و قال له: يا أبا محمّد ما هذا الذي بيدي؟
و أراه خاتما فصّه فيروزج فقرّبه منه؛ فقال: عليه ثلاثة أسطر لا يمكنني قراءتها، و قد قال لمّا رأي ابنه الحسن في وسط الدار قاعدا: «اللهم ألهم الحسن طاعتك، و جنّبه معصيتك» قالها ثلاثا، ثم كتب وصيته بيده.
و كانت الضياع التي بيده لصاحب الأمر عليه السّلام، كان أبوه وقفها عليه.7.
ص: 181
و كان فيما أوصي ابنه: إن اهّلت إلي الوكالة فيكون قوتك من نصف ضيعتي المعروفة ب (فرجيدة)، و سائرها ملك لمولانا عليه السّلام.
فلما كان يوم الأربعين و قد طلع الفجر مات القاسم، فوافاه عبد الرحمن يعدو في الأسواق حافيا حاسرا، و هو يصيح: (يا سيداه)، فاستعظم الناس ذلك منه؛ فقال لهم: اسكتوا، فقد رأيت ما لم تروا.
و تشيّع، و رجع عمّا كان عليه.
فلما كان بعده مدّة يسيرة ورد كتاب علي الحسن ابنه من صاحب الزمان يقول فيه: (ألهمك اللّه طاعته، و جنّبك معصيته) و هو الدعاء الذي دعا لك به أبوك.(1)
و من معجزاته عليه السّلام ما رواه ابن أبي سورة عن أبيه [أنه قال: كان أبي من مشايخ الزيدية في الكوفة، و قد اشتهر عنه في الخبر تشيّعه، فسألت يوما أبي عن سبب ترك الزيدية].(2)
قال: كنت خرجت إلي قبر الحسين عليه السّلام أعرّف عنده، فلمّا كان وقت العشاء الآخرة صلّيت، و قمت فابتدأت أقرأ الحمد، و إذا شاب حسن الوجه عليه جبّة سيفيّة، فابتدأ أيضا قبلي، و ختم قبلي.
فلما كان الغداة خرجنا جميعا من باب الحائر، فلمّا صرنا إلي شاطئ الفرات قال لي الشاب: أنت تريد الكوفة، فامض.
فمضيت في طريق الفرات، و أخذ الشاب طريق البر.
قال أبو سورة: ثم أسفت علي فراقه، فاتّبعته، فقال لي: تعال.
ص: 182
فجئنا جميعا إلي أصل حصن المسناة، فنمنا جميعا، و انتبهنا، و إذا نحن علي الغري علي جبل الخندق، فقال لي: أنت مضيق، و لك عيال، فامض إلي أبي طاهر الزراري، فسيخرج إليك من داره، و في يده الدم من الأضحية، فقل له: شابّ من صفته كذا و كذا يقول لك: أعط هذا الرجل صرّة الدنانير الّتي عند رجل السرير مدفونة.
قال: فلما دخلت الكوفة مضيت إليه، و قلت ما ذكر ليّ الشاب.
فقال: سمعا و طاعة. و علي يده دم الأضحية.(1)
[و بعد ما اطلعت علي أحوال هذا الشاب ازدادت محبته في قلبي يوما بعد يوم، و لم أعرف من يكون، إلا أن قال لي أخيرا أحدثك إن هذا الشاب الذي تتحدث عنه إنه الحجة بن الحسن عليه السّلام، و من بعد ذلك اخترت مذهب أهل البيت عليهم السّلام].(2)
و روي نحو هذه الرواية أبو ذر أحمد بن محمّد بن أبي سورة، و هو أحمد بن محمّد بن الحسن بن عبيد اللّه التميمي، قال:
[ضعت ليلة في بر العرب، فإذا بي أري شابا، فاتبعت أثره فمشيت أقداما فرأيت نفسي](3) علي مقابر مسجد السهلة، فقال: هو ذا منزلي.
ثمّ قال لي: تمرّ أنت إلي ابن الزراري عليّ بن يحيي فتقول له يعطيك المال بعلامة أنه كذا و كذا، و في موضع كذا و مغطّي بكذا.
فقلت: من أنت؟
قال: أنا محمّد بن الحسن.
ثم مشينا حتي انتهينا إلي النواويس في السحر، فجلس و حفر بيده فإذا الماء قد خرج، و توضأ ثم صلّي ثلاث عشرة ركعة.
فمضيت إلي الزراري، فدققت الباب، فقال: من أنت؟ع.
ص: 183
فقلت: أبو سورة.
فسمعته يقول: مالي و لأبي سورة؟!
فلما خرج و قصصت عليه القصة صافحني، و قبّل وجهي، و وضع يده بيدي، و مسح بها وجهه، ثم أدخلني الدار، و أخرج الصّرة من عند رجل السرير، فدفعها إليّ، فاستبصر أبو سورة، و برئ من الزيدية.(1)
و قال مترجم الخرائج بعد نقل هذه المعجزة: الحاصل أن هذه الرواية، و الرواية التي قبلها واحدة، و لكن فيها بعض الزيادات.
و الرواية الأخري عن محمّد بن هارون الهمداني، قال:
كان للناحية عليّ خمسمائة دينار، فضقت بها ذرعا، ثم قلت في نفسي [ليلة]:(2)
لي حوانيت اشتريتها بخمسمائة دينار و ثلاثين دينار قد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار [يعني أؤديها و أسلمها إلي وكلاء صاحب الزمان عليه السّلام فأؤدي ديني، فخرجت صباحا من الدار قبل أن أحدث أحدا بما أردت في نفسي، فرأيت محمّد بن جعفر، فقال: هل قررت الليلة في نفسك أن تعطي الحوانيت؟ قال: نعم، فمن أين علمت؟
قال: لقد وصل اليوم توقيع صاحب الزمان عليه و علي آبائه صلوات الرحمن و فيه]:(3) أقبض الحوانيت من محمّد بن هارون بخمسمائة دينار التي لنا عليه.(4)
[فعندما سمعت هذا الكلام من محمّد بن جعفر أجريت معه البيع الشرعي].(5)
ص: 184
و الرواية الأخري عن أبي الحسن المسترق قال: كنت يوما في مجلس الحسن بن عبد اللّه بن حمدان ناصر الدولة، فتذاكرنا أمر الناحية، قال: كنت أزري عليها، إلي أن حضرت مجلس عمّي الحسين يوما، فأخذت أتكلم في ذلك؛ فقال: يا بني! قد كنت أقول بمقالتك هذه إلي أن ندبت لولاية قم حين استصعبت علي السلطان، و كان كل من ورد إليها من جهة السلطان يحاربه أهلها، فسلّم إلي جيش و خرجت نحوها.
فلما بلغت إلي ناحية طزر، خرجت إلي الصيد، ففاتتني طريدة، فاتّبعتها، و أوغلت في أثرها، حتي بلغت إلي نهر، فسرت فيه، و كلّما أسير يتّسع النهر، فبينما أنا كذلك إذ طلع عليّ فارس تحته شهباء، و هو متعمم بعمامة خزّ خضراء، لا أري منه إلا عينيه، و في رجليه خفّان أحمران، فقال لي: يا حسين!
فلا هو أمّرني و لا كنّاني؛ فقلت: ماذا تريد؟
قال: لم تزري علي الناحية؟ و لم تمنع أصحابي خمس مالك؟
و كنت الرجل الوقور الذي لا يخاف شيئا، فأرعدت منه و تهيبته؛ و قلت له: أفعل يا سيدي ما تأمر به.
فقال: إذا مضيت إلي الموضع الذي أنت متوجه إليه، فدخلته عفوا، و كسبت ما كسبته، تحمل خمسه إلي مستحقه.
فقلت: السمع و الطاعة.
فقال: امض راشدا.
و لوي عنان دابته، و انصرف، فلم أدر أي طريق سلك، و طلبته يمينا و شمالا فخفي عليّ أمره، و ازددت رعبا و انكفأت راجعا إلي عسكري و تناسيت الحديث.
فلمّا بلغت قم، و عندي أنّي أريد محاربة القوم، خرج إليّ أهلها و قالوا:
ص: 185
كنّا نحارب من يجيئنا بخلافهم لنا، فأما إذا وافيت أنت فلا خلاف بيننا و بينك؛ ادخل البلدة، فدبّرها كما تري.
فأقمت فيها زمانا، و كسبت أموالا زائدة علي ما كنت أقدّر، ثم وشي القوّاد بيّ إلي السلطان، و حسدت علي طول مقامي، و كثرة ما اكتسبت، فعزلت، و رجعت إلي بغداد، فابتدأت بدار السلطان و سلّمت عليه، و أتيت إلي منزلي، و جاءني فيمن جاءني محمّد بن عثمان العمري، فتخطي الناس حتي اتكأ علي تكأتي، فاغتظت من ذلك، و لم يزل قاعدا ما يبرح، و الناس داخلون و خارجون، و أنا أزداد غيظا.
فلما تصّرم الناس و خلا المجلس، دنا إليّ و قال: بيني و بينك سرّ فاسمعه.
فقلت: قل.
فقال: صاحب الشهباء و النهر يقول: قد وفينا بما وعدنا.
فذكرت الحديث [و ارتعدت](1) من ذلك، و قلت: السمع و الطاعة.
فقمت فأخذت بيده، ففتحت الخزائن، فلم يزل يخمّسها، إلي أن خمّس شيئا كنت قد أنسيته ممّا كنت قد جمعته، و انصرف و لم أشك بعد ذلك، و تحققت الأمر.
فأنا منذ سمعت هذا من عمّي أبي عبد اللّه زال ما كان اعترضني من شك.(2)
و روي أيضا عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه قال:
لما وصلت بغداد في سنة تسع و ثلاثين و ثلاثمائة للحج، و هي السنة التي ردّ القرامطة فيها الحجر إلي مكانه من البيت؛ كان أكبر همي الظفر بمن ينصب الحجر،
ص: 186
لأنه يمضي في أثناء الكتب قصّة أخذه و أنه ينصبه في مكانه الحجة في الزمان، كما في زمان الحجاج وضعه زين العابدين عليه السّلام في مكانه فاستقر.
فاعتللت علّة صعبة خفت منها علي نفسي، و لم يتهيأ لي ما قصدت له، فاستنبت المعروف بابن هشام، و أعطيته رقعة مختومة، أسأل فيها عن مدّة عمري، و هل تكون المنيّة في هذه العلّة، أم لا؟
و قلت: همّي إيصال هذه الرقعة إلي واضع الحجر في مكانه، و أخذ جوابه، و إنما أندبك لهذا.
قال: فقال المعروف بابن هشام: لمّا حصلت بمكة و عزم علي إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكّنت معها من الكون بحيث أري واضع الحجر في مكانه، و أقمت معي منهم من يمنع عنّي ازدحام الناس، فكلّما عمد إنسان لوضعه اضطرب و لم يستقم، فأقبل غلام اسمر اللون، حسن الوجه، فتناوله و وضعه في مكانه، فاستقام كأنه لم يزل عنه.
و علت لذلك الأصوات، و انصرف خارجا من الباب؛ فنهضت من مكاني أتبعه، و أدفع الناس عنّي يمينا و شمالا، حتي ظنّ بي الاختلاط في العقل، و الناس يفرجون لي، و عيني لا تفارقه، حتّي انقطع عن الناس، فكنت أسرع السير خلفه، و هو يمشي علي تؤده و لا ادركه.
فلما حصل بحيث لا أحد يراه غيري، وقف و التفت إليّ، فقال: هات ما معك.
فناولته الرقعة؛ فقال من غير أن ينظر فيها:
قل له: لا خوف عليك في هذه العلة، و يكون ما لا بدّ منه بعد ثلاثين سنة.
قال: فوقع علي الزمع حتّي لم أطق حراكا، و تركني و انصرف.
قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة.
فلمّا كان سنة تسع و ستين اعتل أبو القاسم، فأخذ ينظر في أمره،
ص: 187
و تحصيل جهازه إلي قبره، و كتب وصيته، و استعمل الجدّ في ذلك؛ فقيل له: ما هذا الخوف، و نرجو أن يتفضل اللّه تعالي بالسلامة، فما عليك مخوفة؟
فقال: هذه السنة التي خوّفت فيها.
فمات في علّته.(1)
[و أجاب داعي الحق بعد ثلاثة أيام من وصيته عليه رحمة اللّه الملك العبود].(2)
و الرواية الأخري عن أبي غالب الزراري قال:
تزوجت بالكوفة امرأة من قوم يقال لهم: (بنو هلال) خزّازون، و حصلت لها منزلة من قلبي، فجري بيننا كلام اقتضي خروجها من بيتي غضبا، و رمت ردّها، فامتنعت عليّ لأنها كانت في أهلها في عزّ و عشيرة؛ فضاق لذلك صدري، و تجهزت إلي السفر، فخرجت إلي بغداد أنا و شيخ من أهلها، فقدمناها و قضينا الحق في واجب الزيارة، و توجّهنا إلي دار الشيخ أبي القاسم بن روح، و كان مستترا من السلطان، فدخلنا و سلّمنا، فقال: إن كان لك حاجة فاذكر اسمك هاهنا. و طرح إليّ مدرجة كانت بين يديه؛ فكتبت فيها اسمي و اسم أبي، و جلسنا قليلا، ثمّ ودّعناه، و خرجت إلي سرّ من رأي للزيارة، وزرنا وعدنا، و أتينا دار الشيخ، فأخرج المدرجة التي كنت كتبت فيها اسمي و جعل يطويها علي أشياء كانت مكتوبة فيها إلي أن انتهي إلي موضع اسمي، فناولنيه، فإذا تحته مكتوب بقلم دقيق:
(أما الزراري في حال الزوج أو الزوجة فسيصلح اللّه - أو: فأصلح اللّه - بينهما).
ص: 188
و كنت عندما كتبت اسمي أردت أن أسأله الدعاء لي بصلاح الحال مع الزوجة، و لم أذكره، بل كتبت اسمي وحده، فجاء الجواب كما كان في خاطري، من غير أن أذكره.
ثم ودّعنا الشيخ و خرجنا من بغداد حتي قدمنا الكوفة، فيوم قدومي أو من غده أتاني إخوة المرأة، فسلّموا عليّ و اعتذروا إليّ ممّا كان بيني و بينهم من الخلاف و الكلام، و عادت الزوجة علي أحسن الوجوه إلي بيتي، و لم يجر بيني و بينها خلاف و لا كلام مدّة صحبتي لها، و لم تخرج من منزلي بعد ذلك إلاّ بإذني حتّي ماتت.(1)
يقول أحد علماء الإمامية في كتابه الذي ألفه في مناقب العترة الطاهرة عليهم السّلام: نقل المعتقدون ببقاء الإمام المهدي عليه السّلام قصصا في شمول فيضه عليه السّلام شيعته، و شفاء مرضاهم، و انتفاع الخلق به، و قضاء حوائج المحتاجين لو جمعت لكانت كتابا كبيرا، و منها حكايتان نقلهما صاحب كشف الغمة، و هما مشهورتان، و إنه قال: إنني أنقل هاتين الحكايتين لقرب زمانهما إلينا، و لأني سمعتها من إخواني الثقاة صحيحي القول، و أن هذين الشخصين الذين وقعت الحكايتين لهما قد توفيا، و إني و إن لم أكن أراهما و لكني رأيت أبناءهما، و ليس عندي شك في وقوع هاتين الحكايتين.
و قد نقل الجاني هاتين الحكايتين في كتاب (شواهد النبوة) و إحدي هاتين الحكايتين:(2)ة.
ص: 189
كان في البلاد الحلّية شخص يقال له إسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها هرقل؛ مات في زماني و ما رأيته، حكي لي ولده شمس الدين، قال: حكي لي والدي:
إنه خرج فيه - و هو شباب - علي فخذه الأيسر توثة مقدار قبضة الإنسان، و كانت في كل ربيع تشقق و يخرج منها دم وقيح، و يقطعه ألمها عن كثير من أشغاله؛ و كان مقيما بهرقل، فحضر الحلة يوما و دخل إلي مجلس السعيد رضي الدين عليّ بن طاوس رحمه اللّه و شكا إليه ما يجده منها، و قال: أريد أن أداويها.
فاحضر له أطباء الحلة، و أراهم الموضع؛ فقالوا: هذه التوثة فوق العرق الأكحل و علاجها خطر، و متي قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت.
فقال له السعيد رضي الدين (قدست روحه): أنا متوجه إلي بغداد، و ربما كان أطباؤها أعرف و أحذق من هؤلاء، فاصحبني.
فاصعد معه، و أحضر الأطباء، فقالوا كما قال أولئك.
فضاق صدره، فقال له السعيد: إن الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب، و عليك الاجتهاد في الاحتراس، و لا تغرر بنفسك، فاللّه تعالي قد نهي عن ذلك و رسوله، فقال له والدي: إذا كان الأمر علي ذلك، و قد وصلت إلي بغداد، فأتوجه إلي زيارة المشهد الشريف بسر من رأي علي مشرفه السلام، ثم أنحدر إلي أهلي.
فحسّن له ذلك، فترك ثيابه و نفقته عند السعيد رضي الدين، و توجه.
قال: فلما دخلت المشهد، وزرت الأئمّة عليهم السّلام، و نزلت السرداب، و استغثت باللّه تعالي و بالإمام عليه السّلام، و قضيت بعض الليل في السرداب، و بتّ في المشهد إلي الخميس، ثم مضيت إلي دجلة، و اغتسلت، و لبست ثوبا نظيفا، و ملأت إبريقا كان معي، و صعدت أريد المشهد.
ص: 190
فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور، و كان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم، فالتقينا، فرأيت شابين أحدهما:
عبد مخطوط، و كل واحد منهم متقلد بسيف، و شيخا منقبا بيده رمح، و الآخر متقلد بسيف، و عليه فرجية ملونة فوق السيف، و هو متحنك بعذبته.
فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق و وضع كعب الرمح في الأرض.
و وقف الشابان عن يسار الطريق، و بقي صاحب الفرجية علي الطريق مقابل والدي؛ ثمّ سلّموا عليه، فردّ عليهم السلام، فقال له صاحب الفرجية:
أنت غدا تروح إلي أهلك؟
فقال: نعم.
فقال له: تقدم حتي أبصر ما يوجعك.
قال: فكرهت ملامستهم، و قلت في نفسي أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة، و أنا قد خرجت من الماء و قميصي مبلول؛ ثم إني بعد ذلك تقدمت إليه فلزمني بيده، و مدني إليه، و جعل يلمس جانبي من كتفي إلي أن أصابت يده التوثة، فعصرها بيده، فأوجعني؛ ثم استوي في سرجه كما كان.
فقال لي الشيخ: أفلحت يا إسماعيل.
فعجبت من معرفته باسمي، فقلت: أفلحنا و أفلحتم إن شاء اللّه.
قال: فقال لي الشيخ: هذا هو الإمام.
قال: فتقدمت إليه فاحتضنته، و قبّلت فخذه.
ثم إنه ساق و أنا أمشي معه محتضنه، فقال: ارجع.
فقلت: لا أفارقك أبدا.
فقال: المصلحة رجوعك.
فأعدت عليه مثل القول الأوّل؛ فقال الشيخ: يا إسماعيل! ما تستحي يقول لك الإمام مرتين ارجع و تخالفه؟!
ص: 191
فجبهني بهذا القول، فوقفت فتقدم خطوات، و التفت إليّ، و قال: إذا وصلت بغداد فلا بدّ أن يطلبك أبو جعفر (يعني الخليفة المستنصر رحمه اللّه)، فإذا حضرت عنده، و أعطاك شيئا فلا تأخذه، و قل لولدنا الرضي ليكتب لك إلي عليّ بن عوض، فإنني أوصيه يعطيك الذي تريد.
ثم سار و أصحابه معه، فلم أزل قائما أبصرهم إلي أن غابوا عنّي، و حصل عندي أسف لمفارقته، فقعدت إلي الأرض ساعة، ثم مشيت إلي المشهد؛ فاجتمع القوّام حولي و قالوا: نري وجهك متغيّرا، أوجعك شيء؟
قلت: لا.
قالوا: أخاصمك أحد؟
قلت: لا؛ ليس عندي مما تقولون خبر، لكن أسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم؟
فقالوا: هم من الشرفاء أرباب الغنم.
فقلت: لا؛ بل هو الإمام عليه السّلام.
فقالوا: الإمام هو الشيخ، أو صاحب الفرجية؟
فقلت: هو صاحب الفرجية.
فقالوا: أريته المرض الذي فيك؟
فقلت: هو قبضه بيده، و أوجعني.
ثم كشفت رجلي فلم أر لذلك المرض أثرا، فتداخلني الشك من الدهش، فأخرجت رجلي الأخري فلم أر شيئا؛ فانطبق الناس عليّ و مزقوا قميصي، فأدخلني القوّام خزانة، و منعوا الناس عني.
و كان ناظرا بين النهرين بالمشهد، فسمع الضجّة و سأل عن الخبر، فعرّفوه، فجاء إلي الخزانة، و سألني عن اسمي، و سألني منذ كم خرجت من بغداد؛ فعرفته: إني خرجت في أوّل الأسبوع.
ص: 192
فمشي عنّي، و بتّ في المشهد وصليت الصبح و خرجت، و خرج الناس معي إلي أن بعدت عن المشهد، و رجعوا عنّي، و وصلت إلي أوانا، فبتّ بها، و بكرت منها أريد بغداد، فرأيت الناس مزدحمين علي القنطرة العتيقة يسألون من ورد عليهم عن اسمه و نسبه و أين كان؛ فسألوني عن اسمي و من أين جئت، فعرّفتهم فاجتمعوا عليّ، و مزّقوا ثيابي، و لم يبق لي في روحي حكم، و كان ناظر بين النهرين كتب إلي بغداد، و عرّفهم الحال، ثم حملوني إلي بغداد، و ازدحم الناس عليّ، و كادوا يقتلونني من كثرة الزحام، و كان الوزير القمي(1) رحمه اللّه قد طلب السعيد رضي الدين رحمه اللّه و تقدم أن يعرّفه صحة هذا الخبر.
قال: فخرج رضي الدين، و معه جماعة، فوافينا باب النوبي، فرّد أصحابه الناس عنّي، فلما رآني قال: أعنك يقولون؟
قلت: نعم.
فنزل عن دابته، و كشف عن فخذي، فلم ير شيئا، فغشي عليه ساعة، و أخذ بيدي، و أدخلني علي الوزير و هو يبكي و يقول: يا مولانا! هذا أخي، و أقرب الناس إلي قلبي.
فسألني الوزير عن القصة، فحكيت له، فأحضر الأطباء الذين أشرفوا عليها، و أمرهم بمداواتها، فقالوا: ما دوائها إلا القطع بالحديد، و متي قطعها مات.
فقال لهم الوزير: فبتقدير أن تقطع، و لا يموت؛ في كم تبرأ؟
فقالوا: في شهرين، و تبقي في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر.
فسألهم الوزير: متي رأيتموه؟
قالوا: منذ عشرة أيام.ي.
ص: 193
فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم و هي مثل أختها ليس فيها أثر أصلا، و صاح أحد الحكماء: هذا عمل المسيح.
فقال الوزير: حيث لم يكن عملكم، فنحن نعرف من عملها.
ثم أنه احضر عند الخليفة المستنصر رحمه اللّه، فسأله عن القصة، فعرّفه بها كما جري؛ فتقدم له بألف دينار، فلما حضرت قال: خذ هذه فأنفقها.
فقال: ما أجسر آخذ منه حبة واحدة.
فقال الخليفة: ممن تخاف؟
فقال: من الذي فعل معي هذا؛ قال: لا تأخذ من أبي جعفر شيئا.
فبكي الخليفة و تكدّر، و خرج من عنده و لم يأخذ شيئا.
قال أفقر عباد اللّه تعالي إلي رحمته عليّ بن عيسي عفا اللّه عنه: كنت في بعض الأيام أحكي هذه القصة لجماعة عندي؛ و كان هذا شمس الدين محمّد ولده عندي، و أنا لا أعرفه، فلما انقضت الحكاية قال: أنا ولده لصلبه.
فعجبت من هذا الاتفاق، و قلت: هل رأيت فخذه و هي مريضة؟
فقال: لا، لأني أصبوا عن ذلك، و لكنّي رأيتها بعد ما صلحت و لا أثر فيها، و قد نبت في موضعها شعر.
و سألت السيد صفي الدين محمّد بن محمّد بن بشر العلوي الموسوي، و نجم الدين حيدر بن الأيسر رحمهما اللّه، و كانا من أعيان الناس و سراتهم و ذوي الهيآت منهم، و كانا صديقين لي و عزيزين عندي؛ فأخبراني بصحة هذه القصة، و إنهما رأياها في حال مرضها و حال صحتها.
و حكي لي ولده هذا أنه كان بعد ذلك شديد الحزن لفراقه عليه السّلام، حتّي أنه جاء إلي بغداد، و أقام بها في فصل الشتاء، و كان كل يوم يزور سامراء، و يعود إلي بغداد، فزارها في تلك السنة أربعين مرّة طمعا أن يعود له الوقت الذي مضي و يقضي له الحظ بما قضي، و من الذي أعطاه دهره الرضا، أو
ص: 194
ساعده بمطالبه صرف القضاء، فمات رحمه اللّه بحسرته، و انتقل إلي الآخرة بغصته، و اللّه يتولاه و إيّانا برحمته بمنّه و كرامته.(1)
و الحكاية الثانية: قال صاحب كشف الغمة رحمه اللّه: و حكي إليّ السيد باقي بن عطوة العلوي الحسيني أن أبي عطوة كان به أدرة، و كان زيدي المذهب، و كان ينكر علي بنيه الميل إلي مذهب الإمامية و يقول: لا أصدقكم، و لا أقول بمذهبكم حتّي يجييء صاحبكم - يعني المهدي - فيبرأني من هذا المرض.
فتكرر هذا القول منه؛ فبينما نحن مجتمعون عند وقت عشاء الآخرة إذا أبونا يصيح و يستغيث بنا؛ فأتيناه سراعا فقال: الحقوا صاحبكم، فالساعة خرج من عندي.
فخرجنا، فلم نر أحدا؛ فعدنا إليه، و سألناه، فقال: إنه دخل إليّ شخص، و قال: يا عطوة!
فقلت: من أنت؟
فقال: أنا صاحب بنيك، قد جئت لأبرئك مما بك.
ثم مدّ يده، فعصر قروتي، و مشي؛ و مددت يدي، فلم أر لها أثرا.
قال لي ولده: و بقي مثل الغزال ليس به قلبة.
و اشتهرت هذه القصة، و سألت عنها غير ابنه، فأخبر عنها، فأقرّ بها.(2)
و قال صاحب كشف الغمة بعد نقله هاتين الحكايتين: و إنه عليه السّلام رآه جماعة قد انقطعوا في طريق الحجاز و غيرها، فخلصهم و أوصلهم إلي حيث أرادوا، و لو لا التطويل لذكرت منها جملة.(3)
ص: 195
يقول مؤلف هذه الأربعين: إني أعرف ما بيني و بين اللّه تعالي من رآه عليه السّلام كرارا، و قد ابتلي في بعض الأزمنة بمرض مهلك فتفضل عليه السّلام بالشفاء الكامل.
و ذكر بالخبر أنه عليه السّلام ليحضر الموسم كل سنة، فيري الناس و يعرفهم، و يرونه و لا يعرفونه.(1)
كما أن حديث غانم الهندي له عليه السّلام مشهور جدا عند رواة الحديث.
نقل ابن بابويه في كتاب كمال الدين و تمام النعمة حكاية، قال:
سمعنا شيخا من أصحاب الحديث يقال له: أحمد بن فارس الأديب يقول:
سمعت بهمدان حكاية حكيتها كما سمعتها لبعض إخواني، فسألني أن أثبتها له بخطّي، و لم أجد إلي مخالفته سبيلا، و قد كتبتها و عهدتها علي من حكاها، و ذلك:
إن بهمدان ناسا يعرفون ببني راشد، و هم كلّهم يتشيعون، و مذهبهم مذهب أهل الإمامة، فسألت عن سبب تشيعهم من بين أهل همدان؛ فقال لي شيخ منهم - رأيت فيه صلاحا و سمتا -: إنّ سبب ذلك أن جدنا الذي ننتسب إليه خرج حاجّا، فقال:
إنه لمّا صدر من الحجّ، و ساروا منازل في البادية، قال: فنشطت في النزول، و المشي، فمشيت طويلا حتي أعييت، و نعست، فقلت في نفسي: أنام نومة تريحني، فإذا جاء أواخر القافلة قمت.
قال: فما انتبهت إلا بحرّ الشمس و لم أر أحدا، فتوحشت، و لم أر طريقا، و لا أثرا؛ فتوكلت علي اللّه عزّ و جلّ، و قلت: أسير حيث وجّهني اللّه، و مشيت غير طويل، فوقعت في أرض خضراء نضراء كأنها قريبة عهد من غيث، و إذا
ص: 196
تربتها أطيب تربة، و نظرت في سواء تلك الأرض إلي قصر يلوح كأنه سيف، فقلت: ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده، و لم أسمع به.
فقصدته، فلما بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين، فسلّمت عليهما، فردّا ردّا جميلا و قالا: اجلس فقد أراد اللّه بك خيرا.
فقام أحدهما و دخل و احتبس غير بعيد، ثمّ خرج فقال: قم فادخل.
فدخلت قصرا لم أر بناءا أحسن من بنائه، و لا أضوء منه، فتقدم الخادم إلي ستر علي بيت فرفعه؛ ثم قال لي: ادخل.
فدخلت البيت، فإذا فتي جالس في وسط البيت، و قد علّق فوق رأسه من السقف سيف طويل تكاد ظبته تمسّ رأسه، و الفتي كأنه بدر يلوح في ظلام؛ فسلّمت، فردّ السلام بألطف كلام و أحسنه، ثم قال لي: أتدري من أنا؟
فقلت: لا، و اللّه.
فقال: أنا القائم من آل محمّد صلّي اللّه عليه و آله، أنا الذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف (و أشار إليه) فأملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.
فسقطت علي وجهي، و تعفّرت، فقال: لا تفعل؛ ارفع رأسك، أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها همدان.
فقلت: صدقت يا سيدي و مولاي.
قال: أفتحب أن تؤوب إلي أهلك؟
فقلت: نعم! يا سيدي، و أبشرهم بما أتاح اللّه عزّ و جلّ لي.
فأومأ إلي الخادم، فأخذ بيدي و ناولني صرّة، و خرج، و مشي معي خطوات؛ فنظرت إلي طلال، و أشجار، و منارة مسجد.
فقال: أتعرف هذا البلد؟
فقلت: إن بقرب بلدنا بلدة تعرف بأسد آباد و هي تشبهها.
قال: فقال: هذه أسد آباد، امض راشدا؛ فالتفتّ فلم أره.
ص: 197
فدخلت أسد آباد، و إذا في الصرة أربعون أو خمسون دينارا، فوردت همدان، و جمعت أهلي، و بشّرتهم بما يسّره اللّه عزّ و جلّ لي، و لم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير.(1)
و قال الشيخ السديد السعيد محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي الملقب بالمفيد عليه رحمة اللّه الملك المجيد في كتاب الإرشاد: «فمن الدلائل علي [إمامته عليه السّلام](2) ما يقتضيه العقل بالاستدلال الصحيح، من وجود إمام معصوم، كامل، غني عن رعاياه في الأحكام و العلوم في كل زمان، لاستحالة خلو المكلفين من سلطان يكونون بوجوده اقرب إلي الصلاح و أبعد من الفساد، و حاجة الكل من ذوي النقصان إلي مؤدب للجناة، مقوّم للعصاة، رادع للغواة، معلّم للجهال، منبّه للغافلين، محذّر من الضلال، مقيم للحدود، منفذ للأحكام، فاصل بين أهل الاختلاف، ناصب للأمراء، شادّ للثغور، حافظ للأموال، حام عن بيضة الإسلام، جامع للناس في الجمعات و الأعياد.
و قيام الأدلة علي أنه معصوم من الزلاّت لغناه عن الإمام بالاتفاق، و اقتضاء ذلك له العصمة بلا ارتياب، و وجوب النص علي من هذه سبيله من الأنام، أو ظهور المعجز عليه، لتميّزه ممن سواه، و عدم هذه الصفات من كلّ أحد سوي من أثبت إمامته أصحاب الحسن بن عليّ عليهما السّلام و هو ابنه المهدي عليه السّلام، علي ما بيّناه، و هذا أصل لن يحتاج معه في الإمامة إلي رواية النصوصر.
ص: 198
و تعداد ما جاء فيها من الأخبار، لقيامه بنفسه في قضية العقول و صحته بثابت الاستدلال.
ثم قد جاءت روايات في النص علي ابن الحسن عليه السّلام من طريق ينقطع بها الأعذار».(1)
و ليعلم أن لصاحب الأمر عليه السّلام غيبتان: الغيبة الصغري، و الغيبة الكبري.
و أن أكثر الحكايات التي ذكرت إنما كانت في الغيبة الكبري.
و أما الغيبة الصغري فقد كانت مدتها أربع و سبعين سنة، و كان بعض خلص شيعته يصلون بخدمته عليه السّلام و يرسلون إليه عليه السّلام مسائلهم التي تشكل عليهم، و كان البعض لا يقدر أن يصل إليه فكان يصل إلي وكلائه عليه السّلام، و يقدم لهم مسائله و حاجاته و مشكلاته إليهم، و هم يقدمونها للإمام عليه السّلام، ثم يأخذون الجواب.
و كان يعبر في تلك المدة الزمنية عنه عليه السّلام أحيانا ب (م ح م د)؛ و أحيانا بالصاحب، و الحجة، و القائم، و المهدي، و هو كذلك، و لا يسمح بتسميته قبل ظهوره عليه السّلام، و يقال لمكان ولادة الإمام عليه السّلام الناحية المقدسة، و قد وقع في الأحاديث المنع من التصريح باسمه، و كنيته عليه السّلام قبل ظهوره في كل وقت أريد و قصد حضرة ولي المعبود.
و أما أسماء وكلائه عليه السّلام و توقيعاته عليه السّلام التي كتبها لخواصه فهي مذكورة في الكتب المعتبرة، و قد ظهرت منه عليه السّلام معجزات عطية من يوم ولادته عليه السّلام حتّي آخر يوم من غيبته الأولي، و هكذا بعدها إلي هذا الزمان، و كل واحد منها شاهد عدل علي وجوده عليه السّلام، و هي مسطورة في دفاتر روايات الثقات، كما أن هناك روايات صحيحة و صريحة مروية عن الطرفين3.
ص: 199
تؤيد هذا المعني، مثل حكاية البحر الأبيض و الجزيرة الخضراء، و حكاية مدينة الشيعة، و البلد الذي في أقصي أرض المغرب، و لم نذكرها خوف الإطناب في هذا المختصر.
و هناك الكثير من الشيعة و الموالين الذين تشرفوا بالحضور في خدمته عليه السّلام في زمان الغيبة الكبري، و قد كتب في كشف الغمة و الفصول المهمة و كمال الدين و الخرائج و غيرها بعض ما وصل لأصحاب هذه الكتب، و لا يوجد تعارض بين الحديث القائل: (من يدعي المشاهدة قبل خروج السفياني و الصحيحة فهو كاذب)، و هذه الأخبار؛ كما هو ظاهر لمقتفي آثار الأئمّة الأطهار، و لمن يريد بيان و توضيح هذا المعني فعليه الرجوع إلي قاطف عناقيد محصول المحدثين في كتاب (رياض المؤمنين).
و أما أسماء من رأي الصاحب صلوات اللّه عليه، و وصل إلي خدمته من وكلائه و خرجت إليهم التوقيعات؛ فهي مذكورة في أكثر الكتب، بالخصوص كتاب كمال الدين، و كتاب كشف الغمة.
ببغداد العمري و ابنه... و حاجز... و البلالي... و العطّار.
و من الكوفة: العاصميّ.
و من أهل الأهواز: محمّد بن إبراهيم بن مهزيار.
و من أهل قم: أحمد بن إسحاق.
و من أهل همدان: محمّد بن صالح.
و من أهل الري: البسّامي... و الأسدي.
و من أهل آذربيجان: القاسم بن العلاء.
ص: 200
و من أهل نيسابور: محمد بن شاذان.(1)
من أهل بغداد: أبو القاسم بن أبي حليس... و أبو عبد اللّه الكندي... و أبو عبد اللّه الجنيدي... و هارون القزاز... و النيلي... و أبو القاسم بن دبيس... و أبو عبد اللّه بن فرّوخ...
و مسرور الطباخ مولي أبي الحسن عليه السّلام... و أحمد و محمّد ابنا الحسن... و إسحاق الكاتب من بني نوبخت... و صاحب النواء... و صاحب الصرّة المختومة.
و من همدان: محمد بن كشمرد... و جعفر بن حمدان... و محمّد بن هارون بن عمران.
و من الدينور: حسن بن هارون... و أحمد بن أخيّة... و أبو الحسن.
و من أصفهان: ابن باذشالة.
و من الصيمرة: زيدان.
و من قم: الحسن بن النضر... و محمّد بن محمّد... و عليّ بن محمّد بن إسحاق... و أبوه... و الحسن بن يعقوب.
و من أهل الري: القاسم بن موسي و ابنه... و أبو محمد بن هارون... و صاحب الحصاة... و عليّ بن محمّد... و محمّد بن محمّد الكليني... و أبو جعفر الرفّاء.
و من قزوين: مرداس... و عليّ بن أحمد.
و من فاقتر: رجلان.
و من شهرزور: ابن الخال.
و من فارس: المحروج.
و من مرو: صاحب الألف دينار... و صاحب المال و الرقعة البيضاء...
و أبو ثابت.
ص: 201
و من نيسابور: محمد بن شعيب بن صالح.
و من اليمن: الفضل بن يزيد... و الحسن ابنه... و الجعفري... و ابن الأعجمي... و الشمشاطي.
و من مصر: صاحب المولودين... و صاحب المال بمكة... و أبو رجاء.
و من نصيبين: أبو محمّد بن الوجناء.
و من الأهواز: الحصيني.(1)
و هؤلاء ليسوا من الوكلاء، و لكنهم رأوه عليه السّلام علي التحقيق.
و نقل في كشف الغمة كثير من الوكلاء و السفراء و غيرهم، و غيرهم، و غير هؤلاء الجماعة المذكورين، لم نوردهم خوفا من التطويل، و قد ظهرت له معجزات عليه السّلام لكل واحد من هذه الجماعة تفوق الحصر.
و من جملة التوقيعات ما روي محمد بن شاذان بن نعيم النيشابوري أنه قال:
اجتمع عندي مال للغريم عليه السّلام خمسمائة درهم، ينقص منها عشرون درهما، فأنفت أن أبعث بها ناقصة هذا المقدار، فأتممتها من عندي، و بعثت بها إلي محمّد بن جعفر، و لم أكتب مالي فيها، فأنفذ إليّ محمّد بن جعفر القبض، و فيه: (وصلت خمسمائة درهم، لك منها عشرون درهما).(2)
و روي أيضا عن نصر بن الصباح قال: أنفذ رجل من أهل بلخ خمسة دنانير إلي حاجز، و كتب رقعة، و غيّر فيها اسمه، فخرج إليه الموصول باسمه و نسبه و الدعاء له.(3)
و روي أيضا عن سعد بن عبد اللّه بن صالح(4) أنه قال:).
ص: 202
كتبت أسأله الدعاء لباداشاله(1) و قد حبسه ابن عبد العزيز، و أستأذن في جارية لي أستولدها، فخرج (استولدها، و يفعل اللّه ما يشاء، و المحبوس يخلصه اللّه).
فاستولدت الجارية، فولدت فماتت، و خلي عن المحبوس (يوم خرج إليّ التوقيع).(2)
و روي أيضا أبو جعفر محمد بن علي الأسود رضي اللّه عنه قال: سألني عليّ بن الحسين بن موسي بن بابويه رضي اللّه عنه أن أسأل أبا القاسم الروحي، أن يسأل مولانا صاحب الزمان عليه السّلام أن يدعو اللّه عزّ و جلّ أن يرزقه ولدا ذكرا.
قال: فسألته، فأنهي ذلك؛ ثم أخبرني بعد ذلك بثلاثة أيام أنه:
قد دعا لعليّ بن الحسين و أنه سيولد له ولد مبارك ينفع اللّه عزّ و جلّ به و بعده أولاده).(3)
و قد ولد بهذا الدعاء محمّد بن عليّ بن بابويه المشهور، و هو من أعظم مجتهدي الإمامية، و قد كتب عليه السّلام في حق أبي جعفر:
(ليس إلي هذا سبيل).
يعني سوف لا يولد لك ولد؛ و لم يولد لأبي جعفر ولد.(4)
و قال ابن طاووس و الشيخ الطبرسي رحمه اللّه الأوّل في كتاب ربيع الشيعة،
ص: 203
و الآخر في كتاب أعلام الوري، بعد أن ذكرا بعض النصوص: و أن لصاحب الزمان عليه السّلام غيبتان: (فانظر كيف حصلت الغيبتان لصاحب الأمر عليه السّلام علي حسب ما تضمنته الأخبار السابقة لوجوده عن آبائه و جدوده عليهم السّلام، أما غيبته الصغري منهما فهي التي كانت فيها سفراؤه عليه السّلام موجودين، و أبوابه معروفين، لا تختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن عليّ عليه السّلام فيهم، فمنهم: أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، و محمّد بن عليّ بن بلال، و أبو عمرو عثمان بن سعيد السمّان، و ابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان، و عمر الأهوازي، و أحمد بن إسحاق، و أبو محمّد الوجناني، و إبراهيم بن مهزيار، و محمّد بن إبراهيم، و جماعة اخر ربّما يأتي ذكرهم عند الحاجة إليهم في الرواية عنهم.
كانت مدّة هذه الغيبة أربعا و سبعين سنة، و كان أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري (قدس اللّه روحه) بابا لأبيه وجده عليهما السّلام من قبل، وثقة لهما، ثم تولي الباقية من قبله، و ظهرت المعجزات علي يده، و لما مضي لسبيله قام ابنه أبو جعفر مقامه رحمهما اللّه بنصّه عليه، و مضي علي منهاج أبيه رضي اللّه عنه في آخر جمادي الآخرة من سنة أربع أو خمس و ثلاثمائة، و قام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت بنص أبي جعفر محمّد بن عثمان عليه، و أقامه مقام نفسه، و مات رضي اللّه عنه في شعبان سنة ست و عشرين و ثلاثمائة، و قام مقامه أبو الحسن السمري بنص أبي القاسم عليه، و توفي في النصف من شعبان سنة ثمان و عشرين و ثلاثمائة.(1)
***0.
ص: 204
قال أبو محمّد بن شاذان عليه الرحمة و الغفران: حدّثنا الحسن بن محبوب رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عليّ بن رئاب، قال: حدّثنا أبو حمزة الثمالي، قال:
حدّثنا سعيد بن جبير، قال: حدّثنا عبد اللّه بن العباس، قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: إن للساعة علامات، منها: السفياني، و الدجال، و الدخان، و خروج القائم عليه السّلام، و نزول عيسي عليه السّلام، و خسف بالمشرق، و خسف بالمغرب، و خسف بجزيرة العرب، و طلوع الشمس من مغربها، و نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلي المحشر.
و روي الفضل رحمه اللّه هذا الحديث بطريق آخر و هو هذا، حيث قال:
حدّثنا الحسن بن عليّ بن فضّال، عن حمّاد، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير، عن عامر بن واثلة، عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:
قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: عشر قبل الساعة لا بدّ منها: السّفياني، و الدّجال، و الدّخان، و الدّابّة، و خروج القائم، و طلوع الشمس من مغربها، و نزول عيسي عليه السّلام، و خسف بالمشرق، و خسف بالمغرب، و خسف بجزيرة العرب، و نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلي المحشر.
و قد نقله الشيخ الطوسي رحمة اللّه عليه في كتاب الغيبة بهذا الطريق:
ص: 205
عن أحمد بن إدريس، عن عليّ بن محمّد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان.(1)
و قد ذكره ابن بابويه رضي اللّه عنه في كتاب الخصال بطريق آخر.(2) -
ص: 206
و قد روي هذا الحديث جماعة من علماء الإمامية و كثير من فضلاء العامة و لكن باختلاف الترتيب و العلامات، فقد أضيف في بعضها يأجوج و مأجوج أيضا؛ و قد يكون سبب الاختلاف بالترتيب و العلامات لإمكان أن سيد البشر قد تكلم بهذا الكلام المعجز مرّات متكررة، و كان قد ذكر في كل مرة بعضا من تلك العلامات، فإن علامات القيامة كثيرة.
فاعلم أيها العزيز أنه لا بدّ لك في باب هذا الحديث الشريف من معرفة عدة أشياء:
الأوّل: أنه لا يشترط في هذه العلامات المذكورة في الحديث أن تظهر علي النحو الترتيبي.
الثاني: أن العلامات غير محصورة في هذه المجموعة من العلامات التي ذكرت. و يستفاد هذا أيضا من لفظة (منها) التي جاءت في الحديث الأوّل.
الثالث: أن المقصود من ذكر هذا الحديث في هذا المقام هو التذكير بخروج صاحب الأمر عليه السّلام.م.
ص: 207
الرابع: أن الولي و العدو متفقون علي القول بأن ظهوره عليه السّلام إنما هو من علامات القيامة. و عليه فلا يعوّل علي الحديث الذي نقله العلامة المجلسي في حكومة النبي صلّي اللّه عليه و آله و أمير المؤمنين و الإمام الحسين عليهما السّلام ألفا و أربعة و تسعين سنة و مدة قليلة، و سوف تكون وسطا بين القيامة و علامات القيامة.
و سوف تعلم بعد هذا أن زمان إمامة و خلافة و حكومة و سلطنة الحجة صلوات اللّه علية سوف تتصل بالقيامة؛ و هذا لا يتنافي مع ما جاء في مواضع كثيرة من الروايات: في أنه سوف يكون بين وفاته عليه السّلام و قيام القيامة أربعون يوما؛ لأن هذه الأربعين يوما إنما هي من مقدمات القيامة.
و لذلك نري بعض علماء الإمامية الذين غفلوا عن هذا المعني لم يقولوا بوجود الفاصل الأربعين يوما بين وفاة الحجّة عليه السّلام و القيامة؛ و من أولئك الشيخ إبراهيم عليه الرحمة، فإنه قد أصرّ جدا علي هذا في كتاب (بيان الفرق) و استدل علي هذا المطلب في رسالة (الفرقة الناجية) بالأحاديث المنقولة من طرق العامة.
و ليعلم أيضا أن لكل علامة من هذه العلامات شرح مفصل لا يسع هذا المختصر لتلك الشروح، و من أراد استيفاء ذلك فعليه أن يرجع إلي كتاب (رياض المؤمنين و حدائق المتقين) الذي ألّفته في أيام شباب هذا الحقير.
و هناك حديث طويل لابن شاذان عليه الرحمة و الغفران: في ذكر علامات آخر الزمان نقله في كتاب إثبات الرجعة عن أبي عبد اللّه عليه صلوات اللّه، و قد رواه صاحب الكافي في روضته بدون زيادة و لا نقصان،(1) و قد أورده هذا المنكسر الحزين في (رياض المؤمنين)، و من أراد الإطلاع عليه فعليه بالرجوع إلي ذلك الكتاب.
و أطلب من قارئ هذه الرسالة و ذلك الكتاب و غيرهما من مؤلفات هذا الفقير أن يطلبوا للمؤلف العفو من غفار الخطايا.
و السلام علي من اتبع الهدي.2.
ص: 208
قال الشيخ الجليل الفاضل ابن شاذان بن الخليل (طيب اللّه مرقده):
حدّثنا محمّد بن أبي عمير رضي اللّه عنه قال: حدّثنا جميل بن دراج، قال: حدّثنا زرارة بن أعين، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال: استعيذوا باللّه من شرّ السفياني و الدجال و غيرهما من أصحاب الفتن.
قيل له: يا ابن رسول اللّه أمّا الدجال فعرفناه و قد بين من مضامين أحاديثكم شأنه، فمن السفياني و غيره من أصحاب الفتن، و ما يصنعون؟
قال عليه السّلام: أوّل من يخرج منهم رجل يقال له: أصهب بن قيس؛ يخرج من بلاد الجزيرة، له نكاية شديدة في الناس، و جور عظيم.
ثم يخرج الجرهمي من بلاد الشام.
و يخرج القحطاني من بلاد اليمن.
و لكل واحد من هؤلاء شوكة عظيمة في ولايتهم، و يغلب علي أهلها الظلم و الفتنة منهم.
فبينا هم كذلك إذ يخرج عليهم السمرقندي من خراسان مع الرايات السود، و السفياني من الوادي اليابس من أودية الشام، و هو من ولد عتبة بن أبي سفيان، و هذا الملعون يظهر الزهد قبل خروجه، و يتقشف، و يتقنع بخبز الشعير، و الملح الجريش، و يبذل الأموال؛ فيجلب بذلك قلوب الجهال و الأرذال، ثم يدّعي الخلافة، فيبايعونه، و يتبعهم العلماء الذين يكتمون الحق و يظهرون
ص: 209
الباطل، فيقولون: إنّه خير أهل الأرض؛ و قد يكون خروجه، و خروج اليماني من اليمن مع الرايات البيض في يوم واحد، و في شهر واحد، و سنة واحدة.
فأوّل من يقاتل السفياني القحطاني، فينهزم، و يرجع إلي اليمن، فيقتله اليماني، ثم يفرّ الأصهب و الجرهمي بعد محاربات كثيرة من السفياني، فيتبعهما، و يقهرهما، و يقهر كل من ينازعه و يحاربه إلا اليماني، ثم يبعث السفياني جيوشا إلي الأطراف و يسخر كثيرا من البلاد، و يبالغ في القتل و الفساد، و يذهب إلي الروم لدفع الملك الخراساني، و يرجع منها منتصرا في عنقه صليب.
ثم يقصد اليماني، فينهض اليماني لدفع شرّه، فينهزم السفياني بعد محاربات عديدة، و مقاتلات شديدة، فيتبعه اليماني، فتكثر الحروب، و هزيمة السفياني، فيجده اليماني في آخر الأمر مع ابنه في الأساري، فيقطعهما إربا إربا.
ثم يعيش في سلطنته فارغا من الأعداء ثلاثين سنة؛ ثم يفوض الملك بابنه السعيد، و يأوي مكّة، و ينتظر ظهور قائمنا حتي يتوفي، فيبقي ابنه بعد وفاة أبيه في مكّة، و سلطانه قريبا من أربعين سنة.
و هما يرجعان إلي الدنيا بدعاء قائمنا عليه السّلام.
قال زرارة: فسألته عن مدّة ملك السفياني.
قال عليه السّلام: تمدّ إلي عشرين سنة.
و يستفاد من هذا الحديث الشريف أن السمرقندي سوف يحتلّ في ذلك الزمان بلاد الروم، و لكنه ليس من الواضح و المعلوم أنه هل سوف يقع القتال بين هذين المضلّين و الضّالين أم أنهما سوف يتصالحان، أم أن السفياني سوف ينصرف و يرجع بدون التقاء هاتين الفئتين و وقوع أحد الأمرين؟
و ليعلم أنّ من مؤيّدات هذا الحديث ما رواه الشيخ عالي الشأن أعني الفضل بن شاذان (عليه الرحمة و الغفران) في كتاب إثبات الرجعة، و نقله
ص: 210
الشيخ رفيع الدرجة و المؤيد بالتأييدات القدّوسية الشيخ أبو جعفر الطوسي (عليه الرحمة) عنه في كتاب الغيبة بهذا الطريق: عنه، عن سيف بن عميرة، عن بكر بن محمّد الأزدي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: خروج الثلاثة:
الخراساني، و السفياني، و اليماني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، فليس فيها راية بأهدي من راية اليماني تهدي إلي الحق.(1)
فاعلم يا محب سلطان الرجال إنّ الأحاديث في باب علامات ظهور صاحب الزمان (عليه صلوات اللّه الرحمن) كثيرة، و قد ذكر بعضها الشيخ الجليل محمّد بن محمّد بن النعمان رحمه اللّه في كتاب الإرشاد، و لنكتف بها؛ قال الشيخ:
من بعض علامات زمان قيام القائم عليه السّلام.(2)
خروج السفياني، و قتل الحسني، و اختلاف بني العباس في الملك الدنياوي، و كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، و خسوف القمر في آخره علي خلاف العادات، و خسف بالبيداء، و خسف بالمغرب، و خسف بالمشرق، و ركود الشمس من عند الزوال إلي وسط أوقات العصر، و طلوعها من المغرب، و قتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين، و ذبح رجل هاشمي بين الركن و المقام، و هدم سور الكوفة، و إقبال رايات سود من قبل خراسان، و خروج اليماني، و ظهور المغربي بمصر و تملّكه للشامات،2.
ص: 211
و نزول الترك الجزيرة، و نزول الروم الرملة، و طلوع نجم بالمشرق يضئ كما يضئ القمر ثم ينعطف حتي يكاد يلتقي طرفاه، و حمرة تظهر في السماء و تنتشر في آفاقها، و نار تظهر بالمشرق طولا و تبقي في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام، و خلع العرب أعنتها و تملكها البلاد و خروجها عن سلطان العجم، و قتل أهل مصر أميرهم، و خراب الشام، و اختلاف ثلاث رايات فيه، و دخول رايات قيس و العرب إلي مصر و رايات كندة إلي خراسان، و ورود خيل من قبل المغرب حتي تربط بفناء الحيرة، و إقبال رايات سود من المشرق نحوها، و بثق في الفرات حتي يدخل الماء أزقّة الكوفة، و خروج ستين كذّابا كلهم يدّعي النبوة، و خروج إثني عشر من آل أبي طالب كلهم يدّعي الإمامة لنفسه، و إحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العباس بين جلولاء و خانقين، و عقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة السلام، و ارتفاع ريح سوداء بها في أول النهار؛ و زلزلة حتي ينخسف كثير منها، و خوف يشمل أهل العراق، و موت ذريع فيه، و نقص من الأنفس و الأموال و الثمرات، و جراد يظهر في أوانه و في غير أوانه حتي يأتي علي الزرع و الغلاّت، و قلّة ريع لما يزرعه الناس، و اختلاف صنفين من العجم، و سفك دماء كثيرة فيما بينهم، و خروج العبيد عن طاعة ساداتهم و قتلهم مواليهم، و مسخ لقوم من أهل البدع حتي يصيروا قردة و خنازير، و غلبة العبيد علي بلاد السادات، و نداء من السماء حتي يسمعه أهل الأرض كل أهل لغة بلغتهم، و وجه و صدر يظهران من السماء للناس في عين الشمس، و أموات ينشرون من القبور حتي يرجعوا إلي الدنيا فيتعارفون فيها و يتزاورون.
ثم يختم ذلك بأربع و عشرين مطرة تتصل فتحيي بها الأرض من بعد موتها و تعرف بركاتها، و تزول بعد ذلك كل عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدي عليه السّلام، فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة فيتوجهون نحوه لنصرته. كما جاءت بذلك الأخبار.
ص: 212
و من جملة هذه الأحداث محتومة و منها مشترطة، و اللّه أعلم بما يكون، و إنما ذكرناها علي حسب ما ثبت في الأصول و تضمنها الأثر المنقول، و باللّه نستعين و إيّاه نسأل التوفيق.(1)
و قد ذكر مؤلف كتاب كشف الغمة رحمه اللّه هذه العلامات أيضا نقلا عن الشيخ المفيد (عليه رحمة الملك المجيد)، ثم قال بعد ذلك: لا ريب أن هذه الحوادث فيها ما يحيله العقل، و فيها ما يحيله المنجّمون؛ و لهذا اعتذر الشيخ المفيد رحمه اللّه في آخر إيراده لها.
و الذي أراه أنه إذا صحت طرقات نقلها، و كانت منقولة عن النبي أو الإمام عليهما السّلام، فحقّها أن تتلقي بالقبول لأنها معجزات، و المعجزات خوارق للعادات كانشقاق القمر و انقلاب العصي ثعبانا و اللّه أعلم.
و قال الشيخ المفيد رحمه اللّه: أخبرني أبو الحسن عليّ بن بلال المهلبي، يرفعه إلي إسماعيل بن الصباح، قال: سمعت شيخا من أصحابنا يذكر عن سيف بن عميرة، قال:
كنت عند أبي جعفر المنصور، فقال لي إبتداءا: يا سيف بن عميرة! لا بدّ من مناد ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب.
فقلت: جعلت فداك يا أمير المؤمنين تروي هذا؟
فقال: إي و الذي نفسي بيده لسماع أذني له.
فقلت: يا أمير المؤمنين إن هذا الحديث ما سمعته قبل وقتي هذا!
فقال: يا سيف، إنّه لحق، فإذا كان فنحن أوّل من يجيبه، أما إنّ النداء إلي رجل من بني عمّنا. فقلت: إلي رجل من ولد فاطمة؟
فقال: نعم! يا سيف، لو لا إنني سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ يحدّثني به و حدّثني به أهل الأرض كلهم ما قبلته منهم؛ و لكنه محمّد بن عليّ!2.
ص: 213
و عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: لا تقوم الساعة حتي يخرج القائم المهدي من ولدي، و لا يخرج المهدي حتي يخرج ستون كذّابا كلهم يقول: أنا نبي.
و عن أبي حمزة قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: خروج السفياني من المحتوم؟
قال: نعم! و النداء من المحتوم، و طلوع الشمس من مغربها محتوم، و اختلاف بني العبّاس في الدولة محتوم، و قتل النفس الزكية محتوم، و خروج القائم من آل محمّد محتوم.
قلت: و كيف يكون النداء؟
قال: ينادي مناد من السماء في أول النهار: ألا إنّ الحق مع علي و شيعته، ثم ينادي إبليس في آخر النهار من الأرض: ألا إنّ الحق مع عثمان و شيعته؛ فعندئذ يرتاب المبطلون.(1)
ثم قال صاحب كشف الغمة بعد أن نقل هذا الحديث: لا يرتاب إلا جاهل؛ لأنّ منادي السماء أولي أن يقبل من منادي الأرض.
و عن أبي خديجة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يخرج القائم حتي يخرج قبله إثنا عشر من بني هاشم كلهم يدعو إلي نفسه.
عن عليّ بن محمّد الأزدي، عن أبيه، عن جده قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام:
بين يدي القائم موت أحمر، و موت أبيض، و جراد في حينه، و جراد في غير حينه كألوان الدّم؛ فأمّا الموت الأحمر فالسيف، و أمّا الموت الأبيض فالطاعون.
و عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: الزم الأرض، و لا تحك يدا و لا رجلا حتّي تري علامات أذكرها لك، و ما أراك تدرك ذلك: اختلاف بني العباس، و مناد ينادي من السماء، و خسف قرية من قري الشام تسمّي9.
ص: 214
الجابية، و نزول الترك الجزيرة، و نزول الروم الرملة، و اختلاف كثير عند ذلك في كل أرض حتي تخرب الشام، و يكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها، راية الأصهب، و راية الأبقع، و راية السفياني.
و عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي الحسن موسي عليه السّلام في قوله عزّ اسمه:
سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ .(1)
قال: الفتن في الآفاق... الأرض، و المسخ في أعداء الحق.
و عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول في قوله تعالي: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ .(2)
قال: سيفعل اللّه ذلك بهم.
قلت: من هم؟
قال: بنو أميّة و شيعتهم.
قلت: و ما الآية؟
قال: ركود الشمس ما بين زوال الشمس إلي وقت العصر، و خروج صدر و وجه في عين الشمس يعرف بحسبه و نسبه، و ذلك في زمان السفياني، و عنده يكون بواره و بوار قومه.
و عن سعيد بن جبير: إنّ السنة التي يقوم فيها القائم عليه السّلام تمطر الأرض أربعا و عشرين مطرة، و تري آثارها و بركاتها.
عن ثعلبة الأزدي قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: آيتان تكونان قبل قيام القائم:
كسوف الشمس في النصف من رمضان، و القمر في آخره.
قال: قلت: يا ابن رسول اللّه! القمر في آخر الشهر، و الشمس في النصف؟!4.
ص: 215
فقال أبو جعفر: أنا أعلم بما قلت؛ إنّهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم عليه السّلام.
و عن صالح بن ميثم قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: ليس بين قيام القائم، و قتل النفس الزكية أكثر من خمس عشرة ليلة.(1)
و قال مؤلف كتاب كشف الغمة رحمه اللّه بعد أن نقل هذه الرواية عن الشيخ المفيد قدّس سرّه:
(ينظر في هذا، فإمّا أن يراد بالنفس الزكية غير محمّد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، و قتل في رمضان من سنة خمس و أربعين و مائة؛ و إما أن يتطرق الطعن إلي هذا الخبر).(2)
يقول جامع و مترجم هذا الأربعين: سوف يذكر بعض الكلام في المستقبل حول التردد لهذا الشيخ الجليل.
و روي عن جابر أنه قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: متي يكون هذا الأمر؟
فقال: أنّي يكون ذلك يا جابر و لما تكثر القتلي بين الحيرة و الكوفة؟!
عن محمّد بن سنان، عن الحسين بن المختار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا هدم حائط مسجد الكوفة مما يلي دار عبد اللّه بن مسعود فعند ذلك زوال ملك القوم، و عند زواله خروج القائم عليه السّلام.
و سيف بن عميرة، عن بكر بن محمّد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
خروج الثلاثة: السفياني و الخراساني، و اليماني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، و ليس فيها راية أهدي من راية اليماني لأنه يدعو إلي الحق.
و الفضل بن شاذان، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: لا يكون ما تمدّون أعناقكم إليه حتي تميزوا2.
ص: 216
و تمحصوا، فلا يبقي منكم إلا القليل، ثم قرأ: الم * أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ .(1)
ثم قال: إنّ من علامات الفرج حدثا يكون بين المسجدين، و يقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشا من العرب.
و الفضل بن شاذان، عن ميمون بن خلاد، عن أبي الحسن عليه السّلام قال:
كأني برايات من مصر مقبلات خضر مصبّغات، حتي تأتي الشامات فتهدي إلي ابن صاحب الوصيّات.
و عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: لا يذهب ملك هؤلاء حتي يستعرضوا الناس بالكوفة في يوم الجمعة؛ لكأني أنظر إلي رؤوس تندر فيما بين باب الفيل و أصحاب الصابون.
و علي بن أسباط، عن الحسن بن الجهم قال: سأل رجل أبا الحسن عليه السّلام عن الفرج؟
فقال: تريد الإكثار، أم أجمل لك؟
فقال: بل تجمل؛ قال: إذا أركزت رايات قيس بمصر، و رايات كندة بخراسان.
و الحسين بن أبي العلاء، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إن لولد فلان عند مسجدكم يعني مسجد الكوفة لوقعة في يوم عروبة؛ يقتل فيها أربعة آلاف من باب الفيل إلي أصحاب الصابون، فإيّاكم و هذا الطريق فاجتنبوه، و أحسنهم حالا من أخذ في درب الأنصار.
و علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عنه عليه السّلام قال: إنّ قدّام القائم عليه السّلام لسنة غيداقة(2) يفسد فيها الثمر في النخل، فلا تشكّوا في ذلك.ر.
ص: 217
عن إبراهيم بن محمّد، عن جعفر بن سعد، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سنة الفتح تنبثق الفرات حتي تدخل أزقة الكوفة.
و في حديث محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ قدّام القائم بلوي من اللّه.
قلت: و ما هو جعلت فداك؟
فقرأ: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ .(1)
ثم قال: الخوف من ملوك بني فلان، و الجوع من غلاء الأسعار، و نقص الأموال من كساد التجارات، و قلة الفضل فيها، و نقص الأنفس بالموت الذريع، و نقص الثمرات بقلّة ريع الزرع و قلّة بركة الثمار، ثم قال: و بشر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم عليه السّلام.
و عن الحسين بن يزيد، عن منذر الخوزي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
سمعته يقول: يزجر الناس قبل قيام القائم عليه السّلام عن معاصيهم بنار تظهر في السماء، و حمرة تجلل السماء؛ و خسف ببغداد، و خسف ببلدة البصرة، و دماء تسفك بها، و خراب دورها، و فناء يقع في أهلها، و شمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار.(2)
و قال الشيخ (عليه الرحمة) أيضا:
فأما السنة التي يقوم فيها عليه السّلام و اليوم بعينه، فقد جاءت فيه آثار عن الصادقين عليهم السّلام.
ص: 218
روي الحسن بن محبوب، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يخرج القائم عليه السّلام إلا في وتر من السنين: سنة إحدي، أو ثلاث، أو خمس، أو سبع، أو تسع».
الفضل بن شاذان، عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ينادي باسم القائم عليه السّلام في ليلة ثلاث و عشرين، و يقوم في يوم عاشوراء، و هو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن عليّ عليهما السّلام، لكأني به في يوم السبت العاشر من المحرم قائما بين الركن و المقام، جبرئيل عليه السّلام علي يده اليمني ينادي: البيعة للّه، فتصير إليه شيعته من أطراف الأرض تطوي لهم طيا حتي يبايعوه، فيملأ اللّه به الأرض عدلا كما ملئت ظلما و جورا.(1)
يقول كاتب هذا الموجز: يعلم من عدة أخبار أنه سوف يكون النداء باسم الإمام القائم عليه السّلام في ليلة الثالث و العشرين من شهر رمضان المبارك، كما سوف يذكر ذلك إن شاء اللّه تعالي، و من الممكن أن عبارة (شهر رمضان) كانت مذكورة في هذا الحديث، و قد سقطت سهوا من لسان الراوي، أو من قلم الكاتب.
و قال الشيخ المفيد (عليه الرحمة) أيضا: و قد جاء الأثر بأنه عليه السّلام يسير من مكة حتي يأتي الكوفة فينزل علي نجفها، ثم يفرّق الجنود منها في الأمصار.
و روي الحجال، عن ثعلبة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام قال: «كأني بالقائم عليه السّلام علي نجف الكوفة، قد سار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة، جبريل عن يمينه، و ميكائيل عن شماله، و المؤمنون بين يديه، و هو يفرّق الجنود في البلاد».9.
ص: 219
و في رواية عمرو بن شمر، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: ذكر المهدي فقال: «يدخل الكوفة و بها ثلاث رايات قد اضطربت؛ فتصفو له.
و يدخل حتي يأتي المنبر، فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء، فإذا كانت الجمعة الثانية سأله الناس أن يصلي بهم الجمعة، فيأمر أن يخطّ له مسجد علي الغري و يصلي بهم هناك، ثم يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين عليه السّلام نهرا يجري إلي الغريين حتي ينزل الماء في النجف، و يعمل علي فوهته القناطير و الأرحاء، فكأني بالعجوز علي رأسها مكتل فيه بر تأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كراء».(1)
يقول هذا المنكسر الحزين - و أعني جامع و مترجم هذا الأربعين -:
إنّه ذكر في هذا الحديث: «فإذا كان الجمعة الثانية سأله الناس أن يصلي بهم الجمعة» فيه نكتة لا يقف عليها إلا العارف بالحديث.(2)
و في رواية صالح بن أبي الأسود، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ذكر مسجد السهلة فقال: «أما إنه منزل صاحبنا إذا قدم بأهله».م.
ص: 220
و في رواية المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «إذا قام قائم آل محمّد عليه السّلام بني في ظهر الكوفة مسجدا له ألف باب، و اتّصلت بيوت أهل الكوفة بنهري كربلاء».(1)
قال الشيخ الجليل أبو جعفر بن بابويه رحمه اللّه: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي اللّه عنه قال: حدّثنا أحمد بن عليّ الأنصاري، عن أبي الصلت الهرويّ قال: قلت للرضا عليه السّلام: ما علامات القائم منكم إذا خرج؟
قال: علامته: أن يكون شيخ السنّ، شابّ المنظر حتّي أنّ الناظر إليه ليحسبه ابن أربعين سنة، أو دونها، و إنّ من علاماته أن لا يهرم بمرور الأيّام و الليالي حتي يأتيه أجله.(2)
و من علامات ظهور صاحب الأمر عليه السّلام ما ذكر فيما روي في حديث الفضل بن شاذان (عليه الرحمة و الغفران) علي هذا النحو:
حدّثنا صفوان بن يحيي رضي اللّه عنه قال: حدّثنا محمّد بن حمران، قال: قال الصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام: «إنّ القائم منّا عليه السّلام منصور بالرعب، مؤيد بالنصر، تطوي له الأرض، و تظهر له الكنوز كلها، و يظهر اللّه تعالي به دينه علي الدين كله و لو كره المشركون، و يبلغ سلطانه المشرق و المغرب، فلا يبقي في الأرض خراب إلا عمّر، و ينزل روح اللّه عيسي بن مريم عليه السّلام فصلي خلفه.
قال ابن حمران: قيل له: يا بن رسول اللّه! متي يخرج قائمكم؟
قال: إذا تشبّه الرجال بالنساء، و النساء بالرجال، و اكتفي الرجال بالرجال، و النساء بالنساء، و ركبت ذوات الفروج السروج، و قبلت شهادة الزور، وردت شهادة العدل، و استخف الناس بالدماء، و ارتكاب الزنا، و أكل الرّبا و الرشي، و استيلاء الأشرار علي الأبرار، و خروج السفياني من الشام، و اليماني من اليمن، و خسف بالبيداء، و قتل غلام2.
ص: 221
من آل محمّد صلّي اللّه عليه و آله بين الركن و المقام اسمه محمّد بن الحسن، و لقبه النفس الزكية، و جاءت صيحة من السماء بأن الحق مع عليّ و شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا، فإذا خرج أسند ظهره إلي الكعبة، و اجتمع عنده ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا، و أوّل ما ينطق به هذه الآية بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) ثمّ يقول: أنا بقية اللّه، و حجته، و خليفته عليكم.
فلا يسلّم عليه مسلّم إلا قال: السلام عليك يا بقية اللّه في أرضه.
فإذا اجتمع العقد و هو عشرة آلاف رجل خرج من مكة، فلا يبقي في الأرض معبود دون اللّه عزّ و جلّ، و صنم، و وثن، و غيرها إلا وقعت فيه نار فاحترق، و ذلك بعد غيبة طويلة.
و روي هذا الشيخ الفاضل عن محمّد بن إسماعيل بن بزيغ عن محمّد بن مسلم الثقفي عن الإمام أبي جعفر عليه السّلام حديثا مثل هذا الحديث.
كما روي هذا الحديث الشيخ أبو جعفر بن بابويه (رحمة اللّه عليه) بسند آخر عن أبي جعفر (صلوات اللّه عليه) في كتاب كمال الدين.(2)
يقول هذا الضعيف النحيف - أعني ناقل و مترجم هذا الحديث الشريف:
إني أتعجب من الشيخ الأربلي (عليه الرحمة)، فمع كمال فضله و عقله غفل عن هذا المعني: أن المقصود من محمد الملقب بالنفس الزكية، و الذي يكون مقتله من علامات ظهور صاحب الأمر عليه السّلام و أنه غير محمّد بن الحسن المثني قطعا، و ذلك لعدة أدلة:
أولاها: أن قتله قد وقع قبل صدور هذا الحديث.
ثانيها: لو كان ذلك مراده لكان الإمام عليه السّلام أطلق عليه عبارة رجل بدل لفظة غلام.6.
ص: 222
ثالثها: أن قتله لم يكن بين الركن و المقام.
رابعها: أن اسم أبيه لابدّ و ان يكون محمّدا كما نطق بذلك الحديث الصحيح،(1) و يكون اسم أبي هذا الحسن كما جاء في بعض الأخبار: ان اسم ذي النفس الزكية هذا هو محمد بن الحسن،(2) و لعله يكون اسم جدّه الحسن، أو يسمي باسم جده الأعلي الإمام الحسن عليه السّلام، كما قال بذلك الشيخ أبو جعفر بن بابويه.».
ص: 223
و من الممكن أن يكون هذا الحديث لم يصل إلي الشيخ عليّ بن عيسي رحمه اللّه، و كان هذا هو سبب تردده بين الطعن و صحة الحديث المتقدم حول قتل النفس الزكية.
و أعلم أيها العزيز أن ما نقله الشيخ المفيد (عليه الرحمة): «و أموات ينشرون من القبور حتي يرجعوا إلي الدنيا فيتعارفون فيها».(1)
إن المراد منه: أن هناك بعض الأموات سوف يبعثون من القبور و يرجعون إلي الدنيا و يعرف بعضهم البعض الآخر، كما دلت علي هذا بعض الأحاديث.
و قد يتخيل أحيانا من هذه العبارة: أنه سوف يحيي جميع الأموات كما نقل ذلك الآخوند في ضمن الحديث الثالث عشر، و غفل في هذا المقام عن الآية الكريمة التي ذكرها الناطقة بتضعيف تلك الرواية و تكذيب الراوي، كما سوف يذكر إن شاء اللّه تعالي.
قال الشيخ الجليل الفضل بن شاذان بن الخليل رحمه اللّه:
حدّثنا عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: المفقودون عن فرشهم ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا، عدة أهل بدر، فيصبحون بمكّة، و هو قول اللّه عزّ و جلّ: أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً (2)
و هم أصحاب القائم عليه السّلام.
و هذه من إحدي معجزاته عليه السّلام.
و أما من أين سوف يأتي كل واحد من هؤلاء الثلاثمائة و ثلاثة عشر، فقد جاءت فيه روايات مختلفة: أحدها ما رواه الشيخ محمد بن هبة اللّه الطرابلسي رحمه اللّه في كتاب (الفرج الكبير) بسنده عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري8.
ص: 224
أنه سأل أمير المؤمنين عليه السّلام عن كل واحد من هؤلاء الثلاثمائة و ثلاثة عشر نفرا، من أي البلاد هو؟
فقال عليه السّلام: أربعة من مكة، و أربعة من المدينة، و أربعة من بيت المقدس، و سبعة من اليمن، و ثمانية من مصر، و ثلاثة من حلب، و اثنا عشر من أهل البادية، و ثلاثة من آذربيجان، و أربعة من خوارزم، و اثنا عشر من طالقان، و سبعة من ديلجان، و ثلاثة من البصرة، و ثلاثة من بورسا الروم، و سبعة من جرجان، و سبعة من جيلان، و سبعة من طبرستان (يعني مازندران)، و أربعة من خوزستان، و أربعة من ري، و اثنا عشر من قم، و واحد من أصفهان، و ثلاثة عشر من سبزوار، و ثلاثة من همدان، و أربعة من كرمان، و واحد من مكران، و ثلاثة من غزنين، و ثلاثة من قاشان (يعني كاشان)، و ثلاثة من قزوين، و عشرة من الهند، و ثلاثة من ما وراء النهر، و سبعة من فارس، و سبعة من نيشابور، و سبعة من طوس، و ثلاثة من دامغان، و ثلاثة من الحبشة، و سبعة من بغداد، و اثنان من المدائن، و اثنا عشر من بلاد المغرب، و اثنا عشر من الحلة، و اثنا عشر من مدفني (يعني نجف الكوفة)، و خمسة من مشهد ولدي الحسين (يعني كربلاء)، و خمسة من طرطوس، و ثلاثة من طبريا، و ثلاثة من بدخشان، و أربعة من بلخ، و اثنان من بخاري، و اثنان من سمرقند، و ثلاثة من سيستان، و اثنان من كاشقر، و سبعة من القيروان، و خمسة من قشمير، و أربعة من بوشيخ، و ستة من طبس، و أربعة من كنام، و اثنان من كابل، و خمسة من بفراج، و اثنان من مراغة، و أربعة من جوين، و ثلاثة من بروجرد، و ستة من قومس، و ثلاثة من نسا، و اثنان من أبيورد، و يحضر في تلك الأيام أربعة من الأنبياء و هم عيسي و إدريس، و الخضر، و إلياس عليهم السّلام.(1)ي.
ص: 225
و قد وردت أحاديث متعددة في نزول عيسي عليه السّلام كما سوف نذكر بعضها إن شاء اللّه تعالي.
كما أنّ هناك رواية تقول: إنّ اللّه تعالي سوف يحيي له عليه السّلام سبعة و عشرين نفرا فيكونوا له أنصارا، منهم: خمسة عشر الذين قال اللّه تعالي فيهم:
وَ مِنْ قَوْمِ مُوسي أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ .(1) و سبعة نفر منهم أصحاب الكهف، و يوشع بن نون، و سلمان الفارسي، و أبو ذر الغفاري، و المقداد بن الأسود الكندي، و مالك الأشتر النخعي.
و أما ما وقع في بعض الروايات اسم أبو دجانة الأنصاري بدلا عن أبي ذر فهي ضعيفة السند.
و ليعلم أن في تقديم و تأخير ظهور صاحب الأمر عليه السّلام و خروج الدجال اللعين خلاف، و المعتبر عند هذا الضعيف هو: أنه سوف يظهر صاحب الأمر عليه السّلام بعد خروج الدجال عليه اللعنة، كما روي ذلك ابن شاذان (عليه الرحمة) بهذا الطريق قال:
حدّثنا أحمد بن محمّد بن أبي نصر رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عاصم بن حميد قال:
حدّثنا محمّد بن مسلم قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام: متي يظهر قائمكم؟
قال: إذا كثر الغواية، و قلّ الهداية، و كثر الجور و الفساد، و قلّ الصلاح و السداد، و اكتفي الرجال بالرجال، و النساء بالنساء، و مال الفقهاء إلي الدنيا، و أكثر الناس إلي الأشعار و الشعراء، و مسخ قوم من أهل البدع حتي يصيروا قردة و خنازير، و قتل السفياني، ثم خرج الدجال، و بالغ في الإغواء و الإضلال؛ فعند ذلك ينادي باسم القائم عليه السّلام في ليلة ثلاثة و عشرين من شهر رمضان، و يقوم في يوم عاشوراء؛ فكأنّي أنظر إليه قائما بين الركن و المقام، و ينادي جبريل بين يديه: البيعة للّه!9.
ص: 226
فيقبل شيعته إليه من أطراف الأرض، تطوي لهم طيا، حتي يبايعوا، ثم يسير إلي الكوفة فينزل علي نجفها، ثم يفرق الجنود منها إلي الأمصار لدفع عمّال الدجال، فيملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما.
قال: فقلت له: يا ابن رسول اللّه فداك أبي و أمي! أيعلم أحد من أهل مكة من أين يجيء قائمكم إليها؟ قال: لا؛ ثم قال: لا يظهر إلا بغتة بين الركن و المقام.
و يقول ابن شاذان رضي اللّه عنه أيضا:
حدّثنا محمّد بن أبي عمير رضي اللّه عنه، عن أبي الحسن عليّ بن موسي عليهما السّلام قال: إنّ القائم ينادي باسمه ليلة ثلاث و عشرين من شهر رمضان، و يقوم يوم عاشوراء؛ فلا يبقي راقد إلا قام، و لا قائم إلا قعد، و لا قاعد إلا قام علي رجليه من ذلك الصوت، و هو صوت جبرئيل عليه السّلام.
و يقال للمؤمن في قبره: يا هذا! قد ظهر صاحبك، فإن تشأ أن تلحق به فالحق، و إن تشأ أن تقيم فأقم. و مثل هذا الحديث، الحديث الذي رواه ابن شاذان عن الإمام جعفر عليه السّلام و قد نقله الشيخ الطوسي في آخر كتاب الغيبة.(1)
و قال ابن شاذان (عليه الرحمة و الغفران) أيضا:م.
ص: 227
حدّثنا محمّد بن أبي عمير رضي اللّه عنه قال: حدّثنا المفضل بن عمر، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:
سئل رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله عن الدجال؟ قال: إنه يخرج في قحط شديد من بلدة يقال لها أصفهان، من قرية تعرف باليهودية؛ عينه اليمني ممسوحة، و الأخري في جبهته، تضيء كأنها كوكب الصبح، فيها علقة، ينادي بأعلي صوته يسمع كل من كان ما بين الخافقين من الجن و الإنس، يقول: إليّ أوليائي! أنا الذي خلق فسوّي، و قدّر فهدي، أنا ربّكم الأعلي!
ففي أوّل يوم من خروجه يتبعه سبعون ألفا من اليهود، و الأعراب، و النساء، و أولاد الزنا، و المدمنين بالخمر، و المغنين، و أصحاب اللهو، و يجتمع عنده سحرة الجن و الإنس، و يكون معه إبليس و مردة الشياطين، و كل شيء من الأطعمة و الأشربة، و يذبح له و لأصحابه من البقر و الغنم و الجداء و الحملان، و يحلب لهم ألبان البقر و الغنم في أي وقت يريدون، و هو في كل يوم يقتل أحدا من أصحابه أو غيرهم، فيواريه أحد من الشياطين، و يري الناس نفسه بصورته، فيخيلهم الدجال: أنه يحيي و يميت؛ و بذلك يغويهم أشدّ الإغواء، فيطوف البلدان راكبا علي حمار أقمر، و الشياطين معه مع الطبول و المزامير و البوقات و كل آلة من آلات اللهو، فيبيح الزنا و اللواط و سائر المناهي حتي يباشر الرجال النساء و الغلمان في أطراف الشوارع عريا و علانية، و يفرط أصحابه في أكل الخنزير، و شرب الخمور، و ارتكاب أنواع الفسوق و الفجور، و يسخّر آفاق الأرض إلا مكّة و المدينة و مراقد الأئمّة عليهم السّلام.
فإذا بالغ في طغيانه و ملأ الأرض من جوره و جور أعوانه؛ يقتله من يصلّي خلفه عيسي بن مريم عليه السّلام.
و هناك أحاديث متعددة قد ذكرت نزول عيسي عليه السّلام و اقتدائه بصلاته خلف خاتم الأوصياء:
ص: 228
قال الفضل رحمه اللّه:
حدّثنا فضالة بن أيوب رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا عبد اللّه بن سنان، قال: سأل (أبي عن)(1) أبي عبد اللّه عليه السّلام: عن السلطان العادل قال: هو من افترض اللّه طاعته بعد الأنبياء و المرسلين علي الجنّ و الإنس أجمعين، و هو سلطان بعد سلطان إلي أن ينتهي إلي السلطان الثاني عشر.
فقال رجل من أصحابه: فصف لنا من هم يا ابن رسول اللّه؟
قال: هم الذين قال اللّه تعالي فيهم: أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ،(2) و الذين خاتمهم الذي ينزل في زمن دولته عيسي عليه السّلام من السماء و بصلي خلفه، و هو الذي يقتل الدجال و يفتح اللّه علي يديه مشارق الأرض و مغاربها، و يمتد سلطانه إلي يوم القيامة.
قال الفضل بن شاذان:
حدّثنا محمّد بن أبي عمير، و صفوان بن يحيي رضي اللّه عنه قالا: حدّثنا جميل بن دراج، عن الصادق عليه السّلام، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال: الإسلام و السلطان العادل أخوان توأمان لا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه، الإسلام اسّ، و السلطان العادل حارس؛ ما لا اس له فمنهدم، و ما لا حارس له فضائع؛ فلذلك إذا رحل قائمنا لم يبق أثر من الإسلام، و إذا لم يبق أثر من الإسلام لم يبق أثر من الدنيا.
و الهدف من نقل هذا الحديث الصحيح العالي الإسناد في هذا المقام مع رعاية المناسبة مع الحديث السابق شيئان:
أحدهما: ذكر السلطان العادل.9.
ص: 229
و ثانيهما: ما يفهم من هذا الحديث أيضا أن انتهاء دولة صاحب الأمر عليه السّلام متصل بنهاية العالم، كما علم هذا من حديث متقدم.
و ليعلم: أنه كما كان المقصود من السلطان العادل الواقع في الحديث هو الإمام المفترض الطاعة، فكذلك المراد من الإمام العادل هو الإمام المعصوم عليه السّلام أيضا.
قال الشيخ الهمام، ثقة الإسلام، مرغم القرام، رئيس المحدثين، مرشد المؤمنين، أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني (نوّر اللّه مرقده)، في كتاب الكافي، باب (إنّ الأرض لا تخلو من حجة):
محمّد بن يحيي، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه أجلّ و أعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل.(1)
قال الشيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ (عليهما الرحمة) في كتاب كمال الدين و تمام النعمة: حدّثنا أبي رحمه اللّه، قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري، قال: حدّثنا محمّد بن عيسي، عن ابن محبوب، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إن اللّه أجل و أعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل.(2)
و روي ابن شاذان رحمه اللّه هذا الحديث عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن الإمام جعفر عليه السّلام مع عدة أحاديث أخري، كلها تفيد هذا المعني.
قال الفضل رحمه اللّه:
حدّثنا محمّد بن أبي عمير رضي اللّه عنه، قال: حدّثنا جميل بن دراج، قال:
حدّثنا ميسر بن عبد العزيز النخعي، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا أذن اللّه6.
ص: 230
تعالي للقائم في الخروج، و صعد المنبر، فدعا الناس إلي نفسه، و ناشدهم باللّه، و دعاهم إلي حقه، و أن يسير فيهم بسيرة رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، و يعمل فيهم بعمله.
فبعث اللّه عزّ و جلّ جبرئيل عليه السّلام يأتيه، فنزل الحطيم، فيقول له: إلي أيّ شيء تدعو؟
فيخبره القائم عليه السّلام.
فيقول جبرائيل: أنا أوّل من يبايعك، ابسط يدك، فيمسح علي يده و قد وافاه ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا، فيبايعونه.
و يقيم بمكة حتي يتم أصحابه عشرة آلاف نفس، ثم يسير بها إلي المدينة.
و قال أيضا في الكتاب المزبور:
حدّثنا صفوان بن يحيي و محمّد بن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا خرج القائم عليه السّلام من مكة ينادي مناديه: «ألا لا يحملن أحد طعاما و لا شرابا».
و حمل معه حجر موسي بن عمران عليه السّلام، و هو وقر بعير، لا ينزل منزلا إلا انفجرت منه عيون، فمن كان جائعا شبع، و من كان ظمآنا روي، و رويت دوابهم حتي ينزلوا النجف من ظهر الكوفة.
ثم قال: و حدّثنا محمّد بن سنان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السّلام مثله سواء.
و قال في الكتاب المذكور:
حدّثنا محمّد بن أبي عمير رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عمر بن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إن اللّه عزّ و جلّ خلق أربعة عشر نورا قبل خلق الخلق بأربعة عشر ألف عام، فهي أرواحنا.
فقيل له: يا ابن رسول اللّه! من الأربعة عشر؟
ص: 231
فقال: محمّد، و عليّ، و فاطمة، و الحسن، و الحسين، و الأئمّة من ولد الحسين الذين آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبة طويلة، فيقتل الدجال، و يطهر الأرض من كل جور و ظلم.
و روي هذا الحديث ابن بابويه (رحمة اللّه عليه) أيضا بسنده عن الإمام جعفر عليه السّلام.(1)
و قال بعد ذلك: حدّثنا أبي رحمه اللّه، قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، قال: حدّثنا الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال في قول اللّه عزّ و جلّ: يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ .(2) الآيات(3) هم الأئمّة، و الآية المنتظرة: القائم عليه السّلام «فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل» قيامه بالسيف، و إن آمنت بمن تقدمه من الأئمّة عليهم السّلام.(4)
قال ابن شاذان (رضوان اللّه عليه):
حدّثنا محمّد بن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن أسامة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا قام القائم من آل محمّد عليهم السّلام أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثم أقام خمسمائة فضرب أعناقهم، ثم أقام خمسمائة أخري، حتي يفعل ذلك خمس مرات.8.
ص: 232
فقيل له: يا ابن رسول اللّه يبلغ عدد هؤلاء هذا؟
قال: نعم! منهم و من مواليهم.
و قال رحمه اللّه:
حدّثنا محمّد بن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: إذا قام القائم سار إلي الكوفة فيخرج منها قوم يقال لهم: (اليزيدية) عليهم السلاح؛ فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا إلي بني فاطمة.
فيضع فيهم السيف حتي يأتي إلي آخرهم، ثم يدخل الكوفة فيقتل بها كل منافق مرتاب، و يهدم قصورهم و يقتل مقاتليها حتي يرضي اللّه عزّ و جلّ.
و يستفاد من حديث آخر أن الكوفة سوف تعمر قبل ظهوره عليه السّلام.
و قال رحمه اللّه:
حدّثنا محمّد بن أبي عمير، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: يعطي اللّه تعالي لكل واحد من أصحاب قائمنا قوة أربعين رجلا، و لا يبقي مؤمن إلاّ صار قلبه أشد من زبر الحديد.
و قال قدّس سرّه:
حدّثنا محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا قام القائم عليه السّلام حكم بالعدل، و ارتفع في أيامه الجور، و آمنت به السبل، و أخرجت الأرض بركاتها، وردّ كل حق إلي أهله، و لم يبق أهل دين حتي يظهروا الإسلام، و يعترفوا بالإيمان، أما سمعت اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ،(1) و حكم في الناس بحكم داود عليه السّلام، و حكم محمّد صلّي اللّه عليه و آله؛ فحينئذ تظهر الأرض كنوزها، و تبدي بركاتها، فلا يجد الرجل منكم يومئذ موضعا لصدقته، و لا لبرّه لشمول الغني جميع المؤمنين.3.
ص: 233
ثم قال: إنّ دولتنا آخر الدول، و لم يبق أهل بيت لهم دولة إلا حكموا قبلنا، لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، و هو قول اللّه عزّ و جلّ: وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ .(1)
و قد ضبط بعض الفضلاء من العلماء (ردّ كلّ حق) علي المبني للمجهول، و حينئذ فسوف يكون هناك تفاوت علي التقديرين.
و قال:
حدّثنا عبد اللّه بن جبلة، عن علاء، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا قام القائم عليه السّلام حكم بين الناس بحكم داود، لا يحتاج إلي بيّنة، يلهمه اللّه تعالي ليحكم بعلمه، و يخبر كل قوم بما استنبطوه، و يعرف وليّه من عدوه بالتوسم، قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ * وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ .(2)
و قال (نوّر اللّه مرقده):
حدّثنا صفوان بن يحيي، عن القاسم بن الفضيل، عن الفضيل بن يسار، عن أبي.
عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا قام القائم عليه السّلام ضرب فساطيط لمن يعلّم الناس القرآن علي ما أنزل اللّه تعالي، فأصعب ما يكون علي من حفظه، لأنه يخالف في التأليف.
و قال روّح اللّه روحه:
حدّثنا محمّد بن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا قام قائمنا أشرقت الأرض بنوره، و استغني العباد عن ضوء الشمس، و ذهبت الظلمة، و يعمّر الرجل في ملكه حتي يولد له ألف ذكر! لا يولد له فيها أنثي! و تظهر الأرض كنوزها حتي يراها الناس علي وجهها، و يطلب الرجل منكم من يصله بماله، و يأخذ منه زكاته، فلا يجد أحدا يقبل ذلك منه، استغني الناس بما رزقهم اللّه من فضله.6.
ص: 234
و قال (عليه الرحمة و الغفران):
حدّثنا صفوان بن يحيي، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إذا قام القائم عليه السّلام بني في ظهر الكوفة مسجدا له ألف باب، و اتصلت بيوت أهل الكوفة بنهري كربلا.
و السلام علي من اتبع الهدي.
***
ص: 235
قال الشيخ الثقة الجليل أبو محمّد الفضل بن شاذان بن الخليل (قدس اللّه روحه، و زاد فتوحه):
حدّثنا عبد الرحمن بن أبي نجران، عن حماد بن عيسي، عن حريز، عن زرارة و محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام أنه قال:
يملك المهدي ثلاثمائة و تسع سنين كما لبث أهل الكهف في كهفهم، و تكون الكوفة دار ملكه، و يمضي قبل يوم القيامة بأربعين يوما.
و قال: حدّثنا عليّ بن عبد اللّه، عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: إنّ القائم يملك ثلاثمائة و تسع سنين كما لبث أهل الكهف في كهفهم؛ يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا، و يفتح اللّه له شرق الأرض و غربها، و يقتل الناس حتّي لا يبقي إلاّ دين محمّد صلّي اللّه عليه و آله؛ يسير بسيرة سليمان بن داود. ثم قال الفضل: الحديث طويل أخذنا موضع الحاجة.
و روي الفضل بن شاذان (عليه الرحمة و الغفران) حديثا آخر في باب مدة ملك و حكم صاحب الزمان (صلوات اللّه عليه)؛ و قال بعده: هذا حديث مأوّل.
ص: 236
و نقل الشيخ الطوسي (رحمة اللّه عليه) هذا الحديث عنه في آخر كتاب الغيبة.(1)
ص: 237
و ليعلم أن في مدة خلافته الظاهرية عليه السّلام أقوال و أحاديث مختلفة في كتب علماء الإمامية، ففي بعض الروايات أن مدة حكومته عليه السّلام سوف تكون سبعة سنوات، كل سنة منها تعادل سبع سنوات؛ و في البعض الآخر من الأخبار أن مدة ملكه عليه السّلام تسع سنوات كل سنة بمقدار عشر سنوات.
قال الشيخ المفيد (عليه الرحمة): قد روي أن مدة دولة القائم عليه السّلام تسع عشرة سنة، يطول أيامها و شهورها علي ما قدمناه.(1)
و أما عند جامع هذه الأربعين: فإن ما رواه الفضل بن شاذان عن زرارة و محمّد بن مسلم الذي ذكر فيها عن الإمام أبي جعفر عليه السّلام أنه قال: «إن الإمام القائم عليه السّلام سوف يملك ثلاثمائة و تسع سنين» هو المعتبر.(2)
قال الشيخ الجليل أبو محمّد الفضل بن شاذان بن الخليل (طيّب اللّه مرقده):
حدّثنا الحسن بن عليّ بن فضال، و ابن أبي نجران، عن حماد بن عيسي، عنن.
ص: 238
عبد اللّه بن مسكان، عن أبان بن تغلب، عن سليم بن قيس الهلالي، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «ألا أبشّركم أيّها الناس بالمهدي؟
قالوا: بلي.
قال: فاعلموا أن اللّه تعالي يبعث في أمّتي سلطانا عادلا، و إماما قاسطا، يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما، و هو التاسع من ولد ولدي الحسين، اسمه اسمي، و كنيته كنيتي؛ ألا و لا خير في الحياة بعده، و لا يكون انتهاء دولته إلا قبل القيامة بأربعين يوما».
و ليعلم أن هذا الحديث و عدّة من الأحاديث الأخري التي تقدم بعضها تؤيد قول الشيخ المفيد رضي اللّه عنه في كتاب (الإرشاد) فيما قال في وصفه السلطان العادل.
و قد روي الشيخ المذكور حديث (لا خير في الحياة بعد المهدي) عن أمير المؤمنين و الإمام الباقر و الإمام جعفر الصادق عليهم السّلام.
و قال الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الأصفهاني (المعروف في هذا الزمان عند أهل أصفهان ب (خواجة حافظ، و يقع قبره في الجهة الغربية خارج البلدة المذكورة) في الأربعين التي جمعها في تعريف صاحب الأمر عليه السّلام، و التي نقلها صاحب كشف الغمة في كتابه بحذف إسنادها: الخامس و الثلاثون في قوله عليه السّلام لا خير في العيش بعد المهدي.(1)ي.
ص: 239
و نقل من كتاب محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي، الحديث الذي جاء فيه: (ثمّ لا خير في العيش بعده، أو قال: ثمّ لا خير في الحياة بعده).(1)
و روي ابن بابويه (عليه الرحمة) في كتاب كمال الدين بإسناده عن الإمام جعفر عليه السّلام أنه قال عليه السّلام: ما زالت الأرض إلا و للّه - تعالي ذكره - فيها حجة يعرف الحلال و الحرام، و يدعو إلي سبيل اللّه جلّ و عزّ، و لا ينقطع الحجة من الأرض إلا أربعين يوما قبل يوم القيامة... إلي آخر الحديث.(2)4.
ص: 240
و هناك الحديث الذي رواه الشيخ أبو جعفر [محمّد] بن يعقوب الكليني،(1) و الشيخ الطوسي،(2) و كثير من أكابر محدثي الشيعة (رضوان اللّه عليهم أجمعين)(3) كما رواه سماحة أستاذي، و من عليه اعتمادي الأمير محمّد باقر الداماد (رحمة اللّه عليه) في كتاب شرعة التسمية، قال:
في الكافي لرئيس المحدثين أبي جعفر الكليني، و في كتاب مفرد في أخبار الغيبة لشيخنا الإمام أبي عبد اللّه المفيد، و في كتاب إعلام الوري لثقة الإسلام أبي عليّ الطبرسي المفسّر، و في غيرها من كتب الأصحاب (رضوان اللّه تعالي عليهم) بالأسانيد المعتبرة المصححة:
أن أبا عمرو عثمان بن سعيد العمري الوكيل سئل عند أحمد بن إسحاق عن القائم، و السائل عبد اللّه بن جعفر الحميري شيخ القميين و وجههم، قال له: يا أبا عمرو! إنّي أريد أن أسألك عن شيء، و ما أنا بشاك فيما أريد أن أسألك عنه، فإن اعتقادي و ديني أن الأرض لا تخلو من حجة إلا إذا كان قبل القيامة بأربعين يوما، فإذا كان ذلك رفعت الحجة و أغلق باب التوبة... إلي آخره.(4)
و بما أن المقصود من نقل هذا الحديث أن يعرف الأحبّة بأنّ الحجّة عليه السّلام سوف يتوفي قبل قيام القيامة بأربعين يوما، فإنّ هذا الحديث يكفي لذلك؛ خصوصا إذا كان الاعتقاد و الدين هو من مثل عبد اللّه بن جعفر الحميري الذي كان من أكابر الشيعة، و من أصحاب الإمام عليّ النقي، و الإمام العسكري عليهم السّلام، و كان قوله في حضور مثل أحمد بن إسحاق الذي0.
ص: 241
هو من أصحاب، و من رواة حديث الإمام محمّد التقي، و الإمام عليّ النقي، و من خواصّ الإمام الحسن العسكري عليهم السّلام، و ممّن رأي صاحب الزمان عليه السّلام.
و أمّا أبو عمرو فقد كان من أكابر أصحاب الأئمّة، و قد خدم الإمام عليّ النقي، كما كان وكيلا للإمام الحسن عليه السّلام، و قد نال بعده شرف الوكالة لصاحب الزمان عليه السّلام: «أن اعتقادي و ديني أن الأرض لا تخلو من حجة إلا إذا كان قبل القيامة بأربعين يوما».
و من المعلوم أنه إذا لم يكن اعتقاد و دين المسؤول (أعني: أبا عمرو)، و الحاضر (أعني: أحمد بن إسحاق) هو كذلك أيضا؛ إذن لأنكرا عليه ذلك الاعتقاد و الدين.
يقول ابن بابويه رحمه اللّه في كتاب كمال الدين: حدّثنا أبي رحمه اللّه قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن عبد اللّه بن محمّد الحجّال، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السّلام في قوله تعالي: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (1) قال: الأئمّة من ولد عليّ و فاطمة عليهم السّلام إلي أن تقوم الساعة.(2)
و روي أيضا أن النبي صلّي اللّه عليه و آله قال: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي، فإنّهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض كهاتين - و ضمّ بين سبابتيه.
فقام إليه جابر بن عبد اللّه الأنصاري، و قال: يا رسول اللّه! و من عترتك؟
قال: عليّ، و الحسن، و الحسين، و الأئمّة من ولد الحسين إلي يوم القيامة.(3)2.
ص: 242
و قد ذكر في آخر الحديث الموسوم ب (حديث خواتيم الذهب) و المنقول بعدّة أسانيد، كما قد نقله ابن بابويه أيضا: يدفعها من بعده إلي من بعده إلي يوم القيامة.(1)
و الأحاديث التي ذكر فيها هذا المعني كثيرة، و بعضها مطوّلة و بعضها).
ص: 243
مختصرة، و إذا أراد أحد أن يجمع كل هذه الأحاديث لكان كتابا مستقلا في هذا الباب.(1)
و الظاهر أن كلمة (إلي) لانتهاء الغاية.
و قال ابن بابويه (رحمة اللّه عليه) في أحد أبواب كمال الدين الذي روي فيه حديث: «إني تارك فيكم الثقلين» بأسانيد كثيرة:
و كان مرادنا بإيرادنا قول النبي صلّي اللّه عليه و آله: «إنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض»ف.
ص: 244
في هذا الباب إثبات إتّصال أمر حجج اللّه عليهم السّلام إلي يوم القيامة، و أنّ القرآن لا يخلو من حجّة مقترن إليه من الأئمّة الذين هم العترة (صلوات اللّه عليهم) يعلم حكمه إلي يوم القيامة، لقوله صلّي اللّه عليه و آله: «لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض» و هكذا قوله صلّي اللّه عليه و آله: «إنّ مثلهم كمثل النجوم كلّما غاب نجم طلع نجم إلي يوم القيامة» تصديق لقولنا: إنّ الأرض لا تخلو من حجّة للّه علي خلقه، ظاهر مشهور، أو خاف مغمور، لئلاّ تبطل حجج اللّه عزّ و جلّ و بيناته، و قد بيّن النبي صلّي اللّه عليه و آله من العترة المقرونة إلي كتاب اللّه جلّ و عزّ في الخبر الذي حدّثنا به: أحمد بن الحسن القطّان، قال: حدّثنا الحسن بن عليّ السكري، عن محمّد بن زكريّا الجوهري، عن محمّد بن عمارة، عن أبيه، عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب (صلوات اللّه عليهم) قال: قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله: «إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتي يردا عليّ الحوض كهاتين - و ضمّ بين سبّابتيه - فقام إليه جابر بن عبد اللّه الأنصاري، فقال: يا رسول اللّه و من عترتك؟
قال: عليّ، و الحسن، و الحسين، و الأئمّة من ولد الحسين إلي يوم القيامة».(1)
و لهذا الشيخ الجليل إفادات كثيرة من هذا القبيل في كتابه المذكور، و قد روي أخبارا كثيرة، و لكن لا يسع لهذا المختصر نقل جميعها.
كما أنه روي العلماء المخالفون أحاديثا كثيرة كلها تفيد هذا المدعي.
و اعلم أيها المؤمن صاحب اليقين، بما أنّه لم يقع بين أيدينا حين تحرير هذا الأربعين شيء من كتب حديث المخالفين، لذلك قد نقلنا فيما سبق عن أحد التصانيف القديمة لقدماء علماء الشيعة الذي نقل أحاديث في هذا الباب من الكتب المعتبرة عند المخالفين، و مع أن مؤلف ذلك الكتاب لم2.
ص: 245
يذكر اسمه،(1) و لكني اعتمد علي قول الشيخ الثقة صاحب الدرجة العالية علي بن عيسي الأربلي عليه الرحمة في نقل ما ثبّته من تلك الأحاديث طبق ترتيبه في كتاب كشف الغمة.
قال الشيخ المذكور في الكتاب المزبور عن الجمع بين الصحيحين، نقل عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي صلّي اللّه عليه و آله يقول: «يكون بعدي اثنا عشر أميرا، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه قال: كلّهم من قريش».(2)
كذا في حديث شعبة.
و في حديث ابن عيينة: قال: لا يزال أمر الناس ماضيا ما ولاّهم اثنا عشر رجلا، ثم تكلم النبي صلّي اللّه عليه و آله بكلمة خفيت عليّ، فسألت أبي: ماذا قال رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله؟
فقال: قال: كلهم من قريش.(3)
و في رواية مسلم من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص، قال: كتبت إلي جابر بن سمرة مع غلامي نافع أن أخبرني بشيء سمعته من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله، فكتب إليّ: إني سمعت من رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله يوم جمعة عشية رجم الأسلمي قال: لا يزال الدين قائما حتي تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش.(4)
و عن عامر الشعبي، عن جابر بن سمرة قال: انطلقت إلي رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله و معي أبي، فسمعته يقول: لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلي اثني عشر خليفة، فقال كلمة صمّنيها الناس، فقلت لأبي: ما قال؟
قال: كلهم من قريش.(5)6.
ص: 246
و مثله؛ عن حصين بن عبد الرحمن، عن جابر، قال: دخلت مع أبي إلي النبي صلّي اللّه عليه و آله فقال: انّ هذا الأمر لا ينقضي حتي يمضي فيهم اثنا عشر خليفة، ثم تكلم بكلام خفي عليّ، قال: فقلت لأبي: ما قال؟
قال: كلهم من قريش.(1)
و في حديث سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، عنه عليه السّلام: لا يزال الإسلام عزيزا إلي إثني عشر خليفة، ثم ذكر مثله.(2)
و نقلت عن مسند أحمد بن حنبل رحمه اللّه، عن مسروق، قال: كنّا مع عبد اللّه جلوسا في المسجد يقرأنا، فأتاه رجل، فقال: يا ابن مسعود! هل حدّثكم نبيّكم كم يكون بعده خليفة؟
قال: نعم؛ و لقد سألنا رسول اللّه صلّي اللّه عليه [و آله] و سلم، فقال: اثنا عشر، كعدة نقباء بني إسرائيل.(3)
نقلته من المجلد الثالث من مسند عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه.
و إن مضمون جميع هذه الأحاديث هو: أن خلفاء النبي إثنا عشر.
كما أن مضمون بعض هذه الأحاديث، و كثير من الأحاديث التي لم يذكرها و قد نقلها غيره من المخالفين هو: أن خلافة هؤلاء الأئمّة العظماء، ممتدة إلي يوم القيامة.
و من تلك: حديث أحمد بن حنبل الذي رواه في مسنده عن النبي صلّي اللّه عليه و آله أنه قال: «النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم ذهبوا، و أهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض».(4)ل.
ص: 247
و يقول السري في تفسير قول الحق تعالي: وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ (1) تلك العقبة آل محمّد عليهم السّلام.(2)
و هذا التفسير موافق تفسير أهل البيت عليهم السّلام الذي نقله ابن بابويه في:
(باب ما أخبر به سيد العابدين علي بن الحسين عليهما السّلام): بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال: «فينا نزلت هذه الآية: وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ
و الإمامة في عقب الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام إلي يوم القيامة.(3)
و روي في أواخر (باب ما روي عن الصادق جعفر بن محمّد عليهما السّلام)؛ أن الإمام جعفر عليه السّلام قال في جواب المفضل بن عمر عند ما سأله عن تفسير هذه الآية:
«يعني بذلك الإمامة، جعلها اللّه تعالي في عقب الحسين إلي يوم القيامة».(4)
و جاءت في هذا الباب أحاديث كثيرة عن الطرفين دلّت علي أن المقصود من (الكلمة الباقية) هو نفس هذا المعني.
فعلم أنّ الشيعة و السنة متفقون علي اتصال زمان إمامة و خلافة الحجة عليه السّلام بيوم القيامة.
و ليعلم أنّ جماعة من علماء الإمامية قد أوردوا الدليل العقلي المستنبط من الدليل النقلي في هذا الباب، من أن القيامة سوف تظهر مباشرة و بلا فاصل بعد وفاة الإمام الحجة عليه السّلام، و من أولئك صاحب كتاب (أنيس المؤمنين) حيث قال: بمقتضي لولاك لما خلقت الأفلاك، فإنه يمتنع خلو زمانه من النور7.
ص: 248
المحمدي صلّي اللّه عليه و آله، و أن العالم قائم ببركة هذا النور، كما قال الرسول صلّي اللّه عليه و آله:
«هذا الأمر لا ينقضي حتي يمضي فيهم إثنا عشر خليفة كلهم من قريش» و بما أن الدنيا قد انتقلت من فيض نور محمّد صلّي اللّه عليه و آله إلي المهدي عليه السّلام فعند الإنسلاخ بموجب قوله: «فلا خير في العيش بعد المهدي عليه السّلام» تنقطع سلسلة انتظام الدنيا.
و قد روي هذا الشيخ الجليل بسند صحيح عن الحسن بن علي الخزاز انه قال:
دخل عليّ بن أبي حمزة علي أبي الحسن الرضا عليه السّلام، فقال: أنت إمام؟
قال: نعم.
فقال له: إني سمعت جدّك جعفر بن محمّد عليه السّلام يقول: «لا يكون الإمام إلا و له عقب»؟
فقال عليه السّلام: «أنسيت يا شيخ(1) أم تناسيت؟! ليس هكذا قال [جدّي]،(2)
إنما قال [جعفر عليه السّلام]:(3) لا يكون الإمام إلاّ و له عقب، إلا الإمام الذي يخرج عليه الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام فإنه لا عقب له».
فقال [له]:(4) صدقت جعلت فداك! هكذا سمعت جدّك يقول.(5)
يقول مؤلف هذا الأربعين: إنّ هذا الحقير قد جمع بين خبر مدينة الشيعة المعتبر و الجزيرة الخضراء و البحر الأبيض، و الذي ذكر فيه أن لصاحب الزمان عليه السّلام عدّة أولاد، مع هذا الحديث الصحيح، في كتاب رياض المؤمنين، و من أراد الإطلاع عليه فليرجع إلي الكتاب المذكور.8.
ص: 249
و ليعلم أن هذا الحديث قد رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه اللّه في أواسط كتاب الغيبة مع قليل اختلاف في بعض عباراته.(1)
و كما أنّه قد ورد في غير هذا الحديث، و في عدّة أحاديث صحيحة:
أنه ليس له عليه السّلام ولد.
و لا تخفي القضية علي الشيعة السعداء أن السنة قائلون بأن المهدي عليه السّلام من نسل الإمام الحسين (صلوات اللّه عليه)، و أنه سوف يظهر في آخر الزمان، و يملأ الدنيا قسطا و عدلا،(2) و مع ذلك فهناك الكثير منهم لا يقولون بوجوده عليه السّلام في هذا الزمان و يستبعدون عمره الطويل عليه السّلام.
و لكنك تعلم أيها العزيز أنّ الملاحدة لا يقولون بوجود الحقّ تعالي، و مع ذلك فإنّهم لا يضرّون ديننا، فكذلك القول أن عدم قول هؤلاء بوجود الحجة عليه السّلام، فإنّه لا يدخل النقص علي مذهبنا.
و يكفي للإجابة علي الاستبعاد بطول عمره عليه السّلام في هذا المختصر من قول علمائهم كابن طلحة الشافعي،(3) و صاحب الفصول المهمة المالكي.(4)
ص: 250
و هما من كبار علمائهم، حيث قالا بأن هذا الاستبعاد غير معقول، أما لماذا؟ فلأنه أمر ممكن، بل واقع.(1)
ص: 251
و نحن نكتفي في جوابهم في هذه الرسالة الوجيزة: أنهم قائلون ببقاء إدريس، و عيسي، و الخضر، و إلياس عليهم السّلام من الصالحين.
و يعترفون ببقاء الدجال، و الشيطان من الطالحين.
فإذا كان اللّه تعالي قد أطال أعمارهم؛ فلما ذا الاستبعاد في أن يكرم اللّه تعالي القائم عليه السّلام بالعمر الطويل.
و السلام علي من اتبع الهدي.
و ما دمنا شارفنا في هذه الرسالة علي النهاية، فلننقل حديثا واردا في أشراط الساعة إن شاء اللّه تعالي.
قال الشيخ السعيد أبو محمّد ابن شاذان رحمه اللّه:
حدّثنا عبد الرحمن بن أبي نجران رضي اللّه عنه قال: حدّثنا عاصم بن حميد، قال: حدثنا أبو حمزة الثمالي، عن سعيد بن جبير، عن عبد اللّه بن عباس، قال:
حججنا مع رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله حجة الوداع، فأخذ بحلقة باب الكعبة و أقبل بوجهه علينا، فقال:
معاشر الناس، ألا أخبركم بأشراط الساعة؟
قالوا: بلي يا رسول اللّه!
ص: 252
قال: من أشراط الساعة إضاعة الصلوات، و إتّباع الشهوات، و الميل مع الأهواء، و تعظيم المال، و بيع الدين بالدنيا، فعندها يذوب قلب المؤمن في جوفه كما يذوب الملح في الماء مما يري من المنكر فلا يستطيع أن يغيّره، فعندها يليهم أمراء جورة، و وزراء فسقة، و عرفاء ظلمة، و أمناء خونة؛ فيكون عندهم المنكر معروفا، و المعروف منكرا، و يؤتمن الخائن، و يخون الأمين في ذلك الزمان، و يصدق الكاذب، و يكذب الصادق، و تتأمر النساء، و تشاور الإماء، و يعلو الصبيان علي المنابر، و يكون الكذب عندهم ظرافة و سبب الطرب، فلعنة اللّه علي الكاذب و إن كان مازحا.
و أداء الزكاة أشد التعب عليهم و خسرانا و مغرما عظيما، و يحقّر الرجل والديه و يسبّهما، و يبر صديقه، و يجالس عدوه، و تشارك المرأة زوجها في التجارة، و تكتفي الرجال بالرجال و النساء بالنساء، و يغار علي الغلمان كما يغار علي الجارية في بيت أهلها، و تشبّه الرجال بالنساء، و النساء بالرجال، و تركب ذوات الفروج علي السروج، و تزخرف المساجد كما تزخرف البيع و الكنائس، و تحلّي المصاحف، و تطوّل المنارات، و تكثر الصفوف، و يقل الإخلاص، و يكثر الرياء، و يؤمهم قوم يميلون إلي الدنيا، و يحبون الرئاسة الباطلة.
فعندها قلوب المأمومين متباغضة، و ألسنتهم مختلفة، و تحلّي ذكور أمتي بالذهب، و يلبسون الحرير و الديباج و جلود السمور، و يتعاملون بالرشوة، و الربا.
و يضعون الدين، و يرفعون الدنيا، و يكثر الطلاق، و الفراق، و الشك، و النفاق، و لن يضر اللّه شيئا، و تكثر الكوبة، و القينات، و المعازف، و الميل إلي أصحاب الطنابير و الدفوف و المزامير و سائر آلات اللهو.
ألا و من أعان أحدا منهم بشيء من الدنيار، و الدرهم، و الألبسة، و الأطعمة، و غيرهما فكأنما زني مع أمه سبعين مرة في جوف الكعبة.
ص: 253
فعندها يليهم أشرار أمتي، و تنهتك المحارم، و تكتسب المآثم، و تسلط الأشرار علي الأخيار، و يتباهون في اللباس، و يستحسنون أصحاب الملاهي و الزانيات، فيكون المطر غيضا، و تغيظ الكرام غيظا، و يفشو الكذب، و تظهر اللجاجة، و تفشي الفاقة.
فعندها يكون أقوام يتعلمون القرآن لغير اللّه، فيتخذونه مزامير، و يكون أقوام يتفقهون لغير اللّه، و يكثر أولاد الزنا، و يتغنّون بالقرآن، فعليهم من أمتي لعنة اللّه، و ينكرون الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر حتّي يكون المؤمن في ذلك الزمان أذلّ من الأمة، و يظهر قرّاؤهم و أئمتهم فيما بينهم التلاوم و العداوة، فأولئك يدعون في ملكوت السماوات الأرجاس الأنجاس.
و عندها يخشي الغني من الفقير أن يسأله، و يسأل الناس في محافلهم فلا يضع أحد في يده شيئا.
و عندها يتكلم من لم يكن متكلما.
فعندها ترفع البركة، و يمطرون في غير أوان المطر، و إذا دخل الرجل السوق فلا يري أهله إلا ذاما لربّهم، هذا يقول: لم أبع شيئا، و هذا يقول: لم أربح شيئا.
فعندها يملكهم قوم إن تكلموا قتلوهم، و إن سكتوا استباحوهم، يسفكون دمائهم و يملأون قلوبهم رعبا، فلا يراهم أحد إلا خائفين مرعوبين.
فعندها يأتي قوم من المشرق، و قوم من المغرب، فالويل لضعفاء أمتي منهم، و الويل لهم من اللّه، لا يرحمون صغيرا، و لا يوقرون كبيرا، و لا يتجافون عن شيء، جثتهم جثة الآدميين، و قلوبهم قلوب الشياطين، فلم يلبثوا هناك إلاّ قليلا حتي تخور الأرض خورة حتي يظن كل قوم انّها خارت في ناحيتهم، فيمكثون ما شاء اللّه، ثم يمكثون في مكثهم فتلقي لهم الأرض أفلاذ كبدها.
قال: ذهبا و فضة؛ ثم أومأ بيده إلي الأساطين، قال: فمثل هذا، فيومئذ لا ينفع ذهب و لا فضة، ثم تطلع الشمس من مغربها.
معاشر الناس! إني راحل عن قريب، و منطلق إلي المغيب؛ فاودعكم
ص: 254
و أوصيكم بوصية فاحفظوها: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي، إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا.
معاشر الناس! إني منذر، و عليّ هاد. و العاقبة للمتقين، و الحمد للّه رب العالمين.
تم هذا المختصر الموسوم: (كفاية المهتدي في معرفة المهدي) و الحمد للّه علي إتمامه، و صلّي اللّه علي محمّد و آله و سلّم تسليما كثيرا.(1)
و السلام علي من اتبع الهدي.
أقول: و قد تمّ اختصار، و ترجمة كتاب (كفاية المهتدي)، و سميته:
مختصر كفاية المهتدي، و كان آخره في صبيحة يوم الاثنين العاشر من شهر رمضان المبارك سنة 1422 ه، جوار حرم السيدة زينب الكبري بنت أمير المؤمنين عليهما السّلام في قرية راوية دمشق الشام علي يد الأحقر المحتاج ياسين الموسوي عفي اللّه تعالي عنه بمحمّد و آله الطاهرين صلّي اللّه عليهم أجمعين.
***ق.
ص: 255
ص: 256
القرآن الكريم.
نهج البلاغة: مجموعة خطب و كتب أمير المؤمنين عليه السّلام/جمعها الشريف الرضي قدّس سرّه/شرح محمّد عبده/نشر دار المعرفة/بيروت.
إثبات الرجعة: الفضل بن شاذان/مطبوع في مجلة تراثنا/العدد 15 /نشر مؤسسة آل البيت لإحياء التراث/قم 1409 ه.
إثبات الهداة بالنصوص و المعجزات: محمّد بن الحسن الحر العاملي قدّس سرّه/نشر مكتبة المحلاتي/قم 1425 ه.
إثبات الوصية: المسعودي/المطبعة الحيدرية/النجف الأشرف.
أخيار معرفة الرجال المعروف ب (رجال الكشي): الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي شيخ الطائفة قدّس سرّه/تحقيق مهدي الرجائي/نشر مؤسسة آل البيت لإحياء التراث/قم/ 1404 ه.
الأربعون: الشيخ البهائي/مكتبة نويد إسلام/ 1416 ه.
الأربعين البلدانية: الحافظ عبد القادر الرهاوي.
الأربعين: مخطوط/مكتبة جامعة طهران/رقم 217/2130.
الإرشاد في معرفة حجج اللّه علي العباد: أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد قدّس سرّه/تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث/نشر دار المفيد.
أسماء مصنفي الشيعة المعروف ب (رجال النجاشي): أبو العباس أحمد بن عليّ النجاشي الأسدي الكوفي/تحقيق آية العظمي السيد موسي الشبيري الزنجاني/مؤسسة النشر الإسلامي/قم/ط 1416/5 ه.
ص: 257
الإعتقادات: الشيخ الصدوق/مطبوع بالحجر مع كتاب النافع يوم الحشر.
إعلام الوري بأعلام الهدي: أبو الفضل عليّ بن الحسين الطبرسي/تحقيق و نشر مؤسسة آل البيت لإحياء التراث/قم/الطبعة الأولي 1417 ه.
الأمالي: أبو جعفر محمّد بن الحسن الشيخ الطوسي/تحقيق مؤسسة البعثة/ نشر دار الثقافة/قم/ط 1414/1 ه.
الأمالي: أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المعروف ب (الشيخ الصدوق) /تحقيق و نشر مؤسسة البعثة/قم/ط 1417/1 ه.
الإمامة و التبصرة: عليّ بن الحسين بن بابويه القمي والد الشيخ الصدوق/ مؤسسة الإمام الهادي عليه السّلام.
أمل الآمل: محمّد بن الحسن المعروف ب (الحر العاملي) /تحقيق السيد أحمد الحسيني/نشر مطبعة الآداب/النجف الأشرف/ 1404 ه.
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار: الشيخ محمّد باقر المجلسي/ مؤسسة الوفاء/بيروت/ط 1403/2 ه/ 1983 م.
البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: علاء الدين عليّ المتقي بن حسام الدين الهندي البرهان فوري.
بصائر الدرجات الكبري في فضائل آل محمّد عليهم السّلام: محمّد بن الحسن الصفار/تقديم و تعليق الحاج ميرزا محسن كوجه باغي/نشر مؤسسة الأعلمي/طهران/ 1404 ه.
البيان في أخبار صاحب الزمان: محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي/ط مع كفاية الطالب/تحقيق محمّد هادي الأميني/نشر دار إحياء تراث أهل البيت عليهم السّلام/طهران/ 1404 ه.
تحف العقول عن آل الرسول: الحسن بن عليّ بن الحسين ابن شعبة الحراني/ تصحيح عليّ أكبر الغفاري/مؤسسة النشر الإسلامي/قم/ 1404 ه.
ص: 258
تفسير القمي: علي بن إبراهيم القمي/ط 1 /النجف الأشرف.
الثاقب في المناقب: عماد الدين أبي جعفر محمّد بن عليّ الطوسي/تحقيق نبيل رضا عطوان/مؤسسة انصاريان/قم/ط 1412/2 ه.
حلية الأبرار في أحوال محمّد و آله الأطهار: السيد هاشم البحراني/تحقيق الشيخ علام رضا البحراني/نشر مؤسسة المعارف الإسلامية/ط 1411/1 ه.
الخرائج و الجرائح: قطب الدين الراوندي/مؤسسة الإمام المهدي عليه السّلام.
الخصال: أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المعروف ب (الشيخ الصدوق) /تصحيح عليّ أكبر الغفاري/نشر جامعة المدرسين/قم.
خاتمة المستدرك: الميرزا النوري الطبرسي/الطبعة الحجرية.
دعائم الإسلام: القاضي النعمان بن محمّد بن منصور المغربي/تحقيق آصف بن عليّ أصغر فيضي/دار المعارف 1383 ه/ 1963 م.
دلائل الإمامة: أبو جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطبري (الشيعي) /ط 1 / النجف الأشرف.
الذريعة إلي تصانيف الشيعة: آغا بزرك الطهراني/نشر دار الأضواء/بيروت/ ط 1403/3 ه/ 1983 م.
الروضة النضرة (طبقات أعلام الشيعة): ق 11 /الشيخ آغا بزرك الطهراني.
روضة الواعظين: محمّد بن الفتال النيسابوري/تقديم السيد مهدي الخرسان/ منشورات الرضي/قم.
السلافة: السيد عليّ خان المدني.
شذراة الذهب: ابن العماد الحنبلي.
شرع التسمية: المحقق الداماد/ط 1409/1 ه/قم.
صحيح البخاري: محمّد بن إسماعيل البخاري/نشر دار الفكر/بيروت/ 1401 ه.
صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج النيشابوري/دار الفكر/بيروت.
ص: 259
الطبقات الكبري: محمّد بن سعد/نشر دار صادر/بيروت.
العرف الوردي في أخبار المهدي: جلال الدين السيوطي.
عقد الدرر في أخبار المنتظر: يوسف بن يحيي بن عبد العزيز السلمي الشافعي/تحقيق عبد الفتاح الحلو/تعليق عليّ نظري منفرد/انتشارات نصايح/ط 1416/1 ه.
علل الشرائع: أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المعروف ب (الشيخ الصدوق) /منشورات المكتبة الحيدرية/النجف/ 1386 ه/ 1966 م.
عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار: يحيي بن الحسن الأسدي الحلي المعروف ب (ابن البطريق) /مؤسسة النشر الإسلامي/قم/ 1407 ه.
عيون أخبار الرضا: أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المعروف ب (الشيخ الصدوق) /تصحيح حسين الأعلمي/مؤسسة الأعلمي/ بيروت/ط 1404/1 ه/ 1984 م.
الغيبة: أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي شيخ الطائفة/تحقيق الشيخ عبد اللّه الطهراني و الشيخ أحمد ناصح/مؤسسة المعارف الإسلامية/الطبعة المحققة الأولي/ 1411 ه.
الغيبة: أبو زينب محمّد بن إبراهيم النعماني/تحقيق عليّ أكبر الغفاري/مكتبة الصدوق/طهران.
فتاوي الحديثية: ابن حجر العسقلاني.
فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم: السيد رضي الدين أبو القاسم عليّ بن موسي بن جعفر ابن طاووس/دار الذخائر/ط 1.
فردوس الأخبار: ابن شيرويه الديلمي.
فضائل الصحابة: أحمد بن حنبل.
الفهرست: الرازي.
ص: 260
الكافي: ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن إسحاق الكليني/تصحيح عليّ أكبر الغفاري/دار الكتب الإسلامية/طهران/ط 1389/2 ه.
الكامل في ضعفاء الرجال: عبد اللّه بن عدي/تحقيق سهيل زكار/دار الفكر/ بيروت/ط 1409/3 ه.
كتاب سليم بن قيس: سليم بن قيس/ت الأنصاري/ط 1 /نشر الهادي/ 1415 ه.
كشف الغمة في معرفة الأئمّة: عليّ بن عيسي بن أبي الفتح الأربلي/دار الأضواء/بيروت/ 1405 ه/ 1985 م.
كفاية الأثر في النص علي الأئمّة الإثني عشر: عليّ بن محمّد بن عليّ الخزاز القمي/ تحقيق السيد عبد اللطيف الكوه كمري/انتشارات بيدار/قم/ 1401 ه.
كمال الدين و تمام النعمة: أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المعروف ب (الشيخ الصدوق) /مؤسسة النشر الإسلامي/قم - 1405 ه
مائة منقبة عن مناقب أمير المؤمنين عليه السّلام و الأئمّة من ولده عليهم السّلام من طريق العامة: محمّد بن أحمد بن عليّ بن الحسن القمي المعروف ب (ابن شاذان) / تحقيق و نشر مدرسة الإمام المهدي عليه السّلام/قم/ط 1407/1 ه.
المحاسن: أحمد بن محمّد بن خالد البرقي/تصحيح و تعليق و نشر السيد جلال الدين الحسيني/ 1370 ه.
مرآة الجنان: عبد اللّه اليافعي.
المسترشد في إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام: محمّد بن جرير الطبري (الشيعي) /تحقيق الشيخ أحمد المحمودي/مؤسسة الثقافة الإسلامية/قم/ط 1.
مسند أحمد: أحمد بن حنبل.
مصنف ابن أبي شيبة: محمّد بن إبراهيم بن عثمان بن أبي شيبة/تعليق سعيد فحام/دار الفكر/بيروت/ط 1409/1 ه/ 1989 م.
معجم رجال الحديث و تفصيل طبقات الرواة: السيد أبو القاسم الخوئي/ط 1413/5 ه
ص: 261
المعجم الكبير: أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني/حمدي عبد المجيد السلفي/مكتبة ابن تيمية/ط 2 /القاهرة.
معجم المؤلفين: عمر رضا كحالة/دار إحياء التراث العربي/بيروت.
معرفة علوم الحديث: محمّد بن عبد اللّه المعروف ب (الحاكم النيسابوري) / تصحيح معظم حسين/دار الآفاق الجديدة/بيروت/ 1400 ه/ 1980 م.
مقتضب الأثر في النص علي الأئمّة الإثني عشر: أحمد بن عياش الجوهري/ نشر مكتبة الطباطبائي/قم.
مطالب السؤول: إبن طلحة الشافعي/ط: طهران.
مناقب آل أبي طالب: محمّد بن عليّ بن شهر آشوب/نشر المكتبة الحدرية/النجف.
منتخب الأنوار المضيئة: بهاء الدين عليّ بن عبد الكريم النيلي النجفي/ مؤسسة الإمام الهادي عليه السّلام/قم/ط 1420/1 ه.
النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجة الغاثب: ميرزا حسين النوري/تحقيق السيد ياسين الموسوي/ط 1415/1 ه.
وسائل الشيعة إلي تحصيل مسائل الشريعة: محمّد بن الحسن الحر العاملي/ مؤسسة آل البيت لإحياء التراث/قم/ط 1414/2 ه.
***
ص: 262
مقدمة المركز 5
شكر و تقدير 8
مقدمة المحقق 9
لماذا كتاب كفاية المهتدي؟ 9
ما هي أهمية روايات كتابي إثبات الرجعة، و الغيبة للشيخ ابن شاذان؟ 11
عملنا في الكتاب 12
مصادر الكتاب و مؤلفيها 14
1 - الغيبة 16
2 - الغيبة 20
3 - الفرج الكبير في الغيبة 21
سطور من أحوال السيد المير لوحي 21
مؤلفاته 27
مقدمة المؤلف 37
ح 1 /الأئمّة عليهم السّلام إثنا عشر 46
ح 2 /مثل المهدي عليه السّلام مثل الساعة 52
ح 3 /من أنكر واحدا من الأئمّة عليهم السّلام فقد أنكر رسول اللّه صلّي اللّه عليه و آله 60
فائدة جميلة 62
ح 4 /اللوح الذي أهداه اللّه عزّ و جلّ إلي رسوله صلّي اللّه عليه و آله 63
ح 5 /الأئمّة الإثنا عشر عليهم السّلام هم أولوا الأمر 65
ص: 263
ح 6 /رؤية إبراهيم الخليل عليه السّلام أنوار الأئمّة عليهم السّلام إلي جنب العرش 67
ح 7 /لا يقبل عمل أحد إلا بولايتهم عليهم السّلام 69
ح 8 /رؤية النبي صلّي اللّه عليه و آله أنوارهم عليهم السّلام عند سدرة المنتهي في معراجه 71
ح 9 /النبي صلّي اللّه عليه و آله يخبر نعثل اليهودي بأوصيائه عليهم السّلام 74
ح 10 /الأئمّة عليهم السّلام أولي بالمؤمنين من أنفسهم 77
ح 11 /النبي صلّي اللّه عليه و آله يخبر جندل اليهودي عن أوصيائه عليهم السّلام 78
ح 12 /المهدي عليه السّلام التاسع من ولد الحسين عليه السّلام 81
ح 13 /الأوصياء عليهم السّلام إثنا عشر، و المهدي عليه السّلام التاسع من ولد الحسين عليه السّلام 83
ح 14 /النبي صلّي اللّه عليه و آله يبشر الزهراء عليها السّلام بالمهدي عليه السّلام 85
ح 15 /للنبي صلّي اللّه عليه و آله إثنا عشر خليفة 86
ح 16 /حديث اني تارك فيكم الثقلين 88
ح 17 /الخضر عليه السّلام يشهد انهم عليهم السّلام القائمون 89
ح 18 /الأئمّة عليهم السّلام إثنا عشر عدد أسباط يعقوب 93
ح 19 /الحسين عليه السّلام يخبر أصحابه ليلة عاشوراء عن الأئمّة عليهم السّلام 95
ح 20 /الإمام السجاد عليه السّلام يخبر الكابلي عن الأئمّة عليهم السّلام و غيبة المهدي عليه السّلام 96
ح 21 /ثواب من ثبت علي ولاية القائم عليه السّلام في الغيبة 98
ح 22 /ثواب من ثبت علي ولاية القائم عليه السّلام في الغيبة 98
ح 23 /الأئمّة عليهم السّلام إثنا عشر 100
ح 24 /القائم عليه السّلام هو الخامس من ولد الكاظم عليه السّلام 101
ح 25 /القائم عليه السّلام هو الرابع من ولد الرضا عليه السّلام 102
ح 26 /الإمام الجواد يحدث عبد العظيم الحسني عن القائم عليه السّلام 103
ح 27 /عبد العظيم الحسني يعرض دينه علي الإمام الهادي عليه السّلام 105
ح 28 /المهدي عليه السّلام ولد ابنة قيصر ملك الروم 107
ص: 264
ح 29 /ولادة المهدي عليه السّلام 115
ح 30 /رضوان خازن الجنان يغسل المهدي عليه السّلام حين ولادته 120
ح 31 /أم المهدي عليه السّلام تخبر عمّا حدث حين ولادته عليه السّلام 122
ح 32 /حديث نسيم و مارية الخادمتين عن ولادته عليه السّلام 124
ح 33 /يعرض الإمام العسكري ولده المهدي علي أحمد بن إسحاق 141
ح 34 /رشيق المادرائي يهجم علي بيت الإمام عليه السّلام 143
ح 35 /رؤية الأودي للمهدي عليه السّلام في الطواف 145
ح 36 /المهدي عليه السّلام يغيث رجلا من الشيعة 147
ح 37 /بعض من رأي الإمام المهدي عليه السّلام 148
رؤية محمّد بن إسماعيل للحجة عليه السّلام 148
رؤية حكيمة عمة العسكري عليه السّلام للحجة 149
ملاقاة أبو محمّد العجلي للحجة عليه السّلام 166
ملاقاة ابن مهزيار للحجة عليه السّلام 169
حكاية يعقوب الغساني 173
ملاقاة يوسف الجعفري للحجة عليه السّلام 175
حكاية محمّد بن إبراهيم بن مهران 175
حكاية القاسم بن العلاء 179
حكاية ابن ابي سورة عن أبيه الزيدي 182
حكاية محمّد بن هارون 184
حكاية أبي الحسن المسترق 185
حكاية أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه 186
حكاية الزراري 188
حكاية إسماعيل بن الحسن الهرقلي 190
ص: 265
حكاية أبي عطوة 195
حكاية بني راشد و سبب تشيعهم 196
أسماء من رأي المهدي عليه السّلام 200
دعاء الحجة عليه السّلام لعلي بن الحسين بن بابويه 203
ح 38 /علامات الساعة 205
ح 39 /أحداث تكون قبل ظهوره عليه السّلام 209
سنة ظهور القائم 218
ح 40 /المهدي عليه السّلام يملك ثلاثمائة و تسع سنين 236
علامات أشراط الساعة 252
مصادر التحقيق 257
فهرست الموضوعات 263
***
ص: 266