سفراء المهدي بين الحقائق والأوهام : ردود علي آراء أحمد أمين والمدرسة الاجتماعية حول سفراء المهدي

اشارة

سفراء المهدي بين الحقائق والأوهام : ردود علي آراء أحمد أمين والمدرسة الاجتماعية حول سفراء المهدي

المؤلف : ضياء الدين الخزرجي

الطبعة الأولي

1425م -2004 م

للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

سفراء المهدي

بين الحقائق والأوهام

ردود علي آراء أحمد أمين والمدرسة الاجتماعية حول سفراء المهدي

المؤلف : ضياء الدين الخزرجي

ص: 3

جميع الحقوق المحفوظة

الطبعة الأولي

1425م -2004 م

للطباعة والنشر والتوزيع

هاتف: 01/55487- 03/896329-فاكس: 541199 - ص.ب: 286/25 غبيري - بيروت - لبنان

E-Mail:daralhadi@daralhadi.com - URL: http://www.daralhadi.com

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تقريظ للأستاذ العلامة جعفر السبحاني

اشارة

اتفق المسلمون قاطبة - إلا من شذ منهم - علي أنه يقوم في برهة من الزمن قائد يعمل علي إصلاح المجتمع الإنساني قاطبة، وينشر راية العدل في ربوع الأرض بعد ما ملئت بالجور والطغيان .

وهذا القائد المثالي العظيم من سلالة النبي الأكرم صلي الله عليه و آله وقد جاء نبأه وثورته العارمة علي الفساد في الكتب السماوية، قال سبحانه: «وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ». (الأنبياء / (105)

ومن حسن الحظ أن زبور داوود عليه السلام الموجود في العهد العتيق يحتوي علي مضمون هذه الآية بصراحة(1).

هذا ما اتفق عليه المسلمون وأهل الكتاب جميعا، غير أن هنا نكتة لا

ص: 5


1- مزامير : المزمور السابع والثلاثون، الاصحاح 22: لأن المباركين منه يرثون الأرض، والملعونين منه يقطعون .

محيص من إلفات نظر القارئ إليها وهي :

أن الإمام وإن كان يخرج بالقوة، ويجابه الفساد بمنطق الشدة والعنف، ولكنها ليست العماد الوحيد لثورته وسلطته، بل هناك عماد آخر وهو بلوغ الإنسان عبر القرون إلي ذروة الكمال من حيث الصناعات والعلوم، وتقدمه في معترك الفنون والثقافة إلي حد يؤمن إيمانا كاملا بأن الظروف الحاضرة لا تستطيع أن تلبي حاجاته . وتعطي له حياة طيبة، وأن المنظمات البشرية مع دويها وعناوينها الفخمة لا تسعده أو تنقذه من محنته ومشكلته، ولأجل ذلك ظل يتربص بصيصا من الأمل حتي تمده عناية غيبية في إصلاح المجتمع، وإسعاده .

ولأجل هذا الأمل والتفتح العقلي لقبول الدعوة الغيبية، فإنه إذا ظهر القائد الذي وعد الله به الأمم - لباه كثير من الناس بالإيمان والبيعة ، والتضحية والفداء بلا شك وتردد، ويستقبلونه بصدور رحيبة .

إن هذا التهيؤ التابع من صميم الإنسان، هو الذي يسهل لقائد الإصلاح أن يصل إلي الغاية التي أمر بتحقيقها بسرعة. وإلي ذلك العامل المؤثر يشير الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام : «إذا قام قائمنا وضع الله يده علي رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم»(1).

إن الشيعة قاطبة وكثيرا من أهل السنة يرون أن ذلك القائد هو الإمام الثاني عشر ومن ذرية الحسين - عليه الصلاة والسلام، ونجل الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام وقد ولد عام 255ه، وظل توفي أحضان والده خمس سنين حتي وفي الإمام العسكري عليه السلام ، فتعلقت مشيئة الله تعالي بغيبته عن أعين الناس لا عن بيئاتهم، بل يحيي حياة إنسانية كاملة من غير أن يعرفوه إلي

ص: 6


1- الكليني : الكافي، الجزء 1، كتاب العقل والجهل، الحديث 21.

أن يأذن له الله تبارك وتعالي بالظهور .

والناظر في حياة الأمم يقف علي أن ذلك ليس بأمر بديع، وبلا مثال متقدم، فقد كانت بين الأمم غيبة للأنبياء والأولياء حتي أنه سبحانه يأتي بأنموذج واضح من ذلك في سورة الكهف، ويعرف إنسانا كان وليا راشدا من أوليائه عائشا بين الناس، حال لعقدهم إلي حد، لم يكن الناس يعرفونه حتي النبي موسي عليه السلام قال سبحانه:«فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا»(1).

غاب الإمام الثاني عشر علي إثر ضغط الحكومة العباسية المصممة علي قتله بسبب اطلاعهم علي ما شاع بين الناس علي أن المهدي المصلح نجل الإمام العسكري، وهو الذي يقوض عروش الجبابرة والطواغيت، فلأجل ذلك لما انتشر نبأ وفاة أبيه، توالت حملات التفتيش علي بيت الإمام العسكري عليه السلام لكي يعثروا علي الوارث الوحيد لإمامته ولكنهم رجعوا خائبين فقد حالت مشيئة الله تعالي بينهم وبين ما وعد الله به الأمم في كتب السابقين واللاحقين، فحفظه وصانه عن كيدهم.

بين الحقائق والأوهام

ما عشت أراك الدهر عجبا :

إن هناك من ينقض ويبرم في أحاديث الإمام المهدي عليه السلام وبالأخص فيما يرجع إلي ميلاده وحياته وسفرائه وهو ليس في حل ولا مزتحل، مما يرجع إلي علم الحديث وأصوله وأحكامه وأقسامه ، فيا ليت شعري ماذا جري علي عالم الحديث حتي أخذ الصبيان في الكتاتيب يحلون ويعقدون في أمره دون أن يدرسوا عند عالم أو يتفقهوا عند محقق .

إذا ما فصلت عنيا قريش*** فلافي العير أنت ولا النفير

ص: 7


1- سورة الكهف : الآية، 65.

إلي الله المشتكي من أقلام مأجورة، لا تهدف إلا إلي تكدير الصفو، وتغطية الوقائع المسلمة وإنكار الأحداث الواضحة :«وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ »(1)فسيعلمون«مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَي»(2).

نعم إن هذا النوع من الخصوم اللد، يقدم لنا أكبر هدية وهي استقطاب نظر المحققين إلي الفحص عن الروايات الواردة حول المهدي بشتي عناوينه فيخرجوا عن الدراسة أكثر صلابة، وأكبر رصيدا، مرفوعي الرأس عند أصحاب التحقيق، وحماة الحقائق .

غاب الإمام الثاني عشر عن أعين الناس ولكن لم تنقطع صلته بهم، وكان بينه وبين شيعته صلة قويمة عن طريق سفرائه طيلة سبعين سنة 260 ۔ 329، وكان سفراؤه هم الذين يتصلون بالإمام، ويبلغونه رسائل شيعته وحوائجهم، فيجيبهم الإمام عن طريقهم ويرشدهم علي القدر المستطاع، وهؤلاء سفراؤه هم أكارم جيله، وأصفياء عصره، قد حمل كل واحد منهم علي عاتقه رسالة إرشاد الناس ورفع حوائجهم، ومجابهة الدعايات الضالة حسب ما هو مذكور في التاريخ، وستقرأ شيئا من خدماتهم الجليلة في صيانة التشيع من الزيغ، هم:

1- عثمان بن سعيد العمري وكانت سفارته ما بين 260-265 ه.

2- محمد بن عثمان العمري وكانت سفارته ما بين 265-305ه.

3 - الحسين بن روح النوبختي وكانت سفارته بين 305-326ه.

4- علي بن محمد السمري وكانت سفارته بين 326-329ه.

لقد هيأت الغيبة الصغري أرضية صالحة لإيمان الناس بالغيبة الكبري

ص: 8


1- سورة النمل، الآية/ 14.
2- سورة طه ، الآية/ 135.

التي انقطعت فيها الصلة بين الإمام والناس، ولولا الغيبة الأولي لكان تحمل الغيبة الثانية أمرا شديدا علي المجتمع، إلا أن الله تعالي بلطفه ، جعل الغيبة الصغري طريقا للغيبة الكبري، وسببا لمزيد الإيمان بها.

وهذا الكتاب الذي يزف إلي الطبع أثر جميل يبحث عن حياة السفراء الأربعة للإمام المهدي ، عليه السلام ويميز ما هو الواقع عما ألصق بها من الأساطير، وقد أفاض الكلام في مقدمة الكتاب حول فكرة الإمام المهدي عليه السلام، ونقد ما افتراه بعض الكتاب في ذلك الطريق، واكتسح الأشواك المطروحة في هذا المقام.

وقد قضيت فترة من الوقت في مطالعة هذا الكتاب فوجدته ثمرة ناضجة، وتاريخ تحليليا مقرونا بالدليل والبرهان، فأخذ المؤلف من ضميري ومن جوانحي مأخذا مهما، ألا وهو الشيخ الجليل والكاتب القدير ضياء الدين الخزرجي - حفظه الله تعالي ورعاه - فقد خدم الإمام المهدي عليه السلام وسفراءه والمجتمع الإسلامي بهذا الكتاب في العصر الذي صارت الفكرة غرضا لنبال مرشوقة من جانب الأعداء فجزاه الله تعالي خير الجزاء

الإمام المهدي هو شمس الحياة الطالعة التي لا يمكن أن تستر بالأوهام والافتراءات، ولا بالدعايات الفارغة ولا بالتحليلات الخاطئة ولا تجد موضوعا كهذا الموضوع - موضوع المهدي عليه السلام - تواترت فيه الروايات ، وألفت فيه كتب وموسوعات منذ بدء حياته إلي يومنا هذا.

نعم تغمرني من الأحاسيس ما تراها متجلية في الأبيات التالية وهي باقة زهور عطرة أقدمها إلي القراء جادت بها قريحة بعض المخلصين المجاهرين بولاء أئمة أهل البيت عليهم السلام(1).

ص: 9


1- للعلامة المحقق والشاعر المفلق : محمود البغدادي .

لئن غبت عنا هيكلا متجسدا***فما غاب منك الروح يشرق و الفكر

إلي أن قال :

أألتاع بالأشواق جهرا وخفية*** وأنت الذي عني تصد وتزور

أما آن أن ألقاك يا حب ساعة*** فقد ملني حتي التجلد والصبر

أسير غرام لج في قلبي الهوي*** طويلا وهل إلا الهوي للهوي أجر

الكل أسير مدة ثم تنقضي***ولكن من يهوي يدوم له الأسر

قم - مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام

غزة ذي الحجة الحرام

من شهور عام 1416ه

جعفر السبحاني

ص: 10

مقدمة الكتاب

اشاره

ص: 11

ص: 12

المقدمة

اشارة

تعتبر فكرة الإمام المهدي عليه السلام من القضايا الضرورية في الفكر الإسلامي، وقد ألف الفريقان كتبا عديدة في الإمام المهدي عليه السلام، وحكموا بتواتر الأحاديث الواردة بشأنه (1)، قال القنوحي: إنه لا معني للريب في أمر ذلك الفاطمي الموعود المنتظر المدلول عليه بالأدلة ، بل إنكار ذلك جرأة عظيمة في مقابل النصوص المستفيضة المشهورة البالغة حد التواتر (2)؛ وقال ابن خلدون : اعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام علي ممر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت عليه السلام يؤيد هذا الدين (3).

لكن هناك نوع من الانحراف عن هذا المنهج الصحيح الثابت في البحث التاريخي والعقائدي حول فكرة الإمام المهدي عليه السلام وما يتعلق به من بعض الكتاب المعاصرين أمثال : أحمد أمين المصري، والدكتور علي سامي النشار ومحمود صبحي والنشاشيبي وجماعة أخري من المستشرقين أمثال : فان فلوتن ورونلدسن وغيرهما؛ حيث أصدر هؤلاء أحكاما متسرعة في مثل هذه القضية الفكرية العالمية مما يجدر بالباحث إلي التوقف والاستغراب في آرائهم الغير مدروسة.

ص: 13


1- الطرائف لابن طاووس: 179، منتخب الأثر للصافي: 222-341
2- الإذاعة لما يكون: 30.
3- مقدمة ابن خلدون: 13.

ونستعرض هنا بعض الشبهات المطروحة من قبل بعض المدارس الاجتماعية حول هذه الفكرة، ملتزمين بقواعد البحث المنطقي والعلمي فيها، النضمن عدم انحرافها عن المسار الصحيح، وذلك من خلال الموضوعية، وتحديد المسلمات الفكرية التي تؤمن بها الأطراف المتخاصمة، مع مراعاة التناسب المنطقي بين المقدسات والأدلة والنتائج.

ونشر قبل كل شيء إلي ظاهرة مشتركة في تطابق الآراء بين المدارس الاجتماعية والغربية معا، فمثلا يري الكاتب المصري أحمد أمين : أن حديث الإمام المهدي عليه السلام هو حديث خرافة(1)، وأسطورة أفسدت عقولا ساذجة، واعتبارها هدامة في التاريخ الإسلامي (2)، واعتقد فان فلوتن : أن فكرة الإمام المهدي مجهولة، لا يعرف من وضعها ومتي وضعها(3)، ويتفق أحمد محمود صبحي وفان فلوتن في القول بأن نشوء هذه الفكرة يعود إلي الظروف السياسية(4)، وفي نظر أحمد أمين : أنها نبعت من الشيعة، وأنهم هم البادئون باختراعها(5)، ثم قال ساخرا: لقد استغل القادة المهرة أفكار الجمهور الساذجة المتحمسة للدين والدعوة الإسلامية، فأتوهم من هذه الناحية الطيبة

ص: 14


1- ظهر الإسلام: 3/243.. قال الشيخ العباد في محاضرته: إن بعض الكتاب في هذا العصر أقدم علي الطعن في الأحاديث المروية في المهدي عليه السلام بغير علم، بل بجهل أو بتقليد لأحد لم يكن من أهل العناية بالحديث، وقد اطلعت علي تعليق لعبد الرحمن محمد بن عثمان علي كتاب تحفة الأحوذي قال : يري الكثيرون من العلماء أن كل ما ورد من أحاديث عن المهدي عليه السلام إنما هو موضع شك، وأنها لا تصح عن رسول الله عليه السلام؛ بل تجرأ بعضهم كمحيي بن عبد الحميد في تعليقه علي الحاوي للفتاوي في آخر جزء من العرف الوردي فقال : إن أحاديث المهدي من الإسرائيليات...» انظر مجلة الجامعة الإسلامية : 43.
2- ضحي الإسلام: 3/346.
3- التشيع والشيعة : 35.
4- نظرية الإمامة : 405.
5- ضحي الإسلام : 3/241.

الطاهرة، ووضعوا الأحاديث يروونها عن رسول الله صلي الله عليه و آله في ذلك، وأحكموا أسانيدها وأذاعوها من طرق مختلفة، فصدقها الجمهور الطيب ببساطة ؛ وكان لذلك أثر سييء في تضليل عقول الناس (1)، ثم أكمل حديثه قائلا: ووضعت في المهدي الأحاديث المختلفة، ولم يرو البخاري ومسلم شيئا عن أحاديث المهدي؛ وهذا مما يدل علي عدم صحتها عندهما؛ وإنما ذكرها الترمذي وأبو داوود وابن ماجة وغيرهم، ثم ناقش هذه العقيدة قائلا : والمفكر يعجب لأمرين: أحدهما: تولية الإمامة لطفل في الرابعة أو الخامسة من عمره مع أن الإمامة منصب عظيم يشرف علي أمور المسلمين؛ فلا بد له من رجل ناضج علي تحمل المسؤولية، عارف بأمور الدين والمشاكل الدنيوية، والطفل الصغير لا يستطيع ذلك مهما أوتي من النبوغ، وهي نظرية تحتاج إلي مناقشة، والأمر الثاني : دعوي الشيعة في هذا الطفل أنه خفي لا يظهر؛ وإنما يظهر عند حاجة الزمان إليه ؛ وقد جرهم ذلك إلي القول بطول عمر الإمام الغائب؛ مع أن سنة الله في خلقه تحديد أعمار الإنسان وقد جري ذلك علي الأنبياء أنفسهم؛ فلم يغمز أحد أبدا»(2).

وهذا هو نفس ما توصل إليه الدكتور محمود صبحي قائلا : لا شك في أن حياة المهدي أكثر من ألف عام موضع الارتياب ؛ وكفيل أن يهدم العقيدة من أساسها(3)، وهي لا تتفق وسنة الله في خلقه، ولا تتفق مع العقل الصحيح(4). ثم ختم أحمد أمين بحثه قائلا:

«إن دعوي الطفل هذه؛ من صنع الوكلاء طمعا في المال الذي يجبي من

ص: 15


1- ضحي الإسلام: 3/243.
2- ظهر الإسلام: 3/117.
3- نظرية الإمامة : 420.
4- ضحي الإسلام: 3/524.

سائر الأقطار الإسلامية الأئمة الشيعة»(1).

إننا ومن خلال مراعاتنا للموضوعية في البحث نناقش هذه الافتراءات والدعايات الفارغة لتلك المدرسة ؛ ونتناول بالنقد والتحليل تلك الشبهات حول فكرة الإمام المهدي عليه السلام، ونؤكد قبل كل شيء إلي حقيقة هامة وهي : أن قادة تلك المدرسة الاجتماعية والغربية لا يتعدي كونهم باحثين اجتماعيين ؛ لا تكاد تصل نتائج بحوثهم إلي المستوي العلمي المطلوب ؛ لعدم إحاطتهم بالأدلة والأسلوب المنطقي الصحيح؛ الذي سار عليه المسلمون قديما انطلاقا من مبادئهم العقائدية ؛ فهم يفقدون إذن شرط توفر مقومات النقاش في المسائل الجوهرية، لأنهم غفلوا أو تغافلوا في مجال إقامة الدليل عن الأحاديث المتواترة، وعن الاستناد وعنصر الإلزام العقائدي فيها؛ فلم يقيموا لها وزنا؛ واعترضوا بأدلة ناقصة تؤيد مقالتهم وتركوا ما تعارف منها ؛ ولا أدري كيف منح الفهلوي سمة البعد عن الدجماطيقية لأحمد أمين المصري (2)، مع جزمه بالرأي قبل البحث والتنقيب وإلا فكيف سمح لنفسه بأن يعتقد خرافة الإمام المهدي عليه السلام مع هذا التواتر الروائي بشأنه، بحيث لم ترد كل تلك النصوص في حق نبي من الأنبياء عدا رسول الله صلي الله عليه و آله، كالتي وردت في حقه عليه السلام؛ والتي يعد إنكارها جرأة عظيمة !! . أفلا يسع هذا الكاتب وأمثاله ما وسع الناس علي ممر الأعصار والأزمنة !! والذي يعد منهم شذوذ بعد معرفة أن الكافة علي خلافهم؟! وهل اتفق هؤلاء كلهم علي الخطأ !! وكيف لم نتميز تلك الأحاديث التي وضعها الشيعة - كما ادعي أحمد أمين - دون غيرهم !! وأي مؤامرة تلك التي ادعاها هذا الكاتب، وقد تلاقفت هذه الفكرة معظم أقلام الباحثين وأهل السير بالنقد والتمحيص، حتي أصبحت لديهم من المسلمات الفكرية !! وقبلتها من دون

ص: 16


1- ظهر الإسلام : 3/17.
2- انظر مقدمة الجزء الرابع من ظهر الإسلام للفهلوي: 11-15.

شك و ترديد، وقد صرح بنفسه أنها مروية في صحيح الترمذي وأبي داوود وابن ماجة وغيرهم(1).

وكيف لم ير تلك الأحاديث في صحيحي البخاري ومسلم؛ قال ابن طاووس نقلا عن الكشف المخفي في مناقب الإمام المهدي : «ذكر الإمام المهدي في الصحاح الستة وهي صحيح البخاري ومسلم... فمنها من صحيح البخاري ثلاثة أحاديث، ومنها من صحيح مسلم أحد عشر حديثا»(2)وقال ابن حجر في صواعقه المحرقة : ومما وردت في الأحاديث في حق المهدي عليه السلام ما أخرجه مسلم وأبو داوود والنسائي (3). ثم ألا يكون ما ذكره هذا الكاتب الاجتماعي من ذكره الصحاح كأبي داوود وابن ماجة والترمذي وغيرهم وهم أقرب عصرا من غيبته كافيا للوصول إلي الإسلام!! ولماذا كل هذه السخرية بأفكار الجمهور(4)؟! ثم هل كان هذا الأمر - الاعتقاد بالمهدي عليه السلام - اجتهاديا، فتعالج هذه القضية بمقاييس أهل غير

ص: 17


1- ضحي الإسلام: أحمد أمين : 3/237.
2- الطرائف : 179؛ انظر صحيح مسلم: 1/94. وصحيح البخاري : 168/4.
3- الصواعق المحرقة : 30.
4- روي أحاديث المهدي عليه السلام معظم الصحابة وقد تجاوز عددهم حد التواتر منهم: ابن عباس، ابن مسعود، أبو هريرة، ابن عمر، عثمان، طلحة، عبد الرحمن بن عوف، الخدري، ابن اليمان، أنس بن مالك وغيرهم. وألف أهل السنة أكثر من أربعين كتابا فيه عليهم السلام منهم: أبو داوود، الترمذي، ابن ماجة، النسائي ، أحمد، ابن حبان، الحاكم، ابن أبي شيبة ، أبو نعيم، الطبراني، الدارقطني،البارودي، البزاز، الخطيب، ابن عساكر، ابن منده ، الحربي، تمام الرازي، ابن جرير وغيره. وألف كتبا مفصلة جماعة كثيرون منهم: أبو بكر بن خيثمة، الحافظ أبو نعيم، السيوطي، ابن كثير، ابن حجر المكي، علي المتقي الهندي، مرعي بن يوسف الحنبلي، الشوكاني، الصنعاني .. وحكم بتواتر أحاديثه الكثيرون منهم: الحافظ السجزي، ابن القيم، محمد البرزنجي، محمد رضا السفاريني، القاضي الشوكاني، القنوجي، الكنجي الشافعي وغيرهم ...

الاختصاص !! أفلا يري هذا الكاتب وأمثاله بأن الاعتقاد به عليهم السلام هو أمر غيبي لا يسوغ لأحد إثباته إلا بالدليل من الكتاب أو السنة؛ وأن الدليل معهم وهم أهل الاختصاص (1). ولماذا يسمح المسلمون أن يتركوا قضاياهم تحت رحمة هذا الفكر المطعم بشبهات الغرب والمستمد مبادئه من أسس تتغاير جوهريا مع الأسس الإسلامية !!.

لقد ادعت تلك المدارس الاجتماعية أن فكرة الإمام المهدي عليه السلام هي فكرة هدامة للتاريخ الإسلامي، ومفسدة للعقول، وأنها نبعت من الشيعة .. الخ، مع ما يكون العنصر الانتظار من أهمية خاصة في الإسلام، لكونه من الدوافع التي يمكن أن يتحلي بها المسلم لتهيئة الأرضية، فيستغلها في صالح هدفه المنتظر.

إن الإيمان بمخلص منتظر هو مظهر من مظاهر الثيوقراطية(2) ما دام لهذا المخلص صفته الدينية والسياسية معا كما اعترف بذلك أحمد أمين(3)، ونحن نرفض رفضا باتا أن تختص هذه الفكرة بالشيعة وحدهم، وقد ذكرنا رواية الصحابة وكتب السير والتراجم ؛ وقد حاول جولد تسهير أن يربط بينها وبين عقيدة الشيعة قائلا : إن الفكرة المهدوية إنما جاءت انسجاما مع معتقداتهم، فإن الإسلام في ثورته الشيعية هو وحده البيئة الملائمة التي يجب أن تنمو بها بذور الأماني المهدوية(4)، ولقد بالغ الكاتب المصري أحمد أمين وغيره في بيان العنصر الاجتماعي، معتمدة علي عامل الزمن من ناحية، حيث مر أربعة عشر قرنا، وعلي التفكير الوضعي الحديث الذي ينكر الحكم الثيوقراطي من

ص: 18


1- انظر مجلة الجامعة الإسلامية ، وقد ذكرت محاضرة الشيخ محسن العباد إمام ومحاضر في جامع المدينة المنورة، وحضرها ابن الباز وعلق عليها وبثت من الإذاعة
2- قيام القائم لمصطفي غالب: 225.
3- ضحي الإسلام: 3/341.
4- العقيدة والشريعة : 196.

ناحية أخري(1)، قرأوا أن هذه النظرية لا تتفق وسنة الله في خلقه والعقل الصحيح، وما تلك إلا دعاوي باطلة أظهرت الحقائق زيفها، ولأنهم ناقشوها بحسب مقاييسهم الاجتماعية !! فهل أن بقاء الإنسان طول هذه المدة من المستحيلات العقلية! ولو أردنا اتباع هذا المنهج؛ فهل تبقي لنا قضية من قضايا القرآن الثابتة بالنص القرآني !! أن المتتبع للحوادث العلمية والفلسفية يري إمكان بقاء الإنسان طويلا سواء علي الصعيد العلمي أو العملي أو الفلسفي (2)؛ مضافا إلي الشواهد التاريخية(3).

ودعوي تطاول الأعمار في سالف الدهر ثم تناقصها باطلة؛ لأن العاقل يعلم أن الأزمان لا تأثير لها في الأعمار، وأن زيادتها ونقصها من فعل قادر مختار يغير ما في الأوقات بحسب ما يراه من الصلاح... ثم نسأل هذا الكاتب: هل أن تكلم الطفل في المهد؛ وتحول عصا موسي عليه السلام إلي ثعبان، ونتق الجبل فوق بني إسرائيل كأنه ظلة، وإحياء الموتي، وشق البحر حتي ظهرت الأرض، وبقاء طعام عزير النبي عليه السلام لم يتسنه مائة عام هي

ص: 19


1- نظرية الإمامة لمحمود صبحي: 404-405.
2- انظر بحث حول المهدي عليه السلام للصدر : 22-36، وانتظار الإمام لعبد الهادي الفضلي: 47-58، والمهدي لصدر الدين الصدر : 137 وغيرها.
3- ذكر الكنجي في البيان : بأن الدلالة علي جواز بقاء المهدي في غيبته ولا امتناع في بقائه ؛ بدليل بقاء عيسي عليه السلام وإلياس والخضر من أولياء الله ، وبقاء الدجال وإبليس الملعونين من أعداء الله ، وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنة، وقد اتفقوا عليه ، فلا يسع بعد هذا العاقل إنكار جواز بقاء المهدي عليه السلام .. انظر إلزام الناصب للحائري: 419/1 . وقال الكراجكي: إن أهل الملل كلهم متفقون علي جواز امتداد الأعمار وطولها، وقد تضمنت التوراة من الأخبار بذلك .. كنز الفوائد : 245/1 ، وانظر المصادر التالية : عدة رسائل للمفيد: 366، تاريخ الطبري: 1/174 و 179، الفتوحات المكية لابن عربي في الباب 73 - الجزء الثاني منه، الإصابة لابن حجر: 429/1 ، تفسير الثعلبي : .430/1

أمور تتفق وما جرت عليه سنة الله تعالي في الأمور العادية؟! أو أنها توافق العقل التجريبي الصحيح؟! فالعقل يحكم في قطعياته وضرورياته، ونحن ناول النصوص، وأما ظنياته ، فلا قيمة لها أمام النصوص !! إلا أن تكون اجتهادة في مقابل النص؛ فالمنهج الصحيح هو ملاحظة حال النسبة إلي الشريعة، فإن تمت لاحظنا الموانع المناسبة مع تلك المسألة، لا أن نخرج جزافا بمقاييس لا ترتبط بها.

وأما دعوي أحمد أمين الأخري في إبطال إمامة الصغير كالإمام المهدي عليه السلام فهي باطلة أيضا؛ لأن النبوة والإمامة كلاهما تفضل منه سبحانه وتعالي، وبيده يمنحها لمن يشاء من غير اختيار لأحد فيهما، ويجوز هذا عقلا ولا مانع منه ، مع دلالة الدليل عليه، لأنه سبحانه وتعالي قادر علي أن يجمع في الصبي جميع شرائط النبوة والإمامة(1)، فلم يكن الإمام المهدي عليه السلام الي هو الحدث الفريد من نوعه في التاريخ؛ مع ما ورد من تلك النصوص القرآنية في يحيي عليه السلام أنه أوتي الحكم صبيا، وعيسي عليه السلام بأنه تكلم في المهد واستلم منصب النبوة وهو صغير (2). ثم روي علماء أهل السنة وغيرهم بأن الإمام الجواد عليه السلام كان قد بلغ في وقته من الفضل والأدب والحكم مع صغر سنه منزلة لم يساوه فيها من ذوي الأسنان من السادة وغيرهم(3)، وأن الإمام الهادي عليه السلام حاز علي الإمامة وهو ابن ثمان سنوات، وكذا الإمام العسكري عليه السلام وهو ابن أحد عشر عاما(4). ثم إن

ص: 20


1- المهدي لصدر الدين الصدر : 246.
2- انظر انتظار الفرج لعبد الهادي الفضلي: 23، قال تعالي : «يَا يَحْيَي خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا»[مريم: 12]، وقوله تعالي : «يَا يَحْيَي خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا* يَا يَحْيَي خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا» [مريم: 29-30].
3- انظر دائرة المعارف الإسلامية الشيعية لأحمد أمين : 1/300.
4- الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي، إثبات الوصية للمسعودي، دلائل الإمامة للطبري وغيرها ..

واقع الأئمة عليهم السلام في علمهم بالشريعة وتطبيقهم لأحكامها في سلوكهم وواقعهم تجاه السلطة المنحرفة وخصومهم في الفكر، كان قد حفل به التاريخ، وظهرت نتائج اختباراتهم وتعريفهم لصنوف الإغراءات والمواقف الحرجة؛ فتكون إناطة المسؤولية بهم وإن صغر سنهم لا يقف مانعا أمام تصدي منصب الإمامة وكنموذج عليه؛ ما كان للإمام الجواد عليه السلام مع المأمون العباسي (1). ولو افترضنا سكوت التاريخ عن هذه الظاهرة، فإنه من غير الطبيعي أن لا يحدث عنها رغم تكررها؛ خاصة وأن المعارضة الشيعية كانت علي أشدها في العصور العباسية وكانت طريقة إعلان فضيحة الشيعة الإمامية بإحراج أئمتهم فيما يدعونه من علم واستقامة سلوك، وكذا إبراز سخفهم لاحتضانهم أئمة بهذا السن والعمر، هو أيسر بكثير من تعريض الأمة إلي حروب طاحنة قد يكون الخليفة من ضحاياها، أو تعريض هؤلاء الأئمة إلي السجون والمراقبة أو المجاملة أحيانا(2).

وأما دعواه حول السفراء:

1- اشارة

وذلك باتهامهم بالكذب والدجل والخيانة، وتزوير الأحاديث، والسرقة الأموال المسلمين بحجة أنهم سفراء عن الإمام المهدي عليه السلام، فهو مما لا يليق بهذا الكاتب الاجتماعي (أحمد أمين) التفوه به، ولا يمكن مسامحته عليه ، فكيف يستهين بتلك الشخصيات العظيمة التي وصلت إلي درجة رفيعة حسدهم عليها الملوك، والقضاة(3)!! واعترفت الأمة بجلالتهم وعظمتهم وكمال عقلهم (4)!!، أليس ما ذكره هذا الكاتب إلا إفساد للحقائق وتمويه

ص: 21


1- المصدر السابق نفسه.
2- انظر تاريخ الإسلام للذهبي: 190/24.
3- انظر سير أعلام النبلاء للذهبي: 10/222، لسان الميزان لابن حجر، الوافي بالوفيات للصفدي.
4- المصدر رقم (3) وتاريخ الطبري، وابن الأثير وغيرهما ...

للعقول؟!! فكيف تسلم - كل تلك الأموال الضخمة التي كانت تصلهم من البلاد الإسلامية التي اعترف بها الكاتب المصري نفسه (1)- إليهم دون معرفة بهم، والاطلاع علي أحوالهم، والوقوف علي أمور غيبية عنهم؟!!. إن وصول كل تلك الأموال إليهم ليصحح أطروحتهم، ويبين صدق مقالتهم وعظم شأنهم، ومنزلتهم الرفيعة في الأمة ولقد كان حال السفراء واضحا عند مختلف طبقات الأمة، حيث اختبروا مرات عديدة فبان صدق مقالتهم، وحسن سيرتهم مع ما كانوا عليه من مسلك السرية والكتمان بسبب مراقبة السلطات لتحركاتهم، وبثها الجواسيس حولهم لاقتناص أخبارهم وأخبار من انتسبوا له؛ مع تلك المؤامرات وحالات الشغب التي كانت تحاك ضدهم(2) والعقائد الفاسدة لبعض العناصر في المجتمع، وقد اندفع السفراء الأربعة المجابهة التيار المنحرف المتمثل في السلطة والمجتمع، فلم يقلل نشاطهم من شأنهم، أو يحد من سلوكهم وكانت فترة سفارتهم من أشد الفترات وأصعبها . إننا ومن خلال النقاش العلمي السليم والوصول إلي مستوي الموضوعية في البحث بحاجة إلي الإلمام التام بجميع الأحداث التي أحاطت بهم، والظروف السياسية والاجتماعية والفكرية التي مروا بها، ودراسة تلك المعاناة وتجربتهم في الأمة، ومدي ارتباطهم بالأئمة وتصديق الأمة لهم ليتبين كذب مقالة تلك المدرسة الاجتماعية وافتراءات أحمد أمين حولهم.

وتدور هذه الدراسة حول محورين أساسيين :

2- المحور الأول:

معرفة حال هؤلاء السفراء والأهداف المرتقبة في إيجاد السفارة المهدوية ، واستعراض صفاتهم ومقوماتهم في السفارة وبعض الشبهات حول السفارة .

ص: 22


1- ظهر الإسلام: 3/117.
2- انظر كمال الدين للصدوق، إعلام الوري للطبرسي: 421، الغيبة للطوسي وغيرها...
3- المحور الثاني:

دراسة موضوعية للأوضاع الاجتماعية والسياسية والفكرية، وذكر بعض تراثهم الثقافي والعلمي، وبيان أطروحتهم وكيفية ارتباطهم بالأمة، وكيفية استلام التوقيعات وخروج المعجزات من قبل الأئمة عليهم السلام علي أيديهم لبيان صدق مقولتهم، وزيف الافتراءات حولهم، ثم مناقشة التوقيع الصادر من الإمام المهدي في إغلاق باب السفارة وإعلانه عن بداية الغيبة الكبري.

ص: 23

ص: 24

الفصل الأول: نظرة متكاملة حول سفارة الإمام المهدي عليه السلام

اشاره

ص: 25

ص: 26

المبحث الأول: الأهداف المرتقبة من السفارة المهدوية:

1- اشارة

كان الإمام المهدي عليه السلام يهدف في إيعازه لبناء السفارة في الغيبة الصغري إلي ثلاثة أمور:

2- الأمر الأول: إثبات وجوده وحياته عن طريق سفرائه:

اعتمد الإمام المهدي عليه السلام في عمله نظاما هرميا خاصا؛ أمكنه أن يرتبط من خلاله بقواعده الشعبية وفئاته الموالية ؛ فكان عليه السلام يتصدي قمة هذا النظام ويمارس أعماله بسرية وحذر وكتمان شديد، ويصدر تعليماته وأوامره إلي سفرائه مباشرة، وقد عدوا ركنا مهما في هذا النظام وكانوا بمثابة أعضاء الارتباط بينه وبين وكلائه المنتشرين في سائر البلاد الإسلامية؛ ولا نعرف مدي قوة هذا الارتباط لكونه محاطا بالغموض، ومجهولا تماما لدي الجميع سوي السفير نفسه الذي كان يعرف قوة هذا الارتباط وضعفه .

لقد كان تاريخ السفراء حافلا بالآلام والمتاعب حيث المطاردة الجادة من قبل السلطة وجواسيسها الذين بتهم في كل مكان لملاحقة فلول الإمام المهدي عليه السلام وأتباعه، ومحاولتها القضاء علي القيادة المشروعة وكل من يرتبط بها بصلة؛ ويتجلي هذا تماما في النصوص الواردة عنهم عليهم السلام من حرمة التصريح باسمه، أو الإعلان عن مكانه كما سيأتي ؛ فكانت مهمة السفراء اتخاذ ايدلوجية مناسبة من الحذر والكتمان من جهة، وبذل أقصي

ص: 27

الجهود لإقناع الرأي العام من خلال قيادتهم الأمة - بوجود الإمام الثاني عشر عليه السلام، وكونه مختفيا عن الأنظار؛ وإخراج التوقيعات والبيانات الصادرة منه عليه السلام لتذليل العقوبات وحل المشاكل الاجتماعية والفكرية والسياسية وغيرها من جهة أخري، وقد أتاح منهج السرية والكتمان الفرص الكثيرة أمام السفراء من العمل الدقيق والمنظم تحت قيادته عليه السلام وهم يلحظون في هذه الأيدلوجية عدة أمور هي:

الأول : خوف السلطة من العلويين، وبذلها جهودا مكثفة لاضطهاد كبار قادتهم، والحد من نشاطهم، وقد ذكرهم أبو الفرج الأصفهاني في مقاتله .

الثاني : زرع جو من القلق والرعب وبث الإشاعات المغرضة والمسمومة من قبل السلطة، وما يترتب عليه من ردود سلبية علي الأمة.

الثالث : المطاردة الجادة لفلول وقواعد الإمام عليه السلام، وشن حملات التفتيش المنتظمة وغير المنظمة لدار الإمام عليه السلام من خلال التسعة عشر عاما من خلافة المعتمد العباسي والمعتضد...

3- الأمر الثاني: رعاية شؤون الأمة الإسلامية:

إن من أهم الوظائف الملقاة علي عاتق السفراء وأخطرها هو رعاية شؤون الأمة الإسلامية من خلال تلك الظروف والتعقيدات الاجتماعية والسياسية والفكرية، مع اختفاء الإمام المهدي عليه السلام عن المسرح العام وضرورة إقناعها بوجوده؛ وسيتضح ذلك جيدا في هذه الدراسة.

4- الأمر الثالث: تهيئة الأمة لاستيعاب مفهوم الغيبة الكبري:

لقد كانت الأمة الإسلامية فترة الغيبة الصغري بحاجة إلي شحذ للأذهان التوعينها مفهوم الغيبة الكبري، وقد انصبت استراتيجية الإمامين الهادي والعسكري عليه السلام علي ذلك، باتباعهما مسلك الاختفاء والاحتجاب عن الأمة

ص: 28

بلا مباغتة وسابق مقدمات، إذ لعل الأسلوب المفاجيء يؤدي إلي مضاعفات غير محمودة تؤدي بالمجتمع إلي إنكار وجود الإمام الهادي عليه السلام مطلقا ؛ وكان علي الإمام المهدي أيضا أن يضاعف في هذا المسلك ويتدرج في عمقه .

إن المتبع للنصوص والشواهد التاريخية يري بوضوح مدي التفاوت بين منهجية الإمام العسكري عليه السلام وابنه الإمام المهدي عليه ، فقد كان أصحاب الإمام العسكري أكثر بكثير من أصحاب الإمام المهدي عليه السلام ؛ وكانوا يرونه أثناء زيارته للبلاط العباسي؛ ويعرفون هيئة وقسمات وجهه، وكانت الأمة الإسلامية قد شاهدت موته ؛ بعد أن ضمن المخطط الإلهي لغيبة ابنه عليه ؛ بينما لم يكن يري الإمام المهدي عليه السلام سوي القليل من أصحابه ، ثم تتابعت الأجيال الإسلامية في غيبته وهي لا تحمل أي فكرة عن شكله وهيئته سوي النصوص الواردة بشأنه، ولم يكن الإمام المهدي عليه السلام مع ذلك مختفيا بشخصه، معزولا عن الأمة، بل كان يراهم ويرونه، ويعرفهم ولا يعرفونه، وإن ما كان واقعا خارجا هو: الجهل بعنوانه كإمام مهدي !! لا اختفاء جسمه كما تقول به بعض الأفكار غير المبرهنة .

ص: 29

المبحث الثاني: مقومات السفراء الأربعة للإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف)

قالوا: إن الرسول دليل عقل المرسل، يمثله في شخصه وكماله، وذلك من خلال نشر أفكاره الناضجة، ونواياه الحسنة، لأن النفوس لا تتأسي إلا بالأخلاق المرضية، ولا تتكهرب إلأ بالعلوم الناضجة، ولا تهش إلا بتوطيد السياسة وإقامة العدل والدعوة إلي الدين؛ ثم يكون نبوغ هذا الرسول مجلية الرغبات الأمة، ووقوفا علي غاية المرسل من إرساله ، ولنعم ما قيل:

تخبر رسولك إن الرسول*** يدل علي عقل من أرسله

لقد كان إيعاز الإمام المهدي عليه السلام بإيجاد السفارة يدل علي الاهتمام الشديد بهذا الأمر وخطورته، ومن وقع عليه الاختيار لا يتحلي إلأ بالصفات الكريمة المتكاملة، لقد عرف السفراء من خلال تاريخهم وتجربتهم في الأمة الإسلامية وعلي عكس ما ادعاه المفتري أحمد أمين حولهم بعمق الإخلاص وقوة التحمل والصبر علي البلاء ؛ قال إسماعيل بن علي النوبختي وهو من كبار علماء الكلام - واصفا أحد السفراء : وأبو القاسم - ابن روح النوبختي - لو كان الحجة تحت ذيله، وقرض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه(1). واجتمع

ص: 30


1- الغيبة للطوسي: 240.

فيهم أيضا العلم والحلم، العقل والحنكة، التجربة والخبرة بأطوار الأمة، المعرفة بطرق المحاورات وفنون الجدل، قوة الإيمان والبصيرة في الدين، وصحة العقيدة، الإحاطة التامة بمؤسسات الدين وقوانين الملة ؛ الكفاءة والدراية السياسية والعلمية فيما ندبوا إليه؛ الفطنة والدراية بمصالح الناس، المعرفة بسياسة كل طبقة علي نحو لا تخالف الشريعة، وبهذه الاستراتيجية الواضحة رسم السفراء معالم الإسلام الحضارية، وأقاموا دعائمه وقدموا الأطروحة المناسبة حول (فكرة الغيبة) ووجود الإمام المهدي عليه السلام .

ص: 31

المبحث الثالث: الصيغ العملية والأيدلوجية الجديدة في عمل السفراء

1- اشارة

إن الهدف من وجود الإمامة المتمثلة بأهل البيت عليهم السلام هو هداية البشرية إلي السعادة الأبدية ؛ فلا بد من وجود إمام لكي لا تسيخ الأرض بأهلها، ولكي يحفظ الأئمة عليهم السلام هذا القانون الطبيعي، فإن عليهم أن يطبقوه في سلوكهم العملي والاجتماعي في جميع الفترات وعلي مختلف المستويات ، حيث وضع الإمامان علي سبيل المثال - الهادي والعسكري نظام تكامليا يحفط البشر من الضياع والانحطاط، ويؤمن سعادتها وذلك هو (نظام الوكلاء) علي أسس حديثة، وكان غرضهما منه التمهيد للإمام المهدي عليه السلام الحفظه من الظلمة وتأمين مستلزماته ؛ ثم اختاروا لهم أصحابا كان لهم موقعا ورصيدا اجتماعيا عالية في الأمة؛ للقيام بمسؤولية تغيير الانحراف القائم في السلطة والمجتمع، فكان لهم دورا هاما في مواجهة تيار الانحراف، ورسموا أطرا تكاملية للمجتمع، وإليك أهم نشاطاتهم في السفارة المهدوية :

2- أولا إثبات صدق سفارتهم بإقامتهم الدلائل الباهرة:

وردت النصوص والشواهد التاريخية الكثيرة عن الأئمة عليهم السلام من أهل البيت عليهم السلام بتوثيقهم السفراء الأربعة للإمام المهدي عليهم السلام ، وتسالم عليها المجتمع الإسلامي، حتي بات ذلك مشهورة عنهم من خلال التجربة التي

ص: 32

عاشتها الأمة معهم ومن خلال ارتباطها بهم، فساعدتهم تلك المعرفة علي قبول كلامهم ومقولتهم، وصحة ما انتسبوا إليه بادعائهم السفارة، وذلك بإقامتهم الدلائل والبراهين الواضحة لإزالة حالة الشك والريب في المجتمع .

لقد كان ظهور المعجزات والبينات من قبل الأئمة عليهم السلام والأعلام من الممكن الذي ليس بواجب عقلا، ولا ممتنع قياسا، وقد جاءت به الأخبار بكونه منهم علي التظاهر والانتشار ؛ فقطع علي ذلك من جهة السمع وصحيح الآثار وعليه جمهور أهل الإمامة، وأما من تأخر من النوبختيين فهم يوافقون في ظهور المعجزات علي أيدي الأئمة عليهم السلام ومنهم أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت في ياقوته ما لفظه : وظهور المعجزات علي أيدي الأئمة عليهم السلام جائز، ودليله قصة مريم بنت عمران، واصف بن برخيا(1). وقال العلامة في شرحه : إنه غير مستحيل ولا قبيح، فجاز إظهاره، أما عدم قبحه فلأن جهة القبح هو الكذب وهو منتف هنا، إذ صاحب الكرامة لا يدعي النبوة، فانتفي وجه القبح(2)، ومن ذهب إلي جواز صدور الكرامات من الأئمة عليهم السلام من مشائخ المعتزلة : أبو الحسن البصري، وابن الإخشيد ومن اتبعه وأصحاب الحديث كلهم يجوزه لكل صالح من أهل التقوي والإيمان. وأما ظهور الكرامات من المنصوبين للسفارة المهدوية فإنه جائز ذلك منهم، ولا يمنع منه عقل ولا سنة، وهو مذهب جماعة من مشايخ الإمامية ؛ وإليه يذهب ابن الإخشيد من المعتزلة وأصحاب الحديث في الصالحين والأبرار، وأبو الحسن البصري ومحققو الأشعرية كالجويني والغزالي والرازي والفلاسفة المسلمين كابن سينا في الشفاء (3).

لقد بذل السفراء الأربعة للإمام المهدي عليه السلام خلال فترة الغيبة الصغري جهودا

ص: 33


1- أوائل المقالات للمفيد: 80.
2- نفس المصدر والصفحة.. انظر الهامش.
3- أوائل المقالات للمفيد: 80.

مضاعفة ومكثفة لإثبات أحقيتهم في السفارة، فأقاموا الدلائل والبراهين البينة ، والمعجزات التي ظهرت علي أيديهم بتوجيه منه عليه السلام تدل علي صحة ما انتسبوا إليه ، قال النوبختي - السفير الثالث للإمام المهدي عليه السلام - أحمد بن إسحاق الأشعري وهو من كبار علماء الكلام عند الشيعة : لئن أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح من مكان سحيق أحب إلي من أن أقول في دين الله برأيي ومن عند نفسي، بل ذلك من الأصل ومسموع من الحجة صلوات الله عليه(1).

3- ثانيا: بذل الجهود في إخفاء أمر الإمام المهدي عليه السلام :

لقد كانت بداية فترة الغيبة الصغري مشحونة بالتساؤلات حول وجود الإمام المهدي عليه السلام وما يرتبط به، ومغلفة بالكتمان الشديد، لعدم وجود المصلحة في الدلالة عليه أو علي مكانه ، فلو كانت مصلحة في لقائه ، فليس هناك بد من لقائه أو الدلالة عليه، ومع ذلك ؛ فلم يكن اسم الإمام المهدي عليه السلام غامضا لدي مختلف الفرق الإسلامية؛ وإذ تطارد السلطات شخصه عليه السلام فهي تلحظ جانبين:

الأول : التعرف علي وقت ولادته عليه السلام ؛ إذ مع الغفلة عن معرفة وقتها لا يمكنها بطبيعة الحال أن تجرد حملاتها ضده .

الثاني : التعرف علي شخصه باسمه، إذ بدونه لا يمكنها أن تواجه الإمام المهدي عليه السلام وتقاتله ؛ لاحتمال أن يكون المهدي قد ولد أو لم يولد، فوضوح الاسم يكسب شخصية قانونية واجتماعية معا ؛ ومع الجهل به وبشكله يكسبه غموضا يجعل السلطة تحار في البحث عنه، ويكيف هذا الغموض برهبة وشعور بالعجز تجاهه، ويحتمل وكما تؤكده الأحداث أن المراد بكتم الاسم

ص: 34


1- الغيبة للطوسي: 210.

هو كتم الشخص نفسه وإخفاء ولادته عن أعدائه ، وعليه فإن هناك تكليفا واحدا بالكتمان يتعلق بالولادة والاسم معا باعتبارهما يعبران عن معني أصيل، سأل الحميري والأشعري لمحمد بن عثمان العمري - السفير الثاني للإمام المهدي عليه السلام - في أن يخبرهما عن اسم الإمام المهدي عليه السلام ؛ فقال لهما : نهيتما عن هذا(1). وقال أيضا: محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك؛ ولا أقول هذا من عندي، وليس أحلل وأحرم؛ ولكنه عنه عليه السلام ؛ فإن الأمر عند السلطان أن أبا محمد العسكري مضي ولم يخلف ولدا، وقسم ميراثه وأخذه من لا حق له، وصبر علي ذلك، وهوذا عياله يجولون وليس أحد يجسر أن يتعرف عليهم أو بنيلهم شيئا؛ وإذا وقع الاسم وقع الطلب فاتقوا الله وأمسكوا(2). وخرج توقيع من الإمام المهدي عليه السلام لسفيره محمد بن عثمان العمري ابتداء ومن غير مسألة: ليخبر الذين يسألون عن الاسم إما السكوت والجنة، وإما الكلام والنار، فإنهم إن وقفوا علي المكان دلوا عليه(3) . وقال الإمام الهادي عليه السلام: إنكم لا ترون شخصه، ولا يحل ذكره باسمه، فقال له الراوي للحديث : فكيف نذكره؟! قال عليه السلام : قولوا الحجة من آل محمد صلي الله عليه و آله(4).

4- ثالثا: إخراج التوقيعات عن الإمام المهدي في قضايا الأمة:

1- اشارة

تناولت التوقيعات الخارجة من الإمام المهدي عليه السلام وبنوع من الجدية قضايا الأمة سواء ما يرتبط فيها بمستوي العلاقات الاجتماعية أو القضايا السياسية أو الفكرية، فأما علي مستوي العلاقات الاجتماعية فقد تناولت النصوص المشاكل العائلية ومحيط الأسرة، كتيسير الشفاء لأمراض مزمنة ،

ص: 35


1- الغيبة للطوسي: 215.
2- الغيبة للطوسي: 219.
3- الغيبة للطوسي: 222.
4- الغيبة للطوسي: 222.

وطلب الولد وسؤال الدعاء لأمور هامة، واستئذان بالسفر، أو الخروج إلي الحج، أو التزويد بالأكفان والأحناط وغيرها من الأمور.

وأما علي الصعيد السياسي، فقد تناولت النصوص تحذير السفراء والوكلاء وأصحاب الأئمة عليهم السلام من الوقوع في قبضة السلطات وشراكها، وكيفية استلام الأموال أو إرسالها إلي الإمام عليهم السلام أو صرفها في مجالات سياسية ومشاريع عامة يعود نفعها علي الأمة.

وأما علي الصعيد الثقافي، فقد وردت النصوص عنه عليهم السلام في حل المشاكل المزمنة المتعلقة بالمذهب، ومواجهة الهجمة الثقافية وتيار الانحراف في السلطة والمجتمع.

وهناك عدة ملاحظات حول التوقيعات :

2- الأمر الأول: تشابه خط الأئمة عليهم السلام :

لقد كان معظم أصحاب الإمام الحسن العسكري عليهم السلام يعرفون خطه وكذا خط الإمام المهدي عليهم السلام ؛ حيث كان هناك تشابها في القلم بالغلظة والرقة فقد كتب أحمد بن إسحاق الأشعري القمي رسالة إلي الإمام العسكري عليهم السلام أعرب فيها عن رغبته في معرفة خطه عليهم السلام ليأمن التدليس والتزوير من قبل بعض المشعوذين، فأجابه الإمام عليهم السلام : يا أحمد بن إسحاق ، إن الخط سيختلف عليك ما بين القلم الغليظ والقلم الرقيق فلا تشكن(1). وقال الطوسي: وهكذا كانت التوقيعات الخارجة من الإمام المهدي عليهم السلام إلي سفرائه وخواص أبيه بالأمر والنهي والأجوبة عما يسأل الشيعة عنه إذا احتاجوا إلي السؤال بالخط الذي كان يخرج في حياة الإمام الحسن العسكري علي (2).

ص: 36


1- المناقب لابن شهرآشوب: 4/250.
2- الغيبة للطوسي: 216.
3- الأمر الثاني: كيفية استلام التوقيعات

لم تكن طريقة استلام التوقيعات واضحة، بل وحتي اللقاءات التي دارت بين السفراء والإمام المهدي عليه السلام ، فقد تطول المدة ثم يحصل اللقاء، روي الطوسي بإسناده عن عبد الله بن جعفر الحميري قال : سألت محمد بن عثمان العمري (رض) فقلت له : رأيت صاحب هذا الأمر؟! قال: نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو يقول لي : اللهم أنجز ما وعدتني (1)وقال العمري أيضا : ورأيته صلوات الله عليه متعلقا بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول : اللهم انتقم لي من أعدائك(2).

4- الأمر الثالث: مدة خروج التوقيعات
اشارة

اختلفت النصوص حول مدة خروج التوقيعات الصادرة من الإمام المهدي عليه السلام إلي سفرائه ، وكانت تخرج علي أشكال عديدة :

أ- التوقيع الشفوي:

فقد كان يخرج التوقيع أحيانا شفويا إلي السائل وإفهامه أنه من الإمام المهدي عليه السلام ، روي الطوسي: أن رجلين دخلا علي ابن روح النوبختي - السفير الثالث للإمام المهدي عليه السلام ومعهما أخرس، فطلبوا منه الدعاء بالشفاء للأخرس، فأجابهم ابن روح قائلا : إنكم أمرتم بالخروج إلي الحائر؛ فذهبوا إليه وشفي الأخرس بمعجزة الإمام عليه السلام (3).

ب - التوقيع بنحو الرسالة المستعجلة :

فقد خرج توقيع منه عليه السلام لابن روح النوبختي عام 312ه من شهر

ص: 37


1- الغيبة للطوسي: 321.
2- الغيبة للطوسي: 188.
3- الغيبة للطوسي: 188.

ذي الحجة وهو في السجن في لعن ابن أبي العزاقر الشلمغاني المدعي للسفارة كذبا عن الإمام المهدي عليه السلام بسرعة فائقة لا تتصور والمداد رطب لم يجف (1)

ج- التوقيع الغيبي :

ومرة يخرج التوقيع منه عليه السلام وقد خطر السؤال في ذهن السائل فيخبره الإمام المهدي عليه السلام بما في ضميره ووجدانه، ولم يكن يعرف ذلك أحد غيره، روي الطوسي توقيعا صادرا من الإمام المهدي علي لسفيره محمد بن عثمان العمري جاء فيه : قال أبو الحسين الأسدي : فوالذي بعث محمدا بالحق بشيرا لقد نظرت في التوقيع فوجدته قد انقلب إلي ما كان في نفسي(2).

د- التوقيع بعد ساعات :

ومرة كان يخرج التوقيع منه عليه السلام بعد ساعات قليلة من تقديم الأسئلة له عليه السلام؛ فقد روي الطوسي بإسناده عن الصفواني قال : وحضرت صلاة الظهر فصلينا هناك ، ورجع الرسول وهو خادم أسود لمحمد بن الفضل - فقال : قال لي ابن روح النوبختي : امض، فإن الجواب يجيء، وقدمت المائدة ، فنحن في الأكل، إذ ورد الجواب في تلك الورقة مكتوب بمداد عن فصل فصل (3).

ه - التوقيع بعد ثلاثة أيام :

ومرة أيضا كان يخرج التوقيع منه عليه السلام بعد ثلاثة أيام من تقديم الأسئلة

ص: 38


1- الغيبة للطوسي: 195.
2- الاحتجاج للطبرسي: 2/480.
3- الغيبة للطوسي: 192.

له؛ فقد روي الطوسي بإسناده عن علي بن الحسين بن بابويه القمي أنه قال : سألت ابن روح النوبختي بالتوسط عند الإمام عليه السلام ليدعو الله تعالي له في أن يرزقني ولدا، فأنهي ذلك إليه، فأخبره بعد ثلاثة أيام أنه قد دعا لعلي بن الحسين عليه السلام فإنه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به ؛ وبعده أولاده»(1).

و - التوقيع علي مجموعة أسئلة :

ومرة يخرج التوقيع منه علي عليه السلام مجموعة أسئلة عرضت عليه في ورقة واحدة، فقد روي الطوسي بإسناده عن أبي غالب الزراري قال : فحين جلسنا عند أبي جعفر، أخرج الدرج وفيه مسائل كثيرة قد أجيب في تضاعيفها (2).

5- رابعا: قبض الأموال وتوزيعها علي الأمة:

لقد كانت الأموال الكثيرة تصل السفراء بعد استشهاد الإمام العسكري عليه السلام ثم توصل بعدها إلي الإمام المهدي عليه السلام ، وذلك في بداية الغيبة ؛ كالأموال التي أرسلها الوفد القمي ولأول مرة إلي عثمان بن سعيد العمري في بغداد(3). ثم توالت الوفود بعد ذلك وهي تحمل معها الأموال والأسئلة التي كانت تتناول موضوعات مختلفة ؛ بعد أن عرفوا تنصيب العمري نائبا في أمر السفارة عن الإمام المهدي عليه السلام في بغداد ؛ فأمروا بحمل ما لديهم إليه وأخذ الأجوبة والتعليمات منه، وكانت الوصولات تسلم لأرباب الأموال مرفقة بالدعاء في بداية الغيبة، ولكنه انقطع التسليم بعد التسالم علي السفارة وصحتها عنهم، وصعوبة الوقت، والسيف يقطر دما في خلافة المعتضد .

ص: 39


1- الغيبة للطوسي : 195.
2- الغيبة للطوسي: 184.
3- الغيبة للطوسي: 184.

أما طريقة التسليم لهذه الأموال إلي السفراء، فقد كان يتم بشكل عادي دون غموض أو شك يتوجههم، حيث كانوا يأمرون أرباب الأموال بالذهاب إلي المكان الفلاني ليسلموا ما عندهم بلا قبوضات تعطي لهم، أو توضع في جراب السمن وزقاقه ويحمله السفراء تغطية لأمرهم وخوفا(1)، وكان الإمام المهدي عليه السلام في كل ذلك جادا في مطالبة السفراء بتلك الأموال وغيرها من الأمور، وتوصيتهم بصرفها في وجوهها الصحيحة، وقد بين طريقة الصرف لهم لهذه الأموال في النصوص (2)، فكان السفير مثلا يتاجر بها ليفوت الفرصة علي السلطة وجواسيسها.

ص: 40


1- الغيبة للطوسي: 214.
2- الغيبة للطوسي: 214.

المبحث الرابع: تساؤلات علي طاولة البحث حول السفارة

السؤال الأول: لماذا لم يختر الإمام المهدي شفراءه من العلويين؟

يلحظ من خلال دراسة التاريخ وخاصة تاريخ العلويين أنهم كانوا الصوت المرهب للدولة الأموية والعباسية معا، وكان شعارهم: الثورة علي الظلم والدعوة للرضا من آل محمد صلي الله عليه و آله، مما كان سببا في مواجهتها لهم؛ فعاملتهم الدولتان بأقسي ما يعامل به أعداء الدين، وأوقعت فيهم المجازر البشعة ولا يكاد يجف دم حتي يسيل آخر، وتفننتا في إبادتهم ، فقتل وصلب وإحراق وتذرية وإماتة بطيئة وزج في زنزانات التعذيب والتشريد الجماعي، وقد ذكر الأصفهاني في مقاتله عن هذا الشيء الكثير .

لقد كان هدف الإمام عليه السلام في إيجاد السفارة هو استيفاء أكبر هدف اجتماعي يعود بالنفع علي الأمة الإسلامية، ولا يكون تصدي العلويين لهذا المنصب المهم سوي تعطيلا للحدود الإلهية والمصالح العامة المرتقبة في الغيبة، باعتبار تلك النظرة السلبية من قبل السلطات تجاههم، وهذه النظرة منتفية في غيرهم؛ فهي لا يمكنها أن تشدد الرقابة، وتفرق الجواسيس حول كل فرد من أفراد المجتمع لمعرفة من يعارضها، والسفراء مهما كانوا مقربين

ص: 41

من الأئمة وسائرين في خطهم، فبإمكانهم التغطية علي أمرهم، والحذر والكتمان بالقول والفعل حسب ما يرونه مناسبا وموافقا للظروف والأوضاع السائدة آنذاك ؛ فحري بنا أن نتساءل : ما هو الدافع الذي يجعل الإمام المهدي يختار السفراء من العلويين دون غيرهم؟! خاصة وأن الإمام كان قد امتلك أصحابا بلغوا الذروة القصوي في الإيمان وقوة الإرادة والعزيمة والتخصص العالي في مختلف المجالات والعلوم، وهم معروفون بأسمائهم وأنسابهم، وقد تربوا في مدرسة الإمامين العسكريين والإمام المهدي عليهما السلام وتخرجوا من تلك المدرسة، إن مطالعة تاريخ السفراء الأربعة ودراسة أحوالهم نراهم الممثل الأوفي والأمثل في هذا المجال والأكثر تسلطا من غيرهم كما مر ذكر ذلك، وقد حازوا علي جلالة في الأمة لا نظير لها، وكانوا من معتمدي الأئمة عليهم السلام ومقربيهم، حيث استطاعوا بلباقتهم إقناع الرأي العام بوجود الإمام المهدي عليه السلام وبيانهم أهداف الغيبة، وهذا ما كان يتوخاه الإمام المهدي عليه السلام في أمر السفارة.

ص: 42

السؤال الثاني: لماذا اختار الإمام المهدي بغداد لسفارته؟

1- اشارة

قبل الخوض في بيان أسباب اختيار الإمام المهدي عليه السلام بغداد محلا السفارته نشير إلي بعض المشاهد التاريخية حول سامراء محل ولادة الإمام المهدي عليه السلام وسبب تركه لها.

أشارت النصوص التاريخية إلي أن سامراء كانت أكثر من نصف قرن عاصمة الخلافة العباسية، وأصبحت زهرة البلدان ودرة التيجان، لا أجمل ولا أعظم ولا آنس ملكا منها(1)، لكنها تحولت إلي خراب بمجرد انتقال الخلافة العباسية عنها إلي بغداد، فغار نبعها دفعة واحدة ولم يبق منها سوي موضع غيبة الإمام المهدي عليه السلام وقبر أبيه وجده ومحلة أخري بعيدة تسمي كرخ سامراء، وسائر ذلك خراب يستوحش الناظر إليه(2). وتعاقب في تلك الفترة ثمانية من خلفاء بني العباس علي سامراء ابتداء بالمعتصم حيث انتقل إليها عام 227ه، وبويع بعده للواثق حتي عام 232ه، ومن ثم المتوكل حتي عام 247ه حيث قتله الأتراك بعد ليلة حمراء زاخرة باللهو والشراب (3)، وبويع للمنتصر وبقي ستة أشهر ويومين في الخلافة(4)، ثم جاء بعده المستعين عام 248ه حتي خلع نفسه عام 253ه وجلس مكانه المعتز بالله(5)، ثم خلعه الأتراك عام 256ه وبايعوا المعتمد حتي عام 279 ه. وبعده نصبوا المعتضد في بغداد وبه كانت نهاية العاصمة سامراء.

اشتهر هؤلاء الخلفاء باللهو والخمر والمنادمة ما عدا المهتدي حيث كان

ص: 43


1- تاريخ سامراء للمحلاتي : 56، نقلا عن الجويني، ومعجم البلدان للحموي .
2- تاريخ سامراء للمحلاتي : 96.
3- الكامل في التاريخ لابن الأثير : 302/5 .
4- مروج الذهب للمسعودي: 4/46، الكامل : 5/310.
5- مروج الذهب : 4/60.

أحسنهم مذهبا وأجملهم طريقة، وقد كان في بني العباس كعمر بن عبد العزيز في بني أمية (1)، ويعود سبب بناء المعتصم مدينة سامراء إلي أنه رأي ازدحام الموالي في جيشه وقواده، وكذا ازدحام الأتراك والمغاربة والفراعنة في العاصمة بغداد، وتعرضهم إلي الأهالي بالأذي وعدم عنايتهم بالسلوك الحميد تجاه الناس، قرر بناء سامراء ثم نقل الخلافة والجيش إليها، وانتقل إليها بالفعل عام 220ه(2).

وأما الخصوصيات التي اشتهر بها الخلفاء، فقد ذكر أن بعضهم اشتهر بالقوة والبعض الآخر بالضعف؛ فاستقل القواد في العاصمة سامراء، وسيطروا علي دفة الحوادث ومجريات الأمور، واستولوا علي مركز الخلافة وصاروا يزعجون الخليفة ، فمرة يشغبون عليه وأخري يقتلونه، وثالثة ينصبون غيره، وذاق هؤلاء الخلفاء الثمانية الأمرين، حتي خرج المعتمد من سامراء عام 279ه إلي حيث مات(3)، واستهل خلفه المعتضد ببغداد في العام نفسه(4).

وأما الحوادث العامة التي شهدتها سامراء منذ بنائها وإلي أفول الخلافة عنها أيام المعتضد سواء علي الصعيد السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي، منها: استيلاء الأتراك والموالي علي دفة الحكم والسياسة العليا في العاصمة سامراء، والعمال والأمراء علي الأطراف، وعزل الخليفة جزئيا أو كليا عن النظر في شؤون الدولة ، ومن هؤلاء: بغا الكبير وابنه موسي وأخوه محمد وكيغلغ وبابكيال وأسارتكين وسيماء الطويل وياركوج وطبايعو واذكوتكين وبغا الصغير ووصيف التركي وغيرهم، وهذان الأخيران كانا قد تفردا بالأمور حتي قيل فيهما :

ص: 44


1- مروج الذهب: 103/4 ، تاريخ ابن الوردي : 1/239.
2- الكامل لابن الأثير : 5/236، تاريخ سامراء للمحلاتي: 101 نقلا عن الطبري، ومعجم البلدان للحموي: 19.
3- الكامل لابن الأثير : 6/73، العبر للذهبي: 2/24.
4- مروج الذهب للمسعودي: 143/4 ، تاريخ ابن الوردي : 242/1 ، الكامل لابن الأثير : 73/6 .

خليفة في قفص*** بين وصيف وبغا

يقول ماقالا له*** كما تقول الببغا(1)

ومنها : الحروب والمناوشات الداخلية في العاصمة سامراء بسبب ضعف الخلافة، وفي أطرافها بين الولاة والأمراء؛ فكانت المدن الإسلامية تستقبل بين فترة وأخري وجها جديدا يحكمها ويدبر أمورها ويجبي خراجها.

ومنها: ظهور الخوارج وصاحب الزنج فترة خلافة المهتدي والمعتمد؛ حيث قتل الآلاف من النفوس البريئة، وهتكت الأعراض وأحرقت عشرات المدن، وصاحب الزنج هو علي بن محمد الثائر في البصرة عام 255ه(2)، وقد زعم أنه علوي يتصل نسبه بالإمام السجاد عليه السلام من ابنه زيد عليه السلام ، واستمر هذا الرجل يعبث بمقدرات الأمة، ويعيث في الأرض فسادا مدة خمسة عشر عاما إلي أن قتل 270 ه.

ومنها : ظهور ثورات علوية كثيرة في سامراء وأطرافها، وهي تدعو كلها للرضا من آل محمد صلي الله عليه و آله، حتي بلغ عددهم تلك الفترة ما يزيد علي ثمانية عشر ثائرا.

وعلي كل حال، فإن استعراض تلك الحوادث واستقصاؤها يدل بوضوح علي معرفة سبب اختيار الإمام المهدي عليه السلام بغداد عاصمة له فترة الغيبة ونذكر أهمها:

2- أولا : البعد عن الرقابة :

استطاع الإمام المهدي عليه السلام باختياره بغداد كسر طوق الحصار الذي فرضته السلطات الحاكمة علي تحركاته ، وضمن وبشكل أفضل ممارسة عمله ولو بحرية نسبية عما كان في سامراء، فهو عليه السلام بعيد عن عيون السلطة

ص: 45


1- الكامل لابن الأثير : 346/5 ، وتاريخ ابن الوردي : 1/ 223.
2- الكامل لابن الأثير : 51/6 .

وجواسيسها وملاحقاتها له ولأصحابه .

3- ثانيا : إرسال بياناته إلي الأمة الإسلامية :

لم يكن التفاف الأمة يشكل خطرا علي الإمام المهدي عليه السلام بقدر ما كان في سامراء، وكان في اختياره بغداد حفاظا علي أصحابه من الوقوع في قبضة السلطات، والدفاع عنهم إن تطلب ذلك، مضافا إلي قدرته البالغة في إرسال أكبر عدد من النداءات والبيانات إلي سفرائه لإيصالها إلي الأمة الإسلامية وحل مشكلاتها.

4- ثالثا : تطبيقه مسلك الاحتجاب وتتميمه بأعلي مستواه :
5- رابعا : موقع بغداد .. السياسي والجغرافي :

لقد تمتعت بغداد بموقع سياسي وجغرافي لا نظير له آنذاك ، حيث صيرها مرمي لأنظار المفكرين والفلاسفة والأدباء وغيرهم في مختلف العلوم، وكانت تعقد فيها الندوات الفكرية والثقافية للحوار في أمور العقيدة والحياة، وصارت ملتقي للأفكار الناضجة والمتفتحة في العالم الإسلامي . ولم تتحدث النصوص الإسلامية عن بقاء السفراء في بغداد مدة سفارتهم، بل كانوا يخرجون بين الحين والآخر منها إلي الأطراف للقيام بعمل تجاري أو إنجاز مشروع عام أو أداء فريضة الحج ثم استلام النداءات من الإمام المهدي عليه السلام ، وقد حصلت لقاءات منهم للإمام المهدي عليه السلام في بيت الله الحرام لمرات عديدة(1).

وقد كانت بغداد بعيدة عن ساحة الصراع السياسي القائم بين الخلفاء والأمراء، والمناوشات الداخلية بين الطوائف والمذاهب الأخري، وحتي عن الهجوم الأجنبي الذي كان يهدد العاصمة سامراء بين الحين والآخر.

ص: 46


1- من لا يحضره الفقيه: الصدوق: 307/7 .

السؤال الثالث: ما هو الهدف من اختيار الوكلاء في أمر السفارة؟

اشارة

ذكر المامقاني في تنقيحه أن للحجة عليه السلام وكلاء غير السفراء الأربعة ، وكان تخصيص هؤلاء الأربعة إما لأن غيرهم من الوكلاء يرجعون إليهم فلا يأمرون ولا يؤمرون إلأ بوساطتهم؛ أو لأنهم كانوا وكلاء عموما وغيرهم في الجزئيات(1)، وكان هؤلاء الوكلاء أقواما ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل (2). وانحرف جماعة من هؤلاء الوكلاء بعد أن كانوا صالحين أول أمرهم وسنذكرهم من خلال هذا البحث، وخرجت توقيعات منه عليه السلام في لعن هؤلاء الوكلاء والبراءة منهم بعد خدمتهم وطول صحبتهم فأبدلهم الله سبحانه بالإيمان كفراحين فعلوا ما فعلوا؛ فعاجلهم الله بالنقمة ولم يمهلهم ؛ وكان سبب هذا الانحراف والموقف المعادي للإمام عليه السلام مع مشاهدتهم المعجزات والكرامات الواضحة والبراهين القوية منه عليه السلام هو الحسد والبغض لأهل البيت عليهم السلام ، وطمعهم في الحصول علي الأرباح والرئاسة علي الناس. .

أما الهدف من اختيار الوكلاء في أمر السفارة فملخصه :

أولا: تسهيل أمر السفراء وتوسعة عملهم:

لقد عاش السفراء في سفارتهم ظروفا قاسية وصعبة لصعوبة الزمان والسيف يقطر دما آنذاك ، وقد صعب عليهم التحرك والاتصال بالقواعد الشعبية في البلاد الإسلامية؛ ويعود سبب ذلك إلي الحالة التي أوجدتها السلطة من مطاردة قواعد الإمام وملاحقة قادتها، ونشر حالة من الخوف والرعب في صفوف المعارضة، وظهور الفرق المنحرفة التي لعبت دورا

ص: 47


1- تنقيح المقال : 1/200.
2- الغيبة للطوسي: 257.

خطيرا في عملية الانحراف، وظهور حركات الزندقة والغلاة بين فصائل الأمة، وضعف الوعي السياسي والفكري في أوساط الأمة .

ثانيا: نظام الوكلاء ساهم في إخفاء عمل السفراء:
1- اشارة

إن فكرة اعتماد هذا النظام كان قد ساهم في إضفاء طابع الكتمان والسرية علي اسم السفير وشخصه، لأن الفرد المنتمي إلي القواعد الشعبية الموالية للإمام عليه السلام غاية ما يمكنه هو الاتصال بأحد الوكلاء دون إرادة معرفة اسم السفير أو نوع عمله ومكانه، وكان هؤلاء يدرجون المسائل الفقهية والعقائدية أو الاجتماعية أو السياسية فيرسلوها إلي السفراء. وقد ذكر الصدوق اثني عشر وكيلا كانوا قد وقفوا علي معجزات الإمام عليه السلام(1).

وأسماؤهم هي:

2- الأول: حاجز الوشاء:

وهو حاجز بن يزيد الوشاء(2)؛ كان وكيلا عن الإمام المهدي عليه السلام ؛ يستلم الأموال من أربابها والأسئلة فيوصلها إلي السفراء. سكن بغداد ، وأوصل توقيعات الإمام عليه السلام المواليه ؛ روي المفيد بإسناده عن الحسن بن عبد الحميد قال : شككت في أمر حاجز، فجمعت شيئا ثم صرت إلي العسكر - أي سامراء - فخرج إلي : ليس فينا شك، ولا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا؛ ترد ما معك إلي حاجز بن يزيد (3). وروي الكليني بإسناده عن محمد بن الحسن الكاتب المروزي قال : وجهت إلي حاجز الوشاء مائتي دينار وكتبت إلي الغريم - أي الإمام المهدي عليه السلام - بذلك، فخرج الوصول، وذكر أنه كان قبلي ألف دينار وأني وجهت إليه مائتي دينار ؛ وقال : إن أردت أن تعامل أحدا

ص: 48


1- إكمال الدين : 116/3
2- عنتهي المقال للقمي: 241/1 .
3- الإرشاد للمفيد: 333.

فعليك بأبي الحسين الأسدي بالري، فورد الخبر بوفاة حاجز (رض) بعد يومين أو ثلاثة، فأعلمته بموته فاغتم، فقلت : لا تغتم؛ فإن لك في التوقيع إليك دلالتين : إعلامه إياك أن المال ألف دينار، والثانية : أمره إياك بمعاملة أبي الحسين الأسدي لعلمه بموت حاجز(1). وليس لدينا الكثير من النصوص حول هذا الوكيل وكيفية ارتباطه بالسفراء واستلامه التوقيعات منهم.

3- الثاني : أبو طاهر محمد بن علي بن بلال:

وكان وكيلا صالحة أمرا، ثم انحرف وفسد حاله بعد ذلك، فقد عده ابن طاووس من الوكلاء المعروفين في الغيبة الصغري، الذين لا يختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن العسكري فيهم، وعبر عنه الإمام المهدي عليه السلام في بعض توقيعاته : بأنه الثقة المأمون العارف بما يجب عليه(2)، وذكره الصدوق في قائمة الوكلاء(3)، لكن الشيخ الطوسي ذكره في عداد المذمومين وروي فيه أحاديث تدل علي انحرافه آخر عمره(4).

4- الثالث: العطار:

وهذا اللقب مشترك بين جماعة لم يذكر التاريخ عن أحدهم أنه كان موسوما بالوكالة، وهؤلاء هم: محمد بن يحيي العطار وابنه أحمد، وإبراهيم بن خالد العطار، وعلي بن عبد الله أبو الحسن العطار ... وغيرهم، وما ذكره الصدوق بلقب العطار لعله واحدا من هؤلاء المذكورين أو غيرهم؛ وقد انفردت بذكره رواية الصدوق وحدها لا غير بلا معارض(5) .

ص: 49


1- الغيبة للطوسي: 485.
2- رجال الكشي للطوسي: 485.
3- إكمال الدين : 3/116.
4- الغيبة للطوسي: 245.
5- إكمال الدين للصدوق: 116/2 .
5- الرابع: العاصمي:

وهذا اللقب مشترك أيضا بين عيسي بن جعفر بن عاصم الذي دعا له الإمام الهادي عليه السلام(1)، وأحمد بن محمد بن أحمد بن طلحة أبو عبد الله ، يقال له العاصمي كان ثقة في الحديث، سالما خيرا، أصله كوفي، وسكن بغداد، روي عن الشيوخ الكوفيين، وله كتب منها : كتاب النجوم ومواليد الأئمة وغيرهما(2) وكلاهما لم يوسم بالوكالة، ولم يعلم معاصرته للغيبة ، فتبقي رواية الصدوق وحدها بلا معارض (3).

6- الخامس: الأهوازي :

وهو محمد بن إبراهيم بن محمد، عده ابن طاووس من الوكلاء والأبواب المعروفين الذين لا يختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن علي العسكري عليه السلام فيهم، خرج من الإمام المهدي عليه السلام توقيعا جاء فيه: قد أقمناك مقام أبيك ؛ فاحمد الله(4)، وقد روي المفيد فيه قوله : فإن وضح لي شيء كوضوحه في أيام أبي، أنفذته، وإلأ أنفقته في ملاذي وشهواتي(5)، وأضاف الطبرسي قوله : وإلا قصفت به(6)، وهذان الروايتان تنافيان جلالة قدره وتنصيبه وكيلا بعد أبيه .

7- السادس: القمي الأشعري :

وهو أبو علي أحمد بن إسحاق بن سعد، وافد القميين، روي عن الإمامين

ص: 50


1- رجال الكشي للطوسي: 502.
2- رجال النجاشي: 73.
3- إكمال الدين للصدوق: 2/116.
4- جامع الرواة للأردبيلي : 1/44.
5- الإرشاد للمفيد: 331.
6- إعلام الوري للطبرسي : 418.

الجواد والهادي عليهما السلام ، وكان من خاصة أبي محمد العسكري عليه السلام(1)، له كتب منها كتاب (علل الصلاة) كبير، ومسائل الرجال لأبي الحسن الثالث عليه السلام(2)، عاش بعد وفاة أبي محمد العسكري عليه السلام، روي الطوسي قول الإمام الهادي عليه السلام فيه : بأنه ثقة؛ وعرض الإمام العسكري عليه السلام ولده الإمام المهدي عليه السلام عليه، بعد أن بشره بالولادة أيضا، قال عليه السلام له: ولد لنا مولود، فليكن عندك مستورا وعن جميع الناس مكتوما، فإنا لم نظهر عليه إلا القرابته، والمولي لولايته، أحببنا إعلامك ليسرك الله به مثل ما سرنا به والسلام(3).

8- السابع : الهمداني :

وهو محمد بن صالح بن محمد الهمداني الدهقان، كان من أصحاب الإمام العسكري عليه السلام ووكيلا عن الإمام المهدي عليه السلام (4) ، خرج توقيع منه عليه السلام لإسحاق بن إسماعيل قائلا: فإذا وردت بغداد ؛ فاقرأه علي الدهقان وكيلنا وثقتنا والذي يقبض من موالينا(5). ولكنه غلا في آخر عمره وصار منحرفا(6)، وخرج توقيع منه عليه السلام جاء فيه: وقد علمتم ما كان من أمر الدهقان عليه لعنة الله ، وخدمته وطول صحبته ؛ فأبدله الله بالإيمان كفرا حين فعل ما فعل، فعاجله الله بالنقمة ولم يمهله(7)، ويحتمل أن يكون المراد بالدهقان عروة بن يحين .. والله العالم.

ص: 51


1- رجال النجاشي: 71.
2- الفهرست للطوسي: 50.
3- الغيبة للطوسي: 258.
4- جامع الرواة للأردبيلي: 131/1 .
5- رجال الكشي للطوسي: 485.
6- جامع الرواة للأردبيلي: 2/447.
7- إكمال الدين للصدوق: 116/2
9- الثامن : الشامي:

وهو غير معروف النسب، كان من أهل الري، ومن وكلاء المهدي عليه السلام برواية الصدوق(1)، ولم يرد عنه شيئا من أمره في النصوص.

10- التاسع : الرازي الأسدي:

وهو محمد بن جعفر الأسدي الرازي، كنيته : أبو الحسين، له كتاب الرد علي أهل الاستطاعة(2)، أصله كوفي وسكن بالري، كان ثقة صحيح الحديث(3)، ذكره الطوسي مع الثقات الذين وردت عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل، روي بإسناده عن صالح بن أبي صالح قال : سألني بعض الناس في سنة تسعين ومائتين قبض شيء فامتنعت من ذلك، وكتبت أستطلع الرأي، فأتاني الجواب : بالري محمد بن جعفر العربي، فليدفع إليه ؛ فإنه من ثقاتنا (4)؛ وقد ذكر تنصيبه عليه السلام له بعد وفاة حاجز بن يزيد الوشاء (5)؛ وقوله في جواب أبي جعفر محمد بن علي بن نوبخت: الأسدي، نعم العديل فإنه قدم، فلا تختر عليه ، قال : فقدم الأسدي، فعادلته(6). مات الأسدي علي ظاهر العدالة، لم يتغير، ولم يطعن فيه في شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة(7)، وهذا أنسب بحاله مما ذكره النجاشي عنه من كونه يروي عن الضعفاء، وأنه كان يقول بالجبر والتشبيه ؛ وما ذكره أنه مات ليلة الخميس لعشر خلون من جمادي

ص: 52


1- إكمال الدين للصدوق: 116/2 .
2- الفهرست للطوسي: 179.
3- رجال النجاشي : 289.
4- الغيبة للطوسي: 257.
5- الغيبة للطوسي: 257.
6- الغيبة للطوسي: 257.
7- الغيبة للطوسي: 257.

الأولي سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة(1).

11- العاشر : القاسم بن العلاء:

وهو من آذربيجان، عده ابن طاووس من الوكلاء للإمام المهدي عليه السلام(2) ويكني بأبي محمد(3) ؛ روي عنه أنه قال : ولد لي عدة بنين، فكنت أكتب إلي الناحية المقدسة عليه السلام وأسأل الدعاء لهم، فلا يكتب إلي بشيء من أمرهم فماتوا كلهم: فلما ولد لي الحسين ابني كتبت أسأل الدعاء وأجبت، وبقي والحمد لله(4)، عمر القاسم بن العلاء مائة وسبع عشرة سنة، منها ثلاثون سنة صحيح العينين، لقي الإمامين الهادي والعسكري عليه السلام ، وأصيب بالعمي بعد الثمانين وكان مقيما بمدينة الران من أرض آذربيجان، وكان لا تنقطع توقيعات مولانا صاحب الزمان عليه السلام علي أيدي أبي جعفر محمد بن عثمان العمري، وبعده علي يدي أبي القاسم بن روح قدس الله روحيهما(5). وقد أورد الطوسي والراوندي حديثا طويلا يشتمل علي كرامات الإمام المهدي عليه السلام وهي تدل علي جلالة هذا الرجل، وخرجت توقيعات منه إلي القاسم بن العلاء في لعن بعض المنحرفين كأحمد بن هلال وغيره (6).

12- الحادي عشر: النعيمي النيشابوري:

وهو محمد بن شاذان، عده ابن طاووس من وكلاء الناحية، وممن وقف علي معجزات صاحب الزمان عليه السلام وراه(7)، وقد أخرج الصدوق حديثا

ص: 53


1- رجال النجاشي: 289.
2- جامع الرواة للأردبيلي : 2/ 19.
3- جامع الرواة للأردبيلي : 2/ 19.
4- الإرشاد للمفيد: 331.
5- الغيبة للطوسي: 188، الخرائج للراوندي : 98.
6- رجال الكشي للطوسي: 449
7- جامع الرواة للأردبيلي : 2/ 130.

طويلا عن كيفية اجتماعه بالإمام عليه السلام ، ولكن يظهر من تشويش العبارة أنه ليس محمد بن شاذان، بل غانم أبو سعيد الهندي الذي كان جديد العهد بالإسلام، وباحثا عن الحقيقة والله العالم. خرج في ابن شاذان توقيعا من الإمام المهدي عليه السلام يقول فيه: وأما محمد بن شاذان بن نعيم، فإنه رجل من شيعتنا أهل البيت عليهم السلام(1).

هذه مجموعة من أسماء الوكلاء، وهناك آخرون غيرهم أمثال : إبراهيم بن مهزيار الأهوازي، والبزوفري، والهمداني إبراهيم بن محمد، وابن روح النوبختي، وعثمان بن سعيد وابنه والسمري، وأحمد بن إليسع بن عبد الله القمي، وأيوب بن نوح بن دراج النخعي، والشلمغاني وغيرهم (2).

لقد كانت الوكالة نافذة المفعول بداية الغيبة الصغري للإمام المهدي عليه السام كما يظهر من بعض الأخبار، وقد صد الإمام المهدي عليه السلام هجوما عنيفا علي وكلائه للتعرف عليهم ومن ثم معرفة الإمام عليه السلام ، حيث احتال الوزير عبد الله بن سليمان وزير المعتضد عام 379ه للقبض علي الوكلاء بحيلة اخترعها(3)، وسيأتي في البحث دور بعض الوكلاء الذين ادعوا السفارة أو الوكالة عن الإمام المهدي عليه السلام ، أو انحرفوا عن الإمام عليه السلام ومدي تأثيرهم في المجتمع علي بعض النفوس الضعيفة، وكيفية تزييفهم الحقائق.

لقد كان بعض هؤلاء السفراء الأربعة وكلاء عن الإمام المهدي عليه السلام بداية أمرهم، ولم ترد نصوص عن بيان كيفية عملهم كوكلاء قبل استلامهم السفارة .

ص: 54


1- إعلام الوري للطبرسي : 424.
2- انظر الغيبة للطوسي، والغيبة الصغري لمحمد الصدر : 611.
3- إعلام الوري للطبرسي : 421.

الفصل الثاني: دراسة موضوعية للسفارة ودور السفراء في ترسيخ مفهوم الغيبية

اشارة

ص: 55

ص: 56

المدخل

آراء العلماء حول السفراء

وإن في الصغري له نوابا*** موثقين عنده أبوابا

عدتهم أربعة منصوصة*** منهم وهم نوابه المخصوصة

ابن سعيد اسمه عثمان*** عدل زكي ثقة أمان

ثم ابنه من بعده محمد*** العالم الكامل والمسدد

وبعده ابن روح الحسين*** شيخ جليل ثقة وعين

وبعده السمري وهو بوالحسن*** ابن محمد علي المؤتمن

كانواله وسائط في الشيعة*** ليوصلوا اليهموا توقيعه(1)

ونكتفي هنا بذكر بعض أقوال العلماء المتقدمين حول السفراء الأربعة للإمام المهدي عليه السلام ... فقد ذكر المفيد والطوسي بأن جماعة من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام شاهدوا خلفه في حياته، وكانوا أصحابه وخاصته بعد وفاته والوسائط بينه وبين شيعته دهرا طويلا في استتاره؛ ينقلون إليه معالم دينهم، ويخرجون إليهم أجوبة مسنائلهم، ويقبضون منهم حقوقهم لدينهم، وهم جماعة كان الحسن بن علي عليه السلام عدلهم في حياته ، واختصهم أمناء لهم في وقته، وجعل إليهم النظر في أملاكه والقيام بمآربه،

ص: 57


1- الدرر المكنونة في الإمام والإمامة للسيد حسن الطباطبائي : 182.

معروفون بأسمائهم وأنسابهم وأمثالهم، كأبي عمرو عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفر محمد بن عثمان وبني نوبخت ببغداد ومنهم الحسين بن روح النوبختي والسمري - وبني مهزيار في الأهواز وجماعة من أهل قزوين وقم وغيرهما من الجبال، وبني الركولي بالكوفة، مشهورون بذلك عند الإمامية والزيدية ، معروفون بالإشارة إليه عند كثير من العامة، وكانوا أهل عقل وأمانة وثقة ودراية، وفهم وتحصيل ونباهة، وكان السلطان يعظم أقدارهم بجلالة محلهم في الدنيا، ويكرمهم لظاهر أمانتهم واشتهار عدالتهم، حتي أنه كان يدفع ما يضيفوه إليهم خصومهم من أمر آمرهم ظنا بهم، واعتقاد البطلان من قذفهم، وذلك لما كان من شدة تحرزهم وستر حالهم، واعتقادهم وجودة آرائهم وصواب معتقدهم(1).

أما الصدوق فقد وصفهم قائلا : إن الإمام العسكري عليه السلام كان قد خلف جماعة من ثقاته ممن يؤدي عنه الحلال والحرام، ويؤدي إليه كتب الشيعة وأموالهم، ويخرجون الجوابات ، وكانوا بموضع من الستر والعدالة بتعديلهم إياه في حياته، وكانت كتب ابنه الإمام المهدي عليه السلام بعده تخرج إلي الشيعة بالأمر والنهي علي أيدي رجال أبيه الثقات أكثر من عشرين عاما، ثم انقطعت الكتابة ومضي أكثر رجال الحسن العسكري عليه السلام الذين كانوا شهدوا بأمر الإمام عليه السلام بعده، وبقي منهم رجل واحد قد أجمعوا علي عدالته وثقته ، فأمر الناس بالكتمان وأن لا يذيعوا شيئا من أمر الإمام عليه السلام ، وانقطعت المكاتبة(2).

وقال الطبرسي مادحا لهم بقوله : ولم يقم من السفراء أحد إلا بنص عليه من قبل صاحب الأمر عليه السلام ونصب صاحبه الذي تقدم عليه، ولم تقبل

ص: 58


1- عدة رسائل للمفيد : 361، الغيبة للطوسي : 76.
2- إكمال الدين للصدوق: 189/1 .

الشيعة قولهم إلا بعد ظهور آية معجزة تظهر علي يد كل واحد منهم من قبل صاحب الأمر عليه السلام تدل علي صدق مقالتهم وصحة بابيتهم(1). وذكرهم النعماني أيضأ قائلا : إن الغيبة الأولي هي الغيبة التي كان السفراء فيها بين الإمام عليه السلام و بين الخلق، قيامة منصوبين، ظاهرين موجودي الأشخاص والأعيان يخرج إليهم غوامض العلم، وعويص الحكم والأجوبة عن كل ما كان يسأل عنه من المعضلات والمشكلات، والسفير هو العلم(2).

وأثني عليهم أبو الصلاح الحلبي قائلا : إنه معلوم لكل سامع للأخبار تعديل أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام جماعة من أصحابه ، وجعلهم سفراء بينه وبين أوليائهم، والأمناء علي قبض الأخماس والأنفال، وشهادته بإيمانهم وصدقهم فيما يؤدونه منه إلي شيعته، وأن هذه الجماعة شهدت بمولد الحجة ابن الحسن عليه السلام وأخبرت بالنص عليه من أبيه عليه السلام ، وقطعت بإمامته وكونه الحجة المأمول للانتصار من الظالمين، فكان ذلك منهم نائبا مناب نص أبيه عليه السلام لو كان مفقودا - والجماعة المذكورة : أبو هاشم داوود بن القاسم الجعفري ومحمد بن بلال وأبو عمر وعثمان بن سعيد السمان وابنه أبو جعفر محمد بن عثمان رضي الله عنهم(3).

لقد فاق هؤلاء السفراء الأربعة جميع أصحاب الأئمة عليهم السلام- كما يظهر من كلمات العلماء - مرتبة وفضلا، وفازوا بالنيابة عن الإمام عليه السلام وسفارته، وكانوا الواسطة بينه وبين الرعية خلال سبعين عاما، وجري علي أيديهم كرامات كثيرة وخوارق لا تحصي، وغير خفي أنهم في مماتهم أيضا

ص: 59


1- الاحتجاج للطبرسي : 2/478.
2- الغيبة للنعماني : 173.
3- تقريب المعارف في الكلام لأبي الصلاح: 185.

وسائط(1)، فمن اللازم أن يبلغوا الإمام عليه السلام ما يكتب في الحاجات والشدائد من الرقاع عن طريقهم وبوسيلتهم، فإن عظيم فضلهم ومنزلتهم مما لا يحده البيان.

ص: 60


1- روي الطوسي وابن طاووس زيارة للسفراء مروية عن الشيخ النوبختي ... انظر مصباح الزائر للكفعمي: 264، التهذيب للطوسي: 118/9 ، بحار الأنوار للمجلسي : 102/292 ... وذكر الكفعمي كيفية كتابة الرقاع لهم عند اشتداد الأموال والأحوال .. انظر مصباح الزائر : 405، البلد الأمين لابن طاووس: 157، بحار الأنوار للمجلسي : 235/102 . وكذا كيفية الاستغاثة بهم.. انظر أنيس العابدين للطيب: 40 نقلا عن كتاب السعادات . إن من وظيفة الوافدين لزيارة العتبات المقدسة في العراق أثناء إقامتهم في مدينة الكاظمين هو التوجه إلي بغداد لزيارة هؤلاء النواب الأربعة وزيارة قبورهم، لا يطلب من الزائر بذل كثير من الجهد، فهي مجتمعة في بغداد غير بعيدة عن الوافدين ؛ وهي لو كانت منتشرة في أقاصي البلاد لكان يحق أن تشد إليها الرحال ويطوي في سبيلها المسافات الشاسعة ويتحمل متاعب السفر وشدائده لنيل ما في زيارة كل منهما من الأجر .

وهنا أربعة أبواب :

الباب الأول: السفير الأول للإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف) عثمان بن سعيد العمري

اشاره

ص: 61

ص: 62

المبحث الأول: عثمان بن سعيد العمري في الميزان

1- اشارة

عثمان العمري هو الوكيل*** ابن سعيد ثقة جليل(1)

وهو عثمان بن سعيد العمري أو العمروي، كنيته : أبو عمرو، وألقابه عديدة منها : السمان، الزيات، العسكري، الأسدي، العمروي أو العمري وغيرها؛ وكان العمري أشهرها نسبة إلي جده عمرو، ويلقب أيضا بالأسدي(2)؛ وإنما سمي العمري لأن الإمام العسكري عليه السلام قال : لا يجمع علي امري بين عثمان وأبي عمرو، وأمر عليه السلام بكسر كنيته فقيل العمري(3)، وقيل إنه لقب به نسبة إلي أمه التي يعود نسبها إلي عمر الأطرف ابن أمير المؤمنين عليه السلام (4)، وأما السمعاني فقد ضبطه وقال : العمري - بفتح العين وسكون الميم وكسر الراء - نسبة إلي بني عمرو بن عامر بن ربيعة وعمرو بن حريث وغيرهما(5)، وقيل إنه من ولد عمار بن

ص: 63


1- بهجة الآمال : التبريزي 5/232.
2- الغيبة للطوسي: 214.
3- المقصود الغيبة للطوسي: 214.
4- الغيبة للطوسي: 214.
5- المقصود بابن حريث هو الصيرفي الكوفي الأسدي، قال التبريزي في وقائع الأيام 339 ما لفظه : ليس المقصود بابن حريث الذي كان من أصحاب أمير المؤمنين ثم صار من أصحاب ابن زياد، وهو الذي قطع لسان ميثم التمار؛ انظره في مجالس المؤمنين للشوشتري: 441.

ياسر(1). أما تسميته بالعسكري فلكونه من عسكر سامراء كما ذكره الطوسي(2)، وأما تلقيبه بالسمان والزيات؛ فلأنه كان يتجر في السمن تغطية علي الأمر؛ وكان الشيعة إذا حملوا لأبي محمد العسكري عليه السلام ما يجب عليهم حمله من الأموال ؛ أنفذوا إلي أبي عمرو فيجعله في جراب السمن وزقاقه ويحمله إلي أبي محمد العسكري عليه السلام تقية وخوفا(3).

ولم تشر النصوص التاريخية إلي أسرته ووصعه العائلي والاجتماعي سوي أن له أبنأ اسمه (محمد) كان قد تصدي لمنصب السفارة بعد أبيه ، وأن له ابنة آخر اسمه أحمد، ولا نعرف عنه شيئا سوي أن لهذا ابنة أيضا كان اسمه (محمد) وقد انحرف عن مذهب الأئمة عليهم السلام فترة سفارة عمه أبي جعفر العمري وخرج توقيعا من الإمام المهدي عليه السلام في لعنه والبراءة منه(4).

لقد حظي عثمان بن سعيد العمري بمرتبة عالية ودرجة رفيعة عند الإمام الهادي عليه السلام في سامراء ؛ قال الطوسي : فأما السفراء الممدوحون في زمان الغيبة فأولهم من نصبه أبو الحسن علي بن محمد الهادي وأبو محمد الحسن بن علي ابنه(5). وكان قد خدم الهادي عليه السلام وله أحد عشر عاما ؛ وكان له إليه عهد معروف، وقد سلط الإمام عليه السلام الأضواء عليه وأوصي الشيعة به في كثير من مجالسه؛ حتي قال عليه السلام في يوم للشيعة : ما قاله لكم فعتي يقوله ؛ وما أداه لكم فعتي يؤديه(6) ، حتي كان عموم الناس يقصدونه في

ص: 64


1- تأسيس الشيعة للصدر : 411.
2- الغيبة للطوسي: 214.
3- الغيبة للطوسي: 214.
4- الغيبة للطوسي: 256.
5- الغيبة للطوسي: 214.
6- الغيبة للطوسي : 215.

حوائجهم من كل بلد(1)، فيخرج لهم ما احتاجوا أن يسألوه من صاحب الأمر بالأمر والنهي(2).

أثني عليه علماء الفريقين مع بقية السفراء؛ فقد ذكر ابن طاووس أن نصر بن علي الجهضمي وهو من أبناء العامة - ذكر حال هؤلاء الوكلاء والسفراء وأسماءهم، وأنهم كانوا وكلاء المهدي عليه السلام وقال : إن أمرهم أشهر من أن يحتاج إلي الإطالة(3)، وذكره الكيدري أيضا في بصائره، وابن الأثير في الكامل (4)، وأبو الفداء في المختصر(5)، واليافعي في المرآة(6)، و ابن مسكويه في تجارب الأمم(7)، ورضا كحالة في معجمه(8)؛ والذهبي في سير أعلام النبلاء (9)، والصفدي في الوافي (10)، وغيرهم(11) حال هذا السفير وحسن سيرته وأثنوا عليه ، وهو يكذب ادعاء أحمد أمين المصري حول هؤلاء السفراء والتي كانت تدور هذه الدراسة حول هذا الموضوع.

أما علماء الشيعة فقد أجمعوا عليه قديما وحديثا، وقد ذكرنا بعض النصوص الواردة عن قدامي العلماء حولهم، أما المتأخرون منهم، فقد أثنوا

ص: 65


1- سفينة البحار للقمي : 3/259.
2- الغيبة للطوسي: 216.
3- الصراط المستقيم للبياضي (م 877ه): 2/334.
4- الكامل لابن الأثير : 184/1 و290.
5- المختصر : 1/69.
6- مرآة الجنان: 2/285.
7- تجارب الأمم: 195/5 .
8- معجم المؤلفين : 8/4.
9- سير أعلام النبلاء : 15/222.
10- الوافي بالوفيات: 266/13 . وتاريخ الإسلام للذهبي: 24/190.
11- صلة عريب:141، لسان الميزان لابن حجر؛ دائرة المعارف الإسلامية المعرية: 118/1.

عليه قاطبة أيضا ؛ قال السيد الصدر بعد ترجمته: هو الشيخ الرباني والوحيد الذي ليس له ثاني في المعارف والأخلاق والفقه والأحكام، شيخ الشريعة علي الإطلاق؛ وصاحب الكرامات والدلالات(1)، وقال القمي: هو أول النواب الأربعة، ورد في شأنه من الجلالة والعدالة والأمانة أكثر من أن يذكر وهو أجل من أن يصفه مثلي(2)، وقال البهائي : إن عثمان بن سعيد ثقة وجليل القدر (3)

لقد انفردت الشيعة الإمامية بفكرة السفارة من بين فرق الشيعة كما قال النوبختي في فرقه : وانفردت الإمامية وسلكت وحدها سبيل الإمامة، واتبعوا المنهاج الواضح لاعتراضهم سلسلة الإمامة بالإمام الغائب(4). وكانت بداية الغيبة من أصعب الفترات علي الأمة بعد أن اعتادت علي مشاهدة الأئمة عليهم السلام واللقاء بهم، وظهرت الانقسامات والتناحر في صفوفها؛ حتي أن الشيعة انقسمت إلي أربع عشرة فرقة بعد وفاة الإمام العسكري عليه السلام (5) وهكذا بقية المذاهب الإسلامية. وفي تلك الظروف الصعبة ابتدأ عثمان بن سعيد العمري مهمته في الإعلام عن وجود الإمام المهدي عليه السلام وإخراج التوقيعات والمعجزات عن طريقه من الإمام المهدي عليه السلام لبيان صدق دعواه في أمر السفارة، مذكرة لهم بالأحاديث المروية عن النبي صلي الله عليه و آله في الإمام المهدي الذي تكون له غيبتان إحداهما صغري والأخري كبري؛ وإقناع الأمة بما امتلكه عثمان من معرفة تامة بطرق المحاورات وفنون الجدل وقوة المحاجة في إثبات

ص: 66


1- تأسيس الشيعة : 411.
2- سفينة البحار : 2/158.
3- منهج المقال : 419، وانظر رجال الطوسي : 434، الاحتجاج للطبرسي: 1/ 477 وغيرها.
4- فرق النوبختي : 112.
5- فرق النوبختي : 112، فرق الشيعة للأشعري القمي: 15، الملل والنحل للشهرستاني : .131/1

المحجة بوجود الإمام المهدي عليه السلام حيا يراهم ولا يرونه ويعرفهم ولا يعرفونه، ومراقبة تحركات السلطات عن كثب للابتعاد عن الضجيج السياسي والإعلامي، وما يمكن أن تخلقه له من مشاكل؛ وتحذيره أصحابه الثقات من الإعلان عن اسم الإمام عليه السلام أو الإدلاء علي مكانه . وذاع صيته في البلاد الإسلامية وعرفه القاصي والداني من ثقات الأئمة وأصحابهم؛ فقد روي العلامة في خلاصته عن أبي العباس الحميري شيخ القميين قال : كنا كثيرا ما نذكر قول الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام في عثمان بن سعيد العمري رحمت الله ؛ ونتواصف جلالة ومحل أبي عمرو (1). وقول أهل اليمن فيه : إن عثمان بن سعيد العمري لمن خيار الشيعة، وإنهم ازدادوا علما بموضعه من خدمة الإمام عليه السلام وكونه وكيله وثقته علي مال الله تعالي(2). وكذا معرفة أهالي بغداد له؛ فقد ذكر عبد الله بن جعفر الحميري لما رجع من الحج أنه دخل علي أحمد بن إسحاق في بغداد فوجد عنده عثمان بن سعيد العمري ؛ فأشار إلي أحمد بن إسحاق قائلا : إن هذا الشيخ - ويقصد أحمد بن إسحاق - وهو عندنا الثقة المرضي، حدثنا فيك بكيت وكيت، واقتصصت عليه ما ذكرناه عنه من فضل أبي عمرو ومحله وقلت : أنت الآن ممن لا يشك في قوله وصدقه ؛ ثم سأله قائلا : أسألك بحق الله وبحق الإمامين اللذين وثقاك ؛ هل رأيت ابن أبي محمد عليه السلام الذي هو صاحب الزمان عليه السلام ؛ فبكي ثم قال : علي أن لا تخبر بذلك أحدا وأنا حي؛ فقال له : نعم، قال العمري : قد رأيته عليه السلام وعنقه هكذا - يريد أنها أغلظ الرقاب

حسنا وتماما -، ثم سأله عن الاسم، فقال العمري : نهيتم عن هذا(3) . وبقيت الأمة بأجمعها مقيمة علي عدالة عثمان بن سعيد وثقته وأمانته(4)،

ص: 67


1- الخلاصة للعلامة : 106، الغيبة للطوسي: 216.
2- الغيبة للطوسي: 216.
3- الغيبة للطوسي: 215.
4- الغيبة للطوسي: 216.

إلي أن توفي رحمه الله(1)، بعد أن كان عموم الناس يقصدونه في حوائجهم من كل بلد(2) فيخرج لهم الأجوبة والتوقيعات من صاحب الأمر عليه السلام بالأمر والنهي عما يسألونه إذا احتاجوا إلي السؤال فيه(3).. هذه هي منزلته عند الأمة.

2- أما منزلته عند الإمام الهادي عليه السلام :

فقد ذكرت النصوص التاريخية أن عثمان بن سعيد العمري كان قد خدم الإمام الهادي عليه السلام وله أحد عشر عاما وكان له عهد معروف (4). وكان الإمام الهادي عليه السلام قد قدم إلي سامراء استجابة للرسالة التي بعثها المتوكل العباسي إليه وهو في المدينة ؛ وقد أعرب فيها عن حبه للإمام عليه السلام وإحلاله وإعظامه المحله ومنزلته ظاهرا؛ واعترف فيها ببراءته وصدق نيته ؛ وأنه أوعز بعزل واليه عبد الله بن محمد في المدينة لإيذائه الإمام عليه السلام ، ودعاه بالشخوص إلي سامراء مع من اختار من أهل بيته ومواليه سريعا(5)، ودخل الإمام عليه السلام سامراء عام 234ه(6)، وكانت إقامته فيها عشرين عاما إلي أن توفي فيها(7) عام 254ه(8). فكان العمري من مقربي الإمام عليه السلام وخواصه في حفظ أسراره، وبابا له مع حداثة سنه وصغره (9)، ثم عينه الإمام الهادي عليه السلام أمينا

ص: 68


1- الغيبة للطوسي: 216.
2- سفينة البحار للقمي : 2/159.
3- الغيبة للطوسي: 216.
4- رجال الطوسي: 420.
5- الإرشاد للمفيد : 313
6- الغيبة الصغري للصدر: 108.
7- المناقب : ابن شهر آشوب : 3/ 505.
8- الإرشاد للمفيد : 307 وابن الوردي : 1/232، ابن خلكان : 2/435، تاريخ الطبري: 157/11 .
9- الفصول المهمة للمالكي: 278 نقلا عن مواليد الأئمة لابن الخشاب .

علي بيت المال واستلام الأموال من الأمة ثم توزيعها علي مستحقيها(1)، وقد كانت الأموال تصله من البلاد الإسلامية كما ذكر ذلك أحمد أمين المصري واعترف بهذه الحقيقة بعد أن أرعبته كثيرا حتي سعي إلي توجيه التهم والافتراءات الشنيعة ضده. لقد جاء في النصوص التاريخية أنه كان ينفق الأموال الضخمة في مشاريع يعود نفعها علي الأمة؛ فقد روي ابن شهر آشوب: أن جماعة من وجهاء الشيعة ومنهم أحمد بن إسحاق الأشعري وافد القميين وشيخهم وعلي بن جعفر الهمداني، دخلوا علي أبي الحسن الهادي عليه السلام فشكا إليه أحمد بن إسحاق دينا عليه فقال عليه السلام مخاطبا عثمان بن سعيد العمري : يا أبا عمرو - وكان وكيله - ادفع إليه ثلاثين ألف دينار وإلي علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار، وخذ أنت ثلاثين ألف دينار . ثم قال ابن شهر آشوب معلقا علي هذه الرواية : فهذه معجزة لا يقدر عليها إلا الملوك، وما سمعنا بمثل هذا العطاء(2). ولعل الذي منع الإمام عليه السلام من صرفها علي الأمة بنفسه ولو ظاهرا، هو الإقامة الجبرية التي فرضتها السلطات علي الإمام والمضايقات المتوالية علي تحركاته .

لقد عاصر عثمان بن سعيد العمري فترة وكالته عن الإمام الهادي عليه السلام جماعة من الخلفاء كان المتوكل العباسي أشدهم علي الإمام وأصحابه وقد حكم أربعة عشر عاما بالحديد والنار، وكان عاقبة أمر المتوكل قتله علي يدي الأتراك عام 274ه شر قتلة، وهو مشغولاباللهو والشراب، ثم جاء بعده المنتصر والمستعين وقسما من خلافة المعتز بالله، وقد حاول الإمام الهادي عليه السلام في محنته أن يواجه تيار الانحراف القائم في السلطة والأمة؛ والحفاظ علي أصحابه من إرهاب الحكام وحمايتهم من البطش والإيذاء ،

ص: 69


1- المناقب : ابن شهر آشوب : 409/4 .
2- المناقب : ابن شهر آشوب: 409/4 .

وسعي إلي قضاء حوائجهم وتركيز ثقته المطلقة بهم، وتأمين مستلزمات الأمة ؛ وقد حاز الإمام علي الموقع القيادي الممتاز في البلاط العباسي فكان لهذا دورا كبيرا في إبعاد الخطر عنه مرات عديدة، عندما احتجزته السلطات في البلاط، وأخذت تراقب جميع تحركاته، واستدعائها له متي اقتضي الأمر؛ بعد أن كان عليه السلام مسؤولا عن الذهاب إلي بلاط الخليفة كل اثنين وخميس(1)، وربما شارك موكب السلطان في الخروج إلي الصيد(2)، وكان موقفه منها مشوبا بالحذر والكتمان؛ وهو مع كل ذلك يستلم الأموال والأسئلة التي تصله من شتي البلاد الإسلامية؛ وصرفها في مواردها والإجابة عن تلك التساؤلات برمزية وخفاء.

إننا ومهما بلغ بنا الخيال، لا نتصور وصول تلك المبالغ التي كانت تصله إلي هذا المستوي كما ورد في رواية ابن شهرآشوب المتقدمة ؛ وهي إن صرفت فهي مصروفة في مشاريع يعود نفعها علي الأمة ، لأن الذين لا يمكن وصوله إلي هذا المستوي - كما جاء في الرواية - إلا أن يكون دينا في عمل اجتماعي واسع هو أكبر من المصالح الشخصية والمسؤولية العائلية .

أما علي المستوي الثقافي والعلمي؛ فقد افتتح الإمام عليه السلام وهو في مسلك الخفاء والحذر دورات تثقيفية وعقائدية لتدريس مختلف العلوم؛ ومحاججة أصحابه الفرق الإسلامية الأخري، وفتح روح الحوار السليم ؛ ومن بينهم محاججة عثمان بن سعيد العمري لهم بعد أن عرف بنبوغه وقوة استدلاله وسرعة بديهته وقد بلغ مبلغ العصمة في جلالته(3). روي الطوسي بإسناده عن أحمد بن إسحاق القمي قال : دخلت علي علي الهادي عليه السلام في

ص: 70


1- المناقب : ابن شهر آشوب: 4/530، الغيبة للطوسي : 123.
2- المناقب : 4/530.
3- مفاتيح الجنان للقمي: 490.

يوم من الأيام فقلت : يا سيدي، أنا أغيب وأشهد ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت، فقول من نقبل؟! وأمر من نمتثل؟! فقال عليه السلام : هذا أبو عمرو، الثقة الأمين، ما قاله لكم فعني يقوله، وما أداه لكم فعني يؤديه(1). وقوله علي أيضا : العمري ثقتي، فما أدي إليك فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول، اسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون(2).

لقد قام الإمام الهادي عليه السلام بالتمهيد للغيبة ؛ حيث اتخذ استراتيجية واضحة وأسلوبا حديثا وجديدا من خلال تطبيقه مسلك الاحتجاب علي نفسه عن كثير من مواليه إلا عن عدد قليل من خواصه(3)، وتذكيره الأمة بأحاديث الغيبة المروية عن النبي صلي الله عليه و آله، والأئمة المعصومين عليهم السلام لإشعارهم بقرب الولادة ودنو الأجل؛ وتحضير الذهنية العامة لتقبل هذه الفكرة بعد أن اتخذ نظام الوكلاء؛ وكان عثمان بن سعيد العمري في قمة هذا النظام نظرا لما امتلكه من مؤهلات وان له شأنا مع الإمام المهدي عليه السلام ستعرفها الأمة بعد التفافها حوله.

3- أما موقف الإمام العسكري عليه السلام منه رحمه الله:
اشارة

فقد ذكرت النصوص التاريخية أن الإمام الحسن العسكري عليه السلام كان قد قدم برفقة أبيه وله من العمر سنتان ؛ وقد عاش فيهما تلك الظروف والملابسات التي مر بها أبوه من قبله، فتلقاها بصمت وضبط واتقان، استعدادا لتولي منصب الإمامة من بعد أبيه الهادي عليه السلام فكان عمره - لما توفي أبوه عام 254ه(4)؛ أيام خلافة المعتز بالله وقبل خلعه بعام واحد أي عام 255 ه (5)-قد بلغ اثنين

ص: 71


1- الغيبة للطوسي: 215.
2- الغيبة للطوسي: 215، الكافي للكليني: 212/6
3- إثبات الوصية : المسعودي : 262، منتهي الآمال : القمي: 565.
4- الإرشاد للمفيد: 307، ابن الوردي : 1/ 232؛ ابن خلكان : 2/430 وغيرها .
5- الكامل في التاريخ: ابن الأثير 341/5 .

وعشرين عاما ؛ ثم واكب بقية أيام إمامته خلافة المعتز ثم المهتدي الذي ثار عليه الأتراك وقتلوه عام 256(1)، وحل مكانه الخليفة المعتمد؛ فعاصر أربعة أعوام من خلافته حتي توفي عام 260ه(2).

إن دراسة مواقف الإمام العسكري عليه السلام وسياسته تجاه السلطة والانحراف المتمثل فيها وفي الأمة تشير إلي التشابه الكبير مع سياسة أبيه الإمام علي الهادي عليه السلام باعتبارهما يستقيان من معين واحد، وهي امتداد السياسة آبائه من قبل، بعد أن كانت السياسة الحاكمة مرتكزة علي ثلاث ركائز أساسية هي: تقريب الإمام العسكري وأبيه من البلاط العباسي ودمجه بالحاشية ؛ ومراقبته والفحص عن أموره جملة وتفصيلا؛ وإكرامه واحترامه ظاهرا لذر الرماد في العيون وإسكات المعارضين، فكان الإمام الحسن العسكري عليه السلام محجوزا في البلاط في سامراء ومسؤولا عن الذهاب إلي بلاط الخليفة كل اثنين وخميس(3)، وربما يدعي للحضور في موائد أبناء الخلفاء(4)، وهكذا خلت مواقف الإمام الحسين العسكري عليه السلام من الضجيج الإعلامي والسياسي الذي كان من الممكن أن يثار تجاه أبيه الهادي عليه السلام ؛ فالحذر الشديد والخفاء كان واضحا علي تحركات الإمام عليه السلام من خلال كتاباته وعلاقاته مع أصحابه وغيرهم، فالكتابات مثلا تعرب عن ألم الإمام علي وضيق صدره بأفعال السلطة وتصرفاتها الطائشة مع ذلك التيار الفكري المنحرف، فمثلا يرسل الإمام رسالة إلي أحد أصحابه قبل موت المعتز بعشرين يوما قائلا : الزم بيتك حتي يحدث الحادث، فلما قتل بريحة ،

ص: 72


1- الكامل في التاريخ : 355/5
2- أعلام الوري، الطبرسي : 349، الفصول المهمة : لابن الصباغ المالكي: 307، ابن الوردي : 1/232.
3- المناقب : ابن شهر آشوب : 4/530، الغيبة للطوسي: 129.
4- المناقب : ابن شهر آشوب : 3/517.

كتب إلي الإمام عليه السلام : قد حدث الحادث فما تأمرني؟ فأجابه عليه السلام ليس هذا الحادث، الحادث الآخر، فكان من المعتز ما كان(1)، حيث قتل بيد الأتراك عام 255 هم بسبب امتناعه عن دفع الرواتب والأرزاق إلي الجند، وكانت أمه قد امتنعت عن مساعدته بالمال، وزعمت أن ليس عندها شيء، فقتل ابنها شر قتلة(2)، وبعد قتله وجدوا عندها أموالا لا تقدر بثمن !! ولما حمل إلي صالح بن وصيف؛ سبها وقال : عرضت ابنها للقتل في خمسين ألف دينار، وعندها هذه الأموال كلها(3). وقد كان للسلطات محاولات عديدة لإيذاء الإمام عليه السلام أو القضاء عليه إن تمكنت؛ بسبب ما أوجده الإمام لها من المتاعب، ومن تلك المحاولات؛ محاولة المعتز الذي أصدر أوامره لسعيد الحاجب - وهو أحد أزلام النظام - ليقتل الإمام عليه السلام بعيدا عن عيون الناس، فقال له المعتز : أخرج أبا محمد إلي الكوفة ؛ ثم اضرب عنقه في الطريق . قال الراوي: فجاء توقيعه عليه السلام إلينا : الذي سمعتموه تكفونه فخلع المعتز بعد ثلاث وقتل (4). وكانت للمهتدي محاولة أخري حيث أمر بسجن الإمام عليه السلام وأخذ يتهدده ويتوعده بالقتل ؛ فوقع عليه السلام بخطه : .

ذاك أقصر لعمره، عد من يومك هذا خمسة أيام، ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف يمر به (5). وأخبر عليه السلام بموته وهو في السجن فقال لأحد أصحابه : في هذه الليلة يبتر الله عمره. قال الراوي : فلما أصبحنا شغب الأتراك وقتل المهتدي(6)، وكان كما قال الإمام (7)، وكانت أيام الخليفة

ص: 73


1- المناقب : ابن شهرآشوب: 3/536.
2- الكامل في التاريخ: ابن الأثير : 241/5 .
3- الكامل في التاريخ: 344/5
4- المناقب : ابن شهر آشوب : 3/531.
5- أعلام الوري : الطبرسي : 324.
6- المناقب: 3/535.
7- الإرشاد: المفيد: 324.

المهتدي ثقيلة علي العامة والخاصة، فاستطالوا خلافته وسئموا أيامه، وعملوا الحيلة عليه حتي قتل(1). وهناك محاولات للمعتمد أيضا للقضاء علي الإمام عليه السلام منها: إصداره أوامره بسجن الإمام عليه السلام مع مجموعة من أصحابه الطالبيين، فبقوا في السجن أياما ثم أخرجوا منه(2).

ورافقت وكالة عثمان بن سعيد العمري عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام حوادث عديدة أهمها: تأسيس دولة أحمد بن طولون في مصر، وسيطرة الحسن بن زيد العلوي علي طبرستان، واستمرار حركة صاحب الزنج التي دامت خمسة عشر عاما وكانت من أخطر الحركات تهديدا للإسلام، وسيطرة الموالي والأتراك وجماعة آخرين كالموفق طلحة بن المتوكل، مما أدي إلي ضعف الخلافة في هذه الفترة بالذات تماما، وتصاعد الضغط وحملات التفتيش والعنف ضد الإمام عليه السلام وأصحابه ؛ وقد استطاع الإمام علي بمعرفته احتواء ذلك الوضع لصالحه واتخاذه استراتيجية واضحة ومتكاملة في أسلوب التعامل مع السلطات والأمة من جهة وأصحابه من جهة أخري .. وإليك أهمها:

أولا: مسلك الاحتجاب والاختفاء:

لقد استساغ الإمام العسكري عليه السلام هذا المنهج الخاص لتهيئة الذهنية العامة لفهم هذا الأسلوب.. قال المسعودي : وحين أفضي الأمر إلي الحسن العسكري عليه السلام كان يتكلم من وراء الستار مع الخواص وغيرهم، إلا في الأوقات التي يركب فيها إلي دار السلطان(3).

ص: 74


1- مروج الذهب : المسعودي : 96/4 .
2- الغيبة للطوسي: 136.
3- إثبات الوصية : المسعودي : 262؛ منتهي الآمال : القمي: 565.
ثانيا: تجديد نظام المكاتبات:

لقد نجح الإمام في صياغة هذا المنهج، وصبغه بلون متناسب معه ليؤتي ثماره؛ وصار الاتصال بالإمام عليه السلام لا يتم إلا عن طريق هذا الأسلوب، فهذا تختلج مسألتان في صدره فيكتبهما إليه(1)، وأبو هاشم الجعفري يضيق به الحبس، وكلب الحديد فيكتب له عليه السلام(2) ؛ ويكتب لأصحابه أيضا مبشرة لهم بموت المعتز والمهتدي والزبيري(3).

ثالثا: نظام الوكلاء:

لقد اعتادت الأمة هذا النظام ردحا من الزمن، وكان الارتباط بالبلاد البعيدة إنما يتم من خلال هذا النظام، حيث يتم المكاتبات وقبض الأموال من خلال الوكلاء الذين عينهم الإمام عليه السلام ويتصدرهم عثمان بن سعيد العمري . فقد تصدي الإمام العسكري للإمامة بعد أبيه عام 254ه وعمر وكيله عثمان إحدي وثلاثين عاما .

إن تلك الظروف القاسية هي التي جعلت الإمام يضاعف من مسلك الكتمان والحذر؛ واعتماده علي أصحابه وخاصة ممن يكون لهم شأن في حياة ابنه الإمام المهدي عليه السلام ، فأمر أصحابه بالرجوع إلي عثمان في حوائجهم واستلام الأجوبة منه روي الطوسي بإسناده عن أحمد بن إسحاق القمي الأشعري قال : لما مضي أبو الحسن الهادي عليه السلام ، وصلت إلي أبي محمد العسكري عليه السلام ذات يوم فقلت له مثل قولي لأبيه؛ وسألته عن عثمان بن سعيد العمري، فقال لي : هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ثقة الماضي، وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعني يقوله؛ وما أداه لكم فعتي يؤديه(4). وكرر

ص: 75


1- الإرشاد للمفيد: 323.
2- الإرشاد للمفيد: 323.
3- كشف الغمة، الأربلي : 3/204 و 207.
4-

الإمام الحسن العسكري عليه السلام هذا الثناء علي أصحابه والوافدين إليه من الأقطار البعيدة لمرات عديدة وفي محافل أخري، فمثلا لما قدم الوفد اليمني الزيارة الإمام عليه السلام وهو يحمل معه الأموال والأسئلة، وقد حضر مع هذا الوفد كبار الشخصيات فأطلعهم الإمام عليه السلام علي أمور غيبية وأثني علي عثمان بن سعيد العمري فيه ، روي الطوسي بإسناده عن محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسنيان قالا : دخلنا علي أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام بسر من رأي وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته، حتي دخل بدر خادمه ؛ فقال : يا مولاي، بالباب قوم شعث غبر، فقال لهم : هؤلاء نفر من شيعتنا - في حديث طويل يسوقانه - إلي أن ينتهي - إلي أن قال لبدر : فامض فأتنا بعثمان بن سعيد العمري، فما لبثنا إلا يسيرا حتي دخل علي عثمان ، فقال له سيدنا أبو محمد صلي الله عليه و آله : امض يا عثمان، فإنك الوكيل والثقة المأمون علي مال الله ، واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال -، ثم ساقا الحديث إلي أن قالا : ثم قلنا بأجمعنا: يا سيدنا؛ والله إن عثمان لمن خيار شيعتك، ولقد زدتنا علما بموضعه من خدمتك، وأنه وكيلك وثقتك علي مال الله تعالي، فقال عليه السلام : نعم، واشهدوا علي : أن عثمان بن سعيد وكيلي، وأن ابنه محمدا وكيل ابني مهديكم(1). ويتضح عدة أمور من هذه الرواية هي:

أولا: تصريحه عليه السلام بوجود ولد له، وأنه هو المهدي عليه السلام الذي بشرت به الروايات عن النبي والأئمة المعصومين عليهم السلام ، وتبشيرهم بقرب ولادته .

ثانيا : تصريحه بأن له غيبتان(2). إحداهما صغري والأخري كبري .

ثالثا: تصريحه بوجود السفارة والسفراء عنه في غيبته .

ص: 76


1- الغيية : الطوسي: 215.
2- الغيبة للطوسي: 216.

رابعا : تصريحه باسم السفير الثاني للإمام المهدي عليه السلام وهو محمد بن عثمان العمري وكان عليه السلام قد صرح بأسماء الباقين من السفراء في عدة مشاهد أمام الكثيرين من أصحابه وقد بلغوا أربعين رجلا فقال لهم: فاقبلوا من عثمان ما يقوله ؛ وانتهوا إلي أمره، واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والأمر إليه(1)، وقوله عليه السلام أمام الوفد القمي: هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي، وثقتي في المحيا والممات(2).

خامسا: تسالم الأمة عليه، وقبول سفارته من خلال تجربتها معه ومعرفتها صدقه، وصحة ما انتسب إليه بإظهاره الأجوبة العجيبة والكرامات والمعجزات من إمامه الغائب عليه السلام .

4- أما موقف الإمام المهدي عليه السلام من عثمان بن سعيد العمري:
اشارة

فقد ذكرت النصوص التاريخية أن الإمام المهدي عليه السلام كان قد ولد عام (3)256. وكان عمر أبيه أربعة وعشرين عاما، وكان قد واكب مسيرة أبيه الجهادية ورأي المجتمع الصاخب، والرقابة الشديدة المفروضة علي الإمام العسكري عليه السلام باعتباره الرجل المثالي في عبادته وأخلاقه وعلمه ونسبه في نظر الجميع (4). فهو قائد المعارضة ضد السلطات الحاكمة، والأهم من هذا : كونه سيولد له ولدا اسمه المهدي عليه السلام الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا ؛ ولكن الإمام العسكري عليه السلام ترك الإعلان عن ولادة ابنه المهدي عليه السلام تماما، وكأن شيئا لم يحدث، وترك الأحداث تجري في مسيرها الطبيعي دون أي إشارة للسلطات، وساعده علي تطبيق هذه الاستراتيجية تطبيقه مسلك

ص: 77


1- الغيبة للطوسي: 216.
2- الغيبة للطوسي: 216.
3- الغيبة للطوسي: 258.
4- الإرشاد للمفيد: 340، الغيبة للطوسي: 129.

الاحتجاب والكتمان عن أصحابه ومواليه .. وهو يهدف إلي أمرين: تعويد الناس علي قبول فكرة الاحتجاب والقيادة غير المباشرة، واحتواء الوضع لصالحه مستقطبا المهام والحوادث التي يعيشها بعيدا عن الضوضاء وتسليط الأضواء. وقد رافق تطبيقه هذا المنهج حوادث عديدة؛ منها انشغال الدولة والمجتمع في حرب صاحب الزنج حيث بدأ أعماله التخريبية في جنوب العراق والأهواز ؛ فأوجد الفزع والقلق الشديد في الأمة وفي النظام الحاكم، فكان خير صارف ذهني للفهم العام عن الالتفات لخبر الولادة، واستطاع حماية ولده من متاعب السلطات، فلم يبق أمامه سوي إثبات ولادة ابنه المهدي عليه السلام للأمة الإسلامية والتاريخ.

لقد ذكرت النصوص التاريخية ولادة الإمام المهدي عليه السلام عام 256ه(1)، وثبتت ولادته بأوكد ما يثبت به أنساب الجمهور من الناس، إذ كان النسب يثبت بقول القابلة ومثلها من النساء اللاتي جرت عادتهن بحضور ولادة النساء وتولي معونتهن عليه، وباعتراف صاحب الفراش وحده بذلك دون من سواه، وبشهادة رجلين من المسلمين علي إقرار الأب بنسب الابن منه، وقد ثبتت أخبار عن جماعة من أهل الديانة والفضل والورع والزهد والعبادة والفقه عن الحسن العسكري عليه السلام أنه اعترف بولادة المهدي عليه السلام وآذنهم بوجوده، ونص لهم علي إمامته من بعده، وبمشاهدة بعضهم له طفلا وبعضهم له يافعا وشابا كاملا(2)، عاش الإمام المهدي عليه السلام أربع سنوات برفقة أبيه سجينا تحت الرقابة الشديدة التي فرضتها السلطات الحاكمة علي

ص: 78


1- الغيبة للطوسي: 258.
2- عدة رسائل: المفيد/25، الغيبة للنعماني : 12.. قال العلامة المجلسي: وقد ذكر الجهضمي وكلاء المهدي عليه السلام وسفراءه وأسماءهم ؛ ثم قال : وقد لقي المهدي عليه السلام بعد ذلك خلق كثير من الشيعة وغيرهم، وظهر لهم علي يده من الدلائل ما ثبت عندهم أنه هو عليه السلام .. وينتفعون بمكانه وفعاله ويكتمونه... الخ» بحار الأنوار : 108/51 .

أبيه، دون أن تعثر له علي أثر أو تسمع له بخبر!!

وقام الإمام العسكري عليه السلام في عمله السياسي بعدة أمور:

الأول: إعلام أصحابه بولادته:

لقد استطاع الإمام العسكري عليه السلام في تلك الظروف الصعبة والمعقدة أن يخص تبليغ ولادة ابنه المهدي لأصحابه؛ وأن يزف لهم هذه البشري لمن علم فيه قوة الإيمان وصلابة العقيدة ورجاحة العقل؛ فحجب ابنه حجبا تاما عن الجمهور غير الموالي، بل حتي عن الجمهور الموالي ممن لم يحرز فيه قوة الإرادة والإخلاص، وسيأتي ذكر من رآه من خواصه .

ثانيا: اعتماد الإمام علي بعض أصحابه في تبليغ الولادة:

لقد اعتمد الإمام هنا أمرين:

الأول: طلب من بعض أصحابه ممن لهم شأنا مع الإمام المهدي عليه السلام ومنهم عثمان وابنه، والنوبختي والسمري وغيرهم بأن يوصلوا خبر الولادة لأصحابه، بعد أن عرف الإمام عليه السلام موقعهم السياسي والاجتماعي في الأمة، فقد روي الصدوق بإسناده عن أبي جعفر - محمد بن عثمان العمري - قال : لما ولد السيد - أي الإمام المهدي عليه السلام . قال أبو محمد : ابعثوا إلي أبي عمرو - عثمان بن سعيد العمري - فبعث إليه ، فقال : اشتر عشرة آلاف رطل خبز، وعشرة آلاف رطل لحم، وفرقه حسبة . قال علي بن هاشم: وعق عنه بكذا وكذا شاة(1).

الثاني: إرسال برقياته ورسائله إلي أصحابه في البلاد البعيدة لإعلامهم بخبر الولادة، فقد روي الصدوق بإسناده عن أحمد بن إسحاق القمي

ص: 79


1- إكمال الدين للصدوق: 104/2 .

الأشعري وجه القميين وشيخهم - قال : كتب أبو محمد صلي الله عليه و آله رسالة لي يقول فيها : ولد لنا مولود.. إلي أن قال : أحببنا إعلامك ليسرك الله به مثل ما سرنا به والسلام(1). وأجاز الإمام العسكري عليه السلام لعمته حكيمة بنت الإمام الجواد عليه السلام أن تخبر من تثق به وتطمئن إليه ممن قرب أو بعد بخبر الولادة ، وقد روي خبره الكثير من الثقات عنها منهم: عثمان بن سعيد وابنه، وأبو عبد الله المطهري، وموسي بن محمد بن جعفر، ومحمد بن إبراهيم، ومحمد بن علي بن بلال، وجماعة من الشيوخ أمثال : علان الكليني، و موسي بن محمد وأحمد بن جعفر(2) ، وأخبرت خديجة بنت الإمام الجواد وجماعة أيضا بخبر الولادة منهم: أبا أحمد المراغي(3)، وأحمد بن إبراهيم، وكتب الإمام العسكري عليه السلام نفسه خبر الولادة إلي أمه(4)، ثم سمح الإمام الكثير من جواريه وعبيده الذين اعتقد فيهم قوة العقيدة والإخلاص بمشاهدتهم الإمام عليه السلام ، كنسيم ومارية وأبي نصر الخادم وعقيد الخادم وجارية لأبي علي الخيزراني والقابلة وغيرهم(5). وقد كان جماعة من أصحابه الذين شاهدوا الإمام المهدي عليه السلام ممن عذلهم في حياته، وجعلهم سفراء بينه وبين أوليائهم، والأمناء علي قبض الأخماس والأنفال والوقوفات والأمانات وغيرها، وشهد لهم بإيمانهم وصدقهم فيما يؤدونه عنه إلي مواليه، وأن هذه الجماعة التي شاهدت الحجة عليه السلام أخبرت بالنص عليه من أبيه عليه السلام ، وقطعت بإمامته وكونه الحجة المأمول للانتصار من الظالمين، فكان ذلك نائبا مناب نص أبيه عليه السلام لو كان مفقودا(6).

ص: 80


1- إكمال الدين : 2/108؛ منتخب الأثر للصافي: 344.
2- الغيبة للطوسي: 141.
3- الغيبة للطوسي: 138.
4- إكمال الدين للصدوق: 2/178.
5- الغيبة للطوسي: 147-148.
6- تقريب المعارف : أبو الصلاح الحلبي: 185.

روي الصدوق بإسناده عن محمد بن مالك الفزاري قال : حدثني معاوية بن حكيم ومحمد بن أيوب بن نوح ومحمد بن عثمان العمري وأبيه رضي الله عنهم، قالوا: عرض علينا أبو محمد الحسن بن علي عليه السلام ابنه، ونحن في منزله وكنا أربعين رجلا، فقال : هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي عليكم، أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا(1).

وليس لأحد أن يقول : جميع ما ذكرتموه من أخبار الولادة والمعجزات هي أخبار آحاد، وهي مع ذلك مختصة بنقلكم!! وما هذه حاله، لا يلزم الحجة به؟ لأن هذه دعوي مجردة خالية من الاستدلال والبرهان .. ومن تأمل في حال ناقلي هذه الأخبار؛ علمهم متواترين بها علي الوجه الذي تواتروا به من نقل النص الجلي، فإذا ثبت تواترها لم يقدح فيه اختصاص نقلها بالفرقة الإمامية دون غيرها، لأن المراعي في صحة النقل وقوعه علي وجه لا يجوز علي ناقليه الكذب سواء كانوا أبرارا أو فجارا، متدينين بما نقلوه أو مخالفين له(2).

الثالث: كتمان خبر الولادة:

لقد أكد الإمام العسكري علي كل من رأي ابنه المهدي عليه السلام أمرين لا بد من التزامهما، وهو مكلف تكليفا إلزاميا بهما وهما : وجوب الكتمان لخبر الولادة، وحرمة الاطلاع علي اسمه الشريف . كتب الإمام العسكري عليه السلام في رسالته التي بعثها إلي أحمد بن إسحاق القمي: فليكن عندك مستورا وعن جميع الناس مكتوما، فإنا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته، والمولي لولايته(3).

ص: 81


1- إكمال الدين للصدوق : 2/435.
2- تقريب المعارف: أبو الصلاح الحلبي: 185.
3- كمال الدين للصدوق: 2/ 108، منتخب الأثر : الصافي: 344.

وسأل أحمد بن إبراهيم خديجة بنت الإمام الجواد عليه السلام عن الإمام المهدي عليه السلام فقالت : مستور(1)، وتباشر اثنان من أصحابه عليه السلام بخبر الولادة فقال أحدهما للآخر: ولد البارحة في الدار مولود لأبي محمد عليه السلام وأمر بكتمانه(2). وروي الصدوق بإسناده عن غياث بن أسيد قال : شهد محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه يقول : لما ولد الخلف المهدي عليه السلام سطع نور من فوق رأسه إلي أعنان السماء(3)، فقال عبد الله بن جعفر الحميري له - للعمري - هل رأيته؟ قال: نعم، وله رقبة مثل ذي، وأشار بيده إلي عنقه(4).

لقد جاء في النصوص الإسلامية حصول اللقاءات العديدة بين الإمام المهدي عليه السلام وسفيره الأول عثمان بن سعيد العمري قبل سفارته - أي في حال حياة أبيه الحسن العسكري عليه السلام وهي تعرب عن قلق الإمام الشديد حول مستقبل الأمة وحالة الانحراف في المجتمع، ومضايقات السلطات الأنصار الإمام عليه السلام ، فقد التقي عثمان بن سعيد بالإمام المهدي عليه السلام عندما عرضه الإمام العسكري علي أربعين رجلا وكان هو من بينهم ؛ حيث قال لهم : هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا؛ أما إنكم لا ترونه بعد يومكم هذا؛ فقال الراوي : قالوا: فخرجنا من عنده، فما مضت أيام قلائل حتي مضي أبو محمد عليه السلام (5) . وكان الحسن العسكري عليه السلام قد أمر عثمان بن سعيد أن يغسله بعد مماته ، ويكفنه ويقوم بباقي شؤونه(6)، مأمورة بذلك كله للظاهر من الحال التي لا

ص: 82


1- الغيبة للطوسي: 138.
2- كمال الدين للصدوق: 2/106.
3- كمال الدين للصدوق: 2/432.
4- كمال الدين للصدوق: 2/425.
5- كمال الدين للصدوق: 2/435.
6- الغيبة الصغري: لمحمد الصدر : 399

يمكن جحدها، ولا دفعها إلا بدفع حقائق الأشياء وظواهرها(1)، والوصية إليه بحمل أمتعته وجواريه إلي بغداد، واحتفاظه بودائع الإمام العسكري عليه السلام وهي عبارة عن درج فيه قنوتات الأئمة عليهم السلام وحقة خشب مدهونة وعكازة كانت في يده عليه السلام يوم توكيله عثمان بن سعيد العمري ووصيته إليه(2).

ثم استلم الإمام المهدي عليه السلام الإمامة بعد أبيه ولم يتجاوز عمره الأربع أو الخمس سنين، وكان عمر سفيره الأول لم يتجاوز السابعة والثلاثين عاما، حيث أعلن الإمام المهدي عن بداية الغيبة الصغري، وأمر أصحابه وخواصه بأخبار الناس والوفود التي تقدم لزيارته بالتوجه إلي عثمان بن سعيد العمري في حوائجهم وأخذ الأجوبة والتوقيعات منه؛ وعين بغداد عاصمة للسفارة فقد روي الصدوق بإسناده : أن الوفد القمي جاء لزيارة الإمام العسكري عليه السلام ولم يعرفوا وفاته ، فالتقوا بالإمام المهدي عليه السلام وأمرهم أن لا يحملوا إلي سامراء بعدها شيئا من المال، وأن ينصب لهم رجلا يحمل إليه الأموال (3)، فأخذت الأمة الإسلامية تقصده بأجمعها من كل بلد بقصص وحوائج، وكانت الأجوبة تخرج علي يديه، وصار ابن سعيد عالما في بغداد لا تشك الأمة في أقواله وأفعاله(4)، فقصدوه في غيبة الإمام المهدي عليه السلام كما قصدوه في حياة الإمام الحسن العسكري عليه السلام (5)، واستمرت بعد ذلك اللقاءات بينه وبين الإمام المهدي عليه السلام كما يأتي في هذه الدراسة.

ص: 83


1- سفينة البحار للقمي: 1/159.
2- مهج الدعوات لابن طاووس: 45.
3- كمال الدين للصدوق: 2/152.
4- الغيبة للطوسي: 215.
5- الطرائف : ابن طاووس: 1/184.

المبحث الثاني: وقوع الاشتباه في عثمان بن سعيد من بعض الأعلام

اشارة

ذكرنا أن عثمان بن سعيد كان قد خدم الإمام الهادي عليه السلام وله أحد عشر عامة وكان إليه عهد معروف. ولكن وقع من بعض الأعلام اشتباها في هذه الشخصية العظيمة.. وملخصه:

الاشتباه الأول: اشتباه العلامة وابن شهر آشوب:

قال العلامة بعد ترجمة عثمان بن سعيد : ويقال له الزيات الأسدي، من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي الثاني - الجواد عليه السلام -، خدمه وله إحدي عشرة سنة، وله إليه عهد معروف، وهو ثقة جليل القدر وكيل أبي محمد العسكري عليه السلام (1).

وقال ابن شهر آشوب: إن عثمان بن سعيد العمري رحمت الله كان بابا لأبي جعفر بن علي النقي عليه السلام (2). والظاهر أن فيه سهوا وقع من العلامة وابن

ص: 84


1- الخلاصة : 116.
2- انظر جامع الرواة للأردبيلي : 1/533.

شهر آشوب(1)، فقد ذكر في ربيع الشيعة : أن أبا عمرو عثمان بن سعيد العمري (قدس سره) كان بابا لأبي الحسن العسكري وجده الهادي عليه السلام من قبل، وثقة لهما، ثم تولي البابية من قبله وظهرت المعجزات علي يده، وما ذكره هذان الفاضلان لا يجتمع مع ما ذكره الطوسي من أن عثمان بن سعيد خدم الإمام الهادي عليه السلام وله إحدي عشرة سنة (2)، والله العالم .

الاشتباه الثاني: اشتباه الطوسي:

ذكر الشيخ الطوسي بعد ترجمة عثمان بن سعيد: بأنه حفص بن عمرو المعروف بالعمري، وأنه كان وكيلا وسفيرا للإمام المهدي عليه السلام ؛ واشتبه أيضا في ترجمة ابنه محمد بن عثمان العمري ؛ فأبدله «بمحمد بن حفص العمري»، فقال بعد رواية محمد بن إبراهيم بن مهزيار : وحفص بن عمرو، كان وكيلا الأبي محمد الحسن العسكري عليه السلام ، وأما أبو جعفر محمد بن حفص بن عمرو فهو ابن العمري وكان وكيل الناحية المقدسة(3). والظاهر أن فيه خطئا واضحا، قال التستري : هذا وقلنا في حفص بن عمرو : بأن ما في نسخة الكشي بعنوان حفص بن عمرو المعروف بالعمري تحريف، ظاهر، وأن الأصل عثمان بن سعيد بن عمرو وكنيته أبو عمرو ، لعدم وجود «حفص بن عمرو، ولا محمد بن حفص بن عمرو»، بل محمد بن عثمان بن سعيد بن عمرو، وأبيه عثمان بن سعيد (4). وأما القهبائي فقد رأي أن العمروي اثنان وكذا ابناهما فقال : ويظهر من هذا أن العمروي اثنان هما: عثمان بن سعيد بن عمرو

ص: 85


1- جامع الرواة للأردبيلي : 1/533.
2- رجال الطوسي: 420، معجم رجال الحديث : الخوئي : 12/124.
3- رجال الكشي للطوسي: 2/813.
4- قاموس الرجال : 248/6 .

وحفص بن عمرو؟ وكذا ابن العمروي اثنان أيضا وهما: محمد بن عثمان ومحمد بن حفص، ولكن حفص بن عمرو العمروي وابنه كانا وكيلان اللصاحب ببغداد، وأما عثمان بن سعيد وابنه فإنهما بابان للصاحب عليه السلام ، ومن قبله لأبيه وجده، ولا يخفي بعد النظر والتأمل(1). أما الخوئي فقد قال : من البعيد جدا وجود رجلين يعرف كل منهما بالعمري، وكان كل منهما وكيل العسكري عليه السلام ، ويكون لكل منهما ابن يسمي بمحمد ويكني أبا جعفر وكيل الناحية ويدور عليه الأمر.. علي أن المستفاد من التوقيع أن العمري كان شخصا واحدا يصل إليه كل ما يحمل إلي الإمام عليه السلام فيوصله إليه ، والله العالم بحقيقةالأمر (2).واستغرب الخوئي مما ذكره الكشي قائلا : والأغرب من ذلك هو ما صدر من الشيخ الطوسي (قدس سره) فإنه ذكر في الغيبة كما عرفت : محمد بن عثمان بن سعيد العمري وأباه و ذكر وكالتهما، ولم يتعرض لحفص ولا لابنه محمد؛ ومع ذلك كان قد ذكر في رجاله حفص بن عمرو العمري المعروف، ثم قال : والمتحصل مما ذكرنا أنه لم يعلم وجود لحفص بن عمرو، ولا لابنه فضلا عن أن يكونا وكيلين، وأما ما في الكشي، فلا بد من حمله علي غلط النسخة بعد مخالفتها لما تسالم عليه الأصحاب : من أن الوكيل كان عثمان بن سعيد وابنه محمد، وقد ذكر العلامة نفسه في ترجمة محمد بن عبد العزيز الكشي: أن له كتاب الرجال ، كثير العلم؛ إلا أن فيه أغلاطا كثيرة كما ذكر ذلك النجاشي أيضا(3). أقول: والغريب في ذلك أيضا ما ذكره السيد محمد الصدر بأنه حفص بن عمرو، كان له نشاط متزايد بهذا الأمر، وكان الأمر يدور عليه(4)، ولم يذكر نصا في نشاطه!! وما قاله التستري والخوئي هو الصحيح والله العالم.

ص: 86


1- رجال القهبائي: 1/220.
2- معجم رجال الحديث : الخوئي 155/7 .
3- معجم رجال الحديث: 6/145.
4- الغيبة الصغري: محمد الصدر: 624.

المبحث الثالث: التراث الذي خلفه عثمان بن سعيد العمري للأمة الإسلامية

اشارة

لقد خلف عثمان بن سعيد العمري تراثا خالدا للأجيال والأمة الإسلامية مع تصديه لمهمة السفارة عن الإمام المهدي .. ونلخصه بما يلي:

أولا: ما تركه من روايات وأحاديث عن الأئمة عليهم السلام:

اتضح من خلال دراسة الأوضاع السياسية للدولتين الأموية والعباسية نجاحهما نوعا ما في كبت حركة الفكر والتحرر لدي المفكرين، وعرضتهم لصنوف العذاب والسخرية، وألجمتهم عن قول الحقيقة ؛ وأثارت الفتن والشحناء بين فصائلها ؛ فكان له الأثر السلبي علي سير المسلمين وتقدمهم، وظهرت في خضم تلك الأحداث حركات فكرية ونهضة علمية واسعة قوت شوكتها وامتدت معالمها لأبعد البلاد الإسلامية، وكان يقودها رجال الأمة من أهل الخبرة والتخصص في معرفة العلوم ومنها علم الحديث، حيث إنهم بذلوا جهودا مكثفة في معرفة علم الحديث وجمعه وتفصيل أحكامه وتبيين حلاله من حرامه، فرتبوه علي طبقات رجالية لمعرفة أحوال الرواة؛ وحصلت الأمة علي أضخم ثروة

ص: 87

وتراث في مجال الحديث، وتم تمييزها عن الأحاديث السقيمة. وقد نفذت إشعاعات تلك النهضة العلمية والفكرية لعواصم عديدة من البلاد الإسلامية كالشام ومكة وقم والكوفة وسامراء واليمن والمغرب العربي وغيرها، أما بغداد عام 260ه فقد أصبحت مصدرا للإشعاع الفكري والسياسي لكثير من البلدان، وملتقي لمختلف المذاهب والفرق الإسلامية ، حيث عقدت فيها الندوات وتباري في منتدياتها الأدبية الشعراء والأدباء ورواد الفكر في مختلف العلوم والفنون ؛ وظهر في تلك النهضة رجال في الأمة تخصصوا في الحديث والرواية وفي مقدمتهم عثمان بن سعيد العمري رحمت الله عليه ، حيث روي الحديث فأحسن روايته، والناس يومذاك في أشد الحاجة لسماع الحديث عن الأئمة ولا سيما الإمام الهادي والعسكري والمهدي عليهم السلام ، بسبب مسلكهم الاختفاء والكتمان والحذر من السلطات وجواسيسها، ورغم صعوبة الوقت والسيف يقطر دما ؛ والمحن التي مرت بها الأمة، والأزمات والحروب الطاحنة والتناحر بين المذاهب ؛ وقد أدي إلي حرق الكثير من الكتب والطروس، وضياع بعض التراث الذي خلفه المسلمون؛ وبقي البعض الآخر في متناول الأيدي فقد وصلنا من عثمان بن سعيد العمري العديد من الروايات عن النبي صلي الله عليه و آله؛ والأئمة عليهم السلام ونلخص بعضها بما يلي:

رواياته في الوصية(1)، واللواط (2)، والزي والتجمل (3)، والمعيشة(4)، وفضل الكوفة(5)، وتسمية من رآه عليه السلام(6)، وأخباره في وجود الإمام

ص: 88


1- التهذيب للطوسي: 187/9 ، جامع الرواة للأردبيلي : 1/533.
2- الكافي للكليني : 548/5 ، جامع الرواة: 1/533.
3- الكافي للكليني : 450/6 ، جامع الرواة : 1/533. والتهذيب للطوسي: 6/84.
4- الكافي: 6/450، جامع الرواة: 1/ 533.
5- التهذيب للطوسي: 35/9 جامع الرواة: 1/533.
6- الكافي: 212/6 ، الغيبة للطوسي: 218-219.

المهدي عليه السلام ووصيته للأمة الإسلامية(1)، وحب الدنيا (2)، وقصة موسي والعمالقة(3)، وفي ودائع النبيصلي الله عليه و آله(4).

ثانيا: تراثه في الأدعية:

أما تراثه من الأدعية التي رواها عن الأئمة عليه السلام فهي كثيرة أيضا، فمن بينها الدعاء المشهور عنه رحمت الله في الغيبة، فقد سأل زرارة الإمام الصادق عليه السلام فقال : جعلت فداك ؛ إن أدركت ذلك الزمان، أي شيء أفعل؟ قال عليه السلام : يا زرارة متي أدركت ذلك الزمان فلتدع بهذا الدعاء : اللهم عرفني نفسك؛ فإن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك .. إلخ(5)، وقال ابن طاووس : إذا كان لك عذر عن جميع ما ذكرناه من تعقيب العصر يوم الجمعة فإياك أن تهمل الدعاء به، فإننا عرفنا ذلك من فضل الله جل جلاله الذي اختصنا به فاعتمد عليه؛ وهذا نصه : عن أبي همام: أن الشيخ عثمان بن سعيد العمري رحمت الله أملاه عليه، وأمره أن يدعو به وهو الدعاء في غيبة القائم عليه السلام : اللهم عرفني نفسك؛ فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني نبيك ؛ فإنك إن لم تعرفني نبيك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك ، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني ... إلخ(6).

ثالثا: تراثه في ما خرج عنه من توقيعات:
1- اشارة

وخرج من عثمان بن سعيد العمري توقيعات كثيرة من إمامه

ص: 89


1- الكافي : 212/6 ، الغيبة للطوسي: 218 - 219.
2- الكافي: 326/9 ، جامع الرواة: 1/ 533.
3- بحار الأنوار للمجلسي : 371/13 .
4- بحار الأنوار للمجلسي: 36/345.
5- منتخب الأثر : للصافي: 501.
6- جمال الأسبوع: 70، وانظر كمال الدين للصدوق: 2/ 190، مصباح المتهجد للطوسي: 369، مفاتيح الجنان للقمي وغيرهما ..

المهدي عليه السلام للأمة الإسلامية في أمور وقضايا عديدة .. نلخص بعضها :

2- التوقيع الأول: فيمن أنكر الحجة:

قال الصدوق: توقيع من صاحب الزمان عليه السلام كان خرج إلي العمري وابنه - رضي الله عنهما - رواه سعد بن عبد الله، قال الشيخ أبو عبد الله جعفر رضي الله عنه : وجدته مثبتا عنه رحمت الله وهو : وفقكما الله لطاعته، وثبتكما علي دينه، وأسعدكما لمرضاته ، انتهي إلينا ما ذكرتماه أن الميثمي أخبركما عن المختار ومناظراته من لقي؛ واحتجاجه بأنه لا خلف غير جعفر بن علي وتصديقه إياه، وفهمت جميع ما كتبتما به مما قال أصحابكما عنه، وأنا أعوذ بالله من العمي بعد الجلاء، ومن الضلالة بعد الهدي، ومن موبقات الأعمال ومرديات الفتن، فإنه عز وجل يقول: «أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ»(1)، كيف يتساقطون في الفتنة ويترددون في الحيرة، ويأخذون يمينا وشمالا، فارقوا دينهم؟ أم ارتابوا؟! أم عاندوا الحق أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة والأخبار الصحيحة؟! أو علموا ذلك فتناسوا ما يعلمون: أن الأرض ما تخلو من حجة !!! إما ظاهرا وإما مغمورا. أو لم يعلموا انتظام أئمتهم بعد نبيهم صلي الله عليه و آله واحدة بعد واحد إلي أن أفضي الأمر بأمر الله عز وجل إلي الماضي - أي الحسن العسكري عليه السلام - فقام مقام آبائه يهدي إلي الحق وإلي طريق مستقيم، كان نورا ساطعا وشهابا لامعا وقمرا زاهرا، ثم اختار الله عز وجل له ما عنده، فمضي علي منهاج آبائه حذو النعل بالنعل، علي عهد عهده، ووصية أوصي بها إلي وصي - يقصد بها نفسه - ستره الله عز وجل بأمره إلي غاية، وأخفي مكانه بمشيئته للقضاء السابق والقدر النافذ، وفينا موضعه، ولنا موضعه، ولو قد أذن الله عز وجل فيما قد منعه وأزال عنه ما قد جري به من حكمه، لأراهم الحق ظاهرا بأحسن حيلة وأبين دلالة

ص: 90


1- سورة الروم، الآية/ 2.

وأوضح علامة، ولأبان عن نفسه، وقام بحجته، ولكن أقدار الله عز وجل لا تغالب، وإرادته لا ترد، وتوفيقه لا يسبق؛ فليدعوا عنهم اتباع الهوي، وليقيموا علي أصلهم الذي كانوا عليه ولا يبحثوا عما ستر عنهم، فيأثموا؛ ولا يكشفوا ستر الله عز وجل فيذموا، وليعلموا أن الحق معنا وفينا، لا يقول ذلك سوانا إلأ كذاب مفتر؛ ولا يدعيه غيرنا إلأضال غوي، فليقتصروا منا علي هذه الجملة دون التفسير، ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح إن شاء الله(1).

3- التوقيع الثاني: فيمن أرتاب في الإمام المهدي عليه السلام :

روي الطوسي والطبرسي وغيرهما: عن الشيخ الموثق أبي عمرو العمري رحمت الله قال : تشاجر ابن أبي غانم القزويني وجماعة من الشيعة في الخلف عليه السلام !!؛ فذكر ابن أبي غانم أن أبا محمد العسكري عليه السلام مضي ولا خلف له، ثم إنهم كتبوا كتابا وأنفذوه إلي الناحية عليه السلام وأعلموا بما تشاجروا فيه، فورد جواب كتابه بخطه صلي الله عليه وعلي آبائه : ِبسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، عافانا الله وإياكم من الفتن، ووهب لنا ولكم روح اليقين، وأجارنا وإياكم من سوء التقلب، إنه أنهي إلي ارتياب جماعة منكم في الدين، وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمرهم، فغمنا ذلك لكم لا لنا، وساءنا فيكم لا فينا، لأن الله معنا فلا فاقة إلي غيره، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا.... إلخ(2). وهو خبر طويل.

4- التوقيع الثالث: تكذيبه لجعفر في ادعائه الإمامة:

روي الطوسي والطبرسي بإسنادهما عن أحمد بن إسحاق

ص: 91


1- كمال الدين للصدوق: 2/189، بحار الأنوار للمجلسي: 190/53 .
2- الغيبة للطوسي: 184، الاحتجاج للطبرسي: 2/467، بحار الأنوار للمجلسي: 53/178 .

الأشعري له : أنه جاءه بعض أصحابنا يعلمه أن جعفر بن علي - عم الإمام المهدي عليه السلام - كتب إليه كتابا يعرفه فيه نفسه، ويعلمه أنه القيم بعد أخيه، وأن عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه وغير ذلك من العلوم كلها . قال أحمد بن إسحاق فلما قرأت الكتاب كتبت إلي صاحب الزمان عليه السلام وصيرت كتاب جعفر في درجه، فخرج الجواب إلي في ذلك عن طريق سفيره عثمان بن سعيد العمري رحمت الله ِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ : أتاني كتابك أبقاك الله، والكتاب الذي أنفدت درجه، وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمنه علي اختلاف ألفاظه وتكرر الخطأ فيه، ولو تدبرته لوقفت عليه منه(1)... إلخ وهو خبر طويل .

ص: 92


1- الغيبة للطوسي: 147، الاحتجاج للطبرسي: 2/468، كمال الدين للصدوق: 2/200.

المبحث الرابع: المعجزات التي ظهرت من الإمام المهدي عليه السلام علي يدي عثمان بن سعيد العمري

اشارة

المعجزة هي المعيار الذي يعرف به الصدق، والبرهان الذي يحتج به للحق، والمحك الذي يمتاز به الخالص من المشوب، والأصل الثابت الذي يحق أن يستند إليه لعرفان الحق وإثبات الحقيقة، والوثيقة الوحيدة لمعرفة حقيقة دعوي المدعي، والمعيار المعتمد الدقيق لتمييز النبي من المتنبي . وهو عمل يجري علي خلاف مجاري العادة عقيب التحدي، ولا يختص هذا بالأنبياء ، فلا يمتنع أن يظهرها الله تعالي علي يدي من يدعي الإمامة ليدل بها علي عصمته ووجوب طاعته، وقد ظن الخصوم أنها مختصة بالأنبياء لأنها تدل علي النبوة من جهة الإبانة، فقد استحال ظهورها علي من ليس بنبي .... أقول: وليس فيما ذكروه ما يوجب كون المعجزة دالة علي الإبانة ، وأما وجوب حصولها وظهورها علي يد النبي ومخالفتها في ذلك لسائر الأدلة ، فليس بمقتض لما ذكروه، وإذا جاز إظهارها علي يد المعصوم، فإنه يجوز إظهارها علي يد السفراء والأصحاب لعدم منع العقل والكتاب والسنة من ذلك، وموافقة أكثر الفرق لهذا الاعتقاد(1)، فقد ذكر الشيخ الطوسي طرفا

ص: 93


1- تلخيص الشافي للطوسي: 146/1 ، أوائل المقالات : المفيد: 35.

من الأخبار الدالة علي إمامة ابن الحسن العسكري عليه السلام وثبوت غيبته ووجود عينه عن طريق السفراء ، وقال : بأنها أخبار تضمنت الإخبار بالغائبات بالشيء قبل كونه علي وجه خارق للعادة، لا يعلم ذلك إلا من أعلمه الله علي لسان نبيه صلي الله عليه و آله وصل إليه من جهة من دل الدليل علي صدقه، ولولا صدقهم لما كان ذلك إليه(1). ثم أضاف: إن ظهور المعجزات علي أيديهم دليل واضح علي إمامة من انتموا إليه(2). ونلخص بعض ما ظهر من الإمام المهدي عليه السلام من معجزات علي يدي سفيره عثمان بن سعيد العمري ...

أولا: الإخبار عن أمور غيبية:

عن محمد بن علي الأسود رحمت الله قال : دفعت إلي امرأة سنة من السنين ثوبة وقالت : احمله إلي العمري - عثمان بن سعيد - فحملته مع ثياب كثيرة، فلما وافيت بغداد أمرني بتسليم ذلك كله إلي محمد بن العباس القمي، فسلمت ذلك كله ما خلا ثوب المرأة، فوجه إلي العمري - (رض): ثوب المرأة سلمه إليه، فذكرت بعد ذلك أن المرأة سلمت إلي ثوبا فطلبته؛ فلم أجده، فقال لي: لا تغتم؛ فإنك ستجده، فوجدته بعد ذلك، ولم يكن مع العمري نسخة ما كان معي (3).

ثانيا: علمه بموت المصري في مكة:

عن الحسن بن عيسي قال : لما مضي أبو محمد الحسن بن علي عليه السلام ورد رجل من مصر بمال إلي مكة لصاحب الأمر، فاختلف عليه وقال بعض الناس: إن أبا محمد قد مضي من غير خلف، وقال آخرون: الخلف بعده

ص: 94


1- الغيبة للطوسي: 199.
2- الغيبة للطوسي: 207.
3- إثبات الهداة للعاملي: 302/7 ، بحار الأنوار للمجلسي: 326/51 .

جعفر، وقال آخرون : الخلف من بعده ولده، فبعث رجلا يكني أبو طالب، فصار الرجل إلي الباب وأنفذ الكتاب إلي أصحابنا الموسومين بالسفارة عثمان بن سعيد العمري - فخرج إليه : آجرك الله في صاحبك فقد مات ، وأوصي بالمال الذي كان معه إلي ثقة يعمل فيه بما يحب، وأجيب عنه كتابة ، وكان الأمر كما قيل له(1).

ثالثا: إثبات صحة سفارته عن الإمام المهدي عليه السلام:

حدث محمد بن إبراهيم بن مهزيار قال : إن أبي لما حضرته الوفاة دفع إلي مالا وأعطاني علامة، ولم يعلم بتلك العلامة إلا الله عز وجل وقال : من أتاك بهذه العلامة فادفع إليه المال، فخرجت إلي بغداد ونزلت في خان، فلما كان اليوم الثاني إذ جاء الشيخ ودق الباب : ... إلي أن قال : فدخل وجلس فقال : أنا العمري - عثمان بن سعيد - هات المال الذي هو عندك !! وهو كذا وكذا! ومعي المال، فدفعت إليه المال (2).

رابعا: قضية مدهشة للعقول

وعن إسحاق بن يعقوب قال : سمعت الشيخ العمري - عثمان بن سعيد - (رض) يقول : صحبت رجلا من أهل السواد ومعه مال للقائم عليه السلام فأنفذه فرده عليه وقيل له : أخرج حق ولد عمك منه، وهو أربعمائة درهم، فبقي الرجل متحيرا باهتا، ونظر في حساب المال وكانت في يده ضيعة لولد عمه قد كان رد عليهم بعضها؛ فإذا الذي نض لهم من ذلك أربعمائة درهم كما قال عليه السلام ؛ فأخرجه وأنفذ الباقي، فقبل - العمري وأخذ المال (3).

ص: 95


1- حار الأنوار للمجلسي: 299/51 .
2- رجال الكشي للطوسي: 1/813، قاموس الرجال : التستري: 1/248.
3- إثبات الهداة للعاملي: 302/7 ، بحار الأنوار للمجلسي: 326/51 .

وكذا قصته مع الزهري الذي طلب هذا الأمر طلبا شديدا وشاقا حتي ذهب له فيه مال صالح، فوقف إلي عثمان بن سعيد العمري وخدمه ولزمه وسأله بعد ذلك عن صاحب الزمان ... الخبر (1).

ص: 96


1- الغيبة للطوسي: 164.

المبحث الخامس: وفاة عثمان بن سعيد العمري وبرقية الإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف) بالمواساة

1- اشارة

حظي عثمان بن سعيد العمري بالسفارة العظمي خمس سنوات عن الإمام المهدي عليه السلام وقد نهل فيها علومه من معين الإمامة وحجور الولاية، وتثقف بوارف النبوة، واستضاء من نور تلك المشكوات الزاهرات والبحار الزاخرات، المتلاطمة أمواجها بالحكميات الربانية والعلوم القدسية الإلهية : فكان العمري رشحة من رشحات الأئمة عليهم السلام وممثلا لخلافة المهدي عليه السلام الظاهرية والباطنية حتي ختم صفحة تاريخه المشرق عام 265ه وبعد خمسة أعوام قضاها في السفارة، ولم يتعد خلافة المعتمد العباسي، وقد بلغ عمره الشريف اثنان وأربعون عاما ؛ وعمر إمامه المهدي عليه السلام آنذاك تسع سنوات. وقام ابنه محمد بن عثمان العمري بتغسيل أبيه وتكفينه والصلاة عليه (1)، وشيع جثمانه بقلوب ملؤها الأسي ثم حمل إلي مثواه الأخير حيث دفن في الجانب الغربي من مدينة السلام في شارع الميدان في أول الموضع المعروف بدرب جبلة في مسجد الدرب يمنة الداخل إليه، والقبر في نفس قبلة

ص: 97


1- الغيبة للطوسي: 216.

المسجد(1). قال الشيخ الطوسي: رأيت قبره في الموضع الذي ذكره هبة الله ، وكان بني في وجهه حائط، به محراب المسجد وإلي جنبه باب يدخل إلي موضع القبر في بيت مظلم ضيق، فكنا ندخل إليه ونزوره مشاهرة. قال : وكذلك من وقت دخولي إلي بغداد وهي سنة ثمان وأربعمائة إلي سنة نيف وثلاثين وأربعمائة، ثم نقض ذلك الحائط الرئيس أبو منصور محمد بن الفرج، وأبرز القبر إلي بر - أي إلي الخارج - وعمل عليه صندوقا وهو تحت السقف يدخل إليه من أراده ويزوره. قال الطوسي: ويتبرك جيران المحلة بزيارته ويقولون : هو رجل صالح، وقالوا: هو ابن داية الحسين عليه السلام ، ولا يعرفون حقيقة الحال فيه؛ وهو إلي يومنا هذا، وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة علي ما هو عليه(2)، وقبره الآن مشيد و معروف ببغداد يزار ويتبرك به (3)، وقد روي العلامة المجلسي زيارة له فقال : وجدت في بعض النسخ القديمة من مؤلفات أصحابنا زيارة لمولانا أبي محمد عثمان بن سعيد العمروي الأسدي وهي : السلام عليك أيها العبد الصالح لله ولرسوله ولأوليائه ... إلخ(4).

وخرجت برقية تعزية من الإمام المهدي عليه السلام إلي ابنه محمد بن عثمان يواسيه فيها بأبيه، ويعبر عن حزنه العميق لفقدانه ، وكانت إعلانا له بالسفارة عنه عليه السلام بعد أبيه عثمان بن سعيد ؛ وكانت بر قيته تشتمل علي فصلين :

2- فقد جاء في الفصل الأول من هذه البرقية :

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ؛ إنا لله وإنا إليه راجعون، تسليما لأمره ورضاء

ص: 98


1- الغيبة للطوسي: 217.
2- الغيبة للطوسي: 217.
3- الغيبة الصغري للصدر : 623.
4- بحار الأنوار المجلسي : 293/102 .

القضائه، عاش أبوك سعيدا ومات حميدا، فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه عليهم السلام، فلم يزل مجتهدا في أمرهم ساعيا فيما يقربه إلي الله عز وجل وإليهم؛ نضر الله وجهه وأقاله عثرته .

3- وجاء في الفصل الآخر من البرقية :

أجزل الله لك الثواب، وأحسن لك العزاء، رزئت ورزئنا؛ وأوحشك فراقه وأوحشنا ؛ فسره الله في منقلبه، كان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالي ولدا مثلك يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحم عليه . وأقول : الحمد لله ، فإن الأنفس طيبة بمكانك، وما جعله الله عز وجل فيك وعندك أعانك الله وقواك وعضدك ووفقك ، وكان لك وليا وحافظا وراعيا وكافيا(1).

ص: 99


1- الغيبة للطوسي: 219، الاحتجاج للطبرسي : 2/481.

ص: 100

الباب الثاني: السفير الثاني للإمام المهدي عليه السلام محمد بن عثمان العمري

اشاره

ص: 101

ص: 102

المبحث الأول: محمد بن عثمان العمري في الميزان

1- اشارة

ثم ابن عثمان وكيل عمري*** وفاته قدر صحيح الخبر

وثاني السفراء قد أوصي إلي*** حسين بن روح حيث ما ابتلا (1)

وهو محمد بن عثمان بن سعيد العمري، كنيته أبو جعفر، ويلقب بالعمري والعسكري والأسدي والسمان، أثني عليه المخالف والموافق؛ فقد ذكر الجهضمي برواية رجال المذاهب الأربعة حال السفراء وكذا اسمه وأنه كان وكيلا للإمام المهدي عليه السلام وأمره أشهر من أن يحتاج إلي الإطالة(2)، وأخرج الكيدري توقيعا خرج من صاحب الزمان عليه السلام للعمري - أبي جعفر - وفيه وصايا أوجبت عليه الثبوت علي إمامته(3)، وقال ابن الأثير بعد ترجمته : إنه رئيس الإمامية والباب إلي الإمام المنتظر، وأوصي إلي أبي القاسم بن روح(4)، وقال مثله في المختصر لأبي الفداء(5)، والمسعودي في إثبات الوصية، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة .

ص: 103


1- بهجة الآمال للتبريزي: 5/332.
2- الطرائف في معرفة الطوائف : ابن طاووس : 1/184.
3- الصراط المستقيم: البيضاوي : 2/235.
4- الكامل في التاريخ : ابن الأثير 109/8 .
5- المختصر في أخبار من غبر: 1/69.

أما علماء الشيعة فقد أجمعوا عليه، وقد تقدم ذكر عبارات القدماء في حق السفراء وهو من بينهم ؛ قال المفيد: إنه من أصحاب الإمام العسكري عليه السلام وممن شاهد الخلف في حياته، وكان من أصحابه وخاصته بعد وفاته؛ وكان أهل عقل وأمانة، وثقة ظاهرة ودراية، وفهم وتحصيل ونباهة، وكانت أخبار المهدي عليه السلام واصلة من جهته مدة من الزمن إلي الشيعة، وهو ممن يوثق بقوله ويرجع إليه لدينه وأمانته، وممن اختص به من الدين والنزاهة(1). وقال الطوسي: بأنه وكيل من جهة الصاحب؛ وله منزلة جليلة عند الطائفة(2). وأما الطبرسي فإنه عذه من الأبواب المرضيين والسفراء الممدوحين في زمان الغيبة، قام مقام أبيه، وناب منابه في جميع ذلك، ولم يقم في أمر السفارة إلا بنص من قبل صاحب الزمان عليه السلام، ولم تقبل الشيعة قوله إلا بعد أن ظهرت آية معجزة علي يديه من قبل صاحب الأمر، تدل علي صدق مقالته وصحة بابيته (3)، وقال الأربلي: بأنه مما لا تختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن علي عليه السلام فيه(4)، وقال العلامة الحلي : الأسدي أبو جعفر، وكيل في خدمة صاحب الزمان عليه السلام وله منزلة جليلة عند هذه الطائفة (5).

أما علماؤنا المتأخرون فقد أثنوا عليه وبالغوا في مدحه، قال السيد حسن الصدر : إنه من ولد عمار بن ياسر، وإنه من أوليائه الصالحين وعباده المخلصين، عالم بالله وبأحكامه، تشرق عليه أنوار الملكوت، جالس علي كرسي الاستقامة، لا نظير له في عصره في العلوم والمعارف؛ وإنه حجة

ص: 104


1- عدة رسائل : المفيد: 361، والغيبة للطوسي: 76.
2- رجال الطوسي: 59.
3- الاحتجاج: الطبرسي : 2/477.
4- كشف الغمة، الأربلي : 3/454.
5- الخلاصة : 57.

المولي علي الشيعة، وعلي يده ظهرت الكرامات(1). وقال عنه القمي: إنه باب الهادي عليه السلام ووكيل الناحية المقدسة عليه السلام في خمسين عاما؛ الذي ظهر علي يديه من طرف المأمول المنتظر عليه السلام معاجز كثيرة، وفضائله أشهر من أن تذكر(2). أما المامقاني فقد قال : إن جلالة شأن هذا الرجل وعلو قدره ومنزلته في الإمامية أشهر من أن يحتاج إلي بيان وإقامة برهان، وقد مر في أبيه ما ينص علي وكالته حتي في حياة أبيه عن مولانا العسكري عليه السلام وسفارته عن الحجة عجل الله تعالي فرجه: ووثاقته وأمانته وعدالته وإجماع الشيعة علي ذلك(3)، وقال السيد الخوئي أيضا: بأن الروايات في جلالة وعظمة مقامه متضافرة(4).

2- أما منزلته في الأمة الإسلامية:

فقد نجح محمد بن عثمان العمري في تحصيل اعتماد الأمة الإسلامية ، وحصل علي مرتبة جليلة بين علمائها وفصائلها ؛ قال هبة الله نقلا عن شيوخه وعلماء الأمة : بأنهم مجتمعون علي عدالته ووثاقته وأمانته، لما تقدم من النص عليه بالأمانة والعدالة(5)، ولا يعرفون في هذا الأمر غيره، ولا يرجعون إلي أحد سواه(6)، بل لا يختلف في عدالته، ولا يرتاب بأمانته(7). وكان هذا السفير يخرج لهم التوقيعات من الإمام عليه السلام بنفس الخط الذي كان يخرج في حياة الحسن عليه السلام بالمهمات في أمر الدين والدنيا، وفيما يسألونه من

ص: 105


1- تأسيس الشيعة: 411.
2- سفينة البحار: 1/327.
3- تنقيح المقال : 149/3 .
4- معجم رجال الحديث: 16/274.
5- الغيبة للطوسي: 316 و 221.
6- الغيبة للطوسي: 221.
7- الغيبة للطوسي: 221.

المسائل بالأجوبة العجيبة(1)، وكان كأبيه يستلم الأموال الضخمة التي تأتيه من الأقطار الإسلامية(2)، وهو دليل علي تسالم الأمة الإسلامية عليه، وعظمته وجلالته فيها، لا كما تزعم بعض الأفكار المشبوهة. لقد دعاه هذا الأمر وهو وصول تلك الأموال التي لا تحصل إلا للملوك والأمراء إلي أن يعين له عشرة أنفس من ثقاته في بغداد ليسهموا معه في أمر السفارة(3)، وكان من بينهم الحسين بن روح النوبختي الذي عينه العمري قائما علي أملاكه وضبطها(4)، والبلالي وحاجز والعطار وغيرهم علي قبض الأنفال والأخماس(5)، والشلمغاني علي إخراج التوقيعات من قبله(6)، والحسين بن علي الأسود علي الوقوفات (7)، كل ذلك ليتم عبر خطة مبرمجة وأسلوب منتظم، وليتم ذلك الأمر في غاية السرية والكتمان؛ والحذر الشديد من مغبة الوقوع في مخالب السلطات .

وقد كانت الأموال تسلم إليه بطريق غامض ومغلف بالسرية، وذلك بدلالة السفير نفسه ، فقد روي الطوسي: وصول مبلغ ستة عشر ألف دينار من أهالي دينور، سلمها الدينوري لوكيل الإمام عليه السلام بدلالة الوصف(8). فكان منهم من يطالب بالوصولات من السفير ، ومنهم ممن لا يطالبه ، ومنهم ممن لا يسلمه شيئا إلا بعد معرفة كرامة أو معجزة من الإمام عليه السلام تظهر علي يديه، وكان يتم تسليم الوصولات لأرباب الأموال لفترة قصيرة نسبيا وهي

ص: 106


1- الغيبة للطوسي: 223.
2- الغيبة للطوسي: 218، كمال الدين للصدوق: 2/116.
3- الغيبة للطوسي: 225.
4- الغيبة للطوسي: 225 و 227.
5- الغيبة للطوسي: 248 وما بعدها .
6- الغيبة للطوسي : 248.
7- الغيبة للطوسي: 225.
8- دلائل الطبري: 350.

فترة خلافة المعتضد العباسي عام 279 ه، أي بعد تسعة عشر عاما من بدايتها، ثم انقطع التسليم. فقد روي الطوسي بإسناده عن المدائني قال : كان من رسمي إذا حملت المال في يدي إلي الشيخ محمد بن عثمان العمري أن أقول له ما لم يكن أحد يستقبله بمثله : هذا المال ومبلغه كذا وكذا للإمام عليه السلام ، فيقول لي: نعم، دعه فأراجعه، فأقول له مرة أخري : تقول لي: إنه للإمام؟! فيقول: نعم للإمام عليه السلام فيقبضه(1)، ثم يسلم الوصل به(2)، وبعد مضي فترة من سفارته طولب وكيله ابن روح النوبختي بدفع الوصولات، فشكا ذلك إلي أبي جعفر العمري، فأمر أصحابه أن لا يطالبوه بالقبوضات، وقال : كل ما وصل إلي أبي القاسم فقد وصل إلي، فصارت تحمل إليه الأموال، ولا يطالب بالقبوض(3)، بسبب صعوبة الوقت أيام المعتضد حيث كان السيف يقطر دما(4)، وكانت تلك الفترة مليئة بالظلم وسفك الدماء (5) كما سيأتي بيانه، فكان أبو جعفر العمري يسافر بين الحين والحين وهو في زي التجار للتغطية علي أمره، وكان يستلم الأموال بصفته تاجرا لا بصفته سفيرا، ويقول للرجل : امض إلي موضع كذا فسلم ما معك، من دون أن يشعر بشيء، ولا يدفع إليه كتابا لئلا تطلع عليه السلطات (6)، وكان الإمام المهدي حريصا علي مطالبته بالأموال والأخماس والزكوات والأنفال التي تصل إلي سفيره ووكلائه في الأقطار الإسلامية، ولا يجوز لهم التخلف أو التقصير ؛ فقد خرج توقيعا منه عليه السلام ابتداء من غير مسألة لسفيره

ص: 107


1- الغيبة للطوسي : 223.
2- الإرشاد للمفيد: 335.
3- الغيبة للطوسي: 226.
4- الغيبة للطوسي: 179.
5- عقيدة الشيعة ؛ رونلدسن : 257.
6- الغيبة للطوسي: 180.

محمد بن عثمان العمري قائلا : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، لعنة الله والملائكة والناس أجمعين علي من استحل من أموالنادرهما (1)، وجاء في توقيع آخر: وأما المتلبسون بأموالنا، فمن استحل شيئا فإنما يأكل النيران(2).

وفي توقيع ثالث : وأما ما سئلت عنه في أمر من يستحل ما في يده من أموالنا ويتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا، فمن فعل ذلك فهو ملعون، ونحن خصماؤه يوم القيامة، وقد قال النبي صلي الله عليه و آله : المستحل من عترتي ما حرم الله ملعون علي لساني ولسان كل نبي مجاب، فمن ظلمنا، كان في جملة الظالمين لنا، وكانت لعنة الله عليه لقوله عز وجل : «وألا لنه أو علي اليمين »(3)

3- أما منزلته عند الإمام الهادي عليه السلام :

لقد ذكرنا أن الإمام الهادي عليه السلام كان قد طبق علي نفسه سياسة الاحتجاب إلأ عن عدد يسير من خواصه(4)، حتي تألف الأمة الأسلوب ولا تنكر الغيبة، وتجري العادة بالاحتجاب والاستتار(5). وكل هذه الأساليب التي استخدمها الإمام عليه السلام إنما كان بسبب المضايقات وحملات التفتيش والملاحقة لأنصار الإمام عليه السلام من قبل السلطات الحاكمة التي كانت تستخدم شتي الأساليب كما فعل الخلفاء من قبل ضد الأئمة وأنصارهم ومؤيديهم.

فقد ذكر الطوسي: بأنه لم تلق فرقة وبلي أهل مذهب بما بليت به الشيعة من التتبع والقصد وظهور كلمة أهل الخلاف، حتي أننا لا نكاد نعرف زمانا

ص: 108


1- الاحتجاج للطبرسي : 2/480.
2- الاحتجاج للطبرسي: 2/471.
3- الأعراف: 43، الاحتجاج للطبرسي : 2/479.
4- إثبات الوصية : المسعودي: 231.
5- إثبات الوصية : المسعودي: 231.

تقدم سلمت فيه الشيعة من الخوف ولزوم التقية، ولا حالا عريت فيه من قصد السلطان وعصبيته وميله وانحرافه(1). وأكد أحمد أمين المصري هذا المعني بقوله : إن التقية عند الشيعة جزء مكمل لتعاليمهم تواصوا به، وعدوه مبدءا أساسيا من حياتهم(2)، وكان هذا هو السبب في أن يشكل تاريخ أهل السنة وتراجمهم وأحاديثهم القسم الأعظم من تاريخنا الإسلامي دون التاريخ الشيعي الإمامي؛ الذي كان يعاني من ظلم الحكام وجورهم؛ فحدث لهم مما لم يحدث إلا في حروب التتار والمغول والصليبيين ولم ينج من بطش الخلفاء حتي ممن لم يكونوا علي مذهب الشيعة بسبب روايتهم حديثا عن النبي صلي الله عليه وآله من الأئمة عليهم السلام !! فمثلا يضرب نصر بن علي الجهضمي ألف سوط لأنه حدث بحديث عن النبي صلي الله عليه و آله في الحسن والحسين عليهما السلام قوله: «من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة»؛ فكلم جعفر بن عبد الواحد الخليفة المتوكل العباسي : بأن نصرا لم يكن شيعيا وإنما هو من أهل السنة، فضرب خمسمائة سوط وعفي عن الباقي (3).

وهكذا أيضا يضرب مالك - مؤسس المذهب المالكي في عصر الصادق عليه السلام - بسياط المنصور بعد معرفة نوايا الخليفة من معارضة مذهب الإمامية فقال : لا تفعل أما هذا الصقع فقد كفيته، وأما الشام ففيه الرجل الذي علمته - أي الأوزاعي - وأما أهل العراق فهم أهل العراق (4). ولم يستثن أصحاب الأئمة عن أساليب الحكام وتعسفهم؛ حتي أخذت تطاردهم، وبثت الجواسيس حولهم لاقتناص أخبارهم؛ وتعذيبهم بألوان العذاب وزجهم في السجون، وبقي الإمام الهادي عليه السلام وأصحابه يقفون أمام تيارات الانحراف

ص: 109


1- تلخيص الشافي، للطوسي: 59/1.
2- ضحي الإسلام: 3/247.
3- تاريخ بغداد للبغدادي : 2/281.
4- الإمام الصادق والمذاهب الأربعة : أسد حيدر : 1/ 320.

القائمة في السلطة والأمة؛ ومواجهة الإلحاد . فقد حدثنا التاريخ أن أصحاب الإمام الهادي عليه السلام وهو في سياسة الاحتجاب التي فرضها علي نفسه كانوا قد بلغوا المائة والثمانين رجلا(1). وهذا عددا ضخما بالنسبة للأوضاع التي كان يعيشها الإمام الهادي عليه السلام آنذاك ؛ وقد اعتمد الإمام عليه السلام علي محمد بن عثمان العمري في أموره ونهضته الإصلاحية ؛ فقربه إليه وجعله بابا له في علومه وغوامض أسراره(2)، وشارك أباه في مواجهة الانحراف (3) وصار وكيلا خاصة للإمام الهادي عليه السلام لما امتلكه من أمانة ودراية وفهم (4).

4- أما منزلته عند الإمام العسكري عليه السلام :

لقد أفضي الأمر بالإمام العسكري عليه السلام بأن يتكلم من وراء الستار مع الخواص وغيرهم إلا في الأوقات التي يركب فيها إلي دار السلطان(5). وقد قام الإمام بتقليص عدد أصحابه لخضوعه للرقابة الشديدة من قبل السلطات(6). وأن يكثف في اختفائه عن الساحة السياسية والاجتماعية ، فقد كان المجتمع خليطا غير متجانس من الإنسان المتسافل روحيا، والمشدود إلي مصالحه وخدمة ذاته والسير وراء رغباته وميوله؛ والمنحرف عن التعاليم الإسلامية بلا فرق بين طبقة وأخري ولون وآخر، مستثنين في ذلك قادة الفكر والحركة الإصلاحية والنموذج الرسالي الواعي. وبدأ محمد بن عثمان العمري

ص: 110


1- رجال الطوسي باب أصحاب الهادي عليه السلام ، رجال البرقي : 57، المناقب : ابن شهر آشوب: 402/4 .
2- سفينة البحار، القمي 327/1 .
3- تنقيح المقال؛ المامقاني : 149/3 .
4- رجال الطوسي: 59، الخلاصة للعلامة : 57، الطرائف لابن طاووس: 1/184، عدة رسائل للمفيد: 361، الغيبة للطوسي: 76.
5- إثبات الوصية : المسعودي : 262، منتهي الآمال : القمي: 2/565.
6- انظر رجال الطوسي، ورجال البرقي في أصحاب العسكري عليه السلام

تلك النهضة مع إمامه عليه السلام ؛ فأوكل له عليه السلام مهمة البابية عنه(1). وجعله مطلعا علي أخباره وأسراره، والقيام بنقل نداءاته وبياناته الصادرة منه إلي الأمة الإسلامية، ثم نصبه وكيلا عنه في قبض الأموال والوجوه الشرعية، والمشاريع الضخمة(2)، وقربه إليه ومنحه ثقته المطلقة به تلويحا منه للأمة بعظم خطره وأن له شأنا آخر مع الإمام المهدي عليه السلام في تخطيطه لأمر الغيبة التي أشرفت علي الوقوع والتحقق. روي الطوسي بإسناده عن أحمد بن إسحاق القمي قال : سألت الحسن العسكري عن مثل ذلك - أي في أبي جعفر العمري كما سأل عن أبيه في حياة الإمام الهادي عليه السلام - فقال لي: العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك فعني يؤديان، وما قالا لك فعتي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان(3)، وغير ذلك من عظيم الإجلال والإكرام(4).

فإن كلمة (ثقتي) التي كررها الإمام عليه السلام في محافل عديدة في حق محمد بن عثمان العمري وأبيه من قبل، لا تكون إلا لمن أخلص وصفي ، وتمخض إيمانه وولاؤه، وهي ليست باللفظة الرخيصة، بل عليها اعتماد الحفاظ وحملة الحديث؛ فإنهم إذا وجدوا حافظا أو فقيها قالوا عنه : محدث ثقة، واتخذوها الحجة القاطعة لأعذار المشككين، فما ظنك بمن يقول الإمام فيه : «ثقتي»، فذاك حجة الحجة، وآية من آيات العصمة، وهذه الكلمة لا تليق إلا بمحمد بن عثمان العمري وأمثاله، صاحب المقامات العالية ،

ص: 111


1- الاحتجاج للطبرسي: 2/477، كمال الدين للصدوق: 1/189؛ الغيبة للنعماني : 173، مجمع الرجال للقهبائي : 191/7 ، الكامل : ابن الأثير : 8/109، المختصر : أبو الفداء : 69/1 .
2- قاموس الرجال : التستري: 6/248، معجم رجال الحديث : الخوئي : 6/145، الغيبة للطوسي: 214.
3- الغيبة للطوسي: 219 و 116، الكافي للكليني : 312/6 .
4- الغيبة للطوسي: 220.

والمناقب السنية وآية من آيات العصمة ، فالعرق صحيح وهو من ولد عمار بن ياسر(1)؛ والمنشأ كريم فأبوه عثمان بن سعيد الذي أكرمه الأئمة وعظموه وعرفوا فضله وجلالته.

لقد أكد محمد بن عثمان العمري في سياسته علي حقيقتين هامتين، إحداهما: التأكيد علي قرب ولادة الإمام المهدي عليه السلام التي ستكون بداية التحول في التاريخ الإسلامي، وثانيتهما: إخبار أصحابه بأن للإمام المهدي عليه السلام غيبتان، إحداهما صغري والأخري كبري، باعتبار أن الغيبة حدث نادر في التاريخ البشري، تحتوي علي عنصر غيبي خارج عن الحس، لأن عنصر اختفاء الإمام عليه السلام وإن لم يمكن تفسيره طبيعيا، إلا أن طول عمره كان متمحضا عن الإرادة الربانية ، والعامل الروحي النازل من السماء التحقيق اليوم الموعود

ولكي تفهم الأمة هذا المفهوم، فلا بد أن يتكرر ويفهم هذا المفهوم للأمة لكي تستسيغه وتعتاد عليه، ولا يحدث فيها هزة عنيفة أو ردة فعل في قبولها هذه الفكرة، خصوصا وأن هناك إرهاصات مسبقة عن النبي صلي الله عليه و آله والأئمة الطاهرين عليهم السلام حول فكرة وجود المهدي عليه السلام وغيبته. إن هذه المسبقات الذهنية والقاعدة الفكرية المشحونة بالاعتقاد بالإمام المهدي عليه السلام وحصول العلم بقرب وقوعها، كان قد هيأ الأرضية الملائمة لقبولها؛ فلم يبق أمام محمد بن عثمان العمري سوي إعلانه عن هذه الفكرة وتطبيقه لها وإشعار الأمة بقرب الولادة التي أوشكت علي التحقق والتنفيذ، وبذل الإمام الحسن العسكري عليه السلام جهودا مضاعفة في تقوية الارتباط بين العمري والأمة وتوثيقه في محافل عديدة تمهيدا لأمر الغيبة، كقوله عليه السلام للوفد اليمني: اشهدوا علي أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي، وأن ابنه محمدة وكيل ابني

ص: 112


1- تأسيس الشيعة، للصدر : 411.

مهديكم(1). وقوله من قبل في أبيه عثمان بن سعيد: هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات(2)، وقوله في عرض لأصحابه بلغوا أربعين رجلا فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا إلي أمره، واقبلوا قوله، فهو خليفة إمامكم والأمر إليه(3).

5- أما منزلته عند الإمام المهدي عليه السلام :
اشارة

فالمتتبع للنصوص التاريخية يري بوضوح وجود اللقاءات العديدة بين الإمام المهدي عليه السلام وسفيره محمد بن عثمان العمري، وقد تم بعضها في حياة الإمام الحسن العسكري بحضور ابنه الإمام المهدي عليه السلام . وكان يدور الحوار في تلك اللقاءات حول الأوضاع الاجتماعية السائدة ودراستها وكيفية معالجتها ووضع الحلول لها، وقد كان يحضر في تلك اللقاءات كبار الشخصيات الإسلامية أمثال : عثمان بن سعيد وابن روح النوبختي والسمري، وابن متيل و أبيه، والحسن بن أيوب بن دراج ومعاوية بن حكيم وأحمد بن هلال وعلي بن بلال وغيرهم من بني نوبخت(4).

وتعمقت تلك اللقاءات والزيارات بين الإمام المهدي عليه السلام ومحمد بن عثمان فترة سفارة أبيه عثمان عن الإمام المهدي عليه السلام وتنصيبه في بغداد ، التعتمد الأمة في أمورها عليه، لتحمل إليه أموالها وهمومها وآلامها وآمالها، ومن ثم يخرج لهم التوقيعات عن صاحب الأمر عليه السلام بشأنها(5). وكان المسلمون مع صعوبة الوقت يقصدون أباه في حوائجهم وهو يخرج لهم

ص: 113


1- الغيبة للطوسي: 216.
2- الغيبة للطوسي، والنعماني، وكمال الدين للصدوق، وإثبات الوصية، ومنتخب الأثر وغيرها.
3- الغيبة للطوسي: 217.
4- كمال الدين للصدوق: 106/2 ، الغيبة للطوسي: 217.
5- سفينة البحار للقمي: 1/159.

الأجوبة والتوقيعات منه في حل مشاكلهم(1)، وكانوا لا يشكون في قوله وفعله وصدقه(2)، إلي أن توفي رحمه الله في عام 265ه(3)، وكان أول توقيع خرج من الإمام المهدي عليه السلام لمحمد بن عثمان العمري بعد وفاة أبيه جاء فيه تنصيبه سفيرا جديدا له ظلي قائلا : الحمد لله ، فإن الأنفس طيبة بمكانك، وما جعله الله عز وجل فيك وعندك .. إلخ(4)، ثم أرفق صدور الحكم منه عليه السلام دعاء له بالسداد والتوفيق في هذه المهمة الصعبة فقال عليه السلام : أعانك الله وقواك وعضدك ووفقك ، وكان لك وليا وحافظا وراعيا وكافيا(5)، فقام محمد بن عثمان العمري بمهام السفارة بعد تغسيله لأبيه وتكفينه وتجهيزه ودفنه بالجانب الغربي من مدينة السلام(6) وقال الطوسي: فلما مضي أبو عمرو عثمان بن سعيد قام ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه بنص أبي محمد عليه السلام عليه ، ونص أبيه عثمان عليه بأمر القائم عليه السلام(7) .

وقام محمد بن عثمان العمري بعدة أمور في سفارته عن الإمام المهدي نلخصها بما يلي:

الأول: إعلانه أمر سفارته عن الإمام المهدي للأمة:

لقد أعلن السفير محمد بن عثمان العمري عن بداية سفارته عن الإمام المهدي عليه السلام لأصحابه ومن يثق به في الأمة الإسلامية، وقد كان التوقيع يعد عملا من أعمال السفير في إثبات وجود الإمام المهدي عليه السلام والتصديق

ص: 114


1- سفينة البحار للقمي: 1/159.
2- الغيبة للطوسي: 215.
3- الغيبة الصغري: محمد الصدر: 404.
4- الغيبة للطوسي: 219.
5- الغيبة للطوسي: 219.
6- الغيبة للطوسي: 221.
7- الغيبة للطوسي: 221.

بدعوي السفير في أمر سفارته. روي الطوسي بإسناده عن عبد الله بن جعفر الحميري أنه قال لمحمد بن همام: لما مضي أبو عمرو (رض) أتتنا الكتب بالخط الذي كنا نكاتب به بإمامة أبي جعفر (رض) مقامه(1). فكانت التوقيعات تخرج علي يده من الإمام المهدي عليه السلام في المهمات طول حياته(2).

الثاني: إقامة الدلائل والبراهين علي صدقه:

قال الطوسي: وقد نقلت عنه دلائل كثيرة ومعجزات الإمام ظهرت علي يده وأمور أخبرهم عليه السلام بها عنه ؛ زادتهم في هذا الأمر بصيرة(3).

الثالث: إثبات جدارته في أمر السفارة:

لقد ذكرنا النصوص الواردة في توثيقه من الإمام الهادي والعسكري ثم الإمام المهدي عليهم السلام حيث قال فيه: لم يزل ثقتنا في حياة الأب رضي الله عنه وأرضاه ونضر وجهه - يجري مجراه ويسد مسده، وعن أمرنا يأمر الابن وبه يعمل(4). وقد تسالمت عليه الأمة أيضا بعد معرفتها له وتعايشها معه، فكانت لا تشك أبدا في أقواله وأفعاله ؛ مجتمعة علي عدالته ووثاقته(5).

الرابع: تفوقه علي أقرانه في العلوم:

إن استمرار محمد بن عثمان العمري أربعين أو خمسين عاما (6)في أمر السفارة ومناظرته سائر الفرق والأديان المختلفة؛ وإفساد بعض العقائد

ص: 115


1- الغيبة للطوسي: 220.
2- الغيبة للطوسي: 221.
3- الغيبة للطوسي: 221، تأسيس الشيعة للصدر : 411، سفينة البحار: القمي: 1/ 327.
4- الغيبة للطوسي: 220.
5- الغيبة للطوسي: 221 و 222.
6- الغيبة للطوسي: 223، إعلام الوري : الطبرسي: 416.

والمذاهب الباطلة، وسد الشبهات التي أثارتها السلطات ومجابهة بعض الانحرافات في الأمة كان دليلا واضحا و متقنا علي عظمة هذا السفير وجلالته وعظم المبدأ الذي انتسب له.

الخامس: حل مشاكل الأمة وقضاء حوائج أصحابه:
السادس: المساهمة في إخفاء الإمام المهدي عليه السلام :

لقد وردت تصريحات عديدة من الإمامين الهادي والعسكري عليها السلام لأصحابهم بشأن إخفاء أمر الإمام المهدي عليه السلام عن أنظار السلطات وخرجت من نفس الإمام المهدي عليه السلام التصريحات والتوقيعات العديدة بشأن كتم أمره وعدم التصريح باسمه، فمثلا يخرج منه توقيع لسفيره محمد بن عثمان العمري ابتداء من غير مسألة : ليخبر الذين يسألون عن الاسم: إما السكوت والجنة، وإما الكلام والنار، فإنهم إن وقفوا علي الاسم أذاعوه، وإن وقفوا علي المكان دلوا علي(1) .

السابع: قبض الأموال والأنفال والزكوات من أربابها وصرفها في المشاريع بامر الإمام المهدي عليه السلام

*السابع: قبض الأموال والأنفال والزكوات من أربابها وصرفها في المشاريع بامر الإمام المهدي عليه السلام(2).

الثامن: تنصيب الوكلاء من قبله بأمر الإمام المهدي عليه السلام :

لقد ذكر الصدوق قائمة بأسماء الوكلاء الذين تم تنصيبهم وكلاء عن الإمام المهدي عليه السلام ليساهموا في أمر السفارة، وتسهيل عمل السفير ، وإيصال بياناته ونداءاته إلي الأقطار الإسلامية ، أما في بغداد، فقد كان له من يتصرف في قبضها، وكانوا عشرة أنفس منهم أبو القاسم بن روح النوبختي (رض)(3)، وكان كلام محمد بن عثمان العمري نافذا في الأمة الإسلامية لأنه يعبر عن كلام الإمام

ص: 116


1- الغيبة للطوسي: 222.
2- الغيبة للطوسي، وكمال الدين للصدوق.
3- الغيبة للطوسي: 225.

المهدي عليه السلام حيث قال فيه عليه السلام : وعن أمرنا بأمر الابن وبه يعمل، تولاه الله(1)، وقوله عليه السلام: وأما محمد بن عثمان العمري - رضي الله عنه وعن أبيه من قبل - فإنه ثقتي وكتابه كتابي(2). ونشير أخيرا إلي وضعه العائلي والاجتماعي.

أما أسرته:

فلم تشر النصوص الإسلامية إلي أسرته سوي أن له ابنة تدعي أم كلثوم، وكانت راوية للحديث(3)؛ عالمة فاضلة تفوقت علي أقرانها في شتي العلوم؛ وشهدت المحافل والأندية العلمية بحقها، روت كتب أبيها وكثيرا من كراماته وفضائله(4)، وروي الصدوق والطوسي وغيرهما أحاديثها وأخبارها، وكذا أخبار أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب الذي كان ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري(5). فقد تزوجت من أحمد بن إبراهيم النوبختي وهو أحد الشخصيات الإسلامية المرموقة، وكان متكلما وفقيها ومن خواص محمد بن عثمان العمري، فلما توفي العمري اختص بالحسين بن روح النوبختي، فكان يكتب له الأجوبة عن المسائل التي يخرج جواباتها علي يديه ، وكثيرا ما يقول أصحابنا في المكاتبات التي خرجت جواباتها علي يد الشيخ أبي القاسم بن روح النوبختي رحمت الله : إنها بخط أحمد بن إبراهيم بن نوبخت وإملاء الشيخ أبي القاسم الروحي(6)، وكان أحمد بن إبراهيم قد تقدم بطلب إلي محمد بن عثمان العمري رحمه الله لرؤية الإمام المهدي عليه السلام(7) .

ص: 117


1- الغيبة للطوسي: 220.
2- الغيبة للطوسي: 220.
3- الغيبة للطوسي: 221 و227 و 248.
4- الغيبة للطوسي: 227.
5- الغيبة للطوسي: 238 و220.
6- الغيبة للطوسي: 227.
7- الغيبة للطوسي: 225.

المبحث الثاني: محمد بن عثمان العمري والأوضاع السياسية والفكرية والاجتماعية فترة سفارته

اشارة

بدأت سفارة محمد بن عثمان العمري عام 265ه بعد وفاة أبيه ، وانتهت عام 305ه(1) علي اختلاف في الروايات أن فترة سفارته أربعين أو خمسين عاما كما سيأتي في البحث. وكان قد عاصر فيها أربعة من الحكام هم: بقية خلافة المعتمد المتوفي عام 279ه والمعتضد المتوفي عام 289ه، والمكتفي بالله المتوفي عام 295ه، وعشر سنوات من خلافة المقتدر التي استمرت إلي عام 320ه(2).

أما الحوادث المهمة التي رافقت فترة سفارته فنلخصها بما يلي : .

أولا: مطاردة قواعد الإمام المهدي عليه السلام وملاحقة أصحابه:

دلت النصوص التاريخية علي بقاء الإمام المهدي عليه السلام فترة من الزمن بداية الغيبة الصغري في سامراء، حيث كان العمريان فيها يستلمان التوقيعات

ص: 118


1- الغيبة للطوسي : 235، الكامل في التاريخ: ابن الأثير : 159/6 ، ابن الوردي : 1/255؛ المختصر لأبي الفداء : 1/69.
2- إثبات الوصية : المسعودي : 262.

الصادرة عنه عليه السلام وهما في بغداد، ولم يرد في تلك النصوص كيفية توصيلها لهما أو استلامها، وبقي ذلك محاطا بالغموض والكتمان؛ وكان السفيران من جهتهما أيضا يوصلان الأموال والرسائل التي تصلهما إلي الإمام المهدي عليه السلام وهو في سامراء(1)، حيث يتم إخراج التعاليم والإرشادات بشأنها منه عليه السلام بواسطة بعض الوكلاء الخاصين هناك (2)، وقد دلت بعض المقابلات التي كانت تتم بينه عليه السلام وبعض الشخصيات الإسلامية علي ذلك، كما جاء في خبر حاجز الوشاء(3)، وأبي محمد الرازي وغيرهما(4). وفي تلك الفترة، كانت السلطات تطارد الإمام عليه السلام مطاردة شديدة وتلاحق أنصاره ومؤيديه، حتي أنها كبست دار الإمام عليه السلام عدة مرات بعد وفاة أبيه الإمام العسكري عليه السلام من قبل الخليفتين المعتمد والمعتضده(5). فقد روي الراوندي أن المعتضد بعث ثلاثة من قواده لكبس دار الإمام عليه السلام وقال لهم : الحقوا واكبسوا دار الحسن بن علي فإنه توفي، ومن رأيتم في داره فأتوني برأسه(6). فمن يكون في تلك الدار بغير ابنه المهدي عليه السلام !!، مما يدل علي أنه عليه السلام كان في سامراء التسعة عشر عاما. المتبقية من خلافة المعتمد إلي بداية خلافة المعتضد عام 279 ه. وتشير بعض النصوص إلي أن الإمام المهدي عليه السلام كان قد قلص كثيرا من وكلائه في سامراء، بل طلب من أصحابه أن يتركوا سامراء فورا لكي لا تثار حوله الشكوك، ولفسح المجال لهم ليشاركوا في أمر السفارة كوكلاء له في البلاد الإسلامية، فقد كانت بغداد

ص: 119


1- منتهي المقال: المامقاني 241/1 ؛ والغيبة الصغري للصدر : 480.
2- بحار الأنوار المجلسي : 52/380.
3- الغيبة للطوسي: 258.
4- الخرائج والجرائح للراوندي: 164.
5- الخرائج والجرائح الراوندي : 67.
6- الخرائج والجرائح: 67.

أكثر هدوءا واستقرارة من سامراء، وتمتلك مقومات العمل الإسلامي نظرا الموقعها الجغرافي وارتباطها بسائر العواصم الإسلامية، وقد ساهم هذا الأمر في إضفاء طابع الكتمان والسرية في عمل الإمام المهدي عليه السلام وسفارته . ولكن ومع ذلك كله فلم تنته حملات التفتيش لبيت الإمام المهدي عليه السلام من قبل السلطات، التي كانت تحس بالخطر الشديد الذي كان يهددها بين الآونة والأخري بلا رادع ولا وازع، فمثلا يقتحم نسيم وهو أحد جلاوزة السلطة وجواسيسها - دار الإمام المهدي عليه السلام وكسر بابه، ولكنه سرعان ما فوجئ بوجود الإمام عليه السلام واقفة أمامه متحديا، وبيده طبرزين قائلا: ما تصنع في داري؟! فلم يكن أمام نسيم سوي أن تراجع وشعر بالخيبة والانكسار قائلا: إن جعفرا زعم أن أباك مضي ولا ولد له(1)!! فأوصل خبره بعدها إلي السلطات وحذرها منه؛ وكان من حسن الحظ أن الدولة مشغولة بحرب صاحب الزنج، وبعض الاضطرابات الداخلية التي كانت منعتها من ذلك، وقد باءت جميع محاولات السلطات في القبض علي الإمام عليه السلام بالفشل الذريع، وبقي كابوس الإمام عليه السلام يلاحقها ويرعبها، مضافا إلي حوادث شغب صاحب الزنج كاد يقطع الشريان الحياتي للنظام الحاكم.

ثانيا: صعوبة تلك الفترة.. والسرية التامة:

إن المتتبع للنصوص التاريخية يشاهد في هذه الفترة من سفارة محمد بن عثمان العمري أمرين هما: قلة النصوص الخارجة إلي هذا السفير مع طول فترة سفارته(2)، فلم ينقل توقيعا ذا بال بداية سفارته إلا في حدود نسبية وظروف خاصة عند الحاجة الشديدة، ويعود سببه إلي الحذر الشديد والظروف الصعبة والمعقدة التي يعيشها الإمام المهدي عليه السلام ، فالسيف يقطر

ص: 120


1- الخرائج والجرائح : 67 و164، الغيبة للطوسي: 162.
2- الغيبة للطوسي: 223

دما في خلافة المعتضد العباسي كما يقال(1)، وأن سنوات تلك الفترة كانت مليئة بالظلم وسفك الدماء(2) كما ذكرنا.

ثالثا: ظهور المدعين للسفارة كذبا عن الإمام المهدي عليه السلام :

لقد ابتليت فترة سفارة محمد بن عثمان العمري بظهور السفارات الكاذبة المدعيها عن الإمام المهدي عليه السلام ؛ طمعا في الزعامة علي الأمة وابتزاز الأموال؛ مضافا إلي الأشخاص الذين دستهم السلطات في صفوف الأمة لاقتناص خبر الإمام عليه السلام ومعرفة خبر السفارة، فادعوا أنهم وكلاء عنه عليه السلام ليعرفوا كل من يصل إلي الإمام عليه السلام ويتعرفوا علي مكانه (3)، وسنفرد لهم بابا في الحديث عنهم.

رابعا: قساوة الحكام فترة سفارة العمري:

لقد ضاق الإمام المهدي عليه السلام بظلم الحكام فترة سفارة محمد بن عثمان العمري ؛ فالمعتمد مثلا يصدر أوامره لقادته بإلقاء القبض علي الإمام المهدي عليه السلام بعد أن أمر قبل ذلك بالقبض علي الإمام العسكري عليه السلام وزجه في السجن(4)، فأرسل الخيل والرجال إلي دار الإمام المهدي عليه السلام فكبسوه وفحصوا في كل غرفة ودهليز ، ثم اشتغلوا بعدها بالنهب والسلب والغارة علي ما رأوا من متاع الإمام عليه السلام في الدار(5). وكانت فترة سفارة العمري أيام المعتضد عام 279 هم من أصعب الفترات عليه وأقساها؛ قال المسعودي : كان المعتضد قليل الرحمة، كثير الإقدام، سفاكا للدماء، شديد

ص: 121


1- الغيبة لطوسي: 179.
2- عقيدة الشيعة، رونلدسن : 257
3- إعلام الوري : الطبرسي : 421.
4- إعلام الوري : الطبرسي: 421.
5- الغيبة للطوسي : 136 و 137؛ تاريخ سامراء : المحلاتي : 256/2 .

الرغبة في أن يمثل بمن قتله، وكان إذا غضب علي القائد النبيل والذي يختصه من غلمانه، أمر أن تحفر له حفيرة بحضرته ثم يدلي علي رأسه فيها ويطرح التراب عليه ونصفه الأسفل ظاهر علي التراب ويداس التراب، فلا يزال كذلك حتي تخرج روحه من دبره. وروي المسعودي بعض الصور البشعة من تعذيبه قائلا: كان المعتضد يأخذ الرجل فيكتف ويقيد فيؤخذ القطن فيحشي في أذنه و خيشومه وفمه، وتوضع المنافخ في دبره حتي ينتفخ ويعظم جسمه ، ثم يسد الدبر بشيء من القطن ثم يفصد - وقد صار كالجمل العظيم - من العرقين اللذين فوق الحاجبين، فتخرج النفس من ذلك الموضع، وفعل المعتضد هذا في لص سرق عشر بدر من بيت صاحب عطاء الجيش كان قد أعطاها الخليفة من بيت المال لبعض الرسوم إليه ليدفعها إلي الجند، فسرقت من بيته كلها ليلا، ولم يشتف بذلك الفعل، بل أمر بعض الأطباء قبل أن ينشق بدن هذا اللص بأن يضربه في العرقين فوق الحاجبين اللذين في الجبين، فأقبلت الريح تخرج منهما مع الدم ولها صوت وصفير إلي أن خمد وتلف، فكان ذلك أعظم منظر رئي في ذلك اليوم من العذاب، وربما يقام الرجل في أعلي القصر مجردا موثقا فير مي بالنشاب حتي يموت، واتخذ المطامير وجعل فيها صنوف العذاب(1). فمن كان هكذا سريرته في لص سرق بعض البدر يفعل به هكذا، فما رأيك فيمن يري أنه يهدد حكمه، ويريد القضاء عليه !! وقد ذكرت النصوص أنه أرسل جماعة من قادته وأمرهم بالتوجه إلي سامراء وقال لهم : الحقوا، واكبسوا دار الحسن بن علي فإنه توفي، ومن رأيتم في داره فأتوني برأسه(2)، فلما فشلت هذه الهجمة علي بيت الإمام عليه السلام ، قام بهجمة أخري، فبعث عسكرا أكثر وكان الإمام المهدي عليه السلام في الدار ، فخرج منها ولم يروه !! بعد أن اجتمعوا علي الباب وحفظوه حتي لا

ص: 122


1- مروج الذهب : المسعودي : 232 و251.
2- الخرائج والجرائح : الراوندي: 67.

يصعد عليه السلام ولا يخرج(1). أما سياسة المعتضد مع أصحاب الإمام عليه السلام ؛ فقد روي التاريخ عنها الكثير، فمثلا حمل علي بن عاصم إليه وهو شيخ الشيعة في وقته مع جماعة من أصحابه ، فضرب ثلاثمائة سوط(2)! ثم بس حتي مات في المطامير، وبعدها ژمي في دجلة(3).

خامسا: انتقال الخلافة العباسية من سامراء إلي بغداد:

ذكرت النصوص التاريخية أن المعتضد العباسي بويع له بالخلافة عام 279 ه، ثم أعرض عن سامراء إعراضا تاما، وانتقلت خلافته إلي بغداد، فبقيت سامراء لقمة سائغة للاضمحلال والفناء، وقد حاول المكتفي الرجوع والعودة إلي سامراء عام 290ه لكن وزيره صرفه عن ذلك لجسامة الأموال التي يجب صرفها قبل الانتقال .

سادسا: الأفول التدريجي للخلافة.. والفوضي في البلاد:

تفاقم أمر الخلافة العباسية فترة سفارة محمد بن عثمان العمري، فسيطرت الموالي والأتراك علي دقة الحكم، وأصبح تأثيرهم في التاريخ طبيعيا وأمرا حتميا، فهم القواد والمحاربون، وهم المالكون والمتصرفون في شؤون الدولة، فقلما يموت الخليفة حتف أنفه!! فالمعتمد يكثر في الأكل علي الشط ببغداد فيموت مبطونا(4)، والمعتضد يموت مسموما من قبل إحدي جواريه أو غيرها(5)، والمقتدر يموت بشر قتلة من قبل قوم من المغاربة والبربر، وكان منفردا منقطعا عن أصحابه فشهروا سيوفهم في

ص: 123


1- الخرائج والجرائح : الراوندي : 67.
2- الغيبة للطوسي: 212 و213.
3- رسالة أبي غالب الزراري: 115.
4- الكامل في التاريخ: ابن الأثير : 6/73.
5- مروج الذهب : المسعودي : 4/184.

وجهه؛ فقال لهم: ويحكم أنا الخليفة !! فقالوا: قد عرفناك يا سفلة!! أنت خليفة إبليس، وقتلوه وأخذوا جميع ما عليه حتي سراويله وتركوه مكشوف العورة إلي أن مر به رجل من الأكرة؛ فستره بحشيش ثم حفر له موضعه ودفن وعفي قبره(1). والقاهر بالله ثاروا عليه جماعة من القواد الساجية والحجرية واقتحموا عليه قصره، فلما سمع القاهر الأصوات والجلبة، استيقظ مخمورة وطلب بابا يهرب منه، ولا زال يماطلهم منفردا حتي أدركوه وقتلوه(2).

سابعا: نهاية ثورة صاحب الزنج:

وشهدت فترة سفارة محمد بن عثمان العمري أيضا نهاية صاحب الزنج بعد أن عاث في الأرض فسادة، وقتل وأحرق واستعبد الكثير من الناس إلي أن قتل عام 270ه(3)، وقد أدخل خبر قتله السرور والفرح علي الأمة،و قيلت في ذالك الاشعار(4)

ثامنا: نهاية الدولة الطولونية:

وشهدت فترة سفارته أيضا نهاية الدولة الطولونية في مصر حيث بدأت عام 254ه فترة خلافة المعتز العباسي، ومؤسس هذه الدولة هو أحمد بن طولون التركي الذي ولاه بايكبال التركي من قبل السلطة العباسية علي مصر، وبقي حاكما علي مصر وسوريا، ومتحديا العاصمة أحيانا(5)، حتي مات

ص: 124


1- الكامل في التاريخ: ابن الأثير : 6/221.
2- الكامل في التاريخ: 6/237.
3- الكامل في التاريخ: 7/51.
4- الكامل في التاريخ: 7/53.
5- الكامل في التاريخ: 13/6 .

مبطونا عام 270ه(1) فخلف ابنه خمارويه(2)، الذي أصهر إليه المعتضد العباسي(3)، وبقي مستمرا علي ملك أبيه إلي أن قتله بعض خدمه وهو مخمور، فشرحوا لحمه من أفخاذه وعجيزته، وأكله السودان من مماليكه(4)، وبقيت الدولة الطولونية حتي عام 292ه، حيث استولي الخليفة المكتفي علي دولتهم وأموالهم، وولي عيسي النوشيري علي مصر(5)، وانقرضت بعد ذلك دولتهم، وقد كان لها دورا هاما في تغيير عجلة التاريخ ولمدة أربعين عاما .

تاسعا: ظهور مهدي جديد في إفريقيا:

ومن الطريف في فترة سفارة محمد بن عثمان العمري هو ظهور رجل في إفريقيا يدعي أنه المهدي !! وأنه من ذرية إسماعيل ابن الإمام الصادق عليه السلام وهو جد الفاطميين في مصر عام 296ه(6)، وكان قد ملك قسما كبيرا من الشمال الإفريقي بما يقابل ليبيا وتونس والجزائر، فاستتبت له الأمور وخافته القبائل، وأخرج رجلا من «سجلماسة» يدعي عبيد الله بن الحسن وأعلنه مهديا !! وتبرع له بكل ملكه، فاستقامت له البلاد ودانت له العباد، وقام بفتوحات كثيرة بعيدا عن العاصمة بغداد ؛ وأراد احتلال مصر مرتين فلم يفلح بسبب ما بذلته السلطة العباسية من دفعه، كانت أولاهما عام 301ه (7)، وثانيهما عام 307ه (8)

ص: 125


1- الكامل في التاريخ : 6/55.
2- الكامل في التاريخ : 6/55.
3- مروج الذهب: المسعودي : 4/145.
4- مروج الذهب: المسعودي : 4/158.
5- الكامل في التاريخ: 6/111.
6- الكامل في التاريخ: 6/133.
7- الكامل في التاريخ: 47/6 .
8- الكامل في التاريخ: 161/6 .
عاشرا: ظهور القرامطة:

ورافقت فترة سفارة محمد بن عثمان العمري ظهور القرامطة الذين ابتدأ أمرهم عام 278 ه(1)، أي قبل حركة المهدي الإفريقي بثمانية عشر عاما ؛ وكان هؤلاء يتصفون بالصرامة والشدة والاستهانة بالدماء؛ ولا يعتقدون بإمامة المهدي عليه السلام ، وكانوا يختلفون في تفاصيل مذهبهم مع المذاهب الأخري فقها وعقيدة، واتخذوا أسوأ الأساليب في التنكيل بالمسلمين خصوصا قوافل الحجاج، والاعتداء علي الكعبة الشريفة ؛ وقلعوا الحجر الأسود ونقلوه إلي هجر(2).

هذه نماذج من التاريخ استعرضناها فترة سفارة محمد بن عثمان العمري حيث يتضح من خلالها صعوبة الوقت وحراجة الموقف وخطر المسؤولية .

ص: 126


1- الكامل في التاريخ : 6/67.
2- الكامل في التاريخ : 6/204.

المبحث الثالث: محمد بن عثمان العمري ومدعو السفارة الكاذبة

اشارة

لم يكن ادعاء منصب السفارة عن الإمام المهدي عليه السلام كذبا وزورا أمرا غريبا عن الأذهان، لكثرة من ادعي هذا المنصب قبل ذلك في النبوة، أمثال مسيلمة الكذاب وسجاح وغيرهما، والإمامة أمثال محمد ابن الحنفية وابنه عبد الله وأخيه علي، وعبد الله بن معاوية الخارج بالكوفة وصاحب أصفهان الذي مات بأرض الشراة بالشام ومحمد بن عبد الله بن الحسن عليه السلام الخارج بالمدينة، وجعفر الكذاب ابن الإمام الهادي عليه السلام وغيرهم (1). فقد ادعي أكثر هؤلاء تلك المناصب في أول أمرهم ثم خلطوا فادعوا الألوهية بعد ذلك ؛ وأنهم قد عرج بهم إلي السماء، وكلموا المسيح عليه السلام إلي غير ذلك من الخرافات والأكاذيب التي اختلقوها لأنفسهم وسموها فضائل لهم ليبتزوا أموال الناس السذج ويتزعموا عليهم، ولكن سرعان ما ظهر أمرهم وبان كذبهم، وباءوا بغضب علي غضب وفي الآخرة لهم عذاب عظيم، وصاروا أضحوكة للتاريخ وملعنة للبشرية ، وقسم من هؤلاء تاب ورجع عن أمره وندم علي ما صدر منه واعتذر من أفعاله للأمة.

ص: 127


1- انظر الملل والنحل للشهرستاني، فرق الشيعة للنوبختي، الفرق بين الفرق للبغدادي، الكامل في التاريخ لابن الأثير، تاريخ الطبري، وتاريخ بغداد للبغدادي وغيرها .

أما مدعو السفارة عن الإمام المهدي عليه السلام كذبا وزورا؛ فنلخص منهم :

أولا: أبو محمد الشريعي:

كان من أصحاب الإمام الهادي والعسكري عليهما السلام ، واسمه الحسن، ثم انحرف وكان أول من ادعي مقاما لم يجعله الله فيه، ولم يكن له أهلا، وكذب علي الله وحججه عليهم السلام ونسب إليهم ما لا يليق بهم وهم منه براء، فلعنته الشيعة وتبرأت منه، وخرج توقيعا من الإمام المهدي عليه السلام بلعنه والبراءة منه . قال هارون : ثم ظهر القول منه بالكفر والإلحاد ؛ وكل هؤلاء المدعين إنما يكون كذبهم أولا علي الإمام، وأنهم وكلاؤه يدعون هذه الضعفة بهذا القول إلي موالاتهم، ثم يترقي الأمر بهم إلي قول الحلاجية كما اشتهر من أبي جعفر الشلمغاني ونظرائه عليهم جميعا لعائن الله تتري(1).

ثانيا: محمد بن نمير النصيري:

كان يلقب بالفهري وهو من أصحاب الإمام العسكري عليه السلام فانحرف وافتتن وأصبح يستخدم اسم صحبته للإمام العسكري عليه السلام ليستدر الأرباح ويتصدر علي الناس السذج، فكتب الإمام عليه السلام كتابا شديد اللهجة ضده وضد الحسن بن محمد المسمي بابن بابا القمي، حيث كشف فيه انحرافهما والبراءة منهما، فقال عليه السلام مخاطبا أحد أصحابه : أبرأ إلي الله من الفهري والحسن بن محمد بن بابا القمي، فابرأ منهما، فإني محذرك وجميع مواليي ، وإني ألعنهما عليهما لعنة الله ، مستأكلين؛ يأكلان بنا الناس؛ فتانين مؤذيين؛ آذاهما الله ، أرسلهما في اللعنة، وأركسهما في الفتنة (2).. الخ.

وقال سعد بن عبد الله : كان محمد بن نصير النميري يدعي أنه رسول

ص: 128


1- الغيبة للطوسي: 244.
2- رجال الكشي للطوسي: 438.

نبي، وأن علي بن محمد عليه السلام أرسله ؛ وكان يقول بالتناسخ ويغلو في أبي الحسن الهادي عليه السلام ويقول فيه الربوبية، ويقول بالإباحة للمحارم وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضا في أدبارهم، ويزعم أن الله عز وجل لا يحرم شيئا من ذلك، وأن ذلك من التواضع والإخبات!! والتذلل في المفعول به !! وأنه من الفاعل إحدي الشهوات والطيبات، وكان محمد بن موسي بن الحسن بن الفرات -وهو والد علي بن محمد وزير المقتدر عام 299ه يقوي أسبابه ويعضده . ثم قال سعد: أخبرني بذلك عن محمد بن نصير أبو زكريا يحيي بن عبد الرحمن بن خاقان أنه رآه عيانا وغلام علي ظهره ؛ قال : فلقيته، فعاتبته علي ذلك ، فقال : إن هذا من اللذات؛ وهو من التواضع لله وترك التجبر(1). وقال هبة الله أبو نصر : فلما توفي أبو محمد عليه السلام ادعي مقام أبي جعفر محمد بن عثمان ؛ وأنه صاحب الزمان عليه السلام ، وادعي له البابية، ففضحه الله تعالي بما ظهر منه من الإلحاد والجهل، ولعن أبي جعفر عن عثمان له وتبريه منه، واحتجاجه عنه. وادعي ذلك الأمر بعد الشريعي، وتبعه جماعة تسموا بالنصيرية كان منهم : محمد بن موسي بن الحسن بن الفرات(2). وقال أبو طالب الانباري : لما ظهر محمد بن نصير بما ظهر ، لعنه أبو جعفر - العمري (رض) وتبرأ منه، فبلغه ذلك، فقصد أبا جعفر (رض) ليعطف بقلبه عليه أو يعتذر إليه، فلم يأذن له وحجبه ورده خائبا(3). ولما اعتل العلة التي توفي فيها ؛ قيل له وهو ثقيل اللسان : لمن هذا الأمر من بعدك ؟! فقال بلسان ضعيف ملجلج: أحمد!! فلم يدروا من هو؟!! وفرقة قالت : هو أحمد بن موسي بن الفرات، وهو أخو علي بن محمد وزير المقتدر، وفرقة قالت : إنه أحمد بن أبي الحسين بن بشر بن

ص: 129


1- الغيبة للطوسي: 245، رجال الكشي للطوسي: 438، فرق الشيعة : النوبختي : 93.
2- فرق الشيعة للنوبختي : 93.
3- الغيبة للطوسي : 245.

يزيد؛ فتفرقوا، فلا يرجعون إلي شيء(1).

ثالثا: أحمد بن هلال:

ويلقب بالكرخي(2)، والعبرتائي(3)، ولد عام 180 ه وتوفي عام 267ه(4)، عاصر فيها الإمام الرضا عليه السلام والإمام العسكري عليه السلام ، وسبع سنين من الغيبة الصغري منها خمس سنين فترة سفارة عثمان بن سعيد، وسنتين فترة سفارة أبي جعفر العمري. اتخذ مسلك التصوف، وحج أربعا وخمسين حجة ، عشرون منها علي قدميه، لقيه أصحابنا بالعراق وكتبوا عنه(5)، ذمه الإمام العسكري عليه السلام علي ما روي عنه(6)؛ وتبني بعده الإمام المهدي التحذير منه، فكتب إلي وكلائه بالعراق : احذروا الصوفي المتصنع (7)!!. وورد علي القاسم بن العلاء نسخة ما كان خرج من لعن ابن هلال، فأنكروا رواة أصحابنا بالعراق ذلك، لما كانوا قد كتبوا من رواياته ، فحملوا القاسم بن العلاء في أن يراجع في أمره؛ فخرج إليه من الإمام المهدي عليه السلام توقيعا علي يد سفيره محمد بن عثمان العمري جاء فيه: قد كان أمرنا نفذ إليك في المتصنع ابن هلال لا رحمه الله بما قد علمت، ولم يزل لا غفر الله ذنبه، ولا أقال عثرته؛ بداخلنا في أمرنا بلا إذن منا، ولا رضا، يستبد برأيه فيتحامي من ديوننا ولا يمضي من أمرنا إياه إلا بما يهواه ويريده، أرداه الله في ذلك في نار جهنم، فصبرنا عليه حتي بتر الله بدعوتنا

ص: 130


1- الغيبة للطوسي: 245، فرق الشيعة للنوبختي : 94، رجال الكشي : 438
2- الغيبة للطوسي : 245.
3- رجال النجاشي: 65.
4- رجال النجاشي: 65.
5- رجال الكشي الطوسي:449.
6- رجال النجاشي: 65.
7- رجال الكشي للطوسي : 450.

عمره، وكنا قد عرفنا خبره قوما من موالينا في أيامه لا رحمه الله، وأمرنا بلقاء ذلك إلي الخاص من موالينا، ونحن نبرأ إلي الله من ابن هلال لا رحمه الله ، ولا ممن لا يبرأ منه . وأعلم الاسحاقي(1)، سلمه الله وأهل بيته مما أعلمناك من حال هذا الفاجر وجميع من كان سألك ويسألك عنه من أهل بلده والخارجين، ومن كان يستحق أن يطلع علي ذلك، فإنه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما روي عنا ثقاتنا، قد عرفوا بأننا نفاوضهم بسرنا ونحمله إياه إليهم وعرفنا ما يكون من ذلك إن شاء الله تعالي (2).

ويظهر من هذا البيان أنه صدر منه عليه السلام بعد موت ابن هلال، ولعله مات بعد التوقيع الأول وقبل هذا البيان . وقد اتضح أيضا من التوقيع أن ابن هلال كان يتلقي الأوامر من الإمام المهدي عليه السلام ولو بالواسطة، إلا أنه كان يستبد برأيه فيها ولا يطيق منها إلا ما يريد وكيف ما يريد!! فدعا عليه الإمام المهدي عليه السلام فبتر الله عمره، وثبت قوم علي إنكار ما خرج فيه ، ولم ينفعهم هذا القول البليغ، فعاودوا القاسم بن العلاء علي أن يراجع فيه ؛ فخرج من الإمام المهدي عليه السلام علي يد سفيره محمد بن عثمان العمري توقيعا جاء فيه : لا شكر الله قدره، لم يدع المرزعة بأن لا يزيغ قلبه بعد أن هداه، وأن يجعل ما من به عليه مستقرة ولا يجعله مستودعا؛ وقد علمتم ما كان من أمر الدهقان العنه الله وخدمته وطول صحبته ، فأبدله الله بالإيمان كفرا حين فعل ما فعل، فعاجله الله بالنقمة ولم يمهله، والحمد لله لا شريك له وصلي الله علي محمد وآله وسلم(3).

ويظهر من النصوص التاريخية أن ابن هلال هذا بقي مؤمنا صالحا فترة

ص: 131


1- المظنون أنه أحمد بن إسحاق القمي الأشعري .
2- رجال الكشي للطوسي: 450.
3- رجال الكشي: 450.

سفارة عثمان بن سعيد، ولكنه بدأ بالتشكيك في فترة سفارة أبي جعفر العمري؛ بحجة إنكار النص عليه من قبل الإمام العسكري عليه السلامويقول : لم أسمعه ينص بالوكالة، وليس أنكر أباه ؛ فأما أن أقطع أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري وكيل صاحب الزمان عليه السلام فلا أجسر عليه !!؛ فقالوا له: قد سمعه غيرك !! فقال : أنتم وما سمعتم! ووقف علي أبي جعفر العمري فلعنوه وتبرأوا منه(1). وقد ذكره الشيخ الطوسي في قائمة المذمومين والمدعين للسفارة كذبا عن الإمام المهدي عليه السلام ، وروي توقيعة للحسين بن روح النوبختي بأنه بقي علي ضلالته، فلعنه الإمام المهدي في جملة من لعن(2).

رابعا: أبو طاهر البلالي:

وهو محمد بن علي بن بلال، من أصحاب الإمام العسكري عليه السلام(3) عده ابن طاووس من الوكلاء الموجودين في الغيبة الصغري، والأبواب المعروفين الذين لا يختلف الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن علي عليه السلام فيهم(4)، وظاهره كونه بمنزلة القاسم بن العلاء والأشعري والأسدي وغيرهم في الوثاقة والجلالة، إلا أن الشيخ الطوسي ذكره في المذمومين الذين ادعوا البابية، فتابعناه علي ما ذكره، وتوقف العلامة الحلي في ما يرويه من أجل ذلك أيضا(5). قال الشيخ الطوسي: وقصته معروفة فيما جري بينه وبين أبي جعفر - محمد بن عثمان - نصر الله وجهه، وتمسكه بالأموال التي كانت عنده للإمام المهدي عليه السلام ؛ وامتناعه من تسليمها، وادعاؤه أنه الوكيل، حتي

ص: 132


1- الغيبة للطوسي: 245.
2- الغيبة للطوسي: 245.
3- جامع الرواة للأردبيلي: 1/153، الخلاصة للعلامة : 69.
4- جامع الرواة، الأردبيلي: 1/153.
5- الخلاصة للعلامة : 69.

تبرأت الجماعة منه، ولعنوه؛ وخرج فيه من صاحب الزمان عليه السلام ما هو معروف(1). ثم إن البلالي هذا كان له جماعة من الأصحاب والمؤيدين منهم: أبو الطيب أخوه، وابن حرز ورجل من أصحابنا، وقد انفصل الأخير عنه، وكان للبلالي دورا هاما في عملية الانحراف والتزوير، مما دعا بأبي جعفر العمري بأن يتصدي له ويردعه، ثم أخذ الأموال التي كانت تصله بكونه وكيلا عن الإمام المهدي عليه السلام فلم يفلح في ذلك، وبقي ابن بلال علي ضلالته وتمسكه بالأموال وغيرها من الضلالات. روي الطوسي بإسناده عن المعاذي قال : قصد أبو جعفر العمري ابن بلال في داره و كان عنده جماعة فيهم؛ أخوه أبو الطيب وابن حرز، فدخل الغلام فقال : أبو جعفر العمري علي الباب، ففزعت الجماعة لذلك وأنكرته؛ للحال التي كانت جرت؛ ولم يستطع ابن بلال أن يحجبه فقال : يدخل !!، فدخل أبو جعفر - العمري - فقام له أبو طاهر والجماعة، وجلس في صدر المجلس، وجلس أبو طاهر كالجالس بين يديه فأمهلهم أن يسكتوا، ثم قال العمري : يا أبا طاهر، أنشدك بالله ألم يأمرك صاحب الزمان عليه السلام بحمل ما عندك من المال إلي؟! فقال ابن بلال : اللهم نعم، فنهض أبو جعفر (رض) منصرفا، ووقعت علي القوم سكتة!! فلما تجلت عنهم قال أخوه أبو الطيب : ومن أين رأيت صاحب الزمان؟! قال : قد وقع علي من الهيبة له ودخلني من الرعب منه ما علمت أنه صاحب الزمان عليه السلام ، قال ذلك الرجل من أصحابنا: فكان هذا سبب انقطاعي عنه(2).

خامسا: البغدادي:

وهو محمد بن أحمد بن عثمان بن سعيد العمري؛ حفيد السفير الأول

ص: 133


1- الغيبة للطوسي: 245.
2- الغيبة للطوسي: 246.

وابن أخي السفير الثاني أبي جعفر العمري، كان أمره في قلة العلم والمروءة أشهر من أن يذكر (1). فقد كان مشهورا ومعروفا عند عمه أبي جعفر العمري بالضلال والانحراف، لكنه غير معروف لدي الكثيرين من الأصحاب. روي الطوسي بأن جماعة من الأصحاب كانوا في مجلس إقامة أبي جعفر العمري وهم يتذاكرون شيئا من الروايات وما قاله الصادقون عليهم السلام حتي أقبل أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان المعروف بالبغدادي وابن أخي أبي جعفر العمري (رض)، فلما بصر به أبو جعفر (رض) قال للجماعة : أمسكوا، فإن هذا الجائي ليس من أصحابكم(2)، وكان هذا قد ادعي السفارة الكاذبة وكان له جماعة من المؤيدين منهم: أبو دلف محمد بن المظفر الكاتب، وقد كان في ابتداء أمره مخمسا(3)، مشهورة بذلك، لأنه كان تربية الكرخيين وتلميذهم وصنيعهم! وكان الكرخيون مخمسة لا يشك في ذلك أحد من الشيعة، وقد كان أبو دلف يقول ذلك؛ ويعترف به ويقول : نقلني سيدنا الشيخ الصالح - قدس الله روحه ونور ضريحه - عن مذهب أبي جعفر الكرخي إلي المذهب الصحيح، يعني أبا بكر البغدادي(4) . ثم إن أبا بكر البغدادي حين أرسل إليه وجوه الخاصة وعلماؤهم وسألوه عن دعواه السفارة، أنكر ذلك وحلف عليه وقال : ليس إلي من هذا الأمر شيء، وعرض عليه مال لكي يأخذه بالوكالة عن الإمام المهدي عليه السلام ، وإنما عرض عليه ذلك امتحانا، فأبي وقال : محرم علي أخذ شيء منه ، فإنه ليس إلي من هذا الأمر شيء، ولا ادعيت من هذا . قال الراوي : فلما دخل بغداد ؛ مال إليه أبو دلف الكاتب وعدل عن الطائفة

ص: 134


1- الغيبة للطوسي: 255.
2- الغيبة للطوسي: 256.
3- المخمسة من الغلاة يقولون: إن الخمسة : سلمان، أبو ذر؛ المقداد، عمار، عمرو بن أمية الضمري هم الموكلون بمصالح العالم من قبل الرب. هامش الغيبة : 256.
4- الغيبة للطوسي: 256.

وأوصي إليه، لم نشك أنه علي مذهبه ، فلعناه، وبرأنا منه ، لأن عندنا : أن كل من ادعي الأمر بعد السمري فهو كافر منمس، ضال مضل(1). وكان أبو دلف يدافع عن أبي بكر البغدادي ويفضله علي أبي القاسم الحسين بن روح وعلي غيره، فلما قيل له في وجه ذلك قال : لأن أبا جعفر محمد بن عثمان قدم اسمه علي اسمه في وصيته، فقلت له : فالمنصوص أفضل من مولانا أبي الحسن موسي الكاظم عليه السلام ، قال : وكيف؟! قلت : لأن الصادق عليه السلام قدم في وصيته اسمه علي اسمه؛ فقال لي : أنت تتعصب علي سيدنا ومولانا وتعاديه ؛ فقلت : والخلق كلهم تعادي أبا بكر البغدادي وتتعصب عليه غيرك وحدك !! وكدنا أن نتقاتل ونأخذ بالأزياق (2)!! وحكي أنه توكل لليزيدي بالبصرة، فبقي في خدمته مدة طويلة، وجمع مالا عظيما، فسعي به إلي اليزيدي، فقبض عليه، وصادره وضربه علي أم رأسه حتي نزل الماء من عينيه، فمات أبو بكر ضريرا(3)، بعد أن أوصي إلي أبي دلف من بعده ، فأصبح هذا أيضا مدعيا للسفارة .

سادسا: الباقطاني:

وكان هذا أيضا مدعيا للسفارة عن الإمام المهدي عليه السلام ، وقد وضعه أحمد الدينوري بعد أن حمل إليه ستة عشر ألف دينار من أهل دينور ليسلمها إلي السفراء بالوصف، فوصل للباقطاني وقال : بدأت بالباقطاني، وصرت إليه فوجدته شيخا مهيبا له مروءة ظاهرة، وفرس عربي، وغلمان كثير، ويجتمع الناس يتناظرون عنده ، قال : فدخلت إليه وسلمت عليه، فرحب وقرب وسر وبر، فأطلت القعود إلي أن خرج الناس فسألني عن ديني، فعرفته أني رجل

ص: 135


1- الغيبة للطوسي: 255.
2- الغيبة للطوسي: 255.
3- الغيبة للطوسي: 256.

من أهل الدينور، وافيت ومعي شيئا من المال أحتاج أن أسلمه وأريد حجة !! فلما أعوزه ذلك ، قال : تعود إلي في الغد، قال : فعدت إليه من الغد، فلم يأتي بحجة ! وافتضحه الله علي رؤوس الخلائق(1).

سابعا: إسحاق الأحمر:

وكان هذا قد ادعي السفارة أيضا من الإمام المهدي عليه السلام ، وكان شابا نظيفا، وقد كان يحضر منزله أكثر مما يحضره الباقطاني، وكان له فرس ولباس ومروة وغلمان أكثر ؛ قال الدينوري : دخلت عليه وسلمت عليه فرحب وقرب فصبرت إلي أن خفت الناس، فسألني عن حاجتي، فقلت له كما قلت اللباقطاني، وعدت إليه بعد ثلاثة أيام، فلم يأت بحجة، وفضحه الله تعالي في أمره(2).

ثامنا: أبو دلف الكاتب:

وهو محمد بن المظفر الكاتب، كان مخمسا مشهورا، آمن بأبي بكر البغدادي واعتبر مذهبه هو الصحيح (3)، وكان يدافع عنه بحرارة، ويقدمه علي ابن روح النوبختي(4) ، حتي أوصي له أبو بكر البغدادي بعد وفاته(5) ، وأمره في الجنون أكثر من أن يحصي(6) - ادعي السفارة بعد السمري، فكان هذا علامة كذبه لدي الأصحاب، فأظهر الغلو وجن وسلسل ثم صار مفوضا.

أقول: لقد كان معظم هؤلاء المنحرفين المذكورين مشتركون في خط

ص: 136


1- بحار الأنوار، المجلسي: 336/51 .
2- بحار الأنوار المجلسي: 51/336.
3- الغيبة للطوسي: 256.
4- الغيبة للطوسي: 250.
5- الغيبة للطوسي: 255.
6- الغيبة للطوسي: 255.

الأئمة عليهم السلام والسفراء في الأعم الأغلب، بشعورهم بظلم السلطات لهم، وعدم اعترافهم بمشروعيتها، وهذا الشعور نفسه كان قد جعلهم يرهبون أن يبيعوا ضمائرهم للسلطات أو يداهنوا معهم في أمرهم، أو يكرسوا نشاطهم وجهودهم لأجلها، لأنهم يشعرون أنهم لن يحصلوا علي المؤيدين والأنصار في الأمة، وأنهم سيفقدونهم إن فعلوا شيئا ما لصالح السلطات، باعتبار أن تلك الفصائل كانت تمثل أعلي رصيد للإمام المهدي عليه السلام؛ فليس من السهولة أن يقدموا التنازلات للسلطات علي صالح حسابهم، وعلي هذا سوف لن يكون الشعور بهذا الاتجاه وهو القرب من السلطات والإدلاء بأسرار الإمام المهدي عليه السلام مجديا لهم، مضافا إلي معرفتهم التامة بأن الإمام عليه السلام علي علم كامل و تام بكل ما يصدر منهم من تحركات ونشاط، وبكل الدسائس والمؤامرات التي ربما يحيكونها ضده ؛ وأنه بإمكانه أن يفضحهم في عقر دارهم؛ ولا يكون لهم أي قيمة في الأمة، وهذا هو الذي جعلهم طرفا في عدائهم للسلطات والسفراء علي حد سواء، ولم يكن في مستطاعهم وهم يمثلون أضيق الاتجاهات وأضعفها في أن يحاربوا في جهتين ويبذلوا نشاطهم في أكثر من ميدان، مما عجل في خاتمة أمرهم وإنهاء حسابهم.

ص: 137

المبحث الرابع: التراث الذي خلفه محمد بن عثمان بن سعيد العمري للأمة الإسلامية

اشارة

لقد خلف محمد بن عثمان العمري تراثا خالدا للأجيال والأمة الإسلامية مع تصديه لمهمة السفارة عن الإمام المهدي عليه السلام .. ونلخصه بما يلي :

أولا: ما تركه من روايات وأحاديث عن الأئمة وكتب ومؤلفات:
اشارة

لقد كانت بغداد في أواخر القرن الثاني وبداية القرن الثالث مسرحا عاما للحوادث السياسية والفكرية ؛ وقد خلف محمد بن عثمان العمري تراثا ضخما من الروايات والأحاديث عن الأئمة عليهم السلام وكتبا صنفها في مختلف العلوم فقد روي الطوسي بإسناده عن أبي نصر هبة الله قال : كان لأبي جعفر محمد بن عثمان العمري كتبا مصنفة في الفقه ، مما سمعها من أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام ومن الصاحب عليه السلام ، ومن أبيه عثمان بن سعيد عن أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام ، وعن أبيه علي بن محمد الهادي عليه السلام - فيها كتب ترجمتها: كتب الأشربة. وذكرت الكبيرة أم كلثوم بنت أبي جعفر محمد بن عثمان (رض) أنها وصلت إلي أبي القاسم الحسين بن روح (رض) عند الوصية إليه(1).

ص: 138


1- الغيبة للطوسي: 221.
والغريب من النجاشي والطوسي:
1- اشارة

أنهما ذكراه فيمن لم يرو عن الأمة عليهم السلام، مع ما تراه من رواته عن الامامين الهادي والعسكري عليهما السلام ، قال السيد الخوئي: مقتضي ذلك أن محمد بن عثمان بن سعيد له كتاب وله رواية عن العسكري عليه السلام والصاحب عليه السلام ، فكان علي النجاشي والشيخ أن يذكراه في كتابيهما؛ وأنه لا وجه لعده فيمن لم يرو عنهم عليه السلام، كما صنعه الشيخ قدس سره . ثم قال : ويمكن الاعتذار عن كلا الأمرين:

2- أما عن الأول:

فبأن الكتاب علي ما يظهر من الرواية كان من الودائع عند السفراء، فلم يره أحد من العلماء والرواة، ولذلك لم يتعرض النجاشي والشيخ له.

3- وأما عن الثاني :
1- اشارة

فبأن رواية محمد بن عثمان عن العسكري عليه السلام لم تثبت إلا فيما رواه ابن نوح من رواية محمد بن عثمان عن العسكري عليه السلام في الكتاب المزبور، وقد عرفت حال الكتاب. وأما روايته عن الصاحب عليه السلام فهو وإن كان أمرا ثابتا وتقدم بعضها، إلا أن الشيخ الطوسي رحمه الله لم يتعرض في رجاله لمن روي عن الصاحب عليه السلام، باعتبار أن الرواة عنه سلام الله عليه لم ينحصر في السفراء إلا نادرا، فلأجل ذلك لم يجعل الشيخ لهذا بابا، وأدرج من روي عن الصاحب عليه السلام أيضا فيمن لم يرو عنهم عليه السلام(1) .

وقال التستري معتذرا للشيخ الطوسي والنجاشي قائلا : إن عدم عنوان الفهرست له ورجال النجاشي غفلة بعد كونه ذا كتاب(2). والله أعلم.

ص: 139


1- معجم رجال الحديث : الخوئي: 276/16 .
2- قاموس الرجال : 8/266.
2- وأما رواياته وأحاديثه عن الأئمة:

فقد روي عنهم عليهم السلام في مجالات مختلفة وأبواب عديدة من العلوم ونلخص بعضها بما يلي:

رواياته في أن الأرض لا تخلو من حجة(1)، وأن المهدي عليه السلام يحضر كل موسم حج وما قاله عليه السلام في الموسم(2) ودعاء الفرج الذي قرأه الإمام المهدي عليه السلام (3)، ومعاجز رآها في ولادة الإمام المهدي عليه السلام(4)؛ والأموال التي كانت تصل للإمام المهدي عليه السلام وقضية التشكيك(5) ، وزيارة النبي صلي الله عليه و آله والصالحين تزيد في الرزق(6)؛ وروايته عن الإمام المهدي عليه السلام في دعاء المؤمن ودعاء الكافر(7) .. الخ..

3- وأما أدعيته عن الأئمة عليهم السلام :
1- اشارة

فقد قدم محمد بن عثمان العمري تراثا ضخما من الأدعية إلي الأمة الإسلامية، فكان منها أدعية ذات مضامين تربوية وغرضه فيها : إنماء الملكات الروحية والنفسية السائرة نحو التكامل؛ وإضعاف الغرائز الجامحة في الإنسان وانتشاله من هوة الشهوات، وتهذيب طباعه ، وتطهيره من الآثام لكي يستخدم قواه ومواهبه في كل خير، وجاءت الأدعية التي رواها محمد بن عثمان عن أئمته عليهم السلام أو قالها بنفسه معالجة مشكلة الإنسان وهمومه، وهي تقوم علي ناحيتين: الأولي زرع بذور الخير والأمالي وسقيها بماء العقيدة، وتقوية هذا

ص: 140


1- كمال الدين للصدوق: 2/81.
2- من لا يحضره الفقيه للصدوق : 3/307، الغيبة للطوسي : 222.
3- كمال الدين للصدوق: 1/432، بحار الأنوار للمجلسي: 15/51 .
4- كمال الدين : 1/433 و 425، منتخب الأثر للصافي: 342
5- الغيبة للطوسي: 130.
6- مصباح المتهجد للطوسي: 292، البحار : 69/90
7- بحار الأنوار للمجلسي: 195/5 .

الشعور بتوفير الأجواء الملائمة لاحتضانها لكي تعطي ثمارا صالحة. الثانية : تنمية الرغبة والرهبة من الله تعالي لأنها وحدها التي يتشعب عنها جذور الخير والتآلف وإيجاد الوازع الديني في النفس مرافقا له في سره وعلانيته ليمنعه عن ارتكاب المعاصي، ويوقفه عن ارتكاب الجرائم. ولقد رسمت تلك الأدعية أشكالا مختلفة منها نفسية ومنها خلقية، ومنها معالجة للمشاكل العامة وتنظيم العلاقات الاجتماعية والعائلية وغرضهم زرع بذور المجتمع الصالح؛ ومنها تقديم الشكر والامتنان للخالق، وغرضهم هو تعليم الطاعة المطلقة والخضوع التام لله سبحانه وتعالي، وهناك نموذج آخر من الدعاء يعبر عنه بالدعاء السياسي، وقد استعمله الأئمة عليهم السلام كسلاح يرهب الأعداء وزرع الخوف والرعب في قلوبهم لزعزعة كيانهم وتشتيت كلمتهم، وإيقاد الجذوة في نفوس المؤمنين وشحذها وتقويتها. وإليك ما ورد من أدعية كما أن تراثا خلفه محمد بن عثمان العمري عن الأئمة عليهم السلام ومنها أدعية مأثورة ومشهورة تقرأ دائما في مر الأيام ولها إشراقات روحية في النفوس.

ومنها:

2- دعاء الافتتاح:

وهو الدعاء المشهور الذي يقرأ في شهر رمضان المبارك كل ليلة .. قال ابن طاووس نقلا عن كتاب محمد بن قرة عن أبي عمرو محمد بن نصر السكوني (رض) قال : سألت أبا بكر محمد بن أحمد بن عثمان البغدادي أن يخرج إلي أدعية في شهر رمضان التي كان عمه أبو جعفر محمد بن عثمان العمري (رض) يدعو بها فأخرج إلي دفترا مجلدا بأحمر فنسخت منه أدعية كثيرة، ومن جملتها : وتدعو بهذا الدعاء في كل ليلة من شهر رمضان، فإن الدعاء في هذا الشهر تسمعه الملائكة وتستغفر لصاحبه(1) . وقال النوري في

ص: 141


1- بحار الأنوار للمجلسي: 5/195.

تحية الزائر ما ترجمته: وأسند العلامة المجلسي هذا الدعاء إلي صاحب الأمر عليهم السلام وكتب للشيعة أن يقرأ كل ليلة من شهر رمضان(1)، وأوله : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: اللهم إني أفتتح الثناء بحمدك وأنت مسدد للصواب بمنك .. إلخ(2).

3- ومنه دعاء السمات:

قال المجلسي: وهذا الدعاء من الأدعية المشهورة التي اشتهرت بين أصحابنا غاية الاشتهار في جميع الأعصار والأمصار، وكانوا يواظبون عليه ويعرف بدعاء «الشبور»و«السمات»بمعني العلامات، والشبور بمعني البوق الذي ينفخ فيه . روي المجلسي بإسناد صحيح عن الحسين بن أحمد بن أحمد بن عمر بن الصباح قال : حضرت مجلس الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري - قدس الله روحه . فقال بعضنا له: يا سيدي، ما بالنا نري كثيرا من الناس يصدقون شبور اليهود علي من سرق منهم، وهم ملعونون علي لسان عيسي ابن مريم و محمد رسول الله صلي الله عليه و آله؟ فقال : لهذا علتان، ظاهرة وباطنة، فأما الظاهرة : فإنها أسماء الله ومدائحه، إلا أنها عندهم مبتورة، وعندنا صحيحة موفورة، عن سادتنا أهل الذكر ، نقلها لنا خلف عن سلف، حتي وصلت إلينا. وأما الباطنة : فإنا روينا عن العالم - أي الإمام المهدي عليه السلام أنه قال : إذا دعا المؤمن يقول الله عز وجل دعاؤه شوقا مني إليه ، وإذا دعا الكافر يقول الله عز وجل صوت أكره سماعه ؛ اقضوا حاجته وعجلوها له حتي لا أسمع صوته، ويشتغل بما طلبه عن خشوعه - قالوا: فنحن نحب أن تملي علينا دعاء السمات الذي هو للشبور حتي ندعو به علي ظالمنا ومضطهدنا والمخاتلين لنا والمتغررين علينا؟! فقال محمد بن

ص: 142


1- الاقبال : لابن طاووس : 58.
2- تحية الزائر للنوري : 132؛ زاد المعاد للمجلسي: 137.

عثمان العمري : حدثني أبو عمرو عثمان بن سعيد قال : حدثني محمد بن راشد قال : حدثني محمد بن سنان قال : حدثني المفضل بن عمر الجعفي أن خواصا من الشيعة سألوا عن هذه المسألة بعينها أبا عبد الله - الصادق عليه السلام ۔ فأجابهم بمثل الجواب(1).

وكان يوشع بن نون وصي موسي عليه السلام قد دعا بهذا الدعاء وعلمه خواص بني إسرائيل .. قال الكفعمي: وهو مروي عن الصادق أيضا بعينه إلا أنه ذكر أن محاربة العماليق كانت مع موسي عليه السلام: (2). وقد روي فيه فضائل عديدة في قراءته، فقد روي عن الباقر عليه السلام أنه قال : لو حلفت أن في هذا الدعاء الاسم الأعظم لبررت، فادعوا به علي ظالمنا ومضطهدنا والمتغررين بنا(3)، وقال عليه السلام أيضا : هذا من مكنون العلم ومخزونه ؛ فادعوا به ولا تبذلوه للنساء السفهاء والصبيان والظالمين والمنافقين (4)... إلخ من الفضائل في قراءته (5). وقال عثمان بن سعيد العمري : قال محمد بن علي الراشدي : ما دعوت به في مهم ولا ملم إلا ورأيت سرعة الإجابة(6). وقد ذكر المجلسي أنه يستحب الدعاء به في آخر ساعة من نهار الجمعة، وقد تصدي الكفعمي الشرح هذا الدعاء؛ فأخذت منه بعض الفوائد لبسط الكلام فيه لكونه من الأدعية المشهورة، وقد اشتمل هذا الدعاء علي ألفاظ غريبة تحتاج إلي الشرح والبيان(7).. وهذا الدعاء هو : قال الشيخ الطوسي في المصباح : دعاء السمات، مروي عن العمري محمد بن عثمان العمري وهو : اللهم إني

ص: 143


1- الاقبال : 58، مفاتيح الجنان للقمي: 179 وغيرهما .
2- بحار الأنوار للمجلسي: 96/9 .
3- بحار الأنوار للمجلسي: 102/90 .
4- بحار الأنوار للمجلسي: 101/90 .
5- بحار الأنوار للمجلسي: 102/90 .
6- بحار الأنوار للمجلسي: 96/90.
7- بحار الأنوار للمجلسي: 101/90 .

أسألك باسمك العظيم الأعظم - ثلاث مرات - الأعز الأجل الأكرم الذي إذا دعيت به علي مغاليق أبواب السماء للفتح بالرحمة انفتحت، وإذا دعيت به علي مضائق أبواب الأرض للفرج انفرجت.. إلخ(1).

4- ومنها: دعاء أمير المؤمنين في الاستجارة وهو أفضل أدعيته عليه السلام :

قال ابن طاووس: ومن ذلك الدعاء المفضل علي كل دعاء لأمير المؤمنين عليه السلام والباقر والصادق عرض علي أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (قدس سره) فقال : ما مثل هذا الدعاء .. وقال : قراءة هذا الدعاء من أفضل العبادات وهو : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللهم أنت ربي وأنا عبدك .. إلخ(2).

ومنها: دعاء عيد الفطر المبارك(3)، ودعاء رجب في كل يوم، حيث روي الطوسي أنه أخرج هذا التوقيع الشريف من الناحية المقدسة علي يدي أبي جعفر محمد بن عثمان العمري وهو : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك المأمونون علي سرك ، المستبشرون بأمرك .. إلخ(4).

5- ومنها: صلاة وزيارة ودعاء للإمام المهدي عليه السلام :

قال المجلسي: قال مؤلف المزار الكبير : ذكر التوجه إلي الحجة صاحب الزمان عليه السلام بعد صلاة اثنتي عشرةركعة.. إلخ (5)، والظاهر أن

ص: 144


1- بحار الأنوار للمجلسي: 126/90 .
2- مصباح المتهجد للطوسي: 374؛ بحار الأنوار للمجلسي: 100/90
3- مهج الدعوات لابن طاووس: 119، الصحيفة العلوية : 197.
4- الاقبال لابن طاووس 274.
5- مصباح المتهجد للطوسي: 739؛ الاقبال : لابن طاووس: 646؛ مفاتيح الجنان للقمي: 135 .

الصلاة قبل الزيارة . روي صاحب المزار وغيره عن أبي الحسين حمزة بن محمد بن الحسن شبيب قال : عرفنا أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم النوبختي قال : شكوت إلي أبي جعفر محمد بن عثمان شوقي إلي رؤية مولانا عليه السلام فقال لي : مع الشوق تشتهي أن تراه؟ ! فقلت : نعم فقال لي : شكر الله شوقك وأراك وجهه في سر وعافية، لا تلتمس يا أبا عبد الله أن تراه ، فإن أيام الغيبة تشتاق إليه، ولا تسأل الاجتماع معه، إنها عزائم الله والتسليم لها أولي، ولكن توجه إليه بالزيارة بعد صلاة اثنتي عشرة ركعة... إلخ(1). أقول : قوله : لا تلتمس يا أبا عبد الله أن تراه ... إلخ المراد منه رؤيته بنحو الأئمة السابقين عليهم السلام يعني رؤيته في كل وقت يراد لنيل المراد، وأما رؤيته مطلقا فهو غير ممنوع أصلا، ولو كان ممنوع مطلقا ولو في بعض الأحيان، لم يتفق الأحد من أهل الإيمان حتي السفراء أنفسهم، وهذا مخالف للعيان، لأن الحكايات والروايات بهذا المرام من المؤمنين يوجب اليقين لأهل اليقين .

6- ومنها أدعية الأئمة عليه السلام وقنوتاتهم في الودائع المستحفظة:

قال ابن طاووس: وجدت في هذا الأصل الذي نقلت منه القنوتات هذه ما هذا لفظه مما يأتي ذكره بغير إسناد ؛ ثم وجدت بعد سطر هذه القنوتات إسنادها في كتاب عمل رجب وشعبان ورمضان تأليف أحمد بن محمد بن عبد الله بن عباس رحمت الله فقال : حدثني أبو الطيب الحسن بن أحمد بن محمد بن عمر بن الصباح القزويني، وأبو الصباح محمد بن أحمد بن محمد البغدادي الكاتبان قالا: جري بحضرة شيخنا فقيه العصاية ذكر مولانا أبي محمد الحسن ابن أمير المؤمنين عليه السلام ؛ فقال رجل من الطالبيين : إنما ينتقم منه الناس تسليم هذا الأمر إلي ابن أبي سفيان ! فقال شيخنا: رأيت أيضا مولانا أبا محمد المجتبي أعظم شأنا وأعلي مكانا؛ وأوضح برهانا من أن يقدح في فعل

ص: 145


1- بحار الأنوار للمجلسي: 96/102 ؛ المزار الكبير للكفعمي : 188.

له اعتبار المعتبرين! أو يعترضه شك الشاكين وارتياب المرتابين؛ ثم أنشأ يحدث فقال : لما مضي سيدنا الشيخ أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري - رضي الله عنه وأرضاه وزاده علوا فيما أولاه - وفرغ من أمره، جلس الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر - زاد الله توفيقه - للناس بقية نهار يومه في دار الماضي (رض) - أي محمد بن عثمان العمري - فأخرج إليه ذكاء الخادم الأبيض مدرجا وعكازا وحقة خشب مدهونة، فأخذ العكاز فجعله في حجره علي فخذيه، وأخذ المدرج بيمينه وألحقه بشماله، فقال الورثة : في هذا المدرج ذكر ودائع؛ فنشره ابن روح - فإذا هي أدعية وقنوت موالينا الأئمة عليهم السلام وفيه قنوت مولانا أبي محمد الحسن ابن أمير المؤمنين عليه السلام وأملاها علينا من حفظه، فكتبناها علي ما سطر في هذه المدرجة وقالوا: احتفظوا بها كما تحتفظون بمهمات الدين، وعزمات رب العالمين جل وعز(1).. إلخ. وهي قنوتات وأدعية للأئمة عليهم السلام إلي الحجة المهدي عليه السلام وهي طويلة جدا مذكورة في كتب الأدعية فراجعها(2).

4- أما تراثه فيما خرج عنه من توقيعات:
اشارة

وخرج من محمد بن عثمان العمري توقيعات كثيرة من إمامه المهدي عليه السلام للأمة الإسلامة في أمور وقضايا عديدة .. نلخص بعضها بما يلي:

التوقيع الأول:
النهي عن ذكر اسم الإمام المهدي عليه السلام وحكمة النهي عن ذلك :

روي المجلسي بإسناده عن علي بن صدقة القمي قال : خرج إلي

ص: 146


1- تحفة الزائر للمجلسي: 429، بحار الأنوار للمجلسي: 97/102 .
2- مهج الدعوات لابن طاووس : 45.

محمد بن عثمان العمري (رض) ابتداء من غير مسألة : ليخبر الذين يسألون عن الاسم إما السكوت والجنة، وإما الكلام والنار؛ فإنهم إن وقفوا علي الاسم أذاعوه، وإن وقفوا علي المكان دلوا عليه(1).

التوقيع الثاني : مسألة كلامية وهي تفويض الخلق والرزق :

ورد عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه أو قال : أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد الدلال القمي(2) قال : اختلف جماعة من الشيعة في أن الله عز وجل فوض إلي الأئمة - صلوات الله عليهم - أن يخلقوا ويرزقوا؟ فقال قوم : هذا محال لا يجوز علي الله تعالي، لأن الأجسام لا يقدر علي خلقها غير الله تعالي؛ وقال آخرون بل الله تعالي أقدر الأئمة علي ذلك وفوضه إليهم فخلقوا ورزقوا.. وتنازعوا في ذلك نزاعا شديدا، فقال قائل : ما بالكم لا ترجعون إلي أبي جعفر محمد بن عثمان العمري فتسألونه عن ذلك، فيوضح لكم الحق فيه، فإنه الطريق إلي صاحب الأمر - عجل الله تعالي فرجه -، فرضيت الجماعة بأبي جعفر وسلمت وأجابت إلي قوله ؛ فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه؛ فخرج إليهم من جهته توقيع نسخته : إن الله تعالي هو الذي خلق الأجسام وقسم الأرزاق لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأما الأئمة عليهم السلام فإنهم يسألون الله تعالي، فيخلق؛ ويسألونه فيرزق، إيجابا المسألتهم، وإعظاما لحقهم (3).

ص: 147


1- بحار الأنوار للمجلسي: 351/51
2- قال المامقاني في تنقيحه ج3 باب الكني : أبو الحسن الدلال ليس له ذكر في كلمات أصحابنا الرجاليين وإنما الذي عثرنا عليه رواية الكليني في باب تربيع القبر من الكافي عن أحمد بن محمد بن أبي نصر .. انظر هامش الاحتجاج للطبرسي.
3- الغيبة للطوسي: 178، الاحتجاج للطبرسي: 2/471.
التوقيع الثالث: متي يظهر المهدي عليه السلام ؟

روي الصدوق بإسناده عن علي بن همام قال : سمعت محمد بن عثمان العمري - قدس الله روحه - يقول : خرج توقيع بخطه نعرفه: من سماني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله ، فقال أبو علي بن همام : وكتبت أسئلة عن الفرج متي يكون؟ فخرج إلي : كذب الوقاتون (1).

التوقيع الرابع : الموسوعة الفقهية للإمام المهدي عليه السلام :

روي الصدوق بإسناده عن أبي الحسن محمد بن جعفر الأسدي قال : كان فيما ورد علي من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري - قدس الله روحه - في جواب مسائل صاحب الزمان عليه السلام : أما ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها : فلئن كان يقول الناس: إن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان، فما أرغم أنف الشيطان أفضل من الصلاة، فصلها وأرغم أنف الشيطان ... إلخ(2) وهو توقيع طويل جدا وردت فيه مسائل عديدة وفروع فقهية متنوعة في كل الأبواب فراجعها في مظانها .

التوقيع الخامس: معجزات المهدي عليه السلام :

وروي المجلسي بإسناده عن أبي الحسين الأسدي قال : ورد علي توقيع من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري - قدس الله روحه - ابتداء لم يتقدمه سؤال منه نسخته : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، لعنة الله والملائكة والناس أجمعين علي من استحل من أموالنا درهما. قال أبو الحسين الأسدي - رحمه الله -: فوقع في قلبي أن ذلك فيمن استحل من مال

ص: 148


1- كمال الدين للصدوق: 106/2 .
2- كمال الدين للصدوق: 2/199، الاحتجاج للطبرسي: 2/479.

الناحية درهما دون من أكل منه غير مستحل؛ وقلت في نفسي: إن ذلك في جميع من استحل محرما !! فأي فضل في ذلك للحجة لي علي غيره؟! قال : فوالذي بعث محمدا بالحق بشيرا، لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد انقلب إلي ما كان في نفسي : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ : لعنة الله والملائكة والناس أجمعين علي من أكل من مالنا درهما حراما(1) قال أبو جعفر محمد بن محمد الخزاعي : أخرج إلينا أبو علي الأسدي هذا التوقيع حتي نظرنا فيه وقرأناه(2).

التوقيع السادس : فضيحة المنحرفين .. وأجوية عامة في الفقه والسياسة :

روي الكليني عن إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمد بن عثمان العمري رحمت الله أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السلام : أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك ووقاك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا فاعلم أنه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس مني، وسبيله سبيل ابن نوح؛ وأما سبيل عمي جعفر وولده فسبيل أخوة يوسف عليه السلام (3) ... وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلي رواة خديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله .. وأما ظهور الفرج: فإنه له وكذب الوقاتون، وأما الفقاع فشربه حرام ولا بأس بالشلماب، وأما أموالكم فلا نقبلها إلا لتطهروا فمن شاء فليصل،

ص: 149


1- الاحتجاج للطبرسي: 2/480.
2- بحار الأنوار للمجلسي: 53/184.
3- أشار عليه السلام إلي توبة عمه جعفر آخر عمره كما فعل أخوة يوسف عليه السلام ؛ ويكن جعفر هذا أبو عبد الله ويلقب (كرين) لأنه أولد مائة وعشرين ولدا؛ أعقب من جماعة انتشر منهم عقب ستة... ويقال لولده الرضويون نسبة إلي جده الرضا عليه السلام؛ وكانت وفاته عام 217ه وله خمس وأربعون سنة وقبره في دار أبيه بسامراء ... انظر هامش فرق النوبختي

ومن شاء فليقطع ! وأما قول من زعم أن الحسين عليه السلام لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال؛ وأما محمد بن عثمان العمري، فرضي الله عنه وعن أبيه من قبل، فإنه ثقتي وكتابه كتابي، وأما محمد بن علي بن مهزيار الأهوازي : فسيصلح الله قلبه ويزيل عنه شكه، وأما ما وصلنا به، فلا قبول عندنا إلا لما طاب وطهر؛ وثمن المغنية حرام، وأما محمد بن شاذان بن نعيم فإنه رجل من شيعتنا أهل البيت عليهم السلام ، وأما أبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع ملعون وأصحابه ملعونون فلا تجالس أهل مقالتهم، فإني منهم بريء وآبائي عليهم السلام منهم براء، وأما المتلبسون بأموالنا، فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما يأكل النيران، وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا (1)وجعلوا منه في حل إلي وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث، وأما ندامة قوم شكوا في دين الله علي ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال؛ فلا حاجة إلي صلة الشاكين (2).

التوقيع السابع : فائدة الغيبة وعلتها :

روي الطوسي بإسناده عن إسحاق بن يعقوب قال: إنه ورد علي من الناحية المقدسة علي يد محمد بن عثمان العمري : وأما علة ما وقع من الغيبة؛ فإن الله عز وجل يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»(3)، إنه لم يكن أحد من آبائي إلأ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه؛ وإني أخرج من حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي ، وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار، وإني أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، فاغلقوا أبواب

ص: 150


1- تحقيق ما أحل من الخمس في زمن الغيبة للشيعة يطلب من كتب الفقه ، وفيه روايات وأقوال أشهرها وأظهرها، أن المراد بهذا الخبر وأمثاله : إباحة الخمس في المناكح للشيعة زمن الغيبة لتطيب ولادتهم دون الخمس في غيرها لأنه واجب .
2- الغيبة للطوسي: 176- 177، الاحتجاج للطبرسي: 2/469 -470.
3- سورة البقرة: الآية/ 104.

السؤال عما لا يعنيكم ولا تتكلفوا علي ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإن ذلك فرجكم والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلي من اتبع الهدي(1).

التوقيع الثامن : في طلب العاقبة:

روي المجلسي بإسناده عن أحمد بن روح قال : خرجت إلي بغداد في مال لأبي الحسن الخضر بن محمد لأوصله، وأمرني أن أدفعه إلي أبي جعفر محمد بن عثمان العمري، فأمرني أن لا أدفعه إلي غيره؛ وأمرني أن أسأل الدعاء للعلة التي هو فيها، وأسأله عن الوبر يحل لبسه؟! فدخلت إلي بغداد وصرت إلي العمري، فأبي أن يأخذ المال فقال : صر إلي أبي جعفر محمد بن أحمد، وادفع إليه فإنه أمره بأن يأخذه، وقد خرج الذي طلبت؛ فجئت إلي أبي جعفر فأوصلته إليه، فأخرج إلي رقعة فيها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سألت الدعاء عن العلة التي تجدها، وهب الله لك العافية ودفع عنك الآفات، وصرف عنك بعضه ما تجده من الحرارة، وعافاك وصح جسمك ...

إلخ (2)

ص: 151


1- الغيبة للطوسي: 177؛ الاحتجاج للطبرسي: 2/470.
2- بحار الأنوار للمجلسي: 197/53 نقلا عن خرائج الرارندي، مستدرك الوسائل للنوري : 2/587 و 197/3 .

المبحث الخامس: المعجزات التي ظهرت من الإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف) علي يدي محمد بن عثمان بن سعيد العمري

اشارة

ذكرنا أن المعجزة بمفهومها الديني قد أصبحت في ضوء المنطق العلمي الحديث مفهومة بدرجة أكبر مما كانت عليه في ظل وجهة النظر الكلاسيكية إلي علاقة السبية ، فقد تحولت تلك العلاقة في المنطق العلمي الحديث إلي قانون الاقتران أو التتابع المطرد بين الظاهرتين دون افتراض تلك الضرورة الغيبية ؛ فتتحول المعجزة علي هذا إلي حالة استثنائية لهذا الاطراد في الاقتران من دون أن تصطدم بضرورة أو تؤدي إلي استحالة ، ولكنها بناء علي الأسس المنطقية للاستقراء تتفق مع وجهة النظر الحديثة، في أن الاستقراء لا يبرهن علي علاقة الضرورة بين الظاهرتين، ولكننا نري أنه يدل علي وجود تفسير مشترك لاطراد التقارب أو التعاقب بين الظاهرتين باستمرار، وهذا التفسير المشترك يمكن صياغته علي أساس افتراض حكمة دعت منظم الكون إلي ربط ظواهر معينة بظواهر أخري باستمرار، فتدعو الحكمة بنفسها أحيانا إلي الاستثناء فتحدث المعجزة(1) . لقد صدرت معاجز الإمام المهدي عليه السلام علي

ص: 152


1- بحث حول المهدي للصدر: 36.

يدي سفيره محمد بن عثمان العمري وهي تدل علي صدق مقالته وصحة بابيته، ودليل واضح علي إمامة من انتموا إليه(1). وقد اعتادت الأمة أن لا تقبل أي ادعاء في أمر ما إلا بعد أن يقام لها آية معجزة؛ وقد أقام العمري المعاجز الكثيرة التي ظهرت علي يديه من إمامه المهدي عليه السلام (2)، فكان أبو جعفر يخبر عن عجائب الأمور التي لا يقف عليها إلا الله سبحانه وتعالي (3) أو الأنبياء والأئمة عليهم السلام من قبل الله الذي يعلم السرائر وما تخفي الصدور(4) . ونلخص بعض ما ظهر من معجزات الإمام المهدي عليه السلام التي ظهرت علي يدي سفيره محمد بن عثمان العمري.

أولا: الإخبار عن أمور غيبية مدهشة:

روي الطوسي بإسناده عن أبي نصر هبة الله قال : حدثني جماعة من بني نوبخت منهم أبو الحسن بن كثير النوبختي رحمت لله وحدثتني به أم كلثوم بنت أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (رض) : أنه حمل إلي أبي (رض) في وقت من الأوقات ما ينفذه إلي صاحب الأمر عليه السلام من هم ونواحيها؛ فلما وصل الرسول إلي بغداد ودخل إلي أبي جعفر وأوصل إليه ما دفع إليه وودعه، وجاء لينصرف قال له أبو جعفر : قد بقي شيء مما استودعته فأين هو؟ فقال له الرجل: لم يبق شيء يا سيدي؟! وقد سلمته !! فقال له أبو جعفر : بلي، قد بقي شيء فارجع إلي ما معك وفتشه وتذكر ما دفع إليك ؛ فمضي الرجل فبقي أيام يتذكر ويبحث ويفكر فلم يذكر شيئا ولا أخبره من كان في جملته ! فرجع إلي أبي جعفر فقال له: لم يبق شيء في يدي مما سلم إلي وقد حملته إلي

ص: 153


1- الغيبة للطوسي: 256.
2- الاحتجاج للطبرسي: 2/478.
3- بحار الأنوار للمجلسي: 53/336.
4- الغيبة للطوسي: 179.

حضرتك، فقال له أبو جعفر : فإنه يقال لك: الثوبان السردانيان(1) اللذان دفعهما إليك فلان بن فلان ما فعلا؟! فقال له الرجل : والله يا سيدي لقد نسيتهما حتي ذهبا عن قلبي، ولست أدري الآن أين وضعتهما، فمضي الرجل فلم يبق شيء كان معه إلأ فتشه وحله؛ وسأل من حمل إليه شيئا من المتاع أن يفتش ذلك، فلم يقف لهما علي خبر ! فرجع إلي أبي جعفر فأخبره فقال له أبو جعفر : يقال لك : امض إلي فلان بن فلان القطان الذي حملت إليه العدلين القطن في دار القطن فافتق أحدهما، وهو الذي عليه مكتوب كذا وكذا فإنهما في جانبه؛ فتحير الرجل مما أخبر به أبو جعفر، ومضي لوجهه إلي الموضع، ففتق العدل الذي قال له افتقه ، فإذا الثوبان في جانبه قد اندا مع القطن ؛ فأخذهما وجاء بهما إلي أبي جعفر فسلمهما إليه وقال : لقد نسيتهما لأني لما شددت المتاع بقيا، فجعلتهما في جانب العدل ليكون ذلك أحفظ لهما، وتحدث الرجل بما رآه وأخبر به أبو جعفر العمري عن عجيب الأمر الذي لا يقف إليه إلأ نبي أو إمام من قبل الله الذي يعلم السرائر وما تخفي الصدور . ولم يكن هذا الرجل يعرف أبا جعفر العمري، وإنما أنفذ علي يده كما ينفذ التجار إلي أصحابهم علي يد من يثقون به ؛ ولا كان معه تذكرة سلمها إلي أبي جعفر ولا كتاب ؛ لأن الأمر كان حاد جدا في زمان المعتضد والسيف يقطر دمة كما يقال، وكان سرا بين الخاص من أهل هذا الشأن(2).

ثانيا: معاجز متتابعة:

وروي المجلسي بإسناده عن محمد بن متيل قال : قال عمي جعفر بن متيل : دعاني أبو جعفر محمد بن عثمان السمان المعروف بالبغدادي وأخرج

ص: 154


1- السردانية : جزيرة كبيرة ببحر المغرب.. قاله في القاموس - ولعل الثوب السرداني منسوب إلي هذه الجزيرة .. هامش الغيبة للطوسي: 179.
2- الغيبة للطوسي: 178 وما بعدها .

إلي ثويبات معلمة وصرة فيها دراهم فقال لي: تحتاج أن تصير بنفسك إلي واسط في هذا الوقت وتدفع ما دفعت إليك إلي أول رجل يلقاك عند صعودك من المركب إلي الشط بواسط، قال : فتداخلني من ذلك غم شديد وقلت : مثلي في هذا الأمر ويحمل إليه هذا الشيء الوتح - أي القليل التافه - قال : فخرجت إلي واسط وصعدت من المركب فأول رجل تلقاني سألته عن الحسن بن محمد بن قطاة الصيدلاني وكيل الوقف بواسط، فقال : أنا هو؛ من أنت؟ فقلت: أنا جعفر بن محمد بن متيل، قال : فعرفني باسمي وسلمت عليه، وتعانقنا، فقلت له : أبو جعفر العمري يقرأ عليك السلام، ودفع إلي الثويبات وهذه المرة لأسلمها إليك، فقال : الحمد لله، فإن محمد بن عبد الله العامري قد مات !! وخرجت لأصلح كفنه؛ فحل الثياب ؛ فإذا بها ما يحتاج إليه من حبرة وثياب وكافور، وفي الصرة كري الحمالين والحفار !! ؛ قال : فشيعنا جنازته وانصرفت(1).

ثالثا: الأموال الناقصة: .

روي المفيد بإسناده عن علي بن محمد بن شاذان النيسابوري قال : اجتمع عندي خمسمائة درهما ينقص عشرون درهما؛ فلم أحب أن أنفذها ناقصة، فوزنت من عندي عشرون درهما وبعثتها إلي الأسدي - أبي جعفر العمري - ولم أكتب ما لي فيها؛ فورد الجواب : وصلت الخمسمائة درهم؛ لك منها عشرون درهما(2).

رابعا: قصة الدينوري وما فيها من الأعاجيب:

روي المجلسي بإسناده عن أبي العباس أحمد الدينوري الملقب

ص: 155


1- بحار الأنوار للمجلسي : 236/51 .
2- الإرشاد للمفيد: 342.

«باستارة»قال : انصرفت من أردبيل إلي دينور وأنا أريد أن أحج، وذلك بعد مضي أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام بسنة أو سنتين - الترديد عن الراوي - فاستبشر أهل دينور بموافاتي، واجتمع الشيعة عندي فقالوا: اجتمع عندنا ستة عشر ألف دينار من مال الموالي ونحتاج أن نحملها معك، وتسلمها بحيث يجب تسليمها . قال : فقلت يا قوم هذه حيرة ولا نعرف الباب في هذا الوقت، فقالوا: إنما اخترناك لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتك وكرمك، فاعمل علي أن لا تخرجه من يديك إلا بحجة... إلخ(1) والخبر طويل جدا اقتصرنا علي هذا فراجعه في مصدره ففيه العجائب المدهشة .

خامسا: قصة صاحب الشهباء:

روي الراوندي بإسناده عن أبي الحسين المسترق الضرير قال : كنت يوما من الأيام في مجلس الحسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة؛ فتذاكرنا أمر الجماعة - أي الشيعة - وكنت أزري عليها إلي أن حضرت مجلس عمي الحسين يوما فأخذت أتكلم في ذلك، فقال: يا بني قد كنت أقول مقالتك هذه إلي أن ندبت لولاية ثم حين استعصيت علي السلطان وكان كل من ورد إليها من جهة السلطان يحاربه أهلها، فسلم إلي جيش وخرجت نحوها، فلما بلغت إلي ناحية «طرز»خرجت إلي الصيد؛ ففاتتني طريدة فاتبعتها وأوغلت في أثرها حتي بلغت النهر فسرت فيه، فكلما أسير يتسع النهر؛ فبينما أنا كذلك إذ طلع فارس تحته شهباء وهو متعمم بعمامة خضراء لا يري منه سوي عينيه وفي رجليه خفا وان حمراوان.. فقال : يا حسين !! ولم يحترمني ولا كتاني فقلت : ما تريد؟ قال : كم تزرء علي الناحية(2)... إلخ وهو خبر طويل أيضا فراجعه .

ص: 156


1- بحار الأنوار للمجلسي: 330/51 - 336.
2- الخرائج والجرائح للراوندي : 71؛ الصراط المستقيم للبياضي: 2/212.

المبحث السادس: وفاة محمد بن عثمان العمري

اشارة

انطلقت الحركة التغييرية والإصلاحية عند الأئمة عليهم السلام من منطلقين أساسيين أحدهما : الالتزام بالمبدأ الرسالي حرفيا وعدم التفريط به مطلقا، وثانيهما: رعاية الظروف السياسية والاجتماعية والفكرية السائدة في المجتمع والسلطات الحاكمة. ويلتقي هذان الأمران في ضرورة العمل الإيجابي المحدد الشكل والأدوات في ظل تلك الظروف. هذا بالنسبة للمجتمع التطبيقي لعمل الأئمة عليهم السلام ونشاطهم الحركي. وأما المنهج العقائدي والفكري فإنهم كانوا يمثلون كل ما تطلبه الشريعة فيترجموها في سلوكهم ترجمة حية وأمينة - ومن خلال توفر مستلزمات القيادة بأعلي مستواه بسبب التجربة المتكاملة مع الأمة؛ فإن السلطات كانت تراقب كل تحركاتهم، وقد حاولت مرارا تمييع أطروحتهم، وصهرها في الجهاز الحاكم، وعزلهم عن الأمة وأصحابهم عليهم السلام، والإكثار في معاناتهم، مما كان له أثرة سلبيا في كفكفة نشاطهم؛ ويظهر هذا من خلال سياسة الحذر والكتمان قولا وفعلا في سلوكهم، وانتقل الأئمة في تلك الظروف من مرحلة التوسع الأفقي إلي مرحلة الحفاظ علي البقاء والاتصال بأصحابهم الذين امتلكوا الكفاءات العظيمة وصلابة العقيدة والمبدأ ؛ فاعتمدوا عليهم في أمورهم ووثقوهم للأمة

ص: 157

ليسهل عملهم؛ وفي الغيبة الصغري للإمام المهدي عليه السلام قام محمد بن عثمان العمري بأمر السفارة خمسين عاما برواية ابن هبة(1).

ونشير هنا إلي مسامحة تاريخية في سفارة العمري:

إن الأولي أن تكون سفارة محمد بن عثمان العمري أربعين عامة لا خمسين عاما كما تقدم ذكره عن ابن هبة. لما عرفت من أن ولادة الإمام المهدي كانت عام 256ه(2)، وفي رواية أخري أنها عام 255ه، وبدأت السفارة عام 260ه أي بعد وفاة أبيه عليه السلام (3)، وكانت وفاة عثمان بن سعيد العمري - السفير الأول عن الإمام المهدي عليه السلام - عام 265 ه(4) أي أنها استغرقت خمسة أعوام(5)، وكانت وفاة محمد بن عثمان العمري عام 305ه؛ فعليه : تكون مدة سفارة محمد بن عثمان العمري أربعين عاما لا أكثر!. ولو اعتمدنا علي رواية هبة الله فإن سفارة محمد بن عثمان ستكون عام 255ه، ولم يولد الإمام المهدي علي رواية الطوسي بعد!!، ولا تنفعنا أيضا علي الرواية الأخري، لأن الإمام العسكري عليه السلام كان قد توفي عام 260ه ثم استغرقت سفارة عثمان بن سعيد العمري خمسة أعوام؛ فلا نتفق مع هبة الله في روايته، وفيها من المسامحة ما لا يخفي.

لقد أمر الإمام المهدي عليه السلام المحمد بن عثمان العمري في أن يوصي لابن روح بعده قبل وفاته بسنوات ؛ كما سيأتي ذكره في ترجمة ابن روح.

ص: 158


1- الغيبة للطوسي : 223؛ أعلام الوري للطبرسي: 416.
2- الغيبة للطوسي: 258.
3- الإرشاد للمفيد: 315.
4- الغيبة للطوسي: 223؛ الكامل في التاريخ لابن الأثير : 8/ 109، المختصر لأبي الفداء : 69/1 ؛ تاريخ ابن الوردي 1/ 255..
5- الإمامة للصدوق: 256/1 ؛ سفينة البحار للقمي: 159/1 ، كمال الدين : 2/152.

لقد كان محمد بن عثمان العمري شيخا متواضعا عليه مبطنة بيضاء ؛ يقعد علي لبد في بيت صغير، ليس له غلمان ولا له من المروة والفرس ما وجد لغيره(1)، وكان قد حفر لنفسه قبرا ينزل فيه كل يوم فيقرأ فيه القرآن جزءا جزء(2)، ولم يترك من زخارف الدنيا وزينتها بعد وفاته سوي مدرجا و عكازا وحقة خشب مدهونة(3) ؛ مع ما كانت تصله من الأموال العظيمة من الأقطار الإسلامية، فلم يزدد إلأ تواضعا وهيبة وإجلالا، وكانت تحدد بحدود المصالح العامة لا بالزخارف والأبهة الظاهرية. لقد كان أبو جعفر العمري حسن السيرة، يرتدي اللباس المتواضع، وفي يده خاتم قد نقش عليه: «لا إله إلا الله الحق المبين»؛ وكانت عليه أيضا نقوش خواتيم الأئمة عليهم السلام ... روي الطوسي بإسناده عن أبي علي محمد بن همام قال : وعلي خاتم أبي جعفر محمد بن عثمان العمري السمات (رض) «لا إله إلا الله الملك الحق المبين»؛ فسألته عنه فقال : حدثني أبو محمد الحسن العسكري عليه السلام عن آبائه عليهم السلام أنهم قالوا: كان لفاطمة عليها السلام خاتم فضة عقيق ؛ فلما حضرتها الوفاة دفعته إلي الحسن عليه السلام ، فلما حضرته الوفاة دفعه إلي الحسين عليه السلام ، قال الحسين عليه السلام : فاشتهيت أن أنقش عليه شيئا، فرأيت في النوم المسيح ابن مريم عليه السلام فقلت له : يا روح الله ، ما أنقش عليه؟! فقال : انقش عليه : «لا إله إلا الله الملك الحق المبين»، فإنه أول التوراة وآخر الإنجيل(4). وروي أن محمد بن عثمان العمري رحمت الله كان قد حفر لنفسه قبرا وسواه بالساج؛ فسأله محمد بن علي الأسود القمي عن ذلك؟! فقال : للناس أسباب؛ وسألته عن ذلك؟ فقال : قد أمرت أن أجمع

ص: 159


1- بحار الأنوار للمجلسي: 51/336.
2- الغيبة للطوسي: 222.
3- مهج الدعوات لابن طاووس: 45.
4- الغيبة للطوسي: 180.

أمري، فمات بعد ذلك بشهرين رضي الله عنه وأرضاه (1).

ودخل عليه أبو الحسن علي بن أحمد الدلال القمي ليسلم عليه ، فوجده وبين يديه ساجة ونقاش ينقش عليها ويكتب آية من القرآن ؛ وأسماء الأئمة عليهم السلام علي حواشيها، فقال له: يا سيدي؛ ما هذه الساجة؟ فقال : هذه لقبري تكون فيه، أوضع عليها، أو قال أسند عليها، وقد عرفت منه .

قال العمري : وأنا في كل يوم أنزل فيه فأقرأ جزءا من القرآن فيه، فأصعد قال الراوي : وأظنه قال : فأخذ بيدي وأرانيه ؛ فإذا يوم كذا وكذا من شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا صرت إلي الله عز وجل ودفنت فيه وهذه الساجة معي - قال الدلال القمي: فلما خرجت من عنده أثبت ما ذكره ولم أزل مترقبا به ذلك ؛ فما تأخر الأمر حتي اعتل أبو جعفر ؛ فمات في اليوم الذي ذكره من الشهر الذي قاله من السنة التي ذكرها؛ ودفن فيه(2). وقد اختلف في تاريخ وفاته ؛ فقد ذكر الطوسي بإسناده عن هبة الله قال : وجدت بخط أبي غالب الزراري رحمت لله وغفر له ؛ أن أبا جعفر محمد بن عثمان العمري رحمت الله مات في آخر جمادي الأولي سنة خمس وثلاثمائة(3)، ووافق هذا التاريخ جماعة من مؤرخي أهل السنة(4)، وفي رواية أخري عن هبة الله محمد بن محمد قال : إن أبا جعفر العمري رحمت الله مات في سنة أربع وثلاثمائة (5)، والأولي هي الأصح بنظر الاعتبار، بحسب التسلسل التاريخي، وبعد وفاته رحمت الله قام ابن روح

ص: 160


1- الغيبة للطوسي : 323.
2- الغيبة للطوسي: 222.
3- الغيبة للطوسي: 223.
4- الكامل في التاريخ: ابن الأثير 8/109؛ المختصر لأبي الفداء: 69/1 ؛ تاريخ ابن الوردي : 1/255.
5- الغيبة للطوسي: 223.

النوبختي بتغسيله وتكفينه والقيام بأموره (1)، ودفنه في دار الماضي أبيه(2)؛ وقبره عند والدته في شارع باب الكوفة، في الموضع الذي كانت دوره ومنازله فيه، وهو الآن في وسط الصحراء (قدس سره)(3).

أقول: وقبره الآن مشيد معروف بالخلاني ؛ يزار للذكري والتبرك - قدس الله روحه(4) ، وفيه عمارة مشيدة وحوله بيوت عامرة.

ص: 161


1- مهج الدعوات لابن طاووس : 45.
2- مهج الدعوات لابن طاووس : 45.
3- الغيبة للطوسي : 223.
4- الغيبة الصغري للصدر: 406.

ص: 162

الباب الثالث: السفير الثالث للإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف) الحسين بن روح النوبختي

اشاره

ص: 163

ص: 164

المبحث الأول: الحسين بن روح النوبختي في الميزان

1- اشارة

وبعده ابن روح الحسين***شيخ جليل ثقة وعين(1)

هو الحسين بن روح بن أبي بحر؛ أبو القاسم النوبختي(2)، أو الروحي(3)؛ أو القمي؛ أو القيني أو القسي(4)، وابن نوبخت(5)، أو نيبخت(6)، تصدي أمر السفارة بعد وفاة محمد بن عثمان العمري عام 305ه(7) ، بأمر الإمام المهدي عليه السلام أثني عليه المخالف والمؤالف... قال الذهبي عنه : إنه كان وافر الحرمة وكثرت غاشيته حتي كان الأمراء والوزراء يركبون إليه والأعيان، وتواصف الناس عقله وفهمه ، فروي علي بن محمد الأيادي عن أبيه قال : شاهدته يوما وقد دخل عليه أبو عمر القاضي(8)، فقال

ص: 165


1- الدرر الكامنة للطباطبائي : 182.
2- الغيبة للطوسي: 226، الأوراق للصولي : 147.
3- الغيبة للطوسي: 225 و195.
4- رجال الكشي للطوسي: 345، مجمع الرجال للقهبائي : 1/95.
5- الاحتجاج للطبرسي: 2/478.
6- رجال النجاشي ورجال العلامة .
7- الغيبة للطوسي: 225.
8- وهو محمد بن يوسف قاضي القضاة كان يضرب المثل بعقله وحلمه ، توفي عام 320ه له ترجمة في تاريخ بغداد 3/401 -405.

له أبو القاسم : صواب الرأي عند المشفق - المشغف - عبرة عند المتورط فلا يفعل القاضي ما عزم عليه؛ فرأيت أبا عمر قد نظر إليه ثم قال : من أين لك هذا؟ فقال : إن كنت قلت لك ما عرفته؛ فمسألتي من أين لك؟! فضول!! وإن كنت لم تعرفه، فقد ظفرت بي ؛ قال : فقبض أبو عمر علي يديه وقال : لا، بل والله وأؤخرك ليومي أو لغدي!! فلما خرج قال أبو القاسم: ما رأيت محجوجا قط يلقي البرهان بنفاق مثل هذا، لقد كاشفته لما لم أكاشف به غيره «أمثاله أبدا»؛ ولم يزل أبو القاسم وافر الحرمة إلي أن وزرها حامد بن العباس وبقيت حرمته علي ما كانت إلي أن مات في سنة ست وعشرين وثلثمائة ؛ وقد كاد أمره أن يظهر ويستفحل»(1).وقال أيضا عنه : وإن الأموال تجبي إليه، وقد تلطف في الذب عن نفسه بعبارات تدل علي درايته ووفور عقله ودهائه وعلمه ؛ وكان يفتي الشيعة ويفيدهم، وله رتبة عظيمة بينهم(2). وقال ابن أبي طي الغساني وقد ذكره بخط مغلق سقيم : أبو القاسم القيني أو القسي، وهو الشيخ الصالح أحد الأبواب لصاحب الأمر؛ نص عليه بالنيابة أبو جعفر محمد بن عثمان العمري عنه وجعله أول من يدخل عليه حين جعل الشيعة طبقات؛ وقد خرج علي يديه تواقيع كثيرة(3). وجاء مثله في لسان الميزان الابن حجر والوافي للصفدي وأضافا : لما مات أبو جعفر، صارت النيابة إلي أبي القاسم، وجلس ببغداد في الدار، وجلس الشيعة حوله وخرج (ذكاء) الخادم ومعه عكازة ومدرج وحقة ؛ وقال : إن مولانا قال : إذا دفنني أبو القاسم وجلس، فسلم إليه هذا؛ وإذا في الحق خواتيم الأئمة عليهم السلام ، ثم قام في آخر اليوم ومعه طائفة، فدخل دار أبي جعفر محمد وكثرت غاشيته حتي كان الأمراء يركبون إليه، والوزراء والمعزولون عن الوزارة، والأعيان،

ص: 166


1- سير أعلام النبلاء: 15/222.
2- تاريخ الإسلام: للذهبي: 24/190.
3- تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190.

وتواصف الناس عقله؛ ولم يزل أبو القاسم علي مثل هذه الحالة حتي ولي حامد بن العباس الوزارة فجري له معه خطوب وأمور(1). وقال ابن حجر عنه : هو أحد الرؤساء ؛ وإنه كان كثير الجلالة في بغداد(2)، وعبر اليافعي عنه : بأنه الزعيم (3)، وابن الأثير : بأنه الباب(4).

أما المؤالف فقد ذكرنا عباراتهم؛ فقد أثنوا عليه جميعا، قال المفيد وابن شهر آشوب : كان الحسين بن روح من خواص الإمام الحسن العسكري عليه السلام والباب له(5). وقال الطوسي : هو من رواة الأحاديث عنهم عليهم السلام(6)؛ ومن الخواص والمعتمدين لأبي جعفر محمد بن عثمان العمري؛ وكان أول من أذن له بالدخول عليه (7)، وكان ينظر في أملاكه، ويلقي بأسراره لرؤساء الشيعة ، وكان خصيصا به ، حتي إنه كان يحدثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه وأنسه؛ فعرفته الشيعة - والأمة الإسلامية - لمعرفتهم باختصاصه بأبي جعفر العمري وتوثيقه عندهم، فمهدت له الحال في طول حياته إلي أن انتهت الوصية إليه بالنص عليه، فلم يختلف في أمره ولم يشك فيه أحد(8). وأثني عليه متأخرو علماء الإمامية ؛ قال فيه الحر العاملي : جليل القدر ، عظيم المنزلة ، من وكلاء صاحب الزمان عليه السلام، رواه الصدوق وغيرهما(9)، وقال عنه السيد

ص: 167


1- الوافي بالوفيات : 2/266، لسان الميزان : 2/283، معجم رجال المؤلفين : رضا كحالة 8/4 ، دائرة المعارف الإسلامية المعربة : 1/181.
2- لسان الميزان : 2/283، صلة عريب: 141، تجارب الأمم لابن مسكويه : 195/5 حوادث عام 317ه.
3- مرآة الجنان : 2/285.
4- الكامل في التاريخ : 290/8 .
5- عدة رسائل للمفيد: 361، المناقب : 4/460.
6- الغيبة للطوسي: 238، التهذيب للطوسي: 93/6 ، جامع الرواة للأردبيلي : 240/1 .
7- الغيبة للطوسي: 227، تاريخ الإسلام للذهبي: 190/24 .
8- الغيبة للطوسي: 227.
9- وسائل الشيعة : 174/20 .

الصدر : المولي أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي المتقدم ذكره في المتكلمين من آل نوبخت؛ كان أعلم أهل زمانه في كل علوم الإسلام، ولا تعرف الشيعة في الدين والمذهب أفضل منه، كان عالما ربانيا زاهدا متقشفا ، صاحب الأسرار والكرامات والعلوم والمكاشفات، أوثق أهل زمانه وأعقل كل أقرانه، مقبول عند المواقف والمخالف، لا مغمز لأحد فيه من كل فرق الإسلام، مقبول القول عند الكل(1). وقال السيد الخوئي : هو أحد السفراء والثواب الخواص للإمام الثاني عشر - عجل الله تعالي فرجه الشريف ، وشهرة جلالته وعظمته أغنتنا عن الإطالة في شأنه(2)، وذكر التستري (3) والمامقاني مثله(4). تولي أمر السفارة عن الإمام المهدي عليه السلام عام 305ه بموت أبي جعفر العمري وبقي فيها إلي أن لحق بالرفيق الأعلي في شعبان عام ست وعشرين وثلاثمائة(5)، فتكون مدة سفارته حوالي الواحد والعشرين عاما .

ينتمي هذا السفير إلي طائفة بني نوبخت .. وهي طائفة كبيرة خرج منها جماعات كثيرة من العلماء والأدباء والمنجمين والفلاسفة والمتكلمين والكتاب والحكام والأمراء، وكانت لهم مكانة وتقدم في دولة بني العباس وأصلهم من الفرس (6)- قال القطفي : إنهم كلهم فضلاء، لهم فكرة صالحة ومشاركة في العلوم الأوائل (7)، وذكر ابن طاووس جماعة منهم كانوا قد برزوا في علم النجوم فألفوا فيها كتبا ذكروا أنها دلالات علي الحادثات

ص: 168


1- تأسيس الشيعة : 412.
2- معجم رجال الحديث : 236/5 .
3- قاموس الرجال : 284/3
4- تنقيح المقال : 1/328؛ وبحار الأنوار للمجلسي 50/310.
5- الغيبة للطوسي: 238، الأوراق للصولي : 104، الوافي بالوفيات للصفدي : 12/366، سير أعلام النبلاء للذهبي: 5/222، وتاريخ الإسلام للذهبي: 24/190 وغيرهما .
6- الكني والألقاب للقمي: 1/95.
7- تأسيس الشيعة للصدر : 362 نقلا عن أخبار الحكماء للقطفي .

أمثال : الحسن بن موسي و موسي بن العباس بن إسماعيل والفضل بن أبي سهل و غيرهم(1)

ويرجع أصل نوبخت إلي جدهم الأول نوبخت، وقد كان منجما فاضلا يصحب المنصور العباسي دائما(2)، وكان أول من ساهم في بناء بغداد عام 144ه؛ فوضع المنصور العباسي أساسها في وقت اختاره له نوبخت المنجم(3). سكن نوبخت هذا بغداد عام 145 ه، بعد أن أقطعه أبو جعفر المنصور ألفي جريب بنهر جويبر(4)، ويقع هذا النهر في الجانب الغربي من شط دجلة(5)، فقد بني نوبخت وأولاده بيوتا لهم في تلك الأراضي التي وهبها له المنصور، وصارت لهم أملاكا كثيرة هناك ، ولهم دور بنهر طابق وهو من المحلات الواقعة غربي بغداد(6)، والنوبختية(7)؛ وفي حوالي النعمانية بين بغداد وواسط في الساحل الغربي من دجلة كانت لهم منازل يملكونها(8)، وكانت لنوبخت براعة في علم النجوم، وله تأليفات وتراجم فيه(9)؛ وخلف ولده الوحيد (الفضل) الذي كان صاحب دار الحكمة للرشيد(10)، وآل نوبخت كلهم ينتمون لهذا الابن الواحد لنوبخت كما جاء في الكتب والأشعار؛ وكانت للفضل كتب مترجمة عن الفارسية إلي العربية منها كتاب

ص: 169


1- فرج المهموم لابن طاووس: 121.
2- تأسيس الشيعة للصدر: 362.
3- تاريخ بغداد للبغدادي : 1/67.
4- نهر جويبر هو نهر الحويزة ، ذكره ابن الأثير في الكامل: 5/570، وتاريخ الطبري: 7/948
5- ابن خرداذبه : 7.
6- الأغاني لأبي الفرج: 161/3 .
7- تجارب الأمم لابن مسكويه: 271/5 و197/6 .
8- تاريخ اليعقوبي: 321/1
9- كشف الظنون: حاجي خليفة : 5/35.
10- فرج المهموم لابن طاووس: 121.

النهمطان في المواليد؛ والفأل النجومي(1)، أما مذهب آل نوبخت وابنه الفضل فهو مذهب السنة ؛ وأما أولاد وأحفاد الفضل فقد اشتهروا بالتشيع وولاية علي عليه السلام وولده في الظاهر(2)، وكان بينهم أصحاب الأئمة عليهم السلام أمثال : يعقوب بن إسحاق، وإسحاق بن إسماعيل بن أبي سهل، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي وهو شيخ المتكلمين في أصحابنا ببغداد، ومتقدم بني نوبخت في زمانه، وكان له جلالة في الدين والدنيا يجري مجري الوزراء، وقد صنف في الإمامة والرد علي الملاحدة والغلاة وسائر المبطلين وتواريخ الأئمة عليهم السلام وغير ذلك ما زيد علي ثلاثين مجلدا ذكرها أصحاب الكتب الرجالية(3)، أخذ عنه عبد الله النعمان المعروف بالمفيد شيخ الشيعة في زمانه و غيره(4)، وكانت له مباحثات ومناظرات مع أبي علي الجبائي وهو أحد أركان المعتزلة في عدة مجالس بالأهواز وله مناظرات مع الحكيم الرياضي المعروف ثابت بن قرة الصابي، وكلاهما مدون في كتاب يذكر في عداد مؤلفاته ، كان الشيخ المفيد يعتني بكتبه وكان يقرأها النجاشي عليه ومنها كتاب التنبيه(5). وسيأتي بعض الحديث عن هذه الشخصية التي التقت بالإمام المهدي عليه السلام ورأته عن قريب.

لقد ذكرنا أن الحسين بن روح النوبختي له قرابة مع آل نوبخت خاصة مع أبي سهل إسماعيل بن علي المتقدم(6)، وأبي عبد الله الحسين بن

ص: 170


1- الفهرست لابن النديم : 333 وتاريخ الحلاج: «ماسينون»في ترجمة الفضل بن نوبخت .
2- الفهرست لابن النديم : 333 وتاريخ الحلاج: «ماسينون»في ترجمة الفضل بن نوبخت .
3- روضات الجنات للخونساري : 111/1 ، رجال النجاشي، خلاصة العلامة، تاريخ ابن خلكان ؛ الملل والنحل للشهرستاني، لسان الميزان.. قال الذهبي عنه : كان كاتبا بليغا وشاعرا، .. وغيرها.
4- لسان الميزان لابن حجر العسقلاني: 251/1 .
5- أعيان الشيعة : محسن الأمين 21/12 .
6- الغيبة الصغري للصدر : 529.

النوبختي الذي كان وزيرا لابن رائق، وكانت له السلطة التامة عليه(1)؛ قال ابن مسكويه : كان الحسين بن علي النوبختي متفردا بابن رائق والمدبر للملك، وهو الذي بني لابن رائق تلك الرتبة العظيمة، وساق إليه تلك النعمة وجمع له تلك الأموال التي كان مستظهرا بها في ضمان واسط والبصرة(2)، قال ابن رائق يمدحه ويثني عليه : ما كنت لأصرف الحسين بن علي مع نصحه الي وتبركي به، ولو فتح لي فارس وأصبهان وساقهما إلي خصوصا، وأهداهما لي دون غيري . قال له ابن مقاتل: أيها الأمير فإن كرهت هذا فضمنه واسط والبصرة، فقال ابن رائق : هذا لفعلته ؛ ! إن أشار به أبو عبد الله الحسين بن علي النوبختي (3) ولما غرر ابن مقاتل هذا - وكان ابن أخي الحسين بن علي النوبختي - بأن تكون له الوزارة بعد عمه الحسين بن علي النوبختي فقال بعد أن بكي: أعظم الله أجرك أيها الأمير في أبي عبد الله !! عده في الأموات، ثم لطم وجهه فقال ابن رائق : لا حول ولا قوة إلا بالله ، أعزز علي به، ولو فدي حئ ميتا لفديته بملكي كله(4)، وكانت مدة تدبير الحسين بن علي النوبختي لأمور المملكة ثلاثة أشهر وثمانية أيام(5).

ولا يوجد أي ترديد في لقب الحسين بن روح بأنه النوبختي،؛ لأنه كان مخلطا لآل نوبخت أمثال : أبي سهل إسماعيل بن علي، وأبي عبد الله الحسين بن علي وزير ابن رائق، وأحمد بن إبراهيم الذي كان صهرا للشيخ أبي جعفر العمري علي ابنته أم كلثوم الكبيرة رحمهما الله ؛ وكان كثيرا ما يقول

ص: 171


1- خاندان نوبختي (بالفارسية): عباس إقبال : 212.
2- تجارب الأمم: ابن مسكويه : 360/5 حوادث عام 325ه.. قال الصولي : مات في هذا الوقت علي بن العباس النوبختي وقد قارب ثمانين عاما وكان حسن الأدب والشعر، وكان الحسين ابنه يكتب لابن رائق ويدبر أموره .. الأوراق : 76 و 87 و106...
3- تجارب الأمم: ابن مسكويه : 362/5
4- تجارب الأمم: ابن مسكويه : 362/5 .
5- تجارب الأمم: ابن مسكويه : 362/5 .

أصحابنا في المكاتبات التي خرجت جواباتها علي يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح إنها بخط أحمد بن إبراهيم بن نوبخت وإملاء الشيخ أبي القاسم الروحي (1)، وكان ابن روح قد دفن في مقابر النوبختيين كما سيأتي ؛ فإن كل تلك الشواهد تكفي في صحة انتسابه لآل نوبخت. نعم ذكر الحافظ شمس الدين الذهبي نقلا عن يحيي بن طي المتوفي عام 630 ه أنه قال : أبو القاسم القيني أو القسي وكذا صورته في تاريخ يحيي بن أبي طي الغساني وخطه مغلق سقيم(2)، والظاهر أنه القمي كما جاء عن الكشي(3). روي القهبائي بإسناده عن جعفر بن معروف الكشي أنه قال : كتب أبو عبد الله البلخي إلي يذكر عن الحسين بن روح القمي؛ أن أحمد بن إسحاق كتب إليه ليستأذنه في الحج فأذن إليه وبعث إليه بثوب، فقال أحمد: نعي إلي نفسه فانصرف من الحج فمات بحلوان (4)، ويؤيد نسبته تلك معرفته باللسان الآبي القمي(5)، وأنه لم يذكر اسمه في الشجرة النوبختية(6)؛ ولعله والله العالم - انتسب لآل نوبخت من أمه مثل أبي محمد الحسن بن موسي ابن أخت أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي؛ لأن آل نوبخت كانوا كلهم من أهل بغداد ، وإن كان أصلهم من الفرس كما تقدم .

2- أما منزلته في الأمة:

فقد جاء في النصوص التاريخية أن ابن روح النوبختي كان قد حصل

ص: 172


1- الغيبة للطوسي: 228، وتأسيس الشيعة 372.
2- تاريخ الإسلام للذهبي: 190/24 ؛ سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/222، وخاندان نوبختي (بالفارسية): عباس إقبال : 312.
3- رجال الكشي للطوسي: 345.
4- مجمع الرجال للقهبائي : 1/95.. و (حلوان) مدينة واقعة علي طريق كرمانشاهان وبغداد .. أعيان الشيعة للأمين: 7/263.
5- الغيبة للطوسي: 195.. و (آبة) مدينة قريبة من قم.
6- خاندان نوبختي (بالفارسية) عباس إقبال : 212.

علي رتبة عظيمة في الأمة؛ وخاصة الطائفة الإمامية التي بالغت في إعظامه وإجلاله وصار مرجعا لها في مهامها. قالت أم كلثوم الكبيرة بنت أبي جعفر العمري رحمت لله : حصل في أنفس الشيعة محصلا جليلا لمعرفتهم باختصاص أبي - تقصد العمري - إياه، وتوثيقه عندهم ونشر فضله ودينه وما كان يحتمله من هذا الأمر - أي السفارة عن الإمام المهدي عليه السلام(1) -، وكان يخرج لهم التوقيعات بالخط الذي كان يخرج في حياة الإمام الحسن العسكري عليه السلام بالمهمات في أمر الدين والدنيا، وفيما يسألونه من المسائل بالأجوبة العجيبة رضي الله عنه وأرضاه، فلم يختلف في أمره، ولم يشك فيه إلا جاهل بأمر أبي أولا، وقد سمعت هذا من غير واحد من بني نوبخت - رحمهم الله - مثل أبي الحسن بن كبرياء وغيره(2)، فكل من طعن علي أبي القاسم بن روح النوبختي فقد طعن علي أبي جعفر العمري وطعن علي الحجة صلوات الله عليه(3).

وكان ابن روح أعقل الناس عند المخالف والمؤالف(4)، وصارت العامة تعظمه(5)، وترفعه علي رؤوسها ويكثر الدعاء له، والطعن علي من يرميه بالرفض(6)!!. وقد بالغ الذهبي غير مرة في مدحه والثناء عليه؛ فقال عنه مرة : كانت له عبارات تدل علي درايته ووفور عقله ودهائه وعلمه وله رتبة عظيمة(7)، وفي أخري : إن له عبارات بليغة تدل علي فصاحته وكمال عقله

ص: 173


1- الغيبة للطوسي: 227
2- الغيبة للطوسي: 227
3- الغيبة للطوسي: 225
4- الغيبة للطوسي: 236، تأسيس الشيعة للصدر: 412.
5- الغيبة للطوسي: 237، صلة عريب : 141، تجارب الأمم لابن مسكويه : 195/5 ، اللسان لابن حجر: 2/283، مرآة الجنان لليافعي : 2/285، الكامل لابن الأثير : 8/290
6- الغيبة للطوسي: 237.
7- تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190.

وله جلالة عجيبة(1)؛ وقال عنه الصفدي : وكثرت غاشيته حتي كان الأمراء يركبون إليه والوزراء والمعزولون عن الوزارة والأعيان وتواصف الناس عقله(2)، وروي الطوسي ما يؤكد هذه الحقيقة عدة روايات منها: ما رواه بإسناده عن أبي أحمد درانويه الأبرص الذي كانت داره في درب القراطيس قال : كنت أنا وأخوتي ندخل علي أبي القاسم الحسين بن روح (رض) نعامله، قال : وكانوا باعة ونحن مثلا عشرة، تسعة نلعنه وواحد يشكك ؛ فنخرج من عنده بعدما دخلنا إليه تسعة نتقرب إلي الله بمحبته وواحد واقف(3) - وكان يصل إليه من الوزراء والرؤساء من الشيعة مثل آل الفرات وغيرهم الجاهه وموضعه وجلالة محله عندهم(4). وقد كان ابن روح عارفا بالمذاهب والفرق الإسلامية الأخري؛ قال أبو أحمد درانويه الأبرص: إنه كان يجارينا في الصحابة ، ما رويناه وما لم نروه فنكتبه لحسنه عنه (رض)(5)، وكان قد استعمل التقية في سفارته مع غيره من المذاهب ؛ فقد روي الطوسي بإسناده عن أبي الحسن بن كبرياء النوبختي قال : بلغ الشيخ أبا القاسم - النوبختي - أن بوابا كان له علي الباب الأول قد لعن معاوية وشتمه، فأمر ابن روح بطرده وصرفه عن خدمته، فبقي أيام طويلة يسأله في أمره، فلا والله ما رده إلي خدمته . وأخذه بعض الأهل فشغله معه كل ذلك للتقية(6).

وحضر ابن روح النوبختي مجلس مناظرة في دار ابن اليسار وقد تناظر اثنان، فزعم واحد أن أبا بكر أفضل الناس بعد رسول الله صلي الله عليه و آله عمر ثم

ص: 174


1- سير أعلام النبلاء : 15/222.
2- الوافي بالوفيات : 366/12
3- الغيبة للطوسي: 237؛ 227.
4- الغيبة للطوسي: 237؛ 227.
5- الغيبة للطوسي: 238.
6- الغيبة للطوسي: 237.

علي، وقال الآخر: بل علي أفضل من عمر ، فزاد الكلام بينهما، فقال أبو القاسم : الذي اجتمعت الصحابة عليه هو تقديم الصديق ثم بعده الفاروق ثم عثمان «ذو النورين» ثم علي الوصي، وأصحاب الحديث علي ذلك وهو الصحيح عندنا؛ فبقي من حضر المجلس متعجبا من هذا القول؛ وكان العامة يرفعونه علي رؤوسهم وكثر الدعاء له، والطعن علي من يرميه بالرفض. قال أبو عبد الله بن غالب حمو أبي الحسن بن الطيب - راوي هذا الحديث - فوقع علي الضحك، فلم أزل أتصبر وأمنع نفسي، وأدس كمي في فمي، فخشيت أن أفتضح فوثبت عن المجلس ونظر إلي ففطن بي، فلما حصلت في منزلي؛ فإذا بالباب يطرق، فخرجت مبادرا فإذا بأبي القاسم الحسين بن روح (رض) راكبا علي بغلته قد وافاني من المجلس قبل مضيه إلي داره ، فقال لي : يا أبا عبد الله - أيدك الله - لم ضحكت؟ فأردت أن تهتف بي كأن الذي قلته ليس بحق!! فقلت : كذاك هو عندي فقال لي : اتق الله أيها الشيخ، فإني لا أجعلك في حل، تستعظم هذا القول مني؟! فقلت : يا سيدي، رجل يري بأنه صاحب الإمام ودليله يقول ذلك القول !! لا يتعجب منه !! ويضحك من قوله هذا !! فقال لي : وحياتك لئن عدت لأهجرنك ؛ وودعني وانصرف(1).

3- أما منزلته عند محمد بن عثمان العمري:
اشارة

فقد كانت الأنظار تحوم فترة سفارة العمري حول مجموعة من الشخصيات التي ساهمت في أمر السفارة ؛ وربما تكون السفارة من بعد العمري لأحدهم بسبب ما امتلكه كل منهم من كفاءة وقدرة؛ ونشير إلي بعضهم :

أولا: أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي:

ذكرنا أن بني نوبخت كانوا من المتقدمين في العلوم؛ وقاموا بخدمات

ص: 175


1- الغيبة للطوسي: 237.

جليلة في الأمة؛ ويمكن تقسيمهم إلي ست طبقات ؛ نشير إليهم باختصار :

أ- المترحمون والمنجمون.. أمثال نوبخت وابنه الفضل وبعض أولاده أمثال عبد الله وأبو العباس .

ب - المتكلمون.. أمثال أبو إسحاق إبراهيم صاحب «الياقوت»الذي شرحه العلامة الحلي، وابن أخته السيد عميد الدين، وعلق عليه ابن أبي الحديد شارح النهج، ومنهم: أبو سهل إسماعيل بن علي المذكور؛ وأبو محمد الحسن بن موسي المتوفي عام 300ه إلي 310ه؛ وهو صاحب كتاب فرق الشيعة وكتاب الآراء والديانات وأول من صنف في الملل والنحل .

ج- الأدباء ورواة الأشعار ... أمثال : إسماعيل بن أبي سهل بن نوبخت، وبعض أخوته، وأبو طالب ومحمد بن روح ... إلخ.

د. علماء الحديث والأخبار .. أمثال : أبو الحسن بن كبرياء وأبو محمد الحسن بن الحسين وغيرهم.

هذا الكتاب .. أمثال : أبو الحسين بن علي بن العباس وابنه أبو يعقوب إسحاق وأبو الفضل يعقوب وعلي بن أحمد.

و - أصحاب الأئمة وخواصهم.. أمثال : يعقوب بن إسحاق وأبو القاسم بن روح النوبختي - سفير الإمام المهدي عليه السلام - وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي .. فهذه الطبقات من آل نوبخت كانت أقوالهم حجة ، ففي النجوم أعلم الناس (1)، وفي الكلام عد قولهم سندا وطابق قولهم قول الإمامية(2)، وفي المقالات والآراء والأديان كتاب أبي محمد النوبختي

ص: 176


1- ديوان ابن الرومي : 122 و 123.
2- بحار الأنوار للمجلسي: 352/14 - 355.

من الكتب المعتبرة في هذا الفن(1)، والمثل الكامل في المعرفة بالملل والنحل(2)، وفي أخبار الشيعة وتقرير مذهبهم كانوا في رديف الشيخ المفيد وابن بابويه، ويعدون من أركان الدين(3)، وفي جمع الأخبار والأشعار كان أبو نؤاس والبحتري وابن الرومي من آل نوبخت من أهم وأوثق المراجع التي يرجع بها إليهم، فخلفوا فكرا وذوقا في الأدب العربي، وفي الترجمة كانوا في عداد أكابر المترجمين(4).

ترحم عليهم الشيخ المفيد وغيره من كبار العلماء (5).

ويستفاد مما تقدم أن السفير الثاني محمد بن عثمان كان ملتفتأ لهذه الطائفة خدمتهم للأمة ؛ فكان كثيرا ما يقربهم إليه، ويساهمهم في أمر السفارة عن الإمام المهدي عليه السلام .. ومنهم أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي الذي كان يجري مجري الوزراء في جلالة الكتاب وكان له مقاما رفيعا في الدولة العباسية يقرب من مقام الوزارة؛ وله نفوذ تام في الدولة، وكانت الدولة ترسله في مهماتها للربط بين الحكومات ومعاقبة المعتدين والسارقين(6) . أما علي الصعيد الديني والعقائدي؛ فقد كانت له منزلة رفيعة عند الأئمة عليهم السلام؛ وقد أراه الإمام العسكري ابنه المهدي عليه السلام في أصعب الفترات(7)، فوصف إسماعيل بن علي النوبختي الإمام المهدي عليه السلام قائلا : فلما مثل الصبي بين

ص: 177


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 295/1 ، ومروج الذهب للمسعودي : 157/7 ،تلبيس إبليس لابن الجوزي.
2- معجم الأدباء للحموي: 2/279.
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2/597.
4- ابن أبي أصبعة: 309/1 .
5- أوائل المقالات للمفيد: 41 وغيرها .
6- أعيان الشيعة : للأمين : 12/12 .
7- الغيبة للطوسي: 165.

يديه - أي يدي أبيه العسكري عليه السلام - وإذا هو دري اللون وفي شعر رأسه قطط مفلج الأسنان؛ فلما رآه الحسن عليه السلام بكي وقال : يا سيد أهل بيته .. أبشر يا بني، فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي، وأنت حجة الله علي أرضه وأنت ولدي ووصيي (1)... إلخ؛ وشاع خبر إسماعيل بن علي النوبختي في الأمة وبين علماء الشيعة بأنه سيكون السفير بعد العمري لما يروه من تقريبه له ، وكان جماعة من أهل مصر يذكرون ذلك، فلما قدم إسماعيل بن علي النوبختي عليهم سألوه : كيف صار هذا الأمر إلي الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح دونك؟! فقال لهم : هم أعلم وما اختاروه، ولكن أنا رجل ألقي الخصوم وأناظرهم، ولو علمت بمكانه - يعني الإمام المهدي عليه السلام - كما علم أبو القاسم - الحسين بن روح النوبختي - وضغطتني الحجة علي مكانه، لعلي كنت أدل علي مكانه(2). وقد استطاع إسماعيل بن علي النوبختي أن يكشف خدع وألاعيب الحلاج ويفضحه أمام الأمة كما سيأتي.

ثانيا: جعفر بن أحمد بن متيل وأبيه:

وساهمت هاتان الشخصيتان في أمر السفارة فترة العمري وقربهما إليه وبلغ به الأمر أن يبقي أياما في بيت جعفر بن أحمد بن متيل وأبيه، وكان لا يتناول طعاما إلا ما قد طبخ وأصلح في بيت جعفر بن أحمد(3)، وقال مشائخ الأمة وأعلامها: كنا لا نشك أنه إن كان كائنة من أبي جعفر العمري لا يقوم مقامه إلأ جعفر بن أحمد بن متيل وأبوه، لما رأينا من الخصوصية به وكثرة كينونته في منزله، وكان الأصحاب لا يشكون إن كانت حادثة ؛ لم تكن الوصية إلا إليهما من الخصوصية بهما(4)، وكان من شدة قربه لهما: أنه لا

ص: 178


1- الغيبة للطوسي: 160.
2- الغيبة للطوسي: 240.
3- الغيبة للطوسي: 225.
4- الغيبة للطوسي: 225.

يجلس مجلسا إلا وكانا معه في صدر المجلس وعند رأسه، فكان يسألهما ويحدثهما(1).

ثالثا: الحسين بن روح النوبختي
اشارة

وقد بدأ عمله فترة سفارة العمري وكيلا عنه (رض)، وهو أحد الوكلاء العشرة الذين كانت تجبي لهم الأموال إلي بغداد، وكان هؤلاء الوكلاء كلهم أخص من الحسين بن روح في أمر السفارة؛ حتي إنه إذا كان قد احتاج إلي حاجة أو إلي سبب فإنه ينجزه علي يد غيره، لما لم يكن له تلك الخصوصية(2)، وكان ابن روح بعيدا عن الأحداث، ولم تسلط عليه الأضواء بداية سفارة العمري، ولم نجد نصا في توثيقه من الأئمة السابقين عليهم السلام ؛ ولا نعرف سر هذا الإهمال ؛ وإنما ذكر بأنه من أصحاب الإمام العسكري وكان بابا له عليه السلام، فكان يتلقي الأسرار منه عليه السلام ويوصل أخباره إلي الأمة بأمره عليه السلام(3)، ولا يهمنا هذا الإهمال منهم عليهم السلام ما دمنا نقطع بصحة سفارة العمري عن الإمام المهدي عليه السلام وأن قوله قول الأئمة وفعله فعلهم(4) وتسالم الأمة أيضا علي صحة أقوال أبي جعفر العمري وأفعاله (رض)(5).

واقتضت المشيئة الإلهية في أن يكون الحسين بن روح سفيرا عن الإمام المهدي عليه السلام ؛ فأصدر أوامره لسفيره العمري في أن يمهد له ليتصدي أمر السفارة بعد وفاته، وقد تم الإعلان عن سفارته قبل سنتين أو ثلاثة سنوات من وفاة أبي جعفر العمري (6)، فلما علمت الأمة ذلك؛ ومما وقع عليه الاختيار

ص: 179


1- الغيبة للطوسي: 226.
2- الغيبة للطوسي: 225.
3- بحار الأنوار للمجلسي: 50/310.
4- الغيبة للطوسي: 219 و146 و 215.
5- الغيبة للطوسي: 216 و221.
6- الغيبة للطوسي: 225.

علي أبي القاسم الحسين بن روح سلموا له، ولم ينكروا عليه، وكانوا معه كما كانوا مع أبي جعفر العمري (1)، قال جعفر بن أحمد بن متيل : فقمت وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني وتحولت عند رجليه(2)؛ ولم يزل جعفر بن أحمد في جملة أبي القاسم (رض) وبين يديه كتصرفه بين يدي أبي جعفر العمري إلي أن مات (رض)، فكل من طعن علي أبي القاسم فقد طعن علي أبي جعفر وطعن علي الحجة صلوات الله عليه(3)، فكانت الأموال تحمل إليه وهي التي حصلت في باب الوقف إلي أبي جعفر العمري (رض)(4).

أما الأساليب التي اتبعها أبو جعفر تمهيدا لسفارة ابن روح النوبختي

فأهمها:

أولا: تقريبه منه واختصاصه به:

لقد استعمله العمري ابن روح في بداية أمره وكيلا خاصا عنه في أملاكه العدة أعوام، ينظر فيها ويلقي بأسرارها إلي الرؤساء من علماء الإمامية؛ وصار خصيصا به ، وجعله أول من يدخل عليه حين جعل الشيعة طبقات(5)، وكان يحدثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه، وأنسه به(6)، وجعل له ثلاثين دينارا ورزقا له كل شهر ؛ غير ما يصل إليه من الوزراء والرؤساء من الشيعة مثل آل الفرات وغيرهم لجاهه ولموضعه وجلالة محله عندهم(7).

ص: 180


1- الغيبة للطوسي: 225.
2- الغيبة للطوسي: 226.
3- الغيبة للطوسي: 225.
4- الغيبة للطوسي: 225.
5- تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190، وسير أعلام النبلاء للذهبي: 15/222، والوافي بالوفيات للصفدي: 366/12 .
6- الغيبة للطوسي: 227.
7- الغيبة للطوسي: 227.
ثانيا: توثيقه وأمر الأمة بمراجعته:

لقد أمر محمد بن عثمان العمري قبل وفاته بسنتين أو ثلاثة أصحابه ووكلاءه بحمل الأموال إلي أبي القاسم الروحي (رض) فأمر رحمت الله أبا جعفر محمد بن علي الأسود بحمل ما وصل من الأموال إليه(1). وقوله لابن قزدا المدائني الذي حمل معه أربعمائة دينار : امض بها إلي الحسين بن روح(2)؛ وكان بعض أصحابه يتوقف في ابن روح في بداية أمره، لكن محمد بن عثمان كان يواجههم مغضبا ويخاطبهم أحيانا ؛ إني أقمت أبا القاسم بن روح النوبختي مقامي، ونصبته منصبي(3).

ثالثا: التصريح بسفارته وكونها بأمر المهدي عليه السلام :

وقد استعمل محمد بن عثمان عبارات واضحة تدل علي أن ابن روح النوبختي هو السفير بعده ، وأنه لا مجال للشك فيه، وكون ذلك بأمر الإمام المهدي عليه السلام(4)، كقول لجعفر بن أحمد بن متيل : «أمرت»أن أوصي إلي أبي القاسم بن روح(5)، وقوله لجماعة من وجوه الشيعة وشيوخها : إن حدث علي حدث الموت فالأمر إلي أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد «أمرت»أن أجعله في موضعي بعدي، فارجعوا إليه وعولوا في أموركم عليه(6)، وتصريحه أمام كثير من وجوه وعلماء الأمة أمثال : أبي علي بن همام، وأبي عبد الله بن محمد الكاتب، وأبي عبد الله الباقطاني، وأبي سهل بن علي، وأبي عبد الله بن الوجناء وغيرهم بقوله : هذا أبو القاسم

ص: 181


1- الغيبة للطوسي: 225.
2- الغيبة للطوسي: 223.
3- الغيبة للطوسي: 224.
4- الغيبة للطوسي: 223.
5- الغيبة للطوسي: 226.
6- الغيبة للطوسي: 226.

الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي، القائم مقامي، والوكيل والثقة الأمين، فارجعوا إليه في أموركم، وعولوا عليه في مهماتكم، فبذلك «أمرت»وقد بلغت(1)، فلما علم ابن روح بأنه السفير من بعد أبي جعفر العمري وقد كان في دار ضيقة؛ فسر به وشكر الله عزوجل (2)، وصارت تدفع إليه الأموال التي كانت تصله من أقصي البلاد، والرد علي الأسئلة والاحتجاج علي أهل الفرق و المقالات.

4- أما منزلته من الإمام المهدي عليه السلام :
اشارة

ذكرنا أن اختيار ابن روح النوبختي لأمر السفارة إنما كان بأمر المهدي عليه السلام ، والوصية إليه من قبل أبي جعفر العمري قبل وفاته بسنتين أو ثلاث(3). قالت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري (رضي): فمهدت له الحال طول حياة أبي إلي أن انتهت بالنص عليه(4)، وكانت هناك مصلحتان في اختيار ابن روح النوبختي لأمر السفارة هما:

أولا: تكامل الشخصية والإخلاص:

إن منصب السفارة عن الإمام المهدي يستدعي رجالا يتصفون بالوعي والإيمان؛ والقابلية والقدرة علي إدارة شؤون الأمة، مضافا إلي عامل الإخلاص والولاء التام للإمام عليه السلام ، ويكون بمستوي المسؤولية بحيث يستحيل عليهم بث أخبارهم والإمام المهدي عليه السلام إلي السلطات وإن مزق لحمهم ودق عظمهم، فالسفارة لم تكن الإسماعيل بن علي ولا لجعفر بن متيل وأبيه، لعدم توفر المستلزم الآخر لقوام الشخصية المتكاملة وهي الولاء

ص: 182


1- الغيبة للطوسي: 227.
2- الغيبة للطوسي: 224.
3- الغيبة للطوسي: 225.
4- تاريخ الإسلام للذهبي: 23/190، سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/322.

والإخلاص والتضحية للمبدأ؛ أو تعريض النفس للأخطار ومنه القتل إن تطلب ذلك، مع توفر العلم والوعي الثقافي والسياسي؛ وقد أكد إسماعيل بن علي هذه الحقيقة بقوله: وأما أبو القاسم - النوبختي - فلو كان الحجة عليه السلام تحت ذيله وقرض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه(1).

ثانيا: غلق الشبهات أمام المشككين والمرجفين:

لقد كانت فترة سفارة العمري مليئة بالمتاعب والآلام؛ بسبب طولها وظهور الكثير من المدعين للسفارة كذبا وزورا؛ وصعوبة الزمان؛ وملاحقة السلطان لأنصار الإمام المهدي عليه السلام ، وقد وفق العمري كثيرا في اتباعه أسلوب الحذر والكتمان، والسير علي خطة وبرامج منظمة وضعها منهجا له في عمله وقد تقدم ذكره . ثم تولي ابن روح السفارة رسميا عن الإمام المهدي عليه السلام عام 305ه، أي بعد موت أبي جعفر العمري وكانت مدة سفارة ابن روح حوالي الواحد والعشرين عامة ؛ أي إلي وفاته في ست خلون من شعبان عام ست وعشرين وثلثمائة(2)، فكان أول كتاب ورد عليه من الإمام المهدي عليه السلام في تعيينه سفيرة رسميا عنه الي هو يوم الأحد لست خلون من شوال سنة خمس وثلاثمائة(3)، وأمره عليه السلام في البدء بمهمته في السفارة، ودعا له بالتوفيق في عمله .. أما نص بيانه عليه السلام:

روي الطوسي بإسناده عن العباس بن نوح قال : وجدت بخط محمد بن نفيس فيما كتبه بالأهواز أول كتاب ورد من أبي القاسم (رض): «نعرفه عرفه الله الخير كله ورضوانه وأسعده بالتوفيق ؛ وقفنا علي كتابه ؛ وثقتنا بما هو عليه، وأنه عندنا بالمنزلة والمحل اللذين يسرانه زاد الله في إحسانه إليه، إنه

ص: 183


1- الغيبة للطوسي: 240.
2- الغيبة للطوسي: 223، الكامل لابن الأثير : 8/109، المختصر لأبي الفداء: 69/1 .
3- الغيبة للطوسي: 227 و 228.

ولي قدير، والحمد لله لا شريك له وصلي الله علي رسوله محمد وآله وسلم تسليما كثيرا(1).

وقد ورد هذا التعيين لابن روح من قبله عليه السلام بعد خمسة أشهر من وفاة أبي جعفر العمري (رض) المتوفي في جمادي الأول من نفس العام (2). فبدأ بأمر السفارة، وقام بها خير قيام، واتبع مذهب التقية في أسلوبه؛ وإظهاره مذهب أهل السنة بنحو ملفت للنظر، مما ساعده هذا المنهج كثيرا في تسهيل عمله في السفارة، ومواجهة تيار الانحراف المتمثل في السلطة والأمة، والقضاء علي المدعين للسفارة كذبا ولا سيما الشلمغاني والحلاج اللذان شكلا خطرة حقيقيا علي الإسلام وقواعد الإمام المهدي عليه السلام، ودخل البلاط العباسي؛ واستقطب الكثير من الوزراء والأمراء، مما كان له الأثر الإيجابي في تخليصه من سجن المقتدر(3)، لأجل الاتهامات التي وجهها له أعداؤه ، ومنها تهمة تعاونه مع القرامطة ودعوتهم إلي احتلال بغداد(4). ولم يكن ابن روح النوبختي يتصرف في أمر سفارته من قبل نفسه بل يلبي كل ما يملي عليه الإمام المهدي عليه السلام حيث قال : لئن أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحب إلي من أن أقول في دين الله برأيي؛ ومن عند نفسي، بل ذلك من الأصل ومسموع من الحجة(5).

ص: 184


1- الغيبة للطوسي: 237 و 238.
2- الغيبة للطوسي: 223.
3- الغيبة للطوسي: 183، تاريخ الإسلام للذهبي: 24/ 190؛ سير أعلام النبلاء للذهبي : 15/222؛ الوافي بالوفيات للصفدي : 366/12
4- تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190؛ الوافي بالوفيات للصفدي : 366/12
5- الغيبة للطوسي: 199.

المبحث الثاني: التحرك الثقافي والسياسي لابن روح النوبختي وأسباب اعتقاله

اشارة

لقد خلف الانحراف القائم ماديا وعقائديا في أغلب فترات التاريخ بؤسا اقتصاديا، وتخلفا اجتماعيا مؤسفا، وابتعادا عن القيم والمبادئ الأصيلة المتبلورة في الخط الإسلامي الصحيح للأئمة عليهم السلام ، وبما أنهم كانوا يمثلون المعارضة الإسلامية الحادة لذلك الانحراف بأشكاله وأنواعه وأيا وتطبيقا، لكن هذا التحرك كان قد أوجد حالة عدم الارتياح من قبل السلطات جعلها تسعي في كفكفة نشاطهم بأساليبها المتنوعة، فظهر الانحراف وتفشي في مختلف قطاعات الأمة وكيانها الإسلامي؛ أما ارتباطهم عليهم السلام بأصحابهم فقد كان مقتصرا علي الدوائر الضيقة التي كانت تتسع حينا، وتضمر حينا آخر بسبب الظروف التي يمر بها الأئمة عليهم السلام وكانت تتناسب تناسبا عكسيا مع ضعف السلطة القائمة آنذاك ؛ وقد كان السفراء فترة الغيبة علي ارتباط تام بالإمام المهدي عليه السلام مع حاجز الخوف الذي فرضته السلطات حينها ؛ وعاشوا معمعة التضحيات الكبري وقدموا تراثا ضخما للأجيال ؛ وحافظوا فيه علي أطروحات الأئمة وما رسموه من مشاريع ضخمة للأمة الإسلامية ؛ ولم تكن الثقافة المعطاة منهم عليهم السلام دائما الثقافة التي تتفق

ص: 185

مع خط السفير واعتقاده بل قد يمتزج بها غيرها نظرا لاقتضاء المصلحة الإسلامية العامة .

أما فترة سفارة ابن روح النوبختي:
اشاره

فقد برز فيها جانبان - كانا فريدان من نوعهما - هما:

أولا: دمج الأمة بمذاهبها ومعتقداتها:

لقد ربط ابن روح فترة سفارته بين المذاهب والمسلمين؛ ووحد كلمتهم، وآخي بينهم؛ وكان العامة يذكرونه بكل خير تاركا التعصب المذهبي وكل ما يؤدي إلي الفرقة والتخاصم.

ثانيا: إقحام من ادعي السفارة الكاذبة عن الإمام المهدي عليه السلام :

وقد سعي ابن روح النوبختي بروح إسلامية عالية، مليئة بالتفاهم لإيجاد شعار الوحدة الذي دعا إليه وسعي لتحقيقه ؛ فكان يحضر المجالس العلمية ويدعو لإقامتها؛ كالمجالس التي تعقد في دار ابن مقلة الوزير(1) ، ودار الخليفة المقتدر العباسي(2)، ودار ابن يسار(3)، وغيرها؛ فأبدي فيها تفوقا ونجاحا باهرا علي أقرانه ونظائره؛ ومسكتا لخصومه(4).

وقد كان له في دار الوزير حامد بن العباس أمور وخطوب يطول شرحها(5). وكان يخبرهم بما لا يعرفوه، ويروي لهم ما لم يرووه(6)، فعظم

ص: 186


1- الغيبة للطوسي: 250.
2- الغيبة للطوسي: 236.
3- الغيبة للطوسي: 236.
4- الغيبة للطوسي: 237.
5- تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190، سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/222.
6- الغيبة للطوسي: 239.

في أعينهم وكبر في نفوسهم وأبدوا له احتراما وإجلالا لا نظير له. وكانت له مناظرات كلامية مع علماء الكلام ومنهم ترك الهروي الذي قال عن ابن روح بعد انتهاء المناظرة : فما رأيت أحدا تكلم وأجاب في هذا الباب بأحسن ولا أوجز من جوابه(1). وله مناظرات مع المفوضة بعد اختلاف الأصحاب في مسألة التفويض(2). ونقاشه لمسألة تسليط الله الأعداء علي الأولياء كما في قصة الحسين عليه السلام وتسليط يزيد عليه لقتله وحله هذه الشبهة(3).

أما تحركه السياسي:
اشارة

فقد ذكرنا أن فترة سفارة ابن روح كانت قد بدأت عام 305ه وانتهت بوفاته عام 326ه، وقد استغرقت حوالي الواحد وعشرين عاما، وقد عاصر فيها ثلاثة من الخلفاء العباسيين هم: 1- المقتدر العباسي.. وقد عاصر فيها خمسة عشر عاما من خلافته التي بدأت عام 295ه، وانتهت عام 320، 2- خلافة القاهر.. وعاصر سنتين من خلافته التي بدأت عام 320ه، وانتهت عام 322ه؛ 3۔ خلافة الراضي بالله .. وعاصر أربع سنوات من خلافته التي بدأت عام 322ه، وانتهت عام 329ه. وقد رافقت فترة سفارة ابن روح بعض الحوادث ونلخصها بما يلي:

أولا: خلافة المقتدر العباسي
اشارة

أما أهم ميزاتها:

أ- الضعف الإداري :

ذكرت النصوص التاريخية بأن دولة المقتدر العباسي كانت ذات

ص: 187


1- الغيبة للطوسي: 239.
2- الغيبة للطوسي: 238.
3- الغيبة للطوسي: 198، الاحتجاج للطوسي : 2/472.

تخليط كثير، لصغر سنه، واستيلاء أمه ونسائه وخدمه عليه ، فكانت دولة تدور أمورها علي تدبير النساء والخدم، وهو مشغول في لذاته، فخربت الدنيا في أيامه ؛ وخلت بيوت الأموال، واختلفت الكلمة، فخلع ثم أعيد ثم قتل(1)

ب - النقمة العسكرية وتدهور الجيش :

وانتشرت الفتن في عهد المقتدر العباسي، فخرج عليه مؤنس الخادم سنة 317ه، بعد أن بلغه أنه فكر في تولية هارون بن غريب مكانه ، وأرسل مؤنس إلي المقتدر ينبؤه بتذمر الجيش من إسراف الحاشية والخدم وضياع الأموال وإفساد الحكم بسبب تدخلهم في أمور الدولة ويلح عليهم في إخراجهم من قصره والاستيلاء علي ما في أيديهم، فرد المقتدر عليه بكتاب ينفي فيه التهم التي وجهت إليه وإلي رجال حاشيته، فطلب القواد وعلي رأسهم أبو الهيجاء الحمداني ونازوك .. فثاروا علي الخليفة وأخرجوه من داره ونادوا بخلعه وبايعوا محمد بن المعتضد ولقبوه القاهر بالله(2).

ج - استنزاف بيت المال وفقدان الرقابة :

وقد استنزف بيت المال في عهد الخليفة المقتدر بين عام 295ه إلي 320ه لأن المال أخذ منه بزعم إعادته متي تحسن الحال، وفي عام 319ه عرض الوزير علي المقتدر ما كان من العجز وهو سبعمائة ألف دينار .. فعظم ذلك علي المقتدر(3).

ص: 188


1- الفخري : ابن طقطقا : 235.
2- تجارب الأمم، ابن مسكويه : 189/5 - 192.
3- تجارب الأمم: ابن مسكويه: 351/5 ، الكامل لابن الأثير: 8/176، الحضارة الإسلامية : آدم متز 1/172.
د- الاستهتار بالقيم والمبادئ :

ولقد ذكر المؤرخون في حوادث عام 313ه فترة سفارة ابن روح النوبختي أن الشيعة البغداديين كانوا يجتمعون في مسجد براثا(1)، فعلم الخليفة بأن قوما منهم يجتمعون فيه لسب الصحابة ، فأمر بكبسه في يوم الجمعة وقت الصلاة، فوجد فيه ثلاثون إنسانا يصلون، فقبض عليهم وفتشوا فوجد معهم خواتم من طين أبيض عليها اسم الإمام، كما كان يفعل دعاة الفاطميين مع من ينتسب إليهم، وقد استصدر الخليفة فتوي بهدم المسجد حتي سوي بالأرض وعفي رسمه ووصل المقبرة التي تليه(2).

ثانيا:
الخليفة القاهر بالله:
اشارة

وقد امتازت خلافته بميزات نلخصها :

أ- قبح السريرة والتظاهر بالمجرمات :

وصف الصولي الخليفة القاهر بالله : بأنه كان أهوج، سفاكا للدماء ؛ قبيح السريرة، كثير التلون والاستحالة، مدمن خمر، ولولا جودة حاجبه «سلامة »الأهلك الحرث والنسل(3).

ب - إشاعة الإرهاب والاستهانة بالنفوس :

وصف المسعودي الخليفة القاهر: باشتهاره بالقسوة؛ فقد اتخذ حربة

ص: 189


1- قال الشهيد في الذكري/ 155 ما لفظه: ومن المساجد الشريفة مسجد براثا غربي بغداد وهو باق إلي الآن وفيه فضائل عديدة ..»، الحضارة الإسلامية : آدم متز 1/88 نقلا عن المنتظم: 29.
2-
3- تاريخ الإسلام: حسن إبراهيم حسن : 3/23.

يحملها بيده إذا سعي في ذلك، ويطرحها بين يديه حال جلوسه يباشر بتلك الحربة لمن يريد قتله، فسكن من كان قبله من الخلفاء، والشغب والوثب عليهم، وكان مخوف السطوة(1).

ج- تناصر الطوائف الإسلامية :

اشتد الخلاف في فترة سفارة ابن روح النوبختي بين الفرق والمذاهب الإسلامية فيما بينها، وقد كان في بغداد آنذاك أكبر الفرق وهما الحنابلة والشيعة(2)، فكان أنصار الطائفة الشيعية يسكنون بنوع خاص حول سوق الكرخ، ولم يتقدموا الجسر الكبير ويحتلوا باب الطاق إلا في أواخر القرن الرابع الهجري، ولم يستطيعوا التعدي إلي القسم الغربي، لأن الهاشميين كانوا يكونون عصبة قوية هناك لا سيما حول باب البصرة، وكانوا من أشد أعداء الشيعة (3)، علي أن ياقوت الحموي وجد أن أهل محل باب البصرة بين كرخ بغداد والقبلة وكلهم سنيون حنابلة، وأن يسار الكرخ وفي جنوبها سنية ، أما الكرخ فأهلها كلهم شيعة إمامية، لا يوجد فيها سني البتة(4).. فمن ذلك التناحر

ا. ما ذكره ابن كثير في حوادث عام 317ه من وقوع فتنة ببغداد بين أصحاب أبي بكر المروزي الحنبلي وبين طائفة من العامة، اختلفوا في تفسير قوله تعالي : «عَسَي أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا»(5)، فقالت الحنابلة : يجلسه معه علي العرش، وقال الآخرون : المراد بذلك الشفاعة العظمي، فاقتتلوا

ص: 190


1- مروج الذهب: المسعودي : 2 و4 و5.
2- المقدسي: 126.
3- الكامل في التاريخ : ابن الأثير : 146/9 .
4- معجم البلدان للحموي: 4/255.
5- سورة الإسراء : الآية/ 79.

بسبب ذلك ، وقتل بينهم قتلي (1).

2 - وما ذكره آدم متز في حوادث عام 321ه قال : وهم علي بن يلبق وهو من القواد الترك مرة أخري بأن يلعن معاوية وابنه يزيد علي المنابر ، فاضطربت العامة، وكان البربهاري رئيس الحنابلة يثير الفتن هو وأصحابه(2)، فتقدم علي بن يلبق ليقبض علي البربهاري هذا فهرب وقبض علي جماعة من كبار أصحابه، فجعلوا في زورق مطبق وأحدرواإلي البصرة(3).

3- ما ذكره آدم متز في حوادث عام 323ه قال : نودي في جانبي بغداد بأن لا يجتمع مع الحنابلة نفسان في موضع واحد، وكان ذلك لكثرة تشرطهم علي الناس وإيقاعهم الفتن المتصلة فخرج توقيع الخليفة الراضي بكتاب بين فيه أخطاء الحنابلة وتوعدهم بالعقاب .. إلخ(4).

د- استنزاف الطاقة وحروب القرامطة :

استغرقت معظم فترة سفارة ابن روح النوبختي بحروب القرامطة؛ حيث اتصفوا بالصرامة والشدة والاستهانة بالدماء، فبثوا الرعب وانهارت المبادئ والقيم، وكبدوا سوريا والعراق والبحرين تضحيات جليلة، وقد شهد عام 311ه مأساة البصرة وهاجموا الكوفة عام 315ه هجوما مميتا ونهبوا قوافل الحجاج عام 312ه، وجبوا ضريبة من الحجاج وكفوا عنهم عام 313ه، وعطلوا الحج عام 317ه إلي عام 327ه، وهجموا علي مكة عام 317ه،

ص: 191


1- البداية والنهاية : ابن كثير : 11/162.
2- الحضارة الإسلامية : آدم منز 1/88.
3- تجارب الأمم: ابن مسكويه : 260/5 .
4- الحضارة الإسلامية : آدم متز: 1/88؛ المختصر لأبي الفداء : 83/1 ، تجارب الأمم : ابن مسكويه : 5/320.

وسفكت دماء الحجاج في المسجد الحرام وقلعوا الحجر الأسود(1)، وأبقوه ثلاثين عاما عندهم (2).

ه - الهرج والمرج وتدهور الأوضاع السياسية :
اشارة

كان الوزراء والوزارة ممن كانوا يتناوبون الحكم سرعان ما يبدو فشلهم في معاملة الناس، وتوزيع الأموال وتدبير الشؤون السياسية ؛ فيعزلون وقد يذوقون بعد العزل صنوف العذاب والسجن والنهب مما لا يحصي بحديث.

ولقد ذكر المؤرخون بأن ابن روح النوبختي كان أحد الرؤساء في خلافة المقتدر العباسي وله وقائع في ذلك مع الوزراء(3)، وكان وافر الحرمة... وجرت له خطوب مع الوزير ابن العباس (4)، واكتسب له الكثير من الأنصار في البلاط العباسي(5). وحصل له عند المقتدر محل عظيم(6)، وكذا عند الخليفة الراضي بالله(7)؛ وصار له رزقا يدفع من خزينة الدولة يقدمه إليه الوزراء والرؤساء مثل آل الفرات وغيرهم، لجاهه وموضعه وجلالة محله عندهم(8)، وكثرت غاشيته حتي ركب إليه الأمراء والوزراء والمعزولون عن الوزارة والأعيان(9).. ويعود هذا النفوذ في البلاط العباسي إلي ثلاثة أمور رئيسية هي:

ص: 192


1- الكامل في التاريخ : ابن الأثير : 204/6 .
2- تاريخ الشعوبية الإسلامية : 2/75.
3- اللسان : ابن حجر 383/2 ، معجم المؤلفين : رضا كحالة : 8/4.
4- تجارب الأمم : ابن مسكويه : 195/5 ؛ وصلة عريب: 141.
5- دائرة المعارف الإسلامية المعربة : 1/181.
6- الغيبة للطوسي: 187 و 252.
7- الغيبة الصغري للصدر : 445.
8- الغيبة للطوسي: 227.
9- الوافي بالوفيات للصفدي : 366/12 .
أولا: علومه وسعة اطلاعه:

لقد كان ابن روح النوبختي عارفا بمجريات الأحداث وقوانين الأمة والدولة .

ثانيا : أسلوبه ومنهجيته المتكاملة في العمل
ثالثا : القرابة التي كانت بينه وبين آل نوبخت:
اشارة

لقد ذكرنا أن ابن روح ينسب إلي بني نوبخت، وخاصة إلي أبي سهل إسماعيل بن علي الذي حصل علي مقام رفيع في الدولة العباسية يقرب من مقام الوزارة، وكان له نفوذ تام فيها بحيث تبعثه لمحاسبة الوزراء(1). ولقرابته من أبي عبد الله الحسين بن علي الذي كان وزيرا في حكومة الراضي بالله ، والمدبر للملك لابن رائق ومن ساق إليه تلك النعمة(2). وهناك من الأمراء والكتاب من آل نوبخت تربطه معهم رابطة النسب(3). وكانت الدولة تنظر إلي النوبختيين بعين الاحترام والإجلال، وتهابهم وتستشيرهم وتأخذ برأيهم في تنصيب الخلفاء وتجعله فوق الأراء. .

قال ابن العبري: لما قتل المقتدر العباسي عام 320ه عظم قتله علي مؤنس وقال : الرأي أن ننصب ولده أبا العباس، فإنه تربيتي وهو صبي عاقل فيه دين وكرم ووفاء لما يقول؛ فاعترض عليه إسحاق النوبختي وقال : بعد الكذ استرحنا من خليفة له أم وخدم يدبرونه ، فنعود إلي تلك الحالة، لا والله لا نرضي إلأ برجل كامل يدبر نفسه ويدبرنا وما زال حتي رد مؤنسا عن رأيه ، وذكر له أبو منصور محمد بن المعتضد القاهر بالله ؛ ليكون خليفة، فأجابه

ص: 193


1- أعيان الشيعة للأمين: 12/ 22.
2- تجارب الأمم، ابن مسكويه 360/5 .
3- خاندان نوبختي (فارسي) إقبال اشتيافي : 112.

مؤنس عن ذلك، وكان النوبختي في ذلك كالباحث عن حتفه بظلفه، فإن القاهر قتله(1). ويعلم أن إسحاق بن إسماعيل كان من أهل الحل والعقد يجري مجري الوزراء(2). وقد ذكره الصدوق في قائمة من شاهد المهدي عليه السلام(3).

وهنا نتساءل :

ما هي طبيعة العمل الذي قام به اين روح النوبختي في البلاط العباسي؟ وما هي أسباب اعتقاله من قبل السلطة وزجه في السجن مع منزلته الرفيعة عند المقتدر والراضي؟! ومع وجود النوبختيين في الحكم!!

ونجيب عن هذه التساؤلات :

ذكرنا بأن ابن روح النوبختي صارت له المنزلة العظيمة عند المقتدر الذي كانت أمه علوية : بسبب عقله ودرايته التي جعلته لمحل اعتماد المخالف والمؤالف(4)، واستطاع أن يكسب كثيرا من الأنصار في البلاط العباسي(5) وصارت له وقائع مع الوزراء(6)، خاصة مع حامد بن العباس؛ فقد كانت له معه خطوب (7).. فما تلك الخطوب يا تري؟!

روي المؤرخون أن حامد بن العباس هذا كان قد ألقي القبض علي ابن روح

ص: 194


1- تأسيس الشيعة: 371.
2- تأسيس الشيعة : 371.
3- تأسيس الشيعة: 371.
4- الغيبة للطوسي: 236، تاريخ الإسلام للذهبي: 190/24 ، سير أعلام النبلاء للذهبي .222 /15
5- دائرة المعارف الإسلامية المعربة : 1/181.
6- اللسان : ابن حجر: 2/283، الوافي بالوفيات للصفدي 366/12
7- تجارب الأمم: ابن مسكويه 5/195.

النوبختي وأودعه السجن الذي في دار المقتدر(1)، أو الممطورة(2)، وذكروا أن مدة حبسه كانت خمس سنوات فقط(3). وعرفنا هذه المدة من جهتين :

أولا : إخبار رجال الإمامية الثقات بسجن ابن روح النوبختي(4)؛ واستتاره(5).

ثانيا : أخبار وتواريخ أهل العامة .. فقد ذكر الحافظ الذهبي في حوادث عام 317ه: أن المحبوسين في دار الخلافة الذين أخرجهم مؤنس - كما تقدم - الحسين بن روح بن بحر أبا القاسم القيني - أو القمي - المتوفي سنة 226ه، وكان قد قبض عليه الوزير حامد بن العباس وسجن خمسة أعوام(6)، وأطلق سراحه وقت خلع المقتدر(7)، وقد سرد ابن أبي طي المتوفي عام 630 ه. في أوراق حال ابن روح النوبختي وكيفية اعتقاله (8)؛ فيكون بناء علي هذا فترة اعتقاله في عام 312ه، وكان معه جماعة في السجن منهم: المقتدر العباسي بعد أن خلعه القادة والموالي وتولي الخلافة عام 317ه، والطريف في الأمر أن القاهر هذا كان قد ذاق طعم الخلافة لمدة يومين فقط !! في غضون أيام سلفه، ولما رأي القاهر أن المقتدر سيرجع إلي دست الخلافة خاطبه المقتدر قائلا: يا أخي قد علمت أنك لا ذنب لك و أنك قهرت، ولو

ص: 195


1- تجارب الأمم لابن مسكويه:695/5 ، صلة عريب: 141 ، الغيبة الطوسي:187و252.
2- اللسان لابن حجر: 2/183.
3- تجارب المم: 195/5 .
4- الغيبة للطوسي : 252.
5- الغيبة للطوسي : 183 و 252.
6- تجارب الأمم لابن مسكويه : 195/5
7- تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190، سير أعلام النبلاء للذهبي: 10/ 222، الوافي بالوفيات للصفدي: 366/12 .
8- المصدر السابق نفسه .

لقبوك بالمقهور لكان أولي من القاهر!! فبكي القاهر وقال : يا أمير المؤمنين : نفسي نفسي أذكر الرحم التي بيني وبينك(1). وكان في السجن مع ابن روح النوبختي أيضا أم المقتدر وولده ، وعلي بن عيسي الوزير وآخرين؛ وكان مؤنس المظفر وأبو الهيجاء من حمدان قد صمما علي إرجاع المقتدر المعزول إلي الخلافة، فدخل مؤنس الدار وسأل بعض الخدم عن المقتدر فأعلموه بمكانه فاحتال في إخراجه وإخراج أمه وولده، فوجه معهم ثقاته إلي داره ليستتروا فيها، وأخرج علي بن عيسي من المكان الذي كان محبوسا فيه فصرفه إلي منزله، وأخرج الحسين بن روح عام 317ه معهم أيضا وأرجعوه إلي بيته(2). ودار حوار بين المقتدر ومؤنس المظفر بعد الإخراج حول ابن روح النوبختي فقال المقتدر العباسي دعوه !! فبخطيئته جري علينا ما جري(3). فما هي خطيئة ابن روح وما الذي جري حتي أوجب سجنه وسجن الخليفة معه؟!

وأما الإجابة عنها :

أولا: اتهامه في دسائس القرامطة :

قال الذهبي والصفدي : ومما رموه - أي ابن روح النوبختي - به أنه كان يكاتب القرامطة ليقدموا ويحاصروا بغداد(4)، فإنه كان يهييء لهم الأسباب للاستيلاء علي سواحل الخليج والحجاز وزرع الخوف والقلق في بغداد ؛ ولكنه بما أوتي من نبوغ ودهاء ووفور عقل حاول دفع ذلك عن نفسه (5). أقول: ولا

ص: 196


1- الكامل في التاريخ: ابن الأثير : 202/6 .
2- تاريخ الطبري : 11/ 122 في حوادث عام 317ه.
3- تجارب المم:ابن مسكويه:195/5،تاريخ الاسلامي للذهبي:190/24،سير اعلامالنبلاء 15/ 222، الوافي بالوفيات للصفدي: 366/12
4- تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190، الوافي بالوفيات للصفدي : 366/12 .
5- تاريخ الإسلام للذهبي : 24/190.

يتفق هذا مع سياسة ابن روح في كتمان أمره والحذر ومسلك الاحتجاب والتقية التي استعملها في عمله في السفارة، ومع الذكاء والعقل الذي امتلكه ابن روح كما ذكراه، ولا يمكن للإمام المهدي عليه السلام تأييد القرامطة الذين اشتهروا بالصرامة والشدة والاستهانة بالدماء، وبث الرعب وقلع الحجر الأسود من المسجد الحرام!!، وهو الذي يدافع عن مصالح الأمة أينما اقتضت ؛ بل كان علي العكس من ذلك ؛ حيث استنكر عليه السلام أعمال القرامطة وفضحهم وكشف زيغهم وخدعهم أمام الأمة، وكيف يوافق أفعال القرامطة وقد اشتهر عنه في الحديث النبوي الشريف : بأنه يملأ الأرض قسطا وعدلا.. فما جاء في ذلك أن رجلا جليلا من فقهاء أصحابنا ۔ بتعبير الراوي - كتب إلي الإمام المهدي عليه السلام رسالهعن طريق بغض سفرائه، فلم يرد فيها الجواب علي كثره ما كان يرد من أجوبة وتوقيعات عنه عليه السلام .. قال الراوي: فنظرنا فإذا العلة في ذلك ان الرجل تحول قرمطيا(1)،و لذلك فان اعتناق شخص لمذهب القرامطة يعتبر سببا كافية لمقاطعته والإعراض عنه مهما بلغ علمه.

ثانيا: اتهامه بكثرة الديون ومطالبات الدولة :

ذكر الطبري في تاريخه كيفية إطلاق سراح ابن روح النوبختي من السجن وأسباب اعتقاله فقال : كان محبوسا بسبب مال طولب به من قبل الديوان(2). أقول: وهذا غير تام أيضا ؛ فلا يعقل من ابن روح أن يسجن خمسة أعوام في السجن لأجل هذا المال مع وجود بني نوبخت وهم أصحاب المراتب والمناصب العالية في الدولة !! ؛ وما كانوا يسلمون له من الأموال من الوزراء والأمراء؛ وكان له رزقا من بيت المال .. إلخ(3). ومع أنه كان لا يفعل إلا الصواب بأمر الإمام المهدي عليه السلام فكيف يسمح الإمام له بأن يقترض أموالا

ص: 197


1- الإرشاد للمفيد: 332.
2- تاريخ الطبري: 317/11 .
3- الغيبة للطوسي: 227.

من الدولة بحيث يبقي عاجزا عن تسديدها!! ويبقي بعيدا عن المهمة التي اختير ابن روح لها في أمر السفارة !!.

ثالثا: كثرة أنصاره وأتباعه:

لقد كانت الدولة تتوجس خيفة من نشاط ابن روح ؛ حتي إنه جمع لنفسه أنصارا وأتباعا له في البلاط العباسي، وكان هذا يثير من تساؤلاتهم نحوه، وقد حصلت الدولة علي وثائق دامغة تثبت ارتباطه بالإمام المهدي كالاعتراف الذي حصلت عليه من الشلمغاني بعد تقديمه للمحاكمة قائلا: بأنه كان وكيلا عن ابن روح وليس إلها(1)، لكن الدولة لم تسأل عن معني هذه الوكالة؟ ولم ترسل خلف ابن روح ليدلي بتوضيحاته حول هذه الوكالة؟ ولمن هي؟ .. ولكن عقل ابن روح ودرايته كانت قد نفت عنه كل تلك التهم الموجهة إليه، فمن جهة أنه يعلن عن أن مذهبه مذهب أهل السنة ؛ ودفاعه عن الصحابة والخلفاء أمام الأمة، ومن جهة أخري ارتباطه بالخليفة الراضي والقاهر وبني نوبخت وآل الفرات وغيرهم؛ وعلاقته القوية بهم كان قد رفع عنه كل تلك التهم الموجهة له ؛ قال الذهبي: وكثرت غاشيته حتي كان الأمراء والوزراء يركبون إليه والأعيان، وتواصف الناس عقله وفهمه (2). وقال الصفدي : ولم يزل أبو القاسم - النوبختي - علي مثل هذه الحالة حتي ولي حامد بن العباس الوزارة (3)، وقد كاد أمره أن يظهر ويستفحل(4)، وجرت لحامد مع ابن روح خطوب، وكان جمع الأنصار داخل البلاط سببا في أن يأمر حامد بن العباس بإيداع ابن روح النوبختي في السجن (5).

ص: 198


1- الكامل في التاريخ: ابن الأثير 241/6 .
2- سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/222.
3- الوافي بالوفيات للصفدي : 366/12
4- سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/222.
5- تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190.
رابعا: اعتقاله بسبب ما يصله من أموال :

قال الذهبي: وكانت الإمامية تبذل له الأموال (1)، وتجبي من كل البلاد - الإسلامية(2)، وكان يفتي الشيعة ويفيدهم(3)، وكان قدوتهم وله جلالة عجيبة(4)، وله رتبة عظيمة بينهم(5)، ثم قال الذهبي: ومما رموه به أن الأموال تجبي إليه(6). ولعل هذا هو السبب في اعتقاله وما تقدم من الصفدي في الأمر الثالث .. لأن الخزينة المالية للدولة كانت تعاني من النقص والحرمان بسبب الحروب التي كانت تهددها وقد صرفت لأجلها الكثير من النفقات.

وعلي كل حال :

أطلق سراح ابن روح النوبختي عام 317ه بعد أن استغرق سجنه خمسة أعوام منذ عام 312ه، وتابع فيها أعماله ولم يتغير موقعه الاجتماعي في الأمة، وبقيت منزلته رفيعة بين الأمراء والوزراء فقد روي أن محمد بن رائق أصدر مرسوما حكوميا في التصرف في ممتلكات وضياع ابن مقلة وابنه عام 324ه، فقام أبو علي بن مقلة بزيارة لأبي عبد الله الحسين بن علي النوبختي وزير ابن رائق لعله يرفع ما صدر من المرسوم الحكومي وإيقاف ممتلكاته، وفي ضمن تشبثاته أيضا طلب من ابن روح النوبختي أن يتوسط له أبو عبد الله عند ابن رائق، فكانت نتيجة الوساطة هي: إصدار مرسوم حكومي إلي أبي عبد الله الحسين بن علي من قبل ابن رائق في رفع الحصار عليه ووقف

ص: 199


1- سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/222.
2- تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190.
3- تاريخ الإسلام للذهبي: 190/24 .
4- سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/222.
5- تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190.
6- تاريخ الإسلام للذهبي: 190/24 .

ممتلكات ابن مقلة وفتح ما كان مغلقا(1)، وبما أن وزارة أبي عبد الله الحسين بن علي النوبختي لم تطل أكثر من ثلاثة أشهر وثمانية أيام(2)، فيكون تشبث ابن مقلة في إرجاع أمواله إليه بابن روح هو عام 325ه كما ذكره الصولي(3).

ثالثا: خلافة الراضي بالله:

وقد امتازت خلافته بعدة ميزات نلخصها بما يلي:

حاول ابن روح النوبختي فترة خلافة الراضي بالله أن يحصل علي رتبة جليلة في السلطة عند المؤالف والمخالف، وقد كانت تصله الأموال الكثيرة من أقصي البلاد الإسلامية في الوقت الذي كانت فيه الخزينة المالية تعاني من النقص والإفلاس، فأثار ذلك العمل السلطة وسعي به جماعة إليها، وصار الخليفة الراضي بالله يتحدث عن ابن روح وما يصله من الأموال .. فقد ذكر الصولي المتوفي عام 335ه وقد عاصر ابن روح النوبختي قائلا : إن الخليفة كان كثيرا ما يقول : إن الإمامية يحملون إليه الأموال فنرد عنه، ونكذب ، فيقول لنا: وما في هذا !! والله ؛ لوددت أن مثله ألفا !! تحمل الإمامية أموالها إليه ؛ فيفقرهم الله، ولا أكره غني هؤلاء من أموالهم(4).

ص: 200


1- الأوراق للصولي : 122.
2- تجارب الأمم لابن مسكويه : 363/5 .
3- الأوراق : 122.
4- الأوراق للصولي : 147 ، خاندان نوبختي (بالفارسي): 220.

المبحث الثالث: الحسين بن روح النوبختي ومدعو السفارة الكاذبة عن الإمام المهدي عليه السلام

اشارة

المنحرفون عن الإسلام والتعاليم السماوية والمتاجرون باسمه هم أشد وقعا وأكثر تأثيرا وخطرا من الكفرة والملحدين؛ فقد ظهر رجال فترة الغيبة الصغري وهم منحرفون عن مذهب أهل البيت عليهم السلام ارتبطوا بالعوام ليبعدوهم عن الفكر الأصيل ويشككوا في عقائدهم؛ من خلال تزريقهم الأفكار المسمومة في جسد الأمة والسلطة من ورائهم في ذلك، بعد أن تكون الأمة أحوج إلي التثقيف والتوعية؛ وقد عرف الإمام المهدي حيلهم وألاعيبهم ففضحهم وهم في عقر دارهم وقد كلف هذا الأمر العناء والكثير من الجهود الإقناع الأمة بكذب هؤلاء. ولقد كان بإمكان هؤلاء إخبار السلطات عن الإمام المهدي عليه السلام أو أصحابه ولكنهم لم يفعلوا ذلك لأمور:

أولا: علمهم بأن خط السلطة هو غير مشروع؛ ومن جهة يريدون الارتزاق عن هذا الطريق وبأسهل الوسائل، فالدخول في خط السلطة معناه الابتعاد عن الأمة وفيه نهايتهم المحتومة إن علمت بذلك. ولا تحصل من السلطات علي شيء لعلمها بإفلاس الخزينة المالية ونقصانها. وربما لا تتجاوب السلطات معهم، لأنه يسبب لها مشاكل عديدة هي في غني عن ذلك ومواجهة أكبر تيار يمكن أن تستفيد منه لصالحها في حروبها الخارجية وهي

ص: 201

الأمة التي هي رصيد الإمام عليه السلام ؛ فهي لا تقدر علي مواجهتها أبدا، ولا تري ضرورة في ذلك.

ثانيا : علمهم بأن الإمام المهدي عليه السلام سيفضحهم قبل أن يقوموا بأي عمل ومعني ذلك موتهم التدريجي في ساحة الصراع؛ فعلي هذا ينبغي أن يفكر هؤلاء في طريق يضمن لهم سلامتهم في جانب، وعدم فقدان الأمة في جانب آخر؛ ثم يسيروا في تحصيل رغباتهم لإيذاء الإمام عليه السلام تدريجيا.

قال أبو علي بن همام : كل هؤلاء المدعين إنما يكون كذبهم أولا علي الإمام عليه السلام وأنهم وكلاؤه، فيدعون الضعفة بهذا القول إلي موالاتهم، ثم يترقي الأمر بهم إلي قول الحلاجية كما اشتهر من أبي جعفر الشلمغاني ونظرائه عليهم جميعا لعائن الله تتري (1).

ونشير هنا إلي شخصيتين فترة سفارة ابن روح النوبختي - كانتا قد ادعيتا السفارة عن الإمام المهدي عليه السلام كذبا وزورا ؛ وهددا سفارة ابن روح وكانتا أكثر خطرة من غيرهما ... وهما:

أولا: الحلاج:

الصوفي المشهور؛ اجتمع حوله تلاميذه الحلاجية عند عودته إلي بغداد عام 296ه واتهمه المعتزلة بالشعوذة، وأخرج من الطريقة بمقتضي توقيع من الإمامية وفتوي من الظاهرية، وقبض عليه مرتين من قبل رجال الشرطة العباسيين، وأحضر أمام الوزير ابن عيسي وعذب في عام 301ه، وأمضي ثماني سنوات في سجن بغداد ؛ وكانت رعاية «شغب»أم المقتدر والحاجب نصر سببا في أن عاداه الوزير حامد بن العباس وزير المقتدر فأمر بقتله بعد محاكمة دامت سبعة أشهر بمقتضي فتوي أقرها القاضي المالكي أبو عمرو ،

ص: 202


1- الغيبة للطوسي: 244.

وآل إليه ما آل أمره(1)، وقد عمل الشيخ المفيد كتابا في الرد علي الحلاجية، فقال : والحلاجية ضرب من أصحاب التصوف وهم أصحاب الإباحة والقول بالحلول، وكان الحلاج يتخصص بإظهار التشيع، وإن كان ظاهر أمره التصوف، وهم قوم ملاحدة وزنادقة يموهون بمظاهرة كل فرقة بدينهم ويدعون للحلاج الأباطيل؛ ويجرون في ذلك مجري المجوس في دعواهم لزرادشت المعجزات، ومجري النصاري في دعواهم لرهبانهم الآيات والبينات ؛ والمجوس والنصاري أقرب إلي العمل بالعبادات منهم وهم أبعد إلي الشرائع والعمل بها من النصاري والمجوس(2)، عده الصدوق : بأنه من الغلاة(3)والطوسي : بأنه من الكذابين والملعونين بلسان الأئمة عليهم السلام لادعائه البابية والرؤية للإمام المهدي عليه السلام (4)، وأما المرتضي والطبرسي وابن طاووس والحلي وغيرهم فقد رأوا أنه من المذمومين(5). وقد وافق أبناء العامة هذا الرأي ؛ فقال ابن النديم : إنه رجل مختال مشعبذ(6)، ورأي الذهبي : أنه المقتول علي الزندقة(7)، وذكر الصولي : أن الحلاج جاهل يتعاقل، وغبي يتبالغ وخبيث مدع، وراغب يتزهد، وتاجر يتعبد (8). واختلفت آراء المفكرين الأوروبيين في الحلاج.. فقد رأي مولر ودربلو : أن الحلاج كان نصرانيا في سريرة نفسه، واتهمه (ريسكه) بالكفر، ورأي (ثولوك) : أنه كان متناقضا في أقواله؛ وعده «كريمر»من القائلين بوحدة الكون، ورأي «كازنسكي»أنه كان

ص: 203


1- روضات الجنات للأصبهاني : 3/144.
2- أوائل المقالات للمفيد: 240.
3- سفينة البحار، القمي: 296/1 .
4- الغيبة للطوسي: 246.
5- روضات الجنات للأصبهاني : 3/144.
6- الفهرست : ابن النديم: 241.
7- ميزان الاعتدال للذهبي: 548/1
8- البداية والنهاية لابن كثير : 11/139 نقلا عن الصولي .

مريضا بأعصابه ؛ وعده «براون»دساسا ماهرا خطرا، وأنه كان رائدا للغزالي، لأنه حاول أن يوفق في آرائه بين الدين والفلسفة اليونانية علي أساس من التجربة الصوفية، وقد جعل الصوفية من الحلاج أعظم شهدائهم وإن كان قد أنكر تسترهم(1)، ولم يبق لنا من مؤلفات الحلاج إلأ كتاب الطواسين(2) . وقد تناولت ادعاءاته أربعة أمور : المجاهدات، الكشف والحقيقة المدركة من عالم الغيب، التصرفات في العوالم والأكوان بأنواع الكرامات ؛ وألفاظ موهمة الظاهر يعبر عنها بالشطحيات وله آراء أخري كادعاء الربوبية وقطبية الأرض وعلوم الغيب ، ورؤيته للإمام المهدي عليه السلام والنيابة والبابية عنه عليهم السلام. وذكر الخطيب البغدادي عنه : أنه استغوي كثيرا من الناس والرؤساء، وكان طمعه في الرافضة أقوي. لدخوله من طريقهم(3)، وكان يتقرب إلي الإمامية ليستميل قلوبهم ويحصل علي منزلة عندهم، وكان يدعو الناس إلي نصرة مذهب أهل البيت عليهم السلام ويبشرهم بالفرج، وخروج الصاحب عليه السلام من أرض طالقان عما قريب (4).

وقد حاول مرارا التقرب من إسماعيل بن علي النوبختي وعلي بن الحسين بن بابويه القمي (الصدوق)؛ وكان يعتقد أنه بإمكانه إطلاء الخدع والحيل والمخرقة عليهما. روي الطوسي بإسناده عن أبي نصر هبة الله قال : لما أراد الله تعالي أن يكشف أمر الحلاج ويظهر فضيحته ويخزيه ، وقع له أن أبا سهل إسماعيل بن علي النوبختي ممن يجوز عليه مخرقته وتتم حيلته ، فوجه إليه يستدعيه وظن أن أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله، وقدر أن يستجره إليه فيتمخرق به ويتسوف بانقياده علي غيره، فيتسبب

ص: 204


1- دائرة المعارف الإسلامية المعربة : 8/ 19.
2- الفهرست : ابن النديم : 191.
3- تاريخ بغداد للبغدادي : 8/124.
4- مجالس المؤمنين للشوشتري : 271.

له ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة علي الضعفة لقدر أبي سهل في أنفس الناس ومحله من العلم والأدب أيضا عندهم ويقول له في مراسلته إياه : إني وكيل صاحب الزمان عليه السلام، وبهذا أولا كان يستجر الجهال ثم يعلو منه إلي غيره؛ وقد «أمرت»بمراسلتك، وإظهار ما تريده من النصرة لك لتقوي نفسك ولا ترتاب بهذا الأمر، فأرسل إليه أبو سهل (رض)، يقول له : إني أسألك أمرا يسيرا يحق مثله عليك في جنب ما ظهر علي يديك من الدلائل والبراهين وهو: إني رجل أحب الجواري وأصبو إليهن، ولي منهن عدة أتخطاهن، والشيب يبعدني عنهن، وأحتاج أن أخضبه في كل جمعة، وأتحمل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك، وإلا انكشف أمري عندهن !! فصار القرب بعدا والوصال هجرا؛ وأريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤنته، وتجعل الحيتي سوداء ، فإني طوع يديك وصائر إليك وقائل بقولك وداع إلي مذهبك مع ما لي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة، فلما سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه علم أنه قد أخطأ في مراسلته وجهل في الخروج إليه بمذهبه وأمسك عنه ولم يرد إليه جوابا !! ولم يرسل إليه رسولا!! وصيره أبو سهل (رض) أحدوثة وضحكة ويطنز - يسخر - به عند كل أحد، وشهر أمره عند الصغير والكبير، وكان هذا الفعل سببا لكشف أمره وتنفير الجماعة عنه(1). وفعل كذلك مع الصدوق بمراسلته له قائلا: أنا رسول الإمام ووكيله ؛ فخرقها وقال : ما أفرغك للجهالات، وضحكوا منه وهزءوا به ... وأمر الصدوق غلامه بضربه برجله بقفاه ، فخرج عدو الله ورسوله .. ثم قال : أتدعي المعجزات!! عليك لعنة الله ؛ فأخرج بقفاه فما رأي بعدها بقم(2).

ص: 205


1- الغيبة للطوسي: 246؛ وفي تاريخ البغدادي 8/124، بعد ذكره ما أراده أبو سهل إسماعيل بن علي من وصل شعره ورد لحيته سوداء قال : «آمنت بما يدعوني إليه كائنا ما كان إن شاء قلت إنه باب الإمام ووكيله وإن شئت قلت : الإمام ... إلخ» .
2- الغيبة للطوسي: 247 و 248.

لقد أغضبت تصرفات الحلاج وأفعاله ابن روح النوبختي (1)، فقال فيه : هذا كفر بالله تعالي وإلحاد قد أحكمه هذا الرجل الملعون – أي الحلاج - في قلوب هؤلاء القوم ليجعله طريقا، إلي أن يقول لهم: بأن الله تعالي اتحد به وحل فيه كما يقول النصاري في المسيح عليه السلام(2) ، وخرج من الإمام المهدي عليه السلام توقيع: يلعن فيه جماعة ممن ادعي البابية والرؤية له كذبا وزورا كالنميري والهلالي والبلالي والحلاج وغيرهم(3)، وقد اتهم فيه الحلاج بالزندقة والخروج من الدين(4)، وإدخاله الأباطيل والخرافات(5)؛ ودعوته للقرامطة(6)، وسعي به في وزارة علي بن عيسي الأولي (7). وقد استمال جماعة من الوزراء وطبقات وحواشي السلطات وأمراء الأمصار وملوك العراق والجزيرة وما والاها؛ فأمر المقتدر بتسليمه إلي حامد بن العباس وجري له معه خطوب (8)، ومكث الحلاج محبوسا في دار الخلافة ثمانية أعوام موسعا عليه(9)، وحاكمه ابن العباس قائلا له: ألست تعلم أني قبضت عليك بدور الراسبي وأحضرتك واسط فذكرت في دفعة أنك المهدي(10)!! ثم أخرج إلي رحبة المسجد وأمر الجلاد بضربه بالسوط فضرب تمام الألف، ثم قطعت يداه ورجلاه وحز رأسه وأحرقت جثته(11)،

ص: 206


1- دائرة المعارف الإسلامية المعربة : 77/14 .
2- الغيبة للطوسي: 244.
3- الاحتجاج للطبرسي : 3/479.
4- مجالس المؤمنين للشوشتري: 271.
5- تلبيس إبليس لابن الجوزي: 271، تاريخ بغداد للبغدادي : 127/8 و135.
6- تاريخ الخلفاء للسيوطي: 380.
7- الحضارة الإسلامية : آدم متز 43/2 .
8- تاريخ بغداد للبغدادي: 127/8
9- الحضارة الإسلامية : آدم متز 2/43.
10- تاريخ بغداد للبغدادي: 8/135.
11- تاريخ بغداد للبغدادي: 8/135.

وبقي أربعة آلاف من الحلاجية في العراق ينتظرونه(1)؛ إلي عام 449ه، ويقفون بحيث صلب علي دجلة يتوقعون ظهوره(2).

ثانيا: الشلمغاني:
اشارة

ولد في شلمغان وهي من قري واسط بالعراق (3)، وانتقل إلي بغداد ؛ فكان أحد كتابها وأحد مؤلفي علماء الشيعة(4)، والمتقدمين في الأصحابه(5). نصبه ابن روح وكيلا عنه؛ بعد أن فرغ من دفن أبي جعفر العمري (رض)(6)، فقصده الناس في حوائجهم ومهماتهم (7)، خرجت علي يديه توقيعات الإمام المهدي من قبل ابن روح النوبختي (8)، لما كان شيخا مستقيم العقيدة والسلوك والصلاح(9)، ثم حمله الحسد لأبي القاسم بن روح علي ترك المذهب والدخول في المذاهب الردية(10)؛ وظهرت منه مقالات منكرة(11)، وأصبح غاليا(12)، واعتقد بالتناسخ وحلول الألوهية فيه (13). فظهر توقيع من الإمام المهدي عليه السلام بلعنه والبراءة منه وممن تولاه، وشاع خبره وبلغ الخليفة الراضي بالله فأمر بالقبض عليه ؛ وقتله و استراحت الشيعة

ص: 207


1- كشف المحجوب : نيكلسون : 260، الحضارة الإسلامية: آدم متز 2/43.
2- رسالة الغفران للجمعية الآسيوية 833 : Jras, 1902 .9s .
3- الكامل في التاريخ: ابن الأثير 290/8 .
4- التنبيه للمسعودي : 396-397.
5- رجال النجاشي: 293.
6- خاندان نوبختي (بالفارسي) عباس إقبال : 222.
7- الغيبة للطوسي: 183.
8- الغيبة للطوسي: 184.
9- الفهرست للطوسي: 173، رجال النجاشي 293، الغيبة للطوسي: 183.
10- رجال النجاشي: 293.
11- الفهرست للطوسي:512.
12- رجال الطوسي: 512.
13- الكامل في التاريخ: ابن الأثير 8/ 292.

والأمة الإسلامية منه(1)، وكان الشلمغاني يلقب نفسه بالحلاج أيضا(2)، وكان يتعاطي الكيمياء (3)، وقد ذكرت عقائده في أربعة مصادر مهمة من مصادر التاريخ الإسلامي (4)، وقد كان للشلمغاني تأليفات كثيرة فترة استقامته وبعضها فترة انحرافه ، وقد ذكرها ابن النديم والنجاشي والطوسي وغيرهم(5).. ونشير إلي جملة منها لارتباطها بسفارة ابن روح النوبختي .

أولا: كتاب التكليف:

وقد ألفه الشلمغاني في حال استقامته، فلما حصلت نسخة منه بيد ابن روح النوبختي قال لأصحابه : اطلبوه لأنظره؛ فجاءوا به فقرأه من أوله إلي آخره فقال : ما فيه شيء إلا وقد روي عن الأئمة إلأ موضعين أو ثلاثة؛ فإنه كذب عليهم في روايتها «لعنه الله»(6). قال العلامة الحلي : كتاب التكليف رواه المفيد رحمت الله إلأ حديثا منه في باب الشهادات : أنه يجوز للرجل أن يشهد الأخيه إذا كان له شاهد واحد من غير علم(7). ولكن الصحيح هو ما رواه الطوسي بإسناده عن محمد بن أحمد بن داوود والحسين بن علي بن بابويه أنهما قالا: مما أخطأ محمد بن علي - الشلمغاني - في المذهب في باب الشهادة أنه روي عن العالم عليه السلام أنه قال : إذا كان لأخيك المؤمن علي رجل حق فوضعه ولم يكن له البينة عليه إلا شاهد واحد، وكان الشاهد ثقة رجعت إلي الشاهد

ص: 208


1- الغيبة للطوسي: 250.
2- معجم الأدباء للحموي: 1/2387؛ تجارب الأمم: ابن مسكويه: 123/5 ، الغيبة للطوسي: 249
3- معجم الأدباء للحموي: 1/236.
4- معجم الأدباء للحموي: 1/238، الغيبة للطوسي: 250 و251، الكامل لابن الأثير : 292/8 .
5- الفهرست : 425، رجال النجاشي: 293 و 293، الغيبة للطوسي: 240-241.
6- الغيبة للطوسي: 201 - 202.
7- الخلاصة للعلامة : 254، رجال الأسترآبادي : 207.

فسألته عن شهادته ؛ فإذا أقامها عندك شهدت معه عند الحاكم علي مثل ما يشهده عنده لئلا يتوي - أي يهلك - حق امرئ مسلم - واللفظ لابن بابويه - قال : هذا كذب منه، لسنا نعرف ذلك. وقال في موضع آخر: كذب فيه ؛ نسخة التوقيع الخارج في لعنه(1). وروي الطوسي بإسناده عن محمد بن الفضل بن تمام قال : سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد الزكوزكي رحمت الله وقد ذكرنا كتاب التكليف وكان عندنا أنه لا يكون إلا مع غال، وذلك أنه أول ما كتبنا الحديث فسمعناه يقول: وأيش كان لابن أبي العزاقر - الشلمغاني - في التكليف! إنما كان يصلح الباب ويدخله إلي الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رض) فيعرضه عليه ويحككه، فإذا صح الباب خرج فنقله، وأمرنا بنسخه، قال أبو جعفر : فكتبته في الأدراج بخطي ببغداد، قال ابن تمام : فقلت له : تفضل يا سيدي فادفعه حتي أكتبه من خطك، فقال لي : قد خرج من يدي، فقال ابن تمام : فخرجت وأخذت من غيره، وكتبت بعدما سمعت هذه الحكاية(2).

ثانيا: كتاب التأديب

*ثانيا: كتاب التأديب (3).

ثالثا: رسالة ابن همام

*ثالثا: رسالة ابن همام (4).

رابعا: كتاب الأوصياء:

وقد جاء فيه ولادة القائم عليه السلام وكيفية زيارته للإمامين العسكريين عليهما السلام وما رآه من معاجز؛ وقد ذكره الطوسي في موضعين؛ فقد روي بإسناده عن

ص: 209


1- الغيبة للطوسي : 252.
2- الغيبة للطوسي: 239.
3- الغيبة للطوسي: 240.
4- وهو محمد الإسكافي من كبار شيوخ الإمامية، وأجداده من الزرادشتية الفرس، له كتاب في تاريخ الأئمة يسمي الأنوار، ولد سنة 258ه وتوفي سنة 326ه، وكان أول من أسلم من أهله وهداه الله إلي الحق.. رجال النجاشي : 295.

محمد بن علي الشلمغاني في كتاب الأوصياء قال : حدثني حمزة بن نصر غلام - الإمام الهادي عليه السلام - عن أبيه قال : لما ولد السيد - أي الإمام المهدي عليه السلام - تباشر أهل الدار بذلك، فلما نشأ خرج إلي الأمر : أن أبتاع في كل يوم مع اللحم قصب مخ، وقيل : إن هذا لمولانا الصغير(1). وروي بإسناده عن الشلمغاني في كتاب الأوصياء أنه قال : قال أبو جعفر المروزي: خرج جعفر بن محمد بن عمر وجماعة إلي العسكر ورأوا أيام أبي محمد عليه السلام في الحياة وفيهم علي بن أحمد بن طنين فقال له علي بن أحمد : لا تكتب اسمي؛ فإني لا أستأذن فلم يكتب اسمه، فخرج إلي جعفر : ادخل أنت وإن لم يستأذن (2).

خامسا: كتاب الغيبة:

قال الطوسي ذكر محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني في أول كتاب الغيبة الذي صنفه : وأما ما بيني وبين الرجل المذكور - زاد الله توفيقه - فلا مدخل لي في ذلك إلا لمن أدخلته فيه لأن الجناية علي فإني وليها؛ وقال في فصل آخر : ومن عظمت منته عليه وتضاعفت الحجة عليه ولزمه الصدق فيما ساءه وسره، وليس ينبغي فيما بيني وبين الله إلا الصدق عن أمره، مع عظم جنايته؛ وهذا الرجل منصوب لأمر من الأمور لا يسع العصابة العدول عنه فيه، وحكم الإسلام مع ذلك جار عليه كجريه علي غيره من المؤمنين وذكره(3). ودخلت كتب الشلمغاني البيوت لقربه من ابن روح حال استقامته ؛ فسئل ابن روح عن كتبه بعدما ذم وخرجت فيه اللعنة ، فقيل له : فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منه ملاء؟! فقال ابن روح: أقول فيها ما

ص: 210


1- الغيبة للطوسي: 208 و209.
2- الغيبة للطوسي: 208 و209، رجال النجاشي : 293.
3- الغيبة للطوسي: 240-241.

قاله أبو محمد العسكري عليه السلام وقد سئل عن كتب بني فضال(1): فقالوا: كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منهم ملاء؟ فقال عليه السلام : خذو بما رووا؛ وذروا ما رأوا (2)، فإن الانحراف في العقيدة لا ينافي إمكان صحة الرواية حال الاستقامة. لقد كان الشلمغاني وجيها عند الناس(3)، ونال احترام بني بسطام(4)، الذين سكنوا بغداد قديما فصار منهم كتابا وعمالا في الديوان العباسي، ومنهم: أبو العباس أحمد بن محمد بن بسطام وأولاده أبو القاسم علي وأبو الحسين بن محمد الذين ربطتهم صلة القرابة بآل الفرات، فلقد كان محمد هذا صهر حامد بن العباس وزير المقتدر، وكانت هذه الطائفة من المدافعين عن مذهب أهل البيت عليهم السلام والإمامية، ولكن بعد إعلان الشلمغاني عن عقيدته ، بقوا علي اعتقادهم السابق فيه وتابعوه في أفعاله ، مما كان سببا في بث المقتدر جواسيسه حول بيوتهم ليرقبوا تحركاتهم ويقتنصوا أخبارهم، وحصل الشلمغاني علي احترام آل الفرات الذين كانوا بداية أمرهم علي مذهب الإمامية، وهم رهط الوزير أبي الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات الذي كان من وزراء بني العباس، وهو الذي صحح الخطبة الشقشقية لأمير المؤمنين عليه السلام، ويحتمل أنهم نزلوا بشط الفرات، وكان منهم أبو الحسن بن الفرات الذي وزر ثلاث مرات للمقتدر كان آخرها عام 311ه (5)، وكان ولده المحسن هو الغالب علي الأمور في هذه

ص: 211


1- بنو فضال هم ثلاثة أولاد لأبي الحسن بن فضال الكوفي المتوفي عام 224ه، وأولاده الثلاثة هم من الفقهاء الفطحيين وهم أحمد المتوفي عام 260ه، ومحمد، وعلي البالغة كتبه الثلاثون كتابا وله كتاب في تأييد مذهبه .. رجال الكشي للطوسي: 319، ورجال النجاشي وغيرهما.
2- الغيبة للطوسي: 239.
3- الغيبة للطوسي: 248.
4- الغيبة للطوسي: 248.
5- الكامل في التاريخ : 9/ 173.

الوزارة(1)، حتي عزل عام 312ه واختفي ولده المحسن وصودر ابن الفرات علي جملة من المال مبلغها ألف ألف دينار(2). وابن الفرات هذا فرع من أب وأخ منحرفين، كانا قد اتبعا محمد بن نصير النميري الذي ادعي السفارة كذبا عن الإمام المهدي عليه السلام فترة سفارة أبي جعفر العمري وقد تقدم ذلك. وكان المحسن بن علي وقحا سيئ الأدب ظالما ذا قسوة شديدة، وكان الناس يسمونه : الخبيث بن الطيب (3)، وروي له شنائع في التعذيب والمصادرة(4)، وكان الشلمغاني من أقربائه ، وله معه رابطه النسب ؛ ومن المقربين إليه(5).

وأما ميزات تلك الفترة
اولا:

ما رواه الطوسي بإسناده عن علي بن همام أنه قال : إن محمد بن علي الشلمغاني لم يكن قط بابا إلي أبي القاسم ولا طريقا له ولا نصبه أبو القاسم الشيء من ذلك علي وجه ولا سبب، ومن قال بذلك فقد أبطل؛ وإنما كان فقيها من فقهائنا وخلط وظهر عنه ما ظهر ، وانتشر عنه الكفر والإلحاد(6)، ولا تنافي هذه الرواية ما ذكره أبو غالب الزراري من أن الشيخ الحسين بن روح نصب الشلمغاني وكيلا عنه حال استقامته(7)، خاصة وأن ابن همام نفسه اعترف بأن الشلمغاني. كان وكيلا صالحا لابن روح حال استتاره عن الخليفة المقتدر(8).

ص: 212


1- الكامل في التاريخ: 177/6 .
2- مروج الذهب للمسعودي: 214/4 .
3- الكامل في التاريخ: 6/174.
4- الكامل في التاريخ: 6/174.
5- الكامل في التاريخ : 290/8
6- الغيبة للطوسي: 250.
7- الغيبة للطوسي : 183.
8- الغيبة للطوسي: 187.
ثانيا:

كان تنصيب الشلمغاني وكيلا لابن روح بعد وفاة العمري ودفنه(1)؛ وفي بعض النصوص أنه كان وقت استتاره واختفائه عن الوسط الإسلامي(2). وقد ذكرنا أنه اعتقل عام 312ه، فيكون تنصيبه للشلمغاني إذن في بداية وزارة حامد بن العباس أو آخرها حيث كان مستقيم السلوك والعقيدة في تلك الفترة(3)، ثم خرج عن المذهب وكذب علي ابن روح، وحكي عنه لبني بسطام وآل الفرات كل كذب وبلاء وكفر، وأسنده إلي ابن روح النوبختي، فكانوا يقبلونه منه ويأخذونه عنه(4)، وعندما لعنه ابن روح قال الشلمغاني في تأويل كلامه : إن لهذا القول باطنا عظيما، وهو أن اللعنة هي الإبعاد، فمعني قوله (لعنه الله) أي باعده الله (عن) العذاب والنار !! ، ثم قال: والآن قد عرفت منزلتي، ومرغ خذه علي التراب وقال : عليكم بالكتمان لهذا الأمر، وادعي الشلمغاني : أن روح رسول الله صلي الله عليه و آله انتقلت إلي العمري أبي جعفر ؛ وروح أمير المؤمنين عليه السلام انتقلت إلي الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح، وروح مولاتنا فاطمة عليها السلام انتقلت إلي ابنة أبي جعفر العمري (5)، وعد الشلمغاني إلي قول الحلاج لعنه الله (6)، واستهوي قلوب الضعفاء، واستزل خلقا كثيرا من المسلمين وأشرك طوائف العمهين (7)، وكان يقول لبني بسطام : إنني أذعت السر وقد أخذ علي الكتمان، فعوقبت بالإبعاد بعد الاختصاص، لأن الأمر

ص: 213


1- مهج الدعوات: ابن طاووس: 45، وخاندان نوبختي (فارسي) إقبال : 222.
2- الغيبة للطوسي: 183.
3- الغيبة للطوسي: 183.
4- الغيبة للطوسي: 183.
5- الغيبة للطوسي: 249.
6- الغيبة للطوسي: 249.
7- معجم الأدباء للحموي: 1/ 238 - ترجمة ابن أبي عون .

عظيم لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن ممتحن، فيؤكد في نفوسهم عظم الأمر وجلالته(1)، وكانت له حكاية مع أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي مشابهة لحكاية الحلاج وافتضاحه، حيث راسله الشلمغاني يدعوه فيها إلي الفتنة ويبذل له المعجز وإظهار العجب . كما حكاه ابن النديم - قال : وكان بمقدم رأس أبي سهل جلح - يشبه القرع - فقال للرسول: أنا ما أدري أي شيء هو! ينبت صاحبك - الشلمغاني - بمقدم رأسي الشعر حتي أؤمن به !! فما عاد إليه الرسول(2). وحذر ابن روح النوبختي كل أصحابه من الشلمغاني، وكذا في بني نوبخت، فلم يبق أحد إلا وتقدم إليه الشيخ أبو القاسم وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني والبراءة منه، وممن يتولاه ورضي بقوله أو كلمه فضلا عن موالاته(3)، وخرج توقيع من ابن روح النوبختي وهو في السجن عام 312ه بلعن الشلمغاني، وقد رواه الطوسي بأسانيد مختلفة ، قال : خرج التوقيع من الحسين بن روح في الشلمغاني، وأنفذ نسخته إلي أبي علي بن همام في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلثمائة(4).وقال محمد بن الحسن الصيمري : أنفذ الشيخ الحسين بن روح (رض) من محبسه في دار المقتدر إلي شيخنا أبي علي بن همام في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلثمائة وأملاه أبو علي وعرفني : أن أبا القاسم (رض) راجع في ترك إظهاره؛ فإنه في يد القوم وحبسهم، فأمر بإظهاره وأن لا يخشي ويأمن، فتخلص وخرج من الحبس بعد ذلك بمدة يسيرة والحمد لله (5). ويظهر أن التوقيع كان قد شاع وانتشر قبل خروج ابن روح من السجن بقليل أي ما يقرب من عام 317ه وإليك نصه :

ص: 214


1- الغيبة للطوسي: 248.
2- تأسيس الشيعة للصدر : 368
3- الغيبة للطوسي: 250.
4- الغيبة للطوسي : 252 - 253.
5- الغيبة للطوسي: 253.

روي الطوسي والطبرسي بإسنادهما : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اعرف أطال الله بقاك، وعرفك الخير كله ؛ وختم به عملك من تثق بدينه وتسكن إلي نيته من إخواننا أدام الله سعادتهم بأن محمد بن علي المعروف بالشلمغاني عجل الله له النقمة - ولا أمهله، قد ارتد عن الإسلام وفارقه وألحد في دين الله وادعي ما كفر معه بالخالق جل وتعالي، وافتري كذبا وزورا، وقال بهتانا وإثما عظيما، كذب العادلون بالله ، وضلوا ضلالا بعيدا وخسروا خسرانا مبينا، وأنا برئنا إلي الله تعالي وإلي رسوله صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته منه، ولعناه ؛ عليه لعائن الله تتري في الظاهر منا والباطن والسر والجهر وفي كل وقت ؛ وعلي كل حال، وعلي كل من شايعه وبلغه هذا القول منا وأقام علي من تولاه بعده . أعلمهم - تولاك الله - أننا في التوقي والمحاذرة منه علي مثل ما كنا عليه ممن تقدمه من نظرائه من السريعي والنميري والهلالي والبلالي وغيرهم، وعادة الله جل ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة وبه نثق وإياه نستعين وهو حسبنا في أمورنا ونعم الوكيل(1).

وقد ترك هذا التوقيع آثارة بليغة في الحد من نشاط الشلمغاني ولعنه في المحافل العلمية والسياسية والاجتماعية(2). ولم يأبه الشلمغاني بهذا القرار وكان يعلن بين الآونة والأخري عن رفضه لهذا القرار واستنكاره؛ وصب جام غضبه علي أنصار الإمام عليه السلام ؛ فكتب كتاب الغيبة ؛ وادعي فيه منصبا لم يصنعه الله فيه، وافتري الكثير علي الإمام المهدي عليه السلام (3). قال الشلمغاني: ما دخلنا مع أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي في هذا الأمر إلا ونحن نعلم فيما دخلنا فيه، لقد كنا نتهارش علي هذا الأمر كما تتهارش الكلاب علي الجيف، ولكن الأمة لم تلتفت إلي هذا القول وأقامت علي لعنه والبراءة

ص: 215


1- الاحتجاج : للطبرسي: 3/474 -475، الغيبة للطوسي : 253
2- الغيبة للطوسي: 250.
3- الغيبة للطوسي: 240.

منه(1). ثم أظهر الشلمغاني أن الأجوبة التي كانت تخرج من الإمام المهدي عليه السلام هي له ؛ ولا دخل للإمام عليه السلام فيها، فخرج توقيع من الإمام المهدي عليه السلام لأهل قم فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ؛ قد وقفنا علي هذه الرقعة وما تضمنته ، فجميعه جوابنا، ولا مدخل للمخذول الضال المضل المعروف بالعزاقري - الشلمغاني - لعنه الله في حرف منه؛ وقد كانت أشياء خرجت إليكم علي يدي أحمد بن بلال وغيره من نظرائه ، وكان من ارتدادهم عن الإسلام مثل ما كان من هذا ؛ عليهم لعنة الله(2).

وأراد الراوي أن يتأكد أن ما خرج من هؤلاء قبل انحرافهم صحيح أم لا؟ قال الراوي : فاستثبت قديما في ذلك، فخرج الجواب منه : عليه السلام من استثبت فإنه لا ضرر في خروج ما خرج علي أيديهم وإن ذلك صحيحا(3). وقد كانت الضربة التي وجهها ابن روح للشلمغاني شديدة كانت قد أنهت بحياته(4)، وافتضح علي أثرها في آخر وزارة حامد بن العباس حيث أظهر قبائح أفعاله وكفره وإلحاده؛ فنبذته الأمة وطردته من بينها، فلاذ بالبلاط العباسي بعد عزل الوزير حامد بن العباس ومجيء أبي الحسن بن الفرات وللمرة الثالثة عام 311ه إلي الوزارة، فارتبط مع ابنه المحسن وقربه إليه(5)، ونصبه في بعض أعمال الديوان(6)، ليخفف عنه وطأة المعارضين ويخفي الأموال التي سرقها من الأمة ؛ وحين اضطرب أمر المحسن وأبيه قام باضطهاد

ص: 216


1- الغيبة للطوسي: 241.
2- الغيبة للطوسي: 228.
3- الغيبة للطوسي: 228
4- الكامل في التاريخ: 290/1 ، الفرق بين الفرق للبغدادي : 264، تاريخ الإسلام للذهبي.
5- الكامل في التاريخ : 290/8 .
6- معجم البلدان للحموي: 1/235، تجارب الأمم: ابن مسكويه : 123/5 حوادث عام 312ه.

المنكوبين، فاستخلف الشلمغاني بالحضرة لجماعة من العمال، وكان للشلمغاني صاحب يعرفه بملازمته مقدام علي الدماء من أهل البصرة، فسلم , إليه جماعة، فذبحهم كما يذبح الغنم، ثم استخرج أموال جماعة كانوا مسترين وصادر القسم الآخر(1). وبعد أن قتل المحسن وأبوه، حل محلهما في الوزارة أبو القاسم الخاقاني فهرب الشلمغاني إلي الموصل وصار في ضيافة الأمير ناصر الدولة الحمداني؛ روي النجاشي: أن الشلمغاني أخبر بقائمة كتبه عند استتاره بمعلثايا(2)، وبعد بقائه مدة من الزمن هناك، رجع إلي بغداد واستتر فيها، وأظهر أنه يدعي لنفسه الربوبية(3)!! فتابعه الكثيرون من وزراء وشعراء(4)، ولم يكن الإمساك بالشلمغاني يسيرا، فقد استمرت حملات المطاردة والتفتيش عليه من قبل علي بن مقلة وزير المقتدر عام 322ه، وكان الشلمغاني قد أحس بالخطر ورأي كثرة أنصاره؛ فوجه بخطابه إلي ابن روح يدعوه للمباهلة وقال : أنا صاحب الرجل - يقصد الإمام المهدي عليه السلام قد (أمرت بإظهار العلم، وقد أظهرته باطنا وظاهرا، فباهلني !! فأنفذ إليه ابن روح جوابا شفويا : أينا تقدم صاحبه فهو المخصوم، فتقدم العزاقري - الشلمغاني(5) -، وأقيم مجلس المباهلة في دار الوزير ابن مقلة وحضره الخاصة والعامة ، فلما دخل الشلمغاني المجلس خفية توجهت إليه الأعناق ليسمعوا ما يقوله !! وفوجئ الشلمغاني بتحشد الشيعة الإمامية في هذا المجلس وكل منهم يحكي عن ابن روح لعنه والبراءة منه، فلم ير غير أن يقول كلمته الأخيرة ويخرج هاربا بسرعة قائلا : اجمعوا بيني وبينه - يقصد ابن

ص: 217


1- تجارب الأمم: ابن مسكويه : 123/5 .
2- قرب جزيرة ابن عمر من نواحي الموصل بالعراق .. رجال النجاشي .
3- الفرق بين الفرق للبغدادي : 264، العبر للذهبي: 3/190.
4- الكامل في التاريخ : 290/8 وقائع عام 322ه.
5- الغيبة للطوسي: 186 - 187.

روح - حتي آخذ بيده ويأخذ بيدي، فإن لم تنزل عليه نار من السماء تحرقه ، وإلا فجميع ما قاله في حق(1)، فوصل هذا الخبر إلي أسماع الخليفة الراضي بسرعة عام 322ه فأمر جنوده بإلقاء القبض عليه وكبس داره ، فألقي القبض عليه وفتش داره تفتيشا دقيقا فوجد فيه عدة رسائل من أتباعه وخطابات مجملة له بأنه الله سبحانه(2)!!، وعرضت هذه الرسائل كلها علي الخليفة الراضي بالله ، فأقر بها الشلمغاني كلها واعترف بأنها كانت من أتباعه !! فثبت صحتها، فأحضر الخليفة اثنين من اتباعه، فأمرهما بصفع الشلمغاني فصفعه أحدهما(3)؛ وأما الثاني فخاطبه: مولاي الكبير !! ثم مد يده إلي لحية الشلمغاني علي سبيل التوقير والتكريم وقال : مولاي مولاي وإلهي وسيدي ورازقي (4)!! فقال الراضي بالله مخاطبا الشلمغاني: قد زعمت أنك لا تدعي الألوهية ؛ فما هذا؟! فقال : وما علي، من قول ابن أبي عون والله يعلم أنني ما قلت له أنني إله قط(5). ثم جرت عدة لقاءات بينه وبين الفقهاء والقضاة(6)، فأصدروا حكما بإراقة دمه وأتباعه ؛ فجلد أمام الناس ثم قتل وأحرق جسده أمام المارة والنظارة. وقد روي الطوسي له أشعارة أثناء موته (7)؛ واستراحت منه الأمة بأسرها.

ص: 218


1- الغيبة للطوسي: 250.
2- معجم الأدباء للحموي: 1/248.
3- الكامل في التاريخ: 291/8 ، الفرق بين الفرق للبغدادي : 264، العبر للذهبي: 3/190 .
4- معجم الأدباء للحموي: 251/1 .
5- الفرق بين الفرق : 264، العبر للذهبي: 2/190.
6- معجم الأدباء: 1/252.
7- الغيبة للطوسي: 250.

المبحث الرابع: التراث الذي خلفه الحسين بن روح النوبختي للأمة الإسلامية

اشارة

لقد خلف الحسين بن روح النوبختي تاريخا وتراثا ضخما للأجيال الإسلامية مع تصديه لمهمة السفارة عن الإمام المهدي عليه السلام ونلخصه بما يلي:

أولا: ما تركه من روايات وأحاديث وكتب:
اشارة

برع ابن روح النوبختي في ميادين العلم وحاز السبق في حلبات الأدب، وروي عن الأئمة عليهم السلام كثيرا من الروايات؛ وصنف في شتي العلوم ومتنوع الفنون، وزهت صورته العلمية زهو الطاووس في حدائق الكمال؛ ولكن التاريخ لم يمهله حيث امتدت إليه يد الغدر فلم تبق له من كتبه التي ألفها سوي كتابا واحدا كما ذكره المؤرخون(1)، وهو كتاب التأديب وفيه مسائل فقهية كالصلاة والصيام وأمور أخري(2)، وقد نسخ الشلمغاني نسخة منه

ص: 219


1- الغيبة للطوسي: 240، الرقعية للطهراني: 3/210، معجم المؤلفين؛ رضا كحالة : 8/4.
2- الغيبة للطوسي: 240.

وأدخل فيه فرعا فقهيا مخالفا لما عليه مذهب الأصحاب، روي الطوسي بإسناده عن سلامة بن محمد قال : أنفذ الحسين بن روح (رض) كتاب التأديب إلي قم، وكتب إلي جماعة الفقهاء بها وقال لهم : انظروا في هذا الكتاب، وانظروا فيه شيء يخالفكم؟ ! فكتبوا إليه : إنه كله صحيح، وما فيه شيء يخالف إلا قوله : الصاع في الفطرة نصف صاع من طعام والطعام عندنا مثل الشعير من كل واحد صاع (1). وأما كتاب التكليف وقد ذكرناه في عداد مؤلفات الشلمغاني؛ فلعله من تعليمات اين روح أيضا وهو كتاب في الحديث، وكان الشلمغاني - لعنه الله - قد أدخل فيه أمورا كثيرة ونسبها إلي الأصحاب ولم يقولوا بها، وكان ابن روح يصلح كل ما يكتبه الشلمغاني . (2).

أما روايته؛ فقد روي ابن روح النوبختي عن الأئمة عليهم السلام في شتي العلوم، فروي في الإمامة (3)؛ وإيمان أبي طالب عليه السلام (4)، والمتعة(5) وزيارة العسكريين عليهما السلام (6)وغيرها.

قال التستري : والغريب مما وقع من بعض العلماء ولعله وقع منهم غفلة أن رجال الشيخ الطوسي غفل عن عنوانه مع عموم موضوعه (7)، وقد روي عن محمد بن زياد وروي عنه الحسن بن جمهور في باب فضل زيارة الإمامين العسكريين عليهما السلام كما تقدمت الرواية عنه(8).

ص: 220


1- الغيبة للطوسي: 240.
2- الغيبة للطوسي: 239.
3- الغيبة للطوسي: 239.
4- كمال الدين الصدوق: 2/198، البحار : 35/79، معاني الأخبار للصدوق: 286.
5- الغيبة للطوسي: 240.
6- التهذيب للطوسي: 6/93، جامع الرواة للأردبيلي : 240/1 .
7- قاموس الرجال للتستري: 2/ 284.
8- معجم رجال الحديث للخوئي 236/5 .
وأما تراثه في الأدعية:
اشارة

فقد روي أدعية مشهورة من الأئمة عليهم السلام ومنه أيضا .. ونلخصها بما يلي:

أولا: الأدعية الرجبية:

قال ابن طاووس: ومن الدعوات كل يوم من رجب ما رويناه عن جدي أبي جعفر الطوسي قدس الله روحه . فقال : قال ابن عياش : وخرج إلي أهلي علي يد الشيخ أبي القاسم (رض) في مقامه عندهم هذا الدعاء في أيام رجب : اللهم إني أسألك بالمولودين في رجب.. إلخ(1).

ثانيا: الزيارة الرجبية:

وروي الطوسي زيارة رواها ابن عباس قال: حدثني خير بن عبد الله عن مولانا أبي القاسم الحسين بن روح (رض) قال: زر أي المشاهد كنت بحضرتها في رجب ثم تقول إذا دخلت : الحمد لله الذي أشهدنا مشهد أوليائه في رجب.. إلخ(2).

ثالثا: دعاء وصلاة يوم المبعث:

وروي ابن طاووس بإسناده إلي جده أبي جعفر الطوسي رحمت الله بإسناده إلي أبي القاسم بن روح رحمت الله قال : تصلي في هذا اليوم اثنتي عشرة ركعة تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وما تيسر من السور .. إلخ(3).

رابعا: التوسل بالإمام الحسين عليه السلام:

وهو دعاء خرج منه عليه السلام علي يد الحسين بن روح إلي القاسم بن العلاء

ص: 221


1- مصباح المتهجد للطوسي: 743، الإقبال : 647.
2- مصباح المتهجد للطوسي: 755.
3- مصباح المتهجد للطوسي: 752، الإقبال لابن طاووس: 675-676.

الهمداني جاء فيه: إن مولانا الحسين عليه السلام ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان، فصمه وادع بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك بحق هذا المولود في هذا اليوم.. إلخ(1).

خامسا: دعاء وزيارة الجامعة:

روي الطبرسي عن محمد بن عبد الله الحميري مع مسائله التي بعثها عام ثمان وثلاثمائة إلي ابن روح النوبختي ليوصلها إلي الإمام المهدي عليه السلام أنه قال : خرج توقيع من الناحية المقدسة حرسها الله بعد المسائل : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، لا لأمره تعقلون، حكمة بالغة، فما تغني النذر عن قوم لا يؤمنون... إلخ(2).

سادسا: زيارة للصادق عليه السلام :

روي المجلسي عن مجموع الدعوات لأبي محمد هارون بن موسي التلعكبري قال: روي أبو الحسين أحمد بن الحسين بن جابر الصيداوي هذه الزيارة لعثمان بن سعيد ومعه أبو القاسم بن روح قال : عند زيارتهما لمولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام وقفا علي باب السلام فقالا : السلام عليك يا مولاي وابن مولاي وأبا مولاي ورحمة الله وبركاته ؛ السلام عليك يا شهيد دار الفناء، وزعيم دار البقاء .. إلخ(3).

أما تراثه من التوقيعات التي خرجت علي يديه من الإمام المهدي عليه السلام :
1- اشارة

لقد خرجت توقيعات منه عليه السلام للأوضاع السياسية التي أحاطت تلك الفترة بالأمة ؛ كقلع القرامطة للحجر الأسود ونقله إلي هجر، وتحذيره الوكلاء

ص: 222


1- مفاتيح الجنان للقمي: 164.
2- الصافات : 130؛ الاحتجاج للطبرسي: 2/492.
3- مستدرك الوسائل للنوري : 10/351.

من السلطات وغيرها .. ونلخص بعض توقيعاته عليه السلام :

2- التوقيع الأول: في أهل قم:

ذكر ابن نوح أن هذا الدرج بعينه كتب به أهل قم إلي الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رحمت الله وفيه مسائل، فأجابهم علي ظهره؛ بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي وحصل الدرج عند أبي الحسن بن داوود .. نسخة الدرج: مسائل محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، أطال الله بقاءك وأدام عزك وتأييدك وسعادتك وسلامتك وأتم نعمته وزاد في إحسانه إليك وجميل مواهبه لديك وفضله عندك ؛ وجعلني من السوء فداك وقدمني قبلك، الناس يتنافسون في الدرجات، فمن قبلتموه كان مقبولا، ومن دفعتموه كان وضيعا، والخامل من وضعتموه، ونعوذ بالله من ذلك، وببلدنا - أيدك الله - جماعة من الوجوه يتساوون ويتنافسون في المنزلة؛ وورد أيدك الله كتابك إلي جماعة منهم... إلخ(1) وهو خبر طويل جدا وردت فيه المسائل الفقهية والاجتماعية والسياسية فراجعه في مظانه .

3- التوقيع الثاني: أسئلة الحميري:

وقد روي الطوسي والطبرسي كتاب لمحمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلي الإمام المهدي في مثل ذلك جاء فيه: رأيك أدام الله عزك في تأمل رقعتي والتفضل بما يسهل لأضيفه إلي سائر أياديك علي، واحتجت أدام الله عزك أن تسأل لي بعض الفقهاء : عن المصلي إذا قام من التشهد الأول للركعة الثانية هل يجب عليه أن يكبر .. إلخ(2) وهو خبر طويل أيضا كسابقه وقد جاء في آخره: قال ابن نوح : نسخت هذه النسخة من المدرجين القديمين

ص: 223


1- الغيبة للطوسي: 230، الاحتجاج للطبرسي: 3/481.
2- الغيبة للطوسي: 232، الاحتجاج للطبرسي: 2/481.

اللذين فيهما الخط والتوقيعات(1).

4- التوقيع الثالث: أسئلة في الحج:

وروي الطبرسي كتابا آخر لمحمد بن عبد الله الحميري إلي صاحب الزمان عليه السلام من جواب مسائله التي سأله عنها في سنة سبع وثلاثمائة - أرسلها لابن روح - يسأل عن المحرم يجوز أن يشد المئزر من خلفه إلي عقبه بالطول ... إلخ(2) وهو طويل أيضا اشتمل علي مسائل عديدة في الحج .

5- التوقيع الرابع: الأسئلة الفقهية المتنوعة:

وأرسل محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أيضأ مسائل عام ثمان وثلثمائة إلي ابن روح النوبختي ليوصلها إلي الإمام المهدي عليه السلام ، جاء فيه: أطال الله بقاك وزاد في إحسانه إليك وجميل مواهبه لديك وفضله عليك وجزيل قسمه لك، وجعلني من السوء كله فداك وقدمني قبلك : إن قبلنا مشايخ و عجائز يصومون رجبا منذ ثلاثين سنة ... إلخ وهو خبر طويل اشتمل علي مسائل فقهية عديدة متنوعة (3). .

6- التوقيع الخامس: إنزال العقوبة في بعض المشعوذين

روي الطوسي بإسناده عن جماعة عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داوود القمي قال : وجدت بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي وإملاء أبي القاسم الحسين بن روح (رض) علي ظهر كتاب فيه جوابات ومسائل أنفذت من قم يسأل عنها، وهي جوابات الفقيه عليه السلام أو جوابات محمد بن علي الشلمغاني ؛ لأنه حكي أنه قال : هذه المسائل أنا أجبت عنها!! فكتب

ص: 224


1- الغيبة للطوسي : 232، الاحتجاج للطبرسي : 2/483.
2- الاحتجاج للطبرسي : 3/485.
3- الاحتجاج للطبرسي : 2/ 487.

إليهم عليه السلام علي ظهر كتابهم : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، قد وقعنا علي هذه الرقعة وما تضمنته ، فجميعه جوابنا .. إلخ(1).

وقال ابن نوح: أول من حدثنا بهذا التوقيع أبو الحسين محمد بن علي بن تمام وذكر أنه كتبه في ظهر الدرج الذي عند أبي الحسن بن داوود، فلما قدم أبو الحسن بن داوود قرأته عليه(2).

ص: 225


1- الغيبة للطوسي: 228-229.
2- الغيبة للطوسي: 228 - 229.

المبحث الخامس: معجزات الإمام المهدي علي يدي الحسين بن روح النوبختي

1- اشارة

إن المعجزة تترك آثارا وتجاوبا سريعا في النفوس ما لا يمكن أن تتركه الأنظمة والتشريعات العامة، لأنها فرضتها الضرورات الملحة لإقناع من بهرتهم الحياة ولا يؤمن إلا بالمحسوس، ولا يهمنا تحديد الشكل الذي كانت تتم فيه المعجزة، فإن المعجزات إنما ظهرت لدعم قولهم وصحة الانتساب، فإن ظهور المعجزات والكرامات علي أيدي السفراء الذي هو من الممكن الذي ليس بواجب عقلا ولا ممتنع قياسا، قد جاءت الأخبار علي التظاهر والانتشار بكونه منهم عليه السلام ، فقطع عليه من جهة السمع والآثار(1) ، وإنهم عليهم السلام إنما جاءوا بخوارق العادات والمعجزات حيث مصلحة الدين التي تفرض عليهم ذلك (2)، وظهور المعجزات علي المنصوبين من الخاصة والسفراء المنصبين من قبل صاحب الأمر عليه السلام جائز لا يمنع منه عقل ولا سنة ولا كتاب (3).

ونذكر ملخصا عن بعض المعجزات التي ظهرت علي يد ابن روح النوبختي من قبل الإمام المهدي عليه السلام :

ص: 226


1- أوائل المقالات للمفيد : 80 .
2- التصوف والتشيع : هاشم معروف الحسيني : 146.
3- أوائل المقالات: المفيد : 80 .
2- أولا: القرامطة والأسرار الغيبية:

روي الطوسي بإسناده عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن بابويه رحمت الله قال : حدثني جماعة من أهل بلدنا المقيمين كانوا ببغداد في السنة التي خرجت القرامطة علي الحاج وهي سنة تناثر الكواكب أن والدي (رض) كتب إلي الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (قدس سره) يستأذن في الخروج إلي الحج فخرج الجواب عنه عليه السلام : لا تخرج في هذه السنة، فأعاد وقال : هو نذر واجب، أفيجوز لي القعود عنه؟ فخرج في الجواب : إن كان لا بد، فكن في القافلة الأخيرة؛ وكان في القافلة الأخيرة فسلم بنفسه وقتل من تقدمه في القوافل الأخر(1).

3- ثانيا: ولادة الصدوق بدعاء المهدي عليه السلام:

روي الطوسي بإسناده عن أبي جعفر محمد بن علي الأسود رحمت الله قال : سألني علي بن الحسين بن موسي بن بابويه (رض) بعد موت محمد بن عثمان العمري - أن أسأل أبا القاسم الروحي - قدس الله روحه - أن يسأل مولانا صاحب الزمان عليه السلام أن يدعو الله أن يرزقه ولدا ذكرا، قال : فسألته فأنهي ذلك ، ثم أخبرني بعد ثلاثة أيام أنه قد دعا لعلي بن الحسين رحمت الله فإنه سيولد له ولد مبارك ينفع الله به، وبعده أولاد.... قال : فولد لعلي بن الحسين (رض) تلك السنة محمد بن علي وبعده أولاد(2)... إلخ.

4- ثالثا: رسالة تكتب بلا مداد!!

روي الطوسي بإسناده عن الصفواني قال : وافي الحسن بن علي بن

ص: 227


1- الغيبة للطوسي: 196، بحار الأنوار للمجلسي: 293/51 .
2- الغيبة للطوسي : 188 و195.

الوجناء النصيبي سنة ثلاثمائة، ومعه محمد بن الفضل الموصلي وكان رجلا شيعيا غير أنه ينكر وكالة أبي القاسم بن روح (رض) ويقول: إن هذه الأموال تخرج في غير حقوقها!!

فقال الحسن بن علي الوجناء لمحمد بن الفضل: يا ذا الرجل؛ اتق الله ، فإن صحة وكالة أبي القاسم كصحة وكالة أبي جعفر محمد بن عثمان العمري، وقد كانا نزلا ببغداد علي الزاهر، وكنا حضرنا للسلام عليهما، وكان حضر هناك شيخ لنا يقال له: أبو الحسن بن ظفر، وأبو القاسم بن الأزهر، فطال الخطاب بين محمد بن الفضل وبين الحسن بن علي، فقال الحسن بن علي الوجناء : أبين لك ذلك بدليل يثبت في نفسك، وكان مع محمد بن الفضل دفتر كبير فيه ورق طلحي مجلد بأسود، فيه حساباته ، فتناول الدفتر الحسن وقطع منه نصف ورقة كان فيه بياض وقال لمحمد بن الفضل : ابروا لي قلما !! فبري قلما، واتفقا علي شيء بينهما، لم أقف أنا عليه، وأطلع عليه أبا الحسن بن ظفر وتناول الحسن بن علي الوجناء القلم، وجعل يكتب ما اتفقا عليه في تلك الورقة بذلك القلم المبري بلا مداد!! ولا يؤثر فيه، حتي ملا الورقة ثم ختمه وأعطاه لشيخ كان مع محمد بن الفضل أسود يخدمه، وأنفذ بهما إلي أبي القاسم الحسين بن روح، ومعنا ابن الوجناء لم يبرح، وحضرت صلاة الظهر فصلينا هناك ورجع الرسول فقال : قال لي : امض فإن الجواب يجيء!! وقدمت المائدة ، فنحن في الأكل إذ ورد الجواب مكتوب بمداد عن فصل فصل!! فلطم محمد بن الفضل وجهه ولم يتهنأ بطعامه، وقال لابن الوجناء : قم معي، فقام معه حتي دخل علي أبي القاسم بن روح وبقي يبكي ويقول : يا سيدي أقلني !! أقالك الله ؛ فقال أبو القاسم: يغفر الله لنا ولك إن شاء الله (1).

ص: 228


1- الغيبة للطوسي: 192.

أقول:

وهناك معاجز كثيرة للإمام المهدي عليه السلام ظهرت علي يدي ابن روح النوبختي رواها أهل السير والأخبار؛ ومنها: معجزات ظهرت للقاسم بن العلاء وقد عمر مائة وسبعة عشر عاما وصار أعمي لا يبصر فأعاد الله إليه بصره وظهرت له معاجز أخري من الإمام عليه السلام (1)؛ ومعجزات ظهرت للزراري وحل مشكلاته العائلية(2)، وشفاء الأخرس علي يديه عليه السلام (3) وقصة السبائك الذهبية(4)؛ وظهور معجزته عليه السلام لرجل أنكر ولده(5)، وقصة الحقة التي ألقتها المرأة في ماء الفرات فرأتها في بيتها بعد رجوعها(6)، وكلام ابن روح النوبختي باللسان الأبي لأهل قم(7)، وقصة رجل شكل قلبه ونصائح الإمام عليه السلام له(8).

ص: 229


1- الغيبة للطوسي: 188 وما بعدها.
2- الغيبة للطوسي: 184 - 185، مدينة المعاجز للبحراني : 614 نقلا عن الراوندي .
3- الغيبة للطوسي: 188.
4- كمال الدين للصدوق: 2/196، بحار الأنوار للمجلسي: 342/51 ، وروي الصدوق قصة مشابهة لها أيضا في كمال الدين 2/ 193، البحار : 340/51 .
5- الغيبة للطوسي: 187.
6- كمال الدين للصدوق: 196/2 ، بحار الأنوار للمجلسي: 342/51 .
7- الغيبة للطوسي: 195.
8- الغيبة للطوسي: 196.

المبحث السادس: وفاة الحسين بن روح النوبختي

ذكرت النصوص التاريخية أن تاريخ وفاة ابن روح النوبختي كان في يوم الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة من شعبان سنة ست وعشرين وثلاثمائة(1)، وقبره في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلي التل وإلي درب الآجر وإلي قنطرة الشوك(2) - ويوجد اليوم في الجانب الشرقي من بغداد وهو في آخر زقاق يمر في وسط سوق العطارين، يقع في وسط بيت ينبغي الاستيذان والدخول فيه(3). ومع الأسف الشديد لم يتبرع ولحد الآن رجل من أهل الخير لشراء هذا البيت ليبني فيه صحن مختصر مع مجموعة من الغرف والحياض، فإن له منافع خيرية لا تحصي علاوة علي تجليل وتعظيم لصاحب هذا القبر الشريف، فإن غالب الزوار في بيع وشراء ومعاملات، وهم يحتاجون إلي مكان للاستراحة فيه بضع ساعات والتطهير والصلاة، ولا يوجد في بغداد محلا كهذا لهم في الكاظميين عليهم السلام، ولو بني هذا المقام لصار مقرا لآلاف الزوار في كل أسبوع وشهر وسوف يجلب له الإعانات الدينية والدنيوية ويكون حامية للنفوس والأعراض. وقد حقق

ص: 230


1- الغيبة للطوسي: 238؛ الوافي بالوفيات للصفدي : 366/12 ، تاريخ الإسلام للذهبي: 24/190، سير أعلام النبلاء للذهبي: 15/222.
2- الغيبة للطوسي: 238.
3- تتمة المنتهي للقمي: 3/403.

الدكتور مصطفي جواد البغدادي في نشرته مجلة العرفان حول قبر ابن روح النوبختي فقال : إن قبره في الجانب الغربي، وقد درس فيما درس من قبور العظماء والعلماء في ذلك الجانب، واستدل لذلك بقول ابن خلكان في ترجمة الحسن بن محمد المهلبي الوزير : أنه دفن بمقابر قريش في مقبرة النوبختية، فعلم من هذا: أن مقبرة النوبختية كانت في مقابر قريش التي دفن فيها الإمام موسي بن جعفر عليه السلام بالجانب الغربي من بغداد(1)، فإن أراد الطوسي من النوبختية هي محلة النوبختية لا مقبرتهم فلا يضر، لأن محلة النوبختية كانت في الجانب الغربي أيضا، ويدل عليه قول هبة الله الكاتب ؛ أن النوبختية في الدرب النافذ إلي درب الآجر(2). قال ياقوت الحموي في كلمة الأجر : إن درب الآجر محلة من محال نهر طابق ببغداد وخربت، وبنهر معلي درب الآجر بالجعفرية، عامر أهله(3)، ونهر طابق كان في الجانب الغربي . قال ياقوت الحموي : إن نهر طابق محلة كانت ببغداد من الجانب الغربي ونهر معلي كان بالجانب الشرقي(4). وأراد هبة الله بدرب الآجر المحلة التي كانت بالجانب الغربي؛ لذكر قنطرة الشوك التي هي في الجانب الغربي . قال ياقوت الحموي : نهر عيسي كورة كبيرة في غربي بغداد ؛ يأخذ الفرات ثم يتفرع منه أنهار تخرق إلي مدينة السلام وتمر بعدة قناطر؛ وعد منها قنطرة الشوك ثم يصب في دجلة(5)، فعلم من ذلك أن النهر الذي علي بعضه قنطرة الشوك يأتي من الفرات ويصب في دجلة؛ فتكون قنطرة الشوك غربي دجلة(6).

ص: 231


1- الغيبة للطوسي: 238، مجلة العرفان : 379/4 ، أعيان الشيعة للأمين: 21/6 .
2- مراصد الاطلاع للحموي باب (آجر).
3- مراصد الاطلاع للحموي باب (آجر).
4- مراصد الاطلاع للحموي باب (آجر).
5- مراصد الاطلاع للحموي : 403/5 .
6- تاريخ بغداد للبغدادي : 1/91؛ مناقب بغداد لابن الجوزي : 18، مراصد الاطلاع اللحموي: 403/5 .

لقد ترك ابن روح النوبختي من الأولاد الذكور ابنا اسمه (روح) وقد ذكره العلماء وأثنوا عليه، وكان أحد أعلام الشيعة وثقاتهم والمرضيين عندهم، وكان محدثا فاضلا ومتكلما مناظرا، روي عنه الحسين بن علي بن موسي بن بابويه وجماعة من كبار الشيعة(1)، قال الخوئي : وكان روح ابن أبي روح النوبختي يروي عن أبيه (رض) وغيره من أئمة العلم الكبار في المائة الثالثة(2)، وقد روي له الطوسي في كتاب الغيبة : أنه قرأ الحسين بن روح هذا الكتاب من أوله إلي آخره وقال : ما فيه شيء إلا وقد روي عن الأئمة.. الخبر (3).

وطوي ابن روح صفحة مشرقة من حياته بعد تمهيده للسمري في أمر السفارة كما سيأتي ؛ وانتقل إلي الرفيق الأعلي ولم يكن عمر الإمام المهدي عليه السلام سوي واحد وسبعين عاما (4).

ص: 232


1- تأسيس الشيعة للصدر : 273.
2- معجم رجال الحديث للخوئي : 305/7 ، وتأسيس الشيعة للصدر: 273.
3- الغيبة للطوسي : 267.
4- الغيبة الصغري للصدر : 547.

الباب الرابع: السفير الرابع للإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف) علي بن محمد السمري

اشاره

ص: 233

ص: 234

المبحث الأول: علي بن محمد السمري في الميزان

اشارة

والسمري عادل ذو العزم ***وقد توفي لسقوط النجم(1)

والغيبة الكبري بموته بدت*** فنور اللهم عينا كدرت

* * *

وهو أبو الحسن علي بن محمد السمري(2)، أو السيمري(3)، أو الصيمري(4)، والمشهور الأول؛ مضبوطا بالسين المهملة المفتوحة والميم المضمومة والراء؛ وقيل بالسين المهملة المكسورة والميم المكسورة المشددة والراء(5). ومر : بفتحتين وتشديد الميم موضع في اليمامة فيه نخل كثير(6)، قال الحموي : وسمر أعتقد بأنه لفظ نبطي وليس عربي، وهي بلد من أعمال (كسكر) وهي داخلة الآن تحت أعمال البصرة وهي واقعة بين البصرة وواسط(7)، وذكر النهاوندي مثله عن السمعاني(8).

ص: 235


1- الدرر الكامنة للتبريزي: 182.
2- الغيبة للطوسي: 241.
3- كمال الدين للصدوق: 2/ 193؛ الأنوار النعمانية للجزائري: 2/ 19.
4- الغيبة الصغري للصدر: 412.
5- إيضاح الاشتباه للعلامة الحلي: 221، بهجة الآمال للتبريزي: 5/ 517.
6- معجم البلدان للحموي.. لفظة اسمره.
7- معجم البلدان للحموي .. لفطة «سمره »
8- العبقري الحسان: 27/2 .

لم تذكر النصوص تاريخ و محل ولادته وأسرته؛ وإنما ذكر فيها كواحد من أصحاب العسكري عليه السلام، ثم ذكر أنه قام بمهام السفارة عن الإمام المهدي عليه السلام ببغداد، بإيعاز من ابن روح النوبختي وبأمر الإمام المهدي عليه السلام(1). أثني عليه العلماء قديما وحديثا، فقد عذه الطوسي من السفراء الممدوحين بعد أن ذكر طرفا من أخباره وأحواله(2)، وقال فيه الصدوق:

إنه ممن أجمع الشيعة علي عدالته وثقته(3)، ووصفه المفيد: بأنه أهل عقل وأمانة وثقة ودراية وفهم وتحصيل ونباهة(4)؛ وقال عنه الطبرسي: بأنه صادق اللهجة في مقالته(5).

وأثني عليه متأخرو العلماء أيضا؛ وأطنبوا في مدحه وتعظيمه؛ قال المامقاني: إنه من السفراء والنواب ؛ وهو السفير بعد أبي القاسم بن روح، وكان يكني بأبي الحسن، وثقته وجلالته أشهر من أن يذكر، وأظهر من أن يحرز، فهو كالشمس لا يحتاج إلي بيان نوره، وقد كانت سفارته عن الحجة المنتظر عليه السلام بوصية الشيخ أبي القاسم بن روح إليه عند موته بأمر من الحجة عليه السلام(6).

وقال السيد الصدر عنه : كان حجة المولي علي المؤمنين، عالما ربانيا زاهدة ورعا، شيخنا في الحديث والفقه، وكان المرجع بعد الشيخ أبي القاسم

ص: 236


1- الغيبة للطوسي: 242 و 76.
2- الغيبة للطوسي : 242 و 76.
3- كمال الدين : 1/189.
4- عدة رسائل للمفيد: 361.
5- الاحتجاج للطبرسي: 2/ 478.
6- تنقيح المقال للمامقاني : 2/305.

الحسين بن روح (رض) وباب الأحكام للطائفة؛ وله حكايات و كرامات و مكاشفات رواها الثقات(1). وجاء في (تعق): علي بن محمد السمري من السفراء والنواب وجلالته تغني عن التعرض بحاله، وفي (النقد) مثله(2) . تولي السفارة من حين وفاة أبي القاسم بن روح النوبختي بأمر الإمام المهدي عليه السلام (3). وقد تسالمت الأمة عليه وقبولها له، وكان تصديه للسفارة عام 326ه، إلي أن لحق بالرفيق الأعلي عام 329ه في النصف من شعبان(4)؛ فتكون مدة سفارته حوالي ثلاثة أعوام كاملة غير أيام(5).

وقد وقع توهم في هذه الشخصية:
اشارة

في أنها نفسها شخصية علي بن زياد الصيمري، أو علي بن محمد بن زياد الصيمري أم هي ثلاث شخصيات؟ ومنشأ هذا التوهم والاختلاف يعود إلي اختلاف الأخبار والروايات.. فقد ذكر الطوسي في رجاله: علي بن محمد السمري - سفير الإمام المهدي عليه السلام - بأنه من أصحاب الإمام العسكري تحت عنوان الصيمري لا السمري (6)، وروي ابن شهر آشوب دخول علي بن محمد بن زياد الصيمري علي أحمد بن عبد الله بن طاهر وفي يديه رقعة أبي محمد.. الخ(7)، وهو نفس ما رواه الأربلي ولكنه عن علي بن محمد السمري(8). فنقول في رفع التوهم: أما علي بن زياد الصيمري، فقد

ص: 237


1- تأسيس الشيعة للصدر : 412.
2- بهجة الآمال للتبريزي : 5/ 517.
3- الغيبة للطوسي: 242، إعلام الوري للطبرسي : 417.
4- الغيبة للطوسي: 242.
5- الغيبة للطوسي: 242.
6- رجال الطوسي: 432.
7- المناقب : لابن شهر آشوب : 430/4 .
8- كشف الغمة للأربلي : 207/3 .

ذكر الوحيد: بأنه مما لا شاهد عليه، ولا يوجد هذا الاسم في بعض النسخ(1)؛ وقال التستري: يمكن الاستشهاد له بأن دلائل الحميري وكذا الاكمال ودلائل الطبري روت في معجزات الحجة عليه السلام عن علي بن محمد بن زياد الصيمري : أن علي بن محمد كتب يسأل كفنا .. الخ؛ ورواه الكافي والغيبة عن علي بن زياد الصيمري .. فلا بد أن لفظ الأول و«علي بن زياد الصيمري»نسبة إلي الجد؛ والثاني «علي بن محمد بن زياد الصيمري»نسبة إلي الجد، كما إن الغيبة رواه في إسناد آخر عن (محمد بن زياد الصيمري) وهو محرف عن علي بن زياد الصيمري، هذا والصيمري كما قال السمعاني: نسبة إلي صيمر، نهر من أنهار البصرة عليه عدة قري، وإلي صيمرة بلد بين ديار الجبل و خوزستان، لكن لا يبعد أن يكون الصيمري في رجال الشيخ والمهج، والخبر محرف الصهري لقربهما في الخط ؛ فكان قول المسعودي : صهر جعفر بن محمود الوزير هو تفسير للقبه ، ومن تزوج بنت أحد الأشراف يعرف به، كالداماد في المتأخرين (2). أما الخوئي فقد ذكر ؛ أنه تقدم عن الشيخ في رجاله عد «علي بن زياد الصيمري»من أصحاب الهادي عليه السلام ، وظاهره مغايرته لعلي بن محمد بن زياد، ولكن الصحيح أنهما واحد، وذلك لما تقدم عن الكافي والإرشاد والغيبة من أن علي بن زياد كتب إليه عليه السلام يسأله كفنا، فكتب إليه .. الخبر، فيعلم من ذلك اتحاد علي بن محمد بن زياد مع علي بن زياد(3). وهما شخصية واحدة لا متعددة . وكان الطوسي قد عد علي بن محمد بن زياد الصيمري من أصحاب الإمام الهادي والعسكري عليها السلام (4)، ووثقه ابن طاووس قائلا : كتاب الأوصياء تأليف السعيد

ص: 238


1- قاموس الرجال للتستري: 7/ 50.
2- قاموس الرجال: 50/7 .
3- معجم رجال الحديث للخوئي : 12/ 142.
4- رجال الطوسي: 419 و 432.

علي بن محمد بن زياد الصيمري ؛ كان قد لحق مولانا الهادي والعسكري عليهما السلام وخدمهما؛ وكاتباه ودفعا إليه توقيعات كثيرة، وكان رجلا من وجوه الشيعة وثقاتهم ومقدما في الكتابة والعلم والأدب والمعرفة(1). فيتضح أن محمد بن علي بن زياد الصيمري يختلف تماما عن علي بن محمد السمري سفير الإمام المهدي عليه السلام .

إن النصوص التاريخية لم تذكر طبيعة العمل، الذي كان يقوم به السمري فترة إمامة الحسن العسكري عليه السلام، سوي أنه كان من أصحابه والمقربين إليه(2)، وأما فترة إمامة المهدي عليه السلام فقد كانت الظروف صعبة للغاية ؛ وقد كثر فيها الكذابين والمدعين للسفارة زورا وكذبا، وأخذت السلطات تضايق أصحاب الإمام؛ وتحد من نشاطهم؛ وهكذا أعلن السفير ابن روح النوبختي للأمة بأن السمري هو السفير بعده بأمر الإمام المهدي عليه السلام مراعيا فيه جانب الحذر والكتمان، ولم نعثر علي نص تاريخي في تنصيب الإمام المهدي عليه السلام (3) السمري سفيرا له بعد ابن روح، ولعل ذلك يعود لتسالم الأمة عليه؛ الحاصل من ثقة الأمة المطلقة بابن روح النوبختي والتسليم له؛ وما كان ابن روح يقول ذلك من نفسه في تنصيبه السمري بل ذلك من الأصل و مسموع من الحجة عليه السلام (4). ولم يقم أحد من السفراء إلا بنص عليه من قبل الصاحب عليه السلام ونصب صاحبه الذي تقدم عليه، ولم تقبل الشيعة قول السمري إلا بعد ظهور آية معجزة تظهر علي يده من قبل صاحب الأمر عليه السلام تدل علي صدق مقالته وصحة بابيته(5)، ثم كانت الأموال تحمل إليه، فيخرج

ص: 239


1- مهج الدعوات: 273؛ رسالة النجوم : لابن طاووس: 80
2- رجال الطوسي: 432، كشف الغمة للأربلي 207/3 .
3- الغيبة للطوسي: 242، إعلام الوري للطبرسي : 242 ودائرة المعارف الإسلامية المعربة : 181/1 .
4- الغيبة للطوسي: 199.
5- الاحتجاح للطبرسي: 2/478.

لهم التوقيعات وكان يذكر كمية الأموال جملة وتفصيلا ويسمي أصحابها بالإعلام من قبل القائم عليه السلام له في ذلك (1).

وقد امتازت سفارة السمري بميزات .. نلخصها كالتالي :

أولا: قصر مدة سفارته:

لقد كانت مدة سفارته ثلاث سنوات إلا أيام؛ ويعود سبب قصرها إلي الجو الخانق الذي كان يعيشه هذا السفير وصعوبة الزمان وكثرة الحوادث ؛ وتشتت الأذهان .

ثانيا: ضالة النشاط:

وامتازت هذه الفترة بالذات بقلة نشاط هذا السفير وضآلة عمله بالنسبة إلي أسلافه، لعدم تهيؤ الظروف المناسبة والفرص المؤاتية للعمل؛ وليس كما ذكره بعض المستشرقين من أن السمري ربما أدركته الخيبة فشعر بتفاهة منصبه وعدم حقيقته كوكيل معتمد للإمام المفترض(2). وما دراسة هذا المستشرق لهذا السفير إلآ كونه بمستوي حده وضآلة تفكيره وإلا فأي تفاهة في هذا المنصب الإلهي الخطير وكونه ممثلا عن الإمام المهدي عليه السلام فكرا وروحا. إن الشعور بعدم حقيقة الوكالة أمر لا معني له علي الإطلاق، خاصة في ما يتجلي مع موقفه المباشر من الإمام المهدي عليه السلام وتلقيه التوقيعات منه عليه السلام، وجلب رضا واعتماد الأمة وتسالمها عليه وقبولها أقواله وأفعاله .

ص: 240


1- الخرائج والجرائح للراوندي؛ 186... المخطوط .
2- عقيدة الشيعة، رونلدسن: 257.
ثالثا: قلة التوقيعات الصادرة إليه
رابعا: كثرة المدعين للسفارة كذبا وزورا عن الإمام المهدي عليه السلام
خامسا: كثرة المنازعات والمناقشات بين الفرق الإسلامية واختلافها
سادسا: خروج توقيع من الإمام المهدي عليه السلام في إنهاء السفارة بموت السمري

ص: 241

المبحث الثاني: التحركات السياسية والفكرية والاجتماعية للسمري

اشارة

إن فترة سفارة السمري كانت قد امتازت بميزات نلخصها فيما يلي :

أولا: في خدمة الراضي بالله والمتقي:
أ- بغداد.. والفوضي:

شهدت العاصمة بغداد في هذه الفترة بالذات من سفارة السمري فتر خلافة الراضي والمتقي بالله ، الاضطرابات والفوضي التي عمت كل قطاعات البلاد، قال الصولي في حوادث عام 327ه: عاثت العامة في الأرض فسادا . وانقضوا علي الحمامات العامة وأخذوا ثياب من فيها، وكثرت المصادرات وتفاقم شر اللصوص الذين تسلحوا بالعدد لكبس الدور ليلا، وشكن الناس من غير جدوي إلي (بجكم) ما أحله بهم أصحابه من بلاء، وانتشرت الفوضي والمنازعات وساءت أحوال العراق(1).

ب - المنازعات الدينية والطائفية ونشاط القرامطة:

ولم تخل فترة سفارة السمري من عبث القرامطة، فقد كانت تلك الفتر

ص: 242


1- تاريخ الإسلام، حسن إبراهيم : 3/ 28.

آخذة بالمد والجزر، وكان الحج آنذاك معطلا من عام 317ه إلي عام 327ه الاعتراض القرامطة(1). أما المنازعات الدينية فقد بقيت بين الطوائف في بغداد عاصمة الخلافة مما زاد الأمر إدبارا (2).

ج - الضعف الإداري.. وتوقف الفتوحات: :

وتوقفت الفتوحات الإسلامية في هذه الفترة بالذات لضعف الخلافة والجهاز الإداري للبلاد وتدهور حالها، فإن الخليفة لم يكن له سوي بغداد وأعمالها، والحكم فيها جميعا لابن رائق وليس للخليفة حكم(3)!!

د- الغارات والتقسيمات الطائفية:

لقد كانت البلاد الإسلامية تعاني من الانقسامات الطائفية والعرقية ، فالبصرة في يد ابن رائق وخوزستان في يد البريدي، وفارس في يد عماد الدولة بن بويه، وكرمان في يد أبي محمد الياس، والري وأصبهان والجبل في يد ركن الدولة بن بويه، و (يد) و (شكمير) أخي مرداويج يتنازعان عليها؛ والموصل وديار بكر ومضر وربيعة في يد بني حمدان ومصر والشام في يد محمد بن طغج، والمغرب وإفريقيا في يد عبد الرحمن محمد الملقب بالناصر الأموي(4) ... وكان النزاع قائما علي قدم وساق بين تلك الأمصار؛ وكان شن الغارات والحروب بينها قد هد كيان الدولة العباسية(5).

ص: 243


1- الحضارة الإسلامية : آدم متز: 28/1 .
2- محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية: الخضري/ 265.
3- الكامل في التاريخ لابن الأثير : 8/ 112.
4- الكامل في التاريخ لابن الأثير : 8/ 112.
5- حياة الحيوان للدميري: 1/ 130.
ه- شهوات الخليفة.. واستهتاره بالمبادئ:

لقد عاصر السمري بقية خلافة الراضي بالله المتوفي عام 329ه، وخمسة أشهر وخمسة أيام من خلافة المتقي بالله ، وكانت هذه السنوات مليئة بالظلم وسفك الدماء (1)، فلما نصب الراضي ابن أخي القاهر خليفة، كان له من العمر خمسة وعشرين عاما؛ وكان له من العيب أنه يؤثر لذاته وشهواته علي رأيه ؛ ولم يسلم عهده من سفك الدماء، فقد احتال مثلا علي الوزير (ابن مقلة) بعد تركه الوزارة حتي قبض عليه وسجنه وقبض علي جماعة من أهله وأقاربه ممن سعي في تقليد الأمر لنفسه؛ وبايعه الناس عليه، فمنهم من قتله ؛ ومنهم من ضربه وسجنه، فمات في سجنه، ومنهم من استتر طول المدة(2).

و - الطبقة البرجوازية.. والأوضاع الاقتصادية المتردية:

كان المجتمع يومذاك فترة سفارة السمري قائما علي أساس الطبقية الملموسة ؛ فالأموال مرتكزة بيد الأقوياء والمتنفذين في السلطة ويحظي الأتراك والقواد والموالي بقسط كبير منها؛ علي حين يعيش سائر الناس بالمستوي المتوسط أو دونه إلي حد الفقر المدقع من دون ضمان عيش أو أمل حياة(3).

ز - الانقلابات العسكرية المتوالية.. وحالات الوزارة:

أما الإدارة للبلاد فترة سفارة السمري فهو حديث ذو شجون، فقد استعان الراضي والمتقي في إدارة شؤون دولتهما ببعض الوزراء الضعاف الذين بذلوا للخليفة الكثير من الأموال ؛ مقابل أن يرفعهم إلي مرتبة الوزراء !!

ص: 244


1- عقيدة الشيعة، رونلدسن : 257.
2- الحضارة الإسلامية، آدم متز: 1/15، العيون: 161، الأوراق للصولي : 148.
3- تاريخ الإسلام، حسن إبراهيم حسن : 3/ 27، الفخري : 253.

وليس أدل علي ذلك مما بذله أبو علي بن مقلة حينما تقلد أمر الوزارة للمرة الثالثة في عهد الراضي، فقد دفع للخليفة خمسمائة ألف دينار !! غير أنه لم يتمتع بالوزارة طويلا إذ ثار عليه الجند؛ وقامت في البلاد فتنة انتهت بعزله، وصرفه الراضي عن الوزارة، واستوزر عبد الرحمن بن عيسي بن داوود الجراح فظهر عجزه في إدارة البلاد، وقلد الراضي أخاه الوزارة فاختلت أمور الدولة في عهد وزارته، ولم يلبث أن استقال من منصبه، فحل محله محمد بن القاسم الكرخي، وكان كغيره من الوزراء الذين سبقوه ضعيف الجانب لم يقم بأي عمل في سبيل إصلاح شؤون البلاد وإقالتها من عثرتها، بل قد اشتد ضعف الدولة في عهده واضطر أخيرا إلي الاختفاء حتي لا يلحق به أذي الأهلين(1).

ح - إمرة الأمراء.. والملوك الميروفنجيين :

كان ابن رائق وكاتبه هما اللذان ينظران في كافة شؤون الدولة، وصارت أموال النواحي تحمل إلي خزائن الأمراء(2)، فكانوا يأمرون وينهون وينفقونها كما يرون، ويطلقون النفقات السلطان ما يريدون !! وبطلت بيوت الأموال، وأن حالة الخلفاء العباسيين في عهد إمرة الأمراء لتشبه في كثير من الوجوه حالة الملوك الميروفنجيين المتأخرين الذين كانوا أشبه بالأعيب في أيدي نظار السراي «Maires» والذين لم يعد لهم من الأمر شيء إلا ما كان من ظهورهم في الحفلات الرسمية، وفيما عدا ذلك عاشوا عيشة العزلة في إحدي ضياعهم (3).

ص: 245


1- تاريخ الإسلام؛ حسن إبراهيم حسن : 3/ 27، الفخري : 253.
2- تجارب الأمم لابن مسكويه : 1/ 192.
3- تاريخ الإسلام، حسن إبراهيم حسن : 3/ 28.
ط - الجيش والبنية الدفاعية:

لقد بلغت الخلافة العباسية فترة سفارة السمري - من الضعف بحيث لم يتمكن من دفع أرزاق الجيش، وارتفاع النقمة العسكرية وضعف البنية الدفاعية، فلم يتمكن الخليفة في الحصول علي ما يكفيه، وظلت الحالة علي ذلك حتي توفي الراضي عام 329ه، بعد أن حكم الدولة العباسية ست سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام، واجتمع كاتب «بجكم»الكوفي مع سليمان بن الحسن وزير الراضي وغيره ممن تقلد الوزارة وأصحاب الدواوين والعلويين والقضاة وأفراد البيت العباسي وسائر رجالات الدولة وشاورهم فيمن يصلح للخلافة، فرشحوا إبراهيم بن المقتدر لهذا المنصب فأحضر لدار الخلافة وعرضت عليه ألقاب.. فاختار منها لقب المتقي؛ وبويع له في العشرين من شهر ربيع الأول سنة 329ه، وسير الخلع واللواء إلي (بجكم) بواسط(1).

ص: 246


1- تاريخ الإسلام حسن إبراهيم حسن: 3/ 28.

المبحث الثالث: معجزات الإمام المهدي عليه السلام او علي يدي السمري

اشارة

كانت الغيبة الصغري كافية لإثبات وجود المهدي عليه السلام بما يصل إلي الناس عن طريق سفارته من البينات والبيانات، كما أوجبت بكل وضوح أن يعتاد الناس علي غيبة الإمام عليه السلام ويستسيغون فكرة اختفائه بعد أن كانوا يعاصرون عهد ظهور الأئمة عليه السلام وإمكان الوصول إلي مقابلة الإمام عليه السلام . لقد كان الإمام المهدي عليه السلام متدرجا في الاحتجاب أول مرة وكلما سار به الزمن، زاد احتجابه حتي لا يكاد ينقل عنه المشاهدة فترة سفارة السمري لغير السفير نفسه، وحينما كانت هذه الفترة مشارفة علي الانتهاء، فقد كان الجيل المعاصر لزمن ظهور الأئمة عليهم السلام قد انتهي وبدأت تظهر أجيالا جديدة إلي الوجود قد اعتادت غيبة الإمام المهدي عليه السلام وفكرة القيادة وراء الحجاب ، وأصبحت معدة ذهنية وبشكل تام لتقبل فكرة انقطاع السفارة أساسا. وهكذا استوفت الغيبة أغراضها وانحصرت رؤية الإمام عليه السلام في السفير نفسه، ولو طال أمر السفارة لاحتمل انكشاف أمرها لعدم إمكان المحافظة علي السرية الملتزمة في خطها. أما المعجزات التي ظهرت من الإمام المهدي عليه السلام علي أيدي السمري فنلخصها بما يلي:

ص: 247

أولا: أخباره بوفاة الصدوق قبل وقوعها

علي بن بابويه والد الشيخ الصدوق هو من أجلاء الشيعة والأدلاء علي الصراط ؛ فقد كان شيخ القميين في عصرهم وفقيههم وثقتهم ومتقدمهم(1) وهو أول من ابتكر طرح الأسانيد وجمع بين النظائر وأتي بالخبر مع القرينة وكان الأصحاب يأخذون الفتاوي من رسالته إذا أعوزهم النص ثقة واعتمادا عليه(2)، ولقد جمع من غزارة علمه وكمال عقله وجودة فهمه وشدة حفظه وحسن ذكائه وعلو همته، وخاطبه الإمام العسكري عليه السلام بقوله: يا شيخي ومعتمدي وفقيهي أبا الحسن علي بن الحسين القمي وفقك الله لمرضاته وجعل من صلبك أولادا صالحين برحمته بتقوي الله(3)، وكانت له مكاتبات مع النوبختي وتوقيعات منه عليه السلام إليه ومنها قوله عليه السلام : قد دعونا الله لك وسترزق ولدين ذكرين خيرين، فولد له أبو جعفر وأبو عبد الله من أم ولد، وكان أبو جعفر - الشيخ الصدوق - يقول: أنا ولدت بدعوة صاحب الأمرعليه السلام ويفتخر بذلك(4) . لقد كانت لعلي بن بابويه منزلة خاصة ومقاما رفيعا عند السمري الذي كان يسأل عن أخباره كل قريب وقادم إلي بغداد(5)، وأخبر بموته زمن وساعة وفاته وهو في قم؛ فأرخوا؛ فأتي الخبر بعد سبعة عشر يوما أو ثمانية عشر يوما : أنه قبض في تلك الساعة التي ذكرها ۔ السمري (6).. فقد روي الطوسي بإسناده عن أبي الحسن صالح بن شعيب الطالقاني رحمه الله في ذي القعدة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة قال : حدثنا أبو

ص: 248


1- روضات الجنات للأصبهاني: 4/275.
2- رياض العلماء للأفندي : 6/4 و7.
3- روضات الجنات : 4/273.
4- روضات الجنات: 4/275 نقلا عن الخلاصة والكشي والغيبة للصدوق: 243.
5- تنقيح المقال للمامقاني : 2/305.
6- الغيبة للطوسي: 243.

عبد الله أحمد بن إبراهيم بن مخلد قال : حضرت بغداد عند المشايخ رحمهم الله فقال الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري - قدس سره - ابتداء منه : رحم الله علي بن الحسين بن بابويه القمي، قال : فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم، فورد الخبر أنه توفي في ذلك اليوم، ومضي أبو الحسن السمري بعد ذلك في النصف من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة(1). وهناك خبر آخر رواه الطوسي مشابها لما ذكر (2).

أقول: ولم نعثر عن معاجز أخري للسمري لنذكرها في هذا الباب .

ص: 249


1- الغيبة للطوسي: 242.
2- الغيبة للطوسي: 243.

المبحث الرابع: وفاة علي بن محمد السمري

ذكرنا أن فترة سفارة السمري هي ثلاثة أعوام؛ وقد بدأت من عام 326ه إلي عام 329ه(1)، ولم ينفتح السمري في سفارته، كما كان لأسلافه السفراء ولم يكتسب ذلك العمق والرسوخ في الأمة كمن كان قبله؛ وإن كان الاعتقاد بجلالته ووثاقته كالاعتقاد بهم (2). لقد روي السمري أيضا عن الأئمة عليهم السلام ؛ روي الطبري بإسناده عن علي بن محمد السمري قال : كتبت إليه أسأله عما عندك من العلوم؟! فوقع؛ علمنا علي ثلاثة أوجه ماض وغابر وحادث... (3)الخ، وروي الأربلي بإسناده عن محمد بن علي السمري أنه قال : دخلت علي أبي أحمد عبيد الله بن عبد الله وبين يديه رقعة أبي محمد العسكري عليه السلام فيها : إني نازلت الله في هذا الطاغي - أي الزبيري - وهو آخذه بعد ثلاث ؛ فلما كان في اليوم الثالث، فعل به ما فعل(4)، ورواه الحافظ في أماليه(5)، وقد وصلت كتب أبي جعفر العمري وفيها أحاديث سمعها من

ص: 250


1- إعلام الوري للطبرسي : 417، الغيبة للطوسي: 242.
2- الغيبة الصغري لمحمد الصدر : 413.
3- دلائل الإمامة للطبري: 286.
4- كشف الغمة للأربلي: 2/417.
5- كشف الغمة للأربلي : 2/417.

العسكري والمهدي ومن أبيه عثمان بن سعيد إلي علي بن محمد السمري، واحتفظ بها عنده وكان فيها الأسرار كما ذكرنا(1)، وقد ألف السمري ديوانا من الشعر سماه : ديوان السمري أو شعره، فقد عده ابن شهر آشوب في شعراء الشيعة(2)، ولكننا لم نر له شعر (3).

وقبل وفاة السمري بأيام أخرج إلي الناس توقيعا من الإمام المهدي عليه السلام أعلن فيه عن انتهاء الغيبة الصغري والسفارة، روي الطوسي بإسناده عن الصفراني قال : لما حضرته الوفاة حضرت الشيعة عنده وسألته عن الموكل بعده ولمن يقوم مقامه! فلم يظهر شيئا من ذلك، وذكر أنه لم يؤمر بأن يوصي إلي أحد بعده في هذا الشأن (4)، وقال : الله أمر هو بالغه .. فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمري (رض)(5). وقد وردت نصوص عديدة في أنه قدم طلبا للإمام المهدي عليه السلام بأن يرسل إليه كفنا فورد منه عليه السلام : إنك تحتاج إليه سنة ثمانين، فمات في الوقت الذي حدده وبعث إليه بالكفن قبل موته(6)، وقد رواها الطبري في دلائله، والصدوق في إكماله، والحميري في دلائله عن علي بن محمد الصيمري: أن علي بن محمد السمري كتب يسأل كفنا.. (7)الخ ولكن الكليني في الكافي والطوسي في الغيبة روياها عن علي بن محمد الصيمري أنه كتب يسأل كفنا.. فورد فيها أنك تحتاج إليه سنة

ص: 251


1- الغيبة للطوسي: 221.
2- معالم العلماء: 137.
3- الذريعة للطهراني: 470/9 .
4- الغيبة للطوسي: 242.
5- الغيبة للطوسي: 242.
6- قاموس الرجال للتستري: 50/7 .
7- قاموس الرجال للتستري: 50/7 ، دلائل الإمامة للطبري، البحار للمجلسي: 306/51 .

إحدي وثمانين .. (1)الخ.. وقد حل المجلسي هذا فقال : المقصود من طالب الكفن قبل موته هو الصيمري لا السمري، والمظنون أن المراد بالسنة المحددة هي سنة إحدي وثمانين ومائتين، وإن كان يحتمل أن يراد به السنة الحادية والثمانين من عمره(2).

لقد علمت الأمة بموت السمري، وكان أمرا واضحا لديها. بأن كل من ادعي الأمر بعد السمري فهو كافر منمس ضال مضل(3)، وعلمت أيضا بالتوقيع الآخر الذي أخرجه السمري للأمة من الإمام المهدي عليه السلام في نهاية الغيبة الصغري بانتهاء السفارة، وإعلانه عليه السلام عن بداية الغيبة الكبري .. وسنذكره في ختام البحث إن شاء الله تعالي.

لقد ذكر المؤرخون أن وفاة السمري كانت في سنة تناثر النجوم وهي عام 329ه، قال صاحب الروضات : رأي الناس في تلك السنة أي عام 329ه تساقط الشهب الكثيرة من السماء، وفسر ذلك بموت العلماء، وقد كان ذلك؛ فإنه مات في تلك السنة جملة من العلماء منهم : محمد بن علي السمري؛ وعلي بن بابويه القمي ودفن بقم والكليني وغيرهم، فصارت تلك السنة تاريخا من هذه الجهة، وقد ذكر في كتاب تاريخ أخبار البشر موت جماعة كثيرة من العلماء و منهم علي بن محمد السمري (4).

وقد اختلف العلماء في سنة تناثر النجوم؛ فقد ذكر البهائي أنها عام 241ه(5)، وأول كلامه صاحب الروضات قائلا: ولا يبعد كونها بعينها؛ هي

ص: 252


1- قاموس الرجال للتستري : 50/7 .
2- البحار للمجلسي: 600/51 ، الغيبة الصغري لمحمد الصدر : 476.
3- الغيبة للطوسي: 255.
4- روضات الجنات للأصبهاني : 4/278، رياض العلماء للأفندي : 13/4
5- الكشكول للبهائي: 271، روضات الجنات للأنسبهاني: 4/278.

سنة تسع وعشرون وثلاثمائة، وذلك كما ذكره غير واحد منهم ؛ فيحتمل أن يكون قد وقع للبهائي اشتباه في الضبط أو لأحد النساخ في رموزها الهندسية فلا تغفل (1). وقال التستري : إن العلامة توهم في موت علي بن الحسين بن بابويه سنة تسع وعشرين وثلثمائة - وهي السنة التي تناثر فيها النجوم؛ فإن سنة التناثر لم تكن في عام 329ه بل كانت سنة 313ه، ثم استشهد التستري يقول ابن الأثير في وقائع سنة 323ه أنه قال : وفيها في الليلة الثانية عشرة من ذي القعدة وهي الليلة التي أوقع القرمطي بالحجاج - انقضت الكواكب من أول الليل إلي آخره انقضاضا دائما مسرفا لم يعهد مثله، وقال المسعودي بعد ذكر انقضاض الكواكب سنة 232 هم في عصر المتوكل العباسي: وقد كان في سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة انقضاض كوكب عظيم هائل، وهي الليلة التي وقعت فيها القرامطة بحاج العراق (2). ويمكن الجمع بين الأقوال بأن تناثر النجوم وتهافتها لم ينحصر في سنة معينة ومحددة بالذات كما تقدم في أقوال العلماءوالمؤرخين، ولعل أقربها ما ذكره النجاشي وهو وقوعها عام 329ه ؛ لأنه أقرب زمانا من الغيبة وأعرف بها من غيره. وقد أيد هذا البحراني(3) ؛ ووافقه بعض مؤرخي الجمهور(4).

وانتقل السمري إلي الرفيق الأعلي؛ فأودع الأرض في قبره في الشارع المعروف بشارع الخلنجي من ربع المحول قريب من شاطيء نهر أبي عتاب ؛ وهو بقرب الكليني رحمه الله(5)؛ وله الآن في بغداد مزار معروف(6).

ص: 253


1- روضات الجنات للأصبهاني: 5/39.
2- قاموس الرجال للتستري : 1/472.
3- لؤلؤة البحرين: 384.
4- روضات الجنات للأصبهاني: 4/278.
5- سفينة البحار للقمي: 2/248.
6- الغيبة الصغري لمحمد الصدر : 416.

المبحث الخامس: دراسة ونقد التوقيع الإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف) للسمري بإنتهاء الغيبة الصغري

اشارة

أما التوقيع الصادر من الإمام المهدي عليه السلام في إعلانه لسفيره السمري بانتهاء الغيبة الصغري والسفارة، وبدء الغيبة الكبري.. فهو:

روي الطوسي بإسناده عن أبي محمد أحمد بن الحسن المكتب قال : كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري - قدس سره - فحضرته قبل وفاته بأيام، فأخرج إلي الناس توقيعا نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم، يا علي بن محمد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبيني ستة أيام؛ فاجمع أمرك. ولا توص إلي أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة ، فلا ظهور إلا بعد إذن الله - تعالي ذكره - وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جورا ، وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

قال : فنسخنا هذا التوقيع، وخرجنا من عنده ، فلما كان اليوم السادس؛ عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له : من وصيك من بعدك؟ فقال :«الله أمر

ص: 254

هو بالغه وقضي.. فهذا آخر كلام سمع منه رضي الله عنه وأرضاه(1).

ويقع الكلام هنا في مقامين:
1- اشارة

اولا:في سند هذا الحديث المشهور المستفيض

ثانيا: في دلالته.

2- أما الكلام في المقام الأول:
اشارة

فاعلم أن هذا الحديث صحيح عال اصطلاحا؛ لأنه مروي عن الإمام المهدي عليه السلام بواسطة ثلاثة من الرواة هم :

ا- السمري - سفير الإمام المهدي عليه السلام .

2 - الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي.

3 - أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب . ونخص الكلام في الشخصية الثالثة لتقدم الكلام في الشخصين الأولين :

قال عناية الله : وقد روي عنه الصدوق مكررا مترضيا مترحما؛ وهذا من أمارات الصحة والوثاقة، ثم ذكرت شواهد له كثيرة(2).

ونشير هنا إلي أمرين: .

الأمر الأول: روي في الغيبة هكذا: أخبرنا جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه قال : حدثني أبو محمد أحمد بن الحسن المكتب قال : كنت بمدينة السلام.. (3) الخبر، وساق مثله ما نقله ابن بابويه

ص: 255


1- الغيبة للطوسي: 243.
2- مجمع الرجال للقهبائي : 1/320.
3- الغيبة للطوسي : 263.

في كمال الدين وتمام النعمة(1)، وقد عرفت أن الذي روي عنه ابن بابويه هو الحسن بن أحمد وليس أحمد بن الحسن؛ والظاهر أن السهو في كتاب الشيخ وقع من النساخ ويؤيد هذا السهو ما رواه النوري الطبرسي في جنة المأوي في الفائدة الأولي؛ وعن غيبة الطوسي عن الحسن بن أحمد المكتب (2).. والله العالم.

الأمر الثاني : أن صاحب المستدرك مع سعة باعه وكثرة اطلاعه واهتمامه في استقصاء أسماء مشايخ الصدوق، كان قد غفل عن هذه الشخصية العظيمة التي روي عنها الصدوق مكررا مترضيا مترحما؛ وأمثال هذه الأمور تبعث علي الفحص والتتبع، وتوجب الظفر بما غفل عنه من قبله، فقد روي عناية الله في مجمع رجاله هذا الحديث عن كتاب ربيع الشيعة لابن طاووس حاكيا عن الحسن بن أحمد المكتب فتأمل (3).

وقد طعن في سند هذا الحديث ...

فقالوا: إنه خبر واحد، مرسل ضعيف لم يعمل به ناقله، وهو الشيخ في الكتاب المذكور، وأعرض عنه الأصحاب، فلا يعارض تلك الوقائع والقصص التي يحصل القطع عن مجموعها بل من بعضها المتضمن لكرامات و مفاخر لا يمكن صدورها عن غيره عليه السلام(4).

ويمكن المناقشة في تلك المطاعن وردها كلها بامور:

أولا: إن كونه خبرا واحدا ليس نقصا فيه، لما ثبت في الأصول من

ص: 256


1- كمال الدين للصدوق: 2/516.
2- جنة المأوي للنوري : 18.
3- مجمع الرجال للقهبائي: 1/320
4- منتخب الأثر للصافي: 40، البحار للمجلسي : 318/53 .

حجية الخبر الواحد الثقة ؛ والقول بعدم حجيته هو قول شاذ لا يقول به إلا النادر من العلماء.

ثانيا : إن كونه مرسلا، غير تام؛ إذ قد رواه الطوسي في الغيبة والصدوق في إكماله وغيرهما(1)؛ فأين الإرسال؟! والزمن بحسب العادة مناسبا مع وجود الواسطة الواحدة، وأما ما ذكره الطبرسي هذا الخبر مرسلا من دون ذكر السند؛ فإنه التزم في أول كتابه «الاحتجاج»بأنه لا يذكر فيه سند الأحاديث، إما بسبب موافقتها الإجماع أو اشتهارها بين المخالف والمؤالف أو موافقتها بحكم العقل(2). فظهر أن الحديث المذكور أيضا كان غنيا عن ذكر السند إما الموافقته للإجماع أو لاشتهاره أو كليهما معا، لأن علماءنا ابتداء من الصدوق إلي زماننا هذا استندوا إليه واعتمدوا عليه ولم يناقش فيه أحد أو يتأمل في اعتباره كما لا يخفي علي من له أنس وتتبع في كلماتهم ومصنفاتهم؛ إذن هذه من الروايات القطعية التي لا ريب فيها ولا شبهة تعتريها؛ قال عليه السلام: المجمع عليه لا ريب فيه(3).

ثالثا: إن كونه ضعيفا لا نسلم به، وعلي تقدير التسليم فإنه للإثبات التاريخي وإن لم يكن كافية لإثبات الحكم الشرعي.

رابعا: وأما إعراض الأصحاب كالطوسي وغيره؛ فهو تخيل ووهم، لأن الشيخ وغيره اعتبروا إثبات رؤية المهدي عليه السلام في غيبته الكبري هو مما لا شك فيه، إلا أنه إنما يصلح دليلا علي إعراضهم لو كانت هناك معارضة ومنافاة بين التوقيع وإثبات الرؤية ؛ وأما عدم المعارضة فيمكن أن يكون

ص: 257


1- الغيبة للطوسي: 243، كمال الدين للصدوق: 2/516، منتخب الأثر للصافي: 40، البحار للمجلسي : 318/53 .
2- الاحتجاج للطبرسي: 5/1.
3- الاحتجاج للطبرسي : 40/1 .

الطوسي وغيره قد التزموا بكلا الناحيتين من دون تكاذب بينهما، ومعه لا دليل علي هذا الإعراض منهم؛ ولو كان هذا حاصلا عنهم لما أضر بحجية الخير؛ لما هو الثابت المحقق في علم الأصول بأن إعراض العلماء عن الرواية لا يوجب وهنا في الرواية لا سندا ولا دلالة(1).

3- أما الكلام في المقام الثاني:

فقد تقدم ذكرنا التوقيع عنه عليه السلام وقد جاء فيه: «فقد وقعت الغيبة التامة»؛ وهو تعليل لقوله عليه السلام : «ولا توص لأحد يقوم مقامك»؛ ويدل هذا علي أن الغيبة الكبري هي التي انقطعت النيابة والسفارة الخاصة فيها.. وأكد ذلك بقوله عليه السلام : وسيأتي لشيعتي من يدعي المشاهدة»ولا شبهة في أن المراد بها هو وقوعها علي نحو ما وقع للسفراء الأربعة، وقد صرح بأن كل من ادعي الأمر بعد السمري فهو كافر منمس ضال مضل(2). فالمشاهدة هنا مقيدة بكونها علي نحو البابية والسفارة الخاصة لا مطلق المشاهدة، وهو من باب ذكر المطلق وإرادة المقيد، أو ذكر العام وإرادة الخاص، وهذا شائع في العرف واللغة. فلا تنافي إذن بين التوقيع الشريف ووقوع المشاهدة زمن الغيبة الكبري لكثير ممن فاز بشرف رؤيته عليه السلام، قال العلماء : إن هذا الوجه قريب جدا، وقد نقل عن البحار وغيره(3)، هذا وقد قيل في الجمع بين وقوع المشاهدة في الغيبة الكبري والتوقيع الصادر منه عليه السلام وجوه، وهي بعيدة ولا حاجة للتعرض لها هنا، وهي مذكورة في البحار فراجعها (4).

وقد أكد الإمام المهدي في توقيعه للسمري أمورا عديدة هي :

ص: 258


1- الغيبة الصغري لمحمد الصدر : 641 - 642.
2-
3- الغيبة للطوسي: 255.
4- البحار للمجلسي: 318/53

أولا: إخباره بموت السمري في غضون ستة أيام؛ وهو من الأخبار بالغيب الذي يمكن تحققه للإمام عليه السلام ، ولم يشك أحد يومئذ في صدق الخبر ؛ فغدا أصحابه بعد ستة أيام؛ فوجدوه يجود بنفسه وتحقق كما أخبر عنه الإمام عليه السلام (1).

ثانيا : إيعازه ظل بانتهاء السفارة وبداية الغيبة الكبري بموت السمري وأن لا يوصي بعده لأحد.

ثالثا: الإغماض عن ذكر تاريخ الظهور، وأن لا ظهور منه عليه السلام إلا بإذنه تعالي.

رابعا: إعرابه عن أمد الغيبة الكبري بأنه سيكون طويلا مديدا.

خامسا: إشارته في التوقيع إلي أمور غيبية كقسوة القلوب، وضعف الوازع الإيماني، وعدم الشعور بالمسؤولية، والمشارفة علي الانحراف .

سادسا : إخباره عليه السلام عن السفياني والصيحة، وأنه حق لا محيص عنه قبل خروجه وظهوره؛ وتصديقه ما جاء عن النبي صلي الله عليه و آله في الأمور الغيبية .

سابعا: إخباره عليه السلام عن امتلاء الأرض ظلما، وجورا، وفقدان العدالة وغلبة الشهوات وسيطرتها علي العالم.

ثامنا : تصريحه عليه السلام بأن من ادعي المشاهدة له كرؤية السفراء له ، مدعين البابية عنه عليه السلام والسفارة قبل خروج السفياني والصيحة فهو مفتر كذاب (2).

تم الكتاب والحمد لله رب العالمين

ص: 259


1- الغيبة للطوسي: 243.
2- انظر الغيبة الصغري: محمد الصدر : 634.

ص: 260

الفهرس

تقريظ للأستاذ العلامة جعفر سبحاني...5

مقدمة الكتاب...11

الفصل الأول : نظرة متكاملة حول سفارة الإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف)...27

المبحث الأول: الأهداف المرتقبة من السفارة المهدوية...30

المبحث الثاني : مقومات السفراء الأربعة للإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف)...30

المبحث الثالث : الصيغ العملية والأيديولوجية الجديدة في عمل السفراء...32

المبحث الرابع : تساؤلات علي طاولة البحث حول السفارة...41

السؤال الأول: لماذا لم يختر الإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف) سفراءه من العلويين .... 41 السؤال الثاني : لماذا اختار الإمام المهدي بغداد لسفارته...43

السؤال الثالث : ما هو الهدف من اختيار الوكلاء في أمر السفارة...47

الفصل الثاني : دراسة موضوعية للسفارة ودور السفراء في ترسيخ مفهوم الغيبة...55

المدخل: آراء العلماء حول السفراء...57

الباب الأول : السفير الأول للإمام المهدي عثمان بن سعيد العمري...61

المبحث الأول: عثمان بن سعيد العمري في الميزان... 63

ص: 261

المبحث الثاني : وقوع الاشتباه في عثمان بن سعيد من بعض الأعلام...84

المبحث الثالث : التراث الذي خلفه عثمان بن سعيد العمري للأمة الإسلامية... 87

المبحث الرابع : المعجزات التي ظهرت من الإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف) علي يدي عثمان بن سعيد العمري...93المبحث الخامس: وفاة عثمان بن سعيد العمري وبرقية الإمام المهدي بالمواساة...97

الباب الثاني : السفير الثاني للإمام المهدي محمد بن عثمان العمري...101

المبحث الأول : محمد بن عثمان العمري في الميزان...103

المبحث الثاني: محمد بن عثمان العمري والأوضاع السياسية والفكرية والاجتماعية فترة سفارته...118

المبحث الثالث: محمد بن عثمان العمري ومدعو السفارة الكاذبة...127

المبحث الرابع : التراث الذي خلفه محمد بن عثمان العمري للأمة الإسلامية... 138

المبحث الخامس: المعجزات التي ظهرت من الإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف) علي يدي محمد بن عثمان العمري...152

المبحث السادس : وفاة محمد بن عثمان العمري ...157

الباب الثالث : السفير الثالث للإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف) الحسين بن روح النوبختي ...163 المبحث الأول : الحسين بن روح النوبختي في الميزان ...165

المبحث الثاني : التحرك الثقافي والسياسي لابن روح النوبختي وأسباب اعتقاله...185

المبحث الثالث: الحسين بن روح النوبختي ومدعو السفارة الكاذبة عن الإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف)...201 المبحث الرابع : التراث الذي خلفه الحسين بن روح النوبختي للأمة الإسلامية...219

ص: 262

المبحث الخامس : معجزات الإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف) علي يدي الحسين بن روح النوبختي...226

المبحث السادس : وفاة الحسين بن روح النوبختي...230

الباب الرابع: السفير الرابع للإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف) علي بن محمد السمري... 233

المبحث الأول : علي بن محمد السمري في الميزان...235

المبحث الثاني : التحركات السياسية والفكرية والاجتماعية للسمري...242

المبحث الثالث : معجزات الإمام المهدي علي يدي السمري ...247

المبحث الرابع : وفاة علي بن محمد السمري...250المبحث الخامس : دراسة ونقد لتوقيع الإمام المهدي (عجل الله تعالي فرجه الشريف) للسمري بانتهاء الغيبة الصغري...254

ص: 263

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.