الجزيرة الخضراء تحريف في تاريخ الشيعة

اشارة

الجيزيرة الخضراء تحريف في تاريخ الشيعة

تاليف: غلام رضا نظري

تحقيق: سلمان الانصاري

دارالرسول الاكرم صلي الله عليه و آله

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

جميع الحقوق محفوظة

الطبعة الولي

1427م-2006م

دار الرسول اكرم صلي الله عليه و آله

حارة حريك - خلف البلدية - تلفون: 03/814294

تلفاكس: 01/541930 - ص.ب: 11/8601

E-mail: dai-alrasool@hotmail.com

ص: 6

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

المقدمة

التحقيق والبحث حول موضوع المهدي عليه السلام من جملة الموارد البارزة في القرون والأعصار وقد نال هذا اهتماما واضحا، وقدم أصحاب الفكر والقلم جهودا مضنية لاعطائه حقه.

بالنظر لاحتلال المهدوية موقعا مركزيا في اعتقادات الشيعة ، لهذا كان البحث فيه من جانبين متقابلين بالكامل، الجانب الأول ويمثل علماءالشيعة والنواب العامين الامام الزمان عليه السلام، ودورهم في اداء التكليف، ونهضة وبناء الأمم المسلمة وتوعيتها بظروف وأوضاع الزمان، و تعيين مواصفات عصر الغيبة، بالاضافة إلي تحديد وظائف الناس في عصر الغيبة، وحقا كان لهم دور فعال ومؤثر في هذا المجال، و آثار علماء السلف بين ميزان اهتمامهم به ، وكذلك توضح مدي حساسية هذا الموضوع، وتحكي عن التعصب والتمسك الذي كانوا يتصفون به آنذاك.

وأثناء تلك الأوضاع حاولت مجموعة أخري أن تضع

ص: 7

فواصلا مذهبية وعقائدية وحدود تقابل بها الاعتقاد الشيعي النقي، ومن خلال تحريف بعض المتون الأصيلة ومباني بعض المعتقدات ، شرعوا بشن حملاتهم علي الطرف المقابل ويمكن أن نري آثار ذلك بوضوح في عصرنا الحاضر.

لكن التيار الشيعي الجارف نشر اجنحته بقوة فوق وجه الزمان. أعطت ثورة الامام الحسين عليه السلام وشهادته وشهادة أصحابه وأهل بيته زخما وطاقة حركية للشيعة للسير في قمم المعنويات، ورسمت في نفوسهم الأمل بالمستقبل المشرق، وطوي صفحات الظلم والظالمين ، وسطوع نور عظمة الكيان الشيعي ، ووصول الملك إلي وارثه الحقيقي ومصلح آخر الزمان ، وظهور مكمل سلسلة الامامة . كل ذلك زاد من صلابة الشيعة في تصديهم وتحملهم الايام السوداء وجور الحكام، وقاد حركتهم إلي الكمال ومنحها معني عال.

كان ذكر الحسين عليه السلام قبل الثورة الاسلامية في ايران يقتصر علي العشرة الاولي من محرم، وذكري الامام صاحب الزمان عليه السلام يتحدد في الخامس عشر من شعبان علي الرغم من كون أهلها يطغي عليهم التشيع . وأما الأيام الباقية فلا ذكر فيها ولا تذكير وكأن المهدي عليه السلام لا يعني هذه الأمة.

بعد نجاح الثورة الاسلامية تدفقت دماء جديدة في شرايين

ص: 8

العقيدة الشيعية المضمرة آنذاك. وكانت تلك الأسماء الجليلة محور تمام أقوال الإمام الخميني رحمةالله من اللحظات الاولي للثورة، ولما التفت الناس إلي فعلهم العظيم توضحت لهم شخصية الحسين عليه السلام وشخصية المهدي عليه السلام.

سعي الإمام من خلال تبيان خطوط الثورة الحسينية أن يوضح للناس بان هذه الدولة (هي دولة صاحب الزمان) وهذه الثورة أمانة بأيديهم وعليهم الحفاظ عليها إلي حين تسليمها لصاحبها الحقيقي .

استهدفت الانحرافات جناحي النهضة الشيعية (كما كان ذلك في السابق،) وان الآثار التي ظهرت في العصور السابقة يمكن . تبريرها بوجود الانحراف والتحريف، ولكن ما هي مبررات ظهور بعض التحريفات في عصرنا الحاضر خصوصا بعد نجاح الثورة الاسلامية من قبيل : الجزيرة الخضراء وحضور صاحب الزمان عليه السلام وأولاده وعائلته في تلك البقعة، من قبل بعض الأفراد (معلومي الحال) واخراجها من بطون التاريخ المحترف للعقائد الشيعية و بصبغة أخري ولون ورائحة ماكرة وخداعة، بدون شك لا تبرير لذلك علي الاطلاق .

للأسف هناك من يدعي التحقيق والبحث، لكنه يستند إلي رواية فرد يدعي التشيع يعرف باسم (فاضل مازندراني) كان قد

ص: 9

تربي في كنف المخالفين وتعلم بين المتعصبين ونشأ في مركز العداء للتشيع. يعمل هؤلاء علي اعادة اخراج قصة ذلك المدعي والتي تحمل اسم الجزيرة الخضراء أو (مثلث برمودا) وفيها الصحون الطائرة التي يقول انها أصحاب الأمام وأنصاره؛

كيف استند اولئك إلي رواية كذاب يدعي رؤية صاحب العصر عليه السلام ويقول ان الامام في أرض غير قابلة للوصول وبعيدة عن الناس، في حين يؤكد جميع المسلمين (سنة وشيعة) علي بطلان تلك الروايات .

جاء في المجلد الثالث عشر من بحار الأنوار عن خبر ابراهيم بن مهزيار نقلا عن صاحب العصر والزمان وبقية الله الأعظم عليه السلام يقول: «إن أبي صلي الله عليه عهد إلي أن لا أوطن من الأرض إلا أخفاها وأقصاها إسرارا لأمري وتحصينا لمحلي من مكائد أهل الضلال ، والمردة من أحداث الأمم الضوال فنبذني إلي عالية الرمال، وجبت صرائم الارض تنظرني الغاية التي عندها يحل الأمر...».

مع وجود هذه الرواية الصريحة والواضحة والمنقولة مباشرة عن حضرته عليه السلام لا يدع مجالا للشك في قولنا حول وجود مؤامرة للتحريف نراها اليوم في صيغة الجزيرة الخضراء وقد وضعت لها الأشعار ونظمت لأجلها القصائد .

ص: 10

جاء في غيبة الطوسي رواية عن أبي بصير، عن الإمام الباقر عليه السلام يقول: «لا بد لصاحب هذا الأمر من عزلة ولا بد في عزلته من قوة وما بثلاثين من وحشة ونعم المنزل طيبة».

فأين الجيوش المؤلفة اذن؟ وأي جمعة تتجمع بها تلك الالوف وتعرض قواها وهي تنتظر أوامر فتح العالم ؟

هل ان رواية هذا المتتلمذ علي يد المتعصبين و نسل الغاصبين لخلافة أهل البيت الحقة كانت طيبة المذاق في أفواههم، حتي أنهم يعتمدون علي صحة رواية الجزيرة الخضراء والتي تناقض أحاديث صاحب الزمان عليه السلام الصريحة والتي تحدد ملازمين الإمام عليه السلام في ثلاثين نفرا فقط، للأسف أن هؤلاء يضربون قول المعصوم عليهم السلام ويتمسكون بأراجيف فرد نفوذي منتفع.

مجموعة تدعي العلم ولكنها في الحقيقة سودت اللوح الأبيض للعواطف الشيعية ، هلا نظروا إلي كتب التاريخ والجغرافية لمعرفة مناطقهم التي ذكروها في قصتهم، أو تصفحوها للعثور علي سند يثبت ادعاءاتهم؟ من الواضح أن فكرة كهذه لم تمر حتي في مخيلتهم، لأنهم لو تفكروا لحظة بمعني ما كتبوه لصرفوا النظر عن طبع تلك الأباطيل! وكما قال أحد الأساتذة : «ان الأفراد الذين لا يعرفون من التفكر إلا لفظه، لا يحصلون علي نتيجة واقعية وما يصلون إليه فهو في الواقع خيال (سلبي) وكل ما كتب حول قصة

ص: 11

الجزيرة الخضراء ما هو إلا نسيج لخيالهم.

وإلا فأين تلك الأباطيل (مؤامرة فاضل مازندراني ومثلث برمودا) من النص الصريح للمعصومين عليهم السلام؟ وأين الصحون الطائرة والموجودات الوحشية التي قذفت بسفنها للاختبار ولتحطيم النوع البشري، من صاحب الزمان عليه السلام؟

هذه التخيلات الباطلة زرقت في شرايين المجتمع وهي مملوءة سم مهلك لكي يصعب تشخيصها والمبادرة إلي اقتلاعها والقضاء عليها.

يدور هذا الكتاب المختصر حول محور الجزيرة الخضراء الذي ينقله الراوون كقصة في تلك البقعة من الأرض.

ونسعي إلي طرح بحث شامل لجميع المعتقدات المطروحة في جميع الأديان حول المهدي المنتظر ونشير إلي كيفية وصول الناس المخلصين وغيرهم إلي متون و مصادر ذلك الموضوع، وكيف وقعت التحريفات علي عقائد الشيعة النقية علي طول التاريخ، بالاضافة إلي بحث اندلس المسلمين والتي تسمي حاليا باسبانيا والنهضات الواقعة فيها تحت شعار التشيع، وأخيرا الأساليب المخططة لضرب التشيع.

يجدر بنا الإشارة إلي نكتة أساسية تتناول سند هذه الرواية

ص: 12

ومدي صحتها أو بطلانها في كتاب (الجزيرة الخضراء حقيقة أم اسطورة)، وقد بحث ذلك من قبل الكاتب المحترم بصورة شاملة ومفصلة ولا نري حاجة لتكرار ذلك ولكننا سنعرض مستند تاريخ الجزيرة الخضراء والمؤامرة التي حيكت قبل سبعمائة سنة ولا زالت للأسف تتفاعل لحد الآن.

ولقد لجأ الحقير إلي تأليف هذا الكتاب الذي بين أيديكم بمقتضي التكليف بعد حصول العلم الحقيقي بماهية تلك المؤامرة ، وبادرنا إلي تفكيكها من بطون أوراق التاريخ ولا ندعي الفضل في ذلك، ونأمل من أصحاب الرأي وأهل الفكر والقلم اتحافنا في نصائحهم وانتقاداتهم واقتراحاتهم وسنكون في موضع امتنان و تشكر ودعاء لهم.

ونسألكم الدعاء

غلام رضا نظري

ص: 13

ص: 14

الفصل الأول: المهدي عليه السلام في التاريخ والأديان

ص: 15

ص: 16

تتفق جميع المذاهب والمعتقدات علي وجود منجي ومصلح يظهر في آخر الزمان، ابتداء من الكتابية منها وانتهاء بالفرق الضالة المنتشرة في بقع متناثرة من العالم، جميعها تشير في أخبارها عن منج يظهر في آخر الزمان يمليءالأرض قسطا وعدلا.

يمكن اعتبار ذلك حلقة وصل بين الملل و مركزا لتفاهمها . تمتد جذور هذا الاعتقاد إلي أعماق الأمل، لأن انعدامها يساوي الموت خصوصا في مذهب التشيع القدسي الذي ربط ذلك بالعدل الالهي وصوره بأجمل الصور وأكثرها فرحا وسرورا، واعطي فكرة الآخر الزمان وبعد ظهور بقية الله الأعظم عليه السلام تبعث علي الأمل والبهجة.

لم نر متنا أكمل وأبسط مما ذكر في كتاب تذكرة الأئمة في باب عقائد الملل المختلفة وفي الباب الرابع عشر للكتاب لشيخ العلماء والمحدثين ، العلامة المجلسي في أحوال الأربعة عشر معصوم عليهم السلام.

يبدأ هذا العلامة قوله بما يلي :

«جميع أقوام وأمم بني البشر وخصوصا أهل الكتاب يقولون

ص: 17

بوجود امام الزمان عليه السلام. ثم يذكر أسماء الملل والأقوام كما يلي: «اليهود، النصاري، المجوس، كفار الحرب، مرتاضان الهند، البراهمة، الجوكيان، الساسانيين ، أهل ختارصرصر، خانباتغ والصين، حكماء اليونان، الفلاسفة، السفسطائيين، أهل النجوم، التناسخية ، جميع الثلاثة والسبعين فرقة من المسلمين وقاطبة أهل السنة و...»..

وبعد أن يعدد أسماء صاحب العصر عليه السلام يقول :

«ورد الاسم المبارك لحضرته عليه السلام في كثير من الآيات القرآنية، تلويحا وإشارة ورمزا مثل: النجم، العصر والفجر في أول سور القرآن في صيغة القسم، وكذلك في أول آيات سورة البقرة جاءت كلمة (غيب) وما يعنيه منها هو صاحب الأمر عليه السلام.

وقد ورد اسمه الشريف في صحف ابراهيم باسم (صاحب)، وفي الزبور (قائم)، وفي التوراة تركوم (قيدوم) وفي توراة العبرانية (ماشع). وفي الإنجيل (مهيد آخر) وفي كتاب فرنگان (مسيح الزمان)، وفي كتاب زمزم زردشت (سروش ايزد) وفي كتاب السباغ (بهرام) وفي رواية أخري (عبد الله)، وفي كتب السنة (المهدي)، وفي كتاب ارماطس (شماطيل) وفي كتاب هزار نامه هندوان «لنديطار»، وفي كتاب جاودان (خوراز)، وفي كتاب قبروس الروم (فردوس الأكبر) وفي الصحيفة السماوية (كلمة الحق

ص: 18

ولسان الصدق) وفي كتاب كندوال (صمصام الأكبر) و مجوس العجم (كيقباد الثاني)، وجاء في كشكول الشيخ البهائي رحمة الله أن الفرس يطلقون عليه (العارف بالله أو الدال الي الله)، وفي كتاب مارياقين (زندودفريس)، وفي كتاب شاكون (القائم والعارف بالله )، في كتاب بختاور (كوكما) وفي كتاب رأي براهمة (المنصور) وفي كتاب كندوال فرنگان (المبارك) وفي كتاب پر ليومپو (قائم)، وفي كتاب اشعياي النبي (المبارك)، وفي كتاب ذوهر (بقية الله)، وفي كتاب انكليون (برهان الله) وفي كتاب القنطرة (القاطع).

العلامة المجلسي رحمة الله في ادامه توضيحه لأوضاع وأحوال صاحب الزمان عليه السلام وبعد أن يصل الي مذهب (البراهمة) في الهند يقول: «يقول صاحب كتاب (پانتكل) الذي يعتبر من أعظم كتب البراهمة في الهند أن الدنيا تقسم الي أربعة (أطوار) وكل طور يقسم الي أربعة (أكوار) و كل كور الي أربعة (أدوار) وكل دور أربعة آلاف سنة، ليكون مجموع ذلك ثلثمائة وأربعة وثمانين ألف سنة، تتجدد الدنيا بعد إتمام كل الأدوار وتحيا من جديد ويظهر من جديد صاحب هذه الأدوار وهو ابن امامي العالم، أحدهما ناموس آخر الزمان (المقصود بالناموس هنا هو النبي صلي الله عليه و آله والآخر الصديق الأكبر ويعني الوصي الأول والمسمي (بش) وهذا اسم علي عليه السلام أمير المؤمنين.

ص: 19

و واسم صاحب هذا الملك في اللغة الهندية (راهنما) أي الدليل، يصبح ملكا بالحق. وخليفة الله (جاءت بلفظ (رام) في لغتهم وتعني الله، وسيحكم بدل الأنبياء كإبراهيم والخضر ولديه معاجز كثيرة، ومن يلجأ إليه ويختار دين آبائه سيكون منبسط الوجه عند ربه، ستتسع دولته، وسيزيد عمره علي أبناء الناموس الأكبر (علي عليه السلام وستتيسر له أعمال آخر الزمان ويسيطر علي القسم الأعظم للكرة الأرضية، ويهدم محل الأصنام (سومنات)، أو يخرب محل الأصنام في كابل، وسينطق بأمره (جگرنات) ويركع أمامه وسيقتله ويلقي به في البحر الكبير، وسيقضي علي جميع أصنام العالم.

يقول (شاكموني) (وهو نبي صاحب كتاب كما يعتقد الهنود) وبعث علي أهل ختاوختن و مولود في مدينة كيلوس. : «ستصل حكومة العالم إلي سلالة سيد خلائق العالمين (كشن)، وكشن يعني في قاموسهم الاسم المبارك لرسول الإسلام الأكرم صلي الله عليه و آله. وسيحكم جبال المشرق والمغرب للعالم وسيركب الغيوم، وتلزمه الملائكة من السودان (الواقعة خط الاستواء) الي خط عرض (60 المدار الجغرافي الواقع تحت القطب الشمالي، وسيحكم ما وراء القارة السابعة وجنة ارم (المراد جبل قاف) ويستخلص أديان الله في دين واحد اسمه القائم أو العارف بالله». .

ويستمر العلامة في تبيانه لمتون وأسناد الهند بقوله: «في

ص: 20

كتاب (ناسك) الذي يعتبر من أصحاب الشرائع الهندية ويعتقد هو وأتباعه بأن الإنسان كالنبات ينمو ويجف ويتلاشي عن بعضه. ، يقول فيه: «ستختم الدنيا بملك يكون إمام الإنس والملائكة، وهو من نسل نبي آخر الزمان، في وجوده يكون الحق والسبيل المستقيم، وستلقي البحار والجبال والأراضي كل ما في بطونها من المعادن و غيرها و ستخبر عن غيب السماء والأرض».

وكذلك الحال بالنسبة لكتاب (ديد) الذي يعتقد البراهمة بأنه كتاب سماوي، وكتاب (ماهي شور) (وهو اسم أحد أصحاب الشرائع الهندية) يقول أتباعه: «ماهي شور، لم يلده أحد، وهو لن يموت، وله ولد وزوجة، ويسكن جزيرة ياقوت وهو خليط من الشمس والقمر والنار).

يقول ماهي شور في باب خراب الدنيا: «يظهر ملك آخر الزمان ويكون إمام الخلائق، اسمه (منصور) يحكم جميع العالم، وتدين بدينه جميع الأمم، ولديه علم تمييز المؤمن عن الكافر، ويجيب فورا علي كل سؤال».

وكذلك في كتاب (وشن) (الذي يعتبره الهنود نبي وصاحب كتاب).

مترجم و راوي هذا الكتاب فرد يدعي (جوك)، ويدعي اتباعه بأنه مسلم وشيعي، ويقولون:

ص: 21

ذهب جوك الي أمير المؤمنين عليه السلام(ويسمي بلغتهم «كنكر») وسئل منه عن جميع ضروريات (الدراويش المرتاضان) ابتداء من العبادة والزهد وترك الدنيا والتجويد وقاعدة الحياة وعن جميع المسائل الأخري وانتهاء بمعرفة الله، وجمعوا جميع ذلك بكتاب اسمه (فاروق) كتب بالخط الكوفي.

يقول جوك في تفسير كتاب وشن: «في آخر العالم يصل الأمر الي شخص يحب الله وهو من عباده الخاصين واسمه (فرخنده وخجسته) (مبارك - المترجم)، يحيي الخلق بأمر الله (جاتن - اسم الله لديهم)، ويحرق الظلمة الذين أوجدوا البدعة في الأديان واضاعوا حق الله والرسول، وسيهب حياة جديدة للعالم ويعطي جزاء كل حسين وقبيح.

وكذلك (جي ذام) (الذي يعتبره العجم وكثير من البراهمة أنه نبي)، يقول في كتاب دارنگ: «بعد أن يشيع الأسلام في آخر الزمان، وبعد مرور الزمان يشيع ظلم الظالمين، وفسق العالمين، وتعدي الحاكمين، ورياء الزاهدين، وخيانة الأمناء، وحسد الحساد، وتزول صبغة الإسلام، وتذهب أصوله، وتمتليء الدنيا بظلم وجور ولا يبقي من الإسلام إلا اسمه، ويبلغ ظلم الحكام أعلي درجة وتذهب رحمتهم، وإنصاف الرعية كذلك ويسعون الي الاضمحلال والزوال بعد أن يملؤون الدنيا كفرا وضلالا، هناك ستظهر القدرة

ص: 22

الإلهية، ويظهر خليفة آخر (اسمه ممتاطا) (أي محمد) ويحكم المشرق والمغرب، ويجول الدنيا بقدميه، ويقتل الكثير، ويهدي الكثير، وستقع هذه الواقعة في زمن حكم الأتراك علي المسلمين».

يذكر العلامة المجلسي رحمة الله أقوال المجوس (عبدة النار) حول أحوال وأوضاع صاحب الزمان عليه السلام بقوله: «تعتبر هذه الطائفة كتاب (زند و پازند) سماوي ويعتقدون بأن (زردشت) نبي، وهو ابن (پؤرشب) وأمه (وغد) وهو من نسل (فريدون)، ويقال عنه أنه حكيم، وكان من تلاميذ (افلاوس) الحكيم .

عند فراغه من تحصيل العلم، اعتزل الدنيا وذهب الي جبل قرب سبلان (جبل إيراني) وأخذ معه الطعام الكثير، وسكن هناك، يقال أنه أوصي من قبل في حالة موته يدفن في قبر معين من قبله، بعد ذلك تظاهر بالموت كذبا فدفن هنالك ثم ذهب من قبره الي مخزن الطعام الذي كان قد أعده من قبل ، وبهذا تفرغ بعيدا عن المتطفلين وألف كتاب بعنوان (زند). وينقل عنه كذلك: كان عالما بأخبار الأنبياء الماضين والكتب، وسمع بأن الله يكلم النبي الذي تضم شجرته النار، (ويعني موسي عليه السلام، ولهذا كان يقف باستمرار الي جانب النارويتمني أن يكلمه الله، حتي أن الشيطان يوما تكلم معه من المعبد (محل عبادة النار) وقال له: «أنا الله وقد اخترتك نبيا فاذهب الي قومك واصلحهم».ويقال من هنا بدأ تأليف كتاب (زند)

ص: 23

وهو عبارة عن إلقاءات وأقوال للشيطان»!

بعد مرور ثلاثين عاما علي ملك (گشتاسب) نزل من الجبل وأوجد دين عبادة النار، ثم ذهب الي گشتاسب) وادعي أمامه النبوة.

يقول البعض أن (زردشت) آذربايجاني واسمه الحقيقي إبراهيم، وكان تلميذا لأحد الأنبياء، (يعتقد البعض أنه تلميذ ارمياي النبي)، تعلم علم النجوم جيدا، وقضي فترة في السفر، وله علاقة مع حكماء الشام والروم والهند، وأخذت عنه الطلاسم، ووضع كتابا بلغة (فرس القديمة) وسماه (اوستا) (ابستاغ) كان كتابه معقدا جدا وغامض الي حد لم يستطع أحد فهمه حتي (جاماسب الحكيم) الذي يعتبر من أكابر حكماء (فرس) ويعتقد البعض بنبوته). كان يدعي (زردشت) أن كتاب الله لا يفهمه إلا النبي، ولهذا وضع له تفسيرا وسماه (زند) ولهذا تفسيرا آخر وسماه (پازند) ثم ذهب الي (بلخ) ودعا (كشتاسب) الي دينه..

وما يهمني من كل ذلك هو وجود أسماء المعصومين عليهم السلام في هذا الكتاب (زند و پازند) وكذلك في كتب المجوس الأخري. وكذلك ذكرت فيها أحوالهم . وما يستنتج من أقوال المجوس هو أن (ابستاغ) (اوستا) (وهو الكتاب الأصل) يقوم علي إحدي وعشرين (نسك) وأسمائها كما يلي: فرنگان، ونديداد، اورنكي

ص: 24

رجورا، وال مينوفر، خورده، اثنا، خشت، هارخست، زند، پازنده كاتوز، گوش، پوري، سيرسور، سفدروس، دي وزامياد.

ولكن أغلب الكتب التي يعتمد عليها ويثق بها كانت ذاكرة الأحوال صاحب العصر والزمان عليه السلام، مع أن المجوس أنكروا عنادا حقيقة الدين الإسلامي المبين. وأما موضوع الإمام عليه السلام كان من ضمن أخبار ووقائع المستقبل، وقد أخبر عن حقيقة ذلك أنبياؤهم وحكماؤهم وعلماؤهم، وضبطوه في كتبهم، أما كتبهم فنفضلها كما يلي: كتاب (كومسب) منسوب الي (كومسب النبي)، وان أصل هذا الكتاب انتهي بمرور الزمن، ولكن حسب الأحوال والأحاديث المعتبرة، أن هذا الكتاب كتب علي اثني عشر ألف جلد بقر، ولم ينقل منه إلا عدد قليل من الصفحات في كتاب (ازاد بخت).

كتاب (جاودان)، تأليف (هوشنگ الملك) ويعتبره المجوس نبيا.

كتاب (پيمان فرهنگ)، وحسب زعم هؤلاء القوم أنه من تأليف (مه آباد) أول نبي للعجم ويقال أن (المهاباديين) هم أتباعه.

كتاب (ارژنگ كماني الرسام)، وعاش في زمن (اردشير بابكاني) والأرب الي الصحيح أنه عاصر (شابور ابن اردشير) أيضا. وقد ترجم هذا الكتاب ابن المقفع الخراساني ووضع له اسم (هبل هندسه).

ص: 25

كتاب ( تنكلوش لوقا) الحكيم الرومي.

كتاب (صدور) كان يضم أحكام الديانة الزرتاشتية في مئة فصل.

كتاب (سندباد)، حول الحكم العلمية والعملية.

كتاب (رساتير)، ويعتقد المهاباديون بأنه كتاب سماوي.

كتاب (آرادبن ديرف)، يقال أن (ديرف) كان (مربدي) ويعتقد الناس بنبوته في عصر (اردشير بابكان) و (فارسيان).

كتاب (دبستان)، تأليف مزدك الذي كان يعاصر (قباد)، وموضوع الكتاب حول إثبات دينه و مذهب عباد النار.

كتاب (ترحم)، وهو من تصنيفات (جاماسب الحكيم).

كتاب (زمزم)، وهو من تصنيفات (زردشت) والذي يسمي (سياه) كذلك.

كتاب (قسط وقسطنطين)، وغرضه كما في (لوقا) في إثبات

الدين المجوسي.

كتاب (شارستان)، من تأليف (فرزانه بهرام) وهو من حكماء وعقلاء العجم.

تمت الإشارة في جميع الكتب السابقة بأقوال مختلفة

ص: 26

و مفاهيم غامضة الي أحوال القائم عليه السلام وظهوره وخروجه.

(جاماسب الحكيم) له كتاب آخر باسم (فرهنگ الملوك) (قيل أنه (أسرار العجم) وهو من الكتب السرية للمجوس، ويعتبر بمصاف ومرتبة (اليا) وهو من الكتب أو الصحف السماوية، ويطلق عليه المجوس ب(رسالة جاماسب) وفيه (أحكام الزيج) وأحكام النجوم وحوادث الماضي والمستقبل.

ويذكر العلامة الفقيد حول هذا الكتاب ما يلي «أرسل هذا الكتاب جليل القدر وزير كرمان الي هذا الفقير وكان عبارة عن تسعة جزوات (كراسات) كتب علي الجلد وخطوطها كانت شبيهة للخط اليوناني والمعقلي والداوودي والفارسي وكانت قسم منها مندرس، ويبدوا أنها كتبت في زمان (شابور ذو الأكتاف) ولم أسمع لحد الآن شخصا من العرب أو العجم يدعي رؤية هذا الكتاب أو السماع به.

ويستمر العلامة حول موضوع الكتاب قائلا: «ينقل جاماسب في ذلك الكتاب عن لسان زردشت أنه في فصل (گاهنبارها وگاهبارها وگاهباران) توجد ستة أيام حسب زعمه خلق بها الله العالم، ويقول أنه يطلق علي كل يوم باسم (گاه) و(گاهبار الأول) اسمه (ميد بورزن) وهو اليوم الخامس عشر من شهر ارديبهشت القديم، ويقولون أن الله أكمل خلق السماوات بعد أربعين يوما من

ص: 27

ذلك اليوم.

و(گاه گاهنبار الثالث) ويسمي (بيتي سهم) وهو يعادل ثمانين يوما ويصادف اليوم الثالث والعشرين من شهر (شهريور) القديم، ويقال أن الله أكمل خلق الأرض بعد خمسة وسبعين يوما من ذلك اليوم. .

و (گاه گاهنبار الرابع) ويسمي (اياسوم) وهو يساوي ثمانين يوما ويصادف السادس والعشرين من شهر (مهر) القديم، ويقال أن الله أتم خلق النباتات والأعشاب بعد ثلاثين يوما من هذا اليوم.

و (گاه گاهنبار الخامس) ويسمي (مبدي باديم) وهو يصادف السادس عشر من شهر بهمن القديم، ويقال أن الله أكمل خلق الحيوانات بعد ثمانين يوما من ذلك اليوم، وكانت مئتان واثنا وثمانين نوعا، مئة وسبعين نوعا منها مواشي ومئة وعشرة منها طيور. و (گاه گاهنبار السادس) ويسمي (هم نميديم) وهو تسعون يوما، اليوم الأول لها يصادف (خمسة المشرفة) القديمة، ومن هذا اليوم الي اليوم الخامس والسبعين أكمل الله خلق آدم عليه السلام وحسب اعتقاده أنه (كيومرث).

وفي نهاية هذا الفصل يتناول أحوال الأنبياء والملوك، ويذكر عددهم والزمان الذي ظهروا فيه وما هو دينهم ومذهبهم؟ ويشخص مواقعهم الجغرافية وما جري عليهم، ويبين حال وأوضاع وأحوال

ص: 28

الأنبياء حتي يصل الي خاتم الأنبياء محمد المصطفي صلي الله عليه و آله فيقول: «آخر الأنبياء عربي ويظهر بين جبال مكة، مركبه الجمل، وترجح أمته ركب الجمال، له خصال حسنة منها يجالس العبيد والفقراء ويتناول معهم الطعام، لا يظله شيء، ويري من خلفه بوضوح من يتقدم أمامه، دينه أشرف وأكمل الأديان، كتابه يبطل جميع الكتب السماوية، يقضي علي دولة العجم، ويزيل دين المجوس والپهلوي. يخرب المعابد (محل عبادة النار)، وبظهوره تنتهي أدوار (پيشداديان والكيانيان والاشكانيان والساسانيان)، ابنته شمس العالم واسمها سيدة نساء العالمين.

يخرج من أبنائها ملك بأمر الله وهو آخر خلفاء النبي صل الله عليه و آله، ومحل ظهوره مكة، وقيامه متصل بيوم القيامة، بعد إتمام ملوكيته سيصل عمر العالم إلي حافة الزوال، وحينها تتصل الأرض بالسماء وتلتصق بها، وتغمره المياه اليابسة، وتتلاشي الجبال. الشيطان الكبير ( عدو الله) وعبده الطاغي سيقعون في قبضته ويحبسهم في السجن و(سمندع) و(قزح) و(حبايل) و(قنفدر) الذين هم قادة الشيطان سيقعون كذلك في قبضته.

و تهبط عليه (وامشاسپند) (وهي طائفة من الملائكة) لنصرته، يدعو الناس لعبادة الله، اسم مذهبه ( البرهان القاطع) وهو في أعلي درجات الحقيقة. يحضر في خدمته ثلاثة ملائكة مقربين هم (بشتر

ص: 29

و سروش و آسمان) أي (جبرئيل و ميكائيل وعزرائيل).

وينزل عليه الملائكة: (بهرام) موكل المسافرين و(قرح راد ملك) موكل الأرض و(بهمن) موكل المواشي والأبقار و(ازمر) موكل النار و(روابنخشن) وهو روح القدس.

سيحيي الكثير من المحسنين والمسيئين بعد موتهم وسيجازي كل بعمله. وسيحيي الكثير الذي لا يحصي عددهم من الجيدين والأنبياء ومنهم : ملكان والد الخضر، ومحراس والد الياس، ولقوماس والد ارسطاطاليس، و آصف بن برخيا وزير جمشاسب أو سليمان النبي عليه السلام، وأرسطو المقدوني، وسام ابن النبي افريدون الذي هو نوح النبي، وشماسون عابد وسولان وشموئيل و شاوول پلناس و جاماس (الأنبياء) وعابدين شالخ وكذلك يحضر عنده من جبل (قاف) سيمرتج.

ويحيي كذلك من المسيئين وعددا من العلماء الحمقي وأعداء الله والكافرين مثل: سوربوس أو نمرود ويحرقه مع البرع والقرح (برع وقرح يعني فرعون و قارون) وكذلك هامان وزير فرعون (سيحيه ويحرقه)، والضحاك العلواني سيخرجه من بئر دماوند ويقدمه الي المحكمة، وبخت النصر المغرب يحرقه كذلك، والشماس الذي قضي علي دين البهلوي وجعل النار شريك للخالق سيحيه ويعلن بأن هناك برزخا بين الخالق الخلف، وقاضي مدينة

ص: 30

لوط المسمي ب (سدوم) وأسقف القاضي ترسايان، وكذلك ذوباغ الشيطان العامل للواط في قوم لوط والمروجين له، وقاتلي عباد الله الجيدين.

يعتقد العلامة الفقيد رحمة الله هنا أن الملوك الذين ذكرهم جاماسب في كتابه هم بني العباس والأمويين وسلاطين الجور منهم وكذلك عباد الله المخلصين والشيعة واستمرارا لما جاء في رسالة جاماسب حول بيان و شرح حال و مشخصات القائم عليه السلام يقول: «اسم هذا الملك (بهرام) وهو من نسل شمس العالم وسيدة النساء، وسيدة النساء هذه هي ابنة (سين) . وسين في اللغة الپهلوية تعني اسم محمد صلي الله عليه و آله سيكون ظهور بهارم في آخر الدنيا، وسيعيش بقدر عمر سبعة كراكس) وعمره أثناء خروجه يبلغ ثلاثة آلاف سنة، وسيظهر في وقت يكون العرب فيه متسلطون علي الإيرانيين ومحتلين الأراضيهم. بظهور بهرام تتعرض مدن عمان الي الخراب وأكثرها تقع في يده ويقاتل الدجال في فترة تثبيت حكومته ويلقي به الي الجحيم.

ويقول: «الدجال رجل أعمي يظهر راكبا علي حمار ويدعي الألوهية».

تقع أطراف الدنيا تحت سيطرة بهرام من نهر الگنگل والأصفر، الصيني وحتي (وژهخت) أي بيت المقدس، وسيحيي

ص: 31

كشتاسب بن لهراسب ويصلبه من بعد ذلك. سيكون الي جانبه (صاحب حاپي) (عيسي المسيح عليه السلام) وكذلك الاسكندر بن داران ؟... الذي سيرسله الي بلدة الافرنج، وسيبعث رستم من القمر ويضمه الي ركباه ويرسله الي مصر. ويرسل سيدا عظيما من آباء الملوك الي القسطنطينة ويسخرها. وكذلك يسيطر علي الهند، ويجعل رايات الإيمان والإسلام تهتز في البحر، وبإشارة واحدة يدخل كل مكان ويفتح كل باب مغلق لأن خاتم سليمان سيكون عنده، وستكون تحت أمره جميع الإنس والجن والوحوش والطيور والحيوانات المفترسة.

وسيكون بهرام من أبناء (زردان العظيم) (وهو حضرة إبراهيم عليه السلام)، ومن ألقابه (ايزد كشسب) ويعني (عبد الله)، (اتابك بزرگ) ويعني (صاحب الجبروت)، وهو عظيم مثل جماشسب واوكيارند أي الملك العظيم (كيان يعني عظيم)، (جبار وشيرويه) (ويعني الكبير)، الذي يفر منه عدو الدين أي الشيطان، (كيهان خديو) أي (ملك العالم)، و(شهنشاه) أي (أفضل جميع الملوك) وهو من أبناء بنت (سين)، سيتولي الأمر هو وأصحابه وتستمر إمامته لفترة تطول خمسمائة قرن.

يذهب الي مقدونية (دولة الملك فيلقوس) ويضرب بخيمة علي ساحل بحر (اقصابوسن) ومن هناك يجعل جميع العالم يدين

ص: 32

بدين واحد، ولا يبقي أثر من (كيش گبرا) (المجوس) ودين زردشت والمذهب الساساني، ويحضر معه جميع أنبياء الله و(مشاسندان وموبدان) والحكماء و(پريزادان) والوحوش والطيور وجميع أنواع وأصناف الحيوانات والغيوم والرياح (والرجال بيض الوجوه)، يعود من المغرب ويدخل الظلمات ويخرب جزيرة (نسناس) و ثم يحضر بين يديه إسرافيل صاحب الصور».

ويستمر العلامة المجلسي رحمة الله في قوله: «الي هنا كل ما ذكر كان حول جاماسب وتتمة ذلك ليس في متناولنا، وتذكر الجزوات الباقية أحوال ملوك الإسلام من الترك وأعاجم العباسيين وكذلك الحوادث الواقعة في كل سنة وسقوط وصعود الملوك وانقراضهم.

يرجع أساس هذا الكتاب كذلك واستخراج وقائع المستقبل منه إلي ذكر بعض فصوله في دائرة علم الجفر، ولكون هذا العلم من العلوم الخفية لذا يقصر لساني عن ذكر بقية أحوال المستقبل والماضي (ان تكلمت بشيء سيذهب بالرأس أو الدين).

يقول العلامة المجلسي رحمة الله في بيان أقوال و اعتقادات اليهود في باب المهدي عليه السلام: «يقول اليهود أن المهدي حق وسيخرج آخر الزمان وأما قول المسلمين بأنه من أولاد إسماعيل فهو اشتباه بل هو من أبناء إسحاق، وقد كتب دليله في كتبنا، (داوود بن ايشا) كان له اثنا عشر ولدا منهم سليمان ملك الإنس والجن (في أول الدنيا)،

ص: 33

وكان له أخ يسمي ماشع (ويعني في العربية المهدي)، وقد أخبر الحق تعالي موسي في توراته تلك الأخبار».

ويرد عليهم العلامة المجلسي بقوله: «أما اليهود فقد كذبوا لأنني قرأت التوراة فلم أجد ما يقولون، كتب في سفر الأنبياء أن ماشع من أبناء مؤمؤد أي (محمد صلي الله عليه و آله) وهو من أولاد (شالون) أي (إسماعيل)، يعتقد اليهود بوجود المسيح عليه السلام، وأنه سينزل من السماء، ويعتقد البعض منهم أن المسيح هو (قطامه) وهو ذلك الدجال، ويقولون أن ماشع سيقتل قطامه عندما يدعي الألوهية، والبعض يعتقد أن قطامة هو الله.

أما أقوال نصاري المسيح حول المهدي عليه السلام كانت بالصورة التالية:

المقصود من النصاري هم العيسويون.

الفرق الأساسية للمسيحيين هي: ملكائي، ونسطوري ويعقوبي، ويعتقد البعض في (لوائي) وهي الفرقة الرابعة، تقول فرقة الملكائي وفرقة اللوائي والفرق التابعة لهما بوجود الإمام عليه السلام وبعضهم يقول: «لا يوجد هذا الشيء في إنجيلنا وكتبنا ولكننا سمعنا من علمائنا وأعاظم قومنا بأنه سيظهر آخر الزمان، وهم يقولون كذلك بنزول عيسي عليه السلام وقتل الدجال علي يده (الشريفة) وحربه مع جيش الشيطان، وأما اليعقوبي والنسطوري فلا يقولان ذلك.

ص: 34

أما فرقة (داوودي) فهي شعبة من فرقة اليعقوبي وتقول بنبوة المسيح عليه السلام ولكنها لا تعتقد بالاهيته وولادته، ويؤمنون كذلك بنبوة خاتم الرسل ويقولون عنه: «نبي الحق، وسيبعث علي العرب فقط دون العجم وبني إسرائيل»، ويقولون بقول اليهود: «النبي الموعود هو المهدي الذي سيظهر ويعتقدون بأن الانجيل من السماء خلافا لما يعتقده جميع النصاري».

يقول (الداووديون): ان (ماهدي) سيظهر ويأخذ بالعالم ويقتل العيسويين والقساوسة والخلفاء ويربط المحراث علي أولئك الذين يدهنون جباههم بزيت (بلسان) عوضا عن البقر ليحرثوا الأرض ويشقوا الترع ويبذروا البذور، ولا تقبل من النصاري الجزية إلا الإسلام أو القتل، وكذلك ذكرت أحوال الأئمة عليهم السلام في إنجيل (داوودي).

وقيل إن أغلب علماء (الگرج وارس، وبخارا، وحبش وزنگ، وافرنج الانجليز، والألمان، والبرتغال) يعتقدون بوجوده الشريف عليه السلام.

جاء المتن التالي في كتب (اژي النبي)، (زكيال النبي)، (كلوين)، (سندرة المسيحيين): يطلع كالقمر من (فاران) وله اثنا عشر نفرا) و امام جماعة، وهذا سيحكم من بعده، وذلك وقت ذل المسيحيين ونهاية دينهم، وسيعطي المسيحيون الجزية وهم

ص: 35

صاغرون ومشردون من ديارهم وبلدانهم، (الثاني عشر من أصحابه) سيكون صاحب العالم ورايته ترفرف علي بيت المقدس وناصره، وتصل جيوشه الي بحر (سوف) ويأخذ باليهود ويصلبهم، ويسحق المسيحيين وداليان ويخرب هيكل داليان ويقتل (الپاپا) ويذل ملك الفرنج.

الشمس في حركة مستمرة خلفه و عندما يخرج الدجال من جبل (كرملو) ممتطية حمار كبيرة وطويلا مثل جبل (الثور) ويقاتل صاحب.

و سينزل حينها (سيتوس) أو (كرسيتوس) والمراد به المسيح من (يركهن) وتعني السماء ويقاتل الي جوار حوارييه ضد القائم، وفي رواية أخري: يهبط اشيوع الناصري فيضعف صوت الناقوس في جميع العالم، ويضع السلاسل في أعناق المسيحيين ويقول لهم: «فكروا جيدا، ستحاسبون وتصلبون، وقد نجي من جيوش المسلمين، ولا حيلة لكم إلا سيوفهم ورقابكم». .

يسعي الكاتب هنا ومن أجل عدم انقطاع تسلسل المطلب وحصول التصور الشامل لدي القاريء المحترم عن جميع أقوال الأديان حول الوجود المقدس لصاحب الزمان عج، الي اجتناب ذكر التوضيح والشرح وبين المطالب، ولهذا بعد انتهاء بيانات العلامة المجلسي الجامعة سنشير الي بعض النكات اللازمة والتي يمكنها أن

ص: 36

تكون أسس البحث الكلية.

وسنعود ثانية إلي العلامة رحمة الله لمعرفة مقالات السنة حول وجوده المبارك عليه السلام، (يعتقد السنة بوجوده الشريف ويقولون: «مهدي هذه الأمة حق، وسيظهر ، ولكن الرافضة تقول عنه إمام مفترض الطاعة، وهو ليس كذلك، وهو من أولاد رسول الله ولكنه ملك سيعلوا علي جميع الملوك».

يقول بعضهم أنه لم يولد لحد الآن، ولكن كبارهم وعلماءهم مثل أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الگنجي الشافعي يقول في كتاب البيان، وأبو المظفر سبط الجوزي في كتاب الخصائص، والخطيب الدمشقي والاسكندراني والباقلاني وابن أبي الشوارب القاضي عباس البغدادي وأحمد بن خليل ومسند محيي الدين الحنبلي في كتاب الفتوحات وفي الفصول المهمة وكذلك الحافظ أبو نعيم وظاهر قول الثعلبي الذي هو من رؤوساء مفسريهم يقول بصراحة بولادة الإمام عليه السلام.

علاء الدين السمناني وهو من كبار المتصوفة (يعتبره دراويشه شيعي، وأهل السنة يعتبرونه منهم) يرفض قول الشيعة والسنة في هذا الباب، ويقول خلاف الإجماع: «هناك جماعة من أهل القبلة يطلقون عليهم الروافض يعتقدون أن (م ح م د) بن الحسن العسكري حي وهو المهدي وسيخرج، يعلم الله بأنه أثناءغيبته حل

ص: 37

في طبقة (الأبدال) وبقي حيا حتي أصبح قطبا، وبقي تسعة عشر سنة قطبا، ويعلم الله أنه قد مات ودفن في مدينة النبي». .

يقول العلامة المجلسي في إدامة حديثه: «الدراويش مع ادعائهم بالتشيع لكنهم يعتبرون علاء الدين مرشدهم وكبيرهم، يقول قاضي زكريا (وهو أحد رجال معبد الأصنام الواقع في اسطنبول في زمان السلطان محمد فاتح القسطنطينية) وهو من علماء سنة الروم، يقول في تفسيره للآية الكريمة : «فَنَسِيَ وَلَم نَجِد لَهُ عَزماً»:

«يقول أئمة الرافضة إن مراد هذه الآية أن آدم نسي الإقرار بوجود صاحب الأمر ويعتقدون بأن (هذه الآية نازلة في الإمام المهدي عليه السلام (1))(ولهذا لم يجعل آدم من أولي العزم). ويعتقدون بأن

ص: 38


1- جاء في كتاب (ظاهر المهدي في القرآن) في صفحة 240 عدة أحاديث في تفسير هذه الآية، أحد هذه الأحاديث ذكر في كتاب بصائر الدرجات، ولأجل توضيح المطلب نذكره هنا : «الشيخ المفيد في سنده عن حمران بن أعين عن أبو حمزة عن الإمام الصادق عليه السلام جاء أن الله عز وجل أخذ إقرارا من الأنبياء بقوله : «ألست بربكم قالوا بلي»، وأن محمدا رسولي وعلي أمير المؤمنين ومن بعده أولي أمري وخزائن علمي وبالمهدي سأنتصر الديني وبه يتضح ديني وأنتقم من أعدائي وأعبد طوعا وكرها. قالوا: أقررنا وشهدنا،إلا أن آدم لم ينكر ذلك ولم يعترف به، وقد أعطي منصب أولي العزم لخمسة من الأنبياء بسبب شهادتهم وإقرارهم بالمهدي، أما آدم فلم يعطي له العزم لعدم إقراره لهذا قال تعالي: «ولقد عهدنا الي آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما» ، طه : 115.

مصداق هذه الآية هو المهدي وهو صاحب الأمر وهو إمام مفترض الطاعة وهم يغالون في هذا الباب بإفراط. لقد ثبت لي (دون أن أعلم) أن صاحب الأمر سيعيد حياة أربعة من الصحابة الكبار..؟.. الثلاثة ومعاوية وسيكونون قادة لديه، وسيحيي الأجيال الحسنة الأفعال من سلالة هؤلاء الأربعة ليعلموا المسلمين الفرائض والمسائل وأظن أنهم الفقهاء الأربعة وهم (أبو حنيفة والشافعي ومالك وأحمد بن حنبل).

يقول العلامة المجلسي: «لقد صدق قاضي الكلب بأن صاحب الأمر سيحيي أربعة ويجعل كل منهم رئيس طائفة ويرسله الي قصر من الجحيم ويلقي بهم وكتبهم وتصانيفهم في المزبلة.

لقد قال حزم أوغلي (أحد تلامذة القاضي وهو نائب سلطان الروم) في هذه الحاشية: «اجمع المسلمون وأهل الحل والعقد علي أفضلية الشيخين بعد رسول الله صلي الله عليه و آله، لكن من أين عرف بأن صاحب الأمر سيعيد لهما الحياة ويجعلهما قادة للقواد؟ فإن كان ذلك فهذا يعني أن المهدي أفضل منهما».وهذا يدل علي تشيعه.

قال لي مؤمن من طائفة (ارنادرست) (وكان من جيش سلطان الروم وقد عرف في بلاد الروم بتشيعه في بغداد لقد كان في اسطنبول زمان (ايلدوم بايزيد) وهو من ملوك آل عثمان في مسجد يعرف الآن آيا صوفيه) وكان سابقا موضعا لعبادة الأصنام وأصبح

ص: 39

كنيسه كبيرة لمسيحيي الروم ثم صار بعد مجيء الإسلام مسجدا ولم يغير في بنائه وظلت إحدي جهاته قائمة علي أعمدة ثبتت في قعر البحر ولازال نصفها فوق البحر لحد الآن، ولم يوجد في العالم مسجد بعظمته وكبره، قال: لقد وجدت لوحا في ذلك المحل نقشت عليه سطور تعود الي عهد ارماطيس (ملك اليونان) خط عليه أسماء أربعة عشر معصوم عليهم السلام وقد جاء في السطر الأخير البراءة من الخليفة الثاني ومن معاوية ومن أعداء أهل البيت وقد كتب فيه أن مهدي آخر الزمان من الأمة المرحومة ومن أبناء بنت أحمد وسيقتدي به المسيح والحواريون وسيملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا وأن هذا اللوح قرء علي (بايزيد) بعد ترجمته فألقاه في قعر البحر خشية من سب عمر ومعاوية.

ذكر العلامة رحمة الله في إدامة بحثه حول أقوال الأديان والمذاهب في الوجود المقدس لإمام الزمان عليه السلام، بعض أقوال الشيعة من غير الإمامية: «ليس لمقالات الغلاة ولا الخوارج ولا الملاحدة ولا التناسخية حد ولا حصر حول ذلك الوجود المقدس.

أما الإسماعيلية فترجع المهدوية إلي المهدي من أحفاد إسماعيل بن الصادق عليه السلام ويقول إن المهدي من سلاطين مصر والاسكندرية.

أما الناووسية من الشيعة فيقولون: إن الصادق عليه السلام هو مهدي

ص: 40

هذه الأمة وهو لم يمت ولن يموت حتي يظهر بجيش جرار.

تقول الكيسانية: الإمام بعد الحسين عليه السلام هو محمد بن الحنفية وهو المهدي الموعود وهو حي وقد غاب في جبل رضوان من جبال كهف عقيق وسيخرج بعد مجيء الدجال وسيقتله وسيملأ الأرض عدلا، ويقول قوم منهم: إن محمدا بن الحنفية هو الله، ويعتقد كل من المختار والمسيب وسيد بن إسماعيل الحميري أنه هو المهدي، إلا أن سيد بن إسماعيل جاء إلي الإمام الصادق عليه السلام وتاب علي يديه وأخذ منه العلوم.

أما الجارودية فتقول : أن المهدي هو محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وهو حي ويخرج آخر الزمان.

وتقول الزيدية: إن المهدي هو محمد بن القاسم بن عمر بن علي بن الحسين، وقد ألقي المعتصم العباسي القبض عليه وحبسه حتي مات، وينسب العباسيون ذلك الي المهدي بن المنصور الدوانيقي ويطلقون عليه بالهادي أيضا

ينسب البطروسية من الشيعة ذلك الي أولاد الحسن بن أمير المؤمنين وقسم منهم الي ابن الحنيفية.

ويقول بعض سفهاء الشيعة والعباسيون أنه توفي قبل وفاة والده بسنتين ويعتقد البعض بأنه لم يولد لحد الآن ويقول البعض بأنه توفي قبل سنة من وفاة والده،ويقول البعض إنه ولد وغاب بأمر الله ليظل الخلق .....».

ص: 41

ص: 42

الفصل الثاني: الخوف من منقذ العالم

ص: 43

ص: 44

كل ما مر عليكم هو مجموعة من أقوال العصور الماضية حول كليات وجود حضرة القائم عليه السلام، وكما شوهد أن الصديق والعدو شرح أحوال الحجة ودون وكني، وفي بعض الموارد أكدوا (وصدر هذا من كبارهم كذلك) وحذروا بشكل جدي من خلافته وأعطوا صورة مخربة عن المهدي الموعود و ثبتوها في أذهان الناس الي المستوي الذي يجعلون معه كل سالك عاقل لأحد هذه الأديان والمذاهب يسعي الي العمل الجدي للقضاء علي جميع آثار الظهور، أو تقليل آثاره المخربة ! (حسب اعتقادهم)، وتكرر ذلك مرات عديدة جدا وعلي طول التاريخ وخصوصا من قبل العلماء المنتفعين، وعلي الأخص من قبل سكان البيت !!

ظهر من الأقوال السابقة أن قادة أقوام المسيح والسنة عمل كل منهم علي تبيان اعتقاداتهم وعلي إثارة الخوف في أممهم بصورة جدية من عواقب ظهور المهدي الموعود عليه السلام وحذروا بشدة من ذلك بحيث لو قلنا أن آثارهم في هذا المجال لا زالت باقية الي وقتنا في القرن الحادي والعشرين فإننا لن نكون قد بالغنا في ذلك!! أما النكتة المهمة الأخري هي علاوة علي أسلوب كتابة هذا المتن المؤثرة فإن

ص: 45

تناثر المدارك والأسناد والمتون المتعلقة بأحوال آخر الزمان وحالات القائم عليه السلام وسهولة الوصول اليها تعتبر من عوامل سوء استغلال هذه الأسناد وبالنظر لكثرة المنابع وانتشارها كما ذكرنا وسهولة منالها فكان له الأثر في إجراء التحريف بواسطة خبرائهم، وقد استطاعوا تشخيص نقاط الضعف من خلال الجهود التي بذلها أهل الخبرة والفن منهم وعلي مر التاريخ في مجال التحقيق والدراسة، هذا بالإضافة الي الأوضاع الكلية للتشيع وإجراء التحاليل العقائدهم و آراءهم المختلفة الصور من علماء الشيعة حول الوجود المقدس للقائم عليه السلام، كل ذلك كان عاملا مساعدا في تحديد الأماكن الهشة التي يمكن نفوذهم من خلالها لتنفيذ أهدافهم الخبيثة.

بحثت عدة مواضيع حول المهدوية بصورة عامة، وبصورة خاصة بين الشيعة حيث اتصفت بحوثهم بظرافة خاصة ودقة متناهية.

موضوع غيبة واختفاء القائم عليه السلام عن أنظار الناس، وموضوع طول عمره الشريف وضعت له المطالب الكثيرة وانهالت بصدده الأقوال ومع ذلك يبقي هناك محل وموضع للترديد والنقد. وما نعنيه هو أن هذه المواضيع من ضمن المطالب التي تعتبر خارجة عن المادة أو بعبارة أبسط خارجة عن حدود المادة والفيزياء ولا يمكن إثباتها في حقول التجارب والمختبرات الفيزيائية أو الكيميائية

ص: 46

لكشف حقائقها. لذا تنفرد التصورات والتحليلات في الميدان وخصوصا أن هذه البحوث كان لها وقع علي مر التاريخ ولهذا فهي أرض خصبة لزرع الآراء الضيقة والإفراطية للمجتمعات البشرية وهذا يسهل الأمر للاستغلال المنحرف لعقائد الناس.

إن الخاصية المذكورة حول وجود الضعف في المواضيع سهل الأمر لنفوذالمعاندين الي داخل الكيان الشيعي، وكما سيبحث لاحقا أن ذلك أدي كذلك إلي وضع قصة الجزيرة الخضراء التي ترتبط بصورة مستقيمة بمكان إمام العصر عليه السلام وزواجه وأبنائه، وسعي كاتبها وباطمئنان الي حفظها من خطر الشيوع ولهذا وضع بداية ذكية لها وجذابة تسلب اختيار القاريء وتوقعه بفخها وخاصة المؤمن العاشق لوجود صاحب الأمر عليه السلام، يذهب به الي عالم خاص يتصور بأنه وجد ظالته، وتتصف هذه القصة ببعض الخصوصيات، يحتاج كل منها للبحث والدراسة والنقد.

بذل عدد من المحققين جهودا لإثبات (عدم حقيقة سند هذه القصة أو مجهولية سندها) وذلك بتأليف كتاب (الجزيرة الخضراء أسطورة أم حقيقة) وأشاروا فيه الي بعض الشبهات الموجودة في القصة المذكورة، ولكن الجزء الأعظم منه خصص لنقد كتاب آخر اسمه ( الجزيرة الخضراء وتحقيق حول مثلث برمودا) الذي حاول فيه كاتبه الربط بين قصة الجزيرة الخضراء وبعض الوقائع الحادثة

ص: 47

في القرن الأخير في منطقة من المحيط الأطلسي، وبعبارة أخري إن المؤلف حاول تطبيق خصوصيات متن القصة (بعد أن وافقها كاملا بلا تردد) مع حوادث المنطقة المذكورة والمعروفة بمثلث برمودا وبأسلوب طغت عليه قوة التخيل وبواسطة استعمال القياسات وفنون الكتابة استطاع الكاتب من الوصول الي غرضه (ولهذا سيكون بحث في حينه)، أما ما يفرض نفسه هنا وبعنوان (ناقوس خطر) يجب أن يطرق مسامع جميع المحافظين علي حريم التشيع وخصوصا المحققين والعلماء العظام والواعين في الحوزات العلمية ويجب أن ير ذلك الناقوس ويملأ صداه الدنيا وخاصة في عصرنا الحاضر الذي تصدر به كتب مثل الآيات الشيطانية في نقد الفكر الإسلامي، ودعم تلك الكتب ومفكريها و مؤلفيها بصورة لا محدودة ويرصد لها مبالغ ضخمة ويقدم لها الدعم المعنوي من قبل مفسدي العالم لانتشارها، يقينا أن موجة كهذه ستوجه ضربة مفزعة إلي ساحل أمن العقيدة الإسلامية لكي يوهنوا الغطاء العقائدي للبعض (الذين هم في تزايد الآن)، وهنا يجب علي حاملي لواء المذهب النقي والإلهي أن يدخلوا الميدان ومن أبوابه الواسعة وخصوصا في باب علم الاجتماع وعلم تشخيص الأضرار وبعزم صارم للقضاء علي كل خرافة تحاول أن تكون في وجودها كالأدغال التي تسلب رائحة وعطر (ورد الجوري).

ص: 48

لا نعجب لو قلنا أن أغلب الضربات الموجهة هي من داخل الكيان الإسلامي بصورة مباشرة مثل الفهم الخاطيء والتفسير غير الصحيح والاستنتاج السطحي والعجول كل ذلك يمكن أن يوجه ضربات موجعة للأركان المتينة والأسس القوية للإسلام ولا يعلم أثرها إلا الله تعالي.

يمكن مشاهدة أنواع الأسلحة المستعملة في مجال صراع العقائد الناتج من تعدد الأديان السماوية، وأن تسلط وتكامل الدين الإسلامي علي الأديان السابقة فتح ميدانا جديدا لصراع العقائد، وأن مواجهة الكمال مع ذلك التخلف سليهم قدرة الكلام ودفعهم الي الوراء ولكن هذا الانسجام لا يمكن التعبير عنه بالقوي المادية وخاصة مع اليهود، وبعبارة أخري إن ظهور الإسلام بمعارفه وأحكامه وعلومه الجامعة يعتبر بحد ذاته خسرانا وفشلا لسائر الأديان، وهذا ما تحقق في الواقع، لأن النظام الدقيق الحاكم علي العالم في تلك البرهة من الزمن كان يقتضي دينا جديدا وقولا حديثا يعرضه، فمن آمن بهذا الظهور المبارك فقدوضع قدميه علي جادة الصواب وأما من عصي ذلك وحاول مقابلته بجميع أنواع المكر والحيلة، ابتداء من المواجهة الفيزيائية وانتهاء بالمقابلة الثقافية.

ومن أحقر الأساليب وأتعسها هو الأسلوب الثقافي (التحريف) الذي لا يزال في الميدان ولا ينوي الرحيل مع طول عمره و استهلاكه.

ص: 49

ص: 50

الفصل الثالث: التحريف سلاح دفاعي

اشارة

ص: 51

ص: 52

-كان التحريف العامل المساعد لجميع المفكرين المنحرفين والرجعيين، قبل الإسلام وأثناء ظهوره وبعده.

من أجل تعيين الموضوع الأساسي لهذا الكتاب حاولنا جهد الإمكان شرح و تبسيط المواضيع الدخيلة (بأي شكل من الأشكال) علي الموضوع الأساسي، منها موضوع عمومية الاعتقاد بوجود المهدي في الأديان (كما ذكرنا ذلك)، والموضوع الآخر هو (التحريف) ولكن بلحاظ استقرار هذا الموضوع في محور البحث الأصلي حاولنا تقديم شرح إجمالي له وتاريخه وحول إمكانية وجود التحريف في الإسلام.

تطرقنا في الموضوع السابق الي تقابل العقائد والأفكار، ولكن ما نود الإشارة اليه هنا هو أن مقابلة الإسلام لم تقتصر علي اليهودية والمسيحية و... وإنما بعد ظهور الإسلام وفي حياة النبي صلي الله عليه وآله وبعد حياته أيضا كانت جل المواجهات والمجادلات مع المسلمين، بحيث بذل بعضهم قصاري جهده لصب ترشحاته الفكرية في قالب العداء مع الإسلام المحمدي صلي الله عليه وآله، وبعد أن نفذت سهامهم

ص: 53

صير نفسه عميلا للأجانب، وسعي مدة من خلال الرقص علي طبول اليهود مثلا من حفظ وجوده، ومن هنا يمكن تقسيم أنواع التحريفات الي قسمين:

التحريفات الواقعة في كليات الدين والتحريف الحاصل في الشجرة الطيبة للمذهب الاثني عشري، وبعد شرح كليات التحريف الحاصل نتخصص بالنوع الثاني منها في كتابنا هذا.

كانت هناك مسائل معنوية ومادية، فردية وجماعية كثيرة في محيط البعثة النبوية وكان علي الإسلام التوجه إليها لحتها بصورة نهائية، منها مسألةتحريف الحقائق الدينية والتاريخية والاجتماعية التي كانت تعني أصحاب الكتاب (اليهود والمسيح) والتي مسخت تعاليمهم الدينية وأخرجتها من صورتها الأصلية، ومن أجل نفوذ التعاليم الإسلامية الي قلوب الناس كان يلزم محاربة التعاليم المعكوسة والمترسخة تحت عنوان الدين في نفوس الناس وتعريف بعض نماذجها المهمة والحساسة، لأنه لا يمكن إيجاد الجو المناسب القبول الحقائق بدون أن نبدأ بزلزلة أسس العقائد والأفكار المنحرفة الموجودة في قلوب الناس.

التحريف الانحراف والحرف جميعها من أصل واحد، الحرف يعني الجهة والطرف إن حرف المنضدة يعني حافتها وان للمنضدة أربعة أحرف أي أربعة أطراف. لكل جسم علي الأرض عدة أحرف

ص: 54

أي عدة أطراف ولحصول توازن الجسم ما علي الأرض يجب تعادل جميع أطرافه، وإن مال أحد أحرفه (أطرافه) فإن تعادله سيختل ويسقط وهنا نقول إن هذا الجسم أصيب بالانحراف.

من الحقائق التي لا يمكن إنكارها في تاريخ البشرية هي تعرض كل دين و مذهب ومسلك فلسفي أو أخلاقي أو اجتماعي علي مر العصور الي بعض التلاعبات والي عدم البقاء علي حالته الأولي، إنك لا تجد مسلكا علي كيفيته التي وضعها مؤسسه، وقد يكون هذا التغيير تكامليا في بعض الأحيان أي أن ذلك الدين أو المسلك يتقدم في جهته الحقيقية ليتكامل وهنا نقول عليه (التكميل)، وأحيانا أخري ينحرف الدين أو المسلك عن مسيره الأصلي ويعاكسه وهنا نطلق عليه (تحريف).

عوامل التحريف

عوامل تحريف أي دين أو مذهب أو فكر ومسلك يمكن أن تكون متنوعة، ويمكن خلاصتها بأربعة عوامل

ألف : العادات والميول التي تخلق عليها الناس لفترات طويلة والتي لا يمكن تجاوزها ببساطة.

البعض بعد أن يؤمن أو يتطبع علي مسلك أو دين يقوم بتأويل

ص: 55

أو تفسير بعض أقسامه، أو حذف وإضافة بعض الشيء عليها لكي تطابق ميوله وعاداته ويستأنس من خلال ذلك بها، بدلا من أن تكن له حالة تسليم كاملة بجيمع تعاليمه وقوانينه وسننه.

ب : تدخل أرباب القدرات والثروات وتغلغل أصحاب القوة والأموال من أجل حفظ منافعهم أو توسيع ممتلكاتهم وإمكانياتهم، وعن طريق استعمال جميع السبل وحتي وإن كان إسلوب الدين أو المذهب.

لا يتحرج هؤلاء من أي شيء مقابل وصولهم الي الأهداف إن كان ذلك يتحقق بقلب الحقائق الدينية عن طريق تأويلها وتفسيرها متي ما كان ذلك لازما لإزالة الموانع الموجودة في طريق قدراتهم ومطامعهم، والإبقاء حالة الاستسلام الموجود لدي من يقع تحت نفوذه وذلك عن طريق تسخير الأمور السابقة وجعلها وسيلة الاستمرار سلوكياتهم المنحرفة.

ج : الاحتكاك مع الآراء والعقائد الأخري:

لا مناص من احتكاك كل مذهب أو دين مع آراء وعقائد الآخرين في ميدان نفوذه يساعد علي التصاق بعض المفاهيم (في صورة إرادية أو غير إرادية)، أو بعبارة أخري تنفذ في كيانه بعض الموارد، وإن استطاع أي دين جديد من التغلب في هذه المواجهة علي الأديان الأخري، فان هذا الجديد سوف لا يكون في مأمن من

ص: 56

العقائد الخارجية كذلك.

د : التعامل مع المواضيع والمسائل المستحدثة والتي لا تملك حكما صريحا في ذلك الدين أو المذهب.

بعد استقرار أي دين أو مسلك سيواجه أتباعه مسائل مستحدثة لم تكن من قبل.

ولا يوجد علي الإطلاق دين أو مذهب تطرق إلي جميع المواضيع والمسائل الحالية والمستقبلية وأصدر لها حكما صريحا. تستنبط أحكام هذه المواضيع عادة من القوانين الكلية، وهذا عامل مساعد لتأثير الأذواق والأهواء الشخصية أو السلبية علي تلك الأحكام وظهور التحريف المخطط له أحيانا.

المحيط الذي ظهر به الإسلام، أي الحجاز وخصوصا مكة والطائف والمدينة وأطراف هذه البلاد، كان الدين الشائع آنذاك اليهودية والمسيحية (أصحاب الكتاب).

والبعض القليل كان يعتقد بأنه وارث دين حضرة إبراهيم عليه السلام، وكان الباقون يتشكلون من عقائد ونحل مختلفة من بينها عباد الأصنام. اليهود والنصاري كانت لهم قيمة دينية ملفتة للنظر إلا أن رجال الدين وبعض رهبان المسيح أقل مستوي ولا يفهمون شيئا قياسا الي رجال الدين اليهود في العراق والشام وراهبي الروم

ص: 57

الشرقية والغربية (حسب ما نقل في تاريخ اليهود والنصاري). وتعتبر الحجاز مهدا لأعلي مستويات العلوم، كان رجال الدين اليهود ورهبان المسيحية تطرح عقائد وأحكاما مغايرة لحقائق هذه الأديان السماوية ويكتمون كل حقيقة دينية ويمنعونها عن الآخرين.

في حين أن وظيفتهم تتجلي في رفع الستار عن تلك الحقائق وطرحها لعوام الناس كما أشار القرآن الكريم لذلك بقوله: «وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ»(1).

وقد أشار القرآن في مواضع متعددة لكتمان هؤلاء للحقائق الدينية بالإضافة الي أنهم قاموا بوضع بعض المفاهيم من عندهم:

«وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ*فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ*وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً ۚ قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ ۖ أَمْ تَقُولُونَ عَلَي اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ*بَلَي مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ *وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ

ص: 58


1- آل عمران : 187.

الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»(1).

يفسر هؤلاء بعض الآيات وأولونها وفق ما تقتضيه أهواءهم وأغراضهم بعيدا عن حقيقتها:«أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»(2)

كتمان الحقائق، تحريف المطالب، والتفسير والتأويل الخاطيء للآيات والروايات الدينية. كل ذلك لإرضاء أصحاب القدرات والثروات ونيل احترامهم واكتساب الاموال منهم مقابل تقديم تلك الخدمة الكبيرة لهم، ومن خلال أولئك المتجاوزين علي الدين يسعي الحكام الي خدع العوام وإشغالهم في معابدهم لتمرير الاعيبهم وخططهم علي البسطاء .

وقد بلغ التحريف حدا يصعب معه تشخيص الحق عن الباطل، وتعرضت متون الكتب الدينية الي ذلك، وكذلك ظهور تفاسير التوارة والإنجيل، بحيث كان ينسب الي كلام الله والوحي فيها كل ما ينسجه رجل الدين من ألفاظ(الرطب واليابس) مثلا، وانطوي ذلك حتي علي أرباب التحقيق.

ص: 59


1- سورة البقرة : 78 - 82.
2- البقرة : 75.

كانت هذه التحريفات مصدر اختلاف لآراء أتباع الدين ليبلغ الأمر بهم الي التضاد والفرقة وبالتالي الي الذلة والهوان والفساد الاجتماعي المتنوع، هذا من جانب، ومن جانب آخر كان ذلك أرضية مناسبة لوضع الآية والحديث ، ونشر الأكاذيب ورواج الخرافات المتلونة بصبغة الدين من قبل العلماء الانتفاعيين.

عندما يقع التحريف في كيان الدين وتظهر النزاعات والمجادلات بين أتباعه يتجلي هنا دور كشف الحقائق ويستوجب رفع الأغطية الموضوعة من قبل أتباع الدنيا عن الحقيقة وفضحها للملأ وإظهار المعاني الأصلية لكل ما ألصق كذبا الي الله تعالي، وإعادة المفهوم الحقيقي الذي صور وبدل بواسطة التأويل والتفسير الخاطيء أو وضع حد ونهاية للجدل والنزاع المذهبي الحاصل بين طبقة المتدينين والمؤدي الي ضياعهم.

قبل الإسلام كان أسلوب علاج هذه المعاني يحدث عن طريق إرسال نبي جديد الي الناس ليحل عقدة خلافاتهم فلما طالت التحريفات جميع موارد الدين الأساسية و بلغت الكتب السماوية بعث الله أنبياء كما يشير القرآن الكريم الي بعثة عيسي ابن مريم عليها السلام:

«وَلَمَّا جَاءَ عِيسَي بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ

ص: 60

الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ»(1)

ويشير القرآن الكريم كذلك حول بعثة النبي الأكرم صلي الله عليه و آله«وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًي وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»(2).

«إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ»(3)

وقد جاء النبي بآيات صلي الله عليه و آله كثيرة من عند الله تبين تحريفات أهل الكتاب في المسائل العقائدية والعلمية.

أحل علماء اليهود العديد من المحرمات من قبيل الربا و.. وذلك باستعمال الغطاء الشرعي الدخيل علي الدين، بالإضافة إلي ذلك حرموا الكثير من الموارد الأخري وتحت عناوين مختلفة وثانوية متنوعة، في حين أن الدين الإلهي سمح وأساسه تبسيط الأمور الضرورية للناس والاستفادة العامة منها، طرحوه الي الناس بهيئة عبء ثقيل علي كاهل الناس وصنعوه عن طريق الفطرة المنحرفة. بين نبي الإسلام صلي الله عليه و آله جميع تلك الانحرافات وفتح السبيل الصحيح أمام الناس، ولكن هناك سؤال يطرح نفسه هنا: هل أن

ص: 61


1- الزخرف: 63 .
2- النمل : 64.
3- النمل : 76.

التحريف بلغ الإسلام أيضا؟

كما أشرنا سابقا إن التحريف آفة عموم الأديان والمذاهب والمسائل، والدين الإسلامي لا يمكنه أن يبقي في مأمن من ذلك.

بعد وفاة النبي صلي الله عليه و آله مباشرة أو حتي في حياته أيضا قام البعض باختلاق الحديث والرواية ووضعوا الأحاديث ونسبوها الي النبي صلي الله عليه و آله وبذا انحرفت العديد من المسائل الحساسة عن مجراها الطبيعي.

قد تكون أول مسالة مهمة جدا وقع التحريف عليها هي مسألة خلافة النبي صلي الله عليه و آله، وخلال اجتماع لصحابة النبي صلي الله عليه و آله وزعماء المسلمين في سقيفة بني ساعدة لأجل تعيين قائد الأمة ورئيس الحكومة وخليفة النبي صلي الله عليه و آله، امتدت الأيادي وفي ظرف حساس جدا الي حديث النبي صلي الله عليه و آله وحرف لصالح أبي بكر.

وقد جاء هذا الحديث بالصورة التالية في كتب العامة والخاصة وبطرق مختلفة:

«الأئمة من بعدي اثني عشر كلهم من قريش»، وفي بعض الروايات توجد لهذا الحديث تتمة حذفوها وهي «تسعة من صلب الحسين والمهدي منهم».

حذف هذا المقطع في سقيفة بني ساعدة والذي يثبت قطعية خلافة علي عليه السلام والذي غاب عن اجتماع السقيفة وكان مشغولا بكفن ودفن النبي صلي الله عليه و آله

ص: 62

وبهذا وضعت أسس خلافة أبي بكر والذي كان يسعي لذلك عمر وأصحابه من خلال تحريف المطلب وحذف قسم من الرواية وإبقاء ما يطابق خلافة أبي بكر (الأئمة من قريش).

تناسي القوم كل ما ذكر في غدير خم والمواضع الأخري بحق علي عليه السلام من أجل الوصول الي غايتهم وتركوا سنة النبي في إعطاء المقام والمسؤولية من بعده. وضع النبي صلي الله عليه و آله ملاكات المقام والمنصب وحددها، بالكفاءة، والقدرة، والخبرة، والأمانة، والعلم والتقوي ولم يولي القرابة أو كبر السن أهمية في ذلك. أعطي رسول الله صلي الله عليه و آله أسامة بن زيد (وهو عبد طليق) مهمة قيادة أهم جيوشه وأمر الجميع (حتي أبا بكر وعمر) بالالتحاق به والعمل تحت أمره (وكان ذلك في آخر أيام الرسول صلي الله عليه و آله ولكن السقيفة خضعت لموازين السن والنسب خلافا لما جاء في الإسلام وقالوا أن الرسول قال إن الإمامة من قريش. كان هذا التحريف بداية فاجعة امتدت لوقتنا الحاضر.

أمر رسول الله صلي الله عليه و آله بالإمامة والقيادة من جانب الله تعالي الي اثني عشر نفر يمتازون بالعلم والتقوي فأين هذا من امتياز كونهم من

قريش ؟

ص: 63

ص: 64

الفصل الرابع: التحريف في عقائد الشيعة

ص: 65

ص: 66

النكتة المهمة هي ان التحريف لا زال قائما وخصوصا في عصرنا هذا أو دولتنا هذه مع وجود هذا العدد الضخم من دعاة الاسلام دون أن يتخذ موقفا جديا لذلك. ولا زال الاختلاف متفاعل كما في السابق بين المذاهب والفرق الاسلامية أو بالأحري لا زالت النتائج التعسة للتحريفات قائمة علي حالها. ولا زال المستضعفين وإلي جانبهم المستكبرين وطلاب القدرة في جميع الفرق والمجتمعات، وفي كل يوم يمر يتجسد استغلال الضعفاء من قبل المستكبرين وعن طريق الاصول المنحرفة كما نشاهد ذلك في فضائح الوهابية والطالبان والذي هم أشبه بوصمة العار في جبين المجتمع البشري، لكنها ألصقت في الاسلام، وكل خطوة يخطو بها المسلمين نحو التقدم والتعالي نراهم يحيكون هذه الدسائس القذرة لاعادتهم إلي الوراء عشرات الأقدام .

حيل الاستعمار ودسائسه القذرة النتنة تؤدي بالمصائب والفواجع للاسلام يوميا، وناتج ذلك هو بقاء المسلمين في حالة خمول واهمال .

ص: 67

هذا الموضوع خارج عن بحثنا ولكن بلحاظ أهميته كتبنا عنه القليل لاجل لفت أنظار المسلمين إلي التحريف الحاصل.

تعالوا إلي عمق الفاجعة التي تتكرر يوميا في المجتمع مرات ومرات، لكن الثقة بالعدو ودفع الصديق وابعاده أعطت مذاقا حلوا لتلك الفاجعة، قد لا يكون قابل للتصديق أن قلنا أن الشيعة أنفسنا مشغولون منذ حوالي خمسمائة سنة ولحد الآن في نسج الأباطيل والأراجيف حول حادثة كربلاء، وكل سنة نلصق بهذه الواقعة العظيمة أشكالا مختلفة ونعطيها مكياج جديدا له دور سلبي علي الناس وتؤدي إلي ابعادهم عن أصول الثورة الحسينية، وقد وصل بنا الأمر إلي ضرب السلاسل والقيود علي جميع أطراف أبا عبدالله وأصحابه وقدمناهم إلي يزيد وحزبه مكبلين.

كما أشرنا سابقا أن المرور علي تحريفات مذهب التشيع يعتبر من المحاور الأخري لهذا الكتاب ونستند هنا إلي كلام الشهيد مطهري الثمين والذي جاء في كتاب (الملحمة الحسينية) لنري أنفسنا أين كانت ؟ وماذا كانت ؟ لكي نتوقع عدم تدخل الآخرين في أمورنا وعدم إيقاعنا في فخ مكرهم

عندما يمر الشهيد مطهري علي واقعة عاشوراء ويصل إلي التحريفات الموجودة والتي تجاوزت حدود النقل في المقاتل والكتب والمتون ودخلت إلي أشد الأجزاء تأثيرا، أي الأشعار والمراثي .

ص: 68

وبعد أن يوضح الشهيد مطهري المعني اللغوي للتحريف، يقسم التحريفات الواقعة علي (عاشوراء) إلي قسمين، اللفظي والمعنوي، ويشير إلي عوامل التحريف ويقول عنها: تستكون من جهالة الصديق وعداوة العدو.

وذكر الشهيد مطهري نماذجا كثيرة للتحريفات اللفظية العاشوراء من جملتها قصة الأسد وفضة

وزواج القاسم التي لا يتجاوز عمرها علي الظاهر الدورة القاجارية، وكذلك قصة فاطمة الصغري في المدينة وإخبارها من قبل الطير، وقصة حضور ليلي في كربلاء، وعدد جيش عمر بن سعد ...... الخ، وقدم الشهيد أدلة دامغة علي بطلان تلك التحريفات وانعدام أساسها .

ومن العوامل العامة لايجاد التحريف وخاصة في واقعة كربلاء تلك المجالس والأشعار التي تقرأ علي الناس (مجالس التعزية) والتي تسعي إلي ابكاء الناس فقط لكي يثبتوا نجاح مجالسهم ويستشهد الشهيد بقصة من كتاب (لؤلؤ ومرجان) للحاج نوري ، يقول :

«يقول الحاج نوري في كتابه : نقل لي أحد الطلاب وكان من أهل يزد انه سافر في شبابه إلي خراسان مشيا علي الأقدام عن طريق الصحراء فمر باحدي قري نيشابور وكان فيها مسجد ، ذهبت

ص: 69

إلي المسجد لعدم وجود مكان آخر لي.

حضر امام الجماعة إلي المسجد وصعد المنبر وهنا شاهدت خادم المسجد جاء بعدد من الحصي واعطاها إلي ذلك الأمام، وبعد أن شرع في قراءة التعزية أمر باطفاء النور، وبعد ذلك قام برمي الحاضرين بالحصي لكي ترتفع أصواتهم بالبكاء، وبعد اكمال المجلس وأضاء المكان رأيت رؤوس الناس وقد أخذتها الجراح وهم في حالة بكاء مستمر إلي أن ذهبوا خارج المسجد، ذهبت إلي ذلك الأمام وسألته عن فعلته هذه، فقال : لقد اختبرت هؤلاء الناس فوجدتهم لا يبكون في أي عزاء وبما أن عزاء الامام الحسين عليه السلام له من الأجر الكثير والثواب العظيم فحاولت ابكائهم بهذه الصورة وعن طريق ضرب رؤوسهم بالحصي والحجر .

نعم، هذا نموذج عيني لاحدي قنوات التحريف، تصور ان موجودا مثل هذا كيف سيمكنه المقاومة أمام القدرات التي تسعي إلي اخلال اُسس عقائد الناس. الحقيقة أن كل انحراف يقع وخصوصا في سيرة الشخصيات الدينية والمذهبية ناشيء من استحمار هؤلاء النماذج وهذا ما يفسح المجال لتقدم التحريف خطوة إلي الأمام لتصل بهم الوقاحة في الحديث عن تحريف القرآن !!

وكما ذكر من مؤمرات العدو سواء كانت من الداخل أو

ص: 70

الخارج تعتبر من أهم العوامل لايجاد التحريف في متون الكتب العقائدية، ومن محاور البحث الاساسية من هذا الكتاب هي تشخيص المؤمرات وتعريف المتأخرين الذين كان لهم دور في قلب الحقائق لموضوع امام الزمان عليه السلام وسنشير إلي ذلك في الفصول التالية بصورة مفصلة، ولكن هناك نموذج يشابه ما سنذكره في التحريفات الحاصلة في واقعة عاشوراء. قام الشهيد مطهري بتعريف ذلك المتآمر بصراحة، يذكر الشهيد في الصفحة 53 من المجلد الأول للملحمة الحسينية فيقول :

«هناك كتاب يعرف باسم (روضة الشهداء) للكاتب ملا حسين كاشفي، يقول الحاج نوري عنه: قرأت قصة (زعفر الجني) و(زواج القاسم) لأول مرة في هذا الكتاب الذي لم اشاهده من قبل وكنت أعتقد ان فيه القليل من تلك الوقائع، كتب الكتاب باللغة الفارسية قبل حوالي (500 سنة) (يرجي التدقيق بهذا التاريخ لأنه سيهمنا في بحث تاريخ دخول التحريفات أو تاريخ بدايتها التي تستهدف عقائد الشيعة في فصولنا القادمة ان شاء الله).

الملا حسين كان رجل عارفا للقراءة والكتابة، وله عدة كتب منها (انوارشهيلي)، عند قراءة تاريخه لا يمكن تشخيصه شيعي كان أم سني !! وكان يعرف بالتلون، يدعي التشيع أمام الشيعة، ويقول بحنفيته أمام السنة !!! يبدو انه من أهالي سبزوار، وهذه المدينة

ص: 71

كانت مركزا للتشيع، وأهلها متعصبون للمذهب(1).

كان الملا شيعي مئة بالمئة في سبزوار، ويسافر أحيانا إلي هرات وينتحل السنية هناك ويمتهن الموعظة هناك (يقال بانه زوج أخت أو عديل عبد الرحمن الجامي) ولكنه ما أن يصل سبزوار حتي يشتغل بذكر مصيبة عاشوراء ! توفي سنة 910 (تقريبا)، أي في أوائل القرن العاشر .

كان أول كتاب كتب في الرثاء قبل حوالي خمسمائة سنة وباللغة الفارسية، كان الناس يرجعون قبل ذلك إلي المصادر الاصلية مثل : الارشاد للشيخ المفيد، (ولو نرجع إلي هذا المصدر فاننا سنستغني عن جميع المصادر الأخري).

ومن السنة كتب الطبري وابن الأثير واليعقوبي وابن عساكر والخوارزمي (لا أعلم بفعل هذا الفاقد للانصاف) !!

عندما قرأت هذا الكتاب رأيت فيه اسماء كاذبة مختلقة، أي ذكرت أسماء لا أساس لها في صف أصحاب الحسين عليه السلام وكذلك أسماء وهمية لا حقيقة لها في صف الأعداء، وقد طغت صور(1)

ص: 72


1- يبدو أن هذه المؤامرة مخططا لها وكانت هناك أهدافا محددة منها ! وهو العمل المضاد للتشيع في مركزه وقلب اعتقاده و محل المتعصبين به من قبل فرد، وكما ذكر فان هذا المورد كذلك من موارد التحريف التي تستهدف أسس عقائد الشيعة ، وسنحاول ذكر ذلك في محل آخر.

الأساطير علي قصصه .

وبما أن هذا الكتاب كان الأول في اللغة الفارسية، وكان أغلب قراء المراثي امين لا يقدرون علي مراجعة المصادر العربية لهذا كانوا يستعينون بهذا الكتاب ويقرأون ما فيه، وهذا ما نراه اليوم بهيئة (قراءة الروضة) (القراءة) في مجالس تعزية الإمام الحسين.

لم يكن اصطلاح (قراءة الروضة) (التعزية) رائج في زمان الامام الحسين والامام الصادق والامام الحسن العسكري عليهم السلام، وكذلك لا يوجد من يقرأ ذلك في زمن السيد المرتضي والخواجة نصير الدين الطوسي وانما منذ حوالي 500 سنة ولحد الآن وضعت هذه التسمية له، (قراءة الروضة) تعني قراءة كتاب (روضة الشهداء) ذلك الكتاب الكاذب، الذي حال دون قراءة الناس للتاريخ الواقعي للامام الحسين عليه السلام من تاريخ وصوله إلي متناول الناس.

يقول الشهيد مطهري في ادامة حديثه :

«ظهر قبل حوالي 60 - 70 سنة المرحوم (الملا الدربندي) وقام بجمع جميع ما جاء في روضة الشهداء والاضافات الواقعة عليه في مكان واحد والف كتاب باسم (أسرار الشهادة) وكان هذا الكتاب يدفع الانسان إلي البكاء علي الاسلام وما حل فيه».

ص: 73

نعم، هذا الاسلام يستحق البكاء، لاته يعد أعداء الدين والمتآمرين عليه من أفاضل القوم وعلمائه وعلي مر التاريخ هذا من جانب، ومن جانب آخر قام اولئك وباسم الاسلام وباسم علماء الاسلام بنسج خيوط العنكبوت حول الاسلام بافعالهم المتدنية ؟!

لم يقتصر التحريف علي اصول عقائد التشيع وعلي محتواها وحقائقها وانما استهدفت سهامهم الحاقدة والمسمومة شخصيات العلماء أيضأ، وما مر علي أنظاركم حول ما قيل وحيك ضد الامام الحسين عليه السلام وحادثة كربلاء المؤلمة ما هو إلا قطرة من بحر مترامي الأطراف مليء بعداء الأعداء وجهل و غفلة الأصدقاء.

ومن المؤكد ان ذلك لن يتوقف عند هذا الحد وانما سبقه ما وضع بحق الامام علي عليه السلام وحياته وشجاعته كذلك، ان كل من هذين الحقيقتين كانا يمثلان ثلمة في العالم الاسلامي والتي لا زالت اثارها و تبعاتها متفاعلة في وقتنا المعاصر.

ان ما قيل بصدد أمير المؤمنين عليه السلام من مسائل محرفة كثيرة جدا فاق كل أقوال التحريف الصادرة بخصوص الشخصيات الاسلامية الباقية، وحتي ان الامام علي عليه السلام عاقب بنفسه الكثير من المغالين بحقه.

وقد ورد في كتاب الملحمة الحسينية للشهيد مطهري مثال من هذا القبيل، (قيل ان علي عليه السلام في معركة خيبر قابل (مرحب)

ص: 74

الخيبري، وكان لهذا الأخير خصوصيات خارقة للعادة، يذكر المؤرخون انه عندما ضربه الامام علي عليه السلام وصيره نصفين ، أوحي إلي جبرائيل (هنا بالضبط موضع الاسطورة الكاذبة التي تهدم الدين) أن أهبط إلي الأرض فورا لأن سيف علي أن ارتطم بالأرض سيجعلها نصفين وسيصل إلي البقرة والسمكة(1)، ضع جناحك علي الفور تحت سيف علي عليه السلام ! فوضعه، فلما هبط سيف علي وقسم مرحب إلي نصفين (لو وضعنا في الميزان لكانت متساوية الوزن)، وصل السيف إلي جناح جبرائيل وأصابه فلم يستطع الرجوع إلي السماء إلا بعد أربعين يوما ؛ فلما رجع إلي السماء سأله المولي تعالي : أين كنت في هذه الأربعين يوما ؟؟!! فأجاب : الهي كنت علي الأرض، لقد أمرتني بذلك، فسأل منه : لماذا لم ترجع بسرعة ؟! فأجاب : الهي لما هبط سيف علي فأصاب جناحي فبقيت أربعين يوما تحت العلاج !!

يقول الآخر : ولقد كانت سرعة سيف علي عليه السلام ونعومته بالحد

ص: 75


1- لم تكن في تلك الأيام فكرة علمية حول حركة ووضع الأرض والسيارات الموجودة وكان العوام يعتقدون بأن الأرض مستقرة علي قرن بقرة وهذه البقرة راكبة علي ظهر سمكة، ويعتقدون بان حركة البقرة الجزئية تسبب اهتزاز الأرض، وعند نهوض البقرة فان الأرض تري من هذا القرن إلي القرن الآخر وبعد ذلك ستقوم القيامة علي الفور، للأسف لم يطرح آنذاك أحد هذا السؤال القائل ما هو مصير الأرض لو تحركت السمكة ؟؟!!

الذي لم يشعر به مرحب حتي بعد وصوله إلي سرج الفرس وسحبه من جسده، ولهذا قال له: يا علي هل كان تلك جميع قوتك ؟! (كان يتصور بان الضربة لم تقع) وهل آن شجاعتك بهذا المستوي ؟! فقال له: حرك نفسك، فلما حركها سقط نصفاه كل علي جهة .

ومن هنا يتضح تحريف الحقائق وقلبها، والأخطار التي ستتبع ذلك. التحريف ضربة شديدة وغير مباشرة لكيان العقائد ولها تأثير أكثر من الضربات المباشرة لأنها تحول كتاب الهداية إلي ضلالة، وكتاب السعادة إلي شقاء وتبدل أساس الحقائق بصورة كاملة بحيث لا يقتصر تأثيرها علي ضياع خواصها وانما ستترك آثارا مكتوبة يقول النبي الأكرم صلي الله عليه و آله:

«آفة الدين ثلاثة : فقيه فاجر وامام جائر ومجتهد جاهل».

لكل شيء آفة تتناسب مع ماهيته، فلكل من الحيوان والنبات والانسان ...والدين والمذهب والمسلك آفة خاصة به، فلو وقع التحريف من قبل قسمين من الآفات التي أشار لها النبي الأكرم صلي الله عليه و آله فان الدين سيهدم وعدم

نعم، ايها الاخوة والأصدقاء، أن الدين الذي بين أيدينا هو أكمل الأديان ، ذلك الدين الذي قضي علي كل سمسار ودلال

ص: 76

يحاول تأمين الارتباط مع إله العالم .

وحقا أن هذا الدين قد أودعت فيه تمام علوم الوجود من الأزل إلي الأبد سواء كان ذلك في القرآن أو الأحاديث أو الروايات الصادرة عن أهل بيت العصمة (سلام الله عليهم أجمعين) (من الطبيعي أن ما نعنيه هو الثابت عنهم حقا).

نعم ان هذا الدين العظيم يلزمه أناس عقائديين عظام أيضأ، يمكنهم تفسير و توضيح هذا الدين بواسطة عظمة العقل والروح.

لقد انقضت أيام الخرافة والأساطير وأيام القائها علي الأفراد الامتين عبر المنبر أو الكتب والرسائل والكتابات. نحن نعيش بعصر يرصد أدق الحركات وخصوصا الصادرة من الشيعة فهنالك مليارات نوافذ الرصد المفتوحة باتجاهنا.

لاحظوا الآن الشباب والفتيان الذين ترعرعوا بين أحضان الشيعة خصوصا في مجال عقائدهم واسئلتهم التي يطرقونها في ذلك المجال .

إلي متي يمكننا أن نقول الأمر كذا وكذا، إلي متي يمكننا تحفيز الآخرين علي الاتيان بالواجبات والمستحبات بدون تقديم الأدلة المتقنة والمنطقية . من المؤكد جدا ان خلف ستائر جميع الأحكام والاعتقادات

ص: 77

والواجبات والمستحبات قد أخفيت الحقائق العلمية العميقة، اليوم من الواجب علي الجميع استعمال الأفكار لازدهار براعم العقائد الاسلامية وذلك بالسعي الجاد لاجراء التجزئة والتحليل العلمي والمنطقي، لا نعني من كلامنا رفض العقائد التي ليس لها توجيه علمي ، كلا! وحتي اننا يمكننا الادعاء بأن العلم الذي لا يقع في اطار العقائد الاسلامية ليس بالعلم ، ولكن ما يقتضيه عصرنا الحاضر أن تسعي الدول الاسلامية وخاصة دولتنا إلي ايجاد حركة تمر عبر هذا الطريق، أي تنقيح المسائل والموارد كالأحكام وغيرها الاخراجها من حالة المغالطات والتحريفات. لأنه بواسطة توضيح الحقائق ستطفح جميع التحريفات عنه وبهذا تتضح الدسائس الخارجية المتغلفة بين عقائدنا و تشخيص ماهية المتآمرين.

ص: 78

الفصل الخامس

الفصل الخامس: الجزيرة الخضراء تحريف آخر

اشارة

ص: 79

ص: 80

كما مر سابقا أن التحريفات حصلت في كليات الدين الاسلامي وكذلك في عقائد الشيعة وشخصياتها ابتداء بأمير المؤمنين عليه السلام والامام الحسين عليه السلام إلي سائر الأئمة المعصومين عليهم السلام وآخرهم منقذ البشرية الذي لم يسلم من ذلك أيضا .

وقد نسجت حوله علي مر الأدوار المختلفة العديد من الاعتقادات المنحرفة،واليوم وللأسف نشاهد بعض المجاميع وتحت عناوين مختلفة تحاول التزوير والوضع في حقائق العقائد المهدوية وخصوصياتها، ونقصد الغيبة الكبري وعلائم الظهور وسائر الثوابت المرتبطة بحضرته عليه السلام، ولم يتورع اولئك حتي عن ارتكاب الجرائم والجنايات في هذا المجال .

موضوع الجزيرة الخضراء من المواضيع التي لفتت هذه الايام انتباه الكثير من العلماء والعوام كذلك، وذلك بسبب العلاقة القوية للشيعة بامام الزمان وان موضوع غيبته تعتبر من المواضيع التي تجذب الأفكار العمومية اليها وكذلك يرتبط الأمر بعمر فرد طال أكثر من المعتاد .

ص: 81

وهناك العديد من الأسئلة المطروحة هنا، منها: ماهي مشاغله صاحب الأمر عليه السلام خلال هذه الفترة الطويلة؟ وكيف وضعه (الزواجي وغيره) والآف الاسئلة الاخري التي تخطر علي بال العاشقين، والتي يمكنها أن تكون مهدا للاستغلال، والاستغلال الواقع من العقلاء وعلماء الدين في جهة توجيه قسم من المسائل العلمية والعقائدية للمحافظة علي رقي أ واعتلاء أفكار المعتقدين وعشاق المعرفة، هذا من جهة، ومن جهة أخري الاستغلال السيء الحاصل من قبل الأعداء والمعاندين.

في كتاب (الجزيرة الخضراء حقيقة أم اسطورة) أشار الكاتب المحترم إلي بعض النقاط المرتبطة بذلك، ولكن الاشكال الأهم والواقع من خلال الاعتقاد بوجود مكان كالجزيرة الخضراء هو حصول التشكيك بالروايات والأحاديث المتعلقة بصاحب الزمان عليه السلام والمنقولة عن الأئمة عليهم السلام ولكن نظرة متفحصة كلية لماهية هذه القصة سيتضح لنا مدي جعلها ووضعها بصورة ثابتة.

لقد أثبت اليهود مهارتهم في تحريف الكتب والروايات علي مر التاريخ من جملة ذلك تصوير الضرر الحتمي الذي سيلحق بهم من ظهوره عليه السلام، وكذلك تحريف ذلك الوجود المبارك المعين من قبل أهل بيت العصمة والطهارة، وقضية انتظار ظهوره ونقاط القوة التي أضيفت إلي رصيد الشيعة من هذين التأليفين العظيمين، والتي لها

ص: 82

دور التلقيح الواقي ضد أخطار الهجمات الثقافية والسياسية .

من الواضح جدا أن العدو الجاعل والواضع يحاول تحريف الثوابت في مجالات ولادة الامام عليه السلام ورشده، وغيبته الصغري والكبري، والنصوص الصريحة للروايات المرتبطة بسيرته في الغيبة، ويسعي إلي ايجاد الشك والترديد في مباني الاعتقادات الشيعية، لذا فاننا نبغي من طرح المطالب الماضية والآتية الي اثبات تحريف بعض المطالب وكشف المؤمرات المحاكة ضد الشيعة بعون الله تعالي .

ومن أجل الورود إلي البحث الأصلي للمطالب التي نحاول هنا توضيحها نعرض محتويات تلك المطالب وهي : المتن الكامل للجزيرة الخضراء ومن ثم عرض قصة مشابهة لها واسمها رواية الانباري، ومن ثم نشير إلي القصص المشابهة لذلك والحاصلة في أماكن مشابهة وعلي طوال التاريخ لهاتين الروايتين، ومن ثم نحاول قدر امكاننا توضيح و تبيين المطالب ومناقشة الآراء المختلفة حولها .

وما تقرؤنه الآن هو أصل قصة الجزيرة الخضراء المروية عن شخص يدعي بحضوره في تلك الجزائر وتحت قيادة امام الزمان عليه السلام، ويدعي بانه شاهد ابناء الامام وتكلم معهم بالاضافة إلي وقائع أخري يدعي بشهودها من قبله :

ص: 83

المتن الكامل لقصة الجزيرة الخضراء المذكورة في الجزء 52 من كتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي :

وجدت رسالة مشتهرة بقصة الجزيرة الخضراء في البحر الأبيض أحببت ايرادها لاشتمالها علي ذكر من رآه ، ولما فيه من الغرائب . وإنما أفردت لها باب لاني لم أظفر به في الأصول المعتبرة ولنذكرها بعينها كما وجدتها :

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا لمعرفته،والشكر له علي ما منحنا للاقتداء بسنن سيد بريته ، محمد الذي اصطفاه من بين خليقته ، وخصنا بمحبة علي والائمة المعصومين من ذريته ، صلي الله عليهم أجمعين الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا.

وبعد : فقد وجدت في خزانة أمير المؤمنين ، وسيد الوصيين، وحجة رب العالمين ، وإمام المتقين ، علي بن أبي طالب عليه السلام بخط الشيخ الفاضل والعالم العامل ، الفضل بن يحيي بن علي الطيبي الكوفي قدس الله روحه ما هذا صورته :

الحمد لله رب العالمين وصلي الله علي محمد و آله و سلم .

وبعد : فيقول الفقير إلي عفو الله سبحانه وتعالي الفضل بن يحيي بن علي الطيبي الامامي الكوفي عفي الله عنه : قد كنت سمعت

ص: 84

من الشيخين الفاضلين العالمين الشيخ شمس الدين بن نجيح الحلي والشيخ جلال الدين عبدالله بن الحرام الحلي قدس الله روحيهما ونور ضريحيهما في مشهد سيد الشهداء وخامس أصحاب الكساء مولانا وإمامنا أبي عبدالله الحسين عليه السلام في النصف من شهر شعبان سنة تسع وتسعين وستمائة من الهجرة النبوية علي مشرفها محمد وآله أفضل الصلاة وأتم التحية ، حكاية ما سمعاه من الشيخ الصالح التقي الفاضل الورع الزكي زين الدين علي بن فاضل المازندراني ، المجاور بالغري - علي مشرفيه السلام - حيث اجتمعابه في مشهد الامامين الزكيين الطاهرين المعصومين السعيدين عليهما السلام بسر من رأي وحكي لهما حكاية ما شاهده ورآه في البحر الابيض ، والجزيرة الخضراء من العجائب فمر بي باعث الشوق إلي رؤياه ، وسألت تيسير لقياه ، والاستماع لهذا الخبر من لقلقة فيه باسقاط رواته ، وعزمت علي الانتقال إلي سر من رأي للاجتماع به. فاتفق أن الشيخ زين الدين علي بن فاضل المازندراني انحدر من سر من رأي إلي الحلة في أوائل شهر شوال من السنة المذكورة ليمضي علي جاري عادته ويقيم في المشهد الغروي علي مشر فيه السلام.

فلما سمعت بدخوله إلي الحلة وكنت يومئذ بها قد أنتظر قدومه فاذا أنابه وقد أقبل راكبا يريد دار السيد الحسيب ، ذي النسب الرفيع ، والحسب المنيع السيد فخر الدين الحسن بن علي

ص: 85

الموسوي المازندراني نزيل الحلة أطال الله بقاه ولم أكن إذ ذاك الوقت أعرف الشيخ الصالح المذكور لكن خلج في خاطري أنه هو.

فلما غاب عن عيني تبعته إلي دار السيد المذكور فلما وصلت إلي باب الدار رأيت السيد فخر الدين واقفا علي باب داره مستبشرا فلما رآني مقبلا ضحك في وجهي وعرفني بحضوره فاستطار قلبي فرحا وسرورا ولم أملك نفسي علي الصبر علي الدخول إليه في غير هذا الوقت .

فدخلت الدار مع السيد فخر الدين فسلمت عليه ، وقبلت يديه ، فسأل السيد عن حالي ، فقال له : هو الشيخ فضل بن الشيخ يحيي الطيبي صديقكم فنهض واقفا وأقعدني في مجلسه ورحب بي وأحفي السؤال عن حال أبي وأخي الشيخ صلاح الدين لانه كان عارفا بهما سابقا ولم أكن في تلك الاوقات حاضرا بل كنت في بلدة واسط ، أشتغل في طلب العلم عند الشيخ العالم العامل الشيخ أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الواسطي الأمامي تغمده الله برحمته ، وحشره في زمرة أئمته عليهم السلام .

فتحادثت مع الشيخ الصالح المذكور متع الله المؤمنين بطول بقائه فرأيت في كلامه أمارات تدل علي الفضل في أغلب العلوم من الفقه والحديث ، والعربية بأقسامها ، وطلبت منه شرح ما حدث به الرجلان الفاضلان العالمان العاملان الشيخ شمس الدين والشيخ

ص: 86

جلال الدين الحليان المذكوران سابقا في الله عنهما فقص لي القصة من أولها إلي آخرها بحضور السيد الجليل السيد فخر الدين نزيل الحلة صاحب الدار ، وحضور جماعة من علماء الحلة والاطراف ، قد كانوا أتوا لزيارة الشيخ المذكور وفقه الله ، وكان ذلك في اليوم الحادي عشر من شهر شوال سنة تسع وتسعين وستمائة وهذه صورة ما سمعته من لفظه أطال الله بقاءه وربما وقع في الألفاظ التي نقلتها من لفظة تغيير ، لكن المعاني واحدة قال حفظه الله تعالي :

قد كنت مقيما في دمشق الشام ، منذ سنين ، مشتغلا بطلب العلم ، عند الشيخ الفاضل الشيخ عبدالرحيم الحنفي وفقه الله لنور الهداية في علمي الأصول و العربية ، وعند الشيخ زين الدين علي المغربي الاندلسي المالكي في علم القراءة لانه كان عالما فاضلا عارفا بالقراءات السبع وكان له معرفة في أغلب العلوم من الصرف ، والنحو ، والمنطق ، والمعاني ، والبيان ، والأصولين وكان لين الطبع لم يكن عنده معاندة في البحث ولا في المذهب لحسن ذاته . فكان إذا جري ذكر الشيعة يقول : قال علماء الامامية . بخلاف من المدرسين فانهم كانوا يقولون عند ذكر الشيعة : قال علماء الرافضة ، فاختصصت به وتركت التردد إلي غيره ، فأقمنا علي ذلك برهة من الزمان أقرأ عليه في العلوم المذكورة .

ص: 87

فاتفق أنه عزم علي السفر من دمشق الشام ، يريد الديار المصرية ، فلكثرة المحبة التي كانت بيننا عز علي مفارقته ، وهو أيضا كذلك فآل الأمر إلي أنه هداه الله صمم العزم علي صحبتي له إلي مصر ، وكان عنده جماعة من الغرباء مثلي ، يقرؤون عليه فصحبه أكثرهم.

فسرنا في صحبته إلي أن وصلنا مدينة بلاد مصر المعروفة بالفاخرة ، وهي أكبر من مدائن مصر كلها ، فأقام بالمسجد الازهر مدة يدرس ، فتسامع فضلاء مصر بقدومه ، فوردوا كلهم لزيارته والانتفاع بعلومه ، فأقام في قاهرةمصر مدة تسعة أشهر ، ونحن معه علي أحسن حال وإذا بقافلة قد وردت من الاندلس ومع رجل منها كتاب من والد شيخنا الفاضل المذكور يعرفه فيه بمرض شديد قد عرض له وأنه يتمني الاجتماع به قبل الممات ، ويحثه فيه علي عدم التأخير .

فرق الشيخ من كتاب أبيه وبكي ، وصمم العزم علي المسير إلي جزيرة الأندلس ، فعزم بعض التلامذة علي صحبته ، ومن الجملة أنا ، لانه هداه الله قد كان أحبني محبة شديدة وحسن لي المسير معه فسافرت إلي الأندلس في صحبته فحيث وصلنا إلي أول قرية من الجزيرة المذكورة ، عرضت لي حمي منعتني عن الحركة .

فحيث رآني الشيخ علي تلك الحالة رق لي وبكي ، وقال : يعز

ص: 88

علي مفارقتك ، فأعطي خطيب تلك القرية التي وصلنا إليها عشرة دراهم ، وأمره أن يتعاهدني حتي يكون مني أحد الأمرين ، وإن من الله بالعافية أتبعه إلي بلده هكذا عهد إلي بذلك وفقه الله بنور الهداية إلي طريق الحق المستقيم ، ثم مضي إلي بلد الاندلس ، ومسافة الطريق من ساحل البحر إلي بلده خمسة أيام.

فبقيت في تلك القرية ثلاثة أيام لا أستطيع الحركة لشدة ما أصابني من الحمي ففي آخر اليوم الثالث فارقتني الحمي ، وخرجت أدور في سكك تلك القرية فرأيت قفلا قد وصل من جبال قريبة من شاطئ البحر الغربي يجلبون الصوف والسمن والامتعة ، فسألت عن حالهم فقيل : إن هؤلاء يجيئون من جهة قريبة من أرض البربر ، وهي قريبة من جزائر الرافضة.

فحيث سمعت ذلك منهم ارتحت إليهم ، وجذبني باعث الشوق إلي أرضهم فقيل لي : إن المسافة خمسة وعشرون يوما ، منها يومان بغير عمارة ولا ماء ، وبعد ذلك فالقري متصلة ، فاكتريت معهم من رجل حمارا بمبلغ ثلاثة دراهم ، لقطع تلك المسافة التي لا عمارة فيها ، فلما قطعنا معهم تلك المسافة ، ووصلنا أرضهم العامرة ، تمشيت راجلا وتنقلت علي اختياري من قرية إلي أخري إلي أن وصلت إلي أول تلك الأماكن ، فقيل لي : إن جزيرة الروافض قد بقي بينك وبينها ثلاثة أيام، فمضيت ولم أتأخر .

ص: 89

فوصلت إلي جزيرة ذات أسوار أربعة ، ولها أبراج محكمات شاهقات ، وتلك الجزيرة بحصونها راكبة علي شاطئ البحر، فدخلت من باب كبيرة يقال لها : باب البربر ، فدرت في سككها أسأل عن مسجد البلد ، فهديت عليه ، ودخلت إليه فرأيته جامعا كبيرا معظما واقعا علي البحر من الجانب الغربي من البلد ، فجلست في جانب المسجد لاستريح وإذا بالمؤذن يؤذن للظهر ونادي ب-«حي علي خير العمل»ولما فرغ دعا بتعجيل الفرج للامام صاحب الزمان عليه السلام.

فأخذتني العبرة بالبكاء ، فدخلت جماعة بعد جماعة إلي المسجد ، وشرعوا في الوضوء علي عين ماء تحت الشجرة في الجانب الشرقي من المسجد ، وأنا أنظر إليهم فرحا مسرورا لما رأيته من وضوئهم المنقول عن أئمة الهدي عليه السلام .

فلما فرغوا من وضوئهم وإذا برجل قد برز من بينهم بهي الصورة ، عليه السكينة والوقار ، فتقدم إلي المحراب ، وأقام الصلاة ، فاعتدلت الصفوف وراءه وصلي بهم إماما وهم به مأمومون صلاة كاملة بأركانها المنقولة عن أئمتنا عليهم السلام علي الوجه المرضي فرضا ونفلا وكذا التعقيب والتسبيح ومن شدة ما لقيته من وعثاء السفر، - وتعبي في الطريق لم يمكني أن أصلي معهم الظهر.

فلما فرغوا ورأوني أنكروا علي عدم اقتدائي بهم ، فتوجهوا

ص: 90

نحوي بأجمعهم وسألوني عن حالي ومن أين أصلي وما مذهبي ؟ فشرحت لهم أحوالي وأني عراقي الأصل ، وأما مذهبي فانني رجل مسلم أقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الاديان كلها ولو كره المشركون .

فقالوا لي : لم تنفعك هاتان الشهادتان إلا لحقن دمك في دار الدنيا لم لا تقول الشهادة الاخري لتدخل الجنة بغير حساب ؟ فقلت لهم : وما تلك الشهادة الاخري ؟ اهدوني إليها يرحمكم الله ، فقال لي إمامهم : الشهادة الثالثة هي أن تشهد أن أمير المؤمنين ، ويعسوب المتقين ، وقائد الغر المحجلين علي بن أبي طالب والائمة الاحد عشر من ولده أو صياء رسول الله ، وخلفاؤه من بعده بلا فاصلة ، قد أوجب الله عز وجل طاعتهم علي عباده ، وجعلهم أولياء أمره ونهيه ، وحججا علي خلقه في أرضه ، وأمانا لبريته ، لان الصادق الامين محمدا رسول رب العالمين صلي اللهعليه و آله أخبر بهم عن الله تعالي مشافهة من نداء الله عز وجل له عليه السلام في ليلة معراجه إلي السماوات السبع ، وقد صار من ربه كقاب قوسين أو أدني ، وسماهم له واحدا بعد واحد ، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين . فلما سمعت مقالتهم هذه حمدت الله سبحانه علي ذلك ، وحصل عندي أكمل السرور ، وذهب عني تعب الطريق من الفرح ، وعرفتهم أني علي مذهبهم ، فتوجهوا

ص: 91

إلي توجه إشفاق ، وعينوالي مكانا في زوايا المسجد، وما زالوا | يتعاهدوني بالعزة والاكرام مدة إقامتي عندهم ، وصار إمام مسجدهم لا يفارقني ليلا ولا نهارا.

فسألته عن ميرة بلده من أين تأتي إليهم فاني لا أري لهم أرضا مزروعة ، فقال : تأتي إليهم مير تهم من الجزيرة الخضراء من - البحر الابيض ، من جزائر أولاد الامام صاحب الامر عليه السلام، فقلت له: كم تأتيكم ميرتكم في السنة ؟

فقال : مرتين ، وقد أتت مرة وبقيت الأخري .

فقلت : كم بقي حتي تأتيكم؟

قال : أربعة أشهر .

فتأثرت لطول المدة ، ومكثت عندهم مقدار أربعين يوما أدعو الله ليلا ونهارا بتعجيل مجيئها ، وأنا عندهم في غاية الأعزاز والاكرام ، ففي آخر يوم من الأربعين ضاق صدري لطول المدة فخرجت إلي شاطيء البحر ، أنظر إلي جهة المغرب التي ذكروا أهل البلد أن ميرتهم تأتي إليهم من تلك الجهة .

فرأيت شبحا من بعيد يتحرك ، فسألت عن ذلك الشبح أهل - البلد وقلت لهم : هل يكون في البحر طير أبيض ؟

فقالوا لي : لا ، فهل رأيت شيئا ؟

ص: 92

قلت : نعم .

فاستبشروا وقالوا : هذه المراكب التي تأتي إلينا في كل سنة من بلاد أولاد الامام عليه السلام .

فما كان إلا قليل حتي قدمت تلك المراكب ، وعلي قولهم إن مجيئها كان في غير الميعاد ، فقدم مركب كبير وتبعه آخر و آخر حتي كملت سبعا ، فصعد من المركب الكبير شيخ مربوع القامة ، بهي المنظر ، حسن الزي ، ودخل المسجد فتوضأ الوضوء الكامل علي الوجه المنقول عن أئمة الهدي عليه السلام ، وصلي الظهرين ، فلما فرغ من صلاته التفت نحوي مسلما علي فرددت عليه السلام فقال : ما اسمك وأظن أن اسمك علي ؟ قلت : صدقت فحادثني بالسر محادثة من يعرفني فقال : ما اسم أبيك ؟ ويوشك أن يكون فاضلا ، قلت : نعم ، ولم أكن أشك في أنه قد كان في صحبتنا من دمشق.

فقلت : أيها الشيخ ! ما أعرفك بي وبأبي ؟ هل كنت معنا حيث سافرنا من دمشق الشام إلي مصر؟

فقال : لا.

قلت : ولا من مصر إلي الأندلس ؟

قال : لا ، ومولاي صاحب العصر .

قلت له : فمن أين تعرفني باسمي واسم أبي ؟

ص: 93

قال : اعلم أنه قد تقدم إلي وصفك ، وأصلك ، ومعرفة اسمك وشخصك وهيئتك واسم أبيك ، وأنا أصحبك معي إلي الجزيرة الخضراء.

فسررت بذلك حيث قد ذكرت ولي عندهم اسم ، وكان من عدته أنه لا يقيم عندهم إلا ثلاثة أيام فأقام اسبوعا وأوصل الميرة إلي أصحابها المقررة لهم ، فلما أخذ منهم خطوطهم بوصول المقرر لهم ، عزم علي السفر ، وحملني معه ، وسرنا في البحر .

فلما كان في السادس عشر من مسيرنا في البحر رأيت ماء أبيض فجعلت اطيل النظر إليه ، فقال لي الشيخ واسمه محمد : مالي أراك تطيل النظر إلي هذا الماء ؟ فقلت له : إني أراه علي غير لون ماء البحر .

فقال لي : هذا هو البحر الأبيض ، وتلك الجزيرة الخضراء ، وهذا الماء مستدير حولها مثل السور من أي الجهات أتيته وجدته ، وبحكمة الله تعالي إن مراكب أعدائنا إذا دخلته غرقت وإن كانت محكمة ببركة مولانا وإمامنا صاحب العصر عليه السلام فاستعملته وشربت منه ، فاذا هو كماء الفرات .

ثم إنا لما قطعنا ذلك الماء الأبيض ، وصلنا إلي الجزيرة الخضراء لا زالت عامرة أهله ، ثم صعدنا من المركب الكبير إلي الجزيرة ودخلنا البلد ، فرأيته محصنا بقلاع وأبراج وأسوار سبعة

ص: 94

واقعة علي شاطيء البحر ، ذات أنهار وأشجار مشتملة علي أنواع الفواكه والاثمار المنوعة ، وفيها أسواق كثيرة ، وحمامات عديدة وأكثر عمارتها برخام شفاف وأهلها في أحسن الزي والبهاء فاستطار قلبي سرورا؛ لما رأيته .

ثم مضي بي رفيقي محمد بعد ما استرحنا في منزله إلي الجامع المعظم ، فرأيت فيه جماعة كثيرة وفي وسطهم شخص جالس عليه من المهابة والسكينة والوقار ما لا أقدر أن أصفه ، والناس يخاطبونه بالسيد شمس الدين محمد العالم ، ويقرؤون عليه القرآن والفقه ، والعربية بأقسامها ، واصول الدين والفقه الذي يقرؤونه عن صاحب الامر عليه السلام مسألة مسألة ، وقضية قضية ، وحكما حكما.

فلما مثلت بين يديه ، رحب بي وأجلسني في القرب منه ، وأحفي السؤال عن تعبي في الطريق وعرفني أنه تقدم إليه كل أحوالي ، وأن الشيخ محمد رفيقي إنما جاء بي معه بأمر من السيد شمس الدين العالم أطال الله بقاءه.

ثم أمرلي بتخلية موضع منفرد في زاوية من زوايا المسجد ، وقال لي : هذا يكون لك إذا أردت الخلوة والراحة ، فنهضت ومضيت إلي ذلك الموضع ، فاسترحت فيه إلي وقت العصر ، وإذا أنا بالموكل بي قد أتي إلي وقال لي : لا تبرح من مكانك حتي يأتيك السيد وأصحابه لاجل العشاء معك ، فقلت : سمعا وطاعة.

ص: 95

فما كان إلا قليل وإذا بالسيد سلمه الله قد أقبل ، ومعه أصحابه ، فجلسوا ومدت المائدة فأكلنا ونهضنا إلي المسجد مع السيد لاجل صلاة المغرب والعشاء فلما فرغنا من الصلاتين ذهب السيد إلي منزله ، ورجعت إلي مكاني وأقمت علي هذه الحال مدة ثمانية عشر يوما ونحن في صحبته أطال الله بقاءه .

فأول جمعة صليتها معهم رأيت السيد سلمه الله صلي الجمعة ركعتين فريضة واجبة ، فلما انقضت الصلاة قلت : يا سيدي قد رأيتكم صليتم الجمعة ركعتين فريضة واجبة ؟ قال : نعم لان . شروطها المعلومة قد حضرت فوجبت فقلت في نفسي : ربما كان الامام عليه السلام حاضرا.

ثم في وقت آخر سألت منه في الخلوة : هل كان الامام حاضرا ؟

فقال : لا ولكني أنا النائب الخاص بأمر صدر عنه عليه السلام فقلت:يا سيدي وهل رأيت الامام عليه السلام؟ قال : لا ، ولكني حدثني أبي رحمه الله أنه سمع حديثه ولم ير شخصه وأن جدي رحمه الله سمع حديثه ورأي شخصه.

فقلت له : ولم ذاك يا سيدي يختص بذلك رجل دون آخر؟

فقال لي : يا أخي إن الله سبحانه وتعالي يؤتي الفضل من يشاء

ص: 96

من عباده ، وذلك لحكمة بالغة وعظمة قاهرة ، كما أن الله تعالي اختص من عباده الانبياء والمرسلين ، والاوصياء المنتجبين ، وجعلهم أعلاما لخلقه ، وحججا علي بريته ، ووسيلة بينهم وبينه ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيي من حي عن بينة ، ولم يخل أرضه بغير حجة علي عباده للطفه بهم ، ولا بد لكل حجة من سفير يبلغ عنه.

ثم إن السيد سلمه الله أخذ بيدي إلي خارج مدينتهم ، وجعل يسير معي نحو البساتين ، فرأيت فيها أنهارا جارية ، وبساتين كثيرة، مشتملة علي أنواع الفواكه ، عظيمة الحسن والحلاوة ، من العنب والرمان ، والكمثري وغيرها ما لم أرها في العراقين ، ولا في الشامات كلها .

فبينما نحن نسير من بستان إلي آخر إذ مر بنا رجل بهي الصورة ، مشتمل ببردتين من صوف أبيض فلما قرب منا سلم علينا وانصرف عنا ، فأعجبتني هيئته فقلت للسيد سلمه الله : من هذا الرجل؟

قال لي : أتنظر إلي هذا الجبل الشاهق ؟

قلت : نعم .

قال : إن في وسطه لمكانا حسنا وفيه عين جارية ، تحت

ص: 97

شجرة ذات أغصان كثيرة ، وعندها قبة مبنية بالآجر ، وإن هذا الرجل مع رفيق له خادمان لتلك القبة ، وأنا أمضي إلي هناك في كل صباح جمعة ، وأزور الامام عليه السلام منها واصلي ركعتين ، وأجد هناك ورقة مكتوب فيها ما أحتاج إليه من المحاكمة بين المؤمنين ، فمهما تضمنته الورقة أعمل به ، فينبغي لك أن تذهب إلي هناك وتزور الامام عليه السلام من القبة .

فذهبت إلي الجبل فرأيت القبة علي ما وصف لي سلمه الله ، ووجدت هناك خادمين ، فرحب بي الذي مر علينا وأنكرني الآخر فقال له : لا تتكره فاني رأيته في صحبة السيد شمس الدين العالم ، فتوجه إلي ورحب بي وحادثاني وأتيالي بخبز وعنب فأكلت وشربت من ماء تلك العين التي عند تلك القبة ، وتوضأت وصليت ركعتين .

وسألت الخادمين عن رؤية الامام عليه السلام فقالا لي : الرؤية غير ممكنة وليس معنا إذن في إخبار أحد ، فطلبت منهم الدعاء ، فدعيا لي ، وانصرفت عنهما ، ونزلت من ذلك الجبل إلي أن وصلت إلي المدينة .

فلما وصلت إليها ذهبت إلي دار السيد شمس الدين العالم ، فقيل لي : إنه خرج في حاجة له ، فذهبت إلي دار الشيخ محمد الذي جئت معه في المركب فاجتمعت به وحكيت له عن مسيري إلي

ص: 98

الجبل ، واجتماعي بالخادمين ، وإنكار الخادم علي فقال لي : ليس الأحد رخصة في الصعود إلي ذلك المكان ، سوي السيد شمس الدين وأمثاله ، فلهذا وقع الانكار منه لك ، فسألته عن أحوال السيد شمس الدين أدام الله إفضاله ، فقال : إنه من أولاد أولاد الامام ، وإن بينه وبين الامام عليه السلام خمسة آباء وإنه النائب الخاص عن أمر صدر منه عليه السلام.

قال الشيخ الصالح زين الدين علي بن فاضل المازندراني المجاور بالغري علي مشرفه السلام : واستأذنت السيد شمس الدين العالم ، أطال الله بقاءه في نقل بعض المسائل التي يحتاج إليها عنه ، وقراءة القرآن المجيد ، ومقابلة المواضع المشكلة من العلوم الدينية وغيرها فأجاب إلي ذلك وقال : إذا كان ولابد من ذلك فابدء أولا بقراءة القرآن العظيم .

فكان كلما قرأت شيئا فيه خلاف بين القراء أقول له : قرأ حمزة كذا ، وقرأ الكسائي كذا ، وقرأ عاصم كذا ، وأبو عمرو بن كثير كذا.

فقال السيد سلمه الله : نحن لا نعرف هؤلاء ، وإنما القرآن نزل علي سبعة أحرف ، قبل الهجرة من مكة إلي المدينة وبعدها لما حج رسول الله صلي الله عليه و آله حجة الوداع ، نزل عليه الروح الامين جبرئيل عليه السلام، فقال : يا محمد اتل علي القرآن حتي اعرفك أوائل السور ،

ص: 99

وأواخرها ، وشأن نزولها .

فاجتمع إليه علي بن أبي طالب ، وولداه الحسن والحسين عليهم السلام وأبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، وحذيفة بن اليمان ، وجابر بن عبد الله الانصاري ، وأبو سعيد الخدري ، وحسان بن ثابت ، وجماعة رضي الله عن المنتجبين منهم ، فقرأ النبي صلي الله عليه و آله القرآن من أوله إلي آخره ، فكان كلما مر بموضع فيه اختلاف بينه له جبرئيل عليه السلام، و أميرالمؤمنين عليه السلام يكتب ذاك في درج من أدم فالجميع قراءة أمير المؤمنين ووصي رسول رب العالمين .

فقلت له : يا سيدي أري بعض الآيات غير مرتبطة بما قبلها ، وبما بعدها كأن فهمي القاصر ، لم يصر إلي غورية ذلك.

فقال : نعم ، الأمر كما رأيته وذلك ( أنه ) لما انتقل سيد البشر محمد بن عبدالله من دارالفناء إلي دار البقاء وفعل صنما قريش ما فعلاه ، من غصب الخلافة الظاهرية ، جمع أمير المؤمنين عليه السلام القرآن كله ، ووضعه في إزار وأتي به إليهم وهم في المسجد .

فقال لهم : هذا كتاب الله سبحانه أمرني رسول الله صلي الله عليه وآله أن أعرضه إليكم لقيام الحجة عليكم ، يوم العرض بين يدي الله تعالي ، فقال له فرعون هذه الأمة ونمرودها : لسنا محتاجين إلي قرآنك ، فقال عليه السلام: لقد أخبرني حبيبي محمد صلي الله عليه و آله بقولك هذا ، وإنما أردت بذلك إلقاء الحجة عليكم.

ص: 100

فرجع أميرالمؤمنين عليه السلام به إلي منزله ، وهو يقول : لا إله إلا أنت ، وحدك لا شريك لك لا راد لما سبق في علمك ، ولا مانع لما اقتضته حكمتك ، فكن أنت الشاهد لي عليهم يوم العرض عليك.

فنادي ابن أبي قحافة بالمسلمين ، وقال لهم : كل من عنده قرآن من آية أو سورة فليأت بها ، فجاءه أبو عبيدة بن الجراح ، وعثمان ، وسعد بن أبي وقاص ومعاوية بن أبي سفيان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وطلحة بن عبيد الله ، وأبو سعيد الخدري ، وحسان بن ثابت ، وجماعات المسلمين وجمعوا هذا القرآن ، وأسقطوا ما كان فيه من المثالب التي صدرت منهم ، بعد وفاة سيد المرسلين صلي الله عليه وآله فلهذا تري الآيات غير مرتبطة والقرآن الذي جمعه أميرالمؤمنين عليه السلام بخطه محفوظ عند صاحب الامر عليه السلام فيه كل شي؟ حتي أرش الخدش ، وأما هذا القرآن ، فلا شك ولا شبهة في صحته ، وإنما كلام الله سبحانه هكذا صدر عن صاحب الامر عليه السلام.

قال الشيخ الفاضل علي بن فاضل : ونقلت عن السيد شمس الدين حفظه الله مسائل كثيرة تنوب علي تسعين مسألة ، وهي عندي ، جمعتها في مجلد وسميتها بالفوائد الشمسية ولا أطلع عليها إلا الخاص من المؤمنين ، وستراه إن شاء الله تعالي .

فلما كانت الجمعة الثانية وهي الوسطي من جمع الشهر ، وفرغنا من الصلاة وجلس السيد سلمه الله في مجلس الافادة

ص: 101

للمؤمنين وإذا أنا أسمع هرجا و مرجا وجزلة عظيمة خارج المسجد ، فسألت من السيد عما سمعته ، فقال لي : إن امراء عسكرنا يركبون في كل جمعة من وسط كل شهر، وينتظرون الفرج فاستأذنته في النظر إليهم فأذن لي ، فخرجت لرؤيتهم ، وإذا هم جمع كثير يسبحون الله ويحمدونه ، ويهللونه عز وجل ، ويدعون بالفرج للامام القائم بأمر الله والناصح لدين الله محمد بن الحسن المهدي الخلف الصالح، صاحب الزمان عليه السلام.

ثم عدت إلي مسجد السيد سلمه الله فقال لي : رأيت العسكر؟

فقلت : نعم .

قال : فهل عددت امراءهم ؟

قلت : لا.

قال : عدتهم ثلاثمائة ناصر وبقي ثلاثة عشر ناصرا، ويعجل الله لوليه الفرج بمشيته إنه جواد كريم.

قلت : يا سيدي ومتي يكون الفرج ؟

قال : يا أخي إنما العلم عند الله والامر متعلق بمشيئته سبحانه وتعالي حتي أنه ربما كان الامام عليه السلام لا يعرف ذلك بل له علامات وأمارات تدل علي خروجه .

من جملتها أن ينطق ذو الفقار بأن يخرج من غلافه ، ويتكلم

ص: 102

بلسان عربي مبين : قم يا ولي الله علي اسم الله ، فاقتل بي أعداء الله .

ومنها ثلاثة أصوات يسمعها الناس كلهم الصوت الاول : أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين ، والصوت الثاني : ألا لعنة الله علي الظالمين لآل محمد عليهم السلام والثالث بدن يظهر فيري في قرن الشمس يقول : إن الله بعث صاحب الامر م ح م د بن الحسن المهدي عليه السلام فاسمعوا له وأطيعوا.

فقلت : يا سيدي قد روينا عن مشايخنا أحاديث رويت عن صاحب الامر عليه السلام أنه قال لما أمر بالغيبة الكبري : من رآني بعد غيبتي فقد كذب فكيف فيكم من يراه ؟

فقال : صدقت إنه عليه السلام إنما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة أعدائه من أهل بيته وغيرهم من فراعنة بني العباس ، حتي أن الشيعة يمنع بعضها بعضا عن التحدث بذكره ، وفي هذا الزمان تطاولت المدة وأيس منه الاعداء وبلادنا نائية عنهم وعن ظلمهم وعنائهم ، وببركته عليه السلام لا يقدر أحد من الاعداء علي الوصول إلينا.

قلت : يا سيدي ! قد روت علماء الشيعة حديثا عن الامام عليه السلام أنه أباح الخمس لشيعته ، فهل رويتم عنه ذلك ؟ قال : نعم إنه عليه السلام رخص وأباح الخمس لشيعته من ولد علي عليه السلام وقال : هم في حل من ذلك ، قلت : وهل رخص للشيعة أن يشتروا الاماء والعبيد من سبي العامة ؟ قال : نعم ، ومن سبي غيرهم لانه عليه السلام قال : عاملوهم بما

ص: 103

عاملوا به أنفسهم ، وهاتان المسألتان زائدتان علي المسائل التي سميتها لك.

وقال السيد سلمه الله : إنه يخرج من مكة بين الركن والمقام في سنة وتر فلير تقيها المؤمنون .

فقلت : يا سيدي قد أحببت المجاورة عندكم إلي أن يأذن الله بالفرج.

فقال لي : اعلم يا أخي أنه تقدم إلي كلام بعودك إلي وطنك ، ولا يمكنني وإياك المخالفة ، لانك ذو عيال و غبت عنهم مدة مديدة ، ولا يجوز لك التخلف عنهم أكثر من هذا ، فتأثرت من ذلك وبكيت .

وقلت : يا مولاي وهل تجوز المراجعة في أمري ؟ قال : لا ، قلت : يا مولاي وهل تأذن لي في أن أحكي كلما قد رأيته وسمعته ؟ قال : لا بأس أن تحكي للمؤمنين لتطمئن قلوبهم ، إلا كيت وكيت وعين ما لا أقوله.

فقلت : يا سيدي أما يمكن النظر إلي جماله وبهائه عليه السلام ، قال : لا ، ولكن اعلم يا أخي أن كل مؤمن مخلص يمكن أن يري الامام ولا يعرفه ، فقلت : يا سيدي أنا من جملة عبيده المخلصين ، ولا رأيته .

فقال لي : بل رأيته مرتين مرة منها لما أتيت إلي سر من رأي وهي أول مرة جئتها ، وسبقك أصحابك وتخلفت عنهم ، حتي

ص: 104

وصلت إلي نهر لا ماء فيه فحضر عندك فارس علي فرس شهباء، وبيده رمح طويل ، وله سنان دمشقي ، فلما رأيته حفت علي ثيابك فلما وصل إليك قال لك : لا تخف اذهب إلي أصحابك ، فانهم ينتظرونك تحت تلك الشجرة فأذكرني والله ما كان فقلت : قد كان ذلك يا سيدي .

قال : والمرة الأخري حين خرجت من دمشق تريد مصرا مع شيخ الاندلسي ، وانقطعت عن القافلة ، وخفت خوفا شديدا ، فعارضك فارس علي فرس غراء محجلة ، وبيده رمح أيضا ، وقال لك : سر ولا تخف إلي قرية علي يمينك ونم عند أهلها الليلة ، وأخبرهم بمذهبك الذي ولدت عليه ، ولا تتق منهم فانهم مع قري عديدة جنوبي دمشق ، مؤمنون مخلصون ، يدينون بدين علي بن أبي طالب والائمةالمعصومين من ذريته عليهم السلام.

أكان ذلك يا ابن فاضل ؟ قلت : نعم - و ذهبت إلي عند أهل القرية ونمت عندهم فأعزوني وسألتهم عن مذهبم ، فقالوا لي - من غير تقية مني -: نحن علي مذهب أمير المؤمنين ، ووصي رسول رب العالمين علي بن أبي طالب والائمة المعصومين من ذريته عليهم السلام فقلت لهم : من أين لكم هذا المذهب ؟ ومن أوصله إليكم ؟ قالوا : أبو ذر الغفاري رضي الله عنه حين نفاه عثمان إلي الشام ، ونفاه معاوية إلي أرضنا هذه ، فعمتنا بركته ، فلما أصبحت طلبت منهم اللحوق بالقافلة

ص: 105

فجهزوا معي رجلين ألحقاني بها ، بعد أن صرحت لهم بمذهبي .

فقلت له : يا سيدي هل يحج الامام عليه السلام في كل مدة بعد مدة ؟ قال لي : يا ابن فاضل ! الدنيا خطوة مؤمن ، فكيف بمن لم تقم الدنيا إلا بوجوده و وجود آبائه عليهم السلام ، نعم يحج في كل عام ويزور آباءه في المدينة والعراق ، وطوس ، علي مشر فيها السلام ، ويرجع إلي أرضنا - هذه .

ثم إن السيد شمس الدين حث علي بعدم التأخير بالرجوع إلي العراق وعدم الاقامة في بلاد المغرب ، وذكر لي أن دراهمهم مكتوب عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله محمد بن الحسن القائم بأمر الله . وأعطاني السيد منها خمسة دراهم وهي محفوظة عندي للبركة.

ثم إنه سلمه الله وجهني مع المراكب التي أتيت معها إلي أن وصلنا إلي تلك البلدة التي أول ما دخلتها من أرض البربر ، وكان قد أعطاني حنطة وشعيرا فبعتها في تلك البلدة بمائة وأربعين دينارا ذهبا، من معاملة بلاد المغرب ولم أجعل طريقي علي الاندلس امتثالا لأمر السيد شمس الدين العالم أطال الله بقاءه وسافرت منها مع الحجج المغربي إلي مكة شرفها الله تعالي و حججت ، وجئت إلي العراق واريد المجاورة في الغري علي مشر فيها السلام حتي الممات .

ص: 106

قال الشيخ زين الدين علي بن فاضل المازندراني : لم أر العلماء الامامية عندهم ذكرا سوي خمسة : السيد المرتضي الموسوي، والشيخ أبو جعفر الطوسي ومحمد بن يعقوب الكليني ، وابن بابويه ، والشيخ أبو القاسم جعفر بن سعيد الحلي .

هذا آخر ما سمعته من الشيخ الصالح التقي والفاضل الزكي علي بن فاضل المذكور .

رواية الأنباري

كمال الدين أحمد بن محمد بن يحيي الأنباري بداره بمدينة السلام ليلة عاشر شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ، قال :

كنا عند الوزير عون الدين يحيي بن هبيرة في رمضان بالسنة المقدم ذكرها ، ونحن علي طبقة ، وعنده جماعة ، فلما أفطر من كان حاضرا وتقوض أكثر من حضر خاصرا ، أردنا الانصراف ، فأمرنا بالتمسي عنده ، فكان في مجلسه في تلك الليلة شخص لا أعرفه، ولم أكن رأيته من قبل ، ورأيت الوزير يكثر إكرامه ، ويقرب مجلسه ، ويصغي إليه ، ويسمع قوله ، دون الحاضرين . فتجارينا الحديث والمذاكرة ، حتي أمسينا وأردنا الانصراف ،فعرفنا بعض أصحاب الوزير أن الغيث ينزل ، وأنه يمنع من يريد الخروج ، فأشار الوزير أن

ص: 107

نمسي عنده فأخذنا نتحادث ، فأفضي الحديث حتي تحادثنا في الأديان والمذاهب ورجعنا إلي دين الاسلام ، وتفرق المذاهب فيه، فقال الوزير : أقل طائفة مذهب الشيعة ، وما يمكن أن يكون أكثر منهم في خطتنا هذه ، وهم الأقل من أهلها ، وأخذ يذم أحوالهم، ويحمد الله علي قتلهم في أقاصي الأرض.

فالتفت الشخص الذي كان الوزير مقبلا عليه ، مصغيا إليه، فقال له : أدام الله أيامك أحدث بما عندي فيما قد تفاوضتم فيه أو أعرض عنه ، فصمت الوزير ، ثم قال : قل : ما عندك .

فقال : خرجت مع والدي سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة ، من مدينتنا وهي المعروفة بالباهية ، ولها الرستاق الذي يعرفه التجار، وعدة ضياعها ألف ومائتا ضيعة ، في كل ضيعة من الخلق ما لا يحصي عددهم إلا الله ، وهم قوم نصاري ، وجميع الجزائر التي كانت حولهم ، علي دينهم ومذهبهم ، ومسير بلادهم وجزائرهم مدة شهرين ، وبينهم وبين البر مسير عشرين يوما وكل من في البر من الأعراب وغيرهم نصاري وتتصل بالحبشة والنوبة ، وكلهم نصاري، ويتصل بالبربر ، وهم علي دينهم فان حد هذا كان بقدر كل من في الأرض ، ولم نضف إليهم الافرنج والروم . وغير خفي عنكم من بالشام والعراق والحجاز من النصاري ، واتفق أننا سرنا في البحر ، وأوغلنا ، وتعدينا الجهات التي كنا نصل إليها ، ورغبنا في المكاسب

ص: 108

ولم نزل علي ذلك حتي صرنا إلي جزائر عظيمة كثيرة الأشجار ، مليحةالجدران فيها المدن الملدودة والرساتيق .

وأول مدينة وصلنا إليها وارسي المراكب بها ، وقد سألنا الناخداه أي شيء هذه الجزيرة ؟

قال : والله إن هذه جزيرة لم أصل إليها ولا أعرفها ، وأنا وأنتم في معرفتها سواء . فلما أرسينا بها ، وصعد التجار إلي مشرعة تلك المدينة ، وسألنا ما اسمها ؟ فقيل هي المباركة ، فسألنا عن سلطانهم وما اسمه ؟

فقالوا : اسمه الطاهر .

فقلنا : وأين سرير مملكته ، فقيل : بالزاهرة .

فقلنا : وأين الزاهرة ؟

فقالوا : بينكم وبينها مسيرة عشر ليال في البحر ، وخمسة وعشرين ليلة في البر ، وهم قوم مسلمون .

فقلنا : من يقبض زكاة ما في المركب لنشرع في البيع والابتياع؟

فقالوا : تحضرون عند نائب السلطان .

فقلنا : وأين أعوانه ؟

ص: 109

فقالوا : لا أعوان له ، بل هو في داره وكل من عليه حق يحضر عنده ، فيسلمه إليه . فتعجبنا من ذلك ، وقلنا : ألا تدلونا عليه؟

فقالوا : بلي ، وجاء معنا من أدخلنا داره ، فرأيناه رجلا صالحا عليه عباءة ، وتحته عباءة وهو مفترشها ، وبين يديه دواة يكتب منها من كتاب ينظر إليه ، فسلمنا عليه فرد علينا السلام وحيانا وقال : من أين أقبلتم ؟

فقلنا : من أرض كذا وكذا .

فقال : كلكم؟

فقلنا : لا ، بل فينا المسلم واليهودي والنصراني .

فقال : يزن اليهودي جزيته والنصراني جزيته . ويناظر المسلم عن مذهبه . فوزن والدي عن خمس نفر نصاري : عنه وعني وعن ثلاثة نفر كانوا معنا، ثم وزن تسعة نفر كانوا يهودا، وقال اللباقين : هاتوا مذاهبكم ، فشرعوا معه في مذاهبهم .

فقال : لستم مسلمين وإنما أنتم خوارج وأموالكم محل للمسلم المؤمن ، وليس بمسلم من لم يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر وبالوصي والأوصياء من ذريته حتي مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليهم . فضاقت بهم الأرض ولم يبق إلا أخذ أموالهم.

ثم قال لنا : يا أهل الكتاب لا معارضة لكم فيما معكم ، حيث

ص: 110

اخذت الجزية منكم ، فلما عرف اولئك أن أموالهم معرضة للنهب ، سألوه أن يحتملهم إلي سلطانهم فأجاب سؤالهم ، وتلا :«لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَيٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ».فقلنا للناخداه والربان وهو الدليل : هؤلاء قوم قد عاشرناهم وصاروا رفقة ، وما يحسن لنا أن تخلف عنهم أينما يكونوا نكون معهم ، حتي نعلم ما يستقر حالهم عليه ؟

فقال الربان : والله ما أعلم هذا البحر أين المسير فيه ، فأستأجرنا ربانا ورجالا، وقلعنا القلع وسرنا ثلاثة عشر يوما بلياليها حتي كان قبل طلوع الفجر ، فكبر الربان فقال : هذه والله أعلام الزاهرة ومنائرها وجدرها إنها قد بانت ، فسرنا حتي تضاحي النهار . فقدمنا إلي مدينة لم تر العيون أحسن منها ولا أحق علي القلب ، ولا أرق من نسيمها ولا أطيب من هوائها ، ولا أعذب من مائها ، وهي راكبة البحر ، علي جبل من صخر أبيض ، كأنه لون الفضة وعليها سور إلي ما يلي البحر ، والبحر يحوط الذي يليه منها ، والأنهارمنحرفة في وسطها يشرب منها أهل الدور والأسواق وتأخذ منها الحمامات وفواضل الأنهار ترمي في البحر ، ومدي الأنهار فرسخ ونصف ، وفي تحت ذلك الجبل بساتين المدينة وأشجارها ، ومزارعها عند العيون وأثمار تلك الأشجار لا يري أطيب منها ولا أعذب ، ويرعي الذئب والنعجة عيانا ولو قصد قاصد

ص: 111

لتخلية دابة في زرع غيره لمارعته ، ولا قطعت قطعة حمله ولقد شاهدت السباع والهوام رابضة في غيض تلك المدينة ، وبنو آدم يمرون عليها فلا تؤذيهم . فلما قدمنا المدينة وأرسي المركب فيها ، وما كان صحبنا من الشوابي و الذوابيح من المباركة بشريعة الزاهرة، صعدنا فرأينا مدينة عظيمة عيناء كثيرة الخلق ، وسيعة الربقة ، وفيها الأسواق الكثيرة ، والمعاش العظيم ، وترد إليها الخلق من البر والبحر، وأهلها علي أحسن قاعدة ، لا يكون علي وجه الأرض من الأمم والأديان مثلهم وأمانتهم ، حتي أن المتعيش بسوق يرده إليه من يبتاع منه حاجة إما بالوزن أو بالذراع فيبايعه عليها ثم يقول : أيا هذا زن لنفسك واذرع لنفسك . فهذه صورة مبايعاتهم ، ولا يسمع بينهم لغو المقال ، ولا السفه ولا النميمة ، ولا يسب بعضهم بعضا ، وإذا نادي المؤذن الأذان ، لا يتخلف منهم متخلف ذكرا كان أو انثي . إلا ويسعي إلي الصلاة ، حتي إذا قضيت الصلاة للوقت المفروض ، رجع كل منهم إلي بيته حتي يكون وقت الصلاة الأخري فيكون الحال كما كانت.

فلما وصلنا المدينة ، وأرسينا بمشرعتها ، أمرونا بالحضور إلي عند السلطان فحضرنا داره ، ودخلنا إليه إلي بستان صور في وسطه قبة من فصب ، والسلطان في تلك القبة ، وعنده جماعة وفي باب القبة ساقية تجري . فوافينا القبة ، وقد أقام المؤذن الصلاة ، فلم يكن

ص: 112

أسرع من أن امتلأ البستان بالناس ، واقيمت الصلاة ، فصلي بهم جماعة ، فلا والله لم تنظر عيني أخضع منه لله ، ولا ألين جانبا الرعيته، فصلي من صلي مأموما.

فلما قضيت الصلاة التفت إلينا وقال : هؤلاء القادمون ؟

قلنا : نعم ، وكانت تحية الناس له أو مخاطبتهم له «يا ابن صاحب الأمر» فقال : علي خير مقدم .

ثم قال : أنتم تجار أو ضياف؟

فقلنا : تجار .

فقال : من منكم المسلم ، ومن منكم أهل الكتاب ؟ فعرفناه ذلك ؟

فقال : إن الاسلام تفرق شعبأ فمن أي قبيل أنتم ؟ وكان معنا شخص يعرف بالمقري بن دربهان بن أحمد الأهوازي ، يزعم أنه علي مذهب الشافعي ، فقال له : أنا رجل شافعي .

قال : فمن علي مذهبك من الجماعة ؟

قال : كلنا إلا هذا حسان بن غيث فانه رجل مالكي .

فقال : أنت تقول بالاجماع ؟

قال : نعم.

ص: 113

قال : إذا تعمل بالقياس ، ثم قال : بالله يا شافعي تلوت ما أنزلالله يوم المباهلة ؟

قال : نعم .

قال : ما هو ؟

قال قوله تعالي :«فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَي الْكَاذِبِينَ».

فقال : بالله عليك من أبناء الرسول ومن نساؤه ومن نفسه يا بن دربهان ؟ فأمسك ، فقال : بالله هل بلغك أن غير الرسول والوصي والبتول والسبطين دخل تحت الكساء ؟

قال : لا.

فقال : والله لم تنزل هذه الآية إلا فيهم ، ولا خص بها سواهم.

ثم قال : بالله عليك يا شافعي ما تقول فيمن طهره الله بالدليل القاطع ، هل ينجسه المختلفون ؟

قال : لا.

قال : بالله عليك هل تلوت «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»، قال : نعم .

ص: 114

قال : بالله عليك من يعني بذلك ؟ فأمسك ، فقال : والله ما عني بها إلا أهلها .

ثم بسط لسانه وتحدث بحديث أمضي من السهام ، وأقطع من الحسام فقطع الشافعي ووافقه فقام عند ذلك فقال : عفوا يا ابن صاحب الأمر انسب إلي نسبك .

فقال : أنا طاهر بن محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي الذي أنزل الله فيه :«وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ»هو والله الإمام المبين ، ونحن الذين أنزل الله في حقنا«ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ».

يا شافعي نحن أهل البيت نحن ذرية الرسول ، ونحن اولو الأمر ، فخر الشافعي مغشيا عليه ، لما سمع منه ، ثم أفاق من غشيته ، وآمن به ، وقال : الحمد لله الذي منحني بالاسلام ، ونقلني من التقليد إلي اليقين .

ثم أمر لنا باقامة الضيافة ، فبقينا علي ذلك ثمانية أيام ، ولم يبق في المدينة إلا من جاء إلينا ، وحادثنا ، فلما انقضت الأيام الثمانية سأله أهل المدينة أن يقوموا لنا بالضيافة ، ففتح لهم في ذلك ، فكثرت علينا الأطعمة والفواكه ، وعملت لنا الولائم ، ولبثنا في تلك المدينة سنة كاملة . فعلمنا وتحققنا أن تلك المدينة مسيرة شهرين

ص: 115

كاملة برا وبحرا ، وبعدها مدينة اسمها الرائقة ، سلطانها القاسم بن صاحب الأمر عليه السلام مسيرة ملكها شهرين وهي علي تلك القاعدة ولها دخل عظيم ، وبعدها مدينة اسمها الصافية ، سلطانها إبراهيم بن صاحب الأمر عليه السلام بالحكام وبعدها مدينة اخري اسمها ظلوم سلطانها عبد الرحمان بن صاحب الأمر عليه السلام ، مسيرة رستاقها وضياعها شهران ، وبعدها مدينة اخري اسمها عناطيس ، سلطانها هاشم بن صاحب الأمر عليه السلام وهي أعظم المدن كلها وأكبرها وأعظم دخلا، ومسيرة ملكها أربعة أشهر . فيكون مسيرة المدن الخمس والمملكة مقدار سنة لا يوجد في أهل تلك الخطط والمدن والضياع والجزائر غير المؤمن الشيعي الموحد القائل بالبراءة والولاية الذي يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ، سلاطينهم أولاد إمامهم ، يحكمون بالعدل وبه يأمرون ، وليس علي وجه الأرض مثلهم ، ولو جمع أهل الدنيا ، لكانوا أكثر عددا منهم علي اختلاف الأديان والمذاهب . ولقد أقمنا عندهم سنة كاملة نترقب ورود صاحب الأمر إليهم ، لأنهم زعموا أنها سنة وروده ، فلم يوفقنا الله تعالي للنظر إليه ، فأما ابن دربهان وحسان فانهما أقاما بالزاهرة يرقبان رؤيته ، وقد كنا لما استكثرنا هذه المدن وأهلها، سألنا عنها فقيل : إنها عمارة صاحب الأمر عليه السلام و استخراجه.

فلما سمع عون الدين ذلك ، نهض ودخل حجرة لطيفة ، وقد

ص: 116

تقضي الليل فأمر باحضارنا واحدا واحدا ، وقال : إياكم إعادة ما سمعتم أو إجراءه علي ألفاظكم وشدده و تأكد علينا ، فخرجنا من عنده ولم يعد أحد منا مما سمعه حرفا واحدا حتي هلك . وكنا إذا حضرنا موضعا واجتمع واحدنا بصاحبه ، قال : أتذكر شهر رمضان فيقول : نعم ، سترا لحال الشرط.

فهذا ما سمعته ورويته ، والحمد لله وحده ، وصلواته علي خير خلقه محمد و آله الطاهرين ، والحمد لله رب العالمين .

ص: 117

ص: 118

الفصل السادس: مناقشة قصة الجزيرة الخضراء

اشارة

ص: 119

ص: 120

أما الآن وبعد أن نظرنا إلي تلك القصتين نستعين بالانفاس المقدسة لصاحب الزمان عليه السلام يبحثها ومناقشتها .

قبل البدء اقدم اعتذاري للقاريء المحترم لعدم انسجام ترتيب النقد والمناقشة مع قريحة الأصدقاء الأعزاء واستميحهم عذرا من ذلك، لأن حقيقة الموضوع الذي هو تحت البحث (أظهر من الشمس) في كذبه وبطلانه و عليه براهين كثيرة وأدلة عديدة علي عدم صحته، نبدأ ذلك بفرض صحة وجود شخص باسم علي بن صالح المازندراني ، ونشرع بحثنا من علاقة الأستاذ مع التلميذ:

رابطة الطالب مع أستاذه والعلاقة المفرطة للأستاذ مع تلميذه والألفاظ من قبيل (عز علي مفارقته) و (وأيضا كذلك) و... كل ذلك يشير الي وجود رابطة صميمية عميقة بين موجودين ذوي ومن أهل العلم والمطالعة والصفات الأخري التي وضعوها لأنفسهم.

الشام مركز العداء للإسلام والشيعة

وقع هذا العشق وتلك المودة في مدينة تدعي دمشق أو الشام

ص: 121

والتي عرفت منذ القدم بأنها مركز العداء للتشيع وكذلك لعموم الروايات التي تدل علي حوادث ووقائع آخر الزمان ومراحل ظهور قائم آل محمد صلي الله عليه و آله، وهناك اتفاق حول العدو الوحيد للمسلمين والذي يخرج علي القائم عليه السلام آنذاك بأنه من الشام واسمه (السفياني )!!؟

إن تاريخ ظهور هذا المركز يعود الي ما قبل الإسلام وهذا يمكن استخراجه من تاريخ نبي الإسلام صلي الله عليه و آله، ونشير الي مختصر هذا الموضوع بما يلي: يعتبر (هاشم) الجد الثاني للنبي صلي الله عليه و آله واسمه (عمر) ولقبه (علاء) وكان التوأم الثاني لعبد شمس وكان لهما أخوان هما مطلب ونوفل، المشهور بين أهل التاريخ أن أصبع هاشم كان ملتصقا بجبين عبد الشمس بعد الولادة ولما أرادوا عزلهما سالت دماء كثيرة كان لذلك تأويل بالطالع السيء. ومن خصوصيات هاشم أنه إذا رأي هلال ذي الحجة وتدفق زوار الكعبة الي هناك، يخرج صباحا وسيتند الي جدار الكعبة ويشرع بخطبته قائلا: «يا معشر قريش! أنتم خير العرب وأعقلها، وأصلكم أفضل الأصول، لقد شرفكم الله في بيته وخصكم بذلك من بين ولد إسماعيل، يا أبناء جلدتي وعشيرتي. يحط عندكم في هذا الشهر ضيوف الله وزائري بيته، فأحسنوا ضيافتهم، ففيهم الفقير الوافد من بلاد بعيدة،وأقسم بصاحب هذا البيت إن كنت مستطيعا لاستضفت ضيوف الله بأجمعهم

ص: 122

ولم أسألكم بذلك العون، ولكن سأنفق ما أستطيع من كسب الحلال، وأقسم عليكم بحرمة هذا البيت أن لا ينفق أحد منكم ما كسبه ظلما أو ليترائي به أو يكره عليه، وإلا فلينصرف عن ذلك من كان كارها له»(1)

زمام الأمر كان بيد هاشم ولهذه الرئاسة أثر إيجابي علي جميع سكان مكة وعامل مساعد في تحسين أوضاعهم المعاشية. ولا يقتصر الأمر علي تفكره وسيرته وطريقة عمله وإنما بلغ كرمه أقصي مداه حينما أصاب الناس القحط، فحالت رجولته وسخاؤه دون إحساس الناس بتلك السنين.

ومن إقداماته البارزة في اعتلاء مستوي تجارة مكة هي معاهدته مع أمير (غسان)، ولم يقتصر طموح هاشم من تلك المعاهدة علي الربح الوفير فقط وإنما خطط لسفر قريش الي الشام في فصل الصيف والي اليمن في الشتاء، وقد استمرت قريش علي هذه الستة حتي بعد ظهور الإسلام.

كان لعبد شمس ولد يدعي أمية، اشتد حسده علي عمه هاشم لعظمته وكبر منزلته، ولهذا بذل العطاء الكثير لجذب قلوب الناس إليه إلا إنه فشل في الوصول إليه فزاد غضبه علي عمه وبدا يظهر السوء

ص: 123


1- معني الخطبة - المترجم .

بكلماته عليه ونار حسده تستطيل يوما بعد آخر إلي أن وصل الأمر به الي دعوته للمقارنة (المباهلة) أمام عرفاء العرب (الكهنة)، ومن يتقدم علي صاحبه يأخذ بزمام الأمور، ولكن عظم هاشم حال دون النزاع مع ابن أخيه، ولكن أمية بقي مصرا علي ذلك فوافق هاشم بشرطين

1- الخاسر منهما يذبح أيام الحج مئة بعير (سوداء العينين) قربة.

2- يترك الخاسر مكة سنتين.

ومن حسن الصدف كان عارف العرب (كاهن عسفان)، وما أن وقعت عيناه علي هاشم حتي شرع في مديحه والثناء عليه، فاضطر أمية الي ترك مكة والذهاب الي الشام لسنتين.

استمر هذا الحسد وارتكب جرائم لا نظير لها بعد ظهور الإسلام بمئة وثلاثين سنة. توضح هذه القصة بداية عداء الطائفتان وتشرح أسباب نفوذ الأمويين في الشام، وعلة رابطتهم القديمة، وكيف أنها كانت مقدمة لحكم الأمويين في هذه المنطقة وسيبقي هذا الحسد حتي العصر الذهبي لطلوع الحجة عليه السلام ويتجسد في كسيان حاقد آخر يطلق عليه (السفياني) ويسلك سلوك العناد الاولي في إثارة الحروب مع السلطة النبوية الشريفة. لذلك لا نستبعد أن يكون عصر وجود المازندراني مع معشوقه في دمشق لكسب العلم

ص: 124

والاستفادة من بحر علوم هذا العالم الستي!!! هو من ضمن الأمور التي اشتد بها عداء السنة للشيعة، لقد خصصنا بحثنا لمناقشة تاريخ هذه الواقعة في كتابنا هذا سنصله إنشاء الله.

فاضل المازندراني - شيعي أم انتهازي

المطالب التي ذكرت حول محل تحصيل فاضل واستضاءته بأحد علماء السنة (وحسب اعترافه) في أغلب العلوم التي كان يتقنها مثل : الصرف، النحو، المنطق، البيان، والأصول وكذلك حول العلاقة المفرطة بينهما بحيث يبدي الأستاذ التأثر الشديد علي فراقه بقوله (يعز علي فراقك). كل ذلك يبين نكتة أساسية وهي أن الحضور في مركز العداء للشيعة، والتعلم علي يد عالم سني، والعلاقة بينهما، كل ذلك يحكي الاحتمالات التالية، إن فاضل ليس شيعيا من الأصل، أو قد يكون كذلك ولكن السنين التي تربي بها علي يد عالم ساي، وفي محيط ساي مليء بالعقائد الساية كانت كفيلة الي انحرافه مئة وثمانين درجة عن مذهبه ومعتقده، ولما أراد الرجوع تشبث بالغطاء الشيعي لتمرير مخططاته التخريبية.

لا تخلو شخصية فاضل من نقاط تشابه مع الملا حسين الكاشفي، كاتب كتاب الضلالة (روضة الشهداء) في تحريف واقعة

ص: 125

عاشوراء فهما يتظاهران بالتشيع ولكن باطنهما مليء بالعداء له. ومن غير المنطقي أن نحدد الظواهر النفسية وحالاتها في عصرنا الحالي فقط، صحيح أن فرويد حصل علي لقب (أبو علم النفس) ووضح الظواهر النفسية وأشار الي اضطراباتها، ولكن هذا لا يعني أنه يخالف المبدأ القائل بأن الروح والنفس والتأثير النفسي علي الإنسان و آثاره تظهر من بداية خلق الإنسان وان كل ذلك ظهر مع خلقة الإنسان، وكذلك الحال في قضية ارتباط فاضل مع أستاذه، فإن بحثناها وفق أصول وعلوم النفس الموجودة حاليا فإننا سنستنتج بأن ظاهرة النمو والتكامل الفكري والنفسي لأي إنسان وخصوصا إن كان ذلك الإنسان من طلاب العلوم الدينية ستقع بصورة مباشرة تحت تأثير المحيط والمعلم والطلاب.

من المؤسف حقا إن نطلق علي رجل مثل هذا شيعيا ونجعله من شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام .

الجرائم التي قاموا بها بحق شيعة علي عليه السلام وعلي طول التاريخ ابتداء من غصب الخلافة وقتل الحسين عليه السلام وأبنائه وأصحابه ما هي إلا علامة للحقد الأعمي والإصرار علي حذف الشيعة من الوجود وبأي أسلوب كان، وإن نظرة الي تاريخ الشيعة ستوضح مصائهم التي تحملوها علي مر العصور.

ص: 126

الفصل السابع: نظرة الي أوضاع الشيعة في التاريخ

اشارة

ص: 127

ص: 128

يجب اعتبار بداية ظهور الشيعة (والذين عرفوا لأول مرة بتشيعهم لعلي بن أبي طالب عليه السلام ) في زمان النبي صلي الله عليه و آله، وان السير التصاعدي للدعوة الإسلامية خلال سنوات البعثة النبوية الشريفة (23 سنة) كان لها الأثر في ازدياد موجبات التشيع، ومن الطبيعي أن ظهور تلك الجماعة من بين أصحاب النبي كان له أسبابه الخاصة منها:

عندما صدرت الأوامر للنبي الأكرم صلي الله عليه و آله في بداية أيام البعثة بدعوة الأقربين من العشيرة الي الإسلام، قال صلي الله عليه و آله بصراحة إن السباق في هذا الأمر سيكون وزيري ووصي وخليفتي، فبادر علي صلي الله عليه و آله وكان أول من آمن بالإسلام وقبله الرسول صلي الله عليه و آله وقبل إيمانه، وبالنظر لاستحالة تعريفه كوزير له وخليفة في بداية النهضة الي الجميع (وخصوصا الأباعد) ولكن هذا لا يمنع من تعريفه بذلك أمام المخلصين والأنصار الذين ثبت إيثارهم وتضحياتهم أو قد يجعل الأمر مقصورا عليه فقط، ومع ذلك فقد كان معزولا بالكامل في فترة حياة النبي صلي الله عليه و آله عن ذلك المقام ولم يضع له امتيازا عن غيره.

ص: 129

تؤكد الروايات المستفيضة والمتواترة والمروية عن الفريقين أن عليا لم يعص الله بقول ولا عمل ويستمر النبي صلي الله عليه و آله بتأكيده علي أن جميع أفعاله مطابقة للدعوة وهو أعلم الناس بمعارف الدين وشرائع الإسلام.

بالإضافة الي ذلك حادثة غدير خم عندما أعلن صلي الله عليه و آله عن ولايته عليه السلام العامة علي جميع الناس وجعله كنفسه.

من الطبيعي أن يكون لإعلان تلك الامتيازات والتصريحات عن الفضائل المنحصرة به بالاضافة الي علاقة الرسول صلي الله عليه و آله المفرطة وحبه الشديد إليه، كل ذلك يدفع البعض من طلاب الفضيلة والحقيقة الي الالتفاف حول علي عليه السلام والاقتداء به، ويؤدي كذلك إلي إثارة نار الحسد والحقد في نفوس المرضي أيضا.

يوجب أتباع علي عليه السلام خلافته بعد النبي صلي الله عليه و آله للمقام والمنزلة التي كان يتمتع بها عند النبي صلي الله عليه و آله وعند خيار الصحابة والمسلمين ويعتبرون ذلك من المسلمات من خلال ظاهر الأوضاع والأحوال والحوادث الواقعة في أيام مرض النبي صلي الله عليه و آله،ولكن خابت جميع ظنونهم وآمالهم بعد رحلته صلي الله عليه و آله؛ وقبل أن يدفن جسده الشريف وكان أهل بيته مشغولون بذلك وإذا بخبر يصعق مسامعهم بأن مجموعة أخري (أصبحت الأكثرية بعد ذلك) نصبت خليفة بسرعة فائقة وبدون أن يتشاوروا مع أهل بيت النبوة وأصحابه المخلصين بحجة

ص: 130

طلب الخير للمسلمين، وجعلوا عليا عليه السلام وأصحابه أمام الأمر الواقع.

بعد أن فرغ علي وأصحابه من قبيل العباس، الزبير، سلمان، أبو ذر، المقداد، وعمار، من دفن الجسد الطاهر وأحاطوا علما بهذا الخبر احتجوا علي ذلك واعترضوا فأتاهم الجواب «إن في ذلك صلاح المسلمين».

الاعتراض الحاصل عزل تلك الأقلية المعترضة عن الأكثرية وحدد لهم مواصفات خاصة عرفت بشيعة علي عليه السلام بين المجتمع، ولكن مجمع الخلافة آنذاك كان حريص علي أن لا تعرف هذه القلة بهذا العنوان وأن لا يسمحوا بتقسيم المجتمع الي قسمين (أقلية وأكثرية) وإنما فرضوا الخلافة علي الجميع وكل معترض يطلقون عليه (متخلف عن البيعة) ومتخلف عن الجماعة وأحيانا يطلقون عليه تعابير قبيحة أخري (وكل ذلك كان بحكم المقتضيات السياسية).

اعتراض الشيعة لم يستطع تغيير الوضع لأنه مجرد اعتراض، وإن رعاية مصلحة الإسلام والمسلمين دفعت علي عليه السلام الي السكوت وكذلك افتقاره للقوة الكافية أجبرته علي عدم الإقدام الحربي، ولكن بقي أولئك الخواص متمسكين بعقيدتهم وبأحقية علي عليه السلام المطلقة بالخلاقة، وإن المرجعية العلمية متعلقة به فقط ولهذا ظلوا يستمدون منه في مراجعاتهم العلمية والمعنوية.

ص: 131

استنتج الشيعة من خلال تعاليمهم الإسلامية أن مايهم المجتمع الإسلامي في الدرجة الأولي هو توضيح التعاليم الإسلامية والثقافة الدينية، ومن ثم تطبيقها في المجتمع بصورة كاملة، أو بعبارة أخري جعل نظر الأفراد، الي المجتمع والإنسان نظرة واقعية وتعريفهم وظائفهم الإنسانية (التي لها صلاح واقعي) لتطبيقها وإن خالفت رغباتهم، وثانية إجراء حكومة دينية ونظامية وواقعية (الإسلام) في المجتمع والحفاظ عليها بالشكل الذي لا يعبد الناس فيها أحدا غير الله تعالي وأن تشتمل علي الحرية الكاملة ويسود فيها العدل الحقيقي للفرد والمجتمع.

وهذان الهدفان يجب ن يتحققا علي يد شخص يتصف بالعصمة الإلهية وإلا فمن المستحيل صيانة المتصدي للحكم أو للعلم من الانحراف الفكري والخيانة في مجال عمله والحيلولة دون تبديل الولاية العادلة والحرة الإسلامية الي سلطنة استبدادية وملكية كسروية وقيصرية، ومنع عدم تحريف المعارف الدينية النقية كما حصل ذلك في معارف الأديان الأخري وحرفت تعاليمهم من قبل علماء التكبر والأهواء والأنانية.

الشخص الوحيد الذي شهد له الرسول صلي الله عليه و آله بان أقواله وأفعاله ومسيرته وأخلاقه تطابق تماما كتاب الله وسنة النبي هو علي عليه السلام، وهذا ما خالفته الأكثرية القريشية وخالفت خلافته الحقة وأجبروا

ص: 132

المخالفين لغيره علي عدم المخالفة، وأقعدوا المعترضين في أماكنهم، كما قاتلوا الجماعة تحت عنوان عدم دفع الزكاة ومن ثم غضوا النظر عن أخذ الزكاة!! وقتلوا الحق خوفا من قريش.

نعم إن الذي حال بين الشيعة وبين انتخاب الخلافة هو الخوف من العواقب السيئة لذلك أي فساد أساليب الحكومة الإسلامية، وانهدام التعليمات الدينية السامية !!!، وهذا ما ثبته الزمان وأيدته الوقائع وظل الشيعة شامخون ثابتون علي عقائدهم مع أنهم كانوا أقلية هضمت بين طواحن الغالبية إلا أنهم بقوا متعلقين بحبل الله المتين ويستلهمون التعاليم الدينية في بواطنهم من أهل بيت العصمة. ولكنهم تجنبوا المعارضة العلنية لحفظ الإسلام ونمو قدرته، وحتي أنهم كانوا يماشون الأكثرية في الجهاد والأمور العامة، وعلي عليه السلام بذاته كان يرشدهم أحيانا وفي الموارد الضرورية من أجل مصلحة الإسلام.

يعتقد الشيعة أن الشريعة السماوية المتجسدة في كتاب الله وسنة نبيه الأكرم تبقي الي آخر الدهر علي قوتها واعتبارها، ولا تقبل التغيير، ولا يمكن للحكومة الإسلامية الانحراف عن أجزائها الأساسية تحت أي عذر كان، وإن الوظيفة الوحيدة للحكومة الإسلامية هي اتخاذ القرار مع الشوري في دائرة الشريعة.

ولكن يبدو أن اتباع الخلافة المنتخبة وأصحاب زمام الأمور

ص: 133

ومن خلال أحداث البيعة السياسية في السقيفة، وحديث الدواة والقرطاس الواقع في آخر أيام مرض النبي صلي الله عليه و آله يعتقدون أن كتاب الله يجب أن يحتفظ به كقانون أساسي أما السنة والأحاديث النبوية الشريفة لا تبقي في اعتبارها وإنما يمكن صرف النظر عن جزء منها إذا اقتضت المصلحة لذلك وهذا ما أيدته الروايات الكثيرة والتي نقلت في حق الصحابة بعد ذلك (الصحابة مجتهدون إن أصابوا فلهم الأجر وإن أخطأوا فهم معذورون). وهذا ما سار عليه الخليفة الأول أيام خلافته و مصداق ذلك ما حدث مع خالد بن الوليد (أحد قادة الخليفة) عندما حل ضيفا في إحدي الليالي علي مالك بن نويرة

(أحد المسلمين المعروفين) ومن ثم قتله ووضع رأسه بالغرفة وأحرقه، وضاجع زوجته في نفس تلك الليلة (زوجة مالك)، ولكن الخليفة يدعي بأن الحكومة بحاجة الي أمثال خالد ويغض النظر عن هذه الخيانة المخجلة.

منعوا الخمس عن أهل بيت الرسول صلي الله عليه و آله وحرموا كتابة أحاديث النبي صلي الله عليه و آله وإن عثروا علي أحدها حرقوها، وهذا ما سار عليه الخلفاء الراشدون واستمر ذلك حتي خلافة عمر بن عبد العزيز (الأموي).

لقد كانت هذه السياسة أكثر وضوحا في زمن خلافة الثاني (13 - 25 ق) وظهر المنع علي كثير من الأمور منها حج التمتع

ص: 134

وزواج المتعة وقول (حي علي خير العمل) في الأذان، وصحة الطلقات الثلاثة و مشابه ذلك، ووضع الحدود القاسية عليها مثل الرجم في زواج المتعة!.

وظهر في خلافته التفاوت في توزيع أموال بيت المال وكان ذلك بمثابة اللبنة الأولي للطبقية الفاحشة وظهور الحوادث الدموية المفجعة. وكان معاوية آنذاك علي الشام يعمل بالأعراف الملوكية الكسروية والقيصرية والخليفة لا يشير له بأيه علامة اعتراض، بل كان يطلق عليه كسري العرب تشجيعا له.

وقتل الخليفة الثاني سنة 25 ه- علي يد غلام إيراني وعين بعده الخليفة الثالث طبق رأي أكثرية الشوري (ستة أشخاص) التي أمر الخليفة الثاني بتكوينها . وجعل هذا الآخر علي رقاب الناس أقرباءه من الأمويين في العراق الحجاز ومصر وسائر البلاد الإسلامية وأطلق أيديهم بالتصرف الحر حتي ظهر منهم الفسق العلني والظلم والفجور ونقض القوانين الإسلامية، ولم يمض وقت حتي انهالت الشكاوي من كل طرف الي دار الخلافة ولكن الخليفة الواقع تحت تأثير مشاوريه وخاصة مروان بن الحكم كانوا يحولون دون ترتيب أي أثر علي تلك الشكاوي، وتصدر الأوامر أحيانا بالتشديد ومتابعة الشاكين ومعاقبتهم، ولكن الأمر لم يدم حتي سنة 35 ه- علي هذا الحال حيث الثورة الشعبية للمسلمين ضد الخليفة

ص: 135

وقتله في بيته بعد محاصرته لأيام معدودة هناك. كان الخليفة الثالث يقوي حكومةمعاوية في الشام وجعلها في الحقيقة ثقل الخلافة وأما دار الخلافة فليست أكثر من وضع صوري . بعد حرب اليمامة (سنة 12 ه-) والتي قتل فيها عدد من قراء القرآن أشار عمر بن الخطاب علي الخليفة الأول إلي جمع الآيات القرآنية في مصحف واحد (وكان يقول لو وقعت حرب أخري يقتل بقية حملة القرآن) لذا كان پري ضرورة جمعها وكتابتها، في حين أن الأحاديث النبوية لم يتخذ بحقها هذا القرار وهي الأخري كانت عرضة لتلك الأخطار والي تحريف النقل بالمعني أو الإضافة أو الحذف والجعل والنسيان ولم تكن في أمان من تلك الأمور، إلا أنهم لم يراعوا هذا الجانب ولم يهتموا به بل علي العكس منعوا كتابتها وأحرقوا ما في أيديهم، والحال يشابه وضع أقسام العلوم الأخري في حين أن القرآن الكريم والأحاديث النبوية تؤكد وتقدس العلوم وترغب في انتشارها واتساعها، وأصبح شاغل الناس الفتوحات الإسلامية

المستمرة وجمع الغنائم التي تتدفق كالسيل من كل جانب علي الجزيرة العربية ولم ينظروا الي خلفهم ولم يعتنوا بعلوم أهل الرسالة المحمدية التي كان يتربع علي سلستها الإمام علي عليه السلام كما قال رسول الله بحقه (هو أعلم الناس بالإسلام والقرآن)، ولم يفسحوا له المجال ولم يذكروه حتي في قضية جمع القرآن وهم علي علم بأن

ص: 136

علي عليه السلام جمعه بعد وفاة النبي صلي الله عليه و آله.

هذه الأحداث ونظائرها كانت تجعل أصحاب علي عليه السلام وأتباعه أكثر رسوخا في عقيدتهم وأكثر وعيا في الأمور الجارية وتحفزهم الي العمل الأكثر تحت إشراف المربي الذي قصرت يداه عن تربية عموم الناس، فأخص أتباعه أفضل أنواع التربية.

ثلاثة من خيرة أصحاب علي عليه السلام (سلمان الفارسي، أبو ذر، المقداد) قضوا نحبهم خلال هذه السنوات التي أطبق فيها السكوت علي علي عليه السلام (20 سنة)، وكانوا ثلاثة من أربع نفرات عرفوا بثباتهم علي طريق وحب علي في جميع الأحوال.

بعد مقتل الخليفة الثالث انهالت الجماهير من أصحاب و تابعي علي من الحجاز واليمن والعراق وباقي البلدان تبايعه وعلنه خليفة للمسلمين.

بدأت خلافته علي عليه السلام أواخر سنة 35 هق واستمر حوالي أربعة سنوات و تسعة أشهر، عمل فيها بسيرة النبي صلي الله عليه و آله، وأعاد كل ما عمله الرسول إلي حالته الأولي وعزل جميع العمال القاصرين أي أنه قام بثورة عظيمة تركت له البلاءات العظيمة أيضا، وبدأ بتحذير الناس في خطبه ويؤكد لهم بأن ما كان في زمن الرسول من ضوابط و قوانين ستعود ثانية، وكان ينصحهم بترك النفاق وتقديم ما تأخر سابقا من أصحاب الفضيلة وتأخير من تقدم ظلما.

ص: 137

وعرف لهم بأن للحق أهل وللباطل أهل، وإن زاد أهل الباطل فان ذلك ليس جديد وإن قل أهل الحق فإنهم سيبادرون مع قلتهم وهكذا يستمر هذا الإمام الهمام. وهكذا مضي علي عليه السلام بثورته وقد علاه التصميم والعزم المحمدي صلي الله عليه و آله، فضرب علي يد كل متجاوز وأعاد كل حق مسلوب الي أهله و...، ولهذا انفردت طبقة رأت الخطر يهدد مصالحها ومنافعها فتشبثت بأمر يمكن رفعه كشعار ضد علي عليه السلام فإذا بهم يعلنون عن بدعة وكذبة ألا وهي (الثأر لدم عثمان) فحاكوا الدسائس وأثاروا الفتن والحروب التي طغت علي تمام مدة خلافته عليه السلام.

يعتقد الشيعة أن الحروب الداخلية كانت بدوافع المنافع الشخصية فقط ولم يكن لها أي هدف آخر، وما قضية دم عثمان إلا ستارا لخدع العوام وإضلالهم.

كانت أسباب الحرب الأولي (حرب الجمل) هي عدالة علي عليه السلام في تقسيمه للأموال بصورة متساوية وبهذا غير ما اعتاد عليه البعض زمان الخليفة الثالث من العطاء والامتيازات فعودة علي عليه السلام الي السيرة النبوية في تقسيم الأموال كان من أحد تلك الأسباب وهذا ما جعل البعض يشعر بالاضطراب والقلق كطلحة والزبير. غادر هؤلاء المدينة بحجة زيارة الكعبة وضموا إلي صفهم عائشة التي كانت في مكة ولم تكن علي وئام مع علي عليه السلام ورفعوا

ص: 138

شعار (الثأر لدم عثمان) وأعلنوا حربهم الدموية (معركة الجمل) في حين أن طلحة والزبير كانوا في فترة محاصرة الخليفة الثالث في بيته في المدينة ولم يدافعوا عنه وكانوا من أوائل الناس ونيابة عن المهاجرين في بيعتهم لعلي عليه السلام، وكذلك أم المؤمنين عائشة فكان لها الدور الأساسي في التحريض علي قتل عثمان، وأظهرت سرورها بعد قتله وأطلقت بعض العبارات الخاصة.

إن مسببي حادثة قتل الخليفة هم عدد من الصحابة الذين كتبوا من المدينة الي باقي البلدان يدعون فيها الناس الي الثورة.

أما المعركة الثانية (معركة صفين) والتي دامت سنة ونصف كان سببها طمع معاوية بالخلافة وبدأها معاوية هو الآخر تحت ذريعة دم الخليفة الثالث وأريق بها ما يقارب مئة ألف نفس بغير حق وكان فيها معاوية مهاجما وليس مدافعا لأن طلب الثأر لا يحصل بالدفاع وإنما بالهجوم فقط.

كما أشرنا إن عنوانها كان الثأر لدم عثمان في حين أن الخليفة الثالث بعث الي معاوية في أواخر أيامه يطلب النجدة لدفع الناس المعترضين فأرسل جيشا من الشام إلا أنه تعمد التأخير والتوقف في الطريق حتي قتل الخليفة فعاد جيشه الي الشام وأعلن معاوية بطلب ثأره كذبا وزورا والدليل هو بعد أن قبض علي الخلافة نسي بصورة كاملة دم الخليفة الثالث ولم يقم بتعقب قتلته.

ص: 139

وما كادت صفين علي الانتهاء بكل مفارقاتها حتي شرعت النهروان التي ضمت تحتها أحد الصحابة الذي سار مع ركب الجمع المحرك من قبل معاوية لإثارة الفوضي والبلبلة في بقاع الإسلام وقتل وهتك حرمة كل من نالته أيديهم من أصحاب علي عليه السلام حتي وصل بهم الأمر الي تمزيق بطن امرأة حامل وإخراج جنينها وقطع رأسه، فصبر عليهم الإمام عليه السلام لعلهم يعودوا الي رشدهم وتحمل قساوة ذلك إلا أنهم تمادوا واستمروا فهجموا بعد ذلك علي مصلين في مسجد الكوفة وهم ممتثلون بين يدي الجليل القدير وقتلوهم شر قتلة. يقول مخالفي علي عليه السلام أنه رجل شجاعة وبطولة وليس رجل سياسة، لأنه كان بإمكانه مداهنة العناصر المخالفة ومداراتهم لأمد قصير حتي يحكم حكومته ومن ثم يقتلعهم ويقمعهم، ولكتهم ظلموا علية بذلك وظلموا بجهلهم حقيقة ثورته التي لا يمكن لها أن تداهن أو تصالح الباطل، وهذا ما سبقه به النبي صلي الله عليه و آله عندما رفض اقتراحات الكفار والمشركين المتكررة حول المصالحة وعدم التعرض لآلهتهم مقابل عدم التصدي لدعوته من قبلهم، كان بإمكان النبي صلي الله عليه و آله الإقدام علي ذلك بالنظر لصعوبة وقساوة ظروفه الجارية آنذاك حتي يحين الوقت المناسب للوقوف أمامهم إلا أن الدعوة الحقة لا تعطي لصاحبها الإذن في قتل حق لإحياء حق آخر أو دفع الباطل باطل مثله وهذا ما حدده القرآن في كثير من آياته. مع أن عليا لم يتمكن

ص: 140

من إعادة الوضع المضطرب الي حالته الطبيعية إلا أنه كان موفقا من جوانب أساسية ثلاثة هي:

ألف : جد بسيرته الرفيعة السيرة النبوية السامية للناس وخصوصا بالنسبة للأجيال الجديدة، وقابل الطغيان الكسروي والفرعنة القيصرية ببساطة الفقراء وثيابهم البالية وكان أقلهم في ذلك أيضا، ولم يقدم أحدة من أقربائه أو عشيرته علي الآخرين ولم يفضل المستطيع والثري علي من يرتزق علي صدقات الآخرين، ولم يرجح القوي علي الضعيف.

ب : مع جميع مشاغله الكثيرة جدا والقاسية والتي لا يقوي لها حال فهو لم يبخل بذخائره العلمية القيمة و معارفه الإلهية وعلومه الإسلامية الحقة عن الناس، وإنما قدم جميع فنونه المتنوعة (العقلية، والدينية، والاجتماعية) ومايقارب علي أحد عشر ألف كلمة قصيرة وموعظة لهم. طرح معارفه العالية بأبدع الخطب وابلغ الكلمات وألطف البيانات وأحبها علي القلوب، وضع قواعد اللغة العربية وأسس الأدب العربي، كان أول من غار الي عمق الفلسفة الإلهية وعبر عنها بسبك الاستدلال الحر والبرهان المنطقي وأشار الي مسائلها التي لم تطرق مسامع الفلاسفة آنذاك وكان يهتم ويعتني بهذا الباب وكأنه في بحبوحة الحرب.

ج : تتلمذ علي يديه كبار رجال الدين وعظماء علماء الإسلام

ص: 141

وتربي بين أنفاسه جمع كبير من الناس منهم الزهاد ومنهم أهل المعرفة مثل: أويس القرني وكميل النخعي وميثم التمار ورشيد الهجري وقد كانوا بمثابة مصادر للعرفان في الوسط العرفاني للإسلام، ومصادر للفقه وعلم الكلام والتفسير والقراءة وغيرها.

انتقلت الخلافة بعد شهادة الإمام علي عليه السلام وحسب وصيته وبيعة الناس الي الامام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام (وكان ثاني أئمة الشيعة الاثني عشر).

ولكن معاوية لم يهدأ له بال حتي سارع الي العراق (فيه مقر الخلافة) بجيش جرار بعد أن دس الدسائس بين أصحاب الإمام وأغوي قادة جيشه بالمال الكثير ولهذا جبر الحسن عليه السلام علي تحويل الخلافة إليه والقبول بالصلح ولكن بشرط أن تعود إليه بعد وفاة معاوية، وعدم تعرضه لشيعة الإمام. استولي معاوية علي الخلافة سنة 40 ھ و جاء علي الفور الي العراق وخطب بين أهلها بخطبته المعروفة: (ما قاتلتكم لأجل الصلاة أو الصيام وإنما لأتأمر عليكم)، «كل عهد مع الحسن ملغي وهذا هو تحت قدماي». وبهذا طرح خطوطه العريضة علي الناس وهددهم وحذرهم من أي عمل خلافه. أكد معاوية في كلامه علي فصل السياسة عن الدين، وهو لا يضمن تطبيق القرارات الدينية ولكنه سيستعمل جميع قواه لإحكام قبضته علي كل ما تمتد إليه خلافته ومن الواضح أن هذه الحكومة

ص: 142

في ملكية وسلطنة ولا تمت الي الخلافة الإسلامية بأية صلة، وكان البعض يحيه بتحية الملوك عند الدخول عليه هذا بالإضافة إلي تعبيره أحيانا وفي المجالس الخاصة عن حكومته بالملك أو السلطنة، ولكنه يعرف نفسه خليفة للمسلمين أمام الملأ العام.

عندما يكون الحكم ملكيا ظالما فمن الطبيعي أن يكون وراثيا أيضأ ويستمر الي النسل الآتي للملك، وهذا ما فعله معاوية مع ابنه يزيد الذي كان يتصف بالتحلل وضعف الشخصية وانعدامها في الجانب الديني، عندما عينه وليا للعهد وبعد قبضه علي السلطة جلب الويلات وسبب الحوادث التي يندي لها جبين التاريخ. لقد أكد معاوية من خلال إلغائه للمعاهدة المذكورة بأنه قد صمم علي سلب الأمن والراحة من شيعة أهل البيت والحيلولة دون نشاطهم الديني، وهذا ما قام به بالفعل، وأعلن بأنه من ينقل حديثا حول مناقب أهل البيت فإنه سيكون مهدور النفس والمال والعرض، وأن من يأتي بحديث فيه منقبة للصحابة والخلفاء فسينال منه الجائزة ولهذا جعلت الأحاديث الكثيرة بحقهم، وأمر كذلك بسب علي عليه السلام فوق المنابر وقام هو بسبه أولا، واستمر هذا الشتم والسب والتعسف والظلم والافتراء الي خلافة عمر بن عبد العزيز (الخليفة الأموي الذي حكم من سنة 99 - 101 ه-).

وشرع معاوية مع عماله وأمرائه (الذين كانوا يضمون بعض

ص: 143

الصحابة أيضا) بقتل خواص شيعة علي وحملوا رؤوس بعضهم علي الرماح وطافوا بها المدن، وأجبروا شيعة علي علي سبه وإلا فيقتل من يمتنع عن ذلك.

كانت فترة حكم معاوية (20 سنة) من أقسي وأشد السنين علي تاريخ التشيع، وأغلب شيعة علي عليه السلام كانوا من الشخصيات المعروفة بين المسلمين ولكن معاوية هدر دمائهم.

عاصر معاوية إثنين من أئمة الشيعة (الإمام الحسن عليه السلام والإمام الحسين عليه السلام) وكانوا لا يملكون أي وسيلة لتغير الأوضاع البائسة، وقد توقف الحسين عليه السلام(لمدة 10 سنوات) عن ذلك في زمن معاوية لأسباب خاصة ولكنه أعلن ثورته بعد ستة أشهر من حكم يزيد مع قلة من أبنائه وأصحابه وجميعهم نالوا الشهادة علي يد ذلك الطاغية، مع كل ذلك نري وللأسف أغلب أهل السنة يبررون تلك المجازر والمظالم الحاصلة من معاوية وحاشيته ويقولون أنهم من الصحابة وطبق الأحاديث المروية عن النبي صلي الله عليه و آله بأن الصحابي مجتهد ومعذور وأن الله تعالي راض عنه وغافر لجميع ذنوبه. لكن الشيعة يرفضون تلك التبريرات جملة وتفصيلا للأسباب التالية: أولا: لا يعقل أن يسمح قائد اجتماعي كالنبي الأكرم صلي الله عليه و آله والذي جاء لإحياء الحق والعدالة والحرية، لأفراد اختارهم أن يكونوا رفاق عقيدته، بالحرية المطلقة المرفوع عنها الحساب أو العفو عن جميع

ص: 144

ما يصدر منهم من ظلم و تجاوز، لا يصدق ذلك علي الإطلاق وهو الذي سخر جميع وجوده لهذا السبيل المقدس أن يجعل جماعته فوق القانون والناس، أي يقوم بهدم ما بنته يداه بنفسه.

ثانيا: هذه الروايات التي تقدس الصحابة وتبرر أعمالهم غير المشروعة والمنحرفة وتقول بغفران ذنوبهم جاءت عن طريق الصحابة أيضا ونسبت إليهم في حين أن الصحابة أنفسهم (وحسب الشهادة القطعية للتاريخ) لم يعط أحدهم للآخر تلك الحصانة، وقام بعضهم بقتل وسب ولعن الآخرين ولم يتركوا صغيرة ولا كبيرة إلا وقالوها في حق بعضهم البعض بلا مسامحة ولا تساهل.

نستنتج من خلال فعل الصحابة بأن تلك الروايات محرفة وغير صحيحة، وإن كانت صحيحة فإن هدفها شيء آخر غير الحصانة من القانون والعلو عليه. وإن فرضنا أن الله تعالي قد أثني يوما علي الصحابة لإطاعتهم أوامره والعمل بدستوراته فهذا لا يعني أن لهم حصانة في المستقبل من كل فعل منحرف يقومون به وإنما كان يقصد الثناء علي فعل الماضي.

1- استقرار سلطنة بني أمية

مات معاوية سنة 60 ه- و تولي بعده يزيد بعد أن أخذ أبوه

ص: 145

البيعة من الناس في حياته أعطي التاريخ شهادة بحق يزيد لا يمكن الأحد نكرانها كان عديم التدين، لا يعتني بأصول وقوانين الإسلام حتي في زمن أبيه وفي شبابه، وكان لا يعرف سوي الفواحش والشهوات والتحلل، وقد صب الفجائع خلال سنواته الثلاثة وزرع الفتن بصورة لم يشهدها التأريخ الإسلامي من بداية ظهوره،

استشهد الحسين عليه السلام إمام الهدي وسبط النبي الأكرم مع أولاده وأخوانه وعشيرته وأصحابه في سنته الأولي وبأبشع سبل وطرق الجريمة والظلم بحيث وصلت حد وقاحته الي أن يطوف بنساء وأطفال النبي صلي الله عليه و آله في المدن مع رؤوس شهداء كربلاء المقطعة.

أباح دماء وأعراض وأموال الناس في سنته الثانية من خلال إياحة ذلك لجيشه لمدة ثلاثة أيام في المدينة وارتكب الجرائم البشعة وقتل الناس قتلا مفجعا ورمي الكعبة بالمنجنيق وأحرقها وخربها في سنته الثالثة.

استولي علي الحكومة الإسلامية بعد يزيد آل مروان ودامت حوالي 70 سنة توزعت بين أحد عشر حاكما منهم، كانت أيام سوداء ومشؤومة للمسلمين، ولم يعرف أحد في المجتمع الإسلامي آنذاك إلا إمبراطور عربي مستبد وضع لنفسه عنوان خليفة المسلمين: لقد وصل الأمر بهم الي أن يضع خليفة المسلمين وخليفة النبي صلي الله عليه و آله وحامي الدين الوحيد غرفة لنفسه فوق الكعبة للترفيه

ص: 146

والاستمتاع في مراسيم الحج.

يصوب الخليفة بسهمه الي القرآن ويقرأ شعره المعروف:

وإذا ما جئت ربك يوم حشر*** فقل يارب مزقني الوليد

اجتاز الشيعة الذين يختلفون مع أغلبية السنة حول موضوع الخلافة الإسلامية والمرجعية الدينية هذه المرحلة بصعوبة جدا وكانت بالنسبة لهم فترة مظلمة وقاسية جدا، ولكن ظلم الحكومات وانحرافها ومظلومية الشيعة من جانب و تقوي وطهارة وعصمة أئمة أهل البيت من جانب آخر كل ذلك زاد من ثباتهم ورسوخهم علي عقائدهم وخصوصا وواقعة كربلاء شهادة الإمام الحسين عليه السلام (الإمام الثالث للشيعة) كان لها الدور الأكبر في انتشار التشيع واتساعه في المناطق البعيدة عن مركز الخلافة كالعراق وإيران واليمن، ولهذا عندما ضعفت الدولة الأموية في فترة الإمام محمد الباقر عليه السلام(خامس أئمة الشيعة) (في نهاية القرن الهجري الأول) ولم يمض عن شهادة الحسين عليه السلام أربعون سنة، تدفق الشيعة من كل جانب الي بيت الإمام الباقر عليه السلام طلبا للعلم والحديث وتعلم المعارف الإسلامية.

قبل نهاية القرن الهجري الأول وضع عدد من أمراء مدينة قم في إيران الحجر الأساس للمجتمعات الشيعية لكنهم لم يظهروا ذلك تقية من الوضع الموجود.

ص: 147

ثارالسادة العلويون لمرات عديدة ضد ظلم الدولة والضغط الأموي إلا أنهم لم يفلحوا وقدموا أنفسهم قرابين لهذا السبيل، ولم يتورع الحكام عن استعمال أشد الأساليب للقضاء علي تلك الانتفاضات فنبشوا قبر زيد (إمام الزيدية)وأخرجوا جثته وعلقوها فوق خشبة الإعدام لمدة ثلاث سنوات ومن ثم أحرقوها ونثروا رمادها مع الرياح. يعتقد أغلب الشيعة أن الإمام الرابع والخامس (عليهما السلام) إستشهدوا بالسم علي يد الحكومة الأموية وكذلك الإمام الثاني والثالث.

لقد بلغت فجائع عمال بني أمية حدا مفضوحا وشائعا مما جعل أهل السنة يقسمون الخلفاء الي قمسين: الخلفاء الراشدين بعد النبي صلي الله عليه و آله وهم (أبو بكر وعمر وعثمان وعلي عليه السلام)، والخلفاء غير الراشدين والذين يبدأون من معاوية.

الظلم والتحلل الأموي أدي إلي نفور المسلمين وكرههم الحكومتهم ولهذا بدأ سيرهم التنازلي حتي بلغوا السقوط القطعي وتعرض آخر خلفائها للقتل وفر ولديه مع أفراد عائلته من دار الخلافة ورفض أغلب الناس إيواءهم ولهذا ظلوا كذلك حتي ضاعوا في صحاري (نوبه والحبشة وجاوة) وهلك الكثير منهم عطشا وجوعا، وانتهي بما تبقي منهم المقام في اليمن وبقوا هناك يرتزقون علي فتات موائد الناس وصدقاتهم؛ وذهب قسم منهم بهيئة حمال الي مكة واختفوا بين الناس.

ص: 148

2- الشيعة في القرن الثاني للهجرة

علي أثر الثورات الشيعية الحاصلة في القرن الثاني للهجرة (في أواخر الثلث الأول منه) ضد الظلم والطغيان الأموي في جميع البقاع الإسلامية، ظهرت دعوة باسم (أهل بيت النبي صلي الله عليه و آله) في خراسان وكان قائدها (أبو مسلم المروزي) (إيراني) ثار علي الدولة الأموية وتقدم نحو مركزها للإطاحة بها.

مع أن هذه الثورة استلهمت طاقتها من الدعاية الشيعية،وقامت تحت شعار الطلب بثأر شهداء أهل البيت، وأخذت البيعة من الناس لأحد رجال أهل البيت، لكنها لم تكن تحت الإشراف المباشر لأئمة الشيعة، إلا أن قائدها (أبا مسلم) كان في صدد بيعة الإمام السادس للشيعة الإمامية عليه السلام في المدينة ولكن الإمام عليه السلام رفضها بالكامل وأشار إليه بأنه ليس من رجاله عليه السلام وأن الوقت ليس وقتهم الآن.

استلم الخلافة بعد ذلك بني العباس تحت شعار أهل البيت وقاموا بذبح الأمويين بحجة الانتقام لشهداء العلويين ونبشوا قبورهم وأحرقوا الجثث الباقية، وأظهروا حبهم للناس والعلويين في بداية الأمر إلا أن هذا الحال لم يستمر طويلا حتي تكشفت صورهم الظالمة والحاقدة لأهل البيت عليه السلام، وبدأ ظلمهم وتحللهم

ص: 149

يظهر الي العيان بلا حد ولا مكان يقفون عنده.

أبو حنيفة (أحد أئمة المذاهب السنية الأربعة) وقع في سجن المنصور وتعرض للتعذيب الشديد، وكذلك ابن حنبل (إمام المذهب السني الحنبلي) وقع تحت عذاب السياط، واستشهد الإمام السادس من أئمة الشيعة بالسم بعد أن تعرض الي التعذيب والإيذاء، وقتل العلويون بصورة جماعية ودفن بعضهم أحياء وعلق البعض الآخر علي جدران أبنية الدولة.

هارون أحد خلفاء العباسيين بلغت الإمبراطورية الإسلامية في عهده ذروتها بحيث يخاطب الشمس ويخبرها بأنها أينما تشرق وتسطع فهي في ملكه. استطال جيشه الي الشرق والغرب ولكن نظره قصر عن أقرب المناطق الي قصره (وهي جسر بغداد) حيث وقف مأموروه يأخذون ضريبة المرور والعبور علي الجسر من المارة بدون إذنه حتي أن هارون يوما اراد العبور فمنعوه حتي يدفع أجور المرور.

وكانت المفارقات كثيرة جدا وما يثير الدهشة أكثر حتي أن أحد المغنين يوما أثار شهوة الأمين العباسي من خلال بيتين من الشعر فأعطاه ثلاثة ملايين درهم فلم يصدق المغني نفسه وقال بدهشة: يا أمير المؤمنين هل كل هذا لي؟ فأجابه الخليفة: لا عليك، لقد أتتنا من مكان لا نعرفه.

ص: 150

نعم، هذا نموذج لموارد صرف بيت المال الذي تتدفق إليه الأموال من جميع أقطار الدولة الإسلامية، بالإضافة الي الجواري الحسان والغلمان الذين فاقت أعدادهم الآلاف في بلاط الخلافة. أما الشيعة فهم علي يقين بأن ذهاب الأمويين ومجيء العباسيين لا يعني لهم سوي اختلاف أسماء الظلمة والطغاة وأعداء أهل البيت.

3- الشيعة في القرن الثالث للهجرة

كانت بداية القرن الثالث بالنسبة للشيعة بمثابة المتنفس النسبي لهم بسبب عامل ترجمة الكتب الفلسفية والعلمية من اللغات اليونانية والسريانية وغيرهاالي اللغة العربية، ووجود الفرصة لطلب العلوم العقلية والاستدلالية علاوة علي أن الخليفة المأمون (195 - 218 ه- ق) كان معتزلي المذهب ويميل الي الاستدلال العقلي والبحث في الأديان والمذاهب ولهذا شاع هذا الأمر وأعطيت الحرية الكاملة له، أما علماء الشيعة ولم يتوانوا عن اغتنام هذه الفرصة لنشر افكار أهل البيت والتبليغ للمذهب وأما العامل المهم الآخر هو إعطاء ولاية عهد الخلافة الي الإمام الثامن للشيعة بسبب اقتضاء الوضع السياسي لذلك وهذا ماخفف من التعرض الي العلويين وأنصار أهل البيت وأدي الي حريتهم النسبية، ولكن لم يمر

ص: 151

وقت علي ذلك حتي عاد سيف الظلم القاطع الي نحور الشيعة وأعاد إلي الأذهان أفعال السلف، وكانت علي أشده في زمن المتوكل العباسي (232 - 247 ه-)ا الذي كان يتصف بعدائه الشديد لعلي عليه السلام وشيعته ومن أفعاله تسوية قبر الحسين عليه السلام (إمام الشيعة الثالث) في كربلاء لإخفاء آثاره وإزالتها.

4- الشيعة في القرن الرابع للهجرة

من العوامل المهمة التي أدت الي اتساع التشيع وقوته في هذا القرن هو ضعف اركان خلافة بني العباس وظهور ملوك آل بويه الذين عرفوا بتشيعهم، وكان لهم نفوذ واسع في مركز الخلافة آنذاك (بغداد) وعلي شخص الخليفة الأموي، وهذه القدرة التي لفتت انتباه الشيعة أعطت إذن بمواجهة أولئك الذين اعتمدوا علي قدرات خلافتهم وعملوا علي تحطيم الشيعة علي مر العصور، ومنحت الشيعة زخما في التبليغ الجاد والإعلام المذهبي وبصورة حرة.

يذكر المؤرخون بأن سكان أغلب مناطق الجزيرة في هذا القرن كانوا من الشيعة عدا بعض المدن الكبيرة مثل عمان، وكانت صعدة شيعية أيضا، أما في مدينة البصرة والتي كانت مركزا للتسنن يوجد فيها أعدادا شيعية قابلة للذكر، وتعتبر هذه المدينة المنافسة

ص: 152

الحقيقية لمركز التشيع أي الكوفة، وتواجد الشيعة أيضا في طرابلس ونابلس، وطربرية، ونيشابور، وهرات، أما في مدن الأهواز وسواحل الخليج العربي من إيران كان لمذهب التشيع وجود حقيقي فيها.

في بداية هذا القرن استولي ناصر اطروش (الذي عمل سنينا طويلة بالتبليغ في شمال إيران) علي ناحية طبرستان وأسس سلطنة فيها استمرت لأجيال عديدة من بعده، وكان من قبله الحسن بن زيد العلوي الذي حكم طبرستان لفترة طويلة أيضا.

سيطر الإسماعيليون أيضا في هذا القرن علي مصر وأسسوا الدولة الفاطميةالمترامية الأطراف والتي استمرت من (296 - 567 ه- ق) وقد تخللها حوادث وصدامات بين الشيعة والسنة في مدنها الكبيرة مثل بغداد ومصر ونيشابور وكانت تنتهي بغلبة الشيعة في بعض منها.

5- الشيعة من القرن الخامس الي القرن التاسع

استمر الشيعة في تزايدهم علي منوال القرن الرابع الهجري وظهرت لهم مملكات شيعية روجت لمذهبهم يمكن توضيحها كما يلي:

ص: 153

ظهرت الدعوة الإسماعيلية في أواخر القرن الخامس الهجري في (مدينة قلاع الموت) الإيرانية واستقرت هذه الدعوة ما يقارب القرن والنصف في وسط إيران وكانت في حالة استقلال كامل، وحكم السادة المرعشيون في مازندران (شمال إيران)لسنوات طويلة. اختار السلطان (محمد خدابنده) وهو من ملوك المغول المذهب الشيعي وأعقبه في ذلك ملوك مغوليون عملوا علي نشر التشيع والترويج له لسنوات طويلة في إيران، وكذلك الحال بالنسبة الي سلاطين ( آق قويونلد و قرة قويونلد) الذين حكموا في تبريز واستطالت دولتهم الي فارس و كرمان، وقامت الدولة الفاطمية في مصر.

يجدر الإشارة هنا إلي أن قدرات الشيعة وملوكهم تتفاوت من منطقة إلي أخري، فمثلا بعد سقوط الدولة الفاطمية وظهور آل أيوب علي سدة الحكم أدت اليطوي صفحة التشيع في مصر والشام وقتل من بقي منهم من جملتهم الشهيد الأول (محمد بن مكي) من نوابغ فقه الشيعة في سنة (786) في الشام بجريمة التشيع،وكذلك قتل الشيخ (إشراق شهاب الدين السهروردي) في حلب بجريمة الفلسفة.

بصورة عامة اتصفت هذه القرون الخمسة بتزايدها الشيعي، وأما من ناحية قدرة المذهب وحريته فكانت في حالة صعود ونزول

ص: 154

حسب موافقة ومخالفة السلاطين آنذاك. من البديهي أن قاطبة حكام هذه العصور في الممالك الإسلامية كانت من بني أمية وبني العباس كما ظهر ذلك من المتن السابق.

أما أسواق اختلاق الحديث ووضع الرواية في فترات هؤلاء الحكام الطغاة كانت مشابهة لما حدث في فترة معاوية وخصوصا في عصر المتأخرين عندما شعر مغتصبوا حق أهل البيت بنفوذ وقدرة الشيعة وخطرهم الجدي توسلوا بجميع تلك السبل والحيل والخديعة لمقابلتهم والحد من توسعهم وخصوصا أنهم كانوا يشغلون مراكز القدرة.

وعموما يبدو من خلال التواريخ المثبتة في أحوال الشيعة وعلي طول التاريخ الإسلامي أن فترة ظهور الفرد المدعي ب-(فاضل) عند محبوبه الأستاذ! لكسب الفيض كانت تصادف بالضبط فترة زيادة قدرة وقوة النهضة الشيعية في العالم الإسلامي.

ومن الأمور التي لا يقبلها العقل السليم أن نغض النظر عن ذلك العداء والحقد التاريخي في مناقشة المسائل العقائدية التي استهدفها ذلك الحقد والعداء والتي تمثل قلب البنيان الشيعي، والخوض في الأمور التي يكون لمصدرها صبغة ورائحة العداء والحقد بالاعتماد علي العواطف أو الجهل.

ص: 155

ص: 156

الفصل الثامن: نظرة الي تاريخ أسپانيا

اشارة

ص: 157

ص: 158

نعود الآن لإدامة قصة رحلة قافلة العالم الشامي ورفاقه بعد أن دخل مصر وبعث برسالة من جانب والد الأستاذ (المريض) إلي ابنه (الأستاذ) يعجله بالحركة الي الأندلس.

وقعت جميع الأحداث الأصلية للقصة في الجزيرة الخضراء وجزر الشيعة الواقعة جميعها في مملكة الأندلس (أسپانيا اليوم)، ولهذا نعود الي أسپانيا قبل تسعمائة سنة لنري عصر وقوعها، و محلها، ومعتقداتها وسائر مشخصاتها.

1- نظرة الي أندلس المسلمين

من الذي فتح الأندلس في سنة 92 ه- ق، وما هو تاريخ هذه المدينة الاسلامية منذ فتحها إلي وقتنا الحاضر سنة 1420 ه-.ق؟

وللجواب نقول :

فتحت الأندلس في خلافة الوليد بن عبد الملك (سادس خلفاء بني أمية) والذي وصل إليها بعد موت أبيه (عبد الملك) سنة

ص: 159

86 ه- ق واستمر بخلافته حتي سنة 96 ه- وفي اليوم الخامس لشهر رجب لسنة 92 ه- عبر طارق بن زياد البربري والي طنجة (1) مع جيشه مضيق جبل طارق وكان مبعوثا من موسي بن نصير اللخمي (2)

عندما كان موسي بن نصير اللخمي حاكما علي أفريقيا كانت أسپانيا تحت سلطة شخص يسمي (رودريك) والذي خلع حاكمها الأسبق (ويتيزا) وقتله واستولي علي العرش والتاج. كانت هناك جزيرة أسپانية حدودية تسمي (سبتة) وحاكمها (ژولين) فلما تعرض رودريك الي ابنة أنحاكم انظم علي الفور الي صفوف المعارضين للحكومة الأندلسية، وبعد المكاتبات الطويلة مع موسي بن نصير طلب من الأخير التدخل بشكل جدي لنجاة الدولة من مخالب الملك الظالم، فأرسل موسي ضابطا شابا إلي هناك بعد أن حصل الاذن من الوليد اسمه (طريف) لجمع المعلومات واستكشاف السواحل الجنوبية لأسپانيا، جاء هذا الضابط بتقارير مرضية أرسل علي أثرها موسي في شهر رجب سنة 92 ه- طارق بن زياد وكان من أمهرالقادة والضباط مع جيش مختصر مركب من سبعة آلاف رجل

ص: 160


1- طنجة: من مدن المغرب الشمالي وهي اقرب منطقة إلي الأندلس.
2- موسي: حاكم أفريقيا في زمن الفتوحات الإسلامية والذي بعث بطارق (والي طنجة) لفتح الأندلس.

كفوء الي منطقة لا زالت تعرف باسمه ودخل منها ولأول مرة الي مدينة الجزيرة الخضراء وصلي بها الصبح ثم استمر بتقدمه في الأراضي الأسبانية. حاول (الگو تيون) (وهم السكان المحليين الأسپانيا) الحيلولة دون تقدمه لكنهم لم يفلحوا في ذلك وسدد لهم جيش الاسلام ضربات قاسية وشتتهم. تقدم طارق بصورة مباشرة الي (طليطلة) وأنضم الي جيشه جيش قدم من المركز ليصبح عددهم اثني عشر الفا.

كان ملك أسپانيا مشغولا بقمع الثورات الداخلية وكان آنذاك في الشمال لكنه عاد الي العاصمة بعد سماعه للخبر، وكان قد كتب له معاونه ما يلي: (قدم الي بلادنا اناس لا نعرف هل هم من الأرض أم السماء).

استنفر رودريك أمراءه الصغار ورؤوساء القبائل والنواحي لقتال العرب وأصدر أوامره باللحاق به مع مجاميعهم في (قرطبة). تجمع حوالي مئة ألف من الجيش والشعب والتقي الجيشان في جانب (وادي لكة) يوم الاثنين من شهر رمضان (بقي علي انتهائه يومان) سنة 92 ه- ودارت بينهما حرب استمرت الي يوم الأحد المصادف الخامس من شوال. انفصل أبناء الحاكم السابق (ويتيزا) عن الجيش من بداية الهجمات وذلك لسخطهم الشديد وغضبهم علي الملك الحالي. كان جيش الملك كثير العدد وجيد التسليح،

ص: 161

والكفاءة العسكرية تمكتهم من مقاومة الهجمات الشرسة للعرب، ولكنهم مع كل تلك الامتيازات لم يتمكنوا من الوقوف طويلا أمام الهجوم الكاسح والشديد لطارق، وهكذا تلاشي جميع (الگوتات) وتناثروا هنا وهناك، أما الملك ألقي بنفسه في النهر حينما حاول الفرار وغرق فيه، بعد أن فتح طارق نقاطا مختلفة من أسپانيا، وزع طارق قوته الي أربعة محاور، الأولي أرسلها الي قرطبة، والثانية الي مالقة والثالثة الي غرناطة وذهب مع مجموعته الرابعة الي طليطلة. فتحت المدن (مالقة وغرناطة وقرطبة) ببساطة الواحدة تلو الأخري، تفاجأ (الگوتان) من الهجمات الشديدة والخاطفة لجيش طارق وأصيب بالهلع والخوف، استسلم بعض الأمراء ورؤوساء النواحي وفر الباقي منهم، لجأ رؤوساء المذاهب وأئمة الأديان الي روما، واستبشرت جماعة كبيرة من اليهود بهم واعتبرهم الفلاحون والغلمان وباقي المستضعفين المنجي والمنقذ من ظلم الملك وبارك أحدهم للآخر وتهللوا وفرحوا فرحا شديدا (1). احتفظ طارق بعدد قليل من جيشه في طليطلة (العاصمة) للحفاظ عليها وسلم الحكم الي أخ الحاكم السابق (ويتينزا) واستمر هو في ملاحقة الفارين من

ص: 162


1- مع بداية الفتوحات الإسلامية خارج الجزيرة العربية، استمر فتح أفريقيا وتطويع أهاليها خمسون سنة في حين أن الأندلس لم يستغرق فتحها أكثرمن عدة شهور وأخرجوها من سلطة المسيحيين.

الگوتان وتعقبهم الي حدود (استوريه). ولما سمع موسي بن نصير حاكم أفريقيا بذلك وكان (عمره ثمانون سنة) زحف مع ثمانية عشر ألفا إلي أسبانيا، وبدأ بهجومه من المشرق بعد أن استولي علي أشبيلية ومارده والتحق بجيش طارق في طليطلة.

دخل موسي (حسب ما يذكره ابن الأثير) أسپانيا في شهر رمضان لسنة 93 ھ وفتح مدن قرمونية وأشبيلة ومارده في شهر رمضان لسنة 94 ه يوم عيد الفطر. ثارت أشبيلية وقتل أهاليها جميع المسلمين الموجودين مما حدي بموسي الي إرسال ابنه عبد العزيز علي رأس جيش وافتتحها عنوة وقهرا وقتل جمعا كبيرا من أهاليها وفر الباقون الي مدن (لبله وباجه)، فتعقبهم عبد العزيز وفتح هاتين المدينتين ثم عاد الي أشبيلية.

ذهب موسي سنة 94 ه- من مارده الي طليطلة والتقي مع طارق وأصدر توبيخا شديد بحقه وجلده بالسوط.

لكن الطبري يقول: غضب موسي علي طارق فوضع ابنه عبدالله ينوب عنه في أفريقيا وسار علي رأس عشرة آلاف الي الأندلس سنة 93 (في شهر رجب) واصطحب معه حبيب بن عقبة بن نافع الفهري، وبعد أن التقي مع طارق قبل عذره وعفي عنه وأرسله إلي طليطلة.

فتحت البرتغال كذلك بعد فتح الأندلس الكامل وتشكلت

ص: 163

محافظة جديدة باسم الغرب وتجمع المسيحيون في جبال استوريه وجندوا جيشا ضد المسلمين.

اختار موسي طارقا علي (جليقيه) لإجبار أهلها علي الطاعة وصار هو الي داخل الأراضي الفرنسية، صنع موسي مخيما في (پيرنه) وصمم علي فتح جيمع أورپا وخطط لفتح فرنسا وألمانيا وإيطاليا ومن ثم لفتح القسطنطينية والذهاب بعد ذلك الي الشام، وبهذا كانت ستقع جميع هذه الأرض تحت لواء الإسلام، ولو سمح بذلك الخليفة لكان من المحتمل أن يفعل موسي ذلك لكن الخليفة طلب حضوره الي دمشق وللأسف غير ذلك جميع مخطط موسي.

والتقت موسي خلال الفرصة القليلة المتبقية الي فتح جبال أسپانيا التي تجمع بها المسيحيون واستعدوا للدفاع والهجوم. اقتحم موسي أحد الكنائس ووصل الي قلاعها وأجبر العدو علي الفرار الي الممرات الضيقة في جبال استوريه، فأصدر موسي أوامره من منطقة (لوگو) الي جيشه لإجبار الفارين علي قبول الطاعة، وهنا وفي هذه الأثناء وصل كتاب الخليفة يأمره وطارق بالرجوع، في حين كان أحد الثوار المسيحيين واسمه (پليور) متحصن في قلاعه في الجبال وأجري استحكامات قوية ووضع أسس حكومته التي انضم اليها بعد ذلك عدد كبير وسيطرت علي الولايات الجنوبية وقتلت جميع المسلمين هناك.

ص: 164

نظم موسي وضع أسپانيا قبل حركته منها وجعل ابنه عبد العزيز محله حاكما علي تلك الدولة وعين اشبيلية مركزا لها، وجعل ابنه الآخر عبد الاله مأمورا علي أفريقيا، ونصب ابنه الأصغر عبد الملك علي مراكش (المغرب الأقصي). غادر موسي بعد أن جعل حكومات نيابية في كل من أفريقيا وأسپانيا الي دمشق مع عدد كبير من أتباعه وملازمية، مات الوليد سنة 96 قبل وصول موسي الي دمشق واستلم الخلافة بعده أخوه سليمان بن عبد الملك، فلما وصل موسي ضربه بالعصي أمام الملأ العام بدلا من أن يستقبله وأوقفه يوما كاملا أمام القصر وتحت أشعة الشمس ومن ثم ألقاه بالسجن، وبعث في الخفاء إلي أسبانيا من يقتل عبد العزيز، وبعد مقتل عبد العزيز سمح الخليفة لموسي في اختيار المكان الذي يرغب بالذهاب إليه، فاختار مكة ومات فيها.

قسم المسلمون أسپانيا إلي أربعة محافظات مهمة، كل منها مستقل بحكومة فيدرالية وفيها حاكم. المحافظة الأولي: الجزء الجنوبي لشبه الجزيرة وأهم مدنها: قرطبة، أشبيلية، مالقة، اتجه جيان ووسونا.

المحافظة الثانية: الجزء المركزي لأسپانيا ومدنها: طليطلة قرطاجنة، مرسيه، لورقه، والانس ودانيه.

المحافظة الثالثة: وتشتمل علي برگاليسي، البرتغال، ومدن

ص: 165

مارده، باجة، لشبونه (ليسبون) وشممنقة.

المحافظة الرابعة: الجزء الشمالي الشرقي الذي امتد الي حدود ( پيرنه) ومدن طروشه، طركونه، برشلونه، وتربشتر.

وبعد أن توسعت الفتوحات ظهرت المحافظة الخامسة وتشمل المدن ناربون و قرقشونه من جملة مدنها.

سكن العرب والبربر في هذه المدن، وقبائل دمشق في ولاية قرطبة، وقبائل حمص في أشبيلية ولبله وأطرافها، وقبائل قنسرين في جيان وأطرافها، وقبائل فلسطين في شذونه و (الجزيرة الخضراء) ورية ومالقة وأطرافها، وقبائل اليمن في طليطلة وأراضيها والإيرانيون في شريش وحولها والعراقيون في ولاية البيره وغرناطة، والمصريون في تدمير ومارده وأشبونه والحجازيون في المدن الداخلية.

وهناك أمر يجدر الاهتمام به من الناحية الإقليمية وهو أن قبائل العرب اختارت لنفسها الأراضي والأودية الخصبة والخضراء والصالحة للزارعة، أما البربر فتجمعوا في المناطق والأقاليم والارتفاعات المعدومة، أو من الأفضل أن نقول أنهم أجبروا علي ذلك إلا قليلا منهم عاشوا في الأماكن الخصية والمثمرة، وكان ذلك التقسيم غير العادل من عوامل الاختلاف بين الجنسين الفاتحين (العرب والبربر).

ص: 166

2- حكومة عبد العزيز بن موسي بن نصير

امتاز بحسن تدبيره وسياسته العاقلة ونال بذلك رضي جميع الطبقات، وأشاع الزواج بين الشعبين الغالب والمغلوب، وروج الصناعة والفن والعلوم والحرف الأخري، قتل سنة 97 أو أواخر 98ه- علي يد مسلمي الأندلس وبأمر من سليمان بن عبد الملك السري بعد أن صلي صلاة الصبح وقرأ سورة الواقعة مع الحمد وظلت الأندلس بدون وال لمدة ستة أشهر.

3- حكومة أيوب بن حبيب اللخمي

انتخب بعد ستة من مقتل عبد العزيز، وهو ابن أخت موسي، نقل مركز الحكومة في سنته الأولي (99 أو 98 ه-) من أشبيلية الي قرطبة، وغزل بعد أشهر بأمر نائب سلطان أفريقيا.

4- حكومة الحارث بن عبد الرحمن بن عثمان الثقفي

نصب الحارث بعد عزل أيوب من بل الخليفة سليمان. أخذ الحارث معه أربعمائة سائلة من نجاب العرب الي أسپانيا، ودامت خلافته ثلاث سنوات، وحدثت فتوحات كثيرة في عهده مما زادت شهرته وحسن، سيرته.

ص: 167

5- حكومة سمح بن مالك الخولاني

بعد أن أصبح عمر بن عبد العزيز خليفة المسلمين في سنة 99 ه- (في دمشق)حدثت اضطرابات و اختلالات في أسپانيا وكان السبب هو عدم كفاءة ولياقة وقدرة حارث المضري(1) ولهذا عزله

ص: 168


1- لازالت العصبية القبلية معشعشة في الصدور مع جميع تلك الفتوحات ومشاكل ومصائب البقاء في المملكة الجديدة، ولازالت المنافسة حول الرئاسة والسلطة بين القادة والأمراء وهذا ما أدي الي شق الصفوف وظهور الأحزاب، بالإضافة إلي عوامل الغيرة والحسد، وأشد الخلافات والمنافسات كانت قائمة علي أساس المضرية واليمنية وجذورها تمتد الي ما قبل الإسلام. ومن أسباب هذه الاختلافات هي أن رئاسة العرب قبل الإسلام كانت منحصرة بين (حمير وتبع) وهما من أكبر قبائل اليمن وكانت لهما حضارة مشرقة، في حين أن المضريين كانوا بدويين من أمد قريب. كانت هناك حرب ضارية بين اليمنيين والمصريين واستمرت لسنوات طويلة ولهذا تسعي حمير الي الاحتفاظ دائما بالسلطة، وتحاول مضر كذلك الي عدم فقدان استقلالها وحريتها. يمكن مشاهدة أمثلة شيقة ووقائع كثيرة في أيام العرب يقول ابن خلدون: «كانت الرئاسة منحصرة ولسنوات متمادية بين هذه القبيلة العربية ويعني (اليمنيون)، وقبائل مضر وربيعة تابعة لهم وكانت الملوكية في الحيرة مقصورة علي بني منذر أو اللخميان، وفي الشام علي بني جفنة أو الغساسنة، وفي يثرب علي الأوس والخزرج الذي كانت أصولهم في اليمن ، وسوي أولئك كان هناك مجموعة أخري من العرب تسكن البادية بحثا عن الماء والعشب، يظهر من حين لآخر قائد من بين هؤلاء البدو. وحينما برزت إمارة المضربين وكانت قريش بين كر وفر في نواحي الحجاز وكانت بعض الدول تراعي إكرامهم وتعظيمهم حتي بزغت شمس الاسلام فيهم وألقي برداء الحكم والقيادة عليهم، ومن ذلك الحين علي شأن مضر عندما اختار الله تعالي نبيه منهم وصارت جميع الدول الإسلامية منهم إلا بعض دول العجم الذين ظلوا يتبعون طوائفهم». وبهذا تحولت الرئاسة الي قريش والزعامة الي مضر واحتفظوا بها السنوات طويلة وقبضوا عليها بكل السبل وظل اليمنيون يسعون لإعادة الأمور. ومن عوامل الاختلاف الأخري اللغة، أصل اللغة العربية يعود إلي لغة حمير وقد اعترفت بذلك مضر وأوجدت فيه فصاحة وبلاغة عظيمة، ومن ثم نزل القرآن بهذه اللغة علي النبي القرشي المضري وكانت اللغة من مفاخر مضر التي دافعت عنها. وكان للإسلام دور مهم في رفع عوامل العداء ووحدة الكلمة والصفوف المختلفة وخصوصا في منطقة شبه الجزيرة العربية. ولكن سرعان ما طغت تلك الأحقاد علي المسلمين وظهرت ثانية بمجرد ما ابتعدوا عن صدر الإسلام قليلا. وكانت تلك الاختلافات أشد في المناطق البعيدة وأخطر، لأن أقواما وقبائل متنوعة انضوت تحت الإسلام وأما الأوضاع في الأندلس كانت علي أشدها بعد فتح أسپانيا، وأدت الي اضطراب المجتمع وعودة التفاخرات التي أدت الي الاختلافات المذهبية وقتال الشيعة والسنة.

الخليفة ووضع محله أحد الضباط القحطانيين اسمه سبح. وكان صاحب دراية ومهارة في الفنون القتالية والإدارة، ولهذا اوكلت إليه الإصلاحات المالية الجديدة وإدارة البلاد، شرع بإصلاح الأمور وأحصي جميع القبائل والعشائر و مناطق سكناهم بصورة دقيقة، بني

ص: 169

مساجد وأقام جسورا كثيرا وعمر القديم منها، بعد أن فرغ من إجراء الإصلاحات قام بقمع المسيحيين المتمردين ووجه لهم ضربات مهلكة وقضي عليهم.

أصيب بسهم العدو في منقطة ( آراگون) في جنوب فرنسا قبل آخر هجوم له وسقط علي الأرض.

6- حكومة عبد الرحمن بن عبد الاله الغافقي

لما رأي المسلمون سقوط قائدهم علي الأرض فروا من أرض المعركة إلا أن عبد الرحمن أقدم علي قيادة الجيش علي الفور، وفي مهارة وجرأة قل نظيرها استطاع أن يسحب الجيش المتشتت بصورة منظمة الي الوراء (حتي أن الأعداء اندهشوا لذلك وتعجبوا منه). وذكر المؤرخون عنه بأنه رجل مقتدر وجريء وشجاع، وعرف بطهارته وعدالته، وظل لعدة أشهر يقود الجمع ومن ثم عزله الخليفة الأموي.

7- حكومة عنبسة بن سحيم الكلبي القحطاني

نصب حاكما علي إسبانيا من قبل حاكم أفريقيا (نائب

ص: 170

السلطنة) ودخلها في شهر صفر سنة 103 ه- واستلم زمام الأمر.

حمل علي جنوب فرنسا سنة 105 ه- بعد أن تربع هشام بن عبد الملك علي دقة السلطة واستطاع السيطرة علي عدة مناطق مهمة فيها، وقام بتقوية وتحكيم وضع العرب في جنوب فرنسا، إلا أنه قتل في أحد المعارك مع المتمردين في سنة 107 ه- بين الممرات الضيقة للسلسلة الجبلية المسماة ب (پرينه)، أدي قتله الي إثارة . الفوضي في شبه الجزيرة هذه مرة أخري، حكم أسبانيا بعد عنبسه وحتي التعيين المجدد لعبد الرحمن الغافق (سنة 112) سنتة أمراء بالترتيب، دام حكم بعضهم عدة أشهر. وبالنظر لهذه التغييرات السريعة حدث في إدارة الدولة خلط كبيرا وزادت قوة المتمردين يوما بعد آخر.

8- حكومة عبد الرحمن الغافقي الثانية

وصل الي الحكم سنة 112 ه- (في شهر صفر) ونضب من قبل الخليفة هشام بن عبد الملك، بالإضافة الي مهارته في الفنون العسكرية كانت له القابلية علي إدارة البلاد أيضا، زار جميع مدن ونواحي حكومته واستمع إلي شكاوي الناس ووضع الحلول المناسبة لها، وعزل القضاة الخائنين والمقصرين في أعمالهم

ص: 171

واستعاض عنهم بأفراد نجباء وذوي أهلية لذلك المقام.

كان أحد الأمراء الستة (الذين حكموا البلاد بعد موت عنبسة وحتي وصول عبد الرحمن الغافقي الي الحكم) واسمه عثمان بن عنبسه الخثعمي حكم اسپانيا سنة 110 ه- وغزل في نهاية نفس السنة، وأصبح بعد عزله حاكما (لجزيرة سردانيه)، تزوج ابنة ملك الافرنج واتحد معه في رفع راية التمرد والعصيان ضد عبد الرحمن.

قتل عثمان في أحد المعارك مع عبد الرحمن ووقعت زوجته في يد الأخير فأرسلها الي دمشق وهناك تزوجها أحد أبناء هشام (الخليفة) مما أثار غضب ملك فرنسا ودخل مع عبد الرحمن الحرب، أصابه الخوف والرعب من أعداد جيش المسلمين التي لا تحصي ولهذا طلب النجدة من (شارل سارتل) وكان رجل مقتدرا شجاعا، شن هذان الجيشان المتحدان حربا عرفت باسم (معركة تورو پواتيه) في رمضان سنة 114 ه-

كانت المعركة في ايامها الأولي لصالح المسلمين وفي اليوم التاسع حدثت بينهما معركة شديدة جدا انفصل بعدها الجانبين عن بعضهما. شاهد شارل مارتل طمع العرب وحبهم للغنائم لهذا قرر الهجوم علي محل جمع الغنائم، فلما شاع هذا الخبر رجع جميع الجيش من ساحة القتال إلي ذلك المكان مما أدي الي تصدع الجيش وانتشار الفوضي بين صفوفه، وفي هذا الوقت أصيب

ص: 172

عبد الرحمن برمح في ظهره فسقط أرضا وهنا تشتت صفوف جيش المسلمين وتحملوا انكسارا كبيرا وخسارة عظيمة علي يد المسيحيين.

يقول المؤرخ (گيبن) و آخرون من بعده، لو انتصر العرب في ذلك اليوم لقامت المساجد اليوم في أماكن الكنائس الموجودة الآن في لندن، ولأصبحت جامعة أكسفورد وسائر المراكز العلمية والتربوية محلا لتعليم وشرح و تفسير القرآن بدلا من الإنجيل.

9- حكومة عبد الملك بن قطن بن نفيل بن عبد اله الفهري

سرعان ما سمع حاكم أفريقيا وهشام بن عبد الملك في دمشق بحادثة (تور) فعين علي الفور عبد الملك بن قطن قائدا الجيش اسپانيا من قبل الخليفة.

سكان المناطق الجبلية الشمالية حاولوا لم بساط حكومة العرب بعد موت عبد الرحمن ولكن الحكومة الجديدة انتصرت عليهم وأجبرتهم علي تقديم الاعتذار، وأعادة سيطرتها علي المناطق التي خرجت عن دائرتها في الحروب السابقة.

تقدم (يوسف نامي) ممثل حكومة (نارين) من (نهر الران) سنة 116 ه- وسيطر علي عدة مدن مما أدي الي رجوع عبد الملك

ص: 173

الي الجنوب، وعزل بعد ذلك في شهر رمضان سنة 116 ه- بسبب قساوته وأوامره غير القابلة للتحمل وشدته المفرطة علي جيشه وهذا ما حدي بهم الي مخالفته في أودية ( پيرنه).

10- حكومة عقبة بن حجاج السلولي القيسي

جاء علي رأس الحكم بعد عبد الملك، دخل فرنسا لعدة مرات خلال فترة حكمه التي استمرت خمسة سنوات وذهب بالمسلمين الي نقاط بعيدة.

سيطر عقبة سنة 118 ه- علي عدة مدن فرنسية الواحدة تلو الأخري، وبدأ جيش العرب يهدد العاصمة الفرنسية مما حدي بشارل مارتل علي جمع جيش جرار لمواجهة العرب، فوقعت بينهم معارك عديدة استطاع من خلالها إرجاعهم الي الوراء بصورة نسبية، ومن أجل الحيلولة دون تقدمهم قام بتدمير منطقة واسعة وأبادها كاملا حتي صارت كالصحراء، وحول المدن الرئيسية والتي أنشأها وعشقها المسلمون الي أرض ترابية سوية حتي أن بعض المؤرخين الفرنسيين اعتبر هذا نوعا من أنواع الجنون في العصور البربرية وأبرزوا تأسفهم الشديد لتخريب الأماكن الصناعية والعلمية. وتزامن مع هذا حركة تمردية كبيرة في افريقيا وصلت شرارة نارها

ص: 174

الي أسپانيا، بالإضافة إلي كل ذلك قامت ثورة عصيانية أخري من قبل عبد الملك بن قطن الحاكم المعزول في سنة 122 ه- وكانت نتيجته اعتقال عقبة وقتله علي يد المتمردين.

11- حكومة عبد الملك بن قطن الثانية

أصبح عبد الملك حاكما لأسپانيا مرة أخري بعد خمسة سنوات علي فترته الأولي، ولكن سرعان ما قتل علي يد (بلج بن بشير القسري) الذي فر من أفريقيا ودخل اسپانيا مع جيش من الشام وانضم الي المعارضين الموجودين في شبه الجزيرة، وقامت حرب بينه وبين عبد الملك أدت الي قتل الأخير، وفصل رأسه عن جسده و تعليق الجسد علي خشبة الإعدام بصورة مخجلة، وبعد فترة قصيرة مات بلج أثر الجروح التي أصيب بها في حربه مع أولاد عبد الملك سنة 124 ه-.

12- حكومة ثعلبة بن سلالة العاملي

بعد موت بلح الشامي وتنصيب ثعلبة نشبت الحروب الداخلية مرة أخري بين سكان اسپانيا المؤيدين لأبناء عبد الملك

ص: 175

وأهالي الشام المنضوين تحت لواء من نصبوه رئيسا عليهم والبرابرة الذين يدافعون عن منافعهم، وبالنتيجة عمت الفوضي جميع أسپانيا، وتجاوز الناس المخافر العسكرية وقادة الجيش وظلت المرافق الإسلامية خالية من المدافعين.

كان ثعلبة يتحيز الي الحميرية القحطانية وهذا ما دفع المضربين العدنانيين الي التمرد وإثارة الاضطرابات، يقال انه انتصر علي ائتلاف المعارضين، ولما استعد جيشه لقتل ألف أسير ظهرت فجأة رايات الخلافة تبشر بقدوم الحاكم الجديد وبهذا لملم ثعلبة بساطه ونجي ألف نفر من القتل المؤكد.

13- حكومة أبو الخطار حسام بن ضرار الكلبي اليمني

نصب من قبل حاكم أفريقيا (حنظلة بن صفوان الكلبي) وبأمر من هشام بن عبد الملك في رجب لسنة 125 ه- ودخل قرطبة بعد خمسة أشهر من وفاة هشام، وبمجرد دخوله خلعت جميع أسلحة الفرق والمجاميع وانتهي بذلك القتال. كان حكمه ملائما في بدايته وتظاهر بعدم التطرف، ولكنه أبدي تحيزه التدريجي الي حميري اسپانيا وأهمل زعماء وكبار مضر، وهذا ما سبب الاضطراب والحرب الداخلية التي فاقت الحروب السابقة، انتصر علي حمير في

ص: 176

حرب ضروس دامية قرب مدينة قرطبة وقتل أبو الخطار سنة

(129 ه)، صب (ثوابه) من قبل

ميل بن حاتم المضري بعد أن خلع أبو الخطار. أوقد بالمقابل عبد الرحمن بن حسان الكلبي القحطاني نار الفتنة وأطلق سراح أبو الخطار من السجن وجهز اليمانيين لقتال (ثوابة) وسار الي قرطبة. حرض رجل من مضر أصحاب أبو الخطار علي التفرق والانسحاب (مع أن ثوابة يمني كذلك) وهذا ما دفع أبو الخطار الي الهروب الي (باجة) وعاد (ثوابه) إلي قرطبة وتوفي الأخير سنة 129 ه- بعد أن حكم سنتين وعدة أشهر.

وقع اختلاف كبير بعد ذلك حول تنصيب أمير الأندلس بين مضر وقحطان وظلت الأندلس أربعة أشهر بلا أمير. عين عبد الرحمن بن كثير اللخمي علي الأمور القضائية، واختار صميل رجلا من قريش خوفا من نشوب الفتنة، ونال هذا القريشي رضي وموافقة الجميع في إمارته للبلاد، وصل عبد الرحمن الفهري (الحاكم القريشي الجديد) الي قرطبة سنة (129 ه-) وكان حكمه مشروطا باستقالته بعد سنة وتحويل الأمر إلي رجل يختاره اليمنيون، وبعد مضي سنة توفي ثوابه وعين يوسف بأمر أبو الخطار وكان لهذا التعيين الأثر في نشوب فتنة بين المضربين والقحطانيين أدت الي اعتزال يوسف في بيته، وطالب اليمنيون في تعين أميرا وفق ما

ص: 177

يرغبون، في هذا الأثناء هجم صميل بن شمر بن ذي الجوشن والقحطانيون علي اليمنيين هجوما مباغتا أدي الي انكسار اليمنيين انكسارا قاسيا وقتل أثنائه أبو الخطار في ساحة القتال، وقيل أنه فر وعثر عليه صميل في آسيا وقتله، عاد يوسف الي قصر الإمارة وعلا شأن صميل، وقتل في حكومة يوسف عبد الرحمن بن علقمة اللخمي حاكم نارين بعد أن تمرد، البعض الآخر تمرد في باجة وأشبيلية والجزيرة الخضراء ولكنهم قمعوا بشدة وبسرعة ومن جملة المتمردين حباب بن رواحة بن عبد الله الزهري سنة 136 ه- الذي التف حوله جماعة من اليمنيين ثم حملوا علي (سرقطة) التي كان صميل أميرها وحاصروه محاصرة شديدة مما دعاه الي طلب النجدة من يوسف أمير الأندلس، إلا أن يوسفا كان كارها لإمارة صميل وكان يتمني هلاكه بالإضافة إلي القحط والغلاء الفاحش الذي عم البلاد كل ذلك كان سبب في عدم إرسال يوسف المعونة الي صميل، ومن طرف آخر قام عامر العبدري في نفس هذه السنة (136) مع حباب استجابة لدعوة بني العباس، أصبح حباب مالكا لسرسقطة ونصب صميل من قبل يوسف علي طليطة، حدث قتال بين صميل وبين اصحاب سرسقطة السابقين وهم (عامر العبيدي و تميم بن معبد الفهري) ولكن يوسف تدخل وأنهي الأمر بقتل الاثنين، استقرت بعد ذلك حكومة يوسف وقوت عزيمته ولا يستبعد

ص: 178

بأنه كان بإمكانه تحويل الإمارة الي خلافة وتأسيس سلسلة من الخلافات الإسلامية باسمه إلا أن نزول عبد الرحمن بن معاوية سنة 138 علي ساحل اسپانيا سلب منه هذه الفرصة.

14- انتهاء الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية

كانت الدول الأموية الإسلامية إمبراطورية إسلامية عظيمة بلغت فيها الفتوحات أوجها، حتي وصلت الي السند شرقا والمحيط الأطلسي وأسبانيا غربا، وكلها قائم و ثابت تحت الحكم المركزي والسلطة الإدارية ولكن ذلك لميستمر الي بداية القرن الهجري الثاني حتي ظهرت علامات التفكك والتحلل في جسد تلك الإمبراطورية المقتدرة بعد خلافة الوليد بن عبد الملك وأخيه سليمان (86-99 ه-) والأخ الآخر لهم هشام بن عبد الملك، فبعد انتهاء عصر هؤلاء الخلفاء دبت (حشرة الأرضة) تأكل بسرعة في هيكلها حتي تلاشت قوائمها وقامت الفتن والاضطرابات بعد ذلك بقليل في الأندلس مما ادي الي خروجها من خارطة الإمبراطورية ولم يبق من حكم خلافة دمشق إلا اسمها.

خرجت أفريقيا تدريجيا من قبضة الخلافة وثار رجال يطلبون استقلالها مما أدي إلي تجزئتها تماما، حدثت ثورات في

ص: 179

الولايات الشرقية البعيدة أيضا مثل خراسان وفارس، وأصبح ملك بني أمية علي حافة بركان ثائر شرع باهتزازه، أعلنت الدعوات السرية التي كانت تعمل بالخفاء لنصف قرن تقريبا عن نفسها بعد ذلك نعم كل ذلك أدي الي انفجار البركان وسقوط الهيكل القوي.

كان لزوال وانحلال الدولة الأموية (تلك الدولة التي لم تطوي جميع مراحل كمالها ونموها) أسبابا خاصة تنشأ من وضع السياسة الدينية والمعنوية لها في الجزيرة العربية بالإضافة الي عوامل دخيلة أخري مثل نجاح العناصر والقوي المخالفة والتي كان لها دورا أساسيا في بناء الامبراطورية الإسلامية.

استطاع بنو أمية خطف الخلافة من الآخرين بعد جدال طويل ومكر وخداع، خرجوا علي أهل بيت النبوة الذين هم أصحابها الحقيقيين واستعملوا أساليب تنمعلي عدم الحياء والشرف في الاستيلاء علي الخلافة.

عموما وكما ذكرنا سابقا بعد أن أصاب التحلل كيان الأمويين خرج أبو مسلم الخراساني تحت شعار (طلب الثار لدماء كربلاء) واستطاع بسرعة أن يبسط نفوذه علي خراسان وباقي بلدان إيران ويرفع الراية السوداء للشيعة علي تلك البقاع، وبعد طي المراحل التي أشرنا إليها في جزء (بحث النهضة الشيعية علي طول التاريخ) ظهرت دعوة أبو العباس بن محمد بن علي المعروف بالسفاح وبعد

ص: 180

فتحه للشام سقطت آخر قلاع الدولة الأموية ووضع أسس الدولة العباسية علي بقايا تلك الأشلاء المتراكمة والمتحطمة.

لا شك أن انهدام هذا القصر العملاق يعود الي الجهود والسعي الذي بذلته تلك الشخصية التاريخية الإيرانية العظيمة والتي تسمي بر (أبو مسلم الخراساني).

أبو مسلم هو أحد نوابغ التاريخ الذي فرزته صراعات الثورات القاسية وأدي الي وضع دولة عظيمة بسواعده القوية.

خلاصة القول أن الباعث الحقيقي للورح الثورية العظيمة في نفس هذا الإنسان هي الدعوة الشيعية وإمامة أهل البيت عليهم السلام.

بعد أن تربع بنو العباس علي عرش الحكم سرعان ما استولت عليهم العصبيات القومية والعشائرية، فبدت في بداية الأمر تحفظاتهم من وجود أبو مسلم وبدأوا ينظرون إليه وكأنه منافس يخشون عواقبه، هذا من جانب، ومن جانب آخر ظنوا بأن الدعوة الشيعية له قد تتحول الي خطر يهددهم بالمستقبل ولهذا يجب إزالتهما معا من الطريق!

قتل أبو مسلم الخراساني في شهر شعبان سنة 137، وقتله أخو السفاح والخليفة من بعده المسمي بأبي جعفر المنصور وبدأ بملاحقة زعماء الشيعة وأبناء علي بن أبي طالب عليه السلام وقتلهم وإزالتهم

ص: 181

وتشتيت جمعهم وحرمت دعوتهم، وبهذا استولي بنو العباس علي ميراث بني أمية بالكامل.

15- بداية الدولة الأموية في الأندلس

تزامن مع الأحداث الواقعة في مشرق الدولة الإسلامية حوادث أخري في الأندلس كان لها أثر كبير علي مصير الإسلام في تلك الديار البعيدة.

ان شدت الفتن وكثرت الحروب الداخلية والمستمرة كانت من أهم الأحداث الواقعة هناك وهذا ما اشرنا اليه في الفصول السابقة، وساقت تلك المشاكل مسير الأندلس الي عواقب غير محمودة. الرياح التي كانت تهب آنذاك بدأت بخفض رونق وازدهار الإسلام في ديار المغرب من طرف ومن طرف آخر أعطت دعما وقوة لمسيحيي الشمال في السيطرة علي أراضي المسلمين. ومع ذلك الوضع المضطرب والمتأزم كانت هناك مشكلة أخري وهي عدم اعتراف الحكومة المركزية بولاية الرجل المعروف بعمق فكره وخبرته والمسمي (يوسف) والذي أعلن عن نفسه وليا للأندلس ولهذا لم تعتبر حكومته قانونية من قبل جميع المتنافسين والزعماء والمتمردين الذين ما انفكوا لحظة واحدة عن التآمر وإشعال نار

ص: 182

الفتنة، والأهم من كل ذلك أن مركز القدرة المعني بحل مشكلة الأندلس (أي حكومة دمشق) التي كانت تمر في مرحلة السقوط والانحطاط، تعرضت الي الانهيار المفاجيء وقامت دولة جديدة علي خربة سابقتها.

لاحق بنو العباس الأمويين وفرقوهم تفريقا وقضوا عليهم ولم يبقوا منهم باقية تستطيع الظهور مستقبلا، واقتلعوهم كما يقلعون الشجرة من جذورها، ومن تقدير الزمان أن ينجو أحدهم ويكون كالبذرة تلقي في أرض أخري لتنبت منها شجرة باسقة، فلم يستطع أحد من الخلاص إلا شاب من أحفاد هشام بن عبد الملك اسمه عبد الرحمن بن معاوية بن هشام كان يعيش آنذاك مع زوجته وأطفاله وأخوانه في قرية تسمي (ديرخنان) من توابع قنسرين، ولكن عندما ظهرت هناك الرايات السوداء فر منها الي فلسطين ومن ثم الي مصر ومنها الي (برقة) والتحق بعشيرة أمه أي أفراد قبيلة (بني نفر) ولما عرف والي أفريقيا بحضوره هناك حاول قتله لارتباط هذا الوالي مع الخلافة العباسية ففر مع أنصاره الي (مراكش) المغرب الأقصي. وكان يتفحص في طريقه عن أحوال الأندلس وكان ينتظر فرصة للوصول اليها عبر البحر. :

ولما اشتد الخلاف بين المضربين واليمنيين في الأندلس سنة 136 ه- أرسل غلامه الي غرناطة ودعي الموالين للأمويين ببيعته.

ص: 183

وبعد أن علا شأنه في الأندلس دخل إليها سنة 138 ه وشرع بطرح مخططه وإجراء نواياه ونظم الأمور التي يهدف إليها، انتشرت الدعوة الأموية في جميع جنوب الأندلس والتف حولها جمع من زعماء القبائل والجيوش المنفصلة. خاض عبد الرحمن حروبا داخلية من حين دخوله وبعد علو شأنه بادر الوالي السابق للأندلس بمواجهة هذه البقية من الحكام الأمويين. حاول عبد الرحمن استثمار كل فرصة تسنح له بصورة كاملة وكان يبارز مخالفيه فرادي في ميدان القتال ولوحده وينتصر عليهم ويطفيء نار فتنتهم، وبدأت قوته واقتداره بالازدياد بعد كل انتصار وأصبح يسوق أعداءه الي اليأس حتي يقضي عليهم بالكامل.

اشتهر عبد الرحمن ب-(الداخل) بسبب دخوله الاستثنائي الي الأندلس،واشتغلت حكومته 32 سنة وخمسة أشهر بالحروب الداخلية ومن جملة هذه الحروب؛ حربه مع هشام بن غدرة الفهري الذي خرج من طليطلة ودعا الناس إليه إلا أن هشام تمكن من قتله بواسطة ابنه (افلح) وتشتيت جيشه. وكذلك حربه مع العلاء بن مغيث الذي أعلن دعوته باسم المنصور العباسي، وقيل أن عبد الرحمن الداخل انتصر وقتل العلاء وأرسل رأسه ملفوفا براية سوداء ووضعه داخل سلة الي مكة ليراه المنصور في أيام الحج، فلما رآه المنصور جزع من هذا المنظر وقال: «إن عبد الرحمن شيطان

ص: 184

بعينه، الحمد لله علي وجود البحر بيننا وبينه» و من الحروب الداخلية أيضا حرب عبد الرحمن مع (شقناي البربري) الذي يدعي بأنه من نسب أهل البيت وقام ضد الحكومة الأموية في الأندلس، وحفاظا علي تسلسل مواضيع الكتاب سنتناول هذا الموضوع مع الثورات القائمة تحت اسم التشيع في الأندلس بصورة كاملة أو نتطرق الي محوره الأصلي في جزء مستقل مقترن بالبحث الدقيق والتوضيحات اللازمة، لهذا سنستمر هنا بالمرور علي تاريخ المسلمين في الأندلس.

أمضي عبد الرحمن فترته البالغة ثلاثة وثلاثين سنة تقريبا في الصراع والحرب، كان شابا مشردا ووحيدا بلا معين ولا ناصر يطمح الي حكم أرض محاطة بآلاف من الجيش والقادة ويتمني الوصول الي دولة تأصلت بها جذور الحرب ولم ينقطع منها نزف الدم ووضعت أركانها علي بركان التمرد والمؤامرة والعداء للدولة وللحكومة. ان هذه قصة عبد الرحمن الداخل، قصة عجيبة ليست من سن القصص التاريخية العادية، كان عبد الرحمن رجل حادثة وواقعة، كحوادث شبه الجزيرة الأسپانية ومكانتها الخاصة،تلك الأرض التي تقطعت بها جذور الاتحاد وتباعدت فيما بينها، ولكن عبد الرحمن استطاع أن يخلق وحدة الكلمة بحنكته وقيادته المتينة وأن يصنع اسپانيا القائمة علي الصلح والأمان.

ص: 185

توفي عبد الرحمن الأموي في اليوم الرابع والعشرين لسنة 172 ه- عن عمر يناهز الثامنة والخمسين سنة.

16- حكومة هشام بن عبد الرحمن الأموي

ورث الحكم عن أبيه بعد أن كان وليا للعهد في زمانه. ولم يكن أكبر أولاده، لأن سليمان كان أكبرهم وهو لازال يحكم طليطلة. لم تنحصر ولاية العهد في أبناء الأمير أو عشيرته، وإن ما يحصل خلاف ذلك كان ناتجا من تدخل السنن السياسية والعصبيات العشائرية. اختار الحكام الأمويون الأسلوب الأخير ولهذا طغي الحكم الملكي الوراثي علي الدول الإسلامية ولهذا كان من الطبيعي أن يسعي عبد الرحمن الداخل الي إحياء السنة الأموية في تشكيل عائلة مالكة تتعاقب علي عرش السلطنة من خلال انتصاره في المشرق وإعادة بناء الميراث المتحطم.

انتخب عبد الرحمن ابنه هشام من بين أبنائه الأحد عشر الباقين لأنه صاحب مواهب ومزايا أوجبت هذا الاختيار.

لم يسلم هشام في حكومته من الاضطرابات. تمرد عليه اثنان من اخوته (سليمان وعبد الاله) سنة 172 ه- وأدي ذلك إلي الاصطدام، وشن هجوما عليهما وحاصر طليطلة وكانت النتيجة

ص: 186

صلحا مع عبد الاله وانضمامه إليه وخروج سليمان من الأندلس الي ممالك البربر.

علاوة علي الحروب الداخلية المستمرة كانت هناك حروب خارجية قائمة مع المسيحيين أيضا، ووقعت حروب عديدة في فترة حكومته معهم وحدثت فتوحات وانتصارات وحصل علي غنائم كثيرة.

بلغت عزة المسلمين في زمان هشام الي الحد الذي يوصي به رجل بتحرير أسير مسلم بامواله وتركته، ولكن لم يوجد أي أسير منهم لدي المسيحيين لهذا لم يعمل بوصيته. سعي هشام الي جعل المذهب المالكي هو المذهب الرسمي للبلاد وبذلك حصل علي دعم لا حدود له من مالك بن أنس إمام المذهب.

استلم هشام الحكم سنة 172 ه- و توفي سنة 180 ه-.

17- حكومة الحكم بن هشام بن عبد الرحمن

استلم الحكم الأمر حسب وصية أبيه، وكان رجلا عاقلا وشجاعا وذا طبع شعري وهو أول من اعتني بالتجملات والشوكة والجلال الملكي من بين خلفاء الأندلس. لم يركن الي الراحة بسبب النزاعات الداخلية المستمرة والفوضي والاضطراب ولكنه كان في

ص: 187

نفس الوقت يميل الي اللهو والأنس والطرب والمصاحبات الشعرية والعزف والغناء ويرغب كذلك في مجالسة الحكماء والفقهاء، حدد من قدرات الفقهاء التي استطالت في عصر أبيه وحال دون تدخلهم في السياسة وهذا ما سبب له صدور التهديدات منهم، رفع عماه (عبد الاله وسليمان) اللذان تمردا علي أبيه وعفي عنهما بعد ذلك راية التمرد مرة أخري في زمنه، أزال عمه سليمان من طريقه ودخل الي عمه الآخر عن طريق الصداقة إلا أن انشغاله مع هؤلاء أدي الي نفوذ المسيحيين الي ممالك المسلمين مما أدي الي خروج (برشلونة) من المسلمين.

استعمل مجموعة من العبيد الخاصين بعنوان قوات أمن خاصة وهذا ما ساعده علي ترتيب النظام الإداري، بلغ عدد هذه المجموعة حوالي 5000 نفر كلهم من جنس (الصقالبة) (اسلاو).

استلم الحكم سنة 180 ه- ومات سنة 206 عن عمر يناهز 52 سنة.

18- حكومة عبد الرحمن بن الحكم

وصل الي الإمارة بعد موت الحكم، وكانت فترته مليئة بالصلح والهدوء وكان رجلا محبا للمعرفة والعلم والفن، ذكر أن عم

ص: 188

أبيه (عبد الله) ثار ضده سنة 207 ه- إلا أن أجله لم يمهله وقتا ومات سنة 208 ه- في (بلسنيه) (والنسيا) وبهذا خمدت الفتنة التي استمرت مع ثلاثة خلفاء والي الأبد. حدثت في هذه السنة فتنة كبيرة بين المصريين والقحطانيين ووقعت علي أثرها حرب شرسة في مدينة (الورقه) استمرت سبعة سنين وراح ضحيتها ثلاثة آلاف. حدث أمر جديد في عهده لم يكن له سابقة في الأندلس ولم يتوقعه يوما ما وهذه الحادثة الخطرة هي الحروب البحرية (لنورمان).

عرفت الأندلس بنعمتها الوافرة وثروتها وغناها، وهذا ما سال له لعاب نورمان المغامر. رست ثمانون قطعة بحرية أواخر سنة 221 ه- وكانت تشكل أحد الأساطيل الحربية لنورمان علي سواحل الأندلس ووقعت عدة حروب بينهم وبين المسلمين، ثم انتقلوا إلي جنوب الأندلس وغاروا علي قلبها وارتكبوا جرائم قتل كثيرة جدا بعد هزيمة نورمان وانسحابه من مياه الأندلس أصدرت الحكومة الأندلسية أوامرها بالاهتمام بالأساطيل الحربية والاستحكامات البحرية ونقذ هذا الأمر بسرعة قياسية. قام المسيحيون المتعصبون في أواخر حكومته بتمرد كبير مع أنهم كانوا أحرارا في ممارسة طقوسهم الدينية ويتمتعون بجميع حقوقهم الاجتماعية، كان للقساوسة دور مهم في هذا العصيان وتأجيج نار هذه الفتنة حتي بلغ بهم الأمر الي التجاوز والي قول السيء بحق المقام النبوي المقدس

ص: 189

(محمد صلي الله عليه و اله) وظلت هذه الفتنة قائمة حتي آخر عمر عبد الرحمن.

استلم عبد الرحمن الحكم سنة 206 ه- وتوفي سنة 238 ه- واستمر حكمه حوالي 32 سنة.

19- حكومة محمد بن عبد الرحمن

وصل الي الحكم سنة 238 ه- بعد موت أبيه، أوكل الأعمال المهمة الي هشام بن عبد العزيز الذي كان رجلا معاندا ومغرورا وأدت صفاته الذميمة الي ظهور العصيان والتمرد الذي شغل أغلب وقته. وكان كأجداده الخلفاء مشغولا دائما وفي تمام فترته مع الحروب المسيحية والاضطرابات.

ظهر مرة أخري نورمان سنة 245 ه- علي السواحل الأسپانية وتقدم حتي الجزيرة الخضراء وارتكب جنايات كثيرة جدا، إلا أن محمد بن عبد الرحمن وقوته البحرية استطاعت حماية المنطقة ودفع هجماتهم. توفي سنة 273 ه- أي بعد أن ظل 35 سنة في الحكم عن عمر يناهز 67 سنة.

20- حكومة منذر بن محمد

استلم الي الحكم بعد موت أبيه سنة 273 ه- واستولي علي

ص: 190

عرش أبيه وتاجه ، وكان رجلا فقالا وخبيرا و متفكرا و مقتدرا، ذكر أنه لو ظل حيا لاستطاع القضاء علي جميع الاضطرابات. باشر علي الفور بأعماله المهمة ونزل الي ميدان القتال لمواجهة المتمردين حاصر قلعة عمر بن حفصون الذي تمرد في زمن أبيه، وضيق عليه الخناق وأجبره علي الاستسلام والطاعة، إلا أنه خان عهده بعد فترة قصيرة وشرع منذر بحربه مرة أخري، إلا أنه قتل في ساحة القتال سنة 275 ه-

21- حكومة عبدالإله بن محمد

استلم أخوه الحكم الذي دام 25 سنة ، ملئت فترته بالفتن والاضطرابات الشديدة وقد تورط بموضوع حساس وخطر أدي الي طغيان سكان الجبال الأسپانيين وكذلك أشراف العرب، وادعي كل منهم بالحكومة والاستقلال.

اشتعلت نيران التمرد والعصيان والفوضي من كل جانب وتوفي سنة 300 ه-

22- حكومة عبد الرحمن بن محمد بن عبد الإله بن محمد

سيطر هذا علي زمام الأمور في نفس اليوم الذي توفي به عبد

ص: 191

الإله بن محمد وكان عمره ثلاثة وعشرين سنة. وأصبح كذلك بعد أن انتخبه عمومته وعمومة أبيه، وكان أول خليفة أندلسي يلقب بأمير المؤمنين. كان يتميز بعظمته وجلاله الخاص.

بلغ عدد سكان عاصمته (قرطبة) خمسمائة ألف نفر، وفيها سبعمائة مسجد وثلثمائة حمام عمومي وسبعة أبواب وسبعون مكتبة عمومية، وكانت قابلة للمقارنة من حيث الجلال والعظمة مع بغداد والقسطنطينية. بعد أن بلغ مقام خلافة أوجه استعمل أسلوبا شفافا وواضحا وممزوجا مع الجسارة والاندفاع للوقوف أمام المتمردين والطغاة، واجتنب السياسة الازدواجية.

سيطرت حكومته من خلال حروبه المتمادية علي الشرق والغرب وأصبح من خلال تلك الفتوحات الملك بلا منازع للأندلس، وفي نفس الوقت كان لا يشعر بالاطمئنان الكامل من جانبه، وابتدأ بخلافته من أقوام وعشائر المسيح الساكنين لشمال الأندلس ومن الخلفاء الفاطميين لأفريقيا والساكنين في مصر من سنة 297 ه-.

حول قسم من أعماله المهمة الي بعض المماليك والغلمان من غير العرب (الألمان، انگليس، إطاليا، والدول الاسكندنافية وغيرها)، اختار الدين الإسلامي واللغة العربية والأدب والثقافة والتقاليد العربية.

كانت حماية ومساعدة الخليفة لهؤلاء الغلمان قائمة علي

ص: 192

اعتماده الفائق علي أشراف العرب. وبالإضافة إلي نشر الزراعة قام بترقية التجارة والعلوم والفنون.

وأصبح أهالي الكثير من المدن أغنياء عن طريق الصناعة مثل (قرطبة، أشبيلية، والمرية) وبلغ الرقي التجاري الي حد وصلت معه العوائد الجمرگية فقط الي اثني عشر مليون دينار كان ثلثها يصرف لشراء ذخائر التسليح العسكري، والثلث الآخر يصرف الأمور عامة المنفعة والتوسع التجارية و ترقي العلم والفن وتشجيع العلماء والطلبة، والثلث الباقي يحول الي خزينة الدولة. أصبحت أسس الجيش في زمانه محكمة جدا، كانت قوته البحرية الواسعة تسمح له بالسيطرة علي المملكة الفاطمية بمصر والتفوق في البحر المتوسط والسيطرة عليه.

أصبح الجيش كما يذكر المؤرخون أفضل جيش في العالم، وكان ملوك أوربا يطمحون آنذاك لعقد اتفاق مع عبد الرحمن. حضر الي قصره سفراء الإمبراطورية القسطنطينية وسلاطين الألمان وفرنسا وإيطاليا. توفي عبد الرحمن في شهر رمضان لسنة 350 ه- عن عمر يناهز 73 سنة بعد أن حكم نصف قرن.

23- حكومة الحكم بن عبد الرحمن

أصبح خليفة بعد موت أبيه وواجه منذ بدايته تمردا مسيحيا

ص: 193

في الحدود الشمالية لأسپانيا. أرسل جيشا الي موريتانيا ليمنع توسع الفتوحات الفاطمية. آمن بدعوته البرابرة (الزناتية) وذكروا اسمه علي المنابر وحالوا دون الدعوة الفاطمية.

روج أنواع العلوم والفنون، وأكرم العلماء والفضلاء، كانت له رغبة شديدة في جمع الكتب بحيث كان يذكر أن فهرست كتب مكتبته فقط بلغ 44 مجلدا، وكان في كل جلد 20 صفحة فقط تشتمل علي أسماء الدوواين التخصصية.

حول الأندلس الي سوق عظيم جذاب يتدفق إليها العلم والأدب من كل ناحية. أرسل السفراء الي جميع أطراف العالم ليشتروا له الكتب ويجمعوها، لهذا صنع مكتبة لا مثيل لها فيها أربعمائة ألف جلد كتاب. توفي سنة 366 في قصر قرطبة.

24- مدينة قرطبة في زمن عبد الرحمن والحكم

تقع قرطبة في هضبة خصبة ووسيعة بين سفوح جبال (سيرامورونا) علي ساحل الوادي الكبير. استطاع عبد الرحمن الأول (الداخل) تأمين ماء شربها من الجبال المجاورة لها. ونحي نحو ذلك جميع من جاء بعده وقاموا بنقله عن طريق، قنوات رصاصية الي المدينة ومن ثم يوزع عبر شبكة أنابيب منظمة بين

ص: 194

محلات المدينة، وبنيت مخازن المياه من المرمر اليوناني وورق النحاس وفي بعض العمارات استعمل الذهب والفضة لهذا الغرض، أما عبد الرحمن الثالث أسس شبكة مياه جديدة تنقل الماء من الجبال المجاورة الي مخازن المدينة. وضع في وسط مخزن المدينة الكبير تمثالا لأسد مغطي بورق الذهب يتدفق الماء من فمه، والي جانبه تمثال الإنسان (غول) عظيم الجثة يصب الماء فوق ذلك الأسد.

أما الماء الفائض عن حاجة المدينة يصب في النهر، بني عبد الرحمن الأول غابة تعرف (بالرصافة) في مدينة قرطبة وزرع فيها جميع أنواع النباتات النادرة والتي جاء بها من نقاط بعيدة من العالم. يتوسط الغابة قصر عملاق يشرف علي المدينة. قيل في عظمة قرطبة: يمكن السير عشرة أميال علي ضيائها المنبعثة من الأسراج المنصوبة علي امتداد القصور العظيمة والعمارات العملاقة، وقيل كذلك يبلغ أحد أبعادها 24 ميلا والآخر 6 ميل وقد امتلأ تمام هذا الفضاء الواقع علي ساحل الوادي الكبير بالبيوت والقصور والمساجد والبساتين.

فتح مدينة قرطبة (مغيث الرومي) في سنة 68 ه- ودخلها عبد الرحمن الداخلسنة 139 ه- وصل عدد سكانها إلي مليونين وفيها سبعمائة حمام وسبعون ألف دكان. أعظم قصورها (الزهراء) يقع

ص: 195

علي بعد خمسة أميال من المدينة فيه 4300 عمود و 15000 غرفة. أول باب من أبواب قرطبة السبعة يطلق عليه باب القنطرة ويسمي كذلك باب الوادي وباب الجزيرة الخضراء!!

25- حكم هشام بن الحكم

استلم الحكم وهو ابن أحد عشر سنة علي ضوء وصية الحكم وطبق العهود التي أخذها أبوه من قادة وضباط البلاد والجيش. كانت أمه أمة اسمها (صبح) وهي بمثابة الأمل الكبير للحكم في حكومة ابنه وذلك لعلمها المتقن في إدارة الأمور.

كان وزير الحكم رجل اسمه أبو عامر محمد بن عبد الإله بن أبي عامر وهو من الجزيرة الخضراء في أصله فسافر في فترته الي قرطبة طلبا للعلم والأدب والحديث واستطاع أن يتقدم في ذلك، أعطي هذا الوزير العهود لأم هشام في بداية خلافة ابنها بأنه سيعمل علي تهدئة البلاد ما دام حيا وبالفعل قام بإدارة البلاد وبكمال قدرته وحسن تدبيره، ولقب بالمنصور. بعد أن قضي علي المتمردين قام بتحكيم أسس الحكومة، وقد بلغ الأمر الي أن الجميع يتناولونه بحديثهم ويشيرون إلي اسمه في كل مكان ووضع الخليفة هشام في بوتقة النسيان لأنه ابتعد عن أنظار الناس كليا.

بلغت حملات المنصور بن عامر اثنتان وخمسين حملة

ص: 196

عسكرية انتصر في جميعها، وبني المنصور عدة جسور ومساجد وخط القرآن بنفسه وكان يصاحبه دائما.

كان يجمع الغبار المتجمع عليه في حروبه وفي أي فرصة تسمح له، وكتب في وصيته أن يخلط هذا الغبار مع ماء غسله، توفي سنة 393 ه-

أصبح بعد المنصور ابنه في منصب الوزارة وهو حاجب متعهد لقب بالمظفر، استطاع أن يحافظ علي هدوء الوزارة لمدة سبعة سنوات وتوفي المظفر في سنة 399 ه- خلفه أخوه عبد الرحمن بن المنصور وكانت أمه ابنة أحد الملوك المسيحيين ولقب بالناصر الدين الله. أجبره هشام علي ولاية الهد، وكتب هشام موثقا ذكر فيه (أبو المطرف عبد الرحمن بن المنصور) عندما كان عبد الرحمن مشغولا بعمله في أحد نواحي الأندلس وقع تمرد في قرطبة ولع هشام من الخلافة وحصلت البيعة لمحمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن ولقبوه بالمهدي وتنحي هشام جانبا الي صالح المهدي وكتب استقالته وأمضي تحتها.

26- حكومة محمد بن هشام المهدي

عزل هذا في بداية خلافته (سنة 399) عبد الرحمن العامري الذي عاد الي قرطبة بعد سماعه ذلك إلا أنه قتل علي الفور وبعث

ص: 197

جيشا علي رأسه محمد بن هشام الي الخليفة وبهذا انتهت دولة بني عامر من صفحة الأيام.

ومن عجائب حوادث الأيام أنه خلال 24 ساعة (أي من منتصف يوم الثلاثاء 26 جمادي الآخر الي منتصف يوم الأربعاء 27 جمادي الآخر) فتحت مدينة قرطبة وانهدم قصر الزهراء وسقط الخليفة هشام وتنصب الخليفة المهدي، وزالت الدولة العظيمة لبني عامر من ذاكرة التاريخ والي الأبد، وقتل وزيرها، وأقيل عدد من الوزراء وجاء إليها عدد آخر.

ذكر في كتاب المعجب في تلخيص أخبار العرب أنه لما جاء عبد الرحمن المراكشي فعل جميع الأمور السابقة بواسطة نفرين يبيعان الفحم و آخر زبال ورابع قصاب !!!

لما شاهدوا رؤساء البربر وزناته (وهم من أنصار المهدي) الأعمال التي صدرت منه يأسوا وأعلنوا علي الفور مبايعتهم لهشام بن سليمان. إلا أن المهدي (محمد بن هشام) لم يعطهم مجال وحرض المدينة عليهم حتي أخرجهم منها. وألقي الناس القبض علي هشام وأخيه أبي بكر وضربوا عنقيهما أمام محمد.التحق سليمان بن الحكم (ابن أخ المقتولين) علي الفور الي جيوش البربر المتواجدين خارج قرطبة وكانوا قد شكلوا جيشا عظيما وبايعوه ولقب بالمستعين بالله وجلس علي عرش الخلافة.

ص: 198

27- حكومة سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الثالث

بعد أن تربع علي عرش الخلافة استعان بمسيحيين (قشتاله وليون) وسار الي قرطبة مع البربر. واستنجد محمد بن هشام أو المهدي بأهالي (كاتالو) وسارع أهالي قرطبة كذلك لنجدته، فلما نشبت نيران الحرب بين الخليفتين، انكسر محمد بن هشام وقتل أكثر من عشرين ألفا. دخل المستعين أواخر سنة 400 ه- الي قرطبة وذهب المهدي الي طليطلة.

28- حكومة محمد بن هشام (المهدي) الثانية

بعد أن ذهب الي طليطلة استنجد مرة أخري بالمسيحيين وحمل علي قرطبة وسيطر عليها، غادر منها المستعين والبربر وأقدم جيش المهدي علي القتل والنهب ثم توجهوا الي الجزيرة الخضراء، إلا أن المهدي خسر الحرب التي وقعت مع المستعين في تلك النواحي ولاحقه المستعين الي قرطبة.

29- حكومة هشام بن الحكم الثانية

نصب المهدي سنة (400ه-) هشام (الذي خلعه سابقا وجلس

ص: 199

محله) وذلك للمرة الثانية لغرض امتصاص النقمة الموجودة إلا أن الوقت كان متأخرا جدا لأن المستعين والبربر حاصروا قرطبة. قتل أهالي قرطبة محمد بن هشام (المهدي) لأنهم يعتقدون بأنه سبب جميع الفتن وانتخبوا (واضح العامري) (وهو من أقطاب هذه الحركة) بعنوان حاجب استمرت محاصرة قرطبة وظلت معاناة الناس الي سنة 403 ه- وأخيرا دخل المستعين في هذه السنة الي قرطبة وقتل هشام واستولي علي الخلافة.

30- حكومة المستعين الثانية

أصبح الأمر في هذه الحكومة بيد الغلمان والبرابرة، وتسلط كل منهم علي إحدي النواحي وكان ذلك مقدمة لملوك الطوائف وبداية نهاية الحكومة المركزية.

31- حكومة بني حمود (العلويين) في قرطبة

اشتمل جيش المستعين علي نفرين من أولاد الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام وهما (قاسم وعلي) من أبناء حمود، ويعتبر هذان المؤسسان لحكومة دولة بني حمود وهذا ما سيأتي تفصيله في فصل الحكومات الشيعية في الأندلس، ولكن ما يجدر

ص: 200

الإشارة اليه أنه استطاع عدد من بني أمية الاستيلاء علي القدرة خلال فترة هذه الحكومة وفي أماكن محدودة وفي مقطع زماني خاص ولكن سرعان ما هزموا .

نذكر هنا وبصورة مختصرة جدا الوقائع التاريخية للمسلمين في الأندلس

استولي علي بن حمود علي الخلافة بعد قتله المستعين سنة 407 ه-. سيطر بعد ذلك علي الخلافة عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمن الملقب بالمرتضي علي أثر انقلاب إلا أنه قتل علي أيدي أنصار علي بن حمود. تسلق بعد علي بن حمود، الخليفة قاسم بن حمود الملقب بالمأمون، وهرب هذا بعد معركة حدثت مع ابن أخيه يحيي بن علي في سنة 412 ه- وأعلن يحيي الخلافة لنفسه .

عاد قاسم ثانية لها بدعم البربر في سنة 423 ه- وفي نفس الفترة وقع أسيرا في قيود يحيي بن علي الذي استولي علي الخلافة بعد مقتل علي بن حمود. خلع المتعلي علي أثر انقلاب وقع ثانية من بني أمية (هشام ابن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمن)، وأصبح خليفة حتي سنة 422 ه- ثم خلع الأخير كذلك.

ولم يبق بعد ذلك أي أثر لبني أمية وانقرضت سلطتهم بالكامل. حكم أمراء بني حمود في الأندلس ونواحيها المختلفة حتي سنة 450 ه- ثم انتهت حكومتهم بواسطة بني عباد.

ص: 201

32- بداية ممالك الطوائف في الأندلس

حكم الأندلس بعد انقراض الدول الأموية في الأندلس سنة 422 وحتي سنة 897 ملوك الطوائف. وهكذا أصبح المجال مفتوحا بسبب العصيان والثورات السياسية الواقعة في العاصمة أمام أمراء الجيش وزعماء وعمال الدولة وأمراء المحافظات والأقضية أن يعلنوا استقلالهم ابتداء من سنة 400 ه- (وهي بداية الاضطرابات) التدريجي وحتي سنة 422 ه- حيث وقعت قرطبة في قبضة بني جهور وزاد احتمال تفكك أسپانيا اعتبارا من هذا التاريخ.

نذكر هنا فهرسا كاملا لهذه الحكومات (للحيلولة دون إطالة الكلام) وسنبحث كل ما تعلق ببحث الكتاب بصورة مستقلة.

33- ملوك الطوائف وممالكهم في الدورة الأولي

1- بني حمود في مالقة (407 - 499 ه-).

2- بني حمود في الجزيرة الخضراء (431 - 450) وانقرضت علي يد بني عباد وسنشير اليهما في فصل الحكومات الشيعية في الأندلس.

3- بني عباد في أشبيلية (414 - 484 ه-) وزالت هذه المملكة بواسطةالمرابطين .

ص: 202

- بني زيري في غراناطة (403 - 484 ه-) وانقرضت علي يد المرابطين.

5 - بني جهور في قرطبة (422 - 461ه-).

6- بني ذي النون في طليطلة (427 - 478 ه-) وسقطت علي يد ( آلفونوي السادس ملك ليون).

7- بني عامر في بلنسية (412- 478) وسقطت علي يد المرابطين. .

8- بني تجيب وبني هود في سرقطة (410- 53) وسقطت علي يد المسيحيين.

9- أمراء دانية (408 - 468 ه-) وسقطت بواسطة بني هود.

10- بني برزال في قرمونة حتي سنة 434ه-

11 - أمراء رنده (405 - 265) وفيها انضمت رنده الي أشبيلية.

12 - أمراء مورون (404 - 445) وانضمت هي الأخري الي أشبيلية. .

13 - أمراء اركس حتي سنة 445 وانضمت كذلك إلي أشبيلية.

14 - بكريون في ولبة وشلطيش حتي سنة 443 ولحقت الي أشبيلية.

ص: 203

10 - بني يحيي في لبله (414-443) وانضمت الي أشبيلية.

16 - بني مرين في لب (419- 444) ولحقت الي أشبيلية وفتحت سنة 482 ه- علي يد المسيحيين وخرجت من سلطة المسلمين.

17 - أمراء شنت مرية (407 - 444) ولحقت الي أشبيلية.

18 - أمراء مارتلة حتي سنة 364 ولحقت الي أشبيلية.

19 - أمراء بني رزين في سهلة (402 - 503 ه-) وغلبهم المرابطون

20- بني قاسم في الفنت (427 - 485) وسقطت علي يد المرابطين.

21- بني أفطس من برابرة مكناسة في بطليوس (413 - 478) وسقطت علي يد المرابطين.

22 - بني صحادح في المرية (449 - 480 ه-) وفتحت علي يد المرابطين.

23 - أمراء مرسيه (607 - 483) وغلبت علي يد المرابطين.

26 - أمراء لاءده (438) انفصلت عن دول سرقسطه.

25 - أمراء طرطوشه من سنة 433ه-

26- أمراء ميورقه (413 - 520 ه-).

ص: 204

27 - المرابطون: يجدر بنا أن نقف قليلا في هذا المورد لنوضح المرابطين باختصار ونشرح دولتهم التي امتدت في النصف الثاني للقرن الخامس الهجري الي جميع المغرب ابتداء من ليبيا وحتي المحيط الأطلسي ومن الجنوب الي السودان.

المرابطون من قبيلة (لمتونة) وهي إحدي فروع (صنهاجة) التي هي أكبر قبائل البربر. كانت قبيلة لمتونه تسكن قلب الصحراء بين سكان الجنوب السود للمغرب والتي تعرف بموريتانيا: وكانوا يعيشون حياة متوحشة بسبب ابتعادهم عن المدن والألفة وتطبعهم علي الوحدة وكان يحكمهم قانون الغاب، طعامهم اللحم والحليب ولا يوجد أثر للزراعة عندهم، ولا يعرفون معني الفواكه ولا الخبز وكان يطلق عليهم (بالملثمين) وذلك للف أفواههم بعمائمهم.

أسلموا بعد فتح الأندلس، ذهب يحيي بن إبراهيم الجدالي شاكيا من جهل قومه عند بعض الفقهاء سنة 427 ه- أثناء سفره الي الحج، فوقع الاختيار علي فقيه اسمه عبد الاله بن ياسين لإرشاد و تعليم و تعلم أولئك القوم. قام عبد الإله مكانا لعبادتهم وصلاتهم في إحدي صحاري جنوب المغرب ويطلق علي هذا المكان اسم (رباط)، اشتهر هؤلاء القوم تدريجيا وانضم إليهم الكثير من أشراف (صنهاجة) والذين كانوا ميالون الي الزهد والعبادة، وهكذا استمر عبد الإله في وعظهم وتعليمهم ومن هنا جاء اسم (المرابطون).

ص: 205

تزعم القوم بعد وفاة (عبد الإله بن ياسين) (أبو بكر اللتموني)، وقع اختلاف قومي حاد جدا بين المتونيين في سنة 452ه- وتزعم أبو بكر (ابن عم يوسف بن تاشفين) وكانت له مراتب دينية عالية وفضل وشجاعة و تفكر وله قابلية علي القضاء وكان يتمتع بثبات الرأي، وقد أعطي قيادة الجيش وزعامة قسم من القوم الي البعض. فتح يوسف دولة المغرب سنة 453 ه- ووصل تعداد جيشه الي اربعين ألفا، وضع يوسف بن تاشفين بناء مراكش في سنة 454 هه وبعد أن أكمل فتح المغرب توجه الي فتح تونس سنة 474 ه واستطاع السيطرة بعد ذلك علي ما تبقي من الحدود والسواحل المغربية. وهكذا ظهرتدولة المرابطين العظيمة، كانت هذه الدولة نتاجا لنبوغ رجل مقتدر اسمه يوسف بن تاشفين، ومؤسسها الفقيه المتعصب عبد الإله بن ياسين ومن بعده أبو بكر اللمتوني ويوسف حتي تحولت من دولة محلية الي بلاد عظيمة.

المرحلة الأساسية لحياة المرابطين في عهد قيادة يوسف بن تاشفين وتدخله في شبه الجزيرة الأسپانية والتي شرعت بهدف الجهاد في سبيل الله، إلا أنها أدت الي فتوحات جديدة من فتوحات المرابطين.

جاءت مجموعة من رجال الأندلس سنة 474 ه- الي يوسف بن تاشفين وشكوا تجاوزات وجنايات المسيحيين وطلبوا منه التدخل لنصرتهم فوعدهم يوسف بذلك.

ص: 206

سقطت طليطلة بعد ذلك علي يد المسيحيين سنة 478 ه- وكان هذا إنذارا قاسيا جدا. وبعد ذلك شعروا بالحاجة الماسة الي وجود المرابطين لأن الأمر تحول الي مسألة حياة أو موت . كانت الدعوات تقتصر قبل هذا الوقت علي الرسائل الخصوصية أما الآن فتحولت الي إرادة عامة شملت جميع الأندلس وشارك فيها جميع الأمراء والفقهاء.

نزل تاشفين الي الجزيرة الخضراء في سنة 479 ه- وأحاط بها جيشه الجرار من كل جانب. بعد أن وطأة قدماه أرض الأندلس سجد شاكر لله، بعد ذلك شرع بتحكيم المدينة ثم تقدم بجيشه العظيم الي أشبيلية وبدأ حروبه وفتوحاته من الأندلس، وقاد حروبا عديدة مع المسيحيين مثل معركة (زلاقة).

في بداية سنة 483 ه-. وبعد ذهابه وإيابه المكرر الي الأندلس والمغرب ذهب للمرة الثالثة إليها ولكن ليس بدعوة من أحد وإنما فاتحا لها، يبدو أن قرار احتلال الأندلس طرأ علي تفكيره بصورة مفاجئة، ولكن بعد مشورة زعماءالمملكة وفقهائها حصل علي فتوي فقهاء المغرب والأندلس تقول بوجوب خلع ملوك الطوائف وأخذ زمام الأمور من أياديهم، وقد أفتي بذلك بعض فقهاء المشرق أيضا وعلي رأسهم الإمام محمد الغزالي وأبو بكر الطرطوشي.

وبعد أن دخل إليها بدأ بمصادرة الممالك من ملوكها كما هو

ص: 207

مبين في فهرست الأمراء والملوك في الصفحات السابقة واحدة تلو الأخري.

بزغت في أواخر سنة 514ه- أول علامة لظهور أحد الحركات الدينية في مراكش بزعامة محمد بن تومرت ضد المرابطين.

أسس محمد بن تومرت دولة مقتدرة في اقصر فترة زمانية سميت بدولة الموحدين وبعد أن هلك سنة 543 ه- آخر وال للمرابطين (يحيي بن غاينة) في الأندلس انتهت كذلك دولة المرابطين العظيمة. بدأ بعد ذلك عصر الموحدين وكان عصرا عظيما، وتعتبر هذه من أقوي الدول الشيعية في الأندلس، وكما ذكرنا سابقا سنفصل هذا الموضوع في فصل الدول الشيعية في الأندلس، من الجدير ذكره هنا أن كل ما شاع حول الجزيرة الخضراء علي السنة الناس نابع تماما من فترة حكومة بني حمود والموحدين وسنعود ثانية لبحث كل منها في مكانها.

بدأت دورة أخري لملوك الطوائف في الفاصلة الواقعة بين انقراض المرابطين واستيلاء الموحدين للأندلس يمكن إيجازها بما يلي:

28- أمراء بلنسيه من سنة 539 ه-.

29- أمراء قرطبة من سنة 538 ه-.

30- أمراء مرسية حتي سنة 566 ه- .

ص: 208

31- أمراء مارتلة وبطليوس وباجة من سنة 539 إلي سنة546ه-

32- بني غانية وكانوا أمراء ميورقه من سنة (525 - 627) وفتحت علي يد ملك آراگون

33- الموحدين بدأت سنة 517 بحروبها مع المرابطين وانتهت سنة 632 ه- بواسطة دولة بني مرين. كما مضي يعتبر تاريخ الموحدين من أركان هذا الكتاب الأساسية وسنبحثه في فصل مستقل، أما إدامة تاريخ الأندلس بعد الموحدين وحتي نهاية المسلمين فيها كانت تتضمن ملوك طوائف آخرين، أي أن الفاصلة بين انقراض الموحدين واستيلاء المسيحيين يمكننا أن نوجزها بما يلي:

34- بني هود في مرسيه (620 – 668) ه- وانتهت حكومتهم بواسطة المسيحيين.

35- أمراء لبله وبدأت من 650 ه- و حتي استيلاء المسيحيين عليها.

36- أمراء بلنسية استمرت حتي سنة 636 ه- حيث فتحت بعدها علي يد المسيحيين.

37 - أمراء جزيرة منورقه (630 - 685) وزالت علي يد المسيحيين.

ص: 209

38 - دولة بني نصر في غرناطة (629 - 897) ه- وتلاشت علي يد الاتحاد الحاصل بين غرناطة والمسيحيين، وانتهي دور المسلمين كذلك في الأندلس.

قبل أن نرد بحثنا الأساسي نعرض إلي القاريء العزيز مزيدا من المعلومات حول نهاية المسلمين في الأندلس وبصورة مختصرة، لكي تكون نبذة من تاريخ المسلمين في متناول الجميع، لذا نلقي نظرة سريعة علي تاريخ المسلمين في الأندلس من البداية وحتي النهاية.

34- أفول الأندلس

تشير الفترات الأولية للأندلس الي عظم وإشراق الانتصارات السياسية والعسكرية وتعرض لنا نماذج نيرة من التمدن والمعرفة، وتحكي مراحله النهائية عن الوقائع المؤلمة وسوء الحظ والمحن والمصائب.

وصل الشعب الأندلسي الي منحدر الصراعات ببطيء ولكن بصورة مؤلمة حتي انتهي به الأمر الي السقوط والهزيمة والذلة.

قصة الأندلس ما هي إلا جزء من حقيقة التاريخ الخالدة ومسيرته المستمرة وتعاقب الأمم والأجيال. ومسرحا للحروب

ص: 210

الطويلة وغضب الأمة الإسلامية التي غاصت فيه حتي سلمت الأمرها المحتوم، وقد ملأته ببطولاتها وتضحياتها قل نظيره بين الأمم التي تدافععن حريتها وحياتها.

المدن العظيمة للأندلس ومن خلال سلسلة من الحروب الطاحنة والمدمرة أدت بها تدريجيا الي السقوط والاضمحلال، حدث ذلك بعد انتهاء الخلافة الإسلامية في أواخر القرن الرابع الهجري وظهرت تلك الدويلات والطوائف المتفرقة التي أدت الي تهشيم ذلك الكيان العظيم الشامخ.

تلك المدن المهمة والتي كانت تعلوها الحضارة الإسلامية، كان سقوط كل منها في تلك القرون الوسطي السوداء بمثابة الضربة القاتلة لكيان الدولة الإسلامية في الأندلس وكان لها أثر مؤلم في روحية الدول المسلمة في الشرق والغرب وهذا ما ظهر من خلال الاشعار الحزينة والنثر الكثيب التي نظمت لقد كان الوضع يشابه الجور والظلم الحاصل للمدن الباقية بعد سقوط أحد المدن الأندلسية المهمة بيد العدو الدائمي والمتربص (أسپانيا المسيحية)، وكذلك تتحمل تلك المدن مسؤولية أهالي هذه المدينة الساقطة من خلال هجرتهم إليها لكي يحفظوا بذلك دينهم وحريتهم وكرامتهم الإنسانية، حتي وصل الأمر الي عدم بقاء جزء من غرناطة اوتوابعها.

ص: 211

كانت غرناطة مدينة صغيرة، مع ذلك فإنها كانت مقاومة وصلبة. استطاع زعماء (نصر) تحريرها بنبوغهم ودرايتهم وبمدة 200 سنة من الصراعات العاتية ومن اللجج القاتلة والضياع القاسي.

من الوقت الذي طغي الضعف والاختلاف والفرقة علي دول الطوائف وسقطت في فخ الحروب الداخلية انتبه ذلك العدو الخطر والمجروح (أي أسپانيا المسيحية) الي تلك الفرصة الثمينة لغرض زرع الفتنة بين الحكومات المتخالفة وتحريض أحدهم علي الآخر.

ولكن بعض رجال الأندلس ومن ذوي النظر الثاقب (حتي في تلك الأيام التي لا يزال بها الإسلام مسيطرا علي جزء كبير من شبه الجزيرة الأسپانية) استطاعوا أن يشخصوا شبح السقوط المرعب من خلف ستائر تلك التفرقات والفتن، من جملتهم (ابن حيان) مؤرخ الأندلس في القرن الخامس، توقع هذه الأيام السوداء بعد أن شرح أحداث سقوط (بريشتر) في سنة 456 ه- والتي أدت الي قتل وأسر جمع كثير من المسلمين، وكذلك بعد أن سقطت طليطلة (أول مدينة كبيرة للمسلمين) سنة 478 ه- علي يد العدو الأسپاني (المسيحي) المقتدر.

كل ذلك كانت إشارات واضحة الي قرب زوال الدولة الإسلامية من أسپانيا في القريب العاجل، لقد كان الهلع والخوف ظاهرا للعيان في جميع الأندلس.

ص: 212

كان سقوط طليطلة بمثابة الدرس القاسي لأمراء الطوائف والدويلات، أفاقهم من غفلتهم وأصبحوا علي يقين من ضرر اختلافاتهم ونزاعاتهم وشعروا بوجوب اتحادهم وضرورة الالتفات الي الطرف الآخر للبحر والاستعانة باخوانهم في الدين (أي المرابطين).

كانت دولة المرابطين آنذاك في عنفوان شبابها، وبسط أميرها (يوسف بن تاشفين) نفوذه فوق ملك المغرب ومن المحيط الأطلسي في المغرب وحتي تونس في المشرق، استجاب المرابطون لنداء أمراء الطوائف، فساروا بجيش عظيم الي الأندلس عبر البحر.

تقابلت الجيوش المتحدة الإسلامية بزعامة يوسف بن تاشفين مع الجيوش المتحدة المسيحية بقيادة آلفونسوي السادس (زعيم أسپانيا المسيحية) في سهول زلاقة سنة 479 ه- وكان فتح عظيم للمسلمين.تعتبر معركة زلاقة من معارك الأندلس المشهورة، وتغير وضع أمراء الطوائف بعد ذلك الانتصار بصورة كاملة وتضاعفت معنويات أهالي الأندلس، وتجددت حياة الأندلس نفسها، ولكن لم يمض علي ذلك كثير حتي دخل الطمع الي قلوب المرابطين وسال العابهم علي نعم الأندلس وثرواتها العظيمة فتبدلت نواياهم ونوايا أخوانهم والمتحدين معهم وأقدموا علي إسقاط تلك الدويلات

ص: 213

الواحدة تلو الأخري وظلوا يحكمون الأندلس زهاء نصف قرن. بعد سقوط المرابطين في المغرب وظهور الموحدين، قام هؤلاء أيضا بعبور البحر والسير الي أسپانيا والسيطرة علي الأندلس وحكم هؤلاء هناك ما يقارب القرن.

وانتصرت تحت ظلهم أسپانيا المسلمين مرة أخري علي أسپانيا المسيحيين وعادت إلي الأذهان انتصارات المرابطين في زلاقة.

انتصر الموحدون بقيادة يعقوب المنصور (ملك الموحدين) في معركة (الأرك) سنة 593 ه- ولكن لم يمض كثير علي ذلك حتي ذاق الموحدون طعم الخسران المر في معركة (شوم العقاب) سنة

609 ه- وكان انكسار العقاب بمثابة الضربة القاضية لحكم الموحدين وأسپانيا المسلمين ظهر بعد تلك الهزيمة الي العيان شبح الفناء المخيف مرة أخري.

وفي هذه الفترة احترقت الأندلس في نار الفرقة والاختلاف المؤلمة، وكانت سلطة المدن والحدود تنتقل بين المتنافسين السياسيين في حين كانت أسپانيا المسيحية تخطط بقوة للفتح الجديد أو إعادة الأندلس مرة أخري إليها، وقد تصدر هذا الأمر جدول أعمال المسيحيين هناك بعد قليل من استقرار المسلمين فيها. عثر المسيحيون علي مأمن منيع في جبال الشمال وقواعد حصينة

ص: 214

فثبتوا أقدامهم هناك وحكموا مواضعهم بقوة .

نشأت أول حركة في أواسط القرن الثامن الهجري وإعادة السيطرة علي أول مدينة من المسلمين وكان اسمها (لك) تقع في اقصي نقاط الشمال الغربي لشبه الجزيرة الأسپانية. ثم استولوا علي مدن أخري من هذه المنطقة البعيدة، بالنظر لبعد هذه المدن ومجاورتها لممالك المسيحيين، لم يبد مسلمو الأندلس تأثرهم من خروج تلك المدن عن حكومتهم لكنهم شعروا بالخطر عندما عبر المسيحيون نهر تاجة (وهو نهر يمر وسط أسپانيا) وكذلك بعد سقوط طليطلة التي تعتبر ثالث أكبر مدينة بعد قرطبة وأشبيلية، إلا أن انتصار المرابطين في زلاقة ودخولهم الي الأندلس حال الي حد ما دون تقدم المسيحيين في منطقة شرق ووسط أسپانيا، ومع ذلك ظهرت موجة جديدة من الحروب والخشونة أوائل القرن السادس الهجري في شمال شرقي الأندلس، وسقطت سرقسطة سنة 512 ه- وتطيله سنة 524 ه- بيد المسيحيين بالإضافة إلي ذلك خرجت من حوزة المسلمين ثلاثة مدن مهمة أخري سنة 542 ه- وهي (لاردة ، افراغه وطرطوشه) وتزامن مع ذلك سقوط المدن الإسلامية في غرب شبه الجزيرة (أي الپرتغال) وفي سنة 542 ه- سيطر المسيحيون علي ثلاثة مناطق كبيرةوفي سنة 561 ه- استولوا علي عدة مناطق كبيرة أخري.

ص: 215

بعد ظهور الموحدين في أواخر القرن السادس للهجرة في الأندلس تعطلت سياسة الفتوحات الجديدة لفترة من الزمن ولكن بعد أن انتصر المسيحيون سنة 609 ه- في معركة عقاب تجددت رغبة الفتح واسترجاع المناطق مرة أخري لديهم، وتعرض مسلمو أسپانيا من بداية القرن السابع الهجري الي موجة شديدة من الهجمات المسيحية أدت الي إخراج مدن الأندلس في الشرق والغرب، واحدة تلوا الأخري من دائرة الحكم الإسلامي منها ميورقة، قرطبة، بلنسية، مرسيه وأشبيليه، وكانت الحروب علي أشدها كذلك في غرب الأندلس لإرجاع المدن من السلطة الإسلامية، ونتج عن ذلك وقوع الولايات الشرقية ووسط الأندلس تحت سيطرة المسيحيين وذلك قبل أن يمضي النصف الأول من القرن السابع الهجري ولم يبق منها إلا بعض المدن الصغيرة في جنوب أسپانيا.

تجسد مرة أخري شبح الفناء أمام أنظار الأندلس، وقد تيقن سكان الأندلس الذين هاجروا في هذه الأيام الي الجنوب بأنهم يمضون أيامهم الأخيرة وسيتخلون عن آخر قاعدة لهم، ولكن يد القدر أجلت ذلك المصير الي عدة أجيال أخري وتركت دولة الأندلس الإسلامية قائمة تحت ظل دولة غرناطة، تلك الدولة التي استطاعت أن تخرج كيانها من تحت أنقاض الأحداث وتحصل علي القوة ببطء وتحافظ علي وجود الدولة الإسلامية لأكثر من قرنين،

ص: 216

ومن العوامل التي ساعدت علي ذلك انشغال العدو المقتدر (مسيحيي أسپانيا) بحروبهم الداخلية خلال تلك الفترة.

ولكن بعد مرور مائتين وخمسين سنة علي بقاء الراية الإسلامية مرفرفة فوق ربوع دولة غرناطة الإسلامية تلك الديار الواقعة في رقعة جغرافية كبيرة طالما بقت تحت تصرف المسلمين، ومع تهيؤ جميع الظروف وتوفر الإمكانات تمكن المسيحيون من نيل أملهم القديم، في نهاية الأمر اتحد ملكان من أقوي المدن المسيحية وهما (قشتاله و آراگون) ضد المسلمين، فرناندو وايزابلا ملطا قشتالة و آراگون تمكنا من اقتلاع بنيان الحكومة الإسلامية من الأندلس بعد استسلام جميع المراكز الجنوبية والشرقية للأندلس أمامهما. ولم يبق من الإمبراطورية الإسلامية في الأندلس إلا غرناطة، لم تكن غرناطة آنذاك دولة أو مملكة وإنما كانت مظهرا خارجيا لمملكة إسلامية تلفظ أنفاسها الأخيرة، كانت آخر حبات قلادة المرواريد الثمينة جدا التي تناثر لؤلؤها هنا وهناك، بدأ سراج الأندلس بكتم شعلته المتناهية والمتناقضة وهو في طريقه الي الانطفاء

بعد أن استسلم آخر حاكم لغرناطة (أبو عبد الله الزغل) وسقطت منطقتان كبيرتان من غرناطة نفخا فرناند وايزابلا في صور الأندلس يعلنون عن دفن سراجها في ظلمة أبدية، وهنا وضعت علي

ص: 217

لوحة غم وحزن الأندلس البصمات الأخيرة، و تتقدم قشتاليه لتقطع آخر نفس إسلامي في آخر مدينة الغرناطة، وتنتهي بهذا الدولة الإسلامية في الأندلس وطويت صفحاتها المشرقة إلي الأبد تلك الصفحات التي حفرت في جبين التاريخ الإسلامي، تلك الصفحات التي ملئت بالحضارة والأدب والعلوم والفن الإسلامي، تلك الصفحات المعبرة عن ذلك الميراث الشامخ والنفيس للأندلس.

الخطوة الوحيدة التي يجب رميها الي الأمام لتوضيح موضوع الكتاب بصورة أكثر شفافية هي بحث الثورات المنبثقة في أندلس المسلمين والتي تحمل عنوان الشيعة وأتباع أهل البيت عليهم السلام ، أما الأسباب التي تدعوا الي بحث التاريخ الإسلامي العام للأندلس وكذلك الثورات الشعية الواقعة في هذا العصر يمكن تقسيمها إلي ثلاثة مواضيع :

أولا :أن جميع أحداث القصتين (قصة الأنباري وفاضل المازندراني) من الناحية التاريخية ومن الناحية الجغرافية تقع تماما في تاريخ أسبانيا المسلمين.

ثانيا :أسماء الأشخاص والأماكن والمدن و...... التي تظهر في القصتين والتي تظهر من خلال الوقائع المملوءة بالمفارقات.

ص: 218

ثالثا: ترتبط ماهية وهوية القصتين بصورة كاملة مع عقائد الشيعة بغض النظر عن كونها للتشيع أم ضده، وإن الثورات الحاصلة تحت عنوان التشيع في الأندلس وخصوصا آخر حدثين منها كان لها ارتباط وثيق مع تأليف تلك القصة.

وبالنظر لهذه الموارد نبحث الآن الثورات الثلاثة التي وقعت تحت اسم التشيع وفي عصر الحكومة الإسلامية في أسپانيا.

ص: 219

ص: 220

الفصل التاسع: الثورات التي حملت عنوان التشيع في الأندلس

اشارة

ص: 221

ص: 222

ألف: ثورة شقتاي البربري

قامت سنة 150 ه ثورة البرابرة(1) أثناء حكومة عبد الرحمن الداخل الأموي في شمال شرق الأندلس بزعامة رئيس البرابرة المسمي (شقتا) أو (شقتا بن عبد الواحد) ويرجع أصلهم الي (مكناسة)، وكان رجل يعلم بالفقه ويمتهن تعليم الأطفال. ادعي يوما بأنه من أحفاد الرسول الأكرم صلي الله عليه و آله ومن أبناء الزهرا عليها السلام والحسين عليه السلام واسمه عبد الله بن محمد، شاعت دعوته بين البربر في تلك المنطقة كانوا يشكلون الأكثرية وكانت لهم عداوة قديمة مع العرب، وكانوا متهيئين دائما للتمرد علي العرب، عندما التف الناس حوله سار الي (شنت ريه) واستولي عليها وجعلها قلعة له، ثم عزم الي المغرب وسيطر علي مدن ماردة، قوريه و مدلين وجميع المناطق الواقعة بين نهر (تاجه) ووادي (بانه)، علا شأنه بعد ذلك واتسعت دعوته وكثر التردد علي تلك النواحي وانضم إليه من الأعراب ممن كان مخالفا لعبد الرحمن أيضا.

ص: 223


1- تطلق كلمة البرابرة علي سكان الأندلس من غير العرب.

كتب عبد الرحمن الي والي طليطلة يأمره بإسكات عصيان ذلك الفاطمي. أعد الوالي جيشأ بقيادة سليمان بن عثمان وأرسله الي (شنت برية) إلا أن الفاطمي وجيشه حملوا عليه فجأة وكسروا ذلك الجيش وأسروا سليمان ثم قتلوه. زاد هذا الانتصار من قدرته وقوته، جهز عبد الرحمن بنفسه جيشا سنة 152 ه- أي بعد سنة من تلك الحرب وحمل عليه، فوقعت بينهما معارك عديدة ثبت فيها البرابرة بقوة واتخذ الفاطمي موضعا له في الجبال، عاد بعد ذلك عبد الرحمن الي قرطبة بسبب عدم عثوره علي معبر يعقب فيه الفاطمي، أرسل غلام، الخص لينوب عنه لكي يديم القتال، ظل الفاطمي متحصنا في الجبال ولم يقاتل الجيش الهاجم، عاد بعد سنة أي في سنة 154 ه- عبد الرحمن للقتال، وحاصره محاصرة شديدة ولكن لم يتمكن من إبعاده عن ملجأه، أرسل عبد الرحمن في السنة التالية أحد مواليه واسمه عبيد الله بن عثمان لقتال الفاطمي، خرج الفاطمي للقتال ولكنه عمل علي جذب البرابرة الموجودين بين صفوف جيش عثمان، ولهذا وقع الخلاف والفرقة بين الجيش واستثمر الفاطمي هذه الفرصة فهجم عليهم هجوما شرسا ففر عبيد الله بن عثمان وقتل من جيشه جمع كثير استولي الفاطمي علي المتبقي منهم وقتل الكثير من كبار الجيش، وقعت هذه الواقعة سنة 155 ه-.

ص: 224

أعقب ذلك عدد من الحملات المتعاقبة التي أصيبت جميعها بالفشل، مما أجبر عبد الرحمن علي تجهيز جيش مرة أخري وذهب به الي (شنتبريه)، لجأ عبد الرحمن الي أساليب جديدة للقضاء علي جيش الفاطمي، حيث استدعي عبد الرحمن أحد كبار البرابرة في شرق الأندلس ويسمي (هلال المديوني) وجعله حاكما علي تلك المناطق التي غلب عليها الفاطمي، تركت هذه الحيلة أثرها علي جيش الفاطمي وزرعت الفرقة بين صفوف البربر وأدت الي تشتت الكثير من أنصاره عنه، ولهذا اضطر مرة أخري للخروج من (شنت بريه) والتحصن في الجبال، وفي هذه الأثناء قام عبد الرحمن بملاحقة الفاطمي بشدة وإصرار وبدأ يسيطر علي ملاجئه الواحد بعد الآخر وقتل كل من عثر عليه من أنصاره وأينما كانوا، عندما كان عبد الرحمن مشغولا بحرب الفاطمي وصل إليه خبر اشتعال نيران الثورة في أشبيلية ولبله وباجه، وأن اليمنيين (من أنصار أبو الصباح الذامي) كانوا هم المحور في ذلك التمرد، وكان علي رأس تمرد أشبيلية قادة أشبيلية وليلة القدماء، وقد انضم إليهم أعداد كثيرة من البربر.

لقد جهز هؤلاء الثائرون الثلاث جيوشهم وساروا الي قرطبة أثناء غياب عبد الرحمن وكان غلامه ينوب عنه آنذاك. رجع عبد الرحمن بسرعة الي هناك وخرج علي الفور لمقابلة العصاة،

ص: 225

والتقي بهم في وادي (منبس) علي ساحل نهر (بمبي زار) من شعب الوادي الكبير، ووقعت في البداية عدة معارك بينهم إلا أن عبد الرحمن لجأ مرة أخري الي الحيلة وأصدر أوامره الي جمع من شخصيات البربر المتواجدين في جيوشه، فذهب هؤلاء الي أصدقائهم البربر واقنعوهم بأن موقفهم هذا من اليمنيين من الأخطاء الفادحة، لأنه لو انتصر العرب ستكون عاقبة البربر سيئة جدا وبالفعل استغل هؤلاء ظلام الليل وتسللوا إلي جيش العدو وفعلوا ما كان لازما وأخذوا منهم العهود، فوقعت في اليوم التالي حرب عظيمة بين الطرفين، تخاذل البربر، وانصرفوا عن قتال العرب، وكان لذلك أثر بارز في تشتيت جيش العصاة وفرارهم وقتل ما يقرب الثلاثين ألفا منهم كبار وقادة الجيش.

وقد فر أحد الثوار الي المشرق بواسطة زورق، تزامن مع انتصار عبد الرحمن تنفيذ برنامج دموي كان عبد الرحمن قد أعده، أمر بإلقاء القبض علي ثلاثين شخصية من أشبيلية كانت في زمرة قادة الجيش الهارب وقتلهم جميعا سنة 158 ه-.

بعد سنة من ذلك بدأ بتعقب الفاطمي مرة أخري، هذا وكعادته كان يتحصن في الجبال، لهذا لم يعثر علي طريق يوصله إليه، سار الي قتال منطقة (قوريه) وهدر فيها دماء غزيرة، وفي هذه السنين بدأ العد التنازلي للفاطمي (شقتاي البربري) وقل أنصاره إلا أنه لا زال

ص: 226

مستوليا علي بريه ومارده ولا زال يشكل تهديدا لعبد الرحمن .

بعد سنة من ذلك جهز تمام بن علقمة وعبيد الله بن عثمان جيش لمحاربته، تلاقا الجيشان لمرات عديدة وكان النصر الي جانب الفاطمي، إلا أنه تحصن فجأة بقلعة كانت بقرب (شنت بريه) فحاصره تمام وعبيد الله لعدة أشهر ولكن بلا جدوي فعادا الي قرطبة.

وبعد ذلك عاد الفاطمي الي (شنت بريه) ونزل بقرية اسمها (قرية العيون) عند اثنين من أنصاره يطلق عليهما (أبو معن وكنانة)، إلا أن هؤلاء تأمروا عليه وقتلوه في أحد الفرص وقطعوا رأسه وذهبوا به الي عبد الرحمن في قرطبة، وهنا تشتت جمعه وانتهت ثورته التي سببت إراقة الدماء لسنتين في شرق و غرب الأندلس، والتي كانت مصدر تهديد حقيقي لعبد الرحمن.

المهم هنا، هو أن ما عجزت عن تحقيقه تلك الجيوش الجرارة والتي استمرت لسنوات طويلة، حققته خيانة واحدة وفي لحظة واحدة، بالإضافة الي ذلك لا يستبعد أن يكون لحضور عبد الرحمن في هذه المؤامرة الأثر كذلك في تحقيق الانتصار، والحقيقة أن عبد الرحمن قد أثبت بأنه الخلف الصالح لمعاوية بن أبي سفيان هذا البحر المتلاطم من المكر والخديعة، قتل الفاطمي وأطفيء تمرده في سنة 160 ه-

ص: 227

ب: قيام بني حمود وحكومتهم في الأندلس:

عندما كان الخليفة الأموي الثامن في الأندلس (عبد الرحمن بن محمد الملقب بالناصر) مشغولا بحروبه الداخلية مع المسيحيين داخل شبه الجزيرة الأسپانية غفل عن تزايد واتساع الدعوة الفاطمية في شمال أفريقيا ونفوذها الي المغرب الأقصي ومدينة سبتة المحادة للأندلس والمجاورة للجزيرة الخضراء وتهديدها السواحل الأندلس كانت الدعوة الفاطمية تشكل خطرا سياسيا للأندلس وخطرا دينيا كذلك، وهددت هذه الدعوة في بدايتها مصر والمغرب من جانبي أفريقيا (تونس)، وقام حينها أول الخلفاء الفاطميين واسمه (عبد الرحمن المهدي)، سارت جيوش القائد الفاطمي الشاب من مركزه في تونس الي المغرب ومصر.

إن تقدم الجيش الفاطمي الي جانب المغرب أقلق حكومةقرطبة لأن سواحل المغرب كانت قاعدة دائمية للتقال مع الأندلس وهو أول خط دفاعي لهم، كانت عيون متمردي الأندلس تصبوا الي سواحل المغرب ولهم مباحثات مع الفاطميين ومساع للانقضاض علي حكومة قرطبة.

أما عبد الرحمن كان يري وجوب القضاء علي هذا الخطر الجديد قبل أن يستفحل ويحكم أسسه لهذا أرسل أسطولا قوية الي

ص: 228

سبته وأخرجها من سيطرة الولاة المتفقين مع الفاطميين، بادر زعماء البربر الي الانضواء تحت لوائه ومدوا يد الصداقة باتجاهه مما أدي الي اتساع دعوته الي (فارس)، وأما أمير مكناسة طالب هو الآخر بصداقة عبد الرحمن ونال هذا الأمر موافقته، استطاع عبد الرحمن سنة 321 ه- القضاء علي جيش عبيد الله الفاطمي الذي كان مهيأ لإنهاء نفوذ عبد الرحمن، أعد ابن عبيد الله بعد وفاة أبيه سنة 323 ه- جيشا آخر للهجوم علي المغرب وكان يلقب بالقائم، إلا أنه خسر الحرب مع أمير مكناسة وتواري هذا الجيش الي جانب الصحراء واستولي حلفاء الفاطميين علي مملكته. بعد هذا جاء جيش عبد الرحمن ولمرات عديدة الي المغرب لقتال الفاطميين وأنصارهم كالادريسيين وباقي أمراء البربر. اضطر الإدريسيون في النهاية الي قبول الصلح وخضعوا لحكم عبد الرحمن سنة 332 ه- وقاموا بتمجيده علي المنابر واستمرت هذه الأوضاع لفترة معينة، وفي هذا الوقت هجر الإرديسيون من أغلب النواحي الجنوبية وميادين الغرب، وظلوا في منطقة (الريف الشمالي) (وهي ناحية بين غرب بحر (زقاق) وبحر (محيط)) فقط، وبعد أن هجروهم من فاس أيضا عاشوا في قلعة محصنة (هجر النسر) واقعة في جنوب تطوان (وهي منطقة تقع مقابل الجزيرة الخضراء)، ففي هذه الحالة لم تكن هناك أية دولة حقيقية ومستقلة بالمعني الواقعي لأنها كانت ترزح تحت

ص: 229

سيطرة الآخرين الذي ينتصرون في حروبهم دائما علي المغرب، سواء كان الفاطميون (حكام أفريقيا) أو الأمويون حكام الأندلس.

كان أمير الأدارسة في عهد عبد الرحمن الناصر، رجلا يسمي (حسن بن كنون أو قنون)، وقنون كان لقب القاسم بن محمد بن قاسم بن إدريس، أما حسن فهو الذي انتهت في عهده دولة الأدارسة في المغرب وبايع بعد ذلك الفاطميين وبدأ يدعوا الي قائدهم (جوهر الصقلبي) الذي استولي علي المغرب ونقض بذلك عهده مع عبد الرحمن، ولكن لما عاد جوهر الي أفريقية أواخر سنة 349 انضوي ثانية تحت حكم الأمويين في الأندلس. بعد أن مات عبد الرحمن الناصر أعلن حسن عن بيعته لخليفته الملقب بالمستنصر ولم يكن ذلك إلا حركة سياسية أو تعرف بالتقية في المصطلح الفقهي، لأن الأدارسة كانوا يضمرون العداء الدائم لبني أمية وينتظرون الفرصة المناسبة للخروج عليهم. وأما السبب الحقيقي لهذه البيعة هو الخوف من قساوتهم ووحشيتهم لأن دولتهم تقع في شمال ناحية قريبة جدا من الأندلس.

سار بلكين بن زيري الصنهاجي (وهو قائد الخليفة الفاطمي المعز لدين الله) من أفريقيا (تونس) في بداية سنة 361 ه- للتقال في المغرب لغرض إقامة حكومة شيعية هناك ولأخذ ثأر أبيه من قبيلة (زنانه)، كان أبوه عاملا للخليفة الفاطمي وقائد جيشه في المغرب

ص: 230

أما زناته كانت من القبائل الواقعة تحت لواء أموي الأندلس ويطغي عليهم العداء للشيعة، ومن الأعداء القساة علي الفاطميين (جعفر ويحيي) وهما أبناء علي بن حمدون المعروف بميله الي الأندلس. استقر هذا الأندلسي في منطقة مسيلة في ناحية المغرب الأوسط وخلفه ابنه جعفر، كان الخوف يخيم عليهم من سطوة الفاطميين وعاملهم كذلك تبدل هذا الخوف بمرور الزمن الي كابوس أدي الي فراره مع عائلته وأخيه يحيي الي المغرب الأقصي حيث يتواجد بني خزر أمراء زناته (الأقوياء) والمعروفون بحقدهم الشديد وعدائهم للشييعة. كانوا يأملون من قبيلة زناته وحلفائها إعلان حربهم ضد الشيعة ولهذا بدأوا بإغرائهم بالمال والرجال ومستلزمات الجيش، نشبت معركة بين بني خزر وحلفائهم يحيي وجعفر من جانب وعامل الفاطميين من الجانب الآخر وانتهت بهزيمة الشيعة وقتل فيها (زيري بن مناد) قائد الجيش الفاطمي (وأبو بلكين) مع الكثير من رجاله واستولت زناته علي مقرات جيوشه. وبهذا انتهت القوة الشيعية في المغرب وكانت في شهر رمضان لسنة 360 ه- لما وصل خبر ذلك الي جيش الفاطميين وقبيلة صنهاجة ترك ذلك الأمر أثرا كبيرا في روحية الخلافة الفاطمية وأصدر المعز لدين الله أمره الي (قائد يوسف بن زيري المعروف ببلكين) يأمره علي الفور بالحركة الي المغرب، سار بلكين وكان يقتل كل من يراه من أفراد قبيلة

ص: 231

زناته، وكان أكثرهم في المغرب الأوسط في (بجاية ومسيلة وبسكره الي هرت وأماكن أخري)، قام بلكين بتشتيتهم جميعا حتي بلغ المغرب الأقصي سنة 361ه- استعد أمراء زناته وبني خزر المواجهته، بدأت الحرب بين الفرقتين وهزمت زناته بشدة وانتحر أميرهم، بالغ بلكين في تدمير زناته وهدم مدينة البصرة (في المغرب) واتسعت سلطته الي أكثر نقاط المغرب وقضي علي الدعوة الأموية وحقق أمنيته في الانتقام لأبيه. سارع حسن بن كون الي بيعة بلكين وانضوي تحت لواء الشيعة الفاطميين، إلا أن بلكين لم يبق طويلا في المغرب لأن سيده المعز لدين الله الذي كان متهيئا للحركة الي مصر دعاه، وبهذا عاد مسرعا مع جيشه الي أفريقيا. أما الحكم الذي كان مراقب لحوادث المغرب صعق من هذا الخبر فأعطي نفيرا عاما لجيشه وسار بجيش عظيم لقتال المغرب والحسن بن كنون، وكان قائد هذا الجيش محمد بن القاسم، عبر من الجزيرة الخضراء في شوال سنة 361 ه- وحط في سبته أول مدينة في المغرب، كان حسن بن كنون في هذا الوقت في مدينة صنجة القريبة من سبته، خرج حسن مع جمع من البربر لقتال جيش الحكم الأموي إلا أنه هزم وقتل أكثرأصحابه وفر بنفسه تاركا أمواله في طنجة استسلم أهالي طنجة لقائد الجيش وخضعوا لأوامره، فتح محمد طنجة وأرسل خبر ذلك الي الحكم ثم قام بملاحقة بقايا جيش حسن بن

ص: 232

كنونة الي الجنوب وقام بتدميرهم هناك.

جمع حسن خلال هذه الفترة جيشه المتبقي ونظمه وسار مرة أخري لقتال الحكم، التقي الجيشان في مكان يسمي (فحص مهران)، استطاع حسن بتدبيره واستقامة جيشه أن ينال النصر ويحاصر جيش الأندلس ودمروا الكثير من المشاة والفرسان وقتل قائدهم أيضا (محمد بن قاسم)، وكانت هذه الواقعة بتاريخ 362 ه-

فر فلول جيش الأندلس الي سبته (الواقعة في الساحل المقابل) واستقروا هناك وأرسلوا الي الحكم نداء يسألونه النجدة.

أعد الحكم في هذه الأثناء جيشا وضعه تحت قيادة أحد مواليه وكبار قادته، اختار غالب عبد الرحمن المعروف بشهامته التي ذاع صيتها في كل مكان، ووضع في اختياره مالا طائلا علاوة علي ذلك الجيش العظيم لاستمالة القبائل، وأعطي الحكم أوامره القتال الأدارسة والثبات أمامهم لاقتلاع جذورهم وتطهير المغرب من مخالفي الحكومة الأموية.

خرج غالب مع ذلك الجيش الجرار سنة 362 ه- من قرطبة وعبر من ناحية الجزيرة الخضراء في البحر ومكث في (قصر مصحورة). لما علم حسن بدخول ذلك الجيش أودع أمواله في قلعة

(حجر النسر) وسار الي القتال، استطاع غالب بمكره أن يبعد بعض رؤساءالقبائل عن الجيش وأجبره الي الرجوع للقرية، حاصر غالب

ص: 233

القلعة، ومن جهة أخري وصل جيش إمدادي من الأندلس الي جيش الأمويين، وبدأت حلقة المحاصرة تضيق يوما بعد آخر حتي أجبر حسن علي الاستسلام بسبب خيانة بعض أهالي المدينة، وخضع لأوامر الحكم سنة 363 ه- لاحق غالب بقايا الأدارسة حتي قضي علي دولتهم، رحل حسن بن كنون مع عائلته وجمع من أصحابه في نهاية هذه السنة ورافقهم غالب كذلك إلي الأندلس، فلما وصلوا الي قرطبة استقبلهم الناس استقبالا عظيما وقادوهم إلي المنازل المعدة من قبل، وبهذا ظل حسن وأبناؤه سنتين عند الحكم، ولكن في سنة 365 ه- و بسبب الخلافات الحاصلة بين حسن والحكم والتي كان يخطط لها حاجب الحكم أبعدوا بزورق الي تونس ورحل منها إلي مصر وبقي تحت حماية الخليفة الفاطمي (العزيز بالله)، بعد أن بارك الخليفة قدومهم وأعطي وعودا بمساعدتهم، ظل حسن في مصر الي سنة 373ه- أصدر الخليفة أوامره في هذه السنة الذهاب حسن الي بلكين في قيروان وطلب من الأخير أن يقف الي جانب حسن في تحقيق أهدافه.

سار حسن مع جيش قليل أرسله بلكين معه الي المغرب ودعي فيها لنفسه. التف حوله الكثير من البربر وبالخصوص (بني يغرن)، الذين أعلنوا طاعتهم له. كانت هذه الدعوة في زمن وزارة المنصور محمد بن أبي عامر الذي كان وزيرة للخليفة الصغير هشام

ص: 234

المؤيد، هزم جيش المنصور كنون مما اضطره الي الاستسلام وقتل سنة 375 ه- وفيها كانت نهاية دعوة الأدارسة في المغرب الأقصي وتشتت أنصاره الي أطراف متباعدة.

تسلق الخليفة محمد بن هشام الي دفة الخلافة بعد الخليفة هشام المؤيد وكان يلقب بالمهدي واتصف هذا الخليفة الجديد بالخمول إلا أنه كان يتطلع دائما الي معرفة العلل.

وكانت أغلب أعماله ليس لها أية قيمة ولا تصبو إلي أي هدف سام، والأكثر من ذلك أطلقت سياستها قيود جميع المتمردين ومثيري الفوضي وأصبحت كل طائفة ومجموعة تطالب بسهمها من ميراث الدولة المهزومة لبني عامر، منهم المروانيون أو بني أمية والمجموعة الأخري غلمان العامري وأنصاره الذين كانت أعدادهم قابلة للاهتمام، والجماعة الثالثة كانت تشمل البرابرة، استولي هشام المؤيد علي الخلافة بعد حروب طويلة وجاء من بعده ثانية سليمان المستعين.

سكن في زمن سليمان المستعين أولاد حمود علي وقاسم بما تبقي من الأدارسة في أطراف قرطبة وكذلك سائر البرابرة الذين كان لهم دور مؤثر في وصول المستعين الي الحكم.

قسم المستعين الأندلس بين البربر لجلب رضاهم وردا الجميلهم في معاضدتهم إياه، وبهذا حكم بني حمدون (أي الأدارسة)

ص: 235

علي الحدود الجنوبية للأندلس. حكم علي بن حمود علي حدود سبته وأخوه قاسم بن حمود علي حكومة الجزيرة الخضراء في طنجة والمدن المجاورة مثل (زاهرة)، وحدثت تلك الحكومات في أوائل سنة 414 ه-. وأما المنازعات الحاصلة بين غلمان العامري وبين البرابرة والأمويين بسبب الخوف من حكم البربر أدت الي تجزأ الأندلس الي عدة أقسام.

يفصل مضيق جبل طارق بين حدود حكومات علي وقاسم، يعتقد علي بن حمود أن غلمان العامري (وهم أعداء سليمان المستعين) حلفاؤه الطبيعون، ولهذا كتب رسالة أ هم (خيران صاحب المرية) وقال فيها إن الخليفة هشام المؤيد أختاره لولاية العهد وطلب خلاصه من مخالب سليمان، كان لهذه الرسالة حقيقة وواقع، لما رأي هشام قرب انتهاء وزوال دولته أعطي ولاية العهد الي علي بن حمود وأوصي بخلافته من بعده.

انتشرت دعوة علي بن حمود بسرعة لا تصدق واستجاب له حكام بعض ثغور جنوب الأندلس كتب زعيم البربر من المرية الي علي الذي كان مستقرا في سبته الواقعة في أقصي شمال مدينة المغرب ومجاورة للجزيرة الخضراء للعبور من الماء والنزول عنده.

سار علي بن حمود في أواخر سنة 406 ه- من سبته الي الجزيرة الخضراء وذهب الي مالقة بين أتباع من البربر كانت تلتف

ص: 236

حوله، أبلغه والي مالقة بولاية عهد المؤيد إليه، والتحق إليه خيران زعيم البربر من مدينة حدودية بين مالقة والمرية، اتحد الزعيمان ونظما جيشهما وخططا للسير الي قرطبة وبعد ذلك بايع علي بن حمود بشرط إطاعته للمؤيد ثم سارا الي قرطبة.

انظم إليه اثناء الطريق (زاوي بن زيري) و(حبوس الصنهاجي) مع جماعة من البربر وصلت من غرناطة. سمع سليمان المستعان بذلك فخرج بجيش من البربر فالتحم الجيشان في واد يبعد عشرة فراسخ عن قرطبة وبعد قتال ضار ومعركة شرسة هزم المستعين ووقع في اسر علي بن حمود، دخل الأخير قرطبة يوم الثامن والعشرين من محرم لسنة 407 ه- باحثا عن المؤيد فلم يجده، ولما علم بمقتله قام بقتل أخيه كذلك وأبيه بعد أن وقعا أسيرين في قبضته ثأرا لدم هشام، بعد ذلك طلب البيعة لنفسه بعد أن أعلن قتل المؤيد، بايعه الناس ولقب الناصر لدين الله ومن هنا كانت نهاية الدولة الأموية في الأندلس. لما استقر الأمر الي علي بن حمود بدأ بالضغط علي البربر وقضي علي تمردهم بشدة وكان ذلك سببا لخوفهم الشديد منه وسكوتهم عليه، ثم أخمد جميع من خرج عليه أو عصاه وأزاله من طريقه سواء كان عربيا أم بربريا هذا من جانب، ومن جانب آخر سعي الي تحسين سيرته بين أناس قرطبة وحاول بسط العدل، وأبقي

ص: 237

لنفسه بعض المعاونين في عمله من الحكومة السابقة مثل أبو الحزم بن جهور وآخرين، ولكن الأوضاع لم تبق علي ما يرام دائما، لما سمع خيران العامري زعيم البربر بموت هشام وكذلك بالقمع والخشونة المستعملة بحق المتمردين ضرب علي طبل التمرد خائفا وبايع أحد بقايا بني أمية علي الخلافة ويدعي (بالمرتضي)، ثم جمع جيشا يقصد بهم غرناطة (انضم إليه بعض العملاء المسيحيين) وبعد معركة دامية قتل فيها هو وجيشه، ولما شاهد علي بن حمود خروج المرتضي مع أهالي قرطبة غضب عليهم لأنه يعتقد بأن القرطبيين يتعاطفون مع المرتضي ولهذا أطلق يد البرابرة عليهم، وخلع أسلحتهم، وحبس الكثير من أعيانهم، وصادر أموالهم إلا أن يد القدر لم تتركه حتي قام عدة من غلمان قصره ومن موالي بني أمية بقتله خفية في الحمام. أرسل رؤساء زنانه خبر قتله في نفس الوقت (أي سنة 408 ه-) الي أخيه قاسم الذي كان في أشبيلية فسار بسرعة الي قرطبة واستخلف أخاه المقتول. كان لولدي علي (أي إدريس ويحيي) ولاية علي مالقة وسبته، وفي بداية الأمر كان هناك خلاف حول الخليفة بين البربر وتردد الأمر بين أولاد الخليفة وقاسم، إلا أن الأغلبية التقت حول قاسم لهذا ثبتت إليه خلال هذه الحماية.

اتصف مشاور و قاسم وندماؤه بسماجة الأخلاق ورداءة الطبع لهذا كانت أعمالهم تؤدي الي ضعف وخمول حكومته وفي

ص: 238

نفس الوقت كان ابن أخيه (يحيي) ينتظر الفرصة المناسبة للخروج علي عمه وقد اتفق مع أخيه إدريس علي استلام أمر مالقة لتحويلها الي قاعدة، بدأ يحيي بتجميعقواته تدريجيا في مقالقة حتي تكون له جيش قوي هناك، وفي نفس الوقت لم يفلح، زعماء البربر من التوفيق بين قاسم وابن أخيه، لهذا سار يحيي بجيشه الي قرطبة. خشي قاسم من عاقبة هذا الأمر لهذا عزل نفسه، ودخل يحيي قرطبة سنة 412 ه- وحصلت له البيعة وقد استقبل الناس والبربر هذه الخلافة.

استقر قاسم في أشبيلية ودعي الناس هناك الي بيعته، وبعد وقوع بعض الحوادث اتفق الاثنان في نهاية الأمر علي الاعتراف المتبادل بخلافة لكل منهما.

لم يستمر الوضع السابق طويلا وفي سنة 413 ھ خلع البرابرة يحيي ولهذا عاد قاسم ثانية الي قرطبة وحصلت له البيعة الثانية وأطلق عليه الناس (أمير المؤمنين).

ثار أهالي قرطبة عليه سنة 414 ه- وغلقوا أبواب المدينة وحاصر البربر المدينة وانتهي الأمر بهزيمة قاسم، ذهب قاسم الي أشبيلية حيث كان هناك ولداه محمد وحسن، مانع الناس هنالك من دخوله إليها وأخرجوا ولديه من أشبيلية كذلك، رحل قاسم وأولاده الي (شريش)، في هذه الأثناء سار يحيي الي الجزيرة الخضراء

ص: 239

وصادر جميع أموال عمه قاسم وعائلته التي كانت هناك، استولي أخوه إدريس(والي سبتة) علي طنجة، نظر قاسم الي طنجة بأنها ملجأه وملاذه لأن وضعه في قرطبة لا يحمد.

عندما ذهب قاسم مع ما تبقي من أنصاره الي شريش سار إليه يحيي لقتاله، وأسر عمه وأولاده ورماهم في الحبس بايع البرابرة المتواجدون علي حدود المغرب يحيي، بقي قاسم مدة طويلة في السجن حتي أن قتل فيه سنة 431 ه- عن عمر يناهز الثمانين سنة.

بايع أهالي قرطبة عبد الرحمن بن هشام الأموي سنة 414 ه- حكم هذا ومن بعده ( المكتفي) السنتين تقريبا حتي أعلن يحيي بن علي بن حمود سنة 416 ه- عن خلعه والجلوس محله.

ترك قرطبة بعد دخوله إليها متوجها الي مالقة، وأصبحت قاعدته من بداية سنة 417 ه- وعاصمة دويلته، وبقي علي هذا الحال مدة من الزمن. في شهر محرم سنة 427 ه- قتل يحيي بمؤامرة قذرة خطط لها من قبل أتباع الأمويين ونفذها رؤساء أشبيلية وكبار بعض القبائل، ودعوا بعد ذلك أخاه لاستلام زمام الأمور، كان إدريس حينها واليا علي سبتة، وكان ليحيي ولدان في مقتبل العمر اسمهما (إدريس وحسن)، ذكرت إحدي الروايات أنه أوصي بولاية العهد لابنه حسن إلا أن صغر سنه حال دون ذلك، وبهذا تمت البيعة الي إدريس في مالقة التي كانت مركز خلافة الحموديان و لقبوه بالمتأيد

ص: 240

بالله. أعطي ولاية سبتة وتوابعها الي ابن أخيه حسن وعين له حاجبا يعينه، وبايعه كذلك صاحب (رنده والجزيرة الخضراء)، تحالف معه صاحب المرية وحاكم غرناطة وقاتلوا معه في قتاله ضد بني مناد الذين قتلوا أخاه يحيي، هجم الجيش المتحد سنة 427 ه- علي أشبيلية ووقعت معركة شديدة مع بني مناد، أقدم زعماء بني مناد مع جيش جرار علي نهب وسلب أمن نقاط مختلفة في الأندلس. في سنة 431 ه- مات إدريس مرضا في قلعته التي كان يسكن بها، بويع بعده ابنه يحيي في مالقه، ولقب هذا بالقاسم بأمر الله. ومن الجانب الآخر بايع الحاجب حسن بن يحيي (ابن أخ إدريس) وبدأ يخاطب حسن بالخليفة. جهز هذا الحاجب جيشا لقتال يحيي، إلا أن هذا الأخير امتنع عن قتال ابن عمه واعتزل الأمر.

حصلت البيعة في مالقة للحسن بن يحيي في سنة 431 ه- لقب بالمستنصر بالله واستجابت لأمره غرناطة وسائر المدن المحيطة بها. وضع حسن الأمور كلها بعهدة حاجبه الذي كان يطمح الي المزيد ، حتي اصدر هذا في النهاية امر قتل حسن و تنفذ في سنة 434 ه-.

ذهب الحاجب الذي كان اسمه (نجا) الي الجزيرة الخضراء وكان فيها ولدي قاسم بن حمد، جاءت ربيعة (ام الولدان) الي الحاجب وبدأت بتوبيخه علي نكرانه لولاء السيادة، رحل نجا من الجزيرة الخضراء خجلا الي مالقه ، الا أن العديد من افراد جيشه من

ص: 241

البرابرة وغيرهم من اقرباء ام حسن بن يحيي اقدموا علي قتله في الطريق وذهبوا وبايعوا ادريس الذي كان في سجن حسن بن يحيي ايام خلافته بعد ان اطلقوا سراحه ولقبوه (العالي). كان العالي لين الخلق ورحيم واديب و شاعر، مع ذلك كان هناك جمع يحيط به من اراذل القوم واسوءهم سيرة وخلقا ، ثار عليه ابن عمه محمد بن ادريس بن علي بن حمود سنة 438 ه-، فغادر ادريس المدينة متوجها مع عائلته الي سبته . وتمت البيعة في تلك السنة لمحمد بن ادريس ولقب بالمهدي ، وعلي شأنه في مالقه الا أن بعض المدن امتنعت عن بيعته مثل غرناطة التي كان واليها (باديس) وهو معارض شديد له، يعتبر باديس نفسه اسمي منزلة من الجميع في زعامة القوم، قام محمد بن ادريس بنظم الحكومة واصلاح الامور. اتفق بعد ذلك مخالفين محمد بن ادريس (الذي تجاوزت قساوته الحدود المعقولة) مع باديس علي خلعه وتنصيب محمد بن قاسم بن حمود والي الجزيرة الخضراء. وصمم الآخرون علي بيعة ادريس بن يحيي العالي، وهكذا دعي ثلاثة من امراء حمودي وفي ثلاثة نقاط صغيرة وقريبة من بعضها ومختلفة الي بيعته ، ويجب اضافة رابع لهم وهو ذلك الخليفة الخيالي المسمي ابن عباد من امراء اشبيلية الذي رفع اسم هشام المؤيد شعارا لدعوته، يقول ابن حزم (المؤرخ الأندلسي) الذي عاصر هذا الوضع ويصفه بمرارة واستهزاء

ص: 242

فيقول: «من المخجل حقا أن يقع أمر كهذا ولم يسبقه مثيل في العالم وهو ان يعلن اربعة نفرات في ثلاثة أيام وفي مسافة ثلاثة ايام طريق عن أن كل منهم امير المؤمنين وفي زمان واحد قرأت الخطبة باسمهم».

جلس محمد بن ادريس ستة سنوات علي كرسي الخلافة وعندما عجز اعدائه عن العثور علي سبيل للإطاحة به لجاؤا الي التآمر ودفعوا شخصا ليطعمه السم، وقعت هذه الحادثة في أواخر سنة 444 ه-، وحدثت البيعة من بعده الي ابن اخيه ادريس بن عيسي بن ادريس بن يحيي بن حمد ولقب بالسامي، وبقي مدة في مالقة ، ويبدو انه خرج منها بعد أن ابتلي بالجنون وصار كالتاجر الضائع، عبر البحر الي المغرب ثم ذهب الي سبتة وقتل علي يد حاكمها.

لجأ بن يحيي العالي بعد خلعه الي سبتة وظل تحت حماية واليها ، كان فترة ايضا في رندة ، ولما هلك السامي ذهب الي مالقه واستقبله الناس بحفاوة وتكريم واصبح خليفة وتوفي في سنة 446ه- بعد ان جعل ابنه وليا لعهده .

أصبح ابنه خليفة محله ولقب بالمستعلي ، خالفه اغلب زعماء البرابرة وعلي رأسهم باديس امير غرناطة. سار باديس مع قواته سنة 449 الي مالقه واستولي عليها . خرج المستعلي الي (المرية) ثم عبر البحر الي مليله واختاره الناس حاكما عليهم وبقي في هذا

ص: 243

المقام إلي أن توفي سنة 456 ه- وكان آخر حكام بني حمد الذين حكموا في مالقه. اتفق زعماء البربر خلال هذه السبع سنوات علي مبايعة محمد بن قاسم بن حمود والي الجزيرة الخضراء لما خلع يحيي المستعلي عمه قاسم قاد ولديه (محمد وحسن) ايضا الي السجن، ولم يطلق سراحهما حتي توفي يحيي واصبح محمد بن قاسم حاكما علي الجزيرة الخضراء ثم بايعه البربر كذلك ، كل ذلك وقع عندما كان المهدي لا يزال مشغول في مالقه، وهجم محمد علي مالقه لغرض القبض علي الخلافة الا انه غلب وعاد الي الجزيرة الخضراء ومات هناك سنة 440 ه-. حل محله ابنه محمد وبعد فترة قصيرة اجري حكمه علي الجزيرة الخضراء ثم جاء محله ابنه قاسم ولقب بالواثق، كانت خلافته ضعيفة ومملكته صغيرة لهذا لم تدم خلافته طويلا. كان ابن عباد يخطط الي القضاء كليا علي خلافة الحموديين لهذا جهز جيشا الي الجزيرة الخضراء وحاصرها من البر والبحر، استسلم قاسم بسرعة وطلب الامان لنفسه ولأهل بيته فخرج منها سنة 446 ه- وبقي تحت حماية حاكم المرية حتي سنة 450 ه- حيث وافاه الأجل. وبعد ذلك استولي با ديس امير غرناطة علي مالقة واخرجها من قبضة المستعلي في سنة 449 ه- وتهدمت هناك جميع اركان الدولة الحمودية وانتهت بهذا هذه الدولة في مالقة والجزيرة الخضراء بعد حكم دام نصف قرن سيطر خلاله علي ثلث الجنوب الأندلسي والحدود الشمالية للمغرب.

ص: 244

ج:دولة الموحدين

من المؤسف أن تكون نهاية تلك الدولة القوية للمرابطين مع كل عظمتها وسطوتها علي يد حركة دينية صغيرة ظهرت علي يد رجل فقيه لم يكن له أي دور في البداية. واستطاع هذا الفقيه بعد ان صنع موطيء قدما له أن ينهي حياة دولة المرابطين بوقت قصير . هذه الحركة هي حركة محمد بن تومرث الملقب والمشهور بالمهدي . من النادر جدا أن نصادف في التاريخ الاسلامي حركة تبدأ بهذا الحجم القليل من الأهمية ثم تصبح بهذه العظمة، نعم أن حركة محمد بن تومرت السوسي كانت كذلك. ومن خلال تزيين دولته بلباس المهدوية استطاع ايجاد دولة اسلامية كبيرة من الناحية الجغرافية ومن جهة القدرة والسلطة التي قل ما نظيرها وسميت هذه الدولة بدولة الموحدين العظيمة.

تعتبر هذه الحركة الثانية من نوعها في المغرب الإسلامي، اما الحركة الاولي هي الحركة الفاطمية الشيعية التي انتهت الي تأسيس الدولة الفاطمية العظيمة في مصر والتي بدأت من تونس وكان او

خلفائها عبيد الله الذي يدعي هو الآخر بانه المهدي المنتظر.

ص: 245

ص: 246

الفصل العاشر: المهدي الكاذب وأفكاره وتعاليمه و آثاره

اشارة

ص: 247

ص: 248

1- محمد بن تومرت (المهدي الكاذب)

ظهرت في أواخر سنة 514 ه- في مدينة مراكش اول علامات احدي الحركات الدينية المضادة لدولة المرابطين.

دخل رجل فذفي في احد الجمعات لتلك السنة الي المسجد الكبير في هيئة فقيرة وجلس قرب المحراب في المكان المخصص الاميرالمسلمين فلما اعترض عليه احد خدمة المسجد قرأ الآية التالية :«وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا».

وبعد ذلك جاء امير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين الي المسجد فنهض الحاضرون الا ذلك الرجل. فلما انقضي وقت الصلاة قام فسلم علي علي بن يوسف وقال له : (انه عن المنكرات في بلادك لانك مسؤول عن الرعية). قال هذا وانصرف ولم يجبه الامير ولما رجع الي قصره سأل عن ذلك الرجل فقيل له : لم يكن هنا من قبل، يمشي بين الناس ويقول : ذهب الدين أدراج الرياح ولما سأله الوزير علي بن يوسف عن حاجته فاجابه لا حاجة لي الا النهي عن المنكر. كان هذا الرجل محمد بن تومرت الذي عاد من سفر

ص: 249

المشرق وجاء الي مراكش، جال المدن الشمالية للمغرب واينما يحل يذكر بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر. اصله من سوس، ولد في سنة 485 ه-، اما نسبه فقد اختلفت فيه الروايات واكثرها توافقا هي التي تقول انه ابو عبد الله محمد بن عبد الله . تربط بعض الروايات نسبه بأهل البيت بالشكل التالي : عيسي بن عبيد الله بن ادريس بن ادريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن فاطمة بنت رسول الله صلي الله عليه و آله. .

ذكر بعض مؤرخي دورة الموحدين نسبه بالصورة التالية : محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن هود بن خالد بن تمام بن عدنان بن صفوان بن سفيان بن جار بن عيسي بن عطا بن رياح بن ياسر بن العباس بن محمد بن الحسن بن علي بن ابي طالب بالاضافة الي ذلك يعتقد بعض المؤرخين أن هذاالنسب ليس الا ادعاء فقط. من جملتهم مطروح القيسي الذي يقول : ابن تومرت رجل من قبيلة هرغة من قبائل مصمودة وقيل في باب تربية ابن تومرت انه ولد في عائلة متقية ومتعبدة لهذا فانه يقرأ القرآن ويحب العلم، يقال له في شبابه (اسلفور) اي (النور الشديد) لانه عندما يبيت في المساجد يضيء مشاعلا كثيرة.

تأثر في تعالمية الدينية بآراء و نظريات الغزالي، تعلم من خلال دراسته في المشرق نظريات علماء المشرق في علوم الكلام

ص: 250

والأصول والسنة. يقول ابن خلدون بانه وقع تحت تأثير تعاليم الأشاعرة وتعلم العلوم منهم وكان يستحسن طريقتهم في الدفاع عن عقائد السلف وكذلك يتبعهم في تأويل المتشابه في القرآن والحديث. يظهر تأثير عقائد الغزالي في آراء بن تومرت واحكامه وسننه وخصوصا عندما وقف أمام تلك السنن الدينية الموجودة في المغرب.

يقوم هذا النضال علي الأكثر علي اساس التعاليم الكلامية اللغزالي . بعد أن أمضي وقتا في الدراسة في المشرق سافر إلي المغرب.

يقول ابن خلدون: «كان متحمسا في علم البحر وكان كالنجم الساطع في الدين». رحل اين تومرت سنة 511 ه- من الاسكندرية الي المغرب عن طريق البحر، ويقال انه أبعد من الاسكندرية لانه اثار العصيان والتمرد من خلال نهيهه عن المنكر، وكان يأمر بالمعرف وينهي عن المنكر حتي في تلك السفينة التي كانت تنقله الي المغرب ، كان يدعو الناس فيها الي اقامة الصلاة وقراءة القرآن، وقد ثقل امره علي الناس فرموه في البحر وظل يسبح نصف يوم الي جانب السفينة بدون ان يصاب بضرر، فلما رأي الناس ذلك بعثوا من يخرجه من الماء وبهذا عظم أمره وبالغوا في اكرامه وتقديره. لما وصل الي مدينة المهدية سكن في احدي المساجد ولم يكن لديه

ص: 251

شيئا سوي عصاه وكاسته ، فلما شاع امر وصوله سارع طلاب العلم الي الالتفات حوله وبدءوا يسألونه عن انواع العلوم.

عندما كان يجد شيئا من آلات الطرب او الشراب يسارع الي تكسيرها وتحطيمها ولهذا كان يتحمل مصائب كثيرة من الناس، رحل من المهدية الي بجاية وحضر في احدي مراسيم العيد فري الرجال والنساء والاولاد يتزينون ويضعون الكحل في اعينهم واصطفوا الي جانب بعضهم البعض. تدخل ابن تومرت لايذائهم بشدة وشتت جمعهم حتي اصبح طعم العيد مرا في مذاقهم ، وشاعت الفوضي بينهم وادي ذلك الي سرقة بعض حلي النساء، لما تحقق والي المدينة من الامر، عرف ان هذه الفتنة وقعت بتأثير ذلك الفقيه السوسي لهذا قرر أن تقام معه مناظرة، فاجاب ابن تومرت وبدون اي تأخير عن كل سؤال طرح عليه ولم يجب احد علي اي سؤال طرحه هو ، قلق من اوضاع هذه المدينة ولهذا رحل منها الي (ملاله) وعاش فيها قليلا يدرس ولما يفرغ، يجلس علي صخرة جنب الطريق، لاح يوما في الطريق رجلا عجوزا مع شاب حسن المنظر اسمه عبد المؤمن علي بن العلوي الذي قدر ان يكون من اصحاب المهدي العظام ومن قادته الكبار وخلفائه الوارثين للدولة والمؤسس الاصلي لدولة الموحدين. سأل ابن تومرت عن احواله ولما علم بانه يريد الذهاب الي المشرق لكسب العلم فقال له ان

ص: 252

العلم الذي يطلبه والسمو والعلو جالس هنا وان تحدث معه رجاله سيصل الي مراده .

استمر ابن تومرت علي امره بالمعروف ونهيه عن المنكر حتي بعد أن استقر في عاصمة المرابطين وحدث يوم بعد ان التفت الناس حول ابن تومرت والي دعوته، أن (الصورة) وهي اخت علي بن يوسف بن تاشفين ارادت الخروج من موكبها وكانت معها جاريات جميلات وجميعهن بلا حجاب كما اعتاد علي ذلك نساء المرابطين في حين أن رجالاهم يغطون افواههم وحنوكهم، فلما شاهد ابن تومرت أن النساء محسورات الرؤوس يخرجن من البيوت صرخ بقوة احفظوا انفسكم فضرب هو وانصاره وجوه الحيوانات فسقط ابن الامير من علي ظهر الجواد وانتشرت الفوضي في البلاد ولهذا اخرجوه من مراكش.

بعد ان اتسعت دائره انصاره خطب ابن تومرت خطبته في الخامس عشر من شهر رمضان سنة 515 ھ واعلن عن نفسه بأنه هو المهدي المنتظر، قبل ذلك كان يتحدث عن روايات آخر الزمان وخصال المهدي واوضاع الزمان التي كانت تتشابه مع فترة المرابطين وكانت خطبته كما يلي:

«حمد و ثناء الله الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يشاء، لا يرد امره احد، ولا يؤخر حكمه احد، وصلاته وسلامه علي سيدنا

ص: 253

محمد رسول الله الذي بشر بالمهدي الذي سيظهر ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، وسيبعثه بعد ما ينسخ الحق بالباطل والعدل بالجور، مكانه في المغرب الاقصي وهو محل ولادته ، وزمانه آخر الازمنة، اسمه اسم رسول الله صلي الله عليه و آله ونسبه نسب النبي صلي الله عليه و آله، في عصر يشيع فيه جور الأمراء وتملأ الأرض بالفساد سيكون هذا الزمان اخر الأزمنة، واسمه ذلك الاسم، ونسبه ذلك النسب وعمله ذلك العمل». يسارع اليه بعد ذلك عشرة من اصحابه وملازميه و يبايعونه علي اساس انه المهدي المنتظر والامام المعصوم ويطلق عليهم بالعشرة الأولي وكذلك المهاجرين الأوائل أو الجماعة، ثم يبايعه خمسون اخرون ويسميهم اهل الخمسين وهم الطبقة الثانية من الاصحاب ثم يبايعه سبعون ويطلق عليهم اهل السبعين وهم الطبقة الثالثة من الأصحاب.

هذه الطبقات الثلاثة هم اخلص اصحابه واقواهم، يقسم اصحابه بعد هذه الطبقات باقسام اخري : الطبقة الرابعة وهم طلاب العلم، الخامسة حفظة القرآن وهم من صغار الناس وأقلهم عمران الطبقة السادسة اسمهم اهل الذر وهم اهله وعشيرته وخواصه وخدامه، الطبقة السابعة اهالي هرغة (وهي مدينته وموطن قبيلته). الطبقة الثامنة اهل يتملل، التاسعة اهل جدميوه، العاشرة اهل جنفيسه، الحادية عشر اهل هنتانه، الثانية عشر مركبة من الجيوش،

ص: 254

الثالثة عشر المحاربين والرماة ، الرابعة عشر (الفرات) وهم من الاطفال والفتيان ووضع ابن تومرت او المهدي المزور نظاما خاصا لكل طبقة وجعل لهم رتبة وعن وظائفهم بحيث لا يحق لاحد تجاوزها في سفر او حضر ،وقرر اعدام كل من يعصي أمره و... بالاضافة الي الكثير من القوانين الأخري. كان شديدا في تطبيق دينه ويقبض بجزم وكفاية علي زمام الأمور، أصبح هذا النظام اساس دولة الموحدين. بعد أن انتهت بيعته أطلق عليه المهدي والامام المعصوم، واطلق عليه وعلي اصحابه واهله ودعوته

(بالموحدين).

الف لاصحابه كتابا في التوحيد وسماه (المرشد) وموضوعه حول معرفة الله تعالي والعلم بحقيقة القضاء والقدر والايمان بما قرره علي عباده والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، يتكون الكتاب من الاعشار والاحزاب والسور ويعتقد اصحابه بان كل من لا يؤمن بهذا التوحيد فهو ليس موحدا بل هو كافر، لا تجوز متابعته ولا تؤكل من ذبيحته. وكتب كتابا اخر في اللغة العربية في باب العقيدة والعلم والامامة، ورواه عنه تلميذه عبد المؤمن بن علي، ولكونه يبدأ بعبارة (اعز ما يطلب) لهذا سمي بهذه العبارة. كان يصر علي نشر دعوته ورسوخها في قلوب اصحابه ، كان فصيح و بليغ، وواعظا في كلامه، يدخل كلامه الي القلوب، ذهب انصاره الي

ص: 255

جبال (مصامده) يدعون الناس مامته ومهدويته، قدم الناس اليه افواجا من كل حدب وصوب يبايعون امامته، ويتبركون في دياره حتي علي شأنه وملأت انغامه جميع الاماكن وزاد انصاره واظهر نفسه كخطر عظيم امام المرابطين . من البديهي أنه لما رأي ان يدعي بالمهدي وان بنيانه قائم ومحكم وان اصحابه كثرة كثيرة، استعد القتال المرابطين،

وبالفعل اعلن ذلك ، وشرع بترتيب الجيش ، بحيث وضع نقيبا علي كل عشرة، وكانت لاطروحاته و ابتكاراته الحربية الدور الأكبر الانتصاره في حرب الرابطين ، كان له اول انتصار سنة 516ه- في اول حرب للموحدين ضد المرابطين ، وادي هذا الانتصار الي علو شأنه وجري ذكره علي الالسن وزاد بين اصحابه وكان له الأثر العظيم علي معنويات الموحدين . جهز جيشا جرارا في حربه الثانية ضد المرابطين وسار الي كارزار ولكن الرعب اصاب جيش المرابطين قبل القتال وفروا جميعا واستولي الموحدون علي مقرات جيوشهم. وغنموا كل ما كان هناك استنتج علي بن يوسف المرابطي من خلال هذه الانكسارات المتلاحقة ان هذه ليست بالفتنة المحلية أو ليس هو بالمتمرد العادي وانما هي حادثة أعظم من ذلك بكثير وان قتالهم مع الموحدين هو مسألة حياة أو موت. وعلم ابن تومرت من خلال كياسته انه لم يبقي الا اقدام للقضاء علي دولة المرابطين وخصوصا

ص: 256

انه لديه اصحاب اقوياء واشداء.

في سنة 520 ھ خطط ابن تومرت لاخر معركة للقضاء علي المرابطين في مراكش في وقت كان في اوج قدرته ونفوذه وشاع بين القبائل ولكن نتيجة هذه المعركة كانت بخسران الموحدين ، فمرض ابن تومرت هذه الأيام ولما سمع بهزيمة جيشه سأل عن حال عبد المؤمن فقيل له أن لا زال حيا فقال : «الحمد لله علي بقاء نهضتكم». .

توفي ابن تومرت سنة 524 ه-، وكان كما يذكر المؤرخون بانه من اعظم واعلم واذكي افراد زمانه، له روح قوية يؤثر فيها بقوة علي الآخرين، يتصف بالعلم والفطنة، له منطق قوي، ويغلب من يناظره ويجعله مجيب له، هو خطيب متمكن، بالاضافة الي فصاحته العربية والبربرية فانه من الممكن ان يكون عارفا لعدة لغات اخري وكان يسيطر علي مستمعيه ويجعلهم يعشقونه.

نقل ابن خلدون ان لم يختار زوجة لانه علم بان المهدي لم يختار ذلك.

دافع ابن خلدون في متن طويل في احدي كتاباته عن محمد بن تومرت واعتقد بانه اعلي مرتبة من أولئك الذي خطأوا آرائه، ومجد بتقواه وزهده وهذا ما اشكله عليه الكثير من كتاب و مؤرخي اهل السنة.

ص: 257

نجح ابن تومرت في تأسيس دولة دينية ( تئلگرافية)، شغل اصحاب العشرة المناصب الاساسية فيها والوزارات، وكانوا يحيطون علما بكل امر مهم، اختار العلم الابيض رمزا لدولته، وكتب علي احد جهاته : ( الواحد الله محمد رسول الله ، المهدي خليفة الله). وفي الجهة الاخري : (وما من اله الا الله وما توفيقي الا بالله وافوض امري الي الله).

اما شكله فتصفه الروايات بما يلي : رجل متوسط الطول، حسن المظهر، توجد فواصل بين اسنانه، أسمر البشرة ، عينه غائرة وبصره حاد، انفه معقوف،ووجهه نحيف، وعلي كف يده اليمني (خال اسود)، ودفن باجماع المؤرخين في تينملل التي كانت منشأ دعوته ومهد دولة الموحدين .

ترك كتابين يشتملان علي اساس دعوته الدينية وهما: (اعز ما يطلب) و (موطأ الامام المهدي)، ويبدأ كتابه الأول بهذه العبارة الرنانة : «اعز ما يطلب وافضل ما يكتسب وانفس ما يذخر واحسن ما يعمل، العلم الذي جعله الله سبب الهداية الي كل خير، هو اعز المطالب وافضل المكاسب وانفس الذخائر واحسن الأعمال».

اول ما يلفت النظر في هذا الكتاب فصاحته وجزالته ، مع كونه بربري الا انه غالبا ما يطرح آرائه باسلوب قوي وبيان عربي متين وفي نفس الوقت كان مولعا في تصنيف المطالب و تقسيمها ويقسم

ص: 258

كل موضوع الي أبواب وفصول ، ويقول في بحث الاخبار المتواترة وذكر اقسام وخصوصيات كل منها : (افضل التواتر ما خرج من المدينة، لان فيها الاسلام وشرائع النبي والصحابة ، لهذا فان افعال اهلها حجة علي باقي المسلمين». .

ويقول عن الصلاة ايضا، ويدعم قوله بالآيات والأحاديث، ويعتقد بان العقل ليس هو طريق اثبات الشريعة، ويبحث في : العموم و الخصوص والمطلق والمقيد، والمجمل والمفرد، والناسخ والمنسوخ، والحقيقة والمجاز، والكناية والتعريض، والتصريح والاسماء اللغوية التي يطغي عليها العرف ويخصصها، والاسماء المنقولة من اللغة الي عرف الشرع، ويسلط علي جميع تلك المسائل الشعاع الديني، ويتناول مسألة التوحيد في مجال عقائده ويذكر ادلة اثبات وجود الخالق تعالي والتنزيه والتشبيه .

2- تومرت والمهدوية

أهم ما جاء في كتابه قوله عن الامامة والامام المعصوم والمهدي وعلاماته ، وكذلك حديثه عن قيام طائفة اخر الزمان للقتال في سبيل الحق، ويمكن اعتبارها جوهر الكتاب واصله، ومذهب ولب دعوته السياسية ، كانت الامامة التي ادعي بها بمثابة

ص: 259

شعاره السياسي واساس قدرته وزعامته، واما نظرية المهدي المنتظر كانت غطاء روحي زين نفسه بها لكي يكون مؤيدا المشروعية امامته وقداسته. ومن الأمور المسلم بها ان الامامة كانت شعارا للدعوة الدينية والسياسية للشيعة علي طول التاريخ وقد اختص بذلك اهل بيت رسول الله تعالي وليس الآخرين، لكن ابن تومرت تمسك بقوة بهذه النظرية في حين أن بينه وبين التشيع فاصلة، وكان حريصا جدا علي انتسابه الي اهل البيت لكي يعطي جنبة شرعية لا مامته.

يقول في باب الامامة : «هذا باب في العلم وهو وجوب اعتقاد الجميع في الامامة ، الامامة ركن من أركان الدين وعمود من اعمدة الشريعة، وبدون وجوب الاعتقاد بالامامة في كل زمان من الأزمنة الي يوم القيامة لا يمكن اقامة الحق في الدنيا، ولا يخلو زمان من امام يقيم الحق علي الأرض من زمن آدم إلي نوح ومن بعده ابراهيم .... يجب أن يوجد امام معصوم عن الباطل ليقدر علي هدم الباطل، لان الباطل لا يهدم باطلا. ثم يعود الي اهمية الامامة وكونها ركن اساسي من اركان الدين ووجوب الاعتقاد بها والخضوع أمامها فيقول: «الامامة أصل الدين وعموده في كل زمان، وكانت تلك اعتقادات السلف الصالح في الايام المضاية حتي ابراهيم ومن سبقه ايضا. الاعتقاد بالامامة دين والعمل بها دين

ص: 260

والالتزام بها دين، الامامة تعني الاتباع والاقتداء والسمع والطاعة والتسليم والامتثال للامر واجتناب ما نهت عنه والأخذ بسنة الامام في قليل او كثير». .

اعلن عن نفسه بانه هو الامام والمهدي لأنه لم يجد سبيلا افضل من هذا للتأثير علي النفوس ولتثبيت زعامته الدينية والسياسية وجذب الناس اليه وكان يخاطب الناس في احد المواضع بما يلي:

«لا ينكر هذا القول إلا كافر أو منكر أو منافق أو اعمي بصيرة أو ابن حرام أو مارق أو فاجر أو فاسق أو رذل وساقط أو من لا يعتقد بالله ولا يوم القيامة».

كما ذكر في مقدمة الكتاب أن الاعتقاد بظهور رجل في آخر الزمان يكون منج ومستصرخ للمظلومين و منتقم من الظالمين موجود منذ القدم، وفي جميع المعتقدات والأديان والمذاهب والملل المختلفة، وكذلك الحال في الدين الاسلامي المبين ، وكما نعلم أن هذه العقيدة مسبوقة في عصر حياة النبي صلي الله عليه و آله، وقد بلغت الأحاديث التي تشير وتثبت ظهوره الي ما لا يمكن عده ، ويعتبر هذا الاعتقاد ركن ركين واصل اساسي لعقائد التشيع . لهذا قامت الدولةالفاطمية في تونس علي اساس هذا الاعتقاد وكذلك في مصر في بداية القرن الرابع الهجري.

ص: 261

علي الرغم من وجود التفاوت بين محمد بن تومرت وبين الثقافة الشيعية والشيعة أنفسهم الا انه حاول اظهار نفسه بالمهدي، وطرح المهدوية باسلوب حماسي و مقتدر و مؤثر بعد أن بين اهمية الامامة باعتبارها الركن الأساسي للاسلام. يشير ابن تومرت الي احوال الفترة ما بعد الرسول الاكرم والخلفاء الأربعة في بداية حديثه وشرح بعد ذلك الفتن التي خيمت علي العالم الاسلامي بعد تلك الفترة ويعبر عنها كما يلي: «هذه فترة يختفي بها العلماء ويظهر الجهال، ويذهب فيها الصالحون ويبقي الطاغوت، الامناء يرحلون ويأخذ محلهم الخائنون، تغطي وجوه الائمة بالتراب ويظهر اصحاب البدع، يموت الصادقون ويبرز الكاذبون، يتعطل اهل الحقائق ويعمل اهل التعديل والتغيير والتلبيس والتدليس الي تبديل الأمور وقلب الحقائق وتعطيل الاحكام وافساد العلوم واهمال الأعمال وتموت السنن ويزال الحق ويقضي علي العدل ويصبح العالم مظلما بالباطل والجهل ويسود من الفسق والكفر والعصيان وتغير لونه البدع والأهواء ويطغي عليه الجور والظلم وتنتشر فيه الفوضي والفتن.

في هذا الزمن الغريب وعصر قلب الأمور والحقائق و تبديل الاحكام، ظهر المهدي، اختاره الله تعالي واودع فيه معاني الهداية ووعده ان يعيد الأمور الي مجراها ويهدم ذلك البناء علي يده باذن

ص: 262

الله ويقيمه علي اساس الحق، يخرج العلم من معادنه ، ويستنير العالم بنوره ويمتليء العالم عدلا بعد ان مليء جورا ... هذا ما وعد الله تعالي به المهدي وان الله لا يخلف ميعاده». .

وفي هذا الأثناء كان يوصي اتباعه بوجوب قبول دعوته بلا نقاش او سؤال كما ظهر ذلك من خلال وصيته التالية : «لهذا فان العلم بالمهدي واجب وسماع امره واجب واطاعته واجبة والاقتداء بافعاله واجب والايمان به والتصديق واجب علي الجميع ، والتسليم له واجب والرضي بحكمه واجب ... ويلزم رفع الامور اليه بصورة كاملة، موافقته تعني الموافقة مع الله ورسوله.

هو اعلم بالله من الجميع واقربهم اليه و تقوم لاجله السماوات والارض ، الايمان به سبب السعادة وطاعته تؤدي الي البركات .

وفي هذا الاثناء الذي يتكلم به حول المهدي المنتظر ويوضح هذه الافكار والاعتقادات لتثبيت المباديء الدينية والسياسية الدعوته نراه لا يغفل عن الهجوم علي المرابطين الذين دقوا طبولهم للقضاء علي دولته، وهكذا فقد خصص فصلا في كتابه للقضاء عليهم اعطاها صفة قدسية وثبت ذلك الهجوم بالمباني الدينية حيث كان يطلق عليهم بالمبطلين والملثمين والمجسمين ثم يتناول في كتابه فصلا آخر خاصة بالصلاة وفضيلتها والطهارة وغيرها ثم يتطرق الي التبديل والتغيير الحاصل بعد رسول الله صلي الله عليه و آله وفي هذا الفصل

ص: 263

تناول المهدي في حديثه والاحاديث المروية بصدده والتي تدل علي انه من اهل البيت واسمه اسم النبي صلي الله عليه و آله، وانه سيملا الأرض عدلا بعد ان ملئت ظلماوجورا، والمهدي من عترة رسول الله صلي الله عليه و آله ومن ابناء فاطمة عليها السلام وذكر خروج الدجال وهزيمته.

يمكن اعتبار كتاب (أعز ما يطلب) وصية سياسية علي الاغلب، أما كتابه الآخر (الموطأ) فهو يتناول علي الاكثر ابواب الأحكام والمعاملات والفروع وهذا ما لا علاقة له بهذا المتن ، ولكن يجدر ذكر هذه النكتة ان هذا الكتاب هو مختصر لكتاب مالك امام المذهب المالكي كما يذكر ذلك المؤرخون. لقد بحثنا في بداية هذا الكتاب عدة نكات مهمة وأساسية تتمحور حولها جميع حوادث قصة الجزيرة الخضراء ولاجل تذكرة القاريء المحترم نعيد ذكرها.

اولا: لا ثبات هذا الموضوع نذكر الي أن المصادر التي تذكر وتشرح تلك المعتقدات الشيعية الخالصة وخصوصا العقيدة بالامام صاحب الزمان و منجي العالم هي في متناول ايادي اي شخص لائق لذلك ام غير ذلك.

ثانيا : لهذا الاعتقاد جذور في جميع الأديان، وقد اشار كل مذهب الي هذا الموضوع وفق اصوله الاعتقادية بشكل من الاشكال. هذا من ناحية ومن ناحية اخري ان اغلب المتغطرسين وعلي مر التاريخ عندما تظهر بعض المقدمات، اما ان يقدم بنفسه

ص: 264

علي اخمادها او يوصي ويؤكد كثيرا علي الوقوف بوجه هذا الشخص.

بحثنا في الجزء الأول موضوع المهدوية من وجهة نظر الأديان والمعتقدات ، وفي الجزء الثاني ناقشنا موضوع التحريف مع الاستشهاد بامثلة موجودة الآن في حياتنا العادية، وعلمنا أن جذور انحراف بعض عقائدنا ترجع إلي مئات السنين ويجب علينا التيقن ان موضوعا مهما كالمهدوية لو بقي مصانا من التحريف لما كان هناك ادني مجالا للشك فيه او الترديد ! لهذا يجب أن لا تبعد عن اذهاننا تلك الحركات الانحرافية التي تهدف الي تخطئة أصول هذا الاعتقاد.

في القسم الثالث منه ذكرنا المتن الكامل لقصة الجزيرة الخضراء وقصة الانباري ثم حاولنا أن نمر علي التوضيحات التي كان لزاما علينا أدائها من خلال بحث موضوع القصة في فصول تاريخ الشيعة والعداءات الموجودة علي طول التاريخ للتشيع.

اما الجزء الرابع خصصناه لبحث العوامل التي ادت الي وضع هذه القصة بهذا المعني : أن القصتان كانتا تدور حول مسلمي الاندلس وحتي عصرنا الحاضر، وتناولنا كذلك التاريخ الاسلامي للاندلس، والثورات الواقعة تحت اسم التشيع في تلك الأماكن، وكما رأينا أن دولة بني حمود، وحكومة الموحدين استطاعت السيطرة علي مساحات واسعة امتدت من بلاد المغرب الاسلامي

ص: 265

من مصر ومراكش والاندلس (اسبانيا) وفي مدة زمانية معينة وان تاريخ هاتين القصتين قريب جدا من فترات هاتين الحكومتين الشيعتين في تلك المنطقة.

اما الآن سنتناول جميع الوقائع في الجزيرة الخضراء والمناطق والجزر المحيطة بها ابتداء من حضور المسلمين سنة 91ه- وحتي زمن انتهائه في تلك المنطقة وكذلك الي العقد الرابع للقرن الميلادي الحالي لكي يتضح لنا انها بدأت قبل ولادة إمامنا الثاني عشر (الحجة بن الحسن العسكري عليه السلام) ولا زالت مستمرة لوقتنا الحاضر، وان الامام عليه السلام لم يكن موجودا ولا الأفراد المنتسبين اليه كاولاد في تلك البقعة. وان ليس هناك أي وجود خارجي من هذا القبيل.

لهذا فان العلل التي ادت الي استمرار بحثنا حول التاريخ الاسلامي للاندلس هي اولا معرفة اسماء الاماكن والمدن، وثانيا استخراج الوقائع والعلل والعوالم التي يمكن أن يكون لها دورا في بناء الشائعات المشابه للقصة وتكون دخيلة في الأمد البعيد في وضع قصة الجزيرة الخضراء او قد تكون لها دورا مباشرا في ايجاد هذه الخزعبلات. لهذا نجتنب الشرح الزائد لحوادث الجزيرة الخضراء ونسعي الي العثور علي توضيح اكثر للمتن المختصر لتاريخ الاندلس وعند الحاجة سنعود الي المصادر المذكورة في آخر الكتاب .

ص: 266

الفصل الحادي عشر: الجزيرة الخضراء بين صفحات التاريخ

ص: 267

ص: 268

سنة 91 ه- ق : حدثت اول حملة اسلامية علي الجزيرة ء لانها كانت تقع في مدخل اسبانيا التي دخل اليها المسلمين و هذه السنة.

سنة 93 ه- ق : لأول مرة يحط موسي بن نصير رحاله في الاندلس بعد أن سمع بفتوحات طارق بن زياد، ومنها دخل إلي الجزيرة الخضراء.

سنة 65 ه- ق به الفتح الكامل لاسبانيا من قبل المسلمين الذين كانوا يتشكلون من القبائل والعشائر المختلفة، انتشر هؤلاء في المدن المختلفة فسكنت قبائل فلسطين في الجزيرة الخضراء ومالقة واطرافها. سنة 122 ه- ق : في زمن حكومة عبد الملك بن قطن الفهري في الاندلس امتد الإنقلاب الديني والسياسي الذي بدأ في افريقيا الي الاندلس كذلك ولغرض ايجاد قاعدة لدخول البربر تمت السيطرة علي الجزيرة الخضراء من قبل اولئك الانقلابيون في الاندلس.

سنة 125 ه- ق : قرر العرب بعد انتصارهم علي البربر في

ص: 269

الاندلس اعدام مجموعة كبيرة منهم في آن واحد الا ان وصول الحاكم المبعوث من قبل خليفة دمشق حال دون ذلك لانه اصدر او امرا بتغيير محل الجيوش المحاربة الي نقاط مختلفة وكانت الجزيرة الخضراء موقعا لاستقبال الجيش الفلسطيني.

سنة 143 ه- ق : بعد أن بدأت حكومة عبد الرحمن الداخل الأموي هجم علي الجزيرة الخضراء لغرض اسكات الفتن فيها وبهذا بدأ القتال بشدة مع احدمخالفيه ويدعي قاسم بن يوسف .

سنة 163 ه- ق : ثار رماحس بن عبد العزيز الكناني في الجزيرة الخضراء ضد بني امية وعبد الرحمن الداخل ، الا انه قتل في معركة حدثت بينه وبين الدولة الاموية في الاندلس.

سنة 245 ه- ق : شن النورمانيون هجوما بحريا علي السواحل الغربية للاندلس فتصدت لهم القوي المدافعة المسلمة فتحرك هؤلاء إلي السواحل الجنوبية والي مياه الجزيرة الخضراء، ولم ينفع دفاع اهالي الجزيرة في منعهم من الدخول اليها، لهذا دخلوها واحرقوا مسجدها الكبير واراقوا دماء كثيرة فيها.

سنة 273 ه- ق : في خلال هذه السنة واثناء فتره حكومة عبد الرحمن الداخل، صدرت الأوامر بتعريف مجموعة حربية من كل منطقة للاستعداد للقتال الصيفي فكانت حصة الجزيرة الخضراء 290 نفرتم تعريفهم الي الحكومة المركزية.

ص: 270

سنة 386 ه- ق : جهز المنصور بن أبي عامر حاجب الخليفة جيشا في الجزيرة الخضراء بعد أن غض النظر عن قائد جيشه الذي استعمله في قتال الشيعة آنذاك.

سنة 400 ه- ق : ثار البرابرة في زمن خلافة محمد بن هشام الذي حل محل ابيه، وتقدم هؤلاء باتجاه الجزيرة الخضراء.

سنة 446 ه- ق : قسم سليمان المستعين بعض المدن علي القبائل التي نصرته في الوصول الي الحكم فكانت الجزيرة الخضراء نصيب قاسم بن حمود.

سنة 446 ھ ق : ادرك المعتضد بن عباد الموقع الاستراتيجي للجزيرة الخضراء ولهذا سعي الي الاستيلاء عليها، وتحقق ذلك في هذه السنة وقام بالاستيلاء علي احد بوابات دخول الاندلس كذلك مما ادي الي القضاء علي دولة بني حمود هناك تماما .

سنة 450 ه- ق : ضيق المعتضد بن عباد علي ابنه اسماعيل واراد عقوبته ففر اسماعيل مع مجوهرات كثيرة الي الجزيرة الخضراء

سنة 478 ه- ق : بعد سقوط طليطة في فترة ملوك الطوائف، كتب ملوك المناطق المختلفة للاندلس الي المرابطين الذين كان لديهم حكومة قوية في المغرب يطلبون منهم النجدة والدفاع عنهم

ص: 271

امام الحملات المسيحية، فوافق زعيمهم يوسف بن تاشفين ولكن بشرط تسليمه الجزيرة الخضراء للاستفادة العسكرية منها. فقبل المعتمد بن عباد بذلك سنة 479 ه- فدخلها جيش المرابطين.

سنة 481 ه- ق : دخل المرابطون مرة أخري إلي الأندلس الحماية المسلمين فيها وذلك بطلب منهم، وقد دخلوا الجزيرة الخضراء أولا.

سنة 481 ه- ق : أبعد علي بن يوسف بن تاشفين ابن اخيه يحيي من المغرب الي الجزيرة الخضراء

سنة 483 ه- ق : خلع عبد الله بن بلقين زعيم ملوك باديس علي يد علي بن يوسف و تم ابعاده الي الجزيرة الخضراء.

سنة 500 ه- ق : بعد أن سار علي بن يوسف زعيم المرابطين (خليفة يوسف بن تاشفين) الي فتح الأندلس دخل في البداية الي الجزيرة الخضراء، وقام بترتيب اموره فيها ثم ذهب الي العاصمة.

سنة 541 ه- ق : عندما كان عبد المؤمن الموحدي (خليفة محمد بن تومرت المهدي) يستعد للهجوم علي مراكش، جاءت هيئات من الاندلس الي تونس وطلبت منهم المساعدة امام الحملات المسيحية، فاستجابت لهم وارسلت لهم جيشا الي الاندلس دخل بعد وصوله علي الفور الي الجزيرة الخضراء

ص: 272

وافتتحها.

سنة 542 ه- ق : بعد أن نشبت معارك بين الموحدين والمرابطين في زمان عبد المؤمن الموحدي، ثار اثنان من اخوة محمد بن تومرت وبتحريك من المرابطين ضد عبد المؤمن، ولهذا قام عبد المؤمن بتجهيز جيشا كذلك وارسلهالي الجزيرة الخضراء.

سنة 549 ه- ق : قسم عبد المؤمن الموحدي امارت الاندلس بين ابنائه بعد اضمحلال حكومة المرابطين والاستيلاء الكامل علي الاندلس، فكانت الجزيرة الخضراء والمناطق المجاورة لها من نصيب ابو سعيد بن عبد المؤمن.

سنة 557 ه- ق : بعد أن ثار (مردنيش) (محطم دولة الموحدين) سار جيش من الموحدين لقتاله فدخل إلي الجزيرة الخضراء.

سنة 560 ه- ق : عندما حل ابو يعقوب يوسف الموحدي محل اخيه عبد المؤمن ، بدأ اخيه ابو سعيد باثارة ما يقلقه لهذا أرسل اخاه الآخر ابو حفص عمر الي ابو سعيد لانهاء الأمر، فالتقي الاخوان في الجزيرة الخضراء وانتهت ازالة القلق من تمرده الذي كان عبارة عن شائعات مستترة.

سنة 565 ه- ق : وقعت حوادث كثيرة في الاندلس من جملتها

ص: 273

انتشار مرض الطاعون وحدوث زلازل عظيمة وكذلك هجم القشتاليون (مسيحي اسبانيا) علي الاندلس وامتد الي الجزيرة الخضراء.

سنة 580 ه- ق : بعد اضطراب اوضاع الاندلس علي اثر الهجمات المسيحية جهز الخليفة الموحدي ابو يعقوب جيشا جرارا وسار من المغرب لقتال المسيحيين في الأندلس، ولما عبر مضيق جبل طارق دخل الجزيرة الخضراء. وتوفي الخليفة ابو يعقوب في نفس هذه السنة في الجزيرة الخضراء.

سنة 586 ه- ق : كان هناك شخص يسمي أبو عبد الله محمد بن عبد الله الجزيري من اهالي الجزيرة الخضراء وهو احد علماء الاندلس المسلمين وكانت له انواع من العلوم، غضب بشدة وانتقد الموحدين الذين انحرفوا عن تعاليم محمد بن تومرت والذين التجأوا إلي الدنيا ولذائذها ونعمها، واراد ان يحيي المذهب التومرتي من جديد ولهذا بدأ بالتبليغ له ولما شاع خبره ألقي القبض عليه وقتل.

سنة 591 ه- ق : جهز الخليفة الموحدي يعقوب المنصور جيشا لقتال المسيحيين في اسبانيا وسار اليها واستقر في الجزيرة الخضراء.

سنة 624 ه- ق : عندما حضر الخليفة الثامن (المأمون) الي

ص: 274

الجزيرة الخضراء وصل اليه خبر وقوع مؤامرة وبويع اخيه يحيي الناصر، فغادر الجزيرة الخضراء علي الفور عائدا الي العاصمة.

سنة 626 ه- ق : جهز المأمون جيشا لقتال أخيه الذي ادعي الخلافة وسار بهم إلي الجزيرة الخضراء .

سنة 629 ه- ق : بدأت ثورة ابن هود من سنة 625 ه- ضد الموحدين واستطاع ان يستولي علي قسم كبير من الاندلس ، استغل المسيحين هذا الوضع المضطرب فزادوا من حملاتهم.

سنة 629 ه- ق : فرض ابن هود سيطرته علي الجزيرة الخضراء الا أن المسيحين كانوا يسعون إلي السيطرة علي الجزيرة الخضراء لقطع ارتباط ابن هود مع الحدود الجنوبية للاندلس، في نهاية الامر اضطر ابن هود (محمد بن يوسف بن هود) أن يعقد معاهدة مع المسيحيين علي ان يدفع لهم مبلغ مليون دينار.

سنة 630 ه- ق : انضم ابن هود ولأغراض سياسية تحت لواء الدولة العباسية، لهذا أصدر الخليفة العباسية اوامره لتحديد حدود دولة ابن هود من الشرق الي الغرب ومن الشمال الي الجزيرة الخضراء

سنة 659 ه- ق : جهز بني الأحمر اسطولا للهجوم علي الجزيرة الخضراء وكانو يدعون ويطالبون بحكومة الاندلس في

ص: 275

نفس الوقت الذي كان فيه ابن هود و حدثت بينهما معارك كثيرة، وفي النهايةكان مصير ذلك الاسطول هو الهزيمة.

سنة 668 ه- ق : بدأت غارات وهجمات المسيحيون بعد صمت محدود علي مسلمي الأندلس، وحمل المسيحيون في هذه السنة علي الجزيرة الخضراء واقدموا علي القتل والسلب هناك.

سنة 673 ه- ق : استنجد محمد بن الأحمر بأمير منطقة تلمسان القتال المسيحيين لهذا جمعوا الجيوش في هذه السنة في الجزيرة الخضراء وهجموا عليهم، وقد تدخل يوسف المريني لنصرة المسلمين ايضأ واتخذ من الجزيرة الخضراء مقرا لاستعداداته .

سنة 674 ه- ق : بعد انتهاء حرب المسلمين والمسيحيين ظل يوسف المريني ملك المغرب الذي جاء لنصرة المسلمين في الجزيرة الخضراء عدة أسابيع، وقد جهز مرة اخري في تلك السنة جيش الا ان المسيحيين طلبوا الأمان منه، فعاد بعد ذلك وظل فيها عدة اسابيع اخري للاستجمام والاستراحة

سنة 677 ه- ق : بعد موت امير مالقة، صير ابنه مملكة ابيه تحت أمر سلطان المريني، وقد أقلق هذا الأمر بني الأحمر لهذا عقدوا معاهدة صلح سرية مع ملك قشتالة (اسبانيا المسيحية) وقد وافقوا فيها علي اعطاء الجزيرة الخضراء الي الجيش المسيحي القشتالة . (ومن هذه السنة فصاعدا يحتمل أن تكون السنين التي ظهر

ص: 276

فيها فاضل المازندراني).

سنة 681 ه- ق : بعد تمرد ابن ملك اسبانيا المسيحية علي ابيه استنجد الأب بملك المغرب (السلطان المريني) فحصل بينهما لقاء في تلك السنة في الجزيرة الخضراء

سنة 683 ه- ق : بعد موت ملك قشتالة دخل بني مرين (سلاطين المغرب) افواجا افواجا إلي الجزيرة الخضراء والحدود الجنوبية للاندلس.

سنة 685 ه- ق : توفي السلطان ابو يوسف المريني اثناء عودته من الاندلس الي المغرب في الجزيرة الخضراء.

سنة 692 ه- ق : بعد موت السلطان المريني تربع ابنه علي كرسي الحكم في المغرب وهذا ما يخشاه ملك اسبانيا المسيحية لهذا مد يد المودة والصداقة الي ابن الاحمر. في ذلك الوقت كانت هناك جزيرة تقع بقرب الجزيرة الخضراء تسمي (طريف) وكانت تحت سيطرة بن سرين ، استطاع المسيحيون السيطرة عليها بمساعدة ابن الأحمر، وقد اتفقا علي جعلها تحت امر ابن الأحمر بعد سيطرة المسيحيين عليها ، الا أن المسيحيين تنكروا لذلك ولهذا ندم ابن الأحمر من فعلته وقدم عذره ليعقوب المريني واعطاه الجزيرة الخضراء لجبران ذلك الخطأ الحاصل، ولكي يتمكن ايضأ عن طريقها ارجاع جزيرة طريف التي تعتبر احد بوابات الاندلس.

ص: 277

سنة 709 ه- ق : كانت هذه السنة مشغولة بالاختلافات الداخلية للمسلمين في الاندلس والمغرب، وكان ملك اسبانيا المسيحية واسمه (فرناندوي الرابع) الذي لا زال في جزيرة الطريف يخطط لفتح جبل الطارق ولهذا أرسل جيشاالي الجزيرة الخضراء واستولي عليها، بعد أن استولي المسيحيون علي جبل الطارق في هذه السنة ندم سلطان بني الأحمر علي فعلته وطلب بعد العون مرة اخري من ملك المغرب آنذاك (ابو الربيع) وقام تسليمه الجزيرة الخضراء وقلاعها لتطييب خاطره.

سنة 713 ه- ق : جلس السلطان علي عرش الخلافة في غرناطة التي كانت الجزيرة الخضراء من ضمائمها، حدث ذلك لما ذهبت جميع الاندلس من المسلمين ولم يبقي تحت حكمهم الا غرناطة.

سنة 716 ه- ق : هجم الجيش الاسباني المسيحي علي غرناطة ثم ساروا الي الجزيرة الخضراء الا أن السلطان أبو الوليد أرسل اسطولا لحراستها فانصرف المسيحيون عن الدخول فيها.

سنة 725 ه- ق : قتل السلطان ابو الوليد اسماعيل علي يد والي الجزيرة الخضراء محمد بن اسماعيل ابن عم السلطان المقتول.

سنة 729 ه- ق : أعيدت الجزيرة الخضراء الي سلطان المغرب بعد أن ضغط المسيحيون بشدة علي والي غرناطة التي كانت بيده .

ص: 278

سنة 741 ه- ق : تصاعدت الحملات المسيحية علي اراضي المسلمين في عهد السلطان ابو الحجاج يوسف ملك غرناطة. وكان ملك اسبانيا المسيحية آنذاك آلفونسوي الحادي عشر ينظر بعين الطمع الي الاراضي الاسلامية لهذازاد من الهجمات عليهم في الوقت الذي لم تكن هناك وسائلا دفاعية كافية لدي السلطان ابو الحسن علي بن عثمان فأرسل سلطان المغرب جيشا مع ابنه للدفاع عن غرناطة فدخلها وحرر اراضيها المنبسطة واعلن فيها الجهاد.

سنة 743 ه- ق : بعد تسلط المسلمين علي الجزيرة الخضراء نشبت الحروب ثانية بينهم وبين المسيحيين واستطاع المسيحيون السيطرة علي الجزيرة الخضراء في هذه السنة وبهذا وقعت بوابات الاندلس الجنوبية تحت تسلط المسيحيين.

سنة 745 ه- ق : ارسل في هذه السنة سلطان مصر رسالة الي سلطان الاندلس يبدي فيها تأتفه لسقوط الجزيرة الخضراء.

سنة 750 ه- ق : بعد ان اعاد المسلمين السيطرة علي الجزيرة الخضراء هجم في هذه السنة المسيحيون القشتاليون مرة اخري واستولوا عليها.

سنة 769 ه- ق : لم يبقي سوي غرناطة في يد مسلمي الاندلس وانتقل حكمها بعد ابو الحجاج يوسف الي ابنه محمد بن يوسف الملقب (الغني بالله) فجهز في هذه السنة جيشا يقصد به

ص: 279

الجزيرة الخضراء، وحاصرها وأجبر المسيحيين علي اخلائها بعد معركة ضارية، وبهذا يعود هذا الحد القديم الي المسلمين بعد تسعة عشر سنة.

سنة 897 ه- ق : سقطت غرناطة، وهي آخر قاعدة اسلامية في الاندلس وهاجر اهاليها منها أفواجا افواجا وكذلك رحل اهالي الجزيرة الخضراء اليطنجة وهي من المدن الحدودية للمغرب.

وبعد الخروج الكامل للمسلمين من اسبانيا وقعت هذه المدينة كسائر المدن الباقية في ايادي المسيحيين ولا زالت كذلك تحكمها المسيحية ويسكنها المسيحيون.

سنة 1930 ميلادي : (قبل تسعة وستون سنة) استطاع شكيب ارسلان (وهو من الكتاب العظام و علماء العالم العربي وله مقام رفيع في عصره) من خلال سفراته السياسية وقدرته الفكرية أن يقضي علي الجمود الفكري والسياسي للمسلمين وظل خمسين سنة يسطع كالزهرة في سماء العرب (1).

جاء في كتابه الفتوحات الاسلامية في اوربا (في هامش صفحة 315) توضيح المطالب التي تدور حول بناء الأبراج علي يد

ص: 280


1- من مقدمة كتاب الفتوحات الاسلامية في اوربا تأليف شكيب ارسلان وترجمة علي دواني ، كتبت هذه المقدمة وأخذ منها ما يعرف شكيب.

المسلمين وجاء فيها ما يلي: «عندما كنا في سفرة الي اسبانيا سنة 1930 م، توجهنا من مالقه الي الجزيرة الخضراء بسيارتي، وطوينا هذه المسافة بمدة ستة ساعات، وكنا كلما قطعنا مسافة 300-500 متر نري برجا مخروطيا يناطح السماء بعلوه، وقد توجهت حينها الي أن لجميع هذه الابراج ماض اسلامي».

ويتضح من ذلك انه خلال هذا التاريخ الاسلامي وابتداء من فتح الأندلس علي يد المسلمين (الذي يعود الي قبل ولادة الحجة عليه السلام) وحتي عصرنا الحاضر (1930 م) لم يذكر لنا أحدا سوي السيد فاضل (مع تلك السابقة التي ذكرناها له ومن الممكن ان نضيف لها ايضأ) أنه شاهد الحجة المهدي عليه السلام واولاده او شيعته الاثني عشرية في تلك الجزيرة، واليوم ان اراد احد ان يزور مدينة فاضل المازندراني الخيالية يمكنه أن يسافر الي اسبانيا والوصول الي الجزيرة Algesrvas او الجزيرة الخضراء من خلال الخرائط الموجود هناك ، وتقع هذه الجزيرة مقابل مضيق جبل الطارق.

يعتبر تحليل اوضاع مسلمي الاندلس العامة من احدي المقدمات التي تساعد معرفتها علي الحركة باتجاه الاستنتاج والحكم العادل للقصة المذكورة، لماذا؟ لأن القسم الاعظم لهذه القصة يتعلق بالسيناريو الذي اخرجه فاضل المازندراني او يحيي الانباري في قصصهم حول موطن ابناء امام الزمان عليه السلام.

ص: 281

ص: 282

الفصل الثاني عشر: الأوضاع الاقليمية والاقتصادية لمدن الأندلس

ص: 283

ص: 284

جاء في قصة الانباري وفاضل تصوير خاص للمدن من الناحية الزراعية وقد كانت في اعلي المستويات واشاروا الي البساتين والمزارع الخضراء والمثمرة والأبنية الشاهقة والمساجد والحمامات والمكاتب و... والخ. وللتأكد من ذلك نمر سويا علي تلك الاوضاع من خلال لسان المؤرخين:

من خصوصيات الحضارة الاسلامية آنذك الشوق المفرط للعلوم والفنون، وقد انتشرت في جميع الاماكن : مراكز التعليم، والمكاتب والمجامع العلمية والادبية وكذلك ترجمت الكتب اليونانية، وشاع آنذاك تحصيل الهندسة، والطبيعيات والكيمياء، والطب وبنجاح عظيم، وارتقت التجارة كذلك الي اعلي مستوياتها : في مجالات المعادن والاسلحة والاقمشة والحرير وسائر المنسوجات، والجلود المدبوغة، والسكر، وقد توقر جميع ذلك بكثرة وكان يحمل من هناك من قبل التجار اليهود والبربر الي افريقيا والمشرق. (الرجوع الي لقاء فاضل المازندراني في الجزيرة الخضراء مع قافلة من احدي جزائر الشيعة !!! كانوا يحملون البضائع).

ص: 285

كانت قدرة الفلاحة والزراعة منتشرة بين المسلمين اكثر من العلوم والصنائع الاخري، كما يشاهد ذلك من خلال وسائل الري التي لا زالت آثارها لحد الآن باقية ، كانوا يزرعون في الأراضي الاندلسية قصب السكر و التوت والقطن والموز والتفاح والحمضيات وغير ذلك. كانت الأندلس في ذلك العصر وخصوصا الأراضي الجنوبية منها (منطقة الجزيرة الخضراء واطرافها) مثالا لجنة إرم. لقد اثبت المسلمون جدارتهم في جميع العلوم والفنون وكانوا ينافسون الروم في العمران العام وباقي الموارد العامة المنفعة، اين ما ينظر يمكن مشاهدة الطرق والجسور بكثرة وكذلك دور الاستراحة والفنادق والمستشفيات والمساجد والابراج والقلاع العظيمة جدا والشاهقة، لقد احدث المسلمون انقلابا في الاندلس طيلة هذه القرون من الناحية العلمية والمالية وصارت تاج فخر وشموخ فوق رأس اوربا.

يذكر نهرو العالم ورئيس الوزراء الهندي السابق في كتابه الذي قل نظيره (نظرة الي تاريخ العالم) يقول فيه:

«الفتره الحكومية للعرب في اسبانيا والتي بلغت 700 سنة محيرة جدا، وما يلفت النظر هو تلك الحضارة السامية والثقافة العالية والعظيمة التي اوجدها المسلمون».

يقول أحد المؤرخين المتأثرين بشدة في هذه الحضارة:

ص: 286

«أنشأ المسلمون في تلك الحكومة العجيبة مدينة قرطبة وهي اعجوبة القرون الوسطي في الوقت التي كانت جميع اوربا طامسة في الجهل والبربرية والجدال والنزاع، وقد رفعت لوحدها مشعل العلم والحضارة متوهجا تستنير منه جميع دنيا الغرب.

يستمر نهرو في حديثه فيقول: «لقد كانت قرطبة عاصمة ومركز لهذه الحكومة طيلة خمسمائة سنة وكانت تسمي (كردوبا) او (كوردووا). كانت قرطبة مدينة كبيرة يسكنها مليون نفر، كانت تشبه البستان العظيم ، طولها 20 كم ومحيطها 45 كم. قيل ان فيها 60000 قصر ومنزل عظيم و 200000 بيت صغير و 80000 دكان و مغازة و 3800 مسجد و 700 حمام عمومي. من الممكن أن تكون هذه الأرقام مبالغ فيها ولكنها تنقل لنا علي الاقل صورة عن هذه المدينة». الكلام طويل حول جمال الأندلس المسلمة وعن نعمها الالهية، ومن يريد التحقيق الأكثر في هذا الباب يمكنه الرجوع الي فهرست المصادر المذكور في آخر الكتاب. أما الهدف من ذكر هذا الموضوع بصورة مختصرة والذي يمثل التصوير الملقي من فاضل المازندراني حول ارض اولاد الامام عليه السلام فهو لتوضيح الصورة الحقيقة التي كانت في جميع البلاد الاسلامية للاندلس ، وسنذكر في صفحات الكتاب وفي الأجزاء التالية علل وضع هذه القصة والي الاسباب السياسية التي اوجبت اعتبار هذه الصفات للمدن التي يدعي فاضل بانه ينتسب الي ارض امام الزمان عليه السلام .

ص: 287

ص: 288

الفصل الثالث عشر: الأوضاع السياسية والثقافية لمدن الأندلس

ص: 289

ص: 290

الموضوع المهم الآخر والذي استخدم كوسيلة لوضع قصة الجزيرة الخضراء من قبل فاضل المازندراني هو الأوضاع السياسية والثقافية لأندلس المسلمين. وخصوصا في الفترة التي عقبت محمد ابن تومرت الملقب بالمهدي والذي كان يدعي بالمهدوية كما ذكر في جزء بحث حكومة الموحدين، ومرورا علي ماضي محمد بن تمرت وتعاليمه يتضح لنا بأنه اعلن صراحه عن انه المهدي ومن سلالة أهل بيت العصمة عليهم السلام وقام باظهار الآثار والعلامات التي أشار اليها الأئمة في رواياتهم والرسول الاكرم صلي الله عليه و آله في احاديثه حول المهدي وزمان ظهوره، وكما هو موجود في احاديث علائم اخر الزمان ولا زالت لحد الآن في متناولنا، ومن العلامات هي اختلاف الأوضاع وانقلابها ، اي تعمل المرأة عمل الرجل ويعمل الرجل عمل المرأة، ويرتدي الرجال زي النساء ويلبس النساء زي الرجال، ويصير الذنب أمر طبيعي وكذلك المعصية، وينسي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبالاضافة الي تلك التي لم نشر اليها وكانت موجودة في حكومة المرابطين والتي تم القضاء عليها من قبل الموحدين، وتصبح الاعمال الحقيرة والفحشاء والفساد علنية في-

ص: 291

جميع البلاد الاسلامية .

بدأ دعوته الكاذبة عن طريق التمسك بالاوضاع التي كانت موجودة آنذاك وبناء صورة لنفسه مشابهة لما هو موجود في الروايات وحتي انه اهتم في رعاية الأيام والازمنة المشخصة في الروايات كعلامات ظهور.

وقد جعل بدايتها حسب الروايات يوم الجمعة المصادف الخامس عشر من شهر رمضان. وهذا ما لا يدع الشك ولا ترديد في قلوب العالم والعامي ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد قام المحيطون به والذين قسموا الي طبقات معلومة بنسج الاراجيف الغرض التقرب اليه وقد ادي ذلك الي احاطة المهدي الكاذب بهالة قدسية ، وقد اصبح هذا الأمر اشد بعد موته حتي انهم اشاعوا بانه عاد لغيبته ثانيه وسيظهر في زمان معلوم. لقد لجأ خليفته الي ذلك ايضأ، كما لاحظنا أن دولة الموحدين كانت قائمة علي مباني دينية محضة وكانت قرينة لدولة المرابطين في هذا الباب، الا ان هناك تفاوت كبير بينهما، المباني التي كانت دولة المرابطين تقوم عليها هي العقيدة والدين والجهاد في سبيل نشر الدين وكان ذلك في بداية اعمالهم فقط واصبحوا بمرور الزمان مصداقا للمفسدين والمفتنين. اما الموحدين فكانت خصوصيتهم هي الاستناد إلي مباني الامامة الدينية و نظريه المهدي المنتظر وكانت تشابه في هذا الجانب الدولة

ص: 292

العبيدية الفاطمية ، ولكن مع ان الموحدين كانوا يعتقدون باصل المهدوية كالفاطميين الا ان حركتهم كانت مستقلة عن التشيع في شرق العالم الاسلامي واعطت لمهدويتها صبغة محلية مغربية(1).

كانت رئاسة الموحدين واحدة في بداية امامة مؤسسها محمد بن تومرت وظل علي رأسها لمدة سنتنان ولم تتخذ اية صبغة اخري وكانت هذه الامامة هي مصدر السلطة الدينية والسياسية، وكانت حكومة الموحدين في هذا العصر عبارة عن أحد الحكومات الدينية .

كان اصحاب العشرة او ما يسمي بالجماعة يساعدون امامهم في أعماله وفي الحقيقة كانوا وزرائه، وبعد موت ابن تومرت في رمضان سنة 524 ھ المصادف 1130 ميلادي حل محله ابرز تلاميذه وهو عبد المؤمن بن علي، وفي زمانه توسعت دولة الموحدين وحلت الخلافة تدريجيا في عهد محلالامامة.

اهتم عبد المؤمن برعاية جميع تعاليم امامة المهدي وكان يستعمل لفظ (امام العصر المهدي المعلوم) في خطبه و مكاتباته الرسمية. اقدم عبد المؤمن علي حركة كان يبغي منها علاوة علي

ص: 293


1- من أدلة مؤامرة وضع قصة الجزيرة الخضراء (التي سيأتي شرحها لاحقا) هو عدم الوصول الي اهدافها المعينة سابقا في الامد القريب ، وهذا التفاوت في تعريف المهدي من النوع المغربي .

التغيير البطيء لظاهر الفترة السابقة الا أنه زاد من قداستها بعنوان استمرار للحكومة العالمية للمهدي المنتظر. وقام بتقسيم الاصحاب الي ثلاثة مجاميع بدلا من تقسيم ابن تومرت الي العشرة والخمسين والسبعين وغيره. المجموعة الاولي اطلق عليها اسم السابقون الأولون وهم الذين كانوا يصلون خلف المهدي وكانت لهم الأسبقية في بيعته وهكذا بالنسبة للمجموعتين الباقيتين . اعطي تدريجيا صبغة اخري للامور وقد نظمت له وثيقة نسب تتصل بأهل البيت، وكان اصل مهدوية حكومة محمد بن تومرت قائم الي قرون من بعده.

أما الآن نستجمع جميع المعلومات التي وردت من بداية الكتاب وفي مقدمته واجزائه المتفاوتة ونضعها إلي جانب بعضها البعض لكي نعثر علي جواب مناسب لهذا السؤال الأساسي، سؤال وهو: ما هي علة وضع قصة الجزيرةالخضراء ؟ ولماذا يدعي البعض مثل فاضل المازندراني بوجود واستقرار المهدي عليه السلام في تلك الارض البعيدة وفي قلب المحيط الأطلسي ؟ ولماذا لم نعثر علي مصدر آخر ابتداء من تاريخ وضع القصة ولحد الآن ذكر فيه ان هناك افراد آخرون ذهبوا إلي هناك بعد سماعهم لقصة فاضل وقابلوا امامهم. أما الآن اذا شاء الله نود جمع مطالب هذا الكتاب الذي اشتمل من اوله الي آخره علي متون تاريخية معتبره للعثور علي جواب السؤال السابق.

ص: 294

الفصل الرابع عشر: بحث علل تأليف قصة الجزيرة الخضراء

ص: 295

ص: 296

يمكن من خلال نظرة واحدة للمتن الموجود والذي جمع من المصادر الاساسية للتاريخ الاسلامي والمسيحي تشخيص الكذب المحض لهذه القصة وكذلك بطلان الادعاء القائل برؤية موطن الامام عليه السلام وابنائه.

اما الموضوع الآخر هو ما هي علة تأليف مثل هذه القصة وفي هذا الموضوع المهم ؟

نعود ثانية الي قصة الجزيرة الخضراء ودور فاضل المازندراني (وهو الراوي الأصلي لها) فيها.

يمكن بحث العلاقة بين فاضل وهذه القصة من جنبتين، هما:

الف): علي فرض تشيع فاضل وايمانه القلبي في عقائد الشيعة : نلقي الضوء ثانية علي مارواه فاضل:

كان رجل مسلم ومن شيعة علي بن ابي طالب واثناء سفر له إلي الأراضي الاسلامية وقد وصل صدفة الي اندلس المسلمين يشهد بعض الحوادث هناك، رأي في البداية قافلة تحمل البضائع من جزر الشيعة وبعد التفحص والاستفسار من اصحاب القافلة

ص: 297

عرف بان هناك جزر شيعية في المنطقة.

كما مر علينا في فصل تاريخ اندلس المسلمين وبحث الثورات الشيعية في الأندلس، كان جميع سكان الجزيرة الخضراء والمناطق المحيطة بها ابتداء من فتره حكومة بني حمود في القرن الرابع الهجري فصاعدا من الشيعة ولكن ليس التشيع الذي نرثه نحن اليوم وانما التشيع الناشيء من الاعتقادات الشيعية الزيدية الذين ينظرون الي ان الامامة تتوقف عند ابن الامام جعفر الصادق عليه السلام ولا يؤمنون بالائمة الاثني عشر وغيبة الامام الثاني عشر. فلما سمع فاضل اسم الجزائر الشيعية التي لم تذكر سابقا في سائر البلاد الاسلامية الأخري تعلق بالموضع وسافر الي الجزيرة الخضراء والمناطق المحيطة بها او ما يطلق عليها بالجزر الشيعية.

لما شاهد الوضع الاقليمي لها والابنية وتعرف أكثر علي سكانها طرق مسامعه اخبار عن المهدي، لا يفوتنا أن نذكر أن فاضل كان رجل متعلما وعالما بالمعتقدات الشيعية، ولهذا فبعد التفحص الكثير والبحث الدقيق استطاع معرفة الشائعات التي كانت تدور حول محمد بن تومرت او المهدي الخيالي بعد موته وكيف أنها كانت محاطة بهالة من القداسة، وبالتالي استطاع الوصول الي اثاره أيضا. أما الشيعي الحقيقي والاثني عشري فهو علي يقين بان هذا المهدي هو ليس ذلك المنتظر والموعود او قائم آل محمد صلي الله عليه و آله، وبعد

ص: 298

أن زار تلك المناطق اصابته حالة من السرور بسبب وجود جمع كثير من الناسفي احدي الدول المسلمة النائية تدين بالمذهب الشيعي، وبالنظر لشوقه المفرط في نقل اخبار ما شهده لم يبقي له مجالا الزيارة سائر البلدان الأندلسية المسلمة الباقية مما اضطره الي تركها والسفر الي ارض الشيعة الحقيقية في عراق العجم.

وبعد ذلك شعر بان هناك مشكلة تواجهه وتواجه مشاهداته وهي فيما لو اراد نقل ما رأي بصورة حقيقة فان ذلك سوف لا يعود عليه بالخير ، لماذا؟ لأن خلفاء الدولة الفاطمية آنذاك كانوا قد أقاموا دولة شيعية في مصر تحت شعار المهدي الموعود، وان علماء الشيعة كانت لهم فراسة في ذلك العصر بحيث وضحوا بسرعة فائقة عدم ارتباط تلك الحكومة مع الحكومة العالمية للمهدي الموعود، ولهذا فان ذكر ما شاهده سوف لا يكون له الا التبعات السلبية فقط ، ولهذا دفعه منطق الشهرة والبروز الي تأليف قصة تحت عنوان الجزيرة الخضراء والتي هي في متناولنا الآن.

لقد رتب فاضل المازندراني قصته بالشكل الذي لو اراد شخص او اشخاص متابعة وقائعها والتدقيق في مسير سفره هو واصحابه او كذلك التفحص في ما رآه لشعر بأن جميع ذلك قريب للواقع بغض النظر عن سفره من دمشق إلي مصر ومنها الي الاندلس وانما نقصد الاوضاع الاقليمية وحالة البناء وسيرة الناس و... كل

ص: 299

ذلك كان مشابه لما هو في اراضي شيعة الاندلس المسلمة واما سائر الموارد كان لها علي الأقل ذكرا في الشائعات التي تدور حول قداسة المدعين بالمهدوية في اماكن سكناهم وهذا موضوع منفصل عن قضية المياه البيضاءالتي سنبحثها في جزء منفصل.

بعد أن نقل فاضل القصة ظهرت آثارها وكما كان يتوقع علي المستميعن في ابداء الاكرام والاحترام التي كانت تمثل عقدة يشعر بنقص منها وهي التي دفعته الي الكذب والتلاعب بمشاعر الناس النقية وعقيدتهم الخالصة بامام الزمان عليه السلام كما جاء ذلك في بداية القصة علي لسان المستمعين ورواة القصة المتأخرين عنه وقد ذكروا القاب و عناوين مختلفة لفاضل جعلته باقي الذكر بين رجال

المسلمين.

ان كل ما عرض عليكم لحد الآن نابع من نظرة متفائلة الي قصة وشخصية فاضل المازندراني الذي كان يبغي من اكاذيبه الشهرة والعظمة وابقاء اسمه بين العلماء وهذا ما شاهدتموه من الصفات المذكورة في متن القصة مثل : الشيعي الخالص الذي كان الاثقا لمقابلة الوجه الملكوتي لامام الزمان عليه السلام بالاضافة الي ذلك فقد اعطي لنفسه مكانة بين طيات قصته الخداعة.

امام الآن نبغي القاء نظرة واقعية حول تلك الأحداث ونتفحص الموضوع من هذه النظرة. (قد يشتبه بعض الأصدقاء

ص: 300

الخضر !!! بين لفظي الواقعية والتشاؤم، ولكن نأمل أن يكون ما يطرح ناتج من النظرة الواقعية وليس التشاؤمية).

بدأت الأوضاع العامة للشيعة في التحسن والاستحكام منذ بداية القرن الرابع الهجري وذلك لانحلال وتفتت اركان الدولة العباسية في تلك الفترة علاوة علي ذلك ظهور ملوك الدولة البويهية وكذلك الدعوة الاسماعيلية في نهاية القرن الخامس الهجري في قلاع الموت، وقد ظلت الدولة الاسماعيلية في حالة استقلال كامل بحدود القرن والنصف في وسط ايران و نواحي من مصر، ومن الطرف الآخر ظهرت دولة المرعشي في ايران وظلت حاكمة لسنين طويلة،بالاضافة الي ذلك اختار السلطان محمد خدا بندة (وهو من ملوك المغول) المذهب الشيعي بعد ان كان مصدر خطرا علي المسلمين في بداية الأمر، واعقب السلطان محمد ملوك من المغول ظلو يحكمون ايران لسنين طويلة وقاموا بترويج التشيع، ونضيف الي ما سبق أن سلاطين آق قويونلو وقرة قويونلو الذين اتسعت حكومتهم من تبريز الي فارس و كرمان وكذلك قامت الحكومة الفاطمية كما كانت سابقا في مصر.

ان هذا الوجود العظيم للشيعة سلب بلا شك النوم من عيون المخالفين، ومن المسلم أن هذا الصوت العظيم طوي تلك المسافة البعيدة وصل إلي الطرف الآخر، وجري كذلك علي اقلام

ص: 301

المؤرخين، وكما هو الحال في ابن خلدون الذي يعتبر من خدام حكومة الموحدين وكما هو واضح من تاريخه المعروف الذي يأخذ به الكثير من المحققين ، فقد كان يكرر موضوع ازدياد قدرة التشيع في العالم الاسلامي خلال هذه السنوات (تأليف الجزيرة الخضراء).

لقد اظهر المخالفون من خلال سوابقهم المظلمة وطرقهم الضيقة في التاريخ، قبحهم ونحوستهم في موارد عديدة وبصورة علنية وقذرة ولهذا فان تصورنا بأنهم سيتركون الأمر بلا رد فعل سنكون قد ارتكبنا اشتباه عظيم

نعم، لم يجلس المخالفون بلا عمل، وقد علموا بان القدرة العسكرية عاجزة عن أداء دورها في هذه المرة (ذلك الدور الذي لعبته القوة العسكرية في أواخر القرن الرابع وبداية القرن الخامس وكان متمثلا بجرائم فجيعة وقتل شنيع للشيعة في اراضي الشام والعراق)، ولهذا انتشرت الاساليب والافكار الناتجة من الالعاب السحرية لمعاوية وعمرو بن العاص، ولكن في اشكال اخري في البلدان الاسلامية، وبصور تطغي عليها الخديعة والحيلة والكذب والادعاء الباطل في سبيل توجيه ضربة قوية إلي الجسد الثقافي للتشيع والذي هو مكتوب لديهم وفي اختيارهم وواضح لهم ومكشوف. تقوم الثقافة الشيعية علي أربعة عشر منبع للنور وحان الآن إلقاء العراقيل في هذه الأركان العظيمة التي كانت كل منها

ص: 302

تأخذ مكانها الطبيعي في الساحة العقائدية للتشيع، لقد حان الوقت التوجيه ضربة الي العمود الاصلي لهذه الخمية الا وهو الاسم المقدس للمهدي، لقد كان الاعتقاد بالمهدي والمهدوية متألقا فوق قمم التاريخ وله جذور في الصفحات العقائدية لجميع الأديان، وكان كالحرير المطرز باسم منجي آخر الزمان.

الاعتقاد بمصلح آخر الزمان في العقيدة الشيعية هي من نوع آخر يمكن رؤية قواعد اسسها قبل تولده عليه السلام في احاديث الرسول الاكرم صلي الله عليه و آله.

آن نقطة ارتكاز الشيعة علي طول التاريخ وفي تحملهم للظلم والجور قائمة علي عقيدة ظهور المهدي والامام الثاني عشر من السلالة النبوية الطاهرة، نستنتج من ذلك انهم صوبوا برأس سهمهم باتجاه هذا الركن الركين للايدولوجية الشيعية. لقد كانت الشام مهد جميع الخطط التي تخالف العقائد الشيعية والاسلامية النقية لاهل البيت عليهم السلام وكانوا يرون وجوب الاسراع في اتخاذ المواقف المقابلة لاتساع القدرة الشيعية، وان حاول المخالفين العمل علي تزريق الأفكار والعقائد الباطلة في خطوط دفاع حريم ولاية أهل البيت فانهم بلا شك سيتلقون الضربات المهلكة من المدافعين علي هذا الحريم المقدس، ولا يستبعد ان يصبح حالهم أظلم وايامهم سوداء وهذا ما سنلمسه لو أجرينا مقارنه بسيطة بين رواية محمد بن يحيي

ص: 303

الانباري وقصة علي بن فاضل المازندراني والتي كانت الفاصلة بينهما 180 سنة، ولعرفنا سبب عدم اشتهار رواية الانباري مقارنة مع قصة فاضل، ولادركنا سبب ابتداء النشاطات المضادة بعد شيوع قصة فاضل في حين أن ذلك لم يحدث مع قصة الانباري ، وفي وقتنا الحاضر ما هي علة كتابة شعر المدح وقراءة الاناشيد التي تمتدح الجزيرة الخضراء في حين أن ذلك لم يحصل مع قصة الانباري ؟ والسبب واضح جدا هو وجود التفاوت بين الروايتين. ان راوي قصة الانباري شخص مسيحي يتميز بالعناد واللجاجة والظلالة ، وعلي الرغم من انه يثني ويكرم في هذه القصة الا أن ذلك لا ينطوي علي المسلمين وخصوصا الشيعة، لان المسلم الشيعي لا يمكنه تصديق حتي المعجزة التي تنسب الي عمود الدين والي ايمانه والتي روي علي لسان المسيحي ولكن ....

ولكن لو تروي علي لسان مسلم او خصوصا مسلم شيعي فانها ستشعل نار الانتظار الشيعي وتزيد من لهيبها حتي يصل الأمر بها الي ان تدفع صاحبها إلي تأسيس مؤسسة (الخضراويون)!!، واخذ المشورة من المتآمرين، ونشر خبر تأسيس حركة لاتساع الشيعة واستلام القدره في الدول الاسلامية الي القادة المخالفين لهم ابتداء من الشام والي العراق و ايران و مصر الأندلس، فيقوم علي الفور زعماء الباطل في الشام بالتحقيق عن قوة هذا الموضوع

ص: 304

ويقترح علي اثر ذلك علي سبيل المثال الشيخ زين الدين (المغربي الاندلس) المالكي امرا عظيما الا وهو (الهجوم علي قلب التشيع).

كان هذا الاستاذ والعالم الاندلسي والمقيم في الشام يعمل اكثر من اي فرد آخر بتاريخ ارض الأم (المغرب والاندلس)، وكان يعرف محمد بن تومرت وقطعا قرأ كتبه ، وكان له ارتباطا مع اندلس المسلمين علي الرغم من انه يسكن الشام، لماذا؟ لأن أباه كان فيها ويحتمل أن يكون جميع قومه فيها (الاندلس)وهذا الارتباط بحد ذاته يجعله واعيا بالاوضاع السياسية الحاكمة علي أندلس المسلمين، والأهم من جميع ذلك علمه بدعوي مهدوية محمد بن تومرت، ويدري ان الاخير استفاد من أبرز وادق العلامات للمهدي الموعود في سبيل اعلان هذا الادعاء الكبير، ويعرف جيدا أن المهدي الكاذب رحل عن الدنيا وان مرقده كان يمثل محلا للزيارة ويحافظ عليه موحدين الاندلس. ومن هذا بدأ وضع الاطار العام للمؤامرة والتي تتمثل بنشر اشاعة (وفي اية طريقة كانت داخل العالم الشيعي) تقول بان المهدي يسكن احدي جزر الدول المسلمة في الاندلس ولا زال هناك مع عائلته وعشيرته واهل بيته . بعد أن شاع امر هذه القصة ذهب البعض علي الفور الي هناك، وبعد وصولهم عثروا علي قبر المهدي من خلال سكان المنطقة. وبعد عودتهم تسدل ستائر آخر فصول تلك المسرحية بذلك الخبر المشؤوم الذي

ص: 305

أتوا به الي هناك. شاع خبر موت الامام المهدي، وهنا أصيب قلب عقيدة الشيعة بسهم حقد المخالفين وتبددت تلك الآمال التي تحملوا من اجلها جميع الظلم والمصائب وتحولت الي يأس، وان انهدام هذا العمود العظيم كان بمثابة زوال مفهوم التشيع وسيصبح مستحيلا بين تلك العقائد الباطلة المنحرفة».

بعد وضع الاطار العام للمؤامرة يلزم هنا الاستعانة بلساني أو راوي له مقبوليةفي اوساط الشيعة لكي تثبت في صفحات التاريخ كما حدث ذلك مع رواية الانباري . لقد حلت هذه المشكلة ايضا علي يد الاستاذ الاندلسي ، نعم علي يد ذلك الطالب الذي رباه بنفسه وينتسب الي عائلة شيعية المذهب ويشتهر اهله بتشيعهم في منطقتهم بالاضافة انه تتلمذ لسنوات طوال علي يديه وأشبع من الترشحات الفكرية والعقائدية لهذا الاستاذ وقد صيره ذئبا في جلد خروف وهذا افضل اختيار لذلك الدور.

با در اساتذة الفن الذين كانت لهم مهارة كافية في علوم الصرف والنحو والمنطق والمعاني والبيان والاصول وادبيات العرب والتاريخ و... الي تفصيل ووضع تلك القصة وباسلوب اخذ بنظر الاعتبار جميع النكات والمراحل والشخصيات والاماكن والمحلات والابنية والبساتين والأوضاع الاقليمية والجغرافية والاقتصادية وباسلوب ساحر جدا بحيث لو سافر المستمع الي تلك

ص: 306

الارض الشيعية في دولة الاندلس المسلمة لما وجد هناك أي تفاوت أو عدم انسجام في مجريات القصة وبين مشاهداته ولا يشعر علي الاطلاق بانها موضوعة ومجعولة وقد أخذ علي بن فاضل المازندراني من استاذه كل ما يحتاجه لاداء دوره بصورة كاملة .

ومن هنا يمكننا تقسيم الاحداث الي حالتين :

الحالة الأولي : وهي عدم ذهاب فاضل الي اندلس المسلمين علي الاطلاق وانما سافر بصورة مباشره من الشام الي العراق بحثا عن زعماء التشيع في ذلك العصر، ومن اجل الاحتياط في عدم مقابلة اي عالم شيعي كامل ، كان عليه اجتناب الحضور في محضر اي من مراجع التقليد لان كل منهم يمثل النائب العام الامام العصر وقد يرتبط البعض منهم بمولاهم صاحب الزمان بصورة مباشرة ، وكذلك يفترض به عدم الذهاب الي المدن مثل كربلاء والنجف ، فذهب الي سامراء وكان فيها اثنان من رجال الدين السادة والعلماء هما: (شمس الدين نجيح الحلي و جلال الدين عبد الله بن حوام الحلي) وقص عليهما قصته ، وكانا هذان العالمين بمستوي علمي لا يمكنهما من استنباط الحق وتشخيص الباطل، وطلبا منه الحضور في مدينة الحلة لقص ما تبقي من قصته وقد دون (فضل بن يحيي بن علي الطيبي الكوفي الأمامي) جميع مراحل تلك الواقعة ونتج من

ص: 307

هذا العمل ما هو موجود في متناول الجميع .

أما الحالة الثانية : يمكنها ان تكون بالشكل التالي، قد يكون سفر الاستاذ الاندلسي مع معيته من الطلاب والاعوان الي البلاد الغربية حقيقة وواقع، مع بقاء التمهيدات السابقة لاجراء الخطة علي قوتها وفي نفس الوقت يبغي من ذلك مشاهدة المناظر وخصوصا اثناء العبور من مصر التي تمثل احد قواعد الدولة الفاطمية الشيعية بالاضافة الي الاختلاط بسكانها للحصول علي معلومات اخري . وبهذا يستطيع فاضل من خلال تركيب الطرح الأصلي للقصة مع ما سمعه من هنا وهناك أن يخرج قصته التي قل نظيرها . وكذلك تمكنوا من الاضافة الي كل ذلك من خلال عبورهم من مصر ودخولهم الي الاندلس المسلمة ورؤية الجزيرة الخضراء عن كثب وملاحظة اوضاعها الاقليمية الخاصة وكذلك الجزر المحيطة بها والاستماع الي الجديد حول حياة المهدي محمد بن تومرت(1)، واستطاع

ص: 308


1- من الشائعات المنتشرة في اندلس المسلمين وخصوصا في المناطق الشيعية هي موضوع عودة المهدي بعد وفاته كما في صورة انقراض دولة الموحدين الذي كان اساسه ذلك القصر الشامخ القبائلي الذي كان مسندا لتلك الدولة والذي سقط ايضا وادي الي انقسام هذه القبائل الي مجموعتين، الأولي بعد سقوط دولة الموحدين التي انزوت في محيطها الجبلي وظلت هناك ، والثانية التي أصبحت منازلهم علي الحدود بين الاندلس والمغرب (حوالي الجزيرة الخضراء)، وقد ضعفت تلك ايضأ بعد سقوط دولة الموحدين وصاروا رعايا عاديين في قبيلة (تينملل) التي نزل بها المهدي وبني فيها بيته و مسجده، وظل قبره فيهم الي حوالي سنة 780 ه- يتمتع بحالة تعظيمية وتكريمية من قبل الناس وكان قراء القرآن يتلون القرآن في ذلك المكان وكان له حراس خاصين ويأتي الناس لزيارته ويقدمون النذور والصدقات ، كان سكان بينملل واكثر قبائل الموحدين يعتقدون ويجزم أن المهدي سيعود وتظهر دولته في المشرق ويمليء الدنيا عدة وقسطة بعد ان ملئت ظلما وجورا . (ابن خلدون جملة 6).

بالنتيجة من ترتيب سيناريو منسجم ونافذ ومؤثر بعد سفرهم الي الجزيرة الخضراء ومشاهدة آثار المهدي في تلك الأرض والمرور علي آثار ابن تومرت وخصوصا تلك التي تشير الي موضوع المهدي والمهدوية (التي ذكرناها في جزء افكار و آثار محمد بن تومرت) ومن ثم يتجه من المغرب الي العراق ويفعل ما ذكر سابقا).

ص: 309

ص: 310

الفصل الخامس عشر: نقد لمؤامرة دامت 720 سنة

ص: 311

ص: 312

علي أي حال فان الحركة التي بدأها اعداء أهل بيت العصمة والطهارة وابناء اولئك الذين غصبوا الخلافة الحقة منهم أو قتلة اولاد رسول الله صلي الله عله و آله مع انها لم تعطي ثمارها في زمانهم الا ان اليوم ظهرت آثارها وفي ارض شيعة ايران وفي مركز التشيع والعلوم النقية لاهل البيت (في قم) وباقي المدن الايرانية وهذا ما يدعو الي التأسف حقا في حين أن تاريخ الشيعة السابق قد ترك نكاتا مشرقة وبارزة كثيرة جدا، منها أن حماة حريم التشيع آنذاك بكافة هوياتهم لم يتركوا مجالا لسراية هذه القصة المسمومة وحالوا دون الهدف الأصلي الذي يبغيه مخططوها، ولكن يبدو أن هذا الأمر قد فقد خصوصياته في عصرنا الحاضر مع ذلك فان هذه القصة لم تري النور الا في عدد قليل وغير مهم من الموارد التي أشير اليها من تاريخ تأليفها ولحد الآن أي بحدود 720 سنة، وقد عبر عنها في بعض المؤلفات مثل بحار الانوار وبصراحة انها غير موثوق بهاولا يمكن الاطمئنان لصحتها أو الاعتماد عليها. وكما يعبر عنها الكاتب المحترم : «الجزيرة الخضراء اسطورة خيالية ام واقعية»، اما الشهرة التي لم تتجاوز ذكر اسمه في بعض المصادر الضعيفة فانها ناتجة من تلك

ص: 313

القصة واما الآن فيجب علينا معرفة أسباب تلك الصراخات التي تدعو الي اتساع نشر تلك القصة المضحكة في عصرنا الحاضر مع انها كانت عديمة الأثر في تلك السنين الطوال الماضية.

ولم نشاهد أية اشارة اليها من كبار العلماء كالعلامة بحر العلوم الذي عرف بارتباطه مع صاحب الامر والزمان عليه السلام ولم نسمع منه أي رد عليها كذلك.

ان الدليل والسبب يمكن خلاصته في كلمة واحدة وهي وعي اولئك العلماء ويقظتهم. كان علماء السلف اكثر يقظه واشد شعورا بالمسؤولية من الخلف ودليل ذلك هو الشيوع المجدد لهذه القصة بين النسل الحديث الذين يختلفون مع الجيل الماضي في لحاظ الانشاء والتكوين، وهذا الأمر بمثابة صفارة انذار او تحذير شديد للجميع.

ان كذب موضوع حضور امام الزمان عليه السلام في الجزيرة الخضراء اظهر من الشمس وهو تلفيق محض.

كانت الجزيرة الخضراء تتميز بمائها العذب وجوها اللطيف وارضها الخضراء الخصبة في الفترة الذهبية لحكومة مسلمي الاندلس وكان لها أبراجة شاهقة وقلاعا ضخمة، وبالنظر لوقوعها في انتهاء دولة مسلمي الاندلس وتقع خلفها جزيرة مضيق جبل طارق والتي تعتبر بداية ثغور وحدود مسلمي الاندلس مع سائر

ص: 314

البلدان لهذا تتمتع هذه الجزيرة بموقع استراتيجي مهم جدا وان بناء الابراج العالية فيها والعمارات الضخمة يعد أمر طبيعي لانها كانت مقرأ لاستعداد الجيوش الاسلامية ومركزا لاستراحتهم.

نستنتج من خلال مراجعة التاريخ الاسلامي للاندلس والنظر في الأوضاع العامة له أو علي الأقل من خلال قراءة فهرست وقائع واحداث الجزيرة الخضراء المدونة في هذا الكتاب أنه من المستحيل أن يوجد شيء من هذا القبيل في هذه الأراضي أو في المناطق المحيطة بها أو علي الاقل ان السنوات المنحصرة بين 500 - 700 ه- ق وخصوصا في أواخر القرن السابع (سنة 650 ه- فصاعدا) كانت تشير الي التفوق العسكري للمسيح في شبه الجزيرة الاسبانية ، وان هذا الأمر بعيد جدا عن العقل لان يكون هناك وجود لتلك الجزيرة الخضراء او الجزر الشيعية التي كانت موطنا لتلك الجيوش الجرارة آنذاك في الاندلس او المناطق المحيطة بها، وانه من غير الممكن أن يكون ذلك الجيش المسيحي الكبير والمتشكل من خمسة قوي حربية (فرنسية وبرتغالية واسبانية وايطالية وانكليزية) لا يعلم بوجودها او لا يهتم بها ! في الوقت الذي كانت فيه قوافل البربر تحمل البضائع من والي الأراضي الشيعية و تتردد عليها، أن هذا الكلام لا يمت إلي الحقيقة باية صلة لانه من المستحيل أن يكون تردد مجموعة من اليهود والبربر للتجارة

ص: 315

والمعاملة ممكن ومجاز ويغفل عنه اعداء الشيعة ابتداء من حكام الاندلس غير الشيعة وانتهاء باسبانيا المسيحية. لا يخفي علينا أن هذه القصة مملوءة بالتناقضات في ما ينقله الراوي عن مجالسه مع علماء تلك الجزيرة الخيالية ، والقصد من كل ذلك عكس او تحريف بعض المعارف من المعارف الكلية للاسلام ابتداء من تحريف القران وانتهاء بتحريف المعارف الشيعية، وهذا ما نضعه أمام مسؤولية العلماء المحققين واهل الفن والوعي الديني لتشخيص تلك التناقضات والاشكالات العقائدية لهذه القصة، ويجدر بنا هنا أن نذكر دور (السيد ابو الفضل طريقه دار) الذي اعتني بهذا الموضوع الي حد ما، وقد عمل علي جمع آراء العلماء من الطراز الأول للشيعة في هذا المجال ونقدم له ولمن وقف الي جانبه شكرنا امتناننا وامانينا بالتوفيق.

اما الموضوع الآخر الذي يجب أن نشير اليه باختصار هو انه بالنظر لعدم اسلامية راوي قصة الانباري فانها من الطبيعي أن لا تستحق الاعتناء والتفحص كما اشرنا الي ذلك سابقا ونقتصر الأمر علي عدة نكات هي:

1) هناك شبه كبير بين المنطقة الجغرافية التي حدثت فيها قصة الانباري مع المنطقة الجغرافية للجزيرة الخضراء لهذا فان التوضيحات المذكورة حول مناقشة الأوضاع الاقليمية التي تطرقنا

ص: 316

لها شاملة لهذه القصة ايضأ.

2) تتشابهان كذلك في طبيعة الماء والجو والأوضاع العامة للمدن والعمارات والابنية وهذا ما اشبعناه بحثا.

3) النكتة القابلة للتأمل في قصة الانباري هي وجود اسمين هما (قاسم) و(زاهرة)، كما اشرنا الي حكومة بني حمود في الاندلس ان قاسم هو احد قادة المنطقة الشيعية في الأندلس، وكانت في وقته مدينة تستي زاهرة تقع في حوالي مدينة مالقة واطراف الجزيرة الخضراء وكانت جزء من منطقة نفوذ قاسم بن حمود، ولكن نقطة التقاء القصتان هو موضوع امام الزمان واولاده وحكومته في المناطق التي سميت باسمه كما جاء ذلك في القصة ولكن لا يجب ان تبقي هذه الحقيقة بعيدة عن النظر وهي امكانية وصول فاضل مازندراني ومخططي مؤامرة الجزيرة الخضراء الي قصة الانباري وان الطرح الأساسي للجزيرة الخضراء كان مستنبطا و مقتبسا من رواية الأنباري التي أجريت عليها بعض التعديلات والرتوش لتخرج بهذا العنوان الجديد.

ص: 317

ص: 318

الفصل السادس عشر: آثار وعواقب هذه المؤامرة المشؤومة

ص: 319

ص: 320

مع وجود الكثير من منابع النور والشخصيات المذهبية في عصرنا الحالي وفي دولتنا هذه، وهم بمثابة النجوم الساطعة في سماء العلم والمعرفة ومع اننا ننظري تحت ظل ذلك العنوان المقدس الا وهو المذهب الشيعي الذي كان ولا يزال قائدا للنهضة الالهية ، مع كل ذلك نشاهد الكثير الذين لا يليق بمقامهم ان تطرح تلك المهملات في محافلهم ومجالسهم، والاسوء من ذلك ترانا نعقد الموضوع بالبحث في هذه المعضلة.

وان استمر الوضع علي هذا المنوال او تتسع مساحة التبليغ بوجود محل كهذا يوما بعد آخر وبصور واشكال مختلفة في عصرنا هذا (مثل مثلث برمودا او الصحن الطائر) فأننا بلا شك سنسمع يوما ما عن طريق الراديو او التلفزيون بان القوات الجوية الأمريكية قامت بقصف ذي علي الجزيرة الخضراء (مع وجود بعض السيناريوات الخاصة بذلك) وادي ذلك إلي قتل الامام الثاني عشر للشيعة، فما سيكون هنا تكليف كبارنا من الرجال والنساء الذين سيموتون هما وحزنا علي ذلك الأمر نتيجة لاعتقادهم بتلك الأراجيف ؟ اليس من المؤسف حقا ان يغادر هؤلاء الدنيا بقلوب

ص: 321

محزونة ومهمومة؟

نعم، لو صدر ذلك حقا يوما من قبل القوي الشيطانية للعالم فما سيكون جوابنا وجواب من يعتقد بشائعة وجود الجزيرة الخضراء وحضور الامام لا فيها.

ان ما يجري الآن في عالم الحقيقة والواقع هو أن القوي المتسلطة علي العالم لم تقف مكتوفة اليد ولن تكون يوما عاطلة عن تنفيذ مخططاتها، يرجع تاريخ اول تطفل مباشر وعلني للقدرات العالمية علي موضوع القائم عليه السلام الي احدي وعشرين سنة خلت اي في سنة 1400 ق عندما ادعي فرد باسم (محمد عبدالله القرشي) من الحرم المكي عن بداية حركته وبعد ان سيطر انصاره علي الحرم، كان له معاونا يسمي (جهيمان) اصدر اول ابلاغ له من داخل الحرم ودعا المسلمين الي مبايعة القرشي لانه هو المهدي المنتظر الذي بشر به النبي صلي الله عليه و آله. استمر استيلائهم علي الحرم ومقاومتهم القوية عدة أيام بدون أن تتمكن الحكومة السعودية من توجيه ادني التأثيرات علي تلك الحركة أو اخمادها الي ان تمت الاستعانة بالقوي الخارجية ووصلت القوة الفرنسية الخاصة التي استطاعت بعد فترة من المواجهة القضاء عليها واسكات هذه الحركة الثورية وقتل ذلك الشخص، ومن هنا شرعت تدخلات القوي الأجنبية في دائرة اعتقاداتنا.

ص: 322

دقت هذه الحركة ناقوس الخطر بالنسبة لامريكا وسائر القوي الاخري، هذا الموضوع الذي درس وبحث لسنوات طوال في ذكريات السفراء ودفاتر خواطرهم او في اثار المستشارين في الأراضي الشيعية مثل ايران ينظرون نظرة تحقيرية وكانوا الي معتقدات الناس ويعتبرون ادابنا واعرافنا متخلفة وهمجية وهذا ما جسدوه في سيناريو حركة عبد الله القرشي ، درسوا وطالعوا المنابع الاسلامية وخصوصا الشيعية منها، فكان كتاب نبوءات (لميشيل نوستر آداموس) المنجم والطبيب في القرن السادس عشر الميلادي بمثابة النافذة علي حقائق اعضاء لجنة المطالعة حول المهدي.

ذكر ميشيل في تنبؤاته حول المستقبل وخصوصا مستقبل اوربا وامريكا فقال انها ستملأ بالبلايا الطبيعية وتحدت الثورة في فرنسا، وستقتل الشخصيات و... وكل ذلك تحقق بالفعل اما نبوءاته حول ظهور حفيد رسول الله صلي الله عليه و آله في مكة المكرمة فيقول: سيوحد جميع المسلمين تحت لوائه وسينتصر علي اوربا ويخرب المدينة أو المدن الكبيرة للأرض الجديدة (امريكا)، فكان ذلك من اشد نبوءاته واكثرها فزعا، وبهذا بدأت اكبر فعالية تبليغية تتمحور حول الاعتقاد بظهور المهدي من قبل اعدائنا وذلك باخراج فيلم (نوستر آداموس) قبل ثلاثة عشر سنة ( 1365 ه- ش) تحت عنوان تاريخ حياة هذا المنجم المتنبيء وعرض بمدة ثالثة اشهر متوالية في شبكة التلفزيون

ص: 323

الامركيبية، وكانت ال-CIA واللوبي الصهيوني من أبرز منتجي هذا الفيلم وكان الهدف المنشود من ذلك هو تحريض الشعوب الأوربية والامريكية ضد المسلمين وايران والتحذير من الخطر المحدق الذي سيعلن عن نفسه في زمن ما، وقد أضافوا المزيد علي نبوءات نوستراداموس في فيلمهم ومنها ان امريكا بعد أن تهزم اوربا علي يد المهدي عليه السلام وبعد تدمير الصواريخ الكبيرة والعابرة للقارات وكذلك الرؤوس النووية تعقد حلفا مع روسيا لمجابهة الامام عليه السلام وانتهي الفيلم بانتصارهم علي صاحب الامر عليه السلام.

يشتمل كتاب نبوءات فوستر آدموس علي مجموعة من النبوءات الي كتبها المؤلف بلغة فرنسية قديمة (لاتينية) وبطريقة مبهمة وبأسلوب مرموز يحتمل اوجه كثيرة. انتشر هذا الكتاب بسرعة بالغة بعد الثورة الاسلامية في ايران طبعت معه تفاسير وشروح مختلفة، وبلغ عددها مئات الآلاف وقيل الملايين من النسخ ثم عرض علي شاشة السينما وفي قنوات التلفزيون الفرنسي اليشاهده عشرات الملايين من الأوربيين والأمريكيين.

بغض النظر عن اعتقاد المسيحيين بظهور المسيح او المهدي (عليهما السلام) او اعتقادهم بصحة نبوءات ذلك المنجم، انهم يعتقدون بان هناك خطر زاحف اليهم من الاسلام والحضارة الالهية ، ذلك الخطر الذي يهدد حضارتهم الهقة ويزيل جبروتهم وتسلطهم

ص: 324

علي شعوب العالم، لهذا نراهم يستيعنون بكل مصدر للمعلومات، ودقوا نواقيس الخطر في مسامع الشعوب وظلوا مترقبين للثورة الجديدة والحركة المستقبلية من مكة ومصر واليمن والاراضي الاسلامية لكي يحصلوا علي دعم الشعوب وبأي وسيلة كانت الاجراء المخطط الاستعماري بالكامل الآن وفي المستقبل لاجل ضرب الثورة الاسلامية في هذه البلاد او البلدان الأخري.

الموضوع بالنسبة لليهود هو تصعيد حالة خوف الغربيين من خطر الحركة الاسلامية والي اي حد يستطيعون اليه لابعاد ذلك الخطر عن أنفسهم، يصورون الأمر اليهم بان الغربيين والحضارة الغربية هي هدف الثورة الاسلامية، وان اسرائيل هي اول خط دفاعي عن الغرب.

لهذا قام العدو وعلي اثر تلك الاعتقادات بالتبليغ ضد الامام المهدي عليه السلام واعد افلامة بهذا الخصوص، ومن هنا بدأو يخططون المجابهة موجة الوعي الاسلامي حول المهدي الموعود والتي هي في تزايد مستمر، ولكي يضمنوا من ذلك مواجهة الناس في حالة صدق امر الظهور الي ذلك الامام الهمام. ولكن اللطيف هنا هو ان هؤلاء ومن شدة خوفهم من قطعية ظهوره عليه السلام ساعدوا علي اعداد الأرضية المناسبة للظهور بالصورة التي ضاعفوا بها مئات المرات الاشتيقانا الي رؤية حفيد النبي صلي الله عليه و آله، الذي سيظهر الي جانب الكعبة ،

ص: 325

من خلال عرضهم لفيلم نوستر آداموس وظهوره الحجة عليه السلام من غرفة العمليات الحربية مع انصاره (الجنرالات المساعدة حسب تعبير الفيلم)، وهو يقود ساحة الحرب لقتال قادة الكفر بواسطة اطلاقه تلك الصورايخ العملاقة من قلب صحراء الحجاز لدك قواعد الكفر والاستعمار في امريكا واوربا ، كل ذلك يمليء نفس المشاهد شوقا وتحمسا واملا.

والي جانب هذا الاسلوب المتفائل هناك طرح مخوف للاعداد وهو ان امريكا واوربا قامت بجمع معلومات جامعة ودقيقة حول موضوع المهدوية وحول شخص القائم عليه السلام حتي قيل أن ال (CIA) شكلت اضبارة للمهدي عليه السلام تنقصها الصورة فقط !!.

استغلال العدو لهذه العقيدة الباطلة (وفي الوقت المناسب) القائلة بان المهدي وعائلته يسكنون احدي جزر المحيط الأطلسي وتسمي الجزيرة الخضراء يجعل الناس التي تؤمن بهذه الفكرة متحيرة أمام القصف وازالة تلك الجزيرة وحتي بواسطة السلاح الذري، وسيجعل المسلمين وخصوصا الشيعة امام خبر قتل المهدي عليه السلام في حيرة وبغتة من أمرهم. هل فكر الناس الذين يتكلمون بموضوع الجزيرة الخضراء ويضعون عليها الاضافات المجازة في السنوات الأخيرة في هذا الأمر، حتما سيصرخون بملء فمهم بان القصة قد اشارت الي وجود تلك المياه البيضاء

ص: 326

والتي ستحول دون وصول سفن الأعداء الي الجزيرة وان هذه المياه ستغرق كل سفينة واردة اليها كما كان في السابق !! نحن لا ننكر المعاجز والامورالخارقة للعادة ولكن هل يوجد منصف يجيب علي سؤال هذا الحقير وهو:

اذا كان الأمر بهذه البساطة وهي أن الله تعالي ينجي خليفته من كل خطر بواسطة هذه المياة البيضاء فما هي الحاجة اذا للغيبة وللانتظار وللبناء والاستعداد في فترة الغيبة؟ بل ان القضاء علي الفتنة من ذلك اليوم الذي ظهرت فيه في صدر الاسلام فتنة السقيفة وهدمها علي رأس المتآمرين تحتها كان أولي لكي ينتهي الأمر ولا يصل الي تلك الطرق الضيقة، ولكن نحن نعتقد بالعدالة الالهية والحكمة الربانية في هذه الأمور، واننا نفهم من لفظ الجلالة (بسم الله الرحمن الرحيم) أن هناك نوعان من الرحمة العامة والخاصة، ويحسن بنا ان ندرك أن الرحمة العامة تشمل جميع مخلوقاته بدون استثناء وان القوانين الجارية تقتضي هذا النوع من الحكمة المتعالية للرب عز وجل في باب العدالة ، وهذا الاقتضاء هو حركة الاشياء علي اساس نظم العالم و قوانين ارتباط الاشياء والأجزاء مع بعضها الصنع مخلوقا من مخلوقات الله تعالي او تغيير ماهيته ، ولو حذفت العقيدة من هذا الموضوع وكذلك الدين وسائر الثوابت فانه سيكون كالسراج الدال الي طريق الكمال وليس طريق الكمال نفسه ، لان الله

ص: 327

تعالي اودع في كل ذرة من الوجود برنامجا خاصا فيه .

لو اردت تبسيط ما أبغي قوله هنا فمن المفروض ان اقول ان الانسان الذي بذل سعيه وحصل علي التطور التكنولوجي والعلم والمعرفة فانه قطعا سوف لا يعتقد كذلك وهو انه لو ألقي تقريرا في تلك المياه البيضاء التي ذاق طعمها فاضل وقال بحلاوته وشبهه بالفرات فان جميع تلك التطورات الصناعية والعلم والسعي سيفني في لحظة واحدة في تلك المياه وقطعا فان هذا الاعتقاد سيكون بمثابة الاستهزاء بالحكمة والعدل الالهي !!

ص: 328

الفصل السابع عشر: خاتمة الحديث

ص: 329

ص: 330

البحث في مواضيع عصر الظهور وكيفية الظهور ووضعية المهدي الموعود حين الظهور (والتي لا شك انها ترتبط بالعدل والحكمة الالهية) كل ذلك خارج عن بحوث هذا الكتاب ، واذا شاء الله تعالي أن يوفقنا الي اصدار كتاب في القريب العاجل يتناول هذا المجال، ونعرضه في متناول الاخوة والاخوات الأعزاء، وسنشير فيه بالتأكيد الي موضوع غيبته ، و طول عمر الأمام، وفترة الظهر وما بعد الظهور وبالاعتماد علي المعلومات التي جمعت، وأملنا أن تكون الرعاية الالهية من نصيبنا لاتمامه وعرضه في خدمة الاعزاء .

اثناء الصراخات والانفعالات التي ظهرت حول الجزيرة الخضراء من قبل البعض، قام هؤلاء بالاشارة الي ثلاثة مواضيع بعيدة جدا عن هذه القصةالمصطنعة، وبالاضافة الي عدم ارتباطها بهذا الموضع فانها كانت مؤيدة للمؤامراة التي وضعت اسسها قبل 720 سنة، وان هذه المواضيع الثلاثة هي (المياه البيضاء، ومثلث برمودا، والصحون الطائرة)، ومن خلال التحقيقات الي اجراها هذا الحقير خلال السنوات الأخيرة في باب هذه الموارد الثلاثة ظهر لي بأنها مرتبطة مع بعضها، وان هذا الأمر خارج تماما عن دائرة اولئك

ص: 331

الذين يتصارخون، وانما خلف كل ذلك اناس يهدفون إلي خداع العوام واشباع اطماعهم الدنيوية وحب الشهرة وطليها ولا هدف اخر سوي تلك الأمور، ونقول قاطعين أن هذه المواضيع الثلاثة لا ارتباط لها علي الاطلاق بامام العصر والزمان عليه السلام لا في الماضي ولا الآن، ولاثبات ذلك سنتناول هذه المواضيع الثلاثة التي ترتبط بالجزيرة الخضراء في كتابنا القادم ان شاء الله بالقريب العاجل ونجعله بين يدي كل مشتاق للعلم والمعرفة.

وان كنا قصرنا عن اداء حق هذا المطلب لكننا نلتمس القبول من الباري تعالي ونأمل رضا وسرور مولانا صاحب العصر عن هذه الخطوة القصيرة جدا من هذا المنتظر .

«رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي *يَفْقَهُوا قَوْلِي»

ص: 332

صورة

ص: 333

صورة

ص: 334

صورة

ص: 335

ص: 336

المحتويات

المقدمة ...7

الفصل الأول : المهدي عليه السلام في التاريخ والأديان...15

الفصل الثاني : الخوف من منقذ العالم ...43

الفصل الثالث : التحريف سلاح دفاعي ...51

عوامل التحريف...55

الفصل الرابع : التحريف في عقائد الشيعة ...65

الفصل الخامس: الجزيرة الخضراء تحريف آخر...79

رواية الأنباري...107

الفصل السادس: مناقشة قصة الجزيرة الخضراء ...119

الشام مركز العداء للإسلام والشيعة ...121

فاضل المازندراني - شيعي أم انتهازي...125

الفصل السابع: نظرة الي أوضاع الشيعة في التاريخ ...127

استقرار سلطنة بني أمية...145

الشيعة في القرن الثاني للهجرة ...149

الشيعة في القرن الثالث للهجرة ...151

ص: 337

الشيعة في القرن الرابع للهجرة ...152

الشيعة من القرن الخامس الي القرن التاسع ...153

الفصل الثامن: نظرة الي تاريخ أسپانيا ...157

نظرة الي أندلس المسلمين...159

حكومة عبد العزيز بن موسي بن نصير...167

حكومة أيوب بن حبيب اللخمي...167

حكومة حارث بن عبد الرحمن بن عثمان الثقفي...167

حكومة سمح بن مالك الخولاني... 168

حكومة عبد الرحمن بن عبد الاله الغافقي ...170

حكومة عنبسة بن سحيم الكلبي القحطاني ...170

حكومة عبد الرحمن الغافقي الثانية ...171

حكومة عبد الملك بن قطن بن نفيل بن عبد اله الفهري ... 173

حكومة عقبة بن حجاج السلولي القيسي...174

حكومة عبد الملك بن قطن الثانية... 175

حكومة ثعلبة بن سلالة العاملي... 175

حكومة أبو الخطار حسام بن ضرار الكلبي اليمني...176

انتهاء الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية ...179

بداية الدولة الأموية في الأندلس ...182

حكومة هشام بن عبد الرحمن الأموي ...186

حكومة الحكم بن هشام بن عبد الرحمن... 187

حكومة عبد الرحمن بن الحكم...188

ص: 338

حكومة محمد بن عبد الرحمن...190

حكومة منذر بنمحمد...190

حكومة عبدالإله بن محمد...191

حكومة عبد الرحمن بن محمد بن عبد الإله بن محمد...191

حكومة الحكم بن عبد الرحمن...193

مدينة قرطبة في زمن عبد الرحمن والحكم ... 194

حكم هشام بن الحكم ...196

حكومة محمد بن هشام المهدي...197

حكومة سليمان بن الحكم بن سليمان بن عبد الرحمن الثالث ...199

حكومة محمد بن هشام (المهدي) الثانية ...199

حكومة هشام بن الحكم الثانية ...199

حكومة المستعين الثانية ...200

حكومة بني حمود (العلويين) في قرطبة...200

بداية ممالك الطوائف في الأندلس ...202

ملوك الطوائف وممالكهم في الدورة الأولي...202

أفول الأندلس...210

الفصل التاسع: الثورات المتعنونة بالتشيع في الأندلس...221

ألف: ثورة شقتاي البربري...223

ب: قيام بني حمود وحكومتهم في الأندلس...228

ج : دولة الموحدين ...245

الفصل العاشر: المهدي الكاذب وافكاره وتعاليمه وآثاره ...247

ص: 339

محمد بن تومرت (المهدي الكاذب) ...249

تومرت والمهدوية ...259

الفصل الحادي عشر: الجزيرة الخضراء بين صفحات التاريخ ...267

الفصل الثاني عشر: الأوضاع الاقليمية والاقتصادية لمدن الأندلس ... 283

الفصل الثالث عشر: الأوضاع السياسية والثقافية لمدن الأندلس... 289

الفصل الرابع عشر: بحث علل تأليف قصة الجزيرةالخضراء ... 295

الفصل الخامس عشر: نقد لمؤامرة دامت 720 سنة...311

الفصل السادس عشر: آثار وعواقب هذه المؤامرة المشؤومة...319

الفصل السابع عشر: خاتمة الحديث ...329

ص: 340

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.